المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 4

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

المعجم

فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته

المجلد الرابع

اعداد

قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه

بارشاد و اشراف

محمد واعظ زاده الخراسانی

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى و نشكره على أن وفّقنا لتقديم المجلّد الرّابع من الموسوعة «المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»إلى عشّاق علوم القرآن و تفسيره و المختصّين بمعرفة لغاته و أسرار بلاغته و رمز إعجازه.

و اشتمل هذا الجزء على شرح(38)كلمة قرآنية من حرف الألف و الباء،ابتداء من (أ ن ف)،و انتهاء ب(ب د ل).و أوسع الكلمات فيه بحثا:(أول)حيث استوعب (85)صفحة.

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته،و يوفّر لنا رحمته،و يساعدنا في استمرار العمل إلى آخر المطاف،إنّه خير معين،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن في مجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 7

ص: 8

المحتويات

المقدّمة 9

أ ن ف 11

أ ن م 31

أ ن ن ى 37

أ ن و-ي 63

أ ه ل 81

أ و ب 145

أ و د 169

آ ل 179

أ و ل 207

أ و ن 293

أ و ه 307

أ و ي 317

إي 343

أ ي د 347

أ ي ك 361

أ ي م 373

أ ي ن 381

أ ي ي 389

أيّ 473

أيّان 499

أيّوب 507

ب اب ل 539

ب أ ر 557

ب أ س 567

ب ت ر 619

ب ت ك 633

ب ت ل 639

ب ث ث 651

ب ج س 669

ب ح ث 675

ب ح ر 683

ب خ س 721

ب خ ع 735

ب خ ل 741

ب د أ 759

ب د ر 783

ب د ع 809

ب د ل 823

الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة 895

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 901

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الالف

أ ن ف

اشارة

لفظان،3 مرّات،في سورتين مدنيّتين

الأنف 2:-2 آنفا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الكلبيّ: بنو أنف النّاقة سمّوا بذلك،لأنّ قريح بن عوف نحر جزورا،و كان له أربع نسوة،فبعث إليهنّ بلحم خلا أمّ جعفر،فقالت أمّ جعفر:اذهب و اطلب من أبيك لحما.فجاء و لم يبق إلاّ الأنف،فأخذه؛فلزمه،و هجي به.و لم يزالوا يسبّون بذلك.إلى أن قال الحطيئة:

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و من يسوّي بأنف النّاقة الذّنبا

فصار بذلك مدحا لهم.(ابن فارس 1:147)

الخليل: الأنف معروف،و الجميع:الأنوف.و بعير مأنوف،أي يساق بأنفه،لأنّه إذا عقره الخشاش انقاد.

و في الحديث:«إنّ المؤمن كالبعير الأنف حيثما قيد انقاد» أي مأنوف،كأنّه جعل في أنفه خشاش يقاد به.

و الأنف:الحميّة،و رجل حميّ الأنف،إذا كان أنفا يأنف أن يضام.

و الأنف من المرعى و المسالك و المشارب:ما لم يسبق إليه..،كلأ أنف،و كأس أنف،و منهل أنف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأنف أيضا:الذّلول المنقاد لصاحبه.و قال:

بعضهم:الأنف الّذي يأنف من الزّجر و السّوط و الحثّ، فهو سمح موات،يعني الدّوابّ.

و ائتنفت ائتنافا،و هو أوّل ما تبتدئ به من كلّ شيء من الأمر و الكلام كذلك،و هو من أنف الشّيء،يقال:

هذا أنف الشّدّ،أي أوّله،و أنف البرد:أوّله.

و تقول:آنفت فلانا إينافا فأنا مؤنف.

و أتيت فلانا أنفا،كما تقول:من ذي قبل.(8:377)

استأنفت كذا،أي رجعت إلى أوّله،و ائتنفت ائتنافا.

(ابن فارس 1:146)

أنف اللّحية:طرفها،و أنف كلّ شيء:أوّله.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 11

و أنف الجبل:أوّله،و ما بدا لك منه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:147)

أبو عمرو الشّيبانيّ: في تفسير الحديث الّذي جاء:

«إنّ المؤمن مثل البعير الأنف»هو الّذي يشتكي أنفه من البرة،فهو ذلول منقاد،فأراد أنّ المؤمن سهل ليّن.

(إصلاح المنطق:249)

الكسائيّ: آنفة الصّبا:ميعته و أوّليّته.

(الفائق 1:64)

الفرّاء: أنفت الرّجل:ضربت أنفه و أنفه الماء،إذا بلغ أنفه.(الأزهريّ 15:481)

أبو عبيدة: بنو أنف النّاقة:بنو جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد،يقال:إنّهم نحروا جزورا كانوا غنموها في بعض غزواتهم،و قد تخلّف جعفر بن قريع، فجاء و لم يبق من النّاقة إلاّ الأنف،فذهب به،فسمّوه به.

(ابن فارس 1:146)

أبو زيد: الأنف:الّذين يأنفون من احتمال الضّيم.

مؤتنفا حراما،يريد شهرا حراما فلا يهاج فيه،أي هو من الأمن،كأنّه في شهر حرام،و كانوا لا يهجون أحدا في الشّهر الحرام.

قال أبو حاتم: و في كتابي«مؤتنفا»بكسر النّون،فإن لم يكن غلطا،فإنّه أراد كأنّ عليه و هو مؤتنف مستأنف شهرا حراما،فنصب«مؤتنفا»على الحال.(8)

المؤنّف:المحدّد الطّرف.(122)

يقال:ائتنفنا طيبة الطّعام و خيرته،إذا استأنفنا أكله.

(135)

يقال:أنف فلان الطّعام يأنفه أنفا،إذا كرهه.(251)

أنفت من قولك أشدّ الأنف،أي كرهت ما قلت لي.

(الأزهريّ 15:483)

الأصمعيّ: رجل مئناف:يرعّي ما له أنف الكلأ.

و يقال للمرأة إذا حملت فاشتدّ وحمها و تشهّت على أهلها الشّيء بعد الشّيء:إنّها لتتأنّف الشّهوات تأنّفا.

و يقال للحديد اللّيّن:أنيف و أنيث.

و يقال:فلان يتّبع أنفه،إذا كان يتشمّم الرّائحة فيتبعها.

و إذا نسبوا إلى بني أنف النّاقة-و هم بطن من بني سعد بن زيد مناة-قالوا:فلان الأنفيّ،سمّوا أنفيّين،لقول الحطيئة لهم.[ثمّ استشهد بشعره](الأزهريّ 15:483)

سنان مؤنّف،أي محدّد.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 1:148)

أبو عبيد: و في الحديث:«كالجمل الأنف»هو الّذي عقر أنفه الخطام،و إن كان من خشاش أو برة أو خزامة في أنفه،فهو لا يمتنع على قائده في شيء،للوجع الّذي به.

و كان الأصل في هذا أن يقال له:مأنوف،لأنّه مفعول به،كما يقال:مصدور و مبطون،للّذي يشتكي صدره أو بطنه.

و قال بعضهم: الأنف:الذّلول.و لا أرى أصله إلاّ من هذا.(الأزهريّ 15:481)

ابن الأعرابيّ: أنف:أجم،و نئف:كره.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمعت أعرابيّا يقول:أنفت فرسي هذه البلدة،أي اجتوت كلأها؛فهزلت.(الأزهريّ 15:482)

الأنف:السّيّد.(الأزهريّ 15:483)

ص: 12

أنّفت السّراج،إذا أحددت طرفه و سوّيته،و منه يقال في مدح الفرس:«أنّف تأنيف السّير»أي قدّ و سوّي كما يسوّى السّير.(ابن فارس 1:148)

امرأة أنوف:الّتي يعجبك شمّك لها.

(ابن منظور 9:13)

ابن السّكّيت: و الأنف:أنف الإنسان،و أنف الجبل:نادر يشخص منه،و أنف البرد:أشدّه،و يقال:

جاء يعدو آنف الشّدّ،أي أشدّه،و أنف النّبات:طرفه حين يطلع.

و الأنف:مصدر أنفت من الشّيء آنف منه أنفا و أنفة.(إصلاح المنطق:67)

يقال:قد آنفت،إذا وطئت كلأ أنفا،و هو الّذي لم يرع.و يقال:روضة أنف،و كأس أنف:لم يشرب بها قبل ذلك،كأنّه استؤنف شرابها.و قد أنفته،إذا ضربت أنفه.(إصلاح المنطق:249)

[قال]الطّائيّ: يقال:أرض أنيفة النّبت،إذا أسرعت النّبات،و تلك الأرض آنف بلاد اللّه،و آنف الأرض:

ما استقبل الشّمس من الجلد،و من ضواحي الجبال.

(إصلاح المنطق:357)

يقال:روضة أنف،إذا لم يكن رعاها أحد.(219)

و جاء يعدو أنف الشّدّ بالفتح،أي أشدّه مجتهدا.

(285)

الأنافيّ:العظيم الأنف(الجوهريّ 4:1332)

أنف البعير،أي اشتكى أنفه من البرة فهو أنف،مثل تعب فهو تعب.(الجوهريّ 4:1333)

المبرّد: العرنين و المرسن و الأنف واحد لما يحيط بالجميع.(1:375)

يقال:روضة أنف،إذا لم ترع،و كأس أنف،إذا لم يشرب منها شيء قبل.(2:21)

ثعلب: و أضاع مطلب أنفه،أي الرّحم الّتي خرج منها.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 9:13)

الزّجّاج: يقال:أنفت الشّيء آنفه،إذا تنزّهت عنه، و آنفت الرّجل:ضربت أنفه،و آنف الشّوك الإبل،إذا ضرب أنوفها عند الرّعي.(فعلت و أفعلت:44)

ابن دريد:تقول:ائتنفت الكلام ائتنافا،إذا ابتدأته ابتداء.(3:276)

رجل مئناف:يستأنف المراعي و المنازل.(3:420)

الهمذانيّ: ما رأيت أحمى أنفا من فلان،و لا آنف منه،و رأيته آنفا محميّا محمسا.(112)

القاليّ: و ممّا يشبّه من خلق الفرس بخلق الضّبي طول وظيفي رجليه،و تأنيف عرقوبيه.

و التّأنيف:التّحديد.[ثمّ استشهد بشعر](2:254)

الأزهريّ: رجل حميّ الأنف،إذا كان أنفا يأنف أن يضام؛و قد أنف يأنف أنفا و أنفة،و في الحديث:«كالجمل الأنف».

و قال بعض الكلابيّين: أنفت الإبل،إذا وقع الذّباب على أنوفها،و طلبت أماكن لم تكن تطلبها قبل ذلك.و هو الأنف،و الأنف يؤذيها بالنّهار.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أنف البعير الكلأ،إذا أجمه.و كذلك المرأة و النّاقة و الفرس تأنف فحلها،إذا تبيّن حملها فكرهته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هاج البهمى حتّى آنفت الرّاعية نصالها

ص: 13

و ذلك أن ييبس سفاها فلا ترعاها الإبل و لا غيرها، و ذلك في آخر الحرّ،فكأنّها جعلتها تأنف رعيها،أي تكرهه.

و يقال:ائتنفت الأمر و استأنفته،إذا استقبلته.

و هو من أنف الشّيء.

و أنف كلّ شيء:أوّله.يقال:هذا أنف الشّدّ،أي أوّله.و أنف البرد:أوّله،و أنف المطر:أوّل ما أنبت.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف خفّ البعير:طرف منسمه.

و العرب تسمّي الأنف:«أنفان».[ثمّ استشهد بشعر]

و أنّف فلان ما له تأنيفا،و آنفها إينافا،إذا رعاها أنف الكلأ.[ثم استشهد بشعر]

و يقال:أرض أنيفة،إذا بكّر نباتها.

و هذه آنف بلاد اللّه،أي أسرعها نباتا.(15:481)

الصّاحب:الأنف:الحميّة،و رجل حميّ الأنف.

و المؤنف:الّذي يحملك على الأنفة.

و الأنف:معروف.و بعير مأنوف:يساق بأنفه.

و رجل أنافيّ:عظيم الأنف.

و الأنفان:حرفا المنخرين.

و فلان يتبع أنفه:أي يتشمّم الرّوائح.

و آنفه الماء فهو مؤنف:إذا بلغ الماء أنفه،و أنفه:

أصاب أنفه،يأنفه و يأنفه.

و الأنوف:الطّيّبة ريح الأنف من النّساء.و الّتي تأنف ممّا لا خير فيه.

و المأنوف:البعير المحزوز الأنف.

و الآنف:الّذي يشتكي أنفه و لا يمتنع على قائده.

و قيل في قوله:«حتّى آنفتها نصالها»:أي أوجعت أنوفها،و قيل:جعلتها تشتكي أنوفها،و قيل:تكرهها.

و هم أنف النّاس:أي هم الكرام.و بنو أنف النّاقة:قبيلة.

و النّسبة إليهم:أنفيّ.

و الأنف و الأنفة:الاستنكاف،أنف يأنف؛كأنّه يخزى منه.و الأنف من البعير:الذّلول الّذي يأنف من الزّجر و الهوان.

و الأنف:الّذي عقره الخشاش.

و المؤنّف:الّذي يحمل غيره على الأنفة و الحميّة.

و أنفته فأنف:أي أغضبته فغضب.

و الأنف من المرعى و المسالك:ما لا يسبق إليه،كلأ أنف و منهل أنف.

و أنف اللّحية:طرفها.

و أنف الدّهر:أوّله.

و أنف الجبل:أوّله و ما بدا لك منه.

و الآنف:الّذي يتتبّع الأنف من الأشياء.

و ائتنفت في العمل ائتنافا:أوّل ما تبتدئ.و المستانف:

الكلام،و الأمر.و الآنف:المؤتنف من الأمر.

و آنفة الصّبا:ميعته.

و كان ذلك من ذي آنف.

و المؤتنف:الّذي لم يؤكل منه شيء.

و جارية أنف:مؤتنفة الشّباب مقتبلته.

و المتأنّف:المستأنف من الأماكن لم تؤكل قبله.

و رجل مئناف:يقرو الأرض منتجعا،و السّائر في أنف النّهار.

و المؤنف:الّذي لم يرعه أحد؛بمنزلة الأنف.

ص: 14

و أرض أنفة و أنيفة:أسرعت النّبات.و جبل أنيف:

ينبت قبل سائر الجبال.

و فلان يتأنّف الإخوان.

و امرأة متأنّفة:إذا كانت تتشهّى على أهلها الأطعمة عند حملها،و أنفت المرأة تأنف:إذا حملت و لم تشته شيئا.

و أنف كلّ شيء:حدّه و حدّته،و نصل مؤنّف:أي محدّد؛و قد أنّف تأنيفا.و هو في العرقوب:تحديد طرفه.

و آنف أمره إينافا:أعجله.

و قوله:أضاع مطلب أنفه:قيل:فرج أمّه.

و الأنف:المشية الحسنة.

و الأنيف من الحديد:مثل الأنيث.(10:397)

الجوهريّ: الأنف للإنسان و غيره.و الجمع:آنف و أنوف و آناف.

و أنف كلّ شيء:أوّله.

و الأنوف:المرأة الطّيّبة ريح الأنف.و أنفت الرّجل:

ضربت أنفه.

و يقال:آنفه الماء:بلغ أنفه؛و ذلك إذا نزل في النّهر.

و آنفتها أنا فهي مؤنفة،إذا تتبّعت بها أنف المرعى.

و يقال أيضا:آتيك من ذي أنف،كما يقال:من ذي قبل،أي فيما يستقبل.

و أنف من الشّيء يأنف أنفا و أنفة،أي استنكف.

يقال:ما رأيت أحمى أنفا و لا آنف من فلان.

و في الحديث:«المؤمن كالجمل الأنف إن قيد انقاد، و إن استنيخ على صخرة استناخ»؛و ذلك للوجع الّذي به،فهو ذلول منقاد.

و قال أبو عبيد:كان الأصل في هذا أن يقال:مأنوف، لأنّه مفعول به،كما قالوا:مصدور للّذي يشتكي صدره، و مبطون،و جميع ما في الجسد على هذا.و لكن هذا الحرف جاء شاذّا عنهم.

و تقول:آنفته أنا إينافا،إذا جعلته يشتكي أنفه.

و الاستئناف:الابتداء،و كذلك الائتناف،و قلت:كذا آنفا و سالفا.

و التّأنيف:تحديد طرف الشّيء.(4:1332)

ابن فارس: الهمزة و النّون و الفاء أصلان،منهما يتفرّع مسائل الباب كلّها:أحدهما:أخذ الشّيء من أوّله، و الثّاني:أنف كلّ ذي أنف،و قياسه التّحديد.

فأمّا الأصل الأوّل؛فقال الخليل:استأنفت كذا،أي رجعت إلى أوّله،و ائتنفت ائتنافا.و مؤتنف الأمر:ما يبتدأ فيه.و من هذا الباب قولهم:فعل كذا آنفا،كأنّه ابتداؤه.

و قال اللّه تعالى: ...قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً... محمّد:16.

و الأصل الثّاني:الأنف،معروف،و العدد آنف، و الجمع أنوف.

و بعير مأنوف:يساق بأنفه،لأنّه إذا عقره الخشاش انقاد.و بعير أنف و آنف،مقصور ممدود،و منه الحديث:

«المسلمون هيّنون ليّنون كالجمل الأنف إن قيد انقاد و إن أنيخ استناخ».

و رجل أنافيّ:عظيم الأنف.و أنفت الرّجل:ضربت أنفه.و امرأة أنوف:طيّبة ريح الأنف.

فأمّا قولهم:أنف من كذا،فهو من«الأنف»أيضا،و هو كقولهم للمتكبّر:«ورم أنفه».ذكر الأنف دون سائر الجسد،لأنّه يقال:شمخ بأنفه،يريد رفع رأسه كبرا،

ص: 15

و هذا يكون من الغضب.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و تقول العرب:فلان أنفي،أي عزّي و مفخري.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مئناف:يسير في أنف النّهار،و خمرة أنف:

أوّل ما يخرج منها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارية أنف:مؤتنفة الشّباب.

و التّأنيف في العرقوب:التّحديد،و يستحبّ ذلك من الفرس.(1:146)

الهرويّ: و الاستئناف في اللّغة،معناه الابتداء.

و كأس أنف:ابتدئ الشّرب بها،و لم يشرب بها قبل ذلك.

و في الحديث:«إنّما الأمر أنف»قاله بعض الكفّار،أي مستأنف استئنافا من غير أن يسبق به سابق قضاء و تقدير،و إنّما هو مقصور على اختيارك و دخولك فيه.

و أنف الشّيء:أوّله.و أنف الشّدّ:أوّله.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«لكلّ شيء أنفة،و أنفة الصّلاة التّكبيرة الأولى»قوله:أنفة الشّيء:ابتداؤه.هكذا الرّواية،و الصّحيح:أنفة.

و في الحديث:«المؤمنون هيّنون ليّنون كالجمل الأنف»أي المأنوف،و هو الّذي عقر الخشاش أنفه،فهو لا يمتنع على قائده للوجع الّذي به.و الأصل فيه:المأنوف، كما يقال:مبطون و مصدور.و قيل:الجمل الأنف:الذّلول.

و في حديث أبي مسلم الخولانيّ:«و وضعها في أنف من الكلاء»يقول:يتبع بها المواضع الّتي لم ترع قبل الوقت الّذي دخلت فيه.

و في حديث أبي بكر:«فكلّكم ورم أنفه»أي اغتاظ من خلافة عمر.

و قول أبي بكر:«أما إنّك لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك»،يقول:أعرضت عن الحقّ.(1:98)

الثّعالبيّ: «فصل في أدواء تدلّ على أنفسها بالانتساب إلى أعضائها».

و أنف:يشتكي أنفه،و منه الحديث:«هيّن ليّن كالجمل الأنف،إن قيد انقاد و إن أنيخ على صخرة استناخ».(149)

«فصل في تفصيل الأوصاف المحمودة في محاسن خلق المرأة».

فإذا كانت طيّبة الفم،فهي:رشوف.فإذا كانت طيّبة ريح الأنف،فهي:أنوف.(167)

أبو سهل الهرويّ: و الأنف معروف للإنسان و غيره،هو آلة الشّمّ.(فصيح ثعلب:43)

ابن سيدة: الأنف:جميع المنخر،الجمع:آنف و أنوف و آناف.و رجل أنافيّ:عظيم الأنف.

و الأنوف من النّساء:الطّيّبة ريح الأنف.

(الإفصاح 1:50)

الأنف:أنفه يأنفه أنفا:ضرب أنفه.

(الإفصاح 1:646)

الطّوسيّ: و الآنف:الجائي بأوّل المعنى.و منه الاستئناف،و هو استقبال الأمر بأوّل المعنى.و منه الأنف، لأنّه أوّل ما يبدو من صاحبه.و منه الأنفة:رفع النّفس عن أوّل الدّخول في الرّتبة.(9:298)

الرّاغب: أصل الأنف«الجارحة»ثمّ يسمّى به

ص: 16

طرف الشّيء و أشرفه،فيقال:أنف الجبل و أنف اللّحية.

و نسب الحميّة و الغضب و العزّة و الذّلّة إلى الأنف.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:شمخ فلان بأنفه:للمتكبّر،و ترب أنفه:

للذّليل،و أنف فلان من كذا،بمعنى استنكف،و أنفته:

أصبت أنفه.و حتّى قيل:الأنفة:الحميّة،و استأنفت الشّيء:أخذت أنفه،أي مبدأه.و منه قوله عزّ و جلّ:

ما ذا قالَ آنِفاً محمّد:16،أي مبتدأ.(28)

الزّمخشريّ: أرغم أنوفهم،و آنفهم.و نفّست عن أنفيه،أي منخريه.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة أنوف:طيّبة الأنف.و تزوّج أعرابيّ فقال:

وجدتها رصوفا،رشوفا،أنوفا.

و من المشتقّ منه:فيهم أنفة و أنف،و قد أنف من كذا.

أ لا ترى أنّهم قالوا:الأنف في الأنف،و المؤمن كالجمل الأنف،و هو الّذي أوجعت أنفه الخزامة.

و من المجاز:هو أنف قومه،و هم أنف النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف الجبل،و أنف اللّحية،و عدا أنف الشّدّ،و هذا أنف عمله،و سار في أنف النّهار،و كان ذلك على أنف الدّهر،و خرجت في أنف الخيل.

و من المشتقّ منه:كلأ و منهل و كأس أنف.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارية أنف:لم تطمث.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتيته آنفا،و مضت آنفة الشّباب،و هو يتأنّف الإخوان،أي يطلبهم آنفين،لم يعاشروا أحدا.و استأنف الشّيء و أتنفه.و نصل مؤنّف:محدّد.و فلان يتبع أنفه،أي يتشمّم.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:10)

في قصّة خروجه إلى المدينة،و طلب المشركين إيّاه.

قال سراقة بن مالك:فبينا أنا جالس أقبل رجل فقال:

إنّي رأيت آنفا أسودة بالسّاحل،أراهم محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه.قال:فقلت:ليسوا بهم،و لكن رأيت فلانا و فلانا انطلقوا بغيانا.

آنفا،أي السّاعة من ائتناف الشّيء،و هو ابتداؤه، و حقيقته في أوّل الوقت الّذي يقرب منّا.

و منه:إنّه قيل له:مات فلان،فقال:أ ليس كان عندنا آنفا؟فقالوا:بلى،قال:سبحان اللّه كأنّها أخذة على غضب.[إلى أن قال:]

أنف البعير،إذا اشتكى عقر الخشاش أنفه فهو أنف.

و قيل:هو الذّلول الّذي كأنّه يأنف من الزّجر فيعطي ما عنده و يسلس لقائده.(الفائق 1:61)

في الحديث«لكلّ شيء أنفة،و أنفة الصّلاة التّكبيرة الأولى،أي ابتداء و أوّل كأنّ التّاء زيدت على أنف، كقولهم في الذّنب:ذنبة.جاء في أمثالهم:إذا أخذت بذنبة الضّبّ أغضبته.(الفائق 1:64)

إنّما الأمر أنف،أي مستأنف،لم يسبق به قدر من الكلأ الأنف،و هو الوافي الّذي لم يرع منه.

(الفائق 3:218)

ابن الأثير: في حديث سبق الحدث في الصّلاة:

«فليأخذ بأنفه و يخرج»إنّما أمره بذلك ليوهم المصلّين أنّ به رعافا،و هو نوع من الأدب في ستر العورة و إخفاء القبيح،و الكناية بالأحسن عن الأقبح.و لا يدخل في باب الكذب و الرّياء،و إنّما هو من باب التّجمّل و الحياء،

ص: 17

و طلب السّلامة من النّاس.

و منه الحديث:«أنزلت عليّ سورة آنفا»،أي الآن، و قد تكرّرت هذه اللّفظة في الحديث.

و منه حديث أبي مسلم الخولانيّ:«و وضعها في أنف من الكلأ و صفو من الماء».الأنف بضمّ الهمزة و النّون:

الكلأ الّذي لم يرع و لم تطأه الماشية.

و في حديث معقل بن يسار:«فحمي من ذلك أنفا» يقال:أنف من الشّيء يأنف أنفا،إذا كرهه و شرفت نفسه عنه،و أراد به هاهنا أخذته الحميّة من الغيرة و الغضب.و قيل:هو أنفا،بسكون النّون للعضو،أي اشتدّ غيظه و غضبه،من طريق الكناية،كما يقال للمتغيّظ:ورم أنفه.

و في حديث أبي بكر في عهده إلى عمر بالخلافة:

«فكلّكم ورم أنفه»أي اغتاظ من ذلك،و هو من أحسن الكنايات،لأنّ المغتاظ يرم أنفه و يحمرّ.

و منه حديثه الآخر:«أما إنّك لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك»يريد أعرضت عن الحقّ و أقبلت على الباطل.و قيل:أراد إنّك تقبل بوجهك على من وراءك من أشياعك فتؤثرهم ببرّك.(1:75)

الصّغانيّ: أنفة كلّ شيء،بالهاء:أوّله.و في الأحاديث الّتي لا طرق لها:«لكلّ شيء أنفة،و أنفة الصّلاة التّكبيرة الأولى»و كأنّ الهاء زيدت على«أنف» كقولهم في الذّنب:ذنبة.و في المثل:إذا أخذت بذنبة الضّبّ أغضبته.و أنف:ثنيّة.

قال أبو عبيد: الجمل الآنف،على مثال«فاعل»:

الّذي عقره الخشاش،و الصّواب ما رواه الجوهريّ:أنف بالقصر،مثال تعب.

و الأنفان:سمّا الأنف.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:أنّفت مالي تأنيفا،إذا رعيتها الكلأ الأنف.

آنفه الماء:بلغ أنفه،مثل أنفه.و أنّفه:حمله على الأنف.و أنّف:طلب الأنف.و أنف اللّحية:طرفها.

و الأنف:المشية الحسنة.و أنفت المرأة،إذا حملت فلم تشته شيئا.

و أضاع مطلب أنفه،قيل:فرج أمّه.

و ذو الأنف:هو النّعمان بن عبد اللّه بن جابر الخثعميّ، قاد خيل خثعم إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يوم طائف،و كانوا مع ثقيف.

(4:437)

و جارية مؤتنفة الشّباب،أي مقتبلته.

(الزّبيديّ 6:48)

ابن منظور: قال أبو سعيد:الجمل الأنف:الذّليل المؤاتي الّذي يأنف من الزّجر و من الضّرب،و يعطي ما عنده من السّير عفوا سهلا،كذلك المؤمن لا يحتاج إلى زجر و لا عتاب،و ما لزمه من حقّ صبر عليه و قام به.

[إلى أن قال:]

و التّأنيف:تهديد طرف الشّيء.و أنفا القوس:الحدّان اللّذان في بواطن السّيتين.و أنف النّعل:أسلتها.و أنف كلّ شيء:طرفه و أوّله.[ثمّ استشهد بشعر]

قال ابن سيدة: و يكون في الأزمنة،و استعمله أبو خراش في اللّحية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف النّاب:طرفه حين يطلع.و أنف النّاب:حرفه و طرفه حين يطلع.و أنف المطر:أوّل ما أنبت.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 18

و هذا أنف عمل فلان،أي أوّل ما أخذ فيه.و أنف خفّ البعير:طرف منسمه.

و المؤنّف:المحدّد من كلّ شيء.و المؤنّف:المسوّى.

و سير مؤنّف:مقدود،على قدر و استواء.و منه قول الأعرابيّ يصف فرسا:لهز لهز العير و أنّف تأنيف السّير، أي قدّ حتّى استوى كما يستوي السّير المقدود.

و روضة أنف،بالضّمّ:لم يرعها أحد،و في المحكم:

لم توطأ،و احتاج أبو النّجم إليه فسكّنه،فقال:

*أنف ترى ذبّانها تعلّله*

و كلأ أنف،إذا كان بحاله لم يرعه أحد.و كأس أنف:

ملأى،و كذلك المنهل.

و الأنف:الخمر الّتي لم يستخرج من دنّها شيء قبلها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض أنف و أنيفة:منبتة.

و استأنف الشّيء و أتنفه:أخذ أوّله و ابتدأه،و قيل:

استقبله،و أنا آتنفه ائتنافا،و هو«افتعال»من أنف الشّيء.و في حديث ابن عمر:«إنّما الأمر أنف»أي يستأنف استئنافا من غير أن يسبق به سابق قضاء و تقدير،و إنّما هو على اختيارك و دخولك فيه.

استأنفت الشّيء،إذا ابتدأته.و فعلت الشّيء آنفا، أي في أوّل وقت يقرب منّي،و استأنفه بوعد:ابتدأه من غير أن يسأله إيّاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف الشّيء:أوّله و مستأنفه.

و المؤنفة و المؤنّفة من الإبل:الّتي يتّبع بها أنف المرعى،أي أوّله-و في كتاب عليّ بن حمزة:أنف الرّعي- و رجل مئناف:يستأنف المراعي و المنازل،و يرعى ما له أنف الكلاء.

و المؤنّفة من النّساء:الّتي استؤنفت بالنّكاح أوّلا، و يقال:امرأة مكثّفة مؤنّفة.

و رجل حميّ الأنف،إذا كان أنفا يأنف أن يضام.

و أنف من الشّيء يأنف أنفا و أنفة:حمي،و قيل:

استنكف.يقال:ما رأيت أحمى أنفا و لا آنف من فلان.

و أنف الطّعام و غيره أنفا:كرهه.و قد أنف البعير الكلأ،إذا أجمه،و كذلك المرأة و النّاقة و الفرس تأنف فحلها،إذا تبيّن حملها فكرهته،و هو الأنف.[ثمّ استشهد بشعر](9:13)

الفيّوميّ: أنف من الشّيء أنفا،من باب«تعب» و الاسم«الأنفة»مثل قصبة،أي استنكف،و هو الاستكبار.و أنف منه:تنزّه عنه.

و الأنف المعطس،و الجمع:آناف على«أفعال» و أنوف و آنف،مثل فلوس و أفلس.

و أنف الجبل:ما خرج منه.و روضة أنف بضمّتين.

أي جديدة النّبت لم ترع.و استأنفت الشّيء:أخذت فيه و ابتدأته.و أتنفته كذلك.(1:26)

الفيروزآباديّ: الأنف:معروف،جمعه:أنوف و آناف و آنف،و السّيّد،وثنيّة،و من كلّ شيء أوّله أو أشدّه،و من الأرض ما استقبل الشّمس من الجلد و الضّواحي و من الرّغيف كسرة منه،من النّاب طرفه حين يطلع،و من اللّحية جانبها،و من المطر أوّل ما أنبت، و من خفّ البعير طرف منسمه.

و رجل حميّ الأنف،أي آنف يأنف أن يضام.

و يقال لسمّي الأنف:الأنفان.

ص: 19

و أنفة الصّلاة:ابتداؤها و أوّلها.و روي في الحديث مضمومة،و الصّواب الفتح.

و جعل أنفه في قفاه،أي أعرض عن الحقّ،و أقبل على الباطل.و هو يتتبّع أنفه،أي يتشمّم الرّائحة فيتبعها.

و ذو الأنف:النّعمان بن عبد اللّه قائد خيل خثعم يوم الطّائف.و أنف النّاقة:لقب جعفر بن قريع أبو بطن من سعد بن زيد مناة،لأنّ أباه نحر جزورا فقسم بين نسائه، فبعثت جعفرا أمّه فأتاه،و قد قسم الجزور و لم يبق إلاّ رأسها و عنقها،فقال:شأنك به،فأدخل يده في أنفها و جعل يجرّها،فلقّب به.و كانوا يغضبون منه،فلمّا مدحهم الحطيئة:

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و من يسوّي بأنف الناقة الذّنبا

صار اللّقب مدحا،و النّسبة أنفيّ.

و أضاع مطلب أنفه:فرج أمّه.

و أنفه يأنفه و يأنفه:ضرب أنفه،و الماء فلانا بلغ أنفه،و الإبل وطئت كلأ أنفا.

و رجل أنافيّ بالضّمّ:عظيم الأنف.و امرأة أنوف:

طيّبة رائحته،أو تأنف ممّا لا خير فيه.و روضة أنف كعنق و محسن:لم ترع،و كذلك كأس أنف:لم تشرب.و أمر أنف:مستأنف لم يسبق به قدر.و الأنف أيضا:المشية الحسنة.

و قال:آنفا كصاحب و كتف،و قرئ بهما،أي مذ ساعة،أي في أوّل وقت يقرب منّا.

و أرض أنيفة النّبت:أسرعت،و هي آنف بلاد اللّه.

و آتيك من ذي أنف بضمّتين،كما تقول:من ذي قبل:

فيما يستقبل.آنفة الصّبيّ:ميعته و أوّليّته.

و الأنيف:الأنيث من الحديد اللّيّن،و من الجبال المنبت قبل سائر البلاد.

و المئناف:السّائر في أوّل اللّيل،و الرّاعي ما له أنف الكلأ.

و أنف منه كفرح،أنفا و أنفة محرّكتين:استنكف، و المرأة حملت فلم تشته شيئا،و البعير اشتكى أنفه من البرة،فهو أنف ككتف و صاحب،و الأوّل أصحّ و أفصح.

و آنف الإبل:تتبّع بها أنف المرعى،و فلانا حمله على الأنفة كأنّفه تأنيفا فيهما،و فلانا جعله يشتكي أنفه، و أمره:أعجله.

و الاستئناف و الائتناف:الابتداء.و المؤتنف:

للمفعول الّذي لم يؤكل منه شيء،كالمتأنّف للفاعل.

و جارية مؤتنفة الشّباب:مقتبلته،و إنّها لتتأنّف الشّهوات،إذا تشهّت الشّيء بعد الشّيء لشدّة الوحم.

و نصل مؤنّف كمعظّم:قد أنّف تأنيفا.و التّأنيف:

طلب الكلأ.و غنم مؤنّفة كمعظّمة.و آنفه الماء:بلغ أنفه.

(3:123)

الطّريحيّ: أنف من الشّيء،من باب«تعب»يأنف أنفا،إذا كرهه و عزفت نفسه عنه.

و في الحديث:«سألته عن سبحان اللّه؟فقال:أنفة» هو كقصبة،أي تنزيه اللّه تعالى،كما أنّ سبحان تنزيه.

قال بعض الشّارحين:الأنفة في الأصل:الضّرب على الأنف ليرجع،ثمّ استعمل لتعبيد الأشياء،فيكون هنا بمعنى رفع اللّه عن مرتبة المخلوقين بالكلّيّة،لأنّه تنزيه عن صفات الرّذائل و الأجسام.

ص: 20

و أنف من الشّيء،أي استنكف،و هو الاستكبار.

و أنف كلّ شيء:طرفه،و أنف كلّ شيء:أوّله.

و أنف الرّجل و غيره:معروف،و الجمع:أنف و أنوف و آناف.و منه حديث:«من أحدث في الصّلاة فليأخذ بأنفه و ليخرج».[إلى أن قال:]

و في الخبر:«شجاعة المرء على قدر أنفته»الأنفة:

حميّة الأنف و ثوران الغضب لما يتخيّل من مكروه يعرض استنكارا له و استنكافا من وقوعه.و ظاهر كونه مبدأ للشّجاعة في الإقدام على الأمور.

و جاء آنفا،أي من قبل.و منه قوله عليه السّلام في حديث عصا موسى:«و إنّ عهدي بها آنفا و هي خضراء».

و«أنزلت عليّ سورة آنفا»أي الآن.

و فعلت الشّيء آنفا،أي أوّل وقت يقرب منّي.

(5:28)

الزّبيديّ: الأنف للإنسان و غيره:معروف.قال شيخنا:هو اسم لمجموع المنخرين و الحاجز و القصبة، و هي ما صلب من الأنف.فعدّ المنخرين من المزدوج لا ينافي عدّ الأنف من غير المزدوج،كما توهّمه الغنيميّ في «شرح الشّعراويّة»فتأمّل.

جمعه:أنوف و آناف و آنف،الأخير كأفلس.و في حديث السّاعة:«حتّى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الآنف»،و في حديث عائشة:«يا عمر ما وضعت الخطم على آنفنا».[إلى أن قال:]

و من المجاز:«جعل أنفه في قفاه»أي أعرض عن الحقّ و أقبل على الباطل،و هو عبارة عن غاية الإعراض عن الشّيء وليّ الرّأس عنه،لأنّ قصارى ذلك أن يقبل بأنفه على ما وراءه،فكأنّه جعل أنفه في قفاه.و منه قولهم للمنهزم:عيناه في قفاه،لنظره إلى ما وراءه دائبا فرقا من الطّلب.(6:46)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الأنف:عضو التّنفّس و الشّمّ،و هو اسم لمجموع المنخرين و الحاجز.و أنف كلّ شيء:أوّله،و آنفا من زمن:ماض قريب.(1:49)

محمود شيت: 1-أ-أنف البعير أنفا:وجعه أنفه من الخزامة،فهو أنف،و آنف.و أنف منه:أنفا و أنفة:

استنكف و استكبر،يقال:فيهم أنفة و أنف.و أنف المسافر:سافر أوّل النّهار.و أنف الشّيء و منه:تنزّه عنه و كرهه.

ب-أنّف الشّيء:حدّد طرفه،يقال:نصل مؤنّف.

و أنّف فلانا:جعله يأنف.

ج-استأنف الشّيء:طلب إعادة النّظر فيه.

د-الآنف:الماضي القريب،يقال:فعله آنفا:قريبا، أو أوّل هذه السّاعة،أو أوّل وقت كنّا فيه.

ه-الأنف:عضو التّنفّس و الشّمّ.و شمّخ بأنفه:تكبّر.

و رغم أنفه:ذلّ.و مات حتف أنفه:من غير قتل.و أنف الجبل:ما نتأمنه و شخص.و أنف القوم:سيّدهم.جمعه:

أنوف و آناف و آنف.

و-الأنفة:العزّة و الحميّة.

2-أ-أنف السّيف:حدّد طرفه،و جعله ماضيا.

ب-استأنف الحكم:طلب إعادة النّظر فيه.

و تستعمل في المحاكم العسكريّة.

ج-أنف الجيش:قائده.و أنف الجبل:ما نتأمنه، و تستعمل في الجغرافيا العسكريّة.(1:58)

ص: 21

العدنانيّ: أعدت قراءة الكتاب المذكور آنفا.

و يقولون:أعدت قراءة الكتاب الآنف الذّكر، و الصّواب:أعدت قراءة الكتاب المذكور آنفا،أي من وقت قريب كما تقول المعجمات.

و قال تعالى في الآية 16 من سورة محمّد: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً

و جاء في«النّهاية»:و منه الحديث:«أنزلت عليّ آنفا»أي الآن.و قد تكرّرت هذه اللّفظة بهذا المعنى في الحديث.

و قال الأزهريّ: فعلت الشّيء آنفا،أي في أوّل وقت يقرب منّي.(35)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو الأنف من كلّ حيوان.و لمّا كان الأنف أوّل ما يبدو من وجه الإنسان و الحيوان و أنّه واقع في مقدّم الوجه، فتستعمل في معنى:الابتداء و الأوّل و المقدّم و ما يظهر أوّلا،و باعتبار ظهور أثر الغضب و الحميّة و الذّلّة و الإعراض فيه ابتداء-لأنّه أوّل ما يرى و يطلع- فتستعمل في قريب من هذه المعاني.

و كلّ هذه المعاني لازم أن يراعى فيها قيد التّقدّم و الطّلوع و خصوصيّة ما في الأنف،لا مطلق الابتداء و التّقدّم و الإعراض و الغضب.(1:149)

النّصوص التّفسيريّة

الانف

وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ... المائدة:45

ابن عبّاس: يقطع الأنف بالأنف

(الطّبريّ 6:259)

الزّمخشريّ: و الأنف مجدوع بالأنف.(1:617)

نحوه البغويّ(2:48)،و الميبديّ(3:131) و البيضاويّ(1:276)،و النّسفيّ(1:285)، و النّيسابوريّ(6:104)،و الخازن(2:48)،و ابن كثير (2:581)،و السّيوطيّ(الجلالين 1:276)،و أبو السّعود (2:32)،و الكاشانيّ(2:39)،و البروسويّ(2:397)، و شبّر(2:179)،و الآلوسيّ(6:147).

الطّبرسيّ: قال العلماء:كلّ شخصين جرى القصاص بينهما في النّفس جرى القصاص بينهما في العين و الأنف و الأذن و السنّ و جميع الأطراف،إذا تماثلا في السّلامة من الشّلل.و إذا امتنع القصاص في النّفس امتنع أيضا في الأطراف.(2:199)

الطّباطبائيّ: يدلّ على أنّ المراد به بيان حكم القصاص في أقسام الجنايات،من القتل و القطع و الجرح.

فالمقابلة الواقعة في قوله: اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ و غيره،إنّما وقعت بين المقتصّ له و المقتصّ به.

و المراد به أنّ النّفس تعادل النّفس في باب القصاص، و العين تقابل العين،و الأنف الأنف،و هكذا.و الباء للمقابلة،كما في قولك:بعت هذا بهذا.(5:344)

ص: 22

آنفا

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً... محمّد:16

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّا كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا و من يعيه،فإذا خرجنا قالوا:

ما ذا قالَ آنِفاً. (الطّبرسيّ 5:102)

مقاتل: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخطب و يعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد اللّه بن مسعود استهزاء:ما ذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(البغويّ 6:149)

الزّجّاج: كانوا يسمعون خطبة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول اللّه استهزاء و إعلاما أنّهم لم يلتفتوا إلى ما قال،فقالوا: ما ذا قالَ آنِفاً، أي ما ذا قال السّاعة.و معنى(آنفا)من قولك:استأنفت الشّيء،إذا ابتدأته،و روضة أنف،إذا لم ترع بعد،أي لها أوّل يرعى، فالمعنى ما ذا قال من أوّل وقت يقرب منّا.(5:10)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير في إحدى الرّوايتين (أنفا) على وزن«فعل»،الباقون (آنفا) بالمدّ على وزن«فاعل».

قال أبو عليّ الفارسيّ:جعل ابن كثير ذلك مثل:حاذر و حذر،فاكه و فكه.و الوجه الرّواية الأخرى.

حكى اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ من الكفّار من إذا جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و استمع لقراءة القرآن منه و سمع ما يؤدّيه إلى الحقّ من الوحي و ما يدعوه إليه،فلا يصغي إليه و لا ينتفع به،حتّى إذا خرج من عنده لم يدر ما سمعه و لا فهمه،و يسألون أهل العلم الّذين آتاهم اللّه العلم و الفهم من المؤمنين ما ذا قالَ آنِفاً، أي أيّ شيء قال السّاعة؟

و قيل:معناه قريبا مبتدئا.و قيل:إنّهم كانوا يتسمّعون للخطبة يوم الجمعة،و هم المنافقون.

(9:295)

البغويّ: (آنفا)يعني الآن،و هو من الائتناف.

و يقال:ائتنفت الأمر،أي ابتدأته.و أنف الشّيء:أوّله.

نحوه الخازن.(6:149)

الميبديّ: أي في ساعتنا هذه.و الآنف:أقرب حين منك،و سمّي أنف الرّجل،لأنّه أقرب جسده منك.

و ائتنف الكلام ائتنافا،إذا ابتدأ به.و استأنف الأمر،إذا استقبل أوّله.(9:183)

الطّبرسيّ: قولهم: ما ذا قالَ آنِفاً أي أيّ شيء قال السّاعة؟و إنّما قالوه استهزاء أو إظهارا إنّا لم نشتغل أيضا بوعيه و فهمه.

و قيل:إنّما قالوا ذلك،لأنّهم لم يفهموا معناه و لم يعلموا ما سمعوه.

و قيل:بل قالوا ذلك تحقيرا لقوله،أي لم يقل شيئا فيه فائدة.

و يحتمل أيضا أن يكونوا سألوا رياء و نفاقا،أي لم يذهب عنّي من قوله إلاّ هذا،فما ذا قال أعده عليّ لأحفظه؟(5:102)

الفخر الرّازيّ: قال بعض المفسّرين:معناه السّاعة،و منه الاستئناف و هو الابتداء،فعلى هذا فالأولى أن يقال:يقولون: ما ذا قالَ آنِفاً بمعنى أنّهم يستعيدون كلامه من الابتداء،كما يقول المستعيد للمعيد:

أعد كلامك من الابتداء حتّى لا يفوتني شيء منه.

(28:58)

ص: 23

القرطبيّ: أي الآن،على جهة الاستهزاء،أي أنا لم ألتفت إلى قوله:و(آنفا)يراد به السّاعة الّتي هي أقرب الأوقات إليك،من قولك:استأنفت الشّيء،إذا ابتدأت به.و منه أمر أنف و روضة أنف،أي لم يرعها أحد.و كأس أنف،إذا لم يشرب منها شيء،كأنّه استؤنف شربها،مثل روضة أنف.[ثمّ استشهد بشعر](16:238)

البيضاويّ: (آنفا)من قولهم:أنف الشّيء لما تقدّم منه،مستعار من الجارحة.و منه استأنف و ائتنف و هو ظرف،بمعنى وقتا مؤتنفا،أو حال من الضّمير في(قال) و قرئ(أنفا).(2:395)

نحوه أبو السّعود(5:74)،و المراغيّ(26:60)، و فريد و جدي(674).

النّيسابوريّ: قال المنافقون للعلماء،و هم بعض الصّحابة كابن عبّاس (1)و ابن مسعود و أبي الدّرداء:أيّ شيء قال محمّد(آنفا)؟أي في ساعتنا هذه.و أنف كلّ شيء:ما تقدّمه،و منه قولهم:استأنفت الأمر:ابتدأته.

و لا يستعمل منه فعل ثلاثيّ بهذا المعنى،و إنّما توجّه الذّمّ عليهم،لأنّ سؤالهم سؤال استهزاء و إعلام أنّهم لم يلتفتوا إلى قوله.و لو كان سؤال بحث عمّا لم يفهموه لم يكن كذلك،على أنّ عدم الفهم دليل قلّة الاكتراث بقوله.

(26:26)

أبو حيّان: آئفا و آنفا:هما اسما فاعل،و لم يستعمل فعلهما-و الّذي استعمل«ائتنف»-و هما بمعنى مبتدئا، و تفسيرهما بالسّاعة تفسير معنى.(8:71)

كان المنافقون يحضرون عند الرّسول و يستمعون كلامه و تلاوته،فإذا خرجوا قالوا للّذين أوتوا العلم و هم السّامعون كلام الرّسول و حقيقته الواعون له: ما ذا قالَ آنِفاً أي السّاعة،و ذلك على سبيل الهزء و الاستخفاف، أي لم نفهم ما يقول و لم ندر ما نفع ذلك،و ممّن سألوه ابن مسعود.و(آنفا)حال،أي مبتدئا،أي ما القول الّذي ائتنفه قبل انفصاله عنه.

و قرأ الجمهور (آنِفاً) على وزن«فاعل»و ابن كثير على وزن«فعل».

و قال الزّمخشريّ: و(آنفا)نصب على الظّرف،انتهى.

و قال ذلك،لأنّه فسّره بالسّاعة.

و قال ابن عطيّة: و المفسّرون يقولون:(آنفا)معناه السّاعة الماضية القريبة منّا،و هذا تفسير بالمعنى،انتهى.

و الصّحيح أنّه ليس بظرف،و لا نعلم أحدا من النّحاة عدّه في الظّروف.(8:79)

السّيوطيّ: (آنفا)بالمدّ و القصر،أي السّاعة،أي لا نرجع إليه.(تفسير الجلالين 2:395)

الآلوسيّ: أي ما الّذي قال قبيل هذا الوقت.

و مقصودهم من ذلك الاستهزاء و إن كان بصورة الاستعلام.و جوّز أن يكون مرادهم حقيقة الاستعلام إذ لم يلقوا له آذانهم تهاونا به،و لذلك ذمّوا،و الأوّل أولى.

قيل:قالوا ذلك لابن مسعود.و عن ابن عبّاس:

أنا منهم،و قد سمّيت فيمن سئل.و أراد رضي اللّه تعالى عنه أنّه من الّذين أوتوا العلم بنصّ القرآن،و ما أحسن ما عبّر عن ذلك.

و(آنفا)اسم فاعل على غير القياس،أو بتجريدد.

ص: 24


1- كان ابن عبّاس صغيرا في حياة النّبيّ و لم يكن في مستوى ابن مسعود.

فعله من الزّوائد،لأنّه لم يسمع له فعل ثلاثيّ بل استأنف و ائتنف.و ذكر الزّجّاج أنّه من:استأنفت الشّيء،إذا ابتدأته،و كان أصل معنى هذا:أخذت أنفه،أي مبدأه.

و أصل الأنف الجارحة المعروفة،ثمّ يسمّى به طرف الشّيء و مقدّمه و أشرفه.و ذكر غير واحد أنّ(آنفا)من ذلك.

قالوا:إنّه اسم للسّاعة الّتي قبل ساعتك الّتي أنت فيها،من«الأنف»بمعنى المتقدّم.و قد استعير من الجارحة لتقدّمها على الوقت الحاضر.و قيل:هو بمعنى زمان الحال، و هو على ما ذهب إليه الزّمخشريّ نصب على الظّرفيّة، و لا ينافي كونه اسم فاعل،كما في«بادي»فإنّه اسم فاعل غلب على معنى الظّرفيّة في الاستعمال.

و قال أبو حيّان:الصّحيح أنّه ليس بظرف و لا نعلم أحدا من النّحاة عدّه في الظّروف،و أوجب نصبه على الحال من فاعل(قال)أي ما ذا قال مبتدئا،أي ما القول الّذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه،و إلى ذلك يشير كلام الرّاغب.

و قرأ ابن كثير (أنفا) على وزن«فعل».(26:50)

عزّة دروزة: ما ذا قالَ آنِفاً: ما ذا قال الآن من جديد.

في الآيتين حكاية لحالة من حالات بعض فئات الكفّار و المنافقين و حالة المؤمنين،حينما كانوا يحضرون مجالس النّبيّ و يستمعون إلى ما يقوله و يبلّغه؛حيث كان الأوّلون يحضرون هذه المجالس لاهية أذهانهم و قلوبهم مستخفّين بما يسمعون،و حينما يخرجون يسألون بعض ذوي العلم و الفهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الّذين شهدوا المجلس عمّا قال النّبيّ من شيء جديد،فهؤلاء قد طبع على قلوبهم،بسبب كفرهم و نفاقهم و خبث طواياهم؛ففقدوا السّداد و الرّشاد و الإدراك و انساقوا وراء الأهواء،بخلاف المؤمنين المخلصين الّذين كان اللّه يزيدهم هدى و فهما لما ينبغي أن يتّقوا به اللّه،كلّما شهدوا مجالس النّبيّ و سمعوا كلامه و مواعظه.

و سؤال ما ذا قالَ آنِفاً يحتمل أن يكون استخفافا و سخريّة،كما يحتمل أن يكون بقصد التأكّد،لأنّهم لم ينتبهوا إلى ما كان يقوله النّبيّ،أو لم يعوه و يفهموه،و قد ذكر المفسّرون الاحتمالين.

و في سورة التّوبة آيتان قد تكونان من هذا الباب.

و تفيدان أنّ السّؤال على سبيل السّخريّة و الاستخفاف، و هما هاتان: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:

124،125.

حيث يصحّ الاستئناس بالآيتين لترجيح احتمال الاستخفاف و السّخريّة في السّؤال الّذي نحن في صدده.

(9:222)

الطّباطبائيّ: (آنفا)اسم فاعل منصوب على الظّرفيّة،أو لكونه مفعولا فيه،و معناه السّاعة الّتي قبيل ساعتك.و قيل:معناه هذه السّاعة،و هو على أيّ حال مأخوذ من«الأنف»بمعنى الجارحة.(18:235)

ص: 25

الأصول اللّغويّة

1-الأنف:جارحة معروفة في الإنسان.و بما أنّ هذه الجارحة بارزة تبتدئ الوجه،و تكون أثرا متقدّما في مقدّمة الإنسان و أوّل ما يظهر منه،و بما أنّ هناك أشياء تبدو آثارها و رموزها على الأنف،لهذا اشتقّت منه الأفعال و الصّفات و الموصوفات،و ترشّحت عنه المجازات و الكنايات و الاستعارات،فهو نظير الأذن تماما حسب ما اخترنا.

فالأنف-إذا-اسم لأصل واحد تفرّعت منه الأفعال و المسمّيات.

2-و الفعل منه أنف يأنف أنفا،كفرح يفرح فرحا، و هو من الأفعال المتعلّقة بالمشاعر و الأحاسيس.

و عليه كان هذا الفعل و مشتقّاته يتضمّن الانفعالات الّتي تأتي عن أثر يظهر على الأنف،كاحمرار الأنف و أذاه و تأثّره و امتعاضه،إلى غير ذلك.

كما يتضمّن صورا بيانيّة؛فالفعل«أنف»يعني كره و امتعض،و كأنّه ولّى بأنفه رفضا أو استنكافا أو كراهيّة أو تنزّها عن الشّيء.

و إذا قلنا:أنفت الإبل،كان المراد أنّها امتعضت من الذّباب المتجمّع على أنفها،فهربت إلى مكان آخر.و قد يكون هذا من باب تسمية الشّيء باسم لازمه،فلا نقول:

فرّ بجسمه،و لا ولّى بوجهه عنه،و إنّما نقول:أنف،أي ولّى بأنفه،فأطلق الفعل على عضو يلازم الجسم.أو قد يكون من باب إطلاق الجزء و إرادة الكلّ،كما نقول:هذه أرض لم تطأها قدم،و المقصود لم يصلها إنسان.

فالأصل في«أنف»إذا تغيير اتّجاه الأنف،إمّا حقيقة كما تفعل المرأة مع زوجها إذ ابان حملها،و الإبل إذا فرّت من الذّباب المتطاير فوق أنفها.و إمّا مجازا تعبيرا عن الشّموخ و التّرفّع،و إن كان الشّامخ و المتكبّر ذا أنف مرتفع في صورته الواقعيّة.

3-و الأنفة إنّما تدلّ على أمرين:

1-الحميّة و العزّة و الإباء و النّزاهة.

2-الكبر و الاستكبار و التّعالي،و الأوّل مستحسن دون الثّاني.

أمّا الأنفة بمعنى النّزاهة المطلقة و التّنزيه الخالص، فإنّه أمر متعلّق بالذّات الإلهيّة المقدّسة الّتي تتنزّه عن صفات النّقص،و الّتي تذلّ لها الأنوف.ف«الأنفة»تقابل «سبحان اللّه»،و لهذا يستحبّ للمصلّي أن يمرّغ أنفه بالتّراب أثناء سجوده،مبالغة في الخضوع للّه عزّ و جلّ.

4-أمّا الفعل«أنف»مفتوح العين فهو استعمال نادر حين يقصد به:ضرب أنفه،و الإبل إذا وطئت كلأ لم تطأه إبل قبلها.و الاستعمال الأكثر في هذا المعنى هو«آنف» الّذي يراد به أصاب أنفه،أو جعله يشتكي منه.

5-و الفعل«تأنّف»ينسب إلى الرّجل حين يطلب من هو متكبّر أو شامخ،لا يعاشر أحدا،و ينسب إلى المرأة حين يشتدّ وحمها فتشتهي الشّيء بعد الشّيء،فتكون شبيهة بمن يتّبع أنفه بعد أن يشمّ الرّوائح فيتشهّى.

6-و يبدو أنّ«أنّف»؛بمعنى حدّد،و منه المؤنّف، هكذا جاء على وجه التّشبيه بالأنف،فكونه محدّدا من طرفه لا مدوّرا كأغلب الجوارح و الأعضاء.و قيل منه:

أنّفت السّراج،إذا حدّدت طرف ناره إذا ارتفعت فانتشرت.و إذا قيل:أنّف فلان ما له تأنيفا،فيعني أنّه

ص: 26

وظّفه في أمر جديد.

7-أمّا«استأنف»و«ائتنف»فهما فعلان لا يدلاّن على الابتداء فحسب،و إنّما يدلاّن غالبا على الابتداء من بعد توقّف،و الشّروع بالعمل مرّة أخرى.و كأنّه أخذ الأمر من أنفه،أي مبدأه.و المؤتنف هو مثل المبتدأ،أي ما يبتدأ فيه أو منه.

8-لمّا كان الأصل في«أ ن ف»هو الجارحة المعروفة،و هي أبرز ما يكون من الوجه،و أوّل ما يبدو من صاحبه،فلذا سمّيت به أطراف الأشياء و مبتدءاتها توسّعا في المعنى.

و نسب المتقدّمون و الأشراف إليه،فقيل:هذا أنفيّ، إذا كان ممّن يفتخر به،و قيل للسّيّد:أنف،و للشّيء الّذي يشخص من الجبل:أنف الجبل،و لطرف النّاب:أنفه، و لأوّل البرد:أنفه أيضا.

و جاءت الاستعارات و المجازات و الكنايات-كما قلنا-تحوم حول الأنف آخذة صفة من صفاته أو حالة من حالاته أو علاقة مرتبطة به،فقيل:حميّ الأنف،أي عزيز يأبى الضّيم.و قيل:روضة أنف،أي ملأى،و كذلك كأس أنف،و كأنّها لم تستأنف بعد،أو كأنّ الكأس لم يشرب منها شيء،أي لم تستأنف،أو لم يقربها أنف.

و قيل:فلان يتبع أنفه،إذا كان يجري وراء كلّ ما يعي أنفه،و فلان ورم أنفه،إذا غضب،و رغم و ترب أنفه،إذا ذلّ،فكأنّ أنفه وطئ التّراب.و شمخ بأنفه،إذا تكبّر.

9-و جمع«الأنف»على الأشهر هو الأنوف،أمّا آنف و آناف و أناف،فهي جموع غير مشهورة.و«أنفان» المثنّى يقصد به مرّة أنفان مختلفان لإنسان،و يقصد به مرّة أخرى منخران لأنف واحد.و المشهور أنّ الأنف ما احتوى على منخرين،فكلاهما أنف واحد،لأنّ الأنف هو المنخران مع الحاجز،أمّا إذا قيل:أنفان،و أريد الأنف الواحد،فالمقصود به المنخران.

10-و«آنفا»اسم على وزن«فاعل»،مثل سالفا و لاحقا،ممّا جاء منصوبا على الظّرفيّة الزّمانيّة،و فيه معنى الحال.و كأنّ معناه مبتدئ الوقت الّذي نحن فيه،أو مستقبل السّاعة الّتي نحن فيها،و يراد به التّوّ أو السّاعة، أو قبيل الوقت الّذي مرّ قريبا.

11-و المئناف:من يمضي إلى أوّل الشّيء و فيه.

و الأنافيّ:من كان كبير الأنف.

و الأنف من الشّباب:أوّله و مستأنفه،و من الأرض:

المنبتة البارز نباتها كما يبرز الأنف.

و الآنف:القادم في أوّل الوقت أو الأمر.

و الأنيف:المبكّر.

و المأنوف:الّذي يجري خلف أنّفه،و هو من المجاز.

و الأنوف على وزن«فعول»كهنون و رءوم:يطلق على الذّكر و الأنثى،فإذا قيل:هذا رجل أنوف،أريد به الرّجل الشّديد الأنفة.و إذا قيل:هذه امرأة أنوف، أريد بها المرأة الطّيّبة ريح الأنف.

و الأنف:الأوّل،و قد يقصد به الجديد،لأنّ الأوّل من الأمر يكون جديدا غالبا.

و من الاستعمالات المحدثة:استأنف الحكم:طلب إعادة النّظر فيه،و منه:محكمة الاستئناف.

ص: 27

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء(الأنف)في القرآن مرّتين في آية واحدة، بمعنى الجارحة،و(آنفا)مرّة واحدة منصوبا على الظّرفيّة، بمعنى أوّل وقت يقرب منّا،أو رأس السّاعة الّتي نحن فيها:

وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ المائدة:45.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً محمّد:16.

2-يلاحظ أوّلا:أنّ في الآية الأولى مقابلة بين الجوارح المعتدية و الجوارح المعتدى عليها جنسا و عددا، ليؤخذ حقّ المظلوم من الظّالم أمام القضاء العدل،فالنّفس بالنّفس و العين بالعين،و هكذا.و في المقابلة تكمن العدالة و المساواة تماما،فلا تقتل نفس غير قاتلة بالنّفس المقتولة،و لا تفقأ عين غير المعتدي بعين المعتدى عليه، كما لا تفقأ عينه بأنفه،و لا عينان مثلا بعين واحدة، أو بالعكس.

كما أنّ إطلاق المقابلة-سواء في النّفس أو الجوارح- يوضّح عدم التّفريق بين الفقير و الغنيّ و الحاكم و الرّعيّة و القويّ و الضّعيف،فكلّ أفراد الأمّة سواء أمام القانون.

ثانيا:أنّ الآية قد ناسبت آية القصاص تماما:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى البقرة:178

و الباء في الآيتين للمقابلة في جنس المعتدي و المعتدى عليه،و في عددهما.

و من هنا جاء لفظ القصاص فيهما كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ المائدة:45، و القصاص هو المجازاة بالمثل،لاحظ«قصص».

و الفرق بين الآيتين أنّ الأولى تعمّ النّفس و الجوارح، و الثّانية ترتكز على النّفس فقط،مع التّوسّع في أنواعها:

الحرّ و العبد و الذّكر و الأنثى،مع اشتراكهما في التّرغيب في العفو تصريحا أو تلويحا،و أنّه أفضل من القصاص،و في التّوعّد بالعذاب.

و هناك فرق آخر بين الآيتين،و هو أنّ الحكم في الأخيرة مؤكّد بقوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:179،بما فيه من أسرار البلاغة دون الأولى.

و فرق ثالث:أنّ الأولى حكاية لما كتب في التّوراة على بني إسرائيل،فهي بالنّسبة إلى أمّة الإسلام تشريع غير مباشر،بخلاف الآية الثّانية فإنّها تشريع مباشر.

و ثمّت فرق رابع،و هو أنّ الثّانية تعرّضت لمن اعتدى ثانية بعد العفو،دون الأولى.

ثالثا:قدّمت النّفس على الجوارح في آية المائدة، لأنّه إذا جرى القصاص فيها بين شخصين فإنّه يجري بينهما في الجوارح قهرا،أو لأنّ النّفس أهمّ.ثمّ جاءت بعدها الجوارح مع رعاية الأهمّ فالأهمّ،حسب ما يعنّ في الفكر.فالعين إن أصيبت-فقئت-كان ضررها أقلّ ممّا لو أصيبت النّفس،و الأنف إن جدع فضرره أقلّ من العين،و هكذا.و لكن في كون الأنف أهمّ من الأذن ففيه تأمّل.

رابعا:أنّ اللّه اكتفى في الآية بعد ذكر النّفس ببعض الأعضاء الّتي توجد في الرّأس اهتماما بها و بالرّأس،

ص: 28

لإناطة الحياة به،ثمّ عمّم الحكم بغيرها بقوله:

وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ.

خامسا:أنّ النّفس و العين و غيرهما جاءت في المعتدي منصوبة،و هي مناسبة لكونها تنصب للقضاء ليقتصّ منها.و جاءت في المعتدى عليها مكسورة متلائمة تماما مع حالتها،لما وقع عليها الجور و الكسر،فيجب أن يجبر كسرها بأخذ الحقّ لها من المتجاوز المنصوب أمام القضاء.

و هناك نكتة أخرى في النّصب و الكسر،و هي أنّ المنصوب لا بدّ أن يكسر بإزاء كسر مقابله،و المكسور لا بدّ أن ينصب كذلك،ليحصل العدل تماما.

و هذا يتلائم مع القراءة المشهورة بنصب العين و الأنف و ما بعدهما،فهي أولى من قراءة الرّفع من هذه الجهة.أمّا الجروح فجاءت مرفوعة،فهي استئناف،لعدم تجانسها لفظيّا مع النّفس و العين،و ما بعدهما.

و هذا يعتبر فارقا آخر بين الآيتين؛حيث جاءت الألفاظ(الحرّ)و(العبد)و(الانثى)في المعتدي في الآية الثّانية مرفوعة،حيث يجب رفعها عن المجتمع رأسا،مع اشتراك الآيتين في كسر المعتدى عليه.و قد جاء الأنف في القرآن بلفظ آخر،و هو الخرطوم،مكسورا أيضا سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ القلم:16،إطلاقا على الأنف في موضع التّهكّم تشبيها بالفيل؛لأنفته و كبره.

سادسا:قد لاحظنا أنّ«الأنف»لم يأت في القرآن مرفوعا،ممّا يشعر بأنّ رفع الأنف للإنسان مرفوض و غير مقبول،فليس له أن يتكبّر على النّاس،فيشمخ بأنفه و يتعالى على الآخرين،و إن كان أفضل منهم،كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ الحجرات:11،مع أنّه جاء منصوبا و مكسورا معا في المعتدي و المعتدى عليه.

سابعا:و في الآيتين بعد أخلاقيّ آخر،و هو التّصريح بالعفو عن المتجاوز رجاء أن يتوب،بإفساح المجال أمامه بإيجاد جوّ ودّيّ أخويّ،و اتّباعه بالمعروف و الإحسان:

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ البقرة:

178،و في التّعبير عن وليّ الدّم بالأخ إثارة لحسّ المحبّة و الرّأفة،و تلميح إلى أنّ العفو أحبّ إلى اللّه.

و قد سمّى«العفو»في الآية الأولى صدقة و كفّارة فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ المائدة:45.

و الضّمير في(له)للمتصدّق،و هو المجروح أو وليّ الدّم،ثمّ إذا كان كفّارة له فكيف لا يكون كفّارة للمعتدي؟مع أنّ المعتدى عليه تصدّق بحقّه عليه،فعفوه صدقة منه و كفّارة لهما،و تخفيف من اللّه،و رحمة على العباد جميعا.

فالقرآن لا ينسى الجانب الأخلاقيّ و البعد العاطفيّ حتّى في موضع النّكال و النّقمة،و كيف لا يكون ذلك و هو بمثابة المرآة للآداب الإلهيّة و صدى للأخلاق الرّبّانيّة، فإنّه يغفر الذّنوب جميعا سوى الشّرك به.

ثامنا:أنّ ذيل الآية الأولى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ المائدة:45،و ذيل ما قبلها: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ المائدة:44،و ذيل ما بعدها: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المائدة:47.

ص: 29

و اختلاف التّعبير في(الكافرون)و(الظّالمون) و(الفاسقون)ناشئ و حاك-و اللّه أعلم-عن نكتة بلاغيّة،و هي أنّ الأولى نزلت في اليهود،فهم كافرون، لإنكارهم حكم التّوراة،و كذلك الثّانية وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ المائدة:45.

و لكنّها لا تخصّ اليهود و تشمل المسلمين،فهي تشريع لهم بصورة غير مباشرة كما قدّمنا،فعدّهم القرآن ظالمين لأنفسهم،و وبّخهم دون اليهود.و وردت الثّالثة في النّصارى؛حيث قال: وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ المائدة:47،فإنّهم تجاهلوا الحقّ و انحرفوا عن الجادّة،فهم ضالّون،كما جاء ذلك في تفسير اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ الفاتحة:7،أنّ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هم اليهود،و اَلضّالِّينَ هم النّصارى.

3-يلاحظ في الآية الثّانية ما ذا قالَ آنِفاً محمّد:

16،بالنّظر إلى النّصوص التّفسيريّة و الأصول اللّغويّة أنّ الآراء و الأقوال قد اختلفت حول (آنِفاً) أ هو ظرف أم حال؟و هل كان سؤالهم هذا استفهاما أو تعنّتا و نفاقا و استهزاء.كما اختلفت القراءات فيه،فقرئ (آنِفاً) و (آنفا) ،فقد تقدّم في النّصوص ما يغنينا عن إعادته،سوى أنّ فيه نكتتين:

الأولى:أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يرض برفع الأنف حتّى في صيغة اسم الفاعل و الصّفة المشبّهة،فجاء منصوبا.و فيه تلميح أيضا إلى تلك المزيّة الأخلاقيّة الّتي سبق بيانها.

الثّانية:لا يبعد أن يكون التّعبير عن السّاعة أو الحالة المتقدّمة بالأنف باعتباره أقرب أعضاء المتكلّم إلى المخاطب.و بهذا استعير به عن القرب الزّمانيّ تشبيها للزّمان بالمكان،للملازمة بينهما.كما لا يخلو هذا التّعبير عن شيء من إساءة الأدب و الإهانة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذكر أنفه،كأنّه يتكلّم بأنفه استكبارا و أنفة،أو أنّ كلمة «أنف»تدلّ على كبر أنفه أو نحو ذلك،فليتأمّل.

ص: 30

أ ن م

اشارة

أنام

لفظ واحد مدنيّ،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأنام:ما على ظهر الأرض من جميع الخلق.و يجوز في الشّعر:الأنيم.(8:388)

مثله الثّعالبيّ.(154)

ابن دريد: الأنام معروف.و قال الكوفيّون:واحد الأنام:نيم.[ثمّ استشهد بشعر]و لم يعرفه البصريّون.(3:181)

الصّاحب: الأنام:ما على ظهر الأرض من جميع الخلق،و يجوز أنيم،و الجميع آنام.(10:411)

أبو هلال: الفرق بين«الأنام»و«النّاس»:أنّ الأنام -على ما قال بعض العلماء-يقتضي تعظيم شأن المسمّى من النّاس (1)،قال اللّه تعالى عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ آل عمران:173،و إنّما قال لهم:جماعة،و قيل:رجل واحد.و أنّ أهل مكّة قد جمعوا لكم،و لا تقول:جاءني الأنام،تريد بعض الأنام.و جمع الأنام:آنام.(228)

الطّوسيّ: يجوز أن يكون«الأنام»من و نم الذّباب.

إذا صوّت من نفسه.و يسمّى كلّ ما يصوّت من نفسه أناما،و قلبت الواو من«ونام»همزة كقولهم:أناة من «وناة».(9:466)

الزّمخشريّ: لو رزقنا اللّه عدل سلطانه لأنام أنامه في ظلّ أمانه.(أساس البلاغة:11)

الفيّوميّ: الأنام:الجنّ و الإنس.و قيل:الأنام:

ما على وجه الأرض من جميع الخلق.(26)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:98)

الفيروزآباديّ: الأنام كسحاب و ساباط و أمير:

الخلق،أو الجنّ و الإنس،أو جميع ما على وجه

ص: 31


1- كذا في المصدر،و يبدو أنّ فيه تصحيفا.

الأرض.(4:78)

الزّبيديّ: الأنام كسحاب،أهمله الجوهريّ.

و اختلف فيه،فقيل:من أنم،و قيل:أصله«ونام»من ونم،إذا صوّت من نفسه،كإناء و وناء.

و قيل فيه أيضا:الآنام،مثل ساباط.و قال اللّيث:

يجوز في الشّعر الأنيم-مثل أمير-و هو الخلق أو كلّ من يعتريه النّوم،أو الجنّ و الإنس.و به فسّر قوله تعالى:

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ الرّحمن:10،و هما الثّقلان أو جميع ما على وجه الأرض من جميع الخلق.

و العجب من الجوهريّ كيف أغفله و هو في القرآن، مع أنّه استطرد بذكره في أمّ!!(8:195)

مجمع اللّغة: الأنام و الآنام:الخلق.(1:64)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الأنام،هو كلّ ما على وجه الأرض ممّا فيه روح،و قد يشمل ذلك الجنّ و الإنس.و لم يستخدم من هذا الأصل سوى هذه الكلمة.

(49)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ هذه الكلمة تطلق على ذوي العقول من الإنس و الجنّ،السّاكنين على وجه الأرض.و لا تطلق على الجماد و النّبات و الحيوان؛فإنّ الجمادات من أجزاء الأرض،و النّبات و الحيوان قد خلقا للإنسان.و قد عدّت النّباتات من لوازم الأرض و زينتها؛ حيث قال تعالى: فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ* وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ الرّحمن:11،12.

ثمّ إنّه صرّح بعد بالنّوعين: خَلَقَ الْإِنْسانَ الرّحمن:14، وَ خَلَقَ الْجَانَّ الرّحمن:15، سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31، يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الرّحمن:33.(1:15)

النّصوص التّفسيريّة

الانام

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ. الرّحمن:10

ابن عبّاس: الأنام:الخلق بلغة جرهم.

(اللّغات في القرآن:46)

مثله مجاهد(2:640)،و قتادة،و ابن زيد.(الطّبريّ 27:119).

كلّ شيء فيه الرّوح.(الطّبريّ 27:119)

الأنام:بنو آدم.(أبو حيّان 8:190)

الأنام:الحيوان كلّه.(أبو حيّان 8:190)

مثله قتادة،و ابن زيد،و الشّعبيّ.

(أبو حيّان 8:190).

الأنام:أنّهم النّاس.(ابن الجوزيّ 8:107)

مجاهد: جميع الخلق من كلّ ذي روح.

(الطّبرسيّ 5:198)

نحوه البيضاويّ.(2:441)

الضّحّاك: كلّ ما دبّ على وجه الأرض،و هذا عامّ.

(القرطبيّ 17:155)

الحسن: للخلق الجنّ و الإنس.

(الطّبريّ 27:119)

نحوه الزّجّاج(ابن الجوزيّ 8:108)،و السّيوطيّ (تفسير الجلالين 2:441).

قتادة:كلّ ذي روح،لأنّه ينام.

(البروسويّ 9:292)

ص: 32

الفرّاء:جميع الخلق.(3:113)

ابن قتيبة: الخلق.(غريب القرآن:436)

مثله أبو عبيدة(2:243)،و السّجستانيّ:182)، و أبو حيّان(تحفة الأريب:35).

الزّمخشريّ: (للانام):للخلق:و هو كلّ ما على ظهر الأرض من دابّة.

و عن الحسن: الإنس و الجنّ،فهي كالمهاد لهم، يتصرّفون فوقها.(4:44)

المدينيّ: قيل:الأنام:الخلق،و قيل:هو النّاس خاصّة،و الأوّل أجود،لأنّ في الأرض غير النّاس من الخلق.(1:99)

النّيسابوريّ: أي لكلّ ما على ظهر الأرض من دابّة،و قيل:للإنسان.و خصّ بالذّكر لشرفه،و لأنّ الباقي خلق لأجله.(27:64)

الطّريحيّ: الأنام،بفتح الفاء:الجنّ و الإنس.

(6:15)

العامليّ: هو في سورة الرّحمن،و معناه معنى النّاس تنزيلا و تأويلا،فافهم.(83)

البروسويّ: هو جمع لا واحد له من لفظه،بمعنى الخلق و الجنّ و الإنس ممّا على الأرض،كما في القاموس.

فهي كالمهاد و الفراش لهم،يتقلّبون عليها،و يتصرّفون فوقها.

و قيل:من ونم الذّباب:همس،و فيه إشارة إلى بسط أرض البشريّة لتنتعش كلّ قبيلة بما يلائم طبعها.

(9:292)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة في القرآن كلّه، و تفسيرها بالخلق،على ما يبدو من قربه لا يجيب عن وجه تفرّدها في القرآن،مع كثرة ورود الخلق فيه.

و آيات الخلق تؤذن بفرق بينه و بين الأنام.فالخلق عامّ لكلّ ما خلق اللّه في السّماوات و الأرض و ما بينهما،من ملائكة و إنس و جنّ،و من حيوان و نبات و جماد،ما نعلم منها و ما لا نعلم.

فهل يكون الأنام لمن خلق اللّه لهم الأرض من الأحياء دون ما في السّماوات و سائر الكائنات المخلوقة في الأرض و ما بينهما؟لا أراه بعيدا،و اللّه أعلم.

(الإعجاز البيانيّ:328)

عبد الكريم الخطيب: (للانام)إشارة إلى أنّ هذه الأرض هي في خلافة الأنام،و هم النّاس،و أنّ معهم الميزان الّذي يضبطون به أمور الأرض،أشبه بذلك الميزان الّذي وضعه اللّه سبحانه لضبط السّماء و عوالمها.(14:667)

الأصول اللّغويّة

1-لم يذكر اللّغويّون أيّ لفظ لهذه المادّة سوى «أنام».و هم في معناه مختلفون.فقالوا:يعني ما على ظهر الأرض من جميع الخلق،و قالوا:يطلق على ذوي العقول فقط،و على السّاكنين على وجه الأرض،دون الجماد و النّبات و الحيوان.

و الصّحيح عندنا:أنّ«الأنام»هم النّاس فقط، و«الخلق»هم الإنس و الجنّ و الحيوان و النّبات و الجماد.

2-و في لفظ«أنام»نحتمل ما يلي:

أ-إنّه لفظ قديم جدّا،و كانت له اشتقاقات مستعملة،

ص: 33

بيد أنّها أميتت بمرور الزّمان،و لم يتبقّ منها غيره.كما أنّ كلمة«النّاس»نسي أصلها و مفردها.

ب-ربّما هو مشتقّ من مادّة«و ن م»الّتي أصلها:

سلخ الذّباب.أي:عذرتها،ثمّ توسّع في استعماله،و أطلق على الخلق مجازا.

و هذا الاحتمال ضعيف،لأنّ بعض المخلوقات لا تتّصف بهذه الصّفة،كالجنّ و الحيوان و النّبات.و قد جوّز الطّوسيّ اشتقاقه من«ونم»الذّباب إذا صوّت من نفسه،و يسمّى كلّ ما يصوّت من نفسه أناما.و لعلّ هذا يناسب شموله لكلّ ذي روح من الخلق.و قيل:من ونم الذّباب:همس،قاله البروسويّ.[لاحظ النّصوص]

ج-ربّما هو من النّماء،أي الزّيادة و الكثرة،فكأنّما النّاس يزدادون على كرّ العصور.و أصله«نماء»،ثمّ نقلت الهمزة إلى أوّله،و قدّمت الألف على الميم،فأصبح «أناما».

د-أو من النّوم،قال قتادة:الأنام:كلّ ذي روح لأنّه ينام.

3-و قال الكوفيّون:مفرد أنام«نيم»و لكنّه غير مشهور،و إلاّ لكان قد عرفه البصريّون.و قيل:إنّ جمع أنام«آنام».

الاستعمال القرآنيّ

1-وردت كلمة(الأنام)مرّة واحدة في القرآن.و قد خاض المفسّرون كاللّغويّين في معناها،فقالوا:هي بمعنى الخلق،و قالوا:كلّ دابّة على وجه الأرض،و قالوا:جميع الخلق من كلّ ذي روح،و قالوا:إنّها تعني الإنس و الجنّ، و قالوا:إنّ قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:

31،الوارد عقب قوله: وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ الرّحمن:10،يعني الإنس و الجنّ،أو الإنسان و الحيوان.

و يبدو أنّ عدم الاتّفاق على رأي في معنى(الأنام) يكمن في تفسيرهم الخلق بمعنى شامل،فالخلائق تشمل كلّ ما خلق اللّه في السّماوات و الأرض،أمّا الأنام فهم الخلق الّذين يعيشون على الأرض.

2-و من المرجّح أنّ هذه الكلمة كسائر الكلمات الّتي وردت مرّة أو مرّتين،قد استعملت رعاية لرويّ الآيات،فإنّ رويّ سورة الرّحمن هو الألف مع النّون،أو الألف مع الميم،و شذّ فيها الألف و الرّاء لكلمتي (كالفخّار)و(نار)،فإذا استعملت مكانه كلمة«النّاس» أو«الخلق»و ما أشبههما فإنّ ذلك لا يتناسب مع الرّويّ، و اللّه أعلم.

3-و نحن نرى أنّ معنى(الأنام)في الآية بمعنى «النّاس»استنادا على ما يلي:

أ-إنّ سياق الآيات يدور حول التّذكير بنعم اللّه على الإنسان؛إذ ابتدأه بقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ الرّحمن:3، و هي أولي النّعم،و أعقبه بقوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرّحمن:

4،ثمّ استمرّ بذكر النّعم واحدة تلو الأخرى،إلى قوله:

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ الرّحمن:10،و عاد إلى ذكر النّعم،و ختمها بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:13،و الخطاب موجّه إلى الإنس و الجنّ.و بما أنّه ذكر-عند استعراض النّعم-الفاكهة و النّخل و الحبّ و الرّيحان،فنستنتج من ذلك أنّ المخصوص بالخطاب هو «الإنسان»دون غيره،لأنّ تلك النّعم لا ينتفع منها إلاّ

ص: 34

الإنسان.

ب-إنّ الإنسان هو خليفة اللّه في الأرض،و قد أكرمه بهذه النّعم المادّيّة و المعنويّة لينهض بمسئوليّته و يتحمّل أعباء الأمانة،فهيّأ له الأرض مسرحا لحياته.

ج-إنّ بسط الأرض و تمهيدها و جعلها كالفراش هو للإنسان على الخصوص،فبعض الخلائق-كالّتي تعيش في باطن الأرض-لا تحتاج إلى بسطها و تمهيدها.و بعضها لا يسكن الأرض فقط كالجنّ.

د-إنّ سياق الآيات يدلّ على أنّ الحديث يدور حول الخصوص و ليس العموم،فكان الأحرى أن يذكر لفظ الأنام دون الخلق،لأنّ الخلق لفظ عامّ،و ذكره يحتاج إلى قرينة لكي يمكن معرفته.

ه-و لو قيل:إنّ الأنام من«النّوم»كناية عن الرّاحة، و إنّ قوله: وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ في معنى قوله:

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً طه:53،لم يكن بعيدا عن السّياق،إلاّ أنّهم لم يذكروه في جملة المحتملات لأصلها.سوى ما مرّ عن قتادة.

ص: 35

ص: 36

أ ن ن ى

اشارة

أنّى

لفظ واحد:28 مرّة،17 مكّيّة،11 مدنيّة

في 19 سورة:13 مكّيّة،6 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: «أنّى»معناها كيف؟و من أين؟

أنّى شئت:كيف شئت؟و من أين شئت؟[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله جلّ و عزّ: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37، أي من أين لك هذا؟

و قوله جلّ و عزّ: أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا البقرة:247،أي كيف يكون؟[ثمّ استشهد بشعر]

(8:399)

الأزهريّ: «أنّى»أداة،و لها معنيان:

أحدهما:أن تكون بمعنى متى،قال اللّه تعالى: قُلْتُمْ أَنّى هذا آل عمران:165،أي متى هذا؟و كيف هذا؟

و تكون«أنّى»بمعنى من أين،قال اللّه تعالى: وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:52،يقول:من أين لهم ذلك.

و قد جمعهما الشّاعر تأكيدا فقال:

*أنّى و من أين آبك الطّرب*(15:551)

الجوهريّ:«أنّى»معناه أين،تقول: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،أي من أين لك هذا؟و هي من الظّروف الّتي يجازى بها،تقول:أنّى تأتني آتك،معناه من أيّ جهة تأتني آتك.

و قد تكون بمعنى«كيف»تقول:أنّى لك أن تفتح الحصن؟أي كيف لك ذلك؟(6:2545)

الرّاغب: «أنّى»للبحث عن الحال و المكان،و لذلك

ص: 37

قيل:هو بمعنى أين،و كيف،لتضمّنه معناهما.قال اللّه عزّ و جلّ: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،أي من أين و كيف.(29)

الفيّوميّ: «أنّى»استفهام عن الجهة،تقول:أنّى يكون هذا؟أي من أيّ وجه و طريق.(1:28)

الفيروزآباديّ: «أنّى»تكون بمعنى أين،و متى، و كيف.و هي من الظّروف الّتي يجازى بها:أنّى تأتني آتك.(4:410)

السّيوطيّ: اسم مشترك بين الاستفهام و الشّرط، فأمّا الاستفهام فترد فيه بمعنى كيف،نحو: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:259، أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30.

و من أين،نحو أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،أي من أين أتى هذا،أي من أين جاءنا.[إلى أن قال:]

و بمعنى متى،و قد ذكرت المعاني الثّلاثة في قوله تعالى:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223.(2:207)

الطّريحيّ: «أنّى»بتشديد النّون و الألف،فيكون شرطا في الأمكنة،بمعنى أين.و يكون استفهاما بمعنى ثلاث كلمات،و هي:متى،و أين،و كيف.(6:210)

النّصوص التّفسيريّة

أنّى

1- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ... البقرة:223

أبيّ بن كعب: ائتها مضطجعة و قائمة،و منحرفة، و مقبلة،و مدبرة،كيف شئت إذا كان في قبلها.

مثله قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 2:393)

أمّ سلمة: قدم المهاجرون فتزوّجوا في الأنصار، و كانوا يجبّون (1)،و كانت الأنصار لا تفعل ذلك،فقالت امرأة لزوجها:حتّى آتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأسأله عن ذلك.

فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فاستحيت أن تسأله،فسألت أنا.

فدعاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقرأ عليها نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ صماما واحدا،صماما واحدا (2).(الطّبريّ 2:396)

ابن عبّاس: يأتيها كيف شاء،ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 2:392)

ائتها أنّى شئت:مقبلة و مدبرة،ما لم تأتها في الدّبر و المحيض.(الطّبريّ 2:392)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 2:396)

اسق نباتك من حيث نباته.(الطّبريّ 2:393)

إن شئت فاعزل،و إن شئت فلا تعزل.

مثله ابن المسيّب.(الطّبريّ 2:395)

إنّ هذا الحيّ من قريش،كانوا يشرحون النّساء بمكّة،و يتلذّذون بهنّ،مقبلات و مدبرات،فلمّا قدموا المدينة تزوّجوا في الأنصار،فذهبوا ليفعلوا بهنّ كما كانوا يفعلون بالنّساء بمكّة.فأنكرن ذلك،و قلن:هذا شيء لم نكن نؤتى عليه.فانتشر الحديث،حتّى انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك: نِساؤُكُمْ

ص: 38


1- أي يأتيها و هي باركة منكبّة على وجهها.
2- في اللّسان:و في حديث الوطء:في صمام واحد،أي في مسلك واحد.

حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ: إن شئت فمقبلة، و إن شئت فمدبرة،و إن شئت فباركة.و إنّما يعني بذلك موضع الولد للحرث،يقول:ائت الحرث من حيث شئت.

(الطّبريّ 2:395)

جاء عمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:يا رسول اللّه هلكت! قال:و ما الّذي أهلكك؟قال:حوّلت رحلي اللّيلة،قال:

فلم يردّ عليه شيئا،و قال:فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ،فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أقبل و أدبر،و اتّق الدّبر و الحيضة.

(الطّبريّ 2:397)

إنّ هذه الآية نزلت ردّا على اليهود،و أنّ الرّجل إذا أتى المرأة من خلفها في قبلها خرج الولد أحول،فأكذبهم اللّه في ذلك.

مثله جابر بن عبد اللّه،و نحوه الحسن.

(الطّوسيّ 2:224)

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 2:393)

ابن عمر: عن أبي الحباب سعيد بن يسار،أنّه سأل ابن عمر،فقال له:يا أبا عبد الرّحمن إنّا نشتري الجواري، فنمحّض لهنّ.فقال:و ما التّمحيض؟قال:الدّبر.فقال ابن عمر:أفّ أفّ،يفعل ذلك مؤمن؟أو قال:

مسلم.(الطّبريّ 2:394)

أن يأتيها في دبرها.(الطّبريّ 2:394)

الضّحّاك: متى شئتم.(الطّبريّ 2:394)

مجاهد:ائتوا النّساء في أدبارهنّ على كلّ نحو.(الطّبريّ 2:393)

الإمام الباقر عليه السّلام: حيث شاء.

[سئل عليه السّلام عن هذه الآية قال:]من قبل.(العروسيّ 1:217)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أي متى شئتم في الفرج.

[و في رواية أخرى:]في أيّ ساعة شئتم.

[و في أخرى:]من قدّامها،و من خلفها في القبل.(الكاشانيّ 1:233)

سئل عليه السّلام:عن الرّجل يأتي المرأة في دبرها قال:

لا بأس إذا رضيت.

قيل:فأين قول اللّه عزّ و جلّ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ؟ البقرة:222.

قال:هذا في طلب الولد،فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه،إنّ اللّه تعالى يقول: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ. (الكاشانيّ 1:233)

سئل عليه السّلام عن إتيان النّساء في أعجازهنّ فقال:هي لعبتك لا تؤذها.(الكاشانيّ 1:233)

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يأتي أهله في دبرها،فكره ذلك،و قال:و إيّاكم و محاشّ النّساء،و قال:إنّما معنى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أيّ ساعة شئتم.

(العروسيّ 1:217)

ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح قال:تذاكرنا هذا عند ابن عبّاس،فقال ابن عبّاس:ائتوهنّ من حيث شئتم:مقبلة و مدبرة.فقال رجل:كان هذا حلالا،فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا،و أنكره كأنّه إنّما يريد الفرج، مقبلة و مدبرة في الفرج.(الطّبريّ 2:393)

سيبويه: (انّى)،تكون في معنى كيف و أين.

ص: 39

(4:235)

الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرّجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول،فأنزل اللّه عزّ و جلّ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ من خلف أو قدّام،خلافا لقول اليهود.و لم يعن في أدبارهنّ.(الكاشانيّ 1:233)

أبو عبيدة: كناية و تشبيه،قال: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ. (1:73)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ، فقال بعضهم:معنى(أنّى)كيف.

و قال آخرون: معنى أَنّى شِئْتُمْ من حيث شئتم، و أيّ وجه أحببتم.

و قال آخرون: معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ متى شئتم.

و قال آخرون: بل معنى ذلك أين شئتم،و حيث شئتم.

و قال آخرون: معنى ذلك ائتوا حرثكم كيف شئتم، إن شئتم فاعزلوا،و إن شئتم فلا تعزلوا.

و أمّا الّذين قالوا معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ: كيف شئتم-مقبلة و مدبرة في الفرج و القبل-فإنّهم قالوا:إنّ الآية إنّما نزلت في استنكار قوم من اليهود،استنكروا إتيان النّساء في أقبالهنّ من قبل أدبارهنّ،قالوا:و في ذلك دليل على صحّة ما قلنا،من أنّ معنى ذلك على ما قلنا.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ: من أيّ وجه شئتم؛و ذلك أنّ(أنّى) في كلام العرب كلمة تدلّ-إذا ابتدئ بها في الكلام-على المسألة عن الوجوه و المذاهب،فكأنّ القائل إذا قال لرجل:أنّى لك هذا المال؟يريد من أيّ الوجوه لك، و لذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول:من كذا و كذا،كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريّا في مسألته مريم: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.

و هي مقاربة:أين و كيف في المعنى،و لذلك تداخلت معانيها،فأشكلت(أنّى)على سامعها و متأوّلها،حتّى تأوّلها بعضهم بمعنى«أين»،و بعضهم بمعنى«كيف»، و آخرون بمعنى«متى»،و هي مخالفة جميع ذلك في معناها، و هنّ لها مخالفات.

و ذلك أنّ«أين»إنّما هي حرف استفهام عن الأماكن و المحالّ،و إنّما يستدلّ على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها،أ لا ترى أنّ سائلا لو سأل آخر فقال:أين مالك؟لقال بمكان كذا،و لو قال له:أين أخوك؟لكان الجواب أن يقول:ببلدة كذا،أو بموضع كذا، فيجيبه بالخبر عن محلّ ما سأله عن محلّه،فيعلم أنّ«أين» مسألة عن المحلّ.

و لو قال قائل لآخر:كيف أنت؟لقال:صالح أو بخير أو في عافية،و أخبره عن حاله الّتي هو فيها،فيعلم حينئذ أنّ«كيف»مسألة عن حال المسئول عن حاله.

و لو قال له:أنّى يحيي اللّه هذا الميّت؟لكان الجواب أن يقال:من وجه كذا و وجه كذا،فيصف قولا نظير ما وصف اللّه تعالى ذكره للّذي قال: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فعلا،حين بعثه من بعد مماته،و قد فرّقت الشّعراء بين ذلك في أشعارها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الّذي يدلّ على فساد قول من تأوّل قول اللّه تعالى ذكره: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ: كيف شئتم،أو تأوّله

ص: 40

بمعنى حيث شئتم،أو بمعنى متى شئتم،أو بمعنى أين شئتم؛ أنّ قائلا لو قال لآخر:أنّى تأتي أهلك؟لكان الجواب أن يقول:من قبلها أو من دبرها،كما أخبر اللّه تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت أَنّى لَكِ هذا أنّها قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.و إذ كان ذلك هو الجواب، فمعلوم أنّ معنى قول اللّه تعالى ذكره: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ إنّما هو:فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتى،و أنّ ما عدا ذلك من التّأويلات فليس للآية بتأويل.

و إذ كان ذلك هو الصّحيح،فبيّن خطأ قول من زعم أنّ قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ دليل على إباحة إتيان النّساء في الأدبار،لأنّ الدّبر لا يحترث فيه،و إنّما قال تعالى ذكره: حَرْثٌ لَكُمْ فأتوا الحرث من أيّ وجوهه شئتم،و أيّ محترث في الدّبر؟فيقال:ائته من وجهه.

و تبيّن بما بيّنّا صحّة معنى ما روي عن جابر و ابن عبّاس،من أنّ هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين:إذا أتى الرّجل المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول.(2:392-398)

القمّيّ:أي متى شئتم.و تأوّلت العامّة في قوله:

أَنّى شِئْتُمْ، أي حيث شئتم في القبل و الدّبر.

(1:73)

الجصّاص: اختلف في إتيان النّساء في أدبارهنّ، فكان أصحابنا يحرّمون ذلك و ينهون عنه أشدّ النّهي، و هو قول الثّوريّ و الشّافعيّ فيما حكاه المزنيّ.

قال الطّحاويّ: و حكى لنا محمّد بن عبد اللّه بن الحكم أنّه سمع الشّافعيّ يقول:ما صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في تحريمه و لا تحليله شيء،و القياس أنّه حلال.[و بعد نقل روايات في جوازه و تحريمه،قال:]

المشهور عن مالك إباحة ذلك،و أصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها و شناعتها،و هي عنه أشهر من أن يندفع بنفيهم عنه.و قد حكى محمّد بن سعيد عن أبي سليمان الجوزجانيّ قال:كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النّكاح في الدّبر،فضرب بيده إلى رأسه و قال:

السّاعة اغتسلت منه،و قد رواه عنه ابن القاسم على ما ذكرنا،و هو مذكور في الكتب الشّرعيّة.و يروى عن محمّد بن كعب القرظيّ أنّه كان لا يرى بذلك بأسا و يتأوّل فيه قوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ* وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ الشّعراء:

165،166[إلى أن قال:]

فإن قيل قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المعارج:29،30،يقتضي إباحة وطئهنّ في الدّبر لورود الإباحة مطلقة غير مقيّدة و لا مخصوصة.

قيل له:لمّا قال اللّه تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ثمّ قال في نسق التّلاوة: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أبان بذلك موضع المأمور به،و هو موضع الحرث.

و لم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلاّ في موضع الولد،فهو مقصور عليه دون غيره،و هو قاض مع ذلك على قوله تعالى: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المؤمنون:6،كما كان حظر وطء الحائض قاضيا على قوله: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ؛ فكانت هذه الآية مرتّبة

ص: 41

على ما ذكر من حكم الحائض.

و من يحظر ذلك يحتجّ بقوله: قُلْ هُوَ أَذىً البقرة:

222،فحظر وطء الحائض للأذى الموجود في الحيض، و هو القذر و النّجاسة،و ذلك موجود في غير موضع الولد في جميع الأحوال؛فاقتضى هذا التّعليل حظر وطئهنّ إلاّ في موضع الولد.

و من يبيحه يجيب عن ذلك بأنّ المستحاضة يجوز وطؤها باتّفاق من الفقهاء مع وجود الأذى هناك،و هو دم الاستحاضة،و هو نجس كنجاسة دم الحيض و سائر الأنجاس.

و يجيبون أيضا على تخصيصه إباحة موضع الحرث باتّفاق الجميع على إباحة الجماع فيما دون الفرج و إن لم يكن موضعا للولد.فدلّ على أنّ الإباحة غير مقصورة على موضع الولد.

و يجابون عن ذلك بأنّ ظاهر الآية يقتضي كون الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج،و أنّه هو الّذي عناه اللّه تعالى بقوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إذ كان معطوفا عليه.و لو لا قيام دلالة الإجماع لما جاز الجماع فيما دون الفرج.و لكنّا سلّمناه للدّلالة،و بقي حكم الحظر فيما لم تقم الدّلالة عليه.(1:351،353)

نحوه القرطبيّ.(3:93،94)

الشّريف المرتضى: جواز نكاح النّساء في أدبارهنّ.

هذه المسألة عليها إطباق الشّيعة الإماميّة و لا خلاف بين فقهائهم و علمائهم في الفتوى بإباحة ذلك،و إنّما يقلّ التّظافر بينهم في الفتوى بإباحة هذه المسألة على سبيل التّقيّة،و خوف من الشّناعة.

و الحجّة في إباحة هذا الوطء إجماع الفرقة المحقّة عليه،و قد بيّنّا إجماعهم حجّة،و يدلّ أيضا عليه قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ، و معنى أَنّى شِئْتُمْ كيف شئتم،و في أيّ موضع أردتم.

فإن قيل:ما أنكرتم أن يكون معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ أيّ وقت شئتم؟

قلنا:هذه اللّفظة تستعمل في الأماكن و المواضع و كلّ ما تستعمل في الأوقات،أ لا ترى أنّهم يقولون:ألق زيدا أين كان و أنّى كان،يريدون بذلك عموم الأماكن.و لو سلّمنا أنّها تستعمل في الأوقات،لحملنا الآية على عموم الأماكن و الأوقات،فكأنّه قال:فأتوا حرثكم أيّ موضع شئتم،و أيّ وقت شئتم.

فأمّا من يطعن على هذه بأن يقول:قد جعل اللّه تعالى النّساء حرثا،و الحرث لا يكون إلاّ حيث النّسل، فيجب أن يكون قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ مختصّا بموضع النّسل،فليس بشيء،لأنّ النّساء و إن كنّ لنا حرثا فقد أبيح لنا وطؤهنّ-بلا خلاف بهذه الآية و بغيرها-في غير موضع الحرث،فيما دون الفرج،و بحيث لا نسأل.فليس يقتضي جعله تعالى لهنّ حرثا حظّ الاستمتاع في غير موضع الحرث.

أ لا ترى أنّه لو قال صريحا:نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم في القبل و الدّبر و فيما دون الفرج و في كلّ موضع يقع به حظّ الاستمتاع،لكان الكلام صحيحا.

و قد استدلّ قوم في هذه المسألة بقوله تعالى:

أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ* وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ

ص: 42

رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ الشّعراء:

165،166،و قال:لا يجوز أن يدعوهم إلى التّعرّض بالأزواج عن الذّكران،إلاّ و قد أباح منهنّ من الوطء المخصوص مثل ما يلتمس من الذّكران.

و كذلك قالوا في قوله تعالى: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود:78،و أنّه لو لم يكن في بناته المعنى الملتمس من الذّكران ما جعلهنّ عوضا عنه.

و هذا ليس بشيء يعتمد،لأنّه يجوز أن يتعرّض من إتيان الذّكران بذلك،من حيث كان له عنه عوض بنكاح النّساء في الفروج المعهود،كان فيه من الاستمتاع و اللّذّة مثل ما في غيره،و كذلك القول في الآية الأخرى.

أ لا ترى أنّه كان يحسن التّصريح بما ذكرناه،فيقول:

أ تأتون الذّكران من العالمين و تذرون ما خلق لكم من أزواجكم من الوطء في القبل،لأنّه عوض عنه و مغن عن استعماله،على كلّ حال.

(رسائل الشّريف المرتضى:233،234)

الطّوسيّ: أَنّى شِئْتُمْ معناه من أين شئتم،في قول قتادة و الرّبيع.و قال مجاهد:معناه كيف شئتم.و قال الضّحّاك معناه:متى شئتم.

و هذا خطأ عند جميع المفسّرين،و أهل اللّغة،لأنّ (أنّى)لا يكون إلاّ بمعنى«من أين»كما قال: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.

و قال بعضهم:معناه من أيّ وجه،و استشهد بقول الكميت بن زيد:

أنّى و من أين آبك الطّرب

من حيث لا صبوة و لا ريب

و هذا لا شاهد فيه،لأنّه يجوز أن يكون:أنّى به، لاختلاف اللّفظين،كما يقولون:متى كان هذا و أيّ وقت كان؟و يجوز أن يكون بمعنى«كيف».

و تأوّل مالك،فقال: أَنّى شِئْتُمْ تفيد جواز الإتيان في الدّبر،و رواه عن نافع عن أبي عمرو،و حكاه زيد بن أسلم عن محمّد بن المنكدر،و روي من طرق جماعة عن ابن عمر،و به قال أكثر أصحابنا،و خالف في ذلك جميع الفقهاء و المفسّرين،و قالوا:هذا لا يجوز من وجوه:

أحدها:أنّ الدّبر ليس بحرث،لأنّه لا يكون فيه الولد.

و هذا ليس بشيء،لأنّه لا يمتنع أن تسمّى النّساء حرثا،لأنّه يكون منهنّ الولد،ثمّ يبيح الوطء فيما لا يكون منه الولد.يدلّ على ذلك أنّه لا خلاف،أنّه يجوز الوطء بين الفخذين و إن لم يكن هناك ولد.

و ثانيها:قالوا:قال اللّه: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ و هو الفرج،و الإجماع على أنّ الآية الثّانية ليست بناسخة للأولى.

و هذا أيضا لا دلالة فيه،لأنّ قوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ معناه من حيث أباح اللّه لكم،أو من الجهة الّتي شرّعها لكم،على ما حكيناه عن الزّجّاج،و يدخل في ذلك الموضعان معا.

و ثالثها:قالوا:إنّ معناه من أين شئتم،أي اأتوا الفرج من أين شئتم،و ليس في ذلك إباحة لغير الفرج.

و هذا أيضا ضعيف،لأنّا لا نسلّم أنّ معناه الفرج،بل عندنا معناه اأتوا النّساء،أو اأتوا الحرث من أين شئتم،

ص: 43

و يدخل فيه جميع ذلك.

و رابعها:قالوا:قوله في المحيض: قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة:222،فإذا حرم للأذى في الدّم،و الأذى بالنّجو أعظم منه.

و هذا أيضا ليس بشيء،لأنّ هذا حمل الشّيء على غيره من غير علّة،على أنّه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله:

قُلْ هُوَ أَذىً البقرة:222،غير النّجاسة،بل المراد أنّ في ذلك مفسدة،و لا يجوز أن يحمل على غيره إلاّ بدليل يوجب العلم على أنّ«الأذى»بمعنى النّجاسة حاصل في البول و دم الاستحاضة،و مع هذا فليس بمنهيّ عن الوطء في الفرج.

و يقال:إنّ هذه الآية نزلت ردّا على اليهود،و أنّ الرّجل إذا أتى المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول،فأكذبهم اللّه في ذلك،ذكره ابن عبّاس و جابر، و رواه أيضا أصحابنا.و قال الحسن:أنكر اليهود إتيان المرأة قائمة،و باركة،فأنزل اللّه إباحته بعد أن يكون في الفرج،و هو السّبب الّذي روي.و لا يمنع أن يكون ما ذكرناه مباحا،لأنّ غاية ما في السّبب أن تطابقه الآية، فأمّا أن لا تتعدّاه،فلا يجب عند أكثر المحصّلين.

(2:223،224)

نحوه الطّبرسيّ.(1:320)

الزّمخشريّ: تمثيل،أي فأتوهنّ كما تأتون أراضيكم الّتي تريدون أن تحرثوها من أيّ جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة.و المعنى جامعوهنّ من أيّ شقّ أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا،و هو موضع الحرث.

و قوله: هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ... مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ من الكنايات اللّطيفة و التّعريضات المستحسنة.و هذه و أشباهها في كلام اللّه آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلّموها و يتأدّبوا بها،و يتكلّفوا مثلها في محاوراتهم و مكاتباتهم.(1:362)

ابن عطيّة: معناه عند جمهور العلماء-من صحابة و تابعين و أئمّة-من أيّ وجه شئتم،مقبلة و مدبرة و على جنب.و أنّى إنّما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات، فهي أعمّ في اللّغة من كيف و من أين و من متى.

هذا هو الاستعمال العربيّ،و قد فسّر النّاس(أنّى)في هذه الآية بهذه الألفاظ،و فسّرها سيبويه بكيف و من أين،باجتماعهما.(1:299)

ابن العربيّ: اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها،فجوّزه طائفة كثيرة.و قد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب«جماع النّسوان و أحكام القرآن»و أسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصّحابة و التّابعين و إلى مالك،من روايات كثيرة.[ثمّ ذكر روايات في عدم الجواز]

(1:173)

الفخر الرّازيّ: [بعد نقل قول العلماء في جواز الوطء و عدمه قال:]

حجّة من قال بالجواز وجوه:

الحجّة الأولى:التّمسّك بهذه الآية من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة،فقال:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فهذا يدلّ على أنّ الحرث اسم للمرأة،لا للموضع المعيّن،فلمّا قال بعده: فَأْتُوا

ص: 44

حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ كان المراد فأتوا نساءكم أنّى شئتم، فيكون هذا إطلاقا في إتيانهنّ على جميع الوجوه؛فيدخل فيه محلّ النّزاع.

الوجه الثّاني:أنّ كلمة(انّى)معناها أين،قال اللّه تعالى: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:

37،و التّقدير:من أين لك هذا،فصار تقدير الآية:فأتوا حرثكم أين شئتم.و كلمة«اين شئتم»تدلّ على تعدّد الأمكنة،يقال:اجلس أين شئت،و يكون هذا تخييرا بين الأمكنة.

إذا ثبت هذا فنقول:ظهر أنّه لا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها في قبلها،أو من دبرها في قبلها،لأنّ على هذا التّقدير المكان واحد،و التّعداد إنّما وقع في طريق الإتيان،و اللّفظ اللاّئق به أن يقال:اذهبوا إليه كيف شئتم.فلمّا لم يكن المذكور هاهنا لفظة«كيف»بل لفظة«انّى»و ثبت أنّ لفظة«انّى»مشعرة بالتّخيير بين الأمكنة،ثبت أنّه ليس المراد ما ذكرتم بل ما ذكرناه.

الحجّة الثّانية لهم:التّمسّك بعموم قوله تعالى: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المؤمنون:6،ترك العمل به في حقّ الذّكور لدلالة الإجماع،فوجب أن يبقى معمولا به في حقّ النّسوان.

الحجّة الثّالثة:توافقنا على أنّه لو قال للمرأة:دبرك عليّ حرام،و نوى الطّلاق؛أنّه يكون طلاقا،و هذا يقتضي كون دبرها حلالا له،هذا مجموع كلام القوم في هذا الباب.

أجاب الأوّلون فقالوا:الّذي يدلّ على أنّه لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية إتيان النّساء في غير المأتى وجوه:

الأوّل:أنّ الحرث اسم لموضع الحراثة،و معلوم أنّ المرأة بجميع أجزائها ليست موضعا للحراثة،فامتنع إطلاق اسم الحرث على ذات المرأة،و يقتضي هذا الدّليل أن لا يطلق لفظ الحرث على ذات المرأة إلاّ أنّا تركنا العمل بهذا الدّليل في قوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، لأنّ اللّه تعالى صرّح هاهنا بإطلاق لفظ الحرث على ذات المرأة،فحملنا ذلك على المجاز المشهور،من تسمية كلّ الشّيء باسم جزئه،و هذه الصّورة مفقودة في قوله:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ؛ فوجب حمل الحرث هاهنا على موضع الحراثة على التّعيين،فثبت أنّ هذه الآية لا دلالة فيها إلاّ على إتيان النّساء في المأتى.

الوجه الثّاني:في بيان أنّ هذه الآية لا يمكن أن تكون دالّة على ما ذكروه:لما بيّنّا أنّ ما قبل هذه الآية يدلّ على المنع،ممّا ذكروه من وجهين:

أحدهما:قوله: قُلْ هُوَ أَذىً. و الثّاني:قوله:

فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،فلو دلّت هذه الآية على التّجويز لكان ذلك جمعا بين ما يدلّ على التّحريم،و بين ما يدلّ على التّحليل في موضع واحد، و الأصل أنّه لا يجوز.

الوجه الثّالث:الرّوايات المشهورة في أنّ سبب نزول هذه الآية اختلافهم في أنّه هل يجوز إتيانها من دبرها في قبلها؟و سبب نزول الآية لا يكون خارجا عن الآية، فوجب كون الآية متناولة لهذه الصّورة،و متى حملناها على هذه الصّورة لم يكن بنا حاجة إلى حملها على الصّورة الأخرى؛فثبت بهذه الوجوه أنّ المراد من الآية

ص: 45

ليس ما ذكروه.و عند هذا نبحث عن الوجوه الّتي تمسّكوا بها على التّفصيل.

أمّا الوجه الأوّل:فقد بيّنّا أنّ قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ معناه فأتوا موضع الحرث.

و أمّا الثّاني:فإنّه لمّا كان المراد ب«الحرث»في قوله:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ذلك الموضع المعيّن،لم يكن حمل أَنّى شِئْتُمْ على التّخيير في المكان.و عند هذا يضمر فيه زيادة،و هي أن يكون المراد من أَنّى شِئْتُمْ، فيضمر لفظة«من»لا يقال:ليس حمل لفظ الحرث على حقيقته، و التزام هذا الإضمار أولى من حمل لفظ الحرث على المرأة على سبيل المجاز،حتّى لا يلزمنا هذا الإضمار،لأنّا نقول:

بل هذا أولى،لأنّ الأصل في الإبضاع الحرمة.

و أمّا الثّالث فجوابه:أنّ قوله: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المؤمنون:6،عامّ،و دلائلنا خاصّة،و الخاصّ مقدّم على العامّ.

و أمّا الرّابع فجوابه:أنّ قوله:دبرك عليّ حرام،إنّما صلح أن يكون كناية عن الطّلاق،لأنّه محلّ لحلّ الملابسة و المضاجعة،فصار ذلك كقوله:يدك طالق،و اللّه أعلم.

و اختلف المفسّرون في تفسير قوله: أَنّى شِئْتُمْ و المشهور ما ذكرناه،أنّه يجوز للزّوج أن يأتيها من قبلها في قبلها،و من دبرها في قبلها.و الثّاني:أنّ المعنى أيّ وقت شئتم من أوقات الحلّ،يعني إذا لم تكن أجنبيّة،أو محرمة،أو صائمة،أو حائضا.و الثّالث:أنّه يجوز للرّجل أن ينكحها قائمة أو باركة،أو مضطجعة،بعد أن يكون في الفرج.الرّابع:قال ابن عبّاس:المعنى إن شاء عزل،و إن شاء لم يعزل،و هو منقول عن سعيد بن المسيّب.الخامس:

متى شئتم من ليل أو نهار.

فإن قيل:فما المختار من هذه الأقاويل؟

قلنا:قد ظهر عن المفسّرين أنّ سبب نزول هذه الآية هو أنّ اليهود كانوا يقولون:من أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول،فأنزل اللّه تعالى هذا لتكذيب قولهم،فكان الأولى حمل اللّفظ عليه.و أمّا الأوقات فلا مدخل لها في هذا الباب،لأنّ(انّى)يكون بمعنى متى، و يكون بمعنى كيف.و أمّا العزل و خلافه فلا يدخل تحت (انّى)لأنّ حال الجماع لا يختلف بذلك،فلا وجه لحمل الكلام إلاّ على ما قلنا.(6:75-78)

أبو حيّان: [بعد نقل كلام الفقهاء في جواز وطء المرأة و حرمتها،ذكر كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و هو حسن،قالوا:و العامل في(انّى)(فاتوا).و هذا الّذي قالوه لا يصحّ،لأنّا قد ذكرنا أنّها تكون استفهاما أو شرطا.لا جائز أن تكون هنا شرطا،لأنّها إذ ذاك تكون ظرف مكان،فيكون ذلك مبيحا لإتيان النّساء في غير القبل،و قد ثبت تحريم ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و على تقدير الشّرطيّة يمتنع أن يعمل في الظّرف الشّرطيّ ما قبله،لأنّه معمول لفعل الشّرط،كما أنّ فعل الشّرط معمول له.

و لا جائز أن يكون استفهاما،لأنّها إذا كانت استفهاما اكتفت بما بعدها من فعل،كقوله: أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ آل عمران:47،أو من اسم كقوله: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،و لا يفتقر إلى غير ذلك.و هنا يظهر افتقارها و تعلّقها بما قبلها،و على تقدير أن يكون استفهاما لا يعمل فيها ما قبلها و إنّها تكون معمولة للفعل

ص: 46

بعدها؛فتبيّن على وجهي(أنّى)أنّها لا تكون معمولة لما قبلها،و هذا من المواضع المشكلة الّتي تحتاج إلى فكر و نظر.

و الّذي يظهر-و اللّه أعلم-أنّها تكون شرطا لافتقارها إلى جملة غير الجملة الّتي بعدها،و تكون قد جعلت فيها الأحوال كجعل الظّروف المكانيّة،و أجريت مجراها تشبيها للحال بالظّرف المكانيّ.

و قد جاء نظير ذلك في لفظ«كيف»خرج به عن الاستفهام إلى معنى الشّرط في قولهم:كيف تكون أكون، و قال تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ المائدة:64،فلا يجوز أن تكون هنا استفهاما و إنّما لحظ فيها معنى الشّرط و ارتباط الجملة بالأخرى،و جواب الجملة محذوف و يدلّ عليه ما قبله،تقديره:أنّى شئتم فأتوه،و كيف يشاء ينفق.كما حذف جواب الشّرط في قولك:اضرب زيدا أنّى لقيته،التّقدير:أنّى لقيته فاضربه.

فإن قلت:قد أخرجت(انّى)عن الظّرفيّة الحقيقيّة و أبقيتها لتعميم الأحوال مثل«كيف»و جعلتها مقتضية لجملة أخرى كجملة الشّرط،فهل الفعل الماضي الّذي هو(شئتم)في موضع جزم كحالها إذا كانت ظرفا،أم هو في موضع رفع كهو بعد«كيف»في قولهم:كيف تصنع أصنع؟

فالجواب:أنّه يحتمل الأمرين،لكن يرجّح أن تكون في موضع جزم،لأنّه قد استقرّ الجزم بها إذا كانت ظرفا صريحا غاية ما في ذلك تشبيه الأحوال بالظّروف،و بينهما علاقة واضحة؛إذ كلّ منهما على معنى«في»بخلاف «كيف»فإنّه لم يستقرّ فيها الجزم.و من أجاز الجزم بها فإنّما قاله بالقياس،و المحفوظ عن العرب الرّفع في الفعل بعدها،حيث يقتضي جملة أخرى.(2:171)

الكاشانيّ: [بعد نقل روايتين عن الإمام الصّادق و الإمام الرّضا عليهما السّلام كما تقدّم،قال:]

لا منافاة بين الرّوايتين،لأنّ المراد بالأولى نفي دلالة هذه الآية على حلّ الأدبار،و المراد بالثّانية نفي دلالة قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222 على حرمتها.

و أمّا تلاوته هذه الآية عقيب ذلك فاستشهاد منه بها على أنّ اللّه سبحانه إنّما أراد طلب الولد إذ سمّاهنّ الحرث.و يجوز أن يكون قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،إشارة إلى الأمر بالمباشرة،و طلب الولد في قوله سبحانه: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ البقرة:187.

و في الرّواية الثّانية إشارة إلى أنّ المتوقّف حلّه على التّطهّر هو موضع الحرث خاصّة،دون سائر المواضع.(1:233)

الآلوسيّ: اختار بعض المحقّقين كونها هنا بمعنى«من أين»أي من أيّ جهة،ليدخل فيه بيان النّزول.و القول بأنّ الآية حينئذ تكون دليلا على جواز الإتيان من الأدبار ناشئ من عدم التّدبّر في أنّ«من»لازمة إذ ذاك، فيصير المعنى؛من أيّ مكان،لا في أيّ مكان.فيجوز أن يكون المستفاد حينئذ تعميم الجهات من القدّام و الخلف و الفوق و التّحت و اليمين و الشّمال،لا تعميم مواضع الإتيان.

ص: 47

فلا دليل في الآية لمن جوّز إتيان المرأة في دبرها كابن عمر-و الأخبار عنه في ذلك صحيحة مشهورة، و الرّوايات عنه بخلافها على خلافها-و كابن أبي مليكة، و عبد اللّه بن القاسم-حتّى قال فيما أخرجه الطّحاويّ عنه:ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني،يشكّ في أنّه حلال و ك-مالك بن أنس-حتّى أخرج الخطيب عن أبي سليمان الجوزجانيّ أنّه سأله عن ذلك،فقال له:السّاعة غسلت رأس ذكري منه-و كبعض الإماميّة لا كلّهم- كما يظنّه بعض النّاس ممّن لا خبرة له بمذهبهم- و كسحنون من المالكيّة-و الباقي من أصحاب مالك ينكرون رواية الحلّ عنه،و لا يقولون به.

و يا ليت شعري كيف يستدلّ بالآية على الجواز مع ما ذكرناه فيها و مع قيام الاحتمال،كيف ينتهض الاستدلال لا سيّما و قد تقدّم قبل وجوب الاعتزال في المحيض و علّل بأنّه أذى مستقذر،تنفر الطّباع السّليمة عنه،و هو يقتضي وجوب الاعتزال عن الإتيان في الأدبار لاشتراك العلّة،و لا يقاس ما في المحاشّ من الفضلة بدم الاستحاضة،و من قاس فقد أخطأت استه الحفرة لظهور الاستقذار.و النّفرة ممّا في المحاش دون دم الاستحاضة،و هو دم انفجار العرق كدم الجرح.

و على فرض تسليم أنّ(انّى)تدلّ على تعميم مواضع الإتيان-كما هو الشّائع-يجاب بأنّ التّقييد بمواضع الحرث يدفع ذلك.فقد أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،عن سعيد بن جبير،قال:بينا أنا و مجاهد جالسان عند ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما إذ أتاه رجل فقال:أ لا تشفيني من آية المحيض؟قال:بلى،فقرأ:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ إلى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،فقال ابن عبّاس:من حيث جاء الدّم من ثمّ أمرت أن تأتي.فقال:كيف بالآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ؟ البقرة:

223،فقال:ويحك،و في الدّبر من حرث،لو كان ما تقول حقّا لكان المحيض منسوخا،إذا شغل من هاهنا جئت من هاهنا،و لكن (أَنّى شِئْتُمْ) من اللّيل و النّهار.

و ما قيل:من أنّه لو كان في الآية تعيّن الفرج لكونه موضع الحرث للزم تحريم الوطء بين السّاقين و في الأعكان،لأنّها ليست موضع حرث كالمحاشّ،مدفوع بأنّ الإمناء فيما عدا الصّمّامين لا يعدّ في العرف جماعا و وطء،و اللّه تعالى قد حرّم الوطء و الجماع في غير موضع الحرث لا الاستمناء،فحرمة الاستمناء بين السّاقين و في الأعكان لم تعلم من الآية إلاّ أن يعدّ ذلك إيتاء و جماعا و أنّى به؟

و لا أظنّك في مرية من هذا،و به يعلم ما في مناظرة الإمام الشّافعيّ،و الإمام محمّد بن الحسن؛فقد أخرج الحاكم عن عبد الحكم أنّ الشّافعيّ ناظر محمّدا في هذه المسألة،فاحتجّ عليه ابن الحسن بأنّ الحرث إنّما يكون في الفرج.فقال له:أ فيكون ما سوى الفرج محرّما فالتزمه؟ فقال:أ رأيت لو وطأها بين ساقيها أو في أعكانها أو في ذلك حرث؟قال:لا،قال:أ فيحرم؟قال:لا،قال:فكيف تحتجّ بما لا تقول به.و كأنّه من هنا قال الشّافعيّ فيما حكاه عنه الطّحاويّ،و الحاكم،و الخطيب لمّا سئل عن ذلك:

ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في تحليله و لا تحريمه شيء،و القياس أنّه حلال.

ص: 48

و هذا خلاف ما نعرف من مذهب الشّافعيّ،فإنّ رواية التّحريم عنه مشهورة.فلعلّه كان يقول ذلك في القديم و رجع عنه في الجديد،لما صحّ عنده من الأخبار، أو ظهر له من الآية.(2:124،125)

الطّباطبائيّ: «انّى»من أسماء الشّرط يستعمل في الزّمان كمتى،و ربّما استعمل في المكان أيضا،قال تعالى:

يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:

37،فإن كان بمعنى المكان كان المعنى من أيّ محلّ شئتم، و إن كان بمعنى الزّمان كان المعنى في أيّ زمان شئتم.

و كيف كان،يفيد الإطلاق بحسب معناه،و خاصّة من حيث تقييده بقوله:(شئتم)و هذا هو الّذي يمنع الأمر، أعني قوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أن يدلّ على الوجوب؛إذ لا معنى لإيجاب فعل مع إرجاعه إلى اختيار المكلّف و مشيئته.(2:212)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ هذه الكلمة تدلّ على الاستفهام في مقام التّحقيق،في مورد يناسب الزّمان و الوقت،و قد وردت في القرآن المجيد في(28)موردا، و هذا المعنى هو الأنسب في جميعها.

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ كيف و في أيّ زمان شئتم؟

أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:259،كيف و في أيّ وقت يحييها اللّه؟

أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ آل عمران:40،كيف و متى يكون لى غلام؟

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ فاطر:3، ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ يونس:34، سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّى تُسْحَرُونَ المؤمنون:89،فكيف و متى تؤفكون و تسحرون و تصرفون؟

قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37،كيف و متى تهيّأ هذا الرّزق و حضر عندك؟

و يصحّ أن يكون بمعنى المكان«أين»مجازا.

(1:154،155)

2- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها...

البقرة:259

الطّبريّ: معنى ذلك أنّ قائله لمّا مرّ ببيت المقدس، أو بالموضع الّذي ذكر اللّه أنّه مرّ به خرابا بعد ما عهده عامرا،قال: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟ فقال:

بعضهم:كان قيله ما قال من ذلك شكّا في قدرة اللّه على إحيائه،فأراه اللّه قدرته على ذلك،بضربه المثل له في نفسه،ثمّ أراه الموضع الّذي أنكر قدرته على عمارته و إحيائه،أحيا ما رآه قبل خرابه،و أعمر ما كان قبل خرابه.(3:31)

الطّوسيّ: معناه كيف،و ذلك يدلّ على أنّ(أنّى) في قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223،معناه كيف شئتم،دون ما قاله بعضهم من أنّ معناه حيث شئتم، لأنّ معناه هاهنا لا يكون إلاّ على«كيف».و لقائل أن يقول:إنّ اللّفظ مشترك و إنّما يستفاد بحسب مواضعه.

و قال الزّجّاج:معناه«من أين»في الموضعين.(2:321)

الزّمخشريّ: اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة

ص: 49

الإحياء،و استعظام لقدرة المحيي.(1:389)

الطّبرسيّ: أي كيف يعمّر اللّه هذه القرية بعد خرابها؟و قيل:كيف يحيي اللّه أهلها بعد ما ماتوا.و أطلق لفظ القرية و أراد به أهلها،كقوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،و لم يقل ذلك إنكارا و لا تعجّبا و لا ارتيابا، و لكنّه أحبّ أن يريه اللّه إحياءها مشاهدة،كما يقول الواحد منّا:كيف يكون حال النّاس يوم القيامة،و كيف يكون حال أهل الجنّة في الجنّة،و كيف يكون حال أهل النّار في النّار؟و كقول إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260،أحبّ أن يريه اللّه إحياء الموتى مشاهدة ليحصل له العلم به ضرورة،كما حصل العلم دلالة،لأنّ العلم الاستدلاليّ ربّما اعتورته الشّبهة.

(1:370)

الفخر الرّازيّ: هذا كلام من يستبعد من اللّه الإحياء بعد الإماتة،و ذلك كفر.

فإن قيل:يجوز أنّ ذلك وقع منه قبل البلوغ.

قلنا:لو كان كذلك لم يجز من اللّه تعالى أن يعجب رسوله منه؛إذ الصّبيّ لا يتعجّب من شكّه في مثل ذلك.

و هذه الحجّة ضعيفة لاحتمال أنّ ذلك الاستبعاد ما كان بسبب الشّكّ في قدرة اللّه تعالى على ذلك،بل كان بسبب اطّراد العادات في أنّ مثل ذلك الموضع الخراب قلّما يصيّره اللّه معمورا.و هذا كما أنّ الواحد منّا يشير إلى جبل،فيقول:متى يقلّبه اللّه ذهبا أو ياقوتا،لا أنّ مراده منه الشّكّ في قدرة اللّه تعالى،بل على أنّ مراده منه أنّ ذلك لا يقع و لا يحصل في مطّرد العادات،فكذا هاهنا.(7:30،31)

القرطبيّ: معناه من أيّ طريق و بأيّ سبب.و ظاهر اللّفظ السّؤال عن إحياء القرية بعمارة و سكّان،كما يقال الآن في المدن الخربة الّتي يبعد أن تعمر و تسكن:أنّى تعمر هذه بعد خرابها؟فكأنّ هذا تلهّف من الواقف المعتبر على مدينته الّتي عهد فيها أهله و أحبّته،و ضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم ممّا سأل عنه.و المثال الّذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أنّ سؤاله إنّما كان على إحياء الموتى من بني آدم،أي أنّى يحيي اللّه موتاها؟!

و قد حكى الطّبريّ عن بعضهم أنّه قال:كان هذا القول شكّا في قدرة اللّه تعالى على الإحياء،فلذلك ضرب له المثل في نفسه.

قال ابن عطيّة: و ليس يدخل شكّ في قدرة اللّه تعالى على إحياء قرية بجلب العمارة إليها،و إنّما يتصوّر الشّكّ من جاهل في الوجه الآخر،و الصّواب ألاّ يتأوّل في الآية شكّ.(3:290)

رشيد رضا: يتعجّب من ذلك و يعدّه غريبا، لا يكاد يقع.(3:49)

الطّباطبائيّ: أي أنّى يحيي اللّه أهل هذه القرية؟ ففيه مجاز،كما في قوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:

82.

و إنّما قال هذا القول استعظاما للأمر و لقدرة اللّه سبحانه،من غير استبعاد يؤدّي إلى الإنكار أو ينشأ منه، و الدّليل على ذلك قوله على ما حكى اللّه تعالى عنه في آخر القصّة: أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:

259،و لم يقل:الآن،كما في ما يماثله من قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ

ص: 50

يوسف:51،و سيجيء توضيحه قريبا.

على أنّ الرّجل نبيّ مكلّم و آية مبعوثة إلى النّاس، و الأنبياء معصومون حاشاهم عن الشّكّ و الارتياب في البعث،الّذي هو أحد أصول الدّين.(2:361)

3- قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ. آل عمران:37

ابن عبّاس: إنّه وجد عندها الفاكهة الغضّة،حين لا توجد الفاكهة عند أحد،فكان زكريّا يقول:يا مريم أنّى لك هذا؟(الطّبريّ 3:247)

أبو عبيدة: أي من أين لك هذا.[ثمّ استشهد بشعر](1:91)

الطّبريّ: قال زكريّا: يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا؟ من أيّ وجه لك هذا الّذي أرى عندك من الرّزق؟قالت مريم مجيبة له: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ تعني أنّ اللّه هو الّذي رزقها ذلك،فساقه إليها و أعطاها.و إنّما كان زكريّا يقول ذلك لها،لأنّه كان-فيما ذكر لنا-يغلق عليها سبعة أبواب،و يخرج ثمّ يدخل عليها،فيجد عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف،و فاكهة الصّيف في الشّتاء فكان يعجب ممّا يرى من ذلك،و يقول لها تعجّبا ممّا يرى:

أَنّى لَكِ هذا؟ فتقول: مِنْ عِنْدِ اللّهِ. (3:247)

النّحّاس: قال أبو عبيدة:المعنى من أين لك؟

و هذا القول فيه تساهل،لأنّ«أين»سؤال عن المواضع و«أنّى»سؤال عن المذاهب و الجهات،و المعنى من أيّ المذاهب و من أيّ الجهات لك هذا؟[ثمّ استشهد بشعر](1:389)

الطّوسيّ: معناه من أين لك،و قال قوم:معناه كيف لك،و الأوّل أظهر.(2:448)

نحوه الطّبرسيّ.(1:436)

الزّمخشريّ: من أين لك هذا الرّزق الّذي لا يشبه أرزاق الدّنيا،و هو آت في غير حينه،و الأبواب مغلقة عليك،لا سبيل للدّاخل به إليك؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فلا تستبعد.

قيل:تكلّمت و هي صغيرة،كما تكلّم عيسى و هو في المهد.

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّه جاع في زمن قحط فأهدت له فاطمة رضي اللّه عنها رغيفين و بضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها،و قال:هلمّي يا بنيّة،فكشفت عن الطّبق فإذا هو مملوء خبزا و لحما،فبهتت و علمت أنّها نزلت من عند اللّه،فقال لها صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّى لك هذا؟فقالت:هو من عند اللّه،إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.فقال عليه الصّلاة و السّلام:الحمد للّه الّذي جعلك شبيهة سيّدة نساء بني إسرائيل.ثمّ جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين و جميع أهل بيته فأكلوا عليه حتّى شبعوا،و بقي الطّعام كما هو،فأوسعت فاطمة على جيرانها».(1:427)

أبو حيّان: استغرب زكريّا وجود الرّزق عندها و هو لم يكن أتى به،و تكرّر وجوده عندها كلّما دخل عليها، فسأل على سبيل التّعجّب من وصول الرّزق إليها و كيف أتى هذا الرّزق.

و«أنّى»سؤال عن الكيفيّة و عن المكان و عن الزّمان،و الأظهر أنّه سؤال عن الجهة،فكأنّه قال:من أيّ

ص: 51

جهة لك هذا الرّزق،و لذلك قال أبو عبيدة:معناه من أين.

و لا يبعد أن يكون سؤالا عن الكيفيّة،أي كيف تهيّأ وصول هذا الرّزق إليك؟[ثمّ استشهد بشعر](2:443)

رشيد رضا:أي من أين لك هذا،و الأيّام أيّام قحط.

قال الأستاذ الإمام ما مثاله مبسوطا: إنّ القرآن نزل سائغا يسهل على كلّ أحد فهمه،من غير حاجة إلى عناء و لا ذهاب في الدّفاع عن شيء خلاف الظّاهر؛فعلينا أن لا نخرج عن سنّته و لا نضيف إليه حكايات إسرائيليّة أو غير إسرائيليّة لجعل هذه القصّة من خوارق العادات، و البحث عن ذلك الرّزق ما هو،و من أين جاء؟فضول لا يحتاج إليه لفهم المعنى و لا لمزيد العبرة،و لو علم اللّه أنّ في بيانه خيرا لنا لبيّنه.(3:293)

الطّباطبائيّ: قوله: قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا...

فصل الكلام من غير أن يعطف على قوله: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً يدلّ على أنّه عليه السّلام إنّما قال لها ذلك مرّة واحدة فأجابت بما قنع به،و استيقن أنّ ذلك كرامة لها،و هنا لك دعا و سأل ربّه ذريّة طيّبة.(3:175)

4- قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ.

آل عمران:40

عكرمة: أتاه الشّيطان،فأراد أن يكدّر عليه نعمة ربّه،فقال:هل تدري من ناداك؟قال:نعم،ناداني ملائكة ربّي.قال:بل ذلك الشّيطان،لو كان هذا من ربّك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك.فقال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً آل عمران:41،فكان قوله ما قال من ذلك،و مراجعته ربّه فيما راجع فيه بقوله: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ للوسوسة الّتي خالطت قلبه من الشّيطان،حتّى خيّلت إليه أنّ النّداء الّذي سمعه كان نداء من غير الملائكة،فقال: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مستثبتا في أمره،ليتقرّر عنده بآية، يريه اللّه في ذلك أنّه بشارة من اللّه على ألسن ملائكته، و لذلك قال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً (1)

(الطّبريّ 3:258)

الحسن: من أيّ وجه يكون لي الولد؟أ يكون بإزالة العقر عن زوجتي،و ردّ شبابي؟أم يأتي و نحن على حالنا؟فكان ذلك على سبيل الاستعلام،لا على وجه الشّكّ.

مثله ابن الأنباريّ،و ابن كيسان.

(ابن الجوزيّ 1:348)

السّدّيّ: لمّا سمع النّداء،يعني زكريّا لمّا سمع نداء الملائكة،بالبشارة بيحيى،جاءه الشّيطان فقال له:

يا زكريّا إنّ الصّوت الّذي سمعت،ليس هو من اللّه،إنّما هو من الشّيطان يسخر بك،و لو كان من اللّه أوحاه إليك،كما يوحي إليك في غيره من الأمر،فشكّ مكانه،و قال:

أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ذكر؟يقول:و من أين وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ؟ (الطّبريّ 3:257)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف قال زكريّا و هو نبيّ اللّه: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ و قد بشّرته الملائكة بما بشّرته به،عن أمر اللّه إيّاها به؟أشكّ في صدقهم؟فذلك ما لا يجوز أن يوصف بهل.

ص: 52


1- هذا مخالف لعصمة الأنبياء و قد ردّه الشّرع و العقل.

أهل الإيمان باللّه،فكيف الأنبياء و المرسلون؟!أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربّه،فذلك أعظم في البليّة؟

قيل:كان ذلك منه صلّى اللّه عليه و سلّم على غير ما ظننت،بل كان قيله ما قال من ذلك.[ثمّ نقل قول السّدّيّ و عكرمة إلى أن قال:]

و قد يجوز أن يكون قيله ذلك مسألة منه ربّه:من أيّ وجه يكون الولد الّذي بشّر به،أ من زوجته فهي عاقر، أم من غيرها من النّساء؟فيكون ذلك على غير الوجه الّذي قاله عكرمة و السّدّيّ،و من قال مثل قولهما.

(3:257،258)

النّحّاس: يقال:كيف استنكر هذا و هو نبيّ،يعلم أنّ اللّه يفعل ما يريد؟ففي هذا جوابان:

أحدهما:أنّ المعنى بأيّ منزلة استوجبت هذا؟على التّواضع للّه.و كذلك قيل في قول مريم: أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آل عمران:47؟

و الجواب الآخر:أنّ زكريّا أراد أن يعلم هل يردّ شابّا؟و هل تردّ امرأته؟و هل يرزقهما اللّه ولدا من غير ردّ؟أو من غيرها؟

فأعلمهم اللّه عزّ و جلّ أنّه يرزقهما ولدا من غير ردّ، فقال عزّ و جلّ: كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ. (1:395)

الطّوسيّ: إن قيل:لم راجع هذه المراجعة مع ما بشّره اللّه تعالى بأنّه يهب له ذرّيّة طيّبة،و بعد أن سأل ذلك؟

قيل:إنّما راجع ليعرف على أيّ حال يكون ذلك أ يردّه إلى حال الشّباب و امرأته،أم مع الكبر،فقال اللّه تعالى: كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ أي على هذه الحال، و تقديره:كذلك الأمر الّذي أنت عليه يفعل اللّه ما يشاء، هذا قاله الحسن.

و قيل في وجه آخر:و هو أنّه قال على وجه الاستعظام لمقدور اللّه،و التّعجّب الّذي يحدث للإنسان عند ظهور آية عظيمة من آيات اللّه،كما يقول القائل:

كيف سمحت نفسك بإخراج الملك النّفيس من يدك؟ تعجّبا من جوده،و اعترافا بعظمه.

و قال بعضهم:إنّ ذلك إنّما كان للوسوسة الّتي خالطت قلبه من قبل الشّيطان،حتّى خيّلت إليه أنّ النّداء كان من غير الملائكة.و هذا لا يجوز،لأنّ النّداء كان على وجه الإعجاز على عادة الملك فيما يأتي به من الوحي عن اللّه،و الأنبياء عليهم السّلام لا يجوز عليهم تلاعب الشّيطان بهم حتّى يختلط عليهم طريق الإفهام،فلا يعرفوا نداء ملك من نداء شيطان أو إنسان.(2:453)

الزّمخشريّ: استبعاد من حيث العادة،كما قالت مريم.(1:428)

الطّبرسيّ:أي من أين يكون،و قيل:كيف يكون.

[إلى أن قال:]

و يحتمل أن يكون اشتبه الأمر عليه أ يعطيه الولد من امرأته العجوز أم من امرأة أخرى شابّة،فقال اللّه (كذلك).(1:439)

الفخر الرّازيّ:لمّا كان زكريّا عليه السّلام هو الّذي سأل الولد،ثمّ أجابه اللّه تعالى إليه،فلم تعجّب منه و لم استبعده؟

الجواب:لم يكن هذا الكلام لأجل أنّه كان شاكّا في قدرة اللّه تعالى على ذلك،و الدّليل عليه وجهان:

ص: 53

الأوّل:أنّ كلّ أحد يعلم أنّ خلق الولد من النّطفة إنّما كان على سبيل العادة،لأنّه لو كان لا نطفة إلاّ من خلق، و لا خلق إلاّ من نطفة،لزم التّسلسل و لزم حدوث الحوادث في الأزل،و هو محال،فعلمنا أنّه لا بدّ من الانتهاء إلى مخلوق خلقه اللّه تعالى لا من نطفة،أو من نطفة خلقها اللّه تعالى لا من إنسان.

و الوجه الثّاني:أنّ زكريّا عليه السّلام طلب ذلك من اللّه تعالى،فلو كان ذلك محالا ممتنعا لما طلبه من اللّه تعالى، فثبت بهذين الوجهين أنّ قوله: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ليس للاستبعاد،بل ذكر العلماء فيه وجوها:

الأوّل:أنّ قوله(انّى)معناه من أين،و يحتمل أن يكون معناه كيف تعطى ولدا على القسم الأوّل أم على القسم الثّاني؛و ذلك لأنّ حدوث الولد يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يعيد اللّه شبابه،ثمّ يعطيه الولد مع شيخوخته،فقوله: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ معناه كيف تعطى الولد على القسم الأوّل،أم على القسم الثّاني، فقيل له:(كذلك)،أي على هذه الحال،و اَللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ، و هذا القول ذكره الحسن و الأصمّ.

و الثّاني:أنّ من كان آيسا من الشّيء،مستبعدا لحصوله و وقوعه،إذا اتّفق أن حصل له ذلك المقصود فربّما صار كالمدهوش من شدّة الفرح،فيقول:كيف حصل هذا؟و من أين وقع هذا؟كمن يرى إنسانا وهبه أموالا عظيمة،يقول:كيف وهبت هذه الأموال؟و من أين سمحت نفسك بهبتها؟فكذا هاهنا لمّا كان زكريّا عليه السّلام مستبعدا لذلك ثمّ اتّفق إجابة اللّه تعالى إليه،صار من عظم فرحه و سروره،قال ذلك الكلام.

الثّالث:أنّ الملائكة لمّا بشّروه بيحيى،لم يعلم أنّه يرزق الولد من جهة أنثى أو من صلبه (1)،فذكر هذا الكلام لذاك الاحتمال.

الرّابع:أنّ العبد إذا كان في غاية الاشتياق إلى شيء فطلبه من السّيّد،ثمّ إنّ السّيّد يعده بأنّه سيعطيه بعد ذلك،فالتذّ السّائل بسماع ذلك الكلام،فربّما أعاد السّؤال ليعيد ذلك الجواب،فحينئذ يلتذّ بسماع تلك الإجابة مرّة أخرى،فالسّبب في إعادة زكريّا هذا الكلام يحتمل أن يكون من هذا الباب.

الخامس:نقل عن سفيان بن عيينة أنّه قال:كان دعاؤه قبل البشارة بستّين سنة حتّى كان قد نسي ذلك السّؤال وقت البشارة،فلمّا سمع البشارة زمان الشّيخوخة لا جرم استبعد ذلك على مجرى العادة،لا شكّا في قدرة اللّه تعالى،فقال ما قال.

السّادس:نقل عن السّدّيّ أنّ زكريّا عليه السّلام جاءه الشّيطان عند سماع البشارة فقال:إنّ هذا الصّوت من الشّيطان،و قد سخر منك.فاشتبه الأمر على زكريّا عليه السّلام فقال: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ؟ و كان مقصوده من هذا الكلام أن يريه اللّه تعالى آية تدلّ على أنّ ذلك الكلام من الوحي و الملائكة،لا من إلقاء الشّيطان.

قال القاضي: لا يجوز أن يشتبه كلام الملائكة بكلام الشّيطان عند الوحي على الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام؛إذ لو جوّزنا ذلك لارتفع الوثوق عن كلّ الشّرائع،و يمكن أن يقال:لمّا قامت المعجزات على صدق الوحي في كلّ ما يتعلّق بالدّين،لا جرم حصل الوثوقل.

ص: 54


1- كذا في الأصل.

هناك بأنّ الوحي من اللّه تعالى بواسطة الملائكة و لا مدخل للشّيطان فيه.أمّا ما يتعلّق بمصالح الدّنيا و بالولد فربّما لم يتأكّد ذلك المعجز،فلا جرم بقي احتمال كون ذلك من الشّيطان،فلا جرم رجع إلى اللّه تعالى في أن يزيل عن خاطره ذلك الاحتمال.(8:40،41)

أبو حيّان: كان قد تقدّم سؤاله ربّه رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً آل عمران:38،فلا شكّ في إمكانيّة ذلك و جوازه،و إذا كان ذلك ممكنا و بشّرته به الملائكة فما وجه هذا الاستفهام؟و أجيب بوجوه:

أحدها:أنّه سؤال عن الكيفيّة،و المعنى أ يولد لي على سنّ الشّيخوخة و كون امرأتي عاقرا-أي بلغت سنّ من لا تلد،و كان قد بلغ تسعا و تسعين سنة،و امرأته بلغت ثمانيا و تسعين سنة؟!و قال ابن عبّاس:كان يوم بشّر،ابن عشرين و مائة سنة.و قال الكلبيّ:ابن اثنتين و تسعين سنة-أم أعاد أنا و امرأتي إلى سنّ الشّبيبة و هيئة من يولد له.

فأجيب:بأنّه يولد له على هذه الحال،قال معناه الحسن و الأصمّ.

الثّاني:أنّه لمّا بشّر بالولد،استعلم أ يكون ذلك الولد من صلبه نفسه أم من بنيه؟

الثّالث:أنّه كان نسي السّؤال،و كان بين السّؤال و التّبشير أربعون سنة،و نقل عن سفيان أنّه كان بينهما ستّون سنة.

الرّابع:أنّ هذا الاستعلام هو على سبيل الاستعظام لقدرة اللّه تعالى،يحدث ذلك عند معاينة الآيات،و هو يرجع معناه إلى ما قاله بعضهم:إنّ ذلك من شدّة الفرح، لكونه كالمدهوش عند حصول ما كان مستبعدا له عادة.

الخامس:إنّما سأل لأنّه كان عاجزا عن الجماع لكبر سنّه،فسأل ربّه هل يقوّيه على الجماع و امرأته على القبول على حال الكبر؟

السّادس:سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أم من غيرها؟

السّابع:أنّه لمّا بشّر بالولد أتاه الشّيطان ليكدّر عليه نعمة ربّه،فقال له:هل تدري من ناداك؟قال:ملائكة ربّي.قال له:بل ذلك الشّيطان،و لو كان هذا من عند ربّك لأخفاه لك،كما أخفيت نداءك.فخالطت قلبه وسوسة، فقال: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ليبيّن اللّه له أنّه من الوحي، قاله عكرمة و السّدّيّ.

قاله القاضي: لو اشتبه على الرّسل كلام الملك بكلام الشّيطان لم يبق الوثوق بجميع الشّرائع.

و أجيب:بأنّ ما قاله لا يلزم،لاحتمال أن تقوم المعجزة على الوحي بما يتعلّق بالدّين.و أمّا ما يتعلّق بمصالح الدّنيا فربّما لا يؤكّد بالمعجزة،فيبقى الاحتمال؛ فيطلب زواله.

و قال الزّمخشريّ: استبعاد من حيث العادة،كما قالت مريم،انتهى.

و على ما قاله لو كان استبعادا لما سأله بقوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً آل عمران:38،لأنّه لا يسأل إلاّ ما كان ممكنا لا سيّما الأنبياء،لأنّ خرق العادة في حقّهم كثير الوقوع.(2:449،450)

رشيد رضا:قالوا:إنّ السّؤال للتّعجّب،و أكثروا في ذلك السّؤال و الجواب.[و قد تقدّم في الآية السّابقة]

ص: 55

و لبعضهم كلام في المسألة لا يليق بمقام الأنبياء عليهم السّلام.

و لا يمنع مانع ما أن يكون الاستفهام على ظاهره،و أن يكون قد قاله قاله تشوّقا إلى معرفة الكيفيّة الّتي يكون بها الإنتاج،مع عدم توفّر الأسباب العاديّة له بكبر سنّه و عقر زوجه.(3:298)

الطّباطبائيّ: استفهام تعجيب،و استعلام لحقيقة الحال،لا استبعاد و استعظام مع تصريح البشارة بذلك، و أنّ اللّه سبحانه سيرزقه ما سأله من الولد،مع أنّه ذكر هذين الوصفين اللّذين جعلهما منشأ للتّعجّب و الاستعلام في ضمن مسألته،على ما في سورة مريم؛ حيث قال: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا... مريم:4،5.

لكن المقام يمثّل معنى آخر،فكأنّه عليه السّلام لمّا انقلب حالا من مشاهدة أمر مريم،و تذكّر انقطاع عقبه،لم يشعر إلاّ و قد سأل ربّه ما سأل.و قد ذكر في دعائه ما له سهم وافر في تأثّره و تحزّنه و هو بلوغ الكبر،و كون امرأته عاقرا.فلمّا استجيبت دعوته و بشّر بالولد كأنّه صحا و أفاق ممّا كان عليه من الحال،و أخذ يتعجّب من ذلك و هو بالغ الكبر و امرأته عاقر،فصار ما كان يثير على وجهه غبار اليأس و سيماء الحزن يغيّره إلى نظرة التّعجّب المشوب بالسّرور.

على أنّ ذكر نواقص الأمر بعد البشارة بقضاء أصل الحاجة،و استعلام كيفيّة رفع واحد واحد منها،إنّما هو طلب تفهّم خصوصيّات الإفاضة و الإنعام،التذاذا بالنّعمة الفائضة بعد النّعمة،نظير ما وقع في بشرى إبراهيم بالذّرّيّة،قال تعالى: وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ* قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ* قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ* قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ الحجر:51-56،فذكر في جواب نهي الملائكة إيّاه عن القنوط أنّ استفهامه لم يكن عن قنوط،كيف،و هو غير ضالّ و القنوط ضلالة،بل السّيّد إذا أقبل على عبده إقبالا يؤذن بالقرب و الأنس و الكرامة أوجب ذلك انبساطا من العبد و ابتهاجا يستدعي تلذّذه من كلّ حديث،و تمتّعه في كلّ باب.

(3:177،178)

5- قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ. آل عمران:47

الطّبريّ: قالت مريم،إذ قالت لها الملائكة:إنّ اللّه يبشّرك بكلمة منه: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ، من أيّ وجه يكون لي ولد؟أ من قبل زوج أتزوّجه و بعل أنكحه؟أو تبتدئ في خلقه من غير بعل و لا فحل،و من غير أن يمسّني بشر؟(3:273)

الطّوسيّ: إن قيل:كيف سألت مريم عن خلق الولد من غير مسيس،مع أنّها لا تنكر ذلك في مقدور اللّه تعالى؟

قلنا:فيه وجهان:

ص: 56

أحدهما:أنّها استفهمت أ يكون ذلك،و هي على حالتها من غير بشر،أم على مجرى العادة من بشر؟كما يقول القائل:كيف تبعث بفلان في هذا السّفر،و ليس معه ما يركبه معنا؟لأنّه قويّ أم هناك مركوب؟

الثّاني:أنّ في البشرة التّعجّب ممّا خرج عن المعتاد فتعجّبت من عظم قدرة اللّه،كما يقول القائل عند الآية يراها:ما أعظم اللّه!و كما يقول القائل لغيره:كيف تهب ضيعتك،و هي أجلّ شيء لك؟و ليس يشكّ في هبته و إنّما يتعجّب من جوده.(2:464)

مثله الطّبرسيّ.(1:443)

أبو حيّان: [قال مثل الطّوسيّ و أضاف:]

قيل:استفهمت عن الكيفيّة كما سأل زكريّا عن الكيفيّة،تقديره:هل يكون ذلك على جري العادة بتقدّم وطء،أم بأمر من قدرة اللّه؟

و قال الأنباريّ: لمّا خاطبها جبريل ظنّته آدميّا يريد بها سوء،و لهذا قالت: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا مريم:18 فلمّا بشّرها لم تتيقّن صحّة قوله،لأنّها لم تعلم أنّه ملك،فقالت: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ.

آل عمران:47.(2:462)

الآلوسيّ: يحتمل أن يكون الاستفهام مجازيّا، و المراد التّعجّب من ذلك و الاستبعاد العادي.و يحتمل أن يكون حقيقيّا،على معنى أنّه يكون بتزوّج أو غيره.

و قيل:يحتمل أن يكون استفهاما عن أنّه من أيّ شخص يكون.(3:164)

الطّباطبائيّ: خطابها لربّها،مع كون المكلّم إيّاها الرّوح المتمثّل.بناء على ما تقدّم أنّ خطاب الملائكة و خطاب الرّوح و كلامهم كلام اللّه سبحانه،فقد كانت تعلم أنّ الّذي يكلّمها هو اللّه سبحانه،و إن كان الخطاب متوجّها إليها من جهة الرّوح المتمثّل أو الملائكة،و لذلك خاطبت ربّها.

و يمكن أن يكون الكلام من قبيل قوله تعالى: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ المؤمنون:99،فهو من الاستغاثة المعترضة في الكلام.[إلى أن قال:]

و أمّا التّعجّب من هذا الأمر فإنّما يصحّ لو كان هذا الأمر ممّا لا يقدر عليه اللّه سبحانه أو يشقّ.أمّا القدرة فإنّ قدرته غير محدودة يفعل ما يشاء،و أمّا صعوبته و مشقّته فإنّ العسر و الصّعوبة إنّما يتصوّر إذا كان الأمر ممّا يتوسّل إليه بالأسباب،فكلّما كثرت المقدّمات و الأسباب،و عزّت و بعد منالها اشتدّ الأمر صعوبة،و اللّه سبحانه لا يخلق ما يخلق بالأسباب بل وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. البقرة:117.

(3:196،197)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مريم:8.

6- أَ وَ لَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا... آل عمران:165

الجبّائيّ: إنّهم إنّما استنكروا ذلك،لأنّه وعدهم بالنّصر من اللّه إن أطاعوه.(الطّبرسيّ 1:532)

الطّبريّ: (أنّى هذا)؟من أيّ وجه هذا؟و من أين أصابنا هذا الّذي أصابنا،و نحن مسلمون و هم مشركون، و فينا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يأتيه الوحي من السّماء،و عدوّنا أهل كفر باللّه و شرك؟(4:164)

ص: 57

مثله الطّبرسيّ.(1:532)

الزّمخشريّ: (انّى هذا)نصب لأنّه مقول،و الهمزة للتّقرير و التّقريع.

فإن قلت:علام عطفت الواو هذه الجملة؟

قلت:على ما مضى من قصّه أحد من قوله: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ آل عمران:152،و يجوز أن تكون معطوفة على محذوف،كأنّه قيل:أفعلتم كذا و قلتم حينئذ كذا أنّى هذا؟من أين هذا؟كقوله تعالى: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،لقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:

165،و قوله: مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37،و المعنى أنتم السّبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة، أو لتخليتكم المركز.(1:477)

الفخر الرّازيّ: سبب تعجّبهم أنّهم قالوا:نحن ننصر الإسلام الّذي هو دين الحقّ،و معنا الرّسول،و هم ينصرون دين الشّرك باللّه و الكفر،فكيف صاروا منصورين علينا؟

و اعلم أنّه تعالى أجاب عن هذه الشّبهة من وجهين:

الأوّل:ما أدرجه عند حكاية السّؤال و هو قوله:

قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها آل عمران:165،يعني أنّ أحوال الدّنيا لا تبقى على نهج واحد،فإذا أصبتم منهم مثلي هذه الواقعة،فكيف تستبعدون هذه الواقعة؟

و الثّاني:قوله قل: هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.

(9:81،82)

أبو حيّان: المعنى كيف أصابنا هذا و نحن نقاتل أعداء اللّه،و قد وعدنا بالنّصر و إمداد الملائكة؟ فاستفهموا على سبيل التّعجّب عن ذلك،و(أنّى)سؤال عن الحال هنا،و لا يناسب أن يكون هنا بمعنى أين أو متى، لأنّ الاستفهام لم يقع عن المكان و لا عن الزّمان هنا،إنّما الاستفهام وقع عن الحالة الّتي اقتضت لهم ذلك،سألوا عنها على سبيل التّعجّب.[و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]

و الظّرف إذا وقع خبرا للمبتدإ لا يقدّر داخلا عليه حرف جرّ غير«في»أمّا أن يقدّر داخلا عليه«من»فلا، لأنّه إنّما انتصب على إسقاط«في»و لك إذا أضمر الظّرف تعدّى إليه الفعل بوساطة«في»إلاّ أن يتّسع في الفعل فينصبه نصب التّشبيه بالمفعول به،فتقدير الزّمخشريّ:

(انّى هذا)؟من أين هذا؟تقدير غير سائغ،و استدلاله على هذا التّقدير بقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، و قوله:

مِنْ عِنْدِ اللّهِ، وقوف مع مطابقة الجواب للسّؤال في اللّفظ،و ذهول عن هذه القاعدة الّتي ذكرناها.و أمّا على ما قرّرناه فإنّ الجواب جاء على مراعاة المعنى لا على مطابقة الجواب للسّؤال في اللّفظ.

و قد تقرّر في علم العربيّة أنّ الجواب يأتي على حسب السّؤال مطابقا له في اللّفظ،و مراعى فيه المعنى لا اللّفظ،و السّؤال ب(أنّى)سؤال عن تعيين كيفيّة حصول هذا الأمر،و الجواب بقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، يتضمّن تعيين الكيفيّة،لأنّه بتعيين السّبب تتعيّن الكيفيّة من حيث المعنى.لو قيل:على سبيل التّعجّب و الإنكار كيف لا يحجّ زيد الصّالح؟و أجيب ذلك بأن يقال:بعدم استطاعته.حصل الجواب،و انتظم من المعنى أنّه لا يحجّ، و هو غير مستطيع.(3:107)

ص: 58

الآلوسيّ: (انّى هذا)جملة اسميّة مقدّمة الخبر، و المعنى من أين هذا؟لا كيف هذا؟لدلالة الجواب[على] مفعول القول.

و قيل:(انّى)منصوبة على الظّرفيّة،«لأصابنا» المقدّر،و(هذا)فاعل له،و الجملة مقول(قلتم)،و توسيط الظّرف و ما يتعلّق به بينه و بين الهمزة،مع أنّه المقصود إنكاره،و المعطوف بالواو حقيقة لتأكيد النّكير و تشديد التّقريع.فإنّ فعل القبيح في غير وقته أقبح،و الإنكار على فاعله أدخل.و المعنى أ حين نالكم من المشركين نصف ما قد نالهم منكم قبل ذلك رجعتم و قلتم من أين هذا؟و نحن مسلمون نقاتل غضبا للّه تعالى و فينا رسوله، و هؤلاء مشركون أعداء اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،أو قد وعدنا اللّه تعالى النّصر؟و إليه ذهب الجبّائيّ.

و هذا على تقدير توجيه الإنكار و التّقريع إلى صدور ذلك القول عنهم،في ذلك الوقت خاصّة،بناء على عدم كونه مظنّة له داعيا إليه،بل على كونه داعيا إلى عدمه.فإنّ كون مصيبة عدوّهم مثلي مصيبتهم ممّا يهوّن الخطب و يورث السّلوة.

أو أفعلتم ما فعلتم من الفشل و التّنازع أو الخروج من المدينة و الإلحاح على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و لمّا أصابتكم غائلة ذلك قلتم:(انّى هذا)؟و هذا على تقدير توجيه الإنكار لاستبعادهم الحادثة،مع مباشرتهم لسببها.و جوّز أن يكون المعطوف عليه القول إشارة إلى أنّ قولهم كان غير واحد،بل قالوا أقوالا لا ينبغي أن يقولوها.

و ذهب جماعة إلى أنّ المعطوف عليه ما مضى من قوله تعالى: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ آل عمران:

152،إلى هنا،و للتّعلّق بقصّة واحدة لم يتخلّل بينهما أجنبيّ،ليكون القول بذلك بعيدا،كما ادّعاه أبو حيّان.

و الهمزة حينئذ متخلّلة بين المتعاطفين للتّقرير بمعنى التّثبيت،أو الحمل على الإقرار و التّقريع على مضمون المعطوف،و المعنى أ كان من اللّه تعالى الوعد بالنّصر بشرط الصّبر و التّقوى،فحين فشلتم و تنازعتم و عصيتم و أصابكم اللّه تعالى بما أصابكم قُلْتُمْ أَنّى هذا. (4:115)

7- وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى. الفجر:23

ابن عبّاس: يقول:و كيف له؟(الطّبريّ 30:188)

الطّبريّ: يقول:من أيّ وجه له التّذكير.

(30:188)

الطّوسيّ: معناه من أين له الذّكرى الّتي كان أمر بها في دار الدّنيا؟فإنّها تقوده إلى طريق الاستواء و تبصّره الضّلال من الهدى،فكأنّه قال:و أنّى له الذّكرى الّتي ينتفع بها،كما لو قيل:يتندّم،و أنّى له النّدم؟(10:347)

الزّمخشريّ: و من أين له منفعة الذّكرى؟لا بدّ من تقدير حذف مضاف،و إلاّ فبين يَوْمَ يَتَذَكَّرُ و بين وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى تناف و تناقض.(4:253)

الآلوسيّ: اعتراض جيء به لتحقيق أنّه ليس يتذكّر حقيقة،لعرائه عن الجدوى،لعدم وقوعه في أوانه.

و(أنّى)خبر مقدّم،و(الذّكرى)مبتدأ،و(له)متعلّق بما تعلّق به الخبر،أي و من أين تكون له الذّكرى و قد فات أوانها.

و قيل:هناك مضاف محذوف،أي و أنّى له منفعة الذّكرى.و لا بدّ من تقديره لئلاّ يكون تناقض،و قد

ص: 59

علمت أنّ هذا يتحقّق بما قرّر أوّلا على أنّه إذا جعل اختصاص اللاّم مقصورا على النّافع استقام من غير تقدير،و يكون إنكار أن تكون الذّكرى له،لا عليه.و أمّا كونه حكاية لما كان عليه في الدّنيا من عدم الاعتبار و الاتّعاظ فليس بشيء.(30:129)

الطّباطبائيّ: أي و من أين له الذّكرى؟كناية عن عدم انتفاعه بها،فإنّ الذّكرى إنّما تنفع فيما أمكنه أن يتدارك ما فرّط فيه بتوبة و عمل صالح،و اليوم يوم الجزاء لا يوم الرّجوع و العمل.(20:284)

الأصول اللّغويّة

1-عدّ أرباب المعاجم قاطبة لفظ«أنّى»من مادّة (أ ن و)،إلاّ أنّ عدّة منهم قد اضطرب كلامهم فيه،فتارة جعلوه من(أ ن و)و أخرى من(أ ن ن)،كصاحب اللّسان و القاموس و التّاج.فإن كان من(أ ن و)فألفه أصليّة كألف«طوى»،و إحدى النّونين زائدة فيه كزيادتها في «تمنّى».و إن كان من(أ ن ن)فألفه زائدة كألف«طوبى»، و كلا النّونين من أصل الكلمة.[لاحظ أ ن و]

2-و تستعمل«أنّى»في الشّرط بمعنى«أين»،يقال:

أنّى يكن أكن،أي أين يكن أكن،و أنّى تأتني آتك،أي من أيّ جهة تأتني آتك.و في الاستفهام بمعنى كيف،يقال:

أنّى لك تفتح الحصن؟أي كيف لك ذلك،و بمعنى من أين، يقال:أنّى لك؟أي من أين لك.

و أمّا قول الأزهريّ بأنّها تأتي بمعنى«متى»،و قول الفيروزآبادي بمعنى«حيث»فهما ناظران إلى قوله تعالى:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223،و لا وجه له،كما سيأتي في الاستعمال القرآنيّ.

3-و أنّى تشاكل«حتّى»في الصّياغة،و تكاد تضارعها في كثرة معانيها مثلما ضارعتها في وزنها،كما هي مقصورة الألف كحتّى،خلافا لما جاء في وزنها من الأدوات،مثل:كلاّ و لمّا و أمّا،و غيرها.

و لا ينكر أنّ هذه الصّياغة نادرة في اللّغة،و أنّ ما جاء من الأسماء و الصّفات على وزن(فعّل)معدود أيضا، و يكاد يقتصر على الألفاظ التّالية:عثّر و بذّر و خضّم، و هي مواضع،و شمّر:اسم فرس،و خضّم:لقب العنبر بن عمرو بن تميم (1).

و رغم ذلك فإنّ ما استقرّ عليه رأي اللّغويّين هو القياس،لأنّ الألف المقصورة لا تزاد في لفظ ثلاثيّ مضعّف،فهي ليست زائدة في«أنّى»،كما ذهب بعض إلى خلاف ذلك.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت«أنّى»شرطا و استفهاما في القرآن.

1-الشّرط:مرّة واحدة:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ

البقرة:223.

قيل في معنى(أنّى)هنا:كيف،و من أين،و أيّ،و متى، و حيث.فعلى القول الأوّل يراد بالإتيان حالته،أي حالة المرأة مضطجعة كانت أو باركة أو على جنب،و ذلك في قبلها فقط.و المراد بالقول الثّاني مكان الإتيان،فيدخل الدّبر.و على القول الثّالث يخرج الدّبر،لأنّ المراد صفة إتيان الرّجل من أيّ وجه و طريق.و يعني القول الرّابع

ص: 60


1- المزهر(2:63)

الزّمان بغضّ النّظر عن حال الإتيان و مكانه.أمّا القول الخامس فهو بمعنى من أين و متى،و قد تقدّم معناهما،إلاّ أنّ«حيث»لا تتضمّن معنى الشّرط مثل«أنّى».

فيظهر ممّا تقدّم أنّ هناك ثلاثة أقوال في إتيان المرأة في دبرها:

الأوّل:الحرمة،و قد قال بها خمسة عشر صحابيّا تقريبا،منهم ابن مسعود.

الثّاني:الحلّيّة،و قال بها أربعة من الصّحابة،منهم أبو سعيد الخدريّ.

الثّالث:العزل،و قال به ستّة من الصّحابة،منهم ابن عبّاس.و دليلهم بعد الآية الرّوايات،و هي العمدة في الباب.

2-الاستفهام الإنكاريّ:

أ-كيف:(25)مرّة:

قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا

البقرة:247

قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها

البقرة:259

قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ

آل عمران:40 و مريم:8

قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ آل عمران:47

اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ

المائدة:75

ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ الأنعام:95

أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ الأنعام:101

قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ

التّوبة:30 و المنافقون:4

فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ

يونس:32

قُلِ اللّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ

يونس:34

قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مريم:20

سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّى تُسْحَرُونَ

المؤمنون:89

لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ العنكبوت:61

وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:52

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ فاطر:3

فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنّى يُبْصِرُونَ يس:66

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُصْرَفُونَ الزّمر:6

ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ المؤمن:62

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ المؤمن:69

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ الزّخرف:87

أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ

الدّخان:13

فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ محمّد:18

يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى

الفجر:23

ب-من أين:مرّتان.

قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ

آل عمران:37

قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ

آل عمران:165

ص: 61

ص: 62

أ ن و-ي

اشارة

5 ألفاظ،8 مرّات:3 مكّيّة،5 مدنيّة

في 8 سور:5 مكّيّة،3 مدنيّة

آناء 3:2-1 يأن 1:-1

إناه 1:-1 آن 1:1

آنية 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الإني و الإنى،مقصور:ساعة من ساعات اللّيل،و الجميع:آناء.و كلّ إني ساعة.

و الإنى،مقصور أيضا:الإدراك و البلوغ،و إنّى الشّيء:بلوغه و إدراكه،فتقول:انتظرنا إني الطّعام،أي إدراكه،و قوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:

53،أي غير منتظرين نضجه و بلوغه.

و قوله تعالى: وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،أي قد انتهى حرّه،و الفعل:أنى يأني أنى.

و قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5،أي سخنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإيناء،ممدود:قد يكون بمعنى الإبطاء،آنيت الشّيء،أي أخّرته.و تقول للمبطئ:آنيت و آذيت.

و أنى الشّيء يأني أنيّا،إذا تأخّر عن وقته.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ما أنى لك،و أ لم يأن لك،أي أ لم يحن لك؟

و الأنى:من الأناة و التّؤدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّه لذو أناة،إذا كان لا يعجل في الأمور،أي تأنّى،فهو آن،أي متأنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأناة:الحلم،و الفعل:أني،و تأنّى و استأنى،أي تثبّت،و يقال للمتمكّث في الأمر:المتأنّي.و في الحديث:

«آذيت و آنيت»،أي أخّرت المجيء و أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنيت فلانا،أي لم أعجله،و يقال:استأن في أمرك،أي لا تعجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنيت في الطّعام،أي انتظرت إدراكه.

ص: 63

و يقال للمرأة المباركة الحليمة المواتية:أناة، و الجميع:الأنوات.قال أهل الكوفة:إنّما هي من«الونى» و هو الضّعف،و لكنّهم همزوا الواو.

و الإناء،ممدود:واحد الآنية.و الأواني:جمع الجمع.

جمع«فعال»على أفعلة،ثمّ جمع«أفعلة»على أفاعل.

(8:400)

سيبويه: الأناة:أصله:وناة-مثل أحد و وحد-من الونى.(الجوهريّ 6:2274)

أبو عبيدة: «الآناء»واحدها إني،مثل حسي، و الجمع:آناء،مثل أحساء.(الجوهريّ 6:2273)

أبو زيد: يقال:ما كان ذا حلم و لقد تحلّم،و ما كان ذا أناة و لقد تأنّى تأنّيا.(206)

و إلقاحه أني،أي بطيء.(251)

الأصمعيّ: في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لرجل جاء يوم الجمعة يتخطّى رقاب النّاس:«رأيتك آنيت و آذيت».

آنيت،أي أخّرت المجيء و أبطأت.و منه قيل للمتمكّث في الأمور:متأنّ.

الأناة من النّساء:الّتي فيها فتور عن القيام.

(الأزهريّ 15:554)

ابن الأعرابيّ: تأنّى،إذا رفق.آنيت و أنّيت،بمعنى واحد.(الأزهريّ 15:554)

يقال:آن يئين أينا،و أنى لك يأني أنيا،أي حان.

(ابن فارس 1:143)

أبو عبيدة: الأناة:المرأة الّتي فيها فتور عند القيام.

(ابن فارس 1:142)

ابن السّكّيت: و الأناة:البطيئة الرّزينة عن كلّ خفّة.(329)

الإنى من السّاعات و من بلوغ الشّيء:منتهاه، مقصور،يكتب بالياء،و يفتح فيمدّ.

و يقال:أنّيت الطّعام في النّار،إذا أطلت مكثه.

و أنّيت في الشّيء،إذا قصّرت فيه.

(الأزهريّ 15:554)

المبرّد: و قول عبدة بن الطّبيب:

*ورد و أشقر ما يؤنيه طابخه*.

يقول:ما تغيّر من اللّحم قبل نضجه،و قوله:ما يؤنيه طابخه،يقول:ما يؤخّره،لأنّه لو آناه لأنضجه،لأنّ معنى آناه:بلغ به إناه،أي إدراكه.قال اللّه عزّ و جلّ: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

و تقول:أنّى يأني إنيا،إذا أدرك،و آن يئين مثله.

و قوله تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:

44،أي قد بلغ إناه.(1:327)

الزّجّاج: قال أهل اللّغة:واحد آناء اللّيل:إنّي و آناء،مثل نحي و أنحاء.و أنشد أهل اللّغة في ذلك قول الشّاعر:

حلو و مرّ كطعم القدح مرّته

بكلّ إنّى حداه اللّيل ينتعل

قالوا:واحدها«إني»،مثل معى و أمعاء.و حكى الأخفش«إنو».(1:459)

ابن دريد: يقال:آن لك أن تفعل كذا و كذا،و أنى لك،أي حان لك.و بلغ الشّيء إناه مقصور،أي منتهاه.

ص: 64

و كذلك فسّر في التّنزيل غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،أي منتهاه و إدراكه،و اللّه أعلم.

و آنيت،إذا أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإناء:واحد الآنية ممدود:الّذي يجعل فيه الطّعام و غيره،مثل رداء و أردية.

و الإيناء:الانتظار،و هو مصدر آنى يؤني إيناء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأناء:الانتظار،ممدود أيضا.

و آناء اللّيل:واحدها«إني»و هي السّاعة من اللّيل.

[ثمّ استشهد بشعر](1:191)

ابن الأنباريّ: آناء اللّيل،على ثلاثة أوجه:إنّي بسكون النّون،و إنّى بكسر الألف،و أنّى بفتح الألف.

تأنّيت الرّجل،أي انتظرته و تأخّرت في أمره،و لم أعجل.

و يقال:إنّ خير فلان لبطيء أني.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل متأنّ،أي متمكّث متلبّث،أنّيت و آنيت.

الأنى،من بلوغ الشّيء:منتهاه مقصور،يكتب بالياء.(الأزهريّ 15:552)

الأزهريّ: الإناء،ممدود:واحد الآنية،مثل رداء و أردية.ثمّ تجمع الآنية:الأواني،على فواعل جمع «فاعلة».

و يقال:لا تؤن فرصتك،أي لا تؤخّرها إذا أمكنتك.

و كلّ شيء أخّرته فقد آنيته.

و قيل:امرأة أناة،أي رزينة لا تصخب و لا تفحش.

[ثمّ استشهد بشعر](15:555)

الجوهريّ: أنى الشّيء يأني إني،أي حان،و أنى أيضا:أدرك،قال اللّه تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،أي نضجه.

و يقال أيضا:أنى الحميم،أي انتهى حرّه،و منه قوله تعالى: وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،أي بالغ إناه في شدّة الحرّ.و كلّ مدرك آن.

و آناه يؤنيه إيناء،أي أخّره و حبسه و أبطأه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاسم منه:الأناء،على«فعال»بالفتح.[ثمّ استشهد بشعر]

و آناء اللّيل:ساعاته،يقال:مضى إنيان من اللّيل و إنوان.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأنّى في الأمر،أي ترفّق و تنظّر.و استأنى به،أي انتظر به،يقال:استؤني به حولا.و الاسم:الأناة،مثل القناة،يقال:تأنّيتك حتّى لا أناة بي.

و الأناة من النّساء:الّتي فيها فتور-عند القيام- و تأنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل آن،على«فاعل»أي كثير الأناة و الحلم.

و الإناء معروف،و جمعه:آنية،و جمع الآنية:الأواني، مثل سقاء و أسقية و أساق.(6:2273)

ابن فارس: الهمزة و النّون و ما بعدهما من المعتلّ، له أصول أربعة:البطء و ما أشبه من الحلم و غيره،و ساعة من الزّمان،و إدراك الشّيء،و ظرف من الظّروف.

فأمّا الأوّل فقال الخليل:الأناة:الحلم،و الفعل منه تأنّى و تأيّا:[ثمّ استشهد بشعر]

و يروى«و تأيّ».و يقال للتّمكّث في الأمور:التّأنّي.

ص: 65

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للّذي تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة:«رأيتك آذيت و آنيت»يعني أخّرت المجيء و أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال من الأناة:رجل أني ذو أناة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل لابنة الخسّ:هل يلقح الثّنيّ؟قالت:نعم، و إلقاحه أني،أي بطيّ.

و يقال:فلان خيره أني،أي بطيّ.

و الأنا:من الأناة و التّؤدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول للرّجل:إنّه لذو أناة،أي لا يعجل في الأمور، و هو آن وقور.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنيت فلانا،أي لم أعجله.و يقال للمرأة الحليمة المباركة:أناة،و الجمع:أنوات.

و أمّا الزّمان فالإنى و الأنى:ساعة من ساعات اللّيل، و الجمع:آناء.و كلّ إنّي:ساعة.و ابن الأعرابيّ:يقال:

«أني»في الجميع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا إدراك الشّيء فالإنى،تقول:انتظرنا إني اللّحم، أي إدراكه.و تقول:ما أنى لك و لم يأن لك،أي لم يحن.

قال اللّه تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحديد:16،أي لم يحن.

و استأنيت الطّعام،أي انتظرت إدراكه. وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،قد انتهى حرّه،و الفعل أنى الماء المسخّن يأني، مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّه تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

و أمّا الظّرف فالإناء ممدود من الآنية.و الأواني جمع جمع،يجمع«فعال»على أفعله.(1:141)

أبو هلال:الفرق بين الحلم (1)و الأناة:أنّ الأناة هي البطء في الحركة،في مقاربة الخطو في المشي،و لهذا يقال للمرأة البدينة:أناة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يكون المراد بها في صفات الرّجال المتمهّل في تدبير الأمور،و مفارقة التّعجّل فيها،كأنّه يقاربها مقاربة لطيفة،من قولك:أنى الشّيء،إذا قرب،و تأنّى،أي تمهّل ليأخذ الأمر من قرب.

و قال بعضهم:الأناة:السّكون عند الحالة المزعجة.

و الفرق بينها و بين التّؤدة:أنّ التّؤدة مفارقة الخفّة في الأمور،و أصلها من قولك:وأده يئده،إذا أثقله بالتّراب، و منه الموءودة.و أصل التّاء فيها«واو»و مثلها التّخمة، و أصلها من الوخامة،و التّهمة و أصلها من وهمت،و التّرة و أصله من ترت.

فالتّؤدة تفيد من هذا خلاف ما تفيد الأناة؛و ذلك أنّ الأناة تفيد مقاربة الأمر و التّسبّب إليه بسهولة،و التّؤدة تفيد مفارقة الخفّة.و لو لا أنّا رجعنا إلى الاشتقاق لم نجد بينهما فرقا.

و يجوز أن يقال:إنّ الأناة هي المبالغة في الرّفق بالأمور و التّسبّب إليها،من قولك:آن الشّيء،إذا انتهى، و منه: حَمِيمٍ آنٍ (2)الرّحمن:44،و قوله: غَيْرَ ناظِرِينَر.

ص: 66


1- الحلم هو الإمهال بتأخير العقاب المستحقّ،و الحلم من اللّه تعالى:عن العصاة في الدّنيا،فعل ينافي تعجيل العقوبة من النّعمة و العافية.
2- «آن»:(فاعل)من(أ ن ي)،و أمّا«آن»فهو(فعل)من (أ و ن)،فليس أحدهما مشتقّا من الآخر،إلاّ أن بينهما اشتقاقا أكبر.

إِناهُ الأحزاب:53،أي نهايته من النّضج.(167)

ابن سيدة: الأناة:الحلم و الوقار،أنى في الأمر يأني أنيا و إني و أناة،و أني يأنى أنيا و إني،و تأنّى و استأنى:

تثبّت و تمكّث،و لم يعجل.(الإفصاح 1:141)

الرّاغب: آن الشّيء:قرب إناه (1): حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،بلغ إناه في شدّة الحرّ،و منه قوله: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5،و قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحديد:16،أي أ لم يقرب إناه؟

و يقال:آنيت الشّيء إيناء،أي أخّرته عن أوانه، و تأنّيت:تأخّرت،و الأناة:التّؤدة.

و تأنّى فلان تأنّيا،و أنى يأني فهو آن،أي وقور.

و استأنيته:انتظرت أوانه،و يجوز في معنى استبطأته، و استأنيت الطّعام كذلك.

و الإناء:ما يوضع فيه الشّيء،و جمعه آنية،نحو كساء و أكسية.و الأواني جمع الجمع.(29)

الزّمخشريّ: انتظرنا إني الطّعام:أي إدراكه،و بلغت البرمة إناها، غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

يقال:أنى الطّعام إني،و حميم آن،و عين آنية:قد انتهى حرّهما.

و هو يقوم آناء اللّيل،أي ساعاته،و أمّا أنى لك،و أ لم يأن لك أن تفعل،و إنّه لذو أناة و رفق.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة أناة:فتور،و نساء أنوات.و تأنّى في الأمر و استأنى،يقال:تأنّ في أمرك و اتّئد.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنى في الطّعام:انتظر إدراكه،و استأنيت فلانا:

لم أعجله،و استأنى به:رفق به،و يستأني بالجراحة:

ينتظر مآل أمرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و آنيت الأمر:أخّرته عن وقته،يقال:لا تؤن فرصتك.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:11)

ابن برّيّ: أني عن القوم،و أنى الطّعام عنّا إني شديدا،و الصّلاة أنيّا،كلّ ذلك:أبطأ.

و أنى يأني و يأنى أنيا فهو أني،إذا رفق.

(ابن منظور 14:49)

ابن الأثير: في حديث الهجرة:«هل أنى الرّحيل»، أي حان وقته.

تقول:أنى يأني.و في رواية«هل آن الرّحيل»،أي قرب.

و فيه:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمر رجلا أن يزوّج ابنته من جليبيب،فقال:حتّى أشاور أمّها،فلمّا ذكره لها قالت:حلقا الجليبيب إنيه،لا،لعمر اللّه».

قد اختلف في ضبط هذه اللّفظة اختلافا كثيرا، فرويت بكسر الهمزة و النّون و سكون الياء و بعدها هاء، و معناها أنّها لفظة تستعملها العرب في الإنكار،يقول القائل:جاء زيد،فتقول أنت:أزيد نيه و أزيد إنيه،كأنّك استبعدت مجيئه.و حكى سيبويه أنّه قيل لأعرابيّ سكن البلد:أ تخرج إذا أخصبت البادية؟فقال:أ أنا إنيه؟يعني أ تقولون لي هذا القول و أنا معروف بهذا الفعل،كأنّه أنكر استفهامهم إيّاه.

و رويت أيضا بكسر الهمزة و بعدها باء ساكنة ثمّ نون مفتوحة،و تقديرها:أ لجليبيب ابنتي؟فأسقطت الياء،ة.

ص: 67


1- انظر هامش الصّفحة السّابقة.

و وقفت عليها بالهاء.

قال أبو موسى: و هو في مسند أحمد بن حنبل بخطّ أبي الحسن بن الفرات،و خطّه حجّة،و هو هكذا معجم مقيّد في مواضع.

و يجوز أن لا يكون قد حذف الياء،و إنّما هي«ابنة» نكرة،أي أتزوّج جليبيبا ببنت؟تعني أنّه لا يصلح أن يزوّج ببنت إنّما يزوّج مثله بأمة استنقاصا له.

و قد رويت مثل هذه الرّواية الثّالثة بزيادة ألف و لام للتّعريف،أي أ لجليبيب الابنة.و رويت أ لجليبيب الأمة؟ تريد الجارية،كناية عن بنتها.و رواه بعضهم أميّة أو آمنة، على أنّه اسم البنت.(1:78)

الفيّوميّ: «إني»بكسر الهمزة و القصر و«إني» وزان حمل،و تأنّى في الأمر:تمكّث و لم يعجل و الاسم منه «أناة»وزان حصاة.

و الإناء و الآنية:الوعاء و الأوعية وزنا و معنى، و الأواني جمع الجمع.

و الإنى،بالكسر مقصورا:الإدراك و النّضج،و أنى الشّيء أنيا من باب«رمى»:دنا و قرب و حضر.

و أنى لك أن تفعل كذا،و المعنى هذا وقته فبادر إليه.

قال تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

و قد قالوا:آن لك أن تفعل كذا أينا من باب«باع» بمعناه،و هو مقلوب منه.و آنيته بالمدّ:أخّرته،و الاسم:

الأناء،وزان سلام.(1:28)

الفيروزآباديّ: أنى الشّيء أنيا و أناء و إني بالكسر،و هو أني كغنيّ:حان و أدرك،أو خاصّ بالنّبات.و الاسم:الأناء كسحاب،و بالكسر مصدر، جمعه:آنية و أوان.

و أنى الحميم:انتهى حرّه،فهو آن.و بلغ هذا أناه و يكسر:غايته أو نضجه و إدراكه.

و الأناة كقناة:الحلم و الوقار كالأنى،و المرأة فيها فتور عند القيام،و رجل آن:كثير الحلم.

و أني كسمع،و تأنّى و استأنى:تثبّت،و أنى أنيّا كجثى جثيّا و رضي رضى،فهو أني:تأخّر و أبطأ كأنّى تأنية، و آنيته إيناء.

و الأني و يكسر،و الأناء و الإنو بالكسر:الوهن، و السّاعة من اللّيل،أو ساعة ما منه.و الإنى كإلى و على:

كلّ النّهار،جمعه:آناء و أني و إني و أنا كهنا،أو كحتّى، أو بكسر النّون المشدّدة:بئر بالمدينة لبني قريظة،و واد بطريق حاجّ مصر.(4:302)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أنى أنيا و أنّى تأنية:

قرب و دنا و حان،و الأنى:الجزء،و الجمع آناء.

و الإناء:الوعاء،و الجمع آنية.

و أنى الطّعام إني:نضج،و أنى السّائل:بلغ غاية الحرارة،فهو آن.(1:49)

العدنانيّ: آن يئين،أنى يأني،آن يئون:حان.

و يخطّئون طه حسين،لأنّه قال:لعلّ الوقت لم يئون، أي لم يحن.و يقولون إنّ الصّواب هو:

أ-لم يئن،من آن يئين:حان.

ب-أو:لم يأن،من أنى يأني:حان.

و لكنّ هذه الأفعال الثّلاثة صحيحة،و الفعلان الأخيران:آن و أنى،تكاد كتب اللّغة تجمع على ذكرهما.

ص: 68

بينما الفعل آن يئون؛بمعنى حان،نادر الاستعمال، و لم يذكره سوى اللّسان و التّاج و المدّ و محيط المحيط و ذيل أقرب الموارد و المعجم الكبير.

و قد ذكره التّاج و محيط المحيط في مادّة«أين»لا مادّة «أون».

و لست أدري لما ذا اختار طه حسين استعمال هذا الفعل:آن يئون القابع في زوايا الإهمال و النّسيان.و أنا أرى أن نكتفي باستعمال الفعلين:

أ-آن يئين أينا:حان.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو آئن.[ثمّ استشهد بشعر]

ب-أنى يأني،أنيا و إني و أنى:حان،قال تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

و في الحديث:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«ثلاثة يا عليّ لا تؤخّرهنّ:الصّلاة إذا آنت،و الجنازة إذا حضرت، و الأيّم إذا وجدت كفؤا.[ثمّ استشهد بشعر]

على أن لا نخطّئ المغرمين بالغريب النّادر،الّذين يستعملون الفعل:آن يئون أونا؛بمعنى:حان.(40)

المصطفويّ: يظهر من كلمات القوم و من التّحقيق في موارد الاستعمال أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:

البلوغ و النّضج،من جهة الوقت.و هذا المعنى يختلف بحسب اختلاف الموارد و المفاهيم،كما في بلوغ وقت اشتداد الحرارة،و البلوغ في أوقات اللّيل و ساعاته، و بلوغ مرتبة الحلم و الطّمأنينة،و بلوغ وقت الاستفادة من الظّروف،و بلوغ وقت إدراك الطّعام و الأكل منه.

و يؤيّد هذا المعنى ما يفهم من مادّة أين،أون،أنو:

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحديد:16،أي أ لم يبلغ وقت خشوع قلوبهم في مقابل العظمة للّه تعالى يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،بين جهنّم و بين ماء حارّ في الغاية،أو مطلق الحميم الّذي بلغ إلى حدّ نهايته في الحرارة. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5،عين بلغت و كملت وقت حرارتها. إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،غير منتظرين بلوغ الطّعام و نضجه،في وقت مخصوص.

يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ آل عمران:113، وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ طه:130، أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ الزّمر:9،أي اللّيل إذا كملت ساعاته و بلغت أجزاؤه إلى حدّ الكمال،و نهاية الظّلمة و السّكوت، و تحقّقت حقيقة اللّيليّة.

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:15.

بظروف بلغت حدّ الكمال:و انتهت الاستفادة منها إلى وقت الغاية.

ففي كلّ من هذه الموارد قد أخذ قيد البلوغ بحسب الموضوع و قيد الوقت.و هذا هو الفارق بينها و بين الأوقات و الظّروف.

فقد اتّضحت اللّطائف في انتخاب هذه المادّة في هذه الموارد.

و لا يخفى ما فيما بين هذه المادّة و كلمة أنّى و إنّ،من التّناسب.(1:153)

ص: 69

النّصوص التّفسيريّة

اناء

1- ...يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ آل عمران:113

ابن مسعود:صلاة العتمة هم يصلّونها،و من سواهم من أهل الكتاب لا يصلّيها.(الطّبريّ 4:55)

ابن عبّاس: ساعات اللّيل،بلغة هذيل.

(اللّغات في القرآن:20)

قتادة: أي ساعات اللّيل.(الطّبريّ 4:55)

مثله الرّبيع،و ابن كثير(الطّبريّ 4:55)،و الشّربينيّ (1:240).

السّدّيّ: جوف اللّيل(الطّبريّ 4:55)

أبو عبيدة: ساعات اللّيل،واحدها إني،تقديرها:

جثي،و الجميع:أجثاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:102)

نحوه ابن هشام(2:206)،و الزّجّاج(1:459)، و السّجستانيّ(37).

الطّبريّ: أمّا (آناءَ اللَّيْلِ): فساعات،واحدها إني.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل:إنّ واحد الآناء«إني»مقصور،كما واحد الأمعاء معى.

و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:

تأويله:ساعات اللّيل،كما قلنا.

و قال آخرون:آناء اللّيل:جوف اللّيل.

و قال آخرون:بل عني بذلك قوم كانوا يصلّون العشاء الأخيرة.

و قال آخرون: بل عني بذلك قوم كانوا يصلّون فيما بين المغرب و العشاء.

و هذه الأقوال الّتي ذكرتها على اختلافها متقاربة المعاني؛و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره،وصف هؤلاء القوم بأنّهم يتلون آيات اللّه في ساعات اللّيل،و هي آناؤه.

و قد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليا لها آناء اللّيل، و كذلك من تلاها فيما بين المغرب و العشاء،و من تلاها جوف اللّيل،فكلّ تال له ساعات اللّيل.

غير أنّ أولى الأقوال بتأويل الآية قول من قال:عني بذلك تلاوة القرآن في صلاة العشاء،لأنّها صلاة لا يصلّيها أحد من أهل الكتاب،فوصف اللّه أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بأنّهم يصلّونها دون أهل الكتاب،الّذين كفروا باللّه و رسوله.(4:54)

الرّاغب: (آناءَ اللَّيْلِ): :ساعاته،الواحد:إني و أنى و أنا،قال عزّ و جلّ: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ (29)

الفخر الرّازيّ: (آناءَ اللَّيْلِ) أصلها في اللّغة:

الأوقات و السّاعات،و واحدها«إني»مثل معى و أمعاء، و«إني»مثل نحي و أنحاء،مكسور الأوّل ساكن الثّاني.

قال القفّال رحمه اللّه: كأنّ التّأنّي مأخوذ منه،لأنّه انتظار السّاعات و الأوقات.و في الخبر:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال للرّجل الّذي أخّر المجيء إلى الجمعة:«آذيت و آنيت»أي دافعت الأوقات.(8:201)

القرطبيّ: (آناءَ اللَّيْلِ): ساعاته،واحد إني و أنى و إني،و هو منصوب على الظّرف.(4:176)

مثله النّسفيّ(1:176)،و النّيسابوريّ(4:44)، و نحوه البروسويّ(2:81)،و المراغيّ(4:34).

البيضاويّ: يتلون القرآن في تهجّدهم،عبّر عنه

ص: 70

بالتّلاوة في ساعات اللّيل مع السّجود،ليكون أبين و أبلغ في المدح.

و قيل:المراد صلاة العشاء،لأنّ أهل الكتاب لا يصلّونها لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام أخّرها،ثمّ خرج فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة،فقال:أما إنّه ليس من أهل الأديان أحد يذكر اللّه هذه السّاعة غيركم.

(1:177)

أبو السّعود: (آناء)ظرف ل(يتلون)،أي في ساعاته.جمع«أنى»بزنة عصا،أو«إني»بزنة معى، أو«أني»بزنة ظبي أو«أنى»بزنة نحى،أو«أنو»بزنة جرو.(1:263)

نحوه الآلوسيّ.(4:33)

2- ...وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى. طه:130

ابن عبّاس: جوف اللّيل(الطّبريّ 16:234)

هي صلاة اللّيل كلّه.(الطّبرسيّ 4:35)

الحسن: المراد بالآية صلاة التّطوّع.

(القرطبيّ 11:261)

(آناءَ اللَّيْلِ) من أوّله و أوسطه و آخره.

(الطّبريّ 16:236)

قتادة: صلاة المغرب و العشاء.(الطّبريّ 16:234)

أبو عبيدة: أي ساعات اللّيل،واحدها إني، تقديره:حسي،و الجميع أحساء.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:33)

نحوه الطّبريّ(16:233)،و الزّجّاج(3:380)، و السّجستانيّ(123).و البغويّ(4:232)،و البيضاويّ (2:64)،و النّسفيّ(3:70)،و الخازن(4:232)، و الشّربينيّ(2:492)،و أبو السّعود(3:293)، و الكاشانيّ(3:326).

الطّوسيّ: يعني صلاة المغرب و العشاء.(7:222)

نحوه الطّبرسيّ.(4:35)

ابن زيد: (آناءَ اللَّيْلِ): العتمة.

(الطّبريّ 16:236)

الميبديّ: أي من ساعاته،و واحد الآناء:إني و أنى، و هي صلاة المغرب و العشاء.

و قيل:المراد من (آناءَ اللَّيْلِ) صلاة العشاء.

(6:197)

البروسويّ: أي بعض ساعاته جمع«إني»بالكسر و القصر،كمعى و أمعاء.و آناء بالفتح و المدّ.(5:444)

الطّباطبائيّ: وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ الجملة نظيرة قوله: وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ البقرة:40.

و الآناء على«أفعال»جمع:إني أو إنو،بكسر الهمزة، بمعنى الوقت،و«من»للتّبعيض،و الجارّ و المجرور متعلّق بقوله: فَسَبِّحْ دالّ على ظرف في معناه متعلّق بالفعل، و التّقدير:و بعض آناء اللّيل سبّح فيها.(14:235)

و بهذه المعاني جاءت كلمة آناءَ في سورة الزّمر:9.

يان

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ...

الحديد:16

ص: 71

ابن عبّاس: إنّ اللّه استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن،فقال:

أَ لَمْ يَأْنِ: أ لم يحن لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ: ترقّ و تلين،و تخضع قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ.

(البغويّ 7:29)

عكرمة: يقول:أ لم يحن للّذين آمنوا.

(الدّرّ المنثور 6:175)

نحوه ابن قتيبة(ابن الجوزيّ 8:168)،و الطّبريّ (27:228)،و الطّوسيّ(9:528)،و الميبديّ(9:

493)،و الطّبرسيّ(5:237).

الزّجّاج: (يأن)من أنى يأني،و يقال:آن يئين.و في هذا المعنى،و معناه حان يحين.(5:125)

القمّيّ:يعني أ لم يجب.(2:351)

الزّمخشريّ: من أنى الأمر يأني،إذا جاء إناه،أي وقته.و قرئ (أ لم يئن) من آن يئين،بمعنى أنى يأني،و (أ لمّا يأن) .(4:64)

نحوه البيضاويّ(2:454)،و النّسفيّ(4:226)، و النّيسابوريّ(27:98)،و البروسويّ(9:363)، و الآلوسيّ(27:179)،و القاسميّ(16:5685)، و المراغيّ(27:171)،و الطّباطبائيّ(19:161).

القرطبيّ: أي يقرب و يحين.[ثمّ استشهد بشعر] و ماضيه أنى بالقصر يأني،و يقال:آن لك بالمدّ أن تفعل كذا يئين أينا،أي حان،مثل أنى لك،و هو مقلوب منه.[ثمّ استشهد بشعر](17:248)

الشّربينيّ: أي يحن و يدرك،و ينتهي إلى الغاية.

(4:208)

إناه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ...

الأحزاب:53

ابن عبّاس: غير ناظرين الطّعام أن يصنع.

(الطّبريّ 22:34)

مجاهد: متحيّنين نضجه.(الطّبريّ 22:34)

قتادة:غير متحيّنين طعامه.(الطّبريّ 22:34)

أبو عبيدة: أي إدراكه و بلوغه،و يقال:أنى لك أن تفعل يأني أنيا،و الاسم إني و أنى:أبلغ:أدرك.

(2:140)

الطّبريّ: غير منتظرين إدراكه و بلوغه،و هو مصدر من قولهم:قد أنى هذا الشّيء يأني إني و أنيا و إناء.

[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه لغة أخرى،يقال:قد آن لك،أي تبيّن لك أينا، و نال لك،و أنال لك.[ثمّ استشهد بشعر](22:34)

الزّجّاج: (اناء):نضجه و بلوغه،يقال:أنى يأني إناء، إذا نضج و بلغ.(4:234)

القيسيّ: (إناه)ظرف زمان،أي وقته.و هو مقلوب من«آن»الّذي بمعنى الحين،قلبت النّون قبل الألف، و غيّرت الهمزة إلى الكسر،فمعناه:غير ناظرين آنه،أي حينه،ثمّ قلب و غيّر على ما ذكرنا.(2:20)

الرّاغب: أي وقته،و«الإناء»إذا كسر أوّله قصر، و إذا فتح مدّ.(29)

البغويّ: غير منتظرين إدراكه و وقت نضجه.

ص: 72

يقال:أنى الحميم،إذا انتهى حرّه،و أنى أن يفعل ذلك، إذا حان،إني بكسر الهمزة مقصورة،فإذا فتحتها مددت فقلت:الإناء،و فيه لغتان:أنى يأني،و آن يئين،مثل حان يحين.(5:224)

نحوه الميبديّ(8:82)،و الخازن(5:224).

الزّمخشريّ: (غَيْرَ ناظِرِينَ) حال من (لا تَدْخُلُوا) وقع الاستثناء على الوقت و الحال معا،كأنّه قيل:

لا تدخلوا بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ وقت الإذن،و لا تدخلوها إلاّ غير ناظرين.و هؤلاء قوم كانوا يتحيّنون طعام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيدخلون و يقعدون منتظرين لإدراكه.

و معناه:لا تدخلوا يا هؤلاء المتحيّنون للطّعام إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه،و إلاّ فلو لم يكن لهؤلاء خصوصا لما جاز لأحد أن يدخل بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ أن يؤذن له إذنا خاصّا،و هو الإذن إلى الطّعام فحسب.

و عن ابن أبي عبلة أنّه قرأ (غير ناظرين) مجرورا صفة ل(طعام).و ليس بالوجه،لأنّه جرى على غير ما هو له،فمن حقّ ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللّفظ،فيقال:

غير ناظرين إناه أنتم،كقولك:هند زيد ضاربته هي.و إني الطّعام:إدراكه،يقال:أنى الطّعام إني،كقولك:قلاه قلى.

و منه قوله: بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،بالغ إناه.

و قيل:إناه:وقته،أي غير ناظرين وقت الطّعام و ساعة أكله.(3:271)

نحوه النّيسابوريّ.(22:26)

الطّبرسيّ: أي غير منتظرين إدراك الطّعام؛فيطول مقامكم في منزله،و المعنى لا تدخلوا بغير إذن.

و قيل:نضج الطّعام،انتظارا لنضجه؛فيطول لبثكم و مقامكم.(4:368)

الفخر الرّازيّ: قوله غَيْرَ ناظِرِينَ يعني أنتم لا تنظروا وقت الطّعام فإنّه ربّما لا يتهيّأ.و(اناء)قيل:

وقته،و قيل:استواؤه.(25:224)

القرطبيّ: أي غير منتظرين وقت نضجه.و(إناه) مقصور،و فيه لغات:إني بكسر الهمزة.[ثمّ استشهد بشعر]و أنى بفتحها،و أناء بفتح الهمزة و المدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و(اناء)مصدر أنى الشّيء يأني،إذا فرغ و حان و أدرك.(14:226)

البيضاويّ: أي منتظرين وقته،أو إدراكه،و هو حال من فاعل لا تَدْخُلُوا أو المجرور في(لكم).

و قرئ بالجرّ صفة لطعام،فيكون جاريا على غير من هو له بلا إبراز الضّمير،و هو غير جائز عند البصريّين.

و قد أمال حمزة و الكسائيّ(إناه)لأنّه مصدر أنى الطّعام،إذا أدرك.(2:250)

نحوه أبو السّعود(4:217)،و الكاشانيّ(4:198).

الشّربينيّ: أي منتظرين إناه،أي نضجه،و هو مصدر أنى و يأني.

و قرأ هشام و حمزة و الكسائيّ بالإمالة،و ورش بالفتح و بين اللّفظين،و الباقون بالفتح.(3:265)

البروسويّ:أي غير منتظرين وقت الطّعام أو إدراكه،و هو بالقصر و الكسر مصدر أنى الطّعام،إذا أدرك.و فيه إشارة إلى حفظ الأدب في الاستئذان و مراعاة الوقت،و إيجاب الاحترام.(7:213)

الطّباطبائيّ: أي غير منتظرين لورود إناء الطّعام

ص: 73

بأن تدخلوا من قبل فتطيلوا المكث في انتظار الطّعام، و يبيّنه قوله: وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ أي أكلتم فَانْتَشِرُوا الأحزاب:53.(16:337)

ان

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44

كعب الأحبار: (ان)واد من أودية جهنّم،يجتمع فيه صديد أهل النّار،فيغمسون بأغلالهم فيه حتّى تنخلع أوصالهم،ثمّ يخرجون منها.و قد أحدث اللّه لهم خلقا جديدا فيلقون في النّار،فذلك قوله تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. (القرطبيّ 17:176)

أنّه الحاضر.(القرطبيّ 17:176)

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 27:145)

ابن عبّاس: انتهى حرّه.(الطّبريّ 27:144)

مثله الحسن و سفيان(الطّبريّ 27:144)،و البغويّ (7:7)،و سعيد بن جبير و السّدّيّ(القرطبيّ 17:175)، و الآلوسيّ(27:115)،و الطّباطبائيّ(19:108).

غلى حتّى انتهى غليه.(الطّبريّ 27:144)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 27:144)

ما اشتدّ غليانه و نضجه.(الطّبريّ 27:144)

مجاهد: أنّه الّذي قد آن شربه و بلغ غايته.

(القرطبيّ 17:176)

قتادة: يطوفون مرّة بين الحميم و مرّة بين الجحيم.

و الجحيم:النّار.(القرطبيّ 17:175)

(آن)طبخ منذ خلق اللّه السّماوات و الأرض،يقول:

إذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم ذلك.

(القرطبيّ 17:175)

الفرّاء: و الآني:الّذي قد انتهت شدّة حرّه.

(3:118)

و في«يأن»لغات:من العرب من يقول:أ لم يأن لك، و أ لم يئن لك،مثل يعن.و منهم من يقول:أ لم ينل لك باللاّم.و منهم من يقول:أ لم ينل لك.و أحسنهنّ الّتي أتى بها القرآن.(3:134)

أبو عبيدة: بلغ إناه في شدّة الحرّ،و كلّ مدرك آن.

و في آية أخرى غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،أي إدراكه.[ثمّ استشهد بشعر](2:245)

الطّبريّ: بين ماء قد أسخن و أغلى حتّى انتهى حرّه و أنى طبخه.و كلّ شيء قد أدرك فقد أنى،و منه قوله:

غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،يعني إدراكه و بلوغه.[ثمّ استشهد بشعر](27:144)

نحوه القاسميّ.(15:5629)

القمّيّ: أنين من شدّة حرّها.(2:345)

الزّجّاج: يعني آن،قد أنى يأني فهو آن،إذا انتهى في النّضج و الحرارة.فإذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم الحميم الآني الّذي قد صار كالمهل،فيطاف بهم مرّة إلى الحميم و مرّة إلى النّار.(5:102)

الطّوسيّ: و الآن:الّذي بلغ نهايته،و المراد هاهنا هو الّذي قد بلغ نهاية حرّه،من آنى يأني إنيا فهو آن،و منه قوله: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،يعني نضجه، و بلوغه غايته.(9:478)

نحوه الميبديّ.(9:417)

ص: 74

الزّمخشريّ: ماء حارّ قد انتهى حرّه و نضجه،أي يعاقب عليهم بين التّصلية بالنّار،و بين شرب الحميم.

و قيل:إذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم الحميم.

(4:48)

نحوه الطّبرسيّ(5:206)،و البيضاويّ(2:443)، و النّسفيّ(4:212)،و النّيسابوريّ(27:68)،و أبو حيّان (8:196)،و ابن كثير(6:496)،و أبو السّعود(5:126) و الكاشانيّ(5:112)،و البروسويّ(9:33)،و المراغيّ (27:120)،و عزّة دروزة(7:137).

الفخر الرّازيّ: هو كقوله تعالى: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ الكهف:29،و كقوله تعالى:

كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها السّجدة:

20،لأنّهم يخرجون فيستغيثون،فيظهر لهم من بعد شيء مائع هو صديدهم المغليّ فيظنّونه ماء،فيردون عليه كما يرد العطشان،فيقعون و يشربون منه شرب الهيم، فيجدونه أشدّ حرّا،فيقطّع أمعاءهم كما أنّ العطشان إذا وصل إلى ماء مالح لا يبحث عنه و لا يذوقه و إنّما يشربه عبّا فيحرق فؤاده،و لا يسكن عطشه.

و قوله:(حميم)إشارة إلى ما فعل فيه من الإغلاء، و قوله تعالى:(ان)إشارة إلى ما قبله،و هو كما يقال:قطّعته فانقطع،فكأنّه حمته النّار فصار في غاية السّخونة.و آن الماء،إذ انتهى في الحرّ نهاية.(29:121)

بنت الشّاطئ: سأل نافع عن قوله تعالى: حَمِيمٍ آنٍ، فقال ابن عبّاس:الآني:الّذي انتهى طبخه و حرّه، فلمّا سأله نافع:و هل تعرف العرب ذلك؟أجاب:نعم أ ما سمعت قول نابغة بني ذيبان:

و يخضب لحية خدرت و خانت

بأحمى من نجيع الجوف آن

الكلمة من آية الرّحمن:44،من أنى يأني فهو آن، و معها آنية في قوله تعالى: تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:4،5.

و جاء الفعل في قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

و المصدر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

و من المادّة جاءت كلمة (آناءَ اللَّيْلِ) ثلاث مرّات:

آل عمران:113،طه:130،الزّمر:9،و بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:15،و أنّى في ثلاث و عشرين آية.

و تفسير (حَمِيمٍ آنٍ) بالّذي انتهى طبخه و حرّه، أو بالنّضج كما فسّره ابن الأثير،تقريب لا يفوتنا معه دلالة الكلمة أصلا على«الزّمن»بمعنى حان وقته و بلغ إناه في شدّة الحرّ،كما قال الرّاغب في«المفردات»،و دلالة الزّمن في«أنّى»لا تغيب مع تعلّقها بالمكان أو الكيفيّة أو الحال.و (آناءَ اللَّيْلِ): ساعاته.و الإناء،بالكسر و القصر:

الطّعام وقت نضجه،و الآنية و الأواني:و أوعية الإناء.

كما لا تخفى دلالة المادّة على«الزّمن»في التّأنّي بمعنى التّمهّل،و في التّواني بمعنى التّراخي و الإبطاء،و كلّ ذلك من تصرّف العربيّة في المادّة لبيان فروق الدّلالات،دون أن ينفكّ عنها جميعا أصل الدّلالة على الزّمن و الوقت،في كلّ تصرّفها و استعمالها.

من هنا كان التّفسير بالنّضج أو انتهاء الطّبخ ملحوظ

ص: 75

فيه دلالة المادّة أصلا على الأوان،و جاء النّضج من بلوغ إناه و أوانه.(353)

انية

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ... الدّهر:15

النّسفيّ: و الآنية:جمع إناء،و هو وعاء الماء

(4:318)

نحوه أبو حيّان(8:397)،و الطّباطبائيّ(2:129).

الشّربينيّ: (انية)جمع إناء،كسقاء و أسقية.و جمع الآنية أوان،و هي ظروف للمياه.(4:455)

البروسويّ: (انية):أوعية،جمع إناء،نحو كساء و أكسية،و الأواني جمع الجمع،كما في«المفردات»،و أصل آنية:أأنية،بهمزتين،مثل:«أفعلة».

قال في بعض التّفاسير:الباء فيها إن كانت للتّعدية فهي قائمة مقام الفاعل،لأنّها مفعول له معنى،و إلاّ فالظّاهر أن يكون القائم مقامه عليهم.(10:271)

نحوه الآلوسيّ.(29:159)

المراغيّ: و آنية:واحدها إناء،و هو ما يوضع فيه الشّراب.[إلى أن قال:]

أي يدير عليهم خدمهم كئوس الشّراب و الأكواب من الفضّة.و قد تكوّنت و هي جامعة لصفاء الزّجاجة و شفيفها و بياض الفضّة و لينها،و قد قدّرها لهم السّقاة الّذين يطوفون عليهم للسّقيا،على قدر كفايتهم و ريّهم، و ذلك ألدّ لهم و أخفّ عليهم،فهي ليست بالملأى الّتي تفيض،و لا بالنّاقصة الّتي تغيض.

و الخلاصة:أنّ آنية أهل الجنّة من فضّة بيضاء في صفاء الزّجاج،فيرى ما في باطنها من ظاهرها.

(29:167)

2- تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ. الغاشية:5

ابن عبّاس: هي الّتي قد أطال أنيها.

(الطّبريّ 30:161)

آنية:بالغة النّهاية في شدّة الحرّ.

(الطّوسيّ 10:324)

مثله قتادة.(الطّوسيّ 10:324)،نحوه السّجستانيّ (217)،و البغويّ(7:198)،و الميبديّ(10:469)، و البيضاويّ(2:555)،و النّيسابوريّ(30:82)، و الخازن(7:198)،و أبو حيّان(8:462)،و الشّربينيّ (4:525)،و أبو السّعود(5:258)،و الكاشانيّ(5:

320)،و القاسميّ(17:6138)،و الطّباطبائيّ(20:

273).

مجاهد: قد بلغت إناها،و حان شربها.

(الطّبريّ 30:161)

الحسن: أنّى طبخها منذ يوم خلق اللّه الدّنيا.

(الطّبريّ 30:161)

مثله قتادة.(الطّبريّ 30:161)

من عين أنى حرّها،يقول:قد بلغ حرّها.

(الطّبريّ 30:161)

أي حرّها أدرك،أوقدت عليها جهنّم منذ خلقت فدفعوا إليها وردا عطاشا.(القرطبيّ 20:29)

ابن زيد: آنية:حاضرة.(الطّبريّ 30:161)

الطّبريّ: تسقى أصحاب هذه الوجوه من شراب عين قد أنى حرّها،فبلغ غايته في شدّة الحرّ.

ص: 76

و قال بعضهم:عني بقوله: (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ): من عين حاضرة.(30:160)

الزّجّاج: أي متناهية في شدّة الحرّ،كقوله:

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44.

(5:317)

نحوه الآلوسيّ.(30:113)

القمّيّ: أنين من شدّة حرّها.(2:418)

الطّبرسيّ: أي و تسقى أيضا من عين حارّة قد بلغت إناها و انتهت حرارتها.(5:479)

الفخر الرّازيّ: الآني:الّذي قد انتهى حرّه،من الإيناء،بمعنى التّأخير.

و في الحديث: «أنّ رجلا أخّر حضور الجمعة ثمّ تخطّى رقاب النّاس،فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«آنيت و آذيت»،و نظير هذه الآية قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44.

قال المفسّرون: إنّ حرّها بلغ إلى حيث لو وقعت منها قطرة على جبال الدّنيا لذابت.(31:153)

نحوه القرطبيّ.(20:29)

النّسفيّ: من عين ماء قد انتهى حرّها،و التّأنيث في هذه الصّفات و الأفعال راجعة إلى الوجوه،و المراد أصحابها،بدليل قوله لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ الغاشية:6.(4:351)

البروسويّ: أي متناهية بالغة في الأنى،أي الحرّ، غايتها لتسخينها بتلك النّار منذ خلقت،لو وقعت منها قطرة على جبال الدّنيا لذابت.فإذا أدنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم،و إذا شربوا قطّعت أمعاءهم،كما قال تعالى: (وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ). يقال:أنى الحميم:انتهى حرّه،فهو آن.و بلغ هذا إناه.و إناه:غايته،و فيه إشارة إلى نار الطّبيعة،و عين الجهل المركّب الّذي هو مشرب أهلها، و الاعتقاد الفاسد المؤذي.(10:413)

المراغيّ: أي إنّ أهل النّار إذا عطشوا في تلك الدّار و طلبوا ما يطفئ غلّتهم،جيء لهم،بماء من ينبوع بلغ من الحرارة غايتها،فهو لا يطفئ لهبا و لا ينفع غلّة.

(30:132)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البلوغ و الإدراك،و التّأخّر و الإبطاء،و ساعة من ساعات اللّيل،فمن الأوّل قولهم:

أنى الشّيء يأني أنى و إني و أنيا:حان و أدرك،و بلغ الشّيء إناه،أي منتهاه،و أنى الحميم:انتهى حرّه،و انتظرنا إني اللّحم،أي إدراكه،و استأنيت الطّعام،أي انتظرت إدراكه،و ما أنى لك،و لم يأن لك،أي لم يحن.

و منه أيضا:الإناء،واحد الآنية،لأنّه-كما قالوا-قد بلغ أن يعتمل بما يعاني من طبخ أو خرز أو نجارة،و قد جعله ابن فارس أحد أصول هذه المادّة.

و من الثّاني:أنى في الأمر يأني،و أني يأنى أنيا و أنى و إني،و تأنّى و استأنى:تثبّت و تمكّث و لم يعجل،و أنّيت في الشّيء:قصّرت فيه.و آنيت الشّيء إيناء:أخّرته، و استأنيت فلانا:انتظرته و تأخّرت في أمره و لم أعجل، و أنّيت الطّعام في النّار،إذا أطلت مكثه،و استأنى فلان بالأمر:انتظر به.

و يقال أيضا:إنّ خير فلان لبطيّ أني،و لا تؤن

ص: 77

فرصتك:لا تؤخّرها إذا أمكنتك،و كلّ شيء أخّرته فقد آنيته.

و من الثّالث:الأنى و الإنى و الإني:السّاعة من اللّيل، و الجمع آناء،يقال:مضى إنيان و إنوان من اللّيل.

2-أمّا الأناة،أي الحلم و الضعف و المرأة الرّزينة، فهو من«الونى»،إذ الهمزة بدل من الواو،و مثله قولهم:

أين أخيهم؟أي سفرهم و قصدهم،و أصله«وخيهم»، و نحو:كلّ مال زكّي ذهبت أبلته،أي شرّه،و أصله «وبلته»،و نحو:أزير في«وزير»،و أجّ في«وجّ»،و أجم في «وجم»،و قد تعرّضنا لذلك في مواضع عديدة من المعجم.

و قولهم:أن على نفسك،أي ارفق بها في السّير و اتّدع،و بيني و بين مكّة عشر ليال آئنات،أي وادعات،ليس من(أ ن و)،بل هو من(أ و ن).

و كذا قولهم:آن الشّيء،أي حان،فهو من(أ ي ن).

3-و لا ينكر أنّ بين هذه الموادّ الأربعة-الأنى و الونى و الأون و الأين-اشتقاق أكبر،أي اشتراك في الحروف لفظا،و اشتراك في إفادة الزّمان معنى،فهي دالّة على الزّمان في كلّ ما تنصرف إليه من دلالات،أي أنّنا نلمح معنى الزّمان قويّا في بعض الاستعمالات و ضعيفا في بعضها الآخر.و لكنّه في الحالين موجود بحيث يصحّ-أو يقرب من الصّواب-القول بدلالة أصل الجذر على الزّمن،إلاّ أنّ ذلك لا يسمح لنا بأن ندمجها في مادّة واحدة،بل نجعل كلاّ من هذه الموادّ على حدة في هذا المعجم.

و على هذه الرّؤية-الّتي يبدو أنّها جديدة-تجتمع الأصول الأربعة الّتي ارتآها ابن فارس لهذا الجذر في أصل واحد،و هو الدّلالة على الزّمن،فالبطء،و السّاعة من الزّمان،و إدراك الشّيء،و الظرف،تتضمّن معنى الزّمان جميعا،مع ملاحظة الفرق بين الواويّ و اليائيّ حسب ما تقدّم.و إنّما ذهب ابن فارس إلى تفصيل ذلك الزّمن على مجالات محدّدة تختلف بينها بعض الاختلاف، ذلك الاختلاف لم يسمح له أن يجعلها ضمن إطار واحد، لأنّه نظر إلى الدّلالة الظّاهرة،لا الدّلالة العامّة المستكنّة في الاستعمال.

و على هذا الضّوء يقال:أنى يأني أنيا،و آن يئين أينا، و آن يئون أونا،أي حان الوقت،و آن الرّحيل،أي قرب،و أتيته آئنة بعد آئنة،أي تارة بعد تارة،و وقتا بعد وقت.

4-و إذا فلا غرو أن يؤخذ لفظ«الآن»دالاّ على الزّمان الحاضر،و لفظ«إني»دالاّ على الزّمان المتأخّر، سواء كان في الماضي أم في الحال،كقولك:آنيت الصّلاة، أي أخّرتها،و سأوانيها-قياسا-بمعنى سأؤخّرها،فقد خفّفوا الهمزة،و قالوا:ساوانيها.و من هذا المعنى الأخير قالوا:بلغ الشّيء إناه،أي منتهاه و غايته،و الإيناء:

الانتظار،و كلّه دالّ على الزّمن المتأخّر.

و كذا كلمة«أنّى»فهي أداة دالّة على الاستفهام الزّمانيّ،و الاستفهام المكانيّ أيضا.و يدلّ لفظ«أين»على الاستفهام المكانيّ غالبا،و الزّمانيّ نادرا.و يدلّ لفظ «أيّان»على الاستفهام الزّمانيّ،و«أينما»على الاستفهام المكانيّ و هكذا،فلاحظ موادّها.

5-و قيل:آنية و أوان-جمعا إناء-هما«أفعلة»

ص: 78

و«أفاعل»،و قيل:«فاعلة»و«فواعل».و القول الأوّل موافق للقياس،لأنّ«أفعلة»جمع لكلّ اسم مذكّر على أربعة أحرف،ثالثه حرف مدّ،مثل:قذال و أقذلة، و رغيف و أرغفة،و عمود و أعمدة،و التزم ذلك في جمع المضاعف أو المعتلّ اللاّم من«فعال»أو«فعال»،مثل:

بتات و أبتّة،و زمام و أزمّة،و قباء و أقبية،و فناء و أفنية.

و يجمع«أفعلة»على«أفاعل»أو«أفاعيل»،مثل:

أعين و أعاين،و أقوال و أقاويل،و غربان و غرابين.

و أمّا(فواعل)فهو جمع(فاعلة)من الصّفات،مثل:

صاحبة و صواحب،و فاطمة و فواطم،فلا يكون جمعا للفظ«آنية»،لأنّه ليس مفردا و لا صفة.

الاستعمال القرآنيّ

الاستعمال القرآنيّ للّفظ ملحوظ فيه أيضا تضمّنه «الزّمن»في كلّ الصّيغ الواردة فيه:

1-يأني بمعنى يحين: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

2-آن: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ

الرّحمن:44

وصف به«الحميم»الّذي وعد به أهل الجحيم، و أريد به-على ما يظهر من دلالة المادّة-أنّ ذلك «الحميم»قد بلغ أعلى درجات غليانه،أو قد حان زمان تعذيبهم به،فإنّ بلوغ ذلك«الحميم»درجة الغليان القصوى يحتاج إلى زمن،فكان توصيف«الحميم»به باعتباره قد مرّ به الزّمن الطّويل حتّى بلغ الغاية من الحرارة.

و ليس استعمال«الزّمن»في التّوصيف إشارة إلى ما ينتج عن مرور الزّمن على الموصف به بغريب،فقد جاء في فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ البقرة:259،فالمعنى القريب له أنّه لم تمرّ عليه السّنون، و المعنى المراد أنّه لم يتغيّر طعمه و لا لونه بمرّ السّنين الطّويلة عليه،لاحظ«س ن ه».

3-آنية: وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا الدّهر:15. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5.

أ-في الأولى جاءت بالمعنى المتداول المعروف من الأدوات المستعملة لتقديم الطّعام و الشّراب،مفردها «إناء»الّذي يجمع على الأواني.

و أمّا الآنية فمع كونها جمعا لإناء إلاّ أنّها تتضمّن معنى أعمق من معنى الأواني،ذلك أنّ الآنية-كصيغة-تظلّ تحمل معنى«الزّمن»و هو الزّمن الحاضر،أي أنّ هذه الأواني الّتي يعد اللّه سبحانه بها المؤمنين في الجنّة ليست مثل الأواني الّتي يستعملونها في الدّنيا،فهي آنية،أي حاضرة جاهزة في كلّ وقت.

و هذا فرق دقيق بين جمع و جمع،هو باب نستطيع به أن نقرّر أنّ صيغ الجموع إنّما كثرت و تعدّدت لبيان فوارق دقيقة بين صيغة و صيغة،و قد يكون ذلك الفارق لمعنى الزّمن كما هاهنا،أو لمعان أخر.

فالأواني جمع الجمع من الإناء،جمع جرم الإناء إلى جرم الإناء الآخر،فإذا ما أريد التّعبير عن ذلك الجمع باستحضار معنى الزّمان فيه عدل من الأواني إلى الآنية، و كأنّها الحاضرة الجاهزة،و لكلّ في التّناغم الموسيقي بين

ص: 79

هذا اللّفظ(آنية)و لفظ(دانية)في الآية قبلها: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً الدّهر:14، ما يساعد على استيحاء ذاك.

ب-و الآنية في الآية الثّانية بمعنى الحاضرة الجاهزة الّتي قد مرّ عليها الآن بعد الآن حتّى وصلت إلى حالتها الجاهزة للاستعمال،و هي العين الّتي يعذّب الكافرون بإسقائهم منها.و هذه اللّفظة مؤنّث لفظة«آن»،و في كلّ منهما يبين عنصر الزّمن بيانا واضحا،و في الجمع بين (عين)و(آنية)شبه الجناس ظاهر.

4-آناء: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. آل عمران:113

وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى. طه:130.

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ. الزّمر:9.

جاءت(اناء)في هذه الآيات الثّلاث مضافة إلى اللّيل مقابلة قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها و أَطْرافَ النَّهارِ في(طه)،فدلّت بذلك على أوقات نائية من اللّيل،و هي ما يستطيب الإنسان استمرار النّوم فيها من الزّمن،و تحدّد في البعد الزّمنيّ لا في قربه،أي وقت بعيد عن الفجر.

5-إناه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ

الأحزاب:53

أي غير مستعجلين نضجه،أي زمن جهازه للأكل، ففيه أيضا معنى الزّمان.

و عند الطّباطبائيّ أنّه بمعنى الظّرف،أي لا تستعجلوا في الدّخول؛لتنتظروا دخول الإناء،و يؤيّده قراءة «انائه» .و عليه فالأولى أن يكون(ناظرين)بمعنى الرّؤية، أي لا تنظروا حال الأكل إلى ظروف الطّعام كيف هي، أ صحيحة أم مكسورة،غالية أم رخيصة؟و نحو ذلك.

ص: 80

أ ه ل

اشارة

12 لفظا،127 مرّة:74 مكّيّة،53 مدنيّة

في 40 سورة:28 مكّيّة،12 مدنيّة

أهل 54:18-36 أهلكم 1:1

أهله 27:21-6 أهلي 3:3

أهلها 20:15-5 أهلنا 3:3

أهلهم 3:3 أهلونا 1:-1

أهلهنّ 1:-1 أهليهم 3:2-1

أهلك 9:8-1 أهليكم 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أهل الرّجل:زوجه،و أخصّ النّاس به.

و التّأهّل:التّزوّج،و أهل البيت:سكّانه،و أهل الإسلام:من يدين به،و من هذا يقال:فلان أهل كذا أو كذا.قال اللّه عزّ و جلّ: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56،جاء في التّفسير أنّه جلّ و عزّ أهل لأن يتّقى فلا يعصى،و هو أهل لمغفرة من اتّقاه.

و جمع الأهل:أهلون و أهلات.و الأهالي:جمع الجمع،و جاءت الياء الّتي في«الأهالي»من الواو الّتي في «الأهلون».

و أهّلته لهذا الأمر تأهيلا،و من قال:وهّلته،ذهب به إلى لغة من يقول:و امرته و واكلته.

و مكان مأهول:فيه أهل.و مكان آهل:له أهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ دابّة و غيرها إذا ألف مكانا فهو آهل و أهليّ، أي:صار أهليّا.و منه قيل:أهليّ لما ألف النّاس و المنازل، و برّيّ لما استوحش و وحشيّ.و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر لحوم الحمر الأهليّة.

و العرب تقول:مرحبا و أهلا،و معناه نزلت رحبا،أي سعة،و أتيت أهلا لا غرباء.

و الإهالة:الألية و نحوها،يؤخذ فيقطع ثمّ يذاب، و هي:الجميل أيضا.(4:89)

نحوه الطّوسيّ(1:291)،و الطّبرسيّ(1:290).

ص: 81

سيبويه: سألت الخليل عن قول العرب:أرض و أرضات؟فقال:لمّا كانت مؤنّثة و جمعت بالتّاء ثقّلت كما ثقّلت طلحات و صفحات.[إلى أن قال:]

قلت:فهلاّ قالوا:أرضون،كما قالوا:أهلون؟قال:إنّها لمّا كانت تدخلها التّاء أرادوا أن يجمعوها بالواو و النّون كما جمعوها بالتّاء.

و«أهل»مذكّر لا تدخله التّاء و لا تغيّره الواو و النّون، كما لا تغيّر غيره من المذكّر،نحو صعب و فسل.

(3:599)

و قالوا:أهلات،فخفّفوا،شبّهوها بصعبات؛حيث كان«أهل»مذكّرا تدخله الواو و النّون،فلمّا جاء مؤنّثا كمؤنّث«صعب»فعل به كما فعل بمؤنّث«صعب».و قد قالوا:أهلات فثقّلوا،كما قالوا:أرضات.[ثمّ استشهد بشعر](3:600)

الكسائيّ: أهلت به و و دقت به،إذا استأنست به.

مثله الفرّاء.(الأزهريّ 6:417)

أهّلت بالرّجل،إذا آنست به.

(الجوهريّ 4:1629)

اليزيديّ: آنست به،و استأنست به و أهلت به أهولا،بمعنى واحد.و أهل الرّجل يأهل أهولا،إذا تزوّج، للأنس الّذي بين الزّوجين.(الأزهريّ 6:417)

أبو زيد: الإهالة هي الشّحم و الزّيت قطّ.

(الأزهريّ 6:417)

الإهالة:كلّ شيء من الأدهان ممّا يؤتدم به.

(الهرويّ 1:106).

الأصمعيّ: يقال:استوجب ذلك و استحقّه، و لا يقال:استأهله و لا أنت تستأهل،و لكن تقول:هو أهل ذلك و أهل لذاك،و يقال:هو أهلة ذلك.

(ابن منظور 11:30)

ابن السّكّيت: مرحبا و أهلا،أي أتيت أهلا و أتيت سعة فلا سعة فاستانس و لا تستوحش.(584)

مكان مأهول:فيه أهله،و مكان آهل:له أهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء من الدّوابّ و غيرها إذا ألف مكانا فهو آهل و أهليّ،و لذلك قيل لما ألف النّاس و القرى:أهليّ، و لما استوحش:برّيّ و وحشيّ،كالحمار الوحشيّ.

و الأهليّ هو الإنسيّ،و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة.

و العرب تقول:مرحبا و أهلا،و معناه نزلت رحبا،أي سعة،و أتيت أهلا لا غرباء.

و خطّأ بعض النّاس قول القائل:فلان يستأهل أن يكرم،بمعنى يستحقّ الكرامة.و قال:لا يكون الاستئهال إلاّ من«الإهالة»،و أجاز ذلك كثير من أهل الأدب.و أمّا أنا فلا أنكره و لا أخطّئ من قاله:لأنّي سمعته.

و قد سمعت أعرابيّا فصيحا من بني أسد يقول لرجل أولي كرامة:أنت تستأهل ما أوليت،و ذلك بحضرة جماعة من الأعراب فما أنكروا قوله،و يحقّق ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:

56.

(الأزهريّ 6:418)

المازنيّ: لا يجوز أن تقول:أنت مستأهل هذا الأمر،و لا أنت مستأهل لهذا الأمر،لأنّك إنّما تريد أنت

ص: 82

مستوجب لهذا الأمر.و لا يدلّ«مستأهل»على ما أردت، و إنّما معنى هذا الكلام:أنت تطلب أن تكون من أهل هذا المعنى،و لم ترد ذلك،و لكن تقول:أنت أهل لهذا الأمر.

(الأزهريّ 6:419)

شمر: في حديث كعب:«كأنّها متن إهالة»[يعني النّار]متن الإهالة:ظهرها إذا سكنت في الإناء.و إنّما شبّه كعب سكون جهنّم قبل أن يصير الكافر فيها بذلك.

(الهرويّ 1:105)

الزّجّاج: آهلك اللّه لهذا الأمر:جعلك اللّه له أهلا.

(فعلت و أفعلت:53)

ابن دريد: و الإهالة:الشّحم المذاب.(3:446)

الأزهريّ: [بعد نقل قول أبي زيد و غيره قال:]

و كذلك ما علا القدر من ودك اللّحم السّمين إهالة، و استأهل الرّجل،إذا ائتدم بالإهالة.

و يجمع الأهل:أهلين و أهلات.و الأهالي جمع الجمع،و جاءت الياء الّتي في«الأهالي»من الياء الّتي في «الأهلين».

و يقال:أهّلت فلانا لأمر كذا كذا تأهيلا.(6:417)

[و بعد نقل قول ابن السّكّيت قال:]

و الصّواب ما قاله أبو زيد و الأصمعيّ و غيره،لأنّ الأسديّ ألف الحاضرة فأخذ هذا عنهم.(6:419)

يقال:أهلت بفلان آهل به،إذا أنست به،و هم أهلي و أهلتي،أي هم الّذين آنس بهم.(الهرويّ 1:105)

الجصّاص: الأهل:اسم يقع على الزّوجة و على جميع من يشتمل عليه منزله،و على أتباع الرّجل و أشياعه.(2:228)

الجوهريّ: الأهل:أهل الرّجل و أهل الدّار،و كذلك الأهلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:أهلات و أهلات و أهال،زادوا فيه الياء على غير قياس،كما جمعوا ليلا على ليال.و قد جاء في الشّعر«آهال»مثل فرخ و أفراخ،و زند و أزناد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإهالة:الودك،و المستأهل:الّذي يأخذ الإهالة أو يأكلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:فلان أهل لكذا،و لا تقل:مستأهل،و العامّة تقوله.و قد أهل فلان يأهل و يأهل أهولا،أي تزوّج، و كذلك تأهّل.(4:1628)

ابن فارس: الهمزة و الهاء و اللاّم أصلان متباعدان، أحدهما:الأهل،و الأصل الآخر:الإهالة.(1:150)

أبو هلال: الفرق بين الأهل و الآل:أنّ«الأهل» يكون من جهة النّسب و الاختصاص،فمن جهة النّسب قولك:أهل الرّجل لقرابته الأدنين،و من جهة الاختصاص قولك:أهل البصرة و أهل العلم.

و«الآل»:خاصّة الرّجل من جهة القرابة أو الصّحبة، تقول:آل الرّجل لأهله و أصحابه،و لا تقول:آل البصرة و آل العلم.و قالوا:آل فرعون:أتباعه،و كذلك آل لوط.

و قال المبرّد:إذا صغّرت العرب«الآل»قالت:أهيل، فيدلّ على أنّ أصل الآل:الأهل.

و قال بعضهم: الآل:عيدان الخيمة و أعمدتها،و آل الرّجل مشبّهون بذلك،لأنّهم معتمده.و الّذي يرفع في الصّحاري«آل»لأنّه يرتفع كما ترفع عيدان الخيمة، و الشّخص«آل»لأنّه كذلك.(233)

ص: 83

الهرويّ: في الأمثال:«استأهلي إهالتي و أحسني إيالتي»أي خذي صفو مالي و أحسني القيام عليّ.

(1:106)

ابن سيدة: أهل الرّجل:عشيرته و ذوو قرباه، و الجمع:أهلون و آهال و أهال و أهلات.[ثمّ استشهد بشعر]

و اتّهل الرّجل:اتّخذ أهلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أهل المذهب:من يدين به.و أهل الأمر:ولاته.

و أهل البيت:سكّانه.

و أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أزواجه و بناته و صهره،أعني عليّا عليه السّلام.و قيل:نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و الرّجال الّذين هم آله.

[إلى أن قال:]

و أهل كلّ نبيّ:أمّته.

و كلّ شيء من الدّوابّ ألف المنازل:أهليّ و أهل.

الأخيرة على النّسب.

و مكان مأهول،و قد جاء أهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم في الدّعاء:مرحبا و أهلا،أي أتيت أهلا لا غرباء فاستأنس و لا تستوحش.

و أهّل به:قال له:أهلا،و أهل به:أنس.

و هو أهل لكذا،أي مستوجب له،الواحد و الجميع في ذلك سواء؛و على هذا قالوا:الملك للّه أهل الملك.

و أهّله لذلك الأمر و آهله:رآه له أهلا.

و استأهله:استوجبه،كرهها بعضهم.

و أهل الرّجل و أهلته:زوجه.و أهل الرّجل يأهل و يأهل أهلا و أهولا و تأهّل:تزوّج.

و آهلك اللّه في الجنّة:زوّجك فيها و أدخلكها.[إلى أن قال:]

الإهالة:ما أذبت من الشّحم،و قيل:الإهالة:الشّحم و الزّيت،و قيل:كلّ دهن ائتدم به إهالة.و استأهل:أخذ الإهالة.[ثمّ استشهد بشعر](4:255-258)

الطّوسيّ: الأهل:خاصّة الشّيء الّذي ينسب إليه، و منه قوله تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45.و تسمّى زوجة الرّجل بأنّها أهله،و كذلك أهل البلد و أهل الدّار، و هم خاصّته الّذين ينسبون إليه.(6:186)

الأهل:هو المختصّ بغيره من جهة ما هو أولى به، و كلّما كان أولى به فهو أحقّ بأنّه أهله،فمن ذلك أهل الجنّة و أهل النّار،و من ذلك أهل الجود و الكرم،و فلان من أهل القرآن و من أهل العلم و من أهل الكوفة،و من هذا قيل لزوجة الرّجل:أهله،لأنّها مختصّة به من جهة هي أولى به من غيره.(9:410)

الرّاغب: أهل الرّجل:من يجمعه و إيّاهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة و بيت و بلد،فأهل الرّجل في الأصل:من يجمعه و إيّاهم مسكن واحد،ثمّ تجوّز به فقيل:أهل بيت الرّجل:لمن يجمعه و إيّاهم نسب.

و تعورف في أسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مطلقا إذا قيل:أهل البيت،لقوله عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب:33.

و عبّر بأهل الرّجل:عن امرأته،و أهل الإسلام:

الّذين يجمعهم.و لمّا كانت الشّريعة حكمت برفع حكم النّسب في كثير من الأحكام بين المسلم و الكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:

46.

ص: 84

و قال تعالى: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هود:40.

و قيل:أهل الرّجل يأهل أهولا،و قيل:مكان مأهول:فيه أهله،و أهل به،إذا صار ذا ناس و أهل،و كلّ دابّة ألف مكانا يقال:أهل و أهليّ.

و تأهّل،إذا تزوّج،و منه قيل:أهّلك اللّه في الجنّة،أي زوّجك فيها و جعل لك فيها أهلا يجمعك و إيّاهم.

و يقال:فلان أهل لكذا،أي خليق به.

و مرحبا و أهلا في التّحيّة للنّازل بالإنسان،أي وجدت سعة مكان عندنا،و من هو أهل بيت لك في الشّفقة.

و جمع الأهل:أهلون و أهال و أهلات.(29)

الزّمخشريّ: الأهلون:جمع أهل،و يقال:أهلات، على تقدير تاء التّأنيث،كأرض و أرضات،و قد جاء أهلة.و أمّا«أهال»فاسم جمع كليال.(3:544)

مثله البيضاويّ:(2:401)،و أبو السّعود(5:81).

رجعوا إلى أهاليهم،و فلان أهل لكذا،و قد استأهل لذلك و هو مستأهل له.سمعت أهل الحجاز يستعملونه استعمالا واسعا.

و مكان آهل و مأهول،و أهل فلان أهولا،و تأهّل:

تزوّج،و رجل آهل.و في الحديث:«إنّه أعطى العزب حظّا و أعطى الآهل حظّين».و آهلك اللّه في الجنّة إيهالا:

زوّجك.

«و و شكان ذا إهالة»و هي الودك،و كلّ من الأدهان يؤتدم به كالخلّ و الزّيت و نحوهما.و استأهلها:أكلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثريدة مأهولة،تقول:حبّذا دار مأهولة و ثريدة مأهولة.(أساس البلاغة:11)

المدينيّ: في حديث عوف بن مالك:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أعطى الآهل حظّين و الأعزب حظّا»يعني إذا جيء بفيء.

فالآهل:المتأهّل ذو الأهل و العيال،و مكان آهل:له أهل، و مكان مأهول:فيه أهل.

و في حديث:«لقد أمست نيران بني كعب آهلة،أي كثيرة الأهل و القوم.و آهلك اللّه،أي جعل لك زوجة.

و في الحديث:«نهى عن الحمر الأهليّة»و هي الّتي تألف البيوت.و المبارك مثل الإنسيّة.

في الحديث:«أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته».

سئل أبو بكر الورّاق عن معناه،فقال:أهل القرآن:من يحوطه القرآن و لا يسلمه إلى الشّيطان،و لا يسلك به غير طريق الرّحمن،هل رأيتم أحدا أسلم أهله إلى أعدائه، فانظر أ أسلمك القرآن إلى عمل الشّيطان أم إلى عبادة الرّحمن،فإن أسلمك إلى عمل الشّيطان فلست من أهل القرآن،و إن أسلمك إلى عبادة الرّحمن فأنت من أهل القرآن.(1:114)

عبد اللّطيف البغداديّ: تقول:فلان يستحقّ كذا و هو أهل لكذا.فأمّا قولهم:يستأهل فهو مستأهل فمولّد، و معناه عند العرب:الّذي يأكل الإهالة و هي الشّحم.

أقول:استعماله بمعنى الاستحقاق سائغ في القياس، فيستأهل«يستفعل»من لفظ«الأهل»مثل يستأصل و يستأسد من لفظ«الأصل»و«الأسد».

(ذيل فصيح ثعلب:10)

ابن الأثير: «أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته»

ص: 85

أي حفظة القرآن العاملون به،هم أولياء اللّه و المختصّون به اختصاص أهل الإنسان به.و منه حديث أبي بكر في استخلافه عمر:«أقول له إذا لقيته:استعملت عليهم خير أهلك»يريد خير المهاجرين.

و كانوا يسمّون أهل مكّة:أهل اللّه،تعظيما لهم،كما يقال:بيت اللّه.و يجوز أن يكون أراد أهل بيت اللّه،لأنّهم كانوا سكّان بيت اللّه.

و في حديث أمّ سلمة رضي اللّه عنها:«ليس بك على أهلك هوان»أراد ب«الأهل»نفسه صلّى اللّه عليه و سلّم أي لا يعلق بك و لا يصيبك هوان عليهم.

و فيه:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أعطى الآهل حظّين و الأعزب حظّا»الآهل:الّذي له زوجة و عيال،و الأعزب:الّذي لا زوجة له،و هي لغة رديئة،و اللّغة الفصحى«عزب» يريد بالعطاء نصيبهم من الفيء.

و منه الحديث:«أنّه نهى عن الحمر الأهليّة»هي الّتي تألف البيوت و لها أصحاب،و هي مثل الإنسيّة ضدّ الوحشيّة.

«و أنّه كان يدعى إلى خبز الشّعير و الإهالة السّنخة فيجيب».كلّ شيء من الأدهان ممّا يؤتدم به إهالة، و قيل:ما أذيب من الألية و الشّحم،و قيل:الدّسم الجامد و السّنخة المتغيّرة الرّيح.(1:83)

الفيّوميّ: أهل المكان أهولا من باب«قعد»:عمر بأهله،فهو آهل.و قرية آهلة:عامرة،و أهلت بالشّيء:

أنست به.

و أهل الرّجل يأهل و يأهل أهولا،إذا تزوّج.و تأهّل كذلك،و يطلق الأهل على الزّوجة.

و الأهل:أهل البيت،و الأصل فيه القرابة،و قد أطلق على الأتباع.و أهل البلد:من استوطنه،و أهل العلم:من اتّصف به،و الجمع الأهلون،و ربّما قيل:الأهالي.

و أهل الثّناء و المجد في الدّعاء-منصوب على النّداء، و يجوز رفعه خبر مبتداء محذوف-أي أنت أهل.و الأهليّ من الدّوابّ:ما ألف المنازل،و هو أهل للإكرام،أي مستحقّ له.

و قولهم:«أهلا و سهلا و مرحبا»معناه أتيت قوما أهلا و موضعا سهلا واسعا فابسط نفسك و استأنس و لا تستوحش.

و الإهالة بالكسر:الودك المذاب،و استأهلها:أكلها.

و يقال:استأهل؛بمعنى استحقّ.(1:28)

الفيروزآباديّ: أهل الرّجل:عشيرته و ذوو قرباه، جمعه:أهلون و أهال و آهال و أهلات و يحرّك.و أهل يأهل و يأهل أهولا و تأهّل و اتّهل:اتّخذ أهلا.

و أهل الأمر:ولاته،و للبيت سكّانه،و للمذهب من يدين به،و للرّجل زوجته كأهلته،و للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أزواجه و بناته و صهره عليّ رضي اللّه تعالى عنه أو نساؤه و الرّجال الّذين هم آله،و لكلّ نبيّ أمّته.

و مكان آهل:له أهل و مأهول فيه أهله،و قد أهل كعني.و كلّ ما ألف من الدّوابّ المنازل فأهليّ،و أهل ككتف.

و«مرحبا و أهلا»،أي صادفت أهلا لا غرباء،و أهّل به تأهيلا:قال له ذلك،و كفرح:أنس.

و هو أهل لكذا:مستوجب للواحد و الجميع،و أهّله لذلك تأهيلا و آهله:رآه له أهلا،و استأهله:استوجبه،

ص: 86

لغة جيّدة،و إنكار الجوهريّ باطل.

و فلان أخذ الإهالة:للشّحم أو ما أذيب منه أو الزّيت و كلّ ما ائتدم به.و سرعان ذا إهالة في العين.

و آل اللّه و رسوله:أولياؤه،و أصله«أهل»و تقدّم في «أول».

و أنّهم لأهل أهلة كفرحة،أي مال.(3:342)

و لمّا كانت الشّريعة حكمت برفع النّسب في كثير من الأحكام بين المسلم و الكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،و في المثل:«الأهل إلى الأهل أسرع من السّيل إلى السّهل»،و في خبر بلا زمام (1):إنّ للّه ملكا في السّماء السّابعة تسبيحه:سبحان من يسوق الأهل إلى الأهل.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و أهّلك اللّه في الجنّة،أي زوّجك و جعل لك فيها أهلا،يجمعك و إيّاهم.و جمع الأهل:أهلون و آهال و أهلات،و في الحديث:«اصنع المعروف إلى من هو أهله، و إلى من ليس أهله،فإن أصبت أهله فهو أهله،و إن لم تصب أهله فأنت من أهله».

(بصائر ذوي التّمييز 2:84)

الطّريحيّ: أهل الرّجل:آله،و هم أشياعه و أتباعه و أهل ملّته،ثمّ كثر استعمال«الأهل»و«الآل»حتّى سمّي بهما أهل بيت الرّجل،لأنّهم أكثر من يتبعه.

و أهل كلّ نبيّ:أمّته،قيل:و منه قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ طه:132،و قد مرّ في«أمر»أنّهم أهل بيته خاصّة.

و فلان أهل لكذا أو يستأهل لكذا،أي حقيق به.

و أهل البيت:سكّانه،و كذا أهل الماء،و منه الحديث:

«إنّ للماء أهلا»أي سكّانا يسكنونه.

و أهل الإسلام:من يدين به.

و«أهلا و سهلا»أي أتيت أهلا لا غربا،و سهلا لا حزنا.

و الأهليّ من الدّوابّ:خلاف الوحشيّ،و هو ما يألف المنازل.

و الإهالة،بكسر الهمزة:الشّحم المذاب،و قيل:دهن يؤتدم به،و قيل:الدّسم الجامد،و منه الحديث:«أدهن بسمن أو إهالة»،و في الخبر:«كان يدعى إلى خبز الشّعير و الإهالة فيجيب».(5:314)

البروسويّ: و الأهلون:جمع أهل،و أهل الرّجل:

عشيرته و ذووا قرباه.و قد يجمع الأهل على أهال و آهال و أهلات،و يحرّك كأرضات،على تقدير تاء التّأنيث،أي على أنّ أصله«أهلة»كما في أرض،فحكمه حكم تمرة؛حيث يجوز في تمرات تحريك الميم.

(9:26)

الزّبيديّ: [قال الفيروزآباديّ:]

و استأهله:استوجبه،لغة جيّدة،و إنكار الجوهريّ لها باطل.

قال شيخنا: قول المصنّف باطل،هو الباطل،و ليس الجوهريّ أوّل من أنكر بل أنكره الجماهير قبله،و قالوا:

إنّه غير فصيح و ضعّفه في الفصيح،و أقرّه شرّاحه و قالوا:

هو وارد و لكنّه دون غيره في الفصاحة.و صرّح الحريريّ بأنّه من الأوهام و لا سيّما و الجوهريّ التزم أن لا يذكر إلاّ ما صحّ عنده،فكيف يثبت عليه ما لم يصحّد.

ص: 87


1- أي بلا إسناد.

عنده!فمثل هذا الكلام من خرافات المصنّف،و عدم قيامه بالانصاف،انتهى.

قلت:و هذا نكير بالغ من شيخنا على المصنّف بما لا يستأهله،فقد صرّح الأزهريّ و الزّمخشريّ و غيرهما من أئمّة التّحقيق بجودة هذه اللّغة و تبعهم الصّاغانيّ،قال في«التّهذيب»:

[و حكى قول ابن السّكّيت المتقدّم و خطّأ بعضهم...و أضاف:]

قلت:و سمعت أيضا هكذا من فصحاء أعراب الصّفراء يقول واحد للآخر:أنت تستأهل يا فلان الخير، و كذا سمعت أيضا من فصحاء أعراب اليمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و في«المفردات» (1): أهل الكتاب:قرّاء التّوراة و الإنجيل،و الأهل:أصحاب الأملاك و الأموال،و به فسّر قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58.

و الأهليّة:عبارة عن الصّلاحيّة لوجوب الحقوق الشّرعيّة له أو عليه.و أهل الأهواء هم أهل القبلة الّذين معتقدهم غير معتقد أهل السّنّة.و أمست نيرانهم آهلة، أي كثيرة الأهل.(7:217)

الآلوسيّ: الأهلون:جمع أهل،و جمعه جمع السّلامة على خلاف القياس،لأنّه ليس بعلم و لا صفة من صفات من يعقل.و يجمع على«أهلات»بملاحظة تاء التّانيث في مفرده تقديرا،فيجمع كتمرة و تمرات،و نحوه أرض و أرضات،و قد جاء على ما في الكشّاف«أهلة»بالتّاء.

و يجوز تحريك عينه أيضا فيقال:أهلات،بفتح الهاء،و كذا يجمع على أهال كليال.و أطلق عليه الزّمخشريّ اسم الجمع،و قيل:و هو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس و إلاّ فاسم الجمع شرطه عند النّحاة أن يكون على وزن المفردات،سواء كان له مفرد أم لا.

(26:99)

القاسميّ: و الأهل:سكن المرء من زوج و مستوطن.(3:490)

العدنانيّ: «مكان مأهول و آهل»و يخطّئون من يقول:هذا مكان آهل،و يقولون:إنّ الصّواب هو:هذا مكان مأهول،و الكلمتان كلتاهما صحيحتان.و في «الضّاد»كلمات تأتي بلفظ المفعول مرّة و بلفظ الفاعل مرّة،و المعنى واحد مثل:

أ-مدجّج و مدجّج.

ب-و شأو مغرّب و مغرّب.

ج-و مكان عامر و معمور.

د-و نفست المرأة و نفست.

ه-و عنيت بالشّيء و عنيت به.

و-و سعدت رفيف و سعدت.

ز-و زهي علينا المغنّي و زها.(35)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ المعنى الحقيقيّ لهذه المادّة هو«الأنس»مع الاختصاص و التّعلّق،ثمّ إنّ لهذا المعنى مراتب سعة و ضيقا،فالزّوجة و الأبناء و البنات و الأحفاد و الأصهار كلّهم من الأهل،و كلّما يشتدّ التّعلّق و يزداد الاختصاص يقوى عنوان الأهليّة.

فقد يكون واحد من المرتبة المتأخّرة أقرب و أولىت.

ص: 88


1- لم نجدها في المفردات.

من الآخر المتقدّم،و قد ينفى عنوان الأهليّة عمّن ينتفي فيه التّعلّق و التّوافق و الاختصاص إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46،و قد تتّسع دائرة الأهل باختلاف الموارد و الأغراض و المقامات.[إلى أن قال:]

و هذا المعنى محفوظ في جميع موارد استعمال هذه الكلمة:أهل القرى،أهل المدينة،أهل الذّكر،أهل هذه المدينة،أهل مدين،أهل هذه القرية،أهل يثرب،أهل النّار،أهل التّقوى،أهل المغفرة،أهلك،أهلكم،أهلنا، أهله،أهلي،أهلها.

فخصوصيّات«الأهل»صفة و عملا و عقيدة و سلوكا و أدبا و معرفة و مقاما و شأنا،تختلف باختلاف المضاف إليه من هذه الجهات.(1:155)

النّصوص التّفسيريّة

أهل الكتاب

1- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ... البقرة:105

ابن عبّاس: هم يهود المدينة و نصارى نجران.

(ابن الجوزيّ 1:126)

الإمام الرّضا عليه السّلام: [في حديث]أهل الكتاب:

اليهود و النّصارى.(البحرانيّ 1:139)

الزّجّاج: اليهود.(1:188)

مثله البغويّ(1:79)،و الخازن(1:79).

أبو حيّان: ذكر المفسّرون أنّ المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود:آمنوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فقالوا:وددنا لو كان خيرا ممّا نحن عليه فنتّبعه،فأكذبهم اللّه بقوله:

ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فعلى هذا يكون المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) الّذين بحضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الظّاهر العموم في (أَهْلِ الْكِتابِ) و هم اليهود و النّصارى.(1:339)

الطّباطبائيّ: لو كان المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود خاصّة كما هو الظّاهر،لكون الخطابات السّابقة مسوقة لهم،فتوصيفهم ب (أَهْلِ الْكِتابِ) يفيد الإشارة إلى العلّة، و هو أنّهم لكونهم أهل كتاب ما يودّون نزول الكتاب على المؤمنين،لاستلزامه بطلان اختصاصهم بأهليّة الكتاب،مع أنّ ذلك ضنّة منهم بما لا يملكونه،و معارضة مع اللّه سبحانه في سعة رحمته و عظم فضله.و لو كان المراد عموم أهل الكتاب من اليهود و النّصارى فهو تعميم بعد التّخصيص لاشتراك الفريقين في بعض الخصائل،و هم على غيظ من الإسلام.و ربّما يؤيّد هذا الوجه بعض الآيات اللاّحقة،كقوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:111،و قوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:113.

(1:248)

2- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً... البقرة:109

ابن عبّاس: حييّ بن أخطب،و أبو ياسر ابن أخطب.(الطّبريّ 1:488)

ص: 89

الحسن: النّصارى و اليهود.(الطّوسيّ 1:405)

قتادة: كعب بن الأشرف.

مثله الزّهريّ.(الطّبريّ 1:487)

الطّبريّ: ليس لقول القائل عني بقوله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ كعب بن الأشرف،معنى مفهوم،لأنّ كعب بن الأشرف واحد و قد أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ كثيرا منهم يودّون لو يردّون المؤمنين كفّارا بعد إيمانهم، و الواحد لا يقال له:كثير بمعنى الكثرة في العدد إلاّ أن يكون قائل ذلك أراد بوجه الكثرة الّتي وصف اللّه بها من وصفه بها في هذه الآية الكثرة في العزّ و رفعة المنزلة في قومه و عشيرته،كما يقال:فلان في النّاس كثير،يراد به كثرة المنزلة و القدر.

فإن كان أراد ذلك فقد أخطأ،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد وصفهم بصفة الجماعة،فقال: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً البقرة:109،فذلك دليل على أنّه عنى الكثرة في العدد،أو يكون ظنّ أنّه من الكلام الّذي يخرج مخرج الخبر عن الجماعة،و المقصود بالخبر عنه الواحد،فيكون ذلك أيضا خطأ؛و ذلك أنّ الكلام إذا كان بذلك المعنى فلا بدّ من دلالة فيه تدلّ على أنّ ذلك معناه،و لا دلالة تدلّ في قوله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أنّ المراد به واحد دون جماعة كثيرة،فيجوز صرف تأويل الآية إلى ذلك،و إحالة دليل ظاهره إلى غير الغالب في الاستعمال.(1:488)

الطّبرسيّ: حييّ بن أخطب و كعب بن الأشرف.

(1:184)

البغويّ: اليهود.(1:82)

مثله ابن الجوزيّ(1:488)،و الشّربينيّ(1:86).

أبو السّعود: هم رهط من أحبار اليهود.(1:113) مثله البروسويّ:(1:203)،و الآلوسيّ(1:256).

محمّد عزّة دروزة: و بمناسبة ورود تعبير أهل الكتاب لأوّل مرّة نقول:إنّه يعني كما فسّرته آيات قرآنيّة عديدة:اليهود و النّصارى،مثل آيات سورة البقرة هذه وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ... البقرة:

109،113،و لقد تكرّر ذكر (أَهْلِ الْكِتابِ) في القرآن كثيرا بأساليب متنوّعة و مواضع عديدة في مناسبات شتّى،و في بعضها ما يلهم وجود فريق من النّصارى و اليهود في مكّة،و قد استشهد بهم في آيات كثيرة على صحّة النّبوّة المحمّديّة و أسس الدّعوة القرآنيّة و وحدة المصدر الّذي صدرت عنه هذه الدّعوة و الأديان الكتابيّة السّابقة.و أسلوب الاستشهاد بهم يلهم أنّ شهادتهم في جانب النّبيّ عليه السّلام هي المنتظرة،بل و في آيات مكّيّة عديدة ما يفيد أنّهم شهدوا و صدّقوا و آمنوا،مثل آيات سورة القصص هذه اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ... القصص:52.و كذا آيات سورة الإسراء(107-109)و الأحقاف(10)و الأنعام (114)و الرّعد(36).

و القرآن ذكر كتب اليهود باسم«التّوراة»فقط.

و هناك آيات تلهم أنّه كان بين أيديهم أسفار من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم؛حيث يدلّ هذا على أنّ اسم «التّوراة»كان يطلق على ما كان موجودا في أيديهم من هذه الأسفار.

أمّا كتب النّصارى فقد ذكرها القرآن باسم

ص: 90

«الإنجيل»بصيغة مفردة.و هذا لا يمنع أن يكون الإنجيل أكثر من واحد،على ما هو المعروف المتداول،و أن يكون اسم«الإنجيل»كان علما على ما عندهم،و في القرآن آية تتضمّن أنّ صفات النّبيّ عليه السّلام كانت مذكورة في التّوراة و الإنجيل المتداولين في أيدي اليهود و النّصارى، و هي هذه اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ الأعراف:

157.

و آيات القرآن تلهم أنّ كثرة اليهود كانت في يثرب، و أنّ أكثر الكتابيّين في مكّة من النّصارى،و أنّ كثيرا من هؤلاء كانوا جاليات غير عربيّة جاءت من البلاد المجاورة.و أسلوب الآيات المكّيّة إجمالا يتّسم بالعطف و الودّ نحو (أَهْلِ الْكِتابِ). و قد طرأ على هذا الأسلوب بعض التّبدّل في القرآن المدنيّ،بسبب تبدّل موقفهم -و خاصّة اليهود-من الدّعوة المحمّديّة.(1:109)

3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ... آل عمران:64.

ابن عبّاس: نزلت في القسّيسين و الرّهبان.

(ابن الجوزيّ 1:400)

الحسن: أهل الكتابين جميعا.

(ابن الجوزيّ 1:400)

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:488)

نزلت في وفد نصارى نجران.

مثله السّدّيّ و ابن زيد و محمّد بن جعفر بن الزّبير (الآلوسيّ 3:193)،و مقاتل(ابن الجوزيّ 1:400).

قتادة:إنّهم اليهود.

مثله ابن جريج و الرّبيع بن أنس.

(ابن الجوزيّ 1:400)

الطّبريّ: قل يا محمّد لأهل الكتاب،و هم أهل التّوراة و الإنجيل: تَعالَوْا: هلمّوا (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) يعني إلى كلمة عدل بيننا و بينكم.

و اختلف أهل التّأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم:نزلت في يهود بني إسرائيل الّذين كانوا حوالي مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال آخرون: بل نزلت في الوفد من نصارى نجران.

و إنّما قلنا:عنى بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ أهل الكتابين،لأنّهما جميعا من أهل الكتاب،و لم يخصّص جلّ ثناؤه بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ بعضا دون بعض،فليس بأن يكون موجّها ذلك إلى أنّه مقصود به أهل التّوراة بأولى منه بأن يكون موجّها إلى أنّه مقصود به أهل الإنجيل،و لا أهل الإنجيل بأولى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التّوراة،و إذ لم يكن أحد الفريقين بذلك بأولى من الآخر،لأنّه لا دلالة على أنّه المخصوص بذلك من الآخر،و لا أثر صحيح،فالواجب أن يكون كلّ كتابيّ معنيّا به،لأنّ إفراد العبادة للّه وحده و إخلاص التّوحيد له،واجب على كلّ مأمور منهيّ من خلق اللّه، و أهل الكتاب يعمّ أهل التّوراة و أهل الإنجيل،فكان معلوما بذلك أنّه عني به الفريقان جميعا.(3:301)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها:المراد نصارى نجران.

و الثّاني:المراد يهود المدينة.

ص: 91

و الثّالث:أنّها نزلت في الفريقين،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّ ظاهر اللّفظ يتناولهما.

و الثّاني:روي في سبب النّزول أنّ اليهود قالوا للنّبيّ عليه الصّلاة و السّلام:ما تريد إلاّ أن نتّخذك ربّا كما اتّخذت النّصارى عيسى!و قالت النّصارى:يا محمّد ما تريد إلاّ أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير!فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

و عندي أنّ الأقرب حمله على النّصارى لما بيّنّا أنّه لمّا أورد الدّلائل عليهم أوّلا ثمّ باهلهم ثانيا فعدل في هذا المقام إلى الكلام المبنيّ على رعاية الإنصاف،و ترك المجادلة و طلب الإفحام و الإلزام،و ممّا يدلّ عليه أنّه خاطبهم هاهنا بقوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ، و هذا الاسم من أحسن الأسماء و أكمل الألقاب؛حيث جعلهم أهلا لكتاب اللّه.و نظيره ما يقال لحافظ القرآن:يا حامل كتاب اللّه،و للمفسّر:يا مفسّر كلام اللّه.فإنّ هذا اللّقب يدلّ على أنّ قائله أراد المبالغة في تعظيم المخاطب و في تطييب قلبه؛و ذلك إنّما يقال عند عدول الإنسان مع خصمه عن طريقة اللّجاج و النّزاع إلى طريقة طلب الإنصاف.(8:91)

نحوه أبو حيّان.(2:482)

و جاءت كلمة«أهل»بمعنى اليهود و النّصارى في سورة آل عمران:65 و 69 و 70 و 71 و 75 و 98 و 110،و في سورة النّساء:153 و 159 و 171،و في سورة المائدة:15 و 19 و 59 و 65 و 68 و 77،و في سورة البيّنة:1.و بمعنى اليهود في سورة آل عمران:72، و في سورة الأحزاب:26،و في سورة الحشر:2 و 11.

4- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. آل عمران:113

الفخر الرّازيّ: في المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) قولان:

الأوّل:و عليه الجمهور:أنّ المراد منه الّذين آمنوا بموسى و عيسى عليهما السّلام.روي أنّه لمّا أسلم عبد اللّه بن سلاّم و أصحابه قال لهم بعض كبار اليهود:لقد كفرتم و خسرتم،فأنزل اللّه تعالى لبيان فضلهم هذه الآية.

و قيل:إنّه تعالى لمّا وصف (أَهْلِ الْكِتابِ) في الآية المتقدّمة بالصّفات المذمومة ذكر هذه الآية لبيان أنّ كلّ أهل الكتاب ليسوا كذلك،بل فيهم من يكون موصوفا بالصّفات الحميدة و الخصال المرضيّة.

قال الثّوريّ: بلغني أنّها نزلت في قوم كانوا يصلّون ما بين المغرب و العشاء.

و عن عطاء: أنّها نزلت في أربعين من أهل نجران و اثنين و ثلاثين من الحبشة و ثلاثة من الرّوم كانوا على دين عيسى،و صدّقوا بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام.

و القول الثّاني:أن يكون المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) كلّ من أوتي الكتاب من أهل الأديان.و على هذا القول يكون المسلمون من جملتهم،قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فاطر:32.

و ممّا يدلّ على هذا ما روى ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أخّر صلاة العشاء ثمّ خرج إلى المسجد،فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة،فقال:«أما أنّه ليس من أهل الأديان أحد يذكر اللّه تعالى هذه السّاعة غيركم»و قرأ هذه الآية.

ص: 92

قال القفّال رحمه اللّه: و لا يبعد أن يقال:أولئك الحاضرون كانوا نفرا من مؤمني أهل الكتاب،فقيل:

ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الّذين آمنوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فأقاموا صلاة العتمة في السّاعة الّتي ينام فيها غيرهم من أهل الكتاب الّذين لم يؤمنوا،و لم يبعد أيضا أن يقال:المراد كلّ من آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فسمّاهم اللّه ب (أَهْلِ الْكِتابِ) كأنّه قيل:أولئك الّذين سمّوا أنفسهم ب (أَهْلِ الْكِتابِ) حالهم و صفتهم تلك الخصال الذّميمة، و المسلمون الّذين سمّاهم اللّه ب (أَهْلِ الْكِتابِ) حالهم و صفتهم هكذا فكيف يستويان؟فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدا لما تقدّم من قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ آل عمران:110،و هو كقوله:

أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ السّجدة:18.(8:199)

نحوه النّيسابوريّ.(4:43)

5- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ... آل عمران:199.

مجاهد:من اليهود و النّصارى،و هم مسلمة أهل الكتاب.(الطّبريّ 4:219)

قتادة:نزلت في النّجاشيّ و أصحابه ممّن آمن بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 4:219)

ابن جريج:نزلت-يعني هذه الآية-في عبد اللّه بن سلاّم و من معه.(الطّبريّ 4:219)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل فيمن عنى بهذه الآية،فقال بعضهم:عنى بها أصحمة النّجاشيّ،و فيه أنزلت.و قال آخرون:بل عنى بذلك مسلمة أهل الكتاب.

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهد؛ و ذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أهل الكتاب جميعا،فلم يخصّص منهم النّصارى دون اليهود و لا اليهود دون النّصارى،و إنّما أخبر أنّ من أهل الكتاب من يؤمن باللّه،و كلا الفريقين، أعني اليهود و النّصارى من أهل الكتاب.

فإن قال قائل:فما أنت قائل في الخبر الّذي رويت عن جابر و غيره:أنّها نزلت في النّجاشيّ و أصحابه؟

قيل:ذلك خبر في إسناده نظر،و لو كان صحيحا لا شكّ فيه،لم يكن لما قلنا في معنى الآية خلاف؛و ذلك أنّ جابرا و من قال بقوله إنّما قالوا:نزلت في النّجاشيّ،و قد تنزل الآية في الشّيء،ثمّ يعمّ بها كلّ من كان في معناه.

(4:218)

الفخر الرّازيّ: قال مجاهد:نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم،و هذا هو الأولى،لأنّه لمّا ذكر الكفّار بأنّ مصيرهم إلى العقاب بيّن فيمن آمن منهم بأنّ مصيرهم إلى الثّواب.(9:154)

الطّباطبائيّ: المراد أنّهم مشاركون للمؤمنين في حسن الثّواب،و الغرض منه أنّ السّعادة الأخرويّة ليست جنسيّة حتّى يمنع منها أهل الكتاب و إن آمنوا،بل الأمر دائر مدار الإيمان باللّه و برسله فلو آمنوا كانوا هم و المؤمنون سواء.

و قد نفى عن هؤلاء الممدوحين من أهل الكتاب ما ذمّهم اللّه به في سوابق الآيات،و هو التّفريق بين رسل

ص: 93

اللّه و كتمان ما أخذ ميثاقهم لبيانه اشتراء بآيات اللّه ثمنا قليلا.(4:89)

أهل الذّكر

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

النّحل:43.

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الذّكر:أنا،و الأئمّة عليهم السّلام أهل الذّكر.

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(العروسيّ 3:55)

[و هذا و نحوه تأويل للآيات بأبرز المصاديق و لا ينافي التّعميم].

ابن عبّاس: يريد أهل التّوراة،و(الذّكر)هو التّوراة.و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ الأنبياء:105،يعني التّوراة.

(الفخر الرّازيّ 20:36)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 14:108)

قال تعالى لمشركي قريش:إنّ محمّدا في التّوراة و الإنجيل.(الطّبريّ 14:109)

يعني أهل الكتاب من اليهود و النّصارى.

مثله الحسن و السّدّيّ.(الآلوسيّ 14:147)

(أَهْلَ الذِّكْرِ): أهل القرآن.(القرطبيّ 10:108)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم،و على شيعتنا ما ليس علينا،أمرهم اللّه أن يسألونا قال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فأمرهم أن يسألونا،و ليس علينا الجواب إن شئنا أجبنا و إن شئنا أمسكنا،و مثله عن الباقر و الرّضا عليهما السّلام.(الكاشانيّ 3:137)

سعيد بن جبير: المراد من أسلم منهم كعبد اللّه بن سلاّم و سلمان الفارسيّ،رضي اللّه تعالى عنهما،و غيرهما.

مثله الأعمش و ابن عيينة.(الآلوسيّ 14:147)

مجاهد: هم أهل الكتاب.(الطّبريّ 14:109)

الإمام الباقر عليه السّلام: نحن أهل الذّكر.

(الطّبريّ 14:109)

الذّكر:القرآن،و آل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله أهل الذّكر،و هم المسئولون.(العروسيّ 3:55)

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.العروسيّ(3:57)

عن محمّد بن مسلم: إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول اللّه عزّ و جلّ: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّهم اليهود و النّصارى؟قال:إذا يدعونكم إلى دينهم،ثمّ قال بيده (1)إلى صدره:و نحن أهل الذّكر و نحن المسئولون.

(العروسيّ 3:56)

ابن زيد: الذّكر:القرآن.(الطّبريّ 14:109)

الإمام الرّضا عليه السّلام: قال الوشّاء:سألت الرّضا عليه السّلام، فقلت:جعلت فداك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فقال:نحن أهل الذّكر و نحن المسئولون.

فقلت:فأنتم المسئولون و نحن السّائلون؟قال:نعم.

قلت:حقّا علينا أن نسألكم؟قال:نعم.قلت:حقّا عليكم أن تجيبونا؟قال:لا،ذلك إلينا إن شئنا فعلنا و إن شئنا لم نفعل.أ ما تسمع قول اللّه تبارك و تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ص:39.

(العروسيّ 3:55)

في باب مجلس ذكر الرّضا عليه السّلام مع المأمون في الفرق

ص: 94


1- أي أشار.

بين«العترة»و«الأمّة»حديث طويل،و فيه قالت العلماء؛فأخبرنا هل فسّر اللّه تعالى«الاصطفاء»في الكتاب؟

فقال الرّضا عليه السّلام: فسّر«الاصطفاء»في الظّاهر سوى الباطن،في اثني عشر موطنا و موضعا،فأوّل ذلك قوله عزّ و جلّ...[إلى أن قال:]

و أمّا التّاسعة:فنحن أهل الذّكر الّذين قال اللّه تعالى:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فنحن أهل الذّكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون.

فقالت العلماء: إنّما عنى بذلك اليهود و النّصارى.

فقال أبو الحسن: سبحان اللّه و هل يجوز ذلك إذا يدعونا إلى دينهم،و يقولون:إنّه أفضل من دين الإسلام؟

فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن؟

فقال:نعم (الذِّكْرِ): رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و نحن أهله؛ و ذلك بيّن في كتاب اللّه عزّ و جلّ؛حيث يقول في سورة الطّلاق: فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ... 10،11 ف(الذكر)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نحن أهله،فهذه التّاسعة.(العروسيّ 3:57)

الطّبريّ: هم الّذين قد قرءوا الكتاب من قبلهم التّوراة و الإنجيل و غير ذلك،من كتب اللّه الّتي أنزلها على عباده.(14:108)

الزّجّاج: فيها قولان:قيل:فاسألوا أهل الكتب أهل التّوراة و الإنجيل و أهل جميع الكتب يعترفون أنّ الأنبياء كلّهم بشر.

قيل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، أي فاسألوا من آمن من أهل الكتاب.و يجوز-و اللّه أعلم-أن يكون قيل لهم:

اسألوا كلّ من يذكر بعلم وافق أهل هذه الملّة أو خالفهم.

و الدّليل على أنّ (أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل الكتاب،قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النّحل:44،و قوله: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ الأنبياء:50.(3:200)

المعنيّ بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفّارا و ما آتاهم من الرّسل.

و في ذلك دلالة على أنّه يحسن أن يردّ الخصم إذا التبس عليه أمر إلى أهل العلم بذلك الشّيء،إن كان من أهل العقول السّليمة من آفة الشّبه.(الطّوسيّ 6:384)

ابن عطيّة: (أَهْلَ الذِّكْرِ) هنا أحبار اليهود و النّصارى الّذين لم يسلموا،و هم في هذه النّازلة خاصّة إنّما يخبرون بأنّ الرّسل من البشر و إخبارهم حجّة على هؤلاء،فإنّهم لم يزالوا مصدّقين لهم،و لا يتّهمون لشهادة لنا،لأنّهم مدافعون في صدر ملّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا هو كسر حجّتهم من مذهبهم،لا أنّا افتقرنا إلى شهادة هؤلاء،بل الحقّ واضح في نفسه و قد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألون و يستندون إليهم.(3:395)

البغويّ: يعني مؤمني أهل الكتاب.(4:76)

الميبديّ: أي أهل العلم بالتّوراة و الإنجيل و الكتب المتقدّمة.(5:388)

أبو حيّان:قال أبو جعفر و ابن زيد:أهل القرآن، و يضعّف هذا القول و قول من قال:من أسلم من

ص: 95

الفريقين،لأنّه لا حجّة على الكفّار في أخبار المؤمنين، لأنّهم مكذّبون لهم.(5:493)

أبو السّعود: أي أهل الكتاب أو علماء الأخبار أو كلّ من يذكر بعلم و تحقيق ليعلّموكم ذلك.(3:176)

البحرانيّ: من طريق الجمهور ما رواه الحافظ محمّد ابن مؤمن الشّيرازيّ في المستخرج من تفاسير «الاثني عشر» (1)في تفسير قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل بيت النّبوّة و معدن الرّسالة و مختلف الملائكة،و اللّه ما سمّي المؤمن مؤمنا إلاّ كرامة لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام.(2:372)

الآلوسيّ: [بعد نقل ما تقدّم عن أبي حيّان قال:]

و (أَهْلَ الذِّكْرِ) على هذا:المسلمون مطلقا،و خصّهم بعض الإماميّة بالأئمّة أهل البيت احتجاجا بما رواه جابر،و محمّد بن مسلم منهم عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه أنّه قال:نحن أهل الذّكر.و بعضهم فسّر(الذّكر)بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لقوله تعالى: (ذِكْراً* رَسُولاً) الطّلاق:10،11،على قول.

و يقال-على مقتضى ما في البحر-:كيف يقنع كفّار أهل مكّة بخبر أهل البيت في ذلك و ليسوا بأصدق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عندهم،و هو عليه الصّلاة و السّلام المشهور فيما بينهم بالأمين؟

و لعلّ ما رواه ابن مردويه منّا موافقا بظاهره لمن زعمه ذلك البعض من الإماميّة عن أنس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:إنّ الرّجل ليصلّي و يصوم و يحجّ و يعتمر و أنّه المنافق!قيل:يا رسول اللّه بما ذا دخل عليه النّفاق؟ قال:يطعن على إمامه،و إمامه من قال اللّه تعالى في كتابه:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إلى آخره،ممّا لا يصحّ.

و أنا أقول:يجوز أن يراد من (أَهْلَ الذِّكْرِ): أهل القرآن.(14:147)

الطّباطبائيّ: المراد ب (أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم،سواء أ كانوا مؤمنين أم كفّارا.

و سمّي العلم ذكرا،لأنّ العلم بالمدلول يحصل غالبا من تذكّر الدّليل،فهو من قبيل تسمية المسبّب باسم السّبب.

و فيه:أنّه من المجاز من غير قرينة موجبة للحمل عليه،على أنّ المعهود من الموارد الّتي ورد فيها الذّكر في القرآن الكريم غير هذا المعنى.

و قال بعضهم: المراد ب (أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل القرآن،لأنّ اللّه سمّاه ذكرا،و أهله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و خاصّة المؤمنين.

و فيه:أنّ كون القرآن ذكرا و أهله أهله لا ريب فيه، لكن إرادة ذلك من الآية خاصّة لا تلائم تمام الحجّة،فإنّ أولئك لم يكونوا مسلّمين لنبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فكيف يقبلون من أتباعه من المؤمنين؟

و كيف كان فالآية إرشاد إلى أصل عامّ عقلائيّ،و هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة،و ليس ما تتضمّنه من الحكم حكما تعبّديّا و لا أمر الجاهل بالسّؤال عن العالم و لا بالسّؤال عن خصوص أهل الذّكر أمرا مولويّا4)

ص: 96


1- هنّ تفسير أبو يوسف،و ابن حجر،و مقاتل بن سليمان، و وكيع بن جرّاح،و يوسف بن موسى،و تفسير قتادة، و تفسير حرب الطّائيّ،و تفسير السّدّيّ،و مجاهد، و مقاتل ابن حيّان،و أبو صالح،و محمّد بن موسى الشّيرازيّ. (مكارم الشّيرازيّ 11:244)

تشريعيّا،و هو ظاهر.(12:258)

مكارم الشّيرازيّ: ليست هذه المرّة الأولى الّتي نرى فيها روايات تفسّر آيات من القرآن لبيان مصاديق معيّنة،و لا تحدّد المفهوم الواسع للآية،و(الذكر) -كما قلنا-هو بمعنى الاطّلاع بأيّ نحو كان.(و اهل الذكر) هم المطّلعون على جميع الأمور في شتّى الميادين.و قد أطلق(الذكر)على القرآن المجيد الّذي يعدّ نموذجا بارزا للتّذكّر و العلم و الاطّلاع.و يعتبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا مصداقا واضحا للذّكر،و كذا أهل بيته و وارثي علمه من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام فهم أوضح مصداق لأهل الذّكر.

و لكنّ التّسليم بكلّ جوانب هذه القضيّة لا ينافي شمول مفهوم الآية،و كذا شأن نزولها في أخبار أهل الكتاب،و لذا استدلّ فقهاؤنا و علماؤنا الأصوليّون بهذه الآية في باب الاجتهاد و التّقليد،و قالوا بوجوب اتّباع غير العالم للعالم و المجتهد في المسائل الدّينيّة.

بيد أنّ هناك رواية في«عيون الأخبار»عن الإمام عليّ ابن موسى الرّضا عليه السّلام جاء فيها«قالت العلماء:إنّما عنى اللّه بذلك اليهود و النّصارى،فقال أبو الحسن:سبحان اللّه،و هل يجوز ذلك،إذا يدعونا إلى دينهم»ثمّ قال:

«نحن أهل الذّكر» (1)

فالإمام في هذه الرّواية يردّ على من يقول:إنّ الآية تعني الرّجوع إلى علماء أهل الكتاب في كلّ عصر و زمان.و لكنّ الحقيقة ليس كذلك،إذ لم يكن النّاس ملزمين بالرّجوع إلى علماء اليهود و النّصارى لدرك الحقائق خلال العصور الماضية،و منها عصر الإمام عليّ ابن موسى الرّضا عليه السّلام بل كانوا يرجعون خلال تلك العصور إلى علماء الإسلام و على رأسهم أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.

و بعبارة أخرى إن كان المشركون في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مكلّفين بالرّجوع إلى علماء أهل الكتاب لدرك هذه الحقيقة،و هي أنّ الأنبياء كانوا بشرا على مدى التّاريخ،فلا يعني هذا وجوب رجوع جميع النّاس إليهم في كلّ زمان،بل يجب الرّجوع إلى علماء ذلك الزّمان في كلّ مسألة،و هذا أمر بيّن.

و إنّ الآية المذكورة تبيّن أمرا أساسيّا للإسلام في جميع نواحي الحياة المادّيّة و المعنويّة،و تؤكّد ضرورة رجوع جميع المسلمين إلى العلماء في المسائل الّتي يجهلونها،و عدم الخوض في أمور مبهمة معهم.

و عليه فإنّ موضوع«التّخصّص»معترف به من قبل القرآن،ليس على صعيد المسائل الشّرعيّة و الدّينيّة فحسب بل على جميع الأصعدة،و لذا لا بدّ من وجود علماء و متخصّصين في جميع الميادين في كلّ عصر و زمان،لكي يرجع النّاس إليهم في المسائل الّتي يجهلونها.

و لكن يلزم أن نذكر أيضا هذه الملاحظة،و هي وجوب ثبوت ثقة و عدالة المتخصّصين و من يرجع إليهم،أ فلا نطمئنّ إلى طبيب حاذق و متخصّص و مخلص في عمله عند ما نراجعه؟

و لذا جعلت العدالة في عداد الاجتهاد أو الأعلميّة في المباحث المتعلّقة بالتّقليد و المرجعيّة،أي أنّ المرجع يجب أن يكون عالما و مطّلعا على الأحكام الدّينيّة9.

ص: 97


1- عيون أخبار الرّضا 1:239.

و يتمتّع بالتّقوى و الورع أيضا.(11:244)

و بهذا المعنى جاء تفسير«أهل»في سورة الأنبياء:7.

أهل المدينة

1- وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ...

التّوبة:101.

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من القوم الّذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون و من أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون.(11:9)

نحوه ابن كثير.(3:445)

الزّجّاج: أنّه حصل فيه تقديم و تأخير،و التّقدير:

و ممّن حولكم من الأعراب و من أهل المدينة منافقون، مردوا على النّفاق.(الفخر الرّازيّ 16:173)

نحوه الخازن(3:115)،و القرطبيّ(8:240).

البغويّ: أي و من أهل المدينة من الأوس و الخزرج قوم منافقون.(3:115)

الطّبرسيّ: أي قوم مردوا،فحذف الموصوف.

و يجوز أن يكون التّقدير:و من أهل المدينة منافقون مردوا على النّفاق،ففصل بين الصّفة و الموصوف بالظّرف.(3:66)

نحوه أبو البركات.(1:404)

النّيسابوريّ: عبد اللّه بن أبيّ و جدّ بن قيس و معتب بن قشير و أبو عامر الرّاهب و أضرابهم.

(11:14)

أبو حيّان: لمّا شرح أحوال منافقي المدينة ثمّ أحوال منافقي الأعراب،ثمّ بيّن أنّ في الأعراب من هو مخلص صالح،ثمّ بيّن رؤساء المؤمنين من هم،ذكر في هذه الآية:

أنّ منافقين حولكم من الأعراب و في المدينة لا تعلمونهم،أي لا تعلمون أعيانهم أو لا تعلمونهم منافقين[إلى أن قال:]

وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يجوز أن يكون من عطف المفردات،فيكون معطوفا على«من»في قوله:(و ممن)، فيكون المجروران يشتركان في المبتدأ الّذي هو(منافقون) و يكون (مَرَدُوا) استئنافا أخبر عنهم أنّهم خرّيجون في النّفاق.(5:93)

2- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ... التّوبة:120

الخازن: يعني لساكن المدينة من المهاجرين و الأنصار.(3:135)

البروسويّ: أي ما صحّ و ما استقام لهم،و (الْمَدِينَةِ) علم بالغلبة لدار الهجرة،كالنّجم للثّريّا إذا أطلقت فهي المرادة،و إن أريد غيرها قيّد.و النّسبة إليها مدنيّ و لغيرها من المدن مدينيّ،للفرق بينهما،كما في«إنسان العيون».

قال الإمام النّوويّ: لا يعرف في البلاد أكثر أسماء منها و من مكّة.

و في كلام بعضهم: لها نحو مائة اسم،منها:دار الأخبار و دار الأبرار و دار السّنّة و دار السّلامة و دار الفتح،و البارّة و طابة و طيبة لطيب العيش بها،و لأنّ لعطر الطّيب بها رائحة لا توجد في غيرها،و ترابها شفاء من الجذام

ص: 98

و من البرص بل و من كلّ داء،و عجوتها شفاء من السّمّ.

و قد خصّ اللّه تعالى مكّة و المدينة بأنّهما لا يخلوان من أهل العلم و الفضل و الدّين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها و هو خير الوارثين،و هي أي المدينة تخرب قبل يوم القيامة بأربعين عاما،و يموت أهلها من الجوع.

(3:532)

ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: مدينة القلب،و أهلها النّفس و الهوى.(3:534)

3- وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ الحجر:67

الطّبريّ: يقول:و جاء أهل مدينة سدوم،و هم قوم لوط.(14:43)

نحوه البيضاويّ(1:545)،و أبو السّعود(3:154)، و الكاشانيّ(3:117).

الزّمخشريّ: أهل سدوم الّتي ضرب بقاضيها المثل في الجور،مستبشرين بالملائكة.(2:395)

مثله النّسفيّ.(2:276)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ المراد ب (أَهْلُ الْمَدِينَةِ) قوم لوط.و ليس في الآية دليل على المكان الّذي جاءوه إلاّ أنّ القصّة تدلّ على أنّهم جاءوا دار لوط.(19:202)

نحوه القرطبيّ.(10:39)

أهل مدين

...وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا... القصص:45

الزّمخشريّ: و هم شعيب،و المؤمنون به.

(3:182)

مثله البيضاويّ(2:195)،و النّسفيّ(3:238).

أهل التّقوى و أهل المغفرة

...هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:قال اللّه سبحانه:أنا أهل أن أتّقى فلا يجعل معي إله،فمن اتّقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له.(الطّبرسيّ 5:392)

قال اللّه أنا أكرم و أعظم عفوا من أن أستر على عبد لي في الدّنيا،ثمّ أفضحه بعد أن سترته،و لا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني.(الدّرّ المنثور 6:287)

يقول اللّه تعالى:إنّي لأجدني أستحيي من عبدي يرفع يديه إليّ ثمّ أردّهما.قالت الملائكة:إلهنا ليس ذلك بأهل؟قال اللّه:لكنّي أهل التّقوى و أهل المغفرة،أشهدكم أنّي قد غفرت له.

يقول اللّه:إنّي لأستحيي من عبدي و أمّتي يشيبان في الإسلام ثمّ أعذّبهما بعد ذلك في النّار.

(الدّرّ المنثور 6:287)

الإمام الصّادق عليه السّلام: قال اللّه تبارك و تعالى:أنا أهل أن أتّقى و لا يشرك بي عبدي شيئا،و أنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنّة.

(العروسيّ 5:460)

إنّ اللّه تبارك و تعالى أقسم بعزّته و جلاله أن لا يعذّب أهل توحيده بالنّار.(العروسيّ 5:461)

قتادة: ربّنا محقوق أن تتّقى محارمه،و هو أهل المغفرة يغفر الذّنوب.(الطّبريّ 29:172)

ص: 99

الطّبريّ: اللّه أهل أن يتّقي عباده عقابه على معصيتهم إيّاه،فيجتنبوا معاصيه و يسارعوا إلى طاعته.

وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ يقول:هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك،و لا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها.

(29:172)

نحوه الخازن.(7:150)

البغويّ: أي أهل أن يتّقى محارمه،و أهل أن يغفر لمن اتّقاه.(7:150)

مثله الميبديّ(10:292)،و النّسفيّ(4:313)، و أبو حيّان(8:381).

الزّمخشريّ: هو حقيق بأن يتّقيه عباده و يخافوا عقابه فيؤمنوا و يطيعوا،و حقيق بأن يغفر لهم إذا آمنوا و أطاعوا.(4:188)

نحوه أبو السّعود(5:212)،و البروسويّ(10:

243)،و الآلوسيّ(29:135)،و القاسميّ(16:5986).

الشّربينيّ: أي يتّقيه عباده و يحذروا غضبه بكلّ ما اتّصل قدرهم إليه لما له من الجلال و العظمة و القهر.

و قرأ حمزة و الكسائيّ بالإمالة محضة،و أبو عمرو بين بين،و قرأ ورش بالفتح و بين اللّفظين.

وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي و حقيق أن يطلب غفرانه للذّنوب لا سيّما إذا اتّقاه المذنب،لأنّ له الجمال و اللّطف، و هو القادر و لا قدرة لغيره،فلا ينفعه شيء و لا يضرّه.

(4:438)

الطّباطبائيّ: أي أهل لأن يتّقى منه،لأنّ له الولاية المطلقة على كلّ شيء،و بيده سعادة الإنسان و شقاوته، و أهل لأن يغفر لمن اتّقاه،لأنّه غفور رحيم.

و الجملة أعني قوله: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ صالحة لتعليل ما تقدّم من الدّعوة في قوله:

إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ المدّثّر:54،55،و هو ظاهر،و لتعليل قوله: وَ ما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ المدّثّر:56،فإنّ كونه تعالى: (أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) لا يتمّ إلاّ بكونه ذا إرادة نافذة فيهم سارية في أعمالهم، فليسوا بمخلّين و ما يهوونه،و هم معجزون للّه بتمرّدهم و استكبارهم.(20:101)

عبد الكريم الخطيب: أي هو سبحانه أهل لأن تتّقى محارمه و يخشى عقابه،و هو سبحانه أهل المغفرة يرجى عنده غفران الذّنوب لمن أناب إليه و طلب الغفران منه.و في هذا إشارة إلى أنّ مشيئة اللّه العامّة المطلقة عادلة رحيمة منزّهة عن الجور و التّسلّط،إنّها مشيئة الخالق في خلقه،فالخلق في ضمان هذه المشيئة في رحمة اللّه أيّا كانت مشيئة اللّه فيهم.و اللّه سبحانه و تعالى يقول:

وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:251،و يقول سبحانه: إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ البقرة:143.

و في الحديث:«اللّه أرحم بعباده من الوالدة بولدها».

(15:1310)

أهل يثرب

وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ...

الأحزاب:13

لاحظ:«يثرب».

ص: 100

أهل البيت

1- قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73

الطّبريّ: يقول:رحمة اللّه و سعادته لكم أهل بيت إبراهيم.و جعلت الألف و اللاّم خلفا من الإضافة.

(12:77)

نحوه البغويّ(3:198)،و الشّربينيّ(2:70).

الطّوسيّ: يدلّ على أنّ زوجة الرّجل تكون من أهل بيته في قول الجبّائيّ.و قال غيره:إنّما جعل«سارة» من أهل البيت لما كانت بنت عمّه،على ما قاله المفسّرون.(6:34)

الزّمخشريّ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب عل النّداء أو على الاختصاص،لأنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) مدح لهم؛إذ المراد أهل بيت خليل الرّحمن.(2:282)

نحوه البيضاويّ.(1:475)

القرطبيّ: هذه الآية تعطي أنّ زوجة الرّجل من أهل البيت،فدلّ هذا على أنّ أزواج الأنبياء من أهل البيت،فعائشة رضي اللّه عنها من جملة أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ممّن قال اللّه فيهم: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.(9:71)

أبو حيّان: و(أهل)منصوب على النّداء أو على الاختصاص،و بين النّصب على المدح و النّصب على الاختصاص فرق،و لذلك جعلهما سيبويه في بابين،و هو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمّن بوضعه المدح،كما أنّ المنصوب على الذّمّ يتضمّن بوضعه الذّمّ،و المنصوب على الاختصاص لا يكون إلاّ لمدح أو ذمّ،لكن لفظه لا يتضمّن بوضعه المدح و لا الذّمّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و خطاب الملائكة إيّاها بقولهم: (أَهْلَ الْبَيْتِ) دليل على اندراج الزّوجة في أهل البيت،و قد دلّ على ذلك أيضا في سورة الأحزاب خلافا للشّيعة؛إذ لا يعدّون الزّوجة من أهل بيت زوجها،و(البيت)يراد به بيت السّكنى.(5:245)

أبو السّعود: نصب على المدح أو الاختصاص، لأنّهم أهل بيت خليل الرّحمن،و صرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى جمع المذكّر لتعميم حكمه لإبراهيم عليه السّلام أيضا،ليكون جوابهم لها جوابا له أيضا إن خطر بباله مثل ما خطر ببالها،فالجملة كلام مستأنف علّل به إنكار تعجّبها.(3:34)

شبّر: نداء تخصيص،و جعلها من أهل بيته،لأنّها ابنة عمّه،فلا يدلّ على كون زوجة الرّجل من أهل بيته.

(3:234)

الآلوسيّ: نصب على المدح أو الاختصاص،كما ذهب إليه كثير من المعربين.[إلى أن قال:]

و في«الهمع»أنّ النّصب في الاختصاص بفعل واجب الإضمار،و قدّره سيبويه:ب«أعني»،و يختصّ بأيّ الواقعة بعد ضمير المتكلّم،كأنا أفعل كذا أيّها الرّجل و كاللّهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة.و حكمها في هذا الباب-إلاّ عند السّيرافيّ و الأخفش-حكمها في باب النّداء.[إلى أن قال:]

و صرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع، ليكون جوابهم عليهم السّلام لها جوابا لمن يخطر بباله مثل ما خطر ببالها من سائر أهل البيت.

ص: 101

و الجملة كلام مستأنف علّل به إنكار تعجّبها،فهي جملة خبريّة،و اختاره جمع من المحقّقين.و قيل:هي دعائيّة،و ليس بذاك.

و استدلّ بالآية على دخول الزّوجة في أهل البيت، و هو الّذي ذهب إليه السّنّيّون،و يؤيّده ما في سورة الأحزاب،و خالف في ذلك الشّيعة،فقالوا:لا تدخل إلاّ إذا كانت قريب الزّوج و من نسبه،فإنّ المراد من(البيت) بيت النّسب لا بيت الطّين و الخشب،و دخول«سارة» رضي اللّه تعالى عنها هنا لأنّها بنت عمّه،و كأنّهم حملوا البيت على الشّرف،كما هو أحد معانيه.[ثمّ استشهد بشعر]

ثمّ خصّوا الشّرف بالشّرف النّسبيّ و إلاّ فالبيت بمعنى النّسب ممّا لم يشع عند اللّغويّين.و لعلّ الّذي دعاهم لذلك بغضهم لعائشة فراموا إخراجها من حكم يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب:33.(12:101)

2- ...إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً... الأحزاب:33

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:نزلت هذه الآية فيّ،و في عليّ و فاطمة و حسن و حسين.(الدّرّ المنثور 5:198)

الإمام عليّ عليه السّلام: [في احتجاجه عليه السّلام على أبي بكر] فأنشدك باللّه أ لي و لأهلي و ولديّ آية التّطهير من الرّجس أم لك و لأهل بيتك؟قال:بل لك و لأهل بيتك.

قال:فأنشدك باللّه أنا صاحب دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهلي و ولديّ يوم الكساء:اللّهمّ هؤلاء أهلي إليك لا إلى النّار أم أنت؟قال:بل أنت و أهل بيتك.

(الكاشانيّ 4:188)

[و في احتجاجه عليه السّلام على النّاس يوم الشّورى] أنشدكم باللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التّطهير على رسوله إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ الآية،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كساء خيبريّا فضمّني،و فيه فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.ثمّ قال:«يا ربّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا»غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

(الكاشانيّ 4:188)

[و قال في جمع من المهاجرين و الأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان:]

أيّها النّاس أ تعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فجمعني و فاطمة و ابنيّ حسنا و حسينا عليهم السّلام،و ألقى علينا كساءه،و قال:اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي و لحمتي يؤلمني ما يؤلمهم و يحزنني ما يحزنهم و يخرجني ما يخرجهم فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقالت أمّ سلمة:و أنا يا رسول اللّه،فقال:أنت -أو إنّك-على خير،إنّما أنزلت فيّ و في أخي و في ابنتي و في ابنيّ و في تسعة من ولد ابني الحسين عليهم السّلام،خاصّة ليس معنا أحد غيرنا.فقالوا كلّهم:نشهد أنّ أمّ سلمة رضي اللّه عنها حدّثتنا بذلك،فسألنا رسول اللّه فحدّثنا كما حدّثتنا أمّ سلمة رضي اللّه عنها.(الكاشانيّ 4:188)

إنّ رسول اللّه نام و نوّمني و زوجتي فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين،و ألقى علينا عباء قطوانيّة،فأنزل اللّه تعالى فينا إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

ص: 102

اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقال جبرئيل عليه السّلام:أنا منكم يا محمّد،فكان سادسنا جبرئيل.(العروسيّ 4:272)

الإمام الحسن عليه السّلام: فلمّا نزلت آية التّطهير جمعنا رسول اللّه عليه السّلام أنا و أخي و أمّي و أبي فجعلنا و نفسه في كساء لأمّ سلمة خيبريّ،و ذلك في حجرتها و في يومها،فقال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي،و هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقالت أمّ سلمة رضي اللّه عنها:أنا أدخل معهم يا رسول اللّه؟ فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يرحمك اللّه أنت على خير و إلى خير و ما أرضاني عنك و لكنّها خاصّة لي و لهم،ثمّ مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد بقيّة عمره حتّى قبضه اللّه إليه،يأتينا في كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول:الصّلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (البحرانيّ 3:317)

[في خطبة له قال:]يا أهل العراق اتّقوا اللّه فينا،فإنّا أمراؤكم و ضيفانكم،و نحن أهل البيت الّذي قال اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. قال:فما زال يقولها حتّى ما بقي أحد من أهل المسجد إلاّ و هو يحنّ بكاءه.(ابن كثير 5:458)

عائشة: خرج النّبيّ عليه السّلام ذات غداة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود فجلس،فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثمّ جاء عليّ عليه السّلام فأدخله فيه ثمّ جاء حسن فأدخله فيه ثمّ جاء حسين فأدخله فيه،ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

(البغويّ 5:213)

قال مجمّع: دخلت مع أمّي على عائشة،فسألتها أمّي أ رأيت خروجك يوم الجمل؟قالت:إنّه كان قدرا من اللّه.

فسألتها عن عليّ عليه السّلام،فقالت:تسأليني عن أحبّ النّاس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زوج أحبّ النّاس كان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لقد رأيت عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام، و جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثوب عليهم،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و حامّتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقلت:يا رسول اللّه أنا من أهلك؟قال:تنحّي فإنّك إلى خير.(الطّبرسيّ 4:357)

أبو الحمراء: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليّ و فاطمة،فقال:الصّلاة الصّلاة إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ الآية.(الطّبريّ 22:6)

حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثمانية أشهر بالمدينة،ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلاّ أتى إلى باب عليّ رضي اللّه عنه،فوضع يده إلى جنبتي الباب،ثمّ قال:الصّلاة الصّلاة إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (الدّرّ المنثور 5:199)

رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يأتي باب عليّ و فاطمة ستّة أشهر،فيقول: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ الآية.

(الدّرّ المنثور 5:199)

مثله أنس بن مالك.(الخازن 5:213)

شهدت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أربعين صباحا يجيء إلى باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام،فيأخذ بعضادتي الباب،ثم يقول:

السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه،الصّلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (البحرانيّ 3:313)

ص: 103

أمّ سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي،و في البيت سبعة:جبرائيل و ميكائيل و رسول اللّه و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين،و كنت على الباب،فقلت:يا رسول اللّه أ لست من أهل البيت؟ قال:إنّك إلى خير،إنّك من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و ما قال:

إنّك من أهل البيت.(البحرانيّ 3:313)

أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أرسل إلى عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،فلمّا أتوه اعتنق عليّا بيمينه و الحسن بشماله و الحسين على بطنه و فاطمة عند رجله، ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.(البحرانيّ 3:313)

نزلت هذه الآية في بيتي،و في يومي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عندي،فدعا عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين، و جاء جبرائيل فمدّ عليهم كساء فدكيّا،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي،اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.قال جبرائيل:و أنا منكم يا محمّد؟فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:و أنت منّا يا جبرئيل؟فقلت:يا رسول اللّه و أنا من أهل بيتك فجئت لأدخل معهم،فقال:كوني مكانك يا أمّ سلمة إنّك إلى خير،أنت من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.فقال جبرائيل:اقرأ يا محمّد إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً في النّبيّ و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم.(البحرانيّ 3:313)

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان ببيتها على منامة له،عليه كساء خيبريّ،فجاءت فاطمة رضي اللّه عنها ببرمة فيها خزيرة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:ادعي زوجك و ابنيك حسنا و حسينا،فدعتهم.فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بفضلة إزاره فغشّاهم إيّاها،ثمّ أخرج يده من الكساء و أومأ بها إلى السّماء،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،قالها ثلاث مرّات، فأدخلت رأسي في السّتر فقلت:يا رسول اللّه و أنا معكم، فقال:إنّك إلى خير،مرّتين.(الدّرّ المنثور 5:198)

جاءت فاطمة رضي اللّه عنها إلى أبيها بثريدة لها تحملها في طبق لها،حتّى وضعتها بين يديه،فقال لها:أين ابن عمّك،قالت:هو في البيت،قال:اذهبي فادعيه و ابنيك،فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما في يد و عليّ رضي اللّه عنه يمشي في أثرهما،حتّى دخلوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأجلسهما في حجره و جلس عليّ رضي اللّه عنه عن يمينه و جلست فاطمة رضي اللّه عنها عن يساره، فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت.(الدّرّ المنثور 5:198)

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لفاطمة رضي اللّه عنها:ائتني بزوجك و ابنيه،فجاءت بهم،فألقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،عليهم كساء فدكيّا،ثمّ وضع يده عليهم،ثمّ قال:اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد،و في لفظ:آل محمّد،فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

فرفعت الكساء لأدخل معهم،فجذبه من يدي،و قال:

إنّك على خير.(الدّرّ المنثور 5:198)

ابن عبّاس: أراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّهنّ في بيته.(البغويّ 5:213)

ص: 104

نحوه ابن السّائب و مقاتل.(ابن الجوزيّ 6:381)

شهدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ ابن أبي طالب رضي اللّه عنه عند وقت كلّ صلاة، فيقول:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الصّلاة رحمكم اللّه،كلّ يوم خمس مرّات.(الدّرّ المنثور 5:199)

زيد بن أرقم: في حديث قال له حصين:من أهل بيته يا زيد؟أ ليس نساؤه من أهل بيته؟قال:نساؤه من أهل بيته،و لكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده.قال:

و من هم؟قال:هم آل عليّ و آل عقيل و آل جعفر و آل عبّاس رضي اللّه عنهم،قال:كلّ هؤلاء حرم الصّدقة بعده؟قال:نعم.[في حديث آخر قيل له:]

من أهل بيته،نساؤه؟قال:لا،و أيم اللّه،إنّ المرأة تكون مع الرّجل،العصر من الدّهر،ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها،أهل بيته أصله و عصبته الّذين حرموا الصّدقة بعده.(ابن كثير 5:457)

نحوه الثّعلبيّ.(أبو حيّان 7:232)

أبو سعيد الخدريّ: كان يوم أمّ سلمة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها،فنزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بهذه الآية،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحسن و حسين و فاطمة و عليّ،فضمّهم إليه و نشر عليهم الثّوب،و الحجاب على أمّ سلمة مضروب،قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.قالت أمّ سلمة رضي اللّه عنها:فأنا معهم يا نبيّ اللّه؟قال:أنت على مكانك،و إنّك على خير.(الدّرّ المنثور 5:198)

لمّا دخل عليّ رضي اللّه عنه بفاطمة رضي اللّه عنها، جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أربعين صباحا إلى بابها يقول:السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته،الصّلاة رحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أنا حرب لمن حاربتم أنا سلم لمن سالمتم.(الدّرّ المنثور 5:199)

نزلت في خمسة:في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.(الواحديّ 3:470)

الأنصاريّ: نزلت هذه الآية على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ليس في البيت إلاّ فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:اللّهمّ هؤلاء أهلي.(العروسيّ 4:277)

نحوه سعد بن أبي وقّاص.(الطّبريّ 22:8)

وائلة بن أسقع: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى فاطمة و معه حسن و حسين و عليّ حتّى دخل،فأدنى عليّا و فاطمة،فأجلسهما بين يديه و أجلس حسنا و حسينا كلّ واحد منهما على فخذه،ثمّ لفّ عليهم ثوبه و أنا مستدبرهم،ثمّ تلا هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

(الدّرّ المنثور 5:199)

عروة: يعني أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،نزلت في بيت عائشة.

(الدّرّ المنثور 5:198)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: قال عليه السّلام لرجل من أهل الشّام:أ ما قرأت في الأحزاب إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً؟ قال:نعم، و لأنتم هم؟قال:نعم.(ابن كثير 5:459)

عكرمة: من شاء باهلته أنّها نزلت في أزواج

ص: 105

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(الدّرّ المنثور 5:198)

الضّحّاك: هم أهله و أزواجه.(أبو حيّان 7:231)

الإمام الباقر عليه السّلام: نزلت هذه الآية في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و ذلك في بيت أمّ سلمة زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم،ثمّ ألبسهم كساء له خيبريّا و دخل معهم فيه،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي الّذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقالت أمّ سلمة:و أنا معهم يا رسول اللّه؟قال:أبشري يا أمّ سلمة فإنّك على خير.

(الكاشانيّ 4:187)

قتادة: هم أهل بيت طهّرهم اللّه من السّوء و اختصّهم برحمته.(الدّرّ المنثور 5:199)

زيد بن عليّ عليهما السّلام: إنّ جهّالا من النّاس يزعمون أنّه إنّما أراد اللّه بهذه الآية أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد كذبوا و أثموا،و أيمن اللّه و لو عنى أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقال ليذهب عنكنّ الرّجس و يطهّركنّ تطهيرا،و كان الكلام مؤنّثا،كما قال: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى الأحزاب:34 وَ لا تَبَرَّجْنَ الأحزاب:33 لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:

32.(الكاشانيّ 4:187)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث طويل قال عليه السّلام حاكيا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:]

أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإنّي سألت اللّه عزّ و جلّ أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك،و قال:لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، و قال:إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة.فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ أنزله في كتابه لنبيّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فكان عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام،فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة،ثمّ قال:اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي،فقالت أمّ سلمة:أ لست من أهلك؟فقال:إنّك إلى خير،و لكنّ هؤلاء أهلي و ثقلي.(العروسيّ 4:274)

أبو بصير: قلت للصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام:من آل محمّد؟قال:ذرّيّته،قلت:من أهل بيته؟قال:الأئمّة الأوصياء،فقلت:من عترته؟قال:أصحاب العباء، فقلت:من أمّته؟قال:المؤمنون الّذين صدّقوا بما جاء به من عند اللّه عزّ و جلّ،المتمسّكون بالثّقلين الّذين أمروا بالتّمسّك بهما:كتاب اللّه،و عترته أهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،و هما الخليفتان على الأمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(العروسيّ 4:275)

الإمام الرّضا عليه السّلام: في حديث طويل و فيه فقال المأمون:من العترة الطّاهرة؟فقال:الّذين وصفهم اللّه تعالى في كتابه،فقال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و هم الّذين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّي مخلف فيكم الثّقلين:

كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي.ألا و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما،أيّها

ص: 106

النّاس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

(العروسيّ 4:271)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: (أَهْلَ الْبَيْتِ) فقال بعضهم:عني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،رضوان اللّه عليهم.

و قال آخرون:بل عني بذلك أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(22:5)

الزّجّاج: (أَهْلَ الْبَيْتِ) منصوب على المدح،و لو قرئت (أهل البيت) بالخفض،أو قرئت (أهل البيت) بالرّفع،لجاز ذلك،و لكنّ القراءة«النّصب»و هو على وجهين:على معنى:أعني أهل البيت،و على«النّداء»على معنى:يا أهل البيت.و قيل:إنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) هاهنا يعني به نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قيل:نساء النّبيّ و الرّجال الّذين هم آله.و اللّغة تدلّ على أنّه للنّساء و الرّجال جميعا،لقوله:

(عَنْكُمُ) بالميم و ل (يُطَهِّرَكُمْ). و لو كان للنّساء لم يجز إلاّ «عنكنّ»و«يطهّركنّ»و الدّليل على هذا قوله: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:34،حين أفرد النّساء بالخطاب.(4:226)

الطّوسيّ: قال:عكرمة:هي في أزواج النّبيّ خاصّة.

و هذا غلط،لأنّه لو كانت الآية فيهنّ خاصّة لكنّي عنهنّ بكناية«المؤنّث»كما فعل في جميع ما تقدّم من الآيات، نحو قوله: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ... وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ... الأحزاب:33، فذكر جميع ذلك بكناية«المؤنّث»،فكان يجب أن يقول:

إنّما يريد اللّه ليذهب عنكنّ الرّجس أهل البيت و يطهّركنّ.فلمّا كنّي بكناية«المذكّر»دلّ على أنّ النّساء لا مدخل لهنّ فيها.

و في النّاس من حمل الآية على النّساء و من ذكرناه من أهل البيت،هربا ممّا قلناه.و قال:إذا اجتمع المذكّر و المؤنّث غلب المذكّر فكنّي عنهم بكناية المذكّر.و هذا يبطل بما بيّنّاه من الرّواية عن أمّ سلمة و ما يقتضيه من كون من تناولته معصوما،و النّساء خارجات عن ذلك.

و قد استوفينا الكلام في ذلك في هذه الآيات في كتاب الإمامة،من أراده وقف عليه هناك.(8:340)

الزّمخشريّ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النّداء أو على المدح.و في هذا دليل بيّن على أنّ نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل بيته.(3:260)

ابن عطيّة: و الّذي يظهر أنّ زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتّة،ف (أَهْلَ الْبَيْتِ): زوجاته و بنته و بنوها و زوجها.(أبو حيّان 7:232)

الطّبرسيّ: قيل:(البيت):بيت الحرام،و أهله هم المتّقون على الإطلاق،لقوله تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ الأنفال:34.

و قيل:(البيت):مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أهله:من مكّنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه،و لم يخرجه و لم يسدّ بابه.و قد اتّفقت الأمّة بأجمعها على أنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) في الآية،أهل بيت نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله.

ثمّ اختلفوا،فقال عكرمة:أراد أزواج النّبيّ،لأنّ أوّل الآية متوجّه إليهنّ.و قال أبو سعيد الخدريّ و أنس بن مالك و وائلة بن الأسقع و عائشة و أمّ سلمة:إنّ الآية مختصّة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.[ثمّ روى روايات إلى أن قال:]

ص: 107

و استدلّت الشّيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة عليهم السّلام بأن قالوا:إنّ لفظة(انّما)محقّقة لما أثبت بعدها،نافية لما لم يثبت،فإنّ قول القائل:إنّما لك عندي درهم،و إنّما في الدّار زيد،يقتضي أنّه ليس عنده سوى الدّرهم،و ليس في الدّار سوى زيد؛و إذا تقرّر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة الّتي يتبعها التّطهير و إذهاب الرّجس.

و لا يجوز الوجه الأوّل،لأنّ اللّه تعالى قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة،فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق،و لأنّ هذا القول يقتضي المدح و التّعظيم لهم بغير شكّ و شبهة،و لا مدح في الإرادة المجرّدة،فثبت الوجه الثّاني.

و في ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح.و قد علمنا أنّ من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته،فثبت أنّ الآية مختصّة بهم لبطلان تعلّقها بغيرهم،و متى قيل:إنّ صدر الآية و ما بعدها في الأزواج فالقول فيه إنّ هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم،فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره و يعودون إليه،و القرآن من ذلك مملوء،و كذلك كلام العرب و أشعارهم.(4:356)

ابن الجوزيّ: نصب (أَهْلَ الْبَيْتِ) على وجهين:

أحدهما على معنى:أعني أهل البيت،و الثّاني على النّداء، فالمعنى:يا أهل البيت.

و في المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) هاهنا ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّهم نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّهنّ فى بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس،و به قال عكرمة و ابن السّائب و مقاتل.و يؤكّد هذا القول أنّ ما قبله و بعده متعلّق بأزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و على أرباب هذا القول اعتراض،و هو أنّ جمع المؤنّث بالنّون فكيف قيل:

(عَنْكُمُ) (وَ يُطَهِّرَكُمْ)؟ فالجواب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيهنّ، فغلّب المذكّر.

و الثّاني:أنّه خاصّ في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،قاله أبو سعيد الخدريّ،و روي عن أنس و عائشة و أمّ سلمة نحو ذلك.

و الثّالث:أنّهم أهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أزواجه،قاله الضّحّاك.و حكى الزّجّاج أنّهم نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و الرّجال الّذين هم آله،قال:و اللّغة تدلّ على أنّها للنّساء و الرّجال جميعا،لقوله: (عَنْكُمُ) بالميم،و لو كانت للنّساء لم يجز إلاّ«عنكنّ»«و يطهّركنّ».(6:381)

الفخر الرّازيّ: إنّ اللّه تعالى ترك خطاب المؤنّثات، و خاطب بخطاب المذكّرين بقوله: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ليدخل فيه نساء أهل بيته،و رجالهم.

و اختلف الأقوال في (أَهْلَ الْبَيْتِ)، و الأولى أن يقال:

هم أولاده و أزواجه و الحسن و الحسين منهم و عليّ منهم، لأنّه كان من أهل بيته،بسبب معاشرته ببنت النّبيّ عليه السّلام، و ملازمته للنّبيّ.(25:209)

القرطبيّ: قد اختلف أهل العلم في (أَهْلَ الْبَيْتِ) من هم؟فقال عطاء و عكرمة و ابن عبّاس:هم زوجاته خاصّة،لا رجل معهنّ.[إلى أن قال:]

و قالت فرقة،منهم الكلبيّ:هم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين خاصّة.

و احتجّوا بقوله تعالى: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

ص: 108

اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً بالميم،و لو كان للنّساء خاصّة لكان«عنكنّ»«و يطهّركنّ».إلاّ أنّه يحتمل أن يكون خرج على لفظ«الأهل»كما يقول الرّجل لصاحبه:كيف أهلك؟أي امرأتك و نساؤك،فيقول:هم بخير.قال اللّه:

أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود:73.

و الّذي يظهر من الآية أنّها عامّة في جميع أهل البيت من الأزواج و غيرهم.و إنّما قال: (وَ يُطَهِّرَكُمْ) لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّا و حسنا و حسينا كان فيهم،و إذا اجتمع المذكّر و المؤنّث غلّب المذكّر،فاقتضت الآية أنّ الزّوجات من أهل البيت،لأنّ الآية فيهنّ و المخاطبة لهنّ يدلّ عليه سياق الكلام،و اللّه أعلم.(14:182)

البيضاويّ: تخصيص الشّيعة (أَهْلَ الْبَيْتِ) بفاطمة و عليّ و ابنيهما رضي اللّه عنهم لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام خرج ذات غدوة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود فجلس،فأتت فاطمة رضي اللّه عنها فأدخلها فيه، ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه،ثمّ جاء الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما فأدخلهما فيه،ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. و الاحتجاج بذلك على عصمتهم و كون إجماعهم حجّة،ضعيف،لأنّ التّخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية و ما بعدها.

و الحديث يقتضي أنّهم أهل البيت،لا أنّه ليس غيرهم.

(2:245)

نحوه الطّنطاويّ(16:28)،و أبو السّعود(4:211).

النّيسابوريّ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النداء أو على المدح.و قد مرّ في آية«المباهلة»أنّهم أهل العباءة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه أصل،و فاطمة رضي اللّه عنها و الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما بالاتّفاق،و الصّحيح أنّ عليّا رضي اللّه عنه منهم لمعاشرته بنت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ملازمته إيّاه.و ورود الآية في شأن أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يغلب على الظّنّ دخولهنّ فيهنّ،و التّذكير للتّغليب،فإنّ الرّجال و هم النّبيّ و عليّ و أبناؤهم غلبوا على فاطمة وحدها أو مع أمّهات المؤمنين.(22:11)

أبو حيّان: لمّا كان (أَهْلَ الْبَيْتِ) يشملهنّ و آباءهنّ، غلب المذكّر على المؤنّث في الخطاب في (عَنْكُمُ) و (يُطَهِّرَكُمْ).

و قول عكرمة و مقاتل و ابن السّائب: إنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) في هذه الآية مختصّ بزوجاته عليه السّلام،ليس بجيّد؛إذ لو كان كما قالوا لكان التّركيب«عنكنّ»«و يطهّركنّ».

و إن كان هذا القول مرويّا عن ابن عبّاس،فلعلّه لا يصحّ عنه.[إلى أن قال:]

و يظهر أنّهم زوجاته و أهله،فلا تخرج الزّوجات عن أهل البيت بل يظهر أنّهنّ أحقّ بهذا الاسم لملازمتهنّ بيته عليه الصّلاة و السّلام.(7:231)

ابن كثير: نصّ في دخول أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في (أَهْلَ الْبَيْتِ) هاهنا،لأنّهنّ سبب نزول هذه الآية.و سبب النّزول داخل فيه قولا واحدا،إمّا وحده على قول،أو مع غيره على الصّحيح.[و بعد ذكر روايات قال:]

ثمّ الّذي لا يشكّ فيه من تدبّر القرآن أنّ نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم داخلات في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فإنّ سياق الكلام معهنّ،و لهذا قال تعالى بعد هذا

ص: 109

كلّه: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ الأحزاب:34،أي و اعملن بما ينزل اللّه تبارك و تعالى على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم في بيوتكنّ من الكتاب و السّنّة، قاله قتادة و غير واحد،و اذكرن هذه النّعمة الّتي خصّصتنّ بها من بين النّاس،أنّ الوحي ينزل في بيوتكنّ دون سائر النّاس،و عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي اللّه عنهما أولاهنّ بهذه النّعمة و أحظاهنّ بهذه الغنيمة و أخصّهنّ من هذه الرّحمة العميمة،فإنّه لم ينزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الوحي في فراش امرأة سواها،كما نصّ على ذلك صلوات اللّه و سلامه عليه.قال بعض العلماء رحمه اللّه:لأنّه لم يتزوّج بكرا سواها و لم ينم معها رجل في فراشها سواه صلّى اللّه عليه و سلّم و رضي اللّه عنها،فناسب أن تخصّص بهذه المزيّة و أن تفرد بهذه المرتبة العليا، و لكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحقّ بهذه التّسمية كما تقدّم في الحديث«و أهل بيتي أحقّ»،و هذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا سئل عن المسجد الّذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ التّوبة:108،فقال:«هو مسجدي هذا»،فهذا من هذا القبيل،فإنّ الآية إنّما نزلت في مسجد«قباء»كما ورد في الأحاديث الأخر،و لكن إذا كان ذلك أسّس على التّقوى من أوّل يوم،فمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أولى بتسميته بذلك، و اللّه أعلم.(5:452 و 458)

نحوه القاسميّ.(13:4851)

الشّربينيّ: أَهْلَ الْبَيْتِ في ناصبه أوجه:

أحدها:النّداء،أي يا أهل البيت،أو المدح أي أمدح أهل البيت،أو الاختصاص أي أخصّ أهل البيت،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث».و الاختصاص في المخاطب أقلّ منه في المتكلّم،و سمع:«منك اللّه نرجو الفضل»و الأكثر إنّما هو في المتكلّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف في (أَهْلَ الْبَيْتِ) و الأولى فيهم ما قال البقاعيّ:إنّهم كلّ من يكون من ألزم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الرّجال و النّساء و الأزواج و الإماء و الأقارب،و كلّما كان الإنسان منهم أقرب و بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أخصّ و ألزم كان بالإرادة أحقّ و أجدر،و يؤيّده قول البيضاويّ.

و تخصيص الشّيعة (أَهْلَ الْبَيْتِ) بفاطمة و عليّ و ابنيهما رضي اللّه تعالى عنهم لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام خرج ذات غدوة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجلس فجاءت فاطمة فأدخلها فيه ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه ثمّ جاء الحسن و الحسين فأدخلهما فيه،ثمّ قال:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ و الاحتجاج بذلك على عصمتهم و كون إجماعهم حجّة، ضعيف.(3:244)

الكاشانيّ: [بعد نقل روايات كثيرة قال:]

الرّوايات في نزول هذه الآيات في شأن الخمسة أصحاب العباء من طريق الخاصّة و العامّة أكثر من أن تحصى.(4:189)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

أي يا أهل البيت،و المراد به من حواه بيت النّبوّة رجالا و نساء.[إلى أن قال:]و تعورف في أسرة النّبيّ عليه السّلام مطلقا إذا قيل: (أَهْلَ الْبَيْتِ) يعني أهل البيت المتعارف في آل النّبيّ عليه السّلام من بني هاشم.و نبّه عليه السّلام بقوله:«سلمان منّا أهل البيت»،على أنّ مولى القوم

ص: 110

يصحّ نسبته إليهم.(7:171)

العامليّ: و قد مرّ في«الآل»ما يدلّ على تأويل أهل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أهل بيته بالأئمّة الأوصياء،و بيّنّا هناك أنّه قد يدخل تجوّزا فيهم بعض خواصّ تابعيهم.(79)

شبّر: نزلت في أهل البيت باتّفاق المفسّرين،و تظافر روايات العامّة و الخاصّة،و يدلّ على اختصاصها بأهل البيت دون الأزواج،مضافا إلى النّصوص المستفيضة أنّ إذهاب الرّجس و تطهيرهم من فعله تعالى.

و قد أراده إرادة مؤكّدة بالحصر و اللاّم،فلا بدّ من وقوعه،و لام الرّجس ليست عهديّة إذ لا معهود فهي استغراقيّة،فينتفي جميع أفرادها،أو جنسيّة فكذلك؛إذ نفي الماهيّة نفي لكلّ أفرادها و هو معنى العصمة،و لا واحدة من الأزواج معصومة إجماعا،و ذلك يثبت حجّية قول واحد منهم عليه السّلام،فضلا عن إجماعهم عليهم السّلام.

و ينبغي حمل تذكير الضّميرين على التّغليب في غير فاطمة سلام اللّه عليها،و يدفع إيهام السّوق دخولهنّ،إذ كثيرا ما يورد الفصحاء كلاما في أثناء كلام آخر.

(5:145)

الآلوسيّ: نصب(أهل)على النّداء،و جوّز أن يكون على المدح فيقدّر«أمدح»أو«أعني»و أن يكون على الاختصاص و هو قليل في المخاطب،و منه:بك اللّه نرجو الفضل.و أكثر ما يكون في المتكلّم،كقوله:

نحن بنات الطّارق نمشي على النّمارق

و أل في(البيت)للعهد،و قيل:عوض عن المضاف إليه،أي بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و الظّاهر أنّ المراد به بيت الطّين و الخشب لا بيت القرابة و النّسب،و هو بيت السّكنى لا المسجد النّبويّ كما قيل.و حينئذ فالمراد ب«أهله» نساؤه صلّى اللّه عليه و سلّم و المطهّرات،للقرائن الدّالّة على ذلك من الآيات السّابقة و اللاّحقة،مع أنّه عليه الصّلاة و السّلام ليس له بيت يسكنه سوى سكناهنّ.[ثمّ نقل روايات تدلّ على أنّ المراد بالأهل نساؤه صلّى اللّه عليه و سلّم،إلى أن قال:]

و أورد ضمير جمع المذكّر في(عنكم و يطهركم) رعاية للفظ«الأهل».و العرب كثيرا ما يستعملون صيغ المذكّر في مثل ذلك رعاية للّفظ،و هذا كقوله تعالى خطابا ل«سارة»امرأة الخليل عليهما السّلام: أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73،و منه على ما قيل قوله سبحانه: قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً القصص:29،خطابا من موسى عليه السّلام لامرأته،و لعلّ اعتبار التّذكير هنا أدخل في التّعظيم.

و قيل:المراد هو صلّى اللّه عليه و سلّم و نساؤه المطهّرات رضي اللّه تعالى عنهنّ،و ضمير جمع المذكّر لتغليبه عليه الصّلاة و السّلام عليهنّ.و قيل:المراد ب(البيت)بيت النّسب،و لذا أفرد و لم يجمع كما في السّابق و اللاّحق.[ثمّ أورد روايات تدلّ على أنّ المراد هو صلّى اللّه عليه و سلّم نفسه،إلى أن قال:]

و اختلف في المراد ب«أهله»فذهب الثّعلبيّ إلى أنّ المراد بهم جميع بني هاشم ذكورهم و إناثهم،و الظّاهر أنّه أراد مؤمني بني هاشم،و هذا هو المراد ب«الآل»عند الحنفيّة.

و قال بعض الشّافعيّة: المراد بهم آله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم الّذين هم مؤمنو بني هاشم و المطّلب.و ذكر الرّاغب أنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) تعورف في أسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 111

مطلقا.و أسرة الرّجل على ما في«القاموس»رهطه أي قومه و قبيلته الأدنون.و قال في موضع آخر:صار«أهل البيت»متعارفا في آله عليه الصّلاة و السّلام.[ثم نقل روايات تدلّ على أنّ المراد بأهل بيته:فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين،و ليس أزواجه من أهل بيته صلّى اللّه عليه و سلّم]

و قد صرّح بعدم دخولهنّ من الشّيعة عبد اللّه المشهديّ،و قال:المراد من(البيت)بيت النّبوّة،و لا شكّ أنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) لغة شامل للأزواج بل الخدّام من الإماء اللاّئي يسكنّ في البيت أيضا،و ليس المراد هذا المعنى اللّغويّ بهذه السّعة بالاتّفاق،فالمراد به آل العباء الّذين خصّصهم حديث الكساء،و قال أيضا:إنّ كون البيوت جمعا في (بُيُوتِكُنَّ) و إفراد البيت في (أَهْلَ الْبَيْتِ) يدلّ على أنّ بيوتهنّ غير بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلخ.و فيه ما ستعلمه إن شاء اللّه تعالى.

و قيل:المراد ب (الْبَيْتِ) بيت السّكنى و بيت النّسب، و أهل ذلك أهل كلّ من البيتين.

و قد سمعت ما قيل فيه،و فيه الجمع بين الحقيقة و المجاز.[ثمّ نقل روايات على أنّ المراد ب«الأهل»قومه و قبيلته و نساؤه،إلى أن قال:]

و قال بعضهم: إنّ ظاهر تعليله نفي كون النّساء أهل البيت بقوله:أيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرّجل،العصر من الدّهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها،يقتضي أن لا يكنّ من أهل البيت مطلقا،فلعلّه أراد بقوله في الخبر السّابق:نساؤه من أهل بيته،أ نساؤه الخ بهمزة الاستفهام الإنكاريّ،فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته،كما في معظم الرّوايات،في غير صحيح مسلم،و يكون رضي اللّه تعالى عنه ممّن يرى أنّ«نساءه»عليه الصّلاة و السّلام لسن من أهل البيت أصلا.و لا يلزمنا أن ندين اللّه تعالى برأيه لا سيّما و ظاهر الآية معنا و كذا العرف.و حينئذ يجوز أن يكون (أَهْلَ الْبَيْتِ) الّذين هم أحد الثّقلين بالمعنى الشّامل للأزواج و غيرهنّ من أصله.و عصبته صلّى اللّه عليه و سلّم الّذين حرموا الصّدقة بعده.و لا يضرّ في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمرّ بقاء الآخرين مع الكتاب،كما لا يخفى إلخ.

و أنت تعلم أنّ ظاهر ما صحّ من قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي تارك فيكم خليفتين و في رواية ثقلين:كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السّماء و الأرض،و عترتي أهل بيتي،و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»يقتضي أنّ النّساء المطهّرات غير داخلات في أهل البيت الّذين هم أحد الثّقلين،لأنّ عترة الرّجل كما في«الصّحاح»نسله و رهطه الأدنون،و أهل بيتي في الحديث الظّاهر أنّه بيان له أو بدل منه بدل كلّ من كلّ،و على التّقديرين يكون متّحدا معه؛فحيث لم تدخل النّساء في الأوّل لم تدخل في الثّاني.و في«النّهاية»أنّ عترة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بنو عبد المطّلب، و قيل:أهل بيته الأقربون و هم أولاده،و عليّ و أولاده رضي اللّه تعالى عنهم،و قيل:عترته الأقربون و الأبعدون منهم إلخ.و الّذي رجّحه القرطبيّ أنّهم من حرمت عليهم الزّكاة،و في كون الأزواج المطهّرات كذلك خلاف.

قال ابن حجر:و القول بتحريم الزّكاة عليهنّ ضعيف،و إن حكى ابن عبد البرّ الإجماع عليه،فتأمّل.

و لا يرد على حمل (أَهْلَ الْبَيْتِ) في الآية على المعنى الأعمّ ما أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطّبرانيّ عن أبي

ص: 112

سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:نزلت هذه الآية في خمسة:فيّ و في عليّ و فاطمة و حسن و حسين إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً إذ لا دليل فيه على الحصر،و العدد لا مفهوم له.

و لعلّ الاقتصار على من ذكر صلوات اللّه و سلامه عليهم لأنّهم أفضل من دخل في العموم،و هذا على تقدير صحّة الحديث.

و الّذي يغلب على ظنّي أنّه غير صحيح؛إذ لم أعهد نحو هذا في الآيات منه صلّى اللّه عليه و سلّم في شيء من الأحاديث الصّحيحة الّتي وقفت عليها في أسباب النّزول،و بتفسير (أَهْلَ الْبَيْتِ) بمن له مزيد اختصاص به على الوجه الّذي سمعت،يندفع ما ذكره المشهديّ من شموله للخدّام و الإماء و العبيد الّذين يسكنون البيت،فإنّهم في معرض التّبدّل و التّحوّل بانتقالهم من ملك إلى ملك بنحو الهبة و البيع،و ليس لهم قيام بمصالحه و اهتمام بأمره و تدبير لشأنه إلاّ حيث يؤمرون بذلك،و نظمهم في سلك الأزواج،و دعوى أنّ نسبة الجميع إلى البيت على حد واحد ممّا لا يرتضيه منصف و لا يقول به إلاّ متعسّف.

و قال بعض المتأخّرين:إنّ دخولهم في العموم ممّا لا بأس به عند أهل السّنّة،لأنّ الآية عندهم لا تدلّ على العصمة و لا حجر على رحمة اللّه عزّ و جلّ،و«لأجل عين ألف عين تكرم».

و أمّا أمر الجمع و الإفراد فقد سمعت ما يتعلّق به، و الظّاهر على هذا القول أنّ التّعبير بضمير جمع المذكّر في (عَنْكُمُ) للتّغليب.و ذكر أنّ في (عَنْكُمُ) عليه تغليبين:

أحدهما:تغليب المذكّر على المؤنّث،و ثانيهما:تغليب المخاطب على الغائب؛إذ غير الأزواج المطهّرات من أهل البيت لم يجر لهم ذكر فيما قبل و لم يخاطبوا بأمر أو نهي أو غيرهما فيه.و أمر التّعليل عليه ظاهر و إن لم يكن كظهوره على القول بأنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) الأزواج المطهّرات فقط.[إلى أن قال:]

و استدلّ بهذا بعضهم على عدم نزول الآية في حقّهم،و إنّما أدخلهم صلّى اللّه عليه و سلّم في أهل البيت المذكور في الآية بدعائه الشّريف عليه الصّلاة و السّلام،و لا يخلو جميع ما ذكر عن بحث.

و الّذي يظهر لي أنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) من لهم مزيد علاقة به صلّى اللّه عليه و سلّم و نسبة قويّة قريبة إليه عليه الصّلاة و السّلام؛بحيث لا يقبح عرفا اجتماعهم و سكناهم معه صلّى اللّه عليه و سلّم في بيت واحد،و يدخل في ذلك أزواجه و الأربعة أهل الكساء و عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه مع ما له من القرابة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قد نشأ في بيته و حجره عليه الصّلاة و السّلام فلم يفارقه،و عامله كولده صغيرا،و صاهره و آخاه كبيرا.(22:13)

نحوه عزّة دروزة.(8:261).

الطّباطبائيّ: كلمة (إِنَّما) تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرّجس و التّطهير،و كلمة (أَهْلَ الْبَيْتِ) سواء كان لمجرّد الاختصاص أو مدحا أو نداء يدلّ على اختصاص إذهاب الرّجس و التّطهير بالمخاطبين بقوله:

(عَنْكُمُ). ففي الآية في الحقيقة قصران:قصر الإرادة في إذهاب الرّجس و التّطهير،و قصر إذهاب الرّجس و التّطهير في أهل البيت.

و ليس المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) نساء النّبيّ خاصّة،لمكان

ص: 113

الخطاب الّذي في قوله: (عَنْكُمُ) و لم يقل(عنكنّ)،فإمّا أن يكون الخطاب لهنّ و لغيرهنّ،كما قيل:إنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) أهل البيت الحرام و هم المتّقون،بقوله تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ الأنفال:34،أو أهل مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،أو أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هم الّذين يصدق عليهم عرفا أهل بيته من أزواجه و أقربائه،و هم آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ،أو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أزواجه.و لعلّ هذا هو المراد ممّا نسب إلى عكرمة و عروة إنّها في أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خاصّة.

أو يكون الخطاب لغيرهنّ،كما قيل:إنّهم أقرباء النّبيّ من آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ.

و على أيّ حال فالمراد بإذهاب الرّجس و التّطهير مجرّد التّقوى الدّينيّ بالاجتناب عن النّواهي و امتثال الأوامر،فيكون المعنى:أنّ اللّه لا ينتفع بتوجيه هذه التّكاليف إليكم و إنّما يريد إذهاب الرّجس عنكم و تطهيركم،على حدّ قوله: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ المائدة:6،و هذا المعنى لا يلائم شيئا من معاني أهل البيت السّابقة،لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من (أَهْلَ الْبَيْتِ) لعمومه لعامّة المسلمين المكلّفين بأحكام الدّين.

و إن كان المراد بإذهاب الرّجس و التّطهير التّقوى الشّديد البالغ،و يكون المعنى:أنّ هذا التّشديد في التّكاليف المتوجّهة إليكنّ أزواج النّبيّ و تضعيف الثّواب و العقاب ليس لينتفع اللّه سبحانه به،بل ليذهب عنكم الرّجس و يطهّركم،و يكون من تعميم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ بعد تخصيصه بهنّ،فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصّا بغيرهنّ و هو ظاهر،و لا عموم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ،فإنّ الغير لا يشاركهنّ في تشديد التّكليف و تضعيف الثّواب و العقاب.

لا يقال:لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التّقدير متوجّها إليهنّ مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكليفه شديد كتكليفهنّ،لأنّه يقال:إنّه صلّى اللّه عليه و آله مؤيّد بعصمة من اللّه، و هي موهبة إلهيّة غير مكتسبة بالعمل،فلا معنى لجعل تشديد التّكليف و تضعيف الجزاء بالنّسبة إليه مقدّمة أو سببا لحصول التّقوى الشّديد له امتنانا عليه،على ما يعطيه سياق الآية،و لذلك لم يصرّح-بكون الخطاب متوجّها إليهنّ مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقط-أحد من المفسّرين، و إنّما احتملناه لتصحيح قول من قال:إنّ الآية خاصّة بأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و إن كان المراد إذهاب الرّجس و التّطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقا لا بتوجيه مطلق التّكليف و لا بتوجيه التّكليف الشّديد،بل إرادة مطلقة لإذهاب الرّجس و التّطهير لأهل البيت خاصّة بما هم أهل البيت،كان هذا المعنى منافيا لتقييد كرامتهنّ بالتّقوى،سواء كان المراد بالإرادة الإرادة التّشريعيّة أو التّكوينيّة.

و بهذا الّذى تقدّم يتأيّد ما ورد في أسباب النّزول أنّ الآية نزلت في النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام خاصّة،لا يشاركهم فيها غيرهم.

و هي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثا،يربو ما ورد منها من طرق أهل السّنّة على ما ورد منها من طرق الشّيعة،فقد روتها أهل السّنّة بطرق كثيرة عن أمّ سلمة و عائشة و أبي سعيد الخدريّ و سعد و وائلة بن

ص: 114

الأسقع و أبي الحمراء و ابن عبّاس و ثوبان مولى النّبيّ و عبد اللّه بن جعفر و عليّ و الحسن بن عليّ عليهما السّلام في قريب من أربعين طريقا.

و روتها الشّيعة عن عليّ و السّجّاد و الباقر و الصّادق و الرّضا عليهم السّلام و أمّ سلمة و أبي ذرّ و أبي ليلى و أبي الأسود الدؤليّ و عمرو بن ميمون الأوديّ و سعد بن أبي وقّاص، في بضع و ثلاثين طريقا.

فإن قيل:إنّ الرّوايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام،و لا ينافي ذلك شمولها لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا:إنّ كثيرا من هذه الرّوايات و خاصّة ما رويت عن أمّ سلمة-و في بيتها نزلت الآية-تصرّح باختصاصها بهم و عدم شمولها لأزواج النّبيّ،و ستجيء الرّوايات و فيها الصّحاح.

فإن قيل:هذا مدفوع بنصّ الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا:إنّما الشّأن كلّ الشّأن في اتّصال الآية بما قبلها من الآيات،فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها،و لم يرد حتّى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النّبيّ،و لا ذكره أحد حتّى القائل باختصاص الآية بأزواج النّبيّ،كما ينسب إلى عكرمة و عروة.فالآية لم تكن بحسب النّزول جزء من آيات نساء النّبيّ و لا متّصلة بها،و إنّما وضعت بينها إمّا بأمر من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو عند التّأليف بعد الرّحلة.و يؤيّده أنّ آية وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:33،على انسجامها و اتّصالها لو قدّر ارتفاع آية التّطهير من بين جملها فموقع آية التّطهير من آية وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ كموقع آية اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا المائدة:3 من آية محرّمات الأكل من سورة المائدة،و قد تقدّم الكلام في ذلك،في الجزء الخامس من الكتاب.

و بالبناء على ما تقدّم تصير لفظة (أَهْلَ الْبَيْتِ) اسما خاصّا-في عرف القرآن-بهؤلاء الخمسة،و هم:النّبيّ و عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم الصّلاة و السّلام، لا يطلق على غيرهم و لو كان من أقربائه الأقربين،و إن صحّ بحسب العرف العامّ إطلاقه عليهم.(16:309)

النّهاونديّ: إنّما فسّرنا الإرادة بالتّكوينيّة لكونه في مقام بيان فضيلتهم على سائر النّاس،و لا فضيلة للإرادة التّشريعيّة الّتي يشرك فيها المؤمن و الكافر.فإذا دلّت الآية على عصمة أهل البيت فلا جرم لا تشمل نساء النّبيّ للإجماع على عدم عصمتهنّ،و ظهور المعصية من أكثرهنّ خصوصا عائشة و حفصة،و قد اتّفقت روايات العامّة و الخاصّة على أنّها نزلت في شأن الخمسة الطّيّبة.

و في«نهج الحقّ»للعلاّمة أجمع المفسّرون.

و روى الجمهور كأحمد بن حنبل و غيره أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين.[ثمّ نقل روايات على هذا الادّعاء إلى أن قال:]

و قال بعض الأجلّة: يحتمل أن يكون الخطاب إشارة إلى انتسابهنّ بأهل العصمة ترغيبا لهنّ إلى الطّاعة و ترك المعصية.

أقول:و يمكن أن يكون الخطاب لأزواج النّبيّ و أقاربه ذكورا و إناثا،و المقصود إرادة بعضهم من قوله:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ كما قال: وَ إِذْ

ص: 115

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً المائدة:20،و من المعلوم أنّه لم يكن جميعهم ملوكا،كما أنّه من المعلوم أنّه لم يكن أزواج النّبيّ معصومات لظهور عصيانهنّ في زمان النّبيّ و بعده،كالخروج على وصيّ الرّسول الّذي كان مع الحقّ و الحقّ معه،ثمّ خصّ سبحانه الخطاب بهنّ ازديادا لوعظهنّ و ترغيبهنّ إلى طاعة اللّه و رسوله بقوله:

(وَ اذْكُرْنَ). (3:412)

المصطفويّ: يراد من كانوا مخاطبين حين نزول الآية،كما في الآيتين،و هم الخمسة النّجباء المعصومون الّذين استقرّوا تحت الكساء،بأمر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و لا يخفى أنّ كلمة (أَهْلَ الْبَيْتِ) مركّبة؛يراد بها «البيت»المصطلح في علم الرّجال،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة«خانواده»و ليست بتقدير كلمة أخرى مضافة إليها،كما توهّمها بعض المفسّرين ففسّروها بقولهم:أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و الحذف و التّقدير خلاف الأصل في الكلام الفصيح، مع أنّ ظاهر إطلاق«أهل بيت رسول اللّه»عدم شمولها لنفس الرّسول،و كذا في الآيتين بالنّسبة إلى عمران و إبراهيم عليهما السّلام.

و سيجيء أنّ حقيقة معنى«البيت»هي المأوى و المآب و مجمع الشّمل ليلا.

و أمّا التّناسب بين آية التّطهير و ما قبلها و بعدها من نزولها في نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّ الجامع بينها كونها مربوطة إلى أهل البيت«خانواده»بمعناها العرفيّ الظّاهريّ العموميّ.و هذه الآية بقرينة نزولها في الخمسة أهل الكساء تثبت أنّ مصداق (أَهْلَ الْبَيْتِ) الخاصّة بحكم التّطهير منحصر في الخمسة.و هذا التّرتيب و ذكر هذه الآية الشّريفة فيما بين تلك الآيات للإشارة إلى أنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) الّذين يجب اتّباعهم و ينبغي أن يكونوا قدوة للنّاس هم الخمسة،و النّساء خارجات عنه،راجع «البيت».(1:155)

أهل بيت

...فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ. القصص:12

البغويّ: هي امرأة قد قتل ولدها،فأحبّ شيء إليها أن تجد صغيرا ترضعه.

و قيل:إنّها قالت:هل أدلّكم على أهل بيت؟قالوا لها:من؟قالت:أمّي.قالوا:و لأمّك ابن؟قالت:نعم، هارون.(5:137)

مثله الخازن.(5:137)

الشّربينيّ: و لم تقل على امرأة،لتوسّع دائرة النّظر.

(3:85)

الآلوسيّ: على أهل بيت دون امرأة،إشارة إلى أنّ المراد امرأة من أهل الشّرف،تليق بخدمة الملوك.

(20:50)

اهله

...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:196

ص: 116

ابن عبّاس: أهل الحرم.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 2:255)

هم أهل الحرم و الجماعة عليه.(الطّبريّ:2:255)

يا أهل مكّة لا متعة لكم أحلّت لأهل الآفاق و حرّمت عليكم،إنّما يقطع أحدكم واديا،أو يجعل بينه و بين الحرم واديا،ثمّ يهلّ بعمرة.(الطّبريّ 2:255)

طاوس:المتعة للنّاس،إلاّ لأهل مكّة،ممّن لم يكن أهله من الحرم،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. (الطّبريّ 2:255)

مكحول:من كان دون المواقيت.

(الطّبريّ 2:256)

الإمام الباقر عليه السّلام: ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة.قيل:فما حدّ ذلك؟قال:ثمانية و أربعون ميلا عن جميع نواحي مكّة دون عسفان و ذات عرق.

(الكاشانيّ 1:214)

الزّهريّ: من كان أهله على يوم أو نحوه تمتّع.

(الطّبريّ 2:256)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها و ثمانية عشر ميلا عن خلفها و ثمانية عشر ميلا عن يمينها و ثمانية عشر ميلا عن يسارها،فلا متعة له،مثل«مرّ» (1)و أشباهها.

(الكاشانيّ 1:214)

نحوه الحائريّ.(1:38)

ليس لأهل مكّة متعة و لا لأهل بستان و لا لأهل ذات عرق و لا لأهل عسفان،و نحوها.

(العروسيّ 1:192)

ليس لأهل سرف و لا لأهل مرّ و لا لأهل مكّة متعة،لقول اللّه عزّ و جلّ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (العروسيّ 1:192)

السّدّيّ: إنّ هذا لأهل الأمصار،ليكون عليهم أيسر من أن يحجّ أحدهم مرّة و يعتمر أخرى،فتجمع حجّته و عمرته في سنة واحدة.(الطّبريّ 2:255)

عطاء: من كان أهله من دون المواقيت فهو كأهل مكّة لا يتمتّع.(الطّبريّ 2:256)

عرفة و مرّ و عرنة و ضجنان و الرّجيع و نخلتان.

(الطّبريّ 2:256)

أنّه جعل أهل عرفة من أهل مكّة.

(الطّبريّ 2:256)

الرّبيع بن أنس: يعني المتعة إنّها لأهل الآفاق، و لا تصلح لأهل مكّة.(الطّبريّ 2:255)

ابن زيد: أهل مكّة و فجّ و ذي طوى،و ما يلي ذلك فهو من مكّة.(الطّبريّ 2:256)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل فيمن عنى بقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعد إجماع جميعهم على أنّ أهل الحرم معنيّون به، و أنّه لا متعة لهم،فقال بعضهم:عنى بذلك أهل الحرم خاصّة دون غيرهم.

و قال آخرون: عنى بذلك أهل الحرم،و من كان منزله دون المواقيت إلى مكّة.

و قال بعضهم: بل عنى بذلك أهل الحرم و من قرب منزله منه.ة.

ص: 117


1- موضع على مرحلة من مكّة.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة عندنا قول من قال:

إنّ حاضري المسجد الحرام من هو حوله،ممّن بينه و بينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصّلوات.(2:255)

و هناك بحوث أخرى،راجع«ح ض ر».

الطّبرسيّ: أي ما تقدّم ذكره من التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ ليس لأهل مكّة و من يجري مجراهم،و إنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكّة،و هو من يكون بينه و بينها أكثر من اثني عشر ميلا من كلّ جانب.(1:291)

أبو البركات: و معنى الآية:أنّ هذا الفرض لمن كان من الغرباء.و إنّما ذكر أهله و هو المراد بالحضور،لأنّ الغالب على الرّجل أن يسكن حيث أهله ساكنون.

(ابن الجوزيّ 1:208)

القرطبيّ: و القول عندي في هذا قول الزّهريّ:في أنّ الإباحة من اللّه عزّ و جلّ لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج و إن فاته الحجّ.

فأمّا من كان بينه و بين المسجد الحرام،ما لا تقصر في مثله الصّلاة،فإنّه يحضر المشاهد و إن نعش نعشا،لقرب المسافة بالبيت.(2:374)

البيضاويّ: و هو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا،فإنّه مقيم في الحرم أو في حكمه،و من مسكنه وراء الميقات عنده (1)،و أهل الحلّ عند طاوس، و غير المكّيّ عند مالك.(1:108)

نحوه أبو السّعود.(1:159)

النّسفيّ: هم أهل المواقيت،فمن دونها إلى مكّة.

(1:101)

الشّربينيّ: في ذكر«الأهل»إشعار باشتراط الاستيطان،فلو أقام قبل أشهر الحجّ و لم يستوطن و تمتّع فعليه ذلك،و هو أصحّ قولي الشّافعيّ،و الثّاني لا.

و الأهل:كناية عن النّفس.(1:130)

البروسويّ: أي لازم للّذي لا يسكن مكّة،و أهل الرّجل أخصّ النّاس إليه.و إنّما ذكر«الأهل»لأنّ الغالب إنّ الإنسان يسكن حيث يسكن أهله،فعبّر بسكون الأهل عن سكون نفسه.

و حاضرو المسجد الحرام عندنا هم أهل مكّة.و من كان منزله داخل المواقيت فلا متعة و لا قران لهم.

(1:312)

القاسميّ: أي بل كان أهله على مسافة الغيبة منه.

و أمّا من كان أهله حاضريه بأن يكون ساكنا في مكّة فهو في حكم القرب من اللّه،فاللّه تعالى يجبره بفضله.

هذا،و قال بعض المجتهدين:إنّ ذلك إشارة إلى التّمتّع المفهوم من قوله: (فَمَنْ تَمَتَّعَ)، و ليست للهدي و الصّوم،فلا متعة و لا قران لحاضري المسجد الحرام عنده.(3:49)

الطّباطبائيّ: أي الحكم المتقدّم ذكره،و هو التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ لغير الحاضر،و هو الّذي بينه و بين المسجد الحرام أكثر من اثني عشر ميلا،على ما فسّرته السّنّة.

و أهل الرّجل:خاصّته،من زوجته و عياله.و التّعبير عن النّائي:البعيد،بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام،من ألطف التّعبيرات.و فيه إيماء إلى حكمةة.

ص: 118


1- يعني أبا حنيفة.

التّشريع،و هو التّخفيف و التّسهيل،فإنّ المسافر من البلاد النّائية للحجّ-و هو عمل لا يخلو من الكدّ و مقاسات التّعب و وعثاء الطّريق-لا يخلو عن الحاجة إلى السّكن و الرّاحة.

و الإنسان إنّما يسكن و يستريح عند أهله،و ليس للنّائي أهل عند المسجد الحرام،فبدّله اللّه سبحانه من التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ،و الإهلال بالحجّ من المسجد الحرام من غير أن يسير ثانيا إلى الميقات.

و قد عرفت أنّ الجملة الدّالّة على تشريع المتعة إنّما هي هذه الجملة،أعني قوله: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ إلخ، دون قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، و هو كلام مطلق غير مقيّد بوقت دون وقت،و لا شخص دون شخص،و لا حال دون حال.(2:77)

المراغيّ: أي أنّ أهل الآفاق هم الّذين يحتاجون إلى هذا التّمتّع،لما يلحقهم من المشقّة بالسّفر إلى الحجّ وحده،ثمّ السّفر إلى العمرة وحدها.أما أهل الحرم فليسوا في حاجة إلى ذلك،فلا متعة و لا قران لحاضري المسجد الحرام.(2:98)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(1:183)

2- ...وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ... البقرة:217

الفرّاء: أهل المسجد.(1:141)

مثله الطّبريّ(2:351)،و الزّجّاج(1:290)، و الطّوسيّ(2:205)،و البغويّ(1:174)،و الزّمخشريّ (1:357).

الطّبرسيّ:يعني أهل المسجد،و هم المسلمون.

(1:312)

نحوه الفخر الرّازيّ.(6:35)

البيضاويّ: أهل المسجد،و هم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنون.(1:115)

نحوه النّسفيّ(1:108)،و الخازن(1:174)، و الشّربينيّ(1:140)،و أبو السّعود(1:166)، و الكاشانيّ(1:227)،و القاسميّ(3:542)،و عبد المنعم الجمّال(1:217).

3- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً... النّساء:35

الطّبرسيّ: أي وجّهوا حكما من قوم الزّوج و حكما من قوم الزّوجة لينظرا فيما بينهما.(2:44)

نحوه أبو السّعود(1:340)،و البروسويّ(2:204)، و الشّربينيّ(1:301).

4- فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ. الأعراف:83

ابن عبّاس: أراد المتّصلين به في النّسب،بدليل قوله: (إِلاَّ امْرَأَتَهُ). (النّيسابوريّ 8:173)

ابنتاه.(الفخر الرّازيّ 8:171)

الطّبريّ: المؤمنين به.(8:236)

نحوه البغويّ(2:214)،و الميبديّ(3:674)، و البيضاويّ(1:358)،و النّسفيّ(2:63)،و أبو السّعود (2:179)،و القاسميّ(7:2805)

ص: 119

الطّوسيّ: يعني المختصّين به.و الأهل:هو المختصّ بالشّيء اختصاص القرابة،و لذلك قيل:أهل البلد،لأنّهم بلزومهم سكناه قد صاروا على مثل لزوم القرابة

(4:490)

نحوه الطّبرسيّ(2:445)،و الكاشانيّ(2:218)، و شبّر(2:387).

الزّمخشريّ: من يختصّ به من ذويه أو من المؤمنين.(1:93)

نحوه النّسفيّ.(2:63)

الفخر الرّازيّ: يحتمل أن يكون المراد من(أهله):

أنصاره و أتباعه الّذين قبلوا دينه،و يحتمل أن يكون المراد المتّصلين به بالنّسب.(14:171)

نحوه النّيسابوريّ(8:173)،و الخازن(2:214).

البروسويّ: أي لوطا و أهله:ابنتيه«دعوزا» و«ريثا»،و سائر من آمن به.فإنّ«الأهل»يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و بالأقارب و بالأصحاب و بالمجموع.و أهل الرّجل:خاصّته الّذين ينسبون إليه.(3:196)

الآلوسيّ: أي من اختصّ به و اتّبعه من المؤمنين سواء كانوا من ذوي قرابته عليه السّلام أم لا.و قيل:ابنتاه «ريثا»و«يغوثا».

و للأهل معان،و لكلّ مقام مقال،و هو عند الإمام الأعظم (1)رضي اللّه تعالى عنه في باب الوصيّة:الزّوجة، للعرف و لقوله سبحانه: وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا. القصص:29،فتدفع الوصيّة لها إن كانت كتابيّة أو مسلمة و أجازت الورثة.

و عند الإمامين (2):أهل الرّجل:كلّ من في عياله و نفقته غير ممالكيه و ورثته.(8:171)

5- وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ...

مريم:55

الحسن: أراد بأهله أمّته.(الطّوسيّ 7:133)

نحوه الزّجّاج(ابن الجوزيّ 5:240)،و البغويّ(4:

202)،و الخازن(4:202).

مقاتل: يعني قومه.(ابن الجوزيّ 5:240)

الطّوسيّ: و المفهوم من«الأهل»في الظّاهر أقرب أقاربه.(7:133)

الزّمخشريّ: قيل:(أهله)أمّته كلّهم من القرابة و غيرهم،لأنّ أمم النّبيّين في عداد أهاليهم.و فيه أنّ من حقّ الصّالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن الأقارب و المتّصلين به،و أن يحظيهم بالفوائد الدّينيّة،و لا يفرّط في شيء من ذلك.(2:513)

نحوه أبو حيّان.(6:199)

الطّبرسيّ: أي قومه و عترته و عشيرته.

(3:518)

الفخر الرّازيّ: و الأقرب في«الأهل»أنّ المراد به من يلزمه أن يؤدّي إليه الشّرع فيدخل فيه كلّ أمّته،من حيث لزمه في جميعهم ما يلزم المرء في أهله خاصّة،هذا إذا حمل الأمر على المفروض من الصّلاة و الزّكاة.

فإن حمل على النّدب فيهما كان المراد أنّه كما كانّ.

ص: 120


1- أبو حنيفة.
2- مالك و الشّافعيّ.

يتهجّد باللّيل يأمر أهله-أي من كان في داره في ذلك الوقت-بذلك،و كان نظره لهم في الّذين يغلب على شفقته عليهم في الدّنيا بخلاف ما عليه أكثر النّاس.

و قيل:كان يبدأ بأهله في الأمر بالصّلاح و العبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم،كما قال تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشّعراء:214، وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها طه:132، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6.و أيضا فهم أحقّ أن يتصدّق عليهم فوجب أن يكونوا بالإحسان الدّينيّ أولى.

فأمّا الزّكاة فعن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّها طاعة اللّه تعالى و الإخلاص،فكأنّه تأوّله على ما يزكو به الفاعل عند ربّه.و الظّاهر أنّه إذا قرنت الزّكاة إلى الصّلاة أن يراد بها الصّدقات الواجبة،و كان يعرف من خاصّة أهله أن يلزمهم الزّكاة فيأمرهم بذلك أو يأمرهم أن يتبرّعوا بالصّدقات على الفقراء.(21:232)

نحوه النّيسابوريّ.(16:65)

البيضاويّ: اشتغالا بالأهمّ،و هو أن يقبل الرّجل على نفسه و من هو أقرب النّاس إليه بالتّكميل.قال اللّه تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشّعراء:214، وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ طه:132، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6.

قيل:أهله:أمّته،فإنّ الأنبياء آباء الأمم.(2:36)

مثله أبو السّعود(3:285)،و البروسويّ(5:341)، و الآلوسيّ(16:105)،و المراغيّ(16:63).

النّسفيّ: (أهله):أمّته،لأنّ النّبيّ أبو أمّته و أهل بيته،و فيه دليل على أنّه لم يداهن غيره.(3:38)

الطّباطبائيّ: المراد ب(أهله)خاصّته من عترته و عشيرته و قومه،كما هو ظاهر اللّفظ.

و قيل:المراد ب(أهله)أمّته،و هو قول بلا دليل.

(14:63)

6- ...إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً... طه:10

الميبديّ: أي لامرأته و ولديه.(6:102)

الطّبرسيّ: هي بنت شعيب كان تزوّجها بمدين.

(4:5)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:272)

الفخر الرّازيّ: يجوز أن يكون الخطاب للمرأة و ولدها و الخادم الّذي معها،و يجوز أن يكون للمرأة وحدها.و لكن خرج على ظاهر لفظ«الأهل»فإنّ «الأهل»يقع على الجمع،و أيضا فقد يخاطب الواحد بلفظ الجماعة تفخيما.(22:15)

نحوه النّيسابوريّ(16:94)،و الشّربينيّ(2:451)، و البروسويّ(5:369)،و الآلوسيّ(16:165)،و أبو السّعود(3:299).

و بهذا المعنى جاءت كلمة«أهل»في سورة القصص:

29،في أكثر التّفاسير.

7- ...فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ.

الأنبياء:76

الطّبريّ: يعني ب(أهله)أهل الإيمان،من ولده و حلائلهم.(17:50)

ص: 121

نحوه المراغيّ.(17:55)

الميبديّ: أي أهل بيته.(6:271)

الفخر الرّازيّ: المراد ب«الأهل»هاهنا أهل دينه.

(22:193)

القرطبيّ: أي المؤمنين منهم.(11:306)

نحوه ابن كثير.(4:575)

شبّر: من معه في الفلك.(4:208)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(أهله)خاصّته إلاّ امرأته و ابنه الغريق.(14:306)

و بهذا المعنى جاءت كلمة«أهل»في سورة الصّافّات:76،في أكثر التّفاسير.

8- ...وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً...

الأنبياء:84

ابن مسعود: ردّ اللّه إليه أهله الّذين هلكوا بأعيانهم،و أعطاه مثلهم معهم.(الطّوسيّ 7:271)

مثله ابن عبّاس(الطّوسيّ 7:271)،و مجاهد (الطّبريّ 17:72).

ابن عبّاس: أبدله اللّه تعالى بكلّ شيء ذهب له ضعفين.(الطّوسيّ 7:271)

الحسن: إنّ اللّه أحيا له أهله بأعيانهم،و زاده إليهم مثلهم.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 7:271)

مجاهد: في رواية أنّه خيّر،فاختار إحياء أهله في الآخرة و مثلهم في الدّنيا،فأوتي على ما اختار.

مثله عكرمة.(الطّوسيّ 7:271)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أحيا اللّه له أهله الّذين كانوا قبل البليّة،و أحيا له أهله الّذين ماتوا و هو في البليّة.

(البحرانيّ 3:67)

الفرّاء: ذكر أنّه كان لأيّوب سبعة بنين و سبع بنات فماتوا في بلائه،فلمّا كشف اللّه عنه أحيا اللّه له بنيه و بناته،و ولد له بعد ذلك مثلهم.(2:209)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في«الأهل»الّذي ذكر اللّه في قوله: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ أهم أهله الّذين أوتيهم في الدّنيا أم ذلك وعد وعده اللّه أيّوب أن يفعل به في الآخرة؟

فقال بعضهم: إنّما آتى اللّه أيّوب في الدّنيا مثل أهله الّذين هلكوا،فإنّهم لم يردّوا عليه في الدّنيا و إنّما وعد اللّه أيّوب أن يؤتيه إيّاهم في الآخرة.

و قال آخرون: بل ردّهم إليه بأعيانهم،و أعطاه مثلهم معهم.

و قال آخرون: بل آتاه المثل من نسل ماله الّذي ردّه عليه و أهله.فأمّا الأهل و المال فإنّه ردّهما عليه.

(17:73)

الميبديّ: أي أولاده و هم عشرة بنين،و قيل:

سبعة بنين و ثلاث بنات،و قيل سبعة و سبع.(6:291)

نحوه الشّربينيّ.(2:524)

الفخر الرّازيّ: يدخل فيه من ينسب إليه من زوجة و ولد و غيرهما،ثمّ فيه قولان:أحدهما:و هو قول ابن مسعود و ابن عبّاس و قتادة و مقاتل و الكلبيّ و كعب رضي اللّه عنهم أنّ اللّه تعالى أحيا له أهله،يعني أولاده بأعيانهم.

ص: 122

و الثّاني:روى اللّيث رضي اللّه عنه قال:أرسل مجاهد إلى عكرمة و سأله عن الآية،فقال:قيل له:إنّ أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجّلناهم لك في الدّنيا و إن شئت كانوا لك في الآخرة و آتيناك مثلهم في الدّنيا.

فقال:يكونون لي في الآخرة و أوتي مثلهم في الدّنيا.

و القول الأوّل أولى،لأنّ قوله: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ

يدلّ بظاهره على أنّه تعالى أعادهم في الدّنيا و أعطاه معهم مثلهم أيضا.(22:21)

و هناك بحوث أخرى راجع«م ث ل»،و جاء بهذا المعنى كلمة«أهل»الّتي وردت في سورة ص:43.

9- فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. الشّعراء:170

النّسفيّ: يعني بناته و من آمن معه.(3:193)

أبو السّعود:أي(أهل بيته)و من اتّبعه في الدّين بإخراجهم من بينهم عند مشارفة حلول العذاب بهم.

(4:116)

نحوه الكاشانيّ(4:48)،و البروسويّ(6:302).

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّ المراد ب(أهله)أهل بيته.

و جوّز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازا،فيشمل أهل بيته المؤمنين و سائر من آمن به.

و قيل:لا حاجة إلى هذا التّعميم؛إذ لم يؤمن به عليه السّلام، إلاّ أهل بيته.(19:116)

10- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها... النّمل:7

الزّمخشريّ: روي أنّه لم يكن مع موسى عليه السّلام غير امرأته،و قد كنّى اللّه عنها بالأهل.(3:137)

نحوه الطّباطبائيّ.(15:342)

النّسفيّ: لزوجته و من معه،عند مسيره من مدين إلى مصر.(3:202)

11- قالُوا تَقاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَ إِنّا لَصادِقُونَ. النّمل:49

البغويّ: أي قومه الّذين أسلموا معه.(5:126)

مثله الخازن.(5:126)

النّسفيّ: ولده و من تبعه.(3:216)

الشّربينيّ: أي من آمن به.[إلى أن قال:]

مَهْلِكَ أَهْلِهِ أي أهل ذلك الوليّ فضلا عن أن نكون باشرنا،أو أهل صالح عليه السّلام فضلا عن أن نكون شهدنا مهلكه أو باشرنا قتله و لا موضع إهلاكه.

(3:65)

الآلوسيّ: قيل:الضّمير في(أهله)يعود على الوليّ، و المراد بأهل الوليّ:صالح و أهله.و اعترض بأنّه لو أريد أهل الوليّ لقيل:أهلك أو أهله،و منع بأنّ ذلك غير لازم.

فقد قرئ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ آل عمران:12، بالخطاب و الغيبة،و وجه ذلك ظاهر،نعم رجوع الضّمير إلى الوليّ خلاف الظّاهر،كما لا يخفى.(19:213)

الطّباطبائيّ: أهل الرّجل:من يجمعه و إيّاهم بيت أو نسب أو دين.و لعلّ المراد ب(أهله)زوجه و ولده،بقرينة قوله بعد: ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا. (15:374)

12- قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها

ص: 123

لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ.

العنكبوت:32

الطّوسيّ: (و اهله)المؤمنين منهم.(8:205)

البروسويّ: أتباعه المؤمنين،و هم بناته.(6:466)

13- ...وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ... فاطر:43

الطّوسيّ: لا ينزل بأحد جزاء المكر السّيّئ إلاّ بمن فعله.(8:438)

نحوه الفخر الرّازيّ.(26:34)

الطّبريّ: يعني بالدّين يمكرونه.(22:146)

القرطبيّ:لا ينزل عاقبة الشّرك إلاّ بمن أشرك.

(14:359)

الكاشانيّ: هو الماكر،قيل:و قد حاق بهم يوم بدر.

(4:243)

البروسويّ: و المعني و لا يحيط المكر السّيّئ إلاّ بأهله و هو الماكر،و قد حاق بهم يوم بدر.[إلى أن قال:]

و في بحر العلوم:المعنى إلاّ حيقا ملصقا بأهله،و هو استثناء مفرّغ فيجب أن يقدّر له مستثنى منه عامّ، مناسب له من جنسه،فيكون التّقدير:و لا يحيق المكر السّيّئ حيقا إلاّ حيقا بأهله.(7:361)

14- وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً. الانشقاق:9

قتادة: إلى أهل أعدّ اللّه لهم الجنّة.

(الطّبريّ 3:117)

مجاهد: أي إلى خاصّته و من أعدّه اللّه تعالى له في الجنّة من الحور و الغلمان.(الآلوسيّ 30:80)

القرطبيّ: قيل:إلى أهله الّذين كانوا له في الدّنيا، ليخبرهم بخلاصه و سلامته.(19:273)

النّسفيّ: إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين أو إلى فريق المؤمنين،أو إلى أهله في الجنّة من الحور العين.

(4:343)

نحوه الشّربينيّ(4:507)،و أبو السّعود(5:249)، و الكاشانيّ(5:305).

البروسويّ: أي عشيرة المؤمنين أو فريق المؤمنين، هم رفقاؤه في طريق السّعادة و الكرامة، (مَسْرُوراً) مبتهجا بحاله و كونه من أهل النّجاة،قائلا: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ الحاقّة:19،فهذا الانقلاب يكون في المحشر قبل دخول الجنّة،لا كما قال في«عين المعانيّ»:من أنّه يدلّ على أنّ أهله يدخلون الجنّة قبله.

و فيه إشارة إلى كتاب الاستعداد الفطريّ المكتوب في ديوان الأزل بقلم كتبة الأسماء الجماليّة،فإنّ من أوتيه لا تناقشه الأسماء الجلاليّة،و ينقلب إلى أهله مسرورا، بفيض تجلّي جماله و لطفه.(10:377)

الآلوسيّ: أي عشيرته المؤمنين،مبتهجا بحاله قائلا هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ الحاقّة:19.

و قيل:أي فريق المؤمنين مطلقا و إن لم يكونوا عشيرته؛إذ كلّ المؤمنين أهل للمؤمن من جهة الاشتراك في الإيمان.(30:80)

الطّباطبائيّ: المراد ب«أهل»من أعدّه اللّه له في الجنّة من الحور و الغلمان و غيرهم،و هذا هو الّذي يفيده السّياق.

و قيل:المراد به عشيرته المؤمنون ممّن يدخل الجنّة.

ص: 124

و قيل:المراد فريق المؤمنين و إن لم يكونوا من عشيرته،فالمؤمنون إخوة،و الوجهان لا يخلوان من بعد.

(20:243)

اهلهم

1- فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.

يس:50

قتادة: أي إلى منازلهم،لأنّهم قد أعجلوا عن ذلك.

(القرطبيّ 15:39)

البروسويّ: الأهل يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و الأقارب و بالأصحاب و بالمجموع.

(7:410)

2- وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ

المطفّفين:31

القرطبيّ: أي انصرفوا إلى أهلهم و أصحابهم و ذويهم.(19:267)

نحوه المراغيّ.(30:85)

الشّربينيّ: أي منازلهم الّتي هي عامرة بجماعتهم.

و قرأ حمزة و الكسائيّ في الوصل بضمّ الهاء و الميم، و أبو عمرو بكسر الهاء،و الباقون بكسر الهاء و ضمّ الميم.(4:504)

البروسويّ: إلى أهل بيتهم و أصحابهم الجهلة الضّالّة التّابعة لهم.(10:373)

نحوه المراغيّ.(30:85)

اهلهنّ

...فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ...

(النّساء:25)

البغويّ: أي مواليهنّ.(1:426)

نحوه الزّمخشريّ(1:520)،و الطّبرسيّ(2:34)، و ابن الجوزيّ(2:57)،و القرطبيّ(5:141)،و النّسفيّ (1:220)،و الشّربينيّ(1:296)،و البروسويّ (2:190).

الآلوسيّ: و المراد من«الأهل»الموالي،و حمل الفقهاء ذلك على من له ولاية التّزويج و لو غير مالك.

فقد قالوا:للأب و الجدّ و القاضي و الوصيّ تزويج أمة اليتيم.

لكن في«الظّهيريّة»:الوصيّ لو زوّج أمة اليتيم من عبده لا يجوز.

و في«جامع الفصولين»:القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب.

و في«فتح القدير»:للشّريك المفاوض تزويج الأمة.

و ليس لشريك العنان و المضارب و العبد المأذون تزويجها عند أبي حنيفة و محمّد،و قال أبو يوسف:يملكون ذلك.[و للكلام تتمّة،فراجع](5:9)

نحوه رشيد رضا.(5:21)

الطّباطبائيّ: إرشاد إلى نكاح الفتيات مشروطا بأن يكون بإذن مواليهنّ.فإنّ زمام أمرهنّ إنّما هو بيد الموالي لا غير،و إنّما عبّر عنهم بقوله: (أَهْلِهِنَّ) جريا على ما يقتضيه قوله قبل بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فالفتاة واحدة من أهل بيت مولاها و مولاها أهلها.(4:278)

ص: 125

اهلك

1- وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آل عمران:121

الطّبرسيّ: أي خرجت من المدينة غدوة.

(1:495)

النّسفيّ: و المراد غدوّه من حجرة عائشة إلى أحد.

(1:179)

نحوه الشّربينيّ(1:243)،و البروسويّ(2:87)، و الآلوسيّ(4:41).

الطّباطبائيّ: و المراد بأهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خاصّته و هم جمع،و ليس المراد به هاهنا شخص واحد، بدليل قوله: غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ إذ يجوز أن يقال:

خرجت من خاصّتك و من جماعتك،و لا يجوز أن يقال:

خرجت من زوجتك و خرجت من أمّك،و لذا التجأ بعض المفسّرين إلى تقدير في الآية،فقال:إنّ التّقدير:

خرجت من بيت أهلك،لما فسّر«الأهل»بالمفرد و لا دليل يدلّ عليه من الكلام.(4:5)

المراغيّ: أي و اذكر لهم أيّها الرّسول وقت خروجك من بيتك.(4:54)

نحوه محمّد عبد المنعم الجمّال.(1:413)

2- ...قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ

هود:40

الطّبريّ: يعني ب«الأهل»ولده و نساءه و أزواجه.

(12:41)

نحوه البغويّ(3:189)،و الطّبرسيّ(3:163)، و الخازن(3:189)،و ابن كثير(3:552)،و الشّربينيّ (2:58)،و أبو السّعود(3:22)،و الكاشانيّ(2:444).

البروسويّ: عطف على زوجين،و المراد امرأته المؤمنة،فإنّه كان له امرأتان:أحدهما مؤمنة،و الأخرى كافرة،و هي أمّ كنعان و بنوه و نساؤهم.(4:128)

الآلوسيّ: عطف على زوجين أو على اثنين.

و المراد ب«أهله»على ما في بعض الآثار،امرأته المسلمة و بنوه منها،و هم:«سام»عليه السّلام و هو أبو العرب و أصله على ما قال البكريّ:بالشّين المعجمة،و«حام» و هو أبو السّودان قيل:إنّه أصاب زوجته في السّفينة فدعا نوح عليه السّلام أن تغيّر نطفته فغيّرت،و أخرجه ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن أبي صالح، و«يافث»كصاحب و هو أبو التّرك،و يأجوج و مأجوج، و زوجة كلّ منهم.(12:55)

شبّر: و احمل أهلك:امرأتك و بنيك و نساءهم.

(3:217)

نحوه رشيد رضا.(12:76)

الطّباطبائيّ: أي و احمل فيها أهلك،و هم المختصّون به من زوج و ولد و أزواج الأولاد و أولادهم.

(10:227)

نحوه المراغيّ.(12:37)

3- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ... هود:46

ابن عبّاس: ليس ممّن وعدناه النّجاة.

(الطّبريّ 12:52)

ص: 126

مثله سعيد بن جبير و الضّحّاك.(الطّوسيّ 5:566)

مجاهد:إنّه كان لغيره و ولد على فراشه.

(الطّوسيّ 5:566)

الحسن: لم يكن ابنه.(الطّبريّ 12:49)

عكرمة: كان ابنه،و لكنّه كان مخالفا له في العمل و النّيّة،فمن ثمّ قيل:إنّه ليس من أهلك.

(الطّبرسيّ 3:167)

الضّحّاك: يقول:ليس من أهل ولايتك و لا ممّن وعدتك أن أنجي من أهلك.(الطّبريّ 12:52)

نحوه أبو بشر(الطّبريّ 12:51)،و الزّجّاج(ابن سيدة 4:256)،و الكاشانيّ(3:45)،و شبّر(3:221)، و المراغيّ(12:40).

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى قال لنوح:إنّه ليس من أهلك،لأنّه كان مخالفا له،و جعل من اتّبعه من أهله.(الطّبرسيّ 3:167)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ؛ فقال بعضهم:معناه ليس من ولدك، هو من غيرك.و قال آخرون:معنى ذلك ليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال تأويل ذلك:إنّه ليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم،لأنّه كان لدينك مخالفا و بي كافرا و كان ابنه،لأنّ اللّه تعالى ذكره قد أخبر نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ابنه،فقال: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ و غير جائز أن يخبر أنّه ابنه،فيكون بخلاف ما أخبر،و ليس في قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ دلالة على أنّه ليس بابنه؛إذ كان قوله: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ محتملا من المعنى ما ذكرنا،و محتملا أنّه ليس من أهل دينك،ثمّ يحذف«الدّين»فيقال:إنّه ليس من أهلك،كما قيل: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها يوسف:82.

(12:52)

الطّوسيّ: في هذه الآية حكاية عمّا أجاب اللّه به نوحا حين سأله نجاة ابنه،بأن قال له: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.

و قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:قال ابن عبّاس و سعيد بن جبير و الضّحّاك و أكثر المفسّرين:إنّه ليس من أهلك الّذين وعدتك بنجاتهم معك،و إنّه كان ابنه لصلبه،بدلالة قوله:

وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ هود:42،فأضافه إليه إضافة مطلقة.

و الثّاني:أنّه أراد بذلك أنّه ليس من أهل دينك،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله«سلمان منّا أهل البيت».و إنّما أراد:على ديننا.

و ثالثها:قال الحسن و مجاهد:إنّه كان لغيره و ولد على فراشه،فسأل نوح على الظّاهر فأعلمه اللّه باطن الأمر،فنفاه منه على ما علمه؛فيكون على هذا هو نفسه عمل غير صالح،كما يقولون:الشّعر زهير.و هذا الوجه ضعيف،لأنّ في ذلك طعنا على نبيّ،و إضافة ما لا يليق به إليه.و المعتمد الأوّل.(5:565)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:13)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و رابعها:أنّه كان ابن امرأته و كان ربيبه،و يعضده

ص: 127

قراءة من قرأ(ابنه)بفتح الهاء و(ابنها)،و المعتمد المعوّل عليه في تأويل الآية القولان الأوّلان.(3:167)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه لمّا ثبت بالدّليل أنّه كان ابنا له،وجب حمل قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ على أحد وجهين:

أحدهما:أن يكون المراد أنّه ليس من أهل دينك.

و الثّاني:المراد أنّه ليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم معك.و القولان متقاربان.

هذه الآية تدلّ على أنّ العبرة بقرابة الدّين لا بقرابة النّسب،فإنّ في هذه الصّورة كانت قرابة النّسب حاصلة من أقوى الوجوه.و لكن لمّا انتفت قرابة الدّين،لا جرم نفاه اللّه تعالى بأبلغ الألفاظ،و هو قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ. (18:2)

نحوه القرطبيّ.(9:46)

النّيسابوريّ: التّأويل أنّه كان للرّوح أربعة بنين:

ثلاثة من المؤمنين،و هم:القلب و السّرّ و العقل،و واحد كافر و هو النّفس.فنفى عن النّفس أهليّة الدّين و الملّة، لأنّها خلقت للأمّاريّة.(12:35)

أبو السّعود: أي ليس منهم أصلا،لأنّ مدار الأهليّة هو القرابة الدّينيّة،و لا علاقة بين المؤمن و الكافر،أو ليس من أهلك الّذين أمرتك بحملهم في الفلك،لخروجه عنهم بالاستثناء.

و على التّقديرين ليس هو من الّذين وعد بإنجائهم، ثمّ علّل عدم كونه منهم على طريقة الاستئناف التّحقيقيّ بقوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ. (3:24)

نحوه الآلوسيّ(12:69)،و محمّد عبد المنعم الجمّال (2:1433).

القاسميّ: قال القاشانيّ:أي أنّ أهلك في الحقيقة هو الّذي بينك و بينه القرابة الدّينيّة و اللّحمة المعنويّة و الاتّصال الحقيقيّ لا الصّوريّ كما قال أمير المؤمنين عليّ رضي اللّه عنه:ألا و إنّ وليّ محمّد من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته ألا و إنّ عدوّ محمّد من عصى اللّه و إن قربت لحمته.

(9:3448)

الطّباطبائيّ: و المراد بكونه«ليس من أهله» -و اللّه أعلم-أنّه ليس من أهله الّذين وعده اللّه بنجاتهم، لأنّ المراد ب«الأهل»في قوله: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هود:40،الأهل الصّالحون،و هو ليس بصالح و إن كان ابنه و من أهله بمعنى الاختصاص،و لذلك علّل قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ بقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.

فإن قلت:لازم ذلك أن يكون امرأته الكافرة من أهله،لأنّها إنّما خرجت من الحكم بالاستثناء و هي داخلة موضوعا في قوله: (وَ أَهْلَكَ) و يكون ابنه ليس من أهله و خارجا موضوعا لا بالاستثناء،و هو بعيد.

قلت:المراد ب«الأهل»في قوله: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هم الأهل بمعنى الاختصاص و بالمستثنى- مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ -غير الصّالحين، و مصداقه امرأته و ابنه هذا.و أمّا الأهل الواقع في قوله هذا: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ فهم الصّالحون من المختصّين به عليه السّلام،طبقا لما وقع في قوله: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45،فإنّه عليه السّلام لا يريد ب«الأهل»في قوله هذا غير الصّالحين من أولي الاختصاص،و إلاّ شمل امرأته و بطلت

ص: 128

حجّته،فافهم ذلك.

فهذا هو الظّاهر من معنى الآية،و ذكروا في تفسير الآية معان أخر:

منها:أنّ المراد أنّه ليس على دينك،فكأنّ كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله،و نسب إلى جماعة من المفسّرين.

و فيه أنّه في نفسه معنى لا بأس به إلاّ أنّه غير مستفاد من سياق الآية،لأنّ اللّه سبحانه ينفي عنه الأهليّة بالمعنى الّذي كان يثبتها له نوح عليه السّلام،و لم يكن نوح يريد بأهليّته أنّه مؤمن غير كافر بل إنّما كان يريد أنّه أهله بمعنى الاختصاص و الصّلاح و إن كان لازمه الإيمان،اللّهمّ إلاّ أن يرجع إلى المعنى المتقدّم.

و منها:أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة و إنّما ولد على فراشه،فقال نوح عليه السّلام:إنّه ابني،على ظاهر الأمر.فأعلمه اللّه أنّ الأمر على خلاف ذلك،و نبّهه على خيانة امرأته.

و ينسب إلى الحسن و مجاهد.

و فيه:أنّه على ما فيه من نسبة العار و الشّين إلى ساحة الأنبياء عليهم السّلام،و الذّوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم و ينزّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل،أنّه ليس ممّا يدلّ عليه اللّفظ بصراحة و لا ظهور،فليس في القصّة إلاّ قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ و ليس بظاهر فيما تجرّءوا عليه،و قوله في امرأة نوح: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما التّحريم:10،و ليس إلاّ ظاهرا في أنّهما كانتا كافرتين تواليان أعداء زوجيهما و تسرّان إليهم بأسرارهما و تستنجدانهم عليهما.

و منها:أنّه كان ابن امرأته عليه السّلام،و كان ربيبه لا ابنه من صلبه.

و فيه أنّه ممّا لا دليل عليه من جهة اللّفظ،على أنّه لا يلائم قوله في تعليل:إنّه ليس من أهله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ و لو كان كذلك كان من حقّ الكلام أن يقال:إنّه ابن المرأة.

على أنّ من المستبعد جدّا أن لا يكون نوح عليه السّلام عالما بأنّه ربيبه و ليس بابنه،حتّى يخاطب ربّه بقوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أو يكون عالما بذلك و يتكلّم بالمجاز،و يحتجّ على ربّه العليم الخبير بذلك،فينبّه إنّه ليس ابنه و إنّما هو ربيب.(10:234)

4- ...فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ... هود:81

مقاتل: هم امرأته و ابنتاه.و اسم ابنتيه:«ريثا» و«زعرثا».(ابن الجوزيّ 4:141)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:142)

الخازن: يعني بيتك.(3:201)

5- وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها...

طه:132

أبو سعيد الخدريّ: لمّا نزلت هذه الآية كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأتي باب فاطمة و عليّ،تسعة أشهر عند كلّ صلاة،فيقول:الصّلاة رحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ

ص: 129

تَطْهِيراً الأحزاب:33.(الطّبرسيّ 4:37)

الإمام الباقر عليه السّلام: أمره اللّه تعالى أن يخصّ أهله دون النّاس،ليعلم النّاس أنّ لأهله عند اللّه منزلة ليست للنّاس،فأمرهم مع النّاس عامّة،ثمّ أمرهم خاصّة.

(الطّبرسيّ 4:37)

الإمام الرّضا عليه السّلام: خصّصنا اللّه تبارك و تعالى بهذه الخصوصيّة إذ أمرنا مع الأمّة بإقامة الصّلاة ثمّ خصّصنا من دون الأمّة.فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجيء إلى باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات،فيقول:

الصّلاة رحمكم اللّه،و ما أكرم اللّه أحدا من ذراريّ الأنبياء بمثل هذه الكرامة الّتي أكرمنا بها،و خصّصنا من دون جميع أهل بيتهم.(عيون أخبار الرّضا:240)

الطّوسيّ: قيل:المراد به أهل بيتك و أهل دينك، فدخلوا كلّهم في الجملة.(7:224)

مثله الطّبرسيّ.(4:37)

البغويّ: يعني قومك.و قيل:من كان على دينك، كقوله تعالى: وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ مريم:55.

(4:232)

نحوه الخازن(4:232)،و ابن الجوزيّ(5:335).

الفخر الرّازيّ: فمنهم من حمله على أقاربه،و منهم من حمله على كلّ أهل دينه.و هذا أقرب،و هو كقوله:

وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ.

و إن احتمل أن يكون المراد من يضمّه المسكن؛إذ التّنبيه على الصّلاة و الأمر بها في أوقاتها ممكن فيهم دون سائر الأمّة،يعني كما أمرناك بالصّلاة فأمر أنت قومك بها.

(22:136)

القرطبيّ: الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يدخل في عمومه جميع أمّته و أهل بيته على التّخصيص.و كان عليه السّلام بعد نزول هذه الآية يذهب كلّ صباح إلى بيت فاطمة و عليّ رضوان اللّه عليهما فيقول:الصّلاة.(11:263)

نحوه النّيسابوريّ.(16:171)

البيضاويّ: أمره بأن يأمر أهل بيته أو التّابعين له من أمّته بالصّلاة بعد ما أمره بها،ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم،و لا يهتمّوا بأمر المعيشة و لا يلتفتوا لفت أرباب الثّروة.(2:65)

نحوه الشّربينيّ.(2:493)

الآلوسيّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

و المراد ب«أهله»صلّى اللّه عليه و سلّم،قيل:أزواجه و بناته و صهره عليّ رضي اللّه تعالى عنهم.

و قيل:ما يشملهم و سائر مؤمني بني هاشم و المطّلب.

و قيل:جميع المتّبعين له عليه الصّلاة و السّلام من أمّته.و استظهر أنّ المراد أهل بيته صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.[ثمّ نقل رواية أبي سعيد الخدريّ المتقدّمة]

(16:284)

الطّباطبائيّ: و المراد بقوله:(اهلك)بحسب انطباقه على وقت النّزول:خديجة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام و كان من أهله و في بيته،أو هما و بعض بنات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

فقول بعضهم:إنّ المراد به أزواجه و بناته و صهره عليّ،و قول آخرين:المراد به أزواجه و بناته و أقرباؤه من بني هاشم و المطّلب،و قول آخرين:جميع متّبعيه من أمّته، غير سديد.

ص: 130

نعم لا بأس بالقول الأوّل من حيث جري الآية و انطباقها،لا من حيث مورد النّزول،فإنّ الآية مكّيّة و لم يكن له صلّى اللّه عليه و آله بمكّة من الأزواج غير خديجة عليها السّلام.

(14:239)

6- ...فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ... المؤمنون:27

ابن عبّاس: هم ولده و نساؤهم.

(الطّبريّ 18:17)

نحوه أبو السّعود.(4:30)

الطّوسيّ: يعني الّذين آمنوا معك.(7:363)

البيضاويّ: و أهل بيتك أو و من آمن معك.

(2:106)

البروسويّ: (و اهلك)منصوب بفعل معطوف على (فَاسْلُكْ) أي و اسلك أهلك،و المراد به امرأته و بنوه.

و تأخير«الأهل»لما فيه من ضرب تفصيل بذكر الاستثناء و غيره.(6:80)

الآلوسيّ: قيل:عطف على(اثنين)على قراءة الإضافة،و على(زوجين)على قراءة التّنوين.و لا يخفى اختلال المعنى عليه،فهو منصوب بفعل معطوف على (فَاسْلُكْ) أي و اسلك أهلك،و المراد بهم أمّة الإجابة الّذين آمنوا به عليه الصّلاة و السّلام،سواء كانوا من ذوي قرابته أم لا،و جاء إطلاق«الأهل»على ذلك.و إنّما حمل عليه هنا دون المعنى المشهور ليشمل من آمن ممّن ليس ذا قرابة،فإنّهم قد ذكروا في سورة هود،و القرآن يفسّر بعضه بعضا.(18:27)

الطّباطبائيّ: (و اهلك)معطوف على قوله:

(زوجين).و ما قيل:إنّ عطف(اهلك)على(زوجين) يفسد المعنى المراد،لرجوع التّقدير حينئذ إلى قولنا:

و اسلك فيها من كلّ نوع أهلك،فالأولى تقدير:اسلك ثانيا قبل أهلك.و عطفه على (فَاسْلُكْ) يدفعه أنّ (مِنْ كُلٍّ) في موضع الحال من (زَوْجَيْنِ) فهو متأخّر عنه رتبة كما قدّمنا تقديره،فلا يعود ثانيا على المعطوف.

فالمراد ب«الأهل»خاصّته،و الظّاهر أنّهم أهل بيته و المؤمنون به،فقد ذكرهم في سورة هود مع الأهل،و لم يذكر هاهنا إلاّ الأهل فقط.(15:29)

اهلكم

اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ. يوسف:93

مسروق: دخل قوم يوسف عليه السّلام مصر،و هم ثلاثة و تسعون من بين رجل و امرأة.

(الفخر الرّازيّ 18:207)

الكلبيّ: كان أهله نحوا من سبعين إنسانا.

(ابن الجوزيّ 4:283)

الزّمخشريّ: أي يأتيني أبي و يأتيني آله جميعا.

(2:343)

البيضاويّ: (بِأَهْلِكُمْ): بنسائكم و ذراريكم و مواليكم.(1:507)

مثله شبّر.(3:306)

ابن كثير: أي بجميع بني يعقوب.(4:47)

أبو السّعود:أي بأبي و غيره ممّن ينتظمه لفظ

ص: 131

الأهل جميعا من النّساء و الذّراريّ.(3:91)

البروسويّ: بنسائكم و ذراريكم و مواليكم.فإنّ «الأهل»يفسّر بالأزواج و الأولاد،و بالعبيد و الإماء و الأقارب،و بالأصحاب و بالمجموع.(4:315)

الطّباطبائيّ: أمر منه بانتقال بيت يعقوب من يعقوب و أهله و بنيه و ذراريه جميعا من البدو إلى مصر، و نزولهم بها.(11:244)

اهلى

1- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي...

هود:45

الزّمخشريّ: أي بعض أهلي،لأنّه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبا له،فهو بعض أهله.(2:272)

مثله النّسفيّ(2:191)،و نحوه النّيسابوريّ (12:32).

المراغيّ: الّذي وعدتني بنجاتهم؛إذ أمرتني بحملهم في السّفينة،و إنّ وعدك الحقّ الّذي لا خلف فيه، و أنت خير الحاكمين بالحقّ.(12:40)

2- وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي طه:29

الشّربينيّ: أي أقاربي.(2:460)

البروسويّ: من خواصّي و أقربائي.فإنّ الأهل خاصّة الشّيء ينسب إليه،و منه قوله تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45،و أهل اللّه:خاصّته كما في الحديث «إنّ للّه أهلين من النّاس:أهل القرآن و هم أهل اللّه»كما في المقاصد الحسنة.و هو صفة ل«وزير»،أو صلة:

ل(اجعل).(5:379)

اهلنا

قالُوا إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ الطّور:26

الطّوسيّ: الأهل هو المختصّ بغيره من جهة ما هو أولى به،و كلّما كان أولى به فهو أحقّ بأنّه أهله،فمن ذلك أهل الجنّة و أهل النّار،و من ذلك أهل الجود و الكرم، و فلان من أهل القرآن و من أهل العلم و من أهل الكوفة، و من هذا قيل لزوجة الرّجل:أهله،لأنّها مختصّة به من جهة هي أولى به من غيره.

فقوله: فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ أي من يختصّ به ممّن هو أولى بنا.(9:410)

نحوه الطّبرسيّ.(5:166)

البغويّ: في الدّنيا.(6:209)

مثله الخازن(6:209)،و ابن الجوزيّ 8:53،و شبّر (6:96).

البروسويّ: الظّاهر أنّ هذا الكلام وارد على عرف النّاس،فإنّهم يقولون:شأننا بين قومنا و قبيلتنا كذا،فهم كانوا في الدّنيا بين قبائلهم و عشائرهم على صفة الإشفاق.و فيه تعريض بأنّ بعض أهلهم لم يكونوا على صفتهم و لذا صاروا محرومين.

و يدلّ على هذا أنّ«الأهل»يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و بالأقارب و بالأصحاب و بالمجموع،كما في«شرح المشارق»لابن الملك.

(9:197)

الآلوسيّ: قيل:يحتمل أنّه كناية عن كون ذلك في

ص: 132

الدّنيا،و يحتمل أن يكون بيانا لكون إشفاقهم كان فيهم و في أهلهم،لتبعيّتهم لهم في العادة.[إلى أن قال:]

قيل:ذكر (فِي أَهْلِنا) لإثبات خوفهم في سائر الأوقات و الأحوال بطريق الأولى،فإنّ كونهم بين أهليهم مظنّة الأمن،و لا أرى فيه بأسا.نعم كون ذلك، لأنّ السّؤال عمّا اختصّوا به من الكرامة دون أهليهم ليس بشيء.

و قيل:لعلّ الأولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الشّفقة على خلق اللّه تعالى.(27:35)

اهلونا

...شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا...

الفتح:11.

البغويّ: يعني النّساء و الذّراريّ،أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم.(6:160)

نحوه الخازن(6:160)،و الشّربينيّ(4:43).

النّسفيّ: هي جمع«أهل»اعتلّوا بالشّغل بأهاليهم و أموالهم،و أنّه ليس من يقوم بأشغالهم.(4:158)

الآلوسيّ: لعلّ ذكر«الأهل»بعد«الأموال»من باب التّرقّي،لأنّ حفظ الأهل عند ذوي الغيرة أهمّ من حفظ الأموال.(26:98)

اهليهم

1- ...قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

الزّمر:15

ابن عبّاس: ليس من أحد إلاّ و خلق اللّه له زوجة في الجنّة،فإذا دخل النّار خسر نفسه و أهله.

(القرطبيّ 15:243)

مجاهد: لا يكون لهم أهل يرجعون إليهم.

(الطّبريّ 23:205)

فلا ينتفعون بأنفسهم و لا يجدون في النّار أهلا كما كان لهم في الدّنيا أهل،فقد فاتتهم المنفعة بأنفسهم و أهليهم.

(الطّبرسيّ 4:493)

مثله ابن زيد(الطّبرسيّ 4:493)،نحوه الطّبريّ (23:205).

الحسن: خسروا أهليهم الّذين أعدّوا لهم في جنّة النّعيم.(الطّبرسيّ 4:493)

البغويّ: أزواجهم و خدمهم.(6:59)

مثله الخازن.(6:59)

الزّمخشريّ: يعني و خسروا أهليهم الّذين كانوا يكونون لهم لو آمنوا.(3:392)

البروسويّ: يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و بالأقارب و بالأصحاب و بالمجموع،كما في «شرح المشارق»لابن الملك.(8:87)

شبّر: لعدم انتفاعهم بهم سواء كانوا معهم أو في الجنّة.

و قيل:أهلوهم:الحور المعدّة لهم في الجنّة لو آمنوا.

(5:307)

الآلوسيّ: فالمراد ب«الأهل»أتباعهم الّذين أضلّوهم،أي أضاعوا أنفسهم و أضاعوا أهليهم و أتلفوهما.(23:251)

الطّباطبائيّ: في الآية تعريض للمشركين

ص: 133

المخاطبين بقوله: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ الزّمر:

15،كأنّه يقول:فأيّا ما عبدتم فإنّكم تخسرون أنفسكم بإيرادها بالكفر مورد الهلكة و أهليكم،و هم خاصّتكم بحملهم على الكفر و الشّرك،و هي الخسران بالحقيقة.

[إلى أن قال:]

هذا على تقدير كون المراد ب«الأهل»خاصّة الإنسان في الدّنيا.

و قيل:المراد ب«الأهل»من أعدّه اللّه في الجنّة للإنسان لو آمن و اتّقى،من أزواج و خدم و غيرهم،و هو أوجه و أنسب للمقام،فإنّ النّسب و كلّ رابطة من الرّوابط الدّنيويّة الاجتماعيّة مقطوعة يوم القيامة.قال تعالى:

فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ المؤمنون 101،و قال:

يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً الانفطار:19،إلى غير ذلك من الآيات.

و يؤيّده أيضا قوله تعالى: فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً* وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً الانشقاق:7-9.(17:249)

و بهذا المعنى جاءت كلمة«أهليهم»الّتي وردت في سورة الشّورى:45.

2- بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً... الفتح:12

الطّبرسيّ: أي ظننتم أنّهم لا يرجعون إلى من خلّفوا بالمدينة من الأهل و الأولاد،لأنّ العدوّ يستأصلهم و يصطليهم.(5:114)

نحوه ابن الجوزيّ(7:430)،و البروسويّ(9:27).

المراغيّ: أي يرجع إلى أهليهم،أي عشائرهم و ذوي قرباهم.(26:92)

اهليكم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ... التّحريم:6

الطّوسيّ: و قوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً إنّما كسر اللاّم و موضعها النّصب،لأنّ العرب تقول:رأيت أهلك،يريدون جميع القرابات،و منهم من يقول:أهليك.

و يجمع أهل على أهلين،فإذا أضافه ذهبت النّون للإضافة،فالياء علامة الجمع و النّصب،و كسرت اللاّم لمجاورتها الياء.و في الحديث:«إنّ للّه أهلين»قيل:من هم يا رسول اللّه؟قال:أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته.

و من العرب من يجمع«أهلا»أهلات.[ثمّ استشهد بشعر](8:204)

الزّمخشريّ: قرئ (و أهلوكم) عطفا على واو(قوا) و حسن العطف للفاصل.

فإن قلت:أ ليس التّقدير قوا أنفسكم و ليق أهلوكم أنفسهم؟قلت:لا،و لكنّ المعطوف مقارن في التّقدير للواو و (أَنْفُسَكُمْ) واقع بعده،فكأنّه قيل:قوا أنتم و أهلوكم أنفسكم.جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه،فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب.

(4:128)

الشّربينيّ: النّساء و الأولاد و كلّ من يدخل في هذا الاسم قوهم.(4:330)

البروسويّ: أصله:أهلين،جمع«أهل»حذفت النّون بالإضافة.و قد يجمع على«أهالي»على غير

ص: 134

قياس،و هو كلّ من في عيال الرّجل و نفقته،من المرأة و الولد و الأخ و الأخت و العمّ و ابنه و الخادم،و يفسّر بالأصحاب أيضا.[إلى أن قال:]

و قال القاشانيّ،رحمه اللّه: الأهل بالحقيقة هو الّذي بينه و بين الرّجل تعلّق روحانيّ و اتصال عشقيّ سواء اتّصل به اتّصالا جسمانيّا أم لا،و كلّ ما تعلّق به تعلّقا عشقيّا فبالضّرورة يكون معه في الدّنيا و الآخرة.

(10:58)

نحوه المراغيّ.(28:162)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «الأهل»على ثمانية أوجه:السّاكن، القاري،الأصحاب،الزّوجة،العشيرة،المختار لها،القوم، المستحقّ.

فوجه منها:أهل القرى،يعني ساكن القرى،قوله عزّ و جلّ: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى الأعراف:97،يعنى ساكن القرى،كقوله عزّ و جلّ: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا التّوبة:101،و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الأهل يعني قرّاء التّوراة و الإنجيل يا أَهْلَ الْكِتابِ آل عمران:64،أي يا قرّاء التّوراة و الإنجيل،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الأهل يعني الأصحاب،قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58، يعني إلى أصحابها.

و الوجه الرّابع:الأهل يعني الزّوجة و الأولاد،قوله:

وَ سارَ بِأَهْلِهِ القصص:29،أي بزوجته و ولده،مثلها في قوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ النّمل:57،يعني ابنته،و نحوه الأعراف:83.

و الوجه الخامس:الأهل يعني القوم و العشيرة،قوله:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ يعني من قومه، وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35،يعني من قومها و عشيرتها.

و الوجه السّادس:الأهل:المختار لها قوله تعالى:

وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها الفتح:26،يعني المختارين.

و الوجه السّابع:الأهل:القوم الّذين بعث فيهم نبيّ، قوله تعالى: وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ يعني قومه بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ مريم:55.

و الوجه الثّامن:الأهل:المستحقّ،قوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56،معناه أهل أن يتّقى منه،و أهل أن يسأل منه المغفرة.(24)

الفيروزآبادي: و«الأهل»ورد في نصّ التّنزيل على عشرة أوجه[ذكر مثل الدّامغانيّ و أضاف:]

التّاسع:بمعنى العترة و العشيرة و الأولاد و الأحفاد و الأزواج و الذّرّيّات وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها طه:132، إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب 33.

العاشر:بمعنى الأولاد،و أولاد أولاد الخليل:

رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73.(بصائر ذوي التّمييز 2:83)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل لهذه المادّة«الأنس»و هذا جار في جميع

ص: 135

مشتقّاتها و معانيها،يقال:أهل به:أنس به،فهو أهل،أي أنس.و المكان الآهل:ما يسكن فيه أحد فلا يستوحش فيه.و الحيوان الأهليّ:ما ألف من الدّوابّ في قبال الحيوان البرّيّ و الوحشيّ.و يقال للدّاخل:أهلا و سهلا،أي نزلت أرضا واسعة و سهلة،و دخلت على أهلك، فاستأنس و لا تستوحش.و منه:أهلّ به،أي قال له:أهلا.

2-كلمة«أهل»أيضا في جميع مواردها لوحظ فيها الأنس،ثمّ تولّد منه الاختصاص؛فالزّوجة أهل الرّجل، لأنسه بها ثمّ لاختصاصها به.و قد شاع استعمال«أهل» في الزّوجة حتّى اشتقّ منه فعل،يقال:أهل الرّجل يأهل أهولا،و تأهّل:تزوّج،و المتأهّل:المتزوّج،و استأهل الرّجل:اتّخذ أهلا،و الآهل:من له زوجة،كما أنّ الأعزب من لا زوجة له.و لا حقيقة لما قيل:إنّ«أهل»وضع أوّلا للزّوجة ثمّ تفرّعت منه المعاني الأخر.

ثمّ إنّ«أهلا»خرج من دائرة الزّوجة إلى كلّ من له قرابة بالرّجل،ثمّ إلى من يجمعه و إيّاهم سكن واحد.

و بهذا الاعتبار يطلق عليهم:أهل البيت،ثمّ توسّع فأطلق أهل بيت الرّجل:على من يجمعه و إيّاهم نسب واحد.

يقال:هم أهلي،أي من قبيلتي.و قد شاع ذلك في أهل بيت النّبيّ من أجل«آية التّطهير»،ثمّ تجاوز من القرابة و النّسب إلى أتباع الرّجل و أشياعه؛فأهل كلّ نبيّ:أمّته.

و منه«أهل البصرة،أهل الكوفة،أهل الإسلام،أهل البلد،أهل الكتاب»و هكذا.

3-و تولّد من معنى الاختصاص:الأولويّة و الاستحقاق،يقال:هو أهل لذلك،أي حقيق به.و منه:

أهّلك اللّه لهذا الأمر،أي جعلك أهلا له.و لعلّ منه:أهل الجود و الكرم،أهل الفكر،أهل العلم،أهل القرآن،أهل اللّه،هو أهل للعبادة،أهل الدّنيا،أهل الآخرة،أهل التّقوى،أهل المغفرة،و نحوها.

4-و أمّا الإهالة بمعنى ما يؤتدم به،أو الزّيت و الشّحم فقط،فقد جعله ابن فارس أصلا برأسه،بعيدا عن الأوّل كلّ البعد.و الأمر-برأينا-ليس كذلك؛إذ يوجد فيه معنى الأنس؛فالإدام يستأنس به الإنسان في طعامه كما يأنس به الخبز و يخرج من غربته،كما أنّ الطّعام يجعل الإنسان أهلا لأن يقوم بأعماله.و منه:استأهل:أكل الإهالة،و ائتدم بها.

5-و الكلمات المقاربة لأهل لفظا لها صلة به معنى؛ فأهلّ:رفع صوته بالتّلبية و أنس بالحجّ.و استهلّ:رأى الهلال و أنست عينه به.و السّحاب تهلّل برقه:تلألأ حتّى أنست به العيون.و الهالة:دائرة القمر المحيطة به كالأهل للرّجل.و وهل إليه:فزع إليه و أنس به،و وهل منه:فزع منه و استوحش.و أله:تعبّد و خضع للّه و أنس به.و اللّهو:

ما يشغل الإنسان أنسا به عن الخير.و لاهاه:دنا منه، و و له:حنّ إليه،و هكذا.

الاستعمال القرآنيّ

1-لم يجئ من«أهل»-الّذي استعمل(127)مرّة في القرآن-فعل،و قد جعله البعض دليلا على أنّه الأصل لهذه المادّة.و لكن يبدو أنّ مجيئه في الجملة معطيا معنى الفعل أجمل من استعمال الفعل منه.

2-و جاء أهل(74)مرّة في المكّيّات،و(53)مرّة في المدنيّات؛و ذلك ربّما مراعاة لمن لم يكن له أهل من

ص: 136

المهاجرين،أو دعوة إلى الزّهد من التّعلّق بالأهل،لأجل التّهيّؤ للحرب و الجهاد في سبيل اللّه.كما أنّ كثرة ورودها في سورة الفتح(3)مرّات بالنّسبة إلى قلّة آياتها-و هي (29)آية-ربّما يكون إشارة إلى التقاء المهاجرين بأهليهم،أو أنسهم بمكّة و أهلها بعد الفتح.

3-و إنّ الرّقم(127)-و هو تعداد مجيء«أهل»في القرآن-نفس الرّقم النّاتج من مجموع كلمات:بنين،بنو، بنات،بنون،إخوة،زوج،حفدة،أمّ،أب،أبناء،...و هو (127).

4-و جاء مجرّدا من الضّمير(54)مرّة،و مع ضمير الغائب(54)مرّة أيضا.

5-أصيف أهل(51)مرّة إلى(14)كلمة كالآتي:

1-أهل الإنجيل(مرّة واحدة):المائدة:47.

2-أهل البيت(مرّتين):هود:73،الأحزاب:33.

3-أهل بيت(مرّة واحدة):القصص:12.

4-أهل التّقوى(مرّة واحدة):المدّثّر:56.

5-أهل الذّكر(مرّتين):النّحل:43،الأنبياء:7.

6-أهل القرى(5)مرّات:الأعراف:96،97،98، يوسف:109،الحشر:7.

7-أهل قرية(مرّة واحدة):الكهف:77.

8-أهل الكتاب(31)مرّة.

9-أهل المدينة(3)مرّات:التّوبة:101،120، الحجر:67.

10-أهل مدين(مرّتين):طه:40،القصص:45.

11-أهل المغفرة(مرّة واحدة):المدّثّر:56.

12-أهل النّار(مرّة واحدة):سورة ص:64.

13-أهل هذه القرية(مرّتين):العنكبوت:31،34.

14-أهل يثرب(مرّة واحدة):الأحزاب:13.

و سنركّز البحث في أربعة منها،و هي:أهل البيت، أهل الذّكر،أهل الكتاب،أهل الإنجيل.

الأوّل:أهل البيت:جاء في سورة هود-و هي مكّيّة-بشأن امرأة إبراهيم حين بشّرها اللّه بإسحاق، و كبر عندها أن تلد و هي عجوز،قالوا«أي الملائكة»:

أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73،و أريد به«آل إبراهيم» بما فيهم زوجته.

و جاء في سورة الأحزاب-و هي مدنيّة-بشأن أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.

و يلاحظ أوّلا:أنّ لكلّ من إبراهيم و نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله أهل بيت شرّفوا بعناية خاصّة من اللّه؛فأهل بيت إبراهيم شرّفوا برحمة اللّه و بركاته عليهم،فاختصّوا بأن تلد المرأة منهم و هي عجوز و بعلها شيخ،فأعطوا من الفضل ما لم يؤته غيرهم.و هذا يوافق و يقرّب ما جاء بشأن أهل بيت النّبيّ من الفضل،و هو إذهاب الرّجس عنهم و تطهيرهم.و لا غرو في ذلك فإنّهم ذرّيّة إبراهيم ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ آل عمران:34.

و ثانيا:أهل البيت في الآية الأولى شامل لإبراهيم عليه السّلام،و كذلك في الثّانية شامل للرّسول عليه السّلام، و يعاضده الرّوايات كما سيأتي.

و ثالثا:أهل البيت في الآيتين لا يختصّ بمن يجمعهم بيت و سكن واحد كما لا يختصّ بالزّوجة،بل المتعارف في

ص: 137

مثل هذا التّعبير-و لو تجوّزا-كما قال الرّاغب:أهل بيت الرّجل:من يجمعه و إيّاهم نسب واحد.و هذا يختلف عن قولهم:أهل الرّجل،تعبيرا عن زوجته فقط،بل هو من قبيل قول نوح عليه السّلام: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي. هود:45.

و رابعا:آية التّطهير لها مدلول نظرا إلى السّياق، و مدلول آخر نظرا إلى الرّوايات المتضافرة من طريق الفريقين بأنّها خاصّة بالخمسة الطّاهرة،و هم:النّبيّ و ابنته فاطمة و زوجها عليّ و ابناها الحسن و الحسين عليهم السّلام.و قد تسالم العلماء على صحّة تلك الرّوايات و دلالتها على فضل الخمسة.إلاّ أنّ الشّيعة بل و جماعة من غيرهم استفادوا من الآية و الرّوايات عصمتهم عليهم السّلام،ثمّ ألحقوا بهم سائر الأئمّة،بأدلّة عقليّة و نقليّة بل بعموم لفظها.

و خامسا:قد أطالوا البحث حول الآية في التّفاسير و كتب الإمامة و الفضائل،و لا نريد الخوض فيها،و إنّما نفسّر الآية بحسب السّياق،ثمّ نطبّقها على الرّوايات، آملين الوصول إلى نتيجة جامعة بين المدلولين،لعلّها تفضّ النّزاع و ترفع التّضادّ.

فنقول:

1-إنّ آية التّطهير جزء من آيات تخاطب نساء النّبيّ،و أوّلها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً -إلى أن قال- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب:28-34.

و قبلها و بعدها آيات أخر بشأن أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم منها آية الحجاب وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. الأحزاب:53.

2-و سياق الآيات أنّه تعالى يوصيهنّ بالتّقوى و الطّاعة،و يرغّبهنّ إلى أعمال الخير،و إلى هنا يختصّ بهنّ الخطاب.ثمّ إنّه بعد هذه التّوصيات لهنّ يعمّم الحكم لهنّ و لجميع آل البيت،بأنّه إنّما يريد بذلك تطهير جميع الأسرة النّبويّة من الذّنوب و الآثام.و هذا كما يعظ الرّجل ابنه،ثمّ يقول:إنّما أريد بذلك أن يكون جميع أبنائي و أسرتي مهذّبين ممّا يشين.

3-و هذه الإرادة بالنّسبة إلى الجميع إرادة مشروطة معلّقة على شرطها،فإذا تحقّق الشّرط تحقّقت وجهة الإرادة،و إلاّ فلا.

4-و ليست الإرادة هنا-كما قيل-إرادة تكوينيّة مطلقة لا تتخلّف عن المراد،كقوله: إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82 و إنّما تكون الإرادة كذلك ما لم تقع عقيب الأمر و النّهي،و غير معلّقة على طاعة العباد.و ليس الأمر كذلك في الآية بل هي معلّقة بحسب السّياق على الطّاعة،فهي مثل قوله تعالى في آية الوضوء: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ المائدة:6،فالتّطهير هناك إنّما يثبت لمن توضّأ و اغتسل دون غيره.

5-و الإرادة الإلهيّة ثلاثة أنواع في القرآن:تكوينيّة مطلقة،و تشريعيّة،و تكوينيّة مشروطة بالطّاعة،كما أنّ

ص: 138

التّشريعيّة بدورها نوعان:مطلقة و مشروطة-لاحظ «رود»-و الإرادة هنا،أي في آية التّطهير من القسم الأخير،أي التّكوينيّة المشروطة،فلا يحكم بوقوعها إلاّ بعد العلم بتحقّق شرطها.

6-و ليس في الآية ما يرشدنا إلى تحقّق هذا الشّرط، بل غاية مفهومها أنّ التّطهير بأيّ معنى كان يثبت في أهل البيت إذا ثبت منهم العمل بتلك التّوصيات الّتي وصّى بها نساء النّبيّ.فالآية بنفسها لا تثبت الطّهارة و العصمة بالفعل،لا في أزواج النّبيّ و لا في أهل بيته،و إنّما تثبت حكما معلّقا مشروطا،هذا بالنّسبة إلى سياق الآية.

7-و أمّا الرّوايات-و هي كثيرة-فترشدنا إلى أنّ تلك التّوصيات تمّت و كملت في هؤلاء الخمسة فحسب، فالطّهارة عن الرّجس خاصّة بهم لا تتعدّاهم إلى غيرهم.

8-و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حينما جمع هؤلاء تحت«العباء»تاليا آية التّطهير،إنّما أراد أن ينبّه المسلمين بأنّ هؤلاء هم الّذين جرت إرادة اللّه بطهارتهم عن الرّجس،و الّذين طهّرهم اللّه تطهيرا لاجتماع تلك الشّروط فيهم.و قد أصرّ صلّى اللّه عليه و آله في مواقف أخرى تثبيتا لذلك،لئلاّ يلتبس الأمر على النّاس،و يدّعي بعض أزواجه أنّها من أهل البيت الّذين أذهب اللّه الرّجس عنهم،بحجّة كونها في زمرة المخاطبين بالآيات.و قد جاء في بعض تلك الرّوايات أنّ أمّ سلمة-و قد جرت واقعة«العباء»في بيتها-قالت له:أنا منكم،فقال النّبيّ:«إنّك على خير، و لست منّا»و قد روي مثلها عن عائشة،و يشهد بذلك أنّ واحدة من أمّهات المؤمنين،لم تدّع دخولها تحت آية التّطهير.

9-و بذلك صحّ إطلاق القول بأنّ آية التّطهير نزلت بشأن أهل البيت،لأنّها و إن كانت مطلقة و لكنّها جرت فيهم فقط.

10-و ما قلناه لا يبعد في الغاية عن قول الآخرين في أنّها إرادة تكوينيّة مطلقة خاصّة بالخمسة الطّاهرة،و أنّ الآية منفصلة عمّا قبلها و ما بعدها.فمآل الوجهين واحد، و هو اختصاص العصمة بهم.إلاّ أنّ في هذا الوجه احتفاظا لنظم الآية و اتّصال بعضها ببعض دون ذاك.

11-و أمّا احتمال نقل الآية عن محلّها كما صدر عن البعض فلا يليق بعصمة القرآن عن التّحريف،و لا يرضى به حملة القرآن،و في طليعتهم أهل البيت عليهم السّلام.

الثّاني:أهل الذّكر،و قد جاء في آيتين:

1- وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ* ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ. الأنبياء:7-9

2- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ. النّحل:43،44

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين مكّيّتان،جاءتا في سياق واحد،و هو أنّه تعالى ما أرسل قبل النّبيّ إلاّ رجالا أوحى إليهم،فأمر النّاس أن يسألوا عن ذلك أهل الذّكر إن كانوا لا يعلمون.و بملاحظة السّياق فقد فسّر أكثر المفسّرين أهل الذّكر بأهل الكتاب،لأنّهم الّذين أرسلت إليهم الأنبياء،و هم الّذين يعرفون هؤلاء الأنبياء.

ص: 139

ثانيا:لا يوهن هذا القول سوى أمرين:

1-الاستبعاد بأن يقال:كيف يرجع النّاس إلى هؤلاء المبطلين الكاذبين؟ألا يخاف منهم أن يضلّوهم؟

2-أنّه قد فسّر أهل الذّكر في جملة من الرّوايات بآل البيت عليهم السّلام.

و الجواب عن الأوّل أنّ الاستبعاد في غير محلّه،فإنّ الأمر بسؤال أهل الكتاب ليس غريبا في القرآن،فقد جاء فيه:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ. يونس:94

وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا (أي أتباع من أرسلنا) مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ.

الزّخرف:45

وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ. الأعراف:163

فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً. الإسراء:101

سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ.

البقرة:211

و يجري هذا المجرى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ -إلى أن قال-: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ الأحقاف:

10. أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:197،هذا إضافة إلى أنّ المشركين بمكّة كانوا ينكرون إرسال الرّسل،و أنّه تعالى لم يرسل رسولا،و أنّه لو أراد أن يرسل رسولا لأرسل ملكا،و بهذا المضمون كثير في القرآن،فإرجاع هؤلاء إلى أهل الكتاب-و كانوا يوم ذاك قاطنين في يثرب أو غيرها،و لم تقع بينهم و بين النّبيّ مواجهة و لاعداء-لا ضير فيه،فالمشركون لو سألوهم ما أنكروا أنّه قد بعث إليهم الرّسل من البشر، و كان قولهم-باعتبارهم من أهل الخبرة-حجّة على المشركين.و إنّما يستبعد الاعتماد على قولهم بعد الهجرة حينما تحقّقت و ترسّخت الخصومة بينهم و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين.

و الحاصل أنّ ذلك كان حجاجا على المشركين المنكرين لبعث الرّسل في بدء البعثة،و ليس أمرا بتعلّم النّاس أحكام دينهم من أهل الكتاب الّذين خاصموا النّبيّ بعد الهجرة.

و الجواب عن الثّاني أنّ تفسير أهل الذّكر بآل البيت في الرّوايات،لا يمنع عن حمل الآيتين حسب السّياق على ما قلنا،إذ هو تأويل لأهل الذّكر بماله من المعنى العامّ المرشد إلى ما في لبّ كلّ عاقل من«رجوع الجاهل إلى العالم»،ثمّ تطبيق هذه القاعدة على أظهر المصاديق،و هم آل البيت عليهم السّلام.فالرّوايات لا شكّ أنّها تأويليّة، و التّأويل يرد تارة بالتّعميم في المفهوم و أخرى بالتّخصيص،و كلاهما لوحظ في تلك الرّوايات، و لا يصادم التّأويل التّنزيل أبدا،فإنّ التّنزيل يدور مدار النّصّ و السّياق،و التّأويل يحوم حوم ما يستشفّ و يستوحى من الكلام.

ص: 140

ثالثا:هناك قول بأنّ المراد من أهل الذّكر أهل القرآن،استنادا إلى إطلاق الذّكر على القرآن في جملة من الآيات،حتّى صار الذّكر من أسماء القرآن-لاحظ ذ ك ر- فقد جاء تلو آية النّحل 44: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.

و جاء تلو آية الأنبياء: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. الأنبياء:10

و هذا القول أيضا لا يناسب السّياق،إلاّ باعتساف نوع من التّأويل تعميما و تخصيصا.

الثّالث:أهل الكتاب،و قد جاء في آيات كثيرة، منها 12 آية خطاب لهم:

1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ... آل عمران:64

2- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

آل عمران:65

3- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. آل عمران:70

4- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. آل عمران:71

5- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ. آل عمران:98

6- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ. آل عمران:99

7- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ. (النساء:171

8- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ. المائدة:15

9- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (المائدة:19

10- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّهِ... المائدة:59

11- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ.

المائدة:68

12- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ. المائدة:77

13- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ.

البقرة:105

14- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ... البقرة:109

15- وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَ ما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ. آل عمران:69

16- وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي

ص: 141

أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. آل عمران:72

17- وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

آل عمران:75

18- وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ. آل عمران:110

19- مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. آل عمران:113

20- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. آل عمران:199

21- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً. النّساء:123

22- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً. النّساء:153

23- وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً.

النّساء:159

24- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأَدْخَلْناهُمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ. المائدة:65

25- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

العنكبوت:46

26- وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً. الأحزاب:26

27- لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. الحديد:29

28- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ الحشر:2

29- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. الحشر:11

30- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. البيّنة:1 و 2

31- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ.

البيّنة:6

يلاحظ أوّلا:أنّ«أهل الكتاب»جاء(31)مرّة في تسع سور،كلّها مدنيّة سوى سورة العنكبوت،فهي مكّيّة عندهم،و هي آخر ما نزل بمكّة على قول ابن

ص: 142

عبّاس، (1)و لكن يرجّح كونها مكّيّة الاّ آيتين،هما:

1- وَ لَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ. العنكبوت:11

2- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. العنكبوت:46

و ذلك أنّهم قالوا:كلّ سورة فيها ذكر المنافقين و أهل الكتاب فهي مدنيّة،و فيه بحث،لاحظ المدخل.

ثانيا:جاء«أهل الكتاب»في البقرة مرّتين،و هي أوّل ما نزل بالمدينة عندهم (2)،و جاء في آل عمران و هي ثالث ما نزل بالمدينة بعد البقرة و الأنفال-(12)مرّة.

و يبدو أنّ المواجهة بين المسلمين و أهل الكتاب كانت في ذروتها حين نزولها،و ذلك بعد غزوة أحد في العام الثّالث بعد الهجرة،ثمّ تنازلت،فجاء في الحشر-و قد نزلت بعد إجلاء بني النّضير عن المدينة في السّنة الرّابعة-مرّة واحدة،و في الأحزاب-و قد نزلت بعد غزوة الأحزاب في العام الخامس-مرّة واحدة أيضا.ثمّ في النّساء-و قد نزلت بعد الأحزاب و الممتحنة حسب ما في«الإتقان»- (4)مرّات،و هكذا جاء مرّة أو مرّتين في سائر السّور،إلاّ المائدة-و هي آخر سورة نزلت على أحد القولين-فجاء فيها(6)مرّات،و هي شاهدة على عودة تلك المواجهات بين المسلمين و أهل الكتاب في آخر حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

هذه هي المسيرة التّاريخيّة للمواجهة بين الفريقين بالإجمال،و أمّا التّفصيل فموكول إلى ملاحظة تفسير تلك السّور مع أخذ السّيرة النّبويّة الشّريفة بنظر الاعتبار.

ثالثا:من هذه الآيات و هي(31)آية-اثنتا عشرة آية كما مرّت بنا-خطاب لأهل الكتاب بلفظ«يا أهل الكتاب»ابتداء بآل عمران(6)مرّات،ثمّ بالنّساء مرّة واحدة،ثمّ المائدة(5)مرّات.و معلوم أنّ توجيه الخطاب إلى أهل الكتاب فيه شيء من الاهتمام بهم و الالتفات إليهم.و ليس في البقرة خطاب«يا اهل الكتاب»،رغم أنّ أوّل مواجهة بين المسلمين و اليهود كانت بعد الهجرة، إلاّ أنّ فيها لفظ«يا بني إسرائيل»ثلاث مرّات بلفظ واحد: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ. البقرة:40،47،122

ثمّ جاءت مرّة واحدة في سورة الصّفّ حكاية عن عيسى عليه السّلام: وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. الصّفّ:6

و مرّة واحدة أيضا في سورة طه: يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى. طه:80،لاحظ (إسرائيل).

رابعا:ما هو المراد بأهل الكتاب؟للفقهاء مفهوم خاصّ حول هذا اللّفظ،حيث يطلقون«أهل الكتاب» على كلّ من له كتاب سماويّ،كاليهود و النّصارى و الصّابئة،أو من له شبهة كتاب كالمجوس،فإنّ لهم ذمّة تراعى،و تقبل منهم الجزية،و لا يقاتلون طمعا في إسلامهم،و هذا بخلاف المشركين،و لا سيّما مشركي العرب،فلا يقبل منهم إلاّ الإسلام دون الجزية.و في مشركي غير العرب خلاف بين فقهاء الإسلام،فلاحظ3.

ص: 143


1- «البرهان في علوم القرآن»للزّركشيّ 1:194.
2- الإتقان 1:43.

ذلك.

أمّا أهل الكتاب في القرآن فإنّ المراد بهم-حسب السّياق في سورة البقرة-اليهود،لأنّ طائفة كثيرة من آياتها موجّهة إليهم،إلاّ أنّ قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:

111،و آيات أخرى،يدلّ على العموم حين النّزول.أمّا في سورة آل عمران فالظّاهر شموله للطّائفتين،ففيها ذكر اليهود و النّصارى،و التّوراة و الإنجيل.و كذلك الأمر في النّساء و المائدة و غيرها،إلاّ في الأحزاب و الحشر،فإنّ المراد بهم يهود بني النّضير،فلاحظ.

خامسا:جاء«أهل الكتاب»في ثلاث من تلك الآيات مشفوعا بالمشركين،و هي الآيات(13)و(30) و(31)،و هو شاهد على أنّ المراد بأهل الكتاب اليهود و النّصارى بل و غيرهما من الطّوائف،أتباع الأنبياء.

الرّابع:أهل الإنجيل،و فيه آية واحدة،و هي:

وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. المائدة:47

و لا ريب أنّ المراد بهم النّصارى الّذين آمنوا بعيسى ابن مريم و بالإنجيل،أمّا اليهود فلم يؤمنوا بعيسى و بإنجيله.و هاهنا سؤال يثار،و هو هلاّ قال تعالى:أهل التّوراة؟مع أنّه تحدّث عن التّوراة و أهلها،و هم بنو إسرائيل و اليهود في آيات ربّما تزيد على مائة و خمسين، منها حوالي مائة آية في سورة البقرة وحدها.و أيضا هلاّ قال أهل القرآن؟

و الجواب أنّ اللّه أعلم بسرّ كتابه:إلاّ أنّ التّعبير عن النّصارى عامّة أو عن طائفة منهم تلتزم بما جاء في الإنجيل،لهو شرف لهم،و أيّ شرف،دون شكّ.

و يجري هذا التّخصيص لأتباع عيسى عليه السّلام مجرى ما خصّه اللّه به من أنّه ولد بلا أب و أنّه أيّده بروح القدس و غيرهما من الآيات.

ص: 144

أ و ب

اشارة

8 ألفاظ،17 مرّة:14 مكّيّة،3 مدنيّة

في 8 سور:6 مكّيّة،2 مدنيّتين

مأب 5:4-1 إيابهم 1:1

المأب 1:-1 اوّبى 1:1

مآبا 2:2 اوّاب 5:5

مآب 1:-1 للاوّابين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: يقال:آب فلان إلى سيفه،أي ردّ يده إلى سيفه.و آب الغائب يئوب أوبا،أي رجع.

و الأوب:ترجيع الأيدي و القوائم في السّير،و الفعل من ذلك:التّأويب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأوب في قولك:جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ وجه و ناحية.

و المؤاوبة:تباري الرّكاب في السّير.

و التّأويب:من سير اللّيل؛أوّبت الإبل تأويبا، و التّأويبة:مرّة لا غير.و يقال:التّأويب:سير النّهار إلى اللّيل.

و تقول:لتهنك أوبة الغائب،أي إيابه و رجوعه.

و المآب:المرجع.

و المتأوّب:الجيّد الأوب،أي سريع الرّجوع.

و آبت الشّمس إيابا،إذا غابت في مآبها،أي مغيبها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و مآبة البئر:حيث يجتمع إليه الماء في وسطها،و هي المثابة أيضا.(8:416)

سيبويه: قالوا:آبت الشّمس إيابا،و قال بعضهم:

أءوبا،كما قالوا:الغئور و السّئور،و نظيرها من غير المعتلّ:الرّجوع.(4:51)

ابن شميّل: المؤوّبة:الشّمس،و تأويبها ما بين المشرق و المغرب،تدأب يومها و تؤوب المغرب.

(ابن فارس 1:154)

أبو عمرو الشّيبانيّ:التّأويب:أن يسير النّهار

ص: 145

و ينزل اللّيل.(الأزهريّ 15:608)

مثله الثّعالبيّ.(204)

الفرّاء: يقال:آب الغائب يئوب إيابا و أوبة، و أيبة،و مآبا،إذا رجع.(الأزهريّ 15:607)

أبو عبيدة:التّأويب هو سير النّهار،و الإسآد:سير اللّيل،لا تعريس فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

(المبرّد 2:63)

هو سريع الأوبة،أي الرّجوع.و قوم يحوّلون الواو ياء،فيقولون:سريع الأيبة.(الأزهريّ 15:609)

الأصمعيّ: أوّبت الإبل،إذا روّحتها إلى مباءتها.

و يقال:تأوّبني،أي أتاني ليلا.(ابن فارس 1:153)

أبو زيد: يقال:آبك اللّه،أي أبعدك اللّه،دعاء عليه، و ذلك إذا أمرته بخطّة فحصاك،ثمّ وقع فيما يكره،فأتاك فأخبرك بذلك،فعند ذلك تقول له:آبك اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:609)

تأوّبت،إذا جئت أوّل اللّيل،فأنا متأوّب و متأيّب.(الجوهريّ 1:89)

اللّحيانيّ: ما زال ذلك أوبه،أي عادته و هجّيراه (1).(ابن منظور 1:220)

أبو عبيد: يسمّى مخرج الدّقيق من الرّحى:المآب، لأنّه يئوب إليه ما كانت تحت الرّحى.

(ابن فارس 1:154)

ابن الأعرابيّ: يقال أنا عذيقها المرجّب و حجيرها المؤوّب؛المؤوّب:المدوّر المقوّر الململم،و كلّها أمثال.

و الأوب:رجع الأيدي و القوائم في السّير.[ثمّ استشهد بشعر]

و المؤاوبة:تباري الرّكب في السّير.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:608)

ابن السّكّيت: يقال:أتانا إيابا،إذا جاء ليلا،و أتانا تأويبا،و أتانا طروقا.(إصلاح المنطق:427)

أبو حاتم: كان الأصمعيّ يفسّر الشّعر الّذي فيه ذكر«الإياب»أنّه مع اللّيل،و يحتجّ بقوله:

*تأوّبني داء مع اللّيل منصب*

و كذلك يفسّر جميع ما في الأشعار.

فقلت له:إنّما«الإياب»الرّجوع،أيّ وقت رجع، تقول:قد آب المسافر،فكأنّه أراد أن أوضّح له،فقلت:

قول عبيد:

و كلّ ذي غيبة يئوب و غائب الموت لا يئوب

أ هذا بالعشيّ؟فذهب يكلّمني فيه،فقلت:فقول اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،أ هذا بالعشيّ؟ فسكت.و لكنّ أكثر ما يجيء على ما قال،رحمنا اللّه و إيّاه.

(ابن فارس 1:153)

التّأويب:أن يسير النّهار أجمع،ليكون عند اللّيل في منزله.[ثمّ استشهد بشعر](أبو هلال:251)

شمر: كلّ شيء يرجع إلى مكانه فقد آب يئوب إيابا،إذا رجع.(الأزهريّ 15:607)

أبو مالك: أوّب القوم تأويبا،أي ساروا بالنّهار.

و أسأروا،إذا ساروا باللّيل.(الأزهريّ 15:608)

المبرّد: المتأوّب:الّذي يأتيك لطلب ثأره عندك؛ يقال:آب يئوب،إذا رجع.و التّأويب في غير هذا:

السّير في النّهار بلا توقّف.(1:95)نه

ص: 146


1- أي دأبه و شأنه

و مؤوّبة«مفعّلة»من التّأويب،و هو سير النّهار، لا تعريج فيه.(2:63)

ثعلب: أوّب الأديم:قوّره.(ابن منظور 1:221)

الزّجّاج: مآبة البئر و مثابتها:حيث يجتمع إليه الماء فيها.(الأزهريّ 15:609)

ابن دريد: يقال:آب الرّجل يئوب إيابا،إذا رجع إلى مستقرّه.

و المآب:المرجع،و الأوب:الرّجوع،و آب الهمّ إيابا، و كلّ راجع مع اللّيل فهو آئب.[ثمّ استشهد بشعر] و يقال:جاء القوم من كلّ أوب،أي من كلّ وجه.

(1:170)

التّأويب:السّير من غدوة إلى اللّيل.(3:506)

آب يئوب أوبا و إيابا:إذا رجع.و لا يكون «الإياب»إلاّ أن يأتي أهله ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و المآبة و المآب:المرجع،و رجل أوّاب:راجع عن ذنبه،الأوبة:الرّجوع.

و تقول العرب للرّجل إذا قدم من سفر:أوبة و طوبة،أي أبت إلى عيش طيّب،أو مآب طيّب.

(3:212)

القاليّ: *قد حال دون دريسيه مؤوّبة*

مؤوّبة:ريح جاءت مع اللّيل.(1:39)

نحوه ابن برّي.(ابن منظور 1:221)

الأزهريّ: قال أهل اللّغة:الأوّاب:الرّجّاع الّذي يرجع إلى التّوبة و الطّاعة،من آب يئوب،إذا رجع،قال اللّه تعالى: لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:32.

تأوّبه منها عقابيل،أي راجعه.

يقال للرّجل يرجع باللّيل إلى أهله:قد تأوّبهم و ائتابهم،فهو مؤتاب و متأوّب.

و التّأويب في كلام العرب:مسير النّهار كلّه إلى اللّيل،يقال:أوّب يؤوّب تأويبا.(15:608)

الجوهريّ: يقال:جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ ناحية.و آب،أي رجع،يئوب أوبا و أوبة و إيابا.

و الأوّاب:التّائب،و المآب:المرجع،و ائتاب مثل آب،فعل و افتعل بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان سريع الأوبة.و قوم يحوّلون الواو«ياء» فيقولون:سريع الأيبة.

و آبت الشّمس:لغة في غابت.

و الأوب:سرعة تقليب اليدين و الرّجلين في السّير.

[ثمّ استشهد بشعر]

تقول منه:ناقة أءوب على«فعول».

و التّأويب:أن تسير النّهار أجمع و تنزل اللّيل.

و يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبأ:10،أي سبّحي،لأنّه قال: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ص:18.

و أبت إلى بني فلان و تأوّبتهم،إذا أتيتهم ليلا.

(1:89)

ابن فارس: الهمزة و الواو و الباء أصل واحد،و هو الرّجوع،ثمّ يشتقّ منه ما يبعد في السّمع قليلا،و الأصل واحد.

و الفعل منه التّأويب،و لذلك يسمّون سير النّهار تأويبا،و سير اللّيل إسآدا.و الفعلة الواحدة تأويبة.

و التّأويب:التّسبيح في قوله تعالى: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... سبأ:10.

ص: 147

و المآب:المرجع.قال أبو زياد:أبت القوم،أي إلى القوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جاءوا من كلّ أوب،أي ناحية و وجه،و هو من ذلك أيضا.

و الأوب:النّحل.قال الأصمعيّ:سمّيت لانتيابها المباءة،و ذلك أنّها تؤوب من مسارحها،و كأنّ واحد الأوب:آئب،كما يقال:آبك اللّه:أبعدك اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:152)

أبو هلال: الفرق بين الرّجوع و الإياب:أنّ «الإياب»هو الرّجوع إلى منتهى المقصد،و«الرّجوع» يكون لذلك و لغيره،أ لا ترى أنّه يقال:رجع إلى بعض الطّريق،و لا يقال:آب إلى بعض الطّريق.و لكن يقال إن حصل في المنزل،و لهذا قال أهل اللّغة:التّأويب أن يمضي الرّجل في حاجته ثمّ يعود فيثبت في منزله.

و قال أبو حاتم رحمه اللّه: التّأويب أن يسير النّهار أجمع ليكون عند اللّيل في منزله،و أنشد:

البايتون قريبا من بيوتهم

و لو يشاءون آبوا الحيّ أو طرقوا

و هذا يدلّ على أنّ«الإياب»الرّجوع إلى منتهى القصد،و لهذا قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ... الغاشية:

25،كأنّ القيامة منتهى قصدهم،لأنّها لا منزلة بعدها.(250)

الهرويّ: التّأويب:سير النّهار،يقال:بيني و بينه ثلاث مآوب،أي ثلاث رحلات بالنّهار.

و في الحديث:«كان طالوت أيّابا»تفسيره في الحديث،أي سقّاء.(1:106)

ابن سيدة: الأوبة:آب يئوب أوبا و أوبة و إيابا و مآبا:رجع.و إلى اللّه رجع عن ذنبه و تاب،فهو آئب، و هو أوّاب،للمبالغة.(الإفصاح 2:1282)

الطّوسيّ: المآب:المرجع،من آب يئوب أوبا و إيابا و أوبة و مآبا،إذا رجع.و تأوّب تأوّبا،إذا ترجّع، و أوّبه تأويبا،إذا رجّعه.و أصل الباب الأوب:الرّجوع.

(2:412)

الرّاغب: الأوب:ضرب من الرّجوع،و ذلك أنّ «الأوب»لا يقال إلاّ في الحيوان الّذي له إرادة، و«الرّجوع»يقال فيه و في غيره؛يقال:آب أوبا و إيابا و مآبا.قال اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ... الغاشية:25، و قال: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً... النّبأ:39.

و المآب:مصدر منه،و اسم الزّمان و المكان،قال اللّه تعالى: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ... آل عمران:14.

و الأوّاب كالتّوّاب و هو الرّاجع إلى اللّه تعالى،بترك المعاصي و فعل الطّاعات،قال تعالى: أَوّابٍ حَفِيظٍ...

ق:32،و قال: إِنَّهُ أَوّابٌ... ص:44،و منه قيل للتّوبة:أوبة.

و التّأويب يقال في سير النّهار.و قيل:

*آبت يد الرّامي إلى السّهم*

و ذلك فعل الرّامي في الحقيقة،و إن كان منسوبا إلى اليد.و لا ينقص ما قدّمناه من أنّ ذلك رجوع بإرادة و اختيار،و كذا ناقة أووب:سريعة رجع اليدين.

(1:30)

الزّمخشريّ: تهنئك أوبة الغائب.و فلان أوّاه أوّاب توّاب،أي رجّاع إلى التّوبة.

ص: 148

و آبت الشّمس:غابت،و في الحديث:«شغلونا عن الصّلاة الوسطى حتّى آبت الشّمس،ملأ اللّه قلوبهم نارا».

و غابت الشّمس في مآبها،أي في مغربها.

و آب بيده إلى سيفه ليستلّه،و إلى سهمه ليرمي به، و إلى قوسه لينزع فيها.

و أوّبوا تأويبا:ساروا النّهار كلّه.و لهم إسآد و تأويب.و ما أعجب أوب يديها،أي رجعهما في السّير.

و يقال للمسرع في سيره:الأوب أوب نعامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا كلام ليس له آئبة و لا رائحة،أي مرجوع و فائدة.

و أبت بني فلان،و تأوّبتهم:جئتهم ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و آبك ما رابك،دعاء سوء.و تقول لمن أمرته بخطّة فعصاك ثمّ وقع فيما يكره:آبك،أي آبك ما تكره.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ وجه و مرجع.

و رمينا أوبا أو أوبين و هو الرّشق،و هما شاطئا الوادي و أوباه.

و كنت على صوب فلان و أوبه،أي على طريقته و وجهه.و ما يدرى في أيّ أوب هو.و ما زال هذا أوبه،أي طريقته و عادته.(أساس البلاغة:12)

ابن الشّجريّ:الأوب:جماعة النّحل،و قيل:

الأوب:الرّيح.(2:33)

ابن الأثير: فيه:«صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال».الأوّابين:جمع أوّاب،و هو الكثير الرّجوع إلى اللّه تعالى بالتّوبة.و قيل:هو المطيع،و قيل:المسبّح،يريد صلاة الضّحى عند ارتفاع النّهار و شدّة الحرّ،و قد تكرّر ذكره في الحديث.

و منه دعاء السّفر:«توبا توبا لربّنا أوبا»أي توبا راجعا مكرّرا،يقال منه:آب أوبا فهو آئب.

و منه الحديث الآخر:«آئبون تائبون»و هو جمع سلامة لآئب،و قد تكرّر في الحديث.

و جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ مآب و مستقرّ.

و منه حديث أنس رضي اللّه عنه:«فآب إليه ناس»أي جاءوا إليه من كلّ ناحية.

و فيه:«شغلونا عن الصّلاة حتّى آبت الشّمس»أي غربت،من الأوب:الرّجوع،لأنّها ترجع بالغروب إلى الموضع الّذي طلعت منه،و لو استعمل ذلك في طلوعها لكان وجها،لكنّه لم يستعمل.(1:79)

الصّغانيّ: الأوب:السّحاب،و الأوب:الرّيح.

و الأوب:جماعة النّحل.[ثمّ استشهد بشعر]

و رمينا أوبا أو أوبين،أي رشقا أو رشقين.و يقال:

بيني و بينه ثلاث مآوب،أي ثلاث رحلات بالنّهار.

و آب فلان يده إلى سيفه،أي مدّ يده إليه ليستلّه.

و ناقة أءوبة:سريعة.

و الأوبات:القوائم،الواحدة:أوبة.و الآئبة:شربة القائلة.

و مآبة البئر:مجتمع مائها.

و أوب،أي غضب،و أوأبه،أي أغضبه.(1:67)

ابن منظور: آب إلى الشّيء:رجع،يئوب أوبا و إيابا و أوبة و أيبة،على المعاقبة،و إيبة بالكسر:رجع.

ص: 149

و رجل آئب من قوم أوّاب و أيّاب و أوب،الأخيرة اسم للجمع،و قيل:جمع آئب.و أوّبه إليه،و آب به، و قيل:لا يكون«الإياب»إلاّ الرّجوع إلى أهله ليلا.

و الآئبة:أن ترد الإبل الماء كلّ ليلة.

و رمى أوبا أو أوبين،أي وجها أو وجهين.

و الأوب:القصد و الاستقامة.(1:217-220)

الفيّوميّ: آب من سفره يئوب أوبا و مآبا:رجع، و الإياب:اسم منه،فهو آئب.

و آب إلى اللّه تعالى:رجع عن ذنبه و تاب،فهو أوّاب مبالغة.

و آبت الشّمس:رجعت من مشرقها فغربت.

و التّأويب:سير اللّيل.

و جاءوا من كلّ أوب معناه من كلّ مرجع،أي من كلّ فجّ.(1:28)

الفيروزآباديّ: الأوب و الإياب و يشدّد،و الأوبة و الأيبة و الإيبة و التّأويب و التّأييب و التّأوّب:

الرّجوع.

و الأوب:السّحاب،و الرّيح،و السّرعة،و رجع القوائم في السّير،و القصد،و العادة و الاستقامة،و النّحل، و الطّريق،و الجهة،و ورود الماء ليلا.و جمع آئب كالأوّاب و الأيّاب.

و آبه اللّه:أبعده،و آبك و آب لك مثل ويلك.

و آبت الشّمس إيابا و أيوبا:غابت.

و تأوّبه و تأيّبه:أتاه ليلا،و المصدر المتأوّب و المتأيّب،و ائتببت الماء:وردته ليلا.

و أوب كفرح:غضب،و أوأبته (1).

و التّأويب:السّير جميع النّهار،أو تباري الرّكاب في السّير كالمؤاوبة.و ريح مؤوّبة:تهبّ النّهار كلّه.

و الآئبة:شربة القائلة.[و هي نصف النّهار]

و المؤوّب:المدوّر و المقوّر الململم.و منه«أنا حجيرها المؤوّب و عذيقها المرجّب».

و المآب:المرجع و المنقلب.و بينهما ثلاث مآوب:

ثلاث رحلات بالنّهار.

و الأوبات:القوائم،واحدتها:أوبة.(1:38)

الطّريحيّ: و في الحديث:«ثمان ركعات الزّوال تسمّى صلاة الأوّابين»يعني الكثيرين الرّجوع إلى اللّه تعالى بالتّوبة.و الأوّاب،بالتّشديد:التّائب.

و قوله:«آئبون تائبون»هو جمع آئب.

و أيّوب:من آب يئوب،و هو أنّه يرجع إلى العافية و النّعمة و الأهل و المال و الولد بعد البلاء،كذا في«معاني الأخبار».

قوله:«إنّي بإيابكم من المؤمنين»يريد بذلك الإقرار بالرّجعة،في دولة القائم عليه السّلام.

و آبت الشّمس بالمدّ:لغة في غابت،و منه الحديث:

«لا يصلّى بعد العصر شيئا حتّى تؤوب الشّمس»أي تغيب.

و في الحديث:«طوبى لعبد نؤمة لا يؤبه له»أي لا يبالى به،و لا يحتفل لحقارته.(2:9)

مجمع اللّغة: آب يئوب أوبا و إيابا و مآبا:رجع.

و المآب:مصدر،و اسم زمان،و اسم مكان.

أوّب تأويبا و أيّب:رجّع،فهو أوّاب،و هم أوّابون.ّ.

ص: 150


1- بمعنى:أغضبته،كما ذكره الصّغانيّ.

و الأوّاب:صفة مدح للرّجّاع عن كلّ ما يكرهه اللّه إلى ما يحبّه.(1:67)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أوب أوبا و مآبا:رجع، و أوّب:رجّع و ردّد.و الإياب:العودة.و الأوّاب:التّائب الكثير الرّجوع إلى ربّه،و الجمع:أوّابون.و المآب:المرجع و المنقلب.(1:50)

النّصوص التّفسيريّة

المآب

...ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. آل عمران:14

السّدّيّ: حسن المنقلب،و هي الجنّة.

(الطّبرسيّ 3:205)

أبو عبيدة: (المآب):المرجع،من آب يئوب.

(1:89)

الطّبريّ: يعني حسن المرجع،هو مصدر على مثال «مفعل»،من قول القائل:آب الرّجل إلينا،إذا رجع،فهو يئوب إيابا و أوبة و أيبة و مآبا.غير أنّ موضع الفاء منها مهموز،و العين مبدلة من الواو إلى الألف بحركتها إلى الفتح.

فلمّا كان حظّها الحركة إلى الفتح،و كانت حركتها منقولة إلى الحرف الّذي قبلها،و هو فاء الفعل؛انقلب فصارت ألفا،كما قيل:«قال»فصارت عين الفعل ألفا، لأنّ حظّها الفتح.و المآب،مثل المقال و المعاد و المحال،كلّ ذلك«مفعل»منقولة حركة عينه إلى فائه،فتصير واوه أو ياؤه ألفا،لفتحة ما قبلها.

فإن قال قائل:و كيف قيل: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ و قد علمت ما عنده يومئذ من أليم العذاب و شديد العقاب؟

قيل:إنّ ذلك معنيّ به خاصّ من النّاس،و معنى ذلك:

و اللّه عنده حسن المآب للّذين اتّقوا ربّهم،و قد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية الّتي تليها (1).

فإن قال:و ما(حسن المآب)؟

قيل:هو ما وصفه به جلّ ثناؤه،و هو المرجع إلى جنّات تجري من تحتها الأنهار مخلّدا فيها،و إلى أزواج مطهّرة و رضوان من اللّه.(3:205)

القيسيّ: المآب:وزنه«مفعل»و أصله:مأوب،ثمّ قلبت حركة الواو على الهمزة،و أبدل من الواو ألف،مثل مقال و مكان.(1:129)

مثله أبو البركات(1:194)،و القرطبيّ(4:37).

الطّبرسيّ: يعني حسن المرجع،فالمآب مصدر، سمّي به موضع الإياب.(1:417)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ«المآب»في اللّغة المرجع، يقال:آب الرّجل إيابا و أوبة و أيبة و مآبا،قال اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،و المقصود من هذا الكلام بيان أنّ من آتاه اللّه الدّنيا كان الواجب عليه أن يصرفها إلى ما يكون فيه عمارة لمعاده،و يتوصّل بها إلى سعادة آخرته.ثمّ لمّا كان الغرض التّرغيب في المآب، وصف المآب بالحسن.

فإن قيل:المآب قسمان:الجنّة و هي في غاية الحسن،

ص: 151


1- قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ... آل عمران: 105.

و النّار و هي خالية عن الحسن،فكيف وصف المآب المطلق بالحسن؟

قلنا:المآب المقصود بالذّات هو الجنّة،فأمّا النّار فهي المقصود بالعرض،لأنّه سبحانه خلق الخلق للرّحمة لا للعذاب،كما قال:«سبقت رحمتي غضبي»و هذا سرّ يطّلع منه على أسرار غامضة.(7:212)

نحوه الشّربينيّ.(1:201)

ابن كثير: أي حسن المرجع و الثّواب.(2:19)

العامليّ: هو بمعنى المرجع و المأوى.ما يستفاد منه أنّ النّبيّ و الأئمّة مآب لمحبّيهم من الأوّلين و الآخرين،و أنّ الجنّة مآب لمحبّيهم لأجل حبّهم و ولايتهم،و أنّ النّار مآب لأعدائهم لترك ذلك.

و ظاهر أيضا أنّ كون معنى المآب إلى اللّه،هذا الّذي ذكرناه لك،و يمكن التّأويل بذلك على حسب المناسبة.(69)

الآلوسيّ: أي المرجع الحسن،فالمآب«مفعل»من آب يئوب،أي رجع.و أصله:مأوب،فنقلت حركة الواو إلى الهمزة السّاكنة قبلها،ثمّ قلبت ألفا.و هو اسم مصدر،و يقع اسم مكان و زمان،و المصدر:أوب و إياب.

(3:100)

المصطفويّ: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14،أي الرّجوع الحسن. إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً النّبأ:21،22،مكان الرّجوع لهم. نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:30،شديد الرّجوع و التّوجّه إلى اللّه تعالى. إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ... الغاشية:

25،أي رجوعهم. يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ... سبأ:10 أي رجّعي التّسبيح و الذّكر معه.

ثمّ إنّ الرّجوع إليه باعتبار الانصراف عن عالم المادّة و الظّلمة و الطّبيعة و العلائق،و التّوجّه إلى عالم النّور و الرّوحانيّة و التّجرّد.(1:159)

مآبا

إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً.

النّبأ:21،22

قتادة: أي منزلا و مأوى.(الطّبريّ 30:9)

الثّوريّ: مرجعا و منزلا.(الطّبريّ 30:9)

الطّبريّ: منزلا و مرجعا يرجعون إليه،و مصيرا يصيرون إليه يسكنونه.(30:9)

الطّوسيّ: أي مرجعا،و هو الموضع الّذي يرجع إليه.فكأنّ المجرم قد كان بإجرامه فيها ثمّ رجع إليها، و يجوز أن يكون كالمنزل الّذي يرجع إليه.(10:243)

الفخر الرّازيّ: أي مصيرا و مقرّا.(31:13)

الطّباطبائيّ: المآب:اسم مكان من الأوب،بمعنى الرّجوع.و العناية في عدّها مآبا للطّاغين أنّهم هيّئوها مأوى لأنفسهم،و هم في الدّنيا،ثمّ إذا انقطعوا عن الدّنيا آبوا و رجعوا إليها.(20:167)

و بهذا المعنى جاء(مآبا)في سورة النّبأ:39.

ايابهم

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ. الغاشية:25

ابن عبّاس: الإياب:الرّجوع.(بنت الشّاطئ:404)

ص: 152

الفرّاء:هو بتخفيف الياء،و التّشديد فيه خطأ.(الأزهريّ 15:609)

الزّجّاج: قرئ إيّابهم بالتّشديد،و هو مصدر:أيّب إيّابا،على معنى:فيعل فيعالا،من آب يئوب.و الأصل:

إيوابا،فأدغمت الياء في الواو،و انقلبت الواو إلى الياء، لأنّها سبقت بسكون.(الأزهريّ 15:609)

نحوه الطّوسيّ.(10:339)

ابن خالويه: (إياب)نصب ب(إنّ)و الهاء و الميم جرّ بالإضافة،أي رجوعهم،و المصدر:آب يئوب إيابا فهو آئب.(72)

القيسيّ: قرأه أبو جعفر: (ايابهم) بتشديد الياء، و فيه بعد،لأنّه مصدر آب يئوب إيابا.و أصل الياء واو، و لكن قلبت ياء لانكسار ما قبلها،و كان يلزم من شدّد أن يقول:اوّابهم،لأنّه من الواو،أو يقول:ايوابهم،فيبدل من أوّل المشدّد ياء،كما قالوا:ديوان،و أصله:دوّان.

(2:473)

الزّمخشريّ: قرأ أبو جعفر المدنيّ (إيّابهم) بالتّشديد،و وجهه أن يكون«فيعالا»مصدر أيّب «فيعل»من الإياب،أو أن يكون أصله:أوّابا«فعّالا»من أوّب،ثمّ قيل:إيوابا،كديوان في دوّان،ثمّ فعل به ما فعل بأصل سيّد و ميّت.

فإن قلت:ما معنى تقديم الظّرف؟

قلت:معناه التّشديد في الوعيد،و أنّ إيابهم ليس إلاّ إلى الجبّار المقتدر على الانتقام.(4:248)

أبو البركات: (إِيابَهُمْ) بتخفيف الياء،آب يئوب إيابا،نحو:قام يقوم قياما،و أصله:إوابا و قواما،إلاّ أنّه أعلّ المصدر لاعتلال الفعل،و قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

و قرئ (إيّابهم) بتشديد الياء،و أنكره أبو حاتم، و قال:لو كان كذلك لوجب أن يقال:إوّاب،لأنّه وزن «فعّال»و لو أراد ذلك لقال:إوّاب كما قالوا:دينار و ديوان و قيراط،و أصلها:دنّار و دوّان و قرّاط،فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

و قال أبو الفتح ابن جنّيّ: يجوز أن يكون أراد إوّابا، إلاّ أنّه قلبت الواو ياء استحسانا طلبا للخفّة لا وجوبا، كقولهم:ما أحيله!و هو من بنات الواو.و قد روي أنّهم قالوا:اجلوّذ اجلياذا،و إن كان المشهور:اجلواذا.و قال أيضا:يجوز أن يكون أو يبت على وزن«فوعلت»نحو:

حوقلت،و جاء مصدره على وزن«الفيعال»نحو الحيقال، فصار«إيوابا»،فاجتمعت الياء و الواو،و السّابق منهما ساكن،فقلبت الواو ياء،و أدغمت الياء في الياء،فصار «إيّابا».(2:510)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (إِيابَهُمْ) بتخفيف الياء مصدر آب،و أبو جعفر و شيبة بشدّها مصدرا،لفعيل من آب على وزن«فيعال»أو مصدرا ك«فوعل»كحوقل على وزن«فيعال»أيضا كحيقال،أو مصدرا ل«فعول» ك«جمهور»على وزن«فعوال»كجهوار،فأصله أوواب، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها و انكسار ما قبلها، و اجتمع في هذا البناء و البناءين قبله واو و ياء و سبقت إحداهما بالسّكون،فقلبت الواو ياء و أدغم،و لم يضع الإدغام من القلب،لأنّ الواو و الياء ليستا عينين من الفعل بل الياء في«فيعل»و الواو في«فعول»زائدتان.[ثمّ

ص: 153

ذكر قول الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و أمّا تشبيه الزّمخشريّ ب«ديوان»فليس بجيّد، لأنّهم لم ينطقوا بها في الوضع مدغمة،فلم يقولوا:دوّان، و لو لا الجمع على«دواوين»لم يعلم أنّ أصل هذه الياء واو.و أيضا فنصّوا على شذوذ«ديوان»فلا يقاس عليه غيره.

و قال ابن عطيّة: و يصحّ أن يكون من«أأوب» فيجيء«إيوابا»سهّلت الهمزة،و كان اللاّزم في الإدغام يردّها«إوّابا»لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس، انتهى.

فقوله:و كان اللاّزم في الإدغام بردّها«إوّابا»،ليس بصحيح،بل اللاّزم إذا اعتبر الإدغام أن يكون«إيّابا»، لأنّه قد اجتمعت ياء و هي المبدلة من الهمزة بالتّسهيل و واو هي عين الكلمة و إحداهما ساكنة،فتقلب الواو ياء و تدغم فيها الياء،فيصير«إيّابا».(8:465)

الآلوسيّ: إياب:مصدر آب،أي رجع،أي إنّ إلينا رجوعهم بالموت و البعث لا إلى أحد سوانا لا استقلالا و لا اشتراكا.و جمع الضّمير فيه و فيما بعده باعتبار معنى (من)كما أنّ إفراده فيما سبق باعتبار لفظها.[ثمّ ذكر مثل ما تقدّم عن أبي حيّان](30:118)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة الصّيغة في القرآن، و معها من المادّة:(مآب)تسع مرّات،و(أوّبي)في سبأ:

10،و(أوّاب)مفردا خمس مرّات،و جمعا في آية الإسراء:35.

و تفسير«الإياب»بالرّجوع،تقريب نلتفت فيه إلى أنّ«الرّجوع»من الكلمات القرآنيّة و قد جاء منه:

(المرجع)ستّ عشرة مرّة،و(الرّجعى)مرّة واحدة،مع استعماله للفعل(رجع)إحدى عشرة مرّة للماضي، و خمسا و خمسين مرّة للمضارع،و ثلاث عشرة للأمر.

فما الفرق بين الرّجوع و الإياب في الاستعمال القرآنيّ؟

لحظ الرّاغب أنّ«الأوب»ضرب من الرّجوع، و ذلك أنّ الأوب لا يقال إلاّ في الحيوان الّذي له إرادة، و الرّجوع يقال فيه و في غيره.و المآب:مصدر منه،و اسم الزّمان و المكان.و الأوّاب كالتّوّاب،و هو الرّاجع إلى اللّه تعالى بترك المعاصي و فعل الطّاعات،و التّأويب يقال في سير النّهار.

لكن ابن الأثير قال في حديث:«شغلنا عن الصّلاة حتّى آبت الشّمس»أي غربت،من الأوب:الرّجوع، لأنّها ترجع بالغروب إلى الموضع الّذي طلعت منه.و لو استعمل ذلك في طلوعها أيضا لكان وجها،لكنّه لم يستعمل.

و نتدبّر سياق الآيات فيهما،فيؤنس إلى قريب ممّا لحظه الرّاغب؛حيث يأتي الإياب و المآب للخلق،أمّا الرّجوع فيأتي الفعل غالبا مسندا إليهم،و إن جاء مسندا إلى الأمر في آية هود:123، وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ و إلى الأمور في آية البقرة:210، وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ... و معها آل عمران:109،و الأنفال:45، و الحجّ:76،و فاطر:4،و الحديد:5.

و نقول مع هذا:إنّ إسناد«الرّجوع»إلى الأمر و الأمور على سبيل المجاز،لا يجعل التّجوّز بعيدا في إسناد «الإياب»إلى الشّمس،بمعنى الرّجوع،في قول الرّاغب.

ص: 154

ثمّ نضيف ملحظا هدى إليه التّدبّر،لسياق الرّجوع و الإياب في البيان القرآنيّ.

كلّ إياب و مآب فيه،إلى اللّه تعالى،و كذلك صيغة:

مرجع و الرّجعى،إليه سبحانه.و لكن«فعل الرّجوع» يأتي في القرآن إلى اللّه تعالى،و يأتي كذلك إلى غيره سبحانه.

الماضي منه جاء مرّة واحدة (إِلى رَبِّي) و عشر مرّات: (إِلَيْهِمْ)، و (إِلى قَوْمِهِمْ)، و (قَوْمِهِ)، و (أَبِيهِمْ)، و (أَنْفُسَهُمْ)، و (طائِفَةٌ مِنْهُمْ)، و (أُمِّكَ)، و (إِلَى الْمَدِينَةِ).

و من المضارع كذلك جاء«الرّجوع»إلى اللّه 32 مرّة،و جاء منه كذلك،إلى غيره تعالى،آيات:

في حديث إبراهيم و الأصنام: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ الأنبياء:58

اِذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ النّمل:28

وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ النّمل:35

يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ سبأ:31

حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى طه:91

لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ يوسف:46

فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ الممتحنة:10

و فعل الأمر جاء إِلى رَبِّكِ الفجر:28، و إِلى رَبِّكَ يوسف:50،و إِلى رَبِّي الصّافّات:

99،و جاء كذلك: اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ... النّمل:37، اِرْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ يوسف:81، وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ الأنبياء:13، وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا النّور:28، يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا الأحزاب:13.

يمكن القول إذن:إنّ الإياب و المآب أخذت دلالة قرآنيّة إسلاميّة خاصّة بالرّجوع إلى اللّه دون سواه، و تفهم آياتهما أنّه المآب الحقّ في الآخرة: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14، إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ الرّعد:36، اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ الرّعد:29، وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49، وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55، إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،على حين بقيت مادّة«الرّجوع»على أصل معناها العامّ،بدلالة العودة.(404)

اوّبى

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ. سبأ:10

ابن عبّاس: سبّحي معه.

مثله مجاهد،و الضّحّاك،و قتادة،و ابن زيد.

(الطّبريّ 22:65)

مثله الحسن(الطّبرسيّ 4:381)،و القمّيّ(2:

199)،و البغويّ(5:232).

الحسن: سيري معه أين سار.(أبو حيّان 7:263)

وهب بن منبّه: المعنى نوحي معه.

(القرطبيّ 14:265)

الفرّاء: اجتمعت القرّاء الّذين يعرفون على تشديد (أوّبى)و معناه سبّحي.و قرأ بعضهم (اوبى) من آب

ص: 155

يئوب،أي تصرّفي معه.(2:355)

أبو عبيدة: مجازه مجاز المختصر الّذي فيه ضمير:

و قلنا جبال اوّبي معه،و التّأويب:أن يبيت في أهله.[ثمّ استشهد بشعر](2:142)

ابن قتيبة: أي سبّحي،و أصله:التّأويب في السّير، و هو أن تسير النّهار كلّه و تنزل ليلا.(353)

الجبّائيّ: معناه سيري معه،فكانت الجبال و الطّير تسير معه أينما سار،و كان ذلك معجزا له.

(الطّبرسيّ 4:381)

الطّبريّ: سبّحي معه إذا سبّح.و التّأويب عند العرب:الرّجوع،و مبيت الرّجل في منزله و أهله.و قد كان بعضهم يقرؤه(اوبى معه)من آب يئوب،بمعنى تصرّفي معه.و تلك قراءة لا أستجيز القراءة بها،لخلافها قراءة الحجّة.(22:65)

السّجستانيّ: سبّحي معه.و التّأويب:سير النّهار كلّه،فكأنّ المعنى سبّحي معه نهارك كلّه،كتأويب السّائر نهاره كلّه.

و قيل:(أوّبى)سبّحي بلسان الحبشة.(151)

الأزهريّ: قرأ بعضهم (يا جبال أوبى معه) فمن قرأ (أَوِّبِي مَعَهُ) معناه رجّعي معه التّسبيح،و من قرأ (اوبى معه) فمعناه عودي معه في التّسبيح كلّما عاد فيه.

(15:607)

الطّوسيّ: معناه أنّه نادى الجبال و أمرها بأن (أَوِّبِي مَعَهُ) أي ارجعي بالتّسبيح معه.

و قيل:معنى(أوّبي)سيري معه حيث شاء،و ليس المعنى إنّ اللّه خاطب الجبال،و هي جماد بذلك،بل المراد أنّه فعل في الجبال ما لو كانت حيّة قادرة لكان يتأتّى منها ذلك.(8:379)

الميبديّ: فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:سيري معه،و كانت الجبال تسير معه حيث شاء إذا أراد،معجزة له.و التّأويب:سير النّهار.

و القول الثّاني:سبّحي معه إذا سبّح،و هو بلسان الحبشة،و كان إذا قرأ الزّبور صوّتت الجبال و أصغت له الطّير.

و القول الثّالث:(أوّبي)أي نوحي معه،و الطّير تساعدك على ذلك.(8:110)

الزّمخشريّ: و قرئ (أَوِّبِي) و (أوبي) من التّأويب و الأوب،أي رجّعي معه التّسبيح،أو ارجعي معه في التّسبيح كلّما رجع فيه،لأنّه إذا رجّعه فقد رجع فيه.

و معنى تسبيح الجبال أنّ اللّه سبحانه و تعالى يخلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشّجرة،فيسمع منها ما يسمع من المسبّح معجزة لداود.

و قيل:كان ينوح على ذنبه بترجيع و تحزين،و كانت الجبال تساعده على نوحه بأصدائها،و الطّير بأصواتها.(3:281)

نحوه الفخر الرّازيّ(25:245)،و البيضاويّ(2:

256)،و النّسفيّ(3:319)،و النّيسابوريّ(22:42).

الطّبرسيّ: و تأويله عند أهل اللّغة:رجّعي معه التّسبيح،من آب يئوب.و يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التّسبيح معجزا له.و أمّا الطّير فيجوز أن يسبّح و يحصل له من التّمييز ما يتأتّى منه

ص: 156

ذلك،بأن يزيد اللّه في فطنته،فيفهم ذلك.

و التّأويب:السّير بالنّهار.و قيل:معناه ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر بئر،و استنباط عين، و استخراج معدن،و وضع طريق.(4:381)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (أَوِّبِي) مضاعف آب يئوب،و معناه سبّحي معه،قاله ابن عبّاس و قتادة و ابن زيد.و قال مؤرّج و أبو ميسرة:(أوّبي)سبّحي بلغة الحبشة،أي يسبّح هو و ترجّع هي معه التّسبيح أي تردّد بالذّكر،و ضعّف الفعل للمبالغة،قاله ابن عطيّة.

و يظهر أنّ التّضعيف للتّعدية فليس للمبالغة؛إذ أصله:آب و هو لازم،بمعنى رجع اللاّزم،فعدّي بالتّضعيف؛إذ شرحوه بقولهم:رجّعي معه التّسبيح.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و أمّا قوله تساعده الجبال على نوحه بأصدائها، فليس بشيء،لأنّ الصّدى ليس بصوت الجبال حقيقة، و اللّه تعالى نادى الجبال و أمرها بأن تؤوب معه،و الصّدى لا تؤمر الجبال بأن تفعله؛إذ ليس فعلا لها،و إنّما هو من آثار صوت المتكلّم على ما يقوم عليه البرهان.

و قرأ ابن عبّاس و الحسن و قتادة و ابن أبي إسحاق (أَوِّبِي) أمر من أوّب،أي رجّعي معه في التّسبيح أو في السّير على القولين.فأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنّثة، لأنّ جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك،و منه:«يا خيل اللّه اركبي»،و منه مَآرِبُ أُخْرى طه:18،و قد جاء ذلك في جميع ما يعقل من المؤنّث،لكن هذا قليل.[ثمّ استشهد بشعر](7:262)

البروسويّ:التّأويب على معنيين:

أحدهما:التّرجيع،لأنّه من الأوب و هو الرّجوع.

و الثّاني:السّير بالنّهار كلّه،فالمعنى على الأوّل رجّعي معه التّسبيح،و سبّحي مرّة بعد مرّة.(7:265)

الطّباطبائيّ: التّأويب:التّرجيع من الأوب بمعنى الرّجوع،و المراد به ترجيع الصّوت بالتّسبيح بدليل قوله فيه في موضع آخر: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ* وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ ص:18،19،و(الطّير)معطوف على محلّ(الجبال)و منه يظهر فساد قول بعضهم:إنّ الأوب بمعنى السّير،و إنّ الجبال كانت تسير معه حيث سار.

و قوله: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... بيان للفضل الّذي أوتي داود،و قد وضع فيه الخطاب الّذي خوطب به الجبال و الطّير فسخّرنا به موضع نفس التّسخير الّذي هو العطيّة،و هو من قبيل وضع السّبب موضع المسبّب، و المعنى سخّرنا الجبال له تؤوب معه و الطّير.و هذا هو المتحصّل من تسخير الجبال و الطّير له،كما يشير إليه قوله: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ* وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ.

(16:362)

اوّاب

1- اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:17

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: الأوّاب:هو الرّجل يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر اللّه تعالى.(الآلوسيّ 23:173)

ابن عبّاس: المسبّح.

ص: 157

مثله مجاهد.(الآلوسيّ 23:173)

مثله سعيد بن جبير(الأزهريّ 15:608)، و السّدّيّ(أبو حيّان 7:390).

(اوّاب):مطيع.(الطّبرسيّ 4:469)

ابن المسيّب: الّذي يذنب ثمّ يتوب،ثمّ يذنب ثمّ يتوب.(الأزهريّ 15:608)

مجاهد: الرّاجع عن الذّنوب.(الطّبريّ 23:136) الرّجّاع إلى طاعة اللّه.

مثله ابن زيد.(أبو حيّان 7:390)

توّاب.

مثله ابن زيد.(الطّوسيّ 8:549)

أي توّاب راجع عن كلّ ما يكره اللّه تعالى إلى كلّ ما يحبّ،من آب يئوب،إذا رجع.

مثله ابن زيد.(الطّبرسيّ 4:469)

نحوه البروسويّ.(8:11)

قتادة: أي كان مطيعا للّه كثير الصّلاة.

(الطّبريّ 23:137)

ابن زيد: التّوّاب الّذي يئوب إلى طاعة اللّه و يرجع إليها،ذلك الأوّاب.و الأوّاب:المطيع.

(الطّبريّ 23:137)

أبو عبيدة: الأوّاب:الرّجّاع و هو التّوّاب،مخرجها من آب إلى أهله،أي رجع.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:179)

نحوه الطّبريّ(23:136)،و النّيسابوريّ(23:81).

الأخفش: الرّاجع إلى الحقّ.(1:400)

ابن قتيبة: التّائب مرّة بعد مرّة.و كذلك التّوّاب، و هو من آب يئوب،أي رجع.(253)

القمّيّ: أي دعّاء.(2:229)

ابن الأنباريّ: في قولهم:«رجل أوّاب»سبعة أقوال:

قال قوم: الأوّاب:الرّاحم.

و قال قوم: الأوّاب:التّائب.

و قال سعيد بن جبير: الأوّاب:المسبّح.

و قال ابن المسيّب: الأوّاب:الّذي يذنب ثمّ يتوب،ثمّ يذنب ثمّ يتوب.

و قال قتادة: الأوّاب:المطيع.

و قال عبيد بن عمير: الّذي يذكر ذنبه في الخلاء، فيستغفر اللّه منه.

و قال أهل اللّغة: الأوّاب:الرّجّاع الّذي يرجع إلى التّوبة و الطّاعة.(الأزهريّ 15:607)

الزّمخشريّ: توّاب رجّاع إلى مرضاة اللّه.

(3:363)

ابن الشّجريّ: من أوب،إذا رجّع صوته بالتّسبيح يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبأ:10،رجّعي معه،أي سبّحي.

و الأوّاب أيضا:التّائب.(1:55)

الفخر الرّازيّ: أي إنّ داود كان رجّاعا في أموره كلّها إلى طاعتي،و الأوّاب«فعّال»من آب،إذا رجع،كما قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،و فعّال:بناء المبالغة،كما يقال:قتّال و ضرّاب،فإنّه أبلغ من قاتل و ضارب.(26:185)

العامليّ: الأوّاب:مفردا و جمعا،فإنّه وارد في مواضع.روى الصّدوق في كتاب ألّفه في«فضائل

ص: 158

الشّيعة»عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث له:«يا عليّ أهل مودّتك كلّ أوّاب حفيظ...»و يظهر منه إمكان تأويل«الأوّاب»بمن ذكر، و يناسبه ما ورد في اللّغة من تفسير«الأوب» بالاستقامة،بل يناسبه سائر معاني«الأوّاب»أيضا، كالتّوّاب،و الرّاجع إلى اللّه،و المطيع،و المسبّح،و غيرها.

(69)

الآلوسيّ: أي رجّاع إلى اللّه تعالى و طاعته عزّ و جلّ.و عن عمرو بن شرحبيل:أنّه المسبّح،بلغة الحبشة.(23:173)

الطّباطبائيّ: الأوّاب:اسم مبالغة من الأوب بمعنى الرّجوع،و المراد به كثرة رجوعه إلى ربّه.(17:189)

2- وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ. ص:19

ابن عبّاس: يعني المطيع،بلغة كنانة و هذيل و قيس و عيلان.(اللّغات في القرآن:40)

قتادة: مسخّرة.(الطّوسيّ 8:550)

الجبّائيّ: لا يمتنع أن يكون اللّه خلق في الطّيور من المعارف ما تفهم به مراده و أمره من نهيه،فتطيعه في ما يريده منها،و إن لم تكن كاملة العقل، و لا مكلّفة.(الطّوسيّ 8:550)

الطّوسيّ: أي رجّاع،إلى ما يريد.(8:550)

نحوه الطّبرسيّ.(4:469)

البروسويّ: رجّاع إلى التّسبيح،إذا سبّح سبّحت الجبال و الطّير معه.

و وضع«الأوّاب»موضع«المسبّح»لأنّها كانت ترجّع التّسبيح،و المرجّع رجّاع لأنّه يرجع إلى فعله رجوعا بعد رجوع.

و الفرق بينه و بين ما قبله و هو (يُسَبِّحْنَ): أنّ (يسبّحن)يدلّ على الموافقة في التّسبيح،و هذا يدلّ على المداومة عليها.

و قيل:الضّمير«للّه»أي كلّ من داود و الجبال و الطّير للّه أوّاب،أي مسبّح مرجّع للّه.(8:13)

الآلوسيّ: استئناف مقرّر لمضمون ما قبله،مصرّح بما فهم منه إجمالا،من تسبيح الطّير.و اللاّم تعليليّة، و الضّمير لداود،أي كلّ واحد من الجبال و الطّير لأجل تسبيحه رجّاع إلى التّسبيح.

و وضع«الأوّاب»موضع«المسبّح»إمّا لأنّها كانت ترجّع التّسبيح،و المرجّع رجّاع لأنّه يرجع إلى فعله رجوعا بعد رجوع.و إمّا لأنّ«الأوّاب»هو التّوّاب الكثير الرّجوع إلى اللّه تعالى،كما هو المشهور،و من دأبه إكثار الذّكر و إدامة التّسبيح و التّقديس.

و قيل:يجوز أن يكون المراد:كلّ من الطّير،فالجملة للتّصريح بما فهم.(23:176)

عزّة دروزة: كلّ مسبّح معه،منقاد و مطيع له.

(2:73)

الطّباطبائيّ: و قوله: كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ استئناف يقرّر ما تقدّمه من تسبيح الجبال و الطّير،أي كلّ من الجبال و الطّير أوّاب،أي كثير الرّجوع إلينا بالتّسبيح، فإنّ التّسبيح من مصاديق الرّجوع إليه تعالى.و يحتمل رجوع ضمير(له)إلى داود عليه السّلام،على بعد.

و لم يكن تأييد داود عليه السّلام في أصل جعله تعالى

ص: 159

للجبال و الطّير تسبيحا،فإنّ كلّ شيء مسبّح للّه سبحانه.

قال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ... الإسراء:44،بل في موافقة تسبيحها لتسبيحه و قرع تسبيحها أسماع النّاس.

(17:190)

و بهذا المعنى جاء لفظ(اوّاب)في سورة ص:30، 44،في أكثر التّفاسير.

3- هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ. ق:32

ابن مسعود: هو الّذي يذكر ذنوبه في الخلوة، فيستغفر اللّه منها.

مثله الشّعبيّ،و مجاهد،و الحكم بن عتيبة.

(القرطبيّ 17:20)

الضّحّاك: أي رجّاع إلى اللّه عن المعاصي ثمّ يرجع و يذنب ثمّ يرجع.(القرطبيّ 17:20)

الفخر الرّازيّ: الأوّاب:الرّجّاع،قيل:هو الّذي يرجع من الذّنوب و يستغفر،و الحفيظ:الحافظ الّذي يحفظ توبته من النّقض.

و يحتمل أن يقال:الأوّاب هو الرّجّاع إلى اللّه بفكره، و الحفيظ الّذي يحفظ اللّه في ذكره،أي رجع إليه بالفكر فيرى كلّ شيء واقعا به و موجدا منه،ثمّ إذا انتهى إليه حفظه بحيث لا ينساه عند الرّخاء و النّعماء.

و الأوّاب و الحفيظ،كلاهما من باب المبالغة،أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ.و فيه وجوه أخر أدقّ، و هو:

أنّ الأوّاب هو الّذي رجع عن متابعة هواه في الإقبال على ما سواه،و الحفيظ هو الّذي إذا أدركه بأشرف قواه لا يتركه فيكمل بها تقواه.و يكون هذا تفسيرا للمتّقي،لأنّ المتّقي هو الّذي اتّقى الشّرك و التّعطيل و لم ينكره،و لم يعترف بغيره.

و الأوّاب هو الّذي لا يعترف بغيره و يرجع عن كلّ شيء غير اللّه تعالى،و الحفيظ هو الّذي لم يرجع عنه إلى شيء ممّا عداه.(28:176)

القرطبيّ: قال عبيد بن عمير:هو الّذي لا يجلس مجلسا حتّى يستغفر اللّه تعالى فيه.و عنه قال:كنّا نحدّث أنّ الأوّاب الحفيظ:الّذي إذا قام من مجلسه قال:سبحان اللّه و بحمده،اللّهمّ إنّي أستغفرك ممّا أصبت في مجلسي هذا.

[إلى أن قال:]

و قال أبو بكر الورّاق: هو المتوكّل على اللّه في السّرّاء و الضّرّاء.

و قال القاسم: هو الّذي لا يشتغل إلاّ باللّه عزّ و جلّ.(17:20)

عزّة دروزة: صيغة مبالغة من الأوبة،و هي الرّجوع.و هنا هي الرّجوع إلى اللّه،و شدّة التّعلّق به.

(2:38)

الاوّابين

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً. الإسراء:25

ابن عبّاس: للمطيعين المحسنين.

(الطّبريّ 15:69)

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 3:410)

ص: 160

المسبّحين.(الطّبريّ 15:69)

الرّاجعون إلى اللّه فيما ينوبهم.(الطّبرسيّ 3:410)

الحفيظ الّذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.

(القرطبيّ 10:247)

إنّ الملائكة لتحفّ بالّذين يصلّون بين المغرب و العشاء،و هي صلاة الأوّابين.(الخازن 4:127)

ابن المسيّب: الّذي يتوب مرّة بعد مرّة،كلّما أذنب بادر بالتّوبة.

نحوه سعيد بن جبير.(الجصّاص 3:197)

الرّجّاع إلى الخير.(الخازن 4:127)

مثله سعيد بن جبير.(الطّبريّ 15:68)

مجاهد: الأوّاب:التّوّاب المتعبّد الرّاجع عن ذنبه.

و روي ذلك عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(الطّبرسيّ 3:410)

قتادة: هم المطيعون،و أهل الصّلاة.

(الطّبريّ 15:69)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من صلّى أربع ركعات في كلّ ركعة خمسين مرّة (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) كانت صلاة فاطمة صلوات اللّه عليها،و هي صلاة الأوّابين.

(العروسيّ 3:153)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل،في تأويل قوله:

فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً فقال بعضهم:هم المسبّحون.

و قال آخرون: هم المطيعون المحسنون.

و قال آخرون: بل هم الّذين يصلّون بين المغرب و العشاء.

و قال آخرون: هم الّذين يصلّون الضّحى.

و قال آخرون: بل هو الرّاجع من ذنبه،التّائب منه.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب:قول من قال:

الأوّاب هو التّائب من الذّنب،الرّاجع من معصية اللّه إلى طاعته،و ممّا يكرهه إلى ما يرضاه،لأنّ الأوّاب إنّما هو فعّال،من قول القائل:آب فلان من كذا،إمّا من سفره إلى منزله،أو من حال إلى حال،فهو يئوب أوبا،و هو رجل آئب من سفره،و أوّاب من ذنوبه.[ثمّ استشهد بشعر]

(15:68-71)

الطّوسيّ: الأوّاب:هو الرّاجع عن ذنبه بالتّوبة.

و أصله:الرّجوع،يقال:آب يئوب أوبا،إذا رجع من سفره.[ثمّ استشهد بشعر](6:468)

الميبديّ: الأوّاب:بمعنى التّائب،و هو الرّاجع إلى اللّه عزّ و جلّ في كلّ ما أمر به،المقلع عن جميع ما نهي عنه.

الأوّابون:هم الّذين إذا قصّروا في حقّ والديهم أو تكلّموا معهم بالخشونة يندمون و يتوبون إلى اللّه و لا يؤاخذهم اللّه بذلك.

و قيل:هم الّذين يصلّون بين المغرب و العشاء.

و قيل:يصلّون صلاة الضّحى.و سمّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صلاة الضّحى:صلاة الأوّابين.(5:543)

الفخر الرّازيّ: أي رجّاعين إلى اللّه،منقطعين إليه في كلّ الأعمال.و سنّة اللّه و حكمه في الأوّلين أنّه غفور لهم يكفّر عنهم سيّئاتهم.و الأوّاب هو الّذي من عادته و ديدنه الرّجوع إلى أمر اللّه تعالى و الالتجاء إلى فضله، و لا يلتجئ إلى شفاعة شفيع،كما يفعله المشركون الّذين يعبدون من دون اللّه جمادا،يزعمون أنّه يشفع لهم.

ص: 161

و لفظ الأوّاب على وزن«فعّال»و هو يفيد المداومة و الكثرة،كقولهم:قتّال و ضرّاب.(20:192)

ابن باديس: الأوّابون في قوله تعالى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً هم الكثير و الرّجوع،و الأوبة في كلام العرب هي الرّجوع.

و التّوبة هي الرّجوع عن الذّنب و لا يكون إلاّ بالإقلاع عنه،و اعتبر فيها الشّرع النّدم على ما فات، و العزم على عدم العود،و تدارك ما يمكن تداركه.فيظهر أنّ الأوبة أعمّ من التّوبة،فتشمل من رجع إلى ربّه تائبا من ذنبه،و من رجع إليه يسأله و يتضرّع إليه أن يرزقه التّوبة من الذّنوب.

فنستفيد من الآية الكريمة سعة باب الرّجوع إلى اللّه تعالى.فإن تاب العبد،فذاك هو الواجب عليه،و المخلّص له بفضل اللّه من ذنبه.و إن لم يتب فليدم الرّجوع إلى اللّه تعالى بالسّؤال و التّضرّع،و التّعرّض لمظانّ الإجابة، و خصوصا في سجود الصّلاة،فقمين إن شاء اللّه تعالى أن يستجاب له.

و جاء لفظ(الأوّابين)جمعا لأوّاب،و هو«فعّال»من أمثلة المبالغة،فدلّ على كثرة رجوعهم إلى اللّه.و أفاد هذا طريقة إصلاح النّفوس بدوام علاجها بالرّجوع إلى اللّه؛ ذلك أنّ النّفوس بما ركّب فيها من شهوة،و بما فطرت عليه من غفلة،و بما عرضت له من شئون الحياة،و بما سلّط عليها من قرناء السّوء من شياطين الإنس و الجنّ، لا تزال،إلاّ من عصم اللّه في مقارفة ذنب،و مواقعة معصية صغيرة أو كبيرة،من حيث تدري و من حيث لا تدري.

و كلّ ذلك فساد يطرأ عليها،فيجب إصلاحها بإزالة نقصه،و إبعاد ضرره عنها.و هذا الإصلاح لا يكون إلاّ بالتّوبة و الرّجوع إلى اللّه تعالى.و لمّا كان طروء الفساد متكرّرا فالإصلاح بما ذكر يكون دائما متكرّرا.و المداومة على المبادرة إلى إصلاح النّفس من فسادها،و القيام في ذلك،و الجدّ فيه،و التّصميم عليه،هو من جهاد النّفس الّذي هو أعظم الجهاد.

و من معنى هذه الآية قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222،و هم الّذين كلّما أذنبوا تابوا،و التّوبة طهارة للنّفس من درن المعاصي.

(110)

الطّباطبائيّ: أي للرّاجعين إليه عند كلّ معصية، و هو من وضع البيان العامّ موضع الخاصّ.و المعنى:إن تكونوا صالحين و علم اللّه من نفوسكم،و رجعتم و تبتم إليه في بادرة ظهرت منكم على والديكم،غفر اللّه لكم ذلك إنّه كان للأوّابين غفورا.(13:81)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الرّجوع و العودة،يقال:

آب يئوب أوبا و أوبة،بمعنى رجع نوع رجوع،و عاد صنف عودة.و قد عرفت العربيّة هذا الجذر باستعماله في الجزء،كقولهم:آب بيده إلى قائم سيفه ليستلّه،و إلى سهمه ليرمي به،و إلى قوسه لينزع فيها،و كذا في الكلّ، كقولهم:آبت الشّمس،و آب الرّجل من سفره.و كلّ ذلك دالّ على نوع من العودة أو الإعادة،و الفرق بينهما-أي بين الجزء و الكلّ-أنّ العودة في الأوّل تتمّ بجزء من

ص: 162

العائد،و في الثّاني تتمّ به كلّه.

2-و يوجد في هذه المادّة تداخل مع مادّة«أ ب ب»، و هذا التّداخل ملحوظ في قولهم:أبّ الرّجل بيده إلى قائم سيفه ليستلّه،كما قالوا:آب.و كذلك نصّهم على الأبّ في بعض تصريفاته يفيد نوعا من الرّجوع و ضربا من العودة،لاحظ«أ ب ب».

لذلك نحتمل أنّ أصل الجذر هو الهمزة و الباء،على منتهى صلة المرء بالعالم،و هو«الأب»الّذي يعود إليه الفرد حين ينسب،ثمّ يتطوّر هذا الجذر ليصير«أ ب ب» بالباء المشدّدة،فيدلّ على الكلأ الّذي تعود إليه الماشية.

ثمّ يتطوّر اللّفظ بفكّ تضعيفه إلى الواو الوسطيّة،فيكون «الأوب»بمعنى الرّجوع النّهائيّ للمرء،و استقراره في مكان أو زمان.و هذه العودة النّهائيّة نسبيّة بحسب معطيات الزّمان.فإذا أريد العودة المحدّدة بزمن،قيل:عاد و رجع،و إذا أريد العودة الطّويلة نسبيّا،استعملت مادّة «الأوب».

3-و يأتي«المآب»و كأنّه محلّ الاستقرار النّهائيّ للمرء،مع أنّ صيغة«مفعل»دالّة على المكان مطلقا،إلاّ أنّ معنى الجذر يظلّ في المادّة إشارة إلى منتهى المصير من حيث المكان،فزادت«المآب»على سائر ما جاء على وزن«مفعل»في دلالتها على الاستقرار النّهائيّ.

4-و نلحظ في هذه المادّة أنّ المنظور فيها هو الموطن الأصليّ،فلا يقال مثلا:آب إلى مكّة،إن لم يكن من أهلها، فإن كان من أهلها،صحّ ذلك القول.هذا على ما هو في أصل اللّغة،فإذا ما خرج عن ذلك،فيعدّ من أبواب المجاز و قضايا البلاغة الأخرى.

الاستعمال القرآنيّ

1-استعمل القرآن هذه المادّة على ما هي عليه في أصل اللّغة،مع زيادة دلاليّة و تصريفيّة،كما سنرى.

فقد ورد فيه لفظ«المآب»9 مرّات،تفيد كلّها الدّلالة على المكان النّهائيّ للمرء،و ذلك بعد حساب يوم القيامة؛حيث دلّ على:

أ-الجنّة:بلفظ (حُسْنُ مَآبٍ) في(5)مواضع:

ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14

اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ الرّعد:29

فَغَفَرْنا لَهُ (أي لداود عليه السّلام) ذلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ ص:25

وَ إِنَّ لَهُ (أي لسليمان عليه السّلام) عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ ص:40

هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49

ب-الجحيم:بلفظ(شر مآب)في موضع واحد:

هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55

و بلفظ(مآبا)في آية واحدة:

إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً

النّبأ:21،22

ج-عموم من غير تحديد أريد به اللّه جلّ و علا في آيتين:

قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ الرّعد:36

فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً النّبأ:39

ص: 163

يلاحظ أوّلا:أنّ سورة(ص)هي سورة المآب، لتكرار اللّفظ فيها(4)مرّات،و تليها سورتا الرّعد و النّبأ مرّتين في كلّ منهما،ثمّ(آل عمران)مرّة واحدة.

ثانيا:في آيات سورة(ص)-بما فيها من نكات بلاغيّة-تقابل لطيف بين المتّقين و الطّاغين:حسن مآب، و شرّ مآب،و كذا في سورة النّبأ.إلاّ أنّ(مآبا)جاء فيها مع(الطّاغين)قبال(مفازا)للمتّقين: لِلطّاغِينَ مَآباً، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً النّبأ:22،31.

و المقابلة بين أهل النّعيم و أهل الجحيم كثيرة في القرآن،و فيها نوع موازنة بين الفريقين،و جمع بين الإنذار و التّبشير،و هو أبلغ في الهداية و الإرشاد.

و ثالثا:جاء التّبشير بلفظ(مآب)خمس مرّات، و الإنذار مرّتين،و هذا يرجّح كفّة الثّواب على العقاب، و الرّحمة على النّقمة،و الفضل على الحساب في صفح ربّ العباد،و يفضّل روح الرّجاء على الخوف و الحرمان في جانب العباد،و هو يواكب ما ثبت أنّ رحمته سبقت غضبه،و أنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا.

و رابعا:العموم من غير تحديد في الأخيرتين (وَ إِلَيْهِ مَآبِ) و (إِلى رَبِّهِ مَآباً)، جاء في موضع التّبشير بالخير أيضا،فضلا عن تلك الخمس،مشيرا إلى الطّموح،أو التّشجيع بالحصول على«المآب»في الآخرة،من غير تصريح بجوهر ذلك المآب.لكنّ المفهوم أنّ«المآب» هاهنا هو الرّجوع إليه سبحانه و تعالى،و الرّجوع إليه ليس له مفهوم إلاّ الجنّة،أو ما هو أسمى منها،و هو الوصول إلى اللّه و رضوانه الّذي هو غاية آمال السّالكين إلى اللّه؛حيث إنّ الكملة لا يطلبون من اللّه إلاّ اللّه،دون الجنّة و النّعيم.

و هذا نظير ما جاء في شأن«المستشهدين»في سبيل اللّه: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169، فإنّهم يصلون إلى الغاية،و يحضرون عند ربّهم، و يجلسون على مائدته من غير حجاب،و أنّ اللّه يضيّفهم عنده و بمحضر منه،لا في جنّة بعيدة و غائبة عنه في حسباننا،و لا يبلغ هذا المقام إلاّ النّبيّون و الصّدّيقون و الشّهداء، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69.

و خامسا:جاء في آل عمران (حُسْنُ الْمَآبِ) و في سائر الآيات (حُسْنُ مَآبٍ)، فما هي العلّة في هذا التّعريف و التّنكير؟و أيّهما أبلغ في أداء المقصود؟

يبدو أنّ التّعريف إشارة إلى الجنّة المعهودة-بما فيها من النّعيم-الّتي تكرّر ذكرها في القرآن،في مقابل ما ذكر في الآية من متاع الدّنيا،فهي من هذه النّاحية تفيد التّعظيم و التّكريم.كما أنّ التّنكير أيضا يفيد التّعظيم من جهة أخرى،حيث يذهب به ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن.و ربّما هناك سرّ آخر يكشفه الرّاسخون في الأدب القرآنيّ.

و بعد التّدبّر توصّلنا إلى أنّ (حُسْنُ الْمَآبِ) في آل عمران روعي فيه الرّويّ؛إذ قبله:النّار،المهاد، الأبصار.و بعده:العباد،النّار،الأسحار،و هكذا،و كلّها جاءت معرّفا بالألف و اللاّم،بلا تنوين.

و الرّويّ في سورة الرّعد قبل (حُسْنُ مَآبٍ): أناب، و بعده:متاب.و كذلك في الآية(20)من سورة(ص)، فقبلها:أناب،و في الآية(40)من نفس السّورة،فقبلها:

(بغير حساب)،و بعدها:عذاب.و في الآية(48)منها

ص: 164

أيضا،فبعدها بآيتين:شراب،و هي في شأن المتّقين؛ حيث قال: هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:

49،و يقابله هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55.

و الرّويّ في كثير من آيات سورة(ص)و إن جاء مع الألف و اللاّم مرّات،إلاّ أنّه جاء أيضا بدون الألف و اللاّم مرّات،و قد روعي فيها التّنكير في لفظ(مآب)دائما، سواء بشأن أهل الجنّة أو أهل النّار.و مثلها سورة الرّعد، حيث جاء فيها الرّويّ بصورتين،إلاّ أنّ(مآب)فيها بدون الألف و اللاّم في الموضعين،و بذلك يعلم أنّ(مآب) في سورة النّبأ قد روعي فيه الرّويّ أيضا في الموضعين.

2-و ورد فيه لفظ«الإياب»-من هذه المادّة-الدّالّ على الرّجوع النّهائيّ في آية واحدة:

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ

الغاشية:25،26

و يلاحظ أنّها أبلغ في التّخويف و الإنذار من ذكر الجحيم و ما فيها؛حيث قارن تعالى الرّجوع إليه بالحساب عليه،مع الإتيان بالجمع بدل المفرد: (إِلَيْنا)، (عَلَيْنا)، إعظاما للأمر،و مثلها كثير في القرآن.

و القرآن يجمع التّخويف و الإرجاء في مثل قوله:

اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. البقرة:156

مع أنّ القرآن صبغ الرّجوع في مثل هذه الآيات بصبغة الإيمان،و لوّنه بلونه،حين عدّ«الإياب»عودة إلى اللّه،لا نزوعا إلى وطن،أو رجوعا إلى زمان،و بذلك صارت العودة النّهائيّة إلى الرّبّ الجليل عودة لا عودة بعدها،و لا رجوع منها.

3-جاء الأمر من هذه المادّة (أَوِّبِي) مرّة واحدة:

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ سبأ:10

يلاحظ أوّلا:أنّه قرئ (أوبي) ،و لم يقبلها بعض المفسّرين.و كيفما يكن الأمر،فإنّ هذا الاشتقاق و دلالته على التّسبيح شيء جديد،لم تألفه العربيّة قبل القرآن، كما لم يذكر في أيّ نصّ من النّصوص الفصيحة الّتي ظهرت بعد القرآن الكريم.و بعبارة أخرى أنّ«التّأويب» -بمعنى التّسبيح و ترجيع الاستغفار و الدّعاء-من الفرائد القرآنيّة الجديدة.

و ثانيا:من الواضح أنّ ترجيع التّسبيح و الاستغفار قد تمّ بتغيير لفظيّ بيّن؛حيث إنّ الفعل لم يكن(أوبي) بسكون الواو،و إنّما بتشديدها،فصار معناه ردّدي و رجّعي،و لو كان ساكن الواو،لجاز قول من قال:إنّها بمعنى عودي و ارجعي،و سيري معه.فلمّا لم يكن كذلك،صحّ رأي اللّغويّين و المفسّرين القائلين:إنّها ترجيع التّسبيح،و يؤيّده قوله تعالى: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ ص:18،فإنّه كالبيان و التّفسير لقوله: يا جِبالُ أَوِّبِي.

و ثالثا:أنّه لم يجئ فعل منها سوى(اوّبى)،و يبدو أنّه -و كذلك(اوّاب)-ممّا أحدثه القرآن في هذه المادّة، زيادة لأصل اللّغة.

4-جاء«الأوّاب»مفردا في خمسة مواضع، و«الأوّابين»جمعا في موضع واحد:

أ-وصفا لداود: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:17

ص: 165

ب-وصفا لسليمان: وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:30

ج-وصفا لأيّوب: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:44

د-وصفا للمتّقين: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:31،32

ه-وصفا للطّير: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ

ص:19

و-وصفا للصّالحين: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً

الإسراء:25

و يلاحظ أوّلا:أنّ«الأوّاب»بصيغة المبالغة،و الجمع «الأوّابون»للّذين يكثرون من الرّجوع إلى المكان، و للّذين يكثرون من الرّجوع إلى اللّه سبحانه و تعالى عن طريق الاستغفار و كثرة الذّكر،و كلّها في شأن الأنبياء و المسبّحين من النّاس،سوى آية وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً، و سنتناولها بالبحث لاحقا.

و نعتقد أنّ القائلين بأنّ المعنى«من يرتكب الذّنب ثمّ يتوب،ثمّ يرتكب الذّنب و يتوب»،و أنّ هذا الصّنف هو المقصود بقوله تعالى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً، قد جانبوا الصّواب.و نميل إلى الاعتقاد بأنّ المقصود أولئك الّذين يكثرون من الاستغفار،باعتباره طريق الأوبة إليه سبحانه،متجنّبين الوقوع في الإثم و الذّنب.و هذا هو مؤدّى اللّفظة من سياقاتها المختلفة،كقوله تعالى: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ، فليس من المعقول أن يكون داود عليه السّلام يكثر من ارتكاب الذّنب،ثمّ يكثر من الاستغفار،و إنّما الأليق ما قلناه.

و ثانيا:قوله: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ أوضح ما قلناه في معنى(اوّاب)؛حيث أنّ الطّير تطير بعيدا عن داود،تشرّق و تغرّب ثمّ تؤوب إليه،فيكثر منها ذلك،فيصير(أوّاب)بمعنى الرّجّاع إلى وطنه،فكان داود عليه السّلام هو الموطن الّذي تحلّه الطّير،فكلّ منها أوّاب له.

و هذا الاستعمال أوضح الاستعمالات السّابقة؛إذ الطّير في طيرانها لم تعص داود،و ذلك بدليل قوله:

(محشورة)،فهي مجموعة مأمورة بطاعته،لذا لا يعدّ جولانها عصيانا،و إنّما هي تتّخذ إلى داود سبيل العودة، و لذلك فهي رجّاعة إليه،و إذا كان رجوعها مادّيّا بجسدها،فإنّ الأوبة إلى اللّه عن طريق الاستغفار أوبة معنويّة لا مادّيّة،مثلها مثل: (أَوِّبِي مَعَهُ) في مخاطبة الجبال.

هذا،و لكنّ قوله: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ عطف على ما قبله: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ، و معناه أنّ الطّير تسبّح للّه، و الضّمير(له)يرجع إلى اللّه لا إلى داود،و هو أحد الوجهين في«الكشّاف»و غيره.و عليه فلا رجوع إلى داود،لا جسميّا و لا معنويّا.و يبدو«الأوّاب»هنا بمعنى المسبّح،فهو تعبير آخر عن تسبيح الجبال و الطّير.

و هناك قول بأنّ كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ، أي كلّ من داود و الجبال و الطّير مسبّح له تعالى،و مرجّع للتّسبيح،و هو الأظهر؛إذ لا معنى لاستغفار الجبال و الطّير،لعدم عصيانهما.

و ثالثا:إذا كان المراد منه هنا الرّجوع الجسمانيّ،

ص: 166

فالبعد كذلك،فالطّير كانت تطير و تبتعد عن داود ثمّ ترجع إليه مرارا و تكرارا،فلا عصيان هناك،بل بعد و قرب،و ذهاب و إياب بالمعنى المادّي،فلا ضير في عدم صدق العصيان بالنّسبة إلى الطّير.أمّا إذا كان الرّجوع معنويّا بمعنى التّوبة،فالبعد عصيان اللّه تعالى و بعد عنه كذلك.و لكنّه منفيّ عن داود و الأنبياء عليهم السّلام.و عليه فهو بمعنى المسبّح مرّة بعد أخرى،كما سبق.

و رابعا:أنّ أكثر ورود هذه المادّة كان في السّور المكّيّة؛حيث ورد فيها ثلاثة أضعاف مرّات وروده في السّور المدنيّة تقريبا،بل لم يرد في السّور المدنيّة إلاّ لفظا (المآب)و(مآب)،و في سورتين اثنتين،هما آل عمران و الرّعد.و ليس في السّورة الأخيرة ما يدلّ على أنّها مدنيّة،بل فيها ما يشهد بكونها مكّيّة،و عليه فتبقى آية واحدة مدنيّة في آل عمران.و المشترك بين المدنيّة و المكّيّة هو لفظ(مآب)فقط،منكّرا.و معنى ذلك أنّ استعمال هذه المادّة كان شائعا في مكّة و مفهوما فيها أكثر من المدينة،ثمّ دخل المدينة-و لعلّه من طريق القرآن-بصيغة واحدة هي(مآب)منكّرا مرّتين،كما كان في مكّة،و معرّفا مرّة واحدة فقط.و اللّه أعلم.

و خامسا:أنّ معظم المادّة قد ورد في السّور الّتي تبدأ بالحروف:آل عمران (الم)، ص،ق،الرّعد (المر)، حيث وردت في هذه السّور اثنتي عشرة مرّة من المجموع الكلّي الّذي هو سبع عشرة مرّة،فهل في ذلك سرّ؟و أمّا السّور الأخرى الّتي ورد فيها الجذر،و لم تبدأ بحرف من الحروف،فقد بدأت اثنتان منها بصيغة استفهاميّة:النّبأ عَمَّ يَتَساءَلُونَ، الغاشية هَلْ أَتاكَ، و بدأت اثنتان منها بحمد اللّه و تسبيحه:سبأ اَلْحَمْدُ لِلّهِ، الإسراء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى.

و سادسا:قد جاء كلّ من صيغتي(اوّاب)و(مآب) أربع مرّات في سورة(ص)،باعتبار أنّ رويّ الآيات فيها (ب)في أكثر من ثلثها،أي بنسبة 35:88،من مجموع آياتها،و الباقي(ر)12 مرّة،ثمّ بعض الحروف الأخرى، فلاحظ.و بذلك علمنا أنّ ما يقرب من نصف مرّات هذه المادّة جاء في سورة(ص)،أي بنسبة 8:17.كما أنّ عدد مجيء(مآب)و(اوّاب)في القرآن بنسبة 9 مآب6/ أوّاب

و سابعا:جاء(اوّاب)تلو صفة مدح مرّات و قبلها مرّة واحدة:

1-صابر(بشأن أيّوب) إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:44

2-ذو الأيد(بشأن داود) وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:17

و المراد به ذو القوّة،أو ذو الإحسان،مثل:له أياد.

3-نعم العبد أو عبدنا(بشأن سليمان و داود و أيّوب).

4-حفيظ: هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:32.

و يلاحظ أنّه وصف خاصّ في الجميع سوى الأخير، فهو عامّ.فتحصّل لدينا أنّ من كان«أوّابا»في عرف القرآن،يكون صابرا قويّا في طاعة اللّه،محسنا إلى العباد، حفيظا لأمر اللّه.و هذه الخصال بمجموعها تشكّل حقيقة العبوديّة للّه،فيستحقّ صاحبها وصف (نِعْمَ الْعَبْدُ) و (عَبْدَنا).

ص: 167

ص: 168

أ و د

اشارة

يؤده

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأود:مصدر آد يئود أودا.و تقول:أدت العود فأنا أءوده أودا فانآد،و تفسيره عجته فانعاج.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:آدني هذا الأمر،يئودني أودا و أوودا،إذا بلغ منك المشقّة.

و يقال:آده الكبر،و منه التّأوّد و هو كالتّثنّي و التّعوّج للقضيب و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ما آدك فهو لي آئد،أي ما أثقلك فهو لي مثقل.

و الأود:العوج،و أود يأود أودا فهو أود.

و موضع بالبادية يسمّى أوّد بالتّشديد.[ثمّ استشهد بشعر](8:95)

أبو عبيدة: تقول:لقد آداني هذا الأمر،و ما أداك فهو لي آئد.[ثمّ استشهد بشعر](1:78)

نحوه الطّبريّ(3:12)،و السّجستانيّ(28).

أبو زيد:تأيّد أيدا،إذا اشتدّ و توي.

(الأزهريّ 14:228)

آدني الحمل يئودني أودا:أثقلني،و أنا مئود،مثال مقول.(الجوهريّ 2:442)

الأصمعيّ: آد العود يئوده أودا،إذا حناه،و قد انآد العود ينآد انئيادا فهو منآد،إذا تثنّى و اعوجّ.

(الأزهريّ 14:228)

أبو عبيد: المؤيد بوزن معيد:الأمر العظيم.و قال طرفة:

*أ لست ترى أن قد أتيت بمؤيد*

و جمعه غيره على مآود،جعله من آده يئوده أودا،

ص: 169

إذا أثقله.و تأوّد،إذا تثنّى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:228)

ابن الأعرابيّ: و المآود و الموائد:الدّواهي،و هو من المقلوب.و رماه بإحدى المآود،أي الدّواهي.

(ابن منظور 3:75)

ابن السّكّيت: آد العشيّ،إذا مال.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:228)

ابن أبي اليمان: الأود:عطف العود،يقال:أدت العود أءوده أودا،إذا عطفته.قال اللّه جلّ ذكره:

وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255،أي لا يثقله.

(التّقفية:308)

الزّجّاج: و آد الرّجل:كثرت عنده آلة الحرب.

(كتاب فعلت و افعلت:53)

ابن دريد: يقال:آدني الأمر يئودني أودا،إذا بهظني.و كذلك فسّر قوله جلّ ثناؤه: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255،و اللّه أعلم.

و آد الشّيء يئوده،إذا رجع،فهو آئد،أي راجع.

و المؤيد:الدّاهية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأود:العوج،أود يأود أودا.و أود:واد معروف.

(1:174،175)

الأزهريّ: يقال:آد النّهار فهو يئود أودا،إذا رجع في العشيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أود الشّيء يأود أودا،إذا اعوجّ،فهو أود.

و أود قبيلة،و أدد (1)موضع.(14:227،228)

الجوهريّ: أود الشّيء بالكسر يأود أودا،أي اعوجّ.و تأوّد:تعوّج.

يقال:ما آدك فهو لي آئد.

و آده أيضا بمعنى حناه و عطفه،و أصلهما واحد.

و آد العشيّ،أي مال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الانئياد:الانحناء.[ثمّ استشهد بشعر](2:442)

ابن فارس: الهمزة و الواو و الدّال أصل واحد،و هو العطف و الانثناء.أدت الشّيء:عطفته،و تأوّد النّبت،مثل تعطّف و تعوّج.[ثمّ استشهد بشعر]

و إلى هذا يرجع آدني الشّيء يئودني،كأنّه ثقل عليك حتّى ثناك و عطفك.

و أود قبيلة،و يمكن أن يكون اشتقاقها من هذا.و أود موضع.(1:154)

الهرويّ: يقال:آده،إذا أثقله و اشتدّ عليه.

و في الحديث:«أقام الأود و شفى العمد».الأود:

العوج،و قد تأوّد الشّيء.و العمد:ورم يكون في الظّهر.

(1:107)

الطّوسيّ: الأود:مصدر آده يئوده أودا و إيادا،إذا أثقله و جهده.

و أدت العود فأنا أءوده أودا فانآد،و معناه عجته فانعاج،لأنّه اعتمد عليه بالثّقل حتّى مال.و الآود، و الأوداء على وزن أعوج و عوجاء،و المعنى واحد، و الجمع:الأود بوزن العوج،و أصل الباب الثّقل.

(2:310)

مثله الطّبرسيّ(1:361)،و صدر المتألّهين(4:

176).ا.

ص: 170


1- الصّحيح:أود،كما ذكره صاحب«اللّسان»عن الأزهريّ 3:75.و هكذا ذكره ابن دريد و ابن فارس و غيرهما.

الرّاغب: آد يئود أودا و إيادا،إذا أثقله،نحو قال يقول قولا.و في الحكاية عن نفسك أدت مثل قلت؛ فتحقيق آده:عوّجه من ثقله في ممرّه.(30)

الزّمخشريّ: آده الحمل،أي أثقله.و آدت الخيل الأرض بكثرتها.و آد العود:اعتمد عليه فثناه.و انآد:

انعطف.و تقول:رجعت منه بالدّاهية النّآد،و بالصّلب المنآد.و أود الشّيء و تأوّد و فيه أود،أي عوج.

و من المجاز:آدني هذا الأمر:بلغ منّي المجهود و المشقّة.

و آد الفيء:انثنى و رجع،و آد العشيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:12)

الصّغانيّ: تآوده الأمر،إذا ثقل عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رماه اللّه بإحدى المآود و الموائد،أي الدّواهي.

أويد القوم:أزيزهم و حسّهم.

الآود،و الأوداء:الأعوج،و العوجاء.و أدت العود:

عطفته.

و ذو أود:مرثد،من ملوك اليمن،ملك ستّمائة سنة.

(2:192)

الرّازيّ: أود الشّيء:اعوجّ،و بابه طرب.و تأوّد:

تعوّج.و آده الحمل:أثقله،من باب قال،فهو مؤدّ بوزن «مقول».(44)

الفيّوميّ: يئوده أودا:أثقله،فانآد،وزان«انفعل» أي ثقل به.و آده أودا:عطفه و حناه.(1:29)

الفيروزآباديّ:اود كعرج يأود أودا:اعوجّ، و النّعت آود و أوداء.

و أدته فانآد و أوّدته فتأوّد:عطفته فانعطف.

و آده الأمر أودا و أوودا:بلغ منه المجهود.و المآود:

الدّواهي.و آد:مال و رجع.و أود:رجل،و بالضمّ:موضع بالبادية.

و أويد القوم:أزيزهم و حسّهم.

و تأوّده الأمر و تآداه:ثقل عليه.

و ذو أود:مرثد،ملك ستّمائة سنة باليمن.

(1:284)

الطّريحيّ: الأود،بالفتح:القوّة.و الأود أيضا:

العوج.

و أود الشّيء،بالكسر يأود أودا:أي اعوجّ.و تأوّد:

تعوّج.

و أقام إوده،أي عوجه،و منه«يقيم إودكم»أي اعوجاجكم.

و مثله«أقم بهم أودي»أي اعوجاجي،و المعنى أصلح بهم شأني،و اكشف بهم غمّي،و نظائره.(3:8)

مجمع اللّغة:آده الأمر يئوده أودا:أضنكه و ثقل عليه.(1:68)

النّصوص التّفسيريّة

لا يؤده

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. البقرة:255

ابن عبّاس: لا يثقل عليه حفظهما.

مثله ربيع بن أنس،و الضّحّاك.(الطّبريّ 3:12)

و مثله السّيوطيّ(2:8)،و البيضاويّ(1:133)،

ص: 171

و القمّيّ(1:84)

لا يشقّه و لا يثقل عليه.

مثله الحسن،و قتادة.(أبو حيّان 2:280)

و مثله الطّبريّ(3:12)،و الحجازيّ(3:6)، و القاسميّ(3:662)،و البروسويّ(1:405)، و الطّبرسيّ(1:363).

مجاهد: لا يضرّ به أو لا يكرثه حفظهما.(1:115)

الحسن: لا يثقل عليه شيء.

مثله قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 3:12)

نحوه أبو عبيدة(1:78)،و الأخفش(1:379)، و القرطبيّ(3:278)،و الطّريحيّ(غريب القرآن:184)، و الكاشانيّ(1:260).

أبان بن تغلب: لا يتعاظمه حفظهما.

(أبو حيّان 2:280)

ابن زيد: لا يعزّ عليه حفظهما.(الطّبريّ 3:12)

ابن قتيبة: لا يثقله حتّى يئوده،أي تميله.(334)

الأزهريّ: لا يكرثه و لا يثقله و لا يشقّ عليه.

(14:228)

نحوه الزّجّاج(1:338)،و الميبديّ(1:695)، و الزّمخشريّ(1:386)،و النّسفيّ(1:128)، و النّيسابوريّ(3:19)،و الخازن(1:228)،و أبو السّعود (1:189)،و الشّربينيّ(1:169)،و شبّر(1:260)، و فريد وجديّ(53)،و رشيد رضا(3:33)، و النّهاونديّ(1:178)،و محمّد عبد المنعم(1:256)، و القاسميّ(3:662).

أبو الفتوح: (لا يؤده)أي لا يجهده،و قيل:(يؤده) يسقطه من ثقله.(1:443)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (يَؤُدُهُ) بالهمز،و قرئ شاذّا بالحذف،كما حذفت همزة«أناس».و قرئ أيضا (يئوده) بواو مضمومة على البدل من الهمزة،أي لا يشقّه و لا يثقل عليه،قاله ابن عبّاس،و الحسن،و قتادة،و غيرهم.

و قال أبان بن تغلب:لا يتعاظمه حفظهما.و قيل:

لا يشغله حفظ السّماوات عن حفظ الأرضين و لا حفظ الأرضين عن حفظ السّماوات،و الهاء تعود على اللّه تعالى.(2:280)

صدر المتألّهين: لمّا عظّم اللّه تعالى أمر السّماء و ما فيها و الأرض و ما فيها سابقا،بأن نسب و أضاف ما في كلّ منهما إلى ملكه و سلطانه،ثمّ عظّم أمر الكرسيّ بأنّه وسع السّماوات و الأرض،إذ كما أنّ الكرسيّ بطبيعته الجسميّة المحدّدة للأمكنة و الأزمنة محيط بما في داخله- لا كمجرّد إحاطة الظّرف بالمظروف محدّدا كان المكان المحاط عليه أم لا،بل بأن لا يتعيّن للمحاط عليه مكان أو حيّز أو وضع أو ما شئت فسمّه إلاّ بسبب طبيعة جسميّة بخصوصها-فكذلك بحقيقته العقليّة و النّفسيّة،و روحه و قلبه الّذي هو مستوى الرّحمن مؤثّرة فيما دونها من النّفوس و الطّبائع الفلكيّة و العنصريّة و ملكوت العالم السّفلي-من الجماد و النّبات و الحيوان-و لذلك تنبعث الأرزاق و الآجال من هناك و ترتفع الدّعوات لطلب الحاجات إلى ذاك،فأراد أن يشير إلى أنّ ذلك لا يشقّ عليه و لا ينوء به،فقال: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما.

أي لا يتعب الكرسيّ و لا يشقّ على ظاهر حقيقته و باطن قلبه حفظ أجسام السّماوات و الأرض و حفظ

ص: 172

نفوسها و طبائعها و صورها-إن كان الضّمير راجعا إلى «الكرسيّ»-أو لا يتعبه تعالى حفظهما بالكرسيّ على الوجه المذكور-إن كان الضّمير راجعا إليه سبحانه-كما لا يئود الرّوح الإنسانيّ حفظ أسرار السّماوات و الأرض و معانيها الّتي أودعها اللّه في السّرّ الإنسانيّ بقوله تعالى:

وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها البقرة:31.

و تحقيق هذا المطلب يحتاج إلى مزيد تقرير له،ليظهر لك بالبرهان كيفيّة دوام الممكن بدوام علّته الفيّاضة،من غير تعب و ملال و أودة و كلال،و هذا هو الّذي وعدناه آنفا،فاستمع و عه.

اعلم أنّ للحقّ تعالى أسماء و صفات،و لكلّ منهما مجاليّ و مظاهر في كلّ من العوالم،من أحصاها-أي عرفها و عرف لوازمها و آثارها و بدايتها و غايتها-وجبت له الجنّة،و هي الكمال العلميّ العرفانيّ،أي العلم بحقائق الأشياء،كما هي عليها الموجب لمشاهدة المثل العقليّة و الأشباح الجنانيّة الموعودة-انشاء اللّه-جزاء لصالح العمل و مرضيّ السّعي.

فكما أنّ عالم الجبروت من الملائكة العقليّة-بجملة عددها الكثيرة و ضروبها الّتي لا يحيط بها غير اللّه-هو عالم قدرة اللّه تعالى و مظهر جبّاريّته،و مستوى اسم «الجبّار»،كذلك«عالم الكرسيّ»بجملة ما فيها من ملكوت السّماوات و الأرض«عالم رحموته»و مظهر رحمانيّته و مستوى اسم«الرّحمن»،إذ برحمته قامت السّماوات و الأرض،فالكرسيّ صورة رحمانيّة اللّه تعالى على الخلائق،و بها يعطف بعضهم بعضا بالتّرتيب الحكميّ و النّظم السّببيّ و المسبّبيّ،فلكلّ سبب خاصّ عطوفة و رحمة على مسبّبه بإيجاده و إقامته و حفظه و إدامته.

ثمّ اعلم أنّ العلّة الفاعليّة بحسب المشهور على ضربين:أحدهما:الفاعل الّذي يحتاج في فاعليّته إلى حركة و آلة و قابل-كالكاتب و البنّاء-و مثل هذا الفاعل يقال له في عرف الإلهيّين:«المعدّ»و«المحرّك»،و هي العلّة بالعرض.

و ثانيهما:الفاعل الّذي لا يحتاج إلى حركة و آلة جسمانيّة و قابل-و هو الفاعل في عرفهم-و إن سألت الحقّ فليس الفاعل بالحقيقة إلاّ ما هو بريء بالكلّيّة عن جهة الإمكان،و ما هو إلاّ الواحد الحقّ،كما مرّت الإشارة إليه.

فالفاعل بالمعنى الأوّل لتعلّقه بالمادّة الجسمانيّة و تحرّكه عند تحريكه يلحقه-لا محالة-كلال و إعياء و دثور و فناء،لأنّ الجسمانيّات متناهية الذّوات،متناهية القوى و الانفعالات،كما أنّها متناهية الامتدادات و الاتّصالات،فيصحبها الكلال أوّلا ثمّ الزّوال ثانيا.و قد صرّح بعض الحكماء بأنّ الفاعل الجسمانيّ قابل في الحقيقة لفعله لمباشرته إيّاه،و أمّا القوى الفعّالة المتقدّسة عن شوب الانفعال المادّيّ،المرتفعة عن حضيض العالم السّفليّ فهي مسلوبة التّغيّر عن حالها،ممتنعة التّجدّد في فعالها،بريئة الذّوات عن لحوق معنى عارض يوجب كلالها و ملالها،أو مضادّ مفسد يقتضي فسادها و زوالها.

فهي وسائط فيض الحقّ و روابط جوده و مكثر جهات رحمته و مفنّن شعوب فضله و جوده،فهي بالحقيقة عباد الرّحمن المؤتمرون بأمره المتزجّرون بنهيه و زجره،كما وصفهم اللّه تعالى بقوله: لا يَعْصُونَ اللّهَ

ص: 173

ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6.

بخلاف الفاعل بالمعنى الأوّل،فإنّه لوقوعه في عالم الأضداد و تصادم صور الموادّ ربّما يعوق عن فعله المقصود لمانع،و يقطع عن طريقه المصمود إليه لقاطع.

و إن أردت زيادة التّوضيح فقد أودع اللّه تعالى في نفسك هذين الضّربين من التّأثير،أي الإبداع و التّحريك،و هو المسمّى بالإحداث أيضا،لأنّ الحدوث يعرض الحركة بالذّات و لما يقترنه بالعرض.

ف«الإبداع»إيجاد شيء لا عن شيء،و مثاله فيك تصوّرك للأشياء بقوّتك المصوّرة و مثولها بين يديك في عالمك الخاصّ،على وجه يكون وجودها لك نفس مشاهدتك إيّاها،و«الإحداث»هو جعل الشّيء شيئا، و مثاله فيك تكلّمك و كتابتك بآلات و أسباب طبيعيّة أو غيرها.

ففي الضّرب الأوّل لا يصرف منك شيء إلاّ مجرّد الالتفات و العناية،و في الثّاني يصرف منك المادّة و الآلة و الزّمان و القوّة شيئا فشيئا،فيحصل منه المفعول تدريجا، و يكمل عند انقضاء الحركة و الزّمان،و هما مقدار خروج المادّة إلى الفعل،و توجّه القوّة و الآلة نحو الكمال،تقرّبا إلى المبدئ الفعّال.

فإذا علمت هذين الضّربين من الفاعليّة،و علمت خصوصيّة كلّ منهما و امتيازه عن صاحبه بخواصّ و لوازم،ظهر لك أنّ التّعب و المشقّة و الأودة لا يعرض إلاّ لفاعل جسمانيّ لا يفعل إلاّ بأن ينفعل و يتحرّك من حال إلى حال،و يكون فاعليّته على سبيل المباشرة.

و أمّا الّذي فاعليّته لشيء بحيث إذا أراد أن يقول له:

«كن»فيكون،أي يكون مجرّد إرادة الفعل منه،مقتضيا لحصول فعله من غير أمر زائد،يكون متوسّطا بينه و بين فعله-كإيجاده تعالى عالم الأمر-أو يكون الوسط حاصلا بأمره من غير مدخليّة مادّة و استعداد و حركة- كإيجاده لجواهر السّماوات و الأرض بواسطة أمره-أو مع مدخليّتها-كإيجاده حوادث الفلكيّة و الأرضيّة بإفادة الأسباب و إفاضة الاستعدادات و الحركات،من غير تغيّر فيه تعالى.و إليه أشار بقوله سبحانه: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما أي لا يتعبه إدامة جواهر ما في السّماوات و الأرض-هذا إذا كان الضّمير المفعول كناية عنه تعالى، و أمّا إذا كان راجعا إلى«الكرسيّ»فالحكم بعدم عروض التّعب و المشقّة ثابت للكرسيّ،لأنّه بحقيقته و ذاته من وسائل جوده تعالى و ربّانيّته و جهات كرمه و رحمانيّته الّتي لا تبيد و لا تنقص أبدا،فلا يلحق له مشقّة و تعب، و إذا لم يحصل له فاستحال حصوله للحقّ بالطّريق الأولى.

و بالجملة كلّ ما هو علّة لشيء بالحقيقة-لا بحسب القسر للإعداد و الاستعداد-فيكون المعلول من توابع ذاته و رشحات وجوده،بمنزلة الظّلّ للشّخص،فكما لا يثقل و لا يشقّ وجود الظّلّ على الشّخص و استتباعه إيّاه،فكذلك المعلول بالقياس إلى ما هو علّة له بالذّات، و هذه الأسباب الّتي يظنّ النّاس أنّها علّة إنّما يئودها وجود ما ينسب إليها،لأنّها ليست عللا بالحقيقة،بل بحسب المجاز،و ما هو علّة بالحقيقة لا يلحقه الفتور في تأثيره،اللّهمّ إلاّ أن يكون بحسب نفس الأمر ناقصا ضعيف الوجود.

ص: 174

فاعتبر بالكتابة الصّادرة من الكاتب،فإنّ جوهر الإنسان كاتب بالعرض لا بالذّات،و لهذا يلحقه التّعب و الملال،و أمّا الكاتب بما هو كاتب-و هو أمر مركّب من جوهر الإنسان و أمور أخرى،بعضها نفسانيّة و بعضها طبيعيّة و بعضها خارجيّة من الآلة و الحركة و القابل و غيرها-فلا يحصل التّعب للمجموع إلاّ من جهة تصادم وقع بين أجزائه،و تعارض قد حصل في العضو الواحد بين مقتضى الطّبيعة و مقصود الإرادة،فإنّ مقتضى الطّبيعة الّتي في العضو الثّقل-أي الميل إلى مركز العالم- و مقصود الإرادة الحركة إلى جهات مختلفة فيحصل له الإعياء،فيملّ الإنسان من الكتابة قبل أن يحصل بها الاكتفاء و عنها الغناء.و أمّا الأمور الّتي تجري مجرى التّصوّرات المحضة و التّمثّلات،فحصولها من الإنسان لا يشقّ عليه،لأنّها إنّما صدرت منه بجهة واحدة فاعليّة ذاتيّة من غير تعارض الجهتين،فيكون هناك نفس التّصوّر و الإرادة الشّوقيّة نفس الحصول في صقع من النّفس.

فمن هذا السّبيل يجب أن يعتقد فاعليّته تعالى للأشياء و فاعليّة ملائكته المقرّبين و ملائكته المدبّرين، فإنّ صدور الموجودات عنه تعالى-كليّة كانت أو جزئيّة،روحانيّة كانت أو جرميّة-نفس تعقّله إيّاها كما حقّق في موضعه،و كذا فاعليّة من هو في عالم جبروته و صقع ملكوته،فمن اعتقد فاعليّته تعالى على هذا الوجه و أعلى منه آمن من التّجسّم في حقّه الموجب للعذاب الأليم.(4:176)

الآلوسيّ: أي لا يثقله،و هو مأخوذ من«الأود» بمعنى الاعوجاج،لأنّ الثّقيل يميل له ما تحته،و ماضيه آد.

(3:10)

عزّة دروزة: (يؤده):يعجزه أو يشقّ عليه،أو يثقل عليه.(7:381)

بنت الشّاطئ: الكلمة-من آية الكرسيّ-وحيدة في القرآن،صيغة و مادّة.

و تفسير(لا يئوده)ب«لا يثقله»،تقريب.و قال الفيروزآباديّ في«القاموس»:و آده الأمر أودا:بلغ منه المجهود،و تأوّده:ثقل عليه.

و لا يفوتنا مع ذلك أنّ القرآن استعمل«الثّقل»نحو أربعين مرّة،إمّا على أصل معناه في الوزن و الموازين و المثقال،و إمّا في الأثقال حسّيّة و معنويّة.

و لعلّ الفرق بين«الثّقل»و«الأود»:أنّ الوزن أصل في معنى الثّقل،أمّا الأود ففيه معنى العوج و المشقّة،فكأنّ الإثقال فيه جاء من جهد المشقّة،لاحتماله أو لإقامة اعوجاجه.(الإعجاز البيانيّ:373)

المصطفويّ:لا يعطفه و لا يؤثّر فيه انحناء و ثقلا و انعطافا،حتّى يوجب ضعفه في قبال الحفظ.(1:160)

الأصول اللّغويّة

1-جعل ابن فارس الأصل فيه العطف و الانثناء، و أرجع إليه«الثّقل»الّذي ذكره غيره أصلا للمادّة، باعتبار أنّه إذا آداه الشّيء كأنّه ثقل عليه حتّى ثناه و عطفه.و لو وافقناه على هذا الأصل فلا نوافقه في بقاء اللّفظ دائما عليه،فإنّه قد انتقل من هذا المنطلق الّذي ذكره إلى«الثّقل الحسّيّ»حتّى صار كأنّه الأصل،فيقال:

ص: 175

آداه الحمل،أي أثقله.ثمّ استعمل مجازا في«الثّقل المعنويّ»،فيقال:آدني هذا الأمر،أي بلغ منّي المجهود و المشقّة.

2-و لمّا كان من مظاهر الثّقل و الإثقال الضّنك و التّعب و الاعوجاج و نحوها أصبح الأوّل يعطي معنى الاعوجاج و العطف-لو لم يكن أصلا له-و الرّجوع، يقال:يقيم أودنا،أي يعدّل اعوجاجنا.و من مظاهر هذا التّطوّر أنّ«المآود»بمعنى الأثقال أصبحت تعني الدّواهي و الأمور العظيمة الّتي يشقّ تحمّلها.

3-و الفعل:أود يأود أودا،و قد يقلب الواو همزة، فيقال:أأد،ثمّ أدغمت الهمزتان،أو اعتلّ الواو مثل:قول و قال فصار«آد».و لعلّ وأد-بمعنى دفن من كان حيّا- مقلوب«أود»أو بالعكس،لأنّ«الوأد»هو الإثقال بالتّراب.

و يبدو أنّ هناك علاقة أيضا بين الفعلين«أود» و«وأد»و بين الفعل«أدّ»،فالأدّ هو القوّة و الأمر العجيب و العظيم المنكر،و الشّدّة و الغلبة و الدّاهية،و هي معان قريبة من معنى الفعلين.كما أنّ لها جميعا علاقة باليد- و أصلها يد و-و هي مظهر القوّة و الغلبة،و العمل المثمر المجهد.

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء في التّنزيل في سياق وصف اللّه:بالحيّ القيّوم الّذي لا تأخذه سنة و لا نوم،و أنّ له ما في السّماوات و الأرض،و وسع كرسيّه السّماوات و الأرض وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما، أي لا يثقله و لا يجهده و لا يشقّ عليه و لا يعزّ عليه،إلى غيرها ممّا جاء في التّفاسير.

2-و الفعل يحمل البعدين:الثّقل المادّيّ و المعنويّ، إلاّ أنّ الجانب الحسّيّ فيه أقرب؛لأنّ السّماوات و الأرض محسوستان،كما أنّ الجانب المعنويّ أنسب-و هو منفيّ عنه -بساحته تعالى،فإنّ ضمير المفعول به(يؤده)يرجع إليه،و لا يظنّ أحد مهما كان بعيدا عن معرفته تعالى نسبة الثّقل المادّيّ إليه.

3-و الفعل المضارع المنفيّ (لا يَؤُدُهُ) يعطي مدّا زمنيّا لا حدود له،فإنّ الآية بكاملها و أجزائها المترابطة المتكاملة بصدد بيان سيطرته القيموميّة على العالم أجمع، فلا شيء خارج الإرادة و القيموميّة الإلهيّة يخلّ بالنّظام أو يجهد الباري جلّ جلاله من ناحية الخلق أو الحفظ.

و لا سيّما أنّه وصف قبله بأنّه لا تأخذه سنة و لا نوم، و أنّه عالم محيط بالعالم و بالإنسان.و من هنا يجد الذّوق العربيّ المرهف أنّ (لا يَؤُدُهُ) جاءت على أنسب ما يكون،و لا يمكن رفعها و لا حذفها و لا تبديلها من لفظ آخر.و بالجملة فهذه الصّفات و من جملتها لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما من لوازم حياته القيموميّة و يستحيل انفكاكها عنها.

و قوله في ذيل الآية: وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، فيه تناسب مع اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ في أوّل الآية،و الصّفات الأربع حدّان لسائر الصّفات الّتي ذكرت في الوسط،على أنسب وجه في التّرتيب و التّوالي.

4-ثمّ إنّ اختصاص النّفي بحفظهما من دون خلقهما لا يعني طبعا أنّ خلقهما يؤده،بل هو إشارة إلى أحد أمرين:

ص: 176

الأوّل:إن كان لا يؤده حفظهما فخلقهما أولى بذلك، لأنّ قدرة الخلق أشدّ من الحفظ.

الثّاني:أنّ النّاس حينما يرون السّماء و الأرض قائمتين يتصوّرون أنّ من يحفظهما سوف ينوء بثقلهما؛فنفى اللّه ذلك إشعارا بأنّ قدرته لا حدّ لها،فهو قيّوم ذاتا و صفة.

و من هنا نستحسن كون هذه الصّفة و ما قبلها و ما بعدها شرحا و تفسيرا لقوله في صدر الآية: هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاحظ كلام صدر المتألّهين في النّصوص التّفسيريّة و تأمّل فيه.

5-و لعلّ مجيء هذا اللّفظ مرّة واحدة بصيغة المضارع المنفيّ في القرآن إشارة إلى أنّ الأمر مؤكّد ثابت و دائم لا يحتاج إلى تكرار،و لا ينبغي لأحد نسبته إلى اللّه، كما أنّ الماضي في أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1، يعطي التّأكيد في مجيء القيامة كأنّها واقعة و لا ينبغي الرّيب فيها.

6-و كما أنّ الغفلة القليلة منفيّة عن اللّه،فكذلك الحفظ مضمون لا يثقل عليه،و أنّ الحفظ-كما مرّ-أسهل من الإيجاد من العدم،و السّنة أقلّ من النّوم.

و هذا تناسب لطيف في الآية يشير إلى حسن الختام، فنفي الغفلة مهما قلّت في أوّل الآية يناسب دوام حفظ السّماوات و الأرض،و عدم النّوء بحملها في آخر الآية.كما أنّ عدم الإعياء بحفظهما في آخر الآية يناسب القيّوميّة في أوّلها.

ص: 177

ص: 178

آل

اشارة

لفظ واحد،26 مرّة:15 مكّيّة،11 مدنيّة

في 14 سورة:10 مكّيّة،4 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الآل:السّراب.

و آل الرّجل:ذو قرابته،و أهل بيته.

و آل البعير:ألواحه،و ما أشرف من أقطار جسمه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و آل الخيمة:عمدها.

و آل الجبل:أطرافه و نواحيه.(8:359)

الضّبّيّ: قالت العرب:الآل:مذ غدوة إلى ارتفاع الضّحى الأعلى،ثمّ هو سراب سائر اليوم.

(الأزهريّ 15:440)

الكسائيّ: تصغير آل:أويل.

(الأزهريّ 15:438)

الشّافعيّ: إنّه سئل عن قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد،من آل محمّد؟

من قائل:آله:أهله و أزواجه،كأنّه ذهب إلى أنّ الرّجل يقال له:أ لك أهل؟فيقول:لا،و إنّما يعني أنّه ليس له زوجة.

و هذا معنى يحتمله اللّسان،و لكنّه معنى كلام لا يعرف إلاّ أن يكون له سبب من كلام يدلّ عليه؛و ذلك أن يقال للرّجل:تزوّجت؟فيقول:ما تأهّلت،فيعرف بأوّل الكلام أنّه أراد:ما تزوّجت.أو يقول الرّجل:

أجنبت من أهلي،فيعرف إنّ الجنابة إنّما تكون من الزّوجة.

فأمّا أن يبدأ الرّجل فيقول:أهلي ببلد كذا فأنا أزور أهلي،و أنا كريم الأهل.فإنّما يذهب النّاس في هذا إلى:

أهل البيت له.

و قال قائل: آل محمّد:أهل دين محمّد.

و من ذهب إلى هذا أشبه أن يقول:قال اللّه لنوح عليه السّلام: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ هود:40،و قال نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ

ص: 179

أَهْلِي هود:45،فقال تبارك و تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،أي ليس من أهل دينك.

و الّذي نذهب إليه في معنى الآية:أنّ معناه إنّه ليس من أهلك الّذين أمرناك بحملهم معك.

فإن قال قائل:و ما دلّ على ذلك؟

قيل:قوله: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هود:40،فأعلمه أنّه أمره بأن يحمل من أهله من لم يسبق عليه القول من أهل المعاصي،ثمّ بيّن ذلك فقال:

إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46.

و ذهب ناس إلى أنّ«آل محمّد»:قرابته الّتي ينفرد بها دون غيرها من قرابته.

و إذا عدّ آل الرّجل:ولده الّذين إليه نسبهم،و من يؤويه بيته من زوجة أو مملوك أو مولى أو أحد ضمّه عياله،و كان هذا في بعض قرابته من قبل أبيه دون قرابته من قبل أمّه،لم يجز أن يستدلّ على ما أراد اللّه من هذا ثمّ رسوله،إلاّ بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فلمّا قال:إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد،دلّ على أنّ«آل محمّد»هم الّذين حرّمت عليهم الصّدقة و عوّضوا منها الخمس،و هم صليبة بني هاشم،و بني المطّلب،و هم الّذين اصطفاهم اللّه من خلقه بعد نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الأزهريّ 15:438)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الآل:الشّخص.و الآل:

الأحوال،جمع آلة.و الآل:السّراب.

و الآل:الخشب المجرّد.و منه قوله:

*آل على آل تحمّل آلا*

فالآل الأوّل:الرّجل،و الثّاني:السّراب،و الثّالث:

الخشب.(الأزهريّ 15:438)

الأخفش: أمّا«آل»فإنّها تحسن إذا أضيفت إلى اسم خاصّ نحو:أتيت آل زيد و أهل زيد،و أهل مكّة، و آل مكّة،و أهل المدينة و آل المدينة.و لو قلت:أتيت آل الرّجل و آل المرأة لم يحسن،و لكن:أتيت آل اللّه،و هم زعموا أهل مكّة.

و ليس«آل»بالكثير في أسماء الأرضين،و قد سمعنا من يقول ذلك.و إنّما هي همزة أبدلت مكان الهاء مثل هيهات و أيهات.(1:265)

ابن السّكّيت: الآل:الّذي يرفع الشّخوص،و هو يكون بالضّحى.و السّراب:الّذي يجري على وجه الأرض كأنّه الماء،و هو يكون نصف النّهار.

(الأزهريّ 15:440)

ابن قتيبة: السّراب:ما رأيته من الشّمس كالماء نصف النّهار،و الآل:ما رأيته في أوّل النّهار و آخره،الّذي يرفع كلّ شيء.(305)

المبرّد: [بعد قول الكسائيّ:تصغير آل على«أويل قال:]

فقد زالت تلك العلّة و صار«الآل»و«الأهل» أصلين لمعنيين،فيدخل في الصّلاة كلّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، قرابة كان أو غير قرابة.(الأزهريّ 15:438)

ثعلب:اختلف النّاس في«الآل»،فقالت طائفة:آل النّبيّ:من اتّبعه،قرابة كان أو غير قرابة،و آله:ذو قرابته متّبعا كان أو غير متّبع.

و قالت طائفة:الآل و الأهل واحد.

و احتجّوا بأنّ«الآل»إذا صغّر قالوا:أهيل،فكأنّ

ص: 180

الهمزة هاء،كقولهم:هنرت الثّوب و أنرته،إذا جعلت له علما.(الأزهريّ 15:438)

الطّبريّ: أصل آل:أهل،أبدلت الهاء همزة،كما قالوا:ماه،فأبدلوا الهاء همزة،فإذا صغّروه قالوا:مويه، فردّوا الهاء في التّصغير،و أخرجوه على أصله،و كذلك إذا صغّروا«آل»قالوا:أهيل.و قد حكي سماعا من العرب في تصغير آل:أويل.و قد يقال:فلان من آل النّساء،يراد به أنّه منهنّ خلق،و يقال ذلك أيضا بمعنى أنّه يريدهنّ و يهواهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحسن أماكن«آل»أن ينطق به مع الأسماء المشهورة،مثل قولهم:آل النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و آل عليّ،و آل عبّاس،و آل عقيل.و غير مستحسن استعماله مع المجهول،و في أسماء الأرضين و ما أشبه ذلك،غير حسن عند أهل العلم بلسان العرب أن يقال:رأيت آل الرّجل، و رآني آل المرأة،و لا رأيت آل البصرة،و آل الكوفة.

و قد ذكر عن بعض العرب سماعا أنّها تقول:رأيت آل مكّة و آل المدينة،و ليس ذلك في كلامهم بالمستعمل الفاشيّ.(1:270)

ابن دريد: الآل:السّراب،و آل كلّ شيء:شخصه، و آل الرّجل:أهله و قرابته.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:189)

الأزهريّ: قال الأصمعيّ:السّراب و الآل واحد.

و خالفه غيره،فقال:الآل:من الضّحى إلى زوال الشّمس،و السّراب:بعد الزّوال إلى صلاة العصر.

و احتجّوا بأنّ«الآل»يرفع كلّ شيء حتّى يصير له آل،أي شخص،و آل كلّ شيء:شخصه.و أنّ السّراب:

يخفض كلّ شيء فيه حتّى يصير لاصقا بالأرض، لا شخص له.[و قال بعد نقل قول ابن السّكّيت المتقدّم:]

و على هذا رأيت العرب في البادية و هو صحيح، سمّي:سرابا،لأنّه كالماء الجاري.(15:440)

الجوهريّ: آل الرّجل:أهله و عياله،و آله أيضا:

أتباعه.

و الآل:الشّخص،و الآل:الّذي تراه في أوّل النّهار و آخره،كأنّه يرفع الشّخوص،و ليس هو السّراب.

(4:1627)

ابن فارس: آل الرّجل:أهل بيته،لأنّه إليه مآلهم و إليهم مآله.

و آل الرّجل:شخصه،و كذلك آل كلّ شيء؛و ذلك أنّهم يعبّرون عنه بآله،و هم عشيرته،يقولون:آل أبي بكر،و هم يريدون أبا بكر،و في هذا غموض قليل.

(1:161)

أبو هلال: الفرق بين الشّخص و الآل:أنّ«الآل»هو الشّخص الّذي يظهر لك من بعيد،شبّه بالآل الّذي يرتفع في الصّحاري،و هو غير السّراب.و إنّما«السّراب» سبخة تطلع عليها الشّمس فتبرق كأنّها ماء،و الآل:

شخوص ترتفع في الصّحاري للنّاظر و ليست بشيء.

و قيل:«الآل»من الشّخوص ما لم يشتبه.و قال بعضهم:

«الآل»من الأجسام ما طال،و لهذا سمّي الخشب آلا.

(131)

الفرق بين الأهل و الآل:أنّ«الأهل»يكون من جهة النّسب و الاختصاص،فمن جهة النّسب قولك:أهل الرّجل:لقرابته الأدنين،و من جهة الاختصاص قولك:

ص: 181

أهل البصرة و أهل العلم.و الآل:خاصّة الرّجل من جهة القرابة أو الصّحبة تقول:آل الرّجل،لأهله و أصحابه، و لا تقول:آل البصرة و آل العلم.و قالوا:آل فرعون:

أتباعه،و كذلك آل لوط.

و قال المبرّد: إذا صغّرت العرب«الآل»قالت:أهيل، فيدلّ على أنّ أصل الآل:الأهل.و قال بعضهم:الآل:

عيدان الخيمة و أعمدتها،و آل الرّجل مشبّهون بذلك لأنّهم معتمده.و الّذي يرفع في الصّحاري آل،لأنّه يرتفع كما ترفع عيدان الخيمة،و الشّخص:آل،لأنّه كذلك.

الفرق بين الآل و العترة:أنّ«العترة»على ما قال المبرّد:النّصاب،و منه عترة فلان،أي منصبه.و قال بعضهم:العترة:أصل الشّجرة الباقي بعد قطعها،قالوا:

فعترة الرّجل:أصله.و قال غيره:عترة الرّجل:أهله و بنو أعمامه الأدنون،و احتجّوا بقول أبي بكر رضى اللّه عنه عن عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يعني قريشا.فهي مفارقة للآل على كلّ قول،لأنّ«الآل»هم الأهل و الأتباع،و«العترة»هم الأصل في قول،و الأهل و بنو الأعمام في قول آخر.(233)

ابن سيدة: الآل،هم من الرّجل:قومه الّذين يؤول إليهم.و أصله:أهل،و تصغيره«أهيل»أو «أويل».(الإفصاح 1:306)

السّراب:الّذي يكون نصف النّهار،لاطئا بالأرض لاصقا بها كأنّه ماء جار.و الآل:الّذي يكون بالضّحى يرفع الشّخوص و يزهاها كالملا بين السّماء و الأرض.

و قيل:الآل و السّراب واحد.و قيل:الآل:من الضّحى إلى زوال الشّمس،و السّراب:بعد الزّوال إلى صلاة العصر.و سمّي السّراب سرابا لأنّه يسرب سروبا،أي يجري جريا.و يرفع الآل كلّ شيء حتّى يصير آلا،أي شخصا.(الإفصاح 2:1051)

آل الرّجل:أهله.و آل اللّه و آل رسوله:أولياؤه.

أصلها«أهل»ثمّ أبدلت الهاء همزة،فصارت في التّقدير «أأل»فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثّانية ألفا،كما قالوا:

آدم و آخر،و في الفعل آمن و آزر.

فإن قيل:و لم زعمت أنّهم قلبوا الهاء همزة،ثمّ قلبوها فيما بعد،و ما أنكرت من أن يكون قلبوا الهاء ألفا في أوّل الحال؟

فالجواب:أنّ الهاء لم تقلب ألفا في غير هذا الموضع، فيقاس هذا هنا عليه،فعلى هذا أبدلت الهاء همزة،ثمّ أبدلت الهمزة ألفا،و أيضا فالألف لو كانت منقلبة عن غير الهمزة المنقلبة عن الهاء على ما قدّمناه لجاز أن تستعمل آل في كلّ موضع يستعمل فيه أهل،و لو كانت ألف آل بدلا من هاء أهل لقيل:انصرف إلى آلك،كما يقال:انصرف إلى أهلك،و آلك و اللّيل كما يقال:أهلك و اللّيل،فلمّا كانوا يخصّون بالآل الأشرف الأخصّ دون الشّائع الأعمّ حتّى لا يقال إلاّ في نحو قولهم:القرّاء آل اللّه،و اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28،و كذلك ما أنشده أبو العبّاس للفرزدق:

نجوت و لم يمنن عليك طلاقة

سوى ربذ التّقريب من آل أعوجا

لأنّ أعوج فيه:فرس مشهور عند العرب،فلذلك

ص: 182

قال:آل أعوج،و لا يقال:آل الخيّاط،كما يقال:أهل الخيّاط و لا آل الإسكاف،كما يقال:أهل الإسكاف، دلّ على أنّ الألف ليست فيه بدلا من الأصل،إنّما هي بدل ممّا هو بدل من الأصل،فجرت في ذلك مجرى التّاء في القسم،لأنّها بدل من الواو فيه،و الواو فيه بدل،من الباء،فلمّا كانت التّاء فيه بدلا من بدل و كانت فرع الفرع اختصّت بأشرف الأسماء و أشهرها و هو اسم اللّه، فلذلك لم تقل:تزيد و لا تالبيت،كما لم تقل:آل الإسكاف،و لا آل الخيّاط،فإن قلت؛فقد قال بشر:

لعمرك ما يطلبن من آل نعمة

و لكنّما يطلبن قيسا و يشكرا

فقد أضافه إلى نعمة،و هي نكرة غير مخصوصة، و لا مشرّفة؟فإنّ هذا بيت شاذّ،هذا كلّه قول ابن جنّيّ، قال:و الّذي العمل عليه ما قدّمناه،و هو رأي الأخفش.

فإن قلت:أ لست تزعم أنّ الواو في و اللّه بدل من الباء في باللّه،و أنت لو أضمرت لم تقل:«وه»كما تقول:«به لأفعلنّ»فقد تجد أيضا بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه في كلّ موضع،فما تنكر أيضا أن تكون الألف في آل بدلا من الهاء،و إن كان لا يقع جميع مواقع أهل؟

فالجواب أنّ الفرق بينهما:أنّ الواو لم تمتنع من وقوعها في جميع مواقع الباء،من حيث امتنع وقوع آل في جميع مواقع أهل،و ذلك أنّ الإضمار يردّ الأسماء إلى أصولها في كثير من المواضع،أ لا ترى أنّ من قال:

أعطيتكم درهما،فحذف الواو الّتي كانت بعد الميم و أسكن الميم،فإنّه إذا أضمر الدّرهم قال:أعطيتكموه، فردّ الواو لأجل اتّصال الكلمة بالمضمر،فأمّا ما حكاه يونس من قول بعضهم:أعطيتكمه فشاذّ،لا يقاس عليه عند عامّة أصحابنا،فلذلك جاز أن يقول:بهم لأقعدنّ، و بك لأنطلقنّ،و لم يجز أن يقول:«وك»و لا«وه»،بل كان هذا في الواو أحرى،لأنّها حرف منفرد،فضعف عن القوّة،و عن تصرّف الباء الّتي هي أصل.و أنت ممتنع من استعمال آل في غير الأشهر الأخصّ،و سواء في ذلك أضفته إلى مظهر أو أضفته إلى مضمر.

فإن قيل:أ لست تزعم أنّ التّاء في تولج بدل من واو، و أنّ أصله و ولج،لأنّه فوعل من الولوج،ثمّ إنّك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدّال من هذه التّاء،فقالوا:دولج،و أنت مع ذلك تقول:دولج في جميع المواضع الّتي تقول فيها:

تولج،و إن كانت الدّال مع ذلك بدلا من التّاء الّتي هي بدل من الواو؟

فالجواب عن ذلك:أنّ هذه مغالطة من السّائل، و ذلك أنّه إنّما كان يطّرد هذا له لو كانوا يقولون:و ولج و دولج،فيستعملون دولجا في جميع أماكن و ولج،فهذا لعمري لو كان كذا لكان له به تعلّق،و كانت تحتسب زيادة،فأمّا و هم لا يقولون و ولج البتّة،كراهيّة اجتماع الواوين في أوّل الكلمة،و إنّما قالوا:تولج،ثمّ أبدلوا الدّال من التّاء المبدلة من الواو فقالوا:دولج،فإنّما استعملوا الدّال مكان التّاء الّتي هي في المرتبة قبلها تليها، و لم يستعملوا الدّال موضع الواو الّتي هي الأصل،فصار إبدال الدّال من التّاء في هذا الموضع كإبدال الهمزة من الواو في نحو:أقّتت،و أجوه،لقربها منها،و أنّه لا منزلة بينهما واسطة.

و كذلك لو عارض معارض بهنيهة-تصغير هنة-

ص: 183

فقال:أ لست تزعم أنّ أصلها هنيوة،ثمّ صارت هنيّة،ثمّ صارت هنيهة،و أنت تقول:هنيهة في كلّ موضع تقول فيه هنيّة؟كان الجواب واحدا كالّذي قبله؛أ لا ترى أنّ هنيوة الّذي هو أصل لا ينطق به و لا يستعمل البتّة، فجرى ذلك مجرى و ولج في رفضه و ترك استعماله،فهذا كلّه يؤكّد عندك أنّ امتناعه من استعمال آل في جميع مواقع أهل إنّما هو لأنّ فيه بدلا من بدل،كما كانت التّاء في القسم بدلا من بدل.(4:256)

الطّوسيّ: لا خلاف بين النّحويّين أنّ أصل آل:أهل فقلبوا الهاء همزة و جعلوها مدّة لئلاّ يجتمع ساكنان،أ لا ترى أنّك إذا صغّرت قلت:أهيل،و لا يجوز أويل،لأنّه ردّ إلى الأصل لا إلى اللّفظ.(8:525)

الرّاغب: الآل:مقلوب عن الأهل،و يصغّر على «أهيل»إلاّ أنّه خصّ بالإضافة إلى أعلام النّاطقين دون النّكرات و دون الأزمنة و الأمكنة.يقال:آل فلان، و لا يقال:آل رجل و لا آل زمان كذا أو موضع كذا، و لا يقال:آل الخيّاط،بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال:آل اللّه،و آل السّلطان.

و«الأهل»يضاف إلى الكلّ،يقال:أهل اللّه،و أهل الخيّاط،كما يقال:أهل زمن كذا و بلد كذا.

و قيل:هو في الأصل اسم الشّخص،و يصغّر«أويلا» و يستعمل فيمن يختصّ بالإنسان اختصاصا ذاتيّا إمّا بقرابة قريبة أو بموالاة.قال عزّ و جلّ: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ آل عمران:33،و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

قيل:و آل النّبيّ،عليه الصّلاة و السّلام:أقاربه، و قيل:المختصّون به من حيث العلم؛و ذلك أنّ أهل الدّين ضربان:ضرب متخصّص بالعلم المتقن و العمل المحكم،فيقال لهم:آل النّبيّ و أمّته.و ضرب يختصّون بالعلم على سبيل التّقليد،و يقال لهم:أمّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و لا يقال لهم:آله،فكلّ آل للنّبيّ أمّة له، و ليس كلّ أمّة له آله.

و قيل لجعفر الصّادق رضى اللّه عنه:النّاس يقولون:المسلمون كلّهم آل النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام.فقال:كذبوا و صدقوا.فقيل له ما معنى ذلك؟فقال:كذبوا في أنّ الأمّة كافّتهم آله،و صدقوا في أنّهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله.

و قوله تعالى: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28،أي من المختصّين به و بشريعته،و جعله منهم من حيث النّسب أو المسكن،لا من حيث تقدير القوم أنّه على شريعتهم.[إلى أن قال:]

و آل الشّيء:شخصه المتردّد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآل أيضا:الحال الّتي يؤول إليها أمره.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل لما يبدو من السّراب:آل،و ذلك لشخص يبدو من حيث المنظر و إن كان كاذبا،أو لتردّد هواء، و تموّج،فيكون من آل يؤول.(30)

ابن عطيّة: آل أصله:أهل،قلبت الهاء ألفا،كما عمل في ماء،و لذلك ردّها التّصغير إلى الأصل فقيل:

أهيل و مويه.و قد قيل في آل:إنّه اسم غير أهل،أصله «أول»و تصغيره«أويل».

و آل الرّجل:قرابته و شيعته و أتباعه.[ثمّ استشهد

ص: 184

بشعر][إلى أن قال:]

و الأشهر في«آل»أن يضاف إلى الأسماء لا إلى البقاع و البلاد،و قد يقال:آل مكّة و آل المدينة.

(1:139)

الطّبرسيّ:الآل و الأهل واحد.

قيل:أصل آل:أهل،لأنّ تصغيره«أهيل».و حكى الكسائيّ«أويل»فزعموا أنّها أبدلت،كما قالوا:هيهات و أيهات.و قيل:لا،بل هو أصل بنفسه.

و الفرق بين الآل و الأهل:أنّ الأهل أعمّ منه،يقال:

أهل البصرة،و لا يقال:آل البصرة.و يقال:آل الرّجل:

قومه و كلّ من يؤول إليه بنسب أو قرابة،مأخوذ من «الأول»و هو الرّجوع،و أهله:كلّ من يضمّه بيته.و قيل:

آل الرّجل:قرابته و أهل بيته.

قال أبو عبيدة: سمعت أعرابيّا فصيحا يقول:أهل مكّة:آل اللّه،فقلنا:ما تعني بذلك قال:أ ليسوا مسلمين؟ المسلمون آل اللّه،قال:و إنّما يقال:آل فلان للرّئيس المتّبع،و في شبه مكّة،لأنّها أمّ القرى،و مثل فرعون في الضّلال و اتّباع قومه له،فإذا جاوزت هذا فإنّ آل الرّجل أهل بيته خاصّة.فقلنا له:أ فيقول لقبيلته آل فلان؟قال:

لا،إلاّ أهل بيته خاصّة.(1:104)

ابن الأثير: [بعد نقل حديث الصّدقة قال:]

و منه الحديث:«لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود»أراد من مزامير داود نفسه،و«الآل»صلة زائدة.

و في حديث قسّ بن ساعدة:«قطعت مهمها و آلا فآلا»الآل:السّراب،و المهمه:القفر.(1:81)

الفيّوميّ: الآل:أهل الشّخص،و هم ذوو قرابته.

و قد أطلق على أهل بيته و على الأتباع،و أصله عند بعض«أول»تحرّكت الواو و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا مثل «قال».

قال البطليوسيّ في كتاب«الاقتضاب»: ذهب الكسائيّ إلى منع إضافة«آل»إلى المضمر،فلا يقال:آله، بل أهله.و هو أوّل من قال ذلك و تبعه النّحّاس و الزّبيديّ.و ليس بصحيح،إذ لا قياس يعضده و لا سماع يؤيّده.

قال بعضهم: أصل الآل:أهل،لكن دخله الإبدال و استدلّ عليه بعود الهاء في التّصغير،فيقال:أهيل.

الآل:الّذي يشبه السّراب يذكّر و يؤنّث.(1:29)

الفيروزآباديّ: الآل:ما أشرف من البعير و السّراب،أو خاصّ بما في أوّل النّهار و يؤنّث،و الخشب و الشّخص و عمد الخيمة كالآلة،الجمع:آلات.و جبل و أطراف الجبل و نواحيه.و أهل الرّجل و أتباعه و أولياؤه.

و لا يستعمل إلاّ فيما فيه شرف غالبا،فلا يقال:آل الإسكاف،كما يقال:أهله.

و أصله:أهل،أبدلت الهاء همزة فصارت«أأل» توالت همزتان فأبدلت الثّانية ألفا،و تصغيره:أويل و أهيل.(3:341)

الطّريحيّ: آل إبراهيم:إسماعيل و إسحاق و أولادهما.

و آل عمران:موسى و هارون ابنا عمران بن يصهر.

و في الحديث:«لا تحلّ الصّدقة لمحمّد و آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و سئل الصّادق عليه السّلام من الآل؟فقال:ذرّيّة

ص: 185

محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقيل له:من الأهل؟فقال:الأئمّة عليهم السّلام.

و في«معاني الأخبار»:سئل عن آل محمّد؟ فقال عليه السّلام:ذرّيّته.فقيل:و من أهل بيته؟قال:

الأئمّة عليهم السّلام.قيل:و من عترته؟قال:أصحاب العباء.

و قيل:فمن أمّته؟قال:المؤمنون.

و عن بعض أهل الكمال في تحقيق معرفة«الآل»أنّ آل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلّ من يؤول إليه،و هم قسمان:

الأوّل:من يؤول إليه مآلا صوريّا جسمانيّا كأولاده، و من يحذو حذوهم من أقاربه الصّوريّين،الّذين يحرم عليهم الصّدقة في الشّريعة المحمّديّة.

و الثّاني:من يؤول إليه مآلا معنويّا روحانيّا،و هم أولاده الرّوحانيّون من العلماء الرّاسخين و الأولياء الكاملين و الحكماء المتألّهين المقتبسين من مشكاة أنواره -إلى أن قال-:و لا شكّ أنّ النّسبة الثّانية آكد من الأولى.

و إذا اجتمعت النّسبتان كان نورا على نور،كما في الأئمّة المشهورين من العترة الطّاهرة.

ثمّ قال:و كما حرم على الأولاد الصّوريّين الصّدقة الصّوريّة كذلك حرم على الأولاد المعنويّين الصّدقة المعنويّة،أعني تقليد الغير في العلوم و المعارف.

و آل حم:سور أوّلها«حم»أو يراد نفس«حم».

و آل:أصله«أهل»قلبت الهاء همزة بدليل«أهيل» فإنّ التّصغير يردّ الأشياء إلى أصولها.(5:313)

الآلوسيّ: «الآل»قيل:بمعنى الأهل،و إنّ ألفه بدل عن هاء،و إنّ تصغيره«أهيل»،و بعضهم ذهب إلى أنّ ألفه بدل من همزة ساكنة،و تلك الهمزة بدل من هاء.

و قيل:ليس بمعنى الأهل،لأنّ الأهل القرابة و الآل من يؤول إليك في قرابة أو رأي أو مذهب،فألفه بدل من واو و لذلك قال يونس في تصغيره:أويل،و نقله الكسائيّ نصّا عن العرب.

و روي عن أبي عمرو غلام ثعلب: أنّ الأهل:القرابة كان لها تابع أولا،و الآل:القرابة بتابعها،فهو أخصّ من الأهل،و قد خصّوه أيضا بالإضافة إلى أولي الخطر، فلا يضاف إلى غير العقلاء و لا إلى من لا خطر له منهم، فلا يقال:آل الكوفة و لا آل الحجّام.و زاد بعضهم اشتراط التّذكير فلا يقال:آل فاطمة.و لعلّ كلّ ذلك أكثريّ،و إلاّ فقد ورد على خلاف ذلك كآل أعوج-اسم فرس-و آل المدينة،و آل نعم،و آل الصّليب،و آلك.

و يستعمل غير مضاف كهم خير آل.و يجمع كأهل، فيقال:آلون.(1:253)

مجمع اللّغة: آل الرّجل:أهله.و خصّ«الآل» بالإضافة إلى أعلام النّاطقين دون النّكرات و دون الأزمنة و الأمكنة،كما غلبت إضافته إلى ما فيه الشّرف، فلا يقال:آل الإسكاف.(1:68)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ هذه الكلمة مشتقّة من «الأول»بمعنى الرّجوع،و بلحاظ هذا المعنى تطلق على عدّة يرجع نسبهم أو عنوانهم أو طريقتهم أو دينهم إلى شخص،فتضاف إليه،فيقال:آل يعقوب،آل النّبيّ،آل فرعون،آل موسى.

و يختلف مفهومه سعة و ضيقا باختلاف هذه النّسبة، و قد يتعيّن مفهومه بالقرائن كلاما أو مقاما أو خارجا فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50،أي من يتّبعه و يعينه. وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ

ص: 186

الأعراف:130،أي رعيّته التّابعين له.

و كذلك من جهة سعة المفهوم كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الأنفال:52، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54.

ثمّ بعد ذلك،قوله تعالى: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248.

و لا يبعد أن نقول:إنّ القدر المسلّم من مفهوم«الآل» هو أهل بيت الرّجل،ثمّ يوسّع بالقرائن فيطلق على ذوي قرابته،ثمّ يوسّع فيطلق على مطلق الأتباع له.فالتّوسعة محتاجة إلى القرينة،فإذا لم تكن قرينة في المورد،فيحمل على القدر المتيقّن.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله،فالتّصلية و التّسليم و التّحيّة و ذكرهم عقيب ذكر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله قرائن لاختصاص الآل.و إن قلنا بفقدان القرائن و عدم دلالتها فهم القدر المسلّم و المصداق المتيقّن،فالآل المخصوص هم أهل الكساء الّذين عرّفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فالقيد في مفهوم«الأهل»هو الأنس،و في«الآل» هو الرّجوع و الاتّكاء.و أمّا اشتقاق أحدهما عن الآخر فغير معلوم.(1:163)

النّصوص التّفسيريّة

1-آل إبراهيم و آل عمران

إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. آل عمران:33

أبو ذرّ:لمّا بايع النّاس أبا بكر دخل أبو ذرّ المسجد فقال:

أيّها النّاس إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فأهل بيت نبيّكم هم الآل من آل إبراهيم،و الصّفوة و السّلالة من إسماعيل،و العترة الهادية من محمّد، فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله شرف شريفهم فاستوجبوا حقّهم و نالوا الفضيلة من ربّهم،كالسّماء المبنيّة و الأرض المدحيّة و الجبال المنصوبة و الكعبة المستورة و الشّمس الضّاحية و النّجوم الهادية و الشّجرة الزّيتونة أضاء زيتها و بورك ما حولها،فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله وصيّ آدم و وارث علمه و إمام المتّقين و قائد الغرّ المحجّلين و تأويل القرآن العظيم،و عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام الصّدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم و وصيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و وارث علمه و أخوه.

فما بالكم أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها لو قدّمتم من قدّم اللّه و خلّفتم الولاية لمن خلّفها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لما عال وليّ اللّه و لا اختلف اثنان في حكم و لا سقط سهم من فرائض اللّه و لا تنازعت هذه الأمّة في شيء من أمر دينها إلاّ وجدتم علم ذلك عند أهل بيت نبيّكم،لأنّ اللّه تعالى يقول في كتابه العزيز: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121،فذوقوا و بال ما فرّطتم وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ الشّعراء:

227.(فرات الكوفيّ:81)

ابن عبّاس: هم المؤمنون من آل إبراهيم و آل عمران و آل ياسين و آل محمّد.(الطّبريّ 3:234)

آلَ إِبْراهِيمَ: هم المؤمنون المتمسّكون بدينه و هو دين الإسلام.(الطّبرسيّ 1:433)

الحسن: فضّلهم اللّه على العالمين بالنّبوّة على النّاس

ص: 187

كلّهم،كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربّهم.(الطّبريّ 3:234)

المراد ب (آلَ عِمْرانَ) عيسى عليه الصّلاة و السّلام و أمّه مريم بنت عمران بن ماثان،من ولد سليمان بن داود.

(الآلوسيّ 3:131)

الإمام الباقر عليه السّلام: [في حديث]لمّا قضى محمّد صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و استكمل أيّامه أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه:أن يا محمّد قد قضيت نبوّتك و استكملت أيّامك،فاجعل العلم الّذي عندك و الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فإنّه لم أقطع العلم و الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك،كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك و بين أبيك آدم؛و ذلك قوله عزّ و جلّ:

إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. (العروسيّ 1:329)

قتادة: ذكر اللّه أهل بيتين صالحين،و رجلين صالحين،ففضّلهم على العالمين،فكان محمّد من آل إبراهيم.(الطّبريّ 3:234)

الإمام الصّادق عليه السّلام: قال محمّد بن أشعث بن قيس الكنديّ للحسين عليه السّلام:يا حسين بن فاطمة-صلوات اللّه عليهما-أيّة حرمة لك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين عليه السّلام هذه الآية: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ثمّ قال:و اللّه إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله لمن آل إبراهيم و إنّ العترة الهادية لمن آل محمّد صلوات اللّه عليهم.

(الكاشانيّ 1:305)

مقاتل: المراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط.

المراد بهم موسى و هارون عليهما السّلام،فعمران حينئذ هو عمران بن يصهر أبو موسى.(الآلوسيّ 3:131)

الطّبريّ: إنّما عنى ب (آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ) المؤمنين.و قد دلّلنا على أنّ آل الرّجل:أتباعه و قومه، و من هو على دينه.(3:234)

الطّوسيّ: قال الحسن:(آل عمران):المسيح،لأنّ أمّة مريم بنت عمران،و في قراءة أهل البيت«و آل محمّد على العالمين».و قال أيضا:إنّ (آلَ إِبْراهِيمَ) هم آل محمّد الّذين هم أهله.

و قد بيّنّا في ما مضى أنّ«الآل»بمعنى الأهل،و الآية تدلّ على أنّ الّذين اصطفاهم معصومون منزّهون،لأنّه لا يختار و لا يصطفى إلاّ من كان كذلك،و يكون ظاهره و باطنه واحدا،فإذا يجب أن يختصّ الاصطفاء بآل إبراهيم و آل عمران من كان مرضيّا معصوما،سواء كان نبيّا أو إماما.(2:441)

الميبديّ: آل الرّجل:أقاربه و خواصّه من قبيلته و من وافقه في دينه،و أمّا من خالفه في دينه و لم يتّبع طريقته فليس من آله و إن كان من ذرّيّته،و إليه الإشارة بقوله: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي إبراهيم:36،و قال تعالى: وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ المائدة:51.

و كان ابن نوح مخالفا لدين أبيه،فما عدّه من آله بقوله:

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،لأنّهم كانوا جميعا على ملّة الكفر و اتّبع بعضهم بعضا.

ص: 188

و قد عدّ المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم أقرباءه كفّارا حينما وصفهم بقوله:«إنّ آل أبي ليسوا لي بأولياء إنّما وليّي اللّه و صالح المؤمنين،و لكن لهم رحم أبلّها ببلالها».و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مرض،فأتى أهل قبا يعودونه،و قالوا:يا رسول اللّه لم نعلم بمرضك إلاّ الآن فجئنا،فادعوا اللّه لنا.فقال:

«سوف أدعو لكم و لآل محمّد»قالوا:يا رسول اللّه و من آل محمّد؟قال:«سألتموني عن شيء ما سألني عنه أحد غيركم،المسلمون آل محمّد،كلّ مؤمن تقيّ».

و قيل:إنّ أهل الدّين الّذين ينتسبون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قسمان:

الأوّل:خواصّه و أتباعه«بعلم متقن و عمل محكم» ممّن عمل بأوامره و لم يفارق طريقته،فيطلق على هؤلاء «آل».

الثّاني:من ينسب إليه و يعمل على شاكلته تقليدا، و ممّن في عمل و فرّط فيه و لم يجد سبيلا إلى علم متقن و لا عمل محكم.فيطلق على هؤلاء«أمّة»و لا«آل».فآل النّبيّ إذا جميع أمّته و ليس جميع أمّته آله.[إلى أن قال:]

و اصطفى آل عمران،يعني موسى عليه السّلام و هارون عليه السّلام.

و قيل:(آل عمران):مريم و ابنها عيسى عليه السّلام،و هو عمران بن ماثان النّجّار،و كان رجلا صالحا من صلحاء الأرض المقدّسة.(2:88)

الزّمخشريّ: (آلَ إِبْراهِيمَ): إسماعيل و إسحاق و أولادهما.و(آل عمران):موسى و هارون ابنا عمران ابن يصهر.و قيل:عيسى و مريم بنت عمران بن ماثان.

و بين العمرانين ألف و ثمانمائة سنة.(1:424)

الطّبرسيّ: (آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ) قيل:أراد به نفس إبراهيم و نفس عمران،كقوله: وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248،يعني موسى و هارون.

و قيل: (آلَ إِبْراهِيمَ) أولاده إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و فيهم داود و سليمان و يونس و زكريّا و يحيى و عيسى،و فيهم نبيّنا لأنّه من ولد إسماعيل.و أمّا (آلَ عِمْرانَ) فقيل:هم من آل إبراهيم أيضا.(1:433)

الفخر الرّازيّ: من النّاس من قال:المراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) المؤمنون،كما في قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ المؤمن:46،و الصّحيح أنّ المراد بهم الأولاد،و هم المراد بقوله تعالى: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124.

و أمّا (آلَ عِمْرانَ) فقد اختلفوا فيه،فمنهم من قال:

المراد عمران والد موسى و هارون،و هو عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،فيكون المراد من(آل عمران)موسى و هارون و أتباعهما من الأنبياء.و منهم من قال:بل المراد عمران ابن ماثان والد مريم،و كان هو من نسل سليمان بن داود ابن إيشا،و كانوا من نسل يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصّلاة و السّلام.قالوا:و بين العمرانين ألف و ثمانمائة سنة.

و احتجّ من قال بهذا القول على صحّته بأمور:

أحدها:أنّ المذكور عقيب قوله: وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ هو عمران بن ماثان جدّ عيسى عليه السّلام من قبل الأمّ،فكان صرف الكلام إليه أولى.

ثانيها:أنّ المقصود من الكلام أنّ النّصارى كانوا يحتجّون على إلهيّة عيسى بالخوارق الّتي ظهرت على

ص: 189

يديه،فاللّه تعالى يقول:إنّما ظهرت على يده إكراما من اللّه تعالى إيّاه بها؛و ذلك لأنّه تعالى اصطفاه على العالمين و خصّه بالكرامات العظيمة،فكان حمل هذا الكلام على عمران بن ماثان أولى في هذا المقام من حمله على عمران والد موسى و هارون.

ثالثها:أنّ هذا اللّفظ شديد المطابقة لقوله تعالى:

وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91.

و اعلم أنّ هذه الوجوه ليست دلائل قويّة،بل هي أمور ظنّيّة،و أصل الاحتمال قائم.(8:24)

القرطبيّ: خصّ هؤلاء بالذّكر من بين الأنبياء،لأنّ الأنبياء و الرّسل بقضّهم و قضيضهم من نسلهم.

و لم ينصرف(عمران)لأنّ في آخره ألفا و نونا زائدتين.(4:63)

النّيسابوريّ: المراد ب(الآل)كلّ مؤمن تقيّ بعضها من بعض بالوراثة الدّينيّة.(3:174)

أبو حيّان: الظّاهر في(عمران)أنّه أبو مريم،لقوله بعد إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ آل عمران:35،فذكر قصّة مريم و ابنها عيسى و نصّ على أنّ اللّه اصطفاها بقوله: وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ آل عمران:42،فقول: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ كالشّرح لكيفيّة الاصطفاء لقوله: (وَ آلَ عِمْرانَ) و صار نظير تكرار الاسم في جملتين،فيسبق الذّهن إلى أنّ الثّاني هو الأوّل،نحو أكرم زيدا إنّ زيدا رجل صالح،و إذا كان المراد بالثّاني غير الأوّل كان في ذلك إلباس على السّامع.

و قد رجّح القول الآخر بأنّ موسى يقرن بإبراهيم كثيرا في الذّكر و لا يتطرّق الفهم إلى أنّ عمران الثّاني هو أبو موسى و هارون،و إن كانت له بنت تسمّى مريم و كانت أكبر من موسى و هارون سنّا،للنّصّ على أنّ مريم بنت عمران بن ماثان ولدت عيسى،و إنّ زكريّا كفّل مريم أمّ عيسى،و كان زكريّا قد تزوّج أخت مريم ايشاع ابنة عمران بن ماثان،فكان يحيى و عيسى ابني خالة، و بين العمرانين و المريمين أعصار كثيرة،قيل:بين العمرانين ألف سنة و ثمانمائة سنة.

و الظّاهر أنّ الآل:من يؤول إلى الشّخص في قرابة أو مذهب،و الظّاهر أنّه نصّ على هؤلاء هنا في الاصطفاء للمزايا الّتي جعلها اللّه تعالى فيهم.(2:434)

الآلوسيّ: ذكر (آلَ إِبْراهِيمَ) لترغيب المعترفين باصطفائهم في الإيمان بنبوّة واسطة قلادتهم و استمالتهم، نحو الاعتراف باصطفائه بواسطة كونه من زمرتهم،و ذكر (آلَ عِمْرانَ) مع اندراجهم في الآل الأوّل،لإظهار مزيد الاعتناء بأمر عيسى عليه الصّلاة و السّلام،لكمال رسوخ الاختلاف في شأنه.و هذا هو الدّاعي إلى إضافة (الآل)في الأخيرين دون الأوّلين.

و قيل:المراد ب(الآل)في الموضعين بمعنى النّفس،أي اصطفى آدم و نوحا و إبراهيم و عمران.و ذكر(الآل)فيهما اعتناء بشأنهما،و ليس بشيء.[إلى أن قال:]

و الظّاهر هو القول الأوّل،لأنّ السّورة تسمّى آل عمران،و لم تشرح قصّة عيسى و مريم في سورة أبسط من شرحها في هذه السّورة.و أمّا موسى و هارون فلم يذكر من قصّتهما فيها طرف،فدلّ ذلك على أنّ عمران المذكور هو أبو مريم،و أيضا يرجّح كون المراد به أبا مريم

ص: 190

أنّ اللّه تعالى ذكر اصطفاءها بعد،و نصّ عليه،و أنّه قال سبحانه: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ آل عمران:35.

(3:131)

النّهاونديّ: في«العيون»في حديث...فقال المأمون:هل فضّل اللّه العترة على سائر النّاس؟فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ اللّه تعالى أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.فقال المأمون:أين ذلك في كتاب اللّه؟فقال له الرّضا عليه السّلام:في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ، و قد فسّر (آلَ إِبْراهِيمَ) بآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(1:215)

محمّد جواد مغنيّة: [بعد نقله قول أبي حيّان قال:]

و مهما يكن،فقد ابتدأ اللّه سبحانه بذكر آدم،لأنّه أبو البشر الأوّل،و ثنّى بنوح،و هو أبو البشر الثّاني،لأنّ جميع سكّان الأرض من نسله وحده من أولاده الثّلاثة:

سام،و حام،و يافث؛حيث قضى الطّوفان على جميع النّاس إلاّ نوحا،و اصطفى اللّه كلاّ من آدم و نوح بشخصه، و لذا لم يقترن اسمهما ب«آل»،أمّا إبراهيم و عمران فقد اصطفاهما مع«الآل».

و كما أنّ آدم و نوحا هما أبو البشر،فإنّ إبراهيم أبو الأنبياء جميعا بعد نوح؛حيث لا نبيّ منذ إبراهيم إلاّ من نسله.

و الظّاهر أنّ المراد ب(عمران)في قوله: (آلَ عِمْرانَ) هو أبو مريم جدّ عيسى لا أبو موسى الكليم،لتكراره في الآية الثّانية: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ. [إلى أن قال:]

و قيل:إنّه كان لعمران-أبي موسى الكليم-بنت اسمها مريم أكبر سنّا،و إنّ بين عمران هذا،و عمران جدّ المسيح ألف و ثمانمائة سنة.(2:48)

الطّباطبائيّ: فأمّا (آلَ إِبْراهِيمَ) فظاهر لفظه أنّهم الطّيّبون من ذرّيّته كإسحاق و إسرائيل و الأنبياء من بني إسرائيل و إسماعيل،و الطّاهرون من ذرّيّته و سيّدهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و الملحقون بهم في مقامات الولاية.إلاّ أنّ ذكر (آلَ عِمْرانَ) مع (آلَ إِبْراهِيمَ) يدلّ على أنّه لم يستعمل على تلك السّعة،فإنّ(عمران)هذا إمّا هو أبو مريم أو أبو موسى عليه السّلام،و على أيّ تقدير هو من ذرّيّة إبراهيم و كذا آله،و قد أخرجوا من آل إبراهيم.فالمراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) بعض ذرّيّته الطّاهرين لا جميعهم.

و قد قال اللّه تعالى فيما قال: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:54،و الآية في مقام الإنكار على بني إسرائيل و ذمّهم،كما يتّضح بالرّجوع إلى سياقها،و ما يحتفّ بها من الآيات.و من ذلك يظهر أنّ المراد من (آلَ إِبْراهِيمَ) فيها غير بني إسرائيل،أعني غير إسحاق و يعقوب و ذرّيّة يعقوب، و هم-أي ذرّيّة يعقوب-بنو إسرائيل،فلم يبق لآل إبراهيم إلاّ الطّاهرون من ذرّيّته من طريق إسماعيل، و فيهم النّبيّ و آله.

على أنّا سنبيّن إن شاء اللّه أنّ المراد ب(النّاس)في الآية هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أنّه داخل في (آلَ إِبْراهِيمَ) بدلالة الآية.

على أنّه يشعر به قوله تعالى في ذيل هذه الآيات:

إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ

ص: 191

وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68،و قوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا -إلى أن قال- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ البقرة:127 -129.

فالمراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) الطّاهرون من ذرّيّته من طريق إسماعيل،و الآية ليست في مقام الحصر،فلا تنافي بين عدم تعرّضها لاصطفاء نفس إبراهيم و اصطفاء موسى و سائر الأنبياء الطّاهرين من ذرّيّته من طريق إسحاق،و بين ما تثبتها آيات كثيرة من مناقبهم و سموّ شأنهم و علوّ مقامهم،و هي آيات متكثّرة جدّا لا حاجة إلى إيرادها،فإنّ إثبات الشّيء لا يستلزم نفي ما عداه.

و كذا لا ينافي مثل ما ورد في بني إسرائيل من قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ الجاثية:16،كلّ ذلك ظاهر.

و لا أنّ تفضيلهم على العالمين ينافي تفضيل غيرهم على العالمين،و لا تفضيل غيرهم عليهم،فإنّ تفضيل قوم واحد أو أقوام مختلفين على غيرهم،إنّما يستلزم تقدّمهم في فضيلة دنيويّة أو أخرويّة على من دونهم من النّاس، و لو نافى تفضيلهم على النّاس تفضيل غيرهم،أو نافى تفضيل هؤلاء المذكورين في الآية-أعني آدم و نوح و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين-تفضيل غيرهم على العالمين،لاستلزم ذلك التّنافي بين هؤلاء المذكورين في الآية أنفسهم،و هو ظاهر.

و لا أنّ تفضيل هؤلاء على غيرهم ينافي وقوع التّفاضل فيما بينهم أنفسهم.فقد فضّل اللّه النّبيّين على سائر العالمين و فضّل بعضهم على بعض،قال تعالى:

وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ الأنعام:86،و قال أيضا:

وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ الإسراء:55.

و أمّا (آلَ عِمْرانَ) فالظّاهر أنّ المراد ب(عمران)أبو مريم كما يشعر به تعقيب هاتين الآيتين بالآيات الّتي تذكر قصّة امرأة عمران و مريم ابنة عمران.و قد تكرّر ذكر عمران أبي مريم باسمه في القرآن الكريم،و لم يرد ذكر عمران أبي موسى حتّى في موضع واحد يتعيّن فيه كونه هو المراد بعينه،و هذا يؤيّد كون المراد ب(عمران)في الآية أبا مريم عليها السّلام.و على هذا فالمراد ب (آلَ عِمْرانَ) هو مريم و عيسى عليهما السّلام،أو هما و زوجة عمران.

و أمّا ما يذكر أنّ النّصارى غير معترفين بكون اسم أبي مريم عمران،فالقرآن غير تابع لهواهم.(3:165)

عبد الكريم الخطيب: قد اقتضت حكمته سبحانه أن يصطفي من يشاء من عباده لتلقّي هباته و عطاياه،و أنّ من عباده الّذين اصطفاهم لأفضاله و منحه آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران.

فآدم هو أبو البشر و قد اصطفاه اللّه فجعله خليفته في الأرض،و نوح هو الأب الثّاني للبشريّة،بعد أن هلك البشر بالطّوفان،و إبراهيم هو أبو الأنبياء،و آله هم هؤلاء الأنبياء من ذرّيّته،و عمران هو الفرع الزّاكي من شجرة إبراهيم،و من ذرّيّته موسى و هارون و زكريّا و يحيى و عيسى.

ص: 192

و في قوله تعالى: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ إشارة إلى امتداد الاصطفاء من الأصول إلى الفروع،و لهذا قال تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً لا آل آدم،و لا آل نوح،لأنّ ذلك يشمل الإنسانيّة كلّها،من حيث كان آدم و نوح أبوي البشريّة كلّها،فلا يكون-و الأمر كذلك- مكان للاصطفاء من بين الذّرّيّة المصطفاة كلّها.

(2:433)

2-آل لوط

1- قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. الحجر:58،59

الطّبريّ: إلاّ أتباع لوط،على ما هو عليه من الدّين.

(14:41)

الزّجّاج: استثناء،ليس من الأوّل،المعنى قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ المعنى إنّا أرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط.

(3:181)

الزّمخشريّ: إن قلت:قوله تعالى: إِلاّ آلَ لُوطٍ استثناء متّصل أم منقطع؟

قلت:لا يخلو من أن يكون استثناء من(قوم)فيكون منقطعا،لأنّ القوم موصوفون بالإجرام،فاختلف لذلك الجنسان.و أن يكون استثناء من الضّمير في(مجرمين) فيكون متّصلا،كأنّه قيل:إلى قوم قد أجرموا كلّهم إلاّ آل لوط وحدهم،كما قال: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36.

فإن قلت:فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟

قلت:نعم،و ذلك أنّ (آلَ لُوطٍ) مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال،و على أنّهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصّة،و لم يرسلوا إلى آل لوط أصلا،.و معنى إرسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال الحجر أو السّهم إلى المرميّ،في أنّه في معنى التّعذيب و الإهلاك،كأنّه قيل:أهلكنا قوما مجرمين و لكن آل لوط أنجيناهم.و أمّا في المتّصل فهم داخلون في حكم الإرسال،و على أنّ الملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء و ينجوا هؤلاء،فلا يكون الإرسال مخلصا بمعنى الإهلاك و التّعذيب،كما في الوجه الأوّل.

فإن قلت:فقوله: إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ بم يتعلّق على الوجهين؟

قلت:إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر«لكن» في الاتّصال ب (آلَ لُوطٍ) لأنّ المعنى لكن آل لوط منجّون، و إذا اتّصل كان كلاما مستأنفا كأنّ إبراهيم عليه السّلام قال لهم:

فما حال آل لوط؟فقالوا:إنّا لمنجّوهم.

فإن قلت:فقوله: (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) ممّ استثني،و هل هو استثناء من استثناء؟

قلت:استثني من الضّمير المجرور في قوله: (لَمُنَجُّوهُمْ) و ليس من الاستثناء في شيء،لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنّما يكون فيما اتّحد الحكم فيه،و أن يقال:

أهلكناهم إلاّ آل لوط إلاّ امرأته،كما اتّحد الحكم في قول المطلّق:أنت طالق ثلاثا إلاّ اثنتين إلاّ واحدة،و في قول المقرّ:لفلان عليّ عشرة دراهم إلاّ ثلاثة إلاّ درهما.فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان،لأنّ إِلاّ آلَ لُوطٍ متعلّق ب (أُرْسِلْنا) أو ب (مُجْرِمِينَ) و (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) قد تعلّق ب(منجوهم)فأنّى يكون استثناء من استثناء؟!(2:393)

ص: 193

الميبديّ: يعني أهله المؤمنين،و هم ابنتان و امرأة سوى الغابرة.(5:323)

الطّبرسيّ: استثنى منهم (آلَ لُوطٍ) و هم خاصّته و عشيرته،و إنّما استثناهم منهم و إن لم يكونوا مجرمين، من حيث كانوا من قوم لوط و ممّن بعث إليهم.و قيل:إنّ معناه:لكن آل لوط إنّا لمنجّوهم أجمعين،أي نخلّصهم أجمعين من العذاب.(3:340)

الفخر الرّازيّ: المراد من (آلَ لُوطٍ) أتباعه الّذين كانوا على دينه.(19:199)

نحوه القرطبيّ.(10:36)

النّيسابوريّ: زعم صاحب«الكشّاف»أنّ الإرسال هاهنا في معنى التّعذيب و الإهلاك كإرسال الحجر أو السّهم إلى المرميّ.

و أقول:كأنّه لا حاجة إلى هذا التّجوّز،لقوله: قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ الذّاريات:32،33،فالتّقدير:إنّا أرسلنا إليهم لنهلكهم إلاّ آل لوط.و على هذا يكون الاستثناء منقطعا لاختلاف الجنسين،فإنّ القوم موصوفون بالإجرام دون آل لوط،و يكون قوله: إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ جاريا مجرى خبر«لكن»،كأنّه قيل:لكن قوم لوط منجّون،و يكون قوله: (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) استثناء من الاستثناء أي أرسلنا إليهم لنهلكهم إلاّ آل لوط الاّ امرأته،كقول المقرّ:لفلان عليّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ واحدا.

و جوّز في«الكشّاف»أن يكون قوله: (إِلاّ آلَ لُوطٍ) مستثنى من الضّمير في(مجرمين)حتّى يكون الاستثناء متّصلا،أي إلى قوم قد أجرموا كلّهم إلاّ آل لوط وحدهم.

و لم لا يجوز الاستثناء من الاستثناء بناء على أنّ (آلَ لُوطٍ) مستثنى من معمول (أُرْسِلْنا) أو (مُجْرِمِينَ)، و (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) من معمول(منجوهم)و قد عرفت ما فيه،على أنّه إذا جعل الإرسال بمعنى الإهلاك كما قرّره هو،آل الأمر إلى ما ذكرنا.فلا أدري لم استبعده مع وفور فضله؟

(14:29)

الطّباطبائيّ: هم لوط و خاصّته،و ظهر به:أنّ القوم قومه إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أي مخلصوهم من العذاب (أَجْمَعِينَ) و ظاهر السّياق كون الاستثناء منقطعا.

(12:182)

2- فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. الحجر:61

الميبديّ: إنّما قال: (آلَ لُوطٍ) و هم أتوا لوطا،لأنّهم كانوا في بلدة واحدة.و قيل: (آلَ لُوطٍ) يريد شخصه،كما في الخبر:«و بارك على آل إبراهيم»و عني به إبراهيم.(5:323)

الآلوسيّ: شروع في بيان إهلاك المجرمين و تنجية آل لوط.و وضع الظّاهر موضع الضّمير للإيذان بأنّ مجيئهم لتحقيق ما أرسلوا به من ذلك،و ليس المراد به ابتداء مجيئهم،بل مطلق كينونتهم عند آل لوط.

(14:67)

عبد الكريم الخطيب: هنا سؤال و هو:لما ذا كان الحديث عن لوط في مجيء الرّسل إليه غير موجّه إليه بل كان موجّها إلى«آله»هكذا فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ؟

ص: 194

و لم التزم القرآن هذا التّعبير في كلّ مرّة ورد فيها مجيء الرّسل إلى لوط؟

و الجواب على هذا-و اللّه أعلم-أنّ لوطا عليه السّلام كان هو و آل بيته-غير امرأته-كلّ من آمنوا باللّه في القرية، كما يقول سبحانه و تعالى: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36،و بهذا يكون لوط و من آمن معه من آل بيته،هم كيان واحد سليم في مجتمع هذه القرية الفاسدة.و من هنا كان الحديث إلى لوط في هذا الجسد الّذي يضمّه و يضمّ أهله الّذين آمنوا معه،و الّذين هم أشبه ببعض أعضائه.(7:249)

3- إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ. القمر:34

الطّبريّ: غير آل لوط الّذين صدّقوه و اتّبعوه على دينه.(27:104)

الميبديّ: يعني بناته و من آمن به من أزواجهنّ.

(9:393)

الفخر الرّازيّ: (إِلاّ آلَ لُوطٍ) استثناء ممّا ذا؟إن كان من الّذين قال فيهم: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً فالضّمير في (عَلَيْهِمْ) عائد إلى قوم لوط،و هم الّذين قال فيهم: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ القمر:33،ثمّ قال: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ لكن لم يستثن عند قوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ و آله من قومه،فيكون آله قد كذّبوا و لم يكن كذلك؟

الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ الاستثناء ممّن عاد إليهم الضّمير في (عَلَيْهِمْ) و هم القوم بأسرهم،غير أنّ قوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ لا يوجب كون آله مكذّبين،لأنّ قول القائل:

عصى أهل بلدة كذا،يصحّ و إن كان فيها شرذمة قليلة يطيعون،فكيف إذا كان فيهم واحد أو اثنان من المطيعين لا غير.

فإن قيل:ما له حاجة إلى الاستثناء،لأنّ قوله: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ يصحّ و إن نجا منهم طائفة يسيرة؟

نقول:الفائدة لمّا كانت لا تحصل إلاّ ببيان إهلاك من كذّب و إنجاء من آمن،فكان ذكر الإنجاء مقصودا؛ و حيث يكون القليل من الجمع الكثير مقصودا لا يجوز التّعميم و الإطلاق من غير بيان حال ذلك المقصود بالاستثناء،أو بكلام منفصل،مثاله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ الحجر:30،31 استثنى الواحد لأنّه كان مقصودا.و قال تعالى: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،و لم يستثن؛إذ المقصود بيان أنّها أوتيت،لا بيان أنّها ما أوتيت.و في حكاية إبليس كلاهما مراد ليعلم أنّ من تكبّر على آدم عوقب،و من تواضع أثيب،كذلك القول هاهنا.و أمّا عند التّكذيب فكأنّ المقصود ذكر المكذّبين فلم يستثن.

الجواب الثّاني:أنّ الاستثناء من كلام مدلول عليه، كأنّه قال: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً فما أنجينا من الحاصب إلاّ آل لوط.و جاز أن يكون الإرسال عليهم و الإهلاك يكون عامّا،كما في قوله تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الأنفال:25، فكان الحاصب أهلك من كان الإرسال عليه مقصودا و من لم يكن كذلك،كأطفالهم و دوابّهم و مساكنهم،فما

ص: 195

نجا منهم أحد إلاّ آل لوط.

فإن قيل:إذا لم يكن الاستثناء من قوم لوط بل كان من أمر عامّ فيجب أن يكون لوط أيضا مستثنى؟

نقول:هو مستثنى عقلا،لأنّ من المعلوم أنّه لا يجوز تركه و إنجاء أتباعه.و الّذي يدلّ عليه أنّه مستثنى قوله تعالى عن الملائكة: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ العنكبوت:32،في جوابهم لإبراهيم عليه السّلام، حيث قال: إِنَّ فِيها لُوطاً.

فإن قيل:قوله: إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ الحجر:

59،استثناء من المجرمين،و آل لوط لم يكونوا مجرمين، فكيف استثنى منهم؟

و الجواب:مثل ما ذكرنا،فأحد الجوابين:إنّا أرسلنا إلى قوم يصدق عليهم إنّهم مجرمون و إن كان فيهم من لم يجرم.

ثانيهما:إلى قوم مجرمين بإهلاك يعمّ الكلّ إلاّ آل لوط.(29:58)

القرطبيّ: يعني من تبعه على دينه،و لم يكن إلاّ بنتاه.(17:143)

البروسويّ: هم أهل بيته الّذين نجوا من العذاب، و كانوا ثلاثة عشر.و قيل:يعني لوطا و ابنتيه.(9:280)

3-آل يعقوب

1- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ...

يوسف:6

أبو عبيدة: أي على أهل يعقوب،و الدّليل على ذلك إنّك إذا صغّرت«آل»قلت:«أهيل»،و على أهل ملّته أيضا.(1:302)

الطّبريّ: على أهل دين يعقوب و ملّته،و من ذرّيّته و غيرهم.(12:154)

الزّمخشريّ: (آلِ يَعْقُوبَ) أهله،و هم نسله و غيرهم.(2:303)

الطّبرسيّ: أي و على إخوتك.(3:210)

النّيسابوريّ: المراد ب (آلِ يَعْقُوبَ) نسله.

(12:83)

أبو حيّان: (آلِ يَعْقُوبَ) الظّاهر أنّهم أولاده و نسلهم،أي نجعل النّبوّة فيهم.

و قيل:أهل دينه و أتباعهم،كما جاء في الحديث:

«من آلك؟فقال:كلّ تقيّ».و قيل:امرأته و أولاده الأحد عشر.و قيل:المراد يعقوب نفسه خاصّة.(5:281)

الآلوسيّ: المراد بهم أهله من بنيه و غيرهم، و أصله:أهل،و قيل:أول.و لا يستعمل إلاّ فيمن له خطر مطلقا،و لا يضاف لما لا يعقل و لو كان ذا خطر،بخلاف «أهل»فلا يقال:آل الحجّام و لا آل الحرم،و لكن أهل الحجّام و أهل الحرم،نعم قد يضاف لما نزل منزلة العاقل، كما في قول عبد المطّلب:

و انصر على آل الصّليب و عابديه اليوم آلك

و فيه ردّ على أبي جعفر الزّبيديّ حيث زعم عدم جواز إضافته إلى الضّمير،لعدم سماعه مضافا إليه.

(12:187)

القاسميّ: و هم أهله من بنيه و حاشيتهم،أي يسبغ نعمته عليهم بك.(9:3507)

ص: 196

2- يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا.

مريم:6

الكلبيّ: ليس هو يعقوب بن إسحاق بل هو يعقوب بن ماثان.(الميبديّ 6:9)

مثله مقاتل.(الطّوسيّ 7:106)

الطّوسيّ: كان آل يعقوب أخواله،و هو يعقوب بن ماثان،و كان قيّم الملك منهم،و كان زكريّا من ولد هارون ابن عمران أخي موسى بن عمران.(7:106)

الميبديّ: هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف، و زكريّا كان من آل يعقوب.(6:9)

الزّمخشريّ: قيل:(من)للتّبعيض لا للتّعدية،لأنّ آل يعقوب لم يكونوا كلّهم أنبياء و لا علماء،و كان زكريّا عليه السّلام من نسل يعقوب بن إسحاق.

و قيل:هو يعقوب بن ماتان أخو زكريّا.و قيل:

يعقوب هذا و عمران أبو مريم أخوان من نسل سليمان بن داود.(2:503)

4-آل موسى و هارون

...وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ.

البقرة:248

القفّال: إنّما أضيف ذلك إلى موسى و آل هارون، لأنّ ذلك التّابوت قد تداولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت،و ما في التّابوت أشياء تورثها العلماء من أتباع موسى و هارون؛فيكون(الآل)هم الأتباع،قال تعالى:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

(الفخر الرّازيّ 6:191)

الزّمخشريّ: إن قلت:من آل موسى و آل هارون؟

قلت:الأنبياء من بني يعقوب بعدهما،لأنّ عمران هو ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب،فكان أولاد يعقوب آلهما.و يجوز أن يراد ممّا تركه موسى و هارون،و الآل مقحم لتفخيم شأنهما.(1:380)

نحوه البيضاويّ.(1:130)

الطّبرسيّ: قيل:أراد ب (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) موسى و هارون على نبيّنا و عليهما السّلام،يعني ممّا ترك موسى و هارون.تقول العرب:آل فلان:يريدون نفسه.(1:353)

الفخر الرّازيّ: قال بعض المفسّرين:يحتمل أن يكون المراد من (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) هو موسى و هارون أنفسهما،و الدّليل عليه قوله عليه الصّلاة و السّلام لأبي موسى الأشعريّ:«لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود»و أراد به داود نفسه،لأنّه لم يكن لأحد من آل داود من الصّوت الحسن مثل ما كان لداود عليه السّلام.(6:191)

القرطبيّ: أسند«التّرك»إلى (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) من حيث كان الأمر مندرجا من قوم إلى قوم، و كلّهم آل موسى و آل هارون.و آل الرّجل:قرابته.

(3:250)

أبو حيّان: (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) هم من الأنبياء، إليهما من قرابة أو شريعة.و الّذي يظهر أنّ (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) هم الأنبياء الّذين كانوا بعدهما،فإنّهم كانوا يتوارثون ذلك إلى أن فقد.

ص: 197

[و بعد نقل قول الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ قال:]

و دعوى الإقحام و الزّيادة في الأسماء لا يذهب إليه نحويّ محقّق،و قول الزّمخشريّ:و(الآل)مقحم لتفخيم شأنهما.إن عنى بالإقحام ما يدلّ عليه أوّل كلامه في قوله:

و يجوز أن يراد ممّا ترك موسى و هارون،فلا أدري كيف يفيد زيادة(آل)تفخيم شأن موسى و هارون.و إن عنى ب(الآل)الشّخص فإنّه يطلق على شخص الرّجل آله، فكأنّه قيل:ممّا ترك موسى و هارون أنفسهما،فنسب تلك الأشياء العظيمة الّتي تضمّنها التّابوت إلى أنّها من بقايا موسى و هارون شخصيهما،أي أنفسهما،لا من بقايا غيرهما.

فجرى(آل)هنا مجرى التّوكيد الّذي يراد به أنّ المتروك من ذلك الخير هو منسوب لذات موسى و هارون،فيكون في التّنصيص عليهما بذاتهما تفخيم لشأنهما.و كان ذلك مقحما،لأنّه لو قيل:ممّا ترك موسى و هارون لاكتفى،و كان ظاهر ذلك أنّهما أنفسهما تركا ذلك و ورث عنهما.(2:262)

الطّباطبائيّ: آل الرّجل:خاصّته من أهله، و يدخل فيهم نفسه إذا أطلق،ف (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ)، هم موسى و هارون،و خاصّتهما من أهلهما.(2:291)

5-آل فرعون

1- وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ... البقرة:49

مقاتل: (آلِ فِرْعَوْنَ) هنا أهل مصر.

(أبو حيّان 1:192)

أبو عبيد: أهل بيته خاصّة.(أبو حيّان 1:192)

ابن قتيبة: (آلِ فِرْعَوْنَ): أهل بيته و أتباعه و أشياعه.(48)

الإمام العسكريّ عليه السّلام: هم الّذين كانوا يدنون إليه بقرابته و بدينه و مذهبه.(البحرانيّ 1:96)

الطّبريّ: (آلِ فِرْعَوْنَ): أهل دينه و قومه و أشياعه.

(1:270)

الزّجّاج: (آلِ فِرْعَوْنَ): أتباعه و من كان على دينه، و كذلك آل الأنبياء صلوات اللّه عليهم:من كان على دينهم،و كذلك قولنا:صلّى اللّه على محمّد و آله،معنى آله:

من اتّبعه من أهل بيته و غيرهم.(1:130)

أتباعه على دينه.(أبو حيّان 1:192)

السّجستانيّ: قومه و أهل دينه.(10)

الطّوسيّ: قومه و أتباعه.(1:219)

الميبديّ: (آلِ فِرْعَوْنَ): القبط.(1:182)

الفخر الرّازيّ: (آلِ فِرْعَوْنَ) لا شكّ أنّ المراد منه هاهنا من كان من قوم فرعون،و هم الّذين عزموا على إهلاك بني إسرائيل،ليكون تعالى منجيا لهم منهم،بما تفضّل به من الأحوال الّتي توجب بقاءهم و هلاك فرعون و قومه.(3:67)

القرطبيّ: (آلِ فِرْعَوْنَ): قومه و أتباعه و أهل دينه.

و كذلك آل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من هو على دينه و ملّته في عصره و سائر الأعصار،سواء كان نسيبا له أو لم يكن.

و من لم يكن على دينه و ملّته فليس من آله و لا أهله، و إن كان نسيبه و قريبه.

ص: 198

خلافا للرّافضة (1)حيث قالت:إنّ آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:فاطمة و الحسن و الحسين فقط،دليلنا قوله تعالى: وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،أي آل دينه،إذ لم يكن له ابن و لا بنت و لا أب و لا عمّ و لا أخ و لا عصبة، و لأنّه لا خلاف أنّ من ليس بمؤمن و لا موحّد فإنّه ليس من آل محمّد و إن كان قريبا له،و لأجل هذا يقال:إنّ أبا لهب و أبا جهل ليسا من آله و لا من أهله،و إن كان بينهما و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قرابة،و لأجل هذا قال اللّه تعالى في ابن نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46.

و قالت طائفة: آل محمّد:أزواجه و ذرّيّته خاصّة، لحديث أبي حميد السّاعديّ أنّهم قالوا:يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك؟قال:قولوا:اللّهمّ صلّ على محمّد و على أزواجه و ذرّيّته كما صلّيت على آل إبراهيم،و بارك على محمّد و على أزواجه و ذرّيّته كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد.

و قالت طائفة من أهل العلم: الأهل معلوم،و الآل:

الأتباع.و الأوّل أصحّ لما ذكرناه،و لحديث عبد اللّه بن أبي أوفى:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال:

«اللّهمّ صلّ عليهم»فأتاه أبي بصدقته فقال:«اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى».(1:381)

النّيسابوريّ: المراد ب (آلِ فِرْعَوْنَ) أتباعه و أعوانه الّذين عزموا على إهلاك بني إسرائيل بأمره.(1:308)

2- وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة:50

أبو عبيدة: (آلِ فِرْعَوْنَ): قومه و أهل دينه،و مثلها:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

(1:40)

الطّبرسيّ: و لم يذكر غرق فرعون،لأنّه قد ذكره في مواضع،كقوله: فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ الإسراء:

103،فاختصر لدلالة الكلام عليه،لأنّ الغرض مبنيّ على إهلاك فرعون و قومه.و نظيره قول القائل:«دخل جيش الأمير البادية»و يكون الظّاهر أنّ الأمير معهم.

و يجوز أن يريد ب (آلِ فِرْعَوْنَ) نفسه،كقوله: مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248،يعني موسى و هارون.(1:107)

أبو حيّان: و لم يذكر فرعون فيمن غرق،لأنّ وجوده معهم مستقرّ،فاكتفى بذكر(الآل)هنا،لأنّهم هم الّذين ذكروا في الآية قبل هذه،و نسب تلك الصّفة القبيحة إليهم من سومهم بني إسرائيل العذاب و ذبحهم أبناءهم و استحيائهم نساءهم،فناسب هذا إفرادهم بالغرق.

و قد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر منها:

فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ القصص:40، حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ يونس:90، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه:

78.(1:198)

البروسويّ: يريد فرعون و قومه،للعلم بدخولهم.

ص: 199


1- هذه الكلمة تعدّ من التّنابز بالألقاب و كم لها من نظير بين فرق المسلمين.فيجب على المسلمين الحذر من اشتعالها فيما يقولون و فيما يسطرون،حفاظا على أخوتهم و وحدتهم.

فيهم،و كونه أولى به منهم.(1:131)

الآلوسيّ: في الكلام حذف يدلّ عليه المعنى، و التّقدير: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ و تبعكم فرعون و جنوده في تقحّمه فَأَنْجَيْناكُمْ أي من الغرق،أو من إدراك فرعون و آله لكم،أو ممّا تكرهون.و كنى سبحانه ب (آلِ فِرْعَوْنَ) عن فرعون و آله،كما يقال:بني هاشم، و قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الإسراء:70، يعني هذا الجنس الشّامل لآدم،أو اقتصر على ذكر (الآل)لأنّهم إذا عذّبوا بالإغراق كان مبدأ العناد و رأس الضّلال أولى بذلك.و قد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر من كتابه،كقوله سبحانه: فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً الإسراء:103 فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ القصص:40،و حمل(الآل)على الشّخص- حيث إنّه ثبت لغة كما في«الصّحاح»-ركيك غير مناسب للمقام،و إنّما المناسب له التّعميم.(1:255)

3- وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ.

الأعراف:130

الطّبريّ: و لقد اختبرنا قوم فرعون و أتباعه،على ما هم عليه من الضّلالة،بالسّنين.(9:28)

نحوه الطّبرسيّ(2:466)،و البروسويّ(3:217).

الآلوسيّ: المراد ب (آلَ فِرْعَوْنَ) أتباعه من القبط.

و إضافة(الآل)إليه و هو لا يضاف إلاّ إلى الأشراف،لما فيه من الشّرف الدّنيويّ الظّاهر،و إن كان في نفس الأمر خسيسا.(9:31)

رشيد رضا: [بعد نقل قول الرّاغب قال:]

إنّ آلَ فِرْعَوْنَ أطلق في القرآن على أهل بيته خاصّة،في موضع واحد لا يحتمل غيرهم،و في موضع آخر محتمل لغيرهم،فالأوّل قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و الثّاني قوله: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28.

و أطلق كثيرا بمعنى ملأه،و خاصّة أتباعه أو جملتهم، كقوله: وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46، وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ البقرة:49، وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ القمر:41.

كذلك كثر ذكر ملإ فرعون في إرسال موسى إليهم، و ما دار بين فرعون و بينه،و هم أشراف قومه و رجال دولته كما تقدّم.و لو لا أن ورد ذكر قومه في بعض الآيات لحملنا(الآل)في الآية-الّتي نحن بصدد تفسيرها و في أمثالها-عليهم دون سائر قومه.فقد قال تعالى في أوّل قصّة موسى: وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ الشّعراء:10،11، و قال: وَ لَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ الدّخان:17،و من الواضح أنّ عامّة قوم فرعون ينالهم من عذاب الأخذ بالسّنين و نقص الثّمرات ما لا ينال فرعون و أهل بيته و خاصّة ملئه.فالمراد ب(آله) قومه،و هم أهل مصر في عهده،و هم مؤاخذون بظلمه و طغيانه،لأنّ قوّته الماليّة و الجنديّة منهم.و قد خلقهم اللّه أحرارا و كرّمهم بالعقل و الفطرة الّتي تكره الظّلم و الطّغيان بالغريزة،فكان حقّا عليهم أن لا يقبلوا استعباده لهم و جعلهم آلة لطغيانه و إرضاء كبريائه

ص: 200

و شهواته،و لا سيّما بعد بعثة موسى و وصول دعوته إليهم و رؤيتهم لما أيّده اللّه به من الآيات.(9:86)

المراغيّ: (آلَ فِرْعَوْنَ): قومه و خاصّته و أعوانه في أمور الدّولة،و هم الملأ من قومه.و لا يستعمل هذا اللّفظ إلاّ فيمن يختصّ بالإنسان بقرابة قريبة،كما قال عزّ اسمه: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ آل عمران:33،أو بموالاة و متابعة في الرّأي كما قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.(9:40)

4- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً... القصص:8

عبد الرّحمن بن زيد: إنّ امرأة فرعون خرجت إلى البحر و كانت برصاء،فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها،فقالت:هذا الصّبيّ مبارك.

(الماورديّ 4:236).

ابن عبّاس: أنّه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها.(الماورديّ 4:236)

السّدّيّ: أقبل الموج بالتّابوت يرفعه مرّة و يخفضه أخرى،حتّى أدخله بين أشجار،عند بيت فرعون.

فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن فوجدن التّابوت فأدخلنه إلى آسية،و ظننّ أنّ فيه مالا،فلمّا نظرت إليه آسية،وقعت عليها رحمته،فأحبّته،فلمّا أخبرت به فرعون،أراد أن يذبحه،فلم تزل آسية تكلّمه،حتّى تركه لها،قال:إنّي أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل،و أن يكون هذا الّذي على يديه هلاكنا، فذلك قول اللّه: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً. (الطّبريّ 20:31)

ابن إسحاق: أصبح فرعون في مجلس له،كان يجلسه على شفير النّيل كلّ غداة،فبينما هو جالس،إذ مرّ النّيل بالتّابوت يقذف به،و آسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه،فقالت:إنّ هذا لشيء في البحر، فأتوني به،فخرج إليه أعوانه،حتّى جاءوا به،ففتح التّابوت فإذا فيه صبيّ في مهده،فألقى اللّه عليه محبّته، و عطف عليه نفسه.(الطّبريّ 20:32)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله:

(آلُ فِرْعَوْنَ) في هذا الموضع،فقال بعضهم:عنى بذلك:

جواري امرأة فرعون.

و قال آخرون: بل عنى به ابنة فرعون.ذكر من قال ذلك.

عن محمّد بن قيس،قال: كانت بنت فرعون برصاء،فجاءت إلى النّيل،فإذا التّابوت في النّيل تخفقه الأمواج،فأخذته بنت فرعون،فلمّا فتحت التّابوت، فإذا هي بصبيّ،فلمّا أطلعت في وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلى أمّها،فقالت:إنّ هذا الصّبيّ مبارك لمّا نظرت إليه برئت.

و قال آخرون: عني به أعوان فرعون.

و لا قول في ذلك عندنا أولى بالصّواب،ممّا قال اللّه عزّ و جلّ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، و قد بيّنّا معنى الآل فيما مضى،بما فيه الكفاية من إعادته هاهنا.(20:31)

الميبديّ:آل الرّجل:شيعته و خاصّته.

(7:276)

ص: 201

ابن عطيّة: أهله و جملته،و روي أنّ آسية امرأة فرعون رأت التّابوت يعوم في اليمّ فأمرت بسوقه و فتحته فرأت فيه صبيّا صغيرا فرحمته و أحبّته.

(4:277)

الفخر الرّازيّ: و المراد ب (آلُ فِرْعَوْنَ) جواريه.

(24:228)

5- وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ... المؤمن:28

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الصّدّيقون ثلاثة:حبيب النّجّار مؤمن آل يس الّذي يقول: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اِتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ يس:20،21، و حزقيل مؤمن آل فرعون،و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، هو أفضلهم.(البحرانيّ 4:96)

ابن عبّاس: لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره و غير امرأة فرعون،و غير المؤمن الّذي أنذر موسى فقال: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ القصص:

20.(الطّبرسيّ 4:521)

الإمام الباقر عليه السّلام: كان خازن فرعون مؤمنا بموسى،قد كتم إيمانه...و هو الّذي قال اللّه: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ.

(البحرانيّ 4:95)

السّدّيّ: هو ابن عمّ فرعون.و يقال:هو الّذي نجا مع موسى.(الطّبريّ 24:58)

كان رجلا قبطيّا ابن عمّ فرعون،و زوج ماشطة بنت فرعون.

مثله مقاتل.(الميبديّ 8:466)

الإمام الرّضا عليه السّلام: كان ابن خال فرعون،فنسبه إليه فرعون بنسبه،و لم يضفه إليه بدينه.

(البحرانيّ 4:96)

الطّبريّ: اختلف أهل العلم في هذا الرّجل المؤمن، فقال بعضهم:كان من قوم فرعون،غير أنّه كان قد آمن بموسى،و كان يسرّ إيمانه من فرعون.[و بعد نقل قول السّدّيّ قال:]

و قال آخرون: بل كان الرّجل إسرائيليّا،و لكنّه كان يكتم إيمانه من آل فرعون.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب عندي القول الّذي قاله السّدّيّ:من أنّ الرّجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه،و استمع منه ما قاله،و توقّف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله،و قيله ما قال.و قال له:

ما أريكم إلاّ ما أرى،و ما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد.و لو كان إسرائيليّا لكان حريّا أن يعاجل هذا القائل له و لملئه ما قال،بالعقوبة على قوله،لأنّه لم يكن يستنصح بني إسرائيل،لاعتداده إيّاهم أعداء له،فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا،و لكنّه لمّا كان من ملإ قومه،استمع قوله،و كفّ عمّا كان همّ به في موسى.(24:57)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّ هذا الرّجل،أعني مؤمن آل فرعون كان يسمّى سمعان،و قيل:كان اسمه حبيبا.و يكون (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صفة للرّجل،و يكون (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) معه محذوف،و يكون المعنى يكتم إيمانه

ص: 202

منهم،و يكون(يكتم)من صفة رجل،فيكون المعنى:

و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.

(4:371)

الميبديّ: قال قوم من المفسّرين:هو رجل إسرائيليّ و ما كان قبطيّا.فعلى هذا القول في الآية تقديم و تأخير،أي و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون،لأنّه لم يكن مؤمن من آل فرعون أبدا.

(8:466)

الزّمخشريّ: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صفة ل(رجل)أو صلة ل(يكتم)،أي يكتم إيمانه من آل فرعون،و اسمه سمعان أو حبيب،و قيل:خربيل أو حزبيل،و الظّاهر أنّه كان من آل فرعون،فإنّ المؤمنين من بني إسرائيل لم يقلّوا و لم يعزوا،و الدّليل عليه قول فرعون: أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ المؤمن:25،و قول المؤمن: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ جاءَنا المؤمن:29،دليل ظاهر على أنّه يتنصّح لقومه.(3:423)

الطّبرسيّ: و قيل:إنّه كان وليّ عهده من بعده، و كان اسمه حبيب،و قيل:اسمه حزبيل.(4:521)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في ذلك الرّجل الّذي كان من آل فرعون،فقيل:إنّه كان ابن عمّ له و كان جاريا مجرى وليّ العهد و مجرى صاحب الشّرطة.و قيل:كان قبطيّا من آل فرعون و ما كان من أقاربه.و قيل:إنّه كان من بني إسرائيل.

و القول الأوّل أقرب،لأنّ لفظ(الآل)يقع على القرابة و العشيرة.(27:57)

القرطبيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ اسم هذا الرّجل حبيب،و قيل:شمعان،بالشّين المعجمة.قال السّهيليّ:و هو أصحّ ما قيل فيه.

و في تاريخ الطّبريّ رحمه اللّه:اسمه خبرك،و قيل:

حزقيل.ذكره الثّعلبيّ عن ابن عبّاس و أكثر العلماء، و قيل:خربيل أو حزبيل.

و اختلف هل كان إسرائيليّا أو قبطيّا؟

فقال الحسن و غيره:كان قبطيّا.و يقال:إنّه كان ابن عمّ فرعون،قاله السّدّيّ،قال:و هو الّذي نجا مع موسى عليه السّلام،و لهذا قال: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [إلى أن قال:]

و قيل:كان هذا الرّجل من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون،عن السّدّيّ أيضا.

ففي الكلام على هذا تقديم و تأخير،و التّقدير:و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.

فمن جعل الرّجل قبطيّا ف(من)عنده متعلّقة بمحذوف صفة لرجل،التّقدير:و قال رجل مؤمن منسوب من آل فرعون،أي من أهله و أقاربه.و من جعله إسرائيليّا(فمن)متعلّقة ب(يكتم)في موضع المفعول الثّاني ل(يكتم).القشيريّ:و من جعله إسرائيليّا ففيه بعد،لأنّه يقال:كتمه أمر كذا،و لا يقال:كتم منه.(15:306)

البروسويّ: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) فهو صفة ثانية ل(رجل)،و قوله: (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) صفة ثالثة،قدّم الأوّل أعني(مؤمن)لكونه أشرف الأوصاف.ثمّ الثّاني لئلاّ يتوهّم خلاف المقصود؛و ذلك لأنّه لو أخّر عن (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) لتوهّم أنّ(من)صلته،فلم يفهم أنّ ذلك الرّجل كان من آل فرعون.[إلى أن قال:]

ص: 203

قال في«التّكملة»:فإن قلت:(الآل)قد يكون في غير القرابة بدليل قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،و لم يرد إلاّ كلّ من كان على دينه من ذوي قرابته و غيرهم.

فالجواب:أنّ هذا الرّجل لم يكن من أهل دين فرعون و إنّما كان مؤمنا،فإذا لم يكن من أهل دينه فلم يبق لوصفه بأنّه من آله إلاّ أن يكون من عشيرته، انتهى.

و قيل:كان إسرائيليّا ابن عمّ قارون،أو أبوه من آل فرعون و أمّه من بني إسرائيل،فيكون (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صلة (يَكْتُمُ). و فيه أنّه لا مقتضى هنا لتقديم المتعلّق.

و أيضا أنّ فرعون كان يعلم إيمان بني إسرائيل،أ لا ترى إلى قوله: أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ المؤمن:25،فكيف يمكنهم أن يفعلوا،كذلك مع فرعون.

و قيل:كان عربيّا موحّدا ينافقهم لأجل المصلحة.(8:177)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صفة رجل و (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) صفة أخرى،فكان الرّجل من القبط من خاصّة فرعون،و هم لا يعلمون بإيمانه لكتمانه إيّاهم ذلك تقيّة.

و قيل:قوله: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) مفعول ثان لقوله:

(يَكْتُمُ) قدّم عليه،و الغالب فيه و إن كان التّعدّي إلى المفعول الثّاني بنفسه،كما في قوله: وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً النّساء:42،لكنّه قد يتعدّى إليه ب(من)كما صرّح به في«المصباح».

و فيه أنّ السّياق يأباه فلا نكتة ظاهرة تقتضي تقدّم المفعول الثّاني على الفعل من حصر و نحوه.على أنّ الرّجل يكرّر نداء فرعون و قومه بلفظة«يا قومي»و لو لم يكن منهم لم يكن له ذلك.(17:328)

عبد الكريم الخطيب: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي من آل بيته،و من الرّءوس البارزة في دولة فرعون،فقد يكون أميرا،أو وزيرا،أو قائد جند،و نحو هذا.

(12:1325)

6- وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ. القمر:41

الفخر الرّازيّ: ما الفائدة في لفظ (آلَ فِرْعَوْنَ) بدل «قوم فرعون»؟

نقول:القوم أعمّ من الآل،فالقوم:كلّ من يقوم الرّئيس بأمرهم أو يقومون بأمره،و الآل:كلّ من يؤول إلى الرّئيس خيرهم و شرّهم،أو يؤول إليهم خيره و شرّه.فالبعيد الّذي لا يعرفه الرّئيس و لا يعرف هو عين الرّئيس و إنّما يسمع اسمه،فليس هو بآله.

إذا عرفت الفرق،نقول:قوم الأنبياء الّذين هم غير موسى عليهم السّلام،لم يكن فيهم قاهر يقهر الكلّ و يجمعهم على كلمة واحدة،و إنّما كانوا هم رؤساء و أتباعا.

و الرّؤساء إذا كثروا لا يبقى لأحد منهم حكم نافذ على أحد.أمّا على من هو مثله فظاهر،و أمّا على الأراذل فلأنّهم يلجئون إلى واحد منهم،و يدفعون به الآخر فيصير كلّ واحد برأسه،فكأنّ الإرسال إليهم جميعا.

و أمّا فرعون فكان قاهرا يقهر الكلّ،و جعلهم بحيث لا يخالفونه في قليل و لا كثير،فأرسل اللّه إليه الرّسول وحده،غير أنّه كان عنده جماعة من التّابعين المقرّبين

ص: 204

مثل قارون،تقدّم عنده لماله العظيم،و هامان لدهائه، فاعتبرهم اللّه في الإرسال؛حيث قال في مواضع: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ الزّخرف:

46،و قال تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذّابٌ المؤمن:23،24،و قال: وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ العنكبوت:39، لأنّهم إن آمنوا آمن الكلّ،بخلاف الأقوام الّذين كانوا قبلهم و بعدهم.فقال: وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ و قال كثيرا مثل هذا كما في قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46، وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ المؤمن:28،و قال بلفظ«الملأ» أيضا كثيرا.(29:63)

البروسويّ: اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنّه أولى بالنّذر،أي و باللّه لقد جاءهم الإنذارات من جهة موسى و هارون عليهما السّلام،كأنّه قيل:فما ذا فعلوا حينئذ؟ فقيل: كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها القمر:42.(9:281)

الآلوسيّ: الاكتفاء بذكر (آلَ فِرْعَوْنَ) للعلم بأنّ نفسه أولى بذلك،فإنّه رأس الطّغيان و مدّعي الألوهيّة، و القول بأنّه إشارة إلى إسلامه ممّا لا يلتفت إليه.

(27:91)

6-آل داود

...اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ. سبأ:13

البغويّ: أي و قلنا: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً مجازه:اعملوا يا آل داود بطاعة اللّه،شكرا له على نعمه.

قيل:المراد من (آلَ داوُدَ) هو داود نفسه.و قيل:

داود و سليمان و أهل بيته.(5:234)

الآلوسيّ: (آل)منادى،حذف منه حرف النّداء.

[إلى أن قال:]

و جوّز بعض الأفاضل دخول(داود)عليه السّلام في(الآل) هنا،لأنّ«آل الرّجل»قد يعمّه.(22:120)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير(آل)على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:(آل)يعني قومه فذلك قوله: وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ القمر:41،يعني فرعون و قومه القبط،و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،يعني فرعون و قومه أهل ملّته القبط، وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28،يعني من قوم فرعون.

و الوجه الثّاني:(آل)يعني أهل بيت الرّجل،فذلك قوله: إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ القمر:34،يعني لوطا و ابنتيه.و قال: فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ الحجر:61،يعني أهل لوط.و قال أيضا: إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:58،59،يعني لوطا و أهله.ثمّ استثنى من أهله فقال:(الا امراته)لا ننجها.

و الوجه الثّالث:(آل)يعني ذرّيّة الرّجل و إن سفل، فذلك قوله: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ يعني إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط. وَ آلَ

ص: 205

عِمْرانَ آل عمران:33،يعني موسى و هارون اختارهم للرّسالة.(271)

مثله هارون الأعور(295)،و الدّامغانيّ(66)، و نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:162).

لاحظ الأصول اللّغويّة و الاستعمال القرآنيّ لهذه الكلمة في(أول).

ص: 206

أ و ل

اشارة

8 ألفاظ،79 مرّة:66 مكّيّة،13 مدنيّة

في 36 سورة:28 مكّيّة،8 مدنيّة

تأويل 7:7 الأوّل 2:1-1

تأويلا 2:1-1 لأوّلنا 1:-1

تأويله 8:6-2 الأوّلون 6:5-1

أوّل 21:15-6 الأوّلين 32:31-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: فأمّا الأوائل من الأوّل،فمنهم من يقول:

تأسيس بنائه من همزة و واو و لام.و منهم من يقول:

تأسيسه من واوين بعدهما لام،و لكلّ حجّة،قال (1)في وصف الثّور و الكلاب:

*جهام تحثّ الوائلات أواخره*

رواية أبي الدّقيش.و قال أبو خيرة:تحثّ الأوّلات أواخره.

و الأوّل و الأولى بمنزلة أفعل و فعلى.و جمع أوّل:

أوّلون،و جمع أولى:أوليات،كما أنّ جمع الأخرى:

أخريات.

فمن قال:إنّ تأليفها من همزة و واو و لام،فكان ينبغي أن يكون«أفعل»منه:آول ممدود،كما تقول من آب يئوب:آوب.و لكنّهم احتجّوا بأن قالوا:أدغمت تلك المدّة في الواو،لكثرة ما جرى على الألسن.

و من قال:إنّ تأليفها من واوين و لام،جعل الهمزة ألف«أفعل»و أدغم إحدى الواوين في الأخرى، و شدّدهما.

و تقول:رأيته عاما أوّل يا فتى،لأنّ«أوّل»على بناء «أفعل».و من نوّن حمله على النّكرة،و من لم ينوّن فهو بابه.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّأوّل و التّأويل:تفسير الكلام الّذي تختلف معانيه،و لا يصحّ إلاّ ببيان غير لفظه.(8:368)

آل يؤول إليه،إذا رجع إليه،تقول:طبخت النّبيذ

ص: 207


1- أي و قال الشّاعر.

و الدّواء فآل إلى قدر كذا و كذا:إلى الثّلث أو الرّبع،أي رجع.(8:359)

و الإيال،بوزن فعال:وعاء يؤال فيه شراب أو عصير أو نحو ذلك،يقال:ألت الشّراب أءوله أولا؛ قال:

ففتّ الختام و قد أزمنت و أحدث بعد إيال إيالا

و هو الخثر،و كذلك بول الإبل الّتي جزأت بالرّطب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و المصدر منه:الأول و الأوول.(8:358)

سيبويه: أوّل«أفعل»لا فعل له،لاعتلال فائه و عينه.(ابن عطيّة 1:134)

أبو زيد: يقال:لقيته عام الأوّل و يوم الأوّل،جرّ آخره.

يقال:جاء فلان في أوّليّة النّاس،إذا جاء في أوّلهم.

(الأزهريّ 15:457)

كان الجاهليّة يسمّون يوم الأحد:الأوّل.

(ابن فارس 1:159)

ناقة أوّلة و جمل أوّل،إذا تقدّما الإبل.

(ابن فارس 1:158)

الأصمعيّ: آل القطران يؤول أولا،إذا خثر،و آل ماله يؤوله إيالة،إذا أصلحه و ساسه.

(الأزهريّ 15:437)

الآلة:سرير الميّت.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:441)

آل الرّجل رعيّته يؤولها،إذا أحسن سياستها.

يقال:رددته إلى آئلته،أي طبعه وسوسه. (1)

(ابن فارس 1:160)

أبو عبيد: التّأويل:المرجع و المصير،مأخوذ من:آل يؤول إلى كذا،أي صار إليه.

و أوّلته:صيّرته إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:460)

ابن الأعرابيّ: الأوّل:الرّجوع،و قد آل يؤول أولا.

و الأول:بلوغ طيب الدّهن بالعلاج.

(الأزهريّ 15:437)

خذ هذا أوّل ذات يدين و أوّل ذي أوّل،و أوّل أوّل، أي قبل كلّ شيء.(ابن فارس 1:158)

ابن السّكّيت: يقال:«أوّل الحكم إلى أهله»أي أرجعه و ردّه إليهم.(ابن فارس 1:159)

أبو حاتم: آل اللّبن على الإصبع،و ذلك أن يروب، فإذا جعلت فيه الإصبع قيل:آل عليها.

(ابن فارس 1:160)

أبو الهيثم: تقول العرب:«أوّل ما أطلع ضبّ ذنبه».يقال ذلك للرّجل يصنع الخير و لم يكن صنعه قبل ذلك.

و العرب ترفع«أوّل»و تنصب«ذنبه»على معنى:

أوّل ما أطلع ذنبه.

و منهم من يرفع«أوّل»و يرفع«ذنبه»،على معنى:

أوّل شيء أطلعه ذنبه.

و منهم من ينصب«أوّل»و ينصب«ذنبه»،على أن يجعل«أوّل»صفة.ه.

ص: 208


1- أصله و طبعه.

و منهم من ينصب«أوّل»و يرفع«ذنبه»،على معنى:

في أوّل ما أطلع ضبّ ذنبه،أي في أوّل ذلك.

(الأزهريّ 15:458)

يقال:«إنّما طعام فلان القفعاء و التّأويل»-و التّأويل:

نبت يعتلفه الحمار،و القفعاء:شجرة لها شوك-و يضرب هذا للرّجل إذا استبلد فهمه،و شبّه بالحمار في ضعف عقله.

(الأزهريّ 15:459)

فلان آيل مال و عائس مال و مراقح مال و إزاء مال و سربال مال،إذا كان حسن القيام عليه و السّياسة له.

و كذلك خال مال و خائل مال.(ابن منظور 11:36)

ثعلب: التّأويل و التّغيير واحد.

(الأزهريّ 15:458)

المبرّد: «أوّل»يكون على ضربين:يكون اسما، و يكون نعتا موصولا به:من كذا.

فأمّا كونه نعتا،فقولك:هذا رجل أوّل منك،و جاءني زيد أوّل من مجيئك،و جئتك أوّل من أمس.

و أمّا كونه اسما،فقولك:ما تركت أوّلا و لا آخرا.كما تقول:ما تركت له قديما و لا حديثا.

و على أيّ الوجهين سمّيت به رجلا انصرف في النّكرة،لأنّه في باب الأسماء بمنزلة«أفكل»و في باب النّعوت بمنزلة«أحمر».(الأزهريّ 15:457)

الزّجّاج: و معنى«أوّل»في اللّغة على الحقيقة:ابتداء الشّيء،فجائز أن يكون المبتدأ له آخر،و جائز أن لا يكون له آخر،فالواحد أوّل العدد و العدد غير متناه، و نعيم الجنّة أوّل و هو غير منقطع.

و قولك:هذا أوّل مال كسبته،جائز ألاّ يكون بعده كسب،و لكن إرادتك:«هذا ابتداء كسبي».

و لو قال قائل:أوّل عبد أملكه فهو حرّ،فملك عبدا، أعتق ذلك العبد،لأنّه قد ابتدأ الملك.(1:445)

ابن دريد: أوّل«فوعل»،قال قوم:هو فوعل أيضا ليس أفعل،كان الأصل«ووّلا»فقلبت الواو الأولى همزة و أدغمت واو فوعل في عين الفعل فهي واو،فقالوا:

أوّل.(3:363)

تقول:ألت الإبل أءولها أولا و إيالا،إذا أحسنت سياستها و القيام عليها.

و آل اللّبن يؤول أولا،إذا خثر.و آل العسل و القطران يؤول أولا،إذا عقدته بالنّار حتّى يخثر.

(3:273)

الأزهريّ: [بعد نقله قول الأصمعيّ قال:]

و منه قولهم:«ألنا و إيل علينا»أي سسنا و ساسونا.

و يقال لأبوال الإبل الّتي جزأت بالرّطب في آخر جزئها:قد آلت تؤول أولا،أي:خثرت،فهي آئلة.

(15:437)

[بعد نقله قول الخليل قال:]

و الّذي نعرفه:آل الشّراب،إذا خثر،و انتهى بلوغه و منتهاه من الإسكار،و لا يقال:ألت الشّراب.

و الإيال،مصدر:آل يؤول أولا و إيالا.

[قيل:]آل فلان من فلان،أي و أل منه و نجا،و هي لغة الأنصار.[ثمّ استشهد بشعر]

يقولون:رجل آيل،مكان«وائل».

ص: 209

و آل لحم النّاقة،إذا ذهب.[ثمّ استشهد بشعر]

(15:441)

[و بعد نقله قول الخليل في«الأوّل»قال:]

و يجمع«الأوّل»على«الأوّل»مثل الأكبر و الكبر، و كذلك«الأولى».

و منهم من شدّد الواو من«أوّل»مجموعا.

(15:456)

قد قال بعض اللّغويّين في اشتقاق الأوّل:إنّه«أفعل» من آل يؤول،و أولى«فعلى»منه،فكأنّ«أوّل»في الأصل:أأول،فقلبت الهمزة الثّانية واوا،و أدغمت في الواو الأخرى،فقيل:أوّل.

و عزي هذا القول إلى سيبويه،و كأنّه من قولهم:آل يؤول،إذا نجا و سبق.و مثله:و أل يئل،بمعناه.

(15:457)

قال أبو سعيد[الأصمعيّ: ]العرب تقول:«أنت في ضحائك بين القفعاء و التّأويل».و هما نبتان محمودان من مراعي البهائم،فإذا أرادوا أن ينسبوا الرّجل إلى أنّه بهيمة،إلاّ أنّه مخصب موسّع عليه،ضربوا له هذا المثل.

و أنشد غيره (1)لأبي وجزة:

عزب المراتع نظّار أطاع له

من كلّ رابية مكر و تأويل

و رأيت في تفسيره (2)أنّ«التّأويل»اسم بقلة يولع بها بقر الوحش،تنبت في الرّمل.

قلت:المكر و القفعاء معروفان،قد رأيتهما في البادية، و أمّا التّأويل فما سمعته إلاّ في شعر أبي وجزة هذا، و قد رعاه.(15:459)

الخطّابيّ: أوّلت الشّيء:رددته إلى أوّله،فاللّفظة مأخوذة من«الأول».(أبو حيّان 4:306)

ابن جنّيّ: آل اللّبن إيالا:تخثّر فاجتمع بعضه إلى بعض،و ألته أنا.و ألبان أيّل.(ابن منظور 11:34)

الجوهريّ: التّأويل:تفسير ما يؤول إليه الشّيء، و قد أوّلته و تأوّلته تأوّلا؛بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و الآلة:الأداة،و الجمع:الآلات.و الآلة أيضا:واحدة الآل و الآلات،و هي خشبات تبنى عليها الخيمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآلة:الجنازة.[ثمّ استشهد بشعر]

الآلة:الحالة،يقال:هو بآلة سوء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإيالة:السّياسة،يقال:آل الأمير رعيّته يؤولها أولا و إيالا،أي ساسها و أحسن رعايتها.و في كلام بعضهم:«قد ألنا و إيل علينا».

و آل ماله،أي أصلحه و ساسه.

و الائتيال:الإصلاح و السّياسة.[ثمّ استشهد بشعر، إلى أن قال:]

و الآئل:اللّبن الخاثر،و الجمع:أيّل،مثل قارح و قرّح،و حائل و حوّل.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:1627)

الأوّل:نقيض الآخر،و أصله:أوأل على«أفعل» مهموز الأوسط،قلبت الهمزة واوا و أدغم،يدلّ على ذلكد.

ص: 210


1- يعني غير أبي سعيد.
2- الظّاهر:تفسير أبي سعيد.

قولهم:هذا أوّل منك.و الجمع:الأوائل و الأوالي أيضا، على القلب.

و قال قوم:ووّل على«فوعل»فقلبت الواو الأولى همزة.و إنّما لم يجمع على«أواول»لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع.

و هو إذا جعلته صفة لم تصرفه،تقول:لقيته عاما أوّل،و إذا لم تجعله صفة صرفته،تقول:لقيته عاما أوّلا.

قال:ابن السّكّيت:و لا تقل:عام الأوّل.

و تقول:ما رأيته مذ عام أوّل،و مذ عام أوّل.فمن رفع «الأوّل»جعله صفة لعام،كأنّه قال:أوّل من عامنا،و من نصبه جعله كالظّرف كأنّه قال:مذ عام قبل عامنا.

و إذا قلت:ابدأ بهذا أوّل،ضممته على الغاية، كقولك:فعلته قبل،و إن أظهرت المحذوف نصبت فقلت:

ابدأ به أوّل فعلك،كما تقول:قبل فعلك.

و تقول:ما رأيته مذ أمس،فإن لم تره يوما قبل أمس قلت:ما رأيته مذ أوّل من أمس،فإن لم تره مذ يومين قبل أمس قلت:ما رأيته مذ أوّل من أوّل من أمس،و لم تجاوز ذلك.

و تقول:هذا أوّل بيّن الأوّليّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول في المؤنّث:هي الأولى،و الجمع:الأول،مثل أخرى و أخر.و كذلك الجماعة الرّجال من حيث التّأنيث.

[ثمّ استشهد بشعر](5:1838)

ابن فارس: الهمزة و الواو و اللاّم أصلان:ابتداء الأمر،و انتهاؤه.

أمّا الأوّل ف«الأوّل»و هو مبتدأ الشّيء،و المؤنّثة «الأولى»مثل أفعل و فعلى،و جمع الأولى:أوليات،مثل الأخرى.

فأمّا«الأوائل»فمنهم من يقول:تأسيس بناء«أوّل» من همزة و واو و لام،و هو القول.و منهم من يقول:

تأسيسه من واوين بعدهما لام.و قد قالت العرب للمؤنّثة:أوّلة،و جمعوها:أوّلات.[ثمّ استشهد بشعر، و بعد نقل قول أبي زيد قال:]

و القياس في جمعه:«أواول»إلاّ أنّ كلّ واو وقعت طرفا أو قريبة منه بعد ألف ساكنة قلبت همزة.

و يقولون:أمّا أوّل ذات يدين فإنّي أحمد اللّه.و الصّلاة الأولى،سمّيت بذلك،لأنّها أوّل ما صلّي.

و الأصل الثّاني[قول الخليل الّذي تقدّم،و بعد نقل أقوال الخليل و ابن السّكّيت و أبو حاتم قال:]

و آل القطران،إذا خثر.و آل جسم الرّجل،إذا نحف، و هو من الباب،لأنّه يحور و يحري،أي يرجع إلى تلك الحال.

و الإيالة:السّياسة من هذا الباب،لأنّ مرجع الرّعيّة إلى راعيها.

و تقول العرب في أمثالها:«ألنا و إيل علينا»أي سسنا و ساسنا غيرنا.[ثمّ استشهد بشعر](1:158)

أبو هلال: الفرق بين قولنا«الأوّل»و بين قولنا «قبل»و بين قولنا«آخر»و قولنا«بعد»:أنّ الأوّل هو من جملة ما هو أوّله،و كذلك الآخر من جملة ما هو آخره.

و ليس كذلك ما يتعلّق ب«قبل و بعد»،و ذلك أنّك إذا قلت:

زيد أوّل من جاءني من بني تميم و آخره،أوجب ذلك أن يكون زيد من بني تميم.و إذا قلت:جاءني زيد قبل بني تميم أو بعدهم،لم يجب أن يكون زيد منهم.فعلى هذا

ص: 211

يجب أن يكون قولنا:اللّه أوّل الأشياء في الوجود و آخرها؛أن يكون اللّه من الأشياء،و قولنا:إنّه قبلها أو بعدها لم يوجب أنّه منها و لا أنّه شيء،إلاّ أنّه لا يجوز أن يطلق ذلك دون أن يقال:إنّه قبل الأشياء الموجودة سواه أو بعدها،فيكون استثناؤه من الأشياء لا يخرجه من أن يكون شيئا.

و«قبل»و«بعد»لا يقتضيان زمانا،و لو اقتضيا زمانا لم يصحّ أن يستعملا في الأزمنة و الأوقات،بأن يقال:

بعضها قبل بعض أو بعده،لأنّ ذلك يوجب للزّمان زمانا، و غير مستنكر وجود زمان لا في زمان و وقت لا في وقت.

و«قبل»مضمّنة بالإضافة في المعنى و اللّفظ،و ربّما حذفت الإضافة اجتزاء بما في الكلام من الدّلالة عليها.

و أصل«قبل»المقابلة،فكأنّ الحادث المتقدّم قد قابل الوقت الأوّل،و الحادث المتأخّر قد بعد عن الوقت الأوّل ما يستقبل.

و الآخر يجيء على تفصيل الاثنين،تقول:أحدهما كذا و الآخر كذا،و الأوّل و الآخر يقال بالإضافة،يقال:

أوّله كذا و آخره،إلاّ في أسماء اللّه تعالى.و الأوّل الموجود قبل،و الآخر الموجود بعد.و الفرق بين السّابق و الأوّل:

أنّ السّابق في أصل اللّغة يقتضي مسبوقا و الأوّل لا يقتضي ثانيا،أ لا ترى أنّك تقول:هذا أوّل مولود ولد لفلان،و إن لم يولد له غيره؛و تقول:أوّل عبد يملكه حرّ، و إن لم يملك غيره.و لا يخرج العبد و الابن من معنى الابتداء؛و بهذا يبطل قول الملحدين:إنّ«الأوّل» لا يسمّى أوّلا إلاّ بالإضافة إلى ثان.

و أمّا تسمية اللّه تعالى بأنّه«سابق»يفيد أنّه موجود قبل كلّ موجود.و قال بعضهم:لا يطلق ذلك في اللّه تعالى إلاّ مع البيان،لأنّه يوهم أنّ معه أشياء موجودة قد سبقها،و لذلك لا يقال:إنّ اللّه تعالى أسبق من غيره،لأنّه يقتضي الزّيادة في السّبق،و زيادة أحد الموصوفين على الآخر في الصّفة يوجب اشتراكهما فيها من وجه أو من وجوه.(96)

الفرق بين التّأويل و التّفسير:أنّ التّفسير هو الإخبار عن أفراد آحاد الجملة،و التّأويل:الإخبار بمعنى الكلام.

و قيل:التّفسير:إفراد ما انتظمه ظاهر التّنزيل، و التّأويل:الإخبار بغرض المتكلّم بكلام.

و قيل:التّأويل:استخراج معنى الكلام لا على ظاهره بل على وجه يحتمل مجازا أو حقيقة؛و منه يقال:تأويل المتشابه و تفسير الكلام:إفراد آحاد الجملة و وضع كلّ شيء منها موضعه؛و منه أخذ تفسير الأمتعة بالماء.

و المفسّر عند الفقهاء:ما فهم معناه بنفسه،و المجمل:

ما لا يفهم المراد به إلاّ بغيره.و المجمل في اللّغة:ما يتناول الجملة.و قيل:المجمل:ما يتناول جملة الأشياء،أو ينبئ عن الشّيء على وجه الجملة دون التّفصيل.

و الأوّل هو العموم و ما شاكله،لأنّ ذلك قد سمّي مجملا من حيث يتناول جملة مسمّيات،و من ذلك قيل:

أجملت الحساب.و الثّاني هو ما لا يمكن أن يعرف المراد به، خلاف المفسّر.و المفسّر:ما تقدّم له تفسير،و غرض الفقهاء غير هذا و إنّما سمّوا ما يفهم المراد منه بنفسه مفسّرا لما كان يتبيّن،كما يتبيّن ما له تفسير.

و أصل التّأويل في العربيّة من:ألت إلى الشّيء أؤول إليه،إذا صرت إليه،و قال تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ

ص: 212

اَللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آل عمران:7،و لم يقل:

تفسيره،لأنّه أراد ما يؤول من المتشابه إلى المحكم.

(43)

ابن سيدة: قال ابن جنّيّ:«و ألبان أيّل».و هذا عزيز من وجهين:

أحدهما:أن تجمع صفة غير الحيوان على«فعّل»و إن كان قد جاء منه نحو عيدان قيّس،و لكنّه نادر.

و الآخر:أنّه يلزم في جمعه«أوّل»لأنّه من الواو بدليل:آل أولا،لكنّ الواو لمّا قربت من الطّرف احتملت الإعلال،كما قالوا:نيّم و صيّم.(ابن منظور 11:34)

الطّوسيّ: التّأويل:التّفسير،و أصله المرجع و المصير،من قولهم:آل أمره إلى كذا يؤول أولا،إذا صار إليه.و أوّلته تأويلا،إذا صيّرته إليه.(2:399)

الرّاغب: التّأويل:من الأول،أي الرّجوع إلى الأصل،و منه الموئل:للموضع الّذي يرجع إليه،و ذلك هو ردّ الشّيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا، ففي العلم نحو: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آل عمران:7،و في الفعل كقول الشّاعر:

*و للنّوى قبل يوم البين تأويل*

و قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ الأعراف:53،أي بيانه الّذي هو غايته المقصودة منه،و قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً النّساء:59،قيل:أحسن معنى و ترجمة،و قيل:

أحسن ثوابا في الآخرة.

و الأول:السّياسة الّتي تراعي مآلها،يقال:أول لنا و أيل علينا.و«أوّل»قال الخليل:تأسيسه من همزة و واو و لام،فيكون«فعّل»،و قد قيل:من واوين و لام،فيكون «أفعل»،و الأوّل أفصح،لقلّة وجود ما فاؤه و عينه حرف واحد كددن.

فعلى الأوّل يكون من آل يؤول،و أصله«أول» فأدغمت المدّة لكثرة الكلمة،و هو في الأصل صفة، لقولهم في مؤنّثه:أولى،نحو أخرى.

ف«الأوّل»هو الّذي يترتّب عليه غيره،و يستعمل على أوجه:

أحدها:المتقدّم بالزّمان:كقولك:عبد الملك أوّلا ثمّ منصور.

الثّاني:المتقدّم بالرّئاسة في الشّيء،و كون غيره محتذيا به،نحو:الأمير أوّلا ثمّ الوزير.

الثّالث:المتقدّم بالوضع و النّسبة،كقولك للخارج من العراق:القادسيّة أوّلا ثمّ فيد،و تقول للخارج من مكّة:

فيد أوّلا ثمّ القادسيّة.

الرّابع:المتقدّم بالنّظام الصّناعيّ،نحو أن يقال:

الأساس أوّلا ثمّ البناء.

و إذا قيل في صفة اللّه:هو الأوّل،فمعناه أنّه الّذي لم يسبقه في الوجود شيء.و إلى هذا يرجع قول من قال:

هو الّذي لا يحتاج إلى غيره،و من قال:هو المستغني بنفسه،و قوله تعالى: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام:

163، وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143،فمعناه أنا المقتدى بي في الإسلام و الإيمان،و قال تعالى:

وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ البقرة:41،أي لا تكونوا ممّن يقتدى بكم في الكفر.

و يستعمل«أوّل»ظرفا فيبنى على الضّمّ،نحو:جئتك

ص: 213

أوّل،و يقال بمعنى«قديم»نحو:جئتك أوّلا و آخرا،أي قديما و حديثا.(31)

الزّمخشريّ: آل الرّعيّة يؤولها إيالة حسنة،و هو حسن الإيالة،و أتالها،و هو مؤتال لقومه مقتال عليهم، أي سائس محتكم.قال زياد في خطبته:قد ألنا و إيل علينا،أي سسنا و سسنا،و هو مثل في التّجارب.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو آيل مال.

و أوّل القرآن و تأوّله،و هذا متأوّل حسن:لطيف التّأويل جدّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:جمل أوّل و ناقة أوّلة،إذا تقدّما الإبل.

و يقال:أوّل الحكم إلى أهله:ردّه إليهم.و في الدّعاء للمضلّ:أوّل اللّه عليك،أي ردّ عليك ضالّتك.

و خرج في أوائل اللّيل و أولياته.

و من المجاز:فلان يؤول إلى كرم.و مالك تؤول إلى كتفيك؟إذا انضمّ إليهما و اجتمع.و طبخت الدّواء حتّى آل المنّان منه إلى منّ واحد.

و تقول:لا تعوّل على الحسب تعويلا،فتقوى اللّه أحسن تأويلا،أي عاقبة.

و تأمّلته فتأوّلت فيه الخير،أي توسّمته و تحرّيته.

و حمل على الآلة الحدباء،و هي النّعش.

(أساس البلاغة:12)

ابن عطيّة: [بعد نقل قول سيبويه قال:]

قال غير سيبويه: هو أوأل من وأل،إذا نجا،خفّفت الهمزة و أبدلت واوا و أدغمت.

و قيل:إنّه من آل فهو أأول،قلب،فجاء وزنه «أعفل»و سهّل و أبدل و أدغم.(1:134)

الطّبرسيّ: أوّل الشّيء:ابتداؤه.و يجوز أن يكون المبتدأ له آخر و يجوز أن لا يكون آخر له،لأنّ الواحد أوّل العدد و لا نهاية لآخره،و نعيم أهل الجنّة له أوّل و لا نهاية له.(1:477)

التّأويل:ما يؤول إليه حال الشّيء.(2:426)

التّأويل:الخبر عمّا حضر بما يؤول إليه أمره فيما غاب.(3:232)

أبو البركات: أوّل:وزنه«أفعل»فاؤه واو،و عينه واو،و لم تنطق العرب منه بفعل.

و ذهب الكوفيّون إلى أنّه«أفعل»من وأل،أي نجا، و أصله:أؤل،فخفّفت الهمزة الثّانية،و أبدل منها واو، و أدغمت الأولى فيها،كما قالوا في مقروءة:مقروّة،و في مخبوءة:مخبوّة.و لو كان مخفّفا على القياس لكان الوجه أن يقال:«أول»بإلقاء حركة الهمزة على الواو،كما قالوا في تخفيف صوأة:صوة.و لا يجب قلب الواو،لأنّ الحركة عارضة،فلا يعتدّ بها.(1:78)

المدينيّ: في الحديث:«الرّؤيا لأوّل عابر»،قيل:

معناه إذا عبرها برّ صادق عالم بأصولها و فروعها، و اجتهد و وفّقه اللّه للصّواب،وقعت له دون غيره ممّن فسّرها بعده.

و«أوأل»على وزن«أفعل»كان أصله همزة بعد الواو،بدليل أنّه يجمع:أوائل فاستثقلت الهمزة بعد الواو فجعلوها واوا أخرى،فأدغموا.و قيل:أصله:فوعل.

(1:110)

ابن الجوزيّ:التّفسير:إخراج الشّيء من معلوم

ص: 214

الخفاء إلى مقام التّجلّي،و التّأويل:نقل الكلام عن موضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل،لولاه ما ترك ظاهر اللّفظ.(الزّبيديّ 7:215)

الفخر الرّازيّ: ...المسألة الثّالثة:الأولى«فعلى» للتّأنيث،فالأوّل إذن«أفعل»صفة،و فيه مباحث:

الأوّل:لا بدّ من«فاعل»أخذ منه الأفعل و الفعلى، فإنّ كلّ فعلى و أفعل للتّأنيث و التّذكير له أصل،فليؤخذ منه كالفضلى و الأفضل،من الفاضلة و الفاضل،فما ذلك؟

نقول:هاهنا أخذ من أصل غير مستعمل،كما قلنا:إنّ الآخر«فاعل»من فعل غير مستعمل.و سبب ذلك هو أنّ كلّ فعل مستعمل فله آخر،و ذلك لأنّ له ماضيا فإذا استعملت ماضيه لزم فراغ الفعل،و إلاّ لكان الفاعل بعد في الفعل فلا يكون ماضيا،فإنّك لا تقول لمن هو بعد الأكل:أكل،إلاّ متجوّزا عند ما يبقى له قليل،فيقول:أكل، إشارة إلى أنّ ما بقي غير معتدّ به،و تقول لمن قرب من الفراغ:فرغت،فيقول:فرغت،بمعنى أنّ ما بقي قليل لا يعتدّ فكأنّي فرغت،و أمّا الماضي في الحقيقة لا يصحّ إلاّ عند تمام الشّيء و الفراغ عنه،فإذا للفعل المستعمل آخر.

فلو كان لقولنا:آخر على وزن«فاعل»فعل هو أخر يأخر كأمر يأمر لكان معناه صدر مصدره ك«جلس» معناه صدر الجلوس منه بالتّمام و الكمال،فكان ينبغي أنّ القائل إذا قال:فلان آخر،كان معناه وجد منه تمام الآخريّة و فرغ منها،فلا يكون بعد ما يكون آخر.لكن تقدّم أنّ كلّ فعل فله آخر بعده لا يقال:يشكل بقولنا:

تأخّر،فإنّ معناه صار آخرا،لأنّا نقول:وزن الفعل ينادي على صحّة ما ذكرنا،فإنّه من باب التّكلّف و التّكبّر إذا استعمل في غير المتكبّر،أي يرى أنّه آخر،و ليس في الحقيقة كذلك.[إلى أن قال:]

و الأوّل«أفعل»ليس له فاعل،و ليس له فعل، و الأوّل أبعد عن الفعل من الآخر،و ذلك لأنّ الفعل الماضي علم له آخر من وصفه بالماضي،و لو لا ذلك الوصف لما علم له آخر.و أمّا الفعل لتفسير كونه فعلا علم له أوّل،لأنّ الفعل لا بدّ له من فاعل يقوم به،أو يوجد منه؛فإذا«الفاعل»أوّلا ثمّ«الفعل»،فإذا كان«الفاعل» أوّل الفعل كيف يكون«الأوّل»له فعل يوجد منه فلا فعل له و لا فاعل،فلا يقال:آل الشّيء؛بمعنى سبق،كما يقال:«قال»من القول،أو«نال»من النّيل،لا يقال:إنّ قولنا:«سبق»أخذ منه السّابق و من السّابق الأسبق،مع أنّ الفاعل يسبق الفعل،و كذلك يقال:تقدّم الشّيء،مع أنّ الفاعل متقدّم على الفعل،إلى غير ذلك.

نقول:أمّا«تقدّم»قد مضى الجواب عنه في«تأخّر».

و أمّا«سبق»يقول القائل:سابقته فسبقته،فتجيب عنه بأنّ ذلك مفتقر إلى أمر يصدر من فاعل،فالسّابق إن استعمل في الأوّل فهو بطريق المشابهة لا بطريق الحقيقة، و الفاعل أوّل الفعل بمعنى قبل الفعل،و ليس سابق الفعل، لأنّ الفاعل و الفعل لا يتسابقان،فالفاعل لا يسبقه.

و الّذي يوضح ما ذكرنا أنّ الأوّل أبعد عن الفعل بخلاف الآخر و ما يقال:إنّ«أوّل»بمعنى جعل الآخر أوّلا لاستخراج معنى من الكلام،فبعيد و إلاّ لم يكن آخر دونه في إفادة ذلك،بل التّأويل من آل الشّيء،إذا رجع،أي رجعه إلى المعنى المراد.

و أبعد من اللّفظين«قبل»و«بعد».فإنّ الآخر فاعل

ص: 215

من غير فعل،و الأوّل أفعل من غير فاعل و لا فعل، و«قبل و بعد»لا فاعل و لا أفعل،فلا يفهم من فعل أصلا، لأنّ الأوّل أوّل لما فيه من معنى«قبل»و ليس قبل قبلا لما فيه من معنى«الأوّل»،و الآخر آخرا لما فيه من معنى «بعد»،و ليس بعد بعدا لما فيه من معنى«الآخر»،يدلّك عليه أنّك تعلّل أحدهما بالآخر،و لا تعكسه،فنقول:هذا آخر من جاء لأنّه جاء بعد الكلّ،و لا تقول:هو جاء بعد الكلّ،لأنّه آخر من جاء.و يؤيّده أنّ الآخر لا يتحقّق إلاّ ببعديّة مخصوصة و هي الّتي لا بعديّة بعدها،و بعد ليس لا يتحقّق إلاّ بالآخر،فإنّ المتوسّط بعد الأوّل ليس بآخر.

و هذا البحث من أبحاث الزّمان،و منه يعلم معنى قوله صلّى اللّه عليه و سلّم«لا تسبّوا الدّهر فإنّ الدّهر هو اللّه»أي الدّهر هو الّذي يفهم منه القبليّة و البعديّة،و اللّه تعالى هو الّذي يفهم منه ذلك،و البعديّة و القبليّة حقيقة لإثبات اللّه، و لا مفهوم للزّمان إلاّ ما به القبليّة و البعديّة فلا تسبّوا الدّهر،فإنّ ما تفهمونه منه لا يتحقّق إلاّ في اللّه و باللّه، و لولاه لما كان قبل و لا بعد.

الثّاني:ورد في كلام العرب«الأوّلة»تأنيث الأوّل، و هو ينافيه صحّة استعمال«الأولى»لأنّ الأولى تدلّ على أنّ الأوّل أفعل للتّفضيل،و أفعل للتّفضيل لا يلحقه تاء التّأنيث،فلا يقال:زيد أعلم و زينب أعلمة، لسبب يطول ذكره،و سنذكره في موضع آخر إن شاء اللّه تعالى.

نقول:الجواب عنه هو أنّ«أوّل»لمّا كان«أفعل» و ليس له فاعل شابه الأربع و الأرنب،فجاز إلحاق التّاء به،و لمّا كان صفة شابه الأكبر و الأصغر،فقيل:أولى.

المسألة الرّابعة:«أولى»تدلّ على أنّ«أوّل» لا ينصرف،فكيف يقال:أفعله أوّلا،و يقال:جاء زيد أوّلا و عمرو ثانيا؟فإن قيل:جاز فيه الأمران بناء على أوّلة و أولى،فمن قال:بأنّ تأنيث أوّل أوّلة فهو كالأربع و الأربعة،فجاز التّنوين،و من قال:أولى،لا يجوز.

نقول:إذا كان كذلك كان الأشهر ترك التّنوين،لأنّ الأشهر أنّ تأنيثه«أولى»و عليه استعمال القرآن.فإذن الجواب أنّ عند التّأنيث الأولى أن يقال:«أولى»نظرا إلى المعنى،و عند العرب«أوّلة»لأنّه هو الأصل و دلّ عليه دليل،و إن كان أضعف من الغير.

و ربّما يقال:بأنّ منع الصّرف من«أفعل»لا يكون إلاّ إذا لم يكن تأنيثه إلاّ«فعلى»،و أمّا إذا كان تأنيثه بالتّاء أو جاز ذلك فيه،لا يكون غير منصرف.

(28:302-305)

ابن الأثير: في حديث الإفك:«و أمرنا أمر العرب الأوّل»يروى بضمّ الهمزة و فتح الواو،جمع«الأولى» و يكون صفة للعرب،و يروى بفتح الهمزة و تشديد الواو صفة للأمر،قيل:و هو الوجه.

في حديث أبي بكر رضي اللّه عنه و أضيافه:«بسم اللّه الأولى للشّيطان»يعني الحالة الّتي غضب فيها و حلف أن لا يأكل،و قيل:أراد اللّقمة الأولى الّتي أحنث بها نفسه و أكل.

و في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما.«اللّهمّ فقّهه في الدّين و علّمه التّأويل»هو من آل الشّيء يؤول إلى كذا،أي رجع و صار إليه.و المراد ب«التّأويل»نقل ظاهر اللّفظ عن وضعه الأصليّ إلى ما يحتاج إلى دليل،

ص: 216

لولاه ما ترك ظاهر اللّفظ.

و منه حديث عائشة رضي اللّه عنها:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يكثر أن يقول في ركوعه و سجوده:سبحانك اللّهمّ و بحمدك،يتأوّل القرآن»تعني أنّه مأخوذ من قول اللّه تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ النّصر:3.

و منه حديث الزّهريّ قال:قلت لعروة:ما بال عائشة رضي اللّه عنها تتمّ في السّفر-يعني الصّلاة-؟

قال:تأوّلت كما تأوّل عثمان.أراد بتأويل عثمان:

ما روي عنه أتمّ الصّلاة بمكّة في الحجّ،و ذلك أنّه نوى الإقامة بها.(1:80،81)

القرطبيّ: التّأويل يكون بمعنى التّفسير،كقولك:

تأويل هذه الكلمة على كذا،و يكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه.و اشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يؤول إليه،أي صار، و أوّلته تأويلا،أي صيّرته.

و قد حدّه بعض الفقهاء فقالوا:هو إبداء احتمال في اللّفظ،مقصود بدليل خارج عنه.(4:15)

أبو حيّان: يستعمل«أوّل»استعمالين:

أحدهما:أن يجري مجرى الأسماء فيكون مصروفا، و تليه العوامل،نحو«أفكل»و إن كان معناه معنى قديم، و على هذا قول العرب:ما تركت له أوّلا و لا آخرا،أي ما تركت له قديما و لا حديثا.

و الاستعمال الثّاني:أن يجري مجرى أفعل التّفضيل فيستعمل على ثلاثة أنحائه:من كونه ب«من»ملفوظا بها أو مقدّرة،و بالألف و اللاّم،و بالإضافة.

و قالت العرب: ابدأ بهذا أوّل،فهذا مبنيّ على الضّمّ باتّفاق،و الخلاف في علّة بنائه ذلك لقطعه عن الإضافة، و التّقدير:أوّل الأشياء،أم لشبه القطع عن الإضافة، و التّقدير:أوّل من كذا.

و الأولى أن تكون العلّة القطع عن الإضافة، و الخلاف إذا بني أ هو ظرف أو اسم غير ظرف؟و هو خلاف مبنيّ على أنّ الّذي يبنى للقطع شرطه أن يكون ظرفا أولا يشترط ذلك فيه،و كلّ هذا مستوفى في علم النّحو.(1:172)

الفيّوميّ: آل الشّيء يؤول أولا و مآلا:رجع.

و الإيال وزان كتاب:اسم منه.و قد استعمل في المعاني، فقيل:آل الأمر إلى كذا.

و الموئل:المرجع وزنا و معنى.

و آل الرّجل ماله إيالة بالكسر،إذا كان من الإبل و الغنم يصلح على يديه.و آل رعيّته:ساسها.و الاسم «الإيالة»بالكسر أيضا.

و الأوّل:مفتتح العدد،و هو الّذي له ثان،و يكون بمعنى الواحد.و منه في صفات اللّه تعالى هو الأوّل،أي هو الواحد الّذي لا ثاني له،و عليه استعمال المصنّفين في قولهم:و له شروط.

الأوّل:كذا لا يراد به السّابق الّذي يترتّب عليه شيء بعده،بل المراد الواحد.و قول القائل:أوّل ولد تلده الأمة حرّ،محمول على الواحد أيضا حتّى يتعلّق الحكم بالولد الّذي تلده،سواء ولدت غيره أم لا.

إذا تقرّر أنّ«الأوّل»بمعنى الواحد،فالمؤنّثة هي «الأولى»بمعنى الواحدة أيضا،و منه قوله تعالى: إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى الدّخان:56،أي سوى الموتة الّتي ذاقوها في الدّنيا و ليس بعدها أخرى.

ص: 217

و قد تقدّم في الآخر أنّه يكون بمعنى الواحد و أنّ الأخرى بمعنى الواحدة،فقوله عليه الصّلاة و السّلام في ولوغ الكلب:يغسل سبعا،في رواية«أولاهنّ»و في رواية«أخراهنّ»و في رواية«إحداهنّ»الكلّ ألفاظ مترادفة على معنى واحد،و لا حاجة إلى التّأويل،و تنبّه لهذه الدّقيقة و تخريجها على كلام العرب،و استغن بها عمّا قيل من التّأويلات،فإنّها إذا عرضت على كلام العرب لا يقبلها الذّوق.

و تجمع«الأولى»على:الأوليات و الأول و العشر الأول،و الأوائل أيضا،لأنّه صفة اللّيالي،و هي جمع مؤنّث،و منه قوله تعالى: وَ الْفَجْرِ* وَ لَيالٍ عَشْرٍ الفجر:1،2.

و قول العامّة: العشر الأوّل،بفتح الهمزة و تشديد الواو خطأ.

و أمّا وزن«أوّل»فقيل:«فوعل»و أصله:ووول، فقلبت الواو الأولى همزة ثمّ أدغم،و لهذا اجترأ بعضهم على تأنيثه بالهاء،فقال:أوّلة،و ليس التّأنيث بالمرضيّ.

و قال المحقّقون:وزنه«أفعل»من آل يؤول،إذا سبق و جاء.و لا يلزم من السّابق أن يلحقه شيء،و هذا يؤيّد ما سبق من قولهم:«أوّل ولد تلده»لأنّه بمعنى ابتداء الشّيء،و جائز أن لا يكون بعده شيء آخر.و تقول:هذا أوّل ما كسبت،و جائز أن لا يكون بعده كسب آخر، و المعنى هذا ابتداء كسبي.

و الأصل:أأول بهمزتين،لكن قلبت الهمزة الثّانية واوا و أدغمت في الواو.

و جاء في أوائل القوم جمع«أوّل»أي جاء في الّذين جاءوا أوّلا،و يجمع بالواو و النّون أيضا،و سمع«أول» بضمّ الهمزة و فتح الواو مخفّفة،مثل أكبر و كبر.

و في«أوّل»معنى التّفضيل و إن لم يكن له فعل، و يستعمل كما يستعمل أفعل التّفضيل،من كونه صفة للواحد و المثنّى و المجموع بلفظ واحد،قال تعالى:

وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ البقرة:41،و قال:

وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ البقرة:96.

و يقال:الأوّل،و أوّل القوم،و أوّل من القوم.و لمّا استعمل استعمال أفعل التّفضيل انتصب عنه الحال و التّمييز،و قيل:أنت أوّل دخولا و أنتما أوّل دخولا و أنتم أوّل دخولا،و كذلك في المؤنّث.فأوّل لا ينصرف،لأنّه أفعل التّفضيل،أو على زنته.

قال ابن الحاجب: «أوّل أفعل التّفضيل و لا فعل له، و مثله آبل،و هو صفة لمن أحسن القيام على الإبل،و هذا مذهب البصريّين»،و هو الصّحيح؛إذ لو كان على «فوعل»كما ذهب إليه الكوفيّون لقيل:أوّلة بالهاء،و هذا كالتّصريح بامتناع الهاء.

و تقول:عام أوّل،إن جعلته صفة لم تصرفه لوزن الفعل و الصّفة،و إن لم تجعله صفة صرفت.و جاز:عام الأوّل بالتّعريف و الإضافة.و نقل الجوهريّ عن ابن السّكّيت منعها.

و لا يقال:عام أوّل،على التّركيب.(1:29-31)

الجرجانيّ: التّأويل في الأصل:التّرجيع،و في الشّرع:صرف اللّفظ عن معناه الظّاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الّذي يراه موافقا بالكتاب و السّنّة،مثل قوله تعالى: وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يونس:31،

ص: 218

إن أراد به إخراج الطّير من البيضة كان تفسيرا،و إن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا.

(22)

الفيروزآباديّ: آل إليه أولا و مآلا:رجع،و عنه:

ارتدّ،و الدّهن و غيره أولا و إيالا:خثر،و ألته أنا،لازم و متعدّ،و الملك رعيّته إيالا:ساسهم،و على القوم أولا و إيالا و إيالة:ولي،و المال:أصلحه و ساسه كائتاله، و الشّيء مآلا:نقص،و من فلان:نجا-لغة في وأل-و لحم النّاقة ذهب فضمرت.

و أوّله إليه:رجعه.

و الإيّل،كقنّب و خلّب و سيّد:الوعل.

و أوّل الكلام تأويلا و تأوّله:دبّره و قدّره و فسّره.

و التّأويل:عبارة الرّؤيا،و بقلة طيّبة الرّيح،من باب التّنبيت.

و الأيّل كخلّب:الماء في الرّحم و اللّبن الخاثر كالأيّل، أو هو وعاؤه.

و الآلة:الحالة و الشّدّة و سرير الميّت و ما اعتملت به من أداة،يكون واحدا و جمعا،أو هي جمع بلا واحد، أو واحد و الجمع:آلات.

و الأوّل:لضدّ الآخر في«وأل».

و الإيالات بالكسر:الأودية.

و أول كفرح:سبق.

و أوليل:ملاّحة بالمغرب.(3:341)

أصل الأوّل:أوأل،و قيل:ووأل،و الجمع:الأوائل و الأوالي-على القلب-و الأوّلون،و تأنيثه:الأولى، و الجمع:الأول.

و إذا جعلته صفة منعته من الصّرف،و إلاّ فصرفته؛ تقول:لقيته عاما أوّل،و عاما أوّلا.و«عام الأوّل»مردود أو قليل.و تقول:ما رأيته مذ عام أوّل،ترفعه على الوصف، و تنصبه على الظّرف.و ابدأ به أوّل،يضمّ على الغاية، كفعلته قبل،و أوّل كلّ شيء،بالنّصب.

و تقول:ما رأيته مذ أوّل من أوّل من أمس،و لا يجاوز ذلك.(بصائر ذوي التّمييز 2:87)

الطّريحيّ: الأوّل:هو ابتداء الشّيء،ثمّ قد يكون له ثان و قد لا يكون.

و في وجه ضعيف:أنّ الأوّل يقتضي آخر،كما أنّ الآخر يقتضي أوّل.

التّأويل:إرجاع الكلام و صرفه عن معناه الظّاهريّ إلى معنى أخفى منه،مأخوذ من آل يؤول،إذا رجع و صار إليه.

و تأوّل فلان الآية،أي نظر إلى ما يؤول معناه.

و في حديث عليّ عليه السّلام: «ما من آية إلاّ و علّمني تأويلها»أي معناها الخفيّ الّذي هو غير المعنى الظّاهريّ، لما تقرّر من أنّ لكلّ آية ظهرا و بطنا،و المراد أنّه صلّى اللّه عليه و آله أطلعه على تلك المخفيّات المصونة و الأسرار المكنونة.

و في حديث العالم الّذي لا ينتفع بعلمه: «يستعمل آلة الدّين في الدّنيا»أي يجعل العلم-الّذي هو آلة و وسيلة إلى الفوز بالسّعادة-وسيلة موصلة إلى تحصيل الدّنيا الفانية من المال و الجاه،و ميل النّاس إليه و إقبالهم عليه،و نحو ذلك.

و الآلة:الأداة،و الجمع:الآلات.

و الإيال ككتاب:اسم منه.

ص: 219

و قد استعمل في المعاني،فقيل:آل الأمر إلى كذا.

و الأول:الرّجوع،و قولهم:آلت المضربة إلى النّفس، أي رجعت.

و طبخت النّبيذ حتّى آل المنّان منّا واحدا،أي صار.

و فعلت هذا عام أوّل،على الوصف،و عام أوّل،على الإضافة.

و قولهم:أيّ رجل دخل أوّل فله كذا،مبنيّ على الضّمّ،قاله في«المغرب».

و اعتكفت العشر الأول،بضمّ الهمزة و خفّة الواو.

و الصّلاة أوّل ما فرضت ركعتان منصوب على الظّرف،و ما مصدريّة.(5:311-314)

الآلوسيّ: «أوّل»في المشهور«أفعل»لقولهم:هذا أوّل منك،و لا فعل له،لأنّ فاءه و عينه واو.و قد دلّ الاستقراء على انتفاء الفعل لما هو كذلك،و إن وجد فنادر، و ما في«الشّافية»من أنّه من«وول»بيان للفعل المقدّر.

و قيل:أصله:أوأل،من وأل وألا،إذا لجأ،ثمّ خفّف بإبدال الهمزة واوا ثمّ الإدغام،و هو تخفيف غير قياسيّ.

و المناسبة الاشتقاقيّة أنّ الأوّل الحقيقيّ-أعني ذاته تعالى-ملجأ للكلّ،و إن قلنا:وأل بمعنى تبادر،فالمناسبة أنّ التّبادر سبب الأوّليّة.

و قيل:أوأل من آل،بمعنى رجع،و المناسبة الاشتقاقيّة على قياس ما ذكر سابقا،و إنّما لم يجمع على «أواول»لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع.

و قال الدّريديّ:هو«فوعل»فقلبت الواو الأولى همزة،و أدغمت واو فوعل في عين الفعل،و يبطله ظاهرا منع الصّرف.(1:244)

مجمع اللّغة: الأوّل:ضدّ الآخر،و مؤنّثه أولى، و جمعه:أوائل و أوّلون.أوّل الكلام و تأوّله:فسّره،و بيّن المراد منه.و التّأويل:التّفسير،و تبيين ما يؤول إليه الأمر من الكلام.(1:69)

محمّد إسماعيل إبراهيم: تأوّل الكلام تأويلا:

فسّره و رجع به إلى أصله،و تأويل الأحاديث،يراد به في العبارة القرآنيّة:تفسير الأحلام.(1:51)

العدنانيّ: يخطّئون من يجمع الأوّل على الأوالي، و يقولون:إنّ الصّواب هو الأوائل.و الحقيقة هي أنّ «الأوّل»يجمع على:

1-الأوائل:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و معن ابن أوس القائل:

لسنا و إن كرمت أوائلنا

يوما على الأحساب نتّكل

و اللّيث بن سعد،و التّهذيب،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط،و من معجم المتنبّيّ.

2-و الأوالي:قال ذو الرّمّة،حسب رواية«اللّسان»:

تكاد أواليها تفرّي جلودها

و يكتحل التّالي بمور و حاصب

و ممّن ذكر«الأوالي»أيضا:الصّحاح،و المختار، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط،و من معجم المتنبّيّ.

و جميع هؤلاء ما عدا الوسيط،ذكروا أنّ الأوائل

ص: 220

صارت«الأوالي»على القلب.

3-و الأوّلين:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح،و المختار و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط.

4-و الأول:قال بشير بن النّكث:

عود على عود لأقوام أول

يموت بالتّرك،و يحيا بالعمل

و قال المتنبّيّ:

ليت المدائح تستوفي مناقبه

فما كليب و أهل الأعصر الأول

و التّهذيب،و الصّحاح،و اللّسان،و المصباح،و التّاج، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المعجم الكبير.

5-و الألى:قال أبو تمّام:

إنّ القوافي و المساعي لم تزل

مثل النّظام إذا أصاب فريدا

من أجل ذلك كانت العرب الألى

يدعون هذا سؤددا مجدودا

أراد الأول،فقلب.و ممّن ذكر الأولى أيضا:اللّسان، و التّاج،و المعجم الكبير.

أمّا أصل«الأوّل»فكما يقول الوسيط:هو أوأل،أو:

ووأل،و لذلك نراه يورد هذه الكلمة في مادّة«وأل» وحدها،كما فعل:الصّحاح،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و هنالك من يوردها في مادّة«أوّل»وحدها:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و التّهذيب،و معجم مقاييس اللّغة، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و النّهاية، و المصباح،و معجم ديوان المتنبّيّ.

أمّا في المتن و المعجم الكبير فإنّنا نجد هذه الكلمة «أوّل»في مادّتي«وأل»و«أول»كلتيهما.(710)

يخطّئون من يطلق على ذكر الوعل اسم الأيّل، و يقولون:إنّ الصّواب هو:الإيّل أو الأيّل.و الحقيقة هي أنّ هذه الأسماء الثّلاثة صحيحة.

فممّن ذكر«الأيّل»:الرّاجز أبو النّجم الفضل بن قدامة القائل:

كأنّ في أذنابهنّ الشوّل

من عبس الصّيف قرون الأيّل

و الخليل بن أحمد الفراهيديّ،و اللّيث بن سعد،و ابن الأعرابيّ،و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان،و القاموس و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و المعجم الكبير.

و ممّن ذكر«الإيّل»:أبو عبيد البكريّ الّذي ينكر الأيّل،و الصّحاح،و ابن سيدة،و المغرب،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط.

و ممّن ذكر«الأيّل»:الصّحاح،و ابن سيدة،و المغرب، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط.

و يجمع الأيّل على:

أ-أيايل:اللّيث بن سعد،و المغرب،و اللّسان، و التّاج،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط.

ب-و أيائل:اللّيث بن سعد،و التّهذيب،و معجم مقاييس اللّغة،و المغرب،و المصباح،و المدّ،و الوسيط.

ص: 221

أمّا أنثاها فهي:الإيّلة،أو الأيّلة،أو الأيّلة.(37)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو«الرّجوع»إمّا باعتبار التّقدّم و البدء أو باعتبار النّهاية و الختم،أو بلحاظ الحقّ و الغرض أو غيرها،و هذا المعنى منظور في جميع مشتقّاتها:الأوّل،الأولى،الأوّلين التّأويل في القرآن الكريم،راجع موارد استعمالاتها.

و يؤيّد هذا المعنى قربها من مادّة«أوب،أوي».

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ التّوبة:108،حتّى يكون أساسا يبنى عليه.

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3،أي البدء المقدّم يبتني عليه غيره.

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً آل عمران:96،ثمّ تلحقه بيوت أخر.

وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ التّوبة:100،الّذين ابتدءوا في قبول الإسلام.

أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الصّافّات:17،الّذين هم المتقدّمون المقتدون.

يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنعام:25،ثمّ أخذ من أساطيرهم المتأخّرون.

مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى القصص:43، فتكون عبرة للاّحقين.

وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:6، حقائق معانيها المقصودة.

هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ يوسف:100، المنظور الّذي يقصد و يتوجّه إليه.

ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً الكهف:

82،مرجعها الّذي ينتهي إليه العمل.

وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران:7،حقيقته المقصودة المنظورة.

فظهر أنّ إطلاق كلمة«الأوّل»على مفتتح العدد أو المبتدأ أو المتقدّم،من جهة كونها مصداق المرجعيّة،فهذا المعنى منظور فيها.و كذلك إطلاق كلمة«التّأويل»على المعنى الغائي،و منتهى المقصود.

و لا يبعد أن نقول:إنّ هذه الكلمات صارت مستعملة في هذه المعاني على سبيل الحقيقة،في المرتبة الثّانية، و لكن القيد محفوظ.

و الفرق بين التّفسير و التّأويل:أنّ«التّفسير» هو البحث عن مدلول اللّفظ و ما يقتضيه ظاهر التّعبير أدبا و التزاما و عقلا.

و أمّا«التّأويل»فهو تعيين مرجع اللّفظ و المراد و المقصود،و قد يخفى المراد على النّاس و لا يدلّ عليه ظاهر اللّفظ،فهذا يحتاج إلى الاطّلاع بالمقصود و المراد من اللّفظ، وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آل عمران:7.(1:161)

النّصوص التّفسيريّة

تاويل

1- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:6

مجاهد: عبارة الرّؤيا.(الطّبريّ 12:153)

مثلة قتادة.(الطّوسيّ 6:98)،و السّدّيّ(أبو حيّان 5:281).

ص: 222

الحسن: تأويل أحاديث الأنبياء و الأمم،يعني كتب اللّه و دلائله على توحيده،و المشروع من شرائعه و أمور دينه.(الطّبرسيّ 3:210)

نحوه الزّجّاج.(الخازن 3:215)،و مثله الجبّائيّ (الطّبرسيّ 3:210).

عواقب الأمور.(أبو حيّان 5:281)

قتادة: فاجتباه و اصطفاه و علّمه من عبر الأحاديث،و هو تأويل الأحاديث.

(الطّبريّ 12:153)

معناه و يعلّمك من تعبير الرّؤيا،لأنّ فيه أحاديث النّاس عن رؤياهم.و سمّاه تأويلا،لأنّه يؤول أمره إلى ما رأى في المنام.(الطّبرسيّ 3:210)

مقاتل: غرائب الرّؤيا.(أبو حيّان 5:281)

ابن زيد: تأويل الكلام،العلم و الحلم،و كان يوسف أعبر النّاس.(الطّبريّ 12:154)

العلم و الحكمة.(أبو حيّان 5:281)

ابن قتيبة: أي من تفسير غامضها،و تفسير الرّؤيا.(212)

الطّبريّ: و يعلّمك ربّك من علم ما يؤول إليه أحاديث النّاس،عمّا يرونه في منامهم،و ذلك تعبير الرّؤيا.(12:153)

أبو مسلم الأصفهانيّ: معناه و يعلّمك عواقب الأمور بالنّبوّة و الوحي إليك،فتعلم الأشياء قبل كونها معجزة لك،لأنّه أضاف التّعليم إلى اللّه،و ذلك لا يكون إلاّ بالوحي.(الطّبرسيّ 3:210)

الطّوسيّ: التّأويل في الأصل هو المنتهى الّذي يؤول إليه المعنى.و تأويل الحديث:فقهه الّذي هو حكمه، لأنّه إظهار ما يؤول إليه أمره ممّا يعتمد عليه،و فائدته.

(6:98)

مثله الطّبرسيّ.(3:210)

الميبديّ: يعني تعبير الرّؤيا،أي ما يؤول إليه أمرها،و كان يوسف أعبر النّاس للرّؤيا.

و قيل:و يعلّمك من تأويل الأحاديث،يعني معاني الكلام في آيات اللّه و كتبه.

و التّعبير و التّأويل بمعنى واحد،و المآل:عاقبة العمل و غايته،و العبر حافّة النّهر و وادي التّعبير.و التّأويل هو أنّك تتحدّث حتّى تشير إلى غاية شيء،و عاقبة عمل.

(5:8)

الزّمخشريّ: الأحاديث:الرّؤيا،لأنّ الرّؤيا إمّا حديث نفس أو ملك أو شيطان،و تأويلها:عبارتها و تفسيرها.و كان يوسف عليه السّلام أعبر النّاس للرّؤيا، و أصحّهم عبارة لها.

و يجوز أن يراد بتأويل الأحاديث:معاني كتب اللّه و سنن الأنبياء،و ما غمض و اشتبه على النّاس من أغراضها و مقاصدها،يفسّرها لهم و يشرحها،و يدلّهم على مودعات حكمها.(2:303)

الفخر الرّازيّ:فيه وجوه:

الأوّل:المراد منه تعبير الرّؤيا،سمّاه تأويلا،لأنّه يؤول أمره إلى ما رآه في المنام،يعني تأويل أحاديث النّاس فيما يرونه في منامهم.قالوا:إنّه عليه السّلام كان في علم التّعبير غاية.

الثّاني:تأويل الأحاديث في كتب اللّه تعالى و الأخبار

ص: 223

المرويّة عن الأنبياء المتقدّمين-كما أنّ الواحد من علماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن و تأويله-و تأويل الأحاديث المرويّة عن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّالث:الأحاديث:جمع حديث،و الحديث هو الحادث.و تأويلها:مآلها،و مآل الحوادث إلى قدرة اللّه تعالى و تكوينه و حكمته.و المراد (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ):

كيفيّة الاستدلال بأصناف المخلوقات الرّوحانيّة و الجسمانيّة،على قدرة اللّه تعالى و حكمته و جلالته.

(18:89)

البروسويّ: المراد ب (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ): تعبير الرّؤى،جمع الرّؤيا؛إذ هي إمّا أحاديث الملك إن كانت صادقة،أو أحاديث النّفس و الشّيطان إن لم تكن كذلك.

و تسميتها تأويلا،لأنّه يؤول أمرها إليه،أي يرجع إلى ما يذكره المعبّر من حقيقتها.(4:216)

الآلوسيّ: الظّاهر أنّ المراد من (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) تعبير الرّؤيا؛إذ هي إخبارات غيبيّة يخلق اللّه تعالى بواسطتها اعتقادات في قلب النّائم حسبما يشاؤه،و لا حجر عليه تعالى،أو أحاديث الملك إن كانت صادقة.

أو النّفس أو الشّيطان إن لم تكن كذلك.[إلى أن قال:]

و شاع التّأويل:في إخراج الشّيء عن ظاهره.[إلى أن قال:]

و قيل:المراد بالأحاديث:الأمور المحدثة من الرّوحانيّات و الجسمانيّات،و بتأويلها:كيفيّة الاستدلال بها على قدرة اللّه تعالى و حكمته و جلالته.و الكلّ خلاف الظّاهر،فيما أرى.(12:185)

القاسميّ: أي تعبير المنامات.و إنّما سمّي التّعبير تأويلا،لأنّه جعل المرئيّ آئلا إلى ما يذكره المعبّر بصدد التّعبير،و راجعا إليه.(9:3506)

رشيد رضا: أي يعلّمك من علمه اللّدنيّ تأويل الرّؤى و تعبيرها،أي تفسيرها بالعبارة،و الإخبار بما تؤول إليه في الوجود،و هو تأويلها،كما سيأتي حكاية لقول يوسف لأبيه: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا يوسف:100،أو هو أعمّ من ذلك من معاني الكلام.(12:255)

الطّباطبائيّ: التّأويل هو ما ينتهي إليه الرّؤيا من الأمر الّذي تتعقّبه،و هو الحقيقة الّتي تتمثّل لصاحب الرّؤيا في رؤياه بصورة من الصّور المناسبة لمداركه و مشاعره،كما تمثّل سجدة أبوي يوسف و إخوته الأحد عشر في صورة أحد عشر كوكبا و الشّمس و القمر و خرورها أمامه،ساجدة له.(11:79)

2- وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ

يوسف:100

سلمان الفارسيّ: كان بين الرّؤيا و تأويلها أربعون سنة.(الطّبرسيّ 3:265)

الحسن: ثمانون سنة.(الطّبرسيّ 3:265)

الكلبيّ: اثنتان و عشرون سنة.

(الطّبرسيّ 3:265)

ابن إسحاق: ثماني عشرة سنة.

(الطّبرسيّ 3:265)

عبد اللّه بن شوذب: سبعون سنة.

(الطّبرسيّ 3:265)

ص: 224

الميبديّ: أي هذا الّذي فعلتم بي من التّعظيم هو ما اقتضته رؤياي و أنا طفل.(5:138)

الطّبرسيّ: أي هذا تفسير رؤياي و تصديق رؤياي الّتي رأيتها.(3:265)

أبو حيّان: أي عاقبة رؤياي.(5:348)

تاويلا

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. النّساء:59

مجاهد: أحسن جزاء.(الطّبريّ 5:151)

قتادة: ذلك أحسن ثوابا و خير عاقبة.

(الطّبريّ 5:152)

ابن زيد: أحسن عاقبة،و التّأويل:التّصديق.

(الطّبريّ 5:153)

الطّبريّ: أحمد موئلا و مغبة،و أجمل عاقبة.

(5:151)

الزّجّاج: أي إنّ ردّكم ما اختلفتم فيه إلى ما أتى من عند اللّه و ترككم التّحارب خير و أحسن تأويلا لكم،أي أحسن عاقبة لكم.

و جائز أن يكون (أَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي أحسن من تأوّلكم أنتم دون ردّكم إيّاه إلى الكتاب و السّنّة.

و(تاويلا)منصوب على التّميز.(2:68)

الفخر الرّازيّ: أي ذلك الّذي أمرتكم به في هذه الآية خير لكم و أحسن عاقبة لكم،لأنّ التّأويل عبارة عمّا إليه مآل الشّيء و مرجعه و عاقبته.(10:152)

القرطبيّ: أي مرجعا،من آل يؤول إلى كذا،أي صار.و قيل:من ألت الشّيء،إذا جمعته و أصلحته.

فالتّأويل:جمع معاني ألفاظ أشكلت بلفظ لا إشكال فيه،يقال:أوّل اللّه عليك أمرك،أي جمعه.

و يجوز أن يكون المعنى:و أحسن من تأويلكم.

(5:263)

الطّباطبائيّ: التّأويل هو المصلحة الواقعيّة الّتي تنشأ منها الحكم،ثمّ تترتّب على العمل.(4:402)

و بهذا المعنى جاء«تأويلا»في قوله تعالى: وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. الإسراء:35.

تاويله

1- فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ. آل عمران:7

ابن عبّاس: يعني تأويله يوم القيامة إلاّ اللّه.

(الطّبريّ 3:181)

السّدّيّ: أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن،و هو عواقبه،قال اللّه: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ، و تأويله:

عواقبه،متى يأتي النّاسخ منه فينسخ المنسوخ.

(الطّبريّ 3:181)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى التّأويل الّذي عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله: وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ فقال

ص: 225

بعضهم:معنى ذلك الأجل الّذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدّة أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أمر أمّته،من قبل الحروف المقطّعة من حساب الجمّل ك«الم،و المص،و الر،و المر» و ما أشبه ذلك من الآجال.[و بعد نقل قول ابن عبّاس قال:]

و قال آخرون: بل معنى ذلك عواقب القرآن،و قالوا:

إنّما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام الّتي كان اللّه جلّ ثناؤه شرّعها لأهل الإسلام قبل مجيئه،فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك.[و بعد نقل قول السّدّيّ قال:]

و قال آخرون: معنى ذلك و ابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن يتأوّلونه؛إذ كان ذا وجوه و تصاريف في التّأويلات،على ما في قلوبهم من الزّيغ،و ما ركبوه من الضّلالة.

و القول الّذي قاله ابن عبّاس: من أنّ ابتغاء التّأويل الّذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدّة، و وقت قيام السّاعة.و الّذي ذكرنا عن السّدّيّ من أنّهم طلبوا و أرادوا معرفة وقت:هو جاء قبل مجيئه،أولى بالصّواب،و إن كان السّدّيّ قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره،على أنّ معناه:أنّ القوم طلبوا معرفة وقت مجيء النّاسخ لما قد أحكم قبل ذلك.

و إنّما قلنا:إنّ طلب القوم معرفة الوقت الّذي هو جاء قبل مجيئه،المحجوب علمه عنهم و عن غيرهم،بمتشابه آي القرآن،أولى بتأويل قوله: وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ لما قد دلّلنا عليه قبل من إخبار اللّه جلّ ثناؤه أنّ ذلك التّأويل لا يعلمه،إلاّ اللّه.و لا شكّ أنّ معنى قوله:و قضينا و فعلنا،قد علم تأويله كثير من جهلة أهل الشّرك،فضلا عن أهل الإيمان،و أهل الرّسوخ في العلم منهم.

القول في تأويل قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ...

يعني جلّ ثناؤه بذلك:و ما يعلم وقت قيام السّاعة، و انقضاء مدّة أجل محمّد و أمّته،و ما هو كائن إلاّ اللّه،دون من سواه من البشر الّذين أمّلوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب و التّنجيم و الكهانة.(3:181)

الزّجّاج: طلبوا تأويل بعثهم و إحيائهم.

(أبو حيّان 2:384)

عبد الجبّار: قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ فقد تأوّله العلماء على وجهين:

أحدهما:أنّه عطف بقوله: وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ عليه،فكأنّه قال:و ما يعلم تأويله إلاّ اللّه و إلاّ الرّاسخون في العلم،و بيّن أنّهم مع العلم بذلك يقولون:آمنّا به في أحوال علمهم به،ليكمل مدحهم،لأنّ العالم بالشّيء إذا أظهر التّصديق به فقد بالغ فيما يلزمه،و لو علم و جحد كان مذموما.

و الثّاني:أنّ قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ مستقلّ،ثمّ ابتدأ بقوله: وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ.

و حمل أصحاب هذا القول«التّأويل»على أنّ المراد به«المتأوّل»،لأنّه قد يعبّر بأحدهما عن الآخر،أ لا تراه عزّ و جلّ قال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ الأعراف:53،و المراد به المتأوّل.و المعلوم من حال المتأوّل الّذي هو يوم القيامة و الحساب،و مقادير العقاب،أنّه عزّ و جلّ يختصّ بالعلم به و بوقته،لأنّ تفصيل ذلك لا يعلمه أحد من العباد.

ص: 226

فعلى هذا القول لا يجب أن يكون المتشابه ممّا لا يعلم المكلّف تأويله.

و لو كان المراد به ما قاله المخالف،من أنّ المتشابه لا يعلم تأويله إلاّ اللّه،و أنّ سائر المكلّفين إنّما كلّفوا الإيمان به،لم يكن لتخصيصه«العلماء»-في باب الإيمان به- بالذّكر معنى،لأنّ غير العلماء لا يلزمهم إلاّ ما يلزم العلماء، فلمّا قال: وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ فخصّهم بذلك،علم أنّ المراد به أنّهم لمّا علموا المراد بالمتشابه صحّ منهم الإيمان به؛فخصّهم بالذّكر دون غيرهم.

و لو لا أنّ الأمر كما قلناه لم يكن لجعله تعالى المحكم أصلا للمتشابه معنى،إن لم يلزم إلاّ الإيمان به.

و لو لا صحّة ذلك لم يكن لذمّه من يتّبع المتشابه ابتغاء الفتنة معنى،لأنّه كان يجب في كلّ من اتّبع المتشابه أن يكون مذموما،لأنّه إنّما يلزم الإيمان به فقط،فلمّا ذمّهم على اتّباعهم المتشابه لابتغاء الفتنة،علم أنّ من اتّبع المتشابه للدّين و على الوجه الصّحيح،يكون محمودا.

فكلّ ذلك يبيّن أنّه ليس في كتاب اللّه عزّ و جلّ شيء إلاّ و قد أراد عزّ و جلّ به ما يمكن المكلّف أن يعرفه، و إن اختلفت مراتب ذلك،ففيه ما يستقلّ بنفسه و يمكن معرفة المراد بظاهره،و فيه ما يحتاج إلى قرينة على الجملة،و فيه ما يحتاج إلى قرينة مفصّلة.

(متشابه القرآن 1:15)

و ربّما قيل:فما معنى قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كيف يجوز في بعض القرآن أن لا يعلمه العلماء و إنّما يؤمنون به و قد أنزله اللّه بيانا و شفاء؟

و جوابنا:أنّ في العلماء من يتأوّله على ما تؤول إليه أحوال النّاس في الثّواب و العقاب و غيرهما،فبيّن تعالى أنّه جلّ جلاله يعلم ذلك،و هو تأويله،و أنّ الرّاسخين في العلم يؤمنون بجملة ذلك و لا يعرفونه.و لم يعن بذلك:

الأحكام و التّعبّد،و هذا كقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ الأعراف:53،و أراد به«المتأوّل».

و قال بعض العلماء:المراد إنّ الرّاسخين يعلمون أيضا،و هم مع ذلك يؤمنون به،فيجمعون بين الأمرين بأنّه قد يعلم معنى الكلام من لا يؤمن به،و قد يؤمن به من لا يعلم معناه،كقوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أي و إلاّ الرّاسخون في العلم، و يقولون مع ذلك: آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و كلا الجوابين صحيح.

و بيّن تعالى أنّ من في قلبه زيغ يتّبع المتشابه كاتّباع المشبّهة و المجبّرة ظاهرة ما في القرآن،فذمّهم بذلك.

و الواجب اتّباع الدّليل،و ليس في المتشابه آية إلاّ و يقترن بها ما يدلّ على المراد،و العقل يدلّ على ذلك.

فاللّه تعالى جعل بعض القرآن متشابها ليؤدّي إلى إثارة العلم و إلى أن لا يتّكلوا على تقليد القرآن،ففيه مصلحة كبيرة.

و قد قيل:إنّ المراد لا يعلم تأويله على التّفصيل عاجلا أو آجلا إلاّ اللّه تعالى،و إن كان الرّاسخون في العلم يعلمون ذلك على الجملة دون التّفصيل.

(تنزيه القرآن عن المطاعن:58)

ص: 227

الميبديّ: التّأويل:على وزن«تفعيل»و المراد به المتأوّل،كما في«تنزيل»في صدر سورة الزّمر بمعنى «المنزّل».أ لم تر أنّه قال في موضع آخر: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ الأعراف:53،أي يأتي متأوّله و مآله.

و الفرق بين التّفسير و التّأويل،هو أنّ التّفسير:علم النّزول و الشّأن و القصّة للآية،و هذا يقتصر على التّوقيف و السّماع،و ينحصر بالنّقل و الأثر.

و التّأويل:حمل الآية على المعنى الّذي يحتملها،و لا يحظر استنباط هذا المعنى على العلماء،ما دام موافقا للكتاب و السّنّة.

و استعمال«التّفسير»يكون في الألفاظ الغريبة،مثل «بحيرة»و«سائبة»و«وصيلة»،أو في الكلام الموجز الّذي يحتاج إلى شرح،مثل: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ البقرة:43،أو كلام يتضمّن قصّة،و لا يتصوّر هذا الكلام إلاّ بمعرفة تلك القصّة،كما في قوله تعالى:

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ التّوبة:37.

و أمّا استعمال«التّأويل»فتارة يكون على سبيل العموم و تارة على سبيل الخصوص،ك«الكفر» إذ يستعمل مرّة في الجحود المطلق،و أخرى في جحود الباري جلّ ثناؤه على الخصوص.و مثله«الإيمان» فيستعمل في التّصديق المطلق،و في تصديق دين الحقّ على الخصوص.

و من التّأويل أيضا:استعمال لفظ مشترك بين المعاني المختلفة كما في لفظ«وجد»،حيث استعمل في«جدة» و في«وجد»و في«وجود»و منه قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ الأنعام:103 فقد اختلف العلماء فيه،أ هو بصر عين أم بصر قلب.(2:20)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ التّأويل هو التّفسير، و أصله في اللّغة:المرجع و المصير،من قولك:آل الأمر إلى كذا،إذا صار إليه،و أوّلته تأويلا،إذا صيّرته إليه.هذا معنى«التّأويل»في اللّغة،ثمّ يسمّى التّفسير تأويلا،قال تعالى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً الكهف:78،و قال تعالى: وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً النّساء:59،و ذلك أنّه إخبار عمّا يرجع إليه اللّفظ من المعنى.

و اعلم أنّ المراد منه أنّهم يطلبون التّأويل الّذي ليس في كتاب اللّه عليه دليل و لا بيان،مثل طلبهم أنّ السّاعة متى تقوم؟و أنّ مقادير الثّواب و العقاب لكلّ مطيع و عاص كم تكون؟

قال القاضي: هؤلاء الزّائغون قد ابتغوا المتشابه من وجهين:

أحدهما:أن يحملوه على غير الحقّ،و هو المراد من قوله: اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ.

و الثّاني:أن يحكموا بحكم في الموضع الّذي لا دليل فيه،و هو المراد من قوله: وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ.

(7:188)

أبو حيّان: قيل:(تأويله)طلب كنه حقيقته و عمق معانيه.(2:384)

الآلوسيّ: أي طلب أن يفتنوا المؤمنين و المؤمنات عن دينهم بالتّشكيك و التّلبيس،و مناقضة المحكم بالمتشابه-كما نقل عن الواقديّ-و طلب أن يؤوّلوه حسبما يشتهون،فالإضافة في تأويله للعهد،أي بتأويل

ص: 228

مخصوص،و هو ما لم يوافق المحكم،بل ما كان موافقا للتّشهّي؛و التّأويل:التّفسير،كما قاله غير واحد.[و بعد نقل قول الرّاغب قال:]

و جوّز في هاتين الطّلبتين أن تكونا على سبيل التّوزيع،بأن يكون اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ طلبة بعض «و ابتغاء التّأويل»حسب التّشهّي،طلبة آخرين.و يجوز أن يكون الاتّباع لمجموع الطّلبتين،و هو الخليق بالمعاند، لأنّه لقوّة عناده و مزيد فساده يتشبّث بهما معا،و أن يكون ذلك لكلّ واحدة منهما على التّعاقب،و هو المناسب بحال الجاهل،لأنّه متحيّر تارة يتّبع ظاهره و تارة يؤوله بما يشتهيه،لكونه في قبضة هواه،يتّبعه كلّما دعاه.

و من النّاس من حمل(الفتنة)على المال،فإنّ اللّه سبحانه قد سمّاه فتنة في مواضع من كلامه،و لا يخفى أنّه ليس بشيء مدّعى و دليلا.

و في تعليل«الاتّباع»بابتغاء تأويله دون نفس تأويله،و تجريد التّأويل عن الوصف بالصّحّة و الحقّيّة، إيذان بأنّهم ليسوا من التّأويل-في عير و لا نفير و لا قبيل و لا دبير-و أنّ ما يتّبعونه ليس بتأويل أصلا،لا أنّه تأويل غير صحيح قد يعذر صاحبه.

وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ في موضع الحال من ضمير(يتّبعون)باعتبار العلّة الأخيرة، أي يتّبعون المتشابه لابتغاء تأويله،و الحال أنّ التّأويل المطابق للواقع-كما يشعر به التّعبير بالعلم و الإضافة إلى اللّه تعالى-مخصوص به سبحانه،و بمن وفّقه عزّ شأنه من عباده الرّاسخين في العلم.(3:82)

رشيد رضا: التّأويل هنا بمعنى الإرجاع،أي أنّهم يرجعونه إلى أهوائهم و تقاليدهم،لا إلى الأصل المحكم الّذي بني عليه الاعتقاد.

و أمّا اِبْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ فهو أنّهم يطبّقونه على أحوال النّاس في الدّنيا،فيحوّلون خبر الأحياء بعد الموت و أخبار الحساب و الجنّة و النّار عن معانيها،و يصرفونها إلى معان من أحوال النّاس في الدّنيا،ليخرجوا النّاس عن الدّين بالمرّة،و القرآن مملوء بالرّدّ عليهم،كقوله تعالى:

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يس:79.

(3:166)

الطّباطبائيّ: ما معنى التّأويل؟فسّر قوم من المفسّرين«التّأويل»بالتّفسير،و هو المراد من الكلام.

و إذا كان المراد من بعض الآيات معلوما بالضّرورة كان المراد ب«التّأويل»على هذا من قوله تعالى: وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ الآية،هو المعنى المراد بالآية المتشابهة،فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهة -على هذا القول-لغير اللّه سبحانه،أو لغيره و غير الرّاسخين في العلم.

و قالت طائفة أخرى: إنّ المراد ب«التّأويل»هو المعنى المخالف لظاهر اللّفظ،و قد شاع هذا المعنى؛بحيث عاد اللّفظ حقيقة ثانية فيه،بعد ما كان بحسب اللّفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع.

و كيف كان فهذا المعنى هو الشّائع عند المتأخّرين، كما أنّ المعنى الأوّل هو الّذي كان شائعا بين قدماء المفسّرين،سواء فيه من كان يقول:إنّ«التّأويل»لا يعلمه إلاّ اللّه،و من كان يقول:إنّ الرّاسخين في العلم أيضا

ص: 229

يعلمونه،كما نقل عن ابن عبّاس أنّه كان يقول:أنا من الرّاسخين في العلم و أنا أعلم تأويله.

و ذهب طائفة أخرى: إلى أنّ«التّأويل»معنى من معاني الآية لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى،أو لا يعلمه إلاّ اللّه و الرّاسخون في العلم،مع عدم كونه خلاف ظاهر اللّفظ.

فيرجع الأمر إلى أنّ للآية المتشابهة معاني متعدّدة بعضها تحت بعض،منها ما هو تحت اللّفظ يناله جميع الأفهام، و منها ما هو أبعد منه لا يناله إلاّ اللّه سبحانه،أو هو تعالى و الرّاسخون في العلم.

و قد اختلفت أنظارهم في كيفيّة ارتباط هذه المعاني باللّفظ،فإنّ من المتيقّن أنّها من حيث كونها مرادة من اللّفظ ليست في عرض واحد،و إلاّ لزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد،و هو غير جائز على ما بيّن في محلّه، فهي لا محالة معان مترتّبة في الطّول؛فقيل:إنّها لوازم معنى اللّفظ،إلاّ أنّها لوازم مترتّبة بحيث يكون للّفظ معنى مطابقيّ،و له لازم،و للازمه لازم و هكذا.

و قيل:إنّها معان مترتّبة بعضها على بعض ترتّب الباطن على ظاهره،فإرادة المعنى المعهود المألوف إرادة لمعنى اللّفظ،و إرادة لباطنه بعين إرادته نفسه،كما أنّك إذا قلت:اسقني،فلا تطلب بذلك إلاّ السّقي،و هو بعينه طلب للإرواء،و طلب لرفع الحاجة الوجوديّة،و طلب للكمال الوجوديّ.و ليس هناك أربعة أوامر و مطالب،بل الطّلب الواحد المتعلّق بالسّقي متعلّق بعينه بهذه الأمور الّتي بعضها في باطن بعض،و السّقي مرتبط بها و معتمد عليها.

و هاهنا قول رابع:و هو أنّ«التّأويل»ليس من قبيل المعاني المرادة باللّفظ،بل هو الأمر العينيّ الّذي يعتمد عليه الكلام.فإن كان الكلام حكما إنشائيّا كالأمر و النّهي،فتأويله المصلحة الّتي توجب إنشاء الحكم و جعله و تشريعه،فتأويل قوله: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ البقرة:43 مثلا،هو الحالة النّورانيّة الخارجيّة الّتي تقوم بنفس المصلّي في الخارج،فتنهاه عن الفحشاء و المنكر.

و إن كان الكلام خبريّا،فإن كان إخبارا عن الحوادث الماضية،كان تأويله نفس الحادثة الواقعة في ظرف الماضي،كالآيات المشتملة على أخبار الأنبياء و الأمم الماضية،فتأويلها نفس القضايا الواقعة في الماضي.

و إن كان إخبارا عن الحوادث و الأمور الحاليّة و المستقبلة فهو على قسمين:

فإمّا أن يكون الخبر به من الأمور الّتي تناله الحواسّ أو تدركه العقول،كان أيضا تأويله ما هو في الخارج من القضيّة الواقعة،كقوله تعالى: وَ فِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ التّوبة:47،و قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ الرّوم:2-4.

و إن كان من الأمور المستقبلة الغيبيّة الّتي لا تناله حواسّنا الدّنيويّة و لا يدرك حقيقتها عقولنا،كالأمور المربوطة بيوم القيامة و وقت السّاعة و حشر الأموات و الجمع و السّؤال و الحساب و تطاير الكتب،أو كان ممّا هو خارج من سنخ الزّمان و إدراك العقول،كحقيقة صفاته و أفعاله تعالى،فتأويلها أيضا نفس حقائقها الخارجيّة.

و الفرق بين هذا القسم،أعني الآيات المبيّنة لحال

ص: 230

صفات اللّه تعالى و أفعاله و ما يلحق بها من أحوال يوم القيامة و نحوها،و بين الأقسام الأخر:أنّ الأقسام الأخر يمكن حصول العلم بتأويلها بخلاف هذا القسم،فإنّه لا يعلم حقيقة تأويله إلاّ اللّه تعالى.نعم يمكن أن يناله الرّاسخون في العلم بتعليم اللّه تعالى بعض النّيل على قدر ما تسعه عقولهم،و أمّا حقيقة الأمر الّذي هو حقّ التّأويل،فهو ممّا استأثر اللّه سبحانه بعلمه.

فهذا هو الّذي يتحصّل من مذاهبهم في معنى «التّأويل»و هي أربعة.

و هاهنا أقوال أخر ذكروها،هي في الحقيقة من شعب القول الأوّل،و إن تحاشى القائلون بها عن قبوله.

فمن جملتها:أنّ التّفسير أعمّ من التّأويل،و أكثر استعماله في الألفاظ و مفرداتها،و أكثر استعمال التّأويل في المعاني و الجمل،و أكثر ما يستعمل التّأويل في الكتب الإلهيّة،و يستعمل التّفسير فيها و في غيرها.

و من جملتها:أنّ التّفسير بيان معنى اللّفظ الّذي لا يحتمل إلاّ وجها واحدا،و التّأويل تشخيص أحد محتملات اللّفظ بالدّليل استنباطا.

و من جملتها:أنّ التّفسير بيان المعنى المقطوع من اللّفظ،و التّأويل ترجيح أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها،و هو قريب من سابقه.

و من جملتها:أنّ التّفسير بيان دليل المراد،و التّأويل بيان حقيقة المراد،مثاله قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ الفجر:14.فتفسيره:أنّ المرصاد«مفعال» من قولهم:رصد يرصد،إذا راقب،و تأويله:التّحذير عن التّهاون بأمر اللّه،و الغفلة عنه.

و من جملتها:أنّ التّفسير بيان المعنى الظّاهر من اللّفظ،و التّأويل بيان المعنى المشكل.

و من جملتها:أنّ التّفسير يتعلّق بالرّواية،و التّأويل يتعلّق بالدّراية.

و من جملتها:أنّ التّفسير يتعلّق بالاتّباع و السّماع، و التّأويل يتعلّق بالاستنباط و النّظر.

فهذه سبعة أقوال،هي في الحقيقة من شعب القول الأوّل الّذي نقلناه،يرد عليها ما يرد عليه،و كيف كان فلا يصحّ الرّكون إلى شيء من هذه الأقوال الأربعة،و ما ينشعب منها.

أمّا إجمالا:فلأنّك قد عرفت أنّ المراد ب«تأويل الآية»ليس مفهوما من المفاهيم،تدلّ عليه الآية،سواء كان مخالفا لظاهرها أو موافقا،بل هو من قبيل الأمور الخارجيّة،و لا كلّ أمر خارجيّ حتّى يكون المصداق الخارجيّ للخبر تأويلا له،بل أمر خارجيّ مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثّل إلى المثل(بفتحتين) و الباطن إلى الظّاهر.

و أمّا تفصيلا فيرد على القول الأوّل:أنّ أقلّ ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنيّة لا ينال تأويلها أي تفسيرها-أي المراد من مداليلها اللّفظيّة عامّة-الأفهام.

و ليس في القرآن آيات كذلك بل القرآن ناطق بأنّه أنّما أنزل قرآنا ليناله الأفهام،و لا مناص لصاحب هذا القول إلاّ أن يختار أنّ الآيات المتشابهة إنّما هي فواتح السّور من الحروف المقطّعة،حيث لا ينال معانيها عامّة الأفهام.

و يرد عليه:أنّه لا دليل عليه،و مجرّد كون التّأويل مشتملا على معنى الرّجوع و كون التّفسير أيضا غير خال

ص: 231

عن معنى الرّجوع،لا يوجب كون التّأويل هو التّفسير، كما أنّ الأمّ مرجع لأولادها و ليست بتأويل لهم، و الرّئيس مرجع للمرءوس و ليس بتأويل له.

على أنّ اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ عدّ في الآية خاصّة مستقلّة للتّشابه،و هو يوجد في غير فواتح السّور،فإنّ أكثر الفتن المحدثة في الإسلام إنّما حدثت باتّباع علل الأحكام و آيات الصّفات و غيرها.

و أمّا القول الثّاني فيرد عليه:أنّ لازمه وجود آيات في القرآن أريد بها معان يخالفها ظاهرها الّذي يوجب الفتنة في الدّين بتنافيه مع المحكمات،و مرجعه إلى أنّ في القرآن اختلافا بين الآيات،لا يرتفع إلاّ بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامّة الأفهام،و هذا يبطل الاحتجاج الّذي في قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82.إذ لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بأن يقال:إنّه أريد بإحداهما أو بهما معا غير ما يدلّ عليه الظّاهر،بل معنى تأويليّ باصطلاحهم لا يعلمه إلاّ اللّه سبحانه مثلا،لم تنجح حجّة الآية،فإنّ انتفاء الاختلاف بالتّأويل باصطلاحهم في كلّ مجموع من الكلام و لو كان لغير اللّه،أمر ممكن،و لا دلالة فيه على كونه غير كلام البشر؛إذ من الواضح أنّ كلّ كلام حتّى القطعيّ الكذب و اللّغو يمكن إرجاعه إلى الصّدق و الحقّ بالتّأويل و الصّرف عن ظاهره.

فلا يدلّ ارتفاع الاختلاف بهذا المعنى عن مجموع كلام،على كونه كلام من يتعالى عن اختلاف الأحوال، و تناقض الآراء،و السّهو و النّسيان،و الخطاء و التّكامل بمرور الزّمان،كما هو المعنيّ بالاحتجاج في الآية،فالآية بلسان احتجاجها صريح في أنّ القرآن معرض لعامّة الأفهام،و مسرح للبحث و التّأمّل و التّدبّر،و ليس فيه آية أريد بها معنى يخالف ظاهر الكلام العربيّ،و لا أنّ فيه أحجية و تعمية.

و أمّا القول الثّالث فيرد عليه:أنّ اشتمال الآيات القرآنيّة على معان مترتّبة بعضها فوق بعض و بعضها تحت بعض،ممّا لا ينكره إلاّ من حرم نعمة التّدبّر،إلاّ أنّها جميعا-و خاصّة لو قلنا:إنّها لوازم المعنى-مداليل لفظيّة مختلفة من حيث الأفهام و ذكاء السّامع المتدبّر و بلادته،و هذا لا يلائم قوله تعالى في وصف التّأويل:

وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ، فإنّ المعارف العالية و المسائل الدّقيقة لا يختلف فيها الأذهان من حيث التّقوى و طهارة النّفس بل من حيث الحدّة و عدمها،و إن كانت التّقوى و طهارة النّفس معينين في فهم المعارف الطّاهرة الإلهيّة،لكن ذلك ليس على نحو الدّوران و العلّيّة،كما هو ظاهر قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ.

و أمّا القول الرّابع فيرد عليه:أنّه و إن أصاب في بعض كلامه،لكنّه أخطأ في بعضه الآخر،فإنّه و إن أصاب في القول:بأنّ التّأويل لا يختصّ بالمتشابه بل يوجد لجميع القرآن،و أنّ التّأويل ليس من سنخ المدلول اللّفظيّ بل هو أمر خارجيّ يبتني عليه الكلام،لكنّه أخطأ في عدّ كلّ أمر خارجيّ مرتبط بمضمون الكلام حتّى مصاديق الأخبار الحاكية عن الحوادث الماضية و المستقبلة تأويلا للكلام،و في حصر المتشابه الّذي لا يعلم تأويله في آيات الصّفات و آيات القيامة.

ص: 232

توضيحه:أنّ المراد حينئذ من«التّأويل»في قوله تعالى: وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ إلخ،إمّا أن يكون تأويل القرآن،برجوع ضميره إلى الكتاب،فلا يستقيم قوله:

وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ إلخ،فإنّ كثيرا من تأويل القرآن و هو تأويلات القصص بل الأحكام أيضا، و آيات الأخلاق ممّا يمكن أن يعلمه غيره تعالى و غير الرّاسخين في العلم من النّاس،حتّى الزّائغون قلبا على قوله،فإنّ الحوادث الّتي تدلّ عليها آيات القصص يتساوى في إدراكها جميع النّاس من غير أن يحرم عنه بعضهم،و كذا الحقائق الخلقيّة و المصالح الّتي يوجدها العمل بالأحكام من العبادات و المعاملات،و سائر الأمور المشرّعة.

و إن كان المراد بالتّأويل فيه تأويل المتشابه فقط، استقام الحصر في قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ إلخ، و أفاد أنّ غيره تعالى و غير الرّاسخين في العلم مثلا لا ينبغي لهم ابتغاء تأويل المتشابه،و هو يؤدّي إلى الفتنة و إضلال النّاس.لكن لا وجه لحصر المتشابه الّذي لا يعلم تأويله في آيات الصّفات و القيامة،فإنّ الفتنة و الضّلال كما يوجد في تأويلها يوجد في تأويل غيرها من آيات الأحكام و القصص و غيرهما.

كأن يقول القائل-و قد قيل-:إنّ المراد من تشريع الأحكام إحياء الاجتماع الإنسانيّ بإصلاح شأنه بما ينطبق على الصّلاح،فلو فرض أنّ صلاح المجتمع في غير الحكم المشرّع،أو أنّه لا ينطبق على صلاح الوقت، وجب اتّباعه و إلغاء الحكم الدّينيّ المشرّع.

و كأن يقول القائل-و قد قيل-:إنّ المراد من كرامات الأنبياء المنقولة في القرآن أمور عاديّة،و إنّما نقل بألفاظ ظاهرها خلاف العادة لصلاح استمالة قلوب العامّة،لانجذاب نفوسهم و خضوع قلوبهم،لما يتخيّلونه خارقا للعادة قاهرا لقوانين الطّبيعة.و يوجد في المذاهب المنشعبة المحدثة في الإسلام شيء كثير من هذه الأقاويل، و جميعها من التّأويل في القرآن«ابتغاء للفتنة»بلا شكّ، فلا وجه لقصر المتشابه على آيات الصّفات و آيات القيامة.

إذا عرفت ما مرّ علمت:أنّ الحقّ في تفسير «التّأويل»أنّه الحقيقة الواقعيّة الّتي تستند إليها البيانات القرآنيّة من حكم أو موعظة أو حكمة،و أنّه موجود لجميع الآيات القرآنيّة:محكمها و متشابهها،و أنّه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من الأمور العينيّة المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ.

و إنّما قيّدها اللّه سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التّقريب،فهي كالأمثال تضرب ليقرب بها المقاصد و توضح بحسب ما يناسب فهم السّامع،كما قال تعالى: وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ الزّخرف:2،3،4،و في القرآن تصريحات و تلويحات بهذا المعنى.

على أنّك قد عرفت فيما مرّ من البيان:أنّ القرآن لم يستعمل لفظ«التّأويل»في الموارد الّتي استعملها -و هي ستّة عشر موردا على ما عدّت-إلاّ في المعنى الّذي ذكرناه.(3:44-49)

عبد الكريم الخطيب:يستعمل القرآن الكريم

ص: 233

«التّأويل»للأمور الخفيّة الغامضة،الّتي يخفي ظاهرها ما ضمّ عليه باطنها،من أمور محجّبة وراء هذا الظّاهر، و بين الظّاهر غير المراد و الباطن المراد بون شاسع،و بعد بعيد،لا يبلغه إلاّ بصر ذوي البصائر،ممّن رضي اللّه عنهم، و رفعهم إلى هذا المقام الكريم،الّذي يطّلعون منه على ما وراء الحجب،من علم اللّه.

ذكر القرآن الكريم أنّ هذا المقام الكريم-مقام التّأويل-كان ليوسف عليه السّلام،فقال تعالى: وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:21،و قال تعالى: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:

6،و قال سبحانه على لسان يوسف: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:101، و قال سبحانه على لسانه أيضا: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ يوسف:100،و قال تعالى على لسان صاحبي السّجن: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:36،و قال سبحانه على لسان يوسف: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي يوسف:37، و قال تعالى على لسان أصحاب فرعون: وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يوسف:44،و قال على لسان أحد صاحبي السّجن،و هو الّذي نجا: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يوسف:45.

و كما كان ليوسف هذا العلم الّذي فضّل اللّه عليه به، فكشف بهذا العلم ما وراء تلك الحجب من الأزمنة و الأمكنة،كان ذلك العلم أيضا للعبد الصّالح صاحب موسى عليهما السّلام،و الّذي يقول اللّه تعالى فيه: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً الكهف:65.

و في صحبة موسى للعبد الصّالح رأى موسى العجب في أمور كان يأتيها العبد الصّالح بين يديه،فتجري في وضع مقلوب،كما يبدو ذلك في مستوى النّظر الطبيعيّ للنّاس،بينما هي-في حقيقة أمرها-تسير في أعدل وجه و أحسنه،كما ظهر ذلك منها،حين كشف العبد الصّالح لموسى،عمّا وراء هذا الظّاهر غير المستقيم،أو بمعنى أوضح حين كشف له عن حجاب الزّمن و أراه مسيرتها، و النّهاية الّتي تنتهي إليها،و ما تؤول إليه عاقبة أمرها.

و في هذا يقول العبد الصّالح لموسى-بعد أن حجز موسى عن السّير معه في هذا الطّريق كما قال القرآن على لسانه: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً الكهف:78.

هذا ما ورد في القرآن الكريم من لفظ«التّأويل» و هو في جميع موارده لم يستعمل إلاّ في الكشف عن أمور غامضة،متخفّية وراء ستر،تحول بين النّاظر إليها و بينها، و هي-كما نرى في سورة يوسف-أحلام هي رموز إلى أشياء و أحداث،لم يستطع قراءتها و فكّ رموزها إلاّ يوسف عليه السّلام،أو هي كما نرى في مسيرة العبد الصّالح مع موسى،أضغاث أحلام من أحلام اليقظة،لا يكاد المرء يصحو حتّى ينكرها،و ينفض أطيافها المحوّمة أمام عينيه.

فالتّأويل على هذا هو فكّ طلاسم و رموز،يقف النّاس جميعا أمامها حائرين،و يقول فيها كلّ إنسان

ص: 234

بقول.و ينظر كلّ ناظر إليها بنظر.و هيهات أن يلتقي قول بقول،أو يقع نظر على نظر،فكلّ ما يقال فيها:فهو رجم بالغيب،إلاّ من علّمه اللّه تأويل الأحاديث.(2:399)

2- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ.

الأعراف:53

مجاهد: جزاؤه.(الطّبريّ 8:203)

الحسن: أي هل ينتظرون إلاّ عاقبة الجزاء عليه و ما يؤول مغبّة أمورهم إليه.(الطّبرسيّ 2:426)

قتادة: أي ثوابه.عاقبته.(الطّبريّ 8:203)

السّدّيّ: تأويله:عواقبه،مثل وقعة بدر،و القيامة، و ما وعد فيه من موعد.(الطّبريّ 8:204)

الرّبيع: فلا يزال يقع من تأويله أمر بعد أمر،حتّى يتمّ تأويله يوم القيامة،ففي ذلك أنزل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ حيث أثاب اللّه تبارك و تعالى أولياءه و أعداءه ثواب أعمالهم.(الطّبريّ 8:204)

ابن زيد: يأتي تحقيقه.(الطّبريّ 8:204)

الفرّاء: الهاء في(تأويله)للكتاب،يريد عاقبته،و ما وعد اللّه فيه.(1:380)

الجبّائيّ: إنّ تأويله ما وعدوا به من البعث و النّشور و الحساب و العقاب.(الطّبرسيّ 2:426)

الطّبريّ: (إِلاّ تَأْوِيلَهُ) يقول:إلاّ ما يؤول إليه أمرهم،من ورودهم على عذاب اللّه،و صليهم جحيمه، و أشباه هذا ممّا أوعدهم اللّه به.(8:203)

الزّجّاج: معناه هل ينظرون إلاّ ما يؤول إليه أمرهم من البعث،و هذا التّأويل-و اللّه أعلم-هو قوله:

وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران:7،أي ما يعلم متى يكون البعث و ما يؤول إليه إلا اللّه.(2:341)

الزّمخشريّ: إلاّ عاقبة أمره،و ما يؤول إليه من تبيّن صدقه و ظهور صحّة ما نطق به،من الوعد و الوعيد.

(2:82)

الآلوسيّ: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ و هو يوم القيامة، و قيل:هو يوم بدر.(8:128)

رشيد رضا: أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلاّ وقوع تأويله،و هو ما يؤول إليه ما أخبر به من أمر الغيب الّذي يقع في المستقبل،في الدّنيا ثمّ في الآخرة.

و تأويل الكلام كتأويل الرّؤيا هو عاقبتهما،و المآل الّذي يتحقّق به المراد منهما.(8:422)

الطّباطبائيّ: إنّ«التّأويل»في عرف القرآن هو الحقيقة الّتي يعتمد عليها حكم أو خبر أو أيّ أمر ظاهر آخر،اعتماد الظّاهر على الباطن،و المثل على الممثّل.

فقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ معناه هل ينتظر هؤلاء الّذين يفترون على اللّه كذبا،أو يكذّبون بآياته -و قد تمّت عليهم الحجّة بالقرآن النّازل عليهم-إلاّ حقيقة الأمر الّتي كانت هي الباعثة على سوق بياناته، و تشريع أحكامه،و الإنذار و التّبشير اللّذين فيه؟فلو لم ينتظروه لم يتركوا الأخذ بما فيه.

ثمّ يخبر تعالى عن حالهم في يوم إتيان التّأويل بقوله يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ أي إذا انكشفت حقيقة الأمر يوم القيامة يعترف التّاركون له بحقّيّة ما جاءت به الرّسل،من الشّرائع الّتي أوجبوا العمل بها،و أخبروا أنّ اللّه سيبعثهم

ص: 235

و يجازيهم عليها.(8:135)

عبد الكريم الخطيب: الاستفهام هنا إنكاريّ، ينكر على أهل الشّرك و الضّلال توقّفهم في الاستجابة لهذا الكتاب،و الإيمان به و العمل بما فيه.فما ذا ينظرون؟ أو ما ذا ينتظرون؟أ ينتظرون تأويل هذا الكتاب،و وقوع ما أخبر به من وعد وعيد؟إنّ تأويله-أي ما تؤول إليه أخباره-لا تكون إلاّ يوم القيامة.

فهل إذا جاء هذا اليوم،و وقع بهم الوعيد الّذي أوعدهم اللّه به،أ ينفعهم إيمان أو يقبل منهم عمل؟كلاّ فإنّ اللّه سبحانه و تعالى يقول: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً الأنعام:158،إنّهم في هذا اليوم لا يملكون إلاّ أن يردّدوا الأمانيّ الباطلة.(4:410)

3- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ.

يونس:39

الطّوسيّ: معناه ما يؤول أمره إليه و هو عاقبته، و معناه متأوّله من الثّواب و العقاب.(5:436)

الميبديّ: أي لم يأتهم،و سيأتيهم حقيقة ما وعدوا في الكتاب،إنّه كائن من الوعيد،و نازل بهم من العذاب.

(4:290)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى التّوقّع في قوله:

وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ؟

قلت:معناه أنّهم كذّبوا به على البديهة،قبل التّدبّر و معرفة التّأويل،تقليدا للآباء،و كذّبوه بعد التّدبّر تمرّدا و عنادا،فذمّهم بالتّسرّع إلى التّكذيب قبل العلم به.

و جاء بكلمة التّوقّع،ليؤذن أنّهم علموا بعد علوّ شأنه و إعجازه،لمّا كرّر عليهم التّحدّي و رازوا قواهم في المعارضة و استيقنوا عجزهم عن مثله،فكذّبوا به بغيا و حسدا.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون معنى وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ و لم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب،أي عاقبته حتّى يتبيّن لهم أ هو كذب أم صدق؟يعني أنّه كتاب معجز من جهتين:من جهة إعجاز نظمه،و من جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب،فتسرّعوا إلى التّكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه و بلوغه حدّ الإعجاز،و قبل أن يختبروا إخباره بالمغيبات،و صدقه و كذبه.(2:238)

الطّبرسيّ: أي لم يأتهم بعد حقيقة ما وعد في الكتاب،ممّا يؤول إليه أمرهم من العقوبة.و قيل:معناه أنّ في القرآن أشياء لا يعلمونها و لا يمكنهم معرفتها،إلاّ بالرّجوع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلم يرجعوا إليه و كذّبوا به،فلم يأتهم تفسيره و تأويله،فيكون معنى الآية بل كذّبوا بما لم يدركوا علمه من القرآن و لم يأتهم تفسيره،و لو راجعوا فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلموه.(3:110)

القرطبيّ: أي و لم يأتهم حقيقة عاقبة التّكذيب من نزول العذاب بهم،أو كذّبوا بما في القرآن من ذكر البعث و الجنّة و النّار.(8:345)

الفخر الرّازيّ: قال أهل التّحقيق:قوله: وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يدلّ على أنّ من كان غير عارف بالتّأويلات وقع في الكفر و البدعة،لأنّ ظواهر النّصوص قد يوجد فيها ما تكون متعارضة،فإذا لم يعرف الإنسان وجه التّأويل فيها وقع في قلبه أنّ هذا الكتاب

ص: 236

ليس بحقّ.أمّا إذا عرف وجه التّأويل طبّق التّنزيل على التّأويل،فيصير ذلك نورا على نور،يهدي اللّه لنوره من يشاء.(17:99)

الآلوسيّ: التّأويل:نوع من التّفسير و الإتيان مجاز عن المعرفة و الوقوف،و لعلّ اختياره للإشعار بأنّ تلك المعاني متوجّهة إلى الأذهان منساقة إليها بنفسها.و جوّز أن يراد بالتّأويل:وقوع مدلوله،و هو عاقبته و ما يؤول إليه،و هو المعنى الحقيقيّ عند بعض،فإتيانه حينئذ مجاز عن تبيّنه و انكشافه،أي و لم يتبيّن لهم إلى الآن تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب حتّى يظهر أنّه صدق أم كذب.

و المعنى أنّ القرآن معجز من جهة النّظم و المعنى،و من جهة الإخبار بالغيب،و هم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبّروا نظمه و يتفكّروا في معناه،أو ينتظروا وقوع ما أخبر به من الأمور المستقبلة.

و نفي إتيان التّأويل بكلمة(لمّا)الدّالّة على توقّع منفيها بعد نفي الإحاطة بعلمه بكلمة(لم)لتأكيد الذّمّ و تشديد التّشنيع،فإنّ الشّناعة في تكذيب الشّيء قبل علمه المتوقّع إتيانه أفحش منها في تكذيبه قبل علمه مطلقا.(11:120)

الطّباطبائيّ: الآية تبيّن وجه الحقيقة في عدم إيمانهم به،و قولهم:إنّه افتراء،و هو أنّهم كذّبوا من القرآن بما لم يحيطوا بعلمه،أو كذّبوا بالقرآن الّذي لم يحيطوا بعلمه،ففيه معارف حقيقيّة من قبيل العلوم الواقعيّة لا يسعها علمهم،و لم يأتهم تأويله بعد،أي تأويل ذاك الّذي كذّبوا به حتّى يضطرّهم إلى تصديقه.

هذا ما يقتضيه السّياق من المعنى،فقوله: وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يشير إلى يوم القيامة،كما يؤيّده قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ الأعراف:53.

و هذا يؤيّد ما قدّمناه في تفسير قوله: مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران:7،في الجزء الثّالث من الكتاب،أنّ المراد ب«التّأويل»في عرف القرآن،هو الحقيقة الّتي يعتمد عليها معنى من المعاني من حكم أو معرفة أو قصّة أو غير ذلك،من الحقائق الواقعيّة،من غير أن يكون من قبيل المعنى،و أنّ لجميع القرآن و ما يتضمّنه من معرفة أو حكم أو خبر أو غير ذلك تأويلا.

و يؤيّد ذلك أيضا قوله بعد: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الأنعام:148،فإنّ التّشبيه يعطي أنّ المراد:

أنّ الّذين من قبلهم من المشركين أيضا كذّبوا بما دعاهم إليه أنبياؤهم،لكونهم لم يحيطوا بعلمه و لمّا يأتهم تأويله، فلمّا جاء به سائر الأنبياء من أجزاء الدّعوة الدّينيّة من معارف و أحكام تأويل،كما أنّ لمعارف القرآن و أحكامه تأويلا من غير أن يكون من قبيل المفاهيم و معاني الألفاظ،كما توهّموه.

فمحصّل المعنى أنّ هؤلاء المشركين الرّامين للقرآن بأنّه افتراء-مثل المشركين و الكفّار من الأمم السّابقة- استقبلتهم من الدّعوة الدّينيّة بمعارفها و أحكامها أمور لم يحيطوا بها علما حتّى يوقنوا بها و يصدّقوا،فحملهم الجهل على التّكذيب بها،و لمّا يأتهم اليوم الّذي يظهر لهم

ص: 237

فيه تأويلها و حقيقة أمرها ظهورا يضطرّهم على الإيقان و التّصديق بها،و هو يوم القيامة الّذي يكشف لهم فيه الغطاء عن وجه الحقائق بواقعيّتها،فهؤلاء كذّبوا و ظلموا كما كذّب الّذين من قبلهم،و ظلموا،فانظر كيف كان عاقبة أولئك الظّالمين حتّى تحدس بما سيصيب هؤلاء.

هذا ما يعطيه دقيق البحث في معنى الآية، و للمفسّرين فيها أقوال شتّى مختلفة مبنيّة على ما ذهبوا إليه من معنى«التّأويل»لا جدوى في التّعرّض لها،و قد استقصينا أقوالهم سابقا.(10:66)

عبد الكريم الخطيب: و في قوله تعالى: وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ إشارة خاصّة إلى القرآن الكريم،و أنّه ليس من عوارض الأمور الّتي يفرغ المرء من حسابه معها في نظرة عابرة،أو لمسة طائرة،و إنّما هو آيات اللّه قد أودعت في حروفه و كلماته و آياته أسرار هذا الوجود، و نظام هذا العالم،و ملاك أمر هذا المجتمع الإنسانيّ، و مناهج سعيه المستقيمة.

و إذا كان هذا هو شأن القرآن الكريم،فإنّه-لكي يتعرّف الإنسان عليه،و يقع على بعض ما فيه من أسرار-يجب أن يقف المرء طويلا معه،و أن يعطيه ملكاته كلّها،و بهذا يعرف ما هو هذا القرآن الّذي يسمعه،و يدرك طعم هذا الثّمر الّذي يتدلّى عليه من أغصانه و أشجاره.

أمّا النّظرة الحمقاء الشّاردة العجول،أو النّظرة الجامدة الباردة العمياء،فلن تنال شيئا،و لن تبلغ غاية، تحصّل بها شيئا من هذا الخير الكثير.

و هذا هو السّرّ أو بعض السّرّ في(لمّا)الّتي تفيد امتداد الزّمن و تراخيه حتّى يقع الحديث الّذي يجيء من الفعل الوارد عليه،هذه الأداة(لمّا)الّتي تفيد التّراخي و الامتداد في الزّمن المستقبل.

و الصّورة هنا هكذا:إنّ هؤلاء المشركين من شأنهم أن يواجهوا الأمور بعواطفهم و نوازع أهوائهم،فيدفعوا كلّ أمر لا يلتقي مع أهوائهم،و لا يستجيب لمنازعهم، هكذا شأنهم مع صغير الأمور و كبيرها و مع قريبها و بعيدها.فإذا جاءهم أمر تلقّوه سلفا بما تموج به صدورهم من نزعات و أهواء،فإذا جاء الأمر على وفق أهوائهم،و جرى على طريق نزعاتهم،قبلوه و اطمأنّوا إليه،و إلاّ أنكروه و تنكّروا له.

و هم مع القرآن،بادءوه بالإعراض و التّكذيب قبل أن ينظروا فيه.و من نظر منهم إليه،نظر نظرا منحرفا باردا،فكذّبوا بالبديهيّات،كما كذّبوا بما يحتاج إلى بحث و نظر و إمعان بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يونس:39،أي كذّبوا بما لم يقع لهم منه علم أصلا،لأنّهم لم ينظروا فيه،و لو نظروا لعلموا.ثمّ كذّبوا بما لم يأتهم تأويله و لم يدركوا أسراره،لأنّهم لم يطيلوا البحث و يمعنوا النّظر،و لو فعلوا لجاءهم تأويله، و انكشفت لهم بعض أسراره.

فهم على تكذيب بالقرآن أبدا،يكذّبون به قبل أن ينظروا فيه،و يكذّبون به بعد أن ينظروا فيه،لأنّهم يسبقون هذا النّظر بمشاعر الاتّهام.فإذا نظروا لم ينفعهم النّظر،لأنّه-كما قلنا-نظر شارد،مستخفّ بما ينظر إليه.

(6:1016)

ص: 238

أوّل

1- وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ... البقرة:41

أبو العالية: و لا تكونوا السّابقين إلى الكفر به فيتّبعكم النّاس،أي لا تكونوا أئمّة في الكفر به.

(الطّبرسيّ 1:94)

ابن جريج: و لا تكونوا أوّل جاحدين صفة النّبيّ في كتابكم،فعلى هذا تعود الهاء في(به)إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

(الطّبرسيّ 1:94)

الرّمّانيّ: يحتمل أن يكونوا أوّل كافر بالقرآن،إنّه حقّ في كتابكم.(الطّبرسيّ 1:95)

الطّبريّ: إن قال لنا قائل:كيف قيل: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ و الخطاب فيه لجمع،و(كافر)واحد؟ و هل نجيز إن كان ذلك جائزا أن يقول قائل:لا تكونوا أوّل رجل قام؟

قيل له:إنّما يجوز توحيد ما أضيف له«أفعل»و هو خبر لجمع إذا كان اسما مشتقّا من«فعل و يفعل»لأنّه يؤدّي عن المراد معه المحذوف من الكلام،و هو«من» و يقوم مقامه في الأداء عن معنى ما كان يؤدّي عنه«من» من الجمع و التّأنيث،و هو في لفظ واحد.أ لا ترى أنّك تقول:و لا تكونوا أوّل من يكفر به ف«من»بمعنى جمع،و هو غير متصرّف تصرّف الأسماء للتّثنية و الجمع و التّأنيث، فإذا أقيم الاسم المشتقّ من«فعل و يفعل»مقامه،جرى و هو موحّد مجراه في الأداء عمّا كان يؤدّي عنه من معنى الجمع و التّأنيث،كقولك:الجيش ينهزم،و الجند يقبل؛ فتوحّد الفعل لتوحيد لفظ الجيش و الجند.و غير جائز أن يقال:الجيش رجل،و الجند غلام،حتّى تقول:الجند غلمان،و الجيش رجال،لأنّ الواحد من عدد الأسماء الّتي هي غير مشتقّة من«فعل و يفعل»لا يؤدّي عن معنى الجماعة منهم.و من ذلك قول الشّاعر:

و إذا همّوا طعموا فالأم طاعم

و اذا همّوا جاعوا فشرّ جياع

فوحّد مرّة على ما وصفت من نيّة«من»و إقامة الظّاهر من الاسم الّذي هو مشتقّ من«فعل و يفعل» مقامه،و جمع أخرى على الإخراج على عدد أسماء المخبر عنهم،و لو وحّد حيث جمع أو جمع حيث وحّد كان صوابا جائزا.

فأمّا تأويل ذلك فإنّه يعني به:يا معشر أحبار أهل الكتاب صدّقوا بما أنزلت على رسولي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من القرآن المصدّق كتابكم،و الّذي عندكم من التّوراة و الإنجيل المعهود إليكم فيهما أنّه رسولي و نبيّي المبعوث بالحقّ،و لا تكونوا أوّل من كذّب به،و جحد أنّه من عندي،و عندكم من العلم به ما ليس عند غيركم.

(1:252)

الزّجّاج: يعني القرآن،و يكون أيضا وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ: بكتابكم و بالقرآن،إن شئت عادت الهاء على قوله: (لِما مَعَكُمْ).

و إنّما قيل لهم: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ لأنّ الخطاب وقع على حكمائهم،فإذا كفروا كفر معهم الأتباع،فلذلك قيل لهم: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ.

فإن قال قائل:كيف تكون الهاء لكتابهم؟

قيل له:إنّهم إذا كتموا ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في كتابهم فقد

ص: 239

كفروا به،كما أنّه من كتم آية من القرآن فقد كفر به.

و معنى وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ -إذا كان بالقرآن-لا مئونة فيه،لأنّهم يظهرون أنّهم كافرون بالقرآن.و معنى (أَوَّلَ كافِرٍ): أوّل الكافرين.

قال بعض البصريّين:في هذا قولين:قال الأخفش:

معناه أوّل من كفر به،و قال البصريّون أيضا:معناه و لا تكونوا أوّل فريق كافر به،أي بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و كلا القولين صواب حسن.

و قال بعض النّحويّين:إنّ هذا إنّما يجوز في فاعل و مفعول،تقول:الجيش منهزم،و الجيش مهزوم،و لا يجوز فيما ذكر:الجيش رجل،و الجيش فرس.و هذا في فاعل و مفعول أبين،لأنّك إذا قلت:الجيش منهزم،فقد علم أنّك تريد هذا الجيش،فنطقت في لفظه بفاعل،لأنّ المعنى الّذي وضع عليه الجيش معنى يدلّ على جمع،فهو فعال.و مفعول يدلّ على ما يدلّ عليه الجيش.

و إذا قلت:الجيش رجل،فإنّما يكره في هذا أن يتوهّم أنّك تقلّله.فأمّا إذا عرف معناه فهو سائغ جيّد، تقول:جيشهم إنّما هو فرس و رجل،أي ليس بكثير الأتباع،فيدلّ المعنى على أنّك تريد:الجيش خيل و رجال،و هذا في فاعل و مفعول أبين كما وصفنا.

(1:122)

الطّوسيّ: إنّما وحّد«كافرا»في قوله: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ و قبله جمع،لما ذكره الفرّاء و الأخفش؛ و هو أنّه ذهب مذهب«الفعل»كأنّه قال:أوّل من كفر به.

و لو أراد الاسم لما جاز إلاّ الجمع،و مثل ذلك قول القائل للجماعة:لا تكونوا أوّل رجل يفعل ذلك.

قال المبرّد: هذا الّذي ذكره الفرّاء خارج عن المعنى المفهوم،لأنّ الفعل-هاهنا-و الاسم سواء إذا قال القائل:

زيد أوّل رجل جاء،فمعناه أوّل الرّجال الّذين جاءوا رجلا رجلا،و لذلك قال: (أَوَّلَ كافِرٍ) و«أوّل مؤمن» و معناه:أوّل الكافرين و أوّل المؤمنين،لا فصل بينهما في لغة و لا قياس.أ لا ترى أنّك تقول:رأيت مؤمنا و رأيت كافرا كما تقول:رأيت رجلا،لا يكون إلاّ ذلك،لأنّك إنّما رأيت واحدا،كما تقول:رأيت زيدا أفضل مؤمن،و زيد أفضل حرّ،و زيد أفضل رجل،و أنبل غلام،و ليس بين ذلك اختلاف.

و لكن جاز:و لا تكونوا أوّل قبيل:كافر به،و أوّل حزب كافر به،و هو ممّا يسوغ فيه النّعت،و يبيّن به الاسم،لأنّك تقول:جاءني قبيل صالح،و جاءني حيّ كريم،فينعت به الجمع،إذا كان الجمع اسما واحدا لجميعه،كقولك:نفر،و قبيل،و حزب،و جمع،و لا تقول:

جاءني رجل كريم،و أنت تريد برجل نفرا كما تقول:نفر كريم،لأنّ النّعت جار على المنعوت،و الاسم منفرد بنفسه.

و نظير قوله: (أَوَّلَ كافِرٍ) قول الشّاعر:

فإذا هم طعموا فالأم طاعم

و إذا هم جاعوا فشرّ جياع

و معنى قوله: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ قال قوم:

يعني بالقرآن من أهل الكتاب،لأنّ قريشا كفرت به قبلهم بمكّة.(1:186)

الميبديّ: [و بعد نقل قول أبي العالية قال:]يسوغ أن يكون قوله: (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) كناية عن التّوراة،فمعنى

ص: 240

الآية أنّكم لمّا احجمتم عن ذكر نعت المصطفى عليه السّلام في التّوراة و كفرتم به،فقد كفرتم بالتّوراة كلّها،كما لو يكفر أحد بآية من القرآن،فإنّه يكفر بالقرآن كلّه.يقال:هم بنو قريظة و النّضير كانوا أوّل كافر به،ثمّ كفر به أهل خيبر و فدك،و تتابعت على ذلك اليهود.(1:167)

الزّمخشريّ: (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أوّل من كفر به،أو أوّل فريق أو فوج كافر به،أو و لا يكن كلّ واحد منكم أوّل كافر به،كقولك:كسانا حلّة:أي كلّ واحد منّا.

و هذا تعريض بأنّه كان يجب أن يكونوا أوّل من يؤمن به لمعرفتهم به و بصفته،و لأنّهم كانوا المبشّرين بزمان من أوحي إليه،و المستفتحين على الّذين كفروا به، و كانوا يعدّون أتباعه أوّل النّاس كلّهم،فلمّا بعث كان أمرهم على العكس،كقوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ إلى قوله: وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:1 و 4، فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ البقرة:89.

و يجوز أن يراد:و لا تكونوا مثل أوّل كافر به،يعني من أشرك به من أهل مكّة،أي لا تكونوا و أنتم تعرفونه مذكورا في التّوراة موصوفا،مثل من لم يعرفه و هو مشرك لا كتاب له.(1:276)

الطّبرسيّ: [بعد نقل قول الرّمّانيّ قال:]

و إنّما عظّم أوّل الكفر،لأنّهم إذا كانوا أئمّة لهم و قدوة في الضّلالة كانت ضلالتهم أعظم،نحو ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من سنّ سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة،و من سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة».و ليس في نهيه عن أن يكونوا أوّل كافر به دلالة على أنّه يجوز أن يكونوا آخر كافر،لأنّ المقصود النّهي عن الكفر على كلّ حال،و خصّ أوّلا بالذّكر لما ذكرنا من عظم موقعه.

(1:95)

الفخر الرّازيّ: معناه أوّل من كفر به،أو أوّل فريق أو فوج كافر به،أو و لا يكن كلّ واحد منكم أوّل كافر به، ثمّ فيه سؤالان:

الأوّل:كيف جعلوا أوّل من كفر به،و قد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب؟

و الجواب من وجوه:

أحدها:أنّ هذا تعريض بأنّه كان يجب أن يكونوا أوّل من يؤمن به،لمعرفتهم به و بصفته،و لأنّهم كانوا هم المبشّرون بزمان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و المستفتحون على الّذين كفروا به،فلمّا بعث كان أمرهم على العكس،لقوله تعالى فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ البقرة:89.

و ثانيها:يجوز أن يراد:و لا تكونوا مثل أوّل كافر به، يعني من أشرك من أهل مكّة،أي و لا تكونوا و أنتم تعرفونه-مذكورا في التّوراة و الإنجيل-مثل من لم يعرفه، و هو مشرك لا كتاب له.

و ثالثها:و لا تكونوا أوّل كافر به من أهل الكتاب، لأنّ هؤلاء كانوا أوّل من كفر بالقرآن من بني إسرائيل، و إن كانت قريش كفروا به قبل ذلك.

و رابعها: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ يعني بكتابكم،يقول ذلك لعلمائهم،أي و لا تكونوا أوّل أحد من أمّتكم كذّب كتابكم،لأنّ تكذيبكم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 241

يوجب تكذيبكم بكتابكم.

و خامسها:أنّ المراد منه بيان تغليظ كفرهم،و ذلك لأنّهم لمّا شاهدوا المعجزات الدّالّة على صدقه عرفوا البشارات الواردة في التّوراة و الإنجيل بمقدمه،فكان كفرهم أشدّ من كفر من لم يعرف،إلاّ نوعا واحدا من الدّليل،و السّابق إلى الكفر يكون أعظم ذنبا ممّن بعده، لقوله عليه السّلام:«من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها».فلمّا كان كفرهم عظيما و كفر من كان سابقا في الكفر عظيما فقد اشتركا من هذا الوجه،فصحّ إطلاق اسم أحدهما على الآخر على سبيل الاستعارة.

و سادسها:المعنى و لا تكونوا أوّل من جحد مع المعرفة،لأنّ كفر قريش كان مع الجهل لا مع المعرفة.

و سابعها:أوّل كافر به من اليهود،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قدم المدينة و بها قريظة و النّضير فكفروا به ثمّ تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر،فكأنّه قيل:أوّل من كفر به من أهل الكتاب،و هو كقوله: وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:47،أي على عالمي زمانهم.

و ثامنها:و لا تكونوا أوّل كافر به عند سماعكم بذكره بل تثبّتوا فيه و راجعوا عقولكم فيه.

و تاسعها:أنّ لفظ(أوّل)صلة،و المعنى و لا تكونوا كافرين به،و هذا ضعيف.

السّؤال الثّاني:أنّه كان يجوز لهم الكفر إذ لم يكونوا أوّلا،و الجواب من وجوه:

أحدها:أنّه ليس في ذكر ذلك الشّيء دلالة على أنّ ما عداه بخلافه.

و ثانيها:أنّ في قوله: وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ البقرة:41،دلالة على أنّ كفرهم أوّلا و آخرا محظور.

و ثالثها:أنّ قوله: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها الرّعد:2،لا يدلّ على وجود عمد لا يرونها.

و قوله: وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ آل عمران:181، لا يدلّ على وقوع قتل الأنبياء بحقّ.و قوله عقيب هذه الآية: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً المائدة:44، لا يدلّ على إباحة ذلك بالثّمن الكثير،فكذا هاهنا،بل المقصود من هذه السّياقة استعظام وقوع الجحد و الإنكار ممّن قرأ في الكتب نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و صفته.

و رابعها:قال المبرّد:هذا الكلام خطاب لقوم خوطبوا به قبل غيرهم،فقيل لهم:لا تكفروا بمحمّد،فإنّه سيكون بعدكم الكفّار،فلا تكونوا أنتم أوّل الكفّار،لأنّ هذه«الأوّليّة»موجبة لمزيد الإثم؛و ذلك لأنّهم إذا سبقوا إلى الكفر،فإمّا أن يقتدي بهم غيرهم في ذلك الكفر،أو لا يكون كذلك.

فإن اقتدى بهم غيرهم في ذلك الكفر كان لهم وزر ذلك الكفر و وزر كلّ من كفر إلى يوم القيامة،و إن لم يقتد بهم غيرهم اجتمع عليهم أمران:أحدهما:السّبق إلى الكفر.و الثّاني:التّفرّد به،و لا شكّ في أنّه منقصة عظيمة،فقوله: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ إشارة إلى هذا المعنى.(3:41،42)

نحوه النّيسابوريّ.(1:296)

أبو حيّان: تأوّلوا (أَوَّلَ كافِرٍ) بمن كفر،و أوّل حزب كفر،أو لا يكن كلّ واحد منكم أوّل كافر.

و النّهي عن أن تكونوا أوّل كافر به لا يدلّ ذلك على

ص: 242

إباحة الكفر لهم ثانيا أو آخرا،فمفهوم الصّفة هنا غير مراد.

و لمّا أشكلت الأوّليّة هنا زعم بعضهم أنّ(أوّل) صلة،يعني زائدة،و التّقدير:و لا تكونوا كافرين به،و هذا ضعيف جدّا.

زعم بعضهم: أنّ ثمّ محذوفا معطوفا،تقديره:و لا تكونوا أوّل كافر به و لا آخر كافر،و جعل ذلك ممّا حذف فيه المعطوف لدلالة المعنى عليه.

و خصّ«الأوّليّة»بالذّكر،لأنّها أوحش،لما فيها من الابتداء بها،و هذا شبيه بقول الشّاعر:

من أناس ليس في أخلاقهم

عاجل الفحش و لا سوء جزع

لا يريد أنّ فيهم فحشا آجلا بل أراد لا فحش عندهم،لا عاجلا و لا آجلا.(1:177)

الآلوسيّ: لا بدّ هنا عند الجمهور من تأويل المفضّل عليه بجعله مفردا للفظ جمع المعنى،أي أوّل فريق مثلا،أو تأويل المفضّل،أي لا يكن كلّ واحد منكم.و المراد عموم السّلب،كما في وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ القلم:10.

و بعض النّاس لا يوجب-في مثل هذا-المطابقة بين النّكرة الّتي أضيف إليها أفعل التّفضيل،و ما جرى هو عليه،بل يجوز الوجهان عنده،كما في قوله:

و إذا هم طعموا فألأم طاعم

و إذا هم جاعوا فشرّ جياع

و من أوجب أوّل البيت كالآية،و نهيهم عن التّقدّم في الكفر به،مع أنّ مشركي العرب أقدم منهم لما أنّ المراد التّعريض فأوّل الكافرين غيرهم،أو وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ من أهل الكتاب،و الخطاب للموجودين في زمانه صلّى اللّه عليه و سلّم بل للعلماء منهم.

و قد يقال:الضّمير راجع إلى(ما معكم)،و المراد من لا تكونوا أوّل كافر بما معكم:لا تكونوا أوّل كافر ممّن كفر بما معه.و مشركو مكّة و إن سبقوهم في الكفر-بما يصدق القرآن حيث سبقوا بالكفر به و هو مستلزم لذلك-لكن ليسوا ممّن كفر بما معه.

و الفرق بين لزوم الكفر و التزامه غير بيّن،إلاّ أنّه يخدش هذا الوجه،أنّ هذا واقع في مقابلة: آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ فيقتضي اتّحاد متعلّق الكفر و الإيمان.

و قيل:يقدّر في الكلام«مثل».و قيل:يقدّر:و لا تكونوا أوّل كافر و آخره.و قيل:(أوّل)زائدة،و الكلّ بعيد.و بحمل التّعريض على سبيل الكناية يظهر وجه التّقييد بالأوّليّة.

و قيل:إنّها مشاكلة لقولهم:إنّا نكون أوّل من يتبعه، و قد يقال:إنّها بمعنى السّبق،و عدم التّخلّف،فافهم.

(1:244)

القاسميّ: يعني من جنسكم أهل الكتاب،بعد سماعكم بمبعثه.فالأوّليّة نسبيّة،فإنّ يهود المدينة أوّل بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن.(2:116)

رشيد رضا: أي و لا تبادروا إلى الكفر به و الجحود له مع جدارتكم بالسّبق إليه،و هذا الاستعمال معروف في الكلام البليغ،لهذا المعنى لا يقصد بالأوّليّة فيه حقيقتها، و الخطاب عامّ لليهود في كلّ عصر و زمان.(1:291)

الطّباطبائيّ: أي من بين أهل الكتاب،أو من بين قومكم ممّن مضى و سيأتي،فإنّ كفار مكّة كانوا قد سبقوهم إلى الكفر به.(1:151)

ص: 243

2- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ. آل عمران:96

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّه سئل عن أوّل مسجد وضع للنّاس فقال:«المسجد الحرام،ثمّ بيت المقدس».

(الزّمخشريّ 1:446)

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ رجلا قال له:أ هو أوّل بيت؟

قال:لا،قد كان قبله بيوت،و لكنّه أوّل بيت وضع للنّاس مباركا،فيه الهدى و الرّحمة و البركة.

(الزّمخشريّ 1:446)

ابن عبّاس: هو أوّل بيت حجّ بعد الطّوفان.

(الزّمخشريّ 1:446)

ابن عمر: خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنة، و كان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء،فدحيت الأرض من تحته.(الطّبريّ 4:8)

سعيد بن جبير: أوّل بيت وضع للعبادة.

(الطّبريّ 4:7)

مجاهد: إنّ أوّل ما خلق اللّه الكعبة،ثمّ دحى الأرض من تحتها.(الطّبريّ 4:8)

الضّحّاك: أوّل بيت رغب فيه و طلب منه البركة مكّة.(الطّبرسيّ 1:477)

الحسن: هو أوّل مسجد عبد اللّه فيه في الأرض.

(الطّبريّ 4:7)

قتادة: ذكر لنا أنّ البيت هبط مع آدم حين هبط.

قال:أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي،فطاف حوله آدم و من كان بعده من المؤمنين، حتّى إذ كان زمن الطّوفان زمن أغرق اللّه قوم نوح،رفعه اللّه و طهّره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض،فصار معمورا في السّماء،ثمّ إنّ إبراهيم تتبّع منه أثرا بعد ذلك، فبناه على أساس قديم كان قبله.(الطّبريّ 4:8)

السّدّيّ: أمّا (أَوَّلَ بَيْتٍ) فإنّه يوم كانت الأرض ماء،كان زبدة على الأرض،فلمّا خلق اللّه الأرض، خلق البيت معها،فهو أوّل بيت وضع في الأرض.

(الطّبريّ 4:8)

الإمام الصّادق عليه السّلام: عن عبد الصّمد بن سعد قال:

طلب أبو جعفر أن يشتري من أهل مكّة بيوتهم أن يزيده في المسجد فأبوا،فأرغبهم فامتنعوا،فضاق بذلك،فأتى أبا عبد اللّه عليه السّلام،فقال له:إنّي سألت هؤلاء شيئا من منازلهم و أفنيتهم لنزيد في المسجد و قد منعوني ذلك،فقد غمّني غمّا شديدا.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أ يغمّك ذلك و حجّتك عليهم فيه ظاهرة.فقال:و بما أحتجّ عليهم؟فقال:

بكتاب اللّه.فقال:في أيّ موضع؟فقال:قول اللّه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ، قد أخبرك اللّه إنّ أوّل بيت وضع للنّاس هو الّذي ببكّة،فإن كانوا هم تولّوا قبل البيت فلهم أفنيتهم،و إن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه.

فدعاهم أبو جعفر،فاحتجّ عليهم بهذا،فقالوا له:

اصنع ما أحببت.(العيّاشيّ 1:185)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:تأويله إنّ أوّل بيت وضع للنّاس يعبد اللّه فيه، مباركا و هدى للعالمين الّذي ببكّة.

قالوا:و ليس هو أوّل بيت وضع في الأرض،لأنّه قد كانت قبله بيوت كثيرة.و قال آخرون:بل هو أوّل بيت

ص: 244

وضع للنّاس.

ثمّ اختلف قائلو ذلك في صفة وضعه(أوّل)،فقال بعضهم:خلق قبل جميع الأرضين،ثمّ دحيت الأرضون من تحته.و قال آخرون:موضع الكعبة موضع أوّل بيت وضعه اللّه في الأرض.

و الصّواب من القول في ذلك ما قال جلّ ثناؤه فيه:

(إن أول بيت مبارك و هدى وضع للناس للذي ببكة)، و معنى ذلك:إنّ أوّل بيت وضع للنّاس،أي لعبادة اللّه، فيه مباركا و هدى،يعني بذلك و مآبا لنسك النّاسكين و طواف الطّائفين،تعظيما للّه و إجلالا له،للّذي ببكّة.

لصحّة الخبر بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم...عن أبي ذرّ،قال:

قلت:يا رسول اللّه،أيّ مسجد وضع أوّل؟قال:«المسجد الحرام»،قال:ثمّ أيّ؟قال:«المسجد الأقصى»،قال:كم بينهما؟قال:«أربعون سنة».

فقد بيّن هذا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ المسجد الحرام هو أوّل مسجد وضعه اللّه في الأرض على ما قلنا.

فأمّا في وضعه بيتا بغير معنى بيت للعبادة و الهدى و البركة،ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع،و بعضه في سورة البقرة و غيرها من سور القرآن، و بيّنت الصّواب من القول عندنا في ذلك،بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.(4:7-9)

الطّوسيّ: أوّل الشّيء ابتداؤه،و يجوز أن يكون المبتدأ له آخر،و يجوز أن لا يكون له آخر،لأنّ الواحد أوّل العدد و لا نهاية لآخره،و نعيم أهل الجنّة له أوّل،و لا آخر له.فعلى هذا إنّما كان (أَوَّلَ بَيْتٍ) لأنّه لم يكن قبله بيت يحجّ إليه.(2:535)

الزّمخشريّ: قيل:هو أوّل بيت بناه آدم في الأرض،و قيل:لمّا أهبط آدم قالت له الملائكة:طف حول هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام،و كان في موضعه قبل آدم بيت يقال له:الضّراح،فرفع في الطّوفان إلى السّماء الرّابعة،تطوف به ملائكة السّماوات.

(1:446)

الفخر الرّازيّ: قال المحقّقون:«الأوّل»هو الفرد السّابق،فإذا قال:أوّل عبد أشتريه فهو حرّ،فلو اشترى عبدين في المرّة الأولى،لم يعتق أحد منهما،لأنّ الأوّل هو الفرد،ثمّ لو اشترى في المرّة الثّانية عبدا واحدا لم يعتق، لأنّ شرط الأوّل كونه سابقا،فثبت أنّ«الأوّل»هو الفرد السّابق.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّ قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لا يدلّ على أنّه أوّل بيت خلقه اللّه تعالى، و لا أنّه أوّل بيت ظهر في الأرض،بل ظاهر الآية يدلّ على أنّه أوّل بيت وضع للنّاس.

و كونه موضوعا للنّاس،يقتضي كونه مشتركا فيه بين جميع النّاس،فأمّا سائر البيوت فيكون كلّ واحد منها مختصّا بواحد من النّاس،فلا يكون شيء من البيوت موضوعا للنّاس.

و كون البيت مشتركا فيه بين كلّ النّاس،لا يحصل إلاّ إذا كان البيت موضوعا للطّاعات و العبادات و قبلة للخلق؛فدلّ قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ على أنّ هذا البيت وضعه اللّه موضعا للطّاعات و الخيرات و العبادات،فيدخل فيه كون هذا البيت قبلة للصّلوات، و موضعا للحجّ،و مكانا يزداد ثواب العبادات و الطّاعات

ص: 245

فيه.

فإن قيل:كونه«أوّلا»في هذا الوصف،يقتضي أن يكون له ثان،و هذا يقتضي أن يكون بيت المقدس، يشاركه في هذه الصّفات الّتي منها وجوب حجّه،و معلوم أنّه ليس كذلك.

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ لفظ«الأوّل»في اللّغة:اسم للشّيء الّذي يوجد ابتداء،سواء حصل عقيبه شيء آخر أو لم يحصل، يقال:هذا أوّل قدومي مكّة،و هذا أوّل مال أصبته.و لو قال:أوّل عبد ملّكته فهو حرّ،فملك عبدا،عتق و إن لم يملك بعده عبدا آخر،فكذا هنا.

و الثّاني:أنّ المراد من قوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ أي أوّل بيت وضع لطاعات النّاس و عباداتهم، و بيت المقدس يشاركه في كونه بيتا موضوعا للطّاعات و العبادات،بدليل قوله عليه الصّلاة و السّلام:«لا تشدّ الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،و المسجد الأقصى،و مسجدي هذا»فهذا القدر يكفي في صدق كون الكعبة أوّل بيت وضع للنّاس.و أمّا أن يكون بيت المقدس مشاركا له في جميع الأمور حتّى في وجوب الحجّ،فهذا غير لازم،و اللّه أعلم.

اعلم أنّ قوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً يحتمل أن يكون المراد كونه أوّلا في الوضع و البناء،و أن يكون المراد كونه أوّلا في كونه مباركا و هدى،فحصل للمفسّرين في تفسير هذه الآية قولان:

الأوّل:أنّه أوّل في البناء و الوضع،و الذّاهبون إلى هذا المذهب لهم أقوال:

أحدها:ما روى الواحديّ رحمه اللّه تعالى في «البسيط»بإسناده عن مجاهد،أنّه قال:خلق اللّه تعالى هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين.و في رواية أخرى:خلق اللّه موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة،و إنّ قواعده لفي الأرض السّابعة السّفلى.

و روى أيضا عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين،عن أبيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:إنّ اللّه تعالى بعث ملائكته فقال:ابنوا لي في الأرض بيتا على مثال البيت المعمور،و أمر اللّه تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السّماء بالبيت المعمور،و هذا كان قبل خلق آدم.

و أيضا ورد في سائر كتب التّفسير عن عبد اللّه بن عمر،و مجاهد و السّدّيّ:أنّه أوّل بيت وضع على وجه الماء عند خلق الأرض و السّماء،و قد خلقه اللّه تعالى قبل الأرض بألفي عام،و كان زبدة بيضاء على الماء،ثمّ دحيت الأرض تحته.

قال القفّال في تفسيره: روى حبيب بن ثابت عن ابن عبّاس أنّه قال:وجد في كتاب في المقام أو تحت المقام«أنا اللّه ذو بكّة وضعتها يوم وضعت الشّمس و القمر،و حرّمتها يوم وضعت هذين الحجرين،و حففتها بسبعة أملاك حنفاء».

و ثانيها:أنّ آدم صلوات اللّه عليه و سلامه لمّا أهبط إلى الأرض شكا الوحشة،فأمره اللّه تعالى ببناء الكعبة و طاف بها،و بقي ذلك إلى زمان نوح عليه السّلام.فلمّا أرسل اللّه تعالى الطّوفان،رفع البيت إلى السّماء السّابعة حيال

ص: 246

الكعبة يتعبّد عنده الملائكة،يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك سوى من دخل من قبل فيه.ثمّ بعد الطّوفان اندرس موضع الكعبة،و بقي مختفيا إلى أن بعث اللّه تعالى جبريل صلوات اللّه عليه إلى إبراهيم عليه السّلام،و دلّه على مكان البيت،و أمر بعمارته؛فكان المهندس جبريل،و البنّاء إبراهيم،و المعين إسماعيل عليهم السّلام.

و اعلم أنّ هذين القولين يشتركان في أنّ الكعبة كانت موجودة في زمان آدم عليه السّلام،و هذا هو الأصوب، و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ تكليف الصّلاة كان لازما في دين جميع الأنبياء عليهم السّلام،بدليل قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58، فدلّت الآية على أنّ جميع الأنبياء عليهم السّلام،كانوا يسجدون للّه.و السّجدة لا بدّ لها من قبلة،فلو كانت قبلة شيث و إدريس و نوح عليهم السّلام موضعا آخر سوى القبلة،لبطل قوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ، فوجب أن يقال:إنّ قبلة أولئك الأنبياء المتقدّمين هي الكعبة،فدلّ هذا على أنّ هذه الجهة كانت أبدا مشرّفة مكرّمة.

الثّاني:أنّ اللّه تعالى سمّى مكّة:أمّ القرى،و ظاهر هذا يقتضي أنّها كانت سابقة على سائر البقاع في الفضل و الشّرف منذ كانت موجودة.

الثّالث:روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال في خطبته يوم فتح مكّة:«ألا إنّ اللّه قد حرّم مكّة يوم خلق السّماوات و الأرض و الشّمس و القمر»،و تحريم مكّة لا يمكن إلاّ بعد وجود مكّة.

الرّابع:أنّ الآثار الّتي حكيناها عن الصّحابة و التّابعين دالّة على أنّها كانت موجودة قبل زمان إبراهيم عليه السّلام.

و اعلم أنّ لمن أنكر ذلك أن يحتجّ بوجوه:الأوّل:

ما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«اللّهمّ إنّي حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكّة»،و ظاهر هذا يقتضي أنّ مكّة بناء إبراهيم عليه السّلام.و لقائل أن يقول:لا يبعد أن يقال:البيت كان موجودا قبل إبراهيم،و ما كان محرّما،ثمّ حرّمه إبراهيم عليه السّلام.

الثّاني:تمسّكوا بقوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ البقرة:127،و لقائل أن يقول:لعلّ البيت كان موجودا قبل ذلك ثمّ انهدم،ثمّ أمر اللّه إبراهيم برفع قواعده،و هذا هو الوارد في أكثر الأخبار.

الثّالث:قال القاضي:إنّ الّذي يقال:من أنّه رفع زمان الطّوفان إلى السّماء بعيد؛و ذلك لأنّ الموضع الشّريف هو تلك الجهة المعيّنة،و الجهة لا يمكن رفعها إلى السّماء،أ لا ترى أنّ الكعبة-و العياذ باللّه تعالى-لو انهدمت و نقل الأحجار و الخشب و التّراب إلى موضع آخر، لم يكن له شرف البتّة،و يكون شرف تلك الجهة باقيا بعد الانهدام،و يجب على كلّ مسلم أن يصلّي إلى تلك الجهة بعينها.و إذا كان كذلك،فلا فائدة في نقل تلك الجدران إلى السّماء.

و لقائل أن يقول:لمّا صارت تلك الأجسام في العزّة

ص: 247

إلى حيث أمر اللّه بنقلها إلى السّماء،و إنّما حصلت لها هذه العزّة بسبب أنّها كانت حاصلة في تلك الجهة،فصار نقلها إلى السّماء من أعظم الدّلائل على غاية تعظيم تلك الجهة و إعزازها،فهذا جملة ما في هذا القول.

القول الثّاني:أنّ المراد من هذه الأوّليّة:كون هذا البيت أوّلا،في كونه مباركا و هدى للخلق.

روي أنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام سئل عن أوّل مسجد وضع للنّاس،فقال عليه الصّلاة و السّلام:

«المسجد الحرام ثمّ بيت المقدس».فقيل:كم بينهما؟قال:

«أربعون سنة».

و عن عليّ رضي اللّه عنه: «أنّ رجلا قال له:أ هو أوّل بيت؟قال:لا،قد كان قبله بيوت،و لكنّه أوّل بيت وضع للنّاس مباركا فيه الهدى و الرّحمة و البركة،أوّل من بناه إبراهيم ثمّ بناه قوم من العرب من جرهم،ثمّ هدم،فبناه العمالقة،و هم ملوك من أولاد عمليق بن سام بن نوح،ثمّ هدم فبناه قريش».

و اعلم أنّ دلالة الآية على الأوّليّة في الفضل و الشّرف أمر لا بدّ منه،لأنّ المقصود الأصليّ من ذكر هذه «الأوّليّة»بيان الفضيلة،لأنّ المقصود ترجيحه على بيت المقدس،و هذا إنّما يتمّ بالأوّليّة في الفضيلة و الشّرف، و لا تأثير للأوّليّة في البناء في هذا المقصود.إلاّ أنّ ثبوت الأوّليّة بسبب الفضيلة لا ينافي ثبوت الأوّليّة في البناء، و قد دلّلنا على ثبوت هذا المعنى أيضا.

إذا ثبت أنّ المراد من هذه«الأوّليّة»زيادة الفضيلة و المنقبة،فلنذكر هاهنا وجوه فضيلة البيت:

فالأوّل:اتّفقت الأمم على أنّ باني هذا البيت هو الخليل عليه السّلام،و باني بيت المقدس سليمان عليه السّلام،و لا شكّ أنّ الخليل أعظم درجة و أكثر منقبة من سليمان عليه السّلام،فمن هذا الوجه،يجب أن تكون الكعبة أشرف من بيت المقدس.(8:151-154)

و اعلم أنّ اللّه تعالى أمر الخليل عليه السّلام بعمارة هذا البيت،فقال: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ الحجّ:26،و المبلّغ لهذا التّكليف هو جبريل عليه السّلام،فلهذا قيل:ليس في العالم بناء أشرف من الكعبة.فالآمر هو الملك الجليل،و المهندس:هو جبريل،و الباني:هو الخليل،و التّلميذ:إسماعيل عليهم السّلام.

الفضيلة الثّانية لهذا البيت:(مقام ابراهيم)و هو الحجر الّذي وضع إبراهيم قدمه عليه فجعل اللّه ما تحت قدم إبراهيم عليه السّلام من ذلك الحجر-دون سائر أجزائه- كالطّين حتّى غاص فيه قدم إبراهيم عليه السّلام.و هذا ممّا لا يقدر عليه إلاّ اللّه،و لا يظهره إلاّ على الأنبياء.ثمّ لمّا رفع إبراهيم قدمه عنه خلق فيه الصّلابة الحجريّة مرّة أخرى،ثمّ إنّه تعالى أبقى ذلك الحجر على سبيل الاستمرار و الدّوام.فهذه أنواع من الآيات العجيبة و المعجزات الباهرة،أظهرها اللّه سبحانه في ذلك الحجر.

الفضيلة الثّالثة:قلّة ما يجتمع فيه من حصى الجمار، فإنّه منذ آلاف سنة و قد يبلغ من يرمي في كلّ سنة ستّمائة ألف إنسان،كلّ واحد منهم سبعين حصاة،ثمّ لا يرى هناك إلاّ ما لو اجتمع في سنة واحدة،لكان غير كثير، و ليس الموضع الّذي ترمى إليه الجمرات مسيل ماء،

ص: 248

و لا مهبّ رياح شديدة.و قد جاء في الآثار:أنّ من كانت حجّته مقبولة رفعت حجارته إلى السّماء.

الفضيلة الرابعة:أنّ الطّيور تترك المرور فوق الكعبة عند طيرانها في الهواء،بل تنحرف عنها إذا ما وصلت إلى ما فوقها.

الفضيلة الخامسة:أنّ عنده يجتمع الوحش،لا يؤذي بعضها بعضا،كالكلاب و الظّباء،و لا يصطاد فيه الكلاب و الوحوش،و تلك خاصّيّة عجيبة.و أيضا كلّ من سكن مكّة أمن من النّهب و الغارة،و هو بركة دعاء إبراهيم عليه السّلام؛حيث قال: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً و قال تعالى في صفة أمنه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ العنكبوت:67،و قال:

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قريش:3،4،و لم ينقل البتّة أنّ ظالما هدّم الكعبة و خرّب مكّة بالكلّيّة،و أمّا بيت المقدس فقد هدّمه بخت نصّر بالكلّيّة.

الفضيلة السّادسة:أنّ صاحب الفيل،و هو أبرهة الأشرم،لمّا قاد الجيوش و الفيل إلى مكّة لتخريب الكعبة،و عجز قريش عن مقاومة أولئك الجيوش، و فارقوا مكّة و تركوا له الكعبة،فأرسل اللّه عليهم طيرا أبابيل-و الأبابيل هم الجماعة من الطّير،بعد الجماعة- و كانت صغارا تحمل أحجارا ترميهم بها،فهلك الملك و هلك العسكر بتلك الأحجار،مع أنّها كانت في غاية الصّغر.و هذه آية باهرة دالّة على شرف الكعبة، و إرهاص لنبوّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام.

فإن قال قائل:لم لا يجوز أن يقال:إنّ كلّ ذلك بسبب طلّسم،موضوع هناك بحيث لا يعرفه أحد،فإنّ الأمر في تركيب الطّلّسمات مشهور.

قلنا:لو كان هذا من باب الطّلّسمات لكان هذا طلّسما مخالفا لسائر الطّلّسمات،فإنّه لم يحصل لشيء سوى الكعبة مثل هذا البقاء الطّويل في هذا المدّة العظيمة،و مثل هذا يكون من المعجزات،فلا يتمكّن منها سوى الأنبياء.

الفضيلة السّابعة:إنّ اللّه تعالى وضعها بواد غير ذي زرع،و الحكمة من وجوه:

أحدها:أنّه تعالى قطع بذلك رجاء أهل حرمه و سدنة بيته عمّن سواه،حتّى لا يتوكّلوا إلاّ على اللّه.

و ثانيها:أنّه لا يسكنها أحد من الجبابرة و الأكاسرة،فإنّهم يريدون طيّبات الدّنيا،فإذا لم يجدوها هناك،تركوا ذلك الموضع،فالمقصود تنزيه ذلك الموضع عن لوث وجود أهل الدّنيا.

و ثالثها:أنّه فعل ذلك،لئلاّ يقصدها أحد للتّجارة، بل يكون ذلك لمحض العبادة و الزّيارة فقط.

و رابعها:أظهر اللّه تعالى بذلك شرف الفقر؛حيث وضع أشرف البيوت في أقلّ المواضع نصيبا من الدّنيا، فكأنّه قال:جعلت الفقراء في الدّنيا أهل البلد الأمين، فكذلك أجعلهم في الآخرة أهل المقام الأمين،لهم في الدّنيا بيت الأمن،و في الآخرة دار الأمن.

و خامسها:كأنّه قال:لمّا لم أجعل الكعبة إلاّ في موضع خال عن جميع نعم الدّنيا،فكذا لا أجعل كعبة المعرفة إلاّ في كلّ قلب خال عن محبّة الدّنيا،فهذا ما يتعلّق بفضائل الكعبة.

و عند هذا ظهر أنّ هذا البيت،أوّل بيت وضع للنّاس،في أنواع الفضائل و المناقب،و إذا ظهر هذا بطل

ص: 249

قول اليهود:إنّ بيت المقدس أشرف من الكعبة،و اللّه أعلم.(18:151-156)

أبو حيّان: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و ذكر الشّريف أبو البركات أسعد بن عليّ بن أبي الغنائم الحسينيّ الجوانيّ النّسّابة:أنّ شيث بن آدم هو الّذي بنى الكعبة بالطّين و الحجارة،على موضع الخيمة الّتي كان اللّه وضعها لآدم من الجنّة؛فعلى هذه الأقاويل يكون أوّل بيت وضع للنّاس على ظاهره.

و روي عن ابن عبّاس: أنّه أوّل بيت حجّ بعد الطّوفان،فتكون«الأوّليّة»باعتبار هذا الوصف من الحجّ؛إذ كان قبله بيوت.

و روي عن عليّ: «أنّه سأله رجل:أ هو أوّل بيت؟ فقال عليّ:لا،قد كان قبله بيوت،و لكنّه أوّل بيت وضع للنّاس مباركا فيه الهدى و الرّحمة و البركة»فأخذ «الأوليّة»بقيد هذه الحال.(3:5)

رشيد رضا: أمّا قوله عزّ و جلّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ فهو جواب عن شبهة،و تقريره:أنّ البيت الحرام الّذي نستقبله في صلاتنا هو أوّل بيت وضع معبدا للنّاس،بناه إبراهيم و ولده إسماعيل عليهما السّلام،لأجل العبادة خاصّة.ثمّ بني المسجد الأقصى ببيت المقدس بعده بعدّة قرون،بناه سليمان بن داود عليهما السّلام.فصحّ أن يكون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على ملّة إبراهيم،و يتوجّه بعبادته إلى حيث كان يتوجّه إبراهيم و ولده إسماعيل.

و هذا هو المعنى الظّاهر المتبادر-من الآية-الّذي قرّره الأستاذ الإمام،و هو كاف في إبطال شبهة اليهود على النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،من غير حاجة إلى البحث في هذه«الأوّليّة»،هل هي أوّليّة الشّرف أم أوّليّة الزّمان؟

أقول:و المتبادر أنّها أوّليّة الزّمان،بالنّسبة إلى بيوت العبادة الصّحيحة الّتي بناها الأنبياء.فليس في الأرض موضع بناه الأنبياء أقدم منه،فيما يعرف من تاريخهم و ما يؤثر عنهم،و هذا يستلزم الأوّليّة في الشّرف.

و ذهب بعض المفسّرين: إلى أنّ الأوّليّة زمانيّة، بالنّسبة إلى وضع البيوت مطلقا.فقالوا:إنّ الملائكة بنته قبل خلق آدم،و أنّ بيت المقدس بني بعده بأربعين عاما.

قال الأستاذ الإمام رحمه اللّه تعالى: إذا صحّ الحديث فلا شيء في العقل يحيله،و لكنّ الآية لا تدلّ عليه، و لا يتوقّف الاحتجاج بها على ثبوته.و بيت المقدس المعروف الّذي ينصرف إليه الإطلاق قد بناه سليمان بالاتّفاق،و ذلك قبل ميلاد المسيح بنحو(800)سنة،كذا قال رحمه اللّه تعالى في الدّرس.

و المعروف في كتب القوم أنّه تمّ بناؤه سنة(1005) قبل الميلاد،و الحديث الّذي ذكر آنفا في بناء المسجدين رواه الشّيخان-من حديث أبي ذرّ-بلفظ الوضع لا البناء.

قال:سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن أوّل بيت وضع للنّاس، فقال:«المسجد الحرام،ثمّ بيت المقدس».فقيل:كم بينهما؟فقال:«أربعون سنة».و أجابوا عمّا فيه من الإشكال بوجوه:

منها:أنّ الوضع غير البناء،و هو ضعيف،لأنّه سمّاه بيتا.و لو جعل المكان مسجدا و لم يبن فيه لما سمّي بيتا بل

ص: 250

مسجدا أو قبلة.

و منها:أنّ ذلك مبنيّ على القول،بأنّ إبراهيم هو الّذي بنى أوّل مسجد للعبادة في أرض بيت المقدس.

و ذلك معقول،و إن لم يكن عندنا فيه نصّ صحيح.

و الموضوعات المرويّة في بناء الكعبة كثيرة، و لا حاجة إلى إضاعة الوقت في ذكرها،و بيان وضعها.

(4:6)

الطّباطبائيّ: [بعد بيان معنى وضع البيت للعبادة قال:]أمّا كونه أوّل بيت بني على الأرض و وضع لينتفع به النّاس،فلا دلالة على ذلك من جهة اللّفظ.

(3:350)

3- ...قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:14

الحسن: أوّل من أسلم من أمّتي،و آمن بعد الفترة.

(الطّبرسيّ 2:279)

الكلبيّ: معناه أمرت أن أكون أوّل من أخلص العبادة من أهل هذا الزّمان.(الطّبرسيّ 2:279)

مثله الميبديّ.(3:316)

الطّوسيّ: معناه أن أكون أوّل من خضع و آمن و عرف الحقّ من قومي،و أن أترك ما هم عليه من الشّرك.

و مثله قوله: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخرف:81،بأنّه لم يكن للرّحمن ولد، يعني من هذه الأمّة،لأنّه قد عبد اللّه النّبيّون و المؤمنون قبله.

و مثله قوله: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143،ممّن سألك أن تريه نفسك بأنّك لا ترى.و قول السّحرة: إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:51،بأنّ هذا ليس بسحر،و أنّه الحقّ،أي أوّل المؤمنين من السّحرة.(4:94)

نحوه الطّبرسيّ.(2:279)

البغويّ: يعني من هذه الأمّة.(2:101)

الزّمخشريّ: لأنّ النّبيّ سابق أمّته في الإسلام، كقوله: وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام:

163،و كقول موسى: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143.(2:8)

أبو حيّان: قال ابن عطيّة:المعنى أوّل من أسلم من هذه الأمّة،و بهذه الشّريعة.و لا يتضمّن الكلام إلاّ ذلك، و هذا الّذي قاله الزّمخشريّ و ابن عطيّة هو قول الحسن.

و قال الحسن:معناه أوّل من أسلم من أمّتي.قيل:و في هذا القول نظر،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يصدر منه امتناع عن الحقّ و عدم انقياد إليه،و إنّما هذا على طريق التّعريض على الإسلام،كما يأمر الملك رعيّته بأمر ثمّ يتبعه بقوله:

أنا أوّل من يفعل ذلك،ليحملهم على فعل ذلك.

و قيل:أراد الأوّليّة في الرّتبة و الفضيلة،كما جاء:نحن الآخرون الأوّلون،و في رواية:السّابقون.

و قيل:(أسلم)أخلص،و لم يعدل باللّه شيئا.و قيل:

استسلم.

و قيل:أراد دخوله في دين إبراهيم عليه السّلام،كقوله:

ص: 251

مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ الحجّ:78.

و قيل:أوّل من أسلم يوم الميثاق،فيكون سابقا على الخلق كلّهم،كما قال: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ الأحزاب:7.(4:86)

الآلوسيّ: وجهه للّه سبحانه و تعالى مخلصا له،لأنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام مأمور بما شرّعه إلاّ ما كان من خصائصه عليه الصّلاة و السّلام،و هو إمام أمّته و مقتداهم.و ينبغي لكلّ آمر أن يكون هو العامل أوّلا بما أمر به،ليكون أدعى للامتثال،و من ذلك ما حكى اللّه تعالى عن موسى عليه الصّلاة و السّلام سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.

و قيل:إنّ ما ذكر للتحريض،كما يأمر الملك رعيّته بأمر ثمّ يقول:و أنا أوّل من يفعل ذلك،ليحملهم على الامتثال،و إلاّ فلم يصدر عنه صلّى اللّه عليه و سلّم امتناع عن ذلك حتّى يؤمر به،و فيه نظر.(7:110)

الطّباطبائيّ: إن كان المراد:أوّل من أسلم من بينكم،فهو ظاهر فقد أسلم صلّى اللّه عليه و آله قبل أمّته،و إن كان المراد به:أوّل من أسلم من غير تقييد كما هو ظاهر الإطلاق،كانت أوّليّته في ذلك بحسب الرّتبة دون الزّمان.

(7:33)

عبد الكريم الخطيب: هذا ما أمر به النّبيّ من ربّه، و هو أن يكون أوّل من أسلم وجهه للّه،و أوّل من ألقى بنفسه بين يديه،و والاه.

إذ كان صلّى اللّه عليه و سلّم هو مفتتح دعوة الإسلام،و حامل رسالتها إلى المسلمين،فكان أوّل من آمن بها،و استقام على هديها؛و ذلك بعد أن استدلّ على خالقه بتفكيره في خلقه،و أنكر أن يتّخذ وليّا من دونه،و هو الّذي فطر السّماوات و الأرض،و هو الّذي يطعم و لا يطعم،فإذا جاءت دعوة اللّه تعالى إليه صادفت تلك الدّعوة قلبا مستقبلا لها.

و الأمر هنا هو الدّعوة إلى الإيمان باللّه،من اللّه،و إلى نبيّ اللّه،و ليس في هذا الأمر إلزام و لا قهر.و لكنّ النّبيّ الكريم في استجابته لربّه،و في مبادرته إلى الاستجابة، و احتفائه بها،و شدّ نفسه إليها،و عقد قلبه عليها،كلّ أولئك قد جعل الدّعوة الإلهيّة أمرا يتلقّاه النّبيّ بكيانه كلّه،و يعطيه كلّ ما قدر عليه من قوّة و عزم.(4:141)

4- وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ...

الأنعام:94

الجبّائيّ: أي بلا ناصر و لا معين،كما خلقكم في بطون أمّهاتكم،و لا أحد معكم.(الطّوسيّ 4:224)

الطّبريّ: عراة غلفا غرلا حفاة،كما ولدتهم أمّهاتهم،و كما خلقهم جلّ ثناؤه في بطون أمّهاتهم،لا شيء عليهم و لا معهم،ممّا كانوا يتباهون في الدّنيا.(7:277)

نحوه البغويّ.(2:133)

الزّجّاج: جاء في التّفسير:عراة غرلا،و الغرل:هم الغلف،و الّذي تحتمله اللّغة أيضا،كما بدأناكم أوّل مرّة، أي كان بعثكم كخلقكم.(2:273)

الزّمخشريّ: على الهيئة الّتي ولدتم عليها في الانفراد.(2:36)

القرطبيّ:أي منفردين كما خلقتم.و قيل:عراة كما

ص: 252

خرجتم من بطون أمّهاتكم حفاة غرلا بهما ليس معهم شيء.

و قال العلماء: يحشر العبد غدا و له من الأعضاء ما كان له يوم ولد،فمن قطع منه عضو يردّ في القيامة عليه.

و هذا معنى قوله:«غرلا»أي غير مختونين،أي يردّ عليهم ما قطع منه عند الختان.(7:42)

أبو حيّان: و الكاف في(كما)في موضع نصب،قيل:

بدل من(فرادى)،و قيل:نعت لمصدر محذوف،أي مجيئا كما خلقناكم،يريد كمجيئكم يوم خلقناكم،و هو شبيه بالانفراد الأوّل وقت الخلقة،فهو تقييد لحالة الانفراد تشبيه بحالة الخلق،لأنّ الإنسان يخلق أقشر لا مال له و لا ولد و لا حشم.

و قيل:عراة غرلا.و من قال:على الهيئة الّتي ولدتم عليها في الانفراد،يشمل هذين القولين.

و انتصب (أَوَّلَ مَرَّةٍ) على الظّرف،أي أوّل زمان،و لا يتقدّر:أوّل خلق اللّه،لأنّ«أوّل خلق»يستدعي خلقا ثانيا،و لا يخلق ثانيا،إنّما ذلك إعادة لا خلق.(4:182)

5- وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنعام:110

ابن عبّاس: أوّل مرّة أنزلت الآيات،فهم لا يؤمنون ثاني مرّة بما طلبوا من الآيات،كما لم يؤمنوا أوّل مرّة بما أنزل من الآيات.

مثله مجاهد و ابن زيد.(الطّوسيّ 4:256)

يعني أوّل مرّة في الدّنيا،و كذلك لو أعيدوا ثانية،كما قال تعالى: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ الأنعام:28.(الطّوسيّ 4:256)

الجبّائيّ: معناه يجازيهم في الآخرة كما لم يؤمنوا به في الدّنيا.(الطّبرسيّ 2:350)

القمّيّ: في الذّرّ و الميثاق.(1:213)

القرطبيّ: أي أوّل مرّة أتتهم الآيات الّتي عجزوا عن معارضتها،مثل القرآن و غيره.

و قيل:و نقلّب أفئدة هؤلاء كيلا يؤمنوا،كما لم تؤمن كفّار الأمم السّالفة لما رأوا ما اقترحوا من الآيات.

(7:65)

الخازن: يعني كما لم يؤمنوا بما قبل ذلك من الآيات الّتي جاء بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،مثل انشقاق القمر و غير ذلك من المعجزات الباهرات.

و قيل: (أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني الآيات الّتي جاء بها موسى و غيره من الأنبياء.(2:142)

القاسميّ: أي:قبل سؤالهم الآيات الّتي اقترحوها.

(6:2469)

الطّباطبائيّ: و المراد بقوله: (أَوَّلَ مَرَّةٍ) الدّعوة الأولى قبل نزول الآيات قبال ما يتصوّر له من المرّة الثّانية،الّتي هي الدّعوة مع نزول الآيات.

و المعنى أنّهم لا يؤمنون لو نزلت عليهم الآيات، و ذلك أنّا نقلّب أفئدتهم فلا يعقلون بها كما ينبغي أن يعقلوه،و أبصارهم فلا يبصرون بها ما من حقّهم أن يبصروه،فلا يؤمنون بها،كما لم يؤمنوا بالقرآن أوّل مرّة من الدّعوة قبل نزول هذه الآيات المفروضة،و نذرهم في طغيانهم يتردّدون و يتحيّرون،هذا ما يقضي به ظاهر

ص: 253

سياق الآية.

و للمفسّرين في الآية أقوال كثيرة غريبة،لا جدوى في التّعرّض لها و البحث عنها،من شاء الاطّلاع عليها فليراجع مظانّها.(7:320)

6- أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ... التّوبة:13

راجع«ب د أ».

7- فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ. التّوبة:83.

الطّبريّ: ذلك عند خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى تبوك.

(10:203)

نحوه الخازن(3:106)،و أبو السّعود(2:287).

الميبديّ: أي عن الوقت الّذي تستأذنون فيه،فإنّ غزوة تبوك لم يكن بأوّل غزوة غزاها عليه السّلام.

و قيل:أوّل مرّة دعيتم،و قيل:أوّل مرّة قبل الاستيذان.(4:184)

الزّمخشريّ: هي الخرجة إلى غزوة تبوك،و كان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلّفهم،الّذي علم اللّه أنّه لم يدعهم إليه إلاّ النّفاق،بخلاف غيرهم من المتخلّفين.

فإن قلت:(مرّة)نكرة وضعت موضع المرّات للتّفضيل،فلم ذكر اسم التّفضيل المضاف إليها،و هو دالّ على واحدة من المرّات؟

قلت:أكثر اللّغتين:هند أكبر النّساء و هي أكبرهنّ، ثمّ إنّ قولك:هي كبرى امرأة،لا تكاد تعثر عليه،و لكن هي أكبر امرأة و أوّل مرّة و آخر مرّة.(2:206)

الفخر الرّازيّ: المراد منه القعود عن غزوة تبوك، يعني أنّ الحاجة في المرّة الأولى إلى موافقتكم كانت أشدّ، و بعد ذلك زالت تلك الحاجة،فلمّا تخلّفتم عند مسيس الحاجة إلى حضوركم،فعند ذلك لا نقبلكم،و لا نلتفت إليكم.(16:151)

أبو حيّان: [بعد نقل قول الزّمخشريّ و الميبديّ قال:]

و قال أبو البقاء: (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ظرف،و نعني ظرف زمان.و هو بعيد.(5:81)

الآلوسيّ: أي من الخروج،فنصب«أفعل»المضاف على المصدريّة،و قيل:على الظّرفيّة الزّمانيّة.و استبعده أبو حيّان،و الظّاهر أنّ هذا الاختلاف للاختلاف في (مرّة).

و نقل عن أبي البقاء أنّها في الأصل مصدر:مرّ يمرّ، ثمّ استعملت ظرفا.

و اختار القاضي البيضاويّ-بيّض اللّه غرّة أحواله- النّصب على المصدريّة،و أشار إلى تأنيث الموصوف؛ حيث قال:و (أَوَّلَ مَرَّةٍ) هي الخرجة إلى غزوة تبوك، و ذكّر أفعل،لأنّ التّذكير هو الأكثر في مثل ذلك.[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و علّل في«الكشف»عدم العثور على نحو:هي كبرى امرأة،بأنّ«أفعل»فيه مضاف إلى غير المفضّل عليه بل إلى العدد المتلبّس هو به بيانا له،فكأنّه قيل:هي امرأة

ص: 254

أكبر من كلّ واحدة واحدة من النّساء،و في مثله لا يختلف أفعل التّفضيل،فالتّحقيق أنّه لا يشبه ما فيه اللاّم،و إنّما المطابقة بين موصوفه و ما أضيف إليه،و لا مدخل لطباقه في اللّفظ و المعنى،فتدبّر.

و الجملة في موضع التّعليل لما سلف،فهي مستأنفة استئنافا بيانيّا،أي لأنّكم رضيتم.(10:153)

الطّباطبائيّ: المراد(بالقعود اوّل مرّة):التّخلّف عن الخروج في أوّل مرّة،كان عليهم أن يخرجوا فيها،فلم يخرجوا.و لعلّها غزوة تبوك،كما يهدي إليه السّياق.

(9:360)

عبد الكريم الخطيب: أي أوّل مرّة دعيتم فيها للجهاد دعوة ملزمة لا تحلّل منها،و ذلك في غزوة تبوك الّتي ندب النّبيّ لها المسلمين جميعا،كما أمره اللّه سبحانه و تعالى بذلك في قوله: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ التّوبة:41،فهذه أوّل مرّة يدعى فيها المسلمون دعوة عامّة للجهاد بكلّ ما يملكون من أنفس و أموال.(5:859)

8- فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً. الإسراء:7

الطّبريّ: حين أفسدتم الفساد الأوّل في الأرض.

(15:43)

الطّوسيّ: في المرّة الأولى،يعني غيرهم،لأنّ هؤلاء بأعيانهم لم يدخلوها في الدّفعة الأولى.

(6:451)

الطّبرسيّ: دلّ بهذا على أنّ في المرّة الأولى قد دخلوا المسجد أيضا و إن لم يذكر ذلك،و معناه و ليدخل هؤلاء المسجد كما دخله أولئك أوّل مرّة.(3:399)

أبو حيّان: معنى كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي بالسّيف و القهر و الغلبة و الإذلال.و هذا يبعد قول من ذهب:إلى أنّ أولي المرّتين لم يكن فيها قتل و لا قتال و لا نهب.(6:11)

الآلوسيّ: (أَوَّلَ مَرَّةٍ) فهو في موضع النّعت لمصدر محذوف.و جوّز أن يكون حالا،أي كائنين كما دخلوه.

و(اوّل)منصوب على الظّرفيّة الزّمانيّة.(15:20)

الطّباطبائيّ: المراد ب(المسجد)هو المسجد الأقصى،بيت المقدس.و لا يعبأ بما ذكره بعضهم:أنّ المراد به جميع الأرض المقدّسة مجازا.

و في الكلام دلالة أوّلا:أنّهم في وعد المرّة الأولى أيضا دخلوا المسجد عنوة،و إنّما لم يذكر قبلا للإيجاز.

و ثانيا:أنّ دخولهم المسجد إنّما كان للهتك و التّخريب.

و ثالثا:يشعر الكلام بأنّ هؤلاء المهاجمين المبعوثين لمجازاة بني إسرائيل و الانتقام منهم،هم الّذين بعثوا عليهم أوّلا.(13:42)

عبد الكريم الخطيب: هناك حقائق تقرّرها الآية الكريمة،و هي:

إنّ الّذين يتسلّطون على بني إسرائيل في هذه المرّة، سيدخلون المسجد الأقصى، كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.

و هذا يعني أمورا:

إنّ الّذين يدخلون المسجد الأقصى هذه المرّة،قد

ص: 255

كان لهم دخول إليه من قبل،و أنّهم إنّما يفعلون في هذه المرّة ما فعلوه في المرّة السّابقة.

و دخول المسلمين المسجد الأقصى أوّل مرّة،كان في خلافة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه،و قد ظلّ في أيديهم إلى أن دخله بنو إسرائيل في هذه الأيّام،من عام ألف و ثلاثمائة و سبعة و ثمانين للهجرة.

نعم خرج المسجد الأقصى من يد المسلمين إلى يد الصّليبيّين،ثمّ أعيد إليهم مرّة أخرى،على يد صلاح الدّين،و لم يكن لبني إسرائيل حساب أو تقدير في هذا الأمر.

و دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى و انتزاعه من يد الصّليبيّين ليس له شأن بالدّخول الّذي سيدخله المسلمون،بعد أن ينتزعوا هذا المسجد من يد بني إسرائيل،لأنّ بني إسرائيل لم يدخلوا المسجد، و لم يستولوا عليه منذ الفتح الإسلاميّ،حتّى وقع لأيديهم في هذه الأيّام.

فهذه إرهاصة من إرهاصات المرّة الثّانية،أو وعد الآخرة،و هي أن يكون المسجد الأقصى في يد بني إسرائيل،ثمّ يجيء إليهم من يخرجهم منه،و ينتزعه من أيديهم،و هم أولئك الّذين كان المسجد مسجدهم الّذي دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ و ليس المسجد إلاّ مسجد المسلمين،و ليس الّذي يدخله للمرّة الثّانية و ينتزعه من اليهود إلاّ المسلمين.

و الإرهاصة الثّانية،هي الحال الّتي عليها اليهود أنفسهم،و هي أن يكونوا على الصّفة الّتي وصفهم اللّه بها، حين يفسدون في الأرض،و يعلون علوّا كبيرا،و حين يدخل عليهم أصحاب المسجد كما دخلوه أوّل مرّة، ليسوءوا وجوههم،أي يلبسوهم الخزي و السّوء.و قد اختصّت الوجوه بهذا،لأنّها الصّفحة الّتي ترتسم عليها أحوال الإنسان كلّها،و ما يمسّه من خير أو شرّ،و ما يلقاه من نعيم أو بؤس.(8:451)

9- لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. الأنعام:163

الحسن: معناه أوّل المسلمين من هذه الأمّة.

(الطّوسيّ 4:362)

مثله قتادة.(الطّبريّ 8:112)

قتادة: يعني به هذه الأمّة،لأنّ إسلام كلّ نبيّ سابق على إسلام أمّته،لأنّهم منه يأخذون شريعته.

(أبو حيّان 4:262)

الكلبيّ: أوّلهم في هذا الزّمان.(أبو حيّان 4:262)

الطّبريّ: أنا أوّل من أقرّ و أذعن و خضع من هذه الأمّة لربّه،بأنّ ذلك كذلك.(8:112)

الميبديّ: أنا أوّل المسلمين من هذه الأمّة في هذا الزّمان.

و قيل:و أنا أوّل من استحقّ هذا الاسم.(3:540)

الطّبرسيّ: فيه بيان فضل الإسلام و بيان وجوب اتّباعه على الإسلام؛إذ كان صلّى اللّه عليه و آله أوّل من سارع إليه، و لأنّه إنّما أمر بذلك ليتأسّى به و يقتدى بفعله.

(2:392)

الفخر الرّازيّ: أي المستسلمين لقضاء اللّه و قدره.

و معلوم أنّه ليس«أوّلا»لكلّ مسلم،فيجب أن يكون

ص: 256

المراد كونه«أوّلا»لمسلمي زمانه.(14:11)

القرطبيّ: إن قيل:أ و ليس إبراهيم و النّبيّون قبله؟

قلنا عنه ثلاثة أجوبة:

الأوّل:أنّه أوّل الخلق أجمع معنى،كما في حديث أبي هريرة من قوله عليه السّلام:«نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة،و نحن أوّل من يدخل الجنّة».

الثّاني:أنّه أوّلهم لكونه مقدّما في الخلق عليهم.

الثّالث:أوّل المسلمين من أهل ملّته،قاله ابن العربيّ، و هو قول قتادة و غيره.[انتهى ملخّصا](7:155)

أبو حيّان: قيل:من العرب،و قيل:من أهل مكّة، و قيل:أوّلهم في المزيّة و الرّتبة و التّقدّم يوم القيامة.

[و بعد نقل قول الفخر الرّازيّ قال:]

و فيه إلغاء لفظ(أوّل)و لا تلغى الأسماء،و الأحسن من هذه الأقوال القول الأوّل.[قول قتادة](4:262)

البروسويّ: يعني أوّل من استسلم عند الإيجاد لأمر«كن»و عند قبول فيض المحبّة،لقوله:«يحبّهم و يحبّونه».و الاستسلام للمحبّة في قوله:«يحبّونه»دلّ عليه قوله عليه السّلام:«أوّل ما خلق اللّه نوري».كذا في «التّأويلات النّجميّة».(3:129)

الطّباطبائيّ: في قوله: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ دلالة على أنّه صلّى اللّه عليه و آله أوّل النّاس من حيث درجة الإسلام و منزله فإنّ قبله زمانا غيره من المسلمين.

و قد حكى اللّه سبحانه ذلك عن نوح إذ قال:

وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يونس:72،و عن إبراهيم في قوله: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ البقرة:131، و عنه و عن ابنه إسماعيل في قولهما: رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ البقرة:128،و عن لوط في قوله: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36، و عن ملكة سبأ في قوله: وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَ كُنّا مُسْلِمِينَ النّمل:42،إن كان مرادها الإسلام للّه، و قولها: وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ النّمل:44.

و لم ينعت ب (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أحد في القرآن إلاّ ما يوجد في هذه الآية من أمره صلّى اللّه عليه و آله يخبر قومه بذلك، و ما في سورة الزّمر من قوله: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ الزّمر:11،12.

و ربّما قيل:إنّ المراد أوّل المسلمين من هذه الأمّة، فإنّ إبراهيم كان أوّل المسلمين و من بعده تابع له في الإسلام،و فيه أنّ التّقييد لا دليل عليه.و أمّا كون إبراهيم (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) فيدفعه ما تقدّم من الآيات المنقولة.

و أمّا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم و إسماعيل في دعائهما: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ البقرة:128، و قوله: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ الحجّ:78،فلا دلالة فيهما على شيء.(7:394)

عبد الكريم الخطيب: أي أوّل من استجاب لدعوة اللّه الّتي دعي إليها و أمر أن يؤذّن بالنّاس فيها، فالنّبيّ هو صاحب الدّعوة الإسلاميّة،فكان أوّل من لبس ثوبها و توّج بتاجها.

و السّؤال هنا:هل كان النّبيّ صلوات اللّه و سلامه عليه أوّل المسلمين عامّة،أي أوّل الإنسانيّة كلّها إسلاما أم هو أوّل المسلمين من أمّة محمّد وحدها؟

ص: 257

و الجواب على هذا-و اللّه أعلم-:أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم أوّل المسلمين في أمّته؛إذ أنّ الإسلام هو سمة الرّسالة المحمّديّة وحدها-من بين الرّسالات السّماويّة كلّها-و أنّ الإسلام و إن كان هو دين اللّه،الّذي جاءت به رسالاته كلّها،إلاّ أنّه لم يأخذ هذا الوصف إلاّ في رسالة محمّد،الّتي كانت مجتمع الرّسالات،و خاتمتها،و أنّ إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام قد دعوا اللّه بأن يجعل منهما أمّة مسلمة،هي أمّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام.و في هذا يقول اللّه على لسانيهما:

رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ البقرة:128،و يقول سبحانه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ الحجّ:78.(4:357)

10- وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ.

الزّمر:12

الطّبريّ: أمرني ربّي جلّ ثناؤه بذلك،لأن أكون بفعل ذلك أوّل من أسلم منكم،فخضع له بالتّوحيد، و أخلص له العبادة،و برئ من كلّ ما دونه من الآلهة.

(23:204)

الطّوسيّ: أي المستسلمين لما أمر اللّه به و نهى عنه.

و إنّما أمر بأن يكون أوّل المسلمين و إن كان قبله مسلمون كثيرون،لأنّ المراد به أوّل المسلمين من هذه الأمّة،ففي ذلك أنّه دعاهم إلى ما رضيه اللّه له و رضيه لنفسه.

(9:15)

الزّمخشريّ: أي مقدّمهم و سابقهم في الدّنيا و الآخرة،و المعنى أنّ الإخلاص له السّبقة في الدّين فمن أخلص كان سابقا.[إلى أن قال:]

و في معناه أوجه:

أن أكون أوّل من أسلم في زماني و من قومي،لأنّه أوّل من خالف دين آبائه و خلع الأصنام و حطّمها.

و أن أكون أوّل الّذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاما.

و أن أكون أوّل من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره، لأكون مقتدى بي في قولي و فعلي جميعا،و لا تكون صفتي صفة الملوك الّذين يأمرون بما لا يفعلون.

و أن أفعل ما استحقّ به الأوّليّة من أعمال السّابقين، دلالة على السّبب بالمسبّب.(3:391)

نحوه أبو حيّان.(7:419)

الفخر الرّازيّ: في قوله: وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ التّنبيه على كونه رسولا من عند اللّه واجب الطّاعة،لأنّ أوّل المسلمين في شرائع اللّه لا يمكن أن يكون إلاّ رسول اللّه،لأنّ أوّل من يعرف تلك الشّرائع و التّكاليف هو الرّسول المبلّغ.(26:255)

القرطبيّ: لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمّة،و كذلك كان.فإنّه كان أوّل من خالف دين آبائه، و خلع الأصنام و حطّمها،و أسلم للّه و آمن به،و دعا إليه صلّى اللّه عليه و سلّم.(15:242)

البروسويّ: لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمّة،أي لأجل أن أكون مقدّمهم في الدّنيا و الآخرة، لأنّ السّبق في الدّين إنّما هو بالإخلاص فيه،فمن أخلص عدّ سابقا.فإذا كان الرّسول عليه السّلام متّصفا بالإخلاص قبل إخلاص أمّته فقد سبقهم في الدّارين؛إذ لا يدرك المسبوق مرتبة السّابق،أ لا ترى إلى الأصحاب مع من جاء بعدهم.

و الظّاهر أنّ اللاّم مزيدة،فيكون كقوله تعالى: قُلْ

ص: 258

إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ الأنعام:14،فالمعنى و أمرت أن أكون أوّل من أسلم من أهل زماني،لأنّ كلّ نبيّ يتقدّم أهل زمانه في الإسلام،و الدّعاء إلى خلاف دين الآباء،و إن كان قبله مسلمون.(8:86)

الآلوسيّ: أي و أمرت بذلك لأجل أن أكون مقدّم المسلمين في الدّنيا و الآخرة،لأنّ إحراز قصب السّبق في الدّين بالإخلاص فيه،و إخلاصه عليه الصّلاة و السّلام أتمّ من إخلاص كلّ مخلص،فالمراد بالأوّليّة:الأوّليّة في الشّرف و الرّتبة.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و في«الكشف»المختار من الأوجه الأربعة:الوجه الثّاني،فإنّه المكرّر الشّائع في القرآن الكريم،و فيه سائر المعاني الأخر من موافقة القول الفعل،و لزوم أوّليّة الشّرف من أوّليّة التّأسيس،مع أنّه ليس فيه أنّه أمر بأن يكون أشرف و أسبق،فافهم.(23:249)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى أنّ في الأمر المتوجّه إليّ زيادة على ما توجّه إليكم التّكليف،و هو أنّي أمرت بما أمرت،و قد توجّه الخطاب إليّ قبلكم،و الغرض منه أن أكون أوّل من أسلم لهذا الأمر،و آمن به.

قيل:اللاّم في قوله: (لِأَنْ أَكُونَ) للتّعليل،و المعنى و أمرت بذلك،لأجل أن أكون أوّل المسلمين.و قيل:اللاّم زائدة كما تركت اللاّم في قوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ الأنعام:14.

و مآل الوجهين واحد بحسب المعنى،فإنّ كونه صلّى اللّه عليه و آله أوّل المسلمين يعطي عنوانا لإسلامه،و عنوان الفعل يصحّ أن يجعل غاية للأمر بالفعل،و أن يجعل متعلّقا للأمر فيؤمر،يقال:اضربه للتّأديب،و يقال:أدّبه بالضّرب.

[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و أنت خبير بأنّ الأنسب لسياق الآيات هو الوجه الثّالث،و هو الّذي قدّمناه،و يلزمه سائر الوجوه.

(17:247)

عبد الكريم الخطيب: إشارة إلى أنّ رسول اللّه صلوات اللّه و سلامه عليه هو أوّل المسلمين خضوعا لسلطان اللّه،و امتثالا لأمره،يسلم إليه وجوده،و تخلص له ولاءه،و أنّه صلوات اللّه و سلامه عليه القدوة للمسلمين في طاعة ربّه،و في اتّقاء حرماته،و أنّه-و هو سلطان المؤمنين-أكثر المؤمنين عبادة للّه،و اجتهادا في عبادته،و اتّقاء لحرماته،و خوفا من عقابه.

إنّه عبد من عباد اللّه،و أفضل عباد اللّه،و أكرمهم عنده،و أقربهم إليه-من كان أعرفهم به-و أكثرهم طاعة و ولاء له.فمن أراد من المؤمنين أن يكون أقرب إلى اللّه، فليكن في طاعة اللّه،فإنّه كلّما ازداد طاعة ازداد قربا.

(12:1131)

11- فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. الأعراف:143

ابن عبّاس: أوّل من آمن بك من بني إسرائيل.

(الطّبريّ 9:56)

نحوه مجاهد و السّدّيّ.(الطّبرسيّ 2:476)

أنا أوّل من يؤمن أنّه لا يراك شيء من خلقك.

(الطّبريّ 9:55)

أبو العالية: كان قبله مؤمنون،و لكن يقول:أنا أوّل

ص: 259

من آمن بأنّه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.

(الطّبريّ 9:55)

مجاهد: أنا أوّل قومي إيمانا.(الطّبريّ 9:56)

الإمام الصّادق عليه السّلام: معناه أنا أوّل من آمن و صدّق بأنّك لا ترى.(الطّبرسيّ 2:476)

الجبّائيّ: أنا أوّل المؤمنين بأنّه لا يراك شيء من خلقك،فأنا أوّل المؤمنين من قومي باستعظام سؤال الرّؤية.(الطّوسيّ 4:571)

الطّبريّ: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بك من قومي، ألاّ يراك في الدّنيا أحد إلاّ هلك.[و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في قوله: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ على قول من قال:معناه أنا أوّل المؤمنين من بني إسرائيل،لأنّه قد كان قبله في بني إسرائيل مؤمنون و أنبياء،منهم ولد إسرائيل لصلبه، و كانوا مؤمنين و أنبياء،فلذلك اخترنا القول الّذي قلناه قبل.(9:56)

الزّمخشريّ: و أنا أوّل المؤمنين بأنّك لست بمرئيّ و لا مدرك بشيء من الحواسّ.(2:115)

الفخر الرّازيّ: أنا أوّل المؤمنين بأنّك لا ترى في الدّنيا،أو يقال:و أنا أوّل المؤمنين بأنّه لا يجوز السّؤال منك إلاّ بإذنك.(14:235)

أبو حيّان: قيل:من أهل زمانه إن كان الكفر قد طبّق الآفاق.(4:386)

الآلوسيّ: أنا أوّل المؤمنين بعظمتك و جلالك،أو بأنّه لا يراك أحد في هذه النّشأة،فيثبت على ما قيل.

و أراد-كما قال الكورانيّ-أنّه أوّل المؤمنين بذلك عن ذوق مسبوق بعين اليقين في نظره.(9:46)

الطّباطبائيّ: أي أوّل المؤمنين من قومي بأنّك لا ترى.هذا ما يدلّ عليه المقام،و إن كان من المحتمل أن يكون المراد:و أنا أوّل المؤمنين من بين قومي بما آتيتني و هديتني إليه،آمنت بك قبل أن يؤمنوا،فحقيق بي أن أتوب إليك،إذا علّق بي تقصير أو قصور.لكنّه معنى بعيد.

(8:243)

12- إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:51

الفرّاء: وجه الكلام أن تفتح(أن)لأنّها ماضية، و هي في مذهب جزاء،و لو كسرت و نوي بما بعدها الجزم كان صوابا،و قوله: كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ يقولون:

أوّل مؤمني أهل زماننا.(2:280)

الطّبريّ: لأن كنّا أوّل من آمن بموسى،و صدّقه بما جاء به من توحيد اللّه،و تكذيب فرعون في إدّعائه الرّبوبيّة،في دهرنا هذا و زماننا.(19:74)

الزّجّاج: بفتح(أن)أي لأن كنّا أوّل المؤمنين.

و زعم الفرّاء أنّهم كانوا أوّل مؤمني أهل دهرهم.و لا أحسبه عرف الرّواية في التّفسير،لأنّه جاء في التّفسير أنّ الّذين كانوا مع موسى عليه السّلام ستّمائة ألف،و قيل:

ستّمائة ألف و سبعون ألفا.

و إنّما معنى أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي أوّل من آمن في هذه الحال عند ظهور آية موسى،حين ألقوا حبالهم و عصيّهم،و اجتهدوا في سحرهم.(4:91)

ص: 260

الطّوسيّ: لأنّا كنّا أوّل من صدّق بموسى و أقرّ بنبوّته،و بما دعا إليه من توحيد اللّه،و نفي التّشبيه عنه، ممّن كان يعمل بالسّحر.و قيل:إنّهم أوّل من آمن عند تلك الآية.

و من قال:هم أوّل من آمن من قومه،فقد غلط،لأنّ بني إسرائيل كانوا آمنوا به.(8:24)

الميبديّ: أي لأجل أن كنّا أوّل المؤمنين من القبط قومك.و قيل:أوّل المؤمنين في هذه الحالة عند ظهور الآية.(7:106)

مثله أبو حيّان.(7:17)

الزّمخشريّ: كانوا أوّل جماعة مؤمنين من أهل زمانهم،أو من رعيّة فرعون،أو من أهل المشهد.

(3:113)

الطّبرسيّ: [قال مثل الطّوسيّ و أضاف:]

أو أوّل من آمن من آل فرعون.(4:191)

الفخر الرّازيّ: المراد:لأن كنّا أوّل المؤمنين من الجماعة الّذين حضروا ذلك الموقف،أو يكون المراد من السّحرة خاصّة،أو من رعيّة فرعون،أو من أهل زمانهم.

(24:136)

الآلوسيّ: يحتمل أنّهم أرادوا به (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) من أتباع فرعون،أو (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) من أهل المشهد،أو (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) من أهل زمانهم.

و لعلّ الإخبار بكونهم كذلك لعدم علمهم بمؤمن سبقهم بالإيمان،فهو إخبار مبنيّ على غالب الظّنّ و لا محذور فيه،كذا قيل.

و قيل:أرادوا أوّل من أظهر الإيمان باللّه تعالى و برسوله عند فرعون كفاحا بعد الدّعوة و ظهور الآية، فلا يرد مؤمن آل فرعون و آسية،و كذا لا يرد بنو إسرائيل،لأنّهم-كما في«البحر»-كانوا مؤمنين قبلهم،إمّا لعدم علم السّحرة بذلك،أو لأنّ كلاّ من المذكورين لم يظهر الإيمان باللّه تعالى و رسوله عند فرعون كفاحا بعد الدّعوة و ظهور الآية،فتأمّل.(19:80)

13- قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ.

الزّخرف:81

راجع«ع ب د»و«و ل د».

14- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ الحشر:2

ابن عبّاس: كان جلاؤهم ذلك أوّل حشر اليهود إلى الشّام،ثمّ يحشر النّاس يوم القيامة إلى أرض الشّام أيضا،و ذلك الحشر الثّاني.

مثله الزّهريّ و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 5:258)

الحسن: بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا أجلى بني النّضير،قال:«امضوا فهذا أوّل الحشر،و إنّا على الأثر».

(الطّبريّ 28:29)

الكلبيّ: إنّ بني النّضير أوّل من حشروا من أهل الكتاب و نفوا عن جزيرة العرب.(الميبديّ 10:34)

ابن زيد: في قوله: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ): الشّام،حين ردّهم إلى الشّام.(الطّبريّ 28:29)

الطّبريّ: لأوّل الجمع في الدّنيا،و ذلك حشرهم إلى أرض الشّام.(28:28)

البلخيّ: يريد أوّل الجلاء،لأنّ بني النّضير أوّل من

ص: 261

أجلي عن أرض العرب.(الطّوسيّ 9:559)

الطّوسيّ: قال قوم:أوّل الحشر:هو حشر اليهود من بني النّضير إلى أرض الشّام،و ثاني الحشر:حشر النّاس يوم القيامة إلى أرض الشّام أيضا.(9:559)

الزّمخشريّ: معنى(أول الحشر)أنّ هذا أوّل حشرهم إلى الشّام،كانوا من سبط لم يصبهم جلاء قطّ، و هم أوّل من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشّام.

أو هذا أوّل حشرهم و آخر حشرهم إجلاء عمر إيّاهم من خيبر إلى الشّام.و قيل:آخر حشرهم:

حشر يوم القيامة،لأنّ المحشر يكون بالشّام.(4:80)

الطّبرسيّ: قيل:إنّما قال: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) لأنّ اللّه فتح على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله في أوّل ما قاتلهم،عن يمان بن رباب.

(5:258)

الفخر الرّازيّ: ما معنى(أول الحشر)؟

الجواب:أنّ«الحشر»هو إخراج الجمع من مكان إلى مكان.و أمّا أنّه لم سمّي هذا الحشر بأوّل الحشر؟ فبيانه من وجوه:

أحدها:و هو قول ابن عبّاس و الأكثرين:إنّ هذا أوّل حشر أهل الكتاب،أي أوّل مرّة حشروا و أخرجوا من جزيرة العرب،لم يصبهم هذا الذّلّ قبل ذلك،لأنّهم كانوا أهل منعة و عزّ.

و ثانيها:أنّه تعالى جعل إخراجهم من المدينة حشرا، و جعله أوّل الحشر من حيث يحشر النّاس للسّاعة إلى ناحية الشّام،ثمّ تدركهم السّاعة هناك.

و ثالثها:أنّ هذا أوّل حشرهم،و أمّا آخر حشرهم فهو إجلاء عمر إيّاهم من خيبر إلى الشّام.

و رابعها:معناه أخرجهم من ديارهم لأوّل ما يحشرهم لقتالهم،لأنّه أوّل قتال قاتلهم رسول اللّه.

و خامسها:قال قتادة:هذا أوّل الحشر،و الحشر الثّاني نار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب،تبيت معهم حيث باتوا،و تقيل معهم حيث قالوا:و ذكروا أنّ تلك النّار ترى باللّيل و لا ترى بالنّهار.(29:278)

الآلوسيّ: اللاّم لام التّوقيت كالّتي في قولهم:كتبته لعشر خلون،و مآلها إلى معنى«في»الظّرفيّة،و لذا قالوا هنا:أي في أوّل الحشر،لكنّهم لم يقولوا:إنّها بمعنى«في» إشارة إلى أنّها لم تخرج عن أصل معناها و أنّها للاختصاص،لأنّ ما وقع في وقت اختصّ به دون غيره من الأوقات.و قيل:إنّها للتّعليل،و ليس بذاك.

و معنى(أول الحشر)أنّ هذا أوّل حشرهم إلى الشّام،أي أوّل ما حشروا و أخرجوا.و نبّه بالأوّليّة على أنّهم لم يصبهم جلاء قبل،و لم يجلهم بخت نصّر حين أجلى اليهود،بناء على أنّهم لم يكونوا معهم إذ ذاك،و أنّ نقلهم من بلاد الشّام إلى أرض العرب كان باختيارهم، أو لم يصبهم ذلك في الإسلام،أو على أنّهم أوّل محشورين من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشّام.

و لا نظر في ذلك إلى مقابلة الأوّل بالآخر،و بعضهم يعتبرها،فمعنى(أول الحشر)أنّ هذا أوّل حشرهم، و آخر حشرهم:إجلاء عمر إيّاهم من خيبر إلى الشّام.

و قيل:آخر حشرهم:حشرهم يوم القيامة،لأنّ المحشر يكون بالشّام.

و عن عكرمة:من شكّ أنّ«المحشر»هاهنا يعني

ص: 262

الشّام فليقرأ هذه الآية،و كأنّه أخذ ذلك من أنّ المعنى:

لأوّل حشرهم إلى الشّام،فيكون لهم آخر حشر إليه أيضا ليتمّ التّقابل،و هو يوم القيامة من القبور،و لا يخفى أنّه ضعيف الدّلالة.

و في«البحر»عن عكرمة و الزّهريّ أنّهما قالا:المعنى لأوّل موضع الحشر،و هو الشّام.و في الحديث أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لهم:«اخرجوا،قالوا:إلى أين؟قال:إلى أرض المحشر».و لا يخفى ضعف هذا المعنى أيضا.

و قيل:آخر حشرهم أنّ نارا تخرج قبل السّاعة فتحشرهم كسائر النّاس من المشرق إلى المغرب.

و عن الحسن: أنّه أريد حشر القيامة،أي هذا أوّله و القيام من القبور آخره،و هو كما ترى.

و قيل:المعنى أخرجهم من ديارهم لأوّل جمع حشره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أو حشره اللّه عزّ و جلّ لقتالهم،لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن قبل قصد قتالهم.و فيه من المناسبة لوصف العزّة ما لا يخفى،و لذا قيل:إنّه الظّاهر.و تعقّب بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن جمع المسلمين لقتالهم في هذه المرّة أيضا،و لذا ركب عليه الصّلاة و السّلام حمارا مخطوما بليف،لعدم المبالاة بهم،و فيه نظر.

و قيل:لأوّل جمعهم للمقاتلة مع المسلمين،لأنّهم لم يجتمعوا لها قبل.(28:39)

الطّباطبائيّ: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) من إضافة الصّفة إلى الموصوف،و اللاّم بمعنى«في»كقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الإسراء:78،و المعنى اللّه الّذي أخرج بني النّضير من اليهود من ديارهم،في أوّل إخراجهم من جزيرة العرب.(19:201)

عبد الكريم الخطيب: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) إشارة إلى أنّ هذا أوّل إخراج لليهود من ديارهم،و أنّه سيكون بعده إخراج لجماعات أخرى منهم،و قد حدث هذا فعلا، فأخرج بنو قريظة بعد غزوة الأحزاب،و قتل كلّ من بلغ الحلم منهم،و سبي النّساء،و الأطفال و الشّيوخ،ثمّ أخرج اليهود جميعا من الجزيرة العربيّة في عهد عمر بن الخطّاب؛ حيث أجلى البقيّة الباقية منهم،و الّتي كانت تعيش في خيبر.(14:850)

الاوّل

1- هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. الحديد:3

الفخر الرّازيّ: [له بحث مستوفى لخّصه النّيسابوريّ مع تفاوت](29:209)

النّيسابوريّ: تفسير أسماء اللّه الحسنى المذكورة في أوّل هذه السّورة قد سبق في البسملة،فلا حاجة إلى إعادة كلّها،إلاّ أنّنا نذكر ما أورده الإمام فخر الدّين هاهنا على سبيل الإيجاز مع تنقيح ما يجب تنقيحه.

قال:هذا مقام مهيب،و البحث فيه من وجوه:

الأوّل:أنّ تقدّم الشّيء على الشّيء إمّا تقدّم التّأثير، كتقدّم حركة الإصبع على حركة الخاتم،و إمّا التّقدّم بالحاجة لا بالتّأثير،كتقدّم الإمام على المأموم،أو معقول، كما إذا جعلنا المبدأ هو الجنس العالي،و إمّا بالزّمان كتقدّم الأب على الابن.

قال:و تقدّم بعض أجزاء الزّمان على الزّمان،عندي ليس من هذه الأقسام الخمسة.

ص: 263

أمّا التّأثير و الحاجة فلأنّه لو كان كذلك لوجدا معا، كما أنّ العلّة و المعلول يوجدان معا،و كذا الواحد و الاثنان.

و أمّا الشّرف و المكان فظاهران،و أمّا بالزّمان فإنّ الزّمان لا يقع في الزّمان و إلاّ تسلسل.

قلت:لم لا يجوز أن يكون تقدّم أجزاء الزّمان بعضها على بعض بالحاجة أي بالطّبع،فإنّ الزمان كما لا يخفى حين كان كمّا متّصلا غير قارّ الذّات،اقتضت حقيقته أن يكون له وجود سيّال،يعقب بعض أجزائه بعضا، لا تنتهي النّوبة إلى جزء مفروض منه إلاّ و قد انقضى منه جزء مفروض على الاتّصال.

و قال:إذا عرفت ذلك فنقول:

القرآن دالّ على أنّه تعالى قبل كلّ شيء.و البرهان أيضا يدلّ على هذا،لأنّ انتهاء الممكنات لا بدّ أن يكون إلى الواجب،إلاّ أنّ تلك القبليّة ليست بالتّأثير،لأنّ المؤثّر من حيث هو مؤثّر مضاف إلى الأثر من حيث هو أثر، و المضافان معا،و المعيّ لا يكون قبل و لا بالحاجة،لأنّهما قد يكونان معا-كما قلنا-و لا لمحض الشّرف،فإنّ تلك القبليّة ليست مرادة هاهنا،و لا بالمكان-و هو ظاهر- و لا بالزّمان،لأنّ الزّمان بجميع أجزائه ممكن الوجود، و التّقدّم على جميع الأزمنة لا يكون بالزّمان؛فإذن تقدّم الواجب تعالى على ما عداه خارج عن هذه الأقسام الخمسة،و كيفيّته لا يعلمها إلاّ هو.

قلت:إنّه سبحانه متقدّم على ما سواه بجميع أقسام التّقدّمات الخمسة.

أمّا بالتّأثير فظاهر قوله:و المضافان معا.قلنا:إن اردت من الحيثيّة المذكورة فمسلّم و لا محذور،و إن أردت مطلقا فممنوع.

و أمّا بالطّبع فلأنّ ذات الواجب من حيث هو لا تفتقر إلى الممكن من حيث هو،و حال الممكن بالخلاف.

و أمّا بالشّرف فظاهر.و أمّا بالمكان فلأنّه وراء كلّ الأماكن و معها،لقوله: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ البقرة:115،و قد جاء في الحديث:«لو أدليتم بحبل إلى الأرض السّفلى لهبط على اللّه»ثمّ قرأ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ.

و هاهنا سرّ لعلّنا قد رمزنا إليه في هذا الكتاب، تفهمه بإذن اللّه إن كنت أهلا له.

و أمّا بالزّمان فأظهر قوله:و التّقدّم على الزّمن لا يكون بالزّمان.

قلنا:ممنوع،لأنّ الزّمان عند المحقّقين هو أمر وهميّ، و الزّمان الّذي يتكلّم هو فيه إنّما هو مقدار حركة الفلك الأعظم،و لا ريب أنّ قبل هذه الحركة لا يوجد لها مقدار، إلاّ أنّ قبل كلّ شيء يوجد امتداد وهميّ،يحصل فيه وجود الواجب سبحانه.

و من هذا التّحقيق يرتفع ما أشكل على الإمام من التّمييز بين الأزل و ما لا يزال،فإنّ المبادئ الوهميّة تتغيّر بتغيّر الاعتبارات،و باختلافها تختلف حقائقها،إذ ليس لها وجود سواها،فقد يصير ما هو في جانب الأزل في جانب لا يزال،و بالعكس إذا تغيّرت المبادئ المفروضة.(27:91-93)

و لهذه الآية بحوث أخرى هامّة و قد تقدّم بنصّها في «الآخر»فراجع«أ خ ر».

ص: 264

لأوّلنا

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا... المائدة:114

راجع:اخرنا،في«أ خ ر».

الاوّلون

وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ...

التّوبة:100

راجع:السّابقون،في«س ب ق».

الاوّلين

1- وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ.

الأنفال:38

مجاهد: في قريش يوم بدر،و غيرها من الأمم قبل ذلك.(الطّبريّ 9:247)

ابن إسحاق: أي من قتل منهم يوم بدر.

(الطّبريّ 9:248)

الزّمخشريّ: منهم الّذين حاق بهم مكرهم يوم بدر،أو فقد مضت سنّة الّذين تحزّبوا على أنبيائهم من الأمم فدمّروا،فليتوقّعوا مثل ذلك إن لم ينتهوا.

(2:157)

راجع:سنّة،في«س ن ن».

2- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ.

الواقعة:13،14

راجع:ثلّة،في«ث ل ل».

و فيه مباحث أخرى قد تقدّمت في(الآخرين)، فراجع«أ خ ر».

3- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ.

الواقعة:39،40

راجع:الآخرين،في«أ خ ر».

4- قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ. الواقعة:49.

الفخر الرّازيّ: تقديم(الأوّلين)على(الآخرين)في جواب قولهم: أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الواقعة:48،فإنّهم أخّروا ذكر الآباء لكون الاستبعاد فيهم أكثر،فقال: إِنَّ الْأَوَّلِينَ الّذين تستبعدون بعثهم و تؤخّرونهم،يبعثهم اللّه في أمر مقدّم على(الآخرين)يتبيّن منه إثبات حال من أخّرتموه مستبعدين،إشارة إلى كون الأمر هيّنا.

(29:172)

الآلوسيّ: تقديم(الأوّلين)للمبالغة في الرّدّ؛حيث كان إنكارهم لبعث آبائهم أشدّ من إنكارهم لبعثهم،مع مراعاة التّرتيب الوجوديّ.(27:145)

و فيه مباحث أخرى،راجع:الآخرين،في«أ خ ر».

5- أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ.

المرسلات:16،17

راجع:الآخرين،في«أ خ ر».

الأولى

1- قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى. طه:51

الطّبريّ: فما شأن الأمم الخالية من قبلنا،لم تقرّ بما تقول،و لم تصدّق بما تدعو إليه،و لم تخلص له العبادة.

(16:173)

الطّوسيّ: هي الأمم الماضية.

ص: 265

و(الأولى)تأنيث الأوّل،و هو الكائن على صفة قبل غيره،فإذا لم يكن قبله شيء،فهو قبل كلّ شيء.و أراد ذاك على ما في معلوم اللّه من أمرها.و قيل:إنّه أراد من يؤدّبهم و يجازيهم.(7:178)

الطّبرسيّ:أي فما حال الأمم الماضية،فإنّها لم تقرّ باللّه و ما تدعو إليه،بل عبدت الأوثان.و يعني ب (الْقُرُونِ الْأُولى) مثل قوم نوح و عاد و ثمود.(4:13)

الآلوسيّ: لمّا شاهد اللّعين ما نظمه عليه السّلام في سلك الجواب من البرهان النّيّر على الطّراز الرّائع،خاف أن يظهر للنّاس حقّيّة مقالاته عليه السّلام،و بطلان خرافات نفسه ظهورا بيّنا،أراد أن يصرفه عليه السّلام عن سننه إلى ما لا يعنيه من الأمور الّتي لا تعلّق لها في نفس الأمر بالرّسالة من الحكايات،موهما أنّ لها تعلّقا بذلك و يشغله عمّا هو بصدده،عسى يظهر فيه نوع غفلة فيتسلق بذلك إلى أن يدّعي بين يدي قومه نوع معرفة،فقال: (فَما بالُ) إلخ، أي إذا كنت رسولا فاخبرني ما حال القرون الماضية، و الأمم الخالية،و ما ذا جرى عليهم من الحوادث المفصّلة.

(16:203)

الطّباطبائيّ: أي ما حال الأمم و الأجيال الإنسانيّة الماضية الّتي ماتوا و فنوا،لا خبر عنهم و لا أثر؟ كيف يجزون بأعمالهم و لا عامل في الوجود و لا عمل، و ليسوا اليوم إلاّ أحاديث و أساطير؟

فالآية نظيرة ما نقل عن المشركين في قوله:

وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10،و ظاهر الكلام أنّه مبنيّ على الاستبعاد من جهة انتفاء العلم بهم و بأعمالهم للموت و الفوت، كما يشهد به جواب موسى عليه السّلام.(14:169)

2- ...أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى.

طه:133

مجاهد: التّوراة و الإنجيل.(الطّبريّ 16:237)

قتادة: الكتب الّتي خلت من الأمم الّتي يمشون في مساكنهم.(الطّبريّ 16:237)

الطّبريّ: أ و لم يأتهم بيان ما في الكتب الّتي قبل هذا الكتاب من أنباء الأمم من قبلهم،الّتي أهلكناهم.

(16:237)

الميبديّ: أي بيان ما في التّوراة و الإنجيل و الزّبور من أنباء الأمم أنّهم اقترحوا الآيات فلمّا أتتهم و لم يؤمنوا بها،كيف عجّلنا لهم العذاب و الهلاك،فما يؤمّنهم أن أتتهم الآية،أن يكون حالهم كحال أولئك.(6:199)

الآلوسيّ: المراد بالبيّنة:القرآن الكريم،و المراد بالصّحف الأولى:التّوراة و الإنجيل و سائر الكتب السّماويّة،و بما فيها العقائد الحقّة و أصول الأحكام الّتي اجتمعت عليها كافّة الرّسل عليهم السّلام.(16:286)

3- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى. الأحزاب:33

ابن عبّاس: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ما بين إدريس و نوح كانت ألف سنة،تجمع المرأة بين زوج و عشيق.

(أبو حيّان 7:230)

أبو العالية: هي زمن داود عليه السّلام كانت المرأة تلبس درعا من اللّؤلؤ مفرّج الجانبين،لا ثوب عليها غيرها،

ص: 266

و تعرض نفسها على الرّجال.(الميبديّ 8:45)

الشّعبيّ: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: ما بين عيسى و محمّد عليهما السّلام.(الطّبريّ 22:4)

الكلبيّ: ما بين نوح و إبراهيم.(أبو حيّان 7:230)

مقاتل: زمن نمرود بغايا يلبسن أرقّ الدّروع و يمشين في الطّرق.(أبو حيّان 7:230)

ابن زيد: الّتي كانت قبل الإسلام،و في الإسلام جاهليّة.(الطّبريّ 22:5)

الفرّاء: ذلك في زمن ولد فيه إبراهيم النّبيّ عليه السّلام، كانت المرأة إذ ذاك تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط الجانبين.

و يقال:كانت تلبس الثّياب تبلغ (1)المال،لا تواري جسدها،فأمرن ألاّ يفعلن مثل ذلك.(2:342)

المبرّد: كانت المرأة تجمع بين زوجها و حلمها، للزّوج نصفها الأسفل و للحلم نصفها،يتمتّع به في التّقبيل و التّرشّف.(أبو حيّان 7:231)

الطّبريّ: إنّ أهل التّأويل اختلفوا في اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى، فقال بعضهم:ذلك ما بين عيسى و محمّد عليهما السّلام.

و قال آخرون:ذلك ما بين آدم و نوح.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره نهى نساء النّبيّ أن يتبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى.

و جائز أن يكون ذلك ما بين آدم و عيسى،فيكون معنى ذلك:و لا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى الّتي قبل الإسلام.

فإن قال قائل:أو في الإسلام جاهليّة،حتّى يقال:

عنى بقوله: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الّتي قبل الإسلام؟

قيل:فيه أخلاق من أخلاق الجاهليّة.

و جائز أن يكون ذلك ما بين آدم و نوح،و جائز أن يكون ما بين إدريس و نوح؛فتكون الجاهليّة الآخرة:

ما بين عيسى و محمّد.

و إذا كان ذلك ممّا يحتمله ظاهر التّنزيل،فالصّواب أن يقال في ذلك،كما قال اللّه:إنّه نهى عن تبرّج الجاهليّة الأولى.(22:5)

الزّجّاج: قيل:إنّ اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى من كان من لدن آدم إلى زمن نوح،و قيل:من زمن نوح إلى زمن إدريس،و قيل:منذ زمن عيسى إلى زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الأشبه أن تكون منذ زمن عيسى إلى زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأنّهم هم الجاهليّة المعروفون،لأنّه روي أنّهم كانوا يتّخذون البغايا،و هنّ الفواجر يغللن (2)لهم.

فإن قيل:لم قيل:(الأولى)؟قيل:يقال لكلّ متقدّم و متقدّمة:أولى و أوّل،فتأويله أنّهم تقدّموا أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فهم أولى و هم أوّل،من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:225)

الطّوسيّ: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى و هو ما كان قبل الإسلام.[إلى أن قال:]

و أمّا الجاهليّة الأخرى،فهو ما يعمل بعد الإسلام بعمل أولئك.(8:339)

الميبديّ: يقال: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: ما بين نوح و مولد إبراهيم،و هي سبع مائة سنة.ا.

ص: 267


1- كذا،و كأنّ المراد أنّها تبلغ المال الكثير.
2- ينتجن لهم غلّة و مالا،لأنّهم كانوا يتّخذونهنّ وسيلة للكسب،و ربّما أكرهوهنّ على هذا.

و قيل: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: ما ذكرنا و الجاهليّة الأخرى:قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزّمان.

و قيل: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى بمعنى القديمة،و ليس لها أخرى،كقوله تعالى: وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى النّجم:

50.(8:44)

الزّمخشريّ: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى هي القديمة الّتي يقال لها:الجاهليّة الجهلاء،و هي الزّمن الّذي ولد فيه إبراهيم عليه السّلام،كانت المرأة تلبس الدّرع من اللّؤلؤ، فتمشي وسط الطّريق،تعرض نفسها على الرّجال.

و قيل:ما بين آدم و نوح،و قيل:بين إدريس و نوح، و قيل:زمن داود و سليمان.و الجاهليّة الأخرى:ما بين عيسى و محمّد عليهما الصّلاة و السّلام.

و يجوز أن تكون الجاهليّة الأولى:جاهليّة الكفر قبل الإسلام،و الجاهليّة الأخرى:جاهليّة الفسوق و الفجور في الإسلام.(3:260)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ المراد من كان في زمن نوح،و الجاهليّة الأخرى:من كان بعده.

و ثانيهما:أنّ هذه ليست أولى تقتضي أخرى،بل معناه تبرّج الجاهليّة القديمة،كقول القائل:أين الأكاسرة الجبابرة الأولى؟(25:29)

أبو حيّان: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى يدلّ على أنّ ثمّ جاهليّة متقدّمة و أخرى متأخّرة،فقيل:هما ابنان لآدم سكن أحدهما الجبل،فذكور أولاده صباح و إناثهم قباح، و الآخر السّهل و أولاده على عكس ذلك،فسوّى لهم إبليس عيدا يجتمع جميعهم فيه،فمال ذكور الجبل إلى إناث السّهل و بالعكس،فكثرت الفاحشة،فهو تبرّج الجاهليّة الأولى.(7:230)

الطّباطبائيّ: اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: الجاهليّة قبل البعثة،فالمراد الجاهليّة القديمة.

و قول بعضهم: إنّ المراد به زمان ما بين آدم و نوح عليهما السّلام ثمان مائة سنة،و قول آخرين:إنّها ما بين إدريس و نوح،و قول آخرين:زمان داود و سليمان، و قول آخرين:إنّه زمان ولادة إبراهيم،و قول آخرين:

إنّه زمان الفترة بين عيسى عليه السّلام و محمّد صلّى اللّه عليه و آله،أقوال لا دليل يدلّ عليها.(16:309)

4- إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ.

الدّخان:35

الزّمخشريّ: ما معنى ذكر(الأولى)كأنّهم وعدوا موتة أخرى حتّى نفوها و جحدوها و أثبتوا الأولى؟

قلت:معناه-و اللّه الموفّق للصّواب-أنّه قيل لهم:

إنّكم تموتون موتة تتعقّبها حياة كما تقدّمتكم موتة قد تعقّبتها حياة،و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ البقرة:28،فقالوا: إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى يريدون ما الموتة الّتي من شأنها أن يتعقّبها حياة إلاّ الموتة الأولى دون الموتة الثّانية،و ما هذه الصّفة الّتي تصفون بها الموتة من تعقّب الحياة إلاّ للموتة الأولى خاصّة،فلا فرق إذا بين هذا و بين قوله:

إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الأنعام:29،في المعنى.

(3:504)

الآلوسيّ: توصيفها ب(الأولى)ليس لقصد مقابلة

ص: 268

الثّانية،كما في قولك:حجّ زيد الحجّة الأولى،و مات.

قال الأسنويّ في«التّمهيد»: الأوّل،في اللّغة:ابتداء الشّيء،ثمّ قد يكون له ثان و قد لا يكون،كما تقول:هذا أوّل ما اكتسبته،فقد تكتسب بعده شيئا و قد لا تكتسب، كذا ذكره جماعة،منهم الواحديّ في تفسيره،و الزّجّاج.

و من فروع المسألة ما لو قال:

إن كان أوّل ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق،تطلق إذا ولدته و إن لم تلد غيره بالاتّفاق.

قال أبو عليّ: اتّفقوا على أنّه ليس من شرط كونه أوّلا أن يكون بعده آخر،و إنّما الشّرط أن لا يتقدّم عليه غيره،انتهى.

و منه يعلم ما في قول بعضهم:إنّ الأوّل يضايف الآخر و الثّاني،و يقتضي وجوده بلا شبهة.

و المثال إن صحّ فإنّما هو فيمن نوى تعدّد الحجّ فاخترمته المنيّة،فلحجّه ثان باعتبار العزم من قصور الاطّلاع،و أنّه لا حاجة إلى أن يقال:إنّها أولى بالنّسبة إلى ما بعدها من حياة الآخرة،بل هو في حدّ ذاته غير مقبول،لما قال ابن المنير:من أنّ«الأولى»إنّما يقابلها «أخرى»تشاركها في أخصّ معانيها،فكما لا يصحّ أو لا يحسن أن يقال:جاءني رجل و امرأة أخرى،لا يقال:

الموتة الأولى،بالنّسبة لحياة الآخرة.

[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و أراد أنّ النّفي و الإثبات لمّا كان لردّ المنكر المصرّ إلى الصّواب،كان منزلا على إنكارهم،لا سيّما و التّعريف في(الأولى)تعريف عهد،و قوله تعالى: اَلْمَوْتَةَ الْأُولى تفسير للمبهم،و هي على نحو:هي العرب تقول كذا،فيتطابقان.و المعهود(الموتة)الّتي تعقّبتها الحياة الدّنيويّة،و لذلك استشهد بقوله تعالى وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً إلخ.

فليس اعتبار الوصف عدولا عن الظّاهر من غير حاجة،كما قال ابن المنير.

و قوله في الاعتراض أيضا:إنّ الموت السّابق على الحياة الدّنيويّة لا يعبّر عنه ب(الموتة)لأنّ فيها لمكان بناء المرّة إشعارا بالتّجدّد،و الموت السّابق مستصحب لم تتقدّمه حياة مدفوع،كما قال صاحب«الكشف».

ثمّ إنّه لا يلزم من تفسير اَلْمَوْتَةَ الْأُولى بما بعد الحياة،في قوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى الدّخان:56،تفسيرها بذلك هنا،لأنّ إيقاع الذّوق عليها هناك قرينة أنّها الّتي بعد الحياة الدّنيا، لأنّ ما قبل الحياة غير مذوق.و مع هذا كلّه الإنصاف أنّ حمل اَلْمَوْتَةَ الْأُولى هنا أيضا على الّتي بعد الحياة الدّنيا أظهر من حملها على ما قبل الحياة من العدم،بل هي المتبادرة إلى الفهم عند الإطلاق المعروفة بينهم،و أمر الوصف ب(الأولى)على ما سمعت أوّلا.

و قيل:إنّهم وعدوا بعد هذه الموتة موتة القبر و حياة البعث،فقوله تعالى عنهم: إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى ردّ للموتة الثّانية.(25:126)

الطّباطبائيّ: وجه تقييد(الموتة)في الآية ب(الأولى)بأنّه ليس بقيد احترازيّ؛إذ لا ملازمة بين الأوّل و الآخر،أو بين الأوّل و الثّاني،فمن الجائز أن يكون هناك شيء أوّل و لا ثاني له،و لا في قباله آخر،كذا قيل.

و هناك وجه آخر ذكره الزّمخشريّ.[و بعد نقل قول

ص: 269

الزّمخشريّ قال:]

و يمكن أن يوجّه بوجه ثالث و هو أن يقولوا: إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى بعد ما سمعوا قوله تعالى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ المؤمن:11،و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ الإماتة الأولى هي الموتة بعد الحياة الدّنيا،و الإماتة الثّانية هي الّتي بعد الحياة البرزخيّة،فهم في قولهم: إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى ينفون الموتة الثّانية الملازمة للحياة البرزخيّة الّتي هي حياة بعد الموت،فإنّهم يرون موت الإنسان انعداما له و بطلانا لذاته.

و يمكن أن يوجّه بوجه رابع،و هو أن يرجع التّقيّد ب(الأولى)إلى الحكاية دون المحكيّ؛و ذلك بأن يكون الّذي قالوا إنّما هو إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا، و يكون معنى الكلام:أنّ هؤلاء ينفون الحياة بعد الموت،و يقولون:إن هي إلاّ موتتنا،يريدون:الموتة الأولى من الموتتين اللّتين ذكرنا في قولنا: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ الآية.

و الوجوه الأربع مختلفة في القرب من الفهم،فأقربها ثالثها ثمّ الرّابع ثمّ الأوّل.(18:145)

5- لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى.

الدّخان:56.

راجع:الموتة الأولى،في«م و ت».

6- وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى. النّجم:50

الحسن:(الأولى)أي قبلكم.(الطّوسيّ 9:439)

ابن زيد:هي من أوّل الأمم.(الطّبريّ 27:78)

المبرّد: عاد الأخيرة هي ثمود.

(أبو حيّان 8:169)

الطّبريّ: عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، و هم الّذين أهلكهم اللّه بريح صرصر عاتية،و إيّاهم عنى بقوله: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الفجر:6،7

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و بعض قرّاء البصرة (عادا لولى) بترك الهمز و جزم النّون،حتّى صارت اللاّم في(الأولى)كأنّها لام مثقّلة،و العرب تفعل ذلك في مثل هذا.حكي عنها سماعا منهم:«قم لان عنّا»،يريد:قم الآن،جزموا الميم لمّا حرّكت اللاّم الّتي مع الألف في«الآن».و كذلك تقول:

«صم اثنين»،يريدون:صم الاثنين.

و أمّا عامّة قرّاء الكوفة و بعض المكّيّين،فإنّهم قرءوا ذلك بإظهار النّون و كسرها؛و همز(الأولى)على اختلاف في ذلك.عن الأعمش،فروى أصحابه عنه-غير القاسم ابن معن-موافقة أهل بلده في ذلك،و أمّا القاسم بن معن فحكي عنه عن الأعمش أنّه وافق في قراءته ذلك قراءة المدنيّين.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا ما ذكرنا من قراءة الكوفيّين،لأنّ ذلك هو الفصيح من كلام العرب، و أنّ قراءة من كان من أهل السّليقة فعلى البيان و التّفخيم،و أنّ الإدغام في مثل هذا الحرف و ترك البيان إنّما يوسع فيه لمن كان ذلك سجيّته و طبعه من أهل البوادي.

فأمّا المولّدون فإنّ حكمهم أن يتحرّوا أفصح القراءات و أعذبها و أثبتها،و إن كانت الأخرى جائزة

ص: 270

غير مردودة.(27:77)

الزّمخشريّ: عاد الأولى:قوم هود،و عاد الأخرى:

إرم.و قيل:(الأولى)القدماء،لأنّهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح،أو المتقدّمون في الدّنيا الأشراف.

و قرئ (عادا لولى) و (عاد لولى) بإدغام التّنوين في اللاّم،و طرح همزة أولى،و نقل ضمّتها إلى لام التّعريف.

(4:34)

الطّبرسيّ: و هو عاد بن إرم،و هم قوم هود أهلكهم اللّه بريح صرصر عاتية،و كان لهم عقب فكانوا عادا الأخرى.(5:183)

الفخر الرّازيّ: قيل:ب(الأولى)تميّزت من قوم كانوا بمكّة هم عاد الآخرة.و قيل:(الأولى)لبيان تقدّمهم لا لتمييزهم،تقول:زيد العالم جاءني،فتصفه لا لتميّزه، و لكن لتبيّن علمه.

و فيه قراءات: (عادا الأولى) بكسر نون التّنوين لالتقاء السّاكنين،و (عاد الأولى) بإسقاط نون التّنوين أيضا لالتقاء السّاكنين كقراءة عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:

30،و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ* اَللّهُ الصَّمَدُ الإخلاص:1، 2.

و (عادا لولى) بإدغام النّون في اللاّم و نقل ضمّة الهمزة إلى اللاّم،و (عادا لؤلى) بهمزة الواو.

و قرأ هذا القارئ على(سؤقه)،و دليله ضعيف و هو يحتمل هذا في موضع(المؤقدة)و(المؤصدة)للضّمّة و الواو،فهي في هذا الموضع تجرى على الهمزة،و كذا في (سؤقه)لوجود الهمزة في الأصل،و في موسى،و قوله لا يحسن.(29:23)

القرطبيّ: سمّاها(الأولى)لأنّهم كانوا من قبل ثمود،و قيل:إنّ ثمود من قبل عاد.

و قال ابن زيد: قيل لها:(عاد الأولى)لأنّها أوّل أمّة أهلكت بعد نوح عليه السّلام.و قال ابن إسحاق:هما عادان فالأولى أهلكت بالرّيح الصّرصر ثمّ كانت الأخرى فأهلكت بالصّيحة.

و قيل:(عاد الأولى)هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح،و عاد الثّانية:من ولد عاد الأولى،و المعنى متقارب.

و قيل:إنّ عاد الآخرة الجبّارون،و هم قوم هود.

(17:120)

البروسويّ: وصفهم بالأوّليّة ليس للاحتراز عن عاد الأخيرة بل لتقدّم هلاكهم بحسب الزّمان،على هلاك سائر الأمم بعد قوم نوح.

قال في«التّكملة»:وصف(عاد)ب(الأولى)يدلّ على أنّ لها ثانية،فالأولى هي عاد بن إرم قوم هود، و الثّانية من ولدها،و هي الّتي قاتلها موسى عليه السّلام بأريحاء، كانوا تناسلوا من الهزيلة بنت معاوية،و هي الّتي نجت من قوم عاد مع بنيها الأربعة عمرو عمرو و عامر و العتيد، و كانت الهزيلة من العماليق.(9:257)

الطّباطبائيّ: و هم قوم هود النّبيّ عليه السّلام،و وصفوا ب(الأولى)لأنّ هناك عادا ثانية هم بعد عاد الأولى.

(19:50)

7- هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى. النّجم:56

راجع:النّذر،في«ن ذ ر».

ص: 271

8- فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى.

النّازعات:25

ابن عبّاس: أمّا(الأولى)فحين قال: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي القصص:38،و أمّا(الآخرة)فحين قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24.

(الطّبريّ 30:41)

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 30:42)

مجاهد: بين قول فرعون: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي و بين قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أربعون سنة.

(الطّبريّ 30:41)

نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى: أوّل عمله و آخره.

(الطّبريّ 30:42)

الحسن: الدّنيا و الآخرة.(الطّبريّ 30:42)

الكلبيّ:نكال الآخرة من المعصية و الأولى.

(الطّبريّ 30:43)

أبو رزين: (الأولى):تكذيبه و عصيانه،و(الآخرة) قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى. (الطّبريّ 30:42)

الطّبريّ: عقوبة الآخرة من كلمتيه،و هي قوله:

أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، و الأولى قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي. [و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و قال آخرون: عذاب الدّنيا و عذاب الآخرة عجّل اللّه له الغرق،مع ما أعدّ له من العذاب في الآخرة.

و قال آخرون: (الأولى):عصيانه ربّه و كفره به، و(الآخرة):قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى. (30:41،42)

الطّباطبائيّ: المعنى:فأخذ اللّه فرعون،أي عذّبه و نكّله نكال الآخرة و الأولى.و أمّا عذاب الدّنيا فإغراقه و إغراق جنوده،و أمّا عذاب الآخرة فعذابه بعد الموت، فالمراد ب(الأولى)و(الآخرة):الدّنيا و الآخرة.

و قيل:المراد ب(الآخرة)كلمته الآخرة أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24،و ب(الأولى)كلمته الأولى، قالها قبل ذلك: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي القصص:38،فأخذه اللّه بهاتين الكلمتين و نكّله نكالهما.

و لا يخلو هذا المعنى من خفاء.

و قيل:المراد ب(الأولى:تكذيبه و معصيته المذكوران في أوّل القصّة،و بالأخرى:كلمة أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى المذكورة في آخرها،و هو كسابقه.

و قيل:(الأولى):أوّل معاصيه،و(الأخرى):آخرها، و المعنى أخذه اللّه نكال مجموع معاصيه.و لا يخلو أيضا من خفاء.(20:189)

9- وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى. الليل:13

10- وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. الضّحى:4

قد بحثنا حول هاتين الآيتين في لفظة«الآخرة»من مادّة«أ خ ر».

ص: 272

اوليهما

فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً.

الإسراء:5

راجع:وعد،في«و ع د».

أولاهم

قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ... *وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ... الأعراف:38،39

لهذه الكلمة(أخراهم)بحث قد تقدّم في مادّة«أ خ ر».

اولو العلم

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ... آل عمران:18

الحسن: المؤمنون.(أبو حيّان 2:402)

السّدّيّ: المؤمنون كلّهم.

مثله الكلبيّ.(القرطبيّ 4:41)

مقاتل: مؤمنو أهل الكتاب.(القرطبيّ 4:41)

ابن كيسان: المهاجرون و الأنصار.

(القرطبيّ 4:41)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما المراد ب«أولي العلم»الّذين عظّمهم هذا التّعظيم؛حيث جمعهم معه و مع الملائكة،في الشّهادة على وحدانيّته و عدله؟

قلت:هم الّذين يثبتون وحدانيّته و عدله بالحجج السّاطعة و البراهين القاطعة،و هم علماء العدل و التّوحيد.(1:418)

الفخر الرّازيّ: المراد من«أولي العلم»في هذه الآية الّذين عرفوا وحدانيّته بالدّلائل القاطعة،لأنّ الشّهادة إنّما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم، و لذلك قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إذا علمت مثل الشّمس فاشهد».و هذا يدلّ على أنّ هذه الدّرجة العالية و المرتبة الشّريفة ليست إلاّ لعلماء الأصول.(7:220)

القرطبيّ: قد قيل:إنّ المراد ب«أولي العلم» الأنبياء عليهم السّلام.و قال السّدّيّ و الكلبيّ:المؤمنون كلّهم، و هو الأظهر لأنّه عامّ.(4:41)

أبو حيّان: (أُولُوا الْعِلْمِ) قيل:هم الأنبياء،و قيل:

العلماء،و قيل:مؤمنو أهل الكتاب،و قيل:المهاجرون و الأنصار،و قيل:علماء المؤمنين.

و المراد بأولي العلم:من كان من البشر عالما،لأنّهم ينقسمون إلى عالم و جاهل،بخلاف الملائكة فإنّهم في العلم سواء.(2:402)

رشيد رضا: قد اختلفوا في«أولي العلم»،فقيل:

هم الصّحابة،و قيل:علماء أهل الكتاب.و ذهب الزّمخشريّ إلى أنّهم المعتزلة،و الرّازيّ إلى أنّهم علماء الأصول.

و هذا من عجيب الخلاف،فإنّ«أولي العلم» لا يحتاجون إلى تعريف و لا تفسير،فهم أصحاب العلم البرهانيّ القادرون على الإقناع،و هم معروفون في هذه الأمّة،و في الأمم السّابقة.(3:256)

اولو القربى

وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً.

النّساء:8

الزّمخشريّ: ممّن لا يرث.(1:503)

الطّبرسيّ:أي فقراء قرابة الميّت.(2:11)

ص: 273

الفخر الرّازيّ: المراد من«أولي القربى»:الّذين يرثون،و المراد من (الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ): الّذين لا يرثون.

(9:197)

القرطبيّ: بيّن اللّه تعالى أنّ من لم يستحقّ شيئا إرثا و حضر القسمة،و كان من الأقارب أو اليتامى و الفقراء الّذين لا يرثون أن يكرموا و لا يحرموا،إن كان المال كثيرا، و الاعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليلا لا يقبل الرّضخ.

(5:48)

الآلوسيّ: ممّن لا يرث،لكونه عاصبا محجوبا، أو لكونه من ذوي الأرحام.و القرينة على إرادة ذلك ذكر الورثة قبله.(4:212)

الطّباطبائيّ: ظاهر الآية أنّ المراد من حضورهم القسمة:أن يشهدوا قسمة التّركة حينما يأخذ الورثة في اقتسامها،لا ما ذكره بعضهم أنّ المراد حضورهم عند الميّت حينما يوصي و نحو ذلك،و هو ظاهر.

و على هذا فالمراد من أولي القربى:الفقراء منهم، و يشهد بذلك أيضا ذكرهم مع (الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ).

(4:200)

اولوا الارحام

وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ. الأنفال:75

ابن عبّاس: و ذوو الأرحام و القرابة بعضهم أحقّ بميراث بعضهم من غيرهم.

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 2:563)

الطّبريّ:و المتناسبون بالأرحام بعضهم أولى ببعض في الميراث.(10:57)

الطّوسيّ: و معنى(أولو)ذوو،واحده:ذو،و لا واحد له من لفظه.(5:192)

الميبديّ: الأقوياء الّذين تجمعهم بالقرب رحم واحدة أو ينسبون إلى أب واحد،بعضهم أولى ببعض في الميراث من الأجانب.(4:84)

اولو الطّول

وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ. التّوبة:86

راجع:الطّول،في«ط و ل».

اولو العزم

فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ. الأحقاف:35

ابن عبّاس: أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ: من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدّمه،و هم خمسة:

أوّلهم نوح،ثمّ إبراهيم،ثمّ موسى،ثمّ عيسى،ثمّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 5:94)

ذوو الحزم و الصّبر.

كلّ الرّسل كانوا أولي عزم.(القرطبيّ 16:220)

أبو العالية: هم إبراهيم و هود و نوح،و رابعهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(الطّبرسيّ 5:94)

ص: 274

الشّعبيّ: هم الّذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة،و جاهدوا الكفرة.

مثله الكلبيّ و مجاهد.(القرطبيّ 16:220)

نحوه السّدّيّ.(الطّبرسيّ 5:94)

مجاهد: هم خمسة:نوح،و إبراهيم،و موسى، و عيسى،و محمّد عليهم الصّلاة و السّلام،و هم أصحاب الشّرائع.(القرطبيّ 16:220)

مثله العطاء.(الطّبريّ 26:37)

الضّحّاك: ذوو الجدّ و الصّبر.(الميبديّ 9:167)

الحسن: (أُولُوا الْعَزْمِ) أربعة:إبراهيم،و موسى، و داود،و عيسى.(القرطبيّ 16:221)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّما سمّوا«أولي العزم»لأنّه عهد إليهم في محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و الأوصياء من بعده،و المهديّ، و سيرته عليهم السّلام،فأجمع عزمهم أنّ ذلك كذلك،و الإقرار به.

(الكاشانيّ 5:19)

قتادة: كنّا نحدّث أنّ إبراهيم كان منهم.

(الطّبريّ 26:37)

السّدّيّ: هم ستّة:إبراهيم،و موسى،و داود، و سليمان و عيسى،و محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين.

(القرطبيّ 16:220)

الإمام الصّادق عليه السّلام: سماعة بن مهران قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ؟

فقال:نوح،و إبراهيم،و موسى،و عيسى، و محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

قلت:كيف صاروا (أُولُوا الْعَزْمِ)؟

قال:لأنّ نوحا بعث بكتاب و شريعة،و كلّ من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح و شريعته و منهاجه،حتّى جاء إبراهيم عليه السّلام بالصّحف و بعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به، فكلّ نبيّ جاء بعد إبراهيم أخذ بشريعته و منهاجه و بالصّحف،حتّى جاء موسى بالتّوراة و شريعته و منهاجه و بعزيمة ترك الصّحف،فكلّ نبيّ جاء بعد موسى أخذ بالتّوراة و شريعته و منهاجه،حتّى جاء المسيح عليه السّلام بالإنجيل و بعزيمة ترك شريعة موسى و منهاجه،فكلّ نبيّ جاء بعد المسيح أخذ بشريعته و منهاجه،حتّى جاء محمّد صلّى اللّه عليه و آله فجاء بالقرآن و بشريعته و منهاجه،فحلاله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء (أُولُوا الْعَزْمِ) من الرّسل.(العروسيّ 5:22)

مقاتل: هم ستّة:نوح صبر على أذى قومه، و إبراهيم صبر على النّار،و إسحاق صبر على الذّبح، و يعقوب صبر على فقد الولد و ذهاب البصر،و يوسف صبر في البئر و السّجن،و أيّوب صبر على الضّرّ و البلوى.(الطّبرسيّ 5:94)

ابن جريج: إنّ منهم إسماعيل و يعقوب و أيّوب، و ليس منهم يونس و لا سليمان و لا آدم.

(القرطبيّ 16:220)

ابن زيد: كلّ الرّسل كانوا أولي عزم،لم يتّخذ اللّه رسولا إلاّ كان ذا عزم،فاصبر كما صبروا.

(الطّبريّ 26:37)

نحوه الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 5:94)

الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّما سمّي (أُولُوا الْعَزْمِ) لأنّهم كانوا أصحاب العزائم و الشّرائع،و ذلك أنّ كلّ نبيّ كان

ص: 275

بعد نوح كان على شريعته و منهاجه و تابعا لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل،و كلّ نبيّ كان في أيّام إبراهيم و بعده كان على شريعته و منهاجه و تابعا لكتابه إلى زمن موسى،و كلّ نبيّ في زمن موسى أو بعده كان على شريعته و تابعا لكتابه إلى أيّام عيسى،و كلّ نبيّ كان في زمن عيسى أو بعده كان على منهاج عيسى و شريعته و تابعا لكتابه إلى زمن نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فهؤلاء الخمسة هم أفضل الأنبياء و الرّسل عليهم السّلام،و شريعة محمّد إلى يوم القيامة و لا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.فمن ادّعى بعده نبوّة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه.(البحرانيّ 4:179)

الطّبريّ: الّذين لم ينههم عن النّفوذ لأمره،ما نالهم فيه من شدّة.

و قيل:إنّ أولي العزم منهم،كانوا الّذين امتحنوا في ذات اللّه في الدّنيا بالمحن،فلم تزدهم المحن إلاّ جدّا في أمر اللّه،كنوح،و إبراهيم،و موسى،و من أشبههم.(26:37)

القمّيّ: هو نوح،و إبراهيم،و موسى،و عيسى بن مريم،عليهم السّلام و محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و معنى أولي العزم:أنّهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار باللّه،و الإقرار بكلّ نبيّ كان قبلهم و بعدهم،و عزموا على الصّبر مع التّكذيب و الأذى.

(2:300)

الطّوسيّ: قال قوم: (أُولُوا الْعَزْمِ) هم الّذين يثبتون على عقد القيام بالواجب و اجتناب المحارم،فعلى هذا الأنبياء كلّهم أولو العزم،و من قال ذلك جعل(من)هاهنا للتّبيين لا للتّبعيض.و من قال:إنّ أولى العزم طائفة من الرّسل و هم قوم مخصوصون،قال(من)هاهنا للتّبعيض و هو الظّاهر في روايات أصحابنا،و أقوال المفسّرين.

(9:286)

الميبديّ: قال بعضهم:الأنبياء كلّهم أولو العزم إلاّ يونس لعجلة كانت منه،أ لا ترى إنّه قيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ.

و قيل:هم الّذين ذكرهم اللّه في سورة الأنعام،لقوله بعد ذكرهم: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ الأنعام:90.

و قيل:هم ستّة:نوح،و هود،و صالح،و لوط، و شعيب،و موسى،و هم المذكورون على النّسق في سورة الأعراف و الشّعراء.(9:168)

الطّبرسيّ: العزم هو الوجوب و الحتم (أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) هم الّذين شرّعوا الشّرائع و أوجبوا على النّاس الأخذ بها،و الانقطاع عن غيرها.(5:94)

الفخر الرّازيّ: في الآية قولان:

الأوّل:أن تكون كلمة(من)للتّبعيض،و يراد ب (أُولُوا الْعَزْمِ) بعض الأنبياء.قيل:هم نوح صبر على أذى قومه، و كانوا يضربونه حتّى يغشى عليه،و إبراهيم على النّار و ذبح الولد،و إسحاق على الذّبح،و يعقوب على فقدان الولد و ذهاب البصر،و يوسف على الجبّ و السّجن و أيّوب على الضّرّ،و موسى قال له قومه: إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61،قال: كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ الشّعراء:62،و داود بكى على زلّته أربعين سنة،و عيسى لم يضع لبنة على لبنة،و قال:إنّها معبرة فاعبروها و لا تعمروها،و قال اللّه تعالى في آدم: وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً طه:115،و في يونس: وَ لا تَكُنْ

ص: 276

كَصاحِبِ الْحُوتِ القلم:48.

و القول الثّاني:أنّ كلّ الرّسل أولو عزم و لم يبعث اللّه رسولا إلاّ كان ذا عزم و حزم،و رأي و كمال و عقل.و لفظة (من)في قوله: (مِنَ الرُّسُلِ) تبيين لا تبعيض،كما يقال:

كسيته من الخزّ.و كأنّه قيل:اصبر كما صبر الرّسل من قبلك على أذى قومهم،و وصفهم ب(العزم)لصبرهم و ثباتهم.(28:35)

القرطبيّ: قيل:هم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام،و هم ثمانية عشر:إبراهيم،و إسحاق، و يعقوب،و نوح،و داود،و سليمان،و أيّوب،و يوسف، و موسى،و هارون،و زكريّا،و يحيى،و عيسى،و إلياس، و إسماعيل،و اليسع،و يونس،و لوط.و اختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ الأنعام:90.

و قال بعض العلماء: (أُولُوا الْعَزْمِ) اثنا عشر نبيّا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشّام فعصوهم،فأوحى اللّه إلى الأنبياء أنّي مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل،فشقّ ذلك على المرسلين،فأوحى اللّه إليهم اختاروا لأنفسكم، إن شئتم أنزلت بكم العذاب و أنجيت بني إسرائيل،و إن شئتم نجّيتكم و أنزلت العذاب ببني إسرائيل.

فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب و ينجي اللّه بني إسرائيل،فأنجى اللّه بني إسرائيل و أنزل بأولئك العذاب.و ذلك أنّه سلّط عليهم ملوك الأرض،فمنهم من نشر بالمناشير،و منهم من سلخ جلدة رأسه و وجهه،و منهم من صلب على الخشب حتّى مات، و منهم من حرّق بالنّار.(16:220)

أبو حيّان: أولو الجدّ من الرّسل و هم من حفظ له شدّة مع قومه و مجاهدة،فتكون(من)للتّبعيض.

(8:68)

البروسويّ: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

يقول الفقير:لا شكّ أنّ اللّه تعالى فضّل أهل الوحي بعضهم على بعض ببعض الخصائص،و إن كانوا متساوين في أصل الوحي و النّبوّة،كما قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ البقرة:253،و كذا باين بينهم في مراتب الابتلاء و إن كان كلّ منهم لا يخلو عن الابتلاء،من حيث إنّ أمر الدّعوة مبنيّ عليه، فأولو العزم منهم فوق غيرهم من الرّسل،و كذا الرّسل فوق الأنبياء.و أمّا نبيّنا عليه السّلام فأعلى أولي العزم،دلّ عليه قوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:4.

فإنّ كونه(على خلق عظيم)يستدعي شدّة البلاء، و قد قال:«ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت»ففرق بين عزم و عزم،و قوله تعالى: وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ القلم:48،مع قوله: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً الأنبياء:87، دلّ على أنّ يونس عليه السّلام قد صدر منه الضّجرة.و قول يوسف عليه السّلام: فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ يوسف:50،دلّ على أنّه صدر منه التّزكية.و قول لوط عليه السّلام:قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هود:80،دلّ على أنّه ذهل عن أنّ اللّه تعالى كان ركنه الشّديد،و قس على هذا المذكور قول عزير: قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:259،و نحو ذلك،فظهر أنّ الأنبياء عليهم السّلام متفاوتون في درجات المعارف،و مراتب الابتلاء، و طبقات العزم.

ص: 277

قال بعضهم: (أُولُوا الْعَزْمِ) من لا يكون في عزمه فسخ و لا في طلبه نسخ،كما قيل لبعضهم:بم وجدت ما وجدت؟قال:بعزيمة كعزيمة الرّجال،أي الرّجال البالغين مرتبة الكمال.(8:495)

الآلوسيّ: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و لعلّ الأولى في الآية القول الأوّل[قول ابن زيد] و إن صار (أُولُوا الْعَزْمِ) بعد مختصّا بأولئك الخمسة عليهم الصّلاة و السّلام عند الإطلاق،لاشتهارهم بذلك كما في الأعلام الغالبة،فكأنّه قيل:فاصبر على الدّعوة إلى الحقّ و مكابدة الشّدائد،كما صبر إخوانك الرّسل قبلك.

(26:35)

الطّباطبائيّ: قد أمر اللّه سبحانه في هذه الآية نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يصبر كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ.

و فيه تلويح إلى أنّه صلّى اللّه عليه و آله منهم،فليصبر كصبرهم.

و معنى(العزم)هاهنا إمّا الصّبر كما قال بعضهم، لقوله تعالى: وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الشّورى:43.

و إمّا العزم على الوفاء بالميثاق المأخوذ من الأنبياء، كما يلوح إليه قوله: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً طه:115.

و إمّا العزم بمعنى العزيمة،و هي الحكم و الشّريعة.

و على المعنى الثّالث،و هو الحقّ الّذي تذكره روايات أئمّة أهل البيت عليهم السّلام هم خمسة:نوح،و إبراهيم،و موسى، و عيسى،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و عليهم،و لقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى الشّورى:13،و قد مرّ تقريب معنى الآية.

و عن بعض المفسّرين أنّ جميع الرّسل (أُولُوا الْعَزْمِ)، و قد أخذ (مِنَ الرُّسُلِ) بيانا لأولي العزم،في قوله:

أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ.

و عن بعضهم أنّهم الرّسل الثّمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام:83-90،لأنّه تعالى قال بعد ذكرهم:

فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ.

و فيه أنّه تعالى قال بعد عدّهم: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ الأنعام:87 ثمّ قال: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ و لم يقل ذلك بعد عدّهم بلا فصل.[و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]و هذه الأقوال بين ما لم يستدلّ عليه بشيء أصلا و بين ما استدلّ عليه بما لا دلالة فيه، و لذا أغمضنا عن نقلها.و قد تقدّم في أبحاث النّبوّة في الجزء الثّاني من الكتاب بعض الكلام في أولي العزم من الرّسل فراجعه إن شئت.(18:218)

عبد الكريم الخطيب: من هم أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ؟ و هل من الرّسل ما لا يتّصف بهذه الصّفة؟ثمّ ألا يكون عدم اتّصاف الرّسول بتلك الصفة ممّا ينافي المهمّة المنتدب لها من السّماء؟

اختلف المفسّرون في تحديد أولي العزم من الرّسل و الرّأي على أنّهم نوح،و إبراهيم،و موسى،و عيسى، و محمّد صلوات اللّه و سلامه عليهم.و لا شكّ أنّ الرّسول صلوات اللّه و سلامه عليه و هو المقصود بهذا الأمر،كان يعرف عن يقين من هم أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ أمّا غير الرّسول فإنّه ليس مطالبا بأن يعرف من هم أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ؛ إذ لم يكن لغير الرّسول شيء في هذا

ص: 278

الأمر الموجّه إليه من ربّه؛إذ كان امتثال هذا الأمر، و الوفاء به،هو ممّا يطالب به النّبيّ وحده،لما أتاه اللّه من فضله،من نفس عظيمة تتّسع لهذا الأمر العظيم،و اللّه سبحانه و تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286،و إن كان هذا لا يمنع من أن يكون لنا في رسول اللّه أسوة،في مقام الصّبر على ما نبتلى به من شدائد.

أمّا أن يكون هناك من الرّسل من لا يتّصف بهذه الصّفة،فذلك ما صرّح به القرآن في قوله تعالى عن آدم عليه السّلام: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً طه:115،و قوله تعالى عن يونس عليه السّلام:

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ القلم:48.

فالرّسل عليهم الصّلاة و السّلام و إن كانوا أكمل النّاس كمالا و أكرمهم مقاما،هم في كمالهم و مقامهم الّذي لا يساميه أحد من البشر درجات،بعضها فوق بعض، كما يقول سبحانه: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ البقرة:253.

و إذا كان في الرّسل عليهم السّلام الفاضل و المفضول،فإنّ هذا-كما قلنا-لا ينقص من قدر المفضول؛إذ كان-و هو في مقامه هذا-على هامّة الكمال المتاح للبشر،من غير رسل اللّه.(13:300)

اولى

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ... النّساء:59

2- ...وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ... النّساء:83

المباحث المتعلّقة بهاتين الآيتين قد تقدّمت في (أُولِي الْأَمْرِ) فراجع«أ م ر».

الوجوه و النّظائر

التّأويل

مقاتل: تفسير«تأويل»على خمسة وجوه:

فوجه منها:(تأويله)يعني منتهى كم يملك محمّد و أمّته؟فذلك قوله: اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ آل عمران:7،يعني منتهى كم يملك محمّد و أمّته؟و ذلك أنّ اليهود أرادوا أن يعلموا-من قبل حساب الجمّل-كم يملك محمّد و أمّته،ثمّ ينقضي ملكه،و يرجع الملك إلى اليهود؟قال اللّه: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران:7،يعني و ما يعلم تأويل كم يملك محمّد و أمّته إلاّ اللّه،لا يعلم ذلك إلاّ اللّه بأنّهم يملكون إلى يوم القيامة، و لا يرجع الملك إلى اليهود.

و الوجه الثّاني:(تأويله)يعني عاقبة ما وعد اللّه في القرآن من الخير و الشّرّ يوم القيامة،فذلك قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ الأعراف:53.يعني ما ينظر كفّار مكّة (إِلاّ تَأْوِيلَهُ) يعني عاقبته،و ما وعد اللّه في القرآن على ألسنة الرّسل من الخير و الشّرّ.

و قال أيضا: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ الأعراف:53، يعني يوم القيامة يأتي عاقبة ما وعد اللّه في القرآن من الخير و الشّرّ.

و قال أيضا: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا

ص: 279

يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يونس:39،يعني عاقبة ما وعد اللّه في القرآن أنّه كائن في الآخرة من الوعيد.

و الوجه الثّالث:(تأويل)يعني تعبير الرّؤيا،فذلك قوله: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:6،يعني تعبير الرّؤيا.

و قال: وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:

21.يعنى تعبير[الرّؤيا].

و قال أيضا: وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:101،يعني تعبير الرّؤيا.

و الوجه الرّابع:(تأويل)يعني تحقيق،فذلك قول يوسف: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ يوسف:100، يعني تحقيق رؤياي.

و الوجه الخامس:(تأويله)يعني ألوانه،فذلك قول يوسف لصاحبي السّجن: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ يوسف:37،يعني بألوانه،يعني ألوان الطّعام من قبل أن يأتيكما.(131)

مثله الدّامغانيّ(188)،و الفيروزآباديّ (بصائر ذوي التّمييز 2:291).

الأوّل

مقاتل: تفسير«أوّل»على أربعة وجوه:

فوجه منها:(أوّل)يعني أوّل من كفر بالنّبيّ من اليهود على عهد النّبيّ،فذلك قوله ليهود المدينة:

وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ البقرة:41،يعني أوّل من كفر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من اليهود.

و الوجه الثّاني:(أوّل)يعني أوّل من آمن باللّه من أهل مكّة،فذلك قوله للنّبيّ عليه السّلام: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخرف:81،يعني أوّل الموحّدين من أهل مكّة،كقوله: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ الأنعام:14،من أهل مكّة.

و الوجه الثّالث:(أوّل)يعني أوّل المؤمنين بأنّ اللّه لا يرى في الدّنيا،فذلك قوله: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143،يقول:أنا أوّل المصدّقين بأنّك لن ترى في الدّنيا.

و الوجه الرّابع:(أوّل)يعني أوّل المؤمنين من بني إسرائيل لموسى و هارون،فذلك قول السّحرة بعد ما أسلموا حين أوعدهم فرعون بالقتل: إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:51، يعني أوّل المصدّقين من بني إسرائيل بما جاء به موسى.(291)

الدّامغانيّ: «أوّل»على خمسة أوجه:[ذكر مثل مقاتل و قد أضاف وجها خامسا و هو:]

الوجه الخامس:(أوّل)هو اللّه تعالى،قوله: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3.(74)

الفيروزآباديّ: قد ورد«الأوّل»في نصّ القرآن على اثني عشر وجها:

الأوّل:بمعنى بيت اللّه الحرام إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ آل عمران:96.

الثّاني:بمعنى الكليم موسى عليه السّلام تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا

ص: 280

أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143.

الثّالث:بمعنى الكفّار من اليهود وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ البقرة:41.

الرّابع:بمعنى سيّد المرسلين فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخرف:81، وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ الزّمر:12.

الخامس:بمعنى سحرة فرعون أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:51.

السّادس:بمعنى قوم عيسى وقت نزول المائدة تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا المائدة:114.

السّابع:بمعنى أهل العقوبة في النّار وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ الأعراف:39.

الثّامن:بمعنى المظلومين من بني إسرائيل فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما الإسراء:5.

التّاسع:في تشبيه سيّد المرسلين بالأنبياء و الرّسل الماضين كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ الأنبياء:5.

العاشر:بمعنى مجمع الخلائق في معسكر المآبر قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ الواقعة:49،50.

الحادي عشر:في خضوع سيّد المرسلين و خشوعه، و انقياده حال الصّلاة وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام:163.

الثّاني عشر:في الجمع بين صفتي الأوّليّة و الآخريّة للحقّ تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3.

و أمّا من طريق المعنى فإنّه يأتي على ستّة أوجه:إمّا على سبيل التّقريب،كالفعل و الفاعل.و إمّا على حكم التّرتيب،كالتّشبيه و الجسميّة.و إمّا من طريق التّركيب، كالفرد و البسيط مع المركّبات.و إمّا بحسب العقل، كالبديهيّات مع الاستدلاليّات.و إمّا بطريق الحسّ، كالضّروريّات مع القضايا.و إمّا على حكم المجاورة، كالدّنيا مع الآخرة.(بصائر ذوي التّمييز 2:86)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو«الرّجوع»،يقال:

طبخت النّبيذ أو الدّواء،فآل إلى الثّلث أو الرّبع،أي رجع.

و منه:التّأويل،أي المرجع و المصير،يقال:أوّل إليه الشّيء:أرجعه،و أوّل الكلام و تأوّله:فسّره.و آل الرّجل ماله يؤوله إيالة:أصلحه و ساسه،و آل رعيّته يؤولها:

أحسن سياستها.

و منه أيضا:الآل؛بمعنى الأهل و الأقربين،لأنّهم يؤولون إلى من ينتمون إليه بقرابة أو دين،و هو يؤول إليهم أيضا.و أصله:أوّل،فلمّا حرّكت الواو،و فتح ما قبلها،قلبت ألفا،ثمّ أدغمت في الهمزة،فصار«آل» مثل:آن.

و قيل:ليس عين«آل»واوا،بل هي همزة أو ألف مبدلة من هاء،فأصله:أهل،بدليل قولهم في تصغيره:

أهيل.

و لكنّنا نرى أنّ كلاّ منهما أصل بنفسه،و أنّ ما احتجّ به محجوج بما يلي:

أ-لعلّ لفظ«أهيل»هو تصغير«أهل»دون«آل»، لأنّهم قالوا في تصغير هذا الأخير:أويل،فلا يمكن البتّ بأن يكون لفظ«أهيل»تصغيرا لكليهما،رغم قول كثير منهم به.

ص: 281

ب-ما مثّلوا به من إبدال الهمزة من الهاء-على قول- لا يعدو أن يكون لغة لبعض القبائل،فمثلا تميم تقول:

هيهات،و الحجازيّون يقولون:أيهات.و أمّا إبدال الألف من الهاء-على قول آخر-فلا شاهد له في اللّغة.

ج-إنّ الألفاظ:هنر و أنر،و هيهات و أيهات،و ماه و ماء و غيرها،لا تفترق فيما بينها في المعنى،إلاّ أنّ«الآل» يستعمل استعمالا مغايرا عن«الأهل»،كما تقدّم في النّصوص،و قد اجتمعا في قول السّيّد الحميريّ المتوفّى سنة(173 ه)مادحا ذوي قربى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

و أنّهم خير من يمشي على قدم

و هم لأحمد أهل البيت و الآل

2-و الآل و الأهل واحد معنى،إلاّ أنّ الأوّل يفترق عن الثّاني بمعنى الشّرف و الرّفعة،و يفترق الثّاني عن الأوّل بالسّكن و الأنس،فإن قيل:آل فلان،فيراد به قرابته و أتباعه الّذين يركن إليهم،و يسمو بهم،و يسمون به،و تدخل الزّوجة في الآل أيضا.و إن قيل:أهل فلان، يعني زوجته و من يختصّ به و يأنس.و قد يدخل فيه القرابة و الأتباع أيضا.لاحظ«أهل».

3-و ليس«الأولى»-بمعنى الأحقّ و الأجدر-من هذه المادّة،فهو أفعل من«و ل ي»،و لا«الموئل»:الملجأ، فهو مفعل من«و أ ل»و كذا«الأيّل»،فهو من«أ ي ل»، أ لا ترى أنّ الواو لا تظهر حين الجمع على«أيايل» أو«أيائل»،كما ظهرت في«آونة»:جمع أوان،و«مآوز»:

جمع مأوزة،مثلا؟و الصّحيح أنّ لفظي«أيّل»و«أيائل» عينهما ياء،مثل:أيّم و أيائم،من«أ ي م».

و أمّا«ألى»بمعنى«الّذين»،فقد أردفه ابن سيدة بفصل(الهمزة و اللاّم و الياء)،و قال:ذكرته هنا،لأنّ سيبويه قال:«ألى»بمنزلة«هدى».

و كذا«أولو»و«ألات»و«ألاء»و«أولئك»،فهي من «أ ل و»على الأرجح،فلاحظ.

4-و قد أردف أرباب المعاجم الحديثة المفردات:ألو، و ألات،و ألاء،و هؤلاء،و أولئك،بمادّة(أول)رغم أنّ الرّعيل الأوّل و من تلاهم من اللّغويّين قد عدّوها من مادّة(أ ل و)أو(أ ل ي)؛إذ صرّح ابن جنّيّ بأنّ«ألاء» -اسم الإشارة-على وزن(فعال)،و جعل تصغيره «أليّئا»،و كذلك فعل الجوهريّ.

بيد أنّ المتأخّرين عاملوا الخطّ لهذه المفردات؛حيث تلقّوه من المتقدّمين الّذين أثبتوا«واوا»-في الخطّ دون اللّفظ-بين الهمزة و اللاّم فيها،عدا لفظ«هؤلاء»،و هذا ما نراه في رسم الخطّ القرآنيّ و في بعض المعاجم كالصّحاح مثلا،فتوهّموا أنّ عينها«واو»،كالأوب و الأود و الأول و الأون و غيرها.

و ممّا زاد الطّين بلّة هو وضع علامة السّكون على هذه«الواو»و عدم وضعها على واو«أولى»-مؤنّث «أوّل»-و أشباهه في بعض المصاحف المطبوعة في سوريا و مصر.و هذا أدّى إلى اضطراب من يتلوها؛إذ تلجئه إلى إشباع همزة«ألو»و أضرابه،و عدم إشباع همزة«أولى»، و هو خلاف المعهود.

5-أمّا«أوّل»ففيه خلاف شديد،و نحسب أنّ اللّغويّين،و النّحاة ما اختلفوا في لفظ كاختلافهم في هذا اللّفظ؛إذ أنّهم اختلفوا في حروفه الثّلاثة الأولى،و اتّفقوا -لحسن الحظّ-على حرفه الأخير.و يكمن هذا الخلاف

ص: 282

في تصاريف الأوزان التّالية لهذا اللّفظ:

أ-«أأول»على وزن أفعل من«أول»،بإدغام الهمزة الثّانية في الواو،لكثرة الاستعمال.

ب-«ووول»على وزن فوعل من«وول»،بقلب الواو الأولى همزة،ثمّ إدغام الواو الثّانية في الثّالثة.

ج-«أوول»على وزن أفعل من«وول»،بإدغام الواو الأولى في الثّانية.

د-«أوأل»على وزن أفعل من«و أ ل»،بقلب الهمزة الثّانية واوا،ثمّ إدغام الواوين معا.

6-و لكن يؤخذ على القول الأوّل إدغام الهمزة الثّانية في الواو،لمخالفته القياس،إلاّ أن يقال:تقلب الهمزة واوا،أو أن تعاد إلى أصلها،و هو الواو،ثمّ تدغم في الواو الّتي تليها.و هذا تمحّل على الفرض الأوّل،و أنّ أصل «أول»هو«وول»على الفرض الثّاني فيعود إلى القول الثّاني،و هو خلاف الفرض،و القياس أن تدغم الهمزتان معا،فيكون(آول)،و هذا لم يستعمل.

و يؤخذ على القول الثّاني كونه على وزن«فوعل»، و هو منصرف؛إذ لو كان كذلك،لم يمنعه من الصّرف مانع.

و كاد القول الثّالث يقترب من الصّواب،لو لا ما فاؤه و عينه حرف واحد قليل في اللّغة،و لم نعثر بعد الاستقصاء إلاّ على ثلاث مفردات،و هي:النّنّ:الشّعر الضّعيف،و الببّ:الغلام السّمين،و الدّدن:اللّهو و اللّعب.

و على هذا القول،فإنّ«أوّل»يمتاز عن هذه المفردات باعتلال فائه و عينه،و هذا ممّا يزيد هذا الرّأي بعدا و ضعفا،فيبقى في حيّز التّخمين.

أمّا القول الرّابع:فهو قول حسن،لأنّه يوافق القياس و السّماع،فلا يحتاج إلى تقدير،و فعله:وأل يئل، أي سبق،و الأوّل:السّابق،و جمعه:أوائل،مثل:أوهد و أواهد.و أوالي،مقلوب أوائل،و كذا أوّلون،و أول،مثل:

أخر،و ألى،مقلوب أول و أوّل،مثل:صيّم و نيّم.

و تأنيث أوّل:أولى،مثل:آخر و أخرى،فهو«فعلى» من«وأل»،بقلب الواو همزة،و الهمزة-و هي عين الكلمة-واوا.

7-و قد تمخّضت تلك الأقوال الأربعة في أصل «أوّل»بقولين،أدّيا إلى توزّع المعاجم العربيّة بينهما:

أ-«أول»:و إليه ذهب سيبويه و ابن فارس و الفيّوميّ و غيرهم،و من المعاصرين صاحب كتاب «متن اللّغة»الشّيخ أحمد رضا،عضو مجمع اللّغة العربيّة في دمشق،و صاحب«المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم»،و صاحب«المنجد»و غيرهم.

ب-«وأل»:و به قال الجوهريّ،و من سار على نهجه كالرّازيّ،صاحب«مختار الصّحاح»، و الفيروزآباديّ في«القاموس المحيط»،و الزّبيديّ صاحب«تاج العروس»،و ممّن قال بذلك أيضا ابن منظور،صاحب الموسوعة اللّغويّة الكبرى«لسان العرب».و من المعاصرين مؤلّفو«المعجم الوسيط»،و هو من مطبوعات«مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة»، و صاحب«معجم الأغلاط اللّغويّة المعاصرة»محمّد العدنانيّ،عضو«مجمع اللّغة العربيّة»في عمّان.

و لو اقتصر هذا الانقسام بين المعاجم على مدرستي البصرة و الكوفة،أو مجمع اللّغة السّوريّ و المصريّ،لهان الأمر،لأنّه أمر تقليديّ،و لكنّ الانقسام سرى في

ص: 283

الجماعة الواحدة،فأحدث شرخا في أثلتها،و فتقا في وصلتها،فقد أصدر مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة-قبل أربعين عاما تقريبا-كتابا في علوم القرآن،سمّاه«معجم ألفاظ القرآن»،و بعد مدّة أصدر معجمه الثّاني في اللّغة، أطلق عليه اسم«المعجم الوسيط»،و أردفه بمعجمه الثّالث«المعجم الكبير»في اللّغة أيضا،ثمّ ختم هذه السّلسلة من المعاجم ب«المعجم الوجيز».و قد عدّ«أوّل» من«أوّل»في المعجم الأوّل،و من«وأل»في المعجم الثّاني،و من«أول»في الثّالث،كما بدأ أوّل مرّة،ثمّ من «وأل»في الرّابع،كما في الثّاني.

و هذا التّردّد في«أوّل»-و ربّما في ألفاظ أخرى- مردّه إلى تعاقب المؤلّفين في تصنيف كلّ معجم من معاجم المجمع الأربعة.فأقدمت الجماعة اللاّحقة على نسخ ما قرّرته الجماعة السّابقة،دون تقديم مبرّر لذلك،رغم أنّ الدّكتور إبراهيم مذكور كان أمينا للمجمع المذكور حين إصدار المعجمين:الثّاني و الثّالث.

و لا ينكر أنّ المجامع و المؤسّسات تنهض بطاقات أفرادها،بيد أنّ ذلك لا يعني أنّ كلّ عامل فيها يسير على شاكلته،و يتبنّى آراء تنقض ما تراه مؤسّسته،و إلاّ يتمخّض المجمع،فيلد مجامع،فتعمّ الفوضى،و تتبعثر الجهود.

ألا و أنّ«قسم القرآن»في مجمع البحوث الإسلاميّة، يضارع المجامع اللّغويّة في الأقطار العربيّة،و يشرف عليه أستاذ فقيه،و عالم وجيه،مضطلع باللّغة و التّفسير و الحديث و سائر علوم الشّريعة؛فللّه درّه و عليه أجره و أجر العاملين،في هذا السّفر العظيم.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

يقع البحث هنا في محاور:

المحور الأوّل:

التّأويل:جاء(17)مرّة،في هذه المواضيع:

أ-الأحاديث:1- وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:6

2- وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:21

3- وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ

يوسف:101

ب-الأحلام و الرّؤى:4- وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يوسف:44

5- وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ

يوسف:100

6- نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

يوسف:36

7- قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما يوسف:37

8- أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يوسف:45

ج-فعل مبهم:9- سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً الكهف:78

10- ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً

الكهف:82

د-إيفاء الكيل:11- وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً الإسراء:35

ص: 284

ه-الرّدّ إلى الكتاب و السّنّة:12- فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً النّساء:59

و-تفسير المتشابه من الكتاب:13 و 14- فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ آل عمران:7

ز-تأويل الكتاب:15 و 16- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ الأعراف:53

17- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يونس:39

يلاحظ أوّلا:أنّ«التّأويل»جاء في القرآن(17) مرّة،في ثلاث صور:تأويل(7)مرّات،و تأويلا(مرّتين)، و تأويله(8)مرّات،بنفس المعنى اللّغويّ،أي من الأوّل بمعنى الرّجوع إلى غاية.إلاّ أنّه جاء تارة بالمعنى المصدريّ،أي عمليّة أول الشّيء إلى منتهاه،كما هو الظّاهر في الآية(13): ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً، حيث رجع(ذلك)إلى الرّدّ إلى اللّه و الرّسول،و هو بمعنى أنّ ردّ ما تنازعتم فيه إلى اللّه و الرّسول عمل خير، و تأويل أحسن.

و لك أن تقول:إنّ«التّأويل»في هذه الآية بمعنى العاقبة أيضا،كما في نظيرتها الواردة بشأن الكيل: ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً.

و جاء تارة أخرى بمعنى اسم المفعول،أي العاقبة و ما يؤول إليه الشّيء،كما هو الظّاهر في سائر الآيات، حسب ما فسّرها المفسّرون.و كذلك في آية سورة النّساء،قال الطّوسيّ:«التّأويل هو المنتهى الّذي يؤول إليه المعنى»،و قال الفخر الرّازيّ:«و أصله في اللّغة:

الموضع و المصير»،فلاحظ النّصوص.

و ثانيا:جاء ثمان من المجموع في سورة يوسف:خمسة منها بشأن رؤيا يوسف،و رؤيا الملك،و رؤيا صاحبي يوسف في السّجن،و ثلاث منها في تعليم اللّه يوسف تأويل الأحاديث.و المراد بها تأويل الرّؤيا أيضا،كما جاء في كثير من النّصوص التّفسيريّة،مع احتمال شمولها غير الرّؤيا من أحاديث كتب الأنبياء،قال الزّمخشريّ:

«الأحاديث:الرّؤيا،لأنّ الرّؤيا إمّا حديث نفس أو ملك أو شيطان،و تأويلها:عبارتها و تفسيرها،و كان يوسف أعبر النّاس للرّؤيا،و أصحّهم عبارة لها.و يجوز أن يراد بتأويل الأحاديث معاني كتب اللّه و سنن الأنبياء،و ما غمض و اشتبه على النّاس من أغراضها و مقاصدها، و يشرحها و يدلّهم على مودعات حكمها».

و عندنا أنّ الأوّل هو أولى و ألصق بسياق الآيات، فإنّ تعبير الرّؤيا كان معجزة ليوسف،علّمه اللّه إيّاها، دون تفسير كتب الأنبياء.و عليه فسورة يوسف هي سورة الرّؤيا و الأحاديث،كما هي أحسن القصص.

و ثالثا:جاء«التّأويل»مرّتين في(9)و(10)بشأن تأويل ما غمض على موسى من أعمال الخضر عليه السّلام، و مرّة في(11)بشأن إيفاء الكيل،و أنّه خير عاقبة و أحسن تأويلا،و مرّة في(12)بشأن ردّ ما تنازع المسلمون فيه إلى اللّه و الرّسول،و مرّتين في(13)و(14)

ص: 285

بشأن تأويل المتشابه من آيات الكتاب،و سنتناوله بالبحث لا حقا.و ثلاث مرّات في(15)و(16)و(17) في ما يؤول إليه أمر الكتاب،و المراد به-حسب السّياق، و اتّباعا للنّصوص-الدّار الآخرة.

و رابعا:قد تبيّن أنّ الآيات ليست على نسق واحد مصداقا بشأن التّأويل،إلاّ أنّه يجمعها-مفهوما-أمر واحد،أي المعنى اللّغويّ،و هو عاقبة الشّيء،و لا سيّما عاقبة ما غمض من الرّؤيا و الأحاديث،و الأعمال من الكتاب و الآيات،و لا سيّما المتشابه من الآيات.

و خامسا:لقد طال البحث في تأويل المتشابه من جهات:

1-ما هي المتشابهات و المحكمات؟

2-هل يختصّ علم تأويل المتشابهات باللّه-على الوقف ب (إِلاَّ اللّهُ) في الآية-أو يسري إلى الرّاسخين في العلم،على أن يكون (الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) عطفا على لفظ (اللّه)؟

3-من هم الرّاسخون في العلم؟هل هم الأئمّة من آل البيت النّبويّ عليهم صلوات اللّه،كما تقول به الشّيعة، أو يعمّ غيرهم من الدّارسين في علم القرآن؟

4-هل تأويل الكتاب شيء غير تأويل المتشابهات،أو هما بمعنى واحد؟

5-ما معنى إرجاع المتشابه إلى المحكم؟و ما هي كيفيّته؟

هذه هي الأبحاث الأصليّة،و هناك أبحاث فرعيّة، مثل:ما هو سرّ وجود المتشابه في القرآن،مع أنّه أنزل بلسان عربيّ مبين،و فيه تفصيل لكلّ شيء؟و هل المتشابه خاصّ بما لا تفهم حقيقته،مثل الحروف المقطّعة، أو صفات اللّه و الدّار الآخرة؟و عليه فلا طريق لنا إلى فهم المتشابه.أو يعمّ ما هو قابل للفهم للخاصّة،و لا يفهمه العامّة،و أنّ المتشابه و المحكم أمران نسبيّان،فربّ آية تكون متشابهة لجيل،و محكمة لجيل آخر،مثل الآيات الّتي ترجع إلى علم من العلوم الّتي اكتشف معناها بعد تقدّم العلم،و هي كثيرة في القرآن،و يدور حولها الإعجاز العلميّ للقرآن الكريم الّذي أضيف إلى وجوه الإعجاز في العصر الحاضر.إلى غيرها من الأبحاث،و لا نريد أن نخوض فيها هنا،بل نعوّل على ما جاء في النّصوص التّفسيريّة،و لا سيّما في تفسير«المنار و الميزان».و إن عنّ بفكرنا شيء من ذلك،فسنورده في محلّه،لاحظ«ح ك م»و«ش ب ه».

المحور الثّاني:
اشارة

الآل:جاء(26)مرّة (1)في المواضيع:

1-الزّوجة و العيال:

أ-آل لوط: إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ الحجر:59،60

فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ* قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ الحجر:61،62

أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ النّمل:56

إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ القمر:34

2-العشيرة و الأقرباء و الذّرّيّة:

ص: 286


1- في المعجم المفهرس:25 مرّة بإسقاط آية القصص.

أ-آل إبراهيم و آل عمران: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ آل عمران:33.

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54.

ب-آل يعقوب: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ يوسف:6

يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ مريم:6

ج-آل موسى و هارون: وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248

د-آل داود: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً سبأ:13

3-الأتباع و الأنصار:

آل فرعون: وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ البقرة:49

فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

آل عمران:11 و الأنفال:52 و 54

وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ الأعراف:130

وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ الأعراف:141

وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ الأنفال:54

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ إبراهيم:6

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً

القصص:8

وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ

المؤمن:28

وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ المؤمن:45

وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46

وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ القمر:41

و يلاحظ أوّلا:قد جاء في القرآن«آل»لستّة من الأنبياء:إبراهيم و هود و يعقوب و موسى و هارون و داود دون غيرهم،و قد ألحق بهم عمران،و هو والد مريم على الأصحّ،فهذا يعدّ مزيّة لهم لا يعلم سرّها بالضّبط سوى قربهم عند اللّه و أنّ الأنبياء من ذرّيّتهم.

و كثرة ذرّيّة إبراهيم و يعقوب أو شيء من هذا القبيل.

و ثانيا:أنّ زوجة لوط قد أخرجت من آله،و هذا دليل على أنّ الزّوجة تعدّ من«الآل».و كذا قوله:

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لأنّه قال في الآية التّالية:

وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ القصص:9،فجعل الزّوجة من«الآل».

و ثالثا:أنّ نظير«الآل»في القرآن هو«الأهل»،فمن المعنى الأوّل-أي الزّوجة و العيال-قوله: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ الأعراف:83.

و من المعنى الثّاني-أي العشيرة و الأقرباء-قوله:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35.

و رابعا:أنّه دخل الأتباع و الأنصار في(آل فرعون)، و خرجت الزّوجة من(آل لوط)،إلاّ أنّه لم يدخل في «الأهل»أحد من الأتباع و الأنصار،بل خرج منه ابن نوح: وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ

ص: 287

مِنْ أَهْلِكَ هود:45،46،و امرأة لوط: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ النّمل:57.

و هذا يؤيّد رأي من يقول:آل فلان:يعني من يؤول إليه بقرابة أو دين،فآل فرعون من آل إليه متّبعا طريقته؛ و امرأة لوط آلت إلى قومها متّبعة نهجهم.و يعضد أيضا من يقول:بأنّ«الأهل»يختصّ بذوي قربى الرّجل،و لذا قال نوح: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فردّ عليه الرّبّ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.

أمّا في الإسلام،فقد دخل في الأهل من الأتباع سلمان الفارسيّ،و خرج من الآل من القرابة أبو لهب الهاشميّ،و لنعم ما قال الشّاعر:

فقد رفع الإسلام سلمان فارس

و قد وضع الشّرك الشّريف أبا لهب

المحور الثّالث:الأوّل و الأولى،على قول من يعدّ «أوّل»من«أول».

الأوّل:جاء مفردا(24)مرّة:(22)مرّة مضافا، و مرّتين معرّفا باللاّم في المواضيع:

أ-الكفر بالتّوراة: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ

البقرة:41

ب-البيت الحرام: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً آل عمران:96

ج-الإسلام: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ الأنعام:14

وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام:163

وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ الزّمر:12

د-المرّة: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الأنعام:94

وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الأنعام:110

وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

التّوبة:13

إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ التّوبة:83

وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ

الإسراء:7

فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الإسراء:51

لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

الكهف:48

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يس:79

وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فصّلت:21

ه-الإيمان: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ

الأعراف:143

إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:51

و-اليوم: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ التّوبة:108

ز-الإلقاء: قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى طه:65

ح-الخلق: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ

الأنبياء:104

أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ق:15

ص: 288

ط-العبادة: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخرف:81

ي-اللّه: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3

ك-الحشر: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ الحشر:2

ل-عيسى و أنصاره: تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا المائدة:114

و جاء«الأوّل»جمعا(38)مرّة،معرّفا باللاّم،وصفا أو مضافا إليه في المواضيع:

أ-المهاجرون و الأنصار: وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ التّوبة:100

ب-الأمم السّالفة: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الإسراء:59

بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ المؤمنون:81

أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ* أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ

الصّافات:16،17 و الواقعة:47،48

فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ الأنفال:38

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ

الحجر:10

وَ قَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ الحجر:13

قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ النّحل:24

إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ الكهف:55

ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ المؤمنون:24

أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ

المؤمنون:68

وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها الفرقان:5

قالَ رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:26

إِنْ هذا إِلاّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:137

وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ

الشّعراء:184

وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ القصص:36

فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فاطر:43

وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ الصّافّات:71

اَللّهَ رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

الصّافّات:126

لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ

الصّافّات:168

وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ الزّخرف:6

وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ الزّخرف:8

رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الدّخان:8

فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

الأحقاف:17

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ الواقعة:13،39

قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الواقعة:49،50

إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

القلم:15 و المطفّفين:13

أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ المرسلات:16

هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ

المرسلات:38

ج-الأنبياء السّابقون: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ الأنبياء:5

وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:196

ص: 289

الأولى:جاءت(20)مرّة وصفا دون إضافة، و عددا مع الإضافة في المواضيع:

أ-السّيرة: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى طه:21

ب-القرون: قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى

طه:51

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى القصص:43

ج-الصّحف: أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى طه:133

إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى الأعلى:18

د-الدّنيا: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ القصص:70

فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى النّجم:25

فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى

النّازعات:25

وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى الليل:13

وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى الضّحى:4

ه-الجاهليّة: وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى

الأحزاب:33

و-الموتة: أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى الصّافّات:58،59

إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى الدّخان:35

لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى

الدّخان:56

ز-عاد: وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى النّجم:50

ح-النّذر: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى

النّجم:56

ط-النّشأة: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى

الواقعة:62

ي-قادة الكافرين: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا الأعراف:38

وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ الأعراف:39

ك-المرّة من الإفساد: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا الإسراء:5

يلاحظ أوّلا:أنّ«الأوّل»استعمل في القرآن بمعنى «السّابق»،فكلّ أوّل فيه سابق،و ليس كلّ سابق فيه أوّل.

فإن قيل:ما معنى(الاوّلون)في قوله تعالى:

وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ؟

نقول:له ثلاثة وجوه:

الأوّل:بمعنى«السّابقين»،فهو نظير قوله:

وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ الواقعة:10.

الثّاني:بمعنى«الأسبقين».

فإن قيل:هلاّ قال:«و السّابقون الأسبقون»فيذكره من لفظه،دون أن يستعير معناه من لفظ آخر؟

نقول:إنّ استعمال أفعل التّفضيل من«سبق»نادر في اللّغة،إذ لم نعثر على أثر لغويّ يعتدّ به،و ربّما جاء في الأثر و الشّعر.

الثّالث:و هو الأقرب،أنّ«السّابقين»كانوا ضعفين:

ضعف:السّابقون الأوّلون،و ضعف:السّابقون بعد الأوّلين،و هكذا كان المهاجرون و الأنصار.

ثانيا:إنّ الأوّل و الأوّلين و الأولى طباق للآخر

ص: 290

و الآخرين و الأخرى،في الآيات التّالية:

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3

تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا المائدة:114

قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الواقعة:49،50

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ

الواقعة:13،14

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ

الواقعة:39،40

وَ هُوَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ القصص:70

فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى النّجم:25

فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى

النّازعات:25

وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى الليل:13

وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى الضّحى:4

قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا

الأعراف:38

وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ الأعراف:39

ص: 291

ص: 292

أ و ن

اشارة

الآن

لفظ واحد،8 مرّات:4 مكّيّة،4 مدنيّة

في 6 سور:3 مكّيّة،3 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأونان:جانبا الخرج،يقال:خرج ذو أونين.و الأونان:العدلان،و الأوانان أيضا.

و يقال للأتان إذا أقربت و عظم بطنها:قد أوّنت تأوينا.

و إذا أكلت و شربت و انتفخت خاصرتاك فقد أوّنت تأوينا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأوان:الحين و الزّمان،تقول:جاء أوان البرد.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع الأوان:آونة.

و الآن:بمنزلة السّاعة،إلاّ أنّ السّاعة جزء مؤقّت من أجزاء اللّيل و النّهار.و أمّا الآن فإنّه يلزم السّاعة الّتي يكون فيها الكلام و الأمور،ريثما يبتدئ و يسكت.

و العرب تنصبه في الجرّ و النّصب و الرّفع،لأنّه لا يتمكّن في التّصريف،فلا يثنّى و لا يثلّث و لا يصغّر و لا يصرف،و لا يضاف إليه شيء.(8:403)

الآن:مبنيّ على الفتح،تقول:نحن من الآن نصير إليك،فنفتح«الآن»لأنّ الألف و اللاّم إنّما يدخلان لعهد و«الآن»لم تعهده قبل هذا الوقت؛فدخلت الألف و اللام للإشارة إلى الوقت،و المعنى نحن من هذا الوقت نفعل.

فلمّا تضمّنت معنى هذا وجب أن تكون موقوفة؛ ففتحت لالتقاء السّاكنين،و هما الألف و النّون.

(الأزهريّ 15:547)

اللّيث: الإوان:شبه أزج غير مسدود الوجه.

و الإيوان:لغة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جماعة الإوان:أون،مثل خوان و خون.و جماعة

ص: 293

الإيوان:أواوين و إيوانات.و جماعة إيوان اللّجام:

إيوانات.

و كلّ شيء عمدت به شيئا فهو إوان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:545)

سيبويه: أوان و أوانات،جمعوه بالتّاء حين لم يكسّر.هذا على شهرة آونة،و قد آن يئين،هو فعل يفعل،يحمله على الأوان.(ابن منظور 13:40)

أرى قولهم:اضرب أيّهم أفضل،على أنّهم جعلوا هذه الضّمّة،بمنزلة الفتحة في خمسة عشر،و بمنزلة الفتحة في«الآن»حين قالوا:من الآن إلى غد،ففعلوا ذلك ب«أيّهم»حين جاء مجيئا لم تجئ أخواته عليه إلاّ قليلا، و استعمل استعمالا لم تستعمله أخواته إلاّ ضعيفا.

(الكتاب 2:400)

جعلوا«الآن»كأين،و ليس مثله في كلّ شيء، و لكنّه يضارعه في أنّه ظرف.(الكتاب 3:299)

الكسائيّ: قال أبو جامع:هذا إوان ذاك،و الكلام الفتح:أوان.(ابن منظور 13:40)

ابن شميّل: هذا أوان الآن تعلم،و ما جئت إلاّ أوان الآن،أي ما جئت إلاّ الآن،بنصب«الآن»فيهما.

(الأزهريّ 15:548)

الآن آنك إن فعلت.(أساس البلاغة:12)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أتيته آئنة بعد آئنة،بمعنى آونة.(الأزهريّ 15:546)

الفرّاء: الآن:حرف بني على الألف و اللاّم لم تخلع منه،و ترك على مذهب الصّفة،لأنّه صفة في المعنى و اللّفظ،كما رأيتهم فعلوا في«الّذي»و«الّذين»فتركوهما على مذهب الأداة،و الألف لهما غير مفارقتين.و مثله قول الشّاعر:

فإنّ الألاء يعلمونك منهم

كعلمي فظنّوك ما دمت أشعرا

فأدخل الألف و اللاّم على«ألاء»ثمّ تركها مخفوضة في موضع النّصب،كما كانت قبل أن تدخلها الألف و اللاّم.و مثله قوله:

و أنّي حبست اليوم و الأمس قبله

ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب

فأدخل الألف و اللاّم على«أمس»ثمّ تركه مخفوضا على جهته الأولى.[ثمّ استشهد بشعر]فمثل«الآن»بأنّها كانت منصوبة قبل أن تدخل عليها الألف و اللاّم،ثمّ أدخلتهما فلم يغيّراها.

و أصل الآن إنّما كان«أوان»حذفت منها الألف و غيّرت واوها إلى الألف،كما قالوا في الرّاح:الرّياح.[ثمّ استشهد بشعر]

فجعل الرّياح و الأوان على جهة«فعل»و مرّة على جهة«فعال»،كما قالوا:زمن و زمان.

و إن شئت جعلت«الآن»أصلها من قولك:آن لك أن تفعل،أدخلت عليها الألف و اللاّم،ثمّ تركتها على مذهب«فعل»فأتاها النّصب،من نصب«فعل».و هو وجه جيّد،كما قالوا:نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قيل و قال و كثرة السّؤال،فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان.و لو خفضتا على أنّهما أخرجتا من نيّة الفعل كان صوابا.

سمعت العرب تقول:من شبّ إلى دبّ بالفتح،و من شبّ إلى دبّ،يقول:مذ كان صغيرا إلى أن دبّ،و هو «فعل».

ص: 294

(1:467)

أصل الآن«الأوان»فحذفت الواو.و الألف و اللاّم دخلتا في«آن»لأنّهما ينوبان عن الإشارة.

(الطّوسيّ 1:300)

هو في الأصل«أوان»و هو اسم لحدّ الزّمانين الّذي أنت فيه،منصوب على كلّ حال.(الهرويّ 1:108)

أبو زيد: العرب تقول:مررت بزيد الآن،تنقل اللاّم و تكسر الدّال،و تدغم التّنوين في اللاّم.

(الأزهريّ 15:549)

أنت أءون أونا،و هي الرّفاهيّة و الدّعة.و هو رجل آئن مثل قاعد،أي وادع.(الأزهريّ 15:544)

الأصمعيّ: يقال:للعدلين يعكمان:الأونان.

(الأزهريّ 15:545)

و امش على الأون و هو الرّويد من المشي.

(أساس البلاغة:12)

الأمويّ: و في حديث ابن عمر:اذهب بهذه تلآن معك.«تلآن»،و هي لغة معروفة،يزيدون التّاء في «الآن»و في«حين»و يحذفون الهمزة الأولى،فيقال:

«تلآن»و«تحين».(الأزهريّ 15:549)

ابن الأعرابيّ: آن يئون أونا،إذا استراح.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:544)

شرب حتّى أوّن،و حتّى عدّن،و حتّى كأنّه طراف.

قال رؤبة:

*سرّا و قد أوّن تأوين العقق*

وصف أتنا وردت الماء فشربت حتّى امتلأت خواصرها،فصار الماء مثل الأونين إذا عدلا على الدّابّة.

التّأوّن:امتلاء البطن.

و التّوأن:ضعف البدن و الرّأي،أيّ ذلك كان.

(الأزهريّ 15:545)

ابن السّكّيت: يقال:للدّابّة إذا شرب فصار بطنه مثل العدلين:قد أوّن تأوينا حسنا.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:414)

يقال:فلان يصنع ذلك الأمر آونة،إذا كان يصنعه و يدعه مرارا.(إصلاح المنطق:427)

بيننا و بين مكّة عشر ليال آئنات،أي وادعات.(الأزهريّ 15:545)

أوّنوا في سيركم،أي اقتصدوا،من«الأون»و هو الرّفق،و قد أوّنت،أي اقتصدت.(ابن منظور 13:39)

كراع النّمل:الأوان:السّلاحف،و لم أسمع لها بواحد.(ابن منظور 13:40)

ابن السّرّاج: ليس هو آن و آن حتّى يدخل عليه الألف و اللاّم للتّعريف،بل وضع مع الألف و اللاّم للوقت الحاضر،مثل الثّريّا و الّذي،و نحو ذلك.

(الفيّوميّ 1:31)

ابن دريد: و الأوانان:العدلان،الواحد أون.

و شرب حتّى أوّن،إذا انتفخ جنباه.و الأون:الرّفق في السّير.

و أوان الشّيء:حينه.و فعلت الشّيء آونة،أي في كلّ حين.(1:191)

ابن الأنباريّ: و أصله«الأوان»فأسقطت الألف الّتي بعد الواو و جعلت الواو ألفا،لانفتاح ما قبلها.

ص: 295

و قيل:أصله:آن لك أن تفعل،فسمّي الوقت بالفعل الماضي،و ترك آخره على الفتح.(الأزهريّ 15:548)

الأزهريّ: أن على نفسك،أي ارفق بها في السّير.

و تقول له أيضا إذا طاش:أن على نفسك أي اتّدع.

و يقال:أوّن على قدرك،أي اتّئد على نحوك،و قد أوّن تأوينا.(15:544)

و قد أوّنت،أي اقتصدت.

و يقال:ربع آئن خير من عبّ حصحاص.

(15:545)

الفارسيّ: إنّما بني«الآن»لتضمّنه معنى الحرف، و هو تضمّن معنى التّعريف،لأنّ التّعريف حكمه أن يكون بحرف و ليس تعرّفه بما فيه من الألف و اللاّم،لأنّه لو كان كذلك للزم أن يكون قبل دخول اللاّم عليه نكرة كرجل و الرّجل.

و كذلك«الّذي»فإنّ فيه الألف و اللاّم،و ليس تعرّف الاسم بهما إنّما تعرّفه بغيرهما،و هو كونه موصولا مخصوصا.و لو كان تعرّفه باللاّم لوجب أن يكون سائر الموصولات المعرّفة بالصّلات،نحو«من و ما»غير متعرّفة.و يقوّي زيادة اللاّم ما رواه المبرّد عن المازنيّ، فكما أنّ اللاّم في«الّذي»زائدة،كذلك في«الآن» زائدة.(الطّبرسيّ 1:134)

ابن جنّيّ: الّذي يدلّ على أنّ اللاّم في«الآن»زائدة أنّها لا تخلو من أن تكون للتّعريف كما يظنّ مخالفنا،أو تكون زائدة لغير التّعريف كما نقول نحن.

فالّذي يدلّ على أنّها لغير التّعريف أنّا اعتبرنا جميع ما لامه للتّعريف،فإذا إسقاط لامه جائز فيه،و ذلك نحو رجل و الرّجل و غلام و الغلام،و لم يقولوا:افعله آن،كما قالوا:افعله الآن،فدلّ هذا على أنّ اللاّم فيه ليست للتّعريف بل هي زائدة كما يزاد غيرها من الحروف.

فإذا ثبت أنّها زائدة فقد وجب النّظر فيما يعرّف به «الآن»فلن يخلو من أحد وجوه التّعريف الخمسة:إمّا لأنّه من الأسماء المضمرة،أو من الأسماء الأعلام،أو من الأسماء المبهمة،أو من الأسماء المضافة،أو من الأسماء المعرّفة باللاّم.

فمحال أن تكون من الأسماء المضمرة،لأنّها معروفة محدودة و ليست«الآن»كذلك،و محال أن تكون من الأسماء الأعلام،لأنّ تلك تخصّ الواحد بعينه،و«الآن» تقع على كلّ وقت حاضر لا يخصّ بعض ذلك دون بعض،و لم يقل أحد:إنّ«الآن»من الأسماء الأعلام.

و محال أيضا أن تكون من أسماء الإشارة،لأنّ جميع أسماء الإشارة لا تجد في واحد منها لام التّعريف،و ذلك نحو هذا و هذه و ذلك و تلك و هؤلاء،و ما أشبه ذلك.

فقد بطل بما ذكرنا أن يكون«الآن»من الأسماء المشار بها،و محال أيضا أن تكون من الأسماء المتعرّفة بالإضافة لأنّنا لا نشاهد بعده اسما هو مضاف إليه.

فإذا بطلت و استحالت الأوجه الأربعة المقدّم ذكرها،لم يبق إلاّ أن يكون معرّفا باللاّم،نحو الرّجل و الغلام.و قد دلّت الدّلالة على أنّ«الآن»ليس معرّفا باللاّم الظّاهرة الّتي فيه،لأنّه لو كان معرّفا بها لجاز سقوطها منه،فلزوم هذه اللاّم ل«الآن»دليل على أنّها ليست للتّعريف،و إذا كان معرّفا باللاّم لا محالة،و استحال أن تكون اللاّم فيه هي الّتي عرّفته،وجب أن يكون

ص: 296

معرّفا بلام أخرى غير هذه الظّاهرة الّتي فيه،بمنزلة «أمس»في أنّه تعرّف بلام مرادة.و القول فيهما واحد، و لذلك بنيا لتضمّنهما معنى حرف التّعريف.و هذا رأي أبي عليّ،و عنه أخذته،و هو الصّواب.

قال سيبويه: و قالوا:الآن آنك،كذا قرأناه في كتاب سيبويه بنصب«الآن»و رفع«آنك»،و كذا:الآن حدّ الزّمانين،هكذا قرأناه أيضا بالنّصب.

فاللاّم في قولهم:الآن حدّ الزّمانين،بمنزلتها في قولك:الرّجل أفضل من المرأة،أي هذا الجنس أفضل من هذا الجنس،فكذلك«الآن»،إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل في قولهم:كنت الآن عنده،فهذا معنى كنت في هذا الوقت الحاضر بعضه و قد تصرّمت أجزاء منه عنده، و بنيت«الآن»لتضمّنها معنى الحرف.

(ابن منظور 13:41)

الجوهريّ: الأون:الدّعة و السّكينة و الرّفق،تقول منه:أنت أءون أونا،و رجل آئن،أي رافه وادع.

و الأون أيضا:المشي الرّويد،و هو مبدل من الهون.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أن على نفسك،أي ارفق في السّير و اتّدع.

و بيننا و بين مكّة ثلاث ليال أوائن،أي روافه، و عشر ليال آئنات،أي وادعات.

و الأون:أحد جانبي الخرج،تقول:خرج ذو أونين، و هما كالعدلين.و الأون:العدل.

و منه قولهم:أوّن الحمار،إذا أكل و شرب و امتلأ بطنه و امتدّت خاصرتاه،فصار مثل الأون.

و الأوان:الحين،و الجمع:آونة.مثل زمان و أزمنة.

و الإوان و الإيوان:الصّفّة العظيمة كالأزج،و منه إيوان كسرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع الإوان:أون،مثل خوان و خون.و جمع الإيوان:إيوانات و أواوين،مثل ديوان و دواوين،لأنّ أصله«إوّان»فأبدلت من إحدى الواوين ياء.

(5:2075)

الآن:اسم للوقت الّذي أنت فيه،و هو ظرف غير متمكّن،وقع معرفة،و لم تدخل عليه الألف و اللاّم للتّعريف،لأنّه ليس له ما يشركه،و ربّما فتحوا اللاّم و حذفوا الهمزتين.(5:2076)

مثله النّيسابوريّ.(1:343)

ابن فارس: الهمزة و الواو و النّون كلمة واحدة تدلّ على الرّفق.يقال:آن يئون أونا،إذا رفق.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للمسافر:أن على نفسك:اتّدع.و أنت أءون أونا،و رجل آئن.(1:162)

القيسيّ: الآن:ظرف زمان للّذي أنت فيه،و هو مبنيّ لمخالفته سائر ما فيه الألف و اللاّم،إذ دخلتا فيه لغير عهد و لا لجنس.

و قيل:إنّ أصل آن«أوان»ثمّ أبدلوا من الواو ألفا، و حذفت إحدى الألفين لالتقاء السّاكنين.(1:54)

ابن سيدة:الأون:الرّويد من المشي و السّير،آن يئون أونا،و أوّن:تمهّل.(الإفصاح 1:23)

و جماعة إيوان اللّجام:إيوانات.و الإيوان:من أعمدة الخباء.و كلّ شيء عمدت به شيئا فهو إوان له.

(ابن منظور 13:40)

ص: 297

الطّوسيّ: الآن:مبنيّ مع الألف و اللاّم لأنّه خرج عن التّمكّن بشبه الحرف،لأنّه ينكّر تارة و يعرّف أخرى،فاستبهم استبهام الحروف،بأنّه للفصل بين الزّمانين،على انتقال معناه إلى الّذي يليه من الوقت،كما ينتقل«أمس».فالأمس و الغد و الآن نظائر،و أحكامها مختلفة لعلل لزمتها.(5:181)

الآن:مبنيّ على الفتح،لأنّ تعريفه كتعريف الحرف في الانتقال من معنى إلى معنى،و معناه عند سيبويه:أ نحن من هذا الوقت نفعل كذا،و فتحت لالتقاء السّاكنين.

(5:449)

الرّاغب: و الآن:كلّ زمان مقدّر بين زمانين ماض و مستقبل،نحو:أنا الآن أفعل كذا.و خصّ«الآن»بالألف و اللاّم المعرّف بهما،و لزماه.و افعل كذا آونة،أي وقتا بعد وقت،و هو من قولهم:الآن.و قولهم:هذا أوان ذلك،أي زمانه المختصّ به و بفعله.(32)

الزّمخشريّ: هو يفعل ذلك آونة بعد آونة،و أنا آنيه آونة بعد آونة،و امش على الأون،و هو الرّويد من المشي.

و أن على نفسك أي ارفق.

و عن بعض العرب:أونوا في سيركم شيئا.و يقال:

على رسلك و أونك و هونك.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيننا و بين مكّة ثلاث ليال أوائن و آئنات.و كان في إيوان كسرى.و الإيوان و الإوان:بيت مؤزّج غير مسدود الوجه.و كلّ سناد لشيء فهو إوان له.

(أساس البلاغة:12)

ابن برّيّ: الأوان:عمود من أعمدة الخباء.و قيل:

الأوانان:اللّجامان.و قيل:أنا آن مملوءان على الرّحل.(الزّبيديّ 9:132)

قوله[الجوهريّ و قد تقدّم]حذفوا الهمزتين:يعني الهمزة الّتي بعد اللاّم نقل حركتها على اللاّم و حذفها،و لمّا تحرّكت اللاّم سقطت همزة الوصل الدّاخلة على اللاّم.(ابن منظور 13:42)

ابن الأثير: فيه:«مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم برجل يحتلب شاة آونة،فقال:دع داعي اللّبن».يقال:فلان يصنع ذلك الأمر آونة،إذا كان يصنعه مرارا و يدعه مرارا،يعني أنّه يحتلبها مرّة بعد أخرى.

و داعي اللّبن:هو ما يتركه الحالب منه في الضّرع و لا يستقصيه،ليجتمع اللّبن في الضّرع إليه.

و قيل:إنّ آونة جمع«أوان»و هو الحين و الزّمان، و منه الحديث:«هذا أوان قطعت أبهري (1)».(1:81)

الصّغانيّ: الأون:الرّفق و الدّعة و التّعب و المئونة.(الأضداد:223)

ابن مالك: «الآن»لوقت حضر جميعه،كوقت فعل الإنشاء حال النّطق به أو بعضه،نحو اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ الأنفال:66، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً الجنّ:9،و ظرفيّته غالبا لا لازمة.

و اختلف في:«أل»الّتي فيه،فقيل:للتّعريف الحضوريّ،و قيل:زائدة لازمة.(السّيوطيّ 2:191)

ابن منظور: قال الهجريّ:و الإوانة:ركيّة معروفة.».

ص: 298


1- الأبهر:عرق إذا انقطع مات صاحبه،و هما أبهران يخرجان من القلب...و كامل الحديث:«ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري». «اللّسان 4:83».

هي بالعرف قرب وشحى،و الوركاء و الدّخول.

(13:40)

الفيّوميّ: الأوان:الحين،بفتح الهمزة و كسرها لغة، و الجمع:آونة.

و آن في الأمر يئون أونا:رفق فيه.

و الإوان وزان كتاب:بيت مؤزّج غير مسدود الفرجة.و كلّ سناد لشيء فهو إوان له.و الإيوان بزيادة الياء مثله،و منه إيوان كسرى.

و الآن:ظرف للوقت الحاضر الّذي أنت فيه،و لزم دخول الألف و اللاّم.و ليس ذلك للتّعريف،لأنّ التّعريف تمييز المشتركات،و ليس لهذا ما يشركه في معناه.

(1:30)

الفيروزآباديّ: الأون:الدّعة و السّكينة و الرّفق و المشي الرّويد،و قد أنت أءون.و أحد جانبي الخرج.

و رجل آئن:رافه و ادع.و ثلاث ليال أوائن:روافه، و عشر ليال آئنات وادعات.

و أوّن الحمار تأوينا:أكل و شرب حتّى امتلأ بطنه كالعدل،كتأوّن.

و الأوان:الحين و يكسر،جمعه:آونة.و يصنعه آونة و آئنة،إذا كان يصنعه مرارا و يدعه مرارا.و السّلاحف، و لم يسمع لها بواحد.

و ذو أوان:موضع بالمدينة.و الإيوان بالكسر:

الصّفّة (1)العظيمة كالأزج،جمعه:إيوانات و أواوين، كالإوان ككتاب جمعه:أون بالضّمّ.و إيوان اللّجام:جمعه إيوانات.

و ذو إيوان:قيل (2)من رعين.

أوّن على قدرك:اتّئد على نحوك.(4:201)

السّيوطيّ: الآن:اسم للزّمن الحاضر،و قد يستعمل في غيره مجازا.

و قال قوم:هي محلّ للزّمانين،أي ظرف للماضي و ظرف للمستقبل.و قد يتجوّز بها عمّا قرب من أحدهما.(2:191)

الطّريحيّ: «الآن»و هو الوقت الّذي يقع فيه كلام المتكلّم.و قد وقعت في أوّل أحوالها بالألف و اللاّم،و هي علّة بنائها.

و يقال:إنّما بني لأنّ وضعه يخالف وضع الاسم،لأنّ الأسماء إنّما وضعت أوّلا نكرات ثمّ التّعريف يعرض عليها.و أمّا«الآن»فوضع بالألف و اللاّم فلم يكن وضعه كوضع الاسم،فبني كالحرف.

أو يقال:إنّما بني لتضمّنه حرف التّعريف كأمس، و قيل:غير ذلك.

و اختلف في أصله،فقيل:أصله«أوان»،فحذف منه الواو.

و الفرق بين الآن و الآنف:أنّ«الآن»الوقت الّذي أنت فيه،و«الآنف»اسم للزّمان الّذي قبل زمانك الّذي أنت فيه.(6:211)

الآلوسيّ: الآن:من الظّروف المبنيّة في المشهور، و هو اسم للوقت الحاضر جميعه،كوقت فعل الإنشاء حال النّطق به،أو الحاضر بعضه،كما في هذه الآية و قوله سبحانه: اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ الأنفال:66.ر.

ص: 299


1- البيت الصّيفيّ المسقّف بجريد النّخل.
2- ملك من ملوك رعين من حمير.

و قد يخرج عند ابن مالك عن الظّرفيّة،كخبر«فهو يهوي في النّار الآن حين انتهى إلى مقرّها»فإنّ«الآن» فيه في موضع رفع على الابتداء،و«حين»خبره،و هو مبنيّ لإضافته إلى جملة صدرها ماض و ألفه منقلبة عن واو،لقولهم في معناه:«الأوان».و قيل:عن ياء،لأنّه من آن يئين،إذا قرب.و قيل:أصله«أوان»قلبت الواو ألفا ثمّ حذفت لالتقاء السّاكنين؛و ردّ بأنّ الواو قبل الألف لا تقلب كالجواد و السّواد.و قيل:حذفت الألف و غيّرت الواو إليها كما في راح و رواح،استعملوه مرّة على«فعل» و أخرى على«فعال»كزمن و زمان.

و اختلفوا في علّة بنائه،فقال الزّجّاج:بني لتضمّنه معنى الإشارة،لأنّ معناه هذا الوقت.و ردّ بأنّ المتضمّن معنى الإشارة بمنزلة اسم الإشارة،و هو لا تدخله«أل».

و قال أبو عليّ لتضمّنه معنى لام التّعريف،لأنّه استعمل معرفة و ليس علما،و«أل»فيه زائدة.و ضعّف بأنّ تضمّن اسم معنى حرف اختصارا ينافي زيادة ما لا يعتدّ به،هذا مع كون المزيد غير المضمّن معناه، فكيف إذا كان إيّاه.

و قال المبرّد و ابن السّرّاج: لأنّه خالف نظائره؛إذ هو نكرة في الأصل استعمل من أوّل وضعه باللاّم،و بابها أن تدخل على النّكرة،و إليه ذهب الزّمخشريّ.و ردّه ابن مالك بلزوم بناء«الجمّاء الغفير»و نحوه ممّا وقع في أوّل وضعه باللاّم،و بأنّه لو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف و استحقاق البناء،لوجب بناء كلّ اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره،و هو باطل بإجماع.

و اختار أنّه بني لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد،لأنّه لا يثنّى و لا يجمع و لا يصغّر،بخلاف حين،و وقت،و زمان، و مدّة.و ردّه أبو حيّان بما ردّ هو به على من تقدّم.

و قال الفرّاء: إنّما بني لأنّه نقل من فعل ماض،و هو «آن»،بمعنى حان؛فبقي على بنائه استصحابا على حدّ «أنهاكم عن قيل و قال».و ردّ بأنّه لو كان كذلك لم تدخل عليه«أل»كما لا تدخل على ما ذكر،و جاز فيه الإعراب كما جاز فيه.

و ذهب بعضهم إلى أنّه معرب منصوب على الظّرفيّة،و استدلّ بقوله:«كأنّهما ملآن لم يتغيّرا»بكسر النّون،أي«من الآن»فحذفت النّون و الهمزة و جرّ،فدلّ على أنّه معرب.و ضعّف باحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء،و يكون في بناء«الآن»لغتان:الفتح و الكسر،كما في«شتّان»إلاّ أنّ الفتح أكثر و أشهر.و في «شرح الألفيّة»لابن الصّائغ أنّ الّذي قال:إنّ أصله «أوان»يقول بإعرابه،كما أنّ«و أنا»معرب.

و اختار الجلال السّيوطيّ القول بإعرابه،لأنّه لم يثبت لبنائه علّة معتبرة،فهو عنده منصوب على الظّرفيّة و إن دخلت«من»جرّ،و خروجه عن الظّرفيّة غير ثابت.

و في الاستدلال بالحديث السّابق مقال.(12:259)

أبو رزق: الآن:الوقت الّذي أنت فيه،أي الوقت الّذي هو حدّ بين الزّمانين الماضي و المستقبل.و الأصل لكلّ آن مفروض في الامتداد الزّمانيّ-نهاية و بداية- فهما الحدّان له.(1:76)

المصطفويّ: إنّ كلمة«آن»تدلّ على القريب من الزّمان،و هو زمان الحال،و هذا المعنى عامّ يشمل جميع

ص: 300

الحالات باختلاف الأشخاص.فالألف و اللاّم للتّعريف و تقييدها بزمان التّكلّم لمن يتكلّم،أي زمان حاله.

و جمعها آنات،فيقال:ما فعلت في آن من الآنات.

(1:185)

النّصوص التّفسيريّة

الئن

1- ...قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ... البقرة:71

الزّجّاج: فيه أربعة أوجه،حكى بعضها الأخفش؛ فأجودها قالُوا الْآنَ بإسكان اللاّم و حذف الواو من اللّفظ.

و زعم الأخفش أنّه يجوز قطع ألف الوصل هاهنا، فيقول: (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)، و هذه رواية،و ليس له وجه في القياس و لا هي عندي جائز.

و لكن فيها وجهان غير هذين الوجهين،و هما جيّدان في العربيّة.

يجوز (قالُوا الْآنَ) على إلقاء الهمزة،و فتح اللاّم من «الآن»و ترك الواو محذوفة لالتقاء السّاكنين،و لا يعتدّ بفتحة اللاّم.

و يجوز(قالوا لان جيت بالحق)و لا أعلم أحدا قرأ بها،فلا يقرأنّ بحرف لم يقرأ به.و إن كان ثابتا في العربيّة.

و الّذين أظهروا الواو أظهروها لحركة اللاّم،لأنّهم كانوا حذفوها لسكونها،فلمّا تحرّكت ردّوها.و الأجود في العربيّة حذفها،لأن قرأ ب تقول:«الأحمر»و يلقون الهمزة،فيقولون:«لحمر»فيفتحون اللاّم و يقرءون ألف الوصل،لأنّ اللاّم في نيّة السّكون.و بعضهم يقول:

«لحمر»و لا يقرّ ألف الوصل،يريد الأحمر.

فأمّا نصب«الآن»فهي حركة لالتقاء السّاكنين، أ لا ترى أنّك تقول:أنا الآن أكرمك و من الآن فعلت كذا و كذا،و إنّما كان في الأصل مبنيّا و حرّك لالتقاء السّاكنين.

و بني«الآن»و فيه الألف و اللاّم،لأنّ الألف و اللاّم دخلتا بعهد غير متقدّم.إنّما تقول:الغلام فعل كذا،إذا عهدته أنت و مخاطبتك،و هذه الألف و اللاّم تنوبان عن معنى الإشارة،المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل،فلم يعرب «الآن»كما لا يعرّب هذا.(1:152)

الطّوسيّ: المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل هذا،فلم تعرب(الآن)كما لم تعرب«هذا»،و من العرب من يقول:

(قالوا لآن جئت بالحق)، و يذهب الوصل و يفتح اللاّم، و يحذف الهمزة الّتي بعد اللاّم.(1:300)

القرطبيّ: حكى الأخفش (قالوا الآن)، قطع ألف الوصل،كما يقال:يا اللّه.و حكى وجها آخر (قالوا لان) بإثبات الواو.نظيره قراءة أهل المدينة و أبي عمرو (عادا لولى). و قرأ الكوفيّون (قالوا الآن) بالهمز.و قراءة أهل المدينة «قال لان» بتخفيف الهمز مع حذف الواو لالتقاء السّاكنين.(1:455)

البيضاويّ: و قرئ آلآن) بالمدّ على الاستفهام، و(لان)بحذف الهمزة و إلقاء حركتها على اللاّم.

(1:63)

أبو حيّان: قرأ الجمهور بإسكان اللاّم و الهمزة بعده.

و قرأ نافع بحذف الهمزة و إلقاء حركتها على اللاّم.و عنه روايتان:إحداهما حذف واو(قالوا)بنقل الحركة،إذ هو نقل عارض.و الرّواية الأخرى إقرار الواو اعتدادا بالنّقل

ص: 301

و اعتبارا لعارض التّحريك-لأنّ«الواو»لم تحذف إلاّ لأجل سكون اللاّم بعدها،فإذا ذهب موجب الحذف عادت الواو إلى حالها من الثّبوت-و انتصاب(الآن)على الظّرفيّة،و هو ظرف يدلّ على الوقت الحاضر،و هو قوله لهم: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ... لا شِيَةَ فِيها البقرة:71، و العامل فيه(جئت).(1:257)

البروسويّ: أي هذا الوقت،بني لتضمّنه معنى الإشارة.(1:160)

سيّد قطب: (الئن)كأنّما كان كلّ ما مضى ليس حقّا،أو كأنّهم لم يستيقنوا أنّ ما جاءهم به هو الحقّ إلاّ اللّحظة.(1:79)

2- ...فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ...

البقرة:187

أبو الفتوح: (فالآن)يعني الحال،أي الوقت الّذي تكون فيه،و هو الزّمان بين الزّمانين.و قد أطلق عليه النّحويّون حالا تارة،و حاضرا تارة أخرى.(1:300)

أبو البقاء: حقيقة(الآن)الوقت الّذي أنت فيه، و قد يقع على الماضي القريب منك،و على المستقبل القريب وقوعه،تنزيلا للقريب منزلة الحاضر،و هو المراد هنا،لأنّ قوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ أي فالوقت الّذي كان يحرم عليكم الجماع فيه من اللّيل قد أبحنا لكم فيه؛فعلى هذا(الئن)ظرف ل(باشروهنّ).

و قيل:الكلام محمول على المعنى،و التّقدير:فالآن قد أبحنا لكم أن تباشروهنّ.و دلّ على المحذوف لفظ الأمر الّذي يراد به الإباحة؛فعلى هذا(الئن)على حقيقته.

(1:154)

البروسويّ: (فالآن)أي لمّا نسخ التّحريم،ظرف لقوله:(باشروهنّ).أصله«فعل»بمعنى حان،ثمّ جعل اسما للزّمان الحاضر و عرّف بالألف و اللاّم،و بقي على الفتحة.(1:299)

الآلوسيّ: أي حين نسخ عنكم تحريم القربان و هو ليلة الصّيام،كما يدلّ عليه الغاية الآتية،فإنّها غاية للأوامر الأربعة الّتي هذا ظرفها،و الحضور المفهوم منه بالنّظر إلى فعل نسخ التّحريم،و ليس حاضرا بالنّظر إلى الخطاب.

و قيل:إنّه و إن كان حقيقة في الوقت الحاضر إلاّ أنّه قد يطلق على المستقبل القريب،تنزيلا له منزلة الحاضر و هو المراد هنا،أو أنّه مستعمل في حقيقته،و التّقدير:قد أبحنا لكم مباشرتهنّ.(2:65)

3- وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ... النّساء:18

الإمام الصّادق عليه السّلام:هو الفرار،تاب حين لم ينفعه التّوبة و لم يقبل منه.

ذلك إذا عاين أمر الآخرة.(العروسيّ 1:458)

الآلوسيّ: أي هذا الوقت الحاضر،و ذكر لمزيد تعيين الوقت.(4:239)

4- أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ. يونس:51

البغويّ: (الئن)فيه إضمار،أي يقال لكم:آلآن تؤمنون حين وقع العذاب؟قرأ ورش عن نافع (آلْآنَ) بحذف الهمزة الّتي بعد اللاّم السّاكنة و إلقاء حركتها على

ص: 302

اللاّم،و يمدّ الهمزة الأولى على وزن«عالان»و كذلك الحرف الآخر.و روى زمعة بن صالح(ألان)على مثل «علان»بغير مدّ و لا همزة بعد اللاّم.و قرأ الباقون (آلأن) بهمزة ممدودة في الأوّل و إثبات همزة بعد اللاّم،و كذلك قالون و إسماعيل عن نافع.(3:158)

الزّمخشريّ: و قرئ(آلآن)بحذف الهمزة الّتي بعد اللاّم و إلقاء حركتها على اللاّم.(2:241)

أبو الفتوح: معنى الآية هو أنّ اللّه تعالى قال على سبيل التّوبيخ و التّأنيب لاستعجالهم العذاب:حينما يحيق بكم العذاب تلتمسون الإيمان به للفور،و هذا الإيمان لا ينفعكم آنذاك و لا يفيدكم.(3:28)

الفخر الرّازيّ: يقال:آلآن تؤمنون و ترجون الانتفاع بالإيمان مع أنّكم كنتم قبل ذلك به تستعجلون؟! على سبيل السّخريّة و الاستهزاء.(17:109)

البيضاويّ: (الئن)على إرادة القول،أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب:آلآن آمنتم به؟!و عن نافع (آلآن)بحذف الهمزة و إلقاء حركتها على اللاّم.

(1:450)

مثله النّسفيّ(2:167)،و أبو السّعود(2:333).

النّيسابوريّ: (آلآن)بوزن«عالان»بحذف الهمزة الّتي بعد اللاّم و إلقاء حركتها على اللاّم،حيث كان أبو جعفر و نافع و زمعة و حمزة في الوقف.(11:86)

البروسويّ: (آلآن)بإبدال الهمزة الثّانية ألفا مع المدّ اللاّزم،و أصله«أ الآن»على أن تكون الأولى استفهاميّة.و هو منصوب بآمنتم المقدّر دون المذكور،لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده كالعكس.و هو استئناف من جهته تعالى غير داخل تحت القول الملقّن، أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب:الآن آمنتم به، إنكارا للتّأخير.(4:52)

الآلوسيّ: [قال مثل البروسويّ و أضاف:]

قرئ بدون همزة الاستفهام.و الظّاهر عندي على هذا تعلّقه بمقدّر أيضا،لأنّ الكلام على الاستفهام.و بعض جوّز تعلّقه بالمذكور،و ليس بذاك.(11:134)

5- آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.

يونس:91

الزّجّاج: و أمّا قوله: آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ يونس:59، و قوله:«آللّه خير لكم» (1)و قوله:(الئن)فإنّهم أجمعوا على مدّ هذه الأحرف،و لم يحذفوا المدّ،كي لا يشتبه الخبر بالاستفهام لو قيل:الآن،و اللّه أعلم.

(إعراب القرآن 1:362)

الطّوسيّ: قرأ أبو جعفر من طريق النّهروانيّ و نافع إلاّ أبا طاهر،عن إسماعيل و أحمد بن صالح،عن قالون و الحلوانيّ،عن قالون من طريق الحماميّ(آلآن)في الموضعين في هذه السّورة،بإلقاء حركة الهمزة على اللاّم و حذف الهمزة منهما.[إلى أن قال:]

و اختلفوا فيمن القائل هذا القول،فقال الجبّائيّ:إنّ القائل له ملك قال ذلك بأمر اللّه.و قال غيره:إنّ ذلك كلام من اللّه،قاله له على وجه الإهانة و التّوبيخ،و كان ذلك معجزة لموسى عليه السّلام.

و معنى الآية حكاية ما قيل لفرعون حين قال:

ص: 303


1- «الله خير لكم»ليست بآية قرآنيّة.

«آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ».

يونس:90،بأنّك تقول هذا في هذه السّاعة وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ هذا وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:

91،في الأرض بقتل المؤمنين و ادّعاء الإلهيّة،و غير ذلك من أنواع الكفر.(5:490)

مثله الطّبرسيّ(3:130)،و أبو الفتوح(3:44).

النّسفيّ: أ تؤمن السّاعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق و أيست من نفسك.قيل:قال ذلك حين ألجمه الغرق،و العامل فيه«أ تؤمن».(2:175)

مثله النّيسابوريّ(11:112)،و أبو حيّان(5:

188).

أبو السّعود: (الئن)مقول لقول مقدّر معطوف على (قال)،أي فقيل:آلآن.(2:347)

مثله البروسويّ.(4:76)

الآلوسيّ: (الئن)الاستفهام للإنكار و التّوبيخ، و الظّرف متعلّق بمحذوف يقدّر مؤخّرا،أي الآن تؤمن حين يئست من الحياة و أيقنت بالممات.و قدّر مؤخّرا ليتوجّه الإنكار و التّوبيخ إلى تأخير الإيمان،إلى حدّ يمتنع قبوله فيه،و الكلام على تقدير القول،أي فقيل له ذلك.

و هو معطوف على(قال).(11:182)

نحوه حسنين مخلوف.(354)

شبّر: (الئن)بتسكين اللاّم و همزة بعدها و بحذفها و إلقاء حركتها على اللاّم،و عامله محذوف و فيه إضمار، أي قيل له:الآن آمنت حين لا ينفعك الإيمان و لا يقبل، لأنّه حال الإلجاء.(3:185)

6- قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ... يوسف:51

أبو السّعود: أرادت ب(الئن)زمان تكلّمها بهذا الكلام لا زمان شهادتهنّ.(3:77)

مثله البروسويّ.(4:272)

الآلوسيّ: هو هنا متعلّق ب (حَصْحَصَ) أي حصحص الحقّ في هذا الوقت.

و أرادت ب(الئن)زمان تكلّمها بهذا الكلام لا زمان شهادتهنّ.(12:260)

7- ...فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً.

الجنّ:9

النّسفيّ: أي بعد المبعث.(4:300)

أبو حيّان: (الآن)ظرف زمان للحال و(يستمع) مستقبل،فاتّسع في الظّرف و استعمل للاستقبال،كما قال:

*سأسعى الآن إذ بلغت أناها*

فالمعنى فمن يقع منه استماع في الزّمان الآتي يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً. (8:349)

الشّربينيّ: (الآن)أي في هذا الوقت و فيما يستقبل، لا أنّهم أرادوا وقت قولهم فقط.(4:41)

البروسويّ: (الآن)أي في هذا الزّمان و بعد المبعث.

و في«اللّباب»:ظرف حاليّ استعير للاستقبال.

(10:193)

الآلوسيّ: قال في«شرح التّسهيل»:(الآن)معناه هنا القرب مجازا،فيصحّ مع الماضي و المستقبل.

(29:87)

ص: 304

الطّباطبائيّ: (الآن)يدلّ على حدوث أمر جديد في رجم الجنّ،و هو استيعاب الرّجم لهم.(20:43)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«الأون»،و هو العدل و جانب الخرج.يقال:خرج ذو أونين.و به شبّهت الأتان المقرب،يقال:قد أوّنت تأوينا.و الدّابّة إذا شربت، فصار بطنها مثل العدلين،يقال:قد أوّنت تأوينا حسنا.

و منه«الأون»و هو الدّعة و السّكينة،لأنّ الدّابّة بعد ما تشبع و ترتوي،تخلد إلى الرّاحة و السّكون.فهذا المعنى فرع،و ليس أصلا برأسه،كما قال ابن فارس.

ثمّ قيل لزمن التّأوين توسّعا:الأوان و الآن و الآن.

فالأوان و الآن ظرفان للزّمان المطلق،يقال:جاء أوان البرد،و الآن آنك إن فعلت.و الآن للزّمان الحاضر، يقال:نحن من الآن نصير إليك.

و أمّا الإيوان،فهو فارسيّ معرّب،و الإوان مخفّف منه.

2-و هناك تجانس لفظيّ و ترادف معنويّ بين «الأون»و«الهون»،فكلاهما يعني الدّعة و السّكينة.

و لو لا ورودهما مستقلّين في بعض اللّغات السّاميّة،لقلنا بإبدال فاءيهما من بعضهما بعضا-كما في أرق و هرق،و أيّا و هيّا-إلاّ أنّه لم يقل أحد بإبدال فاء أحدهما عن الآخر.

3-و الآن:ظرف للزّمان الحاضر،و أصله-كما قيل- أوان،فحذف منه الواو،فاجتمع ألفان،فأدغما و مدّا.أو أنّ المحذوف هو الألف،فقلبت الواو الّتي قبلها ألفا، فاجتمع ألفان،فأدغما و مدّا،ثمّ دخلت عليه الألف و اللاّم،و بني على السّكون.و لكنّه حرّك لالتقاء ساكنين، و هما الألف الثّانية و النّون،و كانت الحركة فتحة للخفّة.

و قيل:أصله الفعل«آن»،من قولهم:آن لك أن تفعل،فأدخلت عليه الألف و اللاّم،كما دخلتا على الفعلين«قال»و«قيل».

ثمّ اختلف في الألف و اللاّم-كما تقدّم في النّصوص- فمنهم من قال:بأنّهما زائدتان،و منهم من قال:بأنّهما للتّعريف.

و من عدّهما زائدتين جعل الظّرف شبه حرف،فبني عليهما.و استدلّ على زيادتهما بلزومهما له،و بعدم وجود النّظير؛إذ لا يقال:آن و الآن،كما يقال:رجل و الرّجل.

و من عدّهما للتّعريف،جعل الظّرف اسما منكّرا،ثمّ عرّف بهما،و لزمتاه دائما.

أو أنّه عرّف بألف و لام غير ظاهرتين،مثل أمس، و أمّا الظّاهرتان فهما زائدتان.و علّة بناء الظّرف-على هذا القول-تضمّنه معنى حرفي التّعريف.

4-و نحن نرجّح قول من قال في«الآن»أصله«آن» فدخلت عليه الألف و اللاّم،كما دخلتا على«قيل» و«قال»،فجعل بمنزلة الاسماء،ثمّ اعتبر بمرور الزّمان في عدادها.[لاحظ«أ ن و»]

الاستعمال القرآنيّ

1-استعمل(الآن)في القرآن ظرفا للفعل الماضي و الأمر و المستقبل،في الآيات التّالية:

1- قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71

ص: 305

2- فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ.البقرة:187

3- حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18

4- اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً الأنفال:66

5- أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ يونس:51

6- وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:90،91

7- قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ يوسف:51

8- فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً الجنّ:9

يلاحظ أوّلا:أنّ(الآن)جاء في القرآن عقيب الإثبات دون النّفي لفعل ماض-سوى الآيتين(2)و(8)، فجاء فيهما ظرفا لفعل الأمر و المضارع-خلافا لما استعمل في اللّغة؛حيث جاء عقيب الفعل المضارع،بيد أنّه قلب معنى الماضي إلى المضارع.

و لكنّ قسيميه:أمس و غدا،جاءا عقيب فعل يناسبهما.

ثانيا:أنّ(الآن)جاء في الآية رقم(6)بدون عامل، و عامله مقدّر،يدلّ عليه قوله في الآية السّابقة: وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، و تقديره:الآن أسلمت؟

و كذلك الآية(5)،فقد جاءت بدون فعل،و لكن يفهم من قوله: آمَنْتُمْ بِهِ؛ إذ ليس هو متعلّق(الآن) بل الجملة السّابقة أو الفعل المقدّر-على خلاف بين المفسّرين-حيث جعل بعضهم الفعل المذكور متعلّقا به.

ثالثا:أنّ مخالفة الاستعمال-بوروده مع الفعل الماضي -يشعر بتغيّر الحال سلبا و إيجابا؛إذ يدلّ السّياق في(1) و(7)على أنّ الباطل كان مهيمنا على زمان ما قبل مجيء الحقّ،فهو تغيّر إيجابيّ.

و هكذا الأمر في سائر الآيات،إلاّ أنّ التّغيير في بعضها سلبيّ،فقوله في(3): إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، يدلّ على أنّ القائل كان عاصيا.و قوله في(4): اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ، على أنّ المسلمين كانوا يعانون ظروفا قاسية.

و قوله في(5): أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ، على أنّهم كانوا مصرّين على الكفر قبل وقوع العذاب.

رابعا:جاء(الآن)مقدّما على فعله فيما ظهر فعله، و لا نرى وجها له سوى الحصر،و هكذا يقدّر فعل مؤخّرا فيما لم يظهر فعله،لأنّ سياقه الحصر.و أمّا تأخيره في(3) و(8)عن الفعل فلأنّ الحصر لم يقصد فيهما.

و اختصّت(8)بمجيء المضارع فيها بدل الماضي كما سبق،و بإملاء(الآن)بدل(الئن)في غيره،و هذا يرجع إلى رسم الخطّ القرآنيّ.

و يلحظ أيضا أنّ قوله في(3)تهكّم،و في(5)و(6) إنكار.

خامسا:بالتّأمّل في الآيات الثّماني الّتي جاء فيها «الآن»يظهر أنّه يأتي دائما بمعنى الزّمان الحاضر،إلاّ أنّ هذا الزّمان يختلف ما يراد به بحسب الموارد،فقد يراد به لحظة التّكلّم،أو هي و ما يحتويها من الوقت المناسب لموضوع الكلام،أي حين وقوع ما وقع من القول و الفعل،

ص: 306

كما أنّه قد يراد به هذا الوقت فما بعده.

و إليك عرض ما أريد بالآيات:فالأولى لحظة التّكلّم من قبل موسى في كلامه الأخير،و الثّانية هذا الوقت فما بعده،و الثّالثة حين الموت،و الرّابعة هذا الوقت فما بعده، و الخامسة حين وقوع العذاب،و السّادسة حين الغرق و الموت،و السّابعة لحظة التّكلّم بعد قول يوسف،و الثّامنة بعد نزول القرآن.

ص: 307

ص: 308

أ و ه

اشارة

لفظ واحد،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: آه:حكاية المتأوّه في صوته،و قد يفعله الإنسان من التّوجّع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أوّه فلان و أهّة،إذا توجّع فقال:آه،أو قال:هاه عند التّوجّع،فأخرج نفسه بهذا الصّوت،ليتفرّج عنه ما به.

و الأوّاه:الدّعّاء للخير،قال جلّ و عزّ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114.(4:104)

قطرب: أوّاه:كثير قول أوّه،و هي اسم فعل بمعنى أتوجّع.و وزنه«فعّال»للمبالغة؛فقياس الفعل أن يكون ثلاثيّا:آه يئوه أوها،كقال يقول قولا.(أبو حيّان 5:88)

أبو عمرو الشّيبانيّ: ظبية مئوهة و مأووهة، و ذلك أنّ الغزال إذا نجا من الكلب أو السّهم وقف وقفة ثمّ قال:أوه،ثمّ عدا.(الزّبيديّ 9:377)

ابن الأعرابيّ: تأوّه تأوّها،إذا توجّع،و مثله أوّه تأويها.(الأزهريّ 6:481)

ابن السّكّيت: قولهم:«آهة و أميهة»فالآهة من التّأوّه،و هو التّوجّع،يقال،تأوّهت آهة.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:321)

أبو حاتم: العرب تقول:أوّه و آوه و آووه بالمدّ و واوين،و أوه بكسر الهاء خفيفة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:481)

المبرّد: يقال:إيها إذا كففته،و ويها إذا أغريته، و واها إذا تعجّبت منه.(الرّاغب:32)

الطّبريّ: [الأوّاه]أصله من التّأوّه،و هو التّضرّع، و المسألة بالحزن و الإشفاق.

و لا تكاد العرب تنطق منه بفعل يفعل،و إنّما تقول فيه:تفعّل يتفعّل،مثل تأوّه يتأوّه،و أوّه يؤوّه.[ثمّ

ص: 309

استشهد بشعر]

و قالوا أيضا:أوه منك.[ثمّ استشهد بشعر]

و لو جاء فعل منه على الأصل لكان آه يئوه أوها.

(11:52)

السّجستانيّ: التّأوّه أن يقول:أوه أوه.و فيه خمس لغات:أوّه،و آوّ،و آوّه،و آه،و أوه.و يقال:هو يتأوّه و يتأوّى.(81)

الجوهريّ: قولهم عند الشّكاية:أوه من كذا،ساكنة الواو،إنّما هو توجّع.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قلبوا الواو ألفا فقالوا:آه من كذا،و ربّما شدّدوا الواو و كسروها و سكّنوا الهاء فقالوا:أوّه من كذا،و ربّما حذفوا مع التّشديد الهاء فقالوا:أوّ من كذا،بلا مدّ.

و بعضهم يقول:آوّه بالمدّ و التّشديد و فتح الواو ساكنة الهاء،لتطويل الصّوت بالشّكاية.و ربّما أدخلوا فيه التّاء فقالوا:أوّتاه،يمدّ و لا يمدّ.

و قد أوّه الرّجل تأويها،و تأوّه تأوّها،إذا قال:أوّه.

و الاسم منه الآهة بالمدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يروى:«أهّة»من قولهم:أهّ،أي توجّع.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قولهم في الدّعاء على الإنسان:آهة لك و أوّة لك،بحذف الهاء أيضا،مشدّدة الواو.(6:2225)

ابن فارس: الهمزة و الواو و الهاء كلمة ليست أصلا يقاس عليها.يقال:تأوّه،إذا قال:أوّه و أوه،و العرب تقول ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]و قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ هو الدّعّاء.

أوّه فيه لغات:مدّ الألف و تشديد الواو،و قصر الألف و تشديد الواو،و مدّ الألف و تخفيف الواو،و أوه بسكون الواو و كسر الهاء،و أوّه بتشديد الواو و كسرها و سكون الهاء،و آه،و آو،و أوّتاه.(1:162)

ابن سيدة: [مقلوبة أ ه و،أ و ه]

الآهة:الحصبة.

و إنّما قضينا بأنّ ألف الآهة واو لما قدّمنا من أنّ العين واوا أكثر منها ياء.

و آوّه،و أوّه،و آووه،و أوه،و أوه،و آه كلّها كلمة معناها التّحزّن.

و أوه من فلان و لفلان،إذا اشتدّ عليك فقده[ثمّ استشهد بشعر]

و روي«فأوّ لذكراها»و سيأتي،و قد تأوّه آها و آهة.[ثمّ استشهد بشعر]

و عندي أنّه وضع الاسم موضع المصدر،أي تأوّه تأوّه الرّجل.

و رجل أوّاه:كثير الحزن،و قيل:هو الدّعّاء إلى الخير،و قيل:الفقيه،و قيل:المؤمن بلغة الحبشة،و قيل:

الرّحيم الرّقيق.(4:326)

الطّوسيّ: أصل«الأوّاه»من التّأوّه،و هو التّوجّع و التّحزّن،تقول:تأوّه تأوّها،و أوّه تأويها.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تقول:أوّه من كذا بكسر الواو و تسكين الهاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و العامّة تقول:أوه،يقال أيضا:أوه بسكون الواو و كسر الهاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و لو جاء منه فعل يفعل لكان آه يئوه أوها،على

ص: 310

وزن قال يقول قولا.(5:357)

مثله الطّبرسيّ.(3:76)

الرّاغب: الأوّاه:الّذي يكثر التّأوّه،و هو أن يقول:

أوّه.و كلّ كلام يدلّ على حزن يقال له:التّأوّه،و يعبّر بالأوّاه عمّن يظهر خشية اللّه تعالى.و قيل في قوله تعالى:

أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75،أي المؤمن الدّاعي،و أصله راجع إلى ما تقدّم.(32)

الزّمخشريّ: تأوّه من خشية اللّه تعالى.و فلان متألّه متأوّه.(أساس البلاغة:13)

ابن الأثير: في حديث أبي سعيد رضي اللّه عنه:

«فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عند ذلك:أوه عين الرّبا»أوه:كلمة يقولها الرّجل عند الشّكاية و التّوجّع،و هي ساكنة الواو و مكسورة الهاء.و ربّما قلبوا الواو ألفا فقالوا:آه من كذا، و ربّما شدّدوا الواو و كسروها و سكّنوا الهاء فقالوا:أوّه، و ربّما حذفوا الهاء فقالوا:أوّ،و بعضهم بفتح الواو مع التّشديد فيقول أوّه.

و منه الحديث:«أوّه لفراخ محمّد من خليفة يستخلف»و قد تكرّر ذكره في الحديث.

و في حديث الدّعاء:«اللّهمّ اجعلني لك مخبتا أوّاها منيبا»الأوّاه:المتأوّه المتضرّع.و قيل:هو الكثير البكاء، و قيل:الكثير الدّعاء،و قد تكرّر في الحديث.(1:82)

الفيروزآباديّ: أوه كجير و حيث و أين،و آه و أوّه بكسر الهاء و الواو المشدّدة،و أوّ بحذف الهاء،و أوّه بفتح الواو المشدّدة،و آووه بضمّ الواو،و آه بكسر الهاء منوّنة، و آو بكسر الواو منوّنة و غير منوّنة،و أوّتاه بفتح الهمزة و الواو و المثنّاة الفوقيّة،و آويّاه بتشديد المثنّاة التّحتيّة:

كلمة تقال عند الشّكاية أو التّوجّع آه أوها و أوّه تأويها و تأوّه:قالها.

و الأوّاه:الموقن،أو الدّعّاء،أو الرّحيم الرّقيق،أو الفقيه،أو المؤمن،بالحبشيّة.

و الآهة:الحصبة،و الماهة:الجدريّ.

الأهّة:التّحزّن.أهّ أهّا و أهة و أهّة و تأهّه:توجّع توجّع الكئيب،فقال:آه أو هاه.(4:282)

الطّريحيّ: في حديث عليّ عليه السّلام:«أوّه على إخواني الّذين تلوا القرآن فأحكموه».أوّه:كلمة توجّع،و يتكلّم بها العرب عند الشّكاية.(6:341)

العدنانيّ: آه و أخواتها و يخطّئون من يقول عند الشّكاية أو التّوجّع:أوّاه من غدر الزّمان،و يقولون إنّ الصّواب هو:آه من غدر الزّمان.و كلتا الكلمتين صواب، كما يرى الصّحاح،و التّاج،و المدّ،و المعجم الكبير.قال شوقي في مسرحيّة مصرع كليوپترا:

روما!حنانك و اغفري لفتاك

أوّاه منك،و آه ما أقساك!

و لهما أخوات كثيرات هي:آه،و آهة،و أوه،و أوه، و أوه،و أوّه،أو أوّه،و أوّه،و آوّه،و أوّوه،و آووه أو أووه، و أوتاه،أو أوّتاه،و آوّتاه،و آويّاه،أو أويّاه،و أوّ،و آو، و آو،و واها،و هاه،أو هاه.

و جاء في الصّحاح:أوّه الرّجل تأويها،و تأوّه تأوّها:

إذا قال:أوّه.قال المثقّب العبديّ:

إذا ما قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرّجل الحزين

أمّا معاني الأوّاه فهي:

1-الكثير التّأوّه.

ص: 311

2-الّذي يرفع صوته في الدّعاء.قال تعالى في الآية 114،من سورة التّوبة: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ.

3-الدّعاء إلى الخير.

4-الفقيه.

5-المؤمن(بلغة الحبشة).(38)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ«آه»و نظائرها من أسماء الأصوات،و هي ألفاظ تخرج عن فم الشّخص المتوجّع الحزين،و اختلاف الصّيغ و الألفاظ إنّما يحصل باختلاف الحالات في الحزن و التّوجّع،فبمقتضى كلّ حالة يظهر لفظ مخصوص من جهة الحركات و الحروف و المدّ و القصر.

ثمّ اشتقّ منها الفعل بالاشتقاق الانتزاعيّ،كما في الجوامد.

فهذه المادّة إنّما تدلّ على التّوجّع و الحزن ليست إلاّ.

(1:169)

النّصوص التّفسيريّة

اوّاه

وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ. التّوبة:114

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:الأوّاه:الخاشع المتضرّع.

(الطّبريّ 11:51)

الدّعّاء.(الفخر الرّازيّ 16:211)

مثله ابن مسعود،و عبيد بن عمير(الطّبريّ 11:

47)،و ابن فارس(1:162)،و هو المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام(الكاشانيّ 2:382).

أبو ذرّ: كان رجل يطوف بالبيت و يقول في دعائه أوّه أوّه،فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:«إنّه أوّاه».

(الطّبريّ 11:51)

ابن مسعود: الأوّاه:الرّحيم.

مثله الحسن،و قتادة،و أبي ميسرة،و عمرو بن شرحبيل.(الطّبريّ 11:48)

كعب الأحبار: إذا ذكر[إبراهيم]النّار قال:أوّه من النّار.(الطّبريّ 11:51)

ابن عبّاس: الموقن.

مثله مجاهد،و الثّوريّ،و الضّحّاك.

(الطّبريّ 11:49)

مثله عطاء.(القرطبيّ 8:275)

الموقن،بلسان الحبشة.

مثله عطاء،و عكرمة.(الطّبريّ 11:49)

المؤمن بالحبشة.

مثله ابن جريج.(الطّبريّ 11:50)

المؤمن.(الطّبريّ 11:50)

المؤمن التّوّاب.(الطّبريّ 11:50)

أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دفن ميّتا،فقال:«يرحمك اللّه،إن كنت لأوّاها»يعني تلاّء للقرآن.(الطّبريّ 11:50)

ابن المسيّب: أنّه المسبّح الّذي يذكر اللّه في الأرض القفر الموحشة.

مثله الكلبيّ.(القرطبيّ 8:275)

سعيد بن جبير: المسبّح.(الخازن 3:128)

مثله الشّعبيّ.(الآلوسيّ 11:35)

ص: 312

أنّه المعلم للخير.(القرطبيّ 8:276)

أنس بن مالك: تكلّمت امرأة عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بشيء كرهه فنهاها عمر،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«دعوها فإنّها أوّاهة».

قيل:يا رسول اللّه،و ما الأوّاهة؟قال:الخاشعة.

(القرطبيّ 8:275)

النّخعيّ: الأوّاه:العفيف.(الطّبرسيّ 3:77)

الفقيه.

مثله مجاهد.(القرطبيّ 8:275)

الحسن: الرّحيم بعباد اللّه.

مثله قتادة.(القرطبيّ 8:275)

مجاهد: مؤتمن موقن.(الطّبريّ 11:49)

الموقن المستيقن.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 11:77)

الضّحّاك: المؤمن الموقن بالخشية الرّحيم.

(الطّوسيّ 5:357)

عطاء: الرّاجع عن كلّ ما يكره اللّه عزّ و جلّ.

(الطّبرسيّ 3:77)

الإمام الباقر عليه السّلام: الأوّاه:المتضرّع إلى اللّه في صلاته،و إذا خلا في قفرة من الأرض و في الخلوات.

(الكاشانيّ 2:383)

ابن عامر: الكثير الذّكر للّه.(الطّبريّ 11:50)

الإمام الصّادق عليه السّلام: كثير الدّعاء و البكاء.

(الطّبرسيّ 3:77)

الخليل: الأوّاه:الدّعاء للخير.(4:104)

الفرّاء: الكثير التّأوّه من الذّنوب.

(القرطبيّ 8:276)

أبو عبيدة:مجازه مجاز«فعّال»من التّأوّه،و معناه متضرّع شفقا و فرقا و لزوما لطاعة ربّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:270)

مثله أبو عبيد.(الأزهريّ 6:481)

معناه المتوجّع المتضرّع إلى اللّه خوفا و إشفاقا.

(الطّوسيّ 5:357)

نحوه ابن قتيبة.(193)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في«الأوّاه»،فقال بعضهم:هو الدّعاء.

و قال آخرون: بل هو الرّحيم.

و قال آخرون: بل هو الموقن.

و قال آخرون: هي كلمة بالحبشيّة معناها المؤمن.

و قال آخرون: هو المسبّح الكثير الذّكر للّه.

و قال آخرون: هو الّذي يكثر تلاوة القرآن.

قال آخرون: هو من التّأوّه.

و قال آخرون: معناه أنّه فقيه.

و قال آخرون: هو المتضرّع الخاشع.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب القول الّذي قاله عبد اللّه بن مسعود،الّذي رواه عنه زرّ أنّه:الدّعّاء.

و إنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب،لأنّ اللّه ذكر ذلك و وصف به إبراهيم خليله صلوات اللّه عليه،بعد وصفه إيّاه بالدّعاء و الاستغفار لأبيه،فقال: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ التّوبة:114،و ترك الدّعاء و الاستغفار له،ثمّ قال:إنّ إبراهيم لدعّاء لربّه،شاك له، حليم عمّن سبّه و ناله بالمكروه،و ذلك أنّه صلوات اللّه

ص: 313

عليه،وعد أباه بالاستغفار له،و دعاء اللّه له بالمغفرة له، عند وعيد أبيه إيّاه،و تهدّد له بالشّتم بعد ما ردّ عليه نصيحته في اللّه،و قوله: أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا، فقال له صلوات اللّه عليه: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا* وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا مريم:46-48،فوفى لأبيه بالاستغفار له،حتّى تبيّن له أنّه عدوّ للّه،فوصفه اللّه بأنّه دعّاء لربّه،حليم عمّن سفه عليه.و أصله من «التّأوّه»و هو التّضرّع،و المسألة بالحزن و الإشفاق.(11:47-52)

الهرويّ: يقال:دعّاء،و عليه أكثر أهل التّفسير.

و يقال:رقيق القلب،و يقال:موقن.(1:108)

الزّمخشريّ: (أوّاه)فعّال،من أوّه كلآل من اللّؤلؤ، و هو الّذي يكثر التّأوّه.و معناه أنّه لفرط ترحّمه و رقّته و حلمه كان يتعطّف على أبيه الكافر و يستغفر له،مع شكاسته عليه.(2:217)

نحوه النّسفيّ.(2:148)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ اشتقاق«الأوّاه»من قول الرّجل عند شدّة حزنه:أوّه،و السّبب فيه أنّ عند الحزن يختنق الرّوح القلبيّ في داخل القلب و يشتدّ حرقه، فالإنسان يخرج ذلك النّفس المحترق من القلب ليخفّف بعض ما به.هذا هو الأصل في اشتقاق هذا اللّفظ.[إلى أن قال:]

و قيل:كون إبراهيم عليه السّلام أوّاها،كلّما ذكر لنفسه تقصيرا أو ذكر شيء من شدائد الآخرة كان يتأوّه إشفاقا من ذلك و استعظاما له.[إلى أن قال:]

و أمّا وصفه بأنّه حليم فهو معلوم.

و اعلم أنّه تعالى إنّما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنّه تعالى وصفه بشدّة الرّقّة و الشّفقة و الخوف و الوجل.و من كذلك فإنّه تعظم رقّته على أبيه و أولاده؛ فبيّن تعالى أنّه مع هذه العادة تبرّأ من أبيه و غلظ قلبه عليه،لمّا ظهر له إصراره على الكفر،فأنتم بهذا المعنى أولى.و كذلك وصفه أيضا بأنّه حليم،لأنّ أحد أسباب الحلم رقّة القلب،و شدّة العطف،لأنّ المرء إذا كان حاله هكذا اشتدّ حلمه عند الغضب.(16:211)

القرطبيّ: اختلف العلماء في«الأوّاه»على خمسة عشر قولا:

الأوّل:أنّه الدّعّاء الّذي يكثر الدّعاء،قاله ابن مسعود و عبيد بن عمير.

الثّاني:أنّه الرّحيم بعباد اللّه،قاله الحسن،و قتادة، و روي عن ابن مسعود.و الأوّل أصحّ إسنادا عن ابن مسعود،قاله النّحّاس.

الثّالث:أنّه الموقن،قاله عطاء،و عكرمة،و رواه أبو ظبيان عن ابن عبّاس.

الرّابع:أنّه المؤمن بلغة الحبشة،قاله ابن عبّاس أيضا.

الخامس:أنّه المسبّح الّذي يذكر اللّه في الأرض القفر الموحشة،قاله الكلبيّ و سعيد بن المسيّب.

السّادس:أنّه الكثير الذّكر للّه تعالى،قاله عقبة بن عامر.

و ذكر عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم رجلا يكثر ذكر اللّه و يسبّح

ص: 314

فقال:«إنّه لأوّاه».

السّابع:أنّه الّذي يكثر تلاوة القرآن،و هذا مرويّ عن ابن عبّاس.

قلت:و هذه الأقوال متداخلة،و تلاوة القرآن يجمعها.

الثّامن:أنّه المتأوّه،قاله أبو ذرّ،و كان إبراهيم عليه السّلام يقول:«آه من النّار قبل ألاّ تنفع آه».

و قال أبو ذرّ:كان رجل يكثر الطّواف بالبيت و يقول في دعائه:أوه أوه،فشكاه أبو ذرّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:

«دعه فإنّه أوّاه».فخرجت ذات ليلة فإذا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يدفن ذلك الرّجل ليلا و معه المصباح.

التّاسع:أنّه الفقيه،قاله مجاهد و النّخعيّ.

العاشر:أنّه المتضرّع الخاشع،رواه عبد اللّه بن شدّاد ابن الهاد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و قال أنس:تكلّمت امرأة عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بشيء كرهه،فنهاها عمر،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«دعوها فإنّها أوّاهة».قيل:يا رسول اللّه،و ما الأوّاهة؟ قال:الخاشعة.

الحادي عشر:أنّه الّذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها،قاله أبو أيّوب.

الثّاني عشر:أنّه الكثير التّأوّه من الذّنوب،قاله الفرّاء.

الثّالث عشر:أنّه المعلم للخير،قاله سعيد بن جبير.

الرّابع عشر:أنّه الشّفيق،قاله عبد العزيز بن يحيى.

الخامس عشر:أنّه الرّاجع عن كلّ ما يكره اللّه تعالى،قاله عطاء.و أصله من التّأوّه،و هو أن يسمع للصّدر صوت من تنفّس الصّعداء.

قال كعب: كان إبراهيم عليه السّلام إذا ذكر النّار تأوّه.قال الجوهريّ:قولهم عند الشّكاية:أوه من كذا ساكنة الواو إنّما هو توجّع.[ثمّ استشهد بشعر](8:275)

البيضاويّ: كثير التّأوّه،و هو كناية عن فرط ترحّمه و رقّة قلبه.(1:434)

مثله أبو السّعود(2:300)،و القاسميّ(8:3281).

النّيسابوريّ: «الأوّاه»هو المتبرّئ من المخلوقات لكثرة نيل المواجيد و الكرامات،فيكون لضيق البشريّة تولاّه مولاه،فمهما ورد له و أراد الحقّ ضاق عليه نطاق الخلق،فيتأوّه عند تنفّس القلب المضطرّ من الخلق إلى الحقّ.(11:36)

أبو حيّان: [بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

تشبيه أوّاه من أوّه بلئّال من اللّؤلؤ ليس بجيّد،لأنّ مادّة أوّه موجودة في صورة أوّاه،و مادّة لؤلؤ مفقودة في لأّل،لاختلاف التّركيب؛إذ لأّل ثلاثيّ و لؤلؤ رباعيّ، و شرط الاشتقاق التّوافق في الحروف الأصليّة.

(5:106)

الطّباطبائيّ: تعليل لوعد إبراهيم و استغفاره لأبيه،بأنّه تحمّل جفوة أبيه،و وعده وعدا حسنا لكونه حليما،و استغفر له لكونه أوّاها.و الأوّاه هو الكثير التّأوّه خوفا من ربّه و طمعا فيه.(9:398)

المصطفويّ: المؤمن العارف باللّه،لا يزال متوجّعا في قبال قصوره و عجزه و فتوره،و حزينا لما يفوت عنه من وظائف العبوديّة للّه المتعال،و متأثّرا و متألّما عمّا لا يقدر أن يعبد و يطيع كما ينبغي و يليق لعزّ جلاله و عظمته؛فيدوم خضوعه و خشوعه،و لا يزال يدرك

ص: 315

فقره و قصوره و ذلّه في نفسه،و هذا المعنى من لوازم الحلم و الإنابة.

فإنّ الحلم هو طمأنينة النّفس و سكونها؛بحيث لا يحرّكها الغضب حتّى يحجب العقل و يضعف الإدراك و العمل الصّالح.

و الإنابة هو الرّجوع إلى اللّه المتعال،و التّوجّه إليه و الانقطاع عن العلائق المادّيّة.فإذا حصل الحلم و الإنابة يتمكّن صاحبه من الحزن في نفسه،فهو أوّاه.

فالأوّاه هو الّذي يظهر الحزن و التّوجّع إمّا من جهة قصوره،و إمّا بلحاظ الحبّ و الشّوق،أو بسبب وجود عوالق و علائق مادّيّة تمنع عن الوصول إلى ما يحبّ و يريد و عن إدراك ما يتوجّه إليه.(1:169)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو التّوجّع،و يعبّر عنه بصوت يخرج من الجوف أو الحلق لينجلي الهمّ و ينقشع الغمّ.

و يخرج هذا الصّوت بألحان عديدة منها:آه،و أوه، و أوّه.ثمّ اشتقّوا منه أفعالا،يقال:آه يئوه أوها،مثل:آب يئوب أوبا،و أوّه تأويها،و تأوّه تأوّها.و منه أيضا:أوّاه، صفة مبالغة.

2-و آه:لفظ طبع يدلّ على سجيّة في الإنسان، تنتابه عند الحزن و الضّجر و التّوجّع.فهو يستعمل من قبل غير العرب أيضا،فقد ورد بهذا اللّفظ في اللّغة الأسبانيّة و التّركيّة و الكرديّة و في غيرها من اللّغات، و يبدل الهاء خاء في الفارسيّة.و نظيره«أوه»الّذي يستعمل في اللّغات العبريّة و الإنجليزيّة و الفرنسيّة و الألمانيّة و غيرها،و يبدل هاؤه خاء أيضا في بعض اللّغات كالرّوسيّة.و بهذا يمكن اعتبار«آه»أصل هذه المادّة،و سائر المشتقّات فرع منه.

3-و يلحظ أنّ الحروف الثّلاثة لهذه المادّة كلّها خفيفة،و لذا جاء معناها خفيفا لا يدلّ على الثّقل و الشّدّة.و هذا الأمر يسري إلى سائر تقاليبها الثّلاثة المستعملة؛فمادّة«ه أ و»تدلّ على الضّعف،يقال:هأى، إذا ضعف.و مادّة«أ ه و»تدلّ على حكاية صوت الضّحك.و تدلّ بعض معاني مادّة«ه و أ»على التّلبية، و هي المطاوعة و الانقياد،و نقيضها الامتناع الّذي يدلّ على الشّدّة و الثّقل.

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء(أوّاه)في آيتين كلتاهما بشأن إبراهيم عليه السّلام:

1- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75

2- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114

و له عند المفسّرين معان مختلفة،بعضها يلتقي مع المعنى اللّغويّ-و هو كثير-مثل:التّوّاب و القانت و الرّجّاع و الشّفيق و الدّعّاء و الخاشع و المتضرّع و المسبّح،و الكثير الذّكر و الدّعاء،و الكثير التّأوّه خوفا من ربّه و طمعا فيه،و المتأوّه أسفا على ما قد فات من قوم نوح من الإيمان،و الكثير التّلاوة،و المستغفر للّه إذا ذكر خطاياه.و البعض الآخر يفترق عن المعنى اللّغويّ إلاّ

ص: 316

بتمحّل مثل:الموقن و الرّحيم و المؤمن و الفقيه و المؤتمن و المعلم للخير...

2-و عزا الفخر الرّازيّ-و تبعه النّيسابوريّ-التّأوّه إلى اختناق ما أسماه«بالرّوح القلبيّ»في داخل القلب عند الحزن،و عند اشتداد حرارته يتفوّه الإنسان بلفظ«أوّه» ذلك النّفس المحترق،ليخفّف بعض ما به.و هذا الرّأي بعيد عن الصّواب،لأنّ الهواء ينبعث من الرّئة لا من القلب، و ما اصطلح عليه من«الرّوح القلبيّ»لا أثر له في علم التّشريح.و قول الخليل أقرب إلى الصّواب؛حيث قال:

«عند التّوجّع يخرج الإنسان نفسه بهذا الصّوت(آه) ليتفرّج ما به»،و المآل واحد.

3-و اختصاص وصف(اوّاه)بإبراهيم لا يعني أنّه خاصّ به و لا سيّما إذا لاحظنا تلك المعاني الّتي لا يخلو عنها نبيّ من الأنبياء،كما أنّ وصف(اوّاب)ورد في داود و سليمان و أيّوب...و وصف صادِقَ الْوَعْدِ مريم:54، في إسماعيل،و مثله كثير.و لكن هذه الأوصاف لا يختصّ بها نبيّ أو أنبياء.و لا يقاس بوصف خاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب:40،الخاصّ بنبيّنا،و وصف«روح اللّه و كلمته»الخاصّ بعيسى عليه السّلام.

و ربّما يقال في وجه الاختصاص:إنّ(أوّاه)ببعض المعاني المتقدّمة عامّ،و ببعضها الآخر-مثل المتأوّه أسفا الّذي يتمثّل في المعنى اللّغويّ لهذا اللّفظ-خاصّ،و هذا المعنى يلحظ بوضوح في الآيتين.فإنّ إبراهيم في آية هود توجّع على قوم لوط،كما يظهر من السّياق: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ* إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ* يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ... هود:74-76.

و أمّا في آية التّوبة فقد أسند(اوّاه)إلى إبراهيم بعد استغفاره لأبيه ثمّ تبرّئه منه: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114.

فالخليل كان له قلب أوّاه؛حيث توجّع على نزول العذاب على قوم هود،بعد أن جادل ملائكة اللّه فيهم، و على الرّجل الّذي كان بمنزلة والده فمات و هو مشرك و لم ينتفع باستغفار إبراهيم له.فلنا أن نعتقد أنّ(اوّاه) صفة ذاتيّة في نفس إبراهيم؛إذ انطوت سريرته على حزن عميق،فطفق يتأوّه كثيرا؛فحاز بذلك الشّهادة الإلهيّة(اوّاه)الّتي ما زالت وساما ربّانيّا له،على مرّ العصور.

4-و نستنتج من ذلك أنّ هذا الحزن العميق من شيخ الأنبياء خليل اللّه لم يكن على ما فاته من متاع الحياة الدّنيا،بل على ما أصاب أباه و قوم لوط من الخذلان و الهلاك.و هذه الرّوح تنبع عن حبّه للّه و للإنسان،فهي تحكي عن إنسانيّة إبراهيم أمام غيره من البشر، لحرمانهم من معرفة اللّه و طاعته الّتي هي المقصد الأعلى و الغاية القصوى من الخلق.فقد صدر الحزن من أهله و وقع في محلّه،و هذا مثل حسرته تعالى على العباد:

يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يس:30،و عليه فمن أشرب أوّاه عنصر الشّفقة و الرّحمة فقد أصاب،و لا يبعد عن الصّواب.

5-و ممّا يجلب النّظر أنّ(اوّاه)جاء في الآيتين

ص: 317

مشفوعا بوصف(حليم)،و في آية هود فقط متلوّا بوصف (منيب)و الحلم كما نعلم:هو التّصبّر على الغضب و الأسى،و عدم الشّكوى في المصيبة و البلوى.و هذا تعبير آخر عن تلك العاطفة البشريّة،و الخلق الإنسانيّ العالي عند إبراهيم؛حيث كاد أن ينقلب حزنه غضبا للرّبّ الّذي خلق مثل هذا المخلوق العنود،أو يشتكي من عدم شموله بالعناية الرّبّانيّة،و عدم إخراجه من الظّلمات إلى النّور،و من الخذلان و الضّلال إلى الصّراط المستقيم.

كاد أن يشتكي و يسبق لسانه بما لا ينبغي لو لا أنّه كان حليما.و لعلّ في قوله تعالى بعد آية التّوبة السّابقة:

وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ التّوبة:115، تلبية و تجاوبا مع ما خطر ببال إبراهيم من توقّع الهداية لأبيه المشرك.

6-و يلاحظ أنّ كلمة(حليم)تأخّرت عن(اوّاه)في الآية الأولى إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ، بينما تقدّمت عليه في الثّانية إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ و هذا ينبئ عن خطورة الموقف و تأكّد الغضب و الحزن في الثّانية،فلو لا أنّه سبق حلمه حزنه لقال ما قال و لفعل ما فعل.و الأمر في الأولى لم يكن بهذه المنزلة،فإنّ الحزن فيها كان على رجل فقط سمّاه أبا،و وعده بأن يستغفر له،و بالفعل قد استغفر له،و لكن فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ و هذا كلّه عذر له يستدعي تخفيف حزنه.

أمّا في الثّانية فالمسألة ليست مسألة رجل،و إنّما هي مسألة قوم دعاهم رسوله و ابن أخته«لوط»إلى اللّه تعالى،ثمّ فوجئوا بالعذاب.فتلك العاطفة الإنسانيّة كانت حسّاسة للغاية،فكادت تنقلب على الرّبّ، فالمناسب تقديم(حليم)على(اوّاه).

و لكنّها على كلّ حال جعلت إبراهيم يجادل الرّبّ في قوم لوط،فهذا قول أو عمل منه تعدّى حلمه.و لعلّ كلمة (منيب)هنا لتدارك ما فاته من الحلم و ما غلب عليه من الغضب؛حيث رجع و تاب عمّا صدر منه،و أناب و تضرّع إلى اللّه تعالى ليغفر عثرته هذه،و لصدور ذلك منه قال تعالى بعد ذلك: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.

7-و ينبغي أن لا نتغافل عن فواصل الآيات في السّورتين،فهي في التّوبة:الرّحيم،النّصير،مؤمنين، و نحوها و يناسبها الحليم،و في هود:عجيب،مجيد، عصيب،يعقوب،مردود،و يناسبها منيب.

8-و أخيرا نرى أنّ وصفي(حليم)و(اوّاه)لإبراهيم في ختام الآيتين جاء في جملة اسميّة مؤكّدة بأداة التّأكيد «إنّ،ل»ممّا يصوّر إنّه إعلان قاطع جازم باختصاص هذا الوصف الجامع به عليه السّلام،فلاحظ مرّة أخرى سياق الآيتين:

إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ

إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ

ص: 318

أ و ي

اشارة

14 لفظا،36 مرّة 17 مكّيّة،19 مدنيّة

في 23 سورة:13 مكّيّة،10 مدنيّة

أوي 1:1 مأواكم 3:2-1

أوينا 1:1 آوى 3:3

آوي 2:2 فآواكم 1:-1

فأووا 1:1 آووا 2:-2

المأوى 4:3-1 آويناهما 1:1

مأواه 3:-3 تؤوي 1:-1

مأواهم 12:2-10 تؤويه 1:1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل: تقول العرب:أوى الإنسان إلى منزله يأوي أويّا و إيواء-و الأويّ أحسن-و آويته إيواء.

و التّأوّي:التّجمّع.و تأوّت الطّير،إذا انضمّ بعضها إلى بعض،فهنّ أويّ،و متأوّيات.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أويت لفلان آوي أوية و أيّة و مأوية و مأواة،إذا رحمته و رثيت له.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:437)

ابن شميّل: أوّيت بالخيل تأوية،إذا دعوتها:

«آووه»،لتريع إلى صوتك.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:651)

الفرّاء: ذكر لي أنّ بعض العرب يسمّي مأوى الإبل:

مأوي،بكسر الواو،و هو نادر.و لم يجئ في ذوات الياء و الواو«مفعل»بكسر العين غير حرفين:مأقي العين، و مأوي الإبل،و هما نادران.و اللّغة العالية فيهما:مأوى و موق و مأق.(الأزهريّ 15:650)

أبو زيد: قالوا:هو المأوى همز،و هو مأوى الإبل و المأواة أيضا؛و ذلك حيث تأوي الإبل باللّيل.(195)

و آويته أنا إيواء،و أويته أيضا،إذا أنزلته بك،فعلت و أفعلت بمعنى.(الجوهريّ 6:2274)

أبو عبيد: يقال:استأويت فلانا،أي سألته أن يأوي لي.(ابن فارس 1:152)

ص: 319

يقال:أويته بالقصر،و آويته بالمدّ،على«أفعلته» بمعنى واحد.و أويت إلى فلان،بالقصر لا غير.

(الأزهريّ 15:650)

ابن قتيبة: يقال:آويت فلانا إليّ،بمدّ الألف،إذا ضممته إليك.و أويت إلى بني فلان،بقصر الألف،إذا لجأت إليهم.(الصّابونيّ 2:301)

ابن دريد: و أويت إلى فلان و آواني هو،و أويت للرّجل،إذا رحمته.و أوى الرّجل إلى الموضع يأوي أويّا، و آويته إلى نفسي إيواء.

و مصدر أوى يأوي أويّا،و آويت إيواء.(1:192)

و أويت إلى الرّجل و أويته أويّا،إذا نزلت به.

(3:494)

المأوى:حيث تأوي إليه.(3:294)

المنذريّ: أنكر أبو الهيثم أن يقال:أويت،بقصر الألف،بمعنى آويت.و يقال:أويت فلانا،بمعنى أويت إليه.(الأزهريّ 15:650)

الأزهريّ: تقول العرب:أوى إلى منزله يأوي أويّا، و آويته أنا إيواء.هذا الكلام الجيّد.

و من العرب من يقول:أويت فلانا،إذا أنزلته بك.

و أويت الإبل،بمعنى آويتها.

و سمعت أعرابيّا فصيحا من بني نمير كان استرعى إبلا جربا،فلمّا أراحها ملث الظّلام نحّاها عن مأوى الإبل الصّحاح،و نادى عريف الحيّ،و قال:ألا أين آوي هذه الإبل الموقّسة؟و لم يقل:أووي.

و روى الرّواة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا يأوي الضّالّة إلاّ ضالّ».هكذا رواه فصحاء المحدّثين،بفتح الياء،و هو عندي صحيح لا ارتياب فيه.

و سمعت الفصيح من بني كلاب يقول لمأوى الإبل:

مأواة،بالهاء.

و يجمع«الآوي»مثال العاوي:أويّا،بوزن عويّا.[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:و يجوز تآوت،بوزن تعاوت،على«تفاعلت».

و قرأت في نوادر الأعراب:تأوّى الجرح،و أوى، و تآوى،و آوى،إذا تقارب للبرء.

و في الحديث:«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يخوّي في سجوده حتّى كنّا نأوي له».

قلت:معنى قوله:«كنّا نأوي له»بمنزلة قولك:كنّا نرثي له،و نرقّ له،و نشفق عليه،من شدّة إقلاله بطنه عن الأرض و مدّه ضبعيه عن جنبيه.(15:649)

الجوهريّ: المأوى:كلّ مكان يأوي إليه شيء ليلا أو نهارا.

و قد أوى فلان إلى منزله يأوي أويّا،على«فعول» و إواء،و منه قوله تعالى: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ هود:43.

و آويته أنا إيواء،و أويته أيضا،إذا أنزلته بك،فعلت و أفعلت بمعنى.

و مأوي الإبل بكسر الواو،لغة في مأوى الإبل خاصّة،و هو شاذّ،و قد فسّرناه في مأق العين،من باب القاف.

و تأوّت الطّير تأوّيا:تجمّعت،و هنّ أويّ-جمع:آو، مثال باك و بكيّ-و متأوّيات.[ثمّ استشهد بشعر]

و أويت لفلان فأنا آوي له أوية و إيّة أيضا-تقلب

ص: 320

الواو ياء لكسرة ما قبلها و تدغم-و مأوية مخفّفة، و مأواة،أي أرثي له و أرقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن آوى،و الجمع بنات آوى.و آوى لا ينصرف، لأنّه«أفعل»و هو معرفة.(6:2274)

ابن فارس: الهمزة و الواو و الياء أصلان:أحدهما:

التّجمّع،و الثّاني:الإشفاق.[ثمّ نقل كلام الخليل إلى أن قال:]

و المأوى:مكان كلّ شيء يأوي إليه ليلا أو نهارا.

و أوت الإبل إلى أهلها تأوي أويّا فهي آوية.

و الأصل الآخر قولهم:أويت لفلان آوي له مأوية، و هو أن يرقّ له و يرحمه.و يقال في المصدر:أيّة أيضا.

(1:151)

الهرويّ: و في الحديث:«كان يصلّي حتّى كنت آوي له»أي أرقّ و أرثي له،يقال:آويت له (1)،فأنا آوي إيّة و مأوية.

و في حديث وهب:«إنّ اللّه قال:إنّي أويت على نفسي أن أذكر من ذكرني».

قال القتيبيّ:هذا غلط،إلاّ أن يكون من المقلوب، و الصّحيح:وأيت،من«الوأي»و هو الوعد.يقول:جعلته وعدا على نفسي.

و في الحديث:«أنّه قال للأنصار:أبايعكم على أن تأووني و تنصروني».

قال الأزهريّ:أوى و آوى بمعنى واحد،و أوى لازم و متعدّ.

و في حديث آخر:«لا يأوي الضّالّة إلاّ ضالّ».

(1:111)

الطّوسيّ: الإيواء:ضمّ القادر غيره من الأحياء الّذين من جنس ما يعقل إلى غيره أو ناحيته،تقول:

آويت الإنسان آويه إيواء،و أوى هو يأوي أويّا،إذا انضمّ إلى مأواه.(8:355)

مثله الطّبرسيّ.(4:663)

الإيواء:ضمّ المحبوب و تصييره إلى موضع الرّاحة، و منه المأوى:المنزل الّذي يأوي إليه صاحبه للرّاحة فيه.

(6:168)

الإيواء:ضمّ الإنسان صاحبه إليه بإنزاله عنده و تقريبه له،تقول:آواه يؤويه إيواء،و أوى يأوي أويّا، و أويت:معناه رجعت إلى المأوى.(5:189)

مثله الطّبرسيّ.(2:561)

الرّاغب: المأوى:مصدر أوى يأوي أويّا و مأوى، تقول:أوى إلى كذا:انضمّ إليه يأوي أويّا و مأوى،و آواه غيره يؤويه إيواء.قال عزّ و جلّ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ الكهف:10،و قال تعالى: سَآوِي إِلى جَبَلٍ هود:43،و قال تعالى: آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:69،و قال: تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ الأحزاب:

51، وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ المعارج:13،و قوله تعالى:

جَنَّةُ الْمَأْوى النّجم:15،كقوله:«دار الخلود»في كون الدّار مضافة إلى المصدر،و قوله تعالى: مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ آل عمران:197،اسم للمكان الّذي يأوي إليه.

و أويت له:رحمته أويا و إيّة و مأوية و مأواة، و تحقيقه رجعت إليه بقلبي آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:م.

ص: 321


1- كذا،و الصّواب«أويت له»،كما أجمع عليه أرباب المعاجم.

69،أي ضمّه إلى نفسه،يقال:آواه،و أواه.(34)

الزّمخشريّ: اللّهمّ آوني إلى ظلّ كرمك و عفوك.

و تقول:أنا أهوي إلى معاقلك هويّا،و آوي إلى ظلالك أويّا.و ما لفلان امرأة تؤويه.

و قال ابن عبّاس للأنصار رضي اللّه عنهم: بالإيواء و النّصر ألاّ جلستم.و أنتم مأوى المحاويج.و تألّبوا عليّ و تآووا،ثمّ شنّعوا عليّ و تعاووا.

و أويت عن كذا،إذا تركته،و أويت لفلان:رثيت له أيّة و مأوية.

و تقول:وجدني يتيما فآوى،و شهّرني و أنا أخمل من ابن آوى.(أساس البلاغة:13)

ابن الأثير: فيه:«كان عليه السّلام يخوّي في سجوده حتّى كنّا نأوي له».

و في حديث آخر:«كان يصلّي حتّى كنت آوي له» أي أرقّ له و أرثي.

و منه حديث المغيرة:«لا تأوي من قلّة»أي لا ترحم زوجها و لا ترقّ له عند الإعدام.

و منه قوله:«لا قطع في ثمر حتّى يأويه الجرين»أي يضمّه البيدر و يجمعه.

و منه:«لا يأوي الضّالّة إلاّ ضالّ».

كلّ هذا من أوى يأوي،يقال:أويت إلى المنزل و أويت غيري و آويته.و أنكر بعضهم القصور المتعدّي، و قال الأزهريّ:هي لغة فصيحة.

و من المقصور اللاّزم الحديث الآخر«أمّا أحدهم فأوى إلى اللّه»أي رجع إليه.

و من الممدود حديث الدّعاء:«الحمد للّه الّذي كفانا و آوانا»أي ردّنا إلى مأوى لنا،و لم يجعلنا منتشرين كالبهائم.و المأوى:المنزل.(1:82)

الفيّوميّ: أوى إلى منزله يأوي،من باب «ضرب»أويّا:أقام.و ربّما عدّي بنفسه فقيل:أوى منزله.

و المأوى،بفتح الواو:لكلّ حيوان مسكنه.و سمع مأوي الإبل بالكسر شاذّا،و لا نظير له في المعتلّ،و بالفتح على القياس.

و مأوى الغنم:مراحها الّذي تأوي إليه ليلا.

و آويت زيدا بالمدّ في التّعدّي،و منهم من يجعله ممّا يستعمل لازما و متعدّيا فيقول:أويته وزان«ضربته» و منهم من يستعمل الرّباعيّ لازما أيضا،و ردّه جماعة.

و«ابن آوى»قال في«المجرّد» (1):هو ولد الذّئب.

و لا يقال للذّئب:آوى،بل هذا اسم وقع عليه،كما قيل للأسد:أبو الحارث،و للضّبع:أمّ عامر.و المشهور أنّ«ابن آوى»ليس من جنس الذّئب بل صنف متميّز.

و في التّثنية و الجمع:ابنا آوى و بنات آوى،و هو غير منصرف للعلميّة و وزن الفعل.(1:32)

الفيروزآباديّ: أويت منزلي و إليه أويّا بالضّمّ و يكسر،و أوّيت تأوية،و تأوّيت و اتّويت و ائتويت:

نزلته بنفسي و سكنته.

و أويته و أوّيته و آويته:أنزلته.

و المأوى و المأوي و المأواة:المكان.

و تأوّت الطّير و تآوت:تجمّعت.

و طير أويّ كجثيّ:متأوّيات.ّ.

ص: 322


1- المجرّد:كتاب لأبي الحسن عليّ بن الحسن الهنائيّ.

و أوى له كروى أوية و أيّة و مأوية و مأواة:رقّ، كائتوى.(4:303)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أوى البيت أو إلى البيت:نزل فيه،و أوى لحاله:رقّ له،و آوى فلانا:أنزله و أسكنه.و المأوى:المكان الّذي تأوي إليه.(1:52)

مجمع اللّغة: أوى المكان و إليه يأوي أويّا و إويّا:

نزله و في نزول المكان معنى الانضمام و الالتجاء.

و آواه غيره يؤويه إيواء:ضمّه و أنزله.

و المأوى:اسم للمكان الّذي يؤوى إليه.(1:70)

المراغيّ: أوى إلى المكان:اتّخذه مأوى و مكانا له.

(15:121)

الطّباطبائيّ: «الإيواء»من الأويّ،و أصله الرّجوع،ثمّ استعمل في رجوع الإنسان إلى مسكنه و مقرّه.و آواه إلى مكان كذا،أي جعله مسكنا له.

(15:35)

العدنانيّ: أويت إلى المنزل،أويت المنزل.

و يخطّئون من يقول:أويت المنزل،و يقولون:إنّ الصّواب هو:أويت إلى المنزل،اعتمادا على قوله تعالى:

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً... الكهف:10،و على ورود«أوى إليه»خمس مرّات أخرى في آي الذّكر الحكيم.و اعتمدوا أيضا على الصّحاح و معجم مقاييس اللّغة،و شرح ديوان الحماسة للمرزوقيّ،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و المغرب،و المختار.

و لكن أجاز الجملتين:أوى إلى المنزل،و أوى المنزل كلتيهما كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و المحكم، و اللّسان،و المصباح الّذي قال:و ربّما عدّي بنفسه فقيل:

أوى منزله،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط.

و قال ابن الأثير في«النّهاية»في شرح الحديث:

«لا يأوي الضّالّة إلاّ ضالّ»كلّ هذا من أوى يأوي.

يقال:أويت إلى المنزل،و أويت غيري و آويته.

و أنكر بعضهم المقصور المتعدّي«أويت المنزل»، و قال الأزهريّ:هي لغة فصيحة.

و فعله:أوى إلى المكان أو المكان،يأوي أويّا،و إويّا عن الفرّاء،و إواء،و مأوى:نزله بنفسه و سكنه.

أمّا الأمر من أوى فهو«إيو»لذا قل:

1-أويت إلى المنزل،فالمنزل مأويّ إليه.

2-أويت المنزل،فالمنزل مأويّ.

و الجملة الأولى أعلى.

أويته و آويته

و يخطّئون من يقول:أويت فلانا:(أسكنته)، و يقولون:إنّ الصّواب هو:آويت فلانا،اعتمادا على الآية 69،من سورة يوسف: وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ أي:ضمّه إليه.و قد ورد الفعل«آوى» المتعدّي تسع مرّات في آي الذّكر الحكيم،و الفعل«أوى» اللاّزم خمس مرّات،منها قوله تعالى في الآية العاشرة من سورة الكهف: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ.

و يعتمدون أيضا على ما قاله أبو الهيثم«العبّاس بن محمّد»،و على ما جاء في«غريب القرآن»للسّجستانيّ، و على قول الحريريّ في المقامة الفرضيّة:«يبتغي الإيواء»و«و في إيوائي أفضل قربة»،و على الأساس.

ص: 323

و لكن يجيز استعمال الفعلين أويته و آويته:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أبو زيد الأنصاريّ،و أبو عبيد البكريّ،و أدب الكاتب في باب أبنية الأفعال، و الأزهريّ الّذي قال:إنّ«آواه»أعلى،و الصّحاح، و المحكم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و النّهاية، و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و المعجم الكبير،و الوسيط.

و لم يرد الفعل«أوى»في حماسة أبي تمّام إلاّ لازما في قول برج بن مسهر:

نطوّف ما نطوّف ثمّ يأوي ذوو الأموال منّا و العديم

إلى حفر أسافلهنّ جوف و أعلاهنّ صفّاح مقيم

و فعله:أوى فلانا يأويه أويّا،و إويّا،و إواء.

و هناك المأوى،و المأوي،و المأواة،و معناها:المكان.

أمّا ورود الفعلين أوى و آوى في الحديث الشّريف، فقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:

أ-«لا يأوي الضّالّة إلاّ ضالّ».

ب-و في حديث البيعة أنّه قال للأنصار:«أبايعكم على أن تؤووني و تنصروني»أي:تضمّوني إليكم، و تحوطوني بينكم.

ج-و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أمّا أحدهم فأوى إلى اللّه»أي:

رجع إليه.

د-و جاء في حديث الدّعاء:«الحمد للّه الّذي كفانا و آوانا».

و من معاني أوى:

1-أوى المكان،و إليه:نزله بنفسه و سكنه.جاء في الآية 43،من سورة هود: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ.

2-أوى إليه:عاد إليه.

3-أوى إلى فلان:نزل عليه:قال مسلم بن الوليد:

فجاور بني الصّبّاح تعقد بذمّة

و تأو إلى حصن منيع و معقل

4-أوى عن كذا:تركه.

5-أوى لفلان و إليه أوية«اللّسان،و المدّ،و أقرب الموارد و المعجم الكبير»،و أيّة«اللّسان،و المدّ،و أقرب الموارد،و المعجم الكبير»،و إيّة«الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و ابن برّيّ،و المغرب،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن».

و مأوية،و مأواة«تكاد المعاجم كلّها تذكر المصدرين الأخيرين».

أمّا معنى أوى له و إليه فهو:رحمه،و رثى له.

6-أوى الشّيء:أ-ضمّه إليه.

ب-احتواه.

7-أوى فلانا:أ-نزل عليه.

ب-أنزله عنده.

8-أوى الجرح يأوي أويّا:أوشك أن يبرأ.

و من معاني آوى:

1-آوى الجرح إيواء:أوشك أن يبرأ.

2-آوى الشّيء:جعل له مأوى.

3-آوى فلانا:أنزله عنده و ضمّه إليه.

أمّا الفعل أوّيته فيحمل معنى:أويته و آويته.(38) محمود شيت:1-أ-أوى الجرح:قرب برؤه.

ص: 324

و أوى له و إليه أويا و مأوية،و مأواة:رقّ له و رحمه.

و أوى عن كذا:تركه.و أوى المكان،و إليه أويّا:نزله.

و أوى إليه:عاد.و أوى:لجأ.و أوى فلانا:أنزله عنده،أو نزل هو عنده.

ب-آوى الجرح إيواء:أوى،و آوى فلانا:أسكنه و أنزله.

ج-أوّى إلى المكان:أوى،و أوّى فلانا:آواه.

د-ائتوى المكان:نزله.و ائتوى إليه:عاد.و ائتوى إليه:لجأ.ائتوى لفلان:رحمه و رقّ.

ه-تآووا:أوى بعضهم إلى بعض،يقال:تألّبوا عليّ و تآووا.

و-المأوى:الّذي يؤوى إليه.يقال:فلان مأوى المحاويج،جمعه:مآو.

2-أ-أوى الجرح:قرب برؤه.

ب-تآووا:تجمّعوا بعد تفرّق.لجأ بعضهم إلى بعض.

ج-المأوى:مأوى الدّروع.مأوى الدّبّابات.مأوى الحيوانات.مأوى السّيّارات«الكراج»مأوى النّاقلات.

مأوى الحافلات.(1:59)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو السّير ابتداء أو عودا إلى مقام مادّيّا أو معنويّا، بقصد السّكنى و الاستقرار أو الاستراحة.(1:171)

النّصوص التّفسيريّة

اوى

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً... الكهف:10

الطّوسيّ:أي حين جاء أصحاب الكهف إلى الكهف.(7:12)

البغويّ:أي صاروا إلى الكهف،يقال:أوى فلان إلى موضع كذا أي اتّخذه منزلا إلى الكهف.(4:160)

الميبديّ:و معنى(اوى)صار إليه و جعله مأواه.

(5:649)

مثله النّيسابوريّ(15:104)،و الفخر الرّازيّ(21:

83)،و نحوه الآلوسيّ(15:210).

البروسويّ: (اذ اوى)ظرف ل(عجبا)أو مفعول لأذكر،أي اذكر حين صار و أتى و انضمّ و التجأ.

(5:219)

المصطفويّ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ الكهف:10،أي قصدوا الكهف و ساروا إليه ليستريحوا فيه،و ليتخلّصوا من شرّ الأعداء.

إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ... الكهف:63،أي حين أن قصدناها للاستراحة.

سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي... هود:43،أي أسير إليه للتّخلّص من الماء و العصمة.

آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:69،أي دعاه ليجلسه عنده و يضمّه إليه و يجعله في كنفه.

هذا هو المعنى الحقيقيّ،و أمّا التّجمّع و الإشفاق و الانضمام و الرّقّة و الرّحمة و العود و غيرها،فهي من لوازم هذا المعنى،تستفاد منها بالقرائن.

فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:39، وَ مَأْواكُمُ النّارُ... العنكبوت:25، وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ الأنفال:16 وَ مَأْواهُمُ النّارُ آل عمران:

ص: 325

151،فإنّ من طغى عن سبيل الحقّ و آثر الحياة الدّنيا على الحياة العليا و اتّخذ من دون اللّه أربابا و نسي لقاء اللّه، فإنّ مسيره و مأواه ليس إلاّ الجحيم،و لا يرى مأوى له إلاّ النّار،و لا يجد مقاما للاستراحة إلاّ جهنّم و بئس المصير.و هذا المأوى اختياره بسوء نظره،كما أنّ الحياة الدّنيا في هذه النّشأة المادّيّة إنّما تحقّقت و اختيرت بسوء انتخابه و اختياره،فهو لا يحبّ سواه و لا يريد غيره و لا يختار إلاّ النّار و لا يسير إلاّ إليه.(1:171)

ساوى-آوي

1- قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ...

هود:43

الطّبريّ: سأصير إلى جبل أتحصّن به من الماء، فيمنعني منه أن يغرقني.(12:45)

مثله المراغيّ.(12:38)

الطّوسيّ: أي سأرجع إلى مأوى من جبل.

يعصمني من الماء،أي يمنعني منه.يقال:أوى يأوي أويّا، إذا رجع إلى منزل يقيم فيه.(5:561)

نحوه الطّبرسيّ.(3:164)

القرطبيّ: أرجع و أنضمّ.(9:39)

الخازن: سألتجئ و أصير.(3:191)

مثله البروسويّ(4:131)،و نحوه رشيد رضا(12:

78).

2- قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.

هود:80

أبو عبيدة: من قولهم:آويت إليك و أنا آوي إليك أويّا،و المعنى صرت إليك و انضممت.(1:294)

مثله الطّبريّ.(12:88)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،و المراد بها:لو كنت آوي إلى كثرة من قومي و عدد من أهلي.و جعلهم ركنا له،لأنّ الإنسان يلجأ إلى قبيلته،و يستند إلى أعوانه و منعته،كما يستند إلى ركن البناء الرّصين و النّضد الأمين.

(163)

الزّمخشريّ: و قرئ (او آوي) بالنّصب،بإضمار «أن»كأنّه قيل:لو أنّ لي بكم قوّة أو آويا.[ثمّ استشهد بشعر](2:283)

مثله أبو البركات.(2:25)

القرطبيّ: أي ألجأ و أنضوي.و قرئ (او آوي) بالنّصب،عطفا على(قوّة)كأنّه قال:لو أنّ لي بكم قوّة أو إيواء إلى ركن شديد،أي و أن آوي،فهو منصوب بإضمار «أن».(9:78)

نحوه الآلوسيّ.(12:108)

الطّباطبائيّ: يقال:أوى إلى كذا يأوي أويّا و مأوى،أي انضمّ إليه،و آواه إليه يؤويه إيواء،أي ضمّه إليه.(10:341)

فاووا

وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ. الكهف:16

الطّبريّ: فصيروا إلى غار الجبل.(15:209)

الطّوسيّ: أي اجعلوه مأواكم و مقرّكم.و قوله:

ص: 326

(فاووا)جواب(اذ)،كما تقول:إذ فعلت قبيحا،فتب.

(7:19)

الفخر الرّازيّ: اذهبوا إليه و اجعلوه مأواكم.

(21:99)

أبو حيّان: أي اجعلوه مأوى لكم،تقيمون فيه و تأوون إليه.(6:106)

الماوى

1- عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. النّجم:15

كعب الأحبار: جَنَّةُ الْمَأْوى: جنّة فيها طير خضر،ترتع فيها أرواح الشّهداء.(ابن القيّم:455)

ابن عبّاس: هي الجنّة الّتي يأوي إليها جبريل و الملائكة.(ابن القيّم:455)

هي يمين العرش،و هي منزل الشّهداء.

(الطّبريّ 27:55)

إنّها الجنّة الّتي يصير إليها أرواح الشّهداء.

(القرطبيّ 17:96)

مثله الكلبيّ،و مقاتل.(الميبديّ 9:361)

الحسن:هي الّتي يصير إليها المتّقون.

(القرطبيّ 17:96)

هي الّتي يصير إليها أهل الجنّة.(الطّوسيّ 9:426)

قتادة: هي الجنّة الّتي كان آوى إليها آدم و تصير إليها أرواح الشّهداء.

مثله الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 5:175)

الفرّاء: قد ذكر عن بعضهم: جَنَّةُ الْمَأْوى يريد أجنّة،و هي شاذّة،و هي الجنّة الّتي فيها أرواح الشّهداء.(3:97)

الطّبريّ: عند سدرة المنتهى جنّة مأوى الشّهداء.

(27:55)

الطّوسيّ: معناه عند سدرة المنتهى جنّة المقام و هي جنّة الخلد،و هي في السّماء السّابعة.و قيل:إنّه يجتمع إليها أرواح الشّهداء.(9:426)

مثله الطّبرسيّ.(5:175)

الميبديّ: قيل:هي الجنّة الّتي وعد المتّقون.

و المأوى مصدر،تقديره:جنّة الرّجوع.قيل:سمّيت جنّة المأوى لأنّ أرواح الشّهداء تسرح في الجنّة و تعلق من أشجارها،ثمّ تأوي إلى قناديل فيها تحت العرش.

(9:361)

ابن الجوزيّ: قرأ سعيد بن المسيّب و الشّعبيّ،و أبو المتوكّل،و أبو الجوزاء،و أبو العالية (جَنَّةُ الْمَأْوى) بهاء صحيحة مرفوعة.

قال ثعلب: يريدون«أجنّة»و هي شاذّة.و قيل:

معنى(عندها)أدركه المبيت،يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(8:69)

الفخر الرّازيّ: و في«الجنّة»خلاف،قال بعضهم:

(جَنَّةُ الْمَأْوى) هي الجنّة الّتي وعد بها المتّقون،و حينئذ الإضافة كما في قوله تعالى: دارَ الْمُقامَةِ... فاطر:

35.و قيل:هي جنّة أخرى،عندها يكون أرواح الشّهداء.و قيل:هي جنّة للملائكة.

و قرئ (جنّة) بالهاء،من جنّ بمعنى أجنّ،يقال:جنّ اللّيل و أجنّ؛و على هذه القراءة يحتمل أن يكون الضّمير في قوله:(عندها)عائدا إلى«النّزلة»،أي عند النّزلة جنّ

ص: 327

محمّدا المأوى،و الظّاهر أنّه عائد إلى«السّدرة»و هي الأصحّ.

و قيل:إنّ عائشة أنكرت هذه القراءة،و قيل:إنّها أجازتها.(28:292)

القرطبيّ: تعريف بموضع جَنَّةُ الْمَأْوى و أنّها عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى النّجم:14،و قرأ عليّ، و أبو هريرة،و أنس،و أبو سبرة الجهنيّ،و عبد اللّه بن الزّبير،و مجاهد (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) يعني جنّة المبيت.قال مجاهد:يريد أجنّة،و الهاء للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال الأخفش: أدركه،كما تقول:جنّه اللّيل،أي ستره و أدركه.و قراءة العامّة جَنَّةُ الْمَأْوى. [ثمّ ذكر أقوال السّابقين](17:96)

نحوه أبو حيّان.(8:159)

ابن القيّم: المأوى«مفعل»من أوى يأوي،إذا انضمّ إلى المكان و صار إليه،و استقرّ به.[و بعد نقل قول ابن عبّاس و الكلبيّ قال:]

و الصّحيح أنّه اسم من أسماء الجنّة،كما قال تعالى:

وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:40،41،و قال في النّار: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:39، و قال: وَ مَأْواكُمُ النّارُ... العنكبوت:25.(455)

البروسويّ: و الجملة حاليّة.قيل:الأحسن أن يكون الحال هو الظّرف و (جَنَّةُ الْمَأْوى) مرتفع به بالفاعليّة.و إضافة الجنّة إلى المأوى مثل إضافة«مسجد الجامع»،أي الجنّة الّتي يأوي إليها المتّقون،أي تنزل فيها و تصير و تعود إليها أرواح الشّهداء.يقال:أويت منزلي و إليه أويا و أويّا:عدت،و أويته:نزلته بنفسي،و المأوى:

المكان.(9:226)

العامليّ: المأوى و ما يدلّ عليه كأوى و نحوه، و أصل المأوى:المنزل و المرجع،و يقال:أوى إلى المنزل و يأوي مقصورا،أي رجع إليه و نزله.و آواه إليه ممدودا، يعني ضمّه إليه.و يقال:آوانا،أي ردّنا إلى مأوى لنا.

و كلّ من المقصور و الممدود لازم و متعدّ،و سيأتي في «اليتيم»ما يدلّ على تأويل قوله تعالى: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى... الضّحى:6،بأن وجدك فردا وحيدا فآوى إليك النّاس،و هو دالّ على كونه مأوى للمؤمنين في الدّنيا و الآخرة،و به يصير الجنّة أيضا مأواهم.

و ظاهر أنّ أوصياءه الأئمّة أيضا كذلك،و بإطاعتهم و ولايتهم الّتي هي إطاعة اللّه و رسوله و ولايتهما تكون الجنّة مأوى في الآخرة،و على حسب المقابلة يكون أئمّة الجور و الضّلال مأوى غير المؤمنين؛و بذلك تكون النّار مأواهم في القيامة.

فالمؤمن مأواه في الدّنيا النّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام،و في الآخرة الجنّة.و غير المؤمن مأواه أولئك الأئمّة في الدّنيا، و في الآخرة النّار؛إذ ظاهر أنّ الرّجوع إلى شخص في الأمور الدّينيّة و الدّنيويّة هو معنى جعله و اتّخاذه مأوى.(89)

الآلوسيّ: (الماوى)على ما نصّ عليه الجمهور اسم مكان،و إضافة«الجنّة»إليه بيانيّة.و قيل:من إضافة الموصوف إلى الصّفة كما في«مسجد الجامع» و تعقّب بأنّ اسم المكان لا يوصف به،و الجملة حاليّة.

و قيل:الحال هو الظّرف،و(جنّة)مرتفع به على

ص: 328

الفاعليّة.

و قرأ عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،و أبو الدّرداء،و أبو هريرة،و ابن الزّبير،و أنس،و زرّ،و محمّد بن كعب، و قتادة، (جنّة) بهاء الضّمير و هو ضمير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و جنّ فعل ماض،أي عندها ستره إيواء اللّه تعالى،و جميل صنعه به،أو ستره المأوى بظلاله.و دخل فيه على أنّ (المأوى)مصدر ميميّ،أو اسم مكان،و(جنّه)بمعنى ستره.

قال أبو البقاء: شاذّ و المستعمل«أجنّه»و لهذا قالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها،و كذا جمع من الصّحابة رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين:من قرأ به فأجنّه اللّه تعالى،أي جعله مجنونا،أو أدخله الجنن و هو القبر.

و أنت تعلم أنّه إذا صحّ أنّه قرأ به الأمير كرّم اللّه تعالى وجهه و من معه من أكابر الصّحابة فليس لأحد ردّه من حيث الشّذوذ في الاستعمال،و عائشة قد حكي عنها الإجازة أيضا.(27:51)

الطّباطبائيّ: أي الجنّة الّتي يأوي إليها المؤمنون، و هي جنّة الآخرة.فإنّ جنّة البرزخ جنّة معجّلة محدودة بالبعث،قال تعالى: فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:19،و قوله: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى -إلى أن قال- فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:34،41،و هي في السّماء على ما يدلّ عليه قوله تعالى: وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ الذّاريات:22،و قيل:المراد بها جنّة البرزخ.(19:31)

بنت الشّاطئ: المأوى:المكان يؤوى إليه و يلاذ به و يسكن فيه.و لم يستعمله القرآن إلاّ في الحياة الآخرة، إمّا مع الجنّة:السّجدة:19،النّجم:15،النّازعات:41، و إمّا مع الجحيم أو النّار أو جهنّم و بئس المصير:آل عمران:151،162،197،الأنفال:16،المائدة:72، الحديد:15،العنكبوت:25،الجاثية:34،النّساء:97، 121،يونس:8،الإسراء:97،السّجدة:20،التّوبة:

73،95،التّحريم:9،الرّعد:18،النّور:57،النّازعات:

39.

و هو صنيع يشهد بأنّ القرآن الكريم لا يعترف بغير الدّار الآخرة مأوى.و يلحظ فيه من قرب،أنّها نهاية المطاف و غاية المصير.

أمّا الفعل من«أوى»فيأتي في القرآن 14 مرّة، لا يخطئ الحسّ فيها جميعا معنى المأمن و الحمى و الملاذ، إمّا حقيقة في مثل آيات:

أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى... الضّحى:6.

وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا... الأنفال:72،74.

فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ الأنفال:26،و معها آيات:الكهف:10،16،63،و يوسف:69،99، و المؤمنون:50،و الأحزاب:51.

و إمّا على سبيل الرّجاء:

قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هود:80.

أو الوهم:

قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود:43.

يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ

ص: 329

يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ* وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ المعارج:11-13.(1:141)

2- فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى. النّازعات:41

الزّجّاج: تقديره:هي المأوى له،و لا يكون بدلا من الهاء،كما لا يكون بدلا من الكاف في قولك:غضّ الطّرف.

[ثمّ استشهد بشعر](الطّوسيّ 10:264)

الطّوسيّ: أي هي مقرّه و مأواه،فالألف و اللاّم تعاقب الضّمير،كقولهم:مررت بحسن الوجه،أي حسن وجهه.(10:264)

3- فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى. النّازعات:39

الزّجّاج: و معنى (هِيَ الْمَأْوى) أي هي المأوى له، و قال قوم:الألف و اللاّم بدل من الهاء،المعنى فهي مأواه، لأنّ الألف و اللاّم بدل من الهاء،و هذا كما تقول للإنسان:

غضّ الطّرف يا هذا.فلابس الألف و اللاّم بدلا من الكاف و إن كان المعنى غضّ طرفك،لأنّ المخاطب يعلم أنّك لا تأمره بغضّ طرف غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:281)

نحوه القيسيّ(2:456)،و أبو البركات(2:493).

الطّوسيّ: أي النّار مثواه و مستقرّه و موضع مقامه.(10:264)

الزّمخشريّ: المعنى فإنّ الجحيم مأواه،كما تقول للرّجل:غضّ الطّرف،تريد طرفك.و ليس الألف و اللاّم بدلا من الإضافة و لكن لمّا علم أنّ الطّاغي هو صاحب المأوى و أنّه لا يغضّ الرّجل طرف غيره تركت الإضافة، و دخول حرف التّعريف في المأوى و الطّرف للتّعريف، لأنّهما معروفان.(4:215)

نحوه الشّربينيّ.(4:482)

الفخر الرّازيّ: تقدير الآية:فإنّ الجحيم هي المأوى له،ثمّ حذفت الصّلة لوضوح المعنى،كقولك للرّجل:غضّ الطّرف أي غضّ طرفك.و عندي فيه وجه آخر،و هو أن يكون التّقدير:فإنّ الجحيم هي المأوى اللاّئق بمن كان موصوفا بهذه الصّفات و الأخلاق.

(31:51)

الآلوسيّ: أي مأواه،على ما رآه الكوفيّون من أنّ «أل»عوض عن المضاف إليه الضّمير،و بها يحصل الرّبط.أو المأوى له،على رأي البصريّين،من عدم كونها عوضا و رابطا.و هذا الحذف هنا للعلم بأنّ الطّاغي هو صاحب المأوى،و حسّنه وقوع المأوى فاصلة و هو الّذي اختاره الزّمخشريّ.و«هي»إمّا ضمير فصل لا محلّ له من الإعراب،أو ضمير جهنّم مبتدأ،و الكلام دالّ على الحصر،أي كأنّه قيل:فإنّ الجحيم هي مأواه أو المأوى له،لا مأوى له سواها.(30:36)

4- أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. السّجدة:19

الطّبريّ: يعني بساتين المساكن الّتي يسكنونها في الآخرة،و يأوون إليها.(21:107)

الطّوسيّ: (الماوى)المقام،أي لهم هذه البساتين الّتي وعدهم اللّه بها يأوون إليها.(8:304)

الزّمخشريّ: نوع من الجنان،قال اللّه تعالى:

ص: 330

وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى* عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى النّجم:13-15،سمّيت بذلك لما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال:تأوي إليها أرواح الشّهداء،و قيل:هي عن يمين العرش.و قرئ (جَنَّةُ الْمَأْوى) على التّوحيد.(3:244)

نحوه النّيسابوريّ(21:67)،و الطّريحيّ(1:37)، و النّسفيّ(3:290).

القرطبيّ: أخبر عن مقرّ الفريقين غدا،فللمؤمنين جنّات المأوى،أي يأوون إلى الجنّات،فأضاف الجنّات إلى المأوى،لأنّ ذلك الموضع يتضمّن جنّات.

(14:106)

الآلوسيّ: تفصيل لمراتب الفريقين بعد نفي استوائهما،و قيل:بعد ذكر أحوالهما في الدّنيا.و أضيفت الجنان إلى المأوى لأنّها المأوى و المسكن الحقيقيّ،و الدّنيا منزل مرتحل عنه لا محالة.

و قيل:(الماوى)علم لمكان مخصوص من الجنان ك«عدن»،و قيل:جنّة المأوى لما روي عن ابن عبّاس:

أنّها تأوي إليها أرواح الشّهداء،و روي أنّها عن يمين العرش.و لا يخفى ما في جعله علما من البعد.

و أيّاما كان فلا يبعد أن يكون فيه رمز إلى ما ذكر من تجافيهم عن مضاجعهم الّتي هي مأواهم في الدّنيا.

و قرأ طلحة (جَنَّةُ الْمَأْوى) بالإفراد.(21:133)

مأواه

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. الأنفال:16

البروسويّ: المأوى:المكان الّذي يأوي إليه الإنسان،أي يأتيه.(3:324)

مثله المراغيّ.(9:178)

رشيد رضا: و مأواه الّذي يلجأ إليه في الآخرة جهنّم دار العقاب،و بئس المصير جهنّم.كأنّ المنهزم أراد أن يأوي إلى مكان يأمن فيه من الهلاك فعوقب على ذلك،بجعل عاقبته الّتي يصير إليها دار الهلاك و العذاب الدّائم،أي جوزي بضدّ غرضه من معصية الفرار.

و قد تكرّر في التّنزيل التّعبير عن جهنّم و النّار بالمأوى،و هو إمّا من قبيل ما هنا و إمّا للتّهكّم المحض، فإنّك إذا راجعت استعمال هذا الحرف في غير هذا المقام من التّنزيل تجده لا يذكر إلاّ في مقام النّجاة من خوف أو شدّة،كقوله تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ الكهف:10،و قوله: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هود:

80،و قوله: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ هود:43،و قوله: وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا... الأنفال:

72.(9:617)

مأواهم

1- أُولئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

يونس:8

الميبديّ: أي مصيرهم و مرجعهم.(4:252)

القرطبيّ: أي مثواهم و مقامهم.(8:312)

نحوه البروسويّ(4:18)،و الآلوسيّ(11:73).

رشيد رضا: المأوى في أصل اللّغة:الملجأ الّذي

ص: 331

يأوى إليه المتعب أو الخائف أو المحتاج من مكان آمن أو إنسان نافع،كما ترى في استعمال أفعاله في جميع الآيات، كقوله تعالى: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الضّحى:6، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ الكهف:10، وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا الأنفال:72، آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:

69، أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هود:80،إلاّ لفظ (الماوى)فإنّه أطلق على«الجنّة»في ثلاث آيات، و على«النّار»في بضع عشرة آية،منها آية يونس هذه.

و في تسمية دار العذاب مأوى معنى دقيق في البلاغة دخيل في أعماقها،فائض من جميع أرجائها،يشعرك بأنّ أولئك المطمئنّين بالشّهوات و الغافلين عن الآيات ليس لهم مصير يلجئون إليه بعد هول الحساب إلاّ جهنّم دار العذاب،فويل لمن كانت هذه الدّار له كالملجإ و الموئل،إذ لا مأوى له يلجأ إليه بعدها.(11:307)

و بهذا المعنى جاء مَأْواهُمُ في سورة آل عمران:

151،و التّوبة:95.

2- مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ.

آل عمران:197

أبو حيّان: المكان الّذي يأوون إليه إنّما هو جهنّم.

و عبّر بالمأوى إشعارا بانتقالهم عن الأماكن الّتي تقلّبوا فيها،و كان في البلاد الّتي تقلّبوا فيها إنّما كانت لهم أماكن انتقال من مكان إلى مكان لا قرار لهم و لا خلود،ثمّ المأوى الّذي يأوون إليه و يستقرّون فيه هو جهنّم.

(3:147)

نحوه الآلوسيّ.(4:172)

3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. التّوبة:73

الطّوسيّ: أي منزلهم جهنّم و مقامهم،و المأوى منزل مقام،لا منزل ارتحال،و مثله المثوى و المسكن.

(5:302)

آوى

1- أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. الضّحى:6

الفرّاء: كنت في حجر أبي طالب،فجعل لك مأوى، و أغناك عنه،و لم يك غنىّ عن كثرة مال،و لكنّ اللّه رضّاه بما آتاه.

و قوله عزّ و جلّ: (فَأَغْنى) و (فَآوى) يراد به فأغناك و فآواك،فجرى على طرح الكاف لمشاكلة رءوس الآيات،و لأنّ المعنى معروف.(3:274)

الطّبريّ: فجعل لك مأوى تأوي إليه،و منزلا تنزله.(30:232)

ابن خالويه: (آوى)فعل ماض،و الفاء جواب(الم) و إن شئت نسق.و المصدر آوى يؤوي إيواء ممدود.

فالألف الأولى ألف قطع،و الثّانية فاء الفعل أصليّة، و الأصل«أأوى»فاستثقل الجمع بين همزتين فليّنوا الثّانية.آوى فهو مؤو،و المفعول به مؤوى،فهذا فعل يتعدّى.فإذا كان الفعل لازما قصرت الألف فقلت:

أويت إلى فراشي آوي أويّا فأنا آو،مثل قاض،و المفعول مأويّ إليه،مثل قوله تعالى: كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا مريم:

61،فالأمر من الأوّل:آو يا زيد،مثل آمن،و من الثّاني:

ص: 332

إيو مثل إيت.(119)

الماورديّ:فآواك،أي جعلك مأوى للأيتام بعد أن كنت يتيما،و كفيلا للأنام بعد أن كنت مكفولا.

(الطّبرسيّ 5:505)

الزّمخشريّ: قرئ (فاوى) و هو على معنيين:إمّا من أواه،بمعنى آواه،سمع بعض الرّعاة يقول:أين آوي هذه الموقّسة.و إمّا من:أوى له،إذا رحمه.(4:264)

مثله الفخر الرّازيّ(31:215)،و نحوه أبو حيّان(8:

486).

الطّبرسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:أنّه تقرير لنعمة اللّه عليه،حين مات أبوه و بقي يتيما فآواه اللّه،بأن سخّر له أوّلا عبد المطّلب.ثمّ لمّا مات عبد المطّلب قيّض له أبا طالب و سخّره للإشفاق عليه و حبّبه إليه حتّى كان أحبّ إليه من أولاده،فكفّله و ربّاه.[إلى أن قال:]

و الآخر:أن يكون المعنى أ لم يجدك واحدا لا مثل لك في شرفك و فضلك فآواك إلى نفسه و اختصّك برسالته، من قولهم:درّة يتيمة،إذا لم يكن لها مثل.[ثمّ استشهد بشعر](5:505)

القرطبيّ: أي جعل لك مأوى تأوي إليه عند عمّك أبي طالب،فكفّلك.

و قيل لجعفر بن محمّد الصّادق: لم أوتم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من أبويه؟فقال:لئلاّ يكون لمخلوق عليه حقّ.

و عن مجاهد: هو من قول العرب:درّة يتيمة؛إذا لم يكن لها مثل.

فمجاز الآية:أ لم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك، فآواك اللّه بأصحاب يحفظونك و يحوطونك.(20:96)

نحوه النّسفيّ.(4:364)

البروسويّ: (فاوى)جواب(الم)أو نسق،قاله ابن خالويه،أي قد وجدك ربّك.و الوجود بمعنى العلم.

و(يتيما)مفعوله الثّاني،أي أ لم يعلمك اللّه يتيما فجعل لك مأوى تأوي إليه،يقال:أوى فلان إلى منزله يأوي أويّا على«فعول»:رجع و لجأ،و آويته أنا إيواء.

و المأوى:كلّ مكان يأوي إليه شيء ليلا أو نهارا،أي يرجع و ينزل.(10:456)

الآلوسيّ: الإيواء:ضمّ الشّيء إلى آخر،يقال:

آوى إليه فلانا،أي ضمّه إلى نفسه،أي أ لم يعلمك طفلا لا أبا لك فضمّك إلى من قام بأمرك.[إلى أن قال:]

و قيل:المعنى أ لم يجدك يتيما آبتك المراضع،فآواك من مرضعة تحنو عليك بأن رزقها بصحبتك الخير و البركة حتّى أحبّتك و تكفّلتك.و الأوّل هو الظّاهر، و قيل غير ذلك ممّا ستعلمه بعد إن شاء اللّه تعالى.

و من بدع التّفاسير على ما قال الزّمخشريّ:إنّ(يتيما) من قولهم:درّة يتيمة،و المعنى أ لم يجدك واحدا في قريش عديم النّظير فآواك،و الأولى عليه أن يقال:أ لم يجدك واحدا عديم النّظير في الخليقة لم يحو مثلك صدف الإمكان فآواك إليه و جعلك في حقّ اصطفائه.

و قرأ أبو الأشعث (فاوى) ثلاثيّا،فجوّز أن يكون من:أواه بمعنى آواه،و أن يكون من:أوى له،أي رحمه.

و مصدره:أيّا و أيّة و ماويّة و ماوية.و تحقيقه على ما قال الرّاغب،أي رجع إليه بقلبه.[ثمّ استشهد بشعر]

(30:161)

ص: 333

2- وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ...

يوسف:69

الحسن: ضمّه إليه،و أنزله معه.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 6:168)

أبو عبيدة: و هو يؤوي إليه إيواء،أي ضمّه إليه.

(1:314)

مثله الزّمخشريّ(2:333)،و المراغيّ(13:18)، و الهرويّ(1:111)،و الطّريحيّ(1:36)

ابن قتيبة: أي ضمّه إليه،يقال:آويت فلانا إليّ بمدّ الألف،إذا ضممته إليك.و أويت إلى بني فلان بقصر الألف،إذا لجأت إليهم.(219)

مثله الميبديّ.(5:109)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى عن إخوة يوسف أنّهم لمّا دخلوا على يوسف آوى يوسف أخاه إليه.و الإيواء:

ضمّ المحبوب و تصييره إلى موضع الرّاحة،و منه المأوى:

المنزل الّذي يأوي إليه صاحبه للرّاحة فيه.

و قد اجتمعت في(آوى) (1)حروف العلّة كلّها، الألف و الواو و الياء،و العلّة في ذلك أنّ الهمزة بمنزلة الحرف الصّحيح،لأنّها ليست حرف مدّ و لين،فجاز ذلك على قلبه لهذه العلّة.(6:168)

الفخر الرّازيّ: أي أنزله في الموضع الّذي كان يأوي إليه.(18:177)

الطّباطبائيّ: الإيواء إليه:ضمّه و تقريبه منه في مجلسه و نحوه.(11:221)

و بهذا المعنى جاء(آوى)في سورة يوسف:99.

آووا

وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ... الأنفال:72

الطّبريّ: يقول:و الّذين آووا رسول اللّه و المهاجرين معه،يعني أنّهم جعلوا لهم مأوى يأوون إليه،و هو المثوى و المسكن.يقول:أسكنوهم و جعلوا لهم من منازلهم مساكن؛إذ أخرجهم قومهم من منازلهم.(10:51)

الطّوسيّ: و الّذين آووا من الأنصار،و معناه ضمّوهم إليهم و نصروا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّهم المؤمنون حقّا.

(5:191)

مثله الطّبرسيّ.(2:562)

البروسويّ: أي ضمّوا المؤمنين إلى أنفسهم في مساكنهم و منازلهم و واسوهم.يقال:أويت منزلي و إليه أويا:نزلته بنفسي و سكنته،و أوّيته و آويته:أنزلته، و المأوى:المكان.(3:379)

الآلوسيّ: هم الأنصار آووا المهاجرين و أنزلوهم منازلهم،و آثروهم على أنفسهم،و نصروهم على أعدائهم.(10:37)

رشيد رضا: وصفهم بأنّهم الّذين آووا الرّسول و من هاجر إليهم من أصحابه،الّذين سبقوهم بالإيمان و نصروهم،و لو لا ذلك لم تحصل فائدة الهجرة،و لم تكن مبدأ القوّة و السّيادة.فالإيواء يتضمّن معنى التّأمين من

ص: 334


1- و الظّاهر«أوى».

المخافة؛إذ المأوى هو الملجأ و المأمن.[ثمّ ذكر الآيات كما سبق منه و قال:]

و قد أطلق المأوى في التّنزيل على الجنّة و هو على الأصل في استعماله،و على نار الجحيم و هو من باب التّهكّم.و نكتته بيان أنّ من كانت النّار مأواه لا يكون له ملجأ ينضوي إليه،و لا مأمن يعتصم به.و قد كانت يثرب مأوى و ملجأ للمهاجرين،شاركهم أهلها في أموالهم، و آثروهم على أنفسهم،و كانوا أنصار الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم، يقاتلون من قاتله و يعادون من عاداه،و لذلك جعل اللّه حكمهم و حكم المهاجرين واحدا في قوله: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (10:104)

عزّة دروزة: كناية عن أنصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل المدينة،لأنّهم آووا إليهم النّبيّ و المهاجرين، و نصروهم.(8:63)

الطّباطبائيّ: المراد ب وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا هم الأنصار الّذين آووا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين المهاجرين، و نصروا اللّه و رسوله،و كان المسلمون ينحصرون يومئذ في هاتين الطّائفتين،إلاّ قليل ممّن آمن بمكّة و لم يهاجر.(9:141)

الحجازيّ: أنزلوا و أسكنوا إخوانهم.يقال:آواه:

أنزله دارا،و أسكنه إيّاها.(10:17)

اويناهما

وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ. المؤمنون:50

أبو عبيدة: تقديره:أفعلنا.و أوى هو على تقدير «عوى»و معناه ضممنا.(2:59)

الطّبريّ:يقول:و ضممناهما و صيّرناهما إلى ربوة، يقال:أوى فلان إلى موضع كذا،فهو يأوي إليه،إذا صار إليه،و على مثال«أفعلته»فهو يؤويه.(18:25)

الطّوسيّ: يقال:أوى إليه يأوي،و آواه غيره يؤويه إيواء،أي جعله مأوى له.(7:373)

النّسفيّ:جعلنا مأواهما،أي منزلهما.(3:121)

تؤى

تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ... الأحزاب:51

ابن عبّاس: يعني ب«الإرجاء»يقول:من شئت خلّيت سبيله منهنّ،و يعني ب«الإيواء»يقول:من أحببت،أمسكت منهنّ.(الطّبريّ 22:25)

أي تؤخّر من تشاء من نسائك و تترك مضاجعتها، و تضمّ إليك من تشاء منهنّ و تضاجعها.

مثله قتادة.(الآلوسيّ 22:61)

مجاهد: تعزل من تشاء منهنّ بغير طلاق،و تردّ إليك من تشاء منهنّ بعد عزلك إيّاها،بلا تجديد عقد.

مثله الجبّائيّ،و أبو مسلم.(الطّبرسيّ 4:367)

عكرمة: تقبل من تشاء من المؤمنات اللّواتي يهبن أنفسهنّ،و تترك من تشاء.

مثله الشّعبيّ.(ابن الجوزيّ 6:407)

الحسن: تترك نكاح من تشاء من نساء أمّتك، و تنكح منهنّ من تشاء.(الطّبرسيّ 4:367)

قتادة: تقدّم من تشاء من نسائك في الإيواء إليك،

ص: 335

و هو الدّعاء إلى الفراش،و تؤخّر من تشاء في ذلك، و تدخل من تشاء منهنّ في القسم،و لا تدخل من تشاء.

(الطّبرسيّ 4:367)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من أرجى لم ينكح،و من أوى فقد نكح.(الطّبرسيّ 4:367)

الفرّاء: هذا ممّا خصّ به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يجعل لمن أحبّ منهنّ يوما أو أكثر أو أقلّ،و يعطّل من شاء منهنّ فلا يأتيه.و قد كان قبل ذلك لكلّ امرأة من نسائه يوم و ليلة.(2:346)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي... فقال بعضهم:عنى بقوله:(ترجى)تؤخّر،و بقوله:(تؤى)تضمّ.

و قال آخرون: معنى ذلك تطلّق و تخلّي سبيل من شئت من نسائك،و تمسك من شئت منهنّ،فلا تطلّق.

و قال آخرون: بل معنى ذلك تترك نكاح من شئت، و تنكح من شئت من نساء أمّتك.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره جعل لنبيّه أن يرجي من النّساء اللّواتي أحلّهنّ له من يشاء،و يؤوي إليه منهنّ من يشاء؛و ذلك أنّه لم يحصر معنى الإرجاء و الإيواء على المنكوحات اللّواتي كنّ في حباله-عند ما نزلت هذه الآية-دون غيرهنّ ممّن يستحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهنّ.

و إذ كان ذلك كذلك،فمعنى الكلام:تؤخّر من تشاء ممّن وهبت نفسها لك،و أحللت لك نكاحها،فلا تقبلها و لا تنكحها،أو ممّن هنّ في حبالك فلا تقربها،و تضمّ إليك من تشاء ممّن وهبت نفسها لك،أو أردت من النّساء الّتي أحللت لك نكاحهنّ فتقبلها أو تنكحها،و ممّن هي في حبالك،فتجامعها إذا شئت،و تتركها إذا شئت بغير قسم.

(22:24)

أبو زرعة: قرأ نافع في رواية ورش (تووى) بترك الهمزة،و قرأ الباقون بالهمز.فإن سأل سائل فقال:

أبو عمرو ترك الهمزة السّاكنة نحو(يؤمنون)فهلاّ ترك الهمزة في(تووي)؟

فقل:إنّ أبا عمرو ترك الهمزة في(يؤمنون)تخفيفا، فإذا كان ترك الهمزة أثقل من الهمزة لم يدع الهمزة، أ لا ترى أنّك لو ليّنت(تووي)لالتقى واوان،قبلهما ضمّة، فثقلت.(579)

الميبديّ: (ترجى)أي تؤخّر مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ أي تضمّ إليك من تشاء.الإرجاء:تأخير المرأة من غير طلاق،و الإيواء:امساك المرأة على القسم السّويّ من غير إرجاء.(8:69)

الزّمخشريّ: (تؤى)تضمّ،يعني تترك مضاجعة من تشاء منهنّ و تضاجع من تشاء،أو تطلّق من تشاء و تمسك من تشاء،أو لا تقسم لأيّتهنّ شئت،و تقسم لمن شئت،أو تترك تزوّج من شئت من نساء أمّتك و تتزوّج من شئت.

و هذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنّه إمّا أن يطلّق و إمّا يمسك.فإذا أمسك ضاجع أو ترك و قسّم أو لم يقسّم،و إذا طلّق و عزل فإمّا أن يخلّي المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها.(3:269)

القرطبيّ: (تؤى):تضمّ،يقال آوى إليه،ممدودة الألف:انضمّ إليه.

ص: 336

و اختلف العلماء في تأويل هذه الآية،و أصحّ ما قيل فيها:التّوسعة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ترك القسم،فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته.(14:214)

البروسويّ: يقال:أوى إلى كذا،أي انضمّ،و آواه غيره إيواء.أي و تضمّها إليك و تضاجعها من غير التفات إلى نوبة و قسمة أيضا.فالاختيار بيديك في الصّحبة بمن شئت،و لو أيّاما زائدة على النّوبة،و كذا في تركها.أو تطلّق من تشاء منهنّ و تمسك من تشاء.أو تترك تزوّج من شئت من نساء أمّتك و تتزوّج من شئت،كما في«بحر العلوم».(7:207)

الطّباطبائيّ: الإرجاء:التّأخير و التّبعيد،و هو كناية عن الرّدّ.و الإيواء:الإسكان في المكان،و هو كناية عن القبول و الضّمّ إليه.

و السّياق يدلّ على أنّ المراد به أنّه صلّى اللّه عليه و آله على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو ردّه.(16:335)

الصّابونيّ: (تؤى)أي تضمّ،يقال:أوى و آوى بمعنى واحد،قال تعالى: آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:69، أي ضمّه إليه و أنزله معه.(2:301)

تؤيه

وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. المعارج:13

مجاهد: (تؤيه):تنصره.

مثله ابن زيد.(القرطبيّ 18:286)

مالك: أمّه الّتي تربّيه.(القرطبيّ 18:286)

الطّبريّ: يعني الّتي تضمّه إلى رحله،و تنزل فيه امرأته،لقربة ما بينها و بينه.(29:75)

البغويّ: أي تعنيه و يأوي إليها.(7:125)

الزّمخشريّ: تضمّه انتماء إليها،أو لياذا بها في النّوائب.(4:158)

نحوه الطّبرسيّ(5:355)،و الفخر الرّازيّ(30:

127)،و البيضاويّ(2:504)،و النّيسابوريّ(29:49)، و أبو حيّان(8:334)،و الآلوسيّ(29:60)،و المراغيّ (29:66).

القرطبيّ: تضمّه و تؤمّنه من خوف،إن كان به.

(18:286)

البروسويّ: أوى إلى كذا انضمّ إليه،و آواه غيره، كما قال تعالى: آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:69،أي ضمّه إلى نفسه.فمعنى(تؤويه)تضمّه إليها في النّسب أو عند الشّدائد،فيلوذ بها.(10:160)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير آووا على وجهين:

فوجه منهما:آووا،يعني ضمّوا،كقوله: وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا الأنفال:72،يقول:ضمّوا النّبيّ عليه السّلام إلى أنفسهم و نصروه،و قال أيضا:(فآواكم)يعني ضمّكم إلى المدينة.

و الوجه الثّاني:آووا،يعني انتهوا،فذلك قوله: إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ الكهف:63،يقول:انتهينا،و قال أيضا: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ الكهف:16.(289)

مثله هارون الأعور(318)،و الدّامغانيّ(73).

الأصول اللّغويّة

ص: 337

1-الأصل في هذه المادّة هو الضّمّ و التّجمّع،يقال:أوى الإنسان منزله و إليه يأوي أويّا و إواء:انضمّ و رجع إليه،و أوى إلى بني فلان:انضمّ و لجأ إليهم،و أويته و آويته إليّ:ضممته.و تأوّت الطّير و تآوت:انضمّ بعضها إلى بعض و تجمّعت.

و منه أيضا:أوى الجرح و آوى و تأوّى و تآوى:

تقارب للبرء،أي أنّ أشفاره تداعت،و انضمّ بعضها إلى بعض،حتّى تلتئم.

و من المجاز قولهم:أويت لفلان،إذا رحمته و رثيت له، و تحقيقه-كما قال الرّاغب-رجعت إليه بقلبي.و كذا استأويت فلانا:سألته أن يشفق عليّ و يرحمني.

و منه قول الإمام عليّ عليه السّلام في الأشرار:«و إليهم تأوي الخطيئة».

و المأوى:اسم مكان بمعنى المنزل و الملجأ،كما أجمع عليه اللّغويّون قاطبة،إلاّ الرّاغب،فقد عدّه مصدرا ميميّا،و هو شاذّ سماعا،معروف قياسا،لأنّ وزن(مفعل) يستعمل مصدرا ميميّا،مثل:سرى يسري سرية و مسرى:مشى ليلا.

و قد تبعه بعض المتأخّرين-كما تقدّم في النّصوص التّفسيريّة-فقالوا في: (جَنَّةُ الْمَأْوى) المأوى مصدر، أي جنّة الرّجوع و الإقامة.

2-و يلحظ أنّ الفعل«أوي»المجرّد قد ورد لازما و متعدّيا،فمن اللاّزم:أوي الجرح:تقارب للبرء.

و المتعدّي يتعدّى بنفسه،مثل:أويته،أي أنزلته بي، و يتعدّى بالحرف،كالحرف«إلى»:أوي إلى فلان:نزل به، و أوي إلى منزله:رجع،و«اللاّم»أوي له:رحمه.و لا يأتي «آوى»بهذا المعنى،و هو ما غلط به صاحب«الغريبين»، قال:«يقال:آويت له»و تداوله بعض المعاصرين.

و لا يتعدّى«أوي»بالحرف«عن»،و هو من إفراد الزّمخشريّ،قال:«أويت عن كذا،إذا تركته»و نحسبه مصنوعا.

3-و أمّا ما قاله الأزهريّ نقلا عن المنذريّ بأنّ أبا هيثم أنكر تعدّي«أوي»بنفسه،فإنّا في شكّ من ذلك، لأنّ أبا الهيثم جهبذ في اللّغة،حاذق في النّحو،و مثله لا يفوته هذا الحرف،سيّما أنّه ورد في الحديث المستفيض عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«لا يأوي الضّالّة إلاّ ضالّ»،و قال للأنصار:«أبايعكم على أن تأووني و تنصروني»،و قال أيضا:«لا قطع في ثمر حتّى يأويه الجرين».ناهيك من تواتره لدى من تقدّمه من اللّغويّين كأبي زيد و أبي عبيد،و من عاصره كابن قتيبة.كما تقدّم في النّصوص اللّغويّة.

و لعلّه قال بشواذّه قياسا،إذ أنّ مصدر«أوي»هو «الأويّ»،على وزن«فعول»و هذا الوزن مقيس في الفعل اللاّزم الصّحيح العين،و«أوي»معتلّ العين كما ترى،فتوهّم المنذريّ أو الأزهريّ أو كلاهما أنّ أبا الهيثم جهل«أوي»المتعدّي في السّماع،و هو يريد شواذّه في القياس.

4-و هناك اشتقاق أكبر بين مادّتي«أوي» و«أ ي ي»،إذ أنّ أحد أصول«أ ي ي»-كما سيأتي- التّجمّع،يقال:خرج القوم بآيتهم،أي بجماعتهم.و قد عدّ الجوهريّ«الآية»من(أوي)،و لكنّه أفردها عمليّا في مادّة«أ ي ي».بيد أنّنا نرى«الواو»في عين كلّ من

ص: 338

هاتين المادّتين في اللّغة العبريّة،ففي«أوي»يقولون: «أوه»،و في«الآية»:«آواه»،و هذا يدعم ما ذهب إليه الجوهريّ،إلاّ أنّه لا يطّرد في العربيّة،لاحظ«أ ي ي».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

ورد الأويّ و الإيواء في القرآن بثلاثة معان:

1-الضّمّ:

1- وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ

يوسف:69

2- فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ

يوسف:99

3- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ

الأحزاب:51

4- وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ المعارج:13

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا المعنى يقتصر على قرابة الرّجل و ذوي رحمه،كالأخ(1)،و الأبوين(2)،و الزّوجة(3)، و العشيرة(4).فهؤلاء ينضوون إلى عصبة واحدة، و كأنّهم عضو واحد،و لذا استعمل القرآن لفظ الضّمّ في العضو فقط:

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ طه:22

وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ القصص:32

و ثانيا:أنّ مجيء الإيواء هنا يشعر بتفوّق الآوي على المأويّ،إمّا لعلوّ كعبه،كما في(1)و(3)،أو لخطورة قدره، كما في(2)،أو لشدّة شوكته،كما في(4).

2-اللّجوء:

1- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً الكهف:10

2- قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ

هود:43

3- قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هود:80

4- فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ الكهف:16

5- أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الضّحى:6

6- فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ الأنفال:26

7- وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ الأنفال:72

8- وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا الأنفال:74

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا المعنى يتحقّق عند الشّعور بالخوف و الخطر،كما في الآيات:(1)و(2)و(4)و(6)، حيث أنّ أصحاب الكهف فرّوا من قومهم الملحدين، و لجئوا إلى الكهف خوفا على دينهم،و حينما استيقظوا من رقادهم،بعثوا أحدهم ليأتيهم ما يسدّون به رمقهم، فألحفوا عليه بأخذ الحذر و الاحتراز: وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً* إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً الكهف:19، 20.و ابن نوح لجأ إلى الجبل هاربا،لمّا دهمه السّيل، و احتوشه الماء،ظنّا منه أنّه سيعصمه من الطّوفان.

و اكتنف الخوف المسلمين أوّل أمرهم،فكانت فرائصهم

ص: 339

ترتعد فرقا من عدوّهم: وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ الأنفال:26.

و يتحقّق أيضا عند الشّدّة و الشّعور بالغربة و قلّة النّاصر،كما في الآيات:(3)و(5)و(7)و(8)،إذ تلهّف النّبيّ لوط على فتوّته و قوّته،و تمنّى أن يكون له ناصر، يردع القوم عنه.و قد ألجأ اللّه النّبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله من اليتم بعد موت أبيه بجدّه عبد المطّلب،ثمّ بعمّه أبي طالب،أو ألجأه بصحابته المسلمين بعد موت عمّه أبي طالب.

أمّا الأنصار فلقد ألجئوا المهاجرين بعد هجرتهم من مكّة إلى المدينة،و نصروهم حين خذلهم قومهم المشركون.

و ثانيا:جاء ما يضارع معنى اللّجوء في القرآن بالألفاظ التّالية:

1-الاعتصام:

وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ آل عمران:101

قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ

هود:43

2-العوذ:

إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ المؤمن:27

وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الجنّ:6

3-اللّواذ:مرّة واحدة: قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً النّور:63

4-الإجارة:

وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الأحقاف:31

وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ

التّوبة:6

5-الإغاثة:مرّة واحدة: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الكهف:29.

و سيأتي تفصيلها في محالّها.

و ثالثا:لم يأت الأويّ إلى اللّه بمعنى اللّجوء و بالمعنيين الآخرين،كما في الاعتصام و العوذ و الإجارة،بل أتى الأويّ إلى الكهف و إلى الصّخرة و إلى الجبل و إلى ما يستند إليه،و أمّا الإيواء فقد أتى من اللّه،كما في(5) و(6).

3-القرار:
أ-في الدّنيا:

قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ الكهف:63

وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ

المؤمنون:50

يلاحظ أوّلا:أنّ الأويّ و الإيواء قد اقترنا بلفظي الصّخرة و الرّبوة،كما اقترن الأويّ بالكهف و الجبل و الرّكن الشّديد في سائر الآيات،و كلّ هذه الأمور تدلّ على القوّة و المنعة،و التّوسّل بها ينبئ عن الضّعف.

و لا شكّ أنّ أويّ موسى و فتاه إلى الصّخرة،و اتّخاذها قرارا لأمد قصير،كان بسبب الإعياء و التّعب الّذي حلّ بهما من جرّاء رحلتهما،و هذا بصريح قوله تعالى حكاية

ص: 340

لقول موسى: لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً الكهف:

62.

و ثانيا:لا ندري أنّ إيواء عيسى و أمّه إلى الرّبوة أ كان لخوف أم لغيره؟لأنّ هذا ما لا يفصح عن علّته القرآن، و لم يتعرّض له الأقران.

و لكن يستفاد من النّصوص التّاريخيّة أنّ اليهود كانوا يتحيّنون الفرص للتّنكيل بعيسى،و كان عيسى يحذر بطشهم و كيدهم،و لذا اعتصم مع أمّه بالرّبوة، و جعلا منها معقلا لهما،ليكونا بعيدين عن متناول أيديهم.و كان أهل الكتاب في المدينة يتحصّنون بقلاع و حصون،خوفا ممّن يقيمون بين ظهرانيهم،و هم ليسوا من بني جلدتهم،و لا من أتباع دينهم،و هذا ما يحدّثنا به القرآن في الآيات الآتية:

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2

لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ الحشر:14

وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ الأحزاب:26

ب-في الآخرة:
اشارة

1- أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى السّجدة:19

2- وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى* عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى النّجم:13-15

3- فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:37-39

4- وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى

النّازعات:40،41

5- وَ مَأْواكُمُ النّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ

العنكبوت:25،و الجاثية:34

6- مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

الحديد:15

7- أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ آل عمران:162

8- إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ المائدة:72

9- وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الأنفال:16

10- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ آل عمران:151

11- مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ

آل عمران:197

12- فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً

النّساء:97

13- أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً النّساء:121

14- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ

ص: 341

وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ التّوبة:73،و التّحريم:9

15- إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:95

16- أُولئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ

يونس:8

17- أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ الرّعد:18

18- وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ الإسراء:97

19- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ لَبِئْسَ الْمَصِيرُ النّور:57

20- وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النّارُ

السّجدة:20

يلاحظ أوّلا:أنّ«المأوى»قرار الآخرة فقط،سواء لأهل الجنّة،كما في(1)و(2)و(4)،أم لأهل النّار كما في سائر الآيات،و هذا ما انفرد به الأويّ في القرآن دون نظائره،حيث جاء بعضها قرارا في الدّنيا و الآخرة،و هي:

المسكن:

في الدّنيا: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ سبأ:15

في الآخرة: وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ

التّوبة:72

المثوى:

في الدّنيا: وَ اللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ

محمّد:19

في الآخرة: وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ آل عمران:151

المقام:

في الدّنيا: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ الدّخان:25،26

في الآخرة: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ

الدّخان:51

الدّار:

في الدّنيا: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ

القصص:81

في الآخرة: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً البقرة:94

البيت:

في الدّنيا: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ

الإسراء:93

في الآخرة: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ

التّحريم:11

و جاء بعضها قرارا في الدّنيا فقط،و هي:

منازل القمر:

وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ يونس:5

المبوّأ:

وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93

القصر:

وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ الحجّ:45

الصّرح:

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ النّمل:44

ص: 342

و ثانيا:لا يقتصر معنى«المأوى»على الملجأ و المرجع و المسكن و المثوى و المصير و المأمن و الملاذ و الحمى فحسب،بل أنّه يتضمّن الأمان و الطّمأنينة و الاستقرار أيضا.فالمأوى هو المسكن الّذي يكتنفه الأمان و الاطمئنان،و المسكن الّذي لا أمان فيه و لا استقرار لا يطلق عليه اسم المأوى.

و لا يخفى أنّ للفظ«المأوى»معنى دقيق،فرغم كثرة نظائره فإنّ كلّ واحد منها لا يفصح عن معنى المأوى،إذ أنّ المصير لغة:هو المكان الّذي تصير إليه المياه،و المثوى:

الموضع الّذي يقال به،و الحمى:الموضع الّذي فيه الكلأ، و يحمى من النّاس مخافة أن يرعى،و الملجأ:المعقل و الحصن.

فأنت ترى أنّ كلّ لفظ من تلك الألفاظ لا يقوم مقام «المأوى»إلاّ إذا استوعبت معانيها جميعا،أي أخذ السّير من معنى«المصير»،و الإقامة من«المثوى»،و الأمان من «الحمى»،و التّحصّن من«الملجأ».

و لا غرو-إذا-أنّ القرآن لم يستعمل«المأوى»في المجال الدّنيويّ،إذ لا وجود لمكان يتّصف بهذه الصّفات إلاّ في الآخرة،و هو الجنّة لا محالة.و أمّا استعماله مع «النّار»و«الجحيم»و«جهنّم»،فهو من باب السّخريّة و التّهكّم،كقوله تعالى: أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ البقرة:174 و فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21

ص: 343

ص: 344

إي

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: إنّها تدخل في اليمين كالصّلة و الافتتاح، و منه قول اللّه عزّ و جلّ: إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ يونس:

53،المعنى:نعم و اللّه.(8:440)

اللّيث: «إي»يمين،قال اللّه تعالى: قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ المعنى إي و اللّه.(الأزهريّ 15:657)

الجوهريّ: «إي»بالكسر كلمة تتقدّم القسم، معناها بلى،تقول:إي و ربّي،و إي و اللّه.(6:2277)

مثله الرّازيّ(37)،و الطّريحيّ(1:42).

الزّمخشريّ: «إي»بمعنى نعم في القسم خاصّة،كما كان«هل»بمعنى«قد»في الاستفهام خاصّة.

و سمعتهم يقولون في التّصديق:إيو،فيصلونه بواو القسم،و لا ينطقون به وحده.(2:241)

ابن عطيّة: هي لفظة تتقدّم القسم،و هي بمعنى نعم، و يجيء بعدها حرف القسم،و قد لا يجيء،تقول:إي ربّي،إي و ربّي.(أبو حيّان 5:169)

ابن الأثير: في الحديث:«إي و اللّه»و هي بمعنى نعم، إلاّ أنّها تختصّ مع القسم إيجابا،لما سبقه من الاستعلام.(1:88)

القرطبيّ: «إي»كلمة تحقيق و إيجاب و تأكيد، بمعنى نعم.(8:351)

أبو حيّان: [بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و لا حجّة فيما سمعه الزّمخشريّ من ذلك،لعدم الحجّيّة في كلامه،لفساد كلام العرب إذ ذاك و قبله بأزمان كثيرة.

(5:169)

ابن هشام: «إي»بالكسر و السّكون حرف جواب بمعنى نعم،فيكون لتصديق المخبر و لإعلام المستخبر و لوعد الطّالب،فتقع بعد«قام زيد»و«هل قام زيد» و«اضرب زيدا»و نحوهنّ،كما تقع«نعم»بعدهنّ.و زعم ابن الحاجب أنّها إنّما تقع بعد الاستفهام نحو:

وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي يونس:53، و لا تقع عند الجميع إلاّ قبل القسم.

ص: 345

و إذا قيل:«إي و اللّه»ثمّ أسقطت الواو،جاز سكون الياء و فتحها و حذفها.و على الأوّل فيلتقي السّاكنان على غير حدّهما.(1:76)

نحوه السّيوطيّ.(2:212)

الفيروزآباديّ: «إي»بالكسر،بمعنى نعم، و توصل باليمين.(4:303)

الآلوسيّ: «إي»حرف جواب و تصديق بمعنى نعم، قيل:و لا تستعمل كذلك إلاّ مع القسم خاصّة،كما أنّ «هل»بمعنى«قد»في الاستفهام خاصّة،و لذلك سمع من كلامهم وصلها بواو القسم إذا لم يذكر المقسم به، فيقولون:إيو،و يوصلون به هاء السّكت أيضا،فيقولون:

إيوه.و هذه اللّفظة شائعة اليوم في لسان المصريّين و أهل ذلك الصّقع.(11:136)

المراغيّ: «إي»بكسر الهمزة و سكون الياء،كلمة يجاب عن كلام سبق،بمعنى نعم.(11:119)

المصطفويّ: هذه الكلمة حرف تدلّ على معنى في متعلّقها من إحداث معنى الإيجاب في مدخولها،و ليس ببعيد أن نقول:إنّ الواضع حين وضعها كان متوجّها إلى مادّة:«أوي،أيي»لوجود المناسبة بين تلك الموادّ و هذه الكلمة لفظا و معنى كما لا يخفى،فإنّ الإيجاب هو تعيين أحد طرفي القضيّة و قصده بعينه.[بتصرّف](1:178)

النّصوص التّفسيريّة

وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي يونس:53

ابن قتيبة: «إي»بمعنى بلى،قال اللّه تعالى:

وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي و لا تأتي إلاّ قبل اليمين،صلة لها.(تأويل مشكل القرآن:562)

الزّجّاج: المعنى:نعم و ربّي.(الأزهريّ 15:657)

مثله الهرويّ.(1:112)

الطّوسيّ: أي نعم،و حقّ اللّه إنّه لحقّ.(5:450)

البروسويّ: «إي»بكسر الهمزة و سكون الياء من حروف الإيجاب،بمعنى نعم،في القسم خاصّة،كما أنّ «هل»بمعنى«قد»في الاستفهام خاصّة،فالواو للقسم، و المعنى نعم بحقّ ربّي.(4:52)

رشيد رضا: «إي»بكسر الهمزة و سكون الياء الخفيفة حرف جواب و تصديق بمعنى نعم،و إنّما يستعمل مع القسم،أي نعم أقسم لكم بربيّ إنّه لحقّ واقع.و قد أكّده هنا بالقسم و ب«إنّ»مع الجملة الاسميّة.

(11:394)

أبو رزق: (إِي وَ رَبِّي): نعم و أقسم بربّي،و«إي» للتّوكيد،و قد تأتي للتّصديق.(1:102)

الأصول اللّغويّة

1-«إي»أداة جواب تفيد الإثبات كسائر أخواتها من حروف الجواب،و هي:أجل و إذن و إنّ و بجل و بلى و جلل و جير و نعم.

و تستعمل لتصديق الخبر مثل:جاء زيد،فيقال بعده:إي و اللّه.و لإعلام المستفهم مثل:هل جاء زيد؟ فيقال:إي و ربّي.و لوعد الآمر مثل:أخبر زيدا،فيقال:

إي و اللّه.

2-و هي كأجل و نعم،إلاّ أنّ أجل تختصّ بالخبر غالبا،نحو أن يقال لك:قام زيد،فتقول:أجل.و أكثر

ص: 346

ما تستعمل«نعم»بعد الاستفهام،كقولك:نعم،لمن سألك:

هل قام زيد؟أمّا«إي»فلا تأتي إلاّ قبل القسم،كقوله تعالى: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ، و على قول اللّيث:«إنّها يمين»فهي إلى القسم أقرب من كونها أداة جواب.و تختلف«بلى»عن الجميع بكونها تأتي بعد النّفي فتنقضه،كقوله: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الأعراف:172.

3-و«إي»أداة ضعيفة،لأنّها لا تفي بالجواب وحدها كسائر أدوات الجواب،بل تفتقر إلى قسم يؤكّدها،و افتقارها يدلّ على ضعفها.و هذا الضّعف لا يقتصر على معناها فحسب،بل يلحظ في لفظها أيضا، فهي تتكوّن من الهمزة و الياء،و كلاهما حرفان هوائيّان، و كذا الهاء المبدل من همزتها في«هي»،و هي لغة أخرى في«إي».

الاستعمال القرآنيّ

لم ترد«إي»في القرآن إلاّ مرّة واحدة في آية و سورة مكّيّتين: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يونس:53.

يلاحظ أوّلا:مجيئها مرّة واحدة فقط في آية مكّيّة، مع أنّ«نعم»جاءت أربع مرّات كلّها مكّيّة،و«بلى» جاءت(22)مرّة في الآيات المكّيّة و المدنيّة.فهل في ذلك سرّ؟أو هو محض اتّفاق أو حكاية عن ندرة«إي»في الكلام في مكّة فقط،و شيوع«نعم»فيها،و شيوع«بلى» في مكّة و المدينة معا؟

و لربّما تكمن العلّة في أنّ موارد استعمالها مختلفة، ف«إي»-كما مرّ-تختصّ بالقسم،و لم يتّفق هذا السّياق في القرآن إلاّ مرّة في آية مكّيّة،مع أنّ موارد«نعم» و«بلى»قد اتّفقت كثيرا،لاحظ«نعم»و«بلى».

و ثانيا:أنّ سياق الآية يؤكّد على أنّ القرآن حقّ.

ابتداء من وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ؛ حيث إنّ (يَسْتَنْبِئُونَكَ) من النّبأ،و هو الخبر المهمّ ذو الشّأن،كأنّهم باستماع القرآن واجهوا نبأ مهمّا.ثمّ إنّ جملة (أَ حَقٌّ هُوَ) بتقديم الخبر على المبتدإ مع حرف الاستفهام فيها اهتمام بليغ بموضع السّؤال،و هو القرآن.

و مرورا بقوله: قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ حيث بدأ بكلمة(قل)و هي في السّياق القرآنيّ تأتي للاهتمام بأمر.

مثل: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1،و أمثاله،و هي كثيرة.ثمّ تلاه (إِي وَ رَبِّي) أداة الجواب مقرونة بالمقسوم به(ربّى)المشعر بالدّليل،أي إذا كان اللّه ربّي و سيّدي و المتولّي لأمري خلقا و خلقا و هداية و تربية،فالقرآن حقّ صادر منه لا ريب فيه.

ثمّ تكرار لفظ السّؤال في جملة اسميّة مؤكّدة ب«إنّ» و«اللاّم»: (إِنَّهُ لَحَقٌّ) و انتهاء بقوله: (وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) المشعر بأنّ القرآن معجزة للنّاس،و ليس لهم أن يعجزوا اللّه في كلامه المعجز.

و ثالثا:لو اعتبرنا بهذا السّياق القرآنيّ في«إي»ثمّ قيل:إنّ هذه الكلمة عند العرب لا تأتي إلاّ في التّأكيد على وقوع أمر خارج عن طاقة البشر ممّا تتحيّر فيه العقول،و لا تكاد تقبله إلاّ بألوان من التّأكيد،لما كان بعيدا عن الصّواب.

ص: 347

أ ي د

اشارة

10 ألفاظ،11 مرّة:2 مكّيّتان،9 مدنيّة،

في 9 سور:2 مكّيّتان،7 مدنيّة

الأيد 1:1 أيّدهم 1:-1 أيّدتك 1:-1

أيد 1:1 أيّدك 1:-1 أيّدنا 1:-1

أيّده 1:-1 أيّدكم 1:-1 أيّدناه 2:-2

يؤيّد 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأيد:القوّة،و بلغة تميم:الآد.و منه قيل:أدّ فلان فلانا،إذا أعانه و قوّاه.

و التّأييد:مصدر أيّدته،أي قوّيته.و قوله تعالى:

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،أي بقوّة.

و إياد كلّ شيء ما يقوّى به من جانبيه،و هما إياداه.

و إياد العسكر:الميمنة و الميسرة.و كلّ شيء كان واقيا لشيء فهو إياده.[ثمّ استشهد بشعر](8:97)

أبو زيد: يقال:«لن يبلغ الجدّ النّكد الاّ الأيد،كلّ عام يلد»و الأيد:الجوارح من المال،و هي الأمة و الفرس الأنثى و الأتان،لأنّهنّ يضنأن كلّ عام.(95)

و الإياد:موضع مرتفع.(141)

الإياد:الهواء.(الصّغانيّ 2:193)

تأيّد أيدا،إذا اشتدّ و قوي.(الأزهريّ 14:228)

آد الرّجل يئيد أيدا:اشتدّ و قوي.

(الجوهريّ 2:443)

الأصمعيّ: و المؤيد:المشدّد من كلّ شيء.

(الكنز اللّغويّ:165)

هو الأيد و الآد للقوّة،و التّأييد:مصدر أيّدته،أي قوّيته.(الأزهريّ 14:228)

الإياد:التّراب يجعل حول الحوض أو الخباء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:229)

أبو عبيد: المؤيد بوزن معيد:الأمر العظيم.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:228)

ابن الأعرابيّ: الإياد:الجبل المنيع،و منه قولهم: أيّدهم اللّه.

ص: 348

الإياد:اللّحاء و السّتر و الكنف،و كلّ شيء كنفك و سترك فهو إياد،و كلّ ما يحرز به فهو إياد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:229)

نحوه الصّغانيّ.(2:193)

ابن السّكّيت: الآد،و الأيد،و الرّكن،و اللّوث،كلّه من الشّدّة.و إنّه لصلب و صليب و أصلباء،و شديد و أشدّاء،و قويّ و أقوياء.و منهم المؤيّد تأييدا،و هو الّذي لا يعيا بعمل،و هو الشّديد.(130)

الأيد و الآد:للقوّة،و قال اللّه تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،أي بقوّة.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:94)

نحوه الهرويّ.(1:112)

أبو الهيثم: آد يئيد،إذا قوي.و آيد يؤيد إيادا،إذا صار ذا أيد،و قد تأيّد.و قد إدت أيدا،أي قويت.(الأزهريّ 14:228)

ابن دريد: المؤيد:الدّاهية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أيّدت الشّيء تأييدا،إذا قوّيته و أسعدته.و الآد و الأيد:القوّة.(1:174)

آد الرّجل يئيد أيدا،إذا اشتدّ و قوي.و القوّة:الآد و الأيد و الأدّ.(3:270)

القاليّ: و أيّد:قويّ،و الأيد و الآد:القوّة،كقوله تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47.

(2:251)

الجوهريّ: و الأيد و الآد:القوّة.[ثمّ استشهد بشعر]

تقول منه:أيّدته على«فعّلته»فهو مؤيّد.و تقول من الأيد:أيّدته تأييدا،أي قوّيته،و الفاعل مؤيّد.و تصغيره مؤيّد أيضا،و المفعول مؤيّد.(2:443)

ابن فارس: الهمزة و الياء و الدّال أصل واحد،يدلّ على القوّة و الحفظ.يقال:أيّده اللّه،أي قوّاه اللّه،قال اللّه تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،فهذا معنى القوّة.و أمّا الحفظ فالإياد:كلّ حاجز الشّيء يحفظه.[ثمّ استشهد بشعر](1:163)

ابن سيدة: الأيد:القويّ الشّديد،آد يئيد أيدا.

و آيد:اشتدّ و قوي،فهو أيد و أيّد.

و آيده مؤايدة و إيادا و أيّده:قوّاه،فهو مؤيد و مؤيّد.

و المؤيّد:الشّديد الّذي لا يعيا بعمل.

و الآد و الأيد:الصّلب و القوّة.(الإفصاح 1:119)

الرّاغب: و يقال:إدته أئيده أيدا،نحو:بعته أبيعه بيعا،و أيّدته على التّكثير.قال عزّ و جلّ: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،و يقال له:آد،و منه قيل للأمر العظيم:مؤيّد.و إياد الشّيء:ما يقيه.(30)

الزّمخشريّ: رجل أيّد و ذو أيد،و رفع اللّه السّماء بأيده،و كان ابن الحنفيّة أيّدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد آد و تأيّد[ثمّ استشهد بشعر]

و أيّد الحائط بإياد،و كرّ على إيادي العسكر،و هما جناحاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتى بعنقفير (1)مؤيد.

و من المجاز:إنّه لأيّد الغداء و العشاء،إذا كان حاضرا).

ص: 349


1- العنقفير،كزنجبيل:الدّاهية،و المرأة السّليطة،و العقرب، و من الإبل الّتي تكبر حتّى يكاد قفاها يمسّ كتفها. القاموس المحيط(2:97).

كثيرا،و قد آدت ضيافته.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:13)

الطّبرسيّ: و الأيد:القوّة،و منه قوله تعالى: داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ص:17،يقال:إدته أئيده أيدا،أي قوّيته.

و أيّدته أؤيّده تأييدا،بمعناه(1:415)

و التّأييد:التّمكين من الفعل على أتمّ ما يصحّ فيه.

و الأيد:القوّة.(2:555)

ابن الأثير: في حديث حسّان بن ثابت:«إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك»أي يقوّيك و ينصرك.و الأيد:

القوّة.و رجل أيّد بالتّشديد،أي قويّ،و منه خطبة عليّ رضي اللّه عنه:«و أمسكها من أن تمور بأيده»أي قوّته.

(1:84)

ابن منظور: و الإياد:ما أيّد به الشّيء.و الإياد:

ماحنا من الرّمل.(3:76)

أبو حيّان: أيّد«فعّل»تأييدا،و أأيد«أفعل»إئيادا، و كلاهما من«الأيد»و هو القوّة.و قد أبدلوا في«أفعل» من يائه جيما،قالوا:أأجد،أي قويّ،كما أبدلوا ياء«يد» قالوا:لا أفعل ذلك جدي الدّهر،يريدون يد الدّهر،و هو إبدال لا يطّرد.

و الأصل في آيد:أأيد،و صحّحت العين كما صحّحت في«أغيلت»و هو تصحيح شاذّ إلاّ في فعل التّعجّب، فتقول:ما أبين و ما أطول.و رآه أبو زيد مقيسا.

و لو أعلّ على حدّ«أقّتت و أحّدت»فألقيت حركة العين على الفاء و حذفت العين،لوجب أن تنقلب الفاء واوا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،كما انقلبت في«أوادم» جمع آدم،على«أفاعل»ثمّ تنقلب الواو ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها.فلمّا أدّى القياس إلى إعلال الفاء و العين،رفض و صحّحت العين.(1:297)

الفيّوميّ: آد يئيد أيدا و آدا:قوي و اشتدّ فهو أيّد، مثل سيّد و هيّن،و منه قولهم:«أيّدك اللّه تأييدا».(32)

الفيروزآباديّ: آد يئيد أيدا:اشتدّ و قوي،و الآد:

الصّلب و القوّة كالأيد.و آيدته مؤايدة و أيّدته تأييدا فهو مؤيد و مؤيّد:قوّيته.و ككتاب:ما أيّد به من شيء، و المعقل و السّتر و الكنف و الهواء و اللّجأ و الجبل الحصين، و التّراب يجعل حول الحوض و الخباء،و من الرّمل ما أشرف،و ميمنة العسكر و ميسرته،و حيّ من معدّ، و كثرة الإبل.

و المؤيد كمؤمن:الأمر العظيم و الدّاهية،جمعه:موائد.

و تأيّد:تقوّى،و ككيّس:القويّ.

و أيد:موضع قرب المدينة.(1:285)

أبو رزق: الأيد:القوّة،و ذو الأيد:صاحب القوّة، و ليس جمع«يد»لعدم وجود الياء،فإنّ ياء الأيدي أصليّة لا تحذف،و هذا مصدر.و منه المؤيّد و التّأييد، يقال:رجل أيّد و ذو أيد،و قويّ،و كان فلان أيدا،أي ذا مرّة.(1:100)

محمود شيت: 1-أ-آد أيدا و آدا:قوي و اشتدّ، فهو أيّد و ذا أيد.و في القرآن الكريم: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،و في المثل:«الكيد أبلغ من الأيد».

ب-آيد إيادا:آد،و آيد فلانا:قوّاه.

ج-آيده مؤايدة و إيادا:قوّاه.

د-أيّده:قوّاه بالإياد.

ه-تأيّد:تقوّى.

ص: 350

و-الإياد:ما يؤيّد به الشّيء،و الإياد:السّتر.

و الإياد:الكنف.و الإياد:المعقل.و الإياد:ميمنة الجيش و ميسرته،يقال:كرّ على إيادي العسكر.و الإياد:كثرة النّاس.

ز-الأيّد:القويّ الشّديد.

ح-المؤيّد:الأمر العظيم،و المؤيد:الدّاهية الشّديدة.

2-التّأييد المادّيّ و المعنويّ للجيش،جيش مؤيّد من الشّعب.(1:61)

المصطفويّ: و الظّاهر من موارد استعمال هذه المادّة،أنّ الأصل الواحد فيها هو القوّة مع الحفظ عن الموانع،أي الحول و القوّة.(1:178)

النّصوص التّفسيريّة

الايد

اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ص:17

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أحبّ الصّيام إلى اللّه صيام داود،كان يصوم يوما و يفطر يوما،و أحبّ الصّلاة إلى اللّه صلاة داود،كان ينام نصف اللّيل و يقوم ثلثه و ينام سدسه».(ابن الجوزيّ 7:110)

ابن عبّاس: (ذَا الْأَيْدِ): أي ذا القوّة على العبادة.

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 4:469)

و مثله ابن زيد،و السّدّيّ(الطّبريّ 23:136)، و نحوه الفرّاء(2:401)،و أبو عبيدة(2:179)،و ابن السّكّيت(إصلاح المنطق:94)،و ابن الجوزيّ(7:

110)،و البيضاويّ(2:306)،و أبو السّعود(4:

285)،و الآلوسيّ(23:173)،و فريد وجديّ(599)، و شبّر(5:278)،و المراغيّ(23:104).

الإمام الباقر عليه السّلام: اليد في كلام العرب:القوّة و النّعمة،ثمّ تلا الآية.(شبّر 5:278)

قتادة: أعطي قوّة في العبادة،و فقها في الإسلام.(الطّبريّ 23:136)

الطّوسيّ: وزن أيّدتك«فعّلتك»من الأيد،على وزن«قرّبتك».و قال الزّجّاج:يجوز أن يكون «فاعلتك»من الأيد.

و قرأ مجاهد (أأيدتك) على وزن«أفعلتك»من الأيد.(4:58)

الميبديّ: (ذَا الْأَيْدِ): ذا القوّة في العبادة.كان يصوم يوما و يفطر يوما،و ذلك أشدّ الصّوم،و كان يقوم اللّيل كلّه.

و قيل:ذا القوّة في الملك،و قيل:في الحرب.

(8:326)

نحوه القرطبيّ.(15:158)

الزّمخشريّ: ذا القوّة في الدّين،المضطلع بمشاقّه و تكاليفه.كان على نهوضه بأعباء النّبوّة و الملك،يصوم يوما و يفطر يوما و هو أشدّ الصّوم،و يقوم نصف اللّيل.

يقال:فلان أيّد و ذو أيد و ذو آد.و أياد كلّ شيء:

ما يتقوّى به.(3:362)

نحوه النّسفيّ.(4:3)

الطّبرسيّ: قيل:ذا القوّة على الأعداء و قهرهم؛ و ذلك لأنّه رمى بحجر من مقلاعه صدر رجل فأنفذه من

ص: 351

ظهره فأصاب آخر فقتله.

و قيل:معناه ذا التّمكين العظيم و النّعم العظيمة؛ و ذلك أنّه كان يبيت كلّ ليلة حول محرابه ألوف كثيرة من الرّجال.(4:469)

الفخر الرّازيّ: أي ذا القوّة على أداء الطّاعة و الاحتراز عن المعاصي؛و ذلك لأنّه تعالى لمّا مدحه بالقوّة وجب أن تكون تلك القوّة موجبة للمدح،و القوّة الّتي توجب المدح العظيم ليست إلاّ القوّة على فعل ما أمر به و ترك ما نهى عنه.

(الايد)المذكور هاهنا كالقوّة المذكورة في قوله:

يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ مريم:12،و قوله تعالى:

وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ الأعراف:145،أي باجتهاد في أداء الأمانة،و تشدّد في القيام بالدّعوة،و ترك إظهار الوهن و الضّعف.و الأيد و القوّة سواء،و منه قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ الأنفال:62،و قوله تعالى:

وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:87،و قال:

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47.(2:185)

و لا شكّ أنّ المراد منه القوّة في الدّين،لأنّ القوّة في غير الدّين كانت موجودة في ملوك الكفّار،و لا معنى للقوّة في الدّين إلاّ القوّة الكاملة على أداء الواجبات، و الاجتناب عن المحظورات،و أيّ قوّة لمن لم يملك نفسه عن القتل،و الرّغبة في زوجة المسلم.(26:190)

ابن عربيّ: أي القوّة،و التّمكين و الاضطلاع في الدّين،كيف زلّ عن مقام استقامته في التّلوين،فلا يكن حالك في ظهور النّفس حاله.(2:349)

النّيسابوريّ: أي ذا القوّة في الحروب و على الطّاعات و عن المعاصي،و كان يصوم يوما و يفطر يوما و هو أشدّ الصّوم،و يقوم نصف اللّيل.

و يحتمل أن يكون«الياء»محذوفا اكتفاء بالكسر، فيكون جمع«اليد»بمعنى النّعمة،لأنّ اللّه تعالى أنعم عليه ما لم ينعم على غيره.(23:81)

أبو حيّان: أي ذا القوّة في الدّين و الشّرع و الصّدع بأمر اللّه و الطّاعة للّه،و كان مع ذلك قويّا في بدنه.

(7:390)

ابن كثير: يذكر تعالى عن عبده و رسوله داود عليه الصّلاة و السّلام أنّه كان ذا أيد.و الأيد:القوّة في العلم و العمل.(6:50)

البروسويّ: و اعلم أنّه تعالى ذكر أوّلا قوّة داود في أمر الدّين،ثمّ زلّته بحسب القضاء الأزليّ،ثمّ توبته بحسب العناية السّابقة.و أمره عليه السّلام بتذكّر حاله و قوّته في باب الطّاعة ليتقوّى على الصّبر،و لا يزلّ عن مقام استقامته و تمكينه،كما زلّ قدم داود.فظهرت المناسبة بين المسندين،و اتّضح وجه عطف(و اذكر)على (اصبر).(8:11)

القاسميّ: أي القوّة،أي الاجتهاد في أداء الأمانة، و التّشدّد في القيام بالدّعوة،و مجانبة إظهار الضّعف و الوهن.(14:5084)

سيّد قطب: يذكر داود هنا بأنّه ذو القوّة،و بأنّه أوّاب،و قد جاء من قبل ذكر قوم نوح و عاد و فرعون ذي الأوتاد،و ثمود و قوم لوط و أصحاب الأيكة،و هم طغاة بغاة.و كان مظهر قوّتهم هو الطّغيان و البغي

ص: 352

و التّكذيب.فأمّا داود فقد كان ذا قوّة،و لكنّه كان أوّابا يرجع إلى ربّه طائعا تائبا عابدا ذاكرا،و هو القويّ ذو الأيد و السّلطان.(5:3017)

الطّباطبائيّ: (الايد):القوّة،و كان عليه السّلام ذا قوّة في تسبيحه تعالى،يسبّح و يسبّح معه الجبال و الطّير،و ذا قوّة في ملكه،و ذا قوّة في علمه،و ذا قوّة و بطش في الحروب.و قد قتل جالوت الملك كما قصّه اللّه في سورة البقرة.(17:189)

عبد الكريم الخطيب: (الايد):القوّة،و هي مأخوذة من«اليد»الّتي تتمثّل فيها قوّة الإنسان الجسديّة،ثمّ إنّها ليست يدا واحدة،بل أيديا كثيرة، و إذن فهي قوّة خارقة.

و القوّة هنا ليست قوّة جسديّة و حسب،بل هي قوّة روحيّة و نفسيّة أيضا،تشتمل على طاقات عظيمة،من الصّبر على المكاره،و احتمال الشّدائد.(12:1060)

عبد المنعم الجمّال: و تذكّر أو اذكر لقومك قصّة داود ذي القوّة في العبادة و كثرة التّوبة و الإنابة،و قد سخّرنا له الجبال و الطّير تسبّح بتسبيحه،و تردّد معه عبادته ليلا و نهارا،و قد أيّدنا ملكه و ثبّتناه و اصطفيناه للرّسالة،و وفّقناه للفصل في الخصومات،و إقامة العدل و تحرّي الحقّ،حتّى شاع كلّ ذلك في النّاس.

(4:2640)

الحجازيّ: صاحب القوّة و الجلد.(23:47)

مكارم الشّيرازيّ: جاء(الايد)بمعنى القدرة، و بمعنى النّعمة أيضا.و (ذَا الْأَيْدِ) هو داود عليه السّلام بكلا المعنيين؛إذ كان يتمتّع بقوّة جسميّة عظيمة،فقد أردى في ساحة الوغى جالوت الجبّار المستبدّ قتيلا؛بحجر رماه بالمقلاع،فهوى يتخبّط في دمائه.قيل:إنّ الحجر اخترق صدره و خرج من قفاه.

و كان يتمتّع بحنكة سياسيّة أيضا،إذ كان يدير حكومة قويّة صمدت أمام الأعداء بكلّ حزم و ثبات، حتّى قيل:إنّ آلافا من الجنود كانوا يقفون على أهبة الاستعداد حول محرابه،من اللّيل إلى الصّباح.

و كان يتّصف بقدرة معنويّة و سجايا أخلاقيّة، و يتمتّع بطاقة عالية للعبادة،فكان يحيي معظم ليله بالعبادة و يقضي نهاره-لنصف أيّام السّنة-بالصّوم.

و أمّا من حيث النّعمة فقد وهبه اللّه أنواعا من النّعم الظّاهريّة و الباطنيّة.فكان عليه السّلام رجلا قديرا في الحرب و العبادة،و في العلم و المعرفة و الإدارة،و ذا نعمة وفيرة أيضا.(19:237)

المصطفويّ: ذا قوّة روحانيّة شديدة.

و ليعلم أنّ القوّة الرّوحانيّة من أعظم القوى،و بها ينال الإنسان أيّ مقصد يريد،كيف و هي من اللّه القادر المتعال.(1:179)

ايد

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريّات:47

ابن عبّاس: أي بقوّة.

مثله مجاهد،و قتادة،و ابن زيد.(الطّبريّ 27:7)

و مثله الفرّاء(3:89)،و الزّجّاج(5:57)،و القمّيّ (2:330)،و الطّوسيّ(9:394)،و الميبديّ(9:

ص: 353

306)،و ابن الجوزيّ(8:40)،و البيضاويّ(2:

423)،و النّسفيّ(4:187).و نحوه النّيسابوريّ(27:

13)،و السّيوطيّ(2:44)،و أبو السّعود(5:103)، و الكاشانيّ(5:73)،و عبد الكريم الخطيب(14:

529)،و الحجازيّ(27:12)،و مكارم الشّيرازيّ (22:372).

الإمام الباقر عليه السّلام: أي بقوّة.(العروسيّ 5:129)

الزّمخشريّ: بقوّة،و الأيد و الآد:القوّة،و قد آد يئيد،و هو أيد.(4:20)

الطّبرسيّ: أي خلقناها و رفعناها على حسن نظامها.(5:160)

الفخر الرّازيّ: أي قوّة،و الأيد:القوّة.هذا هو المشهور،و به فسّر قوله تعالى: ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:17،و يحتمل أن يقال:إنّ المراد جمع اليد،و دليله أنّه قال تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ص:75،و قال تعالى: مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً يس:71،و هو راجع في الحقيقة إلى المعنى الأوّل.و على هذا فحيث قال: (خَلَقْتُ) قال: (بِيَدَيَّ)، و حيث قال:(بنينا)قال:

(بِأَيْدٍ)، لمقابلة الجمع بالجمع.(28:226)

الشّربينيّ: أي بقوّة و شدّة عظيمة لا يقدّر قدرها.

(4:105)

البروسويّ: أي بقوّة،فهو حال من الفاعل،أو ملتبسة بقوّة؛فيكون حالا من المفعول.و يجوز أن تكون «الباء»للسّببيّة،أي بسبب قدرتنا،فتتعلّق ب (بَنَيْناها) لا بالمحذوف.

و القوّة هنا بمعنى القدرة،فإنّ القوّة عبارة عن شدّة البنية و صلابتها المضادّة للضّعف،و اللّه تعالى منزّه عن ذلك.و القدرة هي الصّفة الّتي بها يتمكّن الحيّ من الفعل و تركه بالإرادة.(9:171)

المراغيّ: أي و لقد بنينا السّماء ببديع قدرتنا، و عظيم سلطاننا،و إنّا لقادرون على ذلك لا يمسّنا نصب و لا لغوب(27:9)

سيّد قطب: و الأيد:القوّة.و القوّة أوضح ما ينبئ عنه بناء السّماء الهائل المتماسك المتناسق.(33856)

الطّباطبائيّ: رجوع إلى السّياق السّابق في قوله:

وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ إلخ الذّاريات:20، و الأيد:القدرة و النّعمة،و على كلّ من المعنيين يتعيّن لقوله: وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ الذّاريات:47،ما يناسبه من المعنى.

فالمعنى على الأوّل:و السّماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها و إنّا لذوو سعة في القدرة لا يعجزها شيء.

و على الثّاني:و السّماء بنيناها مقارنا بناؤها لنعمة لا تقدّر بقدر و إنّا لذوو سعة و غنى،لا تنفد خزائننا بالإعطاء و الرّزق،نرزق من السّماء من نشاء فنوسّع الرّزق كيف نشاء.(18:381)

عبد المنعم الجمّال: بعد أن أقام اللّه تعالى الأدلّة العظيمة و الشّواهد التّاريخيّة على إمكان البعث،و أنّه كائن لا مفرّ منه،أرشد سبحانه و تعالى إلى عظيم قدرته، و حثّ الإنسان على النّظر في كتاب الكون،ليهتدي إلى وحدانيّة اللّه.فقال تعالى:إنّه خلق السّماء بإحكام و قوّة،و جعل منها بناء متماسكا لا يعتوره خلل أو تصدّع،و زيّنها بزينة الكواكب الّتي تسير مع غيرها من

ص: 354

الشّموس و الأقمار في مجموعات عظيمة،تسلك طريقها في مدار مجرّتها بسرعة مذهلة.و اللّه سبحانه و تعالى قادر على أن يوسّع في طريقها،و قادر على خلقها و خلق غيرها.(4:2953)

ايّده

وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها التّوبة:40

ابن عبّاس: قوّاه بملائكة يدعون اللّه تعالى له.(الطّبرسيّ 3:32)

مجاهد: أعانه بالملائكة يوم بدر.

مثله الكلبيّ.(الخازن 3:82)

الطّبريّ: و قوّاه بجنود من عنده من الملائكة لم تروها أنتم.(10:137)

مثله أبو الفتوح.(2:593)

الطّوسيّ: يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلا يليق أن يتخلّل ذلك كلّه كناية عن غيره،و تأييد اللّه إيّاه بالجنود ما كان من تقوية الملائكة لقلبه بالبشارة بالنّصر من ربّه،و من إلقاء اليأس في قلوب المشركين حتّى انصرفوا خائبين.(5:258)

الطّبرسيّ: أي قوّاه و نصره.(3:32)

مثله شبّر.(3:76)

أبو حيّان: و قرأ مجاهد (و ايده)، و الجمهور (وَ أَيَّدَهُ) بتشديد الياء.(5:44)

البروسويّ: أي قوّى النّبيّ عليه السّلام.(3:435)

المصطفويّ: أيّدهم اللّه تعالى بالملائكة أو بقوى روحانيّة توجب الطّمأنينة و الثّبات،و تدرك حقيقة:

لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.(1:178)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة:22،و قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ الأنفال:62،و قوله تعالى: وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ الأنفال:26،و قوله تعالى: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا الصّفّ:14.

ايّدتك

إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ المائدة:110

الفرّاء: فعّلتك،كما تقول:قوّيتك.و قرأ مجاهد (آيدتك) على«أفعلتك».و قال الكسائيّ:«فاعلتك» و هي تجوز،و هي مثل عاونتك.(1:325)

نحوه الزّمخشريّ.(1:53)

أبو عبيدة: أي قوّيتك،يقال:رجل أيّد،أي شديد قويّ.(1:181)

ابن قتيبة: قوّيتك و أعنتك.(148)

نحوه الميبديّ.(3:259)،و البغويّ(2:89)، و النّهاونديّ(1:434)،و القرطبيّ(6:362).

الطّبريّ: يقول:يا عيسى اذكر أياديّ عندك و عند والدتك،إذ قوّيتك بروح القدس،و أعنتك به.

و قد اختلف أهل العربيّة في(ايّدتك)ما هو من الفعل؟

فقال بعضهم: هو«فعّلتك»،كما في قولك:قوّيتك -فعّلت-من القوّة.

و قال آخرون: بل هو«فاعلتك»من الأيد.

و روى مجاهد أنّه قرأ (اذ ايدتك) بمعنى«أفعلتك»

ص: 355

من القوّة و الأيد.(7:127)

الزّجّاج: أي أيّدتك بجبريل.جائز أن يكون قوله به (1)؛إذ حاولت بنو إسرائيل قتله،و جائز أن يكون أيّده به في كلّ أحواله،لأنّ في الكلام دليلا على ذلك.(2:218)

الطّوسيّ: و تأييد اللّه هو ما قوّاه به و أعانه على أمور دينه،و على رفع ظلم اليهود و الكافرين عنه.

(4:58)

نحوه أبو الفتوح.(2:243)

البيضاويّ: قوّيتك،و هو ظرف ل(نعمتى)أو حال منه.و قرئ (ايدتك) .(1:298)

نحوه النّسفيّ(1:308)،و النّيسابوريّ(7:52)، و الشّربينيّ(1:404)،و الكاشانيّ(2:97)،و رشيد رضا(7:244).

أبو حيّان: قرأ الجمهور بتشديد الياء،و قرأ مجاهد و ابن محيصن (آيدتك) على«أفعلتك».و قال ابن عطيّة على وزن«فاعلتك».ثمّ قال:و يظهر أنّ الأصل في القراءتين(ايّدتك)على وزن«أفعلتك»،ثمّ اختلف الإعلال،و المعنى فيهما(ايّدتك)من الأيد.[ثمّ استشهد بشعر]انتهى.

و الّذي يظهر أنّ(أيّد)في قراءة الجمهور ليس وزنه «أفعل»لمجيء المضارع على«يؤيّد»فالوزن«فعّل».و لو كان«أفعل»لكان المضارع«يؤيّد»كمضارع آمن يؤمن.

و أمّا من قرأ (آيد) فيحتاج إلى نقل مضارعه من كلام العرب،فإن كان«يؤايد»فهو«فاعل»،و إن كان«يؤيد» فهو«أفعل».

و أمّا قول ابن عطيّة:إنّه في القراءتين يظهر أنّ وزنه «أفعلتك»ثمّ اختلف الإعلال،فلا أفهم ما أراد.و تقدّم تفسير نظير هذه الجملة في قوله: وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:87.(4:51)

الآلوسيّ: ظرف ل(نعمتى)أي اذكر إنعامي عليكما وقت تأييدي لكما،أو حال منها،أي اذكرها كائنة وقت ذلك.

و قيل:بدل اشتمال منها،و هو في المعنى تفسير لها.

و جوّز أبو البقاء أن يكون مفعولا به على السّعة.

و قرئ (ايدتك) بالمدّ،و وزنه عند الزّمخشريّ «أفعلتك»و عند ابن عطيّة«فاعلتك».قال أبو حيّان:

و يحتاج إلى نقل مضارعه من كلام العرب،فإن كان «يؤايد»فهو«فاعل»،و إن كان«يؤيد»فهو«أفعل»، و معناه و معنى«أيّد»واحد.

و قيل:معناه بالمدّ:القوّة،و بالتّشديد:النّصر،و هما كما قيل:متقاربان،لأنّ النّصر قوّة.(7:56)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ التّأييد بروح القدس هو السّبب المهيّئ له لتكليم النّاس في المهد،و لذلك وصل قوله:(تكلم الناس)من غير أن يفصله بالعطف إلى الجملة السّابقة،إشعارا بأنّ التّأييد و التّكليم معا أمر واحد مؤلّف من سبب و مسبّب.و اكتفى في موارد من كلامه بذكر أحد الأمرين عن الآخر،كقوله في آيات آل عمران المنقولة آنفا: وَ يُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلاً آل عمران:46،و قوله: وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:253.ه.

ص: 356


1- أي تأييده به.

على أنّه لو كان المراد بتأييده (بِرُوحِ الْقُدُسِ) مسألة الوحي بوساطة الرّوح لم يختصّ بعيسى بن مريم عليه السّلام، و شاركه فيها سائر الرّسل،مع أنّ الآية تأبى ذلك بسياقها.(6:220)

الحجازيّ: اذكر يا عيسى بن مريم نعم اللّه عليك؛ إذ أيّدك بروح القدس جبريل،علّمك و ثبّتك و لقّنك الحجّة بأمر اللّه و إذنه،أو أيّدك بروح طاهرة قويّة.

(7:26)

المصطفويّ: هو التّوجّه المخصوص و نفخ روح قدسيّ منه،يتقوّى به الإنسان و تتنوّر النّفس و تطمئنّ و تستقيم فيما أمر.(1:179)

ايّدناه

وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:87

ابن عبّاس: قوّيناه(الدّرّ المنثور 1:86)

مثله البغويّ و الخازن(1:68)،و نحوه النّسفيّ(1:

127)،و الشّربينيّ(1:75)،و البروسويّ(1:177).

الضّحّاك: نصرناه.(الطّبريّ 1:403)

الطّبريّ: قوّيناه فأعنّاه.(1:403)

نحوه الطّوسيّ.(1:340)

الزّجّاج: معنى«ايّدنا»في اللّغة:قوّينا،و شددنا.[ثمّ استشهد بشعر]

الآد و الأيد:القوّة.(1:168)

الزّمخشريّ: و قرئ (و آيدناه) و منه«آجده» بالجيم،إذا قوّاه.يقال:الحمد للّه الّذي آجدني بعد ضعف و أوجدني بعد فقر.(1:294)

الطّبرسيّ: روي في الشّواذّ عن أبي عمرو (و آيدناه) على زنة«أفعلناه»،و القراءة(ايّدناه)بالتّشديد.

و(ايّدناه)إنّما كانت القراءة المشهورة فيه«فعّلناه»لما يعرض من تصحيح العين مخافة توالي إعلالين في (آيدناه) على«أفعلناه».و معنى هذا أنّه لو أعلّت عينه كما يجب إعلال عين«أفعلت»من الأجوف كأقمت و أبعت، لتتابع فيه إعلالان،لأنّ أصل آيدت:أأيدت،كما أنّ أصل آمن:أأمن،فانقلبت الهمزة الثّانية ألفا لاجتماع همزتين في كلمة واحدة،و الأولى منهما مفتوحة،و الثّانية ساكنة.

و كان يجب أيضا أن تلقى حركة العين على الفاء و تحذف العين،كما ألقيت حركة الواو من«أقومت»على القاف قبلها،فصار أقمت،كان يجب على هذا أن تقلب الفاء هنا واوا،لأنّها قد تحرّكت و انفتح ما قبلها.و لا بدّ من قلبها لوقوع الهمزة الأولى قبلها،كما قلبت في تكسير آدم:أوادم،فكان يجب أن تقول:أودته كأقمته،فتحذف العين كما ترى،و تقلب الفاء الّتي هي في الأصل همزة واوا،فيعتلّ الفاء و العين جميعا.و إذا كان يؤدّي القياس إلى هذا رفض،و كثر فيه«فعّلت»ليؤمن الإعلالان، و جاء«أيّدت»قليلا شاذّا على الأصل.

و إذا كانوا قد أخرجوا عين«أفعلت»و هي حرف علّة على الصّحّة نحو قوله:

صددت فأطولت الصّدود و قلّما

وصال على طول الصّدود يدوم

و أعوز القوم و أغيمت السّماء.و لو أعلّت لم يخف فيه توالي إعلالين،كان خروج«أيّدت»على الصّحّة؛لئلاّ

ص: 357

يجتمع إعلالان أولى و أحرى.

(وَ أَيَّدْناهُ): قوّيناه من الأيد و الآد،و هما القوّة، و مثلهما في البناء على«فعل،و فعل»الذّيم و الذّام،و العيب و العاب.قال العجّاج:

*من أن تبدّلت بآدي آدا*

أي بقوّة شبابي قوّة الشّيب.(1:155)

نحوه أبو حيّان.(1:299)

ابن الجوزيّ: قوّيناه،و الأيد:القوّة.(1:112)

نحوه النّيسابوريّ.(1:367)

الفخر الرّازيّ: يعني قوّيناه،و المراد من هذه التّقوية الإعانة.(3:177)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:253.

يؤيّد

وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ آل عمران:13

ابن عبّاس: [سأله نافع بن الأزرق عن قوله:

وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ قال:]

يقوّي بنصره من يشاء،قال:و هل تعرف العرب ذلك؟قال:نعم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الدّرّ المنثور 2:10)

نحوه ابن الجوزيّ(1:358)،و الخازن(1:274)، و البروسويّ(2:8)،و القاسميّ(4:803).

أبو عبيدة: (يؤيّد):يقوّي،من الأيد،و إن شئت من الأدّ.(1:88)

الطّبريّ: يقوّي بنصره من يشاء من قول القائل:

قد أيّدت فلانا بكذا،إذا قوّيته و أعنته،فأنا أؤيّده تأييدا، و«فعلت»منه:إدته،فأنا أئيده أيدا.و منه قول اللّه عزّ و جلّ: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ص:17،يعني ذا القوّة.(3:198)

نحوه الطّوسيّ(2:410)،و الطّبرسيّ(1:414).

المراغيّ: أي و اللّه يقوّي بمعونته من يشاء،كما أيّد أهل بدر بتكثيرهم في عين العدوّ.(3:107)

بنت الشّاطئ: الكلمة من آية آل عمران:13، وحيدة الصّيغة،فعل مضارع،في القرآن الكريم.

و معها الفعل الماضي ثماني مرّات،و(الايد)في آيتي:

وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:17، وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ الذّاريات:

47.

و الملحظ الاستقرائيّ لسياقها،هو أنّ كلّ«تأييد»في القرآن من اللّه تعالى،يطّرد ذلك في آياته التّسع الّتي جاء الفعل فيها مسندا إليه سبحانه،مثبتا غير منفيّ.

و تفسير التّأييد بالتّقوية قريب،على ألاّ يفوتنا هذا الملحظ من الدّلالة الإسلاميّة في اختصاص التّأييد في القرآن،بكونه من اللّه تعالى وحده،فليس إلاّ لحزبه المؤمنين المتّقين المجاهدين.

و كذلك(الايد)في آيتيه،للّه سبحانه و لعبده داود، فضلا من اللّه و منّة.

أمّا القوّة فقد تأتي بمعنى البأس و الجبروت،كالّذي في آيات:

في الملأ من سبأ قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ النّمل:33. وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً

ص: 358

مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ محمّد:13 أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ فاطر:44.

معها آيات:القصص:78،الرّوم:9،المؤمن:21، 82،و فصّلت:15.

و قد يوصف المخلوق بالقوّة،كالّذي في آيتي القصص:78،و الرّوم:54.كما قد تكون القوّة من العباد، كالّذي في آيتي:هود:80،و الكهف:95.

و ليس كذلك التّأييد في الكتاب المحكم مستندا إلى اللّه سبحانه،و متعلّقا بالصّفوة من عباده،لا بطاغوت الكفر و بأس الجبابرة.(الإعجاز البيانيّ:303)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو القوّة،يقال منه:آد فلان:اشتدّ و قوي،و أيّدت الشّيء:قوّيته.و منه المؤيد و هو الأمر العظيم أو الدّاهية،و الإياد و هو كلّ ما يقوّى به و يلجأ إليه كالتّراب يقوّى به الحوض أو الخباء،و الجبل و الحصن.

و إياد العسكر:ميمنته و ميسرته.و قيل:الأيد ليس مطلق القوّة،بل مع الحفظ و الحجز عن المانع،فهو القوّة الحافظة السّاترة الحاجزة الّتي يمكن أن تكون كنفا،و لهذا قيل لميمنة العسكر و ميسرته:إياده،و هما إياداه.و نرى أنّ القيد مأخوذ من السّياق،و لا دخل له في أصل المعنى.

2-و بين مادّتي«أ ي د»و«ي د ي»تقارب في المعنى،يقال من الأوّل:أيّده اللّه،أي قوّاه اللّه.و من الثّاني:

ما لي به يد،أي ما لي به قوّة،و مالي به يدان،و ما لهم بذلك أيد،أي قوّة،و لهم أيد و أبصار،و هم أولو الأيدي و الأبصار.

3-و لعلّ«أ ي د»مقلوب«ي د ي»بتقديم الياء على الدّال،فيكون«ي ي د»،فحينما اجتمعت ياءان قلبت إحداهما-و هي الأولى-همزة،فصار«أ ي د».

و ورد هذا الضّرب من الإقلاب في بعض اللّغات السّاميّة كالعبريّة و السّريانيّة.ففي العبريّة يقال لليد:

ياد و إيد،و في السّريانيّة:يد،و إيد،و إيدا.و ممّا يؤيّد هذا الرّأي أيضا هو أنّ«اليد»تعني في اللّغة القوّة،كالأيد مثلما تقدّم.

4-و لو تقصّينا الأفعال:آد،و أدّ،و أود،و أيد،و يدّ، و يدي،لوجدناها تؤول إلى معنى القوّة،سواء كانت مادّيّة أو معنويّة،متّصلة بها المجازات و الكنايات من قريب أو بعيد.

5-و قد جاء آد يئود أودا-الواويّ-بمعنى الثّقل، و ليس هو بعيدا عن معنى القوّة.و أمّا الّذي بمعنى القوّة فهو آد يئيد.و هذا لازم،و الأوّل متعدّ،قال تعالى:

وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255،لاحظ«أ و د».

الاستعمال القرآنيّ

1-لم يأت من هذه المادّة في القرآن سوى«الأيد» مرّتين،و«التّأييد»ماضيا(8)مرّات،و مضارعا مرّة واحدة:

الأيد: اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ

ص: 359

ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:17.

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ الذّاريات:47.

يلاحظ أوّلا:أنّه وصف لداود في الآية الأولى باستعمال(ذا)،و في الثّانية وصف للّه تعالى.و هو يعني فيهما القوّة و هي من اللّه،فللّه العزّة جميعا،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.و الآيتان تذكّران بقوله: وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ المنافقون:8،و فيه إيماء إلى وجود قوّة روحيّة للأنبياء عليهم السّلام تصنع المعجزات.

و ثانيا:عقّب داود مباشرة بلفظ(اوّاب)وصفا له، و هذا يشعر بالصّلة بين الوصفين.و هو كذلك؛فداود عليه السّلام استمدّ قوّته من اللّه برجوعه و توبته كثيرا إليه.

و ثالثا:جاءت كلمة(بأييد)-بياءين حسب الرّسم العثمانيّ-بين جملتين:اسميّة و فعليّة،في سياق التّفخيم:

وَ السَّماءَ بَنَيْناها و وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ إشعارا بأنّها قوّة واسعة لا نهاية لها كالسّماء؛حيث لا يشاهد لها حدّ محدود.حتّى صارت مضرب الأمثال في السّعة؛قال تعالى: وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ آل عمران:133،و قال أيضا:

سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الحديد:21.

و رابعا:أنّ مجيء(أيد)في آيتين مكّيّتين-و كانت مكّة آنذاك دار غربة و نأي للمسلمين-يكاد يكون درسا و إسعافا نفسيّا لهم من كتاب التّاريخ و التّكوين، بتذكّر قصّة داود و خلقة السّماء.و قوله: وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ تبشير لهم بأنّ الرّسالة الإسلاميّة ستحتضنها الآفاق،و تنتشر في مساحات شاسعة من الأرض،و بذلك تحلّ الطّمأنينة في نفوس المؤمنين و يستبشرون بمستقبلهم.

الفعل الماضي:1- إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلاً المائدة:110

2- هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ

الأنفال:62

3- وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ

الأنفال:26

4- فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ الصّفّ:14

5- وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:87 و 253

6- فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها التّوبة:40

7- أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة:22

الفعل المضارع: وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ آل عمران:13

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات كلّها مدنيّة،و المدينة دار الجهاد و القتال و المقاومة و نصرة الدّين و الغلبة على الأعداء.فهي تستدعي إعلام المؤمنين بتأييد اللّه و مواضع نصرة الرّسول و المؤمنين في الماضي و المستقبل، كما أيّد المؤمنين من بني إسرائيل على عدوّهم،و هذا

ص: 360

سياق أكثر هذه الآيات.

و ثانيا:هناك سياق آخر في أربع آيات منها،و هي (1)و(5)و(7)؛حيث يذكر اللّه تأييد عيسى بروح القدس،و تأييد المؤمنين بروح منه.و هذا نصر روحيّ و إمداد نفسيّ خاصّ بالأنبياء و المخلصين من المؤمنين،كما أنّ الصّنف الأوّل نصر ظاهريّ بالجنود.

و ثالثا:أنّ التّأييد في الجميع مضاف إلى اللّه بشكل مباشر،و هذا مع ما تقدّم في(الأيد)نداء توحيديّ بأنّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه في جميع أبعاد الوجود.

و رابعا:أنّ الجمع بين التّأييد و النّصر و الظّهور و السّكينة و الجنود و المؤمنين،و كونهم مستضعفين قليلا فآواهم،و روح القدس و نحوها في هذه الآيات متناسق و هادف و واقع موقعه؛و بذلك تصبح الآيات مثلا راقيا للبلاغة القرآنيّة.

و خامسا:إضافة التّأييد في جانب الفاعل إلى اللّه في سياق المفرد(ايّد)و الجمع(ايّدنا)و في جانب المفعول به إلى النّبيّ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ و أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ و إلى المؤمنين أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ و أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و إلى عيسى أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ تحمل معها سعة التّأييد و تنوّعه،و اختصاصه بالأنبياء و المؤمنين دون غيرهم،و أنّه يصدر من اللّه تارة من موضع العظمة (ايّدنا)،و أخرى من موضع الألوهيّة وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ.

و سادسا:حين يأتي الفعل منسوبا إلى فاعله الوحيد لم يذكر الفعل مبنيّا للمجهول قطّ،كما أنّ المفعول به مشخّص دائما.و هذا يعني أنّ اللّه هو مصدر التّأييد وحده لا شريك له،و أنّ أولئك العباد المخلصين هم موضع تأييد دون ما عداهم،و أنّ التّأييد الإلهيّ ليس اسما و لا ادّعاء و لا وعدا،إنّما هو فعل مباشر موجّه منه سبحانه إلى أهله و مستحقّيه.

و سابعا:أنّ التّأكيد على صدور التّأييد منه فيما مضى في حقّ الأنبياء و الأولياء شاهد على استمراره فيما يأتي؛ و لهذا اكتفى بصيغة واحدة للمستقبل وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، دالّة على استمرار تأييده للإسلام و المسلمين بنصره من يشاء.و هذا عامّ لكلّ من وقع اختياره تعالى على تأييده و نصره إلى يوم القيامة.

ص: 361

ص: 362

أ ي ك

اشارة

لفظ واحد،4 مرّات مكّيّة،في 4 سور مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

السّدّيّ: الأيكة:هي الحرجة.[ثمّ استشهد بشعر](الطّوسيّ 8:548)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الأيكة:الغيضة من الشّجر.(البحرانيّ 3:188)

أبو عمرو ابن العلاء: الأيكة:هي الملتفّة من النّبع و السّدر.(الطّوسيّ 8:548)

الخليل: الأيكة:غيضة،تنبت السّدر و الأراك، و نحوهما من ناعم الشّجر،يقال:أيكة أيّكة،أي مثمرة.(5:423)

نحوه الصّاحب.(6:355)

أبو عبيدة: الأيكة:جمعها أيك،و هي جماع من الشّجر.(2:90)

ابن الأعرابيّ: يقال:أيكة من أثل،و رهط من عشر،و قصيمة من الغضا.(الأزهريّ 10:415)

الدّينوريّ: الأيكة:جماعة الأراك،و قد تكون الأيكة:الجماعة من كلّ الشّجر حتّى من النّخل.و الأوّل أعرف،و الجمع:أيك.(ابن منظور 10:394)

الزّجّاج: الأيكة:الشّجر الملتفّ،و يقال:أيكة و أيك،مثل أجمة و أجم،و الفصل بين واحده و جمعه الهاء).(4:97)

ابن دريد: قال الأصمعيّ:و الأيك:الشّجر الملتفّ.

و كأنّه شكّ فيه،فقال:زعموا.

و قيل:الأيك:جمع أيكة،و هي الرّوضة.(3:471)

الجوهريّ: الأيك:الشّجر الكثير الملتفّ،الواحدة:

أيكة.(1:1574)

ابن فارس: الهمزة و الياء و الكاف أصل واحد، و هي اجتماع شجر.(1:165)

الهرويّ: الأيكة:الغيضة،و جمعها أيك.و كلّ مكان فيه شجر ملتفّ فهو أيك.(1:113)

ابن سيدة:الأيكة:جماعة الأراك،و الأيكة:

ص: 363

الغيضة تنبت السّدر و الأراك،و الأيك:الشّجر المجتمع، و قيل:الجماعة من كلّ الشّجر حتّى من النّخل.

و استأيك الأراك:صار أيكة،و ذلك إذا التفّ.(الإفصاح 2:1185)

أيك أيّك:مثمر،و قيل:هو على المبالغة.

(ابن منظور 10:395)

الرّاغب: الأيك:شجر ملتفّ.

و أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الحجر:78،قيل:نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها،و قيل:هي اسم بلد.(30)

الزّمخشريّ: فلان فرع من أيكة المجد،و تقول:

كذّب صاحب مليكة،كما كذّب أصحاب الأيكة.(أساس البلاغة:13)

ابن منظور: أيك الأراك فهو أيك و استأيك، كلاهما:التفّ و صار أيكة.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:394)

الفيّوميّ: الأيك:شجر،الواحدة:أيكة،مثل تمر و تمرة،و يقال:من الأراك.(1:33)

الفيروزآباديّ: الأيك:الشّجر الملتفّ الكثير، و الغيضة تنبت السّدر و الأراك،أو الجماعة من كلّ الشّجر حتّى من النّخل،الواحدة:أيكة.و وقع في البخاريّ:

الأيكة جمع أيكة و كأنّه وهم.

و أيك الأراك-كسمع-و استأيك:صار أيكة،و أيك آئك:مثمر.(3:303)

الطّريحيّ: قوله تعالى: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الأيكة واحدة الأيك،و هو الشّجر الملتفّ الكثير.

قيل:إنّ أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتفّ، و كان شجرهم شجر المقل،و هم قوم شعيب.

و يقال:الأيكة:اسم قرية،و اللّيكة:اسم بلد،و قيل:

هما بمعنى.(5:256)

مجمع اللّغة: الأيكة:الشّجرة الملتفّة،و أصحاب الأيكة هم قوم شعيب عليه السّلام،كانت مساكنهم كثيفة الأشجار.(1:72)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:54)

النّصوص التّفسيريّة

الايكة

1- وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ. الحجر:78

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ مدين و أصحاب الأيكة أمّتان،بعث اللّه إليهما شعيبا.(الدّرّ المنثور 4:103)

ابن عبّاس: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني أصحاب الغيضة.و الأيكة:الشّجر،و هم قوم شعيب.

(تنوير المقباس:220)

نحوه سعيد بن جبير،و الضّحّاك(الطّبريّ 14:49)، و الحسن(الطّوسيّ 6:349)،و الكلبيّ(الفخر الرّازيّ 19:204)،و القمّيّ(1:377).

الأيكة:ذات آجام و شجر كانوا فيها.

(الطّبريّ 14:48)

هو شجر المقل.(الفخر الرّازيّ 19:204)

أَصْحابُ الْأَيْكَةِ: أهل مدين،و الأيكة:الملتفّة من الشّجر.(الدّرّ المنثور 4:103)

قتادة: ذكر لنا أنّهم كانوا أهل غيضة،و كان عامّة شجرهم هذا الدّوم،و كان رسولهم فيما بلغنا شعيب عليه السّلام،

ص: 364

أرسل إليهم و إلى أهل مدين،أرسل إلى أمّتين من النّاس، و عذّبتا بعذابين شتّى.

أمّا أهل مدين فأخذتهم الصّيحة.

و أمّا أصحاب الأيكة،فكانوا أهل شجر متكاوس؛ ذكر لنا أنّه سلّط عليهم الحرّ سبعة أيّام،لا يظلّهم منه ظلّ، و لا يمنعهم منه شيء،فبعث اللّه عليهم سحابة،فحلّوا تحتها يلتمسون الرّوح فيها؛فجعلها اللّه عليهم عذابا، بعث عليهم نارا،فاضطرمت عليهم،فأكلتهم،فذلك عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الشّعراء:189.(الطّبريّ 14:48)

الفرّاء: قرأ الأعمش،و عاصم،و الحسن البصريّ (الْأَيْكَةِ) بالهمز في كلّ القرآن.و قرأها أهل المدينة كذلك إلاّ في«الشّعراء»و في«ص»فإنّهم جعلوها بغير ألف و لام،و لم يجروها.

و نرى-و اللّه أعلم-أنّها كتبت في هذين الموضعين على ترك الهمز،فسقطت الألف لتحرّك اللاّم.فينبغي أن تكون القراءة فيها بالألف و اللاّم،لأنّها موضع واحد في قول الفريقين.و الأيكة:الغيضة.(2:91)

أبو عبيدة: الأيكة و ليكة مدينتهم،بمنزلة بكّة من مكّة.(القرطبيّ 10:45)

الطّبريّ: و قد كان أصحاب الغيضة ظالمين،يقول:

كانوا باللّه كافرين.و الأيكة:الشّجر الملتفّ المجتمع.[ثمّ استشهد بشعر](14:48)

الزّجّاج: أي أصحاب الشّجر،و الأيك الشّجر، و هؤلاء أهل موضع كان ذا شجر،فانتقم اللّه منهم بكفرهم.قيل:إنّه أخذهم الحرّ أيّاما ثمّ اضطرم عليهم المكان نارا فهلكوا عن آخرهم.(3:185)

ابن خالويه: الأيكة:اسم القرية،و الأيكة:اسم البلد،كما أنّ مكّة اسم البلد،و مكّة اسم البيت.

(الطّوسيّ 6:350)

الجوهريّ: من قرأ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ فهي الغيضة.و من قرأ (ليكة) فهي اسم القرية.

و يقال:هما مثل بكّة و مكّة.(الطّريحيّ 5:256)

القيسيّ: لم يختلف القرّاء في الهمز و الخفض هنا و في «ق»و إنّما اختلفوا في«الشّعراء»و«ص»،في فتح التّاء و خفضها.

فمن فتح التّاء قرأه بلام بعدها ياء،و جعل «ليكة» اسم البلدة،فلم يصرفه للتّأنيث و التّعريف،و وزنه «فعلة».

و من قرأه بالخفض جعل أصله«أيكة»اسم لموضع فيه شجر و دوم ملتفّ،ثمّ أدخل عليه الألف و اللاّم للتّعريف،فانصرف.(2:11)

الكرخيّ: و تبوك بين الحجر و بين أوّل الشّام على أربع مراحل،نحو نصف طريق الشّام،و هو حصن به عين و نخيل و حائط ينسب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يقال:إنّ «أصحاب الأيكة»الّذين بعث إليهم شعيب كانوا بها و لم يكن شعيب منهم،و إنّما كان من مدين.

و مدين على بحر القلزم-أي البحر الأحمر-محاذية لتبوك على نحو من ستّ مراحل،و هي أكبر من تبوك، و بها البئر الّتي استقى منها موسى عليه السّلام لسائمة شعيب، و رأيت هذه البئر مغطّاة قد بني عليها بيت.

(المسالك و الممالك:20)

ص: 365

الطّوسيّ: الأيكة:الشّجرة في قول الحسن،و الجمع:

الأيك،كشجرة و شجر.

و قيل:الأيكة:الشّجر الملتفّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الأيكة:الغيضة.و (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) هم أهل الشّجر الّذين أرسل إليهم شعيب عليه السّلام و أرسل إلى أهل مدين،فأهلكوا بالصّيحة،و أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظّلّة الّتي احترقوا بنارها،في قول قتادة.

فأخبر اللّه تعالى أنّه أهلك أصحاب الأيكة بظلمهم و عتوّهم و كفرهم بآيات اللّه،و جحدهم نبوّة نبيّه...

و لم يصرفوا(الايكة)للتّعريف و التّأنيث،و يجوز أن يكونوا تركوا صرفه،لأنّه معدول عن الألف و اللاّم،كما أنّ شجر (1)معدول عن الشّجر،فلذلك لم يصرفوه.

(6:350)

الميبديّ: و قيل:كانوا أصحاب غياض و رياض و أشجار و أنهار،يأكلون في الصّيف الفاكهة الرّطبة،و في الشّتاء اليابسة.(5:327)

الطّبرسيّ: قرأ جميع القرّاء (الْأَيْكَةِ) هاهنا،لأنّها مكتوبة بالألف،إلاّ ورشا عن نافع فإنّه يترك الهمزة و يردّ حركتها إلى اللاّم.إذا خفّفت الهمزة في(الايكة) و قد ألحقتها الألف و اللاّم حذفتها و ألقيت حركتها على اللاّم.و يجوز فيه إذا استؤنف لغتان،فمن قال:الحمر قال:

أليكة،و من قال:لحمر قال:ليكة.

و معنى الآية أنّه كان أصحاب الأيكة لظالمين في تكذيب رسولهم،و كانوا أصحاب غياض،فعاقبهم اللّه تعالى بالحرّ سبعة أيّام ثمّ أنشأ سبحانه سحابة فاستظلّوا بها يلتمسون الرّوح فيها،فلمّا اجتمعوا تحتها أرسل منها صاعقة فأحرقتهم جميعا.(3:343)

الخازن: يعني أَصْحابُ الْأَيْكَةِ و هي الغيضة، و اللاّم في قوله:(لظالمين)للتّأكيد.

و هم قوم شعيب عليه السّلام كانوا أصحاب غياض و شجر ملتفّ،و كان عامّة شجرهم المقل،و كانوا قوما كافرين، فبعث اللّه عزّ و جلّ إليهم شعيبا رسولا فكذّبوه،فأهلكهم اللّه.(4:59)

نحوه أبو السّعود(3:155)،و البروسويّ(4:481).

أبو حيّان: (الايكة)شجر الدّوم،قيل:المقل، و قيل:السّدر،و قيل:(الايكة)اسم النّاحية فيكون علما.و يقوّيه قراءة من قرأ في«الشّعراء»و«ص» (ليكة) ممنوع الصّرف.(5:463)

العامليّ: (الايكة)هي الضّيعة بالفتح،أي مجتمع الشّجر،و جمعها أيك-و كلّ مكان فيه شجر ملتفّ فهو أيك-و أصحابها قوم شعيب،و ربّما أمكن جعل نظيرهم في هذه الأمّة أصحاب الشّجرة الملعونة،أي بني أميّة.

و سيأتي بيان التّطبيق في محلّه.(77)

شبّر: (الايكة)واحدة الأيك،و هو الشّجر الملتفّ الكثير،و هي غيضة بقرب مدين،و هم قوم شعيب كانوا يسكنونها.(3:392)

الآلوسيّ: هم قوم شعيب عليه السّلام.و(الايكة)في الأصل:الشّجرة الملتفّة،واحدة الأيك.[ثمّ استشهد).

ص: 366


1- أعتقد أنّ المثال الوارد في المتن هو تصحيف، و الصّحيح:«كما أنّ سحر معدول عن السّحر،فلذلك لم يصرفوه».فهذا اللّفظ هو الّذي يضرب به المثل عند الصّرفيّين،لكونه معرفة و معدول...راجع:جامع الدّروس العربيّة للغلايينيّ.(2:223).

بشعر]

و المراد بها غيضة،أي بقعة كثيفة الأشجار.بناء على ما روي أنّ هؤلاء القوم كانوا يسكنون الغيضة و عامّة شجرها الدّوم،و قيل:السّدر.

فبعث اللّه تعالى إليهم شعيبا فكذّبوه،فأهلكوا بما ستسمعه إن شاء اللّه تعالى.

و قيل:بلدة كانوا يسكنونها،و إطلاقها على ما ذكر إمّا بطريق النّقل أو تسمية المحلّ باسم الحالّ فيه،ثمّ غلب عليه حتّى صار علما.و أيّد القول بالعلميّة أنّه قرئ في «الشّعراء»و«ص» (ليكة) ممنوع الصّرف.(14:75)

النّهاونديّ: قيل:إنّ الأيكة و مدين واحد،فإنّ أطراف مدين كانت أرض ذات أشجار كثيرة ملتفّة بعضها ببعض.

و قيل:إنّ(الايكة)اسم مكان آخر غير مدين كثير الأشجار كانوا يسكنونها،فبعث اللّه إليهم شعيبا،كما بعثه إلى مدين.(2:371)

سيّد قطب: و مدين و الأيكة كانتا بالقرب من قرى لوط،و الإشارة الواردة هنا وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ الحجر:79،قد تعني مدين و الأيكة،فهما في طريق واضح غير مندثر،و قد تعني قرى لوط السّالفة الذّكر،و قرية شعيب.جمعهما لأنّهما في طريق واحد بين الحجاز و الشّام.

و وقوع القرى الدّاثرة على الطّريق المطروق أدعى إلى العبرة،فهي شاهد حاضر يراه الرّائح و الغادي.

و الحياة تجري من حولها و هي داثرة،كأن لم تكن يوما عامرة.و الحياة لا تحفلها،و هي ماضية في الطّريق.

(4:2151)

الطّباطبائيّ: (الايكة)واحدة الأيك،و هو الشّجر الملتفّ بعضه ببعض.فقد كانوا-كما قيل-في غيضة،أي بقعة كثيفة الأشجار.

و هؤلاء كما ذكروا هم قوم شعيب عليه السّلام أو طائفة من قومه كانوا يسكنون الغيضة،و يؤيّده قوله تعالى ذيلا:

وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ الحجر:79،أي مكانا قوم لوط و أصحاب الأيكة لفي طريق واضح.فإنّ الّذي على طريق المدينة إلى الشّام هي بلاد قوم لوط،و قوم شعيب الخربة،أهلكهم اللّه بكفرهم و تكذيبهم لدعوة شعيب.(12:185)

المصطفويّ: (الايكة)هي الأشجار المتكاثرة الملتفّة،أو الغيضة الّتي فيها تلك الأشجار،و هذا المعنى ينطبق على مدينة مدين و ما حولها،من جانب الشّمال الغربيّ من أرض الحجاز،من سواحل البحر الأحمر، قريبة من جبال تهامة و غيرها،و هي واقعة في محاذاة تبوك غربا.

و لا يخفى أنّ هذه الأراضي مجاورة لصحراء سيناء، و الفاصل بينهما منتهى البحر الأحمر ثمّ خليج العقبة.

و طول الخليج كما في«تاريخ سيناء»لنعوم بك:«خليج العقبة الّذي يحدّ سيناء الجنوبيّة من الشّرق،فطوله من رأس محمّد إلى قلعة العقبة نحو مائة ميل،و عرضه من سبعة أميال إلى أربعة عشر ميلا».

و يقول«ص 202»:«و معلوم أنّ العقبة مركز وسطيّ هامّ تتفرّع منها الطّريق برّا و بحرا إلى بلاد العرب

ص: 367

و سوريا و سيناء و مصر و غيرها،و أهمّ طرقها البرّيّة إلى بلاد العرب:درب الحجّ المصريّ».

و لا يبعد أن يكون مسير موسى عليه السّلام من مصر إلى مدين،ثمّ من مدين مع زوجته إلى سيناء من هذه الطّريق فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا القصص:29، وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ الحجر:78، كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ الشّعراء:176، وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ ص:13، وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ ق:14.

فهذه الآيات تدلّ على أمور:

الأوّل:أنّ(الأيكة)قد أرسل إليها شعيب و غيره من المرسلين كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ الشّعراء:176-178.

الثّاني:أنّ(الأيكة)تنطبق على مدين بقرينة قوله تعالى: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85، وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ... وَ لَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ القصص:22،23،راجع:مدين،و شعيب،و بحر.

(1:180)

2- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ.

الشّعراء:176

ابن زيد: (الايكة):الشّجر،بعث اللّه شعيبا إلى قومه من أهل مدين،و إلى أهل البادية و هم أصحاب ليكة.و ليكة و الأيكة واحد.(الطّبريّ 19:107)

الزّجّاج: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هؤلاء كانوا أصحاب شجر ملتفّ،و يقال:إنّ شجرهم هو الدّوم، و الدّوم هو شجر المقل،و أكثر القرّاء على إثبات الألف و اللاّم في(الايكة)،و كذلك يقرأ أبو عمرو و أكثر القرّاء.

و قرأ أهل المدينة (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) مفتوحة اللاّم، فإذا وقف على(اصحاب)قال: (الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)، و كذلك هي في هذه السّورة بغير ألف في المصحف، و كذلك أيضا في سورة«ص»بغير ألف؛و في سائر القرآن بألف.

و يجوز،و هو حسن جدّا: (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) بغير ألف في الخطّ على الكسر،على أنّ الأصل(الايكة)فألقيت الهمزة فقيل:(ليكة)،و العرب تقول:الأحمر جاءني،و تقول إذا ألقت الهمزة:لحمر جاءني بفتح اللاّم و إثبات ألف الوصل،و يقولون أيضا:

لا حمر جاءني،يريدون:الأحمر.و إثبات الألف و اللاّم فيهما في سائر القرآن يدلّ على أنّ حذف الهمزة منها الّتي هي ألف الوصل بمنزلة قولهم:لاحمر؛أعني أنّ القراءة بجرّ (ليكة)و أنت تريد(الأيكة).

و اللاّم أجود من أن تجعلها(ليكة)و أنت لا تقدّر الألف و اللاّم،و تفتحها لأنّها لا تنصرف،لأنّ(ليكة) لا تعرّف،و إنّما هي:أيكة للواحد و أيك للجمع،فأجود القراءة فيها الكسر،و إسقاط الهمزة لموافقة المصحف.

و أهل المدينة يفتحون،على ما جاء في التّفسير:أنّ اسم المدينة الّتي كانت للّذين أرسل إليهم شعيب عليه السّلام «ليكة».

ص: 368

و كان أبو عبيد القاسم بن سلاّم يختار قراءة أهل المدينة و الفتح،لأنّ(ليكة)لا تنصرف.و ذكر أنّه اختار ذلك لموافقتها الكتاب،مع ما جاء في التّفسير،كأنّها تسمّى المدينة(الايكة)،و تسمّى الغيضة الّتي تضمّ هذا الشّجر(ليكة)،و الكسر جيّد على ما وصفنا،و لا أعلمه إلاّ قد قرئ به.(4:97)

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) مفتوحة اللاّم و التّاء،و في«ص»مثلها.

جاء في التّفسير أنّ اسم المدينة كان(ليكة)فلم يصرفوها للتّأنيث و التّعريف.و حجّتهم أنّهما كتبتا في المصاحف بغير همز.

و قرأ الباقون: (الْأَيْكَةِ) ساكنة اللاّم مكسورة التّاء، و(الايكة):الشّجر الملتفّ.و حجّتهم ما ذكر في التّفسير،جاء:أنّ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هؤلاء كانوا أصحاب شجر ملتفّ،و يقال:إنّ شجرهم هو الدّوم، و الدّوم:شجر المقل.(519)

نحوه ابن عطيّة.(4:242)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) على أنّه اسم المدينة معرفة لا ينصرف.

قال أبو عليّ الفارسيّ:الأجود أن يكون ذلك على تخفيف الهمزة مثل:لحمر،و نصبه يضعف،لأنّه يكون نصب حرف الإعراب في موضع الجرّ،مع لام التّعريف، و ذلك لا يجوز.

و حجّة من قرأ بذلك أنّه في المصحف بلا ألف،و قالوا هو اسم المدينة بعينها.الباقون أَصْحابُ الْأَيْكَةِ بالألف و اللاّم مطلقا مضافا،و مثله الخلاف في ص:13.

حكى اللّه تعالى أنّ قوم شعيب،و هم أَصْحابُ الْأَيْكَةِ كذّبوا المرسلين في دعائهم إلى خلع الأنداد و إخلاص العبادة للّه.

و الأيكة:الغيضة ذات الشّجر الملتفّ،و جمعه:

الأيك.[ثمّ استشهد بشعر](8:57)

الزّمخشريّ: قرئ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ بالهمزة و بتخفيفها،و بالجرّ على الإضافة و هو الوجه.

و من قرأ بالنّصب و زعم أنّ(ليكة)بوزن«ليلة» اسم بلد،فتوهّم،قاد إليه خطّ المصحف؛حيث وجدت مكتوبة في هذه السّورة و في سورة«ص»بغير ألف.

و في المصحف أشياء كتبت على خلاف قياس الخطّ المصطلح عليه،و إنّما كتبت في هاتين السّورتين على حكم لفظ اللاّفظ كما يكتب أصحاب النّحو«لان و لولى (1)»على هذه الصّورة لبيان لفظ المخفّف.

و قد كتبت في سائر القرآن على الأصل،و القصّة واحدة على أنّ(ليكة)اسم لا يعرّف.(3:126)

مثله الفخر الرّازيّ.(24:162)

القرطبيّ: الأيك:الشّجر الملتفّ الكثير، الواحدة:أيكة.و من قرأ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ فهي الغيضة،و من قرأ (ليكة) فهو اسم القرية،و يقال:هما مثل بكّة و مكّة؛قاله الجوهريّ.

و قال النّحّاس: و قرأ أبو جعفر و نافع (كذّب اصحاب ليكة المرسلين)، و كذا قرأ في«ص».

و أجمع القرّاء على الخفض في الّتي في سورة الحجر».

ص: 369


1- ورد في روح المعاني نقلا عن الكشّاف«الآن،لان، و الأولى،لولى».

و الّتي في سورة«ق»فيجب أن يردّ ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذ كان المعنى واحدا.

و أمّا ما حكاه أبو عبيد من أنّ(ليكة)هي اسم القرية الّتي كانوا فيها،و أنّ(الأيكة)اسم البلد،فشيء لا يثبت، و لا يعرف من قاله فيثبت علمه.و لو عرف من قاله لكان فيه نظر،لأنّ أهل العلم جميعا من أهل التّفسير،و العلم بكلام العرب على خلافه.

و روى عبد اللّه بن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة قال:أرسل شعيب عليه السّلام إلى أمّتين:إلى قومه من أهل مدين،و إلى أصحاب الأيكة.قال:و الأيكة:

غيضة من شجر ملتفّ.

و روى سعيد عن قتادة قال:كان أصحاب الأيكة أهل غيضة و شجر و كانت عامّة شجرهم الدّوم،و هو شجر المقل.

و روى ابن جبير عن الضّحّاك قال:خرج أصحاب الأيكة-يعني حين أصابهم الحرّ-فانضمّوا إلى الغيضة و الشّجر،فأرسل اللّه عليهم سحابة فاستظلّوا تحتها،فلمّا تكاملوا تحتها أحرقوا.

و لو لم يكن هذا إلاّ ما روي عن ابن عبّاس،قال:

و الأيكة:الشّجر،و لا نعلم بين أهل اللّغة اختلافا:أنّ الأيكة:الشّجر الملتفّ.

فأمّا احتجاج بعض من احتجّ بقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح أنّه في السّواد(ليكة)فلا حجّة له،و القول فيه:إنّ أصله:الأيكة،ثمّ خفّفت الهمزة فألقيت حركتها على اللاّم فسقطت،و استغنت عن ألف الوصل،لأنّ اللاّم قد تحرّكت.

فلا يجوز على هذا إلاّ الخفض،كما تقول:بالأحمر، تحقّق الهمزة،ثمّ تخفّفها،بلحمر،فإن شئت كتبته في الخطّ على ما كتبته أوّلا،و إن شئت كتبته بالحذف،و لم يجز إلاّ الخفض.

قال سيبويه: و اعلم أنّ ما لا ينصرف إذا دخلت عليه الألف و اللاّم أو أضيف انصرف،و لا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا.

و قال الخليل: الأيكة:غيضة تنبت السّدر و الأراك، و نحوهما من ناعم الشّجر.(13:134)

البيضاويّ: (الايكة)غيضة تنبت ناعم الشّجر، يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة،فبعث اللّه إليهم شعيبا كما بعث إلى مدين،و كان أجنبيّا.(2:165)

نحوه الكاشانيّ.(4:49)

النّسفيّ: بالهمزة و الجرّ هي غيضة تنبت ناعم الشّجر.عن الخليل:ليكة حجازيّ و شاميّ،و كذا في «ص»علم لبلد.

قيل: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هم أهل مدين التجئوا إلى غيضة؛إذ ألحّ عليهم الوهج.و الأصحّ أنّهم غيرهم نزلوا غيضة بعينها بالبادية،و أكثر شجرهم المقل.

(3:194)

أبو حيّان: قرأ الحرميّان و ابن عامر (ليكة) هنا و في «ص»،بغير لام،ممنوع الصّرف،و قرأ باقي السّبعة (الْأَيْكَةِ) بلام التّعريف.

فأمّا قراءة الفتح،فقال أبو عبيد:وجدنا في بعض التّفسير أنّ(ليكة)اسم للقرية،و(الايكة)البلاد كلّها، كمكّة و بكّة.و رأيتها في الإمام«مصحف عثمان»في

ص: 370

«الحجر»و«ق»(الايكة)و في«الشّعراء»و«ص» (ليكة)،و اجتمعت مصاحف الأمصار كلّها بعد على ذلك، و لم تختلف،انتهى.

و قد طعن في هذه القراءة المبرّد و ابن قتيبة و الزّجّاج و أبو عليّ الفارسيّ و النّحّاس،و تبعهم الزّمخشريّ، و وهّموا القرّاء،و قالوا:

حملهم على ذلك كون الّذي كتب في هذين الموضعين على اللّفظ،في من نقل حركة الهمزة إلى اللاّم و أسقط الهمزة،فتوهّم أنّ اللاّم من بنية الكلمة ففتح الياء،و كان الصّواب أن يجرّ.ثمّ مادّة«ل ي ك»لم يوجد منها تركيب،فهي مادّة مهملة كما أهملوا مادّة«خ ذ ج» منقوطا.

و هذه نزعة اعتزاليّة يعتقدون أنّ بعض القراءة بالرّأي لا بالرّواية.و هذه قراءة متواترة لا يمكن الطّعن فيها،و يقرب إنكارها من الرّدّة،و العياذ باللّه.

أمّا نافع فقرأ على سبعين من التّابعين،و هم عرب فصحاء،ثمّ هي قراءة أهل المدينة قاطبة.

و أمّا ابن كثير فقرأ على سادة التّابعين ممّن كان بمكّة كمجاهد و غيره،و قد قرأ عليه إمام البصرة أبو عمرو ابن العلاء.و سأله بعض العلماء أقرأت على ابن كثير؟قال:

نعم ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد،و كان ابن كثير أعلم من مجاهد باللّغة.قال أبو عمرو:و لم يكن بين القراءتين كبير،يعني خلافا.

و أمّا ابن عامر فهو إمام أهل الشّام و هو عربيّ قحّ قد سبق اللّحن،أخذ عن عثمان و عن أبي الدّرداء و غيرهما.

فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة:

الحرمان:مكّة و المدينة،و الشّام.

و أمّا كون هذه المادّة مفقودة في«لسان العرب»،فإن صحّ ذلك كانت الكلمة عجميّة،و موادّ كلام العجم مخالفة في كثير موادّ كلام العرب،فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلميّة و العجميّة و التّأنيث.

و تقدّم مدلول(الايكة)في الحجر،و كان شعيب عليه السّلام من أهل مدين،فلذلك جاء وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً العنكبوت:36 (1)،و لم يكن من أهل الأيكة، فلذلك قال هنا: إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ الشّعراء:177.

و من غريب النّقل ما روي عن ابن عبّاس أنّ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هم أصحاب مدين،و عن غيره أنّ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هم أهل البادية،و أصحاب مدين هم الحاضرة.(7:37)

نحوه الآلوسيّ.(19:117)

الشّربينيّ: أي الغيضة ذات الأرض الجيّدة الّتي تبتلع الماء،فتنبت الشّجر الكثير الملتفّ.(3:30)

سيّد قطب: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هم-غالبا-أهل مدين.

و الأيكة:الشّجر الكثيف الملتفّ،و يبدو أنّ مدين كانت تجاورها هذه الغيضة الوريفة من الأشجار.2.

ص: 371


1- و يظهر من هذه الآية و غيرها أنّ«مدين»كان أوّلا في زمن شعيب اسما للقوم و كان شعيب منهم ثمّ نقل بمرور الزّمان حتّى عصر موسى إلى البلد-و مثله كثير-و لهذا جاء في قصّة موسى أَهْلِ مَدْيَنَ طه:40،كما أنّ شعيب هذا لم يكن صاحب موسى بل هو متقدّم عليه بمدّة كما قال: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،لاحظ المتن هنا:371،372.

و موقع مدين بين الحجاز و فلسطين حول خليج العقبة.(5:2615)

عزّة دروزة: أصحاب الحرجة.(3:131)

الطّباطبائيّ: الغيضة:الملتفّ شجرها.قيل:إنّها كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة،و كانوا ممّن بعث إليهم شعيب عليه السّلام،و كان أجنبيّا منهم،و لذلك قيل:

إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ الشّعراء:177،و لم يقل:«أخوهم شعيب»بخلاف هود و صالح فقد كانا نسيبين إلى قومهما، و كذا لوط فقد كان نسيبا إلى قومه بالمصاهرة،و لذا عبّر عنهم بقوله: أَخُوهُمْ هُودٌ الشّعراء:124،و أَخُوهُمْ صالِحٌ الشّعراء:142،و أَخُوهُمْ لُوطٌ الشّعراء:

161.(15:31)

[كيف و قد جاء «إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً» مرّتين:

(الأعراف:85 و هود:84)]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة مجمع الشّجر عامّة أو ما التفّ منه خاصّة،يقال:أيك الأراك و استأيك،أي التفّ،و أيكة أيّكة،أي مثمرة،و أيكة من أثل.و من المجاز قولهم في نبل الرّجل و شرفه:فلان فرع من أيكة المجد، كما يقال:فلان من دوحة الكرم،و من شجرة طيّبة،أي ذو أصل كريم.

2-و قد اختلف أرباب اللّغة في«الأيكة»على قولين:الأوّل:الشّجرة الملتفّة،و به قال الجمّ الغفير منهم.

و الثّاني:الرّوضة،و به قال السّدّيّ و الخليل و ابن الأعرابيّ.

فمن جعل الأيك-جمع أيكة-الشّجر،قيّده بالالتفاف،و يعضده قولهم:أيك الأراك و استأيك،و من جعله الرّوضة أطلق،و شاهده قولهم:أيكة من أثل، و رهط من عشر،و قصيمة من الغضى.

و تردّد الأصمعيّ-كما ذكر ابن دريد-في إطلاق «الأيك»على الشّجر الملتفّ،و كأنّه يقول بمعنى المكان كالرّوضة و الغيضة،لا الجماع كالأجمة و الحرجة،إلاّ أنّه لم يفصح عن ذلك.

كما اختلفوا في جنس الشّجرة،فقال بعض:السّدرة و الأراكة و نحوهما،و قال بعض آخر:مطلق الشّجر و ما التفّ منه.

الاستعمال القرآنيّ

1-افترق المفسّرون و المؤرّخون في أَصْحابُ الْأَيْكَةِ فريقين،الأوّل يقول:إنّهم أهل«مدين»،قوم شعيب،و الثّاني يقول:إنّهم قوم آخرون يسكنون ناحية قرب«مدين»،يكثر فيها السّدر أو الدّوم،و قد أرسل إليهم«شعيب»أيضا.

و استدلّ الفريق الأوّل بوحدة الرّسول و الرّسالة و المرسل إليهم،و استدلّ الفريق الثّاني بتفاوت العذاب المنزل عليهما،و استعمال لفظ«الإخوة»في«مدين»دون «الأيكة».

أمّا نحن فنرى رجحان كفّة الفريق الأوّل على الثّاني،نظرا إلى الآيات التّالية:

1- وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ

ص: 372

الحجر:78

2- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ الشّعراء:176،177

3- وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ص:13

4- وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ* وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ

ق:13،14

5- وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ الأعراف:85،و هود:84

6- قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْراهِيمَ وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ التّوبة:70

7- وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ* وَ قَوْمُ إِبْراهِيمَ وَ قَوْمُ لُوطٍ* وَ أَصْحابُ مَدْيَنَ الحجّ:42-44

8- وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ العنكبوت:36

يلاحظ أوّلا:أنّ اسم النّبيّ شعيب عليه السّلام قد اقترن بأصحاب الأيكة في(2)فقط،و بمدين في(5)و(8)، فالنّبيّ واحد،و القريتان-و إن تعدّدتا-واحدة،مثل «أصحاب الحجر»و«ثمود»،إذ قلّما نرى في القرآن نبيّا مرسلا إلى قريتين أو أكثر في آن واحد،كالنّبيّ لوط عليه السّلام.

و ثانيا:بيّن القرآن خطايا و موبقات مشتركة تدلّ على وحدة القريتين،و هي:

أ-الظّلم:كما في(1)و بعد(5)من سورة هود:94:

وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ

ب-التّكذيب:كما في(2)و بعد(5)من سورة الأعراف:92: اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا

ج-بخس الكيل و الميزان:بعد(2): أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ* وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ الشّعراء:181،182،و ما تلا(5)من سورة الأعراف: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ

د-بخس الأشياء:بعد(2): وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الشّعراء:183،و بهذا النّصّ تماما في ما تلا(5) من سورة الأعراف أيضا.

ه-الإفساد:بعد(2): وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الشّعراء:183،و ما تلا(5)من سورة الأعراف: وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها

و-الكفر:بعد(2): وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:190،و بعد(5)من سورة الأعراف:90:

وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.

و ثالثا:اختصّ«أصحاب الأيكة»و«أهل مدين» دون سائر الأمم ببخس أشياء النّاس،كما ورد بعد(2):

وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الشّعراء:183،و هو عين ما جاء في(5)من سورة هود:85،و كذا ما تلا(5)من سورة الأعراف:

85: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها.

مثلما اختصّ بنو إسرائيل بعبادة العجل: ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ النّساء:153،و ثمود

ص: 373

بعقر النّاقة: فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ الأعراف:77،و قوم لوط بإتيان الذّكور: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ الأعراف:81،و قوم إلياس بعبادة البعل: وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ* أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ اَلْخالِقِينَ الصّافّات:123-125.

و رابعا:تلا أَصْحابُ الْأَيْكَةِ قوم لوط في جميع المواضع،كما تلا لفظا(مدين)و(شعيب)قوم لوط دائما، إلاّ في(6)،فقد جاء لفظ(المؤتفكات)-أي قرى قوم لوط-بعد أصحاب مدين،ممّا يدلّل على تقارب عهدهما، و تقدّم حقبة قوم لوط على أصحاب الأيكة،لاحظ «شعيب»و«مدين».

2-قال بعض:إنّ قوله تعالى: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً في(5)و(8)ينبئ أنّ أهل مدين قوم شعيب دون أصحاب الأيكة؛إذ لفظ الأخوّة اقترن بأولئك دون هؤلاء.

و لكنّ هذا القول لا يعتدّ به،لأنّ«الأخ»في القرآن لا يطلق على الشّقيق فحسب،بل يطلق مجازا أيضا على مسمّيات أخرى،منها الصّهر كما في قوله: وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ ق:13،فنسبهم إليه بلفظ الأخوّة،و هو ليس منهم،لاحظ«أ خ و».و هناك وجه آخر و هو أنّ مدين كان اسم القوم دون البلد كما هو ظاهر قوله تعالى: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً في الآيات المتقدّمة ثمّ انتقل إلى البلد«لاحظ مدين».

3-و لا عبرة باختلاف نمط العذاب،فقد ورد بألفاظ مختلفة في شأن أمّة واحدة مثل عاد؛إذ ورد في القرآن أنّ اللّه تعالى أهلكهم بسحاب مطبق: فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ الأحقاف:24، و هو نظير ما حلّ بأصحاب الأيكة: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الشّعراء:

189.و ورد في شأن عذاب عاد أيضا قوله تعالى:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ المؤمنون:41،و هو عين ما نزل بأهل مدين وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:94.

و مثل عاد في اختلاف أنواع العذاب ثمود أيضا،فقد جاء بلفظ (الرَّجْفَةُ) مثل أهل مدين،و (الصَّيْحَةُ) و (الصّاعِقَةُ)، و كلّها ضروب من العذاب،تحدث في آن واحد،و كذلك (يَوْمِ الظُّلَّةِ) و (الرَّجْفَةُ) و (الصَّيْحَةُ)، مثلما حدث لأهل عاد؛إذ أطبق عليهم السّحاب بالعذاب، و أخذتهم الرّجفة و الصّيحة،كلّ ذلك في آن واحد.

4-و الأيكة-كما تقدّم-هي الرّوضة،و أصحاب الأيكة:أهلها،كما قال تعالى: وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ التّوبة:70،و يبدو-و اللّه أعلم-أنّ (مدين)كانت ذات أحراج و آجام،فنسبهم اللّه تعالى إلى ما اشتهرت به مدينتهم،و هذا الطّراز من النّسبة شائع في القرآن،لاحظ«ص ح ب»و«ذو».

5-و لكن إذا كان أصحاب الأيكة هم سكّان مدين،فأين تقع هذه البلاد؟

تشير أغلب المصادر الإسلاميّة و نصوص أهل الكتاب قاطبة إلى أنّها تقع في غور الأردن،و يمكن تعيين

ص: 374

موضعها طبق شواهد عديدة،لاحظ«مدين».

و قد اقترن اسم موسى بمدين،كما اقترن اسم شعيب بها أيضا،و هذا ما حدا جمّا غفيرا من المفسّرين على القول بأنّ موسى تزوّج ببنت النّبيّ شعيب،صاحب مدين،و توهّم بعض أنّ شعيبا هذا-إن صحّت التّسمية- هو نفس صاحب مدين و أصحاب الأيكة،و هو خطأ، و ستلاحظ القول الأوفق حول«شعيب»في موضعه إن شاء اللّه.

ص: 375

ص: 376

أ ي م

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. النّور:32

ابن عبّاس: الأيّم في كلام العرب:كلّ ذكر لا أنثى معه،و كلّ أنثى لا ذكر معها.(النّيسابوريّ 18:96)

الخليل: الأيم من الحيّات:الأبيض اللّطيف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإيام:الدّخان.

و امرأة أيّم قد تأيّمت،إذا كانت ذات زوج،أو كان لها قبل ذلك زوج فمات،و هي تصلح للأزواج،لأنّ فيها سورة من شباب،و الأيامى:جمعها،تقول:آمت المرأة تئيم أيما و أيمة واحدة،و تأيّمت.[ثمّ استشهد بشعر] و الآمة:العيب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآمة من الصّبيّ،فيما يقال:هي ما يعلق بسرّته حين يولد،و يقال:ما لفّ فيه من خرقة،و ما خرج معه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الأوام:حرّ العطش في الجوف،و لم أسمع منه فعلا، و لو جاء في شعر:«أوّمه تأويما»لما كان به بأس.

(8:425)

سيبويه: [في باب التّكسير]قالوا:وج و وجيا،كما قالوا:زمن و زمنى،فأجروا ذلك على المعنى،كما قالوا:

يتيم و يتامى و أيّم و أيامى،فأجروه مجرى وجاعى.

و قالوا:حذارى،لأنّه كالخائف.(3:650)

الضّبّيّ: الأيم هو الجانّ من الحيّات.

(ابن فارس 1:166)

الكسائيّ: اتّفق أهل اللّغة على أنّ«الأيّم»في الأصل هي المرأة الّتي لا زوج لها،بكرا كانت أو ثيّبا.

(القرطبيّ 12:239)

مثله ابن شميّل.(النّيسابوريّ 18:96)

ص: 377

ابن شميّل: كلّ حيّة أيم،ذكرا كانت أو أنثى.و ربّما شدّد فقيل:أيّم،كما يقال:هيّن و هين.

(ابن فارس 1:166)

الفرّاء: الأيامى:القرابات،نحو البنت و الأخت و أشباههما.(2:251)

أبو عبيدة: الأيامى،من الرّجال و النّساء:الّذين لا أزواج لهم و لهنّ،و يقال:رجل أيّم و امرأة أيّمة و أيّم أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](2:65)

مثله أبو عبيد.(القرطبيّ 12:240)

أبو زيد:الأيوم:جمع أيم و أين أيضا،و هو ضرب من الحيّات.(46)

مثله أبو عبيد.(الأزهريّ 15:621)

يقال:«رجل أيمان و عيمان»أيمان:هلكت امرأته.

(الأزهريّ 15:621)

الأصمعيّ: آم الرّجل يئوم إياما:دخّن على الخليّة ليخرج نحلها،فيشتار عسلها،فهو آيم و النّحلة مئومة،و إن شئت مئوم عليها.

و الأيم[بمعنى الحيّة]أصله التّشديد،يقال:أيّم و أيم، كهيّن و هين.(ابن فارس 1:166)

ابن الأعرابيّ: الإيام:الدّخان،يقال:آم الدّخان يئيم إياما.(الأزهريّ 15:622)

ابن السّكّيت: يقال:فلانة أيّم،إذا لم يكن لها زوج، بكرا كانت أو ثيّبا.و الجمع:أيامى،و الأصل«أيائم» فقلبت.و رجل أيّم:لا امرأة له،و قد آمت المرأة من زوجها تئيم أيمة و أيما.(إصلاح المنطق:341)

يقال:«ما له آم و عام»أي هلكت امرأته.و كان القياس أن يقال:أيم،فجعلت الياء ألفا.و قد آم يئيم أيمة.

و معنى«عام»هلكت ماشيته حتّى يعيم إلى اللّبن.

تأيّمت المرأة،و تأيّم الرّجل زمانا،إذا مكثا لا يتزوّجان.

آمت المرأة،مثل أعمتها،فأنا أئيمها،مثل أعيمها.

و الحرب مأيمة،أي تقتل الرّجال و تدع النّساء بلا أزواج.(الأزهريّ 15:622)

ابن قتيبة: الأيامى،من الرّجال و النّساء:هم الّذين لا أزواج لهم.يقال:رجل أيّم و امرأة أيّم،و رجل أرمل و امرأة أرملة،و رجل بكر و امرأة بكر،إذا لم يتزوّجا.و رجل ثيّب و امرأة ثيّب:إذا كانا قد تزوّجا.

(304)

نحوه الجصّاص.(3:320)

الحربيّ:الأيّم:الّتي مات زوجها أو طلّقها،و منه الحديث:«تأيّمت حفصة من خنيس».

و البكر:الّتي لا زوج لها؛أيّم أيضا،و منه الحديث:

«تطول أيّمة إحداكنّ»فهذا في البكر خاصّة.

و الرّجل إذا لم تكن له امرأة أيّم أيضا.

(الهرويّ 1:114)

نحوه الصّغانيّ.(الأضداد:223)

ثعلب: أيّم بيّنة الأيمة و الأيوم،أي ظاهرة التّعرّي و التّخلّي عن الزّوج.(32)

تأيّمت المرأة،أي أقامت على الأيوم،لا تتزوّج.[ثمّ استشهد بشعر](الهرويّ 1:115)

ابن دريد:آم الرّجل يئيم أيمة و إيمة،إذا ماتت

ص: 378

امرأته.و تأيّمت المرأة،إذا لم تتزوّج بعد موت زوجها، و الرّجل أيمان و المرأة أيمى و أيّم،و النّساء أيامى،و رجل عيمان أيمان.

و الأيم:ضرب من الحيّات،و يقال له:أيّم بالتّثقيل أيضا،و هو الأصل.(1:190)

آمت المرأة تئيم أيمة،إذا صارت أيّما،و هي الّتي قد مات عنها زوجها،فبقيت بغير زوج،و كذلك الرّجل إذا بقي بغير زوجة.(3:274)

ابن الأنباريّ: رجل أيّم و رجلان أيّمان و رجال أيّمون،و نساء أيّمات.و أيّم:بيّن الأيوم و الأيمة.

(الأزهريّ 15:622)

الأزهريّ: قال أبو خيرة:الأيم و الأين و الثّعبان:

الذّكران من الحيّات،و هي الّتي لا تضرّ أحدا.

(15:621)

الفارسيّ: «الأيامى»هو مقلوب موضع العين إلى اللاّم.(ابن منظور 12:39)

الجوهريّ: الأيامى:الّذين لا أزواج لهم من الرّجال و النّساء.و أصلها«أيائم»فقلبت،لأنّ الواحد رجل أيّم،سواء كان تزوّج من قبل أو لم يتزوّج.

و امرأة أيّم أيضا،بكرا كانت أو ثيّبا.

و قد آمت المرأة من زوجها تئيم أيمة و أيما و أيوما.

و في الحديث:«أنّه كان يتعوّذ من الأيمة».

و تأيّمت المرأة،و تأيّم الرّجل زمانا،إذا مكث لا يتزوّج.[ثمّ استشهد بشعر](5:1868)

نحوه الرّازيّ.(36)

ابن فارس: الهمزة و الياء و الميم ثلاثة أصول متباينة:الدّخان،و الحيّة،و المرأة لا زوج لها.

أمّا الأوّل فقال الخليل:الأيام:الدّخان.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الثّاني:فالأيم من الحيّات:الأبيض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّالث:الأيّم:المرأة لا بعل لها،و الرّجل لا مرأة له.

و قال تعالى: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ النّور:32، و آمت المرأة تئيم أيمة و أيوما.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:165)

الهرويّ: و في الحديث:«الأيّم أحقّ بنفسها»فهذه الثّيّب خاصّة.

و في الحديث:«كان يتعوّذ من الأيمة و العيمة و الغيمة»فالأيمة:أن تطول العزبة.و العيمة:شدّة الشّهوة للّبن.يقال:ما له آم و عام،أي فارق امرأته و ذهب لبنه.

و الغيمة:شدّة العطش.

و في الحديث:«أنّه أمر بقتل الأيم»الأيم،و الأين:

الحيّة.

و منه الحديث الآخر:«أنّه أتى على أرض جرز مجدبة مثل الأيم»و هي الأيّم أيضا،مشدّدة الياء.

(1:114)

الطّوسيّ: الأيامى:جمع أيم.و هي المرأة الّتي لا زوج لها،سواء كانت بكرا أو ثيّبا.و يقال للرّجل الّذي لا زوجة له:أيّم أيضا،و وزن أيّم«فيعل»بمعنى «فعيل»فجمعت كجمع يتيم و يتيمة و يتامى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز جمعه:أيايم.و يقال:امرأة أيّم و أيّمة إذا لم يكن

ص: 379

لها زوج.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:الأيّم:الّتي مات زوجها،و منه قوله عليه السّلام:

«و الأيّم أحقّ بنفسها»يعني الثّيّب.(7:432)

نحوه البغويّ(5:59)،و الطّبرسيّ(3:432)، و الصّابونيّ(2:176)،و النّسفيّ(3:142).

الرّاغب: الأيامى:جمع الأيم،و هي المرأة الّتي لا بعل لها،و قد قيل للرّجل الّذي لا زوج له؛و ذلك على طريق التّشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه على التّحقيق،و المصدر:

الأيمة،و قد آم الرّجل و آمت المرأة،و تأيّم و تأيّمت، و امرأة أيّمة و رجل أيّم،و الحرب مأيمة،أي يفرّق بين الزّوج و الزّوجة.و الأيّم:الحيّة.(32)

نحوه مجمع اللّغة.(1:72)

الميبديّ: «الأيامى»عند الكوفيّين على وزن «فعالى»مثل يتامى،جمع على المعنى،لأنّ الأيّم كاليتيم.

و عند البصريّين«أيّم»فيعل،جمع على«فعالى»تشبيها بأسير و أسارى.و قيل:جمع على«أيائم»ثمّ قدّم و أخّر فصار أيامئ،ثمّ قلبت فصارت أيامى.(6:522)

الزّمخشريّ: الأيامى و اليتامى أصلهما:أيائم و يتائم،فقلبا.و الأيّم للرّجل و المرأة،و قد آم و آمت و تأيّما،إذا لم يتزوّجا بكرين كانا أو ثيّبين.[ثمّ استشهد بشعر]

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ إنّا نعوذ بك من العيمة و الغيمة و الأيمة و الكرم و القرم».(3:63)

نحوه الخازن(5:59)،و النّيسابوريّ(18:96)، و أبو السّعود(4:56).

ابن برّيّ: آم الرّجل من الواو[بمعنى دخّن]،يقال:

آم يئوم.و«إيام»الياء فيه منقلبة عن الواو.

(ابن منظور 12:41)

ابن الأثير: و منه الحديث:«امرأة آمت من زوجها ذات منصب و جمال»أي صارت أيّما لا زوج لها.

و منه كلام عليّ رضي اللّه عنه:«مات قيّمها و طال تأيّمها»و الاسم من هذه اللّفظة الأيمة.(1:85)

الفخر الرّازيّ: «الأيامى»لا يختصّ بالنّساء دون الرّجال،فلمّا كان الاسم شاملا للرّجال و النّساء،و قد أضمر في الرّجال تزويجهم بإذنهم،فوجب استعمال ذلك الضّمير في النّساء.و أيضا فقد أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم باستئمار البكر بقوله:«البكر تستأمر في نفسها و إذنها صماتها»و ذلك أمر و إن كان في صورة الخبر؛فثبت أنّه لا يجوز تزويجها إلاّ بإذنها.

و الجواب:أمّا الأوّل فهو تخصيص للنّصّ،و هو لا يقدح في كونه حجّة.و الفرق أنّ الأيّم من الرّجال يتولّى أمر نفسه فلا يجب على الوليّ تعهّد أمره بخلاف المرأة،فإنّ احتياجها إلى من يصلح أمرها في التّزويج أظهر،و أيضا فلفظ«الأيامى»و إن تناول الرّجال و النّساء،فإذا أطلق لم يتناول إلاّ النّساء،و إنّما يتناول الرّجال إذا قيّد.و أمّا الثّاني؛ففي تخصيص الآية بخبر الواحد كلام مشهور.(23:211)

الصّغانيّ: الأيّم:سواء تزوّج من قبل أو لم يتزوّج، فيقال:رجل أيّم و امرأة أيّم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفيّوميّ 1:33)

الفيروزآباديّ: الأيّم ككيّس:من لا زوج لها بكرا أو ثيّبا،و من لا امرأة له.جمع الأوّل:أيايم و أيامى،و قد

ص: 380

آمت تئيم أيما و أيوما و أيمة و إيمة.

و آمتها:تزوّجتها أيّما.

و رجل أيمان عيمان،فأيمان إلى النّساء،و عيمان إلى اللّبن.و امرأة أيمى عيمى.و الحرب مأيمة للنّساء.

و تأيّم:مكث زمانا لم يتزوّج.و أيّمة اللّه تعالى تأييما.

و ما له آم و عام،أي هلكت امرأته و ماشيته حتّى يئيم و يعيم.

و الأيّم ككيّس:الحرّة و القرابة،نحو البنت و الأخت و الخالة.

و جبل بحمى ضريّة.

و الحيّة الأبيض اللّطيف،أو عام كالإيم بالكسر، جمعه،أيوم.

و الآمة:العيب و النّقص و الغضاضة.

و بنو إيّام ككذّاب:بطن.

و المؤيمة كمحسنة:الموسرة و لا زوج لها.و الأيام كغراب و كتاب:داء في الإبل،و الدّخان.(4:79)

الطّريحيّ: و في الدّعاء:«و أعوذ بك من بوار الأيّم» فيعل،مثل كيّس:المرأة الّتي لا زوج لها،و هي مع ذلك لا يرغب أحد في تزوّجها.(6:15)

القاسميّ: الأيامى:من لا زوج له من الأحرار و الحرائر،و من كان فيه صلاح من غلمانكم و جواريكم.

(12:4516)

العدنانيّ: الأيّم:و يخطّئون من يطلق كلمة«أيّم» على الفتاة البكر،و يقولون:إنّ الأيّم أو الأيّمة هي الثّيّب الّتي فقدت زوجها،اعتمادا على:

1-قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها،و البكر تستأذن في نفسها،و إذنها صماتها»،صمتها.

2-و جاء في حماسة أبي تمّام:

لا تنكحنّ الدّهر،ما عشت أيّما

مجرّبة قد ملّ منها و ملّت

3-و قال معجم«مقاييس اللّغة»:الأيّم:المرأة لا بعل لها،و الرّجل لا مرأة له.

4-و جاء في«الأساس»:أيّم امرأته:جعلها أيّما.

[ثمّ استشهد بشعر]

و لكن:

1-جاء في الآية الثّانية و الثّلاثين من سورة النّور قوله تعالى: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ، و جاء في«تفسير الجلالين»:

الأيامى:جمع أيّم،و هي من ليس لها زوج،بكرا كانت أو ثيّبا،و من ليس له زوج.و هذا في الأحرار و الحرائر.

2-و قال أبو عبيدة-معمر بن المثنّى-:يقال:رجل أيّم و امراة أيّم،و أكثر ما يكون ذلك في النّساء،و هو كالمستعار في الرّجال.

3-و قال ابن الأعرابيّ،و التّهذيب،و الصّحاح، و المحكم،و المغرب،و المختار،و المصباح،و القاموس، و مدّ القاموس:إنّ«الأيامى»هم الّذين لا أزواج لهم من الرّجال و النّساء،الواحد منهما«أيّم»سواء تزوّج من قبل أم لم يتزوّج.

4-و قال ابن الأنباريّ في كتابه«الأضداد»:يقال:

امرأة أيّم،إذا كانت بكرا لم تزوّج،و امرأة أيّم،إذا مات عنها زوجها،فهي من الأضداد.أمّا استشهاده بقول جميل:

*أحبّ الأيامى إذ بثينة أيّم*

ص: 381

فيدلّ على أنّ«الأيّم»هي البكر الّتي ما زوّجت، لقوله:

*و أحببت لمّا أن غنيت الغوانيا*

5-و قال«المعجم الكبير»:

أ-الأيّم:العزب،رجلا كان أو امرأة.و قال الصّاغانيّ: و سواء تزوّج من قبل أو لم يتزوّج.

ب-الأيّم:الثّيّب،و الجمع:أيائم على الأصل، و أيامى.

6-و أضاف«المعجم الوسيط»:و هي أيّمة أيضا.

لذا أطلق كلمة الأيّم على:

أ-الرّجل العزب،سواء تزوّج من قبل أم لم يتزوّج.

ب-البكر و الثّيّب.(40)

الطّنطاويّ: أي زوّجوا من الرّجال و النّساء و الأخوات و البنين،و الإخوان.(12:13)

المراغيّ:أي زوّجوا من لا زوج له من الأحرار و الحرائر،أي من الرّجال و النّساء.و المراد بذلك مدّ يد المساعدة بكلّ الوسائل حتّى يتسنّى لهم ذلك،كإمدادهم بالمال،و تسهيل الوسائل الّتي بها يتمّ ذلك الزّواج و المصاهرة.(18:103)

عزّة دروزة: الأيامى:غير المتزوّجين،و تشمل الكلمة الذّكور و الأناث و الأبكار و الثّيّبات.(10:49)

المصطفويّ: أنّ الأصل الواحد فيها هو:

الاضطراب و التّقلّب،و باعتبار هذا المعنى يطلق على الحيّة لتململها،و على الدّخان لتطوّيه،و على العزب إذا كان مضطربا و متقلّبا من التّأيّم.فالأيّم هو الرّجل أو المرأة بلا زوج لا مطلقا،بل بقيد الاضطراب و التّشوّش.

و باعتبار هذا القيد قد أمر اللّه تعالى بالإنكاح لرفع اضطرابهم و إصلاح حالهم و تمكينهم ليصيروا مطمئنّين وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ النّور:32.

و من هذا الأصل:إطلاق الواويّ على العطشان إذا ضجّ.(1:182)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان،الأوّل:العزوبة،و منه الأيم أو الأيّم،و هي المرأة الّتي لا زوج لها سواء أ كانت بكرا أم ثيّبا،و الرّجل الّذي لا زوجة له.يقال:آمت المرأة تئيم أيما و أيمة و إيمة و أيوما،إذا لم تتزوّج أو مات زوجها و كذلك الرّجل.و يقال أيضا:تأيّمت المرأة تتأيّم تأيّما،إذا لم تتزوّج بعد موت زوجها،و كذا الرّجل.

و الأصل الثّاني:الأيم أو الأيّم أيضا،و هو نوع أبيض من الحيّات،و جمعه:أيوم.أمّا الإيام-أي الدّخان-فلا نعدّه من هذا الباب،لأنّ ياءه منقلبة عن الواو كياء إياب، و فعله آم يئوم إياما،مثل ناح ينوح نياحا.إلاّ أنّ بعض اللّغويّين-كما تقدّم في النّصوص-لفّق بين«أيم» و«أوم»،و لا يبعد وحدتهما في الاشتقاق الأكبر،أو قلب الياء واوا.

2-و أمّا إرجاع المعاني كلّها إلى أصل واحد،و هو الاضطراب و التّقلّب؛لاشتراكها فيه-كما فعل المصطفويّ-فبعيد،لعدم استعمال لفظ من هذه المادّة بمعنى الاضطراب.نعم،لو قيل:إنّ الأصل فيهما هو من

ص: 382

لا زوج له،بدليل كثرة المشتقّات منه،ثمّ نقل منه إلى نوع من الحيّات،و حرّ العطش في الجوف،و الدّخان-لو أنكرنا:أنّ(إيام)بمعنى الدّخان أصله«أوام»لشبه بينه و بين«الأيم»في التّقلّب و الاضطراب-لم يكن بعيدا عن الصّواب.

3-و أطلق لفظ«الأيّم»على الرّجل و المرأة،كما أطلق لفظ«جريح»على كلّ منهما.و قيل:أصله للمرأة، و استعمل للرّجل على التّشبيه،ثمّ فرّقوا بينهما في الإفراد، فقالوا:امرأة أيّمة و رجل أيّم،و وحّدوا في الجمع،فقالوا:

أيامى،لكليهما،إلاّ أنّ أيّمات جمع أيّمة،و أيّمون جمع أيّم.

و أمّا«أيامى»فمختلف فيه،فقيل:هو جمع أيّم، و وزنه«فعالى»كيتامى،و جاء على هذا الوزن شذوذا،أو تشبيها بأسير و أسارى.

و قيل:هو مقلوب أيايم،جمع أيّم،ثمّ حلّ عين الكلمة-أي الياء الثّانية-محلّ لامها،و هو الميم،فصار «أيامي»ثمّ قلبت الياء ألفا،و أبدلت الكسرة فتحة، فصار أيامى.

و قيل:أصله«أيائم»جمع أيّم،ثمّ قدّم الميم على الهمزة فصار«أيامئ»ثمّ سهّلت الهمزة فقلبت ياء،و من ثمّ أبدلت الياء بالألف فصار أيامى.

و يلاحظ أنّ هذه الأقوال فيها تمحّل و تكلّف،علاوة على مخالفتها للقياس.و ما نرى«أيامى»إلاّ جمعا للفظي «أيمى»و«أيمان»،مثل ثكلى و ثكالى،و عطشان و عطاشى.و جمع أيّم:أيايم،على القياس،مثل بيدر و بيادر.

4-و هناك تجانس لفظيّ و معنويّ بين أمّ:قصد، و أيم:فقد الزّوج،و آم:ساس،و يتم:صار يتيما.أمّا اللّفظ فظاهر،و أمّا المعنى فإنّ الجميع يحمل معنى القصد و الحاجة؛فالإمام:من يقصده المأموم و يأتمّ به و يحتاج إليه،و الأيّم:من لا زوج له،فيحتاج إلى زوج فيطلبه و يقصده،و الآئم:السّائس-كالقائد،و الإمام-يسوس النّاس،فيحتاجون إليه و يقصدونه.

الاستعمال القرآنيّ

1-إنّ كلمة«أيامى»بوزنها الجميل هذا فريدة في القرآن،فصيغتها توحي باليتم و العطش و الحيرة،فهي مثل:يتامى و عطاشى و حيارى.و لو جمعت«أيّم»على أصلها أيائم أو أيايم-كما قيل-لكان وقعه ثقيلا على الأذن،قاصرا عن وصف حال المعنيّين به،فقلبه إلى الأيامى-على فرض صحّة قلبه-أجمل في الوزن،و أبلغ في التّصوير الفنّيّ.

2-و قد أمر اللّه الأولياء بأن يزوّجوا الأيامى من الأحرار و الصّالحين من الإماء و العبيد،بمن يتوفّر فيهم الصّلاح و القابليّة لتشكيل الأسرة و إدارتها و رعايتها، رغبة منهم في الزّواج بطبيعة الحال،سواء أظهروا هذه الرّغبة أم أبطنوها حياء منهم.

3-و جاء الأيامى مقدّما على الإماء و العبيد في الآية،و هذا لا يعني تفضيل الأحرار على العبيد،بل أنّ الحرائر و الأحرار أكثر رغبة في الزّواج،لما يناسب حالهم في المجتمع،و قدرتهم على الإفصاح عن رغبتهم،بخلاف الإماء و العبيد.

أو أنّهم أحقّ بذلك،لأنّهم يشتركون في قتال

ص: 383

الأعداء،فهم أولى بالرّعاية دون الإماء و العبيد.أو لأنّهم أقرباء من أسرة واحدة،فهم أولى بالرّعاية من الغرباء.

فهل يتوقّع ممّن لا يهتمّ بتزويج أبنائه و أقربائه أن يهتمّ بتزويج عبيده و إمائه؟و الّذي يلفت النّظر هنا هو أنّه تعالى اهتمّ بأمر تزويج العزب و لو كان مملوكا.

على أنّ تزويج الأيامى ربّما لا يشترط فيه الصّلاح فهو أسهل،دون العبيد و الإماء،فقدّم الأسهل على غيره.

4-و كما جاءت كلمة(الايامى)على أنسب ما يكون في الآية فقد جاءت كذلك على أنسب ما يكون بين مجموعة الآيات(30-34)من سورة النّور،بل من أوّل السّورة؛حيث بدأت السّورة بحدّ الزّنى و القذف و اللّعان، ثمّ طرحت حديث الإفك بما فيه إطراء و بلاغ،و بيّنت زواج الخبيثين و الخبيثات،و حكم دخول البيوت،و النّظر إلى غير المحارم،ثمّ الأمر بتزويج الأيامى و الإماء و العبيد،و باستعفاف الّذين لا يجدون نكاحا،ثمّ النّهي عن إكراه الفتيات على البغاء.فالأسلوب القرآنيّ يشخّص الدّاء،و يبيّن أسبابه و علله و مواطنه،ثمّ يعطي العلاج النّاجع،و يعالج مشكلة الجنس من شتّى جهاتها.

5-و لا يخفى أنّ هناك إيهاما في التّجانس في الجمع بين«الأيامى»و«الإماء»في جملة واحدة.

ص: 384

أ ي ن

اشارة

3 ألفاظ،19 مرّة:12 مكّيّة،7 مدنيّة

في 16 سورة:10 مكّيّة،6 مدنيّة

أين 7:7 أين ما 8:4-4 أينما 4:1-3

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أين:وقت من الأمكنة،تقول:أين فلان؟ فيكون منتصبا في الحالات كلّها.

و أمّا«الأين»من الإعياء فإنّه يصرف،و هو يجري مجرى الكلام في كلّ شيء،و العرب لا تشتقّ منه فعلا إلاّ في الشّعر،فقالوا:آن يئين أينا.(8:404)

مثله اللّيث.(الأزهريّ 15:550)

أبو عبيدة: [اين]لا فعل له.(الزّبيديّ 9:133)

أبو زيد: لا يبنى منه فعل،و قد خولف فيه.

و آن لك أن تفعل كذا يئين أينا.

(الجوهريّ 5:2076)

الأصمعيّ: يقال للحيّة:أيم و أين.[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ:17)

يصرّف الأين.(الزّبيديّ 9:133)

اللّحيانيّ: هي مؤنّثة و إن شئت ذكّرت،و كذلك كلّ ما جعله الكتاب اسما من الأدوات و الصّفات،التّأنيث فيه أعرف و التّذكير جائز.

فأمّا قول حميد بن ثور الهلاليّ:

و أسماء،ما أسماء ليلة أدلجت

إليّ،و أصحابي بأين و أينما

فإنّه جعل«أين»علما للبقعة،مجرّدا من معنى الاستفهام؛فمنعها الصّرف للتّعريف و التّأنيث ك«أنى» فتكون الفتحة في آخر«أين»على هذا فتحة الجرّ، و إعرابا مثلها في:مررت بأحمد،و تكون«ما»على هذا زائدة،و«أين»وحدها هي الاسم،فهذا وجه.

و يجوز أن يكون ركّب«أين»مع«ما»،فلمّا فعل ذلك فتح الأولى منها كفتحة الياء من«حيّهل»لمّا ضمّ «حيّ»إلى«هل»،و الفتحة في النّون على هذا حادثة

ص: 385

للتّركيب و ليست بالّتي كانت في«أين»،و هي استفهام، لأنّ حركة التّركيب خلفتها و نابت عنها،و إذا كانت فتحة التّركيب تؤثّر في حركة الإعراب فتزيلها إليها،نحو قولك:هذه خمسة،فتعرب،ثمّ تقول:هذه خمسة عشر، فتخلف فتحة التّركيب ضمّة الإعراب على قوّة حركة الإعراب،كان إبدال حركة البناء من حركة البناء أحرى بالجواز و أقرب في القياس.(ابن منظور 13:44)

الأين:الرّجل و الحمل.(الزّبيديّ 9:133)

ابن الأعرابيّ: آن يئين أينا،من الإعياء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:550)

ابن السّكّيت: الأين و الأيم:الذّكر من الحيّات.(الأزهريّ 15:551)

المبرّد: تقول العرب:جئتك من أين لا تعلم،في جواب من لم يفهم فاستفهم،كما يقول قائل:أين الماء و العشب؟(الأزهريّ 15:550)

قال قوم:آن يئين أينا،الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء، و أصله:حان يحين حينا،و أصل الكلمة من الحين.(الرّاغب:32)

الزّجّاج: «أين»،و«كيف»حرفان يستفهم بهما، و كان حقّهما موقوفين فحرّكا لاجتماع السّاكنين،و نصبا و لم يخفضا من أجل الياء،لأنّ الكسرة مع الياء تثقل، و الفتحة أخفّ.(الأزهريّ 15:550)

ابن دريد: إنّا فعلنا من الأين،و هو التّعب.[ثمّ استشهد بشعر]

و آن يئين أينا،إذا أعيا،و أنت يا فلان،أي أعييت.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:آن لك أن تفعل كذا و كذا،و أنى لك،أي حان لك.(1:191)

الصّاحب: «أين»وقت من الأمكنة.

و الأين:الإعياء و الكلال،و لا يشتقّ منه فعل.

و قيل:آن يئين أينا.

و الأين:الحيّة.(10:423)

ابن جنّيّ: باب في الأصلين،يتقاربان في التّركيب بالتّقديم و التّأخير.و إن قصر أحدهما عن تصرّف صاحبه كان أوسعهما تصرّفا أصلا لصاحبه؛و ذلك كقولهم:أنى الشّيء يأني،و آن يئين.ف«آن»مقلوب عن «أنى»لوجود مصدر:أنى يأني و هو الإناء،و لا تجد، ل«آن»مصدرا،كذا قاله الأصمعيّ.

فأمّا«الأين»فليس من هذا في شيء،إنّما الأين:

الإعياء و التّعب،فلمّا تقدّم«آن»المصدر الّذي هو أصل للفعل،علم أنّه مقلوب عن أنى يأني إناء.غير أنّ أبا زيد رحمه اللّه حكى ل«آن»مصدرا و هو«الأين»،فإن كان الأمر كذلك فهما إذا متساويان،و ليس أحدهما أصلا لصاحبه.(الزّبيديّ 9:133)

الجوهريّ: أين:سؤال عن مكان،إذا قلت:أين زيد؟فإنّما تسأل عن مكانه.(5:2076)

مثله الطّريحيّ.(6:212)

ابن فارس: الهمزة و الياء و النّون يدلّ على الإعياء،و قرب الشّيء.

أمّا الأوّل فالأين:الإعياء.و يقال:لا يبنى منه فعل.

و قد قالوا:آن يئين أينا.

و أمّا القرب فقالوا:آن لك يئين أينا.

ص: 386

و أمّا الحيّة الّتي تدعى الأين فذلك إبدال،و الأصل الميم.[ثمّ استشهد بشعر](1:167)

الهرويّ: في الحديث:«أنّه أمر بقتل الأيم»الأيم، و الأين:الحيّة.(1:115)

ابن سيدة: الأين:الإعياء،آن يئين أينا:أعيا و تعب.و أنت:أعييت.

و قيل:ليس له فعل.(الإفصاح 2:269)

الأين:الجانّ.(الإفصاح 2:850)

الرّاغب: «أين»لفظ يبحث به عن المكان،كما أنّ «متى»يبحث به عن الزّمان.

و الأين:الإعياء،يقال:آن يئين أينا،و كذلك أنى يأني أنيا،إذا حان.(32)

الزّمخشريّ: آن وقتك،بمعنى حان،و أما آن لك أن تفعل؟

و وجفت الإبل على الأين،أي على الإعياء.

و تقول:أين منها الأين؟[ثمّ استشهد بشعر]

و من أين لك هذا؟(أساس البلاغة:13)

السّهيليّ: «آن»مقلوب من«أنى»مستدلاّ بقولهم:

آناء اللّيل.واحده:أنى و إني و إني،فالنّون قيل في كلّ هذا و فيما صرف منه.(الزّبيديّ 9:133)

ابن الأثير: في حديث خطبة العيد:«قال أبو سعيد:

فقلت:أين الابتداء بالصّلاة»أي أين تذهب؟ثمّ قال:

«الابتداء بالصّلاة قبل الخطبة».و في رواية:«أين الابتداء بالصّلاة»أي أين تذهب«أ لا تبدأ بالصّلاة»؟،و الأوّل أقوى.

و في حديث أبي ذرّ رضى اللّه عنه:«أما آن للرّجل أن يعرف منزله»أي أ ما حان و قرب؟تقول منه:آن يئين أينا،و هو مثل أنى يأني أنى،مقلوب منه.(1:87)

ابن منظور:آن الشّيء أينا:حان،لغة في«أنى» و ليس بمقلوب عنه،لوجود المصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا:آن أينك و إينك و آن آنك،أي حان حينك.

و أين:سؤال عن مكان،و هي مغنية عن الكلام الكثير و التّطويل؛و ذلك أنّك إذا قلت:أين بيتك؟أغناك ذلك عن ذكر الأماكن كلّها،و هو اسم لأنّك تقول:من أين.(13:40-44)

الفيروزآباديّ:الأين:الإعياء،و الحيّة،و الرّجل، و الحمل،و الحين.و مصدر آن يئين،أي حان،و آن أينك و يكسر و آنك،حان حينك.

و أين:سؤال عن مكان.(4:201)

الزّبيديّ: قال البكريّ رحمه اللّه تعالى،في«شرح أمالي»القاليّ:آن أنى:حان.و آن أصله الواو و لكنّه من باب«يفعل»كولى يلي.و جاء المصدر بالياء ليطّرد على فعله.قال شيخنا رحمه اللّه تعالى:قوله:كولى يلي و دعوى كونه واويّا،فيه نظر ظاهر،و مخالفة للقياس.(9:133)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو القرب بعد التّعب و الكلّ و العجز،فمعنى «الإعياء»محفوظ في ضمن القرب،يقال:آن له الأمر، أي قرب الأمر و اختتم زمان التّعب و انتهى الكلّ و العجز.و إطلاقها على معنى«الإعياء»باعتبار انقضائه و قرب النّجاة.

و هذه الخصوصيّة منظورة في جميع مشتقّات هذه

ص: 387

المادّة،مع اعتبار خصوصيّات أخر في كلّ صيغة بحسب لفظها.و بلحاظ هذه الخصوصيّة تمتاز هذه المادّة عن مادّة:أون،أنى،قرب،تعب.(1:183)

النّصوص التّفسيريّة

اين

وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. الأنعام:22

الطّوسيّ: إنّما يقول هذا توبيخا لهم و تبكيتا على ما كانوا يدعون أنّهم يعبدونه من الأصنام و الأوثان، و يعتقدون أنّها شركاء للّه و أنّها تشفع لهم،يوم القيامة.

فإذا لم يجدوا لما كانوا يدعونه صحّة،و لم ينتفعوا بهذه الأوثان،و لا بعبادتهم؛فيعلمون أنّهم كانوا كاذبين في أقوالهم.(4:103)

الطّبرسيّ: اختلف في وجه هذا السّؤال،فقيل:إنّ المشركين إذا رأوا تجاوز اللّه تعالى عن أهل التّوحيد،قال بعضهم لبعض:إذا سئلتم فقولوا:إنّا موحّدون.فلمّا جمعهم اللّه قال لهم: أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ ليعلموا أنّ اللّه يعرف أنّهم أشركوا به في دار الدّنيا و أنّه لا ينفعهم الكتمان،عن مقاتل.

و قيل:إنّ المشركين كانوا يزعمون أنّ آلهتهم تشفع لهم عند اللّه،فقيل لهم يوم القيامة:أين شركاؤكم الّذين كنتم تزعمون إنّها تشفع لكم،توبيخا لهم و تبكيتا على ما كانوا يدعونه،عن أكثر المفسّرين.و إنّما أضاف الشّركاء إليهم،لأنّهم اتّخذوها لأنفسهم.(2:283)

الفخر الرّازيّ: المقصود منه التّقريع و التّبكيت لا السّؤال،و يحتمل أن يكون معناه أين نفس الشّركاء؟ و يحتمل أن يكون المراد أين شفاعتهم لكم و انتفاعكم بهم؟

و على كلا الوجهين لا يكون الكلام إلاّ توبيخا و تقريعا و تقريرا في نفوسهم،أنّ الّذي كانوا يظنّونه مأيوس عنه،و صار ذلك تنبيها لهم في دار الدّنيا،على فساد هذه الطّريقة.(12:181)

القرطبيّ: سؤال إفضاح لا إفصاح.(6:401)

أبو حيّان: سؤال توبيخ و تقريع.و ظاهر مدلول أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ غيبة الشّركاء عنهم،أي تلك الأصنام قد اضمحلّت فلا وجود لها.(4:94)

أبو السّعود: هذا السّؤال المنبئ عن غيبة الشّركاء مع عموم الحشر لها،لقوله تعالى: اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللّهِ الصّافّات:22،23،و غير ذلك من النّصوص إنّما يقع بعد ما جرى بينها و بينهم من التّبرّؤ من الجانبين،و تقطّع ما بينهم من الأسباب و العلائق،حسبما يحكيه قوله تعالى:

فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ يونس:28،و نحو ذلك من الآيات الكريمة،إمّا بعدم حضورها حينئذ في الحقيقة،بإبعادها من ذلك الموقف،و إمّا بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشّركة و الشّفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة؛إذ ليس السّؤال عنها من حيث ذواتها،بل إنّما هو من حيث إنّها شركاء،كما يعرب عنه الوصف بالموصول.

و لا ريب في أنّ عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف،فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة،و إن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناما

ص: 388

كانت أو غيرها.

و أمّا ما يقال:من أنّه يحال بينها و بينهم في وقت التّوبيخ ليفقدوهم في السّاعة الّتي علّقوا بها الرّجاء فيها فيروا مكان خزيهم و حسرتهم،فربّما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال و عدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد.و قد عرفت أنّهم شاهدوها قبل ذلك،و انصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلّيّة،على أنّها معلومة لهم من حين الموت و الابتلاء بالعذاب في البرزخ،و إنّما الّذي يحصل يوم الحشر،الانكشاف الجليّ و اليقين القويّ المترتّب على المحاضرة و المحاورة.(2:89)

الآلوسيّ:[بعد نقل قول أبي السّعود قال:]

و تعقّبه مولانا الشّهاب بأنّه تخيّل لا أصل له،لأنّ التّوبيخ مراد في الوجوه كلّها،و لا يتصوّر حينئذ التّوبيخ إلاّ بعد تحقّق خلافه،مع أنّ كون هذا واقعا بعد التّبرّي في موقف آخر ليس في النّظم ما يدلّ عليه.و مثله لا يجزم به من غير نقل لاحتمال أن يكون هذا في موقف التّبرّي، و الإشعار المذكور لا يتأتّى مع أنّه توبيخ.

و أمّا العلاوة الّتي ذيّل بها كلامه فواردة عليه أيضا مع أنّها غير مسلّمة،لأنّ عذاب البرزخ لا يقتضي أن يشفع لهم بعد ذلك،فكم من معذّب في قبره يشفع له.(7:122)

اينما

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ. البقرة:115

الطّبريّ: معناه حيثما.(1:505)

الطّوسيّ: قوله: فَأَيْنَما تُوَلُّوا جزم ب(اينما)، و الجواب فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ و(ثمّ)موضعه النّصب،لكنّه بني على الفتح.و قوله:(اينما)تكتب موصولة في أربعة مواضع،ليس في القرآن غيرها.هذه واحدة،و في النّحل:

76: أَيْنَما يُوَجِّهْهُ... و في الأحزاب:61: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا... و في الشّعراء:92: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ و من النّاس من يجعل معها الّتي في النّساء:78:

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ... و كلّها على القياس إلاّ الّتي في الشّعراء،فإنّ قياسها أن تكتب مفصولة،لأنّ(ما)اسم موصول بما بعده،بمعنى الّذي.

(1:426)

الزّمخشريّ: ففي أيّ مكان فعلتم التّولية.

(1:307)

مثله البروسويّ.(1:210)

الآلوسيّ: أي ففي أيّ مكان فعلتم التّولية شطر القبلة.و قرأ الحسن (يولّوا) على الغيبة فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ أي فهناك جهته سبحانه الّتي أمرتم بها.فإذا مكان التّولية لا يختصّ بمسجد دون مسجد و لا مكان دون آخر، (فاينما)ظرف لازم الظّرفيّة متضمّن لمعنى الشّرط، و ليس مفعولا.[إلى أن قال:]

و جوّز أن تكون(اينما)مفعول(تولّوا)بمعنى الجهة.

فقد شاع في الاستعمال(اينما)توجّهوا،بمعنى أيّ جهة توجّهوا،بناء على ما روي عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما:أنّ الآية نزلت في صلاة المسافر،و التّطوّع على الرّاحلة.و على ما روي عن جابر:أنّها نزلت في قوم عميت عليهم القبلة في غزوة كنت فيها معهم،فصلّوا إلى

ص: 389

الجنوب و الشّمال،فلمّا أصبحوا تبيّن خطؤهم.

و يحتمل على هاتين الرّوايتين أن تكون(اينما)كما في الوجه الأوّل أيضا،و يكون المعنى في أيّ مكان فعلتم أيّ تولية،لأنّ حذف المفعول به يفيد العموم.و اقتصر عليه بعضهم مدّعيا أنّ ما تقدّم لم يقل به أحد من أهل العربيّة.

و من النّاس من قال:الآية توطئة لنسخ القبلة، و تنزيه للمعبود أن يكون في حيّز وجهة،و إلاّ لكانت أحقّ بالاستقبال،و هي محمولة على العموم غير مختصّة بحال السّفر أو حال التّحرّي.و المراد ب(اينما)أيّ جهة، و ب«الوجه»الذّات.

و وجه الارتباط حينئذ أنّه لمّا جرى ذكر المسجد سابقا أورد بعدها تقريبا حكم القبلة على سبيل الاعتراض،و ادّعى بعضهم أنّ هذا أصحّ الأقوال،و فيه تأمّل.(1:365)

الأصول اللّغويّة

1-«أين»ظرف مكان يفيد الشّرط و الاستفهام، يقال من الأوّل:أين تجلس أجلس،و أينما تذهب أذهب.

و من الثّاني يقال:أين فلان؟و من أين أتيت؟

2-و أصل المادّة-كما يستظهر من مشتقّاتها-مسوغ للإعياء من العيّ:و هو الجهل الّذي تعب به الإنسان و عجز عن رفعه،فلهذا يسأل ب«أين»عن المكان المبهم المجهول تعبا و عجزا عن العلم به.و ليس الأصل فيها القرب بعد التّعب كما قيل،بل الجهل الّذي يرجى و يقرب رفعه.و إطلاقه على كلّ من هذه المعاني في اللّغة للتّداعي بينها،و ليس شيء منها أصلا برأسه سوى الإعياء.

3-و قد يعبّر ب«أين»كناية عن أمر سوى المكان المجهول،فيقال:أين قولي من قولك؟فرقا بين القولين، و أنّ بينهما بون بعيد لا يعلم مداه.

4-و بين«أين»و«أنّى»تقارب في الاستعمال و المعنى و تشابه في اللّفظ،فكلاهما يستعمل في الشّرط و الاستفهام،و تتضمّن«أنّى»معنى«من أين».[لاحظ أ ن و]

الاستعمال القرآنيّ

استعملت(أين)في القرآن بكلا المعنيين:الشّرط و الاستفهام.

1-الاستفهام:وردت عشر آيات في هذا المعنى:

ثلاث مرّات مع(ما)و سبع بدونها،سؤالا عمّا يلي:

أ-الشّركاء: أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:22

أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ

النّحل:27

أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ

القصص:62،74

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي فصّلت:47

أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ

الأعراف:37

أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ الشّعراء:92

أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ المؤمن:73

ب-الملاذ: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ اَلْمَفَرُّ

ص: 390

القيمة:10

ج-المسلك: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ التّكوير:26

يلاحظ أوّلا:أنّ جميع هذه الآيات تخصّ يوم القيامة،و أمّا قوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، فهو يخصّ ساعة قيامها؛إذ هو جواب الشّرط للآيات المتقدّمة:

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ...

التّكوير:1،2،و جواب(اين)مقدّر،و تقديره:نذهب إلى اللّه.

ثانيا:أنّ هذه الآيات مكّيّة،فقد نزلت في فترة حرجة،كان الصّراع فيها محتدما بين المسلمين و عتاة قريش المشركين.و لذا كانت تدور حول سؤال المشركين عن الشّركاء الّذين كانوا يعبدون الأصنام و يتّبعون أهواءهم،و كما هو معلوم أنّ رفض الشّرك كان أهمّ مقاصد النّبوّة في مكّة.

و قوله: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ و فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ يعمّان كلّ النّاس،باعتبار أنّ كلّ نفس يومئذ تطلب النّجاة و الخلاص،و هذا لا يخصّ المشركين و الكافرين فحسب،بل يعمّ النّاس جميعا.

ثالثا:أنّ(ما)وردت مع الدّعوة دون اللّه و عبادة سواه و الإشراك فيه،تعبيرا و كناية عن الأصنام.

2-الشّرط:وردت تسع آيات في هذا المعنى مقرونة ب(ما)،في الأمور الآتية:

أ-التّوجّه: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ

البقرة:115

ب-الإحضار: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً البقرة:148

ج-الخذلان: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا آل عمران:112

أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً

الأحزاب:61

د-اللّحوق: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ

النّساء:78

ه-التّهاون: أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ النّحل:76

و-البركة: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ

مريم:31

ز-الإحاطة: وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ

الحديد:4

وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا المجادلة:7

يلاحظ أوّلا:أنّ الشّرط في الآيات أعلاه مقرون بالجواب،إلاّ في بعض الآيات،فالجواب فيها مقدّر،يفهم ممّا قبله.فمعنى: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ أين ما كنت جعلني مباركا،و كذلك في قوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ و غيره.

و لقائل أن يقول:(أين)في هذه الآيات عارية عن معنى الشّرط،فليست سوى ظرف مكان؛و عليه يسوغ لنا أن نقول:(أين)جاءت في القرآن على ثلاثة معان:

استفهام،و شرط،و ظرف مكان.

ثانيا:جاء الشّرط في خصوص الدّنيا دون الآخرة ذمّا،كقوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا، و مدحا كقوله: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ

ص: 391

و هذا فرق بيّن في الاستعمال بين(أين)الاستفهاميّة و(أين)الشّرطيّة في القرآن.

ثالثا:(ما)مع(أين)في هذه الآيات التّسع كلمة واحدة،و هي الشّرط،و هي تزيد الإبهام و العيّ الموجود في(أين)،فليست هي موصولة.و هذا بخلاف(ما)في أَيْنَ ما كُنْتُمْ في الآيات الثّلاث المتقدّمة،فهي موصولة كنّي بها عن الأصنام تحقيرا لها.و تكتب منفصلة عن (أين)،و ينبغي أن تكون متّصلة في الشّرط دائما،و لكنّها في القرآن قد تنفصل و قد تتّصل،كما يلحظ ذلك في الآيات المتقدّمة،بحسب الرّسم القرآنيّ الخاضع للسّماع دون القياس.

أ ي ي

اشارة

11 لفظا،382 مرّة:282 مكّيّة،100 مدنيّة

في 58 سورة:42 مكّيّة،16 مدنيّة

آية 83:65-18 آياته 37:24-13

الآية 1:1 آياتها 1:1

آيتك 2:1-1 آياتك 3:2-1

آيتين 1:1 آياتي 14:12-2

آيات 115:74-41 آياتنا 92:80-12

الآيات 33:21-12

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الآية:العلامة،و الآية:من آيات اللّه، و الجميع:الآي،و تقديرها«فعلة».

إنّ الألف الّتي في وسط الآية من القرآن،و الآيات:

العلامات،هي في الأصل:ياء،و كذلك ما جاء من بناتها على بنائها،نحو:الغاية و الرّاية،و أشباه ذلك.

فلو تكلّفت اشتقاقها من«الآية»على قياس علامة معلمة لقلت:آية مأياة قد أيّيت،فاعلم إن شاء اللّه.

(8:441)

خرج القوم بآيتهم:أي بجماعتهم.

(ابن فارس 1:168)

الكسائيّ: أصل آية،آيية على وزن«فاعلة» حذفت الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابّة.(ابن عطيّة 1:57)

سيبويه: موضع العين من الآية«واو»؛لأنّ ما كان موضع العين منه واو و اللاّم ياء أكثر ممّا موضع العين و اللاّم منه ياءان،مثل«شويت»أكثر من باب «حييت»،و تكون النّسبة إليه أوويّ.

(الجوهريّ 6:2275)

هي«فعلة»و أصلها:أيية،ثمّ أبدلوا من الياء السّاكنة ألفا.(القيسيّ 1:420)

أبو عمرو الشّيبانيّ: خرج القوم بآيتهم،أي

ص: 392

بجماعتهم،لم يدعوا وراءهم شيئا.و معنى آية من كتاب اللّه،أي جماعة حروف.[ثمّ استشهد بشعر]

(إصلاح المنطق:304)

الفرّاء: هي[الآية]من الفعل«فاعلة»،و إنّما ذهبت منه اللاّم،و لو جاءت تامّة لجاءت«آيية»و لكنّها خفّفت.

(الجوهريّ 6:2275)

أصلها:أيّة،على وزن«فعلة»بسكون العين،أبدلت الياء السّاكنة ألفا استثقالا للتّضعيف.(ابن عطيّة 1:57)

أبو عبيدة: الآية:العلامة،و جمع آية:آي و آيات.

و الآية في القرآن العزيز كأنّها علامة شيء،ثمّ يخرج منها إلى غيرها.(ابن دريد 1:192)

الأصمعيّ: آية الرّجل:شخصه.

(ابن فارس 1:168)

ابن الأعرابيّ: تأيّيت الأمر:انتظرت إمكانه.

و يقال:ليست هذه بدار تئيّة،أي مقام.

(ابن فارس 1:168)

ابن السّكّيت: يقال لضوء الشّمس:الأياء.

(390)

يقال:قد تأيّيت،إذا تلبّثت و تحبّست.و ليس منزلكم هذا بمنزل تئيّة،أي بمنزل تلبّث و تحبّس.

و قد تأيّيته،أي تعمّدت آيته،أي شخصه.

(إصلاح المنطق:304)

ابن أبي اليمان: الآية:العلامة،يقال:اجعل بيني و بينك آية،أي علامة.و آيات بيّنات،أي علامات و حججا.و الآية من القرآن:كلام متّصل إلى انقطاع.

و قال اللّه تعالى: قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً آل عمران:41،أي علامة. قالَ آيَتُكَ آل عمران:

41،أي علامتك.و الآية:الشّيء العجب من قوله:

وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ البقرة:73،أي عجائبه،يقال:فلان آية من الآيات أي عجب من العجب.(705)

ثعلب: الأياء،مفتوح الأوّل ممدود؛و الإيا مكسور الألف مقصور،و إياة،كلّه واحد:شعاع الشّمس و ضوؤها.(الأزهريّ 15:651)

ابن دريد: يقال:تأيّا بالمكان تأيّيا،إذا أقام به.

و تأيّا في هذا الأمر تئيّة،أي نظر.و تأيّا بالسّلاح:تعمّد به.

[ثمّ استشهد بشعر](1:192)

الأزهريّ: و أياة الشّمس،و آياتها:ضوؤها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:الأياء بالمدّ،و الإيا بالقصر.و لم أسمع لهما فعلا.(15:651)

الرّمّانيّ: الفرق بين الآية و الحجّة:أنّ الحجّة معتمد البيّنة الّتي توجب الثّقة بصحّة المعنى.و الآية:تكشف عن المعنى الّذي فيه أعجوبة.(الطّوسيّ 6:99)

الجوهريّ: الآية:العلامة،و الأصل أوية بالتّحريك.

و جمع الآية:آي،و آياي،و آيات.[ثمّ استشهد بشعر]

و آية الرّجل:شخصه.تقول منه:تآييته،على تفاعلته،و تأيّيته على تفعّلته:إذا قصدت آيته و تعمّدته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تأيّا،أي توقّف و تمكّث،تقديره:تعيّا.يقال:ليس

ص: 393

منزلكم هذا منزل تئيّة،أي منزل تلبّث و تحبّس.[ثمّ استشهد بشعر](6:2275)

ابن فارس: الهمزة و الياء و الياء أصل واحد:و هو «النّظر»يقال:تأيّا يتأيّا تأيّيا،أي تمكّث.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصل آخر و هو«التّعمّد»يقال:تآييت،على «تفاعلت»و أصله تعمّدت آيته و شخصه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا:الآية:العلامة،و هذه آية مأياة،كقولك:

علامة معلمة،و قد أيّيت.[ثمّ استشهد بشعر]

قالوا:و أصل آية:أأية،بوزن«أعية»مهموز همزتين،فخفّفت الأخيرة فامتدّت.

قال الخليل: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم.و منه آية القرآن،لأنّها جماعة حروف،و الجمع:آي.

و إياة الشّمس:ضوؤها،و هو من ذاك،لأنّه كالعلامة لها.(1:167)

أبو هلال: الفرق بين العلامة و الآية:أنّ الآية هي العلامة الثّابتة،من قولك:تأيّيت بالمكان،إذا تحبّست به و تثبّتّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم: أصل آية:آيية و لكن لمّا اجتمعت ياءان آن قلبوا إحداهما ألفا كراهة التّضعيف.و جاز ذلك،لأنّه اسم غير جار على فعل. (1)(54)

القيسيّ: في وزن آية أربعة أقوال:

قال سيبويه: هي«فعلة»و أصلها:أيية،ثمّ أبدلوا من الياء السّاكنة ألفا،هذا معنى قوله،و مثله عنده:غاية و ثاية.

و اعتلال هذا عنده شاذّ،لأنّهم أعلّوا العين، و صحّحوا اللاّم،و القياس إعلال اللاّم،و تصحيح العين.

و قال الكوفيّون:آية«فعلة»بفتح العين،و أصلها أيية،فقلبت الياء الأولى ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها، و هو شاذّ في الاعتلال؛إذ كان الأصل أن تعلّ الياء الثّانية و تصحّ الأولى،فيقال:أياة.

و قال بعض الكوفيّون: آية«فعلة»،و أصلها:أيية، فقلبت الياء الأولى ألفا لانكسارها و تحرّك ما قبلها، و كانت الأولى أولى بالعلّة من الثّانية،لثقل الكسرة عليها،و هذا قول صالح جار على الأصول.

و قال ابن الأنباريّ في«آية»: وزنها«فاعلة» و أصلها:آيية،فأسكنت الياء الأولى استثقالا للكسرة على الياء،و أدغموها في الثّانية فصارت«آيّة»مثل لفظ «دابّة»و وزنها،ثمّ خفّفوا الياء كما قالوا:«كينونة» بتخفيف الياء ساكنة،و أصلها:كيّنونة،ثمّ خفّفوا فحذفوا الياء الأولى المتحرّكة استثقالا للياء المشدّدة مع طول الكلمة،و هذا قول بعيد من القياس؛إذ ليس في«آية» طول يجب الحذف معه كما في«كينونة».(1:420)

نحوه أبو البركات.(1:166)

الطّوسيّ: الآية:الدّلالة على ما كان من الأمور العظيمة.و الآية و العلامة و العبرة،نظائر في اللّغة.

(6:99)

و في وزن«آية»ثلاثة أقوال:

أحدها:«فعلة»إلاّ أنّه شذّ من جهة إعلال العين مع4.

ص: 394


1- ذكر معنى العلامة في الفرق بين الدّلالة و العلامة فراجع كتاب أبي هلال:54.

كون اللاّم حرف علّة،و إنّما القياس في مثله إعلال اللاّم، نحو حياة و نواة.و نظيرها:راية و طاية.و شذّ ذلك، للإشعار بقوّة إعلال العين.

الثّاني:«فعلة»آية،إلاّ أنّها قلبت كراهيّة التّضعيف،نحو طاي في طيئ.

الثّالث:«فاعلة»منقوصة.و هذا ضعيف،لأنّهم صغّروها«أييّة»و لو كانت«فاعلة»لقالوا:«أويّة»إلاّ أنّه يجوز على ترخيم التّصغير،نحو فطيمة.(2:454)

الرّاغب: الآية هي العلامة الظّاهرة،و حقيقته لكلّ شيء ظاهر،هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره.فمتى أدرك مدرك الظّاهر منهما علم أنّه أدرك الآخر الّذي لم يدركه بذاته؛إذ كان حكمهما سواء،و ذلك ظاهر في المحسوسات و المعقولات.فمن علم ملازمة«العلم»للطّريق المنهج ثمّ وجد«العلم»علم أنّه وجد الطّريق.و كذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنّه لا بدّ له من صانع.

و اشتقاق الآية إمّا من«أيّ»فإنّها هي الّتي تبيّن أيّا من أيّ.و الصّحيح أنّها مشتقّة من التّأيّي الّذي هو التّثبّت و الإقامة على الشّيء،يقال:تأيّ،أي ارفق.

أو من قولهم:أوي إليه.

و قيل للبناء العالي:آية،نحو: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ الشّعراء:128،و لكلّ جملة من القرآن دالّة على حكم آية،سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة، و قد يقال لكلّ كلام منه منفصل بفصل لفظيّ:آية.و على هذا اعتبار آيات السّور الّتي تعدّ بها السّورة.(33)

الزّمخشريّ: ما هي بدار تئيّة،أي تمكّث.يقال:

أيّيت بالمكان و تأيّيت به.[ثمّ استشهد بشعر]

و كأنّما ألقت عليه الشّمس آياتها،أي شعاعها.(أساس البلاغة:13)

ابن عطيّة: الآية:هي العلامة في كلام العرب،و منه قول الأسير الموصي إلى قومه باللّغز:«بآية ما أكلت معكم حيسا».فلمّا كانت الجملة التّامّة من القرآن علامة على صدق الآتي بها،و على عجز المتحدّي بها سمّيت آية،هذا قول بعضهم.

و قيل:سمّيت آية؛لما كانت جملة و جماعة كلام،كما تقول العرب:جئنا بآيتنا.أي بجماعتنا.

و قيل:لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها و ما بعدها سمّيت آية.[ثمّ نقل ما تقدّم في كلام القيسيّ في وزن آية]

(1:57)

الطّبرسيّ: الآية:العلامة الّتي تنبئ عن مقطع الكلام،من جهة مخصوصة،و القرآن مفصّل بالآيات، مضمّن بالحكم النّافية للشّبهات.(3:88)

الآيات:جمع آية،و معنى الآية في اللّغة:العلامة، و منه قوله تعالى: تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ... المائدة:114،أي علامة لإجابتك دعانا،و كلّ آية من كتاب اللّه علامة و دلالة على المضمون فيها.

و قيل:إنّ الآية:القصّة و الرّسالة.[ثمّ استشهد بشعر]

فعلى هذا يكون معنى الآيات:القصص،أي قصّة تتلو قصّة.(1:91)

أبو البركات: آيات:جمع آية،و في أصلها عدّة وجوه،لا يكاد يسلم شيء منها عن قلب أو حذف،على خلاف القياس.و إجراؤها على القياس أن تكون آية

ص: 395

على«فعلة»بكسر العين،فتقلب العين ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،فتصير آية.

و الأصل أن يقال في آيات:آيتات إلاّ أنّه اجتمع فيها علامتا تأنيث،فحذفوا إحداهما.و كان حذف الأولى أولى،لأنّ في الثّانية زيادة معنى،لأنّها تدلّ على الجمع و التّأنيث،و الأولى إنّما تدلّ على التّأنيث فقط،فلهذا كان حذف الأولى و تبقية الثّانية أولى.(2:33)

الفخر الرّازيّ: الآية:وزنها«فعلة»أصلها:أيّة فاستثقلوا التّشديد في الآية،فأبدلوا من الياء الأولى ألفا لانفتاح ما قبلها.

و الآية:الحجّة و العلامة،و آية الرّجل:شخصه.

و خرج القوم بآيتهم:بجماعتهم.

و سمّيت آية القرآن بذلك،لأنّها جماعة حروف، و قيل:لأنّها علامة لانقطاع الكلام الّذي بعدها،و قيل:

لأنّها دالّة على انقطاعها عن المخلوقين،و أنّها ليست إلاّ من كلام اللّه تعالى.(4:141)

ابن الأثير: و معنى الآية من كتاب اللّه تعالى:جماعة حروف و كلمات،من قولهم:خرج القوم بآيتهم،أي بجماعتهم،لم يدعوا وراءهم شيئا.و الآية في غير هذا:

العلامة.و قد تكرّر ذكرها في الحديث.

و أصل آية:أوية بفتح الواو،و موضع العين واو، و النّسبة إليها أوويّ.و قيل:أصلها«فاعلة»فذهبت منها اللاّم أو العين تخفيفا.و لو جاءت تامّة لكانت«آيية»و إنّما ذكرناها في هذا الموضع حملا على ظاهر لفظها.

(1:87)

القرطبيّ: أمّا الآية فهي العلامة،بمعنى أنّها علامة لانقطاع الكلام الّذي قبلها من الّذي بعدها و انفصاله،أي هي بائنة من أختها و منفردة.و تقول العرب:بيني و بين فلان آية،أي علامة،و من ذلك قوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ البقرة:248.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:سمّيت آية،لأنّها جماعة حروف من القرآن و طائفة منه،كما يقال:خرج القوم بآيتهم،أي بجماعتهم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:سمّيت آية،لأنّها عجب يعجز البشر عن التّكلّم بمثلها.[ثمّ ذكر أقوال السّابقين](1:66)

الفيّوميّ: الآية:العلامة،و الجمع:آي و آيات، و الآية من القرآن:ما يحسن السّكوت عليه،و الآية:

العبرة.(1:32)

الفيروزآباديّ: الآية:العلامة و الشّخص،وزنها «فعلة»بالفتح أو«فعلة»محرّكة،أو«فاعلة»،جمعها:

آيات و آي و آياي،و جمع الجمع آياء.

و العبرة،جمعها:آي،و الأمارة.

و من القرآن:كلام متّصل إلى انقطاعه.و آية ممّا يضاف إلى الفعل لقرب معناها من معنى الوقت.و إيا الشّمس في الحروف اللّيّنة.

و تآييته و تأيّيته:قصدت شخصه،و تعمّدته.

و تأيّى بالمكان:تلبّث عليه و تأنّى.و موضع مائيّ الكلأ:و خيمه.(1)[أي كثير الكلأ](4:303)

الآية في أصل اللّغة،بمعنى العجب،و بمعنى العلامة،

ص: 396


1- مائيّ نسبة إلى ماء.و لا علاقة له بمادّة أيية.و هو كناية عن كثرة الكلأ نظير«فلان كثير الرّماد»و يحتمل فيه «مئيّ»اسم مفعول من«أ ي ي»:أي جمع فيه الكلأ.

و بمعنى الجماعة.

سمّيت آية القرآن آية:لأنّها علامة دالّة على ما تضمّنته من الأحكام،و علامة دالّة على انقطاعه عمّا بعده و عمّا قبله.

أو لأنّ فيها عجائب من القصص،و الأمثال و التّفصيل،و الإجمال،و التّميّز عن كلام المخلوقين.

و لأنّ كلّ آية جماعة من الحروف،و كلام متّصل المعنى إلى أن ينقطع،و ينفرد بإفادة المعنى.و العرب تقول:

خرج القوم بآيتهم،أي بجماعتهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصلها:أيية،على وزن«فعلة»عند سيبويه، و آيية،على مثال«فاعلة»عند الكسائيّ،و أيية على «فعلة»عند بعض،و أيّة عند الفرّاء،و«أأية»،بهمزتين عند بعض.(بصائر ذوي التّمييز 1:85)

الآلوسيّ: [نقل أقوال المتقدّمين في وزن الآية ثمّ قال:]

و قالوا في الجمع:آياء كأفعال،فظهرت الياء، و الهمزة الأخيرة بدل ياء،و الألف الثّانية بدل همزة هي فاء الكلمة،و لو كان عينها«واوا»لقالوا في الجمع:آواء، ثمّ إنّهم قلبوا الياء السّاكنة ألفا على غير القياس لعدم تحرّكها و انفتاح ما قبلها.(1:240)

مجمع اللّغة: الأصل في معنى الآية:العلامة الواضحة،و هو متحقّق في كلّ ما تطلق عليه كلمة آية، فسمّي خلق الكون آية،لأنّه علامة على قدرة اللّه.

و سمّيت معجزات الأنبياء آية،لأنّها علامة على صدقهم،و على قدرة اللّه.

و سمّيت العبرة آية،لأنّها علامة على معاني العظة و الاعتبار.

و قيل لكلّ جملة في القرآن بين فاصلتين:آية، علامة على ما تضمّنته من أحكام و آداب و نحوهما.

و سمّي البناء العالي آية،لأنّه علامة على قدرة بانيه، و جمعت آية على:آيات.(1:73)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة أوى يأوي،بمعنى التّوجّه و القصد و السّير إلى مقام ليستريح فيه،فهي على وزان«فعلة»،و هذه المادّة كثير استعمالها من اليائيّ«أيي»و إن كان معناه قريبا منها،و هو التّعمّد.

فالآية ما يكون موردا للتّوجّه،و القصد في السّير إلى المقصود،و وسيلة للوصول بها إليه.و هذا المعنى منظور في جميع موارد استعمالها.

وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً... البقرة:231، فهي كلّ ما يكون موردا للقصد و التّوجّه للوصول إلى اللّه تعالى و معرفته.(1:172)

النّصوص التّفسيريّة

آية

1- سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ...

البقرة:211

مجاهد: ما ذكر اللّه في القرآن و ما لم يذكر.

(الطّبريّ 2:332)

يعني الآيات الّتي جاء بها موسى عليه السّلام،من فلق البحر و الظّلل من الغمام،و العصا،و اليد،و غير ذلك.

ص: 397

مثله الحسن.(القرطبيّ 3:28)

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 2:332)

أي علامة ظاهرة و هي المعجزات الدّالّة على صدق رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.

مثله الحسن.(الآلوسيّ 2:99)

و مثله الجبّائيّ(الطّبرسيّ 1:304)،و القرطبيّ (3:28).

الطّوسيّ: الآيات البيّنات:ما ذكرها اللّه تعالى،من قلب عصا موسى حيّة،و يده البيضاء،و فلقه البحر، و تغريق عدوّهم من فرعون و أصحابه،و تظليله عليهم الغمام،و إنزال المنّ و السّلوى،و ذلك من آيات اللّه الّتي أتى بها بني إسرائيل،فخالفوا جميع ذلك،و قتلوا أنبياءه و رسله،و بدّلوا عهده و وصيّته إليهم.(2:190)

الزّمخشريّ: و هي معجزاتهم،أو من آية في الكتب شاهدة على صحّة دين الإسلام.(1:353)

نحوه الفخر الرّازيّ(6:3)،و البيضاويّ(1:112)، و النّسفيّ(1:105)،و النّيسابوريّ(2:208).

أبو حيّان: الآيات البيّنات:ما تضمّنته التّوراة و الإنجيل،من صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و تحقيق نبوّته،و تصديق ما جاء به.أو معجزات موسى صلّى اللّه على نبيّنا و عليه كالعصا،و اليد البيضاء،و فلق البحر.أو القرآن قصّ اللّه قصص الأمم الخالية حسبما وقعت،على لسان من لم يدارس الكتب و لا العلماء،و لا كتب و لا ارتحل.أو معجزات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كتسبيح الحصى،و تفجير الماء من بين أصابعه،و انشقاق القمر،و تسليم الحجر،أربعة أقوال.

و قدّروا بعد قوله: مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ محذوفا،فقدّره بعضهم:فكذّبوا بها.و بعضهم:فبدّلوها.(2:128)

الآلوسيّ: [و بعد نقله قول مجاهد قال:]

و تخصيص إيتاء المعجزات بأهل الكتاب-مع عمومه للكلّ-لأنّهم أعلم من غيرهم بالمعجزات، و كيفيّة دلالتها على الصّدق،لعلمهم بمعجزات الأنبياء السّابقة.

و قد يراد بالآية معناها المتعارف،و هو طائفة من القرآن و غيره.(2:99)

2- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها... البقرة:106.

لاحظ«ن س خ».

3- ...وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ...

البقرة:259

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ عزيرا خرج من أهله و امرأته حامل و له خمسون سنة،فأماته اللّه مائة سنة،ثمّ بعثه، فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة،و له ابن له مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه،و ذلك من آيات اللّه.

(الطّوسيّ 2:324)

نحوه ابن عبّاس.(القرطبيّ 3:294)

عكرمة: جاء و هو ابن أربعين سنة كما كان يوم مات،و وجد بنيه قد ينوفون على مائة سنة.

(أبو حيّان 2:293)

السّدّيّ: رجع إلى أهله،فوجد داره قد بيعت و بنيت،و هلك من كان يعرفه،فقال:أخرجوا من داري، قالوا:و من أنت؟قال:أنا عزير،قالوا:أ ليس قد هلك

ص: 398

عزير منذ كذا و كذا؟قال:فإنّ عزيرا أنا هو،كان من حالي و كان.فلمّا عرفوا ذلك،خرجوا له من الدّار،و دفعوها إليه.(الطّبريّ 3:43)

الأعمش: كونه(آية)هو أنّه جاء شابّا على حاله يوم مات فوجد الحفدة و الأبناء شيوخا.

(أبو حيّان 2:293)

الفرّاء: إنّما أدخلت فيه الواو لنيّة فعل بعدها مضمر، كأنّه قال:و لنجعلك آية فعلنا ذلك،و هو كثير في القرآن.

و قوله: آيَةً لِلنّاسِ حين بعث أسود اللّحية و الرّأس و بنو بنيه شيب،فكان آية لذلك.(1:173)

الطّبريّ: إنّما عنى بقوله: وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً...

و لنجعلك حجّة على من جهل قدرتي و شكّ في عظمتي، و أنا القادر على فعل ما أشاء من إماتة و إحياء،و إفناء و إنشاء،و إنعام و إذلال،و إقتار و إغناء،بيدي ذلك كلّه، لا يملكه أحد دوني،و لا يقدر عليه غيري.

و كان بعض أهل التّأويل يقول:كان آية للنّاس، بأنّه جاء بعد مائة عام إلى ولده و ولد ولده شابّا و هم شيوخ.

و قال آخرون: معنى ذلك أنّه جاء و قد هلك من يعرفه،فكان آية لمن قدم عليه من قومه.

و الّذي هو أولى بتأويل الآية من القول،أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه جعل الّذي وصف صفته في هذه الآية حجّة للنّاس،فكان ذلك حجّة على من عرفه من ولده و قومه ممّن علم موته،و إحياء اللّه إيّاه بعد مماته، و على من بعث إليه منهم.(3:42)

الزّمخشريّ: يريد إحياءه بعد الموت،و حفظ ما معه.

و قيل:أتى قومه راكب حماره،و قال:أنا عزير، فكذّبوه،فقال:هاتوا التّوراة فأخذ يهذّها هذّا عن ظهر قلبه،و هم ينظرون في الكتاب،فما خرم حرفا.فقالوا:هو ابن اللّه،و لم يقرأ التّوراة ظاهرا أحد قبل عزير،فذلك كونه آية.

و قيل:رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخا و هو شابّ،فإذا حدّثهم بحديث قالوا:حديث مائة سنة.

(1:390)

نحوه البيضاويّ(1:136)،و النّسفيّ(1:131).

ابن عطيّة: و في إماتته هذه المدّة،ثمّ إحيائه أعظم آية،و أمره كلّه آية للنّاس غابر الدّهر،لا يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض.(1:350)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى قال في حقّ هذا الشّخص: وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ... و هذا اللّفظ إنّما يستعمل في حقّ الأنبياء و الرّسل،قال تعالى: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ... الأنبياء:91،فكان هذا وعدا من اللّه تعالى بأنّه يجعله نبيّا.

و أيضا فهذا الكلام لم يدلّ على النّبوّة بصريحه، فلا شكّ أنّه يفيد التّشريف العظيم،و ذلك لا يليق بحال من مات على الكفر و على الشّكّ في قدرة اللّه تعالى.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون المراد من جعله(آية) أنّ من عرفه من النّاس شابّا كاملا إذا شاهدوه بعد مائة سنة على شبابه و قد شاخوا أو هرموا،أو سمعوا بالخبر أنّه كان مات منذ زمان و قد عاد شابّا،صحّ أن يقال لأجل ذلك:إنّه آية للنّاس،لأنّهم يعتبرون بذلك،و يعرفون به

ص: 399

قدرة اللّه تعالى،و نبوّة نبيّ ذلك الزّمان.

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ قوله: وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً إخبار عن أنّه تعالى يجعله آية،و هذا الإخبار إنّما وقع بعد أن أحياه اللّه و تكلّم معه،و المجعول لا يجعل ثانيا،فوجب حمل قوله:

وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ على أمر زائد عن هذا الإحياء، و أنتم تحملونه على نفس هذا الإحياء،فكان باطلا.

و الثّاني:أنّ وجه التّمسّك أنّ قوله: وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ... يدلّ على التّشريف العظيم،و ذلك لا يليق بحال من مات على الكفر و الشّكّ في قدرة اللّه تعالى.

(7:32)

رشيد رضا: اختلفوا في قوله: وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ... من حيث العطف و لا معطوف عليه في الكلام،فقدّر بعضهم فعلا محذوفا،أي و لنجعلك آية للنّاس فعلنا ما فعلنا من الإماتة و الإحياء.

و قال الأستاذ الإمام: لنزيل تعجّبك،و نريك آياتنا في نفسك و طعامك و شرابك و حمارك،و لنجعلك آية للنّاس.فالعطف دلّنا على المحذوف المطويّ دلالة ظاهرة، و هذا من لطائف إيجاز القرآن.و أمّا كون ما رأى آية له فظاهر.و أمّا كونه هو آية للنّاس،فهو أنّ علمهم بموته مائة سنة ثمّ بحياته بعد ذلك،من أكبر الآيات.

(3:51)

الطّباطبائيّ: وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ عطف الغاية يدلّ على أنّ هناك غيرها من الغايات،و المعنى:إنّا فعلنا بك ما فعلنا لنبيّن لك كذا و كذا،و لنجعلك آية للنّاس،فبيّن أنّ الغرض الإلهيّ لم يكن في ذلك منحصرا في بيان الأمر له نفسه،بل هناك غاية أخرى،و هي جعله آية للنّاس،فالغرض من قوله: وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ البقرة:259،بيان الأمر له فقط،و من إماتته و إحيائه بيان الأمر له و جعله آية للنّاس،و لذلك قدّم قوله:

وَ لِنَجْعَلَكَ إلخ على قوله: وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ...

(2:364)

4- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ أُخْرى كافِرَةٌ... آل عمران:13

قتادة: عبرة و تفكّر.(الطّبريّ 3:193)

الطّبريّ: يعني علامة و دلالة على صدق ما أقول:

إنّكم ستغلبون.(3:193)

مثله الميبديّ(2:30)،و الطّوسيّ(2:407)، و البروسويّ(2:8)،و الآلوسيّ(3:95).

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ العلماء ذكروا في تفسير كون تلك الواقعة آية بيّنة وجوها:

الأوّل:أنّ المسلمين كان قد اجتمع فيهم من أسباب الضّعف عن المقاومة أمور:

منها قلّة العدد،و منها أنّهم خرجوا قاصدين للحرب فلم يتأهّبوا،و منها قلّة السّلاح و الفرس،و منها أنّ ذلك ابتداء غارة في الحرب،لأنّها أوّل غزوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و كان قد حصل للمشركين أضداد هذه المعاني.منها كثرة العدد،و منها أنّهم خرجوا متأهّبين للحرب،و منها كثرة سلاحهم و خيلهم،و منها أنّ أولئك الأقوام كانوا ممارسين للمحاربة و المقاتلة في الأزمنة الماضية.و إذا كان كذلك فلم تجر العادة أنّ مثل هؤلاء العدد في القلّة

ص: 400

و الضّعف،و عدم السّلاح و قلّة المعرفة بأمر المحاربة، يغلبون مثل ذلك الجمع الكثير،مع كثرة سلاحهم و تأهّبهم للمحاربة،و لمّا كان ذلك خارجا عن العادة كان معجزا.

و الوجه الثّاني في كون هذه الواقعة آية:أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان قد أخبر قومه بأنّ اللّه ينصره على قريش،بقوله: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ... الأنفال:7.يعني جمع قريش أو عير أبي سفيان، و كان قد أخبر قبل الحرب بأنّ هذا مصرع فلان.و هذا مصرع فلان،فلمّا وجد مخبر خبره في المستقبل على وفق خبره،كان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا.

و الوجه الثّالث في بيان كون هذه الواقعة آية:ما ذكره تعالى بعد هذه الآية،و هو قوله تعالى: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ... آل عمران:13،و الأصحّ في تفسير هذه الآية أنّ«الرّائين»هم المشركون و«المرئيّين»هم المؤمنون،و المعنى أنّ المشركين كانوا يرون المؤمنين مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين أو مثلي عدد المسلمين و هو ستّمائة،و ذلك معجز.[إلى أن قال:]

و الوجه الرّابع في بيان كون هذه القصّة آية:قال الحسن:إنّ اللّه تعالى أمدّ رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم في تلك الغزوة بخمسة آلاف من الملائكة،لأنّه قال: فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ... الأنفال:9.و قال: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ آل عمران:125.

(7:203)

5- قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً... آل عمران:41

الطّوسيّ: الآية:العلامة،و إنّما سأل العلامة و الآية، لوقت الحمل الّذي سأل ربّه ليتعجّل السّرور به،في قول الحسن،فجعل اللّه تعالى آيته في إمساك،فلم يقدر أن يكلّم النّاس إلاّ إيماء من غير آفة حدثت في لسانه،كما يقال في مريم:10 ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا... هذا قول الحسن،و قتادة،و الرّبيع،و أكثر المفسّرين.(2:454)

الزّمخشريّ: علامة أعرف بها الحبل لأتلقّى النّعمة إذا جاءت بالشّكر.(1:428)

الطّبرسيّ: أي علامة لوقت الحمل و الولد،فجعل اللّه تعالى تلك العلامة في إمساك لسانه عن الكلام إلاّ إيماء من غير آفة حدثت فيه،بقوله: قالَ آيَتُكَ... أي قال اللّه.و يحتمل أن يكون المراد قال جبرائيل:(آيتك)أي علامتك أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً...

(1:440)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ زكريّا عليه السّلام لفرط سروره بما بشّر به،و ثقته بكرم ربّه،و إنعامه عليه،أحبّ أن يجعل له علامة تدلّ على حصول العلوق،و ذلك لأنّ العلوق لا يظهر في أوّل الأمر،فقال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً... فقال اللّه تعالى: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ... و فيه مسائل:

المسألة الأولى:ذكر هاهنا ثَلاثَةَ أَيّامٍ و ذكر في سورة مريم ثَلاثَ لَيالٍ فدلّ مجموع الآيتين على أنّ تلك الآية كانت حاصلة في الأيّام الثّلاثة مع لياليها.

المسألة الثّانية:ذكروا في تفسير هذه الآية وجوها:

أحدها:أنّه تعالى حبس لسانه ثلاثة أيّام فلم يقدر

ص: 401

أن يكلّم النّاس إلاّ رمزا،و فيه فائدتان:

إحداهما:أن يكون ذلك آية على علوق الولد.

و الثّانية:أنّه تعالى حبس لسانه عن أمور الدّنيا، و أقدره على الذّكر و التّسبيح و التّهليل،ليكون في تلك المدّة مشتغلا بذكر اللّه تعالى،و بالطّاعة و الشّكر على تلك النّعمة الجسيمة،و على هذا التّقدير يصير الشّيء الواحد علامة على المقصود،و أداء لشكر تلك النّعمة،فيكون جامعا لكلّ المقاصد.

ثمّ اعلم أنّ تلك الواقعة كانت مشتملة على المعجزة من وجوه:

أحدها:أنّ قدرته على التّكلّم بالتّسبيح و الذّكر، و عجزه عن التّكلّم بأمور الدّنيا من أعظم المعجزات.

و ثانيها:أنّ حصول ذلك المعجز في تلك الأيّام المقدّرة مع سلامة البنية،و اعتدال المزاج،من جملة المعجزات.

و ثالثها:أنّ إخباره بأنّه متى حصلت هذه الحالة فقد حصل الولد،ثمّ إنّ الأمر خرج على وفق هذا الخبر، يكون أيضا من المعجزات.

القول الثّاني في تفسير هذه الآية،و هو قول أبي مسلم:إنّ المعنى أنّ زكريّا عليه السّلام لمّا طلب من اللّه تعالى آية تدلّه على حصول العلوق، قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ...

أي تصير مأمورا بأن لا تتكلّم ثلاثة أيّام بلياليها مع الخلق،أي تكون مشتغلا بالذّكر و التّسبيح و التّهليل، معرضا عن الخلق و الدّنيا،شاكرا للّه تعالى على إعطاء مثل هذه الموهبة.فإن كانت لك حاجة دلّ عليها بالرّمز، فإذا أمرت بهذه الطّاعة،فاعلم أنّه قد حصل المطلوب، و هذا القول عندي حسن معقول،و أبو مسلم حسن الكلام في التّفسير،كثير الغوص على الدّقائق و اللّطائف.

(8:43)

نحوه النّيسابوريّ.(3:185)

أبو حيّان: قال الرّبيع و السّدّيّ و غيرهما:إنّ زكريّا قال:يا ربّ إن كان ذلك الكلام من قبلك و البشارة حقّ، فاجعل لي آية علامة أعرف بها صحّة ذلك،فعوقب على هذا الشّكّ في أمر اللّه،بأن منع الكلام ثلاثة أيّام مع النّاس.

و قالت فرقة من المفسّرين:لم يشكّ قطّ زكريّا و إنّما سأل عن الجهة الّتي بها يكون الولد،و تتمّ به البشارة.فلمّا قيل له: كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ مريم:40،سأل علامة على وقت الحمل،ليعرف متى يكون العلوق بيحيى.[إلى أن قال:]

و كانت الآية حبس اللّسان لتخلص المدّة لذكر اللّه،لا يشغل لسانه بغيره،توفّرا منه على قضاء حقّ تلك النّعمة الجسيمة و شكرها،كأنّه لمّا طلب الآية من أجل الشّكر قيل له:آيتك أن تحبس لسانك إلاّ عن الشّكر.

[ثمّ ذكر مثل الفخر الرّازيّ](2:451)

نحوه الآلوسيّ.(3:150)

البروسويّ: أي علامة تدلّ،أي تحقّق المسئول أو وقوع الحبل.و إنّما سألها،لأنّ العلوق أمر خفيّ لا يوقف عليه،فأراد أن يطلعه اللّه عليه ليتلقّى تلك النّعمة الجليلة منه،حين حصولها بالشّكر،و لا يؤخّره إلى أن يظهره ظهورا معتادا.(2:31)

الطّباطبائيّ:و وقوع هذه الآية في ولادة يحيى من

ص: 402

وجوه المضاهاة بينه و بين عيسى،فإنّها تضاهي قول عيسى لمريم بعد تولّده: فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا مريم:26.

و سؤاله عليه السّلام من ربّه أن يجعل له آية-و الآية هي العلامة الدّالّة على الشّيء-هل هو ليستدلّ به على أنّ البشارة إنّما هي من قبل ربّه،و بعبارة أخرى هو خطاب رحمانيّ ملكيّ لا شيطانيّ؟أو لأنّه أراد أن يستدلّ بها على حمل امرأته،و يعلم وقت الحمل؟خلاف بين المفسّرين.

و الوجه الثّاني لا يخلو عن بعد من سياق الآيات و جريان القصّة،لكن الّذي أوجب تحاشي القوم عن الذّهاب إلى أوّل الوجهين،أعني كون سؤال الآية لتمييز أنّ الخطاب رحمانيّ،هو ما ذكروه:أنّ الأنبياء لعصمتهم لا بدّ أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك و وسوسة الشّيطان، و لا يجوز أن يتلاعب الشّيطان بهم حتّى يختلط عليهم طريق الإفهام و هو كلام حقّ.

لكن يجب أن يعلم أنّ تعرّفهم إنّما هو بتعريف اللّه تعالى لهم لا من قبل أنفسهم و استقلال ذواتهم،و إذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يتعرّف زكريّا من ربّه أن يجعل له آية يعرف به ذلك؟و أيّ محذور في ذلك؟نعم لو لم يستجب دعاءه و لم يجعل اللّه له آية كان الإشكال في محلّه.

على أنّ خصوصيّة نفس الآية،و هي عدم التّكليم ثلاثة أيّام تؤيّد بل تدلّ على ذلك،فإنّ الشّيطان و إن أمكن أن يمسّ الأنبياء في أجسامهم،أو بتخريب أو إفساد في ما يرجونه من نتائج أعمالهم في رواج الدّين و استقبال النّاس،أو تضعيف أعداء الدّين،كما يدلّ عليه قوله تعالى: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ص:41،و قوله تعالى:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ... الحجّ:52،و قوله تعالى:

فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ الكهف:63،و لكن هذه و أمثالها من مسّ الشّيطان و تعرّضه لا تنتج إلاّ إيذاء النّبيّ.و أمّا مسّه الأنبياء في نفوسهم فالأنبياء معصومون من ذلك،و قد مرّ في ما تقدّم من المباحث إثبات عصمتهم عليهم السّلام.

و الّذي جعله اللّه تعالى آية لزكريّا على ما يدلّ عليه قوله: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً آل عمران:41،هو أنّه كان لا يقدر ثلاثة أيّام على تكليم أحد و يعتقل لسانه إلاّ بذكر اللّه و تسبيحه،و هذه آية واقعة على نفس النّبيّ و لسانه،و تصرّف خاصّ فيه لا يقدر عليه الشّيطان لمكان العصمة،فليس إلاّ رحمانيّا، و هذه الآية كما ترى متناسبة مع الوجه الأوّل،دون الوجه الثّاني.[إلى أن قال:]

و قد ذكر بعض المفسّرين:أنّ المراد من جعله تعالى عدم التّكليم آية،نهيه عن تكليم النّاس ثلاثة أيّام، و الانقطاع فيها إلى ذكر اللّه و تسبيحه،دون اعتقال لسانه.قال:الصّواب أنّ زكريّا أحبّ بمقتضى الطّبيعة البشريّة أن يتعيّن لديه الزّمن الّذي ينال به تلك المنحة الإلهيّة،ليطمئنّ قلبه و يبشّر أهله فسأل عن الكيفيّة.و لمّا أجيب بما أجيب به سأل ربّه أن يخصّه بعبادة يتعجّل بها

ص: 403

شكره،و يكون إتمامه إيّاها آية و علامة على حصول المقصود.فأمره بأن لا يكلّم النّاس ثلاثة أيّام بل ينقطع إلى الذّكر و التّسبيح مساء و صباحا،مدّة ثلاثة أيّام،فإذا احتاج إلى خطاب النّاس أومأ إليهم إيماء،على هذا تكون بشارته لأهله بعد مضيّ الثّلاث اللّيالي،انتهى.

و أنت خبير بأنّه ليس لما ذكره-من مسألته عبادة تكون شكرا للمنحة،و انتهائها إلى حصول المقصود، و كون انتهائها هو الآية،و كون قوله: أَلاّ تُكَلِّمَ مسوقا للنّهي التّشريعيّ،و كذا إرادته بشارة أهله في الآية-عين و لا أثر.(3:179)

6- وَ رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ... آل عمران:49

الطّوسيّ: أي بعلامة تدلّ على ثبوت رسالتي.

(2:467)

الفخر الرّازيّ: المراد بالآية:الجنس لا الفرد،لأنّه تعالى عدّد هاهنا أنواعا من الآيات،و هي إحياء الموتى، و إبراء الأكمه و الأبرص،و الإخبار عن المغيبات،فكان المراد من قوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الجنس لا الفرد.(8:58)

الآلوسيّ: (بآية)في موضع الحال،أي محتجّا أو متلبّسا بآية،أو متعلّق ب(جئتكم)و الباء للملابسة أو للتّعدية،و التّنوين للتّفخيم دون الوحدة،لظهور ما ينافيها.و قرئ (بآيات) .(3:167)

7- ...وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ... آل عمران:50

مجاهد:ما بيّن لهم عيسى من الأشياء كلّها،و ما أعطاه ربّه.(الطّبريّ 3:282)

الطّبريّ: يعني بذلك:و جئتكم بحجّة و عبرة من ربّكم،تعلمون بها حقيقة ما أقول لكم.(3:282)

الزّمخشريّ: شاهدة على صحّة رسالتي،و هي قوله: إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ... آل عمران:51،لأنّ جميع الرّسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه،و قرئ [أنّ]بالفتح على البدل من(آية)و قوله: فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ آل عمران:50،اعتراض.

فإن قلت:كيف جعل هذا القول آية من ربّه؟

قلت:لأنّ اللّه تعالى جعله له علامة يعرف بها أنّه رسول كسائر الرّسل؛حيث هداه للنّظر في أدلّة العقل و الاستدلال.و يجوز أن يكون تكريرا لقوله: وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي جئتكم بآية بعد أخرى ممّا ذكرت لكم،من خلق الطّير و الإبراء و الإحياء و الإنباء بالخفيّات و بغيره،من ولادتي بغير أب،و من كلامي في المهد،و من سائر ذلك.و قرأ عبد اللّه (و جئتكم بآيات من ربكم فاتقوا الله) لما جئتكم به من الآيات و أطيعوني فيما أدعوكم إليه.(1:432)

نحوه البيضاويّ.(1:164)

القرطبيّ: إنّما وحّد و هي آيات،لأنّها جنس واحد في الدّلالة على رسالته.(4:96)

أبو حيّان: ظاهر اللّفظ أن يكون قوله: وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ للتّأسيس لا للتّوكيد لقوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ آل عمران:49،و تكون هذه الآية قوله:

ص: 404

إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ... آل عمران:51،لأنّ هذا القول شاهد على صحّة رسالته،إذ جميع الرّسل كانوا عليه،لم يختلفوا فيه.[إلى أن قال:]

و قيل:الآية الأولى في قوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ هي معجزة،و في قوله: وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ هي الآية من الإنجيل،فاختلف متعلّق المجيء.و يجوز أن يكون وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ كرّرت على سبيل التّوكيد.

[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ](2:469)

8- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ... المائدة:114

الطّوسيّ: الآية:هي الدّلالة العظيمة الشّأن في إزعاج قلوب العباد إلى الإقرار بمدلولها،و الاعتراف بالحقّ الّذي يشهد به ظاهرها،فهي دلالة على توحيدك و صحّة نبوّة نبيّك.(4:65)

مثله الطّبرسيّ.(2:265)

الميبديّ: أي و تكون المائدة آية و دلالة على توحيدك،و صدق نبيّك.و قرئ شاذّا (و أنّه منك) .

(3:269)

نحوه الفخر الرّازيّ.(12:131)

أبو حيّان: و معنى وَ آيَةً مِنْكَ علامة شاهدة على صدق عبدك.و قيل:حجّة و دلالة على كمال قدرتك.

و قرأ اليمانيّ (و انّه منك) و الضّمير في و أنّه إمّا للعيد أو الإنزال.(4:56)

الطّباطبائيّ: لمّا قدّم مسألة العيد-و هي مسألة حسنة جميلة لا عتاب عليها-عقّبها بكونها آية منه تعالى،كأنّه من الفائدة الزّائدة المترتّبة على الغرض الأصليّ غير مقصودة وحدها حتّى يتعلّق بها عتاب أو سخط،و إلاّ فلو كانت مقصودة وحدها من حيث كونها آية لم تخل مسألتها من نتيجة غير مطلوبة،فإنّ جميع المزايا الحسنة الّتي كان يمكن أن يراد بها،كانت ممكنة الحصول بالآيات المشهودة كلّ يوم منه عليه السّلام، للحواريّين و غيرهم.(6:235)

9- وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ. الأنعام:4

الطّبريّ: يقول:حجّة و علامة،و دلالة من حجج ربّهم،و دلالاته و أعلامه على وحدانيّته،و حقيقة نبوّتك يا محمّد،و صدق ما أتيتهم به من عندي.(7:148)

الطّوسيّ: في هذه الآية إخبار من اللّه تعالى أنّه لا يأتي هؤلاء الكفّار المذكورين في أوّل الآية مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ و هي المعجزات الّتي يظهرها على رسوله و آيات القرآن الّتي كان ينزلها على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ. (4:83)

أبو حيّان: قيل:الآية هنا:العلامة على وحدانيّة اللّه و انفراده بالألوهيّة.و قيل:الرّسالة.و قيل:المعجز الخارق.و قيل:القرآن.(4:74)

البروسويّ: (ما)نافية،و(ما)الأولى مزيدة للاستغراق،و الثّانية تبعيضيّة واقعة بمجرورها صفة ل(آية).و المراد ب«الآيات»إمّا الآيات التّنزيليّة،فإتيانها نزولها.و المعنى ما ينزل إلى أهل مكّة آية من الآيات

ص: 405

القرآنيّة إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ، و إمّا الآيات التّكوينيّة الشّاملة للمعجزات و غيرها من تعاجيب المصنوعات فإتيانها ظهورها لهم.و المعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التّكوينيّة الدّالّة على وحدانيّة اللّه تعالى إلاّ كانوا عنها معرضين،تاركين للنّظر الصّحيح فيها،المؤدّي إلى الإيمان بمكوّنها.(3:9)

نحوه الآلوسيّ.(7:91)

رشيد رضا: و قوله: (مِنْ آيَةٍ) يدلّ على استغراق النّفي أو تأكيده.و إضافة الآيات إلى الرّبّ تفيد أنّ إنزاله الوحي و بعثه للرّسل و تأييدهم و هدايته للخلق بهم من مقتضى ربوبيّته،أي مقتضى كونه هو السّيّد المالك المربّي لخلقه،المدبّر لأمورهم على الوجه الموافق للحكمة.و أنّه لا يقدر عليه غيره.فالّذين يؤمنون بالرّبّ و لا يؤمنون بكتبه و رسله يجهلون قدر ربوبيّته و كنه حكمته و رحمته.

و قيل:إنّ المراد ب«الآيات»هنا الدّلائل الكونيّة الثّابتة،و هو ضعيف،فإنّ هذه لا يكاد يعبّر عنها بالإتيان، لأنّها ماثلة دائما للبصائر و الأبصار،و إنّما يعبّر بالإتيان عن آيات الوحي الّتي تتجدّد و عمّا يتجدّد مثلها من المعجزات،و مصداق الإخبار بالغيب،كالإخبار بنصر الرّسل و خذلان أقوامهم،و آيات السّاعة.مثال ذلك آيتا الأنبياء و الشّعراء المشار إليهما آنفا و قوله: أَ وَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ المؤمن:50، وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها الأعراف:132.

(7:301)

المراغيّ: الآيات هنا:آيات القرآن المرشدة إلى آيات الأكوان،و المثبتة لنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم(7:73)

10- ...وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها...

الأنعام:25

ابن عبّاس: كلّ دليل و حجّة لا يؤمنوا بها لأجل ما جعل على قلوبهم أكنّة.(أبو حيّان 4:98)

الزّجّاج: أي كلّ علامة تدلّهم على نبوّتك.

(2:237)

أبو حيّان: الآية:كانشقاق القمر،و نبع الماء من أصابعه،و حنين الجذع،و انقلاب العصا سيفا،و الماء الملح عذبا،و تصيير الطّعام القليل كثيرا،و ما أشبه ذلك.

(4:98)

11- وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ... الأنعام:35

ابن عبّاس: فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ أفضل ممّا آتيناهم به فافعل.(الطّبرسيّ 2:296)

الطّبريّ: يعني بعلامة و برهان على صحّة قولك، غير الّذي أتيتك،فافعل.(7:184)

الزّمخشريّ: و المراد بيان حرصه على إسلام قومه و تهالكه عليه،و أنّه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السّماء لأتى بها رجاء إيمانهم.

و قيل:كانوا يقترحون الآيات،فكان يودّ أن يجابوا إليها لتمادي حرصه على إيمانهم،فقيل له:إن استطعت ذلك فافعل،دلالة على أنّه بلغ من حرصه أنّه لو استطاع ذلك لفعله حتّى يأتيهم بما اقترحوا من الآيات لعلّهم يؤمنون.

ص: 406

و يجوز أن يكون ابتغاء النّفق في الأرض أو السّلّم في السّماء و هو الإتيان بالآية،كأنّه قيل:لو استطعت النّفوذ إلى ما تحت الأرض أو الرّقيّ إلى السّماء لفعلت،لعلّ ذلك يكون لك آية يؤمنون عندها،و حذف جواب(إن)كما تقول:إن شئت أن تقوم بنا إلى فلان نزوره.(2:15)

نحوه الآلوسيّ.(7:138)

ابن عطيّة: فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ بعلامة،و يريد إمّا في فعلك ذلك،أي تكون الآية نفس دخولك في الأرض،أو ارتقائك في السّماء،و إمّا أن تأتيهم بالآية من إحدى الجهتين،و حذف جواب الشّرط قبل في قوله:(ان استطعت)إيجاز،لفهم السّامع به،تقديره:فافعل أو فدونك،كما تقدّم.(2:288)

الطّبرسيّ: أي حجّة تلجئهم إلى الإيمان أو تجمعهم على ترك الكفر،فافعل ذلك.

و قيل:فتأتيهم بآية أفضل ممّا آتيناهم به،فافعل، عن ابن عبّاس.يريد لا آية أفضل و أظهر من ذلك.

(2:296)

أبو حيّان: [و بعد نقله قول الزّمخشريّ،و ابن عطيّة قال:]و ما جوّزاه من ذلك لا يظهر من دلالة اللّفظ؛ إذ لو كان ذلك كما جوّزاه لكان التّركيب فتأتيهم بذلك آية،و أيضا فأيّ آية في دخول سرب في الأرض،و أمّا الرّقيّ في السّماء فيكون آية.(4:114)

الطّباطبائيّ: و المراد بالآية في قوله: فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ الآية الّتي تضطرّهم إلى الإيمان.فإنّ الخطاب، أعني قوله: وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ... إنّما ألقي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من طريق القرآن الّذي هو أفضل آية إلهيّة تدلّ على حقّيّة دعوته،و يقرب إعجازه من فهمهم و هم بلغاء عقلاء.

فالمراد أنّه لا ينبغي أن يكبر و يشقّ عليك إعراضهم،فإنّ الدّار دار الاختيار،و الدّعوة إلى الحقّ و قبولها جاريان على مجرى الاختيار،و إنّك لا تقدر على الحصول على آية توجب عليهم الإيمان و تلزمهم على ذلك،فإنّ اللّه سبحانه لم يرد منهم الإيمان إلاّ على اختيار منهم،فلم يخلق آية تجبر النّاس على الإيمان و الطّاعة، و لو شاء اللّه لآمن النّاس جميعا،فالتحق هؤلاء الكافرون بالمؤمنين بك،فلا تبتئس،و لا تجزع بإعراضهم،فتكون من الجاهلين بالمعارف الإلهيّة.

و أمّا ما احتمله بعضهم: أنّ المراد فتأتيهم بآية هي أفضل من الآية الّتي أرسلناك بها،أي القرآن،فلا تلائمه سياق الآية،و خاصّة قوله: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى الأنعام:35،فإنّه ظاهر في الاضطرار.

(7:64)

12- وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

الأنعام:37

الطّوسيّ: يعني الآية الّتي سألوها و اقترحوا أن يأتيهم بها من جنس ما شاءوا،لمّا قالوا: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ الأنبياء:5،يعنون فلق البحر، و إحياء الموتى.و إنّما قالوا ذلك حين أيقنوا بالعجز عن معارضته فيما أتى به من القرآن،فاستراحوا إلى أن التمسوا مثل آيات الأوّلين،فقال اللّه تعالى: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا

ص: 407

أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ العنكبوت:51،و قال هاهنا:قل يا محمّد: إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً... ما في إنزالها من وجوب الاستئصال لهم إذا لم يؤمنوا عند نزولها.و ما في الاقتصار بهم على ما أوتوا من الآيات من المصلحة لهم.

و بيّن في آية أخرى أنّه لو أنزل عليهم ما أنزل لم يؤمنوا،و هو قوله: وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ إلى قوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ... الأنعام:

111،أن يكرههم.و قال: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الإسراء:59،يعني الآيات الّتي اقترحوها إنّما لم نأتهم بها،لأنّا لو أتيناهم بها و لم يؤمنوا وجب استئصالهم،كما وجب استئصال من تقدّمهم ممّن كذّب بآيات اللّه.و قال في سورة العنكبوت:

50، وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ... فبيّن أنّ الآيات لا يقدر عليها إلاّ اللّه،و قد أتاهم بما فيه كفاية و إزاحة لعلّتهم و هو القرآن، و غيره ممّا شاهدوه من المعجزات و الآيات.و لا يلزم إظهار المعجزات بحسب اقتراح المقترحين،لأنّه لو لزم ذلك لوجب إظهارها في كلّ حال و لكلّ مكلّف،و ذلك فاسد.

و قد طعن قوم من الملحدين،فقالوا:لو كان محمّد قد أتى بآية لما قالوا له: لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ... و لما قال:

إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً...

قيل:قد بيّنّا أنّهم التمسوا آية مخصوصة و تلك لم يؤتوها،و إن كان اللّه تعالى قادرا عليها.و إنّما لم يؤتوها لأنّ المصلحة منعت من إنزالها،و إنّما أتي بالآيات الأخر الّتي دلّت على نبوّته من القرآن و غيره على ما اقتضته المصلحة،و لذلك قال فيما تلوناه: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ... العنكبوت:51،فبيّن أنّ في إنزال الكتاب كفاية و دلالة على صدقه،و أنّه لا يحتاج معه إلى أمر آخر،فسقط ما قالوه.(4:134)

نحوه الطّبرسيّ.(2:296)

الزّمخشريّ: و إنّما قالوا ذلك مع تكاثر ما أنزل من الآيات على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لتركهم الاعتداد بما أنزل عليه،كأنّه لم ينزل عليه شيء من الآيات عنادا منهم قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً تضطرّهم إلى الإيمان كنتق الجبل على بني إسرائيل و نحوه،أو آية إن جحدوها جاءهم العذاب.(2:16)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا النّوع الرّابع من شبهات منكري نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذلك لأنّهم قالوا:لو كان رسولا من عند اللّه فهلاّ أنزل عليه آية قاهرة و معجزة باهرة؟

و يروى أنّ بعض الملحدة طعن،فقال:لو كان محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم قد أتى بآية معجزة لما صحّ أن يقول أولئك الكفّار: لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ و لما قال: إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً؟

و الجواب عنه:أنّ القرآن معجزة قاهرة و بيّنة باهرة، بدليل أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم تحدّاهم به فعجزوا عن معارضته و ذلك يدلّ على كونه معجزا.

بقي أن يقال:فإذا كان الأمر كذلك فكيف قالوا:

لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟

فنقول:الجواب عنه من وجوه:

ص: 408

الوجه الأوّل:لعلّ القوم طعنوا في كون القرآن معجزا على سبيل اللّجاج و العناد،و قالوا:إنّه من جنس الكتب، و الكتاب لا يكون من جنس المعجزات،كما في التّوراة و الزّبور و الإنجيل،و لأجل هذه الشّبهة طلبوا المعجزة.

و الوجه الثّاني:أنّهم طلبوا معجزات قاهرة من جنس معجزات سائر الأنبياء،مثل فلق البحر،و إظلال الجبل،و إحياء الموتى.

و الوجه الثّالث:أنّهم طلبوا مزيد الآيات و المعجزات على سبيل التّعنّت و اللّجاج،مثل إنزال الملائكة،و إسقاط السّماء كسفا،و سائر ما حكاه عن الكافرين.

و الوجه الرّابع:أن يكون المراد ما حكاه اللّه تعالى عن بعضهم في قوله: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32،فكلّ هذه الوجوه ممّا يحتملها لفظ الآية.

ثمّ إنّه تعالى أجاب عن سؤالهم،فقوله: قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً يعني أنّه تعالى قادر على إيجاد ما طلبتموه،و تحصيل ما اقترحتموه.[ثمّ ذكر وجوها لبيان طلبهم الآية،فلاحظ](12:210)

الطّباطبائيّ: تحضيض منهم على تنزيل الآية بداعي تعجيز النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لمّا صدر هذا القول منهم و بين أيديهم أفضل الآيات-أعني القرآن الكريم الّذي كان ينزل عليهم سورة سورة و آية آية،و يتلى عليهم حينا بعد حين-تعيّن أنّ الآية الّتي كانوا يقترحونها بقولهم:

لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ هي آية غير القرآن، و أنّهم كانوا لا يعدّونه آية تقنعهم و ترتضيه نفوسهم بما لها من المجازفات و التّهوّسات.

و قد حملهم التّعصّب لآلهتهم أن ينقطعوا عن اللّه سبحانه،كأنّه ليس بربّهم،فقالوا: لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ و لم يقولوا:من ربّنا أو من اللّه و نحوهما،إزراء بأمره و تأكيدا في تعجيزه،أي لو كان ما يدّعيه و يدعو إليه حقّا فليغر له ربّه الّذي يدعو إليه و لينصره،و لينزّل عليه آية تدلّ على حقّيّة دعواه.

و الّذي بعثهم إلى هذا الاقتراح جهلهم بأمرين:

أحدهما:أنّ الوثنيّة يرون لآلهتهم استقلالا في الأمور المرجوعة إليهم في الكون،مع ما يدّعون لهم من مقام الشّفاعة،فإله الحرب أو السّلم له ما يدبّره من الأمر، من غير أن يختلّ تدبيره من ناحية غيره،و كذلك إله البرّ و إله البحر،و إله الحبّ و إله البغض و سائر الآلهة.

فلا يبقى للّه سبحانه شأن يتصرّف فيه فقد قسّم الأمر بين أعضاده،و إن كان هؤلاء شفعاءه و هو ربّ الأرباب،فليس يسعه تعالى أن يبطل أمر آلهتهم،بإنزال آية تدلّ على نفي ألوهيّتها.

و كان يحضّهم على هذه المزعمة،و يؤيّد هذا الاعتقاد في قلوبهم ما كانوا يتلقّونه من يهود الحجاز:أنّ يد اللّه مغلولة لا سبيل له إلى تغيير شيء من النّظام الجاري،و خرق العادة المألوفة في عالم الأسباب.

و ثانيهما:أنّ الآيات النّازلة من عند اللّه سبحانه إذا كانت ممّا خصّ اللّه به رسولا من رسله من غير أن يقترحه النّاس،فإنّما هي بيّنات تدلّ على صحّة دعوى الرّسول،من غير أن يستتبع محذورا للنّاس المدعوّين، كالعصا،و اليد البيضاء لموسى،و إحياء الموتى،و إبراء

ص: 409

الأكمه و الأبرص،و خلق الطّير لعيسى،و القرآن الكريم لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و عليهم.

لكنّ الآية لو كانت ممّا اقترحها النّاس فإنّ سنّة اللّه جرت على القضاء بينهم بنزولها،فإن آمنوا بها،و إلاّ نزل عليهم العذاب،و لم ينظروا بعد ذلك،كآيات نوح و هود و صالح و غير ذلك.و في القرآن الكريم آيات كثيرة تدلّ على ذلك،كقوله تعالى: وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ... الأنعام:8، و قوله: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ... الإسراء:59،و قد أشير في الآية الكريمة أعني قوله: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الأنعام:37،إلى الجهتين جميعا.فذكر أنّ اللّه قادر على أن ينزّل أيّ آية شاء،و كيف يمكن أن يفرض من هو مسمّى باسم«اللّه»و لا تكون له القدرة المطلقة،و قد بدّل في الجواب لفظة«الرّبّ»إلى اسم«اللّه»للدّلالة على برهان الحكم،فإنّ الألوهيّة المطلقة تجمع كلّ كمال من غير أن تحدّ بحدّ أو تقيّد بقيد فلها القدرة المطلقة،و الجهل بالمقام الألوهيّ هو الّذي بعثهم إلى اقتراح الآية بداعي التّعجيز.

على أنّهم جهلوا أنّ نزول ما اقترحوه من الآية لا يوافق مصلحتهم،و أنّ اجتراءهم على اقتراحها تعرّض منهم لهلاك جمعهم و قطع دابرهم،و الدّليل على أنّ هذا المعنى منظور إليه بوجه في الكلام،قوله تعالى في ذيل هذه الاحتجاجات: قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِالظّالِمِينَ الأنعام:58.(7:70)

13- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ... الأنعام:109

الطّوسيّ: و الآية الّتي سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إظهارها قيل:فيها قولان:

أحدهما:أن سألوا تحوّل الصّفا ذهبا.

الثّاني:ما ذكره في موضع آخر من قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله: كِتاباً نَقْرَؤُهُ... الإسراء:90-93،و المعنى أنّ هؤلاء الكفّار أقسموا متحكّمين على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بالغوا في أيمانهم،أنّهم إذا جاءتهم الآية الّتي اقترحوها ليؤمننّ بها-أي عندها- فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقول لهم: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ.

فإن قيل:كيف قال: اَلْآياتُ عِنْدَ اللّهِ و ذلك معلوم؟قيل:معناه من أجل أنّ الآيات عند اللّه ليس لكم أن تتحكّموا في طلبها،لأنّه لا يجوز أن يتخلّف عنكم و لا عن غيركم ما فيه المصلحة في الدّين،لأنّه تعالى لا يخلّ بذلك.(4:255)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد بهذه الآية،فقيل:

ما روينا من جعل الصّفا ذهبا،و قيل:هي الأشياء المذكورة في قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً الإسراء:90،و قيل:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخبرهم بأنّ عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم المتقدّمين الّذين كذّبوا أنبياءهم،فالمشركون طلبوا مثلها.(13:143)

أبو حيّان: أي آية من اقتراحهم،نحو قولهم:حتّى

ص: 410

تنزّل إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشّعراء:4،أنزلها علينا حتّى نؤمن بها،فقال المسلمون:يا رسول اللّه أنزلها عليهم، فنزلت هذه الآية،قاله ابن عبّاس.أو نحو قولهم:يجعل الصّفا ذهبا،حتّى ذكروا معجزة موسى في الحجر، و عيسى في إحياء الموتى،و صالح في النّاقة،فقام الرّسول يدعو فجاء جبريل عليه السّلام فقال له:إن شئت أصبح الصّفا ذهبا،فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة،كما فعل بالأمم الماضية إذ لم يؤمنوا بالآيات المقترحة،و إن شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم.فقال:بل حتّى يتوب تائبهم.

و إنّما اقترحوا آية معيّنة،لأنّهم شكّوا في القرآن، و لهذا قالوا:دارست أي العلماء،و باحثت أهل التّوراة و الإنجيل،و كابر أكثرهم و عاند.(4:200)

الآلوسيّ: من مقترحاتهم أو من جنس الآيات، و رجّحه بعض المحقّقين بأنّه الأنسب بحالهم في المكابرة و العناد،و ترامي أمرهم في العتوّ و الفساد؛حيث كانوا لا يعدّون ما يشاهدونه من المعجزات القاهرة من جنس الآيات،فاقترحوا غيرها.(7:253)

14- ...قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ... الأعراف:73

الحسن: هي ناقة اعترضها من إبلهم و لم تكن تحلب.(أبو حيّان 4:328)

الزّجّاج: قيل:إنّه أخذ ناقة من سائر النّوق،و جعل اللّه لها شربا يوما و لهم شرب يوم،و كانت الآية في شربها و حلبها.(أبو حيّان 4:328)

الطّوسيّ: و نصب(آية)على الحال.و«الآية»هي البيّنة العجيبة بظهور الشّهادة و لطف المنزلة.و الآية و العبرة و الدّلالة و العلامة نظائر.

و الآية الّتي كانت في النّاقة:خروجها من صخرة ملساء تمخّضت بها كما تتمخّض المرأة،ثمّ انفلقت عنها على الصّفة الّتي طلبوها،و كان لها شرب يوم،تشرب فيه ماء الوادي كلّه و تسقيهم اللّبن بدله،و لهم شرب يوم يخصّهم لا تقرب فيه ماؤهم.(4:480)

نحوه الطّبرسيّ.(2:440)

الفخر الرّازيّ: اختلف العلماء في وجه كون النّاقة آية،فقال بعضهم:إنّها كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصّخرة.

قال القاضي: هذا إن صحّ فهو معجز من جهات:

أحدها:خروجها من الجبل.

و الثّانية:كونها لا من ذكر و أنثى.

و الثّالثة:كمال خلقها من غير تدريج.

و القول الثّاني:أنّها إنّما كانت آية لأجل أنّ لها شرب يوم،و لجميع ثمود شرب يوم،و استيفاء ناقة شرب أمّة من الأمم عجيب،و كانت مع ذلك تأتي بما يليق بذلك الماء من الكلأ و الحشيش.

و القول الثّالث:أنّ وجه الإعجاز فيها أنّهم كانوا في يوم شربها يحلبون منها القدر الّذي يقوم لهم مقام الماء في يوم شربهم.

و قال الحسن: بالعكس من ذلك،فقال:إنّها لم تحلب قطرة لبن قطّ،و هذا الكلام مناف لما تقدّم.

و القول الرّابع:أنّ وجه الإعجاز فيها أنّ يوم مجيئها

ص: 411

إلى الماء كان جميع الحيوانات تمتنع من الورود على الماء، و في يوم امتناعها كانت الحيوانات تأتي.

و اعلم أنّ القرآن قد دلّ على أنّ فيها آية،فأمّا ذكر أنّها كانت(آية)من أيّ الوجوه،فهو غير مذكور،و العلم حاصل بأنّها كانت معجزة من وجه لا محالة،و اللّه أعلم.

قوله: هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فقوله:(آية)نصب على الحال،أي أشير إليها في حال كونها آية،و لفظة (هذه)تتضمّن معنى الإشارة و(آية)في معنى دالّة،فلهذا جاز أن تكون حالا.

فإن قيل:تلك النّاقة كانت آية لكلّ أحد،فلما ذا خصّ أولئك الأقوام بها فقال: هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً؟

قلنا:فيه وجوه:

أحدها:أنّهم عاينوها و غيرهم أخبروا عنها،و ليس الخبر كالمعاينة.

و ثانيها:لعلّه يثبت سائر المعجزات،إلاّ أنّ القوم التمسوا منه هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح، فأظهرها اللّه تعالى لهم،فلهذا المعنى حسن هذا التّخصيص.(14:162)

نحوه النّيسابوريّ.(8:165)

أبو حيّان: و انتصب(آية)على الحال،و العامل فيها(ها)بما فيها من معنى التّنبيه،أو اسم الإشارة بما فيه من معنى الإشارة،أو فعل مضمر تدلّ عليه الجملة،كأنّه قيل:انظر إليها في حال كونها آية،أقوال ثلاثة ذكرت في علم النّحو.

و قال الحسن: هي ناقة اعترضها من إبلهم و لم تكن تحلب.قيل:و جاء بها من تلقاء نفسه.

و قال الجمهور: هي آية مقترحة،لمّا حذّرهم و أنذرهم سألوه آية،فقال:أيّة آية تريدون؟قالوا:

تخرج معنا إلى عيدنا-في يوم معلوم لهم من السّنة- فتدعو إلهك و ندعو آلهتنا،فإن استجيب لك اتّبعناك و إن استجيب لنا اتّبعتنا،قال صالح:نعم...إلخ.(4:328)

الشّربينيّ: أي علامة على صدقي.و(آية)نصبت على الحال،عاملها ما دلّ عليه اسم الإشارة من معنى الفعل،كأنّه قال:أشير إليها آية.و(لكم)بيان لمن هي له آية موجبة عليه الإيمان،خاصّة و هم ثمود؛لأنّهم عاينوها،و سائر النّاس من أخبروا،و ليس الخبر كالمعاينة،كأنّه قال لكم خصوصا.و إنّما أضيفت إلى اللّه تعالى تعظيما لها و تفخيما لشأنها،كما يقال:بيت اللّه؛ و لأنّها جاءت من عند اللّه تعالى بلا وسائط و أسباب معهودة،و لذلك كانت آية.(1:488)

نحوه البروسويّ.(3:190)

و هناك مباحث أخرى راجع«ن و ق»

15- وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. الأعراف:132

الطّوسيّ: في هذه الآية إخبار من اللّه تعالى، و حكاية ما قال قوم فرعون لموسى عليه السّلام،بأنّهم قالوا له:

أيّ شيء تأتينا به من المعجزات و تسحرنا بها،فإنّا لا نصدّقك عليه،و لا نؤمن بك.

«و الآية»هي المعجزة الدّالّة على نبوّته،و هو كلّ ما يعجز الخلق عن معارضته و مقاومته كما لا يمكن مقاومة الشّبهة للحجّة،و كما لا يمكن أن يقاوم الجهل للعلم،

ص: 412

و السّراب للماء،و إن توهّم ذلك قبل النّظر و الاعتبار، و يخيّل قبل الاستدلال الّذي يزول معه الالتباس.

(4:552)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف سمّوها آية،ثمّ قالوا:

لِتَسْحَرَنا بِها؟

قلت:ما سمّوها آية لاعتقادهم أنّها آية،و إنّما سمّوها اعتبارا لتسمية موسى،و قصدوا بذلك الاستهزاء و التّلهّي.(2:107)

مثله الرّازيّ(مسائل الرّازيّ:98)،و نحوه البيضاويّ (1:365)،و النّسفيّ(2:72)،و النّيسابوريّ(9:35)، و أبو حيّان(4:371)،و الآلوسيّ(9:33).

الطّباطبائيّ: و في قولهم: مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها استهزاء به،حيث سمّوها آية و جعلوا غرضه منها أن يسحرهم،أي إنّك تأتينا بالسّحر،و تسمّيها آية.

(8:227)

16- يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ. النّحل:11-13

الإسكافيّ: للسّائل أن يسأل عن توحيد الآية أوّلا و آخرا و عن جمعها في المتوسّطة،و لم كان ذلك الاختيار و في كلّ ذلك آيات كثيرة؟و لم عبّر عنها بآية واحدة لدلالتها بمجموعها على واحد؟

و الجواب أن يقال:إنّما وحّد في الأوّل لأنّ جميع ما أخبر عنه أنّه خلقه،إنّما هو في جنس من صنعه و نوع من خلقه،و هو كلّ ما نجم من الأرض ممّا فيه قوت الخلق،و الّذي ذكر فيه الآيات اللّيل و النّهار و هو إظلام الجوّ لغروب الشّمس إلى طلوع الفجر،و بدوّ الضّياء مقدّمة طلوع الشّمس إلى غروبها،و الشّمس و القمر النّيّران اللّذان في كلّ واحد منهما آيات كثيرة،ثمّ النّجوم السّيّارة و غيرها،على ما جعل اللّه تعالى لكلّ واحد منها من مسير في فلك،ثمّ ما أجرى العادة به من إحداث ريح أو مطر،عند انتهاء أحدها إلى بعض المجاري،فكان ذكر الآيات هنا أولى،و ذكر«الآية»في الأولى أحقّ،لأنّ الأولى فيما يطلع من الأرض بالماء و كأنّه جمع،و جميعها شيء واحد،و الثّانية بخلافها،و لذلك اختلفا.

و أمّا الثّالثة فهي وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ النّحل:13،المعنى-و اللّه أعلم-جميع جواهر الأرض كالذّهب و الفضّة و الحديد،و غيرها من الفكر و التّنبيه على ما جعل فيها من المنافع للخلائق،و هي كلّها كالشّيء الواحد في أنّها عروق جارية،مختلفة في شيء واحد هو أمّها و هي الأرض،و لذلك قدّم الأنعام بالزّرع و الثّمار،لعلم الخاصّة و العامّة بما فيها من قرب النّفع و امتساك الخلق.

ثمّ عقّب ذلك بما هو أصله من الهواء و ماء السّماء و الكواكب الّتي جعلها قواما لتربية ما به ثبات البريّة، فلمّا صرف العقول إلى ما نصب من الأمارات في أصناف ما بثّه في البرّ،أتبعه بما سخّر له من البحر.(257)

الكرمانيّ: قوله فيها:[في سورة النّحل]في موضعين: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ... النّحل:12،79، بالجمع.و في خمس مواضع:[11،13،65،67،69] إِنَّ

ص: 413

فِي ذلِكَ لَآيَةً... على الوحدة.أمّا الجمع فلموافقة قوله: مُسَخَّراتٌ في الآيتين،لتقع الموافقة في اللّفظ و المعنى.و أمّا التّوحيد فلتوحيد المدلول عليه.(109)

17- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. النّحل:65

الإسكافيّ: قوله تعالى: وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ* وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النّحل:65-69.

للسّائل أن يسأل في هذه الآي عن توحيد«الآية» في جميعها،و منها ما فيه آيات.

يجاب عنها فيقال:لمّا كان المذكور في كلّ آية صنفا واحدا،جعل ما دلّ منه على الصّانع آية واحدة.

فإن قال:فإنّ في الأنعام و ثمرات النّخيل و الأعناب قد جمعت و ليس جميعها صنفا واحدا،و كان على نظر قضيّتك يجب في الاختيار أن يقال هنا:إنّ في ذلك لآيات...

قيل له:إنّ قوله: (إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى ثمرات النّخيل و الأعناب دون الأنعام،و ذلك صنف واحد، فلذلك قال:(آية)،و أمّا(الأنعام)فقد أسند بذكر الآية فيها قوله في ابتداء آيتها: وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً فكأنّه:قال لكم فيها آية،إذ الاعتبار يؤدّي إليها، فخلصت إنّ في ذلك للصّنف الواحد من ثمر الشّجر.و أمّا الثّالثة فمقصود بها النّخل خاصّة فلذلك قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً... (266)

18- فَأْتِياهُ فَقُولا إِنّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ... طه:47

ابن عبّاس: يريد العصا و اليد.

(القرطبيّ 11:203)

الطّوسيّ: أي بمعجزة ظاهرة،و دلالة واضحة،من عند ربّك.(7:177)

مثله الطّبرسيّ.(4:12)

الزّمخشريّ: جملة جارية من الجملة الأولى،و هي إِنّا رَسُولا رَبِّكَ مجرى البيان و التّفسير،لأنّ دعوى الرّسالة لا تثبت إلاّ ببيّنتها الّتي هي المجيء بالآية.إنّما وحّد قوله: بِآيَةٍ و لم يثنّ و معه آيتان،لأنّ المراد في هذا الموضع تثبيت الدّعوى ببرهانها،فكأنّه قال:قد جئناك بمعجزة و برهان و حجّة على ما ادّعيناه من الرّسالة، و كذلك: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الأعراف:

105، فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ الشّعراء:

154، قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ الشّعراء:30.

(2:539)

مثله البيضاويّ(2:51)،و نحوه البروسويّ (5:392)،و الآلوسيّ(16:198).

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:أ ليس كان من الواجب أن يقولا:إنّا رسولا ربّك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل و لا تعذّبهم،لأنّ ذكر المعجز مقرونا بادّعاء الرّسالة أولى من تأخيره عنه؟

قلنا:بل هذا أولى من تأخيره عنه،لأنّهم ذكروا مجموع الدّعاوي،ثمّ استدلّوا على ذلك المجموع بالمعجزة.

ص: 414

أمّا قوله: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ففيه سؤال: و هو أنّه تعالى أعطاه آيتين و هما العصا و اليد،ثمّ قال:

اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي... طه:42،و ذلك يدلّ على ثلاث آيات،و قال هاهنا: جِئْناكَ بِآيَةٍ و هذا يدلّ على أنّها كانت واحدة،فكيف الجمع؟

أجاب القفّال:بأنّ معنى«الآية»الإشارة إلى جنس الآيات،كأنّه قال:قد جئناك ببيان من عند اللّه.ثمّ يجوز أن يكون ذلك حجّة واحدة،أو حججا كثيرة.(22:61)

القرطبيّ: قيل:إنّ فرعون قال له:و ما هي؟فأدخل يده في جيب قميصه،ثمّ أخرجها بيضاء،لها شعاع مثل شعاع الشّمس،غلب نورها على نور الشّمس؛فعجب منها.و لم يره العصا إلاّ يوم الزّينة.(11:203)

النّيسابوريّ: و إنّما وحّد قوله:(بآية)و معه آيتان بل آيات،لقوله: اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي... طه:

42،لأنّه أراد الجنس كأنّه قيل:قد جئناك ببيان من عند اللّه و برهان.

قال في«الكشّاف»:قلت:و فيه أيضا نوع من الأدب،كما لو قلت:أنا رجل قد حصّلت شيئا من العلم، و لعلّ عندك علوما جمّة،على أنّ تخصيص عدد بالذّكر لا يدلّ على نفي الزّائد عليه.

و أيضا الأصل في معجزات موسى كان هي العصا، و لهذا وقعت في معرض المعارضة،كما أنّ الأصل في معجزات نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم كان هو القرآن،فوقع لذلك في حيّز التّحدّي.(16:130)

أبو حيّان: قد ذكر في غير هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان،فجملة ما دعي إليه فرعون الإيمان و إرسال بني إسرائيل،ثمّ ذكرا ما يدلّ على صدقهما في إرسالهما إليه.

فقالا: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ و تكرّر أيضا قولهما:

(مِنْ رَبِّكَ) على سبيل التّوكيد بأنّه مربوب مقهور.و الآية الّتي أحالا عليها هي العصا و اليد،و لمّا كانا مشتركين في الرّسالة صحّ نسبة المجيء بالآية إليهما،و إن كانت صادرة من أحدهما.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

و قيل:الآية:اليد،و قيل:العصا،و المعنى:بآية تشهد لنا بأنّا رسولا ربّك.(6:246)

الطّباطبائيّ: قوله: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ استناد إلى حجّة تثبت رسالتهما.و في تنكير «الآية»سكوت عن العدد،و إشارة إلى فخامة أمرها و كبر شأنها و وضوح دلالتها.(14:157)

19- ...وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ. الأنبياء:91

الفرّاء: و قوله: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً و لم يقل:

آيتين،لأنّ شأنهما واحد.و لو قيل:آيتين لكان صوابا، لأنّها ولدت و هي بكر،و تكلّم عيسى في المهد،فتكون آيتين،إذ اختلفتا.(2:210)

نحوه الطّوسيّ(7:276)،و الطّبرسيّ(4:67).

الطّبريّ: و جعلنا مريم و ابنها عبرة لعالمي زمانهما، يعتبرون بهما،و يتفكّرون في أمرهما،فيعلمون عظيم سلطاننا و قدرتنا على ما نشاء.

و قيل:(آية):و لم يقل:آيتين،و قد ذكر آيتين،لأنّ معنى الكلام:جعلناهما علما لنا و حجّة.فكلّ واحدة منهما في معنى الدّلالة على اللّه،و على عظيم قدرته،يقوم مقام الآخر،إذا كان أمرهما في الدّلالة على اللّه واحدا.

ص: 415

(17:84)

الزّجّاج: إنّ الآية فيهما واحدة؛لأنّها ولدته من غير فحل.(القرطبيّ 11:338)

الميبديّ: أي دلالة على قدرتنا على خلق ولد من غير أب.و لم يقل:آيتين و هما اثنان،لأنّ معنى الكلام:

و جعلنا شأنهما و أمرهما آية،و لأنّ الآية كانت فيها واحدة،و هي أنّها أتت به من غير أب.(6:304)

نحوه الزّمخشريّ.(2:583)

الفخر الرّازيّ: بيّن تعالى بأخصر الكلام ما خصّ به مريم و عيسى عليهما السّلام من الآيات،فقال: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ أمّا مريم فآياتها كثيرة:

أحدها:ظهور الحبل فيها لا من ذكر،فصار ذلك آية و معجزة خارجة عن العادة.

و ثانيها:أنّ رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنّة، و هو قوله تعالى: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.

و ثالثها و رابعها:قال الحسن:إنّها لم تلتقم ثديا يوما قطّ،و تكلّمت هي أيضا في صباها كما تكلّم عيسى عليه السّلام.

و أمّا آيات عيسى عليه السّلام فقد تقدّم بيانها،فبيّن سبحانه أنّه جعلهما آية للنّاس يتدبّرون فيما خصّا به من الآيات،و يستدلّون به على قدرته و حكمته سبحانه و تعالى.

فإن قيل:هلاّ قيل:آيتين كما قال: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ... الإسراء:12؟

قلنا:لأنّ حالهما بمجموعهما آية واحدة و هي ولادتها إيّاه من غير فحل،و هاهنا آخر القصص.

(22:218)

نحوه النّسفيّ(3:88)،و الشّربينيّ(2:528)، و البروسويّ(5:520).

القرطبيّ: قال: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً و لم يقل:

آيتين،لأنّ معنى الكلام:و جعلنا شأنهما و أمرهما و قصّتهما آية للعالمين،و على مذهب سيبويه التّقدير:

و جعلناها آية للعالمين،و جعلنا ابنها آية للعالمين،ثمّ حذف.و على مذهب الفرّاء:و جعلناها آية للعالمين و ابنها،مثل قوله جلّ ثناؤه: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62.

و قيل:إنّ من آياتها أنّها أوّل امرأة قبلت في النّذر في المتعبّد.و منها أنّ اللّه عزّ و جلّ غذّاها برزق من عنده، لم يجره على يد عبد من عبيده.و قيل:إنّها لم تلقم ثديا قطّ.[إلى أن قال:]

و(آية)أي علامة و أعجوبة للخلق،و علما لنبوّة عيسى،و دلالة على نفوذ قدرتنا فيما نشاء.(11:338)

الآلوسيّ:المراد بالآية:ما حصل بهما من الآية التّامّة،مع تكاثر آيات كلّ واحد منهما،و قيل:أريد بالآية:الجنس الشّامل ما لكلّ واحد منهما من الآيات المستقلّة،و قيل:المعنى و جعلناها آية،و ابنها آية فحذفت الأولى لدلالة الثّانية عليها.(17:88)

الطّباطبائيّ: أفرد الآية فعدّهما،أعني مريم و عيسى عليهما السّلام معا آية واحدة للعالمين،لأنّ الآية هي الولادة،كذلك و هي قائمة بهما معا،و مريم أسبق قدما في إقامة هذه الآية،و لذا قال تعالى: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً... و لم يقل:و جعلنا ابنها و إيّاها آية.

ص: 416

و كفى لها فخرا أن يدخل ذكرها في ذكر الأنبياء عليهم السّلام في كلامه و ليست منهم.(14:317)

20- وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ. المؤمنون:50

قتادة: ولدته من غير أب هو له،و لذلك وحّدت الآية،و قد ذكر مريم و ابنها.(الطّبريّ 18:25)

الطّبريّ: و جعلنا ابن مريم و أمّه حجّة لنا على من كان بينهم،و على قدرتنا على إنشاء الأجسام من غير أصل،كما أنشأنا خلق عيسى من غير أب.(18:25)

الطّوسيّ: و الآية هاهنا في عيسى عليه السّلام أنّه ولد من غير فحل،و نطق في المهد.و في أمّه أنّها حملته من غير ذكر،و برّأها كلامه في المهد من الفاحشة.(7:372)

نحوه الطّبرسيّ.(4:108)

الميبديّ: أي دلالة على قدرتنا،و لم يقل:آيتين، لأنّ المعنى و جعلنا كلّ واحد منهما آية،كما قال سبحانه و تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها... الكهف:33،أي أتت كلّ واحدة منهما أكلها.

و قيل:و جعلنا شأنهما آية،لأنّ عيسى ولد من غير أب،و أمّه ولدت من غير مسيس ذكر،فكانت الأعجوبة فيهما واحدة.(6:438)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لو قيل:آيتين،هل كان يكون له وجه؟

قلت:نعم،لأنّ مريم ولدت من غير مسيس، و عيسى روح من اللّه ألقي إليها،و قد تكلّم في المهد،و كان يحيي الموتى مع معجزات أخر،فكان آية من غير وجه، و اللّفظ محتمل للتّثنية،على تقدير:و جعلنا ابن مريم آية، و أمّه آية،ثمّ حذفت الأولى لدلالة الثّانية عليها.

(3:33)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ ابن مريم هو عيسى عليه السّلام جعله اللّه تعالى آية بأن خلقه من غير ذكر،و أنطقه في المهد في الصّغر،و أجرى على يديه إبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى.و أمّا مريم فقد جعلها اللّه تعالى آية،لأنّها حملته من غير ذكر.

و قال الحسن: تكلّمت مريم في صغرها كما تكلّم عيسى عليه السّلام.و هو قولها: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:37،و لم تلقم ثديا قطّ.

قال القاضي: إن ثبت ذلك فهو معجزة لزكريّا عليه السّلام، لأنّها لم تكن نبيّة.

قلنا:القاضي إنّما قال ذلك،لأنّ عنده الإرهاص غير جائز،و كرامات الأولياء غير جائزة.و عندنا هما جائزان،فلا حاجة إلى ما قال.و الأقرب أنّه جعلهما آية بنفس الولادة،لأنّه ولد من غير ذكر،و ولدته من دون ذكر،فاشتركا جميعا في هذا الأمر العجيب الخارق للعادة،و الّذي يدلّ على أنّ هذا التّفسير أولى وجهان:

أحدهما:أنّه تعالى قال: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً لأنّ نفس الإعجاز ظهر فيهما،لا أنّه ظهر على يدهما.و هذا أولى من أن يحمل على الآيات الّتي ظهرت على يده نحو إحياء الموتى،و ذلك لأنّ الولادة فيه و فيها آية فيهما،و كذلك أن نطقا في المهد،و ما عدا ذلك من الآيات،ظهر على يده لا أنّه آية فيه.

ص: 417

الثّاني:أنّه تعالى قال:(آية)و لم يقل:آيتين،و حمل هذا اللّفظ على الأمر الّذي لا يتمّ إلاّ بمجموعهما أولى، و ذلك هو أمر الولادة لا المعجزات الّتي كان عيسى عليه السّلام مستقلاّ بها.(23:102)

النّيسابوريّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و الأقرب حمل اللّفظ على الوجه الّذي لا يتمّ إلاّ بمجموعهما،و هو الولادة على الوجه العجيب النّاقض للعادة.(18:23)

أبو حيّان: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ أي قصّتهما، و هي آية عظمى بمجموعها،و هي آيات مع التّفصيل، و يحتمل أن يكون حذف من الأوّل«آية»لدلالة الثّاني، أي و جعلنا ابن مريم آية،و أمّه آية.(6:408)

الطّريحيّ: قوله: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً لم يقل:آيتين،لأنّ قصّتهما واحدة.و قيل:لأنّ الآية فيهما معا،و هي الولادة بغير فحل.(1:40)

البروسويّ: وَ أُمَّهُ آيَةً دالّة على عظم قدرتنا بولادته منها،من غير مسيس بشر،فالآية أمر واحد مضاف إليهما.أو جعلنا ابن مريم آية بأن تكلّم في المهد، فظهرت منه معجزات جمّة،و أمّه آية بأنّها ولدته من غير مسيس،فحذف الأولى لدلالة الثّانية عليها.

قال في«العيون»: (آية)أي عبرة لبني إسرائيل بعد موسى،لأنّ عيسى تكلّم في المهد و أحيا الموتى،و مريم ولدته من غير مسيس،و هما آيتان قطعا.فيكون هذا من قبيل الاكتفاء بذكر إحداهما،انتهى.

و تقديمه عليه السّلام لإصالته فيما ذكر من كونه آية كما أنّ تقديم أمّه في قوله: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91،لإصالتها فيما نسب إليها من الإحصان و النّفخ.(6:86)

نحوه القاسميّ.(12:4401)

الآلوسيّ: أيّة آية دالّة على عظيم قدرتنا بولادته منها،من غير مسيس بشر،فالآية أمر واحد مشترك بينهما فلذا أفردت.

و جوّز أن يكون الكلام على تقدير مضاف،أي جعلنا حال ابن مريم و أمّه آية،أو جعلنا ابن مريم و أمّه ذوي آية.

و أن يكون على حذف«آية»من الأوّل،لدلالة الثّاني عليه أو بالعكس،أي جعلنا ابن مريم آية لما ظهر فيه عليه السّلام من الخوارق،كتكلّمه في المهد بما تكلّم صغيرا، و إحيائه الموتى،و إبراء الأكمه و الأبرص،و غير ذلك كثيرا(1)،و جعلنا أمّه آية بأن ولدت من غير مسيس.

و قال الحسن:إنّها عليها السّلام تكلّمت في صغرها أيضا حيث قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:37،و لم تلتقم ثديا.

و قال الخفاجيّ: لك أن تقول:إنّما يحتاج إلى توجيه إفراد الآية بما ذكر،إذا أريد أنّها آية على قدرة اللّه تعالى، أمّا إذا كانت بمعنى المعجزة أو الإرهاص فلا،لأنّها إنّما هي لعيسى عليه السّلام لنبوّته دون مريم.انتهى.

و لا يخفى ما فيه،و الوجه ما تقدّم،و التّعبير عن عيسى عليه السّلام بابن مريم و عن مريم بأمّه للإيذان من أوّل الأمر بحيثيّة كونهما آية،فإنّ نسبته عليه السّلام إليها مع أنّ النّسب إلى الآباء دالّة على أن لا أب له،أي جعلنا ابن

ص: 418


1- في المتن:كبيرا!

مريم وحدها من غير أن يكون له أب،و أمّه الّتي ولدته خاصّة من غير مشاركة الأب آية.

و تقديمه عليه السّلام لإصالته فيما ذكر من كونه آية،كما قيل:

إنّ تقديم أمّه في قوله تعالى: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ لإصالتها فيما نسب إليها من الإحصان و النّفخ.

ثمّ اعلم أنّ الّذي أجمع عليه الإسلاميّون أنّه ليس لمريم ابن سوى عيسى عليه السّلام.(18:37)

21- أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. الشّعراء:128

ابن عبّاس: الآية.علم.(الطّبريّ 19:94)

مثله الزّمخشريّ.(3:121)

مجاهد: بنيان الحمام.(الطّبريّ 19:94)

الضّحّاك: بنيانا،علما.(الطّبريّ 19:94)

النّقّاش:القصور الطّوال.(أبو حيّان 7:32)

الميبديّ:يعني بناء متميّزا عن سائر الأبنية،و قيل (آية:)أي علامة يجتمعون إليها للعبث بمن يمرّ في الطّريق، و قيل:هو برج الحمام.(7:140)

نحوه النّسفيّ(3:191)،و البروسويّ(6:295).

الفخر الرّازيّ: الآية:العلم،ثمّ فيه وجوه:

أحدها:عن ابن عبّاس أنّهم كانوا يبنون بكلّ ريع علما يعبثون فيه بمن يمرّ في الطّريق إلى هود عليه السّلام.

و الثّاني:أنّهم كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم تفاخرا فنهوا عنه و نسبوا إلى العبث.

و الثّالث:أنّهم كانوا ممّن يهتدون بالنّجوم في أسفارهم،فاتّخذوا في طريقهم أعلاما طوالا،فكان ذلك عبثا،لأنّهم كانوا مستغنين عنها بالنّجوم.

الرّابع:بنوا بكلّ ريع بروج الحمام.(24:157)

أبو حيّان: قيل:بيت عشار،و قيل:ناديا للتّصلّف، و قيل:أعلاما طوالا ليهتدوا بها في أسفارهم عبثوا بها، لأنّهم كانوا يهتدون بالنّجوم،و قيل:علامة يجتمع إليها من يعبث بالمارّ في الطّريق.و في قوله إنكار للبناء على صورة العبث كما يفعل المترفون في الدّنيا.(7:32)

الكاشانيّ:أي علما للمارّة،أو بناء لا تحتاجون إليه.(4:45)

عزّة دروزة: هذه الكلمة بمعنى بناء،و لعلّها بمعنى حصن أو قلعة أو برج.(3:128)

المراغيّ: أي قصرا مشيدا عاليا.(19:85)

22- فَأَنْجَيْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ وَ جَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ. العنكبوت:15

الطّوسيّ: و جعل السّفينة آية،أي علامة للخلائق يعتبرون بها إلى يوم القيامة،لأنّها فرّقت بين المؤمنين و الكفّار و العاصين و الأخيار،فهي دلالة للخلق على صدق نوح و كفر قومه.(8:192)

مثله الطّبرسيّ.(4:276)

الميبديّ: آيَةً لِلْعالَمِينَ سفينة نوح،كانت أوّل سفينة في الدّنيا،فأبقيت السّفن آية و عبرة للخلق و علامة من سفينة نوح،و هو قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً... العنكبوت:35،و قيل:معناه جعلنا نجاة من في السّفينة من الغرق دلالة يستدلّ بها على صدق نوح.

و قيل:جعلنا العقوبة آية أي عظة للعالمين يتّعظون

ص: 419

بها.(7:373)

نحوه البروسويّ.(6:456)

أبو حيّان: و الضّمير في وَ جَعَلْناها يحتمل أن يعود على السّفينة،و أن يعود على الحادثة و القصّة.و أفرد (آية)و جاء بالفاصلة(للعالمين)،لأنّ إنجاء السّفن أمر معهود،فالآية:إنجاؤه تعالى أصحاب السّفينة وقت الحاجة،و لأنّها بقيت أعواما حتّى مرّ عليها النّاس و رأوها،فحصل العلم بها لهم،فناسب ذلك قوله:

(للعالمين).(7:145)

الآلوسيّ: عبرة و عظة لهم لبقائها زمانا طويلا على الجوديّ يشاهدها المارّة،و لاشتهارها فيما بين النّاس، و يجوز كون الضّمير للحادثة و القصّة المفهومة ممّا قبل، و هي عبرة للعالمين،لاشتهارها فيما بينهم.(20:141)

23- وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

العنكبوت:35

ابن عبّاس: هي آثار ديارها الخربة.

(الآلوسيّ 20:156)

مجاهد: هي الماء الأسود على وجه الأرض.

(الآلوسيّ 20:156)

قتادة: هي الحجارة الّتي أمطرت عليهم،و قد أدركتها أوائل هذه الأمّة.(الآلوسيّ 20:149)

الفرّاء: المعنى تركناها آية،يقول:إنّ في السّماء لآية، يريد أنّها آية.(أبو حيّان 7:151)

أبو سليمان الدّمشقيّ: إنّ الآية في قريتهم إلاّ أنّ أساسها أعلاها و سقوفها أسفلها إلى الآن.

(أبو حيّان 7:151)

الطّبريّ: يقول:عبرة بيّنة،و عظة واعظة،لقوم يعقلون عن اللّه حججه،و يتفكّرون في مواعظه،و تلك الآية البيّنة هي عندي عفوّ آثارهم،و دروس معالمهم.

(20:149)

الميبديّ: «من»هاهنا للتّبيين لا للتّبعيض،فليس يعني أنّه بقي بعضهم آية،و إنّما المعنى تركنا القرية بما فعلنا بها آية و عظة لمن تفكّر و عقل.

ثمّ اختلفوا في الآية البيّنة المتروكة،فقال بعضهم:

ترك اللّه بعض الأحجار الّتي أمطرت عليهم،على كلّ حجر اسم من أهلك به.فمن ذهب إلى الشّام و أتى على قرية لوط رأى من تلك الحجارة.و قيل:إنّها بقيّة الأنهار الّتي كانت بأرضهم،و صار ماؤها أسودا منتنا يتأذّى النّاس برائحته من مسافة بعيدة.

و قيل:ترك بعض ديارهم منكوسة عبرة و عظة للنّاس.(7:391)

نحوه البروسويّ.(6:467)

الزّمخشريّ: هي آثار منازلهم الخربة.و قيل:بقيّة الحجارة،و قيل:الماء الأسود على وجه الأرض،و قيل:

الخبر عمّا صنع بهم.(3:205)

نحوه البيضاويّ(2:209)،و النّسفيّ(3:257)، و النّيسابوريّ(20:93).

الفخر الرّازيّ: أي من القرية،فإنّ القرية معلومة و فيها الماء الأسود،و هي بين القدس و الكرك (1)،و فيها مسائل:

ص: 420


1- بلدة في ناحية لبنان.قاموس المحيط.

إحداها:جعل اللّه الآية في نوح و إبراهيم بالنّجاة؛ط.

حيث قال: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ وَ جَعَلْناها آيَةً العنكبوت:15،و قال: فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ العنكبوت:24،و جعل هاهنا الهلاك آية فهل عندك فيه شيء؟

نقول:نعم،أمّا إبراهيم فلأنّ الآية كانت في النّجاة، لأنّ في ذلك الوقت لم يكن إهلاك.

و أمّا في نوح فلأنّ الإنجاء من الطّوفان الّذي علا الجبال بأسرها أمر عجيب إلهيّ،و ما به النّجاة و هو السّفينة كان باقيا،و الغرق لم يبق لمن بعده أثره،فجعل الباقي آية.

و أمّا هاهنا فنجاة لوط لم يكن بأمر يبقى أثره للحسّ،و الهلاك أثره محسوس في البلاد فجعل الآية:

الأمر الباقي،و هو هاهنا البلاد،و هناك السّفينة.

و هاهنا لطيفة:و هي أنّ اللّه تعالى آية قدرته موجودة في الإنجاء و الإهلاك،فذكر من كلّ باب آية، و قدّم آيات الإنجاء،لأنّها أثر الرّحمة،و أخّر آيات الإهلاك،لأنّها أثر الغضب،و رحمته سابقة.

المسألة الثّانية:قال في السّفينة: وَ جَعَلْناها آيَةً و لم يقل:بيّنة،و قال هاهنا: آيَةً بَيِّنَةً.

نقول:لأنّ الإنجاء بالسّفينة أمر يتّسع له كلّ عقل، و قد يقع في وهم جاهل أنّ الإنجاء بالسّفينة لا يفتقر إلى أمر آخر.و أمّا الآية هاهنا الخسف،و جعل ديار معمورة عاليها سافلها،و هو ليس بمعتاد،و إنّما ذلك بإرادة قادر يخصّصه بمكان دون مكان،و في زمان دون زمان،فهي بيّنة لا يمكن لجاهل أن يقول:هذا أمر يكون كذلك،و كان له أن يقول في السّفينة:النّجاة بها أمر يكون كذلك.إلى أن يقال له:فمن أين علم أنّه يحتاج إليها،و لو دام الماء حتّى ينفد زادهم كيف كان يحصل لهم النّجاة؟و لو سلّط اللّه عليهم الرّيح العاصفة كيف يكون أحوالهم؟

المسألة الثّالثة:قال هناك:(للعالمين)و قال هاهنا:

لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

قلنا:لأنّ السّفينة موجودة في جميع أقطار العالم، فعند كلّ قوم مثال لسفينة نوح يتذكّرون بها حاله،و إذا ركبوها يطلبون من اللّه النّجاة.و لا يثق أحد بمجرّد السّفينة،بل يكون دائما مرتجف القلب متضرّعا إلى اللّه تعالى،طلبا للنّجاة.

و أمّا أثر الهلاك في بلاد لوط ففي موضع مخصوص لا يطّلع عليه إلاّ من يمرّ بها و يصل إليها،و يكون له عقل يعلم أنّ ذلك من اللّه المريد،بسبب اختصاصه بمكان دون مكان،و وجوده في زمان بعد زمان.(25:63)

أبو حيّان: [قال بعد نقل قول الفرّاء:]

و هذا لا يتّجه إلاّ على زيادة من في الواجب،نحو قوله:«أمهرت منها جبّة و تيسا»يريد أمهرتها،و كذلك:

وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً العنكبوت:35.

و قيل:الهاء في(منها)عائدة على الفعلة الّتي فعلت بهم،فقيل:الآية:الحجارة الّتي أدركتها أوائل هذه الأمّة.

(7:151)

الطّباطبائيّ: أي أبقينا من القرية علامة واضحة لقوم يعقلون،ليعتبروا بها فيتّقوا اللّه،و هي الآثار الباقية منها بعد خرابها بنزول العذاب.و هي اليوم مجهولة المحلّ لا أثر منها،و ربّما يقال:إنّ الماء غمرها بعد،و هي بحر

ص: 421

لوط،لكنّ الآية ظاهرة كما ترى،أنّها كانت ظاهرة معروفة في زمن نزول القرآن،و أوضح منها قوله تعالى:

وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ الحجر:76،و قوله: وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ الصّافّات:137،138.(16:126)

24- ...إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ. سبأ:9

الكرمانيّ: قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً... و بعده:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ سبأ:19، بالجمع،لأنّ المراد بالأوّل:لآية على إحياء الموتى، فخصّت بالتّوحيد،و قصّة سبأ جمع،لأنّهم صاروا اعتبارا يضرب بهم المثل،تفرّقوا أيادي سبأ،و فرّقوا كلّ مفرّق، و مزّقوا كلّ ممزّق،فرفع بعضهم إلى الشّام،و بعضهم ذهب إلى يثرب،و بعضهم إلى عمان،فختم بالجمع.

و خصّت به لكثرتهم و كثرة من يعتبر بهم،فقال:

لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ على الجنّة، شَكُورٍ على النّعمة،أي المؤمنين.(162)

25- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ... سبأ:15

عبد الرّحمن بن زيد: إنّ الآية الّتي كانت لأهل سبأ في مساكنهم،أنّهم لم يروا فيها بعوضة قطّ،و لا ذبابا و لا برغوثا و لا قمّلة و لا عقربا و لا حيّة و لا غيرها من الهوامّ،و إذا جاءهم الرّكب في ثيابهم القمّل و الدّوابّ، فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدّوابّ.

(القرطبيّ 14:284)

قتادة: قيل:إنّ الآية هي الجنّتان،كانت المرأة تمشي فيهما و على رأسها مكتل،فيمتلئ من أنواع الفواكه،من غير أن تمسّها بيدها.(القرطبيّ 14:284)

الميبديّ: أي دلالة على وحدانيّتنا و قدرتنا.

و قيل: (فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) أي أعجوبة و أحدوثة،ثمّ فسّرها فقال: (جَنَّتانِ) أي هي جنّتان بستانان.

(8:127)

الزّمخشريّ: و (جَنَّتانِ) بدل من(آية)أو خبر مبتدإ محذوف،تقديره:(الآية)جنّتان،و في الرّفع معنى المدح تدلّ عليه قراءة من قرأ (جنّتين) بالنّصب،على المدح.

فإن قلت:ما معنى كونهما آية؟

قلت:لم يجعل الجنّتين في أنفسهما آية،و إنّما جعل قصّتهما،و أنّ أهلهما أعرضوا عن شكر اللّه تعالى عليهما فخرّبهما،و أبدلهم عنهما الخمط و الأثل آية و عبرة لهم ليعتبروا و يتّعظوا،فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر و غمط النّعم.

و يجوز أن تجعلهما آية،أي علامة دالّة على اللّه و على قدرته و إحسانه و وجوب شكره.(3:284)

مثله النّسفيّ(3:321)،و النّيسابوريّ(22:46)، و أبو حيّان(7:269).

الطّبرسيّ: أي حجّة على وحدانيّة اللّه عزّ اسمه و كمال قدرته،و علامة على سبوغ نعمه،ثمّ فسّر سبحانه الآية فقال: جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ. [إلى أن قال:]

و قيل:إنّ المراد بالآية خروج الأزهار و الثّمار من الأشجار،على اختلاف ألوانها و طعومها.(4:386)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ

ص: 422

فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ و لم يقل:آيتان جنّتان،و كلّ جنّة كانت آية،أي علامة على توحيد اللّه تعالى؟

قلنا:لمّا تماثلتا في الدّلالة و اتّحدت جهتهما فيها جعلهما آية واحدة،و نظيره قوله تعالى: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً المؤمنون:50.مسائل الرّازيّ(286)

القرطبيّ: (آية)اسم(كان)،أي علامة دالّة على قدرة اللّه تعالى على أنّ لهم خالقا خلقهم،و أنّ كلّ الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك،و لم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثّمار و ألوانها و طعومها و روائحها و أزهارها،و في ذلك ما يدلّ على أنّها لا تكون إلاّ من عالم قادر.(14:383)

نحوه البيضاويّ.(2:258)

البروسويّ: علامة ظاهرة دالّة بملاحظة الأحوال السّابقة و اللاّحقة لتلك القبيلة،من الإعطاء و التّرفيه بمقتضى اللّطف،ثمّ من المنع و التّخريب بموجب القهر على وجود الصّانع المختار،و قدرته على كلّ ما يشاء من الأمور البديعة،و مجازاته للمحسن و المسيء و ما يعقلها إلاّ العالمون،و ما يعتبرها إلاّ العاقلون.(7:281)

الآلوسيّ: و لعلّ وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً المؤمنون:50، و لا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة،أي قصّة جنّتين.(22:125)

26- وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. يس:41

الطّبرسيّ: أي حجّة و علامة لهم على اقتدارنا.

(4:426)

مثله البروسويّ.(7:403)

القرطبيّ: يحتمل ثلاثة معان:

أحدها:عبرة لهم؛لأنّ في الآيات اعتبارا.

الثّاني:نعمة عليهم؛لأنّ في الآيات إنعاما.

الثّالث:إنذارهم؛لأنّ في الآيات إنذارا.(15:34)

27- وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ.

الذّاريات:37

ابن جريج: هي صخر منضود فيها.

(الزّمخشريّ 4:19)

الطّبريّ: و تركناها آية،لأنّها الّتي ائتفكت بأهلها، فهي الآية،و ذلك كقول القائل:ترى في هذا الشّيء عبرة و آية،و معناها:هذا الشّيء آية و عبرة كما قال جلّ ثناؤه: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ...

يوسف:7،و هم كانوا الآيات و فعلهم،و يعني ب«الآية» العظة و العبرة،الّذين يخافون عذاب اللّه الأليم في الآخرة.

(27:2)

الطّوسيّ: قيل:إنّ الآية اقتلاع البلدان،لا يقدر عليه إلاّ اللّه تعالى.(9:391)

الميبديّ: أي علامة للخائفين،تدلّهم على أنّ اللّه أهلكهم،فيخافون مثل عذابهم،كقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى... النّازعات:26.و كقوله: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي إبراهيم:14.(9:315)

الزّمخشريّ: علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم.و قيل:ماء أسود منتن.(4:19)

ص: 423

مثله النّسفيّ.(4:186)

الفخر الرّازيّ: و في«الآية»خلاف،قيل:هو ماء أسود منتن انشقّت أرضهم،و خرج منها ذلك.

و قيل:حجارة مرميّة في ديارهم،و هي بين الشّام و الحجاز،و قوله: آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ... الذّاريات:37،أي المنتفع بها هو الخائف،كما قال تعالى: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ في سورة العنكبوت:35.

و بينهما في اللّفظ فرق،قال هاهنا:(آية)،و قال هناك:

آيَةً بَيِّنَةً... العنكبوت:35.و قال هناك: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال هاهنا: لِلَّذِينَ يَخافُونَ فهل في المعنى فرق؟

نقول:هناك مذكور بأبلغ وجه،يدلّ عليه قوله تعالى: آيَةً بَيِّنَةً حيث وصفها بالظّهور،و كذلك (منها)و(فيها)فإنّ«من»للتّبعيض،فكأنّه تعالى قال:

من نفسها لكم آية باقية،و كذلك قال: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فإنّ العاقل أعمّ من الخائف،فكانت الآية هناك أظهر، و سببه ما ذكرنا أنّ القصد هناك تخويف القوم،و هاهنا تسلية القلب،أ لا ترى إلى قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الذّاريات:35،36،و قال هناك: إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ العنكبوت:33،من غير بيان واف بنجاة المسلمين و المؤمنين بأسرهم.(28:219)

القرطبيّ: أي عبرة و علامة لأهل ذلك الزّمان و من بعدهم،نظيره: وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ العنكبوت:35،ثمّ قيل:الآية المتروكة نفس القرية الخربة.و قيل:الحجارة المنضودة الّتي رجموا بها هي الآية.(17:49)

الشّربينيّ: أي علامة عبرة على هلاكهم، كالحجارة أو الماء المنتن،فإنّا قلعنا قراهم كلّها و صعدت في الجوّ كالغمام إلى عنان السّماء،و لم يشعر أحد من أهلها بشيء من ذلك،ثمّ قلبت و اتّبعت بالحجارة،ثمّ خسف بها و غمرت بالماء الّذي لا يشبهه شيء من مياه الأرض،كما أنّ جنايتهم لم تكن تشبه جناية أحد ممّن تقدّمهم من أهل الأرض.(4:103)

البروسويّ: علامة دالّة على ما أصابهم من العذاب هي تلك الحجارة،أو ماء أسود منتن خرج من أرضهم.

(9:165)

نحوه الآلوسيّ.(27:14)

الآية

فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى. النّازعات:20

ابن عبّاس: قلب العصا حيّة.(الآلوسيّ 30:29)

العصا.(القرطبيّ 19:202)

مثله عطاء.(الفخر الرّازيّ 31:41)

مجاهد: عصاه و يده.

مثله الحسن،و قتادة.(الطّبريّ 30:40)

الحسن: اليد البيضاء.(الطّوسيّ 10:259)

مثله الكلبيّ،و مقاتل.(الشّربينيّ 4:479)

ابن زيد: العصا و الحيّة.(الطّبريّ 30:40)

الطّبريّ: فأرى موسى فرعون الآية الكبرى،يعني الدّلالة الكبرى على أنّه للّه رسول أرسله إليه،فكانت تلك الآية يد موسى،إذ أخرجها بيضاء للنّاظرين،

ص: 424

و عصاه إذ تحوّلت،ثعبانا مبينا.(30:39)

الزّجّاج: يعني أنّه اليد الّتي أخرجها تتلألأ من غير سوء.(5:280)

الميبديّ: و هي العصا،و قيل:اليد البيضاء،و قيل:

جميع الآيات الّتي بعث بها.

و يحتمل أنّ فاعل(فاريه)هو اللّه،لانقطاع الكلام الأوّل.(10:370)

الزّمخشريّ: قلب العصا حيّة،لأنّها كانت المقدّمة و الأصل،و الأخرى كالتّبع لها،لأنّه كان يتّقيها بيده، فقيل له: وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ النّمل:12،أو أرادهما جميعا إلاّ أنّه جعلهما واحدة،لأنّ الثّانية كأنّها من جملة الأولى،لكونها تابعة لها.(4:214)

نحوه البيضاويّ.(2:537)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في اَلْآيَةَ الْكُبْرى على ثلاثة أقوال:

الأوّل:قال مقاتل،و الكلبيّ:هي اليد،لقوله:

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى* لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى طه:22،23.

القول الثّاني:قال عطاء:هي العصا،لأنّه ليس في اليد إلاّ انقلاب لونه إلى لون آخر،و هذا المعنى كان حاصلا في العصا.لأنّها لمّا انقلبت حيّة فلا بدّ و أن يكون قد تغيّر اللّون الأوّل،فإذا كلّ ما في اليد فهو حاصل في العصا.

ثمّ حصل في العصا أمور أخرى أزيد من ذلك،منها حصول الحياة في الجرم الجماديّ،و منها تزايد أجزائه و أجسامه،و منها حصول القدرة الكبيرة و القوّة الشّديدة،و منها أنّها كانت ابتلعت أشياء كثيرة و كأنّها فنيت،و منها زوال الحياة و القدرة عنها،و فناء تلك الأجزاء الّتي حصل عظمها،و زوال ذلك اللّون و الشّكل اللّذين بهما صارت العصا حيّة.

و كلّ واحد من هذه الوجوه كان معجزا مستقلاّ في نفسه،فعلمنا أنّ اَلْآيَةَ الْكُبْرى هي العصا.

و القول الثّالث في هذه المسألة:قول مجاهد:و هو أنّ المراد من اَلْآيَةَ الْكُبْرى مجموع اليد و العصا،و ذلك لأنّ سائر الآيات دلّت على أنّ أوّل ما أظهر موسى عليه السّلام لفرعون هو العصا،ثمّ أتبعه باليد،فوجب أن يكون المراد من اَلْآيَةَ الْكُبْرى مجموعهما.(31:41)

نحوه الشّربينيّ.(4:479)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال اللّه تعالى: فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى... مع أنّ موسى عليه الصّلاة و السّلام أراه الآيات كلّها،بدليل قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى طه:56،و كلّ آية كبرى؟

قلنا:الإخبار في هذه الآية عن أوّل ملاقاته إيّاه، و إنّما أراه في أوّل ملاقاته العصا و اليد،فأطلق عليهما اَلْآيَةَ الْكُبْرى لاتّحاد معناهما.و قيل:أراد ب اَلْآيَةَ الْكُبْرى العصا،لأنّها كانت المقدّمة و الأصل، و الأخرى كالتّبع لها،لأنّه كان يتبعها بيده،فقيل له:

وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ... النّمل:12.

(مسائل الرّازيّ:365)

القرطبيّ: أي العلامة العظمى و هي المعجزة.و قيل:

العصا.و قيل:اليد البيضاء تبرق كالشّمس.و قيل:فلق البحر.و قيل:الآية،إشارة إلى جميع آياته و معجزاته.

ص: 425

(19:202)

أبو حيّان: و هي العصا و اليد جعلهما واحدة،لأنّ اليد كأنّها من جملة العصا لكونها تابعة لها،أو العصا وحدها،لأنّها كانت المقدّمة و الأصل،و اليد تبع لها،لأنّه كان يتّقيها بيده.(8:421)

الآلوسيّ: المراد ب اَلْآيَةَ الْكُبْرى على ما روي عن ابن عبّاس:قلب العصا حيّة،فإنّها كانت المقدّمة و الأصل،و الأخرى كالتّبع لها.و على ما روي عن مجاهد:

ذلك و اليد البيضاء،فإنّهما باعتبار الدّلالة كالآية الواحدة.

و قد عبّر عنهما بصيغة الجمع في قوله تعالى: اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي... طه:42،باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور الّتي كلّ منها آية بيّنة لقوم يعقلون.و جوّز أن يراد بها مجموع معجزاته عليه السّلام، و الوحدة باعتبار ما ذكر.و الفاء لتعقيب أوّلها أو مجموعها باعتبار أوّلها،و كونها«كبرى»باعتبار معجزات من قبله من الرّسل عليهم السّلام أو هو للزّيادة المطلقة،و لا يخفى بعده.

و يزيده بعدا ترتيب حشر السّحرة بعد،فإنّه لم يكن إلاّ على إراءة تينك الآيتين و إدباره عن العمل بمقتضاهما.و أمّا ما عداهما من(التّسع)فإنّما ظهر على يده عليه السّلام بعد ما غلب السّحرة على مهل،في نحو من عشرين سنة.(30:29)

الطّباطبائيّ: و المراد ب اَلْآيَةَ الْكُبْرى على ما يظهر من تفصيل القصّة:آية العصا،و قيل:المراد بها مجموع معجزاته الّتي أراها فرعون و ملأه،و هو بعيد.(20:188)

بنت الشّاطئ: الآية:العلامة،و يكثر استعمالها دينيّا في الدّلالة على وجود اللّه و عظمته و وحدانيّته و قدرته،و هي في«النّازعات»العلامة الدّالّة على أنّ موسى مبعوث برسالة من اللّه جلّ جلاله،أو بعبارة المفسّرين:المعجزة الدّالّة على صدقه.و وصفت(الآية) ب(الكبرى)تعظيما و تقريرا لقوّة دلالتها و بلوغها في تأييد رسالة موسى أقصى درجة.و إذا كانت هناك ضرورة لتحديد هذه الآية الكبرى،فلنا أن نستأنس بحديث موسى في سورة«طه»،إذ ناداه ربّه بالوادي المقدّس طوى،و قال: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى* قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها طه:17،18[إلى قوله:] لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى* اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى طه:23،24.

و قد حاول مفسّرون تأويل درجة كلّ آية،و قيل فيما قيل:إنّ اليد أعظم في الإعجاز من العصا،لأنّه عقّب على ذكر اليد بقوله: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى...

طه:23،و قيل:بل العصا أعظم،لأنّه ليس في اليد إلاّ تغيير اللّون،و أمّا العصا ففيها تغيير اللّون،و خلق الحياة و القدرة في الجماد.

و إذ جاءت اَلْآيَةَ الْكُبْرى في النّازعات مطلقة بغير تحديد،فقد تردّدوا ما بين العصا و اليد،ثمّ رأى بعضهم حسم الموقف باعتبارهما آية واحدة،فقال أبو حيّان: اَلْآيَةَ الْكُبْرى هي العصا و اليد معا،جعلهما آية واحدة،لأنّ اليد كأنّها من جملة العصا،لكونها تابعة لها.

و قبله قال الزّمخشريّ: اَلْآيَةَ الْكُبْرى قلب

ص: 426

العصا حيّة،لأنّها كانت المقدّمة و الأصل،و الأخرى يعني اليد كالتّبع لها،لأنّ موسى كان يتّقيها بيده،أو أرادهما تعالى جميعا،و جعلهما واحدة؛لأنّ الثّانية أي اليد كأنّها من جملة الأولى،لكونها تابعة لها.

و نؤثر ألاّ نحدّد الآية هنا،ما دام القرآن نفسه لم ير تعيينها في هذا الموضع،مكتفيا بوصفها ب(الكبرى)، و هي صيغة تشهد بمبلغ دلالة الآية على صدق موسى، و على قدرة ربّه،ربّ فرعون و النّاس جميعا.(1:129)

آيتين

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً... الإسراء:12

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال اللّه تعالى هنا:

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ... و قال في قصّة مريم و عيسى عليهما السّلام: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ...

الأنبياء:91، وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً... المؤمنون:

50،مع أنّ عيسى صلّى اللّه عليه و سلّم كان وحده آيات شتّى حيث كلّم النّاس في المهد،و كان يحيي الموتى،و يبرئ الأكمه و الأبرص،و يخلق الطّير،و غير ذلك،و أمّه وحدها كانت آية،حيث حملت من غير فحل؟

قلنا:إنّما أراد به الآية الّتي كانت مشتركة بينهما و لم تتمّ إلاّ بهما،و هي ولادة ولد من غير فحل،بخلاف اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر.

الثّاني:أنّ فيه«آية»محذوفة إيجازا و اختصارا، تقديره:و جعلناها آية و ابنها آية،و جعلنا ابن مريم آية و أمّه آية.(مسائل الرّازيّ:184)

و فيه مباحث أخرى لاحظ«ل ي ل»و«ن ه ر».

آيات بيّنات

1- وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ. البقرة:99

ابن عبّاس: فأنت تتلوه عليهم و تخبرهم به غدوة و عشيّة،و بين ذلك و أنت عندهم أمّيّ لم تقرأ كتابا،و أنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه،يقول اللّه ففي ذلك لهم عبرة و بيان،و عليهم حجّة لو كانوا يعلمون.

(الطّبريّ 1:440)

أبو بكر الأصمّ: هي علم التّوراة و الإنجيل، و الإخبار عمّا غمض ممّا في كتب السّالفة.

(الطّبرسيّ 1:168)

الطّبريّ: أي أنزلنا إليك يا محمّد علامات واضحات دالاّت على نبوّتك،و تلك الآيات هي ما حواه كتاب اللّه الّذي أنزله إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من خفايا علوم اليهود،و مكنون سرائر أخبارهم و أخبار أوائلهم من بني إسرائيل،و النّبأ عمّا تضمّنته كتبهم الّتي لم يكن يعلمها إلاّ أحبارهم و علمائهم،و ما حرّفه أوائلهم و أواخرهم و بدّلوه من أحكامهم،الّتي كانت في التّوراة،فأطلع اللّه في كتابه الّذي أنزله على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فكان في ذلك من أمره الآيات البيّنات لمن أنصف نفسه و لم يدعه إلى إهلاكها الحسد و البغي؛إذ كان في فطرة كلّ ذي فطرة صحيحة تصديق من أتى بمثل الّذي أتى به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من الآيات البيّنات الّتي وصفت من غير تعلّم تعلّمه من بشر،و لا أخذ شيء منه عن آدميّ.(1:440)

ص: 427

البلخيّ:يعني سائر المعجزات الّتي أعطيها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(الطّبرسيّ 1:168)

أبو مسلم الأصفهانيّ: هي القرآن و ما فيها من الدّلالات.

(الطّبرسيّ 1:168)

الفخر الرّازيّ: الأظهر أنّ المراد من الآيات البيّنات:آيات القرآن الّذي لا يأتي بمثله الجنّ و الإنس، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

و قال بعضهم: لا يمتنع أن يكون المراد من الآيات البيّنات:القرآن مع سائر الدّلائل-نحو امتناعهم من المباهلة و من تمنّي الموت-و سائر المعجزات،نحو إشباع الخلق الكثير من الطّعام القليل،و نبوع الماء من بين أصابعه،و انشقاق القمر.

قال القاضي: الأولى تخصيص ذلك بالقرآن،لأنّ الآيات إذا قرنت إلى التّنزيل كانت أخصّ بالقرآن،و اللّه أعلم.

و الوجه في تسمية القرآن بالآيات وجوه:

أحدها:أنّ الآية هي الدّالّة،و إذا كانت أبعاض القرآن دالّة بفصاحتها على صدق المدّعي كانت آيات.

و ثانيها:أنّ منها ما يدلّ على الإخبار عن الغيوب، فهي دالّة على تلك الغيوب.

و ثالثها:أنّها دالّة على دلائل التّوحيد و النّبوّة و الشّرائع،فهي آيات من هذه الجهة.

فإن قيل:الدّليل لا يكون إلاّ بيّنّا فما معنى وصف الآيات بكونها بيّنة؟و ليس لأحد أن يقول:المراد كون بعضها أبين من بعض،لأنّ هذا إنّما يصحّ لو أمكن في العلوم أن يكون بعضها أقوى من بعض،و ذلك محال؛ و ذلك لأنّ العالم بالشّيء إمّا أن يحصل معه تجويز نقيض ما اعتقده أولا يحصل،فإن حصل معه ذلك التّجويز لم يكن ذلك الاعتقاد علما،و إن لم يحصل استحال أن يكون شيء آخر آكد منه؟

قلنا:التّفاوت لا يقع في نفس العلم بل في طريقه؛ فإنّ العلوم تنقسم إلى ما يكون طريق تحصيله و الدّليل الدّالّ عليه أكثر مقدّمات،فيكون الوصول إليه أصعب، و إلى ما يكون أقلّ مقدّمات،فيكون الوصول إليه أقرب، و هذا هو«الآية البيّنة».(3:199)

نحوه النّيسابوريّ.(1:383)

أبو حيّان: و الآيات البيّنات،أي القرآن أو المعجزات المقرونة بالتّحديّ،أو الإخبار عمّا خفي و أخفي في الكتب السّالفة،أو الشّرائع أو الفرائض أو مجموع كلّ ما تقدّم،أقوال خمسة.و الظّاهر مطلق ما يدلّ عليه (آياتٍ بَيِّناتٍ) غير معيّن شيء منها.(1:323)

مثله الآلوسيّ.(1:335)

2- فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً... آل عمران:97

ابن عبّاس: مقام إبراهيم،و المشعر.

(الطّبريّ 4:10)

الحسن: مقام إبراهيم.

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 4:11)

مجاهد: أثر قدميه في المقام آية بيّنة.

(الطّبريّ 4:11)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ...«عن ابن سنان قال:

ص: 428

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ... فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ... آل عمران:96،

97،ما هذه الآيات البيّنات؟»قال:مقام إبراهيم؛حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه،و الحجر الأسود، و منزل إسماعيل عليه السّلام.(العروسيّ 1:367)

الفرّاء: يقال:الآيات:المقام و الحجر و الحطيم،و قرأ ابن عبّاس (فيه آية بينة) جعل المقام هو الآية لا غير.

(1:227)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه قرّاء الأمصار فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ على جماع آية،بمعنى فيه علامات بيّنات،و قرأ ذلك ابن عبّاس (فيه آية بينة) يعني بها مقام إبراهيم،يراد بها علامة واحدة.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ و ما تلك الآيات،فقال بعضهم:مقام إبراهيم و المشعر الحرام،و نحو ذلك.

و قال آخرون: الآيات البيّنات:مقام إبراهيم.

و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب:قول من قال:الآيات البيّنات منهنّ مقام إبراهيم،و هو قول قتادة و مجاهد الّذي رواه معمر عنهما،فيكون الكلام مرادا فيهنّ منهنّ،فترك ذكره اكتفاء بدلالة الكلام عليها.

فإن قال قائل:فهذا المقام من الآيات البيّنات،فما سائر الآيات الّتي من أجلها قيل: آياتٌ بَيِّناتٌ؟ قيل:منهنّ المقام،و منهنّ الحجر،و منهنّ الحطيم.و أصحّ القراءتين في ذلك،قراءة من قرأ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ على الجماع،لإجماع قرّاء أمصار المسلمين على أنّ ذلك هو القراءة الصّحيحة،دون غيرها.(4:10)

الزّجّاج: المعنى:فيه آيات بيّنات تلك الآيات مقام إبراهيم،و من الآيات أيضا:أمن من دخله،لأنّ معنى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً آل عمران:97،يدلّ على أنّ الأمن فيه.(1:446)

الطّوسيّ: الآيات الّتي بمكّة أشياء:منها ما قال مجاهد في مقام إبراهيم،و هو أثر قدميه داخلة في حجر صلد بقدرة اللّه تعالى،ليكون ذلك علامة يهتدى بها، و دلالة يرجع إليها،مع غير ذلك من الآيات الّتي فيه،من أمن الخائف،و إمحاق الجمار على كثرة الرّامي،و امتناع الطّير من العلوّ عليه،و استشفاء المريض من ماء به،و من تعجيل العقوبة لمن انتهك فيه حرمة على عادة كانت جارية،و من إهلاك أصحاب الفيل لمّا قصدوا لتخريبه.

و روي عن ابن عبّاس:أنّه قرأ (آية بينة مقام ابراهيم..) فجعل مقام إبراهيم هو الآية،و الأوّل عليه القرّاء و المفسّرون.(2:536)

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس: آياتٌ بَيِّناتٌ بالجمع،و قرأ أبيّ بن كعب و عمر و ابن عبّاس: (آية بينة) على الإفراد،قال الطّبريّ:يريد علامة واحدة:المقام وحده،و حكي ذلك عن مجاهد.

و يحتمل أن يراد بالآية:اسم الجنس فيقرب من معنى القراءة الأولى.

و اختلف عبارة المفسّرين عن«الآيات البيّنات» فقال ابن عبّاس:من الآيات المقام،يريد الحجر المعروف و المشعر و غير ذلك.و هذا يدلّ على أنّ قراءته «آية»بالإفراد إنّما يراد بها اسم الجنس.

و قال الحسن بن أبي الحسن: «الآيات البيّنات»مقام

ص: 429

إبراهيم،و إنّ من دخله كان آمنا.و قال مجاهد:المقام:

الآية،و قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً كلام آخر.[إلى أن قال:]

و المترجّح عندي أنّ المقام و أمن الدّاخل جعلا مثالا ممّا في حرم اللّه من الآيات،و خصّا بالذّكر لعظمهما،و أنّهما تقوم بهما الحجّة على الكفّار؛إذ هم مدركون لهاتين الآيتين بحواسّهم.

و من آيات الحرم و البيت الّتي تقوم بها الحجّة على الكفّار أمر الفيل،و رمي طير اللّه عنه بحجارة السّجّيل، و ذلك أمر لم تختلف كافّة العرب في نقله و صحّته إلى أن أنزله اللّه في كتابه.

و من آياته كفّ الجبابرة عنه على وجه الدّهر.

و من آياته الحجر الأسود،و ما روي فيه أنّه من الجنّة،و ما أشربت قلوب العالم من تعظيمه قبل الإسلام.

و من آياته حجر المقام،و ذلك أنّه قام عليه إبراهيم عليه السّلام وقت رفعه القواعد من البيت،لمّا طال له البناء،فكلّما علا الجدار،ارتفع الحجر به في الهواء،فما زال يبني و هو قائم عليه،و إسماعيل يناوله الحجارة و الطّين، حتّى أكمل الجدار.ثمّ إنّ اللّه تعالى،لمّا أراد إبقاء ذلك آية للعالمين ليّن الحجر،فغرقت فيه قدما إبراهيم عليه السّلام كأنّها في طين،فذلك الأثر العظيم باق في الحجر إلى اليوم،و قد نقلت كافّة العرب ذلك في الجاهليّة على مرور الأعصار.

[ثمّ استشهد بشعر]

فما حفظ أنّ أحدا من النّاس نازع في هذا القول.

و من آياته البيّنات«زمزم»في نبعها لهاجر بهمز جبريل عليه السّلام الأرض بعقبه،و في حفر عبد المطّلب لها آخرا بعد دثورها بتلك الرّؤيا المشهورة،و بما نبع من الماء تحت خفّ ناقته في سفره،إلى منافرة قريش و مخاصمتها في أمر زمزم،ذكر ذلك ابن اسحاق مستوعبا.

و من آيات البيت نفع ماء زمزم لما شرب له،و أنّه يعظم ماؤها في الموسم،و يكثر كثرة خارقة للعادة في الآبار.

و من آياته الأمنة الثّابتة فيه على قديم الدّهر،و أنّ العرب كانت تغير بعضها على بعض،و يتخطّف النّاس بالقتل،و أخذ الأموال و أنواع الظّلم إلاّ في الحرم،و تركّب على هذا أمن الحيوان فيه،و سلامة الشّجر،و ذلك كلّه للبركة الّتي خصّه اللّه بها،و الدّعوة من الخليل عليه السّلام في قوله: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً البقرة:126،و إذعان نفوس العرب،و غيرهم قاطبة لتوقير هذه البقعة دون ناه،و لا زاجر،آية عظمى تقوم بها الحجّة،و هي الّتي فسّرت بقوله تعالى: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

و من آياته كونه بواد غير ذي زرع،و الأرزاق من كلّ قطر تجيء إليه عن قرب و عن بعد.

و من آياته ما ذكر ابن القاسم العتقيّ رحمه اللّه،قال في«النّوادر»و غيرها:سمعت أنّ الحرم يعرف بأن لا يجيء سيل من الحلّ فيدخل الحرم.[إلى أن قال:]

و من آياته فيما ذكر مكّيّ و غيره أنّ الطّير لا تعلوه، و إن علاه طائر فإنّما ذلك لمرض به فهو يستشفي بالبيت، و هذا كلّه عندي ضعيف،و الطّير تعاين تعلوه،و قد علته العقاب الّتي أخذت الحيّة المشرفة على جداره،و تلك كانت من آياته.

و من آياته فيما ذكر النّاس قديما و حديثا أنّه إذا عمّه

ص: 430

المطر من جوانبه الأربعة في العام الواحد،أخصبت آفاق الأرض،و إن لم يصب جانبا منه لم يخصب ذلك الأفق الّذي يليه ذلك العام.(1:475)

الطّبرسيّ: أي دلالات واضحات،و الهاء في(فيه) عائد إلى البيت.

و روي عن ابن عبّاس أنّه قرأ (فيه آية بينة مقام ابراهيم) فجعل مقام إبراهيم وحده هو الآية،و قال:أثر قدميه في المقام آية بيّنة.و الأوّل عليه القرّاء و المفسّرون،أرادوا مقام إبراهيم،و الحجر الأسود، و الحطيم،و زمزم،و المشاعر كلّها،و أركان البيت و ازدحام النّاس عليها و تعظيمهم لها.[إلى أن قال:]

قال المفسّرون: و من تلك الآيات مقام إبراهيم عليه السّلام،و أمن الدّاخل فيه،و أمن الوحوش من السّباع الضّارية،و أنّه ما علا عبد على الكعبة إلاّ عتق، و إذا كان الغيث من ناحية الرّكن اليمانيّ كان الخصب باليمن،و إذا كان من ناحية الرّكن الشّاميّ كان الخصب بالشّام،و إذا عمّ البيت كان في جميع البلدان،و سائر ما ذكرناه قبل من الآيات.(1:478)

نحوه القرطبيّ.(4:139)

ابن الجوزيّ: الجمهور يقرءون:(آيات)،و روى عطاء عن ابن عبّاس أنّه قرأ: (فيه آية بينة مقام ابراهيم) و بها قرأ مجاهد،و الآية:مقام إبراهيم.

فأمّا من قرأ(آيات)فقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه:الآيات:مقام إبراهيم،و أمن من دخله،فعلى هذا يكون الجمع معبّرا عن التّثنية،و ذلك جائز في اللّغة، كقوله تعالى: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78.

و قال أبو رجاء:كان الحسن يعدّهنّ و أنا أنظر إلى أصابعه: مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ... آل عمران:97.(1:426)

أبو حيّان: أي علامات واضحات؛منها مقام إبراهيم،و الحجر الّذي قام عليه،و الحجر الأسود، و هو من حجارة الكعبة،و هو يمين اللّه في الأرض يشهد لمن مسّه،و الحطيم،و زمزم،و أمن الخائف،و هيبته و تعظيمه في قلوب النّاس،و أمر الفيل،و رمي طير اللّه عنه بحجارة السّجّيل،و كفّ الجبابرة عنه على وجه الدّهر،و إذعان نفوس العرب لتوقير هذه البقعة دون ناه و لا زاجر،و جباية الأرزاق إليه،و هو بواد غير ذي زرع، و حمايته عن السّيول،و دلالة عموم المطر إيّاه من جميع جوانبه على خصب آفاق الأرض،فإن كان المطر من جانب أخصب الأفق الّذي يليه.

و ذكر مكّيّ و غيره:أنّ من آياته كون الطّير لا يعلو عليه.

قال ابن عطيّة: و هذا ضعيف و الطّير يعاين بعلوّه، و قد علته العقاب الّتي أخذت الحيّة المشرفة على جداره،و تلك كانت من آياته،انتهى.

و أيّ عبد علا عليه عتق،و تعجيل العقوبة لمن عتا فيه،و إجابة دعاء من دعا تحت الميزاب،و مضاعفة أجر المصلّي،و غير ذلك من الآيات.

و قوله: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ الضّمير في(فيه) عائد على البيت،فينبغي أن لا يذكر من الآيات إلاّ ما كان في البيت،لكنّهم توسّعوا في الظّرفيّة،إذ لا يمكن حملها على الحقيقة،لأنّه كان يلزم أنّ الآيات تكون داخل الجدران،

ص: 431

و وجه التّوسّع أنّ البيت وضع بحرمه و جميع فضائله، فهي فيه على سبيل المجاز،و لذلك عدّ المفسّرون آيات في الحرم و أشياء ممّا التزمت في شريعتنا من تحريم قطع شجره،و منع الاصطياد فيه.

و الّذي تعرّضت له الآية هو مقام إبراهيم،لأنّه آية باقية على مرّ الأعصار،و ذلك أنّه لمّا قام إبراهيم على حجر المقام وقت رفعه القواعد من البيت طال له البناء، فكلّما علا الجدار ارتفع الحجر به في الهواء.فما زال يبني و هو قائم عليه و إسماعيل يناوله الحجارة و الطّين حتّى كمل الجدار،ثمّ أراد اللّه إبقاء ذلك آية للعالمين ليّن الحجر فغرقت فيه قدما إبراهيم كأنّها في طين،فذلك الأثر باق إلى اليوم.و قد نقلت كافّة العرب ذلك في الجاهليّة على مرور الأعصار.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:7)

نحوه الآلوسيّ.(4:5)

الطّباطبائيّ: الآيات،و إن وصفت بالبيّنات و أفاد ذلك تخصّصا ما في الموصوف،إلاّ أنّها مع ذلك لا تخرج عن الإبهام،و المقام مقام بيان مزايا البيت و مفاخره الّتي بها يتقدّم على غيره في الشّرف،و لا يناسب ذلك إلاّ الإتيان ببيان واضح،و الوصف بما لا غبار عليه بالإبهام و الإجمال.و هذا من الشّواهد على كون قوله: مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ آل عمران:

97،بيانا لقوله: آياتٌ بَيِّناتٌ.

فالآيات هي:مقام إبراهيم،و تقرير الأمن فيه، و إيجاب حجّه على النّاس المستطيعين.

لكن لا كما يتراءى من بعض التّفاسير،من كون الجمل الثّلاث بدلا أو عطف بيان،من قوله:(آيات) لوضوح أنّ ذلك يحتاج إلى رجوع الكلام بحسب التّقدير،إلى مثل قولنا:هي مقام إبراهيم،و الأمن لمن دخله،و حجّه لمن استطاع إليه سبيلا.

و في ذلك إرجاع قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ سواء كان إنشاء أو إخبارا إلى المفرد بتقدير«أن»و إرجاع قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ و هي جملة إنشائيّة إلى الخبريّة،ثمّ عطفه على الجملة السّابقة و تأويلها إلى المفرد بذلك، أو بتقدير«أن»فيها أيضا،و كلّ ذلك ممّا لا يساعد عليه الكلام البتّة.

و إنّما سيقت هذه الجمل الثّلاث،أعني قوله: مَقامُ إِبْراهِيمَ إلخ،كلّ لغرض خاصّ من إخبار أو إنشاء حكم ثمّ تتبيّن بها الآيات،فتعطي فائدة البيان كما يقال:فلان رجل شريف هو ابن فلان،و يقري الضّيف،و يجب علينا أن نتّبعه.(3:352)

حسنين مخلوف: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ على حرمته و مزيد فضله،منها:أنّ الآمر ببنائه الرّبّ الجليل، و بانيه إبراهيم الخليل،و هو مهبط الخيرات و مصعد الطّاعات.

و منها:الحجر الأسود،و الحطيم،و زمزم،و المشاعر كلّها،و مقام إبراهيم و هو الحجر الّذي قام عليه أثناء البناء.

و منها:إهلاك من قصده من الجبابرة بسوء، كأصحاب الفيل و غيرهم.و عدم تعرّض ضواري السّباع للصّيود فيه.

و منها:أمن من دخله.(118)

ص: 432

3- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ... الإسراء:101

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: عن صفوان بن عسّال أنّ يهوديّا قال لصاحبه:تعال حتّى نسأل هذا النّبيّ،فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسأله عن هذه الآية،فقال:«هو أن لا تشركوا باللّه شيئا، و لا تسرقوا،و لا تزنوا،و لا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ،و لا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله، و لا تسحروا،و لا تأكلوا الرّبا،و لا تقذفوا المحصنة، و لا تولّوا الفرار يوم الزّحف،و عليكم خاصّة يا يهود أن لا تعتدوا في السّبت»فقبّل يده و قال:أشهد أنّك نبيّ.(الطّبرسيّ 3:444)

ابن عبّاس: التّسع الآيات البيّنات:يده،و عصاه، و لسانه،و البحر،و الطّوفان،و الجراد،و القمّل، و الضّفادع،و الدّم،آيات مفصّلات.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 15:171)

يد موسى،و عصاه،و الطّوفان،و الجراد،و القمّل، و الضّفادع،و الدّم،و السّنين،و نقص من الثّمرات.

(الطّبريّ 15:172)

مثله الشّعبيّ،و عكرمة(الطّبريّ 15:171)، و مجاهد،و قتادة(الآلوسيّ 15:182).

الحسن: في قوله: تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ، وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ..

الأعراف:130،هذه آية واحدة،و الطّوفان،و الجراد، و القمّل،و الضّفادع،و الدّم،و يد موسى،و عصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين،و إذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون.(الطّبريّ 15:172)

الإمام الباقر عليه السّلام: الطّوفان،و الجراد،و القمّل، و الضّفادع،و الدّم،و الحجر،و البحر،و العصا،و يده.

مثله الإمام الصّادق عليه السّلام.(العروسيّ 3:229)

مثله الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:444)

ابن كعب القرظيّ: سألني عمر بن عبد العزيز عن قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فقلت له:

هي الطّوفان،و الجراد،و القمّل،و الضّفادع،و الدّم، و البحر،و عصاه،و الطّمسة،و الحجر.فقال:و ما الطّمسة؟ فقلت:دعا موسى و أمّن هارون،فقال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما يونس:89.(الطّبريّ 15:171)

الإمام الكاظم عليه السّلام: سألني نفر من اليهود عن الآيات التّسع الّتي أوتيها موسى بن عمران عليه السّلام؟فقلت:

العصا،و إخراجه يده من جيبه بيضاء،و الجراد،و القمّل، و الضّفادع،و الدّم،و رفع الطّور،و المنّ و السّلوى آية واحدة،و فلق البحر.قالوا:صدقت.

(العروسيّ 3:229)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه الصّلاة و السّلام.

أحدها:أنّ اللّه تعالى أزال العقدة من لسانه،قيل في التّفسير:ذهبت العجمة و صار فصيحا.

و ثانيها:انقلاب العصا حيّة.

و ثالثها:تلقّف الحيّة حبالهم و عصيّهم مع كثرتها.

و رابعها:اليد البيضاء،و خمسة أخر و هي:الطّوفان، و الجراد،و القمّل،و الضّفادع،و الدّم.

و العاشر:شقّ البحر،و هو قوله: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ

ص: 433

الْبَحْرَ... البقرة:50.

و الحادي عشر:الحجر،و هو قوله: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ... البقرة:60.

الثّاني عشر:إظلال الجبل،و هو قوله تعالى: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ الأعراف:171.

و الثّالث عشر:إنزال المنّ و السّلوى عليه و على قومه.

و الرّابع عشر و الخامس عشر:قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ الأعراف:130.

و السّادس عشر:الطّمس على أموالهم من النّحل و الدّقيق و الأطعمة و الدّراهم و الدّنانير.روي أنّ عمر بن عبد العزيز سأل محمّد بن كعب عن قوله: تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فذكر محمّد بن كعب في مسألة«التّسع»حلّ عقدة اللّسان و الطّمس،فقال عمر بن عبد العزيز:هكذا يجب أن يكون الفقيه،ثمّ قال:يا غلام أخرج ذلك الجراب فأخرجه فنفضه،فإذا فيه بيض مكسور نصفين، و جوز مكسور،و فول (1)و حمّص (2)و عدس،كلّها حجارة.

إذا عرفت هذا،فنقول:إنّه تعالى ذكر في القرآن هذه المعجزات السّتّة عشر لموسى عليه الصّلاة و السّلام و قال في هذه الآية: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ و تخصيص«التّسعة»بالذّكر لا يقدح فيه ثبوت الزّائد عليه،لأنّا بيّنّا في أصول الفقه أنّ تخصيص العدد بالذّكر لا يدلّ على نفي الزّائد،بل نقول:إنّما يتمسّك في هذه المسألة بهذه الآية.

ثمّ نقول:أمّا هذه التّسعة فقد اتّفقوا على سبعة منها، و هي:العصا،و اليد،و الطّوفان،و الجراد،و القمّل، و الضّفادع،و الدّم،و بقي الاثنان.و لكلّ واحد من المفسّرين قول آخر فيهما،و لمّا لم تكن تلك الأقوال مستندة إلى حجّة ظنّيّة فضلا عن حجّة يقينيّة،لا جرم تركت تلك الرّوايات.

و في تفسير قوله تعالى: تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ أقوال،أجودها ما روى صفوان بن عسّال أنّه قال:إنّ يهوديّا قال لصاحبه:اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله عن تسع آيات إلخ.[قد تقدّم في قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]

(21:64)

نحوه القرطبيّ(10:336)،و النّيسابوريّ(15:

89)،و المراغيّ(15:103).

الآلوسيّ: [فيه مباحث مستوفى فلاحظ]

(15:182)

الطّباطبائيّ: الّذي أوتي موسى عليه السّلام من الآيات على ما يقصّه القرآن أكثر من تسع،غير أنّ الآيات الّتي أتى بها لدعوة فرعون فيما يذكره القرآن تسع،و هي:

العصا،و اليد،و الطّوفان،و الجراد،و القمّل و الضّفدع، و الدّم،و السّنون،و نقص من الثّمرات،فالظّاهر أنّها هي المرادة بالآيات التّسع المذكورة في الآية،و خاصّة مع ما فيها من محكيّ قول موسى لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ..

الإسراء:102.

ص: 434


1- باقلاّ.
2- حبّ معروف.

و أمّا غير هذه الآيات كالبحر و الحجر،و إحياء المقتول بالبقرة،و إحياء من أخذته الصّاعقة من قومه،ف.

و نتق الجبل فوقهم،و غير ذلك،فهي خارجة عن هذه التّسع المذكورة في الآية.

و لا ينافي ذلك كون الآيات إنّما ظهرت تدريجا،فإنّ هذه المحاورة مستخرجة عن مجموع ما تخاصم به موسى و فرعون،طول دعوته.

فلا عبرة بما ذكره بعض المفسّرين،مخالفا لما عدّدناه، لعدم شاهد عليه.

و في التّوراة أنّ«التّسع»هي العصا،و الدّم و الضّفادع،و القمّل،و موت البهائم،و برد كنار أنزل مع نار مضطرمة،أهلكت ما مرّت به من نبات و حيوان، و الجراد،و الظّلّة،و موت عمّ كبار الآدميّين و جميع الحيوانات.

و لعلّ مخالفة التّوراة لظاهر القرآن في«الآيات التّسع»هي الموجبة لترك تفصيل الآيات التّسع في الآية،ليستقيم الأمر بالسّؤال من اليهود،لأنّهم مع صريح المخالفة لم يكونوا ليصدّقوا القرآن،بل كانوا يبادرون إلى التّكذيب قبل التّصديق.(13:218)

مكارم الشّيرازيّ:حوت المعجزات التّسع الّتي وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة لموسى عليه السّلام،منها:

1-تبديل العصا حيّة عظيمة،بلعت معدّاتهم فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:20.

2-بياض يد موسى أو تلألؤها كتلألؤ النّور وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:22.

3-إرسال الطّوفان العظيم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ... الأعراف:133.

4-تسليط الجراد على الزّرع و الشّجر،و استفحال الآفات الزّراعيّة وَ الْجَرادَ... الأعراف:133.

5-انتشار القمّل،و هي نوع من الآفات الزّراعيّة الّتي تتلف الغلاّت و المحاصيل وَ الْقُمَّلَ... الأعراف:

133.

6-هجوم الضّفادع الّتي خرجت من نهر النّيل، و تكاثرت بسرعة مذهلة،فكدّرت عيشهم،و أوجدت مشاكل لهم وَ الضَّفادِعَ... الأعراف:133.

7-إرسال الدّم،أو ابتلاؤهم قاطبة بالرّعاف، أو تلوين ماء النّيل باللّون الأحمر،فكان لا يصلح للشّرب و الزّراعة وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ الأعراف:

133.

8-انفلاق البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل المرور خلاله وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ البقرة:50.

9-نزول المنّ و السّلوى،و قد تقدّم شرحهما في الصّفحة«178»من الجزء الأوّل وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى البقرة:57.

10-انفجار العيون من الحجر فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً...

البقرة:60.

11-رفع قسم من الجبل و جعله كالظّلّة فوق رءوسهم وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ...

الأعراف:171.

ص: 435

12-الإصابة بالقحط و الجدب و نقص الثّمار وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلثَّمَراتِ.. الأعراف:130.

13-إحياء المقتول الّذي سبّب قتله وقوع الخلاف بين بني إسرائيل فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى البقرة:73.

14-تسخير السّحاب و تظليلهم به عن الحرارة الشّديدة في الصّحراء،بما يشبه المعجزة وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ البقرة:57.

و لكن،ما هو المراد من«المعاجز التّسع»الّتي أشير إليها في الآيات المذكورة؟

تدلّ الألفاظ و العبارات الّتي استعملت في هذه الآيات على أنّ المراد من المعجزات المتعلّقة بفرعون و أتباع الضّلال غير مختصّة ببني إسرائيل بالذّات،مثل:

نزول المنّ و السّلوى،و انفجار العيون من الحجر، و أمثالهما.

و على هذا يمكن القول بأنّ الموارد الخمسة الّتي وردت في الآية«133»من سورة الأعراف و هي:

الطّوفان،و الآفات الزّراعيّة،و الجراد،و تكاثر الضّفادع، و نزف الدّم،هي جزء من«المعاجز التّسع»،كما أنّ معجزتي موسى عليه السّلام المعروفتين،و هما قضيّتا العصا و اليد البيضاء من هذه«المعاجز التّسع»بلا شكّ،لا سيّما قد جاء ذكر هذه العبارة في تسع آيات في سورة النّمل:10-12،بعد بيان المعجزتين العظيمتين.

و مجموع هذه المعاجز هو سبعة أمور خارقة للعادة، فما هما المعجزتان الأخريان؟

لا شكّ أنّ غرق أتباع فرعون و من شاكلهم لا يمكن أن يكون من هذه المعاجز؛لأنّ الغرض من إتيان المعاجز هو هدايتهم لا إهلاكهم.و لو أمعنّا النّظر في آيات سورة الأعراف الّتي ورد فيها كثير من هذه الآيات،لوجدنا أنّ المراد من هاتين المعجزتين هما:القحط و نقص الثّمار؛ إذ قد جاء فيها بعد ذكر معجزتي العصا و اليد البيضاء، و قبل سرد سائر المعاجز الخمس:الطّوفان،و الجراد...

وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ.

و يظنّ بعض أنّ القحط ليس منفصلا عن نقص الثّمرات؛فيعدّونهما ظاهرة واحدة.بيد أنّ الجدب القصير الأجل يترك أثرا طفيفا في الأشجار،أمّا الطّويل الأجل فإنّه يؤدّي إلى القضاء على الأشجار،فالجدب وحده إذا لا يكون دائما سببا في القضاء على الثّمار، و قد تقدّم تفسير ذلك في الآية«130»من سورة الأعراف.

و يظهر ممّا تقدّم أنّ«نقص الثّمرات»يمكن أنّه قد حدث بفعل آفات أخرى و ليس بفعل الجدب.

فنستنتج من ذلك أنّ«المعاجز التّسع»الخارقة للعادة،المشار إليها في الآيات المذكورة،هي:العصا، و اليد البيضاء،و الطّوفان،و الجراد،و من الآفات الزّراعيّة يدعى القمّل،و تكاثر الضّفادع،و الرّعاف، و الجدب و القحط.

و قد ورد في نفس سورة الأعراف:136،بعد ذكر الآيات التّسع فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ.

ص: 436

و من الجدير بالذّكر أنّه وردت في كتب الحديث روايات في تفسير هذه الآية،إلاّ أنّها متضاربة، فلا نستطيع أن نحتكم إليها و نطمئنّ بها.(12:309)

و بهذا المعنى جاء تفسير آية(12)من سورة النّمل.

4- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. النّور:1

أبو مسلم الأصفهانيّ: يجوز أن تكون«الآيات البيّنات»ما ذكر فيها من الحدود و الشّرائع،كقوله:

رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا مريم:10،سأل ربّه أن يفرض عليه عملا.

(الفخر الرّازيّ 23:130)

عبد الجبّار: إنّ السّورة كما اشتملت على عمل الواجبات فقد اشتملت على كثير من المباحثات،بأن بيّنها اللّه تعالى.و لمّا كان بيانه سبحانه لها مفصّلا،وصف الآيات بأنّها«بيّنات».(الفخر الرّازيّ 23:130)

الطّوسيّ: فمعنى الآيات:الدّلالات على ما يحتاج إلى علمه،ممّا قد بيّنه اللّه في هذه السّورة،و نبّه على ذلك من شأنها لينظر فيه طالب العلم،و يفوز ببغيته منه.

(7:404)

الميبديّ: دلالات واضحات على وحدانيّتنا و حكمتنا،و على ما بيّنّا فيها من الأحكام.(6:482)

نحوه الطّبرسيّ.(4:124)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ... ففيه وجوه:

أحدها:أنّه سبحانه ذكر في أوّل السّورة أنواعا من الأحكام و الحدود،و في آخرها دلائل التّوحيد،فقوله:

وَ فَرَضْناها إشارة إلى الأحكام الّتي بيّنها أوّلا ثمّ قوله: وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ.. إشارة إلى ما بيّن من دلائل التّوحيد.

و الّذي يؤكّد هذا التّأويل قوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فإنّ الأحكام و الشّرائع ما كانت معلومة لهم ليؤمروا بتذكيرها.و أمّا دلائل التّوحيد فقد كانت كالمعلومة لهم لظهورها،فأمروا بتذكيرها.[و ثانيها و ثالثها قول أبي مسلم و عبد الجبّار و قد تقدّم](23:130)

أبو حيّان: وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ.. أمثالا و مواعظ و أحكاما ليس فيها مشكل يحتاج إلى تأويل.(6:427)

البروسويّ: هي الآيات الّتي نيطت بها الأحكام المفروضة،كما هو الظّاهر،لا مجموع الآيات.(6:114)

الآلوسيّ:يحتمل أن يراد بها الآيات الّتي نيطت بها الأحكام المفروضة،و أمر الظّرفيّة عليه ظاهر،و معنى كونها بيّنات وضوح دلالتها على أحكامها،لا على معانيها مطلقا،لأنّها أسوة لأكثر الآيات في ذلك.

و يحتمل أن يراد بها جميع آيات السّورة،و الظّرفيّة حينئذ باعتبار اشتمال الكلّ على كلّ واحد من أجزائه، و معنى كونها(بيّنات)أنّها لا إشكال فيها يحوج إلى تأويل،كبعض الآيات.(18:75)

الطّباطبائيّ: المراد بها بشهادة السّياق:آية النّور و ما يتلوها من الآيات المبيّنة لحقيقة الإيمان و الكفر و التّوحيد و الشّرك،المذكّرة لهذه المعارف الإلهيّة.

(15:78)

ص: 437

الصّابونيّ: الآيات:جمع آية،و هي قد ترد بمعنى الآية القرآنيّة،و قد ترد بمعنى العلامة،أو الشّاهد على القدرة الإلهيّة،مثل قوله تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ.. يس:37،و قوله: وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ.. الشّورى:32.[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى(بيّنات)أي واضحات،فإن أريد بالآيات:

الآيات القرآنيّة،كان المعنى أنّها واضحات الدّلالة على أحكامها،مثل الآيات الّتي فيها أحكام الزّنى،و القذف، و اللّعان،و غيرها.

و إن أريد بالآيات:الآيات الكونيّة،كان المعنى أنّها واضحات الدّلالة على وحدانيّة اللّه،و كمال قدرته،مثل التّأليف بين السّحاب،و وميض البرق و لمعانه،و تقليب اللّيل و النّهار،و اختلاف المخلوقات في أشكالها،و هيئاتها، و طبائعها،مع اتّحاد المادّة الّتي خلقت منها،الى غير ما هنالك من أدلّة التّوحيد و شواهد القدرة.(2:8)

5- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الحديد:9

الطّوسيّ: أي حججا و أدلّة واضحة و براهين نيّرة.

(9:522)

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّ المراد بها آيات القرآن، و قيل:المعجزات.(27:171)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:152)

مكارم الشّيرازيّ: بعض المفسّرين فسّروا آياتٍ بَيِّناتٍ بأنّها«جميع المعجزات»و البعض الآخر بأنّها«القرآن».و لكن مفهوم الآية فضلا عن أنّه يشمل كلّ ما ذكروا،فهو أوسع من ذلك.

و قد عبّر سبحانه ب(الإنزال)و هو مناسب للقرآن الّذي مزّق ستائر الظّلام و الكفر و الضّلال و الجهل عن الإنسان،و أسطع في قلبه شمس الإيمان و المعرفة.

(23:318)

آيات

6- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. يونس:1

أبو عبيدة:و مجاز(آيات)مجاز أعلام الكتاب و عجائبه،و آياته أيضا:فواصله.و العرب يخاطبون بلفظ الغائب،و هم يعنون الشّاهد.(1:273)

الطّوسيّ: و إنّما أضيفت الآيات إلى(الكتاب)لأنّها أبعاض الكتاب،كما أنّ السّورة أبعاضه،و كذلك محكمه و متشابهه،و أسماؤه،و صفاته،و وعده و وعيده،و أمره و نهيه،و حلاله و حرامه.

و الآية:العلامة الّتي تنبئ عن مقطع الكلام من جهة مخصوصة،و القرآن مفصّل بالآيات،مضمّن بالحكم النّافية للشّبهات.(5:382)

الطّباطبائيّ: الآية،و معناها العلامة،و إن كان من الجائز أن يسمّى بها ما هو من قبيل المعاني أو الأعيان الخارجيّة،كما في قوله: أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ.. الشّعراء:197،و في قوله:

وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91،و كذا ما هو من قبيل القول،كما في قوله ظاهرا: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ.. النّحل:101،و نحو ذلك.لكنّ المراد ب(الآيات)هاهنا هي أجزاء الكلام الإلهيّ قطعا،فإنّ

ص: 438

الكلام في الوحي النّازل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو كلام متلوّ مقروء بأيّ معنى من المعاني صوّرنا نزول الوحي.

فالمراد بالآيات:أجزاء الكتاب الإلهيّ،و تتعيّن في الجملة من جهة المقاطع الّتي تفصل الآيات بعضها من بعض،مع إعانة ما من ذوق التّفاهم،و لذلك ربّما وقع الخلاف في عدد آيات بعض السّور بين علماء الإحصاء، كالكوفيّين و البصريّين و غيرهم.(10:7)

7- لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ.

يوسف:7

الطّبريّ: يعني عبر و ذكر.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (آياتٌ لِلسّائِلِينَ...) فقرأته عامّة قرّاء الأمصار(آيات)على الجماع.و روي عن مجاهد و ابن كثير:أنّهما قرءا ذلك على التّوحيد.

و الّذي هو أولى القراءتين بالصّواب،قراءة من قرأ ذلك على الجماع،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.

(12:154)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير: (آية للسائلين) أي عبرة، و حجّته قوله: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ.. يوسف:

111،و لم يقل:عبر،كأنّه جلّ شأنه كلّه آية،كما قال جلّ و عزّ: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً.. المؤمنون:

50،فأفرد كلّ واحد منهما آية.

و قرأ الباقون: آياتٌ لِلسّائِلِينَ على الجمع،أي عبر؛جعلوا كلّ حال من أحوال يوسف آية و عبرة.

و حجّتهم في ذلك أنّها كتبت في المصحف بالتّاء.(355)

مثله الطّبرسيّ.(3:210)

الطّوسيّ: [قال مثل أبو زرعة و أضاف:]

و من جمع جعل كلّ واحد من أحواله آية،و من جمع على ذلك،على أنّ المفرد المنكّر في الإيجاب يقع دالاّ على الكثرة،كما يكون ذلك في غير الإيجاب.[إلى أن قال:]

و وجه الآية في يوسف و إخوته أنّهم نالوه للحسد بالأذى،مع أنّهم أولاد الأنبياء يعقوب و إسحاق و إبراهيم،فصفح و عفا،و أحسن و رجع إلى الأولى،و كان ذلك خروجا عن العادات.(6:99)

الميبديّ: أي علامات و دلالات تدلّ على صنع اللّه،و لطائف أفعاله،و عجائب حكمته.

و قرأ أهل مكّة (آية) أي عبرة و عظة و عجب،و ذلك أنّ اليهود سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قصّة يوسف، فأخبرهم بها كما في التّوراة،فعجبوا منه،و قالوا:من أين لك هذا يا محمّد؟فقال:علّمنيه ربّي للسّائلين و لغيرهم.

(5:9)

نحوه البروسويّ(4:217)،و النّسفيّ(2:212).

الزّمخشريّ: علامات و دلائل على قدرة اللّه و حكمته في كلّ شيء.

و قيل:آيات على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم للّذين سألوه من اليهود عنها،فأخبرهم بالصّحّة من غير سماع من أحد، و لا قراءة كتاب.و قرئ(آية)،و في بعض المصاحف (عبرة).(2:304)

نحوه أبو حيّان(5:282)،و البيضاويّ(1:488)، و القاسميّ(9:3513).

الفخر الرّازيّ: قرأ ابن كثير (آية) بغير ألف،حمله على شأن يوسف،و الباقون(آيات)على الجمع،لأنّ أمور

ص: 439

يوسف كانت كثيرة،و كلّ واحد منها آية بنفسه.

ذكروا في تفسير قوله تعالى: آياتٌ لِلسّائِلِينَ وجوها:

الأوّل:قال ابن عبّاس:دخل حبر من اليهود على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فسمع منه قراءة يوسف،فعاد إلى اليهود فأعلمهم أنّه سمعها منه كما هي في التّوراة،فانطلق نفر منهم فسمعوا كما سمع،فقالوا له:من علّمك هذه القصّة؟فقال:اللّه علّمني،فنزل لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ...

و هذا الوجه عندي بعيد،لأنّ المفهوم من الآية أنّ في واقعة يوسف آيات للسّائلين و على هذا الوجه الّذي نقلناه ما كانت الآيات في قصّة يوسف،بل كانت الآيات في إخبار محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم عنها من غير سبق تعلّم،و لا مطالعة، و بين الكلامين فرق ظاهر.

و الثّاني:أنّ أهل مكّة أكثرهم كانوا أقارب الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،و كانوا ينكرون نبوّته،و يظهرون العداوة الشّديدة معه بسبب الحسد،فذكر اللّه تعالى هذه القصّة،و بيّن أنّ إخوة يوسف بالغوا في إيذائه لأجل الحسد،و بالآخرة فإنّ اللّه تعالى نصره و قوّاه،و جعلهم تحت يده و رايته.و مثل هذه الواقعة إذا سمعها العاقل كانت زجرا له عن الإقدام على الحسد.

و الثّالث:أنّ يعقوب لمّا عبّر رؤيا يوسف وقع ذلك التّعبير،و دخل في الوجود بعد ثمانين سنة،فكذلك أنّ اللّه تعالى لمّا وعد محمّدا عليه الصّلاة و السّلام بالنّصر و الظّفر على الأعداء،فإذا تأخّر ذلك الموعود مدّة من الزّمان لم يدلّ ذلك على كون محمّد عليه الصّلاة و السّلام كاذبا فيه،فذكر هذه القصّة نافع من هذا الوجه.

الرّابع:أنّ إخوة يوسف بالغوا في إبطال أمره،و لكنّ اللّه تعالى،لمّا وعده بالنّصر و الظّفر كان الأمر كما قدّره اللّه تعالى لا كما سعى فيه الأعداء،فكذلك واقعة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فإنّ اللّه لمّا ضمن له إعلاء الدّرجة لم يضرّه سعي الكفّار في إبطال أمره.(18:92)

القرطبيّ: قرأ أهل مكّة (آية) على التّوحيد، و اختار أبو عبيد(آيات)على الجمع،قال:لأنّها خير كثير.

قال النّحّاس: و (آية) هنا قراءة حسنة،أي لقد كان للّذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبّروا به،لأنّهم سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو بمكّة،فقالوا:أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشّام أخرج ابنه إلى مصر،فبكى عليه حتّى عمى؟و لم يكن بمكّة أحد من أهل الكتاب،و لا من يعرف خبر الأنبياء،و إنّما وجّه اليهود إليه من المدينة يسألونه عن هذا،فأنزل اللّه عزّ و جلّ سورة«يوسف» جملة واحدة،فيها كلّ ما في التّوراة من خبر و زيادة، فكان ذلك آية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بمنزلة إحياء عيسى بن مريم عليه السّلام الميّت.(آيات):موعظة،و قيل:عبرة.و روي أنّها في بعض المصاحف عبرة.

و قيل:بصيرة،و قيل:عجب،تقول:فلان آية في العلم و الحسن،أي عجب.(9:129)

الآلوسيّ: [ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و جمع الآيات حينئذ قيل:للإشعار بأنّ اقتصاص كلّ طائفة من القصّة آية بيّنة،كافية في الدّلالة على نبوّته صلّى اللّه عليه و سلّم،و قيل:لتعدّد جهة الإعجاز لفظا و معنى.

ص: 440

و زعم بعض الجلّة أنّ الآية من باب الاكتفاء،و المراد آيات للّذين يسألون و الّذين لا يسألون.و نظير ذلك

قوله سبحانه: سَواءً لِلسّائِلِينَ فصّلت:10،و حسن ذلك لقوّة دلالة الكلام على المحذوف.(12:189)

8- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. الحجر:75

الإسكافيّ: للسّائل أن يسأل فيقول:لأيّ معنى جمع الآية في القصّة الّتي وحّدها فيها بعد،فقال: لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ثمّ قال: لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ؟ الحجر:77، و هل كانت«الآيات»لو ذكرت في الثّانية،و«الآية» لو ذكرت في الأولى ممّا يكون في اختيار الكلام؟

الجواب أن يقال في ذلك قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ إشارة إلى ما قصّ من حديث لوط و ضيف إبراهيم،و تعرّض قوم لوط لهم طمعا فيهم،و ما كان من أمرهم آخرا من إهلاك الكفّار،و قلب المدينة على من فيها،و إمطار الحجارة على من غاب عنها.و هذه أشياء كثيرة في كلّ واحد منها آية،و في جميعها آيات لمن يتوسّم،أي لمن يتدبّر السّمة،و هي ما وسم اللّه تعالى به العاصين من عباده،ليستدلّوا بها على حال من عند عن عبادته فتجنّبها،و كان ذكر الآيات هاهنا أولى و أشبه بالمعنى.

و أمّا قوله: وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:76،77،أي تلك المدينة المقلوبة ثابتة الآثار،مقيمة للنّظّار،فكأنّها بمرأى العيون لبقاء آثارها،و هذه واحدة من تلك الآيات،فلذلك جاء عقبها: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ. (252)

الكرمانيّ: قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ الحجر:75،بالجمع و بعدها: لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:

77،على التّوحيد[ثمّ ذكر قول الإسكافيّ و قال:]

ما جاء من«الآيات»فلجمع الدّلائل،و ما جاء من «الآية»فلوحدانيّة المدلول عليه،فلمّا ذكر عقيبه «المؤمنون»و هم المقرّون بوحدانيّة اللّه تعالى و حدّ الآية، و ليس لها نظير في القرآن إلاّ في«العنكبوت»،و هو قوله تعالى: خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ العنكبوت:44،فوحّد بعد ذكر الجمع، لما ذكرت.(108)

الطّباطبائيّ: الآية:العلامة،و المراد بالآيات أوّلا:

العلامات الدّالّة على وقوع الحادثة من بقايا الآثار، و بالآية ثانيا:العلامة الدّالّة للمؤمنين على حقّيّة الإنذار،و الدّعوة الإلهيّة.(12:185)

9- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ وَ لِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. العنكبوت:23

الميبديّ: الآية:كلمات من كتاب اللّه،و الجمع آيات،و الأدلّة على اللّه من خلقه آيات.و إذا لم تضف إلى«الكتاب»تناولت الأدلّة دون آيات القرآن.

و الكفر بآيات اللّه:ألاّ يستدلّ بها عليه،و تنسب إلى غير اللّه،و يجحد موضع النّعمة فيها،و الكفر بلقاء اللّه:

جحود الورود عليه،و قيام السّاعة،و إنكار الحساب و الجنّة و النّار.(7:386)

الزّمخشريّ: بدلائله على وحدانيّته،و كتبه و معجزاته و لقائه و البعث.(3:203)

ص: 441

القرطبيّ: أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلّة و الأعلام.(13:337)

الآلوسيّ: أي بدلائله التّكوينيّة و التّنزيليّة، الدّالّة على ذاته و صفاته و أفعاله،فيدخل فيها النّشأة الأولى الدّالّة على صحّة البعث،و الآيات النّاطقة به دخولا أوّليّا،و تخصيصها بدلائل وحدانيّته تعالى، لا يناسب المقام.(20:149)

الطّباطبائيّ: و المراد بآيات اللّه على ما يفيده إطلاق اللّفظ:جميع الأدلّة الدّالّة على الوحدانيّة و النّبوّة و المعاد من الآيات الكونيّة و المعجزات النّبويّة و منها القرآن،فالكفر بآيات اللّه يشمل بعمومه الكفر بالمعاد، فذكر الكفر باللّقاء و هو المعاد بعد الكفر بالآيات،من ذكر الخاصّ بعد العامّ؛و الوجه فيه الإشارة إلى أهمّيّة الإيمان بالمعاد؛إذ مع إنكار المعاد يلغو أمر الدّين الحقّ من أصله،و هو ظاهر.(16:119)

10- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. العنكبوت:24

الإسكافيّ: قوله تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ و قال بعده:

خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ العنكبوت:44.

للسّائل أن يسأل فيقول:قال في إنجاء إبراهيم عليه السّلام من النّار: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ و قال في خلق السّماوات و الأرض: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فوحّد الآية هنا و جمعها هناك،و الآيات في خلق السّماوات و الأرض أكثر منها في تخليص إبراهيم عليه السّلام من النّار.

و الجواب:أن يقال:إذا أخبر اللّه تعالى عن المؤمنين في كتابه،فهو متناول من كان في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هم محدودون،و إذا قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فهو لأقوام لم يتناهوا،فكلّ من يؤمن إلى يوم القيامة منهم و داخل فيهم،و لكلّ دلالة و أمارة بيّنة؛فجمعت لعدّتهم الّتي لم تتناه.

و لمّا قال في خلق السّماوات و الأرض:«آية للمؤمنين»و هم جماعة واحدة محصور عددهم،و الآية الواحدة تجمعهم،باين الخبر عنهم الخبر عمّن وجد و عمّن لم يوجد أكثرهم،فاختلفت بهم الدّلالات و جمعت لهم الآيات لانتشار أعدادهم و تباين إمدادهم فاختلف الموضعان لذلك.(353)

الكرمانيّ: قوله: فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ... العنكبوت:24،و قال بعد: خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ العنكبوت:

44،فجمع الأولى و وحّد الثّانية،لأنّ الأولى إشارة إلى إثبات النّبوّة و في النّبيّين صلوات اللّه عليهم كثرة،و الثّاني إشارة إلى التّوحيد،و هو سبحانه واحد لا شريك له.

(153)

الفخر الرّازيّ: يعني في إنجائه من النّار لآيات،و هنا مسائل:

المسألة الأولى:قال في إنجاء نوح و أصحاب السّفينة:

وَ جَعَلْناها آيَةً العنكبوت:15،و قال هاهنا:(لآيات)

ص: 442

بالجمع،لأنّ الإنجاء بالسّفينة شيء تتّسع له العقول فلم يكن فيه من الآيات إلاّ بسبب إعلام اللّه إيّاه بالاتّخاذ وقت الحاجة،فإنّه لولاه لما اتّخذه،لعدم حصول علمه بما في الغيب،و بسبب أنّ اللّه صان السّفينة عن المهلكات كالرّياح العاصفة،و أمّا الإنجاء من النّار فعجيب،فقال فيه:(آيات).

المسألة الثّانية:قال هناك: آيَةً لِلْعالَمِينَ و قال هاهنا: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خصّ الآيات بالمؤمنين،لأنّ السّفينة بقيت أعواما حتّى مرّ عليها النّاس و رأوها، فحصل العلم بها لكلّ أحد،و أمّا تبريد النّار فإنّه لم يبق فلم يظهر لمن بعده إلاّ بطريق الإيمان به و التّصديق،و فيه لطيفة.

و هي أنّ اللّه لمّا برّد النّار على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه و هدايته لأبناء جنسه-و قد قال اللّه للمؤمنين بأنّ لهم أسوة حسنة في إبراهيم-فحصل للمؤمنين بشارة بأنّ اللّه يبرّد عليهم النّار يوم القيامة،فقال:إنّ في ذلك التّبريد لآيات لقوم يؤمنون.

المسألة الثّالثة:قال هناك: جَعَلْناها و قال هاهنا:

فَأَنْجاهُ لأنّ السّفينة ما صارت آية في نفسها،و لو لا خلق اللّه الطّوفان لبقي فعل نوح سفها،فاللّه تعالى جعل السّفينة بعد وجودها آية،و أمّا تبريد النّار فهو في نفسه آية،إذا وجدت لا تحتاج إلى أمر آخر،كخلق الطّوفان حتّى يصير آية.(25:53)

البيضاويّ: هي حفظه من أذى النّار،و إخمادها مع عظمها في زمان يسير،و إنشاء روض مكانها.(2:207)

مثله الآلوسيّ.(20:150)

النّيسابوريّ: جمع الآية لعظم تلك الحالة،كقوله:

إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً... النّحل:120،أو لأنّها مشتملة على أحوال عجيبة كالرّمي من المنجنيق،من غير أن لحق به ضرر،و كما يروى أنّ النّار صارت عليه روحا و ريحانا إلى غير ذلك.

و إنّما قال في قصّة نوح عليه السّلام: وَ جَعَلْناها آيَةً و لم يذكر«الجعل»هاهنا،لأنّ الخلاص من مثل تلك النّار آية في نفسه،و أمّا السّفينة فقد جعلها اللّه آية بأن أحدث الطّوفان و صانها عن الغرق.و يمكن أن يقال:إنّ الصّون عن النّار أعجب من الصّون عن الماء،فلذلك وحّد الآية هناك و جمعها هاهنا.

و إنّما قال هناك: آيَةً لِلْعالَمِينَ و هاهنا: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأنّ تلك السّفينة بقيت أعواما حتّى مرّ عليها النّاس و رأوها،فحصل العلم بها لكلّ أحد،أو نقول:جنس السّفينة حصلت بعد ذلك فيما بين النّاس فكانت آية للعالمين.و أمّا تبريد النّار فلم يبق من ذلك أثر،فلم يظهر لمن بعده إلاّ بطريق الإيمان به.(20:89)

أبو حيّان: و جمع هنا فقال:«الآيات»لأنّ الإنجاء من النّار و جعلها بردا و سلاما،و أنّها في الحبل الّذي كانوا أوثقوه به دون الجسم،و إن صحّ ما نقل من أنّ مكانها حالة الرّمي صار بستانا يانعا هو مجموع آيات،فناسب الجمع؛بخلاف الإنجاء من السّفينة،فإنّه آية واحدة.

(7:147)

الآيات

ص: 443

1- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ. يوسف:35

ابن عبّاس: القميص من الآيات،و شهادة الشّاهد من الآيات،و قطع الأيدي من الآيات،و إعظام النّساء إيّاه من الآيات.(القرطبيّ 9:186)

كان من الآيات قدّ في القميص،و خمش في الوجه.

مثله عكرمة،و نحوه مجاهد.(الطّبريّ 12:212)

الإمام الباقر عليه السّلام: الآيات:شهادة الصّبيّ و القميص المخرق من دبر،و استباقهما الباب حتّى سمع مجاذبتها إيّاه على الباب،فلمّا عصاها،لم تزل مولعة بزوجها حتّى حبسه.(العروسيّ 2:424)

قتادة: الآيات:حزّهنّ أيديهنّ،و قدّ القميص.

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 12:212)

ابن إسحاق: ببراءته ممّا اتّهم به من شقّ قميصه من دبر.(الطّبريّ 12:213)

الطّبريّ: ببراءته ممّا قذفته به امرأة العزيز،و تلك الآيات كانت:قدّ القميص من دبر،و خمشا في الوجه، و قطع أيديهنّ.(12:212)

الماورديّ:جماله و عفّته.(ابن الجوزيّ 4:221)

الطّوسيّ: هو قطع الأيدي و الاستعظام،و قدّ القميص.(6:137)

الطّبرسيّ: أراد بالآيات:العلامات الدّالّة على براءة يوسف.و قيل:يريد بالآيات:العلامات الدّالّة على الإياس.(3:232)

الفخر الرّازيّ: و المراد من الآيات:براءته بقدّ القميص من دبر،و خمش الوجه،و إلزام الحكم إيّاها بقوله: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يوسف:28، و ذكرنا أنّه ظهرت هناك أنواع أخر من الآيات بلغت مبلغ القطع،و لكنّ القوم سكتوا عنها سعيا في إخفاء الفضيحة.(18:133)

القرطبيّ: أي علامات براءة يوسف من قدّ القميص من دبر و شهادة الشّاهد،و حزّ الأيدي،و قلّة صبرهنّ عن لقاء يوسف.

و قيل:هي البركات الّتي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم،و الأوّل أصحّ.(9:186)

نحوه النّسفيّ(2:221)،و البروسويّ(4:253).

النّيسابوريّ: مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ الدّالّة على براءة يوسف،من شهادة الصّبيّ،و اعتراف المرأة، و شهادة النّسوة له بالسّيرة الملكيّة و العفّة.(12:104)

أبو حيّان: «الآيات»هي الشّواهد الدّالّة على براءة يوسف.قال مجاهد و غيره:قدّ القميص فإن كان الشّاهد طفلا فهي آية عظيمة،و إن كان رجلا فيكون استدلالا بالعادة.

و الّذي يظهر أنّ الآية إنّما يعبّر بها عن الواضح الجليّ،و جمعها يدلّ على ظهور أمور واضحة دلّت على براءته.و قد تكون الآيات الّتي رأوها لم ينصّ على جميعها في القرآن بل رأوا قول الشّاهد،و قدّ القميص و غير ذلك ممّا لم يذكره.و أمّا ما ذكره عكرمة:أنّ من الآيات خمش وجهها،و السّدّيّ:من حزّ أيديهنّ،فليس في ذلك دلالة على البراءة،فلا يكون آية.(5:307)

الآلوسيّ: و هي الشّواهد الدّالّة على براءته عليه السّلام و طهارته من قدّ القميص و قطع النّساء أيديهنّ،و عليهما

ص: 444

اقتصر قتادة فيما أخرجه عنه ابن جرير،و فيه إطلاق الجمع على اثنين،و الأمر فيه هيّن.

و عن مجاهد:الاقتصار على القدّ فقط،لأنّ القطع ليس من الشّواهد الدّالّة على البراءة في شيء حينئذ للتّعظيم (1)،و يحمل الجمع حينئذ على التّعظيم أو«أل» على الجنسيّة،و هي تبطل معنى الجمعيّة،كذا قيل،و هو كما ترى.

و وجّه بعضهم عدّ القطع من الشّواهد،بأنّ حسنه عليه الصّلاة و السّلام الفاتن للنّساء في مجلس واحد،و في أوّل نظرة يدلّ على فتنتها بالطّريق الأولى،و أنّ الطّلب منها لا منه.

و عدّ بعضهم استعصامه عليه السّلام عن النّسوة؛إذ دعونه إلى أنفسهنّ،فإنّ العزيز و أصحابه قد سمعوه و تيقّنوا به حتّى صار كالمشاهد لهم،و دلالة ذلك على البراءة ظاهرة.

و أخرج ابن أبي حاتم و أبو الشّيخ عن عكرمة قال:

سألت ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما عن«الآيات»، فقال:ما سألني عنها أحد قبلك؛من الآيات:قدّ القميص،و أثرها في جسده،و أثر السّكّين،فعدّ رضي اللّه تعالى عنه الأثر من الآيات،و لم يذكر فيما سبق.و من هنا قيل:يجوز أن يكون هناك آيات غير ما ذكر،و ترك ذكرها كما ترك ذكر كثير من معجزات الأنبياء عليهم السّلام.

(12:236)

رشيد رضا: و المراد بالآيات:ما شهدوه و اختبروه من الدّلائل على أنّ يوسف إنسان غير الأناسيّ الّتي عرفوها،في عقيدته و إيمانه و أخلاقه،من عفّة و نزاهة و احتقار للشّهوات و الزّينة و الإتراف المتّبع في قصور هذه الحضارة،و من عناية ربّه الواحد الأحد به كما يؤمن و يعتقد.

فمن هذه الآيات أنّ تفتّن سيّدته في مراودته لم يحدث أدنى تأثير في جذب خلسات نظره،و لا في خفقات قلبه،بل ظلّ معرضا عنها متجاهلا لها،حتّى إذا ما صارحته بكلمة هَيْتَ لَكَ يوسف:23،اقشعرّ جلده،و استعاذ بربّه،ربّ آبائه الّذين يفتخر باتّباع ملّتهم،و عيّرها بالخيانة لزوجها.

و منها:أنّها لمّا غضبت و همّت بالبطش به،همّ بمقاومتها و البطش بها و هي سيّدته،و ما منعه من ذلك إلاّ ما رأى من البرهان في دخيلة نفسه،مؤيّدا لما يعتقده من صرف ربّه السّوء و الفحشاء عنه.

و منها:أنّها لمّا اتّهمته بالتّعدّي عليها و أرادوا التّحقيق في المسألة،شهد شاهد من أهلها هو جدير بالدّفاع عنها،بما تضمّن الحكم عليها بأنّها كاذبة في اتّهامها إيّاه بإرادة السّوء بها،و أنّه صادق فيما ادّعاه من مراودتها إيّاه عن نفسه.

و منها:مسألة انتشار خبرها معه،و خوض نساء المدينة في افتتانها به،و إذلال نفسها ببذلها له،مع إعراضه عنها.

و منها:مسألة أمكر هؤلاء النّسوة و أعمقهنّ كيدا معه؛إذ حاولن رؤيته،و تواطأن عن مراودته،و دهشتهنّ ممّا شاهدن من جماله،حتّى قطّعن أيديهنّ بدلا ممّا في

ص: 445


1- كذا في المتن،و الظّاهر أنّ جملة«حينئذ للتّعظيم» زائدة.

أيديهنّ و هنّ لا يشعرن.

فجميع هذه الآيات تثبت أنّ بقاءه في هذه الدّار بين ربّتها و صديقاتها من هؤلاء النّسوة مثار فتنة للنّساءة.لا تدرك غايتها،و أنّ الحكمة و الصّواب في أمرها هو تنفيذ رأيها الأوّل في سجنه،و إن كانت سيّئة النّيّة ماكرة فيه، لإخفاء ذكره،و كفّ ألسنة النّاس عنها في أمره.

(12:300)

الطّباطبائيّ: و المراد بالآيات:الشّواهد و الأدلّة الدّالّة على براءة يوسف عليه السّلام،و طهارة ذيله ممّا اتّهموه به كشهادة الصّبيّ و قدّ القميص من خلفه،و استباقهما الباب معا،و لعلّ منها تقطيع النّسوة أيديهنّ برؤيته، و استعصامه عن مراودتهنّ إيّاه عن نفسه،و اعتراف امرأة العزيز لهنّ أنّها راودته عن نفسه،فاستعصم.

(11:169)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ... كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. النّور:58

الإسكافيّ:قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ... وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ... كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ النّور:59.

للسّائل أن يسأل فيقول:لم قال في الأولى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ و قال في الثّانية: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ؟

الجواب:أنّ في الأولى إشارة إلى ما تقدّم ذكره فيما أوّله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... إلى قوله: ثَلاثُ عَوْراتٍ... و جعل الأوقات الثّلاثة آيات لهم و علامات،للمنع من دخول المماليك و الأطفال على النّساء،و جوازه فيما سواها،و عبّر عنها ب«الآيات»لمّا لم يكن تبيين الأوقات من الأفعال الّتي تتخصّص بقدرته.

و لمّا كان بلوغ الحلم ممّا يختصّ بفعله،و لم يقدر فاعل على مثله،أضافه إلى نفسه،فقال: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ.. و يبيّن ذلك قوله في العشر الأخيرة بعد قوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ.. إلى قوله: أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ بعد القربات الّتي أجاز تناول طعامها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ النّور:

61،فلم يضفها إلى نفسه،لأنّها آيات مثل الأول الّتي تقدّمت في أنّها لا تتخصّص بقدرته،أي يبيّن لكم العلامات الّتي ينصبها على ما يبيح و ما يحظر،و ما يضيق فيه و ما يوسع.

و مثله قوله تعالى: يَعِظُكُمُ اللّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ النّور:17، وَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّور:18،لما أشار إلى حدّ الزّاني و القاذف،و الفرق بين المكانين واضح.(322)

نحوه الكرمانيّ(141)،و النّيسابوريّ(18:128).

آياته

فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. البقرة:73

أبو عبيدة:أي عجائبه،و يقال:فلان آية من الآيات،أي عجب من العجب،و يقال:اجعل بيني و بينك

ص: 446

آية،أي علامة.و آيات بيّنات،أي علامات و حجج.

و الآية من القرآن:كلام متّصل إلى انقطاعه.(1:45)

النّيسابوريّ: دلائله على أنّه قادر على كلّ شيء؛ فدلالة هذه القصّة على وجود الصّانع القادر على كلّ المقدورات،العالم بكلّ المعلومات،المختار في الإيجاد و الإعدام،آية،و دلالتها على صدق موسى عليه السّلام آية، و دلالتها على براءة ساحة من سوى القاتل آية،و دلالتها على حشر الأموات آية؛فهي و إن كانت واحدة إلاّ أنّها في الحقيقة آيات عديدة.

و يمكن أن يراد ب«الآيات»غير هذه،أي مثل هذه الإراءة يريكم سائر الإراءات،كما أنّ مثل هذا الإحياء يحيي سائر الآيات.(1:345)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّ«الآيات»جمع في اللّفظ و المعنى و هي ما أراهم من إحياء الميّت و العصا و الحجر و الغمام و المنّ و السّلوى و السّحر و البحر و الطّور و غير ذلك،و كانوا مع ذلك أعمى النّاس قلوبا،و أشدّ قسوة و تكذيبا لنبيّهم،في تلك الأوقات الّتي شاهدوا فيها تلك العجائب و المعجزات.[ثمّ ذكر مثل النّيسابوريّ]

(1:260)

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّ«الآيات»جمع في اللّفظ و المعنى،و المراد بها الدّلائل الدّالّة على أنّ اللّه تعالى على كلّ شيء قدير،و يجوز أن يراد بها هذا الإحياء،و التّعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتّب الحياة على الضّرب بعضو ميّت،و إخبار الميّت بقاتله،و ما يلابسه من الأمور الخارقة للعادات.[ثمّ ذكر مثل النّيسابوريّ](1:294)

آياتي

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ. الأنبياء:37

الطّبرسيّ: الدّالّة على وحدانيّتي،و على صدق محمّد صلّى اللّه عليه و آله فيما يوعدكم به من العذاب.(4:48)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد ب«الآيات»على أقوال:

أحدها:أنّها الهلاك المعجّل في الدّنيا،و العذاب في الآخرة،و لذلك قال: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ أي أنّها ستأتي لا محالة في وقتها.

و ثانيها:أنّها أدلّة التّوحيد و صدق الرّسول.

و ثالثها:أنّها آثار القرون الماضية بالشّام و اليمن، و الأوّل أقرب إلى النّظم.(22:172)

نحوه القرطبيّ(11:289)،و مثله أبو حيّان(6:

313).

المراغيّ: و«الآيات»:هي آيات النّقم الّتي هدّدهم بوقوعها،و إراءتهم إيّاها:إصابتهم بها.

(17:32)

آياتنا

1- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. البقرة:39

الطّبريّ: و آيات اللّه:حججه و أدلّته على وحدانيّته و ربوبيّته،و ما جاءت به الرّسل من الأعلام و الشّواهد

ص: 447

على ذلك،و على صدقها فيما أنبأت عن ربّها.(1:248)

مثله الميبديّ.(1:158)

الطّوسيّ: و آيات اللّه:دلائله و كتبه الّتي أنزلها على أنبيائه.و الآية:الحجّة،و الدّلالة،و البيان،و البرهان، واحد في أكثر المواضع،و إن كان بينها فرق في الأصل لأنّك تقول:دلالة هذا الكلام كذا،و لا تقول:آيته، و لا علامته.و كذلك تقول:دلالة هذا الاسم،و لا تقول:

برهانه.(1:178)

مثله الطّبرسيّ.(1:92)

ابن الجوزيّ: و في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال:

أحدها:آيات الكتب الّتي تتلى،و الثّاني:معجزات الأنبياء،و الثّالث:القرآن،و الرّابع:دلائل اللّه في مصنوعاته.(1:72)

مثله أبو حيّان.(1:170)

البيضاويّ: و الآية في الأصل:العلامة الظّاهرة و يقال للمصنوعات،من حيث إنّها تدلّ على وجود الصّانع و علمه و قدرته،و لكلّ طائفة من كلمات القرآن المتميّزة عن غيرها بفصل.

و اشتقاقها من«أي»لأنّها تبيّن أيّا من أيّ،أو من أوي إليه،و أصلها:أيية أو أوية،كتمرة،فأبدلت عينها ألفا على غير قياس،أو أيية أو أوية كرمكة فأعلّت،أو آئية كقائلة،فحذفت الهمزة تخفيفا.

و المراد ب(آياتنا)الآيات المنزلة،أو ما يعمّها، و المعقولة.(1:51)

الآلوسيّ: و المراد بالآيات هنا:الكتب المنزلة، أو الأنبياء،أو القرآن،أو الدّوالّ عليه سبحانه من كتبه و مصنوعاته،و ينزل المعقول منزلة الملفوظ ليتأتّى التّكذيب،و أتى سبحانه بنون العظمة لتربية المهابة و إدخال الرّوعة،و أضاف تعالى الآيات إليها لإظهار كمال قبح التّكذيب بها.(1:240)

رشيد رضا: الآيات:جمع آية،و هي كما قال الجمهور:العلامة الظّاهرة.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و أضاف:]

أقول:بل أصله قصد آية الشّيء،أي شخصه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أطلقت«الآية»على كلّ قسم من الأقسام الّتي تتألّف منها سور القرآن العظيم،و تفصله من غيره فاصلة يقف القارئ عندها في تلاوته،و يميّزها الكاتب له ببياض أو بنقطة دائرة،أو ذات نقش،أو بالعدد.و العمدة في معرفة الآيات بفواصلها التّوقيف المأثور عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و إن كان أكثرها يدرك من النّظم.و الآيات تطلق في القرآن على هذه،و هي الآيات المنزلة من عند اللّه تعالى، لأنّها دلائل لفظيّة على العقائد و الحكم و الأحكام و الآداب الّتي شرّعها لعباده،كما تدلّ في جملتها على كونها من عند اللّه تعالى،لاشتمالها على ما تقدّم بيانه من وجوه إعجاز البشر عن مثلها.

و تطلق أيضا على كلّ ما يدلّ على وجود الخالق تعالى و قدرته و وحدانيّته و صفات كماله من هذه المخلوقات،و من نتائج العقول و براهينها،أو على غير ذلك من السّنن و العبر.(1:286)

2- وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى. طه:56

ص: 448

الطّوسيّ: قوله: وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها تقديره:أريناه آياتنا الّتي أعطيناها موسى و أظهرناها عليه كلّها لما يقتضيه حال موسى عليه السّلام معه.و لم يرد جميع آيات اللّه الّتي يقدر عليها،و لا كلّ آية خلقها اللّه،لأنّ المعلوم أنّه لم يرد به جميعها.(7:180)

الميبديّ: أي أرينا فرعون الآيات التّسع الّتي أصحبناها موسى؛و هي اليد،و العصا،و الطّوفان، و الجراد،و القمّل،و الضّفادع،و الدّم،و السّنون،و نقص الثّمرات.

و قيل:هي الطّوفان،و الجراد،و القمّل،و الضّفادع، و الدّم،و اليد،و العصا،و البحر رهوا،و التّاسعة هي المحبّة الّتي ألقيت على موسى حتّى أمسك فرعون عن قتله.

(6:141)

الزّمخشريّ: و في قوله: آياتِنا كُلَّها وجهان:

أحدهما:أن يحذى بهذا التّعريف الإضافيّ حذو التّعريف باللاّم لو قيل الآيات كلّها،أعني أنّها كانت لا تعطي إلاّ تعريف العهد،و الإشارة إلى الآيات المعلومة الّتي هي تسع الآيات المختصّة بموسى عليه السّلام:العصا،و اليد، و فلق البحر،و الحجر،و الجراد،و القمّل،و الضّفادع، و الدّم،و نتق الجبل.

و الثّاني:أن يكون موسى قد أراه آياته،و عدّد عليه ما أوتيه غيره من الأنبياء من آياتهم و معجزاتهم،و هو نبيّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه و بين ما يشاهد به، فكذّبها جميعا.(2:541)

الطّبرسيّ: يعني الآيات التّسع،أي معجزاتنا الدّالّة على نبوّة موسى.(4:14)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد ب«الآيات»فقال بعضهم:أراد كلّ الأدلّة ما يتّصل بالتّوحيد و ما يتّصل بالنّبوّة.

أمّا التّوحيد فما ذكر في هذه السّورة من قوله: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى طه:50،و قوله:

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً طه:53،و ما ذكر في سورة الشّعراء قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ* قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... الشّعراء:23،24.

و أمّا النّبوّة فهي الآيات التّسع الّتي خصّ اللّه بها موسى عليه السّلام،و هي العصا،و اليد،و فلق البحر،و الحجر، و الجراد،و القمّل،و الضّفادع،و الدّم،و نتق الجبل.و على هذا التّقرير معنى أريناه عرّفناه صحّتها و أوضحنا له وجه الدّلالة فيها،و منهم من حمل ذلك على ما يتّصل بالنّبوّة،و هي هذه المعجزات،و إنّما أضاف«الآيات»إلى نفسه سبحانه و تعالى مع أنّ المظهر لها موسى عليه السّلام،لأنّه أجراها على يديه،كما أضاف نفخ الرّوح إلى نفسه،فقال:

فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا... الأنبياء:91،مع أنّ «النّفخ»كان من جبريل عليه السّلام.

فإن قيل:قوله:(كلّها)يفيد العموم و اللّه تعالى ما أراه جميع الآيات،لأنّ من جملة الآيات:ما أظهرها على الأنبياء عليهم السّلام الّذين كانوا قبل موسى عليه السّلام،و الّذين كانوا بعده.

قلنا:لفظ«الكلّ»و إن كان للعموم لكن قد يستعمل في الخصوص عند القرينة،كما يقال:دخلت السّوق فاشتريت كلّ شيء،أو يقال:إنّ موسى عليه السّلام أراه آياته و عدّد عليه آيات غيره من الأنبياء عليهم السّلام فكذّب

ص: 449

فرعون بالكلّ،أو يقال:تكذيب بعض المعجزات يقتضي تكذيب الكلّ،فحكى اللّه تعالى ذلك على الوجه الّذي يلزم.(22:70)

نحوه النّيسابوريّ.(16:135)

القرطبيّ: أي المعجزات الدّالّة على نبوّة موسى، و قيل:حجج اللّه الدّالّة على توحيده.(11:211)

أبو حيّان: و(آياتنا)ليس عامّا؛إذ لم يره تعالى جميع الآيات،و إنّما المعنى آياتنا الّتي رآها؛فكانت الإضافة تفيد ما تفيده الألف و اللاّم من العهد.و إنّما رأى العصا و اليد و الطّمسة و غير ذلك ممّا رآه،فجاء التّوكيد بالنّسبة لهذه الآيات المعهودة.

و قيل:المعنى آيات بكمالها،و أضاف الآيات إليه على حسب التّشريف،كأنّه قال:آيات لنا.

و قيل:يكون موسى قد أراه آياته،و عدّد عليه ما أوتي غيره من الأنبياء من آياتهم و معجزاتهم،و هو نبيّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه و بين ما يشاهد به؛فكذّب بها جميعا،و أبى أن يقبل شيئا منها انتهى.و قاله الزّمخشريّ،و فيه بعد لأنّ الإخبار بالشّيء لا يسمّى رؤية إلاّ بمجاز بعيد.

و قيل:(اريناه)هنا من رؤية القلب لا من رؤية العين،لأنّه ما كان أراه في ذلك الوقت إلاّ العصا و اليد البيضاء،أي و لقد أعلمناه آياتنا كلّها،و هي الآيات التّسع.

قيل:و يجوز أن يكون أراد بالآيات،آيات توحيده الّتي أظهرها لنا في ملكوت السّماوات و الأرض،فيكون من رؤية العين.(6:251)

البروسويّ: إضافة الآيات عهديّة،و(كلّها)تأكيد لشمول الأنواع،أي و باللّه لقد بصّرنا فرعون على يدي موسى آياتنا كلّها،من العصا و اليد و غيرهما على مهل من الزّمان،أو عرّفناه صحّتها،و أوضحنا وجه الدّلالة فيها.(5:398)

الآلوسيّ: أي باللّه لقد بصّرنا فرعون أو عرّفناه (آياتنا)حين قال لموسى عليه السّلام: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ الأعراف:106-108،و صيغة الجمع مع كونهما اثنتين إمّا لأنّ إطلاق الجمع على الاثنين شائع على ما قيل،أو باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور الّتي كلّ منها آية بيّنة لقوم يعقلون،و قد ظهر عند فرعون أمور أخر كلّ منها داهية دهياء.[إلى أن قال:]

و الإضافة على ما قرّر للعهد،و أدرج بعضهم فيها حلّ العقدة،كما أدرجه فيها في قوله تعالى: اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي طه:42.

و قيل: المراد بها آيات موسى عليه السّلام التّسع كما روي عن ابن عبّاس فيما تقدّم،و الإضافة للعهد أيضا.و فيه أنّ أكثرها إنّما ظهر على يده عليه السّلام بعد ما غلب السّحرة على مهل،في نحو من عشرين سنة.و لا ريب في أنّ أمر السّحرة مترقّب بعد.

و عدّ بعضهم منها: ما جعل لإهلاكهم لا لإرشادهم إلى الإيمان،من فلق البحر،و ما ظهر من بعد مهلكه من الآيات الظّاهرة لبني إسرائيل،من نتق الجبل،و الحجر الّذي انفجرت منه العيون.

ص: 450

و عدّ آخرون منها: الآيات الظّاهرة على أيدي الأنبياء عليهم السّلام و حملوا الإضافة على استغراق الأفراد، و بنى الفريقان ذلك على أنّه عليه السّلام قد حكى جميع ما ذكر لفرعون،و تلك الحكاية في حكم الإظهار و الإراءة لاستحالة الكذب عليه عليه السّلام.

و لا يخفى أنّ حكايته عليه السّلام تلك الآيات،ممّا لم يجر لها ذكر هاهنا،مع أنّ ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى من حمل ما أظهره عليه السّلام على السّحر و التّصدّي للمعارضة بالمثل، ممّا يبعد ذلك جدّا.و أبعد من ذلك كلّه إدراج ما فصّله عليه السّلام.من أفعاله تعالى،الدّالّة على اختصاصه سبحانه بالرّبوبيّة و أحكامها في الآيات.

و قيل:الإضافة لاستغراق الأنواع و«كلّ»تأكيد له، أي أريناه أنواع آياتنا كلّها،و المراد بالآيات:المعجزات و أنواعها،و هي كما قال السّخاويّ:ترجع إلى إيجاد معدوم أو إعدام موجود،أو تغييره مع بقائه،و قد أرى اللّعين جميع ذلك في العصا و اليد.و في الانحصار نظر،و مع الإغماض عنه لا يخلو ذلك عن بعد.(16:215)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد بالآيات:العصا، و اليد،و سائر الآيات الّتي أراها موسى فرعون أيّام دعوته قبل الغرق،كما مرّ في قوله: اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي طه:42،فالمراد جميع الآيات الّتي أريها و إن لم يؤت بها جميعا في أوّل الدّعوة،كما أنّ المراد بقوله:

فَكَذَّبَ وَ أَبى طه:56،مطلق تكذيبه و إبائه،لا ما أتى به منهما في أوّل الدّعوة.(14:172)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير«آية»،على وجهين:

فوجه منهما:آية،يعني عبرة،فذلك قوله في المؤمنين: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً.. المؤمنون:50، يعني عبرة،و قال: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ وَ جَعَلْناها آيَةً.. العنكبوت:15،يعني عبرة لِلْعالَمِينَ، نظيرها في اقتربت السّاعة[الآية:15]، و قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.. النّحل:79، يعني لعبرة.

و الوجه الثّاني:آية،يعني علامة،فذلك قوله: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ.. يس:41،يعني و علامة لهم، و قال: وَ مِنْ آياتِهِ يعني و من علامات الرّبّ أنّه واحد أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ.. الرّوم:20، وَ مِنْ آياتِهِ يعني و من علامات الرّبّ أنّه واحد فاعرفوا توحيده بصنعه أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ... الرّوم:25،يعني بعمله، وَ مِنْ آياتِهِ يعني و من علامات الرّبّ أنّه واحد فاعرفوا توحيده بصنعه أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً.. الرّوم:21،و نحوه كثير.(300)

مثله هارون الأعور.(334)

الدّامغانيّ: الآيات على ستّة أوجه:العلامات،آي القرآن،المعجزات،العبرة،الكتاب،الأمر و النّهي.

فوجه منها:الآيات:العلامات،فذلك قوله: وَ مِنْ آياتِهِ الرّوم:20،مثلها: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ..

النّحل:79،نظيرها في الرّعد:3،و نحوه: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً.. الشّعراء:128،يعني علامة،و قوله تعالى:

يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الأنعام:158،طلوع

ص: 451

الشّمس من مغربها.

و الوجه الثّاني:آيات،يعني آي القرآن قوله تعالى:

آياتٌ مُحْكَماتٌ.. آل عمران:7،كقوله تعالى: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ النّحل:101.

و الوجه الثّالث:الآيات،يعني المعجزات،قوله تعالى: فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا.. القصص:36، كقوله تعالى: وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا.. القمر:2،و نظائرها كثيرة.

و الوجه الرّابع:آية،يعني عبرة،كقوله تعالى:

وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً المؤمنون:50،يعني عبرة، و قوله تعالى: وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً.. مريم:21،يعني عبرة (للنّاس).

و الوجه الخامس:الآية،يعني الكتاب قوله تعالى:

قَدْ كانَتْ آياتِي.. يعني كتابي، تُتْلى عَلَيْكُمْ..

المؤمنون:66،كقوله: يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلى عَلَيْهِ..

الجاثية:8،يعني القرآن يتلى عليه.

و الوجه السّادس:الآية،يعني الأمر و النّهي،كقوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ.. البقرة:187، يعني أمره و نهيه،و نحوه كثير.(28)

الفيروزآباديّ: [ذكر مثل الدّامغانيّ و أضاف:]

و حينئذ تصير جملة الآيات في القرآن من طريق الفائدة و البيان على اثني عشر نوعا:

الأوّل:آية البيان و الحكمة يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا..

البقرة:151.

الثّاني:آية العون،و النّصرة قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ.. آل عمران:13.

الثّالث:آية القيامة وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا..

القمر:2.

الرّابع:آية الابتلاء و التّجربة لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ.. سبأ:15.

الخامس:آية العذاب و الهلكة هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً.. الأعراف:73.

السّادس:آية الفضيلة و الرّحمة فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ.. آل عمران:97.

السّابع:آية المعجزة و الكرامة تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ.. المائدة:114.

الثّامن:آية العظة و العبرة لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ.. يوسف:7.

التّاسع:آية التّشريف و التّكريم وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ.. البقرة:259.

العاشر:آية العلامة رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً..

آل عمران:41.

الحادي عشر:آية الإعراض و النّكرة: وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ..

الأنعام:4.

الثّاني عشر:آية الدّليل و الحجّة سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فصّلت:53.

(بصائر ذوي التّمييز 2:65)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة-أ ي ي-ثلاثة أصول:

الأوّل:التّعمّد،يقال:تأيّيت الرّجل و تآييته:

ص: 452

تعمّدت آيته،أي قصدت شخصه.و تأيّا السّلاح:تعمّد به.

و الثّاني:التّلبّث،يقال:تأيّا الرّجل:توقّف و تلبّث، و تأيّى الأمر:تلبّث و انتظر إمكانه.و ليست هذه بدار تئيّة،أي دار مقام و تلبّث.

و الثّالث:التّجمّع،يقال:خرج القوم بآيتهم،أي بجماعتهم.و اجعل بيني و بينك آية،أي علامة.و الآية في القرآن:علامة لكلام مجموع.

2-و هناك قول يرجّح الأصل الواحد فيها،و هو القصد و التّعمّد،بناء على كونها من«أوي»و هذا اختيار المصطفويّ.أو التّثبّت،بناء على أنّها مشتقّة من التّأيّي، من«أ ي ي»و هو اختيار الرّاغب،و هو كذلك-أي من «أ ي ي»-عندنا،كما يأتي.

لكن يخطر بالبال أنّ الأصل في هذه المادّة هو «الآية»نفسها،بمعنى العلامة الظّاهرة و المشخّصة،و منها اشتقّت الأفعال.و لكلّ منها معنى زائد على معنى العلامة؛ فتأيّيت الرّجل،أي تعمّدت آيته،أي شخصه،كما يقال:

تكوّفت،أي دخلت الكوفة.و تأيّا السّلاح،أي قصد سلاحا معيّنا،و تأيّا الرّجل،أي مكث في مكان معيّن.

و خرج القوم بآيتهم،أي بجماعتهم المشخّصة،لكثرتهم.

و سميّت«الآية»من القرآن آية،لأنّها مشخّصة الأوّل و الآخر،مقطوعة من غيرها.و قريب من ذلك قول الرّاغب في أوّل كلامه:و اشتقاق الآية من«أيّ»، فإنّها هي الّتي تبيّن أيّا من أيّ.

و الصّحيح أنّ«أيّ»هي المأخوذة من الآية أيضا دون العكس،لأنّها سؤال عن الشّيء المشخّص.و لهذا -أي لاشتقاق الأفعال من الاسم-نظائر كثيرة في اللّغات،و قد أومأنا إليها في مواضعها،و منها«الأذن» فلاحظ.

3-و في عين«الآية»قولان:الأوّل:هو ياء،فهي من «أ ي ي»،و هو قول الخليل،و مثّلها بالرّاية و الغاية.

و الثّاني:هو واو،فهي من«أوي»،و هو قول سيبويه، و احتجّ بكثرة ما عينه واو و لامه ياء،و قلّة ما عينه و لامه ياء في اللّغة.

و قول الخليل-كما يبدو-أرجح في القياس من قول سيبويه؛إذ لو كانت عينها واوا،لقيل في جمعها:آواء، مثل:أهواء و أجواء،جمع«هوى»و«جوّ»،و لقيل في تصغيرها:أويّة،و في لفظها:آوية،على«فاعلة»،مثل:

راوية و زاوية.

بيد أنّه ورد جمعها على«آياء»،مثل:أزياء، و تصغيرها على«أييّة»،مثل:ضييعة،تصغير ضيعة.

و على هذا القول فأصلها ثلاثيّ،وقع عينه و لامه حرفي «ياء».و هو جذر ينضمّ إلى جذور شبيهة به و مماثلة له، غير أنّها قليلة نوعا ما،مثل«ع ي ي»و ما إليه.

غير أنّ هذه المادّة تختلف حتّى عن مثيلاتها المعتلاّت،من حيث أنّنا لم نقع في كلّ الاستعمالات اللّغويّة إلاّ على استعمال نادر لهذا الجذر،اللّهمّ إلاّ لفظ «الآية»،و هذا يؤيّد ما احتملنا من كون«الآية»أصلا لهذه المادّة.

4-و في وزن الآية أربعة أقوال:

الأوّل:(فاعلة)،اسم فاعل مؤنّث،فأصلها«آيية» فسكّنت الياء الأولى،لثقل الكسرة مع الياء،و أدغمت

ص: 453

في الثّانية،فصارت«آيّة»،ثمّ حذفت الياء الأولى السّاكنة للخفّة،كما حذفت ياء«كينونة»،و أصلها «كيّنونة».أو حذفت الياء الأولى،لئلاّ تدغم في الثّانية، فتصير مثل«دابّة».أو حذفت الياء الثّانية،فأصبحت ناقصة الياء.

و لكن في كون لفظ«آية»اسم فاعل مشكلة،من حيث إنّ اسم الفاعل هو«أأيي»فيصبح«آيي»،و لم يرد بهذا اللّفظ في أيّ من النّصوص الفصيحة،فصار من اللاّزم أن ينقل إلى لفظ قريب منه،على ما انتقل«عايي» إلى«عييّ»مثلا.غير أنّ هذا النّقل بهذه الصّورة لم يتمّ أيضا،و إنّما نجد لفظ«آية»فقط.

و لا ريب في أنّ التّاء الآخرة هذه تاء تفخيم و تعظيم و زيادة في المعنى،كما تقول:فلان علاّمة و فهّامة، و ما إليهما،و كان الحقّ أن يقال:علاّم و فهّام.فلا يبقى عندنا من أصل اللّفظ بعد حذف تاء التّفخيم إلاّ«آي»،و هذا ما لم يرد في أيّ كلام فصيح،اللّهمّ إلاّ باعتباره صيغة من الجموع،فكما تقول:آيات،لك أن تقول:آي،و لم يرد هذا الجمع الأخير في القرآن.

و نستنتج من هذا أنّ اسم الفاعل من«أ ي ي»ملازم للتّاء دائما،فكأنّ معنى التّفخيم و التّبجيل ملحوظ في الاشتقاق،و يؤيّده ما يأتي من اتّخاذ معنى المعجزة و العجيب فيها.

الثّاني:«فعلة»،فأصلها«أيية»،فأبدلت الياء الأولى السّاكنة ألفا،لثقل التّضعيف،و لانفتاح ما قبلها،ثمّ أدغمت في الهمزة.أو أصلها«أأية»،فقلبت الهمزة الثّانية ألفا،فمدّت مع الهمزة الأولى.

الثّالث:«فعلة»،فأصلها«أيية»،فقلبت الياء الأولى ألفا،لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،ثمّ أدغمت في الهمزة.

الرّابع:«فعلة»،فأصلها«أيية»،فقلبت الياء الأولى ألفا،لانكسارها و تحرّك ما قبلها،ثمّ أدغمت في الهمزة.

5-بيد أنّ هذه الأقوال لا تخلو من شذوذ،إذ لو كان أصل الآية«آيية»،فالقياس أن تدغم الياء الأولى في الثّانية،مثل:دابّة.و لو كانت«أيية»أو«أيية»،لقلبت الياء الثّانية فيهما ألفا على القياس،كما في«حياة».

و القياس في«أيية»أن تدغم الياء الأولى في الثّانية،مثل ريّة.

و من ذهب إلى القول بأنّها«أأية»،فقد وافق القياس،فتدغم الثّانية بعد قلبها ألفا في الأولى،ثمّ تمدّان.

إلاّ أنّه لا يوافق الاشتقاق،لعدم ورود ما فاؤه و عينه همزة في السّماع.

6-و لا شكّ أنّ قول من قال:أصلها«آيية»أقيس من سائر الأقوال،و أرجح توجيها لانقلابها«آية»على ما قيل:سكّنت الياء الأولى،لثقل الكسرة مع الياء، و أدغمت في الثّانية،فصارت«آيّة»،مثل:شابّة،ثمّ حذفت الياء الأولى السّاكنة للخفّة،فأصبحت«آية».

و هذا يدعم قول الخليل:بكون عين«الآية»ياء.

و كذا جمعها على«آياء»،مثل:أزياء.

7-و قد يخطر بالبال أنّ هذا اللّفظ من الألفاظ القرآنيّة الصّرفة الّتي ابتكرها القرآن الكريم،لأنّ معنى القداسة الملازم للّفظ غير مناسب لغير المعجزات الإلهيّة، تلك المعجزات الّتي تمثّلت في نصوص القرآن،باعتبار القرآن معجزة،فلا أسمى منه،بحيث يلتزم وصف أجزائه

ص: 454

بتاء التّفخيم و التّعظيم.

فأمّا ما رواه اللّغويّون من شاهد شعريّ على استعمال لفظ آية في الشّعر الجاهليّ،فشيء لا تكاد النّفس تطمئنّ إلى صحّته،و إنّما هو شاهد مختلق لتوضيح معنى من معاني «الآية»،و ذلك ما رووه عن برج بن مسهر الطّائيّ:

خرجنا من النّقبين لا حيّ مثلنا

بآيتنا نزجي اللّقاح المطافلا

و عدّوه دالاّ على أنّهم خرجوا بجماعتهم،لم يدعوا وراءهم شيئا،على ما يقرّره صاحب«الصّحاح»في «أ ي ي».

و ذلك أنّ معنى«الجماعة»في لفظ«الآية»شيء متخيّل،و ليس حقيقيّا في هذا اللّفظ،و علّة هذا التّخيّل أنّ بعض أهل التّفسير و اللّغة قد ظنّوا أنّ المعنى المراد ب«الآية»هو جماعة الحروف،و كان لا بدّ لهم من شاهد يسند دعواهم،فكان هذا الشّاهد و ما ماثله،و سنرى أنّه لا علاقة بين«الآية»و معنى الجمع،و ذلك في هذه النّقطة اللاّحقة.

8-إنّ معنى لفظ«آية»-بملاحظة فرادة الاشتقاق، و قداسة ما يوصف به و هو كلام اللّه سبحانه و تعالى، و التزام اللّفظ للتّاء الدّالّة على التّفخيم و الاحترام و التّقديس-يتوضّح أنّ الآية في بعض مصاديقها بمعنى المعجزة و العلامة،و العلامة في حقيقتها آية لمن يقوم بها، أي أنّها بمعنى المعجزة في تصوّر من ينفّذها.فإذا أطلقت على ما في القرآن الكريم دلّت على المعجزة بكمالها من قبل منشئها،و هو اللّه سبحانه و تعالى،و من قبل قارئها و تاليها.

فأمّا ما عدا ذلك فإنّ«الآية»ستكون لها محدوديّات و خصوصيّات،فهي معجزة من حيث ملاحظة إمكانيّة فاعلها و منفّذها و القائم عليها،و كذا قدرته هو،من حيث إنّ الأعمال العظيمة الرّائعة،أو الأعمال الهائلة الكبيرة، معجزة يقوم بها الإنسان،معجزة بموجب محدوديّات طاقاته،لا بموجب القوّة الإلهيّة المطلقة.

و لا نستبين في هذه المادّة شيئا من معنى الجمع على ما أراد بعض القدماء أن يجعلونا مؤمنين به.و لو صحّ معنى الجمع و الجماعة في هذا اللّفظ،لأمكن أن نحذف اصطلاح«سورة»من القرآن العزيز،و نسمّيها«آية»، فنقول:آية البقرة،و آية آل عمران،و آية النّساء، و هكذا،على أساس أنّ«الآية»معناها جماعة الحروف و جماعة الكلمات.

ثمّ لأمكن أن يطلق على أيّ جملة من الجمل الّتي يكتبها الإنسان اصطلاح آية،لأنّ ما يكتبه الإنسان لا يعدو أن يكون جماعة حروف و كلمات،باعتبار أنّ الجملة متكوّنة من مجموع حروف و كلمات،و أنّ الآية معناها مجموع الحروف و الكلمات.فلمّا لم يصحّ هذا، لم يصحّ معنى«الجمع»في لفظ«الآية».

و على القول إنّها جاءت بمعنى«الجماعة»،ففيها أيضا معنى«العجب»لكثرة عددها،فيوافق ما قلنا:إنّ«الآية» هي العلامة العجيبة.

9-و بناء على هذا،يستقيم لنا أنّ المعنى يقترب من «المعجزة»،و الفرق ما بين الآية و المعجزة:أنّ الأولى خاصّة بالأفعال الإلهيّة،كالآيات القرآنيّة،و خلق الإنسان،و الكون،و غير ذلك ممّا هو معروف و مشهور.

فأمّا المعجزة،فهي تلك الآية الإلهيّة الّتي يجريها اللّه

ص: 455

سبحانه و تعالى على أيدي عباده المخلصين من أنبياء و مرسلين و أئمّة هداة،كمعجزات موسى و عيسى عليهما السّلام، ممّا ذكره القرآن.فتلك معجزات باعتبارها قد صدرت بواسطة الإنسان،فتكون«الآية»متضمّنة معنى المعجزة الإلهيّة المباشرة و معنى المعجزة الّتي يجريها اللّه،و لكن على يد بعض عباده.

على أنّ في كلّ من اللّفظين:الآية و المعجزة معنى حدوث الشّيء الخارق للطّبيعة،الخارج عن قوانينها و نواميسها،مع أنّ تلك الطّبيعة بقوانينها و نواميسها آية إلهيّة في حدّ ذاتها.فالآية على هذا أعمّ من المعجزة، و المعجزة آية بموجب وضعيّة خاصّة.و القول بأنّها بمعنى العلامة العجيبة-كما قلنا-لا يفترق كثيرا عن كونها بمعنى المعجزة.

10-و يبدو أنّ«الآية»رغم دلالتها على البيان و الإعلام،فإنّ جذرها في غاية الغموض؟مثل ما قلنا في «الإنسان»تماما.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

1-الآية-بهذا المعنى اللّغويّ الّذي استعملها القرآن-لفظة قرآنيّة،لم يعهدها العرب من قبل،و حتّى إن صحّ ذلك الشّاهد الشّعريّ اليتيم دليلا على معرفة العرب للفظ الآية و استعمالهم لها قبل القرآن،فأين ذلك الاستعمال الواحد من استعمال القرآن لها؟و هو كتاب واحد،وردت فيه لفظة الآية(382)مرّة.

2-و دلّ هذا اللّفظ أينما وقع في القرآن على معنى المعجزة الإلهيّة في معظم الأحيان،و على معنى المعجزة الّتي يجريها اللّه سبحانه و تعالى على يد بعض أوليائه أحيانا،و على معنى المعجزة البشريّة الّتي هي الأعمال الكبيرة و العجيبة الّتي يصنعها النّاس حينا آخر،فتكون بمثابة معجزة،نظرا إلى محدوديّة القدرة البشريّة.

و تتجلّى هذه المعاني في ستّة أقسام،و هي كالآتي:

أ-آيات كونيّة من عجائب خلق اللّه،و هي كثيرة جدّا في القرآن،مثل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ النّحل:67.

ب-معجزات ظهرت على أيدي الأنبياء و هي كثيرة أيضا،مثل: فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى النّازعات:

20.

ج-خوارق العادات و العلامات الإلهيّة،مثل:

وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً المؤمنون:50.

د-الآيات القرآنيّة،و هي أكثر ما جاء عددا،مثل:

تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ البقرة:252.

ه-عجائب أفعال البشر،مثل: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ الشّعراء:128.

و-حوادث كونيّة ناشئة عن غضب الرّبّ،مثل:

وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ الذّاريات:37.

و كلّ الأقسام تشترك في كونها علامة ظاهرة عجيبة،فآيات الكون و معجزات الأنبياء و آيات القرآن و آيات الدّمار و الهلاك،عجائب دالّة على قدرة اللّه تعالى و علمه و علوّ ذاته و صفاته.و المعجزات إنّما هي تدلّ على صدق الأنبياء،لكونها أفعال اللّه الخارقة للعادة،تظهر على أيدي الأنبياء تصديقا لنبوّتهم،و هي قبل ذلك

ص: 456

آيات ألوهيّته و ربوبيّته تعالى.

و أمّا العبرة و الحجّة و سائر ما جاء في كتب المفردات و التّفاسير،فهي إمّا من مصاديق العلامة أو من آثارها، فإنّ العبرة-و كذا الحجّة-من جملة ما يترتّب على تلك العلامات المحيّرة للعقول.و عليك بالتّأمّل في القرآن،حتّى تطبّق الآيات على هذه المصاديق السّتّة،و سنقف على قائمة الآيات حسب هذه الأقسام،في آخر هذا البحث.

4-و قد ورد من هذه المادّة في القرآن بصيغة المفرد (86)مرّة،و بصيغة المثنّى مرّة واحدة،و بصيغة الجمع (295)مرّة.و لم تتّصل بها«أل»التّعريف إلاّ في مواضع قليلة جدّا،و إنّما عرّفت-حين تعرّف-بالإضافة إلى:

أ-الضّمائر:آيتك،آياتك،آياتنا،آياته،آياتها، آياتي.و كلّ هذه الضّمائر دالّة على اللّه سبحانه و تعالى بشكل مباشر في الغالب الأعمّ من الموارد،و عليه-جلّ و علا-بشكل غير مباشر.و إنّما للدّلالة على إظهار ذلك في بعض مخلوقاته في مثل: قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ... آل عمران:41، وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ الأنبياء:32.

ب-الاسم الظّاهر:من قبيل: آيَةَ مُلْكِهِ البقرة:

248، بِآياتِ اللّهِ البقرة:61، آياتُ الْكِتابِ الحجر:1، بِآياتِ رَبِّهِ الكهف:57، آياتُ الرَّحْمنِ مريم:58.

و أمّا ما ورد منها معرّفا بالألف و اللاّم،فكانت عدده أقلّ ممّا كان نكرة،و ممّا كان مضافا إلى الضّمائر،و نحسب أنّ من معلّلات ذلك ما نصّ عليه النّحويّون من أنّ التّنكير قد يأتي دالاّ على التّفخيم و التّعظيم،فيكون إطلاق لفظ«آية»من غير تقييد أبلغ في تصوير المعجزات الإلهيّة.كما أنّ هذا التّنكير ليس له منصرف إلاّ إلى اللّه سبحانه و تعالى،أي أنّ هذه الآيات هي من عنده جلّ و عزّ،و ليست بحاجة إلى تعريف.

هذا من ناحية،و من ناحية أخرى فإنّ لفظ«آية» يدلّ على كثرة الآيات في هذا الكون،حتّى لتظهر«آية» و«آيات»في كلّ شيء.

و الملاحظ أنّ القرآن الكريم إذا أراد أن يعبّر عن مجموع آيات اللّه سبحانه و تعالى في كلّ ما خلق و كوّن، استعمل أداة التّعريف،فكأنّ الخلق كلّه-على ما يتضمّنه من آيات-هو آية واحدة تضمّ آيات كثيرة،و ذلك من قبيل قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ البقرة:219، قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ آل عمران:

118،فعرّف الجمع لأنّه يضمّ ما بيّنه سبحانه و تعالى للنّاس من آياته الّتي هي جميعا لا تعدو أن تكون آية واحدة،و ما الأمر عنده إلاّ«كن فيكون»و لذلك لم ترد مفردة معرّفة إلاّ في حالة واحدة تتجمّع فيها كلّ الآيات، و ذلك قوله تعالى: فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى النّازعات:

20،و ليس بعد الآية الكبرى من مطلب.على أنّ التّعريف هنا يمكن أن يكون للعهد،و المعهود من معجزة موسى هي العصا،فهي الآية الكبرى.

5-جاءت كلمة«سورة»و«سور»في القرآن(10) مرّات،و كلمة«الآية»و«الآيات»(382)مرّة،فالنّسبة بينهما 1:38 تقريبا.و لو قيست هذه النّسبة بما يوجد من النّسبة بين رقم السّور القرآنيّة و هي(114)و رقم الآيات،و هي(6200)إلى(6236)على اختلاف

ص: 457

الأقوال،و النّسبة بينهما 1:52 تقريبا،لظهر أنّ الاختلاف بين النّسبتين لم يكن كثيرا،إلاّ بقدر النّسبة بين عدد الآيات و عدد السّور تقريبا.

و إليك قائمة الآيات حسب الأقسام السّتّة المتقدّمة:

أ-الآيات الكونيّة حسب المواضيع:
1-السّماوات و الأرض:

وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ يوسف:105

خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ العنكبوت:44

أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ سبأ:9

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ آل عمران:190

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ يونس:6

قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ يونس:101

وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ

الرّوم:22

إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ

الجاثية:3

وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ الشّورى:29

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ

الرّوم:25

2-اللّيل و النّهار و المنام:

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12

وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ يس:37

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يونس:67

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الرّعد:3

أَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ النّمل:86

وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ الرّوم:23

وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الزّمر:42

وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ

فصّلت:37

3-إنزال الماء من السّماء و إحياء الأرض بالنّبات

و الثّمرات:

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

النّحل:11

ص: 458

وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ النّحل:13

وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ النّحل:65

وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ النّحل:67

أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

الشّعراء:7،8

وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها يس:33

اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأنعام:99

وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرّعد:4

كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى طه:54

وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرّوم:24

وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الجاثية:5

وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذّاريات:20

وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ فصّلت:39

4-الفلك و البحار و الرّياح و البرق:

وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

يس:41

وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة:164

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ الشّورى:33

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ

لقمان:31

وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

الشّورى:32

وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً

الرّوم:24

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ

الرّوم:46

5-الأنعام في الأرض:

وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ الجاثية:4

6-الطّير في جوّ السّماء:

أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

النّحل:79

7-النّحل:

ص: 459

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

النّحل:69

8-اللّباس و الأوبار و الأشعار:

يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأعراف:26

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الرّوم:37

أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الزّمر:52

9-خلق الإنسان و الأزواج:

وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ

الأنعام:98

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ الرّوم:20

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها الرّوم:21

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ الأنبياء:37

10-النّجوم و السّماء و الآفاق:

وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ النّحل:12

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ

فصّلت:53

وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها

النّمل:93

وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ الأنبياء:32

ب-المعجزات
1 المعجزات العامّة:

وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ الأنعام:4

وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ الأنعام:124

وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها الأعراف:146

وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ

يونس:97

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ

الرّعد:38،و المؤمن:78

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً الشّعراء:4

وَ إِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ الصّافّات:14

وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها

الزّخرف:48

وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الإسراء:59

2-المعجزات الخاصّة بالأنبياء و الأولياء:

إبراهيم: فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ العنكبوت:24

صالح: هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً الأعراف:73

وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً هود:64

ص: 460

فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ

الشّعراء:154

وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ

الحجر:81

موسى و هارون: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ البقرة:211

قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها

الأعراف:106

وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ الأعراف:132

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:22

قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ طه:47

فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى النّازعات:20

وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ البقرة:61

وَ ما تَنْقِمُ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِآياتِ رَبِّنا لَمّا جاءَتْنا الأعراف:126

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ

الإسراء:101

وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ النّمل:12

وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ

الدّخان:33

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا آل عمران:11

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ الأعراف:103

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ بِآياتِنا يونس:75

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ

هود:96،و المؤمن:23

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ إبراهيم:5

لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى طه:23

وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى طه:56

ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ المؤمنون:45

قالَ كَلاّ فَاذْهَبا بِآياتِنا الشّعراء:15

فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ النّمل:13

وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا

القصص:35

فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاّ سِحْرٌ مُفْتَرىً القصص:36

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ

الزّخرف:46

فَلَمّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ

الزّخرف:47

اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي

ص: 461

طه:42

عيسى: وَ رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ آل عمران:49

وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً آل عمران:49

وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ آل عمران:50

محمّد: وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها

الأنعام:25

فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ الأنعام:35

وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً الأنعام:37

وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ الأنعام:109

وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ

يونس:20

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ الرّعد:7 و 27

وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ طه:133

فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ الأنبياء:5

وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ الرّوم:58

وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ

القمر:2

وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ العنكبوت:50

لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى النّجم:18

لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

الإسراء:1

ج-خوارق العادات و العلامات الإلهيّة:

وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ البقرة:248

وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ

البقرة:259

قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا

آل عمران:13

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً آل عمران:41

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ المائدة:114

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً

يونس:92

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا مريم:10

وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَ رَحْمَةً مِنّا مريم:21

وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91

وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً المؤمنون:50

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ سبأ:15

وَ كَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ الفتح:20

ص: 462

وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر:15

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ* فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ

آل عمران:96،97

لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ

يوسف:7

ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ يوسف:35

وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ إبراهيم:5

وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللّهِ الكهف:17

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً الكهف:9

كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ البقرة:73

د-الآيات القرآنيّة و سائر الكتب السّماويّة:

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها البقرة:106

وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ الأنعام:4

وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها

الأعراف:203

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ النّحل:101

وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يس:46

وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ البقرة:99

قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ البقرة:118

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ البقرة:219

وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً البقرة:231

تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ

البقرة:252،و آل عمران:108

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ

آل عمران:4

مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ آل عمران:7

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ

آل عمران:19

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ آل عمران:21

ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ

آل عمران:58

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ

آل عمران:70

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ

آل عمران:98

وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ آل عمران:101

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ

آل عمران:112

ص: 463

يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ آل عمران:113

قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

آل عمران:118

لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً

آل عمران:199

أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ النّساء:140

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللّهِ

النّساء:155

اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ المائدة:75

فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا

الأنعام:27

وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33

اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ

الأنعام:46

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ الأنعام:55

اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ

الأنعام:65

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الأنعام:97

وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ الأنعام:105

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ الأنعام:126

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللّهِ وَ صَدَفَ عَنْها

الأنعام:157

كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

الأعراف:32

كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ

الأعراف:58

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

الأعراف:174

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ الأنفال:52

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ الأنفال:54

اِشْتَرَوْا بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً التّوبة:9

وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ التّوبة:11

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1

يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يونس:5

كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

يونس:24

يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ يونس:71

وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ

يونس:95

وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ هود:59

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ يوسف:1

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الرّعد:1

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ الرّعد:2

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ الحجر:1

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ الحجر:75

ص: 464

إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللّهُ

النّحل:104

إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللّهِ النّحل:105

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها

الكهف:57

أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ الكهف:105

إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58

وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ

طه:127

وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ الحجّ:16

وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ المؤمنون:58

سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ النّور:1

وَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

النّور:18

وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ النّور:34

لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ النّور:46

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

النّور:58

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

النّور:61

وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً الفرقان:73

تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ

الشّعراء:2،و القصص:2

طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ النّمل:1

وَ لا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ

القصص:87

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ وَ لِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي العنكبوت:23

بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العنكبوت:49

ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ الرّوم:10

كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرّوم:28

تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ لقمان:2

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها

السّجدة:22

وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ الأحزاب:34

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ

الزّمر:63

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ

الزّمر:71

ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

المؤمن:4

اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ

ص: 465

أَتاهُمْ المؤمن:35

إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ المؤمن:56

كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ

المؤمن:63

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ المؤمن:69

تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ الجاثية:6

يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلى عَلَيْهِ الجاثية:8

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ الجاثية:11

ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا الجاثية:35

فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ

الأحقاف:26

وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

الأحقاف:27

هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ

الحديد:9

قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

الحديد:17

وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ المجادلة:5

بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ

الجمعة:5

رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ

الطّلاق:11

رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ البقرة:129

رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ

طه:134،و القصص:47

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ البقرة:39

كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا البقرة:151

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً

النّساء:56

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ المائدة:10 و 86

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ

الأنعام:39

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأنعام:49

وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ الأنعام:54

وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ الأنعام:68

وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا

الأنعام:150

سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ الأنعام:157

وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا

ص: 466

أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ الأعراف:9

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ الأعراف:36

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ الأعراف:40

فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ الأعراف:51

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا الأعراف:146

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الأعراف:147

وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الأعراف:156

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها

الأعراف:175

ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا

الأعراف:176

ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا

الأعراف:177

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:182

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا

الأنفال:31

وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ يونس:7

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا يونس:15

وَ إِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا يونس:21

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ

يونس:92

ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا

الإسراء:98

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مريم:73

أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَ قالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَ وَلَداً مريم:77

قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها طه:126

وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا

الأنبياء:77

وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ الحجّ:51

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ الحجّ:57

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ الحجّ:72

يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا

الحجّ:72

فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا

الفرقان:36

إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ

النّمل:81

أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ النّمل:82

وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا النّمل:83

ص: 467

وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا القصص:45

وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا القصص:59

وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ العنكبوت:47

وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:49

وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ الرّوم:16

إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا الرّوم:53

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً لقمان:7

وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32

إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً السّجدة:15

وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ السّجدة:24

وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ سبأ:5

وَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ سبأ:38

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ سبأ:43

وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:15

لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28

إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا

فصّلت:40

وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ

الشّورى:35

اَلَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَ كانُوا مُسْلِمِينَ

الزّخرف:69

وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً

الجاثية:9

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا. الجاثية:25

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ

الأحقاف:7

كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ

القمر:42

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ الحديد:19

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ التّغابن:10

إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

القلم:15 و المطفّفين:13

كَلاّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً المدّثّر:16

وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً النّبأ:28

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ

البلد:19

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

البقرة:187

وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

ص: 468

البقرة:221

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

البقرة:242

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

آل عمران:103

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ آل عمران:164

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

المائدة:89

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ

بِآياتِهِ الأنعام:21

وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ الأنعام:93

فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ الأنعام:118

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ الأعراف:37،و يونس:17

وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً الأنفال:2

قُلْ أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ

التّوبة:65

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1

ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ الحجّ:52

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

النّور:59

كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ

ص:29

كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

فصّلت:3

وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ فصّلت:44

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ الجاثية:6

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ الجمعة:2

وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً

البقرة:41،و المائدة:44

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي

الأنعام:130

يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي الأعراف:35

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف:146

وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً الكهف:56

وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً الكهف:106

قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ المؤمنون:66

أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ المؤمنون:105

حَتّى إِذا جاؤُ قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي النّمل:84

بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ الزّمر:59

وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ الجاثية:31

ه-عجائب أفعال البشر:

أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ الشّعراء:128

ص: 469

و-حوادث كونيّة ناشئة عن غضب الرّبّ:
اشارة

إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ هود:102،103

وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ

الحجر:76 و 77

وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنّاسِ آيَةً الفرقان:37

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:66،67

فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

الشّعراء:102،103

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:120،121

فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:139

فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:158

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

الشّعراء:173،174

إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:189،190

فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ النّمل:52

فَأَنْجَيْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ وَ جَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ العنكبوت:15

وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

العنكبوت:35

وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ

الذّاريات:37

أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها الأنعام:158

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ الأعراف:133

وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً الإسراء:59

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ الحجر:74،75

أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى

طه:128

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَ إِنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ

المؤمنون:30

أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَ فَلا يَسْمَعُونَ

السّجدة:26

فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ سبأ:19

وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ الأعراف:64

وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ الأعراف:72

ص: 470

فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ الأعراف:136

وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ يونس:73

و يلاحظ في الآيات الكونيّة من هذه الأقسام السّتّة:

1-أطلع القرآن الإنسان فيها على كثير من عجائب صنع اللّه و آثاره و قدرته و رحمته،من خلق العالم و ما فيه، و الإنسان و خصاله و غرائزه،و ما يسعده أو يشقيه، و يفيده أو يضرّه،و كذلك مصيره في هذه الدّار و الدّار الآخرة،بدء بالآيات الآفاقيّة و الأنفسيّة عامّة،ثمّ بما يختصّ ببعضها.

2-أطبقت جميعها-رغم تنوّعها و كثرتها و عظمها- على أنّها خلقت للإنسان،و سخّرت له،و أنّ الإنسان من وجهة نظر القرآن هو محور العالم و غاية الخلقة،كما قال:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً

البقرة:29

أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لقمان:20

3-يتجلّى الهدف من ذلك بأمرين:

الأوّل:معرفة الرّبّ بصفاته العليا،و أسمائه الحسنى من خلال آثاره العظيمة،و خلقته القويمة.

و الثّاني:إشراف الإنسان على مبادئ العلوم الطّبيعيّة،و سبر كنهها،ليتفكّر فيها،و يقف على أسرارها و نواميسها،و ليستكشف الأصول و القواعد الحاكمة عليها عن طريق الحسّ.و قد بدأ المسلمون-قبل وقوفهم على علوم اليونان-استلهاما لهذه الآيات،بدراسة أسرار الوجود بطريقة حسّيّة و تجريبيّة،ثمّ صرفوا عنها،و عكفوا على طريقة عقليّة فلسفيّة محضة،تماشيا مع ما أخذوه من الفلسفة اليونانيّة و غيرها.و استمرّوا عليها طول ما يزيد على ألف سنة،زعما منهم أنّها أصول ثابتة و علوم قطعيّة،لا تخضع للجدل و النّقاش،و لا تتغيّر على مدى العصور،و لا تفنّدها الآراء على مرّ الدّهور، فاتّخذوها ذريعة لتفسير كثير من الآيات و الرّوايات، و تأويلها على ضوئها،و تطبيقها بتكلّف عليها،رغم وجود بون شاسع بينها.

و دام الحال على هذا المنوال،إلى أن ظهرت النّهضة العلميّة المبنيّة على الحسّ و التّجربة،بعد افتراضها كمبدإ للفكر و التّجربة،و بعد التّشكيك في ما ورّث عن الأسلاف و تخطئته،فتبدّلت الأرض غير الأرض، و السّماء غير السّماء.و حدثت آراء جديدة في سير العلم، في الطّبّ و الفلك و الرّياح و البحار و النّبات و الأثمار و غيرها،و تغيّرت بذلك أطوار الحياة،و تخلّصت من أوهام،هيمنت على الأفكار،و نشبت في القلوب، و تجسّدت كأصنام عبدوها ما أَنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يوسف:40.فقد طلعت الشّمس من قبل المغرب،و فتحت أمام الإنسان أبواب السّماء و أقطار الأرض،و لا تزال الحقائق تنكشف واحدة تلو الأخرى، و تتجلّى في جميع المجالات الآيات الآفاقيّة و الأنفسيّة، تصديقا لقوله عزّ من قائل: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فصّلت:53،و إشعارا بأنّ أسرار الكون

ص: 471

آيات مرئيّة و محسوسة،و ليست خياليّة و وهميّة، تستشفّ من وراء ستار،كما أنّ هذه الآية تعلن بأنّها ليست من الآيات المتلوّة النّازلة من السّماء،بعد أن ختم اللّه الكتب السّماويّة بالقرآن،بل هي آيات مرئيّة.

و عند ذلك طفق المفسّرون و شرّاح الحديث شيئا فشيئا-حسب تقدّم العلوم،و مدى اطّلاعهم عليها- يطبّقون تلك النّصوص المقدّسة على هذه النّظريّات و الآراء الحديثة مبتهجين ناشطين،فعاملوها معاملتهم مع تلك الآراء القديمة،رغم أنّ كثيرا منها أيضا لا يعدو أن يكون إبداء رأي لعالم أو فرضيّة لآخر،فهي-على حدّ تعبير أصحابها-«فرضيّة».و لكنّ المقلّدة لا يفرّقون بين ما هو ثابت و ما هو فرضيّة،فاستمرّوا على منوالهم و لا يزالون.

و من خلال ذلك أضيف إلى وجوه إعجاز القرآن وجه آخر،عبّروا عنه ب«الإعجاز العلميّ»و ألّفوا فيه كتبا،و حرّروا مقالات،ناهيك من تفسير«الجواهر» للمرحوم الشّيخ الطّنطاويّ(1358 ه)،الّذي غلّب الصّبغة العلميّة عليه،مصرّحا في مقدّمته بأنّ حوالي سبعمائة و خمسين آية في القرآن تحوم حول العلوم،ليطلع المسلمين من خلال دراسة هذه الآيات على تلك العلوم الّتي تفوّق الغرب بها على الشّرقيّين عامّة و المسلمين خاصّة،فاستعمروا بها بلادهم،و استضعفوا شعوبهم.

و لا شكّ أنّ الرّجل المتيقّظ المنصف،المدرك لتلك العلوم يقتنع بصحّة كثير منها بعد دراسة تلك الأبحاث، و يتردّد فيها،أو يرجّح جانب الإنكار في قدر أكثر ممّا اقتنع به،و الحكم الفصل في ذلك موكول إلى من حذق في القرآن و تضلّع فيه،و في علم من تلك العلوم الّتي ترتبط بآية منه.

و هذا بحث مهمّ اختلفت فيه آراء العلماء،فهم بين باتّ فيه و مصرّ عليه إطلاقا،و بين رافض له بتاتا، و منهم من اتّخذ من ذلك موقفا وسطا،فيثبت و يعترف أحيانا،و ينكر و يرفض أحيانا أخرى حسب الموارد، و لا يصدر مع ذلك حكما قاطعا في شيء منها.

و من جملة هؤلاء شيخ الإسلام،المغفور له الشّيخ محمود شلتوت،شيخ الجامع الأزهر الأسبق،فقد أدلى بحديث حول ذلك في مقدّمة تفسيره القيّم للقرآن الكريم -و قد نشر بصورة متوالية في مجلّة«رسالة الإسلام» الصّادرة عن«دار التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة» بالقاهرة،ثمّ جمع في مجلّد واحد،و لم يتجاوز-حسبما في ذاكرتي-سورة النّساء-فقد طرح هذه المسألة،و أبدى رأيه فيها،و قال بأنّه يكفي في إعجاز القرآن من هذه النّاحية أنّ القرآن خاض في زوايا آثار الخلقة،مشيرا إلى أسرارها و أطوارها،و مع ذلك،فإنّه لا يخالف شيئا من العلوم الثّابتة المعترف بها.

و سنتناول-بإذن اللّه تعالى-بحثا و تفصيلا وجوه إعجاز القرآن عامّة،و الإعجاز العلميّ خاصّة في مجلّد «المدخل»من هذا المعجم،إن وفّقنا اللّه لإكماله و سنثبت هناك أنّ طريقة القرآن في مجال الاستدلال و البرهان أقرب إلى سلوك الحسّ من الاتّكال على التّعقّل المحض، كما كان دأب الفلاسفة من ذي قبل.

4-من معالم الآيات الكونيّة إيجابا:
أ-إنّها مرئيّة محسوسة قابلة للنّظر إليها:

ص: 472

أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ الشّعراء:7

أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ سبأ:9

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ المؤمن:13

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ

فصّلت:53

قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

يونس:101

اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ الأنعام:99

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ

العنكبوت:20

ب-قابلة للتّفكّر و النّظر فيها،و للتّذكّر و التّعقّل

و اليقين و الإيمان و التّفقّه و السّمع و الإنابة و نحوها،و هذا

هو الهدف من ذكرها في القرآن:

أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ الرّوم:8

وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

آل عمران:191

فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النّحل:69

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الرّعد:3

وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النّحل:11

وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ النّحل:13

وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الجاثية:5

وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذّاريات:20

وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ الجاثية:4

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ النّحل:79

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ الأنعام:98

وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يونس:67

فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ النّحل:65

أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ سبأ:9

5-و من معالمها سلبا:
أ-الغفلة عنها:

وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ يونس:7

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ

يونس:92

ب-الإعراض عنها و عدم الإيمان بها،و إنكارها:

وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ الأنبياء:32

وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ يوسف:105

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

الشّعراء:8

ص: 473

وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللّهِ تُنْكِرُونَ

المؤمن:81

6-إنّه تعالى قد يجعل شيئا من خلقه آية،

و قد يجعله آيات،نحو:

في السّماوات و الأرض: خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ

العنكبوت:44

إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ

الجاثية:3

في الثّمرات: وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النّحل:11

وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرّعد:4

في اللّيل و النّهار: وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ

يس:37

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ الإسراء:12

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الرّعد:3

في الفلك: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ لقمان:31

و السّرّ في ذلك أنّ كلّ واحد من مخلوقات اللّه آية تشتمل على آيات،فاللّيل في نفسه آية،و كذلك النّهار، لكنّهما من حيث اختلافهما و تبدّل أحدهما بالآخر، و كونهما سكنا و معاشا و غير ذلك من أطوارهما آيات، و مثل ذلك السّماء و الأرض،و الفلك و الأنعام و غيرها، ففي كلّ شيء له آية و آيات.

و من ناحية أخرى،فإنّ العالم بأجمعه آية للّه،لو نظرنا إليه نظرة مجملة واحدة،و لو نظرنا إليه بإمعان،فسوف ينقلب إلى آيات لا تحصى،كما قال تعالى: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

لقمان:27

7-تدلّ الآيات التّكوينيّة بنفسها على وجود

خالقها و على علمه و قدرته،و فيها دلالة أخرى عليه

أيضا بما يوجد فيها من الاختلاف و التّطوّر:

خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ العنكبوت:44

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ آل عمران:190

أَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً النّمل:86،و مثلها كثير.

وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ الرّوم:22

وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ

النّحل:13

وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها النّحل:65

وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها يس:33، و مثلها كثير.

8-و من معالم المعجزات:
أ-إنّها مرئيّة أيضا:

ص: 474

* أ-إنّها مرئيّة أيضا:

وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها

الزّخرف:48

ب-إنّها مرميّة و موصومة بالسّحر:

فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ النّمل:13،و مثله كثير.

ج-إنّهم يستسخرون بها:

وَ إِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ الصّافّات:14

د-إنّهم لا يقبلون منها إلاّ ما يقترحون:

وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ الأنعام:124

ه-إنّهم لو اوتوا بما اقترحوه فكذّبوه لزم عليهم

العذاب:

وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ الأنعام:8

و-إنّه تعالى لا يأتي بها لتكذيب النّاس بها:

وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الإسراء:59

ز-إنّ الآيات تأتي بإذن اللّه و من عنده:

قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ العنكبوت:50

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ

الرّعد:38

ح-إنّها يتحدّى بها الأنبياء،بخلاف خوارق

العادات الّتي ظهرت للأنبياء

،و يجمعها أنّها خارجة عن طور البشر طرّا.

9-من معالم الآيات النّازلة-و هي أكثر من

جميع الأقسام السّتّة-أنّها إيجابيّة و سلبيّة

أيضا كالتّكوينيّة:

أمّا الإيجابيّة،فهي التّلاوة و التّرتيل و النّسخ، و القصّ،و التّفصيل و التّصريف،و النّزول،و التّنزيل، و الإنزال،و التّذكير،و الإذكار،و التّوسّم،و الإيمان بها، و الهداية بواسطتها،و الحكمة،و الاتّباع،و السّمع، و الإيقان،و التّسليم،و البيّنات،و البيان،و التّبيين، و التّدبّر و التّفكّر فيها،و التّعقّل،و ازدياد الإيمان بها، و السّجود و الخضوع أمامها،و الإحكام،و التّشابه، و الإنذار،و التّبشير،و نحوها ممّا وصفت به الآيات، أو الّذين نزلت إليهم الآيات.

و أمّا السّلبيّة،فهي ما وصف بها النّاس بشأن الآيات من الكفر بها،و التّكذيب،و الجحد،و الإفك، و الإعراض عنها و عدم الإيمان بها و الاشتراء بها ثمنا قليلا،و الإسراف،و الصّدّ و الصّرف عنها،و الخسران، و الجدال،و الفسق،و الخوض،و الظّلم،و الاستكبار، و الانسلاخ،و الغفلة،و المكر،و النّسيان،و السّعي، و الإنكار و ظهوره في وجوههم،و السّطو،و الإلحاد، و العناد،و الهزء بها،و وصمها بالسّحر،و نسبتها إلى أساطير الأوّلين،و الافتراء على اللّه،و نحو ذلك.

10-و أمّا عجائب أفعال البشر،و هي

ما بقيت من الأقوام السّالفة من الآثار:

أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ الشّعراء:128

11-معالم ما نشأ من الآيات عن غضب الرّبّ:و هي عذاب الدّنيا من الخسف،و الغرق،و القحط، و المطر،و الرّمي بحجارة من سجّيل،و الطّوفان،و الجراد،

ص: 475

و القمّل،و الضّفادع،و الدّم،و ترك القصور و الجنّات، و البيوت الخاوية و نحوها.

ص: 476

أيّ

اشارة

10 ألفاظ،215 مرّة:59 مكّيّة،156 مدنيّة

في 57 سورة:22 مكّيّة،35 مدنيّة

أيّ 46:14-32 أيّتها 2:2

أيّاما 1:1 أيّهم 6:3-3

أيّما 1:1 أيّكم 4:3-1

أيّها 150:32-118 أيّكم 1:1

أيّه 3:1-2 أيّنا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أيّ-مثقّلة-فإنّها بمنزلة«من»و«ما»، تقول:أيّهم أخوك و أيّتهنّ أختك؟و أيّما الأخوين أحبّ إليك.و أيّا ما تحبّ منهم.تجعل«ما»صلة،و كذلك في:أيّما الأخوين«ما»صلة.

و أيّ لا تنوّن،لأنّ أيّ مضاف.

و قوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا الإسراء:110، (ما)صلة(ايّا)يجعل مكان اسم منصوب،كقولك:

ضربتك،فالكاف:اسم المضروب.فإذا أردت تقديم اسمه غير ظهوره قلت:إيّاك ضربت،فتكون«إيّا»عمادا للكاف،لأنّها لا تفرد من الفعل.

و لا تكون«إيّا»مع كاف و لا هاء و لا ياء في موضع الرّفع و الجرّ،و لكن تكون كقول المحذّر:إيّاك و زيدا.

فمنهم من يجعل التّحذير و غير التّحذير مكسورا،و منهم من ينصبه في التّحذير و يكسر ما سوى ذلك،للتّفرقة.

(8:440)

الكسائيّ: تقول:لأضربنّ أيّهم في الدّار،و لا يجوز أن تقول:ضربت أيّهم في الدّار.ففرّق بين الواقع و المنتظر.

و إذا ناديت اسما فيه الألف و اللاّم أدخلت بينه و بين حرف النّداء«أيّها»فتقول:يا أيّها الرّجل و يا أيّتها المرأة،ف«أيّ»اسم مبهم مفرد معرفة بالنّداء مبنيّ على الضّمّ،و«ها»حرف تنبيه،و هي عوض عوض ممّا كانت«أيّ»

ص: 477

تضاف إليه،و ترفع الرّجل،لأنّه صفة«أيّ».

(ابن منظور 14:59)

الفرّاء: «أيّ»إذا أوقعت الفعل المتقدّم عليها خرجت من معنى الاستفهام،و ذلك إن أردته جائز، يقولون:لأضربنّ أيّهم.

يقول ذلك لأنّ الضّرب لا يقع على اسم يأتي بعد ذلك استفهام؛و ذلك أنّ الضّرب لا يقع على اثنين.

و قول اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا مريم:69.

من نصب«أيّا»أوقع عليها النّزع،و ليس باستفهام، كأنّه قال:لنستخرجنّ العاتي الّذي هو أشدّ.

و«أيّ»إذا كانت جزاء فهي على مذهب الّذي قال، و إذا كانت«أيّ»تعجّبا لم يجاز بها،لأنّ التّعجّب لا يجازى به،و هو كقولك:أيّ رجل زيد؟و أيّ جارية زينب؟

و العرب تقول:أيّ،و أيّان،و أيّون.

إذا أفردوا«أيّا»ثنّوها و جمعوها و أنّثوها،فقالوا:

أيّة،و أيّتان،و أيّات.

و إذا أضافوها إلى ظاهر أفردوها و ذكّروها،فقالوا:

أيّ الرّجلين؟و أيّ المرأتين؟و أيّ الرّجال؟و أيّ النّساء؟

و إذا أضافوها إلى المكنيّ المؤنّث ذكّروا و أنّثوا، فقالوا:أيّهما،و أيّتهما،للمرأتين.و قال تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا الإسراء:110.

و يقول لك قائل:رأيت ظبيا،فتجيبه:أيّا؟

و يقول:رأيت ظبيين،فتقول:أيّين؟

و يقول:رأيت ظباء،فتقول:أيّات؟

و يقول:رأيت ظبية،فتقول:أيّة؟

و إذا سألت الرّجل عن قبيلته،قلت:أ لميّيّ.

و إذا سألته عن كورته،قلت:الأيّيّ.

و تقول:ميّيّ أنت؟و أيّيّ أنت؟بياءين شديدتين.

و حكى[أي الفرّاء]عن العرب في لغيّة لهم:أيّهم ما أدرك يركب على أيّهم يريد.(الأزهريّ 15:654)

أبو زيد:صحبه اللّه أيّاما توجّه،يريد أينما توجّه.

(الأزهريّ 15:656)

المبرّد: ل«أيّ»ثلاثة أصول:تكون استفهاما، و تكون تعجّبا،و تكون شرطا.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا كانت«أيّ»استفهاما لم يعمل فيها الفعل الّذي قبلها،و إنّما يرفعها أو ينصبها ما بعدها.و منه قوله تعالى:

لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12، ف«أيّ»رفع،و(احصى)رفع بخبر الابتداء.و عمل الفعل في المعنى لا في اللّفظ،كأنّه قال:لنعلم أيّا من أيّ،و لنعلم أحد هذين.

و أمّا المنصوبة بما بعدها،فقوله تعالى: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ الشّعراء:227،نصب «ايّا»ب(ينقلبون).

مثله ثعلب.(الأزهريّ 15:653،654)

الزّجّاج: «أيّ»اسم مبهم مبنيّ على الضّمّ،من:أيّها الرّجل،لأنّه منادى مفرد،و«الرّجل»صفة ل«أيّ» لازمة.تقول:يا أيّها الرّجل أقبل،و لا يجوز:يا الرّجل، لأنّ«يا»تنبيه بمنزلة التّعريف في«الرّجل»،فلا يجمع بين«يا»و بين«الألف و اللاّم»،فتصل إلى«الألف و اللاّم»ب«أيّ».و«ها»لازمة ل«أيّ»للتّنبيه،و هي

ص: 478

عوض من الإضافة في«أيّ»،لأنّ أصل«أيّ»أن تكون مضافة إلى الاستفهام و الخبر.و المنادى في الحقيقة «الرّجل»،و«أيّ»وصلت إليه.(الأزهريّ 15:656)

ابن دريد:«أيّ»كلمة تستعمل في الاستفهام، و لم تجئ إلاّ في الاستفهام.(1:22)

الأزهريّ: قال الكوفيّون:إذا قلت:يا أيّها الرّجل، ف«يا»نداء،و«أيّ»اسم منادى،و«ها»تنبيه، و«الرّجل»صفة.ف«الواو»وصلت«أيّ»بالتّنبيه،فصار اسما تامّا،لأنّ«أيّا و ما و من و الّذي»أسماء ناقصة لا تتمّ إلاّ بالصّلات.

و يقال:«الرّجل»تفسير لمن نودي.(15:656)

الجوهريّ: «أيّ»اسم معرب يستفهم به و يجازى، فيمن يعقل و فيما لا يعقل.

تقول:أيّهم أخوك؟و أيّهم يكرمني أكرمه.و هو معرفة للإضافة،و قد تترك الإضافة و فيه معناها.

و قد يكون بمنزلة«الّذي»فيحتاج إلى صلة،تقول:

أيّهم في الدّار أخوك.

و قد يكون نعتا للنّكرة،تقول:مررت برجل أيّ رجل و أيّما رجل،و مررت بامرأة أيّة امرأة و بامرأتين أيّتما،امرأتين،و هذه امرأة أيّة امرأة،و امرأتان أيّتما امرأتين،و«ما»زائدة.

و تقول في المعرفة:هذا زيد أيّما رجل،فتنصب«أيّا» على الحال.و هذه أمة اللّه أيّتما جارية.

و تقول:أيّ امرأة جاءتك و جاءك،و أيّة امرأة جاءتك،و مررت بجارية أيّ جارية،و جئتك بملاءة أيّ ملاءة و أيّة ملاءة،كلّ جائز.قال اللّه تعالى: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لقمان:34.

و«أيّ»قد يتعجّب بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد تحكى ب«أيّ»النّكرات ما يعقل و ما لا يعقل، و يستفهم بها،و إذا استفهمت بها عن نكرة،أعربتها بإعراب الاسم الّذي هو استثبات عنه.

فإذا قيل لك:مرّ بي رجل،قلت:أيّ يا فتى.تعربها في الوصل،و تشير إلى الإعراب في الوقف.

فإن قال:رأيت رجلا قلت:أيّا يا فتى،تعرب و تنوّن إذا وصلت،و تقف على الألف فتقول:أيّا.

و إذا قال:مررت برجل قلت:أيّ يا فتى،تحكي كلامه في الرّفع و النّصب و الجرّ،في حال الوصل و الوقف.

و تقول في التّثنية و الجمع و التّأنيث كما قلناه في «من».

إذا قال:جاءني رجال،قلت:أيّون،ساكنة النّون، و أيّين في النّصب و الجرّ،و أيّة للمؤنّث.فإن وصلت قلت:أيّة يا هذا و أيات يا هذا،نوّنت.

فإن كان الاستثبات عن معرفة؛رفعت«أيّا»لا غير، على كلّ حال.

و لا تحكى في المعرفة،فليس في«أيّ»مع المعرفة إلاّ الرّفع.

و قد تدخل على«أيّ»الكاف؛فينقل إلى تكثير العدد بمعنى«كم»في الخبر،و يكتب تنوينه نونا.و فيه لغتان:كائن مثال كاعن،و كأيّن مثال كعيّن.تقول:كأيّن رجلا لقيت،تنصب ما بعد كأيّن على التّمييز،و تقول أيضا:كأيّن من رجل لقيت.و إدخال«من»بعد كأيّن أكثر من النّصب بها و أجود.

ص: 479

و تقول:بكأيّن تبيع هذا الثّوب؟أي،بكم تبيع؟[ثمّ استشهد بشعر](6:2276)

ابن فارس: «أيّ»كلمة تعجّب و استفهام،يقال:

تأيّيت على«تفعّلت»أي تمكّثت.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:32)

الزّمخشريّ: «أيّ»وصلة إلى نداء ما فيه الألف و اللاّم،كما أنّ«ذو،و الّذي»وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس،و وصف المعارف بالجمل.و هو اسم مبهم مفتقر إلى ما يوضّحه و يزيل إبهامه،فلا بدّ أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه،يتّصف به حتّى يضح المقصود بالنّداء،فالّذي يعمل فيه حرف النّداء هو«أيّ»و الاسم التّابع له صفته،كقولك:يا زيد الظّريف.إلاّ أنّ«أيّا» لا يستقلّ بنفسه استقلال زيد،فلم ينفكّ من الصّفة.

و في هذا التّدريج من الإبهام إلى التّوضيح ضرب من التّأكيد و التّشديد.و كلمة التّنبيه المقحمة بين الصّفة و موصوفها لفائدتين:معاضدة حرف النّداء،و مكانفته بتأكيد معناه،و وقوعها عوضا ممّا يستحقّه،أي من الإضافة.(1:225)

ابن هشام: «أيّ»بفتح الهمزة و تشديد الياء،اسم يأتي على خمسة أوجه:

شرطا،نحو: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الإسراء:110، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ القصص:28.

و استفهاما،نحو: أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً التّوبة:

124، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ الأعراف:185، و قد تخفّف كقوله:

تنظّرت نصرا و السّماكين أيهما

عليّ من الغيث استهلّت مواطره

و موصولا،نحو: لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ مريم:69،التّقدير:لننزعنّ الّذي هو أشدّ،قاله سيبويه.

و خالفه الكوفيّون و جماعة من البصريّين،لأنّهم يرون أنّ«أيّا»الموصولة معربة دائما كالشّرطيّة و الاستفهاميّة.

قال الزّجّاج: ما تبيّن لي أنّ سيبويه غلط إلاّ في موضعين،هذا أحدهما،فإنّه يسلّم أنّها تعرب إذا أفردت،فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت؟و قال الجرميّ:

خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكّة أحدا يقول:«لأضربنّ أيّهم قائم»بالضّمّ اه.

و زعم هؤلاء أنّها في الآية استفهاميّة،و أنّها مبتدأ، و(أشدّ)خبر،ثمّ اختلفوا في مفعول«ننزع»فقال الخليل:

محذوف،و التّقدير:لننزعنّ الفريق الّذي يقال فيهم أيّهم أشدّ،و قال يونس:هو الجملة،و علّقت«ننزع»عن العمل،كما في لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى الكهف:12.

و قال الكسائيّ و الأخفش: (كُلِّ شِيعَةٍ) و(من) زائدة،و جملة الاستفهام مستأنفة،و ذلك على قولهما في جواز زيادة(من)في الإيجاب.

و يردّ أقوالهم أنّ«التّعليل»مختصّ بأفعال القلوب، و أنّه لا يجوز«لأضربنّ الفاسق»بالرّفع،بتقدير الّذي يقال فيه هو الفاسق،و أنّه لم يثبت زيادة(من)في الإيجاب،و قول الشّاعر:

إذا ما لقيت بني مالك فسلّم على أيّهم أفضل

ص: 480

يروى بضمّ«أيّ»و حروف الجرّ لا تعلّق،و لا يجوز حذف المجرور و دخول الجارّ على معمول صلته، و لا يستأنف ما بعد الجارّ.

و جوّز الزّمخشريّ و جماعة كونها موصولة مع أنّ الضّمّة إعراب،فقدّروا متعلّق النّزع: (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) و كأنّه قيل:لننزعنّ بعض كلّ شيعة،ثمّ قدّر أنّه سئل:

من هذا البعض؟فقيل:هو الّذي هو أشدّ،ثمّ حذف المبتدءان المكتنفان للموصول.و فيه تعسّف ظاهر، و لا أعلمهم استعملوا«أيّا»الموصولة مبتدأ،و سيأتي ذلك عن ثعلب.

و زعم ابن الطّراوة أنّ«أيّا»مقطوعة عن الإضافة، فلذلك بنيت،و أنّ(هم اشد)مبتدأ و خبر.و هذا باطل برسم الضّمير متّصلا بأيّ،و الإجماع على أنّها إذا لم تضف كانت معربة.

و زعم ثعلب أنّ«أيّا»لا تكون موصولة أصلا، و قال:لم يسمع«أيّهم هو فاضل جاءني»بتقدير:الّذي هو فاضل جاءني.

و الرّابع:أن تكون دالّة على معنى الكمال،فتقع صفة للنّكرة نحو«زيد رجل أيّ رجل»كامل في صفات الرّجال،و حالا للمعرفة كمررت بعبد اللّه أيّ رجل.

و الخامس:أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل،نحو «يا أيّها الرّجل».و زعم الأخفش أنّ«أيّا»لا تكون وصلة،و أنّ«أيّا»هذه هي الموصولة،حذف صدر صلتها و هو العائد،و المعنى يا من هو الرّجل.و ردّ بأنّه ليس لنا عائد يجب حذفه،و لا موصول التزم كون صلته جملة اسميّة،و له أن يجيب عنهما بأنّ«ما»في قولهم:

«لا سيّما زيد»بالرّفع كذلك.

و زاد قسما،و هو:أن تكون نكرة موصوفة نحو «مررت بأيّ معجب لك»كما يقال:بمن معجب لك، و هذا غير مسموع.

و لا تكون«أيّ»غير مذكور معها مضاف إليه البتّة إلاّ في النّداء و الحكاية،يقال:«جاءني رجل»فتقول:

أيّ يا هذا،و جاءني رجلان،فتقول:أيّان،و جاءني رجال،فتقول:أيّون.(1:79)

ابن منظور: تكون«أيّ»جزاء،و تكون بمعنى «الّذي»،و الأنثى من كلّ ذلك«أيّة»و ربّما قيل:أيّهنّ منطلقة،يريد أيّتهنّ.

و«أيّ»استفهام فيه معنى التّعجّب،فيكون حينئذ صفة للنّكرة،و حالا للمعرفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و«أيّ»اسم صيغ ليتوصّل به إلى نداء ما دخلته الألف و اللاّم،كقولك:يا أيّها الرّجل،و يا أيّها الرّجلان، و يا أيّها الرّجال،و يا أيّتها المرأة،و يا أيّتها المرأتان،و يا أيّتها النّسوة،و يا أيّها المرأة،و يا أيّها المرأتان،و يا أيّها النّسوة.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ النّمل:18، فقد يكون على قولك:يا أيّها المرأة،و يا أيّها النّسوة.

و أمّا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا البقرة:104، ف(يا أي)نداء مفرد مبهم،و(الّذين)في موضع رفع صفة ل«أيّها»،هذا مذهب الخليل و سيبويه.

و أمّا مذهب الأخفش ف(الّذين)صلة ل«أيّ»، و موضع(الّذين)رفع بإضمار الذّكر العائد على(أيّ)كأنّه

ص: 481

على مذهب الأخفش بمنزلة قولك:يا من الّذين،أي يا من هم الّذين.و«ها»لازمة لأيّ عوضا ممّا حذف منها للإضافة،و زيادة في التّنبيه.

و أجاز المازنيّ نصب صفة«أيّ»في قولك:يا أيّها الرّجل أقبل،و هذا غير معروف.

و«أيّ»في غير النّداء لا يكون فيها«ها»،و يحذف معها الذّكر العائد عليها،تقول:اضرب أيّهم أفضل و أيّهم أفضل،تريد اضرب أيّهم هو أفضل.(14:58)

أبو حيّان:[أيّها]«أيّ»استفهام و شرط و صفة، و وصلة لنداء ما فيه الألف و اللاّم،و موصولة،خلافا لأحمد بن يحيى[أي ثعلب]إذ أنكر مجيئها موصولة، و لا تكون موصوفة خلافا للأخفش.

«ها»حرف تنبيه،أكثر استعمالها مع ضمير رفع منفصل مبتد،مخبر عنه باسم إشارة غالبا،أو مع اسم إشارة لا لبعد،و يفصل ب«ها»بين«أيّ»في النّداء،و بين المرفوع بعده.و ضمّها فيه لغة بني مالك من بني أسد، يقولون:يا أيّه الرّجل و يا أيّتها المرأة.(1:93)

الفيّوميّ:«أيّ»تكون شرطا و استفهاما و موصولة، و هي بعض ما تضاف إليه،و ذلك البعض منهم مجهول.

فإذا استفهمت بها،و قلت:أيّ رجل جاء؟و أيّ امرأة قامت؟فقد طلبت تعيين ذلك البعض المجهول.و لا يجوز الجواب بذلك البعض إلاّ معيّنا.

و إذا قلت في الشّرط:أيّهم تضرب أضرب،فالمعنى إن تضرب رجلا أضربه،و لا يقتضي العموم.فإذا قلت:

أيّ رجل جاء فأكرمه،تعيّن الأوّل دون ما عداه.

و قد يقتضيه لقرينة نحو:أيّ صلاة وقعت بغير طهارة وجب قضاؤها،و أيّ امرأة خرجت فهي طالق.

و تزاد«ما»عليها،نحو:أيّما إهاب دبغ فقد طهر.

و الإضافة لازمة لها لفظا أو معنى،و هي مفعول إن أضيفت إليه،و ظرف زمان إن أضيفت إليه،و ظرف مكان إن أضيفت إليه.

و الأفصح استعمالها في الشّرط و الاستفهام بلفظ واحد للمذكّر و المؤنّث،لأنّها اسم،و الاسم لا تلحقه هاء التّأنيث الفارقة بين المذكّر و المؤنّث،نحو:أيّ رجل جاء، و أيّ امرأة قامت؛و عليه قوله تعالى: فَأَيَّ آياتِ اللّهِ تُنْكِرُونَ المؤمن:81،و قال تعالى: بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لقمان:34.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد تطابق في التّذكير و التّأنيث نحو:أيّ رجل، و أيّة امرأة.و في الشّاذّ(بايّة ارض تموت).[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا كانت موصولة فالأحسن استعمالها بلفظ واحد، و بعضهم يقول:هو الأفصح.

و تجوز المطابقة نحو:مررت بأيّهم قام،و بأيّتهنّ قامت.

و تقع صفة تابعة لموصوف،و تطابق في التّذكير و التّأنيث تشبيها لها بالصّفات المشتقّات،نحو:برجل أيّ رجل،و بامرأة أيّة امرأة.

و حكى الجوهريّ التّذكير فيها أيضا،فيقال:مررت بجارية أيّ جارية.(1:34)

الفيروزآباديّ:«أيّ»حرف استفهام عمّا يعقل و ما لا يعقل مبنيّة،و قد تخفّف،كقوله:

*تنظّرت نشرا و السّماكين أيهما*

ص: 482

و قد تدخله الكاف فينقل إلى تكثير العدد بمعنى «كم»الخبريّة و يكتب تنوينه نونا.و فيها لغات:كأيّن، و كيين،و كائن و كأي،و كأ،تقول:كأين رجلا و من رجل.

و«أيّ»أيضا اسم صيغ ليتوصّل بها إلى نداء ما دخلته«أل»ك«يا أيّها الرّجل»و أجيز نصب صفة «أيّ»فتقول:يا أيّها الرّجل أقبل.(4:303)

الطّريحيّ: قد تكون«أيّ»خبرا بمعنى«كم» للعدد،كقوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ محمّد:13، وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ آل عمران:146،أصله«أيّ»دخلت الكاف عليها فصارت بمعنى«كم»الّتي للتّكثير.

و في الحديث:«أيّ شيء الدّنيا».و لعلّ«أيّ» للاستفهام الّذي يراد به النّفي لقصد التّحقير،كقولك لمن ادّعى إكرامك:أيّ يوم أكرمتني.(1:41)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ كلمة«أيّ»مأخوذة من «تأيّا»،و الإبهام يناسب التلبّث و التّمكّث و التّحبّس، فإنّ المتكلّم يتلبّث و يتمكّث في إظهار مراده،و لا يحبّ التّصريح به،لأيّ غرض كان.

ثمّ إنّ المعنى الحقيقيّ لهذه الكلمة هو الأمر المطلق و الشّيء المبهم،و هذا المعنى يتقيّد بقيود مختلفة باختلاف الموارد و القرائن الحاليّة و المقاميّة و الكلاميّة،من الشّرط و الاستخبار و الصّلة و غيرها،فهي قابلة لأن تكون وسيلة للاستفهام أو للشّرط أو للموصول أو للتّعجّب،بأن تقع في كلّ من هذه الموارد و المقامات،و ليست هذه المعاني جزء من مفهومها.

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ الأعراف:185، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى النّجم:55، فَأَيَّ آياتِ اللّهِ تُنْكِرُونَ المؤمن:81،تدلّ على الاستفهام بلحن الكلام.

أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الإسراء:

110، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ القصص:28،تدلّ على الشّرط و الجزاء باللّحن و القرينة المقاليّة.

ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ مريم:69، لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً النّساء:11،فقد وقعت في مقام يقتضي أن تكون موصولة:الّذي هم أشدّ.

و أيّها النّاس،أيّها الّذين،يا أيّها النّبيّ،يا أيّها الرّسول،يا أيّها المدّثّر،يا أيّها الكافرون،فقد وقعت «أيّ»موصولة مع«ها»للتّنبيه بين«يا»حرف النّداء و المنادى المعرّف باللاّم؛للدّلالة على التّعظيم و التّفخيم للمنادى،أو لتفخيم الموضوع،أو للتّنبيه على أهمّيّة الحكم،أو لجلب التّوجّه،أو غيرها.

و يمكن أن نقول:إنّ«أيّا»في هذا المورد للوصف،و ما بعدها صفة لها،تابع لها في الإعراب،يا أيّها الرّجل.

(1:175)

النّصوص التّفسيريّة

أيّ

1- وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. الشّعراء:227

أبو حيّان: (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) استفهام،و النّاصب له

ص: 483

(ينقلبون)و هو مصدر،و الجملة في موضع المفعول ل(سيعلم).

و قال أبو البقاء: (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) مصدر نعت لمصدر محذوف،و العامل:ينقلبون انقلابا أيّ منقلب.و لا يعمل فيه«يعلم»لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله،انتهى.

و هذا تخليط،لأنّ«أيّا»إذا وصف بها لم تكن استفهاما،بل«أيّ»الموصوف بها قسم ل«أيّ».المستفهم بها لا قسم،فأيّ تكون:شرطيّة و استفهاميّة و موصولة و وصفا-على مذهب الأخفش-موصوفة بنكرة،نحو:مررت بأيّ معجب لك.و تكون مناداة، وصلة لنداء ما فيه الألف و اللاّم،نحو يا أيّها الرّجل.

و الأخفش يزعم أنّ الّتي في النّداء موصولة.و مذهب الجمهور أنّها قسم برأسه.و الصّفة تقع حالا من المعرفة، فهذه أقسام«أيّ».

فإذا قلت:قد علمت أيّ ضرب تضرب،فهي استفهاميّة،لا صفة لمصدر محذوف.(7:50)

مجمع اللّغة:«أيّ»جاءت في القرآن لما يأتي:

1-استفهاما عمّا يعقل و ما لا يعقل.

ب-شرطيّة،و لم تجئ في القرآن كذلك إلاّ مقترنة ب«ما».

ج-موصولا.

د-ليتوصّل بها إلى نداء ما فيه«أل»سواء كان المنادى مذكّرا أم مؤنّثا،مفردا أم مثنّى أم جمعا،و تتّصل بها«ها»الّتي للتّنبيه،فيقال:أيّها.و قد تلحق ب«أيّ»تاء التّأنيث في نداء المؤنّث،فيقال:أيّتها.

ه-أن تكون دالّة على معنى الكمال،فتقع صفة للنّكرة،مثل فلان رجل أيّ رجل.(1:75)

2- وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. لقمان:34

الطّبريّ: قيل: بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ؟ و فيه لغة أخرى:(بآية ارض).

فمن قال:(باى ارض)اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يظهر في(ايّ)تأنيث آخر،و من قال:(بآية ارض) فأنّث(أيّ).

قد تجتزئ بأيّ ممّا أضيف إليه،فلا بدّ من التّأنيث، كقول القائل:مررت بامرأة،فيقال له:بأيّة،و مررت برجل،فيقال له:بأيّ.و يقال:أيّ امرأة جاءتك و جاءك، و أيّة امرأة جاءتك.(21:89)

نحوه أبو حيّان.(7:194)

الزّمخشريّ: قرئ (بآية ارض). و شبّه سيبويه تأنيث(أيّ)بتأنيث«كلّ»في قولهم:كلّتهنّ.(3:239)

الطّبرسيّ:إنّما قال: (بِأَيِّ أَرْضٍ)، لأنّه أراد بالأرض المكان.و لو قال:(بآية ارض)لجاز.و روي أنّ ذلك قراءة أبيّ.(4:324)

3- وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللّهِ تُنْكِرُونَ

المؤمن:81

الزّمخشريّ: جاءت على اللّغة المستفيضة، و قولك:«فأيّة آيات اللّه»قليل،لأنّ التّفرقة بين المذكّر و المؤنّث في الأسماء غير الصّفات،نحو حمار و حمارة

ص: 484

غريب،و هي في«أيّ»أغرب لإبهامه.(3:439)

أبو حيّان: أي إنّها كثيرة،فأيّها ينكر،أي لا يمكن إنكار شيء منها في العقول، فَأَيَّ آياتِ اللّهِ منصوب ب(تنكرون).[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و قوله:«و هي في أيّ أغرب،إن عنى«أيّا»على الإطلاق،فليس بصحيح،لأنّ المستفيض في النّداء أن يؤنّث نداء المؤنّث،لقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الفجر:27،و لا يعلم من يذكّرها فيه، فيقول:يا أيّها المرأة،إلاّ صاحب كتاب«البديع في النّحو».و إن عنى غير المناداة فكلامه صحيح،فقلّ تأنيثها في الاستفهام و موصولة.(7:478)

4- مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ.

عبس:18،19

الفخر الرّازيّ: هو استفهام و غرضه زيادة التّقرير في التّحقير.(31:59)

مثله البيضاويّ.(2:541)

الآلوسيّ: الاستفهام-قيل-للتّحقير،و ذكر الجواب،أعني قوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ لا يقتضي أنّه حقيقيّ،لأنّه ليس بجواب في الحقيقة بل على صورته، و هو بدل من قوله سبحانه: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ و جوّز أن يكون للتّقرير و التّحقير مستفاد من الشّيء المنكر.

و قيل:التّحقير يفهم أيضا من قوله سبحانه: (مِنْ نُطْفَةٍ) إلخ،أي من أيّ شيء حقير مهين خلقه؟من نطفة مذرة خلقه.(30:44)

5- فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ. الانفطار:8

الزّمخشريّ:يكون في(ايّ)معنى التّعجّب،أي فعدلك في صورة عجيبة.(4:228)

أبو حيّان: و كون فِي أَيِّ صُورَةٍ متعلّقا(بربّك)، هو قول الجمهور.

و قيل:يتعلّق بمحذوف،أي ركّبك حاصلا في بعض الصّور.

و قال بعض المتأوّلين:إنّه يتعلّق بقوله:(فعدلك)،أي فعدلك في صورة أيّ صورة.

و(أيّ)تقتضي التّعجيب و التّعظيم.(8:437)

الآلوسيّ:(أيّ)للصّفة،مثلها في قوله:

أ رأيت أيّ سوالف و خدود

برزت لنا بين اللّوى و زرود

و لمّا أريد التّعميم لم يذكر موصوفها.و جملة(شاء) صفة لها،و العائد محذوف،و(ما)مزيدة.و إنّما لم تعطف الجملة على ما قبلها،لأنّها بيان ل(عدلك).و جوّز أن يكون الجار و المجرور في موضع الحال،أي ركّبك كائنا في أيّ صورة شاءها.

و قيل:(أيّ)موصولة،صلتها جملة(شاءها)،كأنّه قيل:ركّبك في الصّورة الّتي شاءها.

و فيه أنّه صرّح أبو عليّ في«التّذكرة»بأنّ«أيّا» الموصولة لا تضاف إلى نكرة.و قال ابن مالك في «الألفيّة»:«و اخصصن بالمعرفة موصولة أيّا»،و في شرحها للسّيوطيّ مع اشتراط ما سبق،يعني كون المعرفة غير مفردة،فلا تضفها إلى نكرة،خلافا لابن عصفور.

و يجوز أن تجعل(أيّ)شرطيّة،و الماضي في جوابها في معنى المستقبل،إذا نظر إلى تعلّق المشيئة،و ترتّب

ص: 485

التّركيب عليه،فجيء ب(صورة)إلى الماضي نظرا إلى المشيئة،و أداة الشّرط نظرا إلى المتعلّق و التّرتّب.

و يجوز أن يكون الجار متعلّقا ب(عدلك)،و حينئذ يتعيّن في(أيّ)الصّفة،كأنّه قيل:فعدلك في صورة أيّ صورة،أي في صورة عجيبة،ثمّ حذف الموصوف زيادة للتّفخيم و التّعجيب.

و(أيّ)هذه منقولة من الاستفهاميّة،لكنّها لانسلاخ معناها عنها بالكليّة عمل فيها ما قبلها،و يكون ما شاءَ رَكَّبَكَ كلاما مستأنفا.(30:64)

ايّا

قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى... الإسراء:110

الزّمخشريّ: التّنوين في(أيّا)عوض من المضاف إليه،و(ما)صلة للإبهام المؤكّد لما في أيّ،أي أيّ هذين الاسمين سمّيتم و ذكرتم.(2:470)

مثله الفخر الرّازيّ.(21:70)

أبو حيّان: «أيّ»هنا شرطيّة،و التّنوين قيل:

عوض من المضاف و(ما)زائدة مؤكّدة.

و قيل:(ما)شرط،و دخل شرط على شرط.

و قرأ طلحة بن مصرّف (ايا من تدعوا) فاحتمل أن تكون(من)زائدة على مذهب الكسائيّ،إذ قد ادّعى زيادتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و احتمل أن يكون جمع بين أداتي شرط على وجه الشّذوذ كما جمع بين حرفي جرّ،[ثمّ استشهد بشعر] و ذلك لاختلاف اللّفظ.و قوله:(فله)هو جواب الشّرط.

قيل:و من وقف على(ايّا)جعل معناه أيّ اللّفظين دعوتموه به جاز،ثمّ استأنف فقال:ما تدعوه فله الأسماء الحسنى،و هذا لا يصحّ،لأنّ(ما)لا تطلق على آحاد أولي العلم،و لأنّ الشّرط يقتضي عموما،و لا يصحّ هنا.

(6:90)

نحوه الآلوسيّ.(15:192)

ايّما

...أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ القصص:28

الطّبريّ: (ما)في قوله: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) صلة يوصل بها أيّ على الدّوام،و زعم أهل العربيّة أنّ هذا أكثر في كلام العرب من«أيّ».[ثمّ استشهد بشعر]

(20:65)

الزّمخشريّ: في قراءة ابن مسعود (اى الاجلين ما قضيت) و قرئ(ايما)بسكون الياء.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قلت:ما الفرق بين موقعي(ما)المزيدة في القراءتين؟

قلت:وقعت في المستفيضة مؤكّدة لإبهام«أيّ» زائدة في شياعها،و في الشّاذّة تأكيد القضاء،كأنّه قال:

أيّ الأجلين صمّمت على قضائه و جرّدت عزيمتي له.

(3:174)

ص: 486

نحوه أبو حيّان.(7:115)

الآلوسيّ: قرأ عبد اللّه (اىّ الاجلين ما قضيت) :

ف(ما)مزيدة لتأكيد القضاء،أي أيّ الأجلين صمّمت على قضائه و جرّدت عزيمتي له،كما أنّها في القراءة الأولى مزيدة لتأكيد إبهام(أيّ)و شياعها،و جعلها نافية لا يخفى ما فيه.و قرأ الحسن و العبّاس عن أبي عمرو (أيما) بتسكين الياء من غير تشديد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصلها المشدّدة،و حذفت الياء تخفيفا،و هي ممّا عينه واو و لامة ياء.و نصّ ابن جنّيّ على أنّها من باب «أويت»قياسا و اشتقاقا.(20:68)

أيّها

يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. البقرة:21

الطّوسيّ: أفصح اللّغات فتح الهاء ب(أيّها).و بعض بني مالك من بني أسد رهط شقيق بن سلمة يقولون:يا أيّه النّاس و يا أيّته المرأة و يا أيّه الرّجل،و لا يقرأ بها، و من رفعها توهّمها آخر الحروف.و قد حذفت الألف في الكتابة من ثلاثة مواضع: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النّور:31، و يا أَيُّهَا السّاحِرُ الزّخرف:49،و أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31.

و اعلم أنّ«أيّا»اسم مبهم ناقص،جعل صلة إلى نداء ما فيه الألف و اللاّم،و يلزمه«ها»الّتي للتّنبيه لإبهامه و نقصه.

و أجاز المازنيّ«يا أيّ الظّريف»قياسا على«يا زيد الظّريف».و لم يجزه غيره،لأنّ«أيّا»ناقص،و النّصب عطفا على الموضع بالحمل على المعنى،و لا يحمل على التّأويل إلاّ بعد التّمام،و هذا هو الصّحيح عندهم.

(1:97)

الزّمخشريّ: إن قلت:لم كثر في كتاب اللّه النّداء على هذه الطّريقة ما لم يكثر في غيره؟

قلت:لاستقلاله بأوجه من التّأكيد و أسباب من المبالغة،لأنّ كلّ ما نادى اللّه له عباده من أوامره و نواهيه و عظاته و زواجره و وعده و وعيده،و اختصاص أخبار الأمم الدّارجة عليهم،و غير ذلك ممّا أنطق به كتابه، أمور عظام و خطوب جسام و معان،عليهم أن يتيقّظوا لها و يميلوا بقلوبهم و بصائرهم إليها و هم عنها غافلون، فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ.(1:226)

الآلوسيّ: «أيّ»لها معان شهيرة،و الواقعة في النّداء نكرة موضوعة لبعض من كلّ،ثمّ تعرّفت بالنّداء و توصل بها لنداء ما فيه أل،لأنّ«يا»لا يدخل عليها في غير اللّه إلاّ شذوذا،لتعذّر الجمع بين حرفي التّعريف، فإنّهما كمثلين،و هما لا يجتمعان إلاّ فيما شذّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أعطيت حكم المنادى،و جعل المقصود بالنّداء وصفا لها،و التزم فيه هذه الحركة الخاصّة المسمّاة بالضّمّة.خلافا للمازنيّ فإنّه أجاز نصبه،و ليس له في ذلك سلف و لا خلف لمخالفته للمسموع،و إنّما التزم ذلك إشعارا بأنّه المقصود بالنّداء.و لا ينافي هذا كون الوصف تابعا غير مقصود بالنّسبة لمتبوعه،لأنّ ذلك بحسب الوضع الأصليّ؛حيث لم يطرأ عليه ما يجعله مقصودا في

ص: 487

حدّ ذاته،ككونه مفسّرا لمبهم.و من هنا لم يشترطوا في هذا الوصف الاشتقاق مع أنّ النّحويّين-إلاّ النّزر-كابن الحاجب اشترطوا ذلك في النّعوت على ما بيّن في محلّه، و«ها»التّنبيهيّة زائدة لازمة للتّأكيد،و التّعويض عمّا تستحقّ من المضاف إليه أو ما في حكمه من التّنوين،كما في: أَيًّا ما تَدْعُوا الإسراء:110،و إن لم يستعمل هنا مضافا أصلا.

و كثر النّداء في الكتاب المجيد على هذه الطّريقة لما فيها من التّأكيد الّذي كثيرا ما يقتضيه المقام بتكرّر الذّكر و الإيضاح بعد الإبهام،و التّأكيد بحرف التّنبيه و اجتماع التّعريفين.هذا ما ذهب إليه الجمهور.

و قطع الأخفش لضعف نظره بأنّ«أيّا»الواقعة في النّداء موصولة،حذف صدر صلتها وجوبا لمناسبة التّخفيف للمنادى،و أيّد بكثرة وقوعها في كلامهم موصولة،و ندرة وقوعها موصوفة.و اعتذر عن عدم نصبها حينئذ مع أنّها مضارعة للمضاف،بأنّه إذا حذف صدر صلتها كان الأغلب فيها البناء على الضّمّ،فحرف النّداء على هذا يكون داخلا على مبنيّ على الضّمّ و لم يغيّره،و إن كان مضارعا للمضاف.و يؤيّد الأوّل عدم الاحتياج إلى الحذف و صدق تعريف النّعت و الموافقة مع هذا،و أنّها لو كانت موصولة لجاز أن توصل بجملة فعليّة أو ظرفيّة،إلى غير ذلك ممّا يقطع المنصف معه بأرجحيّة مذهب الجمهور.نعم أورد عليه إشكال استصعبه بعض من سلف من علماء العربيّة،و قال:إنّه لا جواب له-و هو أنّ ما ادّعوا كونه تابعا-معرب بالرّفع، و كلّ حركة إعرابيّة إنّما تحدث بعامل،و لا عامل يقتضي الرّفع هناك،لأنّ متبوعه مبنيّ لفظا و منصوب محلاّ، فلا وجه لرفعه.

و أقول:إنّ هذا من الأبحاث الواقعة بين أبي نزار و ابن الشّجريّ؛و ذلك أنّه وقع سؤال عن ضمّة هذا التّابع،فكتب أبو نزار أنّها ضمّة بناء و ليست ضمّة إعراب،لأنّ ضمّة الإعراب لا بدّ لها من عامل يوجبها، و لا عامل هنا يوجب هذه الضّمّة.و كتب الشّيخ (1)موهوب بن أحمد أنّها ضمّة إعراب،و لا يجوز أن تكون ضمّة بناء،و من قال ذلك فقد غفل عن الصّواب؛و ذلك لأنّ الواقع عليه النّداء«أيّ»المبنيّ على الضّمّ لوقوعه موقع الحرف،و الاسم الواقع بعد و إن كان مقصودا بالنّداء إلاّ أنّه صفة«أيّ»فمحال أن يبنى أيضا،لأنّه مرفوع رفعا صحيحا،و لهذا أجاز فيه المازنيّ النّصب على الموضع كما يجوز في:يا زيد الظّريف.و علّة الرّفع أنّه لمّا استمرّ الضّمّ في كلّ منادى معرفة أشبه ما أسند إليه الفعل؛ فأجريت صفته على اللّفظ فرفعت.

و أجاب ابن الشّجريّ بما أجاب به الشّيخ،و كتب أنّها ضمّة إعراب،لأنّ ضمّة المنادى المفرد لها -باطّرادها-منزلة بين منزلتين فليست كضمّة«حيث» لأنّها غير مطّردة لعدم اطّراد العلّة الّتي أوجبتها، و لا كضمّة«زيد»في نحو:خرج زيد،لأنّها حدثت بعامل لفظيّ.و لمّا اطّردت الضّمّة في نحو:يا زيد يا عمرو، و كذلك اطّردت في نحو:يا رجل يا غلام،إلى ما لا يحصى؛ نزل الاطّراد فيها منزلة العامل المعنويّ الواقع للمبتدإ، من حيث اطّردت الرّفعة في كلّ اسم ابتدئ به مجرّدا عنّ.

ص: 488


1- الظّاهر أنّه أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقيّ.

عامل لفظيّ،و جيء له بخبر كعمرو منطلق،و زيد ذاهب، إلى غير ذلك.فلمّا استمرّت ضمّة المنادى في معظم الأسماء كما استمرّت في الأسماء المعربة الضّمّة الحادثة عن الابتداء شبّهتها العرب بضمّة المبتدإ،فأتبعها ضمّة الإعراب في صفة المنادى في نحو:يا زيد الطّويل.و جمع بينهما أيضا أنّ الاطّراد معنى كما أنّ الابتداء كذلك،و من شأن العرب أن تحمل الشّيء على الشّيء مع حصول أدنى مناسبة بينهما،حتّى أنّهم قد حملوا أشياء على نقائضها،أ لا ترى أنّهم أتبعوا حركة الإعراب حركة البناء في قراءة من قرأ (الحمد لله) بضمّ اللاّم،و كذلك أتبعوا حركة البناء حركة الإعراب في نحو:يا زيد بن عمرو،في قول من فتح الدّال من زيد،انتهى ملخّصا.

و قد ذكر ذلك ابن الشّجريّ في«أماليه»و أكثر في الحطّ على ابن نزار،و بيّن ما وقع بينه و بينه مشافهة، و لو لا مزيد الإطالة لذكرته بعجره،و بجره،و أنت تعلم ما في ذلك كلّه من الوهن،و لهذا قال بعض المحقّقين:إنّ الحقّ أنّها حركة إتباع و مناسبة لضمّة المنادى ككسر الميم من«غلاميّ»،و حينئذ يندفع الإشكال،كما لا يخفى على ذوي الكمال.

بقي الكلام في اللاّم الدّاخلة على هذا النّعت هل هي للتّعريف أم لا؟و الّذي عليه الجمهور و هو المشهور أنّها للتّعريف،كما تقدّمت الإشارة إليه.

و لمّا سئل عن ذلك أبو نزار قال:إنّها هناك ليست للتّعريف لأنّ التّعريف لا يكون إلاّ بين اثنين في ثالث، و اللاّم فيما نحن فيه داخلة في اسم المخاطب،ثمّ قال:

و الصّحيح إنّها دخلت بدلا من«يا،و أيّ»و إن كان منادى إلاّ أنّ نداءه لفظيّ،و المنادى على الحقيقة هو المقرون ب«أل»و لمّا قصدوا تأكيد التّنبيه و قدّروا تكرير حرف النّداء كرهوا التّكرير،فعوّضوا عن حرف النّداء ثانيا«ها»و ثالثا«أل».

و تعقّبه ابن الشّجريّ قائلا:إنّ هذا قول فاسد بل اللاّم هناك لتعريف الحضور،كالتّعريف في قولك:جاء هذا الرّجل مثلا،و لكنّها لمّا دخلت على اسم المخاطب صار الحكم للخطاب من حيث كان قولنا:يا أيّها الرّجل، معناه يا رجل،و لمّا كان«الرّجل»هو المخاطب في المعنى، غلب حكم الخطاب فاكتفى باثنين،لأنّ أسماء الخطاب لا تفتقر في تعريفها إلى حضور ثالث،أ لا ترى أنّ قولك:

خرجت يا هذا و انطلقت و أكرمتك،لا حاجة به إلى ثالث؟و ليس كلّ وجوه التّعريف يقتضي أن يكون بين اثنين في ثالث،فإنّ ضمير المتكلّم في«أنا»خرجت معرفة إجماعا و لا يتوقّف تعريفه على حضور ثالث، و أيضا ما قصّ من حديث التّعويض يستدعي بظاهره أن يكون أصل يا أيّها الرّجل مثلا،يا أيّ يا يا رجل،و أنّهم عوّضوا من«يا»الثّانية«ها»و من الثّالثة«الألف و اللاّم»،و أنت تعلم أنّ هذا مع مخالفته لقول الجماعة خلف من القول،يمجّه السّمع و ينكره الطّبع،فليفهم.

(1:181-183)

ايّهم

1- ...وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ آل عمران:44

ص: 489

الطّبريّ: إنّما قيل: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ، لأنّ إلقاء المستهمّين أقلامهم على مريم إنّما كان لينظروا أيّهم أولى بكفالتها و أحقّ؟ففي قوله عزّ و جلّ: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ دلالة على محذوف من الكلام،و هو لينظروا أيّهم يكفل؟و ليتبيّنوا ذلك و يعلموه.

فإن ظنّ ظانّ أنّ الواجب في(ايّهم)النّصب؛إذ كان ذلك معناه،فقد ظنّ خطأ،و ذلك أنّ النّظر و التّبيّن و العلم مع«أيّ»يقتضي استفهاما و استخبارا،و حظّ«أيّ»في الاستخبار الابتداء،و بطول عمل المسألة و الاستخبار عنه؛و ذلك أنّ معنى قول القائل:لأنظرنّ أيّهم قام، لأستخبرنّ النّاس أيّهم قام،و كذلك قولهم:لأعلمنّ.

(3:268)

القرطبيّ: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ابتداء و خبر في موضع نصب بالفعل المضمر الّذي دلّ عليه الكلام، التّقدير:ينظرون أيّهم يكفل مريم.

و لا يعمل الفعل في لفظ«أيّ»لأنّها استفهام.

(4:86)

الآلوسيّ: جعله ابتداء استفهام مفسد للمعنى،و لمّا لم يصلح(يلقون)للتّعلّق بالاستفهام،لزم أن يقدّر ما يرتبط به النّظام،فذكر الجلّ له ثلاثة أوجه:

أحدها:أن يقدّر:ينظرون أيّهم يكفل؛و حيث كان النّظر ممّا يؤدّي إلى الإدراك،جاز أن يتعلّق باسم الاستفهام كالأفعال القلبيّة،كما صرّح به ابن الحاجب، و ابن مالك في«التّسهيل».

و ثانيها:أن يقدّر:ليعلموا أيّهم يكفل،و على الأوّل الجملة حال ممّا قبلها،و على الثّاني في موضع المفعول له.

و لا يخفى أنّ الإلقاء سبب لنفس العلم لكنّه سبب بعيد، و القريب هو النّظر إلى ما ارتفع من الأقلام.

و ثالثها:أن يقدّر:يقولون،أو ليقولوا أيّهم،و اعترض بأنّه لا فائدة يعتدّ بها في تقدير«يقولون»،و لا ينساق المعنى إليه بل هو مجرّد إصلاح لفظيّ لموقع(ايّهم).

و أجيب بأنّه مفيد،و ينساق المعنى إليه،بناء على أنّ المراد بالقول،القول للبيان و التّعيين.

و اعترض أيضا تقدير القول مقرونا بلام التّعليل، بأنّ هذا التّعليل هنا ممّا لا معنى له.

و أجيب بتأويله كما أوّل في سابقه.و قيل:يؤوّل بالحكم،أي ليقولوا و ليحكموا أيّهم إلخ.

و السّكّاكيّ يقدّر هاهنا: ينظرون ليعلموا.و لعلّ ذلك لمراعاة المعنى و اللّفظ،و إلاّ فتقدير«النّظر»أو«العلم» يغني عن الآخر.

و بعض المحقّقين لم يقدّر شيئا أصلا،و جعل(ايّهم) بدلا عن ضمير الجمع-أي يلقي كلّ من يقصد الكفالة- و تتأتّى منه.و لا يخفى أنّه من التّكلّف بمكان.(3:159)

2- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ... الإسراء:57

الحوفيّ: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ابتداء و خبر،و المعنى ينظرون أيّهم أقرب فيتوسّلون به.و يجوز أن يكون أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بدلا من«الواو»في(يبتغون).

(أبو حيّان 6:52)

الزّمخشريّ: (ايّهم)بدل من واو(يبتغون)،و أيّ موصولة،أي يبتغي من هو أقرب منهم و أزلف الوسيلة

ص: 490

إلى اللّه فكيف بغير الألف،أو ضمّن«يبتغون الوسيلة» معنى يحرصون،فكأنّه قيل:يحرصون أيّهم يكون أقرب إلى اللّه،و ذلك بالطّاعة و ازدياد الخير و الصّلاح.

(2:454)

ابن عطيّة: (ايّهم)ابتداء و(اقرب)خبره...، و التّقدير:نظرهم و وكدهم أيّهم أقرب.(3:466)

العكبريّ: (ايّهم)مبتدأ و(اقرب)خبره،و هو استفهام في موضع نصب ب(يدعون).و يجوز أن يكون (ايّهم)بمعنى الّذي،و هو بدل من الضّمير في(يدعون)، و التّقدير:الّذي هو أقرب.(أبو حيّان 6:52)

أبو حيّان: اختلفوا في إعراب أَيُّهُمْ أَقْرَبُ و تقديره:[بعد نقل قول الحوفيّ قال:]

ففي الوجه الأوّل أضمر فعل التّعليق،و أَيُّهُمْ أَقْرَبُ في موضع نصب على إسقاط حرف الجرّ،لأنّ «نظر»إن كان بمعنى الفكر تعدّى ب«في»،و إن كانت بصريّة تعدّت ب«إلى»فالجملة المعلّق عنها الفعل على كلا التّقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجرّ،كقوله: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً. الكهف:19، و في إضمار الفعل المعلّق نظر.

[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

فعلى الوجه يكون(اقرب)خبر مبتدإ محذوف، و احتمل(ايّهم)أن يكون معربا و هو الوجه،و أن يكون مبنيّا لوجود مسوّغ البناء.[و بعد نقله القول الثّاني للزّمخشريّ قال:]

فيكون قد ضمّن(يبتغون)معنى فعل قلبيّ و هو«يحرصون»حتى يصحّ التّعليق،و تكون الجملة الابتدائيّة في موضع نصب على إسقاط حرف الجرّ،لأنّ «حرص»يتعدّى ب«على»كقوله: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ النّحل:37.[و بعد نقل قول ابن عطيّة قال:]

و هذا كما قال عمر بن الخطّاب رضى اللّه عنه:«فبات النّاس يدوكون أيّهم يعطاها»أي يتبارون في طلب القرب، فجعل المحذوف«نظرهم و وكدهم»و هذا مبتدأ.فإن جعلت أَيُّهُمْ أَقْرَبُ في موضع نصب ب«نظرهم» المحذوف بقي المبتدأ الّذي هو«نظرهم»بغير خبر محتاج إلى إضمار الخبر.و إن جعلت أَيُّهُمْ أَقْرَبُ هو الخبر فلا يصحّ،لأنّ«نظرهم»ليس هو أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. و إن جعلت التّقدير:نظرهم في أيّهم أقرب،أي كائن أو حاصل،فلا يصحّ ذلك،لأنّ كائنا و حاصلا ليس ممّا تعلّق.[و بعد نقل قول العكبريّ قال:]

ففي الوجه الأوّل علّق(يدعون)و هو ليس فعلا قلبيّا،و في الثّاني فصل بين الصّلة و معمولها بالجملة الحاليّة،و لا يضرّ ذلك،لأنّها معمولة للصّلة.(6:52)

نحوه الآلوسيّ.(15:99)

الأصول اللّغويّة

1-تستعمل«أيّ»أداة استفهام بصورة رئيسة، يقال:أيّهم أخوك؟ممّا حدا ببعض العلماء أن يقول:

لم تجئ إلاّ في الاستفهام.و قال آخرون:لا تكون موصولة أصلا،و قالوا:لا تكون وصلة إلى ما فيه«أل».

و لكنّ الاستقراء يثبت أنّها تستعمل اسم شرط أيضا،فتجزم فعلين،يقال:أيّهم يكرمنى أكرمه،و اسم موصول:أيّهم في الدّار أخوك،و اسم ينادى به ما كان

ص: 491

فيه«أل»يا أيّها الرّجل أقبل،و اسم يدلّ على معنى الكمال:رأيت رجلا أيّ رجل.و تستعمل في الحكاية أيضا،تقول:أيّ،لمن يقول لك:مرّ بي رجل،و أيّا للقائل:

رأيت رجلا،و أيّ للقائل:مررت برجل.و كذا في التّأنيث و التّثنية و الجمع؛فتكتسب إعراب المحكيّ عنه رفعا و نصبا و جرّا.

2-و بين«أيّ»و«أي»و«إي»شبه لفظيّ؛إذ أنّها جميعا تتكوّن من الهمزة و الياء،و هما حرفان هوائيّان كما ذكرنا في«إي».إلاّ أنّ التّشديد في ياء«أيّ»قد شدّد لفظها و قوّاه،فأخرجها من عداد«أي»و«إي»-و كلاهما حرفان-و نقلها إلى عداد الأسماء المعربة.و لكنّ إعرابها و اسميّتها لا يحولان دون ضعف معناها؛فهي لازمة الإضافة دائما و لا تقطع عنها،و إن قطعت قدّرت كما في الحكاية و النّداء.ففي النّداء تقوّى«بياء»النّداء و«ها» التّنبيه،لكي تعوّض عن استتار المضاف إليه.و في الحكاية تتقمّص حالة المحكيّ عنه من تذكير و تأنيث و إفراد و تثنية و جمع و إعراب،ردء لها.و هذه الملازمة ضعف و ليست بقوّة،لأنّها لا تقوم بنفسها،بل تفتقر إلى ما يقيمها و تعتمد عليه لفظا أو معنى،و هو المضاف إليه.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

تعتبر(أيّ)من أكثر الأدوات ورودا في القرآن؛إذ وردت فيه(215)مرّة في المعاني الآتية:

الأوّل:النّداء،و هو أكثر معانيها استعمالا في القرآن، فقد جاء(154)مرّة،منها(34)مرّة في(21)سورة مكّيّة،و(120)مرّة في(22)سورة مدنيّة.

1-يخضع النّداء في القرآن لعامل المكان خضوعا بيّنا؛إذ لو تمعّنّا في ألفاظ المنادى في الآيات المكّيّة لوجدناها تختلف عن المنادى في الآيات المدنيّة،باستثناء (يا أَيُّهَا النّاسُ) فإنّه استعمل في المكّيّة و المدنيّة معا، و بعدد مساو لكليهما تقريبا،حسبما يأتي.

ألف-الآيات المكّيّة:لم يناد القرآن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في مكّة بالنّبوّة و الرّسالة كما ناداه بهما في المدينة،بل اقتصر على ندائه بألفاظ أخرى:

1- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً

المزّمّل:1،2

2- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ المدّثّر:1،2

خطابا إلى النّبيّ في أوّل البعثة.

3- وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6

حكاية عن قريش استهزاء و سخريّة بالنّبيّ.

و لم يأت على نداء المؤمن في المكّيّات إلاّ كناية في قوله: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً الفجر:27،28

و نادى غير المسلمين أو النّاس عموما بألفاظ،هي:

يا أيّها الإنسان:

1- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ الانفطار:6،7

2- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ الانشقاق:6

و أيّها المجرمون:

ص: 492

وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يس:59

و أيّها الجاهلون:

قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ

الزّمر:64

و أيّها الضّالّون المكذّبون:

ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ الواقعة:51،52

و يا أيّها الكافرون:

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ

الكافرون:1،2

و يا أيّها النّاس:و هو نداء عامّ للكافرين و المسلمين في(10)آيات:

1- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً

الأعراف:158

2- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ يونس:23

3- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ يونس:57

4- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ يونس:104

5- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ

يونس:108

6- يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:16

7- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ لقمان:33

8- يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ

فاطر:3

9- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فاطر:5

10- يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فاطر:15

و جاء فيها نداء الرّسل:

1- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً المؤمنون:51

2- قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ

الحجر:57،و الذّاريات:31

و نداء الأشخاص:

1- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يوسف:46

2- ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ

يوسف:70

3- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ يوسف:78

4- فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ يوسف:88

5- يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ

الزّخرف:49

حكاية عن قوم فرعون استهزاء بموسى.

و نداء النّمل:

يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ النّمل:18

ص: 493

و نداء الملأ:

1- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ النّمل:29

2- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي

النّمل:32

3- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ النّمل:38

4- وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي القصص:38

5- يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ يوسف:43

ب-الآيات المدنيّة:أمّا في المدنيّات فقد نودي النّبيّ بوصف النّبوّة(13)مرّة:

1- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64

2- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ

الأنفال:65

3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنفال:70

4 و 5- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

التّوبة:73،التّحريم:9

6- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً الأحزاب:1

7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً

الأحزاب:45،46

8- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ الممتحنة:12

9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ الطّلاق:1

10- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً الأحزاب:28

11- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الأحزاب:50

12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً

الأحزاب:59

13- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّحريم:1

و نودي ب (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) مرّتين في سورة واحدة:

1- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ المائدة:41

2- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

المائدة:67

و نودي المسلمون(90)مرّة،منها(89)مرّة بلفظ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، و مرّة واحدة بلفظ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ و ذلك قوله تعالى:

ص: 494

وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النّور:31

(لاحظ أ م ن)

و نودي غير المسلمين من يهود المدينة بقوله:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ النّساء:47

2- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ الجمعة:6

و من عامّة الكافرين بقوله:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ التّحريم:7

و جاء النّداء ب يا أَيُّهَا النّاسُ في(11)آية مدنيّة إذا اعتبرنا سورة الحجّ مدنيّة،و إلاّ ففي(7)آيات:

1- يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ البقرة:21

2- يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً البقرة:168

3- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ النّساء:1

4- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ

النّساء:133

5- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ النّساء:170

6- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً النّساء:174

7- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الحجّ:1

8- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ الحجّ:5

9- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

الحجّ:49

10- يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ الحجّ:73

11- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا الحجرات:13

و نادى عتاة الجنّ و الإنس بقوله:

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:31،32

2-و بالتّأمّل في الآيات يلاحظ أوّلا:أنّ نداء النّبيّ في أوّل البعثة جاء بألفاظ رمزيّة مثل يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ و يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ تعريضا له بأنّ الرّسالة-و هي قول ثقيل عليه-لا تتلاءم مع ما هو عليه من الكسل و النّوم و التّزمّل و التّدثّر،و إنّما هي قيام و إنذار قُمْ فَأَنْذِرْ، و سهر دائم للصّلاة و العبادة قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً

و ثانيا:يحسن للنّاس أن ينادوه في المدينة بنداء النّبوّة و الرّسالة؛حيث ثبتت نبوّته و قامت حجّته.إلاّ أنّ النّداء بوصف(الرّسول)لم يقع إلاّ متأخّرا مرّتين في آخر سورة مدنيّة،و هي سورة المائدة على أصحّ الأقوال.و أمّا النّداء بوصف(النّبيّ)فقد جاء في(13)آية من(6)سور مدنيّة نزلت قبل المائدة،و هي الأنفال(3)مرّات، و الأحزاب(4)مرّات،و التّحريم مرّتين،و الممتحنة

ص: 495

و الطّلاق و التّوبة مرّة واحدة لكلّ منها.فما هو السّرّ في ذلك؟ربّما يخطر بالبال أنّ النّبوّة هي تنبّؤ النّبيّ بالوحي، و هي تسبق الرّسالة الّتي هي إبلاغ الدّعوة إلى النّاس بعد ما أوحي إليه.

و ثالثا:أنّ خطاب الكفّار للأنبياء كان تحقيرا و استهزاء و افتراء على الدّوام: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ... الحجر:6

يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ... الزّخرف:49

و رابعا:النّداء ب يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ في آيتين مكّيّتين تأديب له أمام اللّه،و إثارة للعاطفة الإنسانيّة الّتي جبلت على الأنس باللّه و الطّاعة له،و الأنس بالنّاس و حسن المعاشرة معهم.و إنّ الإنسانيّة لا تلائم سوى ذلك،و تأبى الغرور و عصيان اللّه و البغي و الإساءة إلى النّاس.

و خامسا:خطاب اللّه موجّه إلى الكفّار بصفات تحاكي موقفهم أمام اللّه:

أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ و أَيُّهَا الْجاهِلُونَ و أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ و يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ و يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا.

و سادسا:جاء النّداء ب يا أَيُّهَا النّاسُ في(21) آية،منها(10)آيات مكّيّة و(7)آيات مدنيّة و(4) آيات في سورة الحجّ،و هي مختلف فيها،و سياقها لا يتحاشى عن شيء منهما،ففيها من خصائص السّور المكّيّة و المدنيّة معا.و لا يبعد نزولها أثناء الهجرة أو قبلها بقليل،لأنّ فيها الإذن بالجهاد،و هو من الأحكام المدنيّة: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الحجّ:39،و هي أوّل آيات الجهاد نزولا؛حيث تحمل الإذن بالقتال فقط دون الأمر به،كما جاء في آيات مدنيّة.نعم،جاء في ذيلها:

وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ الحجّ:78،و هي عامّة للقتال و غيره.

كما أنّ فيها الحثّ على الهجرة و الشّهادة في سبيل اللّه: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ الحجّ:58.

و فيها النّداء:ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا... الحجّ:77،و يقال:إنّه خاصّ بالمدنيّات،و سنأتي على ذكره.

و مثل هذا السّياق شاهد على أنّها نزلت عقيب الهجرة مباشرة في المدينة،أو قبيلها تمهيدا للهجرة،و لما سيكابده المسلمون من جرّاء الجهاد و الشّهادة.

و كيف كان فقد عدّوا الخطاب ب (يا أَيُّهَا النّاسُ) من خصائص السّور المكّيّة،و استثنوا منها(7)آيات مدنيّة زعما منهم أنّ الخطابات في مكّة كانت موجّهة إلى عامّة النّاس،و في المدينة إلى المؤمنين.

و نرى أنّ الخطاب يتلاءم مع ما يخاطب به من المفاهيم أكثر من النّاس المخاطبين،فإنّما يخاطب النّاس به بما هم أناس لا بما هم مؤمنون.

فقد جاء في سورة الحجرات-و هي مدنيّة قطعا- قوله: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى الحجرات:13،تنبيها إلى أنّ النّاس كلّهم-مؤمنهم و كافرهم-سواسية في النّسب،فكلّهم من آدم و زوجه.

و مثل هذا الخطاب لا يختصّ بالمؤمنين.و قد أخطأ من

ص: 496

جعلها مكّيّة،و استثناها من آيات سورة الحجرات.

و التّدبّر في الآيات الواحدة و العشرين كلّها يدلّ على أنّها تدعوا النّاس بهذا اللّفظ و هو من الإنس مثل الإنسان-كما قيل-إلى ما يقتضي معناه من الأحكام، و هي العبادة و توحيد اللّه و التّوقّي منه،و الإيمان بالرّسول و تلقّي البرهان و الكتاب و الإيمان بالبعث و الاعتراف بموقفهم أمام اللّه و هو الفقر و بموقفهم أمام النّاس، و الاعتراف بأنّهم سواسية و أكفاء بالنّسب.

و لم يرد فيها ما يختصّ من الأحكام بالمؤمنين كالحجّ و الجهاد و الصّلاة و الصّوم و نحوها.و هذا بخلاف الخطاب و النّداء ب«يا ايها المؤمنون»،فإنّه ملائم لمثل تلك التّكاليف الّتي يتوقّع من المؤمنين القيام بها كما سيأتي.

نعم،لا ننكر أنّ مثل هذه التّكاليف بمعظمها مدنيّة و القسم الأوّل مكّيّة،لأنّها بمنزلة الأساس للإيمان؛حيث تعالج القلوب و تغذّي الأفكار،و عليها تبنى التّكاليف العمليّة.لكن هذا الأمر لا يمنع من توجيه الخطاب بها في مكّة أحيانا،و بالقسم الأوّل في المدينة إذا اقتضى الحال.

و سابعا:التّأمّل في النّداءات ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا و عددها(89)-و كلّها مدنيّة سوى واحدة في سورة الحجّ و قد مرّ الكلام حولها-يدلّ على أنّها تمهيد لبيان الأحكام و التّكاليف الّتي شرّعت في فترة ما بعد الهجرة الّتي شكّلت الأمّة،كأمّة لها خصائصها السّياسيّة.و إنّ قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب إلى الأمّة بوصفها أمّة،لها كيانها السّياسيّ،و هي أحكام ثابتة قلّ فيها النّسخ و التّبديل إلاّ ما استثني.و إنّ من أظهر خصال هذه الأمّة استسلامها للنّبيّ كقائد إلهيّ و أنّها تعدّ من الأمّة الإسلاميّة لا أنّها مؤمنة حقيقة،و لهذا يحسن أمرهم بالإيمان في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... النّساء:136.

و النّداء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب للمسلمين في قبال الأمم الأخرى،مثل اليهود و النّصارى و المجوس و المشركين.و يشهد بذلك أنّ المؤمنين جاءوا رديفا لهؤلاء: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:62.و مثلها الآية(69)من المائدة و الآية(17) من سورة الحجّ.

و ثامنا:الظّاهر أنّ اختصاص بعض الأحكام بهذا الخطاب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا -جلبا لاهتمام المؤمنين بها و التفاتهم إليها-دليل على عظمتها و أهمّيّتها عند اللّه تعالى،أو تكمن فيها أسرار و مصالح تستدعي مزيدا من النّظر و التّدبّر.

و هذا فهرس ما خوطب به النّاس في القرآن بهذا الخطاب من الأحكام إيجابا و تحريما،مرّة أو مرّات:

ألف-

1-الأكل من الطّيّبات و عدم تحريمها.

2-الأكل ممّا في الأرض.

3-أكل الرّبا.

4-الاجتناب من قول(راعنا).

5-الاستعانة بالصّبر و الصّلاة.

6-الإنفاق.

7-إبطال الصّدقة بالمنّ و الأذى.

ص: 497

8-إطاعة اللّه و الرّسول و أولي الأمر.

9-إطاعة الكفّار.

10-اتّخاذ البطانة من غير المؤمنين.

11-الأسف على استشهاد المجاهدين.

12-اتّخاذ الحذر في الحرب.

13-إرث النّساء كرها.

14-الإيمان باللّه و الرّسول.

15-الإيمان بالحقّ.

16-الاستجابة للّه و الرّسول.

17-اتّباع خطوات الشّيطان.

18-إيذاء النّبيّ.

19-الإذن عند الدّخول.

20-الاجتناب عن كثير من السّؤال.

21-الاجتناب عن كثير من الظّنّ.

22-الاهتمام بالنّفس و الأهل.

23-أداء الشّهادة و تحمّلها.

24-الاجتناب عن البيع عند النّداء للجمعة.

ت-

1-التّقوى،و هو أكثرها.

2-التّوبة.

3-التّبيّن لخبر الفاسق.

4-التّبيّن لحال العدوّ.

5-تقديم الصّدقة قبل النّجوى.

6-التّقدّم بين يدي اللّه و الرّسول.

7-تذكّر نعمة اللّه.

8-تحريم الخمر و الميسر.

9-تحليل شعائر اللّه.

ث-الثّبات عند لقاء العدوّ.

ج-الجهاد في سبيل اللّه و قتال الكفّار.

خ-خيانة اللّه و الرّسول.

د-الدّخول في السّلم كافّة.

الدّين و أحكامه،و هي أطول آية في القرآن.

ذ-ذكر اللّه.

ر-الرّكوع و السّجود للّه.

رفع الصّوت عند النّبيّ.

س-السّخريّة بالنّاس.

ص-الصّلاة و السّلام على النّبيّ.

الصّلاة مع السّكر.

الصّيام.

الصّيد في الحرم.

ق-القيام بالقسط.

القول بما لا يفعل.

القصاص.

م-مبايعة النّساء.

المصابرة و المرابطة.

ن-النّفير للجهاد و لطلب العلم.

نصرة اللّه.

النّكاح بعد العقد.

نجاسة المشركين.

و-الوفاء بالعقود.

الوضوء و الطّهارة للصّلاة.

3-و قد جاء النّداء في القرآن على وجوه:

ص: 498

أوّلا:الأمر:و هو كثير،و ورد بصيغ عديدة،منها:

1-الأمر المحض: يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ البقرة:21

2-الأمر المشروط: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ

المائدة:6

3-الأمر بصيغة الخبر: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

البقرة:183

ثانيا:النّهي:و هو كثير أيضا،و ورد بصيغ عديدة:

1-النّهي المحض: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى البقرة:264

2-النّهي بصيغة الخبر: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً النّساء:19

3-النّهي بصيغة الاستفهام توبيخا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ الصّفّ:2

4-النّهي خلال الشّرط: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ آل عمران:100،أي لا تطيعوهم، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ المائدة:54،أي لا ترتدّوا.

ثالثا:الاستعلام:و لم تأت منه إلاّ آيتان بلفظ واحد،حكاية عن إبراهيم و سليمان: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ الحجر:57،و الذّاريات:31

رابعا:الخبر:و منه:

1- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ النّمل:29

2- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً النّساء:174

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ التّوبة:34

خامسا:التّحذير:و منه:

1- سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31

2- ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ الواقعة:51،52

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38

سادسا:التّعجيب:جاءت منه آية واحدة،و هي قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ

الانفطار:6

سابعا:النّفي:جاء منه:

1- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ

الكافرون:1،2

2- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ. يونس:104

ثامنا-المدح:جاءت منه آية واحدة أيضا:

يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً الفجر:27،28

ص: 499

تاسعا-الذّمّ:جاءت منه ثلاث آيات فقط:

ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ

يوسف:70

وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6

وَ قالُوا يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ الزّخرف:49

الثّاني من معاني«أيّ»الاستفهام:و قد ورد (58)مرّة؛منها(24)مرّة في(19)سورة مكّيّة،و(34) مرّة في أربع سور مدنيّة.و كلّها استعملت لغير معناها،إلاّ ثلاث آيات وردت على أصلها بمعناها الحقيقيّ،و هو الاستفهام:

فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ

الكهف:19

أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ

النّمل:38

وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لقمان:34

أمّا وجوه(أيّ)في الاستفهام فهي:

أوّلا-التّقرير:و هو أكثرها استعمالا،و منه قوله تعالى:

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ الأنعام:19

ثانيا-التّهديد و الوعيد:و منه قوله تعالى:

وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

الشّعراء:227

ثالثا-التّوبيخ:و منه قوله تعالى:

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ الجاثية:6

رابعا-الإنكار:و قد اقترنت معه(أيّ)بلفظ(آلاء) في آية النّجم و آيات الرّحمن:

1- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى النّجم:55

2- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:13،مع ثلاثين آية أخرى.

خامسا-التّهكّم و الاستهزاء:ورد في آيتين:

1- فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً

التّوبة:124

2- قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً مريم:73

سادسا-التّعجيب:وردت منه آيتان:

1- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ

عبس:17،18

2- اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ الانفطار:7،8

سابعا-التّعظيم:جاءت فيه آية واحدة:

وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ* لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ

المرسلات:11،12

ثامنا-التّنبيه:فيه آية واحدة:

آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً النّساء:11

تاسعا-التّحضيض:جاءت منه آية واحدة:

أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ الإسراء:57

الثّالث:الشّرط:وردت منه آيتان:

ص: 500

1- أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى

الإسراء:110

2- أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ

القصص:28

الرّابع:الموصول:وردت فيه آية واحدة:

ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا مريم:69

قيل:و منه الآيات الآتية:

1- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ الإسراء:57

2- إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف:7

3- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12

4- فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ

الكهف:19

و لكنّ معناها إلى الاستفهام أقرب،كما يفهم من السّياق.

ص: 501

ص: 502

أيّان

اشارة

لفظ واحد،6 مرّات مكّيّة،في 6 سور مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: «أيّان»بمنزلة«متى»يختلف في نونها، فيقال:هي أصليّة،و يقال:هي زائدة.(8:441)

الكسائيّ: أصل«أيّان»:أيّ أوان،فخفّفوا الياء من«أيّ»،و تركوا همزة«أوان»فالتقت ياء ساكنة بعدها واو،فأدغمت الواو في«الياء».(الأزهريّ 15:656)

الفرّاء: «إيّان»بكسر الهمزة،لغة سليم.

(الجوهريّ 5:2076)

ابن جنّيّ: ينبغي أن يكون«أيّان»من لفظ«أيّ» لا من لفظ«أين»لأمرين:أحدهما:أنّ«أين»مكان و«أيّان»زمان،و الآخر:قلّة«فعّال»في الأسماء،مع كثرة«فعلان».

فلو سمّيت رجلا ب«أيّان»لم تصرفه،لأنّه كحمدان.

و لسنا ندّعي أنّ«أيّا»يحسن اشتقاقها أو الاشتقاق منها، لأنّها مبنيّة كالحرف،أو أنّها مع هذا اسم،و هي أخت أيّان.

و قد جازت فيها الإمالة الّتي لا حظّ للحروف فيها، و إنّما الإمالة للأفعال و في الأسماء إذا كانت ضربا من التّصرّف،فالحرف لا تصرّف فيه أصلا.

و معنى«أيّ»أنّها بعض من كلّ،فهي تصلح للأزمنة صلاحها لغيرها،إذ كان التّبعيض شاملا لذلك كلّه،فإن سمّيت ب«أيّان»سقط الكلام في حسن تصريفها للحاقها بالتّسمية،ببقيّة الأسماء المتصرّفة.(الزّبيديّ:1339)

الجوهريّ: «أيّان»معناه أيّ حين،و هو سؤال عن زمان،مثل متى.قال اللّه تعالى: أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187.

و«إيّان»بكسر الهمزة،لغة سليم.(5:2076)

ابن سيدة: «أيّان»بمعنى متى،فينبغي أن تكون شرطا،و لم يذكرها أصحابنا في الظّروف المشروط بها، نحو متى و أين و أيّ و حين.هذا هو الوجه.و قد يمكن أن يكون فيها معنى الشّرط،و لم يكن شرطا صحيحا ك«إذا»في غالب الأمر.(ابن منظور 13:45)

الطّوسيّ: «أيّان»معناه متى،و هي سؤال عن

ص: 503

الزّمان،على وجه الظّرف.(5:55)

مثله الطّبرسيّ.(2:505)

و معنى«أيّان»متى،و متى أوضح،لأنّه أغلب في الاستعمال،فلذلك فسّر به،و هو سؤال عن الزّمان،كما أنّ«أين»سؤال عن المكان.(6:371)

الرّاغب: «أيّان»عبارة عن وقت الشّيء، و يقارب معنى متى.قال تعالى: أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187،من قولهم أيّ.

و قيل:أصله:أيّ أوان،أي أيّ وقت.فحذف الألف،ثمّ جعل الواو ياء فأدغم،فصار«أيّان».(34)

الميبديّ: «أيّان»كلمة معناها متى،و أصلها:أيّ أوان،فحذفت الهمزة و الواو.(9:310)

أخذ أيّان من«أين»فإذا شدّدت و زيد فيها الألف وضعت موضع متى.(10:302)

أبو البركات: «أيّان»استفهام عن الزّمان بمعنى متى،و«أيّان»مبنيّ لتضمّنه معنى الحرف،و هو همزة الاستفهام.و بني على حركة لالتقاء السّاكنين،و كانت الحركة فتحة،لأنّها أخفّ الحركات.(2:76)

السّكّاكيّ: جاء«أيّان»بفتح الهمزة و كسرها و كسر همزتها يمنع من أن يكون أصلها:أيّ أوان،كما قال بعضهم:حذفت الهمزة من«أوان»و الياء الثّانية من «أيّ»فبعد قلب الواو و اللاّم ياء أدغمت الياء السّاكنة فيها،و جعلت الكلمتان واحدة.و هي في الأزمان بمنزلة «متى»إلاّ أنّ متى أشهر منها.

و في«أيّان»تعظيم،و لا تستعمل إلاّ في موضع التّفخيم،بخلاف«متى»قال تعالى: أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187، أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21، أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ الذّاريات:12، أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ القيمة:6.(الزّركشيّ 4:251)

الفخر الرّازيّ: «أيّان»معناه الاستفهام عن الوقت الّذي يجيء،و هو سؤال عن الزّمان.و حاصل الكلام أنّ «أيّان»بمعنى متى.

و في اشتقاقه قولان:المشهور أنّه مأخوذ من «الأين»،و أنكره ابن جنّيّ،و قال:«أيّان»سؤال عن الزّمان و«أين»سؤال عن المكان،فكيف يكون أحدهما مأخوذا من الآخر.

و الثّاني:و هو الّذي اختاره ابن جنّيّ،أنّ اشتقاقه من «أيّ»،«فعلان»منه،لأنّ معناه أيّ وقت،و أيّ فعل، من أويت إليه،لأنّ البعض آو إلى مكان الكلّ،متساندا إليه هكذا.(15:80)

«أيّان»من المركّبات الّتي ركّب من«أيّ»الّتي يقع بها الاستفهام،و«آن»الّتي هي الزّمان،أو من«أيّ» و«أوان».

فكأنّه قال:أيّ أوان،فلمّا ركّب بني.

(28:199)

القرطبيّ: ظرف مبنيّ على الفتح،بني لأنّ فيه معنى الاستفهام.(7:335)

أبو حيّان: «أيّان»ظرف زمان مبنيّ لا يتصرّف، و أكثر استعماله في الاستفهام،و يليه الاسم مرفوعا بالابتداء،و الفعل المضارع لا الماضي،بخلاف«متى» فإنّهما يليانه.قال تعالى: أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21، و أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187.

ص: 504

و تستعمل في الجزاء فتجزم المضارعين،و ذلك قليل فيها.و لم يحفظ سيبويه لكن حفظه غيره،و أنشدوا قول الشّاعر:

*فأيّان ما تعدل بها الرّيح تنزل*

و كسر فتحة همزتها لغة سليم.و هي عندي حرف بسيط لا مركّب،و جامد لا مشتقّ.

و ذكر صاحب كتاب«اللّوامح»:أنّ«أيّان»في الأصل كان أيّ أوان،فلمّا كثر دوره حذفت الهمزة على غير قياس و لا عوض،و قلبت الواو ياء،فاجتمعت ثلاث ياءات،فحذفت إحداها فصارت على ما رأيت، انتهى.[ثمّ نقل كلام ابن جنّيّ و قال:]

فأوجب ذلك أن يكون من لفظ«أيّ»لزيادة النّون، و لأنّ«أيّان»استفهام كما أنّ«أيّا»كذلك،و الأصل عدم التّركيب.و في أسماء الاستفهام و الشّرط الجمود كمتى و حيثما و أنّى و إذا.(4:419)

الفيّوميّ: «أيّان»في تقدير«فعّال»و جاز أن يكون في تقدير«فعلان».و هو سؤال عن الزّمان،و هو بمعنى متى،و أيّ حين.

و في«أين»و«أيّان»عموم البدل،و هو نسبة إلى جميع مدلولاته،لا عموم الجمع إلاّ بقرينة.فقوله:أين تجلس أجلس،يلزم الجلوس في مكان واحد.(1:33)

الزّركشيّ:قال صاحب«البسيط»:إنّها تستعمل في الاستفهام عن الشّيء المعظّم أمره،و سكت الجمهور عن كونها شرطا.و ذكر بعض المتأخّرين مجيئها لدلالتها بمنزلة«متى»و لكن لم يسمع ذلك.(4:251)

الفيروزآباديّ:«أيّان»و يكسر،و معناه أيّ حين.(4:202)

السّيوطيّ: اسم استفهام،و إنّما يستفهم به عن الزّمان،كما جزم به ابن مالك و أبو حيّان،و لم يذكر فيه خلافا.

و ذكر صاحب«إيضاح المعاني»مجيئها للماضي.

و قال السّكّاكيّ:لا تستعمل إلاّ في مواضع التّفخيم،نحو:

أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187، أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ الذّاريات:12.

و المشهور عند النّحاة أنّها ك«متى»تستعمل في التّفخيم و غيره.

و قال بالأوّل من النّحاة:عليّ بن عيسى الرّبعيّ، و تبعه صاحب«البسيط»،فقال:إنّما تستعمل في الاستفهام عن الشّيء المعظّم أمره.

و قيل:إنّها مشتقّة من أيّ،«فعلان»منه،لأنّ معناه أيّ وقت و أيّ فعل،من آويت إليه،لأنّ البعض آو إلى الكلّ و متساند،و هو بعيد.

و قيل:أصله:أيّ آن،و قيل:أيّ أوان،حذفت الهمزة من«أوان»و الياء الثّانية من«أيّ»و قلبت الواو ياء،و أدغمت السّاكنة فيها.(2:214)

الطّريحيّ:«أيّان»هو سؤال عن زمان مثل «متى».ف«أين»للأمكنة شرطا و استفهاما،و«متى» و«أيّان»للأزمنة.

و لا يستفهم بها إلاّ عن المستقبل،كقوله تعالى:

وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21.(6:211)

البروسويّ:«أيّان»مركّب من«أيّ»الّتي للاستفهام و«آن»بمعنى الزّمان،فلذلك كان بمعنى

ص: 505

«متى»،أي سؤالا عن الزّمان،كما كان«أين»سؤالا عن المكان،فلمّا ركّبا و جعلا اسما واحدا بنيا على الفتح كبعلبكّ.(5:24)

الآلوسيّ: [قال مثل أبو حيّان و نقل قول ابن جنّيّ و أضاف:]

و تعقّب في«الكشف»حديث الاشتقاق من«أيّ» بأنّه مخالف لما ذكره الزّمخشريّ في سورة النّمل«و لو سمّي به لكان فعّالا من آن يئين،و لا تصرف».ثمّ قال:

و الوجه ما ذكره هناك،لأنّ الاشتقاق في غير المتصرّفة لا وجه له.

ثمّ إنّه ليس اشتقاقه من«أيّ»أولى من اشتقاقه من «الأين»بمعنى الحينونة،لأنّ«أيّان»زمان.و كأنّه غرّه الاستفهام و ليس بشيء،لأنّه بالتّضمين،كما في«متى» و نحوه؛و كذلك اشتقاق«أيّ»من أويت لا وجه له،إلاّ أنّ الأظهر أنّه يجوز الصّرف و عدمه،كما في حمار قبّان، انتهى.

و أجيب بأنّ ما ذكر أمر قدّروه للامتحان،و ليعلم حكمها إذا سمّي بها،فلا ينافي ما ذكره الزّمخشريّ،و كذا لا ينافي التّحقيق،فتأمّل.(9:132)

مجمع اللّغة:«أيّان»اسم استفهام عن الزّمان المستقبل.(1:73)

النّصوص التّفسيريّة

1- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها...

الأعراف:187

السّدّيّ:متى قيامها؟

مثله قتادة.(الطّبريّ 9:138)

أبو عبيدة:متى خروجها؟(1:234)

مثله ابن قتيبة.(175)

الطّبريّ: متى قيامها؟و معنى«أيّان»متى،في كلام العرب.(9:138)

الزّجّاج: متى وقوعها؟(الطّبرسيّ 2:506)

مثله الميبديّ.(3:805)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (أَيّانَ) بفتح الهمزة، و السّلميّ بكسرها حيث وقعت.[أي في جميع القرآن]

(4:434)

البروسويّ: «أيّان»ظرف زمان متضمّن لمعنى الاستفهام،و محلّه الرّفع على أنّه خبر مقدّم،و(مرسيها) مبتدأ مؤخّر،أي متى إرساؤها؟(3:291)

نحوه رشيد رضا.(9:464)

المصطفويّ: في هذه الآية الشّريفة يسأل عن السّاعة،بعد أن طال انتظارهم،و امتدّ تحيّرهم و ضلالهم،و اشتدّ جهلهم و إنكارهم؛فالسّؤال واقع عنها في هذه الموارد.

و لمّا كانت كلمة(أيّان)مشدّدة و زائدة فيها الألف، فتكون فيها زيادة معنى،فيسأل بها عمّا يكبر و يبعد في أنظارهم،فإنّ القيامة ليست تحت اختيارهم حتّى يختاروها لأنفسهم،كالشّركاء و المفرّ.(1:184)

2- أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ. النّحل:21

الفرّاء: قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ (أيان يبعثون)

ص: 506

بكسر ألف (إيّان) و هي لغة لسليم،و قد سمعت بعض العرب يقول:متى إيوان ذاك؟و الكلام أوان ذلك.

(2:99)

القرطبيّ: قرأ السّلميّ (إيّان) بكسر الهمزة،و هما لغتان،و موضعه نصب ب(يبعثون)و هي في معنى الاستفهام،و المعنى لا يدرون متى يبعثون.(10:94)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّ قوله:(ايّان)معمول ل(يبعثون)و الجملة في موضع نصب ب(يشعرون)،لأنّه معلّق؛إذ معناه العلم.و المعنى أنّه نفى عنهم علم ما انفرد بعلمه الحيّ القيّوم،و هو وقت البعث إذا أريد بالبعث:

الحشر إلى الآخرة.

و قيل:تمّ الكلام عند قوله: وَ ما يَشْعُرُونَ و أَيّانَ يُبْعَثُونَ ظرف لقوله: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ النّحل:22،أخبر عن يوم القيامة أنّ الإله فيه واحد.

و لا يصحّ هذا القول،لأنّ(أيّان)إذ ذاك تخرج عمّا استقرّ فيها من كونها ظرفا إمّا استفهاما و إمّا شرطا،و في هذا التّقدير تكون ظرفا؛بمعنى وقت،مضافا للجملة بعدها،معمولا لقوله:(واحد)،كقولك:يوم يقوم زيد قائم.و في قوله: أَيّانَ يُبْعَثُونَ دلالة على أنّه لا بدّ من البعث،و أنّه من لوازم التّكليف.(5:482)

الآلوسيّ: (ايّان)عبارة عن وقت الشّيء، و يقارب معنى«متى».و أصله عند بعضهم:أيّ أوان،أي أيّ وقت،فحذف الألف،ثمّ جعل الواو ياء و أدغم، و هو كما ترى.

و الظّاهر أنّه معمول(يبعثون)و الجملة في موضع نصب ب(يشعرون)،لأنّه معلّق عن العمل،أي و ما يشعر أولئك الآلهة متى يبعث عبدتهم.و هذا من باب التّهكّم بهم بناء على إرادة الأصنام،لأنّ شعور الجماد بالأمور الظّاهرة بديهيّ الاستحالة عند كلّ أحد،فكيف بما لا يعلمه إلاّ العليم الخبير.(14:120)

3- وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ. النّمل:65

أبو عبيدة: مجازه«متى».و في آية أخرى: أَيّانَ مُرْساها الأعراف:187،أي متى.(2:95)

الطّبريّ: متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام السّاعة.(20:5)

الفخر الرّازيّ: (ايّان)بمعنى متى،و هي كلمة مركّبة من أيّ و الآن،و هو الوقت.

و قرئ (إيّان) بكسر الهمزة.(24:211)

مثله البيضاويّ.(2:181)

أبو حيّان: و هي هنا اسم استفهام بمعنى«متى» و هي معمولة ل(يبعثون)،و(يشعرون)معلّق،و الجملة الّتي فيها استفهام في موضع نصب به.(7:91)

الآلوسيّ: (أيّان)اسم استفهام عن الزّمان،و لذا قيل:إنّ أصلها:أيّ آن،أي أيّ زمان.و إن كان المعروف خلافه.و هي معمولة ل(يبعثون)و الجملة في موضع النّصب ب(يشعرون)،و علّقت(يشعرون)لمكان الاستفهام.(20:13)

4- يَسْئَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ. الذّاريات:12

الطّوسيّ: يسألون متى يوم الجزاء؟على وجه الإنكار لذلك،لا على وجه الاستفادة لمعرفته.(9:382)

ص: 507

الزّمخشريّ: أي متى يوم الجزاء؟و قرئ بكسر الهمزة،و هي لغة.

فإن قلت:كيف وقع(ايّان)ظرفا لليوم،و إنّما تقع الأحيان ظروفا للحدثان؟

قلت:معناه أيّان وقوع يوم الدّين.(4:15)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:الزّمان يجعل ظرف الأفعال،و لا يمكن أن يكون الزّمان ظرفا لظرف آخر، و هاهنا جعل(ايّان)ظرف اليوم،فقال: أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ و يقال:متى يقدم زيد؟فيقال:يوم الجمعة، و لا يقال:متى يوم الجمعة؟فالجواب:التّقدير متى يكون يوم الجمعة؟و أيّان يكون يوم الدّين؟

و(أيّان)من المركّبات،ركّب من«أيّ»الّتي يقع بها الاستفهام و«آن»الّتي هي الزّمان،أو من أيّ و أوان، فكأنّه قال:أيّ أوان،فلمّا ركّب بني.و هذا منهم جواب لقوله: وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ الذّاريات:6،فكأنّهم قالوا:أيّان يقع؟استهزاء.(28:199)

القرطبي: متى يوم الحساب؟يقولون ذلك استهزاء و شكّا في القيامة.(17:34)

نحوه أبو حيّان.(8:135)

الآلوسيّ: معمول ل(يسألون)على أنّه جار مجرى «يقولون»لما فيه من معنى القول،أو لقول مقدّر،أي فيقولون:متى وقوع يوم الجزاء؟و قدّر الوقوع ليكون السّؤال عن الحدث،كما هو المعروف في«أيّان».

و لا ضير في جعل الزّمان زمانيّا،فإنّ اليوم لمّا جعل موعودا و منتظرا في نحو قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدّخان:10،صار ملحقا بالزّمانيّات،و كذلك كلّ يوم له شأن،مثل يوم العيد و النّيروز،و هذا جار في عرفي العرب و العجم،على أنّه يجوز عند الأشاعرة أن يكون للزّمان زمان،على ما فصّل في مكانه.(27:6)

الطّباطبائيّ: السّؤال ب(أيّان)الموضوعة للسّؤال عن زمان مدخولها عن يوم الدّين،و هو ظاهر في الزّمان، إنّما هو بعناية أنّ يوم الدّين لكونه موعودا ملحق بالزّمانيّات،فيسأل عنه كما يسأل عن الزّمانيّات بأيّان و متى،كما يقال:متى يوم العيد؟لكونه ذا شأن،ملحقا لذلك بالزّمانيّات،كذا قيل.

و يمكن أن يكون من التّوسّع في معنى الظّرفيّة بأن يعدّ أوصاف الظّرف الخاصّة به ظرفا توسّعا،فيكون السّؤال عن زمان الزّمان سؤالا عن أنّه بعد أيّ زمان أو قبل أيّ زمان،كما يقال:متى يوم العيد؟فيجاب بأنّه بعد عشرة أيّام مثلا أو قبل يوم كذا،و هو توسّع جار في العرف غير مختصّ بكلام العرب،و في القرآن منه شيء كثير.(18:368)

5- يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ. القيمة:6

قتادة:متى يوم القيامة؟

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 29:178)

الطّبريّ: متى يوم القيامة؟تسويفا منه.

(29:178)

الطّوسيّ: يسأل متى يكون يوم القيامة؟فمعنى (أيّان)متى،إلاّ أنّ السّؤال ب«متى»أكثر من السّؤال ب«أيّان»فلذلك حسن أن يفسّر بها،لما دخلها من

ص: 508

الإبهام الّذي يحتاج فيه إلى بيان ما يتّصل بها من الكلام.

و السّؤال على ضربين:سؤال تعجيز،و سؤال طلب للتّبيين.(10:191)

الفخر الرّازيّ: يسأل سؤال مستنعت مستبعد لقيام السّاعة في قوله: أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ و نظيره:

يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يونس:48.(30:218)

البروسويّ: أصله:أيّ آن،و هو خبر مقدّم لقوله:

(يَوْمُ الْقِيامَةِ)، أي متى يكون؟و الجملة استئناف تعليليّ، كأنّه قيل:ما يفعل حين يريد أن يفجر و يميل عن الحقّ؟ فقيل:يستهزئ،و يقول:أيّان يوم القيامة؟

أو حال من الإنسان في قوله: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) أي ليس إنكاره للبعث لاشتباه الأمر و عدم قيام الدّليل على صحّة البعث،بل يريد أن يستمرّ على فجوره،في حال كونه سائلا متى تكون القيامة؟(10:245)

الآلوسيّ: أي متى يكون؟و الجملة قيل:حال، و قيل:تفسير ل(يفجر)،و قيل:بدل منه.

و اختار المحقّقون أنّه استئناف بيانيّ جيء به تعليلا لإرادة الدّوام على الفجور،إذ هو في معنى،لأنّه أنكر البعث،و استهزأ به.(29:138)

6- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها.

النّازعات:42

الطّوسيّ: متى يكون قيامها؟(10:265)

البروسويّ: يريدون متى يقيمها اللّه و يثبتها و يكوّنها؟ف(ايّان)ظرف بمعنى متى،و أصله:أيّ آن و وقت،و«المرسى»مصدر بمعنى الإرساء،و هو الإثبات، و هو مبتدأ،و(ايّان)خبره بتقدير المضاف؛إذ لا يخبر بالزّمان عن الحدث،و التّقدير متى وقت إرسائها.

كان المشركون يسمعون أخبار القيامة و أوصافها الهائلة مثل أنّها طامّة كبرى و صاخّة و قارعة،فيقولون على سبيل الاستهزاء: أَيّانَ مُرْساها. (10:328)

الأصول اللّغويّة

1-اختلف العلماء في«أيّان»على ثلاثة أقوال:

الأوّل:مشتقّة؛ثمّ قيل:مشتقّة من«أيّ»،فهي «فعلان»منه،و النّون زائدة.

و قيل:مشتقّة من«أين»فهي«فعّال»منه،و نونها أصليّة.

و الثّاني:جامدة،غير مشتقّة،من معنى كمتى و أين.

و الثّالث:مركّبة؛فقيل:تركيبها من«أيّ»و«أوان» أي الوقت؛فحذفت إحدى يائي«أيّ»تخفيفا،و همزة «أوان»على غير قياس.و حينما اجتمعت الياء و الواو و سبقت إحداهما بالسّكون،أدغمت الواو في الياء و شدّدتا قياسا،فصار التّركيب«أيّان».

و قيل:مركّبة من«أيّ»و«آن»،فلم يحذف-على هذا القول-سوى أحد ألفي«آن».

2-و ما قالوه في اشتقاق«أيّان»و جمودها و تركيبها لا صحّة له؛لعدم وجود دليل يعتدّ به.فهم حينما نظروا إلى قربها من«أيّ»لفظا و معنى أخذوا يتمحّلون في تخريج حجّتهم تمحّلا ملحوظا.

و نرى أنّها أداة مفردة غير مركّبة،مبنيّة على الفتح مثل أين.

ص: 509

3-و«أيّان»و«متى»بمعنى واحد؛إذ كلاهما يستعملان في السّؤال عن الزّمان و في الشّرط أيضا؛

فيجزمان فعلين.إلاّ أنّ«أيّان»يليها الفعل المستقبل في الاستفهام دون الماضي؛كقوله تعالى: أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21،و لكنّ«متى»يليها المستقبل و الماضي كلاهما،يقال:متى تفعل؟و متى فعلت؟كما أنّ أيّان لها ربط بأمثالها ممّا يدلّ على الزّمان.[لاحظ أ ن و]

الاستعمال القرآنيّ

جاءت كلمة أَيّانَ في القرآن ستّ مرّات و كلّها مكّيّة:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها

الأعراف:187،و النّازعات:42

وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ

النّحل:21،و النّمل:65

يَسْئَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ الذّاريات:12

يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ القيمة:6

يلاحظ أوّلا:أنّه قد استعملت(ايّان)في الجميع بشأن القيامة،و في أربع منها للسّؤال عن القيامة.و لعلّ علّة السّؤال عنها بأيّان لا بأيّ:أنّ(ايّان)تستعمل في مواضع التّفخيم و الخلق،و أمر القيامة عند المشركين كان عظيما مبهما جدّا،فجيء بأيّان.

و يخطر بالبال أنّها في عرف القرآن للسّؤال عن الأمر البعيد زمانا و مكانا كالقيامة.

فضلا عن أنّ الألف و النّون زائدة في(ايّان)على قول،و زيادة اللّفظ يدلّ على زيادة المعنى.

و ثانيا:أنّ(ايّان)جاءت في المكّيّات فقط،لأنّ القيامة-كما قلنا-كانت عظيمة عند المشركين و بعيدة في أذهانهم،و لا سيّما في ابتداء البعثة.و بعد انتشار الإسلام في المدينة لم تكن القيامة كذلك في نظرهم،فلعلّها هي العلّة في اقتصارها على الآيات المكّيّة.أو كانت هي لغة شائعة لأهل مكّة و من حولها فقط.

و ثالثا:المعروف في(ايّان)كونها سؤالا عن زمان الحدث،كما في أَيّانَ يُبْعَثُونَ و لعلّ علّة وقوعها ظرفا و سؤالا عن نفس الزّمان-و هو يوم الدّين و يوم القيامة- في سورة الذّاريات و القيامة تعود إلى أحد الأمرين المتقدّمين في كلام الطّباطبائيّ و غيره:

أحدهما:اعتبار يوم القيامة ملحقا بالأزمنة،فيسأل عن زمان وقوعه،كما جاء في الآية الأولى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها.

و ثانيهما:التّوسّع في الظّرفيّة،بأن يعدّ أوصاف الظّرف الخاصّة به ظرف توسّع،مثل:متى يوم العيد؟ فلاحظ.

و رابعا:جاءت(ايّان)في القرآن دائما استفهاما لا شرطا،و من هذا يفهم أنّ وقوعها شرطا لم يكن شائعا في لغة العرب،و لم تعدّ لغة فصحى.

و خامسا:جاءت كلمة(متى)في القرآن للسّؤال عن الزّمان أيضا،و لكنّها لا تختصّ بالقيامة و إن كان ورودها فيها أكثر،مثل: وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ النّمل:

71،أو (مَتى هُوَ) أو (مَتى هذَا الْفَتْحُ) في سبع آيات.و مرّة واحدة في غيرها،مثل: وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ البقرة:214.

ص: 510

مع أنّ ايان-كما قلنا-لم تأت إلاّ بشأن القيامة في المكّيّات فقط،كما أنّ(متى)أيضا جاءت سؤالا عن القيامة دائما في المكّيّات،و مرّة في غيرها في سورة مدنيّة،و هي مَتى نَصْرُ اللّهِ، لاحظ«متى».

أيّوب

اشارة

لفظ واحد،4 مرّات:3 مكّيّة،1 مدنيّة

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الفارسيّ: قياس همزة«أيّوب»،أن تكون أصلا غير زائدة،لأنّه لا يخلو أن يكون«فيعولا»أو«فعّولا».

فإن جعلته«فيعولا»كان قياسه-لو كان عربيّا-أن يكون من«الأوب»مثل قيّوم،و يمكن أن يكون«فعّولا» مثل سفّود و كلّوب،و إن لم يعلم في الأمثلة هذا،لأنّه لا ينكر أن يجيء العجميّ على مثال لا يكون في العربيّ و لا يكون من الأوب.و قد قلبت الواو فيه إلى الياء،لأنّ من يقول:صيّم في صوّم،لا يقلب إذا تباعدت من الطّرف،فلا يقول إلاّ صوّام.و كذلك هذه العين إذا تباعدت من الطّرف و حجز الواو بينه و بين الآخر،لم يجز فيه القلب.(الجواليقيّ:62)

الجواليقيّ: أسماء الأنبياء صلوات اللّه عليهم كلّها أعجميّة،نحو إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و إلياس و إدريس و إسرائيل و أيّوب،إلاّ أربعة أسماء،و هي:آدم و صالح و شعيب و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(60)

الفيروزآباديّ: أيّوب:اسم أعجميّ غير منصرف كسائر نظائره.

و قيل:عربيّ معناه الرّجّاع إلى الحقّ في جميع أحواله من المحنة و البلاء،و المحنة و الرّخاء،من آب يئوب أوبا و إيابا،فهو آئب و أوّاب.

و قيل:هو في اللّغة العبريّة معناه أيضا الرّجّاع إلى اللّه في كلّ حال.(بصائر ذوي التّمييز 6:59)

المصطفويّ: لم أجد مادّة هذه الكلمة في اللّغات العبريّة،و بعيد أن تكون عربيّة لعدم جريان اللّغة العربيّة بذلك العهد في تلك المدن.و قد ضبطت هذه الكلمة في السّفر العبريّ بهذه الصّورة: -أيّوب.و لا يبعد أن

ص: 511

تكون مأخوذة من مادّة -ياءب،بمعنى حنّ و رغب و اشتاق،أو من مادّة -أيّبوب، بمعنى البكاء و العويل،و -إيبب،بمعنى ناح و ندب،كما في قاموس عبريّ.

و لا يخفى أنّ المعنى الأخير أشدّ مناسبة بحاله،و لعلّ «قاموس مقدّس»قد أخذها من مادّة«أوب»العربيّة، و هو باطل.

فقد اتّضح أصل هذه المادّة لفظا و معنى.و أمّا مسكنه فالمقطوع المتيقّن أنّه كان ساكنا في بلاد حوران من جنوب سوريّة،و كان رسولا إليهم و نافذا فيهم.

(1:187)

العدنانيّ: يقولون:جاء أيّوب،و رأيت أيّوبا، و صبرت كأيّوب،اعتمادا على:

1-تسمية عرب الجاهليّة أحد أبنائهم به،و هو أيّوب من بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم،كما جاء في«الأغاني»و في«مستدرك التّاج».

2-و كونه عند مؤرّخي العرب من بني إبراهيم الخليل،بينهما خمسة آباء.

3-و لأنّ فكتور هوغو لقّبه ببطريرك العرب.

4-و لأنّ الأب لويس شيخو قال في كتاب «النّصرانيّة و آدابها»:«و لنا شاهد في سفر أيّوب على معرفة العرب لأسماء النّجوم و حركاتها في الفلك،إذ كان أيّوب النّبيّ عربيّ الأصل،عاش في غرب الجزيرة؛ حيث امتحن اللّه صبره».

5-و لقول الدّكتور جواد عليّ في«تاريخ العرب قبل الإسلام»:«من القائلين بأنّ أسفار أيّوب عربيّة الأصل، و المتحمّسين في الدّفاع عن هذا الرّأي،المستشرق «مارجليوث»و قد عالج هذا الموضوع بطريقة المقابلات اللّغويّة،و دراسة الأسماء الواردة في تلك الأسفار».

6-و لأنّ المؤرّخين الأمريكيّين retsoF.H.F و reffiefP يريان رأي مارجليوث.

7-و لقول جرمانوس فرحات في معجمه«أحكام باب الإعراب»:«أيّوب الصّدّيق من الأنبياء،من بلاد حوران،من نسل عيسو بن إسحاق،لا يعدّ من الإسرائيليّين،لأنّه كان قبل موسى».و لكن:

1-عوامل اسم أيّوب معاملة الأسماء الأعجميّة في القرآن الكريم،إذ جاء في الآية:41،من سورة«ص» وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و ورد اسم أيّوب غير منوّن ثلاث مرّات أخرى في القرآن الكريم،و لو كان اسما عربيّا يجب منعه من الصّرف كأحمد و يزيد،لأيّدنا القائلين بأنّ أيّوب من الأسماء العربيّة.

2-جاء في«مستدرك التّاج»:«قيل:إنّ أيّوب هو «فيعول»من«الأوب»كقيّوم،و قيل:هو«فعّول» كسفّود.و قال البيضاويّ:كان أيّوب روميّا من أولاد عيص بن إسحاق عليه الصّلاة و السّلام.

3-قال ابن الكلبيّ:«لا أعرف في الجاهليّة من العرب أيّوب و إبراهيم غير هذين».و لم يقل:أيّوبا.

4-و جاء في أعلام الزّركليّ:«كانوا يتناقلون أنّ أيّوب من سكّانها».و لم يقل:أيّوبا.و جاء في الأعلام أيضا:«إنّ أيّوب كان أديبا،و هو أوّل من ابتدع أسلوب الفواجع»و لم يقل:أيّوبا.

ص: 512

5-و يقول ابن الأنباريّ في كتاب«الأضداد»:

«يكون أيّوب أعجميّا مجهول الاشتقاق».«و يكون عربيّا من الفعل آب يئوب إذا رجع».و في الحالة الثّانية الّتي يجوز فيها تنوين أيّوب،لا يكون اسما لشخص.(35)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

1- وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ. ص:41

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّ نبيّ اللّه أيّوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة،فرفضه القريب و البعيد إلاّ رجلان من إخوانه،كانا من أخصّ إخوانه به،كانا يغدوان إليه و يروحان،فقال أحدهما لصاحبه:تعلم،و اللّه لقد أذنب أيّوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين،قال له صاحبه:

و ما ذاك؟قال:من ثماني عشرة سنة لم يرحمه اللّه، فيكشف ما به.فلمّا راحا إليه لم يصبر الرّجل حتّى ذكر ذلك له،فقال أيّوب:لا أدري ما تقول،غير أنّ اللّه يعلم أنّي كنت أمرّ على الرّجلين يتنازعان،فيذكران اللّه، فأرجع إلى بيتي،فأكفّر عنهما،كراهيّة أن يذكر اللّه إلاّ في حقّ.

و كان يخرج إلى حاجته،فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتّى يبلغ،فلمّا كان ذات يوم أبطأ عليها،و أوحى إلى أيّوب في مكانه اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ ص:42،فاستبطأته،فتلقّته تنظر،فأقبل عليها قد أذهب اللّه ما به من البلاء،و هو على أحسن ما كان.فلمّا رأته قالت:إي بارك اللّه فيك،هل رأيت نبيّ اللّه هذا المبتلى،فو اللّه على ذلك ما رأيت أحدا أشبه به منك إذ كان صحيحا،قال:فإنّي أنا هو.

و كان له أندران (1):أندر للقمح،و أندر للشّعير، فبعث اللّه سحابتين،فلمّا كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذّهب حتّى فاض،و أفرغت الأخرى في أندر الشّعير الورق (2)حتّى فاض.

(الطّبريّ 23:167)

وهب بن منبّه: إنّ إبليس لعنه اللّه سمع تجاوب الملائكة بالصّلاة على أيّوب،و ذلك حين ذكره اللّه تعالى و أثنى عليه فأدركه البغي و الحسد،فسأل اللّه أن يسلّطه عليه ليفتنه عن دينه،فسلّطه اللّه على ما له دون جسده و عقله.

و جمع إبليس عفاريت الشّياطين و عظماءهم،و كان لأيّوب البثنيّة من الشّام كلّها بما فيها بين شرقها و غربها،و كان له بها ألف شاة برعاتها،و خمسمائة فدّان يتبعها خمسمائة عبد.لكلّ عبد امرأة و ولد و مال،و يحمل آلة كلّ فدّان أتان،لكلّ أتان ولد بين اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة و فوق ذلك.فلمّا جمعهم إبليس قال:ما ذا عندكم من القوّة و المعرفة فإنّي قد سلّطت على مال أيّوب فهي المصيبة الفادحة و الفتنة الّتي لا يصبر عليها الرّجال، فقال كلّ من عنده قوّة على إهلاك شيء ما عنده، فأرسلهم فأهلكوا ماله كلّه و أيّوب في كلّ ذلك يحمد اللّه، و لا يثنيه شيء أصيب به من ماله عن الجدّ في عبادة اللّه تعالى،و الشّكر له على ما أعطاه،و الصّبر على ما ابتلاه به.

ص: 513


1- الأندر:الكدس من القمح خاصّة.
2- الدّراهم المضروبة الورقيّة.

فلمّا رأى ذلك من أمره إبليس لعنه اللّه،سأل اللّه تعالى أن يسلّطه على ولده،فسلّطه عليهم و لم يجعل له سلطانا على جسده و قلبه و عقله،فأهلك ولده كلّهم،ثمّ جاء متمثّلا بمعلّمهم الّذي كان يعلّمهم الحكمة جريحا مشدوخا يرقّقه حتّى رقّ أيّوب فبكى،فقبض قبضة من تراب فوضعها على رأسه،فسرّ بذلك إبليس و اغتنمه من أيّوب عليه السّلام،ثمّ إنّ أيّوب تاب و استغفر فصعدت قرناؤه من الملائكة بتوبته فبدر إبليس إلى اللّه عزّ و جلّ.

فلمّا لم يثن أيّوب عليه السّلام ما حلّ به من المصيبة في ماله و ولده عن عبادة ربّه و الجدّ في طاعته و الصّبر على ما ناله،سأل اللّه عزّ و جلّ إبليس أن يسلّطه على جسده فسلّطه على جسده خلا لسانه و قلبه و عقله،فإنّه لم يجعل له على ذلك منه سلطانا،فجاء و هو ساجد فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده،فسار من جملة أمره إلى أن أنتن جسده،فأخرجه أهل القرية من القرية إلى كناسة خارج القرية،لا يقربه أحد إلاّ زوجته.[إلى أن قال:]

و كانت زوجته تختلف إليه بما يصلحه و تلزمه، و كان قد أتبعه ثلاثة نفر على دينه،فلمّا رأوا ما نزل به من البلاء رفضوه و اتّهموه من غير أن يتركوا دينه،يقال لأحدهم:بلدد و للآخر اليفز و الثّالث صافر،فانطلقوا إليه و هو في بلائه فبكّتوه،فلمّا سمع أيّوب كلامهم أقبل على ربّه يستغيثه و يتضرّع إليه،فرحمه ربّه و رفع عنه البلاء و ردّ عليه أهله و ماله و مثلهم معهم،و قال له:

اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ فاغتسل به،فعاد كهيئته قبل البلاء في الحسن و الجمال.

(تاريخ الأمم و الملوك 1:226)

الحسن: لقد مكث أيّوب عليه السّلام مطروحا على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين و أشهرا ما يسأل اللّه عزّ و جلّ أن يكشف ما به،فما على وجه الأرض أكرم على اللّه من أيّوب!فيزعمون أنّ بعض النّاس قال:لو كان لربّ هذا فيه حاجة ما صنع به هذا،فعند ذلك دعا.

(تاريخ الأمم و الملوك 1:226)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ أيّوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب،و إنّ الأنبياء لا يذنبون لأنّهم معصومون مطهّرون،لا يذنبون و لا يزيغون و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا.

و إنّ أيّوب مع جميع ما ابتلي به لم ينتن له رائحة و لا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدّة من دم و لا قيح و لا استقذره أحد رآه،و لا استوحش منه أحد شاهده، و لا تدوّد شيء من جسده،و هكذا يصنع اللّه عزّ و جلّ بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه.

و إنّما اجتنبه النّاس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربّه تعالى من التّأييد و الفرج،و قد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أعظم النّاس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل.

و إنّما ابتلاه اللّه عزّ و جلّ بالبلاء العظيم الّذي تهون معه على جميع النّاس لئلاّ يدّعوا معه الرّبوبيّة إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه،و ليستدلّوا بذلك على أنّ الثّواب من اللّه تعالى ذكره على ضربين:استحقاق و اختصاص،و لئلاّ يحتقروا ضعيفا لضعفه و لا فقيرا لفقره و لا مريضا لمرضه، و ليعلموا أنّه يسقم من شاء و يشفي من شاء متى شاء

ص: 514

و بأيّ سبب شاء،و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و شقاوة لمن شاء و سعادة لمن شاء،و هو عزّ و جلّ في جميع ذلك عدل في قضائه و حكيم في أفعاله،لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم،و لا قوّة لهم إلاّ به.(البحرانيّ 4:53)

الإمام الصّادق عليه السّلام:قال أبو بصير:سألته عن بليّة أيّوب الّتي ابتلي بها في الدّنيا لأيّ علّة كانت؟

قال:لنعمة أنعم اللّه عزّ و جلّ عليه بها في الدّنيا و أدّى شكرها،و كان في ذلك الزّمان لا يحجب إبليس من دون العرش،فلمّا صعد و رأى شكر أيّوب نعمة ربّه.

حسده إبليس،و قال:يا ربّ إنّ أيّوب لم يردّ إليك شكر هذه النّعمة إلاّ بما أعطيته من الدّنيا،و لو حرمته دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة أبدا،فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي إليك شكر نعمة أبدا.فقيل له:قد سلّطتك على ماله و ولده.قال:فانحدر إبليس فلم يبق له مالا و ولدا،فازداد أيّوب فيه للّه شكرا و حمدا.

قال:و سلّطني على زرعه،قال:قد فعلت،فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق،فازداد أيّوب للّه شكرا و حمدا.

فقال:يا ربّ سلّطني على غنمه،فسلّطه على غنمه فأهلكها،فازداد أيّوب للّه شكرا و حمدا.

قال:يا ربّ سلّطني على بدنه،فسلّطه على بدنه ما خلا عقله و عينيه،فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه،فبقي على ذلك عمرا طويلا يحمد اللّه و يشكر حتّى وقع في بدنه الدّود،فكان تخرج من بدنه،و يقول لها:ارجعي إلى موضعك الّذي خلقك اللّه منه.

و نتن حتّى أخرجوه أهل القرية من القرية،و ألقوه في المزبلة خارج القرية.و كانت امرأته رحمة بنت يوسف ابن يعقوب بن إبراهيم صلوات اللّه عليهم و عليها، تصدّق من النّاس و تأتيه بما تجده.

قال:فلمّا طال عليه البلاء و رأى إبليس صبره،أتى أصحابا له كانوا رهبانا في الجبال،فقال:مرّوا بنا إلى هذا العبد المبتلى نسأله عن بليّته،فركبوا بغالا شهبا و جاءوا فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه،فقربوا بعضا إلى بعض ثمّ مشوا إليه،و كان فيهم شابّ حدث السّنّ فقعدوا إليه،فقالوا:يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ اللّه يجيبنا إذا سألنا و ما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الّذي لم يبتل به أحد إلاّ من أمر كنت تسرّه.

قال أيّوب:و عزّة ربّي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاما إلاّ و يتيم أو ضعيف يأكل معي،و ما عرض لي أمران كلاهما طاعة للّه إلاّ أخذت بأشدّهما على بدني.فقال الشّابّ:سوء لكم،و في نسخة شوّه لكم،عمدتم إلى نبيّ اللّه فعيّرتموه حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسرّها، فقال أيّوب:يا ربّ لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتي.

فبعث اللّه إليه غمامة،فقال:يا أيّوب أدل بحجّتك فقد أقعدتك مقعد الحكم و ها أنا ذا قربت و لم أزل،فقال:

يا ربّ إنّك لتعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ كلاهما طاعة للّه إلاّ أخذت بأشدّهما على نفسي،أ لم أحمدك؟أ لم أشكرك؟أ لم أسبّحك؟

قال:فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان، يا أيّوب من صبرك تعبد اللّه و النّاس عنه غافلون،

ص: 515

و تحمده و تسبّحه و تكبّره و النّاس عنه غافلون،أ تمنّ على اللّه بما للّه فيه،من المنّة عليك؟

قال:فأخذ أيّوب التّراب فوضعه في فيه،ثمّ قال:

لك العتبى يا ربّ أنت فعلت ذلك بي.

فأنزل اللّه عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء، فغسله بذلك الماء،فعاد أحسن ما كان و أطرأ،و أنبت اللّه عليه روضة خضراء،و ردّ عليه أهله و ماله و ولده و زرعه.و قعد معه الملك يحدّثه و يؤنسه،فأقبلت امرأته و معها الكسر،فلمّا انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغيّر و إذا رجلان جالسان،فبكت و صاحت و قالت:يا أيّوب ما دهاك؟فناداها أيّوب،فأقبلت فلمّا رأته و قد ردّ اللّه عليه بدنه و نعمه،سجدت للّه شكرا.

فرأى ذوائبها مقطوعة و ذلك أنّها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيّوب من الطّعام،و كانت حسنة الذّوائب،فقالوا لها:تبيعينا ذوائبك حتّى نعطيك، فقطعتها و دفعتها إليهم فأخذت منهم طعاما لأيّوب.فلمّا رآها مقطوعة الشّعر غضب و حلف عليها أن يضربها مائة،فأخبرته إنّه كان سببه كيت و كيت،فاغتمّ أيّوب من ذلك،فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ ص:44،فأخذ مائة شمراخ، فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه،ثمّ قال:

وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّا وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ص:43.

قال:فردّ اللّه عليه أهله الّذين ماتوا قبل البلاء و ردّ اللّه عليه أهله الّذين ماتوا بعد ما أصابه البلاء،كلّهم أحياهم اللّه جميعا فعاشوا معه.

و سئل أيّوب بعد ما عافاه اللّه تعالى:أيّ شيء كان أشدّ عليك ممّا مرّ عليك؟فقال:شماتة الأعداء.قال:

فأمطر اللّه عليه في داره فراش الذّهب،و كان يجمعه فإذا ذهب الرّيح منه شيئا عدا خلفه فردّه،فقال له جبرئيل:

ما تشبع يا أيّوب؟قال:و من يشبع من رزق ربّه.(البحرانيّ 4:51)

الطّبريّ: ابن إسحاق عن من لا يتّهم عن وهب بن منبّه:أنّ أيّوب كان رجلا من الرّوم،و هو أيّوب بن موص بن رازح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم.

و أمّا غير ابن إسحاق فإنّه يقول:هو أيّوب بن موص ابن رغويل بن عيص بن إسحاق.

و كان بعضهم يقول:هو أيّوب بن موص بن رغويل،و يقول:كان أبوه ممّن آمن بإبراهيم عليه السّلام يوم إحراقه نمرود،و كانت زوجته الّتي أمر بضربها بالضّغث ابنة ليعقوب بن إسحاق يقال لها:«ليّا»كان يعقوب زوّجها منه.[و بعد نقل أقوال وهب و الحسن قال:]

فهذه جملة من خبر أيّوب عليه السّلام،و إنّما قدّمنا ذكر خبره و قصّته قبل خبر يوسف و قصّته لما ذكر من أمره، و أنّه كان نبيّا في عهد يعقوب أبي يوسف عليهم السّلام.

ذكر أنّ عمر أيّوب كان ثلاثا و تسعين سنة،و أنّه أوصى عند موته إلى ابنه حومل،و أنّ اللّه عزّ و جلّ بعث بعده ابنه بشر بن أيّوب نبيّا و سمّاه ذا الكفل،و أمره بالدّعاء إلى توحيده،و أنّه كان مقيما بالشّام عمره حتّى مات،و كان عمره خمسا و سبعين سنة،و أنّ بشرا أوصى إلى ابنه عبدان،و أنّ اللّه عزّ و جلّ بعث بعده شعيب بن صيفون بن عنقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم إلى أهل

ص: 516

مدين.(تاريخ الأمم و الملوك 1:226)

المسعوديّ: إنّ يوسف أوصى أن يحمل فيدفن عند قبر أبيه يعقوب في مسجد إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام،و كان في عصره أيّوب النّبيّ عليه السّلام و هو أيّوب بن موص بن زراح بن رعوئيل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام،و ذلك في بلاد الشّام من أرض حوران، و البثنيّة من بلاد الأردن من بين دمشق و الجابيّة.

و كان كثير المال و الولد،فابتلاه اللّه في نفسه و ماله و ولده فصبر،و ردّ اللّه عليه ذلك و أقاله عثرته،و اقتصّ ما اقتصّ من أخباره في كتابه على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و مسجده و العين الّتي اغتسل منها في وقتنا هذا، و هو سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة،مشهوران ببلاد نوى و الجولان فيما بين دمشق و طبريّة من بلاد الأردن، و هذا المسجد و العين على ثلاثة أميال من مدينة نوى،أو نحو ذلك،و الحجر الّذي كان يأوي إليه في حال بلائه هو و زوجته-و اسمها رحمة-في ذلك المسجد إلى هذا الوقت.

(1:60)

المقدسيّ: قصّة أيّوب عليه السّلام:زعم وهب أنّه هو أيّوب بن موص بن رعويل،و كان أبوه ممّن آمن بإبراهيم يوم حلّق في النّار،و كان أيّوب صهر يعقوب،و كان تحته ابنة ليعقوب اسمها«ليّا»و هي الّتي ضربها بالضّغث.

و أمّ أيّوب ابنة لوط،و كانت له«حوران و البثنيّة» مدينتان،و مال عظيم و نعم و شاء و ثلاثة عشر ولدا و ألف غلام في زرعه و ضرعه و خدمته.فابتلاه اللّه بالبلاء و ضربه بالضّرّ،و هلكت أمواله و ماشيته و مات ولده.

و كانت امرأته«ليّا»تسعى عليه و تكتسب قوته، فباعت خصلة من شعرها بطعام و أتته به،فاتّهمها أيّوب فحلف ليضربنّها مائة ضرب إن هو برأ من علّته،و قيل:

بل الشّيطان أتاها فقال لها:لو أنّ أيّوب شرب شربة ماء لا يذكر اسم اللّه عليها لعوفي،فأخبرت أيّوب بذلك فحلف،إلى أن انقضت المدّة أتاه جبريل فقال له:

(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) فركض فندا ماء فاغتسل فيه و شرب فبرأ.

و عوّضه اللّه من ولده الثّلاثة عشرة ستّة و عشرين ولدا.

و ذلك قوله تعالى: وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّا ص:43،و أمره أن يضرب امرأته بضغث فيه مائة عود ليبرّ قسمه،و أثنى عليه بحسن الصّبر، فلا يزال يتلى ما قامت الدّنيا.

و روى جويبر عن الضّحّاك:أنّه أيّوب بن موص بن العيص،فلم يزالوا متمسّكين بالحنيفيّة إلى أن اختلفوا فبعث اللّه إليهم عيسى.

ذكر اختلافهم في هذه القصّة:زعم وهب و ما أراه كما زعم:أنّ إبليس كان يصعد حتّى يقف من السّماء موقفا،فصعد و قال:يا ربّ إنّك قد أعطيت أيّوب ما أعطيت و وسعت عليه و لم تبتله ببلاء فينظر كيف صبره و تمسّكه؟قال:فسلّطه عليه فجاء و هو في سجوده،فنفخ في وجهه فصار كذا و كذا،و تناطحت جنبات بيته فقتّلت أولاده و موّتت و انتغش الدّود في جسده،فجعل يختلف فيه سبع سنين و سبعة أشهر و سبعة أيّام و سبع ساعات،و تأذّى أهل القرية فطرحوه على كناسة و وارت امرأته عورته بالتّراب،فصبر في

ص: 517

ذلك أحسن الصّبر،و لم يشك بتّة إلى أحد إلاّ إليه بقول اللّه عزّ و جلّ: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:44.

و قال بعضهم: إنّ رجلا مظلوما لهف إليه و استغاث به و كان في الصّلاة،فلم يقطع صلاته حتّى فاته ذلك و قتل الرّجل و غصب،فلم يرض اللّه ذلك منه و ابتلاه كفّارة لما كان منه.

و قيل في بليّة يعقوب:إنّه ذبح شاة و شواها و أصاب رائحتها بعض الجيران فلم يطعمه،فعوقب بغيبة يوسف.

و زعم بعضهم: أنّ أيّوب لمّا منّ اللّه عليه بالعافية أحيا له ولده كلّهم و مواشيه و غلمانه.و قد روينا عن سعيد بن جبير أنّه قال:من زعم أنّ اللّه أحيا له ولده كلّهم و مواشيه و غلمانه فقد كذب.

قالوا:و أظلّ اللّه عليه غمامة و نودي أن ابسط كساك؛فأمطر اللّه عليهم جرادا من ذهب من لدن العصر إلى أن توارت بالحجاب،فجعل كلّ ما سقط من الكساء ناحية يحثوه و يضمّه إليه،فنودي ما هذا الحرص!فقال:

لا غناء عن بركاتك و من يشبع من الخير،هكذا الرّواية، و اللّه أعلم.(3:72)

ابن الأثير: [بعد نقل قول وهب قال:]

و قيل:كان سبب بلائه أنّ أرض الشّام أجدبت فأرسل فرعون إلى أيّوب أن هلمّ إلينا فإنّ لك عندنا سعة،فأقبل بأهله و خيله و ماشيته،فأقطعهم فرعون القطائع.ثمّ إنّ شعيبا النّبيّ دخل إلى فرعون،فقال:

يا فرعون أ ما تخاف أن يغضب اللّه غضبة فيغضب لغضبه أهل السّماء و أهل الأرض و البحار و الجبال؟و أيّوب ساكت لا يتكلّم.فلمّا خرجا أوحى اللّه إلى أيّوب:

يا أيّوب سكتّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه،استعدّ للبلاء.فقال أيّوب:أ ما كنت أكفل اليتيم و أؤوي الغريب و أشبع الجائع و أكفت الأرملة؟

فمرّت سحابة يسمع فيها عشرة آلاف صوت من الصّواعق يقولون:من فعل ذلك يا أيّوب؟فأخذ ترابا فوضعه على رأسه،و قال:أنت يا ربّ،فأوحى اللّه إليه:

استعدّ للبلاء.قال:فديني؟قال:أسلّمه لك.قال:فما أبالي.

و قيل:كان السّبب غير ذلك،و هو نحو ممّا ذكرنا.

فلمّا ابتلاه اللّه و اشتدّ عليه البلاء قالت له امرأته:

إنّك رجل مجاب الدّعوة فادع اللّه أن يشفيك.فقال:كنّا في النّعماء سبعين سنة فلنصبر في البلاء سبعين سنة،و اللّه لئن شفاني اللّه لأجلدنّك مائة جلدة.

و قيل:إنّما أقسم ليجلدها لأنّ إبليس ظهر لها، و قال:بم أصابكم ما أصابكم؟قالت:بقدر اللّه.قال:

و هذا أيضا بقدر اللّه فاتبعيني فأتبعته،فأراها جميع ما ذهب منهم في واد،و قال:اسجدي لي و أردّه عليكم فقالت:إنّ لي زوجا أستأمره.

فلمّا أخبرت أيّوب قال:أ لم تعلمي أنّ ذلك الشّيطان؟لئن شفيت لأجلدنّك مائة جلدة،و أبعدها، و قال لها:طعامك و شرابك عليّ حرام لا أذوق ممّا تأتيني به شيئا فابعدي عنّي فلا أراك،فذهبت عنه.

فلمّا رأى أيّوب أنّ امرأته قد طردها و ليس عنده طعام و لا شراب و لا صديق خرّ ساجدا،و قال:ربّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأنبياء:83،

ص: 518

كرّر ذلك،فقيل له:ارفع رأسك فقد استجيب لك:

اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ ص:42، و ردّ اللّه إليه جسده و صورته.

و أمّا امرأته فقالت:كيف أتركه و ليس عنده أحد، يموت جوعا و تأكله السّباع؟فرجعت إليه فرأت أيّوب و قد عوفي فلم تعرفه،فعجبت حيث لم تره على حاله، فقالت له:يا عبد اللّه هل رأيت ذلك الرّجل المبتلى الّذي كان هاهنا؟قال:و هل تعرفينه إذا رأيته؟قالت:نعم.

قال:هو أنا.فعرفته.

و قيل:إنّما قال: مَسَّنِيَ الضُّرُّ لمّا وصل الدّود إلى لسانه و قلبه خاف أن يبطل عن ذكر اللّه تعالى و الفكر.

و ردّ اللّه إليه أهله و مثلهم معهم،قيل:هم بأعيانهم، و قيل:ردّ اللّه إليه امرأته و ردّ إليها شبابها،فولدت له ستّة و عشرين ذكرا،و أنزل اللّه إليه ملكا،فقال:

يا أيّوب إنّ اللّه يقرئك السّلام لصبرك على البلاء اخرج إلى أندرك.فخرج إليه فبعث اللّه سحابة فألقت جرادا من ذهب،و كانت الجرادة تذهب فيتبعها حتّى يردّها في أندره،فقال الملك:أ ما تشبع من الدّاخل حتّى تتّبع الخارج؟فقال:إنّ هذه البركة من بركات ربّي لست أشبع منها.

و عاش أيّوب بعد أن رفع عنه البلاء سبعين سنة، و لمّا عوفي أمره اللّه أن يأخذ عرجونا من النّخل فيه مائة شمراخ فيضرب زوجته ليبرّ من يمينه،ففعل ذلك.

و قول أيّوب:ربّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ دعاء ليس بشكوى،و دليله قوله تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ.

و كان من دعاء أيّوب:أعوذ باللّه من جار عينه تراني،إن رأى حسنة سترها و إن رأى سيّئة ذكرها.

و قيل:كان سبب دعائه أنّه كان قد أتبعه ثلاثة نفر.

[ثمّ ذكر تحاورهم بينهم و استماع أيّوب لكلامهم،و جوابه لهم إلى أن قال:]

ثمّ أعرض عنهم و أقبل على ربّه مستغيثا به متضرّعا إليه،فقال:ربّ لأيّ شيء خلقتني ليتني إن كرهتني لم تخلقني،يا ليتني كنت حيضة ملقاة،و يا ليتني عرفت الذّنب الّذي أذنبت فصرفت وجهك الكريم عنّي،لو كنت أمتّني فالموت أجمل بي،أ لم أكن للغريب دارا و للمسكين قرارا و لليتيم وليّا و للأرملة قيّما؟[إلى أن قال:]

فلمّا قال أيّوب ذلك أظلّتهم غمامة و نودي منها:

يا أيّوب إنّ اللّه يقول:قد دنوت منك و لم أزل منك قريبا فقم فأدل بحجّتك و تكلّم ببراءتك،و قم مقام جبّار،فإنّه لا ينبغي أن يخاصمني إلاّ جبّار.تجعل الزّيار (1)في فم الأسد و اللّجام في فم التّنّين (2)،و تكيل مكيالا من النّور و تزن مثقالا من الرّيح و تصرّ صرّة من الشّمس و تردّ أمس.لقد منّتك نفسك أمرا لا تبلغه بمثل قوّتك،أردت أن تكابرني بضعفك أم تخاصمني بعيّك أم تحاجّني بخطلك أين أنت منّي يوم خلقت الأرض؟هل علمت بأيّ مقدار قدّرتها؟أين كنت معي يوم رفعت السّماء سقفا في الهواء لا بعلائق و لا بدعائم تحملها؟هل تبلغ حكمتك أن تجري نورها أو تسيّر نجومها أو يختلف بأمرك ليلها و نهارها؟

ص: 519


1- الزّيار:خشبتان يضغط بهما البيطار جحفلة الفرس أي شفته فيذلّ،فيتمكّن من بيطرته.
2- الحوت أو الحيّة العظيمة.

و ذكر أشياء من مصنوعات اللّه.

فقال أيّوب:قصرت عن هذا الأمر ليت الأرض انشقّت لي فذهبت فيها و لم أتكلّم بشيء يسخطك،إلهي اجتمع عليّ البلاء و أنا أعلم أنّ كلّ الّذي ذكرت صنعة.

يديك.[إلى أن قال:]

فقال اللّه:يا أيّوب نفذ فيك حكمي و سبقت رحمتي غضبي،قد غفرت لك و رددت عليك أهلك و مالك و مثلهم معهم،لتكون لمن خلفك آية و عبرة لأهل البلاء و عزاء للصّابرين،ف اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ فيه شفاء،و قرّب عن أصحابك قربانا و استغفر لهم فإنّهم قد عصوني فيك.

فركض برجله فانفجرت له عين ماء فاغتسل فيها، فرفع اللّه عنه البلاء،ثمّ خرج فجلس و أقبلت امرأته فسألته عنه،فقال:هل تعرفينه؟قالت:نعم،ما لي لا أعرفه!فتبسّم،فعرفته بضحكه فاعتنقته،فلم تفارقه من عناقه حتّى مرّ بهما كلّ مال لهما و ولد.(1:128)

الفخر الرّازيّ:للنّاس في هذا الموضع قولان:

الأوّل:أنّ الآلام و الأسقام الحاصلة في جسمه إنّما حصلت بفعل الشّيطان.

الثّاني:أنّها حصلت بفعل اللّه،و العذاب المضاف في هذه الآية إلى الشّيطان هو عذاب الوسوسة،و إلقاء الخواطر الفاسدة.[و استدلّ على صحّة القول الأوّل بحديث وهب،و ردّ القول الثّاني بوجوه نقليّة و عقليّة، و قال في كيفيّة الوساوس الشّيطانيّة:]

ثمّ القائلون بهذا القول اختلفوا في أنّ تلك الوساوس كيف كانت؟و ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:أنّ علّته كانت شديدة الألم،ثمّ طالت مدّة تلك العلّة و استقذره النّاس و نفروا عن مجاورته،و لم يبق له شيء من الأموال البتّة،و امرأته كانت تخدم النّاس و تحصل له قدر القوت.ثمّ بلغت نفرة النّاس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدّخول عليهم و من الاشتغال بخدمتهم، و الشّيطان كان يذكّره النّعم الّتي كانت و الآفات الّتي حصلت،و كان يحتال في دفع تلك الوساوس.فلمّا قويت تلك الوساوس في قلبه خاف و تضرّع إلى اللّه، و قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ص:

41،لأنّه كلّما كانت تلك الخواطر أكثر كان ألم قلبه منها أشدّ.

الثّاني:أنّها لمّا طالت مدّة المرض جاءه الشّيطان و كان يقنطه من ربّه،و يزيّن له أن يجزع،فخاف من تأكّد خاطر القنوط في قلبه،فتضرّع إلى اللّه تعالى، و قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ.

الثّالث:قيل:إنّ الشّيطان لمّا قال لامرأته:لو أطاعني زوجك أزلت عنه هذه الآفات،فذكرت المرأة له ذلك،فغلب على ظنّه أنّ الشّيطان طمع في دينه.فشقّ ذلك عليه فتضرّع إلى اللّه،و قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ.

الرّابع:روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه بقي أيّوب في البلاء ثماني عشرة سنة حتّى رفضه القريب و البعيد إلاّ رجلين، ثمّ قال أحدهما لصاحبه:لقد أذنب أيّوب ذنبا ما أتى به أحد من العالمين،و لولاه ما وقع في مثل هذا البلاء.

فذكروا ذلك لأيّوب عليه السّلام فقال:لا أدري ما تقولان،غير أنّ اللّه يعلم أنّي كنت أمرّ على الرّجلين يتنازعان

ص: 520

فيذكران اللّه تعالى،فأرجع إلى بيتي فأنفر عنهما كراهيّة أن يذكر اللّه تعالى إلاّ في الحقّ.

الخامس:قيل:إنّ امرأته كانت تخدم النّاس فتأخذ منهم قدر القوت،و تجيء به إلى أيّوب،فاتّفق أنّهم ما استخدموها البتّة،و طلب بعض النّساء منها قطع إحدى ذؤابتيها على أن تعطيها قدر القوت ففعلت،ثمّ في اليوم الثّاني ففعلت مثل ذلك،فلم يبق لها ذؤابة.و كان أيّوب عليه السّلام إذا أراد أن يتحرّك على فراشه تعلّق بتلك الذّؤابة،فلمّا لم يجد الذّؤابة وقعت الخواطر المؤذية في قلبه و اشتدّ غمّه،فعند ذلك قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ.

السّادس:قال في بعض الأيّام:يا ربّ لقد علمت، ما اجتمع عليّ أمران إلاّ آثرت طاعتك،و لمّا أعطيتني المال كنت للأرامل قيّما،و لابن السّبيل معينا،و لليتامى أبا،فنودي من غمامة:يا أيّوب ممّن كان ذلك التّوفيق؟ فأخذ أيّوب التّراب و وضعه على رأسه،و قال:منك يا ربّ،ثمّ خاف من الخاطر الأوّل فقال: مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و قد ذكروا أقوالا أخرى، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.(26:212)

[و بعد نقل قول وهب و الحسن قال:]

اعلم أنّ المعتزلة قد طعنوا في هذه القصّة من وجوه:

أحدها:قال الجبّائيّ:ذهب بعض الجهّال إلى أنّ ما كان به من المرض كان فعلا للشّيطان سلّطه اللّه عليه، لقوله تعالى حكاية عنه: مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و هذا جهل،أمّا أوّلا:فلأنّه لو قدر على إحداث الأمراض و الأسقام و ضدّهما من العافية لتهيّأ له فعل الأجسام،و من هذا حاله،يكون إلها.و أمّا ثانيا:

فلأنّ اللّه تعالى أخبر عنه و عن جنوده بأنّه قال: وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي إبراهيم:22،و الواجب تصديق خبر اللّه تعالى،دون الرّجوع إلى ما يروى عن وهب بن منبّه.

و اعلم أنّ هذا الاعتراض ضعيف،لأنّ المذكور في الحكاية أنّ الشّيطان نفخ في منخره فوقعت الحكّة فيه، فلم قلتم إنّ القادر على النّفخة الّتي تولد مثل هذه الحكّة لا بدّ و أن يكون قادرا على خلق الأجسام؟و هل هذا إلاّ محض التّحكّم.

و أمّا التّمسّك بالنّصّ فضعيف،لأنّه إنّما يقدم على هذا الفعل متى علم أنّه لو أقدم عليه لما منعه اللّه تعالى عنه،و هذه الحالة لم تحصل إلاّ في حقّ أيّوب عليه السّلام على ما دلّت الحكاية عليه من أنّه استأذن اللّه تعالى فأذن له فيه،و متى كان كذلك لم يبق بين ذلك النّصّ و بين هذه الحكاية مناقضة.

ثانيها:قالوا:ما روي أنّه عليه السّلام لم يسأل إلاّ عند أمور مخصوصة فبعيد،لأنّ الثّابت في العقل أنّه يحسن من المرء أن يسأل في ذلك ربّه و يفزع إليه كما يحسن منه المداواة، و إذا جاز أن يسأل ربّه عند الغمّ ممّا يراه من إخوانه و أهله جاز أيضا أن يسأل ربّه من قبل نفسه.

فإن قيل:أ فلا يجوز أنّه تعالى تعبّده بأن لا يسأل الكشف إلاّ في آخر أمره؟

قلنا:يجوز ذلك بأن يعلمه بأنّ إنزال ذلك به مدّة مخصوصة من مصالحه و مصالح غيره لا محالة،فعلم عليه السّلام أنّه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاصّ،فإذا قرب

ص: 521

الوقت جاز أن يسأل ذلك،من حيث يجوز أن يدوم و يجوز أن ينقطع.

ثالثها:قالوا:انتهاء ذلك المرض إلى حدّ التّنفير عنه غير جائز،لأنّ الأمراض المنفرة من القبول غير جائزة على الأنبياء عليهم السّلام.فهذا جملة ما قيل في هذه الحكاية.(22:208)

ابن كثير: قال ابن اسحاق:كان رجلا من الرّوم و هو أيّوب بن موص بن زراح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل،و قال غيره:هو أيّوب عليه السّلام بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب،و قيل غير ذلك في نسبه.

و حكى ابن عساكر أنّ أمّه بنت لوط عليه السّلام،و قيل:

كان أبوه ممّن آمن بإبراهيم عليه السّلام يوم ألقي في النّار فلم تحرقه.و المشهور الأوّل،لأنّه من ذرّيّة إبراهيم كما قرّرنا عند قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ الأنعام:84،من أنّ الصّحيح أنّ الضّمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السّلام، و هو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النّساء،في قوله تعالى: إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا... النّساء:163،فالصّحيح أنّه من سلالة العيص بن إسحاق.

و امرأته،قيل:اسمها ليّا بنت يعقوب،و قيل:رحمة بنت أفرائيم،و قيل:منشا بن يوسف بن يعقوب و هذا أشهر،فلهذا ذكرناه هاهنا.ثمّ نعطف بذكر أنبياء بني إسرائيل بعد ذكر قصّته.قال اللّه تعالى: وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى... الأنبياء:83،و قال تعالى في سورة ص:41، وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ.

و روى ابن عساكر من طريق الكلبيّ أنّه قال:أوّل نبيّ بعث إدريس،ثمّ نوح،ثمّ إبراهيم،ثمّ إسماعيل،ثمّ إسحاق،ثمّ يعقوب،ثمّ يوسف،ثمّ لوط،ثمّ هود،ثمّ صالح،ثمّ شعيب،ثمّ موسى و هارون،ثمّ إلياس،ثمّ اليسع،ثمّ عرفى بن سويلخ بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب،ثمّ يونس بن متّى من بني يعقوب،ثمّ أيّوب بن زراح بن آموص بن ليفرز بن العيص بن اسحاق بن ابراهيم.

و في بعض هذا التّرتيب نظر،فإنّ هودا و صالحا المشهور أنّهما بعد نوح،و قبل إبراهيم،و اللّه أعلم.[ثمّ ذكر ابتلاءه و هلاك أولاده و أهله و مواشيه،و ذكر صبره إلى أن قال:]

و قد روي عن وهب بن منبّه و غيره من علماء بني إسرائيل في قصّة أيّوب خبر طويل في كيفيّة ذهاب ماله و ولده و بلائه في جسده،و اللّه أعلم بصحّته.

و عن مجاهد أنّه قال: كان أيّوب عليه السّلام أوّل من أصابه الجدريّ.و قد اختلفوا في مدّة بلواه على أقوال:

فزعم وهب:أنّه ابتلي ثلاث سنين و أشهرا،و ألقي على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدّوابّ في جسده حتّى فرّج اللّه عنه،و عظّم له الأجر و أحسن الثّناء عليه.

و قال حميد:مكث في بلواه ثماني عشرة سنة.

و قال السّدّيّ:تساقط لحمه حتّى لم يبق إلاّ العظم و العصب،فكانت امرأته تأتيه بالرّماد تفرشه تحته،فلمّا طالت عليها قالت:يا أيّوب لو دعوت ربّك لفرّج عنك، فقال:قد عشت سبعين سنة صحيحا،فهو قليل للّه أن

ص: 522

أصبر له سبعين سنة،فجزعت من هذا الكلام،و كانت تخدم النّاس بالأجر،و تطعم أيّوب عليه السّلام.[ثمّ ذكر عدم استخدام النّاس امرأته،و بيع ضفيرتيها لجلب الطّعام إليه،و ذكر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مدّة ابتلائه المتقدّم ذكره في قول الطّبريّ](البداية و النّهاية 1:220)

في الصّحيحين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:بينا أيّوب يغتسل عريانا،خرّ عليه رجل جراد من ذهب،فجعل يحثي في ثوبه،فناداه ربّه:يا أيّوب أ لم أكن أغنيتك عمّا ترى؟قال:

بلى يا ربّ،و لكن لا غنى بي عن بركتك.

و يروى أنّ أيّوب ناجى ربّه،و قال:إلهي ما رأيت عريانا إلاّ ألبسته،و لا جائعا إلاّ أشبعته،فلم ابتليتني؟ فنودي صدقت،و لكنّك لو أصبحت أسيرا في يد عبد من عبيدي يحكّم فيك ما يريد،لأصبحت في بلاء أشدّ من هذا،و لكنّك أصبحت في يدي و أنا أرحم الرّاحمين.

و قيل:لمّا اشتدّ البلاء بأيّوب قيل له:لو دعوت اللّه حتّى يشفيك.فقال:قد أتى عليّ في الرّخاء سبعون، لأصبرنّ إلى أن يأتي عليّ في البلاء سبعون،فإن زاد البلاء على الرّخاء،فحينئذ أدعو ربّي.

و قيل:لمّا قدّم أيّوب في البلاء جسمه قدّم اللّه في الثّناء اسمه.إشارة إلى أنّ أسماء جميع الأنبياء في أثناء قصصهم،و اسم أيّوب في صدر قصّته.

و قد دعاه اللّه في القرآن بأسماء:صابر إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ ص:44،أوّاب إِنَّهُ أَوّابٌ ص:

44،منادى إِذْ نادى رَبَّهُ الأنبياء:83،ص:41، و هو أوّل من دعا اللّه بأرحم الرّاحمين.

و ذكره اللّه تعالى باسمه في كتابه العزيز،قال تعالى:

كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً -إلى قوله- وَ أَيُّوبَ الأنعام:

84، وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ الأنبياء:83، وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ ص:41.

و يروى أنّ اللّه تعالى أوحى إلى أيّوب بأنّ هذا البلاء قد اختاره سبعون نبيّا قبلك،فما اخترته إلاّ لك،فلمّا أراد اللّه كشفه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ الأنبياء:83،حتّى زال عنه ما اختاره اللّه له.

و كان أيّوب ببلاد حوران من الشّام،و قبره في قرية بقرب نوى،عليه مشهد و مسجد و قرية موقوفة على مصالحه،و عين جارية فيها قدم في حجر،يقولون إنّه أثر قدمه،و النّاس يغتسلون من العين و يشربون متبرّكين، و يقولون:إنّها المذكورة في القرآن،و هناك صخرة عليها مشهد يقولون:إنّه كان يستند إليها.

(بصائر ذوي التّمييز 6:59)

هاكس: أيّوب،أي الرّاجع إلى اللّه،و أوّل من أطلق عليه هذا الاسم هو حزقيا،و كان يسكن في أرض عوص الواقعة شرقيّ فلسطين،قرب مكان قفر،و قد عاصر الكلدانيّين الّذين كانوا في حالة حرب مع قومه.

و لا شكّ في أنّ أيّوب شخصيّة تاريخيّة معروفة، ابتلي بأنواع البلايا و المصائب على الرّغم ممّا جاء في «كتاب أيّوب»من شعر نظم بخيالات الشّعراء.و قد أصبح هذا الابتلاء مثار جدل و تساؤل،مفاده:لم يبتلي اللّه عباده الصّالحين؟و نظم هذا الموضوع في منظومة فلسفيّة رائعة تعرف:ب«كتاب أيّوب في العهد القديم» تبيّن مصائب أيّوب و ما لاقاه من مشقّة،و تتعرّض للحوار و البحث الّذي جرى بينه و بين رفقائه حول

ص: 523

أسباب بلائه،لكي تنجلي الحقيقة و يظهر الحقّ.

و لم يعرف زمان نظم هذه الأشعار،أ في زمان أيّوب أم بعده؟و كان مدار البحث في العقاب و العدالة الإلهيّة و الاعتراض على أمر اللّه في أنّه لم يقسّم السّعادة و الشّقاء بصورة متساوية بين بني البشر،فلم تكن الأمور للعادلين و الظّالمين متساوية دائما فحسب،بل الأشرار يرفلون بنعيم الدّنيا،و الأخيار يتجلببون بجلباب الشّقاء،و اتّهموا أيّوب بارتكاب المعاصي و الآثام،فجنى ثمار ما كسبت يداه.فانبرى أيّوب لدفع هذه الأباطيل و الشّبهات،و قدّم لهم الدّليل تلو الدّليل حتّى أفحمهم بعون اللّه تعالى.

و تحتوي صحيفة أيّوب على الأمور التّالية:

أوّلا:إنّ العذاب و العقاب و البؤس و الشّقاء ليس كلّها جزاء للإثم كما يزعم رفقاء أيّوب،و قد وبّخهم اللّه تعالى على إطلاقهم لهذا القول،و أمرهم أن يتوبوا من عقائدهم الفاسدة.و ممّا لا شكّ فيه أنّ العمل و الجزاء ملازمان في كلّ زمان و مكان،و لكن لا يمكن القول إنّ ذلك قاعدة كلّيّة و قانون عامّ،يستوجب منه أن تكن كلّ مصيبة ناشئة عن مصيبة،و إن لم تكن معصية لم يكن هناك جزاء،لا بل إنّ اللّه يجعل لحكمة بالغة الضّائقة و المصيبة بمثابة تهذيب لبني البشر،كما يجعل الذّهب في بوتقة الاختبار لتخليصه من الشّوائب العالقة به.

ثانيا:إنّ شقاء الصّالحين و بلاءهم مردّه إلى حبّ اللّه لهم و لطفه بهم،و لم يكن جزاء لهم فحسب،بل تعليم لهم و تهذيب،كما ورد هذا المعنى في أمثال سليمان:من أحبّه اللّه أدّبه.

ثالثا:إنّ الابتلاء و الامتحان الإلهيّ هو من الأمور اللاّزمة،لأنّه يبيّن الفضيلة و يرجّح الصّبر.

رابعا:إنّ ابتلاء و امتحان الأبرار و التّضييق عليهم لا يدوم طويلا،إذ سوف يجزون أجرا عظيما و ثوابا كبيرا في الدّنيا أو في الآخرة.

خامسا:إنّ من أسوإ الأمور في الدّنيا هو عدم الرّضا بقضاء اللّه تعالى و التّذمّر منه دائما.

سادسا:إنّ الإحاطة بالأسرار الإلهيّة موكولة إلى العالم الآخر،كما ورد في الباب 19:23-27.

فنستنتج من ذلك أنّ نفس الإنسان أبديّة لا تموت.

[ثمّ ذكر مطالب صحيفة أيّوب فراجع](146)

البستانيّ: [أيّوب]رجل مشهور بالاستقامة و التّقوى و الصّبر،و لذلك لقّب بالصّدّيق،و ضرب به المثل بالصّبر.و يقال:إنّه عوص بكر ناحور،أخو إبراهيم.و قيل:هو يوباب بن حفيد عيسو.كان موطنه أرض عوص،و يظنّ أنّها جزء من جبل سعير أو بلاد أدوم.

قيل:إنّه كان قبل موسى،و قيل:قبل إبراهيم بأكثر من مائة سنة،و هو أرجح.و من أراد الوقوف على تفاصيل قصّته فليطالبها من السّفر المنسوب إليه،من «العهد القديم».(4:804)

الزّركليّ: أيّوب النّبيّ الصّابر من أنبياء العرب قبل موسى.كان يسكن أرض عوص في شرقيّ فلسطين،أو في حوران.و هو عند مؤرّخي العرب من بني إبراهيم الخليل،بينهما خمسة آباء،و عند بعض شرّاح التّوراة قبل إبراهيم.

ص: 524

و سفر أيّوب في التّوراة عربيّ الأصل بما فيه من أسماء للأشخاص و للأماكن،و من وصف لبادية الشّام و حيواناتها و نباتاتها،ترجم من العربيّة إلى العبريّة في زمن موسى أو بعده.و قد يكون في أصله العربيّ«شعرا» كما يدلّ عليه أسلوبه،و لنا رأي في اسمين غير معروفين عند العرب وردا في السّفر،لعلّ مترجمه عن العربيّة زادهما لجعله عبريّا.و أدباء الغرب شديد و العناية بسفر أيّوب،و اسمه عندهم »boJ« و قد لقّبه فيكتور هوغو «ببطريرك العرب»حين لقّب إبراهيم ببطريرك العبريّين.و قال في كتابه عن شكسبير و هو يتحدّث عن العباقرة:إنّ أيّوب كان أديبا و هو أوّل من ابتدع أسلوب الفواجع،و قد ضاع شعره العربيّ،و لم يبق منه غير التّرجمة العبريّة المنسوبة إلى موسى.و قال:إنّ قصّة صبره على العذاب أتت بحادث الفداء بعد ألفي عام.

و يقول الأب لويس شيخو في كتاب«النّصرانيّة و آدابها»،و هو يذكر علم النّجوم:و لنا شاهد في سفر أيّوب على معرفة العرب لأسماء النّجوم و حركاتها في الفلك،إذ كان أيّوب النّبيّ عربيّ الأصل عاش في غربيّ الجزيرة،حيث امتحن اللّه صبره.

و يقول الدّكتور جواد عليّ في«تاريخ العرب قبل الإسلام»: من القائلين بأنّ أسفار أيّوب عربيّة الأصل، و المتحمّسين في الدّفاع عن هذا الرّأي المستشرق «مارجليوث»و قد عالج هذا الموضوع بطريقة المقابلات اللّغويّة و دراسة الأسماء الواردة في تلك الأسفار،و كذلك يرى هذا الرّأي: retsoF.H.F و reffiefP من العلماء الأمريكيّين.

و يقول جرمانوس فرحات في معجمه«أحكام باب الإعراب»: أيّوب الصّدّيق من الأنبياء،من بلاد حوران،من نسل عيسو بن إسحاق،لا يعدّ من الإسرائيليّين،كان قبل موسى،و قيل:كان معاصرا له.

و ممّا يحسن ذكره استطرادا لا لتقرير حقيقة تأريخيّة أنّ أهل«نوى»بفتح النّون و الواو-و هي قرية بين دمشق و طبريّة-كانوا يتناقلون أنّ أيّوب من سكّانها.[ثمّ ذكر قول المسعوديّ في مسجده و عينه و أضاف:]

و ذكر النّوويّ أنّه كان في عصره«القرن السّابع للهجرة»قبر في نوى يعتقد أهلها أنّه قبر أيّوب،و بنوا عليه مشهدا و مسجدا.(1:379)

الطّباطبائيّ: كلام في قصّة أيّوب عليه السّلام في فصول:

1-قصّته في القرآن:لم يذكر من قصّته في القرآن إلاّ ابتلاؤه بالضّرّ في نفسه و أولاده،ثمّ تفريجه تعالى بمعافاته و إيتائه أهله و مثلهم معهم،رحمة منه و ذكرى للعالمين.

(الأنبياء:83-84،ص:41-44).

2-جميل ثنائه:ذكره تعالى في زمرة الأنبياء من ذرّيّة إبراهيم عليهم السّلام في سورة الأنعام،و أثنى عليهم بكلّ ثناء جميل.(الأنعام:84-90)و ذكره في سورة(ص) فعدّه صابرا و نعم العبد و أوّابا(ص:44).

3-قصّته في الرّوايات.[و بعد نقل روايتي الصّادقين عليهما السّلام قال:]

أقول:و روي عن ابن عبّاس ما يقرب منه،و عن وهب أنّ امرأته كانت بنت ميشا بن يوسف.و الرّواية -كما ترى-تذكر ابتلاءه بما تتنفّر عنه الطّباع.و هناك من الرّوايات ما يؤيّد ذلك،لكن بعض الأخبار المرويّة عن

ص: 525

أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ينفي ذلك و ينكره أشدّ الإنكار.

[و هي رواية الإمام الباقر عليه السّلام المتقدّمة](17:212)

محمّد إسماعيل إبراهيم:أيّوب رسول من ذرّيّة إسحاق بن إبراهيم كان يعيش ببلاد الرّوم،و في رواية أخرى أنّه كان يقيم في بلاد«أدوم»الواقعة في شمال خليج العقبة ببلاد الشّام،و يصوّر لنا القرآن الكريم ابتلاء أيّوب بالضّرّ الّذي أصابه بالأذى في جسده و ماله و أهله،و أنّ الشّيطان وسوس له كثيرا ليفتنه،و ينال من إيمانه بعد أن فقد أولاده و زالت نعمته و تنكّرت له زوجته،و لكنّه كان مثال الصّبر الجميل و الإيمان الرّاسخ المكين،حتّى قال اللّه تبارك و تعالى في حقّه: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:44.

و كان أيّوب قد حلف أنّ يضرب زوجته بعد إبلاله من مرضه لموجدة وجدها في نفسه منها،فلمّا أذن اللّه بشفائه،قال له تعالى: اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ، فلمّا ضرب الأرض برجله تفجّرت العين و اغتسل بمائها و شرب منها فبرئ من سقامه، و قال له تعالى: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ ص:44،أي خذ حزمة من الحشيش عدد عيدانها مائة عود،و اضرب بها زوجتك حتّى تبرّ بقسمك.

ثمّ إنّ اللّه تبارك و تعالى أعاد إليه ما كان ذهب عنه من مال و ولد،فقال تعالى: وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ و هذا هو جزاء الإيمان الخالص و الصّبر الجميل الّذي يأتي معه الفرج دائما.(54)

2- إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسى وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. النّساء:163

الفخر الرّازيّ: ثمّ خصّ بعض النّبيّين بالذّكر لكونهم أفضل من غيرهم،كقوله: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:98.

و اعلم أنّ الأنبياء المذكورين في هذه الآية-سوى موسى عليه السّلام-اثنا عشر،و لم يذكر موسى معهم؛و ذلك لأنّ اليهود قالوا:إن كنت يا محمّد نبيّا فأتنا بكتاب من السّماء دفعة واحدة كما أتى موسى عليه السّلام بالتّوراة دفعة واحدة،فاللّه تعالى أجاب عن هذه الشّبهة بأنّ هؤلاء الأنبياء الاثني عشر كلّهم كانوا أنبياء و رسلا،مع أنّ واحدا منهم ما أتى بكتاب مثل التّوراة دفعة واحدة،و إذا كان المقصود من تعديد هؤلاء الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام هذا المعنى لم يجز ذكر موسى معهم.

(11:108)

أبو حيّان: تقدّم ذكر نسب نوح و إبراهيم و هارون في نسب أخيه موسى،و أمّا أيّوب فذكر الحسين بن أحمد ابن القاضي الفاضل عبد الرّحيم بن عليّ النّيسابوريّ نسبه،فقال:أيّوب بن أموص بن بارح بن تورم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم،و أمّه من ولد لوط بن هارون.(3:397)

البروسويّ: خصّهم بالذّكر مع اشتمال النّبيّين عليهم تشريفا لهم و إظهارا لفضلهم،فإنّ إبراهيم أوّل أولي العزم منهم و عيسى آخرهم،و الباقين أشراف

ص: 526

الأنبياء و مشاهيرهم.(2:322)

الآلوسيّ: ذكروا مع ظهور انتظامهم في سلك النّبيّين تشريفا لهم و إظهارا لفضلهم على ما هو المعروف في ذكر الخاصّ بعد العامّ،في مثل هذا المقام.(6:16)

3- ..وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. الأنعام:84

الطّبريّ: هو أيّوب بن موص بن روح بن عيص ابن إسحاق بن إبراهيم.(7:26)

الطّبرسيّ: هو أيّوب بن موص بن رازج بن روم ابن عيصا بن إسحاق بن إبراهيم.(2:330)

مثله البروسويّ.(3:61)

الفخر الرّازيّ: و المرتبة الثّانية[من المراتب المعتبرة عند جمهور الخلق]البلاء الشّديد و المحنة العظيمة،و قد خصّ اللّه أيّوب بهذه المرتبة و الخاصيّة.

(13:65)

أبو حيّان: قرنهما[أيّوب و يوسف]لاشتراكهما في الامتحان؛أيّوب بالبلاء في جسده و نبذ قومه له، و يوسف بالبلاء بالسّجن و لغربته عن أهله،و في مآلهما بالسّلامة و العافية.و قدّم أيّوب لأنّه أعظم في الامتحان.

(4:173)

4- وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ...

الأنبياء:83

ابن عبّاس: سمّي أيّوب لأنّه آب إلى اللّه تعالى في كلّ حال.(القرطبيّ 11:323)

القرطبيّ:و اختلف في قول أيّوب: مَسَّنِيَ الضُّرُّ خمسة عشر قولا..[فراجع](11:323)

البروسويّ: أي و اذكر خبر أيّوب.و اختلفوا في أسماء نسبه بعد الاتّفاق على الانتهاء إلى روم بن عيص ابن إبراهيم عليه السّلام.

روي أنّ اللّه استنبأ أيّوب و أرسله إلى أهل حرّان، و هي قرية بغوطة دمشق و كثّر أهله و ماله،و كان له سبعة بنين و سبع بنات،و من أصناف البهائم ما لا يحصى.

(5:512)

الآلوسيّ: كان عليه السّلام-على ما أخرج الحاكم من طريق سمرة عن كعب-طويلا جعد الشّعر واسع العينين حسن الخلق قصير العنق عريض الصّدر غليظ السّاقين و السّاعدين،و كان قد اصطفاه اللّه تعالى و بسط عليه الدّنيا،و كثّر أهله و ماله،فكان له سبعة بنين و سبع بنات،و له أصناف البهائم.(17:80)

محمد هادي معرفة: الإسرائيليّات في قصّة أيّوب عليه السّلام

و من القصص الّتي تزيّد فيها المتزيّدون،و استغلّها القصّاصون،و أطلقوا فيها لخيالهم العنان:قصّة سيّدنا أيّوب عليه السّلام،فقد رووا فيها ما عصم اللّه أنبياءه عنه.

و صوّروه بصورة لا يرضاها اللّه لرسول من رسله.

فقد ذكر بعض المفسّرين عند تفسير قوله تعالى:

وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ* اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ* وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّا وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ* وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ

ص: 527

وَ لا تَحْنَثْ*إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ (ص:41-44).ذكر السّيوطيّ في«الدّرّ المنثور» و غيره،عن قتادة رضى اللّه عنه في قوله تعالى: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ... قال:ذهاب الأهل و المال،و الضّرّ الّذي أصابه في جسده،قال:ابتلي سبع سنين و أشهرا،فألقي على كناسة بني إسرائيل،تختلف الدّوابّ في جسده، ففرّج اللّه عنه،و أعظم له الأجر،و أحسن.

قال:و أخرج أحمد في الزّهد،و ابن أبي حاتم،و ابن عساكر عن ابن عبّاس رحمهما اللّه،قال:إنّ الشّيطان عرج إلى السّماء فقال:يا ربّ سلّطني على أيّوب عليه السّلام، قال اللّه:قد سلّطتك على ماله،و ولده،و لم أسلّطك على جسده،فنزل،فجمع جنوده،فقال لهم:قد سلّطت على أيّوب عليه السّلام فأروني سلطانكم،فصاروا نيرانا،ثمّ صاروا ماء،فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب،و بينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق،فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، و طائفة إلى أهله،و طائفة إلى بقره،و طائفة إلى غنمه، و قال:إنّه لا يعتصم منكم إلاّ بالمعروف،فأتوه بالمصائب،بعضها على بعض،فجاء صاحب الزّرع، فقال:يا أيّوب،أ لم تر إلى ربّك،أرسل على زرعك عدوّا،فذهب به.و جاء صاحب الإبل،و قال:أ لم تر إلى ربّك،أرسل على إبلك عدوّا،فذهب بها،ثمّ جاء صاحب البقر،فقال:أ لم تر إلى ربّك أرسل على بقرك عدوّا،فذهب بها.و تفرّد هو ببنيه،جمعهم في بيت أكبرهم،فبينما هم يأكلون و يشربون،إذ هبّت ريح، فأخذت بأركان البيت،فألقته عليهم،فجاء الشّيطان إلى أيّوب بصورة غلام،فقال:يا أيّوب،أ لم تر إلى ربّك جمع بنيك في بيت أكبرهم،فبينما هم يأكلون،و يشربون،إذ هبّت ريح،فأخذت بأركان البيت،فألقته عليهم.فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم و لحومهم بطعامهم، و شرابهم.فقال له أيّوب:أنت الشّيطان،ثمّ قال له:أنا اليوم كيوم ولدتني أمّي،فقام فحلق رأسه،و قام يصلّي، فرنّ إبليس رنّة سمع بها أهل السّماء،و أهل الأرض،ثمّ خرج إلى السّماء،فقال:أي ربّ،إنّه قد اعتصم،فسلّطني عليه،فإنّي لا أستطيعه إلاّ بسلطانك،قال:قد سلّطتك على جسده،و لم أسلّطك على قلبه،فنزل،فنفخ تحت قدمه نفخة،قرح ما بين قدميه إلى قرنه،فصار قرحة واحدة،و ألقي على الرّماد،حتّى بدا حجاب قلبه،فكانت امرأته تسعى إليه،حتّى قالت له:أ ما ترى يا أيّوب قد نزل بي و اللّه من الجهد و الفاقة ما إن بعت قروني برغيف، فأطعمك،فادع اللّه أن يشفيك،و يريحك،قال:ويحك،كنّا في النّعيم سبعين عاما،فاصبري حتّى نكون في الضّرّ سبعين عاما،فكان في البلاء سبع سنين،و دعا،فجاء جبريل عليه السّلام يوما فأخذ بيده،ثمّ قال:قم،فقام،فنحّاه عن مكانه،و قال: اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ فركض برجله،فنبعت عين،فقال:اغتسل، فاغتسل منها،ثمّ جاء أيضا،فقال:أركض برجلك فنبعت عين أخرى،فقال له:اشرب منها،و هو قوله:

اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ، و ألبسه اللّه حلّة من الجنّة.

فتنحّى أيّوب،فجلس في ناحية،و جاءت امرأته، فلم تعرفه،فقالت:يا عبد اللّه،أين المبتلى الّذي كان هنا؟ لعلّ الكلاب ذهبت به،أو الذّئاب،و جعلت تكلّمه

ص: 528

ساعة،فقال:ويحك،أنا أيّوب!!قد ردّ اللّه عليّ جسدي، و ردّ اللّه عليه ماله،و ولده عيانا و مثلهم معهم (1).

قال:و أخرج أحمد في الزّهد،عن عبد الرّحمن بن جبير رضى اللّه عنه،قال:ابتلى أيّوب بماله،و ولده،و جسده،5.

و طرح في المزبلة،فجاءت امرأته تخرج،فتكتسب عليه ما تطعمه،فحسده الشّيطان بذلك،فكان يأتي أصحاب الخير و الغنى،فيقول:اطردوا هذه المرأة الّتي تغشاكم، فإنّها تعالج صاحبها،و تلمسه بيدها،فالنّاس يتقذّرون طعامكم من أجلها،فجعلوا لا يدنونها منهم،و يقولون:

تباعدي و نحن نطعمك،و لا تقربينا.

و قد ذكر ابن جرير،و ابن أبي حاتم الكثير من هذه الرّوايات في تفسيريهما،منها: ما هو موقوف،و بعضها مرفوع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كذلك ذكر ابن جرير،و البغويّ، و غيرهما،عند تفسير قوله تعالى: وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ (الأنبياء:83،84)الكثير من الإسرائيليّات.

فقد رويا قصّة أيّوب و بلائه عن وهب بن منبّه،في بضع صحائف،و قد التبس فيها الحقّ بالباطل،و الصّدق بالكذب (2).

و قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية: «و قد روي عن وهب بن منبّه في خبره-يعني أيّوب-قصّة طويلة،ساقها ابن جرير،و ابن أبي حاتم بالسّند عنه، و ذكرها غير واحد من متأخّري المفسّرين،و فيها غرابة، تركناها لحال الطّول.

و من العجيب أنّ الحافظ ابن كثير وقع فيما وقع فيه غيره في قصّة أيّوب،من ذكر الكثير من الإسرائيليّات، و لم يعقّب عليه (3).

مع أنّ عهدنا به أنّه لا يذكر شيئا من ذلك إلاّ و ينبّه على مصدره،و من أين دخل في الرّواية الإسلاميّة، و لا أظنّ أنّه يرى في هذا أنّه ممّا تباح روايته.

فقد ذكر أنّه يقال:إنّه أصيب بالجذام في سائر بدنه، و لم يبق منه سليم سوى قلبه و لسانه،يذكر بهما اللّه عزّ و جلّ حتّى عافه الجليس،و صار منبوذا في ناحية من البلد،و لم يبق أحد من النّاس يحنو عليه غير زوجته، و تحمّلت في بلائه ما تحمّلت،حتّى صارت تخدم النّاس، بل قد باعت شعرها بسبب ذلك،ثمّ قال:و قد روي،أنّه مكث في البلاء مدّة طويلة،ثمّ اختلفوا في السّبب المهيّج له على هذا الدّعاء،فقال الحسن-يعني البصريّ- و قتادة:ابتلي أيّوب عليه السّلام سبع سنين و أشهرا؛ملقى على كناسة بني إسرائيل،تختلف الدّوابّ في جسده،ففرّج اللّه عنه،و أعظم له الأجر،و أحسن عليه الثّناء.و قال وهب ابن منبّه:مكث في البلاء ثلاث سنين،لا يزيد و لا ينقص.

و قال السّدّيّ:تساقط لحم أيّوب،حتّى لم يبق إلاّ العصب و العظام.ثمّ ذكر قصّة طويلة.

ثمّ ذكر ما رواه ابن أبي حاتم بسنده،عن الزّهريّ، عن أنس بن مالك:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:

«إنّ نبيّ اللّه أيّوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة،

ص: 529


1- الدّرّ المنثور 5:315.
2- البغويّ 3:256.
3- ابن كثير 3:188.

فرفضه القريب و البعيد،إلاّ رجلين من اخوانه،كانا من أخصّ إخوانه له،كانا يغدوان إليه و يروحان،فقال أحدهما لصاحبه:تعلم-و اللّه-لقد أذنب أيّوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين،فقال له صاحبه:و ما ذاك؟قال:

منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه اللّه،فيكشف ما به.فلمّا راحا إليه لم يصبر الرّجل حتّى ذكر ذلك له،فقال أيّوب عليه السّلام:ما أدري ما تقول،غير أنّ اللّه عزّ و جلّ يعلم أنّي كنت أمرّ على الرّجلين يتنازعان،فيذكران اللّه، فأرجع إلى بيتي،فأكفّر عنهما كراهيّة أن يذكرا اللّه إلاّ في حقّ.قال:و كان يخرج في حاجته،فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده،حتّى يبلغ،فلمّا كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى اللّه إلى أيّوب في مكانه:أن اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ.

و قال ابن كثير: رفع هذا الحديث غريب جدّا (1).

و قال الحافظ ابن حجر: و أصحّ ما ورد في قصّته ما أخرجه ابن أبي حاتم و ابن جرير،و صحّحه ابن حبّان و الحاكم،بسند عن أنس:أنّ أيّوب...ثمّ ذكر مثل ذلك.

و المحقّقون من العلماء على أنّ نسبة هذا إلى المعصوم صلّى اللّه عليه و آله إمّا من عمل بعض الوضّاعين الّذين يركّبون الأسانيد للمتون،أو من غلط بعض الرّواة،و أنّ ذلك من إسرائيليّات بني إسرائيل و افتراءاتهم على الأنبياء.على أنّ صحّة السّند في مصطلحهم لا تنافي أنّ أصله من الإسرائيليّات،و ابن حجر على مكانته في الحديث ربّما يوافق على تصحيح ما يخالف الأدلّة العقليّة و النّقليّة،كما فعل في قصّة الغرانيق،و هاروت و ماروت، و كلّ ما روي موقوفا أو مرفوعا لا يخرج عمّا ذكره وهب ابن منبّه في قصّة أيّوب،الّتي أشرنا إليها آنفا،و ما روي عن ابن إسحاق أيضا،فهو ممّا أخذ عن وهب،و غيره.

و هذا يدلّ أعظم الدّلالة على أنّ معظم ما روي في قصّة أيّوب ممّا أخذ عن أهل الكتاب الّذين أسلموا، و جاء القصّاصون المولعون بالغرائب،فزادوا في قصّة أيّوب،و أذاعوها،حتّى اتّخذ منها الشّحّاذون، و المتسوّلون وسيلة لاسترقاق قلوب النّاس،و استدرار العطف عليهم.

الحقّ في هذه القصّة:

اشارة

و قد دلّ كتاب اللّه الصّادق،على لسان نبيّه محمّد الصّادق،على أنّ اللّه تبارك و تعالى ابتلى نبيّه أيّوب عليه السّلام في جسده،و أهله،و ماله،و أنّه صبر حتّى صار مضرب الأمثال في ذلك،و قد أثنى اللّه عليه هذا الثّناء المستطاب، قال عزّ شأنه: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ، فالبلاء ممّا لا يجوز أن يشكّ فيه أبدا،و الواجب على المسلم أن يقف عند كتاب اللّه،و لا يتزيّد في القصّة كما تزيّد زنادقة أهل الكتاب،و ألصقوا بالأنبياء ما لا يليق بهم،و ليس هذا بعجيب من بني إسرائيل الّذين لم يتجرّءوا على أنبياء اللّه و رسله فحسب،بل تجرّءوا على اللّه تبارك و تعالى و نالوا منه،و فحشوا عليه، و نسبوا إليه ما قامت الأدلّة العقليّة و النّقليّة المتواترة على استحالته عليه سبحانه و تعالى من قولهم: إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران:181،و قولهم: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا المائدة:64،

ص: 530


1- ابن كثير 3:189.

عليهم لعنة اللّه.

و الّذي يجب أن نعتقده أنّه ابتلي،و لكن بلاءه لم يصل إلى حدّ هذه الأكاذيب،من أنّه أصيب بالجذام، و أنّ جسمه أصبح قرحة،و أنّه ألقي على كناسة بني إسرائيل،يرعى في جسده الدّود،و تعبث به دوابّ بني إسرائيل،أو أنّه أصيب بمرض الجدريّ.

و أيّوب عليه السّلام أكرم على اللّه من أن يلقى على مزبلة، و أن يصاب بمرض ينفر النّاس من دعوته،و يقزّزهم منه، و أيّ فائدة تحصل من الرّسالة،و هو على هذه الحال المزرية،الّتي لا يرضاها اللّه لأنبيائه و رسله؟

و الأنبياء إنّما يبعثون من أوساط قومهم (1)،فأين كانت عشيرته فتواريه،و تطعمه؟بدل أن تخدم امرأته النّاس،بل و تبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه.

بل أين كان أتباعه،و المؤمنون منه،فهل تخلّوا عنه في بلائه؟و كيف و الإيمان ينافي ذلك؟

الحقّ أنّ نسج القصّة مهلهل،لا يثبت أمام النّقد، و لا يؤيّده عقل سليم،و لا نقل صحيح،و أنّ ما أصيب به أيّوب من المرض إنّما كان من النّوع غير المنفّر،و المقزّز، و أنّه من الأمراض الّتي لا يظهر أثرها على البشرة، كالرّوماتيزم،و أمراض المفاصل،و العظام و نحوها.و يؤيّد ذلك أنّ اللّه لمّا أمره أن يضرب الأرض بقدمه،فضرب فنبعت عين،فاغتسل منها و شرب،فبرأ بإذن اللّه.

قال العلاّمة الطّبرسيّ:قال أهل التّحقيق:إنّه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره النّاس عليها،لأنّ في ذلك تنفيرا.فأمّا المرض و الفقر و ذهاب الأهل،فيجوز أن يمتحنه اللّه بذلك.(التّفسير و المفسّرون 2:279-286)

مكارم الشّيرازيّ: حياة أيّوب المليئة بالحوادث و العبر.

الآيات السّابقة تحدّثت عن سليمان عليه السّلام و عن القدرة الّتي منحها إيّاه البارئ عزّ و جلّ،و الّتي كانت بمثابة البشرى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لمسلمي مكّة الّذين كانوا يعيشون تحت ضغوط صعبة.

آيات بحثنا هذه تتحدّث عن أيّوب الّذي كان أنموذجا حيّا للصّبر و الاستقامة،و ذلك لتعطي درسا لمسلمي ذلك اليوم و يومنا الحاضر و غدا،درسا في مقاومة مشاكل و صعاب الحياة،و لتدعوهم إلى الاتّحاد و التّعاون،كما وضّحت العاقبة المحمودة للصّبر و الصّابرين.

و أيّوب هو ثالث نبيّ من أنبياء اللّه،تستعرض هذه السّورة(سورة ص)جوانب من حياته،و هي بذلك تدعو رسولنا الأكرم صلّى اللّه عليه و آله إلى التّدبّر في هذه القصّة.

و تكرار سردها على المسلمين،كي يصبروا على المشاكل الصّعبة الّتي كانت تواجههم،لكي لا ييأسوا من لطف اللّه و رحمته.

اسم أيّوب أو قصّته ورد في عدّة سور من سور القرآن المجيد،منها الآية:163 في سورة النّساء،و الآية:

84 في سورة الأنعام،الّتي ذكرت اسمه في قائمة أنبياء اللّه الآخرين،و بيّنت و أثبتت مقام نبوّته،بخلاف كتاب التّوراة الحالي الّذي لم يعتبره من الأنبياء،و إنّما اعتبره أحد عباد اللّه المحسنين و الأثرياء و ذا عيال كثيرين.

كما أنّ الآيات 83 و 84،في سورة الأنبياء

ص: 531


1- من خيارهم و أكرمهم نسبا و عشيرة.

استعرضت بصورة مختصرة جوانب من حياة أيّوب عليه السّلام.أمّا آيات بحثنا هذه فإنّها تستعرض حياته بصورة مفصّلة أكثر من أيّ سورة أخرى،من خلال أربع آيات:

فالأولى تقول: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُة.

أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ص:41،(نصب) على وزن«عسر»و(نصب)على وزن«حسد»و كلاهما بمعنى البلاء و الشّرّ.

هذه الآية تبيّن أوّلا:علوّ مقام أيّوب عند البارئ عزّ و جلّ،و ذلك من خلال كلمة(عبدنا).و ثانيا:فإنّها تشير بصورة خفيّة إلى الابتلاءات الشّديدة الّتي لا يمكن تحمّلها،و إلى الألم و العذاب الّذي مسّ أيّوب عليه السّلام.

و بالطّبع فالقرآن الكريم لا يتضمّن شرحا مفصّلا لما جرى على أيّوب عليه السّلام،و إنّما نقرأ في كتب الحديث المعروفة و التّفاسير تفاصيل هذه القصّة.

ففي تفسير«نور الثّقلين»نقرأ أنّ أبا بصير سأل الإمام الصّادق عن بليّة أيّوب الّتي ابتلي بها في الدّنيا لأيّ علّة كانت؟-لعلّ السّائل كان يظنّ أنّ أيّوب ابتلي بما ابتلي به لمعصية ارتكبها-فأجاب عليه السّلام بقوله:«لنعمة أنعم اللّه عزّ و جلّ عليه بها في الدّنيا و أدّى شكرها،و كان في ذلك الزّمان لا يحجب إبليس دون العرش،فلمّا صعد و رأى شكر نعمة أيّوب عليه السّلام حسده إبليس،فقال:

يا ربّ،إنّ أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النّعمة إلاّ بما أعطيته من الدّنيا،و لو حرمته دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة أبدا،فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لم يؤدّ إليك شكر نعمة أبدا».

و لكي يوضّح البارئ عزّ و جلّ إخلاص أيّوب للجميع،و يجعله نموذجا حيّا للعالمين،حتّى يشكروه حين النّعمة و يصبروا حين البلاء،سمح البارئ عزّ و جلّ للشّيطان في أن يتسلّط على دنيا أيّوب.

فقال له البارئ عزّ و جلّ:قد سلّطتك على ماله و ولده،قال:فانحدر إبليس فلم يبق له مالا و لا ولدا إلاّ أعطبه-أي أهلكه-فازداد أيّوب للّه شكرا و حمدا.قال:

فسلّطني على زرعه يا ربّ،قال:قد فعلت،فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق،فازداد أيّوب للّه شكرا و حمدا،فقال:يا ربّ سلّطني على غنمه،فسلّطه على غنمه فأهلكها،فازداد أيّوب للّه شكرا و حمدا،فقال:

يا ربّ سلّطني على بدنه،فسلّطه على بدنه ما خلا عقله و عينيه،فنفخ فيه إبليس،فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه،فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد اللّه و يشكره.

و لكن وقعت حادثة كسرت قلبه و جرحت روحه جرحا عميقا،و ذلك عند ما زارته مجموعة من رهبان بني إسرائيل و قالوا له:يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ اللّه كان يهلكنا إذا سألناه،و ما نرى ابتلاك بهذا الابتلاء الّذي لم يبتل به أحد إلاّ من أمر كنت تستره؟فقال أيّوب عليه السّلام و عزّة ربّي لم أرتكب أيّ ذنب،و ما أكلت طعاما إلاّ و يتيم أو ضعيف يأكل معي.

حقّا إنّ شماتة أصحابه كانت أكثر ألما عليه من أيّة مصيبة أخرى حلّت به،و رغم هذا لم يفقد أيّوب صبره، و لم يلوّث شكره الصّافي-كالماء الزّلال-بالكفر،و إنّما توجّه إلى البارئ عزّ و جلّ،و ذكر العبارة الّتي ذكرناها آنفا،أي قوله تعالى: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ

ص: 532

وَ عَذابٍ ص:41.

و لكونه خرج من الامتحان الإلهيّ بنتيجة جيّدة، فتح البارئ عزّ و جلّ مرّة أخرى أبواب رحمته على عبده الصّابر المتحمّل أيّوب،و أعاد عليه النّعم الّتي افتقدها الواحدة تلو الأخرى،لا بل أكثر ممّا كان يمتلك من المال و الزّرع و الغنم و الأولاد؛و ذلك كي يفهم الجميع ما هي العاقبة الحسنة للصّبر و التّحمّل و الشّكر (1).

بعض كبار المفسّرين احتملوا أنّ الوساوس الّتي وسوس بها الشّيطان في قلب أيّوب،هي المقصودة من أذى و عذاب الشّيطان لأيّوب؛إذ كان يقول له أحيانا:

لقد طالت فترة مرضك،و يبدو أنّ ربّك قد نسيك! و أحيانا كان يقول له:ما زلت تشكر اللّه،رغم أنّه أخذ منك النّعم العظيمة و السّلامة و القوّة و القدرة!

يحتمل أنّهم ذكروا هذا التّفسير لكونهم يستبعدون إمكانيّة تسلّط الشّيطان على الأنبياء كأيّوب،و لكن مع الانتباه إلى أنّ هذه السّلطة أوّلا:كانت بأمر من اللّه، و ثانيا:محدودة و مؤقّتة،و ثالثا:لامتحان هذا النّبيّ الكبير و رفع شأنه،فلا إشكال في ذلك.

على أيّة حال،قيل:إنّ فترة ألمه و عذابه و مرضه كانت سبع سنين،و في رواية أخرى قيل:إنّها كانت (18)سنة،و حالته وصلت إلى حدّ بحيث تركه أصحابه و حتّى أقرب المقرّبين إليه،عدا زوجته الّتي صمدت معه و أظهرت وفاءها له.و هذا شاهد على وفاء بعض الزّوجات.

و أشدّ ما آذى و آلم روح أيّوب عليه السّلام من بين ذلك الأذى و العذاب الّذي مرّ به،هو:شماتة أعدائه،لذا فقد جاء في إحدى الرّوايات أنّ أيّوب عليه السّلام سئل بعد ما عافاه اللّه:أيّ شيء كان أشدّ عليك ممّا مرّ؟فقال:شماتة الأعداء.

في النّهاية خرج أيّوب عليه السّلام سالما من بودقة الامتحان الإلهيّ.و أمر نزول الرّحمة الإلهيّة عليه يبدأ من هنا؛إذ صدر إليه الأمر: اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ ص:42،(اركض)مشتقّة من«ركض» الّتي هي على وزن«مكث»و تعني دكّ الأرض بالرّجل، و أحيانا تأتي بمعنى الرّكض،و هنا تعطي المعنى الأوّل.

فاللّه الّذي فجّر عين زمزم في صحراء يابسة و حارقة،تحت أقدام الطّفل الرّضيع إسماعيل،هو الّذي يمنح الحركة و السّكون و النّعمة و الخير،و الّذي أصدر أمرا بتفجّر عين باردة لأيّوب ليشرب منها و يغتسل بمائها للشّفاء من كافّة الأمراض الّتي أصابته.

و البعض يعتقد أنّ تلك العين نبع منها ماء معدنيّ صالح للشّرب،و فيه شفاء لكلّ الأمراض.و مهما كان فإنّه لطف اللّه و رحمته النّازلة على نبيّه الصّابر المقاوم أيّوب عليه السّلام.

(مغتسل)يعني الماء الّذي يغسل به،و البعض الآخر يقول:إنّها تعني محل الغسل،لكنّ المعنى الأوّل أصحّ.

و على أيّة حال فإنّ وصف ذلك الماء بالبارد،يمكن أن يكون إشارة إلى التّأثيرات الخاصّة الّتي يتركها الماء البارد على سلامة الجسم؛و ذلك ما أثبته الطّبّ الحديث

ص: 533


1- هذه الرّواية وردت في تفسير«نور الثّقلين»نقلا عن «تفسير عليّ بن إبراهيم»،و نفس المضمون ورد في «تفسير القرطبي»و«الفخر الرّازيّ»و«الصّافي» و غيرها،مع اختلاف بسيط.

اليوم،إضافة إلى أنّه إشارة لطيفة إلى أنّ كمال ماء الغسل يتمّ إن كان طاهرا و نظيفا كماء الشّرب.و الشّاهد على هذا الحديث،ما جاء في القواعد الإسلاميّة؛إذ تقول:

بشرب جرعة من الماء قبل الاستحمام به (1).3.

النّعمة المهمّة الأولى الّتي أعيدت على أيّوب،هي العافية و الشّفاء و السّلامة.أمّا بقيّة النّعم الّتي أعيدت عليه،فاستعرضها القرآن المجيد: وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّا وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ص:

43.

و عن كيفيّة عودة عائلته إليه؟وردت تفاسير متعدّدة،أشهرها يقول:إنّهم كانوا أمواتا فأحياهم اللّه مرّة أخرى.و لكنّ البعض قال:إنّهم كانوا قد تفرّقوا عنه أيّام ابتلائه بالمرض،فجمعهم اللّه إليه بعد برئه.

و يحتمل أنّ جميعهم أو بعضهم ابتلي بمختلف أنواع الأمراض،و قد شملتهم الرّحمة الإلهيّة و عادت إليهم صحّتهم و عافيتهم،ليجتمعوا مرّة أخرى حول أيّوب، و يكونوا كالشّمعة الّتي يحيط بها نورها.

أمّا قوله تعالى: وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فإنّها إشارة إلى تناسلهم و زيادة عددهم إلى الضّعف،و بهذا ازداد عدد أبناء أيّوب إلى الضّعف.

رغم أنّ الآيات لا تتطرّق إلى إعادة أموال أيّوب إليه،و لكنّ الدّلائل كلّها تبيّن أنّ البارئ عزّ و جلّ أعاد إليه أمواله أكثر من السّابق.

الّذي يلفت النّظر في آخر الآية-المذكورة أعلاه- أنّ هدف إعادة النّعم الإلهيّة على أيّوب تحدّد بأمرين:

الأوّل: (رَحْمَةً مِنّا) و الّتي كان لها صبغة فرديّة،و في الحقيقة إنّها مكافأة و جائزة من البارئ عزّ و جلّ لعبده الصّابر المقاوم أيّوب.

و الثّاني:إعطاء درس لكلّ أصحاب العقول و الفكر على طول التّأريخ،لأخذ العبر من أيّوب،كي لا يفقدوا صبرهم و تحمّلهم عند تعرّضهم للمشاكل و الحوادث الصّعبة،و أن لا ييأسوا من رحمة اللّه،و إنّما يزيدوا من أملهم و تعلّقهم به.

المشكلة الوحيدة الّتي بقيت لأيّوب عليه السّلام،هي:

قسمه بضرب زوجته؛إذ كان قد أقسم أيّام مرضه،لئن برئ من مرضه ليجلدنّ امرأته مائة جلدة،لأمر أنكره عليها.و لكن بعد ما برئ من مرضه رغب أيّوب في العفو عنها،احتراما و تقديرا لوفائها،و لخدماتها الّتي قدّمتها إليه أيّام مرضه،و لكن مسألة القسم باللّه كانت تحول دون ذلك.

و هنا شمل البارئ عزّ و جلّ أيّوب عليه السّلام مرّة أخرى بألطافه و رحمته،و ذلك عند ما أوجد حلاّ لهذه المشكلة المستعصية على أيّوب: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ ص:44،(ضغث)تعني ملء الكفّ من الأعواد الرّقيقة،كسيقان الحنطة و الشّعير أو الورد و ما شابهها.

و عن الأمر الّذي أنكرته زوجة أيّوب على زوجها و الّتي تدعى(ليّا)بنت يعقوب،فقد اختلف المفسّرون في تفسيره:

فقد نقل عن ابن عبّاس: إنّ الشّيطان ظهر بصورته

ص: 534


1- وسائل الشّيعة المجلّد الأوّل الباب الثّالث عشر من أبواب آداب الحمّام الحديث:13.

الطّبيعيّة لزوجة أيّوب،و قال لها:إنّي أعالج زوجك بشرط أن تقولي حينما يتعافى:إنّي الوحيد الّذي كنت السّبب في معافاته،و لا أريد أيّ أجرة على معالجته...الزّوجة الّتي كانت متألّمة و متأثّرة بشدّة لاستمرار مرض زوجها وافقت على الاقتراح، و عرضته على زوجها أيّوب فيما بعد،فتأثّر أيّوب كثيرا لوقوع زوجته في شرك الشّيطان،و حلف أن يعاقب زوجته.

و قال البعض: إنّ أيّوب بعث زوجته لمتابعة عمل ما،فتأخّرت في العودة إليه،فتأثّر أيّوب الّذي كان يعاني من آلام المرض،و حلف آن يعاقب زوجته.

على أيّة حال فإنّ زوجته كانت تستحقّ الجزاء من هذا الجانب،أمّا من جانب وفائها و خدمتها أيّوب طوال فترة مرضه،فإنّه يجعلها تستحقّ العفو أيضا.

حقّا إنّ ضربها بمجموعة من سيقان الحنطة أو الشّعير لا تعطي مصداقا واقعيّا لحلفه،و لكنّه نفّذ هذا الأمر لحفظ احترام اسم اللّه،و الحيلولة دون إشاعة مسألة انتهاك القوانين.و هذا الأمر ينفّذ فقط بشأن الطّرف الّذي يستحقّ العفو،و في الموارد الأخرى الّتي لا تستحقّ العفو لا يجوز لأحد القيام بمثل هذا العمل (1).

الآية الأخيرة في بحثنا هذا-الّتي هي بمثابة عصارة القصّة من أوّلها حتّى آخرها-تقول: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:44.

و من الواضح أنّ دعاء أيّوب البارئ عزّ و جلّ، و طلبه دفع الوساوس الشّيطانيّة عنه،و رفع البلاء و المرض عنه،كلّ هذه لا تتنافى مع مقام صبره و تحمّله، ذلك الصّبر و التّحمّل-الّذي استمرّ لمدّة سبع سنين،و في روايات أخرى لمدّة ثمانية عشر عاما-للأوجاع و الأمراض،و الفقر و العسر،و استمرار الشّكر.

الّذي يلفت النّظر في هذه الآية أنّها أعطت ثلاثة أوصاف لأيّوب،كلّ واحد منها إن توفّر في أيّ إنسان فهو إنسان كامل.

أوّلا:مقام عبوديّته.

ثانيا:صبره و تحمّله و ثباته.

ثالثا:إنابته المتكرّرة إلى اللّه.

ملاحظات:
1-دروس مهمّة في قصّة أيّوب

رغم أنّ قصّة هذا النّبيّ الصّابر أدرجت في أربع آيات في هذه السّورة،إلاّ أنّها وضّحت حقائق مهمّة، منها:

أ-الامتحان الإلهيّ واسع و كبير جدّا،و يشمل حتّى الأنبياء الكبار؛إذ يكون امتحانهم أشدّ و أصعب من الآخرين،لأنّ طبيعة الحياة في هذه الدّنيا بنيت على هذا الأساس.و من دون هذا الامتحان،فإنّ الإمكانيّات و الطّاقات الكامنة في الإنسان لا تتفجّر.

ب-الفرج بعد الشّدّة نقطة أخرى تكمن في مجريات هذه القصّة،فعند ما تشتدّ أمواج الحوادث و البلاء على الإنسان و تحيط به من كلّ جانب،عليه أن لا ييأس و يفقد الأمل،و إنّما عليه أن يدرك أنّها بداية تفتح

ص: 535


1- نظير هذا المعنى ورد في باب الحدود الإسلاميّة و تنفيذها بحقّ المرضى المذنبين(كتاب الحدود أبواب حدّ الزّنى).

أبواب الرّحمة الإلهيّة عليه،كما يقول أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام:«عند تناهي الشّدّة تكون الفرجة، و عند تضايق حلق البلاء يكون الرّخاء» (1).

ج-مجريات هذه القصّة توضّح بصورة جيّدة بعض فلسفات البلاء و الحوادث الصّعبة في الحياة،و تجيب على أولئك الّذين يعتبرون وجود الآفات و البلايا مادّة متناقضة ضدّ برهان النّظم في بحوث التّوحيد،و إنّ وجود مثل هذه الحوادث الصّعبة و الشّديدة في حياة الإنسان- من أنبياء اللّه الكبار و حتّى عموم النّاس-يعدّ أمرا ضروريّا،لأنّ الامتحان-كما ذكرنا-يفجّر طاقات الإنسان الكامنة،و يوصله في آخر الأمر إلى التّكامل في وجوده.

لذا فقد ورد في الرّوايات الإسلاميّة عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«إنّ أشدّ النّاس بلاء الأنبياء،ثمّ الّذين يلونهم،الأمثل فالأمثل» (2).كما ورد عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلاّ بالابتلاء» (3).

د-أحداث هذه القصّة تعطي درسا في الصّبر لكلّ المؤمنين الواقعيّين الرّساليّين،الصّبر و التّحمّل الّذي يعقبه الظّفر و الانتصار في كلّ المجالات،و نيل المقام المحمود،و المنزلة الرّفيعة عند البارئ عزّ و جلّ.

ه-أحيانا يكون امتحان شخص ما،هو امتحان في نفس الوقت لأصدقائه و للمحيطين به،كي يعرف حجم صداقتهم و محبّتهم إيّاه،و مقدار وفائهم له.فعند ما فقد أيّوب أمواله و ثرواته و صحّته تفرّق عنه أصحابه،و لم يكتفوا بالابتعاد عنه،و إنّما اتّحدت ألسنتهم مع ألسنة أعدائه في الشّماتة به و إلقاء اللاّئمة عليه،و كشفوا بفعلتهم هذه عن حقيقة أنفسهم.و كما لاحظنا فإنّ أيّوب كان يتألّم من جراح ألسنتهم أكثر من تألّمه من بقيّة الآلام، لأنّ المثل المعروف يقول ما معناه:جراح الكلام ليس لها التئام.

و-أحبّاء اللّه ليسوا أولئك الّذين يذكرون اللّه إن أنعم عليهم،و إنّما أحبّاء اللّه الواقعيّون هم أولئك الّذين يذكرون اللّه دائما في السّرّاء و الضّرّاء،و في البلاء و النّعمة،و في المرض و العافية،و في الفقر و الغنى،و إنّ تأثيرات الحياة المادّيّة لا تترك على إيمانهم و أفكارهم أدنى أثر.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته الخاصّة بوصف المتّقين الّتي بيّنها لصاحبه المخلص همّام،و استعرض فيها أكثر من(100)صفة للمتّقين،قال في إحدى تلك الصّفات:«نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالّتي نزلت في الرّخاء».

ز-هذه القصّة أكّدت مرّة أخرى حقيقة أنّ فقدان الإمكانات المادّيّة،و نزول المصائب،و حلول المشاكل و الفقر،لا تعني عدم شمول الإنسان بلطف البارئ عزّ و جلّ،كما أنّ امتلاك الإمكانات المادّيّة ليس دليلا على بعد الإنسان عن اللّه سبحانه و تعالى.و إنّما يمكن أن يكون الإنسان عبدا مقرّبا للّه مع امتلاكه للكثير من الإمكانات المادّيّة،بشرط أن لا يكون عبدا لأمواله

ص: 536


1- نهج البلاغة،قصار الكلمات،الكلمة 351.
2- سفينة البحار مادّة(بلاء)المجلّد الأوّل الصّفحة 105.
3- سفينة البحار مادّة(بلاء)المجلّد الأوّل الصّفحة 105.

و أولاده و مقامه الدّنيويّ،و إن فقدها لا يفقد الصّبر معها.

2-أيّوب عليه السّلام في القرآن و التّوراة

رغم أنّ البارئ عزّ و جلّ أشاد بالوجه الطّاهر لهذا النّبيّ الكبير،الّذي هو مظهر الصّبر و التّحمّل،في قرآنه المجيد،في أوّل القصّة الخاصّة به و في آخرها.فإنّ قصّة هذا النّبيّ الكبير-ممّا يؤسف له-لم تحفظ من أيدي الجهلة و الأعداء؛حيث دسّوا فيها خرافات تافهة لا تليق بمقامه المحمود المنزّه عنها و المطهّر منها،و من تلك الخرافات القول:بأنّ الدّود غطّى بدنه أثناء فترة مرضه، و تعفّن جسده؛بحيث أنّ أهل قريته ضاقوا به ذرعا، و أخرجوه من قريتهم.

و دون أدنى شكّ،فإنّ مثل هذه الرّوايات مزيّفة رغم ورودها في طيّات كتب الحديث،لأنّ رسالة الأنبياء تفرض أن يكون النّبيّ المرسل-في أيّ زمان- بعيدا عن مثل تلك التّقوّلات،كي ينجذب إليه النّاس برغبة و شوق،و أن لا تتوفّر فيه أشياء تكون سببا لتنفّرهم فيه و ابتعادهم عنه،كالأمراض و العيوب الجسديّة و الأخلاق السّيّئة،لأنّها تتناقض مع فلسفة الرّسالة.فالقرآن المجيد يقول بشأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الآية:159،من سورة آل عمران: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.

و هذه الآية دليل على أنّ النّبيّ يجب أن لا يكون بحالة تجعل المحيطين به يتفرّقون عنه.و لكن ورد في التّوراة جزء خاصّ بأيّوب و قبل موضوع«مزامير داود»و هذا الجزء يشتمل على(42)فصلا،كلّ فصل يشرح مواضيع مختلفة.و قد وردت في بعض الفصول مواضيع سيّئة و قبيحة،و منها ما ورد في الفصل الثّالث، و الّذي يقول:إنّ أيّوب كان كثير الشّكوى في حين أنّ القرآن الكريم كان يعظّم و يشيد بمقام صبره و تحمّله.

3-إطلاق صفة(أوّاب)على الأنبياء الكبار

ثلاثة أنبياء كبار أطلقت عليهم صفة(أوّاب)في هذه السّورة،و هم:داود و سليمان و أيّوب،و في سورة(ق)في الآية:32،أطلق هذا الوصف على كلّ أهل الجنّة،قوله تعالى: هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ.

هذه العبارات تبيّن أنّ مقامه في المقام الأعلى، و عند ما نرجع إلى مصادر اللّغة نشاهد أنّ كلمة(أوّاب) مشتقّة من كلمة«أوب»و تعني الرّجوع و العودة.

و إنّ هذا الرّجوع و العودة-خاصّة و أنّ كلمة (أوّاب)هي اسم مبالغة تعني كثرة الرّجوع و تكراره- يشير إلى أنّ الأوّابين حسّاسون جدّا تجاه الأسباب و العوامل الّتي تبعدهم عن اللّه،كالرّزق و بريق الزّخارف الدّنيويّة في أعينهم،و وساوس النّفس و الشّيطان،و إن ابتعدوا لحظة واحدة عن اللّه عادوا إليه بسرعة،و إن غفلوا عنه لحظة تذكّروه إلى إصلاح تلك اللّحظة من الغفلة.

هذه العودة يمكن أن تكون بمعنى العودة إلى طاعة أوامر اللّه و اجتناب نواهيه،أي أنّ أوامره هي مرجعهم و سندهم أينما كانوا.

و كلمة(أوّاب)الّتي جاءت في الآية العاشرة من سورة سبأ: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ و الخاصّة بداود-أيضا-تعطي معنى آخر،و هو ترديد الصّوت؛إذ

ص: 537

إنّ الأوامر صدرت إلى الجبال و الطّيور أن ردّدي الصّوت مع داود،و لهذا فإنّ(أوّاب)تعني كلّ من يردّد الأوامر الإلهيّة و التّسبيح و الحمد الّذي تردّده كلّ موجودات الكون،حسب قوانين الخلقة،و ممّا يذكر أنّ أحد معاني كلمة(أيّوب)هي(أوّاب).(الأمثل 14:469)

الأصول اللّغويّة

1-قال علماء العربيّة فيه:هو عربيّ مشتقّ من الأوب،أي الرّجوع،لأنّه كان يئوب إلى اللّه في كلّ أحواله،فهو أوّاب و رجّاع.و أصله:«أيووب»على وزن «فيعول»فاجتمعت الياء و الواو و سبقت إحداهما بالسّكون،فأدغمت الواو في الياء فصار«أيّوب».

و قالوا أيضا:هو اسم أعجميّ.و قال علماء العبريّة:

هو عبريّ،و معناه الرّاجع (1)،أو التّائب (2).

2-و إن سلّمنا بأنّه عربيّ-كما قيل-فلما ذا منع من الصّرف؟

و لم يمنعه من الصّرف سوى العجمة و التّعريف؛فهو اسم عبريّ،أصله«إيّوب» (3)بكسر الهمزة ثمّ فتحت همزته،لإلحاقه بوزن الألفاظ العربيّة الّتي جاءت على وزن«فيعول»مثل:كيسوم و خيطوب و بيقور و قيعور، و هي أسماء مواضع (4).

3-و اختلف في العصر الّذي عاش فيه أيّوب، فيرى بعض أنّه كان قبل إبراهيم عليه السّلام،و بعض يرى كونه بعده.و هذا الاختلاف ناشئ عن جهلهم بأيّوب نفسه، فذهب معظمهم إلى أنّه من أحفاد إبراهيم،فقالوا:هو أيّوب بن زارح بن رعوئيل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم.

و اختلفوا في أبيه،فقالوا:هو موص بن زارح، أو موص بن رعوئيل،أو زارح بن موص.

4-و ممّا يؤيّد صحّة الرّأي الأخير ما جاء في العهد القديم حول ذهاب ماله:«الكلدانيّون عيّنوا ثلاث فرق فهجموا على الجمال و أخذوها و ضربوا الغلمان بحدّ السّيف (5).إذ يستفاد من ذلك أنّ أيّوب كان يعيش في عصر الكلدانيّين الّذين حكموا بابل خلال الألف الأوّل قبل الميلاد،أي بعد عصر إبراهيم بما يقرب من ألف عام.

و إن أخذنا بسلسلة النّسب المذكورة،فإنّ مجموع أعمار آباء أيّوب المذكورين فيها تقدّر بالفاصلة الزّمنيّة بين عصر إبراهيم و عصر أيّوب.

و لكن هذه السّلسلة لا تعود إلى أيّوب،و إنّما تعود إلى شخص آخر مذكور في التّوراة يدعى«يوباب»و هو ابن زارح حفيد العيص (6)،إلاّ أن يكون«يوباب»هو أيّوب نفسه،كما قال اليعقوبيّ (7).و سنعلم أنّ السّياق القرآنيّ يوافق الرّأي الأخير،حيث يذكره في عداد أنبياء بني إسرائيل.

الاستعمال القرآنيّ

ص: 538


1- قاموس الكتاب المقدّس-هاكس(146).
2- تاريخ اللّغات السّاميّة-إسرائيل و لفنسون(90).
3- الكنز-محمّد بدر(130).
4- جمهرة اللّغة-ابن دريد(3:388).
5- أيّوب(1:17).
6- التّكوين(36:33).
7- تاريخ اليعقوبيّ(1:206).

1-جاء أيّوب في أربع آيات،منها واحدة فقط مدنيّة،و هي ما جاءت في سورة النّساء:

1- وَ وَهَبْنا لَهُ -أي لإبراهيم- إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ* وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ. الأنعام:84-86

2- إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسى وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. النّساء:163

3- وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ. الأنبياء:83،84

4- وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ* اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ* وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّا وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ* وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ

ص:41-44

و يلاحظ أوّلا:أنّ أيّوب ذكر في«الأنعام» و«النّساء»في عداد إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و جملة من أنبياء بني إسرائيل،كما أنّ كثيرا منهم ذكروا في«الأنبياء»و«ص»أيضا في آيات قبله أو بعده.و هذا السّياق الواحد يشهد بأنّ أيّوب كان من بني إسرائيل، و إن كانت لا تفصح عن طبقته بين هؤلاء الأنبياء و عن عصره.

على أنّه جاء في«الأنعام»بعد ذكر إبراهيم و إسحاق و يعقوب: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ... أي من ذرّيّة إبراهيم أو يعقوب.و هذا صريح في أنّه من ذرّيّة إبراهيم و ظاهر في كونه من بني إسرائيل،و أنّه كان بعد سليمان و قبل يوسف إن افترضنا أنّهم ذكروا في القرآن بحسب توالي زمانهم.و لكنّه مرفوض لأنّه ذكر في«النّساء»بعد عيسى و قبل يونس و هارون و سليمان.

و قد تقدّم في النّصوص عن أبي حيّان وجه لطيف لذكره مع يوسف و تقدّمه عليه،فلاحظ.كما أنّه ذكر لوط في«الأنعام»بعد هؤلاء كلّهم،و هو معاصر لإبراهيم قطعا،و ابن أخته،كما قيل.

و ثانيا:أنّه جاء ذكره في«الأنبياء»و«ص»المكّيّتين في سياق واحد هو شدّة ابتلائه و التجائه إلى اللّه،و رفع البلاء عنه و إعادة أهله و نعمه عليه.و في«ص»تفصيل لقصّة أيّوب،ليس في غيرها،و هو ركض الرّجل.

و المغتسل،و الشّراب،و أخذ الضّغث و غيرها،و في آخر القصّة: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ و هذا ما جعله أنموذجا للصّبر و التّصبّر في البأساء و الضّرّاء، يضرب به المثل.

و حال أيّوب هذه تناسب حال النّبيّ و المؤمنين بمكّة في كثرة البلاء و شدّته،و أنّه ينبغي لهم الاقتداء بأيّوب، و لهذا جاءت القصّة في المكّيّات،«لاحظ إسحاق

ص: 539

و إسماعيل و إدريس».

و كلمة«أوّاب»تصلح لتسميته بأيّوب و إن كانت عبريّة،فالعبريّة و العربيّة متقاربتان في مادّة الألفاظ و الفرق بينهما-كما قيل-هو الفرق بين نفس الكلمتين:

العبريّة و العربيّة،إلاّ أنّه أيضا مرفوض،لأنّ اسمه كان أيّوب قبل هذا الابتلاء،و المناسبة إنّما تصحّ إذا سمّي به بعد الابتلاء و الصّبر.

و ثالثا:جاء في«الأنبياء»أنّه نادى ربّه: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ، و في«ص»: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و قد بحث العلاّمة الطّباطبائيّ في أنّ الضّرّ هل نفس النّصب و العذاب أم غيره؟و أنّه كيف سلّط اللّه الشّيطان عليه؟و هل الضّرّ من مسّ الشّيطان أو من تقدير اللّه؟إلى غير ذلك من الأبحاث،فلاحظ «الميزان».(17:208)

ص: 540

حرف الباء

اشارة

و فيه 88 لفظا:

بابل\بدع\برم\بطش\بقل\بهت بئر\بدل\برهن\بطل\بقي\بهج بئس\بدن\بزغ\بطن\بكر\بهل بتر/بدو/بسر/بعث/بكّة/بهم بتك\بذر\بسس\بعثر\بكم\بوأ بتل\برأ\بسط\بعد\بكي\بوب بثث\برج\بسق\بعر\بلد\بور بجس\برح\بسل\بعض\بلس\بول بحث\برد\بسم\بعل\بلع\بيت بحر\برر\بشر\بغت\بلغ\بيد

بخس\برز\بصر\بغض\بلو\بيض بخع\برزخ\بصل\بغل\بلي\بيع بخل\برص\بضع\بغى\بنن\بين بدأ\برق\بطأ\بقر\بنو\

بدر\برك\بطر\بقع\بني\

ص: 541

ص: 542

ب اب ل

اشارة

بابل

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البلبل:طائر يكون في أرض الحرم،حسن الصّوت،يألف الحرم.

و البلبلة:ضرب من الكيزان في جنبه بلبل،ينصبّ منه الماء.

و البلبلة:وسواس الهموم في الصّدر،و هو البلبال، و الجميع:البلابل.

و البلبلة:بلبلة الألسن المختلفة،يقال-و اللّه أعلم-:

إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحا فحشرتهم من كلّ أفق إلى بابل فبلبل اللّه بها ألسنتهم،ثمّ فرّقتهم تلك الرّيح في البلاد.(8:320)

الأخفش: «بابل»لم ينصرف لتأنيثه؛و ذلك أنّ اسم كلّ مؤنّث على حرفين أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن فهو ينصرف،و ما كان سوى ذلك من المؤنّث فهو لا ينصرف،ما دام اسما للمؤنّث.(1:327)

الفرّاء: البلبلة:تفريق الآراء.

(الأزهريّ 15:342)

أبو زيد: بلبلت ما هناك بلبالا شديدا-الباء كسر- و في صدري بلبال،و هو الهمّ الّذي تحدّث به نفسك.

(197)

ابن الأعرابيّ: البلبلة:المشجرة،و هي الهودج للحرائر.و البلبل:العندليب.(الأزهريّ 15:340)

بلبل متاعه،إذا فرّقه و بدّده.و البلبل:

الكعيت.(الأزهريّ 15:342)

ثعلب: غلام بلبل:خفيف في السّفر.

(ابن منظور 11:69)

ابن دريد:البلبلة:الحركة و الاضطراب،تبلبل القوم بلبلة،و بلبالا و بلبالا.

ص: 543

و البلبلة أيضا:ما يجده الإنسان في قلبه من حركة حزن،و هو البلبال أيضا.

و البلبل:الرّجل الخفيف فيما أخذ فيه من عمل أو غيره.

و البلبل:لحم صدقة-لغة يمانيّة-و هو القبقب و اللّعاع أيضا،و هذا الطّائر الّذي يسمّى البلبل،شبّه بالرّجل الخفيف،و العرب تسمّيه الكعيت.(1:129)

الأزهريّ: رجل بلابل:خفيف اليدين،لا يخفى عليه شيء.(15:342)

الجوهريّ: البلبلة و البلبال:الهمّ،و وسواس الصّدر.

و البلبل:طائر.و البلبل من الرّجال:الخفيف.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبلبلت الألسن:أي اختلطت.و تبلبلت الإبل الكلأ،إذا تتبّعته فلم تدع منه شيئا.(4:1640)

ابن فارس: يقال:بلبل القوم،و تلك ضجّتهم.

و البلبل من الرّجال:الخفيف،و هو المشبّه بالطّائر الّذي يسمّى البلبل،و الأصل فيه الصّوت،و الجمع:

بلابل.[ثمّ استشهد بشعر](1:190)

ابن سيدة: البلبلة:اختلاط الأصوات.و بلبل القوم بلبلة و بلبالا:هيّجهم و حرّكهم،و الاسم البلبال.و تبلبلت الألسن:اختلطت.(الإفصاح 1:229)

البلبل و البلبليّ:الخفيف في السّفر المعوان.

(الإفصاح 1:273)

البلبلة:كوز فيه بلبل إلى جنب رأسه.و البلبل من الكوز:قناته الّتي تصبّ الماء.(الإفصاح 1:588)

البلبلة و البلبال:شدّة الهمّ و الوساوس،الجمع:

البلابل.

بلبل فلانا:أوقعه في شدّة من الهمّ و الوساوس فتبلبل.(الإفصاح 1:660)

البلبل:سمك قدر الكفّ.(الإفصاح 2:975)

ابن الأثير: في حديث عليّ رضى اللّه عنه قال:«إنّ حبّي صلّى اللّه عليه و سلّم نهاني أن أصلّي في أرض بابل فإنّها ملعونة».بابل هذا الصّقع المعروف بالعراق،و ألفه غير مهموزة.(1:90)

القرطبيّ: «بابل»لا ينصرف للتّأنيث و التّعريف و العجمة،و هي قطر من الأرض.

قيل:سمّي[بابل]لتبلبل الألسن بها حين سقط صرح نمروذ.(2:53)

الفيروزآباديّ: بابل كصاحب موضع بالعراق، و إليه ينسب السّحر و الخمر،و البابليّ:السّمّ كالبابليّة.

(3:342)

المصطفويّ: فهذه الكلمة مركّبة من -باب،بمعنى الخشب و اللّوح الممتدّ بين السّفين و البرّ أو الممرّ المضيق.و -إل،بمعنى اللّه،أو من كلمة -بابا،بمعنى الباب.(1:190)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

بابل

...وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ... البقرة:102

ابن مسعود: (بابل)هي بابل العراق،لأنّه تبلبلت بها الألسن.(الطّبرسيّ 1:175)

نحوه عائشة.(الطّوسيّ 1:374)

ص: 544

إنّها الكوفة و سوادها.(ابن الجوزيّ 1:125)

ابن عبّاس: بلد في سواد الكوفة.

(الآلوسيّ 1:342)

إنّ نوحا عليه السّلام لمّا هبط إلى أسفل الجوديّ ابتنى قرية و سمّاها ثمانين،فأصبح ذات يوم و قد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة،إحداها اللّسان العربيّ،و كان لا يفهم بعضهم عن بعض.(القرطبيّ 2:53)

أنس بن مالك: لمّا حشر اللّه الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحا شرقيّة و غربيّة و قبليّة و بحريّة فجمعتهم إلى بابل،فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له،إذ نادى مناد:من جعل المغرب عن يمينه و المشرق عن يساره و اقتصد إلى البيت الحرام بوجهه،فله كلام أهل السّماء.فقام يعرب بن قحطان فقيل له:يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو،فكان أوّل من تكلّم بالعربيّة.

فلم يزل المنادي ينادي من فعل كذا و كذا فله كذا و كذا،حتّى افترقوا على اثنين و سبعين لسانا،و انقطع الصّوت و تبلبلت الألسن،فسمّيت«بابل»و كان اللّسان يومئذ بابليّا.(الدّرّ المنثور 1:96)

الحسن: بابل:الكوفة.(الزّبيديّ 7:219)

قتادة: (بابل)هي من نصيبين إلى رأس العين.(الآلوسيّ 1:342)

السّدّيّ: إنّها بابل دنباوند.(الطّبريّ 1:459)

إنّها جبل في وهدة من الأرض.

(ابن الجوزيّ 1:125)

الكلبيّ: إنّ مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك،و كان بابها ممّا يلي الكوفة،و كانت الفرات تجري ببابل حتّى صرفها بخت نصّر إلى موضعها الآن، مخافة أن تهدم عليه سور المدينة،لأنّها كانت تجري معه.

و مدينة بابل بناها بيوراسف الجبّار،و اشتقّ اسمها من اسم المشتري،لأنّ بابل باللّسان البابليّ:الأوّل،اسم المشتري.(الزّبيديّ 7:219)

أبو معشر: الكلدانيّون هم الّذين كانوا ينزلون ببابل في الزّمن الأوّل،و يقال:أوّل من سكن بابل نوح عليه السّلام و هو أوّل من عمّرها.و كان نزلها بعقب الطّوفان،فسار هو و من خرج معه من السّفينة إليها لطلب الدّفء،فأقاموا بها و تناسلوا فيها،و كثروا من بعد نوح عليه السّلام.

و ملّكوا عليهم ملوكا و ابتنوا بها مدائن،فصارت مساكنهم متّصلة بدجلة و الفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر،و من الفرات إلى ما وراء الكوفة، و موضعهم هو الّذي يقال له:السّواد.

و كانت ملوكهم تنزل بابل،و كان الكلدانيّون جنودهم،فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل«دارا»آخر ملوكهم،ثمّ قتل منهم خلق كثير،فذلّوا و انقطع ملكهم، كذا في«معجم البلدان».(الزّبيديّ 7:219)

الطّبريّ: إنّه قرية أو موضع من مواضع الأرض.

(1:459)

الكرخيّ: بابل:قرية صغيرة إلاّ أنّها أقدم أبنية العراق،و ينسب ذلك الإقليم إليها لقدمها،و كانت ملوك الكنعانيّين و غيرهم يقيمون بها،و بها آثار أبنية تشبه أن تكون في قديم الأيّام مصرا عظيما.و يقال:إنّ الضّحّاك أوّل من بنى بابل.(مسالك الممالك:86)

ص: 545

الجوهريّ: اسم موضع بالعراق،ينسب إلى السّحر و الخمر.(4:1630)

مثله الرّازيّ.(51)

ابن عطيّة: (بابل)لا ينصرف للتّأنيث و التّعريف، و هي قطر من الأرض،و اختلف أين هي؟

فقال قوم:هي في العراق و ما والاه،و قال ابن مسعود لأهل الكوفة:أنتم بين الحيرة و بابل،و قال قتادة:

هي من نصيبين إلى رأس العين،و قال قوم:هي بالمغرب، و هذا ضعيف،و قال قوم:هي جبل دماوند.(186)

الحمويّ: بابل:اسم ناحية،منها الكوفة و الحلّة، ينسب إليها السّحر و الخمر.

و قال المفسّرون في قوله تعالى: وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ، قال أبو الحسن:

(بابل)الكوفة،و قال يزدجرد بن مهبندار:تقول العجم:

إنّ الضّحّاك الملك-الّذي كان له بزعمهم ثلاثة أفواه و ستّ أعين-بنى مدينة بابل العظيمة،و كان ملكه ألف سنة إلاّ يوما واحدا و نصفا،و هو الّذي أسره أفريدون الملك و صيّره في جبل دنباوند،و اليوم الّذي أسره فيه يعدّه المجوس عيدا،و هو المهرجان.

قال:فأمّا الملوك الأوائل،أعني ملوك النّبط و فرعون إبراهيم فإنّهم كانوا نزلا ببابل،و كذلك بخت نصّر،الّذي يزعم أهل السّير أنّه ممّن ملك الأرض بأسرها،انصرف -بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث-إلى بابل فسكنها.[ثمّ ذكر مثل الكلبيّ و أضاف:]

و لمّا استتمّ بناؤها جمع إليها كلّ من قدر عليه من العلماء؛و بنى لهم اثني عشر قصرا،على عدد البروج، و سمّاها بأسمائهم،فلم تزل عامرة حتّى كان الإسكندر، و هو الّذي خرّبها.

[ثمّ نقل قول مالك بن أنس إلى أن قال:]

و قد روي أنّ عمر بن الخطّاب رضى اللّه عنه سأل دهقان الفلّوجة عن عجائب بلادهم،فقال:كانت بابل سبع مدن،في كلّ مدينة أعجوبة ليست في الأخرى،فكان في المدينة الّتي نزلها الملك بيت فيه صورة الأرض كلّها برساتيقها و قراها و أنهارها،فمتى التوى أحد بحمل الخراج من جميع البلدان،خرق أنهارهم فغرّقهم و أتلف زروعهم و جميع ما في بلدهم،حتّى يرجعوا عمّا هم به، فيسدّ بإصبعه تلك الأنهار فيستدّ في بلدهم.

و في المدينة الثّانية حوض عظيم،فإذا جمعهم الملك لحضور مائدته حمل كلّ رجل ممّن يحضره من منزله شرابا يختاره،ثمّ صبّه في ذلك الحوض،فإذا جلسوا للشّراب شرب كلّ واحد شرابه الّذي حمله من منزله.

و في المدينة الثّالثة طبل معلّق على بابها،فإذا غاب من أهلها إنسان و خفي أمره على أهله و أحبّوا أن يعلموا أ حيّ صاحبهم أم ميّت،ضربوا ذلك الطّبل،فإن سمعوا له صوتا فإنّ الرّجل حيّ،و إن لم يسمعوا له صوتا فإنّ الرّجل قد مات.

و في المدينة الرّابعة مرآة من حديد،فإذا غاب الرّجل عن أهله و أحبّوا أن يعرفوا خبره على صحّته، أتوا تلك المرآة فنظروا فيها فرأوه على الحال الّتي هو فيها.

و في المدينة الخامسة إوزّة من نحاس على عمود من نحاس،منصوب على باب المدينة،فإذا دخلها جاسوس

ص: 546

صوّتت الإوزّة بصوت سمعه جميع أهل المدينة،فيعلمون أنّه قد دخلها جاسوس.

و في المدينة السّادسة قاضيان جالسان على الماء، فإذا تقدّم إليهما الخصمان و جلسا بين أيديهما غاص المبطل منهما في الماء.

و في المدينة السّابعة شجرة من نحاس ضخمة كثيرة الغصون لا تظلّ ساقها،فإن جلس تحتها واحد أظلّته إلى ألف نفس،فإن زادوا على الألف و لو بواحد،صاروا كلّهم في الشّمس.

قلت:و هذه الحكاية كما ترى خارقة للعادات،بعيدة من المعهودات،و لم أجدها في كتاب العلماء لما ذكرتها، و جميع أخبار الأمم القديمة مثله،و اللّه أعلم.(1:309)

البيضاويّ:ظرف أو حال من(الملكين)أو الضّمير في(انزل).و المشهور أنّه بلد من سواد الكوفة.(1:73)

نحوه الشّربينيّ(1:82)،و أبو السّعود(1:108).

الآلوسيّ: [بعد ذكر قولين في تسمية بابل قال:]

و عندي في القولين تردّد بل عدم قبول،و الّذي أميل إليه أنّ(بابل)اسم أعجميّ كما نصّ عليه أبو حيّان، لا عربيّ كما يشير إليه كلام الأخفش،و أنّه في الأصل اسم للنّهر الكبير في بعض اللّغات الأعجميّة القديمة،و قد أطلق على تلك الأرض لقرب الفرات منها،و لعلّ ذلك من قبيل تسمية«بغداد»دار السّلام بناء على أنّ «السّلام»اسم لدجلة،و قد رأيت لذلك تفصيلا لا أدريه اليوم في أيّ كتاب،و أظنّه قريبا ممّا ذكرته،فليحفظ.

(1:342)

رشيد رضا: إنّ(بابل)بلدة قديمة كانت في سواد الكوفة،قبل الكوفة-في أشهر أقوال المفسّرين-و يؤخذ من بعض كتب التّاريخ أنّها كانت في الجانب الشّرقيّ من نهر الفرات بعيدة عنه.و يقال:إنّ أصل اشتقاقها في العبرانيّة يدلّ على«الخلط»إشارة إلى ما يرويه العبرانيّون من اختلاط الألسنة هناك.(1:408)

هوتسما: بابل:هي مدينة ببيلون القديمة على شاطئ الفرات،و هي على خطّ عرض 41 30 32 شمالا و خطّ طول 30 23 44 شرقيّ جرينوتش.

كان لمدينة ببيلون القديمة عند المسلمين-و عندنا أيضا-شأن أعظم من شأن المدينة الّتي كانت لا تزال موجودة في صدر الإسلام.

و كلّ ما يعرفه المسلمون عن(بابل)مأخوذ من ثلاثة مصادر:يهوديّة أو فارسيّة أو مسيحيّة.

و لسنا نعرف في وضوح ما إذا كانت معلوماتهم الّتي يمكن ردّها إلى الكتاب المقدّس قد وصلت إليهم على يد اليهود أو النّصارى.

و قد قيل:إنّ آدم نفسه بعد خروجه من الجنّة و كذلك قابيل و هابيل كان مقامهم في بابل،و قيل:إنّهم كانوا في المدينة البوزنطيّة ببيلون أو بابليّون في الفسطاط (ياقوت،ج 1،ص:45).و روي أنّ نوحا بن كوش بن حام و أبناءه استقرّوا في بابل بعد الطّوفان(ابن خرداذبه، ص 77،الطّبريّ،ج 1،ص 217،ياقوت،ج 1،ص:

442،447).

و يقول ابن الفقيه،ص:196:إنّ أوّل مدينة بنيت في العالم هي حرّان و الثّانية بابل.و ينسب برج بابل إلى

ص: 547

النّمروذ،و يسمّى«المجدل»(البكريّ ص:136).و قيل:

إنّ اللّه فرّق أبناء نوح في الأرض من بابل و فيها تبلبلت الألسن،و صلة اسم بابل بهذه القصّة من النّاحية اللّغويّة أمر معروف(انظر سفر التّكوين،الإصحاح 11، فقرة 9،ابن رسته،ص:108،المسعوديّ،كتاب التّنبيه، ص:197،البكريّ،المصدر المذكور آنفا).

و يقال:إنّ بابل كانت مقام النّمروذ بن كنعان و هو أوّل من ملك الأرض و استشار المنجّمين و شقّ القنوات (انظر ابن خرداذبه ص:77،ابن الفقيه ص:199، الإصطخريّ،ص:101،860،المسعوديّ،كتاب التّنبيه ص:94 نقلا عن التّوراة و ص:105،106،مروج الذّهب في مواضع متفرّقة).

و كان إبراهيم في عهد النّمروذ،ولد في حرّان و جاء به أبوه و هو صغير إلى أرض بابل،و كان يسكنها لابان، فعاش فيها ثمّ رحل عنها بعد أن تزوّج فيها(انظر الطّبريّ،ج 1،ص:252 و ما بعدها).و بالرّغم من اختلاف هذه القصّة عن رواية التّوراة ينبغي أن نعدّها من أصل يهوديّ،شأنها في ذلك شأن الرّوايات الّتي تتحدّث عن تاريخ بابل في عهدها المتأخّر.

و كانت بابل مقرّ«بخت نصّر»الّذي دمّر بيت المقدس و قاد اليهود أسارى إلى مدينته(انظر ابن الفقيه، 218؛الطّبريّ،ج 1،ص:692؛المسعوديّ،التّنبيه،ص:

105،106؛ياقوت،ج 1،ص:448).و ما روي عن مقتل بلشزر أو المردوخ بن بخت نصّر على يد المقوقس الميديّ يمكن أن يردّ كذلك إلى مصادر سريانيّة(الطّبريّ،ج 1،ص:216)و كثيرا ما يرد أسماء:

النّمروذ،و بخت نصّر و سنحاريب،و هي أسماء بابليّة في الكتب و الزّيجات في النّجوم(المسعوديّ،كتاب التّنبيه ص:105).و كان المسلمون يطلقون على أهل بابل القدماء تارة اسم الكلدانيّين،و تارة اسم الكنعانيّين أو النّبطيّين(الإصطخريّ،ص:101؛ياقوت،ج 1،ص:

447).

و كانت الأساطير الإيرانيّة أيضا قبل الإسلام تربط بابل بتاريخ الأبطال الّذين وردوا في تلك الأساطير.و منذ أن جاء الإسلام عمل على التّوفيق بين الأساطير الإيرانيّة و القصص الواردة في الكتاب المقدّس،و كان جيومرت و هو من دنباوند أوّل من بسط سلطانه على بابل،و قالوا:جيومرت هو آدم(الطّبريّ،ج 1،ص 147).

و يقول الطّبريّ،ج 2،ص:171:إنّ أوشهنج بنى مدينة بابل و مدينة السّوس،و هو أوّل من قطع الشّجر و بنى البناء.و قيل:إنّ الّذي بناهما هو طهمورث (1)(ابن الفقيه،ص:319؛الطّبريّ ج 1،ص:175 عن ابن هشام الكلبيّ؛حمزة،ص:29،30).و روي أنّ جمشيد كان ينتقل من دنباوند إلى بابل في يوم واحد،كما كان ينتقل سليمان من بيت المقدس إلى تخت جمشيد في برسبوليس[إصطخر](انظر الطّبريّ،ج 1،ص:180).

و تقول الأفستا:إنّ الضّحّاك عدوّ جمشيد كان يحكم بابل (الإصطخريّ،ص:860؛ياقوت ج 6،ص:448 نقلانة

ص: 548


1- عبارة الطّبريّ هي:«و قال هشام بن محمّد الكلبيّ فيما حدثت عنه:ذكر أهل العلم أنّ أوّل ملوك بابل طهمورث» طبعة السّاسيّ،ج 1،ص:86.اللّجنة

عن يزدجرد بن مهندار)و كان أفريدون يقيم في بابل كذلك.و ممّن ملك بابل من الدّولة الكيانيّة:كيكاوس و لهراسب و بشتاسب(الطّبريّ،ج 1،ص:597،642- 674).و ذكر حمزة في كتاب«سير الملوك»،ص:35:أنّ كيكاوس هو الّذي بنى برج بابل.و روي أنّ رستم البطل المعروف كان يقيم في بابل.

و قد عرف العرب شيئا عن ذهاب الإسكندر إلى بابل،و ما رووه عن هذا الأمر أقرب إلى الحقائق التّاريخيّة و إن كان مستقى من قصّة الإسكندر،كما نقلت إلى اللّغة السّريانيّة.و يذكر الطّبريّ(ج 1،ص:813) أنّه أخذ في هذا عن روايات النّصارى،و ما روي عن قتل الإسكندر لدارا بن دارا و عن إقامة الإسكندر ببابل يمكن أن نردّه كذلك إلى مصدر ساسانيّ،أي إلى قصّة الإسكندر في اللّغة الفهلويّة المنقولة عن السّريانيّة.

و نجد هذه الرّواية أيضا في كتاب«سير الملوك»لحمزة ص:40،و في كتاب الإصطخريّ،ص:145.و الأخبار الخاصّة بذهاب بني أرسك إلى بابل،و ما روي عن قيام القدّيس«قوما»بالدّعوة فيها،أصلها سريانيّ أيضا (الطّبريّ،ج 1،ص:702،و ما بعدها،ص:738)أمّا الأخبار الّتي ذكرت أنّ بابل كانت ملكا للسّاسانيّين فإنّا نجد أصلها في«خداى نامه»(الطّبريّ،ج 1،ص:813؛ الإصطخريّ،ص:145؛المسعوديّ،كتاب التّنبيه،ص:

145،150؛مروج الذّهب،ف 7).و نجد في الإصطخريّ (ص:145)الملاحظة التّاريخيّة الوحيدة عند ما يذكر أنّ السّاسانيّين و من بعدهم العرب اتّخذوا بابل مقرّا لهم، لموقعها بالنسبة للإمبراطوريّة الرّومانيّة،و لأنّها في وسط العالم الإسلاميّ.

و يطلق العرب اسم«بابل»على المدينة و الإقليم.

و قد سمّاها الفرس و النّبط بابيل(المسعوديّ،كتاب التّنبيه ص:35)أو بافيل أو بابيلون،كما ذكر ياقوت(ج 3،ص:630).و يقول المسعوديّ في المصدر المذكور:إنّ الكلدانيّين كانوا يسمّونها«خنيرث»و ذكر البكريّ هذا أيضا.أمّا الحمدانيّ فقال:إنّهم كانوا يسمّونها«خنيراث».

و يظهر أنّ الفرس كانوا قد أطلقوا اسم«بابل»على الإقليم الرّابع مرادفا لاسم إيران شهر.و قلب العالم(انظر الطّبريّ،ج 1،ص:229؛الإصطخريّ،ص:10).

و إقليم بابل أوسط الأقاليم و لهذا كان أشرفها(ابن الفقيه،ص:60،ابن رسته،ص:152،المسعوديّ،كتاب التّنبيه،ص:6).

و يصف المسعوديّ في كتاب التّنبيه(ص:32) حدود«بابل»فيقول:إنّ حدّها الغربيّ يمتدّ إلى الثّعلبيّة و هي أوّل محطّة في الطّريق الواصل من الكوفة إلى مكّة، و حدّها الشّرقيّ نهر بلخ،أمّا الشّماليّ فبين نصيبين و سنجار،و الجنوبيّ وراء الدّيبل من ساحل المنصورة من بلاد السّند.

و يطلق العرب عادة«أرض بابل»على إقليم بابل (ابن حوقل،ص:167)،و أرض بابل إنّما يقصد بها العراق.و يصف ياقوت في كتابه(ج 1،ص:447)أرض بابل فيجعلها أضيق شقّة من وصف المسعوديّ لها، فيقول:إنّها بين دجلة و الفرات،بلغت من دجلة إلى أسفل كسكر(واسط)و من الفرات إلى ما وراء الكوفة، و موضعها هو الّذي يقال له:السّواد.يقول ياقوت في

ص: 549

فقرة أخرى:إنّ الأنبار-و هي مدينة على الفرات-حدّ بابل من ناحية الشّمال.

قلنا:إنّ اسم«بابل»يطلق على المدينة و على الإقليم،و فوق هذا فإنّه يطلق أيضا على الطّسوج السّادس من آستان بهقباذ العليا في التّقسيم الإداريّ للعراق،الّذي أخذ عن العرب(ابن خرداذبه،ص:8- 10؛قدامة،ص:136؛ياقوت،ج 1،ص:770).

و يروي هذا الإقليم نهر سورى أحد فروع الفرات الّذي يجري في وسط مدينة بابل(ابن سرابيون ج 6؛نقل عنه ابن الفداء).و كانت بابل حاضرة للإقليم إلى عهد ابن سرابيون حوالي سنة 900.و حدث في مدينة بابل«يوم العرب»عند ما ذبح المثنّى فيل الفرس في سنة 13 ه، 634 م(الطّبريّ:ج 1،ص:2117،2177،2422).

أمّا المكان المسمّى«عقر بابل»و هو الّذي سقط فيه يزيد بن المهلّب بعد ثورة البصرة سنة 102 ه-820 م، فهو مكان آخر موضعه بالقرب من كربلاء،على الطّريق الواصل إليها من الكوفة.و الكتّاب المتأخّرون أمثال الإصطخريّ و ابن حوقل عرّفوا«بابل»على أنّها قرية صغيرة لا غير،و هي تقع على الطّريق الواصل من بغداد إلى الكوفة الّذي يعبر الفرات عند جسر بابل(المقدسيّ ص:121).

و يسرد ياقوت أسماء عدّة مدن يقول:إنّها في أرض بابل،نذكر منها:الأميريّة و برس و برملاحة و الجامعين -و هي حلّة-و شالها و الغامريّة و مدينتان باسم كوثا.

و لم يذكر اليعقوبيّ أنّه كان في عهده من مدن بابل إلاّ الصّرح الّتي كان فيها قصر ل«بخت نصّر»و كورة شنوار الّتي ذكرها نقلا عن نصر الإسكندريّ المتوفّى سنة 650 ه .و عند ما تكلّم اليعقوبيّ عن«خطرنية و زاقف»ذكر ناحية بابل و سمّاها«طسوج».

و لم يكتب لهذا التّقسيم البقاء طويلا فإنّه عند ما تولّى العبّاسيّون الخلافة أنشئوا في أوّل عهدهم مدينة بغداد، و أوجدوا تقسيما جديدا هو أرض العراق،أمّا بابل و الأماكن المتّصلة بها فأصبحت من كورة بغداد.

و عند ما يتحدّث ياقوت و القزوينيّ عن بابل و يقصّان حكايات عجيبة عن المدن السّبعة الّتي كانت بابل تتألّف منها و العجائب السّبع الّتي كانت توجد فيها، فإنّهما يقصّان ما يظهر أنّه كان من الأساطير المحلّيّة الّتي اتّصلت بآثار المدينة.

و نجد أنّ ما ورد من القصص في القرآن و في الكتاب المقدّس عن«بابل»قد أدخل أيضا في أساطير تلك البقاع.و عند ما يذهب المسافر إلى بابل كان يؤخذ لمشاهدة جبّ دانيال أو الجبّ الّذي سجن فيه الملكان هاروت و ماروت إلى يوم القيامة(سورة البقرة،الآية:

103).و صلّى عليّ في بابل و لعنها(المقدسيّ،ص:

116).

و بين الأطلال الموجودة قصر«بخت نصّر»الشّماليّ الّذي لا يزال يسمّى باسم«بابل»و قد وجد منقوشا على آثاره نماذج عديدة من الشّعر العربيّ في القرون الوسطى.

و لمّا أنشأ العرب مدينة بابل أقاموها في موضع المدينة القديمة،و من ثمّ استمرّ الاسم القديم خلال العصور.

و تسمّى الأطلال الأخرى الموجودة في العصر الحاضر بالقصر،و هي أطلال قصر ببيلون،و أطلال

ص: 550

عمران بن عليّ،و فيها ضريح لوليّ من الأولياء،أقيم مكان معبد المدينة القديم،و أطلال حميرة الّتي اكتشف فيها مسرح يونانيّ،و قد استعملت أنقاض الآثار منذ قرون في بناء المساكن،و كان أوّل من ذكر ذلك القزوينيّ، و لهذا سمّيت بابل باسم المجلبة أو المقلوبة،كما ذكر بوشان pmahcuaeB.

و مع أنّ موقع مدينة بابل كان يعرفه الشّرقيّون منذ القدم إلاّ أنّ علماء الغرب أخذوا يستعيدون كشفه منذ القرن الثّامن عشر.(3:247-251)

فريد وجديّ: مملكة قديمة كانت بالعراق.(20)

طه الدّرّة: المشهور أنّه بلد من سواد الكوفة،سمّي بذلك لتبلبل الألسنة به،و ذلك أنّ اللّه أمر ريحا،فحشرت الخلائق لهذه الأرض،فلم يدر أحد ما يقول الآخر،ثمّ فرّقتهم الرّيح في البلاد،يتكلّم كلّ واحد بلغة.و البلبلة:

التّفرقة.(1:173)

هاكس: تقع«بابل»بين نهري دجلة و الفرات، و يقدّر طولها بمسافة(400)ميل و عرضها(100)ميل تقريبا.و كانت أراضيها منذ ازدهارها مستوية،تتكوّن من مراتع واسعة،و تتخلّلها جداول كثيرة،و منها يجري الماء ليسقي جميع أراضيها.و كانت تشتهر بالخصوبة و بزراعة أنواع الفواكه و الحبوب،و خصوصا الحنطة الّتي كانت تصل غلّتها أحيانا إلى مائتي ضعف،و تكثر فيها أشجار النّخيل أيضا.

و حينما بادت حضارته و حلّت الويلات بأهلها جفّت جداولها و سواقيها،فأقفرت معظم أراضيها و أجدبت؛ و بذلك تحقّقت نبوءة النّبيّ إرميا؛حيث قال:«ستجفّف الشّمس مياهها و أنهارها،لأنّ غضب اللّه قد حاق بها فلا تسكن أبدا»إرميا(50:50 و 62).

و قال النّبيّ أشعيا أيضا: «أجعلها ميراثا للقنفذ، و أصيّرها آجاما،و أكنسها بمكنسة الهلاك،يقول ربّ الجنود»أشعيا(14:23).و كلّ من يشدّ الرّحال إلى تلك البلاد فسيجد آثارها مطابقة لنبوأة هذين النّبيّين،فحينما امتلأت الجداول جرى الماء باتّجاه واحد،فكوّن مستنقعات ذات ماء آسن،و أمّا سائر الأراضي فإنّها أمحلت،و جفّ زرعها.

و كانت تعرف هذه البلاد قديما باسم«شنعار»كما جاء في سفر التّكوين(10:10)و(11:2)و أطلق عليها العبرانيّون اسم بلاد ما بين النّهرين،و ذكرت في بعض الأسفار المقدّسة باسم أرض الكلدانيّين.و كان النّمرود ابن كوش ممّن حكم في بابل خلال العصور القديمة،إلاّ أنّه لا يعلم إلى الآن تاريخ بناء هذه البلاد.و من العلوم الّتي مهر بها البابليّون مهارة فائقة علم النّجوم،كما يبدو ذلك من خلال هندسة عماراتهم.و كانت آلاتهم و أسلحتهم الحربيّة تتكوّن من الصّخور الصّمّاء،بيد أنّه عثر في الآونة الأخيرة بين أنقاضها على هراوات و أوسمة من النّحاس الأصفر و بعض الآلات الذّهبيّة،و لم تشاهد آنية فضّيّة في صناعاتهم.

و كانوا وثنيّين يعبدون الأصنام و الكواكب،فصنعوا لها تماثيل متعدّدة ذكورا و إناثا.

و حكم الكوشيّون بابل سبعين سنة،ثمّ أطاحت حكمهم أمم مختلفة،منها العرب الّذين بسطوا سيطرتهم على تلك البلاد مدّة قرنين و نصف،و انسحب العرب منها

ص: 551

إثر غارة شنّها عليهم الآشوريّون و انتهت بسقوط بابل بأيديهم.و عقد«نبوبلصر»أحد ملوك الآشوريّين معاهدة مع«سياكسارس»و فتح نينوى و اختار بابل مقرّا له،و نصب ابنه نبوخذنصّر وليّا للعهد.

لقد وصف كثير من المؤرّخين هذه البلاد بأنّها أعظم مدينة في الدّنيا؛إذ قال هيرودتس المؤرّخ الشّهير:

شيّدت مدينة بابل على أرض مستوية مربّعة الشّكل، يبلغ طول كلّ ضلع من أضلاعها«120»فرسخا،و طول محيطها«480»فرسخا،و يحيط بهذه المساحة العظيمة خليج عميق يغمره الماء دائما.و شيّد سور لها يقع بعد الخليج يبلغ ارتفاعه«335»قدما و قطره«100»قدم، و له«250»برجا و«100»بوّابة من النّحاس الأصفر، و يبلغ أغلب بناء هذا الحصن من الطّابوق.

و قد شطر نهر الفرات بابل إلى شطرين،و شيّد على شاطئيه حصن يعوّق تقدّم العدوّ،و له أبواب من النّحاس الأصفر،يمرّ من خلالها ماء النّهر إلى الأسفل.

و من العمارات الفخمة لهذه المدينة قصر الملوك الّذي بني بشكل دائريّ،و يحيطه حصن حصين،و كذلك هيكل«بيل»العظيم،و تماثيل و آلات ذهبيّة جميلة و أنيقة جدّا.

و إن حملنا قول«هيرودتس»على الإفراط في الوصف فلا يبعد أن يكون طول كلّ ضلع من سور المدينة «14»ميلا و مساحتها«200»ميل مربّع،بيد أنّها تبقى أكبر مدينة في الدّنيا.و قد اختلف سائر المؤرّخين في هذا المضمار،فذكر بعضهم أنّ محيطها يبلغ«40»ميلا،و قال آخرون:«80»ميلا،و قيل:إنّ ارتفاع سورها يبلغ «750»قدما.

فهذه البلاد-مهما قيل حولها-واسعة الأرجاء مترامية الأنحاء،و لكن هذا لا يعني أنّ جميع هذه المساحة تتخلّلها العمارات،بل كان أغلب أراضيها تكسوها الأشجار و المروج.

و خلاصة القول:فإنّ مدينة«بابل»كانت تعدّ أعظم مدن الدّنيا و أغناها؛بحيث يمكن القول بأنّها كانت منقطعة القرين و النّظير،و اعتبرها المؤرّخون من عجائب الدّنيا السّبع.و كان لبابل حدائق معلّقة،و هي طبق قول «هيرودوتس»مربّعة الشّكل،يقدّر ارتفاعها بواسطة طبقاتها ب«75»قدما،و طول كلّ ضلع من أضلاعها «400»قدم.و غرست على سطحها أشجار متنوّعة و نباتات جميلة،و قد بلغت بعض الأشجار حجما بحيث أصبح قطرها يناهز«12»قدما.

إنّ طول جدار بابل العظيم-حسبما قال «هيرودوتس»-هو«335»قدما و عرضه«84»قدما.

و بني كلّ قصورها من الآجر و الطّابوق،إلاّ أنّه لم يبق من زينتها و جلالها و جمالها إلاّ أنقاض و تلال،كما تنبّأ بذلك النّبيّ«إرميا»حيث قال في سفره(51:3):«فلو صعدت بابل إلى السّماوات و حصّنت علياء عزّها فمن عندي يأتي عليها النّاهبون،يقول الرّبّ».

و قال أيضا في نفس السّفر(51:58):«هكذا قال ربّ الجنود:إنّ أسوار بابل العريضة تدمّر تدميرا،و إنّ أبوابها الشّامخة تحرق بالنّار،فتبذل الشّعوب جهدها للباطل،و تعيا القبائل لحرقها بالنّار».

و إنّ منظرها اليوم ليبعث على التّعجّب و الحيرة؛إذ

ص: 552

كيف أضحت عماراتها الشّاهقة و قصورها الفخمة مع الأرض سواء؟!و لم يبق منها سوى أنقاض و أطلال،كما قال إرميا في سفره(51:37):«تصير بابل أنقاضا و مأوى لبنات آوى،و أرضا مخيفة تبعث على الدّهشة و السّخرية،و سوف لا يسكنها أحد».

لكن يشاهد اليوم ثلاثة أطلال لا زالت باقية إلى الآن:

الأوّل:ما يطلق عليه العرب اسم«بابل»و لعلّه ما تبقّى من هيكل«بيل».و قد عثر بين الأنقاض في الآونة الأخيرة على شريط جداري يزيّن أحد جدرانه، و هو يحمل اسم«نبوخذنصّر».

و الثّاني:قصر«نبوخذنصّر»المشهور،و يبلغ طوله «700»ذراع و عرضه«600»ذراع و ارتفاعه«140» قدما.

و الثّالث:برج نمرود،و هو أثر لهيكل كان يعبد فيه الإله«نبو».و هو عبارة عن عمارة عظيمة مربّعة الشّكل، طول ضلعها«600»قدم و أعلى قمّة لها«140»قدما.

و يطلق عليه بعض السّيّاح خطأ اسم برج بابل،و نحت على بعض طابوقه اسم«نبوخذنصّر».و بقي هذا البناء العظيم كالطّود الشّامخ على مرّ العصور و كرّ الدّهور،على الرّغم من أنّه كان مستهدفا من قبل جميع الدّول الّتي شنّت غاراتها على الكلدانيّين.

و من الّذين أغاروا على بابل الإسكندر الكبير الّذي قاد عشرة آلاف فارس لتخريب هذا البرج،و وضع نهاية لوجوده و تسويته مع الأرض،و لكنّه لم ينل مراده قطّ.و بقي يصارع الزّمان و يتحدّى الملوان،فقد أردى الدّهر عشرين جيلا من النّاس تقريبا،إلاّ أنّه لا زال إلى الآن يحكي عظمة البابليّين و حنكتهم.

و كانت الدّولة الثّانويّة البابليّة تتكوّن من أمم مختلفة كالسّاميّين و التّورانيّين و الكوشيّين و غيرهم،إلاّ أنّ السّاميّين قد اشتهروا من بين هؤلاء بالبطش و السّطوة و الشّجاعة.و وصلوا إلى أوج عظمتهم أيّام «نبوخذنصّر»،حيث أخضعوا جميع المماليك الّتي تقع بين دجلة و النّيل،و أنزلوا الرّعب في قلوب أعدائهم،فكانت جلبة جيشهم كأنّها الرّعد،كما ورد في سفر إرميا(4:

29).

و كان فرسانهم مشهورين بالشّجاعة و البأس، يقول النّبيّ«حبقوق»الّذي وصف فرسانهم و شجعانهم في سفره(1:8):و بلغت شجاعتهم حدّا بحيث أنّهم أنّى اتّجهوا كان النّصر حليفهم،و كانت قلوب أعدائهم ترتجف هلعا منهم،و قد دانت جميع الأمم لهم بالولاء خوفا من سطوتهم،و لا سيّما اليهود الّذين كانوا يفضّلون الموت على رؤية جيشهم الجرّار.و لكن على الرّغم من شجاعتهم و جرأتهم فقد ملئوا الأقطار بسوء طريقتهم جورا و أطلقوا على الأمم عقال الحيف،و عاملوا أسراءهم بقسوة بالغة.

و قد اكتسب البابليّون مهارة فائقة في النّقش على الصّخور و الآجر و نحت الصّور و التّماثيل،كما ورد ذلك في سفر حزقيال(23:14).و قد عثر في أنقاض بابل على آنية زجاجيّة و فخّاريّة كثيرة و بأشكال مختلفة، مصنوعة بجودة و إناقة بالغة.و كانوا ينسجون القماش بمتانة أيضا،كما ورد ذلك عند ذكر الرّداء الشّنعاريّ في

ص: 553

سفر يوشع(7:21)،و هو دليل واضح على تأييد هذا الأمر.

و اشتهرت الأقمشة و الألبسة البابليّة بجودتها و متانتها لدى الرّوم،حتّى كانوا يتفاخرون بها و يشترونها بأسعار غالية.و قيل:عرضت قطعة قماش بابليّة في قصر الإمبراطور«نيرون»و هي تزدان بصور مختلفة،و قدّر ثمنها ب«32300»ليرة إنجليزيّة.و كان عند عقيد يدعى«كاتوستاير»قطعة من قماش بابليّ أيضا،يقدّر ثمنها ب«6400»ليرة إنجليزيّة.و قد صبغت هذه الأقمشة بألوان جذّابة مختلفة علاوة على جودتها، و رسم عليها صور لأصداف و حيوانات أليفة و مفترسة.

فكان القماش البابليّ غاية في الحسن و الجمال، و يقبل على شرائه المعاصرون برغبة و شغف كما يباع و يشترى السّجّاد الإيرانيّ في هذا العصر،و لا غرو في ذلك فإنّ الإيرانيّين يحذون حذو سلفهم البابليّين في صناعة السّجّاد اليدويّ الفاخر.

و كان النّبلاء البابليّون يلبسون رداء طويلا من الكتّان،و يرتدون فوقه رداء صوفيّا فاخرا،و يلبسون حذاء ذا ساق طويلة،و ينتعلون قبقابا،و يدهنون شعورهم بزيوت معطّرة،و يعتمّون بعمامة،و أمّا زيّ عامّة النّاس فكان الرّداء فقط.

و من العلوم الّتي اشتهر بها البابليّون أيضا هو علم النّجوم،فقد كانوا يتنبّئون بالخسوف و الكسوف قبل وقوعهما،و وصف«هيرخوس»خمس حوادث لكسوف الشّمس.و ممّا يدلّل على حذقهم في هذا العلم هو تشخيصهم للكواكب السّيّارة الخمسة،و تعيين جدول للكواكب الثّابتة،و كشف الأبراج،و ابتكار حساب السّنة الشّمسيّة،و اختراع درجات الشّمس،و كان علماؤهم منجّمين و سحرة و خبراء.

إنّ التّجارة في هذه البلاد رائجة؛إذ يجلب التّجّار إليها الذّهب و الفضّة و الدّرّ و العاج و الحجر الأحمر «الياقوت»من البلدان المجاورة،فيؤدّي ذلك إلى توطيد دعائم الدّولة و ازدياد قدرتها،و كانت نساء بابل تتجمّل بجميع وسائل الزّينة و الثّياب الفاخرة،و تعيش في رغد و رفاه.

و لكنّ الإفراط في التّرف و الرّخاء جرّهم إلى الهاوية،فقد أصبحت فتياتهم ضامرات،و أخذوا يعاقرون الخمر،فاجترءوا على اقتراف المآثم دون وجل أو حياء،و أصيبوا بالزّهو و الغطرسة،فشاع الفسق و الفجور في أوساط البابليّين،حتّى دبّ في بناتهم؛حيث عرضوهنّ في سوق النّخّاسين،و اقترفت مخدّراتهم الزّنى و البغاء،و طفقت تنصب شباكها و فخاخها لاصطياد الرّجال بشتّى الحيل.

و كان نظام الحكم في هذه البلاد مطلقا،و دينها يختلف عن دين الحكومة السّابقة اختلافا جذريّا،و لكنّ هؤلاء كانوا يعبدون نفس الآلهة،أي«بعل»و«نبو»و «مردوخ»،و صنعوا لها تماثيل متعدّدة،و بنوا لها هيكل «زيا»و هيكل«أبي قوارة».فسخط اللّه عليهم،و سلّط عليهم سائر الأمم،فدمّروا بلادهم،و سبوا نساءهم و ذرّيّتهم.و أضحت اليوم مصداقا لقول الرّبّ على لسان نبيّه:«حرّ على مياهها فتنشف،و سيدهمهم العدوّ على حين غرّة».إرميا(50:38).

ص: 554

و قال«هيرودوتس»:اقتحم العدوّ البلاد بغتة، و غنم متاع أهلها و أموالهم،و بذا تحقّقت نبوءة النّبيّ إرميا، قال:«سيف على خزائنها فتنهب»إرميا(50:37).

أمّا معنى«بابل»فهو كلّ جماعة تملك تماثيل و أصناما كثيرة في كلّ عصر من العصور.

و لكن للفظ«بابل»معان كثيرة:

الأوّل:يعني مدينة بابل،انظر أشعيا(13:19-21) و(48:20).

الثّاني:سكّان المدينة،لكي يميّزوا عن الكلدانيّين، حزقيال(23:15 و 17).

الثّالث:بلاد البابليّين كلّها،الملوك الثّاني(24:1)و (25:27)و المزامير(137:1).

الرّابع:ملوك بابل،و جاءت هذه التّسمية بعد أن انتصر الفرس على البابليّين،فسمّوا ملوكهم بذلك،عزرا (5:13)و نحميا(13:6).

و قد ذكرت بابل أخرى في رسالة بطرس الأولى(5:

13)،و يحتمل أنّها نفس بابل،و ذلك حينما سكنها اليهود.

و قال بعض:كان في مصر محلّ يدعونه بابل،لاحظ «كلدان»و«نبو»و«نبوخذنصّر».

و ورد في سفر التّكوين(11)وصفا كما حدث لأولاد نوح حين الطّوفان:«و حدث في ارتحالهم شرقا أنّهم وجدوا بقعة في أرض شنعار،و سكنوا هناك،و قال بعضهم لبعض:هلمّ نصنع لبنا و نشويه شيّا،و قالوا:هلمّ نبني لأنفسنا مدينة و برجا رأسه بالسّماء،و نصنع لأنفسنا اسما،لئلاّ نتبدّد على وجه كلّ الأرض».

و لكنّ بعضهم يقول:إنّ هذا البرج لم يبن لذلك الطّوفان،بل بني لطوفان آخر،يحفظهم من الغرق حين وقوعه.

بيد أنّ هذا القول مردود،إذ لو كان غرضهم من بناء البرج ما ذكر،فينبغي عليهم أن يشيّدوه على قمّة جبل شاهق،و ليس على أرض مستوية و منخفضة.

و جملة القول،فإنّ هذا الأمر كان مخالفا لمشيئة اللّه، فلذا اختلفت ألسنتهم،بحيث لم يستطع أحدهم أن يفهم لغة الآخر،فتفرّقوا في الأرض أيادي سبا،حتّى قيل:

ذهب رهط منهم إلى أمريكا،و شاء اللّه أن يعمر الأرض بهذه الوسيلة.(150-155)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بابل:بلد قديم بالعراق،على الجانب الأيسر من نهر الفرات قرب الكوفة،كان لها تاريخ حافل في العصور الخالية،و قد برع أهلها في الإلمام بالسّحر و استخدامه،و إلى ذلك تشير القصّة القرآنيّة الواردة بشأنها في سورة البقرة.

(1:57)

لويس معلوف: مدينة قديمة في أواسط ما بين النّهرين تقع أنقاضها على الفرات،قرب الحلّة،على مسافة(80)كيلومترا جنوب شرقيّ بغداد.تعتبر من أكبر و أشهر مدن الشّرق القديم.أنشئت حولها-في أوائل الألف الثّاني قبل الميلاد-دولة كبرى ازدهرت على مرحلتين:

أوّلا:الدّولة البابليّة الأولى،حلّت محلّ سومر و أكد، و بلغت عصرها الذّهبيّ مع حمورابي المشترع الكبير (1792-1750)قبل الميلاد.فبسطت سيادتها على سائر بلاد ما بين النّهرين،و ازدهرت فيها العلوم الفلكيّة

ص: 555

و الرّياضيّة و الآداب،ثمّ أفل نجمها فخضعت للحثّيّين و القسّيّين و الآشوريّين.

ثانيا:الدّولة البابليّة الحديثة(622-539)قبل الميلاد،من أشهر ملوكها«نبوخذنصّر»(605-562) قبل الميلاد.دمّر مدينة بابل سنحاريب الآشوريّ(689) قبل الميلاد،ثمّ أعاد بناءها أسرحدون.فتحها قورش (539)قبل الميلاد.

فأصبحت قاعدة ولاية أخمينيّة حتّى احتلّها الإسكندر(331)قبل الميلاد،و جعلها عاصمة القسم الشّرقيّ من إمبراطوريّته،و فيها توفّي.

من آثارها:باب عشتار،و بلاط«نبوخذنصّر»2، و الطّريق الملوكيّ.و قد أطلق اسم بلاد بابل على القسم الجنوبيّ من بلاد ما بين النّهرين،لتمييزه عن بلاد أشور.

(المنجد في الأعلام:106)

المصطفويّ: بابل:المراصد«بابل»بكسر الباء:

اسم ناحية،منها الكوفة و الحلّة،و المشهور بهذا الاسم:

المدينة الخراب بقرب الحلّة و إلى جانبها قرية تسمّى بابل،عامرة.

سفر إرمياء 24/51-و اكافئ بابل و كلّ سكّان أرض الكلدانيّين على كلّ شرّهم الّذي فعلوه في صهيون أمام عيونكم...يقول الرّبّ المهلك كلّ الأرض:فأمدّ يدي عليك،و أدحرجك عن الصّخور،و أجعلك جبلا محرقا،فلا يأخذون منك حجرا لزاوية و لا حجرا لأسس، بل تكون خرابا...انتهى.

ثمّ إنّ هذه البلدة كانت متّسعة غاية الاتّساع،و بالغة في العظمة و المدنيّة غايتها،ثمّ خربت بتطاول الدّول و الحكومات.و موضعها قريبة من ثلاثة و تسعين كيلو مترا من الجنوب الشّرقيّ من بغداد،قريبة من الحلّة.

(1:189)

الأصول اللّغويّة

1-في بابل قولان:

الأوّل:اسم عربيّ مشتقّ من البلبلة،و هو الاختلاط؛إذ قيل:إنّ اللّه بعث ريحا حشرت النّاس إلى بابل،فبلبل بها ألسنتهم،ثمّ فرّقتهم الرّيح في البلاد على ثمانين أو اثنتين و سبعين لغة.و قيل:تبلبلت الألسنة ببابل عند سقوط صرح نمرود.

و الثّاني:اسم أعجميّ،قيل:آشوريّ مشتقّ من اسم المشتري،أو من اسم النّهر الكبير.و قيل:آراميّ،مركّب من لفظي«باب»و«إل»،أي باب الإله.

2-و القول الأوّل أشبه بقصص الأساطير،و مصداقه ما جاء في سفر التّكوين(11:9):«دعي اسمها بابل لأنّ الرّبّ هناك بلبل لسان كلّ الأرض،و من ثمّ بدّدهم على وجهها».

و قد انتقلت هذه الأسطورة إلى العرب و المسلمين بواسطة أهل الكتاب،و انقاد جلّ اللّغويّين لها،فأقرّوا اشتقاق«بابل»من(ب ل ب ل)رغم علمه بأنّ لها لاما واحدة،و ينبغي على قياسهم أن تكون من(ب ب ل)، كما فعل بعضهم،اللّهمّ إلاّ إذا ثبت حديث صحيح عن المعصوم يؤيّده و أنّى ذلك؟

و أمّا القول الثّاني فلا شاهد له في اللّغة الآشوريّة، إضافة إلى ذلك فإنّ الآشوريّين كانوا في شمال العراق.

ص: 556

و كان موطنهم«آشور»دون«بابل»الّتي تقع في وسط العراق.كما أنّ حضارة البابليّين قامت قبل ظهور الآشوريّين كدولة كبيرة في التّاريخ،و بقيت بعد انقراض دولتهم.

3-و نرى«بابل»اسما عبريّا منحوتا من اللّفظ الآراميّ«باب إلي»،أي باب اللّه.و غلب اللّفظ العبريّ على الأصل حتّى شاع بين سائر اللّغات السّاميّة و اليونانيّة و الفارسيّة و غيرها،سوى اللّغة الأكديّة الّتي حذت حذو أختها الآراميّة،مع بعض التّغيير في اللّغات الأخرى،و مع ذلك فالقول الفصل فيه يحتاج إلى دراسة وافية.

4-و اختلف المتقدّمون في موقعها،فقيل:تقع في العراق بأرض الكوفة،أو بين دجلة و الفرات.و قيل:تقع في المغرب.و قيل:في إيران بجبل نهاوند.و قيل:تمتدّ من نصيبين إلى رأس العين.

و لكنّ الاكتشافات الأثريّة الحديثة أثبتت بما لا يدع مجالا للشّكّ أنّ موضعها قرب مدينة الحلّة الحاليّة في العراق.

و يعتبر الإمام عليّ عليه السّلام أوّل من دلّ على موقعها عند مروره بها بعد اندراس أثرها (1).

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد في القرآن ذكر لخمس بلدان،هي:بابل و مدين و مصر و مكّة و يثرب،و لم يبق منها إلاّ الثّلاث الأخيرة.

و أمّا بابل فقد خرّبها الإسكندر المقدونيّ في القرن الرّابع قبل الميلاد(و قبله دخلها كورش و غنم متاع أهلها و أموالهم كما سبق عن هيرودوتس)،فتفرّق شمل أهلها، و ما قامت لها قائمة إلى يومنا هذا.و أطبق اللّه العذاب على مدين و أهلها معا،فما أبقى لهم من باقية.

كما ذكرت في القرآن أيضا مواضع أخرى كبدر و الأحقاف و طور سيناء و غيرها،إلاّ أنّها لم تكن بلادا أو مدنا.

2-و لم يرد ذكر بابل و هاروت و ماروت في القرآن إلاّ في قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ البقرة:102،و هذه الآية تنحي باللاّئمة على بني إسرائيل،لما تركوا الرّسول و الكتاب، و انحازوا إلى تلقّي السّحر من الشّياطين.

و لكن من هو الرّسول المشار إليه في الآية الّتي تسبق هذه الآية: وَ لَمّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ؟ البقرة:101،أ هو النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله أم أحد أنبياء بني إسرائيل؟

يظهر أنّ القول الأوّل أرجح،و يؤيّده أنّ ما قبلها وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ* أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ البقرة:99،100،فإنّها تتحدّث عن نزول القرآن على النّبيّ و كفرهم به،و دأبهم على تكذيب الأنبياء قبله دائما.

ص: 557


1- لاحظ«وقعة صفّين»للمنقريّ(135،136).

فضلا عن ذلك فإنّ هذا السّياق في القرآن مثل قوله مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ البقرة:101،أو مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ البقرة:97،أو تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يوسف:111،و نحوها،خاصّ بالقرآن و النّبيّ عليه السّلام، لاحظ«ص د ق»في هذا المعجم و في المعجم المفهرس.

و قد تكرّرت الآية بنصّها في البقرة:89،و نظيرها في آل عمران:3 نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ.

و يؤيّد الثّاني أنّ ظاهر السّياق كونهم نبذوا في الماضي كتاب اللّه-و هو التّوراة- وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ البقرة:102،فالرّسول يوم ذاك كان من أنبياء بني إسرائيل.

3-و قد ورد لفظ(سليمان)مع(الشّياطين)مرّتين في هذه الآية فقط،و هما على طرفي نقيض،فلعلّ ذلك يرمز إلى أنّ دولة سليمان هي دولة الرّحمن،و دولة بابل هي دولة الشّياطين.كما جاءت الألفاظ اَلْمَلَكَيْنِ، هارُوتَ وَ مارُوتَ، و اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ، و ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ البقرة:102،مثنّاة كلّها ملائمة للسّياق،و كذلك تصديق الكتاب،و نبذه وراء ظهورهم، و الإيمان به و الكفر به،في الآيات الّتي سبقتها،فهي كالمثنّاة أيضا.

هذا ما يرتبط بملائمة السّياق في هذه الآيات بالذّات، و أمّا بالنّسبة إلى غيرها ممّا سبقتها أو لحقتها من الآيات في سورة البقرة،فالتّثنية فيها موجودة بنحو من الأنحاء، مثل: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ 68، صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها 69، لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ 71، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها 71، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً 74، وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ 74،و هذا تثليث يتخلّل التّثنية،و هو بدوره فيه لطف، يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ 75، وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ... 76، يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ 77، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ 79، أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْداً... أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ 80، بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ 81، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 81، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ 82، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 82، لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً 83، وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ 83، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ 83، لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ 84، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ 84، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ 85، تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ 85، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ 85، تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ 85، أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ 85، خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ 85، اِشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ 86، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ 86، وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ

ص: 558

87، وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ 87، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ 87، بَلْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ 88، وَ لَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ... فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ 89، بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ 90، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ 90، وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ 92، وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ 93، خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا 93، سَمِعْنا وَ عَصَيْنا 93، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ... وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ 94،95، وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا 96، لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ... أَنْ يُعَمَّرَ 96، وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ 97، أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللّهِ 101، وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا 102، يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ 102، هارُوتَ وَ مارُوتَ 102، وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا 102، إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ 102، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ 102، وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ 102، وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ 102، وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ 102، آمَنُوا وَ اتَّقَوْا 103، لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا 104، عَذابٌ أَلِيمٌ 104، مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ 105، وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 105، ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها 106، نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها 106، أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ 106،107، مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ 107، أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ 108، مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً 109، فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا 109، وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ 110، مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى 111، بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ 112، وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ 112، وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ 113، كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ 113، مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها 114، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ 114، وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ 115، واسِعٌ عَلِيمٌ 115، بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ 117، مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ 118، بَشِيراً وَ نَذِيراً 119، وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى 120، إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى 120،إلى غيرها من آيات سورة البقرة.

و هذا باب واسع من بلاغة و إعجاز القرآن الكريم، لم يبحثه أحد إلى الآن،حسب ما نعلم،و هو يدخل في إعجاز أسلوب القرآن و تناسب آياته لفظا و معنى.

ص: 559

ص: 560

ب أ ر

اشارة

بئر

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بأرت الشّيء و ابتأرته،و ائتبرته لغات، أي خبأته،و في الحديث:«إنّ عبدا لقى اللّه و لم يبتئر خيرا».

و بأرت بؤرة،أي حفيرة،فأنا أبأرها بأرا،و هي حفيرة صغيرة للنّار توقد فيها.و البئّار أيضا:حافر البئر.(8:290)

الكسائيّ: في الحديث:«إنّ رجلا آتاه اللّه مالا فلم يبتئر خيرا»معناه،لم يقدّم خيرا.(الأزهريّ 15:263)

الفرّاء: يقال:ثلاث آبر:في جمع قلّة«البئر»مثل أبؤر.(الصّغانيّ 2:408)

أبو زيد: بأرت أبأر بأرا:حفرت بؤرة يطبخ فيها، و هي الإرة (1).(الجوهريّ 2:583)

نحوه ابن دريد.(3:277)

أبو عبيد: في«الابتئار»لغتان؛يقال:ابتأرت، و ائتبرت ابتئارا و ائتبارا.(الأزهريّ 15:263)

ابن السّكّيت: و هي البئر،و الجمع القليل أبؤر و أبآر،الهمزة بعد الباء.و من العرب من يقلب الهمزة فيقول:آبار،فإذا كثرت فهي البئار،و يقال:بأرت بئرا.(إصلاح المنطق:147)

و يقال:قد ابتأر فلان خيرا،إذا ادّخره.و قد ابتار الفحل النّاقة و بارها،إذا نظر أ لاقح هي أم غير لاقح.

و قد بأر فلان بئرا،إذا حفرها.و قد بار فلان ما عند فلان.

و تقول:بر لي ما في نفس فلان،أي اعلم ما في نفسه.

(إصلاح المنطق:157)

الأمويّ: في الحديث:«إنّ رجلا آتاه اللّه مالا فلم

ص: 561


1- الإرة:الحفرة،يوقد فيها النّار.

يبتئر خيرا»هو من الشّيء يخبأ،كأنّه لم يقدّم لنفسه خيرا خبأه لها.(الأزهريّ 15:263)

الزّجّاج: و بار الرّجل الشّيء،إذا اختبره،و أباره، إذا أهلكه.(فعلت و أفعلت:5)

أبأرت الرّجل:جعلت له بئرا.(الصّغانيّ 2:407)

ابن دريد: ابتأرت خيرا،إذا فعلته مستورا.و البئر مهموز،و الجمع:أبؤر،و بئار،و آبار.(3:203)

القاليّ: كأنّ رماحهم أشطان بئر

بعيد بين جاليها جرور

و البئر هاهنا الهواء الّذي من الجال إلى الجال.

(2:134)

الأزهريّ: البئر معروفة،و جمعها:بئار،و آبار.

و حافرها:بئّار،و يقال:أبّار.

و بأرت بئرا،إذا حفرتها.(15:264)

الصّاحب: بأرت الشّيء و ابتأرته:أي خبأته.

و بأرت المتاع أبأره،إذا ذخرته،و هي البئيرة.

و كذلك إذا قدمت عملا صالحا تقول:بأرت بأرا،و في الحديث:«آتاه اللّه مالا فلم يبتئر خيرا».

و بأرت بؤرة:و هي حفيرة صغيرة يوقد فيها،أبأرها بأرا.و قول الكميت:

*إمّا ابتهارا و إمّا ابتئارا*

و هو أن يقول:قد فعلت،و قد فعل.و الابتهار:ضدّه.

و البؤرة:المكان المطمئنّ.

و البئر:معروفة،و حافرها بئّار،و هي الأبآر و البئار.

و بأرت بئرا:حفرتها.(10:269)

الجوهريّ: [قال مثل قول ابن السّكّيت في إصلاح المنطق(147)و أضاف:]

و البؤرة:الحفرة.

و البئيرة،على«فعيلة»:الذّخيرة.و قد بأرت الشّيء و ابتأرته،إذا ادّخرته.(2:583)

نحوه الرّازيّ.(38)

الهرويّ: في الحديث:«أنّ رجلا آتاه اللّه مالا فلم يبتئر خيرا»أي لم يقدّم خبيئة خير لنفسه و لم يدّخرها،يقال:بأرت الشّيء و ابتأرته،إذا ادّخرته و خبأته.و منه قيل للحفرة:البؤرة.يقال:ائتبرت أيضا بمعنى.(1:118)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:70)

الرّاغب: أصله الهمز،يقال:بأرت بئرا و بأرت بؤرة،أي حفيرة.و منه اشتقّ«المئبر»و هو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرّ عليها،و يقال لها:

المغواة،و عبّر بها عن النّميمة الموقعة في البليّة،و الجمع:

المآبر.(66)

الزّمخشريّ: الفاسق من ابتأر،و الفويسق من ابتهر.يقال:ابتأرت الجارية،إذا قال:فعلت بها،و هو صادق،و ابتهرتها،إذا قال ذلك و هو كاذب.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:14)

ابن الأثير: و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:

«اغتسلي من ثلاثة (1)أبؤر،يمدّ بعضها بعضا»أبؤر:

جمع قلّة للبئر،و تجمع على آبار،و بئار،و مدّ بعضها بعضا هو أنّ مياهها تجتمع في واحدة كمياه القناة.ث.

ص: 562


1- الصّحيح:ثلاث أبؤر،لأنّ لفظ البئر مؤنّث.

و فيه«البئر جبار»قيل:هي العادّية القديمة لا يعلم لها حافر و لا مالك،فيقع فيها الإنسان أو غيره فهو جبار، أي هدر.و قيل:هو الأجير الّذي ينزل إلى البئر فينقّيها و يخرج شيئا وقع فيها فيموت.(1:89)

ابن منظور: البؤرة كالزّبية من الأرض،و قيل:

هي موقد النّار،و الفعل كالفعل.

و بأر الشّيء يبأره بأرا و ابتأره،كلاهما:خبأه و ادّخره،و منه قيل للحفرة:البؤرة.و البؤرة و البئرة و البئيرة،على«فعيلة»:ما خبئ و ادّخر.(4:37)

أبو حيّان: البئر من بأرت،أي حفرت،و هي مؤنّثة على وزن«فعل»بمعنى مفعول،و قد تذكّر على معنى القليب.(6:371)

الفيروزآباديّ: «البئر»أنثى،جمعها:أبآر و آبار و أبؤر و آبر و بئار.و البئّار:حافرها.و أبأر فلانا:جعل له بئرا.

و بأر كمنع و ابتأر:حفر،و الشّيء خبأه أو ادّخره، و الخير قدّمه أو عمله مستورا.

و البؤرة:الحفرة،و موقد النّار،و الذّخيرة كالبئرة و البئيرة.(1:380)

البروسويّ: البئر في الأصل:حفيرة يستر رأسها لئلاّ يقع فيها من مرّ عليها.(6:43)

مجمع اللّغة: البئر:حفرة في الأرض يستقى منها الماء.(1:77)

محمّد إسماعيل إبراهيم: البئر:حفرة عميقة في الأرض يستخرج منها الماء أو النّفط،و هي مؤنّثة.

(1:57)

المصطفويّ: البئر:حفرة تحفر للاستسقاء.

و بمناسبة هذا المعنى تستعمل هذه المادّة بمعنى«الذّخيرة» لأنّ الماء يدّخر في البئر.ثمّ إنّ البئر كانت من أهمّ ما يعمل في حياة الإنسان،و لا سيّما في البوادي و الأراضي البعيدة عن الماء الجاري و البلاد الخالية عن الأنهار،كأكثر بلاد العرب،و كانت حفر البئر في تلك الأراضي و الأمكنة تعدّ من الباقيات الصّالحات.(1:191)

النّصوص التّفسيريّة

بئر

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ. الحجّ:45

ابن عبّاس: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ: الّتي قد تركت.

(الطّبريّ 17:180)

أمّا البئر المعطّلة فإنّها كانت لأهل عدن من اليمن، و هي«الرّسّ»الّذي قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَصْحابَ الرَّسِّ الفرقان:38.(الميبديّ 6:383)

الضّحّاك: لا أهل لها.(الطّبريّ 17:180)

هذه البئر كانت بحضرموت،في بلدة يقال لها:

حاضورا،نزل بها أربعة آلاف ممّن آمن بصالح و معهم صالح،فلمّا حضروا مات صالح،فسمّي المكان حضرموت.ثمّ إنّهم كثروا فكفروا و عبدوا الأصنام، فبعث اللّه إليهم نبيّا يقال له:حنظلة،فقتلوه في السّوق، فأهلكهم اللّه،فماتوا عن آخرهم،و عطّلت بئرهم،

ص: 563

و خرب قصر ملكهم.(الطّبرسيّ 4:88)

إنّ القصر على قلّة جبل بحضرموت،و البئر بسفحه.

(الآلوسيّ 17:167)

قتادة: عطّلها أهلها،تركوها.(الطّبريّ 17:180)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أمير المؤمنين عليه السّلام هو القصر المشيد،و البئر المعطّلة:فاطمة و ولدها،معطّلين من الملك.

(العروسيّ 3:507)

البئر المعطّلة:الإمام الصّامت،و القصر المشيد:

الإمام النّاطق.

مثله الإمام الكاظم عليه السّلام(العروسيّ 3:506).[و كلّ هذا تأويل]

الفرّاء: البئر و القصر يخفضان على العطف على «العروش».و إذا نظرت في معناها وجدتها ليست تحسن فيها(على)لأنّ العروش أعالي البيوت،و البئر في الأرض و كذلك القصر،لأنّ القرية لم تخو على القصر.

و لكنّه أتّبع بعضه بعضا،كما قال: وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الواقعة:22،23،و لو خفضت البئر و القصر إذا نويت أنّهما ليسا من القرية ب«من»كأنّك قلت:كم من قرية أهلكت،و كم من بئر و من قصر،و الأوّل أحبّ إليّ.

(2:228)

نحوه أبو البركات.(2:178)

الطّبريّ: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ، يقول تعالى:

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها الحجّ:45،و من بئر عطّلناها بإفناء أهلها،و هلاك وارديها،فاندفنت و تعطّلت،فلا واردة لها،و لا شاربة منها.[إلى أن قال:]

و البئر و القصر مخفوضان بالعطف على«القرية» و كان بعض نحويّي الكوفة يقول:هما معطوفان على «العروش»بالعطف عليها خفضا،و إن لم يحسن فيهما، على أنّ العروش أعالي البيوت،و البئر في الأرض و كذلك القصر،لأنّ القرية لم تخو على القصر،و لكنّه اتّبع بعضه بعضا،كما قال: وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الواقعة:22،23.

فمعنى الكلام على ما قال:هذا الّذي ذكرنا قوله في ذلك:فكأيّن من قرية أهلكناها و هي ظالمة،فهي خاوية على عروشها،و لها بئر معطّلة،و قصر مشيد.و لكن لمّا لم يكن مع البئر رافع و لا عامل فيها،أتبعها في الإعراب «العروش».(17:180)

القمّيّ: هي الّتي لا يستسقى منها،و هو الإمام الّذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم.[و هذا تأويل](2:85)

الطّوسيّ: قيل:إنّ البئر و القصر معروفان باليمن.

و في تفسير أهل البيت إنّ معنى وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ أي و كم من عالم لا يرجع إليه،و لا ينتفع بعلمه،و لا يلتفت إليه.

و معنى الآية:أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم اللّه بكفرهم و أبادهم بمعصيتهم،ليروا من تلك الآثار بيوتا خاوية،قد سقطت على عروشها، و بئر الشّرب قد باد أهلها و عطّل رشاؤها (1)و غار معينها،و قصرا مشيدا مزيّنا بالجصّ قد خلا من السّكن، و تداعى بالخراب،فيتّعظوا بذلك،و يخافوا من عقوبة اللّه و بأسه الّذي نزل بهم.(7:325)

الميبديّ: و كم من بئر متروكة مخلاة عن أهلها.

(و بير) غير مهموزة قرأها ورش عن نافع و أبوا.

ص: 564


1- في الأصل:رساوها.

عمرو-و إذا أدرج-و الوجه أنّه على تخفيف الهمزة، و تخفيفها هاهنا يقلّبها ياء لسكونها و انكسار ما قبلها ك«ذيب»و نحوه.

و قرأ الباقون (وَ بِئْرٍ) بالهمز،و الوجه أنّه هو الأصل، لأنّ الأصل في الهمزة التّحقيق.[إلى أن قال:]

اختلف العلماء في البئر و القصر هنا؛أ هما يعمّان كلّ قوم أم يختصّان بقوم دون غيرهم.

قال أصحاب القول الأوّل:إنّ هذا السّياق عامّ، و المراد منه هو أنّ سكّان الأرض قاطبة قسمان:أهل الحضر،و أهل الوبر.فعند الموت تعطّل آبار أهل الوبر و تعطّل قصور أهل الحضر.

و قال أنصار القول الثّاني:إنّ البئر و القصر معلومان و مخصوصان،و موضعهما معلوم،فقد شيّد هذا القصر على قلّة جبل يقع في اليمن،و كان هناك قوم من سكّان المدن و البوادي يعيشون في عصر عاد،ثمّ استحوذ عليهم الشّيطان و أغواهم،فكذّبوا نبيّهم،و عبدوا الأصنام بإيحاء من الشّيطان،و بنوا قصرا شاهقا مائتي ذراع،من الصّخر و الجصّ على قمّة ذلك الجبل،و أقاموا فيه مائة دار في خمسة طوابق،و جعلوا طابقا للجمال و طابقا للبقر و طابقا للمواشي و طابقا للطّعام و الشّراب و طابقا لاستقرارهم.

و حفروا في سفح الجبل بئرا،و جعلوها منهلا لهم و لدوابّهم.و أخيرا بلغ كفرهم و طغيانهم يوما أقصى غايته،فتمرّدوا على قبول الحقّ،و آذوا نبيّهم،حتّى دعا عليهم قائلا:اللّهمّ أهلكهم بما شئت،فغار ماء بئرهم فبقيت معطّلة،و بقيت أغنامهم عطاشى ثلاثة أيّام ثمّ ماتت،فلمّا كان اليوم الرّابع بعث اللّه على إبلهم وجعا فماتت عن آخرها،و بعث اللّه عليهم في اليوم السّابع جبرئيل فصاح فيهم فصاروا كلّهم خامدين؛فبقيت البئر معطّلة من الماء،و القصر معطّلا عن السّكّان،لم يسكنه أحد إلى يومنا هذا.(6:381)

الزّمخشريّ: المعنى كم قرية أهلكنا و كم بئر عطّلنا عن سقاتها،و قصر مشيد أخليناه عن ساكنيه،فترك ذلك لدلالة(معطّلة)عليه.[و بعد نقل قول الضّحّاك قال:]

يحتمل أنّهم لم يسافروا فحثّوا على السّفر ليروا مصارع من أهلكهم اللّه بكفرهم،و يشاهدوا آثارهم فيعتبروا،و أن يكونوا قد سافروا و رأوا ذلك،و لكن لم يعتبروا،فجعلوا كأن لم يسافروا و لم يروا.(3:17)

الطّبرسيّ: كم من بئر بار (1)أهلها و غار ماؤها و تعطّلت من دلائها،فلا مستقى منها و لا وارد لها.[إلى أن قال:]

و أصحاب الآبار:ملوك البدو،و أصحاب القصور:

ملوك الحضر،و في تفسير أهل البيت عليهم السّلام في قوله:

وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ أنّ المعنى و كم من عالم لا يرجع إليه و لا ينتفع بعلمه.(4:88)

النّيسابوريّ: هي القلب الفارغ عن أعمال القوى الرّوحانيّة،في طلب المعارف و الحقائق.(17:116)

ابن كثير: أي لا يستقى منها،و لا يردها أحد بعد كثرة وارديها و الازدحام عليها.(4:652)

نحوه القاسميّ.(12:4348)

الطّريحيّ: «البئر»بكسر الباء معروفة،و هي الّتيك.

ص: 565


1- بار:هلك.

يستقى منها الماء بالدّلو و الرّشاء.و معنى البئر المعطّلة -على ما قيل-هي الرّسّ،و كانت لعذر لأمّة من بقايا ثمود.(3:212)

الكاشانيّ: إنّما كنّى عن الإمام الصّامت بالبئر،لأنّه منبع العلم الّذي هو سبب حياة الأرواح مع خفائه إلاّ على من أتاه،كما أنّ البئر منبع الماء الّذي هو سبب حياة الأبدان مع خفائها إلاّ على من أتاها.و كنّى عن صمته بالتّعطيل لعدم الانتفاع بعلمه.و كنّى عن الإمام النّاطق بالقصر المشيد لظهوره و علوّ منصبه و إشادة ذكره.

(3:383)

الشّريف العامليّ: قد مرّ تأويلها بعليّ عليه السّلام و بولايته و بالإمام الصّامت و بالإمام الغائب،و بفاطمة و ولدها المعطّلين من الملك،و كلّ عالم لا يسمع قوله-كما سيأتي دليله في تفسير الآية و في ترجمة«القصر»- و العلّة في الجميع تعطيلهم من العلم و الملك و الانتفاعات الجليلة،مع اتّصاف كلّ منهم بكامل تلك الصّفات و غزارة علمهم،فتأمّل.(94)

الطّباطبائيّ: و المعنى فكم من قرية أهلكنا أهلها حال كونهم ظالمين،فهي خربة جدرانها على سقوفها، و كم من بئر معطّلة باد النّازلون عليها فلا وارد لها و لا مستقي منها،و كم من قصر مجصّص هلك سكّانها لا يرى لهم أشباح و لا يسمع منهم حسيس.و أصحاب الآبار أهل البدو،و أصحاب القصور أهل الحضر.

(14:388)

المصطفويّ: «البئر»عطفت على«القرية»أي و من بئر قد عطّلت و لا تستفاد منها و لا تستسقى،و من قصر جالب قد أخلي و ليس له أهل،لهلاك تلك القرية.

و ذكر البئر و القصر،فإنّ المسكن و الماء من ضرورات الحياة الأوّليّة للإنسان و الاجتماع البشريّ.

و من الماء كلّ شيء حيّ،فتلك مساكنهم.(1:191)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الخبء و السّتر،يقال:

بأرت الشّيء و ابتأرته و ائتبرته ابتئارا و ائتبارا،أي خبأته.و منه:البئر،و هي حفرة يستخرج منها ما خبئ فيها كالماء و غيره.و منه أيضا:البؤرة،و هي حفرة تحفر لإيقاد النّار و طبخ الطّعام فيها،أو لاصطياد الأسود.

2-أمّا قولهم:ابتأر فلان خيرا،بمعنى ادّخره،فهو مجازيّ.و منه الحديث:«إنّ رجلا آتاه اللّه مالا فلم يبتئر خيرا»أي لم يدّخر.

و قد جعل بعض المتأخّرين الادّخار أصلا و السّتر فرعا،خلافا لما قال به الرّعيل الأوّل من اللّغويّين.و من الغريب أنّ ابن فارس-و هو رائد الأصول اللّغويّة-لم يتعرّض في مقاييسه لهذا الأصل أبدا.

3-و هناك رؤية أخرى،و هي أنّ الأصل في هذه المادّة هو«البئر»و المشتقّات ناشئة عنه-كما قلنا في «الأذن»و نحوها-و هذا ليس بعيدا عن الصّواب،فإنّ ألفاظ المحسوسات في اللّغات البدويّة سابقة لألفاظ المعاني،و المعاني ناشئة عن المحسوسات،حتّى أنّ المعاني عند الأقوام البدويّة-كما عند الأطفال-يعبّر عنها ابتداء بالمحسوسات و بالإشارة إليها.

و بيانه أن يقال:الأصل في«البئر»هو الحفرة الّتي

ص: 566

يدّخر فيها الماء لأيّام أخر،كما كانت في الحجاز و غيرها من الجزيرة العربيّة،و توصف«البئر»بأنّها حفرة عميقة في الأرض،يستسقى منها الماء،و تغطّى فوهتها حذر الوقوع فيها.و قد شبّهت بها الآن الحفر الّتي يستخرج منها النّفط،فسمّيت الواحدة منها بئرا أيضا.

ثمّ تطوّرت الكلمة مع التّطوّر الحضاري للنّاس، حتّى أصبحت«البئر»تدلّ على المكان الّذي تدّخر فيه الأشياء.و سرى هذا المعنى إلى سائر مشتقّاتها أيضا، فسمّي ما يدّخر للأيّام التّالية«بئيرة»على وزن «خزينة»،أو«البئرة»على وزن«نعمة»و«عدّة».

و سرعان ما أضحت الكلمة تدلّ على العمل المستور الخفيّ،كصدقة السّرّ،أو العمل الصّالح الّذي يقدّمه المرء في حياته،و يدّخره إلى يوم الحساب.

فالبئر على كلّ حال احتفظت بمعنيين أساسيّين:

أ-معنى الخير و الذّخيرة المطلوبة في أيّام الحاجة.

ب-معنى السّتر و الخفاء تحت الأرض أو طيّ الكتمان أو ما يحتسب عند اللّه.

4-و لو ألقينا نظرة على تقاليب هذه المادّة لوجدنا أنّ(أ ر ب)تعني الحاجة و العقل و النّصيب و العقد، و(أ ب ر)تعني نخس شيء بشيء محدّد،يسمّى«الإبرة»، و(ب ر أ)تعني التّباعد من الشّيء،و(ر أ ب)تعني الجمع و الضّمّ،و(ر ب أ)تعني الزّيادة و النّموّ.فكلّها قريبة من (ب أ ر)،إلاّ أنّ(أ ب ر)أكثرها قربا؛إذ نخس الشّيء يحدث ما يشبه البئر.

5-و رغم أنّ«البأر»و«الخبء»بمعنى واحد،و أنّ بعض مشتقّاتها متّحد وزنا و معنى،مثل:بأر الشّيء و خبأه و اختبأه،و البؤرة و الخبأة،و البئيرة و الخبيئة، إلاّ أنّ بينهما فرقا،إذ«البأر»لا يفيد السّتر و الادّخار كالخبء فحسب،بل يعني أيضا إبراز المستور و إظهاره بالحفر كالبئر،و لذا قيل:البئر،على وزن«فعل»بمعنى «مفعول».

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد لفظ«البئر»في القرآن مرّة واحدة، و ما بمعناه أربع مرّات:

1- فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ

الحجّ:45

2- وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً الفرقان:38

3- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ أَصْحابُ الرَّسِّ وَ ثَمُودُ ق:12

4- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:10

5- فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:15

يلاحظ أوّلا:أنّ لفظ(بئر)جاء نكرة خلافا للفظ (الجبّ)و(الرّسّ)،و مردّ هذا التّنكير إلى كونه عطفا على(قرية)،على أحد قولين.و(قرية)مميّز(فكايّن)، و هي أداة تفيد الإبهام و التّكثير،أي كثيرا ما أهلكنا أهل القرى،و عطّلنا آبارهم،و دمّرنا قصورهم،ف«البئر المعطّلة»هنا تفيد الجنس و العموم،لا الخصوص كالجبّ

ص: 567

و الرّسّ.

و الحقّ أنّ هذا السّياق في الآية يشمل ألفاظا كلّها نكرة،معطوفة على بعضها البعض،على هذا القول:

قرية و ظالمة و خاوية و بئر معطّلة و قصر مشيد،و كما يفيد الكثرة من حيث العدد يفيد الإبهام و الانغمار في الأعصار و الأزمنة الغابرة،و في الصّحاري و الأمكنة المبعثرة،أي مجهولة زمانا و مكانا و عددا،و هذا السّياق أبلغ في إفادة المراد من أيّ سياق آخر.

و أمّا القول الآخر فيفيد أنّ(بئر)معطوفة على (عروشها)،فيصبح المعنى:كثيرا ما أهلكنا أهل القرى، فتعطّل آبارهم،و تدمّر قصورهم.

و القول الأوّل أوفق معنى،و الثّاني أوفق لفظا.

و ثانيا:قد فسّر أئمّة أهل البيت عليهم السّلام«البئر المعطّلة»تأويلا بالإمام الصّامت الّذي لا ينهل النّاس من نمير علمه،و هو تأويل من باب التّشبيه بالمحسوس،إذ المراد بالبئر-كما ذكرنا آنفا-عموم الآبار و جنسها،دون بئر معيّنة.

و ثالثا:شاكلت سورة«الحجّ»سورتي«الفرقان»و «ق»فيما يلي:

أ-الإشارة إلى النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و قومه.

ب-ذكر قوم نوح.

ج-ذكر قوم لوط.

د-ذكر عاد.

ه-ذكر ثمود.

و لكن سورة الحجّ أتت على ذكر أَصْحابُ مَدْيَنَ الحجّ:44،و فيها وقعت حكاية البئر،و تلكما السّورتان أتتا على ذكر أَصْحابَ الرَّسِّ دون أَصْحابُ مَدْيَنَ، فهل هذا يعني أنّ أصحاب مدين هم أصحاب الرّسّ؟و أنّ أصحاب البئر المعطّلة هم أصحاب الرّسّ أيضا؟

و لكن يبعده أنّ ذكر أَصْحابُ الْأَيْكَةِ جاء بعد أَصْحابُ الرَّسِّ في سورة ق:12 و 14. وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ* وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ ق:13،14.و قد تقدّم في«أ ي ك»رجحان وحدة أصحاب الأيكة و أهل مدين،فإذا كان كذلك، فليس أهل مدين هم أصحاب الرّسّ،و إلاّ لما تكرّر.

إضافة إلى أنّ(الرّسّ)معرّف باللاّم،و هو خاصّ، وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ نكرة و عامّ كما سبق،لاحظ«أ ي ك».

و رابعا:لعلّك تقول:ما الفرق بين البئر و الجبّ؟ و ما الموجب لإضافة(غيابت)إلى(الجبّ)؟

الجواب:الفرق بين البئر و الجبّ-كما يأتي في «ج ب ب»-أنّ الجبّ:البئر الّتي لم تطو،أي لم يبن داخلها بالحجارة،بل قطع من الأرض قطعا،فإنّ الجبّ:

القطع،و البئر ما بنيت بالحجارة،فإذا طويت فهي بئر،أو هي مطلق،و الجبّ خاصّ بغير المطويّة،فبئر يوسف كانت غير مطويّة موحشة.

أمّا غَيابَتِ الْجُبِّ فهي موضع منهبط مظلم من البئر،غائب عن الأنظار،و عزم إخوة يوسف على إلقائه و إخفائه في مثل هذا الموضع الخفيّ،لئلاّ يطّلع عليه أحد.

و بذلك ظهر أنّ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ هي ما كانت يؤخذ منها الماء،و قد عطّلت،و الجبّ هو بئر عميقة قائمة، ملائمة لإلقاء يوسف و إخفائه فيها،لاحظ«غ ي ب»و

ص: 568

«ج ب ب».

و خامسا:أنّ(بئر)جاءت مرّة واحدة في سورة مردّدة بين كونها مكّيّة أو مدنيّة،و هي سورة الحجّ، و الحال أنّ كلاّ من غَيابَتِ الْجُبِّ و أَصْحابَ الرَّسِّ كرّرا مرّتين في سور مكّيّة،فالأوّل كرّر في سورة يوسف بشأن يوسف،تركيزا على محنته الكبيرة الّتي ابتلي بها من قبل إخوته،فصبر عليها،فنجّاه اللّه تعالى، و بوّأه منصب عزيز مصر.و كرّر الثّاني في سورتين مكّيّتين في رديف الأمم المغضوب عليهم،مثل:عاد و ثمود و قوم لوط و قوم نوح و فرعون،تركيزا على بعدهم عن رحمة اللّه تعالى.فالبئر وقعت موقع الغضب و اللّعن، و الجبّ وقع موقع الرّضا و القرب،رغم إرادة إخوة يوسف إبعاده عن الأنظار و إذلاله بين الأنام،و إخماد ذكره،و إخفاء موضعه.

و سادسا:لكون آيات الرّسّ و الجبّ مكّيّة،فكانت الكلمتان مفهومتين لأهل مكّة،فهل مجيء(بئر)بدلهما في سورة يحتمل أن تكون مدنيّة دليل على أنّ هذه اللّفظة كانت مفهومة في جوّ المدينة أكثر من مكّة لكثرة الآبار بها،بل جاز اتّخاذها شاهدا على أنّ سورة الحجّ مدنيّة؟

أو يقال:إنّها مكّيّة،و أنّ مجيئها دليل على قلّة الآبار بها،حتّى كادت تنحصر في بئر زمزم،و تنكيرها يعضد هذه الرّؤية،و أنّها كانت مجهولة عندهم،لا يعلمها إلاّ من ضرب في الأرض،و طوى المراحل.بخلاف أهل المدينة؛حيث إنّ الآبار حفرت عندهم بكثرة في البساتين و الحدائق و المزارع و القرى المحيطة بها،و هذا وجه آخر لتنكيرها إضافة إلى ما تقدّم،و البحث بعد مفتوح للباحثين.

2-و لعلّ ورود«البئر»يشير إلى أنّ معين الحياة الأبديّة الطّيّبة هو واحد،و مورده واحد،و كلّ من ضلّ عنه تاه في صحراء الضّلال و الهلاك.كما أنّ ورود هذه الكلمة في سورة الحجّ ربّما يشير إلى أنّ الحجّ هو المعين و المدّخر الّذي يجب ألاّ يترك دون استثمار،أو إلى وجود معجزة في عرصات الحرم الإلهيّ،و هي بئر زمزم الّتي انفجرت لإسماعيل عليه السّلام.

3-و قد جاءت كلمة(بئر)مخفوضة،و البئر هي مخفوضة أيضا عن سطح الأرض،و الخفض إنّما جاء بالعطف على(قرية)،و هذا هو الرّاجح الّذي يستقيم به المعنى إذا كان التّقدير:و كم من بئر معطّلة و من قصر مشيد،ففيها مجرورات كثيرة و مخفوضات لفظيّة و معنويّة.

4-إنّ كلمة(بئر)وصفت بأنّها(معطّلة)،و تعطيل الشّيء ترك العمل به،و إبطال الاستفادة من منافعه.

و الظّاهر أنّ البئر المعطّلة في القرآن هي بئر عامرة،فيها الماء و الأدوات،إلاّ أنّ اليد المستفيدة هي المفقودة،لذا تعطّلت بالتّرك.

أمّا القصر فهو(مشيد)،و جاء الوصف حاكيا حالته،و هي الخلوّ بعد الزّهو،فكأنّه خفض و هبط بخفض سكّانه و هبوطهم في الحفر،و لم يوصف بلفظ «مشيّد»؛إذ فيه الرّفعة و الحياة،كما في قوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.

5-إنّ صورة البئر المعطّلة و ما يحيط بها من صور أخرى تشير إلى عبرة يغفل الإنسان عنها،رغم

ص: 569

تكرارها كلّ يوم،و هي الموت الّذي يعتريه فجأة.

و سياق الآية يرسم صورة رهيبة موحشة؛حيث القرية خاوية هامدة،لا نسمة فيها و لا حركة،بعد أن كانت تعجّ بالغادي و الرّائح.

ص: 570

ب أ س

اشارة

13 لفظا،73 مرّة:34 مكّيّة،39 مدنيّة

في 32 سورة:14 مكّيّة،18 مدنيّة

بئس 37:11-26 بأسه 1:1

بئسما 3:1-2 بأسهم 1:-1

البائس 1:-1 بأسكم 2:2

بئيس 1:-1 بأسنا 10:10

بأس 7:4-3 البأساء 4:2-2

البأس 2:-2 تبتئس 2:2

بأسا 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البأس:الحرب.و رجل بئس قد بؤس بآسة،أي شجاع.و البأساء:اسم للحرب،و المشقّة، و الضّرر.

و البائس:الرّجل النّازل به بليّة،أو عدم يرحم لما به،قد بؤس يبؤس بؤسا و بؤسى.

و منه اشتقاق«بئس»و هو نقيض صلح،يجري مجرى«نعم»في المصادر،إلاّ أنّهم إذا صرّفوه قالوا:

بئسوا و نعموا،و إذا جعلوه نعتا قالوا:نعيم و بئيس،كما يقرأ قوله تعالى: بِعَذابٍ بَئِيسٍ الأعراف:165، على«فعيل».

و لغة لسفلى مضر:نعيم و بئيس،يكسرون الفاء في «فعيل»إذا كان الحرف الثّاني منه من حروف الحلق السّتّة،و بلغتهم كسر:الضّئين و رئيس و دهين.و أمّا من كسر«كثير»و أشباه ذلك من غير حروف الحلق فإنّهم ناس من أهل اليمن.

و أهل الشّحر (1)،يكسرون كلّ«فعيل»و هو قبيح إلاّ في الحروف السّتّة،و فيها أيضا يكسرون صدر كلّ فعل يجيء على بناء«عمل»نحو قولك:شهد و سعد، و يقرءون (وَ ما شَهِدْنا إِلاّ بِما عَلِمْنا) يوسف:81.

و المبأسة:اسم للفقر،و هي الّتي عنى عديّ بن زيد

ص: 571


1- ساحل البحرين و عمان و عدن.(القاموس المحيط).

حين قال:«في غير مبأسة».(7:316)

سيبويه: و أصل نعم و بئس:نعم و بئس،و هما الأصلان اللّذان وضعا في الرّداءة و الصّلاح،و لا يكون منهما فعل لغير هذا المعنى.(2:179)

قالوا:بؤسا له،في حدّ الدّعاء،و هو ممّا انتصب على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره.

البائس من الألفاظ المترحّم بها كالمسكين،و ليس كلّ صفة يترحّم بها و إن كان فيها معنى البائس و المسكين،و قد بؤس بأسة و بئيسا،و الاسم البؤسى.

(ابن منظور 6:21)

الفرّاء: «بئس»لا يليها مرفوع موقّت،و لا منصوب موقّت.و لها وجهان:

فإذا وصلتها بنكرة-قد تكون معرفة بحدوث ألف و لام فيها-نصبت تلك النّكرة،كقولك:بئس رجلا عمرو،و نعم رجلا عمرو.

و إذا أوليتها معرفة فلتكن غير موقّتة،في سبيل النّكرة،أ لا ترى أنّك ترفع فتقول:نعم الرّجل عمرو، و بئس الرّجل عمرو.

فإن أضفت النّكرة إلى نكرة رفعت و نصبت كقولك:

نعم غلام سفر زيد،و غلام سفر زيد.

و إن أضفت إلى المعرفة شيئا رفعت،فقلت:نعم سائس الخيل زيد.و لا يجوز النّصب إلاّ أن يضطرّ إليه شاعر،لأنّهم حين أضافوا إلى النّكرة رفعوا،فهم إذا أضافوا إلى المعرفة أحرى ألاّ ينصبوا.

و إذا أوليت«نعم و بئس»من النّكرات ما لا يكون معرفة مثل«مثل»و«أيّ»كان الكلام فاسدا.خطأ أن تقول:نعم مثلك زيد،و نعم أيّ رجل زيد،لأنّ هذين لا يكونان مفسّرين،أ لا ترى أنّك لا تقول:للّه درّك من أيّ رجل،كما تقول:للّه درّك من رجل.

و لا يصلح أن تولي نعم و بئس«الّذي»و لا«من» و لا«ما»إلاّ أن تنوي بهما الاكتفاء دون أن يأتي بعد ذلك اسم مرفوع،من ذلك قولك:بئسما صنعت،فهذه مكتفية،و ساء ما صنعت،و لا يجوز ساء ما صنيعك.

و قد أجازه الكسائيّ في كتابه على هذا المذهب، و لا نعرف ما جهته.و قال:أرادت العرب أن تجعل«ما» بمنزلة«الرّجل»حرفا تامّا،ثمّ أضمروا لصنعت«ما» كأنّه قال:بئسما ما صنعت،فهذا قوله و أنا لا أجيزه.

فإذا جعلت«نعم»صلة ل«ما»بمنزلة قولك«كلّما» و«إنّما»كانت بمنزلة«حبّذا»فرفعت بها الأسماء،من ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ البقرة:271،رفعت(هى)ب(نعمّا).

و لا تأنيث في«نعم»و لا تثنية إذا جعلت«ما»صلة لها،فتصير«ما»مع«نعم»بمنزلة«ذا»من«حبّذا»أ لا ترى أنّ«حبّذا»لا يدخلها تأنيث و لا جمع.

و لو جعلت«ما»على جهة الحشو كما تقول:عمّا قليل آتيك،جاز فيه التّأنيث و الجمع،فقلت:بئسما رجلين أنتما،و بئست ما جارية جاريتك.و سمعت العرب تقول:في«نعم»المكتفية ب«ما»:بئسما تزويج و لا مهر، فيرفعون التّزويج ب«بئسما».(1:56)

أبو زيد:يقال في مثل:«نعيم كلب في بؤس أهله».

و بئيس أهله و بئس أهله لغتان.يقال هذا للإنسان إذا أكل من مال غيره،و أصله أنّ كلبا سمن و أهزل النّاس،

ص: 572

فأكل الجيف حتّى سمن و نعم،و أهله بائسون.(247)

بؤس الرّجل يبؤس بأسا،إذا كان شديد البأس شجاعا.و يقال من«البؤس»و هو الفقر:بئس الرّجل يبأس بؤسا و بأسا و بئيسا،إذا افتقر،فهو بائس،أي فقير.و الشّجاع يقال منه:بئس.(الأزهريّ 13:107)

يقال:ابتأس الرّجل،إذا بلغه شيء يكرهه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:108)

الأصمعيّ: «عسى الغوير أبؤسا»هو مثل لكلّ شيء يخاف أن يأتي منه شرّ،و أصل هذا المثل:أنّه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو أتاهم فيه فقتلهم.

(ابن منظور 6:23)

الأخفش: البأساء:بني على«فعلاء»و ليس له أفعل،لأنّه اسم كما قد يجيء«أفعل»في الأسماء ليس معه فعلاء،نحو أحمد.(الجوهريّ(3:907)

ابن الأعرابيّ: بؤسا له و توسا و جوسا،بمعنى واحد.(الأزهريّ 13:107)

البئس و البيس على«فعل»:العذاب الشّديد.

و باس الرّجل يبيس بيسا،إذا تكبّر على النّاس و آذاهم.(الأزهريّ 13:108)

و أبأس الرّجل:حلّت به البأساء.

(ابن منظور 6:21)

شمر: إذا قال الرّجل لعدوّه:لا بأس عليك،فقد أمّنه،لأنّه نفى البأس عنه،و هو في لغة حمير:لبات،أي لا بأس.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:109)

الزّجّاج: «بئس»إذا وقعت على«ما»جعلت معها بمنزلة اسم منكور،و إنّما ذلك في نعم و بئس،لأنّهما لا يعملان في اسم علم،إنّما يعملان في اسم منكور دالّ على جنس،أو اسم فيه ألف و لام يدلّ على جنس.

و إنّما كانتا كذلك لأنّ«نعم»مستوفية لجميع المدح، و«بئس»مستوفية لجميع الذّمّ،فإذا قلت:نعم الرّجل زيد،فقد استحقّ زيد المدح الّذي يكون في سائر جنسه.

و في«نعم الرّجل زيد»أربع لغات:نعم الرّجل زيد، و نعم الرّجل زيد،و نعم الرّجل زيد،و نعم الرّجل زيد، و كذلك إذا قلت:بئس الرّجل،دللت على أنّه استوفى الذّمّ الّذي يكون في سائر جنسه.

فلم يجز إذ كان يستوفي مدح الأجناس أن يعمل في غير لفظ جنس،فإذا كان معها اسم جنس بغير ألف و لام فهو نصب أبدا،و إذا كانت فيه الألف و اللاّم فهو رفع أبدا،و ذلك كقولك:نعم رجلا زيد،و نعم الرّجل زيد،فلمّا نصب«رجل»فعلى التّمييز.

و في«نعم»اسم مضمر على شريطة التّفسير،و زيد مبيّن من هذا الممدوح،لأنّك إذا قلت:نعم الرّجل، لم يعلم من تعني،فقولك:زيد،تريد به هذا الممدوح هو زيد.(1:172)

يقال:قد بأس الرّجل يبأس بأسا و بأسا و بؤسا يا هذا،إذا افتقر.و قد بؤس الرّجل يبؤس فهو بئيس،إذا اشتدّت شجاعته.(1:247)

ابن دريد: البؤس:ضدّ النّعيم،و البأساء:ضدّ النّعماء،و البأس:الحرب،ثمّ كثر حتّى قيل:لا بأس عليك،أي لا خوف عليك.

و رجل بئيس:شجاع،مأخوذ من البأس،و رجل

ص: 573

بئوس:ظاهر البؤس،و عذاب بئيس:شديد.

(3:206)

و بؤس الرّجل يبؤس بأسا،إذا كان شديد البأس، و من البؤس قد بئس يبأس بأسا و بئيسا.و البأساء اشتقاقها من البأس،و البؤسى مثل الطّوبى اشتقاقها من البؤس.(3:277)

عبد الرّحمن الهمذانيّ: أجناس الشّجاعة:

البسالة،و النّجدة،و البأس.(64)

القاليّ: و من أمثال العرب:«نعيم كلب في بؤس أهله».و يقال:بئيس أهله،و يقال:بئس أهله لغتان،يضرب مثلا للرّجل يأكل مال غيره فيسمن و ينعم.و أصله أنّ كلبا سمن و أهزل النّاس لأكل الجيف، فأهله بائسون.(2:31)

السّيرافيّ: نعم و بئس فعلان ماضيان،موضوعان للمدح و الذّمّ؛فنعم للمدح العامّ،و بئس للذّمّ العامّ.

و مبناهما على«فعل»في الأصل،و في كلّ واحد منهما أربع لغات:فعل،و فعل،و فعل،و فعل.

و يلزم باب نعم و بئس ذكر شيئين:أحدهما الاسم الّذي يستحقّ به المدح أو الذّمّ،و الآخر الممدوح و المذموم؛و ذلك قولك:نعم الرّجل زيد و بئس الخادم غلامك،فالاسم الّذي يستحقّ به المدح هو الاسم الّذي تعمل فيه نعم أو بئس.(حاشية كتاب سيبويه 2:175)

الأزهريّ: و من العرب من يصل بئس ب«ما»،قال اللّه جلّ و عزّ: لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ البقرة:

102.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«بئسما لأحدكم أن يقول:نسيت آية كيت و كيت،أمّا إنّه ما نسي و لكنّه أنسي».

و العرب تقول: بئسما لك أن تفعل كذا و كذا،إذا أدخلت«ما»في بئس أدخلت بعدها«أن»مع الفعل:

بئسما لك أن تهجر أخاك،و بئسما لك أن تشتم النّاس.

و روى جميع النّحويّين:بئسما تزويج و لا مهر.

و المعنى فيه:بئس شيئا تزويج و لا مهر.(13:109)

الصّاحب:البأس:الحرب،رجل بئيس قد بؤس بآسة:و هو الشّجاع.

و البأساء:للحرب،و المشقّة،و الفقر.

و البائس:الرّجل النّازل به بليّة أو عدم،بؤس يبؤس بؤسا و بؤسى.

و بئس:ضدّ نعم.

و نعيم و بئيس.

و اغتنم هذا الأمر و ابتأسه:بمعنى واحد.(8:401)

الجوهريّ: بئس:كلمة ذمّ،و نعم:كلمة مدح.

تقول:بئس الرّجل زيد،و بئست المرأة هند.

و هما فعلان ماضيان لا يتصرّفان،لأنّهما أزيلا عن موضعهما.فنعم منقول من قولك:نعم فلان،إذا أصاب نعمة،و بئس منقول من:بئس فلان،إذا أصاب بؤسا، فنقلا إلى المدح و الذّمّ،فشابها الحروف فلم يتصرّفا.

و الأبؤس:جمع بؤس،من قولهم:يوم بؤس و يوم نعم.

و الأبؤس أيضا:الدّاهية،و في المثل:«عسى الغوير أبؤسا».

و قد أبأس إبآسا.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 574

و لا تبتئس،أي لا تحزن و لا تشتك.

و المبتئس:الكاره و الحزين.[ثمّ استشهد بشعر]

و البأساء:الشّدّة.

و البؤسى:خلاف النّعمى.(3:907)

ابن فارس: الباء و الهمزة و السّين أصل واحد:

الشّدّة و ما ضارعها،فالبأس:الشّدّة في الحرب،و رجل ذو بأس و بئيس،أي شجاع،و قد بأس بأسا.

فإن نعتّه بالبؤس قلت:بؤس،و البؤس:الشّدّة في العيش،و المبتئس:المفتعل من الكراهة و الحزن.[ثمّ استشهد بشعر](1:328)

نحوه ابن سيدة.(الإفصاح 1:142)

أبو هلال: الفرق بين الفقير و البائس،قال مجاهد و غيره:البائس:الّذي يسأل بيده،قلنا:و إنّما سمّي من هذه حاله بائسا لظهور أثر البؤس عليه بمدّ يده للمسألة، و هو على جهة المبالغة في الوصف له بالفقر.

و قال بعضهم: هو بمعنى المسكين،لأنّ المسكين هو الّذي يكون في نهاية الفقر قد ظهر عليه السّكون للحاجة و سوء الحال،و هو الّذي لا يجد شيئا.(147)

الفرق بين الضّرّاء و البأساء،أنّ البأساء ضرّاء معها خوف،و أصلها:البأس و هو الخوف،يقال:لا بأس عليك،أي لا خوف عليك،و سمّيت الحرب بأسا لما فيها من الخوف.

و البائس:الرّجل إذا لحقه بأس،و إذا لحقه بؤس أيضا،قال تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ هود:

36،أي لا يلحقك بؤس،و يجوز أن يكون من البأس، أي لا يلحقك خوف،بما فعلوا.

و جاء البأس بمعنى الإثم في قولهم:لا بأس بكذا،أي لا إثم فيه،و يقال أيضا:لا بأس فيه،أي هو جائز شائع.

(163)

الفرق بين الخوف و البأس و البؤس،أنّ البأس يجري على العدّة من السّلاح و غيرها،و نحوه قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ الحديد:25.

و يستعمل في موضع الخوف مجازا،فيقال:لا بأس عليك و لا بأس في هذا الفعل،أي لا كراهة فيه.(202)

الهرويّ: «بئس»حرف مستوف لجميع الذّمّ،كما أنّ«نعم»مستوف لجميع المدح،فإذا وليا اسما جنسا فيه ألف و لام ارتفع،تقول:بئس الرّجل أنت،فإذا لم يكن فيه ألف و لام انتصب،تقول:بئس رجلا أنت، و نعم صديقا أنت،على التّمييز.(1:119)

ابن سيدة:البأس:الحرب،ثمّ كثر حتّى قيل:

لا بأس عليك،و لا بأس،أي لا خوف.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 6:20)

الطّوسيّ: أصل بئس:بئس من«البؤس» فأسكنت الهمزة و نقلت حركتها إلى الباء،كما قالوا في ظللت:ظلت،و كما قيل للكبد:كبد،فنقلت حركة الباء إلى الكاف لمّا سكّنت الباء.

و يحتمل أن تكون«بئس»و إن كان أصلها:بئس، من لغة من ينقل حركة العين من فعل إلى الفاء إذا كانت عين الفعل أحد حروف الحلق السّتّة،كما قالوا في لعب:

لعب،و في سئم سئم،و هي لغة تميم.(1:346)

البأس:العذاب،و البؤس:الفقر،و الأصل:الشّدّة.

و رجل بئس:شديد في القتال،و منه قولهم:بئس الرّجل

ص: 575

زيد،معناه شديد الفساد.(4:510)

الرّاغب: البؤس و البأس و البأساء:الشّدّة و المكروه،إلاّ أنّ البؤس في الفقر و الحرب أكثر،و البأس و البأساء في النّكاية نحو: وَ اللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلاً النّساء:84، فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ الأنعام:42، وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ البقرة:177،و قال تعالى: بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ الحشر:14،و قد بؤس يبؤس، بِعَذابٍ بَئِيسٍ الأعراف:165،فعيل من البأس أو من البؤس، فَلا تَبْتَئِسْ هود:36،أي لا تلتزم البؤس و لا تحزن.

و في الخبر أنّه عليه السّلام كان يكره البؤس و التّباؤس و التّبؤس،أي الضّراعة للفقراء،أو أن يجعل نفسه ذليلا و يتكلّف ذلك جميعا.

و«بئس»كلمة تستعمل في جميع المذامّ،كما أنّ «نعم»تستعمل في جميع الممادح.و يرفعان ما فيه الألف و اللاّم أو مضافا إلى ما فيه الألف و اللاّم،نحو:بئس الرّجل زيد و بئس غلام الرّجل زيد.و ينصبان النّكرة نحو:بئس رجلا،و بئس كما كانوا يفعلون،أي شيئا يفعلونه،قال تعالى: وَ بِئْسَ الْقَرارُ إبراهيم:29، و فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29، بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50، لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ المائدة:63.

و أصل بئيس:بئس،و هو من«البؤس».(66)

الزّمخشريّ: فلان ذو بأس،و شجاع بئيس،و قد بؤس.

و بؤس بعد غناه:افتقر،فهو بائس.

و وقع في البؤس و البأساء،و في أمر بئيس:شديد.

و ابتأس بذلك،إذا اكتأب و استكان من الكآبة فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يوسف:69.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:14)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ البحث عن حقيقة«بئسما» لا يحصل إلاّ في مسائل:

المسألة الأولى:أصل نعم و بئس:نعم و بئس،بفتح الأوّل و كسر الثّاني،كقولنا:«علم»إلاّ أنّ ما كان ثانيه حرف حلق و هو مكسور،يجوز فيه أربع لغات:

الأوّل:على الأصل،أعني بفتح الأوّل و كسر الثّاني.

و الثّاني:إتباع الأوّل للثّاني،و هو أن يكون بكسر النّون و العين،و كذا يقال:فخذ بكسر الفاء و الخاء،و هم و إن كانوا يفرّون من الجمع بين الكسرتين إلاّ أنّهم جوّزوه هاهنا،لكون الحرف الحلقيّ مستتبعا لما يجاوره.

الثّالث:إسكان الحرف الحلقيّ المكسور و ترك ما قبله على ما كان،فيقال:نعم و بئس بفتح الأوّل و إسكان الثّاني،كما يقال:فخذ بفتح الفاء و إسكان الخاء.

الرّابع:أن يسكن الحرف الحلقيّ،و تنقل كسرته إلى ما قبله،فيقال:نعم بكسر النّون و إسكان العين،كما يقال:فخذ بكسر الفاء و إسكان الخاء.

و اعلم أنّ هذا التّغيير الأخير و إن كان في الجواز عند إطلاق هاتين الكلمتين إلاّ أنّهم جعلوه لازما لهما، لخروجهما عمّا وضعت له الأفعال الماضية،من الإخبار عن وجود المصدر في الزّمان الماضي،و صيرورتهما كلمتي مدح و ذمّ،و يراد بهما المبالغة في المدح و الذّمّ،

ص: 576

ليدلّ هذا التّغيير اللاّزم في اللّفظ على التّغيير عن الأصل في المعنى،فيقولون:نعم الرّجل زيد،و لا يذكرونه على الأصل إلاّ في ضرورة الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر]

المسألة الثّانية:أنّهما فعلان من نعم ينعم و بئس يبأس،و الدّليل عليه دخول التّاء الّتي هي علامة التّأنيث فيهما،فيقال:نعمت و بئست.و الفرّاء يجعلهما بمنزلة الأسماء،و يحتجّ بقول حسّان بن ثابت رضى اللّه عنه:

ألسنا بنعم الجار يؤلف بيته

من النّاس ذا مال كثير و معدما

و بما روي أنّ أعرابيّا بشّر بمولودة،فقيل له:نعم المولود مولودتك،فقال:و اللّه ما هي بنعم المولودة، و البصريّون يجيبون عنه بأنّ ذلك بطريق الحكاية.

المسألة الثّالثة:اعلم أنّ«نعم و بئس»أصلان للصّلاح و الرّداءة،و يكون فاعلهما اسما يستغرق الجنس إمّا مظهرا و إمّا مضمرا.

و المظهر على وجهين:الأوّل:نحو قولك نعم الرّجل زيد،لا تريد رجلا دون الرّجل و إنّما تقصد الرّجل على الإطلاق،و الثّاني:نحو قولك:نعم غلام الرّجل زيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا المضمر فكقولك:نعم رجلا زيد،الأصل:نعم الرّجل رجلا زيد،ثمّ ترك ذكر الأوّل،لأنّ النّكرة المنصوبة تدلّ عليه و«رجلا»نصب على التّمييز.مثله في قولك:عشرون رجلا،و المميّز لا يكون إلاّ نكرة،أ لا ترى أنّ أحدا لا يقول:عشرون الدّرهم.

و لو أدخلوا الألف و اللاّم على هذا فقالوا:نعم الرّجل بالنّصب،لكان نقضا للغرض،إذ لو كانوا يريدون الإتيان بالألف و اللاّم لرفعوا،و قالوا:نعم الرّجل،و كفوا أنفسهم مئونة الإضمار،و إنّما أضمروا الفاعل قصدا للاختصار،إذ كان«نعم رجلا»يدلّ على الجنس الّذي فضّل عليه.

المسألة الرّابعة:إذا قلت:نعم الرّجل زيد،فهو على وجهين:

أحدهما:أن يكون مبتدأ مؤخّرا،كأنّه قيل:زيد نعم الرّجل،أخّرت زيدا و النّيّة به التّقديم،كما تقول:

مررت به المسكين تريد المسكين مررت به.فأمّا الرّاجع إلى المبتدإ،فإنّ الرّجل لمّا كان شائعا ينتظم فيه الجنس، كان زيد داخلا تحته،فصار بمنزلة الذّكر الّذي يعود إليه.

و الوجه الآخر زيد خبر مبتدإ محذوف،كأنّه لمّا قيل:نعم الرّجل،قيل:من هذا الّذي أثنى عليه؟فقيل:

زيد،أي هو زيد.

المسألة الخامسة:المخصوص بالمدح و الذّمّ لا يكون إلاّ من جنس المذكور بعد«نعم و بئس»كزيد من الرّجال،و إذا كان كذلك كان المضاف إلى القوم في قوله تعالى: ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الأعراف:177،محذوفا،و تقديره:ساء مثلا مثل القوم الّذين كذّبوا بآياتنا.(3:182)

المدينيّ: في الحديث عقيب الصّلاة:تقنع يديك و تبأس،و تمسكن.

و يروى:تباءس و تمسكن على الأمر.و يروى:

تبأّس،أي أظهر البؤس و المسكنة و الافتقار إلى اللّه عزّ و جلّ.

و منه الحديث الآخر:«أنّه عليه الصّلاة و السّلام،

ص: 577

كان يكره البؤس و التّباؤس».يعني عند النّاس،و يجوز فيهما القصر و تشديد الهمزة.

في حديث عمر:«عسى الغوير أبؤسا»،و هو جمع «بأس»فانتصب على أنّه خبر عسى،و الغوير:ماء لكلب،و هذا مثل،و أوّل من تكلّم به الزّبّاء الملكة.

في الحديث:«نهى عن كسر السّكّة الجائزة بين المسلمين إلاّ من بأس».(1:123)

ابن برّيّ: [قال بعد قول الزّمخشريّ:و الأبؤس جمع بؤس]

الصّحيح أنّ الأبؤس:جمع بأس،و هو بمعنى الأبؤس،لأنّ باب«فعل»أن يجمع في القلّة على«أفعل» نحو:كعب و أكعب و فلس و أفلس و نسر و أنسر،و باب «فعل»أن يجمع في القلّة على«أفعال»نحو:قفل و أقفال و برد و أبراد و جند و أجناد.

يقال:بئس الشّيء يبأس بؤسا،و بأسا،إذا اشتدّ، و أمّا قوله:[الجوهريّ]و الأبؤس:الدّاهية،صوابه أن يقول:الدّواهي،لأنّ الأبؤس جمع لا مفرد،و كذلك هو في قول الزّبّاء:«عسى الغوير أبؤسا»هو جمع«بأس» على ما تقدّم ذكره،و هو مثل،أوّل من تكلّم به الزّبّاء.

(ابن منظور 6:23)

ابن الأثير: في حديث الصّلاة:«تقنع يديك و تبأس»هو من البؤس:الخضوع و الفقر،و يجوز أن يكون أمرا و خبرا؛يقال:بئس يبئس بؤسا و بأسا:افتقر و اشتدّت حاجته،و الاسم منه بائس.

و منه حديث عمّار رضى اللّه عنه:«بؤس ابن سميّة»كأنّه ترحّم له من الشّدّة الّتي يقع فيها.

و منه الحديث الآخر:«كان يكره البؤس و التّباؤس»يعني عند النّاس،و يجوز التّبؤّس بالقصر و التّشديد.

و منه في صفة أهل الجنّة:«إنّ لكم أن تنعّموا فلا تبؤسوا»بؤس يبؤس-بالضّمّ فيهما-بأسا،إذا اشتدّ حزنه،و المبتئس:الكاره و الحزين.

و منه حديث عليّ رضى اللّه عنه:«كنّا إذا اشتدّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»يريد الخوف،و لا يكون إلاّ مع الشّدّة.

و منه الحديث:«نهى عن كسر السّكّة الجائزة بين المسلمين إلاّ من بأس»يعني الدّنانير و الدّراهم المضروبة،أي لا تكسر إلاّ من أمر يقتضي كسرها،إمّا لرداءتها أو شكّ في صحّة نقدها،و كره ذلك لما فيها من اسم اللّه تعالى.

و قيل:لأنّ فيه إضاعة المال.و قيل:نهى عن كسرها على أن تعاد تبرا،فأمّا للنّفقة فلا.

و قيل:كانت المعاملة بها في صدر الإسلام عددا لا وزنا،فكان بعضهم يقصّ أطرافها فنهوا عنه.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«بئس أخو العشيرة»بئس مهموزا«فعل»جامع لأنواع الذّمّ،و هو ضدّ«نعم»في المدح.

و في حديث عمر رضى اللّه عنه:«عسى الغوير أبؤسا»هو جمع«بأس»و انتصب على أنّه خبر«عسى»و الغوير:

ماء لكلب.و هو مثل،أوّل من تكلّم به الزّبّاء.و معنى الحديث عسى أن تكون جئت بأمر عليك فيه تهمة و شدّة.(1:89)

ابن الحاجب:أفعال المدح و الذّمّ ما وضع لإنشاء

ص: 578

مدح أو ذمّ،فمنها:نعم و بئس،و شرطهما أن يكون الفاعل معرّفا باللاّم أو مضافا إلى المعرّف بها أو مضمرا مميّزا بنكرة منصوبة،أو[مميّزا]ب«ما»مثل:فنعمّا هي، و بعد ذلك المخصوص و هو مبتدأ،ما قبله خبره.أو خبر مبتدإ محذوف،مثل:نعم الرّجل زيد،و شرطه مطابقة الفاعل و بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ الجمعة:5،و شبهه متأوّل،و قد يحذف المخصوص إذا علم مثل نِعْمَ الْعَبْدُ ص:44،و فَنِعْمَ الْماهِدُونَ الذّاريات:48.

(الكافية 2:311)

الصّغانيّ: و البيأس،مثال بيهس:الأسد.

و البيأس أيضا:الشّديد،و قرئ قوله تعالى: (بعذاب بيأس) و (بعذاب بئس) مثال جنس.

و بنات بئس أيضا:الدّواهي.

البئيسى،على مثال«فعيلى»:البؤس.[ثمّ استشهد بشعر]و يروى بئيسا بالتّنوين.[ثمّ استشهد بشعر]

ابتأس هذا الأمر،أي اغتنمه.(3:321)

الرّازيّ:البأس:العذاب،و هو أيضا الشّدّة في الحرب،تقول منه:بؤس الرّجل بالضّمّ،فهو بئيس كفعيل،أي شجاع.و عذاب بئيس أيضا،أي شديد.

و بئس الرّجل بالكسر بؤسا و بئيسا اشتدّت حاجته فهو بائس،و بئيس اسم وضع موضع المصدر.

[ثمّ قال مثل كلام الجوهريّ المتقدّم](51)

الفيّوميّ: البؤس بالضّمّ و سكون الهمزة:الضّرّ، و يجوز التّخفيف.و يقال:بئس بالكسر،إذا نزل به الضّرّ،فهو بائس.

و بؤس مثل قرب بأسا:شجع،فهو بئيس على «فعيل»و هو ذو بأس،أي شدّة و قوّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع البأس:أبؤس،مثل فلس و أفلس.(1:65)

الفيروزآباديّ: البأس:العذاب،و الشّدّة في الحرب.

بؤس ككرم بأسا فهو بئيس:شجاع.و بئس كسمع بؤسا و بؤسا و بأسا و بؤسى و بئيسى:اشتدّت حاجته.

و البأساء و الأبؤس:الدّاهية،و منه:«عسى الغوير أبؤسا»أي داهية.و البيأس ك«فيعل»:الشّديد و الأسد.

و عذاب بئس بالكسر و بئيس كأمير و بيأس كجيأل:

شديد.

و بئس رجلا زيد،فعل ماض لا يتصرّف،لأنّه أزيل عن موضعه.و فيه لغات تذكر في«نعم».

و بنات بئس:الدّواهي،و المبتئس:الكاره الحزين، و التّباؤس:التّفاقر و أن يري تخشّع الفقراء إخباتا و تضرّعا.(2:206)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بئس بؤسا:افتقر و اشتدّت حاجته.و البائس:من اشتدّ فقره أو المبتلى.

و بؤس بأسا:اشتدّ و قوي.البأس:الشّدّة في الحرب،أو العذاب الشّديد،أو الخوف.

و ابتأس:حزن.

و البأساء:الفقر و الحرب و الشّدّة،و هي ضدّ النّعماء.

و البأساء:كلّ ما يصيب الإنسان في غير نفسه،كفقد مال أو ولد.و بئيس:شديد.

و بئس:كلمة ذمّ ضدّ نعم في المدح،و بئسما:بئس

ص: 579

الشّيء.(1:57)

نحوه مجمع اللّغة.(1:77)

محمود شيت: البأس:العذاب،و المشقّة، و الحرب،و الشّدّة فيها،و الخوف؛يقال:لا بأس به، و لا بأس عليه،جمعه:أبؤس.

البأساء:المشقّة،و الفقر،و الحرب،و الدّاهية.

البؤس:المشقّة،و الفقر.البؤسى:البؤس.

البأس:يوم البأس:يوم الحرب.

البأساء:يصبر الجنديّ في البأساء:المشقّة و التّعب و الفقر و الجوع.(1:66)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو «الشّدّة»و هذا المعنى يختلف باختلاف الصّيغ و الموارد.

فالبأس باعتبار حركة الفتحة يدلّ على تحقّق الانتساب المحض،و هذا المعنى يناسب الظّهور و الاختيار كالحرب و العذاب.

و البؤس باعتبار حركة الضّمّة الظّاهرة بالانقباض يدلّ على الثّبوت في الذّات و اللّزوم،كما في الحاجة الشّديدة و الفقر الشّديد و الابتلاء.

و من هذا يعلم أنّ اللّزوم و الثّبوت في«بؤس»أشدّ من صيغة«بئس»فإنّ ضمّ العين أنسب و أقرب إلى أفعال الطّبائع و الأوصاف النّفسانيّة،كما في:شرف و حسن و شجع و كبر و قبح.كما أنّ الثّبوت في صيغة «البئيس،البأساء».بمقتضى وزنهما«فعيل،فعلاء»أشدّ من البائس.(1:192)

النّصوص التّفسيريّة

بئس

1- ..وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. البقرة:126

الطّبريّ: (بئس)أصله:بئس من البؤس،سكّن ثانيه و نقل حركة ثانيه إلى أوّله،كما قيل:للكبد كبد، و ما أشبه ذلك.

و معنى الكلام:و ساء المصير عذاب النّار،بعد الّذي كانوا فيه من متاع الدّنيا الّذي متعتهم فيها.(1:546)

البيضاويّ: المخصوص بالذّمّ محذوف و هو العذاب.(1:82)

نحوه الشّربينيّ(1:92)،و الآلوسيّ(1:383).

الخازن: أي بئس المكان الّذي يصير إليه الكافر، و هو العذاب.(1:93)

نحوه الحائريّ.(1:309)

أبو حيّان: المخصوص بالذّمّ محذوف،أي صيرورته إلى العذاب أو النّار.(1:385)

نحوه شبّر(1:144)،و أبو السّعود(1:124).

البروسويّ: المخصوص بالذّمّ محذوف،أي بئس المرجع الّذي يرجع إليه للإقامة فيه النّار أو عذابها.

فللعبد في هذه الدّنيا الفانية الإمهال أيّاما دون الإهمال؛ إذ كلّ نفس تجزى بما كسبت و لا تغرّنّك الزّخارف الدّنيويّة،فإنّ للمطيع و العاصي نصيبا منها،و ليس ذلك من موجبات الرّفعة في الآخرة.(1:228)

طه الدّرّة: و جملة بِئْسَ الْمَصِيرُ مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب،و المخصوص بالذّمّ محذوف،

ص: 580

التّقدير:هو العذاب أو النّار،و نحو ذلك.(1:208)

2- ...ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ... البقرة:102

أبو الفتوح: (ما)نكرة موصوفة،و التّقدير:

و لبئس شيئا شروا به أنفسهم.

و بئس:فعل ذمّ،و الفاعل مضمر فيها،كما ذكرنا آنفا،و لبئس الشّيء شيئا شروا به أنفسهم،أي باعوا حظّ أنفسهم.(1:173)

الآلوسيّ: اللاّم فيه لام ابتداء أيضا،و المشهور إنّها جواب القسم،و الجملة معطوفة على القسيمة الأولى، و(ما)نكرة مميّزة للضّمير المبهم في(بئس)و المخصوص بالذّمّ محذوف.و(شروا)يحتمل المعنيين،و الظّاهر هو الظّاهر،أي و اللّه لبئس شيئا شروا به حظوظ أنفسهم، أي باعوها أو شروها في زعمهم ذلك الشّراء.و في «البحر»بئسما باعوا أنفسهم السّحر أو الكفر.

(1:346)

3- وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ. البقرة:206

البيضاويّ: وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ جواب قسم مقدّر،و المخصوص بالذّمّ محذوف للعلم به.(1:111)

نحوه الشّربينيّ(1:135)،و أبو السّعود(1:162)، و شبّر(1:209)،و الآلوسيّ(2:96)،و طه الدّرّة(1:

321).

أبو حيّان: إنّ بئس و نعم فعلان جامدان،و أنّ المرفوع بعدهما فاعل بهما،و أنّ المخصوص بالذّمّ إن تقدّم فهو مبتدأ،و إن تأخّر فكذلك،هذا مذهب سيبويه.

و حذف هنا المخصوص بالذّمّ للعلم به،إذ هو متقدّم، و التّقدير:و لبئس المهاد جهنّم أو هي.

و بهذا الحذف يبطل مذهب من زعم أنّ المخصوص بالمدح أو بالذّمّ إذا تأخّر كان خبر مبتدإ محذوف،أو مبتدأ محذوف الخبر،لأنّه يلزم من حذفه حذف الجملة بأسرها من غير أن ينوب عنها شيء،لأنّها تبقى جملة مفلتة من الجملة السّابقة قبلها؛إذ ليس لها موضع من الإعراب،و لا هي اعتراضيّة و لا تفسيريّة،لأنّهما مستغنى عنهما،و هذه لا يستغنى عنها،فصارت غير مرتبطة؛و ذلك لا يجوز.

و إذا جعلنا المحذوف من قبيل المفرد كان فيما قبله ما يدلّ على حذفه،و تكون جملة واحدة كحاله إذا تقدّم.

و أنت لا ترى فرقا بين قولك:زيد نعم الرّجل،و نعم الرّجل زيد،كما لا تجد فرقا بين زيد قام أبوه،و بين قام أبوه زيد.

و حسن حذف المخصوص بالذّمّ هنا كون(المهاد) وقع فاصلة،و كثيرا ما حذف في القرآن لهذا المعنى،نحو قوله: نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ الأنفال:40، و فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29.

(2:118)

4- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ. آل عمران:12

الجبّائيّ: وَ بِئْسَ الْمِهادُ مجاز،كما قيل للمرض:شرّ،و إن كان خيرا من جهة أنّه حكمة و صواب،فقيل لجهنّم: وَ بِئْسَ الْمِهادُ لعظيم الآلام،

ص: 581

لأنّ أصل نعم و بئس:الحمد و الذّمّ،إلاّ أنّه كثر استعماله في المنافع و المضارّ حتّى سقط عن اسم مجاز،و إن كان مغيّرا عن أصله.

مثله البلخيّ.(الطّوسيّ 2:406)

الفخر الرّازيّ: فلمّا ذكر اللّه تعالى مصير الكافرين إلى جهنّم أخبر عنها بالشّرّ،لأنّ بئس مأخوذ من البأساء،و البأساء هو الشّرّ و الشّدّة،قال اللّه تعالى:

وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف:165.(7:201)

أبو السّعود: المخصوص بالذّمّ محذوف،أي بئس المهاد جهنّم،أو ما مهّدوه لأنفسهم.(1:218)

نحوه الشّربينيّ(1:199)،و الآلوسيّ(3:95).

طه الدّرّة: (بئس)فعل ماض جامد،دالّ على إنشاء الذّمّ،(المهاد)فاعله،و المخصوص بالذّمّ محذوف، التّقدير:هي.و هذا المخصوص إمّا خبر لمبتدإ محذوف،أو هو مبتدأ مؤخّر خبره الجملة الفعليّة.

هذا و الجملة بِئْسَ الْمِهادُ المذمومة هي:إمّا من تمام القول،فتكون في محلّ نصب مقول القول.و إمّا مستأنفة،أو معترضة في آخر الكلام،لتهويل جهنّم و تفظيع حال أهلها.(2:92)

5- ...ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ. آل عمران:151

الطّوسيّ: بئس للذّمّ،كما أنّ نعم للحمد،لأمرين:

أحدهما:أنّ الضّرر تنفر منه النّفس كما ينفر العقل من القبح،فجرى التّشبيه على وجه المجاز،هذا قول أبي عليّ.

و قال البلخيّ: لأنّ الذّمّ يجري على النّقص كما يجري على القبح حقيقة فيهما،نحو قولهم:الأخلاق المحمودة و الأخلاق المذمومة.و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

«نصرت بالرّعب مسيرة شهر».(3:17)

أبو الفتوح: في هذه الآية المخصوص بالذّمّ محذوف، لدلالة الكلام عليه.(1:667)

مثله النّسفيّ(1:187)،و نحوه أبو حيّان(3:78)، و أبو السّعود(1:282)،و الحائريّ(2:286)، و البروسويّ(2:109)،و الآلوسيّ(4:88).

الخازن: كلمة(بئس)تستعمل في جميع المذامّ، و المعنى و بئس مقام الظّالمين الّذين ظلموا أنفسهم باكتساب ما أوجب لهم عذاب النّار و الإقامة فيها

(1:363)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ آل عمران:197.

6- ...فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ. آل عمران:187

أبو السّعود: (ما)نكرة منصوبة مفسّرة لفاعل (بئس)و(يشترون)صفته،و المخصوص بالذّمّ محذوف، أي بئس شيئا يشترونه ذلك الثّمن.(1:302)

الآلوسيّ: [قال مثل أبو السّعود و أضاف:]

قيل:(ما)مصدريّة فاعل(بئس)و المخصوص محذوف،أي بئس شراؤهم هذا الشّراء،لاستحقاقهم به العذاب الأليم.(4:150)

المراغيّ: أي إنّ ما يشترونه ذميم قبيح،لأنّهم جعلوا الفاني بدلا من النّعيم الدّائم،الّذي يحصل للأمّة من

ص: 582

اتّباعها لكتابها و هديها بإرشاده،و تهذيب أخلاقها بآدابه،و جمع كلمتها حول تعاليمه؛و بذا تحول بينها و بين المستبدّين فيها،و تصبح عزيزة الجانب،متكافلة متضامنة،أمر أهلها بينها شورى.(4:157)

7- وَ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. المائدة:62

الطّوسيّ: قوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يدلّ على أنّ الحمد و الذّمّ يكونان للأفعال،لأنّه بمنزلة:بئس العمل عملهم،و هذا ذمّ لذلك العمل إلاّ أنّه جرى على طريقة الحقيقة أو طريقة المجاز،بدليل آخر يعلم.و قد كثر استعماله حتّى قيل:الأخلاق المحمودة و الأخلاق المذمومة،و نعم ما صنعت و بئس ما صنعت.

و أصل الذّمّ و اللّوم واحد إلاّ أنّ الذّمّ كثر في نفس العمل دون اللّوم،لأنّه لا يقال:لمت عمله،كما يقال:

ذممت عمله.

و(ما)في قوله: (لَبِئْسَ ما) يحتمل أمرين:

أحدهما:أن تكون كافّة كما تكون في:إنّما زيد منطلق،و ليتما عمرو قائم،فلا يكون لها على هذا موضع.

الثّاني:أن تكون نكرة موصوفة،كأنّه قيل:لبئس شيئا كانوا يعملون.(3:577)

الطّبرسيّ: (لَبِئْسَ) اللاّم فيه لام القسم،و لا يجوز أن يكون لام الابتداء،لأنّها لا تدخل على الفعل إلاّ في باب«أنّ»خاصّة،لأنّها أخّرت إلى الخبر لئلاّ يجتمع حرفان متّفقان في المعنى.[ثمّ قال مثل ما نقلناه عن الطّوسيّ](2:217)

أبو الفتوح: (ما)نكرة موصوفة،و التّقدير:لبئس العمل عملا كانوا يعملونه،و لعلّها موصولة،و التّقدير:

لبئس العمل العمل الّذي كانوا يعملونه.

و على كلا التّقديرين فإنّ اسم(بئس)الّذي أسند إليه هذا الفعل محذوف،كما في:بئس ما صنعت،و بئس ما قلت،و بئس رجلا زيد.و الآية دليل على أنّ الجزاء يتعلّق بالعمل،لأنّ الذّمّ قد تعلّق بالفعل.(2:185)

نحوه الآلوسيّ.(6:179)

8- كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. المائدة:79

الطّوسيّ: فتحت اللاّم،لام القسم،و تقديره:

أقسم لبئس ما كانوا يفعلون،كما فتحت لام الابتداء، لأنّها لمّا لم تكن عاملة ك«لام»الإضافة اختير لها أخفّ الحركات.و لا يجوز أن تكون لام الابتداء،لأنّها لا تدخل على الفعل إلاّ في باب«أنّ»و لا تدخل على الماضي.

و(ما)في قوله: (لَبِئْسَ ما) قيل:فيها قولان:

أحدهما:أن تكون(ما)كافّة ل(بئس)كما تكفّ في «إنّما،و بعد ما،و ربّما».و الآخر:أن تكون اسما نكرة، كأنّه قال:بئس شيئا فعلوه،كما تقول:بئس رجلا كان عندك.

و في الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر،لأنّ كلّ شيء ذمّ اللّه عليه فواجب تركه إلاّ أن يقيّد بوقت يخصّه، لأنّ ظاهر ذلك يقتضي قبحه،و التّحذير منه.

(3:610)

نحوه محمّد جواد مغنيّة.(3:106)

ص: 583

9- تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ. المائدة:80

الزّمخشريّ: أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ هو المخصوص بالذّمّ و محلّه الرّفع،كأنّه قيل:لبئس زادهم إلى الآخرة سخط اللّه عليهم،و المعنى موجب سخط اللّه.

(1:637)

نحوه الطّبرسيّ(2:231)،و أبو الفتوح(2:206)، و الفخر الرّازيّ(12:65)،و النّيسابوريّ(7:10).

أبو حيّان: [بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

لا يصحّ هذا الإعراب إلاّ على مذهب الفرّاء و الفارسيّ في أنّ(ما)موصولة،أو على مذهب من جعل في(بئس)ضميرا،و جعل(ما)تمييزا،بمعنى شيئا، و(قدّمت)صفة التّمييز.

و أمّا على مذهب سيبويه فلا يستوي ذلك،لأنّ(ما) عنده اسم تامّ معرفة،بمعنى الشّيء،و الجملة بعده صفة لمخصوص المحذوف،و التّقدير:لبئس الشّيء شيء قدّمت لهم أنفسهم،فيكون على هذا أَنْ سَخِطَ اللّهُ في موضع رفع بدل من(ما)،انتهى.

و لا يصحّ هذا سواء كانت موصولة أم تامّة،لأنّ البدل يحلّ محلّ المبدل منه،و (أَنْ سَخِطَ) لا يجوز أن يكون فاعلا ل(بئس)لأنّ فاعل نعم و بئس لا يكون«أن و الفعل».

و قيل: (أَنْ سَخِطَ) في موضع نصب بدلا من الضّمير المحذوف في(قدمت)أي قدّمته،كما تقول:الّذي ضربت زيدا أخوك،تريد ضربته زيدا.

و قيل:على إسقاط اللاّم،أي لأن سخط.

(3:541)

أبو السّعود: أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ هو المخصوص بالذّمّ على حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،تنبيها على كمال التّعلّق و الارتباط بينهما،كأنّهما شيء واحد و مبالغة في الذّمّ،أي موجب سخطه تعالى.

و محلّه الرّفع على الابتداء،و الجملة قبله خبره، و الرّابط عند من يشترطه هو العموم أو لا حاجة إليه، لأنّ الجملة عين المبتدإ،أو على أنّه خبر لمبتدإ محذوف ينبئ عنه الجملة المتقدّمة،كأنّه قيل:ما هو،أو أيّ شيء هو،فقيل:هو أن سخط اللّه عليهم.

و قيل:المخصوص بالذّمّ محذوف،و(ما)اسم تامّ معرفة في محلّ رفع بالفاعليّة لفعل الذّمّ،و قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ جملة في محلّ الرّفع على أنّها صفة للمخصوص بالذّمّ قائمة مقامه،و التّقدير:لبئس الشّيء شيء قدّمته لهم أنفسهم،فقوله تعالى: أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ بدل من شيء المحذوف،و هذا مذهب سيبويه.(2:52)

نحوه الآلوسيّ(6:213)،و القاسميّ(6:2115)، و رشيد رضا(6:491).

البروسويّ: أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ هو المخصوص بالذّمّ بتقدير المضاف،أي موجب سخط اللّه و الخلود في العذاب،لأنّ نفس «السّخط»المضاف إلى«البارئ»تعالى لا يقال له:إنّه المخصوص بالذّمّ،إنّما المخصوص بالذّمّ هو الأسباب الموجبة له.(2:425)

ص: 584

10- يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ. هود:98

أبو الفتوح: المخصوص بالذّمّ محذوف،كأنّه قال:

بئس الموضع المورود النّار،بمنزلة قولك:بئس غلام الرّجل زيد.(3:95)

أبو حيّان: فاعل(بئس)المخصوص بالذّمّ، فالتّقدير:و بئس مكان الورد المورود،و يعني به النّار، ف اَلْوِرْدُ فاعل بِئْسَ و المخصوص بالذّمّ اَلْمَوْرُودُ و هي النّار.

و يجوز في إعراب اَلْمَوْرُودُ ما يجوز في«زيد»من قولك:بئس الرّجل زيد.و جوّز ابن عطيّة و أبو البقاء أن يكون اَلْمَوْرُودُ صفة ل اَلْوِرْدُ أي بئس مكان الورد المورود النّار،و يكون المخصوص محذوفا لفهم المعنى،كما حذف في قوله: بِئْسَ الْمِهادُ آل عمران:12،و هذا التّخريج يبتني على جواز وصف فاعل نعم و بئس،و فيه خلاف،ذهب ابن السّرّاج و الفارسيّ إلى أنّ ذلك لا يجوز.

و قوله: اَلْوِرْدُ الْمَوْرُودُ إطلاق الورد على المورود مجاز؛إذ نقلوا أنّه يكون مصدرا بمعنى الورود أو بمعنى الواردة من الإبل،و تقديره:بئس الورد الّذي يردونه النّار،يدلّ على أنّ(المورود)صفة ل(الورد)و أنّ المخصوص بالذّمّ محذوف و لذلك قدّره«النّار»و قد ذكرنا أنّ ذلك يبتني على جواز وصف فاعل بئس و نعم.

و قيل:التّقدير بئس القوم المورود بهم هم،فيكون اَلْوِرْدُ عنى به الجمع الوارد،و اَلْمَوْرُودُ صفة لهم، و المخصوص بالذّمّ الضّمير المحذوف،و هو«هم»فيكون ذلك ذمّا للواردين،لا ذمّا لموضع الورود.(5:259)

نحوه الآلوسيّ.(12:134)

11- أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً. الكهف:50

الفرّاء: لم يقل:بئسوا.و قد يكون(بئس)لإبليس وحده أيضا،و العرب توحّد نعم و بئس و إن كانتا بعد الأسماء،فيقولون:أمّا قومك فنعموا قوما،و نعم قوما، و كذلك بئس.

و إنّما جاز توحيدهما لأنّهما ليستا بفعل يلتمس معناه،إنّما أدخلوهما لتدلاّ على المدح و الذّمّ،أ لا ترى أنّ لفظهما لفظ«فعل»و ليس معناهما كذلك،و أنّه لا يقال منهما:يبأس الرّجل زيد،و لا ينعم الرّجل أخوك،فلذلك استجازوا الجمع و التّوحيد في الفعل.(2:141)

بئسما

1- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ...

البقرة:90

الطّبريّ: معنى قوله جلّ ثناؤه بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ: ساء ما اشتروا به أنفسهم.و أصل بئس:

بئس من«البؤس»سكّنت همزتها،ثمّ نقلت حركتها إلى الباء،كما قيل في ظللت:ظلت،و كما قيل للكبد:كبد، فنقلت حركة الباء إلى الكاف لمّا سكّنت الباء.

و قد يحتمل أن تكون(بئس)و إن كان أصلها بئس،

ص: 585

من لغة الّذين ينقلون حركة العين من فعل إلى الفاء إذا كانت عين الفعل أحد حروف الحلق السّتّة،كما قالوا:

من لعب لعب،و من سئم سئم،و ذلك فيما يقال:لغة فاشية في تميم،ثمّ جعلت دالّة على الذّمّ و التّوبيخ، و وصلت ب(ما).

و اختلف أهل العربيّة في معنى(ما)الّتي مع(بئسما) فقال بعض نحويّي البصرة:هي وحدها اسم و (أَنْ يَكْفُرُوا) تفسير له،نحو:نعم رجلا زيد،و أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ بدل من أَنْزَلَ اللّهُ.

و قال بعض نحويّي الكوفة: معنى ذلك بئس الشّيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا،ف(ما)اسم بئس و (أَنْ يَكْفُرُوا) الاسم الثّاني.

و زعم أنّ أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ إن شئت جعلت(ان)في موضع رفع،و إن شئت في موضع خفض.

أمّا الرّفع:فبئس الشّيء هذا أن يفعلوه،و أمّا الخفض فبئس الشّيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا.

قال:و قوله: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ المائدة:80،كمثل ذلك،و العرب تجعل«ما»وحدها في هذا الباب بمنزلة الاسم التّامّ، كقوله: فَنِعِمّا هِيَ البقرة:271،و بئسما أنت.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تقول:«لبئسما تزويج و لا مهر»فيجعلون «ما»وحدها اسما بغير صلة.

و قائل هذه المقالة لا يجيز أن يكون الّذي يلي بئس معرفة موقّتة،خبره معرفة موقّتة،و قد زعم أنّ(بئسما) بمنزلة بئس الشّيء اشتروا به أنفسهم.

فقد صارت(ما)بصلتها اسما موقّتا،لأنّ(اشتروا) فعل ماض من صلة(ما)في قول قائل هذه المقالة،و إذا وصلت بماض من الفعل كانت معرفة موقّتة معلومة؛ فيصير تأويل الكلام حينئذ:بئس شراؤهم كفرهم، و ذلك عنده غير جائز،فقد تبيّن فساد هذا القول.

و كان آخر منهم يزعم أنّ(ان)في موضع خفض إن شئت،و رفع إن شئت.

فأمّا الخفض فأن تردّه على الهاء الّتي في(به)على التّكرير على كلامين،كأنّك قلت:اشتروا أنفسهم بالكفر.

و أمّا الرّفع فأن يكون مكرّرا على موضع(ما)الّتي تلي بئس،قال:و لا يجوز أن يكون رفعا على قولك:

بئس الرّجل عبد اللّه.

و قال بعضهم: بئسما شيء واحد يعرّف ما بعده،كما حكي عن العرب:«بئسما تزويج و لا مهر»فرفع تزويج بئسما،كما يقال:بئسما زيد،و بئسما عمرو،فيكون «بئسما»رفعا بما عاد عليها من الهاء،كأنّك قلت:بئس شيء الشّيء اشتروا به أنفسهم،و تكون(ان)مترجمة عن بئسما.

و أولى هذه الأقوال بالصّواب قول من جعل (بئسما)مرفوعا بالرّاجع من الهاء في قوله: (اشْتَرَوْا بِهِ) كما رفعوا ذلك بعبد اللّه إذ قالوا:بئسما عبد اللّه،و جعل (أَنْ يَكْفُرُوا) مترجمة عن (بِئْسَمَا)، فيكون معنى الكلام حينئذ:بئس الشّيء باع اليهود به أنفسهم كفرهم بما أنزل اللّه بغيا و حسدا أن ينزّل اللّه من فضله.و تكون

ص: 586

(ان)الّتي في قوله: أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ في موضع نصب، لأنّه يعني به أن يكفروا بما أنزل اللّه من أجل أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده،و موضع(ان)جرّ.

و كان بعض أهل العربيّة من الكوفيّين يزعم أنّ(أن) في موضع خفض بنيّة الباء،و إنّما اخترنا فيها النّصب لتمام الخبر قبلها،و لا خافض معها يخفضها،و الحرف الخافض لا يخفض مضمرا.

و أمّا قوله: اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ فإنّه يعني به باعوا أنفسهم.(1:413)

الطّوسيّ: [قال مثل كلام الطّبريّ و أضاف:]

و بئس و نعم لا يلقاهما اسم علم كزيد و عمرو أخيك و أبيك،فإنّما يلقاهما المعرّف بالألف و اللاّم كقولك:

الرّجل و المرأة،و ما أشبه ذلك.

فإن نزعتهما نصبت،كقوله: بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50،و ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الأعراف:177،فإن كانت نكرة مضافة إلى نكرة جاز الرّفع و النّصب،كقولك:نعم غلام سفر غلامك،بالرّفع و النّصب حكاه الفرّاء.(1:346)

نحوه القرطبيّ.(1:27)

الزّمخشريّ: (ما)نكرة منصوبة مفسّرة لفاعل بئس،بمعنى بئس شيئا اشتروا به أنفسهم،و المخصوص بالذّمّ (أَنْ يَكْفُرُوا). (1:296)

نحوه البيضاويّ(1:69)،و أبو السّعود(1:101)، و البروسويّ(1:180)،و القاسميّ(2:188)،و شبّر (1:123).

ابن عطيّة: بئس:أصلها بئس،سهّلت الهمزة و نقلت إلى الباء حركتها،و يقال في بئس:بيس اتّباعا للكسرة،و هي مستوفية للذّمّ كما[أنّ]نعم مستوفية للمدح.

و اختلف النّحويّون في(بئسما)في هذا الموضع، فمذهب سيبويه أنّ(ما)فاعلة ببئس،و دخلت عليها بئس كما تدخل على أسماء الأجناس و النّكرات لمّا أشبهتها«ما»في الإبهام،فالتّقدير على هذا القول:«بئس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا،»كقولك:بئس الرّجل زيد،و(ما)في هذا القول موصولة.

و قال الأخفش: (ما)في موضع نصب على التّمييز، كقولك:بئس رجلا زيد،فالتّقدير:بئس شيئا أن يكفروا،و اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ في هذا القول صفة (ما).

و قال الفرّاء: (بِئْسَمَا) بجملته شيء واحد ركّب كحبّذا.و في هذا القول اعتراض،لأنّه فعل يبقى بلا فاعل،و(ما)إنّما تكفّ أبدا حروفا.

و قال الكسائيّ: (ما)و (اشْتَرَوْا) بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه،فالتّقدير:بئس اشتراؤهم أنفسهم أن يكفروا.و هذا أيضا معترض،لأنّ«بئس»لا تدخل على اسم معيّن متعرّف بالإضافة إلى الضّمير.

و قال الكسائيّ أيضا: إنّ(ما)في موضع نصب على التّفسير،و ثمّ«ما»أخرى مضمرة،فالتّقدير:بئس شيئا ما اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، و (أَنْ يَكْفُرُوا) في هذا القول بدل من«ما»المضمرة.

و يصحّ في بعض الأقوال المتقدّمة أن يكون (أَنْ يَكْفُرُوا) في موضع خفض بدلا من الضّمير في(به)،و أمّا

ص: 587

في القولين الأوّلين ف (أَنْ يَكْفُرُوا) ابتداء،و خبره فيما قبله.(1:178)

الطّبرسيّ: [قال بعد نقل قول الزّجّاج المتقدّم في النّصوص اللّغويّة:]

قال أبو عليّ: و قوله:[الزّجّاج:]«و لذلك كانت(ما) في نعم بغير صلة»يدلّ على أنّ(ما)إذا كانت موصولة لم يجز عنده أن تكون فاعلة نعم و بئس،و ذلك عندنا لا يمتنع وجهة جوازه أنّ(ما)اسم مبهم يقع على الكثرة، و لا يخصّص واحدا بعينه،كما أنّ أسماء الأجناس تكون للكثرة،و ذلك في نحو قوله تعالى: وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّهِ يونس:18،فالقصد به هنا«الكثرة»و إن كان في اللّفظ مفردا بدلالة قوله: وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ، و تكون معرفة و نكرة كما أنّ أسماء الأجناس تكون معرفة و نكرة.

و قد أجاز أبو العبّاس المبرّد في«الّذي»أن تلي نعم و بئس إذا كان عامّا غير مخصوص،كما في قوله:

وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ الزّمر:33،و إذا جاز في (الّذي)كان في«ما»أجوز،فقوله: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ يجوز عندي أن تكون(ما)موصولة و موضعها رفع بكونها فاعلة لبئس،و يجوز أن تكون منكورة فتكون (اشْتَرَوْا) صفة غير صلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا قوله: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ فموضعه رفع و هو المخصوص بالذّمّ،فإن شئت رفعته على أنّه مبتدأ مؤخّر و إن شئت على أنّه خبر مبتدإ محذوف،أي هذا الشّيء المذموم كفرهم بما أنزل اللّه.(1:159)

العكبريّ:قوله تعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا فيه أوجه:

أحدها:أن تكون(ما)نكرة غير موصوفة منصوبة على التّمييز،قاله الأخفش،و (اشْتَرَوْا) على هذا صفة لمحذوف،تقديره:شيء أو كفر.و هذا المحذوف هو المخصوص،و فاعل(بئس)مضمر فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله: (أَنْ يَكْفُرُوا) خبر مبتدإ محذوف،أي هو أن يكفروا.

و قيل: (أَنْ يَكْفُرُوا) في موضع جرّ بدلا من الهاء في (به).

و قيل:هو مبتدأ،و بئس و ما بعدها خبر عنه.

و الوجه الثّاني:أن تكون(ما)نكرة موصوفة، و (اشْتَرَوْا) صفتها،و (أَنْ يَكْفُرُوا) على الوجوه المذكورة، و يزيدها هنا أن يكون هو المخصوص بالذّمّ.

و الوجه الثّالث:أن تكون(ما)بمنزلة«الّذي»،و هو اسم بئس،و (أَنْ يَكْفُرُوا) المخصوص بالذّمّ.و قيل:اسم بئس مضمر فيها،و الّذي وصلته المخصوص بالذّمّ.

و الوجه الرّابع:أن تكون(ما)مصدريّة،أي بئس شراؤهم،و فاعل بئس على هذا مضمر،لأنّ المصدر هنا مخصوص ليس بجنس.(1:91)

أبو حيّان: ذهب الفرّاء إلى أنّه بجملته شيء واحد ركّب«كحبّذا هذا»نقل ابن عطيّة عنه.و قال المهدويّ:

قال الفرّاء:يجوز أن تكون(ما)مع بئس بمنزلة«كلّما» فظاهر هذين النّقلين أنّ(ما)لا موضع لها من الإعراب.

و ذهب الجمهور إلى أنّ لها موضعا من الأعراب،

ص: 588

و اختلف أ موضعها نصب أم رفع؟

فذهب الأخفش إلى أنّ موضعها نصب على التّمييز،و الجملة بعدها في موضع نصب على الصّفة، و فاعل(بئس)مضمر مفسّر ب(ما)،التّقدير:بئس هو شيئا اشتروا به أنفسهم و (أَنْ يَكْفُرُوا) هو المخصوص بالذّمّ.و به قال الفارسيّ في أحد قوليه،و اختاره الزّمخشريّ.

و يحتمل على هذا الوجه أن يكون المخصوص بالذّمّ محذوفا و (اشْتَرَوْا) صفة له،و التّقدير:بئس شيئا شيء اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، و (أَنْ يَكْفُرُوا) بدل من ذلك المحذوف،فهو في موضع رفع أو خبر مبتدإ محذوف، تقديره:هو أن يكفروا.

و ذهب الكسائيّ في أحد قوليه إلى ما ذهب إليه هؤلاء من أنّ(ما)موضعها نصب على التّمييز،و ثمّ «ما»أخرى محذوفة موصولة هي المخصوص بالذّمّ، التّقدير:بئس شيئا الّذي اشتروا به أنفسهم،فالجملة بعد«ما»المحذوفة صلة لها،فلا موضع لها من الإعراب، و (أَنْ يَكْفُرُوا) على هذا القول بدل.و يجوز على هذا القول أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي هو كفرهم.

فتلخّص في قول النّصب في الجملة بعد«ما»أقوال ثلاثة:أن يكون صفة ل(ما)هذه الّتي هي تمييز،فموضعها نصب،أو صلة ل«ما»المحذوفة الموصولة فلا موضع لها، أو صفة لشيء المحذوف المخصوص بالذّمّ فموضعها رفع.

و ذهب سيبويه إلى أنّ موضعها رفع على أنّها فاعل بئس،فقال سيبويه:هي معرفة تامّة،التّقدير:بئس الشّيء،و المخصوص بالذّمّ على هذا محذوف،أي شيء اشتروا به أنفسهم،و عزي هذا القول أعني أنّ(ما) معرفة تامّة لا موصولة إلى الكسائيّ.

و قال الفرّاء و الكسائيّ،فيما نقل عنهما:إنّ(ما) موصولة،بمعنى الّذي و (اشْتَرَوْا) صلة،و بذلك قال الفارسيّ في أحد قوليه.

و عزى ابن عطيّة هذا القول إلى سيبويه،قال:

فالتّقدير على هذا القول:«بئس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا،»كقولك:بئس الرّجل زيد،و(ما)في هذا القول موصولة،انتهى كلامه،و هو وهم على سيبويه.

و ذهب الكسائيّ على ما نقل عنه المهدويّ و ابن عطيّة:إلى أنّ(ما)و ما بعدها في موضع رفع على أن تكون مصدريّة،التّقدير:بئس اشتراؤهم.قال ابن عطيّة:و هذا معترض،لأنّ«بئس»لا تدخل على اسم معيّن يتعرّف بالإضافة إلى الضّمير،انتهى كلامه.

و ما قاله لا يلزم،إلاّ إذا نصّ على أنّه مرفوع ب«بئس»،أمّا إذا جعله المخصوص بالذّمّ،و جعل فاعل بئس مضمرا و التّمييز محذوفا،لفهم المعنى،التّقدير:

بئس اشتراء اشتراؤهم،فلا يلزم الاعتراض.

لكن يبطل هذا القول الثّاني عود الضّمير في(به) على(ما)و ما المصدريّة لا يعود عليها ضمير،لأنّها حرف على مذهب الجمهور؛إذ الأخفش يزعم أنّها اسم،و الكلام على هذه المذاهب تصحيحا و إبطالا يذكر في علم النّحو.(1:304)

نحوه الآلوسيّ.(1:322)

2- ..وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما

ص: 589

يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. البقرة:93

ابن عطيّة: أمر لمحمّد عليه السّلام أن يوبّخهم بأنّه بئس هذه الأشياء الّتي فعلتم و أمركم بها إيمانكم الّذي زعمتم في قولكم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا البقرة:91،و(ما) في موضع رفع،و التّقدير:بئس الشّيء قتل و اتّخاذ عجل و قول: سَمِعْنا وَ عَصَيْنا البقرة:93،و يجوز أن تكون (ما)في موضع نصب،و إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شرط.(1:180)

البيضاويّ: المخصوص بالذّمّ محذوف،نحو هذا الأمر أو ما يعمّه،و غيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثّلاث إلزاما عليهم.(1:70)

نحوه النّيسابوريّ(1:374)،و أبو السّعود(1:

103)،و البروسويّ(1:183)،و شبّر(1:124)، و الآلوسيّ(1:326)،و طه الدّرّة(1:161).

أبو حيّان: المخصوص بالذّمّ محذوف بعد(ما)فإن كانت منصوبة،فالتّقدير:بئس شيئا يأمركم به إيمانكم قتل الأنبياء و العصيان و عبادة العجل،فيكون(يأمركم) صفة للتّمييز.

أو يكون التّقدير:بئس شيئا شيء يأمركم به إيمانكم،فيكون(يأمركم)صفة للمخصوص بالذّمّ المحذوف.

أو يكون التّقدير:بئس شيئا ما يأمركم،أي الّذي يأمركم،فيكون يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ و المخصوص مقدّر بعد ذلك،أي قتل الأنبياء و كذا و كذا،فيكون(ما) موصولة.

أو يكون التّقدير:بئس الشّيء شيء يأمركم به إيمانكم،فيكون(ما)تامّة.و هذا كلّه تفريع على قول من جعل ل(ما)وحدها موضعا من الإعراب.(1:309)

3- قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ... الأعراف:150

الزّمخشريّ: إن قلت:أين ما تقتضيه(بئس)من الفاعل و المخصوص بالذّمّ؟قلت:الفاعل مضمر يفسّره (ما خلفتمونى)و المخصوص بالذّمّ محذوف تقديره:بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم.(2:118)

مثله الفخر الرّازيّ(15:10)،و النّسفيّ(2:78).

و النّيسابوريّ(9:52).

نحوه البيضاويّ(1:370)،و الشّربينيّ(1:518)، و أبو السّعود(3:198)،و البروسويّ(3:245).

و الآلوسيّ(9:66).

طه الدّرّة:[قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و جوّز اعتبار(ما)اسما موصولا مبنيّا على السّكون في محلّ رفع فاعل(بئس). (خَلَفْتُمُونِي): ماض مبنيّ على السّكون،و التّاء فاعله،و الميم علامة جمع الذّكور، و حرّكت بالضّمّ،فتولّدت واو الإشباع،و النّون للوقاية، و ياء المتكلّم مفعول به،و الجملة الفعليّة صفة(ما)أو صلتها،و الرّابط أو العائد محذوف،و المخصوص بالذّمّ محذوف،تقدير الكلام:بئس الخلافة خلافة خلفتمونيها خلافتكم هذه،حيث أشركتم.(5:87)

البائس

...عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها

ص: 590

وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ... الحجّ:28

ابن عبّاس: الزّمن الفقير.(الطّبريّ 17:148) الّذي لا يجد شيئا من شدّة الحال.

(السّيوطيّ 2:77)

(البائس):الّذي ظهر بؤسه في ثيابه و في وجهه، و(الفقير):الّذي لا يكون كذلك،فتكون ثيابه نقيّة و وجهه وجه غنيّ.(الفخر الرّازيّ 23:29)

مجاهد: الّذي يمدّ إليك يديه.

(الطّبريّ 17:149)

الّذي يسأل بيديه إذا سأل.(الجصّاص 3:237)

عكرمة: المضطرّ الّذي عليه البؤس.

(الطّبريّ 17:149)

الإمام الباقر عليه السّلام: الّذي أصابه بؤس و شدّة.

(الكاشانيّ 3:375)

عطاء: من سألك.(الجصّاص 3:237)

الإمام الصّادق عليه السّلام: هو الزّمن الّذي لا يستطيع أن يخرج لزمانته.و عنه عليه السّلام:(البائس):الفقير.

(الكاشانيّ 3:375)

ابن زيد: هو القانع.(الطّبريّ 17:149)

الطّبريّ: هو الّذي به ضرّ الجوع و الزّمانة و الحاجة.(17:148)

الزّجّاج: الّذي قد ناله بؤس،و البؤس:شدّة الفقر، يقال:قد بؤس،و بأس،إذا صار ذا بؤس.(3:423)

نحوه الزّمخشريّ(3:11)،و الفخر الرّازيّ(23:

29).

الجصّاص: قال مجاهد:(البائس):الّذي يسأل بيديه إذا سأل،و إنّما سمّي من كانت هذه حاله بائسا لظهور أثر البؤس عليه،بأن يمدّ يديه للمسألة.

و هذا على جهة المبالغة في الوصف له بالفقر و هو في معنى المسكين،لأنّ المسكين من هو في نهاية الحاجة و الفقر،و هو الّذي قد ظهر عليه السّكون للحاجة و سوء الحال،و هو الّذي لا يجد شيئا.

و قيل:هو الّذي يسأل.(4:237)

البغويّ: يعني الزّمن الفقير الّذي لا شيء له.

و البائس:الّذي اشتدّ بؤسه،و البؤس:شدّة الفقر.

(5:12)

مثله الفخر الرّازيّ(23:29)،و البيضاويّ(2:

90)،و النّسفيّ(3:100)،و النّيسابوريّ(17:94)، و أبو حيّان(6:365)،و الشّربينيّ(2:550)، و أبو السّعود(4:11)،و الآلوسيّ 17:146)،و القاسميّ (12:4337)،و طه الدّرّة(9:192)،و عبد المنعم(3:

2041)،و نحوه الميبديّ(6:363)،و الخازن(5:12).

الطّبرسيّ: الّذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع و العري،و قيل:(البائس):الّذي يمدّ يده بالسّؤال و يتكفّف للطّلب.(4:81)

القرطبيّ: و هو الّذي ناله البؤس و شدّة الفقر، يقال:بئس يبأس بأسا،إذا افتقر،فهو بائس.

و قد يستعمل فيمن نزلت به نازلة دهر و إن لم يكن فقيرا،و منه قوله عليه السّلام:«لكن البائس سعد بن خولة».

(12:49)

البروسويّ: (البائس):الّذي أصابه بؤس و شدّة، فالبائس:الشّديد الفقر،و(الفقير):المحتاج الّذي أضعفه

ص: 591

الإعسار ليس له غنى،أو(البائس):الّذي ظهر بؤسه في ثيابه و في وجهه،و(الفقير)الّذي لا يكون كذلك،بأن تكون ثيابه نقيّة و وجهه وجه غنّي.

و في«مختصر الكرخيّ»أوصى بثلث ماله للبائس الفقير و المسكين،قال:فهو يقسم إلى ثلاثة أجزاء:جزء للبائس،و هو الّذي به الزّمانة إذا كان محتاجا،و الفقير المحتاج:الّذي لا يطوف بالأبواب،و المسكين:الّذي يسأل و يطوف.(6:26)

شبّر: من به بؤس،أي ضرّ.(4:239)

الطّباطبائيّ: (البائس)من البؤس،و هو شدّة الضّرّ و الحاجة.(14:371)

بنت الشّاطئ: الكلمة[البائس]من آية«الحجّ» خطابا لإبراهيم عليه السّلام:

وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ الحجّ:27،28.

وحيدة الصّيغة في القرآن.

و معها بِعَذابٍ بَئِيسٍ في آية الأعراف:165.

و من المادّة،جاءت(الباساء)مع الضّرّاء في آياتها الأربع:البقرة:177،214،و الأنعام 42،و الأعراف 94.

و آيتا هود:36،و يوسف:69؛ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ يَعْمَلُونَ.

و جاء الفعل الجامد(بئس)تسعا و ثلاثين مرّة، و(بأس)نكرة و معرفة،خمسا و عشرين مرّة.

و تفسير البائس بالّذي لا يجد شيئا من شدّة الحال، هو من قبيل الشّرح.و قد احترز فيه بشدّة الحال،من احتمال أن يكون العوز من غير بؤس و شدّة.

و في البائس صريح الدّلالة على البؤس،و كذلك البأساء.و الشّدّة أصل في المعنى؛و تفرق العربيّة بين صيغ المادّة لملاحظ من فروق الدّلالات:فتجعل البأس للقوّة و السّطوة و الشّدّة في الحرب،و فعله:بؤس.حين تجعل البؤس و البؤسى،من:بئس،لشدّة الكرب و الحاجة، و تجعل البأساء للمكاره.و قالوا للشّجاع القويّ:بئيس، و للأسد:بيأس،على وزن ضيغم.و للمحتاج المكروب:

بائس.و ليس كلّ بائس فقيرا،و لا كلّ فقير بائسا،فمع الزّهد و التّعفّف لا يكون بؤس.و من هنا جمعت الآية بين الصّفتين(البائس الفقير)و لو لم يلحظ البائس سوى العوز،لأغنى الفقير عن ذكره،كما في آيات:البقرة 268،271،و آل عمران 181،و النّساء 135،و التّوبة 60،و فاطر 15،و محمّد 38.

و قول الرّاغب في«المفردات»: «البؤس و البأس و البأساء،الشّدّة و المكروه إلاّ أنّ البؤس في الفقر و الحرب أكثر،و البأس و البأساء في النّكاية».

يرد عليه أنّ البأساء جاءت في آياتها الأربع مقترنة بالضّرّاء،فهي إلى المكاره أقرب منها إلى النّكاية.

كما يرد على قوله:البؤس في الفقر و الحرب أكثر:أنّ القرآن يستعمل الفقر مقابل الغني بصريح آيات:

لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران:181.

ص: 592

إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ النّور:32.

يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فاطر:15.

وَ اللّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ محمّد:38.

و كذلك يأتي البأس،لا البؤس،في الحرب و القتال و في الجبروت و السّطوة،بصريح آيات:

وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ الأنعام:65.

عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا النّساء:

84.

نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ النّمل:33.

سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ الفتح:16.

لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى الحشر:14.

و صحيح أنّ البؤس و البأس و البأساء،ترجع جميعا إلى أصل دلالتها العامّة على الشّدّة،لكنّ البؤس أقرب إلى معنى شدّة الكرب و الشّقاء،و البأس للقوّة و السّطوة، و البأساء للمكروه و الضّرّ.و اللّه أعلم.

(الإعجاز البيانيّ للقرآن:319)

بئس

...أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. الأعراف:165

ابن عبّاس: أليم وجيع.(الطّبريّ 9:101)

شديد،بلغة غسّان.(اللّغات:25)

مجاهد: أليم شديد.(الطّبريّ 9:101)

شديد موجع.(أبو حيّان 4:412)

قتادة:موجع.(الطّبريّ 9:101)

الأخفش: مهلك.(أبو حيّان 4:412)

ابن زيد: بعذاب شديد.(الطّبريّ 9:101)

مثله أبو عبيدة.(1:231)

الطّبريّ: إنّ القرّاء اختلفت في قراءته؛فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) بكسر الباء، و تخفيف الياء بغير همز،على مثال«فعل».

و قرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة و البصرة (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) على مثل«فعيل»من البؤس،بنصب الباء و كسر الهمزة و مدّها.

و قرأ ذلك كذلك بعض المكّيّين،غير أنّه كسر باء (بئيس) على مثال«فعيل».

و قرأه بعض الكوفيّين (بيئس) بفتح الباء و تسكين الياء،و همزة بعدها مكسورة،على مثال«فيعل»و ذلك شاذّ عند أهل العربيّة،لأنّ«فيعل»إذا لم يكن من ذوات الياء و الواو فالفتح في عينه:الفصيح في كلام العرب، و ذلك مثل قولهم في نظيره من السّالم:صيقل،و نيرب، و إنّما تكسر العين من ذلك في ذوات الياء و الواو، كقولهم:سيّد و ميّت[ثمّ استشهد بشعر]بكسر العين «فيعل»،و هي الهمزة من«بيئس».فلعلّ الّذي قرأ ذلك كذلك قرأه على هذه.

و ذكر عن آخر من الكوفيّين أيضا أنّه قرأه (بيأس) نحو القراءة الّتي ذكرناها قبل هذه،و ذلك بفتح الباء و تسكين الياء،و فتح الهمزة بعد الياء،على مثال

ص: 593

«فيعل»مثل صيقل.

و روي عن بعض البصريّين أنّه قرأه (بئس) بفتح الباء و كسر الهمزة على مثال«فعل».[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن آخر منهم أنّه قرأ (بئس) بكسر الباء و فتح السّين على معنى بئس العذاب.

و أولى هذه القراءات عندي بالصّواب قراءة من قرأه (بَئِيسٍ) بفتح الباء،و كسر الهمزة و مدّها،على مثال «فعيل».[ثمّ استشهد بشعر]

لأنّ أهل التّأويل أجمعوا على أنّ معناه:شديد،فدلّ ذلك على صحّة ما اخترنا.(9:100)

نحوه القيسيّ.(1:334)

الطّوسيّ: قرأ أبو بكر إلاّ العليميّ (بيأس) بفتح الباء و بعدها ياء ساكنة و بعدها همزة مفتوحة،على وزن «فيعل»،و روي عنه بكسره الهمزة.

و قرأ أهل المدينة و الدّاحونيّ عن هشام بكسر الباء و بعدها ياء ساكنة من غير همز.

و قرأ مثل ذلك ابن عامر إلاّ الدّاحونيّ عن هشام إلاّ أنّه همّز،و الباقون بفتح الباء و بعدها همزة مكسورة بعدها ياء ساكنة،على وزن«فعيل».

و روى خارجة عن نافع بفتح الباء بعدها ياء بلا همز،على وزن«فعل».

قال أبو عليّ:من قرأ على وزن«فعيل»يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون«فعيلا»من بؤس يبؤس،إذا كان شديد البأس،مثل مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ إبراهيم:2.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:أن يكون من عذاب ذي بئيس،فوصفه بالمصدر،و المصدر قد يجيء على«فعيل»مثل نكير و نذير و شحيح و عذير الحيّ (1)،و التّقدير:من عذاب ذي بئيس،أي عذاب ذي بؤس.

و من قرأ بكسر الباء من غير همز،فإنّه جعلها اسما،فوصفه به،مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ اللّه نهى عن قيل و قال»و مثله:منذ شبّ إلى دبّ.و نظيره من الصّفة نقض و بصق.و من فتح الباء من غير همز فهو أيضا فعل في الأصل وصف به،و أبدلت الهمزة ياء.

و حكى سيبويه أنّه سمع بعض العرب يقول:بيس فلا يحقّق الهمزة،و يدع الحرف على الأصل الّذي هو «فعل»كأنّه يسكن العين كما يسكن عن«علم»و يقلب الهمزة ياء،إلاّ أنّه لمّا أسكنها لم يجز أن يجعلها بين بين فأخلصها ياء.

و قراءة ابن عامر مثل قراءة نافع إلاّ أنّ ابن عامر حقّق الهمزة.

و قراءة أبي بكر على وزن«فيعل»فإنّه جعله وصفا كضيغم و حيدر،و هذا البناء كثير في الصّفة.

و لا يجوز كسر العين من«بئيس»لأنّ«فيعل»بناء اختصّ به ما كان عينه ياء أو واوا،مثل سيّد و طيّب،و لم يجيء مثل ضيغم،و جاء في المعتلّ،حكى سيبويه عيّن و أنشد لرؤبة:

*ما بال عيني كالشّعيب العيّن*

فينبغي أن يحمل بيئس على الوهم عمّن رواه عن

ص: 594


1- بعض من بيت ذكره الطّبرسيّ(2:249).

عاصم و الأعمش بالكسر،و قد أنشد بعضهم:).

كلاهما كان رئيسا بيئسا

يضرب في يوم الهياج القونسا

أعلى كلّ شيء قونسه بكسر العين،فمن كسر العين حمله على هذه اللّغة.(5:17)

نحوه الطّبرسيّ(2:492)،و أبو الفتوح(2:480)، و أبو البركات(1:377).

الزّمخشريّ: قرئ (بئس) بوزن حذر،و(بئس) على تخفيف العين و نقل حركتها إلى الفاء،كما يقال:كبد في كبد،و(بيس)على قلب الهمزة ياء كذيب في ذئب، و(بيئس)على«فيعل»بكسر الهمزة و فتحها،و(بيّس) بوزن«ربّس»على قلب همزة(بيئس)ياء و إدغام الياء فيها،و(بيس)على تخفيف(بيّس)كهين في هيّن، و(بائس)على فاعل.(2:127)

مثله الفخر الرّازيّ(15:39)،و البيضاويّ(1:

374)،و أبو السّعود(2:206).

أبو البقاء: يقرأ بفتح الباء،و كسر الهمزة و ياء ساكنة بعدها،و فيه وجهان:

أحدهما:هو نعت للعذاب،مثل شديد.

و الثّاني:هو مصدر،مثل النّذير،و التّقدير:بعذاب ذي بأس،أي ذي شدّة.

و يقرأ كذلك إلاّ أنّه بتخفيف الهمزة و تقريبها من الياء.

و يقرأ بفتح الباء و همزة مكسورة لا ياء بعدها،و فيه وجهان:

أحدهما:هو صفة،مثل قلق و حنق.و الثّاني:هو منقول من«بئس»الموضوعة للذّمّ إلى الوصف.

و يقرأ كذلك إلاّ أنّه بكسر الباء إتباعا.

و يقرأ بكسر الباء و سكون الهمزة،و أصلها فتح الباء و كسر الهمزة،فكسر الباء،و سكّن الهمزة تخفيفا.

و يقرأ كذلك إلاّ أنّ مكان الهمزة ياء ساكنة،و ذلك تخفيف،كما تقول:في ذئب ذيب.

و يقرأ بفتح الباء و كسر الياء،و أصلها همزة مكسورة أبدلت ياء.

و يقرأ بياءين على«فيعال».

و يقرأ «بيس» بفتح الباء و الياء من غير همز، و أصله ياء ساكنة و همز مفتوحة إلاّ أنّ حركة الهمزة ألقيت على الياء،و لم تقلب الياء ألفا،لأنّ حركتها عارضة.

و يقرأ (بيأس) مثل ضيغم.

و يقرأ بفتح الباء و كسر الياء و تشديدها،مثل سيّد و ميّت،و هو ضعيف؛إذ ليس في الكلام مثله من الهمز.

و يقرأ (بأيس) بفتح الباء و سكون الهمزة و فتح الياء،و هو بعيد إذ ليس في الكلام«فعيل».

و يقرأ كذلك إلاّ أنّه بكسر الباء مثل عثير و حذيم.(1:600)

نحوه القرطبيّ.(7:308)

أبو حيّان: قال مجاهد:(بئيس):شديد موجع، و قال الأخفش:مهلك.

و قرأ أهل المدينة نافع و أبو جعفر و شيبة و غيرهم (بيس) على وزن«جيد»و ابن عامر كذلك إلاّ أنّه همز كبئر،و وجّهتا على أنّه فعل سمّي به،كما جاء:«أنهاكم

ص: 595

عن قيل و قال».و يحتمل أن يكون وضع وصفا على وزن«فعل»كحلف،فلا يكون أصله فعلا.

و خرّجه الكسائيّ على وجه آخر و هو أنّ الأصل:

بيأس،فخفّفت الهمزة فالتقت ياءان،فحذفت إحداهما و كسر أوّله،كما يقال:رغيف و شهيد.

و خرّجه غيره على أن يكون على وزن«فعل» فكسر أوّله إتباعا ثمّ حذفت الكسرة،كما قالوا:فخذ، ثمّ خفّفوا الهمزة.

و قرأ الحسن (بئيس) بهمز،و بغير همز عن نافع، و أبي بكر مثله إلاّ أنّه بغير همز عن نافع،كما تقول:بيس الرّجل.و ضعّفها أبو حاتم،و قال:لا وجه لها.قال:لأنّه لا يقال:مررت برجل بيس حتّى يقال:بيس الرّجل أو بيس رجلا.

قال النّحّاس: هذا مردود من كلام أبي حاتم،حكى النّحويّون إن فعلت كذا و كذا فبها و نعمت،يريدون و نعمت الخصلة،و التّقدير:بيس العذاب.

و قرئ (بئس) على وزن«شهد»حكاها يعقوب القارئ،و عزاها أبو الفضل الرّازيّ إلى عيسى بن عمر و زيد بن عليّ.

و قرأ جرية بن عائد في رواية (بأس) على وزن ضرب،فعلا ماضيا.و عن الأعمش و مالك بن دينار (بأس)أصله بأس،فسكّن الهمزة فجعله فعلا لا يتصرّف.

و قرأت فرقة (بيس) بفتح الباء و الياء و السّين.

و حكى الزّهراويّ عن ابن كثير و أهل مكّة(بئس) بكسر الباء و الهمز همزا خفيفا،و لم يبيّن هل الهمزة مكسورة أو ساكنة.

و قرأت فرقة (بأس) بفتح الباء و سكون الألف.

و قرأ خارجة عن نافع و طلحة (بيس) على وزن كيل لفظا،و كان أصله«فيعل»مهموزا إلاّ أنّه خفّف الهمزة بإبدالها ياء و أدغم،ثمّ حذف كميّت.

و قرأ نصر في رواية مالك بن دينار عنه (بأس) على وزن جبل،و أبو عبد اللّه ابن مصرف (بئس) على وزن كبد و حذر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ ابن عبّاس و أبو بكر عن عاصم و الأعمش (بيأس) على وزن ضيغم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ عيسى بن عمر و الأعمش بخلاف عنه (بيئس) على وزن«صيقل»اسم امرأة،بكسر الهمزة و بكسر القاف،و هما شاذّان لأنّه بناء مختصّ بالمعتلّ كسيّد و ميّت.

و قرأ نصر بن عاصم في رواية (بيّس) على وزن «ميّت»و خرّج على أنّه من«البؤس»و لا أصل له في الهمز،و خرّج أيضا على أنّه خفّفت الهمزة بإبدالها ياء ثمّ أدغمت،و عنه أيضا«بئّس»بقلب الياء همزة و إدغامها في الهمزة،و رويت هذه عن الأعمش.

و قرأت فرقة (بأّس) بفتح الثّلاثة،و الهمزة مشدّدة.

و قرأ باقي السّبعة و نافع في رواية أبي قرّة و عاصم في رواية حفص و أبو عبد الرّحمن و مجاهد و الأعرج و الأعمش في رواية و أهل الحجاز(بئيس)على وزن «فعيل»للمبالغة من بائس على وزن«فاعل»و هي قراءة أبي رجاء عن عليّ،أو على أنّه مصدر وصف به كالنّكير و القدير.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 596

و قرأ أهل مكّة كذلك إلاّ أنّهم كسروا الباء،و هي لغة تميم في«فعيل»حلقيّ العين يكسرون أوّله،و سواء كان اسما أم صفة.

و قرأ الحسن و الأعمش فيما زعم عصمة(بئيس) على وزن طريم و حزيم،و هذه اثنتان و عشرون قراءة، و ضبطها بالتّلخيص أنّها قرئت ثلاثيّة اللّفظ و رباعيّته.

فالثّلاثيّ اسما:بئس و بيس و بيس و بأس و بأس و بيس،و فعلا:بيس و بئس و بئس و بأس و باس و بئس.

و الرّباعيّة اسما:بيأس و بيئس و بيئس و بيّس و بييس و بييس و بئيس و بائس،و فعلا:باءس.

(4:412)

نحوه الآلوسيّ.(9:93)

باس

1- ...عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلاً. النّساء:84

الفخر الرّازيّ: البأس أصله:المكروه،يقال:

ما عليك من هذا الأمر بأس،أي مكروه،و يقال:بئس الشّيء هذا،إذا وصف بالرّداءة،و قوله: بِعَذابٍ بَئِيسٍ الاعراف:165،أي مكروه.

و العذاب قد يسمّى«بأسا»لكونه مكروها،قال تعالى: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ المؤمن:29، فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا الأنبياء:12، فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا المؤمن:84،قال المفسّرون: عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا و قد كفّ بأسهم.فقد بدا لأبي سفيان،و قال:هذا عام مجدب،و ما كان معهم زاد إلاّ السّويق،فترك الذّهاب إلى محاربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(10:205)

الشّربينيّ: أي حرب الّذين كفروا.(1:319)

البروسويّ: البأس في الأصل:المكروه،ثمّ وضع موضع الحرب و القتال.(2:248)

رشيد رضا:البأس:القوّة.(5:304)

القاسميّ:أي شدّة و قوّة.(5:1418)

2- ...وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ. الأنعام:65

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: سألت ربّي أن لا يظهر على أمّتي أهل دين غيرهم فأعطاني،و سألته أن لا يهلكهم جوعا فأعطاني،و سألته أن لا يجمعهم على ضلالة فأعطاني، و سألته أن لا يلبسهم شيعا فمنعني.(الطّبرسيّ 2:315)

أبيّ بن كعب:سيكون في هذه الأمّة بين يدي السّاعة خسف و قذف و مسخ.(الطّبرسيّ 2:315)

مجاهد: أي بالحرب و القتل في الفتنة.

(القرطبيّ 7:9)

الحسن: التّهديد بإنزال العذاب و الخسف يتناول الكفّار،و قوله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً الأنعام:65، يتناول أهل الصّلاة.(الطّبرسيّ 2:315)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هو سوء الجوار.

(الطّبرسيّ 2:315)

الطّبرسيّ: أي قتال بعض و حرب بعض،و معناه يقتل بعضكم بعضا حتّى يفني بعضكم بعضا.

و في تفسير الكلبيّ:أنّه لمّا نزلت هذه الآية قام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فتوضّأ و أسبغ وضوءه،ثمّ قام و صلّى فأحسن

ص: 597

صلاته،ثمّ سأل اللّه سبحانه أن لا يبعث على أمّته عذابا من فوقهم و لا من تحت أرجلهم و لا يلبسهم شيعا و لا يذيق بعضهم بأس بعض.

فنزل جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمّد إنّ اللّه تعالى سمع مقالتك،و إنّه قد أجارهم من خصلتين و لم يجرهم من خصلتين:أجارهم من أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم،و لم يجرهم من الخصلتين الأخريين.

فقال صلّى اللّه عليه و آله:يا جبرائيل ما بقاء أمّتي مع قتل بعضهم بعضا،فقام و عاد إلى الدّعاء،فنزل الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:1،2.

فقال:لا بدّ من فتنة تبتلى بها الأمّة بعد نبيّها،ليتبيّن الصّادق من الكاذب،لأنّ الوحي انقطع و بقي السّيف، و افتراق الكلمة إلى يوم القيامة.و في الخبر أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة.(2:315)

النّسفيّ: البأس:السّيف.(2:17)

أبو حيّان:البأس:الشّدّة من قتل و غيره.

(4:151)

الشّربينيّ: أي بالقتال،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:هذا أهون أو أيسر،و في رواية أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:سألت ربّي طويلا أن لا يهلك أمّتي بالغرق فأعطانيها،و سألته أن لا يهلك أمّتي بالسّنين فأعطانيها،و سألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.

و في رواية أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم سأل اللّه تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين و منعه واحدة؛سأله أن لا يسلّط على أمّته عدوّا من غيرهم يظهر عليهم فأعطاه ذلك،و سأله أن لا يهلكهم بالسّنين فأعطاه ذلك،و سأله أن لا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك.(1:426)

البروسويّ: بالقتل و الصّلب و قطع الأعراق،كما فعل بابن منصور.(3:48)

3- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ... الإسراء:5

الطّبريّ: يقول:ذوي بطش في الحروب شديد.

(15:27)

الطّبرسيّ: أي سلّطنا عليكم عبادا لنا أولي شوكة و قوّة و نجدة.(3:398)

الفخر الرّازيّ: أولي بأس شديد و نجدة و شدّة.

البأس،القتال.(20:155)

نحوه النّيسابوريّ.(15:9)

البيضاويّ: ذوي قوّة و بطش في الحرب شديد.

(1:578)

مثله الخازن(4:118)،و أبو السّعود(3:205)، و الكاشانيّ(3:178)،و القاسميّ(10:3902).

أبو حيّان: أي قتال و حرب شديد لقوّتهم و نجدتهم،و كثرة عددهم و عددهم.(6:9)

ابن كثير:أي قوّة و عدّة و سلطنة شديدة.

(4:281)

أبو السّعود:ذوي قوّة و بطش في الحروب.

(3:205)

ص: 598

مثله المراغيّ.(15:14)

البروسويّ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ كقولهم:ظلّ ظليل،لأنّ«البأس»يتضمّن الشّدّة،أي ذوي قوّة و بطش في الحروب.(5:133)

الآلوسيّ: ذوي قوّة و بطش في الحروب،و قيل:

إنّ وصف«البأس»بالشّديد مبالغة،كأنّه قيل:ذوي شدّة شديدة كظلّ ظليل،و لا بأس فيه.و قيل:إنّه تجريد،و هو صحيح أيضا.(15:17)

4- قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ. النّمل:33

الطّوسيّ: أي أصحاب قدرة و أصحاب بأس،أي شجاعة شديدة.(8:93)

نحوه الطّبرسيّ.(4:220)

الزّمخشريّ: البأس:النّجدة و البلاء في الحرب.

(3:146)

مثله النّسفيّ.(3:210)

الفخر الرّازيّ: المراد بالبأس النّجدة،و الثّبات في الحرب.(24:195)

القرطبيّ: نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ في القتال وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ في الحرب و اللّقاء.(13:195)

البيضاويّ: البأس:نجدة و شجاعة.(2:175)

نحوه أبو حيّان(7:73)،و أبو السّعود(4:130)، و الكاشانيّ(4:65)،و شبّر(4:423)،و البروسويّ (6:343).

الخازن: أي عند الحرب،و قيل:أرادوا بالقوّة؛ كثرة العدد،و البأس و الشّجاعة،و هذا تعريض منهم بالقتال.(5:120)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(3:2324)

الآلوسيّ: أي نجدة و شجاعة مفرطة،و بلاء في الحرب.(19:197)

المراغيّ: نحن ذوو بأس و نجدة في القتال إلى مالنا من وافر العدّة و عظيم العتاد،و كثير الكراع و السّلاح.(19:137)

5- ...فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى... المؤمن:29

الطّبريّ: يقول:فمن يدفع عنّا بأس اللّه و سطوته إن حلّ بنا،و عقوبته إن جاءتنا؟(24:59)

الطّبرسيّ: أي من يمنعنا من عذاب اللّه (إِنْ جاءَنا)؟ و معناه:لا تتعرّضوا لعذاب اللّه بقتل النّبيّ و تكذيبه،فلا مانع لعذاب من عذاب اللّه إن حلّ بكم.

(4:521)

النّسفيّ: لا تتعرّضوا لبأس اللّه،أي عذابه،فإنّه لا طاقة لكم به إن جاءكم،و لا يمنعكم منه أحد.

(4:77)

نحوه الخازن(6:79)،و الآلوسيّ(24:65)، و القاسميّ(14:5165).

أبو السّعود: من أخذه و عذابه.(5:8)

مثله شبّر(5:343)،و البروسويّ(8:178).

6- قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ... الفتح:16

ص: 599

الطّبريّ: أولي بأس في القتال،و نجدة في الحروب.

(26:83)

الطّبرسيّ: ذوي نجدة و شدّة مثل أهل حنين و الطّائف و مؤتة إلى تبوك و غيرها،فلا معنى لحمل ذلك على ما بعد وفاته.(5:155)

الفخر الرّازيّ: يعني أولي سلاح من آلة الحديد، فيه بأس شديد.(28:93)

الشّربينيّ: أي شدّة في الحرب و شجاعة.

(4:45)

نحوه البروسويّ(9:30)،و الآلوسيّ(26:102).

7- ...وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ... الحديد:25

الإمام عليّ عليه السّلام: يعني السّلاح و غير ذلك.

(العروسيّ 5:250)

ابن زيد: البأس الشّديد:السّيوف و السّلاح الّذي يقاتل النّاس بها.(الطّبريّ 27:237)

مجاهد: جنّة و سلاح،و أنزله ليعلم اللّه من ينصره.(الطّبريّ 27:237)

الطّبريّ: يقول:فيه قوّة شديدة و منافع للنّاس، و ذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدوّ،و غير ذلك من منافعه.(27:237)

الفرّاء: قوله:(بأس)يريد السّلاح للقتال، (وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ) مثل السّكّين و الفأس و المزّ (1)،و ما أشبه ذلك.(3:136)

نحوه ابن كثير.(6:566)

الزّجّاج: أي يمتنع و يحارب.(الطّبرسيّ 5:241)

الطّبرسيّ: المعنى أنّه يتّخذ منه آلتان:آلة للدّفع، و آلة للضّرب،كما قال مجاهد:فيه جنّة و سلاح.

(5:241)

القرطبيّ: أي لإهراق الدّماء،و لذلك نهى عن الفصد و الحجامة في يوم الثّلاثاء،لأنّه يوم جرى فيه الدّم.(17:261)

النّسفيّ: هو القتال به في مصالحهم و معايشهم و صنائعهم،فما من صناعة إلاّ و الحديد آلة فيها،أو ما يعمل بالحديد باستعمال السّيوف و الرّماح و سائر السّلاح،في مجاهدة أعداء الدّين.(4:229)

نحوه أبو حيّان.(8:226)

الخازن: أي قوّة شديدة،منه جنّة و هي آلة الدّفع،و منه سلاح و هي آلة الضّرب.(7:32)

البروسويّ: بَأْسٍ شَدِيدٍ و هو القتال به،أو قوّة شديدة،يعني السّلاح للحرب،لأنّ آلات الحرب إنّما تتّخذ منه،و بالفارسيّة قتال شديد،يعني الآلات الّتي تستعمل في الحرب لصدّ العدوّ كالسّنان و السّهم و السّيف و الحربة و الخنجر و أمثالها،و لدرء الأخطار عن النّفس كالدّرع و الخوذة و الزّرد،و غير ذلك.(9:380)

نحوه الحائريّ.(11:60)

الآلوسيّ: (فِيهِ بَأْسٌ) أي عذاب،(شديد)لأنّ آلات الحرب تتّخذ منه،و هذا إشارة إلى احتياج الكتاب و الميزان إلى القائم بالسّيف ليحصل القيام بالقسط،فإنّ الظّلم من شيم النّفوس.(27:188)

ص: 600


1- كذا في الأصل و لعلّها:المسنّ.

المراغيّ:خلقنا الحديد لتكون منه السّيوفّ.

و الرّماح و الدّروع و السّفن البحريّة و ما أشبه ذلك، و فيها القوّة الّتي ترغم أنف الظّالم،و تحمي المظلوم،و فيه منافع للنّاس في حاجاتهم في معايشهم كأدوات الصّناعات و حاجات البيوت،و قطر السّكك الحديديّة و نحوها.(27:183)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(4:3054)

الطّباطبائيّ: البأس هو الشّدّة في التّأثير،و يغلب استعماله في الشّدّة في الدّفاع و القتال،و لا تزال الحروب و المقاتلات و أنواع الدّفاع ذات حاجة شديدة إلى الحديد و أقسام الأسلحة المعمولة منه،منذ تنبّه البشر له، و استخرجه.(19:172)

عبد الكريم الخطيب: (الحديد)هنا هو البأس الّذي ينزل مع آيات اللّه،و هو الزّواجر الّتي تحلّ بالمكذّبين المحاربين للّه و لرسله...و(الحديد)أيضا هو هذا الخير الكثير الّذي تتلقّاه النّفوس المهيّأة للإيمان من آيات اللّه و كلماته المنزلة على الرّسل.

و هذا لا يمنع من أن تبقى للحديد صفته المادّيّة الّتي يعرف بها،فيتّخذ منه فيما يتّخذ أدوات الحرب للجهاد في سبيل اللّه،و أنّه كما يجاهد الرّسل و المؤمنون معهم أعداء اللّه بألسنتهم فإنّهم يجاهدون بأيديهم،و يدفعون بغيهم و عدوانهم بسيوفهم.و قدّم ما في الحديد من بَأْسٍ شَدِيدٍ على ما فيه من منافع،لأنّ أكثر ما تنجلي عنه دعوة رسل اللّه هو هلاك الأكثرين،و نجاة القليلين،كما يقول سبحانه عن دعوة نوح عليه السّلام: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ هود:40،و كما يقول سبحانه مخاطبا النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يوسف:103.(14:788)

الباس

1- ...وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ... البقرة:177

ابن مسعود: حين القتال.

مثله مجاهد و الضّحّاك.(الطّبريّ 2:101)

و مثله الطّوسيّ.(2:98)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: عند شدّة القتال يذكر اللّه و يصلّي على محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على عليّ وليّ اللّه، و يوالي بقلبه و لسانه أولياء اللّه،و يعادي كذلك أعداء اللّه.(التّفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ:594)

قتادة: أي عند مواطن القتال.(الطّبريّ 2:101)

الرّبيع: عند لقاء العدوّ.(الطّبريّ 2:101)

نحوه البيضاويّ.(1:98)

الطّبريّ: و الصّابرين في وقت البأس،و ذلك وقت شدّة القتال في الحرب.(2:101)

نحوه ابن عطيّة(1:244)،و القرطبيّ(2:243)، و القاسميّ(3:393).

الزّجّاج: أي شدّة الحرب.(1:247)

القمّيّ: عند القتل.(1:64)

الطّبرسيّ: يريد وقت القتال و جهاد العدوّ.

و روي عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه،فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه،يريد إذا اشتدّ الحرب.(1:264)

ص: 601

نحوه شبّر.(1:180)

الشّربينيّ: أي وقت شدّة القتال في سبيل اللّه تعالى،نصب على المدح و لم يعطف لفضل الصّبر على الشّدائد،و مواطن القتال على سائر الأعمال.و روي عن عليّ رضى اللّه عنه أنّه قال:كنّا إذا حمى البأس،أي اشتدّ الحرب، و لقى القوم القوم اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فلا يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه.(1:115)

نحوه البروسويّ.(1:283)

أبو السّعود: أي وقت مجاهدة العدوّ في مواطن الحرب.و زيادة«الحين»للإشعار بوقوعه أحيانا، و سرعة انقضائه.(1:150)

الآلوسيّ: أي وقت القتال و جهاد العدوّ،و هذا من باب التّرقّي في الصّبر من الشّديد إلى الأشدّ،لأنّ الصّبر على المرض فوق الصّبر على الفقر،و الصّبر على القتال فوق الصّبر على المرض.

و عدّي الصّبر على الأوّلين ب(في)لأنّه لا يعدّ الإنسان من الممدوحين إذا صبر على شيء من ذلك،إلاّ إذا صار الفقر و المرض كالظّرف له.و أمّا إذا أصابه وقتا ما و صبر فليس فيه مدح كثير؛إذ أكثر النّاس كذلك.

و أتى ب(جين)في الأخير،لأنّ القتال حالة لا تكاد تدوم في أغلب الأوقات.(2:48)

2- قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً. الأحزاب:18

الطّبريّ: يقول:و لا يشهدون الحرب و القتال،إن شهدوا إلاّ تعذيرا،و دفعا عن أنفسهم المؤمنين.

(21:139)

الزّجّاج: لا يأتون الحرب مع أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ تعذيرا يوهمونهم أنّهم معهم.(4:220)

الطّوسيّ: (البأس)أي الحرب.(8:325)

مثله النّسفيّ.(3:298)

الطّبرسيّ: أي لا يحضرون القتال في سبيل اللّه.(4:348)

نحوه القرطبيّ(14:152)،و الكاشانيّ(4:170).

و شبّر(5:137).

الفخر الرّازيّ: لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ بمعنى لا يقاتلون معكم،و يتعلّلون عن الاشتغال بالقتال وقت الحضور معكم.(25:201)

الشّربينيّ: أي الحرب أو مكانها.(3:231)

البروسويّ: أي الحرب و القتال،و هو في الأصل الشّدّة.(7:155)

مثله أبو السّعود(4:206)،و الآلوسيّ(21:164).

باسا

1- ...عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلاً. النّساء:84

الطّبريّ: يقول:و اللّه أشدّ نكاية في عدوّه من أهل الكفر به،منهم فيك يا محمّد،و في أصحابك،فلا تنكلنّ عن قتالهم،فإنّي راصدهم بالبأس و النّكاية و التّنكيل و العقوبة،لأوهن كيدهم و أضعف بأسهم و أعلى الحقّ عليهم.(5:185)

ص: 602

الطّوسيّ: الشّدّة في كلّ شيء.(3:276)

الطّبرسيّ:أي أشدّ نكاية في الأعداء منكم.

(2:83)

أبو الفتوح: قوّة و شدّة.(2:16)

القرطبيّ: أي صولة و أعظم سلطانا و أقدر بأسا على ما يريده.(5:294)

نحوه الخازن.(1:471)

أبو حيّان: هذه تقوية لقلوب المؤمنين،و أنّ بأس اللّه أشدّ من بأس الكفّار،و قد جيء كفّ بأسهم.ثمّ ذكر ما أعدّ لهم من النّكال و أنّ اللّه تعالى هو أشدّ عقوبة،فذكر قوّته و قدرته عليهم،و ما يؤول إليه أمرهم من التّعذيب.

(3:309)

أبو السّعود: أي من قريش.(1:366)

القاسميّ: أي شدّة و قوّة من قريش.

(5:1418)

عبد الكريم الخطيب: أنّ هؤلاء الأعداء إن كانوا أولي قوّة و أولي بأس شديد فالنّبيّ و المسلمون يشدّون رجاءهم إلى قوّة فوق هذه القوّة،و إلى بأس أعظم من هذا البأس؛قوّة اللّه و بأس اللّه وَ اللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلاً. (3:849)

2- قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ... الكهف:2

ابن أبي إسحاق: عاجل عقوبة في الدّنيا و عذابا في الآخرة.(الطّبريّ 15:192)

الإمام الصّادق عليه السّلام: البأس الشّديد:عليّ،و هو لدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قاتل معه عدوّه.

(العروسيّ(3:242)

ابن قتيبة: أي لينذر ببأس شديد،أي عذاب.

(263)

الطّبريّ: عنى بالبأس العذاب العاجل،و النّكال الحاضر و السّطوة.(15:192)

مثله الطّوسيّ.(7:6)

الزّمخشريّ: البأس من قوله: بِعَذابٍ بَئِيسٍ الأعراف:165،و قد بؤس العذاب و بؤس الرّجل بأسا و بآسة.(2:472)

مثله الفخر الرّازيّ.(21:76)

الطّبرسيّ: معناه ليخوّف العبد الّذي أنزل عليه الكتاب النّاس عذابا شديدا،و نكالا و سطوة من عند اللّه تعالى،إن لم يؤمنوا به.(3:449)

البيضاويّ: أي لينذر الّذين كفروا عذابا شديدا، فحذف المفعول الأوّل اكتفاء بدلالة القرينة،و اقتصارا على الغرض المسوق إليه.(2:4)

نحوه النّسفيّ.(3:2)

الخازن: معناه«لينذر الذين كفروا بأسا شديدا،» و هو قوله سبحانه و تعالى: بِعَذابٍ بَئِيسٍ الأعراف:

165.(4:155)

أبو حيّان: [بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و كأنّه راعى في تعيين المحذوف مقابله و هو وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ و البأس الشّديد:عذاب الآخرة،و يحتمل أن يندرج فيه ما يلحقهم من عذاب الدّنيا.(6:96)

ص: 603

ابن كثير: ينذره بأسا شديدا:عقوبة عاجلة في الدّنيا،و آجلة في الأخرى.(4:365)

نحوه المراغيّ.(15:115)

الآلوسيّ: المراد من البأس الشّديد:عذاب الآخرة لا غير،و قيل:يحتمل أن يندرج فيه عذاب الدّنيا. (مِنْ لَدُنْهُ) أي صادرا من عنده تعالى،نازلا من قبله بمقابلة كفرهم.فالجارّ و المجرور متعلّق بمحذوف،وقع صفة ثانية للبأس.(15:202)

القاسميّ: البأس:القهر و العذاب،و خصّصه بقوله: (مِنْ لَدُنْهُ) إشارة إلى زيادة هوله،و لذلك عظّمه بالتّنكير.(11:4022)

عبد الكريم الخطيب: هو العذاب الأليم الّذي توعّد اللّه سبحانه و تعالى به الّذين لا يؤمنون باللّه، و لا يعملون الصّالحات،على خلاف الّذين يؤمنون باللّه و يعملون الصّالحات.(8:582)

باسه

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. الأنعام:147

الطّوسيّ: معناه لا يمكن أحد أن يردّه عنهم،و هو أبلغ من قوله:بأسه نازل بالمجرمين،لأنّه دلّ على هذا المعنى و على أنّ أحدا لا يمكنه ردّه.(4:333)

الطّبرسيّ: أي لا يدفع عذابه إذا جاء وقته.

(2:379)

مثله النّيسابوريّ(8:49)،و شبّر(2:330)، و الآلوسيّ(8:49)،و نحوه النّسفيّ(2:39).

الخازن: يعني و لا يردّ عذابه و نقمته إذا جاء وقتهما.(2:162)

نحوه الشّربينيّ(1:456)،و المراغيّ(8:57).

باسهم

لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ... الحشر:14

ابن عبّاس: معناه بعضهم عدوّ للبعض.

(الفخر الرّازيّ 29:290)

مجاهد: المعنى أنّهم إذا اجتمعوا يقولون:لنفعلنّ كذا و كذا،فهم يهدّدون المؤمنين ببأس شديد،من وراء الحيطان و الحصون،ثمّ يحترزون عن الخروج للقتال.(الفخر الرّازيّ 29:290)

الطّبريّ: عداوة بعض هؤلاء الكفّار من اليهود بعضا شديدة.(28:47)

مثله الطّوسيّ.(9:569)

الميبديّ: أي هم متعادون مختنقون عداوة بعضهم بعضا شديدا،و قيل:نكايتهم فيما بينهم شديد.

(10:51)

الزّمخشريّ: يعني أنّ البأس الشّديد الّذي يوصفون به إنّما هو بينهم إذا اقتتلوا،و لو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس و الشّدّة،لأنّ الشّجاع يجبن و العزيز يذلّ عند محاربة اللّه و رسوله.(4:85)

مثله البيضاويّ(2:467)،و النّسفيّ(4:243)، و أبو حيّان(8:249)،و الكاشانيّ(5:158)،و شبّر (6:191).

ص: 604

الطّبرسيّ: أي عداوة بعضهم لبعض شديدة،يعني أنّهم ليسوا بمتّفقي القلوب.و قيل:معناه قوّتهم فيما بينهم شديدة،فإذا لاقوكم جبنوا،يفزعون منكم بما قذف اللّه في قلوبهم من الرّعب.(5:264)

أبو الفتوح: شجاعتهم و صولتهم شديدة بينهم، أي أنّهم ما داموا مجتمعين يجازفون في كلامهم يتبجّحون في شجاعتهم،و لكنّهم حينما يتفرّقون يبدو عليهم الضّعف،و يحلّ بهم الخوف.(5:292)

الفخر الرّازيّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:يعني أنّ البأس الشّديد الّذي يوصفون به إنّما يكون إذا كان بعضهم مع بعض،فأمّا إذا قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس و الشّدّة،لأنّ الشّجاع يجبن و العزيز يذلّ عند محاربة اللّه و رسوله.

و ثانيها:قال مجاهد:المعنى أنّهم إذا اجتمعوا يقولون:لنفعلنّ كذا و كذا،فهم يهدّدون المؤمنين ببأس شديد من وراء الحيطان و الحصون،ثمّ يحترزون عن الخروج للقتال،فبأسهم فيما بينهم شديد،لا فيما بينهم و بين المؤمنين.

و ثالثها:قال ابن عبّاس:معناه بعضهم عدوّ للبعض،و الدّليل على صحّة هذا التّأويل قوله تعالى:

تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى الحشر:14،يعني:

تحسبهم في صورتهم مجتمعين على الألفة و المحبّة،أمّا قلوبهم فشتّى،لأنّ كلّ أحد منهم على مذهب آخر، و بينهم عداوة شديدة،و هذا تشجيع للمؤمنين على قتالهم.

(29:290)

أبو السّعود: استئناف سيق لبيان أنّ ما ذكر من رهبتهم ليس لضعفهم و جبنهم في أنفسهم،فإنّ بأسهم بالنّسبة إلى أقرانهم شديد،و إنّما ضعفهم و جبنهم بالنّسبة إليكم بما قذف اللّه تعالى في قلوبهم من الرّعب.

(5:153)

مثله الآلوسيّ.(25:58)

البروسويّ: [قال مثل أبو السّعود و أضاف:]

إن قيل:إنّ البأس شدّة الحرب فما الحاجة إلى الحكم عليه بشديد؟

أجيب:بأنّه أريد من«البأس»هنا مطلق الحرب، فأخبر بشدّته لتصريح الشّدّة،أو أريد المبالغة في إثبات الشّدّة لبأسهم مبالغة في شدّة بأس المؤمنين،لغلبته على بأسهم بتأييد اللّه و نصرته لهم عليهم.و الظّرف متعلّق ب(شديد)و التّقديم للحصر.

و يجوز أن يكون متعلّقا بمقدّر صفة أو حالا،أي بأسهم الواقع بينهم أو واقعا بينهم.فقولهم:الظّرف الواقع بعد المعرفة يكون حالا البتّة،ليس بمرضيّ،فإنّ الأمرين جائزان،بل قد ترجّح الصّفة.(9:441)

الطّباطبائيّ: أي هم فيما بينهم شديد و البطش، غير أنّهم إذا برزوا لحربكم و شاهدوكم يجبنون،بما ألقى اللّه في قلوبهم من الرّعب.(19:213)

عبد الكريم الخطيب: إشارة إلى حال اليهود فيما بينهم،و أنّهم أشدّ النّاس شراسة،و أقساهم قلبا، و أقدرهم على الفتك؛حيث يقاتل بعضهم بعضا،و يفتك بعضهم ببعض،إنّهم حينئذ يكونون أشبه بالحيّات ينهش بعضها بعضا،و يفتك بعضها ببعض،فهي أعلم بمواطن

ص: 605

الضّعف في أبناء جنسها،و هي لهذا أشدّ جسارة،و أكثر إقداما من غيرها على نفث السّمّ الكامن فيها.

(14:872)

باسكم

1- ...وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ... النّحل:81

الطّبريّ: البأس هو الحرب،و المعنى تقيكم في بأسكم السّلاح أن يصل إليكم.(14:155)

أبو حيّان: البأس في أصل اللّغة:الشّدّة،و هنا الحرب،و في الحديث:«كنّا إذا اشتدّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»و المعنى تقيكم أذى الحرب،و هو ما يعرض فيها من الجراح النّاشئة من ضرب السّيف و الدّبّوس (1)و الرّمح و السّهم،و غير ذلك.(5:524)

الشّربينيّ: أي حربكم،أي في الطّعن و الضّرب فيها.(2:254)

مثله أبو السّعود(3:188)،و نحوه البروسويّ(5:

67)،و الآلوسيّ(14:205).

2- وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ. الأنبياء:80

ابن عبّاس: أي من سلاحكم.

(القرطبيّ 11:320)

الضّحّاك: أي من حرب أعدائكم.

(القرطبيّ 11:320)

مثله السّدّيّ(الطّبرسيّ 4:58)،و ابن قتيبة (287)،و النّسفيّ(3:86)،و أبو السّعود(3:350)، و شبّر(4:210).

الطّبريّ: البأس:القتال،و علّمنا داود صنعة سلاح لكم،ليحرزكم إذا لبستموه،و لقيتم فيه أعداءكم من القتل.(17:55)

الطّوسيّ: شدّة القتال.(7:269)

مثله الطّبرسيّ.(4:58)

الفخر الرّازيّ: البأس هاهنا:الحرب،و إن وقع على السّوء كلّه،و المعنى ليمنعكم و يحرسكم من بأسكم، أي من الجرح و القتل و السّيف و السّهم و الرّمح.

(22:200)

نحوه القرطبيّ.(11:320)

البروسويّ: البأس هنا:الحرب و إن وقع على السّوء كلّه،أي من حرب عدوّكم.(5:508)

الآلوسيّ: قيل:أي من حرب عدوّكم،و المراد ممّا يقع فيها.و قيل:الكلام على تقدير مضاف،أي من آلة بأسكم كالسّيف.(17:77)

باسنا

1- ...كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا... الأنعام:148

الطّبرسيّ: أي حتّى نالوا عذابنا،و قيل:معناه حتّى أصابوا العذاب المعجّل،و دلّ بذلك على أنّ لهم عذابا مدّخرا عند اللّه تعالى.(2:380)

ص: 606


1- المقمعة،أي عصا من خشب أو حديد في رأسها شيء كالكرة.

مثله النّسفيّ(2:39)،و الشّربينيّ(1:456)،

و الآلوسيّ(8:51).

2- وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ. الأعراف:4

الطّبريّ: يقول:فجاءتهم عقوبتنا و نقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا،أو جاءتهم قائلين،يعني نهارا في وقت القائلة.(8:118)

الطّبرسيّ: أي عذابنا.(2:397)

مثله النّسفيّ(2:44)،و الخازن(2:173)، و أبو السّعود(2:155)،و الكاشانيّ(2:180)، و البروسويّ(3:135)،و القاسميّ(7:2611)، و الحجازيّ(8:37).

النّيسابوريّ: أي إزاغة قلوبهم بإصبع القهّاريّة.

(8:76)

أبو حيّان: خصّ مجيء البأس بهذين الوقتين، لأنّهما وقتان للسّكون و الدّعة و الاستراحة؛فمجيء العذاب فيهما أقطع و أشقّ،و لأنّه يكون المجيء فيه على غفلة من المهلكين،فهو كالمجيء بغتة.(4:268)

عبد الكريم الخطيب:البأس هو البلاء المسلّط من قوّة قادرة لا تدفع.(4:367)

شبّر: عذاب الاستئصال.(2:345)

3- فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ. الأعراف:5

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّه لم يكن دعاء هؤلاء الّذين أهلكهم عقوبة على معاصيهم و كفرهم في الوقت الّذي جاءهم بأس اللّه،و هو شدّة عذابه،و منه البؤس:

شدّة الكفر،و البئيس:الشّجاع،لشدّة بأسه،و بئس:

من شدّة الفساد الّذي يوجب الذّمّ.(4:373)

نحوه الطّبرسيّ.(2:397)

4- حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَ لا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. يوسف:110

الطّبريّ: يقول:و لا تردّ عقوبتنا و بطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الّذين أجرموا،فكفروا باللّه،و خالفوا رسله،و ما أتوهم به من عنده.(13:89)

الطّوسيّ: البأس:شدّة الأمر على النّفس،يقال له:بأس في الحرب،و البئيس:الشّجاع لشدّة أمره.و منه البؤس:الفقر،و البائس:الفقير.(6:209)

القرطبيّ: أي عذابنا.(9:277)

مثله النّسفيّ(2:240)،و الخازن(3:263)، و الشّربينيّ(2:142)،و البروسويّ(4:333)، و القاسميّ(9:3616).

أبو حيّان: البأس هنا:الهلاك.و قرأ الحسن (بأسه) بضمير الغائب،أي بأس اللّه.و هذه الجملة فيها وعيد و تهديد لمعاصري الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(5:355)

المراغيّ: أي لا يمنع عقابنا و بطشنا عن القوم الّذين أجرموا فكفروا باللّه و كذّبوا رسله،و ما أتوهم به من عند ربّهم.

و قد جرت سنّة اللّه أن يبلّغ الرّسل أقوامهم،و يقيموا عليهم الحجّة و ينذروهم سوء عاقبة الكفر و التّكذيب،

ص: 607

فيؤمن المهتدون و يصرّ المعاندون،فينجي اللّه الرّسل و من آمن من أقوامهم،و يهلك المكذّبين.

و لا يخفى ما في الآية من التّهديد و الوعيد لكفّار قريش،و من على شاكلتهم من المعاصرين للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(13:56)

5- فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ.

الأنبياء:12

الطّوسيّ: قال قوم:أراد عذاب الدّنيا،و قال آخرون: أراد عذاب الآخرة.(7:234)

الخازن: أي عذابنا.(4:234)

مثله الشّربينيّ(2:498)،و أبو السّعود(3:335)، و الكاشانيّ(3:332)،و القاسميّ(11:4253).

أبو حيّان: الضّمير في(منها)عائد على القرية و يحتمل أن يعود على(باسنا)لأنّه في معنى الشّدّة،فأنّث على المعنى،و(من)على هذا السّبب.و الظّاهر أنّهم لمّا أدركتهم مقدّمة العذاب ركبوا دوابّهم يركضونها هاربين منهزمين.(6:300)

البروسويّ: الضّمير للأهل المحذوف،و البأس، الشّدّة و المكروه و النّكاية،أي أدركوا عذابنا الشّديد إدراكا تامّا،كأنّه إدراك المشاهد المحسوس.(4585)

المراغيّ: أي فلمّا أيقنوا أنّ العذاب واقع بهم لا محالة كما أوعدهم أنبياؤهم،إذا هم يهربون سراعا عجلين،يعدون منهزمين.

و الخلاصة:أنّهم لمّا علموا شدّة بأسنا و بطشنا علم حسّ و مشاهدة،ركضوا في ديارهم هاربين.(17:13)

6- فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ. المؤمن:84

السّدّيّ: النّقمات الّتي نزلت بهم.

(الطّبريّ 24:89)

الطّبريّ: يعني عقاب اللّه الّذي وعدتهم به رسلهم قد حلّ بهم.(24:89)

الزّمخشريّ: شدّة العذاب،و منه قوله: بِعَذابٍ بَئِيسٍ الأعراف:165.(3:440)

مثله الفخر الرّازيّ(27:91)،و الشّربينيّ(3:

500)،و أبو السّعود(5:16)،و عزّة دروزة(5:132)، و الطّباطبائيّ(17:357).

7- فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ... المؤمن:85

الطّبرسيّ: أي عند رؤيتهم بأس اللّه و عذابه، لأنّهم يصيرون عند ذلك ملجئين،و فعل الملجأ لا يستحقّ به المدح.(4:535)

أبو السّعود: أي عند رؤية عذابنا لامتناع قبوله حينئذ.(5:16)

البروسويّ: أصل البأس:الشّدّة و المضرّة،و حال البأس هو وقت معاينة العذاب،و انكشاف ما جاءت الأخبار الإلهيّة،من الوعد و الوعيد،و حال اليأس هو وقت الغرغرة الّتي تظهر عندها أحكام الدّار الآخرة عليه،بعد تعطيل قواه الحسّيّة.(8:222)

نحوه الآلوسيّ.(24:92)

ص: 608

الباساء

1- ...وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.

البقرة:177

ابن مسعود: (الباساء):الفقر.(الطّبريّ 2:98)

(الباساء):الجوع،(الباساء):الحاجة.

(الطّبريّ 2:99)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: يعني في محاربة الأعداء، و لا عدوّ يحاربه أعدى من إبليس و مردته،يهتف به و يدفعه و إيّاهم بالصّلاة على محمّد و آله الطّيّبين عليهم السّلام.

(التّفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ:594)

الضّحّاك: اَلْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ: المرض.

(الطّبريّ 2:99)

قتادة: كنّا نحدّث أنّ(الباساء):البؤس و الفقر.

مثله ابن جريج.(الطّبريّ 2:99)

الرّبيع: البؤس:الفاقة و الفقر.(الطّبريّ 2:99)

الطّبريّ: أمّا أهل العربيّة فإنّهم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم:البأساء و الضّرّاء:مصدر جاء على «فعلاء»ليس له أفعل،لأنّه اسم،كما قد جاء«أفعل»في الأسماء ليس له فعلاء نحو أحمد.و قد قالوا في الصّفة:

أفعل،و لم يجئ له فعلاء،فقالوا:أنت من ذلك أوجل،و لم يقولوا:و جلاء.

و قال بعضهم: هو اسم للفعل فإنّ البأساء:البؤس، و الضّرّاء:الضّرّ،و هو اسم يقع إن شئت لمؤنّث و إن شئت لمذكّر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم: لو كان ذلك اسما يجوز صرفه إلى مذكّر و مؤنّث،لجاز إجراء«أفعل»في النّكرة،و لكنّه اسم قام مقام المصدر،و الدّليل على ذلك قولهم:لئن طلبت نصرتهم لتجدنّهم غير أبعد،بغير إجراء.

و قال:إنّما كان اسما للمصدر،لأنّه إذا ذكّر علم أنّه يراد به المصدر.

و قال غيره: لو كان ذلك مصدرا فوقع بتأنيث لم يقع بتذكير،و لو وقع بتذكير لم يقع بتأنيث،لأنّ من سمّي بأفعل لم يصرف إلى فعلى،و من سمّي بفعلى لم يصرف إلى أفعل،لأنّ كلّ اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره، و لكنّهما لغتان.

فإذا وقع بالتّذكير كان بأمر أشأم،و إذا وقع البأساء و الضّرّاء وقع الخلّة البأساء و الخلّة الضّرّاء،و إن كان لم يبن على الضّرّاء الأضرّ و لا على الأشأم الشّأماء، لأنّه لم يرد من تأنيثه التّذكير،و لا من تذكيره التّأنيث، كما قالوا:امرأة حسناء،و لم يقولوا:رجل أحسن، و قالوا:رجل أمرد،و لم يقولوا:امرأة مرداء.

فإذا قيل:الخصلة الضّرّاء،و الأمر الأشأم،دلّ على المصدر،و لم يحتج إلى أن يكون اسما،و إن كان قد كفى من المصدر،و هذا قول مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل اَلْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ و إن كان صحيحا على مذهب العربيّة.

و ذلك أنّ أهل التّأويل تأوّلوا (الْبَأْساءِ) بمعنى البؤس، (وَ الضَّرّاءِ) بمعنى الضّرّ في الجسد،و ذلك من تأويلهم مبنيّ على أنّهم وجّهوا البأساء و الضّرّاء إلى أسماء الأفعال دون صفات الأسماء و نعوتها.

ص: 609

فالّذي هو أولى ب اَلْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ على قول أهل التّأويل،أن تكون البأساء و الضّرّاء أسماء أفعال، فتكون البأساء اسما للبؤس،و الضّرّاء اسما للضّرّ.

(2:99)

القمّيّ: (الباساء):الجوع و العطش و الخوف و المرض.(1:64)

الطّوسيّ: إنّما قيل:البأساء في المصدر و لم يقل منه «أفعل»لأنّ الأصل في فعلاء أفعل للصّفات الّتي للألوان و العيوب،كقولك:أحمر و حمراء،و أعور و عوراء.فأمّا الأسماء الّتي ليست بصفات،فلا يجب ذلك فيها.و على ذلك تأوّلوا قول زهير:

فتنتج لكم غلمان أشأم كلّهم

كأحمر عاد ثمّ ترضع فتفطم

و أنكر ذلك قوم،لأنّه لم يصرف«أشأم»و قالوا:إنّما هو صفة وقعت موقع الموصوف،كأنّه قال:غلمان أمر أشأم،فلذلك قالوا:إنّما المعنى الخلّة البأساء،و الخلّة الضّرّاء.(2:98)

الزّمخشريّ: الفقر و الشّدّة.(1:331)

مثله الطّبرسيّ(1:261)،و النّسفيّ(1:90)، و النّيسابوريّ(2:82)،و الخازن(1:123)،و ابن كثير (1:367)،و الشّربينيّ(1:115)،و القاسميّ(3:

393)،و رشيد رضا(2:121)،و الحجازيّ(2:20).

أبو حيّان: (البأساء):اسم مشتقّ من البؤس إلاّ أنّه مؤنّث،و ليس بصفة.و قيل:هو صفة أقيمت مقام الموصوف.

و البؤس و البأساء:الفقر،يقال منه:بئس الرّجل، إذا افتقر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البأس:شدّة القتال،و منه حديث عليّ:«كنّا إذا اشتدّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».و يقال:بؤس الرّجل،أي شجع.(1:497)

الآلوسيّ: (البأساء):البؤس و الفقر،و(الضّرّاء):

السّقم و الوجع،و هما مصدران بنيا على فعلاء و ليس لهما أفعل،لأنّ أفعل و فعلاء في الصّفات و النّعوت و لم يأتيا في الأسماء الّتي ليست بنعوت.(2:267)

عزّة دروزة:أوقات الشّدّة و المصائب و المحن.

(7:267)

بنت الشّاطئ: الكلمتان[البأساء و الضّرّاء]من آيتي وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ الأنعام:42، وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ الأعراف:94،و معهما آيتا البقرة:

وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ البقرة:177، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ البقرة:214.

و قد نفهم وجه التّقريب في تفسير(الضّرّاء) بالجدب،على أن يكون تخصيصا من عموم،فالجدب ضرّاء،و الضّرّاء تكون من جدب،و تكون من غيره، أذى أو محنة و بلاء.

أمّا تفسير(الباساء)بالخصب-كما في«الإتقان»من

ص: 610

قول ابن عبّاس-فلا ندري ما وجهه،فإن يكن نظر فيه إلى فتنة الخصب،كما في آيات: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35، إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ التّغابن:15،فإنّ سياق آيات(البأساء)الأربع لا يعين عليه،مع الأخذ و التّضرّع في آيتي الأنعام و الأعراف، و مع الصّبر و المسّ في آيتي البقرة.

كما لا أجد فيما بين يديّ من كتب اللّغة ما يؤنس إلى معنى«الخصب»في(البأساء)من قريب أو بعيد،على الحقيقة أو المجاز،بل تدور في الاستعمال على الشّدّة و العذاب و الدّاهية و الحزن.

و من مادّتها:البؤس و البأس و البؤسى و الابتئاس.

و في«الأساس»: وقع في البؤس و البأساء.و في أمر بئيس:شديد.و ابتأس بذلك،إذا اكتأب و استكان من الكآبة فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يوسف:69.

و فرّق«أبو هلال»بين البأساء و الضّرّاء،فقال:

«الضّرّاء هي المضرّة الظّاهرة،و الفرق بينهما أنّ البأساء ضرّاء معها خوف،و أصلها البأس و هو الخوف،يقال:

لا بأس عليك،أي لا خوف عليك.و سمّيت الحرب بأسا لما فيها من الخوف».و صريح كلامه أنّ البأساء أشدّ من الضّرّاء.

و قد نطمئنّ إلى أنّ«الشّدّة»أصل في معنى الكلمة، ثمّ تخالف العربيّة بين صيغها لملاحظ من فروق الدّلالات؛فتجعل«البأس»للقوّة و شدّة السّطوة، و«البؤس»لشدّة الكرب و التّعاسة،و«الباساء»لوطأة المحنة،على ما سبقت الإشارة إليه في المسألة رقم:38 (1)وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ الحجّ:28،و اللّه أعلم.

(الإعجاز البيانيّ:339)

حسنين مخلوف: (البأساء):ما يصيب النّاس في الأموال كالفقر،(و الضراء):ما يصيبهم في الأنفس كالمرض.مشتقّان من البؤس و الضّرّ،و ألفهما للتّأنيث؛ يقال:بئس يبأس بؤسا و بأسا:اشتدّت حاجته،و ضرّه و أضرّه و ضارّه ضرّا و ضرّا:ضدّ نفع.(1:58)

2- ...مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ... البقرة:214

الطّبريّ: (البأساء):شدّة الحاجة و الفاقة.

(2:341)

الزّجّاج: القتل و الفقر.(1:285)

الطّوسيّ: ضدّ النّعماء.(2:198)

الميبديّ: قيل:التّعب.(1:568)

الطّبرسيّ: (البأساء):نقيض النّعماء،(و الضراء):

نقيض السّرّاء.و قيل:(البأساء):القتل،(و الضراء):

الفقر،و قيل:هو ما يتعلّق بمضارّ الدّين من حرب و خروج من الأهل و المال و إخراج،فمدحوا بذلك إذا توقّعوا الفرج بالصّبر.(1:309)

الفخر الرّازيّ: (البأساء)هو اسم من البؤس،بمعنى الشّدّة،و هو الفقر و المسكنة،و منه يقال:فلان في بؤس و شدّة.(6:20)

مثله الخازن.(1:170)

النّسفيّ: (البأساء):البؤس.(1:107)

النّيسابوريّ: (البأساء):عبارة عن تضييق

ص: 611


1- في الإعجاز البيانيّ للقرآن:319.

جهات الخير و المنفعة عليه.(2:216)

ابن كثير: هي الأمراض و الأسقام و الآلام و المصائب و النّوائب.(1:445)

السّيوطيّ: شدّة الفقر.(الجلالين 1:113)

مثله الشّربينيّ.(1:139)

أبو السّعود: أي الشّدّة من الخوف و الفاقة.

(1:164)

مثله البروسويّ.(1:330)

شبّر: (البأساء):القتل،و الخروج عن الأهل و المال.(1:214)

القاسميّ: الشّدائد و الآلام.(3:530)

رشيد رضا: (البأساء):الشّدّة تصيب الإنسان في غير نفسه و بدنه،كأخذ المال و الإخراج من الدّيار و تهديد الأمن،و مقاومة الدّعوة،و فسّره«الجلال» بالفقر،و هو من أثره.

(و الضراء):ما يصيب الإنسان في نفسه كالجرح و القتل،و فسّره«الجلال»بالمرض،و هو بعضه.

(2:300)

نحوه المراغيّ.(2:126)

الطّباطبائيّ: (البأساء)هو الشّدّة المتوجّهة إلى الإنسان في خارج نفسه،كالمال و الجاه و الأهل و الأمن الّذي يحتاج إليه في حياته.(2:159)

الحجازيّ: الفقر و كلّ ما يصيب الإنسان في غير ذاته،مسّتهم الشّدّة و الخوف و الفقر و الألم و الأمراض و أزعجوا إزعاجا شديدا.(2:40)

عبد الكريم الخطيب: أي اضطربت مشاعرهم و تبلبلت خواطرهم،و استيأسوا و ظنّوا أنّهم أحيط بهم.

(1:237)

3- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. الأنعام:42

ابن عبّاس: يريد به الفقر و البؤس و الأسقام و الأوجاع.

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 2:301)

سعيد بن جبير: خوف السّلطان،و غلاء السّعر.(الآلوسيّ 7:151)

الطّبريّ: يقول:فأمرناهم و نهيناهم،فكذّبوا رسلنا و خالفوا أمرنا و نهينا،فامتحنّاهم بالابتلاء بالبأساء،و هي شدّة الفقر و الضّيق،إلى أن أخذوا بالشّدّة في أنفسهم و أموالهم،ليخضعوا و يذلّوا لأمر اللّه، لأنّ القلوب تخشع،و النّفوس تضرع عند ما يكون من أمر اللّه في البأساء و الضّرّاء.فلم تخشع و لم تضرع.

(2:248)

مثله الطّوسيّ.(4:145)

الزّمخشريّ: البأساء و الضراء:البؤس و الضّرّ.و قيل:(البأساء):القحط و الجوع،(و الضراء):

المرض و نقصان الأموال و الأنفس.(2:18)

نحوه النّسفيّ.(2:12)

القرطبيّ: (بالبأساء)بالصّائب في الأموال (و الضراء)في الأبدان،هذا قول الأكثر،و قد يوضع كلّ واحد منهما موضع الآخر،و يؤدّب اللّه عباده بالبأساء

ص: 612

و الضّرّاء.(6:424)

الخازن: يعني بالفقر الشّديد،و أصله من البؤس و هو الشّدّة و المكروه.و قيل:(البأساء):شدّة الجوع.(2:110)

نحوه عزّة دروزة.(4:165)

أبو السّعود: أي بالشّدّة و الفقر.(2:99)

مثله الكاشانيّ(2:120)،و البروسويّ(3:30)، و نحوه القاسميّ(6:2311)،و حسنين مخلوف(1:

222).

الآلوسيّ: البأساء و الضراء أي البؤس و الضّرّ.

و قيل:(البأساء):القحط و الجوع،(و الضراء):

المرض و نقصان الأنفس و الأموال،و هما صيغتا تأنيث لا مذكّر لهما على«أفعل»كأحمر حمراء،كما هو القياس، فإنّه لم يقل:أضرّ و أبأس صفة،بل للتّفضيل.

(7:151)

رشيد رضا: (البأساء):اسم يطلق على الحرب و المشقّة،و البأس:الشّدّة في الحرب،و الخوف في الشّدّة، و العذاب الشّديد،و القوّة و الشّجاعة.و البؤس:الخضوع و الفقر.[و بعد نقل قول الرّاغب و الطّبريّ و سعيد بن جبير قال:]

و الأقوال في الكلمتين متقاربة،و الفرق بينهما-كما أفهم-أنّ(البأساء)ما يقع في الخارج من الأمور الشّديدة الوقع على من يمسّه تأثيرها،كالحرب الحاضرة الآن، فإنّ وقعها أليم شديد على من أصيبوا بفقد أولادهم أو تخريب بلادهم أو ضيق معايشهم.

و أمّا(الضّرّاء)فهي كلّ ما يؤلم النّفس ألما شديدا سواء كان سببه نفسيّا أو بدنيّا أو خارجيّا؛فعلى هذا تكون البأساء من أسباب الضّرّاء.

و قالوا:إنّهما جاءتا على وزن«حمراء»و لم يرد في مذكّرهما وزن«أحمر»صفة بل ورد اسم تفضيل.

(7:412)

الطّباطبائيّ: البأساء و البأس و البؤس هو الشّدّة و المكروه إلاّ أنّ البؤس يكثر استعماله في الحرب و نحوه، و البأس و البأساء في غيره،كالفقر و الجدب و القحط و نحوها.(7:89)

فلا تبتئس

1- وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ. هود:36

ابن عبّاس: لا تحزن،بلغة سدوس.

(اللّغات:30)

فلا تحزن.(الطّبريّ 12:32)

مثله مجاهد(الطّبريّ 12:32)،و الخازن(3:

187)،و الشّربينيّ(2:55).

قتادة: لا تأس و لا تحزن.(الطّبريّ 12:32)

الفرّاء: يقول:لا تستكن و لا تحزن.(2:13)

مثله الزّجّاج.(3:50)

الطّبريّ: يقول:فلا تستكن و لا تحزن بما كانوا يفعلون،فإنّي مهلكهم و منقذك منهم و من اتّبعك.

و أوحى اللّه ذلك إليه بعد ما دعا عليهم نوح بالهلاك، فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً

ص: 613

نوح:26،و هو«تفتعل»من البؤس،يقال:ابتأس فلان بالأمر يبتئس ابتئاسا.[ثمّ استشهد بشعر]

(12:32)

الطّوسيّ: (فَلا تَبْتَئِسْ) أي لا تغتمّ و لا يلحقك حزن لأجلهم،يقال:ابتأس ابتئاسا فهو مبتئس،و قد يكون البؤس:الثّغر،و الابتئاس:حزن في الاستكانة.

[ثمّ استشهد بشعر](5:551)

نحوه الطّبرسيّ.(3:159)

الميبديّ: أي لا تغتمّ و لا تحزن،و الابتئاس «افتعال»من البؤس،و البؤس:الحزن.و قيل:

الابتئاس:حزن معه استكانة.

قيل:هذا خطاب له بعد الدّعاء،لأنّه لمّا دعا عليهم حزن و اغتمّ.

و قيل:هو متّصل بالأوّل،أي لا تحزن و لا تستكن بما كانوا يفعلون،فإنّي مهلكهم و منقذك منهم،فحينئذ دعا عليهم،فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً نوح:26.(4:380)

الزّمخشريّ: فلا تحزن حزن بائس مستكين.[ثمّ استشهد بشعر](2:268)

الفخر الرّازيّ: أي لا تحزن من ذلك و لا تغتمّ، و لا تظنّ أنّ في ذلك مذلّة،فإنّ الدّين عزيز و إن قلّ عدد من يتمسّك به،و الباطل ذليل و إن كثر عدد من يقول به.(17:222)

القرطبيّ: أي فلا تغتمّ بهلاكهم حتّى تكون بائسا، أي حزينا،و البؤس:الحزن.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:30)

النّسفيّ: فلا تحزن حزن بائس مستكين.

و الابتئاس«افتعال»من البؤس،و هو الحزن و الفقر، و المعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك و إيذائك فقد حان وقت الانتقام من أعدائك.(2:187)

نحوه النّيسابوريّ(12:24)،و أبو السّعود(3:

19)،و البروسويّ(4:122)،و شبّر(3:214)، و الآلوسيّ(12:49)،و الحجازيّ(2:23).

أبو حيّان: نهاه تعالى عن ابتئاسه بما كانوا يفعلون، و هو حزنه عليهم في استكانة.و ابتأس«افتعل»من البؤس،و يقال:ابتأس الرّجل،إذا بلغه شيء يكرهه.

[ثمّ استشهد بشعر](5:220)

نحوه الطّباطبائيّ.(10:222)

القاسميّ: أي لا تحزن بِما كانُوا يَفْعَلُونَ أي من التّكذيب و الإيذاء،فقد انتهى أمرهم و حان وقت الانتقام منهم.

و قيل:المعنى لا تبتئس،أي لإهلاكهم شفقة عليهم، لأنّهم إنّما يهلكون بما كانوا يفعلون من معاندتهم معك، فليسوا محلاّ لشفقتك و لا لرحمتنا.(9:3434)

رشيد رضا: أي فلا يشتدنّ عليك البؤس و الحزن و احتمال المكاره بعد اليوم،بما كانوا يفعلون في السّنين الطّوال من تكذيبهم و عنادهم و إيذائهم لك و لمن آمن لك؛إذ كنت تعرض له و تستهدف لسهامه رجاء في إيمانهم و اهتدائهم،فأرح نفسك بعد الآن من جدالهم و سماع أقوالهم،و من إعراضهم و احتقارهم،فقد آن زمن الانتقام منهم.(12:73)

نحوه المراغيّ(12:73)،و حسنين مخلوف(1:

ص: 614

364)

2- وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يوسف:69

قتادة: يقول:فلا تحزن و لا تيأس.(الطّبريّ 13:16)

وهب بن منبّه:يقول:لا يحزنك مكانه.

(الطّبريّ 13:16)

نحوه الشّعبيّ.(الطّبرسيّ 3:252)

السّدّيّ: يقول:لا تحزن على ما كانوا يعملون.

(الطّبريّ 13:16)

مثله الزّمخشريّ(2:333)،و القرطبيّ(9:229)، و الخازن(3:245)،و الشّربينيّ(2:124)، و أبو السّعود(3:83)،و البروسويّ(4:297)، و القاسميّ(9:3573)،و عبد الكريم الخطيب(7:23)، و عبد المنعم الجمّال(2:1517)،و محمّد جواد مغنيّة(4:

339).

الفرّاء: معناه لا تستكن من الحزن و البؤس، يقول:لا تحزن.(2:50)

مثله الطّبريّ(13:16)،و الزّجّاج(3:119).

الميبديّ: أي لا تحزن،و الابتئاس«افتعال»من البؤس،و هو سوء العيش.(5:111)

النّيسابوريّ: «افتعال»من البؤس:الشّدّة و الضّرّ،أراد نهيه عن اجتلاب الحزن.(13:29)

ابن كثير:أي لا تأسف على ما صنعوا بي.

(4:38)

المراغيّ: أي فلا يلحقنّك بعد الآن بؤس،أي مكروه و لا شدّة.(13:19)

الطّباطبائيّ: الابتئاس:اجتلاب البؤس، و الاغتمام،و الحزن.(11:221)

عزّة دروزة: فلا تحزن،و لا تهتمّ.(4:114)

حسنين مخلوف: فلا تحزن بشيء فعلوه بنا فيما مضى،«افتعال»من البؤس،و هو الشّدّة و الضّرر.

يقال:بئس كسمع بؤسا و بئوسا،اشتدّت حاجته، و ابتأس يبتئس ابتئاسا،و منه المبتئس،أي الكاره الحزين.(1:390)

الأشباه و النّظائر

مقاتل: تفسير«البأس»على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:«البأس»يعني العذاب،فذلك قوله سبحانه: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا يعني عذابنا في الدّنيا، قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ المؤمن:84،و قال: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا، يعني رأوا عذابنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ الأنبياء:12،و قال: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ جاءَنا المؤمن:29،يعني عذاب اللّه.

و الوجه الثّاني:«البأس»يعني الفقر،فذلك قوله:

وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ البقرة:177،يعني في الفقر و الشّدّة،كقوله: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ الأنعام:42،يعني بالفقر و الشّدّة.

و الوجه الثّالث:«البأس»يعني القتال فذلك قوله:

عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا النّساء:84، يعني قتال الكفّار،و قال: نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ

ص: 615

شَدِيدٍ النّمل:33،يعني القتال،و قال: وَ حِينَ الْبَأْسِ البقرة:177،يعني و عند القتال،و قال:

بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ الحشر:14،يعني القتال بين المنافقين و اليهود يكون شديدا إذا كان.(258)

مثله هارون الأعور(277)،و الدّامغانيّ(162).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البأس»و هو الشّدّة في الحرب،أو الحرب نفسها،كما قال ابن دريد:البأس الحرب،ثمّ كثر حتّى قيل:لا بأس عليك،أي لا خوف عليك.يقال:بؤس يبؤس بأسا و بآسة:اشتدّ و شجع، فهو بئس و بئيس.

و الشّدّة في العيش أيضا؛و هو الفقر،يقال:بئس يبأس بأسا و بؤسا و بئيسا:افتقر و اشتدّت حاجته،فهو بائس.

و أبأس الرّجل:حلّت به البأساء،و هي الشّدّة، و كذا البؤس و البؤسى،و كذا الحزن،و منه:ابتأس:

حزن.

و السّوء و الذّمّ،و منه:«بئس»و هو فعل ماض جامد يفيد الذّمّ،نقيض«نعم».فيتراءى أنّ تسلسل المعاني لهذه المادّة هكذا:الحرب،و الشّدّة،و الخوف،و الحزن، و الكراهة،و السّوء،و الذّمّ.

2-و الأبؤس ليس جمع بؤس،كما قال الجوهريّ، و إنّما هو جمع بأس؛لأنّ وزن«أفعل»جمع لوزن«فعل» في القلّة.و الأبؤس:الدّواهي،و منه المثل:«عسى الغوير أبؤسا».و الغوير مصغّر غار.

و قد جمع بعض المتأخّرين لفظ«بائس»على «بؤساء»يعنون به من نزلت به بليّة.و هذا مخالف للسّماع و القياس،لأنّ جمع«بائس»هو«أبؤس»كما تقدّم، و لا يجمع«فاعل»على«فعلاء»إلاّ إذا كان دالاّ على ما يشبه الغريزة،مثله:عاقل و عقلاء،و صالح و صلحاء، و شاعر و شعراء،و عالم و علماء.

بيد أنّه يجوز قياسا أن يجمع«بئيس»بمعنى شجاع على«بؤساء»،لأنّ لفظ«فعيل»هنا بمعنى«فاعل»،كما أنّه صفة للمذكّر العاقل.

3-قال أرباب اللّغة:أصل بئس«بئس»فعل ماض على وزن«فعل»و خرّجوا قولهم هذا بلغة من يسكّن عين الكلمة إذا كان أحد حروف الحلق،و هو مكسور، و ينقل حركته إلى الفاء،كما قيل للفخذ:فخذ،فصار فعلا جامدا،لأنّه أزيل عن موضعه.

و لكن ما ذكروه يشمل الأسماء دون الأفعال، و«بئس»فعل بقولهم:كما أنّ إسكان العين المكسورة و نقل حركتها إلى الفاء لا يقتصر على الاسم الّذي عينه حرف حلق فحسب،بل يشمل كلّ اسم على وزن «فعل»كما يقال:للكبد:كبد.

أمّا الأفعال فيكسر فاؤها و لا يسكن عينها إذا كانت على وزن«فعل»مثل:شهد و شهد،و سعد و سعد،و هي لغة ذكرها الخليل لطائفة من أهل اليمن و أهل الشّحر في كلّ فعل عينه حرف حلق.

و لعلّ«بئس»وضع هكذا دون أن يطرأ عليه تغيير، و قد ورد في السّريانيّة بلفظ«بئش»بالشّين،و في الآراميّة«بيش»بياء و شين.

ص: 616

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

1-لا يغرب معنى الحرب و ما نشأ منها،من الشّدّة و غيرها عن هذه المادّة في القرآن أيضا،كما نلاحظ ذلك في الآيات التّالية:

البأس:

1- وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ البقرة:177

2- وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً الأحزاب:18

3- وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ النّحل:81

4- وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ الأنبياء:80

5- بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى الحشر:14

6- عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا النّساء:84

7- وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ الأنعام:65

8- بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الإسراء:5

9- قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ النّمل:33

10- سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ الفتح:16

11- وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ الحديد:25

12- فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ جاءَنا المؤمن:29

13- وَ اللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلاً النّساء:84

14- قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الكهف:2

15- فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا

الأنعام:43

16- كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا الأنعام:148

17- وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ الأعراف:4

18- فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ الأعراف:5

19- أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ الأعراف:97

20- أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ الأعراف:98

21- فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَ لا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ يوسف:110

22- فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ الأنبياء:12

23- فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ المؤمن:84

24- فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا

المؤمن:85

25- وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ

ص: 617

الْمُجْرِمِينَ الأنعام:147

البأساء:

26- وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ

البقرة:177

27- وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ البقرة:214

28- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ الأنعام:42

29- وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ الأعراف:94

30- فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ

الحجّ:28

31- وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف:165

32- وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ

هود:36

33- قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يوسف:69

يلاحظ أوّلا:أنّ البأس في الآيات(1)إلى(5)عند المفسّرين هو الحرب،و قد انعقد الإجماع على ذلك في الثّلاث الأول،و كذا في الرّابعة،لو لا قول ابن عبّاس وحده بمعنى السّلاح،أمّا الخامسة ففيها أقوال،أشهرها العداوة و الحرب.و رجّح الفخر الرّازيّ المعنى الأوّل، مستدلاّ بقوله بعده في نفس الآية: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى الحشر:14،و عليه معظم المفسّرين، و لعلّ عزوفهم عن اختيار المعنى الثّاني يرجع إلى وصف «البأس»بالشّدّة،أي إذا كان معناه شدّة الحرب،فكيف يسوغ وصفه بلفظ(شديد)؟أجاب البروسويّ بأنّ «البأس»هنا مطلق الحرب،و به يستقيم المعنى.

و ثانيا:رغم أنّ معنى الشّدّة و القوّة ملحوظ في هذه الآيات جميعا،إلاّ أنّ لهذا المعنى بعدا إيجابيّا إضافة إلى بعده السّلبيّ.فالبعد الإيجابيّ ما يجرّ إلى البرّ و الثّواب كالآية(26)،أو ينسب إلى اللّه و يسند إليه كالآية(14)، أو ما يؤدّي إلى فائدة كالآية(9).

أمّا البعد السّلبيّ فهو ما يتضمّن سطوة الكافرين كالآية(6)،أو شدّة نكاية اللّه و قوّته كالآية(13)،أو شدّة العباد و بطشهم كالآية(8).و يدخل تحت هذا البعد سائر آيات«البأس»و«البأساء»و كلّ ما ذمّ بلفظ «بئس».

و ثالثا:شملت البأساء و الضراء المؤمنين و الكافرين على السّواء في الآيات(26)إلى(29)،إلاّ أنّ اللّه تعالى جعل صبر المؤمنين عليهما أمارة من أمارات البرّ في(26)،فختمها بمدحهم،و مسّهما إيّاهم تسلية ممّا نزل بالمؤمنين من الأمم السّالفة في(27)،فختمها ببشارتهم.و جعل أخذ الكافرين من الأمم السّالفة تسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خاصّة في(28)و(29)،فختمها بالتّرجّي لخضوع الكافرين.

و رابعا:ما نسب إلى اللّه من البأس فهو بمعنى العذاب الشّديد،و النّسبة إليه تعالى بهذا المعنى على ثلاثة أنواع:

1-الإضافة:

أ-إضافة إلى لفظ الجلالة،و هي الآية(12)فقط.

ص: 618

ب-إضافة إلى ضمير يعود إلى اللّه،و هو الضّمير (نا)في الآية(15)إلى(24)،و الضّمير(هاء)في الآية (25)فقط.

2-الإخبار:في الآية(13).

3-اللّدنيّة:في الآية(14).

و عنى بالبأس عذاب الدّنيا كما في الآية(12)

و(22)،و عذاب الآخرة كما في(23)و(24)،و قد نزل على الأمم الماضية و هو كثير،إلاّ ما جاء تحذيرا للأمم الحاضرة،كما في الآية(19)إلى(21)،أو خطابا للنّبيّ و المسلمين،كما في(13)و(14)و(29).

و خامسا:أجمع المفسّرون قاطبة على أنّ قوله:

فَلا تَبْتَئِسْ في(32)و(33)يعني الحزن،و هذا المعنى لا يخرجه من باب الشّدّة،لأنّ الحزين من اكتنفه أمر يشتدّ عليه.

و يلحظ ذلك بوضوح في جميع ما جاء في القرآن بمعنى الحزن،و لا سيّما تلك الآيات الّتي ضارعت هاتين الآيتين في النّهي و الخطاب،مثل: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ الحجر:88،و فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ المائدة:

68،و فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ المائدة:26.

2-عرّض اللّه أعمال العباد و مآلهم في القرآن للذّمّ في الدّنيا و الآخرة بلفظ«بئس»في صور شتّى:

أ-ذمّ الأفعال:

1-بيع الأنفس: وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ البقرة:102

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ البقرة:90

2-بيع العلم: وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ آل عمران:187

3-العمل: لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ المائدة:62

4-الصّنع: لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ المائدة:63

5-الفعل: لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المائدة:79

6-ما قدّمت لهم أنفسهم: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ المائدة:80

7-ذمّ التّنابز بالألقاب: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ الحجرات:11

8-ما يأمره إيمانهم: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ البقرة:93

9-الخلافة: بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي

الأعراف:150

ب-ذمّ العاقبة بألفاظ:

1-المصير:1- ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ البقرة:126

2- وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

آل عمران:162،و الأنفال:16

3- وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

التّوبة:73،و التّحريم:9

4- اَلنّارُ وَعَدَهَا اللّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الحجّ:72

5- وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ لَبِئْسَ الْمَصِيرُ النّور:57

6- مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الحديد:15

7- حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ

ص: 619

الْمَصِيرُ المجادلة:8

8- أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ التّغابن:10

9- وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الملك:6

2-المهاد:1- فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ

البقرة:206

2- سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ آل عمران:12

3- ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ

آل عمران:197

4- وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ الرّعد:18

5- جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ص:56

3-المثوى:1- وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ آل عمران:151

2- فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29

3- اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الزّمر:72،و المؤمن:76

4-الورد المورود: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ هود:98

5-القرار: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ إبراهيم:29

أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ ص:60

ج-ذمّ شراب جهنّم:

بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:29

د-ذمّ تولّي إبليس بدل اللّه:

بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50

ه-ذمّ الصّاحب عند التّناصر:

لَبِئْسَ الْمَوْلى الحجّ:13

و-ذمّ المعاشر:

وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ الحجّ:13

ز-ذمّ القرين:

يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ الزّخرف:38

ح-ذمّ المثل المضروب:

بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ الجمعة:5

يلاحظ أوّلا:أنّ الأفعال الّتي ذمّها اللّه تعالى في القرآن بلفظ(بئس)هي في كثير منها آثام و سيّئات اجترحها بنو إسرائيل-رهبانهم و عوامّهم-على مدى تاريخهم الزّاخر بالعصيان و التّمرّد،على أوامر السّماء و نواهيها.كما ذمّهم اللّه حين ضرب بهم مثلا في من يحمل علما و لا يعمل به: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ الجمعة:5،و هو أهجى مثل قاله اللّه في القرآن،و نظيره قوله في أحد أحبارهم:

فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الأعراف:

176.

أمّا سائر الآيات فجاء فيها لفظ(بئس)ذمّا للكافرين،إلاّ آيتين،فإنّهما تخصّان المسلمين،ففي

ص: 620

الأولى ذمّ لمصير من يفرّ من الزّحف: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الأنفال:15،16،و في الثّانية ذمّ لمن يسمّي المؤمن اسما يقدح في إيمانه: وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ اَلْإِيمانِ الحجرات:11.

و ثانيا:جميع ما جاء في المآل و العاقبة يرجع إلى جهنّم و ما فيها من العذاب،إلاّ أنّ تغيير المخصوص بالذّمّ في هذه الآيات من أجل مراعاة الرّويّ،فإنّه في آيات بِئْسَ الْمَصِيرُ على«فعيل»في الأغلب،فمثلا في سورة الملك قبله وَ هُوَ حَسِيرٌ -4، عَذابِ السَّعِيرِ -5،و بعده (نَذِيرٍ) -8، (كَبِيرٌ) -9،و نحوها.

و في آيات لَبِئْسَ الْمِهادُ و بِئْسَ الْقَرارُ على «فعال»غالبا،كما في(ص)مثلا: (الْمِحْرابَ) -21، و (الصِّراطَ) -22،و (الْخِطابِ) -23،فلاحظ، و كذلك في سائر الألفاظ الّتي ختمت بها الآيات.

ص: 621

ص: 622

ب ت ر

اشارة

الأبتر

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا تصلّوا عليّ الصّلاة البتراء،قالوا:

و ما الصّلاة البتراء يا رسول اللّه؟قال:تقولون:اللّهمّ صلّ على محمّد،و تمسكون،بل قولوا:اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد».السّخاويّ(القول البديع:35)

و كذا نقله السّمهوديّ(شرف العلم الجليّ و النّسب العليّ:37)،و اللّكهنويّ(مرآة المؤمنين:15)، و القندوزيّ مع تفاوت يسير(ينابيع المودّة:295)، و القاضي نور اللّه الشّوشتريّ(إحقاق الحقّ 18:307)، و محمّد أشرف العلويّ(فضائل السّادات:37).

الخليل: البتر:قطع الذّنب و نحوه،إذا استأصلته.

و أبترت الدّابّة فبترت،و أبترت الذّنب و بترته، و بترت الشّيء فانبتر.

و الأبتر:الّذي لا عقب له،و من ذلك قوله عزّ و جلّ:

إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ الكوثر:3.(8:117)

سيبويه: قالوا:رجل أباتر،و هو القاطع لرحمه.

و لا نعلمه جاء وصفا إلاّ هذا.(4:246)

أبو عمرو الشّيبانيّ: في حديث عليّ عليه السّلام:

«و سئل عن صلاة الأضحى،فقال:حين تبهر البتيراء الأرض».البتيراء:الشّمس،و أبتر الرّجل،إذا صلّى الضّحى.أراد:حين تنبسط الشّمس.

(الهرويّ 1:124)

سيف باتر و بتّار:قطّاع.(الأزهريّ 14:277)

ابن الأعرابيّ: أبتر الرّجل،إذا أعطى و منع، و أبتر،إذا صلّى الضّحى حين تقضّب الشّمس،و يقال:

تقضّب،أي يخرج شعاعها كالقضبان.

و البتيرة:تصغير البترة،و هي الأتان.

(الأزهريّ 14:277)

ص: 623

ابن السّكّيت: و الأبتران:العير و العبد،سمّيا أبترين لقلّة خيرهما.(إصلاح المنطق:398)

ابن أبي اليمان: و الأبتر:الّذي لا ولد له.(427)

ثعلب: و الحجّة البتراء:النّافذة.

(ابن منظور 4:39)

الزّجّاج: بترت الشّيء،قطعته من أصله.

(فعلت و أفعلت:54)

ابن دريد: بتر الشّيء يبتره بترا،إذا قطعه،و كلّ قطع بتر.

و منه سيف باتر و بتّار و بتور،أي قاطع،و الجمع:

بواتر و بتار.

و حمار أبتر،و الجمع:بتر،إذا كان مقطوع الذّنب، و كذلك ما سواه من البهائم.و كلّ ما بتر عن شيء فهو أبتر.(1:193)

القاليّ: الانبتار:الشّدّة في العدو،لأنّه انقطع عن التّقريب و الإرخاء.(1:46)

سيف باتر و بتور و باضك و بضوك،أي قاطع.

(2:183)

ابن خالويه: و الأبتر:الحقير،و الأبتر:الذّليل، و الأبتر من الحيّات:المقطوع الذّنب،و الأبتر:ذنب الفيل.(211)

الصّاحب: البتر:قطع الذّنب و نحوه إذا استأصلته، بترته فانبتر،و أبترته فبتر،و صاحبه أبتر.

و سيف باتر:يبتر الضّريبة.

و حلف له بتراء:أي ليس بعدها شيء.

و الأبتر:الّذي لا عقب له،و الخاسر أيضا.

و رجل أباتر:يبتر رحمه،و أبتر:متله.

و البترة:القطعة من الثّوب و الزّمان.

و البتيراء:الشّمس؛في الحديث.

و الانبتار:العدو.

و هو متبتّر:أي ثقيل بطيء.

و الأبتران:العبد و العير؛لقلّة خيرهما.(9:430)

الجوهريّ: بترت الشّيء بترا،قطعته قبل الإتمام، و الانبتار:الانقطاع.

و الباتر:السّيف القاطع.

و الأبتر:المقطوع الذّنب،تقول منه:بتر بالكسر يبتر بترا.و في الحديث:«ما هذه البتيراء».

و الأبتر:الّذي لا عقب له.

و كلّ أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر.

و خطب زياد خطبته البتراء،لأنّه لم يحمد اللّه فيها، و لم يصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قد أبتره اللّه،أي صيّره أبتر.

و يقال:رجل أباتر،بضمّ الهمزة،للّذي يقطع رحمه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البتريّة:فرقة من الزّيديّة،نسبوا إلى المغيرة بن سعد،و لقبه الأبتر.(2:584)

ابن فارس: الباء و التّاء و الرّاء أصل واحد،و هو القطع قبل أن تتمّه.و السّيف الباتر:القطّاع.

و كلّ من انقطع من الخير أثره فهو أبتر.و الأبتر من الدّوابّ:ما لا ذنب له.و في الحديث:«اقتلوا ذا الطّفيتين و الأبتر».

و خطب زياد خطبته البتراء،لأنّه لم يفتتحها بحمد

ص: 624

اللّه تعالى و الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و رجل أباتر:يقطع رحمه يبترها.[ثمّ استشهد بشعر](1:194)

الهرويّ: و في الحديث:«كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللّه فهو أبتر»أي أقطع.

و في حديث الضّحايا:«نهى عن المبتورة»قال أبو محمّد (1):هي الّتي بتر ذنبها.(1:124)

الثّعالبيّ: الأبتر:القصير الذّنب من الحيّات.

(180)

ابن سيدة: البتراء[من العصافير]:الّتي تطير من تحت قدم الإنسان و هو لا يشعر.تطير قريبا من الأرض ثمّ تقع في الحشيش،قصيرة الذّنب.

(الإفصاح 2:893)

البتر:استئصال الشّيء تقطعه،بتره يبتره بترا فانبتر و تبتّر.(الإفصاح 2:1355)

الرّاغب: البتر:يستعمل في قطع الذّنب،ثمّ أجري قطع العقب مجراه،فقيل:فلان أبتر،إذا لم يكن له عقب يخلفه.

و رجل أبتر و أباتر:انقطع ذكره عن الخير،و رجل أباتر:يقطع رحمه.

و قيل على طريق التّشبيه:خطبة بتراء،لما لم يذكر فيها اسم اللّه تعالى،و ذلك لقوله عليه السّلام:«كلّ أمر لا يبدأ فيه بذكر اللّه فهو أبتر».(36)

الزّمخشريّ: «عليّ رضى اللّه عنه،قال عبد خير:قلت له:

أ أصلّي الضّحى إذا بزغت الشّمس؟قال:لا،حتّى تبهر البتيراء الأرض».

هي اسم للشّمس في أوّل النّهار قبل أن يقوى ضوؤها و يغلب،كأنّها سمّيت بالبتيراء مصغّرة،لتقاصر شعاعها عن بلوغ تمام الإضاءة و الإشراق و قلّته.

و عن سعد أنّه أوتر بركعة فأنكر عليه ابن مسعود رضى اللّه عنه،و قال:ما هذه البتيراء الّتي لم نكن نعرفها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟(الفائق 1:72)

ما هم إلاّ كالحمر البتر و ليته أعارنا أبتريه،و هما عبده و عيره،لقلّة خيرهما.

و طلعت البتيراء،و هي الشّمس في أوّل النّهار.

و خطب زياد خطبته البتراء،و هي الّتي ما حمد فيها و لا صلّى.و رجل أباتر:قاطع رحم.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:14)

الطّبرسيّ: الأبتر:أصله من الحمار الأبتر،و هو المقطوع الذّنب.(10:548)

المدينيّ: في الحديث:«نهى عن البتيراء»قيل:

هو أن يوتر بركعة واحدة،و قيل:هو الّذي شرع في ركعتين فأتمّ أوّلهما و نقص آخرهما.(1:126)

ابن برّيّ: أباتر:يسرع في بتر ما بينه و بين صديقه.(ابن منظور 4:39)

ابن الأثير: و في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«أنّ قريشا قالت:الّذي نحن عليه أحقّ ممّا هو عليه هذا الصّنبور المنبتر»،يعنون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه تعالى سورة الكوثر و في أخرها إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ الكوثر:3.

المنبتر:الّذي لا ولد له،قيل:لم يكن يومئذ ولد له.ّ.

ص: 625


1- على الأغلب ابن قتيبة،و يحتمل اليزيديّ.

و فيه نظر لأنّه ولد له قبل البعث و الوحي،إلاّ أن يكون أراد لم يعش له ذكر.

و فيه:«أنّ العاص بن وائل دخل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو جالس،فقال:هذا الأبتر»أي الّذي لا عقب له.

و فيه:«كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم درع يقال لها:البتراء» سمّيت بذلك لقصرها.(1:93)

ابن منظور: الأبتر:المقطوع الذّنب من أيّ موضع كان،من جميع الدّوابّ.

و الأبتر من الحيّات:الّذي يقال له:الشّيطان،قصير الذّنب لا يراه أحد إلاّ فرّ منه،و لا تبصره حامل إلاّ أسقطت.و إنّما سمّي بذلك لقصر ذنبه،كأنّه بتر منه.

و الأبتر من عروض المتقارب:الرّابع من المثمّن، كقوله:

خليليّ!عوجا على رسم دار

خلت من سليمى و من ميّه

و الثّاني من المسدّس،كقوله:

تعفّف و لا تبتئس فما يقض يأتيكا

فقوله«يه»من«ميّه»و قوله«كا»من«يأتيكا» كلاهما«فع»و إنّما حكمهما«فعولن»،فحذفت«لن»فبقي «فعو»ثمّ حذفت الواو و أسكنت العين،فبقي«فع».

و سمّى قطرب البيت الرّابع من المديد،و هو قوله:

إنّما الذّلفاء يا قوته أخرجت من كيس دهقان

سمّاه أبتر.

قال أبو إسحاق[أي الزّجّاج]: و غلط قطرب إنّما الأبتر في«المتقارب»فأمّا هذا الّذي سمّاه قطرب الأبتر فإنّما هو«المقطوع»و هو مذكور في موضعه.

و الأبتر:المعدم،و الأبتر:الخاسر،و الأبتر:الّذي لا عروة له من المزاد و الدّلاء.

و تبتّر لحمه:انمار.

و قيل:الأباتر:القصير،كأنّه بتر عن التّمام.

و قيل:الأباتر:الّذي لا نسل له.(4:37)

الفيّوميّ: بتره بترا من باب«قتل»:قطعه على غير تمام،و نهي عن المبتورة في الضّحايا،و هي الّتي بتر ذنبها،أي قطع.و يقال في لازمه:بتر يبتر من باب «تعب»فهو أبتر،و الأنثى:بتراء،و الجمع:بتر،مثل أحمر و حمراء و حمر.(1:35)

الجرجانيّ: البتر:[في العروض]حذف سبب خفيف و قطع ما بقي،مثل«فاعلاتن»حذف منه«تن» فبقي«فاعلا»ثمّ أسقط منه الألف و سكّنت اللاّم،فبقي «فاعل»فينقل إلى«فعلن»و يسمّى مبتورا و أبتر.

«البتريّة»هم أصحاب بتير الثّوميّ،وافقوا السّليمانيّة،إلاّ أنّهم توقّفوا في عثمان رضى اللّه عنه.(19)

الفيروزآباديّ: البتر:القطع أو مستأصلا، و سيف باتر:قاطع،و بتّار و بتار كغراب.

و الأبتر:المقطوع الذّنب بتره فبتر كفرح،و حيّة خبيثة،و البيت الرّابع من المثمّن في«المتقارب»[في العروض]و الثّاني من المسدّس،و المعدم،و الّذي لا عقب له،و الخاسر،و ما لا عروة له من المزاد و الدّلاء،و كلّ أمر منقطع من الخير،و العير و العبد و هما الأبتران،و لقب المغيرة بن سعد.

و البتريّة من الزّيديّة بالضّمّ تنسب إليه.

و أبتر:أعطى و منع ضدّ،و صلّى الضّحى حين

ص: 626

تقضّب الشّمس،أي يمتدّ شعاعها،و اللّه الرّجل:جعله أبتر.

و الأباتر كعلابط:القصير،و من لا نسل له،و من يبتر رحمه.

و البتراء:الماضية النّافذة،و موضع بقربه مسجد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بطريق تبوك،و من الخطب ما لم يذكر اسم اللّه فيه،و لم يصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و البتيراء:الشّمس.

و الانبتار:الانقطاع و العدو.و البترة:الأتان، تصغيرها:بتيرة.(1:380)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من سدّ طريقا بتر اللّه عمره»أي قصّر عليه أجله و قطعه.

و البتريّة،بضمّ الموحّدة فالسّكون:فرق من الزّيديّة.قيل:نسبوا إلى المغيرة بن سعد،و لقبه الأبتر.

و قيل:البتريّة هم أصحاب كثير النّوّاء،الحسن بن أبي صالح و سالم بن أبي حفصة و الحكم بن عيينة و سلمة ابن كهيل و أبو المقدام ثابت الحدّاد،و هم الّذين دعوا إلى ولاية عليّ عليه السّلام فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر،و يثبتون لهم الإمامة،و يبغضون عثمان و طلحة و الزّبير و عائشة، و يرون الخروج مع ولد عليّ عليه السّلام.(3:213)

العدنانيّ: بتر المصير الأعور و يخطّئون من يقول:

بتر الجرّاح مصيره الأعور-زائدته الدّوديّة-و يقولون:

إنّ الصّواب هو استأصل المصير،أو قطعه،لأنّ الأطراف -الأيدي و الأرجل-هي الّتي تبتر.

و لكنّ البتر يعني قطع الأطراف و غيرها من الأعضاء و الأشياء،كما يقول التّهذيب،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم،و النّهاية،و المغرب، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و البتر قد يكون استئصالا أو قطعا للعمل قبل إتمامه، كقولنا:بتر فلان حديثه أو محاضرته.

و جاء في المتن:بتر رحمه:قطعها،مجاز.أمّا فعله فهو بتر الشّيء يبتر بترا.(44)

محمود شيث: 1-أ-بتره بترا:قطعه مستأصلا، و بتر العمل أو نحوه:قطعه قبل أن يتمّه،فهو باتر.

ب-بتر بترا:انقطع فهو أبتر،و هي بتراء،جمعه:

بتر.

ج-أبتره:و أبتر اللّه فلانا:أعقمه.

د-انبتر:انقطع.

ه-تبتّر:تقطّع.

و-الأبتر:المقطوع الذّنب.و من الحيّات:القصير الذّنب الخبيث.و من النّاس:من لا عقب له،و من لا خير فيه.

و الأبتر:الحقير الذّليل.

و الأبتر في علم العروض:الضّرب،اجتمع فيه الحذف و القطع،جمعه:بتر.

ز-الأبتران:العير و العبد.

ح-الباتر من السّيوف:القاطع،جمعه:بواتر.

ط-البتّار:وصف للمبالغة،و البتار:السّيف القاطع.

2-البتّار:السّيف القاطع،و يقال:سلاح بتّار:

سلاح ماض.(1:66)

المصطفويّ: [بعد نقل نصوص من اللّغويّين

ص: 627

لمادّة:بتر،بتك،بتل،قال:]

فظهر أنّ البتر هو قطع العضو الآخر من جهة التّماميّة،فالأبتر:ما لا يكون تامّا،و البتك:قطع أحد الأعضاء،و لا سيّما إذا كان بطريق القبض و الأخذ من أصله،و البتل:الإبانة و الفصل بين الشّيئين،كما أنّ البتّ هو القطع المطلق في مقابل الوصل.(1:195)

النّصوص التّفسيريّة

الابتر

إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. الكوثر:3

ابن عبّاس: هو العاص بن وائل.

مثله سعيد بن جبير.(الطّبريّ 30:329)

لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة أتوه،فقالوا له:نحن أهل السّقاية و السّدانة و أنت سيّد أهل المدينة،فنحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر من قومه،يزعم أنّه خير منّا؟ قال:بل أنتم خير منه؛فنزلت عليه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و أنزلت عليه أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ -إلى قوله- نَصِيراً النّساء:44،45.

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 30:330)

كان أهل الجاهليّة إذا مات ابن الرّجل قالوا:بتر فلان،فلمّا مات إبراهيم ابن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال:بتر محمّد،فأنزل اللّه جلّ ثناؤه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ يعني بذلك أبا جهل (1).

نحوه السّدّيّ و ابن زيد.(الطّوسيّ 10:418)

عكرمة: إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا أوحى إلى رسوله و دعا قريشا إلى الإيمان قالوا:انبتر منّا محمّد،أي خالفنا و انقطع عنّا،فأخبر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم أنّهم هم المبتورون.

مثله شهر بن حوشب.(القرطبيّ 20:223)

الحسن: عنوا بكونه أبتر أنّه ينقطع عن المقصود قبل بلوغه،و اللّه تعالى بيّن أنّ خصمه هو الّذي يكون كذلك.(الفخر الرّازيّ 32:133)

قتادة:الأبتر:الحقير،الدّقيق،الذّليل.

(الطّبريّ 30:329)

معناه الأقلّ الأذلّ بانقطاعه عن الخير.

(الطّوسيّ 10:418)

الفرّاء: كانوا يقولون:الرّجل إذا لم يكن له ولد ذكر:أبتر،أي يموت فلا يكون له ذكر.فقالها بعض قريش للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال اللّه تبارك و تعالى: إِنَّ شانِئَكَ مبغضك و عدوّك هُوَ الْأَبْتَرُ الّذي لا ذكر له بعمل خير.و أمّا أنت فقد جعلت ذكرك مع ذكري،فذلك قوله: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ الانشراح:4.(3:296)

شمر: كان عقبة بن أبي معيط يقول:إنّه لا يبقى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ولد و هو أبتر،فأنزل اللّه فيه هؤلاء الآيات إِنَّ شانِئَكَ عقبة بن أبي معيط هُوَ الْأَبْتَرُ. (الطّبريّ 30:329)

الزّجّاج: هذا هو العاص بن وائل دخل النّبيّ عليه السّلام و هو جالس فقال:هذا الأبتر،أي هذا الّذي لا عقب له، فقال اللّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ يا محمّد هُوَ الْأَبْتَرُ.

فجائز أن يكون هو المنقطع العقب،و جائز أن يكون

ص: 628


1- لا يخفى إنّ إبراهيم مات في المدينة و لم يكن بها أبو جهل.

هو المنقطع عنه كلّ خير.(5:370)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بذلك، فقال بعضهم:عنى به العاص بن وائل السّهميّ.

و قال آخرون: بل عنى بذلك عقبة ابن أبي معيط.

و قال آخرون: بل عنى بذلك جماعة من قريش.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ مبغض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هو الأقلّ الأذلّ المنقطع عقبه،فذلك صفة كلّ من أبغضه من النّاس،و إن كانت الآية نزلت في شخص بعينه.

(30:328-330)

القمّيّ: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المسجد و فيه عمرو ابن العاص و الحكم بن أبي العاص،قال عمرو:يا أبا الأبتر-و كان الرّجل في الجاهليّة إذا لم يكن له ولد سمّي أبتر-ثمّ قال عمرو:إنّي لأشنأ محمّدا،أي أبغضه، فأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه و آله إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ إلى قوله: إِنَّ شانِئَكَ أي مبغضك عمرو بن العاص هُوَ الْأَبْتَرُ الكوثر:1-3، يعني لا دين له و لا نسب.[و قد جاء في شأن النّزول كما يأتي«عاص بن وائل»بدل«عمرو بن العاص»و الظّاهر وقوع خلط فيما حكاه القمّيّ](2:445)

ابن خالويه: كانت قريش و الشّانئون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقولون:إنّ محمّدا صنبور،أي فرد لا ولد له،فإذا مات انقطع ذكره.فأكذبهم اللّه تعالى و أعلمهم أنّ ذكر محمّد مقرون بذكره إلى يوم القيامة،فإذا قال المؤذّن أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه،قال:أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه.(211)

الطّوسيّ: قيل قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ جواب لقول قريش:إنّه أبتر لا ولد له ذكر-إذا مات قام مقامه يدعو إليه-و قد انقطع أمره.

فقيل:إنّ شانئك هو الأبتر الّذي ينقطع ما هو عليه من كفره بموته،فكان الأمر كما أخبر به.

و قيل:في السّورة تشاكل المقاطع للفواصل، و سهولة مخارج الحروف بحسن التّأليف،و تقابل المعاني بما هو أولى،لأنّ قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ أحسن من«صلّ لنا»لأنّه يجب أن يذكر في الصّلاة بصفة الرّبوبيّة، (وَ انْحَرْ) هاهنا أحسن من قوله:«و انسكه»لأنّه على برّ يعمّ بعد برّ يخصّ،و (الْأَبْتَرُ) أحسن من«الأخسّ»لأنّه أدلّ على الكناية في النّفس.

فهذه الحروف القليلة قد جمعت المحاسن الكثيرة، و ما لها في النّفس من المنزلة أكثر بالفخامة و الجزالة و عظم الفائدة الّتي يعمل عليها و ينتهي إليها.(10:418)

نحوه الطّبرسيّ.(5:550)

الرّاغب: قوله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أي المقطوع الذّكر،و ذلك أنّهم زعموا أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله،فنبّه تعالى أنّ الّذي ينقطع ذكره هو الّذي يشنؤه.فأمّا هو فكما وصفه اللّه تعالى بقوله: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ الانشراح:4،و ذلك لجعله أبا للمؤمنين،و تقييض من يراعيه و يراعي دينه الحقّ.

و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضى اللّه عنه بقوله:

«العلماء باقون ما بقي الدّهر،أعيانهم مفقودة و آثارهم في القلوب موجودة».هذا في العلماء الّذين هم تبّاع النّبيّ

ص: 629

عليه الصّلاة و السّلام،فكيف هو و قد رفع اللّه عزّ و جلّ ذكره و جعله خاتم الأنبياء عليه و عليهم أفضل الصّلاة و السّلام.(36)

الزّمخشريّ: إنّ من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم (هُوَ الْأَبْتَرُ) لا أنت،لأنّ كلّ من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك و أعقابك،و ذكرك مرفوع على المنابر و المنار،و على لسان كلّ عالم و ذاكر إلى آخر الدّهر،يبدأ بذكر اللّه و يثنّي بذكرك،و لك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف.فمثلك لا يقال له:أبتر،و إنّما الأبتر هو شانئك المنسيّ في الدّنيا و الآخرة،و إن ذكر ذكر باللّعن.و كانوا يقولون:إنّ محمّدا صنبور،إذا مات مات ذكره.(4:291)

نحوه أبو السّعود.(5:288)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:ذكروا في سبب النّزول وجوها:

أحدها:أنّه عليه السّلام كان يخرج من المسجد،و العاص ابن وائل السّهميّ يدخل فالتقيا فتحدّثا،و صناديد قريش في المسجد،فلمّا دخل قالوا:من الّذي كنت تتحدّث معه؟فقال:ذلك الأبتر،و أقول إنّ ذلك من إسرار بعضهم مع بعض،مع أنّ اللّه تعالى أظهره،فحينئذ يكون ذلك معجزا،و روي أيضا أنّ العاص بن وائل كان يقول:إنّ محمّدا أبتر،لا ابن له يقوم مقامه بعده،فإذا مات انقطع ذكره و استرحتم منه،و كان قد مات ابنه عبد اللّه من خديجة،و هذا قول ابن عبّاس،و مقاتل، و الكلبيّ و عامّة أهل التّفسير.

القول الثّاني:روي عن ابن عبّاس لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة أتاه جماعة قريش،فقالوا:نحن أهل السّقاية و السّدانة و أنت سيّد أهل المدينة،فنحن خير أم هذا الأبتر من قومه،يزعم أنّه خير منّا؟فقال:بل أنتم خير منه،فنزل: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و نزل أيضا:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ النّساء:51.

و القول الثّالث:قال عكرمة،و شهر بن حوشب:لمّا أوحى اللّه إلى رسوله و دعا قريشا إلى الإسلام،قالوا:بتر محمّد أي خالفنا و انقطع عنّا،فأخبر تعالى أنّهم هم المبتورون.

القول الرّابع:نزلت في أبي جهل فإنّه لمّا مات ابن رسول اللّه قال أبو جهل:إنّي أبغضه لأنّه أبتر،و هذا منه حماقة حيث أبغضه بأمر لم يكن باختياره فإنّ موت الابن لم يكن من مراده.

القول الخامس:نزلت في عمّه أبي لهب فإنّه لمّا شافهه بقوله:تبّا لك،كان يقول في غيبته:إنّه أبتر.

و القول السّادس:أنّها نزلت في عقبة بن أبي معيط، و إنّه هو الّذي كان يقول ذلك،و اعلم أنّه لا يبعد في كلّ أولئك الكفرة أن يقولوا مثل ذلك فإنّهم كانوا يقولون فيه ما هو أسوأ من ذلك،و لعلّ العاص بن وائل كان أكثرهم مواظبة على هذا القول فلذلك اشتهرت الرّوايات بأنّ الآية نزلت فيه.

المسألة الثّانية:الشّنآن هو البغض.و الشّانئ هو المبغض،و أمّا البتر فهو في اللّغة استئصال القطع يقال:

بترته أبتره بترا،و بتر أي صار أبتر و هو مقطوع الذّنب،

ص: 630

و يقال للّذي لا عقب له:أبتر،و منه الحمار الأبتر الّذي لا ذنب له،و كذلك لمن انقطع عنه الخير.

ثمّ إنّ الكفّار لمّا وصفوه بذلك بيّن تعالى أنّ الموصوف بهذه الصّفة هو ذلك المبغض على سبيل الحصر فيه، فإنّك إذا قلت:زيد هو العالم،يفيد أنّه لا عالم غيره،إذا عرفت هذا فقول الكفّار فيه عليه الصّلاة و السّلام إنّه أبتر لا شكّ أنّهم-لعنهم اللّه-أرادوا به أنّه انقطع الخير عنه.ثمّ ذلك إمّا أن يحمل على خير معيّن،أو على جميع الخيرات.

أمّا الأوّل فيحتمل وجوها:

أحدها:قال السّدّيّ:كانت قريش يقولون لمن مات الذّكور من أولاده:بتر،فلمّا مات ابنه القاسم و عبد اللّه بمكّة و إبراهيم بالمدينة قالوا:بتر،فليس له من يقوم مقامه.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ عدوّه هو الموصوف بهذه الصّفة،فإنّا نرى أنّ نسل أولئك الكفرة قد انقطع،و نسله عليه الصّلاة و السّلام كلّ يوم يزداد و ينمو،و هكذا يكون إلى قيام القيامة.

ثانيها:[ما تقدّم عن الحسن]

ثالثها:زعموا أنّه«أبتر»لأنّه ليس له ناصر و معين.

و قد كذّبوا،لأنّ اللّه تعالى هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين.و أمّا الكفرة فلم يبق لهم ناصر و لا حبيب.

رابعها: (الْأَبْتَرُ) هو الحقير الذّليل.روي أنّ أبا جهل اتّخذ ضيافة لقوم،ثمّ إنّه وصف رسول اللّه بهذا الوصف، ثمّ قال:قوموا حتّى نذهب إلى محمّد و أصارعه و أجعله ذليلا حقيرا،فلمّا وصلوا إلى دار خديجة و توافقوا على ذلك،أخرجت خديجة بساطا،فلمّا تصارعا جعل أبو جهل يجتهد في أن يصرعه،و بقي النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام واقفا كالجبل،ثمّ بعد ذلك رماه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على أقبح وجه،فلمّا رجع أخذه باليد اليسرى،لأنّ اليسرى للاستنجاء فكان نجسا،فصرعه على الأرض مرّة أخرى،و وضع قدمه على صدره.فذكر بعض القصّاص أنّ المراد من قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ هذه الواقعة.

خامسها:أنّ الكفرة لمّا وصفوه بهذا الوصف قيل:

إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أي الّذي قالوه فيك كلام فاسد يضمحلّ و يفنى،و أمّا المدح الّذي ذكرناه فيك،فإنّه باق على وجه الدّهر.

و سادسها:أنّ رجلا قام إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام، و قال:سوّدت وجوه المؤمنين بأن تركت الإمامة لمعاوية،فقال:لا تؤذيني يرحمك اللّه،فإنّ رسول اللّه رأى بني أميّة في المنام يصعدون منبره رجلا فرجلا فساءه ذلك،فأنزل اللّه تعالى: إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الكوثر:1، إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر:1،فكان ملك بني أميّة كذلك،ثمّ انقطعوا و صاروا مبتورين.

المسألة الثّالثة:الكفّار لمّا شتموه،فهو تعالى أجاب عنه من غير واسطة،فقال: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و هكذا سنّة الأحباب،فإنّ الحبيب إذا سمع من يشتم حبيبه تولّى بنفسه جوابه.

فهاهنا تولّى الحقّ سبحانه جوابهم،و ذكر مثل ذلك في مواضع حين قالوا: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ سبأ:7،8،فقال سبحانه: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ

ص: 631

اَلْبَعِيدِ سبأ:8،و حين قالوا:هو مجنون أقسم ثلاثا، ثمّ قال: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ القلم:2،و لمّا قالوا: لَسْتَ مُرْسَلاً الرّعد:43،أجاب فقال:

يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يس:

1-3،و حين قالوا: أَ إِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ الصّافّات:36،ردّ عليهم و قال: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:37.فصدّقه،ثمّ ذكر وعيد خصمائه،و قال: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ الصّافّات:38،و حين قال حاكيا: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ الطّور:30،قال: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ يس:

69،و لمّا حكى عنهم قولهم: إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ الفرقان:4،سمّاهم كاذبين بقوله: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً الفرقان:4،و لمّا قالوا:

ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ الفرقان:7،أجابهم فقال: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ الفرقان:20،فما أجلّ هذه الكرامة.

المسألة الرّابعة:اعلم أنّه تعالى لمّا بشّره بالنّعم العظيمة،و علم تعالى أنّ النّعمة لا تهنأ إلاّ إذا صار العدوّ مقهورا،لا جرم وعده بقهر العدوّ،فقال: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

و فيه لطائف:إحداها:كأنّه تعالى يقول:لا أفعله لكي يرى بعض أسباب دولتك،و بعض أسباب محنة نفسه فيقتله الغيظ.

و ثانيها:وصفه بكونه شانئا،كأنّه تعالى يقول:هذا الّذي يبغضك لا يقدر على شيء آخر سوى أنّه يبغضك، و المبغض إذا عجز عن الإيذاء،فحينئذ يحترق قلبه غيظا و حسدا،فتصير تلك العداوة من أعظم أسباب حصول المحنة لذلك العدوّ.

و ثالثها:أنّ هذا التّرتيب يدلّ على أنّه إنّما صار أبتر، لأنّه كان شانئا له و مبغضا.و الأمر بالحقيقة كذلك،فإنّ من عادى محسودا فقد عادى اللّه تعالى،لا سيّما من تكفّل اللّه بإعلان شأنه و تعظيم مرتبته.

و رابعها:أنّ العدوّ وصف محمّدا عليه الصّلاة و السّلام بالقلّة و الذّلّة،و نفسه بالكثرة و الدّولة،فقلب اللّه الأمر عليه،و قال:العزيز من أعزّه اللّه،و الذّليل من أذلّه اللّه،فالكثرة و الكوثر لمحمّد عليه الصّلاة و السّلام، و الأبتريّة و الدّناءة و الذّلّة للعدوّ،فحصل بين أوّل السّورة و آخرها نوع من المطابقة لطيف.

المسألة الخامسة:اعلم أنّ من تأمّل في مطالع هذه السّورة و مقاطعها،عرف أنّ الفوائد الّتي ذكرناها بالنّسبة إلى ما استأثر اللّه بعلمه من فوائد هذه السّورة كالقطرة في البحر.روي عن مسيلمة أنّه عارضها،فقال:«إنّا أعطيناك الجماهر،فصلّ لربّك و جاهر،إنّ مبغضك رجل كافر».و لم يعرف المخذول أنّه محروم عن المطلوب، لوجوه:

أحدها:أنّ الألفاظ و التّرتيب مأخوذان من هذه السّورة،و هذا لا يكون معارضة.

و ثانيها:أنّا ذكرنا أنّ هذا السّورة كالتّتمّة لما قبلها، و كالأصل لما بعدها،فذكر هذه الكلمات وحدها يكون إهمالا لأكثر لطائف هذه السّورة.

و ثالثها:التّفاوت العظيم الّذي يقرّبه من له ذوق

ص: 632

سليم بين قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ و بين قوله:«إنّ مبغضك رجل كافر».

و من لطائف هذه السّورة أنّ كلّ أحد من الكفّار وصف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بوصف آخر،فوصفه بأنّه لا ولد له،و آخر بأنّه لا معين له و لا ناصر له،و آخر بأنّه لا يبقى منه ذكر،فاللّه سبحانه مدحه مدحا أدخل فيه كلّ الفضائل،و هو قوله: إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الكوثر:

1،لأنّه لمّا لم يقيّد ذلك الكوثر بشيء دون شيء،لا جرم تناول جميع خيرات الدّنيا و الآخرة.

ثمّ أمره حال حياته بمجموع الطّاعات،لأنّ الطّاعات:إمّا أن تكون طاعة البدن،أو طاعة القلب.

أمّا طاعة البدن فأفضله شيئان،لأنّ طاعة البدن هي الصّلاة،و طاعة المال هي الزّكاة.

و أمّا طاعة القلب فهو أن لا يأتي بشيء إلاّ لأجل اللّه،و اللاّم في قوله: (لِرَبِّكَ) يدلّ على هذا الحالة.

ثمّ كأنّه نبّه على أنّ طاعة القلب لا تحصل إلاّ بعد حصول طاعة البدن،فقدّم طاعة البدن في الذّكر،و هو قوله: (فَصَلِّ) و أخّر اللاّم الدّالّة على طاعة القلب تنبيها على فساد مذهب أهل الإباحة،في أنّ العبد قد يستغني بطاعة قلبه عن طاعة جوارحه.فهذه اللاّم تدلّ على بطلان مذهب الإباحة،و على أنّه لا بدّ من الإخلاص.

ثمّ نبّه بلفظ الرّبّ على علوّ حاله في المعاد،كأنّه يقول:كنت ربّيتك قبل وجودك،أ فأترك تربيتك بعد مواظبتك على هذه الطّاعات.

ثمّ كما تكفّل أوّلا بإفاضة النّعم عليه،تكفّل في آخر السّورة بالذّبّ عنه،و إبطال قول أعدائه.و فيه إشارة إلى أنّه سبحانه هو الأوّل بإفاضة النّعم،و الآخر بتكميل النّعم في الدّنيا و الآخرة،و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.

(32:132)

ابن أبي الحديد: قال أمير المؤمنين عليه السّلام للمغيرة:

«يا ابن اللّعين الأبتر،و الشّجرة الّتي لا أصل لها و لا فرع».

إنّما قال له:«يا ابن الأبتر»لأنّ من كان عقبه ضالاّ خبيثا فهو كمن لا عقب له،بل من لا عقب له خير منه.

(8:301)

الشّربينيّ: (هُوَ الْأَبْتَرُ): أي المنقطع عن كلّ خير.

و أمّا أنت فقد أعطيت ما لا غاية لكثرته من خير الدّارين الّذي لم يعطه أحد غيرك،فمعطي ذلك كلّه هو اللّه ربّ العالمين،فاجتمعت لك العطيّتان السّنيّتان إصابة أشرف عطاء و أوفره،من أكرم معط و أعظم منعم.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](4:597)

الآلوسيّ: (هُوَ الْأَبْتَرُ) الّذي لا عقب له؛حيث لا يبقى منه نسل و لا حسن ذكر.و أمّا أنت فتبقى ذرّيّتك و حسن صيتك و آثار فضلك إلى يوم القيامة،و لك في الآخرة ما لا يندرج تحت البيان.

و أصل البتر:القطع،و شاع في قطع الذّنب.و قيل لمن لا عقب له:أبتر على الاستعارة،شبّه الولد و الأثر الباقي بالذّنب لكونه خلفه،فكأنّه بعده،و عدمه بعدمه.

و فسّره قتادة بالحقير الذّليل،و ليس بذاك كما يفصح عنه سبب النّزول.و فيها عليه دلالة على أنّ أولاد البنات من الذّرّيّة،كما قال غير واحد.[و نقل أقوال المفسّرين في بيان مصداق الأبتر ثمّ قال:]

و أيّا ما كان فلا ريب في ظهور عموم الحكم،و الجملة

ص: 633

كالتّعليل لما يفهمه الكلام،فكأنّه قيل:إنّا أعطيناك ما لا يدخل تحت الحصر من النّعم،فصلّ و انحر خالصا لوجه ربّك،و لا تكترث بقول الشّانئ الكريه،فإنّه هو الأبتر لا أنت.

و تأكيدها قيل:للاعتناء بشأن مضمونها،و قيل:

هو مثله في نحو قوله تعالى: وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ المؤمنون:27،و ذلك لمكان «فلا تكترث إلخ»المفهوم من السّياق.

و في التّعبير بالأبتر دون المبتور على ما قال شيخ الإسلام ابن تيميّة:ما لا يخفى من المبالغة،و عمّم هذا الشّيخ عليه الرّحمة كلاّ من جزأي الجملة فقال:إنّه سبحانه يبتر شانئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من كلّ خير.

فيبتر أهله و ماله فيخسر ذلك في الآخرة،و يبتر حياته فلا ينتفع بها و لا يتزوّد فيها صالحا لمعاده،و يبتر قلبه فلا يعي الخير و لا يؤهله لمعرفته تعالى و محبّته و الإيمان برسله عليهم السّلام،و يبتر أعماله فلا يستعمله سبحانه في طاعته،و يبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا و لا عونا،و يبتره من جميع القرب فلا يذوق لها طعما و لا يجد لها حلاوة،و إن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها.

و هذا جزاء كلّ من شنأ ما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لأجل هواه،كمن تأوّل آيات الصّفات أو أحاديثها على غير مراد اللّه تعالى و مراد رسوله عليه الصّلاة و السّلام،أو تمنّى أن لا تكون نزلت أو قيلت.

و من أقوى العلامات على شنآنه نفرته عنها إذا سمعها،حين يستدلّ بها السّلفيّ على ما دلّت عليه من الحقّ،و أيّ شنآن للرّسول عليه الصّلاة و السّلام أعظم من ذلك،و كذلك أهل السّماع الّذين يرقصون على سماع الغناء و الدّفوف و الشّبابات،فإذا سمعوا القرآن يتلى أو قرئ في مجلسهم استطالوه و استثقلوه،و كذلك من آثر كلام النّاس و علومهم على القرآن و السّنّة إلى غير ذلك، و لكلّ نصيب من الانبتار على قدر شنآنه،انتهى.و في بعضه نظر لا يخفى.(30:247)

سيّد قطب: في الآية الأولى قرّر أنّه ليس أبتر بل هو صاحب الكوثر.و في هذه الآية يردّ الكيد على كائديه،و يؤكّد سبحانه أنّ (الْأَبْتَرُ) ليس هو محمّد إنّما هم شانئوه و كارهوه.

و لقد صدق فيهم وعيد اللّه،فقد انقطع ذكرهم و انطوى،بينما امتدّ ذكر محمّد و علا،و نحن نشهد اليوم مصداق هذا القول الكريم في صورة باهرة واسعة المدى، كما لم يشهده سامعوه الأوّلون.

إنّ الإيمان و الحقّ و الخير لا يمكن أن يكون«أبتر» فهو ممتدّ الفروع عميق الجذور،و إنّما الكفر و الباطل و الشّرّ هو الأبتر مهما ترعرع و زها و تجبّر.

إنّ مقاييس اللّه غير مقاييس البشر،و لكنّ البشر ينخدعون و يغترّون فيحسبون مقاييسهم هي الّتي تقرّر حقائق الأمور.و أمامنا هذا المثل النّاطق الخالد،فأين الّذين كانوا يقولون عن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم قولتهم اللّئيمة، و ينالون بها من قلوب الجماهير،و يحسبون حينئذ أنّهم قد قضوا على محمّد و قطعوا عليه الطّريق؟أين هم؟و أين ذكراهم،و أين آثارهم؟إلى جوار الكوثر من كلّ شيء،

ص: 634

ذلك الّذي أوتيه من كانوا يقولون عنه الأبتر؟!

(6:3989)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو القطع،يقال:بترت الذّنب و الشّيء بترا فانبتر،و أبترته أيضا.

و منه المبتورة من الحيّات،أي ما بتر ذنبها،و انبتار الفرس،أي شدّته في العدو،لأنّه ينقطع عن البطء و الإسراع،فمن يطلبه حينذاك لا يشقّ غباره،لشدّة عدوه.

و منه أيضا:سيف باتر و بتّار و بتور،أي شديد القطع،و رجل أباتر:قاطع لرحمه،و هو من باب المجاز.

ثمّ تجاوز إلى كلّ ما نقص،مثل الخطبة البتراء،أو من نقص قدره بين النّاس،و أصبح لا وزن له عندهم، كالحقير و الذّليل.

2-و الأبتر:المقطوع الذّنب من الدّوابّ،يقال:

حمار أبتر،و أطلق توسّعا على حيّة ذات ذنب قصير، و كذا على ذنب الفيل.و سمّيت الدّلو أو المزادة الّتي لا عروة لها بالأبتر،تشبيها لها بالدّوابّ البتر.

ثمّ أطلق على الآدميّين مجازا،يقال:رجل أبتر،أي لا عقب له،أو لا ناصر له و لا معين،إلحاقا له بنظائره المستعملة حقيقة في هذا المعنى-أي القطع-مثل:

الأجدع:المقطوع الأنف،و الأقطع:المقطوع اليد، و الأجذم:المقطوع الأصابع،و الأصلم:المقطوع الأذن، و الأسلت،و هو الأجدع،و غيرها.

و الأبتران:الحمار و العبد،قيل:سمّيا بذلك لقلّة خيرهما،و لكنّنا نرى وجه تسميتهما هو انقطاعهما إلى العمل؛إذ ليس على الأرض أكدح منهما.

3-و البتراء:مؤنّث الأبتر،و هي الحجّة النّافذة،أي تقطع الخصم و تسكته،و هو استعمال مجازيّ.

و البتيراء:مصغّر البتراء،و هي الشّمس،و سمّيت بذلك-كما نرى-لانقطاعها عن سائر النّجوم شرفا و عظمة.

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد لفظ (الْأَبْتَرُ) في القرآن مشاكلا لجرس (الْكَوْثَرَ) و (وَ انْحَرْ) في الجناس و الرّويّ،و هذه المشاكلة تنبئ عن وحدة السّياق في الآيات الثّلاث،رغم اختلاف مضامينها؛إذ فحوى الآية الأولى نوال و عطاء،و الثّانية ندب و طلب،و الثّالثة تطييب و مؤاساة،و المخاطب واحد،و هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و هذه السّورة وحيدة الألفاظ أيضا،فلم يرد لفظ (أَعْطَيْناكَ) و (الْكَوْثَرَ) و (فَصَلِّ) و (انْحَرْ) و (شانِئَكَ) و (الْأَبْتَرُ) إلاّ في هذه السّورة.فتمازج السّياق و اللّفظ، و تعاقبت المعاني باتّساق و انتظام،و تواترت الألفاظ باطّراد و التئام.

2-ذكر المفسّرون معاني متعدّدة للفظ (الْأَبْتَرُ)، منها من قطع عقبه،و من لا ناصر له و لا معين،و هما أشهر الأقوال.و كأنّهما بمعنى واحد،لأنّ أصل الأبتر-كما ذكرنا-المقطوع الذّنب من الدّوابّ،فكأنّه قطع ذنبه من الأخلاف و الأتباع،سيّما أنّ العرب استعاروا الذّنب للأتباع،فقالوا:جاء فلان بذنبه،أي بأتباعه.و منه قول

ص: 635

الإمام عليّ عليه السّلام في فتنة آخر الزّمان:«و ضرب يعسوب الدّين بذنبه»،أي يسير في الأرض ذاهبا بأتباعه.

3-نزلت هذه السّورة تطييبا لخاطر النّبيّ؛إذ كانت قريش تلاحيه بقلّة النّاصر و انقطاع العقب،و تباهيه بكثرة عددها،فسلاّه اللّه بهذه السّورة.و هذا الطّابع من التّساجل بين الطّرفين يظهر جليّا في السّور المكّيّة، و لا سيّما السّور الّتي أنزلت في الحقبة الأولى من الدّعوة.

و قد ذكر المفسّرون أنّ رجلا من قريش عاب النّبيّ بانقطاع عقبه،فردّ اللّه عليه بأنّه أعطاه فاطمة عليها السّلام، فهي الكوثر؛إذ روي أنّه كان له ابنان قبل البعثة،و هما القاسم و عبد اللّه،فماتا بعد البعثة.

4-يبدو بوضوح أنّ (الْأَبْتَرُ) نقيض (الْكَوْثَرَ)، فاللّه بشّره و سلاّه بأنّه أعطاه (الْكَوْثَرَ) و هو كثرة الأولاد و الأتباع،و ندّد بشانئه بأنّه لا ولد له و لا أتباع.

فالصّدر و العجز متآخيان متناسقان.قال الفخر الرّازيّ في معاني الكوثر:«الثّالث:الكوثر:أولاده، قالوا:لأنّ هذه السّورة إنّما نزلت ردّا على من عابه عليه السّلام بعدم الأولاد،فالمعنى أنّه يعطيه نسلا يبقون على مرّ الزّمان،فانظر كم قتل من أهل البيت،ثمّ العالم ممتلئ منهم،و لم يبق من بني أميّة في الدّنيا أحد يعبأ به،ثمّ انظر كم كان من الأكابر من العلماء كالباقر و الصّادق و الكاظم و الرّضا عليهم السّلام،و النّفس الزّكيّة و أمثالهم.لاحظ سائر أقواله في«كوثر».

ص: 636

ب ت ك

اشارة

فليبتّكنّ

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البتك:قبضك على الشّيء-على شعر أو ريش أو نحو ذلك-ثمّ تجذبه إليك،فينبتك من أصله،أي ينقطع و ينتتف.و كلّ طاقة من ذلك في كفّك:بتكة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البتك:قطع الأذن من أصلها،قال اللّه تعالى:

فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ النّساء:119.(5:342)

مثله الصّاحب.(6:229)

أبو عبيدة: بتكه:قطعه.(1:140)

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 10:154)

ابن دريد: بتك الشّيء يبتكه بتكا،إذا قطعه.

و سيف باتك و بتوك،إذا كان صارما.

و البتكة:القطعة من كلّ شيء،و الجمع:بتك.[ثمّ استشهد بشعر](1:196)

الأزهريّ: البتك:القطع.سيف باتك،أي قاطع، و سيوف بواتك.(10:154)

الجوهريّ: البتك:القطع،و قد بتكه يبتكه و يبتكه،أي قطعه.و سيف باتك،أي صارم.

و البتك أيضا:أن تقبض على الشّيء فتجذبه فينبتك.و كلّ طائفة منه بتكة بالكسر،و الجمع:بتك.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البتكة أيضا:جهمة من اللّيل.

و بتّك آذان الأنعام،أي قطّعها،شدّد للكثرة.

(4:1574)

ابن فارس: الباء و التّاء و الكاف أصل واحد،و هو القطع.[ثمّ ذكر مثل قول الخليل](1:195)

ص: 637

الهرويّ: يقال:بتكه،و بتّكه،و في يده بتكة،أي قطعة،و الجميع:بتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و سيف باتك:أي قاطع.(1:125)

ابن سيدة: البتكة:بتك الشّيء يبتكه بتكا و بتّكه:

قطعه.و الشّعر و نحوه:اقتلعه من أصله.

و البتكة:القطعة من الشّيء المبتوك.

(الإفصاح 1:386)

الرّاغب: البتك:يقارب البتّ،لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء و الشّعر،يقال:بتك شعره و أذنه،قال اللّه تعالى: فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ النّساء:119، و منه سيف باتك:قاطع للأعضاء.و بتّكت الشّعر:

تناولت قطعة منه.

و البتكة:القطعة المنجذبة،جمعها:بتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا البتّ فيقال في قطع الحبل و الوصل.

و يقال:طلّقت المرأة بتّة و بتلة،و بتتّ الحكم بينهما، و روي:لا صيام لمن لم يبتّ الصّوم من اللّيل.

و البشك مثله يقال في قطع الثّوب،و يستعمل في النّاقة السّريعة:ناقة بشكى،و ذلك لتشبيه يدها في السّرعة بيد النّاسجة.[ثمّ استشهد بشعر](36)

الزّمخشريّ: بتك الحبل،و سيف باتك و بتوك، و خرج إلى تبوك و معه سيف بتوك،و انفلت منه الطّائر و في يده بتكة من ريشه.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:14)

الرّازيّ: البتك:القطع،و بابه ضرب و نصر.

و بتّك آذان الأنعام:قطّعها،شدّد للكثرة.(52)

الفيروزآباديّ: بتكه يبتكه و يبتكه:قطعه، كبتّكه فانبتك و تبتّك.و البتكة بالكسر و الفتح:

القطعة منه-جمعه:كعنب-و جهمة من اللّيل.

و الباتك:سيف مالك بن كعب الهمدانيّ،و القاطع كالبتوك.(3:303)

مجمع اللّغة: بتكه يبتكه كضرب و نصر،بتكا:

قطعه.و بتّكه تبتيكا:شقّه أو قطّعه.(1:79)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بتك:شقّ و قطع، و منه قولهم:سيف باتك أي قاطع.و بتّكه:قطّعه.

(1:58)

النّصوص التّفسيريّة

فليبتّكنّ

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ... النّساء:119

عكرمة: دين شرعه لهم إبليس،كهيئة البحائر و السّوائب.(الطّبريّ 5:282)

كانوا يشقّونها.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 3:334)

هو فعلهم بالبحائر،كانوا يشقّون آذان النّاقة إذا ولدت خمسة أبطن و جاء الخامس ذكرا،و حرّموا على أنفسهم الانتفاع بها.

مثله قتادة،و السّدّيّ.(أبو حيّان 3:353)

قتادة: البتك في البحيرة و السّائبة،كانوا يبتّكون آذانها لطواغيتهم.(الطّبريّ 5:282)

ص: 638

السّدّيّ: فيشقّونها،فيجعلونها بحيرة.

(الطّبريّ 5:282)

نحوه الزّجّاج.(الطّبرسيّ 2:113)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ليقطّعنّ الآذان من أصلها.(الطّبرسيّ 2:113)

المبرّد: أي فليقطّعنّ.(الأزهريّ 10:154)

الطّبريّ: البتك:القطع،و هو في هذا الموضع قطع أذن البحيرة،ليعلم أنّها بحيرة.و إنّما أراد بذلك الخبيث، أنّه يدعوهم إلى البحيرة،فيستجيبون له،و يعملون بها طاعة له.(5:281)

مثله الطّوسيّ.(3:334)

الماورديّ: أي ليقطّعنّها نسكا لأوثانهم كالبحيرة و السّائبة.(1:530)

الواحديّ: البتك:القطع،و التّبتيك:التّقطيع، و هو في هذا الموضع:قطع آذان البحيرة عند جميع أهل التّفسير.(2:118)

ابن عطيّة: البتك:القطع،و كثّر الفعل؛إذ القطع كثير على أنحاء مختلفة،و إنّما كنّى عزّ و جلّ عن البحيرة و السّائبة و نحوه ممّا كانوا يثبتون فيه حكما،بسبب آلهتهم و بغير ذلك.(2:114)

الطّبرسيّ: قيل:ليقطّعنّ الآذان من أصلها.و هذا شيء قد كان مشركو العرب يفعلونه،يجدعون آذان الأنعام،و يقال:كانوا يفعلونه بالبحيرة و السّائبة.

(2:113)

الفخر الرّازيّ: المراد أنّهم يقطّعون آذان الأنعام نسكا في عبادة الأوثان،فهم يظنّون أنّ ذلك عبادة،مع أنّه في نفسه كفر و فسق.(11:48)

أبو حيّان: قيل:فيه إشارة إلى كلّ ما جعله اللّه كاملا بفطرته،فجعل الإنسان ناقصا بسوء تدبيره.

(3:353)

القرطبيّ: البتك:القطع،و منه سيف باتك.

أي أحملهم على قطع آذان البحيرة و السّائبة و نحوه.

[ثمّ استشهد بشعر](5:389)

البروسويّ: أي فليقطّعنّها بموجب أمري، و يشقّنّها من غير تلعثم (1)في ذلك و لا تأخير،يقال:

بتكه،أي قطعه.و نقل إلى بناء التّفعيل،أي التّبتيك للتّكثير.

و أجمع المفسّرون على أنّ المراد به هاهنا قطع آذان البحائر و السّوائب و الأنعام:الإبل و البقر و الغنم،أي لأحملنّهم على أن يقطّعوا آذان هذه الأشياء و يحرّموها على أنفسهم بجعلها للأصنام؛و تسميتها بحيرة و سائبة و وصيلة و حاميا.

و كان أهل الجاهليّة إذا انتجت ناقة أحدهم خمسة أبطن و كان آخرها ذكرا بحروا أذنها،و امتنعوا من ركوبها و حلبها و ذبحها،و لا تطرد عن ماء و لا تمنع عن مرعى، و إذا لقيها المعيي لم يركبها،و قيل:كانوا يفعلون ذلك بها إذا ولدت سبعة أبطن.(2:287)

رشيد رضا: البتك:يقارب البتّ في معناه العامّ، الّذي هو القطع و الفصل،فالبتّ يقال في قطع الحبل و الوصل من الحسّيّات،و في الطّلاق يقال:طلّقها بتّة، أي طلاقا بائنا.ف.

ص: 639


1- أي توقّف.

و البتك يقال في قطع الأعضاء،و الشّعر،و نتف الرّيش،و بتكت الشّعر:تناولت بتكة منه و هي بالكسر،القطعة المنجذبة،جمعها:بتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و المراد به ما كانوا يفعلونه من قطع آذان بعض الأنعام لأصنامهم،كالبحائر الّتي كانوا يقطّعون أو يشقّون آذانها شقّا واسعا،و يتركون الحمل عليها.

و كان هذا من أسخف أعمالهم الوثنيّة و سفه عقولهم،قال الأستاذ الإمام:و لهذا خصّه بالذّكر،و إن كان داخلا فيما قبله.(5:427)

الطّباطبائيّ: التّبتيك هو الشّقّ،و ينطبق على ما نقل:أنّ عرب الجاهليّة كانت تشقّ آذان البحائر و السّوائب لتحريم لحومها.(5:84)

المصطفويّ: تصرّف عدوان في ذوي الحياة، و علامة لتغيير حكم من أحكام اللّه،من تحليل حرام و تحريم حلال.(1:195)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الاستئصال و الاجتثاث، قال الخليل:«البتك:قبضك على الشّيء-على شعر أو ريش أو نحو ذلك-ثمّ تجذبه إليك فينبتك من أصله،أي ينقطع و ينتتف،و كلّ طاقة من ذلك في كفّك بتكة».

و زاد غيره«بتكة»بالفتح،و الجمع بتك.

و البتكة أيضا:جهمة اللّيل،أي آخره.

و البتك أيضا:قطع الأذن من أصلها،و فعله بتك الشّيء يبتكه و يبتكه فانبتك و تبتّك بتكا،و كذا بتّكه تبتيكا.و منه:سيف باتك و بتوك،أي قاطع،و يقال في الجمع:سيوف بواتك.

2-و البتك و البتر واحد،فكلاهما يستعمل في قطع الأعضاء،إلاّ أنّ البتك اختصّ بقطع الأذن،و البتر بقطع الذّنب،يقال:حمار أبتر.و ليس للبتك(أفعل)،و كان حقّه أن يقال مثلا:«كبش أبتك»،مثل ما يقال لمن قطع أذنه:رجل أصلم.

و يستعمل البتك-خاصّة-في قطع الشّيء و أذن الحيوان استئصالا،و ما جرى منه مجرى المجاز إلاّ إطلاقهم «البتكة»على جهمة اللّيل،و هو من هذا الباب أيضا، لأنّ الجهمة-كما قيل-بقيّة سواد من آخر اللّيل، و كأنّها استؤصلت منه.و ليس«البتر»كذلك،فهو يستعمل في قطع الأشياء و الأعضاء،سواء كانت لذي عقل أم لغيره،و إنّ مجال استعماله المجازيّ لواسع.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت هذه الآية في قوله تعالى: لَعَنَهُ اللّهُ وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً* وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً النّساء:118،119.

و يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآية أعني ما تحدّى به الشّيطان البارئ تعالى،فقد جاءت لهجته بالصّور الآتية:

أ-تأكيد الفعل باللاّم و النّون مرّة بعد أخرى:

لَأَتَّخِذَنَّ - لَأُضِلَّنَّهُمْ - لَأُمَنِّيَنَّهُمْ - لَآمُرَنَّهُمْ - فَلَيُبَتِّكُنَّ - فَلَيُغَيِّرُنَّ -و نظيره قوله: (لَأَقْعُدَنَّ) و (لَآتِيَنَّهُمْ) في

ص: 640

الأعراف:16،17،و (لَأُزَيِّنَنَّ) و (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) في الحجر:39؛و (لَأَحْتَنِكَنَّ) في الإسراء:62.

ب-مشاطرة اللّه الكبرياء: وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً.

ج-إضلال العباد: (وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ)، و مثله قوله:

وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً يس:62.

د-تمنّيتهم و وعيدهم: (وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ)، و مثله قوله بعده: يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً النّساء:120.

ه-أمرهم بتبتيك آذان الأنعام و تغيير خلق اللّه:

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ و ليس لهما نظير في القرآن.

و ثانيا:حكى اللّه قول الشّيطان في القرآن ضمن الموارد التّالية:

أ-أمره بالسّجود لآدم عليه السّلام،فاختال و تغطرس:

قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:12،و ص:76

قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً الإسراء:61

قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الحجر:33

فطرده اللّه من السّماء،و أبعده من رحمته،فطلب منه أن يمهله إلى يوم القيامة:

قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الأعراف:14

قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الحجر:

36،و ص:79.

فلمّا أجابه اللّه إلى ما أراد،تمادى في الغيّ و التّحدّي:

قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ

الأعراف:16،17

قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الحجر:39،40

قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:82،83

قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً

الإسراء:62

ب-إغواء آدم و حوّاء:

وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ الأعراف:20،21

قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120

ج-التّغرير بعرب الجاهليّة:

وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً* وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ النّساء:118،119

وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ وَ اللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ الأنفال:48

ص: 641

د-إضلال راهب بني إسرائيل:

كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ الحشر:

16

و ثالثا:يظهر من خلال ما ذكر من محاجّة إبليس ربّه، و تأكيده على إغواء النّاس و إضلالهم مقرونا بالحلف و القسم مرّة بعد أخرى،أنّ اللّه أراد بذلك إعلام النّاس بشدّة عداوة إبليس لهم،انتقاما من أبيهم آدم؛حيث طرد من أجله،و لكي يجتنبوا دسائسه و مكائده،و أنّ فخاخه و شباكه متنوّعة،و ربّما متضادّة، يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ، أي يخذلهم رغبة و رهبة معا،حسب أمنيّات النّاس و أطماعهم.

و رابعا:و يظهر أيضا أنّ كبرياء الشّيطان بلغ إلى حدّ مشاطرة اللّه في عباده،فيجعل شطرا منهم نصيبه؛حيث قال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً، لاحظ «إبليس»و«شيطان».

و خامسا:إنّ الفعل (فَلَيُبَتِّكُنَّ) وحيد الجذر في القرآن،و وحيد بين أضرابه الوحيدة الجذر فيه أيضا، فإنّ أغلب الألفاظ الّتي استعملت في القرآن مرّة واحدة جاءت مسايرة للرّويّ القرآنيّ،كضرورة يدعو إليها السّياق،أمّا هذه اللّفظة فذكرت في وسط الآية بأسلوب مؤكّد،فقد اتّصلت به الفاء و اللاّم و نون التّوكيد الثّقيلة و واو الجمع و النّون،إذ كان أصله«يبتّكون»،فلمّا جزم باللاّم حذفت النّون،لأنّه من الأفعال الخمسة،ثمّ حذفت منه الواو عند اتّصاله بنون التّوكيد،لالتقاء السّاكنين.

و نظائره (لَيُبَطِّئَنَّ) النّساء:72،و (لَأَحْتَنِكَنَّ) الإسراء:62،و (لَنَسْفَعاً) العلق:15،إلاّ أنّها مفردة و مجرّدة من الفاء،و يتّصل الأخير بنون التّوكيد الخفيفة، كما أنّه ليس مضعّفا.

و سادسا:و لكن لما ذا يشفي الشّيطان غليله بتبتيك العباد لآذان الأنعام؟

قيل:إنّ ذلك امتثال لأمر إبليس حين يدعوهم، دون أن يأتمروا للّه تعالى،و قيل:نسك في عبادة الأوثان، فيشركون في عبادته تعالى،و قيل:ينقصون خلق اللّه بعد أن أتمّه،و هذا عبث بخلقه.

و لا ريب أنّ ما ذكروه حسن،إلاّ أنّنا نرى ذلك يتعلّق بأهمّ دعامة يرتكز عليها النّظام الإداريّ للحكومة الإسلاميّة في كلّ آن و زمان،ألا و هي الاقتصاد؛إذ أنّ المشركين-كما أجمع المفسّرون-كانوا يقطعون آذان الأنعام إذا ولدت خمسة أبطن،و كان الخامس ذكرا،فيحرّمون على أنفسهم الانتفاع بها، فكانوا يمتنعون من ركوبها و حلبها و ذبحها.و كلّ ذلك هدر لطاقة عظيمة،تتسبّب إلى إيجاد أزمة في مجال المواصلات-لا سيّما قديما-و الخدمات و الموادّ الغذائيّة و الصّناعات اليدويّة و التّقنيّة،إضافة إلى ما تستهلكه من موادّ غذائيّة،و ما تلحقه من أضرار جسيمة بالمزارع و الحقول؛إذا كانت لا تطرد عن ماء،و لا تمنع عن مرعى.

ص: 642

ب ت ل

اشارة

لفظان مرّتان،في سورة مكّيّة

تبتّل 1:1 تبتيلا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البتل:كلمة توصل بالبتّ،تقول:أعطيته بتّا بتلا.و أصله:القطع،و بتلته:قطعته.

وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً المزّمّل:8،فالتّبتّل:

الانقطاع إلى اللّه تعالى،أي أخلص إليه إخلاصا.

و البتول:كلّ امرأة تنقبض عن الرّجال،فلا حاجة لها فيهم و لا شهوة،و منه«التّبتّل»و هو ترك النّكاح.

[ثمّ استشهد بشعر]

و نخل متبتّل:قد تدلّت عذوقه.و البتيل:فسيل النّخل يبتل عنه،أي يقطع عنه و يعزل.

و البتيلة:كلّ عضو بلحمه مكتنز من أعضاء اللّحم على حياله.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة مبتّلة:تامّة الأعضاء و الخلق،و جمل مبتّل، و ناقة مبتّلة.

و البتل:أسفل الجبل،الواحد:بتيل.

و البتل:تمييز الشّيء من الشّيء.(8:124)

الهذليّ:البتيلة من النّخل:الوديّة.

(ابن السّكّيت إصلاح المنطق:349)

الأصمعيّ: هي الفسيلة الّتي قد بانت عن أمّها، و يقال للأمّ:مبتل.(ابن السّكّيت إصلاح المنطق:349)

المبتل:النّخلة تكون لها فسيلة قد انفردت و استغنت عن أمّها،فيقال لتلك الفسيلة:البتول.[ثمّ استشهد بشعر].(الأزهريّ 14:291)

المبتّلة من النّساء:الّتي لم يركب لحمها بعضه بعضا.

(الأزهريّ 14:292)

ابن الأعرابيّ: المبتّلة من النّساء:الحسنة الخلق، لا يقصر شيء عن شيء،ألاّ تكون حسنة العين سمجة الأنف،و لا حسنة الأنف سمجة الفم،و لكن تكون

ص: 643

تامّة.(الأزهريّ 14:292)

أبو سعيد البغداديّ: امرأة مبتلّة الخلق عن النّساء:لها عليهنّ فضل.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:293)

شمر: البتل:القطع،و منه:صدقة بتلة،أي قطعها من ماله.و يقال للمرأة إذا تزيّنت و تحسّنت:إنّها تتبتّل، و إذا تركت النّكاح فقد تبتّلت.و هذا ضدّ الأوّل،و الأوّل مأخوذ من المبتّلة:الّتي تمّ حسن كلّ عضو منها.(الأزهريّ 14:293)

ثعلب: و بتلت الرّجل سرّي و أبتلته،إذا أطلعته عليه.(فعلت و أفعلت:5)

سئل ثعلب عن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لم قيل لها: البتول؟فقال:لانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمّة،عفافا و فضلا و دينا و حسنا.

(الأزهريّ 14:292)

ابن دريد: بتلت الشّيء أبتله و أبتله بتلا،إذا قطعته.[ثمّ استشهد بشعر]

و حلف على يمين بتّة بتلة،أي قطعها،و سمّيت مريم عليها السّلام البتول،لانقطاعها عن النّاس.و الرّاهب المتبتّل:المنقطع عن النّاس.

و انبتلت الفسيلة عن أمّها،إذا انقطعت عنها، فالنّخلة مبتلة و الفسيلة بتيلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بتيل اليمامة:جبل منقطع عن الجبال.(1:197)

ابن الأنباريّ: البتول:المرأة الّتي لا تريد النّكاح، و يقال ذلك للعفيفة،و الأصل فيه ترك النّكاح.

(غريب اللّغة:137)

الأزهريّ: المبتّلة:التّامّة الخلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم: تبتيل خلقها:انفراد كلّ شيء منها بحسنه،لا يتّكل بعضه على بعض.

[المبتّلة]هي الّتي تفرّد كلّ شيء منها بالحسن على حدته.

و رجل أبتل،إذا كان بعيد ما بين المنكبين،و قد بتل يبتل بتلا.(الأزهريّ 14:292)

الصّاحب: البتل:تمييز الشّيء من الشّيء.

و أعطيته بتّا بتلا.و أصله:القطع.و في الصّدقة:بتّة بتلة.

و عمرة بتلاء،و البتلة:الواجبة.

و رمل بتل و بتل:منقطع من الرّمال،و كثيب بتل.

و البتول:كلّ امرأة تنقبض عن الرّجال و لا شهوة لها فيهم،و منه التّبتّل و هو ترك النّكاح،و منه قيل لمريم عليه السّلام:البتول.

فأمّا قوله عزّ و جلّ: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً المزّمّل:

8،أي أخلص له إخلاصا.

و الانبتال:الانقطاع و الانفراد.

و مرّ على بتيلة و بتلاء من رأيه،أي على عزيمة لا تردّ،و منبتلة من رأيه:مثله.

و البتيلة:كلّ عضو بلحمه من أعضاء اللّحم، مكتنزة على حيالها،و جمعها:بتائل.

و امرأة مبتّلة:تامّة الأعضاء و الخلق،و جمل مبتّل.

و البتل في النّساء:انفراد كلّ شيء منها بحسنه.

و رجل أبتل:بعيد ما بين الوركين،و خصر بتيل:

ص: 644

منخزل.

و التّبتّل:التّجرّد في الشّرّ و العذل.

و انبتل في السّير:مضى و جدّ.

و البتل:أسفل الجبل كهيئات المسائل،الواحد:

بتيل.

و البتول:الفسيلة من النّخل.

و المبتل:المتدلّي كبائسه،و كذلك البتيلة.

(9:439)

الخطّابيّ:في حديث حذيفة أنّه قال:«أقيمت الصّلاة فتدافعوا،فصلّى بهم ثمّ قال:لتبتلنّ بها إماما غيري أو لتصلّنّ وحدانا».

«لتبتلنّ»معناه لتنصبنّ لها إماما و تقطعون الأمر بإمامته.و أصل البتل:القطع،و منه قولهم في الصّدقة:

بتّة بتلة،أي منقطعة عن ملك المتصدّق بها.

و في الطّلاق ثلاث بتلة،أي منقطعة لا عود فيها و لا رجعة للزّوج عليها.

و قيل لمريم البكر:البتول،لانقطاعها عن النّاس و انتباذها مكانا شرقيّا،كما ذكره اللّه في كتابه.و يقال:

بل سمّيت البتول لانقطاعها عن مقارفة البشر.

فأمّا فاطمة فإنّما قيل لها:البتول،لأنّها منقطعة القرين نبلا و شرفا.

و يحتمل أن يكون ذلك«لتبتلنّ»يعني لتختارنّ أو لتختبرنّ أو نحوهما،من بلوت و ابتليت.

فأمّا ما يروى من قول النّضر بن كلدة في قصّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مع قريش،و هو قوله:«يا معشر قريش، و اللّه لقد نزل بكم أمر ما ابتلتم بتله».فإنّه غلط، و الصّواب ما انتبلتم نبله،و معناه ما انتبهتم له،و لم تعلموا علمه،تقول العرب:أنذرتك بالأمر فلم تنتبل نبله،أي ما انتبهت له.(2:329)

الجوهريّ: بتلت الشّيء أبتله بالكسر بتلا،إذا أبنته من غيره،و منه قولهم:طلّقها بتّة بتلة.

و البتول من النّساء:العذراء المنقطعة من الأزواج، و يقال:هي المنقطعة إلى اللّه تعالى عن الدّنيا.

و البتول و البتيلة:فسيلة تكون للنّخلة قد استغنت عن أمّها،و تلك النّخلة مبتل،يستوي فيه الواحد و الجمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و البتيلة:كلّ عضو بلحمه،و الجمع بتائل.يقال:

امرأة مبتّلة،بتشديد التّاء مفتوحة،أي تامّة الخلق لم يركب لحمها بعضه بعضا،و لا يوصف به الرّجل.

و التّبتّل:الانقطاع عن الدّنيا إلى اللّه،و كذلك التّبتيل،و منه قوله تعالى: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً المزّمّل:8.

و انبتل فهو منبتل،أي انقطع،و هو مثل المنبتّ.[ثمّ استشهد بشعر](4:1630)

ابن فارس: الباء و التّاء و اللاّم أصل واحد،يدلّ على إبانة الشّيء من غيره.يقال:بتلت الشّيء،إذا أبنته من غيره.و يقال:نخلة مبتل،إذا انفردت عنها الصّغيرة النّابتة معها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البتيلة:كلّ عضو بلحمه مكتنز اللّحم،الجمع:

بتائل،كأنّه بكثرة لحمه بائن عن العضو الآخر.

(1:195)

الهرويّ: و في حديث سعد:«ردّ رسول اللّه عليه السّلام

ص: 645

التّبتّل على عثمان بن مظعون»يعني الانقطاع عن النّساء، و ترك النّكاح،ثمّ استعير للانقطاع إلى اللّه عزّ و جلّ.

و منه الحديث:«لا رهبانيّة و لا تبتّل في الإسلام».

و في الحديث:«بتّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم العمرى»أي أوجبها.(126)

ابن سيدة: البتل:بتله يبتله بتلا،و بتّله:قطعه و أبانه،فبتل الشّيء و انبتل و تبتّل.

(الإفصاح 2:1354)

الزّمخشريّ: تبتّل إلى اللّه،و هو متنسّك متبتّل، و بتّل عملك للّه:أخلصه من الرّياء و السّمعة،و أفرده عن ذلك.

و بتّل العمرة:أوجبها وحدها،و عمرة بتلاء.

و امرأة مبتّلة:لم يتراكب لحمها،كأنّ اللّحم بتّل عنها.

و خصر مبتّل و بتيل،تقول:لها ثغر مرتّل،و خصر مبتّل.[ثمّ استشهد بشعر]

و طلّقها بتّة بتلة.

قيل لمريم عليها السّلام:العذراء البتول،لانقطاعها عن الأزواج.ثمّ قيل لفاطمة،تشبيها بها في المنزلة عند اللّه:

البتول.(أساس البلاغة:14)

المدينيّ: مرّ على بتيلة و بتلاء و متبتّلة من رأيه، أي عزيمة لا تردّ.و انبتل في السّير:مضى و جدّ.

(1:127)

الفيّوميّ: بتله بتلا من باب«قتل»:قطعه و أبانه، و طلّقها طلقة بتّة بتلة،و تبتّل إلى العبادة:تفرّغ لها و انقطع.(1:35)

الفيروزآباديّ: بتله يبتله و يبتله:قطعه كبتّله فانبتل و تبتّل،و الشّيء ميّزه عن غيره.

و البتول:المنقطعة عن الرّجال،و مريم العذراء رضي اللّه تعالى عنها كالبتيل،و فاطمة بنت سيّد المرسلين عليها الصّلاة و السّلام لانقطاعها عن نساء زمانها و نساء الأمّة،فضلا و دينا و حسبا،و المنقطعة عن الدّنيا إلى اللّه تعالى،و الفسيلة من النّخلة المنقطعة عن أمّها المستغنية بنفسها كالبتيل و البتيلة فيهما.و المبتلة:أمّها،و قد انبتلت من أمّها و تبتّلت و استبتلت.

و صدقة بتلة:منقطعة عن صاحبها،و عطاء بتل:

منقطع لا يشبهه عطاء أو منقطع لا يعطى بعده عطاء.

و تبتّل إلى اللّه و بتّل:انقطع و أخلص،أو ترك النّكاح و زهد فيه.

و كمعظّم:الجميلة كأنّها بتّل حسنها على أعضائها، أي قطّع،و الّتي لم يركب بعض لحمها بعضا،أو في أعضائها استرسال،و جمل مبتّل كذلك،و لا يوصف به الرّجل.

و كأمير:المسيل في أسفل الوادي،جمعه:ككتب، و من الشّجر المتدلّي كبائسه،و جبل باليمامة و واد.

و كسفينة:ماء قرب بتيل،و العجز و كلّ عضو مكتنز.

و عمرة بتلاء:ليس معها غيره.و مرّ على بتيلة و بتلاء من رأيه،أي عزيمة لا تردّ.(3:342)

الطّريحيّ:التّبتّل:الانقطاع إلى اللّه تعالى و إخلاص النّيّة.و أصل ذلك من«البتل»و هو القطع، كأنّه قطع نفسه عن الدّنيا.

ص: 646

يقال:بتلت الشّيء أبتله بالكسر،إذا قطعته و أبنته من غيره،و منه قوله:«طلّقها بتّة بتلة».

و منه حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في خبر النّصّ:

«فأتتني عزيمة من اللّه تعالى بتلة،أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني»[إلى أن قال:]

و في الرّواية:«و قد سئل صلّى اللّه عليه و آله إنّا سمعناك يا رسول اللّه تقول:إنّ مريم بتول و إنّ فاطمة بتول،ما البتول؟ فقال:البتول:الّتي لم تر حمرة قطّ».

و التّبتّل في الدّعاء هو الدّعاء بإصبع واحدة،يشير بها،أو يرفع أصابعه مرّة و يضعها مرّة،يرفعها إلى السّماء رسلا و يضعها تأنّيا.

و التّبتّل أيضا هو أن يحرّك السّبّابة اليسرى.

و بجميع ما ذكرناه وردت الرّواية عنهم عليهم السّلام.

و المبتول:المقطوع.و منه:الحديث:«العمرة المبتولة على صاحبها طواف النّساء».(5:316)

المصطفويّ: [لاحظ«ب ت ر»]

النّصوص التّفسيريّة

تبتّل-تبتيلا

وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً. (المزّمّل:8)

ابن عبّاس: أخلص له إخلاصا.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 29:132)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 29:133)

مجاهد: أخلص إليه المسألة و الدّعاء.

(الطّبريّ 29:133)

الحسن: بتّل نفسك و اجتهد.

(الطّبريّ 29:133)

الإمام الباقر عليه السّلام: أخلص إليه إخلاصا.

(القمّيّ 2:392)

إنّ التّبتّل هنا رفع اليدين في الصّلاة.

و في رواية أبي بصير:هو رفع يدك إلى اللّه و تضرّعك إليه.

مثله الإمام الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 5:379)

عطاء: انقطع إليه انقطاعا.(الطّبرسيّ 5:379)

قتادة: أخلص له العبادة و الدّعوة.

(الطّبريّ 29:133)

زيد بن أسلم: التّبتّل:رفض الدّنيا و ما فيها، و التماس ما عند اللّه تعالى.(البغويّ 7:140)

ابن زيد: أي تفرّغ لعبادته.(الطّبريّ 29:133)

تعبّد له تعبّدا.(الماورديّ 6:128)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الدّعاء بإصبع واحدة تشير بها.

[و في حديث آخر]هكذا التّبتّل و يرفع أصابعه مرّة و يضعها مرّة.

[و في حديث آخر]و التّبتّل:تحرّك السّبّابة،ترفعها إلى السّماء و تضعها.

[و في حديث آخر]و أمّا التّبتّل فإيماء بأصبعك السّبّابة.(العروسيّ 5:449)

الثّوريّ: توكّل إليه توكّلا.(البغويّ 7:140)

مثله الشّقيق.(الطّبرسيّ 5:379)

الإمام الكاظم عليه السّلام: التّبتّل،أن تقلّب كفّيك في الدّعاء إذا دعوت.(الكاشانيّ 5:241)

ص: 647

الفرّاء: أخلص للّه إخلاصا،و يقال للعابد إذا ترك كلّ شيء،و أقبل على العبادة:قد تبتّل،أي قطع كلّ شيء إلاّ أمر اللّه و طاعته.(3:198)

الأخفش: فلم يجئ بمصدره،و مصدره«التّبتّل»كما قال: وَ اللّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17.[ثمّ استشهد بشعر](2:717)

ابن قتيبة: أي انقطع إليه،من قولك:بتلت الشّيء،إذا قطعته.(494)

الطّبريّ: و انقطع إليه انقطاعا لحوائجك و عبادتك، دون سائر الأشياء غيره.(29:132)

الزّجّاج: معنى (تَبَتَّلْ إِلَيْهِ) انقطع إليه في العبادة.(5:241)

نفطويه: أي انفرد له في طاعته،و أفردها له.

و التّبتّل عند العرب:التّفرّد.(الهرويّ 1:125)

القمّيّ: رفع اليدين و تحريك السّبّابتين.

(2:392)

الطّوسيّ: أي انقطع إليه انقطاعا،فالتّبتّل:

الانقطاع إلى عبادة اللّه.و منه مريم البتول و فاطمة البتول،لانقطاع مريم إلى عبادة اللّه و انقطاع فاطمة عن القرين.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الانقطاع إلى اللّه تأميل الخير من جهته دون غيره،و جاء المصدر على غير الفعل،كما قال: وَ اللّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17،و قيل:تقديره:

تبتّل نفسك إليه تبتيلا،فوقع المصدر موقع مقاربه.(10:164)

الماورديّ: تضرّع إليه تضرّعا.(6:128)

الرّاغب:أي انقطع في العبادة و إخلاص النّيّة انقطاعا يختصّ به،و إلى هذا المعنى أشار بقوله عزّ و جلّ:

قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ الأنعام:91.

و ليس هذا منافيا لقوله عليه الصّلاة و السّلام:

«لا رهبانيّة و لا تبتّل في الإسلام»فإنّ«التّبتّل»هاهنا هو الانقطاع عن النّكاح،و منه قيل لمريم العذراء:البتول، أي المنقطعة عن الرّجال.

و الانقطاع عن النّكاح و الرّغبة عنه محظور لقوله عزّ و جلّ: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ النّور:32، و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«تناكحوا تكثروا فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة».

و نخلة مبتل إذا انفرد عنها صغيرة معها.(36)

الزّمخشريّ: انقطع إليه.فإن قلت:كيف قيل:

(تبتيلا)؟

قلت:لأنّ معنى(تبتّل)بتّل نفسك؛فجيء به على معناه،مراعاة لحقّ الفواصل.(4:177)

ابن عطيّة: انقطع من كلّ شيء إلاّ منه،و أفرغ إليه.و(تبتيلا)مصدر على غير المصدر.(5:388)

الطّبرسيّ: كان يجب أن يقول:«تبتّلا»لأنّ المراد:بتّلك اللّه من المخلوقين و اصطفاك لنفسه تبتيلا، فتبتّل أنت أيضا إليه.و قيل:إنّما قال:(تبتيلا)ليطابق أواخر آيات السّورة.(5:379)

أبو البركات: (تبتيلا)منصوب على المصدر،و هذا المصدر غير جار على فعله،لأنّ(تبتيلا)تفعيل،و تفعيل إنّما تجيء في مصدر«فعّل»كقولهم:رتّل ترتيلا.

(2:469)

ص: 648

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:اعلم أنّ جميع المفسّرين فسّروا «التّبتّل»بالإخلاص،و أصل التّبتّل في اللّغة:القطع.

[و قد نقل كلام الخليل و زيد بن أسلم و الفرّاء ثمّ قال:]

و اعلم أنّ معنى الآية فوق ما قاله هؤلاء الظّاهريّون، لأنّ قوله:(و تبتّل)أي انقطع عن كلّ ما سواه إليه.

فالمشغول بطلب الآخرة غير متبتّل إلى اللّه تعالى،بل التّبتّل إلى الآخرة.و المشغول بعبادة اللّه متبتّل الى العبادة لا إلى اللّه.و الطّالب لمعرفة اللّه متبتّل إلى معرفة اللّه لا إلى اللّه.

فمن آثر العبادة لنفس العبادة أو لطلب الثّواب أو ليصير متعبّدا كاملا بتلك العبوديّة،فهو متبتّل إلى غير اللّه.و من آثر العرفان للعرفان فهو متبتّل إلى العرفان.

و من آثر العبوديّة لا للعبوديّة بل للمعبود،و آثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف،فقد خاض لجّة الوصول.

و هذا مقام لا يشرحه المقال و لا يعبر عنه الخيال، و من أراده فليكن من الواصلين إلى العين دون السّامعين للأثر.

و لا يجد الإنسان لهذا مثالا إلاّ عند العشق الشّديد، إذا مرض البدن بسببه و انحبست القوى و عميت العينان و زالت الأغراض بالكلّيّة و انقطعت النّفس عمّا سوى المعشوق بالكلّيّة،فهناك يظهر الفرق بين التّبتّل إلى المعشوق و بين التّبتّل إلى رؤية المعشوق.

المسألة الثّانية:الواجب أن يقال:و تبتّل اليه تبتّلا،أو يقال:بتّل نفسك إليه تبتيلا،لكنّه تعالى لم يذكرهما.

و اختار هذه العبارة الدّقيقة،و هي أنّ المقصود بالذّات إنّما هو«التّبتّل»فأمّا«التّبتيل»فهو تصرّف، و المشتغل بالتّصرّف لا يكون متبتّلا إلى اللّه،لأنّ المشتغل بغير اللّه لا يكون منقطعا إلى اللّه.

إلاّ أنّه لا بدّ أوّلا من التّبتيل حتّى يحصل التّبتّل،كما قال تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت:69،فذكر«التّبتّل»أوّلا إشعارا بأنّه المقصود بالذّات،و ذكر«التّبتيل»ثانيا إشعارا بأنّه لا بدّ منه، و لكنّه مقصود بالعرض.

و اعلم أنّه تعالى لمّا أمره بالذّكر أوّلا ثمّ بالتّبتّل ثانيا ذكر السّبب فيه،فقال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً المزّمّل:9،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ التّبتّل إليه لا يحصل إلاّ بعد حصول المحبّة،و المحبّة لا تليق إلاّ باللّه تعالى؛و ذلك لأنّ سبب المحبّة إمّا الكمال و إمّا التّكميل.

أمّا الكمال فلأنّ الكمال محبوب لذاته؛إذ من المعلوم أنّه يمتنع أن يكون كلّ شيء إنّما كان محبوبا لأجل شيء آخر و إلاّ لزم التّسلسل،فإذا لا بدّ من الانتهاء إلى ما يكون محبوبا لذاته،و الكمال محبوب لذاته.

فإنّ من اعتقد أنّ فلانا الّذي كان قبل هذا بألف سنة كان موصوفا بعلم أزيد من علم سائر النّاس،مال طبعه إليه و أحبّه،شاء،أم أبى.و من اعتقد في رستم أنّه كان موصوفا بشجاعة زائدة على شجاعة سائر النّاس أحبّه، شاء،أم أبى.فعلمنا أنّ الكمال محبوب لذاته،و كمال

ص: 649

الكمال للّه تعالى،فاللّه تعالى محبوب لذاته،فمن لم يحصل في قلبه محبّته كان ذلك لعدم علمه بكماله.

و أمّا التّكميل فهو أنّ الجواد محبوب،و الجواد المطلق هو اللّه تعالى،فالمحبوب المطلق هو اللّه تعالى.و التّبتّل المطلق لا يمكن أن يحصل إلاّ إلى اللّه تعالى،لأنّ الكمال المطلق له،و التّكميل المطلق منه،فوجب أن لا يكون التّبتّل المطلق إلاّ إليه.

و اعلم أنّ التّبتّل الحاصل إليه بسبب كونه مبدأ للتّكميل مقدّم على التّبتّل الحاصل إليه بسبب كونه كاملا فى ذاته،لأنّ الإنسان في مبدإ السّير يكون طالبا للحصّة، فيكون تبتّله إلى اللّه تعالى بسبب كونه مبدأ للتّكميل و الإحسان،ثمّ في آخر السّير يترقّى عن طلب الحصّة، كما بيّنّا من أنّه يصير طالبا للمعروف لا للعرفان،فيكون تبتّله في هذه الحالة بسبب كونه كاملا.

فقوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إشارة إلى الحالة الأولى الّتي هي أوّل درجات المتبتّلين،و قوله:

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إشارة إلى الحالة الثّانية الّتي هي منتهى درجات المتبتّلين و منتهى إقدام الصّدّيقين،فسبحان من له تحت كلّ كلمة سرّ مخفيّ.

ثمّ وراء هاتين الحالتين مقام آخر،و هو مقام التّفويض،و هو أن يرفع الاختيار من البين،و يفوّض الأمر بالكلّيّة إليه،فإن أراد الحقّ به أن يجعله متبتّلا رضي بالتّبتّل لا من حيث إنّه هو،بل من حيث إنّه مراد الحقّ،و إن أراد به عدم التّبتّل رضي بعدم التّبتّل لا من حيث إنّه عدم التّبتيل،بل من حيث إنّه مراد الحقّ، و هاهنا آخر الدّرجات،و قوله: فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً المزّمّل:9،إشارة إلى هذه الحالة.

فهذا ما جرى به القلم في تفسير هذه الآية،و في الزّوايا خبايا،و من أسرار هذه الآية بقايا وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ لقمان:27.(30:178)

النّسفيّ: (وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ) انقطع إلى عبادته عن كلّ شيء.و التّبتّل:الانقطاع إلى اللّه تعالى بتأميل الخير منه دون غيره.

و قيل:رفض الدّنيا و ما فيها،و التماس ما عند اللّه (تبتيلا)في اختلاف المصدر زيادة تأكيد،أي بتّلك اللّه فتبتّل تبتيلا،أو جيء به مراعاة لحقّ الفواصل.

(4:304)

النّيسابوريّ: التّبتّل إليه،و هو الانقطاع إلى اللّه بالكلّيّة-و التّبتّل:القطع-الأوّل مقام السّالك،و الثّاني مقام المشاهد؛فالأوّل كالأثر و الثّاني كالعين.

و إنّما لم يقل:و بتّل نفسك إليه تبتيلا،لأنّ المقصود بالذّات هو التّبتّل،فبيّن أوّلا ما هو المقصود،ثمّ أشار أخيرا إلى سببه تأكيدا،مع رعاية الفاصلة.(29:78)

البروسويّ: التّبتّل:الانقطاع،و التّبتيل:

الإعراض عن الدّنيا،و المعنى و انقطع إلى ربّك انقطاعا تامّا بالعبادة و إخلاص النّيّة و التّوجّه الكلّيّ،كما قال تعالى: قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ الأنعام:91.[ثمّ نقل قول الرّاغب إلى أن قال:]

و أمّا إطلاق«البتول»على فاطمة الزّهراء رضي اللّه عنها فلكونها شبيهة بسيّدة نساء بني إسرائيل في الانقطاع عمّا سوى اللّه،لا عن النّكاح.

ص: 650

و قيل:«تبتّلا»مكان(تبتيلا)لأنّ معنى تبتّل:بتّل نفسه،فجيء به على معناه مراعاة لحقّ الفواصل،لأنّ حظّ القرآن من حسن النّظم و الرّصف فوق كلّ حظّ.

و قال بعضهم: لمّا لم يكن الانقطاع الكلّيّ إلى تجريد النّبيّ عليه السّلام نفسه عن العوائق الصّادّة عن مراقبة اللّه و قطع العلائق عمّا سواه،قيل:(تبتيلا)مكان«تبتّلا»فيكون النّظم من قبيل الاحتياك (1)،كما في قوله تعالى: وَ اللّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17،على وجه،و هو أنّ التّقدير:أنبتكم منها إنباتا فنبتّم نباتا.

و كذا التّقدير هاهنا:أي تبتّل إليه تبتّلا يبتّلك عمّا سواه تبتيلا،و الأنسب يبتّلك ربّك تبتيلا؛فإنّ«التّبتيل» فعل اللّه فلا يحصل للعبد إلاّ بمعاونته.

و في«التّأويلات النّجميّة»:و اذكر اسم ربّك بفناء صفاتك و أفعالك،و تبتّل،إليه تبتيلا بفناء ذاتك و بقاء ذاته.

ثمّ إنّ التّبتّل يكون من«الدّنيا»إمّا ظاهرا فقط،فهو مذموم كبعض الحفاة العراة الّذين أظهروا الفقر في ظواهرهم،و أبطنوا الحرص في ضمائرهم.

و إمّا باطنا فقط،و هو ممدوح كالأغنياء من الأنبياء و الأولياء عليهم السّلام،فإنّهم انقطعوا عن الدّنيا باطنا؛إذ ليس فيهم حبّ الدّنيا أصلا.و إنّما لم ينقطعوا ظاهرا،لأنّ إرادتهم تابعة لإرادة اللّه،و اللّه تعالى أراد ملكهم و دولتهم،كسليمان و يوسف و داود و أيّوب و الإسكندر و غيرهم عليهم السّلام.

و إمّا ظاهرا و باطنا كأكثر الأنبياء و الأولياء.

و قد يكون التّبتّل من«الخلق»إمّا ظاهرا فقط، كتبتّل بعض المتعبّدة في قلل الجبال و أجواف المغارات، لجذب القلوب و جلب الهدايا.

و إمّا باطنا لا ظاهرا،كأهل الإرشاد و هم عامّة الأنبياء و بعض الأولياء؛إذ لا بدّ في إرشاد الخلق من مخالطتهم.

و إمّا ظاهرا و باطنا،كبعض الأولياء الّذين اختاروا العزلة و سكنوا في المواضع الخالية عن النّاس.

قال بعضهم:السّلوك إلى اللّه تعالى يكون بالتّبتّل، و معناه الإقبال على اللّه بملازمة الذّكر،و الإعراض عن غيره بمخالفة الهوى.و هذا هو السّفر بالحركة المعنويّة من جانب المسافر إلى جانب المسافر إليه،و إن كان اللّه أقرب إلى العبد من حبل الوريد.

فإنّ مثال الطّالب و المطلوب مثال صورة حاضرة مع مرآة،لكن لا تتجلّى فيها لصدإ في وجهها،فمتى صقلتها تجلّت فيها الصّورة،لا بارتحال الصّورة إليها و لا بحركتها إلى جانب الصّورة،و لكن بزوال الحجاب.فالحجاب في عين العبد و إلاّ فاللّه متجلّ بنوره غير خفيّ على أهل البصيرة؛و إن كان فرق بين تجلّ و تجلّ بحسب المحلّ.

فتجلّي العامّة كتجلّي صورة واحدة في مرايا كثيرة في حالة واحدة،و تجلّي الخاصّة كتجلّي صورة واحدة في مرآة واحدة،و إليه الإشارة بقوله عليه السّلام:«لي مع اللّه وقت»؛إذ لا يخفى أنّ التّجلّي في ذلك الوقت مخصوص به عليه السّلام لا يزاحمه غيره فيه.

يقول الفقير: إنّ في هذا المقام إشكالا،و هو أنّه عليه السّلام إذا كان مستغرق الأوقات في الذّكر،دائم الانقطاع إلىف.

ص: 651


1- الاحتباء و الالتفاف.

اللّه-على ما أفاده الآيتان-فكيف يتأتّى له السّبح في النّهار،على ما أفصح عنه قوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً المزّمّل:7،و لعلّ جوابه من وجوه:

الأوّل:إنّ الأمر بالذّكر الدّائم و الانقطاع الكلّيّ من باب التّرقّي من الرّخصة إلى العزيمة،كما يقتضيه شأن الإكمال.

و الثّاني:إنّ السّبح في النّهار ليس من قبيل الواجب، فله أن يختار التّوكّل على التّقلّب،و يكون مستوعب الأوقات بالذّكر.

و الثّالث:إنّ الشّغل الظّاهر لا يقطع الكمّل عن مراقبته تعالى،كما قال تعالى: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ النّور:37،و قال تعالى: اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ المعارج:23.

و الرّابع:إنّ ذلك بحسب اختلاف الأحوال و الأشخاص،فمن مشتغل و من ذاكر،و اللّه أعلم بالمرام.(10:211)

الطّباطبائيّ: فسّر«التّبتّل»بالانقطاع،أي و انقطع إلى اللّه.و من المرويّ عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام أنّ «التّبتّل»رفع اليد إلى اللّه و التّضرّع إليه،و هذا المعنى أنسب بناء على حمل الذّكر على الذّكر اللّفظيّ،كما تقدّم.

و(تبتيلا)مفعول مطلق ظاهرا،و كان مقتضى الظّاهر أن يقال:و تبتّل إليه تبتّلا،فالعدول إلى التّبتيل قيل:لتضمين تبتّل معنى«بتّل»و المعنى و قطّع نفسك من غيره إليه تقطيعا،أو احمل نفسك على رفع اليد إليه و التّضرّع حملا،و قيل:لمراعاة الفواصل.(20:65)

عبد الكريم الخطيب:التّبتّل:الانقطاع، و البتل:القطع.و منه البتول،و هي الّتي انقطعت عن الدّنيا و شواغلها بعبادة اللّه.

و معنى التّبتّل إلى اللّه:الانقطاع إليه،و توجيه العقل و القلب إليه جميعا،دون التفات إلى غيره.

و هذا هو شأنه صلوات اللّه و سلامه عليه،فكلّ وجوده للّه:كلامه و خطوه،و قيامه،و قعوده،و نومه، و يقظته.

و ليس«التّبتّل»هنا معناه الرّهبنة،و الانقطاع عن الحياة،و إنّما هو العمل للّه وحده في معترك الحياة،بمعنى أن تكون أعمال النّبيّ و جهاده بالقول و بالسّيف،مرادا بها وجه اللّه وحده،معزولا عن كلّ مطلب من مطالب الحياة الدّنيا،و مجانبا لكلّ حظّ من حظوظ النّفس،إلاّ ما يمسك الأود،و يحفظ الحياة.(15:1256)

المصطفويّ: جاء المصدر من«التّفعيل»فإنّ التّبتّل إليه في المعنى تفعيل،أي الانقطاع عن غير اللّه تعالى و التّوجّه خالصا إليه،و هذا معنى إبانة النّفس عن الغير إلى اللّه تعالى.

فالتّعبير في مرحلة الابتداء بالتّبتّل،و هو الانقطاع الصّرف و حصوله من جانب السّالك.و تحقّق هذا المعنى فيه في الواقع أوكد و ألطف من كلمة«التّبتيل»الدّالّة على تحصيل معنى الانقطاع،كما أنّ التّعبير ب«التّبتيل»في المرحلة الثّانويّة و بعد تحقّق الانقطاع ألطف و أنسب، من جهة دلالته على السّير و التّوجّه إليه تعالى.

فالتّبتّل منسوب إلى الشّخص السّالك.و التّبتيل بالنّسبة إلى منتهى السّلوك،و هو اللّه تعالى،أي تبتيلا إليه.(1:195)

ص: 652

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:القطع،يقال:بتلت الشّيء أبتله و أبتله بتلا،فانبتل:قطعته،و كذا بتّلته تبتيلا فتبتّل.

و اشتقّ من الفسيلة تقطع من الأمّ،فتغرس في الأرض،و حينئذ تستغني عنها.و هي البتول و البتيل و البتيلة،و قد انبتلت من أمّها و تبتّلت و استبتلت،و الأمّ مبتل و مبتلة.

ثمّ استعير هذا المعنى في العضو المكتنز اللّحم،و هو البتيلة،و في المرأة الجميلة التّامّة الأعضاء و الخلق،و هي المبتّل و المبتّلة.و يقال أيضا:جمل مبتّل،و ناقة مبتّلة.

و من المجاز قولهم للمرأة العفيفة الّتي تعزف عن النّكاح:البتول،و يقال ذلك أيضا للعذراء،و للمنقطعة إلى اللّه عن الدّنيا،و هو التّبتّل،و منه:الرّاهب المتبتّل.

و لذا أطلق ذلك على مريم،لانقطاعها إلى العبادة،و على فاطمة عليها السّلام،لانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمّة،عفافا و فضلا و دينا و حسنا،كما قال ثعلب.

و من هذا الباب أيضا قولهم:أعطيته بتّا بتلا،أي عطاء منقطع النّظير،و طلّق المرأة بتّة بتلة،أي طلاقا لا رجعة فيه،و حلف على يمين بتّة بتلة،أي يمين صادقة قاطعة،و مرّ على بتيلة و منبتلة من رأيه،أي عزيمة قاطعة لا تردّ،و انبتل في السّير،أي مضى و جدّ.

2-و تبتّل مطاوع بتّل،مثل:كسّرته فتكسّر،و هو التّضرّع إلى اللّه،أخذ من قولهم:نخل متبتّل،أي نخل قد تدلّت عذوقه.و قيل:التّبتّل:ترك النّكاح،و هو مشتقّ من تبتّل الفسيلة،أي انقطاعها عن أمّها و استغناؤها عنها،ثمّ استعمل في الانقطاع إلى اللّه تعالى.

إلاّ أنّ المعنى الأوّل أرجح،لأنّ المتبتّل حينما يضرّع إلى اللّه و يتطامن،و ينقطع إليه و يتفرّد به؛إذ كلّ خاضع للّه منقطع إليه،و ليس العكس كذلك.فشبّه المتبتّل إلى اللّه بالنّخلة الّتي تدلّت عذوقها،فهو يدلّي رأسه و يطأطئه تضرّعا إليه،و لذا قيل لمن يفعل ذلك:عفّر خدّه،و ليس ثمّت تعفير إذ ذاك.

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء من هذه المادّة لفظان في آية واحدة:

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً، و لفظ(تبتيلا) فيها مصدر مغاير للفعل«تبتّل»؛إذ الأصل فيه«تبتّل إليه تبتّلا»أو«بتّل إليه تبتيلا».

و قد وجّه المفسّرون هذا التّغاير بوجهين،الأوّل:

أنّ(تبتّل)يعني«بتّل»،و تقديره:و بتّل نفسك إليه تبتيلا،فجاء المصدر على معنى مقدّره لمراعاة الفواصل، لأنّ رويّ هذه السّورة لام تعقبها ألف غالبا،مثل:قليلا، ترتيلا،ثقيلا،طويلا،وكيلا،جميلا،و غيرها.

و الثّاني:أنّ اختلاف المصدر يدلّ على زيادة تأكيد معنى،و التّقدير:بتّلك اللّه عمّا سواه،فتبتّل إليه تبتيلا.

و الحقّ أنّ لكلا القولين وجها وجيها،إلاّ أنّ القول الثّاني-كما يبدو-أوجه من الأوّل،لأنّ(تبتّل)مطاوع «بتّل»كما ذكرنا آنفا،فكأنّ اللّه تعالى حين بتّل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عمّا سواه من الخلق،فطاوعه في ذلك بتبتّله إليه.و نصب المصدر(تبتيلا)على المفعوليّة المطلقة بالفعل المقدّر«بتّل».

ص: 653

2-كما اختلفوا أيضا في حالة«التّبتّل»على أقوال، منها:الإشارة بإصبع واحدة في الدّعاء،و خصّ بعضهم السّبّابة اليسرى،أو رفع اليد أو تقليبها،أو رفع كلتا اليدين في الصّلاة خاصّة.

و لا شكّ أنّ ما ذكر ليس تبتّلا،و إنّما حالات تنتاب من يتبتّل إلى اللّه،فتصدر عنه دون عزم،و ربّما يعتاد حالة واحدة فيلازمها،و هذا شأن من ابتلي بحديث النّفس عند ما يختلي.

3-في الآية منهج تربويّ للسّائر إلى اللّه،يتضمّن ثلاث مراحل:

أ-ذكر اللّه: وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ، و هو كالمرساة للسّفينة،حينما تكتنفها الأعاصير،فترسو بها و تثبت؛إذ الذّكر يطمئن قلب السّائر،عند ما تعتوره زوابع الضّلال، كما قال تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28.

ب-التّبتيل عمّا سوى اللّه:و هذا يحتاج إلى توفيق من اللّه،فهو كراكب السّفينة حينما يتوسّط لجّة البحر؛ حيث لا مفرّ إلاّ إليه: وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67.

ج-التّبتّل إليه: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً، يعطي القياد للّه مطلقا،ينقاد حيثما قاده،كالسّفينة حينما تقاد بالدّفّة.

ص: 654

ب ث ث

اشارة

6 ألفاظ،9 مرّات:7 مكّيّة،2 مدنيّة

في 9 سور:7 مكّيّة،2 مدنيّة

بثّ 4:2-2 مبثوثة 1:1

يبثّ 1:1 بثّي 1:1

المبثوث 1:1 منبثّا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بثّ الشّيء:تفريقه.و بثثت الشّيء و الخبر:نشرته،و ابتثثته أيضا.

يقال:بثّ الخيل في الغارة،و بثّ الكلاّب كلابه على الصّيد.(8:217)

اللّيث: [نحو الخليل و أضاف:]

و خلق اللّه الخلق فبثّهم في الأرض.

و بثّت البسط،إذا بسطت،قال اللّه تعالى: وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ الغاشية:16.(الأزهريّ 15:67)

أبو زيد: يقال:أبثّ فلان شقوره (1)و فقوره إلى فلان:يبثّ إبثاثا.(ابن فارس 1:172)

الأصمعيّ: تمر بثّ،إذا كان منثورا متفرّقا بعضه من بعض.(الجوهريّ 1:273)

أبو عبيد: و في حديث أمّ زرع:«لا يولج الكفّ ليعلم البثّ».

أرى أنّه كان بجسدها عيب،أي لا يدخل يده ليمسّ ذلك العيب.تصفه بالكرم.(الأزهريّ 15:68)

ابن الأعرابيّ: [في حديث أمّ زرع:لا يولج...] هذا ذمّ لزوجها،إنّما أرادت:إذا رقد التّفّ في ناحية و لم يضاجعني،فيعلم ما عندي من محبّتي،لقربه،و لا بثّ هناك إلاّ محبّتها الدّنوّ من زوجها.فسمّت ذلك بثّا،لأنّ البثّ من جهته يكون.(الأزهريّ 15:68)

تمر بثّ،أي متفرّق لم يجمعه كنز،و بثثت الطّعام و التّمر،إذا قلّبته و ألقيت بعضه على بعض.و بثثت الحديث،أي نشرته.(ابن فارس 1:172)

ص: 655


1- أي شكا إليه حاله.

ابن قتيبة: البثّ:أشدّ الحزن،سمّي بذلك،لأنّ صاحبه لا يصبر عليه حتّى يبثّه،أي يشكوه.(222)

مثله أبو حيّان.(تحفة الأريب:43)

ابن أبي اليمان: و البثّ:الحزن،و البثّ:إشاعة السّرّ،و النّثّ:كذلك.(226)

ابن دريد: بثّ الخيل يبثّها بثّا،إذا فرّقها،و كلّ شيء فرّقته فقد بثثته،و في التّنزيل: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4.

و انبثّ الجراد في الأرض،أي تفرّق.

و يقال:تمر بثّ،إذا لم يجد كنزه حتّى يتفرّق.

و تقول:بثثته سرّي و أبثثته،إذا أطلعته عليه.

و البثّ:ما يجده الرّجل في نفسه من كرب أو غمّ، و منه قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86.(1:23)

نحوه الطّوسيّ.(2:58)

القاليّ: البثّ:أشدّ الحزن،قال اللّه تعالى: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86.

(ذيل الأماليّ:142)

الأزهريّ: البثّ:الحزن الّذي تفضي به إلى صاحبك.

يقال:أبثثت فلانا سرّي،بالألف،إبثاثا،أي أطلعته عليه.

و بثثت الشّيء أبثّه،إذا فرّقته.

و بثبثت الأمر،إذا فتّشت عنه،و تخبّرته.

و في بعض الحديث: فلمّا حضر اليهوديّ الموت قال:

بثبثوه،أي كشّفوه.و هو من:بثثت الأمر،إذا أظهرته.

و الأصل فيه«بثّثوه»فأبدلوا من الثّاء الوسطى باء، استثقالا لاجتماع ثلاث ثاءات،كما قالوا في«حثّثت»:

حثحثت.

و في حديث أمّ زرع: «لا يولج الكفّ ليعلم البثّ».

قال أحمد بن عبيد: أرادت أنّه لا يتفقّد أموري و مصالح أسبابي،و هو كقولهم:ما أدخل يدي في هذا الأمر،أي لا أتفقّده.(15:68)

الصّاحب: بثّ الشّيء يبثّ بثّا:إذا فرّقه.و بثّوا الخيل و الغارة.

و تمر بثّ.

و البثّ:الشّكوى للحزن.

و أبثثته سرّي:أعلنته له.

و بثبثت المتاع:إذا قلبته و بحثته،و الرّجل:إذا كشفته و خبرت ما عنده.

و ضربته فوقع مبثّثا:مغشيّا عليه.(10:132)

الجوهريّ: بثّ الخبر و أبثّه بمعنى،أي نشره.يقال:

أبثثتك سرّي،أي أظهرته لك.و بثّث الخبر،شدّد للمبالغة،فانبثّ،أي انتشر.

و تمر بثّ،إذا لم يجد كنزه.

و هو كقولهم:ماء غور.

و البثّ:الحال و الحزن.

يقال:أبثثتك،أي أظهرت لك بثّي.

و بثبثت الخبر بثبثة:نشرته،و كذلك الغبار، إذا هيّجته.(1:273)

ابن فارس: الباء و الثّاء أصل واحد،و هو تفريق الشّيء و إظهاره،يقال:بثّوا الخيل في الغارة،و بثّ

ص: 656

الصّياد كلابه على الصّيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و اللّه تعالى خلق الخلق و بثّهم في الأرض لمعاشهم.

و إذا بسط المتاع بنواحي البيت و الدّار فهو مبثوث.

[و قال بعد قول ابن الأعرابيّ:]

و أمّا البثّ من الحزن فمن ذلك أيضا،لأنّه شيء يشتكى و يبثّ و يظهر.[ثمّ قال بعد قول أبي زيد:]

و الإبثاث أن يشكو إليه فقره و ضيعته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالت امرأة لزوجها:«و اللّه لقد أطعمتك مأدومي، و أبثثتك مكتومي،باهلا غير ذات صرار».(1:172)

أبو هلال: الفرق بين قولك:فرّقه و بين قولك:بثّه، أنّ قولك:«فرّق»يفيد أنّه باين بين مجتمعين فصاعدا، و قولك:«بثّ»يفيد تفريق أشياء كثيرة في مواضع مختلفة متباينة.و إذا فرّق بين شيئين لم يقل:إنّه«بثّ».

و في القرآن: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ البقرة:164.

(124)

الفرق بين الحزن و البثّ،أنّ قولنا:الحزن يفيد غلظ الهمّ،و قولنا:البثّ يفيد أنّه ينبثّ و لا ينكتم،من قولك:

أبثثته ما عندي و بثثته،إذا أعلمته إيّاه.

و أصل الكلمة:كثرة التّفريق،و منه قوله تعالى:

كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4،و قال تعالى:

إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86، فعطف البثّ على الحزن لما بينهما من الفرق في المعنى، و هو ما ذكرناه.(221)

الهرويّ: البثّ:أشدّ الحزن،تباثّه النّاس.

و يقال للشّيء المتفرّق:بثّ.

و يقال:بثثتك سرّي و أبثثتك،أي نشرته لك.

و في حديث أمّ زرع:«زوجي لا أبثّ خبره»أي لا أنشره،لقبح آثاره.[إلى أن قال:]

و في هذا الحديث:«و لا تبث حديثنا تبثيثا»معناه لا تشيعه.و يروى:«لا تنثّ»بالنّون،معناه قريب من الأوّل.(1:127)

الثّعالبيّ: البثّ:شدّة الحزن.(68)

البثّ:أشدّ الحزن.(190)

ابن سيدة:بثّ الحديث يبثّه بثّا و أبثّه:أذاعه و نشره.

و أبثّ فلانا الخبر:أطلعه عليه.

و استبثّ فلانا الخبر:طلب أن يبثّه إيّاه.

(الإفصاح 1:237)

البثّ:أشدّ الحزن الّذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثّه بثّا،أي ينشره.(الإفصاح 1:659)

تمر بثّ:متفرّق منثور،و هو الّذي لم يكنز فبقي متفرّقا،لا يلتزق بعضه ببعض.(الإفصاح 2:1148)

البثّ:التّفريق،بثّ الخبر يبثّه بثّا و أبثّه و بثّثه و بثبثه:نشره و فرّقه.و التّراب:هيّجه،فانبثّ.

(الإفصاح 2:1351)

الطّوسيّ: الانبثاث:افتراق الأجزاء الكثيرة في الجهات المختلفة.(9:489)

و المبثوث:المتفرّق في الجهات كأنّه محمول على الذّهاب فيها.يقال:بثّه يبثّه،إذا فرّقه،و ابثثته الحديث،إذا ألقيته إليه كأنّك فرّقته بأن جعلته عند اثنين.(10:399)

ص: 657

مثله الطّبرسيّ.(5:531)

الرّاغب: أصل البثّ:التّفريق و إثارة الشّيء كبثّ الرّيح التّراب.و بثّ النّفس:ما انطوت عليه من الغمّ و السّرّ،يقال:بثثته فانبثّ،و منه قوله عزّ و جلّ:

فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:6.(37)

الزّمخشريّ: بثّوا الخيل في الغارة،و بثّ كلابه على الصّيد،و خلق اللّه الخلق فبثّهم في الأرض،و بثّ المتاع في نواحي البيت،إذا بسطه.

و بثّت البسط. وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ الغاشية:16، و تمر بثّ و منبثّ:متفرّق غير مكنوز،و انبثّ الجراد في الأرض.

و من المجاز:بثثته ما في نفسي أبثّه،و أبثثته إيّاه، و باثثته سرّي و باطن أمري،إذا أطلعته عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كانت بيننا مباثّة و منافثة.و بثّ الخبر في البلد، و بثّثه و بثبثه،و قد انبثّ هذا الخبر.

و سمعت من يقول:الرّوح في القلب على سبيل الرّكز،و في غيره على سبيل الانبثاث.

(أساس البلاغة:14)

ابن الأثير: البثّ في الأصل:أشدّ الحزن،و المرض الشّديد،كأنّه من شدّته يبثّه صاحبه.

و منه حديث كعب بن مالك رحمه اللّه:«فلمّا توجّه قافلا من تبوك حضرني بثّي»أي أشدّ حزني.(1:95)

الصّغانيّ:بثثته السّرّ مثل أبثثته.و بثثت الغبار،إذا هيّجته،مثل بثبثته.

ضربته فوقع مبثّثا،أي مغشيّا عليه.(1:349)

الرّازيّ:بثّ الخبر من باب«ردّ»و أبثّه بمعنى، نشره،و أبثّه سرّه،أي أظهره له.و البثّ:الحال و الحزن.

(53)

القرطبيّ: حقيقة البثّ في اللّغة:ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة الّتي لا يتهيّأ له أن يخفيها، و هو من:بثثته،أي فرّقته،فسمّيت المصيبة بثّا مجازا.

[ثمّ استشهد بشعر](9:251)

الفيّوميّ: بثّ اللّه تعالى الخلق بثّا من باب«قتل»:

خلقهم،و بثّ الرّجل الحديث:أذاعه و نشره،و بثّ السّلطان الجند في البلاد:نشرهم.(1:36)

الفيروزآباديّ: بثّ الخبر يبثّه و يبثّه أبثّه و بثّثه و بثبثه:نشره و فرّقه فأنبثّ.و بثثتك السّرّ و أبثثتك:أظهرته لك.

و تمر بثّ:متفرّق منثور.

و بثّ الغبار و بثبثه:هيّجه.

و المنبثّ:المغشيّ عليه.

و البثّ:الحال،و أشدّ الحزن.

و استبثّه إيّاه:طلب إليه أن يبثّه إيّاه.(1:167)

الطّريحيّ: المنبثّ:ما تبثّه الخيل بسنابكها من الغبار.

و المبثّث:المفرّق،و منه قوله تعالى: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4،و قوله تعالى: وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ الغاشية:16.

و في الحديث:«إبليس يبثّ جنوده»أي يفرّقهم و ينشرهم،من بثّ الحديث:أذاعه و أنشره...

و بثّ حاجتك:اذكرها.(2:234)

ص: 658

الجزائريّ: قيل:البثّ:ما أبداه الإنسان، و الحزن:ما أخفاه،لأنّ الحزن مستكنّ في القلب، و البثّ:ما بثّ و أظهر.

و كلّ شيء فرّقته فقد بثثته،و منه قوله تعالى:

وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ البقرة:164،فالبثّ غير الحزن.

و قيل:هما بمعنى،و قوله تعالى: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86،من عطف الشّيء على رديفه.(65)

مجمع اللّغة: 1-بثّ الشّيء يبثّه-كضرب و نصر-بثّا:نثره و فرّقه.و اسم المفعول مبثوث، و مؤنّثه مبثوثة.

2-انبثّ:انتشر و تفرّق،و اسم الفاعل منه:منبثّ.

3-البثّ:الحال أو الغمّ أو أشدّ الحزن.(1:79)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بثّ الخبر:أذاعه و نشره،و بثّ الشّيء:فرّقه و نشره،و بثّ الرّيح الغبار:

هيّجه،و بثّ اللّه الخلق:نشرهم و فرّقهم في الأرض.

و البثّ:الغمّ الكثير الّذي لا يصبر عليه صاحبه.

و المبثوث و المنبثّ:المنتشر و المتفرّق.(1:58)

محمود شيت: 1-أ-بثّه بثّا:فرّقه و نشره،و بثّ التّراب و غيره:أثاره و هيّجه،و بثّ المتاع في نواحي البيت:فرّقه و بسطه،و بثّ اللّه الخلق:نشرهم في الأرض و أكثرهم،و بثّ الخبر:أذاعه،و بثّ السّرّ:

أفشاه و أظهره،و بثّ حاجته،ذكرها و أظهرها.

ب-أبثّه:بثّه.

ج-باثّه ما في نفسه:أبثّه إيّاه.

د-انبثّ:تفرّق و انتشر،فهو منبثّ.

ه-استبثّه السّرّ و نحوه:طلب إليه أن يبثّه إيّاه.

و-و البثّ:الحال،و أشدّ الحزن الّذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثّه،و المرض الشّديد لا يصبر عليه صاحبه.

2-أ-بثّ الجند في البلاد:فرّقهم و نشرهم لحفظ الأمن أو للسّيطرة،و بثّ الخبر:نشره و أذاعه.

ب-البثّ:الإذاعة،يقال:تبثّ المرسلات رسائلها:

تذيعها.

و موجات البثّ:الموجة الّتي يذيع عليها.

و يبثّ الجهاز اللاّسلكيّ:يذيع.

و البثّ اللاّسلكيّ:الإذاعة.(1:68)

العدنانيّ:«بثّ ما في نفسه،بثّه ما في نفسه،أبثّه الحديث».

و يخطّئون من يعدّي الفعل«بثّ»إلى مفعولين، و يقولون:إنّه يتعدّى إلى مفعول واحد،اعتمادا على قوله تعالى في الآية الأولى من سورة النّساء: يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً.

و اعتمادا على اكتفاء المصادر الآتية بذكر مفعول به واحد:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و النّهاية الّذي جاء فيه:«و في حديث أمّ زرع:زوجي لا أبثّ خبره،أي لا أنشره لقبح آثاره»و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط.

و لكن:عدّى الفعل«بثّ»إلى مفعول به واحد«بثّ ما في نفسه»،و إلى مفعولين«بثّه ما في نفسه»كلّ من

ص: 659

الأساس(مجاز)،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد.

أمّا الحريريّ فقد ورد قوله:«و سأبثّكم ما حاك في صدري»في المقامة الحراميّة،معدّيا الفعل«بثّ»إلى مفعولين.

و هنالك الفعل:أبثّه الحديث،الّذي يعني أطلعه عليه.و قد ورد ذكره في معجم مقاييس اللّغة، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن(مجاز)،و الوسيط.(44)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو «النّشر».و خصوصيّات هذا المعنى تختلف باختلاف الموارد و المصاديق:

فبثّ الجند:تفريق مجتمع في الأمكنة المختلفة.

و بثّ الحديث:نشره بين النّاس كتابة و رواية.

و بثّ الحزن:إفشاؤه و إظهاره عن صدر.

و بثّ العلم:نشر ما في صدره من العلم بالبيان و التّبليغ و التّأليف.

و بثّ الفكر و الخيال:في مقابل الطّمأنينة و السّكون، و عبارة عن الاضطراب و تفرّق الحواسّ و عروض الأفكار المختلفة.[إلى أن قال:]

الفرق بين النّشر و البثّ:أنّ النّشر هو البسط بعد القبض،و الظّهور بعد أن لم يكن متجلّيا.و البثّ هو التّفريق؛فيقال:نشرت الرّحمة و الصّحف و الموتى، و لا يقال:بثّت هؤلاء.(1:196)

النّصوص التّفسيريّة

بثّ

1- فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ... البقرة:164

أبو عبيد: أي فرّق و بسط.(1:62)

الطّبريّ: و فرّق فيها،من قول القائل:بثّ الأمير سراياه،يعني فرّق.(2:64)

الرّاغب: قوله: وَ بَثَّ فِيها... إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجودا،و إظهاره إيّاه.(37)

الزّمخشريّ: فإن قلت:قوله: وَ بَثَّ فِيها...

عطف على(انزل)أم(احيا)؟

قلت:الظّاهر أنّه عطف على(انزل)داخل تحت حكم الصّلة،لأنّ قوله: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ عطف على(انزل)فاتّصل به و صارا جميعا كالشّيء الواحد، فكأنّه قيل:و ما أنزل في الأرض من ماء و بثّ فيها من كلّ دابّة.

و يجوز عطفه على(احيا)على معنى فأحيا بالمطر الأرض و بثّ فيها من كلّ دابّة،لأنّهم ينمون بالخصب و يعيشون بالحيا (1).(1:325)

مثله النّيسابوريّ(2:55)،و أبو السّعود(1:142).

الطّبرسيّ: أي فرّق في الأرض من كلّ حيوان يدبّ،و أراد بذلك خلقها في مواضع متفرّقة.

(1:246)

القرطبيّ: أي فرّق و نشر،و منه كَالْفَراشِ

ص: 660


1- المطر.

اَلْمَبْثُوثِ القارعة:4.(2:196)

نحوه الطّريحيّ(2:234)،و القاسميّ(3:356)، و الحجازيّ(2:13).

أبو حيّان: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ. إن قدّرت هذه الجملة معطوفة على ما قبلها من الصّلتين احتاجت إلى ضمير يعود على الموصول،لأنّ الضّمير في(فيها) عائد على الأرض،و تقديره:و بثّ فيها من كلّ دابّة.

لكن حذف هذا الضّمير إذا كان مجرورا بالحرف،له شرط،و هو:

أن يدخل على الموصول أو الموصوف بالموصول أو المضاف إلى الموصول حرف جرّ مثل ما دخل على الضّمير لفظا و معنى.

و أن يتّحد ما تعلّق به الحرفان لفظا و معنى.

و أن لا يكون ذلك المجرور العائد على الموصول و جارّه في موضع رفع.

و أن لا يكون محصورا و لا في معنى المحصور.

و أن يكون متعيّنا للرّبط.و هذا الشّرط مفقود هنا.

[و قال بعد نقل قول الزّمخشريّ:]

و لا طائل تحته،و كيفما قدّرت من تقديريه لزم أن يكون في قوله: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ضمير يعود على الموصول،سواء أعطفته على(انزل)أو على (فاحيا)،لأنّ كلتا الجملتين في صلة الموصول.

و الّذي يتخرّج على الآية أنّها على حذف موصول لفهم المعنى،معطوف على(ما)من قوله: وَ ما أَنْزَلَ التّقدير:و ما بثّ فيها من كلّ دابّة،فيكون ذلك أعظم في الآيات،لأنّ ما بثّ تعالى في الأرض من كلّ دابّة فيه آيات عظيمة،في أشكالها و صفاتها و أحوالها و انتقالاتها و مضارّها و منافعها و عجائبها،و ما أودع في كلّ شكل شكل منها من الأسرار العجيبة،و لطائف الصّنعة الغريبة،و ذلك من الفيل إلى الذّرّة.و ما أوجد تعالى في البحر من عجائب المخلوقات المباينة لأشكال البرّ؛فمثل هذا ينبغي إفراده بالذّكر لا أنّه يجعل منسوقا في ضمن شيء آخر.

و حذف الموصول الاسميّ غير«أل»عند من يذهب إلى اسميّتها لفهم المعنى جائز،شائع في كلام العرب،و إن كان البصريّون لا يقيسونه،فقد قاسه غيرهم.[ثمّ استشهد بشعر،و قال:]

و قد حمل على حذف الموصول قوله تعالى:

وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ العنكبوت:46،أي و الّذي أنزل إليكم،ليطابق قوله تعالى: وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ النّساء:136.

و قد يتمشّى التّقدير الأوّل على ارتكاب حذف الضّمير لفهم المعنى و إن لم يوجد شرط جواز حذفه، و قد جاء ذلك في أشعارهم...

فعلى هذا القول يكون مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ في موضع المفعول و(من)تبعيضيّة.و على مذهب الأخفش يجوز أن تكون زائدة،و (كُلِّ دَابَّةٍ) هو نفس المفعول،و على حذف الموصول يكون مفعول(بثّ)محذوفا،أي و بثّه،و تكون (من)حاليّة،أي كائنا من كلّ دابّة،فهي تبعيضيّة،أو لبيان الجنس عند من يرى ذلك.

(1:466)

ص: 661

الشّربينيّ: أي فرّق و نشر بالماء.[ثمّ أدام الكلام نحو الزّمخشريّ](1:109)

البروسويّ: وَ بَثَّ فِيها... معطوف على (فاحيا)و المناسبة أنّ بثّ الدّوابّ يكون بعد حياة الأرض بالمطر،لأنّهم ينمون بالخصب و يعيشون بالمطر.

(1:268)

الآلوسيّ: وَ بَثَّ فِيها... عطف إمّا على (انزل)،و الجامع كون كلّ منهما آية مستقلّة لوحدانيّته تعالى،و هو الغرض المسوق له الكلام،مع الاشتراك في الفاعل،و(احيا)من تتمّة الأوّل،كان الاستدلال بالإنزال المسبّب عنه الإحياء،فلا يكون الفصل به مانعا للعطف.[و]إمّا على(احيا)فيدخل تحت فاء السّببيّة، و سببيّة إنزال«الماء»للبثّ،باعتبار أنّ الماء سبب حياة المواشي و الدّوابّ،و«البثّ»فرع الحياة،و لا يحتاج إلى تقدير الضّمير للرّبط،لإغناء فاء السّببيّة عنه،في المشهور.

و قيل:يحتاج إلى تقدير«به»،أي بالماء،ليشعر بارتباطه ب(انزل)استقلالا،ك(احيا)و فاء السّببيّة لا تكفي في ذلك؛إذ يجوز أن يكون السّبب مجموعهما.

و حديث أنّ المجرور إنّما يحذف إن جرّ الموصول بمثله، أكثريّ لا كلّيّ.

و(من)بيانيّة على التّقدير الأوّل على الصّحيح.

و المراد مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ كلّ نوع من الدّوابّ،و معنى «بثّها»تكثيرها بالتّوالد و التّولّد،فالاستدلال بتكثير كلّ نوع ممّا يدبّ على الأرض و عدم انحصاره في البعض.

و قيل:تبعيضيّة لأنّ اللّه تعالى لم يبثّ إلاّ بعض الأفراد بالنّسبة إلى ما في قدرته.على أنّه أثبت الزّمخشريّ دوابّ في السّماء أيضا في سورة(حمعسق).

و فيه أنّ بثّ كلّ نوع ممّا يدبّ على الأرض لا ينافي كون بعض أفراده مقدّرا و لا وجود له في السّماء،على أنّ مدلول التّبعيضيّة كون الشّيء جزء من مدخولها لا فردا منه.

و زائدة على التّقدير الثّاني،لعدم تقدّم المبيّن،و عدم صحّة التّبعيض،و هي زيادة في الإثبات،لم يجوّزها سوى الأخفش.(2:32)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: ...وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ لقمان:10،و قوله تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ...

الشّورى:29.

2- ...وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً...

(النّساء:1)

السّدّيّ: خلق.(الطّبريّ 4:225)

الطّبريّ: و نشر منهما،يعني من آدم و حوّاء.

(4:225)

الطّبرسيّ: أي نشر و فرّق من هاتين النّفسين على وجه التّناسل.(2:2)

نحوه أبو السّعود(1:312)،و أكثر المفسّرين.

الفخر الرّازيّ: الّذين يقولون:إنّ جميع الأشخاص البشريّة كانوا كالذّرّ،و كانوا مجتمعين في صلب آدم عليه السّلام،حملوا قوله: وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً على ظاهره.

ص: 662

و الّذين أنكروا ذلك قالوا:المراد بثّ منهما أولادهما، و من أولادهما جمعا آخرين،فكان الكلّ مضافا إليهما على سبيل المجاز.(9:162)

نحوه النّيسابوريّ.(4:165)

أبو حيّان: أي من تلك النّفس و زوجها،أي نشر و فرّق في الوجود.و يقال:أبثّ اللّه الخالق رباعيّا،و بثّ ثلاثيّا،و هو الوارد في القرآن.(3:155)

ابن كثير: أي و ذرأ منهما،أي من آدم و حوّاء رجالا كثيرا و نساء،و نشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم و صفاتهم و ألوانهم و لغاتهم،ثمّ إليه بعد ذلك المعاد و المحشر.(2:196)

المراغيّ: أي و نشر من آدم و حوّاء نوعي جنس الإنس و هما الذّكور و الإناث،فجعل النّسل من الزّوجين كليهما،فجميع سلائل البشر متوالدة من زوجين ذكر و أنثى.(4:177)

الطّباطبائيّ: البثّ هو التّفريق بالإثارة و نحوها، قال تعالى: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:6،و منه بثّ الغمّ،و لذلك ربّما يطلق البثّ و يراد به الغمّ،لأنّه مبثوث يبثّه الإنسان بالطّبع،قال تعالى: قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86،أي غمّي و حزني.

و ظاهر الآية أنّ النّسل الموجود من الإنسان ينتهي إلى آدم و زوجته،من غير أن يشاركهما فيه غيرهما؛ حيث قال: وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً، و لم يقل:منهما و من غيرهما،و يتفرّع عليه أمران:

أحدهما:أنّ المراد بقوله: رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً أفراد البشر من ذرّيّتهما بلا واسطة أو مع واسطة،فكأنّه قيل:و بثّكم منهما أيّها النّاس.

و ثانيهما:أنّ الازدواج في الطّبقة الأولى بعد آدم و زوجته،أعني في أولادهما بلا واسطة،إنّما وقع بين الإخوة و الأخوات-ازدواج البنين بالبنات-إذ الذّكور و الإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ،و لا ضير فيه،فإنّه حكم تشريعيّ راجع إلى اللّه سبحانه،فله أن يبيحه يوما و يحرّمه آخر،قال تعالى: وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الرّعد:41،و قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يوسف:40،و قال: لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26،و قال: وَ هُوَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص:70.[إلى أن قال:]

الطّبقة الأولى من الإنسان و هي آدم و زوجته تناسلت بالازدواج،فأولدت بنين و بنات-إخوة و أخوات-فهل نسل هؤلاء بالازدواج بينهم و هم إخوة و أخوات أو بطريق غير ذلك؟

ظاهر إطلاق قوله تعالى: وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً الآية،على ما تقدّم من التّقريب،أنّ النّسل الموجود من الإنسان إنّما ينتهي إلى آدم و زوجته، من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى، و لم يذكر القرآن للبثّ إلاّ إيّاهما،و لو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال:و بثّ منهما و من غيرهما،أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللّفظ.و من المعلوم أنّ انحصار مبدإ النّسل في آدم و زوجته يقضي بازدواج بنيهما من بناتهما.

و أمّا الحكم بحرمته في الإسلام و كذا في الشّرائع السّابقة عليه-على ما يحكى-فإنّما هو حكم تشريعيّ

ص: 663

يتبع المصالح و المفاسد،لا تكوينيّ غير قابل للتّغيير.

و زمامه بيد اللّه سبحانه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،فمن الجائز أن يبيحه يوما لاستدعاء الضّرورة ذلك،ثمّ يحرّمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة و استيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع.

و القول:بأنّه على خلاف الفطرة و ما شرّعه اللّه لأنبيائه دين فطريّ،قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الرّوم:30،فاسد،فإنّ الفطرة لا تنفيه،و لا تدعو إلى خلافه من جهة تنفّرها عن هذا النّوع من المباشرة-مباشرة الأخ الأخت-و إنّما تبغضه، و تنفيه من جهة تأديته إلى شيوع الفحشاء و المنكر، و بطلان غريزة العفّة بذلك و ارتفاعها عن المجتمع الإنسانيّ.

و من المعلوم أنّ هذا النّوع من التّماسّ و المباشرة إنّما ينطبق عليه عنوان الفجور و الفحشاء في المجتمع العالميّ اليوم،و أمّا المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق اللّه سبحانه إلاّ الإخوة و الأخوات،و المشيئة الإلهيّة متعلّقة بتكثّرهم و انبثاثهم،فلا ينطبق عليه هذا العنوان.

و الدّليل على أنّ الفطرة لا تنفيه من جهة النّفرة الغريزيّة تداوله بين المجوس أعصارا طويلة-على ما يقصّه التّاريخ-و شيوعه قانونيّا في روسيا-على ما يحكى-و كذا شيوعه سفاحا من غير طريق الازدواج القانونيّ في أروبّا (1).

و ربّما يقال:إنّه مخالف للقوانين الطّبيعيّة،و هي الّتي تجري في الإنسان قبل عقده المجتمع الصّالح لإسعاده،فإنّ الاختلاط و الاستئناس في المجتمع المنزليّ يبطل غريزة التّعشّق و الميل الغريزيّ بين الإخوة و الأخوات،كما ذكره بعض علماء الحقوق (2).

و فيه أنّه ممنوع كما تقدّم أوّلا،و مقصور في صورة عدم الحاجة الضّروريّة ثانيا،و مخصوص بما لا تكون القوانين الوضعيّة غير الطّبيعيّة حافظة للصّلاح الواجب الحفظ في المجتمع،و متكفّلة لسعادة المجتمعين،و إلاّ فمعظم القوانين المعمولة و الأصول الدّائرة في الحياة اليوم غير طبيعيّة.[إلى أن قال في بحث روائيّ:]

و في«الاحتجاج»عن السّجّاد عليه السّلام في حديث له مع قرشيّ يصف فيه تزويج هابيل بلوزا أخت قابيل، و تزويج قابيل بإقليما أخت هابيل،قال:فقال له القرشيّ:فأولداهما؟قال:نعم،فقال له القرشيّ:فهذا فعل المجوس اليوم،قال:فقال:إنّ المجوس فعلوا ذلك بعد التّحريم من اللّه،ثمّ قال له:لا تنكر هذا إنّما هي شرائع اللّه جرت،أ ليس اللّه قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلّها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم،ثمّ أنزل اللّه التّحريم بعد ذلك.

أقول:و هذا الّذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب و الاعتبار،و هناك روايات أخر تعارضها،و هي تدلّ على أنّهم تزوّجوا بمن نزل إليهم من الحور و الجانّ، و قد عرفت الحقّ في ذلك.(4:137-147)».

ص: 664


1- من العادات الرّائجة في هذه الأزمنة في الملل المتمدّنة من أروبّا و أمريكا:أنّ الفتيات يزلن بكارتهنّ قبل الازدواج القانونيّ و البلوغ إلى سنّه.و قد أنتج الإحصاء ان بعضها إنّما هو من ناحية آبائهنّ أو إخوانهنّ.
2- منتسكيو في كتابه«روح القوانين».

مكارم الشّيرازيّ: [نحو الطّباطبائيّ و أضاف:] و هناك احتمال آخر،فقد قيل:إنّ أولاد آدم تزاوجوا مع الجيل المتأخّر للإنسان الّذي عاش قبل آدم؛ إذ أنّ آدم-طبق بعض الرّوايات-لم يكن أوّل إنسان عاش على وجه البسيطة.و الأبحاث العلميّة في هذا العصر تثبت أيضا أنّه كان يعيش على سطح الأرض قبل ملايين من السّنين،نوع من بني البشر،في حين أنّ تاريخ وجود آدم عليها أقلّ من ذلك بكثير.

و بناء على هذا ينبغي القول بأنّه كان يعيش على الأرض خلق آخر قبل آدم،و كان على وشك الانقراض عند وجود آدم؛فما يحول إذا بين تزاوج أولاد آدم مع الجيل المنقرض،إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا يلائم ظاهر الآية كما قلنا.

و هذا البحث يحتاج إلى تفصيل أكثر،و هو ليس من مهمّة علم التّفسير.(3:246)

يبثّ

وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

الجاثية:4

الزّمخشريّ: فإن قلت:علام عطف وَ ما يَبُثُّ، أعلى الخلق المضاف أم على الضّمير المضاف إليه؟

قلت:بل على المضاف،لأنّ المضاف إليه ضمير متّصل مجرور يقبح العطف عليه،استقبحوا أن يقال:

مررت بك و زيد،و هذا أبوك و عمرو.و كذلك إن أكّدوه كرهوا أن يقولوا:مررت بك أنت و زيد.(3:508)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:258)،و النّسفيّ (4:133).

أبو حيّان: وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ أي في غير جنسكم،و هو معطوف على وَ فِي خَلْقِكُمْ).

و من أجاز العطف على الضّمير المخفوض من غير إعادة الخافض،أجاز في وَ ما يَبُثُّ أن يكون معطوفا على الضّمير في(خلقكم)و هو مذهب الكوفيّين و يونس و الأخفش،و هو الصّحيح،و اختاره الأستاذ أبو عليّ الشّلوبين.

و قال الزّمخشريّ: «يقبح العطف عليه»و هذا تفريع على مذهب سيبويه و جمهور البصريّين.

قال:«و كذلك إن أكّدوه كرهوا أن يقولوا:مررت بك أنت و زيد»انتهى.

و هذا يجيزه الجرميّ و الزّيباريّ في الكلام.

(8:42)

نحوه البروسويّ.(8:435)

الشّربينيّ: أي ينشر و يفرّق بالحركة الاختياريّة على سبيل التّجدّد و الاستمرار.(3:592)

الآلوسيّ: عطف على«خلق»و جوّز في(ما)كونها مصدريّة و كونها موصولة.إمّا بتقدير مضاف،أي و في خلق ما ينشره و يفرّقه من دابّة،أو بدونه.[ثمّ قال نحو أبو حيّان و أضاف:]

و ذكر ابن الحاجب في«شرح المفصّل»في باب الوقف منه: أنّ بعض النّحويّين يجوّزون العطف في المجرور بالإضافة دون المجرور بالحرف،لأنّ اتّصال المجرور بالمضاف ليس كاتّصاله بالجارّ،لاستقلال كلّ واحد منهما بمعناه،فلم يشتدّ اتّصاله فيه اشتداده مع

ص: 665

الحرف.(25:139)

المبثوث

يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ. القارعة:4

الطّبريّ: المفرّق.(30:281)

ابن خالويه: (المبثوث)نعت ل(الفراش)، و المبثوث المتفرّق.يقال:قد بسط فلان خيره،و بثّه و بقّه،إذا وسّعه.[ثمّ استشهد بشعر](161)

الطّوسيّ: و(المبثوث)المتفرّق في الجهات،كأنّه محمول على الذّهاب فيها.(10:399)

مثله الطّبرسيّ.(5:531)

الرّاغب: أي المهيّج بعد سكونه و خفائه.(37)

القرطبيّ: المتفرّق المنتشر.

و إنّما ذكر على اللّفظ،كقوله تعالى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ القمر:20،و لو قال:المبثوثة،فهو كقوله تعالى:

أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقّة:7.(20:165)

المصطفويّ: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ في الاضطراب و التّحيّر و فقدان النّظم و الطّمأنينة؛حيث يتهافت على السّراج.(1:197)

مبثوثة

وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ* وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ.

الغاشية:15،16

عكرمة: بعضها فوق بعض.(القرطبيّ 20:34)

قتادة: المبسوطة.(الطّبريّ 30:165)

نحوه البغويّ(7:199)،و البيضاويّ(2:555).

الفرّاء: كثيرة.(3:258)

ابن قتيبة: كثيرة متفرّقة في المجالس.(525)

نحوه السّجستانيّ.(217)

الطّبريّ: مفروشة.(30:164)

مثله القاسميّ.(17:6139)

الزّمخشريّ: مبسوطة أو مفرّقة في المجالس.

(4:247)

نحوه الطّبرسيّ(5:480)،و الفخر الرّازيّ(31:

156)،و النّسفيّ(4:352)،و النّيسابوريّ(30:83)، و أبو حيّان(8:463)،و الآلوسيّ(30:115).

القرطبيّ: [قال بعد نقل قول ابن قتيبة:]

هذا أصوب فهي كثيرة متفرّقة،و منه: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ البقرة:164.(20:34)

البروسويّ: أي مبسوطة على السّرر زينة و تمتّعا.

و فيه إشارة إلى انبساط أرواحهم و انشراح صدورهم و انفتاح قلوبهم في بساط القدس و الأنس،و إلى مقامات تجلّيات الأفعال الّتي تحت مقامات الصّفات كالتّوكّل تحت الرّضى،مبثوثة،أي مبسوطة تحتهم،و أصل البثّ:

إثارة الشّيء و تفريقه كبثّ الرّيح التّراب.(10:416)

المراغيّ:أي مفرّقة في المجالس،بحيث يرى في كلّ مجلس شيء منها كما يرى في بيوت ذوي الثّراء.

(30:133)

المصطفويّ: أي بسط متفرّقة و منشورة كثيرة في مجالسها للجلوس و الاستراحة.(1:197)

ص: 666

بثّى

قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ... يوسف:86

ابن عبّاس: همّي.(الطّبريّ 13:45)

الحسن: حاجتي.(الطّبريّ 13:45)

أبو عبيدة: البثّ:أشدّ الحزن،و يقال:حزن، متحرّك الحروف بالفتحة،أي في اكتئاب،و الحزن:أشدّ الهمّ.(1:317)

الطّبريّ: همّي.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ البثّ أشدّ الحزن،و هو عندي من بثّ الحديث.و إنّما يراد منه:إنّما أشكو خبري الّذي أنا فيه من الهمّ،و أبثّ حديثي و حزني إلى اللّه.(13:45)

الهرويّ: قوله عزّ و جلّ: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي البثّ:أشدّ الحزن،تباثّه النّاس.(1:127)

الرّاغب: أي غمّي الّذي يبثّه عن كتمان،فهو مصدر في تقدير مفعول،أو بمعنى غمّي الّذي بثّ فكري،نحو:

توزّعني الفكر،فيكون في معنى الفاعل.(37)

الطّبرسيّ:المعنى إنّما أشكو حزني و حاجتي و اختلال حالي و انتشارها إلى اللّه في ظلم اللّيالي، و أوقات خلواتي لا إليكم.

و قيل:البثّ:ما أبداه،و الحزن:ما أخفاه.

(3:258)

الفخر الرّازيّ: و البثّ هو التّفريق.قال اللّه تعالى:

وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ البقرة:164،فالحزن إذا ستره الإنسان كان همّا،و إذا ذكره لغيره كان بثّا.

و قالوا:البثّ:أشدّ الحزن،و الحزن:أشدّ الهمّ، و ذلك لأنّه متى أمكنه أن يمسك لسانه عن ذكره لم يكن ذلك الحزن مستوليا عليه.و أمّا إذا عظم و عجز الإنسان عن ضبطه و انطلق اللّسان بذكره-شاء أم أبى-كان ذلك بثّا،و ذلك يدلّ على أنّ الإنسان صار عاجزا عنه،و هو قد استولى على الإنسان،فقوله: بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ أي لا أذكر الحزن العظيم و لا الحزن القليل إلاّ مع اللّه.(18:197)

الآلوسيّ: [نحو الرّاغب إلاّ أنّه قال:]فهو مصدر بمعنى«المفعول»و فيه استعارة تصريحيّة.و جوّز أن يكون بمعنى«الفاعل»أي الغمّ الّذي بثّ الفكر و فرّقه.

و أيّا ما كان فالظّاهر أنّ القوم قالوا ما قالوا بطريق التّسلية و الإشكاء،فقال في جوابهم:إنّي لا أشكو ما بي إليكم أو إلى غيركم حتّى تتصدّوا لتسليتي،و إنّما أشكو غمّي و حزني إلى اللّه تعالى.(13:43)

المراغيّ: أي لا تلوموني،و أنا لم أشك إليكم و لا إلى أحد من الخلق حزني الّذي أمضّني كتمانه، فأفشيته بهذه الكلمة يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ يوسف:

84،بل شكوت ذلك إلى اللّه وحده.(13:29)

عزّة دروزة:همّي و حزني أو شكواي.

(4:116)

المصطفويّ: أي تفرّق خيالي و اضطراب فكري و سلب الطّمأنينة و السّكون عن نفسي،فكأنّ نفسي مبثوثة.(1:197)

منبثّا

فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا. الواقعة:6

ابن قتيبة:أي ترابا منتشرا.(445)

ص: 667

مثله السّجستانيّ(185)،و البيضاويّ(2:446).

الطّبريّ: متفرّقا.(27:169)

الطّوسيّ: و الانبثاث افتراق الأجزاء الكثيرة في الجهات المختلفة؛فكلّ أجزاء انفرشت بالتّفرّق في الجهات،فهي منبثّة.و في تفرّق الجبال على هذه الصّفة عبرة و معجزة،لا يقدر عليها إلاّ اللّه تعالى.(9:489)

الزّمخشريّ: متفرّقا،و قرئ بالتّاء،أي منقطعا.

(4:52)

القرطبيّ: و قراءة العامّة (مُنْبَثًّا) بالثّاء المثلّثة، أي متفرّقا،من قوله تعالى: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ البقرة:164،أي فرّق و نشر.

و قرأ مسروق و النّخعيّ و أبو حيوة (مُنْبَثًّا) بالتّاء المثنّاة،أي منقطعا،من قولهم:بتّه اللّه،أي قطعه،و منه البتات.(17:197)

الشّربينيّ: منتشرا متفرّقا بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرّقه،فهو كالّذي يرى في شعاع الشّمس إذا دخل من كوّة.(4:179)

المراغيّ: أي فصارت كالهباء المنبثّ الّذي ذرته الرّيح و فرّقته.(27:133)

المصطفويّ: فتصير الجبال مبدّلة إلى الهباء المنثور.(1:197)

و راجع أيضا«ه ب أ»

الأصول اللّغويّة

1-إنّ ما يحكم به الذّوق اللّغويّ في هذه المادّة بعد ملاحظة النّصوص أنّ أصل البثّ و ما اشتقّ منه هو نشر الأجسام و تفريقها،مثل:بثّ الخلق في الأرض،و بثّ الخيل في الغارة،و تمر بثّ،أي متفرّق غير مخزون.

و منه:بثثت الطّعام،إذا قلبته،و ألقيت بعضه على بعض،فأضيف إلى التّفريق معنى القلب،و إلقاء البعض على البعض.

و منه:بثّ الغبار،إذا هيّجه،فأضيف إلى التّفريق معنى الهيجان.

و منه:بثّ الكلاب على الصّيد،أي أرسلها، فأضيف إليه معنى الإرسال و البعث.

و منه:بثّ الفراش،أي بسطه،فتبدّل التّفريق إلى معنى البسط.

و هذا كلّه من أجل الملازمة بين هذه المعاني و بين التّفريق الّذي هو أصل المعنى،و هذا ما يعبّر عنه باقتضاء الحال و مناسبة السّياق.

و بذلك يؤيّد قول ابن دريد:«كلّ شيء فرّقته فقد بثثته»،و قول ابن فارس:«الباء و الثّاء أصل واحد، و هو تفريق الشّيء و إظهاره».

2-ثمّ سرى المعنى مجازا في ما يشبه الأجسام كالأخبار،يقال:بثّ الخبر،أي نشره،ثمّ إلى ما يكمن في النّفس من السّرّ،يقال:بثّ سرّه،أي أظهره و أفشاه، و كذلك بثّ الحزن و المرض و المصيبة،إذا أظهرها، فأضيف إلى التّفريق معنى«الإظهار».حتّى أنّ البثّ أطلق مبالغة على الحزن الشّديد و على المرض الشّديد و المصيبة الّتي لا يتحمّلها صاحبها فيظهرها و يشكوها.

و بذلك افترق«البثّ»عن مطلق الحزن الّذي يكمن في نفس الإنسان و يصبر عليه.

ص: 668

و من هنا قيل للمغشيّ عليه:المبثّ،لأنّه قد تفرّقت حواسّه و مشاعره.و كذلك قالوا مجازا:أبثّ فلان شقوره و فقوره إلى فلان،إذا شكا إليه همومه و غمومه،فأضيف إلى التّفريق معنى«الشّكاية»اقتباسا من قوله تعالى:

قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86، إذ الشّكوى-كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في(ش ك و)- أخذ من«الشّكوة»،و هو وعاء صغير من الجلد،يوضع فيه الماء و اللّبن،فكأنّ من يبثّ حزنه و همّه إلى غيره، يفرغ ما في قلبه،و القلب وعاء،لقول الإمام عليّ عليه السّلام لكميل بن زياد:«إنّ هذه القلوب أوعية،فخيرها أوعاها». (1)

3-و يبدو أنّ اللّغويّين لم يفرّقوا هنا-كما في كثير من الموادّ-بين المعاني الأصليّة و الفرعيّة،أو قل:بين المعاني الحقيقيّة و المجازيّة،سوى اللّغويّ الماهر و البلاغيّ المحنّك،الإمام الزّمخشريّ،حيث قال:«و من المجاز:

بثثته ما في نفسي أبثّه،و أبثثته إيّاه،و باثثته سرّي و باطن أمري،إذا أطلعته عليه...و بثّ الخبر في البلد».

و كأنّ عذر اللّغويّين في ذلك أنّ المجاز إذا شاع يلحق بالحقيقة،و هو قول فصل،إلاّ أنّ الفرق بين المعاني الأصليّة و المجازيّة،ثمّ سرايتها في تلك المعاني المجازيّة.

فرض على اللّغويّ.و من هنا ظهر أنّ من جعل أصل «البثّ»مطلق التّفريق ليس على صواب.

4-و يظهر من النّصوص أنّ باب(التّفعيل)للمبالغة، و(الإفعال)في«بثّ»للتّعدية،و جاءت سائر الأبواب بمعانيها كذلك،و من هنا قالوا:الإبثاث أن يشكو إليه فقره و ضيعته.

5-و اشتقّوا من بثّ«بثبث»،و هو إمّا للمبالغة و إمّا لإفادة التّكرار،و هو الأقرب،و هذه المسألة تتطلّب بحثا مستوفى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء البثّ تسع مرّات في القرآن بالصّيغ التّالية:

بثّ:1- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة:164

2- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النّساء:1

3- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ لقمان:10

4- وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ* وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ الشّورى:28،29

يبثّ:5- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ

ص: 669


1- نهج البلاغة-قصار الحكم(147).

لِلْمُؤْمِنِينَ* وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الجاثية:3-5

بثّي:6- قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يوسف:86

المبثوث:7- يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4

مبثوثة:8- وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ* وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ الغاشية:15،16

منبثّا:9- وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:5،6

يلاحظ أوّلا:أنّ«البثّ»في الآيات الخمس الأولى قد سبق بالخلق،ففي(1)و(4)و(5)تقدّمه خلق السّماوات و الأرض،و في(2)خلق النّاس،و في(3) خلق السّماوات فقط.كما قارن بثّ الدّوابّ خاصّة إنزال المطر فيها،سوى(2)،فإنّها تختصّ ببثّ النّاس.و لكنّه اقترن بما قبل(4)،و بما بعد(5)،أمّا الآية(2)فقد اقترن «البثّ»فيها بالنّاس خاصّة،و لم يقارنه إنزال المطر،بل تقوى اللّه.

و ثانيا:يعني هذا أنّ اللّه تعالى خلق السّماوات و الأرض قبل خلق الملائكة،و شاهده قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ البقرة:29،و خلق الإنسان بعد خلق الملائكة؛إذ أعقب اللّه قوله ذاك مباشرة بقوله:

وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و يريد به آدم عليه السّلام باتّفاق المفسّرين قاطبة.

ثمّ خلق سائر الدّوابّ بعد خلق الإنسان،كما يدلّ ظاهر قوله تعالى: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ النّحل:

5.

و ثالثا:يعني هذا أيضا أنّ الماء عصب حياة الدّوابّ عامّة،لقوله: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ الأنبياء:30،و إنّ التّقوى عماد الإنسان خاصّة قديما و حديثا،لقوله تعالى: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى البقرة:197، وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللّهَ النّساء:131.

و رابعا:فسّر جلّ المفسّرين(بثّى)في الآية(6) بشدّة الحزن،و(حزنى)بالغمّ و الهمّ.و لكن يؤخذ على هذا الرّأي أنّ(بثّى)يصدق على كلا المعنيين؛إذ من ابتلي بشدّة الحزن لا يكترث بهيّنه،فلا معنى-على هذا القول- للفظ(حزنى).اللّهمّ إلاّ أن يقال:إنّ كلام يعقوب هذا يكشف عن امتلاء قلبه بالحزن،حتّى ما قدر على تحمّل شيء منه،فشكا إلى ربّه حزنه الشّديد أوّلا،ثمّ شكا جميع أحزانه.

و قد عدّهما السّيوطيّ في«الإتقان» (1)مترادفين، و وجّه عطف أحدهما على الآخر بالتّأكيد،أي أنّه فسّر (بثّى)بحزني،لأنّ المؤكّد المعنويّ إمّا أن يكون أقوى من المؤكّد،مثل: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً النّمل:19،و إمّا مساويا له،كهذه الآية على أحد القولين.

و لا يجوز أن يكون المؤكّد أضعف من المؤكّد، فلا يقال مثلا:أسرع هيّا،بل يقال:هيّا أسرع.و المؤكّد9.

ص: 670


1- 3:239.

اللّفظيّ مساو للمؤكّد دائما،مثل: وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ الواقعة:10.

و خامسا:إنّنا نقول بما قاله الجمّ الغفير من اللّغويّين و المفسّرين،و هو الفرق بين اللّفظين المترادفين.قال أبو هلال العسكريّ في مقدّمة«الفروق اللّغويّة»:

«الشّاهد على أنّ اختلاف العبارات و الأسماء يوجب اختلاف المعاني،أنّ الاسم كلمة تدلّ على معنى دلالة الإشارة،و إذا أشير إلى الشّيء مرّة واحدة فعرف، فالإشارة إليه ثانية و ثالثة غير مفيدة،و واضع اللّغة حكيم،لا يأتي فيها بما لا يفيد».

ثمّ قال:«و إلى هذا ذهب المحقّقون من العلماء،و إليه أشار المبرّد في تفسير قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48،قال:فعطف(شرعة) على(منهاجا)،لأنّ الشّرعة لأوّل الشّيء،و المنهاج لمعظمه و متّسعه،و استشهد على ذلك بقولهم:«شرع فلان في كذا،إذا ابتدأه،و أنهج البلى في الثّوب،إذا اتّسع فيه».

و سادسا:يعني(بثّى)-كما تقدّم في الأصول اللّغويّة-شكواي،لأنّ صاحب البثّ لا قوام له به فيبثّه،أي يشكوه إلى غيره،و(حزنى)يعني همّي،و هو ما يكمد الإنسان،فإذا أبداه فهو بثّ.

و سابعا:وردت الألفاظ:(المبثوث)في الآية(7) و(مبثوثة)في(8)و(منبثّا)في(9)صفات للألفاظ:

(كالفراش)و(زرابىّ)و(منبثّا)على التّوالي.و هي تصف جميعا القيامة و أحوالها،فالأولى منها تحكي حال النّاس في ذلك اليوم،و نظيرها قوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7،و الثّانية تحكي عيش أهل الجنّة،و الثّالثة تصف حال الجبال عند تفتيتها.

ص: 671

ص: 672

ب ج س

اشارة

انبجست

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البجس:انشقاق في قربة أو حجر أو أرض ينبع منه الماء،فإن لم ينبع فليس بانبجاس،قال اللّه تعالى: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً الأعراف:160.

و السّحاب يتبجّس بالمطر.

و الانبجاس عامّ،و النّبوع للعين خاصّة.

و رجل منبجس:كثير خيره.(6:58)

ابن السّكّيت: و يقال:مرّ يتبجّس،أي يختال.(283)

و أتانا بثريدة تتبجّس.(645)

ابن أبي اليمان: و البجس:مصدر بجست الماء، أي فجّرته.(452)

كراع النّمل:و بجسته أبجسه و أبجسه بجسا فانبجس،و بجّسته فتبجّس،و ماء بجيس:سائل.

(ابن منظور 6:24)

ابن دريد: بجست الشّيء أبجسه و أبجسه،إذا شققته،و انبجس الشّيء من ذاته،و كذلك فسّر في التّنزيل: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ و كأنّ الانبجاس:الانفطار.

و ماء بجيس،أي كثير.[ثمّ استشهد بشعر]و ماء باجس[ثمّ استشهد بشعر](1:210)

الصّاحب: البجس:انشقاق في قربة أو حجر أو أرض ينبع منه الماء.تبجّس الغرب و العين و السّحاب.

و بجست الجرح:بططته.(7:17)

القاليّ: منبجس:منفجر.(1:174)

الجوهريّ: بجست الماء فانبجس،أي فجّرته فانفجر.و بجس الماء بنفسه يبجس،يتعدّى و لا يتعدّى.

و سحائب بجس.

ص: 673

و انبجس الماء و تبجّس،أي تفجّر.(3:907)

ابن فارس: الباء و الجيم و السّين:تفتّح الشّيء، بالماء خاصّة.

و يقول العرب: تبجّس الغرب.و هذه أرض تتبجّس عيونا،و السّحاب يتبجّس مطرا.

قال يعقوب: جاءنا بثريدة تتبجّس،و ذلك من كثرة الدّسم.

و ذكر عن رجل يقال له:أبو تراب،و لا نعرفه نحن:

بجست الجرح،مثل بططته.(1:199)

الهرويّ: يقال:انبجس و تبجّس و تفجّر و تفتّق بمعنى واحد.

و في حديث حذيفة:«ما منّا إلاّ رجل له آمّة يبجّسها الظّفر غير الرّجلين»يعني عمر و عليّا رضي اللّه عنهما.

قوله:«يبجّسها الظّفر»يريد أنّها نغلة كثيرة الصّديد،فإن أراد مريد أن يفجّرها بظفره قدر على ذلك لامتلائها،و لم يحتج إلى حديدة يبضعها بها.

و أراد:ليس منّا رجل إلاّ و فيه شيء.

و الآمّة:الشّجّة تبلغ أمّ الرّأس.(1:130)

الثّعالبيّ: «خروج الماء و سيلانه من أماكنه»:

[و]من الحجر:انبجس.(279)

ابن سيدة: البجس:انشقاق في قربة أو بئر أو أرض ينبع منه الماء،فإن لم ينبع فليس ببجس.

بجس الشّيء يبجسه بجسا:شقّه،فانبجس هو.(الإفصاح 2:1358)

الواحديّ: الانبجاس:الانفجار،يقال:بجس و انبجس.(أبو حيّان 4:403)

الرّاغب: يقال بجس الماء و انبجس:انفجر،لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيّق.

و الانفجار يستعمل فيه و فيما يخرج من شيء واسع، و لذلك قال عزّ و جلّ: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً الأعراف:160،و قال في موضع آخر:

فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:60، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللّفظان،قال تعالى:

وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً الكهف:33،و قال:

وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً القمر:12،و لم يقل:

بجسنا.(37)

الزّمخشريّ: انبجس الماء من السّحاب و العين:

انفجر،و تبجّس:تفجّر.[ثمّ استشهد بشعر]

و سحائب بجّس،و بجّسها اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتانا بثريد يتبجّس و يتضاغى،و ذلك من كثرة الودك.و به قرحة يبجسها الظّفر.(أساس البلاغة:15)

ابن الأثير: [نقل حديث حذيفة نحو الهرويّ و أضاف:]

و منه حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«أنّه دخل على معاوية و كأنّه قزعة تنبجس»أي تنفجر.(1:97)

ابن منظور: و بجّس المخّ:دخل في السّلامي و العين فذهب،و هو آخر ما يبقى:و المعروف عند أبي عبيد:بخّس.(6:24)

أبو حيّان: الانبجاس:العرق.(4:403)

الفيّوميّ: بجست الماء بجسا من باب«قتل» فانبجس،بمعنى فتحته فانفتح.(1:36)

ص: 674

الفيروزآباديّ:بجس الماء و الجرح يبجسه و يبجسه:شقّه،و فلانا بجوسا:شتمه.و ماء بجس:

منبجس.

و بجّسه تبجيسا:فجّره،فانبجس و تبجّس.

و البجيس:الغزيرة.

و الانبجاس:النّبوع في العين خاصّة،أو عامّ.

(2:206)

الطّريحيّ: [نحو الجوهريّ ثمّ قال:]

و في دعاء الغيث:«منبجسة بروقة»أي منفجرة بالماء.(4:52)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بجس:فجر، و البجس:انشقاق ينبع منه الماء،و انبجس الماء:انفجر، و عين بجيس:كثيرة الماء.(1:59)

مجمع اللّغة: بجس الماء-كضرب و نصر- و انبجس و تبجّس:انفجر و تفجّر.(1:80)

النّصوص التّفسيريّة

...وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً... الأعراف:160

ابن عبّاس: انفجرت.(السّيوطيّ 2:16)

[و نحوه أكثر المفسّرين].

أبو عمرو ابن العلاء:انبجست:عرقت، و انفجرت:سالت.(أبو حيّان 4:403)

الطّبريّ: فانصبّت و انفجرت من الحجر.(9:89)

الطّوسيّ: و الانبجاس:خروج الماء الجاري بقلّة و الانفجار خروجه بكثرة،فكان يبتدئ بقلّة ثمّ يتّسع حتّى يصير إلى الكثرة،فلذلك ذكره هاهنا بالانبجاس، و في البقرة بالانفجار.(5:9)

مثله الطّبرسيّ(2:490)،و نحوه البروسويّ(3:

262).

الزّمخشريّ: فانفجرت،و المعنى واحد،و هو الانفتاح بسعة و كثرة.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قلت:فهلاّ قيل:فضرب فانبجست.قلت:

لعدم الإلباس،و ليجعل الانبجاس مسبّبا عن الإيحاء بضرب الحجر،للدّلالة على أنّ الموحى إليه لم يتوقّف عن اتّباع الأمر،و أنّه من انتفاء الشّكّ عنه؛بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به.(2:124)

الفخر الرّازيّ: قال الواحديّ:فانبجس الماء، و انبجاسه:انفجاره،يقال:بجس الماء يبجس و انبجس و تبجّس،إذا تفجّر،هذا قول أهل اللّغة.

ثمّ قال:و الانبجاس و الانفجار سواء،و على هذا التّقدير فلا تناقض بين الانبجاس المذكور هاهنا و بين الانفجار المذكور في سورة البقرة.

و قال آخرون: الانبجاس:خروج الماء بقلّة، و الانفجار:خروجه بكثرة،و طريق الجمع:أنّ الماء ابتدأ بالخروج قليلا،ثمّ صار كثيرا،و هذا الفرق مرويّ عن أبي عمر و ابن العلاء.(15:33)

نحوه ملخّصا أبو حيّان.(4:407)

أبو السّعود: (فانبجست)عطف على مقدّر ينسحب عليه الكلام،قد حذف تعويلا على كمال الظّهور،و إيذانا بغاية مسارعته عليه السّلام إلى الامتثال،

ص: 675

و إشعارا بعدم تأثير الضّرب حقيقة،و تنبيها على كمال سرعة الانبجاس و هو الانفجار.كأنّه حصل أثر الأمر قبل تحقّق الضّرب،كما في قوله تعالى: اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:63،أي فضرب فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً بعدد الأسباط.

و أمّا ما قيل من أنّ التّقدير:فإن ضربت فقد انبجست،فغير حقيق بجزالة النّظم التّنزيليّ.(2:204)

نحوه الآلوسيّ.(9:88)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر نحو قول الطّوسيّ و أضاف:]

و لعلّ هذا التّفاوت بين اللّفظين يشير إلى أنّ الماء يخرج من العين الكائنة في الصّخرة العظيمة نزّا،لكي لا يكون مدعاة إلى الخوف،و يستعصى كبح جماحه إن خرج مندفعا.فيخرج أوّل الأمر ضعيفا فاترا،ثمّ يقوى شيئا فشيئا حتّى يكون غزيرا.(6:412)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة انشقاق الشّيء بالماء، كانشقاق سقاء ينضح منه الماء،أو أرض ينبع منها الماء، يقال:بجس الماء و بجسته أبجسه و أبجسه فانبجس، و بجّسته فتبجّس،أي فجّرته فانفجر.

و أثر عنهم:ماء بجيس و باجس،أي سائل كثير، و سحائب بجس و بجّس،و سحاب يتبجّس مطرا،و هذه أرض تتبجّس عيونا.و قالوا أيضا:جاءنا بثريدة تتبجّس،أي يسيل دسمها لكثرته.

و من المجاز:رجل منبجس،أي كثير الخير،و كأنّه قزعة يتبجّس،أي سحابة تنفجر.

2-و الانبجاس و الانفجار واحد،إلاّ أنّ الثّاني كثير الاستعمال وسيعه،و ليس كما قالوا:الانبجاس:خروج الماء بقلّة،و الانفجار:خروجه بكثرة،فإنّ ذلك من بدع المفسّرين،و لا شاهد لهم بذلك؛إذ الانبجاس يدلّ على الكثرة أيضا،كقولهم:ماء بجيس،أي كثير،و البجيس:

العين الغزيرة.

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد الفعل(فانبجست)مرّة واحدة في القرآن، و هو وحيد الجذر فيه أيضا،مثل(انكدرت)في قوله تعالى: وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ التّكوير:2،و هذه الصّيغة-أي انفعل-قليلة في القرآن،فما ورد منها مرّة واحدة:(انبعث)في قوله: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12،و(انصرفوا): هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا التّوبة:127،و(فانفجرت): فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:60،و(انفطرت): إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ الانفطار:1،و(انفلق): فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ الشّعراء:63، و(فانهار): فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ التّوبة:109.

و كلّ هذه الأفعال ماضية،أمّا الأفعال المتكرّرة من هذه الصّيغة فمنها ماض،مثل: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1،و منها مضارع،مثل: وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً مريم:92،و منها أمر،مثل:

اِنْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ المرسلات:29.

2-يلاحظ أنّ الأفعال الّتي جاءت مرّة واحدة من

ص: 676

«انفعل»تدلّ على وقوعها مرّة واحدة خلال حقب تاريخيّة معيّنة دون أن تتكرّر،كانبجاس الماء و انفجاره و انفلاق البحر و انشقاقه في عصر موسى عليه السّلام.و انبعاث عاقر النّاقة و اندفاعه في عقرها في عصر النّبيّ صالح عليه السّلام.و انصراف المنافقين و تركهم الإيمان دون رجعة في عصر النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله.و انكدار النّجوم و تناثرها،و انفطار السّماء و تلاشيها عند قيام السّاعة.

و انهيار الجرف و انهدامه بالكافر في نار جهنّم،فيخلد فيها.

أمّا الأفعال المتكرّرة لهذه الصّيغة فهي تدلّ على تكرارها على مرّ العصور،كالفعل(ينبغى)،فقد جاء ستّ مرّات بهذه الصّورة دلالة على الاستمرار،كقوله تعالى: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يس:40.

و جاء الفعل(انشقّت)ثلاث مرّات حدثا للسّماء حين قيام السّاعة،فلفظه ماض و معناه حال و استقبال، مثل: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ الانشقاق:1،و من الانشقاق أيضا جاء فعلان آخران،الأوّل في قوله:

اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1،فهو ماض، لأنّ القمر-حسب ما جاء في أخبار السّيرة-انشقّ مرّتين في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كمعجزة من معجزاته حين طلب منه مشركو مكّة ذلك،و هو يعني الحال أيضا،لأنّ القمر سوف ينشقّ عند القيامة.و الثّاني في قوله: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ مريم:90.

و على غرار ذلك جاءت سائر الأفعال من«انفعل» فمن أفعال الانطلاق-الّذي ورد تسع مرّات-قوله تعالى: وَ يَضِيقُ صَدْرِي وَ لا يَنْطَلِقُ لِسانِي الشّعراء:

13.و من الانفضاض-الّذي جاء ثلاث مرّات-قوله:

لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا المنافقون:7.و من الانقلاب-الّذي جاء ستّ عشرة مرّة-قوله: وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً آل عمران:144.

3-اختلف المفسّرون في الفرق بين الانفجار في قوله تعالى: وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:60، و بين الانبجاس في قوله: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً الأعراف:160.

قال بعض: إنّ الانفجار:خروج الماء بكثرة، و الانبجاس:خروجه بقلّة.

و قال بعض: الانفجار:خروج الماء من شيء واسع، و الانبجاس:خروجه من شيء ضيّق.

و قال آخرون: الانفجار:خروج الماء من اللّين، و الانبجاس:خروجه من الصّلب.

و لا شكّ أنّ هذه الأقوال تفتقر إلى التّحقيق؛إذ لا شاهد يدعمها،و لا دليل يسندها،و الأوفق أنّ هذين اللّفظين بمعنى واحد ما داما مفترقين،و بمعنيين مختلفين ما داما مجتمعين،كما في المسكين و الفقير.

4-و نرى أنّ هذا التّباين في هاتين الآيتين هو ضرب من التّفنّن البلاغيّ،و هذا ما يلحظ بوضوح في آيات أخرى من سورتي البقرة و الأعراف،حول أوضاع بني إسرائيل،و فيما يلي نماذج لذلك:

ص: 677

1-تطابق اللّفظ و المعنى تماما: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

البقرة:63 و الأعراف:171

2-حذف حرف من أحد المتطابقين: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65

قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ الأعراف:166

3-إضافة لفظ إلى أحد المتطابقين: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ البقرة:59

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ الأعراف:162

4-وضع لفظ مكان لفظ في أحد المتطابقين: وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ البقرة:49

وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ الأعراف:141

و فيها(انجيناكم)مكان(نجّيناكم)و(يقتّلون)مكان «يذبّحون»في الأولى.

وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ البقرة:57

وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ الأعراف:160،و فيها وضع ضمير الغائب مرّتين،مكان الحاضر في الأولى.

ص: 678

ب ح ث

اشارة

يبحث

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البحث:طلبك شيئا في التّراب،و سؤالك مستخبرا،تقول:أستبحث عنه و أبحث،و هو يبحث بحثا.

و البحوث من الإبل:الّتي إذا سارت بحثت التّراب بأيديها أخرا،ترمي به إلى خلفها.(3:207)

نحوه الصّاحب.(3:77)

اللّيث: يقال:بحثت أبحث بحثا،و استبحثت و ابتحثت و تبحّثت،بمعنى واحد.(الأزهريّ 4:483)

ابن شميّل: الباحثاء من جحرة اليرابيع:تراب يخيّل إليك أنّه القاصعاء و ليس بها،و الجميع:

باحثاوات.

و سورة براءة كان يقال لها:البحوث،لأنّها بحثت عن المنافقين و أسرارهم.

مثله أبو زيد.(الأزهريّ 4:483)

البحّيثيّ مثال خلّيطيّ:لعبة يلعبون بها بالتّراب.

و البحث:المعدن،يبحث فيه عن الذّهب و الفضّة.

و البحاثة:التّراب الّذي يبحث عمّا يطلب فيه.(الأزهريّ 4:483)

أبو زيد: الباحثاء:تراب يجمعه اليربوع،و يجمع:

باحثاوات.(الصّاحب 3:77)

شمر: «البحثة»جاء في الحديث:«أنّ غلامين كانا يلعبان البحثة»و هو لعب بالتّراب.(الأزهريّ 4:483)

ابن دريد:بحثت عن الشّيء أبحث بحثا،إذا كشفت

ص: 679

عنه،و كأنّ أصل ذلك ابتحاثك التّراب عن الشّيء المدفون فيه.و في مثل من أمثالهم«كباحثة عن حتفها بظلفها»و ذلك أنّ شاة بحثت عن سكّين مدفون بظلفها، فذبحت به.

و كلّ شيء بحثت عنه فقد كشفت عنه،ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا:بحثت عن الكلام و السّرّ،و ما أشبه ذلك.

و يقال:تركته بمباحث البقر،أي بحيث لا يدرى أين هو.(1:199)

الهمذانيّ: تقول:فحصت عن الأمر فحصا، و بحثت بحثا،و نقّرت عنه تنقيرا.و يقال:أحفى فلان في المسألة،و أمعن في الفحص،و تعمّق في البحث.(7)

الجوهريّ: بحثت عن الشّيء و ابتحثت عنه،أي فتّشت عنه.و في المثل«كالباحث عن الشّفرة».

و قولهم:«تركته بمباحث البقر»أي بالمكان القفر، يعني بحيث لا يدرى أين هو.(1:273)

ابن فارس: الباء و الحاء و الثّاء أصل واحد يدلّ على إثارة الشّيء.[و بعد نقل كلام الخليل قال:]

و العرب تقول: «كالباحث عن مدية»يضرب لمن يكون حتفه بيده.و أصله في الثّور تدفن له المدية في التّراب فيستثيرها و هو لا يعلم فتذبحه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البحث لا يكون إلاّ باليد،و هو بالرّجل الفحص.

و يقال:بحث عن الخبر،أي طلب علمه.

(1:204)

أبو هلال: الفرق بين الطّلب و البحث:أنّ البحث هو طلب الشّيء ممّا يخالطه،فأصله أن يبحث التّراب عن شيء يطلبه،فالطّلب يكون لذلك و لغيره.و قيل:

فلان يبحث عن الأمور،تشبيها بمن يبحث التّراب لاستخراج الشّيء.(239)

الثّعالبيّ: البحث:طلب الشّيء تحت التّراب و غيره.

التّفتيش:طلب في بحث،و كذلك الفحص.(191)

ابن سيدة: [قال نحو كلام ابن دريد و أضاف:]

بحث عن الخبر و بحثه يبحث بحثا:سأل،و كذلك استبحثه و استبحث عنه.

و البحث:الحيّة العظيمة،لأنّها تبحث التّراب.

(3:224)

بحث عن الأمر يبحث بحثا و استبحث عنه:فتّش و استقصى.(الإفصاح 1:235)

البحوث من الدّوابّ:الّتي تبحث التّراب بأخفافها أخرا في سيرها.بحث الأرض و فيها يبحثها بحثا:حفرها.

(الإفصاح 2:756)

الرّاغب: البحث:الكشف و الطّلب،يقال:بحثت عن الأمر و بحثت كذا،قال اللّه تعالى: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31.

و قيل:بحثت النّاقة الأرض برجلها في السّير،إذا شدّدت الوطء،تشبيها بذلك.(37)

الزّمخشريّ: سورة البحوث:هي سورة التّوبة لما فيها من البحث عن المنافقين،و كشف أسرارهم.

و تسمّى المبعثرة.(الفائق 2:407)

ابن الأثير: في حديث المقداد«قال أبت علينا

ص: 680

سورة البحوث اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً (1)يعني سورة التّوبة،سمّيت بها لما تضمّنت من البحث عن أسرار المنافقين،و هو إثارتها و التّفتيش عنها،و البحوث:جمع بحث.

و رأيت في«الفائق»سورة البحوث بفتح الباء،فإن صحّت فهي«فعول»من أبنية المبالغة،و يقع على الذّكر و الأنثى كامرأة صبور،و يكون من باب إضافة الموصوف إلى الصّفة.(1:99)

الصّغانيّ: و ابتحث الصّبيّ:لعب به،فهو مبتحث.

[ثمّ استشهد بشعر](1:350)

الرّازيّ: بحث عنه من باب«قطع»و ابتحث عنه، أي فتّش.(53)

أبو حيّان: البحث في الأرض:نبش التّراب و إثارته،و منه سمّيت«براءة»بحوث.و في المثل«لا تكن كالباحث عن الشّفرة».(3:459)

الفيّوميّ: بحث عن الأمر بحثا من باب«نفع»:

استقصى،و بحث في الأرض:حفرها،و في التّنزيل:

فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31.

(1:36)

الفيروزآباديّ:بحث عنه كمنع،و استبحث و انبحث و تبحّث:فتّش.

و مباحث البقر:القفر،أو المكان المجهول.

و البحث:المعدن،و الحيّة العظيمة.

و البحثة و البحّيثيّ كسمّيهيّ:لعب بالبحاثة،أي التّراب.

و انبحث:لعب به.

و البحوث:سورة التّوبة،و من الإبل:الّتي تبحث التّراب بأيديها أخرا.

و الباحثاء:تراب يشبه القاصعاء.(1:167)

الطّريحيّ: و بحث بعقبه،أي حفر بطرف رجله.

و في الحديث:«ليس على النّاس أن يبحثوا»أي يتقصّوا عن الأحوال و يفتّشوا،من قولهم:بحث عن الأمر بحثا،من باب«نفع»:استقصى.(2:235)

الزّبيديّ: البحث:طلبك الشّيء في التّراب،بحثه يبحثه بحثا و ابتحثه،فهو يتعدّى بنفسه.

و كثيرا ما يستعمله المصنّفون متعدّيا ب«في»فيقولون:

بحث فيه،و المشهور التّعدية ب«عن»كما للمصنّف [الفيروزآباديّ]تبعا للجوهريّ و أرباب الأفعال.

و ممّا يستدرك عليه«البحيث»:السّرّ،و منه المثل «بدا بحيثهم»كذا في مجمع الأمثال.(1:601)

النّصوص التّفسيريّة

يبحث

فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ... المائدة:31

ابن مسعود: لمّا مات الغلام تركه بالعراء و لا يعلم كيف يدفن،فبعث اللّه غرابين أخوين فاقتتلا،فقتل أحدهما صاحبه،فحفر له،ثمّ حثا عليه،فلمّا رآه قال:

يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي المائدة:31.

ص: 681


1- سورة التّوبة:41.

نحوه ابن عبّاس،و مجاهد،و الضّحّاك،و قتادة.

(الطّبريّ 6:197)

الأصمّ: معناه بعث اللّه غرابا يبحث التّراب على القتيل،فلمّا رأى قابيل ما أكرم اللّه به هابيل،و أنّه بعث طيرا ليواريه،و تقبّل قربانه،قال:

(يا ويلتى).(الطّبرسيّ 2:185)

نحوه الزّجّاج.(2:167)

الطّبريّ: تأويل الكلام:فأثار اللّه للقاتل؛إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول،غرابا يبحث في الأرض يقول:

يحفر في الأرض،فيثير ترابها،ليريه كيف يواري سوأة أخيه.(6:199)

أبو مسلم الأصفهانيّ:عادة الغراب دفن الأشياء،فجاء غراب فدفن شيئا،فتعلّم ذلك منه.(الفخر الرّازيّ 11:209)

الطّوسيّ: قيل:إنّه كان أوّل ميّت من النّاس، فلذلك لم يدر كيف يواريه و كيف يدفنه،حتّى بعث اللّه غرابين:أحدهما حيّ و الآخر ميّت،و قيل:كانا حيّين، فقتل أحدهما صاحبه،ثمّ بحث الحيّ الأرض فدفن فيه الغراب الميّت،ففعل به مثل ذلك قابيل،و هو قول ابن عبّاس،و ابن مسعود،و ابن مالك،و مجاهد،و الضّحّاك، و قتادة.

و في ذلك دلالة على فساد ما قال الحسن،و أبو عليّ، و أبو مسلم:إنّهما كانا من بني إسرائيل،لأنّه لم يكن النّاس إلى زمان بني إسرائيل لا يدرون كيف يدفنون ميّتهم.(3:499)

الطّبرسيّ: [بعد نقل كلام الطّوسيّ و الأصمّ قال:] و قيل:كان ملكا في صورة الغراب.و في هذا دلالة على أنّ الفعل من الغراب،و إن كان المعنيّ بذلك الطّير كان مقصودا،و كذلك أضاف سبحانه بعثه إلى نفسه و لم يقع اتّفاقا،كما قاله أبو مسلم،و لكنّه تعالى ألهمه.

و قال الجبّائيّ: كان ذلك معجزا،مثل حديث الهدهد و حمله الكتاب،و ردّه الجواب إلى سليمان.و يجوز أن يزيد اللّه في فهم الغراب حتّى يعرف هذا القدر،كما نأمر صبياننا فيفهمون عنّا.(2:185)

الفخر الرّازيّ: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً و فيه وجوه:

الأوّل:بعث اللّه غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر،فحفر له بمنقاره و رجليه،ثمّ ألقاه في الحفرة؛ فتعلّم قابيل ذلك من الغراب.

الثّاني:[قول الأصمّ و قد تقدّم]

الثّالث:[قول أبي مسلم و قد تقدّم](11:209)

نحوه النّيسابوريّ.(6:85)

أبو حيّان: روي أنّه أوّل قتيل قتل على وجه الأرض.و لمّا قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به، فخاف السّباع،فحمله في جراب على ظهره سنة حتّى أروح و عكفت عليه السّباع،فبعث اللّه غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر،فحفر له بمنقاره و رجليه ثمّ ألقاه في الحفرة،فقال: يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ.

و قيل:بعث اللّه غرابا إلى غراب ميّت،فجعل يبحث في الأرض،و يلقي التّراب على الغراب الميّت.

و قيل:بعث اللّه غرابا واحدا،فجعل يبحث و يلقي التّراب على هابيل.

و روي أنّه أوّل ميّت مات على وجه الأرض،

ص: 682

و كذلك جهل سنّة المواراة.

و الظّاهر أنّه غراب بعثه اللّه،يبحث في الأرض ليري قابيل كيف يواري سوأة هابيل،فاستفاد قابيل ببحثه في الأرض أن يبحث هو في الأرض،فيستر فيه أخاه.(3:465)

القاسميّ: (يبحث)أي يحفر بمنقاره و رجله، متعمّقا في الأرض.(6:1947)

رشيد رضا: إنّ اللّه تعالى بعث غرابا إلى المكان الّذي هو فيه،فبحث في الأرض،أي حفر برجليه فيها، يفتّش عن شيء.و المعهود أنّ الطّير تفعل ذلك لطلب الطّعام،و المتبادر من العبارة أنّ الغراب أطال البحث في الأرض،لأنّه قال:(يبحث)و لم يقل:«بحث»و المضارع يفيد الاستمرار.

فلمّا أطال البحث أحدث حفرة في الأرض،فلمّا رأى القاتل الحفرة و هو متحيّر في أمر مواراة سوأة أخيه،زالت الحيرة و اهتدى إلى ما يطلب،و هو دفن أخيه في حفرة من الأرض،هذا هو المتبادر من الآية.

و قال أبو مسلم: إنّ من عادة الغراب دفن الأشياء، فجاء غراب فدفن شيئا،فتعلّم منه ذلك.و هذا قريب أيضا،و لكن جمهور المفسّرين قالوا:إنّ اللّه بعث غرابين لا واحدا،و إنّهما اقتتلا،فقتل أحدهما الآخر،فحفر بمنقاره و رجليه حفرة ألقاه فيها.

و ما جاء هذا إلاّ من الرّوايات الّتي مصدرها «الإسرائيليّات»على أنّ مسألة الغراب و الدّفن لا ذكر لها في التّوراة،و في هذه الرّوايات زيادات كثيرة، لا فائدة لها و لا صحّة.(6:346)

الطّباطبائيّ: و الآية بسياقها تدلّ على أنّ القاتل قد كان بقي زمانا على تحيّر من أمره،و كان يحذر أن يعلم به غيره،و لا يدري كيف الحيلة-إلى أن لا يظفروا بجسده -حتّى بعث اللّه الغراب.

و لو كان بعث الغراب و بحثه و قتله أخاه متقاربين،لم يكن وجه لقوله: يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ المائدة:31.

و كذا المستفاد من السّياق:أنّ الغراب دفن شيئا في الأرض بعد البحث،فإنّ ظاهر الكلام أنّ الغراب أراد إراءة كيفيّة المواراة لا كيفيّة البحث،و مجرّد البحث ما كان يعلّمه كيفيّة المواراة،و هو في سذاجة الفهم؛بحيث لم ينتقل ذهنه بعد إلى معنى البحث،فكيف كان ينتقل من البحث إلى المواراة!و لا تلازم بينهما بوجه،فإنّما انتقل إلى معنى المواراة بما رأى أنّ الغراب بحث في الأرض ثمّ دفن فيها شيئا.

و الغراب من بين الطّير من عادته أنّه يدّخر بعض ما اصطاده لنفسه بدفنه في الأرض،و بعض ما يقتات بالحبّ و نحوه من الطّير،و إن كان ربّما بحث في الأرض لكنّه للحصول على مثل الحبوب و الدّيدان،لا للدّفن و الادّخار.(5:306)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة إثارة التّراب بحثا عن شيء فيه،و منه البحث،بمعنى المعدن،يبحث فيه عن الذّهب و الفضّة و نحوهما،و البحاثة:التّراب الّذي يبحث فيه عن شيء فيه.

ص: 683

ثمّ توسّع المعنى إلى إثارة التّراب دون البحث عن شيء فيه،و منه البحوث من الإبل:الّتي تبتحث التّراب بأخفافها في سيرها.

ثمّ توسّع إلى الدّراسة و البحث في العلوم،و من هنا قيل لسورة براءة:البحوث،لأنّها بحثت عن المنافقين و أسرارهم.

ثمّ توسّع إلى مطلق الكشف،فكلّ شيء بحثت عنه فقد كشفته،فهذه المعاني نشأ بعضها من بعض بترتيب.

و قد التفت ابن دريد إلى ذلك؛حيث قال:«و كأنّ أصل ذلك ابتحاثك في التّراب عن الشّيء المدفون فيه».

ثمّ قال:«و كلّ شيء بحثت عنه فقد كشفت عنه،ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا:بحثت عن الكلام و السّرّ،و ما أشبه ذلك».

و أمّا الخليل فلم يوف حقّ البحث؛حيث قال:

«البحث:طلبك شيئا في التّراب و سؤالك مستخبرا...».

و نظيره غيره من اللّغويّين،و منهم الرّاغب المشهور بالدّقّة؛حيث قال:«البحث:الكشف و الطّلب...»،إذ فسّر اللّفظ بأوسع معانيه و آخرها اعتبارا.

2-و البحث و الفحص واحد،يقال:بحث يبحث عن الشّيء و فيه بحثا،و تبحّث و ابتحث عنه:طلبه، و كذا فحص يفحص عنه و فيه فحصا،و تفحّص و افتحص عنه:طلبه أيضا.

إلاّ أنّ«الفحص»بحث فيه إمعان و إغراق،لذا قال الخليل:«الفحص:شدّة الطّلب خلال كلّ شيء،تقول:

فحصت عنه و عن أمره لأعلم كنه حاله».

و قد أخذ ذلك من«الأفحوص»،و هو مجثم القطاة و الدّجاجة و شبههما،لأنّها تفحص برجليها و جناحيها في التّراب،ثمّ تبيض فيه و تفرّخ.

أمّا«البحث»فقد أخذ من«الباحثاء»،و هو تراب عند جحر اليربوع،يخيّل إلى من يراه أنّه جحره،و ليس به،بل يورّي به اليربوع عن جحرته،و هي:النّافقاء و القاصعاء و الدّامّاء و الرّاهطاء،و إنّما يفعل ذلك احترازا من أن تدهمه حيّة أو دابّة.

3-و قد استعملت أفعال هذه المادّة لازمة و متعدّية، يقال:بحث الشّيء و الأمر و عنه يبحث بحثا،و ابتحث و تبحّث و استبحث عنه،و ابتحثه،و استبحثه أيضا:

طلبه و فتّش عنه،و كذا بحث الأرض و الأمر و فيه.

و يبدو أنّ التّعدية بدون حرف في هذه الأفعال شاعت حين استعملت بمعنى مطلق البحث و الكشف،كما يستشفّ ذلك من النّصوص.

4-و عرّض الزّبيديّ بمن استعمل الفعل المجرّد ب«في» من المصنّفين،و زعم أنّ المشهور فيه التّعدية ب«عن»، تبعا لنهج الفيروزآباديّ و الجوهريّ.و بهذا عدّ قوله تعالى: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:

31،استعمالا غير مشهور،و هذا عجب عجاب!

و الغريب أنّ أرباب المعاجم لم يستشهدوا بالآية المذكورة في هذه المادّة،رغم ورودها مرّة واحدة في القرآن،إلاّ صاحب«المصباح المنير»،فقد استشهد بها، و لكنّه فسّر«البحث»بالحفر،و هو ليس كذلك،بل كان الغراب يثير التّراب بحثا عن شيء فيه،بعزم و ليس عبثا.

5-و نكاد نلحظ الحرف«في»عند استعمال«بحث» اللاّزم في قول العوامّ:بحث بالتّراب،فهم يقلبونه باء

ص: 684

دائما.أمّا«بحث»المتعدّي فهم يقلبون الثّاء فيه شينا، و هي لغة سريانيّة (1)،لعدم وجود الثّاء فيها،فيقولون:

بحش الخبر،و قد يقولون:بحش عنه،كما يقال:بحش جيوبه و بحوشها أيضا.

6-و ممّا ابتدعه أدباء هذا العصر،و جرى على ألسنتهم،و شاع في كتبهم،قولهم:باحثه في الأمر،أي بحث معه فيه.و أنشئوا صيغة مبالغة لاسم الفاعل «باحث»،فقالوا:بحّاث و بحّاثة.كما جمعوا لفظ«بحث» على«أبحاث»،و المعروف فيه-كما في«لسان العرب»- «بحوث».و به سمّيت المؤسّسة الّتي تضمّ عدّة أقسام تحقيقيّة-منها قسمنا،قسم القرآن-باسم«مجمع البحوث الإسلاميّة»،و هي أكبر مؤسّسة للبحوث في إيران.و قد أسّستها سدانة الآستانة (2)الرّضويّة المقدّسة في مدينة مشهد،مركز محافظة خراسان.

و لا يزال«البحث»يحتاج إلى بحث،و تتمّته في مادّة (ح ق ق)إن شاء اللّه.

الاستعمال القرآنيّ

1-لا شكّ أنّ«البحث»في قوله تعالى: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ يعني الحفر في الأرض و إثارة ترابها،كما ذهب إلى ذلك المفسّرون قاطبة.و لكن أ لم يكن لفظ«يحفر»أو«ينبش»أقرب من لفظ«يبحث» ما دام المعنى يدور حول حفر الأرض؟هكذا يبدو ظاهر اللّفظ،إلاّ أن يحمل«الحفر»على إثارة التّراب للكشف عن شيء فيه،يسدّ رمق الغراب.

بيد أنّ من يتدبّر في الآية يرى أنّ لفظ«يبحث» لا يقوم مقامه لفظ آخر بتاتا،إذ معناه-أي الإثارة- ينعكس على ما يلي:

أ-إثارة التّراب بمخالب الغراب و منقاره: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ.

ب-إثارة ما لم يخطر ببال قابيل: لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ.

ج-إثارة حزن قابيل و أسفه: قالَ يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ.

2-ثمّ إنّ«الحفر»لا يسند إلى الغراب و سائر الطّير.

بل يسند إلى الإنسان و إلى كلّ حيوان يستخرج تراب الأرض،و يكمن في باطنها كاليربوع.و ربّما يسند «النّبش»إلى الطّير،إلاّ أنّه يعني استخراج شيء بعد دفنه.

و ليس كذلك«البحث»فهو يختصّ بما ذكرناه،و كذا نظائره في القرآن،فقد اختصّت بموارد معيّنة؛كالتّنقيب فإنّه يعني الذّهاب و السّير: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ق:36.

و التّجسّس فهو يعني الفحص: وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً الحجرات:12.

و التّحسّس فهو يعني التّتبّع: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87.

و الاستنباء فهو يعني الاستخبار: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ يونس:53.

ص: 685


1- انظر قاموس سريانيّ عربيّ.
2- العتبة.

و الاستنباط فهو يعني الاستخراج بجهد: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ النّساء:83.

ص: 686

ب ح ر

اشارة

7 ألفاظ،42 مرّة،31 مكّيّة،11 مدنيّة

في 26 سورة:21 مكّيّة،5 مدنيّة

بحر 1:-1 البحرين 4:3-1

البحر 32:25-7 البحار 2:2

البحران 1:1 أبحر 1:-1

بحيرة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البحر سمّي به لاستبحاره،و هو انبساطه و سعته،و تقول:استبحر في العلم.

و تبحّر الرّاعي:وقع في رعى كثير.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبحّر في المال.

و إذا كان البحر صغيرا،قيل له:بحيرة.

و أمّا البحيرة في طبريّة فإنّها بحر عظيم،و هو نحو من عشرة أميال في ستّة أميال،يقال:هي علامة لخروج الدّجّال،تيبس حتّى لا يبقى فيها قطرة ماء.

و البحيرة:كانت النّاقة تبحر بحرا،و هو شقّ أذنها، يفعل بها ذلك إذا نتجت عشرة أبطن فلا تركب و لا ينفع بظهرها،فنهاهم اللّه عن ذلك،قال اللّه تعالى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ. المائدة:

103.

و بنات بحر:ضرب من السّحاب.

و الباحر:الأحمق الّذي إذا كلّم بحر و بقي كالمبهوت.

و رجل بحرانيّ:منسوب إلى البحرين.و هو موضع بين البصرة و عمان،يقال:انتهينا إلى البحرين،و هذه البحران معربا.(3:219)

سيبويه: زعم الخليل أنّهم بنوا«البحر»على فعلان،و إنّما كان القياس أن يقولوا:بحريّ.(3:336)

الضّبّيّ:البحر في الغنم بمنزلة السّهام في الإبل، و لا يكون في الإبل بحر،و لا في الغنم سهام.

(ابن فارس 1:202)

ص: 687

اليزيديّ: سألني المهديّ و سأل الكسائيّ عن النّسبة إلى البحرين و إلى الحصنين:لم قالوا حصني و بحرانيّ؟فقال الكسائيّ:كرهوا أن يقولوا:حصنانيّ لاجتماع النّونين.قلت أنا:كرهوا أن يقولوا:بحريّ، فتشبه النّسبة إلى البحر.(الأزهريّ 5:40)

أبو عبيد: يقال للفرس:إنّه لبحر و إنّه لحتّ،أي واسع السّير.(الهرويّ 1:135)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البحير و البحر:الّذي به السّل،و السّحير:الّذي قد انقطعت رئته،و يقال:سحر و تاجر بحريّ،أي حضريّ.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال للعظيم البطن:بحريّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و البحرة:منبت الثّمام من الأودية.

(الأزهريّ 5:41)

بحرت الإبل،إذا أكلت النّشر،فتخرج من بطونها دوابّ كأنّها حيّات.(ابن فارس 1:202)

الفرّاء: البحيرة:هي ابنة السّائبة.

(الأزهريّ 5:39)

و البحر:أن يلغى البعير بالماء فيكثر منه حتّى يصيبه منه داء،يقال:بحر يبحر بحرا فهو:بحر.[ثمّ استشهد بشعر]و إذا أصابه الدّاء كوي في مواضع فيبرأ.(الأزهريّ 5:42)

البحرة:الرّوضة.(ابن فارس 1:201)

أبو عبيدة: يقال للفرس الجواد:إنّه لبحر لا ينكش حضره.(الأزهريّ 5:41)

أبو زيد: بحرت الإبل:أكلت شجر البحر،و بحر الرّجل سبح في البحر فانقطعت سباحته.و يقال للماء إذا غلظ بعد عذوبة:استبحر.و ماء بحر،أي ملح.[ثمّ استشهد بشعر]و الأنهار كلّها بحار.

(ابن فارس 1:201)

الأصمعيّ: يقال:فرس بحر و فيض و سكب و حثّ،إذا كان جوادا كثير العدو.(الأزهريّ 5:42)

بحر الرّجل بالكسر يبحر بحرا،إذا تحيّر من الفزع، مثل بطر.

و يقال أيضا:بحر،إذا اشتدّ عطشه فلم يرو من الماء.

(الجوهريّ 2:586)

أبو نصر الباهليّ: البحار:الواسعة من الأرض، الواحدة،بحرة.[ثمّ استشهد بشعر]

البحرة:الوادي الصّغير يكون في الأرض الغليظة.(ابن سيدة 3:240)

ابن الأعرابيّ: أبحر الرّجل،إذا أخذه السّلّ.و أبحر الرّجل،إذا اشتدّت حمرة أنفه.أبحر،إذا صادف إنسانا على غير اعتماد و قصد لرؤيته،و هو من قولهم:لقيته صخرة بحرة.(الأزهريّ 5:37)

البحرة:المنخفض من الأرض،و البحر:الغزار، و الأخرج:المرباع المكّاء.(الأزهريّ 5:39)

الباحر:الفضوليّ،و الباحر:الكذّاب،و الباحر:

الأحمر الشّديد الحمرة.

يقال:أحمر باحريّ و بحرانيّ.

أحمر قانئ و أحمر باحريّ و ذريحيّ،بمعنى واحد.(الأزهريّ 5:41)

البحير المسلول:الجسم الذّاهب اللّحم.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:42)

ص: 688

و رجل بحر:مسلول ذاهب اللّحم.

(ابن سيدة 3:241)

الأمويّ:البحرة:الأرض و البلدة،و يقال:هذه بحرتنا.

و الماء البحر،هو الملح،و قد أبحر الماء،إذا صار ملحا.(الأزهريّ 5:38)

ابن السّكّيت: يقال:أبحر فلان،إذا ركب البحر و الماء.و قد أبرّ،إذا ركب البرّ.(إصلاح المنطق:309)

الزّياديّ: البحر:اصفرار اللّون،و السّحير الّذي يشتكي سحره.(ابن فارس 1:202)

شمر: يقال:بحر الرّجل،إذا رأى البحر،فغرق حتّى دهش،إذا رأى سنا البرق فتحيّر.و بقر،إذا رأى البقر الكثير،و مثله خرق و عقر و فري.

(الأزهريّ 5:41)

البحرة:الأوقة يستنقع فيها الماء.

(الأزهريّ 5:39)

ابن دريد: البحر معروف،و العرب تسمّي الماء الملح و العذب بحرا إذا كثر.و في التّنزيل: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ الرّحمن:19،يعني الملح و العذب،و اللّه أعلم.

و تبحّر الرّجل في المال و العلم،إذا اتّسع فيهما.

و النّاقة البحيرة:الّتي تشقّ أذنها بنصفين،فهذا تفسير بعض أهل اللّغة.

و قال آخرون: بل البحيرة:أن تنتج الشّاة عشرة أبطن،فإذا استكملت ذلك شقّوا أذنها و تركوها ترعى و ترد الماء.و حرّموا لحمها إذا ماتت على نسائهم،و أكلها الرّجال دون النّساء.

و في«البحيرة»كلام كثير يؤتى عليه في كتاب «الاشتقاق»إن شاء اللّه.

و قد سمّت العرب بحيرا و بحيرا و بحرا.و بنو بحريّ بطن منهم،و أحسب موضعا بنجد يسمّى بحارا،و يقال:

بحاريّ،و قد سمّت العرب يبحرة،الياء زائدة،و هو مأخوذ من التّبحّر و السّعة.

و دم باحريّ و بحرانيّ،إذا كان خالص الحمرة من دم الجوف.(1:217)

يقال:أخبرته بالخبر صحرة بحرة و صحرة بحرة، أي كفاحا لم يستر منه شيء.(3:460)

نفطويه: كلّ ماء ملح فهو بحر،و قد أبحر الماء.(الهرويّ 1:134)

[يقال فرس بحر]إنّما شبّه الفرس بالبحر،لأنّه أراد أنّ جريه كجري ماء البحر،أو لأنّه يسبح في جريه كالبحر،إذا ماج فعلا بعض مائه على بعض.

(الزّبيديّ 3:28)

الأزهريّ: سمّي البحر بحرا لأنّه شقّ في الأرض شقّا،و جعل ذلك الشّقّ لمائه قرارا.و البحر في كلام العرب:الشّقّ،و منه قيل للنّاقة الّتي كانوا يشقّون في أذنها شقّا:بحيرة.(5:37)

[و بعد نقل قول الزّجّاج في معنى البحيرة قال:]

و قيل:البحيرة:الشّاة إذا ولدت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا بحروا أذنها،أي شقّوها،و تركت فلا يمسّها أحد.

قلت:و القول هو الأوّل،لما جاء في حديث أبي الأحوص الجشميّ عن أبيه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال له:«أربّ

ص: 689

إبل أنت أم ربّ غنم؟فقال:من كلّ قد آتاني اللّه فأكثر، فقال له:هل تنتج إبلك وافية أذنها فتشقّ فيها و تقول:

بحر؟»،يريد جمع البحيرة.[و بعد نقل قول الخليل في معنى البحر قال:]

و العرب تقول لكلّ قرية:هذه بحرتنا.(5:38)

قال الزّجّاج: و كلّ نهر ذي ماء فهو بحر.

قلت:كلّ نهر لا ينقطع ماؤه مثل دجلة و النّيل و ما أشبههما من الأنهار العذبة الكبار فهي بحار.

و أمّا البحر الكبير الّذي هو مغيض هذه الأنهار الكبار فلا يكون ماؤه إلاّ ملحا أجاجا،و لا يكون ماؤه إلاّ راكدا.

و أمّا هذه الأنهار العذبة فماؤها جار.و سمّيت هذه الأنهار بحارا مشقوقة في الأرض شقّا.

و يقال للرّوضة:بحرة،و قد أبحرت الأرض،إذا كثر مناقع الماء فيها.(5:39)

[بعد نقل قول اليزيديّ قال:]

قلت أنا:و إنّما ثنّوا البحرين،لأنّ في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء،و قرى هجر،بينها و بين البحر الأخضر عشرة فراسخ،و قدّرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها،و لا يغيض ماؤها،و ماؤها راكد زعاق.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّيث: بنات بحر:ضرب من السّحاب.

قلت:و هذا تصحيف منكر،و الصّواب بنات بخر.

قال أبو عبيد عن الأصمعيّ: يقال لسحائب يأتين قبل الصّيف منتصبات:بنات بخر و بنات مخر بالباء و الميم،و نحو ذلك قال اللّحيانيّ و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و سئل ابن عبّاس عن المرأة تستحاض و يستمرّ بها الدّم فقال: تصلّي و تتوضّأ لكلّ صلاة،فإذا رأت الدّم البحرانيّ قعدت عن الصّلاة.

و قيل:الدّم البحرانيّ منسوب إلى قعر الرّحم و عمقها.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:دم باحريّ أيضا،إذا كان شديد الحمرة.

(5:40،41)

[بعد نقل قول الفرّاء قال:]

قلت:الدّاء الّذي يصيب البعير فلا يروى من الماء هو النّجر بالنّون و الجيم،و البجر بالباء و الجيم،و كذلك البقر.و أمّا البحر فهو داء يورث السّلّ.

يقال:استبحر الشّاعر،إذا اتّسع له القول.[ثمّ استشهد بشعر]

و كانت أسماء بنت عميس يقال لها:البحريّة،لأنّها كانت هاجرت إلى بلاد النّجاشيّ فركبت البحر.و كلّ ما نسب إلى البحر فهو بحريّ.(5:42)

الفارسيّ: الباحور:القمر.(ابن سيدة 3:241)

الصّاحب: بحر سمّي البحر بحرا لاستبحاره و انبساطه وسعته.و كذلك التّبحّر في العلم و المال.و أبحر القوم:ركبوا البحر.

و أبحر الماء:صار ملحا.و الماء البحر:هو الملح، و جمعه:بحار.

و البحران:الملح و العذب في قوله عزّ و جلّ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ الرّحمن:19.

و البحرة:الأرض.و البلدة.و الرّوضة أيضا،و قد

ص: 690

أبحرت الرّوضة.

و البحر:الرّيف.

و المبحر:الكثير الماء.

و في المثل:«لا أفعله ما بلّ بحر صوفه».

و بحرت النّاقة بحرا:و هو شقّ أذنها،و هي البحيرة.

و بنات بحر:ضرب من السّحاب.

و الباحر:الأحمق الّذي إذا كلّم بقي و بحر كالمبهوت.

و البحر:الّذي أصابه انقطاع في عدو أو فزع من بحار.

و رجل بحرانيّ:منسوب إلى البحرين بين البصرة و عمان.و رجل متبحّر:يسكن البحرين.

و الدّم البحرانيّ:الخالص،و باحريّ مثله.

و ناقة باحرة من نوق بحر:و هي الصّفايا الغزار.

و بحر البعير بحرا:إذا أولع بالماء فأصابه منه داء، و هو بالجيم أعرف.

و البحر من الخيل:الّذي به بحر؛و هو حرّ يصيبه فيأخذه منه الرّبو.

و الباحرة:شجرة من شجر الجبال شاكة.

و البحور من الخيل:الّذي يجري فلا يعرق و لا يزيد على طول الجري إلاّ جودة،و جمعه:بحر.

و لقيته صحرة بحرة:أي عيانا و مواجهة،و قد ينوّنان و يضمّان يعني أوّلهما.

و البحر:انقطاع الرّجل في عدوه طالبا كان أو مطلوبا.(3:91)

ابن جنّيّ: الحقيقة ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللّغة،و المجاز ما كان بضدّ ذلك.و إنّما يقع المجاز و يعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة،و هي:الاتّساع، و التّوكيد،و التّشبيه،فإن عدمت الثّلاثة تعيّنت الحقيقة، فمن ذلك قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«هو بحر»فالمعاني الثّلاثة موجودة فيه.

أمّا الاتّساع فلأنّه زاد في أسماء الفرس الّتي هي:

فرس،و طرف،و جواد،و نحوها البحر،حتّى أنّه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أو اتّساع استعمل استعمال بقيّة تلك الأسماء.لكن لا يفضى إلى ذلك إلاّ بقرينة تسقط الشّبهة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كأن يقول السّاجع:فرسك هذا إذا سما بغرّته كان فحرا،و إذا جرى إلى غايته كان بحرا؛فإن عرى عن دليل فلا،لئلاّ يكون إلباسا و إلغازا.

و أمّا التّشبيه فلأنّ جريه يجري في الكثرة مثل مائه.

و أمّا التّوكيد فلأنّه شبّه العرض بالجوهر،و هو أثبت في النّفوس منه.(الزّبيديّ 3:27)

الجوهريّ: البحر:خلاف البرّ،يقال:سمّي بحرا لعمقه و اتّساعه،و الجمع:أبحر و بحار و بحور.و كلّ نهر عظيم بحر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يسمّى الفرس الواسع الجري بحرا،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مندوب فرس أبي طلحة:«إن وجدناه لبحرا».

و ماء بحر،أي ملح.

و أبحر الماء:ملح.[ثمّ استشهد بشعر]

و البحر:عمق الرّحم،و منه قيل للدّم الخالص الحمرة:باحر و بحرانيّ.

و البحرين:بلد،و النّسبة إليه بحرانيّ.

ص: 691

و بنات بحر:سحائب يجئن قبل الصّيف منتصبات رقاقا،بالحاء و الخاء جميعا.

و البحرة:البلدة،يقال:هذه بحرتنا،أي بلدتنا و أرضنا.

و لقيته صحرة بحرة،أي بارزا ليس بينك و بينه شيء.

و بحرت أذن النّاقة بحرا:شققتها و خرقتها،و منه البحيرة.

و تبحّر في العلم و غيره؛أي تعمّق فيه و توسّع.

يقال:بحر،إذا اشتدّ عطشه فلم يرو من الماء.

و البحر أيضا:داء في الإبل،و قد بحرت.

و الأطبّاء يسمّون التّغيّر الّذي يحدث للعليل دفعة في الأمراض الحادّة بحرانا،و يقولون:هذا يوم بحران بالإضافة،و يوم باحوريّ على غير قياس،فكأنّه منسوب إلى باحور و باحوراء،مثل عاشور و عاشوراء، و هو شدّة الحرّ في تمّوز.و جميع ذلك مولّد.

(2:585)

نحوه الرّازيّ.(54)

ابن فارس: الباء و الحاء و الرّاء قال الخليل:سمّي البحر بحرا،لاستبحاره،و هو انبساطه و سعته.[إلى أن قال:]

و رجل بحر،إذا كان سخيّا،سمّوه لفيض كفّه بالعطاء،كما يفيض البحر.

قال بعضهم:البحرة:الفجوة من الأرض تتّسع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الثّاني داء،يقال:بحرت الغنم و أبحروها، إذا أكلت عشبا عليه ندى فبحرت عنه؛و ذلك أن تخمص بطونها و تهلس أجسامها.[ثمّ نقل قول الضّبّيّ و الزّياديّ و قال:]

فإن قال قائل:فأين هذا من الأصل الّذي ذكرتموه في الاتّساع و الانبساط؟

قيل له:كلّه محمول على البحر،لأنّ ماء البحر لا يشرب،فإن شرب أورث داء،كذلك كلّ ماء ملح و إن لم يكن ماء بحر.

و من هذا الباب:الرّجل الباحر و هو الأحمق،و ذلك أنّه يتّسع بجهله فيما لا يتّسع فيه العاقل.

و من هذا الباب:بحرت النّاقة بحرا،و هو شقّ أذنها، و هي البحيرة.و كانت العرب تفعل ذلك بها إذا انتجت عشرة أبطن،فلا تركب و لا ينتفع بظهرها؛فنهاهم اللّه تعالى عن ذلك،و قال: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ المائدة:103.

و أمّا الدّم الباحر و البحرانيّ فقال قوم:هو الشّديد الحمرة،و الأصحّ في ذلك قول عبد اللّه بن مسلم (1):إنّ الدّم البحرانيّ منسوب إلى البحر.قال:و البحر عمق الرّحم،فقد عاد الأمر إلى الباب الأوّل.و قال الخليل:

رجل بحرانيّ منسوب إلى البحرين و قالوا:بحرانيّ،فرقا بينه و بين المنسوب إلى البحر.

و من هذا الباب قولهم:«لقيته صحرة بحرة»أي مشافهة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البحر هو الرّيف.(1:201)

الهرويّ: و العرب تسمّي القرى البحار.و في بعضة.

ص: 692


1- هو ابن قتيبة.

الحديث:«بهذه البحيرة»يعني مدينة الرّسول عليه السّلام،و منه قول سعد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين شكا إليه عبد اللّه بن أبيّ، فقال:«يا رسول اعف عنه،فلقد كان اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يعصّبوه قبل مقدمك إيّاها».[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:أحمر باحريّ و بحرانيّ.(1:135)

الثّعالبيّ: فإذا كان[الفرس]لا ينقطع جريه فهو بحر،شبّه بالبحر الّذي لا ينقطع ماؤه،و أوّل من تكلّم بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في وصف فرس ركبه.(172)

ابن سيدة: البحر:الماء الكثير ملحا كان أو عذبا، و قد غلب على الملح حتّى قلّ في العذب،و جمعه:أبحر و بحور و بحار.

و ماء بحر:ملح،قلّ أو كثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبحر الماء:صار ملحا،و النّسب إلى البحر:بحرانيّ، على غير قياس.قال سيبويه:قال الخليل:كأنّهم بنوا الاسم على فعلان.

و التّبحّر و الاستبحار:الانبساط و السّعة.و استبحر الرّجل في العلم و المال،و تبحّر:اتّسع.و تبحّر الرّاعي في رعى كثير:اتّسع،و كلّه من«البحر»لسعته.

و بحر الرّجل:فزع من البحر

و أبحر القوم:ركبوا البحر.

و قوله:«يا هادي اللّيل جرت»إنّما هو البحر أو الفجر.فسّره ثعلب فقال:إنّما هو الهلاك،أو ترى الفجر، شبّه اللّيل بالبحر.

و البحر:الرّجل الكريم،الكثير المعروف.

و فرس بحر:جواد كثير العدو،على التّشبيه بالبحر.

و البحر:الرّيف،و به فسّر أبو عليّ قوله تعالى:

ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الرّوم:41،لأنّ البحر الّذي هو الماء لا يظهر فيه فساد و لا صلاح.[ثمّ استشهد بشعر]

و البحرة:الفجوة من الأرض تتّسع.

و البحرة:الرّوضة العظيمة من سعة،و جمعها:بحر و بحار.[ثمّ استشهد بشعر]

و بحر الرجل و البعير بحرا فهو بحر،إذا اجتهد في العدو طالبا أو مطلوبا،فانقطع و ضعف،و لم يزل بشرّ حتّى اسودّ وجهه و تغيّر.

و بحر الرّجل:بهت،و الباحر:الأحمق الّذي إذا كلّم بقي كالمبهوت.و قيل:هو الّذي لا يتمالك حمقا.

و تبحّر الخبر:تطلّبه.

و دم باحريّ و بحرانيّ:خالص الحمرة من دم الجوف،و عمّ بعضهم به فقال:أحمر باحريّ و بحرانيّ، و لم يخصّ به دم الجوف و لا غيره.

و بحر النّاقة و الشّاة يبحرها بحرا:شقّ أذنها بنصفين، و قيل:بنصفين طولا،و هي البحيرة.و كانت العرب تفعل بهما ذلك إذا نتجتا عشرة أبطن.فلا ينتفع منهما بلبن و لا ظهر،و تترك«البحيرة»ترعى و ترد الماء.

و يحرّم لحمها على النّساء و يحلّل للرّجال،فنهى اللّه تعالى عن ذلك،فقال: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ المائدة:103.

و قيل:البحيرة من الإبل:الّتي بحرت أذنها،أي شقّت طولا.و يقال:هي الّتي خلّيت بلا راع،و هي أيضا الغزيرة.و جمعها:بحر،كأنّه توهّم حذف الهاء.

ص: 693

و البحرة:الأرض و البلدة.

و لقيته سحرة (1)بحرة،إذا لم يكن بينك و بينه شيء.

و البحران:موضع بين البصرة و عمان،النّسب إليه بحريّ و بحرانيّ.

و قد سمّت:بحرا،و بحيرا و بحيرا و بيحرا و بيحرة.

و بنو بحريّ بطن.و بحرة و بيحر،موضعان.[ثمّ استشهد بشعر](3:239)

الطّوسيّ: [مثل الخليل و أضاف:]

و بحرانيّ منسوب إلى البحرين.و دم بحرانيّ و باحر إذا كان خالص الحمرة من دم الجوف.

و العرب تسمّي المالح و العذب بحرا،إذا كثر،و منه قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ الرّحمن:19،يعني المالح و العذب.

و أصل الباب الاتّساع،و البحر:هو المجرى الواسع الكثير الماء،و أمّا المالح:فهو الّذي لا يرى حافّتيه من في وسطه لعظمه و كثرة مائه،فدجلة بحر بالإضافة إلى السّاقية،و ليست بحرا بالإضافة إلى جدّة و ما جرى مجراها.(1:226)

و البحر:هو الخرق الواسع الماء الّذي يزيد على سعة النّهر.(2:58)

مثله الطّبرسيّ.(1:246)

و البحر:الواسع العظيم السّعة من مستقرّ الماء،ممّا هو أعظم من كلّ نهر،و أصله:السّعة،و منه البحيرة الّتي يبحر أذنها،أي توسّع شقّتها.

و تبحّر في العلم،إذا اتّسع فيه،و قوي تصرّفه به.(4:560)

و البحر:مستقرّ الماء الواسع حتّى لا يرى من وسطه حافّتاه،و جمعه:أبحر و بحور.و يشبّه به الجواد،فيقال:

إنّما هو بحر،لاتّساع عطائه.(5:413)

الرّاغب: أصل البحر:كلّ مكان واسع جامع للماء الكثير.هذا هو الأصل،ثمّ اعتبر تارة سعته المعاينة، فيقال:بحرت كذا،أو سعته سعة البحر تشبيها به،و منه بحرت البعير؛شققت أذنه شقّا واسعا،و منه سمّيت البحيرة.

قال تعالى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ المائدة:103، و ذلك ما كانوا يجعلونه بالنّاقة،إذا ولدت عشرة أبطن شقّوا أذنها فيسيّبوها،فلا تركب و لا يحمل عليها.

و سمّوا كلّ متوسّع في شيء بحرا حتّى قالوا:فرس بحر، باعتبار سعة جريه.و قال عليه الصّلاة و السّلام في فرس ركبه:«وجدته بحرا».

و للمتوسّع في علمه بحر،و قد تبحّر،أي توسّع في كذا،و التّبحّر في العلم:التّوسّع.

و اعتبر من البحر تارة ملوحته،فقيل:ماء بحرانيّ، أي ملح،و قد أبحر الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم:البحر يقال في الأصل للماء الملح دون العذب.و قوله تعالى: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاطر:12،إنّما سمّي العذب بحرا لكونه مع الملح،كما يقال للشّمس و القمر:قمران.

و قيل للسّحاب الّذي كثر ماؤه:بنات بحر.

و قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِع.

ص: 694


1- رويت:«صحرة»بالصّاد عند الجميع.

الرّوم:41.

قيل:أراد في البوادي و الأرياف لا فيما بين الماء.

و قولهم:«لقيته صحرة بحرة»أي ظاهرا حيث لا بناء يستره.(37)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:225)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،شكا عبد اللّه بن أبيّ إلى سعد بن عبادة،فقال:«يا رسول اللّه،اعف عنه،فو الّذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء اللّه بالحقّ،و لقد اصطلح أهل البحرة على أن يعصّبوه بالعصابة،فلمّا ردّ اللّه ذلك بالحقّ الّذي أعطاك شرق بذلك».

أراد بالبحرة:المدينة.يقولون:هذه بحرتنا،أي أرضنا و بلدتنا.

و أصل البحرة:فجوة من الأرض تستبحر،أي تنبسط و تتّسع.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:80)

هو من البحّارة،و هم الّذين يتبحّرون في البحر.

و بحر أذن النّاقة،شقّها طولا،و هي البحيرة.

و من المجاز:استبحر المكان:اتّسع و صار كالبحر في سعته،و تبحّر في العلم و استبحر فيه.

و استبحر الخطيب:اتّسع له القول.و في مديحك:

يستبحر الشّاعر.[ثمّ استشهد بشعر]

«و إن وجدناه لبحرا»وصف بالبحر لسعة جريه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ماء بحر،وصف به لملوحته،و قد أبحر المشرب العذب.[ثمّ استشهد بشعر]

و دم بحرانيّ:أسود،نسب إلى بحر الرّحم و هو عمقه،و امرأة بحريّة:عظيمة البطن،شبّهت بأهل البحرين،و هم مطاحيل،عظام البطون.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:16)

الطّبرسيّ: البحر:الشّقّ.و بحرت أذن النّاقة أبحرها،إذا شققتها شقّا واسعا،و النّاقة بحيرة،و هي «فعيلة»بمعنى المفعول،مثل النّطيحة و الذّبيحة.

و أصل الباب السّعة،و سمّي البحر بحرا لسعته.

و فرس بحر:واسع الجري،و في الحديث أنّه عليه السّلام قال لفرس له:«وجدته بحرا».(2:251)

عنى بالبحر جميع المياه و العرب تسمّي النّهر بحرا، و منه قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الرّوم:

41.

و الأغلب على«البحر»أن يكون ماؤه ملحا،و لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار.(2:245)

و البحر:مستقرّ الماء الواسع،حتّى لا يرى من وسطه حافّتاه.(3:100)

السّهيليّ: زعم ابن سيدة في كتاب«المحكم»أنّ العرب تنسب إلى البحر بحرانيّ،على غير قياس،و إنّه من شواذّ النّسب.و نسب هذا القول إلى سيبويه و الخليل رحمهما اللّه تعالى.

و ما قاله سيبويه قطّ،و إنّما قال في شواذّ النّسب:

تقول في بهراء:بهرانيّ،و في صنعاء:صنعانيّ،كما تقول:

بحرانيّ في النّسب إلى البحرين الّتي هي مدينة؛و على هذا تلقّاه جميع النّحاة و تأوّلوه من كلام سيبويه.

و إنّما اشتبه على ابن سيدة لقول الخليل في هذه المسألة،أعني مسألة النّسب إلى«البحرين»كأنّهم بنوا

ص: 695

البحر على«بحران»و إنّما أراد لفظ«البحرين»أ لا تراه يقول في كتاب«العين»:تقول:بحرانيّ،في النّسب إلى البحرين،و لم يذكر النّسب إلى«البحر»أصلا،للعلم به، و أنّه على قياس جار.

و في«الغريب»المصنّف عن الزّيديّ أنّه قال:إنّما قالوا:بحرانيّ،في النّسب إلى البحرين،و لم يقولوا:

بحريّ،ليفرّقوا بينه و بين النّسب إلى«البحر».

و ما زال ابن سيدة يعثر في هذا الكتاب و غيره عثرات يدمى منها الأظلّ،و يدحض دحضات تخرجه إلى سبيل من ضلّ.

أ لا تراه قال في هذا الكتاب،و ذكر بحيرة طبريّة، فقال:هي من أعلام خروج الدّجّال،و أنّه ييبس ماؤها عند خروجه.و الحديث إنّما جاء في«غور زغر»،و إنّما ذكرت«طبريّة»في حديث يأجوج و مأجوج،و أنّهم يشربون ماءها.

و قال في«الجمار»في غير هذا الكتاب:إنّما هي الّتي ترمى بعرفة،و هذه هفوة لا تقال،و عثرة لا لعا (1)لها، و كم له من هذا إذا تكلّم في النّسب و غيره.

(ابن منظور 4:42)

ابن الجوزيّ:البحر:الماء الغزير.(1:168)

الفخر الرّازيّ:ذكر الجبّائيّ و غيره من العلماء بمواضع البحور:أنّ البحور المعروفة خمسة:

أحدها:بحر الهند،و هو الّذي يقال له أيضا:بحر الصّين.

و الثّاني:بحر المغرب.

و الثّالث:بحر الشّام و الرّوم و مصر.

و الرّابع:بحر نيطش.

و الخامس:بحر جرجان.

فأمّا بحر الهند فإنّه يمتدّ طوله من المغرب إلى المشرق،من أقصى أرض الحبشة،إلى أقصى أرض الهند و الصّين.يكون مقدار ذلك ثمانمائة ألف ميل،و عرضه ألفي و سبعمائة ميل.و يجاوز خطّ الاستواء ألفا و سبعمائة ميل.

و خلجان هذا البحر:

الأوّل:خليج عند أرض الحبشة،و يمتدّ إلى ناحية البربر،و يسمّى الخليج البربريّ.طوله مقدار خمسمائة ميل،و عرضه مائة ميل.

و الثّاني:خليج بحر أيلة،و هو بحر القلزم.طوله ألف و أربعمائة ميل،و عرضه سبعمائة ميل،و منتهاه إلى البحر الّذي يسمّى البحر الأخضر،و على طرفه القلزم؛فلذلك سمّي به.و على شرقيه أرض اليمن و عدن،و على غربيه أرض الحبشة.

الثّالث:خليج بحر أرض فارس،و يسمّى:الخليج الفارسيّ،و هو بحر البصرة و فارس،الّذي على شرقيه تيز و مكران،و على غربيه عمان.طوله ألف و أربعمائة ميل،و عرضه خمسمائة ميل.و بين هذين الخليجين، أعني خليج أيلة و خليج فارس أرض الحجاز و اليمن و سائر بلاد العرب،فيما بين مسافة ألف و خمسمائة ميل.

الرّابع:يخرج منه خليج آخر إلى أقصى بلاد الهند، و يسمّى الخليج الأخضر،طوله ألف و خمسمائة ميل.

قالوا:و في جزيرة بحر الهند-من الجزائر العامرةا.

ص: 696


1- لا لعا لها:لا خير لها.

و غير العامرة-ألف و ثلاثمائة و سبعون جزيرة،منها:

جزيرة ضخمة في أقصى البحر،مقابل أرض الهند،في ناحية المشرق عند بلاد الصّين،و هي سرنديب،يحيط بها ثلاثة آلاف ميل،فيها جبال عظيمة و أنهار كثيرة، و منها يخرج الياقوت الأحمر.و حول هذه الجزيرة تسع عشرة جزيرة عامرة،فيها مدائن عامرة و قرى كثيرة.

و من جزائر هذا البحر:جزيرة كلّة،الّتي يجلب منها الرّصاص القلعيّ،و جزيرة سريرة،الّتي يجلب منها الكافور.

و أمّا بحر المغرب فهو الّذي يسمّى بالمحيط،و تسمّيه اليونانيّون:أوقيانوس،و يتّصل به بحر الهند.و لا يعرف طرفه إلاّ في ناحية المغرب و الشّمال،عند محاذاة أرض الرّوس و الصّقالبة،فيأخذ من أقصى المنتهى في الجنوب، محاذيا لأرض السّودان،مارّا على حدود السّوس الأقصى و طنجة،و تاهرت،ثمّ الأندلس،و الجلالقة، و الصّقالبة،ثمّ يمتدّ من هناك وراء الجبال غير المسلوكة و الأراضي غير المسكونة نحو بحر المشرق.

و هذا البحر لا تجري فيه السّفن و إنّما تسلك بالقرب من سواحله.و فيه ستّ جزائر مقابل أرض الحبشة تسمّى:جزائر الخالدات.و يخرج من هذا البحر خليج عظيم في شمال الصّقالبة،و يمتدّ هذا الخليج إلى أرض بلغار المسلمين،طوله من المشرق إلى المغرب ثلاثمائة ميل،و عرضه مائة ميل.

و أمّا بحر الرّوم و إفريقيّة و مصر و الشّام،فطوله مقدار خمسة آلاف ميل،و عرضه ستّمائة ميل.و يخرج منه خليج إلى ناحية الشّمال قريب من الرّوميّة،طوله خمسمائة ميل،و عرضه ستّمائة.و يخرج منه خليج آخر، إلى أرض سرين،طوله مائتا ميل.و في هذا البحر مائة و اثنتان و ستّون جزيرة عامرة،منها خمسون جزيرة عظام.

و أمّا بحر نيطش،فإنّه يمتدّ من اللاّذقيّة إلى خلف قسطنطينيّة في أرض الرّوس و الصّقالبة،طوله ألف و ثلاثمائة ميل،و عرضه ثلاثمائة ميل.

و أمّا بحر جرجان،فطوله من المغرب إلى المشرق ثلاثمائة ميل،و عرضه ستّمائة ميل،و فيه جزيرتان كانتا عامرتين فيما مضى من الزّمان.و يعرف هذا البحر ببحر آبسكون،لأنّها على فرضته،ثمّ يمتدّ إلى طبرستان، و الدّيلم،و النّهروان،و باب الأبواب،و ناحية أران.

و ليس يتّصل ببحر آخر،فهذه هي البحور العظام.

و أمّا غيرها فبحيرات و بطائح،كبحيرة خوارزم، و بحيرة طبريّة.

و حكي عن أرسطاطاليس:أنّ بحر«أوقيانوس» محيط بالأرض بمنزلة المنطقة لها،فهذا هو الكلام المختصر في أمر البحور.(4:220)

المدينيّ: في حديث القسامة:«قتل رجلا ببحرة الرّغاء»و قيل:«بحرة الرّغاء على شطّ ليّة»البحرة:

البلدة،تقول العرب:هذه بحرتنا،أي بلدتنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث:«ثمّ بحرها»يعني البئر حتّى لا تنزف، أي شقّها و وسّعها،و منه تبحّر الرّجل في العلم،أي توسّع فيه،و سمّي البحر بحرا لسعته.

و قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ الرّحمن:19،قيل:

ص: 697

العرب تسمّي العذب و الملح جميعا بحرا.

و في الحديث:«أنّه بعث العلاء إلى البحرين»و هو بلد يقال له:البحران بضمّ النّون،و على ذلك يقال في النّسبة إليه:بحرانيّ.

و في حديث مازن:«كان لهم صنم يقال له:باحر بفتح الحاء،و يروى بالجيم،و قد تقدّم.(1:132)

ابن الأثير: فيه:«أنّه ركب فرسا لأبي طلحة، فقال:إن وجدناه لبحرا»،أي واسع الجري.و سمّي البحر بحرا،لسعته،و تبحّر في العلم،أي اتّسع.

و منه الحديث:«أبى ذلك البحر ابن عبّاس رضي اللّه عنهما»سمّي بحرا،لسعة علمه و كثرته.

و منه حديث عبد المطّلب و حفر بئر زمزم«ثمّ بحرها»أي شقّها و وسّعها حتّى لا تنزف.

و منه حديث ابن عبّاس:«حتّى ترى الدّم البحرانيّ».دم بحرانيّ:شديد الحمرة،كأنّه قد نسب إلى البحر،و هو اسم قعر الرّحم،و زادوه في النّسب ألفا و نونا للمبالغة؛يريد الدّم الغليظ الواسع.و قيل:نسب إلى البحر لكثرته و سعته.

و فيه:«ذكر بحران»و هو بفتح الباء و ضمّها و سكون الحاء:موضع بناحية الفرع من الحجاز،له ذكر في سريّة عبد اللّه بن جحش.

و منه الحديث:«و كتب لهم ببحرهم»أي ببلدهم و أرضهم.

و فيه ذكر«البحيرة»في غير موضع،كانوا إذا ولدت إبلهم سقبا بحروا أذنه،أي شقّوها،و قالوا:اللّهمّ إن عاش فقنيّ،و إن مات فذكيّ.فإذا مات أكلوه،و سمّوه البحيرة.

و قيل:البحيرة هي بنت السّائبة،كانوا إذا تابعت النّاقة بين عشر إناث لم يركب ظهرها،و لم يجزّ وبرها، و لم يشرب لبنها إلاّ ولدها أو ضيف،و تركوها مسيّبة لسبيلها،و سمّوها السّائبة،فما ولدت بعد ذلك من أنثى شقّوا أذنها و خلّوا سبيلها،و حرم منها ما حرم من أمّها، و سمّوها البحيرة.

و منه حديث أبي الأحوص عن أبيه:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال له:هل تنتج إبلك وافية آذانها،فتشقّ فيها و تقول:

بحر؟».

هي جمع«بحيرة»و هو جمع غريب في المؤنّث.إلاّ أن يكون قد حمله على المذكّر،نحو نذير و نذر،على أنّ «بحيرة»فعيلة،بمعنى مفعولة،نحو قتيلة،و لم يسمع في جمع مثله«فعل».و حكى الزّمخشريّ:بحيرة و بحر و صريمة و صرم،و هي الّتي صرمت أذنها،أي قطعت.

(1:99)

أبو حيّان: البحر:مكان مطمئنّ من الأرض،يجمع المياه،و يجمع في القلّة على:أبحر،و في الكثرة على:بحور و بحار.و أصله قيل:الشّقّ،و قيل:السّعة.

فمن الأوّل:البحيرة،و هي الّتي شقّت أذنها،و من الثّاني:البحيرة:المدينة المتّسعة.و فرس بحر:واسع العدو،و تبحّر في العلم،أي اتّسع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء استعماله في الماء الحلو و الماء الملح،قال تعالى:

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاطر:12.

و جاء استعماله للملح،و يقال:هو الأصل فيه.[ثمّ

ص: 698

استشهد بشعر](1:195)

الفيّوميّ: البحر:معروف،و الجمع:بحور و أبحر و بحار.سمّي بذلك لاتّساعه،و منه قيل:فرس بحر،إذا كان واسع الجري.

و يقال للدّم الخالص الشّديد الحمرة:باحر و بحرانيّ.

و قيل:الدّم البحرانيّ منسوب إلى بحر الرّحم و هو عمقها و هو ممّا غيّر في النّسب،لأنّه لو قيل:بحريّ، لالتبس بالنّسبة إلى البحر.

و البحران على لفظ التّثنية:موضع بين البصرة و عمان،و هو من بلاد نجد.و يعرب إعراب المثنّى،و يجوز أن تجعل النّون محلّ الإعراب مع لزوم الياء مطلقا،و هي لغة مشهورة.و اقتصر عليها الأزهريّ،لأنّه صار علما مفرد الدّلالة،فأشبه المفردات،و النّسبة إليه بحرانيّ.(1:36)

الفيروزآباديّ: البحر:الماء الكثير أو الملح فقط، جمعه:أبحر و بحور و بحار،و التّصغير:أبيحر لا بحير.

و الرّجل الكريم،و الفرس الجواد،و الرّيف،و عمق الرّحم،و الشّقّ،و شقّ الأذن.

و منه البحيرة،كانوا إذا نتجت النّاقة أو الشّاة عشرة أبطن بحروها،و تركوها ترعى،و حرّموا لحمها إذا ماتت على نسائهم،و أكلها الرّجال.

أو الّتي خلّيت بلا راع،أو الّتي إذا نتجت خمسة أبطن و الخامس ذكر،نحروه فأكله الرّجال و النّساء،و إن كانت أنثى بحروا أذنها،فكان حراما عليهم لحمها و لبنها و ركوبها،فإذا ماتت حلّت للنّساء.

أو هي ابنة السّائبة،و حكمها حكم أمّها.

أو هي في الشّاء خاصّة،إذا نتجت خمسة أبطن بحرت،و هي الغزيرة أيضا.جمعه:بحائر و بحر.

و الباحر:الأحمق،و الدّم الخالص الحمرة، و الكذّاب،و الفضوليّ،و دم الرّحم كالبحرانيّ، و المبهوت.

و البحرة:البلدة،و المنخفض من الأرض،و الرّوضة العظيمة،و مستنقع الماء،و اسم مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و بلدة بالبحرين،و كلّ قرية لها نهر جار و ماء ناقع،و بحرة الرّغاء بالطّائف.جمعه:بحر و بحار.

و كزبير:جبل بتهامة.

و بحر كفرح:تحيّر من الفزع،و اشتدّ عطشه،و لحمه ذهب،و البعير اجتهد في العدو طالبا أو مطلوبا فضعف حتّى اسودّ وجهه.و النّعت من الكلّ:بحر.

و البحير كأمير:من به السّلّ كالبحر ككتف.

و بحيرى و بيحر و بيحرة و بحر:أسماء.

و البحور:فرس يزيده الجري جودة.

و الباحور:القمر،و«لقيه صحرة بحرة»و ينوّنان، بلا حجاب.

و بنات بحر،أو الصّواب بالخاء.و وهم الجوهريّ:

سحائب رقاق يجئن قبل الصّيف.

و بحران المريض مولّد،و هذا يوم بحران مضافا، و يوم باحوريّ،على غير قياس.

و البحرين:بلدة،و النّسبة بحريّ و بحرانيّ،أو كره «بحريّ»لئلاّ يشتبه بالمنسوب إلى البحر.

و الباحرة:شجرة شاكة،و من النّوق:الصّفيّة.

و أبحر:ركب البحر،و أخذه السّلّ،و صادف إنسانا

ص: 699

بلا قصد،و اشتدّت حمرة أنفه،و الأرض كثرت مناقعها، و الماء ملح،و الماء وجده بحرا،أي ملحا لم يسغ.

و استبحر:انبسط،و الشّاعر:اتّسع له القول.

و تبحّر في المال:كثر ماله،و في العلم:تعمّق و توسّع.

و بحرانة:بلدة باليمن.و بحران و يضمّ:موضع بناحية الفرع،و البحريّة:موضع باليمامة،و بحيرآباد:بلدة بمرو.

و البحّار:الملاّح،و هم بحّارة.

و بنو بحريّ:بطن.و ذو بحار ككتاب:جبل،أو أرض سهلة تحفّها جبال و بحار و يمنع:موضع،و كغراب آخر، أو لغة في الكسر.و بحرة:موضع بالبحرين،و بلدة بالطّائف.

و الباحور و الباحوراء:شدّة الحرّ في تمّوز.و بحيرة كجهينة:خمسة عشر موضعا.(1:381)

الطّريحيّ: البحر الأخضر:هو البحر المحيط،و في الخبر:«لا تركب البحر إلاّ حاجّا و معتمرا،فإنّ تحت البحر نارا»يريد أنّه لا ينبغي للعاقل أن يلقي نفسه إلى المهالك،إلاّ لأمر دينيّ يحسن بذل النّفس فيه.

و قوله:«فإنّ تحت البحر نارا»هو تهويل شأن البحر لآفات متراكمة،إن أخطأته مرّة جذبته أخرى.

(3:214)

الزّبيديّ: [بعد نقل كلام ابن جنّيّ قال:]

قال شيخنا:و هو كلام ظاهر،إلاّ أنّ كلامه في التّوكيد،و أنّه شبّه العرض بالجوهر،لا يخلو عن نظر ظاهر،و تناقض في الكلام غير خفيّ.(3:28)

العدنانيّ:«البحر»و يخطّئون كلّ من يسمّى النّهر العظيم،أو الماء الكثير العذب بحرا،و يقولون:إنّ كلمة «البحر»لا تطلق إلاّ على«البحر الملح»،اعتمادا على:

معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ.

و لكن قال سبحانه و تعالى: وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ الفرقان:

53،و جاء في تفسير ابن كثير أنّ الماء الكثير العذب يسمّى بحرا أيضا،و قد فرّقه اللّه تعالى بين خلقه، لاحتياجهم إليه أنهارا،أو عيونا في كلّ أرض.

و ممّن قال أيضا:إنّ«البحر»يطلق على الماء الكثير ملحا كان أو عذبا:معجم ألفاظ القرآن الكريم:غلب على الملح حتّى قلّ في العذب،و محمّد بن الحسن الزّبيديّ في كتابه«ما تلحن فيه العامّة»،و الصّحاح:كلّ نهر عظيم بحر،و ابن مكّيّ الصّقلّيّ في كتابه«تثقيف اللّسان»، و اللّسان،و القاموس:الماء الكثير أو الملح فقط،و التّاج كمعجم ألفاظ القرآن الكريم،و المدّ،و محيط المحيط كالقاموس،و أقرب الموارد:الماء الملح؛كلّ نهر عظيم، و المتن،و محمّد عليّ النّجّار في كتابه«محاضرات عن الأخطاء اللّغويّة الشّائعة»،و الوسيط:يغلب في الملح.

و انفرد الرّاغب الأصفهانيّ بقوله في تفسير الآية الكريمة:سمّي العذب بحرا لكونه مع الملح،كما يقال للشّمس و القمر:قمران.

أمّا إذا قلنا:ماء بحر،فهذا يعني أنّه ملح.

و يجمع البحر على:أبحر،و بحور،و بحار،و تصغيره:

أبيحر لا بحير،على غير قياس.

في أثناء العام أو غضونه لا في بحره.و يقولون:

سأسافر إلى المدينة المنوّرة في بحر هذا العام،و الصّواب:

ص: 700

سأسافر إليها أثناء هذا العام أو غضونه.(46)

محمود شيت: 1-أ-بحر الأرض بحرا:شقّها، و الحفرة:وسّعها،و النّاقة أو الشّاة:شقّ أذنها.

ب-بحر بحرا:رأى البحر ففرق و دهش،و تحيّر من الفزع،و اشتدّ عطشه من داء فلم يرو،و أكثر من الشّرب فأصابه داء البحر،و اجتهد في العدو فضعف و انقطع،فهو بحر و بحير.

ج-أبحر الماء:صار كماء البحر في ملوحته.و فلان:

ركب البحر.

د-تبحّر المكان:اتّسع و انبسط،و فلان في العلم و المال و غيرهما:توسّع فيه و تعمّق،و الخبر:تطلّبه.

ه-الباحور:القمر،و شدّة الحرّ في تمّوز.

و-البحّار:الملاّح،جمعه:بحّارة.

ز-البحر:الماء الواسع الكثير،و يغلب في الملح.

و من الرّجال:الواسع المعروف،و الواسع العلم،و من الخيل:الواسع الجري،الشّديد العدو،جمعه:أبحر، و بحور،و بحار.

ح-البحريّ:الملاّح،و كلّ منسوب إلى البحر.

ط-البحريّة:عدّة الدّولة في البحر،من سفن، و غوّاصات،و طائرات،و جنود،و نحو ذلك.

ي-البحيرة:مجتمع الماء،تحيط به الأرض،محدثة.

ك-البحيرة:النّاقة،كانت في الجاهليّة إذا ولدت خمسة أبطن شقّوا أذنها،و أعفوها أن ينتفع بها،و لم يمنعوها من مرعى و لا ماء،و قد أبطلها الإسلام،و الغزيرة اللّبن،جمعه:بحائر،و بحر.

2-أ-أبحر الأسطول:مضى في البحر.

ب-البحّار:الملاّح،جمعه:بحّارة.

ج-البحريّ:الملاّح،و كلّ منسوب إلى البحر، يقال:الأسطول البحريّ.

د-البحريّة:صنف من صنوف الجيوش:أفرادا و سلاحا و بواخر و أساطيل،تعمل في البحر.(1:69)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ حقيقة معنى البحر:

الأرض المتّسعة الّتي تجمّعت فيها الماء الكثير؛و يلازمها التّموّج،و التّلاطم،و التّعمّق،و التّوسّع.

و باعتبار هذه المعاني يطلق على معاني مجازيّة:

فباعتبار جهة التّموّج و التّلاطم المشاهد للنّاظر، يطلق على رجل يتموّج بالعلم أو بالسّخاء أو بالثّروة، و على مدينة تتموّج بالنّفوس و تتلاطم بالإنسان و الدّوابّ و حركاتها،و على رحم متموّجة بالنّتاج حتّى أنّها نتجت عشرة أبطن،فكأنّها بالنّسبة إلى أقرانها بحر، فهي بحيرة،و على فرس يتموّج في سيره الوسيع،و على راع و هو في التّموّج و الحركة و التّلاطم دائما حتّى يحفظ الأنعام و الأغنام و يضبطها،و على داء يتموّج و يدهش صاحبه كالبحر.و كذلك كلمة«البحران»و هو عروض التّلاطم دفعة.

و قد يقال للرّجل الأحمق الجاهل:إنّه باحر،و لعلّ هذا الإطلاق باعتبار ظلمة البحر و اضطرابه أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ النّور:40.(1:199)

ص: 701

النّصوص التّفسيريّة

البحر

1- وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة:50

قتادة: بحر من وراء مصر يقال له:أساف،و ذلك بمرأى من بني إسرائيل.(البغويّ 1:50)

البغويّ: و كان بين طرفي البحر أربعة فراسخ،و هو على طرف بحر من بحر فارس.(1:50)

نحوه الخازن.(1:50)

أبو حيّان: (البحر)قيل:هو بحر القلزم من بحار فارس،و كان بين طرفيه أربعة فراسخ.و قيل:بحر من بحار مصر يقال له:أساف،و يعرف الآن ببحر القلزم، قيل:و هو الصّحيح.(1:198)

نحوه البروسويّ.(1:131)

الآلوسيّ: و اختلفوا في هذا(البحر)فقيل:القلزم، و كان بين طرفيه أربعة فراسخ،و قيل:النّيل.و العرب تسمّي الماء الملح و العذب بحرا،إذا كثر،و منه مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ الرّحمن:19.(1:255)

المصطفويّ: هذا من المعجزات المصرّحة في كتاب اللّه العزيز،و هو تفريق البحر لهم و إنجاؤهم،ثمّ إغراق آل فرعون و إهلاكهم فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ الشّعراء:63.(1:200)

2- وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ. الأنعام:59

راجع«ب ر ر».

3- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا... الأعراف:138

الطّبرسيّ: (البحر)يعني النّيل نهر مصر،بأن جعلنا لهم فيه طرقا يابسة حتّى عبروا،ثمّ أغرقنا فرعون و قومه فيه.(2:471)

أبو حيّان: (وَ الْبَحْرِ): بحر قلزم،و أخطأ من قال:

إنّه نيل مصر.(4:377)

نحوه الآلوسيّ.(9:40)

القاسميّ: أي الّذي أغرق فيه أعداءهم،و هم بحر القلزم كقنفذ.بلد كان في شرقيّ مصر،قرب جبل الطّور، أضيف إليه،لأنّه على طرفه،و يعرف البلد الآن ب«السّويس».و من زعم أنّ(البحر)هو نيل مصر،فقد أخطأ،كما في«العناية».(7:2846)

المصطفويّ: هو منتهى خليج السّويس من البحر الأحمر،الفاصل بين مصر و صحراء سيناء.(1:200)

4- وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا...

النّحل:14

الطّبريّ: و هو كلّ نهر ملحا كان ماؤه أو عذبا.(14:88)

نحوه أبو حيّان.(5:479)

الشّربينيّ: أي ذلّله و هيّأه لعيش ما فيه من الحيوان،و تكوّن الجواهر،و غير ذلك.

قال علماء الهيئة:ثلاثة أرباع كرة الأرض غائصة في الماء،فذاك هو البحر المحيط.و جعل في هذا الرّبع المسكون سبعة أبحر،قال تعالى: وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ

ص: 702

سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لقمان:27،و البحر الّذي سخّره اللّه للنّاس هو هذه البحار.(2:221)

الآلوسيّ: [بعد نقل فوائد البحر قال:]

ظاهر كلام الأكثرين حمل(البحر)في الآية على البحر الملح،و هو مملوء من السّمك بل قيل:إنّ السّمك يطلق على كلّ ما فيه من الحيوانات،و لا يكون اللّؤلؤ إلاّ في مواضع مخصوصة منه.(14:114)

5- فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. الشّعراء:63

الطّوسيّ: قيل:هو بحر قلزم الّذي يسلك النّاس فيه من اليمن و مكّة إلى مصر.و فيه حذف،لأنّ تقديره:

فضرب البحر فانفلق.

و قيل:إنّه صار فيه اثنا عشر طريقا لكلّ سبط (1)طريق.(8:28)

الزّمخشريّ: يقال:هذا البحر هو بحر القلزم، و قيل:هو بحر من وراء مصر يقال له:أساف.

(3:115)

نحوه الطّبرسيّ(4:191)،و البيضاويّ(2:159)، و النّسفيّ(3:185)،و النّيسابوريّ(19:52)، و الشّربينيّ(3:15)،و أبو السّعود(4:108).

البروسويّ: هو بحر القلزم.و سمّي البحر بحرا لاستبحاره،أي اتّساعه و انبساطه.و بحر قلزم طرف من بحر فارس.

و القلزم بضمّ القاف و سكون اللاّم و ضمّ الزّاي بليدة كانت على ساحل البحر من جهة مصر،و بينها و بين مصر نحو ثلاثة أيّام،و قد خربت،و يعرف اليوم موضعها ب«السّويس»تجاه عجرود،منزل ينزله الحاجّ المتوجّه من مصر إلى مكّة،و بالقرب منها غرق فرعون.

و بحر القلزم بحر مظلم وحش لا خير فيه،ظاهرا و باطنا.و على ساحل هذا البحر مدينة مدين،و هي خراب و بها البئر الّتي سقى موسى عليه السّلام منها غنم شعيب، و هي معطّلة الآن.(6:279)

6- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ... الرّوم:41

ابن عبّاس: إنّ(البرّ):ما كان من المدن و القرى على غير نهر، (وَ الْبَحْرِ): ما كان على شطّ نهر.

(القرطبيّ 14:41)

نحوه الحسن.(النّيسابوريّ 21:41)

المراد ب(البرّ)هاهنا:الفيافي و ب(البحر):الأمصار و القرى.

مثله عكرمة،و الضّحّاك،و السّدّيّ.

(ابن كثير 5:364)

أبو العالية: (البرّ):ظهر الأرض، (وَ الْبَحْرِ):

المعروف.(الطّبرسيّ 4:307)

مجاهد: أما و اللّه ما هو بحركم هذا،و لكن كلّ قرية على ماء جار فهي بحر.(القرطبيّ 14:41)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 21:49)

عكرمة: إنّ العرب تسمّي الأمصار بحرا.

(الطّبريّ 21:49)ب.

ص: 703


1- السّبط من اليهود:كالقبيلة الواحدة من العرب.

عطاء: المراد ب(البرّ):ما فيه من المدائن و القرى، و ب(البحر):جزائره.(ابن كثير 5:364)

قتادة: (البرّ):أهل العمود (وَ الْبَحْرِ): أهل القرى و الرّيف.(القرطبيّ 14:41)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المراد من قوله:

ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ فقال بعضهم:عنى ب(البرّ)الفلوات،و ب(البحر)الأمصار و القرى الّتي على المياه و الأنهار.

و قال آخرون: بل عنى ب(البرّ)ظهر الأرض:

الأمصار و غيرها،و ب(البحر)البحر المعروف.[إلى أن قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب:أنّ اللّه تعالى ذكره،أخبر أنّ الفساد قد ظهر في البرّ و البحر عند العرب في الأرض القفار.

و البحر بحران:بحر ملح،و بحر عذب،فهما جميعا عندهم بحر.و لم يخصّص جلّ ثناؤه الخبر عن ظهور ذلك في بحر دون بحر،فذلك على ما وقع عليه اسم بحر،عذبا كان أو ملحا،و إذا كان كذلك دخل القرى الّتي على الأنهار و البحار.(21:49)

الزّجّاج: أي في المدن الّتي على الأنهار.و كلّ ذي ماء فهو بحر.(4:188)

البغويّ: أراد ب(البرّ):البوادي و المفاوز، و ب(البحر):المدائن و القرى الّتي على المياه الجارية.

(5:174)

الميبديّ: قيل:المراد ب (الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ) جميع الأرض،كقول القائل:هو معروف في البرّ و البحر،يعني هو معروف في الدّنيا.(7:465)

الطّبرسيّ: (البرّ):حيث لا يجري النّهر،و هو البوادي، (وَ الْبَحْرِ): و هو كلّ قرية على شاطئ نهر عظيم.

و قيل:(البرّ):البرّيّة، (وَ الْبَحْرِ): الرّيف،و المواضع الخصبة.

و أصل البرّ من«البرّ»لأنّه يبرّ بصلاح المقام فيه، و كذلك«البرّ»لأنّه يبرّ بصلاحه في الغذاء أتمّ صلاح.

و أصل البحر:الشّقّ،لأنّه شقّ في الأرض،ثمّ كثر فسمّي الماء الملح:بحرا.(4:307)

القرطبيّ: و (الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ): هما المعروفان المشهوران في اللّغة و عند النّاس،لا ما قاله بعض العبّاد:

إنّ(البرّ):اللّسان،و(البحر):القلب،لظهور ما على اللّسان،و خفاء ما في القلب.(14:40)

البيضاويّ: قيل:المراد ب(البحر):قرى السّواحل،و قرى البحور.(2:223)

ابن كثير: قال عطاء الخراسانيّ:المراد ب(البرّ):

ما فيه من المدائن و القرى،و ب(البحر):جزائره.

و القول الأوّل:[قول ابن عبّاس المتقدّم]أظهر، و عليه الأكثرون،و يؤيّده ما قاله محمّد بن إسحاق في «السّيرة»:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم صالح ملك أيلة،و كتب إليه ببحره،يعني ببلده.(5:364)

السّيوطيّ: كلّ ما فيه ذكر (الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ) فالمراد ب(البحر)الماء و ب(البرّ)التّراب اليابس،إلاّ ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ فالمراد به:البرّيّة و العمران.

(2:156)

ص: 704

البروسويّ: قال في«التّأويلات النّجميّة»:يشير إلى برّ النّفس و بحر القلب،و فساد النّفس بأكل الحرام، و ارتكاب المحظورات،و تتبّع الشّهوات،و فساد القلب بعقائد السّوء و لزوم الشّبهات،و التّمسّك بالأهواء و البدع،و الاتّصاف بالأوصاف الذّميمة،و حبّ الدّنيا و زينتها،و طلب شهواتها و منافعها،و من أعظم فساد القلب عقد الإصرار على المخالفات،كما أنّ من أعظم الخيرات صحّة العزم على التّوجّه إلى الحقّ،و الإعراض عن الباطل،انتهى.

و أيضا(البرّ):لسان علماء الظّاهر،و فساده بالتّأويلات الفاسدة، (وَ الْبَحْرِ): لسان علماء الباطن، و فساده بالدّعاوي الباطلة.(7:45)

الطّباطبائيّ: الآية بظاهر لفظها عامّة،لا تختصّ بزمان دون زمان،أو بمكان،أو بواقعة خاصّة.فالمراد ب (الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ) معناهما المعروف و يستوعبان سطح الكرة الأرضيّة.[إلى أن قال:]

و لهم في الآية تفاسير مختلفة عجيبة؛كقول بعضهم:

المراد ب(البرّ):القفار الّتي لا يجري فيها نهر و ب(البحر):

كلّ قرية على شاطئ نهر عظيم.

و قول بعضهم: (البرّ):الفيافي و مواضع القبائل، (وَ الْبَحْرِ): السّواحل و المدن الّتي عند البحر و النّهر.

و قول بعضهم: (البرّ):البرّيّة، (وَ الْبَحْرِ): المواضع الخصبة الخضرة.

و قول بعضهم: إنّ هناك مضافا محذوفا،و التّقدير:

في البرّ و مدن البحر.

و لعلّ الّذي دعاهم إلى هذه الأقاويل ما ورد أنّ الآية ناظرة إلى القحط الّذي وقع بمكّة إثر دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على قريش،لمّا لجّوا في كفرهم،و داموا على عنادهم،فأرادوا تطبيق الآية على سبب النّزول؛فوقعوا فيما وقعوا من التّكلّف.(16:195)

7- وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ... لقمان:27

أبو عبيدة: مجاز(البحر)هاهنا الماء العذب،يقال:

ركبنا هذا البحر،و كنّا في ناحية هذا البحر،أي في الرّيف،لأنّ الملح في البحر لا ينبت الأقلام.(2:128)

الفخر الرّازيّ: (وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ) تعريف البحر باللاّم لاستغراق الجنس،و كلّ بحر مداد.(25:157)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(البحر)مطلق البحر.

(16:232)

8- وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ. الطّور:6

البروسويّ: أي المملوء،و هو البحر المحيط الأعظم الّذي منه مادّة جميع البحار المتّصلة و المنقطعة،و هو بحر لا يعرف له ساحل و لا يعلم عمقه إلاّ اللّه تعالى.و البحار الّتي على وجه الأرض خلجان منه.

و في هذا البحر عرش إبليس لعنه اللّه،و فيه مدائن تطفو على وجه الماء و هي آهلة من الجنّ في مقابلة الرّبع الخراب من الأرض،و فيه قصور تظهر على وجه الماء طافية ثمّ تغيب،و تظهر فيها الصّور العجيبة و الأشكال الغريبة،ثمّ تغيب في الماء.و في هذا البحر ينبت شجر المرجان كسائر الأشجار في الأرض،و فيه من الجزائر

ص: 705

المسكونة و الخالية ما لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى.[إلى أن قال:]

قال بعض المفسّرين: (وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي الموقد، من قوله تعالى: وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ التّكوير:6، و المراد به الجنس،و عدد البحار العظيمة سبعة،كما أنّ عدد الأنهار العظيمة كذلك،و كلّ ماء كثير:بحر.

روي أنّ اللّه تعالى يجعل البحار يوم القيامة نارا يسجّر بها نار جهنّم.

و في الحديث: «لا يركبنّ رجل بحرا إلاّ غازيا أو معتمرا أو حاجّا»فإنّ تحت البحر نارا،أو تحت النّار بحرا،و البحر نار في نار.و هذا على أن يكون البحر بحر الدّنيا و بحر الأرض.(9:186)

[و فيه أبحاث أخرى،راجع«س ج ر»]

البحران

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها... فاطر:12

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: كلّم اللّه البحرين،فقال للبحر الّذي بالشّام:يا بحر،إنّي قد خلقتك و أكثرت فيك من الماء، و إنّي حامل فيك عبادا لي يسبّحونني،و يحمدونني، و يهلّلونني،و يكبّرونني،فما أنت صانع بهم؟قال:

أغرقهم،قال اللّه عزّ و جلّ:فإنّي أحملهم على ظهرك و أجعل بأسك في نواحيك.

و قال للبحر الّذي باليمن:إنّي قد خلقتك،و أكثرت فيك الماء،و إنّي حامل فيك عبادا لي يسبّحونني، و يهلّلونني،و يكبّرونني،فما أنت صانع بهم؟قال:

أسبّحك و أحمّدك،و أهلّلك و أكبّرك معهم،و أحملهم على بطني.قال اللّه عزّ و جلّ:فإنّي أفضّلك على البحر الآخر بالحلية و الطّريّ.(الميبديّ 8:173)

الميبديّ: قال بعض أهل المعرفة: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ يعني ما يستوي الوقتان؛هذا بسط و صاحبه في روح،و هذا قبض و صاحبه في نوح؛هذا فرق و صاحبه بوصف العبوديّة،و هذا جمع و صاحبه في شهود الرّبوبيّة.

و البحران إشارة على رأي العرفاء إلى حالتي قبض و بسط للسّالكين،و هما قبض و بسط للمنتهين،كما أنّ الخوف و الرّجاء للمبتدئين.

و لا بدّ للمريد في ابتداء الإرادة في وقت الخدمة من الخوف و الرّجاء،كما هو في النّهاية لا يخلو من القبض و البسط بكمال المعرفة،و الّذي في الخوف و الرّجاء يشغل فكره في الأبد،ما ذا سيفعلون بي غدا؟و الّذي في القبض و البسط يشغل فكره في الأزل،ما ذا فعلوا بي؟و ما ذا حكموا عليّ في الأزل؟(8:179)

الزّمخشريّ: ضرب البحرين-العذب و المالح- مثلين للمؤمن و الكافر.(3:303)

نحوه البيضاويّ(2:269)،و النّيسابوريّ(22:

72)،و أبو السّعود(4:241).

الطّباطبائيّ: و في الآية تمثيل للمؤمن و الكافر بالبحر العذب و المالح،يتبيّن به عدم تساوي المؤمن و الكافر في الكمال الفطريّ،و إن تشاركا في غالب الخواصّ الإنسانيّة و آثارها.فالمؤمن باق على فطرته الأصليّة،ينال بها سعادة الحياة الدّائمة،و الكافر منحرف

ص: 706

فيها متلبّس بما لا تستطيبه الفطرة الإنسانيّة،و سيعذّب بأعماله.

فمثلها مثل البحرين المختلفين عذوبة و ملوحة،فهما مختلفان من حيث البقاء على فطرة الماء الأصليّة،و هي العذوبة و الخروج عنها بالملوحة،و إن اشتركا في بعض الآثار الّتي ينتفع بها.فمن كلّ منهما تأكلون لحما طريّا، و هو لحم السّمك و الطّير المصطاد من البحر، و تستخرجون حلية تلبسونها كاللّؤلؤ و المرجان و الأصداف.

فظاهر الآية أنّ الحلية المستخرجة مشتركة بين البحر العذب و البحر المالح.لكن جمعا من المفسّرين استشكلوا ذلك بأنّ اللّؤلؤ و المرجان إنّما يستخرجان من البحر المالح دون العذب،و قد أجابوا عنه بأجوبة مختلفة:

منها:أنّ الآية مسوقة لبيان اشتراك البحرين في مطلق الفائدة و إن اختصّ ببعضها،كأنّه قيل:و من كلّ تنتفعون و تستفيدون كما تأكلون منهما لحما طريّا، و تستخرجون من البحر المالح حلية تلبسونها،و ترى الفلك فيه مواخر.

و منها:أنّه شبّه المؤمن و الكافر:بالعذب و الأجاج، ثمّ فضّل«الأجاج»على الكافر بأنّ في«الأجاج»بعض النّفع،و الكافر لا نفع في وجوده.فالآية على طريقة قوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ثمّ قال: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ البقرة:74.

و منها:أنّ قوله: وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها من تتمّة التّمثيل على معنى أنّ البحرين و إن اشتركا في بعض المنافع تفاوتا فيما هو المقصود بالذّات،لأنّ أحدهما خالطه ما خرج به عن صفاء فطرته،و المؤمن و الكافر و إن اتّفقا أحيانا في بعض المكارم كالشّجاعة و السّخاوة متفاوتان فيما هو الأصل لبقاء أحدهما،على صفاء الفطرة الأصليّة دون الآخر.

و منها:أنّه لا مانع من أن يخرج اللّؤلؤ من المياه العذبة و إن لم نره،فالإشكال باختصاص الحلية بالماء المالح ممنوع.

و منها:منع أصل الدّعوى،و هو كون الآية وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ إلخ تمثيلا للمؤمن و الكافر بل هي واقعة في سياق تعداد النّعم لإثبات الرّبوبيّة،كقوله قبلا وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فاطر:9،و قوله بعدا:

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ فاطر:13،إلخ.فالآية مسوقة لبيان نعمة البحر و اختلافه بالعذوبة و الملوحة،و ما فيهما من المنافع المشتركة و المختصّة.

و يؤيّد هذا الوجه أنّ نظير الآية في سورة النّحل واقعة في سياق الآيات العادّة لنعم اللّه سبحانه،و هو قوله: وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ النّحل:14.

و الحقّ أنّ أصل الاستشكال في غير محلّه،و أنّ البحرين يشتركان في وجود الحلية فيهما،كما هو مذكور في الكتب الباحثة عن هذه الشّئون،مشروح فيها.

(17:26)

ص: 707

البحرين

1- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً. الكهف:60

مجاهد: بحر روم و بحر فارس،أحدهما قبل المشرق،و الآخر قبل المغرب.(الطّبريّ 15:271)

نحوه الفرّاء(2:152)،و الطّبريّ(15:271).

قتادة: و البحران:بحر فارس و بحر روم،و بحر الرّوم ممّا يلي المغرب،و بحر فارس ممّا يلي المشرق.(الطّبريّ 15:271)

السّدّيّ: البحران:الكرّ و الرّسّ بأرمينيّة.

(الآلوسيّ 15:312)

الميبديّ: قيل:هما بحر المشرق و المغرب اللّذان يحيطان بجميع الأرض.

و قيل:العذب و الملح.و قيل:البحران من العلم، و هما موسى و الخضر.(5:715)

نحوه البيضاويّ.(2:18)

الزّمخشريّ: ملتقى بحري فارس و الرّوم ممّا يلي المشرق.

و من بدع التّفاسير أنّ البحرين:موسى و الخضر، لأنّهما كانا بحرين في العلم.(2:49)

الفخر الرّازيّ: أمّا (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) فهو المكان الّذي وعد فيه موسى بلقاء الخضر عليهما السّلام،و هو ملتقى بحري فارس و الرّوم ممّا يلي المشرق.

و قيل:غيره،و ليس في اللّفظ ما يدلّ على تعيين هذين البحرين،فإن صحّ بالخبر الصّحيح شيء فذاك، و إلاّ فالأولى السّكوت عنه.

و من النّاس من قال: البحران:موسى و الخضر عليهما السّلام،لأنّهما كانا بحري العلم.(21:145)

النّيسابوريّ: يعني ملتقى بحر فارس و الرّوم،و قد شرحنا وضع البحار في سورة البقرة:164،و قيل:أراد طنجة،و قيل:إفريقيّة.

و من غرائب التّفسير أنّ (الْبَحْرَيْنِ) موسى و الخضر،لأنّهما بحر العلم.و هذا مع غرابته مستبشع جدّا،لأنّ أحد البحرين إذا كان هو موسى عليه السّلام فكيف يصحّ أن يقول: حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، إذ يؤول حاصل المعنى إلى قولنا:حتّى أبلغ مكانا يجتمع فيه بحران من العلم أحدهما أنا.(16:7)

أبو حيّان: قيل:هو بحر الأندلس،و القرية الّتي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء.و قيل: (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) بحر ملح و بحر عذب،فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر.

و قالت فرقة: البحران:كناية عن موسى و الخضر، لأنّهما بحرا علم.و هذا شبيه بتفسير الباطنيّة و غلاة الصّوفيّة،و الأحاديث تدلّ على أنّهما بحرا ماء.

قيل:بحر القلزم،و قيل:بحر الأزرق.(6:144)

نحوه الآلوسيّ.(15:312)

أبو السّعود: هو ملتقى بحر فارس و الرّوم ممّا يلي المشرق.و قيل:طنجة،و قيل:هما الكرّ و الرّسّ بأرمينيّة،و قيل:إفريقيّة.(3:258)

حسنين مخلوف: هما على ما يظهر:البحر الأحمر،و البحر الأبيض.(1:480)

المصطفويّ: قد اختلفت الأقوال و التّفاسير في

ص: 708

المعنى المراد من كلمة (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) فقيل:إنّه بحري الرّوم و فارس،أي مجمعهما،و مرادهم مضيق جبل طارق الواقع في الجنوب الغربيّ من إسبانيا،يوصل البحر الأبيض المتوسّط«بحر الرّوم»بالمحيط الأطلسيّ «الأطلانطيقيّ».و القدماء قد يسمّونه ببحر فارس، لاتّصاله ببحر عمان المتّصل بسواحل إيران«بلوجستان، مكران».

و لا يخفى أنّ المسافر من مصر إلى جبل طارق لا بدّ له من أن يعبر مملكة ليبيا،ثمّ الجزائر،ثمّ المغرب المراكش، حتّى يصل إلى جبل طارق.و المسافة من قاهرة مصر إلى الجبل ما يقرب من(3800)كيلومتر.

و قيل:إنّ المراد:بحر فارس و الرّوم ممّا يلي المشرق،و لعلّ مرادهم من بحر الرّوم هنا:البحر الأحمر باعتبار امتداده إلى جانب الرّوم و بحر الرّوم،فيكون المراد:باب المندب في منتهى البحر الأحمر قريبا من عدن اليمن،و المسافة بينه و بين سويس قريبة من(2300) كيلومتر،فلا بدّ أن يعبر أراضي مصر طولا ثمّ أراضي سودان،ثمّ أراضي الحبشة،حتّى يصل إلى مضيق عدن.

و يمكن أن يكون مرادهم مضيق هرمز الواقع بين خليج فارس و بحر عمان،قريبا من مسقط عمان و بندر عبّاس لإيران،فتكون المسافة بين سويس و بين باب هرمز قريبا من(3700)كيلومتر،فلا بدّ أن يعبر من شمال صحراء سيناء،ثمّ أراضي الأردن،ثمّ الحجاز شرقا جنوبيّا،ثمّ أراضي عمان،حتّى يصل إلى مضيق هرمز.

و الّذي يقوى في النّظر أنّ المراد من كلمة (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) هو مجمع خليج العقبة و خليج سويس،و هو محلّ انشعابهما،و مرجعهما،أي منتهى البحر الأحمر.

و هناك رأس محمّد و بلدة شرم،و هو آخر نقطة جنوبيّة من صحراء سيناء،و المسافة من بلدة سويس إلى رأس محمّد(150)ميلا،و هو يساوي(50)فرسخا.و لكنّ المسافر يسلك هذا الطّريق في عشرة أيّام أو أكثر لصعوبة المسير بالجبال و الأودية الكثيرة و حرارة الهواء، و قلّة الماء و الغذاء،و خوف التّيه.و يؤيّد هذا النّظر ما يقول موسى عليه السّلام: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً الكهف:62.

و هذا المعنى أقرب المحامل و أنسبها ظاهرا و باطنا:

أمّا الظّاهر فإنّ المسافة بينهما قريبة،و إنّه كان بمسمع و مرأى من أهل مصر و سيناء،و إنّه كان بمعهود لموسى عليه السّلام حيث مرّ بمدين شعيب-و مدين في جهة شرقيّة جنوبيّة من هذا المجمع-و إنّ ذكره و إرادته لا يحتاج إلى بيان و توضيح و قرينة خارجيّة،و إنّ الأقرب يمنع الأبعد،و إنّ المطلق ينصرف إلى المعهود، و إنّ المسير إليه لا يحتاج إلى زمان قريب من ثلاثة أشهر ذهابا و ثلاثة أشهر إيابا،كما في القول الأوّل و الثّالث.

و هذا ينافي مقام الدّعوة و التّبليغ،و قد عبد قومه صنما في أيّام مناجاته.

و أمّا باطنا و معنى فإنّ التّعبير بكلمة (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) دون ملتقى البحرين أو المصبّ أو المضيق أو الموصل أو غيرها،يعطي الاختصاص بهذا المورد،فإنّ فيه يجتمع الخليجان،و يردان في طولهما في هذا الموضع معا،بخلاف باب هرمز و باب المندب و جبل طارق،فإنّ فيها يلتقي البحران،و ليست بمجمع البحرين لغة و عرفا.

ص: 709

و يؤيّد هذا المعنى تفسير«القرية»في الآية الكريمة ببلدة أيلة،و هي في منتهى خليج العقبة،راجع «الخريطة».

و سنزيد التّوضيح إنشاء اللّه في سائر كلمات الآية الشّريفة.(1:204)

2- وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ. الفرقان:53

ابن عبّاس: بحر السّماء و بحر الأرض يلتقيان في كلّ عام.(أبو حيّان 6:506)

مجاهد: مياه الأنهار الواقعة في البحر الأجاج.(أبو حيّان 6:506)

الزّمخشريّ: و سمّى الماءين الكثيرين الواسعين (بحرين).(3:96)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّه يراد ب (الْبَحْرَيْنِ) الماء الكثير العذب،و الماء الكثير الملح.

و قيل:بحران معيّنان،فقيل:بحر فارس،و بحر الرّوم.(6:506)

الآلوسيّ: و المراد ب (الْبَحْرَيْنِ) الماء الكثير العذب، و الماء الكثير الملح،من غير تخصيص ببحرين معيّنين.(19:33)

3- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً...

النّمل:61

مجاهد: بحر السّماء و الأرض.(أبو حيّان 7:89)

الضّحّاك:البحران:العذب و الملح.

(أبو حيّان 7:89)

نحوه الطّبريّ(20:3)،و الزّجّاج(4:127)، و البغويّ(5:127)،و الطّبرسيّ(4:229)،و ابن الجوزيّ(6:186)،و القرطبيّ(13:222).

الحسن: بحر فارس و الرّوم.(أبو حيّان 7:90)

السّدّيّ: بحر العراق و الشّام.(أبو حيّان 7:90)

الميبديّ: قيل:العذب:جيحان و سيحان و دجلة و الفرات و النّيل،و الأجاج:سائر البحار.(7:240)

الفخر الرّازيّ: فالمقصود منه أن لا يفسد العذب بالاختلاط،و أيضا فلينتفع بذلك الحاجز.و أيضا المؤمن في قلبه بحران:بحر الإيمان و الحكمة،و بحر الطّغيان و الشّهوة،و هو بتوفيقه جعل بينهما حاجزا،لكي لا يفسد أحدهما بالآخر.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّ اختصاص البحر بجانب من الأرض دون جانب أمر غير واجب،بل الحقّ أنّ البحر ينتقل في مدد لا تضبطها التّواريخ المنقولة من قرن إلى قرن،لأنّ استمداد البحر في الأكثر من الأنهار،و الأنهار تستمدّ في الأكثر من العيون.

و أمّا مياه السّماء فإنّ حدوثها في فصل بعينه دون فصل،ثمّ لا العيون و لا مياه السّماء يجب أن تتشابه أحوالها في بقاع واحدة بأعيانها تشابها مستمرّا،فإنّ كثيرا من العيون يغور،و كثيرا ما تقحط السّماء،فلا بدّ حينئذ من نضوب الأودية و الأنهار،فيعرض بسبب ذلك نضوب البحار.و إذا حدثت العيون من جانب آخر

ص: 710

حدثت الأنهار هناك،فحصلت البحار من ذلك الجانب.(24:208)

النّيسابوريّ: بحر الرّوح و بحر النّفس.

(20:12)

أبو السّعود: أي العذب و المالح،أو خليجي فارس و الرّوم.(4:138)

مثله البروسويّ.(6:362)

4- مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. الرّحمن:19

سلمان الفارسيّ: إنّ (الْبَحْرَيْنِ) عليّ و فاطمة عليهما السّلام، (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) محمّد صلّى اللّه عليه و آله، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ: الحسن و الحسين عليهما السّلام.

مثله سعيد بن جبير،و سفيان الثّوريّ،و نحوه الضّحّاك.(الطّبرسيّ 5:201)

مثله أبو ذرّ.(البحرانيّ 4:265)

ابن عبّاس: بحر في السّماء و الأرض يلتقيان في كلّ عام.(الطّبريّ 27:128)

نحوه سعيد بن جبير،و ابن أبزي(الطّبريّ 27:

128)،و مجاهد(القرطبيّ 17:162).

إنّ فاطمة عليها السّلام بكت للجوع و العرى،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«اقنعي يا فاطمة بزوجك،فو اللّه إنّه سيّد في الدّنيا و سيّد في الآخرة».و أصلح بينهما،فأنزل اللّه تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ....

يقول:إنّا أرسلنا (الْبَحْرَيْنِ): عليّ بن أبي طالب بحر العلم،و فاطمة بحر النّبوّة (يَلْتَقِيانِ): يتّصلان،أنا اللّه أوقعت الوصلة بينهما.ثمّ قال: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ مانع، رسول اللّه يمنع عليّ بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدّنيا، و يمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدّنيا. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما يا معشر الجنّ و الإنس (تُكَذِّبانِ) بولاية أمير المؤمنين،و حبّ فاطمة الزّهراء.

ف (اللُّؤْلُؤُ): الحسن (وَ الْمَرْجانُ): الحسين،لأنّ اللّؤلؤ:الكبار،و المرجان:الصّغار.و لا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما،و كثرة خيرهما،فإنّ البحر إنّما سمّي بحرا لسعته.و أجرى النّبيّ فرسا،فقال:«وجدته بحرا».

(البحرانيّ 4:266)

الحسن: بحر الرّوم و بحر فارس و اليمن.

(الطّبريّ 27:128)

قتادة: بحر فارس و بحر الرّوم.

(الطّبريّ 27:128)

الإمام الصّادق عليه السّلام: عليّ و فاطمة عليهما السّلام بحران من العلم عميقان،لا يبغي أحدهما على صاحبه يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ: الحسن و الحسين عليهما السّلام.

(البحرانيّ 4:265)

ابن جريج:إنّه البحر المالح،و الأنهار العذبة.

(القرطبيّ 17:162)

الطّبريّ: اختلف أهل العلم في البحرين اللّذين ذكرهما اللّه جلّ ثناؤه في هذه الآية،أيّ البحرين هما؟ فقال بعضهم:هما بحران:أحدهما في السّماء،و الآخر في الأرض.

و قال آخرون: عنى بذلك بحر فارس و بحر الرّوم.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قول من قال:عنى به بحر السّماء و بحر الأرض؛و ذلك أنّ اللّه قال:

ص: 711

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ الرّحمن:22،اللّؤلؤ و المرجان إنّما يخرج من أصداف بحر الأرض عن قطر ماء السّماء،فمعلوم أنّ ذلك بحر الأرض،و بحر السّماء.

(27:128)

الطّبرسيّ: [بعد نقل قول سلمان الفارسيّ قال:]

و لا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما و كثرة خيرهما،فإنّ البحر إنّما يسمّى بحرا لسعته.و قد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لفرس ركبه و أجراه فأحمده:«وجدته بحرا» أي كثير المعاني الحميدة.(5:201)

الفخر الرّازيّ: في (الْبَحْرَيْنِ) وجوه:

أحدها:بحر السّماء و بحر الأرض.

ثانيها:البحر الحلو و البحر المالح،كما قال تعالى:

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاطر:12،و هو أصحّ،و أظهر من الأوّل.

ثالثها:ما ذكرنا في (الْمَشْرِقَيْنِ) و في قوله: (تُكَذِّبانِ) إنّه إشارة إلى النّوعين الحاصرين،فدخل فيه بحر السّماء و بحر الأرض،و البحر العذب و البحر المالح.

رابعها:أنّه تعالى خلق في الأرض بحارا تحيط بها الأرض،و ببعض جزائرها يحيط الماء،و خلق بحرا محيطا بالأرض و عليه الأرض،و أحاط به الهواء-كما قال به أصحاب علم الهيئة،و ورد به أخبار مشهورة-و هذه البحار الّتي في الأرض لها اتّصال بالبحر المحيط،ثمّ إنّهما لا يبغيان على الأرض و لا يغطّيانها بفضل اللّه تعالى، لتكون الأرض بارزة يتّخذها الإنسان مكانا.

و عند النّظر إلى أمر الأرض،يجار الطّبيعيّ و يتلجلج في الكلام،فإنّ عندهم موضع الأرض بطبعه أن يكون في المركز،و يكون الماء محيطا بجميع جوانبه.

فإذا قيل لهم:فكيف ظهرت الأرض من الماء و لم ترسب؟يقولون:لانجذاب البحار إلى بعض جوانبها.

فإن قيل:لما ذا انجذب؟فالّذي يكون عنده قليل من العقل يرجع إلى الحقّ،و يجعله بإرادة اللّه تعالى و مشيئته، و الّذي يكون عديم العقل يجعل سببه من الكواكب و أوضاعها و اختلاف مقابلاتها،و ينقطع في كلّ مقام مرّة بعد أخرى.

و في آخر الأمر إذا قيل له أوضاع الكواكب:لم اختلف على الوجه الّذي أوجب البرد في بعض الأرض دون بعض آخر؟صار كما قال تعالى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ البقرة:258،و يرجع إلى الخلق،إن هداه اللّه تعالى.(29:100)

القرطبيّ: قيل:بحر المشرق و المغرب يلتقي طرفاهما.و قيل:بحر اللّؤلؤ و المرجان.(17:162)

الشّريف العامليّ: في بعض الزّيارات«أشهد أنّك بحر العلوم المسجور،و في بعضها السّلام عليك يا بحر العلوم».

و لا يخفى أنّ المستفاد من ذلك جواز تأويل البحر و البحار الخالية عن الذّمّ-لا سيّما المشتملة على المدح و النّفع-بالإمام و النّبيّ و الأئمّة،بل بفاطمة أيضا، لكونهم عليهم السّلام بحر العلوم و النّبوّة.

و على هذا يمكن تأويل البحر و البحار المالحة و الضّارّة و المذمومة بأعدائهم،لكونهم بحر الظّلم و الضّلالة و الشّرور.(95)

ص: 712

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ المراد ب (الْبَحْرَيْنِ):

العذب الفرات،و الملح الأجاج،قال تعالى:

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها فاطر:12.

و أمثل ما قيل في الآيتين:إنّ المراد ب (الْبَحْرَيْنِ):

جنس البحر المالح الّذي يغمر قريبا من ثلاثة أرباع الكرة الأرضيّة من البحار المحيطة و غير المحيطة،و البحر العذب و المدّخر في مخازن الأرض الّتي تنفجر الأرض عنها؛ فتجري العيون و الأنهار الكبيرة،فتصبّ في البحر المالح.

و لا يزالان يلتقيان،و بينهما حاجز،و هو نفس المخازن الأرضيّة و المجاري،يحجز البحر المالح أن يبغي على البحر العذب،فيغشّيه و يبدّله بحرا مالحا،و تبطل بذلك الحياة؛و يحجز البحر العذب أن يزيد في الانصباب على البحر المالح،فيبدّله ماء عذبا،فتبطل بذلك مصلحة ملوحته،من تطهير الهواء و غيره.

و لا يزال البحر المالح يمدّ البحر العذب بالأمطار الّتي تأخذها منه السّحب،فتمطر على الأرض و تدّخرها المخازن الأرضيّة،و البحر العذب يمدّ البحر المالح بالانصباب.

فمعنى الآيتين-و اللّه أعلم-خلط البحرين-العذب الفرات و الملح الأجاج-حال كونهما مستمرّين في تلاقيهما،بينهما حاجز لا يطغيان،بأن يغمر أحدهما الآخر،فيذهب بصفته من العذوبة و الملوحة،فيختلّ نظام الحياة و البقاء.(19:99)

بحيرة

ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. المائدة:103

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«قد عرفت أوّل من بحّر البحائر، رجل من مدلج،كانت له ناقتان فجدع آذانهما و حرّم ألبانهما و ظهورهما،و قال:هاتان للّه.ثمّ احتاج إليهما فشرب ألبانهما،و ركب ظهورهما.فلقد رأيته في النّار، يؤذي أهل النّار ريح قصبه».(الطّبريّ 7:86)

[في حديث خطابا لأبي أبي الأحوص قال:]

أ رأيت إبلك أ لست تنتجها،مسلّمة آذانها،فتأخذ الموسى فتجدعها،تقول:هذه بحيرة،و تشقّ آذانها تقول:هذه حرم؟قال:نعم.

قال:فإنّ ساعد اللّه أشدّ،و موسى اللّه أحدّ،كلّ مالك لك حلال،لا يحرم عليك منه شيء.

(الطّبريّ 7:87)

ابن عبّاس: فالبحيرة:النّاقة-كان الرّجل-إذا ولدت خمسة أبطن فيعمد إلى الخامسة،فما لم يكن سقبا فيبتك آذانه،و لا يجزّ لها وبرا،و لا يذوق لها لبنا،فتلك البحيرة.(الطّبريّ 7:90)

إنّها النّاقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس، فإن كان ذكرا نحروه،فأكله الرّجال و النّساء،و إن كان أنثى شقّوا أذنها.و كانت حراما على النّساء لا ينتفعن بها و لا يذقن من لبنها،و منافعها للرّجال خاصّة.فإذا ماتت اشترك فيها الرّجال و النّساء.

مثله ابن قتيبة.(ابن الجوزيّ 2:436)

ص: 713

ابن المسيّب:البحيرة من الإبل الّتي يمنع درّها للطّواغيت.(الطّبريّ 7:91)

الشّعبيّ: البحيرة:المخضرمة.

البحيرة:هي الّتي تجدع آذانها.(الطّبريّ 7:89)

مجاهد: البحيرة من الإبل،يحرّم أهل الجاهليّة وبرها و ظهرها و لحمها و لبنها،إلاّ على الرّجال.فما ولدت من ذكر و أنثى فهو على هيئتها،و إن ماتت اشترك الرّجال و النّساء في أكل لحمها،فإذا ضرب الجمل من ولد البحيرة فهو الحامي.(الطّبريّ 7:89)

عكرمة: البحيرة:النّاقة إذا نتجت خمسة أبطن، فإذا كان الخامس ذكرا نحروه تأكله الرّجال و النّساء، و إن كان الخامس أنثى بحروا أذنها،أي شقّوه و كانت حراما على النّساء لحمها و لبنها،فإذا ماتت حلّت للنّساء.(القرطبيّ 6:336)

مثله السّجستانيّ(55)،و نفطويه(الهرويّ 1:

134)،و الصّدوق(معاني الأخبار:148).و نحوه قتادة (الطّبريّ 7:90)،و الضّحّاك(الطّبريّ 7:91)،و أبو عبيدة(1:177).

عطاء: إنّها النّاقة تلد خمس إناث ليس فيهنّ ذكر، فيعمدون إلى الخامسة فيبتكون أذنها.

(ابن الجوزيّ 2:437)

السّدّيّ: فالبحيرة من الإبل،كانت النّاقة إذا نتجت خمسة أبطن،إن كان الخامس سقبا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم،و كانت أمّه من عرض الإبل.و إن كانت ربعة استحيوها،و شقّوا أذن أمّها و جزّوا وبرها،و خلّوها في البطحاء،فلم تجز لهم في دية،و لم يحلبوا لها لبنا،و لم يجزّوا لها وبرا،و لم يحملوا على ظهرها،و هي من الأنعام الّتي حرّمت ظهورها.(الطّبريّ 7:90)

ابن إسحاق: البحيرة هي ابنة السّائبة.

(القرطبيّ 6:336)

نحوه الفرّاء.(1:322)

ابن زيد: البحيرة:كان الرّجل يجدع أذني ناقته ثمّ يعتقها،كما يعتق جاريته و غلامه،لا تحلب، و لا تركب.(الطّبريّ 7:92)

أبو عبيدة: البحيرة:جعلها قوم من الشّاة خاصّة، إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها و تركت،فلا يمسّها أحد و لا شيئا منها،يبحّرون أذنها،أي يخرمونها.

و قال آخرون: بل البحيرة إنّها إذا نتجت النّاقة خمسة أبطن فكان آخرها سقبا،أي ذكرا،بحّروا أذن النّاقة،أي شقّوها و خلّوا عنها،فلم تركب و لم يضربها فحل،و لم تدفع عن ماء و لا عن مرعى،و حرّموا ذلك منها،فتلقى الجائع،فلا ينحرها و لا يركبها المعيي تحرّجا.

(1:180)

الطّبريّ: ما بحر اللّه بحيرة،و لا سيّب سائبة، و لا وصل وصيلة،و لا حمى حاميا،و لكنّكم الّذين فعلتم ذلك أيّها الكفرة،فحرّمتموه افتراء على ربّكم.[إلى أن قال:]

و البحيرة:الفعيلة من قول القائل:بحرت أذن هذه النّاقة،إذا شقّها،أبحرها بحرا،و النّاقة مبحورة،ثمّ تصرّف«المفعولة»إلى«فعيلة»فيقال:هي بحيرة.و أمّا البحر من الإبل فهو الّذي قد أصابه داء من كثرة شرب الماء،يقال منه:بحر البعير يبحر بحرا.[ثمّ استشهد

ص: 714

بشعر]

و قد اختلف أهل التّأويل في صفات المسمّيات بهذه الأسماء و السّبب الّذي من أجله كانت تفعل ذلك.[بعد نقل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:]

و ذلك أنّ النّاقة إذا تابعت اثنتى عشرة إناثا ليس فيها ذكر سيّبت،فلم يركب ظهرها و لم يجزّ وبرها،و لم يشرب لبنها إلاّ ضيف.فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقّ أذنها ثمّ خلّي سبيلها مع أمّها في الإبل،فلم يركب ظهرها و لم يجزّ وبرها،و لم يشرب لبنها إلاّ ضيف،كما فعل بأمّها،فهي البحيرة:ابنة السّائبة.[إلى أن قال:]

فالصّواب من القول في ذلك أن يقال:أمّا معاني هذه الأسماء،فما بيّنّا في ابتداء القول،في تأويل هذه الآية.

و أمّا كيفيّة عمل القوم في ذلك فما لا علم لنا به.

و قد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا،و غير ضائر الجهل بذلك،إذا كان المراد من علمه المحتاج إليه موصلا إلى حقيقته،و هو أنّ القوم كانوا محرّمين من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرّمه اللّه اتّباعا منهم خطوات الشّيطان،فوبّخهم اللّه تعالى بذلك، و أخبرهم أنّ كلّ ذلك حلال،فالحرام من كلّ شيء عندنا ما حرّم اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بنصّ أو دليل، و الحلال منه ما أحلّه اللّه و رسوله كذلك.(7:86)

الزّجّاج: أثبت ما روينا في تفسير هذه الأسماء عن أهل اللّغة ما أذكره هاهنا:

قال أهل اللّغة:البحيرة:ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن و كان آخرها ذكرا،نحروا أذنها،أي شقّوها و امتنعوا من ركوبها و ذبحها،و لا تطرد عن ماء،و لا تمنع من مرعى،و إذا لقيها المعيي لم يركبها.(2:213)

نحوه البروسويّ.(2:451)

القمّيّ: فإنّ البحيرة كانت إذا وضعت الشّاة خمسة أبطن ففي السّادسة قالت العرب:قد بحرت،فجعلوها للصّنم،و لا تمنع ماء و لا مرعى.(1:188)

الطّوسيّ: هذه الآية من الأدلّة الواضحة على بطلان مذهب المجبّرة من قولهم:من أنّ اللّه تعالى هو الخالق للكفر و المعاصي و عبادة الأصنام و غيرها من القبائح،لأنّه تعالى نهى أن يكون هو الّذي جعل البحيرة أو السّائبة أو الوصيلة أو الحامي،و عندهم إنّ اللّه تعالى هو الجاعل له و الخالق تكذيبا للّه تعالى و جراءة عليه.ثمّ بيّن تعالى أنّ هؤلاء بهذا القول قد كفروا باللّه و افتروا عليه بأن أضافوا إليه ما ليس بفعل له.و ذلك واضح لا إشكال فيه.

و معنى ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ أي ما حرّمها على ما حرّمها أهل الجاهليّة،و لا أمر بها.(4:40)

الآلوسيّ: هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة»من البحر و هو الشّقّ،و التّاء للنّقل إلى الاسميّة،أو لحذف الموصوف.[ثمّ نقل قول الزّجّاج و عكرمة و أضاف:]

و قيل:البحيرة هي الأنثى الّتي تكون خامس بطن، و كانوا لا يحلّون لحمها و لبنها للنّساء،فإن ماتت اشترك الرّجال و النّساء في أكلها.

و قيل:هي الّتي ولدت خمسا أو سبعا،و قيل:

عشرة أبطن و تترك هملا،و إذا ماتت حلّ لحمها للرّجال خاصّة.(7:42)

ص: 715

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «البحر»على خمسة أوجه:اليمّ، موسى و خضر،ماء العذب و الملح،سبعة أبحر،بحر تحت العرش.

فوجه منها،البحر:اليمّ،قوله: وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً الدّخان:24،يعني اليمّ،كقوله تعالى:

وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ الأعراف:138.

و الوجه الثّاني:البحر:موسى و خضر عليهما السّلام،كقوله تعالى: أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ الكهف:60،يعني موسى و خضر،على قول بعض أهل التّفسير.

و الوجه الثّالث:البحر:ماء العذب و الملح،قوله:

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ الرّحمن:19،يعني ماء الملح و العذب،كقوله: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ فاطر:12، يعني الماءين هذا عَذْبٌ فُراتٌ...

و الوجه الرّابع:البحر:سبعة أبحر،قوله: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ... لقمان:27،يعني سبعة أبحر،نظيرها:

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ... لقمان:31،و نحوه كثير.

و الوجه الخامس:البحر:بحر تحت العرش،قوله:

وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الطّور:6،يعني بحر تحت العرش.(170)

الفيروزآباديّ:بصيرة في«البحر»و«البحيرة» و قد ورد على أنحاء:بمعنى ضدّ البرّ: وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً الدّخان:24، وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ يونس:90،و بمعنى بحر فارس و الرّوم: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاطر:12.

و بمعنى البحر الّذي تحت العرش المجيد،و فيه عجائب لا يعلمها إلاّ اللّه،و بمائه يحيي اللّه الأموات وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الطّور:4-6.

و بمعنى الأرياف و القرى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الرّوم:41،أي في البوادي و الحواضر.

(بصائر ذوي التّمييز 2:225)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الاتّساع و الانفراج، و البحر رأسها.و منه اشتقّت سائر المعاني،و سمّي بذلك لوسعته و إحداثه فروجا في الأرض

و لو قيل إنّ الأصل فيها هو البحر،ثمّ استعملت في الاتّساع و الانفراج لكونهما لازمين للبحر لما كان بعيدا، بل هذا أوفى بما اخترناه في كثير من الموادّ؛بناء على أنّ الأصل في اللّغات المعاني المحسوسة ثمّ توسّعت إلى لوازمها المادّيّة و المعنويّة.و الشّاهد عليه توافر المشتقّات منها بمعناها الأصليّ أي البحر،و هي أكثر ممّا تفرّع عليه المعاني كالاتّساع و الانفراج و الانشقاق و الكثرة و الملوحة و نحوها.و مثله يقال في البرّ.لاحظ«ب ر ر».

و يطلق البحر على الماء الملح و العذب على السّواء، كما يطلق على النّهر ذي الماء الغزير أيضا،يقال:بحر الرّجل:سبح في البحر فانقطعت سباحته،و استبحر الماء:غلظ بعد عذوبة،و أبحر:صار ملحا،و أبحر فلان:

ص: 716

ركب الماء و البحر،و بحر الرّجل:رأى البحر فدهش، و أبحرت الأرض:كثرت مناقع الماء فيها.

و منه حديث عبد المطّلب:«حفر زمزم ثمّ بحرها بحرا»،أي شقّها و وسّعها حتّى لا تنزف.و منه اشتقّت البحيرة،و هي النّاقة الّتي كان أهل الجاهليّة يشقّون أذنها.

و قد استعاروا«البحر»للعلم،فقالوا:تبحّر الرّجل في العلم و استبحر،أي اتّسع فيه.و استعاروه للمال، فقيل:تبحّر فلان في المال:توسّع،و للكلإ أيضا،يقال:

تبحّر الرّاعي:وقع في رعي كثير،و للشّعر:استبحر الشّاعر،اتّسع له القول،و للسّخاء:رجل بحر،أي سخيّ،و للفرس الواسع السّير،يقال:إنّه لبحر،و غير ذلك.

2-و حسب الجوهريّ البحران-أي النّزلة في الأمراض الشّديدة-مولّدا،و ليس كذلك،بل هو معرّب «بحرونا»السّريانيّ (1)،و كذا لفظ«باحور»أو «باحوراء»،أي شدّة الحرّ في تمّوز،فهو ليس مولّدا،بل معرّب لفظ«بحيرا»السّريانيّ،أي المجرّب و الفريد (2)، فكأنّ الأيّام الّتي تشتدّ فيها الحرارة منقطعة القرين في ذلك.و هي سبعة أيّام من تمّوز،و قيل:ثمانية.

فأصله على هذا يونانيّ؛إذ هو في اليونانيّة «پيرا» (3)،أو هو معرّب«بحرونا»بمعنى النّزلة و الأزمة المرضيّة (4)،فكأنّ اشتداد الحرارة في هذه الأيّام أزمة جوّيّة شديدة.

3-و أمّا لفظ«بحيرى»فقد عدّه المؤرّخون اسما لراهب«بصرى»الّذي لقيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أثناء سفره إلى بلاد الشّام،إلاّ المسعوديّ؛إذ ذكر أنّ اسمه «جرجيس» (5)،و لكنّه لم يبتّ في لفظ«بحيرى»،أو يبيّن رأيه فيه.

4-و الصّواب أنّه صفة تعني المجرّب و الفريد في السّريانيّة،و لفظه فيها«بحيرا»،كما ذكرنا ذلك آنفا.

و حقّه أن يلحق بما كان على وزن(فعيل)من الصّفات، مثل:عليم،و كبير،إلاّ أنّهم ألحقوه بوزن(فعيل)من الأسماء،رغم ندرة مجيئه في اللّغة،قال السّيوطيّ:«لم يأت(من الأسماء)على(فعيل)إلاّ حرف واحد،قالوا:

عليب،و هو اسم واد (6)».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

1-ورد البحر في القرآن في الموارد الآتية:

أ-مطلق البحر:

1- وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ البقرة:164

2- وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ

إبراهيم:32

3- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الإسراء:66

4- وَ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ الحجّ:65

ص: 717


1- قاموس سريانيّ-عربيّ.
2- المصدر السّابق.
3- انظر المعجم اليونانيّ-الإنجليزيّ.
4- قاموس سريانيّ-عربيّ.
5- انظر البداية و النّهاية(2:266).
6- المزهر(2:55).

5- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ لقمان:31

6- اَللّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ الجاثية:12

7- وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

الشّورى:32

8- وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

الرّحمن:24

9- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ المائدة:96

10- وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا النّحل:14

11- وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ* إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ الطّور:6،7

12- وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ التّكوير:6

13- وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ الانفطار:3

14- قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي الكهف:109

15- أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ النّور:40

16- وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ

لقمان:27

17- وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67

18- أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ الكهف:79

يلاحظ أوّلا:أنّ البحر بمعنى الجنس جاء في المواضيع التّالية:

1-الفلك الّتي تجري في البحر أو الجواري الجارية فيه،في ثماني آيات(1-8).

2-طعام البحر في آيتين(9)و(10).

3-البحر المسجور في ثلاث آيات(11،12،13)، و هي إشارة إلى أمارة من أمارات يوم القيامة،و هي تسجير البحار.

4-تفخيم أمر البحر في ثلاث آيات(14،15، 16)؛حيث ضرب البحر في(4)و(16)مثلا لاستحالة حصر كلمات اللّه،و في(15)مثلا لعدم تناهي ضلالة من ضلّ عن طريق الهدى،فصوّرها بصورة ظلمات في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج.و قد طبّق في بعض التّفاسير وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ على البحر المحيط و على البحار السّبعة في داخل الأرض.

و لا دليل على ذلك،بل المراد بالبحر مطلق البحر، أضيفت إلى مثلها سبع مرّات.

و في هذه الآية تعظيم كلمات اللّه بما لا ينيف عليها شيء؛حيث صوّر أشجار الأرض أقلاما،و كلّ البحار -مضاعفة ثماني مرّات-مدادا،فكتبت بها كلمات اللّه فما نفدت.لاحظ«ك ل م».

5-شعور راكب البحر بالخطر،فيلتجأ إلى اللّه (17)،و نظيرها-دون ذكر البحر-قوله: وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ لقمان:32، فَإِذا رَكِبُوا فِي

ص: 718

اَلْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ. العنكبوت:65.

6-عمل مساكين في البحر بسفينتهم(18)،و ينبغي عدّ هذه الآية في جملة آيات«البحر الخاصّ»،فإنّ البحر هنا نفس البحر الّذي ركبه موسى و الخضر،و هو إمّا خليج العقبة،أو البحر الأحمر المتّصل به.

ب-بحر خاصّ:و هو البحر الأحمر على أشهر

الأقوال،موافقة لما جاء في التّوراة،أو النّيل عند بعض:

1- وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50

2- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ

الأعراف:138،يونس:90

3- فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً طه:77

4- فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ الشّعراء:63

5- وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ الدّخان:24

6- وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ الأعراف:163

7- نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً الكهف:61

8- وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً الكهف:63

يلاحظ أوّلا:أنّ«البحر»الّذي فرقه اللّه تعالى لبني إسرائيل،فاجتازوه مشيا على طريق يابس،هو نفس البحر الّذي ذكره اللّه بلفظ(اليمّ)؛إذ ورد لفظ(البحر)في قصّة بني إسرائيل عند جوازهم البحر في الآية(138) من سورة الأعراف،و في الآية(77)من سورة طه أيضا، و ورد لفظ(اليمّ)عند إغراق فرعون و أعوانه قبل الآية الأولى بقوله: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ، و بعد الآية الثّانية بقوله: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ، قال الطّنطاويّ:اليمّ:هو البحر،و هو معظم الماء (1).

و لم يجتمع هذان اللّفظان في هذه القصّة إلاّ هنا،بيد أنّه جاء ذكر(اليمّ)في إغراق فرعون و قومه عند سرد إهلاك الأمم السّالفة و بيان عاقبتهم،دون ذكر بني إسرائيل في قوله تعالى: فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ القصص:40،و الذّاريات:40.لاحظ«ي م م».

ثانيا:و هذا البحر هو البحر الأحمر،كما قال جمّ غفير من المسلمين و غيرهم،فقد قال الطّنطاويّ في قوله تعالى: وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ: أي قطعنا ببني إسرائيل البحر الأحمر،و جوّزناهم فيه حتّى بلغوا الشّطّ حافظين لهم (2)،و نحوه،و قد حكى الطّنطاويّ قصّة غرق فرعون عن التّوراة (3).

و قال مستر هاكس صاحب«قاموس الكتاب المقدّس»في موضوع بحر القلزم أو الأحمر:«بحر يقع بين آسيا و إفريقيا،و حينما كان العبريّون في مصر أطلقوا عليه اسم البحر،و بحر مصر،و بحر سوف.و كان اليونانيّون يطلقون اسم البحر الأحمر على الخليج الفارسيّ،و سمّاه المصريّون قديما:البحر العربيّ،

ص: 719


1- الطّنطاويّ(4:212).
2- الطّنطاويّ(6:78)و(21:14).
3- الطّنطاويّ(1:72).

و أطلق عليه العرب اسم بحر الحجاز».

ثمّ قال:«و من الحوادث الشّهيرة الّتي وقعت في بحر القلزم عبور بني إسرائيل منه و غرق المصريّين فيه».

و جاء في التّوراة:«مركبات فرعون و جيشه ألقاهما في البحر،فغرق أفضل جنوده المركبيّة في بحر سوف» الخروج(15:4).

ثالثا:أمّا البحر في آيتي الكهف،فلم يفصح عنه أحد،إلاّ أنّه اقترن بمجمع البحرين في قوله: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً* فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً الكهف:60،61.

و هذا الاقتران أيضا لا يزيح السّتار عن اسم هذا البحر،أو يزيل الإبهام عنه؛إذ أنّ في (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) خلافا.إلاّ أنّنا توصّلنا إلى ما هو أقرب إلى الصّواب،و هو ملتقى خليج العقبة و البحر الأحمر،كما سيأتي.

رابعا:جاء(البحر)خاصّا في(8)آيات،خمس منها حول قصّة عبور بني إسرائيل البحر و غرق فرعون فيه، و اثنتان منها-و هما(7)و(8)-حول قصّة موسى و فتاه مع الخضر عند (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ)، كما سيأتي،و واحدة منها-و هي(6)-حول القرية الّتي كانت حاضرة البحر، أي ثغر البحر،و هي-كما قال الطّنطاويّ:أيلة،و هي قرية بين مدين و الطّور،على شاطئ البحر الأحمر.

(3:340)

و ليس على النّيل،كما جاء في كتب التّفسير،لاحظ «ح ض ر»،و بذلك سنميط اللّثام عن (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) في قصّة موسى و فتاه،كما سترى.

ج-خلاف البرّ:

1- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الأنعام:63

2- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الأنعام:97

3- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ

النّمل:63

4- وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الإسراء:70

5- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ

يونس:22

6- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ الرّوم:41

7- وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الأنعام:59

يلاحظ أوّلا:أنّ لفظي«البرّ»و«البحر»يفيدان العموم،فهما يشملان سطح الكرة الأرضيّة جمعاء،و هذا ما يفصح عنه متعلّقهما أيضا من الألفاظ التّالية:

أ-الظّلمات(في الآيات الثّلاث الأول):اقترن بهما معا في كلّ المواضع،إلاّ في الآيتين: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ النّور:40، وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ الأنعام:59.

ب-الحمل(في الآية الرّابعة):استعمل في القرآن مع الفلك كثيرا،كقوله: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41،و مع الحيوان قليلا كقوله: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ النّحل:7.

ص: 720

ج-التّسيير(في الخامسة):يختصّ في القرآن بتسيير الجبال،كقوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.

د-الفساد(في السّادسة):و هو خاصّ في آي من القرآن بالأرض،كقوله: وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ القصص:77،أو السّماوات و الأرض معا،كقوله: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ المؤمنون:71،إلاّ في الآية(6): ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ الرّوم:41.و يصدّقها ما وقعت من الحروب بين الملوك و الأمم قديما و حديثا في البرّ و البحر معا.

ه-العلم المطلق(في السّابعة):و هو كثير في القرآن، و أغلب استعماله في مجال السّماوات و الأرض،كقوله:

أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الحجّ:

70.

ثانيا:غلب على هذه الآيات-عدا الآيتين الأخيرتين-طابع المنّة على بني آدم،إذ ذكّرهم اللّه تعالى في الآية(1)بإنجائهم من ظلمات البرّ و البحر،و في(2)و (3)هدايتهم في ظلمات البرّ و البحر أيضا،و في(4) حملهم في البرّ و البحر،و في(5)تسييرهما فيهما.

أمّا الآية(6)ففيها ذمّ لهم،لإفسادهم في البرّ و البحر،و في(7)بيان لشمول علمه كلّ شيء فيهما، فليس فيها شيء من المنّة بل كفران للنّعمة.

ثالثا:ورد لفظ«البرّ»مقدّما على لفظ«البحر»في هذه الآيات،رغم أنّ«البحر»جاء(33)مرّة في القرآن، و«البرّ»فيه(12)مرّة فقط أي قريبا من ثلثه،كما أنّ «البحر»يشغل تقريبا ثلاثة أرباع مساحة الأرض.

[لاحظ ب ر ر]

بيد أنّ هذا الأمر يختلف في لفظي«السّماء» و«الأرض»في القرآن؛إذ ورد اللّفظ الأوّل مقدّما على الثّاني طالما لا يفصل بينهما فاصل غير واو العطف أو لفظ آخر،فإن انفصل أحدهما عن الآخر بلفظين أو أكثر، قدّم الأوّل على الثّاني تارة،كقوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً الحجّ:63، و الثّاني على الأوّل تارة أخرى،كقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ آل عمران:5، لاحظ«أرض».

د-البحران،الماء العذب و المالح:

1- وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاطر:12

2- وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ الفرقان:53

3- وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61

4- مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:19،20

يلاحظ أوّلا:أنّ المفسّرين-كما تقدّم في النّصوص- قد اختلفوا في معنى (الْبَحْرَيْنِ) على أقوال،منها:بحرا الرّوم و فارس،و بحرا المشرق و المغرب،و بحرا السّماء و الأرض،و بحرا الماء العذب و المالح.

فمن قال:هما بحرا الرّوم و فارس،أو بحرا المشرق و المغرب،فقد ابتعد عن الصّواب،لأنّ كلا البحرين مالح.

ص: 721

و من قال:بحرا السّماء و الأرض،يردّه قوله بعد الآية الأخيرة: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ الرّحمن:

22،و هما يخرجان من ماء الأرض دون ماء السّماء.

ثانيا:لا شكّ أنّ أقرب الأقوال من هذا المعنى هو ما ذهبنا إليه،أي بحرا الماء العذب و المالح،كما قال به أغلب المفسّرين.و المراد به في هذه الآيات مصبّ الأنهار في البحر الأجاج،فلا ينبغي للماء العذب أن يطغى على المالح،و لا المالح يطغى على العذب،بل كلّ له حدّ لا يتجاوزه إلى مسافة كبيرة في داخل البحر،و قد عبّر اللّه تعالى عن هذا الحدّ في الآيتين(1)و(2)بالعذوبة و الملوحة،و عبّر عنه في(3)بالحاجز،و في(4)بالبرزخ.

ه-مجمع البحرين:

لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60

يلاحظ أوّلا:أنّ المفسّرين ذكروا أقوالا كثيرة حول (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) إلاّ أنّها لا تفي بتعيين هذين البحرين، كما أنّ بعضهم قد اعتسف عن جادّة الصّواب؛حيث قال:هما بحرا العلم،موسى و الخضر؛إذ ما قاله تأويل، و هو يحتاج إلى أثر يستدلّ به،أو شاهد يستند إليه.

و لكن يمكن أن نقف على حقيقة(البحرين)بواسطة لفظ(مجمع)،فمن معانيه في اللّغة:موضع الاجتماع،و هذا الموضع-كما يفهم من معنى الجمع-يستوعبهما معا،كما يستوعب المصبّ الرّوافد الّتي تنتهي إليه.و ما ذهب إليه المفسّرون ليس بمجمع،و إنّما ملتقى،و به فسّروه أيضا، لاحظ«ج م ع».

ثانيا:علام يصدق (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) إذا؟إنّ ما ذكرناه لا يصدق إلاّ على البحر الأحمر،و البحران هما:خليج العقبة و خليج السّويس،كما ذهب إليه المصطفويّ.

و هناك شواهد تاريخيّة تعضد هذا الرّأي،لاحظ «موسى».

ثالثا:و بهذا«قد أبدت الرّغوة عن الصّريح»،كما يقول المثل؛إذ أنّ«البحر»في آيتي الكهف المدرجتين تحت عنوان«بحر خاصّ»،هو خليج العقبة الّذي سلكه موسى مع فتاه،بدء من ميناء«أيلة»-كما سبق- المشرف على شمال الخليج،و انتهاء إلى جنوبه،أي البحر الأحمر فمجمع البحرين في هذا الموضع ملتقى خليج العقبة و البحر الأحمر.و بذلك يبدو العسف هنا في قول الطّنطاويّ:«مجمع البحرين:ملتقى بحر فارس و الرّوم من جهة المشرق،أو بحري العلم:موسى في علم الشّريعة،و الخضر في علم الحقائق... (1)».

2-ورد البحر في القرآن مفردا و مثنّى و جمعا(41) مرّة،منها(33)مرّة مفردا معرّفا ب(أل)،إلاّ قوله: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ النّور:40،حيث جاء منكّرا إمعانا في الظّلمة،و(5)مرّات مثنّى معرّفا أيضا،و(3)مرّات جمعا معرّفا،إلاّ قوله: وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لقمان:27،فقد جاء منكّرا إمعانا في السّعة،و لكلّ وجه لا يخفى على الأديب اللّبيب.

3-اقترن«البحر»مفردا باسم موسى و قومه(10) مرّات،كما اقترن به مثنّى مرّة واحدة،و لم يقرن القرآن اسم نبيّ أو قوم بالبحر سوى موسى و بني إسرائيل، و هذا الاقتران يفصح عن تلازم تاريخيّ وثيق بين هذه

ص: 722


1- الطّنطاويّ:(9:185).

الأمّة و البحر،فقد عهد موسى الماء و البحر منذ ولادته؛ إذ خافت عليه أمّه كيد فرعون،فجاءها الأمر الإلهيّ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ طه:39، فنجّاه اليمّ من فرعون بفرعون.

و حينما شبّ و نما انتصر من ظالم حين استنصره مظلوم،فقتله و فرّ هاربا صوب مدين وَ لَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقى لَهُما القصص:23،24،فكان الماء سببا لإيوائه و زواجه.

و عند رجوعه إلى مصر خلّص بني إسرائيل من جور الأقباط،و وطّد العزم على مغادرة أرض مصر مع قومه،و التّوجّه نحو فلسطين.فسار بهم تلقاءها،فتبعه فرعون على رأس جيش كبير،و أدركه عند البحر الأحمر،فضرب موسى البحر بعصاه،فانفرج لهم، و مشوا على قاعه،فلحق بهم فرعون و جنوده،فأطبقهم ماء البحر و أغرقهم وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50.

و لمّا اشتدّ ببني إسرائيل العطش في صحراء سيناء، ضرب موسى بعصاه الحجر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:60،فنهلوا منها و ارتووا.

كما ابتلى اللّه بني إسرائيل بنهر في قوله: فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ الآيات،البقرة:249،فما بعدها.

4-و قد ماز القرآن البحر عن سائر مصادر المياه بالصّفات التّالية:

أ-الإغراق: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50

وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ

الدّخان:24

و كذا البحر بلفظ اليمّ: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ الأعراف:136

ب-جري الفلك و تسيير البشر: وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ البقرة:164

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ يونس:22

ج-تلاطم الأمواج: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ النّور:40

د-الصّيد: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ المائدة:96

ه-الظّلمة: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأنعام:63

وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الأنعام:97

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ

النّمل:63

و-مسّ الضّرّ: وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67

ز-ظهور الفساد: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ الرّوم:41

ح-الاتّقاد: وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الطّور:6

وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ التّكوير:6

ص: 723

ط-العذوبة و الملوحة: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاطر:12

وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ الفرقان:53

5-و شرك القرآن البحر مع سائر مصادر المياه في التّفجير:

البحر: وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ الانفطار:3

النّهر: أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً الإسراء:91

العين: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:

60

فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً

الأعراف:160

عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً الدّهر:6

6-لم يأت القرآن على ذكر«البحر»في عالم الآخرة،أمّا النّهر و العين فقد ذكرا في عالمي الدّنيا و الآخرة،كما وصفهما بالجريان فيهما،و لم يذكر جريان البحر أيضا،بل جريان الفلك فيه.و جملة جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قد تكرّرت أكثر من(30)مرّة حتّى صارت مثلا،لاحظ«ن ه ر».

7-أمّا«البحيرة»في قوله تعالى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ المائدة:

103،ففيها خلاف؛إذ قال بعض:هي النّاقة المشقوقة الأذن،و قال آخرون:هي الشّاة المشقوقة الأذن،و قول الفريق الأوّل أشهر.

و«البحيرة»هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة»،من قولهم:بحرت أذن النّاقة بحرا،أي شققتها،و البحر و الشّقّ و الفرج و الشّعب و البقر و السّعة بمعنى واحد.

ص: 724

ب خ س

اشارة

5 ألفاظ،7 مرّات:6 مكّيّة،1 مدنيّة

في 6 سور:5 مكّيّة،1 مدنيّة

يبخس 1:-1 يبخسون 1:1

تبخسوا 3:3 بخسا 1:1

بخس 1:1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: الأباخس:الأصابع، واحدها:أبخس.(الخليل 4:204)

الخليل: البخس:أرض تنبت من غير سقي، و جمعه:بخوس.

و البخس:فقء العين بالإصبع و غيرها.

و البخس:الظّلم،تبخس أخاك حقّه فتنقصه،كما ينقص الكيّال مكياله فينقصه،و قوله عزّ و جلّ: بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:20،أي ناقص،و قوله عزّ و جلّ:

وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85،أي:

لا تنقصوا.(4:203)

ابن الأعرابيّ: بخستها و بخصتها:خسفتها، و الصّاد أجود.(الفيّوميّ 1:37)

ابن السّكّيت: يقال:قد بخصت عينه،و لا تقل:

بخستها،إنّما البخس النّقصان من الحقّ،تقول:قد بخسته حقّه،و يقال للبيع إذا كان قصدا:لا بخس و لا شطط.(إصلاح المنطق:184)

الأمويّ: بخّس المخّ تبخيسا،إذا دخل في السّلامى و العين فذهب،و هو آخر ما يبقى.(الأزهريّ 7:191)

المبرّد: [قيل]:بخص،هو لحم يخلطه بياض،من فساد يحلّ فيه.

و يقال:بخصت عينه بالصّاد،و لا يجوز إلاّ ذلك.

و يقال:بخسته حقّه بالسّين،إذا ظلمته و نقصته،كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ. و في المثل «تحسبها حمقاء و هي باخس».

و يدلّ على أنّه اللّحم الّذي قد خالطه الفساد قول

ص: 725

الرّاجز:

يا قدميّ لا أرى لي مخلصا

ممّا أراه أو تعودا بخصا

(1:207)

ثعلب: و في المثل«تحسبها حمقاء و هي باخس» هكذا جرى المثل بغيرها،و إن شئت قلته بالهاء.(78)

الزّجّاج: البخس:النّقص و القلّة،يقال:بخست أبخس بالسّين،و بخصت عينه بالصّاد لا غير،مثل فقأت عينيه.(2:354)

بخس،أي ظلم،لأنّ الإنسان الموجود لا يحلّ بيعه.

و قيل:بخس:نقصان.(ابن سيدة 5:55)

ابن دريد: تباخس القوم في البيع،إذا تغابنوا.(1:234)

الأزهريّ: [قيل]:البخس:الخسيس الّذي بخس به البائع.

و قوله عزّ و جلّ: فَلا يَخافُ بَخْساً الجنّ:13،أي لا ينقص من ثواب عمله.

إنّه لشديد الأباخس:و هي اللّحم العصب.

و قيل:الأباخس:ما بين الأصابع و أصولها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البخسيّ من الزّرع:ما لم يسق بماء عدّ (1)،إنّما أسقاه ماء السّماء.(7:190)

الصّاحب: [ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و إنّه لشديد الأباخس:يعني أصابعه إذا قبضها، واحدها أبخس.

و تبخّس المخّ تبخّسا:دخل في السّلامىّ و العين.

و التّبخيس:ذهاب المخّ من العظام.(4:270)

الجوهريّ: البخس:النّاقص،يقال: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:20،و قد بخسه حقّه يبخسه بخسا،إذا نقصه.

يقال للبيع إذا كان قصدا:لا بخس فيه و لا شطط.

و البخس أيضا:أرض تنبت من غير سقي.

(3:907)

نحوه الرّازيّ.(54)

ابن فارس: الباء و الخاء و السّين أصل واحد و هو النّقص،قال اللّه تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:

20،أي نقص.و من هذا الباب قولهم في المخّ:بخّس تبخيسا؛إذا صار في السّلامى و العين،و ذلك حين نقصانه و ذهابه من سائر البدن.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:205)

أبو هلال: الفرق بين البخس و النّقصان:أنّ البخس:النّقص بالظّلم،قال تعالى: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85،أي لا تنقصوهم ظلما.

و النّقصان:يكون بالظّلم و غيره.(147)

الهرويّ: في حديث الأوزاعيّ:«يأتي على النّاس زمان يستحلّ فيه الرّبا بالبيع،و الخمر بالنّبيذ،و البخس بالزّكاة».

أراد بالبخس:ما يأخذ الولاة باسم العشر،يتأوّلون فيه الزّكوات و الصّدقات.و قيل:أريد به المكس،و هو ما فسّرناه.ع.

ص: 726


1- بماء جار لا ينقطع.

و المكاس:أن يستنقص المشتري شيئا من الثّمن.

(1:136)

نحوه ابن الأثير.(1:102)

أبو سهل الهرويّ: «و تحسبها حمقاء و هي باخس»هكذا جرى المثل بغيرها،أي أنّها ذات بخس، أي نقص في الكيل،كما قالوا:طالق،أي ذات طلاق.

و إن شئت قلته بالهاء،أي أنّها إذا كالت للنّاس نقصت الكيل و طفّفت فيه،و تقول هذا لمن تظنّه أبله، فإذا خبرته وجدته داهيا خبيثا.

(التّلويح في شرح الفصيح:78)

ابن سيدة: بخسه حقّه،يبخسه بخسا:نقصه.

و امرأة باخس و باخسة،و في المثل:«تحسبها حمقاء و هي باخس أو باخسة».

و ثمن بخس:دون ما يجب،[إلى أن قال:]

و تباخس القوم:تغابنوا.

و بخس عينه يبخسها بخسا:فقأها،لغة في«بخصها» و الصّاد أعلى.

و البخس:أرض تنبت بغير سقي،و الجمع:بخوس.

و الأباخس:الأصابع.

و البخيس من ذي الخفّ:اللّحم الدّاخل في خفّه.

و البخيس:نياط القلب.(5:55)

الطّوسيّ: و البخس:نقصان الحقّ،يقال:بخسه بخسا؛إذا ظلمه بنقصان الحقّ،و في المثل:«تحسبها حمقاء و هي باخس».(5:526)

نحوه الطّبرسيّ.(3:148)

و الفرق بين البخس و الظّلم:أنّ الظّلم أعمّ،لأنّ البخس:نقصان الحقّ اللاّزم،و قد يكون الظّلم:الألم بغير حقّ.(6:48)

و البخس:النّقص عن الحدّ الّذي يوجبه الحقّ، تقول:بخس يبخس بخسا فهو باخس.و البخص بالصّاد:فقء العين.(4:492)

الرّاغب: البخس:نقص الشّيء على سبيل الظّلم، قال تعالى: وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ هود:15،و قال تعالى: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85.

و البخس و الباخس:الشّيء الطّفيف النّاقص، و قوله تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:20، قيل:معناه باخس،أي ناقص،و قيل:مبخوس،أي منقوص.

و يقال:تباخسوا،أي تناقصوا و تغابنوا،فبخس بعضهم بعضا.(38)

الزّمخشريّ: بخس الكيّال مكياله،و في المثل:

«تحسبها حمقاء و هي باخس»و بخس النّاس:مكسهم، و ضرب عليهم بخسا فاحشا.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا تبخس أخاك حقّه،و باعه بثمن بخس،أي مبخوس،و منه بخّس المخّ و تبخّس؛إذا دخل في السّلامى و العين و آخر ما يبقى.(أساس البلاغة:16)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «يأتي على النّاس زمان يستحلّ فيه الرّبا بالبيع،و الخمر بالنّبيذ،و البخس بالزّكاة،و السّحت بالهديّة،و القتل بالموعظة».

و المراد بالبخس:المكس،لأنّ معنى كلّ واحد منهما النّقصان،يقال:بخسني حقّي و مكسنيه.و قد روي في قوله:

ص: 727

*و في كلّ ما باع امرؤ مكس درهم*

بخس درهم،و المعنى:أنّه يؤخذ المكس باسم العشر،يتأوّل فيه معنى الزّكاة،و هو ظلم.

(الفائق 1:82)

أبو حيّان: البخس،النّقص،يقال منه:بخس يبخس،و يقال بالصّاد.و البخس:إصابة العين،و منه استعير:بخس حقّه،كقولهم:عوّر حقّه (1).

و تباخسوا في البيع:تغابنوا،كأنّ كلّ واحد يبخس صاحبه عن ما يريده منه،باحتياله.(2:342)

الفيّوميّ: بخسه بخسا من باب«نفع»:نقصه أو عابه،و يتعدّى إلى مفعولين،و في التّنزيل: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85.

و بخست الكيل بخسا:نقصته،و ثمن بخس:ناقص.

قال السّرقسطيّ: بخست العين بخسا:فقأتها، و بخصتها:أدخلت الإصبع فيها.(1:37)

الفيروزآباديّ: البخس:النّقص و الظّلم،بخسه كمنعه،و فقء العين بالإصبع و غيرها،و أرض تنبت من غير سقي،و المكس.

«و تحسبها حمقاء و هي باخس أو باخسة»، يضرب لمن يتباله و فيه دهاء.

قيل:خلط رجل ماله بمال امرأة طامعا فيها ظانّا أنّها حمقاء،فلم ترض عند المقاسمة حتّى أخذت مالها، و شكته حتّى افتدى منها بما أرادت،فعوتب في ذلك بأنّك تخدع امرأة،فقال:«تحسبها...المثل»أي و هي ظالمة.

و الأباخس:الأصابع و أصولها و العصب.

و بخّس المخّ تبخيسا و تبخّس:نقص و لم يبق إلاّ في السّلامى و العين.

و تباخسوا:تغابنوا.(2:206)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بخسه حقّه:أضرّه بنقص أو غشّ فيه،و ثمن بخس:ناقص عن ثمن مثله، و بخس الكيل و الميزان:نقصه.(1:59)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو نقصان الحقّ لا مطلق النّقص.

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:20،أي بثمن ناقص لا يعادله و لا يوافي حقّه.

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً الجنّ:13،أي القصور و التّفريط في حقّه.

و فيه نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ هود:15،لا يفرّط في جزاء أعمالهم.

وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً البقرة:282،أي لا يفرّط في تأدية حقّه إيفاء ما يجب عليه له.

وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85،أي وافوهم فيما يتعلّق بهم و ما يشاءونه.(1:208)

النّصوص التّفسيريّة

يبخس

وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً. البقرة:282

الرّبيع:يقول:لا يظلم منه شيئا.

ص: 728


1- الظّاهر:عوّر عينه.

(الطّبريّ 3:121)

ابن زيد: لا ينقص من حقّ هذا الرّجل شيئا إذا أملى.(الطّبريّ 3:121)

الطّبريّ: فليحذر عقابه في بخس الّذي له الحقّ من حقّه شيئا،أن ينقصه منه ظلما،أو يذهب به منه تعدّيا، فيؤخذ به حيث لا يقدر على قضائه إلاّ من حسناته،أو أن يتحمّل من سيّئاته.(3:121)

الزّجّاج: أي لا ينقص منه شيئا.(1:362)

نحوه الهرويّ(1:135)،و البغويّ(1:257)، و الميبديّ(1:764)،و الزّمخشريّ(1:403)، و الطّبرسيّ(1:396)،و الخازن(1:257).

الطّوسيّ: أي لا ينقص منه شيئا.

و البخس:النّقص ظلما،و قد بخسه حقّه يبخسه بخسا،إذا نقصه ظلما،و منه قوله تعالى: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85،أي لا تنقصوهم ظالمين لهم.و منه قوله: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:

20،أي ناقص عن حقّه.

و البخس:فقء العين،لأنّه إدخال نقص على صاحبها.

و تباخس القوم في البيع:إذا تغابنوا.(2:372)

أبو حيّان:أي لا ينقص بالمخادعة أو المدافعة.

(2:344)

أبو السّعود: أي من الحقّ الّذي يمليه على الكاتب شيئا،فإنّه الّذي يتوقّع منه البخس خاصّة،و أمّا الكاتب فيتوقّع منه الزّيادة كما يتوقّع منه النّقص.فلو أريد نهيه لنهي عن كليهما،و قد فعل ذلك حيث أمر بالعدل.

و إنّما شدّد في تكليف المملي؛حيث جمع فيه بين الأمر بالاتّقاء،و النّهي عن البخس،لما فيه من الدّواعي إلى المنهيّ عنه،فإنّ الإنسان مجبول على دفع الضّرر عن نفسه،و تخفيف ما في ذمّته بما أمكن.(1:204)

مثله البروسويّ(1:440)،و نحوه الآلوسيّ(3:

56).

تبخسوا

1- ...وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ... الأعراف:85

قتادة: لا تظلموا النّاس أشياءهم.

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 8:237)

أبو عبيدة: مجازه:لا تظلموا النّاس حقوقهم، و لا تنقصوها،و قالوا في المثل:«تحسبها حمقاء و هي باخسة»أي ظالمة.(1:219)

نحوه الطّبريّ(8:237)،و البغويّ(2:215)، و الطّبرسيّ(2:447).

الهرويّ: أي لا تظلموهم أموالهم،و كلّ ظالم:

باخس.(1:136)

الطّوسيّ: نهي من شعيب إيّاهم عن بخس الحقوق و تنقيصها،في الكيل و الميزان و غيرهما.(4:492)

الزّمخشريّ: قيل: (أَشْياءَهُمْ) لأنّهم كانوا يبخسون النّاس كلّ شيء في مبايعاتهم،أو كانوا مكّاسين لا يدعون شيئا إلاّ مكسوه،كما يفعل أمراء الحرمين.(2:94)

نحوه البيضاويّ.(1:358)

ص: 729

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ عادة الأنبياء عليهم السّلام إذا رأوا قومهم مقبلين على نوع من أنواع المفاسد إقبالا أكثر من إقبالهم على سائر أنواع المفاسد،بدءوا بمنعهم عن ذلك النّوع.و كان قوم شعيب مشغوفين بالبخس و التّطفيف، فلهذا السّبب بدأ بذكر هذه الواقعة،فقال: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ [إلى أن قال:]

و المراد أنّه لمّا منع قومه من البخس في الكيل و الوزن،منعهم بعد ذلك من البخس و التّنقيص بجميع الوجوه،و يدخل فيه المنع من الغصب و السّرقة،و أخذ الرّشوة و قطع الطّريق،و انتزاع الأموال بطريق الحيل.(14:173)

القرطبيّ: البخس:النّقص،و هو يكون في السّلعة بالتّعييب و التّزهيد فيها،أو المخادعة عن القيمة، و الاحتيال في التّزيّد في الكيل و النّقصان منه،و كلّ ذلك من أكل المال بالباطل،و ذلك منهيّ عنه في الأمم المتقدّمة و السّالفة،و على ألسنة الرّسل صلوات اللّه و سلامه على جميعهم.(8:248)

البروسويّ: أي لا تنقصوا أشياءهم الّتي يشترونها بهما (1)،معتمدين على تمامها،أيّ شيء كان،و أيّ مقدار كان،فإنّهم كانوا يبخسون الجليل و الحقير و القليل و الكثير،فالتّعبير ب«الأشياء»دون«الحقوق»للتّعميم، فإنّ مفهوم الشّيء أعمّ بالنّسبة إلى مفهوم الحقّ.

و اعلم أنّ بخس النّاس أشياءهم في المكيل و الموزون من خساسة النّفس و دناءة الهمّة و غلبة الحرص و متابعة الهوى و الظّلم،و هذه الصّفات الذّميمة من شيم النّفوس.

و قد ورد الشّرع بتبديل هذه الصّفات و تزكية النّفس،فإنّ اللّه تعالى يحبّ معالي الأمور،و يبغض سفسافها،و في الحديث:«ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال و الشّرف».

و في الحديث:«الصّلاة أمانة،و الوضوء أمانة، و الوزن أمانة،و الكيل أمانة».(3:200)

المراغيّ: البخس يشمل نقص المكيل و الموزون، و غيرهما من المبيعات كالمواشي و الأشياء المعدودة، و يشمل البخس في المساومة و الغشّ و الحيل الّتي تنتقص بها الحقوق،و في الحقوق المعنويّة كالعلوم و الفضائل.

و قد فشا كلّ من هذين النّوعين في هذا العصر، فكثير من التّجّار باخسون مطفّفون فيما يبيعون و ما يشترون.و كثير من المشتغلين بالعلوم و الآداب و السّياسة بخّاسون لحقوق بني جلدتهم،مدّعون للتّفوّق عليهم،منكرون لما خصّ اللّه به سواهم من المزايا و الخصائص،حسدا عليهم و بغيا.

و قد روي أنّ قوم شعيب كانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه،و يقولون:هذه زيوف فسيقطعونها،ثمّ يشترونها منه بالبخس،أي بالنّقصان.(8:209)

2- وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. هود:85

قتادة: يقول:لا تظلموا النّاس أشياءهم.

(الطّبريّ 12:100)ن.

ص: 730


1- يعني المكيال و الميزان.

نحوه السّدّيّ.(الطّبرسيّ 2:447)

الطّبريّ: يقول:و لا تنقصوا النّاس حقوقهم الّتي يجب عليكم أن توفّوهم كيلا أو وزنا أو غير ذلك.

(12:99)

نحوه شبّر.(3:240)

الطّوسيّ: أي لا تنقصوهم.(6:48)

مثله البغويّ(3:202)،و الطّبرسيّ(2:447)، و القرطبيّ(9:86).

الفخر الرّازيّ: [بعد بيان وجه التّكرار في قوله:

وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ هود:84،و قوله:و أَوْفُوا الْمِكْيالَ قال:]

و أمّا قوله ثالثا: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ فليس بتكرير،لأنّه تعالى خصّ المنع في الآية السّابقة بالنّقصان في المكيال و الميزان،ثمّ إنّه تعالى عمّ الحكم في جميع الأشياء،فظهر بهذا البيان أنّها غير مكرّرة،بل في كلّ واحد منها فائدة زائدة.(18:41)

أبو السّعود: و قد صرّح بالنّهي عن البخس بعد ما علم ذلك في ضمن النّهي عن نقص المعيار،و الأمر بإبقائه اهتماما بشأنه و ترغيبا في إيفاء الحقوق،بعد التّرهيب و الزّجر عن نقصها.

و يجوز أن يكون المراد بالأمر بإيفاء المكيال و الميزان الأمر بإيفاء المكيلات و الموزونات،و يكون النّهي عن البخس عامّا للنّقص في المقدار،و غيره تعميما بعد التّخصيص.(3:38)

نحوه الآلوسيّ.(12:116)

البروسويّ: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ مطلقا،أي سواء كانت من جنس المكيل و الموزون أو من غيره،و سواء كانت جليلة أو حقيرة.و كانوا يأخذون من كلّ شيء يباع شيئا،كما يفعل السّماسرة،و يمكسون النّاس،و ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء.

(4:172)

المراغيّ: البخس:النّقص في كلّ الأشياء،يقال:

بخسه ماله و بخسه علمه و فضله؛أي لا تظلموا النّاس أشياءهم،و ذلك يشمل ما للأفراد و ما للجماعات،من مكيل و موزون و معدود و محدود،بحدود حسّيّة، و حقوق مادّيّة أو معنويّة.(12:70)

و بهذا المعنى جاء كلمة (تَبْخَسُوا) في سورة الشّعراء:

183.

لا يبخسون

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. هود:15

مجاهد: لا ينقصون.(الطّبريّ 12:13)

قتادة: أي لا يظلمون،يقول:من كانت الدّنيا همّه و سدمه،و طلبته و نيّته جازاه اللّه بحسناته في الدّنيا،ثمّ يفضي إلى الآخرة و ليس له حسنة يعطى بها جزاء.و أمّا المؤمن فيجازى بحسناته في الدّنيا،يثاوب عليها في الآخرة وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أي في الآخرة لا يظلمون.(الطّبريّ 12:12)

الفرّاء: يقول:من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدّنيا عجّل له ثوابه،و لم يبخس؛أي لم ينقص في الدّنيا.

(2:6)

ص: 731

الطّبريّ: يقول:لا ينقصون أجرها،و لكنّهم يوفّونه فيها.(12:11)

نحوه الميبديّ(4:365)،و البيضاويّ(1:464)، و الخازن(3:182).

الهرويّ: أي لا ينقصون من أرزاقهم و لا يقلّلون.

(1:135)

البغويّ: أي في الدّنيا لا ينقص حظّهم.(3:182)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:84)

أبو السّعود: أي لا ينقصون.و إنّما عبّر عن ذلك بالبخس الّذي هو نقص الحقّ،مع أنّه ليس لهم شائبة حقّ فيما أوتوه،كما عبّر عن إعطائه بالتّوفية الّتي هي إعطاء الحقوق،مع أنّ أعمالهم بمعزل من كونها مستوجبة لذلك،بناء للأمر على ظاهر الحال،و محافظة على صور الأعمال،و مبالغة في نفي النّقص،كأنّ ذلك نقص لحقوقهم،فلا يدخل تحت الوقوع و الصّدور عن الكريم أصلا.

و المعنى أنّهم فيها خاصّة لا ينقصون ثمرات أعمالهم و أجورها نقصا كلّيّا مطّردا،و لا يحرمونها حرمانا كلّيّا.

و أمّا في الآخرة فهم في الحرمان المطلق و اليأس المحقّق، كما ينطق به قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ هود:16،فإنّه إشارة إلى المذكورين باعتبار إرادتهم الحياة الدّنيا،أو باعتبار توفيتهم أجورهم من غير بخس،أو باعتبارهما معا.

و ما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في سوء الحال،أي أولئك المريدون للحياة الدّنيا و زينتها، الموفون فيها ثمرات أعمالهم من غير بخس.(3:10)

الكاشانيّ:لا ينقصون شيئا من أجورهم.

(2:436)

مثله البروسويّ.(4:108)

شبّر: لا ينقصون شيئا من أجورهم.و الآية عامّة في الكفّار و المنافقين و المرائين و غيرهم.

و قيل:المراد المشركون الّذين لا يقرّون بالبعث، و يعملون أعمال البرّ،من صلة الرّحم و إكرام الضّيف و نحوها.

و قيل:المراد المنافقون يغزون مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للغنيمة،دون نصرة الدّين.(3:204)

الآلوسيّ: أي لا ينقصون،و الظّاهر أنّ الضّمير المجرور ل(الحياة الدنيا).و قيل:الأظهر أن يكون ل«الأعمال»لئلاّ يكون تكرارا بلا فائدة.

و ردّ بأنّ فائدته إفادته من أوّل الأمر أنّ عدم البخس ليس إلاّ في الدّنيا،فلو لم يذكر توهّم أنّه مطلق، على أنّه لا يجوز أن يكون للتّأكيد،و لا ضرر فيه،و إنّما عبّر عن ذلك بالبخس الّذي هو نقص الحقّ،و لذلك قال الرّاغب:هو نفس الشّيء على سبيل الظّلم،مع أنّه ليس لهم شائبة حقّ فيما أوتوه.

كما عبّر عن إعطائه بالتّوفية الّتي هي إعطاء الحقوق،مع أنّ أعمالهم بمعزل من كونها مستوجبة لذلك، كما قال بعض المحقّقين،بناء للأمر على ظاهر الحال، و محافظة على صور الأعمال،و مبالغة في نفي النّقص،كأنّ ذلك نقص لحقوقهم،فلا يدخل تحت الوقوع و الصّدور عن الكريم أصلا.

لكن ينبغي أن يعلم أنّ هذا ليس على إطلاقه،بل

ص: 732

الأمر دائر على المشيئة الجارية على قضيّة الحكمة،كما نطق به قوله سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ الإسراء:18.(12:24)

بخسا

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً. الجنّ:13

ابن عبّاس: يقول:لا يخاف نقصا من حسناته و لا زيادة في سيّئاته.(الطّبريّ 29:112)

مثله الحسن،و قتادة،و ابن زيد.(الطّوسيّ 10:

152)

قتادة: أي ظلما،أن يظلم من حسناته فينقص منها شيء أو يحمل عليه ذنب غيره.(الطّبريّ 29:113)

نحوه الطّبريّ.(29:112)

الفرّاء: لا ينقص من ثواب عمله.(3:193)

الطّوسيّ: أي نقصانا فيما يستحقّه من الثّواب.(10:152)

نحوه البغويّ(7:133)،و الطّبرسيّ(5:371)، و الخازن(7:133).

الزّمخشريّ: أي جزاء بخس و لا رهق،لأنّه لم يبخس أحدا حقّا و لا رهق ظلم أحد،فلا يخاف جزاؤهما.و فيه دلالة على أنّ من حقّ من آمن باللّه أن يجتنب المظالم،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«المؤمن من أمنه النّاس على أنفسهم و أموالهم».

و يجوز أن يراد:فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى.(4:169)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:159)،و البيضاويّ(2:

510).

الآلوسيّ: حاصل المعنى فلا يخاف أن يبخس حقّه، و لا أن ترهقه ذلّة.فالمصدر أعني(بخسا)مقدّر باعتبار المفعول،و ليس المعنى على أنّ غير المؤمن يبخس حقّه؛ بل النّظر إلى تأكيد ما ثبت له من الجزاء،و توفيره كمّلا.

و أمّا غيره فلا نصيب له،فضلا عن الكمال.

و فيه أنّ ما يجزى به غير المؤمن مبخوس في نفسه، و بالنّسبة إلى هذا الحقّ فيه كلّ البخس،و إن لم يكن هناك بخس حقّ،كذا في«الكشف».أو فلا يخاف بخسا و لا رهقا،لأنّه لم يبخس أحدا حقّا و لا رهقه ظلما، فلا يخاف جزاءهما.

و ليس من إضمار مضاف،أعني الجزاء،بل ذلك بيان لحاصل المعنى،و أنّ ما ذكر في نفسه مخوف،فإنّه يصحّ أن يقال:خفت الذّنب و خفت جزاءه،لأنّ ما يتولّد منه المحذور محذور.

و فيه دلالة على أنّ المؤمن لاجتنابه البخس و الرّهق لا يخافهما،فإنّ عدم الخوف من المحذور إنّما يكون لانتفاء المحذور.

و جاز أن يحمل على الإضمار،و أصل الكلام:فمن لا يبخس أحدا و لا يرهق ظلمه،فلا يخاف جزاءهما، فوضع ما في النّظم الجليل موضعه،تنبيها بالسّبب على المسبّب،و الأوّل-كما قيل-أظهر و أقرب مأخذا.

[و قال بعد نقل قول ابن عبّاس،و قتادة، و الحسن:]

و لعلّ المعنى الأوّل أنسب بالتّرغيب بالإيمان،و بلفظ الرّهق أيضا،نظرا إلى ما سمعت من قوله تعالى:

ص: 733

وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يونس:27.(29:89)

بخس

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ. يوسف:20

ابن مسعود: أي زيوف.

مثله ابن عبّاس.(البغويّ 3:221)

ابن عبّاس: يقول:لم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنه.(الطّبريّ 12:172)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 12:171)

يريد حراما،لأنّ ثمن الحرّ حرام.كلّ بخس في كتاب اللّه نقصان إلاّ هذا،فإنّه حرام.

(الفخر الرّازيّ 18:107)

الشّعبيّ: بثمن قليل.

مثله عكرمة.(البغويّ 3:221)

الضّحّاك: كان بيعه حراما،و شراؤه حراما.

(الطّبريّ 12:172)

حرام،لأنّ ثمن الحرّ حرام.و سمّي الحرام بخسا،لأنّه مبخوس البركة.(البغويّ 3:221)

مثله مقاتل،و السّدّيّ،و الحسن(الخازن 3:221)، و نحوه الطّبرسيّ(3:220).

قتادة: هو الظّلم،و كان بيع يوسف و ثمنه حراما عليهم.(الطّبريّ 12:172)

نحوه الهرويّ(1:136)،و ابن سيدة(5:55).

أبو عبيدة: (بخس)أي نقصان ناقص منقوص، يقال:بخسني حقّي أي نقصني،و هو مصدر بخست.

فوصفوا به،و قد تفعل العرب ذلك.(1:304)

الطّبريّ: أمّا قوله:(بخس)فإنّه يعني:نقص،و هو مصدر من قول القائل:بخست فلانا حقّه،إذا ظلمته، يعني ظلمه فنقصه عمّا يجب له من الوفاء،أبخسه بخسا، و منه قوله: وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ هود:85.

و إنّما أريد بثمن مبخوس منقوص،فوضع«البخس» و هو مصدر مكان مفعول،كما قيل: بِدَمٍ كَذِبٍ يوسف:18،و إنّما هو:بدم مكذوب فيه.

و اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك،فقال بعضهم:

قيل بِثَمَنٍ بَخْسٍ لأنّه كان حراما عليهم.

و قال آخرون:معنى البخس هنا الظّلم.

و قال آخرون:عنى بالبخس في هذا الموضع:

القليل،و قد بيّنّا الصّحيح من القول في ذلك.

(12:171)

الطّوسيّ: أي بثمن ذي بخس،أي ناقص.و قيل:

بثمن ذي ظلم،لأنّه كان حرّا لا يحلّ بيعه.(6:115)

الواحديّ: [بعد نقل قول ابن عبّاس قال:]

سمّوا الحرام بخسا،لأنّه ناقص البركة.[ثمّ نقل قول قتادة،و عكرمة،و الشّعبيّ و قال:]

و على الأقوال كلّها فالبخس:مصدر وضع موضع الاسم،و المعنى بثمن مبخوس.

(الفخر الرّازيّ 18:107)

الزّمخشريّ: (بخس):مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا،أو زيف ناقص العيار.(2:309)

نحوه القرطبيّ(9:155)،و البيضاويّ(1:490).

البروسويّ:زيف ناقص العيار،و هو بمعنى

ص: 734

المبخوس،لأنّ الثّمن لا يوصف بالمعنى المصدريّ، و وصف بكونه مبخوسا إمّا لرداءته و غشّه أو لنقصان وزنه،من:بخسه حقّه،أي نقصه،كما في«حواشي ابن الشّيخ».

و قال بعضهم: بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي حرام منقوص، لأنّ ثمن الحرّ حرام،انتهى.

حمل البخس على المعنى لكونه الحرام ممحوق البركات،و القول الأوّل هو الأصحّ.(4:229)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «البخس»على وجهين:

الحرام،النّقصان.

فوجه منها،البخس:الحرام قوله: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يعني الحرام،يوسف:20.

و الوجه الثّاني،البخس:النّقصان قوله:

وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ الأعراف:85،و نحوه كثير،كقوله: بَخْساً وَ لا رَهَقاً الجنّ:13.(175)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البخس،أي فقء العين بالأبخس،و هو الإصبع،يقال:بخس عينه يبخسها بخسا:فقأها،ثمّ سرى إلى كلّ نقص في شيء.

و منه البخس،و هي أرض تنبت من غير سقي، و يقال للزّرع الّذي يسقى بالمطر:بخسيّ،و كأنّه قد بخس حقّهما من ماء الأرض،فسقاهما ماء السّماء.

و البخيس من ذي الخفّ:اللّحم الدّاخل في خفّه.

و بخّس المخّ تبخيسا:صار في السّلامى و العين.

و الأبخس:الإصبع أيضا:لحم العصب،و ما بين الأصابع و أصولها،جمعه:أباخس.

و من المجاز قولهم:بخسه حقّه يبخسه بخسا:نقصه و ظلمه،كما يبخس الكيّال مكياله فينقصه.و تباخس القوم في البيع:تغابنوا.و يقولون للبيع إذا كان قصدا و معتدلا:لا بخس و لا شطط،أو لا بخس و لا شطوط.و في المثل:«تحسبها حمقاء و هي باخس»أي ظالمة،يضرب لمن يتباله،و فيه دهاء و نكر.و قد يؤنّث فيقال:باخسة.

2-فلعلّ مشتقّات هذه المادّة متفرّعة من «الأبخس»،أي الإصبع،و هو لفظ جامد،و ليس مشتقّا،و لا يراد به التّفضيل،مثل«أشأم»في قولهم:

جرى له طائر أشأم،أي مشئوم،و ملك أعزّ:عزيز، و رجل أشجّ بيّن الشّجج:في جبينه أثر شجّة،و قول الفرزدق:

إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ و أطول

أي عزيزة و طويلة.و له نظائر،و عليه حمل«أهون» في قوله تعالى: وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27،أي هيّن.

3-و قد قيّد بخس العين-أي فقأها-بالإصبع،ثمّ عمّم بغيرها.و استعاروا هذا المعنى في نقص الحقّ و أخذ الشّيء ظلما،فكأنّ الباخس يفقأ العين بذلك.و لا يزال من يبتزّ شيئا صاحبه يهمّ بفقء عينه بسبّابته،و يأخذه منه عنوة.

4-و قد ظهر من ذلك أنّ قول ابن فارس:«للمادّة

ص: 735

أصل واحد و هو النّقص»ليس سديدا:

أوّلا:بناء على ما اخترنا أنّ الأصل لها الأبخس و هو الإصبع،أو فقء العين بالإصبع،و منه سرى إلى كلّ نقص.

و ثانيا:أنّه لو فرض أنّ الأصل لها النّقص فليس مطلقا،بل«نقص الحقّ أو نقص الشّيء ظلما»كما عن الرّاغب،و لذلك يقال:«بخسه حقّه»،كما عن الجوهريّ، أو«هو نقصان الحقّ»كما عن الطّوسيّ،أو فسّر البخس «بالظّلم»كما عن ابن سيدة و الطّوسيّ و الفيروزآباديّ و غيرهم،حتّى أنّ الطّوسيّ فرّق بين البخس و الظّلم، بأنّ البخس نقصان الحقّ،و الظّلم أعمّ منه،فقد يكون ألما من غير حقّ.

5-على الرّغم من تصريح أكثر اللّغويّين بأنّ البخس-بالسّين-بمعنى فقء العين،فعند ابن السّكّيت و المبرّد أنّ البخص-بالصّاد-فقط بمعنى فقء العين، و أنّه بالسّين بمعنى النّقصان.و نحن لا نرى وجها لذلك إلاّ أن نحمله على اختلاف اللّهجة عند بعض العرب،أو نجد قاعدة لتبديل السّين صادا كالسّراط و الصّراط.و على أيّ حال فنفي مجيئه بالسّين بمعنى فقء العين لا مبرّر له.

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء البخس في القرآن(7)مرّات،منها(5) مرّات فعلا مضارعا،و مرّتين مصدرا:

1- وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها الأعراف:85

2- وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ هود:85 و الشّعراء:183

3- وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً البقرة:282

4- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ هود:15

5- وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ يوسف:20

6- فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً

الجنّ:13

يلاحظ أوّلا:أنّ أفعال الآيات الأربع الأولى مسبوقة ب«لا»النّاهية،و فعل الآية(4)مسبوق ب«لا» النّافية،و سبق المصدر في(6)فعل منفيّ ب«لا»النّافية أيضا،و هو نفي للمصدر أيضا،فالتّقدير:فمن يؤمن بربّه فلا بخس و لا رهق يخاف منه عليه،كقوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:197.

أمّا الآية(5)فلفظها موجب و معناها سالب،إذ سياق الآية يدلّ على ذلك،لما فيها من خسّة الثّمن الّذي بيع به يوسف عليه السّلام،كلفظ (بَخْسٍ) و (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) و (الزّاهِدِينَ)، و هو نبيّ و ابن نبيّ،فينبغي أن يكون الثّمن مناسبا لشأنه،إن صحّ ذلك،و هذا كقوله تعالى: اِشْتَرَوْا بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً التّوبة:9.

ثانيا:تلا البخس في الآيات الثّلاث الأولى-(1)و (2)-لفظ الإفساد،و تلاه في آخر الآية(3)لفظ الفسق، و هو يداني الفساد معنى،و هو قوله: وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ البقرة:282.

ص: 736

و هذا يعني أنّ البخس و الفساد سيّان،و لذا جاء الأوّل منفيّا و منهيّا عنه كما تقدّم.و كذلك الفساد في القرآن.

ثالثا:فسّر قوله: (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) بثمن قليل، و الصّحيح بثمن دون حقّه ظلما،إذ ليس البخس مطلق القلّة بل القلّة و النّقص عن الحقّ كما تقدّم.

رابعا:جاء الثّمن في القرآن أجرا للارتزاق بالآيات و الكتاب غالبا،كقوله تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً البقرة:41،كما جاء موصوفا في جميع القرآن إلاّ قوله: لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى المائدة:

106.و قد وصف بالقلّة في كافّة المواضع،سوى قوله:

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، فقد استعمل موصوفا بالبخس،كعوض غير عدل لبيع إنسان.

2-وردت في القرآن ألفاظ تضاهي البخس،مع تفاوت بينها و بينه،يكمن في كونه خلاف الحقّ.

أ-النّقص:جاء في خصوص الأرض غالبا: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها الرّعد:41.

ب-الخسران:جاء في الأنفس غالبا: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:12.

ج-التّطفيف:جاء مرّة واحدة في خصوص الاكتيال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ المطفّفين:1،2.

ص: 737

ص: 738

ب خ ع

اشارة

لفظ واحد،مرّتان مكّيّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بخع نفسه:قتلها غيظا من شدّة الوجد.

[ثمّ استشهد بشعر]

بخعت به بخوعا،أي أقررت به على نفسي.و بخع بالطّاعة،أي أذعن و انقاد و سلس.(1:123)

الضّبّيّ: بخعت الذّبيحة،إذا قطعت عظم رقبتها فهي مبخوعة،و نخعتها دون ذلك،لأنّ النّخاع:الخيط الأبيض الّذي يجري في الرّقبة و فقار الظّهر.و البخاع بالباء:العرق الّذي في الصّلب.(ابن فارس 1:207)

الكسائيّ: بخعت الأرض بالزّراعة،إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة.و بخع الرّجل نفسه،إذا نهكها.(الفخر الرّازيّ 21:79)

الفرّاء: أصل البخع:الجهد،يقال:بخعت لك نفسي،أي جهدتها.(الفخر الرّازيّ 21:79)

الأخفش: يقال:بخعت لك نفسي و نصحي، جهدتهما أبخع بخوعا.(الأزهريّ 1:168)

نحوه أبو عبيدة(1:393)،و أبو عبيد(ابن فارس 1:

207).

أبو زيد: بخع له بحقّه،إذا أقرّ،و بخع له بالطّاعة بخوعا.(الأزهريّ 1:169)

ابن دريد: بخع نفسه يبخعها بخوعا و بخعا و هو باخع،إذا قتلها غمّا.و بخع بالحقّ،إذا اعترف به.

(1:237)

الأزهريّ: في حديث عائشة،أنّها ذكرت عمر، فقالت:«بخع الأرض فقاءت أكلها»أي استخرج ما فيها من الكنوز،و أموال الملوك.

و يقال:بخعت الأرض بالزّراعة،إذا نهكتها و تابعت حراثتها،و لم تجمّها عاما.و بخع الوجد نفسه،إذا نهكها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث عقبة بن عامر،أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أتاكم أهل اليمن هم أرقّ قلوبا و ألين أفئدة و أبخع طاعة».

ص: 739

و رواه نصر بن عليّ بإسناد له،قال قلت للأصمعيّ:

ما أبخع طاعة؟قال:أنصح طاعة،و قال غيره:أبلغ طاعة.(1:168)

الصّاحب: بخع نفسه:قتلها غيظا.

و بخع بالطّاعة بخوعا:أقرّ.

و بخعت له نفسي و نصحي:جهدتهما له.(1:129)

الجوهريّ: يقال:بخع نفسه بخعا،أي قتلها غمّا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ الكهف:

6.

و بخع بالحقّ بخوعا:أقرّ به،و خضع له،و كذلك بخع بالكسر بخوعا و بخاعة.(3:1183)

ابن فارس: الباء و الخاء و العين أصل واحد و هو:

القتل و ما داناه من إذلال و قهر.

و أرض مبخوعة،إذا بلغ مجهودها بالزّرع،و بخع لي بحقّي،إذا أقرّ.(1:206)

الهرويّ: يقال:بخع الشّاة،إذا بالغ في ذبحها.

و بخع الشّاة،إذا قطع نخاعها.و بخع له بالطّاعة،إذا بالغ له في ذلك.و بخع له بحقّه،إذا أقرّ به،و بالغ فيه.

(1:138)

الرّاغب: البخع:قتل النّفس غمّا.بخع فلان بالطّاعة و بما عليه من الحقّ،إذا أقرّ به و أذعن،مع كراهة شديدة.تجري مجرى بخع نفسه في شدّته.(38)

الزّمخشريّ: «أتاكم أهل اليمن هم أرقّ قلوبا و ألين أفئدة و أبخع طاعة»أي أبلغ طاعة،من:بخع الذّبيحة، إذا بالغ في ذبحها،و هو أن يقطع عظم رقبتها،و يبلغ بالذّبح البخاع.

و البخاع بالباء:العرق الّذي في الصّلب.و النّخع دون ذلك،و هو أن يبلغ بالذّبح النّخاع،و هو الخيط الأبيض الّذي يجري في الرّقبة.

هذا أصله،ثمّ كثر حتّى استعمل في كلّ مبالغة، فقيل:بخعت له نصحي و جهدي و طاعتي.و الفعل هاهنا مجعول للطّاعة،كأنّها هي الّتي بخعت،أي بالغت،و هذا من باب:نهارك صائم،و نام ليل الهوجل (1).

(الفائق 1:82)

بخع الشّاة:بلغ بذبحها القفا.و من المجاز:بخعه الوجد،إذا بلغ منه المجهود.[ثمّ استشهد بشعر]

و بخعت له نفسي و نصحي:جهدتهما له،و أهل اليمن أبخع طاعة.و بخع أرضه بالزّراعة:نهكها،و لم يجمّها.

و بخع لي بحقّي،إذا أقرّ إقرار مذعن بالغ جهده في الإذعان به.(أساس البلاغة:16)

ابن الأثير: [ذكر حديث عقبة بن عامر،و المعنى الّذي نقلناه عن الفائق ثمّ قال:]

هكذا ذكره في كتاب«الفائق»و لم أجده لغيره.

و طالما بحثت عنه في كتب اللّغة و الطّبّ و التّشريح،فلم أجد«البخاع»بالباء مذكورا في شيء منها.

و منه حديث عمر:«فأصبحت يجنبني النّاس و من لم يكن يبخع لنا بطاعة».

و منه حديث عائشة في صفة عمر رضي اللّه عنهما:

«بخع الأرض فقاءت أكلها»أي قهر أهلها و أذلّهم، و أخرج ما فيها من الكنوز و أموال الملوك.يقال:بخعتل*

ص: 740


1- من بيت لأبي بكر: *سهدا إذا ما نام ليل الهوجل*

الأرض بالزّراعة،إذا تابعت حراثتها و لم ترحها سنة.

(1:102)

ابن منظور: بخعت الرّكيّة بخعا،إذا حفرتها حتّى ظهر ماؤها.(8:5)

الفيروزآباديّ: بخع نفسه كمنع:قتلها غمّا.

و بالحقّ بخوعا:أقرّ به،و خضع له،كبخع بالكسر بخاعة و بخوعا.و الرّكيّة بخعا:حفرها حتّى ظهر ماؤها.و له نصحه:أخلصه و بالغ.و الأرض بالزّراعة:نهكها،و تابع حراثتها،و لم يجمّها عاما.و فلانا خبره:صدقه.

و بالشّاة:بالغ في ذبحها حتّى بلغ النّخاع.

هذا أصله،ثمّ استعمل في كلّ مبالغة فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ الكهف:6،أي مهلكها،مبالغا فيها،حرصا على إسلامهم،و ككتاب:عرق في الصّلب،و يجري في عظم الرّقبة،و هو غير«النّخاع»بالنّون،فيما زعم الزّمخشريّ.(3:3)

الحجازيّ: البخع:الجهد و الإضعاف.(15:47)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد فيها هو:

الإذلال و القهر التّامّ المطلق.(1:209)

النّصوص التّفسيريّة

باخع

فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً. الكهف:6

ابن عبّاس: قاتل.

مثله ابن جبير،و مجاهد،و السّدّيّ.

(الآلوسيّ 15:204)

مثله قتادة.(الطّبريّ 15:194)

و هو المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام.

(القمّيّ 2:31)

الفرّاء: أي مخرج نفسك،قاتل نفسك.(2:134)

أبو عبيدة: مهلك نفسك.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:393)

الطّبريّ: فلعلّك يا محمّد قاتل نفسك و مهلكها على آثار قومك الّذين قالوا لك: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً الإسراء:90،تمرّدا منهم على ربّهم،إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الّذي أنزلته عليك، فيصدّقوا بأنّه من عند اللّه حزنا و تلهّفا،و وجدا بإدبارهم عنك،و إعراضهم عمّا أتيتهم به،و تركهم الإيمان بك؛ يقال منه:بخع فلان نفسه يبخعها بخعا و بخوعا.[ثمّ استشهد بشعر](15:194)

مثله الطّوسيّ(7:8)،و نحوه الطّبرسيّ(3:449).

الهرويّ: قاتل نفسك و مهلكها،مبالغا فيها، و حرصا على إسلامهم.(1:137)

الرّاغب: حثّ على ترك التّأسّف،نحو فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8.(38)

الميبديّ: قيل:معناه النّهي،أي لا تبخع نفسك.(5:642)

الزّمخشريّ: شبّهه و إيّاهم حين تولّوا عنه، و لم يؤمنوا به،و ما تداخله من الوجد و الأسف على تولّيهم لرجل فارقه أحبّته و أعزّته،فهو يتساقط حسرات على آثارهم و يبخع نفسه وجدا عليهم، و تلهّفا على فراقهم.

ص: 741

و قرئ (باخِعٌ نَفْسَكَ) على الأصل و على الإضافة، أي قاتلها و مهلكها،و هو للاستقبال فيمن قرأ (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا)، و للمضيّ فيمن قرأ (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) (1)بمعنى لأن لم يؤمنوا.(2:472)

نحوه النّسفيّ.(3:3)

ابن عطيّة: هذه الآية تسلية للنّبيّ عليه السّلام،و قوله:

(فَلَعَلَّكَ) تقرير و توقيف بمعنى الإنكار عليه،أي لا تكن كذلك.و الباخع نفسه:هو مهلكها وجدا و حزنا على أمر ما.(3:496)

الفخر الرّازيّ: أي ناهكها و جاهدها حتّى تهلكها.

و لكن أهل التّأويل كلّهم قالوا:قاتل نفسك و مهلكها، و الأصل ما ذكرناه.(21:79)

أبو حيّان: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ لعلّ:للتّرجّي في المحبوب،و للإشفاق في المحذور.

و قال العسكريّ فيها هنا: موضوعة موضع النّهي، يعني أنّ المعنى:لا تبخع نفسك.

و قيل:وضعت موضع الاستفهام،تقديره:هل أنت باخع نفسك؟[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و الزّمخشريّ و أضاف:]

و تكون«لعلّ»للاستفهام قول كوفيّ،و الّذي يظهر أنّها للإشفاق:أشفق أن يبخع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم نفسه، لكونهم لم يؤمنوا.(6:97)

البروسويّ: قال في«التّأويلات النّجميّة»:معناه نهي،أي لا تبخع نفسك،كما يقال:لعلّك تريد أن تفعل كذا،أي لا تفعل كذا،أو فكأنّك كما قال تعالى في شأن عاد: وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ الشّعراء:129.(5:216)

الطّباطبائيّ: الآية و اللّتان بعدها في مقام تعزية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تسليته،و تطييب نفسه،و الفاء لتفريع الكلام على كفرهم،و جحدهم بآيات اللّه،المفهوم من الآيات السّابقة.

و المعنى يرجى منك أن تهلك نفسك بعد إعراضهم عن القرآن،و انصرافهم عنك من شدّة الحزن.و قد دلّ على إعراضهم و تولّيهم بقوله: عَلى آثارِهِمْ و هو من الاستعارة.(13:240)

المصطفويّ: أي مهلكها و مذلّها و معدمها.

(1:209)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ الشّعراء:3.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة-كما قال الفرّاء و غيره- الجهد و المبالغة،يقال:بخعت الأرض بالزّراعة أبخعها بخعا و بخوعا:أجهدتها بالزّراعة تباعا،فأضعفتها بذلك.

و بخعت الرّكيّة:حفرتها حتّى ظهر ماؤها.

و يقال أيضا:بخعت لك نفسي و نصحي،أي جهدتها،و بخع الوجد نفسه:أنهكها،و بخع له بحقّه:أقرّ به،و بخع له بالطّاعة:خضع له؛أي جهد حتّى أقرّ و أطاع له فلم ينقل«بخع»إلى معنى أقرّ و أطاع بل هو باق على معناه اللّغويّ،كما لم ينقل إلى معنى هلك أو الزّراعة بل

ص: 742


1- هكذا ضبطه أبو حيّان(6:98).

هذه كلّها تدلّ على نهاية الجهد في مواردها فلاحظ.

و منه بخعت الذّبيحة و بها،إذا قطعت عظم رقبتها و بالغت في ذبحها،و بخع فلان نفسه:قتلها.

2-و هناك من يقول:بأنّ الأصل:قطع رأس الذّبيحة حتّى يبلغ الذّبح البخاع،فأصلها البخاع على ما اختاره الزّمخشريّ،و هو غير بعيد،إذ المحسوس أقرب إلى الأصل حسب ما اخترناه في مادّة«أذن»بأنّ أصلها «الأذن»،ثمّ توسّع في هذه المادّة حتّى تضمّنت كلّ معنى فيه جهد و مبالغة في أمر يكاد فاعله أن يموت في سبيله.

فقد روى ابن فارس قول الضّبّيّ عن آخرين:

«بخعت الذّبيحة،إذا قطعت عظم رقبتها،فهي مبخوعة، و نخعتها دون ذلك،لأنّ النّخاع:الخيط الأبيض الّذي يجري في الرّقبة و فقار الظّهر،و البخاع«بالباء»:العرق الّذي في الصّلب».

و إن صحّت هذه الرّواية فإنّها تعضد قول الزّمخشريّ حول هذا المعنى في«الفائق و الكشّاف»، و تقدح في قول ابن الأثير:«طالما بحثت عنه في كتب اللّغة و الطّبّ و التّشريح،فلم أجد البخاع«بالباء» مذكورا في شيء منها».

و كان الزّمخشريّ قد فسّر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في أهل اليمن بأنّهم«أبخع طاعة»بأبلغ طاعة؛إذ أخذه من معنى «البخاع»:و حسب ابن الأثير أنّ الزّمخشريّ قد انفرد بذكر هذا الحرف.

3-و بين(ب خ ع)و(ن خ ع)اشتقاق أكبر،يقال:

بخع الذّبيحة،أي بالغ في ذبحها،فقطع بخاعها،و نخع الذّبيحة:بالغ في ذبحها،فقطع نخاعها.و قال ابن الأعرابيّ كما روى عنه«صاحب التّهذيب»في(ن خ ع):«نخع فلان لي بحقّي،و بخع-بالباء و النّون-إذا أذعن».

و منه يبدو أنّ معنى الجهد البالغ ملحوظ في المادّتين.

الاستعمال القرآنيّ

جاء في هذه المادّة لفظ«باخع»مرّتين في القرآن:

فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً الكهف:6

لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

الشّعراء:3

يلاحظ أوّلا:أنّه قد اجتمعت في هاتين الآيتين المكّيّتين معان،منها:الإشفاق بالمخاطبة و الرّجاء بلفظ (لعلك)،و المبالغة في إنهاك النّفس و إجهادها بلفظ باخِعٌ نَفْسَكَ بصيغة اسم الفاعل الدّال على الدّوام و مجيء«الكفر»بلفظ (لَمْ يُؤْمِنُوا) و أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. أي أنّ اللّه تعالى يشفق على النّبيّ لإنهاك نفسه إنهاكا مداوما يشارف الموت،على أثر تولّي أهل مكّة و إعراضهم عن الإيمان.

ثانيا:و يفصح استنفاد النّبيّ و سعيه في هذا السّبيل عن مدى حبّه لقومه-و هم مشركو قريش-و تفانيه في هدايتهم و إخراجهم من الضّلال.فرغم تماديهم في الغواية و إمعانهم في أذاه،فإنّه ما دعا عليهم كما فعل نوح؛حيث قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً نوح:26.

ثالثا:ذكر اللّه بخعه لقومه في أوّل السّورتين،و تعقّبه فيهما بقضايا أصحاب الكهف و تفانيهم في دينهم في

ص: 743

الأولى،و قضايا موسى مع فرعون في الثّانية.

رابعا:تحكي الآيتان نمطا من أنماط التّسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هي كثيرة في القرآن،منها:

أ-النّهي عن الحزن: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ المائدة:41

ب-النّهي عن الأسى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ المائدة:68

ج-التّأسّي بمن أوذي من الأنبياء: وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا الأنعام:34

د-الأمر بالصّبر: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ الرّوم:60

ه-الأمر بالارتقاب و الانتظار و الإعراض:

فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ الدّخان:59

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ السّجدة:

30

و-النّهي عن التّحسّر: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8

ز-التّصدير بلفظ(لعلّك)-كما في الآيتين هنا- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ.

هود:12

ص: 744

ب خ ل

اشارة

6 ألفاظ،12 مرّة،1 مكّيّة،11 مدنيّة

في 6 سور:1 مكّيّة،5 مدنيّة

بخل 1:1 يبخلون 3:-3

بخلوا 2:-2 تبخلوا 1:-1

يبخل 3:-3 البخل 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بخل بخلا و بخلا فهو بخيل،بخّال،مبخّل.

و البخلة:بخل مرّة واحدة.[ثمّ استشهد بشعر](4:

272)

الفرّاء: البخل مثقّلة (1)،لأسد،و البخل خفيفة لتميم،و البخل لأهل الحجاز،و يخفّفون أيضا فتصير لغتهم و لغة تميم واحدة،و بعض بكر بن وائل يقولون:

البخل.[ثمّ استشهد بشعر](أبو حيّان 3:246)

المبرّد: «البخل»فيه أربع لغات:البخل مثل قفل، و البخل مثل الكرم،و البخل مثل الفقر،و البخل بضمّتين.(الفخر الرّازيّ 10:98)

ابن دريد: البخل و البخل لغتان،و رجل باخل و بخيل.

و المبخلة:الشّيء الّذي يحملك على البخل،و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الولد مجبنة مبخلة».

و جمع بخيل بخلاء،و جمع باخل بخّال.(1:238)

الهمذانيّ: يقال:فلان بخيل،و الجمع بخلاء.

و شحيح،و الجمع أشحّاء و أشحّة،و ضنين،و الجمع أضنّاء،و لئيم،و الجمع لئام.

يقال:بخل بالشّيء،و ضنّ به،و نفس به،و شحّ به، و لحز به،و هو جامد الكفّين،و ضيّق العطن.

يقال:فلان ضيّق،حرج و حرج،و لئيم المهزّة.

ص: 745


1- اصطلاح:مثقّلة يعني بضمّتين،و خفيفة بضمّة واحدة. أي البخل و البخل.

و صالت الزّند،و شحيح النّفس،و مكفوف عن الخير، و مغلول اليد عن الخير،و عن الحسن و الإحسان،و لئيم النّفس،و قصير اليد عن كلّ خير،و قصير الباع،و دقيق النّفس،و دنيء النّفس.

و في الأمثال:ربّ صلف تحت الرّاعدة.و فيها:خذ من الرّضفة ما عليها.و قد تحلب الضّجور العلبة و العلبتين.

و في الأمثال أيضا:ما يبضّ حجره،و لا تندى صفاته،و لا تبلّ إحدى يديه الأخرى.

البخل،و اللّؤم،و الشّحّ،و الضّنّ،و الإمساك، و الدّناءة،و الدّقّة،واحد.و أمّا الدّناوة فهي القرابة.

و الممسك و المسيك و المسكة،كلّه البخيل.(96)

الأزهريّ: و يجمع البخيل:بخلاء،و رجل باخل:

ذو بخل،و رجال باخلون.

و أبخلت فلانا:وجدته بخيلا،و بخّلت فلانا:نسبته إلى البخل.

و الولد مجبنة مجهلة مبخلة.(7:423)

الرّمّانيّ: البخل:منع النّفع الّذي هو أولى في العقل،و من زعم أنّ البخل منع الواجب عورض بأنّ البخل منع ما يستحقّ بمنعه الذّمّ،لأنّ البخيل مذموم بلا خلاف،و قد يمنع الواجب الصّغير،فلا يجوز وصفه بأنّه بخيل.(الطّوسيّ 9:310)

البخل معناه منع الإحسان لمشقّة الطّباع،و نقيضه الجود،و هو بذل الإحسان،لانتفاء مشقّة الطّباع.

(الطّوسيّ 3:196)

لا يجوز أن يكون البخل منع الواجب بمشقّة الإعطاء،قال زهير:

إنّ البخيل ملوم حيث كان و ل

كنّ الجواد على علاّته هرم

لأنّه يلزم على ذلك أن يكون الجود هو بذل الواجب من غير مشقّة.و إنّما قال زهير ما قاله،لأنّ البخل صفة نقص.

و من منع ما لا يضرّه بذله و لا ينفعه منعه ممّا تدعو إليه الحكمة فهو بخيل،لأنّه لا يقع المنع على هذه الصّفة إلاّ لشدّة في النّفس،و إن لم يرجع إلى ضرر،إذ الشّدّة من غير ضرر معقولة،كما يصفون الجوزة بأنّها لئيمة،لأجل الشّدّة.(الطّوسيّ 5:306)

الصّاحب: البخل و البخل:لغتان،بخل يبخل بخلا، و هو بخيل مبخّل.

و البخلة:بخل مرّة واحدة.(4:353)

الجوهريّ: البخل،و البخل بالفتح،عن الكسائيّ، و البخل بالتّحريك كلّه بمعنى.

و قد بخل الرّجل بكذا،فهو باخل و بخيل.

و أبخلته،أي وجدته بخيلا،و بخّلته،أي نسبته إلى البخل.

و يقال:الولد مبخلة مجبنة.

و البخّال:الشّديد البخل.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:1632)

ابن فارس: الباء و الخاء و اللاّم كلمة واحدة، و هي البخل و البخل،و رجل بخيل و باخل.فإذا كان ذلك شأنه فهو بخّال.[ثمّ استشهد بشعر](1:207)

أبو هلال: الفرق بينه و بين الضّنّ:أنّ الضّنّ أصله

ص: 746

أن يكون بالعواري،و البخل بالهيئات،و لهذا تقول:هو ضنين بعلمه و لا يقال:بخيل بعلمه،لأنّ العلم أشبه بالعارية منه بالهبة،و ذلك أنّ الواهب إذا وهب شيئا خرج من ملكه،فإذا أعار شيئا لم يخرج أن يكون عالما به،فأشبه العلم العارية،فاستعمل فيه من اللّفظ ما وضع لها،و لهذا قال اللّه تعالى: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ التّكوير:24،و لم يقل ببخيل.

الفرق بين الشّحّ و البخل:أنّ الشّحّ الحرص على منع الخير،و يقال:زند شحّاح،إذا لم يور نارا و إن أشحّ عليه بالقدح،كأنّه حريص على منع ذلك.و البخل:منع الحقّ،فلا يقال لمن يؤدّي حقوق اللّه تعالى:

بخيل.(144)

الثّعالبيّ: في ترتيب أوصاف البخيل:رجل بخيل، ثمّ مسك،إذا كان شديد الإمساك لماله،عن أبي زيد.

ثمّ لحز،إذا كان ضيّق النّفس،شديد البخل،عن أبي عمرو.

ثمّ شحيح،إذا كان مع شدّة بخله حريصا،عن الأصمعيّ.

ثمّ فاحش،إذا كان متشدّدا في بخله،عن أبي عبيدة.

ثمّ حلّز إذا كان في نهاية البخل،عن ابن الأعرابيّ.(161)

ابن سيدة:البخل،و البخل،و البخل و البخول:

ضدّ الكرم.

و قد بخل بخلا و بخلا،فهو باخل،و الجمع:بخّال؛ و بخيل،و الجمع:بخلاء.

و رجل بخل:وصف بالمصدر،عن أبي العميثل الأعرابيّ،و كذلك:بخّال و مبخّل.

و بخّله:رماه بالبخل.و أبخله:وجده بخيلا،و منه قول عمرو بن معديكرب:«يا بني سليم لقد سألناكم فما أبخلناكم».[ثمّ استشهد بشعر]

و المبخلة:الشّيء الّذي يحملك على البخل،و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:الولد مجبنة مجهلة مبخلة.(1295)

البخل:ضدّ الكرم،و منع الواجب،و منع السّائل ممّا يفضل.بخل كفرح و كرم بخلا و بخلا و بخلا و بخولا.

و تبخّل:ضنّ بما عنده و لم يجد،فهو باخل من بخّال و بخّل،و هو بخيل من بخلاء.

و بخّله و أبخله:جعله بخيلا و استبخله:عدّه بخيلا، و بخّله:رماه بالبخل،و أبخله:وجده بخيلا.

(الإفصاح 1:165)

الطّوسيّ: البخل:منع النّائل لشدّة الإعطاء،ثمّ صار في أسماء الّذي منع الواجب،لأنّ من منع الزّكاة فهو بخيل.(5:306)

الرّاغب: البخل:إمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه،و يقابله الجود؛يقال:بخل فهو باخل.و أمّا البخيل فالّذي يكثر منه البخل كالرّحيم من الرّاحم.

و البخل ضربان:بخل بقنيّات نفسه،و بخل بقنيّات غيره،و هو أكثرهما ذمّا،دليلنا على ذلك قوله تعالى:

اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ... النّساء:

37.(38)

الزّمخشريّ: فلان لم يبخل و لم يبخّل،و ما كانت منه بخلة قطّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان أصيل في اللّؤم بخّال،ما له عمّ كريم و لا خال.

ص: 747

و يقال:لا يكاد يفلح النّخيل،إذا أبرّها البخيل.

و قيل لرجل:بفلان خبل،و بأخيه بخل.فقال:

الخبل أهون من البخل،و المبخّل فداء للمخبّل.

و من المجاز:قول أبي النّجم:

و الضّامنين عثرات الدّهر

إذا السّماء بخلت بالقطر

(أساس البلاغة:16)

الطّبرسيّ: البخل أصله:مشقّة الإعطاء.و قيل في معناه:إنّه منع الواجب،لأنّه اسم ذمّ لا يطلق إلاّ على مرتكب الكبيرة.

و قيل:هو منع ما لا ينفع و لا يضرّ بذله.و مثله الشّحّ،و ضدّه الجود.(2:46)

ابن الأثير: فيه«الولد مبخلة مجبنة»هو«مفعلة» من البخل و مظنّة له،أي يحمل أبويه على البخل و يدعوهما إليه فيبخلان بالمال لأجله.و منه الحديث الآخر:«إنّكم لتبخّلون و تجبّنون».(1:103)

القرطبيّ: البخل و البخل في اللّغة أن يمنع الإنسان الحقّ الواجب عليه،فأمّا من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل،لأنّه لا يذمّ بذلك.

و أهل الحجاز يقولون: يبخلون و قد بخلوا،و سائر العرب يقولون:بخلوا،يبخلون،حكاه النّحّاس.و بخل يبخل بخلا و بخلا،عن ابن فارس.[إلى أن قال:]

و اختلف في البخل و الشّحّ هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟

فقيل:البخل:الامتناع من إخراج ما حصل عندك، و الشّحّ:الحرص على تحصيل ما ليس عندك.و قيل:إنّ الشّحّ هو البخل مع حرص،و هو الصّحيح.(4:292)

الفيّوميّ: بخل بخلا و بخلا،من بابي تعب و قرب، و الاسم البخل وزان«فلس»فهو بخيل،و الجمع بخلاء.

و رجل باخل،أي ذو بخل.

و البخل في الشّرع:منع الواجب،و عند العرب:منع السّائل ممّا يفضل عنده.و أبخلته بالألف:وجدته بخيلا.

(1:37)

نحوه الطّريحيّ.(5:317)

الجرجانيّ: البخل:هو المنع من مال نفسه، و الشّحّ:هو بخل الرّجل من مال غيره،قال عليه الصّلاة و السّلام:اتّقوا الشّحّ،فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم.

و قيل:البخل ترك الإيثار عند الحاجة.

قال حكيم: البخل محو صفات الإنسانيّة و إثبات عادات الحيوانيّة.(19)

الفيروزآباديّ: البخل و البخول بضمّهما،و كجبل و نجم و عنق:ضدّ الكرم.

بخل كفرح و كرم،بخلا بالضّمّ و التّحريك،فهو باخل من بخّل كركّع،و بخيل من بخلاء.

و رجل بخل محرّكة:وصف بالمصدر،و بخال كسحاب و شدّاد و معظّم.

و أبخله:وجده بخيلا.

و بخّله تبخيلا:رماه به.

و كمرحلة:ما يحملك عليه و يدعوك إليه.

(3:343)

البخل:إمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه، و يقابله الجود.

ص: 748

و البخل:ثمرة الشّحّ،و الشّحّ يأمر بالبخل،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إيّاكم و الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم،أمرهم بالبخل فبخلوا،و أمرهم بالقطيعة فقطعوا» فالبخيل:من أجاب داعي الشّحّ،و المؤثّر:من أجاب داعي الجود و السّخاء و الإحسان.

(بصائر ذوي التّمييز 2:227)

أبو البقاء الكفويّ: البخل:هو نفس المنع.

و الشّحّ:الحالة النّفسانيّة الّتي تقتضي ذلك المنع.و بخل يعدّى ب«عن»و ب«على»أيضا لتضمّنه معنى الإمساك و التّعرّي،فإنّه إمساك عن مستحقّ.

و البخل و الحسد مشتركان في أنّ صاحبهما يريد منع النّعمة عن الغير،ثمّ يتميّز البخيل بعدم دفع ذي النّعمة شيئا،و الحاسد يتميّز بأنّه يتمنّى أن لا يعطى لأحد سواه شيئا.

و البخل شعبة من الجبن،لأنّ الجبن تألّم القلب بتوقّع مؤلم عاجلا،على وجه يمنعه من إقامة الواجب عقلا، و هو البخل في القلب و النّفس.و البخيل يأكل و لا يعطي، و اللّئيم لا يأكل و لا يعطي.(المصطفويّ 1:210)

مجمع اللّغة: البخل و البخل:ضدّ الجود،و هو إمساك المال عمّا لا يصحّ حبسه عنه.يقال:بخل بكذا، كفرح و كرم بخلا و بخلا.(1:81)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بخل:أمسك ما عنده و ضنّ به عمّا لا يصحّ حبسه عنه،و البخل:الإمساك و الضّنّ بالمال و غيره،و هو ضدّ الكرم.(1:60)

النّصوص التّفسيريّة

بخل

وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى. الليل:8

ابن عبّاس: بخل بما عنده و استغنى في نفسه.

من أغناه اللّه،فبخل بالزّكاة.

بخل بالفضل و استغنى من ربّه.(الطّبريّ 30:221)

قتادة: و أمّا من بخل بحقّ اللّه عليه،و استغنى في نفسه عن ربّه.(الطّبريّ 30:222)

الطّبريّ: و أمّا من بخل بالنّفقة في سبيل اللّه،و منع ما وهب اللّه له من فضله،من صرفه في الوجوه الّتي أمر اللّه بصرفه فيها.(30:221)

ابن خالويه: (بخل)فعل ماض و معناه المضارع.

و فيه لغات،يقال:بخل يبخل بخلا و بخلا و بخلا و بخلا.(110)

الطّوسيّ: يعني به من منع حقّ اللّه الّذي أوجب عليه من الزّكاة،و الحقوق الواجبة في ماله.

(10:364)

مثله الميبديّ.(10:514)

الطّبرسيّ: أي ضنّ بماله الّذي لا يبقى له،و بخل بحقّ اللّه فيه.(5:502)

نحوه القرطبيّ.(20:84)

الشّربينيّ: أي أوجد هذه الحقيقة الخبيثة،فمنع ما أمر به و ندب إليه.(4:545)

البروسويّ: أي بماله فلم يبذله في سبيل الخير، و البخل:إمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه، و يقابله الجود.(10:449)

ص: 749

الآلوسيّ: (بخل)بماله:فلم يبذله في سبيل الخير.

و قيل:أي بخل بفعل ما أمر به،و فيه ما فيه.

(30:149)

المصطفويّ: وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى يريد من إمساكه الاستغناء و اليسرى.

فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ التّوبة:76، يمسكون فيما يوجد عندهم من فضل اللّه.

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا آل عمران:180،فيكون ما ينعمون به نقمة و عذابا،لتقصيرهم فيه.

اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ النّساء:37،فإذا اشتدّ البخل في صاحبه لا يرضى بالجود و الإعطاء في غيره أيضا،و يأمر النّاس بالبخل قولا و عملا.

وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ محمّد:38، و من يمسك عن البذل و الإعطاء فإنّما يمسك عن نفسه و يمنع عن إدامة فضل اللّه تعالى إليه.

فالبخل هو المنع عن بسط فضل اللّه و رحمته، و الإمساك عن نشر آثار نعمه و آلائه في عباده،مع الغفلة عن أنّ كلّ نعمة من اللّه المتعال.(1:210)

يبخل

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ. محمّد:38

مقاتل: إنّما يبخل بالجود و الفضل في الآخرة عن نفسه.(الطّبرسيّ 5:108)

الطّبريّ: و من يبخل بالنّفقة في سبيل اللّه،فإنّما يبخل عن بخل نفسه،لأنّ نفسه لو كانت جوادا لم تبخل بالنّفقة في سبيل اللّه،و لكن كانت تجود بها.(26:65)

الميبديّ:معناه كيف يأمركم بإخراج جميع أموالكم و قد دعاكم إلى إنفاق البعض في سبيل اللّه فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ فلا ينفق،و قيل: فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ بما فرض عليه من الزّكاة.

وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ (عن) بمعنى«على»أي يبخل على نفسه بالجزاء و الثّواب.

و قيل: فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ يعني عن بخل نفسه،لأنّ نفسه لو كانت جوادا لم يبخل بالنّفقة في سبيل اللّه،و قيل:يبخل عن داعي نفسه لا عن داعي ربّه.

(9:197)

الزّمخشريّ: وَ مَنْ يَبْخَلْ بالصّدقة و أداء الفريضة فلا يتعدّاه ضرر بخله، فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ يقال:بخلت عليه و عنه،و كذلك ضننت عليه و عنه.(3:540)

الطّبرسيّ: فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ بما فرض عليه من الزّكاة وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ لأنّه يحرمها مثوبة جسيمة،و يلزمها عقوبة عظيمة،و هذه إشارة إلى أنّ معطي المال أحوج إليه من الفقير الآخر، فبخله بخل على نفسه،و ذلك أشدّ البخل.

و قيل:معناه فإنّما يبخل بداع عن نفسه يدعوه إلى البخل،فإنّ اللّه تعالى نهى عن البخل و ذمّه،فلا يكون البخل بداع من جهته.(5:108)

النّيسابوريّ: أي وباله على نفسه،أو عن داعي

ص: 750

ربّه.قال في«الكشّاف»:يقال:بخلت عليه و عنه؛و فيه نظر،لأنّ البخل عن النّفس لا يصحّ بهذا التّفسير،نعم، لو قال:عن ماله،كان تفسيره مطابقا.(26:34)

أبو حيّان: [ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و بخل يتعدّى ب«على»و ب«عن»يقال:بخلت عليه و عنه،و صلّيت عليه و عنه،و كأنّهما إذا عدّيا ب«عن» ضمّنا معنى الإمساك،كأنّه قيل:أمسكت عنه بالبخل.

(8:86)

نحوه البروسويّ.(8:525)

الآلوسيّ: فلا يتعدّى ضرر بخله إلى غيرها.يقال:

بخلت عليه و بخلت عنه،لأنّ البخل فيه معنى المنع و معنى التّضييق،على من منع عنه المعروف و الإضرار،فناسب أن يعدّى ب«عن»للثّاني،و ظاهر أنّ من منع المعروف عن نفسه فإضراره عليها،فلا فرق بين اللّفظين في الحاصل.

و قال الطّيّبيّ: يمكن أن يقال:يبخل عن نفسه،على معنى يصدر البخل عن نفسه،لأنّها مكان البخل و منبعه، كقوله تعالى: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ الحشر:9،و هو كما ترى.(26:82)

سيّد قطب: و الآية ترسم صورة وصفيّة لواقع الجماعة المسلمة يومذاك،و لواقع النّاس تجاه الدّعوة إلى البذل في كلّ بيئة؛فهي تقرّر أنّ منهم من يبخل،و معنى هذا أنّ هنالك من لا يبخلون بشيء.و قد كان هذا واقعا، سجّلته الرّوايات الكثيرة الصّادقة،و سجّله القرآن في مواضع أخرى.

و قد حقّق الإسلام في هذا المجال مثلا تحسب من خوارق الأمثال في البذل و التّضحية،عن رضى و عن فرح بالبذل و العطاء.و لكنّ هذا لم يمنع أن يكون هنالك من يبخل بالمال،و لعلّ الجود بالنّفس أرخص عند بعضهم من الجود بالمال!

و القرآن يعالج هذا الشّحّ في هذه الآية وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ فما يبذله النّاس إن هو إلاّ رصيد لهم مذخور،يجدونه يوم يحتاجون إلى رصيد، يوم يحشرون مجرّدين عن كلّ ما يملكون،فلا يجدون إلاّ ذلك الرّصيد المذخور،فإذا بخلوا بالبذل فإنّما يبخلون على أنفسهم؛و إنّما يقلّلون من رصيدهم،و إنّما يستخسرون المال في ذواتهم و أشخاصهم،و إنّما يحرمونها بأيديهم.

أجل.فاللّه لا يطلب إليهم البذل،إلاّ و هو يريد لهم الخير و يريد لهم الوفر،و يريد لهم الكنز و الذّخر.

و ما يناله شيء ممّا يبذلون،و ما هو في حاجة إلى ما ينفقون.(6:3303)

الطّباطبائيّ: أي يمنع الخير عن نفسه،فإنّ اللّه لا يسأل مالهم لينتفع هو به بل لينتفع به المنفقون فيما فيه خير دنياهم و آخرتهم،فامتناعهم عن إنفاقه امتناع منهم عن خير أنفسهم،و إليه يشير قوله بعده: وَ اللّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ محمّد:38،و القصران للقلب،أي اللّه هو الغنيّ دونكم،و أنتم الفقراء دون اللّه.

(18:249)

يبخلون

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ

ص: 751

هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ... آل عمران:180

ابن مسعود: نزلت في مانع الزّكاة المفروضة.

مثله ابن عبّاس،و الشّعبيّ،و مجاهد، و أبو هريرة.(أبو حيّان 3:127)

و هو المرويّ عن الباقر عليه السّلام.(الطّوسيّ 3:64) و عن الصّادق عليه السّلام.(رشيد رضا 4:258).

ابن عبّاس: نزلت في أهل الكتاب و بخلهم،ببيان ما علّمهم اللّه من أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(أبو حيّان 3:127)

السّدّيّ:إنّ المعنى بخلوا أن ينفقوا في سبيل اللّه،كما بخلوا بمنع الزّكاة.(الطّوسيّ 3:64)

نزلت في البخل بالمال،و الإنفاق في سبيل اللّه.(أبو حيّان 3:127)

الزّجّاج: هذا يعني به علماء اليهود الّذين بخلوا بما آتاهم اللّه من علم نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و مشاقّة و عداوة.

و قد قيل:إنّهم الّذين يبخلون بالمال،فيمنعون الزّكاة.

قال أهل العربيّة: المعنى لا يحسبنّ الّذين يبخلون البخل هو خيرا لهم،و دلّ(يبخلون)على البخل.

(1:492)

الطّوسيّ: [ذكر قول السّدّيّ و ابن عبّاس و قال:]

و الوجه الأوّل أظهر،لأنّ أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في مانعي الزّكاة،و هو قول أبي جعفر عليه السّلام.[إلى أن قال:]

و البخل هو منع الواجب،لأنّه تعالى ذمّ به و توعّد عليه.و أصله في اللّغة:مشقّة الإعطاء،و إنّما يمنع الواجب لمشقّة الإعطاء.(3:64)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الآية دالّة على ذمّ البخل بشيء من الخيرات و المنافع،و ذلك الخير يحتمل أن يكون مالا،و أن يكون علما.

فالقول الأوّل:إنّ هذا الوعيد ورد على البخل بالمال،و المعنى:لا يتوهّمن هؤلاء البخلاء أنّ بخلهم هو خير لهم،بل هو شرّ لهم،و ذلك لأنّه يبقى عقاب بخلهم عليهم،و هو المراد من قوله: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ مع أنّه لا تبقى تلك الأموال عليهم،و هذا هو المراد بقوله: وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ آل عمران:180.

و القول الثّاني:إنّ المراد من هذا البخل:البخل بالعلم؛و ذلك لأنّ اليهود كانوا يكتمون نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و صفته،فكان ذلك الكتمان بخلا،يقال:فلان يبخل بعلمه.و لا شكّ أنّ العلم فضل من اللّه تعالى،قال اللّه تعالى: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً النّساء:113،ثمّ إنّه تعالى علّم اليهود و النّصارى ما في التّوراة و الإنجيل،فإذا كتموا ما في هذين الكتابين من البشارة بمبعث محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كان ذلك بخلا.

و اعلم أنّ القول الأوّل أولى،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّه تعالى قال: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ و لو فسّرنا الآية بالعلم احتجنا إلى تحمّل المجاز في تفسير هذه الآية،و لو فسّرناها بالمال لم نحتج إلى المجاز،فكان هذا أولى.

الثّاني:أنّا لو حملنا هذه الآية على المال كان ذلك ترغيبا في بذل المال في الجهاد،فحينئذ يحصل لهذه الآية

ص: 752

مع ما قبلها نظم حسن،و لو حملناها على أنّ اليهود كتموا ما عرفوه من التّوراة انقطع النّظم،إلاّ على سبيل التّكلّف، فكان الأوّل أولى.

و أكثر العلماء على أنّ البخل عبارة عن منع الواجب، و أنّ منع التّطوّع لا يكون بخلا،و احتجّوا عليه بوجوه:

أحدها:أنّ الآية دالّة على الوعيد الشّديد في البخل، و الوعيد لا يليق إلاّ الواجب.

و ثانيها:أنّه تعالى ذمّ البخل و عابه،و منع التّطوّع لا يجوز أن يذمّ فاعله و أن يعاب به.

و ثالثها:و هو أنّه تعالى لا ينفكّ عن ترك التّفضّل، لأنّه لا نهاية لمقدوراته في التّفضّل،و كلّ ما يدخل في الوجود فهو متناه،فيكون لا محالة تاركا التّفضّل.فلو كان ترك التّفضّل بخلا،لزم أن يكون اللّه تعالى موصوفا بالبخل لا محالة،تعالى اللّه عزّ و جلّ عنه علوّا كبيرا.

و رابعها:قال عليه الصّلاة و السّلام:«و أيّ داء أدوأ من البخل»و معلوم أنّ تارك التّطوّع لا يليق به هذا الوصف.

و خامسها:أنّه لو كان تارك التّفضّل بخيلا لوجب فيمن يملك المال كلّه العظيم أن لا يتخلّص من البخل إلاّ بإخراج الكلّ.

و سادسها:أنّه تعالى قال: وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ البقرة:3،و كلمة«من»للتّبعيض،فكان المراد من هذه الآية:الّذين ينفقون بعض ما رزقهم اللّه، ثمّ إنّه تعالى قال في صفتهم: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة:5،فوصفهم بالهدى و الفلاح.و لو كان تارك التّطوّع بخيلا مذموما لما صحّ ذلك؛فثبت بهذه الآية أنّ البخل عبارة عن ترك الواجب.

إلاّ أنّ الإنفاق الواجب أقسام كثيرة:

منها إنفاقه على نفسه و على أقاربه الّذين يلزمه مئونتهم.

و منها ما يتّصل بأبواب الزّكاة.

و منها ما إذا احتاج المسلمون إلى دفع عدوّ يقصد قتلهم و مالهم،فهاهنا يجب عليهم إنفاق الأموال على من يدفعه عنهم،لأنّ ذلك يجري مجرى دفع الضّرر عن النّفس.

و منها إذا صار أحد من المسلمين مضطرّا،فإنّه يجب عليه أن يدفع إليه مقدار ما يستبقي به رمقه.فكلّ هذه الإنفاقات من الواجبات،و تركه من باب البخل.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّ تفسير هذا البخل بكتمان دلائل نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم غير بعيد؛و ذلك لأنّ اليهود و النّصارى موصوفون بالبخل في القرآن،مذمومون به.قال تعالى في صفتهم: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً النّساء:53،و قال أيضا فيهم: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ النّساء:37،و أيضا ذكر عقيب هذه الآية قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران:181، و ذلك من أقوال اليهود،و لا يبعد أيضا أن تكون الآية عامّة في البخل بالعلم،و في البخل بالمال،و يكون الوعيد حاصلا عليهما معا.(9:113)

أبو حيّان:قيل:نزلت في النّفقة على العيال و ذوي

ص: 753

الأرحام.[إلى أن قال:]

و البخل الشّرعيّ عبارة عن منع بذل الواجب.

(3:127)

البروسويّ: و اعلم أنّ البخل عبارة عن امتناع أداء الواجب،و الامتناع عن التّطوّع لا يكون بخلا، و لذلك قرن به الوعيد و الذّمّ.

و الواجب كثير كالإنفاق على النّفس و الأقارب الّذين يلزمه مئونتهم،و الصّدقة على الغير حال المخمصة،و في حال الجهاد،عند الاحتياج إلى التّقوية بالمال.

ثمّ إنّ في الآية إشارة إلى أنّ البخل إكسير الشّقاوة كما أنّ السّخاء إكسير السّعادة،و ذلك لأنّ اللّه تعالى سمّى المال فضله،كما قال: مِنْ فَضْلِهِ و الفضل لأهل السّعادة،فبإكسير البخل يصير الفضل قهرا و السّعادة شقاوة،كما قال: هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ يعني بإكسير البخل يجعلون خيريّة ما آتاهم اللّه من فضله شرّا لهم.و لو أنّهم طرحوا على ما هو فضله إكسير السّخاء لجعلوه خيرا لهم،فصيّروه سعادة،و لصاروا بها أهل الجنّة،و لن يلج الجنّة الشّحيح.(2:133)

محمّد عبده: أكثر المفسّرين على أنّ المراد بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ المال،و أنّ البخل به هو البخل بالصّدقة المفروضة فيه.

و عدم التّصريح بذلك من ضروب إيجاز القرآن، فكثيرا ما يترك التّصريح بالقول،لأنّه مفهوم من السّياق و القرائن دالّة عليه،و اللّبس مأمون.

فلا يخطر ببال أحد أنّ الوعيد هو على البخل بجميع ما يملك الإنسان من فضل ربّه عليه،فإنّ اللّه أباح لنا الطّيّبات و الزّينة في نصّ كتابه،و العقل يجزم أيضا بأنّ اللّه لا يكلّف النّاس بذل كلّ ما يكسبون،و أن يبقوا جائعين عراة بائسين.

و ذهب آخرون إلى أنّ ذلك هو«العلم»و أنّ الكلام في اليهود الّذين أوتوا صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فكتموها.

و الأولى أن تبقى على عمومها،فإنّ المال من فضل اللّه، و كذلك العلم و الجاه.و النّاس مطالبون بشكر ذلك، و البخل على النّاس به كفر لا شكر.

و الحكمة في ترك النّصّ على أنّ البخل المذموم هنا هو البخل بما يجب بذله،ممّا يتفضّل اللّه به على المكلّف؛هي أنّ في العموم من التّأثير في النّفس ما ليس للتّخصيص، و هذه السّورة متأخّرة في النّزول،و كانت أكثر الأحكام إذا أنزلت مقرّرة،فإذا طرق سمع المؤمن هذا القول تذكّر فضل اللّه عليه،و أنّ عليه فيه حقّا للنّاس،و أنّ هذا الخطاب يذكر به سواء منه ما هو معلوم معيّن و ما ليس بمعلوم و لا معيّن،بل هو موكول إلى اجتهاده الّذي يتبع عاطفة الإيمان.

و إنّما نفى أوّلا كونه خيرا ثمّ أثبت كونه شرّا مع أنّ الثّاني هو الظّاهر الّذي لا يمارى فيه،لأنّ المانع للحقّ إنّما يمنعه لأنّه يحسب أنّ في منعه خيرا له،لما في بقاء المال في اليد مثلا من الانتفاع به بالتّمتّع باللّذّات،و دفع الغوائل و الآفات،و توهّم التّمكّن من قضاء الحاجات.

فإن قيل:إنّ التّحديد كان أوضح و أنفى للإيهام.

قلنا:إنّ القرآن كتاب هداية و وعظ،يخاطب الأرواح ليجذبها إلى الخير بالعبارة الّتي هي أحسن

ص: 754

تأثيرا،لا ككتب الفقه و غيره من كتب الفنون الّتي تتحرّى فيها التّعريفات الجامعة المانعة.

و كتاب هذا شأنه لا يجري على السّنن،الّذي لا يليق إلاّ بضعفاء العقول الّذين فسدت فطرهم بالتّعاليم الفاسدة؛يعني تلك التّعاليم الّتي تشغل الأذهان بعباراتها الضّيّقة و أساليبها المعقدة،فلا ينفذ إلى القلب شيء ممّا يعتصر منها،و لذلك قال:و إنّ مثل هذه العبارة المطلقة الّتي تخطر في البال بذل كلّ ما في اليد-و تكاد توجبه لو لا الدّلائل الأخرى-تحدث في النّفس أريحيّة للبذل، تدفعها إلى بذل الواجب،و زيادة عليه.

(رشيد رضا 4:258)

رشيد رضا: [و بعد نقل قول محمّد عبده قال:] إنّ هذه العبارة الأخيرة مبنيّة على القول بأنّ المراد بما يبخل به هو المال.فإذا جرينا على القول الآخر المختار،و هو أنّه يعمّ المال و العلم و الجاه،و كلّ فضل منّ اللّه على العبد يمكنه أن ينفع به النّاس،يمكننا أن نجعلها من قبيل المثال.

و نقول:إنّ التّحديد في بيان ما يجب بذله للنّاس من الجاه و العلم متعذّر إذا فرضنا أنّ ما يجب تحديد بذله في المال متيسّر،و بهذا كانت الآية شاملة لما لا يتأتّى تفصيله إلاّ بصحف كثيرة،و كان الجواب أظهر،و الإيجاز أبلغ في الإعجاز و أكبر.

و يؤيّد العموم في قوله: بِما آتاهُمُ اللّهُ العموم في الجزاء على ذلك البخل في قوله: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، و لم يقل سيطوّقون زكاتهم،أو المال الّذي منعوه.(4:259)

البخل

اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.

النّساء:37

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ليس بالبخيل من أدّى الزّكاة المفروضة من ماله و يعطي النّائبة في قومه،إنّما البخيل حقّ البخيل من لم يؤدّ الزّكاة المفروضة و لم يعط النّائبة في قومه و هو يبذر فيما سوى ذلك.

[و في حديث]البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ.(البحرانيّ 4:344)

طاوس: البخل:أن يبخل الإنسان بما في يده، و الشّحّ:أن يشحّ على ما في أيدي النّاس.

و البخل في الشّريعة هو منع الواجب.

(أبو حيّان 3:246)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ البخيل من كسب ماله من غير حلّه،و أنفقه في غير حقّه.(البحرانيّ 4:344)

الإمام الكاظم عليه السّلام: البخيل من بخل بما افترض اللّه عليه.(البحرانيّ 4:344)

الطّبريّ: و البخل في كلام العرب:منع الرّجل سائله ما لديه و عنده من فضل عنه.

و اختلف القرّاء في قراءة قوله: وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ فقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة (بالبخل) بفتح الباء و الخاء،و قرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و بعض البصريّين بضمّ الباء (بِالْبُخْلِ) .و هما لغتان فصيحتان بمعنى واحد،و قراءتان معروفتان غير مختلفي المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيب في قراءته.(5:85)

ص: 755

نحوه أبو زرعة.(203)

الرّمّانيّ: معناه منع الإحسان لمشقّة الطّباع، و نقيضه«الجود»و هو بذل الإحسان لانتفاع مشقّة الطّباع.(الطّوسيّ 3:196)

الطّوسيّ: قرأ حمزة و الكسائيّ هاهنا،و في الحديد (بالبخل)بفتح الباء و الخاء،الباقون بضمّ الباء و تسكين الخاء.

فمن نصب قال:لأنّه مصدر:بخل يبخل بخلا الباب كلّه هكذا،و من اختار الضّمّ و تسكين الخاء فلأنّه نقيض«الجود»فحمل على وزنه،فهما لغتان.و حكي لغة ثالثة(بالبخل)بفتح الباء و سكون الخاء.

و البخل أصله:مشقّة الإعطاء،و قالوا في معناه:

هاهنا قولان:

أحدهما:أنّه منع الواجب،لأنّه اسم ذمّ لا يطلق إلاّ على مرتكب كبيرة.

و الثّاني:هو منع ما لا ينفع منعه،و لا يضرّ بذله، و مثله الشّحّ،و ضدّه الجود،و الأوّل أليق بالآية،لأنّه تعالى نفى محبّته عمّن كان بهذه الصّفة،و ذلك لا يليق إلاّ بمنع الواجب.(3:196)

نحوه الميبديّ.(2:502)

الزّمخشريّ: و قرئ (بالبخل) بضمّ الباء و فتحها و بفتحتين و بضمّتين،أي يبخلون بذات أيديهم و بما في أيدي غيرهم،فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسّخاء ممّن وجد.و في أمثال العرب:أبخل من الضّنّين بنائل غيره.[ثمّ استشهد بشعر](1:526)

الفخر الرّازيّ: قرأ حمزة و الكسائي (بالبخل) بفتح الباء و الخاء،و في الحديد مثله،و هي لغة الأنصار.

و الباقون (بالبخل) بضمّ الباء و الخاء،و هي اللّغة العالية.

[إلى أن قال:]

و هو في كلام العرب عبارة عن منع الإحسان،و في الشّريعة منع الواجب.(10:98)

القرطبيّ: البخل المذموم في الشّرع:هو الامتناع عن أداء ما أوجب اللّه تعالى عليه،و هو مثل قوله تعالى:

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ آل عمران:180.(5:193)

النّسفيّ: وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ (بالبخل) حمزة،و عليّ،و هما لغتان كالرّشد و الرّشد،أي يبخلون بذات أيديهم و بما في أيدي غيرهم،فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسّخاء.

قيل:البخل:أن يأكل بنفسه و لا يؤكل غيره، و الشّحّ:أن لا يأكل و لا يؤكل،و السّخاء:أن يأكل و يؤكل،و الجود:أن يؤكل و لا يأكل.(1:225)

أبو حيّان: البخل في كلام العرب:منع السّائل شيئا ممّا في يد المسئول من المال و عنده فضل.[و بعد نقل قول طاوس و الرّاغب قال:]

و لمّا أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين و من ذكر معهما من المحتاجين على سبيل ابتداع أمر اللّه،بيّن أنّ من لا يفعل ذلك قسمان:

أحدهما:البخيل الّذي لا يقدم على إنفاق المال البتّة حتّى أفرط في ذلك،و أمر بالبخل.

و الثّاني:الّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس لا لغرض أمر اللّه و امتثاله و طاعته،و ذمّ تعالى القسمين،بأن

ص: 756

أعقب القسم الأوّل وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ النّساء:37، و أعقب الثّاني بقوله: وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً النّساء:38.

و البخل أنواع:بخل بالمال،و بخل بالعلم،و بخل بالطّعام،و بخل بالسّلام،و بخل بالكلام،و بخل على الأقارب دون الأجانب،و بخل بالجاه،و كلّها نقائص و رذائل مذمومة عقلا و شرعا.

و قد جاءت أحاديث في مدح السّماحة و ذمّ البخل، منها:«خصلتان لا يجتمعان في مؤمن:البخل و سوء الخلق».

و ظاهر قوله:(بالبخل)أنّه متعلّق بقوله:

وَ يَأْمُرُونَ كما تقول:أمرت زيدا بالصّبر،فالبخل مأمور به.

و قيل:متعلّق«الأمر»محذوف،و الباء في(بالبخل) حاليّة،و المعنى و يأمرون النّاس بشكرهم مع التباسهم بالبخل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ الجمهور (بِالْبُخْلِ) بضمّ الباء و سكون الخاء، و عيسى بن عمر و الحسن بضمّهما،و حمزة و الكسائيّ بفتحهما،و ابن الزّبير و قتادة و جماعة،بفتح الباء و سكون الخاء،و هي كلّها لغات.[إلى أن قال:]

و اختلفوا في إعراب اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ، فقيل:هو في موضع نصب بدل من قوله:«من كان».

و قيل:من قوله: مُخْتالاً فَخُوراً النّساء:36، أفرد اسم كان و الخبر على لفظ(من)،و جمع(الّذين) حملا على المعنى.

و قيل:انتصب على الذّمّ.و يجوز عندي أن يكون صفة ل(من)،و لم يذكروا هذا الوجه.

و قيل:هو في موضع رفع على إضمار مبتدإ محذوف، أي هم الّذين.

و قال أبو البقاء: يجوز أن يكون بدلا من الضّمير في (فخورا)و هو قلق.

فهذه ستّة أوجه يكون فيها اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ متعلّقا بما قبله،و يكون الباخلون منفيّا عنهم محبّة اللّه تعالى،و تكون الآية إذن في المؤمنين.و المعنى أحسنوا أيّها المؤمنون إلى من سمّى اللّه،فإنّ اللّه لا يحبّ من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم و هي:الخيلاء و الفخر و البخل و الأمر به،و كتمان ما أعطاهم اللّه من الرّزق و المال.

و قيل: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ في موضع رفع على الابتداء.و اختلفوا في الخبر أ هو محذوف أم ملفوظ به؟

فقيل:هو ملفوظ به و هو قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها النّساء:40، و يكون الرّابط محذوفا تقديره:مثقال ذرّة لهم،أو لا يظلمهم مثقال ذرّة.

و إلى هذا ذهب الزّجّاج،و هو بعيد متكلّف لكثرة الفواصل بين المبتدإ و الخبر،و لأنّ الخبر لا ينتظم مع المبتدإ معناه انتظاما واضحا،لأنّ سياق المبتدإ و ما عطف عليه ظاهر،من قوله: وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ النّساء:38، لا يناسب أن يخبر عنه بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً النّساء:40،بل مساق إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ أن يكون استئناف كلام،إخبارا عن عدله و عن فضله تعالى

ص: 757

و تقدّس.

و قيل:هو محذوف،فقدّره الزّمخشريّ:الّذين يبخلون و يفعلون و يصنعون أحقّاء بكلّ ملامة،و قدّره ابن عطيّة:معذّبون أو مجازون و نحوه،و قدّره أبو البقاء:

أولئك قرناؤهم الشّيطان،و قدّره أيضا:مبغضون، و يحتمل أن يكون التّقدير:كافرون و أعتدنا للكافرين.

فإن كان ما قبل الخبر ممّا يقتضي كفرا حقيقة، كتفسيرهم(البخل)بأنّه بخل بصفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و بإظهار نبوّته،و الأمر بالبخل لأتباعهم،أي بكتمان ذلك،و كتمهم ما تضمّنته التّوراة من نبوّته و شريعته، كان قوله: وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ حقيقة.فإن كان ما قبل الخبر كفر نعمة،كتفسيرهم أنّها في«المؤمنين» كان قوله: وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ كفر نعمة،و لكلّ من هذه التّقادير مناسب من الآية.

و الآية على هذه التّقادير و قول الزّجّاج في الكفّار، و يبيّن ذلك سبب النّزول المتقدّم.(3:246)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البخل،و هو الشّحّ،يقال:

بخل فلان يبخل بخلا و بخلا،فهو بخيل و بخّال و باخل و بخل أيضا،و هم بخلاء و بخّال و باخلون،و بخل الرّجل بكذا:ضنّ به.و يقال أيضا:أبخلت فلانا،أي وجدته بخيلا،و بخّلته،إذا نسبته إلى البخل.و منه:المبخلة،و هو ما يحمل على البخل،و البخلة:المرّة من البخل.

2-لم يؤثر عن العرب أصل يعتدّ به لهذه المادّة مثلما جاء ذلك في الشّحّ و الضّنّ و التّقتير و سائر نظائره.

فالشّحّ مشتقّ من الشّحاح في قولهم:أرض شحاح،أي تسيل من أدنى مطرة،كأنّها تشحّ على الماء بنفسها.

و الضّنّ:الشّيء المضنون به،يقال:فلان ضنّتي من بين إخواني و ضنّي،أي أختصّ به،و أضنّ بمودّته.

و التّقتير أخذ من قولهم:لحم قاتر،أي له قتار لدسمه،و القتار:رائحة اللّحم المشويّ،أو من«القتر» و هو السّهم الصّغير،أو من«القترة»أي الكوّة النّافذة.

أمّا الممسك و المغلول اليد،فهما يطلقان على البخيل مجازا.

3-بيد أنّ البخل-كما ترى-أمر طبعيّ،فلعلّه استعمل حين الوضع لفظ طبع،مثل:أح عند السّعال، و أخ عند التّوجّع،و بخ عند الإعجاب.و ربّما كانت العرب-و هي أمّة قد جبلت على الكرم-حينما تشمئزّ من البخل و فاعله،تعبّر عن ذلك بلفظ«بخل»،و هو على هذا الاحتمال صوت،ثمّ أصبح هذا الصّوت بمرور الزّمان اسما،و اشتقّ منه فعل،ثمّ توسّع فيه و أصبح أصلا برأسه،مثل:تأوّه و صخب و غيرهما.

4-و يدعم هذا الاحتمال احتواء الأصوات على حروف الحلق غالبا؛إذ لا يكاد يخلو منها اسم صوت أو حكايته،كالحاء في الفحيح،و هو صوت الحيّة، و الحمحمة،أي صوت الفرس،و الخاء في الخوار،أي صوت الثّور،و الخفق،صوت النّعل،و العين في الزّعقة و السّجع،و الغين في النّغم و التّغمغم،و الهاء في الهتملة و الهسهسة،أي الصّوت الخفيّ،و الهمزة في النّأمة،أي صوت السّهم،و الزّئير:صوت الأسد.و الهاء أكثر دخولا على حروف الحلق،و الهمزة أقلّ دخولا عليها.

ص: 758

و ممّا يدعم هذا الاحتمال أيضا هو انفراد اللّغة العربيّة بلفظ«البخل»دون سائر أخواتها من اللّغات السّاميّة؛إذ أنّ كلّ لغة بشريّة تنفرد بألفاظ طبعيّة تختصّ بها،و ربّما تلتقي لغتان كالعربيّة و الفارسيّة في لفظ،مثل:به به،عند الإعجاب بالشّيء،أو تقتربان في لفظ آخر،مثل:آه،و آخ،عند التّوجّع،انظر مادّة«أوه» من هذا المعجم.

5-كلّ ذلك يرتبط باللّفظ،أمّا المعنى فيبدو من النّصوص أنّ هناك خلافا حوله بين اللّغويّين و المتكلّمين،فاللّغويّون يكتفون بالقول:إنّه ضدّ الكرم و الجود،و إنّه مشقّة الإعطاء،أو منع ما لا ينفع منعه و لا يضرّ عطاءه.و يقول المتكلّمون:إنّه منع الواجب بحجّة أنّه اسم ذمّ،لا يطلق إلاّ على مرتكب الكبيرة.

و ردّه الرّمّانيّ بقوله:إنّه عورض بأنّ البخل:منع ما يستحقّ بمنعه الذّمّ،لأنّ البخيل مذموم بلا خلاف.و قد يمنع الواجب الصّغير،فلا يجوز وصفه بأنّه بخيل،و بأنّه يلزم على ذلك أن يكون الجود هو بذل الواجب من غير مشقّة.

و دعم رأيه هذا بقول زهير:بأنّ البخيل ملوم حيث كان،و أنّ البخل منقصة.ثمّ اختار القول:إنّ من منع ما لا يضرّه بذله،و لا ينفعه منعه ممّا تدعو إليه الحكمة،فهو بخيل،لأنّه لا يقع المنع على هذه الصّفة إلاّ لشدّة في النّفس،و إن لم يرجع إلى ضرر.

و قد تبعه الرّاغب-و هو معتزليّ مثله-فقال:

البخل:إمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه، و يقابله الجود.

و يبدو أنّ الشّيخ الطّوسيّ فضّ هذا النّزاع بقوله:

«البخل:منع النّائل لشدّة الإعطاء،ثمّ صار في أسماء الّذي منع الواجب،لأنّ من منع الزّكاة فهو بخيل»، فجمع بين المعنى اللّغويّ و المعنى الشّرعيّ.

و الحقّ أنّ البخل من صفات النّفس أوّلا،ثمّ من صفات الفعل،و هو مظهر ما في النّفس،و هو داخل في مسائل علم الأخلاق دون الكلام.

6-كما أنّ هناك خلافا آخر في الفرق بين البخل و ما بمعناه من الألفاظ،فعند الهمذانيّ مثلما تقدّم في النّصوص«البخل و اللّؤم و الشّحّ و الضّنّ و الإمساك و الدّناءة و الدّقّة واحد».

و أمّا أبو هلال العسكريّ فقد فرّق بينه و بين الضّنّ و الشّحّ،فقال:بأنّ الضّنّ بالعواريّ،و البخل بالهيئات، فلهذا يقال:هو ضنين بعلمه،و لا يقال:بخيل بعلمه...قال اللّه تعالى: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ التّكوير:24،و إنّ الشّحّ:الحرص على منع الخير، و البخل:منع الحقّ.

و قد رتّب الثّعالبيّ أوصاف«البخيل»بأنّه بخيل ثمّ ممسك،إذا كان شديد الإمساك لماله،ثمّ لحز،إذا كان ضيّق النّفس شديد البخل،ثمّ شحيح،إذا كان مع شدّة بخله حريصا،ثمّ فاحش،إذا كان متشدّدا في بخله،ثمّ حلّز،إذا كان في نهاية البخل،لاحظ(ش ح ح)و (ض ن ن)و(ق ت ر)و(م س ك)و(غ ل ل).

الاستعمال القرآنيّ

ورد البخل في القرآن كما يلي:

ص: 759

1- وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى* وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى الليل:8-10

2- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ آل عمران:180

3- وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ* فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ التّوبة:75،76

4- إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ محمّد:37

5- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ محمّد:38

6- اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً النّساء:37

7- اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الحديد:24

يلاحظ أوّلا:أنّ«البخل»في القرآن سمة مزرية،قد توعّد اللّه من يتّصف بها شرّا و عذابا يوم القيامة،و هو الكافر،كما في(1)،و(2)،و(6)،و(7)،و عرّضه في الدّنيا للذّمّ،و هو المسلم العاصي،كما في سائر الآيات.

ثانيا:إذا كان التّوعّد بالعذاب خاصّا بالكافر و الذّمّ خاصّا بالمسلم،فلا ينحصر البخل بترك الواجب،كما جاء في النّصوص،بل هو مذموم و لو في غير الواجب، فعذاب الكافر حينئذ إنّما هو من أجل كفره و تكذيبه و تركه الواجب،لا من أجل بخله.أمّا لو عمّ العذاب في تلك الآيات المسلم و الكافر-كما لا يبعد-فتحديد البخل بترك الواجب وقع في محلّه.

و لقائل أن يقول:رذيلة البخل و إن كانت لا تنتهي إلى ترك الواجب،فهي نفسها سيّئة يجب تركها ما دام الإنسان قادرا على ذلك،فيعاقب عليها إن لم يتركها.

و عليه فصحّ العذاب على نفس البخل من دون ترك واجب آخر سوى ترك نفسه،و هو ترك واجب،و ليس ترك واجب.

إلاّ أنّ كثيرا من المفسّرين فسّروا«الآيات»بترك الحقّ الواجب،من الزّكاة و نحوها،و من هنا جاء قيد ترك الواجب في تحديد البخل،و بعضهم عبّر عنه بالبخل الشّرعيّ،و لو تأمّلت النّصوص لوجدت فيها تفصيل ما اخترناه.

ثالثا:جاء في جملة من الأقوال بدء بابن عبّاس ثمّ الزّجّاج ثمّ الفخر الرّازيّ(748)و(749)،ثمّ محمّد عبده (750)،ثمّ رشيد رضا(751)،تعميم البخل بمنع العلم، و لا سيّما في الآيتين(2)و(6)،لعموم ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فيهما للعلم،و لظهور وَ يَكْتُمُونَ في(6)في العلم،بل ادّعى بعضهم اختصاص هذه الآية بالعلم،ظنّا منه أنّها نزلت في شأن اليهود الّذين كتموا صفات النّبيّ الّتي قرءوها في التّوراة.

و لا شاهد له في شيء منها،فإنّ ظاهر الآيات ذمّ البخل بعدم الإنفاق و الإمساك عن أداء الصّدقات،بل البخل حسب وضعه اللّغويّ منع المال،كما أنّ الجود بذل المال،و ليس سياق الآية خاصّا باليهود،بل الآية قبلها

ص: 760

في الإحسان إلى الأقرباء و الأيتام و غيرهم،و ذيلها إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً. و وصفهم في الآية (6)بقوله: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ و بعدها: وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ..، وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ.

و أمّا الكتمان و إن جاء في اللّغة و في القرآن غالبا في كتمان العلم و الحديث و الشّهادة و الحقّ،و ما أنزل اللّه من الكتاب و الهدى و البيّنات،إلاّ أنّه لا يختصّ بها،فقد جاء في قوله: وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ البقرة:228.لكتمان الجنين و الإمساك عن إعلانه.

على أنّ في حمل وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ في الآية على المال نكتة لطيفة،و هي أنّهم من شدّة حرصهم على البخل يكتمون أمر أموالهم الّتي تفضّل اللّه بها عليهم،لئلاّ يطمع فيها طامع،و لا يطرق أبوابهم فقير أو مسكين.و هذا ما يشاهد فعلا في البخلاء،حيث يعيشون بزيّ الفقراء و هم أغنياء،حتّى أنّهم لا يعرفون بادّخار المال إلاّ بعد موتهم،و في ذلك حكايات طريفة.

و قد حكى القرآن في قصّه أصحاب الجنّة فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:23.

و مع ذلك كلّه لا ننكر تعميم البخل بالعلم و الجاه و سائر الخيرات و الفضائل سوى المال من باب التّأويل و الاستعارة تشبيها للمعقول بالمحسوس،و المعنويّات بالمادّيّات.فإنّ التّأويل قد يكون بالتّعميم،مثل تعميم العمى بعمى القلب،و الحياة بالعلم و الإيمان و المعرفة و الرّشد و الهداية،و مثله في القرآن كثير،و قد تبنّاه الصّوفيّة و العرفاء و يعبّرون عنه بتفسير الإشارة و يشاهد مثله في أقوال الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام و الصّحابة و التّابعين،و قد أوردنا شطرا منها في النّصوص التّفسيريّة من هذا المعجم كما أنّ التّأويل قد يكون بتخصيص العامّ و المطلق،و هو أكثر ما جاء في الرّوايات و الأقوال التّأويليّة عند فرق المسلمين،و لا سيّما الشّيعة و الباطنيّة و غيرهم.

رابعا:كما وصم اللّه المؤمن و الكافر بالبخل.فقد وصمهما بما يؤدّي معناه:و قد مضى في النّصوص الفرق بينها.

و هو غير كاف يحتاج إلى بيان أوفى ربّما يأتي في الشّحّ إن شاء اللّه فانتظره.

أ-الشّحّ: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الحشر:9

فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ الأحزاب:19

ب-الإمساك و القتر: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً الإسراء:100

ج-غلّ اليد: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الإسراء:29

وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ

آل عمران:161

ص: 761

ص: 762

ب د أ

اشارة

6 ألفاظ،15 مرّة:14 مكّيّة،1 مدنيّة

في 11 سورة:10 مكّيّة،1 مدنيّة

بدأ 3:3 بدأنا 1:1

بدأكم 1:1 يبدأ 6:6

بدؤكم 1:-1 يبدئ 3:3

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: الأبداء:المفاصل، و الواحد:بدى،مقصور،و يقال:بدء،و جمعه:بدوء، مثال بدوع.(الخليل 8:84)

الخليل: و البدء،مهموز،و بدأ الشّيء يبدأ،أي يفعله قبل غيره،و اللّه بدأ الخلق و أبدأ،واحد.

و البديء:الشّيء المخلوق،و ربّما استعملوه في أمر عجيب،قالوا:أمر بديء،أي عجيب.

و البدء من الرّجال:السّيّد الّذي يعدّ في أوّل من يعدّ في سادات قومه.

و أعطيته بدء من اللّحم،و جمعه:أبداء،يقال:

نحضة،أي قطعة،و يقال:عضو تامّ.[ثمّ استشهد بشعر] و رجل مبدوء،أي مجدور أصابه الجدريّ.

و تقول:فعل ذلك عودا و بدء،أو في عوده و بدئه،أو في عودته و بدأته.

و بئر بديء:ليست بعاديّة،ابتدئت فحفرت بديئا حديثا.(8:83)

الأمويّ: جاء بأمر بديء على«فعيل»أي عجيب.

قال:و بديء من بدأته.(الأزهريّ 14:205)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البدء:السّيّد.

(الأزهريّ 14:204)

أبو عبيدة: يقال:للرّكيّة:بديء و بديع،إذا حفرتها أنت،فإن أصبتها قد حفرت قبلك فهي خفيّة، و زمزم خفيّة،لأنّها كانت لإسماعيل فاندفنت.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:206)

ص: 763

أبو زيد: أبدأت من أرض إلى أرض أخرى،إذا خرجت منها إلى غيرها إبداء.و بدئ فلان فهو مبدوء، إذا أخذه الجدريّ أو الحصبة،و بدأت بالأمر بدء.

(الأزهريّ 14:206)

الأصمعيّ: بدئ الرّجل فهو مبدوء،إذا جدر فهو مجدور.و البدء:خير نصيب في الجزور،و جمعه:أبداء.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أهداه بدأة الجزور،أي خير الأنصباء.

(الأزهريّ 14:205)

اللّحيانيّ: كان ذلك في بدأتنا و بدأتنا،بالقصر و المدّ-و لا أدري كيف ذلك-و في مبدأتنا،قد أبدأنا و بدأنا.(ابن منظور 1:27)

أنت بادئ الرّأي و مبتدأه تريد ظلمنا،أي أنت في أوّل الرّأي تريد ظلمنا.(ابن منظور 1:27)

أمّا بادئ بدء فإنّي أحمد اللّه،و بادي بدأة،و بادئ بداء،و بدا بدء،و بدأة بدأة،و بادي بدو،و بادي بداء، أي أمّا بدء الرّأي فإنّي أحمد اللّه.(ابن منظور 1:27)

بدئ الرّجل يبدأ بدء:خرج به بثر شبه الجدريّ.

قال بعضهم:هو الجدريّ بعينه.

و رجل مبدوء:خرج به ذلك.(ابن منظور 1:30)

ابن السّكّيت: قد بدأت بالشّيء و قد بدوت له، إذا ظهرت له.(إصلاح المنطق:155)

ثعلب: أفعله بدء و أوّل بدء.(الزّبيديّ 1:42)

ابن دريد: أبدأت الشّيء،إذا أنشأته أبدئه إبداء، و بدأته أيضا،و اللّه المبدئ المعيد،و قد قالوا:بادئ عائد.

[ثمّ استشهد بشعر](3:202)

الأزهريّ: بدأ اللّه الخلق و أبدأهم.

البدء:البئر البديء الّتي ابتدئ حفرها فحفرت حديثة،و ليست بعاديّة،و ترك فيها الهمز في أكثر كلامهم.

و يقال:فعلت ذلك عودا و بدء.

و يقال:أهداه بدأة الجزور؛أي خير الأنصباء.

(14:205)

الصّاحب: البدء-مهموز-مصدر بدأ يبدأ؛و هو أن يفعل شيئا قبل غيره.و اللّه بدأ الخلق و أبدأهم-سبحانه و تعالى.

و البديء:الشّيء المخلوق.و الأمر العجيب.

و بئر بديء:هي الّتي ابتدئ حفرها في الإسلام، و بئر بدء،و ماء بدء-على فعل-:بمعناه.

و بدئت في الأمر و بدأت.

و قوله عزّ و جلّ: إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27،أي ابتداء الرّأي.

و في المثل:«أبدأهم بالصّراخ يفرّوا».

و البدء من الرّجال:السّيّد الّذي يعدّ في أوّل من يعدّ.

و البدأة:الكريم،و الجميع البدآء و الأبداء.

و البدء من اللّحم:النّحضة،و يقال:عضو تامّ.

و رجل مبدوء:أي مجدور.

و ما يعيد و ما يبدئ:إذا لم يكن له حيلة.

و فعل ذلك عودا و بدء؛و في عوده و بدئه؛و في عودته و بدأته.

و البدأة من كلّ شيء:خياره،و جمعه:بدء.

و النّصيب من أنصباء الجزور،و جمعه:بدوء،و قيل:هو

ص: 764

العجز و القصص و الوركان و الكتفان و الفخذان.

و البدأة من القداح:الفائز.

و يقال عند المناضلة:لك البدأة و البداءة-بوزن فعالة؛خفيف-و بدّاءة-بوزن فعّالة-أي لك أن تبدأ قبل غيرك الرّمي.

و كلّمته في بداءاته:أي انطلاقه إلى مكّة.

و اكتر للبدأة:أي للرّجعة.

و أبدأ القوم:إذا خرجوا من بلد إلى بلد.

و افعل كذا بدء ما و بدء ذي بدء:أي إثرا ما.و ابدأ به أوّل شيء و بادئ بدء و بادي بديء و بادي بدي و بدأة ذي بدء و بادي بدا:أي السّاعة السّاعة.

و هاتها من ذي تبدّئت و من ذي تبدّئ:أي أعد الكلمة من أوّلها.

و بدأة ذي بدء:يهمز و لا يهمز.

و البدأة:تراب من الثّرى يجتمع؛كأنّها الكمء.

(9:374)

الجوهريّ: بدأت بالشّيء بدء:ابتدأت به،و بدأت الشّيء:فعلته ابتداء.

و بدأ اللّه الخلق و أبدأهم،بمعنى.

و يقال:رجع عوده على بدئه،إذا رجع في الطّريق الّذي جاء منه.

و فلان ما يبدئ و ما يعيد،أي ما يتكلّم ببادئة و لا عائدة.

و البدء:السّيّد الأوّل في السّيادة،و التّنيان:الّذي يليه في السّؤدد.[ثمّ استشهد بشعر]

و البديء:الأمر البديع،و قد أبدأ الرّجل،إذا جاء به.[ثمّ استشهد بشعر]

و البدء و البديء:البئر الّتي حفرت في الإسلام، و ليست بعاديّة.

و في الحديث: «حريم البئر البديء خمس و عشرون ذراعا».

و البدء و البديء أيضا:الأوّل.و منه قولهم:أفعله بادي بدء على«فعل»،و بادي بديء على«فعيل»،أي أوّل شيء،و الياء من«بادي»ساكنة في موضع النّصب، هكذا يتكلّمون به،و ربّما تركوا همزه لكثرة الاستعمال، على ما نذكره في باب المعتلّ.

و يقال أيضا:أفعله بدأة ذي بدء،و بدأة ذي بدأة.

أي أوّل أوّل.

و قولهم:لك البدء و البدأة،و البدأة-أيضا-بالمدّ؛ أي لك أن تبدأ قبل غيرك في الرّمي أو غيره.(1:35)

ابن فارس: الباء و الدّال و الهمزة من افتتاح الشّيء،يقال:بدأت بالأمر و ابتدأت،من الابتداء.

و اللّه تعالى المبدئ و البادئ.قال اللّه تعالى عزّ و جلّ:

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ البروج:13،و قال تعالى:

كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ العنكبوت:20.

و يقال للسّيّد:البدء،لأنّه يبدأ بذكره.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أبدأت من أرض إلى أخرى أبدئ إبداء،إذا خرجت منها إلى غيرها.و البدأة:النّصيب،و هو من هذا أيضا،لأنّ كلّ ذي نصيب فهو يبدأ بذكره دون غيره، و هو أهمّها إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البدوء:مفاصل الأصابع،واحدها:بدء،مثل

ص: 765

بدع.و أظنّه ممّا همز و ليس أصله الهمز.و إنّما سمّيت بدوء لبروزها و ظهورها،فهي إذا من الباب الأوّل.

و ممّا شذّ عن هذا الأصل،و لا أدري ممّ اشتقاقه قولهم:بدئ فهو مبدوء،إذا جدر أو حصب.[ثمّ استشهد بشعر](1:212)

أبو هلال: الفرق بين المبدئ و المبتدئ:أنّ المبدئ للفعل هو المحدث له،و هو مضمّن بالإعادة،و هي فعل الشّيء كرّة ثانية،و لا يقدر عليها إلاّ اللّه تعالى.فأمّا قولك:أعدت الكتاب،فحقيقته أنّك كرّرت مثله، فكأنّك قد أعدته.

و المبتدئ بالفعل هو الفاعل لبعضه من غير تتمّة، و لا يكون إلاّ لفعل يتطاول،كمبتدئ بالصّلاة و بالأكل، و هو عبارة عن أوّل أخذه فيه.(109)

الهرويّ: و في حديث أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«منعت العراق درهمها و قفيزها،و منعت الشّام مديها و دينارها،و منعت مصر إردبّها،و عدتم من حيث بدأتم»...و هذا كقول اللّه تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ الأعراف:29،30.[ثمّ شرح ألفاظ الحديث إلى أن قال:]

و في الحديث:«أنّه نفّل في البدأة الرّبع،و في الرّجعة الثّلث».أراد بالبدأة:ابتداء السّفر،يعني في الغزو، و يقال:اكتر للبدأة بكذا،و للرّجعة بكذا.

و في الحديث:«الخيل مبدّأة يوم الورد»أي يبدأ بها في السّقي قبل الإبل و الغنم.(1:138)

الطّوسيّ: البدء:فعل الشّيء أوّل مرّة،و العود:

فعله ثاني مرّة.و قد يكون فعل أوّل خصلة منه بدء، كبدء الصّلاة،و بدء القراءة.بدأهم و أبدأهم لغتان.

(4:414)

البدء:أوّل الفعل،و هو علي وجهين:

أحدهما:أنّه أوّل الفعل،و هو جزء منه مقدّم على غيره.

و الثّاني:أنّه موجود قبل غيره من طريق الفعليّة، يقال:بدأ يبدأ بدء،و ابتدأ يبتدئ ابتداء.و الابتداء:

نقيض الانتهاء،و البدء:نقيض العود.(8:234)

الرّاغب: يقال:بدأت بكذا و أبدأت و ابتدأت،أي قدّمت.

و البدء و الإبداء:تقديم الشّيء على غيره ضربا من التّقديم.

و مبدأ الشّيء،هو الّذي منه يتركّب أو منه يكون، فالحروف مبدأ الكلام،و الخشب مبدأ الباب و السّرير، و النّواة مبدأ النّخل.

يقال للسّيّد الّذي يبدأ به إذا عدّ السّادات:بدء، فاللّه هو المبدئ المعيد؛أي هو السّبب في المبدإ و النّهاية.

و يقال:رجع عوده على بدئه،و فعل ذلك عائدا و بادئا و معيدا و مبدئا،و أبدأت من أرض كذا،أي ابتدأت منها بالخروج.

و البدأة:النّصيب المبدأ به في القسمة،و منه قيل لكلّ قطعة من اللّحم عظيمة:بدء.(40)

المدينيّ:في حديث سعيد بن المسيّب في حريم البئر:«البديء خمس و عشرون ذراعا»البديء الّتي ابتدئت،فحفرت في الإسلام،في أرض موات،و لم تكن

ص: 766

عاديّة.

في الحديث:«أنّ عائشة رضي اللّه عنها،قالت في اليوم الّذي بدئ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:وا رأساه».

قال الأصمعيّ:يقال:متى بدئ فلان؟أي متى مرض؟و يقال ذلك للّذي مات:متى بدئ؟أي متى مرض؟.(1:136)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى،«المبدئ»هو الّذي أنشأ الأشياء و اخترعها ابتداء،من غير سابق مثال.

و في الحديث:«أنّه نفّل في البدأة الرّبع،و في الرّجعة الثّلث»أراد بالبدأة ابتداء الغزو،و بالرّجعة القفول منه.

و المعنى كان إذا نهضت سريّة من جملة العسكر المقبل على العدوّ فأوقعت بهم نفلها الرّبع ممّا غنمت، و إذا فعلت ذلك عند عود العسكر نفّلها الثّلث،لأنّ الكرّة الثّانية أشقّ عليهم،و الخطر فيها أعظم؛و ذلك لقوّة الظّهر عند دخولهم،و ضعفه عند خروجهم،و هم في الأوّل أنشط و أشهى للسّير و الإمعان في بلاد العدوّ،و هم عند القفول أضعف و أفتر،و أشهى للرّجوع إلى أوطانهم، فزادهم لذلك.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«و اللّه لقد سمعته يقول:ليضربنّكم على الدّين عودا كما ضربتموهم عليه بدء»أي أوّلا،يعني:العجم و المواليّ.

و منه حديث الحديبيّة:«يكون لهم بدو الفجور و ثناه»أي أوّله و آخره...

و في حديث الغلام الّذي قتله الخضر:«فانطلق إلى أحدهم بادئ الرّأي فقتله»أي في أوّل رأي رآه و ابتدأ به.و يجوز أن يكون غير مهموز،من البدوّ:الظّهور،أي في ظاهر الرّأي و النّظر.(1:103)

ابن منظور:في أسماء اللّه عزّ و جلّ المبدئ:هو الّذي أنشأ الأشياء،و اخترعها ابتداء،من غير سابق مثال.

و البديئة و البداءة و البداهة أوّل ما يفجؤك،الهاء فيه بدل من الهمز.[إلى أن قال:]

و الابتداء في العروض:اسم لكلّ جزء يعتلّ في أوّل البيت بعلّة،لا يكون في شيء من حشو البيت،كالخرم في الطّويل و الوافر و الهزج و المتقارب،فإنّ هذه كلّها يسمّى كلّ واحد من أجزائها إذا اعتلّ«ابتداء».

و ذلك لأنّ«فعولن»تحذف منه الفاء في الابتداء، و لا تحذف الفاء من«فعولن»في حشو البيت البتّة، و كذلك أوّل«مفاعلتن»و أوّل«مفاعيلن»يحذفان في أوّل البيت.و لا يسمّى«مستفعلن»في البسيط و ما أشبهه ممّا علّته كعلّة أجزاء حشوه«ابتداء».

و زعم الأخفش:أنّ الخليل جعل«فاعلاتن»في أوّل المديد«ابتداء».

و لم يدر الأخفش لم جعل«فاعلاتن»ابتداء،و هي تكون«فعلاتن و فاعلاتن»،كما تكون أجزاء الحشو.

و ذهب على الأخفش أنّ الخليل جعل«فاعلاتن» هنا ليست كالحشو،لأنّ ألفها تسقط أبدا بلا معاقبة،و كلّ ما جاز في جزئه الأوّل ما لا يجوز في حشوه،فاسمه «الابتداء»،و إنّما سمّي ما وقع في الجزء ابتداء لابتدائك بالإعلال.[إلى أن قال:]

و البدء:السّيّد،و قيل:الشّابّ المستجاد الرّأي، المستشار،و الجمع:بدوء.[إلى أن قال:]

ص: 767

و أبدأ الرّجل:كناية عن النّجو،و الاسم البداء، ممدود.

و أبدأ الصّبيّ:خرجت أسنانه بعد سقوطها.

(1:26)

الفيروزآباديّ: بدأ به كمنع:ابتدأ،و الشّيء:

فعله ابتداء كأبدأه و ابتدأه،و من أرضه:خرج،و اللّه الخلق:خلقهم كأبدأ فيهما.

و لك البدء و البدأة و البداءة و يضمّان،و البديئة، أي لك أن تبدأ،و البديئة:البديهة كالبداءة.

و أفعله بدء،و أوّل بدء،و بادي بدء،و بادي بديّ، و بادي بدأة،و بدأة ذي بدء،و بدأة ذي بداءة،و بدأة ذي بدأة،و بدأة ذي بديء،و بداءة ذي بدئ،و بدأة بدء، و بديء بدء،و بادئ بديء،و بادئ بدئ ككتف، و بديء ذي بديء،و بادئ بدء،و بادئ بداء،و بدا بدء، و بدأة بدأة،و بادي بد،و بادي بداء،أي أوّل كلّ شيء.

و رجع عوده على بدئه،و في عوده و بدئه،و في عودته و بدأته،و عودا و بدء،أي في الطّريق الّذي جاء منه.

و ما يبدئ و ما يعيد:ما يتكلّم ببادئة و لا عائدة.

و البدء:السّيّد و الشّابّ العاقل،و النّصيب من الجزور كالبدأة.و الجمع:أبداء و بدوء.

و كالبديع المخلوق،و الأمر المبدع،و البئر الإسلاميّة.و الأوّل كالبدء.

و بدئ بالضّمّ بدء:جدر،أو حصب بالحصبة.

و بدّاء ككتّان:اسم جماعة،و البدأة بالضّمّ:نبت، و كان ذلك في بدأتنا مثلّثة الباء،و في بدأتنا محرّكة،و في مبدئنا و مبدئنا و مبدأتنا كذا في«الباهر»،لابن عديس.(1:8)

الفيّوميّ: بدأت الشّيء و بالشّيء أبدأ بدء،بهمز الكلّ،و ابتدأت به:قدّمته.و أبدأت لغة:اسم منه أيضا.

و البداية بالياء مكان الهمز،عاميّ نصّ عليه ابن برّيّ و جماعة.

و البدأة مثل تمرة بمعناه،يقال:لك البدأة،أي الابتداء،و منه يقال:فلان بدء قومه،إذا كان سيّدهم و مقدّمهم،و كان ذلك في ابتداء الأمر،أي في أوّله.

و بدأ اللّه تعالى الخلق و أبدأهم بالألف:خلقهم.

و بدأ البئر:احتفرها،فهي بديء،أي حادثة،و هي خلاف العاديّة القديمة.

و البديء:الأمر العجيب.

و بدأ الشّيء:حدث،و أبدأته:أحدثته.(1:40)

العدنانيّ: «البداءة و البداية»:

يخطّئ ابن برّيّ و النّوويّ من يقول:البداية، و يريان أنّها لحن،و يقول المطرّزيّ و المصباح:إنّها لغة عاميّة.و يرى هؤلاء مع اللّسان،و التّاج،و المدّ أنّ الصّواب هو:البداءة.

و لكن يجيز استعمال البداية كلّ من زهير بن أبي سلمى،و عبد اللّه بن رواحة الأنصاريّ،و ابن جنّيّ، و ابن القطّاع،و اللّسان،و التّاج،و محيط المحيط،و المتن.

قال زهير بن أبي سلمى:

جريء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا و إلاّ يبد بالظّلم يظلم

و قال ابن جنّيّ في«سرّ الصّناعة»:العرب أبدلوا

ص: 768

الهمزة لغير علّة،طلبا للتّخفيف،كقولهم:قريت،في قرأت،و بديت،في بدأت،و توضّيت،في توضّأت.

ثمّ استشهد ببيت زهير،و قال:إنّ الشّاعر أراد بكلمة«يبد»:يبدأ،فقلبت الهمزة ألفا،ثمّ حذفت للجازم،فمن قال:بداية،بناه على هذه.

و ظاهر كلام ابن جنّيّ اطّراده،فلا خطأ في قولنا:

بداية أو بداءة.

و قال عبد اللّه بن رواحة الأنصاريّ:

باسم الإله،و به بدينا

و لو عبدنا غيره شقينا

و في إحدى نسخ«الصّحاح»:بدينا.

و قال ابن القطّاع: إنّ البداية لغة أنصاريّة:بدأت بالشّيء و بديت به:قدّمته،ثمّ استشهد ببيت ابن رواحة.

و هنالك مصادر أخرى،هي:

بدء:التّهذيب،و الصّحاح،و المحكم،و المصباح، و التّاج،و المدّ.

و بدء:الأصمعيّ،و التّاج،و المدّ.

و البدأة:الصّحاح،و المحكم،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ.

و البدأة:الصّحاح،و المحكم،و القاموس،و التّاج، و المدّ.

و البدأة:اللّسان،و المدّ.

و البداءة:المحكم،و القاموس،و التّاج،و المدّ.

و البداءة:الصّحاح،و المحكم،و القاموس، و التّاج،و المدّ.

و البداهة:المحكم،و المغرب،و التّاج،و المدّ.

و البديئة:المحكم،و القاموس و المدّ.

و البداءة:التّهذيب،و التّاج،و المدّ.

و هذا يجعلنا نستعمل هذه المصادر كلّها،دون أن نخشى أن ينكر ذلك أحد علينا.

بدأ اللّه الخلق و ابدأهم.

جاء في«مفردات»الرّاغب الأصفهانيّ،و«أساس البلاغة»للزّمخشريّ: الفعل بدأ وحده،بمعنى خلق.

و الحقيقة هي أنّ بدأ اللّه الخلق و أبدأهم جملتان وردتا في القرآن الكريم،ففي الآية«20»من سورة العنكبوت، قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ. و قال في الآية«19»من سورة العنكبوت أيضا: أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.

و أجاز استعمال جملتي:أبدأ الخلق و أبدأهم أيضا، كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أدب الكاتب في باب أبنية الأفعال،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و المحكم،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و فعله:بدأ يبدأ بدء،و بدأة.

و من معاني بدأ:

1-حدث و نشأ.

2-بدأ من مكان إلى آخر:انتقل.

3-بدأ يفعل كذا:أخذ و شرع.

4-بدأ في الأمر و عاد:تكلّم فيه مرّة بعد أخرى.

5-بدأ البئر:احتفرها،فهي بديء.

ص: 769

6-بدأ الشّيء و به:فعله قبل غيره و فضّله.

و من معاني أبدأ:

1-جاء بالبديء:العجيب.

2-أبدأ الصّبيّ:نبتت أسنانه بعد سقوطها.

3-أبدأ من مكان إلى آخر:انتقل.(46)

محمود شيت:1-أ-بدأ بدء و بدأة:حدث و نشأ.و من مكان إلى مكان آخر:انتقل.و يفعل كذا:

أخذ و شرع.و البئر:احتفرها،فهي بديء.

ب-البدء:أوّل كلّ شيء.و السّيّد الأوّل في السّيادة،جمعه:أبداء،و بدوء.

ج-البدأة:أوّل الحال و النّشأة.

د-البدائيّ:المنسوب إلى البداءة،و في علم الاجتماع:ما كان في الطّور الأوّل من أطوار علم النّشوء.

ه-المبدأ:مبدأ الشّيء:أوّله و مادّته الّتي يتكوّن منها،كالنّواة مبدأ النّخل،أو يتركّب منها،كالحروف مبدأ الكلام.جمعه:مبادئ.و مبادئ العلم أو الفنّ أو الخلق أو القانون أو الدّستور:قواعده الأساسيّة الّتي يقوم عليها،و لا يخرج عنها.

2-أ-البدء:أوّل كلّ شيء،يقال:بدء السّير،و بدء الطّريق،و بدء فتح النّار:بدء إطلاقه.

ب-المبدأ:القاعدة الأساسيّة،يقال:مبادئ الحرب:قواعدها الأساسيّة.و تعريف مبادئ الحرب في الجيش:هي القواعد الأساسيّة الّتي يعتمدها القائد في الحرب،و هي عشرة مبادئ.(1:71)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو الابتداء و الافتتاح،و بهذا اللّحاظ يطلق على كلّ مبتدإ و مفتتح.

فالبديء:الأمر العجيب الّذي لا سابقة له،فهو مبتدأ في موضوعه،و مثله إذا كانت بمعنى الحدوث،إذا لم يكن مسبوقا بغيره،و كذلك الإنشاء و الاختراع من دون سابقة،و منه حفر البئر،أي إيجادها و إنشاؤها.

و الإبداء:هو البدء بتفاوت الصّيغة،فإنّ صيغة «إفعال»كما سبق للدّلالة على ظهور الفعل منتسبا إلى الفاعل،في قبال صيغة«تفعيل».

و أمّا معنى الظّهور فهو من«البدوّ»،و الظّاهر أنّ النّصيب و الجدر و البثث مأخوذة من هذه المادّة.

فراجعها.(1:211)

النّصوص التّفسيريّة

بدا

1- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ. يوسف:76

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّ يوسف أمر أصحابه بأن يفتّشوا أوعيتهم و رحالاتهم،و أن يبدءوا بأوعية الجماعة قبل وعاء أخيه،ليكون أبعد من التّهم،فلمّا لم يجدوا فيها شيئا أمر حينئذ باستخراجها من وعاء أخيه.(6:174)

نحوه الميبديّ(5:112)،و البغويّ(3:264)، و الخازن(3:264).

الزّمخشريّ: فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين،لنفي التّهمة حتّى بلغ وعاءه.(2:335)

نحوه الطّبرسيّ(3:253)،و ابن الجوزيّ(4:

ص: 770

260)،و الفخر الرّازيّ(18:181)،و القرطبيّ(9:

235)،و البيضاويّ(1:503)،و أبو حيّان(5:332)، و أبو السّعود(3:85)،و البروسويّ(4:300).

ابن عطيّة: بدؤه من أوعيتهم تمكين للحيلة، و إبعاد لظهور أنّها حيلة.(3:265)

الآلوسيّ: ف(بدأ)قيل:المؤذّن،و رجّح بقرب سبق ذكره،و قيل:يوسف عليه السّلام.فقد روي أنّ إخوته لمّا قالوا ما قالوا،قال لهم أصحابه:لا بدّ من تفتيش رحالكم،فردّوهم بعد أن ساروا منزلا،أو بعد أن خرجوا من العمارة إليه عليه السّلام فبدأ بأوعيتهم،أي بتفتيش أوعية الإخوة العشرة.

و رجّح ذلك بمقاولة يوسف عليه السّلام،فإنّها تقتضي ظاهرا وقوع ما ذكر بعد ردّهم إليه.و لا يخفى أنّ الظّاهر أنّ إسناد التّفتيش إليه عليه السّلام مجازيّ،و المفتّش حقيقة أصحابه بأمره بذلك.(13:28)

الطّباطبائيّ: فيه تفريع على ما تقدّم،أي أخذ بالتّفتيش و الفحص بالبناء على ما ذكروه من الجزاء،فبدأ بأوعيتهم و ظروفهم قبل وعاء أخيه،للتّعمية عليهم حذرا من أن يتنبّهوا،و يتفطّنوا أنّه هو الّذي وضعها في رحل أخيه،ثمّ استخرجها من وعاء أخيه،و عند ذلك استقرّ الجزاء عليه،لكونها في رحله.(11:225)

2- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ.

العنكبوت:20

القرطبيّ: على كثرتهم و تفاوت هيئاتهم و اختلاف ألسنتهم و ألوانهم و طبائعهم،و انظروا إلى مساكن القرون الماضية و ديارهم و آثارهم كيف أهلكهم،لتعلموا بذلك كمال قدرة اللّه.(13:337)

أبو حيّان: قرأ الزّهريّ (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفا،فذهبت في الوصل،و هو تخفيف غير قياسيّ.[ثمّ استشهد بشعر](7:146)

الآلوسيّ: لعلّ التّعبير في الآية الأولى (1)بالمضارع،أعني«يبدئ»دون الماضي كما هنا، لاستحضار الصّورة الماضية لما أنّ بدء الخلق من مادّة و غيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة،على معنى أنّ خلق الأشياء أغرب من جعل أطوارها مختلفة.

و قيل:في وجه التّعبير بما ذكر إفادة الاستمرار التّجدّديّ،و هو بناء على المعنى الثّاني في الآية.و قال بعضهم في تغاير الدّليلين:إنّ هذه عينيّ و ذلك علميّ،أو هذا آفاقيّ و الأوّل أنفسيّ.(20:147)

3- ...وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. السّجدة:7

الطّوسيّ: أي ابتدأ خلق الإنسان من طين،يريد أنّه خلق آدم الّذي هو أوّل الخلق من طين،لأنّ اللّه تعالى خلق آدم من تراب فقلبه طينا،ثمّ قلب الطّين حيوانا،و كذلك قال: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران:59.

و قال هاهنا: وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ و كلّ ذلك لما في التّصريفين دليل.(8:297)

نحوه الطّبرسيّ.(4:327)9.

ص: 771


1- أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّهُ الْخَلْقَ... العنكبوت:19.

ابن عطيّة: و قرأ الزّهريّ (و بدا خلق الإنسان) بألف دون همزة،و بنصب القاف؛و ذلك على البدل لا على التّخفيف،كأنّه أبدل الياء من«بدي»ألفا، و«بدى»لغة الأنصار.[ثمّ استشهد بشعر](4:359)

نحوه أبو حيّان(7:199)،و الآلوسيّ(21:123).

بداكم

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. الأعراف:29

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:تبعث كلّ نفس على ما كانت عليه.(الطّبريّ 8:156)

ابن عبّاس: إنّ اللّه سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا و كافرا،كما قال جلّ ثناؤه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ التّغابن:2،ثمّ يعيدهم يوم القيامة،كما بدأ خلقهم مؤمنا و كافرا.

(الطّبريّ 8:156)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 8:157)

كما خلقناكم أوّل مرّة،كذلك تعودون.

قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بموعظة،فقال:«يا أيّها النّاس إنّكم تحشرون إلى اللّه حفاة غرلا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ الأنبياء:

104.(الطّبريّ 8:158)

هو إعلام بالبعث،أي كما أوجدكم و اخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت.

مثله مجاهد،و الحسن،و قتادة.(أبو حيّان 4:288)

إنّه إعلام بأنّ من كتب عليه أنّه من أهل الشّقاوة و الكفر في الدّنيا هم أهل ذلك في الآخرة،و كذلك من كتب له السّعادة و الإيمان في الدّنيا هم أهل ذلك في الآخرة،لا يتبدّل شيء ممّا أحكمه و دبّره تعالى.

مثله جابر بن عبد اللّه،و أبو العالية،و ابن كعب القرظيّ،و سعيد بن جبير،و السّدّيّ،و مجاهد،و الفرّاء.

(أبو حيّان 4:288)

جابر بن عبد اللّه: يبعثون على ما كانوا عليه:

المؤمن على إيمانه،و المنافق على نفاقه.

(الطّبريّ 8:156)

أبو العالية: عادوا إلى علمه فيهم،أ لم تسمع إلى قول اللّه فيهم: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ أ لم تسمع قوله:

فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ الأعراف:

30.(الطّبريّ 8:156)

سعيد بن جبير: كما كتب عليكم تكونون.

(الطّبريّ 8:157)

مجاهد: يحييكم بعد موتكم.(الطّبريّ 8:158)

الحسن: كما بدأكم و لم تكونوا شيئا فأحياكم، كذلك يميتكم ثمّ يحييكم يوم القيامة.

(الطّبريّ 8:157)

مثله قتادة،و ابن زيد.(الطّبريّ 8:158)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فقال بعضهم:تأويله كما بدأكم أشقياء و سعداء كذلك تبعثون يوم القيامة.

و قال آخرون:كما خلقكم و لم تكونوا شيئا تعودون بعد الفناء.

ص: 772

و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب القول الّذي قاله من قال:كما بدأكم اللّه خلقا بعد أن لم تكونوا شيئا، تعودون بعد فنائكم خلقا مثله،يحشركم إلى يوم القيامة.[إلى أن قال:]

و ما يبيّن صحّة القول الّذي قلنا في ذلك،من أنّ معناه أنّ الخلق يعودون إلى اللّه يوم القيامة خلقا أحياء، كما بدأهم في الدّنيا خلقا أحياء،يقال منه:بدأ اللّه الخلق يبدؤهم،و أبدأهم يبدئهم إبداء،بمعنى خلقهم،لغتان فصيحتان.(8:156-158)

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:قال ابن عبّاس،و الحسن،و قتادة، و مجاهد،و ابن زيد:كما خلقكم أوّلا تعودون بعد الفناء.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«يحشرون عراة حفاة غرلا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ .»

الثّاني:قال ابن عبّاس و جابر في رواية:إنّهم يبعثون على ما ماتوا عليه:المؤمن على إيمانه،و الكافر على كفره.

و إنّما ذكر هذا القول لأحد أمرين:

أحدهما:قال الزّجّاج:على وجه الحجاج عليهم، لأنّهم كانوا لا يقرّون بالبعث.

الثّاني:على وجه الأمر بالإقرار به،كأنّه قيل:

و أقرّوا أنّه كما بدأكم تعودون.(4:413)

الزّمخشريّ: كما أنشأكم ابتداء يعيدكم.احتجّ عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق،و المعنى أنّه يعيدكم فيجازيكم في أعمالكم،فأخلصوا له العبادة.(2:75)

نحوه أبو السّعود(2:164)،و البروسويّ(3:

152).

الطّبرسيّ: قيل:في وجه اتّصاله بما قبله وجوه:

أحدها:أنّ معناه و ادعوه مخلصين فإنّكم مبعوثون و مجازون،و إن بعد ذلك في عقولكم فاعتبروا بالابتداء.

و اعلموا أنّه كما بدأكم في الخلق الأوّل فإنّه يبعثكم، فتعودون إليه في الخلق الثّاني.

و ثانيها:أنّه يتّصل بقوله: ...فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25،فقال: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ، أي فليس بعثكم بأشدّ من ابتدائكم، عن الزّجّاج قال:و إنّما ذكره على وجه الحجاج عليهم، لأنّهم كانوا لا يقرّون بالبعث.

و ثالثها:أنّه كلام مستأنف،أي يعيدكم بعد الموت فيجازيكم،عن أبي مسلم.قال قتادة:بدأكم من التّراب و إليه تعودون كما قال: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ طه:55.

و قيل:معناه كما بدأكم لا تملكون شيئا،كذلك تبعثون يوم القيامة.(2:411)

الفخر الرّازيّ:فيه قولان:

القول الأوّل:قال ابن عبّاس: كَما بَدَأَكُمْ:

خلقكم مؤمنا أو كافرا (تَعُودُونَ)، فبعث المؤمن مؤمنا، و الكافر كافرا،فإنّ من خلقه اللّه في أوّل الأمر للشّقاوة، أعمله بعمل أهل الشّقاوة،و كانت عاقبته الشّقاوة.و إن خلقه للسّعادة أعمله بعمل أهل السّعادة،و كانت عاقبته السّعادة.

ص: 773

و القول الثّاني:قال الحسن و مجاهد: كَما بَدَأَكُمْ: خلقكم في الدّنيا و لم تكونوا شيئا،كذلك تعودون أحياء.

فالقائلون بالقول الأوّل:احتجّوا على صحّته بأنّه تعالى ذكر عقيبه قوله: فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ. و هذا يجري مجرى التّفسير لقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ و ذلك يوجب ما قلناه.

قال القاضي: هذا القول باطل،لأنّ أحدا لا يقول:

إنّه تعالى بدأنا مؤمنين أو كافرين،لأنّه لا بدّ في الإيمان و الكفر أن يكون طارئا.و هذا السّؤال ضعيف،لأنّ جوابه أن يقال:كما بدأكم بالإيمان و الكفر و السّعادة و الشّقاوة،فكذلك يكون الحال عليه يوم القيامة.

(14:58)

القرطبيّ: نظيره وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الأنعام:94.(7:188)

البروسويّ: أي أنشأكم ابتداء.(3:152)

مثله الآلوسيّ.(8:107)

الطّباطبائيّ: ظاهر«البدء»في قوله: (بَدَأَكُمْ):

أوّل خلقه الإنسان الدّنيويّة،لا مجموع الحياة الدّنيويّة قبال الحياة الأخرويّة،فيكون«البدء»هو الحياة الدّنيا، و«العود»هو الحياة الأخرى،فيكون المعنى كنتم في الدّنيا مخلوقين له هدى فريقا منكم،و حقّت الضّلالة على فريق آخر،كذلك تعودون،كما يؤول إليه قول من قال:إنّ معنى الآية تبعثون على ما متّم عليه:المؤمن على إيمانه،و الكافر على كفره.

و ذلك أنّ ظاهر«البدء»إذا نسب إلى شيء ذي امتداد و استمرار بوجه،أن يقع على أقدم أجزاء وجوده الممتدّ المستمرّ،لا على الجميع.و الخطاب للنّاس، فبدؤهم:أوّل خلقة النّوع الإنسانيّ و بدء ظهوره،على أنّ الآية ضمن تتمّة الآيات الّتي يبيّن اللّه سبحانه فيها بدء إيجاده الإنسان،بمثل قوله: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ الأعراف:

11،إلخ.

فالمراد به كيفيّة البدء الّتي قصّها في أوّل كلامه، و قد كان من القصّة أنّ اللّه قال لإبليس لمّا رجمه: اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18.

و فيه قضاء أن ينقسم بنو آدم فريقين:فريقا مهتدين على الصّراط المستقيم،و فريقا ضالّين حقّا، فهذا هو الّذي بدأهم به،و كذلك يعودون.

و قد بيّن ذلك في مواضع أخر من كلامه أوضح من ذلك و أصرح،كقوله: قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ الحجر:41،42.

و هذا قضاء حتم و صراط مستقيم أنّ النّاس طائفتان:طائفة ليس لإبليس عليهم سلطان،و هم الّذين هداهم اللّه؛و طائفة متّبعون لإبليس غاوون،و هم المقضيّ ضلالهم،لاتّباعهم الشّيطان و تولّيهم إيّاه،قال:

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ الحجّ:4،و إنّما قضي ضلالهم إثر اتّباعهم و تولّيهم،لا بالعكس كما هو ظاهر الآية.

و نظيره في ذلك قوله تعالى: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ

ص: 774

أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

ص:84،85،فإنّه يدلّ على أنّ هناك قضاء بتفرّقهم فريقين،و هذا التّفرّق هو الّذي فرّع تعالى عليه قوله؛إذ قال: قالَ اهْبِطا مِنْها... فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى* وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. طه:

123،124،و هو عمى الضّلال.

و بعد ذلك كلّه فمن الممكن أن يكون قوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ إلخ،في مقام التّعليل لمضمون الكلام السّابق،و المعنى أقسطوا في أعمالكم و أخلصوا للّه سبحانه،فإنّ اللّه سبحانه إذ بدأ خلقكم قضى فيكم أن تتفرّقوا فريقين:فريقا يهديهم،و فريقا يضلّون عن الطّريق،و ستعودون إليه كما بدأكم:فريقا هدى،و فريقا حقّ عليهم الضّلالة بتولّي الشّياطين،فأقسطوا و أخلصوا حتّى تكونوا من المهتدين بهداية اللّه،لا الضّالّين بولاية الشّياطين.

فيكون الكلام جاريا مجرى قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً البقرة:148.

فإنّه في عين أنّه بيّن أوّلا:أنّ لكلّ وجهة خاصّة محتومة هو مولّيها لا يتخلّف عنه،إن سعادة فسعادة،و إن شقاوة فشقاوة،أمرهم ثانيا:أن استبقوا الخيرات، و لا يستقيم الأمر مع تحتّم إحدى المنزلتين:السّعادة و الشّقاوة،لكنّ الكلام في معنى قولنا:إنّ كلاّ منكم لا محيص له عن وجهة متعيّنة في حقّه لازمة له إمّا الجنّة، و إمّا النّار؛ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ حتّى تكونوا من أهل وجهة السّعادة دون غيرها.

و كذلك الأمر فيما نحن فيه،فالكلام في معنى قولنا:

إنّكم ستعودون فريقين كما بدأكم فريقين بقضائه، فأقسطوا في أعمالكم و أخلصوا للّه سبحانه حتّى تكونوا من الفريق الّذي هدى،دون الفريق الّذي حقّ عليهم الضّلالة.

و من الممكن أن يكون قوله: كَما بَدَأَكُمْ إلخ، كلاما مستأنفا،و هو مع ذلك لا يخلو عن تلويح بالدّعوة إلى الإقساط و الإخلاص،على ما يتبادر من السّياق.(8:76)

بدؤكم

أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ... التّوبة:13

مجاهد: ما بدأت به قريش من معونة بني بكر حلفاءهم على خزاعة حلفاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(أبو حيّان 5:16)

ابن إسحاق: بدءوا بنقض العهد.

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:215)

الفرّاء: ذلك أنّ خزاعة كانوا حلفاء للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و كانت الدّيل ابن بكر حلفاء لبني عبد شمس،فاقتتلت الدّيل و خزاعة،فأعانت قريش الدّيل على خزاعة، فذلك قوله: بَدَؤُكُمْ أي قاتلوا حلفاءكم.

(1:425)

الطّبريّ: يعني فعلهم ذلك يوم بدر.(10:90)

الزّجّاج: أنّهم كانوا قاتلوا حلفاء رسول

ص: 775

اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:436)

الطّوسيّ: البدء:فعل ما لم يتكرّر.(5:215)

الميبديّ: بدؤكم بالقتال.(4:101)

مثله القرطبيّ.(8:86)

الزّمخشريّ: أي و هم الّذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جاءهم أوّلا بالكتاب المنير و تحدّاهم به،فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال،فهم البادئون بالقتال،و البادئ أظلم،فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله،و أن تصدموهم بالشّرّ كما صدموكم.(2:177)

الطّبرسيّ: و قيل:بدؤكم بالقتال يوم بدر،و قالوا حين سلم العير:لا ننصرف حتّى نستأصل محمّدا و من معه.(3:11)

الفخر الرّازيّ: و إنّما قال: (بَدَؤُكُمْ) تنبيها على أنّ البادئ أظلم.(15:235)

أبو حيّان: و قرأ زيد بن عليّ (بدوكم) بغير همز، و وجهه أنّه سهّل الهمزة من«بدأت»بإبدال الهاء ياء، كما قالوا في قرأت:قريت،فصار كرميت،فلمّا أسند الفعل إلى واو الضّمير سقطت،فصار:بدوكم،كما تقول:

رموكم.(5:16)

أبو السّعود: بالمعاداة و المقاتلة.(2:258)

مثله البروسويّ.(3:395)

بدانا

يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ. الأنبياء:104

راجع«ع و د».

يبدا

1- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ... يونس:4

مجاهد: يحييه ثمّ يميته،ثمّ يبدأه ثمّ يحييه.

(الطّبريّ 11:84)

مقاتل: يبدأ الخلق و لم يكن شيئا،ثمّ يعيده بعد الموت.(ابن الجوزيّ 4:8)

الطّبريّ: إنّ ربّكم يبدأ إنشاء الخلق و إحداثه و إيجاده،ثمّ يعيده فيوجده حيّا كهيئته يوم ابتدأه بعد فنائه و بلائه.(11:84)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه الّذي أنشأ الخلق ابتداء،و هو الّذي يعيدهم بعد موتهم النّشأة الأخرى، ليدلّ بذلك خلقه على أنّه إذا كان قادرا على الابتداء فهو قادر على الإعادة.(5:388)

القشيريّ: من كان له في جميع عمره نفس على وصف ما ابتدأ الحقّ سبحانه به،ففي الإشارة تكون لذلك إعادة،و أنشدوا:

كلّ نهر فيه ماء قد جرى

فإليه الماء يوما سيعود

(3:79)

الزّمخشريّ: استئناف،معناه التّعليل لوجوب المرجع إليه،و هو أنّ الغرض و مقتضى الحكمة بابتداء الخلق و إعادته هو جزاء المكلّفين على أعمالهم.و قرئ (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) بمعنى«لأنّه»أو هو منصوب بالفعل

ص: 776

الّذي نصب وعد اللّه،أي وعد اللّه وعدا بدأ الخلق ثمّ إعادته،و المعنى إعادة الخلق بعد بدئه.

و قرئ (وعد اللّه) على لفظ الفعل و (يبدئ) من أبدأ.

(2:224)

نحوه البروسويّ(4:10)،و الآلوسيّ(11:66).

ابن عطيّة: يريد النّشأة الأولى،و«الإعادة»هي البعث من القبور.

و قرأ طلحة (يبدئ الخلق) بضمّ الياء و كسر الدّال.(3:105)

نحوه الطّبرسيّ.(3:91)

القرطبيّ: ينشئه ثمّ يميته ثمّ يحييه،للبعث؛أو ينشئه من الماء،ثمّ يعيده من حال إلى حال.(8:309)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّ بدء الخلق هو النّشأة الأولى،و إعادته هو البعث من القبور،و(ليجزى)متعلّق ب(يعيده)،أي ليقع الجزاء على الأعمال.

و قيل:البدء من التّراب،ثمّ يعيده إلى التّراب،ثمّ يعيده إلى البعث.

و قيل:البدء نشأته من الماء،ثمّ يعيده من حال إلى حال.

و قيل:يبدأه من العدم،ثمّ يعيده إليه،ثمّ يوجده.

و قيل:يبدأه في زمرة الأشقياء،ثمّ يعيده عند الموت إلى زمرة الأولياء،و بعكس ذلك.

و قرأ طلحة (يبدئ) من أبدأ رباعيّا،و بدأ و أبدأ بمعنى.(5:124)

رشيد رضا: هذا بيان لمتعلّق الوعد المؤكّد مرّتين بدليله،أي إنّ شأنه تعالى أن يبدأ الخلق و ينشأه عند التّكوين،ثمّ يعيده في نشأة أخرى بعد انحلاله و فناءه.

فالتّعبير بفعل المستقبل(يبدءوا)لتصوير الشّأن،و هو يشمل الماضي و المستقبل.و لفظ(الخلق)عامّ يراد به الخاصّ أوّلا و بالذّات،بدليل ما قبله و ما بعده من السّياق.

و قد أجمع علماء الكون المادّيّون منهم و الرّوحيّون على أنّ الأرض و جميع الأجرام السّماويّة،ما يرى منها بالأبصار و الآلات المقرّبة للأبعاد و ما لا يرى،كلّها قد وجدت بعد أن لم تكن،و إن كانوا لا يزالون يبحثون في نشأة تكوينها،و القوّة الأزليّة المتصرّفة في أصل مادّتها، كما أنّهم متّفقون على توقّع خراب هذه الأرض و الكواكب المرتبطة معها،في هذا النّظام الشّمسيّ الجامع لها،و على أنّ أقرب الأسباب الموافقة لأصول العلم الثّابتة أن تصيب الأرض قارعة من الأجرام السّماويّة فتبسّها بسّا،حتّى تكون هباء منبثّا،كما تشير إليه سورة القارعة و الواقعة و غيرهما.(11:298)

و هناك أبحاث أخرى راجع«ع و د».

2- أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ... النّمل:64

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أم ما تشركون أيّها القوم خير،أم الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده،فينشئه من غير أصل،و يبتدعه ثمّ يفنيه إذا شاء.(20:5)

الطّوسيّ: يبدؤهم بأن يخترعهم ابتداء،ثمّ يعيدهم بعد أن يميتهم.(8:110)

نحوه الطّبرسيّ.(4:229)

الميبديّ: يقال:بدأ الخلق،و أبدأهم،إذا أوجدهم

ص: 777

أوّل مرّة،و أعادهم:أوجدهم بعد إماتتهم.(7:241)

القشيريّ: يظهر ما يظهر بقدرته على مقتضى سابق حكمه،و يخصّص ما تعلّقت به مشيئته،و حقّ فيه قوله، و سبق به قضاؤه و قدره.(5:46)

ابن عطيّة: بدء الخلق:اختراعه،و إيجاده.

(4:267)

مثله أبو حيّان.(7:90)

ابن عربيّ: باختفائه بأعيانهم،و احتجابه بذواتهم.(2:211)

الخازن: نطفا في الأرحام.(5:128)

مثله السّيوطيّ.(الجلالين 2:181)

البروسويّ: أي يوجده أوّل مرّة.(6:363)

مثله الآلوسيّ(20:7)،و الطّباطبائيّ(15:386).

3- اَللّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

الرّوم:11

الطّبريّ: اللّه تعالى يبدأ إنشاء جميع الخلق منفردا بإنشائه،من غير شريك و لا ظهير،فيحدثه من غير شيء،بل بقدرته عزّ و جلّ،ثمّ يعيده خلقا جديدا بعد إفنائه و إعدامه،كما بدأه خلقا سويّا،و لم يك شيئا.(21:25)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى مخبرا عن نفسه:أنّه هو الّذي يبدءوا الخلق ثمّ يعيده،يبدؤهم ابتداء فيوجدهم بعد أن كانوا معدومين،على وجه الاختراع،ثمّ يعيدهم،أي يميتهم و يفنيهم بعد وجودهم،ثمّ يعيدهم ثانيا كما بدأهم أوّلا.

و البدء:أوّل الفعل،و هو على وجهين:

أحدهما:أنّه أوّل الفعل،و هو جزء منه مقدّم على غيره.

و الثّاني:أنّه موجود قبل غيره من غير طريق الفعليّة،يقال:بدأ يبدأ بدء،و ابتدأ يبتدئ ابتداء.

و الابتداء:نقيض الانتهاء،و البدء:نقيض العود.

(8:234)

الطّبرسيّ: أي يخلقهم ابتداء،ثمّ يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا.(4:298)

مثله ابن الجوزيّ(6:291)،و البروسويّ(7:

12).

أبو حيّان: قرأ عبد اللّه و طلحة (يبدئ) بضمّ الياء و كسر الدّال،و الجمهور بفتحتها.(7:165)

4- وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ... الرّوم:27

الطّبريّ: هو الّذي يبدأ الخلق من غير أصل، فينشئه و يوجده،بعد أن لم يكن شيئا،ثمّ يفنيه بعد ذلك، ثمّ يعيده كما بدأه بعد فنائه،و هو أهون عليه.

(21:35)

الماورديّ: أمّا بدء خلقه:فبعلوقه في الرّحم قبل ولادته،و أمّا إعادته:فإحياؤه بعد الموت بالنّفخة الثّانية للبعث،فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلا على ما خفي من إعادته،استدلالا بالشّاهد على الغائب.(4:309)

مثله القرطبيّ.(14:20)

ابن عطيّة: معناه ينشئه و يخرجه من العدم.

و جاء الفعل بصيغة الحال،لما كان في هذا المعنى ما قد

ص: 778

مضى كآدم و سائر القرون،و فيه ما يأتي في المستقبل؛ فكانت صيغة الحال تعطي هذا كلّه.

و(يعيده)معناه يبعثه من القبور،و ينشئه تارة أخرى.(4:335)

الطّبرسيّ: أي يخلقهم إنشاء،و يخترعهم ابتداء، ثمّ يعيدهم بعد الإفناء.(4:302)

القرطبيّ: و قرأ ابن مسعود و ابن عمر: (يبدئ الخلق) من أبدأ يبدئ،دليله قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ. البروج:13،و دليل قراءة العامّة قوله سبحانه: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. (14:21)

الآلوسيّ: و التّكرير لزيادة التّقرير،لشدّة إنكارهم البعث،و التّمهيد لما بعده من قوله تعالى:

وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. (21:36)

الطّباطبائيّ: بدء الخلق:إنشاؤه ابتداء من غير مثال سابق،و الإعادة:إنشاء بعد إنشاء.(16:172)

يبدئ

1- أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.

العنكبوت:19

أبو عبيدة: مجازه:كيف استأنف الخلق الأوّل ثمّ يعيده بعد،يقال:رجع عوده على بدئه،أي آخره على أوّله.

و فيه لغتان:يقال:أبدأ و أعاد،و كان ذلك مبدئا و معيدا،و بدأ،و عاد،و كان ذلك بادئا و عائدا.

(2:115)

نحوه الطّبريّ.(20:138)

الطّوسيّ: كيف اخترع اللّه الخلق من العدم.

(8:196)

البغويّ: كيف يخلقهم ابتداء نطفة.(5:158)

مثله ابن الجوزيّ(6:256)،و الخازن(5:158).

الزّمخشريّ: قرئ: يبدئ و يبدأ. (3:202)

نحوه أبو حيّان.(7:146)

البروسويّ: إبداء الخلق:إظهارهم من العدم إلى الوجود،ثمّ من الوجود الغيبيّ إلى الوجود العينيّ،قال الإمام الغزاليّ رحمه اللّه:الإيجاد إذا لم يكن مسبوقا بمثله يسمّى إبداء،و إن كان مسبوقا بمثله يسمّى إعادة.

(6:458)

2- إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ. البروج:13

ابن عبّاس: عامّ في جميع الأشياء،أي كلّ ما يبدأ، و كلّ ما يعاد.(أبو حيّان 8:451)

يبدئ لهم عذاب الحريق في الدّنيا،ثمّ يعيده عليهم في الآخرة.(القرطبيّ 19:296)

إنّ أهل جهنّم تأكلهم النّار حتّى يصيروا فحما،ثمّ يعيدهم خلقا جديدا،فذاك هو المراد من قوله: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ (الفخر الرّازيّ 31:123)

الضّحّاك: يبدئ الخلق بالإنشاء،و يعيده بالحشر.

مثله ابن زيد.(أبو حيّان 8:451)

السّدّيّ: يميت ثمّ يحيي.(الماورديّ 6:243)

ابن زيد: يحيي و يميت.(الماورديّ 6:243)

يبدئ الخلق حين خلقه،و يعيده يوم القيامة.(الطّبريّ 30:138)

ص: 779

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ فقال بعضهم:معنى ذلك أنّ اللّه أبدى خلقه فهو يبتدئ،بمعنى:يحدث خلقه ابتداء،ثمّ يميتهم، ثمّ يعيدهم أحياء بعد مماتهم،كهيئتهم قبل مماتهم.[و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و أولى التّأويلين في ذلك عندي بالصّواب -و أشبههما بظاهر ما دلّ عليه التّنزيل-القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاس،و هو أنّه يبدئ العذاب لأهل الكفر به و يعيد،كما قال جلّ ثناؤه: فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ البروج:10،في الدّنيا،فأبدأ ذلك لهم في الدّنيا،و هو يعيده لهم في الآخرة.

و إنّما قلت:هذا أولى التّأويلين بالصّواب،لأنّ اللّه أتبع ذلك قوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ البروج:

12،فكان للبيان عن معنى شدّة بطشه الّذي قد ذكره قبله،أشبه به بالبيان عمّا لم يجر له ذكر.

و ممّا يؤيّد ما قلنا من ذلك وضوحا و صحّة،قوله:

وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ البروج:14،فبيّن ذلك عن أنّ الّذي قبله من ذكر خبره عن عذابه و شدّة عقابه.

(30:138)

الماورديّ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ فيه أربعة تأويلات:

أحدها:يحيي و يميت،قاله ابن زيد.

الثّاني:يميت ثمّ يحيي،قاله السّدّيّ.

الثّالث:يخلق ثمّ يبعث،قاله يحيى بن سلاّم.

الرّابع:يبدئ العذاب و يعيده،قاله ابن عبّاس.

و يحتمل خامسا:يبدئ ما كلّف من أوامره و نواهيه، و يعيد ما جزى عليه من ثواب و عقاب.(6:243)

الطّوسيّ: قال ابن عبّاس:معناه إنّه يبدأ العذاب و يعيده،لاقتضاء ما قبله ذلك.

و قال الحسن و الضّحّاك و ابن زيد:يبدأ الخلق و يعيده،لأنّ الأظهر في وصفه تعالى بأنّه المبدئ المعيد، العموم في كلّ مخلوق.(10:320)

القشيريّ: يبدئ الخلق ثمّ يعيدهم بعد البعث.

و يقال:يبدئ بالعذاب ثمّ يعيد،و بالثّواب ثمّ يعيد.

و يقال:يبدئ على حكم العداوة و الشّقاوة ثمّ يعيد عليه،و يبدئ على الضّعف و يعيدهم إلى الضّعف.

و يقال:يبدئ الأحوال السّنيّة،فإذا وقعت حجبة يعيد ثانية.

و يقال:يبدئ بالخذلان أمورا قبيحة ثمّ يتوب عليه، فإذا نقض توبته فلأنّه أعاد له من مقتضى الخذلان ما أجراه في أوّل حاله.

و يقال:يبدئ لطائف تعريفه،ثمّ يعيد لتبقى تلك الأنوار أبدا لائحة،فلا يزال يبدئ و يعيد إلى آخر العمر.

(6:280)

الميبديّ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ هذا كقوله:

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29.تقول العرب:

فلان يبدئ و يعيد،إذا كان عوّادا في عمله.

و قيل:إنّه يبدئ الخلق في الدّنيا،ثمّ يعيدهم أحياء بعد الموت.

و قيل:يبدئ من التّراب،ثمّ يعيد إلى التّراب.

و قيل:يبدئكم ضعافا في حال الطّفوليّة،ثمّ يعيدكم في حال الشّيخوخة ضعافا.

ص: 780

و قيل:يبدئ العذاب في الدّنيا للكفّار،ثمّ يعيد عليهم العذاب في الآخرة.

و قيل:يبدئ على حكم السّعادة و الشّقاوة كما يريد،و يعيد كما بدأ،كقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف:29.(10:444)

الزّمخشريّ: أي يبدئ البطش و يعيده،يعني يبطش بهم في الدّنيا و في الآخرة.و أدلّ باقتداره على الإبداء و الإعادة على شدّة بطشه،أو أوعد الكفرة بأنّه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم،إذا لم يشكروا نعمة الإبداء و كذّبوا بالإعادة.و قرئ (يبدأ) .(4:239)

الطّبرسيّ: إنّه هو يبدئ الخلق:يخلقهم أوّلا في الدّنيا،و يعيدهم أحياء بعد الموت للحساب و الجزاء، فليس إمهاله لمن يعصيه لإهماله إيّاه.(5:468)

الفخر الرّازيّ: أي إنّه يخلق خلقه ثمّ يفنيهم،ثمّ يعيدهم أحياء،ليجازيهم في القيامة؛فذلك الإمهال لهذا السّبب،لا لأجل الإهمال.(31:123)

النّسفيّ: أي يخلقهم ابتداء،ثمّ يعيدهم بعد أن صيّرهم ترابا،دلّ باقتداره على الإبداء و الإعادة على شدّة بطشه،أو أوعد الكفرة بأنّه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم؛إذا لم يشكروا نعمة الإبداء و كذّبوا بالإعادة.

(4:346)

أبو السّعود: أي هو يبدئ الخلق و هو يعيده،من غير دخل لأحد في شيء منهما،ففيه مزيد تقرير لشدّة بطشه،أو هو يبدئ البطش بالكفرة في الدّنيا و يعيده في الآخرة.(5:253)

البروسويّ: أي يبدئ الخلق و يخرجهم من العدم إلى الوجود،ثمّ يميتهم و يعيدهم أحياء للمجازاة على الخير و الشّرّ،من غير دخل لأحد في شيء منهما،ففيه مزيد تقرير لشدّة بطشه.

أو هو يبدئ البطش بالكفرة في الدّنيا و يعيده في الآخرة،أي يبدئ البطش أو العذاب في الآخرة ثمّ يعيده فيها،كقوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56.

قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: إنّ أهل جهنّم تأكلهم النّار حتّى يصيروا فيها فحما،ثمّ يعيدهم خلقا جديدا،فهو المراد من الآية...

أو يبدئ من التّراب و يعيده فيه،أو من النّطفة و يعيده في الآخرة،يقال:بدأ اللّه الخلق و أبدأهم،فهو بادئهم و مبدئهم بمعنى واحد.و المبدئ:المظهر ابتداء، و المعيد:المنشئ بعد ما عدم،فالإعادة ابتداء ثان.

قال الإمام الغزاليّ رحمه اللّه: المبدئ المعيد معناه الموجد،لكنّ الإيجاد إذا لم يكن مسبوقا بمثله يسمّى إبداء،و إن كان مسبوقا بمثله يسمّى إعادة،و اللّه تعالى بدأ خلق الإنسان ثمّ هو الّذي يعيدهم،أي يحشرهم؛ فالأشياء كلّها منه بدت و إليه تعود،و به بدت و به تعود.

و في«المفردات»: و اللّه هو المبدئ و المعيد،أي هو السّبب في المبدأ و النّهاية.

و قال بعضهم: الإبداء هو الإظهار على وجه التّطوير المهيّئ للإعادة و هي الرّجوع على مدرج تطوير الإبداء، فهو سبحانه بدأ الخلق على حكم ما يعيدهم عليه،فسمّي بذلك المبدئ المعيد.

و إنّما قيل فيهما:إنّهما اسم واحد،لأنّ معنى الأوّل

ص: 781

يتمّ بالثّاني،و كذا كلّ اسم لا يتمّ معناه فيما يرجع إلى كمال أسماء اللّه إلاّ باسم يتمّ به معناه.

قال الإمام القشيريّ رحمه اللّه: إنّ اللّه تعالى يبدئ فضله و إحسانه لعبيده،ثمّ يعيده و يكرّره،فإنّ الكريم من يربّ صنائعه،و خاصيّة الاسم المبدئ أن يقرأ على بطن الحامل سحرا تسعا و عشرين مرّة،فإنّ ما في بطنها يثبت و لا يزلق،و خاصّية الاسم المعيد يذكر مرارا لتذكار المحفوظ إذا نسي،لا سيّما إذا أضيف له الاسم المبدئ.(10:392)

الآلوسيّ: أي أنّه عزّ و جلّ هو يبدئ الخلق بالإنشاء،و هو سبحانه يعيده بالحشر يوم القيامة...أو يبدئ البطش بالكفرة في الدّنيا ثمّ يعيده في الآخرة.

و على الوجهين الجملة في موضع التّعليل لما سبق، و وجهه على الثّاني ظاهر،و على الأوّل قد أشرنا إليه.

و قيل:وجهه عليه إنّ الإعادة للمجازاة،فهي متضمّنة للبطش و ليس بذاك.

و عن ابن عبّاس: يبدئ العذاب بالكفّار و يعيده عليهم،فتأكلهم النّار حتّى يصيروا فحما،ثمّ يعيدهم عزّ و جلّ خلقا جديدا،و فيه خفاء،و إن كان أمر الجملة عليه في غاية الظّهور.

و استعمال يبدئ مع يعيد حسن،و إن لم يسمع «أبدأ»،كما بيّن في محلّه.

و حكى أبو زيد أنّه قرئ (يبدأ) من«بدأ»ثلاثيّا و هو المسموع،لكن القراءة بذلك شاذّة.(30:91)

الطّباطبائيّ: المقابلة بين المبدئ و المعيد يعطي أنّ المراد بالإبداء البدء و الافتتاح بالشّيء.

قالوا:و لم يسمع من العرب«الإبداء»لكن القراءة ذلك،و في بعض القراءات الشّاذّة(يبدأ)بفتح الياء و الدّال.

و على أيّ حال فالآية تعليل لشدّة بطشه تعالى، و ذلك أنّه تعالى مبدئ يوجد ما يريده من شيء إيجادا ابتدائيّا،من غير أن يستمدّ على ذلك من شيء غير نفسه،و هو تعالى يعيد كلّ ما كان إلى ما كان،و كلّ حال فاتته إلى ما كانت عليه قبل الفوت،فهو تعالى لا يمتنع عليه ما أراد،و لا يفوته فائت زائل.

و إذا كان كذلك فهو القادر على أن يحمل على العبد المتعدّي حدّه،من العذاب ما هو فوق حدّه و وراء طاقته، و يحفظه على ما هو عليه ليذوق العذاب،قال تعالى:

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها فاطر:36.

و هو القادر على أن يعيد ما أفسده العذاب إلى حالته الأولى،ليذوق المجرم بذلك العذاب من غير انقطاع،قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ النّساء:56.

و بهذا البيان يتّضح:

أوّلا:أنّ سياق قوله:انه هو:إلخ يفيد القصر، أي إنّ إبداع الوجود و إعادته للّه سبحانه وحده؛إذ الصّنع و الإيجاد ينتهي إليه تعالى وحده.

و ثانيا:أنّ حدود الأشياء إليه تعالى،و لو شاء أن لا يحدّ لم يحدّ،أو بدّل حدّا من آخر،فهو الّذي حدّ العذاب و الفتنة في الدّنيا بالموت و الزّوال،و لو لم يشأ

ص: 782

لم يحدّ،كما في عذاب الآخرة.

و ثالثا:أنّ المراد من شدّة البطش-و هو الأخذ بعنف-أن لا دافع لأخذه،و لا رادّ لحكمه كيفما حكم،إلاّ أن يحول بين حكمه و متعلّقه حكم آخر منه يقيّد الأوّل.

(20:253)

عبد الكريم الخطيب: أي أنّه سبحانه يبدئ الخلق و يعيده،فيحيي و يميت و يحيي.

و في هذا دليل على القدرة الفعّالة الدّائمة،القائمة على تدبير هذا الوجود،و تبدّل صوره حالا بعد حال،كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29.(16:1517)

3- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ.

سبأ:49.

راجع«ب ط ل»

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة-كما يبدو-البدأة،و هو شيء أسود ينبت في الأرض كأنّه الكمء،و لا يؤكل،ثمّ شبّه به البثر الّذي ينتشر في الجسم،و هو يشبه الجدريّ،أو هو الجدريّ بعينه،يقال:بدئ الرّجل يبدأ بدء،إذا خرج به ذلك،فهو مبدوء.ثمّ أطلق على كلّ ما يفعل و يفتتح قبل غيره،فقيل:بدأ فلان الشّيء يبدأ بدء،و أبده،و بدأ به،و ابتدأ به،و بدأ اللّه الخلق و أبدأهم:

أنشأهم.و أبدأ فلان من أرض إلى أخرى:خرج منها إلى غيرها،و أبدأ الصّبيّ:خرجت أسنانه بعد سقوطها.

و منه قولهم:افعله بادي بدء و بادي بديء،أي أوّل شيء.و أنت بادئ الرّأي و مبتدأه تريد ظلمنا،أي أنت في أوّل الرّأي تريد ظلمنا.و رجع عوده على بدئه:رجع في الطّريق الّذي جاء منه.و فلان ما يبدئ و ما يعيد:

ما يتكلّم ببادئة و لا عائدة.

و قد جعل ابن فارس هذا المعنى أصلا،و عدّ البدء بمعنى الإصابة بالجدريّ ممّا شذّ عمّا قاس به مشتقّات هذه المادّة،أي افتتاح الشّيء،و هو خلاف ما ذهبنا إليه.

2-لقد شاب هذا الأصل-كما يبدو-مادّتان، الأولى:«ب د و»،و الشّائب منها:البدا،بمعنى المفصل و السّيّد و السّلح و النّصيب في الجزور،و البادي في قولهم:

بادي بدء،لاحظ«ب د و».

و الثّانية:«ب د ع»،و قد شيبت منها مادّة«ب د أ»، بلفظ البديء أو البديّ،و هو العجيب،و أصله البديع، و كذا قولهم:بئر بديء،أي حديثة،و أصله البديع أيضا،يقال:بدع الرّكيّة:أحدثها،لاحظ«ب د ع».

و هذا إبدال شائع عند أهل الحجاز،يقال:آداني السّلطان عليه:أعداني،و استأديته عليه:استعديته،كما جاء في الصّحاح و التّهذيب و اللّسان.و عند أهل الشّحر، يقال:زعته يزعته زعتا،و زأته يزأته زأتا،إذا خنقه، انظر الجمهرة(2:15).

و منه قول بعض العرب أيضا:أفعمت الحوض و أفأمته،كما في اللّسان،و روى الجوهريّ قولهم:لا أفعله ما أنّ في السّماء نجم،أي ما كان في السّماء نجم،لغة في «عنّ».

3-أمّا قول أهل المدينة:بديت بالشّيء،و بديت به،

ص: 783

أي ابتدأت،فهو ليس من«ب د و»بل من«ب د أ»،كما صرّح بذلك ابن برّيّ في«ب د و»،و هي لغة اختصّ بها -حسبما قال أبو زيد-أهل الحجاز و هذيل و أهل مكّة و المدينة،فهم يسهّلون غالبا كلّ همزة واوا أو ياء، فيقولون في:آصدت الباب:أوصدته،و رجل وائل:

رجل آيل،و توضّأت:توضّيت،لاحظ«أ ز ف».

و من هذا الباب أيضا:البداية و البداهة،و أصلهما «البداءة»،فأبدلت همزة الأوّل ياء لكثرة الاستعمال، مثل:البريئة و البريّة.و أبدلت همزة الثّاني هاء،كما في:

أرقت الماء و هرقته،أي صببته.

الاستعمال القرآنيّ

ورد البدء في القرآن في الآيات الآتية:

1- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ يوسف:76

2- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ العنكبوت:20

3- اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ السّجدة:7

4- وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ.

الأعراف:29

5- أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ التّوبة:13

6- يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ الأنبياء:104

7- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يونس:4

8- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ يونس:34

9- أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ النّمل:64

10- اَللّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

الرّوم:11

11- وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27

12- أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ العنكبوت:19

13- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ

سبأ:49

14- إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ البروج:13

يلاحظ أوّلا:أنّ البدء اقترن بالخلق في الآيات:(2) و(3)و(6)و(7)و(8)و(9)و(10)و(11)و(12)، و هو مقدّر في(14)،و تقديره:إنّه هو يبدئ الخلق و يعيده،كما في(12).و معنى البدء في هذه الآيات هو الإنشاء،و لذا عطفه على البدء في(2).

ثانيا:تلت«الإعادة»البدء في الآيات:(4)و(6) إلى(14)،كما تلت«الآخرة»و«الآخرين»و«أوّل مرّة» الإنشاء غالبا،و هذا يعني أنّ«البدء»هو الشّروع، و«الإنشاء»هو الإيجاد و الحدوث.

ثالثا:غلب على الآيات أعلاه طابع الوعظ

ص: 784

و التّحذير،و لا غرو في ذلك،فإنّها مكّيّة،إلاّ الآية(5)، فإنّها تحضّ المسلمين على القتال،كما هو شأن الآيات المدنيّة.كما تتضمّن الآية(1)سياقا قصصيّا،و هذا الأسلوب شائع أيضا في الآيات المكّيّة.

رابعا:نستنتج من ذلك كلّه أنّ«البدء»لم يأت في القرآن إلاّ بمعنى الشّروع بالعمل؛إذ المراد بجميع الآيات الابتداء بالخلق،عدا(1)و(5)و(13)،ففي(1)البدء بتفتيش أوعيتهم،و في(5)البدء بالقتال،و في(13) البدء بالباطل،فالفاعل في تلك الآيات هو اللّه،و الفاعل في هذه الثّلاث يوسف و المشركون و إبليس،حسب التّرتيب.

خامسا:هناك فرق بين الآيات الثّلاث الأخيرة و ما تقدّمها،و هو أنّ«البدء»في الآيات المتقدّمة جاء ماضيا و مضارعا بصيغة المجرّد،و جاء في هذه الثّلاث مضارعا من باب«الإفعال»فهل في ذلك نكتة،أو هو تفنّن في التّعبير؟إذ«بدأ»و«أبدأ»بمعنى واحد،كما قيل؟

كما أنّ هذا الأمر في«الإعادة»عكس البدء،فقد جاء جميعا بصيغة المضارع من باب«الإفعال»نسبة إلى اللّه إلاّ في(4)،فهو مجرّد نسبة إلى النّاس.و لعلّ التّمعّن في ذلك يهدي إلى أمر ذي بال،فلاحظ.

ص: 785

ص: 786

ب د ر

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

بدارا 1:-1 بدر 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البدر:القمر ليلة البدر،و هي أربع عشرة،و سمّي بذلك لأنّه يبادر بالطّلوع عند غروب الشّمس،لأنّهما يتراقبان في الأفق صبحا.

و البدرة:كيس فيه عشرة آلاف درهم أو ألف، و الجميع:البدور،و ثلاث بدرات.

و يقال لمسك السّخلة ما دام يرضع:مسك،فإذا فطم فمسكه البدرة.

و البادرة:ما يبدر من حدّة الرّجل عند الغضب، يقال:فلان مخشيّ عند البادرة،و أخاف حدّته و بادرته.

و البادرتان:جانبا الكركرتين،و يقال:عرقان اكتنفاها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيدر:مجمع الطّعام حيث يداس و ينقّى.

و ابتدر القوم أمرا و تبادروا،أي بادر بعضهم بعضا، فبدر بعضهم،فسبق و غلب عليهم.

و بوادر الإنسان و غيره:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق.[ثمّ استشهد بشعر](8:34)

الشّعبيّ: بدر:اسم بئر هناك،و سمّيت بدرا لأنّ الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر.(الفيّوميّ 1:38)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البادرة من الإنسان و غيره:

اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق.(الأزهريّ 14:115)

أبو زيد: يقال لمسك السّخلة ما دامت ترضع:

الشّكوة،فإذا فطم فمسكه:البدرة،فإذا أجذع فمسكه:

السّقاء.(الأزهريّ 14:115)

مثله الثّعالبيّ.(137)

الأصمعيّ: «عين حدرة بدرة»حدرة:مكتنزة صلبة،و بدرة:تبدر بالنّظر.(الأزهريّ 14:116)

ابن الأعرابيّ: البادر:القمر،و البادرة:الكلمة العوراء،و البادرة:الغضبة السّريعة،يقال:احذروا بادرته.

ص: 787

أبدر الرّجل،إذا سرى في ليلة البدر،و أبدر الوصيّ في مال اليتيم،بمعنى بادر كبره،و بدّر مثله.

و يقال:ابتدر القوم أمرا و تبادروه،أي بادر بعضهم بعضا إليه أيّهم يسبق إليه فيغلب عليه،و بادر فلان فلانا:مولّيا ذاهبا في فراره.

و البدر:الغلام المبادر،«عين حدرة بدرة»حدرة:

واسعة،و بدرة:تامّة،و قيل:ليلة البدر:لتمام قمرها.(الأزهريّ 14:115)

عين بدرة:يبدر نظرها نظر الخيل.

(ابن منظور 4:49)

ابن السّكّيت: يقال:غلام بدر،إذا كان ممتلئا، و قد أبدرنا،إذا طلع لنا البدر،و سمّي بدرا لامتلائه.

(الأزهريّ 14:116)

تقول:قد أبدرنا فنحن مبدرون،إذا طلع البدر،و قد بدرنا إلى كذا و كذا نبدر إليه.(إصلاح المنطق:242)

ابن دريد:غلام بدر،إذا تمّ شبابه،و سمّي القمر بدرا لتمامه.فأمّا من قال:إنّه يبادر الشّمس فهذا لا أدري ما هو؟

و البدرة:مسك السّخلة،و به سمّيت:بدرة المال.

و بدر:ماء معروف.

و عين حدرة بدرة:حادّة النّظر.

و بادرة السّيف:شباته،و بادرة الرّجل:إقدامه، و ما بدر منه من قول أو فعل فعجل به.

و بدرت إلى الرّجل:تقدّمت إليه،و كذلك بادرت إليه.

و بادرت الشّيء مبادرة و بدارا،أي عاجلته.

(1:240)

الفارسيّ: و لا نظير لبدرة و بدر إلاّ بضعة و بضع، و هضبة و هضب.(ابن منظور 4:49)

الصّاحب: البدر:القمر،و سمّي لأنّه يبادر بالغروب طلوع الشّمس.و أبدر القوم:طلع لهم البدر.

و بدرة الدّراهم:معروفة،و بدر:جمع.و مسك السّخلة إذا فطم:البدرة،و جمعه:بدور،و الأنثى من أولاد المعز.

و عين بدرة:ممتلئة.

و البادرة:ما يبدر من حدّة الرّجل عند الغضب.

و البادرتان:جانبا الكركرتين،و يقال:عرقان اكتنفاها.

و بادرة الرّجل:إقدامه،و الجميع:البوادر،و هي -أيضا-:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق،و كذلك ما حولي اللّثة.

و بادرة السّهم:طرفه من قبل النّصل.و البادرة:

ورق الحوّاءة.

و البيدر:مجمع الطّعام.

و المبادرة:طلب العجلة،و المسابقة.و قوله عزّ و جلّ: وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً النّساء:6،أي مبادرة قبل أن يصير رجلا.

و لسان بيدري:أي مبادرة.

و لسان بيدرى:مستوية.

و البدريّ من المطر:ما كان قبل الشّتاء كأنّه يبادر الوقت،و غيث بدريّ.

ص: 788

و فصيل بدريّ:سمين.(9:302)

الجوهريّ: بدرت إلى الشّيء أبدر بدورا:أسرعت إليه،و كذلك بادرت إليه.

و تبادر القوم:تسارعوا.و ابتدروا السّلاح:

تسارعوا إلى أخذه.

و ليلة البدر:ليلة أربع عشرة،و يسمّى بدرا لمبادرته الشّمس بالطّلوع،كأنّه يعجّلها المغيب.و يقال:

سمّي بدرا لتمامه.

و أبدرنا فنحن مبدرون،إذا طلع لنا البدر.

و بدر:موضع،يذكّر و يؤنّث،و هو اسم ماء.قال الشّعبيّ:بدر:بئر كانت لرجل يدعى بدرا.و منه يوم بدر.

و البدرة:مسك السّخلة،لأنّها ما دامت ترضع فمسكها للّبن شكوة،و للسّمن عكّة.فإذا فطمت فمسكها للّبن بدرة،و للسّمن مسأد.فإذا أجذعت فمسكها للّبن وطب،و للسّمن نحي.

و البدرة:عشرة آلاف درهم.

و عين بدرة،أي تبدر بالنّظر،و يقال:تامّة كالبدر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البادرة:الحدّة،يقال:أخشى عليك بادرته،أي حدّته.

و بدرت منه بوادر غضب،أي خطأ،و سقطات عند ما احتدّ.

و البادرة:البديهة.

و البوادر من الإنسان و غيره:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيدر:الموضع الّذي يداس فيه الطّعام.

(2:587)

مثله الرّازيّ.(56)

ابن فارس: الباء و الدّال و الرّاء أصلان،أحدهما:

كمال الشّيء و امتلاؤه،و الآخر:الإسراع إلى الشّيء.

أمّا الأوّل فهو قولهم لكلّ شيء تمّ:بدر،و سمّي البدر بدرا لتمامه و امتلائه.

و قيل لعشرة آلاف درهم:بدرة،لأنّها تمام العدد و منتهاه.و عين بدرة،أي ممتلئة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال لمسك السّخلة:بدرة.و هذا محمول على العدد (1)،كأنّه سمّي بذلك لأنّه يسع هذا العدد.

و يقولون:غلام بدر،إذا امتلأ شبابا.

فأمّا«بدر»المكان فهو ماء معروف،نسب إلى رجل اسمه بدر.

و أمّا البوادر من الإنسان و غيره فجمع بادرة،و هي اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق،و هي من الباب لأنّها ممتلئة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الآخر:قولهم:بدرت إلى الشّيء و بادرت.

و إنّما سمّي الخطأ بادرة،لأنّها تبدر من الإنسان عند حدّة و غضب.

يقال:كانت منه بوادر،أي سقطات.و يقال:بدرت دمعته و بادرت،إذا سبقت،فهي بادرة،و الجمع:بوادر.

[ثمّ استشهد بشعر](1:208)

ابن سيدة:غلام بدر:غليظ حادر،و الأنثى بدرة.

(الإفصاح 1:115)ف.

ص: 789


1- في المصدر:العدو،و هو تصحيف.

البدرة:مسك السّخلة إذا فطم،الجمع:بدر و بدور.

(الإفصاح 2:809)

البدر:القمر في اللّيلة الرّابعة عشرة،و هو قمر بدر، و الجمع:بدور.

بدر البدر يبدر بدرا و أبدر:اكتمل و صار بدرا.

و أبدر القوم:طلع عليهم البدر،و ساروا في ليلته.و يبقى بدرا حتّى يقع في ليالي السّاهور،و هنّ التّسع البواقي.(الإفصاح 2:914)

و البدر:القمر إذا امتلأ،و إنّما سمّي بدرا،لأنّه يبادر بالغروب طلوع الشّمس،أو لأنّه يبادر بطلوعه غروب الشّمس،لأنّهما يتراقبان في الأفق صبحا.

(ابن منظور 4:49)

الزّمخشريّ: بدر:اسم ماء ما بين مكّة و المدينة، كان لرجل يسمّى بدرا،فسمّي به.(1:461)

مثله البيضاويّ(1:180)،و الخازن(1:346)، و الشّربينيّ(1:244)،و شبّر(1:370)،و محمّد جواد مغنيّة(2:150).

بدر إلى الخير،و بادره الغاية و إلى الغاية.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان يبادر في أكل مال اليتيم بلوغه بدارا، و تبادروا الباع و ابتدروها.و هو مخشيّ البادرة،و أنا أخاف بادرته،و هي ما تبدر منه عند حدّته.

تقول:فلان حارّ النّوادر،حادّ البوادر،و أصابته بادرة السّهم،و هي طرفه من قبل النّصل.

و احمرّت بوادر الخيل،و هي اللّحمات بين المناكب و الأعناق.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان يهب البدور،و ينهب البدور،و هي البدر.

و أبدر القوم:طلع عليهم البدر،كما يقال:أقمروا و أشرقوا من الشّرق،بمعنى الشّمس.

(أساس البلاغة:17)

«أتى ببدر فيه خضرات من البقول»هو الطّبق،سمّي بدرا لاستدارته،كما يسمّى القمر حين يستدير بدرا.(الفائق 1:87)

البادرة:الكلمة تبدر منك في حال الغضب.

(الفائق 2:382)

ابن برّيّ:[قال الجوهريّ:في هذا الموضع البوادر من الإنسان:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق]

و هذا القول ليس بصواب،و الصّواب أن يقول:

البوادر:جمع بادرة:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق.(ابن منظور 4:50)

الحمويّ: «بدر»بالفتح ثمّ السّكون،قال الزّجّاج:

بدر أصله الامتلاء،يقال:غلام بدر،إذا كان ممتلئا شابّا لحما،و عين بدرة.

و يقال:قد بدر فلان إلى الشّيء و بادر إليه،إذا سبق.و هو غير خارج عن الأصل،لأنّ معناه:استعمل غاية قوّته و قدرته على السّرعة،أي استعمل ملء طاقته.و سمّي بيدر الطّعام بيدرا،لأنّه أعظم الأمكنة الّتي يجتمع فيها الطّعام.

و يقال:بدرت من فلان بادرة،أي سبقت فعلة عند حدّة منه،في غضب بلغت الغاية في الإسراع،و قوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا النّساء:6،أي مسابقة لكبرهم،و سمّي القمر ليلة

ص: 790

الأربعة عشر بدرا،لتمامه و عظمه.

و بدر:ماء مشهور بين مكّة و المدينة،أسفل وادي الصّفراء،بينه و بين الجار-و هو ساحل البحر-ليلة.

و يقال:إنّه ينسب إلى بدر بن يخلد بن النّضر بن كنانة،و قيل:بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه،ثمّ غلب اسمه عليه.

و قال الزّبير بن بكّار:قريش بن الحارث بن يخلد، و يقال:مخلّد بن النّضر بن كنانة،به سمّيت قريش فغلب عليها،لأنّه كان دليلها و صاحب ميرتها،فكانوا يقولون:جاءت عير قريش،و خرجت عير قريش، قال:و ابنه بدر بن قريش.به سمّيت بدر الّتي كانت بها الوقعة المباركة،لأنّه كان احتفرها،و بهذا الماء كانت الوقعة المشهورة الّتي أظهر اللّه بها الإسلام،و فرّق بين الحقّ و الباطل في شهر رمضان،سنة اثنتين للهجرة.

و لمّا قتل من قتل من المشركين ببدر-و جاء الخبر إلى مكّة-ناحت قريش على قتلاهم،ثمّ قالوا:لا تفعلوا، فيبلغ محمّدا و أصحابه فيشمتوا بكم،و كان الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى قد أصيب له ثلاثة من ولده:زمعة بن الأسود،و عقيل بن الأسود،و الحارث بن زمعة،و كان يحبّ أن يبكي على بنيه.

قال:فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة باللّيل،فقال لغلام له-و قد ذهب بصره-:انظر هل أحلّ النّحيب؟ و قد بكت قريش على قتلاهم لعلّي أبكي على أبي حكيمة،يعني زمعة،فإنّ جوفي قد احترق،فلمّا رجع الغلام إليه قال:إنّما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بين بدر و المدينة سبعة برد:بريد بذات الجيش.

و بريد عبّود،و بريد المرغة،و بريد المنصرف،و بريد ذات أجذال،و بريد المعلاة،و بريد الأثيل،ثمّ بدر و بدر الموعد،و بدر القتال و بدر الأولى و الثّانية،كلّه موضع واحد.

و قد نسب إلى بدر جميع من شهدها من الصّحابة الكرام،و نسب إلى سكنى الموضع أبو مسعود البدريّ، و اسمه عقبة ابن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطيّة بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج شهد العقبة الثّانية،و كان أصغر من شهدها.و في كتاب «الفيصل»أنّه لم يشهد بدرا،و قال ابن الكلبيّ:شهد بدرا و العقبة،و ولاّه عليّ الكوفة حين سار إلى صفّين.

و بدر:جبل في بلاد باهلة بن أعصر،و هناك «أرمام»الجبل المعروف،و أحد جبلين،يقال لهما:

بدران،في أرض بني الحريش،و اسم الحريش:معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.و بدر أيضا:

مخلاف باليمن،و هو غير الأوّل.

(معجم البلدان 1:357)

ابن منظور:و بادره إليه:كبدره،و بدرني الأمر و بدر إليّ:عجل إليّ و استبق.و استبقنا البدرى،أي مبادرين.و أبدر الوصيّ في مال اليتيم،بمعنى بادر و بدر.

و ناقة بدريّة:بدرت أمّها الإبل في النّتاج،فجاءت بها في أوّل الزّمان،فهو أغزر لها و أكرم.

و البادرة:الحدّة،و هو ما يبدر من حدّة الرجّل عند غضبه من قول أو فعل.

و بادرة الشّرّ:ما يبدرك منه،يقال:أخشى عليك

ص: 791

بادرته.

و بدرت منه بوادر غضب،أي خطأ و سقطات عند ما احتدّ.

و البادرة:البديهة،و البادرة من الكلام:الّتي تسبق من الإنسان في الغضب.[ثمّ استشهد بشعر]

و بادرة السّيف:شباته.و بادرة النّبات:رأسه،أوّل ما ينفطر عنه.و بادرة الحنّاء:أوّل ما يبدأ منه.و البادرة:

أجود الورس و أحدثه نباتا.

«و عين حدرة بدرة»و حدرة:مكتنزة صلبة، و بدرة:تبدر بالنّظر.و قيل:حدرة:واسعة،و بدرة:تامّة كالبدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:عين بدرة:يبدر نظرها نظر الخيل،عن ابن الأعرابيّ.و قيل:هي الحديدة النّظر،و قيل:هي المدوّرة العظيمة؛و الصّحيح في ذلك ما قاله ابن الأعرابيّ.

و قوله في الحديث عن جابر:«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أتي ببدر فيه خضرات من البقول»قال ابن وهب:يعني بالبدر:

الطّبق،شبّه بالبدر لاستدارته.

قال الأزهريّ:و هو صحيح،قال:و أحسبه سمّي «بدرا»لأنّه مدوّر.

و جمع البدر:بدور.

و أبدر القوم:طلع لهم البدر،و نحن مبدرون.و أبدر الرّجل،إذا سرى في ليلة البدر،و سمّي بدرا لامتلائه، و ليلة البدر:ليلة أربع عشرة.

و بدر القوم:سيّدهم،على التّشبيه بالبدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البادر:القمر،و البادرة:الكلمة العوراء،و البادرة:

الغضبة السّريعة،يقال:احذروا بادرته.

و البدر:الغلام المبادر،و غلام بدر:ممتلئ.و في حديث جابر:«كنّا لا نبيع الثّمر حتّى يبدر»أي يبلغ، يقال:بدر الغلام،إذا تمّ و استدار،تشبيها بالبدر في تمامه و كماله.و قيل:إذا احمرّ البسر يقال له:قد أبدر.

و البدرة:جلد السّخلة إذا فطم،و الجمع:بدور و بدر.

و البدرة:كيس فيه ألف أو عشرة آلاف،سمّيت ببدرة السّخلة،و الجمع:البدور،و ثلاث بدرات.

و البادرتان من الإنسان:لحمتان فوق الرّغثاوين و أسفل الثّندوة.و قيل:هما جانبا الكركرة،و قيل:هما عرقان يكتنفانها.قال الشّاعر:

*تمري بوادرها منها فوارقها*

يعني فوارق الإبل،و هي الّتي أخذها المخاض ففرقت نادّة،فكلّما أخذها وجع في بطنها مرت،أي ضربت بخفّها بادرة كركرتها.و قد تفعل ذلك عند العطش.

و البادرة من الإنسان و غيره:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق،و الجمع:البوادر.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:أنّه لمّا أنزلت عليه سورة: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ العلق:1،جاء بها صلّى اللّه عليه و سلّم،ترعد بوادره،فقال:

زمّلوني،زمّلوني.

و البيدر:الأندر،و خصّ كراع به أندر القمح،يعني الكدس منه،و بذلك فسّره الجوهريّ.

البيدر:الموضع الّذي يداس فيه الطّعام.(4:48)

الفيّوميّ:بدر إلى الشّيء بدورا و بادر إليه مبادرة و بدارا،من باب قعد و قاتل:أسرع،و في التّنزيل:

ص: 792

وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً النّساء:6.

و بدرت منه بادرة غضب:سبقت،و البادرة:الخطأ أيضا.و بدرت بوادر الخيل،أي ظهرت أوائلها.

و البدر:القمر ليلة كماله،و هو مصدر في الأصل، يقال:بدر القمر بدرا من باب«قتل»ثمّ سمّي الرّجل به.

و بدر:موضع بين مكّة و المدينة،و هو إلى المدينة أقرب،و يقال:هو منها على ثمانية و عشرين فرسخا، على منتصف الطّريق تقريبا.

و قال الواقديّ:كان شيوخ غفار يقولون:بدر ماؤنا و منزلنا،و ما ملكه أحد قبلنا،و هو من ديار غفار.

و البيدر:الموضع الّذي تداس فيه الحبوب.

(1:38)

الفيروزآباديّ:بادره مبادرة و بدارا و ابتدره و بدر غيره إليه:عاجله،و بدره الأمر و إليه:عجل إليه، و استبق و استبقنا البدرى كجمزى،أي مبادرين.

و البادرة:ما يبدر من حدّتك في الغضب من قول أو فعل،و شباة السّيف،و البديهة،و ورق الحوّاءة،و أوّل ما يتفطّر من النّبات،و أجود الورس،و أحدثه،و اللّحمة بين المنكب و العنق،و من الإنسان اللّحمتان فوق الرّغثاوين،و أسفل الثّندوة،جمعه:البوادر.

و البدر:القمر الممتلئ كالبادر،و السّيّد،و الغلام المبادر،و الطّبق.

و بدر:موضع بين الحرمين،معرفة و يذكّر،أو اسم بئر هناك حفرها بدر بن قريش و مخلاف باليمن،و جبل لباهلة،و آخر قرب الواردة،و موضع بالبادية،و جبل ببلاد معاوية بن حفص،و صحابيّان.

البدريّ:من شهد بدرا،و أبو مسعود عقبة بن عمرو و البدريّ لم يشهدها و إنّما نزل ماء يقال له:بدر.

و البدر و بالهاء:جلدة السّخلة،جمعه:بدور و بدر، و كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم،أو سبعة آلاف دينار،و موضع.

و عين بدرة:تبدر بالنّظر،أو تامّة كالبدر.و البيدر:

الكدس.

و أبدرنا:طلع لنا البدر،أو سرنا في ليلته،و الوصيّ في مال اليتيم بادر كبره،و بيدر الطّعام:كوّمه.

و البيدر:موضعه الّذي يداس فيه.

و لسان بيدرى كخوزلى:مستوية.

و البدريّ من الغيث:ما كان قبيل الشّتاء،و من الفصلان السّمين.(1:383)

مجمع اللّغة:بدر إلى الأمر يبدر كخرج بدورا:

أسرع.

و بادره مبادرة و بدارا:عاجله و أسرع إليه.

(1:82)

العدنانيّ:«جاء بدران،رأيت بدران أو بدرين، مررت ببدران أو ببدرين».

و يخطّئون من يقول:رأيت بدرين«بدران اسم شخص»،و مررت ببدرين،و يقولون:إنّ الصّواب هو رأيت بدران و مررت ببدران.

و النّحاة يجيزون الوجهين؛إذ يصحّ أن تقول:رأيت بدرين أو بدران،و مررت ببدرين أو بدران:

1-بحذف علامتي التّثنية من آخر كلمة«بدران» لأنّها ملحقة بالمثنّى،و ليست مثنّى حقيقيّا،و إعرابها بعد

ص: 793

ذلك بالحروف كباقي أنواع المثنّى الحقيقيّ،فنقول:جاء بدران،و رأيت بدرين،و سلّمت على بدرين.

و هذا قد يوهم أنّه مثنّى،و لا يأمن اللّبس فيه إلاّ الخبير الّذي يعرف أنّه مفرد،و يدرك أنّ العلم المثنّى لا يتجرّد من«أل»إلاّ عند إضافته،أو ندائه،و هذا غير مضاف،بل إنّه قد يضاف فيزداد اللّبس قوّة.

2-بإلزامها الألف و النّون مثل عمران،و إعرابها إعراب ما لا ينصرف بحركات ظاهرة فوق النّون،فترفع بالضّمّة من غير تنوين،و تنصب و تجرّ بالفتحة من غير تنوين أيضا.و هذا أيضا لا يخلو من اللّبس أحيانا.

و يرى صاحب«النّحو الوافي»:إبقاء«العلم»على حاله من الألف و النّون،أو الياء و النّون،مع إعرابه كالاسم المفرد بحركات إعرابيّة مناسبة على آخره.

و هذا الوجه وحده أولى بالاتّباع؛إذ لا يؤدّي إلى اللّبس،لأنّه الموافق للواقع.و ليس في أصول اللّغة ما يمنعه،بل إنّ كثيرا من المعاملات الجارية في عصرنا توجب الاقتصار عليه.

فالمصارف مثلا لا تعترف إلاّ بالعلم المحكيّ،أي المطابق للمكتوب نصّا في شهادة الميلاد،و في الشّهادة الرّسميّة المحفوظة عندها،و المماثلة لما في شهادة الميلاد، و لا تقضي لصاحبه أمرا مصرفيّا إلاّ إذا تطابق توقيعه، و اسمه المسجّل في تلك الشّهادة تطابقا كاملا،في الحروف و في ضبطها،فمن اسمه حسنين أو بدران،يجب أن يظلّ على هذه الصّورة كاملة في جميع الاستعمالات عندها، مهما اختلفت العوامل الّتي تقتضي رفعه،أو نصبه،أو جرّه.

فلو قيل:حسنان،أو بدرين،تبعا للعوامل الإعرابيّة،لكان كلّ علم من هذه الأعلام دالاّ في عرف المصرف على شخص آخر،مغاير للشّخص الّذي يدلّ عليه العلم الأوّل،و أنّ لكلّ منهما ذاتا و حقوقا ينفرد بها،و لا ينالها الآخر،و لن يوافق المصرف مطلقا،على أنّ الاسمين لشخص واحد،و لا على أنّ الخلاف يتّجه للإعراب وحده دون الاختلاف في الذّات.و مثل المصارف كثير من الجهات الحكوميّة كالبريد،و أنواع الرّخص،و السّجلاّت الرّسميّة المختلفة.

و أنا أؤيّد صاحب«النّحو الوافي»في رأيه هذا،لأنّه منطقيّ،و يبعدنا عن اللّبس و الغموض.(48)

محمود شيت: 1-أ-بدر القمر بدرا:اكتمل،و إلى الشّيء بدرا:أسرع،و الأمر فلانا و إليه:عجل إليه، و فلانا بالأمر:عاجله،و فلانا:سبقه.

ب-أبدر:طلع عليه البدر،و سرى في ليلته، و الوصيّ في مال اليتيم:أكله قبل كبره.

ج-بادر إليه مبادرة و بدارا:أسرع،و فلانا الغاية و إليها:سبقه إليها.

د-ابتدرت عيناه:سالت دموعهما،و فلانا بكذا:

عاجله به،و القوم الشّيء:تسارعوا إليه.

ه-تبادر القوم:تسارعوا،و القوم الشّيء ابتدروه.

و-البادرة:مؤنّث البادر،و ما يبدو من الرّجل عن غضبه من خطإ أو سقط،و الغضبة السّريعة،جمعه:

بوادر.و البادرة من السّهم:طرفه من قبل النّصل.

ز-بدر:واد يقع بين مكّة و المدينة على ثمانية و عشرين فرسخا من الثّانية،و كان به غزوة بدر

ص: 794

المشهورة.

ح-البدر:القمر ليلة كماله،جمعه:بدور،و أبدار.

ط-البيدر:الموضع الّذي يداس فيه الطّعام لإخراج الحبّ من سنابله.

ى-المبتدر:الأسد.

2-أ-أبدر الجيش:سرى في ليلة البدر.

ب-ابتدر الجيش بالقتال:عاجل بالقتال عدوّه، و تسارع إلى القتال.

ج-المبادرة:مزيّة من مزايا القائد الجيّد،تجعله يسبق العدوّ حسب خطّة مرسومة،و يقضي عليه.يقال:

المبادرة بيد القائد،و المبادرة مع الجيش.(1:72)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو السّرعة،إلاّ أنّ«البدر»أعمّ من السّرعة ظاهرا و معنى،و أكثر استعمال السّرعة في الحركات و الأعمال الظّاهرة المحسوسة.و لمّا كانت صيغة«فاعل» و هيئته تدلّ على امتداد النّسبة زائدا على النّسبة الموجودة في المجرّد«فعل»كما في سافر و طالب،أي امتدّ السفر و امتدّ الطّلب؛فتدلّ صيغة البدار و المبادرة على امتداد البدر و السّرعة.

و أمّا إطلاق«البدر»على القمر التّمام لمبادرته إلى الظّهور،و تجلّيه التّامّ و إنارته و طلوعه الكامل،و وصوله في سيره إلى الغاية،فكأنّه من جهة ظهوره التّامّ يسارع في التّجلّي و الإنارة و القرب.(1:213)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

بدر

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. آل عمران:123

ابن عبّاس: كان المهاجرون يوم بدر سبعة و سبعين رجلا،و الأنصار مائتين و ستّة و ثلاثين رجلا.

الجميع ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،و كان المشركون نحوا من ألف رجل.(الطّوسيّ 2:578)

الشّعبيّ:إنّما سمّي بدرا،لأنّه كان ماء لرجل من جهينة يقال له:بدر.(الطّبريّ 4:75)

الضّحّاك: بدر:ماء عن يمين طريق مكّة،بين مكّة و المدينة.(الطّبريّ 4:75)

قتادة: إنّ بدرا ماء بين مكّة و المدينة،التقى عليه النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم و المشركون،و كان أوّل قتال قاتله النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و كان ذلك في السّابع عشر من شهر رمضان يوم الجمعة،سنة اثنتين من الهجرة،و الباء بمعنى«في»أي نصركم اللّه في بدر.(الآلوسيّ 4:43)

نحوه الميبديّ.(2:265)

ابن إسحاق: لم يقم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلاّ ليالي قلائل،لا تبلغ العشر، حتّى أغار كرز بن جابر الفهريّ على سرح المدينة، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في طلبه،و استعمل على المدينة زيد ابن حارثة،حتّى بلغ واديا،يقال له:سفوان،من ناحية بدر،وفاته كرز بن جابر،فلم يدركه،و هي غزوة بدر الأولى.ثمّ رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة،فأقام بها بقيّة

ص: 795

جمادى الآخرة و رجبا و شعبان.(ابن هشام 2:251)

ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشّام في عير لقريش عظيمة،فيها أموال لقريش، و تجارة من تجاراتهم،و فيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون،منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة،و عمرو بن العاص بن وائل بن هشام.

و حدّثني محمّد بن مسلم الزّهريّ،و عاصم بن عمر ابن قتادة،و عبد اللّه بن أبي بكر،و يزيد بن رومان،عن عروة بن الزّبير و غيرهم من علمائنا،عن ابن عبّاس، كلّ قد حدّثني بعض هذا الحديث،فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر،قالوا:

لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأبي سفيان مقبلا من الشّام، ندب المسلمين إليهم و قال:هذه عير قريش،فيها أموالهم،فاخرجوا إليها لعلّ اللّه ينفلكموها،فانتدب النّاس.فخفّ بعضهم و ثقل بعضهم،و ذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يلقى حربا.

و كان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسّس الأخبار،و يسأل من لقى من الرّكبان تخوّفا على أمر النّاس،حتّى أصاب خبرا من بعض الرّكبان:أنّ محمّدا قد استنفر أصحابه لك و لعيرك،فحذر عند ذلك؛فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ،فبعثه إلى مكّة،و أمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم،و يخبرهم أنّ محمّدا قد عرض لها في أصحابه،فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكّة.(ابن هشام 2:257)

الواقديّ:[له أبحاث مطوّلة،هذا خلاصته:

1-ندب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال:و هذه عير قريش فيها أموالهم لعلّ اللّه يغنّمكموها،فأسرع من أسرع.

2-أسماء المطعمين من المشركين ببدر.

3-أسماء النّفر الّذين قدموا من الأسرى.

4-نزول سورة الأنفال.

5-أسماء الأسراء من المشركين.

6-أسماء الشّهداء ببدر.

7-أسماء قتلى بدر من المشركين.

8-تسمية من شهد بدرا من قريش و الأنصار]

(المغازيّ 1:19-152)

ابن هشام:[نقل غزوة بدر تفصيلا فراجع]

(2:258-308)

اليعقوبيّ: و كانت وقعة بدر يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان،بعد مقدمه بثمانية عشر شهرا،و كان سببها أنّ أبا سفيان بن حرب قدم من الشّام بعير لقريش تحمل تجارات و أموالا،فخرج رسول اللّه يعارضه،و جاء الصّريخ إلى قريش بمكّة يخبرهم الخبر،و كان الرّسول بذلك ضمضم بن عمرو الغفاريّ، فخرجوا نافرين مستعدّين،و خالف أبو سفيان الطّريق فنجا بالعير.

و أقبلت قريش مستعدّة لقتال رسول اللّه،و عدّتهم ألف رجل،و قيل:تسعمائة و خمسون،و كانوا ينحرون كلّ يوم من الجزور عشرا و تسعا،فنحر أبو جعل و أميّة بن خلف الجحميّ تسعا،و سهيل بن عمرو عشرا و عتبة بن ربيعة عشرا،و شيبة بن ربيعة تسعا،و منبّه و نبيه ابنا الحجّاج السّهميّان عشرا،و أبو البختريّ العاص بن هشام الأسديّ عشرا،و الحارث بن عامر بن نوفل بن

ص: 796

عبد مناف عشرا،و العبّاس بن عبد المطّلب عشرا.

و قيل:إنّ العبّاس نحر يوم الوقعة فأكفئت القدور، و إنّه خرج مستكرها كالأسير.و قال عبد اللّه بن عبّاس:

إنّ أبي أطعم أسيرا،و ما أطعم أسير قبله.و روى ابن إسحاق أنّ حكم بن حزام كان من المطعمين،و كان أبو لهب عليلا فلم يمكنه الخروج فأعانهم بأربعة آلاف درهم،و قيل:بل كان أبو لهب قامر العاص بن هشام المخزوميّ فقمره نفسه،فدفعه إليهم مكانه.

و خرج رسول اللّه في ثلاثمائة و قيل:تسعين رجلا؛ منهم من المهاجرين واحد و ثمانون،و من الأنصار مائتان و اثنان و ثلاثون رجلا،و معه فرسان فرس للزّبير بن العوّام،و فرس للمقداد بن عمر البهرانيّ،و يقال:فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنويّ،و معه سبعون راحلة.

فالتقوا يوم الجمعة لعشر خلون من شهر رمضان، فقتل من المسلمين أربعة عشر رجلا و قتل من المشركين من سادات قريش سبعون رجلا،و أسر منهم سبعون رجلا.فأمر رسول اللّه برجلين من الأسارى فضربت أعناقهما و هما عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو ابن أميّة، و النّضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدّار.

و أخذ الفداء من ثمانية و ستّين رجلا،و افتدى العبّاس نفسه و ابني أخيه عقيل بن أبي طالب و نوفل بن الحارث و حليفا لهما من بني فهر.

و قال العبّاس لرسول اللّه:إنّه لا مال لي،فدعني أسأل النّاس بكفّي.فقال:أين المال الّذي دفعته إلى أمّ الفضل؟يعني لبابة بنت الحارث الهلاليّة امرأته.و قلت لها:يكون عدّة.فقال:أشهد أنّك رسول اللّه،و اللّه ما اطّلع على ذلك غيري و غيرها.فافتدى نفسه بسبعين أوقيّة و ابني أخيه بسبعين أوقيّة.

و قال رسول اللّه في اللّيلة الّتي بات فيها العبّاس أسيرا:لقد أسهرني أنين العبّاس عمّي في القدّ منذ اللّيلة، و أسلم العبّاس،و خرج إلى مكّة يكتم إسلامه.

(تاريخ اليعقوبيّ 2:45)

نحوه ابن عطيّة.(1:502)

الطّبريّ: [أورد الحادثة مطوّلة و هذه خلاصتها:

أ-الاختلاف في اليوم الّذي وقعت فيه معركة بدر، فقال بعضهم:كانت وقعة بدر يوم تسعة عشر من شهر رمضان،و قال آخرون:كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.

ب-العلل و الأسباب الّتي أدّت إلى نشوب معركة بدر.

ج-وصف غزوة بدر برواية ابن إسحاق و غيره.

د-الاختلاف في عدد الّذين كانوا مع النّبيّ في هذه الغزوة،أهم ثلاثمائة رجل أم أكثر؟

ه-دعاء النّبيّ يوم بدر و رمي الحصاة.

و-نزول الملائكة لنصرة المسلمين.

ز-ذكر القتلى و الأسرى و عددهم.

ح-أخذ الفدية من الأسارى].

(تاريخ الطّبريّ 3:29-84)

نحوه ابن الأثير.(الكامل 1:524)

الطّوسيّ: [و بعد نقل الأقوال في الرّجل المسمّى ببدر قال:]

و كان صاحب راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر أمير

ص: 797

المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.(2:579)

الواحديّ: بدر:اسم موضع،نصر هناك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:486)

القرطبيّ: كانت«بدر»يوم سبعة عشر من رمضان،يوم جمعة لثمانية عشر شهرا من الهجرة،و بدر:

ماء هنالك،و به سمّي الموضع.(4:190)

أبو حيّان: (بدر)في الآية:اسم علم لما بين مكّة و المدينة،سمّي بذلك لصفائه،أو لرؤية البدر فيه لصفائه أو لاستدارته.قيل:و سمّي باسم صاحبه بدر بن كلدة، قيل:بدر بن بجيل بن النّضر بن كنانة،و قيل:هو بئر لغفار،و قيل:هو اسم وادي الصّفراء،و قيل:اسم قرية بين المدينة و الجار.(3:44)

مثله أبو السّعود.(1:267)

البروسويّ: و بدر:بئر ماء بين مكّة و المدينة، حافرها رجل اسمه بدر،فسمّي،و كانت وقعة بدر في السّابع عشر من شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة.

[إلى أن قال:]

و كان صاحب راية رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه،و صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة رضى اللّه عنه.(2:90)

المراغيّ: كانت قريش ترى أنّ محمّدا و أصحابه شرذمة من الثّوار يجب أن تقتل،و لا سيّما بعد أن صارت لهم القوّة في المدينة،و هي على طريق التّجارة إلى الشّام، فجدّ المسلمون في مهاجمة قوافل مكّة،و نالوا أوّل انتصار لهم في السّنة الثّانية من الهجرة في غزوة بدر-بئر بين مكّة و المدينة كانت لرجل يسمّى بدرا فسمّيت باسمه- و كانت هذه الوقعة نصرا مؤزّرا للمسلمين،و كارثة كبرى على المشركين،و كان لها دويّ عظيم في أرجاء البلاد العربيّة،من أقصاها إلى أقصاها.(4:51)

فريد وجديّ: وقعة بدر بين المسلمين الأوّلين و مشركي العرب.

رأينا أن ننقل هذا التّاريخ عن الأستاذ الفاضل الشّيخ محمّد الخضريّ مدرّس التّاريخ الإسلاميّ بالجامعة، تنويها بفضله من جهة،و لجعل هذه الدّائرة مجتمعا لأبحاث الكثير من كتّابنا من جهة أخرى.

قال حضرته كما نقله عنه«المؤيّد»في 21 يناير سنة 1911:

خرجت عير من مكّة يقدمها أبو سفيان بن حرب و معه ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش،فذهبت إلى الشّام و باعت و ابتاعت،و حينما عادت العير علم بها الرّسول،فندب إليها أصحابه،و قال:هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعلّ اللّه أن ينفلكموها،فانتدب النّاس.

فخفّ بعضهم و ثقل آخرون،لم يكونوا يظنّون أنّ الرّسول يلقى حربا،و كانت في عدّة من خرج معه(314) رجلا:83 من المهاجرين،و 61 من الأوس،و 170 من الخزرج.

كان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يسير محترسا أمامه العيون فأخبر-و هو يسير-أنّ محمّدا قد استنفر أصحابه للعير فحذر،و استأجر رجلا،يذهب إلى مكّة يستنفر قريشا إلى أموالهم،و يخبرهم أنّ محمّدا قد عرض للعير في أصحابه.فخرج ذلك الرّجل حتّى أتى مكّة

ص: 798

و صرخ ببطن الوادي:يا معشر قريش اللّطيمة اللّطيمة، يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّد في أصحابه،لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث.

فتجهّز النّاس سراعا و كانوا بين رجلين:إمّا خارج و إمّا باعث مكانه رجلا،فكانت عدّتهم بين التّسعمائة و الألف،و لم يزالوا في سيرهم حتّى أتوا بالعدوة القصوى من وادي بدر.

أمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فإنّه خرج من المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من رمضان أو 9 منه،حسب تقويم محمّد مختار باشا المصريّ-الموافق 5 مارس سنة 624 م- حتّى إذا كان قريبا من الصّفراء بعث العيون إلى بدر لاستطلاع أخبار العير.حتّى إذا قارب بدرا جاءته الأخبار عن قريش بأنّهم نفروا لحماية عيرهم، فاستشار النّاس بعد أن أخبرهم،فتكلّم أبو بكر و عمر فأحسنا،و قال له المقداد بن عمرو:امض يا رسول اللّه لما أمرك اللّه فنحن معك،و اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ المائدة:24،و لكن اذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون،فو الّذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى برك الغماد-موضع في أقصى أراضي حجر-لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه.فقال له الرّسول خيرا.

ثمّ قال:أشيروا عليّ أيّها النّاس،و إنّما كان يريد الأنصار لأنّ العدد فيهم و لم تكن بيعتهم إلاّ على أنّهم يمنعونه ما دام في ديارهم،فكان يتخوّف أنّهم لا يرون نصرته إلاّ على من دهمه في المدينة من عدوّه،و ليس عليهم أن يسيروا بهم إلى عدوّ خارج ديارهم.

فقال له سعد بن معاذ:و اللّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللّه!قال:أجل،فقال له سعد:قد آمنّا بك،و صدّقناك، و شهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ،و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السّمع و الطّاعة،فامض يا رسول اللّه لما أردت فنحن معك،فو الّذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك،ما نخلّف منّا رجل واحد،و ما نكره أن تلقى بنا العدوّ،و غدا إنّا لصبّر في الحرب صدق عند اللّقاء،لعلّ اللّه يريك منّا ما تقرّ به عينك،فسر بنا على بركة اللّه.

فسرّ عليه السّلام بقول سعد و نشطه ذلك،ثمّ قال:سيروا و أبشروا فإنّ اللّه قد وعدني إحدى الطّائفتين،و اللّه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم.

ثمّ ارتحل عليه السّلام حتّى إذا وصل قريبا من بدر بلغه أنّ أبا سفيان قد نجا بالعير و أنّ قريشا وراء وادي بدر.و كان أبو سفيان قد بلغ ساحل البحر فنجا،و أرسل إلى قريش يخبرهم و يطلب منهم العودة إلى مكّة لنجاة العير.فأبى ذلك أبو جهل،و قال:و اللّه لا نرجع حتّى نرد بدرا-و كان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كلّ عام-فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور،و نطعم الطّعام، و نسقي الخمر،و تعزف علينا القيان،و تسمع بنا العرب و بسيرنا و بجمعنا،فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها، فأمضوا.

و لمّا رأى منه ذلك الأخنس بن شريق الثّقفيّ حليف بني زهرة تشدّد أبي جهل من غير داعية،أشار إلى حلفائه من بني زهرة أن يرجعوا،فاتّبعوا مشورته و عادوا.فلم يشهد بدرا في صفوف المشركين زهريّ،

ص: 799

و كذلك لم يشهدها من بني عديّ أحد.

مضت قريش حتّى نزلت بعدوة الوادي الدّنيا، و نزل المسلمون على أوّل ماء من بدر،فجاء الحباب بن المنذر إلى رسول اللّه و قال له:يا رسول اللّه أ رأيت هذا المنزل أ منزلا أنزلكه اللّه ليس لنا أن نتقدّمه و لا نتأخّر عنه أم هو الرّأي و الحرب و المكيدة؟قال:بل هو الرّأي و الحرب و المكيدة،قال:يا رسول اللّه فإنّ هذا ليس بمنزل،فانهض بالنّاس حتّى تأتي أدنى ماء من القوم فننزله،ثمّ تفور ما وراءه من القلب(البئر)ثمّ نبني عليه حوضا فنملؤه ماء،ثمّ نقاتل القوم فنشرب و لا يشربون.فقال له:لقد أشرت،و فعل كما قال.

ثمّ إنّ سعدا قال للرّسول:يا رسول اللّه أ لا نبني لك عريشا تكون فيه،و نعدّ عندك ركائبك ثمّ نلقى عدوّنا، فإن أعزّنا اللّه و أظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا، و إن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا،فقد تخلّف عنك أقوام،يا نبيّ اللّه ما نحن بأشدّ لك حبّا منهم،و لو ظنّوا أنّك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك،يمنعك اللّه بهم،يناصحونك و يجاهدون معك.

فأثنى عليه الرّسول،و دعا له بخير،و أمر ببناء العريش، فبني له.

تراءى الجيشان فلم يكن بدّ من الحرب،في صبيحة يوم الثّلاثاء 17 رمضان-13 مارس سنة 624 م-ابتدأ الحرب بالمبارزة حسب القواعد العربيّة،فخرج من صفوف المشركين ثلاثة:عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، و ابنه الوليد،و أخوه شيبة،فطلبوا من يخرج إليهم.فبرز لهم ثلاثة من الأنصار،فقال لهم القرشيّون:لا حاجة لنا بكم،نطلب أكفّاءنا من بني عمّنا،فخرج لهم حمزة بن عبد المطّلب،و عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب،و عليّ ابن أبي طالب.فكان عبيدة بإزاء عتبة،و حمزة بإزاء شيبة،و عليّ بإزاء الوليد.فأمّا حمزة و عليّ فلم يمهلا صاحبيهما أن قتلاهما،و أمّا عبيدة و عتبة فاختلفا ضربتين،كلاهما أثبت صاحبه،فحمل عليّ و حمزة على عتبة فدففا (1)عليه،و احتملا عبيدة و هو جريح إلى صفوف المسلمين.ثمّ بدأ الهجوم بين الصّفوف و لم تصل الحرب في ذلك النّهار،فإنّ الهزيمة حلّت بصفوف قريش بعد أن قتل جمع من صناديدهم،فيهم أبو جهل بن هشام رأس هذه الفتن كلّها،و أسر من قريش نحو السّبعين، و هرب الباقون.

و لمّا انتهت الواقعة أمر عليه السّلام بدفن القتلى من قريش و من المسلمين،و كانت هذه عادته في حروبه،ثمّ أمر بجمع الغنائم فجمعت،ثمّ أرسل بشيرين إلى أهل المدينة يبشّرهم بالفتح:أحدهما و هو عبد اللّه بن رواحة إلى أهل العالية،و الآخر زيد بن حارثة إلى أهل السّافلة.

ثمّ عاد عليه السّلام،و في عودته قتل رجلين من الأسرى:

أحدهما النّضر بن الحارث،لأنّه كان غاليا في عداوة المسلمين بمكّة،يكثر أذاهم،و يعلّم القيان الشّعر الّذي يهجون به المسلمين ليغنّين به.و الثّاني عقبة ابن أبي معيط و هو مثله،فكان لقتلهما سبب خاصّ،و لم يقتل غيرهما من الأسرى.و لمّا أقبل بالأسرى فرّقهم بين أصحابه،و قال:استوصوا بهم خيرا.

قال أبو عزيز بن عمير:كنت في رهط من الأنصاره.

ص: 800


1- هجما عليه و أتمّا قتله.

حين أقبلوا من بدر فكانوا إذا قدّموا غداءهم أو عشاءهم خصّوني بالخبز،و أكلوا التّمر لوصيّة رسول اللّه إيّاهم بنا،ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلاّ نفحني (1)بها، قال:فأستحي فأردّها على أحدهم فيردّها عليّ ما يمسّها.فإنّ أبا عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر.

ثمّ استقرّ رأي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد أن استشار أصحابه على قبول الفداء من قريش في أصحابه،و كان بعض الصّحابة و منهم عمر و سعد بن معاذ يريدون قتلهم، و كان رأي أبي بكر و أكثر الصّحابة لا يريدون ذلك و يريدون قبول الفداء-و ذلك كلّه قبل نزول آية القتال-فرضي عليه السّلام رأي أبي بكر،و لمّا كان ذلك عن غير أمر من اللّه-خصوصا أنّه لم يسبق لنبيّ أن أكل شيئا من الغنائم،فإنّ موسى عليه السّلام كان يحرقها و لا يبقي منها شيئا-لذلك كان هذا القرار سببا لعتاب اللّه سبحانه بقوله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إلى قوله: وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنفال:67-69.

و قد كان من رأي سعد حين القتال أنّ المسلمين لا يأسرون،ثمّ أمره اللّه أن يتلطّف بهؤلاء الأسرى، فقال له: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنفال:70.

علمت قريش بما كان،فأرسلت فداء أسراها.فمن حضر فداؤه أرسل،و منهم من منّ عليه بغير فداء، و منهم أبو عزّة الجمحيّ الشّاعر بعد أن تعهّد أن لا يكون ضدّ المسلمين بشعره و كان فداء بعض الأسرى الّذين يكتبون أن يعلّم عشرة من صبيان المدينة الكتابة.

نزل في هذه الغزوة من القرآن سورة الأنفال بأسرها،و قد بدأت بأمر الأنفال،و أنّها صارت للّه و للرّسول،يقضي فيها اللّه بما شاء،ثمّ قضى فيها بأنّ «الخمس»للّه و للرّسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل،فالباقي و هو أربعة أخماس للغانمين،و قد خصّ عليه الصّلاة و السّلام سهم ذي القربى ببني هاشم و المطلّب ابني عبد مناف،و لم يعط من بني نوفل و عبد شمس.

ثمّ قصّ في السّورة خروج المسلمين إلى هذه الحرب،و أنّه ثبّتهم فيها و أيّدهم بالملائكة،بشرى لهم و لتطمئنّ قلوبهم،و أنّه أوحى إلى الملائكة أن يثبّتوا الّذين آمنوا،و تكلّم فيها عن قريش و ما فعلوه من الأذى و الفتنة و الصّدّ عن سبيل اللّه،و تكلّم فيها عن السّلم و الجنوح إليها متى جنح لها أعداء المسلمين و عن أمر الأسرى،إلى غير ذلك من الأحكام.

و بعد أن تكلّم عمّا أودع اللّه في قلوب المسلمين من القوّة و الطّمأنينة،فإنّ عددهم كان(314)رجلا ليس معهم سوى ثلاثة أفراس و 70 بعيرا يعتقبونها،و قريش كانت بين التّسعمائة و الألف،و ذلك أنّ المسلمين كانوا يرون أنفسهم في موقف يدافعون فيه عن أعزّ شيء في الوجود،و هو رسول اللّه الّذي بين أظهرهم،فلا يهمّ الواحد منهم أن تحين منيّته،لأنّه واثق بما بعدها،فهو يعدّ الشّهادة إحدى الحسنيين.كلّ هذا للمحارب بمثابةي.

ص: 801


1- أعطاني،دفعه لي.

إمدادات قويّة،يراها متوالية الورود.

و بعد أن تكلّم عن الشّعر الّذي قيل في هذه الغزوة، قال:كان الفراغ منها في عقب شهر رمضان.و بعد أن تكلّم عن«الكدر»و هو ماء بني سليم،ثمّ تكلّم عن غزوة السّويق و الفرع،و أمر بني قينقاع،و أمر كعب بن الأشرف تكلّم عن غزوة أحد.[إلى أن قال:]

«غزوة بدر الصّغرى»:إنّما سمّيت صغرى لأنّه لم يحصل قتال فيه،و ذلك أنّ أبا سفيان قائد جيش المشركين يوم أحد-أنظر أحد-قال:الموعد بيننا و بينكم بدر في العام القابل،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لعمر:

قل:نعم،هو بيننا و بينكم موعد.فخرج رسول اللّه و معه ألف و خمسمائة،و انتظر ببدر ثمانية أيّام،و خرج أبو سفيان و معه ألفان فسار يومين،ثمّ بدا له أن يرجع،فرجع.

و كان قبل ذلك بعث رجالا يثبّطون همّة المسلمين و يذكرون لهم كثرة عدد عدوّهم فلم يردّهم ذلك عن الخروج.

فلمّا رجع أبو سفيان اتّجر المسلمون ببدر فربحوا، و هم ينتظرون الحرب،فأنزل اللّه فيهم: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:

173-175.

(دائرة المعارف القرن العشرين 2:67-77)

محمّد إسماعيل إبراهيم: غزوة بدر:أوّل غزوة كبرى بين المسلمين و المشركين من أهل مكّة،حدثت في السّابع عشر من رمضان،في العام الثّاني للهجرة.

و بدر هذه:بئر تقع في الجنوب الغربيّ للمدينة،و كانت محطّا للقوافل.

و قد ترصّد المسلمون لقافلة من قوافل قريش آتية من الشّام،بقيادة أبي سفيان بن حرب،بقصد مصادرتها مقابل ما استولى عليه مشركو مكّة من أموال المهاجرين، و استطاع أبو سفيان أن يفلت من هذا التّرصّد.

و لكن هبّت قريش لدفع الخطر،و جمعت من أبنائها نحو ألف مقاتل،و ساروا شمالا حتّى التقوا بجماعة المسلمين-الّذين كانوا ثلث عددهم تقريبا-عند ماء بدر حيث دارت المعركة،و انتصر المسلمون رغم قلّة عددهم انتصارا عظيما،و انتشرت أخبار هذا النّصر بين القبائل،ففرح به أعداء قريش،و دخل أفراد منهم في الإسلام.

و قد أحسن المسلمون معاملة الأسرى،فأطلق الرّسول بعضهم،و قبل الفدية من البعض الآخر،و كلّف من لم يستطع دفع الفدية أن يعلّم عشرة من المسلمين القراءة و الكتابة.

و أمّا الغنائم فقد تصرّف فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحسب ما ورد في القرآن الكريم: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ الأنفال:41.(1:60)

المصطفويّ: أمّا بدر مكانا،فهي محلّ فيها قلب، في جهة الجنوب الغربيّ من المدينة،قريبة من ميناء جار بالبحر الأحمر،و عرضها 24/3،و طولها 38/36

ص: 802

درجة.و المدينة عرضها 24/57،و طولها 39/59 درجة،فتكون المسافة بينهما(50)كيلو مترا جنوبا، و(130)كيلو مترا غربا.

و لمّا كان المسير من مكّة إلى الشّام من جهة ساحل البحر الأحمر،فتكون«بدر»واقعة في الطّريق ذهابا و إيابا،و بها وقعت غزوة بدر وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ آل عمران:123،كانت عدّة من خرج إلى هذه الغزوة خمسة و ثلاثمائة رجل،و كانت إبلهم سبعين بعيرا.(1:213)

بدارا

...وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ... النّساء:6

ابن عبّاس: يعني أكل مال اليتيم مبادرا أن يبلغ فيحول بينه و بين ماله.(الطّبريّ 4:254)

الحسن: يقول:لا تسرف فيها و لا تبادر.

مثله قتادة.(الطّبريّ 4:254)

السّدّيّ: تبادرا أن يكبروا،فيأخذوا أموالهم.

(الطّبريّ 4:254)

ابن زيد: هذه لوليّ اليتيم خاصّة،جعل له أن يأكل معه،إذا لم يجد شيئا يضع يده معه،فيذهب بوجهه،يقول:لا أدفع إليه ماله،و جعلت تأكله:تشتهي أكله،لأنّك إن لم تدفعه إليه لك فيه نصيب،و إذا دفعته إليه فليس لك فيه نصيب.(الطّبريّ 4:254)

أبو عبيدة: أي مبادرة قبل أن يدرك فيؤنس منه الرّشد فيأخذ منك.(1:117)

الطّبريّ: وَ بِداراً و مبادرة،و هو مصدر من قول القائل:بادرت هذا الأمر مبادرة و بدارا.و إنّما يعني بذلك جلّ ثناؤه ولاة أموال اليتامى،يقول لهم:لا تأكلوا أموالهم إسرافا،يعني ما أباح اللّه لكم أكله،و لا مبادرة منكم بلوغهم،و إيناس الرّشد منهم،حذرا أن يبلغوا فيلزمكم تسليمه إليهم.

و موضع(ان)في قوله: أَنْ يَكْبَرُوا نصب بالمبادرة،لأنّ معنى الكلام:لا تأكلوها مبادرة كبرهم.(4:254)

نحوه الطّوسيّ.(3:119)

الميبديّ: يقول:لا تبادروا بأكل مالهم كبرهم و رشدهم،حذرا أن يبلغوا،فيلزمكم تسليم المال إليهم.

(2:423)

نحوه الطّبرسيّ.(2:9)

القرطبيّ: (بدارا)معناه مبادرة كبرهم،و هو حال البلوغ.و البدار و المبادرة كالقتال و المقاتلة،و هو معطوف على(اسرافا).(5:41)

النّسفيّ: لا تأكلوها مسرفين و مبادرين كبرهم.

(إسرافا)و(بدارا)مصدران في موضع الحال، أَنْ يَكْبَرُوا في موضع المصدر،منصوب الموضع ب(بدارا).

و يجوز أن يكونا مفعولا لهما،أي لإسرافكم و مبادرتكم كبرهم،تفرطون في إنفاقها،و تقولون:ننفق فيما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى،فينتزعوها من أيدينا.

(1:208)

نحوه أبو السّعود.(1:317)

أبو حيّان:البدار:مصدر بادر،و هو من باب

ص: 803

«المفاعلة»الّتي تكون بين اثنين،لأنّ اليتيم مبادر إلى الكبر،و الوليّ مبادر إلى أخذ ماله،فكأنّهما مستبقان، و يجوز أن يكون من واحد.

و أجيز أن ينتصبا على المفعول من أجله،أي لإسرافكم و مبادرتكم،و أَنْ يَكْبَرُوا مفعول بالمصدر، أي كبركم،كقوله:«أو إطعام يتيما»،و في إعمال المصدر المنوّن خلاف.

و قيل:التّقدير مخافة أن يكبروا،فيكون أَنْ يَكْبَرُوا مفعولا من أجله،و مفعول(بدارا)محذوف.

(3:172)

الآلوسيّ: المبادرة:المسارعة،و هي لأصل الفعل هنا،و تصحّ«المفاعلة»فيه بأن تبادر الوليّ أخذ مال اليتيم،و اليتيم يبادر نزعه منه.و أصلها-كما قيل-من «البدار»و هو الامتلاء،و منه البدر لامتلائه نورا، و البدرة لامتلائها بالمال،و البيدر لامتلائه بالطّعام.

و الاسمان المتعاطفان منصوبان على الحال،كما أشرنا إليه.

و قيل:إنّهما مفعول لهما،و الجملة معطوفة على (ابتلوا)لا على جواب الشّرط لفساد المعنى،لأنّ الأوّل بعد البلوغ،و هذا قبله.(4:208)

الطّباطبائيّ: البدار هو المبادرة إلى الشّيء، و قوله: بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا في معنى:حذر أن يكبروا، فلا يدعوكم أن تأكلوا.(4:173)

عزّة دروزة: بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا: استعجالا لأكلها قبل أن يكبروا،و تبقى لهم أموالهم.(9:18)

الصّابونيّ: (بدارا):معناه مبادرة،أي مسارعة، و المراد أن يسارع في أكل مال اليتيم خشية أن يكبر فيطالبه به.(1:433)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة السّرعة و البلوغ،فمن الأوّل:ناقة بدريّة،أي بدرت أمّها الإبل في النّتاج، فجاءت بها أوّل الزّمان،فهو أغزر و أكرم.

و بادرة النّبات:رأسه أوّل ما ينفطر عنه،و بادرة الحنّاء:أوّل ما يبدأ به.و البادرة:أجود الورس و أحدثه نباتا.و البادرة من الإنسان و غيره:اللّحمة الّتي بين المنكب و العنق،و الجمع بوادر،و هي من هذا الأصل، لأنّها تبادر إلى الاضطراب عند الخوف و البرد،و في الحديث:«ترعد بوادره».و بادرة السّيف:حدّه،و منه قولهم:«عين حدرة بدرة»أي حادّة النّظر،أو تبدر بالنّظر.

و من المجاز قولهم:أخشى عليك بادرته،و فلان مخشيّ عند البادرة،أي حدّة الغضب.و أخاف حدّته و بادرته،و احذروا بادرته.و بدرت من فلان بوادر غضب،أي خطأ و سقطات عند ما احتدّ.و هو من هذا الباب أيضا،لأنّ«الخطأ زاد العجول»كما قيل.

و يقال منه:بدرت أبدر بدورا،و بادرت بدارا و مبادرة إلى الشّيء:أسرعت إليه،و بدرت و بادرت الشّيء:عاجلته،و ابتدر القوم السّلاح:أسرعوا إلى أخذه،و تبادر القوم أمرا:بادر بعضهم بعضا إليه أيّهم يسبق إليه فيغلب عليه،و بدرت إلى الرّجل:تقدّمت إليه،و بدرني الأمر،و بدر إليّ:عجّل إليّ و استبق،و أبدر الوصيّ في مال اليتيم:بادر و بدر،أي أسرع إلى أخذه

ص: 804

و عجل.

و من الأصل الثّاني:«البدر»و هو القمر ليلة أربع عشرة،لتمامه و امتلائه،و به شبّه الغلام الممتلئ،فيقال:

غلام بدر،أو قيل له ذلك لتمام شبابه.و إذا احمرّ البسر يقال له:قد أبدر،و في الحديث:«كنّا لا نبيع التّمر حتّى يبدر»،أي يبلغ.

و البدرة:كيس فيه عشرة آلاف درهم،و سمّيت ببدرة السّخلة.

و قيل منه:أبدر الرّجل:سرى في ليلة البدر، و أبدرنا فنحن مبدرون،أي طلع لنا البدر.

2-و أمّا البيدر-أي الموضع الّذي يداس فيه الطّعام-فهو ليس عربيّا؛إذ أنّه معرّب لفظي«بيت إدرا» السّريانيّين،أي موضع دوس المحصول،و عربيّه:

المداسة و الجرين.و كذا لفظ«أندر»،بمعنى البيدر،فهو معرّب لفظ«إدرا»السّريانيّ أيضا.

3-و بدر:اسم علم مرتجل لموضع،أو علم منقول من اسم صاحب الموضع،أو اسم من سكنه،فنسب إليه،ثمّ غلب اسمه عليه.و قيل:سمّي بهذا الاسم لرؤية البدر فيه،لصفائه أو لاستدارته.

و اختلف في صاحبه،فقيل:هو بدر بن يخلد أو مخلّد،أو بجيل بن النّضر بن كنانة.و قيل:كان لرجل من بني ضمرة اسمه بدر،و قيل:من جهينة،و قيل:بدر:ماء لقبيلة غفار.

4-و رغم أنّ القدماء قد تسالموا على وقوع بدر بين مكّة و المدينة،إلاّ أنّ عباراتهم بعيدة المتناول.فقد قال الضّحّاك،و هو أوّل من أشار إلى موقعها:«عن يمين طريق مكّة و المدينة»،فهل يريد-بقوله هذا-المتّجه نحو المدينة أو المتّجه نحو مكّة؟و ظاهر عبارته تصدق على من يخرج من مكّة صوب المدينة.

و هذا خلاف ما صرّح به ياقوت،قال:«ماء مشهور بين مكّة و المدينة،أسفل وادي الصّفراء،بينه و بين الجار-و هو ساحل البحر-ليلة».إذ تقع المدينة شمال مكّة،و الوادي المذكور غربها،اللّهمّ إلاّ أن يقال:

أراد الضّحّاك بلفظ«يمين»غرب.

و قد التبس الأمر على أبي حيّان الأندلسيّ،فخبط خبط عشواء،قال:«بدر:اسم علم لما بين مكّة و المدينة...و قيل:هو بئر لغفار،و قيل:هو اسم وادي الصّفراء،و قيل:اسم قرية بين المدينة و الجار»،حيث أطلق اسم«بدر»على المنطقة الواقعة بين مكّة و المدينة، من أرض الحجاز،و ظنّه اسم الوادي أو القرية.

5-و يطلق اسم«بدر»اليوم على قرية تقع في طريق الحاجّ بين مكّة و المدينة،و على ميدان قربها محاط بجدار.و يخيّل إلى بعض النّاس أنّ بئر بدر تتوسّط هذا الميدان،و لا أحد يعلم أ هي الآن بئر معطّلة أم لا تزال عاملة؟

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظان في القرآن الكريم:بدر و بدار:

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ آل عمران:123

وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ

ص: 805

مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا النّساء:6

يلاحظ أوّلا:أنّ سياق الآية الأولى منّ و تذكير، و سياق الآية الثّانية نهي و تحذير،و كذلك في سائر آيات السّورتين؛إذ يغلب المعنى الأوّل على سورة آل عمران، و يغلب المعنى الثّاني على سورة النّساء.

ثانيا:أتى القرآن على ذكر أكل مال اليتيم في الآية الثّانية و في آيتين أخريين من نفس السّورة،إلاّ أنّ اللّه لم يتوعّد هنا من يأكله كما توعّده في تلكما الآيتين، و هما:

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً النّساء:2

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً النّساء:10

ثالثا:غزوة بدر هي أولى غزوات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للمشركين،و قد نصره اللّه فيها نصرا عزيزا؛إذ أيّده بالملائكة،و قرّر بذلك مصير الإسلام،بعد أن كادت تتقوّض أركانه.و كان لهذا النّصر صدى عظيم في جزيرة العرب و خارجها،حتّى بلغ أرض فارس و الرّوم،و قد تحدّث حول هذه الواقعة المفسّرون و أرباب المغازي قديما و حديثا.

رابعا:لم يذكر اسم غزوة من غزوات النّبيّ في القرآن إلاّ غزوة بدر،كما في الآية الأولى،و غزوة حنين في قوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً

التّوبة:25.

بيد أنّه أشير إلى الغزوات التّالية في القرآن دون ذكر أسمائها،و نذكر هاهنا حسب سني وقوعها:

1-بدر:«وقعت في السّنة الثّانية بعد الهجرة»

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ* وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ آل عمران:124-127

وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَ لكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَ لَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ لكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

الأنفال:41-44

وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ* وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى

ص: 806

ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ وَ اللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ* إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ الأنفال:47-51

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الأنفال:67-71

و على الجملة فسورة الأنفال نزلت عقيب غزوة بدر و بشأنها،و من أجل ذلك سمّيت أيضا سورة بدر،عن ابن عبّاس.

2-أحد:«وقعت في السّنة الثّالثة من الهجرة»

وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَ اللّهُ وَلِيُّهُما وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

آل عمران:121،122

و قد نزل قسم من آيات هذه السّورة إلى الآية (175)بعد غزوة أحد و بشأنها.

3-غزوة حمراء الأسد:«وقعت في السّنة الثّالثة عقيب أحد،و لم ينشب فيها قتال»

اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ* اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

آل عمران:172-175

4-غزوة بني النّضير:«وقعت في السّنة الرّابعة»

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ* وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشَاقِّ اللّهَ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ* وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* لِلْفُقَراءِ

ص: 807

اَلْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ* وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ* لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ* لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ* كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ* فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ الحشر:2-17

5-غزوة الأحزاب،أو غزوة الخندق:

«وقعت في السّنة الخامسة،و لم ينشب فيها قتال»

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً* إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً* وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً* وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً* وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلاّ يَسِيراً* وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُلاً* قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً* قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً* قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً* أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً* يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً* لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً* وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاّ

ص: 808

إِيماناً وَ تَسْلِيماً* مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَ رَدَّ اللّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً

الأحزاب:9-25

6-غزوة بني قريظة:

وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً* وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً

الأحزاب:26،27

7-غزوة بني المصطلق:«وقعت في السّنة الخامسة أو السّادسة من الهجرة»

هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ* يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ

المنافقون:7،8

8-صلح الحديبيّة:«وقع في السّنة السّادسة من الهجرة»

إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً* هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً* لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزاً عَظِيماً* وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً* وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً* إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً* سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً* بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً* وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً* وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً* سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً*

ص: 809

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً* لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً* لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَ كَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً* وَ لَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً* سُنَّةَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً* وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً* هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً* إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً* لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:1-27

9-غزوة خيبر:

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً الفتح:15

لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَ كَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً

الفتح:18-20

10-فتح مكّة:«وقع في السّنة الثّامنة من الهجرة دون قتال»

لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

الحديد:10

وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ

الصّفّ:13

إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ النّصر:1

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ الأنفال:19

إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الفتح:1

ص: 810

و ممّا يجدر ذكره،هو أنّ نزول الأخيرتين بشأن فتح مكّة-و لا سيّما أولاهما-قول نادر،و السّياق لا يساعده.

و الصّواب أنّ المراد بالأولى منهما:غزوة بدر،و بالثّانية:

صلح الحديبيّة،و كذلك ما تكرّر بعدها من لفظ«الفتح» في هذه السّورة،و هي نزلت عقيب هذا الصّلح.

11-غزوة حنين:«وقعت في السّنة الثّامنة من الهجرة عقيب فتح مكّة مباشرة»

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:25-27

12-حروب أخرى:

وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللّهُ بِها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً الفتح:21

هذا على اختلاف بينهم في أنّها حنين أو هوازن أو الطّائف أو غير ذلك.

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً الفتح:16

هذا عند بعض،و عند بعض آخرين أنّها حروب الرّدّة أو الحرب مع الرّوم و الفرس.

13-غزوة تبوك:«وقعت في السّنة التّاسعة مع نصارى الشّام»

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29

إنّ سياق هذه الآية و الآيات الّتي تتلوها حتّى آخر سورة التّوبة يسرد حال الّذين شاركوا في غزوة تبوك، و موقف المخلّفين و المنافقين الّذين بان نفاقهم في هذه الغزوة.

ص: 811

ص: 812

ب د ع

اشارة

3 ألفاظ،4 مرّات:2 مكّيّة،2 مدنيّة

في 4 سور:2 مكّيّة،2 مدنيّة

بديع 2:1-1 ابتدعوها 1:-1 بدعا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البدع:إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق و لا ذكر و لا معرفة.

و اللّه بديع السّماوات و الأرض ابتدعهما و لم يكونا قبل ذلك شيئا يتوهّمهما متوهّم،و بدع الخلق.

و البدع:الشّيء الّذي يكون أوّلا في كلّ أمر،كما قال اللّه عزّ و جلّ: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:9،أي لست بأوّل مرسل.[ثمّ استشهد بشعر]

و البدعة:اسم ما ابتدع من الدّين و غيره،و نقول:

لقد جئت بأمر بديع،أي مبتدع عجيب.

و ابتدعت:جئت بأمر مختلف،لم يعرف ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقرأ بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:117، بالنّصب على جهة التّعجّب،لما قال المشركون:بدعا ما قلتم و بديعا ما اخترقتم،أي عجيبا،فنصبه على التّعجّب،و اللّه أعلم بالصّواب.

و يقال:هو اسم من أسماء اللّه،و هو البديع لا أحد قبله.و قراءة العامّة الرّفع،و هو أولى بالصّواب.

و البدعة:ما استحدثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أهواء و أعمال،و يجمع على البدع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبدع البعير فهو مبدع،و هو من داء و نحوه، و يقال:هو داء بعينه.و أبدعت الإبل،إذا تركت في الطّريق من الهزال.

و أبدع بالرّجل،إذا حسر عليه ظهره.(2:54)

الكسائيّ: البدع في الشّرّ و الخير،و قد بدع بداعة و بدوعا.و رجل بدع و امرأة بدعة،إذا كان غاية في كلّ شيء،كان عالما أو شريفا أو شجاعا.و قد بدع الأمر

ص: 813

بدعا و بدعوه و ابتدعوه،و رجل بدع و رجال أبداع و نساء بدع و أبداع.(الأزهريّ 2:240)

يقال للرّجل إذا كلّت ركابه أو عطبت و بقي منقطعا به:قد أبدع به.

أبدعت الرّكاب،إذا كلّت و عطبت.

نحوه أبو عبيدة.(الأزهريّ 2:242)

الأخفش: فلان بدع في هذا الأمر،أي بديع،و قوم أبداع.(الجوهريّ 3:1184)

الأصمعيّ: بدع يبدع فهو بديع،إذا سمن.(الأزهريّ 2:242)

اللّحيانيّ: يقال:أبدع فلان بفلان،إذا قطع به و خذله،و لم يقم بحاجته،و لم يكن عند ظنّه به.(الأزهريّ 2:242)

ابن الأعرابيّ: البدع من الرّجال:الغمر.

(الأزهريّ 2:240)

و أبدع يمينا:أوجبها.(ابن سيدة 2:26)

أبو سعيد البغداديّ: أبدعت حجّة فلان،أي أبطلت،و أبدعت حجّته،أي بطلت.

(الأزهريّ 2:242)

ابن السّكّيت: البدعة:كلّ محدثة.

(الأزهريّ 2:240)

الدّينوريّ: و سقاء بديع:جديد،و كذلك الحبل.(ابن سيدة 2:26)

الزّجّاج: و أبدع في الأمر إبداعا:أتى فيه ببدعة.(فعلت و أفعلت:45)

ابن دريد: بدعت الشّيء،إذا أنشأته،و اللّه عزّ و جلّ بديع السّماوات و الأرض،أي منشئها.و بدعت الرّكيّ،إذا استنبطتها.ركيّ بديع:حديثة الحفر.

و قول العرب:لست ببدع في كذا و كذا،أي لست بأوّل من أصابه هذا،و هو من قوله عزّ و جلّ: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:9،و اللّه أعلم بكتابه.

و كلّ من أحدث شيئا فقد ابتدعه،و الاسم البدعة، و الجمع:البدع.

و يقال:أبدع بالرّجل؛إذا كلّت راحلته و انقطع به، و في الحديث:«إنّ صاحبا لنا أبدع به».(1:245)

و يقال:جاء الرّجل ببدعة؛إذا جاء بأمر منكر،الهاء للتّأنيث.(3:303)

الأزهريّ: قال أبو عدنان:المبتدع:الّذي يأتي أمرا على شبه لم يكن ابتدأه إيّاه.قلت:و معنى قول اللّه تعالى:

قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:9،أي ما كنت أوّل من أرسل،قد أرسل قبلي رسل كثير.

و في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ تهامة كبديع العسل حلو أوّله،حلو آخره».

البديع:السّقاء الجديد،و الزّقّ الجديد،و شبّه تهامة بزقّ العسل،لأنّه لا يتغيّر هواؤها،فأوّله و آخره طيّب، و كذلك العسل لا يتغيّر...

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بإسناد صحيح أنّه قال: «إيّاكم و محدثات الأمور،فإنّ كلّ محدثة بدعة،و كلّ بدعة ضلالة».

و البديع من الحبال:الّذي ابتدئ فتله و لم يكن حبلا،فنكث ثمّ غزل و أعيد فتله.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 814

و البديع بمعنى السّقاء أو الحبل،فعيل بمعنى مفعول.

و روى عبد اللّه بن مسعود عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّ رجلا أتاه فقال:يا رسول اللّه إنّي قد أبدع بي فاحملني».

و قال بعض الأعراب:لا يكون الإبداع إلاّ بظلع، يقال:أبدعت به راحلته،إذا ظلعت.

قيل:أبدع برّ فلان بشكري،و أبدع فضله و إيجابه بوصفي؛إذا شكره على إحسانه إليه،و اعترف بأنّ شكره لا يفي بإحسانه.(2:240-242)

الصّاحب:البدع:الأوّل في كلّ أمر.

و أمر بديع:مبتدع.

و اللّه البديع:أبدع الأشياء.

و البديع:السّقاء الجديد.

و بديع:اسم ماء.

و البدعة:ما استحدث من الدّين و غيره.

و أبدع البعير:قام فترك في الطّريق.و كذلك أبدع بالرّجل:حسر عليه ظهره.و في المثل:«إذا طلبت الباطل أبدع بك».(1:429)

الجوهريّ: أبدعت الشّيء:اخترعته،لا على مثال.و اللّه تعالى بديع السّماوات و الأرض.

و البديع:المبتدع،و البديع:المبتدع أيضا.

و أبدع الشّاعر:جاء بالبديع.

و شيء بدع بالكسر،أي مبتدع.

و البدعة:الحدث في الدّين بعد الإكمال.

و استبدعه:عدّه بديعا،و بدّعه:نسبه إلى البدعة.(3:1183)

ابن فارس: الباء و الدّال و العين أصلان:أحدهما:

ابتداء الشّيء و صنعه لا عن مثال،و الآخر:الانقطاع و الكلال.

فالأوّل:قولهم:أبدعت الشّيء قولا أو فعلا،إذا ابتدأته لا عن سابق مثال،و اللّه بديع السّماوات و الأرض.

و الأصل الآخر:قولهم:أبدعت الرّاحلة،إذا كلّت و عطبت.و أبدع بالرّجل؛إذا كلّت ركابه أو عطبت و بقي منقطعا به.و في الحديث:«أنّ رجلا أتاه فقال:يا رسول اللّه إنّي أبدع بي فاحملني».و يقال:الإبداع لا يكون إلاّ بظلع،و من بعض ذلك اشتقّت البدعة.(1:209)

أبو هلال: الفرق بين الاختراع و الابتداع:أنّ الابتداع إيجاد ما لم يسبق إلى مثله،يقال:أبدع فلان،إذا أتى بالشّيء الغريب،و أبدعه اللّه فهو مبدع و بديع،و منه قوله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:

117،و«فعيل»من«أفعل»معروف في العربيّة،يقال:

بصير من أبصر،و حليم من أحلم.

و البدعة في الدّين مأخوذة من هذا،و هو قول ما لم يعرف قبله،و منه قوله تعالى: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:9.[ثمّ استشهد بشعر،و قد ذكر معنى الاختراع سابقا و هو:]

الاختراع:هو الإيجاد عن غير سبب،و أصله في العربيّة:اللّين و السّهولة فكأنّ المخترع قد سهل له الفعل،فأوجده من غير سبب يتوصّل به إليه.(109)

ابن سيدة:بدع الشّيء يبدعه بدعا و ابتدعه:

أنشأه و بدأه.

البدعة:ما ابتدع من الدّين.

و أبدع و ابتدع و تبدّع:أتى ببدعة،قال اللّه تعالى:

ص: 815

وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها الحديد:27.[ثمّ استشهد بشعر]

و البديع:من أسماء اللّه عزّ و جلّ،لإبداعه الأشياء، و إحداثه إيّاها.

و رجل بدع:غمر.

و أبدعت الإبل:برّكت في الطّريق،من هزال أو داء أو كلال.

و أبدع و أبدع به و أبدع:حسر عليه ظهره،أو قام به،أي وقف به.و أبدع به ظهره.[ثمّ استشهد بشعر]

و في المثل:«إذا طلبت الباطل أبدع بك».

و أبدعوا به:ضربوه.

و أبدع بالسّفر أو الحجّ:عزم عليه.(2:25)

الطّوسيّ: بديع بمعنى مبدع،مثل أليم بمعنى مؤلم، و سميع بمعنى مسمع.

و بينهما فرق،لأنّ في بديع مبالغة ليس في مبدع، و يستحقّ الوصف في غير حال الفعل،على الحقيقة، بمعنى أنّ من شأنه الإنشاء،لأنّه قادر عليه،ففيه معنى مبدع.

الإبداع و الاختراع و الإنشاء نظائر،و ضدّ الابتداع:

الاحتذاء على مثال،يقال:أبدع إبداعا،و ابتدع ابتداعا، و بدّع تبديعا.

البدعة:ما ابتدع من الدّين و غيره،و جمعها:بدع، و في الحديث:«كلّ بدعة ضلالة».و تقول:جئت بأمر بديع،أي مبتدع عجيب.

و أبدعت الإبل،إذا تركت في الطّريق من الهزل.

و أصل الباب:الإنشاء.(1:428)

نحوه الطّبرسيّ.(1:193)

الرّاغب: الإبداع:إنشاء صنعة بلا احتذاء و اقتداء، و منه قيل:ركيّة بديع،أي جديدة الحفر.و إذا استعمل في اللّه تعالى،فهو إيجاد الشّيء بغير آلة و لا مادّة و لا زمان و لا مكان،و ليس ذلك إلاّ للّه.

و البديع:يقال للمبدع،نحو قوله: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:117،و يقال للمبدع،نحو ركيّة بديع،و كذلك البدع،يقال لهما جميعا بمعنى الفاعل و المفعول.

و البدعة في المذهب:إيراد قول لم يستنّ قائلها و فاعلها فيه بصاحب الشّريعة،و أماثلها المتقدّمة، و أصولها المتقنة.و روي:«كلّ محدثة بدعة،و كلّ بدعة ضلالة،و كلّ ضلالة في النّار».

و الإبداع بالرّجل:الانقطاع به لما ظهر من كلال راحلته و هزالها.(38)

الزّمخشريّ: أبدع الشّيء و ابتدعه:اخترعه، و ابتدع فلان هذه الرّكيّة،و سقاء بديع:جديد.و يقال:

أبدعت الرّكاب،إذا كلّت.و حقيقته أنّها جاءت بأمر حادث بديع.و أبدع بالرّاكب،إذا كلّت راحلته،كما يقال:انقطع به و انكسر،إذا انكسرت سفينته.

و من المجاز:أبدعت حجّتك،إذا ضعفت،و أبدع بي فلان،إذا لم يكن عند ظنّك به في أمر وثقت به في كفايته و إصلاحه.(أساس البلاغة:17)

[في حديث]«إنّ تهامة كبديع العسل حلو أوّله و آخره».

البديع:الزّقّ الجديد،و هي صفة غالبة،كالحيّة

ص: 816

و العجوز.

و المعنى استطابة أرض تهامة كلّها أوّلها و آخرها،كما يستحلى زقّ العسل من حيث يبتدأ فيه إلى أن ينتهي.

و قيل:معناه أنّها في أوّل الزّمان و آخره على حال صالحة.

و قيل:لا يتغيّر طيبها،كما أنّ العسل حلو أوّل ما يشتار و يجعل في الزّقّ،و بعد ما تمضي عليه مدّة طويلة.

(الفائق 1:86)

ابن الأثير: و في حديث عمر رضى اللّه عنه،في قيام رمضان:«نعمت البدعة هذه».

و البدعة بدعتان:بدعة هدى،و بدعة ضلال.فما كان في خلاف ما أمر اللّه به و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم فهو في حيّز الذّمّ و الإنكار،و ما كان واقعا تحت عموم ما ندب اللّه إليه و حضّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيّز المدح،و ما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود و السّخاء و فعل المعروف،فهو من الأفعال المحمودة.و لا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشّرع به،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد جعل له في ذلك ثوابا،فقال:«من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها و أجر من عمل بها»،و قال في ضدّه:«و من سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها»،و ذلك إذا كان في خلاف ما أمر اللّه به رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.

و من هذا النّوع قول عمر رضى اللّه عنه:«نعمت البدعة هذه»لمّا كانت من أفعال الخير،و داخلة في حيّز المدح، سمّاها بدعة و مدحها،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يسنّها لهم،و إنّما صلاّها ليالي ثمّ تركها،و لم يحافظ عليها،و لا جمع النّاس لها،و لا كانت في زمن أبي بكر،و إنّما عمر رضى اللّه عنه جمع النّاس عليها و ندبهم إليها،فبهذا سمّاها بدعة.

و هي على الحقيقة سنّة،لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي»،و قوله:«اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر و عمر».

و على هذا التّأويل يحمل الحديث الآخر«كلّ محدثة بدعة»إنّما يريد ما خالف أصول الشّريعة و لم يوافق السّنّة.و أكثر ما يستعمل المبتدع عرفا في الذّمّ.

و في حديث الهدي:«فأزحفت عليه بالطّريق فعيّ بشأنها إن هي أبدعت»يقال:أبدعت النّاقة،إذا انقطعت عن السّير بكلال أو ظلع،كأنّه جعل انقطاعها عمّا كانت مستمرّة عليه،من عادة السّير إبداعا،أي إنشاء أمر خارج عمّا اعتيد منها.

و منه الحديث:«كيف أصنع بما أبدع عليّ منها» و بعضهم يرويه أبدعت،و أبدع عليّ ما لم يسمّ فاعله.

و قال:هكذا يستعمل،و الأوّل أوجه و أقيس».

و منه الحديث:«أتاه رجل فقال:إنّي أبدع بي فاحملني»أي انقطع بي لكلال راحلتي.(1:106)

الفخر الرّازيّ: البديع و المبدع بمعنى واحد.قال القفّال:و هو مثل أليم بمعنى مؤلم،و حكيم بمعنى محكم، غير أنّ في بديع مبالغة للعدول فيه،و أنّه يدلّ على استحقاق الصّفة في غير حال الفعل،على تقدير:أنّ من شأنه الإبداع،فهو في ذلك بمنزلة سامع و سميع،و قد يجيء بديع بمعنى مبدع.(4:27)

الفيّوميّ:أبدع اللّه تعالى الخلق إبداعا:خلقهم لا على مثال.و أبدعت الشّيء و ابتدعته:استخرجته و أحدثته،و منه قيل للحالة المخالفة:بدعة،و هي اسم

ص: 817

من الابتداع،كالرّفعة من الارتفاع،ثمّ غلب استعمالها فيما هو نقص في الدّين أو زيادة.

لكن قد يكون بعضها غير مكروه فيسمّى بدعة مباحة،و هو مصلحه يندفع بها مفسدة،كاحتجاب الخليفة عن أخلاط النّاس.

و فلان بدع في هذا الأمر،أي هو أوّل من فعله، فيكون اسم فاعل بمعنى مبتدع؛و البديع«فعيل»من هذا،فكأنّ معناه:هو منفرد بذلك من غير نظائره.

و فيه معنى التّعجّب،و منه قوله تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:9،أي ما أنا أوّل من جاء بالوحي من عند اللّه تعالى و تشريع الشّرائع، بل أرسل اللّه تعالى الرّسل قبلي مبشّرين و منذرين،فأنا على هداهم.(1:38)

الجرجانيّ: الإبداع و الابتداع:إيجاد شيء غير مسبوق بمادّة و لا زمان كالعقول،و هو يقابل التّكوين، لكونه مسبوقا بالمادّة،و الإحداث لكونه مسبوقا بالزّمان.

و التّقابل بينهما تقابل التّضادّ إن كانا وجوديّين؛بأن يكون الإبداع عبارة عن الخلوّ عن المسبوقيّة بمادّة، و التّكوين عبارة عن المسبوقيّة بمادّة.و يكون بينهما تقابل الإيجاب و السّلب،إن كان أحدهما وجوديّا و الآخر عدميّا،و يعرف هذا من تعريف المتقابلين.

الإبداع:إيجاد الشّيء من لا شيء،و قيل:الإبداع:

تأسيس الشّيء عن الشّيء.و الخلق:إيجاد شيء من شيء،قال اللّه تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ البقرة:117،و قال: خَلَقَ الْإِنْسانَ العلق:2.

و الإبداع أعمّ من«الخلق»و لذا قال: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، و قال: خُلِقَ الْإِنْسانُ و لم يقل:بديع الإنسان.(3)

البدعة:هي الفعلة المخالفة للسّنّة،سمّيت البدعة لأنّ قائلها ابتدعها من غير مقال إمام.

البدعة:هي الأمر المحدث الّذي لم يكن عليه الصّحابة و التّابعون،و لم يكن ممّا اقتضاه الدّليل الشّرعيّ.(19)

الفيروزآباديّ: البديع:المبتدع و المبتدع،و حبل ابتدأ فتله و لم يكن حبلا؛فنكث ثمّ عزل ثمّ أعيد فتله، و الزّقّ الجديد؛و منه الحديث:«إنّ تهامة كبديع العسل»، و الرّجل السّمين،و جمعه:بدع.

و البدع بالكسر:الأمر الّذي يكون أوّلا،و الغمر من الرّجال،و البدن الممتلئ،و الغاية في كلّ شيء؛و ذلك إذا كان عالما أو شجاعا أو شريفا،جمعه:أبداع و بدع كعنق،و هي بدعة،و جمعها كعنب،و قد بدع ككرم بداعة و بدوعا.

و البدعة بالكسر:الحدث في الدّين بعد الإكمال،أو ما استحدث بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الأهواء و الأعمال،جمعها:

كعنب.

و بدع كفرح:سمن،و كمنعه:أنشأه كابتدعه، و الرّكيّة:استنبطها.

و أبدع:أبدا،و الشّاعر:أتى بالبديع،و الرّاحلة كلّت و عطبت،أو ظلعت،أو لا يكون الإبداع إلاّ بظلع،و فلان بفلان:فظع به و خذله و لم يقم بحاجته،و حجّته بطلت، و برّه بشكري و قصده بوصفي،إذا شكره على إحسانه

ص: 818

إليه،معترفا بأنّ شكره لا يفي بإحسانه.

و أبدع بالضّمّ:أبطل،و بفلان،عطبت ركابه و بقي منقطعا به.

و بدّعه تبديعا:نسبه إلى البدعة.و استبدعه:عدّه بديعا.و تبدّع:تحوّل مبتدعا.(3:3)

الطّريحيّ: و بديع الحكمة:غرائبها.

و منه الحديث:«روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة، فإنّها تكلّ كما تكلّ الأبدان».

و في الدّعاء:«و لا يبدع من ولايتك»هو بإسكان الباء،و المراد أنّ العطيّة الّتي لا يحتاج معها إلى غيرك ليست أمرا بعيدا غريبا لم يعهد مثله من ولايتك بفتح لواو،أي من إمدادك و إعانتك«و لا ينكر»أي منكر و مستبعد ذلك.

و البدعة بالكسر فالسّكون:الحدث في الدّين، و ما ليس له أصل في كتاب و لا سنّة.و إنّما سمّيت بدعة، لأنّ قائلها ابتدعها هو نفسه.

و البدع بالكسر و الفتح:جمع بدعة.و منه الحديث:

«من توضّأ ثلاثا فقد أبدع»أي فعل خلاف السّنّة،لأنّ ما لم يكن في زمنه صلّى اللّه عليه و آله فهو بدعة.(4:298)

محمود شيت: 1-أ-بدعه بدعا:أنشأه على غير مثال سابق فهو بديع،للفاعل و المفعول،و البئر:

مستنبطها و أحدثها.

ب-بدع بداعة و بدوعا:صار غاية في صفته خيرا كان أو شرّا،فهو بديع.

ج-أبدع:أتى البديع،و أتى بالبدعة،و الشّيء:

دعه و استخرجه و أحدثه.

د-ابتدع:أتى ببدعة،و الشّيء:بدعه.

ه-الابتداعيّة في الأدب و الفنّ،هي الخروج على أساليب القدماء،باستحداث أساليب جديدة.

و-البادع:الأمر البديع.

ز-البدع:الأمر الّذي يفعل أوّلا،يقال:ما كان فلان بدعا في هذا الأمر،و الغاية في كلّ شيء؛و ذلك إذا كان عالما شجاعا أو شريفا،جمعه:أبداع و بدع.

ح-البدعة:ما استحدث في الدّين و غيره،جمعه:

بدع.

ط-البديع:المبدع و المبدع،جمعه:بدائع.يقال:

هذا من البدائع ممّا بلغ الغاية في بابه،و علم يعرف به وجوه تحسين الكلام.

2-الإبداع:صفة من صفات القائد الممتاز، و الخروج على أساليب القتال المعروفة باستحداث أساليب جديدة ناجحة.(1:73)

المصطفويّ: الفرق بين الخلق و الإبداء و الإبداع:

أنّ«الخلق»هو إيجاد شيء بالكيفيّة المخصوصة من دون توجّه إلى خصوصيّة أخرى،و«الإبداء»كما سبق،هو الإنشاء و الإيجاد ابتداء أو في أوّل مرّة،و«الإبداع»هو الإيجاد بكيفيّة مخصوصة لم يسبقها شيء آخر.

فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو إيجاد الشّيء و إنشاؤه على خصوصيّة لم يسبقه فيها غيره.

و البدعة:كلّ أحدوثة ليست لها سابقة،فهي على كيفيّة مستحدثة.

و البديع على«فعيل»و صيغته تدلّ على ثبوت المبدئ للذّات،كما أنّ صيغة«فاعل»تدلّ على الحدوث

ص: 819

و قيام المبدئ به؛فالبديع هو ذات ثبت لها البدعة و البديعيّة،و البصير ذات ثبت لها البصارة،و العليم ذات ثبت لها العلم.

و تفسيره بالمبدع أو المبدع تحريف مخالف،و يقرب منه لفظ البدع،و هو صفة كالملح،و الابتداع:أخذ البدعة و كسبها.(1:215)

النّصوص التّفسيريّة

بديع

بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. البقرة:117

الإمام الباقر عليه السّلام:ابتدع الأشياء كلّها بعلمه،على غير مثال كان قبله،فابتدع السّماوات و الأرض و لم يكن قبلهنّ سماوات و لا أرضون،أ ما تسمع لقوله تعالى:

وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ هود:7.

(الكاشانيّ 1:167)

السّدّيّ: ابتدعها فخلقها،و لم يخلق مثلها شيئا فتتمثّل به.(الطّبريّ 1:509)

نحوه الطّوسيّ.(1:429)

الرّبيع: ابتدع خلقها،و لم يشركه في خلقها أحد.(الطّبريّ 1:508)

اللّيث: قرئ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بالنّصب على وجه التّعجّب،لمّا قال المشركون على معنى:بدعا ما قلتم،و بديعا اخترقتم،فنصبه على التّعجّب،و اللّه أعلم أ هو كذلك أم لا؟

فأمّا قراءة العامّة فالرّفع،و يقولون:هو اسم من أسماء اللّه.(الأزهريّ 2:242)

أبو عبيدة: بديع:مبتدع،و هو البادئ الّذي بدأها.(1:52)

الطّبريّ: مبدعها.و إنّما هو«مفعل»صرّف إلى «فعيل»كما صرّف المؤلم إلى أليم،و المسمع إلى سميع.

و معنى المبدع:المنشئ و المحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله و إحداثه أحد،و لذلك سمّي المبتدع في الدّين مبتدعا،لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره.و كذلك كلّ محدث فعلا أو قولا لم يتقدّمه فيه متقدّم،فإنّ العرب تسمّيه مبتدعا.

هو بارئها و خالقها و موجدها من غير أصل و لا مثال احتذاها عليه.و هذا إعلام من اللّه جلّ ثناؤه عباده،أنّ ممّا يشهد له بذلك المسيح الّذي أضافوا إلى اللّه جلّ ثناؤه بنوّته،و إخبار منه لهم أنّ الّذي ابتدع السّماوات و الأرض من غير أصل و على غير مثال،هو الّذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته.(1:508)

الزّجّاج: أنشأهما على غير حذاء و لا مثال.و كلّ من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له:أبدعت،و لهذا قيل لكلّ من خالف السّنّة و الإجماع:مبتدع،لأنّه يأتي في دين الإسلام بما لم يسبقه إليه الصّحابة و التّابعون.

(1:199)

يعني أنّه أنشأها على غير حذاء و لا مثال،إلاّ أنّ بديعا من«بدع»لا من«أبدع»،و أبدع أكثر في الكلام من بدع.و لو استعمل بدع لم يكن خطأ،فبديع«فعيل» بمعنى«فاعل»مثل:قدير بمعنى قادر،و هو صفة من صفات اللّه تعالى،لأنّه بدأ الخلق على ما أراد،على غير

ص: 820

مثال تقدّمه.(ابن منظور 8:6)

الأزهريّ: [قال بعد قول اللّيث:]ما علمت أحدا من القرّاء قرأ(بديع)بالنّصب،و التّعجّب فيه غير جائز، و إن جاء مثله في الكلام فنصبه على المدح،كأنّه قال:

اذكر بديع السّماوات.(2:242)

الميبديّ: إنّ اللّه خالق السّماوات و الأرض بغير مثال و لا قالب و لا عيار من قبل،و من هذه أخذت البدعة.و البدعة:كلّ قول و فعل جديد في الدّين و لم يقل به النّبيّ و لم يفعله من قبل.(1:334)

الزّمخشريّ: يقال:بدع الشّيء فهو بديع، كقولك:بزع الرّجل فهو بزيع.

و بَدِيعُ السَّماواتِ من إضافة الصّفة المشبّهة إلى فاعلها،أي بديع سماواته و أرضه.

و قيل:البديع،بمعنى المبدع،كما أنّ السّميع في قول عمرو (1)بمعنى المسمع،و فيه نظر.(1:307)

القرطبيّ: «فعيل»للمبالغة،و ارتفع على خبر ابتداء محذوف،و اسم الفاعل مبدع،كبصير من مبصر، أبدعت الشّيء لا عن مثال،فاللّه عزّ و جلّ بديع السّماوات و الأرض؛أي منشئها و موجدها و مبدعها و مخترعها على غير حدّ و لا مثال.(2:86)

البيضاويّ: مبدعهما،و نظيره السّميع في قوله:

أ من ريحانة الدّاعي السّميع

يؤرّقني و أصحابي هجوع

أو بديع سماواته و أرضه من بدع فهو بديع،و هو حجّة رابعة (2).

و تقريرها:أنّ الوالد عنصر الولد المنفصل بانفصال مادّته عنه،و اللّه سبحانه و تعالى مبدع الأشياء كلّها فاعل على الإطلاق منزّه عن الانفعال،فلا يكون والدا.

و الإبداع اختراع الشّيء لا عن شيء دفعة،و هو أليق بهذا الموضع من«الصّنع»الّذي هو تركيب الصّورة بالعنصر،و التّكوين الّذي يكون بتغيير و في زمان غالبا.

و قرئ(بديع)مجرورا على البدل من الضّمير في(له) و منصوبا على المدح.(1:78)

الطّريحيّ: أي مبدعهما،و موجد لهما،من غير مثال سابق.

و نوقش:بأنّ«فعيل»بمعنى«مفعل»لم يثبت في اللّغة،و إن ورد فيها فشاذّ لا يقاس عليه.

و أجيب بأنّ الإضافة فيه إضافة الوصف بحال المتعلّق،فهي من قبيل حسن الغلام،أي أنّ السّماوات و الأرض بديعة،أي عديمة النّظير.

و«البديع»من أسمائه تعالى،و هو الّذي فطر الخلق مبدعا،لا على مثال سبق.(4:298)

رشيد رضا:قال المفسّرون:إنّ البديع بمعنى المبدع،فهو مشتقّ من الرّباعيّ«أبدع»و استشهدوا ببيت من كلام عمرو بن معديكرب جاء فيه:«سميع» بمعنى مسمع.

و قالوا:قد تعاقب فعيل و مفعل في حروف كثيرة كحكيم و محكم و قعيد و مقعد و سخين و مسخن.ظ.

ص: 821


1- عمرو بن معديكرب قوله:أ من ريحانة الدّاعي السّميع.
2- أي على بطلان قولهم: اِتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً. و الحجج الثّلاثة الأخرى أخذها من قوله: سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ البقرة:116، فلاحظ.

و قالوا:إنّ«الإبداع»هو إيجاد الشّيء بصورة مخترعة على غير مثال سبق،و هو لا يقتضي سبق المادّة.

و أمّا«الخلق»فمعناه التّقدير،و هو يقتضي شيئا موجودا، يقع فيه التّقدير.

و إذا كان المبدع للسّماوات و الأرض و المخترع لهما، و الموجد لجميع ما فيها،فكيف يصحّ أن ينسب إليه شيء منهما على أنّه جنس له،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و كان الأصمعيّ ينكر«فعيلا»بمعنى«مفعل»لأنّ القياس بناءه من الثّلاثيّ،و يقول:إنّ«بديعا»صفة مشبّهة،بمعنى لا نظير له،و بَدِيعُ السَّماواتِ معناه البديعة سماواته.و في هذا ترك للقياس الّذي قضى في الصّفة المشبّهة الّتي تضاف إلى«الفاعل»أن تكون متضمّنة ضميرا يعود على الموصوف.

و الحقّ أنّ تحكيم القياس فيما ثبت من كلام العرب تحكيم جائز،فما كان للدّخيل في القوم أن يعمد إلى طائفة من كلامهم،فيضع لها قانونا يبطل به كلاما آخر ثبت عنهم،و يعدّه خارجا عن لغتهم بعد ثبوت نطقهم به.فإذا كان كلّ واحد من الوجهين صحيح المعنى،حكمنا بصحّة كلّ منهما.و الأوّل أظهر،و شواهده المسموعة أكثر.

(1:437)

المصطفويّ: (بديع)في جميع مراتب الوجود عاليا و سافلا،فهو كقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،فلا شبيه له من السّماوات و الأرض، و لا مثيل له في الوجود،و لا عديل له في الخلق،سبحان اللّه ربّ العالمين.(1:215)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ الأنعام:101.

بدعا

قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ... الأحقاف:9

ابن عبّاس: ما كنت أوّل رسول أرسل.

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 26:6)

قتادة: أي إنّ الرّسل قد كانت قبلي.

(الطّبريّ 26:6)

الطّبريّ: ما كنت أوّل رسل اللّه الّتي أرسلها إلى خلقه،قد كان من قبلي له رسل كثيرة،أرسلت إلى أمم قبلكم.يقال منه:هو بدع في هذا الأمر و بديع فيه،إذا كان فيه أوّل.(26:5)

الرّاغب: قيل:معناه مبدعا لم يتقدّمني رسول، و قيل:مبدعا فيما أقوله.(39)

الزّمخشريّ: البدع بمعنى البديع كالخفّ بمعنى الخفيف.و قرئ(بدعا)بفتح الدّال،أي ذا بدع.

و يجوز أن يكون صفة على«فعل»كقولهم:دين قيّم و لحم زيّم.كانوا يقترحون عليه الآيات،و يسألونه عمّا لم يوح به إليه من الغيوب،فقيل له: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ فآتيكم بكلّ ما تقترحونه،و أخبركم بكلّ ما تسألون عنه من المغيبات،فإنّ الرّسل لم يكونوا يأتون إلاّ بما آتاهم اللّه من آياته،و لا يخبرون إلاّ بما أوحي إليهم.(3:517)

أبو حيّان:قرأ عكرمة و أبو حيوة و ابن أبي عبلة بفتح الدّال جمع بدعة،و هو على حذف مضاف،أي ذا بدع.و قال الزّمخشريّ:و يجوز أن يكون صفة على

ص: 822

«فعل»كقولهم:دين قيّم و لحم زيّم،انتهى.

و هذا الّذي أجازه إن لم ينقل استعماله عن العرب لم نجزه،لأنّ«فعل»في الصّفات لم يحفظ منه سيبويه إلاّ عديّ،قال سيبويه:و لا نعلمه جاء صفة إلاّ في حرف معتلّ يوصف به الجمع،و هو قوم عديّ و قد استدرك، و استدراكه صحيح.

و أمّا«قيّم»فأصله:قيام،و قيّم مقصور منه،و لذلك اعتلّت الواو فيه؛إذ لو لم يكن مقصورا لصحّت كما صحّت في حول و عوض.

و أمّا قول العرب: مكان سويّ،و ماء رويّ و رجل رضيّ،و ماء صريّ،و سبيّ:طيّبة،فمتأوّلة عند البصريّين،لا يثبتون بها فعلا في الصّفات.

و عن مجاهد و أبي حيوة(بدعا)بفتح الباء و كسر الدّال كحذر.(8:56)

الآلوسيّ: أي بديعا منهم،يعني لست مبتدعا لأمر يخالف أمورهم،بل جئت بما جاءوا به من الدّعوة إلى التّوحيد،أو فعلت نحو ما فعلوا من إظهار ما آتاني اللّه تعالى من المعجزات،دون الإتيان بالمقترحات كلّها.

فقد قيل:إنّهم كانوا يقترحون عليه-عليه الصّلاة و السّلام-آيات عجيبة،و يسألونه عن المغيبات عنادا و مكابرة،فأمر صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أن يقول لهم ذلك.(26:8)

الطّباطبائيّ: البدع:ما كان غير مسبوق بالمثل، من حيث صفاته أو من حيث أقواله و أفعاله،و لذا فسّره بعضهم بأنّ المعنى ما كنت أوّل رسول أرسل إليكم لا رسول قبلي.و قيل:المعنى ما كنت مبدعا في أقوالي و أفعالي لم يسبقني إليها أحد من الرّسل.

و المعنى الأوّل لا يلائم السّياق،و لا قوله المتقدّم:

وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الأحقاف:8،بالمعنى الّذي تقدّم توجيهه،فثاني المعنيين هو الأنسب.

و عليه فالمعنى لست أخالف الرّسل السّابقين في صورة أو سيرة،و في قول أو فعل،بل أنا بشر مثلهم،فيّ من آثار البشريّة ما فيهم،و سبيلهم في الحياة سبيلي.(18:190)

المصطفويّ: أي رسولا له خصوصيّة جديدة و صفات،و خصائص مخصوصة لا سابقة لها في الرّسل الماضين.(1:215)

ابتدعوها

...وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ...

الحديد:27

راجع مادّة«ر ه ب».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الإحداث دون مثال سابق، من قولهم:بدع الرّكيّة،أي أحدثها و استنبطها،يقال:

ركيّ بديع:حديثة الحفر،و حبل بديع:ابتدئ فتله و لم يكن حبلا،فنكث ثمّ غزل و أعيد فتله.و سقاء بديع:جديد،و كذا زقّ بديع،و زمام بديع.ثمّ أطلق البدع على كلّ إحداث لم يكن له من قبل وجود و لا ذكر و لا معرفة و لا مثيل.

و البدع:الشّيء الّذي يكون أوّلا في كلّ أمر،و قد

ص: 823

بدع يبدع بداعة و بدوعا،و شيء بدع:مبتدع،يقال:

فلان بدع في هذا الأمر،أي هو أوّل فيه،لم يسبقه أحد، و ما هو منّي ببدع و بديع،و فلان بدع في هذا الأمر،أي بديع.و رجل بدع و امرأة بدعة،إذا كانا غاية في كلّ شيء.

و البدعة:ما استحدث في الدّين ممّا لم يكن فيه، يقال:أبدع و ابتدع و تبدّع في الأمر إبداعا:أتى ببدعة، و بدّع فلان فلانا:نسبه إلى البدعة.

و البديع:الأمر المحدث العجيب،كأنّه شيء ليس له سابقة و لا مثيل،يقال:لقد جئت بأمر بديع،أي مبتدع عجيب.

و البديع:من يبتدع شيئا لم يكن قبل ذلك فيتوهّمه متوهّم،و هو اسم من أسماء اللّه تعالى؛إذ أنشأ الخلق و أحدثه على غير مثال.

و البديع أيضا:علم يعرف به وجوه تحسين الكلام، يقال:أبدع الشّاعر،إذا جاء بالبديع،و استبدعه:عدّه بديعا.

و من هذا الباب قولهم:أبدعت الإبل:كلّت أو عطبت،و كأنّها أتت بأمر بديع ما كان من عادتها.

و أبدعت:تركت في الطّريق من الهزال،و أبدع الرّجل و أبدع به و أبدع:كلّت راحلته و بقي منقطعا به.و كذا أبدع به ظهره،أي حسر عليه ظهره و وقف به،و أبدع فلان بفلان،إذا قطع به و خذله و لم يقم بحاجته،و لم يكن عند ظنّه به.

و يقال أيضا:أبدعت حجّة فلان،أي أبطلت.و قد انتقلت المادّة في هذا الاستعمال من معناها الأصليّ-و هو الإحداث دون سابقة-إلى ملازمة معنى الانقطاع و الخذلان و البطلان،و نحو ذلك.

2-و اختلفوا في الصّفة المشبّهة«البديع»،فقال بعض:هي«فعيل»من«بدع»بمعنى«فاعل»مثل:قدير و قادر.و قال بعض:هي«فعيل»من«أبدع»بمعنى «مفعل»مثل:سميع و مسمع.و قال بعض آخر:هي «فعيل»من«ابتدع»بمعنى«مفتعل»،مثل:فقير و مفتقر.

و لكنّ قياس«بديع»في الصّفة المشبّهة من«بدع» على القول الأوّل-و عليه أكثر المفسّرين أيضا-و ليس من«أبدع»أو«ابتدع»على القولين الثّاني و الثّالث.و أمّا ما جاء مغايرا لهذا القياس،مثل:أليم من«آلم»، و شديد من«اشتدّ»،فهو شاذّ و نادر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة الآيات أدناه:

1- وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللّهِ الحديد:27

2- قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ الأحقاف:9

3- بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

البقرة:117،الأنعام:101

يلاحظ أوّلا:أنّ معنى الإحداث من دون سابقة لا يعزب عن هذه الآيات أيضا،كإحداث النّصارى الرّهبانيّة بعد غياب المسيح عليه السّلام،دون أن يفرضها اللّه تعالى عليهم،كما في الآية الأولى.و نفي إحداث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله شيئا خلاف رسالات الأنبياء في الثّانية،

ص: 824

و إحداث السّماوات و الأرض و إيجادها في الثّالثة.

ثانيا:أنّ البدعة في الأوليين تخصّ البشر،و هي منهيّ عنها في الكتاب و السّنّة،كما ترى هنا،و أمّا البدع في الثّالثة فيخصّ اللّه،و هو ثناء عليه تعالى.

ثالثا:و بناء على الخلاف في«بديع»أنّه من بدع أو أبدع،اختلفوا في تفسير بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ؛ إذ فسّره الأكثر بمبدع السّماوات و الأرض،و جعلوه من إضافة الصّفة إلى المفعول.و جعله الزّمخشريّ من إضافة الصّفة إلى فاعلها،و يقال:أي بديع سماواته و أرضه، و نسب القول الأوّل إلى القيل،و قال:فيه نظر.و حكي ذلك عن الأصمعيّ قولا واحدا،نافيا غيره.و احتمله الزّجّاج،و البيضاويّ،و الطّريحيّ،و رشيد رضا،مفضّلا القول الأوّل.

و بتّ المصطفويّ أنّ«بديعا»وصف للّه تعالى بمعنى «الفاعل»،و أنّه تعالى بديع في جميع مراتب الوجود عاليا و سافلا،فلا شبيه له من السّماوات و الأرض،فهو بمعنى قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11.و يبدو أنّه جعله مضافا إلى الظّرف،و أنّه بديع في السّماوات و الأرض.و هذا معنى لطيف في نفسه لو تبعه غيره فيه، و البحث بعد مفتوح.

رابعا:و اختلفت التّعابير أيضا في قوله: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، بناء على كونه بمعنى مبدع،فقد قال الأكثر:خلقها على غير مثال سبق،فجعلوه بمعنى الابتداع و الاختراع.و قال الرّبيع:ابتدع خلقها و لم يشركه فيه أحد.فأضاف عنصر عدم مشاركة غيره إيّاه،و لا يفهم هذا من نصّ الكلمة إلاّ من الحصر المفهوم من السّياق.و عن بعضهم أنّه خلقها من غير مادّة، و جعلوا هذا فارقا بين الابتداع و الخلق،فإنّ الخلق:

إيجاد شيء من شيء،و الابتداع:إحداث شيء لا من شيء.و هذا أيضا غير مفهوم من نصّ الكلمة،لكنّه لازم عرفا للإحداث من غير مثال سبق.

خامسا:قسّم ابن الأثير-و تبعه غيره-البدعة إلى بدعة هدى،و بدعة ضلالة،أو بدعة مذمومة و بدعة ممدوحة،توجيها لقول الخليفة عمر:«نعمت البدعة»، في ما أمر به من إقامة صلاة التّراويح جماعة،و لم يسنّها النّبيّ،و لم يعمل بها أحد في زمن أبي بكر.و قد أخذها منه جماعة من المسلمين،فأراد ابن الأثير إدخالها في السّنّة بدعوى أنّها داخلة تحت عموم ما ندب اللّه إليه من المعروف.و من مصاديق قوله:«من سنّ سنّة حسنة، كان له أجرها و أجر من عمل بها»،و أنّها على الحقيقة سنّة،استنادا إلى حديث«عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي»،و حديث«اقتدوا باللّذين من بعدي...».

و قد وقعت هذه الوجوه الثّلاثة موضع البحث و النّظر،فإنّ العبادات توقيفيّة،و لا بدّ من النّصّ عليها من قبل صاحب الشّريعة،فلا تعمّها عمومات المعروف و السّنّة الحسنة،و الحديثان المذكوران لم يردا في الصّحاح،و لم يثبت إسنادهما،و حتّى لو ثبت فلا يعمّان ما كان مخالفا لسنّة النّبيّ عليه السّلام،و التّفصيل موكول إلى كتاب«الخلاف و الخلافة».

ص: 825

ص: 826

ب د ل

اشارة

26 لفظا،43 مرّة:19 مكّيّة،24 مدنيّة

في 25 سورة:16 مكّيّة،9 مدنيّة

يبدله 1:-1 نبدّل 2:2

يبدلهما 1:1 يبدّل 1:1

يبدلنا 1:-1 تبدّل 1:1

بدّل 3:2-1 بدّله 1:1

بدّله 1:-1 تبديل 2:2

بدّلوا 2:2 تبديلا 5:1-4

بدّلنا 3:2-1 مبدّل 3:3

بدّلناهم 2:1-1 تبدّل 1:-1

يبدّل 3:1-2 يتبدّل 1:-1

ليبدّلنّهم 1:-1 تتبدّلوا 1:-1

يبدّلنّهم 1:-1 يستبدل 2:-2

يبدّلوا 1:-1 تستبدلون 1:-1

أبدّله 1:1 استبدال 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البدل:خلف من الشّيء،و التّبديل:

التّغيير.

و استبدلت ثوبا مكان ثوب،و أخا مكان أخ،و نحو ذلك المبادلة.

و الأبدال:قوم يقيم اللّه بهم الدّين و ينزّل الرّزق:

أربعون بالشّام،و ثلاثون في سائر البلدان،إذا مات واحد منهم يقوم مقامه مثله،و لا يؤبه لهم.

و يقال:واحد منهم بعقبة حلوان ربّي بها،اسمه ذؤيب بن برتملى،و يقال:قرأ القرآن و أبدال الشّام.

و البأدلة:لحمة بين الإبط و الثّندوة،و الرّعثاوان أعاليهما.[ثمّ استشهد بشعر](8:45)

سيبويه: إنّ بدلك زيد،أي إنّ بديلك زيد.و يقول الرّجل للرّجل:اذهب معك بفلان،فيقول:معي رجل بدله،أي رجل يغني غناءه،و يكون في

ص: 827

مكانه.(ابن منظور 11:48)

ابن شميّل: في حديث رواه بإسناد له عن عليّ أنّه قال:«الأبدال بالشّام،و النّجباء بمصر،و العصائب بالعراق».

الأبدال:خيار بدل من خيار،و العصائب:عصبة، و عصائب يجتمعون فيكون بينهم حرب.

(الأزهريّ 14:132)

الفرّاء: بدل و بدل و مثل و مثل و شبه و شبه.(الأزهريّ 14:132)

يقال:أبدلت الخاتم بالحلقة،إذا نحّيت هذا و جعلت هذا مكانه،و بدّلت الخاتم بالحلقة،إذا أذبته و سوّيته حلقة،و بدّلت الحلقة بالخاتم،إذا أذبتها و جعلتها خاتما.

(الأزهريّ 14:132)

البآدل:واحدتها:بأدلة،و هي ما بين العنق إلى التّرقوة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:132)

أبو عبيد: قال الفرّاء:«بدل و بدل لغتان،و مثل و مثل،و شبه و شبه،و نكل و نكل».

و لم يسمع في فعل و فعل غير هذه الأربعة الأحرف.

و البديل:البدل،و بدل الشّيء:غيره.

(ابن منظور 11:48)

البأدلة:اللّحمة في باطن الفخذ.

(ابن منظور 11:50)

ابن الأعرابيّ: البأدلة:لحم الصّدر،و هي البادرة، و البهدلة،و هي الفهدة.(الأزهريّ 14:133)

ابن السّكّيت: البدل:وجع في اليدين و الرّجلين، يقال:بدل يبدل بدلا.[ثمّ استشهد بشعر](115)

جمع بديل:بدلى،و هذا يدلّ على أنّ بديلا بمعنى مبدل.(ابن منظور 11:48)

أبو الهيثم: هذا بدل هذا و بدله.و واحد الأبدال:

يريد العبّاد أيضا:بدل و بدل.(الأزهريّ 14:132)

و العرب تقول للّذي يبيع كلّ شيء من المأكولات بدّال،و العامّة تقول:بقّال.(ابن منظور 11:48)

المبرّد: البدل على أربعة أضرب:فواحد منها أن يبدل أحد الاسمين من الآخر إذا رجعا إلى واحد و لا تبالي أ معرفتين كانا أم معرفة و نكرة،و تقول:مررت بأخيك زيد،لأنّ زيدا هو الأخ،و كذلك مررت برجل عبد اللّه، فهذا واحد.

و آخر أن يبدل بعض الشّيء منه،نحو ضربت زيدا رأسه.لمّا قلت:ضربت زيدا،أردت أن تبيّن موضع الضّرب منه.

فمثل الأوّل قول اللّه تبارك و تعالى: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ الفاتحة:5،6،و قوله: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللّهِ الشّورى:52،53،و لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ العلق:15،16.

و مثل البدل الثّاني قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. آل عمران:97،(من) في موضع خفض لأنّها بدل من(النّاس)و مثله،إلاّ أنّه أعيد حرف الخفض: قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا سبأ:32،لمن آمن منهم.

و البدل الثّالث:مثل ما ذكرنا في البيت (1)أبدل .

ص: 828


1- لعمرك ما أشبهت و علة في النّدى شمائله و لا أباه مجالدا .

شمائله منه،و هي غيره،لاشتمال المعنى عليها.و نظير ذلك:أسألك عن زيد أمره،لأنّ السّؤال عن الأمر.

و تقول على هذا:سلب زيد ثوبه.فالثّوب غيره،و لكن به وقع السّلب،كما وقعت المسألة عن خبر زيد.و نظير ذلك من القرآن يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ البقرة:217،لأنّ المسألة إنّما كانت عن القتال، هل يكون في الشّهر الحرام.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدل رابع:لا يكون مثله في القرآن و لا في الشّعر، و هو أن يغلط المتكلّم فيدرك غلطه،أو ينسى فيذكر، فيرجع إلى حقيقة ما يقصد له،و ذلك قولك:مررت بالمسجد دار زيد،أراد أن يقول:مررت بدار زيد،فإمّا نسي و إمّا غلط فاستدرك،فوضع الّذي قصد له في موضع الّذي غلط فيه.(2:31)

قد جعلت العرب«بدّلت»بمعنى«أبدلت»و هو قول اللّه جلّ و عزّ: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70،أ لا ترى أنّه قد أزال السّيّئات و جعل مكانها حسنات.

قال:و أمّا ما شرط أحمد بن يحيى فهو معنى قول اللّه:

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،فهذه هي الجوهرة،و تبديلها:تغيير صورتها إلى غيرها،لأنّها كانت ناعمة فاسودّت بالعذاب،فردّت صورة جلودهم الأولى لمّا نضجت تلك الصّورة،فالجوهرة واحدة،و الصّورة تختلف.

(الأزهريّ 14:132)

ثعلب: [بعد نقل قول الفرّاء قال:]

حقيقته أنّ«التّبديل»تغيير الصّورة إلى صورة أخرى،و الجوهرة بعينها،و«الإبدال»تنحية الجوهرة و استئناف جوهرة أخرى.(الأزهريّ 14:132)

كراع النّمل:و رجل بدل:كريم.

(ابن منظور 11:49)

ابن دريد: بدل الشّيء:غيره،و كذلك بديله.

و الأبدال زعموا واحدهم:بديل،و هو أحد ما جاء على فعيل و أفعال،و ليس في كلامهم فعيل و أفعال من السّالم إلاّ أحرف:شريف و أشراف،و فنيق و أفناق، و بديل و أبدال،و يتيم و أيتام،و نصير و أنصار،و شهيد و أشهاد.

فأمّا الأبدال فزعموا أنّهم سبعون رجلا في الدّنيا، لا تخلو منهم الدّنيا:أربعون رجلا في الشّام،و ثلاثون في سائر الأرض.و إنّما سمّوا أبدالا،لأنّه إذا مات الواحد منهم أبدل اللّه مكانه آخر.

و بادلت الرّجل مبادلة و بدالا،إذا أعطيته شروى ما تأخذ منه.

و البآدل:لحم الصّدر،واحدتها:بأدلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و مشت المرأة البأدلة،إذا مشت فحرّكت أعطافها، كمشي القصار إذا أسرعن.(1:247)

و البأدلة:مشية تحرّك فيها بآدلها،أي لحم صدرها، و هي من مشية القصار من النّساء.(3:72)

الأزهريّ: العرب تقول للّذي يبيع كلّ شيء من المأكولات:بدّال.قال أبو الهيثم:و العامّة تقول:بقّال.

(14:133)

ص: 829

الصّاحب: البدل:الخلف.

و التّبديل:التّغيير و العين قائمة.

و يقال:بدل و بدل و بديل.

و الإبدال:أن تأتي بالبدل.

و الأبدال:قوم صالحون،واحدهم بدل.

و البأدلة:اللّحمة بين الإبط و الثّندوة.

و البأدل:لحم الصّدر.

و البدل:العضد،بدل بدلا:اشتكى عضده،و قيل:

يديه و رجليه.و هو أيضا ما يصيب العنق من تعادي الوساد.

و بنو فلان بدلاء:أي مصابون ناقصة عقولهم.

و بدلان:اسم موضع-على وزن قطران-.

(9:318)

الجوهريّ: البديل:البدل.و بدل الشّيء:غيره، يقال:بدل و بدل لغتان،مثل شبه و شبه،و مثل و مثل، و نكل و نكل.

قال أبو عبيد:و لم يسمع في فعل و فعل غير هذه الأربعة الأحرف.

و البدل:وجع في اليدين و الرّجلين،و قد بدل بالكسر يبدل بدلا.

و أبدلت الشّيء بغيره،و بدّله اللّه من الخوف أمنا.

و تبديل الشّيء أيضا:تغييره و إن لم يأت ببدل.

و استبدل الشّيء بغيره و تبدّله به،إذا أخذه مكانه.

و المبادلة:التّبادل.

و الأبدال:قوم من الصّالحين لا تخلو الدّنيا منهم،إذا مات واحد أبدل اللّه مكانه بآخر.(4:1632)

مثله الرّازيّ.(56)

ابن فارس: الباء و الدّال و اللاّم أصل واحد،و هو قيام الشّيء مقام الشّيء الذّاهب،يقال:هذا بدل الشّيء و بديله،و يقولون:بدّلت الشّيء،إذا غيّرته،و إن لم تأت له ببدل،قال اللّه تعالى: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يونس:15،و أبدلته،إذا أتيت له ببدل.

[ثمّ استشهد بشعر](1:210)

أبو هلال: الفرق بين العوض و البدل:أنّ العوض:

ما تعقب به الشّيء على جهة المثامنة،تقول:هذا الدّرهم عوض من خاتمك،و هذا الدّينار عوض من ثوبك،و لهذا يسمّى ما يعطي اللّه الأطفال على إيلامه إيّاهم إعواضا.

و البدل:ما يقام مقامه،و يوقع موقعه على جهة التّعاقب دون المثامنة،أ لا ترى أنّك تقول لمن أساء إلى من أحسن إليه:أنّه بدّل نعمته كفرا،لأنّه أقام الكفر مقام الشّكر،فلا تقول:عوّضه كفرا،لأنّ معنى المثامنة لا يصحّ في ذلك.

و يجوز أن يقال:العوض هو البدل الّذي ينتفع به، و إذا لم يجعل على الوجه الّذي ينتفع به لم يسمّ عوضا.

و البدل:هو الشّيء الموضوع مكان غيره لينتفع به أوّلا، و قد يكون البدل الخلف من الشّيء.

و البدل عند النّحويّين مصدر سمّي به الشّيء الموضوع مكان آخر قبله،جاريا عليه حكم الأوّل، و قد يكون من جنسه و غير جنسه،أ لا ترى أنّك تقول:

مررت برجل زيد،فتجعل زيدا بدلا من رجل،و زيد معرفة و رجل نكرة،و المعرفة من غير جنس النّكرة.

الفرق بين تبديل الشّيء و الإتيان بغيره:أنّ الإتيان

ص: 830

بغيره لا يقتضي رفعه بل يجوز بقاؤه معه،و تبديله لا يكون إلاّ برفعه و وضع آخر مكانه.و لو كان تبديله و الإتيان بغيره سواء،لم يكن لقوله تعالى: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ يونس:15،فائدة.(197)

ابن سيدة: البدل:وجع اليدين و الرّجلين،و قد بدل يبدل بدلا،فهو بدل.(الإفصاح 1:519)

و حروف البدل:الهمزة و الألف و الياء و الواو و الميم و النّون و التّاء و الهاء و الطّاء و الدّال و الجيم،و إذا أضفت إليها السّين و اللاّم و أخرجت منها الطّاء و الدّال و الجيم، كانت حروف الزّيادة.و لسنا نريد البدل الّذي يحدث مع الإدغام،إنّما البدل في غير إدغام.

و بادل الرّجل مبادلة و بدالا،أعطاه مثل ما أخذ منه.

[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 11:49)

الزّمخشريّ: أبدله بخوفه أمنا،و بدّله مثله.و بدّل الشّيء:غيّره.و تبدّلت الدّار بإنسها وحشا.

و استبدلته و بادلته بالسّلعة،إذا أعطيته شروى ما أخذته منه،و تبادلا ثوبيهما.

و هذا بدل منه و بديل منه،و هم أبدال منهم و بدلاء.

و هذا بديل ما له عديل.

و ربّ بدل شرّ من بدل:و هو وجع العظام.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو من الأبدال،أي الزّهّاد.(أساس البلاغة:17)

عليّ عليه السّلام:«الأبدال بالشّام،و النّجباء بمصر، و العصائب بالعراق».

هم خيار بدل من خيار،جمع بدل و بدل.

العصائب:جمع عصابة،يريد طوائف يجتمعون، فيكون بينهم حرب.(الفائق 1:87)

ابن الأثير: في حديث عليّ رضى اللّه عنه عنه:«الأبدال بالشّام»هم الأولياء و العبّاد،الواحد:بدل كحمل و أحمال،و بدل كجمل،سمّوا بذلك لأنّهم كلّما مات واحد منهم أبدل بآخر.(1:107)

ابن منظور: قال نصير:البأدلتان:بطون الفخذين،و الرّبلتان:لحم باطن الفخذ،و الحاذان:لحم ظاهرهما حيث يقع شعر الذّنب،و الجاعرتان:رأسا الفخذين حيث يوسم الحمار بحلقة،و الرّعثاوان و الثّندوتان يسمّين:البآدل،و الثّندوتان:لحمتان فوق الثّديين.

و بادولى و بادولى،بالفتح و الضّمّ:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للرّجل الّذي يأتي بالرّأي السّخيف:هذا رأي الجدّالين و البدّالين.

و البدّال:الّذي ليس له مال إلاّ بقدر ما يشتري به شيئا،فإذا باعه اشترى به بدلا منه،يسمّى بدّالا،و اللّه أعلم.(11:50)

الفيّوميّ: البدل بفتحتين،و البدل بالكسر، و البديل كلّها بمعنى،و الجمع:أبدال و أبدلته بكذا إبدالا:

نحّيت الأوّل و جعلت الثّاني مكانه،و بدّلته تبديلا،بمعنى غيّرت صورته تغييرا.

و بدّل اللّه السّيّئات حسنات،يتعدّى إلى مفعولين بنفسه،لأنّه بمعنى جعل و صيّر.

و قد استعمل«أبدل»بالألف مكان«بدّل» بالتّشديد،فعدّي بنفسه إلى مفعولين،لتقارب معناهما،

ص: 831

و في السّبعة (1): عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ التّحريم:5،من أفعل و فعّل.

و بدلت الثّوب بغيره أبدله،من باب«قتل» و استبدلته بغيره،بمعناه،و هي المبادلة أيضا.(1:39)

الفيروزآباديّ: البأدلة:مشية سريعة،و اللّحمة بين الإبط و الثّندوة،أو لحم الثّدي،و قيل:هي ثلاثيّة.

و وهم الجوهريّ،جمعه:بآدل.(3:342)

بدل الشّيء محرّكة و بالكسر و كأمير:الخلف منه، جمعه:أبدال.و تبدّله و به،و استبدله و به،و أبدله منه، و بدّله منه:اتّخذه منه بدلا.و حروف البدل«أنجدته يوم صال زطّ»،و حروف البدل الشّائع في غير إدغام«بجدّ صرف شكس أمن طيّ ثوب عزّته».

و بادله مبادلة و بدالا:أعطاه مثل ما أخذ منه.

و الأبدال:قوم بهم يقيم اللّه عزّ و جلّ الأرض،و هم سبعون:أربعون بالشّام،و ثلاثون بغيرها،لا يموت أحدهم إلاّ قام مكانه آخر من سائر النّاس.

و بدّله تبديلا:حرّفه،و تبدّل:تغيّر.

و رجل بدل بالكسر و يحرّك:شريف كريم،جمعه:

أبدال.

و البدل محرّكة:وجع المفاصل و اليدين،بدل كفرح فهو بدل.

و البأدلة:لحمة بين الإبط و الثّندوة،و كفرح شكاها.

و البدّال:بيّاع المأكولات،و العامّة تقول:بقّال.

(3:343)

الزّبيديّ: و حروف البدل أربعة عشر حرفا:

حروف الزّيادة،ما خلا السّين و الجيم و الدّال و الطّاء و الصّاد و الزّاي،يجمعها قولك:«أنجدته يوم صال زطّ».

و حروف البدل الشّائع في غير إدغام أحد و عشرون حرفا،يجمعها قولك:«بجدّ صرف شكس أمن طيّ ثوب عزّته».

و أمّا البدل عند النّحويّين فهو تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه،فخرج بالقصد:النّعت و التّوكيد و عطف البيان،لأنّها غير مقصودة بما نسب إلى المتبوع.

قال الفيروزآباديّ: «و الأبدال:قوم بهم يقيم اللّه عزّ و جلّ الأرض،و هم سبعون:أربعون بالشّام، و ثلاثون بغيرها،لا يموت أحدهم إلاّ قام مكانه آخر من سائر النّاس».

قال شيخنا: «الأولى:إلاّ قام بدله،لأنّهم لذلك سمّوا أبدالا».

قلت:و عبارة«العباب»:إذا مات منهم واحد أبدل اللّه مكانه آخر،و هي أخصر من عبارة المصنّف.

و اختلف في واحده،فقيل:بدل محرّكة،صرّح به غير واحد،و في«الجمهرة»واحدهم:بديل كأمير،و هو أحد ما جاء على فعيل و أفعال،و هو قليل كما تقدّم.

و نقل المناويّ عن أبي البقاء قال:«كأنّهم أرادوا أبدال الأنبياء و خلفاءهم،و هم عند القوم سبعة لا يزيدون و لا ينقصون،يحفظ اللّه بهم الأقاليم السّبعة، لكلّ بدل إقليم فيه ولايته.منهم واحد على قدم الخليل و له الإقليم الأوّل،و الثّاني على قدم الكليم،و الثّالث على قدم هارون،و الرّابع على قدم إدريس،و الخامس على قدم يوسف،و السّادس على قدم عيسى،و السّابعع.

ص: 832


1- أي القراءات السّبع.

على قدم آدم عليهم السّلام،على ترتيب الأقاليم.و هم عارفون بما أودع اللّه في الكواكب السّيّارة من الأسرار و الحركات و المنازل و غيرها،و لهم من الأسماء أسماء الصّفات،و كلّ واحد بحسب ما يعطيه حقيقة ذلك الاسم الإلهيّ من الشّمول و الإحاطة،و منه يكون تلقيه»انتهى.

و قال شيخنا:علامتهم أن لا يولد لهم،قالوا:كان منهم حمّاد بن سلمة بن دينار،تزوّج سبعين امرأة فلم يولد له،كما في«الكواكب الدّراريّ».

قلت:و في«شرح الدّلائل»للفاسيّ،في ترجمة مؤلّفها ما نصّه:وجدت بخطّ بعضهم أنّه لم يترك ولدا ذكرا،انتهى.

و أفاد بعض المفيدين أنّ هذا إشارة إلى أنّه كان من الأبدال.

ثمّ قال شيخنا:و قد أفردهم بالتّصنيف جماعة منهم السّخاويّ و الجلال السّيوطيّ و غير واحد.

قلت:و صنّف العزّ بن عبد السّلام رسالة في الرّدّ على من يقول بوجودهم،و أقام النّكير على قولهم:بهم يحفظ اللّه الأرض،فليتنبّه لذلك.

قيل:البأدلة:لحمة بين العنق و التّرقوة،و الجمع:

بآدل،و قد ذكر في أوّل الفصل على أنّه رباعيّ،و أعاده ثانيا على أنّه ثلاثيّ.(7:223)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بدّل الشّيء و أبدله:

غيّره و اتّخذ عوضا عنه.و بدّل اللّه الشّيء شيئا آخر:

جعله بدله،مثل بدّل اللّه خوفه أمنا.و البدل:العوض.

بدّل الشّيء تبديلا:غيّره تغييرا،و استبدل:طلب أخذ شيء بدل آخر،و المبدل:المغيّر.

بدّل و تبدّل و استبدل بالقديم الجديد،بإدخال الباء على المتروك.(1:61)

العدنانيّ:«البدلة أو الحلّة».

و يخطّئون من يطلق على الحلّة الّتي يلبسها الرّجل خارج البيت عادة اسم«البدلة».

و لكن جاء في المجلّد الثّالث عشر من مجموعة المصطلحات العلميّة و الفنّيّة،الّتي أقرّتها لجنة ألفاظ الحضارة بمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،و وافق عليها مؤتمر المجمع،في جلسته الثّالثة،بتاريخ 17 شباط 1971،في المادّة رقم(10):أنّ المؤتمر وافق على أن يطلق على تلك الحلّة اسم:البدلة أو الحلّة.

و عند ما ظهرت الطّبعة الثّانية من المعجم الوسيط عام(1972)ورد فيه ذكر«البدلة»،و قال:إنّها كلمة محدثة،و لم يقل:إنّها مجمعيّة.

أمّا«الحلّة»فهي الثّوب الجيّد الجديد،كما جاء في الوسيط و المعجمات.

بدلا منه،هذا بدله،هذا بدله،هذا بديله،لا بدلا عنه.

و يقولون:ضاع قلمي فاشتريت بدلا عنه.

و الصّواب:بدلا منه،كما يقول:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و المحكم،و الأساس،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و جملة:هذا بديل منه،مثل جملة:هذا بدل منه.

و نستطيع أن نحذف حرف الجرّ،و نقول:

أ-هذا بدل ذاك.

ص: 833

ب-هذا بدل ذاك.

ج-هذا بديل ذاك.

الأبدال:و يجمعون البدل الّذي هو الخلف و العوض، على بدلات؛و الصّواب:أبدال،كما قال ابن دريد، و الأساس،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط.

و كلمة«البديل»تحمل معنى البدل،و جمعها:بدلاء و أبدال أيضا.

أبدل الشّيء بآخر:أبدل الشّيء شيئا آخر.

و يخطّئون من يقول:أبدل الشّيء شيئا آخر، و يقولون:إنّ الصّواب هو:أبدل الشّيء بآخر،اعتمادا على ثعلب،و الأساس:أبدله بخوفه أمنا،و النّهاية و المختار،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.

و ممّا قاله ثعلب:يقال:أبدلت الخاتم بالحلقة،إذا نحّيت هذا،و جعلت هذا مكانه،و بدّلت الخاتم بالحلقة، إذا أذبته و سوّيته حلقة،و بدّلت الحلقة بالخاتم،إذا أذبتها و جعلتها خاتما.

و لكن:

قال تعالى في الآية الخامسة من سورة التّحريم:

عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ.

و أجاز أيضا جملة:«أبدل الشّيء شيئا آخر» المصباح و المدّ كلاهما.(49)

محمود شيت: 1-أ-بدل بدلا:وجعته مفاصله أو عظامه،أو يداه و رجلاه.

ب-أبدله:غيّره،و الشّيء بغيره،و منه:اتّخذه عوضا عنه،و خلفا له.

ج-بادل الشّيء بغيره،مبادلة و بدالا:أخذه بدله، و فلانا:أعطاه شيئا منه بدله.

د-بدّل الشّيء:غيّر صورته،و الكلام:حرّفه، و الشّيء شيئا آخر:بدّله مكان غيره.

ه-تبادلا:بادل كلّ منهما صاحبه.

و-تبدّل:تغيّر،و الشّيء و به:اتّخذ منه بدلا، و الشّيء بالشّيء:أخذه بدله.

ز-البدل من الشّيء:الخلف و العوض،و الشّريف الكريم،و واحد الأبدال عند الصّوفيّة،جمعه:أبدال.

ح-البديل:الخلف و العوض،جمعه:أبدال،و بدلاء.

2-أ-بدّل:غيّر،يقال:عدد واحد بدّل:إيعاز من إيعازات التّدريب،يبدّل به عدد واحد وراء السّلاح بعدد آخر يليه.

ب-البدل:العوض،يقال:البدل النّقديّ:ما يدفع من المال بدلا عن خدمة الجنديّ في الجيش.

(1:74)

النّصوص التّفسيريّة

يبدله

عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً. التّحريم:5

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أَنْ يُبْدِلَهُ، فقرأ ذلك بعض قرّاء مكّة و المدينة و البصرة، بتشديد الدّال يُبْدِلَهُ أَزْواجاً من التّبديل.و قرأه عامّة قرّاء الكوفة(يبدل)بتخفيف الدّال من الإبدال.

ص: 834

و الصّواب من القول:أنّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

(28:164)

نحوه الزّجّاج(5:193)،و أبو زرعة(714)، و النّسفيّ(4:270).

الطّوسيّ: فمن خفّف الدّال فلأنّه يدلّ على القليل و الكثير،و من شدّد أراد أنّ اللّه يبدّلهنّ أكثر منهنّ.(10:48)

نحوه الزّمخشريّ(4:128)،و الآلوسيّ(28:155).

القرطبيّ: و قرئ أَنْ يُبْدِلَهُ بالتّشديد و التّخفيف، و التّبديل و الإبدال بمعنى،كالتّنزيل و الإنزال.

(18:193)

الشّربينيّ: أَنْ يُبْدِلَهُ أي بمجرّد طلاقه.

(4:329)

يبدلهما

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً* فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً. الكهف:80،81

الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه جماعة من قرّاء المكّيّين و المدنيّين و البصريّين فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما)، و كان بعضهم يعتلّ لصحّة ذلك بأنّه وجد ذلك مشدّدا في عامّة القرآن،كقول اللّه عزّ و جلّ:

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا البقرة:59،و قوله: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ النّحل:101،فألحق قوله:

فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما به.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما بتخفيف الدّال،و كان بعض من قرأ ذلك كذلك من أهل العربيّة،يقول:أبدل يبدل بالتّخفيف،و بدّل يبدّل بالتّشديد،بمعنى واحد.

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أنّهما قراءتان متقاربتا المعنى،قد قرأ بكلّ واحدة منهما جماعة من القرّاء،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

و قيل:إنّ اللّه عزّ و جلّ أبدل أبوي الغلام الّذي قتله صاحب موسى منه بجارية.(16:3)

نحوه أبو زرعة.(427)

الفارسيّ: بدّل و أبدل متقاربان،مثل نزّل و أنزل إلاّ أنّ«بدّل»ينبغي أن يكون أرجح،لقوله تعالى:

لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ يونس:64،و لم يجئ «الإبدال»كما جاء«التّبديل»و لم يجئ«الإبدال»في موضع من القرآن،و قد جاء وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ النّساء:20،فهذا قد يكون بمعنى الإبدال.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم: أبدلت الشّيء من الشّيء،إذا أزلت الأوّل،و جعلت الثّاني مكانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدّلت الشّيء من الشّيء،إذا غيّرت حاله و عينه، و الأصل باق،كقولهم:بدّلت قميصي جبّة،و استدلّوا بقوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،فالجلد الثّاني هو الأوّل،و لو كان غيره، لم يجز عقابه.(الطّوسيّ 7:78)

الطّوسيّ: قرأ أهل المدينة و أبو عمرو أَنْ يُبْدِلَهُما بفتح الباء و تشديد الدّال هنا،و في التّحريم أَنْ يُبْدِلَهُ)،

ص: 835

و في«نون» أَنْ يُبْدِلَنا بالتّشديد فيهنّ،الباقون بالتّخفيف.

فأمّا الّتي في سورة النّور:55، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ فخفّفها ابن كثير و أبو بكر و يعقوب،و شدّده الباقون.(7:78)

نحوه البغويّ(4:184)،و الخازن(4:184).

الميبديّ: قرأ نافع و أبو عمرو يبدلهما بالتّشديد،و كذلك في النّور وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ و في التّحريم أَنْ يُبْدِلَهُ و في القلم أَنْ يُبْدِلَنا)، و قرأ الباقون يُبْدِلَهُما بالتّخفيف،و كذلك في الجميع،إلاّ ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و حفص عن عاصم،فإنّهم قرءوا في «النّور»وحده بالتّشديد،و في الباقي بالتّخفيف.

و الوجه إنّ بدّل مثل أبدل،و كلاهما قد جاء في القرآن.و التّبديل فيه أكثر من الإبدال،و المعنى أردنا أن يرزقهما اللّه ولدا.(5:724)

نحوه الطّبرسيّ(3:485)،و الفخر الرّازيّ(21:

161)،و شبّر(4:95).

يبدلنا

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ. القلم:32

أبو الفتوح: قرأ عاصم و الحسن و الأعمش و ابن محيص يبدلنا بالتّخفيف من الإبدال،و قرأ الآخرون بالتّشديد من التّبديل،و المعنى واحد.

و قال بعض أهل اللّغة: إنّ بين الإبدال و التّبديل فرق،لأنّ الإبدال هو جعل شيء مكان شيء على سبيل البدليّة.و أمّا التّبديل:تغيير شيء أو تغيير بعض أحواله،و كان الشّيء على مكانه.(5:375)

بدّل

1- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. البقرة:59

أبو مسلم الأصفهانيّ: قوله تعالى: فَبَدَّلَ يدلّ على أنّهم لم يفعلوا ما أمروا به،لا على أنّهم أتوا له ببدل.

و الدّليل عليه:أنّ تبديل القول قد يستعمل في المخالفة، قال تعالى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إلى قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ الفتح:15،و لم يكن تبديلهم إلاّ الخلاف في الفعل لا في القول،فكذا هنا، فيكون المعنى أنّهم لمّا أمروا بدخول الأرض-و ما ذكر معه-لم يمتثلوا أمر اللّه و لم يلتفتوا إليه.

(القاسميّ 2:135)

الطّوسيّ: معنى قوله: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا غيّروا.و قوله: اَلَّذِينَ ظَلَمُوا معناه الّذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله.

و قوله: غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ يعني بذلك:بدّلوا قولا غير الّذي أمروا أن يقولوه،فقالوا بخلافه،فذلك هو التّبديل و التّغيير.

و كان تبديلهم بالقول:أنّهم أمروا أن يقولوا:حطّة، و أن يدخلوا الباب سجّدا،و طؤطئ لهم الباب ليدخلوه كذلك،فدخلوه يزحفون على أستاههم،فقالوا:حنطة في شعيرة مشهرين.(1:268)

الميبديّ:التّبديل و التّغيير متقاربان،إلاّ أنّ

ص: 836

«التّغيير»يستعمل غالبا في الأشياء ذات الصّفات المتحوّلة،كالماء يكون باردا،و يصير حارّا.أمّا «التّبديل»فإنّه يستعمل كثيرا في إحلال شيء محلّ آخر.

و يقال للزّهّاد:أبدال،لأنّهم يرحلون عن الدّنيا، و يحلّ محلّهم قوم آخرون.و قيل:لأنّهم يبدّلون الصّفات البهيميّة بالصّفات الملكيّة.(1:204)

العكبريّ: في الكلام حذف،تقديره:فبدّل الّذين ظلموا بالّذي قيل لهم قولا غير الّذي قيل لهم، فَبَدَّلَ يتعدّى إلى مفعول واحد بنفسه،و إلى آخر بالباء،و الّذي مع الباء يكون هو المتروك،و الّذي بغير باء هو الموجود.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون(بدّل)محمولا على المعنى،تقديره:

«فقال الّذين ظلموا غير الّذي»لأنّ تبديل القول كان بقول.(1:66)

مثله النّسفيّ.(1:50)

أبو حيّان: التّبديل:تغيير الشّيء بآخر،تقول:

هذا بدل هذا،أي عوضه.و يتعدّى لاثنين،الثّاني أصله حرف جرّ:بدّلت دينارا بدرهم،أي جعلت دينارا عوض الدّرهم،و قد يتعدّى لثلاثة فتقول:بدّلت زيدا دينارا بدرهم،أي حصلت له دينارا عوضا من درهم.

و قد يجوز حذف حرف الجرّ لفهم المعنى،قال تعالى:

فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ الفرقان:70،أي يجعل لهم حسنات عوض السّيّئات.

و قد وهم كثير من النّاس فجعلوا ما دخلت عليه الباء هو الحاصل،و المنصوب هو الذّاهب حتّى قالوا:و لو أبدل ضادا بظاء لم تصحّ صلاته.و صوابه لو أبدل ظاء بضاد.(1:218)

الآلوسيّ: أي بدّل الّذين ظلموا بالقول الّذي قيل لهم قولا غيره،(فبدّل)يتعدّى لمفعولين:أحدهما بنفسه، و الآخر بالباء،و يدخل على المتروك،فالذّمّ متوجّه.

و جوّز أبو البقاء أن يكون(بدّل)محمولا على المعنى، أي فقال: اَلَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً إلخ،و القول:بأنّ (غير)منصوب بنزع الخافض،كأنّه قيل:فغيّروا قولا بغيره غير مرضيّ من القول.

و صرّح سبحانه بالمغايرة مع استحالة تحقّق التّبديل بدونها،تحقيقا لمخالفتهم و تنصيصا على المغايرة من كلّ وجه.

و ظاهر الآية انقسام من هناك:إلى ظالمين و غير ظالمين،و أنّ الظّالمين هم الّذين بدّلوا.و إن كان المبدّل الكلّ،كان وضع ذلك من وضع الظّاهر موضع الضّمير للإشعار بالعلّة.

و اختلف في القول الّذي بدّلوه،ففي«الصّحيحين»:

أنّهم قالوا:حبّة في شعيرة،و روى الحاكم:حنطة بدل حطّة.و في«المعالم»أنّهم قالوا بلسانهم:حطّا سمقاثا،أي حنطة حمراء،قالوا ذلك استهزاء منهم بما قيل لهم، و الرّوايات في ذلك كثيرة،و إذا صحّت يحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين.

و القول بأنّه لم يكن منهم تبديل،و معنى فبدّلوا:

لم يفعلوا ما أمروا به،لا أنّهم أتوا ببدل له،غير مسلّم، و إن قاله أبو مسلم،و ظاهر الآية و الأحاديث تكذبه.

(1:266)

رشيد رضا: و تبديل القول بغيره عبارة عن

ص: 837

المخالفة،كأنّ الّذي يؤمر بالشّيء فيخالف قد أنكر أنّه أمر به،و ادّعى أنّه أمر بخلافه.يقال:بدّلت قولا غير الّذي قيل،أي جئت بذلك القول مكان القول الأوّل.

(1:324)

2- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ. الأعراف:162

الطّوسيّ: التّبديل:تغيير الشّيء برفعه إلى بدل.

(5:13)

ابن عطيّة: بدّل:معناه غيّر اللّفظ،دون أن يذهب بجميعه،و أبدل،إذا ذهب به،و جاء بلفظ آخر.

(2:467)

أبو حيّان: [نقل كلام ابن عطيّة ثمّ قال:]و هذه التّفرقة ليست بشيء،و قد جاء في القراءات بدّل و أبدل بمعنى واحد،قرئ فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً الكهف:81،و عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً التّحريم:5،و عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها القلم:32،بالتّخفيف و التّشديد و المعنى واحد،و هو إذهاب الشّيء،و الإتيان بغيره بدلا منه.

ثمّ التّشديد قد جاء حيث يذهب الشّيء كلّه،قال تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:

70، وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ سبأ:16، ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ الأعراف:95،و على هذا كلام العرب نثرها و نظمها.(4:409)

3- إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ. النّمل:11

النّسفيّ: أي اتبع توبة.(3:203)

الآلوسيّ: التّبديل:قد يتعدّى إلى مفعولين بنفسه، نحو بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،و قد يتعدّى إلى أحدهما بنفسه و إلى الآخر بالباء،أو ب«من»و هو المذهوب به و المبدل منه،نحو بدّله بخوفه أو من خوفه أمنا،و قد يتعدّى إلى واحد نحو بدّلت الشّيء،أي غيّرته،و منه فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ البقرة:181، و المعنى هنا على المتعدّي إلى مفعولين.

و قد تعدّى إلى أحدهما و هو المبدل منه ب«الباء»أو ب«من»،فكأنّه قيل:ثمّ بدّل بظلمه أو من ظلمه حسنا، و يشير إليه قوله تعالى: بَعْدَ سُوءٍ و حاصله ثمّ ترك الظّلم و أتى بحسن،و المراد به التّوبة،فيكون المعنى في الآخرة:إلاّ من ظلم ثمّ تاب و عدل عنه إلى ما في النّظم الجليل،لأنّه أوفق بمقام الإيناس-كذا قيل-و الظّاهر عليه أنّ إسناد التّبديل إلى«من ظلم»حقيقيّ.

و قيل:إنّ المعنى ثمّ رفع الظّلم و السّوء،و محاه من صحيفة أعماله،و وضع مكانه الحسن بسبب توبته،نظير ما في قوله تعالى: يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70،و إسناد التّبديل إلى«من ظلم»على هذا مجازيّ،لأنّه سبب لتبديل اللّه تعالى له بتوبته،و كأنّي بك تختار الأوّل.(19:166)

بدّله

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ

ص: 838

إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. البقرة:181

مجاهد: الوصيّة.(الطّبريّ 2:122)

الحسن: من بدّل وصيّة بعد ما سمعها.

هذا في الوصيّة من بدّلها من بعد ما سمعها،فإنّما إثمه على من بدّله.(الطّبريّ 2:123)

مثله قتادة.(الطّبريّ 2:122)

السّدّيّ: فمن بدّل الوصيّة الّتي أوصى بها و كانت بمعروف،فإنّما إثمها على من بدّلها،أنّه قد ظلم.

(الطّبريّ 2:122)

الإمام الصّادق عليه السّلام: (محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه،فقال:) أعطه لمن أوصى به له،و إن كان يهوديّا أو نصرانيّا.(العروسيّ 1:159)

و بهذا المعنى روايات أخرى جاء بها العروسيّ فراجع

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك فمن غيّر ما أوصى به الموصي من وصيّة بالمعروف،لوالديه أو أقربيه الّذين لا يرثونه بعد ما سمع الوصيّة،فإنّما إثم التّبديل على من بدّل وصيّته.

فإن قال لنا قائل:و علام عادت الهاء الّتي في قوله:

فَمَنْ بَدَّلَهُ؟

قيل:على محذوف من الكلام يدلّ عليه الظّاهر، و ذلك هو أمر الميّت و إيصاؤه إلى من أوصى إليه،بما أوصى به،لمن أوصى له.

و معنى الكلام كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ البقرة:180،فأوصوا لهم،فمن بدّل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم، فإنّما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم.

و إنّما قلنا:إنّ الهاء في قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ عائدة على محذوف من الكلام يدلّ عليه الظّاهر،لأنّ قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ من قول اللّه،و إنّ تبديل المبدّل إنّما يكون لوصيّة الموصي، فأمّا أمر اللّه بالوصيّة فلا يقدر هو و لا غيره أن يبدّله، فيجوز أن تكون الهاء في قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ عائدة على الوصيّة.

و أمّا الهاء في قوله: بَعْدَ ما سَمِعَهُ فعائدة على الهاء الأولى في قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ)، و أمّا الهاء الّتي في قوله:

فَإِنَّما إِثْمُهُ فإنّها مكنّى التّبديل،كأنّه قال:فإنّما إثم ما بدّل من ذلك على الّذين يبدّلونه.(2:122)

الطّوسيّ: الهاء في قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ عائدة على الوصيّة،و إنّما ذكّر حملا على المعنى،لأنّ الإيصاء و الوصيّة واحد.و الهاء في قوله: فَإِنَّما إِثْمُهُ عائدة على التّبديل الّذي دلّ عليه قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ. [ثمّ نقل كلام الطّبريّ و أضاف:]

قال الرّمّانيّ: و هذا باطل،لأنّ ذكر اللّه الوصيّة إنّما هو لوصيّة الموصي،فكأنّه قيل:كتب عليكم وصيّة مفروضة عليكم،فالهاء تعود إلى الوصيّة المفروضة الّتي يفعلها الموصي.

و قوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ فالتّبديل:هو تغيير الشّيء عن الحقّ فيه.فأمّا البدل فهو وضع شيء مكان آخر.

ص: 839

و من أوصى بوصيّة في ضرار فبدّلها الوصيّ،لا يأثم.

(2:110)

الزّمخشريّ: فمن غيّر الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشّرع من الأوصياء و الشّهود،بعد ما سمعه و تحقّقه،فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه.(1:334)

مثله النّسفيّ(1:93)،و الشّربينيّ(1:117)، و أبو السّعود(1:152)،و عبد المنعم الجمّال(1:166)، و شبّر(1:183)،و القاسميّ(3:410).

ابن عطيّة: الضّمير في(بدّله)عائد على الإيصاء و أمر الميّت.(1:249)

الخازن: أي غيّر الوصيّة من الأولياء و الأوصياء، و ذلك لتغيير يكون إمّا في الكتابة،أو قسمة الحقوق أو الشّهود،بأن يكتموا الشّهادة أو يغيّروها.و إنّما ذكّر الكناية في(بدّله)مع أنّ الوصيّة مؤنّثة،لأنّ الوصيّة بمعنى الإيصاء كقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ البقرة:275،أي وعظ،و التّقدير:فمن بدّل قول الميّت،أو ما أوصى به.

(1:127)

أبو حيّان: الظّاهر أنّ الضّمير يعود على الوصيّة بمعنى الإيصاء،أي فمن بدّل الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشّرع،من الأوصياء و الشّهود،بعد ما سمعه سماع تحقّق و تثبّت.

و عوده على الإيصاء أولى من عوده على الوصيّة، لأنّ تأنيث الوصيّة غير حقيقيّ،لأنّ ذلك لا يراعى في الضّمائر المتأخّرة عن المؤنّث المجازيّ،بل يستوي المؤنّث الحقيقيّ و المجازيّ في ذلك،تقول:هند خرجت و الشّمس طلعت،و لا يجوز«طلع»إلاّ في الشّعر،و التّذكير على مراعاة المعنى وارد في لسانهم،و منه:

*كحزعوبة البانة المنفطر*

ذهب إلى معنى القضيب،كأنّه قال:كقضيب البانة، و منه في العكس:جاءته كتابي فاحتقرها،على معنى الصّحيفة.

و الضّمير في(سمعه)عائد على الإيصاء كما شرحناه،و قيل:يعود على أمر اللّه تعالى في هذه الآية.

و قيل:الهاء في فَمَنْ بَدَّلَهُ عائدة إلى الفرض و الحكم،و التّقدير:فمن بدّل الأمر المقدّم ذكره،و(من) الظّاهر أنّها شرطيّة،و الجواب فَإِنَّما إِثْمُهُ و تكون (من)عامّة في كلّ مبدّل من رضي بغير الوصيّة في كتابة، أو قسمة حقوق،أو شاهد بغير شهادة،أو يكتمها،أو غيّرها ممّن يمنع حصول المال و وصوله إلى مستحقّه.

و قيل:المراد ب(من):متولّي الإيصاء دون الموصي و الموصى له،فإنّه هو الّذي بيده العدل و الجنف و التّبديل و الإمضاء.

و قيل:المراد ب(من)هو الموصي،نهي عن تغيير وصيّته عن المواضع الّتي نهى اللّه عن الوصيّة إليها، لأنّهم كانوا يصرفونها إلى الأجانب،فأمروا بصرفها إلى الأقربين.

و يتعيّن على هذا القول أن يكون الضّمير في قوله:

فَمَنْ بَدَّلَهُ و في قوله: بَعْدَ ما سَمِعَهُ عائدا على أمر اللّه تعالى في الآية.و في قوله: بَعْدَ ما سَمِعَهُ دليل على أنّ الإثم لا يترتّب إلاّ بشرط أن يكون المبدّل قد علم بذلك.

(2:22)

البروسويّ: الضّمير راجع إلى الوصيّة،لكونها في

ص: 840

تأويل الإيصاء،أي غيّر الإيصاء عن وجهه الشّرعيّ.

و المشهور أنّ من غيّر إيصاء المحتضر هو الوصيّ أو الشّاهد،فالوصيّ يغيّر الوصيّة إمّا في الكتابة أو في قسمة الحقوق،و الشّاهد يغيّرها إمّا بتغيير وجه الشّهادة أو يكتمها.

و يمكن أن يكون التّبديل من سائر النّاس،بأن منعوا من وصول المال الموصى به إلى مستحقّه،فهؤلاء كلّهم داخلون تحت قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ. (1:287)

الآلوسيّ: أي غيّر الإيصاء من شاهد و وصيّ، و تغيير كلّ منهما إمّا بإنكار الوصيّة من أصلها،أو بالنّقص فيها،أو بتبديل صفتها،أو غير ذلك،و جعل الشّافعيّة من التّبديل عموم وصيّته من أوصى إليه بشيء خاصّ،فالموصى بشيء خاصّ لا يكون وصيّا في غيره عندهم،و يكون عندنا.و ليس ذلك من التّبديل في شيء.(2:55)

المراغيّ: أي فمن غيّر الإيصاء من شاهد و وصيّ، فإنّما إثم التّبديل على من بدّل،و قد برئت منه ذمّة الموصي،و ثبت له الأجر عند ربّه.

و التّغيير إمّا بإنكار الوصيّة،أو بالنّقص فيها،بعد أن علمها حقّ العلم.(2:66)

عبد الكريم الخطيب: الضّمير في بَدَّلَهُ يعود إلى قوله تعالى:«خير»،أي فمن بدّل في هذا الخير المسوق إلى الموصى إليهم من الموصي،بأن زاد أو نقص فيما سمع من الموصي،فإنّ إثم ذلك التّحريف و التّبديل واقع عليه.(1:197)

بدّلوا

1- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. إبراهيم:28

عليّ عليه السّلام: إنّهم كفّار قريش،أمّا بنو المغيرة فأبادهم اللّه يوم بدر،و أمّا بنو أميّة فقد أمهلوا إلى يوم ما.

مثله ابن عبّاس،و سعيد بن جبير،و مجاهد، و الضّحّاك.(الطّوسيّ 6:294)

قتادة:هم القادة من كفّار قريش.

(الطّوسيّ 6:294)

الطّبريّ: يقول:غيّروا ما أنعم اللّه به عليهم من نعمه،فجعلوها كفرا به.و كان تبديلهم نعمة اللّه كفرا في نبيّ اللّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أنعم اللّه به على قريش فأخرجه منهم، و ابتعثه فيهم رسولا،رحمة لهم و نعمة منه عليهم، فكفروا به و كذّبوه،فبدّلوا نعمة اللّه عليهم به كفرا.

(13:219)

الطّوسيّ: و التّبديل:جعل الشّيء مكان غيره، فهؤلاء القوم لمّا جعلوا الكفر بالنّعمة مكان شكرها،كانوا قد بدّلوا أقبح تبديل.(6:294)

2- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً. الأحزاب:3

ابن عبّاس: وَ ما بَدَّلُوا غيّروا العهد تَبْدِيلاً تغييرا بالنّقص.(تنوير المقباس:352)

مثله الطّبرسيّ.(4:350)

الطّوسيّ: أي لم يبدّلوا الإيمان بالنّفاق و لا العهد

ص: 841

بالحنث.(8:329)

الزّمخشريّ: و لا غيّروه،لا المستشهد و لا من ينتظر الشّهادة.(3:257)

البيضاويّ: ما بَدَّلُوا العهد و ما غيّروه، تَبْدِيلاً شيئا من التّبديل.(2:243)

نحوه الشّربينيّ.(3:234)

أبو السّعود: أي تبديلا ما،لا أصلا و لا وصفا بل ثبتوا عليه راغبين فيه،مراعين لحقوقه على أحسن ما يكون.

أمّا الّذين قضوا فظاهر،و أمّا الباقون فيشهد به انتظارهم أصدق شهادة.

و تعميم عدم التّبديل للفريق الأوّل،مع ظهور حالهم للإيذان بمساواة الفريق الثّاني لهم في الحكم.

و يجوز أن يكون ضمير بَدَّلُوا للمنتظرين خاصّة، بناء على أنّ المحتاج إلى البيان حالهم.(4:208)

الكاشانيّ:شيئا من التّبديل،فيه تعريض لأهل النّفاق،و مرض القلب بالتّبديل.(4:180)

الآلوسيّ: عطف على صَدَقُوا و فاعله فاعله،أي و ما بدّلوا عهدهم و ما غيّروه.[ثمّ ذكر قول أبي السّعود و أضاف:]

و في الكلام تعريض بمن بدّل من المنافقين،حيث ولّوا الأدبار و كانوا عاهدوا لا يولّون الأدبار،فكأنّه قيل:و ما بدّلوا تبديلا كما بدّل المنافقون،فتأمّل جميع ذاك،و اللّه تعالى يتولّى هداك.(21:172)

بدّلنا

1- ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ. الأعراف:95

الطّوسيّ: التّبديل:وضع أحد الشّيئين مكان الآخر،فلمّا رفعت السّيّئة عنهم و وضعت الحسنة كانت مبدّلة بها.(4:507)

النّسفيّ: أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء و المحنة:الرّخاء و السّعة و الصّحة.(2:66)

مثله النّيسابوريّ(9:14)،و الشّربينيّ(1:496)، و أبو السّعود(2:184)،و البروسويّ(3:205)، و القاسميّ(7:2823)،و المراغيّ(9:12)،و الحجازيّ (9:5).

ابن كثير: أي حوّلنا الحال من شدّة إلى رخاء، و من مرض و سقم إلى صحّة و عافية،و من فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك،فما فعلوا.(3:199)

الكاشانيّ: أي رفعنا ما كانوا فيه من البلاء و المحنة، و وضعنا مكانه الرّخاء و العافية.(2:221)

رشيد رضا: أي ثمّ بلوناهم بضدّ ذلك،فجعلنا الحالة الحسنة في مكان الحالة السّيّئة،كاليسر بعد العسر،و الغنى في مكان عن الفقر.(9:16)

2- وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

النّحل:101

ص: 842

ابن عبّاس: نزّلنا جبريل بآية ناسخة.

(تنوير المقباس:230)

مجاهد: رفعناها،فأنزلنا غيرها.

نسخناها،بدّلناها،رفعناها،و أثبتنا غيرها.

(الطّبريّ 14:176)

قتادة: هو كقوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها البقرة:106.(الطّبريّ 14:176)

ابن زيد: و هذا التّبديل ناسخ،و لا نبدّل آية مكان آية إلاّ بنسخ.(الطّبريّ 14:176)

الشّافعيّ: إنّ القرآن لا ينسخ بالسّنّة،لأنّه تعالى أخبر بتبديل الآية مكان الآية.

(الفخر الرّازيّ 20:116)

الفرّاء: إذا نسخنا آية فيها تشديد،مكان آية ألين منها.(2:113)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و إذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم أخرى،و اللّه أعلم بما ينزّل.

(14:176)

الزّجّاج: أي إذا نسخت آية بآية أخرى عليها، فيها مشقّة.(3:218)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أراد تبديل آية مكان آية في الكتب المتقدّمة،مثل آية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.(الفخر الرّازيّ 20:116)

القمّيّ: كانت إذا نسخت آية قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنت مفتر،فردّ اللّه عليهم.(1:390)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى مخبرا عن أحوال الكفّار:

بأنّا متى بدّلنا آية مكان آية بأن رفعنا آية و نسخناها، و أتينا بأخرى بدلها نعلم في ذلك من مصلحة الخلق،و قد يكون تبديلها برفع حكمها مع ثبوت تلاوتها،و قد يكون برفع تلاوتها دون حكمها،و قد يكون برفعها.

(6:426)

الزّمخشريّ: تبديل الآية مكان الآية هو النّسخ، و اللّه تعالى ينسخ الشّرائع بالشّرائع لأنّها مصالح، و ما كان مصلحة أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم و خلافه مصلحة.و اللّه تعالى عالم بالمصالح و المفاسد فيثبّت ما يشاء و ينسخ ما يشاء بحكمته.[إلى أن قال:]

فإن قلت:هل في ذكر تبديل الآية بالآية دليل على أنّ القرآن إنّما ينسخ بمثله،و لا يصحّ بغيره من السّنّة و الإجماع و القياس؟

قلت فيه:إنّ قرآنا ينسخ بمثله و ليس فيه نفي نسخه بغيره،على أنّ السّنّة المكشوفة المتواترة مثل القرآن في إيجاب العلم،فنسخه بها كنسخه بمثله.و أمّا الإجماع و القياس و السّنّة غير المقطوع بها،فلا يصحّ نسخ القرآن بها،في ينزل و نزّله و ما فيهما من التّنزيل شيئا فشيئا على حسب الحوادث و المصالح إشارة إلى أنّ«التّبديل»من باب المصالح كالتّنزيل،و أنّ ترك النّسخ بمنزلة إنزاله دفعة واحدة في خروجه عن الحكمة.(2:428)

ابن عطيّة: كان كفّار مكّة إذا نسخ اللّه لفظ آية بلفظ أخرى و معناها و إن بقي لفظها-لأنّ هذا كلّه يقع عليه التّبديل-يقولون:لو كان هذا من عند اللّه لم يتبدّل، و إنّما هو من افتراء محمّد،فهو يرجع من خطأ يبدّلونه إلى صواب يراه بعد،فأخبر اللّه عزّ و جلّ أنّه أعلم بما يصلح للعباد برهة من الدّهر،ثمّ ما يصلح لهم بعد ذلك،و أنّهم

ص: 843

لا يعلمون هذا.(3:420)

الطّبرسيّ: معناه:و إذا نسخنا آية و آتينا مكانها آية أخرى،إمّا نسخ الحكم و التّلاوة،و إمّا نسخ الحكم مع بقاء التّلاوة.(3:385)

الفخر الرّازيّ: و معنى التّبديل رفع الشّيء مع وضع غيره مكانه،و تبديل الآية رفعها بآية أخرى غيرها،و هو نسخها بآية سواها.(20:116)

نحوه النّيسابوريّ.(4:121)

النّسفيّ: تبديل الآية مكان الآية هو النّسخ،و اللّه تعالى ينسخ الشّرائع بالشّرائع،لحكمة رآها.

(2:299)

الخازن: و إذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ اعتراض دخل في الكلام، و المعنى-و اللّه أعلم-بما ينزّل من النّاسخ،و بما هو أصلح لخلقه،و بما يغيّر و يبدّل من أحكامه،أي هو أعلم بجميع ذلك ممّا هو من مصالح عباده.و هذا نوع توبيخ و تقريع للكفّار.(4:94)

ابن كثير: أي و رفعناها و أثبتنا غيرها.

(4:225)

الشّربينيّ: أي بقدرتنا بالنّسخ.(2:262)

أبو السّعود: أي إذا أنزلنا آية من القرآن مكان آية منه،و جعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها.(3:193)

البروسويّ: قال سلطان المفسّرين ترجمان القرآن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا نزلت عليه آية فيها شدّة،أخذ النّاس بها،و عملوا ما شاء اللّه أن يعملوا،فيشقّ ذلك عليهم،فلينسخ اللّه هذه الشّدّة،و يأتيهم بما هو ألين و أهون عليهم،رحمة من اللّه تعالى،فيقول لهم كفّار قريش:إنّ محمّدا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر و ينهاهم عنه غدا،و يأتيهم بما هو أهون عليهم،و ما هو إلاّ مفتر يقوله من تلقاء نفسه.

و المعنى إذا نزّلنا آية من القرآن مكان آية منه، و جعلناها بدلا منها بأن نسخناها.(5:81)

المراغيّ: التّبديل:رفع شيء و وضع غيره مكانه،و تبديل الآية:نسخها بآية أخرى،أي و إذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم آية أخرى-و اللّه أعلم بالّذي هو أصلح لخلقه فيما يبدّل من أحكامه-قال المشركون المكذّبون لرسوله:إنّما أنت متقوّل على اللّه تأمر بشيء ثمّ تنهى عنه.و أكثرهم لا يعلمون ما في التّبديل من حكم بالغة،و قليل منهم يعلمون ذلك، و ينكرون الفائدة عنادا و استكبارا.(14:141)

عبد الكريم الخطيب: أكثر المفسّرين على أنّ الآية الكريمة نصّ في تقرير النّسخ في القرآن،و تبديل آية بآية.و لهم على ذلك كلمة(بدّلنا)الّتي تدلّ على التّبديل،و إحلال آية مكان آية،ثمّ قوله: وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ فيه قرينة دالّة على أنّ«التّبديل»واقع في المنزّل من عند اللّه،و هو القرآن،ثمّ ما يظاهر هذا من قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها البقرة:106،فهذه الآية جاءت صريحة بلفظ النّسخ،على حين جاءت الآية السّابقة بلازم النّسخ،و هو تبديل آية بآية.

ثمّ إنّهم-بعد هذا،أو قبل هذا-يأتون شاهدا على

ص: 844

ذلك بأكثر من رواية تحدّث عن سبب نزول هذه الآية، و أنّها كانت ردّا على المشركين،الّذين كانوا كلّما ورد نسخ لحكم من الأحكام الّتي كانت شريعة للمسلمين زمنا،قالوا:إنّ محمّدا يقول ما يشاء،حسبما يرى.و لو أنّ هذا القرآن كان من عند اللّه،لما وقع فيه هذا التّناقض في الأحكام،و لجاء الحكم قولا واحدا،لا نقض له، و لا تبديل فيه.

هذه بعض مقولات القائلين بالنّسخ،و تلك بعض حججهم عليه.

و نحن على رأينا الّذي اطمأنّ إليه قلبنا،من أنّه لا نسخ في القرآن،و أنّ هذه الآية الكريمة مع شيء من النّظر و التّأمّل،و مع إخلاء النّفس من ذلك الشّعور المتسلّط على جمهور المسلمين،من أنّ النّسخ في القرآن حقيقة مقرّرة،تكاد تكون شريعة يدين بها المسلم، و معتقدا يعتقده،نقول:إنّ هذه الآية الكريمة لا تفيد بمنطوقها أو مفهومها دلالة على النّسخ،و ذلك:

أوّلا:منطوق الآية هو وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ، فلو كان معنى التّبديل المحو و الإزالة،لما جاء النّظم القرآنيّ على تلك الصّورة،و لكان منطق بلاغته أن يجيء النّظم هكذا«و اذا بدلنا آية بآية،»و لما كان لكلمة(مكان) موضع هنا.

فما هو السّرّ في اختيار القرآن الكريم لكلمة(مكان) بدلا من حرف الجرّ و هو الباء؟نرجئ الجواب على هذا الآن،إلى أن نفرغ من عرض القضيّة.

و ثانيا:مفهوم كلمة«التّبديل»بأنّه محو و إزالة،أو تعطيل و نقض يتعارض مع ما تنزّهت عنه كلمات اللّه، من أيّ عارض يعرض لها،فيغيّر وجهها،أو ينقض حكمها،و اللّه سبحانه و تعالى يقول مخاطبا نبيّه الكريم:

وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الأنعام:115.

فكيف تبدّل كلمات اللّه،و ينسخ بعضها بعضا، و ينقض بعضها ما قضى به بعضها،و اللّه سبحانه و تعالى يقول في وصف كتابه: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً الكهف:1،2،و يقول فيه سبحانه: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الزّمر:28،و يقول فيه سبحانه و تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82.

و إذن فما تأويل هذه الآية؟و ما المراد بالتّبديل لآية مكان آية؟

الجواب-و اللّه أعلم-:أنّ المراد بتبديل آية مكان آية هنا،هو ما كان يحدث في ترتيب الآيات في السّور، و وضع الآية بمكانها من السّورة،كما أمر اللّه سبحانه و تعالى؛و ذلك أنّ آيات كثيرة كانت ممّا نزل بالمدينة،قد وضعت في سور مكّيّة،كما أنّ آيات ممّا كان قد نزل بمكّة، ألحقت بالقرآن المدنيّ.

و هذا الّذي حدث بين القرآن المكّيّ و المدنيّ من تبادل الأمكنة للآيات بينهما،قد حدث في القرآن المكّيّ،و المدنيّ-كلّ على حدة-فكانت السّورة المكّيّة مثلا تنزل على فترات متباعدة،فتنزل فاتحتها،ثمّ تنزل بعد ذلك آيات آيات،حتّى يتمّ بناؤها.

و على هذا،فإنّ تبديل آية مكان آية،هو وضع آية

ص: 845

نزلت حديثا بمكانها الّذي يأمر اللّه سبحانه و تعالى أن توضع فيه،بين آيات سبقتها بزمن،قد يكون عدّة سنين.

فقد اتّفق علماء القرآن على أنّ آيات نزلت بمكّة،ثمّ حين نزل من القرآن في المدينة ما يناسبها،أخذت مكانها فيه،و هذا يعني أنّها نقلت من مكانها في السّورة المكّيّة، إلى مكانها الّذي كانت تنتظره،أو كان ينتظرها في السّورة المدنيّة.

و من أمثلة هذا قوله تعالى: ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ الأنفال:33،فهذه الآية مكّيّة باتّفاق، و قد وضعت في سورة الأنفال،و هي مدنيّة باتّفاق أيضا.

و هذا يعني أنّ الآية من هذه الآيات كانت تأخذ مكانها مؤقّتا في السّورة المكّيّة،حتّى إذا نزلت سورتها المدنيّة أخذت مكانها الّذي لها في تلك السّورة.

و من هذا أيضا قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ... التّوبة:128،إلى آخر سورة التّوبة.و هاتان الآيتان مكّيّتان،و قد وضعتا بمكانهما من آخر التّوبة،و هي مدنيّة.

و هكذا كان الشّأن في السّور المكّيّة،فإنّها كانت تستقبل جديدا من الآيات المدنيّة،تأخذ مكانها المناسب لها بين آيات السّورة؛حيث يأمر اللّه،و ذلك كثير في القرآن الكريم،و قلّ أن تخلو سورة مكّيّة من دخول آية أو آيات مدنيّة على بنائها.

فهذا التّدبير السّماويّ لبناء القرآن الكريم،و ترتيب الآيات في السّور،اقتضى أن تأخذ بعض الآيات أمكنة ثابتة دائمة،بدلا من أمكنتها الموقوتة الّتي كانت تأخذها بين آيات أخرى،غير تلك الآيات الّتي استقرّت آخر الأمر معها.

و لا شكّ أنّ كثيرا من المشركين و المنافقين و مرضى القلوب،كانوا ينظرون إلى هذا التّبديل و التّغيير،الّذي كان يؤذن النّبيّ أصحابه و كتّاب الوحي به،كانوا ينظرون إليه نظر اتّهام للنّبيّ بأنّه إنّما يعيد بناء قرآنه، و يغيّر و يبدّل فيه،و يصلح من أمره ما يراه غير مستقيم عنده،شأنه في هذا شأن الشّاعر،ينشئ القصيدة ثمّ يجري عليها من التّعديل و التّبديل ما يبدو له،حتّى تستقيم لنظره،و تقع موقع الرّضا من نفسه،هكذا فكّروا و قدّروا.

و إذن،فما محمّد و القرآن الّذي معه،و الّذي يجري عليه هذه التّسوية بالتّبديل و التّغيير في بنائه،إلاّ واحدا من هؤلاء الشّعراء الّذين يجوّدون شعرهم و يسوّون وجوهه،فيكون لهم من ذلك تلك القصائد المعروفة بالحوليّات الّتي يعيش الشّاعر معها حولا كاملا،يعالج ما فيها من عوج حتّى تستقيم له.

و إذن،فما دعوى محمّد بأنّ هذا القرآن من عند اللّه، إلاّ محض كذب و افتراء.

هكذا كان يقول المنافقون و الّذين في قلوبهم مرض، في النّبيّ الكريم،حين كانوا يرونه يصنع هذا الصّنيع،في ترتيب الآيات القرآنيّة في سورها،حسب الوحي السّماويّ الّذي يتلقّاه من ربّه.

و قد ردّ اللّه سبحانه و تعالى على هؤلاء السّفهاء بقوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:102،

ص: 846

و روح القدس،هو جبريل عليه السّلام،و هو السّفير بين اللّه سبحانه و تعالى و بين النّبيّ الكريم،بهذا القرآن الكريم.

و قوله تعالى: لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا أي ليربط على قلوبهم،و يقوّي عزائمهم،و يثبّت أقدامهم على طريق الإيمان،بما ينزّل عليهم من آيات تؤنس وحشتهم،و تكشف لهم عن العاقبة المسعدة الّتي ينتهي إليها صراعهم،مع قوى البغي و العدوان.

فالثّابت من تاريخ القرآن-كما قلنا-أنّ آيات كثيرة نزلت،ثمّ لم تأخذ مكانها في السّور الّتي هي منها إلاّ بعد زمن امتدّ بضع سنين.

فهذه الآيات الّتي سبقت سورها،إنّما كانت للتّعجيل ببشريّات للنّبيّ و للمؤمنين معه.

فسورة الأنفال مثلا-و هي مدنيّة باتّفاق-قد ضمّ إليها سبع آيات كانت قد نزلت بمكّة،و هي قوله تعالى:

وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ* وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَ ما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ* وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ الأنفال:30-36.

ففي ظلّ هذه الآيات استروح النّبيّ و المؤمنون -و هم في مكّة-أرواح الأمل و الرّجاء،و من تلقاء هذه الآيات استقبل النّبيّ و المؤمنون بشائر النّصر لهذا الدّين، الّذي تلقّى على يد المشركين ألوانا من الكيد و المكر، و ضروبا من السّفاهة و الجهل.

لقد كانت تلك الآيات،و كثير غيرها،هي الزّاد الّذي يتزوّد به النّبيّ و المؤمنون،أثناء تلك الرّحلة القاسية الّتي قطعها النّبيّ و المؤمنون معه،في شعاب مكّة و دروبها،من أوّل البعثة إلى أن أذن اللّه سبحانه و تعالى له بالهجرة،و بهذا الزّاد تقوّى النّبيّ و المؤمنون معه على حمل هذا العبء الثّقيل،خلال تلك الرّحلة المضنية القاسية، و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا.

و قد اختصّ الّذين آمنوا بالذّكر هنا،لأنّهم كانوا في حاجة ماسّة إلى هذا الزّاد،ليثبتوا في مواقفهم،و ليصبروا على هذا البلاء الّذي كانوا فيه،انتظارا لهذا الوعد الكريم الّذي وعدهم اللّه سبحانه و تعالى به،فيما سيأخذ به المشركين من خزي و خذلان،كما يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ الأنفال:36.

و لم يذكر النّبيّ الكريم هنا،لأنّه-صلوات اللّه و سلامه عليه-محفوف دائما بألطاف ربّه،و على يقين راسخ من نصر اللّه،فهو-صلوات اللّه و سلامه عليه-

ص: 847

يحمل في كيانه من قوى الحقّ و الإيمان ما لا تنال منه الدّنيا كلّها لو اجتمع أهلها على حربه و الكيد له.و في هذا يقول صلوات اللّه و سلامه عليه لعمّه أبي طالب:«و اللّه يا عمّ لو وضعوا الشّمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه،ما تركته».

و هذه الظّاهرة في القرآن الكريم،من تبادل الآيات أماكنها خلال الفترة الّتي نزل فيها،تقابلها ظاهرة أخرى و هي نزول القرآن منجّما،خلال ثلاث و عشرين سنة؛ حيث لم ينزل جملة واحدة،و إنّما نزل آية آية،و آيات آيات،حتّى كمل و تمّ بناؤه على الصّورة الّتي أراده عليها سبحانه و تعالى،كما تلقّاه النّبيّ الكريم من جبريل،في العرضة الأخيرة الّتي كانت بينهما،بعد أن تمّ نزول القرآن،قبيل وفاة النّبيّ بزمن قليل.

فهناك إذن عمليّتان قام عليهما بناء القرآن الكريم، و هما:

أوّلا:نزوله منجّما،أي مفرّقا.

و ثانيا:نزوله غير مرتّب الآيات في السّور.

و قد كشف اللّه سبحانه و تعالى عن السّبب الّذي من أجله كان بناء القرآن على هذا الأسلوب.

أمّا عن نزول القرآن مفرّقا،فاللّه سبحانه و تعالى يقول ردّا على المشركين الّذين أنكروا أن يجيء القرآن على هذا الأسلوب: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً* وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً الفرقان:32،33،فتثبيت فؤاد النّبيّ،هو من بعض ما في نزول القرآن على تلك الصّورة،من حكمة.

و أمّا عن نزول القرآن غير مرتّب الآي،فقد رأينا أنّ من حكمته تثبيت قلوب المؤمنين،بما تحمل إليهم الآيات الّتي تسبق سورها،من بشريّات،كما يقول اللّه سبحانه و تعالى: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ* قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:101،102.

ففي هذا التّدبير من نزول القرآن الكريم غير مرتّب الآي،في هذا ما يسمح بنزول بعض الآيات متقدّمة زمنا على سورها،الّتي ستلتقي بها،و تأخذ مكانها فيها،بعد أن يتمّ نزول القرآن كلّه.

و في هذه الآيات الّتي كانت تنزّل متقدّمة زمنا على سورها تثبيت لقلوب المؤمنين،و هدى لهم،و بشرى بالمستقبل المسعد الّذي ينتظر الإسلام،و ينتظرهم معه.

و لو كان معنى قوله تعالى: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ، لو كان معنى ذلك نسخ آية بآية،لما كان من المناسب أن يكون التّعقيب على ذلك قوله تعالى:

لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ إذ أنّ النّسخ للآيات القرآنيّة ليس من شأنه أن يثبّت قلوب المؤمنين،بل إنّه يكون داعية من دواعي الإزعاج النّفسيّ،بسبب تلك الآيات الّتي يعيش معها المسلمون زمنا،ثمّ يتخلّون عنها.

ثمّ إنّه من جهة أخرى لا يحمل النّسخ على إطلاقه بشريّات للمسلمين؛إذ أنّ أكثر ما وقع النّسخ-كما يقول القائلون به-على أحكام مخفّفة نسخت بغيرها،ممّا هو أثقل منها،كما يقال في الآيات المنسوخة في الخمر و في

ص: 848

الرّبا،و في حدّ الزّنى.

ثمّ-قبل هذا كلّه-إنّ هذه الآية: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ؛ هي مكّيّة النّزول،بل من أوائل القرآن المكّيّ؛حيث لم تكن قد شرّعت الأحكام بعد في العبادات و المعاملات،و في القتال،و ما يتّصل به من غنائم و أسرى،و غير ذلك ممّا يمكن أن يرد عليه النّسخ،إن كان هناك نسخ.إذ أنّ النّسخ،إنّما تناول الأحكام الشّرعيّة وحدها.

هذا،و قد استدلّ القائلون بالنّسخ في القرآن بآية أخرى،هي قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ الحجّ:52،53،و سنعرض لهذه الآية في موضعها إن شاء اللّه.

و حسبنا أن نقول هنا:إنّ النّسخ وارد على ما يلقي الشّيطان،لا على آيات اللّه،و أنّ اللّه سبحانه و تعالى يحكم آياته و لا ينسخها،و إذن فلا نسخ في آيات اللّه.

و لعلّ في قوله تعالى: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ طه:114،لعلّ في هذا ما يشير إلى شيء من هذا التّدبير السّماويّ،في نزول القرآن غير مرتّب الآي؛إذ ربّما كان صلّى اللّه عليه و سلّم تتنزّل عليه الآية من القرآن،غير منسوبة إلى سورة من السّور الّتي نزلت،فيبادر إلى وصلها بما سبقها أو لحقها،حتّى لا تظلّ في عزلة،بين سور القرآن الّتي تتلى في الصّلاة،أو ترتّل في غير الصّلاة.فجاء قوله تعالى: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ليدفع عن النّبيّ هذا الشّعور من القلق على تلك الآيات المفردة،أن ينظر إليها غير تلك النّظرة الّتي للقرآن الّذي جمعت آياته،و تمّت سوره.

فتلك دعوة للنّبيّ ألاّ يجعل ببناء القرآن قبل أن يتمّ وحيه إليه به؛إذ ما زال هناك قرآن كثير لم ينزل بعد،و في هذا القرآن الّذي سينزل علم كثير،يزداد به النّبيّ علما إلى علم.

و يؤنسنا في هذا الفهم لتلك الآية الكريمة،ما نجده في قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ القيمة:16-19،ففي هذه الآيات ما يكشف عن مشاعر النّبيّ نحو تلك الآيات الّتي كانت تتنزّل مفردة،غير منسوبة إلى سورة من السّور،و إشفاقه من أن تفلت منه حيث لم ترتبط بغيرها من آيات القرآن و سوره.

و في قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ القيمة:

17،تطمين للنّبيّ بهذا الوعد الكريم من اللّه سبحانه، بأنّه جلّ شأنه،هو الّذي سيتولّى جمع هذا القرآن المفرّق،و بناءه على الصّورة الّتي أراده اللّه سبحانه أن يقرأ عليها؛و ذلك ما كان بعد أن تمّ نزول القرآن،و انقطع الوحي،فكان القرآن على تلك الصّورة الّتي تلقّاها النّبيّ من جبريل،في العرضة الأخيرة للقرآن،ثمّ تلقّاها من النّبيّ الصّحابة و كتّاب الوحي،ثمّ تلقّاها المسلمون جيلا

ص: 849

بعد جيل،إلى يومنا هذا،و إلى يوم الدّين.(7:361)

3- نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً. الدّهر:28

ابن عبّاس: يقول:لو نشاء لأهلكناهم و جئنا بأطوع للّه منهم.

لغيّرنا محاسنهم إلى أسمج الصّور و أقبحها.

(القرطبيّ 19:152)

ابن زيد: أي و إذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً النّساء:133، و كقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَ ما ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ فاطر:16،17.

(ابن كثير 7:186)

نحوه الطّبريّ.(29:227)

الفخر الرّازيّ: أي إذا شئنا أهلكناهم و آتينا بأشباههم،فجعلناهم بدلا منهم،و هو كقوله: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ الواقعة:61.

و الغرض منه بيان الاستغناء التّامّ عنهم،كأنّه قيل:

لا حاجة بنا إلى أحد من المخلوقات البتّة،و بتقدير:إن تثبت الحاجة فالحاجة إلى هؤلاء الأقوام،فإنّا قادرون على إفنائهم،و على إيجاد أمثالهم.و نظيره قوله تعالى:

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً النّساء:133،و قال: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَ ما ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ فاطر:16.

ثمّ قيل: بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ أي في الخلقة،و إن كانوا أضدادهم في العمل،و قيل:أمثالهم في الكفر.

(30:261)

نحوه المراغيّ.(29:176)

النّسفيّ: أي إذا شئنا إهلاكهم أهلكناهم،و بدّلنا أمثالهم في الخلقة ممّن يطيع.(4:321)

ابن كثير: أي و إذا شئنا بعثناهم يوم القيامة و بدّلناهم،فأعدناهم خلقا جديدا.و هذا استدلال بالبداءة على الرّجعة.(7:186)

الشّربينيّ: أي جئنا بأمثالهم بدلا منهم،إمّا بأن نهلكهم و نأتي ببدلهم ممّن يطيع،و إمّا بتغيير صفاتهم،كما شوهد في بعض الأوقات من المسخ و غيره.(4:461)

الكاشانيّ:أهلكناهم و بدّلنا أمثالهم في الخلقة.

و شدّة الأسر:يعني النّشأة الآخرة،و المراد:تبديلهم بغيرهم ممّن يطيع في الدّنيا.(5:265)

نحوه شبّر.(6:336)

البروسويّ: أي بدّلناهم بأمثالهم بعد إهلاكهم، و«التّبديل»يتعدّى إلى مفعولين غالبا،كقوله تعالى:

يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70،يعني يذهب بها و يأتي بدلها بحسنات.(تبديلا)بديعا لا ريب فيه،و هو البعث،كما ينبئ عنه كلمة(اذا).

فالمثلة في النّشأة الأخرى إنّما هي في شدّة الأسر، و باعتبار الأجزاء الأصليّة،و لا ينافيها الغيريّة بحسب العوارض كاللّطافة و الكثافة.

و المعنى:و إذا شئنا بدّلنا غيرهم ممّن يطيع،كقوله تعالى: وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ التّوبة:39،ففيه

ص: 850

ترهيب.فالمثلة باعتبار الصّورة،و لا ينافيها الغيريّة باعتبار العمل و الطّاعة.و(اذا)للدّلالة على تحقّق القدرة و قوّة الدّاعية،و إلاّ فالمناسب كلمة«إن»إذ لا تحقّق لهذا التّبديل.

قال القاشانيّ: نحن خلقناهم بتعيين استعداداتهم، و قوّيناهم بالميثاق الأزليّ و الاتّصال الحقيقيّ وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً بأن نسلب أفعالهم بأفعالنا،و نمحو صفاتهم بصفاتنا،و نفني ذواتهم بذاتنا،فيكونوا أبدالا.

(10:279)

الآلوسيّ: أي أهلكناهم و بدّلنا أمثالهم في شدّة الخلق(تبديلا)بديعا لا ريب فيه،يعني البعث و النّشأة الأخرى.فالتّبديل في الصّفات،لأنّ المعاد هو المبتدأ، و لكون الأمر محقّقا كائنا جيء ب(اذا)،و ذكر المشيئة لإبهام وقته،و مثله شائع،كما يقول العظيم لمن يسأله الإنعام:إذا شئت أحسن إليك.

و يجوز أن يكون المعنى:و إذا شئنا أهلكناهم،و بدّلنا غيرهم ممّن يطيع،فالتّبديل في الذّوات،و(اذا)لتحقّق قدرته تعالى عليه،و تحقّق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم،فجعل ذلك المقدور المهدّد به كالمحقّق، و عبّر عنه بما يعبّر به عنه.

و لعلّه الّذي أراده الزّمخشريّ بما نقل عنه من قوله:

إنّما جاز ذلك،لأنّه وعيد جيء به على سبيل المبالغة، كان له وقتا معيّنا،و لا يعترض عليه بقوله تعالى: وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ محمّد:38،لأنّ النّكات لا يلزم اطّرادها،فافهم.

و الوجه الأوّل أوفق بسياق النّظم الجليل.

(29:167)

الطّباطبائيّ: أي إذا شئنا بدّلناهم أمثالهم،فذهبنا بهم و جئنا بأمثالهم مكانهم،و هو إماتة قرن و إحياء آخرين.

و قيل:المراد به تبديل نشأتهم الدّنيا من نشأة القيامة،و هو بعيد من السّياق.(20:143)

بدّلناهم

1- ...كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً.

النّساء:56

الزّجّاج: فإن قال قائل:بدّل الجلد الّذي عصى بالجلد الّذي غير العاصي،فذلك غلط من القول،لأنّ العاصي و الآلم هو الإنسان لا الجلد.

و جائز أن يكون بدّل الجلد النّضج،و أعيد كما كان جلده الأوّل،كما تقول:قد صغت من خاتمي خاتما آخر،فأنت و إن غيّرت الصّوغ فالفضّة أصل واحد.

و قد كان الجلد بلي بعد البعث،فإنشاؤه بعد النّضج كإنشائه بعد البعث.(2:65)

البلخيّ: هو أن يخلق اللّه لهم جلدا آخر فوق جلودهم،فإذا احترق التّحتانيّ أعاده اللّه.

(الطّوسيّ 3:231)

المغربيّ: يقولون:بدّلت جبّتي قميصا،إذا جعلتها قميصا.(الطّوسيّ 3:231)

الطّوسيّ: قال قوم:إنّ التّبديل إنّما هو للسّرابيل الّتي ذكرها اللّه في قوله: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ

ص: 851

إبراهيم:50،فأمّا الجلود فلو عذّبت ثمّ أوجدت لكان فيه تفتير عنه.و هذا بعيد،لأنّه ترك للظّاهر و عدول بالجلود إلى السّرابيل،و لا نقول:إنّ اللّه تعالى يعدم الجلود،بل على ما قلناه يجدّدها و يطريها،بما يفعل فيها من المعاني الّتي تعود إلى حالتها.

فأمّا من قال:إنّ الإنسان غير هذه الجملة،و أنّه هو المعذّب،فقد تخلّص من هذا السّؤال.

و يقوّي ما قلناه:إنّ أهل اللّغة يقولون:أبدلت الشّيء بالشّيء،إذا أزلت عينا بعين.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدّلت بالتّشديد،إذا غيّرت هيئته،و العين واحدة.(3:231)

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون في معنى«تبديل الجلود»،فقالت فرقة:تبدّل عليهم جلود غيرها؛إذ نفوسهم هي المعذّبة،و الجلود لا تألم في ذاتها،فإنّها تبدّل ليذوقوا تجديد العذاب.

و قالت فرقة:«تبديل الجلود»:هو إعادة ذلك الجلد بعينه الّذي كان في الدّنيا،تأكله النّار و يعيده اللّه،دأبا لتجدّد العذاب.

و إنّما سمّاه«تبديلا»لأنّ أوصافه تتغيّر ثمّ يعاد،كما تقول:بدّل من خاتمي هذا خاتما،و هي فضّته بعينها، فالبدل إنّما وقع في تغيير الصّفات.(2:69)

النّسفيّ: أعدنا تلك الجلود غير محترقة،فالتّبديل و التّغيير لتغاير الهيئتين لا لتغاير الأصلين عند أهل الحقّ،خلافا للكراميّة.(1:231)

أبو حيّان: التّبديل على معنيين:تبديل في الصّفات مع بقاء العين،و تبديل في الذّوات،بأن تذهب العين و تجيء مكانها عين أخرى،يقال:هذا بدل هذا.

و الظّاهر في الآية هذا المعنى الثّاني،و أنّه إذا نضج ذلك الجلد و تهرّى و تلاشى،جيء بجلد آخر مكانه، و لهذا قال: جُلُوداً غَيْرَها. (3:274)

أبو السّعود: من قبيل بدّله بخوفه أمنا،لا من قبيل:

يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70،أي أعطيناهم مكان كلّ جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا،مغايرا للمحترق صورة و إن كان عينه مادّة،بأن يزال عنه الاحتراق ليعود إحساسه للعذاب.

و الجملة في محلّ النّصب على أنّها حال من ضمير نُصْلِيهِمْ و قد جوّز كونها صفة ل(نارا)على حذف العائد،أي كلّما نضجت فيها جلودهم.[إلى أن قال:]

و لعلّ السّرّ في تبديل الجلود مع قدرته تعالى على إبقاء إدراك العذاب و ذوقه بحاله مع الاحتراق،أو مع بقاء أبدانهم على حالها مصونة عن الاحتراق،أنّ النّفس ربّما تتوهّم زوال الإدراك بالاحتراق،و لا تستبعد كلّ الاستبعاد أن تكون مصونة عن التّألّم و العذاب صيانة بدنها عن الاحتراق.(1:352)

القاسميّ: لهم في التّبديل وجهان:

الأوّل:أنّه تبديل حقيقيّ مادّيّ،فيخلق مكانها جلود أخر جديدة مغايرة للمحترقة.

الثّاني:أنّه تبديل وصفيّ،أي أعدنا الجلود جديدة، مغايرة للمحترقة صورة،و إن كانت عينها مادّة،بأن يزال عنها الاحتراق،ليعود إحساسها للعذاب،فلم تبدّل إلاّ صفتها،لا مادّتها الأصليّة،و فيه بعد،إذ يأباه معنى التّبديل.(5:1328)

ص: 852

محمّد جواد مغنيّة: و غير بعيد أن يكون تبديل الجلود كناية عن أليم العذاب و شدّته،و في جميع الأحوال،فإنّ المطلوب منّا أن نؤمن بعدل اللّه و قدرته.

(2:353)

2- فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. سبأ:16

الشّربينيّ: أي جعلنا لهم بدلهما.(3:291)

أبو السّعود: أي أذهبنا جنّتيهم،و آتيناهم بدلهما.

(4:228)

مثله الآلوسيّ.(22:127)

البروسويّ: و آتيناهم بدلهما،و التّبديل:جعل الشّيء مكان آخر.(7:283)

يبدّل

1- سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. البقرة:211

ابن عبّاس: من يغيّر دين اللّه و كتابه بالكفر.

(تنوير المقباس:29)

مجاهد: يكفر بها.(الطّبريّ 2:333)

السّدّيّ: يقول:من يبدّلها كفرا.

(الطّبريّ 2:333)

الرّبيع: يقول:و من يكفر نعمته من بعد ما جاءته.

(الطّبريّ 2:333)

الطّبريّ: و من يغيّر ما عاهد اللّه في نعمته الّتي هي الإسلام،من العمل و الدّخول فيه،فيكفر به،فإنّه معاقبه بما أوعد على الكفر به من العقوبة،و اللّه شديد عقابه، أليم عذابه.

فتأويل الآية إذن:يا أيّها الّذين آمنوا بالتّوراة، فصدّقوا بها،ادخلوا في الإسلام جميعا،و دعوا الكفر، و ما دعاكم إليه الشّيطان من ضلالته،و قد جاءتكم البيّنات من عندي بمحمّد،و ما أظهرت على يديه لكم من الحجج و العبر،فلا تبدّلوا عهدي إليكم فيه،و فيما جاءكم به من عندي في كتابكم،بأنّه نبيّي و رسولي،فإنّه من يبدّل ذلك منكم فيغيّره،فإنّي له معاقب بالأليم من العقوبة.(2:333)

الطّوسيّ: (يبدّل)معناه يغيّر،يعني بها الإسلام، و ما فرض فيه من شرائع دينه بعد ما عهد إليه،و أمره به من الدّخول في الإسلام،و العمل بشرائعه،فيكفر به، فإنّه يعاقبه بما أوعده على الكفر به من العقوبة.

(2:190)

الزّمخشريّ: و تبديلهم إيّاها أنّ اللّه أظهرها لتكون أسباب هداهم،فجعلوها أسباب ضلالتهم،كقوله:

فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ التّوبة:125،أو حرّفوا آيات الكتب الدّالّة على دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:354)

مثله النّسفيّ(1:105)،و نحوه أبو السّعود(1:

163)،و المراغيّ(2:117).

الطّبرسيّ: في الكلام حذف،و تقديره:فبدّلوا نعمة اللّه و كفروا بآياته،و خالفوه،فضلّوا و أضلّوا،و من

ص: 853

يبدّل الشّكر عليها بالكفران.

و قيل:من يصرف أدلّة اللّه عن وجوهها، بالتّأويلات الفاسدة،الخالية من البرهان.

و في الآية دلالة على فساد قول المجبّرة:في أنّه ليس للّه سبحانه على الكافرين نعمة،لأنّه حكم عليهم بتبديل نعم اللّه،كما قال في موضع آخر: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ النّحل:83،و نحو ذلك من وجه آخر و هو أنّه أضاف التّبديل إليهم و أوعدهم عليه بالعقوبة،فلو لم يكن فعلهم لما استحقّوا العقوبة.

و التّبديل هو أن يحرّف أو يكتم أو يتأوّل على خلاف جهته،كما فعلوه في التّوراة و الإنجيل،و كما فعلوه مبتدعة الأمّة في القرآن.(1:304)

القرطبيّ: لفظ عامّ لجميع العامّة،و إن كان المشار إليه بني إسرائيل،لكونهم بدّلوا ما في كتبهم،و جحدوا أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فاللّفظ منسحب على كلّ مبدّل نعمة اللّه تعالى.(3:28)

النّيسابوريّ: [قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المراد ب نِعْمَةَ اللّهِ ما آتاهم من أسباب الصّحّة و الأمن و الكفاية،فتبديلها أنّهم لم يجعلوها واسطة الطّاعة و القيام بما وجب عليهم من التّكاليف،بل استعملوها في غير ما أوتيت هي لأجله.(2:209)

أبو حيّان: و لفظ مَنْ يُبَدِّلْ عامّ،و هو شرط، فيندرج فيه مع بني إسرائيل كلّ مبدّل نعمة ككفّار قريش و غيرهم،فإنّ بعثة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم نعمة عليهم،و قد بدّلوا بالشّكر عليها و قبولها الكفر.[إلى أن قال:]

و قرئ و من يبدل بالتّخفيف،و(يبدّل)يحتاج لمفعولين مبدل و مبدل له.فالمبدل هو الّذي يتعدّى إليه الفعل بحرف جرّ،و البدل هو الّذي يتعدّى إليه الفعل بنفسه،و يجوز حذف حرف الجرّ لفهم المعنى،و تقدّم الكلام على هذا في قوله: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا البقرة:

59.

و إذا تقرّر هذا فالمفعول الواحد هنا محذوف و هو البدل،و الأجود أن يقدّر مثل ما لفظ به في قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً إبراهيم:28:ف(كفرا) هو البدل،و نِعْمَتَ اللّهِ هو المبدل،و هو الّذي أصله أن يتعدّى إليه الفعل بحرف الجرّ،فالتّقدير إذن:و من يبدّل نعمة اللّه كفرا.

و جاز حذف المفعول الواحد و حرف الجرّ لفهم المعنى،و لترتيب جواب الشّرط على ما قبله،فإنّه يدلّ على ذلك،لأنّه لا يترتّب على تقدير أن يكون«النّعمة» هي البدل و«الكفر»هو المبدل،أن يجاب بقوله: فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:211.(2:128)

البروسويّ: التّبديل:تصيير الشّيء غير ما كان عليه،أي يغيّر.(1:327)

الآلوسيّ: أي آياته،فإنّها سبب الهدى الّذي هو أجلّ النّعم،و فيه وضع المظهر موضع المضمر بغير لفظه السّابق،لتعظيم الآيات.و تبديلها:تحريفها و تأويلها الزّائغ،أو جعلها سببا للضّلالة و ازدياد الرّجس،و على التّقديرين لا حذف في الآية.

و قال أبو حيّان:حذف حرف الجرّ من(نعمت) و المفعول الثّاني ل(يبدّل)،و التّقدير:من يبدّل بنعمة اللّه

ص: 854

كفرا،و دلّ على ذلك ترتيب جواب الشّرط عليه،و فيه ما لا يخفى.

و قرئ و من يبدل بالتّخفيف.(2:100)

القاسميّ: و تبديلهم إيّاها:استبدالهم بالإيمان بها الكفر بها،و الإعراض عنها.(3:522)

محمّد جواد مغنيّة: و المراد بتبديلها:تحريفها و عصيانها.(1:314)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ المراد من تبديل النّعمة هو أنّ الإنسان استخدم كافّة الطّاقات و القدرات و المصادر المادّيّة و المعنويّة الّتي يتمتّع بها في طريق الفساد و الانحراف و المعاصي و الطّغيان.فقد أرسل اللّه إلى بني إسرائيل مرشدين،و ولّى عليهم حكّاما أشدّاء،و هيّأ لهم كلّ الإمكانات المادّيّة و المعنويّة،إلاّ أنّ هؤلاء جحدوا نعمة اللّه بدّلوها،ممّا أدّى بهم ذلك إلى اختلال أمورهم،و تقويض دولتهم،و لعذاب الآخرة أشدّ و أنكى.

و لا تنحصر ظاهرة تبديل النّعمة ببني إسرائيل فحسب،بل أنّ العالم الصّناعيّ اليوم مأخوذ من هذه الطّامّة الكبرى أيضا،لأنّه بالرّغم من امتلاك إنسان اليوم للنّعم و القدرات الّتي ما كان لها مثيل على مرّ التّاريخ،فقد أضحى جاحدا لنعم اللّه،لابتعاده عن إرشادات الأنبياء السّماويّة،فاستخدمها في طريق الفناء بشكل شنيع.(2:53)

2- إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً. الفرقان:7

أبو ذرّ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّي لأعرف آخر أهل النّار خروجا من النّار،و آخر أهل النّار دخولا الجنّة.

قال:يؤتى برجل يوم القيامة فيقال:نحّوا كبار ذنوبه،و سلوه عن صغارها،قال:فيقال له:عملت كذا و كذا،و عملت كذا و كذا.

قال:فيقول:يا ربّ لقد عملت أشياء ما أراها هاهنا،قال:فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى بدت نواجذه، قال:فيقال له:لك مكان كلّ سيّئة حسنة.

(الطّبريّ 19:47)

ابن عبّاس: يحوّلهم اللّه من الكفر إلى الإيمان،و من المعصية إلى الطّاعة،و من عبادة الأصنام إلى عبادته، و من الشّرّ إلى الخير.(تنوير المقباس:305)

هم المؤمنون،كانوا قبل إيمانهم على السّيّئات، فرغب اللّه بهم عن ذلك فحوّلهم إلى الحسنات،و أبدلهم مكان السّيّئات حسنات.(الطّبريّ 19:46)

هم الّذين يتوبون فيعملون بالطّاعة،فيبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات حين يتوبون.(الطّبريّ 19:46)

بالشّرك إيمانا،و بالقتل إمساكا،و بالزّنى إحصانا.

(الطّبريّ 19:46)

قيل:يبدّلهم اللّه بقبائح أعمالهم في الشّرك محاسن الأعمال في الإسلام،بالشّرك إيمانا،و بقتل المؤمنين قتل المشركين،و بالزّنى عفّة و إحصانا.

مثله مجاهد،و السّدّيّ.(الطّبرسيّ 4:180)

ابن المسيّب:تصير سيّئاتهم حسنات لهم يوم القيامة.(الطّبريّ 19:46)

نحوه مكحول(أبو حيّان 6:515)،و الحسن(ابن

ص: 855

عطيّة 4:221).

إنّ معناه أن يمحو السّيّئة عن العبد،و يثبت له بدلها الحسنة.

مثله مكحول،و عمرو بن ميمون.

(الطّبرسيّ 4:180)

الضّحّاك: يبدّل اللّه مكان الشّرك و القتل و الزّنى:

الإيمان باللّه،و الدّخول في الإسلام،و هو التّبديل في الدّنيا.(الطّبريّ 19:46)

قتادة: و التّبديل في الدّنيا:طاعة اللّه بعد عصيانه، و ذكر اللّه بعد نسيانه،و الخير يعمله بعد الشّرّ.

(الطّبرسيّ 4:180)

ابن زيد: يبدّل اللّه أعمالهم السّيّئة الّتي كانت في الشّرك بالأعمال الصّالحة،حين دخلوا في الإيمان.(الطّبريّ 19:47)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معناه فأولئك يبدّل اللّه بقبائح أعمالهم في الشّرك،محاسن الأعمال في الإسلام،فيبدّله بالشّرك إيمانا،و بقتل أهل الشّرك باللّه قتل أهل الإيمان به، و بالزّنى عفّة و إحصانا.

و قال آخرون: بل معنى ذلك:فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم في الدّنيا حسنات لهم يوم القيامة.

و أولى التّأويلين بالصّواب في ذلك،تأويل من تأوّله: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ أعمالهم في الشّرك (حسنات)في الإسلام،بنقلهم عمّا يسخطه اللّه من الأعمال إلى ما يرضى.

و إنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية،لأنّ الأعمال السّيّئة قد كانت مضت على ما كانت عليه من القبح، و غير جائز تحويل عين قد مضت بصفة إلى خلاف ما كانت عليه،إلاّ بتغييرها عمّا كانت عليه من صفتها في حال أخرى،فيجب إن فعل ذلك كذلك،أن يصير شرك الكافر الّذي كان مشركا في الكفر بعينه،إيمانا يوم القيامة بالإسلام،و معاصيه كلّها بأعيانها طاعة،و ذلك ما لا يقوله ذو حجا.(19:47)

الزّجّاج: ليس أنّ السّيّئة بعينها تصير حسنة، و لكنّ التّأويل أنّ السّيّئة تمحى بالتّوبة،و تكتب الحسنة مع التّوبة،و الكافر يحبط اللّه عمله،و يثبّت اللّه عليه السّيّئات.(4:76)

الطّوسيّ: أي يجعل مكان عقاب سيّئاته ثواب حسناته.[ثمّ استشهد بشعر](7:509)

ابن عطيّة: معناه يجعل أعمالهم بدل معاصيهم الأول طاعة،فيكون ذلك سببا لرحمة اللّه إيّاهم،قاله ابن عبّاس و ابن جبير و ابن زيد و الحسن،و ردّ على من قال:هو في يوم القيامة.

و قد ورد حديث في كتاب مسلم من طريق أبي ذرّ (1):يقتضي أنّ اللّه تعالى يبدّل يوم القيامة،لمن يريد المغفرة من الموحّدين بدل سيّئاته حسنات،و ذكره التّرمذيّ و الطّبريّ.و هذا تأويل ابن المسيّب في هذه الآية.و هو معنى كرم العفو.

و قرأ ابن أبي عبلة «يبدل» بسكون الباء و تخفيف الدّال.(4:221)

الزّمخشريّ: (يبدل)مخفّف و مثقّل،و كذلكي.

ص: 856


1- هكذا ذكره القاسميّ،كما سيأتي.

سَيِّئاتِهِمْ.

فإن قلت:ما معنى مضاعفة العذاب و إبدال السّيّئات حسنات؟

قلت:إذا ارتكب المشرك معاصي مع الشّرك، عذّب على الشّرك و على المعاصي جميعا،فتضاعفت العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه.و إبدال السّيّئات حسنات أنّه يمحوها بالتّوبة،و يثبت مكانها الحسنات:

الإيمان و الطّاعة و التّقوى.

و قيل:يبدّلهم بالشّرك إيمانا،بقتل المسلمين قتل المشركين،و بالزّنى عفّة و إحصانا.يريد و من يترك المعاصي و يندم عليها و يدخل في العمل الصّالح،فإنّه بذلك تائب إلى اللّه.(3:101)

النّسفيّ: أي يوفّقهم للمحاسن بعد القبائح،أو يمحوها بالتّوبة و يثبت مكانها الحسنات:الإيمان و الطّاعة،و لم يرد به أنّ السّيّئة بعينها حسنة.

(3:176)

الآلوسيّ: بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتّوبة و يثبت مكانها لواحق طاعاتهم،كما يشير إلى ذلك كلام كثير من السّلف.

و قيل:المراد بالسّيئات و الحسنات ملكتهما لا نفسهما،أي يبدّل عزّ و جلّ بملكة السّيّئات و دواعيها في النّفس ملكة الحسنات،بأن يزيل الأولى و يأتي بالثّانية.

و قيل:هذا التّبديل في الآخرة.[ثمّ ذكر قول أبي ذرّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:]

و يسمّى هذا التّبديل كرم العفو.[ثمّ استشهد بشعر] و لعلّ المراد أنّه تغفر سيّئاته،و يعطى بدل كلّ سيّئة ما يصلح أن يكون ثواب حسنة،تفضّلا منه عزّ و جلّ و تكرّما،لا أنّه يكتب له أفعال حسنات لم يفعلها، و يثاب عليها.(19:50)

القاسميّ: و لابن القيّم رحمه اللّه تعالى في«طريق الهجرتين»في هذا المقام بسط حسن و تناظر متقن، لا بأس بإيراده،لعظم فائدته.

قال رحمه اللّه-بعد شرحه لحديث«فرح اللّه بتوبة عبده» ما مثاله-:و هاهنا مسألة،هذا الموضع أخصّ المواضع ببيانها،و هي أنّ التّائب إذا تاب إلى اللّه توبة نصوحا، فهل تمحى تلك السّيّئات و يذهب،لا له و لا عليه،أو إذا محيت أثبت له مكان كلّ سيّئة حسنة؟هذا ممّا اختلف النّاس فيه،من المفسّرين و غيرهم قديما و حديثا.

فقال الزّجّاج:ليس يجعل مكان السّيّئة الحسنة، لكن يجعل مكان السّيّئة التّوبة،و الحسنة مع التّوبة.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و قال:]

و قال الثّعلبيّ: قال ابن عبّاس،و ابن جريج، و الضّحّاك،و ابن زيد: يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ يبدّلهم اللّه تقبيح أعمالهم في الشّرك،محاسن الأعمال في الإسلام،فيبدّلهم بالشّرك و بقتل المؤمنين:قتل المشركين.و بالزّنى:عفّة و إحصانا.

و قال آخرون: يعني يبدّل اللّه سيّئاتهم الّتي عملوها في حال إسلامهم حسنات يوم القيامة.

و أصل القولين،أنّ هذا التّبديل هل هو في الدّنيا أو يوم القيامة؟

فمن قال:إنّه في الدّنيا،قال:هو تبديل الأعمال القبيحة و الإرادات الفاسدة بأضدادها،و هي حسنات،

ص: 857

و هذا تبديل حقيقة.و الّذين نصروا هذا القول احتجّوا بأنّ السّيّئة لا تنقلب حسنة،بل غايتها أن تمحى و تكفّر، و يذهب أثرها،فأمّا أن تنقلب حسنة فلا،فإنّها لم تكن طاعة،و إنّما كانت بغيضة مكروهة للرّبّ،فكيف تنقلب محبوبة مرضيّة؟

قالوا:و أيضا فالّذي دلّ عليه القرآن إنّما هو تكفير السّيّئات و مغفرة الذّنوب،كقوله: رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا آل عمران:193،و قوله:

وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ الشّورى:25،و قوله: إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الزّمر:53،و القرآن مملوء من ذلك.

و في الصّحيح (1)من حديث قتادة عن صفوان بن محرز قال:قال رجل لابن عمر:كيف سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في النّجوى؟

قال سمعته يقول:«يدنى المؤمن يوم القيامة من ربّه حتّى يضع عليه كنفه،فيقرّره بذنوبه،فيقول:هل تعرف؟فيقول:ربّ!أعرف.قال:فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا،و أنا أغفرها لك اليوم،فيعطى صحيفة حسناته».

و أمّا الكفّار و المنافقون فينادى بهم على رءوس الأشهاد:هؤلاء الّذين كذّبوا على اللّه عزّ و جلّ.

فهذا الحديث المتّفق عليه،الّذي تضمّن العناية بهذا العبد،إنّما فيه ستر ذنوبه عليه في الدّنيا و مغفرتها له يوم القيامة،و لم يقل له:و أعطيتك بكلّ سيّئة منها حسنة، فدلّ على أنّ غاية السّيّئات مغفرتها،و تجاوز اللّه عنها.

و قد قال اللّه في حقّ الصّادقين: لِيُكَفِّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ الزّمر:35،فهؤلاء خيار الخلق،و قد أخبر عنهم أنّه يكفّر عنهم سيّئات أعمالهم،و يجزيهم بأحسن ما يعملون،و أحسن ما عملوا إنّما هو الحسنات لا السّيّئات،فدلّ على أنّ الجزاء بالحسنى إنّما يكون على الحسنات وحدها.و أمّا السّيّئات،أن تلغى و يبطل أثرها.

قالوا:و أيضا فلو انقلبت السّيّئات أنفسها حسنات في حقّ التّائب،لكان أحسن حالا من الّذي لم يرتكب منها شيئا،و أكثر حسنات منه،لأنّه إذا أساء شاركه في حسناته الّتي فعلها و امتاز عنه بتلك السّيّئات،ثمّ انقلبت له حسنات ترجّح عليه.

و كيف يكون صاحب السّيّئات أرجح ممّن لا سيّئة له؟

قالوا:و أيضا فكما أنّ العبد إذا فعل حسنات ثمّ أتى بما يحبطها،فإنّها لا تنقلب سيّئات يعاقب عليها،بل يبطل أثرها،و يكون لا له و لا عليه،و تكون عقوبته عدم ترتّب ثوابه عليها،فهكذا من فعل سيّئات ثمّ تاب منها،فإنّها لا تنقلب حسنات.

فإن قلتم:و هكذا التّائب يكون ثوابه عدم ترتّب العقوبة على سيّئاته،لم ننازعكم في هذا،و ليس هذا معنى الحسنة،فإنّ الحسنة تقتضي ثوابا وجوديّا.

و احتجّت الطّائفة الأخرى الّتي قالت:هو تبديل).

ص: 858


1- أخرجه البخاريّ في:46-كتاب المظالم و الغصب،باب قول اللّه تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ هود: 18،حديث رقم 1201. و أخرجه مسلم في:49-كتاب التّوبة،حديث رقم 52 (طبعتنا).

السّيّئة بالحسنة حقيقة يوم القيامة،بأن قالت:حقيقة التّبديل إثبات الحسنة مكان السّيّئة،و هذا إنّما يكون في السّيّئة المحقّقة،و هي الّتي قد فعلت و وقعت،فإذا بدّلت حسنة كان معناه أنّها محيت و أثبت مكانها حسنة.

قالوا:و لهذا قال تعالى: سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فأضاف السّيّئات إليهم،لكونهم باشروها و اكتسبوها.

و نكّر«الحسنات»و لم يضفها إليهم،لأنّها من غير صنعهم و كسبهم،بل هي مجرّد فضل اللّه و كرمه.

قالوا:و أيضا فالتّبديل في الآية إنّما هو فعل اللّه لا فعلهم،فإنّه أخبر أنّه هو يبدّل سيّئاتهم حسنات،و لو كان المراد ما ذكرتم لأضاف التّبديل إليهم،فإنّهم هم الّذين يبدّلون سيّئاتهم حسنات،و الأعمال إنّما تضاف إلى فاعلها و كاسبها،كما قال تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ البقرة:59،و أمّا ما كان من غير الفاعل،فإنّه يجعله من تبديله هو،كما قال تعالى:

وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ سبأ:16.

فلمّا أخبر سبحانه أنّه هو الّذي يبدّل سيّئاتهم حسنات،دلّ على أنّه شيء فعله هو سبحانه بسيّئاتهم، لا أنّهم فعلوه من تلقاء أنفسهم،و إن كان سببه منهم و هو التّوبة و الإيمان و العمل الصّالح.

قالوا:و يدلّ عليه ما رواه«مسلم» (1)في صحيحه عن أبي ذرّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة،و آخر أهل النّار خروجا منها.رجل يؤتى به يوم القيامة،فيقال:أعرضوا عليه صغار ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها،فتعرض عليه صغار ذنوبه،فيقال:

عملت يوم كذا و كذا،كذا و كذا،و عملت يوم كذا و كذا كذا و كذا،فيقول:نعم،لا يستطيع أن ينكر،و هو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه،فيقال له:فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة».

قالوا:و هؤلاء هم الأبدال في الحقيقة،فإنّهم إنّما سمّوا أبدالا لأنّهم بدّلوا أعمالهم السّيّئة بالأعمال الحسنة،فبدّل اللّه سيّئاتهم الّتي عملوا حسنات.

قالوا:و أيضا فالجزاء من جنس العمل،فكما بدّلوا هم أعمالهم السّيّئة بالحسنة،بدّلها اللّه من صحف الحفظة حسنات جزاء وفاقا.

قالت الطّائفة الأولى:كيف يمكنكم الاحتجاج بحديث أبي ذرّ على صحّة قولكم،و هو صريح في أنّ هذا الّذي قد بدّلت سيّئاته حسنات قد عذّب عليها في النّار، حتّى كان آخر أهلها خروجا منها،فهذا قد عوقب على سيّئاته فزال أثرها بالعقوبة،فبدّل مكان كلّ سيّئة منها حسنة،و هذا حكم غير ما نحن فيه.فإنّ الكلام في التّائب من السّيّئات،لا فيمن مات مصرّا عليها غير تائب،فأين أحدهما من الآخر؟

قالوا:و أمّا ما ذكرتم من أنّ التّبديل هو إثبات الحسنة مكان السّيّئة،فحقّ.و كذلك نقول:إنّ الحسنة المفعولة صارت في مكان السّيّئة الّتي لو لا الحسنة لحلّت محلّها.

قالوا:و أمّا احتجاجكم بإضافة السّيّئات إليهم، و ذلك يقتضي أن تكون هي السّيّئات الواقعة،و تنكير الحسنات و هو يقتضي أن تكون حسنات من فضل اللّه، فهو حقّ بلا ريب و لكن من أين يبقى أن يكون فضل اللّه).

ص: 859


1- أخرجه في 1-كتاب الإيمان حديث رقم 314 (طبعتنا).

بها مقارنا لكسبهم إيّاها بفضله؟

قالوا:و أمّا قولكم:إنّ التّبديل مضاف إلى اللّه لا إليهم،و ذلك يقتضي أنّه هو الّذي بدّلها من الصّحف، لا أنّهم هم الّذين بدّلوا الأعمال بأضدادها،فهذا لا دليل لكم،فإنّ اللّه خالق أفعال العباد،فهو المبدّل للسّيّئات حسنات خلقا و تكوينا،و هم المبدّلون لها فعلا و كسبا.

قالوا:و أمّا احتجاجكم بأنّ الجزاء من جنس العمل،فكما بدّلوا سيّئات أعمالهم بحسناتهم،أبدلها اللّه كذلك في صحف الأعمال،فهذا حقّ،و به نقول،و إنّه بدّلت السّيّئات الّتي كانت مهيّأة و معدّة أن تحلّ في الصّحف،بحسنات جعلت موضعها.فهذا منتهى إقدام الطّائفتين،و محطّ نظر الفريقين.

فالصّواب إن شاء اللّه في هذه المسألة،أن يقال:

لا ريب أنّ الذّنب نفسه لا ينقلب حسنة،و الحسنة إنّما هي أمر وجوديّ يقتضي ثوابا،و لهذا كان تارك المنهيّات إنّما يثاب على كفّ نفسه و حبسها عن موافقة المنهيّ،و ذلك الكفّ و الحبس أمر وجوديّ،و هو متعلّق الثّواب.

و أمّا من لم يخطر بباله الذّنب أصلا،و لم يحدّث به نفسه،فهذا كيف يثاب على تركه؟و لو أثيب مثل هذا على ترك هذا الذّنب،لكان مثابا على ترك ذنوب العالم الّتي لا تخطر بباله،و ذلك أضعاف حسناته بما لا يحصى.

فإن التّرك مستصحب معه،و المتروك لا ينحصر و لا ينضبط،فهل يثاب على ذلك كلّه؟و هذا ممّا لا يتوهّم.

و إذا كانت الحسنة لا بدّ أن تكون أمرا وجوديّا، فالتّائب من الذّنوب الّتي عملها قد قارن كلّ ذنب منها ندما عليه،و كفّ نفسه عنه،و عزم على ترك معاودته، و هذه حسنات بلا ريب.و قد محت التّوبة أثر الذّنب، و خلّفه هذا النّدم و العزم،و هو حسنة،قد بدّلت تلك السّيّئة حسنة.

و هذا معنى قول بعض المفسّرين:يجعل مكان السّيّئة التّوبة،و الحسنة مع التّوبة.فإذا كانت كلّ سيّئة من سيّئاته قد تاب منها،فتوبته منها حسنة حلّت مكانها.فهذا معنى التّبديل،لا أنّ السّيّئة نفسها تنقلب حسنة.

و قال بعض المفسّرين في هذه الآية:يعطيهم بالنّدم على كلّ سيّئة أساءوها حسنة،و على هذا فقد زال بحمد اللّه الإشكال،و اتّضح الصّواب،و ظهر أنّ كلّ واحدة من الطّائفتين ما خرجت عن موجب العلم و الحجّة.

و أمّا حديث أبي ذرّ،و إن كان التّبديل فيه في حقّ المصرّ الّذي عذّب على سيّئاته،فهو يدلّ بطريق الأولى على حصول التّبديل للتّائب المقلع النّادم على سيّئاته، فإنّ الذّنوب الّتي عذّب عليها المصرّ،لمّا أزال أثرها بالعقوبة بقيت كأن لم تكن،فأعطاه اللّه مكان كلّ سيّئة منها حسنة،لأنّ ما حصل له يوم القيامة من النّدم المفرط عليها مع العقوبة،لا يقتضي زوال أثرها و تبديلها حسنات،فزوال أثرها بالتّوبة النّصوح،أعظم من زوال أثرها بالعقوبة.

فإذا بدّلت بعد زوالها بالعقوبة حسنات،فلأن تبدّل بعد زوالها بالتّوبة حسنات أولى و أحرى،و تأثير التّوبة في هذا المحو و التّبديل أقوى من تأثير العقوبة،لأنّ التّوبة فعل اختياريّ أتى به العبد طوعا و محبّة للّه و فرقا منه.

و أمّا العقوبة،فالتّكفير بها من جنس التّكفير

ص: 860

بالمصائب الّتي تصيبه بغير اختياره،بل بفعل اللّه.لا ريب أنّ تأثير الأفعال الاختياريّة الّتي يحبّها اللّه و يرضاها في محو الذّنوب،أعظم من تأثير المصائب الّتي تناله بغير اختياره،انتهى كلامه رحمه اللّه.(12:4592)

الحجازيّ: و في تبديل السّيّئة بالحسنة نظريّتان، قيل:يبدّل اللّه إيمانا بدل الشّرك،و إخلاصا بدل النّفاق و الشّكّ،و إحصانا بدل الفجور،و حسنات بدل سيّئات الأعمال.[ثمّ ذكر الرّواية المتقدّمة عن النّبيّ و قال:]

النّظريّة الثّانية:أنّ المراد تغيّرت أحوالهم السّيئة إلى أحوال حسنة،فأبدلهم اللّه بالعمل السّيّئ العمل الصّالح، و الأمر كلّه بيد اللّه.و من تاب عن أيّ ذنب عمله فإنّه يتوب إلى اللّه توبة حقّا،و اللّه تكفّل بجزائه الجزاء الحسن على ذلك.(19:34)

الطّباطبائيّ: و قوله: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ تفريع على التّوبة و الإيمان و العمل الصّالح، يصف ما يترتّب على ذلك من جميل الأثر،و هو أنّ اللّه يبدّل سيّئاتهم حسنات.

و قد قيل في معنى ذلك:أنّ اللّه يمحو سوابق معاصيهم بالتّوبة،و يثبت مكانها لواحق طاعاتهم،فيبدّل الكفر إيمانا،و القتل بغير حقّ جهادا و قتلا بالحقّ،و الزّنى عفّة و إحصانا.

و قيل:المراد بالسّيّئات و الحسنات ملكاتهما لانفسهما،فيبدّل ملكة السّيّئة ملكة الحسنة.

و قيل:المراد بهما العقاب و الثّواب عليهما لانفسهما، فيبدّل عقاب القتل و الزّنى مثلا ثواب القتل بالحقّ و الإحصان.

و أنت خبير بأنّ هذه الوجوه من صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل يدلّ عليه.

و الّذي يفيد ظاهر قوله: يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ و قد ذيّله بقوله: وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان:70،أنّ كلّ سيّئة منهم نفسها تتبدّل حسنة، و ليست السّيّئة هي متن الفعل الصّادر من فاعله،و هو حركات خاصّة مشتركة بين السّيّئة و الحسنة،كعمل المواقعة مثلا المشترك بين الزّنى و النّكاح،و الأكل المشترك بين أكل المال غصبا و بإذن من مالكه،بل صفة الفعل من حيث موافقته لأمر اللّه،و مخالفته له مثلا من حيث إنّه يتأثّر به الإنسان،و يحفظ عليه دون الفعل الّذي هو مجموع حركات متصرّمة متقضّية فانية،و كذا عنوانه القائم به الفاني بفنائه.

و هذه الآثار السّيّئة الّتي يتبعها العقاب،أعني السّيّئات،لازمة للإنسان حتّى يؤخذ بها يوم تبلى السّرائر.

و لو لا شوب من الشّقوة و المساءة في الذّات لم يصدر عنها عمل سيّئ،إذ الذّات السّعيدة الطّاهرة من كلّ وجه لا يصدر عنها سيّئة قذرة،فالأعمال السّيّئة إنّما تلحق ذاتا شقيّة خبيثة بذاتها،أو ذاتا فيها شوب من شقاء و خباثة.

و لازم ذلك إذا تطهّرت بالتّوبة،و طابت بالإيمان و العمل الصّالح،فتبدّلت ذاتا سعيدة،ما فيها شوب من قذارة الشّقاء،أن تتبدّل آثارها اللاّزمة الّتي كانت سيّئات قبل ذلك،فتناسب الآثار للذّات بمغفرة من اللّه و رحمة،و كان اللّه غفورا رحيما.

ص: 861

و إلى مثل هذا يمكن أن تكون الإشارة بقوله:

فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان:70.(15:242)

3- وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ.

المؤمن:26

الطّبريّ: يقول:إنّي أخاف أن يغيّر دينكم الّذي أنتم عليه بسحره.(24:56)

الطّوسيّ: التّبديل:رفع الشّيء إلى غيره في ما يقع موقعه،إلاّ أنّه بالعرف لا يستعمل إلاّ في رفع الجيّد بالرّديء.(9:71)

الزّمخشريّ: أن يغيّر ما أنتم عليه،و كانوا يعبدونه و يعبدون الأصنام،بدليل قوله: وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ الأعراف:127.(3:423)

مثله البيضاويّ(2:334)،و النّسفيّ(4:75)، و الخازن(6:78)،و أبو السّعود(5:8)،و الكاشانيّ(4:

339)،و البروسويّ(8:175).

المراغيّ: أي إنّي أخاف أن يفسد موسى عليكم أمر دينكم الّذي أنتم عليه من عبادة غير اللّه،و يدخلكم في دينه الّذي هو عبادة اللّه وحده،أو يوقع بين النّاس الخلاف و الفتنة،إذ يجتمع إليه الهمل الشّرّد،و يكثرون من الخصومات و المنازعات و إثارة القلاقل و الاضطرابات،فتتعطّل المزارع و المتاجر و تعدم المكاسب.

و الخلاصة إنّه يقول:إنّي أخاف أن يفسد عليكم أمر دينكم بالتّبديل،أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتّعطيل، و هما أمران أحلاهما مرّ.(24:61)

ليبدّلنّهم

...وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ النّور:55

الفرّاء: و قوله: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ قرأها عاصم بن أبي النّجود و الأعمش وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ بالتّشديد،و قرأ النّاس و ليبدلنهم خفيفة،و هما متقاربان.و إذا قلت للرّجل:

قد بدّلت:فمعناه غيّرت و غيّرت حالك،و لم يأت مكانك آخر،فكلّ ما غيّر عن حاله فهو مبدّل بالتّشديد،و قد يجوز مبدل بالتّخفف و ليس بالوجه.و إذا جعلت الشّيء مكان الشّيء قلت:قد أبدلته،كقولك:أبدل لي هذا الدّرهم،أي أعطني مكانه،و بدّل جائزة.

فمن قال: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً فكأنّه جعل سبيل الخوف أمنا.و من قال: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ بالتّخفيف،قال:الأمن خلاف الخوف،فكأنّه جعل مكان الخوف أمنا،أي ذهب بالخوف و جاء بالأمن، و هذا من سعة العربيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا يوضّح الوجهين جميعا.(2:259)

نحوه البغويّ(5:71)،و الطّبرسيّ(4:151)،و أبو السّعود(4:71).

الطّبريّ: و اختلفوا في قراءة قوله: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار،سوى عاصم.

وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ بتشديد الدّال،بمعنى:و ليغيّرنّ حالهم عمّا

ص: 862

هي عليه،من الخوف إلى الأمن،و العرب تقول:قد بدّل فلان،إذا غيّرت حاله،و لم يأت مكان فلان غيره، و كذلك كلّ مغيّر عن حاله،فهو عندهم مبدّل بالتّشديد.

و ربّما قيل:بالتّخفيف،و ليس بالفصيح.

فأمّا إذا جعل مكان الشّيء المبدل غيره،فذلك بالتخفيف:أبدلته فهو مبدل،و ذلك كقولهم:أبدل هذا الثّوب،أي جعل مكانه آخر غيره.و قد يقال:

بالتّشديد،غير أنّ الفصيح من الكلام ما وصفت.

و كان عاصم يقرؤه: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ بتخفيف الدّال.

و الصّواب من القراءة في ذلك التّشديد على المعنى الّذي وصفت قبل،لإجماع الحجّة من قرّاء الأمصار عليه،و أنّ ذاك تغيير حال الخوف إلى الأمن.و أرى عاصما ذهب إلى أنّ الأمن لمّا كان خلاف الخوف وجّه المعنى إلى أنّه ذهب بحال الخوف،و جاء بحال الأمن؛ فخفّف ذلك.

و من الدّليل على ما قلنا:من أنّ التّخفيف إنّما هو ما كان في إبدال شيء مكان آخر،قول أبي النّجم:

*عزل الأمير للأمير المبدل*

(18:159)

القرطبيّ: قرأ ابن محيصن و ابن كثير و يعقوب و أبو بكر بالتّخفيف،من«أبدل»و هي قراءة الحسن، و اختيار أبي حاتم،الباقون بالتّشديد،من«بدّل»و هي اختيار أبي عبيد،لأنّها أكثر ما في القرآن،قال اللّه تعالى:

لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ يونس:64،و قال: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً النّمل:101،و نحوه،و هما لغتان.

قال النّحّاس: و حكى محمّد بن الجهم عن الفرّاء، قال:قرأ عاصم و الأعمش وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مشدّدة،و هذا غلط عن عاصم،و قد ذكر بعده غلطا أشدّ منه،و هو أنّه حكى عن سائر النّاس التّخفيف.

قال النّحّاس: و زعم أحمد بن يحيى:أنّ بين التّثقيل و التّخفيف فرقا،و أنّه يقال:بدّلته،أي غيّرته،و أبدلته:

أزلته و جعلت غيره.

قال النّحّاس: و هذا القول صحيح،كما تقول:أبدل لي هذا الدّرهم،أي أزله و أعطني غيره.و تقول:قد بدّلت بعدنا،أي غيّرت،غير أنّه قد يستعمل أحدهما موضع الآخر.و الّذي ذكره أكثر،و قد مضى هذا في «النّساء»و الحمد للّه،و ذكرنا في سورة إبراهيم الدّليل من السّنّة على أنّ«بدّل»معناه إزالة العين،فتأمّله هناك.

و قرئ: عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا القلم:32 مخفّفا و مثقّلا.(12:300)

البروسويّ: التّبديل:جعل الشّيء مكان آخر، و هو أعمّ من العوض،فإنّ العوض هو أن يصير لك الثّاني بإعطاء الأوّل.و التّبديل يقال للتّغيير و إن لم تأت ببدله.(6:173)

المراغيّ: أي و ليغيّرنّ حالهم من الخوف إلى الأمن.(18:126)

الطّباطبائيّ: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً هو كقوله: وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ عطف على قوله:

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ و أصل المعنى:و ليبدّلنّ خوفهم أمنا، فنسبة التّبديل إليهم إمّا على المجاز العقليّ،أو على حذف مضاف يدلّ عليه قوله: مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ و التّقدير:

و ليبدّلنّ خوفهم،أو كون(أمنا)بمعنى آمين.(15:153)

ص: 863

أبدّله

...قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. يونس:15

الطّبريّ: و التّبديل الّذي سألوه-فيما ذكر-أن يحوّل آية الوعيد آية وعد،و آية الوعد وعيدا،و الحرام حلالا،و الحلال حراما،فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يخبرهم أنّ ذلك ليس إليه،و أنّ ذلك إلى من لا يردّ حكمه، و لا يتعقّب قضاءه،و إنّما هو رسول مبلّغ،و مأمور متّبع.(11:95)

الطّوسيّ: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا يونس:15، الّذي تتلوه علينا، أَوْ بَدِّلْهُ فاجعله على خلاف ما تقرأه علينا.و إنّما فرّق بين قوله: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ لأنّ الإتيان بغيره قد يكون معه،و تبديله لا يكون إلاّ برفعه و الإتيان بغيره.و إنّما لم يرجوا ثواب اللّه و عذابه،لأنّهم كانوا غير مقرّين باللّه،و لا معترفين بنبوّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله،و لا يصدّقونه فيما يخبرهم به عن اللّه، و يذكّرهم به من البعث و النّشور و الحساب و الجزاء.

و كان قولهم هذا له على وجه التّعنّت و التّسبّب إلى الكفر به و تكذيبه،و احتجاجا عليه بما ليس بحجّة،لأنّه صلّى اللّه عليه و آله كان قد بيّن لهم أنّ هذا القرآن ليس من كلامه،و أنّه ليس له تغييره و تبديله،فأرادوا أن يوهموا أنّ الأمر موقوف على رضاهم به،و ليس يرضون بهذا فيريدون غيره.

و قال الزّجّاج: إنّه كان غرضهم إسقاط ما فيه من عيب آلهتهم و تسفيه أحلامهم،و من ذكر البعث و النّشور،فأمر اللّه تعالى نبيّه أن يقول لهم في جواب ذلك:ليس لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي.

(5:402)

الزّمخشريّ: أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسى.و قرئ بفتح التّاء،من غير أن يأمرني بذلك ربّي. إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ لا آتي و لا أذر شيئا من نحو ذلك،إلاّ متّبعا لوحي اللّه و أوامره،إن نسخت آية تبعت النّسخ،و إن بدّلت آية مكان آية تبعت التّبديل، و ليس إليّ تبديل و لا نسخ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي يونس:15،بالتّبديل و النّسخ من عند نفسي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يونس:15.

فإن قلت:أما ظهر و تبيّن لهم العجز عن الإتيان بمثل القرآن حتّى قالوا: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا؟

قلت:بلى،و لكنّهم كانوا لا يعترفون بالعجز،و كانوا يقولون:لو نشاء لقلنا مثل هذا،و يقولون: اِفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً يونس:17،فينسبونه إلى الرّسول، و يزعمونه قادرا عليه و على مثله،مع علمهم بأنّ العرب مع كثرة فصحائها و بلغائها إذا عجزوا عنه،كان الواحد منهم أعجز.

فإن قلت:لعلّهم أرادوا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله من جهة الوحي كما أتيت بالقرآن من جهته،و أراد بقوله: ما يَكُونُ لِي ما يتسهّل لي و ما يمكنني أن أبدّله؟

قلت:يردّه قوله: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي.

فإن قلت:فما كان غرضهم و هم أدهى النّاس و أنكرهم في هذا الاقتراح؟

قلت:الكيد و المكر،أمّا اقتراح إبدال قرآن بقرآن

ص: 864

ففيه أنّه من عندك،و أنّك قادر على مثله،فأبدل مكانه آخر.و أمّا اقتراح التّبديل و التّغيير فللطّمع و لاختبار الحال،و أنّه إن وجد منه تبديل فإمّا أن يهلكه اللّه فينجو منه،أو لا يهلكه فيسخروا منه،و يجعلوا التّبديل حجّة عليه،و تصحيحا لافترائه على اللّه.(2:229)

الطّبرسيّ: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا الّذي تتلوه علينا، أَوْ بَدِّلْهُ فاجعله على خلاف ما تقرؤه.

و الفرق بينهما:أنّ الإتيان بغيره قد يكون معه، و تبديله لا يكون إلاّ برفعه.

و قيل:معنى قوله: بَدِّلْهُ: غيّر أحكامه من الحلال أو الحرام،أرادوا بذلك زوال الحظر عنهم و سقوط الأمر منهم،و أن يخلّي بينهم و بين ما يريدونه.(قل)يا محمّد ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يونس:15، أي من جهة نفسي و ناحية نفسي،و لأنّه معجز فلا أقدر على الإتيان بمثله إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ يونس:

15،أي ما أتّبع إلاّ الّذي أوحي إليّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي يونس:15،في اتّباع غيره عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يونس:15،أي يوم القيامة.

و من استدلّ بهذه الآية على أنّ نسخ القرآن بالسّنّة لا يجوز،فقد أبعد،لأنّه إذا نسخ القرآن بالسّنّة، و ما يقوله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّما يقوله بالوحي من اللّه،فلم ينسخ القرآن و لم يبدّله من قبل نفسه،بل يكون تبديله من قبل اللّه تعالى،و لكن لا يكون قرآنا،و يؤيّد ذلك قوله: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:3،4.(3:97)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ إقدام الكفّار على هذا الالتماس يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّهم ذكروا ذلك على سبيل السّخريّة و الاستهزاء،مثل أن يقولوا:إنّك لو جئتنا بقرآن آخر غير هذا القرآن،أو بدّلته،لآمنّا بك،و غرضهم من هذا الكلام السّخريّة و التّطيّر.

و الثّاني:أن يكونوا قالوه على سبيل الجدّ،و ذلك أيضا يحتمل وجوها:

أحدها:أن يكونوا قالوا ذلك على سبيل التّجربة و الامتحان،حتّى أنّه إن فعل ذلك،علموا أنّه كان كذّابا في قوله:إنّ هذا القرآن نزل عليه من عند اللّه.

و ثانيها:أن يكون المقصود من هذا الالتماس أنّ هذا القرآن مشتمل على ذمّ آلهتهم و الطّعن في طرائقهم،و هم كانوا يتأذّون منها،فالتمسوا كتابا آخر ليس فيه ذلك.

و ثالثها:أنّ بتقدير أن يكونوا قد جوّزوا كون هذا القرآن من عند اللّه،التمسوا منه أن يلتمس من اللّه نسخ هذا القرآن و تبديله بقرآن آخر،و هذا الوجه أبعد الوجوه.

و اعلم أنّ القوم لمّا ذكروا ذلك أمره اللّه تعالى أن يقول:إنّ هذا التّبديل غير جائز منّي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ يونس:15،ثمّ بيّن تعالى أنّه بمنزلة غيره،في أنّه متوعّد بالعذاب العظيم إن عصى.

(17:56)

البيضاويّ: (أَوْ بَدِّلْهُ) بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى،و لعلّهم سألوا ذلك كي يسعفهم إليه فيلزموه قُلْ ما يَكُونُ لِي ما يصحّ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسي،و هو

ص: 865

مصدر استعمل ظرفا،و إنّما اكتفى بالجواب عن التّبديل، لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر.

(1:442)

أبو حيّان: التّبديل يكون في الذّات بأن يجعل بدل ذات أخرى،و يكون في الصّفة.و التّبديل هنا هو في الصّفة،و هو أن يزال بعض نظمه،بأن يجعل مكان آية العذاب آية الرّحمة.و لا يراد بالتّبديل هنا أن يكون في الذّات،لأنّه يلزم جعل الشّيء المقتضي للتّغاير هو الشّيء بعينه،لأنّ التّبديل في الذّات هو الإتيان بقرآن غير هذا.و لمّا كان الإتيان بقرآن غير هذا غير مقدور للإنسان،لم يحتج إلى نفيه و نفي ما هو مقدور للإنسان، و إن كان مستحيلا ذلك في حقّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقيل له: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يونس:15، و انتفاء الكون هنا هو كقوله تعالى: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها النّمل:60،أي يستحيل ذلك.

و يحتمل أن يكون التّبديل في الذّات،على أن يلحظ في قوله: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا بقاء هذا القرآن و يؤتى بقرآن غيره،فيكون (أَوْ بَدِّلْهُ) بمعنى أزله بالكلّيّة و ائت ببدله،فيكون المطلوب أحد أمرين:إمّا إزالته بالكلّيّة و هو التّبديل في الذّات،أو الإتيان بغيره مع بقائه، فيحصل التّغاير بين المطلوبين.[إلى أن قال:]

و إنّما قالوا: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ لأنّهم كانوا لا يعترفون بأنّ القرآن معجز،أو إن كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله،أ لا ترى إلى قولهم:لو نشاء لقلنا مثل هذا،و قولهم: اِفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً يونس:17، و لا يمكن أن يريدوا اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ من جهة الوحي،لقوله: إِنِّي أَخافُ. (5:132)

البروسويّ: إنّ التّبديل داخل تحت قدرة الإنسان،و أمّا الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للإنسان،و ذلك لأنّ التّبديل ربّما يحتاج إلى تغيير سورة أو مقدارها،و إعجاز القرآن يمنع من ذلك كما لا يخفى، و هو اللاّئح بالبال.(4:23)

الآلوسيّ: (بَدِّلْهُ) بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى،و لعلّهم إنّما سألوا ذلك كيدا، و طمعا في إجابته عليه الصّلاة و السّلام،ليتوسّلوا إلى الإلزام و الاستهزاء،و ليس مرادهم أنّه عليه الصّلاة و السّلام لو أجابهم آمنوا.(قل)أيّها الرّسول لهم:

ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ يونس:15،المصدر فاعل (يكون)و هي من كان التّامّة،و تفسّر بوجد،و نفي الوجود قد يراد به نفي الصّحّة،فإنّ وجود ما ليس بصحيح كلا وجود،فالمعنى هنا ما يصحّ لي أصلا تبديله.

[إلى أن قال:]

و من النّاس من وهم في ذلك،و قصر الجواب ببيان امتناع ما اقترحوه على اقتراحهم الثّاني،للإيذان بأنّ استحالة ما اقترحوه أوّلا من الظّهور؛بحيث لا حاجة إلى بيانها،و لأنّ ما يدلّ على استحالة الثّاني يدلّ على استحالة الأوّل بالطّريق الأولى،فهو بحسب المآل و الحقيقة جواب عن الأمرين.[إلى أن قال:]

و جوّز العلاّمة الطّيّبيّ كون الجواب المذكور جوابا عن الاقتراحين،من غير حاجة إلى شيء،و ذلك يحمل التّبديل فيه على ما يعمّ تبديل ذات بذات أخرى، كبدّلت الدّنانير دراهم،و هو الّذي أشاروا إليه بقولهم:

ص: 866

اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا، و تبديل صفة بصفة أخرى، كبدّلت الخاتم حلقة،و هو الّذي أشاروا إليه بقولهم: أَوْ بَدِّلْهُ.

و أورد عليه بأنّ تقييد التّبديل بقوله سبحانه: مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يمنع حمله على الأعمّ،لأنّه يشعر بأنّ ذلك مقدور له صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و لكن لا يفعله بغير إذنه تعالى.و التّبديل الّذي أشاروا إليه أوّلا غير مقدور له عليه الصّلاة و السّلام،حتّى أنّ المقترحين يعلمون استحالة ذلك،لكن اقترحوه لما مرّ،و قالوا:لو شئنا لقلنا مثل هذا مكابرة و عنادا.

ثمّ إنّ الظّاهر أنّهم اقترحوا التّبديل و الإتيان بطريق الافتراء،قيل:لا مساغ للقول بأنّهم اقترحوا ذلك من جهة الوحي،فكأنّهم قالوا:ائت بقرآن غير هذا أو بدّله من جهة الوحي،كما أتيت بالقرآن من جهته،و يكون معنى قوله: ما يَكُونُ لِي... ما يتسهّل لي،و لا يمكنني أن أبدّله،لما في«الكشّاف»من أنّ قوله: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي يردّ ذلك.

و وجّه بأنّهم لم يطلبوا ما هو عصيان على هذا التّقدير حتّى يقول في جوابهم ما ذكر،و نظر فيه بأنّ الطّلب من غير إذن عصيان،فإن لم يحمل ما يتسهّل لي على أنّ ذلك لكونه غير مأذون،كان الجواب غير مطابق لسؤالهم،لأنّ السّؤال عن تبديل من اللّه تعالى،و هو عليه الصّلاة و السّلام قال:لا يمكنني التّبديل من تلقاء نفسي في الجواب،و إن حمل عليه فالعصيان أيضا منزّل عليه.

و أجيب بأنّ صاحب«الكشّاف»حمل (ما يَكُونُ) على أنّه لا يمكن و لا يتسهّل،و العصيان يقع على الممكن المقدور،لا أنّهم طلبوا ما هو عصيان أو ليس،و المطابقة حاصلة بل أشدّها،لأنّ الحاصل إمّا التّبديل من تلقاء نفسي فغير ممكن،و إمّا من قبل الوحي فأنّا تابع غير متبوع.

نعم لا ينكر أنّه يمكن أن يأتي وجه آخر بأن يحمل على أنّه لا يحلّ لي ذلك دون إذن،و صاحب«الكشّاف» لم ينفه.(11:84)

عبد الكريم الخطيب: أوّلا:أنّ مسألة إتيان النّبيّ بقرآن غير هذا القرآن،أمر غير ممكن،بل مستحيل عليه استحالة مطلقة،لأنّ القرآن كلام اللّه، منزل عليه وحيا من ربّه،فليس له-و الأمر كذلك- سلطان يملك به عند اللّه،أن ينزل عليه قرآنا غير هذا القرآن.

و في هذا ردّ ضمنيّ على المشركين بأنّ القرآن من عند اللّه،و ليس من عند محمّد؛إذ لو كان من عند محمّد لكان إلى يده تغييره أو تبديله.

و ثانيا:مسألة التّبديل،و التّغيير في القرآن،و إن كانت أمرا ممكنا في ذاته،إذ لا يتأتّى القرآن على من يجرؤ على التّبديل و التّحريف فيه،و إن كان اللّه سبحانه و تعالى قد حرسه من التّبديل و حفظه من التّحريف،كما يقول تبارك و تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

نقول:إنّ مسألة التّبديل في القرآن،و إن كانت ممكنة في ذاتها،فإنّ محمّدا لن يفعل ذلك من تلقاء نفسه، فذلك خيانة للّه في الأمانة الّتي ائتمنه عليها،و عصيان له

ص: 867

في ما أمره به في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ المائدة:67،و ليس وراء العصيان للّه،و الخيانة لأمانته إلاّ العقاب الأليم و العذاب العظيم،كما يقول سبحانه:

وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:44-47.(6:973)

الطّباطبائيّ: هؤلاء المذكورون في الآية كانوا قوما وثنيّين،يقدّسون الأصنام و يعبدونها،و من سننهم التّوغّل في المظالم و الآثام و اقتراف المعاصي،و القرآن ينهى عن ذلك كلّه،و يدعو إلى توحيد اللّه تعالى و رفض الشّركاء،و عبادة اللّه مع التّنزّه عن الظّلم و الفسق و اتّباع الشّهوات.

و من المعلوم أنّ كتابا هذا شأنه،إذا تليت آياته على قوم ذلك شأنهم،لم يكن ليوافق ما تهواه أنفسهم،بما يشتمل عليه من الدّعوة المخالفة،فلو قالوا: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا دلّ على أنّهم يقترحون قرآنا لا يشتمل على ما يشتمل عليه هذا القرآن من الدّعوة إلى رفض الشّركاء و اتّقاء الفحشاء و المنكر،و إن قالوا:«بدّل القرآن»كان مرادهم تبديل ما يخالف آراءهم من آياته إلى ما يوافقها،حتّى يقع منهم موقع القبول،و ذلك كالشّاعر ينشد من شعره،أو القاصّ يقصّ القصّة، فلا تستحسنه طباع السّامعين،فيقولون:ائت بغيره أو بدّله،و في ذلك تنزيل القرآن أنزل مراتب الكلام،و هو لهو الحديث الّذي إنّما يلقى لتلهو به نفس سامعه،و تنشط به عواطفه،ثمّ لا يستطيبه السّامع،فيقول:ائت بغير هذا أو بدّله.

فبذلك يظهر أنّ قولهم:إذا تليت عليهم آيات القرآن: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا يونس:15،يريدون به قرآنا لا يشتمل من المعارف على ما يتضمّنه هذا القرآن،بأن يترك هذا و يؤتى بذاك،و قولهم: أَوْ بَدِّلْهُ أن يغيّر ما فيه من المعارف المخالفة لأهوائهم إلى معان يوافقها مع حفظ أصله.فهذا هو الفرق بين الإتيان بغيره و بين تبديله.

فما قيل:إنّ الفرق بينهما:أنّ الإتيان بغيره قد يكون معه،و تبديله لا يكون إلاّ برفعه،غير سديد،فإنّهم ما كانوا يريدون أن يأتيهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بهذا القرآن و غيره معا قطعا.

و كذا ما ذكره بعضهم أنّ قولهم: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ إنّما أرادوا به أن يمتحنوه بذلك،فيغرّوه حتّى إذا أجابهم إلى ذلك كان ذلك نقضا منه لدعوى نفسه أنّه كلام اللّه،و ذلك أنّهم لمّا سمعوا ما بلّغهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من آيات القرآن،و تلاه عليهم و تحدّاهم بالإتيان بمثله،و عجزوا عن الإتيان بمثله،و كانوا في ريب من كونه كلام اللّه،و في ريب من كونه من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نفسه،و لم يكن يفوقهم في الفصاحة و البلاغة و العلم،بل كانوا يرونه دون كبار فصحائهم و مصاقع خطبائهم، أرادوا أن يمتحنوه بهذا القول،حتّى إذا أتاهم بما سألوه كان ذلك ناقضا لأصل دعواه أنّه كلام اللّه،و كان قصارى أمره أنّه امتاز عليهم بهذا النّوع من البيان لقوّة نفسيّة فيه،كانت خفيّة عليهم،كأسباب السّحر لا بوحي هذا.

ص: 868

و فيه-مضافا إلى مناقضة آخره أوّله-أنّه مدفوع بما يلقّنه اللّه سبحانه من الحجّة،فإنّ السّؤال الّذي لم يصدر إلاّ بداعي الامتحان و الاختبار من غير داع جدّيّ، لا معنى للجواب عنه بالإثبات الجدّيّ بحجّة جدّيّة،و هو ظاهر.(10:26)

نبدّل

1- نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ

الواقعة:60،61

الزّجّاج: معناه إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا سابق و لا يفوتنا.(الطّبرسيّ 5:223)

الطّوسيّ: فالتّبديل:جعل الشّيء موضع غيره، فتبديل الحكمة بالحكمة صواب،و تبديل الحكمة بخلافها خطأ و سفه،فعلى هذا ينشئ اللّه قوما بعد قوم،لأنّ المصلحة تقتضي ذلك،و الحكمة توجب إنشاءهم في وقت و إماتتهم في وقت آخر،و إنشاؤهم بعد ذلك للحساب و الثّواب و العقاب.

و قيل:إنّ معنى عَلى أَنْ نُبَدِّلَ التّبدّل،أي لنبدّل أمثالكم،و بين«على»و«اللاّم»فرق،لأنّه يجوز أن يقال:عمله على قبحه،و لا يجوز عمله لقبحه،و تعليم الاستدلال بالنّشأة الأولى على النّشأة الثّانية فيه تعليم القياس.(9:503)

الطّبرسيّ: أي نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم، و تقديره:نبدّلكم بأمثالكم،فحذف المفعول الأوّل، و الجارّ من المفعول الثّاني.(5:223)

أبو البركات:أي نبدّلكم بأمثالكم،فحذف المفعول الأوّل،و حرف الجرّ من المفعول الثّاني.

(2:418)

الفخر الرّازيّ: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ يتعلّق بقوله:

وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ الواقعة:60،أي على التّبديل، و معناه:و ما نحن عاجزين عن التّبديل.

و التّحقيق في هذا الوجه أنّ من سبقه الشّيء كأنّه غلبه،فعجز عنه،و كلمة(على)في هذا الوجه مأخوذة من استعمال لفظ المسابقة،فإنّه يكون على شيء،فإنّ من سبق غيره على أمر فهو الغالب.

و على الوجه الآخر يتعلّق بقوله تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنا الواقعة:60،و تقديره:نحن قدّرنا بينكم على وجه التّبديل،لا على وجه قطع النّسل من أوّل الأمر،كما يقول القائل:خرج فلان على أن يرجع عاجلا،أي على هذا الوجه خرج،و تعلّق كلمة«على هذا الوجه»أظهر.

فإن قيل:على ما ذهب إليه المفسّرون لا إشكال في تبديل أمثالكم،أي أشكالكم و أوصافكم،و يكون الأمثال جمع مثل،و يكون معناه:و ما نحن بعاجزين على أن نمسخكم و نجعلكم في صورة قردة و خنازير،فيكون كقوله تعالى: وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ يس:67،و على ما قلت في تفسير المسبوقين،و جعلت المتعلّق لقوله: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ هو قوله:

نَحْنُ قَدَّرْنا فيكون قوله: نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ معناه:

على أن نبدّل أمثالهم لا على عملهم.

نقول:هذا إيراد وارد على المفسّرين بأسرهم،إذا فسّروا الأمثال بجمع المثل،و هو الظّاهر كما في قوله

ص: 869

تعالى: ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ محمّد:38،فإنّ قوله إذا دليل الوقوع،و تغيّر أوصافهم بالمسخ،ليس أمرا يقع.

و الجواب أن يقال:الأمثال إمّا أن يكون جمع مثل، و إمّا جمع مثل،فإن كان جمع مثل،فنقول:معناه قدّرنا بينكم الموت على هذا الوجه،و هو أن نغيّر أوصافكم فتكونوا أطفالا،ثمّ شبّانا،ثمّ كهولا،ثمّ شيوخا،ثمّ يدرككم الأجل،و ما قدّرنا بينكم الموت على أن نهلككم دفعة واحدة،إلاّ إذا جاء وقت ذلك،فتهلكون بنفخة واحدة.

و إن قلنا:هو جمع مثل،فنقول:معنى نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ نجعل أمثالكم بدلا،و بدله:بمعنى جعله بدلا، و لم يحسن أن يقال:بدّلناكم على هذا الوجه،لأنّه يفيد إنّا جعلنا بدلا،فلا يدلّ على وقوع الفناء عليهم،غاية ما في الباب أنّ قول القائل:جعلت كذا بدلا،لا تتمّ فائدته إلاّ إذا قال:جعلته بدلا عن كذا،لكنّه تعالى لمّا قال:

نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ فالمثل يدلّ على المثل،فكأنّه قال:

جعلنا أمثالكم بدلا لكم،و معناه على ما ذكرنا:أنّه لم نقدّر الموت على أن نفني الخلق دفعة،بل قدّرناه على أن نجعل مثلهم بدلهم مدّة طويلة،ثمّ نهلكهم جميعا،ثمّ ننشئهم.(29:180)

ابن كثير: أي نغيّر خلقكم يوم القيامة.

(6:531)

الشّربينيّ: أي تبديلا عظيما.(4:192)

الآلوسيّ: أي على أن نذهبكم،و نأتي مكانكم أشباهكم من الخلق.(27:147)

2- فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. المعارج:40،41

الطّوسيّ: فالتّبديل:تصيير الشّيء موضع غيره؛ بدّله تبديلا و أبدله إبدالا.و البدل:الكائن في موضع غيره.(10:128)

أبو البركات: و نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ تقديره:

نبدّلهم بخير منهم،فحذف المفعول الأوّل،و حرف الجرّ من الثّاني.(2:462)

الشّربينيّ: أي تبديلا عظيما بما لنا من الجلالة، عوضا عنهم.(4:388)

البروسويّ: أي نبدّلهم،حذف المفعول الأوّل للعلم به،و(خيرا)مفعوله الثّاني بمعنى التّفضيل على التّسليم؛إذ لا خير في المشركين،أو نهلكهم بالمرّة، حسبما تقتضيه جناياتهم،و نأتي بدلهم بخلق آخرين، ليسوا على صفتهم.

و لم يقع هذا التّبديل،و إنّما ذكر اللّه ذلك تهديدا لهم لكي يؤمنوا.

و قيل:بدّل اللّه بهم الأنصار و المهاجرين.

(10:170)

يبدّل

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ. ق:29

مجاهد: قد قضيت ما أنا قاض.

(الطّبريّ 26:169)

الفرّاء: أي ما يكذّب عندي،لعلمه عزّ و جلّ بغيب

ص: 870

ذلك.(3:79)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله للمشركين و قرنائهم من الجنّ يوم القيامة؛إذ تبرّأ بعضهم من بعض:ما يغيّر القول الّذي قلته لكم في الدّنيا و هو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ السّجدة:13،و لا قضائي الّذي قضيته فيهم فيها.

(26:168)

الطّوسيّ: معناه أنّ الّذي قدّمته إليكم في الدّنيا، من أنّي أعاقب من جحدني و كذّب برسلي و خالفني في أمري،لا يبدّل بغيره،و لا يكون خلافه.(9:368)

مثله الطّبرسيّ.(5:147)

ابن عطيّة: ما يكذّب لديّ،لعلمي بجميع الأمور.(5:165)

الفخر الرّازيّ: [بعد بيان المراد بكلمة القول قال:]

في ما يُبَدَّلُ وجوه أيضا:أحدها:لا يكذّب لديّ و لا يفترى بين يديّ،فإنّي عالم علمت من طغى و من أطغى،و من كان طاغيا و من كان أطغى،فلا يفيدكم قولكم:أطغاني شيطاني،و لا قول الشّيطان: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ ق:27.

ثانيها:إشارة إلى معنى قوله تعالى: اِرْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً الحديد:13،كأنّه تعالى قال:لو أردتم أن لا أقول: فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ ق:26،كنتم بدّلتم هذا من قبل،بتبديل الكفر بالإيمان قبل أن تقفوا بين يديّ،و أمّا الآن فما يبدّل القول لديّ،كما قلنا في قوله تعالى: قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ق:28،المراد أنّ اختصامكم كان يجب أن يكون قبل هذا؛حيث قلت: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فاطر:6.

ثالثها:معناه لا يبدّل الكفر بالإيمان لديّ،فإنّ الإيمان عند اليأس غير مقبول،فقولكم:ربّنا و إلهنا،لا يفيدكم، فمن تكلّم بكلمة الكفر لا يفيده قوله:ربّنا ما أشركنا و قوله:ربّنا آمنّا.

و قوله تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ إشارة إلى نفي الحال،كأنّه تعالى يقول:ما يبدّل اليوم لديّ القول،لأنّ (ما)ينفى بها الحال إذا دخلت على الفعل المضارع،يقول القائل:ما ذا تفعل غدا؟يقال:ما أفعل شيئا،أي في الحال.

و إذا قال القائل:ما ذا يفعل غدا؟يقال:لا يفعل شيئا،أو لن يفعل شيئا،إذا أريد زيادة بيان النّفي.

فإن قيل:هل فيه بيان معنويّ يفيد افتراق«ما» و«لا»في المعنى؟

نقول:نعم،و ذلك لأنّ كلمة«لا»أدلّ على النّفي، لكونها موضوعة للنّفي،و«ما»في معناه كالنّهي خاصّة، لا يفيد الإثبات إلاّ بطريق الحذف أو الإضمار،و بالجملة فبطريق المجاز كما في قوله: لا أُقْسِمُ. و أمّا«ما»فغير متمحّضة للنّفي،لأنّها واردة لغيره من المعاني حيث تكون اسما.و النّفي في الحال لا يفيد النّفي المطلق،لجواز أن يكون مع النّفي في الحال الإثبات في الاستقبال،كما يقال:ما يفعل الآن شيئا و سيفعل إن شاء اللّه،فاختصّ بما لم يتمحّض نفيا،حيث لم تكن متمحّضة للنّفي، لا يقال:إنّ«لا»للنّفي في الاستقبال و الإثبات في الحال، فاكتفى في الاستقبال بما لم يتمحّض نفيا،لأنّا نقول:ليس

ص: 871

كذلك،إذ لا يجوز أن يقال:لا يفعل زيد و يفعل الآن.

نعم يجوز أن يقال:لا يفعل غدا و يفعل الآن،لكون قولك:غدا يجعل الزّمان مميّزا،فلم يكن قولك:لا يفعل، للنّفي في الاستقبال،بل كان للنّفي في بعض أزمنة الاستقبال،و في مثالنا قلنا:ما يفعل و سيفعل،و ما قلنا:

سيفعل غدا و بعد غد،بل هاهنا نفينا في الحال و أثبتنا في الاستقبال،من غير تمييز زمان من أزمنة الاستقبال عن زمان.و مثاله في العكس أن يقال:لا يفعل زيد،و هو يفعل من غير تعيين و تمييز،و معلوم أنّ ذلك غير جائز.

(28:170)

البيضاويّ: أي بوقوع الخلف فيه،فلا تطمعون أن أبدّل وعيدي،و عفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التّبديل،فإنّ دلائل العفو تدلّ على تخصيص الوعيد.(2:416)

مثله الكاشانيّ.(5:63)

النّسفيّ: أي لا تطمعوا أن أبدّل قولي و وعيدي بإدخال الكفّار في النّار.(4:179)

الشّربينيّ: أي يغيّر بوجه من الوجوه.(4:87)

البروسويّ: أي لا يغيّر قولي في الوعد و الوعيد، فما يظهر في الوقت هو الّذي قضيته في الأزل،لا مبدّل له.

و العفو عن بعض المذنبين-لأسباب داعية إليه-ليس بتبديل،فإنّ دلائل العفو تدلّ على تخصيص الوعيد، يعني و لا مخصّص في حقّ الكفّار،فالوعيد على عمومه في حقّهم.

قال الجلال الدّوانيّ في«شرح العضد»: ذهب بعض العلماء إلى أنّ الخلف في الوعيد جائز على اللّه تعالى لا في الوعد،و بهذا وردت السّنّة حيث قال عليه السّلام:من وعد لأحد على عمله ثوابا فهو منجز له،و من أوعده على عمله عقابا فهو بالخيار.و العرب لا تعدّ عيبا و لا خلفا أن يعد شرّا ثمّ لا يفعله،بل ترى ذلك كرما و فضلا،و إنّما الخلف أن يعد خيرا ثمّ لا يفعله.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحسن يحيى بن معاذ رضي اللّه عنه في هذا المعنى، حيث قال:الوعد و الوعيد حقّ،فالوعد حقّ العباد على اللّه،ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا،و من أولى بالوفاء من اللّه!و الوعيد حقّه على العباد،قال:لا تفعلوا كذا فأعذّبكم،ففعلوا.فإن شاء عفا و إن شاء آخذ،لأنّه حقّه،و أولاهما العفو و الكرم،لأنّه غفور رحيم.فاللّه تعالى لا يغفر أن يشرك به فينجز وعيده في حقّ المشركين،و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء،فيجوز أن يخلف وعيده في حقّ المؤمنين.و لأهل الحقائق كلام آخر مذكور في محلّه،عافانا اللّه و إيّاكم من بلائه.(9:125)

شبّر: أي لا يقع خلاف وعيدي للكفرة.(6:73)

عبد الكريم الخطيب: أي أنّه لا ينقض هذا الحكم الّذي قضى اللّه به في أهل الضّلال،و لن تنفع الظّالمين معذرتهم،و لا هم يستعتبون.(13:486)

عبد المنعم الجمّال: ما يغيّر القول الّذي وعدته لكم عندي.(4:2934)

تبدّل

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ. إبراهيم:48

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: في حديث قال له اليهوديّ:أين

ص: 872

يكون النّاس يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ؟ فقال:«في الظّلمة دون الجسر».

في حديث سئل عنه: أين يكون النّاس يومئذ؟قال:

«على الصّراط».(القرطبيّ 9:383)

كعب الأحبار: تصير السّماوات جنانا،و يصير مكان البحر النّار،و تبدّل الأرض غيرها.

(الطّبرسيّ 3:325)

أبو أيّوب الأنصاريّ: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حبر من اليهود،فقال:أ رأيت إذ يقول اللّه تعالى في كتابه: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ فأين الخلق عند ذلك؟فقال:أضياف اللّه،فلن يعجزهم ما لديه.(الطّبرسيّ 3:325)

ابن عبّاس: أي في يوم تغيّر الأرض على حال سوى هذه الحال.و تبديلها:أن يزاد فيها و ينقص منها، و يستوي جبالها و أوديتها،و يقال:تبدّل الأرض غير هذه الأرض، وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ الزّمر:

67.(تنوير المقباس:215)

الطّوسيّ: التّبديل:التّغيير برفع الشّيء إلى بدل.

و قيل:إنّ تبديل الأرض بغيرها برفع الصّورة الّتي كانت عليها إلى صورة غيرها.

و قوله: وَ السَّماواتُ تقديره:تبدّل السّماوات غير السّماوات،و حذف لدلالة الكلام عليه.و قيل:تبديل الأرض بتسيير الجبال و تفجير بحارها،و كونها مستوية لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:107.

و تبديل السّماوات:انتشار كواكبها،و انفطارها، و تكوير شمسها،و خسوف قمرها.(6:309)

البغويّ: قيل:معنى التّبديل:جعل السّماوات جنانا،و جعل الأرض نيرانا.و قيل:تبديل الأرض:

تغييرها من هيئة إلى هيئة،و هي تسيير جبالها،و طمّ أنهارها،و تسوية أوديتها،و قلع أشجارها،و جعلها قاعا صفصفا.و تبديل السّماوات:تغييرها عن حالها بتكوير شمسها،و خسوف قمرها،و انتثار نجومها،و كونها مرّة كالدّهان و مرّة كالمهل.(4:44)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ التّبديل يحتمل وجهين:

أحدهما:أن تكون الذّات باقية،و تتبدّل صفتها بصفة أخرى.

و الثّاني:أن تفنى الذّات الأولى و تحدث ذات أخرى.

و الدّليل على أنّ ذكر لفظ«التّبدّل»لإرادة التّغيّر في الصّفة جائز،أنّه يقال:بدّلت الحلقة خاتما،إذا أذبتها و سوّيتها خاتما،فنقلتها من شكل إلى شكل،و منه قوله تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:

70،و يقال:بدّلت قميصي جبّة،أي نقلت العين من صفة إلى صفة أخرى،و يقال:تبدّل زيد،إذا تغيّرت أحواله.

و أمّا ذكر لفظ التّبديل عند وقوع التّبدّل في الذّوات فكقولك:بدّلت الدّراهم دنانير،و منه قوله: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،و قوله: وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ سبأ:16،إذا عرفت أنّ اللّفظ محتمل لكلّ واحد من هذين المفهومين،ففي الآية قولان:

القول الأوّل:أنّ المراد تبديل الصّفة لا تبديل الذّات.[ثمّ نقل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1)و ابن عبّاس إلى أن قال:]».

ص: 873


1- تقدّم في مادّة«أرض».

و قوله: وَ السَّماواتُ أي تبدّل السّماوات غير السّماوات،و هو كقوله عليه السّلام:«لا يقتل مؤمن بكافر، و لا ذو عهد في عهده».و المعنى:و لا ذو عهد في عهده بكافر.

و تبديل السّماوات بانتثار كواكبها و انفطارها، و تكوير شمسها و خسوف قمرها،و كونها أبوابا،و أنّها تارة تكون كالمهل و تارة تكون كالدّهان.

و القول الثّاني:أنّ المراد تبديل الذّات.قال ابن مسعود:تبدّل بأرض كالفضّة البيضاء النّقيّة،لم يسفك عليها دم،و لم تعمل عليها خطيئة،فهذا شرح هذين القولين.

و من النّاس من رجّح القول الأوّل،قال:لأنّ قوله:

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ المراد هذه الأرض،و التّبدّل صفة مضافة إليها،و عند حصول الصّفة لا بدّ و أن يكون الموصوف موجودا،فلمّا كان الموصوف بالتّبدّل هو هذه الأرض،وجب كون هذه الأرض باقية عند حصول ذلك التّبدّل،و لا يمكن أن تكون هذه الأرض باقية مع صفاتها عند حصول ذلك التّبدّل،و إلاّ لامتنع حصول التّبدّل،فوجب أن يكون الباقي هو الذّات،فثبت أنّ هذه الآية تقتضي كون الذّات باقية.

و القائلون بهذا القول هم الّذين يقولون:إنّ عند قيام القيامة لا يعدم اللّه الذّوات و الأجسام،و إنّما يعدم صفاتها و أحوالها.

و اعلم أنّه لا يبعد أن يقال:المراد من تبديل الأرض و السّماوات هو أنّه تعالى يجعل الأرض جهنّم،و يجعل السّماوات الجنّة،و الدّليل عليه قوله تعالى: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18،و قوله: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ المطفّفين:7،و اللّه أعلم.

(19:146)

نحوه البيضاويّ(1:535)،و النّسفيّ(2:267)، و النّيسابوريّ(13:139)،و الخازن(4:45)، و أبو السّعود(3:137).

القرطبيّ: و اختلف في كيفيّة تبديل الأرض،فقال كثير من النّاس:إنّ تبدّل الأرض عبارة عن تغيّر صفاتها،و تسوية آكامها،و نسف جبالها،و مدّ أرضها.

[ثمّ نقل روايات تدلّ عليه]

و قيل:اختلاف أحوالها،فمرّة كالمهل و مرّة كالدّهان،حكاه ابن الأنباريّ.و قد ذكرنا هذا الباب مبيّنا في كتاب«التّذكرة»،و ذكرنا ما للعلماء في ذلك،و أنّ الصّحيح إزالة هذه الأرض حسب ما أثبت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

[ثمّ نقل روايات تدلّ عليه إلى أن قال:]

فهذه الأحاديث تنصّ على أنّ السّماوات و الأرض تبدّل و تزال،و يخلق اللّه أرضا أخرى،يكون النّاس عليها بعد كونهم على الجسر.(9:382)

أبو حيّان: و قرئ (نبدّل) بالنّون،(الأرض) بالنّصب،و(السّماوات)معطوف على(الأرض)،و ثمّ محذوف،أي غير السّماوات،حذف لدلالة ما قبله عليه، و الظّاهر استئناف.(5:440)

الآلوسيّ: قال الإمام:[الفخر الرّازيّ]لا يبعد أن يقال:المراد بتبديل الأرض:جعلها جهنّم،و بتبديل السّماوات:جعلها الجنّة،و تعقّب بأنّه بعيد،لأنّه يلزم أن تكون الجنّة و النّار غير مخلوقتين الآن،و الثّابت في الكلام

ص: 874

و الحديث خلافه.

و أجيب بأنّ الثّابت خلقهما مطلقا لا خلق كلّهما، فيجوز أن يكون الموجود الآن بعضهما،ثمّ تصير السّماوات و الأرض بعضا منهما.

و فيه أنّ هذا و إن صحّحه لا يقرّ به،و الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18،و قوله سبحانه: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ المطفّفين:7،في غاية الغرابة من الإمام،فإنّ في إشعار ذلك بالمقصود نظر،فضلا عن كونه دالاّ عليه.

نعم جاء في بعض الآثار ما يؤيّد ما قاله:فقد أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب أنّه قال في الآية:تصير السّماوات جنانا،و يصير مكان البحر نارا، و تبدّل الأرض غيرها.[ثمّ نقل قول ابن مسعود و رواية النّبيّ و ابن عبّاس إلى أن قال:]

و لعلّ المراد من هذا التّبديل نحو خاصّ منه،و اللّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.و تقديم تبديل الأرض لقربها منها،و لكون تبديلها أعظم أمرا بالنّسبة إلينا.

(13:254)

عبد المنعم الجمّال: و في معنى هذا التّبديل قولان:

أحدهما:أنّه تبدّل صفاتهما لا ذواتهما.

قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:هي تلك الأرض إلاّ أنّها تغيّرت في صفاتها،فتسير عن الأرض جبالها، و تفجر بحارها،و تسوّى فلا يرى فيها عوج و لا أمت.

و روي عن أبي هريرة:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«يبدّل اللّه الأرض غير الأرض فيبسطها،و يمدّها مدّ الأديم العكاظيّ فلا ترى فيها عوجا و لا أمتا»،أمّا تبديل السّماوات فهو انتشار كواكبها،و طموس شمسها، و انكدار نجومها،و انشقاق السّماء،و كونها تارة كالدّهان و تارة كالمهل.

و القول الثّاني:هو تبديل ذواتهما،و به قال جماعة من العلماء،و ذلك بأن يخلق اللّه أرضا و سماوات أخر، و يخرج الخلائق من قبورهم للحساب و الجزاء، و الوقوف بين يدي الواحد القهّار،فلا مستغاث لأحد إلى غيره،و لا مستجار سواه.(2:1603)

و قد تركنا نصوصا من المفسّرين لتقدّمها في مادّة «أرض»فراجع.

تبديل

1- لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

يونس:64

الفرّاء: أي لا خلف لوعد اللّه.(1:471)

الطّبريّ: فإنّ معناه أنّ اللّه لا خلف لوعده، و لا تغيير لقوله عمّا قال،و لكنّه يمضي لخلقه مواعيده، ينجزها لهم.(11:138)

الطّوسيّ: معناه الخلف لما وعد اللّه تعالى من الثّواب،بوضع كلمة أخرى مكانها بدلا منها،لأنّها حقّ،و الحقّ لا خلف له بوجه.(5:463)

مثله الطّبرسيّ.(3:120)

الزّمخشريّ: لا تغيير لأقواله،و لا إخلاف

ص: 875

لمواعيده،كقوله تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ق:29.

(2:243)

مثله البيضاويّ(1:452)،و النّيسابوريّ(11:

100)،و أبو حيّان(5:175)،و الشّربينيّ(2:28)، و الكاشانيّ(2:410)،و شبّر(3:171).

ابن عطيّة: يريد لا خلف لمواعيده،و لا ردّ في أمره.

و قد أخذ ذلك عبد اللّه بن عمر على نحو غير هذا، و جعل التّبديل المنفيّ في الألفاظ،و ذلك أنّه روى:أنّ الحجّاج بن يوسف خطب فأطال خطبته حتّى قال:إنّ عبد اللّه بن الزّبير قد بدّل كتاب اللّه،فقال له عبد اللّه بن عمر:إنّك لا تطيق ذلك أنت و لا ابن الزّبير، لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ، فقال له الحجّاج:لقد أعطيت علما،فلمّا انصرف إليه في خاصّته سكت عنه،و قد روي هذا النّظر عن ابن عبّاس في غير مقاولة الحجّاج،ذكره البخاريّ.(3:129)

القرطبيّ: أي لا خلف لوعده،و قيل:لا تبديل لأخباره أي لا ينسخها بشيء،و لا تكون إلاّ كما قال.(8:359)

الخازن: يعني:لا خلف لوعد اللّه الّذي وعد به أولياءه و أهل طاعته في كتابه و على ألسنة رسله، و لا تغيّر لذلك الوعد.(3:162)

أبو السّعود: لا تغيير لأقواله الّتي من جملتها مواعيده الواردة بشارة للمؤمنين المتّقين،فيدخل فيها البشارات الواردة هاهنا دخولا أوّليّا،و يثبت امتناع الإخلاف فيها ثبوتا قطعيّا،و على تقدير كون المراد ب«البشرى»الرّؤيا الصّالحة.فالمراد بعدم تبديل كلماته تعالى ليس عدم الخلف بينها،و بين نتائجها الدّنيويّة و الأخرويّة،بل عدم الخلف بينها و بين ما دلّ على ثبوتها و وقوعها فيما سيأتي بطريق الوعد،من قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى. فتدبّر.(2:338)

البروسويّ: في«التّأويلات النّجميّة»:لا يتغيّر أحكامه الأزليّة؛حيث قال للوليّ:كن وليّا،و للعدوّ:كن عدوّا،و كانوا كما أراد للحكمة البالغة،فلا تغيّر لكلمة الوليّ و كلمة العدوّ.(4:62)

الآلوسيّ: [بعد نقل كلام أبو السّعود قال:]

و لم يظهر لي وجهه بعد التّدبّر،و المشهور أنّ الرّؤيا الصّالحة لا يتخلّف ما تدلّ عليه.(11:152)

محمّد جواد مغنيّة: لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ لأنّ اللّه لا يخلف وعده،و إذا أراد شيئا فلا رادّ لمشيئته:

وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يونس:107.(4:174)

عبد المنعم الجمّال: لا خلف لوعد اللّه،بل قوله الحقّ و وعده الصّدق.

لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ جملة اعتراضيّة،أتى اللّه بها ليغرس في قلوب المؤمنين أنّ وعده محقّق،و أنّ البشارات ستحقّق،و ما قاله اللّه في الآية من بشارات في الدّارين هو الفوز العظيم،و ليس بعده فوزا أبدا.

(2:1369)

2- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ

ص: 876

أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. الرّوم:30

ابن قتيبة: أي لا تغيير لما فطرهم عليه من ذلك.

(341)

البيضاويّ: لا يقدر أحد أن يغيّره،أو ما ينبغي أن يغيّره.(2:221)

تبديلا

1- ...فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً.

فاطر:43

الطّبريّ: يقول:فلن تجد يا محمّد لسنّة اللّه تغييرا.

(22:146)

الكرمانيّ: قوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً فاطر:43،كرّر،و قال في الفتح:23 وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً، و قال في سبحان (1):77: وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً.

التّبديل:تغيير الشّيء عمّا كان عليه.قيل:مع بقاء مادّة الأصل،كقوله تعالى: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،و كذلك: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48.

و التّحويل:نقل الشّيء من مكان إلى مكان آخر.

و سنّة اللّه سبحانه لا تبدّل و لا تحوّل،فخصّ هذا الموضع بالجمع بين الوصفين،لما وصف الكفّار بوصفين،و ذكر لهم غرضين،و هو قوله: وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاّ مَقْتاً وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَساراً فاطر:39،و قوله: اِسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ اَلسَّيِّئِ فاطر:43.

و قيل:هما بدلان من(نفورا)،فكما ثنّى الأوّل و الثّاني ثنّى الثّالث،ليكون الكلام كلّه على غرار واحد.

و قال في الفتح 23: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً فاقتصر على مرّة واحدة لما لم يكن للتّكرار موجب.

و خصّ سبحان بقوله: تَحْوِيلاً لأنّ قريشا قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لو كنت نبيّا لذهبت إلى الشّام،فإنّها أرض المبعث و المحشر.فهمّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالذّهاب إليها،فهيّأ أسباب الرّحيل و التّحويل،فنزل جبرئيل عليه السّلام بهذه الآيات وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها الإسراء:76،و ختم الآيات بقوله: تَحْوِيلاً تطبيقا للمعنى.(165)

الطّبرسيّ: أي لا يغيّر اللّه عادته من عقوبة من كفر نعمته و جحد ربوبيّته،و لا يبدّلها.

فالتّبديل:تصيير الشّيء مكان غيره،و التّحويل:

تصيير الشّيء في غير المكان الّذي كان فيه،و التّغيير:

تصيير الشّيء على خلاف ما كان.(4:412)

الفخر الرّازيّ: التّبديل:تحويل،فما الحكمة في التّكرار؟

نقول:بقوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً فاطر:

43،حصل العلم بأنّ العذاب لا تبديل له بغيره،و بقوله:

وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً حصل العلم بأنّ العذاب مع أنّه لا تبديل له بالثّواب،لا يتحوّل عن مستحقّه إلى غيره،فيتمّ تهديد المسيء.(26:35)

ابن كثير:أي لا تغيّر و لا تبدّل،بل هي جارية

ص: 877


1- المراد به سورة الإسراء.

كذلك في كلّ مكذّب.(5:596)

الطّباطبائيّ: تبديل السّنّة:أن توضع العافية و النّعمة موضع العذاب،و تحويلها:أن ينقل العذاب من قوم يستحقّونه إلى غيرهم.و سنّة اللّه لا تقبل تبديلا و لا تحويلا لأنّه تعالى على صراط مستقيم؛لا يقبل حكمه تبعيضا و لا استثناء.(17:58)

عزّة دروزة: و ممّا تلهمه الآية الثّانية الّتي نحن في صددها،أي الآية(43)من سورة فاطر:أنّ المشركين كانوا يتحدّون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بإنزال العذاب و تعجيله عليهم بأسلوب المستهتر السّاخر،فأكّدت الآية لهم عدم تبدّل سنّة اللّه الّتي خلت في من قبلهم،توكيدا،يتضمّن الإنذار.

و الآيتان التّاليتان يتضمّنان تدعيما لهذا التّوكيد ممّا ينطوي فيه صحّة الاستلهام.

و استعجال الكفّار العذاب الموعود بالأسلوب السّاخر الجاهد قد حكي عنهم في آيات كثيرة،منها:

آيات الأنبياء:36-38،هذه: وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ* خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ* وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

و منها:آية سورة الحجّ:47،هذه وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ.

و منها:آيات سورة العنكبوت:53-55،هذه وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ* يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ* يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (3:31)

2- سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً. الأحزاب:62

الطّوسيّ: معناه إنّ السّنّة الّتي أراد اللّه أن يسنّها في عباده لا يتهيّأ لأحد تغييرها و لا قلبها عن وجهها،لأنّه تعالى القادر الّذي لا يتهيّأ لأحد منعه ممّا أراد فعله.

(8:363)

مثله الطّبرسيّ.(4:371)

ابن عطيّة: أي من مغالب يستقرّ تبديله،فيخرج على هذا تبديل العصاة و الكفرة،و يخرج عنه أيضا ما يبدّله اللّه من سنّة بسنّة بالنّسخ.(4:400)

الفخر الرّازيّ:أي ليست هذه السّنّة مثل الحكم الّذي يبدّل و ينسخ،فإنّ النّسخ يكون في الأحكام،أمّا الأفعال و الأخبار فلا تنسخ.(25:231)

مثله النّيسابوريّ(22:31)،و الشّربينيّ(3:

272).

النّسفيّ: أي لا يبدّل اللّه سنّته،بل يجريها مجرى واحدا في الأمم.(3:314)

أبو السّعود: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً أصلا، لابتنائها على أساس الحكمة الّتي عليها يدور فلك التّشريع.(4:220)

نحوه المراغيّ.(22:39)

البروسويّ: تغييرا أصلا،أي لا يبدّلها لابتنائها

ص: 878

على أساس الحكمة الّتي عليها يدور فلك التّشريع،أو لا يقدر أحد على أن يبدّلها،لأنّ ذلك مفعول له لا محالة.

و في الآية تهديد للمنافقين عبارة،و من بصددهم من منافقي أهل الطّلب من المتصوّفة و المتعرّفة،الّذين يلبسون في الظّاهر ثيابهم،و يتلبّسون في الباطن بما يخالف سيرتهم و سرائرهم،و أنّهم لو لم يمتنعوا عن أفعالهم و لم يتغيّروا عن أحوالهم،لأجرى معهم سنّته في التّبديل و التّغيير على من سلف من نظائرهم،و لكلّ قوم عقوبة بحسب جنايتهم.(7:242)

الآلوسيّ: لابتنائها على أساس الحكمة فلا يبدّلها هو جلّ شأنه،و هيهات هيهات أن يقدر غيره سبحانه على تبديلها.

و من سبر أخبار الماضي وقف على أمر عظيم،في سوء معاملتهم المفسدين فيما بينهم،و كأنّ الطّباع مجبولة على سوء المعاملة معهم و قهرهم.(22:91)

3- سُنَّةَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً. الفتح:23

ابن عبّاس: تحويلا.(تنوير المقباس:433)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و لن تجد يا محمّد لسنّة اللّه الّتي سنّها في خلقه تغييرا،بل ذلك دائم، للإحسان جزاؤه من الإحسان،و للإساءة و الكفر العقاب و النّكال.(26:93)

الطّوسيّ: و التّبديل:رفع أحد الشّيئين و جعل الآخر مكانه،في ما حكم أن يستمرّ على ما هو به.و لو رفع اللّه حكما يأتي بخلافه لم يكن تبديلا لحكمه،لأنّه لا يرفع شيئا إلاّ في الوقت الّذي تقتضي الحكمة رفعه.

(9:331)

الشّربينيّ: أي تغييرا من مغيّر ما يغيّرها بما يكون بدلها.(4:49)

البروسويّ: أي تغييرا بنقل الغلبة من الأنبياء إلى غيرهم.[ثمّ استشهد بشعر](9:42)

لا مبدّل

1- ...وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ. الأنعام:34

ابن عبّاس: لا مغيّر لكلمات اللّه،بالنّصرة لأوليائه على أعدائه.(تنوير المقباس:108)

مثله الطّبريّ.(7:183)

الزّجّاج: أي لا يخلف اللّه وعده،و لا يغلب أولياءه أحد.(2:243)

الطّوسيّ: معناه:لا أحد يقدر على تكذيب خبر اللّه على الحقيقة،و لا على إخلاف وعده،فإنّ ما أخبر اللّه به أن يفعل بالكفّار،فلا بدّ من كونه،لا محالة،و ما وعدك به من نصرة،فلا بدّ من حصوله،لأنّه لا يجوز الكذب في أخباره،و لا الخلف في وعده.و قيل:معناه أنّه لا مبطل لحججه و براهينه،و لا مفسد لأدلّته.(4:130)

مثله الطّبرسيّ.(2:295)

البغويّ: لا ناقض لما حكم به،و قد حكم في كتابه بنصر أنبيائه عليهم السّلام،فقال: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ الصّافّات:171-173،و قال: إِنّا

ص: 879

لَنَنْصُرُ رُسُلَنا المؤمن:51،و قال: كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي المجادلة:21.

و قال الحسن بن الفضل: لا خلف لعدته.(2:107)

مثله الخازن.(2:107)

ابن عطيّة: أي لا رادّ لأمره و كلماته السّابقات بما يكون،و لا مكذّب لما أخبر به،فكأنّ المعنى:فاصبر كما صبروا و انتظر ما يأتي،وثق بهذا الإخبار فإنّه لا مبدّل له،فالقصد هنا هذا الخبر.و جاء اللّفظ عامّا جميع كلمات اللّه السّابقات.

و أمّا كلام اللّه عزّ و جلّ في التّوراة و الإنجيل،فمذهب ابن عبّاس أنّه لا مبدّل لها.و إنّما حرّفها اليهود بالتّأويل لا ببدل حروف و ألفاظ،و جوّز كثير من العلماء أن يكونوا بدّلوا الألفاظ،لأنّهم استحفظوها،و هو الأظهر.

و أمّا القرآن فإنّ اللّه تعالى تضمّن حفظه،فلا يجوز فيه التّبديل،قال اللّه تعالى: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و قال في أولئك: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ المائدة:44.(2:287)

ابن الجوزيّ: قوله تعالى: وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ فيه خمسة أقوال:

أحدها:لا خلف لمواعيده،قاله ابن عبّاس.

و الثّاني:لا مبدّل لما أخبر به و ما أمر به،قاله الزّجّاج.

و الثّالث:لا مبدّل لحكوماته و أقضيته النّافذة في عباده،فعبّرت الكلمات عن هذا المعنى كقوله: وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71،أي وجب ما قضي عليهم.فعلى هذا القول و الّذي قبله، يكون المعنى لا مبدّل لحكم كلمات اللّه،و لا ناقض لما حكم به،و قد حكم بنصر أنبيائه بقوله: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي المجادلة:21.

و الرّابع:أنّ معنى الكلام معنى النّهي،و إن كان ظاهره الإخبار،فالمعنى لا يبدّلنّ أحد كلمات اللّه،فهو كقوله: لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2.

و الخامس:أنّ المعنى لا يقدر أحد على تبديل كلام اللّه،و إن زخرف و اجتهد،لأنّ اللّه تعالى صانه برصين اللّفظ،و قويم الحكم،أن يختلط بألفاظ أهل الزّيغ،ذكر هذه الأقوال الثّلاثة ابن الأنباريّ.(3:31)

القرطبيّ: وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ مبيّن لذلك النّصر،أي ما وعد اللّه عزّ و جلّ به،فلا يقدر أحد أن يدفعه،لا ناقض لحكمه و لا خلف لوعده.(6:417)

الآلوسيّ: ظاهر الآية أنّ أحدا غيره تعالى لا يستطيع أن يبدّل كلمات اللّه عزّ و جلّ،بمعنى أن يفعل خلاف ما دلّت عليه،و يحول بين اللّه عزّ اسمه و بين تحقيق ذلك.و أمّا أنّه تعالى لا يبدّل فلا تدلّ عليه الآية،و الّذي دلّت عليه النّصوص أنّه سبحانه ربّما يبدّل الوعيد و لا يبدّل الوعد.(7:137)

رشيد رضا: وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ في وعده و وعيده الّتي منها وعده للرّسل بالنّصر،و توعّده لأعدائهم بالغلب و الخذلان،و لا في غير ذلك من الشّرائع و السّنن الّتي اقتضتها الحكمة.

و المراد من هذه الكلمات هنا قوله في سورة الصّافّات:171-173: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ اقرأ الآيات إلى آخر السّورة،فنفي جنس

ص: 880

المبدّل لكلمات اللّه،مثبت لكلمته في نصر المرسلين بالدّليل،أي إنّ ذلك النّصر قد سبقت به كلمة اللّه، و كلمات اللّه لا يمكن أن يبدّلها مبدّل،فنصر الرّسل حتم لا بدّ منه.

و كلمات اللّه جنس يشمل كلمات الإخبار و إنشاء الأحكام،كما سيأتي في تفسير وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ الأنعام:115،من هذه السّورة.

و إضافة الكلمات هنا إلى الاسم الأجلّ الأعظم، تشعر بعلّة القطع بأنّه لا مبدّل لها،لأنّ المبدّل لكلمات غيره لا بدّ أن تكون قدرته فوق قدرته،و سلطانه أعلى من سلطانه،و التّبديل عبارة عن جعل شيء بدلا من شيء آخر.و تبديل الأقوال و الكلمات نوعان:

تبديل ذاتها،بجعل قول مكان قول،و كلمة مكان كلمة،و منه فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ البقرة:59.

و تبديل مدلولها و مضمونها،كمنع نفوذ الوعد و الوعيد،أو وقوعه على خلاف القول الّذي سبق.

و المتكلّمون الّذين يجوّزون إخلاف الوعيد يقولون:

إنّ للّه أن يبدّل ما شاء من كلماته،و إنّما يستحيل ذلك على غيره،و تبديله إيّاها لا يشمله النّفي في الآية.

فإن قيل لهم:قد يشمله ما هو أعمّ منه في هذا المعنى، كقوله تعالى في سورة ق:29: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، قالوا:إنّ النّصوص الواردة في العفو تخصّص العامّ من نصوص الوعيد،أو:لا نسلّم أنّ العفو عن بعض المذنبين من قبيل التّبديل.(7:378)

المراغيّ:أي إنّ ذلك النّصر قد سبقت به كلمة اللّه،في مثل قوله: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ الصّافّات:171-173.

[ثمّ ذكر مثل رشيد رضا و أضاف:]

ثمّ أكّد سبحانه عدم التّبديل بقوله: وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ الأنعام:34،أي و لقد جاءك ذلك الّذي أشير إليه،من خبر التّكذيب و الصّبر و النّصر من نبأ المرسلين،الّذي قصصناه عليك من قبل.فقد روي:أنّ سورة الأنعام نزلت بين سور الشّعراء و النّمل و القصص و هود و الحجر المشتملة على نبأ المرسلين بالتّفصيل.

و كما وعد اللّه رسله بالنّصر وعد المؤمنين به،نحو قوله: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ المؤمن:51،و في قوله: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الرّوم:47.(7:112)

الطّباطبائيّ:و وقوع المبدّل في قوله: وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ الأنعام:34،في سياق النّفي،ينفي أيّ مبدّل مفروض،سواء كان من ناحيته تعالى،بأن يتبدّل مشيئته في خصوص كلمة،بأن يمحوها بعد إثباتها،أو ينقضها بعد إبرامها،و كان من ناحية غيره تعالى،بأن يظهر عليه و يقهره على خلاف ما شاء،فيبدّل ما أحكم و يغيّره بوجه من الوجوه.

و من هنا يظهر أنّ هذه الكلمات الّتي أنبأ سبحانه عن كونها لا تقبل التّبديل أمور خارجة عن لوح المحو و الإثبات،فكلمة:اللّه و قوله و كذا وعده،في عرف

ص: 881

القرآن هو القضاء،و الحتم لا مطمع في تغييره و تبديله، قال تعالى: قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ ص:84،و قال تعالى: وَ اللّهُ يَقُولُ الْحَقَّ الأحزاب:4،و قال تعالى:

أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ يونس:55،و قال تعالى:

لا يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعادَ الزّمر:20،و قد مرّ البحث المستوفى في معنى كلمات اللّه تعالى،و ما يرادفها من الألفاظ في عرف القرآن،و في ذيل قوله تعالى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ البقرة:253.(7:63)

عبد الكريم الخطيب: فتلك هي سنّة في الّذين خلوا،و لن تتخلّف آثارها في حاضر أو مستقبل،فإنّ أحكام اللّه لا تنقض،و كلماته لن تتبدّل.(4:161)

2- وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. الأنعام:155

ابن عبّاس: يقال: وَ تَمَّتْ: وجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ بالنّصرة لأوليائه صِدْقاً في قوله، وَ عَدْلاً فيما يكون لا مُبَدِّلَ): لا مغيّر لِكَلِماتِهِ بالنّصرة لأوليائه.

(تنوير المقباس:117)

قتادة: أي لا مغيّر لأحكامه.(الطّبرسيّ 2:354)

الطّبريّ: لا مغيّر لما أخبر عنه من خبر أنّه كائن، فيبطل مجيئه و كونه و وقوعه على ما أخبر جلّ ثناؤه، لأنّه لا يزيد المفترون في كتب اللّه،و لا ينقصون منها؛ و ذلك أنّ اليهود و النّصارى لا شكّ أنّهم أهل كتب اللّه الّتي أنزلها على أنبيائه،و قد أخبر جلّ ثناؤه أنّهم يحرّفون غير الّذي أخبر:أنّه لا مبدّل له.(8:9)

الطّبرسيّ: أي لا مغيّر لأحكامه،عن قتادة،لأنّه و إن أمكن التّغيير و التّبديل في اللّفظ كما بدّل أهل الكتاب التّوراة و الإنجيل،فإنّه لا يعتدّ بذلك.

قال:و قد تطلق الكلمة بمعنى الحكم،قال سبحانه:

كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يونس:33،أي حكم ربّك،و يقال:عقوبة ربّك.و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صفة النّساء:إنّهنّ عوان عندكم،استحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه تعالى.

و قيل:معناه أنّ القرآن محروس عن الزّيادة و النّقصان،فلا مغيّر لشيء منه،و ذلك أنّ اللّه تعالى ضمن حفظه في قوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

و لا يجوز أن يعني بالكلمات الشّرائع،كما عنى بقوله:

وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها التّحريم:12،لأنّ الشّرائع قد يجوز فيها النّسخ و التّبديل.(2:354)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه:

الأوّل:أنّا بيّنّا أنّ المراد من قوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، أنّها تامّة في كونها معجزة دالّة على صدق محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

ثمّ قال: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، و المعنى أنّ هؤلاء الكفّار يلقون الشّبهات في كونها دالّة على صدق محمّد عليه الصّلاة و السّلام،إلاّ أنّ تلك الشّبهات لا تأثير لها في هذه الدّلائل الّتي لا تقبل التّبديل البتّة،لأنّ تلك الدّلالة ظاهرة باقية جليّة قويّة،لا تزول بسبب ترّهات الكفّار و شبهات أولئك الجهّال.

و الوجه الثّاني:أن يكون المراد أنّها تبقى مصونة عن التّحريف و التّغيير،كما قال تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

ص: 882

و الوجه الثّالث:أن يكون المراد أنّها مصونة عن التّناقض،كما قال: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82.

و الوجه الرّابع:أن يكون المراد أنّ أحكام اللّه تعالى لا تقبل التّبديل و الزّوال،لأنّها أزليّة،و الأزليّ لا يزول.

و اعلم أنّ هذا الوجه أحد الأصول القويّة في إثبات الجبر،لأنّه تعالى لمّا حكم على زيد بالسّعادة و على عمرو بالشّقاوة،ثمّ قال: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ يلزم امتناع أن ينقلب السّعيد شقيّا،و أن ينقلب الشّقيّ سعيدا، فالسّعيد من سعد في بطن أمّه،و الشّقيّ من شقي في بطن أمّه.(13:161)

مثله النّيسابوريّ.(8:10)

القرطبيّ: لا مبدّل لها فيما حكم به،أي إنّه و إن أمكنه التّغيير و التّبديل في الألفاظ،كما غيّر أهل الكتاب التّوراة و الإنجيل،فإنّه لا يعتدّ بذلك.و دلّت الآية على وجوب اتّباع دلالات القرآن،لأنّه حقّ لا يمكن تبديله بما يناقضه،لأنّه من عند حكيم لا يخفى عليه شيء من الأمور كلّها.(7:71)

البيضاويّ: لا أحد يبدّل شيئا منها بما هو أصدق و أعدل،أو لا أحد يقدر أن يحرّفها شائعا ذائعا كما فعل بالتّوراة،على أنّ المراد بها القرآن فيكون ضمانا لها من اللّه سبحانه و تعالى بالحفظ،كقوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،أو لا نبيّ و لا كتاب بعدها ينسخها و يبدّل أحكامها.(1:328)

الخازن: يعني:لا مغيّر لقضائه،و لا رادّ لحكمه، و لا خلف لمواعيده.

و قيل:لمّا وصف كلماته بالتّمام في قوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ -و التّمام في كلام اللّه لا يقبل النّقص و التّغيير و التّبديل-قال اللّه تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لأنّها مصونة عن التّحريف و التّغيير و التّبديل،باقية إلى يوم القيامة.

و في قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ دليل على أنّ السّعيد لا ينقلب شقيّا،و لا الشّقيّ ينقلب سعيدا،فالسّعيد من سعد في الأزل،و الشّقيّ من شقي في الأزل.

و أورد على هذا أنّ الكافر يكون شقيّا بكفره فيسلم،فينقلب سعيدا بإسلامه.

و أجيب عنه بأنّ الاعتبار بالخاتمة،فمن ختم له بالسّعادة كان قد كتب سعيدا في الأزل،و من ختم له بالشّقاوة كان شقيّا في الأزل،و اللّه أعلم.(2:145)

أبو حيّان: أي لا مغيّر لأقضيته،و لا مبدّل لكلمات القرآن،فلا يلحقها تغيير،لا في المعنى و لا في اللّفظ،و في حرف أبيّ:لا مبدّل لكلمات اللّه.(4:209)

الشّربينيّ: بنقض أو خلف،بل كلّ ما أخبرت به فهو كائن لا محالة،رضي من رضي و سخط من سخط.

و قيل:المراد بالكلمات:القرآن لا مبدّل له،لا يزيد فيه المغيّرون و لا ينقصون.(1:446)

الآلوسيّ: استئناف مبيّن لفضلها على غيرها،إثر بيان فضلها في نفسها.

و قال بعض المحقّقين:إنّه سبحانه لمّا أخبر بتمام كلمته و كان التّمام يعقبه النّقص غالبا؛ذكر هذا احتراسا و بيانا،لأنّ تمامها ليس كتمام غيرها.

و جوّز أن يكون حالا من فاعل تَمَّتْ على أنّ

ص: 883

الظّاهر مغن عن الضّمير الرّابط.

قال أبو البقاء: و لا يجوز أن يكون حالا من(ربّك) لئلاّ يفصل بين الحال و صاحبها بأجنبيّ،و هو صِدْقاً وَ عَدْلاً إلاّ أن يجعلا حالين منه أيضا.

و المعنى لا أحد يبدّل شيئا من كلماته بما هو أصدق و أعدل منه،و لا بما هو مثله،فكيف يتصوّر ابتغاء حكم غيره تعالى.و المراد بالأصدق:الأبين و الأظهر صدقا، فلا يرد أنّ الصّدق لا يقبل الزّيادة و النّقص،لأنّ النّسبة إن طابقت الواقع فصدق و إلاّ فكذب.

و ذكر الكرمانيّ في حديث: «أصدق الحديث»إلخ أنّه جعل الحديث كمتكلّم فوصف به،كما يقال:زيد أصدق من غيره،و المتكلّم يقبل الزّيادة و النّقص في ذلك.

و قيل:المعنى لا يقدر أحد أن يحرّفها شائعا،كما فعل بالتّوراة،فيكون هذا ضمانا منه سبحانه بالحفظ،كقوله جلّ و علا: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،أو لا نبيّ و لا كتاب بعدها يبدّلها و ينسخ أحكامها.و عيسى عليه السّلام يعمل بعد النّزول بها لا ينسخ شيئا كما حقّق في محلّه.

و قيل:المراد إنّ أحكام اللّه تعالى لا تقبل التّبدّل و الزّوال،لأنّها أزليّة و الأزليّ لا يزول.

و زعم الإمام[الفخر الرّازيّ]أنّ الآية على هذا أحد الأصول القويّة في إثبات الجبر،لأنّه تعالى لمّا حكم على زيد بالسّعادة و على عمرو بالشّقاوة،ثمّ قال: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يلزم امتناع أن ينقلب السّعيد شقيّا و الشّقيّ سعيدا.فالسّعيد:من سعد في بطن أمّه،و الشّقيّ:من شقي في بطن أمّه.

و أنا أقول:لا يخفى أنّ الشّقيّ في العلم لا يكون سعيدا، و السّعيد فيه لا يكون شقيّا أصلا،لأنّ العلم لا يتعلّق إلاّ بما المعلوم عليه في نفسه،و حكمه سبحانه تابع لذلك العلم،و كذا إيجاده الأشياء على طبق ذلك العلم.

و لا يتصوّر هناك جبر بوجه من الوجوه،لأنّه عزّ شأنه لم يفض على القوابل،إلاّ ما طلبته من جلّ و علا بلسان استعدادها،كما يشير إليه قوله سبحانه: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ طه:50،نعم يتصوّر الجبر لو طلبت القوابل شيئا،و أفاض عليها عزّ شأنه ضدّه،و اللّه سبحانه أجلّ و أعلى من ذلك.(8:10)

رشيد رضا: و التّبديل:التّغيير بالبدل،و هذه الجملة تعليل لما قبلها.و المعنى:أنّ كلمة اللّه تعالى في نصرك أيّها الرّسول،و خذلان أعدائك قد تمّت،و أصبح نفوذها حتما لا مردّ له،لأنّ كلمات اللّه الّتي هي من أفرادها لا مبدّل لها،إذ لا يستطيع أحد من خلقه-و كلّ ما عداه فهو من خلقه-أن يزيل كلمة من كلماته بكلمة أخرى تخالفها،أو يمنع صدقها على من وردت فيهم،كأن يجعل الوعد وعيدا أو الوعيد وعدا،أو يصرفهما عن الموعود بالثّواب أو الموعد بالعقاب إلى غيرهما،أو يحول دون وقوعهما البتّة.

فإن قيل:إنّ بعض المتكلّمين جوّز تخلّف الوعيد دون الوعد،لأنّه فضل و إحسان.

قلنا:لم يجوّز أحد من محقّقي أهل الحقّ تخلّف الوعيد مطلقا،بل صرّحوا بأنّ من أصول العقيدة أنّ نفوذ الوعيد في الكفّار و في طائفة من عصاة المؤمنين حقّ،

ص: 884

و إنّما قيل:بتخلّف شمول الوعيد لجميع العصاة،الّذي يدلّ عليه إطلاق بعض النّصوص.

و لنا أن نقول:إنّ هذا ليس بتخلّف،فيقال:إنّه تبديل لكلمات اللّه سبحانه،و تكذيب لها،فإنّه تعالى لم يرد بتلك الإطلاقات الشّمول العامّ لجميع أفراد من وردت فيهم تلك النّصوص،لأنّه بيّن في نصوص أخرى أنّه يعفو عن بعض الذّنوب،و يغفر لمن يشاء من مقترفيها،و يعذّب من يشاء.و هو يعلم من أراد المغفرة لهم،و من أراد تعذيبهم،و لا يبدّل كلامه في أحد منهما.

و أبهم ذلك علينا لنرجوه دائما.و لا يوقعنا العمل الصّالح في الغرور و الأمن من عذابه فنقصّر،و نخافه دائما.و لا يوقعنا ارتكاب الذّنب في اليأس من رحمته فنهلك،و قد أحسن أبو الحسن الشّاذليّ في قوله في هذا المقام:و قد أبهمت الأمر علينا لنرجو و نخاف،فأمّن خوفنا و لا تخيّب رجاءنا.

فإن قيل:أ ليس الشّفعاء يؤثّرون في إرادته تعالى، فيحملونه على العفو عن المشفوع لهم و المغفرة لهم؟

قلنا:كلاّ،إنّ المخلوق لا يقدر على التّأثير في صفات الخالق الأزليّة الكاملة،و قد نطقت الآيات بأنّ الشّفاعة للّه جميعا،ليس لأحد من دونه وليّ و لا شفيع، و لا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلاّ بإذنه،و هو لا يأذن إلاّ لمن تعلّقت مشيئته و علمه في الأزل بالإذن لهم وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:28،فيكون ذلك إظهار كرامة و جاء لهم عنده،لا إحداث تأثير للحادث في صفات القديم و سلطان له عليها،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، و قد تقدّم تحقيق هذه المسألة مرارا.

فإن قيل:ألا يدلّ قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ على استحالة التّحريف أو التّبديل في الكتب الإلهيّة،أي في لفظها و عبارتها،كاستحالة التّبديل في صدقها و نفوذها؟

قلنا:إنّما ورد السّياق و النّصّ في صدقها و عدلها لا في لفظها،و قد أثبت اللّه في كتابه تحريف أهل الكتاب قبلنا لكلامه،و نسيانهم حظّا منه،و ما كفل تعالى حفظ كتاب من كتبه بنصّه إلاّ هذا القرآن المجيد،الّذي قال فيه: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و ظهر صدق كفالته بتسخير الألوف الكثيرة في كلّ عصر لحفظه عن ظهر قلب،و لكتابة النّسخ الّتي لا تحصى منه في كلّ عصر،من زمن الصّحابة-رضوان اللّه تعالى عليهم-إلى هذا العصر،و ناهيك،بما طبع من ألوف الألوف من نسخه في عهد وجود الطّباعة بمنتهى الدّقّة و التّصحيح.و لم يتّفق مثل ذلك لكتاب-إلهيّ و لا غير إلهيّ-فأهل الكتاب لم يحفظوا كتب رسلهم في الصّدور، و لا في السّطور.(8:12)

3- وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. الكهف:27

ابن عبّاس: لا مغيّر لكلماته.

(تنوير المقباس:246)

مثله الطّبريّ.(15:233)

ابن عطيّة: و لا يفسّر قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أمر النّسخ،لأنّ المعنى إمّا أن يكون لا مبدّل سواه،فتبقى الكلمات على الإطلاق،و إمّا أن يكون أراد من

ص: 885

«الكلمات»الخبر و نحوه،ممّا لا يدخله نسخ.

و الإجماع أنّ الّذي لا يتبدّل هو الكلام القائم بالذّات الّذي بحسبه يجري القدر.فأمّا الكتب المنزلة فمذهب ابن عبّاس أنّها لا تبدّل إلاّ بالتّأويل.(3:511)

أبو حيّان: و لا مُبَدِّلَ عامّ،و لِكَلِماتِهِ عامّ أيضا.

و التّخصيص إمّا في لا مبدّل،أي لا مبدّل له سواه،أ لا ترى إلى قوله: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ النّحل:101، و إمّا في كلماته،أي لكلماته المتضمّنة الخبر،لأنّ ما تضمّن غير الخبر وقع النّسخ في بعضه،و في أمره تعالى أن يتلو ما أوحي إليه.

و إخباره أنّه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ إشارة إلى تبديل المنازعين في أهل الكهف،و تحريف أخبارهم.

(النّهر المادّ 6:166)

الشّربينيّ: أي لا أحد يقدر على تبديلها و تغييرها غيره.

و قال بعضهم: مقتضى هذا أن لا يتطرّق النّسخ إليه.

و أجاب بأنّ النّسخ في الحقيقة ليس تبديلا،لأنّ المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان النّاسخ، فالنّاسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا؟!و هذا لا يحتاج إليه مع التّفسير المذكور.(2:371)

القاسميّ:أي لا مغيّر لها و لا محرّف و لا مزيل.

(11:4049)

تبدّل

لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً. الأحزاب:52

أبو هريرة: كان البدل في الجاهليّة أن يقول الرّجل للرّجل:أنزل لي عن امرأتك و أنزل لك عن امرأتي و أزيدك.(القرطبيّ 14:220)

مجاهد: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بالمسلمات غيرهنّ من النّصارى و اليهود و المشركين.(الطّبريّ 22:31)

الضّحّاك: لا يصلح لك أن تطلّق شيئا من أزواجك ليس يعجبك،فلم يكن يصلح ذلك له.

(الطّبريّ 22:31)

ابن زيد: كانت العرب في الجاهليّة يتبادلون بأزواجهم،يعطي هذا امرأته هذا و يأخذ امرأته،فقال:

لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت أن تبادل،فأمّا الحرائر فلا.قال:

و كان ذلك من أعمالهم في الجاهليّة.(الطّبريّ 22:31)

هذا شيء كانت العرب تفعله،يقول أحدهم:خذ زوجتي و أعطني زوجتك.(القرطبيّ 14:220)

الطّبريّ: قال أبو رزين:لا يحلّ لك أن تتزوّج من المشركات إلاّ من سبيت فملكته يمينك منهنّ.

و قال آخرون: بل معنى ذلك:و لا أن تبدّل بأزواجك اللّواتي هنّ في حبالك،أزواجا غيرهنّ،بأن تطلّقهنّ،و تنكح غيرهنّ.

و قال آخرون: بل معنى ذلك:و لا أن تبادل من أزواجك غيرك،بأن تعطيه زوجتك و تأخذ زوجته.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،قول من قال:

معنى ذلك و لا أن تطلّق أزواجك،فتستبدل بهنّ غيرهنّ

ص: 886

أزواجا.

و إنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب،لما قد بيّنّا قبل من أنّ قول الّذي قال:معنى قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ لا يحلّ لك اليهوديّة أو النّصرانيّة و الكافرة،قول لا وجه له.

فإذا كان ذلك كذلك،فكذلك قوله: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ كافرة،لا معنى له؛إذ كان من المسلمات من قد حرّم عليه بقوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الّذي دلّلنا عليه قبل.

و أمّا الّذي قاله ابن زيد في ذلك أيضا،فقول لا معنى له،لأنّه لو كان بمعنى المبادلة لكانت القراءة و التّنزيل:

و لا أن تبادل بهنّ من أزواج،أو و لا أن تبدّل بهنّ،بضمّ التّاء،و لكنّ القراءة المجمع عليها: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ بفتح التّاء،بمعنى:و لا أن تستبدل بهنّ،مع أنّ الّذي ذكر ابن زيد من فعل الجاهليّة غير معروف في أمّة نعلمه من الأمم أن يبادل الرّجل آخر بامرأته الحرّة،فيقال:كان ذلك من فعلهم؛فنهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن فعل مثله.

فإن قال قائل:أ فلم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يتزوّج امرأة على نسائه اللّواتي كنّ عنده،فيكون موجّها تأويل قوله: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ إلى ما تأوّلت؟

أو قال:و أين ذكر أزواجه اللّواتي كنّ عنده في هذا الموضع،فتكون الهاء من قوله: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من ذكرهنّ،و توهّم أنّ الهاء في ذلك عائدة على النّساء، في قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ؟

قيل:قد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يتزوّج من شاء من النّساء اللّواتي كان اللّه أحلّهنّ له،على نسائه اللاتي كنّ عنده يوم نزلت هذه الآية،و إنّما نهي صلّى اللّه عليه و سلّم بهذه الآية أن يفارق من كان عنده بطلاق،أراد به استبدال غيرها بها، لإعجاب حسن المستبدلة له بها إيّاه؛إذ كان اللّه قد جعلهنّ أمّهات المؤمنين،و خيّرهنّ بين الحياة الدّنيا و الدّار الآخرة،و الرّضا باللّه و رسوله،فاخترن اللّه و رسوله و الدّار الآخرة،فحرّ من على غيره بذلك،و منع من فراقهنّ بطلاق،فأمّا نكاح غيرهنّ فلم يمنع منه،بل أحلّ اللّه له ذلك،على ما بيّن في كتابه.(22:31)

الطّوسيّ: قيل:معناه تطلّق واحدة و تتزوّج أخرى بعدها.(8:356)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ يفيد حرمة طلاقهنّ؛إذ لو كان جائزا لجاز أن يطلّق الكلّ، و بعدهنّ إمّا أن يتزوّج بغيرهنّ أو لا يتزوّج.

فإن لم يتزوّج يدخل في زمرة العزّاب،و النّكاح فضيلة لا يتركها النّبيّ،و كيف و هو يقول:«النّكاح سنّتي».

و إن تزوّج بغيرهنّ يكون قد تبدّل بهنّ،و هو ممنوع من التّبدّل.(25:222)

القرطبيّ: [بعد نقل قول أبي هريرة قال:]

فدخل عيينة بن حصن الفزاريّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عنده عائشة،فدخل بغير إذن،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«يا عيينة فأين الاستئذان؟»

فقال:يا رسول اللّه ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت.قال:من هذه الحميراء إلى جنبك؟

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«هذه عائشة أمّ المؤمنين».

قال:أ فلا أنزل لك عن أحسن الخلق؟فقال:«إنّ اللّه

ص: 887

قد حرّم ذلك».قال:فلمّا خرج قالت عائشة:يا رسول اللّه من هذا؟قال:«أحمق مطاع،و إنّه على ما ترين لسيّد قومه».

و قد أنكر الطّبريّ و النّحّاس و غيرهما ما حكاه ابن زيد عن العرب:من أنّها كانت تبادل بأزواجها.

قال الطّبريّ: و ما فعلت العرب قطّ هذا،و ما روي من حديث عيينة بن حصن من أنّه دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عنده عائشة...الحديث،فليس بتبديل،و لا أراد ذلك،و إنّما احتقر عائشة،لأنّها كانت صبيّة،فقال هذا القول.

قلت:و ما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن أبي هريرة:من أنّ البدل كان في الجاهليّة، يدلّ على خلاف ما أنكر من ذلك،و اللّه أعلم.

(14:220)

نحوه أبو حيّان.(7:244)

الطّباطبائيّ: أن تطلّق بعضهنّ و تزوّج مكانها من غيرهنّ.(16:336)

يتبدّل

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. البقرة:108

الزّجّاج: أي من يسأل عمّا لا يعنيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد وضوح الحقّ فقد ضلّ سواء السّبيل.(1:193)

الزّمخشريّ: و من ترك الثّقة بالآيات المنزلة و شكّ فيها و اقترح غيرها فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. (1:303)

مثله النّسفيّ(1:68)،و شبّر(1:134).

البيضاويّ: و قرئ (يبدل) من أبدل.(1:76)

أبو حيّان: أي من يأخذ الكفر بدل الإيمان،و هذه كناية عن الإعراض عن الإيمان،و الإقبال على الكفر، كما جاء في قوله: اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى البقرة:

16.(1:347)

ابن كثير: أي و من يشتر الكفر بالإيمان.

(1:267)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(1:96)

الشّربينيّ: أي يأخذه بدله بترك النّظر في الآيات البيّنات و اقتراح غيرها.(1:85)

أبو السّعود: أي يختره و يأخذه لنفسه بِالْإِيمانِ بمقابلة بدلا منه.و قرئ و من يبدل من أبدل،و كان مقتضى الظّاهر أن يقال:و من يفعل ذلك،أي السّؤال المذكور أو إرادته.و حاصله:و من يترك الثّقة بالآيات البيّنة المنزلة،بحسب المصالح الّتي من جملتها الآيات النّاسخة،الّتي هي خير محض و حقّ بحت،و اقترح غيرها فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. (1:113)

نحوه البروسويّ.(1:202)

المراغيّ: أي و من يترك الثّقة بالآيات البيّنة المنزلة بحسب المصالح،و يطلب غيرها تعنّتا و عنادا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقد اختار الكفر على الإيمان،و استحبّ العمى على الهدى،و بعد عن الحقّ و الخير.و من حاد عن الحقّ وقع في الضّلال.(1:189)

ص: 888

تتبدّلوا

وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً.

النّساء:2

النّخعيّ: لا تعط زيفا و تأخذ جيّدا.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 4:229)

كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيّد من مال اليتيم و الرّفيع منه،و يجعلون مكانه الرّديء الخسيس.

مثله السّدّيّ،و ابن المسيّب،و الزّهريّ،و الضّحّاك.

(الطّوسيّ 3:101)

مجاهد: لا تعجل بالرّزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الّذي قدّر لك.

مثله أبو صالح.(الطّبريّ 4:229)

عطاء: أنّه الرّبح على اليتيم،و اليتيم غرّ لا علم له.

(ابن الجوزيّ 2:5)

الزّهريّ: قالوا:يعطي مهزولا و يأخذ سمينا.

(الطّبريّ 2:229)

السّدّيّ: كان أحدهم يأخذ الشّاة السّمينة من غنم اليتيم،و يجعل مكانها الشّاة المهزولة،و يقول:شاة بشاة،و يأخذ الدّرهم الجيّد،و يطرح مكانه الزّيّف، و يقول:درهم بدرهم.(الطّبريّ 4:229)

مثله القرطبيّ.(5:9)

ابن زيد: كان أهل الجاهليّة لا يورّثون النّساء، و لا يورّثون الصّغار،يأخذه الأكبر.(الطّبريّ 4:229)

الزّجّاج: فلا تأكلوا مال اليتيم بدلا من مالكم، و كذلك لا تأكلوا أيضا أموالهم إلى أموالكم.

أي لا تضيفوا أموالهم في الأكل إلى أموالكم،أي إن احتجتم إليها فليس لكم أن تأكلوها مع أموالكم.

(2:7)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في صفة تبديلهم الخبيث بالطّيّب الّذي نهوا عنه،و معناه؛فقال بعضهم:

كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيّد من ماله و الرّفيع منه،و يجعلون مكانه لليتيم الرّديء و الخسيس،فذلك تبديلهم الّذي نهاهم اللّه تعالى عنه.

و قال آخرون: معنى ذلك لا تستعجل الرّزق الحرام فتأكله،قبل أن يأتيك الّذي قدّر لك من الحلال.

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية،قول من قال:

تأويل ذلك:و لا تتبدّلوا أموال أيتامكم أيّها الأوصياء، الحرام عليكم،الخبيث لكم،فتأخذوا رفائعها و خيارها و جيادها،بالطّيّب الحلال لكم من أموالكم،و تجعلوا الرّديء الخسيس بدلا منه.و ذلك أنّ تبدّل الشّيء بالشّيء في كلام العرب:أخذ شيء مكان آخر غيره، يعطيه المأخوذ منه،أو يجعله مكان الّذي أخذ.

فإذ كان ذلك معنى التّبديل و الاستبدال،فمعلوم أنّ الّذي قاله ابن زيد من أنّ معنى ذلك:هو أخذ أكبر ولد الميّت جميع مال ميّته و والده دون صغارهم،إلى ماله، قول لا معنى له،لأنّه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم،فلم يستبدل ممّا أخذ شيئا،فما «التّبدّل»الّذي قال جلّ ثناؤه: وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، و لم يبذل الآخذ مكان المأخوذ بدلا.

و أمّا الّذي قاله مجاهد و أبو صالح:من أنّ معنى ذلك «لا تتعجّل الرّزق الحرام قبل مجيء الحلال».فإنّهما أيضا

ص: 889

إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الّذي روي عن ابن مسعود،أنّه قال:«إنّ الرّجل ليحرم الرّزق بالمعصية يأتيها»ففساده نظير فساد قول ابن زيد،لأنّ من استعجل الحرام فأكله،ثمّ آتاه اللّه رزقه الحلال،فلم يبدّل شيئا مكان شيء.

و إن كانا أرادا بذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال،فيكون أكلهم ذلك سببا لحرمان الطّيّب منه،فذلك وجه معروف و مذهب معقول يحتمله التّأويل.

غير أنّ الأشبه في ذلك بتأويل الآية ما قلنا،لأنّ ذلك هو الأظهر من معانيه،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما ذكر ذلك في قصّة أموال اليتامى و أحكامها،فلا يكون ذلك من جنس حكم أوّل الآية،فأخرجها من أن يكون من غير جنسه.(4:229)

القمّيّ: يعني:لا تأكلوا مال اليتيم ظلما فتسرفوا، و تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب.و الطّيّب ما قال اللّه: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ النّساء:6، وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ يعني مال اليتيم.(1:130)

الطّوسيّ: [و بعد نقل قول النّخعيّ و مجاهد و ابن زيد قال:]

و أقوى الوجوه الوجه الأوّل،لأنّه ذكر عقيب مال اليتامى،و إن حمل على عموم النّهي عن التّبديل بكلّ مال حرام،كان قويّا.(3:101)

مثله الطّبرسيّ.(2:3)

الزّمخشريّ: و لا تستبدلوا الحرام و هو مال اليتامى بالحلال و هو مالكم،و ما أبيح لكم من المكاسب و رزق اللّه المبثوث في الأرض،فتأكلوه مكانه.أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث و هو اختزال أموال اليتامى،بالأمر الطّيّب و هو حفظها و التّورّع منها.و«التّفعّل»بمعنى«الاستفعال» غير عزيز،منه التّعجّل بمعنى الاستعجال،و التّأخّر بمعنى الاستئخار.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو أن يعطي رديئا و يأخذ جيّدا.و عن السّدّيّ:أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة.و هذا ليس بتبدّل و إنّما هو تبديل،إلاّ أن يكارم صديقا له،فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصّبيّ.(1:494)

نحوه البيضاويّ.(1:202)

الفخر الرّازيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

الرّابع:هو أنّ هذا التّبدّل معناه أن يأكلوا مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك،و في هذا يكون متبدّلا الخبيث بالطّيّب.(9:170)

النّيسابوريّ: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]

يريد أنّ الباء في بدّل تدخل على المأخوذ،و في تبدّل على المعطى،و لمّا كان المأخوذ الطّيّب كان تبديلا،ثمّ وجّهه بأنّه لعلّه يكارم صديقا له،فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصّبيّ،فيكون الباء في موضعه.

و قيل:معنى الآية أن يأكل مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك،فيكون متبدّلا الخبيث بالطّيّب.

(4:168)

أبو حيّان: و قيل:المعنى و لا تأكلوا أموالهم خبيثا و تدعوا أموالكم طيّبا.

و قيل:المعنى لا تأخذوا مال اليتيم و هو خبيث ليؤخذ منكم المال الّذي لكم و هو طيّب.

ص: 890

و قيل:لا تأكلوا أموالهم في الدّنيا،فتكون هي نار تأكلونها،و تتركون الموعود لكم في الآخرة،بسبب إبقاء الخبائث و المحرّمات.

و قيل:لا تستبدلوا الأمر الخبيث و هو اختزال أموال اليتامى،بالأمر الطّيّب و هو حفظها و التّورّع منها.

و«تفعّل»هنا بمعنى«استفعل»كتعجّل و تأخّر،بمعنى استعجل و استأخر.و ظاهره أنّ الخبيث و الطّيّب وصفان في الأجرام المتبدّلة.و المتبدّل به فإمّا أن يكون ذلك باعتبار اللّغة،فيكونان بمعنى الكريه المتناول و اللّذيذ.

و إمّا أن يكون باعتبار الشّرع،فيكونان بمعنى الحرام و الحلال.و إمّا أن يكونا وصفين لاختزال الأموال و حفظهما،ففيه بعد ظاهر،و إن كان له تعلّق ما بقوله:

وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ.

و قرأ ابن محيصن و لا تبدلوا بإدغام التّاء الأولى في الثّانية.(3:160)

التّفتازانيّ: [و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]

لأنّ معنى تبدّلت هذا بذاك إنّك أخذت هذا و تركت ذاك،و كذا استبدلت،لأنّ معنى بدّلت هذا بذاك:أخذت ذاك و أعطيت هذا،قال تعالى: وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ البقرة:108،فإذا أعطى الرّديء،و أخذ الجيّد فقد أعطى الخبيث و أخذ الطّيّب،كما لو أخذ الخبيث و ترك الطّيّب،ليكون تبدّل الخبيث بالطّيّب.

فالحاصل أنّ في«التّبدّل»ما دخلته الباء:متروك، و ما تعدّى إليه الفعل بنفسه:مأخوذ،و في«التّبديل» بالعكس.(الشّربينيّ 1:279)

أبو السّعود: نهى عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص،بعد النّهي الضّمنيّ عن أخذه على الإطلاق.

و تبدّل الشّيء بالشّيء و استبداله به:أخذ الأوّل بدل الثّاني،بعد أن كان حاصلا له،أو في شرف الحصول؛ يستعملان أبدا بإفضائهما إلى الحاصل بأنفسهما،و إلى الزّائل بالباء،كما في قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ البقرة:108،و قوله تعالى: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ البقرة:61.

و أمّا التّبديل فيستعمل تارة كذلك،كما في قوله تعالى: وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ سبأ:16،و أخرى بالعكس،كما في قولك:بدّلت الحلقة بالخاتم،إذا أذبتها و جعلتها خاتما،نصّ عليه الأزهريّ.و تارة أخرى بإفضائه إلى مفعوليه بنفسه،كما في قوله تعالى: يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70.

و المراد ب«الخبيث و الطّيّب»إن كان هو الحرام و الحلال،فالمنهيّ عنه استبدال مال اليتيم بمال أنفسهم مطلقا،كما قاله الفرّاء و الزّجّاج.

و قيل معناه:لا تذروا أموالكم الحلال و تأكلوا الحرام من أموالهم،فالمنهيّ عنه أكل ماله مكان مالهم المحقّق أو المقدّر.

و قيل:هو اختزال ماله مكان حفظه.

و أيّا ما كان فإنّما عبّر عنهما بهما تنفيرا عمّا أخذوه و ترغيبا فيما أعطوه،و تصويرا لمعاملتهم بصورة ما لا يصدر عن العاقل.

و إن كان هو الرّديء و الجيّد،فمورد النّهي ما كانوا عليه من أخذ الجيّد من مال اليتيم،و إعطاء الرّديء من مال أنفسهم،و به قال سعيد بن المسيّب و النّخعيّ،

ص: 891

و الزّهريّ،و السّدّيّ.و تخصيص هذه المعاملة بالنّهي، لخروجها مخرج العادة لا لإباحة ما عداها.

و أمّا التّعبير عنها بتبدّل الخبيث بالطّيّب مع أنّها تبديله به،أو تبدّل الطّيّب بالخبيث فللإيذان،بأنّ الأولياء حقّهم أن يكونوا في المعاوضات عاملين لليتيم، لا لأنفسهم،مراعين لجانبه،قاصدين لجلب المجلوب إليه،مشترى كان أو ثمنا،لا لسلب المسلوب عنه.

(1:313)

نحوه الآلوسيّ(4:187)،و رشيد رضا(4:339).

الطّباطبائيّ: أي لا تتبدّلوا الخبيث من أموالكم من الطّيّب من أموالهم،بأن يكون لهم عندكم مال طيّب فتعزلوه لأنفسكم،و تردّوا إليهم ما يعادله من رديء أموالكم.

و يمكن أن يكون المراد:لا تتبدّلوا أكل الحرام من أكل الحلال،كما قيل،لكنّ المعنى الأوّل أظهر.

فإنّ الظّاهر أنّ كلاّ من الجملتين،أعني قوله:

وَ لا تَتَبَدَّلُوا و قوله: لا تَأْكُلُوا بيان لنوع خاصّ من التّصرّف غير الجائز.و قوله: وَ آتُوا الْيَتامى تمهيد لبيانهما معا.(4:165)

تستبدلون

...قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ... البقرة:61

الطّبريّ: قال لهم موسى:أ تأخذون الّذي هو أخسّ خطرا و قيمة و قدرا من العيش،بدلا بالّذي هو خير منه خطرا و قيمة و قدرا؛و ذلك كان استبدالهم، و أصل الاستبدال:هو ترك شيء لآخر غيره مكان المتروك.(1:312)

أبو حيّان: و الهمزة في أَ تَسْتَبْدِلُونَ للإنكار، و الاستبدال:الاعتياض.و قرأ أبي (أ تبدّلون) و هو مجاز، لأنّ التّبديل ليس لهم،إنّما ذلك إلى اللّه تعالى،لكنّهم لمّا كانوا يحصل التّبديل بسؤالهم جعلوا مبدّلين،و كان المعنى أ تسألون تبديل اَلَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.

(1:233)

أبو السّعود: أي أ تأخذون لأنفسكم و تختارون.

(1:84)

الكاشانيّ: أ تستدعون الأدون بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ليكون لكم بدلا من الأفضل.(1:122)

رشيد رضا: أي أ تطلبون هذه الأنواع الخسيسة بدل ما هو خير منها،و هو المنّ و السّلوى؟[إلى أن قال:]

و الاستبدال:طلب شيء بدلا من آخر،و الباء تدخل المبدل منه المراد تركه.(1:331)

استبدال

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:20

مجاهد: طلاق امرأة مكان أخرى،فلا يحلّ له من مال المطلّقة شيء،و إن كثر.(الطّبريّ 4:314)

الطّبريّ: و إن أردتم أيّها المؤمنون نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلّقونها.(4:313)

الطّوسيّ: أخذ مال المرأة و إن كان محرّما على كلّ

ص: 892

حال من غير أمرها،فإنّما خصّ اللّه تعالى الاستبدال بالنّهي،لأنّ مع الاستبدال قد يتوهّم جواز الاسترجاع، من حيث إنّ الثّانية تقوم مقام الأولى،فيكون لها ما أعطيته الأولى،فبيّن اللّه تعالى أنّ ذلك لا يجوز.

و المعنى:إن أردتم تخلية المرأة سواء استبدل مكانها أو لم يستبدل.(3:151)

الطّبرسيّ: أي إقامة امرأة مقام امرأة.(2:25)

البيضاويّ: تطليق امرأة و تزوّج أخرى.

(1:211)

مثله شبّر.(2:26)

أبو حيّان: و الاستبدال:وضع الشّيء مكان الشّيء،و المعنى:أنّه إذا كان الفراق من اختياركم فلا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا.[إلى أن قال:]

و الّتي نهى أن نأخذ منها هي المستبدل مكانها لا المستبدلة؛إذ تلك هي الّتي أعطاها المال لا الّتي أراد استحداثها،بدليل قوله: وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ النّساء:21.(3:205)

البروسويّ: أي تزوّج امرأة ترغبون فيها مكان زوج ترغبون عنها،بأن تطلّقوها.(2:183)

المراغيّ: أي و إذا رغبتم أيّها الأزواج في استبدال زوج جديدة مكان زوج سابقة كرهتموها،لعدم طاقتكم الصّبر على معاشرتها،و هي لم تأت بفاحشة مبيّنة،و قد كنتم أتيتموها المال الكثير مقبوضا،أو ملتزما دفعه إليها فصار دينا في ذمّتكم،فلا تأخذوا منه شيئا.بل عليكم أن تدفعوه لها،لأنّكم إنّما استبدلتم غيرها بها لأغراضكم و مصالحكم،بدون ذنب و لا جريرة تبيح أخذ شيء منها،فبأيّ حقّ تستحلّون ذلك و هي لم تطلب فراقكم،و لم تسئ إليكم،لتحملكم على طلاقها؟

و إرادة الاستبدال ليست شرطا في عدم حلّ أخذ شيء من مالها،إذا هو كره عشرتها و أراد الطّلاق،لكنّه ذكر لأنّه هو الغالب في مثل هذا الحال.أ لا ترى أنّه لو طلّقها و هو لا يريد تزوّج غيرها،لأنّه اختار الوحدة و عدم التّقيّد بالنّساء و حاجتهم الكثيرة،فإنّه لا يحلّ له أخذ شيء من مالها.(4:215)

محمّد جواد مغنيّة: و تسأل:لما ذا خصّ اللّه النّهي عن أخذ مال الزّوجة في حال استبدالها بأخرى، مع العلم بأنّ الأخذ محرّم على كلّ حال؟

الجواب:ليس من شكّ أنّ الأخذ محرّم سواء استبدل أو لم يستبدل،و قد تكون الحكمة في ذكر الاستبدال بالخصوص:أنّ الزّوج ربّما توهّم أنّ له أخذ المهر من الأولى ليدفعه للثّانية،لأنّها ستقوم مقامها،فيكون لها كلّ ما كان لتلك،و لأنّ الدّفع للاثنتين يثقل كاهله، فأزال اللّه سبحانه هذا الوهم بالنّصّ على الاستبدال بالذّات.(2:282)

الطّباطبائيّ: الاستبدال استفعال،بمعنى طلب البدل،و كأنّه بمعنى إقامة زوج مقام زوج،أو هو من قبيل التّضمين،بمعنى إقامة امرأة مقام أخرى بالاستبدال،و لذلك جمع بين قوله: أَرَدْتُمُ، و بين قوله:

اِسْتِبْدالَ إلخ،مع كون الاستبدال مشتملا على معنى الإرادة و الطّلب،و على هذا فالمعنى و إن أردتم أن تقيموا زوجا مقام أخرى بالاستبدال.(4:257)

ص: 893

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: بدّل على ستّة أوجه:أهلك،نسخ، غيّر،جدّد،حوّل،اختار:

فوجه منها:بدّل،أي أهلك،قوله: وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً الدّهر:28،يقول:أهلكنا أمثالهم إهلاكا.

و الوجه الثّاني:بدّل،أي نسخ،قوله: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ النّحل:101،أي نسخنا مثلها أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ يونس:15،أي أنسخه مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي.

و الوجه الثّالث:بدّل،يعني غيّر،قوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ، يعني غيّر الوصيّة بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181،يغيّرونه،كقوله:

وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً الأحزاب:23،أي و ما غيّروا، و نحوه.

و الوجه الرّابع:بدّل،أي جدّد الخلق،قوله:

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56،كقوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ إبراهيم:48،تجدّد خلقا آخر،و يقال:يغيّر حالها سوى هذه الحالة.

و الوجه الخامس:بدّل،أي حوّل من حال إلى حال، قوله: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70،يحوّلهم اللّه من الكفر إلى الإيمان،و من الفجور إلى الإحصان.

و الوجه السّادس:بدّل يعني اختار، وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ البقرة:108،يعني من يختار الكفر على الإيمان،و يشتري الكفران بالشّكر.(172)

الفيروزآباديّ: [ذكر مثل كلام الدّامغانيّ إلاّ أنّه خالفه في الوجه السّادس فقال:]

السّادس:بمعنى إبليس في طريق الظّلم و الضّلالة:

بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50.

(بصائر ذوي التّمييز 1:217)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الخلف و العوض،يقال:

بدلت الشّيء أبدل بدلا:جعلت مكانه شيئا آخر،و كذا أبدلت الشّيء بغيره،و بدّلته و تبدّلته،و استبدلته به أيضا.و بادلت الرّجل مبادلة و بدالا:أعطيته مثل ما أخذت منه.و بدّلت الشّيء أيضا:غيّرته،و إن لم آت بخلفه.

2-و يتّحد الفعلان«بدّل»و«أبدل»في الاستعمال، و يفترقان كما ترى،و مثال اتّحادهما قوله تعالى:

فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70، و مثال افتراقهما قول ثعلب:«يقال:أبدلت الخاتم بالحلقة،إذا نحّيت هذا،و جعلت هذا مكانه،و بدّلت الخاتم بالحلقة،إذا أذبته و سوّيته حلقة،و بدّلت الحلقة بالخاتم،إذا أذبتها،و جعلتها خاتما.

و عقّبه المبرّد موضّحا فقال:«و حقيقته أنّ التّبديل:

تغيير الصّورة إلى صورة أخرى،و الجوهرة بعينها.

و الإبدال تنحية الجوهرة و استئناف جوهرة أخرى».

3-و أمّا البأدلة-أي اللّحمة بين الإبط و الثّندوة،

ص: 894

و المشية السّريعة-فقد عدّها الجوهريّ رباعيّة من «ب أ د ل».و عدّ الفيروزآباديّ همزتها زائدة،فجعلها ثلاثيّة من«ب د ل»و نسب الوهم إلى الجوهريّ،كما أنكر ذلك الصّاغانيّ عليه أيضا،و قال:«و حقّها(أي البأدلة)أن تذكر في تركيب(ب د ل)مع أخواتها،كما ذكرها ابن فارس و الأزهريّ».

4-و لكن يؤخذ على الفيروزآباديّ أنّه ذكر البأدلة في«ب د ل»تارة،و في«ب أ د ل»تارة أخرى،و كذا فعل الأزهريّ و الخليل و غيرهما،و لم يتعرّض لذكرها ابن فارس في«المقاييس»قطّ.

و لا يجدر بمن يشتبه عليه أمر،أو يخبط فيه خبط عشواء أن ينسب الاشتباه و الوهم إلى غيره.و يبدو أنّ الفيروزآباديّ كان مولعا بتعقيب الجوهريّ؛إذ ذكر في مواضع كثيرة من كتابه عبارة«و وهم الجوهريّ»، و لا وهم ثمّة.فالجوهريّ يروي في أغلب الأحيان ما أثره عن العرب دون أن يخضعه للقياس،كما هو ديدن من شافه الأعراب.

5-ثمّ إنّ إرداف الجوهريّ هذا الحرف بالرّباعيّ لرأي حازم،يعضده ما ورد في كثير من كلام العرب بهذا الصّدد.قال سيبويه:«إن كانت في كلمة واحدة نحو:

سوأة و موألة،حذفوا،فقالوا:سوة و مولة.و قالوا في حوأب:حوب،لأنّه بمنزلة ما هو من نفس الحرف (1)».

و على هذا الغرار جاء قولهم:بدل يبدل بدلا،أي شكا بأدلته،بحذف الهمزة تخفيفا.و ليس حذفها زائدة، كما حكم بذلك ابن سيدة،لأنّ سيبويه قال في مؤتنف هذا الباب،أي باب الهمز:«اعلم أنّ الهمزة تكون فيها ثلاثة أشياء:التّحقيق،و التّخفيف،و البدل»،ثمّ أتى على ذكر أمثلة لهذه العوارض الثّلاثة.

و تناول إبدال الهمزة الّتي تكون أوّل كلمة بالحرف الأخير لكلمة أخرى تسبقها،فقال:«اعلم أنّ العرب منها من يقول في«أو أنت»:أوّنت،يبدل،و يقول:أرميّ باك ،و أبوّيّوب،يريد أبا أيّوب،و غلاميّ بيك»،ثمّ أردف هذا القول بالقول المتقدّم.

و قد قال في آخره:«لأنّه بمنزلة ما هو من نفس الحرف»،أي أنّ هذا الضّرب من الحذف يكون بمنزلة حذف يحصل في نفس الكلمة لا في كلمتين،كحذف الهمزة من«يسوك»أي يسوؤك،كما مثّل في موضع آخر من«الكتاب».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء«البدل»في القرآن بمعنى العوض أيضا لاسم الذّات و المعنى على السّواء،في خمس صيغ،هي:

1-التّبديل:

أ-القول: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ البقرة:59

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ الأعراف:162

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ

ق:29

ب-الحسن و الحسنة: ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ النّمل:11

ص: 895


1- الكتاب 3:556.

ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ الأعراف:95

فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70

ج-الآية: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ

النّحل:101

د-أمثال الكافرين: وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً الدّهر:28

عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ الواقعة:61

ه-الجلود: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56

و-الجنّة: وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ سبأ:16

ز-الوصيّة: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181

ح-النّعمة: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً إبراهيم:28

وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ

البقرة:211

ط-العهد: وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً الأحزاب:23

ي-القرآن: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يونس:15

ك-خيرا من الكافرين: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ المعارج:41

ل-الدّين: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ

المؤمن:26

م-الأمن: وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً

النّور:55

ن-الأرض: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48

ص-كلمات اللّه: لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ

يونس:64

وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّهِ الأنعام:34

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ الأنعام:115 و الكهف:27

ع-سنّة اللّه: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً الأحزاب:62 و الفتح:23

2-الإبدال:

أ-خيرا من الجنّة المحترقة: عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها القلم:32

ب-أزواجا خيرا من أزواجه: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ التّحريم:5

ج-خيرا من الولد المقتول: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ الكهف:81

3-التّبدّل:

أ-النّساء: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ الأحزاب:52

ب-الخبيث: وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ

النّساء:2

ج-الكفر: وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ البقرة:108

4-الاستبدال:

أ-الأدنى: قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ البقرة:61

ب-القوم: وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ التّوبة:39

وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ محمّد:38

ص: 896

ج-الزّوج: وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ النّساء:20

5-البدل:

إبليس: بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50

يلاحظ أوّلا:أنّ موارد كلّ صيغة تختلف عن موارد الصّيغ الأخرى،إلاّ موردا واحدا؛حيث اتّحد(ب)من الإبدال مع(ج)من الاستبدال في موضوع الأزواج.

و هذا الاستقلال في الاستعمال ينبئ بوجود نوع اختلاف بين معاني هذه الصّيغ كالاختلاف بين(بدّل)و(أبدل).

ثانيا:يتفاوت العوض سلبا و إيجابا في كلّ صيغة، فالعوض في التّبديل إيجابيّ،مثل:(ب)،و سلبيّ مثل:

(أ)و محايد في(ج)،و هو مورد واحد.و في الإبدال كلّه إيجابيّ،و في التّبدّل كلّه سلبيّ،و في الاستبدال سلبيّ في (أ)و(ب)،و محايد في(ج)،و هو مورد واحد،و في البدل سلبيّ،و هو مورد واحد فقط.

و يفوق العوض الإيجابيّ في المجموع العوض السّلبيّ بمورد واحد،و هذا يعني أنّ البديل حقّ و باطل،و الحقّ يعلو و لا يعلى عليه، وَ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيا التّوبة:

40،فكلّ بديل إيجابيّ في القرآن هو بفعل اللّه تعالى،إلاّ موردين في التّبديل،الأوّل:ينسب إلى المؤمنين في(ط)، و الثّاني:ينسب إلى موسى عليه السّلام في(ل).

كما أنّ كلّ بديل سلبيّ في القرآن هو بفعل البشر،إلاّ موردا واحدا في البدل،فهو يمثّل إبليس.

ثالثا:اختصّ(تبديلا)ب(سنّة اللّه)في مورد في(ع) و جاء مكانه«تحويلا»في قوله تعالى: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً فاطر:43،و ب«العهد»في(ط)و ب(كلمات اللّه)في(ص)،و اختصّ(مبدّل)ب(كلمات اللّه)في موردين،و اشترك معه«التّبديل»في مورد واحد.

رابعا:يختصّ الإبدال بأمرين:

1-أنّه جاء بمعنى المجازاة و المكافأة دائما،متعدّيا بنفسه إلى مفعولين:إلى الشّخص أوّلا،و إلى البديل ثانيا.

2-أنّ البديل في الجميع«الخير»،و اشترك معه «التّبديل»في مورد عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ المعارج:41.(ك)

خامسا:اختصّ«التّبدّل»بالخبيث و الطّيّب، و بالكفر و الإيمان في(ب)و(ج)،و ألحق بهما في(أ) أزواجا أخرى مكان أزواج النّبيّ،و فيه إشعار بفضلهنّ على غيرهنّ كفضل الطّيّب على الخبيث.

سادسا:تعدّى«التّبديل»مثل«الإبدال»بنفسه إلى مفعولين و إلى مفعول واحد إلاّ في مورد واحد؛حيث تعدّى بالباء: وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ سبأ:

16.(و).

و الظّاهر أنّ الباء فيه ليست للتّعدية،بل جاءت للمقابلة،مثل:(مكان)و(غير)و(بعد)فيما يأتي من الآيات.

و قد تعدّى«التّبدّل»إلى المبدل منه بالباء،و كذلك «الاستبدال»في(أ)،و سكت عنه في موردين من(ب).

و جاء مع كلمة(مكان)في(ج)كما سيأتي.

سابعا:جاءت كلمة(مكان)مضافة إلى المبدل منه للمقابلة بينه و بين البديل في الآيات:

ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ الأعراف:95

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ النّحل:101

ص: 897

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ

النّساء:20

فهل هناك فرق بينه و بين ما إذا أتى بدون(مكان)، مثل: يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70؟ و ما هو هذا الفرق؟

ثامنا:جاءت كلمة(غير)في(أ)من«التّبديل» مرّتين،و في(ي)و(ن)منه مرّة،و في(ب)من «الاستبدال»مرّتين،و هذه بمنزلة(مكان)في الآيات السّابقة جاءت تأكيدا للمقابلة.و نظيرها كلمة(بعد)في وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً النّور:55،و لك أن تمعن النّظر في آيات هذه المادّة لتقف على أسرارها و خفاياها.

تاسعا:جاءت في هذه المادّة نصوص متعلّقة بالنّسخ في القرآن إثباتا و نفيا،تفسيرا لآيات،مثل:

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ النّحل:101

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ

يونس:15

لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ يونس:64

و نحن نفضّل إرجاء البحث إلى موضعه«ن س خ»، تعليقا على قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها... البقرة:106

عاشرا:-و تلك عشرة كاملة-و قد جاءت في النّصوص ذيل قوله تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70،آراء حول ذلك،و قد نقلها القاسميّ و شرحها نقلا عن ابن القيّم،فلاحظ.

و هي إحدى المسائل المتعلّقة بالوعد و الوعيد الّتي اختلفت فيها الأقوال و الآراء بين المعتزلة و الإماميّة و أهل الحديث نرجئها إلى«و ع د».

ص: 898

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.