المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 4

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

المعجم

فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته

المجلد الرابع

اعداد

قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه

بارشاد و اشراف

محمد واعظ زاده الخراسانی

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى و نشكره على أن وفّقنا لتقديم المجلّد الرّابع من الموسوعة «المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»إلى عشّاق علوم القرآن و تفسيره و المختصّين بمعرفة لغاته و أسرار بلاغته و رمز إعجازه.

و اشتمل هذا الجزء على شرح(38)كلمة قرآنية من حرف الألف و الباء،ابتداء من (أ ن ف)،و انتهاء ب(ب د ل).و أوسع الكلمات فيه بحثا:(أول)حيث استوعب (85)صفحة.

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته،و يوفّر لنا رحمته،و يساعدنا في استمرار العمل إلى آخر المطاف،إنّه خير معين،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن في مجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 7

ص: 8

المحتويات

المقدّمة 9

أ ن ف 11

أ ن م 31

أ ن ن ى 37

أ ن و-ي 63

أ ه ل 81

أ و ب 145

أ و د 169

آ ل 179

أ و ل 207

أ و ن 293

أ و ه 307

أ و ي 317

إي 343

أ ي د 347

أ ي ك 361

أ ي م 373

أ ي ن 381

أ ي ي 389

أيّ 473

أيّان 499

أيّوب 507

ب اب ل 539

ب أ ر 557

ب أ س 567

ب ت ر 619

ب ت ك 633

ب ت ل 639

ب ث ث 651

ب ج س 669

ب ح ث 675

ب ح ر 683

ب خ س 721

ب خ ع 735

ب خ ل 741

ب د أ 759

ب د ر 783

ب د ع 809

ب د ل 823

الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة 895

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 901

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الالف

أ ن ف

اشارة

لفظان،3 مرّات،في سورتين مدنيّتين

الأنف 2:-2 آنفا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الكلبيّ: بنو أنف النّاقة سمّوا بذلك،لأنّ قريح بن عوف نحر جزورا،و كان له أربع نسوة،فبعث إليهنّ بلحم خلا أمّ جعفر،فقالت أمّ جعفر:اذهب و اطلب من أبيك لحما.فجاء و لم يبق إلاّ الأنف،فأخذه؛فلزمه،و هجي به.و لم يزالوا يسبّون بذلك.إلى أن قال الحطيئة:

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و من يسوّي بأنف النّاقة الذّنبا

فصار بذلك مدحا لهم.(ابن فارس 1:147)

الخليل: الأنف معروف،و الجميع:الأنوف.و بعير مأنوف،أي يساق بأنفه،لأنّه إذا عقره الخشاش انقاد.

و في الحديث:«إنّ المؤمن كالبعير الأنف حيثما قيد انقاد» أي مأنوف،كأنّه جعل في أنفه خشاش يقاد به.

و الأنف:الحميّة،و رجل حميّ الأنف،إذا كان أنفا يأنف أن يضام.

و الأنف من المرعى و المسالك و المشارب:ما لم يسبق إليه..،كلأ أنف،و كأس أنف،و منهل أنف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأنف أيضا:الذّلول المنقاد لصاحبه.و قال:

بعضهم:الأنف الّذي يأنف من الزّجر و السّوط و الحثّ، فهو سمح موات،يعني الدّوابّ.

و ائتنفت ائتنافا،و هو أوّل ما تبتدئ به من كلّ شيء من الأمر و الكلام كذلك،و هو من أنف الشّيء،يقال:

هذا أنف الشّدّ،أي أوّله،و أنف البرد:أوّله.

و تقول:آنفت فلانا إينافا فأنا مؤنف.

و أتيت فلانا أنفا،كما تقول:من ذي قبل.(8:377)

استأنفت كذا،أي رجعت إلى أوّله،و ائتنفت ائتنافا.

(ابن فارس 1:146)

أنف اللّحية:طرفها،و أنف كلّ شيء:أوّله.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 11

و أنف الجبل:أوّله،و ما بدا لك منه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:147)

أبو عمرو الشّيبانيّ: في تفسير الحديث الّذي جاء:

«إنّ المؤمن مثل البعير الأنف»هو الّذي يشتكي أنفه من البرة،فهو ذلول منقاد،فأراد أنّ المؤمن سهل ليّن.

(إصلاح المنطق:249)

الكسائيّ: آنفة الصّبا:ميعته و أوّليّته.

(الفائق 1:64)

الفرّاء: أنفت الرّجل:ضربت أنفه و أنفه الماء،إذا بلغ أنفه.(الأزهريّ 15:481)

أبو عبيدة: بنو أنف النّاقة:بنو جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد،يقال:إنّهم نحروا جزورا كانوا غنموها في بعض غزواتهم،و قد تخلّف جعفر بن قريع، فجاء و لم يبق من النّاقة إلاّ الأنف،فذهب به،فسمّوه به.

(ابن فارس 1:146)

أبو زيد: الأنف:الّذين يأنفون من احتمال الضّيم.

مؤتنفا حراما،يريد شهرا حراما فلا يهاج فيه،أي هو من الأمن،كأنّه في شهر حرام،و كانوا لا يهجون أحدا في الشّهر الحرام.

قال أبو حاتم: و في كتابي«مؤتنفا»بكسر النّون،فإن لم يكن غلطا،فإنّه أراد كأنّ عليه و هو مؤتنف مستأنف شهرا حراما،فنصب«مؤتنفا»على الحال.(8)

المؤنّف:المحدّد الطّرف.(122)

يقال:ائتنفنا طيبة الطّعام و خيرته،إذا استأنفنا أكله.

(135)

يقال:أنف فلان الطّعام يأنفه أنفا،إذا كرهه.(251)

أنفت من قولك أشدّ الأنف،أي كرهت ما قلت لي.

(الأزهريّ 15:483)

الأصمعيّ: رجل مئناف:يرعّي ما له أنف الكلأ.

و يقال للمرأة إذا حملت فاشتدّ وحمها و تشهّت على أهلها الشّيء بعد الشّيء:إنّها لتتأنّف الشّهوات تأنّفا.

و يقال للحديد اللّيّن:أنيف و أنيث.

و يقال:فلان يتّبع أنفه،إذا كان يتشمّم الرّائحة فيتبعها.

و إذا نسبوا إلى بني أنف النّاقة-و هم بطن من بني سعد بن زيد مناة-قالوا:فلان الأنفيّ،سمّوا أنفيّين،لقول الحطيئة لهم.[ثمّ استشهد بشعره](الأزهريّ 15:483)

سنان مؤنّف،أي محدّد.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 1:148)

أبو عبيد: و في الحديث:«كالجمل الأنف»هو الّذي عقر أنفه الخطام،و إن كان من خشاش أو برة أو خزامة في أنفه،فهو لا يمتنع على قائده في شيء،للوجع الّذي به.

و كان الأصل في هذا أن يقال له:مأنوف،لأنّه مفعول به،كما يقال:مصدور و مبطون،للّذي يشتكي صدره أو بطنه.

و قال بعضهم: الأنف:الذّلول.و لا أرى أصله إلاّ من هذا.(الأزهريّ 15:481)

ابن الأعرابيّ: أنف:أجم،و نئف:كره.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمعت أعرابيّا يقول:أنفت فرسي هذه البلدة،أي اجتوت كلأها؛فهزلت.(الأزهريّ 15:482)

الأنف:السّيّد.(الأزهريّ 15:483)

ص: 12

أنّفت السّراج،إذا أحددت طرفه و سوّيته،و منه يقال في مدح الفرس:«أنّف تأنيف السّير»أي قدّ و سوّي كما يسوّى السّير.(ابن فارس 1:148)

امرأة أنوف:الّتي يعجبك شمّك لها.

(ابن منظور 9:13)

ابن السّكّيت: و الأنف:أنف الإنسان،و أنف الجبل:نادر يشخص منه،و أنف البرد:أشدّه،و يقال:

جاء يعدو آنف الشّدّ،أي أشدّه،و أنف النّبات:طرفه حين يطلع.

و الأنف:مصدر أنفت من الشّيء آنف منه أنفا و أنفة.(إصلاح المنطق:67)

يقال:قد آنفت،إذا وطئت كلأ أنفا،و هو الّذي لم يرع.و يقال:روضة أنف،و كأس أنف:لم يشرب بها قبل ذلك،كأنّه استؤنف شرابها.و قد أنفته،إذا ضربت أنفه.(إصلاح المنطق:249)

[قال]الطّائيّ: يقال:أرض أنيفة النّبت،إذا أسرعت النّبات،و تلك الأرض آنف بلاد اللّه،و آنف الأرض:

ما استقبل الشّمس من الجلد،و من ضواحي الجبال.

(إصلاح المنطق:357)

يقال:روضة أنف،إذا لم يكن رعاها أحد.(219)

و جاء يعدو أنف الشّدّ بالفتح،أي أشدّه مجتهدا.

(285)

الأنافيّ:العظيم الأنف(الجوهريّ 4:1332)

أنف البعير،أي اشتكى أنفه من البرة فهو أنف،مثل تعب فهو تعب.(الجوهريّ 4:1333)

المبرّد: العرنين و المرسن و الأنف واحد لما يحيط بالجميع.(1:375)

يقال:روضة أنف،إذا لم ترع،و كأس أنف،إذا لم يشرب منها شيء قبل.(2:21)

ثعلب: و أضاع مطلب أنفه،أي الرّحم الّتي خرج منها.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 9:13)

الزّجّاج: يقال:أنفت الشّيء آنفه،إذا تنزّهت عنه، و آنفت الرّجل:ضربت أنفه،و آنف الشّوك الإبل،إذا ضرب أنوفها عند الرّعي.(فعلت و أفعلت:44)

ابن دريد:تقول:ائتنفت الكلام ائتنافا،إذا ابتدأته ابتداء.(3:276)

رجل مئناف:يستأنف المراعي و المنازل.(3:420)

الهمذانيّ: ما رأيت أحمى أنفا من فلان،و لا آنف منه،و رأيته آنفا محميّا محمسا.(112)

القاليّ: و ممّا يشبّه من خلق الفرس بخلق الضّبي طول وظيفي رجليه،و تأنيف عرقوبيه.

و التّأنيف:التّحديد.[ثمّ استشهد بشعر](2:254)

الأزهريّ: رجل حميّ الأنف،إذا كان أنفا يأنف أن يضام؛و قد أنف يأنف أنفا و أنفة،و في الحديث:«كالجمل الأنف».

و قال بعض الكلابيّين: أنفت الإبل،إذا وقع الذّباب على أنوفها،و طلبت أماكن لم تكن تطلبها قبل ذلك.و هو الأنف،و الأنف يؤذيها بالنّهار.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أنف البعير الكلأ،إذا أجمه.و كذلك المرأة و النّاقة و الفرس تأنف فحلها،إذا تبيّن حملها فكرهته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هاج البهمى حتّى آنفت الرّاعية نصالها

ص: 13

و ذلك أن ييبس سفاها فلا ترعاها الإبل و لا غيرها، و ذلك في آخر الحرّ،فكأنّها جعلتها تأنف رعيها،أي تكرهه.

و يقال:ائتنفت الأمر و استأنفته،إذا استقبلته.

و هو من أنف الشّيء.

و أنف كلّ شيء:أوّله.يقال:هذا أنف الشّدّ،أي أوّله.و أنف البرد:أوّله،و أنف المطر:أوّل ما أنبت.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف خفّ البعير:طرف منسمه.

و العرب تسمّي الأنف:«أنفان».[ثمّ استشهد بشعر]

و أنّف فلان ما له تأنيفا،و آنفها إينافا،إذا رعاها أنف الكلأ.[ثم استشهد بشعر]

و يقال:أرض أنيفة،إذا بكّر نباتها.

و هذه آنف بلاد اللّه،أي أسرعها نباتا.(15:481)

الصّاحب:الأنف:الحميّة،و رجل حميّ الأنف.

و المؤنف:الّذي يحملك على الأنفة.

و الأنف:معروف.و بعير مأنوف:يساق بأنفه.

و رجل أنافيّ:عظيم الأنف.

و الأنفان:حرفا المنخرين.

و فلان يتبع أنفه:أي يتشمّم الرّوائح.

و آنفه الماء فهو مؤنف:إذا بلغ الماء أنفه،و أنفه:

أصاب أنفه،يأنفه و يأنفه.

و الأنوف:الطّيّبة ريح الأنف من النّساء.و الّتي تأنف ممّا لا خير فيه.

و المأنوف:البعير المحزوز الأنف.

و الآنف:الّذي يشتكي أنفه و لا يمتنع على قائده.

و قيل في قوله:«حتّى آنفتها نصالها»:أي أوجعت أنوفها،و قيل:جعلتها تشتكي أنوفها،و قيل:تكرهها.

و هم أنف النّاس:أي هم الكرام.و بنو أنف النّاقة:قبيلة.

و النّسبة إليهم:أنفيّ.

و الأنف و الأنفة:الاستنكاف،أنف يأنف؛كأنّه يخزى منه.و الأنف من البعير:الذّلول الّذي يأنف من الزّجر و الهوان.

و الأنف:الّذي عقره الخشاش.

و المؤنّف:الّذي يحمل غيره على الأنفة و الحميّة.

و أنفته فأنف:أي أغضبته فغضب.

و الأنف من المرعى و المسالك:ما لا يسبق إليه،كلأ أنف و منهل أنف.

و أنف اللّحية:طرفها.

و أنف الدّهر:أوّله.

و أنف الجبل:أوّله و ما بدا لك منه.

و الآنف:الّذي يتتبّع الأنف من الأشياء.

و ائتنفت في العمل ائتنافا:أوّل ما تبتدئ.و المستانف:

الكلام،و الأمر.و الآنف:المؤتنف من الأمر.

و آنفة الصّبا:ميعته.

و كان ذلك من ذي آنف.

و المؤتنف:الّذي لم يؤكل منه شيء.

و جارية أنف:مؤتنفة الشّباب مقتبلته.

و المتأنّف:المستأنف من الأماكن لم تؤكل قبله.

و رجل مئناف:يقرو الأرض منتجعا،و السّائر في أنف النّهار.

و المؤنف:الّذي لم يرعه أحد؛بمنزلة الأنف.

ص: 14

و أرض أنفة و أنيفة:أسرعت النّبات.و جبل أنيف:

ينبت قبل سائر الجبال.

و فلان يتأنّف الإخوان.

و امرأة متأنّفة:إذا كانت تتشهّى على أهلها الأطعمة عند حملها،و أنفت المرأة تأنف:إذا حملت و لم تشته شيئا.

و أنف كلّ شيء:حدّه و حدّته،و نصل مؤنّف:أي محدّد؛و قد أنّف تأنيفا.و هو في العرقوب:تحديد طرفه.

و آنف أمره إينافا:أعجله.

و قوله:أضاع مطلب أنفه:قيل:فرج أمّه.

و الأنف:المشية الحسنة.

و الأنيف من الحديد:مثل الأنيث.(10:397)

الجوهريّ: الأنف للإنسان و غيره.و الجمع:آنف و أنوف و آناف.

و أنف كلّ شيء:أوّله.

و الأنوف:المرأة الطّيّبة ريح الأنف.و أنفت الرّجل:

ضربت أنفه.

و يقال:آنفه الماء:بلغ أنفه؛و ذلك إذا نزل في النّهر.

و آنفتها أنا فهي مؤنفة،إذا تتبّعت بها أنف المرعى.

و يقال أيضا:آتيك من ذي أنف،كما يقال:من ذي قبل،أي فيما يستقبل.

و أنف من الشّيء يأنف أنفا و أنفة،أي استنكف.

يقال:ما رأيت أحمى أنفا و لا آنف من فلان.

و في الحديث:«المؤمن كالجمل الأنف إن قيد انقاد، و إن استنيخ على صخرة استناخ»؛و ذلك للوجع الّذي به،فهو ذلول منقاد.

و قال أبو عبيد:كان الأصل في هذا أن يقال:مأنوف، لأنّه مفعول به،كما قالوا:مصدور للّذي يشتكي صدره، و مبطون،و جميع ما في الجسد على هذا.و لكن هذا الحرف جاء شاذّا عنهم.

و تقول:آنفته أنا إينافا،إذا جعلته يشتكي أنفه.

و الاستئناف:الابتداء،و كذلك الائتناف،و قلت:كذا آنفا و سالفا.

و التّأنيف:تحديد طرف الشّيء.(4:1332)

ابن فارس: الهمزة و النّون و الفاء أصلان،منهما يتفرّع مسائل الباب كلّها:أحدهما:أخذ الشّيء من أوّله، و الثّاني:أنف كلّ ذي أنف،و قياسه التّحديد.

فأمّا الأصل الأوّل؛فقال الخليل:استأنفت كذا،أي رجعت إلى أوّله،و ائتنفت ائتنافا.و مؤتنف الأمر:ما يبتدأ فيه.و من هذا الباب قولهم:فعل كذا آنفا،كأنّه ابتداؤه.

و قال اللّه تعالى: ...قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً... محمّد:16.

و الأصل الثّاني:الأنف،معروف،و العدد آنف، و الجمع أنوف.

و بعير مأنوف:يساق بأنفه،لأنّه إذا عقره الخشاش انقاد.و بعير أنف و آنف،مقصور ممدود،و منه الحديث:

«المسلمون هيّنون ليّنون كالجمل الأنف إن قيد انقاد و إن أنيخ استناخ».

و رجل أنافيّ:عظيم الأنف.و أنفت الرّجل:ضربت أنفه.و امرأة أنوف:طيّبة ريح الأنف.

فأمّا قولهم:أنف من كذا،فهو من«الأنف»أيضا،و هو كقولهم للمتكبّر:«ورم أنفه».ذكر الأنف دون سائر الجسد،لأنّه يقال:شمخ بأنفه،يريد رفع رأسه كبرا،

ص: 15

و هذا يكون من الغضب.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و تقول العرب:فلان أنفي،أي عزّي و مفخري.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مئناف:يسير في أنف النّهار،و خمرة أنف:

أوّل ما يخرج منها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارية أنف:مؤتنفة الشّباب.

و التّأنيف في العرقوب:التّحديد،و يستحبّ ذلك من الفرس.(1:146)

الهرويّ: و الاستئناف في اللّغة،معناه الابتداء.

و كأس أنف:ابتدئ الشّرب بها،و لم يشرب بها قبل ذلك.

و في الحديث:«إنّما الأمر أنف»قاله بعض الكفّار،أي مستأنف استئنافا من غير أن يسبق به سابق قضاء و تقدير،و إنّما هو مقصور على اختيارك و دخولك فيه.

و أنف الشّيء:أوّله.و أنف الشّدّ:أوّله.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«لكلّ شيء أنفة،و أنفة الصّلاة التّكبيرة الأولى»قوله:أنفة الشّيء:ابتداؤه.هكذا الرّواية،و الصّحيح:أنفة.

و في الحديث:«المؤمنون هيّنون ليّنون كالجمل الأنف»أي المأنوف،و هو الّذي عقر الخشاش أنفه،فهو لا يمتنع على قائده للوجع الّذي به.و الأصل فيه:المأنوف، كما يقال:مبطون و مصدور.و قيل:الجمل الأنف:الذّلول.

و في حديث أبي مسلم الخولانيّ:«و وضعها في أنف من الكلاء»يقول:يتبع بها المواضع الّتي لم ترع قبل الوقت الّذي دخلت فيه.

و في حديث أبي بكر:«فكلّكم ورم أنفه»أي اغتاظ من خلافة عمر.

و قول أبي بكر:«أما إنّك لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك»،يقول:أعرضت عن الحقّ.(1:98)

الثّعالبيّ: «فصل في أدواء تدلّ على أنفسها بالانتساب إلى أعضائها».

و أنف:يشتكي أنفه،و منه الحديث:«هيّن ليّن كالجمل الأنف،إن قيد انقاد و إن أنيخ على صخرة استناخ».(149)

«فصل في تفصيل الأوصاف المحمودة في محاسن خلق المرأة».

فإذا كانت طيّبة الفم،فهي:رشوف.فإذا كانت طيّبة ريح الأنف،فهي:أنوف.(167)

أبو سهل الهرويّ: و الأنف معروف للإنسان و غيره،هو آلة الشّمّ.(فصيح ثعلب:43)

ابن سيدة: الأنف:جميع المنخر،الجمع:آنف و أنوف و آناف.و رجل أنافيّ:عظيم الأنف.

و الأنوف من النّساء:الطّيّبة ريح الأنف.

(الإفصاح 1:50)

الأنف:أنفه يأنفه أنفا:ضرب أنفه.

(الإفصاح 1:646)

الطّوسيّ: و الآنف:الجائي بأوّل المعنى.و منه الاستئناف،و هو استقبال الأمر بأوّل المعنى.و منه الأنف، لأنّه أوّل ما يبدو من صاحبه.و منه الأنفة:رفع النّفس عن أوّل الدّخول في الرّتبة.(9:298)

الرّاغب: أصل الأنف«الجارحة»ثمّ يسمّى به

ص: 16

طرف الشّيء و أشرفه،فيقال:أنف الجبل و أنف اللّحية.

و نسب الحميّة و الغضب و العزّة و الذّلّة إلى الأنف.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:شمخ فلان بأنفه:للمتكبّر،و ترب أنفه:

للذّليل،و أنف فلان من كذا،بمعنى استنكف،و أنفته:

أصبت أنفه.و حتّى قيل:الأنفة:الحميّة،و استأنفت الشّيء:أخذت أنفه،أي مبدأه.و منه قوله عزّ و جلّ:

ما ذا قالَ آنِفاً محمّد:16،أي مبتدأ.(28)

الزّمخشريّ: أرغم أنوفهم،و آنفهم.و نفّست عن أنفيه،أي منخريه.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة أنوف:طيّبة الأنف.و تزوّج أعرابيّ فقال:

وجدتها رصوفا،رشوفا،أنوفا.

و من المشتقّ منه:فيهم أنفة و أنف،و قد أنف من كذا.

أ لا ترى أنّهم قالوا:الأنف في الأنف،و المؤمن كالجمل الأنف،و هو الّذي أوجعت أنفه الخزامة.

و من المجاز:هو أنف قومه،و هم أنف النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف الجبل،و أنف اللّحية،و عدا أنف الشّدّ،و هذا أنف عمله،و سار في أنف النّهار،و كان ذلك على أنف الدّهر،و خرجت في أنف الخيل.

و من المشتقّ منه:كلأ و منهل و كأس أنف.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارية أنف:لم تطمث.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتيته آنفا،و مضت آنفة الشّباب،و هو يتأنّف الإخوان،أي يطلبهم آنفين،لم يعاشروا أحدا.و استأنف الشّيء و أتنفه.و نصل مؤنّف:محدّد.و فلان يتبع أنفه،أي يتشمّم.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:10)

في قصّة خروجه إلى المدينة،و طلب المشركين إيّاه.

قال سراقة بن مالك:فبينا أنا جالس أقبل رجل فقال:

إنّي رأيت آنفا أسودة بالسّاحل،أراهم محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه.قال:فقلت:ليسوا بهم،و لكن رأيت فلانا و فلانا انطلقوا بغيانا.

آنفا،أي السّاعة من ائتناف الشّيء،و هو ابتداؤه، و حقيقته في أوّل الوقت الّذي يقرب منّا.

و منه:إنّه قيل له:مات فلان،فقال:أ ليس كان عندنا آنفا؟فقالوا:بلى،قال:سبحان اللّه كأنّها أخذة على غضب.[إلى أن قال:]

أنف البعير،إذا اشتكى عقر الخشاش أنفه فهو أنف.

و قيل:هو الذّلول الّذي كأنّه يأنف من الزّجر فيعطي ما عنده و يسلس لقائده.(الفائق 1:61)

في الحديث«لكلّ شيء أنفة،و أنفة الصّلاة التّكبيرة الأولى،أي ابتداء و أوّل كأنّ التّاء زيدت على أنف، كقولهم في الذّنب:ذنبة.جاء في أمثالهم:إذا أخذت بذنبة الضّبّ أغضبته.(الفائق 1:64)

إنّما الأمر أنف،أي مستأنف،لم يسبق به قدر من الكلأ الأنف،و هو الوافي الّذي لم يرع منه.

(الفائق 3:218)

ابن الأثير: في حديث سبق الحدث في الصّلاة:

«فليأخذ بأنفه و يخرج»إنّما أمره بذلك ليوهم المصلّين أنّ به رعافا،و هو نوع من الأدب في ستر العورة و إخفاء القبيح،و الكناية بالأحسن عن الأقبح.و لا يدخل في باب الكذب و الرّياء،و إنّما هو من باب التّجمّل و الحياء،

ص: 17

و طلب السّلامة من النّاس.

و منه الحديث:«أنزلت عليّ سورة آنفا»،أي الآن، و قد تكرّرت هذه اللّفظة في الحديث.

و منه حديث أبي مسلم الخولانيّ:«و وضعها في أنف من الكلأ و صفو من الماء».الأنف بضمّ الهمزة و النّون:

الكلأ الّذي لم يرع و لم تطأه الماشية.

و في حديث معقل بن يسار:«فحمي من ذلك أنفا» يقال:أنف من الشّيء يأنف أنفا،إذا كرهه و شرفت نفسه عنه،و أراد به هاهنا أخذته الحميّة من الغيرة و الغضب.و قيل:هو أنفا،بسكون النّون للعضو،أي اشتدّ غيظه و غضبه،من طريق الكناية،كما يقال للمتغيّظ:ورم أنفه.

و في حديث أبي بكر في عهده إلى عمر بالخلافة:

«فكلّكم ورم أنفه»أي اغتاظ من ذلك،و هو من أحسن الكنايات،لأنّ المغتاظ يرم أنفه و يحمرّ.

و منه حديثه الآخر:«أما إنّك لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك»يريد أعرضت عن الحقّ و أقبلت على الباطل.و قيل:أراد إنّك تقبل بوجهك على من وراءك من أشياعك فتؤثرهم ببرّك.(1:75)

الصّغانيّ: أنفة كلّ شيء،بالهاء:أوّله.و في الأحاديث الّتي لا طرق لها:«لكلّ شيء أنفة،و أنفة الصّلاة التّكبيرة الأولى»و كأنّ الهاء زيدت على«أنف» كقولهم في الذّنب:ذنبة.و في المثل:إذا أخذت بذنبة الضّبّ أغضبته.و أنف:ثنيّة.

قال أبو عبيد: الجمل الآنف،على مثال«فاعل»:

الّذي عقره الخشاش،و الصّواب ما رواه الجوهريّ:أنف بالقصر،مثال تعب.

و الأنفان:سمّا الأنف.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:أنّفت مالي تأنيفا،إذا رعيتها الكلأ الأنف.

آنفه الماء:بلغ أنفه،مثل أنفه.و أنّفه:حمله على الأنف.و أنّف:طلب الأنف.و أنف اللّحية:طرفها.

و الأنف:المشية الحسنة.و أنفت المرأة،إذا حملت فلم تشته شيئا.

و أضاع مطلب أنفه،قيل:فرج أمّه.

و ذو الأنف:هو النّعمان بن عبد اللّه بن جابر الخثعميّ، قاد خيل خثعم إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يوم طائف،و كانوا مع ثقيف.

(4:437)

و جارية مؤتنفة الشّباب،أي مقتبلته.

(الزّبيديّ 6:48)

ابن منظور: قال أبو سعيد:الجمل الأنف:الذّليل المؤاتي الّذي يأنف من الزّجر و من الضّرب،و يعطي ما عنده من السّير عفوا سهلا،كذلك المؤمن لا يحتاج إلى زجر و لا عتاب،و ما لزمه من حقّ صبر عليه و قام به.

[إلى أن قال:]

و التّأنيف:تهديد طرف الشّيء.و أنفا القوس:الحدّان اللّذان في بواطن السّيتين.و أنف النّعل:أسلتها.و أنف كلّ شيء:طرفه و أوّله.[ثمّ استشهد بشعر]

قال ابن سيدة: و يكون في الأزمنة،و استعمله أبو خراش في اللّحية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف النّاب:طرفه حين يطلع.و أنف النّاب:حرفه و طرفه حين يطلع.و أنف المطر:أوّل ما أنبت.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 18

و هذا أنف عمل فلان،أي أوّل ما أخذ فيه.و أنف خفّ البعير:طرف منسمه.

و المؤنّف:المحدّد من كلّ شيء.و المؤنّف:المسوّى.

و سير مؤنّف:مقدود،على قدر و استواء.و منه قول الأعرابيّ يصف فرسا:لهز لهز العير و أنّف تأنيف السّير، أي قدّ حتّى استوى كما يستوي السّير المقدود.

و روضة أنف،بالضّمّ:لم يرعها أحد،و في المحكم:

لم توطأ،و احتاج أبو النّجم إليه فسكّنه،فقال:

*أنف ترى ذبّانها تعلّله*

و كلأ أنف،إذا كان بحاله لم يرعه أحد.و كأس أنف:

ملأى،و كذلك المنهل.

و الأنف:الخمر الّتي لم يستخرج من دنّها شيء قبلها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض أنف و أنيفة:منبتة.

و استأنف الشّيء و أتنفه:أخذ أوّله و ابتدأه،و قيل:

استقبله،و أنا آتنفه ائتنافا،و هو«افتعال»من أنف الشّيء.و في حديث ابن عمر:«إنّما الأمر أنف»أي يستأنف استئنافا من غير أن يسبق به سابق قضاء و تقدير،و إنّما هو على اختيارك و دخولك فيه.

استأنفت الشّيء،إذا ابتدأته.و فعلت الشّيء آنفا، أي في أوّل وقت يقرب منّي،و استأنفه بوعد:ابتدأه من غير أن يسأله إيّاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنف الشّيء:أوّله و مستأنفه.

و المؤنفة و المؤنّفة من الإبل:الّتي يتّبع بها أنف المرعى،أي أوّله-و في كتاب عليّ بن حمزة:أنف الرّعي- و رجل مئناف:يستأنف المراعي و المنازل،و يرعى ما له أنف الكلاء.

و المؤنّفة من النّساء:الّتي استؤنفت بالنّكاح أوّلا، و يقال:امرأة مكثّفة مؤنّفة.

و رجل حميّ الأنف،إذا كان أنفا يأنف أن يضام.

و أنف من الشّيء يأنف أنفا و أنفة:حمي،و قيل:

استنكف.يقال:ما رأيت أحمى أنفا و لا آنف من فلان.

و أنف الطّعام و غيره أنفا:كرهه.و قد أنف البعير الكلأ،إذا أجمه،و كذلك المرأة و النّاقة و الفرس تأنف فحلها،إذا تبيّن حملها فكرهته،و هو الأنف.[ثمّ استشهد بشعر](9:13)

الفيّوميّ: أنف من الشّيء أنفا،من باب«تعب» و الاسم«الأنفة»مثل قصبة،أي استنكف،و هو الاستكبار.و أنف منه:تنزّه عنه.

و الأنف المعطس،و الجمع:آناف على«أفعال» و أنوف و آنف،مثل فلوس و أفلس.

و أنف الجبل:ما خرج منه.و روضة أنف بضمّتين.

أي جديدة النّبت لم ترع.و استأنفت الشّيء:أخذت فيه و ابتدأته.و أتنفته كذلك.(1:26)

الفيروزآباديّ: الأنف:معروف،جمعه:أنوف و آناف و آنف،و السّيّد،وثنيّة،و من كلّ شيء أوّله أو أشدّه،و من الأرض ما استقبل الشّمس من الجلد و الضّواحي و من الرّغيف كسرة منه،من النّاب طرفه حين يطلع،و من اللّحية جانبها،و من المطر أوّل ما أنبت، و من خفّ البعير طرف منسمه.

و رجل حميّ الأنف،أي آنف يأنف أن يضام.

و يقال لسمّي الأنف:الأنفان.

ص: 19

و أنفة الصّلاة:ابتداؤها و أوّلها.و روي في الحديث مضمومة،و الصّواب الفتح.

و جعل أنفه في قفاه،أي أعرض عن الحقّ،و أقبل على الباطل.و هو يتتبّع أنفه،أي يتشمّم الرّائحة فيتبعها.

و ذو الأنف:النّعمان بن عبد اللّه قائد خيل خثعم يوم الطّائف.و أنف النّاقة:لقب جعفر بن قريع أبو بطن من سعد بن زيد مناة،لأنّ أباه نحر جزورا فقسم بين نسائه، فبعثت جعفرا أمّه فأتاه،و قد قسم الجزور و لم يبق إلاّ رأسها و عنقها،فقال:شأنك به،فأدخل يده في أنفها و جعل يجرّها،فلقّب به.و كانوا يغضبون منه،فلمّا مدحهم الحطيئة:

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و من يسوّي بأنف الناقة الذّنبا

صار اللّقب مدحا،و النّسبة أنفيّ.

و أضاع مطلب أنفه:فرج أمّه.

و أنفه يأنفه و يأنفه:ضرب أنفه،و الماء فلانا بلغ أنفه،و الإبل وطئت كلأ أنفا.

و رجل أنافيّ بالضّمّ:عظيم الأنف.و امرأة أنوف:

طيّبة رائحته،أو تأنف ممّا لا خير فيه.و روضة أنف كعنق و محسن:لم ترع،و كذلك كأس أنف:لم تشرب.و أمر أنف:مستأنف لم يسبق به قدر.و الأنف أيضا:المشية الحسنة.

و قال:آنفا كصاحب و كتف،و قرئ بهما،أي مذ ساعة،أي في أوّل وقت يقرب منّا.

و أرض أنيفة النّبت:أسرعت،و هي آنف بلاد اللّه.

و آتيك من ذي أنف بضمّتين،كما تقول:من ذي قبل:

فيما يستقبل.آنفة الصّبيّ:ميعته و أوّليّته.

و الأنيف:الأنيث من الحديد اللّيّن،و من الجبال المنبت قبل سائر البلاد.

و المئناف:السّائر في أوّل اللّيل،و الرّاعي ما له أنف الكلأ.

و أنف منه كفرح،أنفا و أنفة محرّكتين:استنكف، و المرأة حملت فلم تشته شيئا،و البعير اشتكى أنفه من البرة،فهو أنف ككتف و صاحب،و الأوّل أصحّ و أفصح.

و آنف الإبل:تتبّع بها أنف المرعى،و فلانا حمله على الأنفة كأنّفه تأنيفا فيهما،و فلانا جعله يشتكي أنفه، و أمره:أعجله.

و الاستئناف و الائتناف:الابتداء.و المؤتنف:

للمفعول الّذي لم يؤكل منه شيء،كالمتأنّف للفاعل.

و جارية مؤتنفة الشّباب:مقتبلته،و إنّها لتتأنّف الشّهوات،إذا تشهّت الشّيء بعد الشّيء لشدّة الوحم.

و نصل مؤنّف كمعظّم:قد أنّف تأنيفا.و التّأنيف:

طلب الكلأ.و غنم مؤنّفة كمعظّمة.و آنفه الماء:بلغ أنفه.

(3:123)

الطّريحيّ: أنف من الشّيء،من باب«تعب»يأنف أنفا،إذا كرهه و عزفت نفسه عنه.

و في الحديث:«سألته عن سبحان اللّه؟فقال:أنفة» هو كقصبة،أي تنزيه اللّه تعالى،كما أنّ سبحان تنزيه.

قال بعض الشّارحين:الأنفة في الأصل:الضّرب على الأنف ليرجع،ثمّ استعمل لتعبيد الأشياء،فيكون هنا بمعنى رفع اللّه عن مرتبة المخلوقين بالكلّيّة،لأنّه تنزيه عن صفات الرّذائل و الأجسام.

ص: 20

و أنف من الشّيء،أي استنكف،و هو الاستكبار.

و أنف كلّ شيء:طرفه،و أنف كلّ شيء:أوّله.

و أنف الرّجل و غيره:معروف،و الجمع:أنف و أنوف و آناف.و منه حديث:«من أحدث في الصّلاة فليأخذ بأنفه و ليخرج».[إلى أن قال:]

و في الخبر:«شجاعة المرء على قدر أنفته»الأنفة:

حميّة الأنف و ثوران الغضب لما يتخيّل من مكروه يعرض استنكارا له و استنكافا من وقوعه.و ظاهر كونه مبدأ للشّجاعة في الإقدام على الأمور.

و جاء آنفا،أي من قبل.و منه قوله عليه السّلام في حديث عصا موسى:«و إنّ عهدي بها آنفا و هي خضراء».

و«أنزلت عليّ سورة آنفا»أي الآن.

و فعلت الشّيء آنفا،أي أوّل وقت يقرب منّي.

(5:28)

الزّبيديّ: الأنف للإنسان و غيره:معروف.قال شيخنا:هو اسم لمجموع المنخرين و الحاجز و القصبة، و هي ما صلب من الأنف.فعدّ المنخرين من المزدوج لا ينافي عدّ الأنف من غير المزدوج،كما توهّمه الغنيميّ في «شرح الشّعراويّة»فتأمّل.

جمعه:أنوف و آناف و آنف،الأخير كأفلس.و في حديث السّاعة:«حتّى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الآنف»،و في حديث عائشة:«يا عمر ما وضعت الخطم على آنفنا».[إلى أن قال:]

و من المجاز:«جعل أنفه في قفاه»أي أعرض عن الحقّ و أقبل على الباطل،و هو عبارة عن غاية الإعراض عن الشّيء وليّ الرّأس عنه،لأنّ قصارى ذلك أن يقبل بأنفه على ما وراءه،فكأنّه جعل أنفه في قفاه.و منه قولهم للمنهزم:عيناه في قفاه،لنظره إلى ما وراءه دائبا فرقا من الطّلب.(6:46)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الأنف:عضو التّنفّس و الشّمّ،و هو اسم لمجموع المنخرين و الحاجز.و أنف كلّ شيء:أوّله،و آنفا من زمن:ماض قريب.(1:49)

محمود شيت: 1-أ-أنف البعير أنفا:وجعه أنفه من الخزامة،فهو أنف،و آنف.و أنف منه:أنفا و أنفة:

استنكف و استكبر،يقال:فيهم أنفة و أنف.و أنف المسافر:سافر أوّل النّهار.و أنف الشّيء و منه:تنزّه عنه و كرهه.

ب-أنّف الشّيء:حدّد طرفه،يقال:نصل مؤنّف.

و أنّف فلانا:جعله يأنف.

ج-استأنف الشّيء:طلب إعادة النّظر فيه.

د-الآنف:الماضي القريب،يقال:فعله آنفا:قريبا، أو أوّل هذه السّاعة،أو أوّل وقت كنّا فيه.

ه-الأنف:عضو التّنفّس و الشّمّ.و شمّخ بأنفه:تكبّر.

و رغم أنفه:ذلّ.و مات حتف أنفه:من غير قتل.و أنف الجبل:ما نتأمنه و شخص.و أنف القوم:سيّدهم.جمعه:

أنوف و آناف و آنف.

و-الأنفة:العزّة و الحميّة.

2-أ-أنف السّيف:حدّد طرفه،و جعله ماضيا.

ب-استأنف الحكم:طلب إعادة النّظر فيه.

و تستعمل في المحاكم العسكريّة.

ج-أنف الجيش:قائده.و أنف الجبل:ما نتأمنه، و تستعمل في الجغرافيا العسكريّة.(1:58)

ص: 21

العدنانيّ: أعدت قراءة الكتاب المذكور آنفا.

و يقولون:أعدت قراءة الكتاب الآنف الذّكر، و الصّواب:أعدت قراءة الكتاب المذكور آنفا،أي من وقت قريب كما تقول المعجمات.

و قال تعالى في الآية 16 من سورة محمّد: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً

و جاء في«النّهاية»:و منه الحديث:«أنزلت عليّ آنفا»أي الآن.و قد تكرّرت هذه اللّفظة بهذا المعنى في الحديث.

و قال الأزهريّ: فعلت الشّيء آنفا،أي في أوّل وقت يقرب منّي.(35)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو الأنف من كلّ حيوان.و لمّا كان الأنف أوّل ما يبدو من وجه الإنسان و الحيوان و أنّه واقع في مقدّم الوجه، فتستعمل في معنى:الابتداء و الأوّل و المقدّم و ما يظهر أوّلا،و باعتبار ظهور أثر الغضب و الحميّة و الذّلّة و الإعراض فيه ابتداء-لأنّه أوّل ما يرى و يطلع- فتستعمل في قريب من هذه المعاني.

و كلّ هذه المعاني لازم أن يراعى فيها قيد التّقدّم و الطّلوع و خصوصيّة ما في الأنف،لا مطلق الابتداء و التّقدّم و الإعراض و الغضب.(1:149)

النّصوص التّفسيريّة

الانف

وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ... المائدة:45

ابن عبّاس: يقطع الأنف بالأنف

(الطّبريّ 6:259)

الزّمخشريّ: و الأنف مجدوع بالأنف.(1:617)

نحوه البغويّ(2:48)،و الميبديّ(3:131) و البيضاويّ(1:276)،و النّسفيّ(1:285)، و النّيسابوريّ(6:104)،و الخازن(2:48)،و ابن كثير (2:581)،و السّيوطيّ(الجلالين 1:276)،و أبو السّعود (2:32)،و الكاشانيّ(2:39)،و البروسويّ(2:397)، و شبّر(2:179)،و الآلوسيّ(6:147).

الطّبرسيّ: قال العلماء:كلّ شخصين جرى القصاص بينهما في النّفس جرى القصاص بينهما في العين و الأنف و الأذن و السنّ و جميع الأطراف،إذا تماثلا في السّلامة من الشّلل.و إذا امتنع القصاص في النّفس امتنع أيضا في الأطراف.(2:199)

الطّباطبائيّ: يدلّ على أنّ المراد به بيان حكم القصاص في أقسام الجنايات،من القتل و القطع و الجرح.

فالمقابلة الواقعة في قوله: اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ و غيره،إنّما وقعت بين المقتصّ له و المقتصّ به.

و المراد به أنّ النّفس تعادل النّفس في باب القصاص، و العين تقابل العين،و الأنف الأنف،و هكذا.و الباء للمقابلة،كما في قولك:بعت هذا بهذا.(5:344)

ص: 22

آنفا

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً... محمّد:16

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّا كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا و من يعيه،فإذا خرجنا قالوا:

ما ذا قالَ آنِفاً. (الطّبرسيّ 5:102)

مقاتل: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخطب و يعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد اللّه بن مسعود استهزاء:ما ذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(البغويّ 6:149)

الزّجّاج: كانوا يسمعون خطبة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول اللّه استهزاء و إعلاما أنّهم لم يلتفتوا إلى ما قال،فقالوا: ما ذا قالَ آنِفاً، أي ما ذا قال السّاعة.و معنى(آنفا)من قولك:استأنفت الشّيء،إذا ابتدأته،و روضة أنف،إذا لم ترع بعد،أي لها أوّل يرعى، فالمعنى ما ذا قال من أوّل وقت يقرب منّا.(5:10)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير في إحدى الرّوايتين (أنفا) على وزن«فعل»،الباقون (آنفا) بالمدّ على وزن«فاعل».

قال أبو عليّ الفارسيّ:جعل ابن كثير ذلك مثل:حاذر و حذر،فاكه و فكه.و الوجه الرّواية الأخرى.

حكى اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ من الكفّار من إذا جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و استمع لقراءة القرآن منه و سمع ما يؤدّيه إلى الحقّ من الوحي و ما يدعوه إليه،فلا يصغي إليه و لا ينتفع به،حتّى إذا خرج من عنده لم يدر ما سمعه و لا فهمه،و يسألون أهل العلم الّذين آتاهم اللّه العلم و الفهم من المؤمنين ما ذا قالَ آنِفاً، أي أيّ شيء قال السّاعة؟

و قيل:معناه قريبا مبتدئا.و قيل:إنّهم كانوا يتسمّعون للخطبة يوم الجمعة،و هم المنافقون.

(9:295)

البغويّ: (آنفا)يعني الآن،و هو من الائتناف.

و يقال:ائتنفت الأمر،أي ابتدأته.و أنف الشّيء:أوّله.

نحوه الخازن.(6:149)

الميبديّ: أي في ساعتنا هذه.و الآنف:أقرب حين منك،و سمّي أنف الرّجل،لأنّه أقرب جسده منك.

و ائتنف الكلام ائتنافا،إذا ابتدأ به.و استأنف الأمر،إذا استقبل أوّله.(9:183)

الطّبرسيّ: قولهم: ما ذا قالَ آنِفاً أي أيّ شيء قال السّاعة؟و إنّما قالوه استهزاء أو إظهارا إنّا لم نشتغل أيضا بوعيه و فهمه.

و قيل:إنّما قالوا ذلك،لأنّهم لم يفهموا معناه و لم يعلموا ما سمعوه.

و قيل:بل قالوا ذلك تحقيرا لقوله،أي لم يقل شيئا فيه فائدة.

و يحتمل أيضا أن يكونوا سألوا رياء و نفاقا،أي لم يذهب عنّي من قوله إلاّ هذا،فما ذا قال أعده عليّ لأحفظه؟(5:102)

الفخر الرّازيّ: قال بعض المفسّرين:معناه السّاعة،و منه الاستئناف و هو الابتداء،فعلى هذا فالأولى أن يقال:يقولون: ما ذا قالَ آنِفاً بمعنى أنّهم يستعيدون كلامه من الابتداء،كما يقول المستعيد للمعيد:

أعد كلامك من الابتداء حتّى لا يفوتني شيء منه.

(28:58)

ص: 23

القرطبيّ: أي الآن،على جهة الاستهزاء،أي أنا لم ألتفت إلى قوله:و(آنفا)يراد به السّاعة الّتي هي أقرب الأوقات إليك،من قولك:استأنفت الشّيء،إذا ابتدأت به.و منه أمر أنف و روضة أنف،أي لم يرعها أحد.و كأس أنف،إذا لم يشرب منها شيء،كأنّه استؤنف شربها،مثل روضة أنف.[ثمّ استشهد بشعر](16:238)

البيضاويّ: (آنفا)من قولهم:أنف الشّيء لما تقدّم منه،مستعار من الجارحة.و منه استأنف و ائتنف و هو ظرف،بمعنى وقتا مؤتنفا،أو حال من الضّمير في(قال) و قرئ(أنفا).(2:395)

نحوه أبو السّعود(5:74)،و المراغيّ(26:60)، و فريد و جدي(674).

النّيسابوريّ: قال المنافقون للعلماء،و هم بعض الصّحابة كابن عبّاس (1)و ابن مسعود و أبي الدّرداء:أيّ شيء قال محمّد(آنفا)؟أي في ساعتنا هذه.و أنف كلّ شيء:ما تقدّمه،و منه قولهم:استأنفت الأمر:ابتدأته.

و لا يستعمل منه فعل ثلاثيّ بهذا المعنى،و إنّما توجّه الذّمّ عليهم،لأنّ سؤالهم سؤال استهزاء و إعلام أنّهم لم يلتفتوا إلى قوله.و لو كان سؤال بحث عمّا لم يفهموه لم يكن كذلك،على أنّ عدم الفهم دليل قلّة الاكتراث بقوله.

(26:26)

أبو حيّان: آئفا و آنفا:هما اسما فاعل،و لم يستعمل فعلهما-و الّذي استعمل«ائتنف»-و هما بمعنى مبتدئا، و تفسيرهما بالسّاعة تفسير معنى.(8:71)

كان المنافقون يحضرون عند الرّسول و يستمعون كلامه و تلاوته،فإذا خرجوا قالوا للّذين أوتوا العلم و هم السّامعون كلام الرّسول و حقيقته الواعون له: ما ذا قالَ آنِفاً أي السّاعة،و ذلك على سبيل الهزء و الاستخفاف، أي لم نفهم ما يقول و لم ندر ما نفع ذلك،و ممّن سألوه ابن مسعود.و(آنفا)حال،أي مبتدئا،أي ما القول الّذي ائتنفه قبل انفصاله عنه.

و قرأ الجمهور (آنِفاً) على وزن«فاعل»و ابن كثير على وزن«فعل».

و قال الزّمخشريّ: و(آنفا)نصب على الظّرف،انتهى.

و قال ذلك،لأنّه فسّره بالسّاعة.

و قال ابن عطيّة: و المفسّرون يقولون:(آنفا)معناه السّاعة الماضية القريبة منّا،و هذا تفسير بالمعنى،انتهى.

و الصّحيح أنّه ليس بظرف،و لا نعلم أحدا من النّحاة عدّه في الظّروف.(8:79)

السّيوطيّ: (آنفا)بالمدّ و القصر،أي السّاعة،أي لا نرجع إليه.(تفسير الجلالين 2:395)

الآلوسيّ: أي ما الّذي قال قبيل هذا الوقت.

و مقصودهم من ذلك الاستهزاء و إن كان بصورة الاستعلام.و جوّز أن يكون مرادهم حقيقة الاستعلام إذ لم يلقوا له آذانهم تهاونا به،و لذلك ذمّوا،و الأوّل أولى.

قيل:قالوا ذلك لابن مسعود.و عن ابن عبّاس:

أنا منهم،و قد سمّيت فيمن سئل.و أراد رضي اللّه تعالى عنه أنّه من الّذين أوتوا العلم بنصّ القرآن،و ما أحسن ما عبّر عن ذلك.

و(آنفا)اسم فاعل على غير القياس،أو بتجريدد.

ص: 24


1- كان ابن عبّاس صغيرا في حياة النّبيّ و لم يكن في مستوى ابن مسعود.

فعله من الزّوائد،لأنّه لم يسمع له فعل ثلاثيّ بل استأنف و ائتنف.و ذكر الزّجّاج أنّه من:استأنفت الشّيء،إذا ابتدأته،و كان أصل معنى هذا:أخذت أنفه،أي مبدأه.

و أصل الأنف الجارحة المعروفة،ثمّ يسمّى به طرف الشّيء و مقدّمه و أشرفه.و ذكر غير واحد أنّ(آنفا)من ذلك.

قالوا:إنّه اسم للسّاعة الّتي قبل ساعتك الّتي أنت فيها،من«الأنف»بمعنى المتقدّم.و قد استعير من الجارحة لتقدّمها على الوقت الحاضر.و قيل:هو بمعنى زمان الحال، و هو على ما ذهب إليه الزّمخشريّ نصب على الظّرفيّة، و لا ينافي كونه اسم فاعل،كما في«بادي»فإنّه اسم فاعل غلب على معنى الظّرفيّة في الاستعمال.

و قال أبو حيّان:الصّحيح أنّه ليس بظرف و لا نعلم أحدا من النّحاة عدّه في الظّروف،و أوجب نصبه على الحال من فاعل(قال)أي ما ذا قال مبتدئا،أي ما القول الّذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه،و إلى ذلك يشير كلام الرّاغب.

و قرأ ابن كثير (أنفا) على وزن«فعل».(26:50)

عزّة دروزة: ما ذا قالَ آنِفاً: ما ذا قال الآن من جديد.

في الآيتين حكاية لحالة من حالات بعض فئات الكفّار و المنافقين و حالة المؤمنين،حينما كانوا يحضرون مجالس النّبيّ و يستمعون إلى ما يقوله و يبلّغه؛حيث كان الأوّلون يحضرون هذه المجالس لاهية أذهانهم و قلوبهم مستخفّين بما يسمعون،و حينما يخرجون يسألون بعض ذوي العلم و الفهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الّذين شهدوا المجلس عمّا قال النّبيّ من شيء جديد،فهؤلاء قد طبع على قلوبهم،بسبب كفرهم و نفاقهم و خبث طواياهم؛ففقدوا السّداد و الرّشاد و الإدراك و انساقوا وراء الأهواء،بخلاف المؤمنين المخلصين الّذين كان اللّه يزيدهم هدى و فهما لما ينبغي أن يتّقوا به اللّه،كلّما شهدوا مجالس النّبيّ و سمعوا كلامه و مواعظه.

و سؤال ما ذا قالَ آنِفاً يحتمل أن يكون استخفافا و سخريّة،كما يحتمل أن يكون بقصد التأكّد،لأنّهم لم ينتبهوا إلى ما كان يقوله النّبيّ،أو لم يعوه و يفهموه،و قد ذكر المفسّرون الاحتمالين.

و في سورة التّوبة آيتان قد تكونان من هذا الباب.

و تفيدان أنّ السّؤال على سبيل السّخريّة و الاستخفاف، و هما هاتان: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:

124،125.

حيث يصحّ الاستئناس بالآيتين لترجيح احتمال الاستخفاف و السّخريّة في السّؤال الّذي نحن في صدده.

(9:222)

الطّباطبائيّ: (آنفا)اسم فاعل منصوب على الظّرفيّة،أو لكونه مفعولا فيه،و معناه السّاعة الّتي قبيل ساعتك.و قيل:معناه هذه السّاعة،و هو على أيّ حال مأخوذ من«الأنف»بمعنى الجارحة.(18:235)

ص: 25

الأصول اللّغويّة

1-الأنف:جارحة معروفة في الإنسان.و بما أنّ هذه الجارحة بارزة تبتدئ الوجه،و تكون أثرا متقدّما في مقدّمة الإنسان و أوّل ما يظهر منه،و بما أنّ هناك أشياء تبدو آثارها و رموزها على الأنف،لهذا اشتقّت منه الأفعال و الصّفات و الموصوفات،و ترشّحت عنه المجازات و الكنايات و الاستعارات،فهو نظير الأذن تماما حسب ما اخترنا.

فالأنف-إذا-اسم لأصل واحد تفرّعت منه الأفعال و المسمّيات.

2-و الفعل منه أنف يأنف أنفا،كفرح يفرح فرحا، و هو من الأفعال المتعلّقة بالمشاعر و الأحاسيس.

و عليه كان هذا الفعل و مشتقّاته يتضمّن الانفعالات الّتي تأتي عن أثر يظهر على الأنف،كاحمرار الأنف و أذاه و تأثّره و امتعاضه،إلى غير ذلك.

كما يتضمّن صورا بيانيّة؛فالفعل«أنف»يعني كره و امتعض،و كأنّه ولّى بأنفه رفضا أو استنكافا أو كراهيّة أو تنزّها عن الشّيء.

و إذا قلنا:أنفت الإبل،كان المراد أنّها امتعضت من الذّباب المتجمّع على أنفها،فهربت إلى مكان آخر.و قد يكون هذا من باب تسمية الشّيء باسم لازمه،فلا نقول:

فرّ بجسمه،و لا ولّى بوجهه عنه،و إنّما نقول:أنف،أي ولّى بأنفه،فأطلق الفعل على عضو يلازم الجسم.أو قد يكون من باب إطلاق الجزء و إرادة الكلّ،كما نقول:هذه أرض لم تطأها قدم،و المقصود لم يصلها إنسان.

فالأصل في«أنف»إذا تغيير اتّجاه الأنف،إمّا حقيقة كما تفعل المرأة مع زوجها إذ ابان حملها،و الإبل إذا فرّت من الذّباب المتطاير فوق أنفها.و إمّا مجازا تعبيرا عن الشّموخ و التّرفّع،و إن كان الشّامخ و المتكبّر ذا أنف مرتفع في صورته الواقعيّة.

3-و الأنفة إنّما تدلّ على أمرين:

1-الحميّة و العزّة و الإباء و النّزاهة.

2-الكبر و الاستكبار و التّعالي،و الأوّل مستحسن دون الثّاني.

أمّا الأنفة بمعنى النّزاهة المطلقة و التّنزيه الخالص، فإنّه أمر متعلّق بالذّات الإلهيّة المقدّسة الّتي تتنزّه عن صفات النّقص،و الّتي تذلّ لها الأنوف.ف«الأنفة»تقابل «سبحان اللّه»،و لهذا يستحبّ للمصلّي أن يمرّغ أنفه بالتّراب أثناء سجوده،مبالغة في الخضوع للّه عزّ و جلّ.

4-أمّا الفعل«أنف»مفتوح العين فهو استعمال نادر حين يقصد به:ضرب أنفه،و الإبل إذا وطئت كلأ لم تطأه إبل قبلها.و الاستعمال الأكثر في هذا المعنى هو«آنف» الّذي يراد به أصاب أنفه،أو جعله يشتكي منه.

5-و الفعل«تأنّف»ينسب إلى الرّجل حين يطلب من هو متكبّر أو شامخ،لا يعاشر أحدا،و ينسب إلى المرأة حين يشتدّ وحمها فتشتهي الشّيء بعد الشّيء،فتكون شبيهة بمن يتّبع أنفه بعد أن يشمّ الرّوائح فيتشهّى.

6-و يبدو أنّ«أنّف»؛بمعنى حدّد،و منه المؤنّف، هكذا جاء على وجه التّشبيه بالأنف،فكونه محدّدا من طرفه لا مدوّرا كأغلب الجوارح و الأعضاء.و قيل منه:

أنّفت السّراج،إذا حدّدت طرف ناره إذا ارتفعت فانتشرت.و إذا قيل:أنّف فلان ما له تأنيفا،فيعني أنّه

ص: 26

وظّفه في أمر جديد.

7-أمّا«استأنف»و«ائتنف»فهما فعلان لا يدلاّن على الابتداء فحسب،و إنّما يدلاّن غالبا على الابتداء من بعد توقّف،و الشّروع بالعمل مرّة أخرى.و كأنّه أخذ الأمر من أنفه،أي مبدأه.و المؤتنف هو مثل المبتدأ،أي ما يبتدأ فيه أو منه.

8-لمّا كان الأصل في«أ ن ف»هو الجارحة المعروفة،و هي أبرز ما يكون من الوجه،و أوّل ما يبدو من صاحبه،فلذا سمّيت به أطراف الأشياء و مبتدءاتها توسّعا في المعنى.

و نسب المتقدّمون و الأشراف إليه،فقيل:هذا أنفيّ، إذا كان ممّن يفتخر به،و قيل للسّيّد:أنف،و للشّيء الّذي يشخص من الجبل:أنف الجبل،و لطرف النّاب:أنفه، و لأوّل البرد:أنفه أيضا.

و جاءت الاستعارات و المجازات و الكنايات-كما قلنا-تحوم حول الأنف آخذة صفة من صفاته أو حالة من حالاته أو علاقة مرتبطة به،فقيل:حميّ الأنف،أي عزيز يأبى الضّيم.و قيل:روضة أنف،أي ملأى،و كذلك كأس أنف،و كأنّها لم تستأنف بعد،أو كأنّ الكأس لم يشرب منها شيء،أي لم تستأنف،أو لم يقربها أنف.

و قيل:فلان يتبع أنفه،إذا كان يجري وراء كلّ ما يعي أنفه،و فلان ورم أنفه،إذا غضب،و رغم و ترب أنفه،إذا ذلّ،فكأنّ أنفه وطئ التّراب.و شمخ بأنفه،إذا تكبّر.

9-و جمع«الأنف»على الأشهر هو الأنوف،أمّا آنف و آناف و أناف،فهي جموع غير مشهورة.و«أنفان» المثنّى يقصد به مرّة أنفان مختلفان لإنسان،و يقصد به مرّة أخرى منخران لأنف واحد.و المشهور أنّ الأنف ما احتوى على منخرين،فكلاهما أنف واحد،لأنّ الأنف هو المنخران مع الحاجز،أمّا إذا قيل:أنفان،و أريد الأنف الواحد،فالمقصود به المنخران.

10-و«آنفا»اسم على وزن«فاعل»،مثل سالفا و لاحقا،ممّا جاء منصوبا على الظّرفيّة الزّمانيّة،و فيه معنى الحال.و كأنّ معناه مبتدئ الوقت الّذي نحن فيه،أو مستقبل السّاعة الّتي نحن فيها،و يراد به التّوّ أو السّاعة، أو قبيل الوقت الّذي مرّ قريبا.

11-و المئناف:من يمضي إلى أوّل الشّيء و فيه.

و الأنافيّ:من كان كبير الأنف.

و الأنف من الشّباب:أوّله و مستأنفه،و من الأرض:

المنبتة البارز نباتها كما يبرز الأنف.

و الآنف:القادم في أوّل الوقت أو الأمر.

و الأنيف:المبكّر.

و المأنوف:الّذي يجري خلف أنّفه،و هو من المجاز.

و الأنوف على وزن«فعول»كهنون و رءوم:يطلق على الذّكر و الأنثى،فإذا قيل:هذا رجل أنوف،أريد به الرّجل الشّديد الأنفة.و إذا قيل:هذه امرأة أنوف، أريد بها المرأة الطّيّبة ريح الأنف.

و الأنف:الأوّل،و قد يقصد به الجديد،لأنّ الأوّل من الأمر يكون جديدا غالبا.

و من الاستعمالات المحدثة:استأنف الحكم:طلب إعادة النّظر فيه،و منه:محكمة الاستئناف.

ص: 27

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء(الأنف)في القرآن مرّتين في آية واحدة، بمعنى الجارحة،و(آنفا)مرّة واحدة منصوبا على الظّرفيّة، بمعنى أوّل وقت يقرب منّا،أو رأس السّاعة الّتي نحن فيها:

وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ المائدة:45.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً محمّد:16.

2-يلاحظ أوّلا:أنّ في الآية الأولى مقابلة بين الجوارح المعتدية و الجوارح المعتدى عليها جنسا و عددا، ليؤخذ حقّ المظلوم من الظّالم أمام القضاء العدل،فالنّفس بالنّفس و العين بالعين،و هكذا.و في المقابلة تكمن العدالة و المساواة تماما،فلا تقتل نفس غير قاتلة بالنّفس المقتولة،و لا تفقأ عين غير المعتدي بعين المعتدى عليه، كما لا تفقأ عينه بأنفه،و لا عينان مثلا بعين واحدة، أو بالعكس.

كما أنّ إطلاق المقابلة-سواء في النّفس أو الجوارح- يوضّح عدم التّفريق بين الفقير و الغنيّ و الحاكم و الرّعيّة و القويّ و الضّعيف،فكلّ أفراد الأمّة سواء أمام القانون.

ثانيا:أنّ الآية قد ناسبت آية القصاص تماما:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى البقرة:178

و الباء في الآيتين للمقابلة في جنس المعتدي و المعتدى عليه،و في عددهما.

و من هنا جاء لفظ القصاص فيهما كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ المائدة:45، و القصاص هو المجازاة بالمثل،لاحظ«قصص».

و الفرق بين الآيتين أنّ الأولى تعمّ النّفس و الجوارح، و الثّانية ترتكز على النّفس فقط،مع التّوسّع في أنواعها:

الحرّ و العبد و الذّكر و الأنثى،مع اشتراكهما في التّرغيب في العفو تصريحا أو تلويحا،و أنّه أفضل من القصاص،و في التّوعّد بالعذاب.

و هناك فرق آخر بين الآيتين،و هو أنّ الحكم في الأخيرة مؤكّد بقوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:179،بما فيه من أسرار البلاغة دون الأولى.

و فرق ثالث:أنّ الأولى حكاية لما كتب في التّوراة على بني إسرائيل،فهي بالنّسبة إلى أمّة الإسلام تشريع غير مباشر،بخلاف الآية الثّانية فإنّها تشريع مباشر.

و ثمّت فرق رابع،و هو أنّ الثّانية تعرّضت لمن اعتدى ثانية بعد العفو،دون الأولى.

ثالثا:قدّمت النّفس على الجوارح في آية المائدة، لأنّه إذا جرى القصاص فيها بين شخصين فإنّه يجري بينهما في الجوارح قهرا،أو لأنّ النّفس أهمّ.ثمّ جاءت بعدها الجوارح مع رعاية الأهمّ فالأهمّ،حسب ما يعنّ في الفكر.فالعين إن أصيبت-فقئت-كان ضررها أقلّ ممّا لو أصيبت النّفس،و الأنف إن جدع فضرره أقلّ من العين،و هكذا.و لكن في كون الأنف أهمّ من الأذن ففيه تأمّل.

رابعا:أنّ اللّه اكتفى في الآية بعد ذكر النّفس ببعض الأعضاء الّتي توجد في الرّأس اهتماما بها و بالرّأس،

ص: 28

لإناطة الحياة به،ثمّ عمّم الحكم بغيرها بقوله:

وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ.

خامسا:أنّ النّفس و العين و غيرهما جاءت في المعتدي منصوبة،و هي مناسبة لكونها تنصب للقضاء ليقتصّ منها.و جاءت في المعتدى عليها مكسورة متلائمة تماما مع حالتها،لما وقع عليها الجور و الكسر،فيجب أن يجبر كسرها بأخذ الحقّ لها من المتجاوز المنصوب أمام القضاء.

و هناك نكتة أخرى في النّصب و الكسر،و هي أنّ المنصوب لا بدّ أن يكسر بإزاء كسر مقابله،و المكسور لا بدّ أن ينصب كذلك،ليحصل العدل تماما.

و هذا يتلائم مع القراءة المشهورة بنصب العين و الأنف و ما بعدهما،فهي أولى من قراءة الرّفع من هذه الجهة.أمّا الجروح فجاءت مرفوعة،فهي استئناف،لعدم تجانسها لفظيّا مع النّفس و العين،و ما بعدهما.

و هذا يعتبر فارقا آخر بين الآيتين؛حيث جاءت الألفاظ(الحرّ)و(العبد)و(الانثى)في المعتدي في الآية الثّانية مرفوعة،حيث يجب رفعها عن المجتمع رأسا،مع اشتراك الآيتين في كسر المعتدى عليه.و قد جاء الأنف في القرآن بلفظ آخر،و هو الخرطوم،مكسورا أيضا سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ القلم:16،إطلاقا على الأنف في موضع التّهكّم تشبيها بالفيل؛لأنفته و كبره.

سادسا:قد لاحظنا أنّ«الأنف»لم يأت في القرآن مرفوعا،ممّا يشعر بأنّ رفع الأنف للإنسان مرفوض و غير مقبول،فليس له أن يتكبّر على النّاس،فيشمخ بأنفه و يتعالى على الآخرين،و إن كان أفضل منهم،كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ الحجرات:11،مع أنّه جاء منصوبا و مكسورا معا في المعتدي و المعتدى عليه.

سابعا:و في الآيتين بعد أخلاقيّ آخر،و هو التّصريح بالعفو عن المتجاوز رجاء أن يتوب،بإفساح المجال أمامه بإيجاد جوّ ودّيّ أخويّ،و اتّباعه بالمعروف و الإحسان:

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ البقرة:

178،و في التّعبير عن وليّ الدّم بالأخ إثارة لحسّ المحبّة و الرّأفة،و تلميح إلى أنّ العفو أحبّ إلى اللّه.

و قد سمّى«العفو»في الآية الأولى صدقة و كفّارة فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ المائدة:45.

و الضّمير في(له)للمتصدّق،و هو المجروح أو وليّ الدّم،ثمّ إذا كان كفّارة له فكيف لا يكون كفّارة للمعتدي؟مع أنّ المعتدى عليه تصدّق بحقّه عليه،فعفوه صدقة منه و كفّارة لهما،و تخفيف من اللّه،و رحمة على العباد جميعا.

فالقرآن لا ينسى الجانب الأخلاقيّ و البعد العاطفيّ حتّى في موضع النّكال و النّقمة،و كيف لا يكون ذلك و هو بمثابة المرآة للآداب الإلهيّة و صدى للأخلاق الرّبّانيّة، فإنّه يغفر الذّنوب جميعا سوى الشّرك به.

ثامنا:أنّ ذيل الآية الأولى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ المائدة:45،و ذيل ما قبلها: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ المائدة:44،و ذيل ما بعدها: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المائدة:47.

ص: 29

و اختلاف التّعبير في(الكافرون)و(الظّالمون) و(الفاسقون)ناشئ و حاك-و اللّه أعلم-عن نكتة بلاغيّة،و هي أنّ الأولى نزلت في اليهود،فهم كافرون، لإنكارهم حكم التّوراة،و كذلك الثّانية وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ المائدة:45.

و لكنّها لا تخصّ اليهود و تشمل المسلمين،فهي تشريع لهم بصورة غير مباشرة كما قدّمنا،فعدّهم القرآن ظالمين لأنفسهم،و وبّخهم دون اليهود.و وردت الثّالثة في النّصارى؛حيث قال: وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ المائدة:47،فإنّهم تجاهلوا الحقّ و انحرفوا عن الجادّة،فهم ضالّون،كما جاء ذلك في تفسير اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ الفاتحة:7،أنّ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هم اليهود،و اَلضّالِّينَ هم النّصارى.

3-يلاحظ في الآية الثّانية ما ذا قالَ آنِفاً محمّد:

16،بالنّظر إلى النّصوص التّفسيريّة و الأصول اللّغويّة أنّ الآراء و الأقوال قد اختلفت حول (آنِفاً) أ هو ظرف أم حال؟و هل كان سؤالهم هذا استفهاما أو تعنّتا و نفاقا و استهزاء.كما اختلفت القراءات فيه،فقرئ (آنِفاً) و (آنفا) ،فقد تقدّم في النّصوص ما يغنينا عن إعادته،سوى أنّ فيه نكتتين:

الأولى:أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يرض برفع الأنف حتّى في صيغة اسم الفاعل و الصّفة المشبّهة،فجاء منصوبا.و فيه تلميح أيضا إلى تلك المزيّة الأخلاقيّة الّتي سبق بيانها.

الثّانية:لا يبعد أن يكون التّعبير عن السّاعة أو الحالة المتقدّمة بالأنف باعتباره أقرب أعضاء المتكلّم إلى المخاطب.و بهذا استعير به عن القرب الزّمانيّ تشبيها للزّمان بالمكان،للملازمة بينهما.كما لا يخلو هذا التّعبير عن شيء من إساءة الأدب و الإهانة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذكر أنفه،كأنّه يتكلّم بأنفه استكبارا و أنفة،أو أنّ كلمة «أنف»تدلّ على كبر أنفه أو نحو ذلك،فليتأمّل.

ص: 30

أ ن م

اشارة

أنام

لفظ واحد مدنيّ،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأنام:ما على ظهر الأرض من جميع الخلق.و يجوز في الشّعر:الأنيم.(8:388)

مثله الثّعالبيّ.(154)

ابن دريد: الأنام معروف.و قال الكوفيّون:واحد الأنام:نيم.[ثمّ استشهد بشعر]و لم يعرفه البصريّون.(3:181)

الصّاحب: الأنام:ما على ظهر الأرض من جميع الخلق،و يجوز أنيم،و الجميع آنام.(10:411)

أبو هلال: الفرق بين«الأنام»و«النّاس»:أنّ الأنام -على ما قال بعض العلماء-يقتضي تعظيم شأن المسمّى من النّاس (1)،قال اللّه تعالى عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ آل عمران:173،و إنّما قال لهم:جماعة،و قيل:رجل واحد.و أنّ أهل مكّة قد جمعوا لكم،و لا تقول:جاءني الأنام،تريد بعض الأنام.و جمع الأنام:آنام.(228)

الطّوسيّ: يجوز أن يكون«الأنام»من و نم الذّباب.

إذا صوّت من نفسه.و يسمّى كلّ ما يصوّت من نفسه أناما،و قلبت الواو من«ونام»همزة كقولهم:أناة من «وناة».(9:466)

الزّمخشريّ: لو رزقنا اللّه عدل سلطانه لأنام أنامه في ظلّ أمانه.(أساس البلاغة:11)

الفيّوميّ: الأنام:الجنّ و الإنس.و قيل:الأنام:

ما على وجه الأرض من جميع الخلق.(26)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:98)

الفيروزآباديّ: الأنام كسحاب و ساباط و أمير:

الخلق،أو الجنّ و الإنس،أو جميع ما على وجه

ص: 31


1- كذا في المصدر،و يبدو أنّ فيه تصحيفا.

الأرض.(4:78)

الزّبيديّ: الأنام كسحاب،أهمله الجوهريّ.

و اختلف فيه،فقيل:من أنم،و قيل:أصله«ونام»من ونم،إذا صوّت من نفسه،كإناء و وناء.

و قيل فيه أيضا:الآنام،مثل ساباط.و قال اللّيث:

يجوز في الشّعر الأنيم-مثل أمير-و هو الخلق أو كلّ من يعتريه النّوم،أو الجنّ و الإنس.و به فسّر قوله تعالى:

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ الرّحمن:10،و هما الثّقلان أو جميع ما على وجه الأرض من جميع الخلق.

و العجب من الجوهريّ كيف أغفله و هو في القرآن، مع أنّه استطرد بذكره في أمّ!!(8:195)

مجمع اللّغة: الأنام و الآنام:الخلق.(1:64)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الأنام،هو كلّ ما على وجه الأرض ممّا فيه روح،و قد يشمل ذلك الجنّ و الإنس.و لم يستخدم من هذا الأصل سوى هذه الكلمة.

(49)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ هذه الكلمة تطلق على ذوي العقول من الإنس و الجنّ،السّاكنين على وجه الأرض.و لا تطلق على الجماد و النّبات و الحيوان؛فإنّ الجمادات من أجزاء الأرض،و النّبات و الحيوان قد خلقا للإنسان.و قد عدّت النّباتات من لوازم الأرض و زينتها؛ حيث قال تعالى: فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ* وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ الرّحمن:11،12.

ثمّ إنّه صرّح بعد بالنّوعين: خَلَقَ الْإِنْسانَ الرّحمن:14، وَ خَلَقَ الْجَانَّ الرّحمن:15، سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31، يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الرّحمن:33.(1:15)

النّصوص التّفسيريّة

الانام

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ. الرّحمن:10

ابن عبّاس: الأنام:الخلق بلغة جرهم.

(اللّغات في القرآن:46)

مثله مجاهد(2:640)،و قتادة،و ابن زيد.(الطّبريّ 27:119).

كلّ شيء فيه الرّوح.(الطّبريّ 27:119)

الأنام:بنو آدم.(أبو حيّان 8:190)

الأنام:الحيوان كلّه.(أبو حيّان 8:190)

مثله قتادة،و ابن زيد،و الشّعبيّ.

(أبو حيّان 8:190).

الأنام:أنّهم النّاس.(ابن الجوزيّ 8:107)

مجاهد: جميع الخلق من كلّ ذي روح.

(الطّبرسيّ 5:198)

نحوه البيضاويّ.(2:441)

الضّحّاك: كلّ ما دبّ على وجه الأرض،و هذا عامّ.

(القرطبيّ 17:155)

الحسن: للخلق الجنّ و الإنس.

(الطّبريّ 27:119)

نحوه الزّجّاج(ابن الجوزيّ 8:108)،و السّيوطيّ (تفسير الجلالين 2:441).

قتادة:كلّ ذي روح،لأنّه ينام.

(البروسويّ 9:292)

ص: 32

الفرّاء:جميع الخلق.(3:113)

ابن قتيبة: الخلق.(غريب القرآن:436)

مثله أبو عبيدة(2:243)،و السّجستانيّ:182)، و أبو حيّان(تحفة الأريب:35).

الزّمخشريّ: (للانام):للخلق:و هو كلّ ما على ظهر الأرض من دابّة.

و عن الحسن: الإنس و الجنّ،فهي كالمهاد لهم، يتصرّفون فوقها.(4:44)

المدينيّ: قيل:الأنام:الخلق،و قيل:هو النّاس خاصّة،و الأوّل أجود،لأنّ في الأرض غير النّاس من الخلق.(1:99)

النّيسابوريّ: أي لكلّ ما على ظهر الأرض من دابّة،و قيل:للإنسان.و خصّ بالذّكر لشرفه،و لأنّ الباقي خلق لأجله.(27:64)

الطّريحيّ: الأنام،بفتح الفاء:الجنّ و الإنس.

(6:15)

العامليّ: هو في سورة الرّحمن،و معناه معنى النّاس تنزيلا و تأويلا،فافهم.(83)

البروسويّ: هو جمع لا واحد له من لفظه،بمعنى الخلق و الجنّ و الإنس ممّا على الأرض،كما في القاموس.

فهي كالمهاد و الفراش لهم،يتقلّبون عليها،و يتصرّفون فوقها.

و قيل:من ونم الذّباب:همس،و فيه إشارة إلى بسط أرض البشريّة لتنتعش كلّ قبيلة بما يلائم طبعها.

(9:292)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة في القرآن كلّه، و تفسيرها بالخلق،على ما يبدو من قربه لا يجيب عن وجه تفرّدها في القرآن،مع كثرة ورود الخلق فيه.

و آيات الخلق تؤذن بفرق بينه و بين الأنام.فالخلق عامّ لكلّ ما خلق اللّه في السّماوات و الأرض و ما بينهما،من ملائكة و إنس و جنّ،و من حيوان و نبات و جماد،ما نعلم منها و ما لا نعلم.

فهل يكون الأنام لمن خلق اللّه لهم الأرض من الأحياء دون ما في السّماوات و سائر الكائنات المخلوقة في الأرض و ما بينهما؟لا أراه بعيدا،و اللّه أعلم.

(الإعجاز البيانيّ:328)

عبد الكريم الخطيب: (للانام)إشارة إلى أنّ هذه الأرض هي في خلافة الأنام،و هم النّاس،و أنّ معهم الميزان الّذي يضبطون به أمور الأرض،أشبه بذلك الميزان الّذي وضعه اللّه سبحانه لضبط السّماء و عوالمها.(14:667)

الأصول اللّغويّة

1-لم يذكر اللّغويّون أيّ لفظ لهذه المادّة سوى «أنام».و هم في معناه مختلفون.فقالوا:يعني ما على ظهر الأرض من جميع الخلق،و قالوا:يطلق على ذوي العقول فقط،و على السّاكنين على وجه الأرض،دون الجماد و النّبات و الحيوان.

و الصّحيح عندنا:أنّ«الأنام»هم النّاس فقط، و«الخلق»هم الإنس و الجنّ و الحيوان و النّبات و الجماد.

2-و في لفظ«أنام»نحتمل ما يلي:

أ-إنّه لفظ قديم جدّا،و كانت له اشتقاقات مستعملة،

ص: 33

بيد أنّها أميتت بمرور الزّمان،و لم يتبقّ منها غيره.كما أنّ كلمة«النّاس»نسي أصلها و مفردها.

ب-ربّما هو مشتقّ من مادّة«و ن م»الّتي أصلها:

سلخ الذّباب.أي:عذرتها،ثمّ توسّع في استعماله،و أطلق على الخلق مجازا.

و هذا الاحتمال ضعيف،لأنّ بعض المخلوقات لا تتّصف بهذه الصّفة،كالجنّ و الحيوان و النّبات.و قد جوّز الطّوسيّ اشتقاقه من«ونم»الذّباب إذا صوّت من نفسه،و يسمّى كلّ ما يصوّت من نفسه أناما.و لعلّ هذا يناسب شموله لكلّ ذي روح من الخلق.و قيل:من ونم الذّباب:همس،قاله البروسويّ.[لاحظ النّصوص]

ج-ربّما هو من النّماء،أي الزّيادة و الكثرة،فكأنّما النّاس يزدادون على كرّ العصور.و أصله«نماء»،ثمّ نقلت الهمزة إلى أوّله،و قدّمت الألف على الميم،فأصبح «أناما».

د-أو من النّوم،قال قتادة:الأنام:كلّ ذي روح لأنّه ينام.

3-و قال الكوفيّون:مفرد أنام«نيم»و لكنّه غير مشهور،و إلاّ لكان قد عرفه البصريّون.و قيل:إنّ جمع أنام«آنام».

الاستعمال القرآنيّ

1-وردت كلمة(الأنام)مرّة واحدة في القرآن.و قد خاض المفسّرون كاللّغويّين في معناها،فقالوا:هي بمعنى الخلق،و قالوا:كلّ دابّة على وجه الأرض،و قالوا:جميع الخلق من كلّ ذي روح،و قالوا:إنّها تعني الإنس و الجنّ، و قالوا:إنّ قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:

31،الوارد عقب قوله: وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ الرّحمن:10،يعني الإنس و الجنّ،أو الإنسان و الحيوان.

و يبدو أنّ عدم الاتّفاق على رأي في معنى(الأنام) يكمن في تفسيرهم الخلق بمعنى شامل،فالخلائق تشمل كلّ ما خلق اللّه في السّماوات و الأرض،أمّا الأنام فهم الخلق الّذين يعيشون على الأرض.

2-و من المرجّح أنّ هذه الكلمة كسائر الكلمات الّتي وردت مرّة أو مرّتين،قد استعملت رعاية لرويّ الآيات،فإنّ رويّ سورة الرّحمن هو الألف مع النّون،أو الألف مع الميم،و شذّ فيها الألف و الرّاء لكلمتي (كالفخّار)و(نار)،فإذا استعملت مكانه كلمة«النّاس» أو«الخلق»و ما أشبههما فإنّ ذلك لا يتناسب مع الرّويّ، و اللّه أعلم.

3-و نحن نرى أنّ معنى(الأنام)في الآية بمعنى «النّاس»استنادا على ما يلي:

أ-إنّ سياق الآيات يدور حول التّذكير بنعم اللّه على الإنسان؛إذ ابتدأه بقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ الرّحمن:3، و هي أولي النّعم،و أعقبه بقوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرّحمن:

4،ثمّ استمرّ بذكر النّعم واحدة تلو الأخرى،إلى قوله:

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ الرّحمن:10،و عاد إلى ذكر النّعم،و ختمها بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:13،و الخطاب موجّه إلى الإنس و الجنّ.و بما أنّه ذكر-عند استعراض النّعم-الفاكهة و النّخل و الحبّ و الرّيحان،فنستنتج من ذلك أنّ المخصوص بالخطاب هو «الإنسان»دون غيره،لأنّ تلك النّعم لا ينتفع منها إلاّ

ص: 34

الإنسان.

ب-إنّ الإنسان هو خليفة اللّه في الأرض،و قد أكرمه بهذه النّعم المادّيّة و المعنويّة لينهض بمسئوليّته و يتحمّل أعباء الأمانة،فهيّأ له الأرض مسرحا لحياته.

ج-إنّ بسط الأرض و تمهيدها و جعلها كالفراش هو للإنسان على الخصوص،فبعض الخلائق-كالّتي تعيش في باطن الأرض-لا تحتاج إلى بسطها و تمهيدها.و بعضها لا يسكن الأرض فقط كالجنّ.

د-إنّ سياق الآيات يدلّ على أنّ الحديث يدور حول الخصوص و ليس العموم،فكان الأحرى أن يذكر لفظ الأنام دون الخلق،لأنّ الخلق لفظ عامّ،و ذكره يحتاج إلى قرينة لكي يمكن معرفته.

ه-و لو قيل:إنّ الأنام من«النّوم»كناية عن الرّاحة، و إنّ قوله: وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ في معنى قوله:

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً طه:53،لم يكن بعيدا عن السّياق،إلاّ أنّهم لم يذكروه في جملة المحتملات لأصلها.سوى ما مرّ عن قتادة.

ص: 35

ص: 36

أ ن ن ى

اشارة

أنّى

لفظ واحد:28 مرّة،17 مكّيّة،11 مدنيّة

في 19 سورة:13 مكّيّة،6 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: «أنّى»معناها كيف؟و من أين؟

أنّى شئت:كيف شئت؟و من أين شئت؟[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله جلّ و عزّ: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37، أي من أين لك هذا؟

و قوله جلّ و عزّ: أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا البقرة:247،أي كيف يكون؟[ثمّ استشهد بشعر]

(8:399)

الأزهريّ: «أنّى»أداة،و لها معنيان:

أحدهما:أن تكون بمعنى متى،قال اللّه تعالى: قُلْتُمْ أَنّى هذا آل عمران:165،أي متى هذا؟و كيف هذا؟

و تكون«أنّى»بمعنى من أين،قال اللّه تعالى: وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:52،يقول:من أين لهم ذلك.

و قد جمعهما الشّاعر تأكيدا فقال:

*أنّى و من أين آبك الطّرب*(15:551)

الجوهريّ:«أنّى»معناه أين،تقول: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،أي من أين لك هذا؟و هي من الظّروف الّتي يجازى بها،تقول:أنّى تأتني آتك،معناه من أيّ جهة تأتني آتك.

و قد تكون بمعنى«كيف»تقول:أنّى لك أن تفتح الحصن؟أي كيف لك ذلك؟(6:2545)

الرّاغب: «أنّى»للبحث عن الحال و المكان،و لذلك

ص: 37

قيل:هو بمعنى أين،و كيف،لتضمّنه معناهما.قال اللّه عزّ و جلّ: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،أي من أين و كيف.(29)

الفيّوميّ: «أنّى»استفهام عن الجهة،تقول:أنّى يكون هذا؟أي من أيّ وجه و طريق.(1:28)

الفيروزآباديّ: «أنّى»تكون بمعنى أين،و متى، و كيف.و هي من الظّروف الّتي يجازى بها:أنّى تأتني آتك.(4:410)

السّيوطيّ: اسم مشترك بين الاستفهام و الشّرط، فأمّا الاستفهام فترد فيه بمعنى كيف،نحو: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:259، أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30.

و من أين،نحو أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،أي من أين أتى هذا،أي من أين جاءنا.[إلى أن قال:]

و بمعنى متى،و قد ذكرت المعاني الثّلاثة في قوله تعالى:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223.(2:207)

الطّريحيّ: «أنّى»بتشديد النّون و الألف،فيكون شرطا في الأمكنة،بمعنى أين.و يكون استفهاما بمعنى ثلاث كلمات،و هي:متى،و أين،و كيف.(6:210)

النّصوص التّفسيريّة

أنّى

1- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ... البقرة:223

أبيّ بن كعب: ائتها مضطجعة و قائمة،و منحرفة، و مقبلة،و مدبرة،كيف شئت إذا كان في قبلها.

مثله قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 2:393)

أمّ سلمة: قدم المهاجرون فتزوّجوا في الأنصار، و كانوا يجبّون (1)،و كانت الأنصار لا تفعل ذلك،فقالت امرأة لزوجها:حتّى آتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأسأله عن ذلك.

فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فاستحيت أن تسأله،فسألت أنا.

فدعاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقرأ عليها نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ صماما واحدا،صماما واحدا (2).(الطّبريّ 2:396)

ابن عبّاس: يأتيها كيف شاء،ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 2:392)

ائتها أنّى شئت:مقبلة و مدبرة،ما لم تأتها في الدّبر و المحيض.(الطّبريّ 2:392)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 2:396)

اسق نباتك من حيث نباته.(الطّبريّ 2:393)

إن شئت فاعزل،و إن شئت فلا تعزل.

مثله ابن المسيّب.(الطّبريّ 2:395)

إنّ هذا الحيّ من قريش،كانوا يشرحون النّساء بمكّة،و يتلذّذون بهنّ،مقبلات و مدبرات،فلمّا قدموا المدينة تزوّجوا في الأنصار،فذهبوا ليفعلوا بهنّ كما كانوا يفعلون بالنّساء بمكّة.فأنكرن ذلك،و قلن:هذا شيء لم نكن نؤتى عليه.فانتشر الحديث،حتّى انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك: نِساؤُكُمْ

ص: 38


1- أي يأتيها و هي باركة منكبّة على وجهها.
2- في اللّسان:و في حديث الوطء:في صمام واحد،أي في مسلك واحد.

حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ: إن شئت فمقبلة، و إن شئت فمدبرة،و إن شئت فباركة.و إنّما يعني بذلك موضع الولد للحرث،يقول:ائت الحرث من حيث شئت.

(الطّبريّ 2:395)

جاء عمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:يا رسول اللّه هلكت! قال:و ما الّذي أهلكك؟قال:حوّلت رحلي اللّيلة،قال:

فلم يردّ عليه شيئا،و قال:فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ،فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أقبل و أدبر،و اتّق الدّبر و الحيضة.

(الطّبريّ 2:397)

إنّ هذه الآية نزلت ردّا على اليهود،و أنّ الرّجل إذا أتى المرأة من خلفها في قبلها خرج الولد أحول،فأكذبهم اللّه في ذلك.

مثله جابر بن عبد اللّه،و نحوه الحسن.

(الطّوسيّ 2:224)

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 2:393)

ابن عمر: عن أبي الحباب سعيد بن يسار،أنّه سأل ابن عمر،فقال له:يا أبا عبد الرّحمن إنّا نشتري الجواري، فنمحّض لهنّ.فقال:و ما التّمحيض؟قال:الدّبر.فقال ابن عمر:أفّ أفّ،يفعل ذلك مؤمن؟أو قال:

مسلم.(الطّبريّ 2:394)

أن يأتيها في دبرها.(الطّبريّ 2:394)

الضّحّاك: متى شئتم.(الطّبريّ 2:394)

مجاهد:ائتوا النّساء في أدبارهنّ على كلّ نحو.(الطّبريّ 2:393)

الإمام الباقر عليه السّلام: حيث شاء.

[سئل عليه السّلام عن هذه الآية قال:]من قبل.(العروسيّ 1:217)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أي متى شئتم في الفرج.

[و في رواية أخرى:]في أيّ ساعة شئتم.

[و في أخرى:]من قدّامها،و من خلفها في القبل.(الكاشانيّ 1:233)

سئل عليه السّلام:عن الرّجل يأتي المرأة في دبرها قال:

لا بأس إذا رضيت.

قيل:فأين قول اللّه عزّ و جلّ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ؟ البقرة:222.

قال:هذا في طلب الولد،فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه،إنّ اللّه تعالى يقول: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ. (الكاشانيّ 1:233)

سئل عليه السّلام عن إتيان النّساء في أعجازهنّ فقال:هي لعبتك لا تؤذها.(الكاشانيّ 1:233)

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يأتي أهله في دبرها،فكره ذلك،و قال:و إيّاكم و محاشّ النّساء،و قال:إنّما معنى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أيّ ساعة شئتم.

(العروسيّ 1:217)

ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح قال:تذاكرنا هذا عند ابن عبّاس،فقال ابن عبّاس:ائتوهنّ من حيث شئتم:مقبلة و مدبرة.فقال رجل:كان هذا حلالا،فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا،و أنكره كأنّه إنّما يريد الفرج، مقبلة و مدبرة في الفرج.(الطّبريّ 2:393)

سيبويه: (انّى)،تكون في معنى كيف و أين.

ص: 39

(4:235)

الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرّجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول،فأنزل اللّه عزّ و جلّ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ من خلف أو قدّام،خلافا لقول اليهود.و لم يعن في أدبارهنّ.(الكاشانيّ 1:233)

أبو عبيدة: كناية و تشبيه،قال: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ. (1:73)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ، فقال بعضهم:معنى(أنّى)كيف.

و قال آخرون: معنى أَنّى شِئْتُمْ من حيث شئتم، و أيّ وجه أحببتم.

و قال آخرون: معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ متى شئتم.

و قال آخرون: بل معنى ذلك أين شئتم،و حيث شئتم.

و قال آخرون: معنى ذلك ائتوا حرثكم كيف شئتم، إن شئتم فاعزلوا،و إن شئتم فلا تعزلوا.

و أمّا الّذين قالوا معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ: كيف شئتم-مقبلة و مدبرة في الفرج و القبل-فإنّهم قالوا:إنّ الآية إنّما نزلت في استنكار قوم من اليهود،استنكروا إتيان النّساء في أقبالهنّ من قبل أدبارهنّ،قالوا:و في ذلك دليل على صحّة ما قلنا،من أنّ معنى ذلك على ما قلنا.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ: من أيّ وجه شئتم؛و ذلك أنّ(أنّى) في كلام العرب كلمة تدلّ-إذا ابتدئ بها في الكلام-على المسألة عن الوجوه و المذاهب،فكأنّ القائل إذا قال لرجل:أنّى لك هذا المال؟يريد من أيّ الوجوه لك، و لذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول:من كذا و كذا،كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريّا في مسألته مريم: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.

و هي مقاربة:أين و كيف في المعنى،و لذلك تداخلت معانيها،فأشكلت(أنّى)على سامعها و متأوّلها،حتّى تأوّلها بعضهم بمعنى«أين»،و بعضهم بمعنى«كيف»، و آخرون بمعنى«متى»،و هي مخالفة جميع ذلك في معناها، و هنّ لها مخالفات.

و ذلك أنّ«أين»إنّما هي حرف استفهام عن الأماكن و المحالّ،و إنّما يستدلّ على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها،أ لا ترى أنّ سائلا لو سأل آخر فقال:أين مالك؟لقال بمكان كذا،و لو قال له:أين أخوك؟لكان الجواب أن يقول:ببلدة كذا،أو بموضع كذا، فيجيبه بالخبر عن محلّ ما سأله عن محلّه،فيعلم أنّ«أين» مسألة عن المحلّ.

و لو قال قائل لآخر:كيف أنت؟لقال:صالح أو بخير أو في عافية،و أخبره عن حاله الّتي هو فيها،فيعلم حينئذ أنّ«كيف»مسألة عن حال المسئول عن حاله.

و لو قال له:أنّى يحيي اللّه هذا الميّت؟لكان الجواب أن يقال:من وجه كذا و وجه كذا،فيصف قولا نظير ما وصف اللّه تعالى ذكره للّذي قال: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فعلا،حين بعثه من بعد مماته،و قد فرّقت الشّعراء بين ذلك في أشعارها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الّذي يدلّ على فساد قول من تأوّل قول اللّه تعالى ذكره: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ: كيف شئتم،أو تأوّله

ص: 40

بمعنى حيث شئتم،أو بمعنى متى شئتم،أو بمعنى أين شئتم؛ أنّ قائلا لو قال لآخر:أنّى تأتي أهلك؟لكان الجواب أن يقول:من قبلها أو من دبرها،كما أخبر اللّه تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت أَنّى لَكِ هذا أنّها قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.و إذ كان ذلك هو الجواب، فمعلوم أنّ معنى قول اللّه تعالى ذكره: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ إنّما هو:فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتى،و أنّ ما عدا ذلك من التّأويلات فليس للآية بتأويل.

و إذ كان ذلك هو الصّحيح،فبيّن خطأ قول من زعم أنّ قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ دليل على إباحة إتيان النّساء في الأدبار،لأنّ الدّبر لا يحترث فيه،و إنّما قال تعالى ذكره: حَرْثٌ لَكُمْ فأتوا الحرث من أيّ وجوهه شئتم،و أيّ محترث في الدّبر؟فيقال:ائته من وجهه.

و تبيّن بما بيّنّا صحّة معنى ما روي عن جابر و ابن عبّاس،من أنّ هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين:إذا أتى الرّجل المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول.(2:392-398)

القمّيّ:أي متى شئتم.و تأوّلت العامّة في قوله:

أَنّى شِئْتُمْ، أي حيث شئتم في القبل و الدّبر.

(1:73)

الجصّاص: اختلف في إتيان النّساء في أدبارهنّ، فكان أصحابنا يحرّمون ذلك و ينهون عنه أشدّ النّهي، و هو قول الثّوريّ و الشّافعيّ فيما حكاه المزنيّ.

قال الطّحاويّ: و حكى لنا محمّد بن عبد اللّه بن الحكم أنّه سمع الشّافعيّ يقول:ما صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في تحريمه و لا تحليله شيء،و القياس أنّه حلال.[و بعد نقل روايات في جوازه و تحريمه،قال:]

المشهور عن مالك إباحة ذلك،و أصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها و شناعتها،و هي عنه أشهر من أن يندفع بنفيهم عنه.و قد حكى محمّد بن سعيد عن أبي سليمان الجوزجانيّ قال:كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النّكاح في الدّبر،فضرب بيده إلى رأسه و قال:

السّاعة اغتسلت منه،و قد رواه عنه ابن القاسم على ما ذكرنا،و هو مذكور في الكتب الشّرعيّة.و يروى عن محمّد بن كعب القرظيّ أنّه كان لا يرى بذلك بأسا و يتأوّل فيه قوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ* وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ الشّعراء:

165،166[إلى أن قال:]

فإن قيل قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المعارج:29،30،يقتضي إباحة وطئهنّ في الدّبر لورود الإباحة مطلقة غير مقيّدة و لا مخصوصة.

قيل له:لمّا قال اللّه تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ثمّ قال في نسق التّلاوة: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أبان بذلك موضع المأمور به،و هو موضع الحرث.

و لم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلاّ في موضع الولد،فهو مقصور عليه دون غيره،و هو قاض مع ذلك على قوله تعالى: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المؤمنون:6،كما كان حظر وطء الحائض قاضيا على قوله: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ؛ فكانت هذه الآية مرتّبة

ص: 41

على ما ذكر من حكم الحائض.

و من يحظر ذلك يحتجّ بقوله: قُلْ هُوَ أَذىً البقرة:

222،فحظر وطء الحائض للأذى الموجود في الحيض، و هو القذر و النّجاسة،و ذلك موجود في غير موضع الولد في جميع الأحوال؛فاقتضى هذا التّعليل حظر وطئهنّ إلاّ في موضع الولد.

و من يبيحه يجيب عن ذلك بأنّ المستحاضة يجوز وطؤها باتّفاق من الفقهاء مع وجود الأذى هناك،و هو دم الاستحاضة،و هو نجس كنجاسة دم الحيض و سائر الأنجاس.

و يجيبون أيضا على تخصيصه إباحة موضع الحرث باتّفاق الجميع على إباحة الجماع فيما دون الفرج و إن لم يكن موضعا للولد.فدلّ على أنّ الإباحة غير مقصورة على موضع الولد.

و يجابون عن ذلك بأنّ ظاهر الآية يقتضي كون الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج،و أنّه هو الّذي عناه اللّه تعالى بقوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إذ كان معطوفا عليه.و لو لا قيام دلالة الإجماع لما جاز الجماع فيما دون الفرج.و لكنّا سلّمناه للدّلالة،و بقي حكم الحظر فيما لم تقم الدّلالة عليه.(1:351،353)

نحوه القرطبيّ.(3:93،94)

الشّريف المرتضى: جواز نكاح النّساء في أدبارهنّ.

هذه المسألة عليها إطباق الشّيعة الإماميّة و لا خلاف بين فقهائهم و علمائهم في الفتوى بإباحة ذلك،و إنّما يقلّ التّظافر بينهم في الفتوى بإباحة هذه المسألة على سبيل التّقيّة،و خوف من الشّناعة.

و الحجّة في إباحة هذا الوطء إجماع الفرقة المحقّة عليه،و قد بيّنّا إجماعهم حجّة،و يدلّ أيضا عليه قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ، و معنى أَنّى شِئْتُمْ كيف شئتم،و في أيّ موضع أردتم.

فإن قيل:ما أنكرتم أن يكون معنى قوله: أَنّى شِئْتُمْ أيّ وقت شئتم؟

قلنا:هذه اللّفظة تستعمل في الأماكن و المواضع و كلّ ما تستعمل في الأوقات،أ لا ترى أنّهم يقولون:ألق زيدا أين كان و أنّى كان،يريدون بذلك عموم الأماكن.و لو سلّمنا أنّها تستعمل في الأوقات،لحملنا الآية على عموم الأماكن و الأوقات،فكأنّه قال:فأتوا حرثكم أيّ موضع شئتم،و أيّ وقت شئتم.

فأمّا من يطعن على هذه بأن يقول:قد جعل اللّه تعالى النّساء حرثا،و الحرث لا يكون إلاّ حيث النّسل، فيجب أن يكون قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ مختصّا بموضع النّسل،فليس بشيء،لأنّ النّساء و إن كنّ لنا حرثا فقد أبيح لنا وطؤهنّ-بلا خلاف بهذه الآية و بغيرها-في غير موضع الحرث،فيما دون الفرج،و بحيث لا نسأل.فليس يقتضي جعله تعالى لهنّ حرثا حظّ الاستمتاع في غير موضع الحرث.

أ لا ترى أنّه لو قال صريحا:نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم في القبل و الدّبر و فيما دون الفرج و في كلّ موضع يقع به حظّ الاستمتاع،لكان الكلام صحيحا.

و قد استدلّ قوم في هذه المسألة بقوله تعالى:

أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ* وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ

ص: 42

رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ الشّعراء:

165،166،و قال:لا يجوز أن يدعوهم إلى التّعرّض بالأزواج عن الذّكران،إلاّ و قد أباح منهنّ من الوطء المخصوص مثل ما يلتمس من الذّكران.

و كذلك قالوا في قوله تعالى: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود:78،و أنّه لو لم يكن في بناته المعنى الملتمس من الذّكران ما جعلهنّ عوضا عنه.

و هذا ليس بشيء يعتمد،لأنّه يجوز أن يتعرّض من إتيان الذّكران بذلك،من حيث كان له عنه عوض بنكاح النّساء في الفروج المعهود،كان فيه من الاستمتاع و اللّذّة مثل ما في غيره،و كذلك القول في الآية الأخرى.

أ لا ترى أنّه كان يحسن التّصريح بما ذكرناه،فيقول:

أ تأتون الذّكران من العالمين و تذرون ما خلق لكم من أزواجكم من الوطء في القبل،لأنّه عوض عنه و مغن عن استعماله،على كلّ حال.

(رسائل الشّريف المرتضى:233،234)

الطّوسيّ: أَنّى شِئْتُمْ معناه من أين شئتم،في قول قتادة و الرّبيع.و قال مجاهد:معناه كيف شئتم.و قال الضّحّاك معناه:متى شئتم.

و هذا خطأ عند جميع المفسّرين،و أهل اللّغة،لأنّ (أنّى)لا يكون إلاّ بمعنى«من أين»كما قال: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37.

و قال بعضهم:معناه من أيّ وجه،و استشهد بقول الكميت بن زيد:

أنّى و من أين آبك الطّرب

من حيث لا صبوة و لا ريب

و هذا لا شاهد فيه،لأنّه يجوز أن يكون:أنّى به، لاختلاف اللّفظين،كما يقولون:متى كان هذا و أيّ وقت كان؟و يجوز أن يكون بمعنى«كيف».

و تأوّل مالك،فقال: أَنّى شِئْتُمْ تفيد جواز الإتيان في الدّبر،و رواه عن نافع عن أبي عمرو،و حكاه زيد بن أسلم عن محمّد بن المنكدر،و روي من طرق جماعة عن ابن عمر،و به قال أكثر أصحابنا،و خالف في ذلك جميع الفقهاء و المفسّرين،و قالوا:هذا لا يجوز من وجوه:

أحدها:أنّ الدّبر ليس بحرث،لأنّه لا يكون فيه الولد.

و هذا ليس بشيء،لأنّه لا يمتنع أن تسمّى النّساء حرثا،لأنّه يكون منهنّ الولد،ثمّ يبيح الوطء فيما لا يكون منه الولد.يدلّ على ذلك أنّه لا خلاف،أنّه يجوز الوطء بين الفخذين و إن لم يكن هناك ولد.

و ثانيها:قالوا:قال اللّه: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ و هو الفرج،و الإجماع على أنّ الآية الثّانية ليست بناسخة للأولى.

و هذا أيضا لا دلالة فيه،لأنّ قوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ معناه من حيث أباح اللّه لكم،أو من الجهة الّتي شرّعها لكم،على ما حكيناه عن الزّجّاج،و يدخل في ذلك الموضعان معا.

و ثالثها:قالوا:إنّ معناه من أين شئتم،أي اأتوا الفرج من أين شئتم،و ليس في ذلك إباحة لغير الفرج.

و هذا أيضا ضعيف،لأنّا لا نسلّم أنّ معناه الفرج،بل عندنا معناه اأتوا النّساء،أو اأتوا الحرث من أين شئتم،

ص: 43

و يدخل فيه جميع ذلك.

و رابعها:قالوا:قوله في المحيض: قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة:222،فإذا حرم للأذى في الدّم،و الأذى بالنّجو أعظم منه.

و هذا أيضا ليس بشيء،لأنّ هذا حمل الشّيء على غيره من غير علّة،على أنّه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله:

قُلْ هُوَ أَذىً البقرة:222،غير النّجاسة،بل المراد أنّ في ذلك مفسدة،و لا يجوز أن يحمل على غيره إلاّ بدليل يوجب العلم على أنّ«الأذى»بمعنى النّجاسة حاصل في البول و دم الاستحاضة،و مع هذا فليس بمنهيّ عن الوطء في الفرج.

و يقال:إنّ هذه الآية نزلت ردّا على اليهود،و أنّ الرّجل إذا أتى المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول،فأكذبهم اللّه في ذلك،ذكره ابن عبّاس و جابر، و رواه أيضا أصحابنا.و قال الحسن:أنكر اليهود إتيان المرأة قائمة،و باركة،فأنزل اللّه إباحته بعد أن يكون في الفرج،و هو السّبب الّذي روي.و لا يمنع أن يكون ما ذكرناه مباحا،لأنّ غاية ما في السّبب أن تطابقه الآية، فأمّا أن لا تتعدّاه،فلا يجب عند أكثر المحصّلين.

(2:223،224)

نحوه الطّبرسيّ.(1:320)

الزّمخشريّ: تمثيل،أي فأتوهنّ كما تأتون أراضيكم الّتي تريدون أن تحرثوها من أيّ جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة.و المعنى جامعوهنّ من أيّ شقّ أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا،و هو موضع الحرث.

و قوله: هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ... مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ من الكنايات اللّطيفة و التّعريضات المستحسنة.و هذه و أشباهها في كلام اللّه آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلّموها و يتأدّبوا بها،و يتكلّفوا مثلها في محاوراتهم و مكاتباتهم.(1:362)

ابن عطيّة: معناه عند جمهور العلماء-من صحابة و تابعين و أئمّة-من أيّ وجه شئتم،مقبلة و مدبرة و على جنب.و أنّى إنّما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات، فهي أعمّ في اللّغة من كيف و من أين و من متى.

هذا هو الاستعمال العربيّ،و قد فسّر النّاس(أنّى)في هذه الآية بهذه الألفاظ،و فسّرها سيبويه بكيف و من أين،باجتماعهما.(1:299)

ابن العربيّ: اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها،فجوّزه طائفة كثيرة.و قد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب«جماع النّسوان و أحكام القرآن»و أسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصّحابة و التّابعين و إلى مالك،من روايات كثيرة.[ثمّ ذكر روايات في عدم الجواز]

(1:173)

الفخر الرّازيّ: [بعد نقل قول العلماء في جواز الوطء و عدمه قال:]

حجّة من قال بالجواز وجوه:

الحجّة الأولى:التّمسّك بهذه الآية من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة،فقال:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فهذا يدلّ على أنّ الحرث اسم للمرأة،لا للموضع المعيّن،فلمّا قال بعده: فَأْتُوا

ص: 44

حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ كان المراد فأتوا نساءكم أنّى شئتم، فيكون هذا إطلاقا في إتيانهنّ على جميع الوجوه؛فيدخل فيه محلّ النّزاع.

الوجه الثّاني:أنّ كلمة(انّى)معناها أين،قال اللّه تعالى: أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:

37،و التّقدير:من أين لك هذا،فصار تقدير الآية:فأتوا حرثكم أين شئتم.و كلمة«اين شئتم»تدلّ على تعدّد الأمكنة،يقال:اجلس أين شئت،و يكون هذا تخييرا بين الأمكنة.

إذا ثبت هذا فنقول:ظهر أنّه لا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها في قبلها،أو من دبرها في قبلها،لأنّ على هذا التّقدير المكان واحد،و التّعداد إنّما وقع في طريق الإتيان،و اللّفظ اللاّئق به أن يقال:اذهبوا إليه كيف شئتم.فلمّا لم يكن المذكور هاهنا لفظة«كيف»بل لفظة«انّى»و ثبت أنّ لفظة«انّى»مشعرة بالتّخيير بين الأمكنة،ثبت أنّه ليس المراد ما ذكرتم بل ما ذكرناه.

الحجّة الثّانية لهم:التّمسّك بعموم قوله تعالى: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المؤمنون:6،ترك العمل به في حقّ الذّكور لدلالة الإجماع،فوجب أن يبقى معمولا به في حقّ النّسوان.

الحجّة الثّالثة:توافقنا على أنّه لو قال للمرأة:دبرك عليّ حرام،و نوى الطّلاق؛أنّه يكون طلاقا،و هذا يقتضي كون دبرها حلالا له،هذا مجموع كلام القوم في هذا الباب.

أجاب الأوّلون فقالوا:الّذي يدلّ على أنّه لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية إتيان النّساء في غير المأتى وجوه:

الأوّل:أنّ الحرث اسم لموضع الحراثة،و معلوم أنّ المرأة بجميع أجزائها ليست موضعا للحراثة،فامتنع إطلاق اسم الحرث على ذات المرأة،و يقتضي هذا الدّليل أن لا يطلق لفظ الحرث على ذات المرأة إلاّ أنّا تركنا العمل بهذا الدّليل في قوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، لأنّ اللّه تعالى صرّح هاهنا بإطلاق لفظ الحرث على ذات المرأة،فحملنا ذلك على المجاز المشهور،من تسمية كلّ الشّيء باسم جزئه،و هذه الصّورة مفقودة في قوله:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ؛ فوجب حمل الحرث هاهنا على موضع الحراثة على التّعيين،فثبت أنّ هذه الآية لا دلالة فيها إلاّ على إتيان النّساء في المأتى.

الوجه الثّاني:في بيان أنّ هذه الآية لا يمكن أن تكون دالّة على ما ذكروه:لما بيّنّا أنّ ما قبل هذه الآية يدلّ على المنع،ممّا ذكروه من وجهين:

أحدهما:قوله: قُلْ هُوَ أَذىً. و الثّاني:قوله:

فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،فلو دلّت هذه الآية على التّجويز لكان ذلك جمعا بين ما يدلّ على التّحريم،و بين ما يدلّ على التّحليل في موضع واحد، و الأصل أنّه لا يجوز.

الوجه الثّالث:الرّوايات المشهورة في أنّ سبب نزول هذه الآية اختلافهم في أنّه هل يجوز إتيانها من دبرها في قبلها؟و سبب نزول الآية لا يكون خارجا عن الآية، فوجب كون الآية متناولة لهذه الصّورة،و متى حملناها على هذه الصّورة لم يكن بنا حاجة إلى حملها على الصّورة الأخرى؛فثبت بهذه الوجوه أنّ المراد من الآية

ص: 45

ليس ما ذكروه.و عند هذا نبحث عن الوجوه الّتي تمسّكوا بها على التّفصيل.

أمّا الوجه الأوّل:فقد بيّنّا أنّ قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ معناه فأتوا موضع الحرث.

و أمّا الثّاني:فإنّه لمّا كان المراد ب«الحرث»في قوله:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ذلك الموضع المعيّن،لم يكن حمل أَنّى شِئْتُمْ على التّخيير في المكان.و عند هذا يضمر فيه زيادة،و هي أن يكون المراد من أَنّى شِئْتُمْ، فيضمر لفظة«من»لا يقال:ليس حمل لفظ الحرث على حقيقته، و التزام هذا الإضمار أولى من حمل لفظ الحرث على المرأة على سبيل المجاز،حتّى لا يلزمنا هذا الإضمار،لأنّا نقول:

بل هذا أولى،لأنّ الأصل في الإبضاع الحرمة.

و أمّا الثّالث فجوابه:أنّ قوله: إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ المؤمنون:6،عامّ،و دلائلنا خاصّة،و الخاصّ مقدّم على العامّ.

و أمّا الرّابع فجوابه:أنّ قوله:دبرك عليّ حرام،إنّما صلح أن يكون كناية عن الطّلاق،لأنّه محلّ لحلّ الملابسة و المضاجعة،فصار ذلك كقوله:يدك طالق،و اللّه أعلم.

و اختلف المفسّرون في تفسير قوله: أَنّى شِئْتُمْ و المشهور ما ذكرناه،أنّه يجوز للزّوج أن يأتيها من قبلها في قبلها،و من دبرها في قبلها.و الثّاني:أنّ المعنى أيّ وقت شئتم من أوقات الحلّ،يعني إذا لم تكن أجنبيّة،أو محرمة،أو صائمة،أو حائضا.و الثّالث:أنّه يجوز للرّجل أن ينكحها قائمة أو باركة،أو مضطجعة،بعد أن يكون في الفرج.الرّابع:قال ابن عبّاس:المعنى إن شاء عزل،و إن شاء لم يعزل،و هو منقول عن سعيد بن المسيّب.الخامس:

متى شئتم من ليل أو نهار.

فإن قيل:فما المختار من هذه الأقاويل؟

قلنا:قد ظهر عن المفسّرين أنّ سبب نزول هذه الآية هو أنّ اليهود كانوا يقولون:من أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول،فأنزل اللّه تعالى هذا لتكذيب قولهم،فكان الأولى حمل اللّفظ عليه.و أمّا الأوقات فلا مدخل لها في هذا الباب،لأنّ(انّى)يكون بمعنى متى، و يكون بمعنى كيف.و أمّا العزل و خلافه فلا يدخل تحت (انّى)لأنّ حال الجماع لا يختلف بذلك،فلا وجه لحمل الكلام إلاّ على ما قلنا.(6:75-78)

أبو حيّان: [بعد نقل كلام الفقهاء في جواز وطء المرأة و حرمتها،ذكر كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و هو حسن،قالوا:و العامل في(انّى)(فاتوا).و هذا الّذي قالوه لا يصحّ،لأنّا قد ذكرنا أنّها تكون استفهاما أو شرطا.لا جائز أن تكون هنا شرطا،لأنّها إذ ذاك تكون ظرف مكان،فيكون ذلك مبيحا لإتيان النّساء في غير القبل،و قد ثبت تحريم ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و على تقدير الشّرطيّة يمتنع أن يعمل في الظّرف الشّرطيّ ما قبله،لأنّه معمول لفعل الشّرط،كما أنّ فعل الشّرط معمول له.

و لا جائز أن يكون استفهاما،لأنّها إذا كانت استفهاما اكتفت بما بعدها من فعل،كقوله: أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ آل عمران:47،أو من اسم كقوله: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،و لا يفتقر إلى غير ذلك.و هنا يظهر افتقارها و تعلّقها بما قبلها،و على تقدير أن يكون استفهاما لا يعمل فيها ما قبلها و إنّها تكون معمولة للفعل

ص: 46

بعدها؛فتبيّن على وجهي(أنّى)أنّها لا تكون معمولة لما قبلها،و هذا من المواضع المشكلة الّتي تحتاج إلى فكر و نظر.

و الّذي يظهر-و اللّه أعلم-أنّها تكون شرطا لافتقارها إلى جملة غير الجملة الّتي بعدها،و تكون قد جعلت فيها الأحوال كجعل الظّروف المكانيّة،و أجريت مجراها تشبيها للحال بالظّرف المكانيّ.

و قد جاء نظير ذلك في لفظ«كيف»خرج به عن الاستفهام إلى معنى الشّرط في قولهم:كيف تكون أكون، و قال تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ المائدة:64،فلا يجوز أن تكون هنا استفهاما و إنّما لحظ فيها معنى الشّرط و ارتباط الجملة بالأخرى،و جواب الجملة محذوف و يدلّ عليه ما قبله،تقديره:أنّى شئتم فأتوه،و كيف يشاء ينفق.كما حذف جواب الشّرط في قولك:اضرب زيدا أنّى لقيته،التّقدير:أنّى لقيته فاضربه.

فإن قلت:قد أخرجت(انّى)عن الظّرفيّة الحقيقيّة و أبقيتها لتعميم الأحوال مثل«كيف»و جعلتها مقتضية لجملة أخرى كجملة الشّرط،فهل الفعل الماضي الّذي هو(شئتم)في موضع جزم كحالها إذا كانت ظرفا،أم هو في موضع رفع كهو بعد«كيف»في قولهم:كيف تصنع أصنع؟

فالجواب:أنّه يحتمل الأمرين،لكن يرجّح أن تكون في موضع جزم،لأنّه قد استقرّ الجزم بها إذا كانت ظرفا صريحا غاية ما في ذلك تشبيه الأحوال بالظّروف،و بينهما علاقة واضحة؛إذ كلّ منهما على معنى«في»بخلاف «كيف»فإنّه لم يستقرّ فيها الجزم.و من أجاز الجزم بها فإنّما قاله بالقياس،و المحفوظ عن العرب الرّفع في الفعل بعدها،حيث يقتضي جملة أخرى.(2:171)

الكاشانيّ: [بعد نقل روايتين عن الإمام الصّادق و الإمام الرّضا عليهما السّلام كما تقدّم،قال:]

لا منافاة بين الرّوايتين،لأنّ المراد بالأولى نفي دلالة هذه الآية على حلّ الأدبار،و المراد بالثّانية نفي دلالة قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222 على حرمتها.

و أمّا تلاوته هذه الآية عقيب ذلك فاستشهاد منه بها على أنّ اللّه سبحانه إنّما أراد طلب الولد إذ سمّاهنّ الحرث.و يجوز أن يكون قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،إشارة إلى الأمر بالمباشرة،و طلب الولد في قوله سبحانه: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ البقرة:187.

و في الرّواية الثّانية إشارة إلى أنّ المتوقّف حلّه على التّطهّر هو موضع الحرث خاصّة،دون سائر المواضع.(1:233)

الآلوسيّ: اختار بعض المحقّقين كونها هنا بمعنى«من أين»أي من أيّ جهة،ليدخل فيه بيان النّزول.و القول بأنّ الآية حينئذ تكون دليلا على جواز الإتيان من الأدبار ناشئ من عدم التّدبّر في أنّ«من»لازمة إذ ذاك، فيصير المعنى؛من أيّ مكان،لا في أيّ مكان.فيجوز أن يكون المستفاد حينئذ تعميم الجهات من القدّام و الخلف و الفوق و التّحت و اليمين و الشّمال،لا تعميم مواضع الإتيان.

ص: 47

فلا دليل في الآية لمن جوّز إتيان المرأة في دبرها كابن عمر-و الأخبار عنه في ذلك صحيحة مشهورة، و الرّوايات عنه بخلافها على خلافها-و كابن أبي مليكة، و عبد اللّه بن القاسم-حتّى قال فيما أخرجه الطّحاويّ عنه:ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني،يشكّ في أنّه حلال و ك-مالك بن أنس-حتّى أخرج الخطيب عن أبي سليمان الجوزجانيّ أنّه سأله عن ذلك،فقال له:السّاعة غسلت رأس ذكري منه-و كبعض الإماميّة لا كلّهم- كما يظنّه بعض النّاس ممّن لا خبرة له بمذهبهم- و كسحنون من المالكيّة-و الباقي من أصحاب مالك ينكرون رواية الحلّ عنه،و لا يقولون به.

و يا ليت شعري كيف يستدلّ بالآية على الجواز مع ما ذكرناه فيها و مع قيام الاحتمال،كيف ينتهض الاستدلال لا سيّما و قد تقدّم قبل وجوب الاعتزال في المحيض و علّل بأنّه أذى مستقذر،تنفر الطّباع السّليمة عنه،و هو يقتضي وجوب الاعتزال عن الإتيان في الأدبار لاشتراك العلّة،و لا يقاس ما في المحاشّ من الفضلة بدم الاستحاضة،و من قاس فقد أخطأت استه الحفرة لظهور الاستقذار.و النّفرة ممّا في المحاش دون دم الاستحاضة،و هو دم انفجار العرق كدم الجرح.

و على فرض تسليم أنّ(انّى)تدلّ على تعميم مواضع الإتيان-كما هو الشّائع-يجاب بأنّ التّقييد بمواضع الحرث يدفع ذلك.فقد أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،عن سعيد بن جبير،قال:بينا أنا و مجاهد جالسان عند ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما إذ أتاه رجل فقال:أ لا تشفيني من آية المحيض؟قال:بلى،فقرأ:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ إلى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،فقال ابن عبّاس:من حيث جاء الدّم من ثمّ أمرت أن تأتي.فقال:كيف بالآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ؟ البقرة:

223،فقال:ويحك،و في الدّبر من حرث،لو كان ما تقول حقّا لكان المحيض منسوخا،إذا شغل من هاهنا جئت من هاهنا،و لكن (أَنّى شِئْتُمْ) من اللّيل و النّهار.

و ما قيل:من أنّه لو كان في الآية تعيّن الفرج لكونه موضع الحرث للزم تحريم الوطء بين السّاقين و في الأعكان،لأنّها ليست موضع حرث كالمحاشّ،مدفوع بأنّ الإمناء فيما عدا الصّمّامين لا يعدّ في العرف جماعا و وطء،و اللّه تعالى قد حرّم الوطء و الجماع في غير موضع الحرث لا الاستمناء،فحرمة الاستمناء بين السّاقين و في الأعكان لم تعلم من الآية إلاّ أن يعدّ ذلك إيتاء و جماعا و أنّى به؟

و لا أظنّك في مرية من هذا،و به يعلم ما في مناظرة الإمام الشّافعيّ،و الإمام محمّد بن الحسن؛فقد أخرج الحاكم عن عبد الحكم أنّ الشّافعيّ ناظر محمّدا في هذه المسألة،فاحتجّ عليه ابن الحسن بأنّ الحرث إنّما يكون في الفرج.فقال له:أ فيكون ما سوى الفرج محرّما فالتزمه؟ فقال:أ رأيت لو وطأها بين ساقيها أو في أعكانها أو في ذلك حرث؟قال:لا،قال:أ فيحرم؟قال:لا،قال:فكيف تحتجّ بما لا تقول به.و كأنّه من هنا قال الشّافعيّ فيما حكاه عنه الطّحاويّ،و الحاكم،و الخطيب لمّا سئل عن ذلك:

ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في تحليله و لا تحريمه شيء،و القياس أنّه حلال.

ص: 48

و هذا خلاف ما نعرف من مذهب الشّافعيّ،فإنّ رواية التّحريم عنه مشهورة.فلعلّه كان يقول ذلك في القديم و رجع عنه في الجديد،لما صحّ عنده من الأخبار، أو ظهر له من الآية.(2:124،125)

الطّباطبائيّ: «انّى»من أسماء الشّرط يستعمل في الزّمان كمتى،و ربّما استعمل في المكان أيضا،قال تعالى:

يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:

37،فإن كان بمعنى المكان كان المعنى من أيّ محلّ شئتم، و إن كان بمعنى الزّمان كان المعنى في أيّ زمان شئتم.

و كيف كان،يفيد الإطلاق بحسب معناه،و خاصّة من حيث تقييده بقوله:(شئتم)و هذا هو الّذي يمنع الأمر، أعني قوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أن يدلّ على الوجوب؛إذ لا معنى لإيجاب فعل مع إرجاعه إلى اختيار المكلّف و مشيئته.(2:212)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ هذه الكلمة تدلّ على الاستفهام في مقام التّحقيق،في مورد يناسب الزّمان و الوقت،و قد وردت في القرآن المجيد في(28)موردا، و هذا المعنى هو الأنسب في جميعها.

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ كيف و في أيّ زمان شئتم؟

أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:259،كيف و في أيّ وقت يحييها اللّه؟

أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ آل عمران:40،كيف و متى يكون لى غلام؟

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ فاطر:3، ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ يونس:34، سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّى تُسْحَرُونَ المؤمنون:89،فكيف و متى تؤفكون و تسحرون و تصرفون؟

قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37،كيف و متى تهيّأ هذا الرّزق و حضر عندك؟

و يصحّ أن يكون بمعنى المكان«أين»مجازا.

(1:154،155)

2- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها...

البقرة:259

الطّبريّ: معنى ذلك أنّ قائله لمّا مرّ ببيت المقدس، أو بالموضع الّذي ذكر اللّه أنّه مرّ به خرابا بعد ما عهده عامرا،قال: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟ فقال:

بعضهم:كان قيله ما قال من ذلك شكّا في قدرة اللّه على إحيائه،فأراه اللّه قدرته على ذلك،بضربه المثل له في نفسه،ثمّ أراه الموضع الّذي أنكر قدرته على عمارته و إحيائه،أحيا ما رآه قبل خرابه،و أعمر ما كان قبل خرابه.(3:31)

الطّوسيّ: معناه كيف،و ذلك يدلّ على أنّ(أنّى) في قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223،معناه كيف شئتم،دون ما قاله بعضهم من أنّ معناه حيث شئتم، لأنّ معناه هاهنا لا يكون إلاّ على«كيف».و لقائل أن يقول:إنّ اللّفظ مشترك و إنّما يستفاد بحسب مواضعه.

و قال الزّجّاج:معناه«من أين»في الموضعين.(2:321)

الزّمخشريّ: اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة

ص: 49

الإحياء،و استعظام لقدرة المحيي.(1:389)

الطّبرسيّ: أي كيف يعمّر اللّه هذه القرية بعد خرابها؟و قيل:كيف يحيي اللّه أهلها بعد ما ماتوا.و أطلق لفظ القرية و أراد به أهلها،كقوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،و لم يقل ذلك إنكارا و لا تعجّبا و لا ارتيابا، و لكنّه أحبّ أن يريه اللّه إحياءها مشاهدة،كما يقول الواحد منّا:كيف يكون حال النّاس يوم القيامة،و كيف يكون حال أهل الجنّة في الجنّة،و كيف يكون حال أهل النّار في النّار؟و كقول إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260،أحبّ أن يريه اللّه إحياء الموتى مشاهدة ليحصل له العلم به ضرورة،كما حصل العلم دلالة،لأنّ العلم الاستدلاليّ ربّما اعتورته الشّبهة.

(1:370)

الفخر الرّازيّ: هذا كلام من يستبعد من اللّه الإحياء بعد الإماتة،و ذلك كفر.

فإن قيل:يجوز أنّ ذلك وقع منه قبل البلوغ.

قلنا:لو كان كذلك لم يجز من اللّه تعالى أن يعجب رسوله منه؛إذ الصّبيّ لا يتعجّب من شكّه في مثل ذلك.

و هذه الحجّة ضعيفة لاحتمال أنّ ذلك الاستبعاد ما كان بسبب الشّكّ في قدرة اللّه تعالى على ذلك،بل كان بسبب اطّراد العادات في أنّ مثل ذلك الموضع الخراب قلّما يصيّره اللّه معمورا.و هذا كما أنّ الواحد منّا يشير إلى جبل،فيقول:متى يقلّبه اللّه ذهبا أو ياقوتا،لا أنّ مراده منه الشّكّ في قدرة اللّه تعالى،بل على أنّ مراده منه أنّ ذلك لا يقع و لا يحصل في مطّرد العادات،فكذا هاهنا.(7:30،31)

القرطبيّ: معناه من أيّ طريق و بأيّ سبب.و ظاهر اللّفظ السّؤال عن إحياء القرية بعمارة و سكّان،كما يقال الآن في المدن الخربة الّتي يبعد أن تعمر و تسكن:أنّى تعمر هذه بعد خرابها؟فكأنّ هذا تلهّف من الواقف المعتبر على مدينته الّتي عهد فيها أهله و أحبّته،و ضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم ممّا سأل عنه.و المثال الّذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أنّ سؤاله إنّما كان على إحياء الموتى من بني آدم،أي أنّى يحيي اللّه موتاها؟!

و قد حكى الطّبريّ عن بعضهم أنّه قال:كان هذا القول شكّا في قدرة اللّه تعالى على الإحياء،فلذلك ضرب له المثل في نفسه.

قال ابن عطيّة: و ليس يدخل شكّ في قدرة اللّه تعالى على إحياء قرية بجلب العمارة إليها،و إنّما يتصوّر الشّكّ من جاهل في الوجه الآخر،و الصّواب ألاّ يتأوّل في الآية شكّ.(3:290)

رشيد رضا: يتعجّب من ذلك و يعدّه غريبا، لا يكاد يقع.(3:49)

الطّباطبائيّ: أي أنّى يحيي اللّه أهل هذه القرية؟ ففيه مجاز،كما في قوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:

82.

و إنّما قال هذا القول استعظاما للأمر و لقدرة اللّه سبحانه،من غير استبعاد يؤدّي إلى الإنكار أو ينشأ منه، و الدّليل على ذلك قوله على ما حكى اللّه تعالى عنه في آخر القصّة: أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:

259،و لم يقل:الآن،كما في ما يماثله من قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ

ص: 50

يوسف:51،و سيجيء توضيحه قريبا.

على أنّ الرّجل نبيّ مكلّم و آية مبعوثة إلى النّاس، و الأنبياء معصومون حاشاهم عن الشّكّ و الارتياب في البعث،الّذي هو أحد أصول الدّين.(2:361)

3- قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ. آل عمران:37

ابن عبّاس: إنّه وجد عندها الفاكهة الغضّة،حين لا توجد الفاكهة عند أحد،فكان زكريّا يقول:يا مريم أنّى لك هذا؟(الطّبريّ 3:247)

أبو عبيدة: أي من أين لك هذا.[ثمّ استشهد بشعر](1:91)

الطّبريّ: قال زكريّا: يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا؟ من أيّ وجه لك هذا الّذي أرى عندك من الرّزق؟قالت مريم مجيبة له: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ تعني أنّ اللّه هو الّذي رزقها ذلك،فساقه إليها و أعطاها.و إنّما كان زكريّا يقول ذلك لها،لأنّه كان-فيما ذكر لنا-يغلق عليها سبعة أبواب،و يخرج ثمّ يدخل عليها،فيجد عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف،و فاكهة الصّيف في الشّتاء فكان يعجب ممّا يرى من ذلك،و يقول لها تعجّبا ممّا يرى:

أَنّى لَكِ هذا؟ فتقول: مِنْ عِنْدِ اللّهِ. (3:247)

النّحّاس: قال أبو عبيدة:المعنى من أين لك؟

و هذا القول فيه تساهل،لأنّ«أين»سؤال عن المواضع و«أنّى»سؤال عن المذاهب و الجهات،و المعنى من أيّ المذاهب و من أيّ الجهات لك هذا؟[ثمّ استشهد بشعر](1:389)

الطّوسيّ: معناه من أين لك،و قال قوم:معناه كيف لك،و الأوّل أظهر.(2:448)

نحوه الطّبرسيّ.(1:436)

الزّمخشريّ: من أين لك هذا الرّزق الّذي لا يشبه أرزاق الدّنيا،و هو آت في غير حينه،و الأبواب مغلقة عليك،لا سبيل للدّاخل به إليك؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فلا تستبعد.

قيل:تكلّمت و هي صغيرة،كما تكلّم عيسى و هو في المهد.

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّه جاع في زمن قحط فأهدت له فاطمة رضي اللّه عنها رغيفين و بضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها،و قال:هلمّي يا بنيّة،فكشفت عن الطّبق فإذا هو مملوء خبزا و لحما،فبهتت و علمت أنّها نزلت من عند اللّه،فقال لها صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّى لك هذا؟فقالت:هو من عند اللّه،إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.فقال عليه الصّلاة و السّلام:الحمد للّه الّذي جعلك شبيهة سيّدة نساء بني إسرائيل.ثمّ جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين و جميع أهل بيته فأكلوا عليه حتّى شبعوا،و بقي الطّعام كما هو،فأوسعت فاطمة على جيرانها».(1:427)

أبو حيّان: استغرب زكريّا وجود الرّزق عندها و هو لم يكن أتى به،و تكرّر وجوده عندها كلّما دخل عليها، فسأل على سبيل التّعجّب من وصول الرّزق إليها و كيف أتى هذا الرّزق.

و«أنّى»سؤال عن الكيفيّة و عن المكان و عن الزّمان،و الأظهر أنّه سؤال عن الجهة،فكأنّه قال:من أيّ

ص: 51

جهة لك هذا الرّزق،و لذلك قال أبو عبيدة:معناه من أين.

و لا يبعد أن يكون سؤالا عن الكيفيّة،أي كيف تهيّأ وصول هذا الرّزق إليك؟[ثمّ استشهد بشعر](2:443)

رشيد رضا:أي من أين لك هذا،و الأيّام أيّام قحط.

قال الأستاذ الإمام ما مثاله مبسوطا: إنّ القرآن نزل سائغا يسهل على كلّ أحد فهمه،من غير حاجة إلى عناء و لا ذهاب في الدّفاع عن شيء خلاف الظّاهر؛فعلينا أن لا نخرج عن سنّته و لا نضيف إليه حكايات إسرائيليّة أو غير إسرائيليّة لجعل هذه القصّة من خوارق العادات، و البحث عن ذلك الرّزق ما هو،و من أين جاء؟فضول لا يحتاج إليه لفهم المعنى و لا لمزيد العبرة،و لو علم اللّه أنّ في بيانه خيرا لنا لبيّنه.(3:293)

الطّباطبائيّ: قوله: قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا...

فصل الكلام من غير أن يعطف على قوله: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً يدلّ على أنّه عليه السّلام إنّما قال لها ذلك مرّة واحدة فأجابت بما قنع به،و استيقن أنّ ذلك كرامة لها،و هنا لك دعا و سأل ربّه ذريّة طيّبة.(3:175)

4- قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ.

آل عمران:40

عكرمة: أتاه الشّيطان،فأراد أن يكدّر عليه نعمة ربّه،فقال:هل تدري من ناداك؟قال:نعم،ناداني ملائكة ربّي.قال:بل ذلك الشّيطان،لو كان هذا من ربّك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك.فقال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً آل عمران:41،فكان قوله ما قال من ذلك،و مراجعته ربّه فيما راجع فيه بقوله: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ للوسوسة الّتي خالطت قلبه من الشّيطان،حتّى خيّلت إليه أنّ النّداء الّذي سمعه كان نداء من غير الملائكة،فقال: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مستثبتا في أمره،ليتقرّر عنده بآية، يريه اللّه في ذلك أنّه بشارة من اللّه على ألسن ملائكته، و لذلك قال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً (1)

(الطّبريّ 3:258)

الحسن: من أيّ وجه يكون لي الولد؟أ يكون بإزالة العقر عن زوجتي،و ردّ شبابي؟أم يأتي و نحن على حالنا؟فكان ذلك على سبيل الاستعلام،لا على وجه الشّكّ.

مثله ابن الأنباريّ،و ابن كيسان.

(ابن الجوزيّ 1:348)

السّدّيّ: لمّا سمع النّداء،يعني زكريّا لمّا سمع نداء الملائكة،بالبشارة بيحيى،جاءه الشّيطان فقال له:

يا زكريّا إنّ الصّوت الّذي سمعت،ليس هو من اللّه،إنّما هو من الشّيطان يسخر بك،و لو كان من اللّه أوحاه إليك،كما يوحي إليك في غيره من الأمر،فشكّ مكانه،و قال:

أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ذكر؟يقول:و من أين وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ؟ (الطّبريّ 3:257)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف قال زكريّا و هو نبيّ اللّه: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ و قد بشّرته الملائكة بما بشّرته به،عن أمر اللّه إيّاها به؟أشكّ في صدقهم؟فذلك ما لا يجوز أن يوصف بهل.

ص: 52


1- هذا مخالف لعصمة الأنبياء و قد ردّه الشّرع و العقل.

أهل الإيمان باللّه،فكيف الأنبياء و المرسلون؟!أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربّه،فذلك أعظم في البليّة؟

قيل:كان ذلك منه صلّى اللّه عليه و سلّم على غير ما ظننت،بل كان قيله ما قال من ذلك.[ثمّ نقل قول السّدّيّ و عكرمة إلى أن قال:]

و قد يجوز أن يكون قيله ذلك مسألة منه ربّه:من أيّ وجه يكون الولد الّذي بشّر به،أ من زوجته فهي عاقر، أم من غيرها من النّساء؟فيكون ذلك على غير الوجه الّذي قاله عكرمة و السّدّيّ،و من قال مثل قولهما.

(3:257،258)

النّحّاس: يقال:كيف استنكر هذا و هو نبيّ،يعلم أنّ اللّه يفعل ما يريد؟ففي هذا جوابان:

أحدهما:أنّ المعنى بأيّ منزلة استوجبت هذا؟على التّواضع للّه.و كذلك قيل في قول مريم: أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آل عمران:47؟

و الجواب الآخر:أنّ زكريّا أراد أن يعلم هل يردّ شابّا؟و هل تردّ امرأته؟و هل يرزقهما اللّه ولدا من غير ردّ؟أو من غيرها؟

فأعلمهم اللّه عزّ و جلّ أنّه يرزقهما ولدا من غير ردّ، فقال عزّ و جلّ: كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ. (1:395)

الطّوسيّ: إن قيل:لم راجع هذه المراجعة مع ما بشّره اللّه تعالى بأنّه يهب له ذرّيّة طيّبة،و بعد أن سأل ذلك؟

قيل:إنّما راجع ليعرف على أيّ حال يكون ذلك أ يردّه إلى حال الشّباب و امرأته،أم مع الكبر،فقال اللّه تعالى: كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ أي على هذه الحال، و تقديره:كذلك الأمر الّذي أنت عليه يفعل اللّه ما يشاء، هذا قاله الحسن.

و قيل في وجه آخر:و هو أنّه قال على وجه الاستعظام لمقدور اللّه،و التّعجّب الّذي يحدث للإنسان عند ظهور آية عظيمة من آيات اللّه،كما يقول القائل:

كيف سمحت نفسك بإخراج الملك النّفيس من يدك؟ تعجّبا من جوده،و اعترافا بعظمه.

و قال بعضهم:إنّ ذلك إنّما كان للوسوسة الّتي خالطت قلبه من قبل الشّيطان،حتّى خيّلت إليه أنّ النّداء كان من غير الملائكة.و هذا لا يجوز،لأنّ النّداء كان على وجه الإعجاز على عادة الملك فيما يأتي به من الوحي عن اللّه،و الأنبياء عليهم السّلام لا يجوز عليهم تلاعب الشّيطان بهم حتّى يختلط عليهم طريق الإفهام،فلا يعرفوا نداء ملك من نداء شيطان أو إنسان.(2:453)

الزّمخشريّ: استبعاد من حيث العادة،كما قالت مريم.(1:428)

الطّبرسيّ:أي من أين يكون،و قيل:كيف يكون.

[إلى أن قال:]

و يحتمل أن يكون اشتبه الأمر عليه أ يعطيه الولد من امرأته العجوز أم من امرأة أخرى شابّة،فقال اللّه (كذلك).(1:439)

الفخر الرّازيّ:لمّا كان زكريّا عليه السّلام هو الّذي سأل الولد،ثمّ أجابه اللّه تعالى إليه،فلم تعجّب منه و لم استبعده؟

الجواب:لم يكن هذا الكلام لأجل أنّه كان شاكّا في قدرة اللّه تعالى على ذلك،و الدّليل عليه وجهان:

ص: 53

الأوّل:أنّ كلّ أحد يعلم أنّ خلق الولد من النّطفة إنّما كان على سبيل العادة،لأنّه لو كان لا نطفة إلاّ من خلق، و لا خلق إلاّ من نطفة،لزم التّسلسل و لزم حدوث الحوادث في الأزل،و هو محال،فعلمنا أنّه لا بدّ من الانتهاء إلى مخلوق خلقه اللّه تعالى لا من نطفة،أو من نطفة خلقها اللّه تعالى لا من إنسان.

و الوجه الثّاني:أنّ زكريّا عليه السّلام طلب ذلك من اللّه تعالى،فلو كان ذلك محالا ممتنعا لما طلبه من اللّه تعالى، فثبت بهذين الوجهين أنّ قوله: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ليس للاستبعاد،بل ذكر العلماء فيه وجوها:

الأوّل:أنّ قوله(انّى)معناه من أين،و يحتمل أن يكون معناه كيف تعطى ولدا على القسم الأوّل أم على القسم الثّاني؛و ذلك لأنّ حدوث الولد يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يعيد اللّه شبابه،ثمّ يعطيه الولد مع شيخوخته،فقوله: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ معناه كيف تعطى الولد على القسم الأوّل،أم على القسم الثّاني، فقيل له:(كذلك)،أي على هذه الحال،و اَللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ، و هذا القول ذكره الحسن و الأصمّ.

و الثّاني:أنّ من كان آيسا من الشّيء،مستبعدا لحصوله و وقوعه،إذا اتّفق أن حصل له ذلك المقصود فربّما صار كالمدهوش من شدّة الفرح،فيقول:كيف حصل هذا؟و من أين وقع هذا؟كمن يرى إنسانا وهبه أموالا عظيمة،يقول:كيف وهبت هذه الأموال؟و من أين سمحت نفسك بهبتها؟فكذا هاهنا لمّا كان زكريّا عليه السّلام مستبعدا لذلك ثمّ اتّفق إجابة اللّه تعالى إليه،صار من عظم فرحه و سروره،قال ذلك الكلام.

الثّالث:أنّ الملائكة لمّا بشّروه بيحيى،لم يعلم أنّه يرزق الولد من جهة أنثى أو من صلبه (1)،فذكر هذا الكلام لذاك الاحتمال.

الرّابع:أنّ العبد إذا كان في غاية الاشتياق إلى شيء فطلبه من السّيّد،ثمّ إنّ السّيّد يعده بأنّه سيعطيه بعد ذلك،فالتذّ السّائل بسماع ذلك الكلام،فربّما أعاد السّؤال ليعيد ذلك الجواب،فحينئذ يلتذّ بسماع تلك الإجابة مرّة أخرى،فالسّبب في إعادة زكريّا هذا الكلام يحتمل أن يكون من هذا الباب.

الخامس:نقل عن سفيان بن عيينة أنّه قال:كان دعاؤه قبل البشارة بستّين سنة حتّى كان قد نسي ذلك السّؤال وقت البشارة،فلمّا سمع البشارة زمان الشّيخوخة لا جرم استبعد ذلك على مجرى العادة،لا شكّا في قدرة اللّه تعالى،فقال ما قال.

السّادس:نقل عن السّدّيّ أنّ زكريّا عليه السّلام جاءه الشّيطان عند سماع البشارة فقال:إنّ هذا الصّوت من الشّيطان،و قد سخر منك.فاشتبه الأمر على زكريّا عليه السّلام فقال: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ؟ و كان مقصوده من هذا الكلام أن يريه اللّه تعالى آية تدلّ على أنّ ذلك الكلام من الوحي و الملائكة،لا من إلقاء الشّيطان.

قال القاضي: لا يجوز أن يشتبه كلام الملائكة بكلام الشّيطان عند الوحي على الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام؛إذ لو جوّزنا ذلك لارتفع الوثوق عن كلّ الشّرائع،و يمكن أن يقال:لمّا قامت المعجزات على صدق الوحي في كلّ ما يتعلّق بالدّين،لا جرم حصل الوثوقل.

ص: 54


1- كذا في الأصل.

هناك بأنّ الوحي من اللّه تعالى بواسطة الملائكة و لا مدخل للشّيطان فيه.أمّا ما يتعلّق بمصالح الدّنيا و بالولد فربّما لم يتأكّد ذلك المعجز،فلا جرم بقي احتمال كون ذلك من الشّيطان،فلا جرم رجع إلى اللّه تعالى في أن يزيل عن خاطره ذلك الاحتمال.(8:40،41)

أبو حيّان: كان قد تقدّم سؤاله ربّه رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً آل عمران:38،فلا شكّ في إمكانيّة ذلك و جوازه،و إذا كان ذلك ممكنا و بشّرته به الملائكة فما وجه هذا الاستفهام؟و أجيب بوجوه:

أحدها:أنّه سؤال عن الكيفيّة،و المعنى أ يولد لي على سنّ الشّيخوخة و كون امرأتي عاقرا-أي بلغت سنّ من لا تلد،و كان قد بلغ تسعا و تسعين سنة،و امرأته بلغت ثمانيا و تسعين سنة؟!و قال ابن عبّاس:كان يوم بشّر،ابن عشرين و مائة سنة.و قال الكلبيّ:ابن اثنتين و تسعين سنة-أم أعاد أنا و امرأتي إلى سنّ الشّبيبة و هيئة من يولد له.

فأجيب:بأنّه يولد له على هذه الحال،قال معناه الحسن و الأصمّ.

الثّاني:أنّه لمّا بشّر بالولد،استعلم أ يكون ذلك الولد من صلبه نفسه أم من بنيه؟

الثّالث:أنّه كان نسي السّؤال،و كان بين السّؤال و التّبشير أربعون سنة،و نقل عن سفيان أنّه كان بينهما ستّون سنة.

الرّابع:أنّ هذا الاستعلام هو على سبيل الاستعظام لقدرة اللّه تعالى،يحدث ذلك عند معاينة الآيات،و هو يرجع معناه إلى ما قاله بعضهم:إنّ ذلك من شدّة الفرح، لكونه كالمدهوش عند حصول ما كان مستبعدا له عادة.

الخامس:إنّما سأل لأنّه كان عاجزا عن الجماع لكبر سنّه،فسأل ربّه هل يقوّيه على الجماع و امرأته على القبول على حال الكبر؟

السّادس:سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أم من غيرها؟

السّابع:أنّه لمّا بشّر بالولد أتاه الشّيطان ليكدّر عليه نعمة ربّه،فقال له:هل تدري من ناداك؟قال:ملائكة ربّي.قال له:بل ذلك الشّيطان،و لو كان هذا من عند ربّك لأخفاه لك،كما أخفيت نداءك.فخالطت قلبه وسوسة، فقال: أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ليبيّن اللّه له أنّه من الوحي، قاله عكرمة و السّدّيّ.

قاله القاضي: لو اشتبه على الرّسل كلام الملك بكلام الشّيطان لم يبق الوثوق بجميع الشّرائع.

و أجيب:بأنّ ما قاله لا يلزم،لاحتمال أن تقوم المعجزة على الوحي بما يتعلّق بالدّين.و أمّا ما يتعلّق بمصالح الدّنيا فربّما لا يؤكّد بالمعجزة،فيبقى الاحتمال؛ فيطلب زواله.

و قال الزّمخشريّ: استبعاد من حيث العادة،كما قالت مريم،انتهى.

و على ما قاله لو كان استبعادا لما سأله بقوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً آل عمران:38،لأنّه لا يسأل إلاّ ما كان ممكنا لا سيّما الأنبياء،لأنّ خرق العادة في حقّهم كثير الوقوع.(2:449،450)

رشيد رضا:قالوا:إنّ السّؤال للتّعجّب،و أكثروا في ذلك السّؤال و الجواب.[و قد تقدّم في الآية السّابقة]

ص: 55

و لبعضهم كلام في المسألة لا يليق بمقام الأنبياء عليهم السّلام.

و لا يمنع مانع ما أن يكون الاستفهام على ظاهره،و أن يكون قد قاله قاله تشوّقا إلى معرفة الكيفيّة الّتي يكون بها الإنتاج،مع عدم توفّر الأسباب العاديّة له بكبر سنّه و عقر زوجه.(3:298)

الطّباطبائيّ: استفهام تعجيب،و استعلام لحقيقة الحال،لا استبعاد و استعظام مع تصريح البشارة بذلك، و أنّ اللّه سبحانه سيرزقه ما سأله من الولد،مع أنّه ذكر هذين الوصفين اللّذين جعلهما منشأ للتّعجّب و الاستعلام في ضمن مسألته،على ما في سورة مريم؛ حيث قال: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا... مريم:4،5.

لكن المقام يمثّل معنى آخر،فكأنّه عليه السّلام لمّا انقلب حالا من مشاهدة أمر مريم،و تذكّر انقطاع عقبه،لم يشعر إلاّ و قد سأل ربّه ما سأل.و قد ذكر في دعائه ما له سهم وافر في تأثّره و تحزّنه و هو بلوغ الكبر،و كون امرأته عاقرا.فلمّا استجيبت دعوته و بشّر بالولد كأنّه صحا و أفاق ممّا كان عليه من الحال،و أخذ يتعجّب من ذلك و هو بالغ الكبر و امرأته عاقر،فصار ما كان يثير على وجهه غبار اليأس و سيماء الحزن يغيّره إلى نظرة التّعجّب المشوب بالسّرور.

على أنّ ذكر نواقص الأمر بعد البشارة بقضاء أصل الحاجة،و استعلام كيفيّة رفع واحد واحد منها،إنّما هو طلب تفهّم خصوصيّات الإفاضة و الإنعام،التذاذا بالنّعمة الفائضة بعد النّعمة،نظير ما وقع في بشرى إبراهيم بالذّرّيّة،قال تعالى: وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ* قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ* قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ* قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ الحجر:51-56،فذكر في جواب نهي الملائكة إيّاه عن القنوط أنّ استفهامه لم يكن عن قنوط،كيف،و هو غير ضالّ و القنوط ضلالة،بل السّيّد إذا أقبل على عبده إقبالا يؤذن بالقرب و الأنس و الكرامة أوجب ذلك انبساطا من العبد و ابتهاجا يستدعي تلذّذه من كلّ حديث،و تمتّعه في كلّ باب.

(3:177،178)

5- قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ. آل عمران:47

الطّبريّ: قالت مريم،إذ قالت لها الملائكة:إنّ اللّه يبشّرك بكلمة منه: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ، من أيّ وجه يكون لي ولد؟أ من قبل زوج أتزوّجه و بعل أنكحه؟أو تبتدئ في خلقه من غير بعل و لا فحل،و من غير أن يمسّني بشر؟(3:273)

الطّوسيّ: إن قيل:كيف سألت مريم عن خلق الولد من غير مسيس،مع أنّها لا تنكر ذلك في مقدور اللّه تعالى؟

قلنا:فيه وجهان:

ص: 56

أحدهما:أنّها استفهمت أ يكون ذلك،و هي على حالتها من غير بشر،أم على مجرى العادة من بشر؟كما يقول القائل:كيف تبعث بفلان في هذا السّفر،و ليس معه ما يركبه معنا؟لأنّه قويّ أم هناك مركوب؟

الثّاني:أنّ في البشرة التّعجّب ممّا خرج عن المعتاد فتعجّبت من عظم قدرة اللّه،كما يقول القائل عند الآية يراها:ما أعظم اللّه!و كما يقول القائل لغيره:كيف تهب ضيعتك،و هي أجلّ شيء لك؟و ليس يشكّ في هبته و إنّما يتعجّب من جوده.(2:464)

مثله الطّبرسيّ.(1:443)

أبو حيّان: [قال مثل الطّوسيّ و أضاف:]

قيل:استفهمت عن الكيفيّة كما سأل زكريّا عن الكيفيّة،تقديره:هل يكون ذلك على جري العادة بتقدّم وطء،أم بأمر من قدرة اللّه؟

و قال الأنباريّ: لمّا خاطبها جبريل ظنّته آدميّا يريد بها سوء،و لهذا قالت: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا مريم:18 فلمّا بشّرها لم تتيقّن صحّة قوله،لأنّها لم تعلم أنّه ملك،فقالت: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ.

آل عمران:47.(2:462)

الآلوسيّ: يحتمل أن يكون الاستفهام مجازيّا، و المراد التّعجّب من ذلك و الاستبعاد العادي.و يحتمل أن يكون حقيقيّا،على معنى أنّه يكون بتزوّج أو غيره.

و قيل:يحتمل أن يكون استفهاما عن أنّه من أيّ شخص يكون.(3:164)

الطّباطبائيّ: خطابها لربّها،مع كون المكلّم إيّاها الرّوح المتمثّل.بناء على ما تقدّم أنّ خطاب الملائكة و خطاب الرّوح و كلامهم كلام اللّه سبحانه،فقد كانت تعلم أنّ الّذي يكلّمها هو اللّه سبحانه،و إن كان الخطاب متوجّها إليها من جهة الرّوح المتمثّل أو الملائكة،و لذلك خاطبت ربّها.

و يمكن أن يكون الكلام من قبيل قوله تعالى: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ المؤمنون:99،فهو من الاستغاثة المعترضة في الكلام.[إلى أن قال:]

و أمّا التّعجّب من هذا الأمر فإنّما يصحّ لو كان هذا الأمر ممّا لا يقدر عليه اللّه سبحانه أو يشقّ.أمّا القدرة فإنّ قدرته غير محدودة يفعل ما يشاء،و أمّا صعوبته و مشقّته فإنّ العسر و الصّعوبة إنّما يتصوّر إذا كان الأمر ممّا يتوسّل إليه بالأسباب،فكلّما كثرت المقدّمات و الأسباب،و عزّت و بعد منالها اشتدّ الأمر صعوبة،و اللّه سبحانه لا يخلق ما يخلق بالأسباب بل وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. البقرة:117.

(3:196،197)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مريم:8.

6- أَ وَ لَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا... آل عمران:165

الجبّائيّ: إنّهم إنّما استنكروا ذلك،لأنّه وعدهم بالنّصر من اللّه إن أطاعوه.(الطّبرسيّ 1:532)

الطّبريّ: (أنّى هذا)؟من أيّ وجه هذا؟و من أين أصابنا هذا الّذي أصابنا،و نحن مسلمون و هم مشركون، و فينا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يأتيه الوحي من السّماء،و عدوّنا أهل كفر باللّه و شرك؟(4:164)

ص: 57

مثله الطّبرسيّ.(1:532)

الزّمخشريّ: (انّى هذا)نصب لأنّه مقول،و الهمزة للتّقرير و التّقريع.

فإن قلت:علام عطفت الواو هذه الجملة؟

قلت:على ما مضى من قصّه أحد من قوله: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ آل عمران:152،و يجوز أن تكون معطوفة على محذوف،كأنّه قيل:أفعلتم كذا و قلتم حينئذ كذا أنّى هذا؟من أين هذا؟كقوله تعالى: أَنّى لَكِ هذا آل عمران:37،لقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:

165،و قوله: مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:37،و المعنى أنتم السّبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة، أو لتخليتكم المركز.(1:477)

الفخر الرّازيّ: سبب تعجّبهم أنّهم قالوا:نحن ننصر الإسلام الّذي هو دين الحقّ،و معنا الرّسول،و هم ينصرون دين الشّرك باللّه و الكفر،فكيف صاروا منصورين علينا؟

و اعلم أنّه تعالى أجاب عن هذه الشّبهة من وجهين:

الأوّل:ما أدرجه عند حكاية السّؤال و هو قوله:

قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها آل عمران:165،يعني أنّ أحوال الدّنيا لا تبقى على نهج واحد،فإذا أصبتم منهم مثلي هذه الواقعة،فكيف تستبعدون هذه الواقعة؟

و الثّاني:قوله قل: هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.

(9:81،82)

أبو حيّان: المعنى كيف أصابنا هذا و نحن نقاتل أعداء اللّه،و قد وعدنا بالنّصر و إمداد الملائكة؟ فاستفهموا على سبيل التّعجّب عن ذلك،و(أنّى)سؤال عن الحال هنا،و لا يناسب أن يكون هنا بمعنى أين أو متى، لأنّ الاستفهام لم يقع عن المكان و لا عن الزّمان هنا،إنّما الاستفهام وقع عن الحالة الّتي اقتضت لهم ذلك،سألوا عنها على سبيل التّعجّب.[و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]

و الظّرف إذا وقع خبرا للمبتدإ لا يقدّر داخلا عليه حرف جرّ غير«في»أمّا أن يقدّر داخلا عليه«من»فلا، لأنّه إنّما انتصب على إسقاط«في»و لك إذا أضمر الظّرف تعدّى إليه الفعل بوساطة«في»إلاّ أن يتّسع في الفعل فينصبه نصب التّشبيه بالمفعول به،فتقدير الزّمخشريّ:

(انّى هذا)؟من أين هذا؟تقدير غير سائغ،و استدلاله على هذا التّقدير بقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، و قوله:

مِنْ عِنْدِ اللّهِ، وقوف مع مطابقة الجواب للسّؤال في اللّفظ،و ذهول عن هذه القاعدة الّتي ذكرناها.و أمّا على ما قرّرناه فإنّ الجواب جاء على مراعاة المعنى لا على مطابقة الجواب للسّؤال في اللّفظ.

و قد تقرّر في علم العربيّة أنّ الجواب يأتي على حسب السّؤال مطابقا له في اللّفظ،و مراعى فيه المعنى لا اللّفظ،و السّؤال ب(أنّى)سؤال عن تعيين كيفيّة حصول هذا الأمر،و الجواب بقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، يتضمّن تعيين الكيفيّة،لأنّه بتعيين السّبب تتعيّن الكيفيّة من حيث المعنى.لو قيل:على سبيل التّعجّب و الإنكار كيف لا يحجّ زيد الصّالح؟و أجيب ذلك بأن يقال:بعدم استطاعته.حصل الجواب،و انتظم من المعنى أنّه لا يحجّ، و هو غير مستطيع.(3:107)

ص: 58

الآلوسيّ: (انّى هذا)جملة اسميّة مقدّمة الخبر، و المعنى من أين هذا؟لا كيف هذا؟لدلالة الجواب[على] مفعول القول.

و قيل:(انّى)منصوبة على الظّرفيّة،«لأصابنا» المقدّر،و(هذا)فاعل له،و الجملة مقول(قلتم)،و توسيط الظّرف و ما يتعلّق به بينه و بين الهمزة،مع أنّه المقصود إنكاره،و المعطوف بالواو حقيقة لتأكيد النّكير و تشديد التّقريع.فإنّ فعل القبيح في غير وقته أقبح،و الإنكار على فاعله أدخل.و المعنى أ حين نالكم من المشركين نصف ما قد نالهم منكم قبل ذلك رجعتم و قلتم من أين هذا؟و نحن مسلمون نقاتل غضبا للّه تعالى و فينا رسوله، و هؤلاء مشركون أعداء اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،أو قد وعدنا اللّه تعالى النّصر؟و إليه ذهب الجبّائيّ.

و هذا على تقدير توجيه الإنكار و التّقريع إلى صدور ذلك القول عنهم،في ذلك الوقت خاصّة،بناء على عدم كونه مظنّة له داعيا إليه،بل على كونه داعيا إلى عدمه.فإنّ كون مصيبة عدوّهم مثلي مصيبتهم ممّا يهوّن الخطب و يورث السّلوة.

أو أفعلتم ما فعلتم من الفشل و التّنازع أو الخروج من المدينة و الإلحاح على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و لمّا أصابتكم غائلة ذلك قلتم:(انّى هذا)؟و هذا على تقدير توجيه الإنكار لاستبعادهم الحادثة،مع مباشرتهم لسببها.و جوّز أن يكون المعطوف عليه القول إشارة إلى أنّ قولهم كان غير واحد،بل قالوا أقوالا لا ينبغي أن يقولوها.

و ذهب جماعة إلى أنّ المعطوف عليه ما مضى من قوله تعالى: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ آل عمران:

152،إلى هنا،و للتّعلّق بقصّة واحدة لم يتخلّل بينهما أجنبيّ،ليكون القول بذلك بعيدا،كما ادّعاه أبو حيّان.

و الهمزة حينئذ متخلّلة بين المتعاطفين للتّقرير بمعنى التّثبيت،أو الحمل على الإقرار و التّقريع على مضمون المعطوف،و المعنى أ كان من اللّه تعالى الوعد بالنّصر بشرط الصّبر و التّقوى،فحين فشلتم و تنازعتم و عصيتم و أصابكم اللّه تعالى بما أصابكم قُلْتُمْ أَنّى هذا. (4:115)

7- وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى. الفجر:23

ابن عبّاس: يقول:و كيف له؟(الطّبريّ 30:188)

الطّبريّ: يقول:من أيّ وجه له التّذكير.

(30:188)

الطّوسيّ: معناه من أين له الذّكرى الّتي كان أمر بها في دار الدّنيا؟فإنّها تقوده إلى طريق الاستواء و تبصّره الضّلال من الهدى،فكأنّه قال:و أنّى له الذّكرى الّتي ينتفع بها،كما لو قيل:يتندّم،و أنّى له النّدم؟(10:347)

الزّمخشريّ: و من أين له منفعة الذّكرى؟لا بدّ من تقدير حذف مضاف،و إلاّ فبين يَوْمَ يَتَذَكَّرُ و بين وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى تناف و تناقض.(4:253)

الآلوسيّ: اعتراض جيء به لتحقيق أنّه ليس يتذكّر حقيقة،لعرائه عن الجدوى،لعدم وقوعه في أوانه.

و(أنّى)خبر مقدّم،و(الذّكرى)مبتدأ،و(له)متعلّق بما تعلّق به الخبر،أي و من أين تكون له الذّكرى و قد فات أوانها.

و قيل:هناك مضاف محذوف،أي و أنّى له منفعة الذّكرى.و لا بدّ من تقديره لئلاّ يكون تناقض،و قد

ص: 59

علمت أنّ هذا يتحقّق بما قرّر أوّلا على أنّه إذا جعل اختصاص اللاّم مقصورا على النّافع استقام من غير تقدير،و يكون إنكار أن تكون الذّكرى له،لا عليه.و أمّا كونه حكاية لما كان عليه في الدّنيا من عدم الاعتبار و الاتّعاظ فليس بشيء.(30:129)

الطّباطبائيّ: أي و من أين له الذّكرى؟كناية عن عدم انتفاعه بها،فإنّ الذّكرى إنّما تنفع فيما أمكنه أن يتدارك ما فرّط فيه بتوبة و عمل صالح،و اليوم يوم الجزاء لا يوم الرّجوع و العمل.(20:284)

الأصول اللّغويّة

1-عدّ أرباب المعاجم قاطبة لفظ«أنّى»من مادّة (أ ن و)،إلاّ أنّ عدّة منهم قد اضطرب كلامهم فيه،فتارة جعلوه من(أ ن و)و أخرى من(أ ن ن)،كصاحب اللّسان و القاموس و التّاج.فإن كان من(أ ن و)فألفه أصليّة كألف«طوى»،و إحدى النّونين زائدة فيه كزيادتها في «تمنّى».و إن كان من(أ ن ن)فألفه زائدة كألف«طوبى»، و كلا النّونين من أصل الكلمة.[لاحظ أ ن و]

2-و تستعمل«أنّى»في الشّرط بمعنى«أين»،يقال:

أنّى يكن أكن،أي أين يكن أكن،و أنّى تأتني آتك،أي من أيّ جهة تأتني آتك.و في الاستفهام بمعنى كيف،يقال:

أنّى لك تفتح الحصن؟أي كيف لك ذلك،و بمعنى من أين، يقال:أنّى لك؟أي من أين لك.

و أمّا قول الأزهريّ بأنّها تأتي بمعنى«متى»،و قول الفيروزآبادي بمعنى«حيث»فهما ناظران إلى قوله تعالى:

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223،و لا وجه له،كما سيأتي في الاستعمال القرآنيّ.

3-و أنّى تشاكل«حتّى»في الصّياغة،و تكاد تضارعها في كثرة معانيها مثلما ضارعتها في وزنها،كما هي مقصورة الألف كحتّى،خلافا لما جاء في وزنها من الأدوات،مثل:كلاّ و لمّا و أمّا،و غيرها.

و لا ينكر أنّ هذه الصّياغة نادرة في اللّغة،و أنّ ما جاء من الأسماء و الصّفات على وزن(فعّل)معدود أيضا، و يكاد يقتصر على الألفاظ التّالية:عثّر و بذّر و خضّم، و هي مواضع،و شمّر:اسم فرس،و خضّم:لقب العنبر بن عمرو بن تميم (1).

و رغم ذلك فإنّ ما استقرّ عليه رأي اللّغويّين هو القياس،لأنّ الألف المقصورة لا تزاد في لفظ ثلاثيّ مضعّف،فهي ليست زائدة في«أنّى»،كما ذهب بعض إلى خلاف ذلك.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت«أنّى»شرطا و استفهاما في القرآن.

1-الشّرط:مرّة واحدة:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ

البقرة:223.

قيل في معنى(أنّى)هنا:كيف،و من أين،و أيّ،و متى، و حيث.فعلى القول الأوّل يراد بالإتيان حالته،أي حالة المرأة مضطجعة كانت أو باركة أو على جنب،و ذلك في قبلها فقط.و المراد بالقول الثّاني مكان الإتيان،فيدخل الدّبر.و على القول الثّالث يخرج الدّبر،لأنّ المراد صفة إتيان الرّجل من أيّ وجه و طريق.و يعني القول الرّابع

ص: 60


1- المزهر(2:63)

الزّمان بغضّ النّظر عن حال الإتيان و مكانه.أمّا القول الخامس فهو بمعنى من أين و متى،و قد تقدّم معناهما،إلاّ أنّ«حيث»لا تتضمّن معنى الشّرط مثل«أنّى».

فيظهر ممّا تقدّم أنّ هناك ثلاثة أقوال في إتيان المرأة في دبرها:

الأوّل:الحرمة،و قد قال بها خمسة عشر صحابيّا تقريبا،منهم ابن مسعود.

الثّاني:الحلّيّة،و قال بها أربعة من الصّحابة،منهم أبو سعيد الخدريّ.

الثّالث:العزل،و قال به ستّة من الصّحابة،منهم ابن عبّاس.و دليلهم بعد الآية الرّوايات،و هي العمدة في الباب.

2-الاستفهام الإنكاريّ:

أ-كيف:(25)مرّة:

قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا

البقرة:247

قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها

البقرة:259

قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ

آل عمران:40 و مريم:8

قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ آل عمران:47

اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ

المائدة:75

ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ الأنعام:95

أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ الأنعام:101

قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ

التّوبة:30 و المنافقون:4

فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ

يونس:32

قُلِ اللّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ

يونس:34

قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مريم:20

سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّى تُسْحَرُونَ

المؤمنون:89

لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ العنكبوت:61

وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:52

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ فاطر:3

فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنّى يُبْصِرُونَ يس:66

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُصْرَفُونَ الزّمر:6

ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ المؤمن:62

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ المؤمن:69

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ الزّخرف:87

أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ

الدّخان:13

فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ محمّد:18

يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى

الفجر:23

ب-من أين:مرّتان.

قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ

آل عمران:37

قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ

آل عمران:165

ص: 61

ص: 62

أ ن و-ي

اشارة

5 ألفاظ،8 مرّات:3 مكّيّة،5 مدنيّة

في 8 سور:5 مكّيّة،3 مدنيّة

آناء 3:2-1 يأن 1:-1

إناه 1:-1 آن 1:1

آنية 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الإني و الإنى،مقصور:ساعة من ساعات اللّيل،و الجميع:آناء.و كلّ إني ساعة.

و الإنى،مقصور أيضا:الإدراك و البلوغ،و إنّى الشّيء:بلوغه و إدراكه،فتقول:انتظرنا إني الطّعام،أي إدراكه،و قوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:

53،أي غير منتظرين نضجه و بلوغه.

و قوله تعالى: وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،أي قد انتهى حرّه،و الفعل:أنى يأني أنى.

و قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5،أي سخنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإيناء،ممدود:قد يكون بمعنى الإبطاء،آنيت الشّيء،أي أخّرته.و تقول للمبطئ:آنيت و آذيت.

و أنى الشّيء يأني أنيّا،إذا تأخّر عن وقته.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ما أنى لك،و أ لم يأن لك،أي أ لم يحن لك؟

و الأنى:من الأناة و التّؤدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّه لذو أناة،إذا كان لا يعجل في الأمور،أي تأنّى،فهو آن،أي متأنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأناة:الحلم،و الفعل:أني،و تأنّى و استأنى،أي تثبّت،و يقال للمتمكّث في الأمر:المتأنّي.و في الحديث:

«آذيت و آنيت»،أي أخّرت المجيء و أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنيت فلانا،أي لم أعجله،و يقال:استأن في أمرك،أي لا تعجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنيت في الطّعام،أي انتظرت إدراكه.

ص: 63

و يقال للمرأة المباركة الحليمة المواتية:أناة، و الجميع:الأنوات.قال أهل الكوفة:إنّما هي من«الونى» و هو الضّعف،و لكنّهم همزوا الواو.

و الإناء،ممدود:واحد الآنية.و الأواني:جمع الجمع.

جمع«فعال»على أفعلة،ثمّ جمع«أفعلة»على أفاعل.

(8:400)

سيبويه: الأناة:أصله:وناة-مثل أحد و وحد-من الونى.(الجوهريّ 6:2274)

أبو عبيدة: «الآناء»واحدها إني،مثل حسي، و الجمع:آناء،مثل أحساء.(الجوهريّ 6:2273)

أبو زيد: يقال:ما كان ذا حلم و لقد تحلّم،و ما كان ذا أناة و لقد تأنّى تأنّيا.(206)

و إلقاحه أني،أي بطيء.(251)

الأصمعيّ: في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لرجل جاء يوم الجمعة يتخطّى رقاب النّاس:«رأيتك آنيت و آذيت».

آنيت،أي أخّرت المجيء و أبطأت.و منه قيل للمتمكّث في الأمور:متأنّ.

الأناة من النّساء:الّتي فيها فتور عن القيام.

(الأزهريّ 15:554)

ابن الأعرابيّ: تأنّى،إذا رفق.آنيت و أنّيت،بمعنى واحد.(الأزهريّ 15:554)

يقال:آن يئين أينا،و أنى لك يأني أنيا،أي حان.

(ابن فارس 1:143)

أبو عبيدة: الأناة:المرأة الّتي فيها فتور عند القيام.

(ابن فارس 1:142)

ابن السّكّيت: و الأناة:البطيئة الرّزينة عن كلّ خفّة.(329)

الإنى من السّاعات و من بلوغ الشّيء:منتهاه، مقصور،يكتب بالياء،و يفتح فيمدّ.

و يقال:أنّيت الطّعام في النّار،إذا أطلت مكثه.

و أنّيت في الشّيء،إذا قصّرت فيه.

(الأزهريّ 15:554)

المبرّد: و قول عبدة بن الطّبيب:

*ورد و أشقر ما يؤنيه طابخه*.

يقول:ما تغيّر من اللّحم قبل نضجه،و قوله:ما يؤنيه طابخه،يقول:ما يؤخّره،لأنّه لو آناه لأنضجه،لأنّ معنى آناه:بلغ به إناه،أي إدراكه.قال اللّه عزّ و جلّ: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

و تقول:أنّى يأني إنيا،إذا أدرك،و آن يئين مثله.

و قوله تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:

44،أي قد بلغ إناه.(1:327)

الزّجّاج: قال أهل اللّغة:واحد آناء اللّيل:إنّي و آناء،مثل نحي و أنحاء.و أنشد أهل اللّغة في ذلك قول الشّاعر:

حلو و مرّ كطعم القدح مرّته

بكلّ إنّى حداه اللّيل ينتعل

قالوا:واحدها«إني»،مثل معى و أمعاء.و حكى الأخفش«إنو».(1:459)

ابن دريد: يقال:آن لك أن تفعل كذا و كذا،و أنى لك،أي حان لك.و بلغ الشّيء إناه مقصور،أي منتهاه.

ص: 64

و كذلك فسّر في التّنزيل غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،أي منتهاه و إدراكه،و اللّه أعلم.

و آنيت،إذا أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإناء:واحد الآنية ممدود:الّذي يجعل فيه الطّعام و غيره،مثل رداء و أردية.

و الإيناء:الانتظار،و هو مصدر آنى يؤني إيناء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأناء:الانتظار،ممدود أيضا.

و آناء اللّيل:واحدها«إني»و هي السّاعة من اللّيل.

[ثمّ استشهد بشعر](1:191)

ابن الأنباريّ: آناء اللّيل،على ثلاثة أوجه:إنّي بسكون النّون،و إنّى بكسر الألف،و أنّى بفتح الألف.

تأنّيت الرّجل،أي انتظرته و تأخّرت في أمره،و لم أعجل.

و يقال:إنّ خير فلان لبطيء أني.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل متأنّ،أي متمكّث متلبّث،أنّيت و آنيت.

الأنى،من بلوغ الشّيء:منتهاه مقصور،يكتب بالياء.(الأزهريّ 15:552)

الأزهريّ: الإناء،ممدود:واحد الآنية،مثل رداء و أردية.ثمّ تجمع الآنية:الأواني،على فواعل جمع «فاعلة».

و يقال:لا تؤن فرصتك،أي لا تؤخّرها إذا أمكنتك.

و كلّ شيء أخّرته فقد آنيته.

و قيل:امرأة أناة،أي رزينة لا تصخب و لا تفحش.

[ثمّ استشهد بشعر](15:555)

الجوهريّ: أنى الشّيء يأني إني،أي حان،و أنى أيضا:أدرك،قال اللّه تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،أي نضجه.

و يقال أيضا:أنى الحميم،أي انتهى حرّه،و منه قوله تعالى: وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،أي بالغ إناه في شدّة الحرّ.و كلّ مدرك آن.

و آناه يؤنيه إيناء،أي أخّره و حبسه و أبطأه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاسم منه:الأناء،على«فعال»بالفتح.[ثمّ استشهد بشعر]

و آناء اللّيل:ساعاته،يقال:مضى إنيان من اللّيل و إنوان.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأنّى في الأمر،أي ترفّق و تنظّر.و استأنى به،أي انتظر به،يقال:استؤني به حولا.و الاسم:الأناة،مثل القناة،يقال:تأنّيتك حتّى لا أناة بي.

و الأناة من النّساء:الّتي فيها فتور-عند القيام- و تأنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل آن،على«فاعل»أي كثير الأناة و الحلم.

و الإناء معروف،و جمعه:آنية،و جمع الآنية:الأواني، مثل سقاء و أسقية و أساق.(6:2273)

ابن فارس: الهمزة و النّون و ما بعدهما من المعتلّ، له أصول أربعة:البطء و ما أشبه من الحلم و غيره،و ساعة من الزّمان،و إدراك الشّيء،و ظرف من الظّروف.

فأمّا الأوّل فقال الخليل:الأناة:الحلم،و الفعل منه تأنّى و تأيّا:[ثمّ استشهد بشعر]

و يروى«و تأيّ».و يقال للتّمكّث في الأمور:التّأنّي.

ص: 65

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للّذي تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة:«رأيتك آذيت و آنيت»يعني أخّرت المجيء و أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال من الأناة:رجل أني ذو أناة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل لابنة الخسّ:هل يلقح الثّنيّ؟قالت:نعم، و إلقاحه أني،أي بطيّ.

و يقال:فلان خيره أني،أي بطيّ.

و الأنا:من الأناة و التّؤدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول للرّجل:إنّه لذو أناة،أي لا يعجل في الأمور، و هو آن وقور.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنيت فلانا،أي لم أعجله.و يقال للمرأة الحليمة المباركة:أناة،و الجمع:أنوات.

و أمّا الزّمان فالإنى و الأنى:ساعة من ساعات اللّيل، و الجمع:آناء.و كلّ إنّي:ساعة.و ابن الأعرابيّ:يقال:

«أني»في الجميع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا إدراك الشّيء فالإنى،تقول:انتظرنا إني اللّحم، أي إدراكه.و تقول:ما أنى لك و لم يأن لك،أي لم يحن.

قال اللّه تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحديد:16،أي لم يحن.

و استأنيت الطّعام،أي انتظرت إدراكه. وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،قد انتهى حرّه،و الفعل أنى الماء المسخّن يأني، مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّه تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

و أمّا الظّرف فالإناء ممدود من الآنية.و الأواني جمع جمع،يجمع«فعال»على أفعله.(1:141)

أبو هلال:الفرق بين الحلم (1)و الأناة:أنّ الأناة هي البطء في الحركة،في مقاربة الخطو في المشي،و لهذا يقال للمرأة البدينة:أناة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يكون المراد بها في صفات الرّجال المتمهّل في تدبير الأمور،و مفارقة التّعجّل فيها،كأنّه يقاربها مقاربة لطيفة،من قولك:أنى الشّيء،إذا قرب،و تأنّى،أي تمهّل ليأخذ الأمر من قرب.

و قال بعضهم:الأناة:السّكون عند الحالة المزعجة.

و الفرق بينها و بين التّؤدة:أنّ التّؤدة مفارقة الخفّة في الأمور،و أصلها من قولك:وأده يئده،إذا أثقله بالتّراب، و منه الموءودة.و أصل التّاء فيها«واو»و مثلها التّخمة، و أصلها من الوخامة،و التّهمة و أصلها من وهمت،و التّرة و أصله من ترت.

فالتّؤدة تفيد من هذا خلاف ما تفيد الأناة؛و ذلك أنّ الأناة تفيد مقاربة الأمر و التّسبّب إليه بسهولة،و التّؤدة تفيد مفارقة الخفّة.و لو لا أنّا رجعنا إلى الاشتقاق لم نجد بينهما فرقا.

و يجوز أن يقال:إنّ الأناة هي المبالغة في الرّفق بالأمور و التّسبّب إليها،من قولك:آن الشّيء،إذا انتهى، و منه: حَمِيمٍ آنٍ (2)الرّحمن:44،و قوله: غَيْرَ ناظِرِينَر.

ص: 66


1- الحلم هو الإمهال بتأخير العقاب المستحقّ،و الحلم من اللّه تعالى:عن العصاة في الدّنيا،فعل ينافي تعجيل العقوبة من النّعمة و العافية.
2- «آن»:(فاعل)من(أ ن ي)،و أمّا«آن»فهو(فعل)من (أ و ن)،فليس أحدهما مشتقّا من الآخر،إلاّ أن بينهما اشتقاقا أكبر.

إِناهُ الأحزاب:53،أي نهايته من النّضج.(167)

ابن سيدة: الأناة:الحلم و الوقار،أنى في الأمر يأني أنيا و إني و أناة،و أني يأنى أنيا و إني،و تأنّى و استأنى:

تثبّت و تمكّث،و لم يعجل.(الإفصاح 1:141)

الرّاغب: آن الشّيء:قرب إناه (1): حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،بلغ إناه في شدّة الحرّ،و منه قوله: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5،و قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحديد:16،أي أ لم يقرب إناه؟

و يقال:آنيت الشّيء إيناء،أي أخّرته عن أوانه، و تأنّيت:تأخّرت،و الأناة:التّؤدة.

و تأنّى فلان تأنّيا،و أنى يأني فهو آن،أي وقور.

و استأنيته:انتظرت أوانه،و يجوز في معنى استبطأته، و استأنيت الطّعام كذلك.

و الإناء:ما يوضع فيه الشّيء،و جمعه آنية،نحو كساء و أكسية.و الأواني جمع الجمع.(29)

الزّمخشريّ: انتظرنا إني الطّعام:أي إدراكه،و بلغت البرمة إناها، غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

يقال:أنى الطّعام إني،و حميم آن،و عين آنية:قد انتهى حرّهما.

و هو يقوم آناء اللّيل،أي ساعاته،و أمّا أنى لك،و أ لم يأن لك أن تفعل،و إنّه لذو أناة و رفق.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة أناة:فتور،و نساء أنوات.و تأنّى في الأمر و استأنى،يقال:تأنّ في أمرك و اتّئد.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأنى في الطّعام:انتظر إدراكه،و استأنيت فلانا:

لم أعجله،و استأنى به:رفق به،و يستأني بالجراحة:

ينتظر مآل أمرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و آنيت الأمر:أخّرته عن وقته،يقال:لا تؤن فرصتك.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:11)

ابن برّيّ: أني عن القوم،و أنى الطّعام عنّا إني شديدا،و الصّلاة أنيّا،كلّ ذلك:أبطأ.

و أنى يأني و يأنى أنيا فهو أني،إذا رفق.

(ابن منظور 14:49)

ابن الأثير: في حديث الهجرة:«هل أنى الرّحيل»، أي حان وقته.

تقول:أنى يأني.و في رواية«هل آن الرّحيل»،أي قرب.

و فيه:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمر رجلا أن يزوّج ابنته من جليبيب،فقال:حتّى أشاور أمّها،فلمّا ذكره لها قالت:حلقا الجليبيب إنيه،لا،لعمر اللّه».

قد اختلف في ضبط هذه اللّفظة اختلافا كثيرا، فرويت بكسر الهمزة و النّون و سكون الياء و بعدها هاء، و معناها أنّها لفظة تستعملها العرب في الإنكار،يقول القائل:جاء زيد،فتقول أنت:أزيد نيه و أزيد إنيه،كأنّك استبعدت مجيئه.و حكى سيبويه أنّه قيل لأعرابيّ سكن البلد:أ تخرج إذا أخصبت البادية؟فقال:أ أنا إنيه؟يعني أ تقولون لي هذا القول و أنا معروف بهذا الفعل،كأنّه أنكر استفهامهم إيّاه.

و رويت أيضا بكسر الهمزة و بعدها باء ساكنة ثمّ نون مفتوحة،و تقديرها:أ لجليبيب ابنتي؟فأسقطت الياء،ة.

ص: 67


1- انظر هامش الصّفحة السّابقة.

و وقفت عليها بالهاء.

قال أبو موسى: و هو في مسند أحمد بن حنبل بخطّ أبي الحسن بن الفرات،و خطّه حجّة،و هو هكذا معجم مقيّد في مواضع.

و يجوز أن لا يكون قد حذف الياء،و إنّما هي«ابنة» نكرة،أي أتزوّج جليبيبا ببنت؟تعني أنّه لا يصلح أن يزوّج ببنت إنّما يزوّج مثله بأمة استنقاصا له.

و قد رويت مثل هذه الرّواية الثّالثة بزيادة ألف و لام للتّعريف،أي أ لجليبيب الابنة.و رويت أ لجليبيب الأمة؟ تريد الجارية،كناية عن بنتها.و رواه بعضهم أميّة أو آمنة، على أنّه اسم البنت.(1:78)

الفيّوميّ: «إني»بكسر الهمزة و القصر و«إني» وزان حمل،و تأنّى في الأمر:تمكّث و لم يعجل و الاسم منه «أناة»وزان حصاة.

و الإناء و الآنية:الوعاء و الأوعية وزنا و معنى، و الأواني جمع الجمع.

و الإنى،بالكسر مقصورا:الإدراك و النّضج،و أنى الشّيء أنيا من باب«رمى»:دنا و قرب و حضر.

و أنى لك أن تفعل كذا،و المعنى هذا وقته فبادر إليه.

قال تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

و قد قالوا:آن لك أن تفعل كذا أينا من باب«باع» بمعناه،و هو مقلوب منه.و آنيته بالمدّ:أخّرته،و الاسم:

الأناء،وزان سلام.(1:28)

الفيروزآباديّ: أنى الشّيء أنيا و أناء و إني بالكسر،و هو أني كغنيّ:حان و أدرك،أو خاصّ بالنّبات.و الاسم:الأناء كسحاب،و بالكسر مصدر، جمعه:آنية و أوان.

و أنى الحميم:انتهى حرّه،فهو آن.و بلغ هذا أناه و يكسر:غايته أو نضجه و إدراكه.

و الأناة كقناة:الحلم و الوقار كالأنى،و المرأة فيها فتور عند القيام،و رجل آن:كثير الحلم.

و أني كسمع،و تأنّى و استأنى:تثبّت،و أنى أنيّا كجثى جثيّا و رضي رضى،فهو أني:تأخّر و أبطأ كأنّى تأنية، و آنيته إيناء.

و الأني و يكسر،و الأناء و الإنو بالكسر:الوهن، و السّاعة من اللّيل،أو ساعة ما منه.و الإنى كإلى و على:

كلّ النّهار،جمعه:آناء و أني و إني و أنا كهنا،أو كحتّى، أو بكسر النّون المشدّدة:بئر بالمدينة لبني قريظة،و واد بطريق حاجّ مصر.(4:302)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أنى أنيا و أنّى تأنية:

قرب و دنا و حان،و الأنى:الجزء،و الجمع آناء.

و الإناء:الوعاء،و الجمع آنية.

و أنى الطّعام إني:نضج،و أنى السّائل:بلغ غاية الحرارة،فهو آن.(1:49)

العدنانيّ: آن يئين،أنى يأني،آن يئون:حان.

و يخطّئون طه حسين،لأنّه قال:لعلّ الوقت لم يئون، أي لم يحن.و يقولون إنّ الصّواب هو:

أ-لم يئن،من آن يئين:حان.

ب-أو:لم يأن،من أنى يأني:حان.

و لكنّ هذه الأفعال الثّلاثة صحيحة،و الفعلان الأخيران:آن و أنى،تكاد كتب اللّغة تجمع على ذكرهما.

ص: 68

بينما الفعل آن يئون؛بمعنى حان،نادر الاستعمال، و لم يذكره سوى اللّسان و التّاج و المدّ و محيط المحيط و ذيل أقرب الموارد و المعجم الكبير.

و قد ذكره التّاج و محيط المحيط في مادّة«أين»لا مادّة «أون».

و لست أدري لما ذا اختار طه حسين استعمال هذا الفعل:آن يئون القابع في زوايا الإهمال و النّسيان.و أنا أرى أن نكتفي باستعمال الفعلين:

أ-آن يئين أينا:حان.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو آئن.[ثمّ استشهد بشعر]

ب-أنى يأني،أنيا و إني و أنى:حان،قال تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

و في الحديث:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«ثلاثة يا عليّ لا تؤخّرهنّ:الصّلاة إذا آنت،و الجنازة إذا حضرت، و الأيّم إذا وجدت كفؤا.[ثمّ استشهد بشعر]

على أن لا نخطّئ المغرمين بالغريب النّادر،الّذين يستعملون الفعل:آن يئون أونا؛بمعنى:حان.(40)

المصطفويّ: يظهر من كلمات القوم و من التّحقيق في موارد الاستعمال أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:

البلوغ و النّضج،من جهة الوقت.و هذا المعنى يختلف بحسب اختلاف الموارد و المفاهيم،كما في بلوغ وقت اشتداد الحرارة،و البلوغ في أوقات اللّيل و ساعاته، و بلوغ مرتبة الحلم و الطّمأنينة،و بلوغ وقت الاستفادة من الظّروف،و بلوغ وقت إدراك الطّعام و الأكل منه.

و يؤيّد هذا المعنى ما يفهم من مادّة أين،أون،أنو:

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحديد:16،أي أ لم يبلغ وقت خشوع قلوبهم في مقابل العظمة للّه تعالى يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،بين جهنّم و بين ماء حارّ في الغاية،أو مطلق الحميم الّذي بلغ إلى حدّ نهايته في الحرارة. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5،عين بلغت و كملت وقت حرارتها. إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،غير منتظرين بلوغ الطّعام و نضجه،في وقت مخصوص.

يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ آل عمران:113، وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ طه:130، أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ الزّمر:9،أي اللّيل إذا كملت ساعاته و بلغت أجزاؤه إلى حدّ الكمال،و نهاية الظّلمة و السّكوت، و تحقّقت حقيقة اللّيليّة.

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:15.

بظروف بلغت حدّ الكمال:و انتهت الاستفادة منها إلى وقت الغاية.

ففي كلّ من هذه الموارد قد أخذ قيد البلوغ بحسب الموضوع و قيد الوقت.و هذا هو الفارق بينها و بين الأوقات و الظّروف.

فقد اتّضحت اللّطائف في انتخاب هذه المادّة في هذه الموارد.

و لا يخفى ما فيما بين هذه المادّة و كلمة أنّى و إنّ،من التّناسب.(1:153)

ص: 69

النّصوص التّفسيريّة

اناء

1- ...يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ آل عمران:113

ابن مسعود:صلاة العتمة هم يصلّونها،و من سواهم من أهل الكتاب لا يصلّيها.(الطّبريّ 4:55)

ابن عبّاس: ساعات اللّيل،بلغة هذيل.

(اللّغات في القرآن:20)

قتادة: أي ساعات اللّيل.(الطّبريّ 4:55)

مثله الرّبيع،و ابن كثير(الطّبريّ 4:55)،و الشّربينيّ (1:240).

السّدّيّ: جوف اللّيل(الطّبريّ 4:55)

أبو عبيدة: ساعات اللّيل،واحدها إني،تقديرها:

جثي،و الجميع:أجثاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:102)

نحوه ابن هشام(2:206)،و الزّجّاج(1:459)، و السّجستانيّ(37).

الطّبريّ: أمّا (آناءَ اللَّيْلِ): فساعات،واحدها إني.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل:إنّ واحد الآناء«إني»مقصور،كما واحد الأمعاء معى.

و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:

تأويله:ساعات اللّيل،كما قلنا.

و قال آخرون:آناء اللّيل:جوف اللّيل.

و قال آخرون:بل عني بذلك قوم كانوا يصلّون العشاء الأخيرة.

و قال آخرون: بل عني بذلك قوم كانوا يصلّون فيما بين المغرب و العشاء.

و هذه الأقوال الّتي ذكرتها على اختلافها متقاربة المعاني؛و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره،وصف هؤلاء القوم بأنّهم يتلون آيات اللّه في ساعات اللّيل،و هي آناؤه.

و قد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليا لها آناء اللّيل، و كذلك من تلاها فيما بين المغرب و العشاء،و من تلاها جوف اللّيل،فكلّ تال له ساعات اللّيل.

غير أنّ أولى الأقوال بتأويل الآية قول من قال:عني بذلك تلاوة القرآن في صلاة العشاء،لأنّها صلاة لا يصلّيها أحد من أهل الكتاب،فوصف اللّه أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بأنّهم يصلّونها دون أهل الكتاب،الّذين كفروا باللّه و رسوله.(4:54)

الرّاغب: (آناءَ اللَّيْلِ): :ساعاته،الواحد:إني و أنى و أنا،قال عزّ و جلّ: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ (29)

الفخر الرّازيّ: (آناءَ اللَّيْلِ) أصلها في اللّغة:

الأوقات و السّاعات،و واحدها«إني»مثل معى و أمعاء، و«إني»مثل نحي و أنحاء،مكسور الأوّل ساكن الثّاني.

قال القفّال رحمه اللّه: كأنّ التّأنّي مأخوذ منه،لأنّه انتظار السّاعات و الأوقات.و في الخبر:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال للرّجل الّذي أخّر المجيء إلى الجمعة:«آذيت و آنيت»أي دافعت الأوقات.(8:201)

القرطبيّ: (آناءَ اللَّيْلِ): ساعاته،واحد إني و أنى و إني،و هو منصوب على الظّرف.(4:176)

مثله النّسفيّ(1:176)،و النّيسابوريّ(4:44)، و نحوه البروسويّ(2:81)،و المراغيّ(4:34).

البيضاويّ: يتلون القرآن في تهجّدهم،عبّر عنه

ص: 70

بالتّلاوة في ساعات اللّيل مع السّجود،ليكون أبين و أبلغ في المدح.

و قيل:المراد صلاة العشاء،لأنّ أهل الكتاب لا يصلّونها لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام أخّرها،ثمّ خرج فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة،فقال:أما إنّه ليس من أهل الأديان أحد يذكر اللّه هذه السّاعة غيركم.

(1:177)

أبو السّعود: (آناء)ظرف ل(يتلون)،أي في ساعاته.جمع«أنى»بزنة عصا،أو«إني»بزنة معى، أو«أني»بزنة ظبي أو«أنى»بزنة نحى،أو«أنو»بزنة جرو.(1:263)

نحوه الآلوسيّ.(4:33)

2- ...وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى. طه:130

ابن عبّاس: جوف اللّيل(الطّبريّ 16:234)

هي صلاة اللّيل كلّه.(الطّبرسيّ 4:35)

الحسن: المراد بالآية صلاة التّطوّع.

(القرطبيّ 11:261)

(آناءَ اللَّيْلِ) من أوّله و أوسطه و آخره.

(الطّبريّ 16:236)

قتادة: صلاة المغرب و العشاء.(الطّبريّ 16:234)

أبو عبيدة: أي ساعات اللّيل،واحدها إني، تقديره:حسي،و الجميع أحساء.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:33)

نحوه الطّبريّ(16:233)،و الزّجّاج(3:380)، و السّجستانيّ(123).و البغويّ(4:232)،و البيضاويّ (2:64)،و النّسفيّ(3:70)،و الخازن(4:232)، و الشّربينيّ(2:492)،و أبو السّعود(3:293)، و الكاشانيّ(3:326).

الطّوسيّ: يعني صلاة المغرب و العشاء.(7:222)

نحوه الطّبرسيّ.(4:35)

ابن زيد: (آناءَ اللَّيْلِ): العتمة.

(الطّبريّ 16:236)

الميبديّ: أي من ساعاته،و واحد الآناء:إني و أنى، و هي صلاة المغرب و العشاء.

و قيل:المراد من (آناءَ اللَّيْلِ) صلاة العشاء.

(6:197)

البروسويّ: أي بعض ساعاته جمع«إني»بالكسر و القصر،كمعى و أمعاء.و آناء بالفتح و المدّ.(5:444)

الطّباطبائيّ: وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ الجملة نظيرة قوله: وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ البقرة:40.

و الآناء على«أفعال»جمع:إني أو إنو،بكسر الهمزة، بمعنى الوقت،و«من»للتّبعيض،و الجارّ و المجرور متعلّق بقوله: فَسَبِّحْ دالّ على ظرف في معناه متعلّق بالفعل، و التّقدير:و بعض آناء اللّيل سبّح فيها.(14:235)

و بهذه المعاني جاءت كلمة آناءَ في سورة الزّمر:9.

يان

أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ...

الحديد:16

ص: 71

ابن عبّاس: إنّ اللّه استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن،فقال:

أَ لَمْ يَأْنِ: أ لم يحن لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ: ترقّ و تلين،و تخضع قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ.

(البغويّ 7:29)

عكرمة: يقول:أ لم يحن للّذين آمنوا.

(الدّرّ المنثور 6:175)

نحوه ابن قتيبة(ابن الجوزيّ 8:168)،و الطّبريّ (27:228)،و الطّوسيّ(9:528)،و الميبديّ(9:

493)،و الطّبرسيّ(5:237).

الزّجّاج: (يأن)من أنى يأني،و يقال:آن يئين.و في هذا المعنى،و معناه حان يحين.(5:125)

القمّيّ:يعني أ لم يجب.(2:351)

الزّمخشريّ: من أنى الأمر يأني،إذا جاء إناه،أي وقته.و قرئ (أ لم يئن) من آن يئين،بمعنى أنى يأني،و (أ لمّا يأن) .(4:64)

نحوه البيضاويّ(2:454)،و النّسفيّ(4:226)، و النّيسابوريّ(27:98)،و البروسويّ(9:363)، و الآلوسيّ(27:179)،و القاسميّ(16:5685)، و المراغيّ(27:171)،و الطّباطبائيّ(19:161).

القرطبيّ: أي يقرب و يحين.[ثمّ استشهد بشعر] و ماضيه أنى بالقصر يأني،و يقال:آن لك بالمدّ أن تفعل كذا يئين أينا،أي حان،مثل أنى لك،و هو مقلوب منه.[ثمّ استشهد بشعر](17:248)

الشّربينيّ: أي يحن و يدرك،و ينتهي إلى الغاية.

(4:208)

إناه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ...

الأحزاب:53

ابن عبّاس: غير ناظرين الطّعام أن يصنع.

(الطّبريّ 22:34)

مجاهد: متحيّنين نضجه.(الطّبريّ 22:34)

قتادة:غير متحيّنين طعامه.(الطّبريّ 22:34)

أبو عبيدة: أي إدراكه و بلوغه،و يقال:أنى لك أن تفعل يأني أنيا،و الاسم إني و أنى:أبلغ:أدرك.

(2:140)

الطّبريّ: غير منتظرين إدراكه و بلوغه،و هو مصدر من قولهم:قد أنى هذا الشّيء يأني إني و أنيا و إناء.

[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه لغة أخرى،يقال:قد آن لك،أي تبيّن لك أينا، و نال لك،و أنال لك.[ثمّ استشهد بشعر](22:34)

الزّجّاج: (اناء):نضجه و بلوغه،يقال:أنى يأني إناء، إذا نضج و بلغ.(4:234)

القيسيّ: (إناه)ظرف زمان،أي وقته.و هو مقلوب من«آن»الّذي بمعنى الحين،قلبت النّون قبل الألف، و غيّرت الهمزة إلى الكسر،فمعناه:غير ناظرين آنه،أي حينه،ثمّ قلب و غيّر على ما ذكرنا.(2:20)

الرّاغب: أي وقته،و«الإناء»إذا كسر أوّله قصر، و إذا فتح مدّ.(29)

البغويّ: غير منتظرين إدراكه و وقت نضجه.

ص: 72

يقال:أنى الحميم،إذا انتهى حرّه،و أنى أن يفعل ذلك، إذا حان،إني بكسر الهمزة مقصورة،فإذا فتحتها مددت فقلت:الإناء،و فيه لغتان:أنى يأني،و آن يئين،مثل حان يحين.(5:224)

نحوه الميبديّ(8:82)،و الخازن(5:224).

الزّمخشريّ: (غَيْرَ ناظِرِينَ) حال من (لا تَدْخُلُوا) وقع الاستثناء على الوقت و الحال معا،كأنّه قيل:

لا تدخلوا بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ وقت الإذن،و لا تدخلوها إلاّ غير ناظرين.و هؤلاء قوم كانوا يتحيّنون طعام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيدخلون و يقعدون منتظرين لإدراكه.

و معناه:لا تدخلوا يا هؤلاء المتحيّنون للطّعام إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه،و إلاّ فلو لم يكن لهؤلاء خصوصا لما جاز لأحد أن يدخل بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ أن يؤذن له إذنا خاصّا،و هو الإذن إلى الطّعام فحسب.

و عن ابن أبي عبلة أنّه قرأ (غير ناظرين) مجرورا صفة ل(طعام).و ليس بالوجه،لأنّه جرى على غير ما هو له،فمن حقّ ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللّفظ،فيقال:

غير ناظرين إناه أنتم،كقولك:هند زيد ضاربته هي.و إني الطّعام:إدراكه،يقال:أنى الطّعام إني،كقولك:قلاه قلى.

و منه قوله: بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،بالغ إناه.

و قيل:إناه:وقته،أي غير ناظرين وقت الطّعام و ساعة أكله.(3:271)

نحوه النّيسابوريّ.(22:26)

الطّبرسيّ: أي غير منتظرين إدراك الطّعام؛فيطول مقامكم في منزله،و المعنى لا تدخلوا بغير إذن.

و قيل:نضج الطّعام،انتظارا لنضجه؛فيطول لبثكم و مقامكم.(4:368)

الفخر الرّازيّ: قوله غَيْرَ ناظِرِينَ يعني أنتم لا تنظروا وقت الطّعام فإنّه ربّما لا يتهيّأ.و(اناء)قيل:

وقته،و قيل:استواؤه.(25:224)

القرطبيّ: أي غير منتظرين وقت نضجه.و(إناه) مقصور،و فيه لغات:إني بكسر الهمزة.[ثمّ استشهد بشعر]و أنى بفتحها،و أناء بفتح الهمزة و المدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و(اناء)مصدر أنى الشّيء يأني،إذا فرغ و حان و أدرك.(14:226)

البيضاويّ: أي منتظرين وقته،أو إدراكه،و هو حال من فاعل لا تَدْخُلُوا أو المجرور في(لكم).

و قرئ بالجرّ صفة لطعام،فيكون جاريا على غير من هو له بلا إبراز الضّمير،و هو غير جائز عند البصريّين.

و قد أمال حمزة و الكسائيّ(إناه)لأنّه مصدر أنى الطّعام،إذا أدرك.(2:250)

نحوه أبو السّعود(4:217)،و الكاشانيّ(4:198).

الشّربينيّ: أي منتظرين إناه،أي نضجه،و هو مصدر أنى و يأني.

و قرأ هشام و حمزة و الكسائيّ بالإمالة،و ورش بالفتح و بين اللّفظين،و الباقون بالفتح.(3:265)

البروسويّ:أي غير منتظرين وقت الطّعام أو إدراكه،و هو بالقصر و الكسر مصدر أنى الطّعام،إذا أدرك.و فيه إشارة إلى حفظ الأدب في الاستئذان و مراعاة الوقت،و إيجاب الاحترام.(7:213)

الطّباطبائيّ: أي غير منتظرين لورود إناء الطّعام

ص: 73

بأن تدخلوا من قبل فتطيلوا المكث في انتظار الطّعام، و يبيّنه قوله: وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ أي أكلتم فَانْتَشِرُوا الأحزاب:53.(16:337)

ان

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44

كعب الأحبار: (ان)واد من أودية جهنّم،يجتمع فيه صديد أهل النّار،فيغمسون بأغلالهم فيه حتّى تنخلع أوصالهم،ثمّ يخرجون منها.و قد أحدث اللّه لهم خلقا جديدا فيلقون في النّار،فذلك قوله تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. (القرطبيّ 17:176)

أنّه الحاضر.(القرطبيّ 17:176)

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 27:145)

ابن عبّاس: انتهى حرّه.(الطّبريّ 27:144)

مثله الحسن و سفيان(الطّبريّ 27:144)،و البغويّ (7:7)،و سعيد بن جبير و السّدّيّ(القرطبيّ 17:175)، و الآلوسيّ(27:115)،و الطّباطبائيّ(19:108).

غلى حتّى انتهى غليه.(الطّبريّ 27:144)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 27:144)

ما اشتدّ غليانه و نضجه.(الطّبريّ 27:144)

مجاهد: أنّه الّذي قد آن شربه و بلغ غايته.

(القرطبيّ 17:176)

قتادة: يطوفون مرّة بين الحميم و مرّة بين الجحيم.

و الجحيم:النّار.(القرطبيّ 17:175)

(آن)طبخ منذ خلق اللّه السّماوات و الأرض،يقول:

إذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم ذلك.

(القرطبيّ 17:175)

الفرّاء: و الآني:الّذي قد انتهت شدّة حرّه.

(3:118)

و في«يأن»لغات:من العرب من يقول:أ لم يأن لك، و أ لم يئن لك،مثل يعن.و منهم من يقول:أ لم ينل لك باللاّم.و منهم من يقول:أ لم ينل لك.و أحسنهنّ الّتي أتى بها القرآن.(3:134)

أبو عبيدة: بلغ إناه في شدّة الحرّ،و كلّ مدرك آن.

و في آية أخرى غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،أي إدراكه.[ثمّ استشهد بشعر](2:245)

الطّبريّ: بين ماء قد أسخن و أغلى حتّى انتهى حرّه و أنى طبخه.و كلّ شيء قد أدرك فقد أنى،و منه قوله:

غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،يعني إدراكه و بلوغه.[ثمّ استشهد بشعر](27:144)

نحوه القاسميّ.(15:5629)

القمّيّ: أنين من شدّة حرّها.(2:345)

الزّجّاج: يعني آن،قد أنى يأني فهو آن،إذا انتهى في النّضج و الحرارة.فإذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم الحميم الآني الّذي قد صار كالمهل،فيطاف بهم مرّة إلى الحميم و مرّة إلى النّار.(5:102)

الطّوسيّ: و الآن:الّذي بلغ نهايته،و المراد هاهنا هو الّذي قد بلغ نهاية حرّه،من آنى يأني إنيا فهو آن،و منه قوله: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،يعني نضجه، و بلوغه غايته.(9:478)

نحوه الميبديّ.(9:417)

ص: 74

الزّمخشريّ: ماء حارّ قد انتهى حرّه و نضجه،أي يعاقب عليهم بين التّصلية بالنّار،و بين شرب الحميم.

و قيل:إذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم الحميم.

(4:48)

نحوه الطّبرسيّ(5:206)،و البيضاويّ(2:443)، و النّسفيّ(4:212)،و النّيسابوريّ(27:68)،و أبو حيّان (8:196)،و ابن كثير(6:496)،و أبو السّعود(5:126) و الكاشانيّ(5:112)،و البروسويّ(9:33)،و المراغيّ (27:120)،و عزّة دروزة(7:137).

الفخر الرّازيّ: هو كقوله تعالى: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ الكهف:29،و كقوله تعالى:

كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها السّجدة:

20،لأنّهم يخرجون فيستغيثون،فيظهر لهم من بعد شيء مائع هو صديدهم المغليّ فيظنّونه ماء،فيردون عليه كما يرد العطشان،فيقعون و يشربون منه شرب الهيم، فيجدونه أشدّ حرّا،فيقطّع أمعاءهم كما أنّ العطشان إذا وصل إلى ماء مالح لا يبحث عنه و لا يذوقه و إنّما يشربه عبّا فيحرق فؤاده،و لا يسكن عطشه.

و قوله:(حميم)إشارة إلى ما فعل فيه من الإغلاء، و قوله تعالى:(ان)إشارة إلى ما قبله،و هو كما يقال:قطّعته فانقطع،فكأنّه حمته النّار فصار في غاية السّخونة.و آن الماء،إذ انتهى في الحرّ نهاية.(29:121)

بنت الشّاطئ: سأل نافع عن قوله تعالى: حَمِيمٍ آنٍ، فقال ابن عبّاس:الآني:الّذي انتهى طبخه و حرّه، فلمّا سأله نافع:و هل تعرف العرب ذلك؟أجاب:نعم أ ما سمعت قول نابغة بني ذيبان:

و يخضب لحية خدرت و خانت

بأحمى من نجيع الجوف آن

الكلمة من آية الرّحمن:44،من أنى يأني فهو آن، و معها آنية في قوله تعالى: تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:4،5.

و جاء الفعل في قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

و المصدر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53.

و من المادّة جاءت كلمة (آناءَ اللَّيْلِ) ثلاث مرّات:

آل عمران:113،طه:130،الزّمر:9،و بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:15،و أنّى في ثلاث و عشرين آية.

و تفسير (حَمِيمٍ آنٍ) بالّذي انتهى طبخه و حرّه، أو بالنّضج كما فسّره ابن الأثير،تقريب لا يفوتنا معه دلالة الكلمة أصلا على«الزّمن»بمعنى حان وقته و بلغ إناه في شدّة الحرّ،كما قال الرّاغب في«المفردات»،و دلالة الزّمن في«أنّى»لا تغيب مع تعلّقها بالمكان أو الكيفيّة أو الحال.و (آناءَ اللَّيْلِ): ساعاته.و الإناء،بالكسر و القصر:

الطّعام وقت نضجه،و الآنية و الأواني:و أوعية الإناء.

كما لا تخفى دلالة المادّة على«الزّمن»في التّأنّي بمعنى التّمهّل،و في التّواني بمعنى التّراخي و الإبطاء،و كلّ ذلك من تصرّف العربيّة في المادّة لبيان فروق الدّلالات،دون أن ينفكّ عنها جميعا أصل الدّلالة على الزّمن و الوقت،في كلّ تصرّفها و استعمالها.

من هنا كان التّفسير بالنّضج أو انتهاء الطّبخ ملحوظ

ص: 75

فيه دلالة المادّة أصلا على الأوان،و جاء النّضج من بلوغ إناه و أوانه.(353)

انية

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ... الدّهر:15

النّسفيّ: و الآنية:جمع إناء،و هو وعاء الماء

(4:318)

نحوه أبو حيّان(8:397)،و الطّباطبائيّ(2:129).

الشّربينيّ: (انية)جمع إناء،كسقاء و أسقية.و جمع الآنية أوان،و هي ظروف للمياه.(4:455)

البروسويّ: (انية):أوعية،جمع إناء،نحو كساء و أكسية،و الأواني جمع الجمع،كما في«المفردات»،و أصل آنية:أأنية،بهمزتين،مثل:«أفعلة».

قال في بعض التّفاسير:الباء فيها إن كانت للتّعدية فهي قائمة مقام الفاعل،لأنّها مفعول له معنى،و إلاّ فالظّاهر أن يكون القائم مقامه عليهم.(10:271)

نحوه الآلوسيّ.(29:159)

المراغيّ: و آنية:واحدها إناء،و هو ما يوضع فيه الشّراب.[إلى أن قال:]

أي يدير عليهم خدمهم كئوس الشّراب و الأكواب من الفضّة.و قد تكوّنت و هي جامعة لصفاء الزّجاجة و شفيفها و بياض الفضّة و لينها،و قد قدّرها لهم السّقاة الّذين يطوفون عليهم للسّقيا،على قدر كفايتهم و ريّهم، و ذلك ألدّ لهم و أخفّ عليهم،فهي ليست بالملأى الّتي تفيض،و لا بالنّاقصة الّتي تغيض.

و الخلاصة:أنّ آنية أهل الجنّة من فضّة بيضاء في صفاء الزّجاج،فيرى ما في باطنها من ظاهرها.

(29:167)

2- تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ. الغاشية:5

ابن عبّاس: هي الّتي قد أطال أنيها.

(الطّبريّ 30:161)

آنية:بالغة النّهاية في شدّة الحرّ.

(الطّوسيّ 10:324)

مثله قتادة.(الطّوسيّ 10:324)،نحوه السّجستانيّ (217)،و البغويّ(7:198)،و الميبديّ(10:469)، و البيضاويّ(2:555)،و النّيسابوريّ(30:82)، و الخازن(7:198)،و أبو حيّان(8:462)،و الشّربينيّ (4:525)،و أبو السّعود(5:258)،و الكاشانيّ(5:

320)،و القاسميّ(17:6138)،و الطّباطبائيّ(20:

273).

مجاهد: قد بلغت إناها،و حان شربها.

(الطّبريّ 30:161)

الحسن: أنّى طبخها منذ يوم خلق اللّه الدّنيا.

(الطّبريّ 30:161)

مثله قتادة.(الطّبريّ 30:161)

من عين أنى حرّها،يقول:قد بلغ حرّها.

(الطّبريّ 30:161)

أي حرّها أدرك،أوقدت عليها جهنّم منذ خلقت فدفعوا إليها وردا عطاشا.(القرطبيّ 20:29)

ابن زيد: آنية:حاضرة.(الطّبريّ 30:161)

الطّبريّ: تسقى أصحاب هذه الوجوه من شراب عين قد أنى حرّها،فبلغ غايته في شدّة الحرّ.

ص: 76

و قال بعضهم:عني بقوله: (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ): من عين حاضرة.(30:160)

الزّجّاج: أي متناهية في شدّة الحرّ،كقوله:

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44.

(5:317)

نحوه الآلوسيّ.(30:113)

القمّيّ: أنين من شدّة حرّها.(2:418)

الطّبرسيّ: أي و تسقى أيضا من عين حارّة قد بلغت إناها و انتهت حرارتها.(5:479)

الفخر الرّازيّ: الآني:الّذي قد انتهى حرّه،من الإيناء،بمعنى التّأخير.

و في الحديث: «أنّ رجلا أخّر حضور الجمعة ثمّ تخطّى رقاب النّاس،فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«آنيت و آذيت»،و نظير هذه الآية قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44.

قال المفسّرون: إنّ حرّها بلغ إلى حيث لو وقعت منها قطرة على جبال الدّنيا لذابت.(31:153)

نحوه القرطبيّ.(20:29)

النّسفيّ: من عين ماء قد انتهى حرّها،و التّأنيث في هذه الصّفات و الأفعال راجعة إلى الوجوه،و المراد أصحابها،بدليل قوله لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ الغاشية:6.(4:351)

البروسويّ: أي متناهية بالغة في الأنى،أي الحرّ، غايتها لتسخينها بتلك النّار منذ خلقت،لو وقعت منها قطرة على جبال الدّنيا لذابت.فإذا أدنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم،و إذا شربوا قطّعت أمعاءهم،كما قال تعالى: (وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ). يقال:أنى الحميم:انتهى حرّه،فهو آن.و بلغ هذا إناه.و إناه:غايته،و فيه إشارة إلى نار الطّبيعة،و عين الجهل المركّب الّذي هو مشرب أهلها، و الاعتقاد الفاسد المؤذي.(10:413)

المراغيّ: أي إنّ أهل النّار إذا عطشوا في تلك الدّار و طلبوا ما يطفئ غلّتهم،جيء لهم،بماء من ينبوع بلغ من الحرارة غايتها،فهو لا يطفئ لهبا و لا ينفع غلّة.

(30:132)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البلوغ و الإدراك،و التّأخّر و الإبطاء،و ساعة من ساعات اللّيل،فمن الأوّل قولهم:

أنى الشّيء يأني أنى و إني و أنيا:حان و أدرك،و بلغ الشّيء إناه،أي منتهاه،و أنى الحميم:انتهى حرّه،و انتظرنا إني اللّحم،أي إدراكه،و استأنيت الطّعام،أي انتظرت إدراكه،و ما أنى لك،و لم يأن لك،أي لم يحن.

و منه أيضا:الإناء،واحد الآنية،لأنّه-كما قالوا-قد بلغ أن يعتمل بما يعاني من طبخ أو خرز أو نجارة،و قد جعله ابن فارس أحد أصول هذه المادّة.

و من الثّاني:أنى في الأمر يأني،و أني يأنى أنيا و أنى و إني،و تأنّى و استأنى:تثبّت و تمكّث و لم يعجل،و أنّيت في الشّيء:قصّرت فيه.و آنيت الشّيء إيناء:أخّرته، و استأنيت فلانا:انتظرته و تأخّرت في أمره و لم أعجل، و أنّيت الطّعام في النّار،إذا أطلت مكثه،و استأنى فلان بالأمر:انتظر به.

و يقال أيضا:إنّ خير فلان لبطيّ أني،و لا تؤن

ص: 77

فرصتك:لا تؤخّرها إذا أمكنتك،و كلّ شيء أخّرته فقد آنيته.

و من الثّالث:الأنى و الإنى و الإني:السّاعة من اللّيل، و الجمع آناء،يقال:مضى إنيان و إنوان من اللّيل.

2-أمّا الأناة،أي الحلم و الضعف و المرأة الرّزينة، فهو من«الونى»،إذ الهمزة بدل من الواو،و مثله قولهم:

أين أخيهم؟أي سفرهم و قصدهم،و أصله«وخيهم»، و نحو:كلّ مال زكّي ذهبت أبلته،أي شرّه،و أصله «وبلته»،و نحو:أزير في«وزير»،و أجّ في«وجّ»،و أجم في «وجم»،و قد تعرّضنا لذلك في مواضع عديدة من المعجم.

و قولهم:أن على نفسك،أي ارفق بها في السّير و اتّدع،و بيني و بين مكّة عشر ليال آئنات،أي وادعات،ليس من(أ ن و)،بل هو من(أ و ن).

و كذا قولهم:آن الشّيء،أي حان،فهو من(أ ي ن).

3-و لا ينكر أنّ بين هذه الموادّ الأربعة-الأنى و الونى و الأون و الأين-اشتقاق أكبر،أي اشتراك في الحروف لفظا،و اشتراك في إفادة الزّمان معنى،فهي دالّة على الزّمان في كلّ ما تنصرف إليه من دلالات،أي أنّنا نلمح معنى الزّمان قويّا في بعض الاستعمالات و ضعيفا في بعضها الآخر.و لكنّه في الحالين موجود بحيث يصحّ-أو يقرب من الصّواب-القول بدلالة أصل الجذر على الزّمن،إلاّ أنّ ذلك لا يسمح لنا بأن ندمجها في مادّة واحدة،بل نجعل كلاّ من هذه الموادّ على حدة في هذا المعجم.

و على هذه الرّؤية-الّتي يبدو أنّها جديدة-تجتمع الأصول الأربعة الّتي ارتآها ابن فارس لهذا الجذر في أصل واحد،و هو الدّلالة على الزّمن،فالبطء،و السّاعة من الزّمان،و إدراك الشّيء،و الظرف،تتضمّن معنى الزّمان جميعا،مع ملاحظة الفرق بين الواويّ و اليائيّ حسب ما تقدّم.و إنّما ذهب ابن فارس إلى تفصيل ذلك الزّمن على مجالات محدّدة تختلف بينها بعض الاختلاف، ذلك الاختلاف لم يسمح له أن يجعلها ضمن إطار واحد، لأنّه نظر إلى الدّلالة الظّاهرة،لا الدّلالة العامّة المستكنّة في الاستعمال.

و على هذا الضّوء يقال:أنى يأني أنيا،و آن يئين أينا، و آن يئون أونا،أي حان الوقت،و آن الرّحيل،أي قرب،و أتيته آئنة بعد آئنة،أي تارة بعد تارة،و وقتا بعد وقت.

4-و إذا فلا غرو أن يؤخذ لفظ«الآن»دالاّ على الزّمان الحاضر،و لفظ«إني»دالاّ على الزّمان المتأخّر، سواء كان في الماضي أم في الحال،كقولك:آنيت الصّلاة، أي أخّرتها،و سأوانيها-قياسا-بمعنى سأؤخّرها،فقد خفّفوا الهمزة،و قالوا:ساوانيها.و من هذا المعنى الأخير قالوا:بلغ الشّيء إناه،أي منتهاه و غايته،و الإيناء:

الانتظار،و كلّه دالّ على الزّمن المتأخّر.

و كذا كلمة«أنّى»فهي أداة دالّة على الاستفهام الزّمانيّ،و الاستفهام المكانيّ أيضا.و يدلّ لفظ«أين»على الاستفهام المكانيّ غالبا،و الزّمانيّ نادرا.و يدلّ لفظ «أيّان»على الاستفهام الزّمانيّ،و«أينما»على الاستفهام المكانيّ و هكذا،فلاحظ موادّها.

5-و قيل:آنية و أوان-جمعا إناء-هما«أفعلة»

ص: 78

و«أفاعل»،و قيل:«فاعلة»و«فواعل».و القول الأوّل موافق للقياس،لأنّ«أفعلة»جمع لكلّ اسم مذكّر على أربعة أحرف،ثالثه حرف مدّ،مثل:قذال و أقذلة، و رغيف و أرغفة،و عمود و أعمدة،و التزم ذلك في جمع المضاعف أو المعتلّ اللاّم من«فعال»أو«فعال»،مثل:

بتات و أبتّة،و زمام و أزمّة،و قباء و أقبية،و فناء و أفنية.

و يجمع«أفعلة»على«أفاعل»أو«أفاعيل»،مثل:

أعين و أعاين،و أقوال و أقاويل،و غربان و غرابين.

و أمّا(فواعل)فهو جمع(فاعلة)من الصّفات،مثل:

صاحبة و صواحب،و فاطمة و فواطم،فلا يكون جمعا للفظ«آنية»،لأنّه ليس مفردا و لا صفة.

الاستعمال القرآنيّ

الاستعمال القرآنيّ للّفظ ملحوظ فيه أيضا تضمّنه «الزّمن»في كلّ الصّيغ الواردة فيه:

1-يأني بمعنى يحين: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ الحديد:16.

2-آن: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ

الرّحمن:44

وصف به«الحميم»الّذي وعد به أهل الجحيم، و أريد به-على ما يظهر من دلالة المادّة-أنّ ذلك «الحميم»قد بلغ أعلى درجات غليانه،أو قد حان زمان تعذيبهم به،فإنّ بلوغ ذلك«الحميم»درجة الغليان القصوى يحتاج إلى زمن،فكان توصيف«الحميم»به باعتباره قد مرّ به الزّمن الطّويل حتّى بلغ الغاية من الحرارة.

و ليس استعمال«الزّمن»في التّوصيف إشارة إلى ما ينتج عن مرور الزّمن على الموصف به بغريب،فقد جاء في فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ البقرة:259،فالمعنى القريب له أنّه لم تمرّ عليه السّنون، و المعنى المراد أنّه لم يتغيّر طعمه و لا لونه بمرّ السّنين الطّويلة عليه،لاحظ«س ن ه».

3-آنية: وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا الدّهر:15. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ الغاشية:5.

أ-في الأولى جاءت بالمعنى المتداول المعروف من الأدوات المستعملة لتقديم الطّعام و الشّراب،مفردها «إناء»الّذي يجمع على الأواني.

و أمّا الآنية فمع كونها جمعا لإناء إلاّ أنّها تتضمّن معنى أعمق من معنى الأواني،ذلك أنّ الآنية-كصيغة-تظلّ تحمل معنى«الزّمن»و هو الزّمن الحاضر،أي أنّ هذه الأواني الّتي يعد اللّه سبحانه بها المؤمنين في الجنّة ليست مثل الأواني الّتي يستعملونها في الدّنيا،فهي آنية،أي حاضرة جاهزة في كلّ وقت.

و هذا فرق دقيق بين جمع و جمع،هو باب نستطيع به أن نقرّر أنّ صيغ الجموع إنّما كثرت و تعدّدت لبيان فوارق دقيقة بين صيغة و صيغة،و قد يكون ذلك الفارق لمعنى الزّمن كما هاهنا،أو لمعان أخر.

فالأواني جمع الجمع من الإناء،جمع جرم الإناء إلى جرم الإناء الآخر،فإذا ما أريد التّعبير عن ذلك الجمع باستحضار معنى الزّمان فيه عدل من الأواني إلى الآنية، و كأنّها الحاضرة الجاهزة،و لكلّ في التّناغم الموسيقي بين

ص: 79

هذا اللّفظ(آنية)و لفظ(دانية)في الآية قبلها: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً الدّهر:14، ما يساعد على استيحاء ذاك.

ب-و الآنية في الآية الثّانية بمعنى الحاضرة الجاهزة الّتي قد مرّ عليها الآن بعد الآن حتّى وصلت إلى حالتها الجاهزة للاستعمال،و هي العين الّتي يعذّب الكافرون بإسقائهم منها.و هذه اللّفظة مؤنّث لفظة«آن»،و في كلّ منهما يبين عنصر الزّمن بيانا واضحا،و في الجمع بين (عين)و(آنية)شبه الجناس ظاهر.

4-آناء: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. آل عمران:113

وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى. طه:130.

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ. الزّمر:9.

جاءت(اناء)في هذه الآيات الثّلاث مضافة إلى اللّيل مقابلة قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها و أَطْرافَ النَّهارِ في(طه)،فدلّت بذلك على أوقات نائية من اللّيل،و هي ما يستطيب الإنسان استمرار النّوم فيها من الزّمن،و تحدّد في البعد الزّمنيّ لا في قربه،أي وقت بعيد عن الفجر.

5-إناه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ

الأحزاب:53

أي غير مستعجلين نضجه،أي زمن جهازه للأكل، ففيه أيضا معنى الزّمان.

و عند الطّباطبائيّ أنّه بمعنى الظّرف،أي لا تستعجلوا في الدّخول؛لتنتظروا دخول الإناء،و يؤيّده قراءة «انائه» .و عليه فالأولى أن يكون(ناظرين)بمعنى الرّؤية، أي لا تنظروا حال الأكل إلى ظروف الطّعام كيف هي، أ صحيحة أم مكسورة،غالية أم رخيصة؟و نحو ذلك.

ص: 80

أ ه ل

اشارة

12 لفظا،127 مرّة:74 مكّيّة،53 مدنيّة

في 40 سورة:28 مكّيّة،12 مدنيّة

أهل 54:18-36 أهلكم 1:1

أهله 27:21-6 أهلي 3:3

أهلها 20:15-5 أهلنا 3:3

أهلهم 3:3 أهلونا 1:-1

أهلهنّ 1:-1 أهليهم 3:2-1

أهلك 9:8-1 أهليكم 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أهل الرّجل:زوجه،و أخصّ النّاس به.

و التّأهّل:التّزوّج،و أهل البيت:سكّانه،و أهل الإسلام:من يدين به،و من هذا يقال:فلان أهل كذا أو كذا.قال اللّه عزّ و جلّ: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56،جاء في التّفسير أنّه جلّ و عزّ أهل لأن يتّقى فلا يعصى،و هو أهل لمغفرة من اتّقاه.

و جمع الأهل:أهلون و أهلات.و الأهالي:جمع الجمع،و جاءت الياء الّتي في«الأهالي»من الواو الّتي في «الأهلون».

و أهّلته لهذا الأمر تأهيلا،و من قال:وهّلته،ذهب به إلى لغة من يقول:و امرته و واكلته.

و مكان مأهول:فيه أهل.و مكان آهل:له أهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ دابّة و غيرها إذا ألف مكانا فهو آهل و أهليّ، أي:صار أهليّا.و منه قيل:أهليّ لما ألف النّاس و المنازل، و برّيّ لما استوحش و وحشيّ.و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر لحوم الحمر الأهليّة.

و العرب تقول:مرحبا و أهلا،و معناه نزلت رحبا،أي سعة،و أتيت أهلا لا غرباء.

و الإهالة:الألية و نحوها،يؤخذ فيقطع ثمّ يذاب، و هي:الجميل أيضا.(4:89)

نحوه الطّوسيّ(1:291)،و الطّبرسيّ(1:290).

ص: 81

سيبويه: سألت الخليل عن قول العرب:أرض و أرضات؟فقال:لمّا كانت مؤنّثة و جمعت بالتّاء ثقّلت كما ثقّلت طلحات و صفحات.[إلى أن قال:]

قلت:فهلاّ قالوا:أرضون،كما قالوا:أهلون؟قال:إنّها لمّا كانت تدخلها التّاء أرادوا أن يجمعوها بالواو و النّون كما جمعوها بالتّاء.

و«أهل»مذكّر لا تدخله التّاء و لا تغيّره الواو و النّون، كما لا تغيّر غيره من المذكّر،نحو صعب و فسل.

(3:599)

و قالوا:أهلات،فخفّفوا،شبّهوها بصعبات؛حيث كان«أهل»مذكّرا تدخله الواو و النّون،فلمّا جاء مؤنّثا كمؤنّث«صعب»فعل به كما فعل بمؤنّث«صعب».و قد قالوا:أهلات فثقّلوا،كما قالوا:أرضات.[ثمّ استشهد بشعر](3:600)

الكسائيّ: أهلت به و و دقت به،إذا استأنست به.

مثله الفرّاء.(الأزهريّ 6:417)

أهّلت بالرّجل،إذا آنست به.

(الجوهريّ 4:1629)

اليزيديّ: آنست به،و استأنست به و أهلت به أهولا،بمعنى واحد.و أهل الرّجل يأهل أهولا،إذا تزوّج، للأنس الّذي بين الزّوجين.(الأزهريّ 6:417)

أبو زيد: الإهالة هي الشّحم و الزّيت قطّ.

(الأزهريّ 6:417)

الإهالة:كلّ شيء من الأدهان ممّا يؤتدم به.

(الهرويّ 1:106).

الأصمعيّ: يقال:استوجب ذلك و استحقّه، و لا يقال:استأهله و لا أنت تستأهل،و لكن تقول:هو أهل ذلك و أهل لذاك،و يقال:هو أهلة ذلك.

(ابن منظور 11:30)

ابن السّكّيت: مرحبا و أهلا،أي أتيت أهلا و أتيت سعة فلا سعة فاستانس و لا تستوحش.(584)

مكان مأهول:فيه أهله،و مكان آهل:له أهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء من الدّوابّ و غيرها إذا ألف مكانا فهو آهل و أهليّ،و لذلك قيل لما ألف النّاس و القرى:أهليّ، و لما استوحش:برّيّ و وحشيّ،كالحمار الوحشيّ.

و الأهليّ هو الإنسيّ،و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة.

و العرب تقول:مرحبا و أهلا،و معناه نزلت رحبا،أي سعة،و أتيت أهلا لا غرباء.

و خطّأ بعض النّاس قول القائل:فلان يستأهل أن يكرم،بمعنى يستحقّ الكرامة.و قال:لا يكون الاستئهال إلاّ من«الإهالة»،و أجاز ذلك كثير من أهل الأدب.و أمّا أنا فلا أنكره و لا أخطّئ من قاله:لأنّي سمعته.

و قد سمعت أعرابيّا فصيحا من بني أسد يقول لرجل أولي كرامة:أنت تستأهل ما أوليت،و ذلك بحضرة جماعة من الأعراب فما أنكروا قوله،و يحقّق ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:

56.

(الأزهريّ 6:418)

المازنيّ: لا يجوز أن تقول:أنت مستأهل هذا الأمر،و لا أنت مستأهل لهذا الأمر،لأنّك إنّما تريد أنت

ص: 82

مستوجب لهذا الأمر.و لا يدلّ«مستأهل»على ما أردت، و إنّما معنى هذا الكلام:أنت تطلب أن تكون من أهل هذا المعنى،و لم ترد ذلك،و لكن تقول:أنت أهل لهذا الأمر.

(الأزهريّ 6:419)

شمر: في حديث كعب:«كأنّها متن إهالة»[يعني النّار]متن الإهالة:ظهرها إذا سكنت في الإناء.و إنّما شبّه كعب سكون جهنّم قبل أن يصير الكافر فيها بذلك.

(الهرويّ 1:105)

الزّجّاج: آهلك اللّه لهذا الأمر:جعلك اللّه له أهلا.

(فعلت و أفعلت:53)

ابن دريد: و الإهالة:الشّحم المذاب.(3:446)

الأزهريّ: [بعد نقل قول أبي زيد و غيره قال:]

و كذلك ما علا القدر من ودك اللّحم السّمين إهالة، و استأهل الرّجل،إذا ائتدم بالإهالة.

و يجمع الأهل:أهلين و أهلات.و الأهالي جمع الجمع،و جاءت الياء الّتي في«الأهالي»من الياء الّتي في «الأهلين».

و يقال:أهّلت فلانا لأمر كذا كذا تأهيلا.(6:417)

[و بعد نقل قول ابن السّكّيت قال:]

و الصّواب ما قاله أبو زيد و الأصمعيّ و غيره،لأنّ الأسديّ ألف الحاضرة فأخذ هذا عنهم.(6:419)

يقال:أهلت بفلان آهل به،إذا أنست به،و هم أهلي و أهلتي،أي هم الّذين آنس بهم.(الهرويّ 1:105)

الجصّاص: الأهل:اسم يقع على الزّوجة و على جميع من يشتمل عليه منزله،و على أتباع الرّجل و أشياعه.(2:228)

الجوهريّ: الأهل:أهل الرّجل و أهل الدّار،و كذلك الأهلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:أهلات و أهلات و أهال،زادوا فيه الياء على غير قياس،كما جمعوا ليلا على ليال.و قد جاء في الشّعر«آهال»مثل فرخ و أفراخ،و زند و أزناد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإهالة:الودك،و المستأهل:الّذي يأخذ الإهالة أو يأكلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:فلان أهل لكذا،و لا تقل:مستأهل،و العامّة تقوله.و قد أهل فلان يأهل و يأهل أهولا،أي تزوّج، و كذلك تأهّل.(4:1628)

ابن فارس: الهمزة و الهاء و اللاّم أصلان متباعدان، أحدهما:الأهل،و الأصل الآخر:الإهالة.(1:150)

أبو هلال: الفرق بين الأهل و الآل:أنّ«الأهل» يكون من جهة النّسب و الاختصاص،فمن جهة النّسب قولك:أهل الرّجل لقرابته الأدنين،و من جهة الاختصاص قولك:أهل البصرة و أهل العلم.

و«الآل»:خاصّة الرّجل من جهة القرابة أو الصّحبة، تقول:آل الرّجل لأهله و أصحابه،و لا تقول:آل البصرة و آل العلم.و قالوا:آل فرعون:أتباعه،و كذلك آل لوط.

و قال المبرّد:إذا صغّرت العرب«الآل»قالت:أهيل، فيدلّ على أنّ أصل الآل:الأهل.

و قال بعضهم: الآل:عيدان الخيمة و أعمدتها،و آل الرّجل مشبّهون بذلك،لأنّهم معتمده.و الّذي يرفع في الصّحاري«آل»لأنّه يرتفع كما ترفع عيدان الخيمة، و الشّخص«آل»لأنّه كذلك.(233)

ص: 83

الهرويّ: في الأمثال:«استأهلي إهالتي و أحسني إيالتي»أي خذي صفو مالي و أحسني القيام عليّ.

(1:106)

ابن سيدة: أهل الرّجل:عشيرته و ذوو قرباه، و الجمع:أهلون و آهال و أهال و أهلات.[ثمّ استشهد بشعر]

و اتّهل الرّجل:اتّخذ أهلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أهل المذهب:من يدين به.و أهل الأمر:ولاته.

و أهل البيت:سكّانه.

و أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أزواجه و بناته و صهره،أعني عليّا عليه السّلام.و قيل:نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و الرّجال الّذين هم آله.

[إلى أن قال:]

و أهل كلّ نبيّ:أمّته.

و كلّ شيء من الدّوابّ ألف المنازل:أهليّ و أهل.

الأخيرة على النّسب.

و مكان مأهول،و قد جاء أهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم في الدّعاء:مرحبا و أهلا،أي أتيت أهلا لا غرباء فاستأنس و لا تستوحش.

و أهّل به:قال له:أهلا،و أهل به:أنس.

و هو أهل لكذا،أي مستوجب له،الواحد و الجميع في ذلك سواء؛و على هذا قالوا:الملك للّه أهل الملك.

و أهّله لذلك الأمر و آهله:رآه له أهلا.

و استأهله:استوجبه،كرهها بعضهم.

و أهل الرّجل و أهلته:زوجه.و أهل الرّجل يأهل و يأهل أهلا و أهولا و تأهّل:تزوّج.

و آهلك اللّه في الجنّة:زوّجك فيها و أدخلكها.[إلى أن قال:]

الإهالة:ما أذبت من الشّحم،و قيل:الإهالة:الشّحم و الزّيت،و قيل:كلّ دهن ائتدم به إهالة.و استأهل:أخذ الإهالة.[ثمّ استشهد بشعر](4:255-258)

الطّوسيّ: الأهل:خاصّة الشّيء الّذي ينسب إليه، و منه قوله تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45.و تسمّى زوجة الرّجل بأنّها أهله،و كذلك أهل البلد و أهل الدّار، و هم خاصّته الّذين ينسبون إليه.(6:186)

الأهل:هو المختصّ بغيره من جهة ما هو أولى به، و كلّما كان أولى به فهو أحقّ بأنّه أهله،فمن ذلك أهل الجنّة و أهل النّار،و من ذلك أهل الجود و الكرم،و فلان من أهل القرآن و من أهل العلم و من أهل الكوفة،و من هذا قيل لزوجة الرّجل:أهله،لأنّها مختصّة به من جهة هي أولى به من غيره.(9:410)

الرّاغب: أهل الرّجل:من يجمعه و إيّاهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة و بيت و بلد،فأهل الرّجل في الأصل:من يجمعه و إيّاهم مسكن واحد،ثمّ تجوّز به فقيل:أهل بيت الرّجل:لمن يجمعه و إيّاهم نسب.

و تعورف في أسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مطلقا إذا قيل:أهل البيت،لقوله عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب:33.

و عبّر بأهل الرّجل:عن امرأته،و أهل الإسلام:

الّذين يجمعهم.و لمّا كانت الشّريعة حكمت برفع حكم النّسب في كثير من الأحكام بين المسلم و الكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:

46.

ص: 84

و قال تعالى: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هود:40.

و قيل:أهل الرّجل يأهل أهولا،و قيل:مكان مأهول:فيه أهله،و أهل به،إذا صار ذا ناس و أهل،و كلّ دابّة ألف مكانا يقال:أهل و أهليّ.

و تأهّل،إذا تزوّج،و منه قيل:أهّلك اللّه في الجنّة،أي زوّجك فيها و جعل لك فيها أهلا يجمعك و إيّاهم.

و يقال:فلان أهل لكذا،أي خليق به.

و مرحبا و أهلا في التّحيّة للنّازل بالإنسان،أي وجدت سعة مكان عندنا،و من هو أهل بيت لك في الشّفقة.

و جمع الأهل:أهلون و أهال و أهلات.(29)

الزّمخشريّ: الأهلون:جمع أهل،و يقال:أهلات، على تقدير تاء التّأنيث،كأرض و أرضات،و قد جاء أهلة.و أمّا«أهال»فاسم جمع كليال.(3:544)

مثله البيضاويّ:(2:401)،و أبو السّعود(5:81).

رجعوا إلى أهاليهم،و فلان أهل لكذا،و قد استأهل لذلك و هو مستأهل له.سمعت أهل الحجاز يستعملونه استعمالا واسعا.

و مكان آهل و مأهول،و أهل فلان أهولا،و تأهّل:

تزوّج،و رجل آهل.و في الحديث:«إنّه أعطى العزب حظّا و أعطى الآهل حظّين».و آهلك اللّه في الجنّة إيهالا:

زوّجك.

«و و شكان ذا إهالة»و هي الودك،و كلّ من الأدهان يؤتدم به كالخلّ و الزّيت و نحوهما.و استأهلها:أكلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثريدة مأهولة،تقول:حبّذا دار مأهولة و ثريدة مأهولة.(أساس البلاغة:11)

المدينيّ: في حديث عوف بن مالك:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أعطى الآهل حظّين و الأعزب حظّا»يعني إذا جيء بفيء.

فالآهل:المتأهّل ذو الأهل و العيال،و مكان آهل:له أهل، و مكان مأهول:فيه أهل.

و في حديث:«لقد أمست نيران بني كعب آهلة،أي كثيرة الأهل و القوم.و آهلك اللّه،أي جعل لك زوجة.

و في الحديث:«نهى عن الحمر الأهليّة»و هي الّتي تألف البيوت.و المبارك مثل الإنسيّة.

في الحديث:«أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته».

سئل أبو بكر الورّاق عن معناه،فقال:أهل القرآن:من يحوطه القرآن و لا يسلمه إلى الشّيطان،و لا يسلك به غير طريق الرّحمن،هل رأيتم أحدا أسلم أهله إلى أعدائه، فانظر أ أسلمك القرآن إلى عمل الشّيطان أم إلى عبادة الرّحمن،فإن أسلمك إلى عمل الشّيطان فلست من أهل القرآن،و إن أسلمك إلى عبادة الرّحمن فأنت من أهل القرآن.(1:114)

عبد اللّطيف البغداديّ: تقول:فلان يستحقّ كذا و هو أهل لكذا.فأمّا قولهم:يستأهل فهو مستأهل فمولّد، و معناه عند العرب:الّذي يأكل الإهالة و هي الشّحم.

أقول:استعماله بمعنى الاستحقاق سائغ في القياس، فيستأهل«يستفعل»من لفظ«الأهل»مثل يستأصل و يستأسد من لفظ«الأصل»و«الأسد».

(ذيل فصيح ثعلب:10)

ابن الأثير: «أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته»

ص: 85

أي حفظة القرآن العاملون به،هم أولياء اللّه و المختصّون به اختصاص أهل الإنسان به.و منه حديث أبي بكر في استخلافه عمر:«أقول له إذا لقيته:استعملت عليهم خير أهلك»يريد خير المهاجرين.

و كانوا يسمّون أهل مكّة:أهل اللّه،تعظيما لهم،كما يقال:بيت اللّه.و يجوز أن يكون أراد أهل بيت اللّه،لأنّهم كانوا سكّان بيت اللّه.

و في حديث أمّ سلمة رضي اللّه عنها:«ليس بك على أهلك هوان»أراد ب«الأهل»نفسه صلّى اللّه عليه و سلّم أي لا يعلق بك و لا يصيبك هوان عليهم.

و فيه:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أعطى الآهل حظّين و الأعزب حظّا»الآهل:الّذي له زوجة و عيال،و الأعزب:الّذي لا زوجة له،و هي لغة رديئة،و اللّغة الفصحى«عزب» يريد بالعطاء نصيبهم من الفيء.

و منه الحديث:«أنّه نهى عن الحمر الأهليّة»هي الّتي تألف البيوت و لها أصحاب،و هي مثل الإنسيّة ضدّ الوحشيّة.

«و أنّه كان يدعى إلى خبز الشّعير و الإهالة السّنخة فيجيب».كلّ شيء من الأدهان ممّا يؤتدم به إهالة، و قيل:ما أذيب من الألية و الشّحم،و قيل:الدّسم الجامد و السّنخة المتغيّرة الرّيح.(1:83)

الفيّوميّ: أهل المكان أهولا من باب«قعد»:عمر بأهله،فهو آهل.و قرية آهلة:عامرة،و أهلت بالشّيء:

أنست به.

و أهل الرّجل يأهل و يأهل أهولا،إذا تزوّج.و تأهّل كذلك،و يطلق الأهل على الزّوجة.

و الأهل:أهل البيت،و الأصل فيه القرابة،و قد أطلق على الأتباع.و أهل البلد:من استوطنه،و أهل العلم:من اتّصف به،و الجمع الأهلون،و ربّما قيل:الأهالي.

و أهل الثّناء و المجد في الدّعاء-منصوب على النّداء، و يجوز رفعه خبر مبتداء محذوف-أي أنت أهل.و الأهليّ من الدّوابّ:ما ألف المنازل،و هو أهل للإكرام،أي مستحقّ له.

و قولهم:«أهلا و سهلا و مرحبا»معناه أتيت قوما أهلا و موضعا سهلا واسعا فابسط نفسك و استأنس و لا تستوحش.

و الإهالة بالكسر:الودك المذاب،و استأهلها:أكلها.

و يقال:استأهل؛بمعنى استحقّ.(1:28)

الفيروزآباديّ: أهل الرّجل:عشيرته و ذوو قرباه، جمعه:أهلون و أهال و آهال و أهلات و يحرّك.و أهل يأهل و يأهل أهولا و تأهّل و اتّهل:اتّخذ أهلا.

و أهل الأمر:ولاته،و للبيت سكّانه،و للمذهب من يدين به،و للرّجل زوجته كأهلته،و للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أزواجه و بناته و صهره عليّ رضي اللّه تعالى عنه أو نساؤه و الرّجال الّذين هم آله،و لكلّ نبيّ أمّته.

و مكان آهل:له أهل و مأهول فيه أهله،و قد أهل كعني.و كلّ ما ألف من الدّوابّ المنازل فأهليّ،و أهل ككتف.

و«مرحبا و أهلا»،أي صادفت أهلا لا غرباء،و أهّل به تأهيلا:قال له ذلك،و كفرح:أنس.

و هو أهل لكذا:مستوجب للواحد و الجميع،و أهّله لذلك تأهيلا و آهله:رآه له أهلا،و استأهله:استوجبه،

ص: 86

لغة جيّدة،و إنكار الجوهريّ باطل.

و فلان أخذ الإهالة:للشّحم أو ما أذيب منه أو الزّيت و كلّ ما ائتدم به.و سرعان ذا إهالة في العين.

و آل اللّه و رسوله:أولياؤه،و أصله«أهل»و تقدّم في «أول».

و أنّهم لأهل أهلة كفرحة،أي مال.(3:342)

و لمّا كانت الشّريعة حكمت برفع النّسب في كثير من الأحكام بين المسلم و الكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،و في المثل:«الأهل إلى الأهل أسرع من السّيل إلى السّهل»،و في خبر بلا زمام (1):إنّ للّه ملكا في السّماء السّابعة تسبيحه:سبحان من يسوق الأهل إلى الأهل.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و أهّلك اللّه في الجنّة،أي زوّجك و جعل لك فيها أهلا،يجمعك و إيّاهم.و جمع الأهل:أهلون و آهال و أهلات،و في الحديث:«اصنع المعروف إلى من هو أهله، و إلى من ليس أهله،فإن أصبت أهله فهو أهله،و إن لم تصب أهله فأنت من أهله».

(بصائر ذوي التّمييز 2:84)

الطّريحيّ: أهل الرّجل:آله،و هم أشياعه و أتباعه و أهل ملّته،ثمّ كثر استعمال«الأهل»و«الآل»حتّى سمّي بهما أهل بيت الرّجل،لأنّهم أكثر من يتبعه.

و أهل كلّ نبيّ:أمّته،قيل:و منه قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ طه:132،و قد مرّ في«أمر»أنّهم أهل بيته خاصّة.

و فلان أهل لكذا أو يستأهل لكذا،أي حقيق به.

و أهل البيت:سكّانه،و كذا أهل الماء،و منه الحديث:

«إنّ للماء أهلا»أي سكّانا يسكنونه.

و أهل الإسلام:من يدين به.

و«أهلا و سهلا»أي أتيت أهلا لا غربا،و سهلا لا حزنا.

و الأهليّ من الدّوابّ:خلاف الوحشيّ،و هو ما يألف المنازل.

و الإهالة،بكسر الهمزة:الشّحم المذاب،و قيل:دهن يؤتدم به،و قيل:الدّسم الجامد،و منه الحديث:«أدهن بسمن أو إهالة»،و في الخبر:«كان يدعى إلى خبز الشّعير و الإهالة فيجيب».(5:314)

البروسويّ: و الأهلون:جمع أهل،و أهل الرّجل:

عشيرته و ذووا قرباه.و قد يجمع الأهل على أهال و آهال و أهلات،و يحرّك كأرضات،على تقدير تاء التّأنيث،أي على أنّ أصله«أهلة»كما في أرض،فحكمه حكم تمرة؛حيث يجوز في تمرات تحريك الميم.

(9:26)

الزّبيديّ: [قال الفيروزآباديّ:]

و استأهله:استوجبه،لغة جيّدة،و إنكار الجوهريّ لها باطل.

قال شيخنا: قول المصنّف باطل،هو الباطل،و ليس الجوهريّ أوّل من أنكر بل أنكره الجماهير قبله،و قالوا:

إنّه غير فصيح و ضعّفه في الفصيح،و أقرّه شرّاحه و قالوا:

هو وارد و لكنّه دون غيره في الفصاحة.و صرّح الحريريّ بأنّه من الأوهام و لا سيّما و الجوهريّ التزم أن لا يذكر إلاّ ما صحّ عنده،فكيف يثبت عليه ما لم يصحّد.

ص: 87


1- أي بلا إسناد.

عنده!فمثل هذا الكلام من خرافات المصنّف،و عدم قيامه بالانصاف،انتهى.

قلت:و هذا نكير بالغ من شيخنا على المصنّف بما لا يستأهله،فقد صرّح الأزهريّ و الزّمخشريّ و غيرهما من أئمّة التّحقيق بجودة هذه اللّغة و تبعهم الصّاغانيّ،قال في«التّهذيب»:

[و حكى قول ابن السّكّيت المتقدّم و خطّأ بعضهم...و أضاف:]

قلت:و سمعت أيضا هكذا من فصحاء أعراب الصّفراء يقول واحد للآخر:أنت تستأهل يا فلان الخير، و كذا سمعت أيضا من فصحاء أعراب اليمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و في«المفردات» (1): أهل الكتاب:قرّاء التّوراة و الإنجيل،و الأهل:أصحاب الأملاك و الأموال،و به فسّر قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58.

و الأهليّة:عبارة عن الصّلاحيّة لوجوب الحقوق الشّرعيّة له أو عليه.و أهل الأهواء هم أهل القبلة الّذين معتقدهم غير معتقد أهل السّنّة.و أمست نيرانهم آهلة، أي كثيرة الأهل.(7:217)

الآلوسيّ: الأهلون:جمع أهل،و جمعه جمع السّلامة على خلاف القياس،لأنّه ليس بعلم و لا صفة من صفات من يعقل.و يجمع على«أهلات»بملاحظة تاء التّانيث في مفرده تقديرا،فيجمع كتمرة و تمرات،و نحوه أرض و أرضات،و قد جاء على ما في الكشّاف«أهلة»بالتّاء.

و يجوز تحريك عينه أيضا فيقال:أهلات،بفتح الهاء،و كذا يجمع على أهال كليال.و أطلق عليه الزّمخشريّ اسم الجمع،و قيل:و هو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس و إلاّ فاسم الجمع شرطه عند النّحاة أن يكون على وزن المفردات،سواء كان له مفرد أم لا.

(26:99)

القاسميّ: و الأهل:سكن المرء من زوج و مستوطن.(3:490)

العدنانيّ: «مكان مأهول و آهل»و يخطّئون من يقول:هذا مكان آهل،و يقولون:إنّ الصّواب هو:هذا مكان مأهول،و الكلمتان كلتاهما صحيحتان.و في «الضّاد»كلمات تأتي بلفظ المفعول مرّة و بلفظ الفاعل مرّة،و المعنى واحد مثل:

أ-مدجّج و مدجّج.

ب-و شأو مغرّب و مغرّب.

ج-و مكان عامر و معمور.

د-و نفست المرأة و نفست.

ه-و عنيت بالشّيء و عنيت به.

و-و سعدت رفيف و سعدت.

ز-و زهي علينا المغنّي و زها.(35)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ المعنى الحقيقيّ لهذه المادّة هو«الأنس»مع الاختصاص و التّعلّق،ثمّ إنّ لهذا المعنى مراتب سعة و ضيقا،فالزّوجة و الأبناء و البنات و الأحفاد و الأصهار كلّهم من الأهل،و كلّما يشتدّ التّعلّق و يزداد الاختصاص يقوى عنوان الأهليّة.

فقد يكون واحد من المرتبة المتأخّرة أقرب و أولىت.

ص: 88


1- لم نجدها في المفردات.

من الآخر المتقدّم،و قد ينفى عنوان الأهليّة عمّن ينتفي فيه التّعلّق و التّوافق و الاختصاص إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46،و قد تتّسع دائرة الأهل باختلاف الموارد و الأغراض و المقامات.[إلى أن قال:]

و هذا المعنى محفوظ في جميع موارد استعمال هذه الكلمة:أهل القرى،أهل المدينة،أهل الذّكر،أهل هذه المدينة،أهل مدين،أهل هذه القرية،أهل يثرب،أهل النّار،أهل التّقوى،أهل المغفرة،أهلك،أهلكم،أهلنا، أهله،أهلي،أهلها.

فخصوصيّات«الأهل»صفة و عملا و عقيدة و سلوكا و أدبا و معرفة و مقاما و شأنا،تختلف باختلاف المضاف إليه من هذه الجهات.(1:155)

النّصوص التّفسيريّة

أهل الكتاب

1- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ... البقرة:105

ابن عبّاس: هم يهود المدينة و نصارى نجران.

(ابن الجوزيّ 1:126)

الإمام الرّضا عليه السّلام: [في حديث]أهل الكتاب:

اليهود و النّصارى.(البحرانيّ 1:139)

الزّجّاج: اليهود.(1:188)

مثله البغويّ(1:79)،و الخازن(1:79).

أبو حيّان: ذكر المفسّرون أنّ المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود:آمنوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فقالوا:وددنا لو كان خيرا ممّا نحن عليه فنتّبعه،فأكذبهم اللّه بقوله:

ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فعلى هذا يكون المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) الّذين بحضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الظّاهر العموم في (أَهْلِ الْكِتابِ) و هم اليهود و النّصارى.(1:339)

الطّباطبائيّ: لو كان المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود خاصّة كما هو الظّاهر،لكون الخطابات السّابقة مسوقة لهم،فتوصيفهم ب (أَهْلِ الْكِتابِ) يفيد الإشارة إلى العلّة، و هو أنّهم لكونهم أهل كتاب ما يودّون نزول الكتاب على المؤمنين،لاستلزامه بطلان اختصاصهم بأهليّة الكتاب،مع أنّ ذلك ضنّة منهم بما لا يملكونه،و معارضة مع اللّه سبحانه في سعة رحمته و عظم فضله.و لو كان المراد عموم أهل الكتاب من اليهود و النّصارى فهو تعميم بعد التّخصيص لاشتراك الفريقين في بعض الخصائل،و هم على غيظ من الإسلام.و ربّما يؤيّد هذا الوجه بعض الآيات اللاّحقة،كقوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:111،و قوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:113.

(1:248)

2- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً... البقرة:109

ابن عبّاس: حييّ بن أخطب،و أبو ياسر ابن أخطب.(الطّبريّ 1:488)

ص: 89

الحسن: النّصارى و اليهود.(الطّوسيّ 1:405)

قتادة: كعب بن الأشرف.

مثله الزّهريّ.(الطّبريّ 1:487)

الطّبريّ: ليس لقول القائل عني بقوله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ كعب بن الأشرف،معنى مفهوم،لأنّ كعب بن الأشرف واحد و قد أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ كثيرا منهم يودّون لو يردّون المؤمنين كفّارا بعد إيمانهم، و الواحد لا يقال له:كثير بمعنى الكثرة في العدد إلاّ أن يكون قائل ذلك أراد بوجه الكثرة الّتي وصف اللّه بها من وصفه بها في هذه الآية الكثرة في العزّ و رفعة المنزلة في قومه و عشيرته،كما يقال:فلان في النّاس كثير،يراد به كثرة المنزلة و القدر.

فإن كان أراد ذلك فقد أخطأ،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد وصفهم بصفة الجماعة،فقال: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً البقرة:109،فذلك دليل على أنّه عنى الكثرة في العدد،أو يكون ظنّ أنّه من الكلام الّذي يخرج مخرج الخبر عن الجماعة،و المقصود بالخبر عنه الواحد،فيكون ذلك أيضا خطأ؛و ذلك أنّ الكلام إذا كان بذلك المعنى فلا بدّ من دلالة فيه تدلّ على أنّ ذلك معناه،و لا دلالة تدلّ في قوله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أنّ المراد به واحد دون جماعة كثيرة،فيجوز صرف تأويل الآية إلى ذلك،و إحالة دليل ظاهره إلى غير الغالب في الاستعمال.(1:488)

الطّبرسيّ: حييّ بن أخطب و كعب بن الأشرف.

(1:184)

البغويّ: اليهود.(1:82)

مثله ابن الجوزيّ(1:488)،و الشّربينيّ(1:86).

أبو السّعود: هم رهط من أحبار اليهود.(1:113) مثله البروسويّ:(1:203)،و الآلوسيّ(1:256).

محمّد عزّة دروزة: و بمناسبة ورود تعبير أهل الكتاب لأوّل مرّة نقول:إنّه يعني كما فسّرته آيات قرآنيّة عديدة:اليهود و النّصارى،مثل آيات سورة البقرة هذه وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ... البقرة:

109،113،و لقد تكرّر ذكر (أَهْلِ الْكِتابِ) في القرآن كثيرا بأساليب متنوّعة و مواضع عديدة في مناسبات شتّى،و في بعضها ما يلهم وجود فريق من النّصارى و اليهود في مكّة،و قد استشهد بهم في آيات كثيرة على صحّة النّبوّة المحمّديّة و أسس الدّعوة القرآنيّة و وحدة المصدر الّذي صدرت عنه هذه الدّعوة و الأديان الكتابيّة السّابقة.و أسلوب الاستشهاد بهم يلهم أنّ شهادتهم في جانب النّبيّ عليه السّلام هي المنتظرة،بل و في آيات مكّيّة عديدة ما يفيد أنّهم شهدوا و صدّقوا و آمنوا،مثل آيات سورة القصص هذه اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ... القصص:52.و كذا آيات سورة الإسراء(107-109)و الأحقاف(10)و الأنعام (114)و الرّعد(36).

و القرآن ذكر كتب اليهود باسم«التّوراة»فقط.

و هناك آيات تلهم أنّه كان بين أيديهم أسفار من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم؛حيث يدلّ هذا على أنّ اسم «التّوراة»كان يطلق على ما كان موجودا في أيديهم من هذه الأسفار.

أمّا كتب النّصارى فقد ذكرها القرآن باسم

ص: 90

«الإنجيل»بصيغة مفردة.و هذا لا يمنع أن يكون الإنجيل أكثر من واحد،على ما هو المعروف المتداول،و أن يكون اسم«الإنجيل»كان علما على ما عندهم،و في القرآن آية تتضمّن أنّ صفات النّبيّ عليه السّلام كانت مذكورة في التّوراة و الإنجيل المتداولين في أيدي اليهود و النّصارى، و هي هذه اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ الأعراف:

157.

و آيات القرآن تلهم أنّ كثرة اليهود كانت في يثرب، و أنّ أكثر الكتابيّين في مكّة من النّصارى،و أنّ كثيرا من هؤلاء كانوا جاليات غير عربيّة جاءت من البلاد المجاورة.و أسلوب الآيات المكّيّة إجمالا يتّسم بالعطف و الودّ نحو (أَهْلِ الْكِتابِ). و قد طرأ على هذا الأسلوب بعض التّبدّل في القرآن المدنيّ،بسبب تبدّل موقفهم -و خاصّة اليهود-من الدّعوة المحمّديّة.(1:109)

3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ... آل عمران:64.

ابن عبّاس: نزلت في القسّيسين و الرّهبان.

(ابن الجوزيّ 1:400)

الحسن: أهل الكتابين جميعا.

(ابن الجوزيّ 1:400)

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:488)

نزلت في وفد نصارى نجران.

مثله السّدّيّ و ابن زيد و محمّد بن جعفر بن الزّبير (الآلوسيّ 3:193)،و مقاتل(ابن الجوزيّ 1:400).

قتادة:إنّهم اليهود.

مثله ابن جريج و الرّبيع بن أنس.

(ابن الجوزيّ 1:400)

الطّبريّ: قل يا محمّد لأهل الكتاب،و هم أهل التّوراة و الإنجيل: تَعالَوْا: هلمّوا (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) يعني إلى كلمة عدل بيننا و بينكم.

و اختلف أهل التّأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم:نزلت في يهود بني إسرائيل الّذين كانوا حوالي مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال آخرون: بل نزلت في الوفد من نصارى نجران.

و إنّما قلنا:عنى بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ أهل الكتابين،لأنّهما جميعا من أهل الكتاب،و لم يخصّص جلّ ثناؤه بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ بعضا دون بعض،فليس بأن يكون موجّها ذلك إلى أنّه مقصود به أهل التّوراة بأولى منه بأن يكون موجّها إلى أنّه مقصود به أهل الإنجيل،و لا أهل الإنجيل بأولى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التّوراة،و إذ لم يكن أحد الفريقين بذلك بأولى من الآخر،لأنّه لا دلالة على أنّه المخصوص بذلك من الآخر،و لا أثر صحيح،فالواجب أن يكون كلّ كتابيّ معنيّا به،لأنّ إفراد العبادة للّه وحده و إخلاص التّوحيد له،واجب على كلّ مأمور منهيّ من خلق اللّه، و أهل الكتاب يعمّ أهل التّوراة و أهل الإنجيل،فكان معلوما بذلك أنّه عني به الفريقان جميعا.(3:301)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها:المراد نصارى نجران.

و الثّاني:المراد يهود المدينة.

ص: 91

و الثّالث:أنّها نزلت في الفريقين،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّ ظاهر اللّفظ يتناولهما.

و الثّاني:روي في سبب النّزول أنّ اليهود قالوا للنّبيّ عليه الصّلاة و السّلام:ما تريد إلاّ أن نتّخذك ربّا كما اتّخذت النّصارى عيسى!و قالت النّصارى:يا محمّد ما تريد إلاّ أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير!فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

و عندي أنّ الأقرب حمله على النّصارى لما بيّنّا أنّه لمّا أورد الدّلائل عليهم أوّلا ثمّ باهلهم ثانيا فعدل في هذا المقام إلى الكلام المبنيّ على رعاية الإنصاف،و ترك المجادلة و طلب الإفحام و الإلزام،و ممّا يدلّ عليه أنّه خاطبهم هاهنا بقوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ، و هذا الاسم من أحسن الأسماء و أكمل الألقاب؛حيث جعلهم أهلا لكتاب اللّه.و نظيره ما يقال لحافظ القرآن:يا حامل كتاب اللّه،و للمفسّر:يا مفسّر كلام اللّه.فإنّ هذا اللّقب يدلّ على أنّ قائله أراد المبالغة في تعظيم المخاطب و في تطييب قلبه؛و ذلك إنّما يقال عند عدول الإنسان مع خصمه عن طريقة اللّجاج و النّزاع إلى طريقة طلب الإنصاف.(8:91)

نحوه أبو حيّان.(2:482)

و جاءت كلمة«أهل»بمعنى اليهود و النّصارى في سورة آل عمران:65 و 69 و 70 و 71 و 75 و 98 و 110،و في سورة النّساء:153 و 159 و 171،و في سورة المائدة:15 و 19 و 59 و 65 و 68 و 77،و في سورة البيّنة:1.و بمعنى اليهود في سورة آل عمران:72، و في سورة الأحزاب:26،و في سورة الحشر:2 و 11.

4- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. آل عمران:113

الفخر الرّازيّ: في المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) قولان:

الأوّل:و عليه الجمهور:أنّ المراد منه الّذين آمنوا بموسى و عيسى عليهما السّلام.روي أنّه لمّا أسلم عبد اللّه بن سلاّم و أصحابه قال لهم بعض كبار اليهود:لقد كفرتم و خسرتم،فأنزل اللّه تعالى لبيان فضلهم هذه الآية.

و قيل:إنّه تعالى لمّا وصف (أَهْلِ الْكِتابِ) في الآية المتقدّمة بالصّفات المذمومة ذكر هذه الآية لبيان أنّ كلّ أهل الكتاب ليسوا كذلك،بل فيهم من يكون موصوفا بالصّفات الحميدة و الخصال المرضيّة.

قال الثّوريّ: بلغني أنّها نزلت في قوم كانوا يصلّون ما بين المغرب و العشاء.

و عن عطاء: أنّها نزلت في أربعين من أهل نجران و اثنين و ثلاثين من الحبشة و ثلاثة من الرّوم كانوا على دين عيسى،و صدّقوا بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام.

و القول الثّاني:أن يكون المراد ب (أَهْلِ الْكِتابِ) كلّ من أوتي الكتاب من أهل الأديان.و على هذا القول يكون المسلمون من جملتهم،قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فاطر:32.

و ممّا يدلّ على هذا ما روى ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أخّر صلاة العشاء ثمّ خرج إلى المسجد،فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة،فقال:«أما أنّه ليس من أهل الأديان أحد يذكر اللّه تعالى هذه السّاعة غيركم»و قرأ هذه الآية.

ص: 92

قال القفّال رحمه اللّه: و لا يبعد أن يقال:أولئك الحاضرون كانوا نفرا من مؤمني أهل الكتاب،فقيل:

ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الّذين آمنوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فأقاموا صلاة العتمة في السّاعة الّتي ينام فيها غيرهم من أهل الكتاب الّذين لم يؤمنوا،و لم يبعد أيضا أن يقال:المراد كلّ من آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فسمّاهم اللّه ب (أَهْلِ الْكِتابِ) كأنّه قيل:أولئك الّذين سمّوا أنفسهم ب (أَهْلِ الْكِتابِ) حالهم و صفتهم تلك الخصال الذّميمة، و المسلمون الّذين سمّاهم اللّه ب (أَهْلِ الْكِتابِ) حالهم و صفتهم هكذا فكيف يستويان؟فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدا لما تقدّم من قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ آل عمران:110،و هو كقوله:

أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ السّجدة:18.(8:199)

نحوه النّيسابوريّ.(4:43)

5- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ... آل عمران:199.

مجاهد:من اليهود و النّصارى،و هم مسلمة أهل الكتاب.(الطّبريّ 4:219)

قتادة:نزلت في النّجاشيّ و أصحابه ممّن آمن بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 4:219)

ابن جريج:نزلت-يعني هذه الآية-في عبد اللّه بن سلاّم و من معه.(الطّبريّ 4:219)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل فيمن عنى بهذه الآية،فقال بعضهم:عنى بها أصحمة النّجاشيّ،و فيه أنزلت.و قال آخرون:بل عنى بذلك مسلمة أهل الكتاب.

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهد؛ و ذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أهل الكتاب جميعا،فلم يخصّص منهم النّصارى دون اليهود و لا اليهود دون النّصارى،و إنّما أخبر أنّ من أهل الكتاب من يؤمن باللّه،و كلا الفريقين، أعني اليهود و النّصارى من أهل الكتاب.

فإن قال قائل:فما أنت قائل في الخبر الّذي رويت عن جابر و غيره:أنّها نزلت في النّجاشيّ و أصحابه؟

قيل:ذلك خبر في إسناده نظر،و لو كان صحيحا لا شكّ فيه،لم يكن لما قلنا في معنى الآية خلاف؛و ذلك أنّ جابرا و من قال بقوله إنّما قالوا:نزلت في النّجاشيّ،و قد تنزل الآية في الشّيء،ثمّ يعمّ بها كلّ من كان في معناه.

(4:218)

الفخر الرّازيّ: قال مجاهد:نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم،و هذا هو الأولى،لأنّه لمّا ذكر الكفّار بأنّ مصيرهم إلى العقاب بيّن فيمن آمن منهم بأنّ مصيرهم إلى الثّواب.(9:154)

الطّباطبائيّ: المراد أنّهم مشاركون للمؤمنين في حسن الثّواب،و الغرض منه أنّ السّعادة الأخرويّة ليست جنسيّة حتّى يمنع منها أهل الكتاب و إن آمنوا،بل الأمر دائر مدار الإيمان باللّه و برسله فلو آمنوا كانوا هم و المؤمنون سواء.

و قد نفى عن هؤلاء الممدوحين من أهل الكتاب ما ذمّهم اللّه به في سوابق الآيات،و هو التّفريق بين رسل

ص: 93

اللّه و كتمان ما أخذ ميثاقهم لبيانه اشتراء بآيات اللّه ثمنا قليلا.(4:89)

أهل الذّكر

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

النّحل:43.

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الذّكر:أنا،و الأئمّة عليهم السّلام أهل الذّكر.

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(العروسيّ 3:55)

[و هذا و نحوه تأويل للآيات بأبرز المصاديق و لا ينافي التّعميم].

ابن عبّاس: يريد أهل التّوراة،و(الذّكر)هو التّوراة.و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ الأنبياء:105،يعني التّوراة.

(الفخر الرّازيّ 20:36)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 14:108)

قال تعالى لمشركي قريش:إنّ محمّدا في التّوراة و الإنجيل.(الطّبريّ 14:109)

يعني أهل الكتاب من اليهود و النّصارى.

مثله الحسن و السّدّيّ.(الآلوسيّ 14:147)

(أَهْلَ الذِّكْرِ): أهل القرآن.(القرطبيّ 10:108)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم،و على شيعتنا ما ليس علينا،أمرهم اللّه أن يسألونا قال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فأمرهم أن يسألونا،و ليس علينا الجواب إن شئنا أجبنا و إن شئنا أمسكنا،و مثله عن الباقر و الرّضا عليهما السّلام.(الكاشانيّ 3:137)

سعيد بن جبير: المراد من أسلم منهم كعبد اللّه بن سلاّم و سلمان الفارسيّ،رضي اللّه تعالى عنهما،و غيرهما.

مثله الأعمش و ابن عيينة.(الآلوسيّ 14:147)

مجاهد: هم أهل الكتاب.(الطّبريّ 14:109)

الإمام الباقر عليه السّلام: نحن أهل الذّكر.

(الطّبريّ 14:109)

الذّكر:القرآن،و آل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله أهل الذّكر،و هم المسئولون.(العروسيّ 3:55)

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.العروسيّ(3:57)

عن محمّد بن مسلم: إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول اللّه عزّ و جلّ: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّهم اليهود و النّصارى؟قال:إذا يدعونكم إلى دينهم،ثمّ قال بيده (1)إلى صدره:و نحن أهل الذّكر و نحن المسئولون.

(العروسيّ 3:56)

ابن زيد: الذّكر:القرآن.(الطّبريّ 14:109)

الإمام الرّضا عليه السّلام: قال الوشّاء:سألت الرّضا عليه السّلام، فقلت:جعلت فداك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فقال:نحن أهل الذّكر و نحن المسئولون.

فقلت:فأنتم المسئولون و نحن السّائلون؟قال:نعم.

قلت:حقّا علينا أن نسألكم؟قال:نعم.قلت:حقّا عليكم أن تجيبونا؟قال:لا،ذلك إلينا إن شئنا فعلنا و إن شئنا لم نفعل.أ ما تسمع قول اللّه تبارك و تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ص:39.

(العروسيّ 3:55)

في باب مجلس ذكر الرّضا عليه السّلام مع المأمون في الفرق

ص: 94


1- أي أشار.

بين«العترة»و«الأمّة»حديث طويل،و فيه قالت العلماء؛فأخبرنا هل فسّر اللّه تعالى«الاصطفاء»في الكتاب؟

فقال الرّضا عليه السّلام: فسّر«الاصطفاء»في الظّاهر سوى الباطن،في اثني عشر موطنا و موضعا،فأوّل ذلك قوله عزّ و جلّ...[إلى أن قال:]

و أمّا التّاسعة:فنحن أهل الذّكر الّذين قال اللّه تعالى:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فنحن أهل الذّكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون.

فقالت العلماء: إنّما عنى بذلك اليهود و النّصارى.

فقال أبو الحسن: سبحان اللّه و هل يجوز ذلك إذا يدعونا إلى دينهم،و يقولون:إنّه أفضل من دين الإسلام؟

فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن؟

فقال:نعم (الذِّكْرِ): رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و نحن أهله؛ و ذلك بيّن في كتاب اللّه عزّ و جلّ؛حيث يقول في سورة الطّلاق: فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ... 10،11 ف(الذكر)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نحن أهله،فهذه التّاسعة.(العروسيّ 3:57)

الطّبريّ: هم الّذين قد قرءوا الكتاب من قبلهم التّوراة و الإنجيل و غير ذلك،من كتب اللّه الّتي أنزلها على عباده.(14:108)

الزّجّاج: فيها قولان:قيل:فاسألوا أهل الكتب أهل التّوراة و الإنجيل و أهل جميع الكتب يعترفون أنّ الأنبياء كلّهم بشر.

قيل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، أي فاسألوا من آمن من أهل الكتاب.و يجوز-و اللّه أعلم-أن يكون قيل لهم:

اسألوا كلّ من يذكر بعلم وافق أهل هذه الملّة أو خالفهم.

و الدّليل على أنّ (أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل الكتاب،قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النّحل:44،و قوله: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ الأنبياء:50.(3:200)

المعنيّ بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفّارا و ما آتاهم من الرّسل.

و في ذلك دلالة على أنّه يحسن أن يردّ الخصم إذا التبس عليه أمر إلى أهل العلم بذلك الشّيء،إن كان من أهل العقول السّليمة من آفة الشّبه.(الطّوسيّ 6:384)

ابن عطيّة: (أَهْلَ الذِّكْرِ) هنا أحبار اليهود و النّصارى الّذين لم يسلموا،و هم في هذه النّازلة خاصّة إنّما يخبرون بأنّ الرّسل من البشر و إخبارهم حجّة على هؤلاء،فإنّهم لم يزالوا مصدّقين لهم،و لا يتّهمون لشهادة لنا،لأنّهم مدافعون في صدر ملّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا هو كسر حجّتهم من مذهبهم،لا أنّا افتقرنا إلى شهادة هؤلاء،بل الحقّ واضح في نفسه و قد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألون و يستندون إليهم.(3:395)

البغويّ: يعني مؤمني أهل الكتاب.(4:76)

الميبديّ: أي أهل العلم بالتّوراة و الإنجيل و الكتب المتقدّمة.(5:388)

أبو حيّان:قال أبو جعفر و ابن زيد:أهل القرآن، و يضعّف هذا القول و قول من قال:من أسلم من

ص: 95

الفريقين،لأنّه لا حجّة على الكفّار في أخبار المؤمنين، لأنّهم مكذّبون لهم.(5:493)

أبو السّعود: أي أهل الكتاب أو علماء الأخبار أو كلّ من يذكر بعلم و تحقيق ليعلّموكم ذلك.(3:176)

البحرانيّ: من طريق الجمهور ما رواه الحافظ محمّد ابن مؤمن الشّيرازيّ في المستخرج من تفاسير «الاثني عشر» (1)في تفسير قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل بيت النّبوّة و معدن الرّسالة و مختلف الملائكة،و اللّه ما سمّي المؤمن مؤمنا إلاّ كرامة لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام.(2:372)

الآلوسيّ: [بعد نقل ما تقدّم عن أبي حيّان قال:]

و (أَهْلَ الذِّكْرِ) على هذا:المسلمون مطلقا،و خصّهم بعض الإماميّة بالأئمّة أهل البيت احتجاجا بما رواه جابر،و محمّد بن مسلم منهم عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه أنّه قال:نحن أهل الذّكر.و بعضهم فسّر(الذّكر)بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لقوله تعالى: (ذِكْراً* رَسُولاً) الطّلاق:10،11،على قول.

و يقال-على مقتضى ما في البحر-:كيف يقنع كفّار أهل مكّة بخبر أهل البيت في ذلك و ليسوا بأصدق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عندهم،و هو عليه الصّلاة و السّلام المشهور فيما بينهم بالأمين؟

و لعلّ ما رواه ابن مردويه منّا موافقا بظاهره لمن زعمه ذلك البعض من الإماميّة عن أنس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:إنّ الرّجل ليصلّي و يصوم و يحجّ و يعتمر و أنّه المنافق!قيل:يا رسول اللّه بما ذا دخل عليه النّفاق؟ قال:يطعن على إمامه،و إمامه من قال اللّه تعالى في كتابه:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إلى آخره،ممّا لا يصحّ.

و أنا أقول:يجوز أن يراد من (أَهْلَ الذِّكْرِ): أهل القرآن.(14:147)

الطّباطبائيّ: المراد ب (أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم،سواء أ كانوا مؤمنين أم كفّارا.

و سمّي العلم ذكرا،لأنّ العلم بالمدلول يحصل غالبا من تذكّر الدّليل،فهو من قبيل تسمية المسبّب باسم السّبب.

و فيه:أنّه من المجاز من غير قرينة موجبة للحمل عليه،على أنّ المعهود من الموارد الّتي ورد فيها الذّكر في القرآن الكريم غير هذا المعنى.

و قال بعضهم: المراد ب (أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل القرآن،لأنّ اللّه سمّاه ذكرا،و أهله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و خاصّة المؤمنين.

و فيه:أنّ كون القرآن ذكرا و أهله أهله لا ريب فيه، لكن إرادة ذلك من الآية خاصّة لا تلائم تمام الحجّة،فإنّ أولئك لم يكونوا مسلّمين لنبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فكيف يقبلون من أتباعه من المؤمنين؟

و كيف كان فالآية إرشاد إلى أصل عامّ عقلائيّ،و هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة،و ليس ما تتضمّنه من الحكم حكما تعبّديّا و لا أمر الجاهل بالسّؤال عن العالم و لا بالسّؤال عن خصوص أهل الذّكر أمرا مولويّا4)

ص: 96


1- هنّ تفسير أبو يوسف،و ابن حجر،و مقاتل بن سليمان، و وكيع بن جرّاح،و يوسف بن موسى،و تفسير قتادة، و تفسير حرب الطّائيّ،و تفسير السّدّيّ،و مجاهد، و مقاتل ابن حيّان،و أبو صالح،و محمّد بن موسى الشّيرازيّ. (مكارم الشّيرازيّ 11:244)

تشريعيّا،و هو ظاهر.(12:258)

مكارم الشّيرازيّ: ليست هذه المرّة الأولى الّتي نرى فيها روايات تفسّر آيات من القرآن لبيان مصاديق معيّنة،و لا تحدّد المفهوم الواسع للآية،و(الذكر) -كما قلنا-هو بمعنى الاطّلاع بأيّ نحو كان.(و اهل الذكر) هم المطّلعون على جميع الأمور في شتّى الميادين.و قد أطلق(الذكر)على القرآن المجيد الّذي يعدّ نموذجا بارزا للتّذكّر و العلم و الاطّلاع.و يعتبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا مصداقا واضحا للذّكر،و كذا أهل بيته و وارثي علمه من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام فهم أوضح مصداق لأهل الذّكر.

و لكنّ التّسليم بكلّ جوانب هذه القضيّة لا ينافي شمول مفهوم الآية،و كذا شأن نزولها في أخبار أهل الكتاب،و لذا استدلّ فقهاؤنا و علماؤنا الأصوليّون بهذه الآية في باب الاجتهاد و التّقليد،و قالوا بوجوب اتّباع غير العالم للعالم و المجتهد في المسائل الدّينيّة.

بيد أنّ هناك رواية في«عيون الأخبار»عن الإمام عليّ ابن موسى الرّضا عليه السّلام جاء فيها«قالت العلماء:إنّما عنى اللّه بذلك اليهود و النّصارى،فقال أبو الحسن:سبحان اللّه،و هل يجوز ذلك،إذا يدعونا إلى دينهم»ثمّ قال:

«نحن أهل الذّكر» (1)

فالإمام في هذه الرّواية يردّ على من يقول:إنّ الآية تعني الرّجوع إلى علماء أهل الكتاب في كلّ عصر و زمان.و لكنّ الحقيقة ليس كذلك،إذ لم يكن النّاس ملزمين بالرّجوع إلى علماء اليهود و النّصارى لدرك الحقائق خلال العصور الماضية،و منها عصر الإمام عليّ ابن موسى الرّضا عليه السّلام بل كانوا يرجعون خلال تلك العصور إلى علماء الإسلام و على رأسهم أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.

و بعبارة أخرى إن كان المشركون في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مكلّفين بالرّجوع إلى علماء أهل الكتاب لدرك هذه الحقيقة،و هي أنّ الأنبياء كانوا بشرا على مدى التّاريخ،فلا يعني هذا وجوب رجوع جميع النّاس إليهم في كلّ زمان،بل يجب الرّجوع إلى علماء ذلك الزّمان في كلّ مسألة،و هذا أمر بيّن.

و إنّ الآية المذكورة تبيّن أمرا أساسيّا للإسلام في جميع نواحي الحياة المادّيّة و المعنويّة،و تؤكّد ضرورة رجوع جميع المسلمين إلى العلماء في المسائل الّتي يجهلونها،و عدم الخوض في أمور مبهمة معهم.

و عليه فإنّ موضوع«التّخصّص»معترف به من قبل القرآن،ليس على صعيد المسائل الشّرعيّة و الدّينيّة فحسب بل على جميع الأصعدة،و لذا لا بدّ من وجود علماء و متخصّصين في جميع الميادين في كلّ عصر و زمان،لكي يرجع النّاس إليهم في المسائل الّتي يجهلونها.

و لكن يلزم أن نذكر أيضا هذه الملاحظة،و هي وجوب ثبوت ثقة و عدالة المتخصّصين و من يرجع إليهم،أ فلا نطمئنّ إلى طبيب حاذق و متخصّص و مخلص في عمله عند ما نراجعه؟

و لذا جعلت العدالة في عداد الاجتهاد أو الأعلميّة في المباحث المتعلّقة بالتّقليد و المرجعيّة،أي أنّ المرجع يجب أن يكون عالما و مطّلعا على الأحكام الدّينيّة9.

ص: 97


1- عيون أخبار الرّضا 1:239.

و يتمتّع بالتّقوى و الورع أيضا.(11:244)

و بهذا المعنى جاء تفسير«أهل»في سورة الأنبياء:7.

أهل المدينة

1- وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ...

التّوبة:101.

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من القوم الّذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون و من أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون.(11:9)

نحوه ابن كثير.(3:445)

الزّجّاج: أنّه حصل فيه تقديم و تأخير،و التّقدير:

و ممّن حولكم من الأعراب و من أهل المدينة منافقون، مردوا على النّفاق.(الفخر الرّازيّ 16:173)

نحوه الخازن(3:115)،و القرطبيّ(8:240).

البغويّ: أي و من أهل المدينة من الأوس و الخزرج قوم منافقون.(3:115)

الطّبرسيّ: أي قوم مردوا،فحذف الموصوف.

و يجوز أن يكون التّقدير:و من أهل المدينة منافقون مردوا على النّفاق،ففصل بين الصّفة و الموصوف بالظّرف.(3:66)

نحوه أبو البركات.(1:404)

النّيسابوريّ: عبد اللّه بن أبيّ و جدّ بن قيس و معتب بن قشير و أبو عامر الرّاهب و أضرابهم.

(11:14)

أبو حيّان: لمّا شرح أحوال منافقي المدينة ثمّ أحوال منافقي الأعراب،ثمّ بيّن أنّ في الأعراب من هو مخلص صالح،ثمّ بيّن رؤساء المؤمنين من هم،ذكر في هذه الآية:

أنّ منافقين حولكم من الأعراب و في المدينة لا تعلمونهم،أي لا تعلمون أعيانهم أو لا تعلمونهم منافقين[إلى أن قال:]

وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يجوز أن يكون من عطف المفردات،فيكون معطوفا على«من»في قوله:(و ممن)، فيكون المجروران يشتركان في المبتدأ الّذي هو(منافقون) و يكون (مَرَدُوا) استئنافا أخبر عنهم أنّهم خرّيجون في النّفاق.(5:93)

2- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ... التّوبة:120

الخازن: يعني لساكن المدينة من المهاجرين و الأنصار.(3:135)

البروسويّ: أي ما صحّ و ما استقام لهم،و (الْمَدِينَةِ) علم بالغلبة لدار الهجرة،كالنّجم للثّريّا إذا أطلقت فهي المرادة،و إن أريد غيرها قيّد.و النّسبة إليها مدنيّ و لغيرها من المدن مدينيّ،للفرق بينهما،كما في«إنسان العيون».

قال الإمام النّوويّ: لا يعرف في البلاد أكثر أسماء منها و من مكّة.

و في كلام بعضهم: لها نحو مائة اسم،منها:دار الأخبار و دار الأبرار و دار السّنّة و دار السّلامة و دار الفتح،و البارّة و طابة و طيبة لطيب العيش بها،و لأنّ لعطر الطّيب بها رائحة لا توجد في غيرها،و ترابها شفاء من الجذام

ص: 98

و من البرص بل و من كلّ داء،و عجوتها شفاء من السّمّ.

و قد خصّ اللّه تعالى مكّة و المدينة بأنّهما لا يخلوان من أهل العلم و الفضل و الدّين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها و هو خير الوارثين،و هي أي المدينة تخرب قبل يوم القيامة بأربعين عاما،و يموت أهلها من الجوع.

(3:532)

ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: مدينة القلب،و أهلها النّفس و الهوى.(3:534)

3- وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ الحجر:67

الطّبريّ: يقول:و جاء أهل مدينة سدوم،و هم قوم لوط.(14:43)

نحوه البيضاويّ(1:545)،و أبو السّعود(3:154)، و الكاشانيّ(3:117).

الزّمخشريّ: أهل سدوم الّتي ضرب بقاضيها المثل في الجور،مستبشرين بالملائكة.(2:395)

مثله النّسفيّ.(2:276)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ المراد ب (أَهْلُ الْمَدِينَةِ) قوم لوط.و ليس في الآية دليل على المكان الّذي جاءوه إلاّ أنّ القصّة تدلّ على أنّهم جاءوا دار لوط.(19:202)

نحوه القرطبيّ.(10:39)

أهل مدين

...وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا... القصص:45

الزّمخشريّ: و هم شعيب،و المؤمنون به.

(3:182)

مثله البيضاويّ(2:195)،و النّسفيّ(3:238).

أهل التّقوى و أهل المغفرة

...هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:قال اللّه سبحانه:أنا أهل أن أتّقى فلا يجعل معي إله،فمن اتّقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له.(الطّبرسيّ 5:392)

قال اللّه أنا أكرم و أعظم عفوا من أن أستر على عبد لي في الدّنيا،ثمّ أفضحه بعد أن سترته،و لا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني.(الدّرّ المنثور 6:287)

يقول اللّه تعالى:إنّي لأجدني أستحيي من عبدي يرفع يديه إليّ ثمّ أردّهما.قالت الملائكة:إلهنا ليس ذلك بأهل؟قال اللّه:لكنّي أهل التّقوى و أهل المغفرة،أشهدكم أنّي قد غفرت له.

يقول اللّه:إنّي لأستحيي من عبدي و أمّتي يشيبان في الإسلام ثمّ أعذّبهما بعد ذلك في النّار.

(الدّرّ المنثور 6:287)

الإمام الصّادق عليه السّلام: قال اللّه تبارك و تعالى:أنا أهل أن أتّقى و لا يشرك بي عبدي شيئا،و أنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنّة.

(العروسيّ 5:460)

إنّ اللّه تبارك و تعالى أقسم بعزّته و جلاله أن لا يعذّب أهل توحيده بالنّار.(العروسيّ 5:461)

قتادة: ربّنا محقوق أن تتّقى محارمه،و هو أهل المغفرة يغفر الذّنوب.(الطّبريّ 29:172)

ص: 99

الطّبريّ: اللّه أهل أن يتّقي عباده عقابه على معصيتهم إيّاه،فيجتنبوا معاصيه و يسارعوا إلى طاعته.

وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ يقول:هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك،و لا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها.

(29:172)

نحوه الخازن.(7:150)

البغويّ: أي أهل أن يتّقى محارمه،و أهل أن يغفر لمن اتّقاه.(7:150)

مثله الميبديّ(10:292)،و النّسفيّ(4:313)، و أبو حيّان(8:381).

الزّمخشريّ: هو حقيق بأن يتّقيه عباده و يخافوا عقابه فيؤمنوا و يطيعوا،و حقيق بأن يغفر لهم إذا آمنوا و أطاعوا.(4:188)

نحوه أبو السّعود(5:212)،و البروسويّ(10:

243)،و الآلوسيّ(29:135)،و القاسميّ(16:5986).

الشّربينيّ: أي يتّقيه عباده و يحذروا غضبه بكلّ ما اتّصل قدرهم إليه لما له من الجلال و العظمة و القهر.

و قرأ حمزة و الكسائيّ بالإمالة محضة،و أبو عمرو بين بين،و قرأ ورش بالفتح و بين اللّفظين.

وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي و حقيق أن يطلب غفرانه للذّنوب لا سيّما إذا اتّقاه المذنب،لأنّ له الجمال و اللّطف، و هو القادر و لا قدرة لغيره،فلا ينفعه شيء و لا يضرّه.

(4:438)

الطّباطبائيّ: أي أهل لأن يتّقى منه،لأنّ له الولاية المطلقة على كلّ شيء،و بيده سعادة الإنسان و شقاوته، و أهل لأن يغفر لمن اتّقاه،لأنّه غفور رحيم.

و الجملة أعني قوله: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ صالحة لتعليل ما تقدّم من الدّعوة في قوله:

إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ المدّثّر:54،55،و هو ظاهر،و لتعليل قوله: وَ ما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ المدّثّر:56،فإنّ كونه تعالى: (أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) لا يتمّ إلاّ بكونه ذا إرادة نافذة فيهم سارية في أعمالهم، فليسوا بمخلّين و ما يهوونه،و هم معجزون للّه بتمرّدهم و استكبارهم.(20:101)

عبد الكريم الخطيب: أي هو سبحانه أهل لأن تتّقى محارمه و يخشى عقابه،و هو سبحانه أهل المغفرة يرجى عنده غفران الذّنوب لمن أناب إليه و طلب الغفران منه.و في هذا إشارة إلى أنّ مشيئة اللّه العامّة المطلقة عادلة رحيمة منزّهة عن الجور و التّسلّط،إنّها مشيئة الخالق في خلقه،فالخلق في ضمان هذه المشيئة في رحمة اللّه أيّا كانت مشيئة اللّه فيهم.و اللّه سبحانه و تعالى يقول:

وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:251،و يقول سبحانه: إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ البقرة:143.

و في الحديث:«اللّه أرحم بعباده من الوالدة بولدها».

(15:1310)

أهل يثرب

وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ...

الأحزاب:13

لاحظ:«يثرب».

ص: 100

أهل البيت

1- قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73

الطّبريّ: يقول:رحمة اللّه و سعادته لكم أهل بيت إبراهيم.و جعلت الألف و اللاّم خلفا من الإضافة.

(12:77)

نحوه البغويّ(3:198)،و الشّربينيّ(2:70).

الطّوسيّ: يدلّ على أنّ زوجة الرّجل تكون من أهل بيته في قول الجبّائيّ.و قال غيره:إنّما جعل«سارة» من أهل البيت لما كانت بنت عمّه،على ما قاله المفسّرون.(6:34)

الزّمخشريّ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب عل النّداء أو على الاختصاص،لأنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) مدح لهم؛إذ المراد أهل بيت خليل الرّحمن.(2:282)

نحوه البيضاويّ.(1:475)

القرطبيّ: هذه الآية تعطي أنّ زوجة الرّجل من أهل البيت،فدلّ هذا على أنّ أزواج الأنبياء من أهل البيت،فعائشة رضي اللّه عنها من جملة أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ممّن قال اللّه فيهم: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.(9:71)

أبو حيّان: و(أهل)منصوب على النّداء أو على الاختصاص،و بين النّصب على المدح و النّصب على الاختصاص فرق،و لذلك جعلهما سيبويه في بابين،و هو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمّن بوضعه المدح،كما أنّ المنصوب على الذّمّ يتضمّن بوضعه الذّمّ،و المنصوب على الاختصاص لا يكون إلاّ لمدح أو ذمّ،لكن لفظه لا يتضمّن بوضعه المدح و لا الذّمّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و خطاب الملائكة إيّاها بقولهم: (أَهْلَ الْبَيْتِ) دليل على اندراج الزّوجة في أهل البيت،و قد دلّ على ذلك أيضا في سورة الأحزاب خلافا للشّيعة؛إذ لا يعدّون الزّوجة من أهل بيت زوجها،و(البيت)يراد به بيت السّكنى.(5:245)

أبو السّعود: نصب على المدح أو الاختصاص، لأنّهم أهل بيت خليل الرّحمن،و صرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى جمع المذكّر لتعميم حكمه لإبراهيم عليه السّلام أيضا،ليكون جوابهم لها جوابا له أيضا إن خطر بباله مثل ما خطر ببالها،فالجملة كلام مستأنف علّل به إنكار تعجّبها.(3:34)

شبّر: نداء تخصيص،و جعلها من أهل بيته،لأنّها ابنة عمّه،فلا يدلّ على كون زوجة الرّجل من أهل بيته.

(3:234)

الآلوسيّ: نصب على المدح أو الاختصاص،كما ذهب إليه كثير من المعربين.[إلى أن قال:]

و في«الهمع»أنّ النّصب في الاختصاص بفعل واجب الإضمار،و قدّره سيبويه:ب«أعني»،و يختصّ بأيّ الواقعة بعد ضمير المتكلّم،كأنا أفعل كذا أيّها الرّجل و كاللّهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة.و حكمها في هذا الباب-إلاّ عند السّيرافيّ و الأخفش-حكمها في باب النّداء.[إلى أن قال:]

و صرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع، ليكون جوابهم عليهم السّلام لها جوابا لمن يخطر بباله مثل ما خطر ببالها من سائر أهل البيت.

ص: 101

و الجملة كلام مستأنف علّل به إنكار تعجّبها،فهي جملة خبريّة،و اختاره جمع من المحقّقين.و قيل:هي دعائيّة،و ليس بذاك.

و استدلّ بالآية على دخول الزّوجة في أهل البيت، و هو الّذي ذهب إليه السّنّيّون،و يؤيّده ما في سورة الأحزاب،و خالف في ذلك الشّيعة،فقالوا:لا تدخل إلاّ إذا كانت قريب الزّوج و من نسبه،فإنّ المراد من(البيت) بيت النّسب لا بيت الطّين و الخشب،و دخول«سارة» رضي اللّه تعالى عنها هنا لأنّها بنت عمّه،و كأنّهم حملوا البيت على الشّرف،كما هو أحد معانيه.[ثمّ استشهد بشعر]

ثمّ خصّوا الشّرف بالشّرف النّسبيّ و إلاّ فالبيت بمعنى النّسب ممّا لم يشع عند اللّغويّين.و لعلّ الّذي دعاهم لذلك بغضهم لعائشة فراموا إخراجها من حكم يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب:33.(12:101)

2- ...إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً... الأحزاب:33

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:نزلت هذه الآية فيّ،و في عليّ و فاطمة و حسن و حسين.(الدّرّ المنثور 5:198)

الإمام عليّ عليه السّلام: [في احتجاجه عليه السّلام على أبي بكر] فأنشدك باللّه أ لي و لأهلي و ولديّ آية التّطهير من الرّجس أم لك و لأهل بيتك؟قال:بل لك و لأهل بيتك.

قال:فأنشدك باللّه أنا صاحب دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهلي و ولديّ يوم الكساء:اللّهمّ هؤلاء أهلي إليك لا إلى النّار أم أنت؟قال:بل أنت و أهل بيتك.

(الكاشانيّ 4:188)

[و في احتجاجه عليه السّلام على النّاس يوم الشّورى] أنشدكم باللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التّطهير على رسوله إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ الآية،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كساء خيبريّا فضمّني،و فيه فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.ثمّ قال:«يا ربّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا»غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

(الكاشانيّ 4:188)

[و قال في جمع من المهاجرين و الأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان:]

أيّها النّاس أ تعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فجمعني و فاطمة و ابنيّ حسنا و حسينا عليهم السّلام،و ألقى علينا كساءه،و قال:اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي و لحمتي يؤلمني ما يؤلمهم و يحزنني ما يحزنهم و يخرجني ما يخرجهم فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقالت أمّ سلمة:و أنا يا رسول اللّه،فقال:أنت -أو إنّك-على خير،إنّما أنزلت فيّ و في أخي و في ابنتي و في ابنيّ و في تسعة من ولد ابني الحسين عليهم السّلام،خاصّة ليس معنا أحد غيرنا.فقالوا كلّهم:نشهد أنّ أمّ سلمة رضي اللّه عنها حدّثتنا بذلك،فسألنا رسول اللّه فحدّثنا كما حدّثتنا أمّ سلمة رضي اللّه عنها.(الكاشانيّ 4:188)

إنّ رسول اللّه نام و نوّمني و زوجتي فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين،و ألقى علينا عباء قطوانيّة،فأنزل اللّه تعالى فينا إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

ص: 102

اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقال جبرئيل عليه السّلام:أنا منكم يا محمّد،فكان سادسنا جبرئيل.(العروسيّ 4:272)

الإمام الحسن عليه السّلام: فلمّا نزلت آية التّطهير جمعنا رسول اللّه عليه السّلام أنا و أخي و أمّي و أبي فجعلنا و نفسه في كساء لأمّ سلمة خيبريّ،و ذلك في حجرتها و في يومها،فقال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي،و هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقالت أمّ سلمة رضي اللّه عنها:أنا أدخل معهم يا رسول اللّه؟ فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يرحمك اللّه أنت على خير و إلى خير و ما أرضاني عنك و لكنّها خاصّة لي و لهم،ثمّ مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد بقيّة عمره حتّى قبضه اللّه إليه،يأتينا في كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول:الصّلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (البحرانيّ 3:317)

[في خطبة له قال:]يا أهل العراق اتّقوا اللّه فينا،فإنّا أمراؤكم و ضيفانكم،و نحن أهل البيت الّذي قال اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. قال:فما زال يقولها حتّى ما بقي أحد من أهل المسجد إلاّ و هو يحنّ بكاءه.(ابن كثير 5:458)

عائشة: خرج النّبيّ عليه السّلام ذات غداة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود فجلس،فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثمّ جاء عليّ عليه السّلام فأدخله فيه ثمّ جاء حسن فأدخله فيه ثمّ جاء حسين فأدخله فيه،ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

(البغويّ 5:213)

قال مجمّع: دخلت مع أمّي على عائشة،فسألتها أمّي أ رأيت خروجك يوم الجمل؟قالت:إنّه كان قدرا من اللّه.

فسألتها عن عليّ عليه السّلام،فقالت:تسأليني عن أحبّ النّاس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زوج أحبّ النّاس كان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لقد رأيت عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام، و جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثوب عليهم،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و حامّتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقلت:يا رسول اللّه أنا من أهلك؟قال:تنحّي فإنّك إلى خير.(الطّبرسيّ 4:357)

أبو الحمراء: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليّ و فاطمة،فقال:الصّلاة الصّلاة إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ الآية.(الطّبريّ 22:6)

حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثمانية أشهر بالمدينة،ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلاّ أتى إلى باب عليّ رضي اللّه عنه،فوضع يده إلى جنبتي الباب،ثمّ قال:الصّلاة الصّلاة إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (الدّرّ المنثور 5:199)

رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يأتي باب عليّ و فاطمة ستّة أشهر،فيقول: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ الآية.

(الدّرّ المنثور 5:199)

مثله أنس بن مالك.(الخازن 5:213)

شهدت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أربعين صباحا يجيء إلى باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام،فيأخذ بعضادتي الباب،ثم يقول:

السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه،الصّلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (البحرانيّ 3:313)

ص: 103

أمّ سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي،و في البيت سبعة:جبرائيل و ميكائيل و رسول اللّه و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين،و كنت على الباب،فقلت:يا رسول اللّه أ لست من أهل البيت؟ قال:إنّك إلى خير،إنّك من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و ما قال:

إنّك من أهل البيت.(البحرانيّ 3:313)

أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أرسل إلى عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،فلمّا أتوه اعتنق عليّا بيمينه و الحسن بشماله و الحسين على بطنه و فاطمة عند رجله، ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.(البحرانيّ 3:313)

نزلت هذه الآية في بيتي،و في يومي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عندي،فدعا عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين، و جاء جبرائيل فمدّ عليهم كساء فدكيّا،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي،اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.قال جبرائيل:و أنا منكم يا محمّد؟فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:و أنت منّا يا جبرئيل؟فقلت:يا رسول اللّه و أنا من أهل بيتك فجئت لأدخل معهم،فقال:كوني مكانك يا أمّ سلمة إنّك إلى خير،أنت من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.فقال جبرائيل:اقرأ يا محمّد إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً في النّبيّ و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم.(البحرانيّ 3:313)

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان ببيتها على منامة له،عليه كساء خيبريّ،فجاءت فاطمة رضي اللّه عنها ببرمة فيها خزيرة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:ادعي زوجك و ابنيك حسنا و حسينا،فدعتهم.فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بفضلة إزاره فغشّاهم إيّاها،ثمّ أخرج يده من الكساء و أومأ بها إلى السّماء،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،قالها ثلاث مرّات، فأدخلت رأسي في السّتر فقلت:يا رسول اللّه و أنا معكم، فقال:إنّك إلى خير،مرّتين.(الدّرّ المنثور 5:198)

جاءت فاطمة رضي اللّه عنها إلى أبيها بثريدة لها تحملها في طبق لها،حتّى وضعتها بين يديه،فقال لها:أين ابن عمّك،قالت:هو في البيت،قال:اذهبي فادعيه و ابنيك،فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما في يد و عليّ رضي اللّه عنه يمشي في أثرهما،حتّى دخلوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأجلسهما في حجره و جلس عليّ رضي اللّه عنه عن يمينه و جلست فاطمة رضي اللّه عنها عن يساره، فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت.(الدّرّ المنثور 5:198)

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لفاطمة رضي اللّه عنها:ائتني بزوجك و ابنيه،فجاءت بهم،فألقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،عليهم كساء فدكيّا،ثمّ وضع يده عليهم،ثمّ قال:اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد،و في لفظ:آل محمّد،فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

فرفعت الكساء لأدخل معهم،فجذبه من يدي،و قال:

إنّك على خير.(الدّرّ المنثور 5:198)

ابن عبّاس: أراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّهنّ في بيته.(البغويّ 5:213)

ص: 104

نحوه ابن السّائب و مقاتل.(ابن الجوزيّ 6:381)

شهدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ ابن أبي طالب رضي اللّه عنه عند وقت كلّ صلاة، فيقول:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الصّلاة رحمكم اللّه،كلّ يوم خمس مرّات.(الدّرّ المنثور 5:199)

زيد بن أرقم: في حديث قال له حصين:من أهل بيته يا زيد؟أ ليس نساؤه من أهل بيته؟قال:نساؤه من أهل بيته،و لكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده.قال:

و من هم؟قال:هم آل عليّ و آل عقيل و آل جعفر و آل عبّاس رضي اللّه عنهم،قال:كلّ هؤلاء حرم الصّدقة بعده؟قال:نعم.[في حديث آخر قيل له:]

من أهل بيته،نساؤه؟قال:لا،و أيم اللّه،إنّ المرأة تكون مع الرّجل،العصر من الدّهر،ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها،أهل بيته أصله و عصبته الّذين حرموا الصّدقة بعده.(ابن كثير 5:457)

نحوه الثّعلبيّ.(أبو حيّان 7:232)

أبو سعيد الخدريّ: كان يوم أمّ سلمة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها،فنزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بهذه الآية،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بحسن و حسين و فاطمة و عليّ،فضمّهم إليه و نشر عليهم الثّوب،و الحجاب على أمّ سلمة مضروب،قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.قالت أمّ سلمة رضي اللّه عنها:فأنا معهم يا نبيّ اللّه؟قال:أنت على مكانك،و إنّك على خير.(الدّرّ المنثور 5:198)

لمّا دخل عليّ رضي اللّه عنه بفاطمة رضي اللّه عنها، جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أربعين صباحا إلى بابها يقول:السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته،الصّلاة رحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أنا حرب لمن حاربتم أنا سلم لمن سالمتم.(الدّرّ المنثور 5:199)

نزلت في خمسة:في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.(الواحديّ 3:470)

الأنصاريّ: نزلت هذه الآية على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ليس في البيت إلاّ فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:اللّهمّ هؤلاء أهلي.(العروسيّ 4:277)

نحوه سعد بن أبي وقّاص.(الطّبريّ 22:8)

وائلة بن أسقع: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى فاطمة و معه حسن و حسين و عليّ حتّى دخل،فأدنى عليّا و فاطمة،فأجلسهما بين يديه و أجلس حسنا و حسينا كلّ واحد منهما على فخذه،ثمّ لفّ عليهم ثوبه و أنا مستدبرهم،ثمّ تلا هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

(الدّرّ المنثور 5:199)

عروة: يعني أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،نزلت في بيت عائشة.

(الدّرّ المنثور 5:198)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: قال عليه السّلام لرجل من أهل الشّام:أ ما قرأت في الأحزاب إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً؟ قال:نعم، و لأنتم هم؟قال:نعم.(ابن كثير 5:459)

عكرمة: من شاء باهلته أنّها نزلت في أزواج

ص: 105

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(الدّرّ المنثور 5:198)

الضّحّاك: هم أهله و أزواجه.(أبو حيّان 7:231)

الإمام الباقر عليه السّلام: نزلت هذه الآية في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و ذلك في بيت أمّ سلمة زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم،ثمّ ألبسهم كساء له خيبريّا و دخل معهم فيه،ثمّ قال:اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي الّذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.فقالت أمّ سلمة:و أنا معهم يا رسول اللّه؟قال:أبشري يا أمّ سلمة فإنّك على خير.

(الكاشانيّ 4:187)

قتادة: هم أهل بيت طهّرهم اللّه من السّوء و اختصّهم برحمته.(الدّرّ المنثور 5:199)

زيد بن عليّ عليهما السّلام: إنّ جهّالا من النّاس يزعمون أنّه إنّما أراد اللّه بهذه الآية أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد كذبوا و أثموا،و أيمن اللّه و لو عنى أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقال ليذهب عنكنّ الرّجس و يطهّركنّ تطهيرا،و كان الكلام مؤنّثا،كما قال: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى الأحزاب:34 وَ لا تَبَرَّجْنَ الأحزاب:33 لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:

32.(الكاشانيّ 4:187)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث طويل قال عليه السّلام حاكيا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:]

أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإنّي سألت اللّه عزّ و جلّ أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك،و قال:لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، و قال:إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة.فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ أنزله في كتابه لنبيّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فكان عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام،فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة،ثمّ قال:اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي،فقالت أمّ سلمة:أ لست من أهلك؟فقال:إنّك إلى خير،و لكنّ هؤلاء أهلي و ثقلي.(العروسيّ 4:274)

أبو بصير: قلت للصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام:من آل محمّد؟قال:ذرّيّته،قلت:من أهل بيته؟قال:الأئمّة الأوصياء،فقلت:من عترته؟قال:أصحاب العباء، فقلت:من أمّته؟قال:المؤمنون الّذين صدّقوا بما جاء به من عند اللّه عزّ و جلّ،المتمسّكون بالثّقلين الّذين أمروا بالتّمسّك بهما:كتاب اللّه،و عترته أهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،و هما الخليفتان على الأمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(العروسيّ 4:275)

الإمام الرّضا عليه السّلام: في حديث طويل و فيه فقال المأمون:من العترة الطّاهرة؟فقال:الّذين وصفهم اللّه تعالى في كتابه،فقال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و هم الّذين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّي مخلف فيكم الثّقلين:

كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي.ألا و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما،أيّها

ص: 106

النّاس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

(العروسيّ 4:271)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: (أَهْلَ الْبَيْتِ) فقال بعضهم:عني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،رضوان اللّه عليهم.

و قال آخرون:بل عني بذلك أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(22:5)

الزّجّاج: (أَهْلَ الْبَيْتِ) منصوب على المدح،و لو قرئت (أهل البيت) بالخفض،أو قرئت (أهل البيت) بالرّفع،لجاز ذلك،و لكنّ القراءة«النّصب»و هو على وجهين:على معنى:أعني أهل البيت،و على«النّداء»على معنى:يا أهل البيت.و قيل:إنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) هاهنا يعني به نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قيل:نساء النّبيّ و الرّجال الّذين هم آله.و اللّغة تدلّ على أنّه للنّساء و الرّجال جميعا،لقوله:

(عَنْكُمُ) بالميم و ل (يُطَهِّرَكُمْ). و لو كان للنّساء لم يجز إلاّ «عنكنّ»و«يطهّركنّ»و الدّليل على هذا قوله: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:34،حين أفرد النّساء بالخطاب.(4:226)

الطّوسيّ: قال:عكرمة:هي في أزواج النّبيّ خاصّة.

و هذا غلط،لأنّه لو كانت الآية فيهنّ خاصّة لكنّي عنهنّ بكناية«المؤنّث»كما فعل في جميع ما تقدّم من الآيات، نحو قوله: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ... وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ... الأحزاب:33، فذكر جميع ذلك بكناية«المؤنّث»،فكان يجب أن يقول:

إنّما يريد اللّه ليذهب عنكنّ الرّجس أهل البيت و يطهّركنّ.فلمّا كنّي بكناية«المذكّر»دلّ على أنّ النّساء لا مدخل لهنّ فيها.

و في النّاس من حمل الآية على النّساء و من ذكرناه من أهل البيت،هربا ممّا قلناه.و قال:إذا اجتمع المذكّر و المؤنّث غلب المذكّر فكنّي عنهم بكناية المذكّر.و هذا يبطل بما بيّنّاه من الرّواية عن أمّ سلمة و ما يقتضيه من كون من تناولته معصوما،و النّساء خارجات عن ذلك.

و قد استوفينا الكلام في ذلك في هذه الآيات في كتاب الإمامة،من أراده وقف عليه هناك.(8:340)

الزّمخشريّ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النّداء أو على المدح.و في هذا دليل بيّن على أنّ نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل بيته.(3:260)

ابن عطيّة: و الّذي يظهر أنّ زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتّة،ف (أَهْلَ الْبَيْتِ): زوجاته و بنته و بنوها و زوجها.(أبو حيّان 7:232)

الطّبرسيّ: قيل:(البيت):بيت الحرام،و أهله هم المتّقون على الإطلاق،لقوله تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ الأنفال:34.

و قيل:(البيت):مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أهله:من مكّنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه،و لم يخرجه و لم يسدّ بابه.و قد اتّفقت الأمّة بأجمعها على أنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) في الآية،أهل بيت نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله.

ثمّ اختلفوا،فقال عكرمة:أراد أزواج النّبيّ،لأنّ أوّل الآية متوجّه إليهنّ.و قال أبو سعيد الخدريّ و أنس بن مالك و وائلة بن الأسقع و عائشة و أمّ سلمة:إنّ الآية مختصّة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.[ثمّ روى روايات إلى أن قال:]

ص: 107

و استدلّت الشّيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة عليهم السّلام بأن قالوا:إنّ لفظة(انّما)محقّقة لما أثبت بعدها،نافية لما لم يثبت،فإنّ قول القائل:إنّما لك عندي درهم،و إنّما في الدّار زيد،يقتضي أنّه ليس عنده سوى الدّرهم،و ليس في الدّار سوى زيد؛و إذا تقرّر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة الّتي يتبعها التّطهير و إذهاب الرّجس.

و لا يجوز الوجه الأوّل،لأنّ اللّه تعالى قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة،فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق،و لأنّ هذا القول يقتضي المدح و التّعظيم لهم بغير شكّ و شبهة،و لا مدح في الإرادة المجرّدة،فثبت الوجه الثّاني.

و في ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح.و قد علمنا أنّ من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته،فثبت أنّ الآية مختصّة بهم لبطلان تعلّقها بغيرهم،و متى قيل:إنّ صدر الآية و ما بعدها في الأزواج فالقول فيه إنّ هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم،فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره و يعودون إليه،و القرآن من ذلك مملوء،و كذلك كلام العرب و أشعارهم.(4:356)

ابن الجوزيّ: نصب (أَهْلَ الْبَيْتِ) على وجهين:

أحدهما على معنى:أعني أهل البيت،و الثّاني على النّداء، فالمعنى:يا أهل البيت.

و في المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) هاهنا ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّهم نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّهنّ فى بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس،و به قال عكرمة و ابن السّائب و مقاتل.و يؤكّد هذا القول أنّ ما قبله و بعده متعلّق بأزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و على أرباب هذا القول اعتراض،و هو أنّ جمع المؤنّث بالنّون فكيف قيل:

(عَنْكُمُ) (وَ يُطَهِّرَكُمْ)؟ فالجواب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيهنّ، فغلّب المذكّر.

و الثّاني:أنّه خاصّ في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،قاله أبو سعيد الخدريّ،و روي عن أنس و عائشة و أمّ سلمة نحو ذلك.

و الثّالث:أنّهم أهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أزواجه،قاله الضّحّاك.و حكى الزّجّاج أنّهم نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و الرّجال الّذين هم آله،قال:و اللّغة تدلّ على أنّها للنّساء و الرّجال جميعا،لقوله: (عَنْكُمُ) بالميم،و لو كانت للنّساء لم يجز إلاّ«عنكنّ»«و يطهّركنّ».(6:381)

الفخر الرّازيّ: إنّ اللّه تعالى ترك خطاب المؤنّثات، و خاطب بخطاب المذكّرين بقوله: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ليدخل فيه نساء أهل بيته،و رجالهم.

و اختلف الأقوال في (أَهْلَ الْبَيْتِ)، و الأولى أن يقال:

هم أولاده و أزواجه و الحسن و الحسين منهم و عليّ منهم، لأنّه كان من أهل بيته،بسبب معاشرته ببنت النّبيّ عليه السّلام، و ملازمته للنّبيّ.(25:209)

القرطبيّ: قد اختلف أهل العلم في (أَهْلَ الْبَيْتِ) من هم؟فقال عطاء و عكرمة و ابن عبّاس:هم زوجاته خاصّة،لا رجل معهنّ.[إلى أن قال:]

و قالت فرقة،منهم الكلبيّ:هم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين خاصّة.

و احتجّوا بقوله تعالى: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

ص: 108

اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً بالميم،و لو كان للنّساء خاصّة لكان«عنكنّ»«و يطهّركنّ».إلاّ أنّه يحتمل أن يكون خرج على لفظ«الأهل»كما يقول الرّجل لصاحبه:كيف أهلك؟أي امرأتك و نساؤك،فيقول:هم بخير.قال اللّه:

أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود:73.

و الّذي يظهر من الآية أنّها عامّة في جميع أهل البيت من الأزواج و غيرهم.و إنّما قال: (وَ يُطَهِّرَكُمْ) لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّا و حسنا و حسينا كان فيهم،و إذا اجتمع المذكّر و المؤنّث غلّب المذكّر،فاقتضت الآية أنّ الزّوجات من أهل البيت،لأنّ الآية فيهنّ و المخاطبة لهنّ يدلّ عليه سياق الكلام،و اللّه أعلم.(14:182)

البيضاويّ: تخصيص الشّيعة (أَهْلَ الْبَيْتِ) بفاطمة و عليّ و ابنيهما رضي اللّه عنهم لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام خرج ذات غدوة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود فجلس،فأتت فاطمة رضي اللّه عنها فأدخلها فيه، ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه،ثمّ جاء الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما فأدخلهما فيه،ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. و الاحتجاج بذلك على عصمتهم و كون إجماعهم حجّة،ضعيف،لأنّ التّخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية و ما بعدها.

و الحديث يقتضي أنّهم أهل البيت،لا أنّه ليس غيرهم.

(2:245)

نحوه الطّنطاويّ(16:28)،و أبو السّعود(4:211).

النّيسابوريّ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النداء أو على المدح.و قد مرّ في آية«المباهلة»أنّهم أهل العباءة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه أصل،و فاطمة رضي اللّه عنها و الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما بالاتّفاق،و الصّحيح أنّ عليّا رضي اللّه عنه منهم لمعاشرته بنت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ملازمته إيّاه.و ورود الآية في شأن أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يغلب على الظّنّ دخولهنّ فيهنّ،و التّذكير للتّغليب،فإنّ الرّجال و هم النّبيّ و عليّ و أبناؤهم غلبوا على فاطمة وحدها أو مع أمّهات المؤمنين.(22:11)

أبو حيّان: لمّا كان (أَهْلَ الْبَيْتِ) يشملهنّ و آباءهنّ، غلب المذكّر على المؤنّث في الخطاب في (عَنْكُمُ) و (يُطَهِّرَكُمْ).

و قول عكرمة و مقاتل و ابن السّائب: إنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) في هذه الآية مختصّ بزوجاته عليه السّلام،ليس بجيّد؛إذ لو كان كما قالوا لكان التّركيب«عنكنّ»«و يطهّركنّ».

و إن كان هذا القول مرويّا عن ابن عبّاس،فلعلّه لا يصحّ عنه.[إلى أن قال:]

و يظهر أنّهم زوجاته و أهله،فلا تخرج الزّوجات عن أهل البيت بل يظهر أنّهنّ أحقّ بهذا الاسم لملازمتهنّ بيته عليه الصّلاة و السّلام.(7:231)

ابن كثير: نصّ في دخول أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في (أَهْلَ الْبَيْتِ) هاهنا،لأنّهنّ سبب نزول هذه الآية.و سبب النّزول داخل فيه قولا واحدا،إمّا وحده على قول،أو مع غيره على الصّحيح.[و بعد ذكر روايات قال:]

ثمّ الّذي لا يشكّ فيه من تدبّر القرآن أنّ نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم داخلات في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فإنّ سياق الكلام معهنّ،و لهذا قال تعالى بعد هذا

ص: 109

كلّه: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ الأحزاب:34،أي و اعملن بما ينزل اللّه تبارك و تعالى على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم في بيوتكنّ من الكتاب و السّنّة، قاله قتادة و غير واحد،و اذكرن هذه النّعمة الّتي خصّصتنّ بها من بين النّاس،أنّ الوحي ينزل في بيوتكنّ دون سائر النّاس،و عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي اللّه عنهما أولاهنّ بهذه النّعمة و أحظاهنّ بهذه الغنيمة و أخصّهنّ من هذه الرّحمة العميمة،فإنّه لم ينزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الوحي في فراش امرأة سواها،كما نصّ على ذلك صلوات اللّه و سلامه عليه.قال بعض العلماء رحمه اللّه:لأنّه لم يتزوّج بكرا سواها و لم ينم معها رجل في فراشها سواه صلّى اللّه عليه و سلّم و رضي اللّه عنها،فناسب أن تخصّص بهذه المزيّة و أن تفرد بهذه المرتبة العليا، و لكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحقّ بهذه التّسمية كما تقدّم في الحديث«و أهل بيتي أحقّ»،و هذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا سئل عن المسجد الّذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ التّوبة:108،فقال:«هو مسجدي هذا»،فهذا من هذا القبيل،فإنّ الآية إنّما نزلت في مسجد«قباء»كما ورد في الأحاديث الأخر،و لكن إذا كان ذلك أسّس على التّقوى من أوّل يوم،فمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أولى بتسميته بذلك، و اللّه أعلم.(5:452 و 458)

نحوه القاسميّ.(13:4851)

الشّربينيّ: أَهْلَ الْبَيْتِ في ناصبه أوجه:

أحدها:النّداء،أي يا أهل البيت،أو المدح أي أمدح أهل البيت،أو الاختصاص أي أخصّ أهل البيت،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث».و الاختصاص في المخاطب أقلّ منه في المتكلّم،و سمع:«منك اللّه نرجو الفضل»و الأكثر إنّما هو في المتكلّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف في (أَهْلَ الْبَيْتِ) و الأولى فيهم ما قال البقاعيّ:إنّهم كلّ من يكون من ألزم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الرّجال و النّساء و الأزواج و الإماء و الأقارب،و كلّما كان الإنسان منهم أقرب و بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أخصّ و ألزم كان بالإرادة أحقّ و أجدر،و يؤيّده قول البيضاويّ.

و تخصيص الشّيعة (أَهْلَ الْبَيْتِ) بفاطمة و عليّ و ابنيهما رضي اللّه تعالى عنهم لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام خرج ذات غدوة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجلس فجاءت فاطمة فأدخلها فيه ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه ثمّ جاء الحسن و الحسين فأدخلهما فيه،ثمّ قال:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ و الاحتجاج بذلك على عصمتهم و كون إجماعهم حجّة، ضعيف.(3:244)

الكاشانيّ: [بعد نقل روايات كثيرة قال:]

الرّوايات في نزول هذه الآيات في شأن الخمسة أصحاب العباء من طريق الخاصّة و العامّة أكثر من أن تحصى.(4:189)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

أي يا أهل البيت،و المراد به من حواه بيت النّبوّة رجالا و نساء.[إلى أن قال:]و تعورف في أسرة النّبيّ عليه السّلام مطلقا إذا قيل: (أَهْلَ الْبَيْتِ) يعني أهل البيت المتعارف في آل النّبيّ عليه السّلام من بني هاشم.و نبّه عليه السّلام بقوله:«سلمان منّا أهل البيت»،على أنّ مولى القوم

ص: 110

يصحّ نسبته إليهم.(7:171)

العامليّ: و قد مرّ في«الآل»ما يدلّ على تأويل أهل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أهل بيته بالأئمّة الأوصياء،و بيّنّا هناك أنّه قد يدخل تجوّزا فيهم بعض خواصّ تابعيهم.(79)

شبّر: نزلت في أهل البيت باتّفاق المفسّرين،و تظافر روايات العامّة و الخاصّة،و يدلّ على اختصاصها بأهل البيت دون الأزواج،مضافا إلى النّصوص المستفيضة أنّ إذهاب الرّجس و تطهيرهم من فعله تعالى.

و قد أراده إرادة مؤكّدة بالحصر و اللاّم،فلا بدّ من وقوعه،و لام الرّجس ليست عهديّة إذ لا معهود فهي استغراقيّة،فينتفي جميع أفرادها،أو جنسيّة فكذلك؛إذ نفي الماهيّة نفي لكلّ أفرادها و هو معنى العصمة،و لا واحدة من الأزواج معصومة إجماعا،و ذلك يثبت حجّية قول واحد منهم عليه السّلام،فضلا عن إجماعهم عليهم السّلام.

و ينبغي حمل تذكير الضّميرين على التّغليب في غير فاطمة سلام اللّه عليها،و يدفع إيهام السّوق دخولهنّ،إذ كثيرا ما يورد الفصحاء كلاما في أثناء كلام آخر.

(5:145)

الآلوسيّ: نصب(أهل)على النّداء،و جوّز أن يكون على المدح فيقدّر«أمدح»أو«أعني»و أن يكون على الاختصاص و هو قليل في المخاطب،و منه:بك اللّه نرجو الفضل.و أكثر ما يكون في المتكلّم،كقوله:

نحن بنات الطّارق نمشي على النّمارق

و أل في(البيت)للعهد،و قيل:عوض عن المضاف إليه،أي بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و الظّاهر أنّ المراد به بيت الطّين و الخشب لا بيت القرابة و النّسب،و هو بيت السّكنى لا المسجد النّبويّ كما قيل.و حينئذ فالمراد ب«أهله» نساؤه صلّى اللّه عليه و سلّم و المطهّرات،للقرائن الدّالّة على ذلك من الآيات السّابقة و اللاّحقة،مع أنّه عليه الصّلاة و السّلام ليس له بيت يسكنه سوى سكناهنّ.[ثمّ نقل روايات تدلّ على أنّ المراد بالأهل نساؤه صلّى اللّه عليه و سلّم،إلى أن قال:]

و أورد ضمير جمع المذكّر في(عنكم و يطهركم) رعاية للفظ«الأهل».و العرب كثيرا ما يستعملون صيغ المذكّر في مثل ذلك رعاية للّفظ،و هذا كقوله تعالى خطابا ل«سارة»امرأة الخليل عليهما السّلام: أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73،و منه على ما قيل قوله سبحانه: قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً القصص:29،خطابا من موسى عليه السّلام لامرأته،و لعلّ اعتبار التّذكير هنا أدخل في التّعظيم.

و قيل:المراد هو صلّى اللّه عليه و سلّم و نساؤه المطهّرات رضي اللّه تعالى عنهنّ،و ضمير جمع المذكّر لتغليبه عليه الصّلاة و السّلام عليهنّ.و قيل:المراد ب(البيت)بيت النّسب،و لذا أفرد و لم يجمع كما في السّابق و اللاّحق.[ثمّ أورد روايات تدلّ على أنّ المراد هو صلّى اللّه عليه و سلّم نفسه،إلى أن قال:]

و اختلف في المراد ب«أهله»فذهب الثّعلبيّ إلى أنّ المراد بهم جميع بني هاشم ذكورهم و إناثهم،و الظّاهر أنّه أراد مؤمني بني هاشم،و هذا هو المراد ب«الآل»عند الحنفيّة.

و قال بعض الشّافعيّة: المراد بهم آله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم الّذين هم مؤمنو بني هاشم و المطّلب.و ذكر الرّاغب أنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) تعورف في أسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 111

مطلقا.و أسرة الرّجل على ما في«القاموس»رهطه أي قومه و قبيلته الأدنون.و قال في موضع آخر:صار«أهل البيت»متعارفا في آله عليه الصّلاة و السّلام.[ثم نقل روايات تدلّ على أنّ المراد بأهل بيته:فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين،و ليس أزواجه من أهل بيته صلّى اللّه عليه و سلّم]

و قد صرّح بعدم دخولهنّ من الشّيعة عبد اللّه المشهديّ،و قال:المراد من(البيت)بيت النّبوّة،و لا شكّ أنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) لغة شامل للأزواج بل الخدّام من الإماء اللاّئي يسكنّ في البيت أيضا،و ليس المراد هذا المعنى اللّغويّ بهذه السّعة بالاتّفاق،فالمراد به آل العباء الّذين خصّصهم حديث الكساء،و قال أيضا:إنّ كون البيوت جمعا في (بُيُوتِكُنَّ) و إفراد البيت في (أَهْلَ الْبَيْتِ) يدلّ على أنّ بيوتهنّ غير بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلخ.و فيه ما ستعلمه إن شاء اللّه تعالى.

و قيل:المراد ب (الْبَيْتِ) بيت السّكنى و بيت النّسب، و أهل ذلك أهل كلّ من البيتين.

و قد سمعت ما قيل فيه،و فيه الجمع بين الحقيقة و المجاز.[ثمّ نقل روايات على أنّ المراد ب«الأهل»قومه و قبيلته و نساؤه،إلى أن قال:]

و قال بعضهم: إنّ ظاهر تعليله نفي كون النّساء أهل البيت بقوله:أيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرّجل،العصر من الدّهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها،يقتضي أن لا يكنّ من أهل البيت مطلقا،فلعلّه أراد بقوله في الخبر السّابق:نساؤه من أهل بيته،أ نساؤه الخ بهمزة الاستفهام الإنكاريّ،فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته،كما في معظم الرّوايات،في غير صحيح مسلم،و يكون رضي اللّه تعالى عنه ممّن يرى أنّ«نساءه»عليه الصّلاة و السّلام لسن من أهل البيت أصلا.و لا يلزمنا أن ندين اللّه تعالى برأيه لا سيّما و ظاهر الآية معنا و كذا العرف.و حينئذ يجوز أن يكون (أَهْلَ الْبَيْتِ) الّذين هم أحد الثّقلين بالمعنى الشّامل للأزواج و غيرهنّ من أصله.و عصبته صلّى اللّه عليه و سلّم الّذين حرموا الصّدقة بعده.و لا يضرّ في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمرّ بقاء الآخرين مع الكتاب،كما لا يخفى إلخ.

و أنت تعلم أنّ ظاهر ما صحّ من قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي تارك فيكم خليفتين و في رواية ثقلين:كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السّماء و الأرض،و عترتي أهل بيتي،و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»يقتضي أنّ النّساء المطهّرات غير داخلات في أهل البيت الّذين هم أحد الثّقلين،لأنّ عترة الرّجل كما في«الصّحاح»نسله و رهطه الأدنون،و أهل بيتي في الحديث الظّاهر أنّه بيان له أو بدل منه بدل كلّ من كلّ،و على التّقديرين يكون متّحدا معه؛فحيث لم تدخل النّساء في الأوّل لم تدخل في الثّاني.و في«النّهاية»أنّ عترة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بنو عبد المطّلب، و قيل:أهل بيته الأقربون و هم أولاده،و عليّ و أولاده رضي اللّه تعالى عنهم،و قيل:عترته الأقربون و الأبعدون منهم إلخ.و الّذي رجّحه القرطبيّ أنّهم من حرمت عليهم الزّكاة،و في كون الأزواج المطهّرات كذلك خلاف.

قال ابن حجر:و القول بتحريم الزّكاة عليهنّ ضعيف،و إن حكى ابن عبد البرّ الإجماع عليه،فتأمّل.

و لا يرد على حمل (أَهْلَ الْبَيْتِ) في الآية على المعنى الأعمّ ما أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطّبرانيّ عن أبي

ص: 112

سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:نزلت هذه الآية في خمسة:فيّ و في عليّ و فاطمة و حسن و حسين إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً إذ لا دليل فيه على الحصر،و العدد لا مفهوم له.

و لعلّ الاقتصار على من ذكر صلوات اللّه و سلامه عليهم لأنّهم أفضل من دخل في العموم،و هذا على تقدير صحّة الحديث.

و الّذي يغلب على ظنّي أنّه غير صحيح؛إذ لم أعهد نحو هذا في الآيات منه صلّى اللّه عليه و سلّم في شيء من الأحاديث الصّحيحة الّتي وقفت عليها في أسباب النّزول،و بتفسير (أَهْلَ الْبَيْتِ) بمن له مزيد اختصاص به على الوجه الّذي سمعت،يندفع ما ذكره المشهديّ من شموله للخدّام و الإماء و العبيد الّذين يسكنون البيت،فإنّهم في معرض التّبدّل و التّحوّل بانتقالهم من ملك إلى ملك بنحو الهبة و البيع،و ليس لهم قيام بمصالحه و اهتمام بأمره و تدبير لشأنه إلاّ حيث يؤمرون بذلك،و نظمهم في سلك الأزواج،و دعوى أنّ نسبة الجميع إلى البيت على حد واحد ممّا لا يرتضيه منصف و لا يقول به إلاّ متعسّف.

و قال بعض المتأخّرين:إنّ دخولهم في العموم ممّا لا بأس به عند أهل السّنّة،لأنّ الآية عندهم لا تدلّ على العصمة و لا حجر على رحمة اللّه عزّ و جلّ،و«لأجل عين ألف عين تكرم».

و أمّا أمر الجمع و الإفراد فقد سمعت ما يتعلّق به، و الظّاهر على هذا القول أنّ التّعبير بضمير جمع المذكّر في (عَنْكُمُ) للتّغليب.و ذكر أنّ في (عَنْكُمُ) عليه تغليبين:

أحدهما:تغليب المذكّر على المؤنّث،و ثانيهما:تغليب المخاطب على الغائب؛إذ غير الأزواج المطهّرات من أهل البيت لم يجر لهم ذكر فيما قبل و لم يخاطبوا بأمر أو نهي أو غيرهما فيه.و أمر التّعليل عليه ظاهر و إن لم يكن كظهوره على القول بأنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) الأزواج المطهّرات فقط.[إلى أن قال:]

و استدلّ بهذا بعضهم على عدم نزول الآية في حقّهم،و إنّما أدخلهم صلّى اللّه عليه و سلّم في أهل البيت المذكور في الآية بدعائه الشّريف عليه الصّلاة و السّلام،و لا يخلو جميع ما ذكر عن بحث.

و الّذي يظهر لي أنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) من لهم مزيد علاقة به صلّى اللّه عليه و سلّم و نسبة قويّة قريبة إليه عليه الصّلاة و السّلام؛بحيث لا يقبح عرفا اجتماعهم و سكناهم معه صلّى اللّه عليه و سلّم في بيت واحد،و يدخل في ذلك أزواجه و الأربعة أهل الكساء و عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه مع ما له من القرابة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قد نشأ في بيته و حجره عليه الصّلاة و السّلام فلم يفارقه،و عامله كولده صغيرا،و صاهره و آخاه كبيرا.(22:13)

نحوه عزّة دروزة.(8:261).

الطّباطبائيّ: كلمة (إِنَّما) تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرّجس و التّطهير،و كلمة (أَهْلَ الْبَيْتِ) سواء كان لمجرّد الاختصاص أو مدحا أو نداء يدلّ على اختصاص إذهاب الرّجس و التّطهير بالمخاطبين بقوله:

(عَنْكُمُ). ففي الآية في الحقيقة قصران:قصر الإرادة في إذهاب الرّجس و التّطهير،و قصر إذهاب الرّجس و التّطهير في أهل البيت.

و ليس المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) نساء النّبيّ خاصّة،لمكان

ص: 113

الخطاب الّذي في قوله: (عَنْكُمُ) و لم يقل(عنكنّ)،فإمّا أن يكون الخطاب لهنّ و لغيرهنّ،كما قيل:إنّ المراد ب (أَهْلَ الْبَيْتِ) أهل البيت الحرام و هم المتّقون،بقوله تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ الأنفال:34،أو أهل مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،أو أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هم الّذين يصدق عليهم عرفا أهل بيته من أزواجه و أقربائه،و هم آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ،أو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أزواجه.و لعلّ هذا هو المراد ممّا نسب إلى عكرمة و عروة إنّها في أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خاصّة.

أو يكون الخطاب لغيرهنّ،كما قيل:إنّهم أقرباء النّبيّ من آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ.

و على أيّ حال فالمراد بإذهاب الرّجس و التّطهير مجرّد التّقوى الدّينيّ بالاجتناب عن النّواهي و امتثال الأوامر،فيكون المعنى:أنّ اللّه لا ينتفع بتوجيه هذه التّكاليف إليكم و إنّما يريد إذهاب الرّجس عنكم و تطهيركم،على حدّ قوله: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ المائدة:6،و هذا المعنى لا يلائم شيئا من معاني أهل البيت السّابقة،لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من (أَهْلَ الْبَيْتِ) لعمومه لعامّة المسلمين المكلّفين بأحكام الدّين.

و إن كان المراد بإذهاب الرّجس و التّطهير التّقوى الشّديد البالغ،و يكون المعنى:أنّ هذا التّشديد في التّكاليف المتوجّهة إليكنّ أزواج النّبيّ و تضعيف الثّواب و العقاب ليس لينتفع اللّه سبحانه به،بل ليذهب عنكم الرّجس و يطهّركم،و يكون من تعميم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ بعد تخصيصه بهنّ،فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصّا بغيرهنّ و هو ظاهر،و لا عموم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ،فإنّ الغير لا يشاركهنّ في تشديد التّكليف و تضعيف الثّواب و العقاب.

لا يقال:لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التّقدير متوجّها إليهنّ مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكليفه شديد كتكليفهنّ،لأنّه يقال:إنّه صلّى اللّه عليه و آله مؤيّد بعصمة من اللّه، و هي موهبة إلهيّة غير مكتسبة بالعمل،فلا معنى لجعل تشديد التّكليف و تضعيف الجزاء بالنّسبة إليه مقدّمة أو سببا لحصول التّقوى الشّديد له امتنانا عليه،على ما يعطيه سياق الآية،و لذلك لم يصرّح-بكون الخطاب متوجّها إليهنّ مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقط-أحد من المفسّرين، و إنّما احتملناه لتصحيح قول من قال:إنّ الآية خاصّة بأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و إن كان المراد إذهاب الرّجس و التّطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقا لا بتوجيه مطلق التّكليف و لا بتوجيه التّكليف الشّديد،بل إرادة مطلقة لإذهاب الرّجس و التّطهير لأهل البيت خاصّة بما هم أهل البيت،كان هذا المعنى منافيا لتقييد كرامتهنّ بالتّقوى،سواء كان المراد بالإرادة الإرادة التّشريعيّة أو التّكوينيّة.

و بهذا الّذى تقدّم يتأيّد ما ورد في أسباب النّزول أنّ الآية نزلت في النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام خاصّة،لا يشاركهم فيها غيرهم.

و هي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثا،يربو ما ورد منها من طرق أهل السّنّة على ما ورد منها من طرق الشّيعة،فقد روتها أهل السّنّة بطرق كثيرة عن أمّ سلمة و عائشة و أبي سعيد الخدريّ و سعد و وائلة بن

ص: 114

الأسقع و أبي الحمراء و ابن عبّاس و ثوبان مولى النّبيّ و عبد اللّه بن جعفر و عليّ و الحسن بن عليّ عليهما السّلام في قريب من أربعين طريقا.

و روتها الشّيعة عن عليّ و السّجّاد و الباقر و الصّادق و الرّضا عليهم السّلام و أمّ سلمة و أبي ذرّ و أبي ليلى و أبي الأسود الدؤليّ و عمرو بن ميمون الأوديّ و سعد بن أبي وقّاص، في بضع و ثلاثين طريقا.

فإن قيل:إنّ الرّوايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام،و لا ينافي ذلك شمولها لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا:إنّ كثيرا من هذه الرّوايات و خاصّة ما رويت عن أمّ سلمة-و في بيتها نزلت الآية-تصرّح باختصاصها بهم و عدم شمولها لأزواج النّبيّ،و ستجيء الرّوايات و فيها الصّحاح.

فإن قيل:هذا مدفوع بنصّ الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا:إنّما الشّأن كلّ الشّأن في اتّصال الآية بما قبلها من الآيات،فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها،و لم يرد حتّى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النّبيّ،و لا ذكره أحد حتّى القائل باختصاص الآية بأزواج النّبيّ،كما ينسب إلى عكرمة و عروة.فالآية لم تكن بحسب النّزول جزء من آيات نساء النّبيّ و لا متّصلة بها،و إنّما وضعت بينها إمّا بأمر من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو عند التّأليف بعد الرّحلة.و يؤيّده أنّ آية وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:33،على انسجامها و اتّصالها لو قدّر ارتفاع آية التّطهير من بين جملها فموقع آية التّطهير من آية وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ كموقع آية اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا المائدة:3 من آية محرّمات الأكل من سورة المائدة،و قد تقدّم الكلام في ذلك،في الجزء الخامس من الكتاب.

و بالبناء على ما تقدّم تصير لفظة (أَهْلَ الْبَيْتِ) اسما خاصّا-في عرف القرآن-بهؤلاء الخمسة،و هم:النّبيّ و عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم الصّلاة و السّلام، لا يطلق على غيرهم و لو كان من أقربائه الأقربين،و إن صحّ بحسب العرف العامّ إطلاقه عليهم.(16:309)

النّهاونديّ: إنّما فسّرنا الإرادة بالتّكوينيّة لكونه في مقام بيان فضيلتهم على سائر النّاس،و لا فضيلة للإرادة التّشريعيّة الّتي يشرك فيها المؤمن و الكافر.فإذا دلّت الآية على عصمة أهل البيت فلا جرم لا تشمل نساء النّبيّ للإجماع على عدم عصمتهنّ،و ظهور المعصية من أكثرهنّ خصوصا عائشة و حفصة،و قد اتّفقت روايات العامّة و الخاصّة على أنّها نزلت في شأن الخمسة الطّيّبة.

و في«نهج الحقّ»للعلاّمة أجمع المفسّرون.

و روى الجمهور كأحمد بن حنبل و غيره أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين.[ثمّ نقل روايات على هذا الادّعاء إلى أن قال:]

و قال بعض الأجلّة: يحتمل أن يكون الخطاب إشارة إلى انتسابهنّ بأهل العصمة ترغيبا لهنّ إلى الطّاعة و ترك المعصية.

أقول:و يمكن أن يكون الخطاب لأزواج النّبيّ و أقاربه ذكورا و إناثا،و المقصود إرادة بعضهم من قوله:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ كما قال: وَ إِذْ

ص: 115

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً المائدة:20،و من المعلوم أنّه لم يكن جميعهم ملوكا،كما أنّه من المعلوم أنّه لم يكن أزواج النّبيّ معصومات لظهور عصيانهنّ في زمان النّبيّ و بعده،كالخروج على وصيّ الرّسول الّذي كان مع الحقّ و الحقّ معه،ثمّ خصّ سبحانه الخطاب بهنّ ازديادا لوعظهنّ و ترغيبهنّ إلى طاعة اللّه و رسوله بقوله:

(وَ اذْكُرْنَ). (3:412)

المصطفويّ: يراد من كانوا مخاطبين حين نزول الآية،كما في الآيتين،و هم الخمسة النّجباء المعصومون الّذين استقرّوا تحت الكساء،بأمر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و لا يخفى أنّ كلمة (أَهْلَ الْبَيْتِ) مركّبة؛يراد بها «البيت»المصطلح في علم الرّجال،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة«خانواده»و ليست بتقدير كلمة أخرى مضافة إليها،كما توهّمها بعض المفسّرين ففسّروها بقولهم:أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و الحذف و التّقدير خلاف الأصل في الكلام الفصيح، مع أنّ ظاهر إطلاق«أهل بيت رسول اللّه»عدم شمولها لنفس الرّسول،و كذا في الآيتين بالنّسبة إلى عمران و إبراهيم عليهما السّلام.

و سيجيء أنّ حقيقة معنى«البيت»هي المأوى و المآب و مجمع الشّمل ليلا.

و أمّا التّناسب بين آية التّطهير و ما قبلها و بعدها من نزولها في نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّ الجامع بينها كونها مربوطة إلى أهل البيت«خانواده»بمعناها العرفيّ الظّاهريّ العموميّ.و هذه الآية بقرينة نزولها في الخمسة أهل الكساء تثبت أنّ مصداق (أَهْلَ الْبَيْتِ) الخاصّة بحكم التّطهير منحصر في الخمسة.و هذا التّرتيب و ذكر هذه الآية الشّريفة فيما بين تلك الآيات للإشارة إلى أنّ (أَهْلَ الْبَيْتِ) الّذين يجب اتّباعهم و ينبغي أن يكونوا قدوة للنّاس هم الخمسة،و النّساء خارجات عنه،راجع «البيت».(1:155)

أهل بيت

...فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ. القصص:12

البغويّ: هي امرأة قد قتل ولدها،فأحبّ شيء إليها أن تجد صغيرا ترضعه.

و قيل:إنّها قالت:هل أدلّكم على أهل بيت؟قالوا لها:من؟قالت:أمّي.قالوا:و لأمّك ابن؟قالت:نعم، هارون.(5:137)

مثله الخازن.(5:137)

الشّربينيّ: و لم تقل على امرأة،لتوسّع دائرة النّظر.

(3:85)

الآلوسيّ: على أهل بيت دون امرأة،إشارة إلى أنّ المراد امرأة من أهل الشّرف،تليق بخدمة الملوك.

(20:50)

اهله

...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:196

ص: 116

ابن عبّاس: أهل الحرم.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 2:255)

هم أهل الحرم و الجماعة عليه.(الطّبريّ:2:255)

يا أهل مكّة لا متعة لكم أحلّت لأهل الآفاق و حرّمت عليكم،إنّما يقطع أحدكم واديا،أو يجعل بينه و بين الحرم واديا،ثمّ يهلّ بعمرة.(الطّبريّ 2:255)

طاوس:المتعة للنّاس،إلاّ لأهل مكّة،ممّن لم يكن أهله من الحرم،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. (الطّبريّ 2:255)

مكحول:من كان دون المواقيت.

(الطّبريّ 2:256)

الإمام الباقر عليه السّلام: ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة.قيل:فما حدّ ذلك؟قال:ثمانية و أربعون ميلا عن جميع نواحي مكّة دون عسفان و ذات عرق.

(الكاشانيّ 1:214)

الزّهريّ: من كان أهله على يوم أو نحوه تمتّع.

(الطّبريّ 2:256)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها و ثمانية عشر ميلا عن خلفها و ثمانية عشر ميلا عن يمينها و ثمانية عشر ميلا عن يسارها،فلا متعة له،مثل«مرّ» (1)و أشباهها.

(الكاشانيّ 1:214)

نحوه الحائريّ.(1:38)

ليس لأهل مكّة متعة و لا لأهل بستان و لا لأهل ذات عرق و لا لأهل عسفان،و نحوها.

(العروسيّ 1:192)

ليس لأهل سرف و لا لأهل مرّ و لا لأهل مكّة متعة،لقول اللّه عزّ و جلّ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (العروسيّ 1:192)

السّدّيّ: إنّ هذا لأهل الأمصار،ليكون عليهم أيسر من أن يحجّ أحدهم مرّة و يعتمر أخرى،فتجمع حجّته و عمرته في سنة واحدة.(الطّبريّ 2:255)

عطاء: من كان أهله من دون المواقيت فهو كأهل مكّة لا يتمتّع.(الطّبريّ 2:256)

عرفة و مرّ و عرنة و ضجنان و الرّجيع و نخلتان.

(الطّبريّ 2:256)

أنّه جعل أهل عرفة من أهل مكّة.

(الطّبريّ 2:256)

الرّبيع بن أنس: يعني المتعة إنّها لأهل الآفاق، و لا تصلح لأهل مكّة.(الطّبريّ 2:255)

ابن زيد: أهل مكّة و فجّ و ذي طوى،و ما يلي ذلك فهو من مكّة.(الطّبريّ 2:256)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل فيمن عنى بقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعد إجماع جميعهم على أنّ أهل الحرم معنيّون به، و أنّه لا متعة لهم،فقال بعضهم:عنى بذلك أهل الحرم خاصّة دون غيرهم.

و قال آخرون: عنى بذلك أهل الحرم،و من كان منزله دون المواقيت إلى مكّة.

و قال بعضهم: بل عنى بذلك أهل الحرم و من قرب منزله منه.ة.

ص: 117


1- موضع على مرحلة من مكّة.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة عندنا قول من قال:

إنّ حاضري المسجد الحرام من هو حوله،ممّن بينه و بينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصّلوات.(2:255)

و هناك بحوث أخرى،راجع«ح ض ر».

الطّبرسيّ: أي ما تقدّم ذكره من التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ ليس لأهل مكّة و من يجري مجراهم،و إنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكّة،و هو من يكون بينه و بينها أكثر من اثني عشر ميلا من كلّ جانب.(1:291)

أبو البركات: و معنى الآية:أنّ هذا الفرض لمن كان من الغرباء.و إنّما ذكر أهله و هو المراد بالحضور،لأنّ الغالب على الرّجل أن يسكن حيث أهله ساكنون.

(ابن الجوزيّ 1:208)

القرطبيّ: و القول عندي في هذا قول الزّهريّ:في أنّ الإباحة من اللّه عزّ و جلّ لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج و إن فاته الحجّ.

فأمّا من كان بينه و بين المسجد الحرام،ما لا تقصر في مثله الصّلاة،فإنّه يحضر المشاهد و إن نعش نعشا،لقرب المسافة بالبيت.(2:374)

البيضاويّ: و هو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا،فإنّه مقيم في الحرم أو في حكمه،و من مسكنه وراء الميقات عنده (1)،و أهل الحلّ عند طاوس، و غير المكّيّ عند مالك.(1:108)

نحوه أبو السّعود.(1:159)

النّسفيّ: هم أهل المواقيت،فمن دونها إلى مكّة.

(1:101)

الشّربينيّ: في ذكر«الأهل»إشعار باشتراط الاستيطان،فلو أقام قبل أشهر الحجّ و لم يستوطن و تمتّع فعليه ذلك،و هو أصحّ قولي الشّافعيّ،و الثّاني لا.

و الأهل:كناية عن النّفس.(1:130)

البروسويّ: أي لازم للّذي لا يسكن مكّة،و أهل الرّجل أخصّ النّاس إليه.و إنّما ذكر«الأهل»لأنّ الغالب إنّ الإنسان يسكن حيث يسكن أهله،فعبّر بسكون الأهل عن سكون نفسه.

و حاضرو المسجد الحرام عندنا هم أهل مكّة.و من كان منزله داخل المواقيت فلا متعة و لا قران لهم.

(1:312)

القاسميّ: أي بل كان أهله على مسافة الغيبة منه.

و أمّا من كان أهله حاضريه بأن يكون ساكنا في مكّة فهو في حكم القرب من اللّه،فاللّه تعالى يجبره بفضله.

هذا،و قال بعض المجتهدين:إنّ ذلك إشارة إلى التّمتّع المفهوم من قوله: (فَمَنْ تَمَتَّعَ)، و ليست للهدي و الصّوم،فلا متعة و لا قران لحاضري المسجد الحرام عنده.(3:49)

الطّباطبائيّ: أي الحكم المتقدّم ذكره،و هو التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ لغير الحاضر،و هو الّذي بينه و بين المسجد الحرام أكثر من اثني عشر ميلا،على ما فسّرته السّنّة.

و أهل الرّجل:خاصّته،من زوجته و عياله.و التّعبير عن النّائي:البعيد،بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام،من ألطف التّعبيرات.و فيه إيماء إلى حكمةة.

ص: 118


1- يعني أبا حنيفة.

التّشريع،و هو التّخفيف و التّسهيل،فإنّ المسافر من البلاد النّائية للحجّ-و هو عمل لا يخلو من الكدّ و مقاسات التّعب و وعثاء الطّريق-لا يخلو عن الحاجة إلى السّكن و الرّاحة.

و الإنسان إنّما يسكن و يستريح عند أهله،و ليس للنّائي أهل عند المسجد الحرام،فبدّله اللّه سبحانه من التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ،و الإهلال بالحجّ من المسجد الحرام من غير أن يسير ثانيا إلى الميقات.

و قد عرفت أنّ الجملة الدّالّة على تشريع المتعة إنّما هي هذه الجملة،أعني قوله: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ إلخ، دون قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، و هو كلام مطلق غير مقيّد بوقت دون وقت،و لا شخص دون شخص،و لا حال دون حال.(2:77)

المراغيّ: أي أنّ أهل الآفاق هم الّذين يحتاجون إلى هذا التّمتّع،لما يلحقهم من المشقّة بالسّفر إلى الحجّ وحده،ثمّ السّفر إلى العمرة وحدها.أما أهل الحرم فليسوا في حاجة إلى ذلك،فلا متعة و لا قران لحاضري المسجد الحرام.(2:98)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(1:183)

2- ...وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ... البقرة:217

الفرّاء: أهل المسجد.(1:141)

مثله الطّبريّ(2:351)،و الزّجّاج(1:290)، و الطّوسيّ(2:205)،و البغويّ(1:174)،و الزّمخشريّ (1:357).

الطّبرسيّ:يعني أهل المسجد،و هم المسلمون.

(1:312)

نحوه الفخر الرّازيّ.(6:35)

البيضاويّ: أهل المسجد،و هم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنون.(1:115)

نحوه النّسفيّ(1:108)،و الخازن(1:174)، و الشّربينيّ(1:140)،و أبو السّعود(1:166)، و الكاشانيّ(1:227)،و القاسميّ(3:542)،و عبد المنعم الجمّال(1:217).

3- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً... النّساء:35

الطّبرسيّ: أي وجّهوا حكما من قوم الزّوج و حكما من قوم الزّوجة لينظرا فيما بينهما.(2:44)

نحوه أبو السّعود(1:340)،و البروسويّ(2:204)، و الشّربينيّ(1:301).

4- فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ. الأعراف:83

ابن عبّاس: أراد المتّصلين به في النّسب،بدليل قوله: (إِلاَّ امْرَأَتَهُ). (النّيسابوريّ 8:173)

ابنتاه.(الفخر الرّازيّ 8:171)

الطّبريّ: المؤمنين به.(8:236)

نحوه البغويّ(2:214)،و الميبديّ(3:674)، و البيضاويّ(1:358)،و النّسفيّ(2:63)،و أبو السّعود (2:179)،و القاسميّ(7:2805)

ص: 119

الطّوسيّ: يعني المختصّين به.و الأهل:هو المختصّ بالشّيء اختصاص القرابة،و لذلك قيل:أهل البلد،لأنّهم بلزومهم سكناه قد صاروا على مثل لزوم القرابة

(4:490)

نحوه الطّبرسيّ(2:445)،و الكاشانيّ(2:218)، و شبّر(2:387).

الزّمخشريّ: من يختصّ به من ذويه أو من المؤمنين.(1:93)

نحوه النّسفيّ.(2:63)

الفخر الرّازيّ: يحتمل أن يكون المراد من(أهله):

أنصاره و أتباعه الّذين قبلوا دينه،و يحتمل أن يكون المراد المتّصلين به بالنّسب.(14:171)

نحوه النّيسابوريّ(8:173)،و الخازن(2:214).

البروسويّ: أي لوطا و أهله:ابنتيه«دعوزا» و«ريثا»،و سائر من آمن به.فإنّ«الأهل»يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و بالأقارب و بالأصحاب و بالمجموع.و أهل الرّجل:خاصّته الّذين ينسبون إليه.(3:196)

الآلوسيّ: أي من اختصّ به و اتّبعه من المؤمنين سواء كانوا من ذوي قرابته عليه السّلام أم لا.و قيل:ابنتاه «ريثا»و«يغوثا».

و للأهل معان،و لكلّ مقام مقال،و هو عند الإمام الأعظم (1)رضي اللّه تعالى عنه في باب الوصيّة:الزّوجة، للعرف و لقوله سبحانه: وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا. القصص:29،فتدفع الوصيّة لها إن كانت كتابيّة أو مسلمة و أجازت الورثة.

و عند الإمامين (2):أهل الرّجل:كلّ من في عياله و نفقته غير ممالكيه و ورثته.(8:171)

5- وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ...

مريم:55

الحسن: أراد بأهله أمّته.(الطّوسيّ 7:133)

نحوه الزّجّاج(ابن الجوزيّ 5:240)،و البغويّ(4:

202)،و الخازن(4:202).

مقاتل: يعني قومه.(ابن الجوزيّ 5:240)

الطّوسيّ: و المفهوم من«الأهل»في الظّاهر أقرب أقاربه.(7:133)

الزّمخشريّ: قيل:(أهله)أمّته كلّهم من القرابة و غيرهم،لأنّ أمم النّبيّين في عداد أهاليهم.و فيه أنّ من حقّ الصّالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن الأقارب و المتّصلين به،و أن يحظيهم بالفوائد الدّينيّة،و لا يفرّط في شيء من ذلك.(2:513)

نحوه أبو حيّان.(6:199)

الطّبرسيّ: أي قومه و عترته و عشيرته.

(3:518)

الفخر الرّازيّ: و الأقرب في«الأهل»أنّ المراد به من يلزمه أن يؤدّي إليه الشّرع فيدخل فيه كلّ أمّته،من حيث لزمه في جميعهم ما يلزم المرء في أهله خاصّة،هذا إذا حمل الأمر على المفروض من الصّلاة و الزّكاة.

فإن حمل على النّدب فيهما كان المراد أنّه كما كانّ.

ص: 120


1- أبو حنيفة.
2- مالك و الشّافعيّ.

يتهجّد باللّيل يأمر أهله-أي من كان في داره في ذلك الوقت-بذلك،و كان نظره لهم في الّذين يغلب على شفقته عليهم في الدّنيا بخلاف ما عليه أكثر النّاس.

و قيل:كان يبدأ بأهله في الأمر بالصّلاح و العبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم،كما قال تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشّعراء:214، وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها طه:132، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6.و أيضا فهم أحقّ أن يتصدّق عليهم فوجب أن يكونوا بالإحسان الدّينيّ أولى.

فأمّا الزّكاة فعن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّها طاعة اللّه تعالى و الإخلاص،فكأنّه تأوّله على ما يزكو به الفاعل عند ربّه.و الظّاهر أنّه إذا قرنت الزّكاة إلى الصّلاة أن يراد بها الصّدقات الواجبة،و كان يعرف من خاصّة أهله أن يلزمهم الزّكاة فيأمرهم بذلك أو يأمرهم أن يتبرّعوا بالصّدقات على الفقراء.(21:232)

نحوه النّيسابوريّ.(16:65)

البيضاويّ: اشتغالا بالأهمّ،و هو أن يقبل الرّجل على نفسه و من هو أقرب النّاس إليه بالتّكميل.قال اللّه تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشّعراء:214، وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ طه:132، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6.

قيل:أهله:أمّته،فإنّ الأنبياء آباء الأمم.(2:36)

مثله أبو السّعود(3:285)،و البروسويّ(5:341)، و الآلوسيّ(16:105)،و المراغيّ(16:63).

النّسفيّ: (أهله):أمّته،لأنّ النّبيّ أبو أمّته و أهل بيته،و فيه دليل على أنّه لم يداهن غيره.(3:38)

الطّباطبائيّ: المراد ب(أهله)خاصّته من عترته و عشيرته و قومه،كما هو ظاهر اللّفظ.

و قيل:المراد ب(أهله)أمّته،و هو قول بلا دليل.

(14:63)

6- ...إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً... طه:10

الميبديّ: أي لامرأته و ولديه.(6:102)

الطّبرسيّ: هي بنت شعيب كان تزوّجها بمدين.

(4:5)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:272)

الفخر الرّازيّ: يجوز أن يكون الخطاب للمرأة و ولدها و الخادم الّذي معها،و يجوز أن يكون للمرأة وحدها.و لكن خرج على ظاهر لفظ«الأهل»فإنّ «الأهل»يقع على الجمع،و أيضا فقد يخاطب الواحد بلفظ الجماعة تفخيما.(22:15)

نحوه النّيسابوريّ(16:94)،و الشّربينيّ(2:451)، و البروسويّ(5:369)،و الآلوسيّ(16:165)،و أبو السّعود(3:299).

و بهذا المعنى جاءت كلمة«أهل»في سورة القصص:

29،في أكثر التّفاسير.

7- ...فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ.

الأنبياء:76

الطّبريّ: يعني ب(أهله)أهل الإيمان،من ولده و حلائلهم.(17:50)

ص: 121

نحوه المراغيّ.(17:55)

الميبديّ: أي أهل بيته.(6:271)

الفخر الرّازيّ: المراد ب«الأهل»هاهنا أهل دينه.

(22:193)

القرطبيّ: أي المؤمنين منهم.(11:306)

نحوه ابن كثير.(4:575)

شبّر: من معه في الفلك.(4:208)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(أهله)خاصّته إلاّ امرأته و ابنه الغريق.(14:306)

و بهذا المعنى جاءت كلمة«أهل»في سورة الصّافّات:76،في أكثر التّفاسير.

8- ...وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً...

الأنبياء:84

ابن مسعود: ردّ اللّه إليه أهله الّذين هلكوا بأعيانهم،و أعطاه مثلهم معهم.(الطّوسيّ 7:271)

مثله ابن عبّاس(الطّوسيّ 7:271)،و مجاهد (الطّبريّ 17:72).

ابن عبّاس: أبدله اللّه تعالى بكلّ شيء ذهب له ضعفين.(الطّوسيّ 7:271)

الحسن: إنّ اللّه أحيا له أهله بأعيانهم،و زاده إليهم مثلهم.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 7:271)

مجاهد: في رواية أنّه خيّر،فاختار إحياء أهله في الآخرة و مثلهم في الدّنيا،فأوتي على ما اختار.

مثله عكرمة.(الطّوسيّ 7:271)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أحيا اللّه له أهله الّذين كانوا قبل البليّة،و أحيا له أهله الّذين ماتوا و هو في البليّة.

(البحرانيّ 3:67)

الفرّاء: ذكر أنّه كان لأيّوب سبعة بنين و سبع بنات فماتوا في بلائه،فلمّا كشف اللّه عنه أحيا اللّه له بنيه و بناته،و ولد له بعد ذلك مثلهم.(2:209)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في«الأهل»الّذي ذكر اللّه في قوله: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ أهم أهله الّذين أوتيهم في الدّنيا أم ذلك وعد وعده اللّه أيّوب أن يفعل به في الآخرة؟

فقال بعضهم: إنّما آتى اللّه أيّوب في الدّنيا مثل أهله الّذين هلكوا،فإنّهم لم يردّوا عليه في الدّنيا و إنّما وعد اللّه أيّوب أن يؤتيه إيّاهم في الآخرة.

و قال آخرون: بل ردّهم إليه بأعيانهم،و أعطاه مثلهم معهم.

و قال آخرون: بل آتاه المثل من نسل ماله الّذي ردّه عليه و أهله.فأمّا الأهل و المال فإنّه ردّهما عليه.

(17:73)

الميبديّ: أي أولاده و هم عشرة بنين،و قيل:

سبعة بنين و ثلاث بنات،و قيل سبعة و سبع.(6:291)

نحوه الشّربينيّ.(2:524)

الفخر الرّازيّ: يدخل فيه من ينسب إليه من زوجة و ولد و غيرهما،ثمّ فيه قولان:أحدهما:و هو قول ابن مسعود و ابن عبّاس و قتادة و مقاتل و الكلبيّ و كعب رضي اللّه عنهم أنّ اللّه تعالى أحيا له أهله،يعني أولاده بأعيانهم.

ص: 122

و الثّاني:روى اللّيث رضي اللّه عنه قال:أرسل مجاهد إلى عكرمة و سأله عن الآية،فقال:قيل له:إنّ أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجّلناهم لك في الدّنيا و إن شئت كانوا لك في الآخرة و آتيناك مثلهم في الدّنيا.

فقال:يكونون لي في الآخرة و أوتي مثلهم في الدّنيا.

و القول الأوّل أولى،لأنّ قوله: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ

يدلّ بظاهره على أنّه تعالى أعادهم في الدّنيا و أعطاه معهم مثلهم أيضا.(22:21)

و هناك بحوث أخرى راجع«م ث ل»،و جاء بهذا المعنى كلمة«أهل»الّتي وردت في سورة ص:43.

9- فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. الشّعراء:170

النّسفيّ: يعني بناته و من آمن معه.(3:193)

أبو السّعود:أي(أهل بيته)و من اتّبعه في الدّين بإخراجهم من بينهم عند مشارفة حلول العذاب بهم.

(4:116)

نحوه الكاشانيّ(4:48)،و البروسويّ(6:302).

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّ المراد ب(أهله)أهل بيته.

و جوّز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازا،فيشمل أهل بيته المؤمنين و سائر من آمن به.

و قيل:لا حاجة إلى هذا التّعميم؛إذ لم يؤمن به عليه السّلام، إلاّ أهل بيته.(19:116)

10- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها... النّمل:7

الزّمخشريّ: روي أنّه لم يكن مع موسى عليه السّلام غير امرأته،و قد كنّى اللّه عنها بالأهل.(3:137)

نحوه الطّباطبائيّ.(15:342)

النّسفيّ: لزوجته و من معه،عند مسيره من مدين إلى مصر.(3:202)

11- قالُوا تَقاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَ إِنّا لَصادِقُونَ. النّمل:49

البغويّ: أي قومه الّذين أسلموا معه.(5:126)

مثله الخازن.(5:126)

النّسفيّ: ولده و من تبعه.(3:216)

الشّربينيّ: أي من آمن به.[إلى أن قال:]

مَهْلِكَ أَهْلِهِ أي أهل ذلك الوليّ فضلا عن أن نكون باشرنا،أو أهل صالح عليه السّلام فضلا عن أن نكون شهدنا مهلكه أو باشرنا قتله و لا موضع إهلاكه.

(3:65)

الآلوسيّ: قيل:الضّمير في(أهله)يعود على الوليّ، و المراد بأهل الوليّ:صالح و أهله.و اعترض بأنّه لو أريد أهل الوليّ لقيل:أهلك أو أهله،و منع بأنّ ذلك غير لازم.

فقد قرئ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ آل عمران:12، بالخطاب و الغيبة،و وجه ذلك ظاهر،نعم رجوع الضّمير إلى الوليّ خلاف الظّاهر،كما لا يخفى.(19:213)

الطّباطبائيّ: أهل الرّجل:من يجمعه و إيّاهم بيت أو نسب أو دين.و لعلّ المراد ب(أهله)زوجه و ولده،بقرينة قوله بعد: ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا. (15:374)

12- قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها

ص: 123

لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ.

العنكبوت:32

الطّوسيّ: (و اهله)المؤمنين منهم.(8:205)

البروسويّ: أتباعه المؤمنين،و هم بناته.(6:466)

13- ...وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ... فاطر:43

الطّوسيّ: لا ينزل بأحد جزاء المكر السّيّئ إلاّ بمن فعله.(8:438)

نحوه الفخر الرّازيّ.(26:34)

الطّبريّ: يعني بالدّين يمكرونه.(22:146)

القرطبيّ:لا ينزل عاقبة الشّرك إلاّ بمن أشرك.

(14:359)

الكاشانيّ: هو الماكر،قيل:و قد حاق بهم يوم بدر.

(4:243)

البروسويّ: و المعني و لا يحيط المكر السّيّئ إلاّ بأهله و هو الماكر،و قد حاق بهم يوم بدر.[إلى أن قال:]

و في بحر العلوم:المعنى إلاّ حيقا ملصقا بأهله،و هو استثناء مفرّغ فيجب أن يقدّر له مستثنى منه عامّ، مناسب له من جنسه،فيكون التّقدير:و لا يحيق المكر السّيّئ حيقا إلاّ حيقا بأهله.(7:361)

14- وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً. الانشقاق:9

قتادة: إلى أهل أعدّ اللّه لهم الجنّة.

(الطّبريّ 3:117)

مجاهد: أي إلى خاصّته و من أعدّه اللّه تعالى له في الجنّة من الحور و الغلمان.(الآلوسيّ 30:80)

القرطبيّ: قيل:إلى أهله الّذين كانوا له في الدّنيا، ليخبرهم بخلاصه و سلامته.(19:273)

النّسفيّ: إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين أو إلى فريق المؤمنين،أو إلى أهله في الجنّة من الحور العين.

(4:343)

نحوه الشّربينيّ(4:507)،و أبو السّعود(5:249)، و الكاشانيّ(5:305).

البروسويّ: أي عشيرة المؤمنين أو فريق المؤمنين، هم رفقاؤه في طريق السّعادة و الكرامة، (مَسْرُوراً) مبتهجا بحاله و كونه من أهل النّجاة،قائلا: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ الحاقّة:19،فهذا الانقلاب يكون في المحشر قبل دخول الجنّة،لا كما قال في«عين المعانيّ»:من أنّه يدلّ على أنّ أهله يدخلون الجنّة قبله.

و فيه إشارة إلى كتاب الاستعداد الفطريّ المكتوب في ديوان الأزل بقلم كتبة الأسماء الجماليّة،فإنّ من أوتيه لا تناقشه الأسماء الجلاليّة،و ينقلب إلى أهله مسرورا، بفيض تجلّي جماله و لطفه.(10:377)

الآلوسيّ: أي عشيرته المؤمنين،مبتهجا بحاله قائلا هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ الحاقّة:19.

و قيل:أي فريق المؤمنين مطلقا و إن لم يكونوا عشيرته؛إذ كلّ المؤمنين أهل للمؤمن من جهة الاشتراك في الإيمان.(30:80)

الطّباطبائيّ: المراد ب«أهل»من أعدّه اللّه له في الجنّة من الحور و الغلمان و غيرهم،و هذا هو الّذي يفيده السّياق.

و قيل:المراد به عشيرته المؤمنون ممّن يدخل الجنّة.

ص: 124

و قيل:المراد فريق المؤمنين و إن لم يكونوا من عشيرته،فالمؤمنون إخوة،و الوجهان لا يخلوان من بعد.

(20:243)

اهلهم

1- فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.

يس:50

قتادة: أي إلى منازلهم،لأنّهم قد أعجلوا عن ذلك.

(القرطبيّ 15:39)

البروسويّ: الأهل يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و الأقارب و بالأصحاب و بالمجموع.

(7:410)

2- وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ

المطفّفين:31

القرطبيّ: أي انصرفوا إلى أهلهم و أصحابهم و ذويهم.(19:267)

نحوه المراغيّ.(30:85)

الشّربينيّ: أي منازلهم الّتي هي عامرة بجماعتهم.

و قرأ حمزة و الكسائيّ في الوصل بضمّ الهاء و الميم، و أبو عمرو بكسر الهاء،و الباقون بكسر الهاء و ضمّ الميم.(4:504)

البروسويّ: إلى أهل بيتهم و أصحابهم الجهلة الضّالّة التّابعة لهم.(10:373)

نحوه المراغيّ.(30:85)

اهلهنّ

...فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ...

(النّساء:25)

البغويّ: أي مواليهنّ.(1:426)

نحوه الزّمخشريّ(1:520)،و الطّبرسيّ(2:34)، و ابن الجوزيّ(2:57)،و القرطبيّ(5:141)،و النّسفيّ (1:220)،و الشّربينيّ(1:296)،و البروسويّ (2:190).

الآلوسيّ: و المراد من«الأهل»الموالي،و حمل الفقهاء ذلك على من له ولاية التّزويج و لو غير مالك.

فقد قالوا:للأب و الجدّ و القاضي و الوصيّ تزويج أمة اليتيم.

لكن في«الظّهيريّة»:الوصيّ لو زوّج أمة اليتيم من عبده لا يجوز.

و في«جامع الفصولين»:القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب.

و في«فتح القدير»:للشّريك المفاوض تزويج الأمة.

و ليس لشريك العنان و المضارب و العبد المأذون تزويجها عند أبي حنيفة و محمّد،و قال أبو يوسف:يملكون ذلك.[و للكلام تتمّة،فراجع](5:9)

نحوه رشيد رضا.(5:21)

الطّباطبائيّ: إرشاد إلى نكاح الفتيات مشروطا بأن يكون بإذن مواليهنّ.فإنّ زمام أمرهنّ إنّما هو بيد الموالي لا غير،و إنّما عبّر عنهم بقوله: (أَهْلِهِنَّ) جريا على ما يقتضيه قوله قبل بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فالفتاة واحدة من أهل بيت مولاها و مولاها أهلها.(4:278)

ص: 125

اهلك

1- وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آل عمران:121

الطّبرسيّ: أي خرجت من المدينة غدوة.

(1:495)

النّسفيّ: و المراد غدوّه من حجرة عائشة إلى أحد.

(1:179)

نحوه الشّربينيّ(1:243)،و البروسويّ(2:87)، و الآلوسيّ(4:41).

الطّباطبائيّ: و المراد بأهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خاصّته و هم جمع،و ليس المراد به هاهنا شخص واحد، بدليل قوله: غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ إذ يجوز أن يقال:

خرجت من خاصّتك و من جماعتك،و لا يجوز أن يقال:

خرجت من زوجتك و خرجت من أمّك،و لذا التجأ بعض المفسّرين إلى تقدير في الآية،فقال:إنّ التّقدير:

خرجت من بيت أهلك،لما فسّر«الأهل»بالمفرد و لا دليل يدلّ عليه من الكلام.(4:5)

المراغيّ: أي و اذكر لهم أيّها الرّسول وقت خروجك من بيتك.(4:54)

نحوه محمّد عبد المنعم الجمّال.(1:413)

2- ...قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ

هود:40

الطّبريّ: يعني ب«الأهل»ولده و نساءه و أزواجه.

(12:41)

نحوه البغويّ(3:189)،و الطّبرسيّ(3:163)، و الخازن(3:189)،و ابن كثير(3:552)،و الشّربينيّ (2:58)،و أبو السّعود(3:22)،و الكاشانيّ(2:444).

البروسويّ: عطف على زوجين،و المراد امرأته المؤمنة،فإنّه كان له امرأتان:أحدهما مؤمنة،و الأخرى كافرة،و هي أمّ كنعان و بنوه و نساؤهم.(4:128)

الآلوسيّ: عطف على زوجين أو على اثنين.

و المراد ب«أهله»على ما في بعض الآثار،امرأته المسلمة و بنوه منها،و هم:«سام»عليه السّلام و هو أبو العرب و أصله على ما قال البكريّ:بالشّين المعجمة،و«حام» و هو أبو السّودان قيل:إنّه أصاب زوجته في السّفينة فدعا نوح عليه السّلام أن تغيّر نطفته فغيّرت،و أخرجه ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن أبي صالح، و«يافث»كصاحب و هو أبو التّرك،و يأجوج و مأجوج، و زوجة كلّ منهم.(12:55)

شبّر: و احمل أهلك:امرأتك و بنيك و نساءهم.

(3:217)

نحوه رشيد رضا.(12:76)

الطّباطبائيّ: أي و احمل فيها أهلك،و هم المختصّون به من زوج و ولد و أزواج الأولاد و أولادهم.

(10:227)

نحوه المراغيّ.(12:37)

3- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ... هود:46

ابن عبّاس: ليس ممّن وعدناه النّجاة.

(الطّبريّ 12:52)

ص: 126

مثله سعيد بن جبير و الضّحّاك.(الطّوسيّ 5:566)

مجاهد:إنّه كان لغيره و ولد على فراشه.

(الطّوسيّ 5:566)

الحسن: لم يكن ابنه.(الطّبريّ 12:49)

عكرمة: كان ابنه،و لكنّه كان مخالفا له في العمل و النّيّة،فمن ثمّ قيل:إنّه ليس من أهلك.

(الطّبرسيّ 3:167)

الضّحّاك: يقول:ليس من أهل ولايتك و لا ممّن وعدتك أن أنجي من أهلك.(الطّبريّ 12:52)

نحوه أبو بشر(الطّبريّ 12:51)،و الزّجّاج(ابن سيدة 4:256)،و الكاشانيّ(3:45)،و شبّر(3:221)، و المراغيّ(12:40).

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى قال لنوح:إنّه ليس من أهلك،لأنّه كان مخالفا له،و جعل من اتّبعه من أهله.(الطّبرسيّ 3:167)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ؛ فقال بعضهم:معناه ليس من ولدك، هو من غيرك.و قال آخرون:معنى ذلك ليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال تأويل ذلك:إنّه ليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم،لأنّه كان لدينك مخالفا و بي كافرا و كان ابنه،لأنّ اللّه تعالى ذكره قد أخبر نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ابنه،فقال: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ و غير جائز أن يخبر أنّه ابنه،فيكون بخلاف ما أخبر،و ليس في قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ دلالة على أنّه ليس بابنه؛إذ كان قوله: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ محتملا من المعنى ما ذكرنا،و محتملا أنّه ليس من أهل دينك،ثمّ يحذف«الدّين»فيقال:إنّه ليس من أهلك،كما قيل: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها يوسف:82.

(12:52)

الطّوسيّ: في هذه الآية حكاية عمّا أجاب اللّه به نوحا حين سأله نجاة ابنه،بأن قال له: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.

و قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:قال ابن عبّاس و سعيد بن جبير و الضّحّاك و أكثر المفسّرين:إنّه ليس من أهلك الّذين وعدتك بنجاتهم معك،و إنّه كان ابنه لصلبه،بدلالة قوله:

وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ هود:42،فأضافه إليه إضافة مطلقة.

و الثّاني:أنّه أراد بذلك أنّه ليس من أهل دينك،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله«سلمان منّا أهل البيت».و إنّما أراد:على ديننا.

و ثالثها:قال الحسن و مجاهد:إنّه كان لغيره و ولد على فراشه،فسأل نوح على الظّاهر فأعلمه اللّه باطن الأمر،فنفاه منه على ما علمه؛فيكون على هذا هو نفسه عمل غير صالح،كما يقولون:الشّعر زهير.و هذا الوجه ضعيف،لأنّ في ذلك طعنا على نبيّ،و إضافة ما لا يليق به إليه.و المعتمد الأوّل.(5:565)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:13)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و رابعها:أنّه كان ابن امرأته و كان ربيبه،و يعضده

ص: 127

قراءة من قرأ(ابنه)بفتح الهاء و(ابنها)،و المعتمد المعوّل عليه في تأويل الآية القولان الأوّلان.(3:167)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه لمّا ثبت بالدّليل أنّه كان ابنا له،وجب حمل قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ على أحد وجهين:

أحدهما:أن يكون المراد أنّه ليس من أهل دينك.

و الثّاني:المراد أنّه ليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم معك.و القولان متقاربان.

هذه الآية تدلّ على أنّ العبرة بقرابة الدّين لا بقرابة النّسب،فإنّ في هذه الصّورة كانت قرابة النّسب حاصلة من أقوى الوجوه.و لكن لمّا انتفت قرابة الدّين،لا جرم نفاه اللّه تعالى بأبلغ الألفاظ،و هو قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ. (18:2)

نحوه القرطبيّ.(9:46)

النّيسابوريّ: التّأويل أنّه كان للرّوح أربعة بنين:

ثلاثة من المؤمنين،و هم:القلب و السّرّ و العقل،و واحد كافر و هو النّفس.فنفى عن النّفس أهليّة الدّين و الملّة، لأنّها خلقت للأمّاريّة.(12:35)

أبو السّعود: أي ليس منهم أصلا،لأنّ مدار الأهليّة هو القرابة الدّينيّة،و لا علاقة بين المؤمن و الكافر،أو ليس من أهلك الّذين أمرتك بحملهم في الفلك،لخروجه عنهم بالاستثناء.

و على التّقديرين ليس هو من الّذين وعد بإنجائهم، ثمّ علّل عدم كونه منهم على طريقة الاستئناف التّحقيقيّ بقوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ. (3:24)

نحوه الآلوسيّ(12:69)،و محمّد عبد المنعم الجمّال (2:1433).

القاسميّ: قال القاشانيّ:أي أنّ أهلك في الحقيقة هو الّذي بينك و بينه القرابة الدّينيّة و اللّحمة المعنويّة و الاتّصال الحقيقيّ لا الصّوريّ كما قال أمير المؤمنين عليّ رضي اللّه عنه:ألا و إنّ وليّ محمّد من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته ألا و إنّ عدوّ محمّد من عصى اللّه و إن قربت لحمته.

(9:3448)

الطّباطبائيّ: و المراد بكونه«ليس من أهله» -و اللّه أعلم-أنّه ليس من أهله الّذين وعده اللّه بنجاتهم، لأنّ المراد ب«الأهل»في قوله: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هود:40،الأهل الصّالحون،و هو ليس بصالح و إن كان ابنه و من أهله بمعنى الاختصاص،و لذلك علّل قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ بقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.

فإن قلت:لازم ذلك أن يكون امرأته الكافرة من أهله،لأنّها إنّما خرجت من الحكم بالاستثناء و هي داخلة موضوعا في قوله: (وَ أَهْلَكَ) و يكون ابنه ليس من أهله و خارجا موضوعا لا بالاستثناء،و هو بعيد.

قلت:المراد ب«الأهل»في قوله: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هم الأهل بمعنى الاختصاص و بالمستثنى- مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ -غير الصّالحين، و مصداقه امرأته و ابنه هذا.و أمّا الأهل الواقع في قوله هذا: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ فهم الصّالحون من المختصّين به عليه السّلام،طبقا لما وقع في قوله: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45،فإنّه عليه السّلام لا يريد ب«الأهل»في قوله هذا غير الصّالحين من أولي الاختصاص،و إلاّ شمل امرأته و بطلت

ص: 128

حجّته،فافهم ذلك.

فهذا هو الظّاهر من معنى الآية،و ذكروا في تفسير الآية معان أخر:

منها:أنّ المراد أنّه ليس على دينك،فكأنّ كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله،و نسب إلى جماعة من المفسّرين.

و فيه أنّه في نفسه معنى لا بأس به إلاّ أنّه غير مستفاد من سياق الآية،لأنّ اللّه سبحانه ينفي عنه الأهليّة بالمعنى الّذي كان يثبتها له نوح عليه السّلام،و لم يكن نوح يريد بأهليّته أنّه مؤمن غير كافر بل إنّما كان يريد أنّه أهله بمعنى الاختصاص و الصّلاح و إن كان لازمه الإيمان،اللّهمّ إلاّ أن يرجع إلى المعنى المتقدّم.

و منها:أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة و إنّما ولد على فراشه،فقال نوح عليه السّلام:إنّه ابني،على ظاهر الأمر.فأعلمه اللّه أنّ الأمر على خلاف ذلك،و نبّهه على خيانة امرأته.

و ينسب إلى الحسن و مجاهد.

و فيه:أنّه على ما فيه من نسبة العار و الشّين إلى ساحة الأنبياء عليهم السّلام،و الذّوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم و ينزّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل،أنّه ليس ممّا يدلّ عليه اللّفظ بصراحة و لا ظهور،فليس في القصّة إلاّ قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ و ليس بظاهر فيما تجرّءوا عليه،و قوله في امرأة نوح: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما التّحريم:10،و ليس إلاّ ظاهرا في أنّهما كانتا كافرتين تواليان أعداء زوجيهما و تسرّان إليهم بأسرارهما و تستنجدانهم عليهما.

و منها:أنّه كان ابن امرأته عليه السّلام،و كان ربيبه لا ابنه من صلبه.

و فيه أنّه ممّا لا دليل عليه من جهة اللّفظ،على أنّه لا يلائم قوله في تعليل:إنّه ليس من أهله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ و لو كان كذلك كان من حقّ الكلام أن يقال:إنّه ابن المرأة.

على أنّ من المستبعد جدّا أن لا يكون نوح عليه السّلام عالما بأنّه ربيبه و ليس بابنه،حتّى يخاطب ربّه بقوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أو يكون عالما بذلك و يتكلّم بالمجاز،و يحتجّ على ربّه العليم الخبير بذلك،فينبّه إنّه ليس ابنه و إنّما هو ربيب.(10:234)

4- ...فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ... هود:81

مقاتل: هم امرأته و ابنتاه.و اسم ابنتيه:«ريثا» و«زعرثا».(ابن الجوزيّ 4:141)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:142)

الخازن: يعني بيتك.(3:201)

5- وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها...

طه:132

أبو سعيد الخدريّ: لمّا نزلت هذه الآية كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأتي باب فاطمة و عليّ،تسعة أشهر عند كلّ صلاة،فيقول:الصّلاة رحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ

ص: 129

تَطْهِيراً الأحزاب:33.(الطّبرسيّ 4:37)

الإمام الباقر عليه السّلام: أمره اللّه تعالى أن يخصّ أهله دون النّاس،ليعلم النّاس أنّ لأهله عند اللّه منزلة ليست للنّاس،فأمرهم مع النّاس عامّة،ثمّ أمرهم خاصّة.

(الطّبرسيّ 4:37)

الإمام الرّضا عليه السّلام: خصّصنا اللّه تبارك و تعالى بهذه الخصوصيّة إذ أمرنا مع الأمّة بإقامة الصّلاة ثمّ خصّصنا من دون الأمّة.فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجيء إلى باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات،فيقول:

الصّلاة رحمكم اللّه،و ما أكرم اللّه أحدا من ذراريّ الأنبياء بمثل هذه الكرامة الّتي أكرمنا بها،و خصّصنا من دون جميع أهل بيتهم.(عيون أخبار الرّضا:240)

الطّوسيّ: قيل:المراد به أهل بيتك و أهل دينك، فدخلوا كلّهم في الجملة.(7:224)

مثله الطّبرسيّ.(4:37)

البغويّ: يعني قومك.و قيل:من كان على دينك، كقوله تعالى: وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ مريم:55.

(4:232)

نحوه الخازن(4:232)،و ابن الجوزيّ(5:335).

الفخر الرّازيّ: فمنهم من حمله على أقاربه،و منهم من حمله على كلّ أهل دينه.و هذا أقرب،و هو كقوله:

وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ.

و إن احتمل أن يكون المراد من يضمّه المسكن؛إذ التّنبيه على الصّلاة و الأمر بها في أوقاتها ممكن فيهم دون سائر الأمّة،يعني كما أمرناك بالصّلاة فأمر أنت قومك بها.

(22:136)

القرطبيّ: الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يدخل في عمومه جميع أمّته و أهل بيته على التّخصيص.و كان عليه السّلام بعد نزول هذه الآية يذهب كلّ صباح إلى بيت فاطمة و عليّ رضوان اللّه عليهما فيقول:الصّلاة.(11:263)

نحوه النّيسابوريّ.(16:171)

البيضاويّ: أمره بأن يأمر أهل بيته أو التّابعين له من أمّته بالصّلاة بعد ما أمره بها،ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم،و لا يهتمّوا بأمر المعيشة و لا يلتفتوا لفت أرباب الثّروة.(2:65)

نحوه الشّربينيّ.(2:493)

الآلوسيّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

و المراد ب«أهله»صلّى اللّه عليه و سلّم،قيل:أزواجه و بناته و صهره عليّ رضي اللّه تعالى عنهم.

و قيل:ما يشملهم و سائر مؤمني بني هاشم و المطّلب.

و قيل:جميع المتّبعين له عليه الصّلاة و السّلام من أمّته.و استظهر أنّ المراد أهل بيته صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.[ثمّ نقل رواية أبي سعيد الخدريّ المتقدّمة]

(16:284)

الطّباطبائيّ: و المراد بقوله:(اهلك)بحسب انطباقه على وقت النّزول:خديجة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام و كان من أهله و في بيته،أو هما و بعض بنات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

فقول بعضهم:إنّ المراد به أزواجه و بناته و صهره عليّ،و قول آخرين:المراد به أزواجه و بناته و أقرباؤه من بني هاشم و المطّلب،و قول آخرين:جميع متّبعيه من أمّته، غير سديد.

ص: 130

نعم لا بأس بالقول الأوّل من حيث جري الآية و انطباقها،لا من حيث مورد النّزول،فإنّ الآية مكّيّة و لم يكن له صلّى اللّه عليه و آله بمكّة من الأزواج غير خديجة عليها السّلام.

(14:239)

6- ...فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ... المؤمنون:27

ابن عبّاس: هم ولده و نساؤهم.

(الطّبريّ 18:17)

نحوه أبو السّعود.(4:30)

الطّوسيّ: يعني الّذين آمنوا معك.(7:363)

البيضاويّ: و أهل بيتك أو و من آمن معك.

(2:106)

البروسويّ: (و اهلك)منصوب بفعل معطوف على (فَاسْلُكْ) أي و اسلك أهلك،و المراد به امرأته و بنوه.

و تأخير«الأهل»لما فيه من ضرب تفصيل بذكر الاستثناء و غيره.(6:80)

الآلوسيّ: قيل:عطف على(اثنين)على قراءة الإضافة،و على(زوجين)على قراءة التّنوين.و لا يخفى اختلال المعنى عليه،فهو منصوب بفعل معطوف على (فَاسْلُكْ) أي و اسلك أهلك،و المراد بهم أمّة الإجابة الّذين آمنوا به عليه الصّلاة و السّلام،سواء كانوا من ذوي قرابته أم لا،و جاء إطلاق«الأهل»على ذلك.و إنّما حمل عليه هنا دون المعنى المشهور ليشمل من آمن ممّن ليس ذا قرابة،فإنّهم قد ذكروا في سورة هود،و القرآن يفسّر بعضه بعضا.(18:27)

الطّباطبائيّ: (و اهلك)معطوف على قوله:

(زوجين).و ما قيل:إنّ عطف(اهلك)على(زوجين) يفسد المعنى المراد،لرجوع التّقدير حينئذ إلى قولنا:

و اسلك فيها من كلّ نوع أهلك،فالأولى تقدير:اسلك ثانيا قبل أهلك.و عطفه على (فَاسْلُكْ) يدفعه أنّ (مِنْ كُلٍّ) في موضع الحال من (زَوْجَيْنِ) فهو متأخّر عنه رتبة كما قدّمنا تقديره،فلا يعود ثانيا على المعطوف.

فالمراد ب«الأهل»خاصّته،و الظّاهر أنّهم أهل بيته و المؤمنون به،فقد ذكرهم في سورة هود مع الأهل،و لم يذكر هاهنا إلاّ الأهل فقط.(15:29)

اهلكم

اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ. يوسف:93

مسروق: دخل قوم يوسف عليه السّلام مصر،و هم ثلاثة و تسعون من بين رجل و امرأة.

(الفخر الرّازيّ 18:207)

الكلبيّ: كان أهله نحوا من سبعين إنسانا.

(ابن الجوزيّ 4:283)

الزّمخشريّ: أي يأتيني أبي و يأتيني آله جميعا.

(2:343)

البيضاويّ: (بِأَهْلِكُمْ): بنسائكم و ذراريكم و مواليكم.(1:507)

مثله شبّر.(3:306)

ابن كثير: أي بجميع بني يعقوب.(4:47)

أبو السّعود:أي بأبي و غيره ممّن ينتظمه لفظ

ص: 131

الأهل جميعا من النّساء و الذّراريّ.(3:91)

البروسويّ: بنسائكم و ذراريكم و مواليكم.فإنّ «الأهل»يفسّر بالأزواج و الأولاد،و بالعبيد و الإماء و الأقارب،و بالأصحاب و بالمجموع.(4:315)

الطّباطبائيّ: أمر منه بانتقال بيت يعقوب من يعقوب و أهله و بنيه و ذراريه جميعا من البدو إلى مصر، و نزولهم بها.(11:244)

اهلى

1- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي...

هود:45

الزّمخشريّ: أي بعض أهلي،لأنّه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبا له،فهو بعض أهله.(2:272)

مثله النّسفيّ(2:191)،و نحوه النّيسابوريّ (12:32).

المراغيّ: الّذي وعدتني بنجاتهم؛إذ أمرتني بحملهم في السّفينة،و إنّ وعدك الحقّ الّذي لا خلف فيه، و أنت خير الحاكمين بالحقّ.(12:40)

2- وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي طه:29

الشّربينيّ: أي أقاربي.(2:460)

البروسويّ: من خواصّي و أقربائي.فإنّ الأهل خاصّة الشّيء ينسب إليه،و منه قوله تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45،و أهل اللّه:خاصّته كما في الحديث «إنّ للّه أهلين من النّاس:أهل القرآن و هم أهل اللّه»كما في المقاصد الحسنة.و هو صفة ل«وزير»،أو صلة:

ل(اجعل).(5:379)

اهلنا

قالُوا إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ الطّور:26

الطّوسيّ: الأهل هو المختصّ بغيره من جهة ما هو أولى به،و كلّما كان أولى به فهو أحقّ بأنّه أهله،فمن ذلك أهل الجنّة و أهل النّار،و من ذلك أهل الجود و الكرم، و فلان من أهل القرآن و من أهل العلم و من أهل الكوفة، و من هذا قيل لزوجة الرّجل:أهله،لأنّها مختصّة به من جهة هي أولى به من غيره.

فقوله: فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ أي من يختصّ به ممّن هو أولى بنا.(9:410)

نحوه الطّبرسيّ.(5:166)

البغويّ: في الدّنيا.(6:209)

مثله الخازن(6:209)،و ابن الجوزيّ 8:53،و شبّر (6:96).

البروسويّ: الظّاهر أنّ هذا الكلام وارد على عرف النّاس،فإنّهم يقولون:شأننا بين قومنا و قبيلتنا كذا،فهم كانوا في الدّنيا بين قبائلهم و عشائرهم على صفة الإشفاق.و فيه تعريض بأنّ بعض أهلهم لم يكونوا على صفتهم و لذا صاروا محرومين.

و يدلّ على هذا أنّ«الأهل»يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و بالأقارب و بالأصحاب و بالمجموع،كما في«شرح المشارق»لابن الملك.

(9:197)

الآلوسيّ: قيل:يحتمل أنّه كناية عن كون ذلك في

ص: 132

الدّنيا،و يحتمل أن يكون بيانا لكون إشفاقهم كان فيهم و في أهلهم،لتبعيّتهم لهم في العادة.[إلى أن قال:]

قيل:ذكر (فِي أَهْلِنا) لإثبات خوفهم في سائر الأوقات و الأحوال بطريق الأولى،فإنّ كونهم بين أهليهم مظنّة الأمن،و لا أرى فيه بأسا.نعم كون ذلك، لأنّ السّؤال عمّا اختصّوا به من الكرامة دون أهليهم ليس بشيء.

و قيل:لعلّ الأولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الشّفقة على خلق اللّه تعالى.(27:35)

اهلونا

...شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا...

الفتح:11.

البغويّ: يعني النّساء و الذّراريّ،أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم.(6:160)

نحوه الخازن(6:160)،و الشّربينيّ(4:43).

النّسفيّ: هي جمع«أهل»اعتلّوا بالشّغل بأهاليهم و أموالهم،و أنّه ليس من يقوم بأشغالهم.(4:158)

الآلوسيّ: لعلّ ذكر«الأهل»بعد«الأموال»من باب التّرقّي،لأنّ حفظ الأهل عند ذوي الغيرة أهمّ من حفظ الأموال.(26:98)

اهليهم

1- ...قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

الزّمر:15

ابن عبّاس: ليس من أحد إلاّ و خلق اللّه له زوجة في الجنّة،فإذا دخل النّار خسر نفسه و أهله.

(القرطبيّ 15:243)

مجاهد: لا يكون لهم أهل يرجعون إليهم.

(الطّبريّ 23:205)

فلا ينتفعون بأنفسهم و لا يجدون في النّار أهلا كما كان لهم في الدّنيا أهل،فقد فاتتهم المنفعة بأنفسهم و أهليهم.

(الطّبرسيّ 4:493)

مثله ابن زيد(الطّبرسيّ 4:493)،نحوه الطّبريّ (23:205).

الحسن: خسروا أهليهم الّذين أعدّوا لهم في جنّة النّعيم.(الطّبرسيّ 4:493)

البغويّ: أزواجهم و خدمهم.(6:59)

مثله الخازن.(6:59)

الزّمخشريّ: يعني و خسروا أهليهم الّذين كانوا يكونون لهم لو آمنوا.(3:392)

البروسويّ: يفسّر بالأزواج و الأولاد و بالعبيد و الإماء و بالأقارب و بالأصحاب و بالمجموع،كما في «شرح المشارق»لابن الملك.(8:87)

شبّر: لعدم انتفاعهم بهم سواء كانوا معهم أو في الجنّة.

و قيل:أهلوهم:الحور المعدّة لهم في الجنّة لو آمنوا.

(5:307)

الآلوسيّ: فالمراد ب«الأهل»أتباعهم الّذين أضلّوهم،أي أضاعوا أنفسهم و أضاعوا أهليهم و أتلفوهما.(23:251)

الطّباطبائيّ: في الآية تعريض للمشركين

ص: 133

المخاطبين بقوله: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ الزّمر:

15،كأنّه يقول:فأيّا ما عبدتم فإنّكم تخسرون أنفسكم بإيرادها بالكفر مورد الهلكة و أهليكم،و هم خاصّتكم بحملهم على الكفر و الشّرك،و هي الخسران بالحقيقة.

[إلى أن قال:]

هذا على تقدير كون المراد ب«الأهل»خاصّة الإنسان في الدّنيا.

و قيل:المراد ب«الأهل»من أعدّه اللّه في الجنّة للإنسان لو آمن و اتّقى،من أزواج و خدم و غيرهم،و هو أوجه و أنسب للمقام،فإنّ النّسب و كلّ رابطة من الرّوابط الدّنيويّة الاجتماعيّة مقطوعة يوم القيامة.قال تعالى:

فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ المؤمنون 101،و قال:

يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً الانفطار:19،إلى غير ذلك من الآيات.

و يؤيّده أيضا قوله تعالى: فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً* وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً الانشقاق:7-9.(17:249)

و بهذا المعنى جاءت كلمة«أهليهم»الّتي وردت في سورة الشّورى:45.

2- بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً... الفتح:12

الطّبرسيّ: أي ظننتم أنّهم لا يرجعون إلى من خلّفوا بالمدينة من الأهل و الأولاد،لأنّ العدوّ يستأصلهم و يصطليهم.(5:114)

نحوه ابن الجوزيّ(7:430)،و البروسويّ(9:27).

المراغيّ: أي يرجع إلى أهليهم،أي عشائرهم و ذوي قرباهم.(26:92)

اهليكم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ... التّحريم:6

الطّوسيّ: و قوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً إنّما كسر اللاّم و موضعها النّصب،لأنّ العرب تقول:رأيت أهلك،يريدون جميع القرابات،و منهم من يقول:أهليك.

و يجمع أهل على أهلين،فإذا أضافه ذهبت النّون للإضافة،فالياء علامة الجمع و النّصب،و كسرت اللاّم لمجاورتها الياء.و في الحديث:«إنّ للّه أهلين»قيل:من هم يا رسول اللّه؟قال:أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته.

و من العرب من يجمع«أهلا»أهلات.[ثمّ استشهد بشعر](8:204)

الزّمخشريّ: قرئ (و أهلوكم) عطفا على واو(قوا) و حسن العطف للفاصل.

فإن قلت:أ ليس التّقدير قوا أنفسكم و ليق أهلوكم أنفسهم؟قلت:لا،و لكنّ المعطوف مقارن في التّقدير للواو و (أَنْفُسَكُمْ) واقع بعده،فكأنّه قيل:قوا أنتم و أهلوكم أنفسكم.جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه،فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب.

(4:128)

الشّربينيّ: النّساء و الأولاد و كلّ من يدخل في هذا الاسم قوهم.(4:330)

البروسويّ: أصله:أهلين،جمع«أهل»حذفت النّون بالإضافة.و قد يجمع على«أهالي»على غير

ص: 134

قياس،و هو كلّ من في عيال الرّجل و نفقته،من المرأة و الولد و الأخ و الأخت و العمّ و ابنه و الخادم،و يفسّر بالأصحاب أيضا.[إلى أن قال:]

و قال القاشانيّ،رحمه اللّه: الأهل بالحقيقة هو الّذي بينه و بين الرّجل تعلّق روحانيّ و اتصال عشقيّ سواء اتّصل به اتّصالا جسمانيّا أم لا،و كلّ ما تعلّق به تعلّقا عشقيّا فبالضّرورة يكون معه في الدّنيا و الآخرة.

(10:58)

نحوه المراغيّ.(28:162)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «الأهل»على ثمانية أوجه:السّاكن، القاري،الأصحاب،الزّوجة،العشيرة،المختار لها،القوم، المستحقّ.

فوجه منها:أهل القرى،يعني ساكن القرى،قوله عزّ و جلّ: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى الأعراف:97،يعنى ساكن القرى،كقوله عزّ و جلّ: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا التّوبة:101،و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الأهل يعني قرّاء التّوراة و الإنجيل يا أَهْلَ الْكِتابِ آل عمران:64،أي يا قرّاء التّوراة و الإنجيل،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الأهل يعني الأصحاب،قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58، يعني إلى أصحابها.

و الوجه الرّابع:الأهل يعني الزّوجة و الأولاد،قوله:

وَ سارَ بِأَهْلِهِ القصص:29،أي بزوجته و ولده،مثلها في قوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ النّمل:57،يعني ابنته،و نحوه الأعراف:83.

و الوجه الخامس:الأهل يعني القوم و العشيرة،قوله:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ يعني من قومه، وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35،يعني من قومها و عشيرتها.

و الوجه السّادس:الأهل:المختار لها قوله تعالى:

وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها الفتح:26،يعني المختارين.

و الوجه السّابع:الأهل:القوم الّذين بعث فيهم نبيّ، قوله تعالى: وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ يعني قومه بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ مريم:55.

و الوجه الثّامن:الأهل:المستحقّ،قوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56،معناه أهل أن يتّقى منه،و أهل أن يسأل منه المغفرة.(24)

الفيروزآبادي: و«الأهل»ورد في نصّ التّنزيل على عشرة أوجه[ذكر مثل الدّامغانيّ و أضاف:]

التّاسع:بمعنى العترة و العشيرة و الأولاد و الأحفاد و الأزواج و الذّرّيّات وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها طه:132، إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب 33.

العاشر:بمعنى الأولاد،و أولاد أولاد الخليل:

رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73.(بصائر ذوي التّمييز 2:83)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل لهذه المادّة«الأنس»و هذا جار في جميع

ص: 135

مشتقّاتها و معانيها،يقال:أهل به:أنس به،فهو أهل،أي أنس.و المكان الآهل:ما يسكن فيه أحد فلا يستوحش فيه.و الحيوان الأهليّ:ما ألف من الدّوابّ في قبال الحيوان البرّيّ و الوحشيّ.و يقال للدّاخل:أهلا و سهلا،أي نزلت أرضا واسعة و سهلة،و دخلت على أهلك، فاستأنس و لا تستوحش.و منه:أهلّ به،أي قال له:أهلا.

2-كلمة«أهل»أيضا في جميع مواردها لوحظ فيها الأنس،ثمّ تولّد منه الاختصاص؛فالزّوجة أهل الرّجل، لأنسه بها ثمّ لاختصاصها به.و قد شاع استعمال«أهل» في الزّوجة حتّى اشتقّ منه فعل،يقال:أهل الرّجل يأهل أهولا،و تأهّل:تزوّج،و المتأهّل:المتزوّج،و استأهل الرّجل:اتّخذ أهلا،و الآهل:من له زوجة،كما أنّ الأعزب من لا زوجة له.و لا حقيقة لما قيل:إنّ«أهل»وضع أوّلا للزّوجة ثمّ تفرّعت منه المعاني الأخر.

ثمّ إنّ«أهلا»خرج من دائرة الزّوجة إلى كلّ من له قرابة بالرّجل،ثمّ إلى من يجمعه و إيّاهم سكن واحد.

و بهذا الاعتبار يطلق عليهم:أهل البيت،ثمّ توسّع فأطلق أهل بيت الرّجل:على من يجمعه و إيّاهم نسب واحد.

يقال:هم أهلي،أي من قبيلتي.و قد شاع ذلك في أهل بيت النّبيّ من أجل«آية التّطهير»،ثمّ تجاوز من القرابة و النّسب إلى أتباع الرّجل و أشياعه؛فأهل كلّ نبيّ:أمّته.

و منه«أهل البصرة،أهل الكوفة،أهل الإسلام،أهل البلد،أهل الكتاب»و هكذا.

3-و تولّد من معنى الاختصاص:الأولويّة و الاستحقاق،يقال:هو أهل لذلك،أي حقيق به.و منه:

أهّلك اللّه لهذا الأمر،أي جعلك أهلا له.و لعلّ منه:أهل الجود و الكرم،أهل الفكر،أهل العلم،أهل القرآن،أهل اللّه،هو أهل للعبادة،أهل الدّنيا،أهل الآخرة،أهل التّقوى،أهل المغفرة،و نحوها.

4-و أمّا الإهالة بمعنى ما يؤتدم به،أو الزّيت و الشّحم فقط،فقد جعله ابن فارس أصلا برأسه،بعيدا عن الأوّل كلّ البعد.و الأمر-برأينا-ليس كذلك؛إذ يوجد فيه معنى الأنس؛فالإدام يستأنس به الإنسان في طعامه كما يأنس به الخبز و يخرج من غربته،كما أنّ الطّعام يجعل الإنسان أهلا لأن يقوم بأعماله.و منه:استأهل:أكل الإهالة،و ائتدم بها.

5-و الكلمات المقاربة لأهل لفظا لها صلة به معنى؛ فأهلّ:رفع صوته بالتّلبية و أنس بالحجّ.و استهلّ:رأى الهلال و أنست عينه به.و السّحاب تهلّل برقه:تلألأ حتّى أنست به العيون.و الهالة:دائرة القمر المحيطة به كالأهل للرّجل.و وهل إليه:فزع إليه و أنس به،و وهل منه:فزع منه و استوحش.و أله:تعبّد و خضع للّه و أنس به.و اللّهو:

ما يشغل الإنسان أنسا به عن الخير.و لاهاه:دنا منه، و و له:حنّ إليه،و هكذا.

الاستعمال القرآنيّ

1-لم يجئ من«أهل»-الّذي استعمل(127)مرّة في القرآن-فعل،و قد جعله البعض دليلا على أنّه الأصل لهذه المادّة.و لكن يبدو أنّ مجيئه في الجملة معطيا معنى الفعل أجمل من استعمال الفعل منه.

2-و جاء أهل(74)مرّة في المكّيّات،و(53)مرّة في المدنيّات؛و ذلك ربّما مراعاة لمن لم يكن له أهل من

ص: 136

المهاجرين،أو دعوة إلى الزّهد من التّعلّق بالأهل،لأجل التّهيّؤ للحرب و الجهاد في سبيل اللّه.كما أنّ كثرة ورودها في سورة الفتح(3)مرّات بالنّسبة إلى قلّة آياتها-و هي (29)آية-ربّما يكون إشارة إلى التقاء المهاجرين بأهليهم،أو أنسهم بمكّة و أهلها بعد الفتح.

3-و إنّ الرّقم(127)-و هو تعداد مجيء«أهل»في القرآن-نفس الرّقم النّاتج من مجموع كلمات:بنين،بنو، بنات،بنون،إخوة،زوج،حفدة،أمّ،أب،أبناء،...و هو (127).

4-و جاء مجرّدا من الضّمير(54)مرّة،و مع ضمير الغائب(54)مرّة أيضا.

5-أصيف أهل(51)مرّة إلى(14)كلمة كالآتي:

1-أهل الإنجيل(مرّة واحدة):المائدة:47.

2-أهل البيت(مرّتين):هود:73،الأحزاب:33.

3-أهل بيت(مرّة واحدة):القصص:12.

4-أهل التّقوى(مرّة واحدة):المدّثّر:56.

5-أهل الذّكر(مرّتين):النّحل:43،الأنبياء:7.

6-أهل القرى(5)مرّات:الأعراف:96،97،98، يوسف:109،الحشر:7.

7-أهل قرية(مرّة واحدة):الكهف:77.

8-أهل الكتاب(31)مرّة.

9-أهل المدينة(3)مرّات:التّوبة:101،120، الحجر:67.

10-أهل مدين(مرّتين):طه:40،القصص:45.

11-أهل المغفرة(مرّة واحدة):المدّثّر:56.

12-أهل النّار(مرّة واحدة):سورة ص:64.

13-أهل هذه القرية(مرّتين):العنكبوت:31،34.

14-أهل يثرب(مرّة واحدة):الأحزاب:13.

و سنركّز البحث في أربعة منها،و هي:أهل البيت، أهل الذّكر،أهل الكتاب،أهل الإنجيل.

الأوّل:أهل البيت:جاء في سورة هود-و هي مكّيّة-بشأن امرأة إبراهيم حين بشّرها اللّه بإسحاق، و كبر عندها أن تلد و هي عجوز،قالوا«أي الملائكة»:

أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73،و أريد به«آل إبراهيم» بما فيهم زوجته.

و جاء في سورة الأحزاب-و هي مدنيّة-بشأن أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.

و يلاحظ أوّلا:أنّ لكلّ من إبراهيم و نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله أهل بيت شرّفوا بعناية خاصّة من اللّه؛فأهل بيت إبراهيم شرّفوا برحمة اللّه و بركاته عليهم،فاختصّوا بأن تلد المرأة منهم و هي عجوز و بعلها شيخ،فأعطوا من الفضل ما لم يؤته غيرهم.و هذا يوافق و يقرّب ما جاء بشأن أهل بيت النّبيّ من الفضل،و هو إذهاب الرّجس عنهم و تطهيرهم.و لا غرو في ذلك فإنّهم ذرّيّة إبراهيم ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ آل عمران:34.

و ثانيا:أهل البيت في الآية الأولى شامل لإبراهيم عليه السّلام،و كذلك في الثّانية شامل للرّسول عليه السّلام، و يعاضده الرّوايات كما سيأتي.

و ثالثا:أهل البيت في الآيتين لا يختصّ بمن يجمعهم بيت و سكن واحد كما لا يختصّ بالزّوجة،بل المتعارف في

ص: 137

مثل هذا التّعبير-و لو تجوّزا-كما قال الرّاغب:أهل بيت الرّجل:من يجمعه و إيّاهم نسب واحد.و هذا يختلف عن قولهم:أهل الرّجل،تعبيرا عن زوجته فقط،بل هو من قبيل قول نوح عليه السّلام: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي. هود:45.

و رابعا:آية التّطهير لها مدلول نظرا إلى السّياق، و مدلول آخر نظرا إلى الرّوايات المتضافرة من طريق الفريقين بأنّها خاصّة بالخمسة الطّاهرة،و هم:النّبيّ و ابنته فاطمة و زوجها عليّ و ابناها الحسن و الحسين عليهم السّلام.و قد تسالم العلماء على صحّة تلك الرّوايات و دلالتها على فضل الخمسة.إلاّ أنّ الشّيعة بل و جماعة من غيرهم استفادوا من الآية و الرّوايات عصمتهم عليهم السّلام،ثمّ ألحقوا بهم سائر الأئمّة،بأدلّة عقليّة و نقليّة بل بعموم لفظها.

و خامسا:قد أطالوا البحث حول الآية في التّفاسير و كتب الإمامة و الفضائل،و لا نريد الخوض فيها،و إنّما نفسّر الآية بحسب السّياق،ثمّ نطبّقها على الرّوايات، آملين الوصول إلى نتيجة جامعة بين المدلولين،لعلّها تفضّ النّزاع و ترفع التّضادّ.

فنقول:

1-إنّ آية التّطهير جزء من آيات تخاطب نساء النّبيّ،و أوّلها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً -إلى أن قال- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب:28-34.

و قبلها و بعدها آيات أخر بشأن أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم منها آية الحجاب وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. الأحزاب:53.

2-و سياق الآيات أنّه تعالى يوصيهنّ بالتّقوى و الطّاعة،و يرغّبهنّ إلى أعمال الخير،و إلى هنا يختصّ بهنّ الخطاب.ثمّ إنّه بعد هذه التّوصيات لهنّ يعمّم الحكم لهنّ و لجميع آل البيت،بأنّه إنّما يريد بذلك تطهير جميع الأسرة النّبويّة من الذّنوب و الآثام.و هذا كما يعظ الرّجل ابنه،ثمّ يقول:إنّما أريد بذلك أن يكون جميع أبنائي و أسرتي مهذّبين ممّا يشين.

3-و هذه الإرادة بالنّسبة إلى الجميع إرادة مشروطة معلّقة على شرطها،فإذا تحقّق الشّرط تحقّقت وجهة الإرادة،و إلاّ فلا.

4-و ليست الإرادة هنا-كما قيل-إرادة تكوينيّة مطلقة لا تتخلّف عن المراد،كقوله: إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82 و إنّما تكون الإرادة كذلك ما لم تقع عقيب الأمر و النّهي،و غير معلّقة على طاعة العباد.و ليس الأمر كذلك في الآية بل هي معلّقة بحسب السّياق على الطّاعة،فهي مثل قوله تعالى في آية الوضوء: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ المائدة:6،فالتّطهير هناك إنّما يثبت لمن توضّأ و اغتسل دون غيره.

5-و الإرادة الإلهيّة ثلاثة أنواع في القرآن:تكوينيّة مطلقة،و تشريعيّة،و تكوينيّة مشروطة بالطّاعة،كما أنّ

ص: 138

التّشريعيّة بدورها نوعان:مطلقة و مشروطة-لاحظ «رود»-و الإرادة هنا،أي في آية التّطهير من القسم الأخير،أي التّكوينيّة المشروطة،فلا يحكم بوقوعها إلاّ بعد العلم بتحقّق شرطها.

6-و ليس في الآية ما يرشدنا إلى تحقّق هذا الشّرط، بل غاية مفهومها أنّ التّطهير بأيّ معنى كان يثبت في أهل البيت إذا ثبت منهم العمل بتلك التّوصيات الّتي وصّى بها نساء النّبيّ.فالآية بنفسها لا تثبت الطّهارة و العصمة بالفعل،لا في أزواج النّبيّ و لا في أهل بيته،و إنّما تثبت حكما معلّقا مشروطا،هذا بالنّسبة إلى سياق الآية.

7-و أمّا الرّوايات-و هي كثيرة-فترشدنا إلى أنّ تلك التّوصيات تمّت و كملت في هؤلاء الخمسة فحسب، فالطّهارة عن الرّجس خاصّة بهم لا تتعدّاهم إلى غيرهم.

8-و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حينما جمع هؤلاء تحت«العباء»تاليا آية التّطهير،إنّما أراد أن ينبّه المسلمين بأنّ هؤلاء هم الّذين جرت إرادة اللّه بطهارتهم عن الرّجس،و الّذين طهّرهم اللّه تطهيرا لاجتماع تلك الشّروط فيهم.و قد أصرّ صلّى اللّه عليه و آله في مواقف أخرى تثبيتا لذلك،لئلاّ يلتبس الأمر على النّاس،و يدّعي بعض أزواجه أنّها من أهل البيت الّذين أذهب اللّه الرّجس عنهم،بحجّة كونها في زمرة المخاطبين بالآيات.و قد جاء في بعض تلك الرّوايات أنّ أمّ سلمة-و قد جرت واقعة«العباء»في بيتها-قالت له:أنا منكم،فقال النّبيّ:«إنّك على خير، و لست منّا»و قد روي مثلها عن عائشة،و يشهد بذلك أنّ واحدة من أمّهات المؤمنين،لم تدّع دخولها تحت آية التّطهير.

9-و بذلك صحّ إطلاق القول بأنّ آية التّطهير نزلت بشأن أهل البيت،لأنّها و إن كانت مطلقة و لكنّها جرت فيهم فقط.

10-و ما قلناه لا يبعد في الغاية عن قول الآخرين في أنّها إرادة تكوينيّة مطلقة خاصّة بالخمسة الطّاهرة،و أنّ الآية منفصلة عمّا قبلها و ما بعدها.فمآل الوجهين واحد، و هو اختصاص العصمة بهم.إلاّ أنّ في هذا الوجه احتفاظا لنظم الآية و اتّصال بعضها ببعض دون ذاك.

11-و أمّا احتمال نقل الآية عن محلّها كما صدر عن البعض فلا يليق بعصمة القرآن عن التّحريف،و لا يرضى به حملة القرآن،و في طليعتهم أهل البيت عليهم السّلام.

الثّاني:أهل الذّكر،و قد جاء في آيتين:

1- وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ* ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ. الأنبياء:7-9

2- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ. النّحل:43،44

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين مكّيّتان،جاءتا في سياق واحد،و هو أنّه تعالى ما أرسل قبل النّبيّ إلاّ رجالا أوحى إليهم،فأمر النّاس أن يسألوا عن ذلك أهل الذّكر إن كانوا لا يعلمون.و بملاحظة السّياق فقد فسّر أكثر المفسّرين أهل الذّكر بأهل الكتاب،لأنّهم الّذين أرسلت إليهم الأنبياء،و هم الّذين يعرفون هؤلاء الأنبياء.

ص: 139

ثانيا:لا يوهن هذا القول سوى أمرين:

1-الاستبعاد بأن يقال:كيف يرجع النّاس إلى هؤلاء المبطلين الكاذبين؟ألا يخاف منهم أن يضلّوهم؟

2-أنّه قد فسّر أهل الذّكر في جملة من الرّوايات بآل البيت عليهم السّلام.

و الجواب عن الأوّل أنّ الاستبعاد في غير محلّه،فإنّ الأمر بسؤال أهل الكتاب ليس غريبا في القرآن،فقد جاء فيه:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ. يونس:94

وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا (أي أتباع من أرسلنا) مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ.

الزّخرف:45

وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ. الأعراف:163

فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً. الإسراء:101

سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ.

البقرة:211

و يجري هذا المجرى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ -إلى أن قال-: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ الأحقاف:

10. أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:197،هذا إضافة إلى أنّ المشركين بمكّة كانوا ينكرون إرسال الرّسل،و أنّه تعالى لم يرسل رسولا،و أنّه لو أراد أن يرسل رسولا لأرسل ملكا،و بهذا المضمون كثير في القرآن،فإرجاع هؤلاء إلى أهل الكتاب-و كانوا يوم ذاك قاطنين في يثرب أو غيرها،و لم تقع بينهم و بين النّبيّ مواجهة و لاعداء-لا ضير فيه،فالمشركون لو سألوهم ما أنكروا أنّه قد بعث إليهم الرّسل من البشر، و كان قولهم-باعتبارهم من أهل الخبرة-حجّة على المشركين.و إنّما يستبعد الاعتماد على قولهم بعد الهجرة حينما تحقّقت و ترسّخت الخصومة بينهم و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين.

و الحاصل أنّ ذلك كان حجاجا على المشركين المنكرين لبعث الرّسل في بدء البعثة،و ليس أمرا بتعلّم النّاس أحكام دينهم من أهل الكتاب الّذين خاصموا النّبيّ بعد الهجرة.

و الجواب عن الثّاني أنّ تفسير أهل الذّكر بآل البيت في الرّوايات،لا يمنع عن حمل الآيتين حسب السّياق على ما قلنا،إذ هو تأويل لأهل الذّكر بماله من المعنى العامّ المرشد إلى ما في لبّ كلّ عاقل من«رجوع الجاهل إلى العالم»،ثمّ تطبيق هذه القاعدة على أظهر المصاديق،و هم آل البيت عليهم السّلام.فالرّوايات لا شكّ أنّها تأويليّة، و التّأويل يرد تارة بالتّعميم في المفهوم و أخرى بالتّخصيص،و كلاهما لوحظ في تلك الرّوايات، و لا يصادم التّأويل التّنزيل أبدا،فإنّ التّنزيل يدور مدار النّصّ و السّياق،و التّأويل يحوم حوم ما يستشفّ و يستوحى من الكلام.

ص: 140

ثالثا:هناك قول بأنّ المراد من أهل الذّكر أهل القرآن،استنادا إلى إطلاق الذّكر على القرآن في جملة من الآيات،حتّى صار الذّكر من أسماء القرآن-لاحظ ذ ك ر- فقد جاء تلو آية النّحل 44: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.

و جاء تلو آية الأنبياء: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. الأنبياء:10

و هذا القول أيضا لا يناسب السّياق،إلاّ باعتساف نوع من التّأويل تعميما و تخصيصا.

الثّالث:أهل الكتاب،و قد جاء في آيات كثيرة، منها 12 آية خطاب لهم:

1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ... آل عمران:64

2- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

آل عمران:65

3- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. آل عمران:70

4- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. آل عمران:71

5- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ. آل عمران:98

6- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ. آل عمران:99

7- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ. (النساء:171

8- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ. المائدة:15

9- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (المائدة:19

10- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّهِ... المائدة:59

11- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ.

المائدة:68

12- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ. المائدة:77

13- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ.

البقرة:105

14- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ... البقرة:109

15- وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَ ما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ. آل عمران:69

16- وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي

ص: 141

أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. آل عمران:72

17- وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

آل عمران:75

18- وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ. آل عمران:110

19- مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. آل عمران:113

20- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. آل عمران:199

21- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً. النّساء:123

22- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً. النّساء:153

23- وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً.

النّساء:159

24- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأَدْخَلْناهُمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ. المائدة:65

25- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

العنكبوت:46

26- وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً. الأحزاب:26

27- لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. الحديد:29

28- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ الحشر:2

29- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. الحشر:11

30- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. البيّنة:1 و 2

31- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ.

البيّنة:6

يلاحظ أوّلا:أنّ«أهل الكتاب»جاء(31)مرّة في تسع سور،كلّها مدنيّة سوى سورة العنكبوت،فهي مكّيّة عندهم،و هي آخر ما نزل بمكّة على قول ابن

ص: 142

عبّاس، (1)و لكن يرجّح كونها مكّيّة الاّ آيتين،هما:

1- وَ لَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ. العنكبوت:11

2- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. العنكبوت:46

و ذلك أنّهم قالوا:كلّ سورة فيها ذكر المنافقين و أهل الكتاب فهي مدنيّة،و فيه بحث،لاحظ المدخل.

ثانيا:جاء«أهل الكتاب»في البقرة مرّتين،و هي أوّل ما نزل بالمدينة عندهم (2)،و جاء في آل عمران و هي ثالث ما نزل بالمدينة بعد البقرة و الأنفال-(12)مرّة.

و يبدو أنّ المواجهة بين المسلمين و أهل الكتاب كانت في ذروتها حين نزولها،و ذلك بعد غزوة أحد في العام الثّالث بعد الهجرة،ثمّ تنازلت،فجاء في الحشر-و قد نزلت بعد إجلاء بني النّضير عن المدينة في السّنة الرّابعة-مرّة واحدة،و في الأحزاب-و قد نزلت بعد غزوة الأحزاب في العام الخامس-مرّة واحدة أيضا.ثمّ في النّساء-و قد نزلت بعد الأحزاب و الممتحنة حسب ما في«الإتقان»- (4)مرّات،و هكذا جاء مرّة أو مرّتين في سائر السّور،إلاّ المائدة-و هي آخر سورة نزلت على أحد القولين-فجاء فيها(6)مرّات،و هي شاهدة على عودة تلك المواجهات بين المسلمين و أهل الكتاب في آخر حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

هذه هي المسيرة التّاريخيّة للمواجهة بين الفريقين بالإجمال،و أمّا التّفصيل فموكول إلى ملاحظة تفسير تلك السّور مع أخذ السّيرة النّبويّة الشّريفة بنظر الاعتبار.

ثالثا:من هذه الآيات و هي(31)آية-اثنتا عشرة آية كما مرّت بنا-خطاب لأهل الكتاب بلفظ«يا أهل الكتاب»ابتداء بآل عمران(6)مرّات،ثمّ بالنّساء مرّة واحدة،ثمّ المائدة(5)مرّات.و معلوم أنّ توجيه الخطاب إلى أهل الكتاب فيه شيء من الاهتمام بهم و الالتفات إليهم.و ليس في البقرة خطاب«يا اهل الكتاب»،رغم أنّ أوّل مواجهة بين المسلمين و اليهود كانت بعد الهجرة، إلاّ أنّ فيها لفظ«يا بني إسرائيل»ثلاث مرّات بلفظ واحد: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ. البقرة:40،47،122

ثمّ جاءت مرّة واحدة في سورة الصّفّ حكاية عن عيسى عليه السّلام: وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. الصّفّ:6

و مرّة واحدة أيضا في سورة طه: يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى. طه:80،لاحظ (إسرائيل).

رابعا:ما هو المراد بأهل الكتاب؟للفقهاء مفهوم خاصّ حول هذا اللّفظ،حيث يطلقون«أهل الكتاب» على كلّ من له كتاب سماويّ،كاليهود و النّصارى و الصّابئة،أو من له شبهة كتاب كالمجوس،فإنّ لهم ذمّة تراعى،و تقبل منهم الجزية،و لا يقاتلون طمعا في إسلامهم،و هذا بخلاف المشركين،و لا سيّما مشركي العرب،فلا يقبل منهم إلاّ الإسلام دون الجزية.و في مشركي غير العرب خلاف بين فقهاء الإسلام،فلاحظ3.

ص: 143


1- «البرهان في علوم القرآن»للزّركشيّ 1:194.
2- الإتقان 1:43.

ذلك.

أمّا أهل الكتاب في القرآن فإنّ المراد بهم-حسب السّياق في سورة البقرة-اليهود،لأنّ طائفة كثيرة من آياتها موجّهة إليهم،إلاّ أنّ قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:

111،و آيات أخرى،يدلّ على العموم حين النّزول.أمّا في سورة آل عمران فالظّاهر شموله للطّائفتين،ففيها ذكر اليهود و النّصارى،و التّوراة و الإنجيل.و كذلك الأمر في النّساء و المائدة و غيرها،إلاّ في الأحزاب و الحشر،فإنّ المراد بهم يهود بني النّضير،فلاحظ.

خامسا:جاء«أهل الكتاب»في ثلاث من تلك الآيات مشفوعا بالمشركين،و هي الآيات(13)و(30) و(31)،و هو شاهد على أنّ المراد بأهل الكتاب اليهود و النّصارى بل و غيرهما من الطّوائف،أتباع الأنبياء.

الرّابع:أهل الإنجيل،و فيه آية واحدة،و هي:

وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. المائدة:47

و لا ريب أنّ المراد بهم النّصارى الّذين آمنوا بعيسى ابن مريم و بالإنجيل،أمّا اليهود فلم يؤمنوا بعيسى و بإنجيله.و هاهنا سؤال يثار،و هو هلاّ قال تعالى:أهل التّوراة؟مع أنّه تحدّث عن التّوراة و أهلها،و هم بنو إسرائيل و اليهود في آيات ربّما تزيد على مائة و خمسين، منها حوالي مائة آية في سورة البقرة وحدها.و أيضا هلاّ قال أهل القرآن؟

و الجواب أنّ اللّه أعلم بسرّ كتابه:إلاّ أنّ التّعبير عن النّصارى عامّة أو عن طائفة منهم تلتزم بما جاء في الإنجيل،لهو شرف لهم،و أيّ شرف،دون شكّ.

و يجري هذا التّخصيص لأتباع عيسى عليه السّلام مجرى ما خصّه اللّه به من أنّه ولد بلا أب و أنّه أيّده بروح القدس و غيرهما من الآيات.

ص: 144

أ و ب

اشارة

8 ألفاظ،17 مرّة:14 مكّيّة،3 مدنيّة

في 8 سور:6 مكّيّة،2 مدنيّتين

مأب 5:4-1 إيابهم 1:1

المأب 1:-1 اوّبى 1:1

مآبا 2:2 اوّاب 5:5

مآب 1:-1 للاوّابين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: يقال:آب فلان إلى سيفه،أي ردّ يده إلى سيفه.و آب الغائب يئوب أوبا،أي رجع.

و الأوب:ترجيع الأيدي و القوائم في السّير،و الفعل من ذلك:التّأويب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأوب في قولك:جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ وجه و ناحية.

و المؤاوبة:تباري الرّكاب في السّير.

و التّأويب:من سير اللّيل؛أوّبت الإبل تأويبا، و التّأويبة:مرّة لا غير.و يقال:التّأويب:سير النّهار إلى اللّيل.

و تقول:لتهنك أوبة الغائب،أي إيابه و رجوعه.

و المآب:المرجع.

و المتأوّب:الجيّد الأوب،أي سريع الرّجوع.

و آبت الشّمس إيابا،إذا غابت في مآبها،أي مغيبها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و مآبة البئر:حيث يجتمع إليه الماء في وسطها،و هي المثابة أيضا.(8:416)

سيبويه: قالوا:آبت الشّمس إيابا،و قال بعضهم:

أءوبا،كما قالوا:الغئور و السّئور،و نظيرها من غير المعتلّ:الرّجوع.(4:51)

ابن شميّل: المؤوّبة:الشّمس،و تأويبها ما بين المشرق و المغرب،تدأب يومها و تؤوب المغرب.

(ابن فارس 1:154)

أبو عمرو الشّيبانيّ:التّأويب:أن يسير النّهار

ص: 145

و ينزل اللّيل.(الأزهريّ 15:608)

مثله الثّعالبيّ.(204)

الفرّاء: يقال:آب الغائب يئوب إيابا و أوبة، و أيبة،و مآبا،إذا رجع.(الأزهريّ 15:607)

أبو عبيدة:التّأويب هو سير النّهار،و الإسآد:سير اللّيل،لا تعريس فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

(المبرّد 2:63)

هو سريع الأوبة،أي الرّجوع.و قوم يحوّلون الواو ياء،فيقولون:سريع الأيبة.(الأزهريّ 15:609)

الأصمعيّ: أوّبت الإبل،إذا روّحتها إلى مباءتها.

و يقال:تأوّبني،أي أتاني ليلا.(ابن فارس 1:153)

أبو زيد: يقال:آبك اللّه،أي أبعدك اللّه،دعاء عليه، و ذلك إذا أمرته بخطّة فحصاك،ثمّ وقع فيما يكره،فأتاك فأخبرك بذلك،فعند ذلك تقول له:آبك اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:609)

تأوّبت،إذا جئت أوّل اللّيل،فأنا متأوّب و متأيّب.(الجوهريّ 1:89)

اللّحيانيّ: ما زال ذلك أوبه،أي عادته و هجّيراه (1).(ابن منظور 1:220)

أبو عبيد: يسمّى مخرج الدّقيق من الرّحى:المآب، لأنّه يئوب إليه ما كانت تحت الرّحى.

(ابن فارس 1:154)

ابن الأعرابيّ: يقال أنا عذيقها المرجّب و حجيرها المؤوّب؛المؤوّب:المدوّر المقوّر الململم،و كلّها أمثال.

و الأوب:رجع الأيدي و القوائم في السّير.[ثمّ استشهد بشعر]

و المؤاوبة:تباري الرّكب في السّير.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:608)

ابن السّكّيت: يقال:أتانا إيابا،إذا جاء ليلا،و أتانا تأويبا،و أتانا طروقا.(إصلاح المنطق:427)

أبو حاتم: كان الأصمعيّ يفسّر الشّعر الّذي فيه ذكر«الإياب»أنّه مع اللّيل،و يحتجّ بقوله:

*تأوّبني داء مع اللّيل منصب*

و كذلك يفسّر جميع ما في الأشعار.

فقلت له:إنّما«الإياب»الرّجوع،أيّ وقت رجع، تقول:قد آب المسافر،فكأنّه أراد أن أوضّح له،فقلت:

قول عبيد:

و كلّ ذي غيبة يئوب و غائب الموت لا يئوب

أ هذا بالعشيّ؟فذهب يكلّمني فيه،فقلت:فقول اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،أ هذا بالعشيّ؟ فسكت.و لكنّ أكثر ما يجيء على ما قال،رحمنا اللّه و إيّاه.

(ابن فارس 1:153)

التّأويب:أن يسير النّهار أجمع،ليكون عند اللّيل في منزله.[ثمّ استشهد بشعر](أبو هلال:251)

شمر: كلّ شيء يرجع إلى مكانه فقد آب يئوب إيابا،إذا رجع.(الأزهريّ 15:607)

أبو مالك: أوّب القوم تأويبا،أي ساروا بالنّهار.

و أسأروا،إذا ساروا باللّيل.(الأزهريّ 15:608)

المبرّد: المتأوّب:الّذي يأتيك لطلب ثأره عندك؛ يقال:آب يئوب،إذا رجع.و التّأويب في غير هذا:

السّير في النّهار بلا توقّف.(1:95)نه

ص: 146


1- أي دأبه و شأنه

و مؤوّبة«مفعّلة»من التّأويب،و هو سير النّهار، لا تعريج فيه.(2:63)

ثعلب: أوّب الأديم:قوّره.(ابن منظور 1:221)

الزّجّاج: مآبة البئر و مثابتها:حيث يجتمع إليه الماء فيها.(الأزهريّ 15:609)

ابن دريد: يقال:آب الرّجل يئوب إيابا،إذا رجع إلى مستقرّه.

و المآب:المرجع،و الأوب:الرّجوع،و آب الهمّ إيابا، و كلّ راجع مع اللّيل فهو آئب.[ثمّ استشهد بشعر] و يقال:جاء القوم من كلّ أوب،أي من كلّ وجه.

(1:170)

التّأويب:السّير من غدوة إلى اللّيل.(3:506)

آب يئوب أوبا و إيابا:إذا رجع.و لا يكون «الإياب»إلاّ أن يأتي أهله ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و المآبة و المآب:المرجع،و رجل أوّاب:راجع عن ذنبه،الأوبة:الرّجوع.

و تقول العرب للرّجل إذا قدم من سفر:أوبة و طوبة،أي أبت إلى عيش طيّب،أو مآب طيّب.

(3:212)

القاليّ: *قد حال دون دريسيه مؤوّبة*

مؤوّبة:ريح جاءت مع اللّيل.(1:39)

نحوه ابن برّي.(ابن منظور 1:221)

الأزهريّ: قال أهل اللّغة:الأوّاب:الرّجّاع الّذي يرجع إلى التّوبة و الطّاعة،من آب يئوب،إذا رجع،قال اللّه تعالى: لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:32.

تأوّبه منها عقابيل،أي راجعه.

يقال للرّجل يرجع باللّيل إلى أهله:قد تأوّبهم و ائتابهم،فهو مؤتاب و متأوّب.

و التّأويب في كلام العرب:مسير النّهار كلّه إلى اللّيل،يقال:أوّب يؤوّب تأويبا.(15:608)

الجوهريّ: يقال:جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ ناحية.و آب،أي رجع،يئوب أوبا و أوبة و إيابا.

و الأوّاب:التّائب،و المآب:المرجع،و ائتاب مثل آب،فعل و افتعل بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان سريع الأوبة.و قوم يحوّلون الواو«ياء» فيقولون:سريع الأيبة.

و آبت الشّمس:لغة في غابت.

و الأوب:سرعة تقليب اليدين و الرّجلين في السّير.

[ثمّ استشهد بشعر]

تقول منه:ناقة أءوب على«فعول».

و التّأويب:أن تسير النّهار أجمع و تنزل اللّيل.

و يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبأ:10،أي سبّحي،لأنّه قال: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ص:18.

و أبت إلى بني فلان و تأوّبتهم،إذا أتيتهم ليلا.

(1:89)

ابن فارس: الهمزة و الواو و الباء أصل واحد،و هو الرّجوع،ثمّ يشتقّ منه ما يبعد في السّمع قليلا،و الأصل واحد.

و الفعل منه التّأويب،و لذلك يسمّون سير النّهار تأويبا،و سير اللّيل إسآدا.و الفعلة الواحدة تأويبة.

و التّأويب:التّسبيح في قوله تعالى: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... سبأ:10.

ص: 147

و المآب:المرجع.قال أبو زياد:أبت القوم،أي إلى القوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جاءوا من كلّ أوب،أي ناحية و وجه،و هو من ذلك أيضا.

و الأوب:النّحل.قال الأصمعيّ:سمّيت لانتيابها المباءة،و ذلك أنّها تؤوب من مسارحها،و كأنّ واحد الأوب:آئب،كما يقال:آبك اللّه:أبعدك اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:152)

أبو هلال: الفرق بين الرّجوع و الإياب:أنّ «الإياب»هو الرّجوع إلى منتهى المقصد،و«الرّجوع» يكون لذلك و لغيره،أ لا ترى أنّه يقال:رجع إلى بعض الطّريق،و لا يقال:آب إلى بعض الطّريق.و لكن يقال إن حصل في المنزل،و لهذا قال أهل اللّغة:التّأويب أن يمضي الرّجل في حاجته ثمّ يعود فيثبت في منزله.

و قال أبو حاتم رحمه اللّه: التّأويب أن يسير النّهار أجمع ليكون عند اللّيل في منزله،و أنشد:

البايتون قريبا من بيوتهم

و لو يشاءون آبوا الحيّ أو طرقوا

و هذا يدلّ على أنّ«الإياب»الرّجوع إلى منتهى القصد،و لهذا قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ... الغاشية:

25،كأنّ القيامة منتهى قصدهم،لأنّها لا منزلة بعدها.(250)

الهرويّ: التّأويب:سير النّهار،يقال:بيني و بينه ثلاث مآوب،أي ثلاث رحلات بالنّهار.

و في الحديث:«كان طالوت أيّابا»تفسيره في الحديث،أي سقّاء.(1:106)

ابن سيدة: الأوبة:آب يئوب أوبا و أوبة و إيابا و مآبا:رجع.و إلى اللّه رجع عن ذنبه و تاب،فهو آئب، و هو أوّاب،للمبالغة.(الإفصاح 2:1282)

الطّوسيّ: المآب:المرجع،من آب يئوب أوبا و إيابا و أوبة و مآبا،إذا رجع.و تأوّب تأوّبا،إذا ترجّع، و أوّبه تأويبا،إذا رجّعه.و أصل الباب الأوب:الرّجوع.

(2:412)

الرّاغب: الأوب:ضرب من الرّجوع،و ذلك أنّ «الأوب»لا يقال إلاّ في الحيوان الّذي له إرادة، و«الرّجوع»يقال فيه و في غيره؛يقال:آب أوبا و إيابا و مآبا.قال اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ... الغاشية:25، و قال: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً... النّبأ:39.

و المآب:مصدر منه،و اسم الزّمان و المكان،قال اللّه تعالى: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ... آل عمران:14.

و الأوّاب كالتّوّاب و هو الرّاجع إلى اللّه تعالى،بترك المعاصي و فعل الطّاعات،قال تعالى: أَوّابٍ حَفِيظٍ...

ق:32،و قال: إِنَّهُ أَوّابٌ... ص:44،و منه قيل للتّوبة:أوبة.

و التّأويب يقال في سير النّهار.و قيل:

*آبت يد الرّامي إلى السّهم*

و ذلك فعل الرّامي في الحقيقة،و إن كان منسوبا إلى اليد.و لا ينقص ما قدّمناه من أنّ ذلك رجوع بإرادة و اختيار،و كذا ناقة أووب:سريعة رجع اليدين.

(1:30)

الزّمخشريّ: تهنئك أوبة الغائب.و فلان أوّاه أوّاب توّاب،أي رجّاع إلى التّوبة.

ص: 148

و آبت الشّمس:غابت،و في الحديث:«شغلونا عن الصّلاة الوسطى حتّى آبت الشّمس،ملأ اللّه قلوبهم نارا».

و غابت الشّمس في مآبها،أي في مغربها.

و آب بيده إلى سيفه ليستلّه،و إلى سهمه ليرمي به، و إلى قوسه لينزع فيها.

و أوّبوا تأويبا:ساروا النّهار كلّه.و لهم إسآد و تأويب.و ما أعجب أوب يديها،أي رجعهما في السّير.

و يقال للمسرع في سيره:الأوب أوب نعامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا كلام ليس له آئبة و لا رائحة،أي مرجوع و فائدة.

و أبت بني فلان،و تأوّبتهم:جئتهم ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و آبك ما رابك،دعاء سوء.و تقول لمن أمرته بخطّة فعصاك ثمّ وقع فيما يكره:آبك،أي آبك ما تكره.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ وجه و مرجع.

و رمينا أوبا أو أوبين و هو الرّشق،و هما شاطئا الوادي و أوباه.

و كنت على صوب فلان و أوبه،أي على طريقته و وجهه.و ما يدرى في أيّ أوب هو.و ما زال هذا أوبه،أي طريقته و عادته.(أساس البلاغة:12)

ابن الشّجريّ:الأوب:جماعة النّحل،و قيل:

الأوب:الرّيح.(2:33)

ابن الأثير: فيه:«صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال».الأوّابين:جمع أوّاب،و هو الكثير الرّجوع إلى اللّه تعالى بالتّوبة.و قيل:هو المطيع،و قيل:المسبّح،يريد صلاة الضّحى عند ارتفاع النّهار و شدّة الحرّ،و قد تكرّر ذكره في الحديث.

و منه دعاء السّفر:«توبا توبا لربّنا أوبا»أي توبا راجعا مكرّرا،يقال منه:آب أوبا فهو آئب.

و منه الحديث الآخر:«آئبون تائبون»و هو جمع سلامة لآئب،و قد تكرّر في الحديث.

و جاءوا من كلّ أوب،أي من كلّ مآب و مستقرّ.

و منه حديث أنس رضي اللّه عنه:«فآب إليه ناس»أي جاءوا إليه من كلّ ناحية.

و فيه:«شغلونا عن الصّلاة حتّى آبت الشّمس»أي غربت،من الأوب:الرّجوع،لأنّها ترجع بالغروب إلى الموضع الّذي طلعت منه،و لو استعمل ذلك في طلوعها لكان وجها،لكنّه لم يستعمل.(1:79)

الصّغانيّ: الأوب:السّحاب،و الأوب:الرّيح.

و الأوب:جماعة النّحل.[ثمّ استشهد بشعر]

و رمينا أوبا أو أوبين،أي رشقا أو رشقين.و يقال:

بيني و بينه ثلاث مآوب،أي ثلاث رحلات بالنّهار.

و آب فلان يده إلى سيفه،أي مدّ يده إليه ليستلّه.

و ناقة أءوبة:سريعة.

و الأوبات:القوائم،الواحدة:أوبة.و الآئبة:شربة القائلة.

و مآبة البئر:مجتمع مائها.

و أوب،أي غضب،و أوأبه،أي أغضبه.(1:67)

ابن منظور: آب إلى الشّيء:رجع،يئوب أوبا و إيابا و أوبة و أيبة،على المعاقبة،و إيبة بالكسر:رجع.

ص: 149

و رجل آئب من قوم أوّاب و أيّاب و أوب،الأخيرة اسم للجمع،و قيل:جمع آئب.و أوّبه إليه،و آب به، و قيل:لا يكون«الإياب»إلاّ الرّجوع إلى أهله ليلا.

و الآئبة:أن ترد الإبل الماء كلّ ليلة.

و رمى أوبا أو أوبين،أي وجها أو وجهين.

و الأوب:القصد و الاستقامة.(1:217-220)

الفيّوميّ: آب من سفره يئوب أوبا و مآبا:رجع، و الإياب:اسم منه،فهو آئب.

و آب إلى اللّه تعالى:رجع عن ذنبه و تاب،فهو أوّاب مبالغة.

و آبت الشّمس:رجعت من مشرقها فغربت.

و التّأويب:سير اللّيل.

و جاءوا من كلّ أوب معناه من كلّ مرجع،أي من كلّ فجّ.(1:28)

الفيروزآباديّ: الأوب و الإياب و يشدّد،و الأوبة و الأيبة و الإيبة و التّأويب و التّأييب و التّأوّب:

الرّجوع.

و الأوب:السّحاب،و الرّيح،و السّرعة،و رجع القوائم في السّير،و القصد،و العادة و الاستقامة،و النّحل، و الطّريق،و الجهة،و ورود الماء ليلا.و جمع آئب كالأوّاب و الأيّاب.

و آبه اللّه:أبعده،و آبك و آب لك مثل ويلك.

و آبت الشّمس إيابا و أيوبا:غابت.

و تأوّبه و تأيّبه:أتاه ليلا،و المصدر المتأوّب و المتأيّب،و ائتببت الماء:وردته ليلا.

و أوب كفرح:غضب،و أوأبته (1).

و التّأويب:السّير جميع النّهار،أو تباري الرّكاب في السّير كالمؤاوبة.و ريح مؤوّبة:تهبّ النّهار كلّه.

و الآئبة:شربة القائلة.[و هي نصف النّهار]

و المؤوّب:المدوّر و المقوّر الململم.و منه«أنا حجيرها المؤوّب و عذيقها المرجّب».

و المآب:المرجع و المنقلب.و بينهما ثلاث مآوب:

ثلاث رحلات بالنّهار.

و الأوبات:القوائم،واحدتها:أوبة.(1:38)

الطّريحيّ: و في الحديث:«ثمان ركعات الزّوال تسمّى صلاة الأوّابين»يعني الكثيرين الرّجوع إلى اللّه تعالى بالتّوبة.و الأوّاب،بالتّشديد:التّائب.

و قوله:«آئبون تائبون»هو جمع آئب.

و أيّوب:من آب يئوب،و هو أنّه يرجع إلى العافية و النّعمة و الأهل و المال و الولد بعد البلاء،كذا في«معاني الأخبار».

قوله:«إنّي بإيابكم من المؤمنين»يريد بذلك الإقرار بالرّجعة،في دولة القائم عليه السّلام.

و آبت الشّمس بالمدّ:لغة في غابت،و منه الحديث:

«لا يصلّى بعد العصر شيئا حتّى تؤوب الشّمس»أي تغيب.

و في الحديث:«طوبى لعبد نؤمة لا يؤبه له»أي لا يبالى به،و لا يحتفل لحقارته.(2:9)

مجمع اللّغة: آب يئوب أوبا و إيابا و مآبا:رجع.

و المآب:مصدر،و اسم زمان،و اسم مكان.

أوّب تأويبا و أيّب:رجّع،فهو أوّاب،و هم أوّابون.ّ.

ص: 150


1- بمعنى:أغضبته،كما ذكره الصّغانيّ.

و الأوّاب:صفة مدح للرّجّاع عن كلّ ما يكرهه اللّه إلى ما يحبّه.(1:67)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أوب أوبا و مآبا:رجع، و أوّب:رجّع و ردّد.و الإياب:العودة.و الأوّاب:التّائب الكثير الرّجوع إلى ربّه،و الجمع:أوّابون.و المآب:المرجع و المنقلب.(1:50)

النّصوص التّفسيريّة

المآب

...ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. آل عمران:14

السّدّيّ: حسن المنقلب،و هي الجنّة.

(الطّبرسيّ 3:205)

أبو عبيدة: (المآب):المرجع،من آب يئوب.

(1:89)

الطّبريّ: يعني حسن المرجع،هو مصدر على مثال «مفعل»،من قول القائل:آب الرّجل إلينا،إذا رجع،فهو يئوب إيابا و أوبة و أيبة و مآبا.غير أنّ موضع الفاء منها مهموز،و العين مبدلة من الواو إلى الألف بحركتها إلى الفتح.

فلمّا كان حظّها الحركة إلى الفتح،و كانت حركتها منقولة إلى الحرف الّذي قبلها،و هو فاء الفعل؛انقلب فصارت ألفا،كما قيل:«قال»فصارت عين الفعل ألفا، لأنّ حظّها الفتح.و المآب،مثل المقال و المعاد و المحال،كلّ ذلك«مفعل»منقولة حركة عينه إلى فائه،فتصير واوه أو ياؤه ألفا،لفتحة ما قبلها.

فإن قال قائل:و كيف قيل: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ و قد علمت ما عنده يومئذ من أليم العذاب و شديد العقاب؟

قيل:إنّ ذلك معنيّ به خاصّ من النّاس،و معنى ذلك:

و اللّه عنده حسن المآب للّذين اتّقوا ربّهم،و قد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية الّتي تليها (1).

فإن قال:و ما(حسن المآب)؟

قيل:هو ما وصفه به جلّ ثناؤه،و هو المرجع إلى جنّات تجري من تحتها الأنهار مخلّدا فيها،و إلى أزواج مطهّرة و رضوان من اللّه.(3:205)

القيسيّ: المآب:وزنه«مفعل»و أصله:مأوب،ثمّ قلبت حركة الواو على الهمزة،و أبدل من الواو ألف،مثل مقال و مكان.(1:129)

مثله أبو البركات(1:194)،و القرطبيّ(4:37).

الطّبرسيّ: يعني حسن المرجع،فالمآب مصدر، سمّي به موضع الإياب.(1:417)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ«المآب»في اللّغة المرجع، يقال:آب الرّجل إيابا و أوبة و أيبة و مآبا،قال اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،و المقصود من هذا الكلام بيان أنّ من آتاه اللّه الدّنيا كان الواجب عليه أن يصرفها إلى ما يكون فيه عمارة لمعاده،و يتوصّل بها إلى سعادة آخرته.ثمّ لمّا كان الغرض التّرغيب في المآب، وصف المآب بالحسن.

فإن قيل:المآب قسمان:الجنّة و هي في غاية الحسن،

ص: 151


1- قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ... آل عمران: 105.

و النّار و هي خالية عن الحسن،فكيف وصف المآب المطلق بالحسن؟

قلنا:المآب المقصود بالذّات هو الجنّة،فأمّا النّار فهي المقصود بالعرض،لأنّه سبحانه خلق الخلق للرّحمة لا للعذاب،كما قال:«سبقت رحمتي غضبي»و هذا سرّ يطّلع منه على أسرار غامضة.(7:212)

نحوه الشّربينيّ.(1:201)

ابن كثير: أي حسن المرجع و الثّواب.(2:19)

العامليّ: هو بمعنى المرجع و المأوى.ما يستفاد منه أنّ النّبيّ و الأئمّة مآب لمحبّيهم من الأوّلين و الآخرين،و أنّ الجنّة مآب لمحبّيهم لأجل حبّهم و ولايتهم،و أنّ النّار مآب لأعدائهم لترك ذلك.

و ظاهر أيضا أنّ كون معنى المآب إلى اللّه،هذا الّذي ذكرناه لك،و يمكن التّأويل بذلك على حسب المناسبة.(69)

الآلوسيّ: أي المرجع الحسن،فالمآب«مفعل»من آب يئوب،أي رجع.و أصله:مأوب،فنقلت حركة الواو إلى الهمزة السّاكنة قبلها،ثمّ قلبت ألفا.و هو اسم مصدر،و يقع اسم مكان و زمان،و المصدر:أوب و إياب.

(3:100)

المصطفويّ: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14،أي الرّجوع الحسن. إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً النّبأ:21،22،مكان الرّجوع لهم. نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:30،شديد الرّجوع و التّوجّه إلى اللّه تعالى. إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ... الغاشية:

25،أي رجوعهم. يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ... سبأ:10 أي رجّعي التّسبيح و الذّكر معه.

ثمّ إنّ الرّجوع إليه باعتبار الانصراف عن عالم المادّة و الظّلمة و الطّبيعة و العلائق،و التّوجّه إلى عالم النّور و الرّوحانيّة و التّجرّد.(1:159)

مآبا

إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً.

النّبأ:21،22

قتادة: أي منزلا و مأوى.(الطّبريّ 30:9)

الثّوريّ: مرجعا و منزلا.(الطّبريّ 30:9)

الطّبريّ: منزلا و مرجعا يرجعون إليه،و مصيرا يصيرون إليه يسكنونه.(30:9)

الطّوسيّ: أي مرجعا،و هو الموضع الّذي يرجع إليه.فكأنّ المجرم قد كان بإجرامه فيها ثمّ رجع إليها، و يجوز أن يكون كالمنزل الّذي يرجع إليه.(10:243)

الفخر الرّازيّ: أي مصيرا و مقرّا.(31:13)

الطّباطبائيّ: المآب:اسم مكان من الأوب،بمعنى الرّجوع.و العناية في عدّها مآبا للطّاغين أنّهم هيّئوها مأوى لأنفسهم،و هم في الدّنيا،ثمّ إذا انقطعوا عن الدّنيا آبوا و رجعوا إليها.(20:167)

و بهذا المعنى جاء(مآبا)في سورة النّبأ:39.

ايابهم

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ. الغاشية:25

ابن عبّاس: الإياب:الرّجوع.(بنت الشّاطئ:404)

ص: 152

الفرّاء:هو بتخفيف الياء،و التّشديد فيه خطأ.(الأزهريّ 15:609)

الزّجّاج: قرئ إيّابهم بالتّشديد،و هو مصدر:أيّب إيّابا،على معنى:فيعل فيعالا،من آب يئوب.و الأصل:

إيوابا،فأدغمت الياء في الواو،و انقلبت الواو إلى الياء، لأنّها سبقت بسكون.(الأزهريّ 15:609)

نحوه الطّوسيّ.(10:339)

ابن خالويه: (إياب)نصب ب(إنّ)و الهاء و الميم جرّ بالإضافة،أي رجوعهم،و المصدر:آب يئوب إيابا فهو آئب.(72)

القيسيّ: قرأه أبو جعفر: (ايابهم) بتشديد الياء، و فيه بعد،لأنّه مصدر آب يئوب إيابا.و أصل الياء واو، و لكن قلبت ياء لانكسار ما قبلها،و كان يلزم من شدّد أن يقول:اوّابهم،لأنّه من الواو،أو يقول:ايوابهم،فيبدل من أوّل المشدّد ياء،كما قالوا:ديوان،و أصله:دوّان.

(2:473)

الزّمخشريّ: قرأ أبو جعفر المدنيّ (إيّابهم) بالتّشديد،و وجهه أن يكون«فيعالا»مصدر أيّب «فيعل»من الإياب،أو أن يكون أصله:أوّابا«فعّالا»من أوّب،ثمّ قيل:إيوابا،كديوان في دوّان،ثمّ فعل به ما فعل بأصل سيّد و ميّت.

فإن قلت:ما معنى تقديم الظّرف؟

قلت:معناه التّشديد في الوعيد،و أنّ إيابهم ليس إلاّ إلى الجبّار المقتدر على الانتقام.(4:248)

أبو البركات: (إِيابَهُمْ) بتخفيف الياء،آب يئوب إيابا،نحو:قام يقوم قياما،و أصله:إوابا و قواما،إلاّ أنّه أعلّ المصدر لاعتلال الفعل،و قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

و قرئ (إيّابهم) بتشديد الياء،و أنكره أبو حاتم، و قال:لو كان كذلك لوجب أن يقال:إوّاب،لأنّه وزن «فعّال»و لو أراد ذلك لقال:إوّاب كما قالوا:دينار و ديوان و قيراط،و أصلها:دنّار و دوّان و قرّاط،فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

و قال أبو الفتح ابن جنّيّ: يجوز أن يكون أراد إوّابا، إلاّ أنّه قلبت الواو ياء استحسانا طلبا للخفّة لا وجوبا، كقولهم:ما أحيله!و هو من بنات الواو.و قد روي أنّهم قالوا:اجلوّذ اجلياذا،و إن كان المشهور:اجلواذا.و قال أيضا:يجوز أن يكون أو يبت على وزن«فوعلت»نحو:

حوقلت،و جاء مصدره على وزن«الفيعال»نحو الحيقال، فصار«إيوابا»،فاجتمعت الياء و الواو،و السّابق منهما ساكن،فقلبت الواو ياء،و أدغمت الياء في الياء،فصار «إيّابا».(2:510)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (إِيابَهُمْ) بتخفيف الياء مصدر آب،و أبو جعفر و شيبة بشدّها مصدرا،لفعيل من آب على وزن«فيعال»أو مصدرا ك«فوعل»كحوقل على وزن«فيعال»أيضا كحيقال،أو مصدرا ل«فعول» ك«جمهور»على وزن«فعوال»كجهوار،فأصله أوواب، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها و انكسار ما قبلها، و اجتمع في هذا البناء و البناءين قبله واو و ياء و سبقت إحداهما بالسّكون،فقلبت الواو ياء و أدغم،و لم يضع الإدغام من القلب،لأنّ الواو و الياء ليستا عينين من الفعل بل الياء في«فيعل»و الواو في«فعول»زائدتان.[ثمّ

ص: 153

ذكر قول الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و أمّا تشبيه الزّمخشريّ ب«ديوان»فليس بجيّد، لأنّهم لم ينطقوا بها في الوضع مدغمة،فلم يقولوا:دوّان، و لو لا الجمع على«دواوين»لم يعلم أنّ أصل هذه الياء واو.و أيضا فنصّوا على شذوذ«ديوان»فلا يقاس عليه غيره.

و قال ابن عطيّة: و يصحّ أن يكون من«أأوب» فيجيء«إيوابا»سهّلت الهمزة،و كان اللاّزم في الإدغام يردّها«إوّابا»لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس، انتهى.

فقوله:و كان اللاّزم في الإدغام بردّها«إوّابا»،ليس بصحيح،بل اللاّزم إذا اعتبر الإدغام أن يكون«إيّابا»، لأنّه قد اجتمعت ياء و هي المبدلة من الهمزة بالتّسهيل و واو هي عين الكلمة و إحداهما ساكنة،فتقلب الواو ياء و تدغم فيها الياء،فيصير«إيّابا».(8:465)

الآلوسيّ: إياب:مصدر آب،أي رجع،أي إنّ إلينا رجوعهم بالموت و البعث لا إلى أحد سوانا لا استقلالا و لا اشتراكا.و جمع الضّمير فيه و فيما بعده باعتبار معنى (من)كما أنّ إفراده فيما سبق باعتبار لفظها.[ثمّ ذكر مثل ما تقدّم عن أبي حيّان](30:118)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة الصّيغة في القرآن، و معها من المادّة:(مآب)تسع مرّات،و(أوّبي)في سبأ:

10،و(أوّاب)مفردا خمس مرّات،و جمعا في آية الإسراء:35.

و تفسير«الإياب»بالرّجوع،تقريب نلتفت فيه إلى أنّ«الرّجوع»من الكلمات القرآنيّة و قد جاء منه:

(المرجع)ستّ عشرة مرّة،و(الرّجعى)مرّة واحدة،مع استعماله للفعل(رجع)إحدى عشرة مرّة للماضي، و خمسا و خمسين مرّة للمضارع،و ثلاث عشرة للأمر.

فما الفرق بين الرّجوع و الإياب في الاستعمال القرآنيّ؟

لحظ الرّاغب أنّ«الأوب»ضرب من الرّجوع، و ذلك أنّ الأوب لا يقال إلاّ في الحيوان الّذي له إرادة، و الرّجوع يقال فيه و في غيره.و المآب:مصدر منه،و اسم الزّمان و المكان.و الأوّاب كالتّوّاب،و هو الرّاجع إلى اللّه تعالى بترك المعاصي و فعل الطّاعات،و التّأويب يقال في سير النّهار.

لكن ابن الأثير قال في حديث:«شغلنا عن الصّلاة حتّى آبت الشّمس»أي غربت،من الأوب:الرّجوع، لأنّها ترجع بالغروب إلى الموضع الّذي طلعت منه.و لو استعمل ذلك في طلوعها أيضا لكان وجها،لكنّه لم يستعمل.

و نتدبّر سياق الآيات فيهما،فيؤنس إلى قريب ممّا لحظه الرّاغب؛حيث يأتي الإياب و المآب للخلق،أمّا الرّجوع فيأتي الفعل غالبا مسندا إليهم،و إن جاء مسندا إلى الأمر في آية هود:123، وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ و إلى الأمور في آية البقرة:210، وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ... و معها آل عمران:109،و الأنفال:45، و الحجّ:76،و فاطر:4،و الحديد:5.

و نقول مع هذا:إنّ إسناد«الرّجوع»إلى الأمر و الأمور على سبيل المجاز،لا يجعل التّجوّز بعيدا في إسناد «الإياب»إلى الشّمس،بمعنى الرّجوع،في قول الرّاغب.

ص: 154

ثمّ نضيف ملحظا هدى إليه التّدبّر،لسياق الرّجوع و الإياب في البيان القرآنيّ.

كلّ إياب و مآب فيه،إلى اللّه تعالى،و كذلك صيغة:

مرجع و الرّجعى،إليه سبحانه.و لكن«فعل الرّجوع» يأتي في القرآن إلى اللّه تعالى،و يأتي كذلك إلى غيره سبحانه.

الماضي منه جاء مرّة واحدة (إِلى رَبِّي) و عشر مرّات: (إِلَيْهِمْ)، و (إِلى قَوْمِهِمْ)، و (قَوْمِهِ)، و (أَبِيهِمْ)، و (أَنْفُسَهُمْ)، و (طائِفَةٌ مِنْهُمْ)، و (أُمِّكَ)، و (إِلَى الْمَدِينَةِ).

و من المضارع كذلك جاء«الرّجوع»إلى اللّه 32 مرّة،و جاء منه كذلك،إلى غيره تعالى،آيات:

في حديث إبراهيم و الأصنام: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ الأنبياء:58

اِذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ النّمل:28

وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ النّمل:35

يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ سبأ:31

حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى طه:91

لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ يوسف:46

فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ الممتحنة:10

و فعل الأمر جاء إِلى رَبِّكِ الفجر:28، و إِلى رَبِّكَ يوسف:50،و إِلى رَبِّي الصّافّات:

99،و جاء كذلك: اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ... النّمل:37، اِرْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ يوسف:81، وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ الأنبياء:13، وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا النّور:28، يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا الأحزاب:13.

يمكن القول إذن:إنّ الإياب و المآب أخذت دلالة قرآنيّة إسلاميّة خاصّة بالرّجوع إلى اللّه دون سواه، و تفهم آياتهما أنّه المآب الحقّ في الآخرة: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14، إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ الرّعد:36، اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ الرّعد:29، وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49، وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55، إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،على حين بقيت مادّة«الرّجوع»على أصل معناها العامّ،بدلالة العودة.(404)

اوّبى

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ. سبأ:10

ابن عبّاس: سبّحي معه.

مثله مجاهد،و الضّحّاك،و قتادة،و ابن زيد.

(الطّبريّ 22:65)

مثله الحسن(الطّبرسيّ 4:381)،و القمّيّ(2:

199)،و البغويّ(5:232).

الحسن: سيري معه أين سار.(أبو حيّان 7:263)

وهب بن منبّه: المعنى نوحي معه.

(القرطبيّ 14:265)

الفرّاء: اجتمعت القرّاء الّذين يعرفون على تشديد (أوّبى)و معناه سبّحي.و قرأ بعضهم (اوبى) من آب

ص: 155

يئوب،أي تصرّفي معه.(2:355)

أبو عبيدة: مجازه مجاز المختصر الّذي فيه ضمير:

و قلنا جبال اوّبي معه،و التّأويب:أن يبيت في أهله.[ثمّ استشهد بشعر](2:142)

ابن قتيبة: أي سبّحي،و أصله:التّأويب في السّير، و هو أن تسير النّهار كلّه و تنزل ليلا.(353)

الجبّائيّ: معناه سيري معه،فكانت الجبال و الطّير تسير معه أينما سار،و كان ذلك معجزا له.

(الطّبرسيّ 4:381)

الطّبريّ: سبّحي معه إذا سبّح.و التّأويب عند العرب:الرّجوع،و مبيت الرّجل في منزله و أهله.و قد كان بعضهم يقرؤه(اوبى معه)من آب يئوب،بمعنى تصرّفي معه.و تلك قراءة لا أستجيز القراءة بها،لخلافها قراءة الحجّة.(22:65)

السّجستانيّ: سبّحي معه.و التّأويب:سير النّهار كلّه،فكأنّ المعنى سبّحي معه نهارك كلّه،كتأويب السّائر نهاره كلّه.

و قيل:(أوّبى)سبّحي بلسان الحبشة.(151)

الأزهريّ: قرأ بعضهم (يا جبال أوبى معه) فمن قرأ (أَوِّبِي مَعَهُ) معناه رجّعي معه التّسبيح،و من قرأ (اوبى معه) فمعناه عودي معه في التّسبيح كلّما عاد فيه.

(15:607)

الطّوسيّ: معناه أنّه نادى الجبال و أمرها بأن (أَوِّبِي مَعَهُ) أي ارجعي بالتّسبيح معه.

و قيل:معنى(أوّبي)سيري معه حيث شاء،و ليس المعنى إنّ اللّه خاطب الجبال،و هي جماد بذلك،بل المراد أنّه فعل في الجبال ما لو كانت حيّة قادرة لكان يتأتّى منها ذلك.(8:379)

الميبديّ: فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:سيري معه،و كانت الجبال تسير معه حيث شاء إذا أراد،معجزة له.و التّأويب:سير النّهار.

و القول الثّاني:سبّحي معه إذا سبّح،و هو بلسان الحبشة،و كان إذا قرأ الزّبور صوّتت الجبال و أصغت له الطّير.

و القول الثّالث:(أوّبي)أي نوحي معه،و الطّير تساعدك على ذلك.(8:110)

الزّمخشريّ: و قرئ (أَوِّبِي) و (أوبي) من التّأويب و الأوب،أي رجّعي معه التّسبيح،أو ارجعي معه في التّسبيح كلّما رجع فيه،لأنّه إذا رجّعه فقد رجع فيه.

و معنى تسبيح الجبال أنّ اللّه سبحانه و تعالى يخلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشّجرة،فيسمع منها ما يسمع من المسبّح معجزة لداود.

و قيل:كان ينوح على ذنبه بترجيع و تحزين،و كانت الجبال تساعده على نوحه بأصدائها،و الطّير بأصواتها.(3:281)

نحوه الفخر الرّازيّ(25:245)،و البيضاويّ(2:

256)،و النّسفيّ(3:319)،و النّيسابوريّ(22:42).

الطّبرسيّ: و تأويله عند أهل اللّغة:رجّعي معه التّسبيح،من آب يئوب.و يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التّسبيح معجزا له.و أمّا الطّير فيجوز أن يسبّح و يحصل له من التّمييز ما يتأتّى منه

ص: 156

ذلك،بأن يزيد اللّه في فطنته،فيفهم ذلك.

و التّأويب:السّير بالنّهار.و قيل:معناه ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر بئر،و استنباط عين، و استخراج معدن،و وضع طريق.(4:381)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (أَوِّبِي) مضاعف آب يئوب،و معناه سبّحي معه،قاله ابن عبّاس و قتادة و ابن زيد.و قال مؤرّج و أبو ميسرة:(أوّبي)سبّحي بلغة الحبشة،أي يسبّح هو و ترجّع هي معه التّسبيح أي تردّد بالذّكر،و ضعّف الفعل للمبالغة،قاله ابن عطيّة.

و يظهر أنّ التّضعيف للتّعدية فليس للمبالغة؛إذ أصله:آب و هو لازم،بمعنى رجع اللاّزم،فعدّي بالتّضعيف؛إذ شرحوه بقولهم:رجّعي معه التّسبيح.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و أمّا قوله تساعده الجبال على نوحه بأصدائها، فليس بشيء،لأنّ الصّدى ليس بصوت الجبال حقيقة، و اللّه تعالى نادى الجبال و أمرها بأن تؤوب معه،و الصّدى لا تؤمر الجبال بأن تفعله؛إذ ليس فعلا لها،و إنّما هو من آثار صوت المتكلّم على ما يقوم عليه البرهان.

و قرأ ابن عبّاس و الحسن و قتادة و ابن أبي إسحاق (أَوِّبِي) أمر من أوّب،أي رجّعي معه في التّسبيح أو في السّير على القولين.فأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنّثة، لأنّ جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك،و منه:«يا خيل اللّه اركبي»،و منه مَآرِبُ أُخْرى طه:18،و قد جاء ذلك في جميع ما يعقل من المؤنّث،لكن هذا قليل.[ثمّ استشهد بشعر](7:262)

البروسويّ:التّأويب على معنيين:

أحدهما:التّرجيع،لأنّه من الأوب و هو الرّجوع.

و الثّاني:السّير بالنّهار كلّه،فالمعنى على الأوّل رجّعي معه التّسبيح،و سبّحي مرّة بعد مرّة.(7:265)

الطّباطبائيّ: التّأويب:التّرجيع من الأوب بمعنى الرّجوع،و المراد به ترجيع الصّوت بالتّسبيح بدليل قوله فيه في موضع آخر: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ* وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ ص:18،19،و(الطّير)معطوف على محلّ(الجبال)و منه يظهر فساد قول بعضهم:إنّ الأوب بمعنى السّير،و إنّ الجبال كانت تسير معه حيث سار.

و قوله: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... بيان للفضل الّذي أوتي داود،و قد وضع فيه الخطاب الّذي خوطب به الجبال و الطّير فسخّرنا به موضع نفس التّسخير الّذي هو العطيّة،و هو من قبيل وضع السّبب موضع المسبّب، و المعنى سخّرنا الجبال له تؤوب معه و الطّير.و هذا هو المتحصّل من تسخير الجبال و الطّير له،كما يشير إليه قوله: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ* وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ.

(16:362)

اوّاب

1- اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:17

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: الأوّاب:هو الرّجل يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر اللّه تعالى.(الآلوسيّ 23:173)

ابن عبّاس: المسبّح.

ص: 157

مثله مجاهد.(الآلوسيّ 23:173)

مثله سعيد بن جبير(الأزهريّ 15:608)، و السّدّيّ(أبو حيّان 7:390).

(اوّاب):مطيع.(الطّبرسيّ 4:469)

ابن المسيّب: الّذي يذنب ثمّ يتوب،ثمّ يذنب ثمّ يتوب.(الأزهريّ 15:608)

مجاهد: الرّاجع عن الذّنوب.(الطّبريّ 23:136) الرّجّاع إلى طاعة اللّه.

مثله ابن زيد.(أبو حيّان 7:390)

توّاب.

مثله ابن زيد.(الطّوسيّ 8:549)

أي توّاب راجع عن كلّ ما يكره اللّه تعالى إلى كلّ ما يحبّ،من آب يئوب،إذا رجع.

مثله ابن زيد.(الطّبرسيّ 4:469)

نحوه البروسويّ.(8:11)

قتادة: أي كان مطيعا للّه كثير الصّلاة.

(الطّبريّ 23:137)

ابن زيد: التّوّاب الّذي يئوب إلى طاعة اللّه و يرجع إليها،ذلك الأوّاب.و الأوّاب:المطيع.

(الطّبريّ 23:137)

أبو عبيدة: الأوّاب:الرّجّاع و هو التّوّاب،مخرجها من آب إلى أهله،أي رجع.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:179)

نحوه الطّبريّ(23:136)،و النّيسابوريّ(23:81).

الأخفش: الرّاجع إلى الحقّ.(1:400)

ابن قتيبة: التّائب مرّة بعد مرّة.و كذلك التّوّاب، و هو من آب يئوب،أي رجع.(253)

القمّيّ: أي دعّاء.(2:229)

ابن الأنباريّ: في قولهم:«رجل أوّاب»سبعة أقوال:

قال قوم: الأوّاب:الرّاحم.

و قال قوم: الأوّاب:التّائب.

و قال سعيد بن جبير: الأوّاب:المسبّح.

و قال ابن المسيّب: الأوّاب:الّذي يذنب ثمّ يتوب،ثمّ يذنب ثمّ يتوب.

و قال قتادة: الأوّاب:المطيع.

و قال عبيد بن عمير: الّذي يذكر ذنبه في الخلاء، فيستغفر اللّه منه.

و قال أهل اللّغة: الأوّاب:الرّجّاع الّذي يرجع إلى التّوبة و الطّاعة.(الأزهريّ 15:607)

الزّمخشريّ: توّاب رجّاع إلى مرضاة اللّه.

(3:363)

ابن الشّجريّ: من أوب،إذا رجّع صوته بالتّسبيح يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبأ:10،رجّعي معه،أي سبّحي.

و الأوّاب أيضا:التّائب.(1:55)

الفخر الرّازيّ: أي إنّ داود كان رجّاعا في أموره كلّها إلى طاعتي،و الأوّاب«فعّال»من آب،إذا رجع،كما قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ الغاشية:25،و فعّال:بناء المبالغة،كما يقال:قتّال و ضرّاب،فإنّه أبلغ من قاتل و ضارب.(26:185)

العامليّ: الأوّاب:مفردا و جمعا،فإنّه وارد في مواضع.روى الصّدوق في كتاب ألّفه في«فضائل

ص: 158

الشّيعة»عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث له:«يا عليّ أهل مودّتك كلّ أوّاب حفيظ...»و يظهر منه إمكان تأويل«الأوّاب»بمن ذكر، و يناسبه ما ورد في اللّغة من تفسير«الأوب» بالاستقامة،بل يناسبه سائر معاني«الأوّاب»أيضا، كالتّوّاب،و الرّاجع إلى اللّه،و المطيع،و المسبّح،و غيرها.

(69)

الآلوسيّ: أي رجّاع إلى اللّه تعالى و طاعته عزّ و جلّ.و عن عمرو بن شرحبيل:أنّه المسبّح،بلغة الحبشة.(23:173)

الطّباطبائيّ: الأوّاب:اسم مبالغة من الأوب بمعنى الرّجوع،و المراد به كثرة رجوعه إلى ربّه.(17:189)

2- وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ. ص:19

ابن عبّاس: يعني المطيع،بلغة كنانة و هذيل و قيس و عيلان.(اللّغات في القرآن:40)

قتادة: مسخّرة.(الطّوسيّ 8:550)

الجبّائيّ: لا يمتنع أن يكون اللّه خلق في الطّيور من المعارف ما تفهم به مراده و أمره من نهيه،فتطيعه في ما يريده منها،و إن لم تكن كاملة العقل، و لا مكلّفة.(الطّوسيّ 8:550)

الطّوسيّ: أي رجّاع،إلى ما يريد.(8:550)

نحوه الطّبرسيّ.(4:469)

البروسويّ: رجّاع إلى التّسبيح،إذا سبّح سبّحت الجبال و الطّير معه.

و وضع«الأوّاب»موضع«المسبّح»لأنّها كانت ترجّع التّسبيح،و المرجّع رجّاع لأنّه يرجع إلى فعله رجوعا بعد رجوع.

و الفرق بينه و بين ما قبله و هو (يُسَبِّحْنَ): أنّ (يسبّحن)يدلّ على الموافقة في التّسبيح،و هذا يدلّ على المداومة عليها.

و قيل:الضّمير«للّه»أي كلّ من داود و الجبال و الطّير للّه أوّاب،أي مسبّح مرجّع للّه.(8:13)

الآلوسيّ: استئناف مقرّر لمضمون ما قبله،مصرّح بما فهم منه إجمالا،من تسبيح الطّير.و اللاّم تعليليّة، و الضّمير لداود،أي كلّ واحد من الجبال و الطّير لأجل تسبيحه رجّاع إلى التّسبيح.

و وضع«الأوّاب»موضع«المسبّح»إمّا لأنّها كانت ترجّع التّسبيح،و المرجّع رجّاع لأنّه يرجع إلى فعله رجوعا بعد رجوع.و إمّا لأنّ«الأوّاب»هو التّوّاب الكثير الرّجوع إلى اللّه تعالى،كما هو المشهور،و من دأبه إكثار الذّكر و إدامة التّسبيح و التّقديس.

و قيل:يجوز أن يكون المراد:كلّ من الطّير،فالجملة للتّصريح بما فهم.(23:176)

عزّة دروزة: كلّ مسبّح معه،منقاد و مطيع له.

(2:73)

الطّباطبائيّ: و قوله: كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ استئناف يقرّر ما تقدّمه من تسبيح الجبال و الطّير،أي كلّ من الجبال و الطّير أوّاب،أي كثير الرّجوع إلينا بالتّسبيح، فإنّ التّسبيح من مصاديق الرّجوع إليه تعالى.و يحتمل رجوع ضمير(له)إلى داود عليه السّلام،على بعد.

و لم يكن تأييد داود عليه السّلام في أصل جعله تعالى

ص: 159

للجبال و الطّير تسبيحا،فإنّ كلّ شيء مسبّح للّه سبحانه.

قال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ... الإسراء:44،بل في موافقة تسبيحها لتسبيحه و قرع تسبيحها أسماع النّاس.

(17:190)

و بهذا المعنى جاء لفظ(اوّاب)في سورة ص:30، 44،في أكثر التّفاسير.

3- هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ. ق:32

ابن مسعود: هو الّذي يذكر ذنوبه في الخلوة، فيستغفر اللّه منها.

مثله الشّعبيّ،و مجاهد،و الحكم بن عتيبة.

(القرطبيّ 17:20)

الضّحّاك: أي رجّاع إلى اللّه عن المعاصي ثمّ يرجع و يذنب ثمّ يرجع.(القرطبيّ 17:20)

الفخر الرّازيّ: الأوّاب:الرّجّاع،قيل:هو الّذي يرجع من الذّنوب و يستغفر،و الحفيظ:الحافظ الّذي يحفظ توبته من النّقض.

و يحتمل أن يقال:الأوّاب هو الرّجّاع إلى اللّه بفكره، و الحفيظ الّذي يحفظ اللّه في ذكره،أي رجع إليه بالفكر فيرى كلّ شيء واقعا به و موجدا منه،ثمّ إذا انتهى إليه حفظه بحيث لا ينساه عند الرّخاء و النّعماء.

و الأوّاب و الحفيظ،كلاهما من باب المبالغة،أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ.و فيه وجوه أخر أدقّ، و هو:

أنّ الأوّاب هو الّذي رجع عن متابعة هواه في الإقبال على ما سواه،و الحفيظ هو الّذي إذا أدركه بأشرف قواه لا يتركه فيكمل بها تقواه.و يكون هذا تفسيرا للمتّقي،لأنّ المتّقي هو الّذي اتّقى الشّرك و التّعطيل و لم ينكره،و لم يعترف بغيره.

و الأوّاب هو الّذي لا يعترف بغيره و يرجع عن كلّ شيء غير اللّه تعالى،و الحفيظ هو الّذي لم يرجع عنه إلى شيء ممّا عداه.(28:176)

القرطبيّ: قال عبيد بن عمير:هو الّذي لا يجلس مجلسا حتّى يستغفر اللّه تعالى فيه.و عنه قال:كنّا نحدّث أنّ الأوّاب الحفيظ:الّذي إذا قام من مجلسه قال:سبحان اللّه و بحمده،اللّهمّ إنّي أستغفرك ممّا أصبت في مجلسي هذا.

[إلى أن قال:]

و قال أبو بكر الورّاق: هو المتوكّل على اللّه في السّرّاء و الضّرّاء.

و قال القاسم: هو الّذي لا يشتغل إلاّ باللّه عزّ و جلّ.(17:20)

عزّة دروزة: صيغة مبالغة من الأوبة،و هي الرّجوع.و هنا هي الرّجوع إلى اللّه،و شدّة التّعلّق به.

(2:38)

الاوّابين

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً. الإسراء:25

ابن عبّاس: للمطيعين المحسنين.

(الطّبريّ 15:69)

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 3:410)

ص: 160

المسبّحين.(الطّبريّ 15:69)

الرّاجعون إلى اللّه فيما ينوبهم.(الطّبرسيّ 3:410)

الحفيظ الّذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.

(القرطبيّ 10:247)

إنّ الملائكة لتحفّ بالّذين يصلّون بين المغرب و العشاء،و هي صلاة الأوّابين.(الخازن 4:127)

ابن المسيّب: الّذي يتوب مرّة بعد مرّة،كلّما أذنب بادر بالتّوبة.

نحوه سعيد بن جبير.(الجصّاص 3:197)

الرّجّاع إلى الخير.(الخازن 4:127)

مثله سعيد بن جبير.(الطّبريّ 15:68)

مجاهد: الأوّاب:التّوّاب المتعبّد الرّاجع عن ذنبه.

و روي ذلك عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(الطّبرسيّ 3:410)

قتادة: هم المطيعون،و أهل الصّلاة.

(الطّبريّ 15:69)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من صلّى أربع ركعات في كلّ ركعة خمسين مرّة (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) كانت صلاة فاطمة صلوات اللّه عليها،و هي صلاة الأوّابين.

(العروسيّ 3:153)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل،في تأويل قوله:

فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً فقال بعضهم:هم المسبّحون.

و قال آخرون: هم المطيعون المحسنون.

و قال آخرون: بل هم الّذين يصلّون بين المغرب و العشاء.

و قال آخرون: هم الّذين يصلّون الضّحى.

و قال آخرون: بل هو الرّاجع من ذنبه،التّائب منه.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب:قول من قال:

الأوّاب هو التّائب من الذّنب،الرّاجع من معصية اللّه إلى طاعته،و ممّا يكرهه إلى ما يرضاه،لأنّ الأوّاب إنّما هو فعّال،من قول القائل:آب فلان من كذا،إمّا من سفره إلى منزله،أو من حال إلى حال،فهو يئوب أوبا،و هو رجل آئب من سفره،و أوّاب من ذنوبه.[ثمّ استشهد بشعر]

(15:68-71)

الطّوسيّ: الأوّاب:هو الرّاجع عن ذنبه بالتّوبة.

و أصله:الرّجوع،يقال:آب يئوب أوبا،إذا رجع من سفره.[ثمّ استشهد بشعر](6:468)

الميبديّ: الأوّاب:بمعنى التّائب،و هو الرّاجع إلى اللّه عزّ و جلّ في كلّ ما أمر به،المقلع عن جميع ما نهي عنه.

الأوّابون:هم الّذين إذا قصّروا في حقّ والديهم أو تكلّموا معهم بالخشونة يندمون و يتوبون إلى اللّه و لا يؤاخذهم اللّه بذلك.

و قيل:هم الّذين يصلّون بين المغرب و العشاء.

و قيل:يصلّون صلاة الضّحى.و سمّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صلاة الضّحى:صلاة الأوّابين.(5:543)

الفخر الرّازيّ: أي رجّاعين إلى اللّه،منقطعين إليه في كلّ الأعمال.و سنّة اللّه و حكمه في الأوّلين أنّه غفور لهم يكفّر عنهم سيّئاتهم.و الأوّاب هو الّذي من عادته و ديدنه الرّجوع إلى أمر اللّه تعالى و الالتجاء إلى فضله، و لا يلتجئ إلى شفاعة شفيع،كما يفعله المشركون الّذين يعبدون من دون اللّه جمادا،يزعمون أنّه يشفع لهم.

ص: 161

و لفظ الأوّاب على وزن«فعّال»و هو يفيد المداومة و الكثرة،كقولهم:قتّال و ضرّاب.(20:192)

ابن باديس: الأوّابون في قوله تعالى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً هم الكثير و الرّجوع،و الأوبة في كلام العرب هي الرّجوع.

و التّوبة هي الرّجوع عن الذّنب و لا يكون إلاّ بالإقلاع عنه،و اعتبر فيها الشّرع النّدم على ما فات، و العزم على عدم العود،و تدارك ما يمكن تداركه.فيظهر أنّ الأوبة أعمّ من التّوبة،فتشمل من رجع إلى ربّه تائبا من ذنبه،و من رجع إليه يسأله و يتضرّع إليه أن يرزقه التّوبة من الذّنوب.

فنستفيد من الآية الكريمة سعة باب الرّجوع إلى اللّه تعالى.فإن تاب العبد،فذاك هو الواجب عليه،و المخلّص له بفضل اللّه من ذنبه.و إن لم يتب فليدم الرّجوع إلى اللّه تعالى بالسّؤال و التّضرّع،و التّعرّض لمظانّ الإجابة، و خصوصا في سجود الصّلاة،فقمين إن شاء اللّه تعالى أن يستجاب له.

و جاء لفظ(الأوّابين)جمعا لأوّاب،و هو«فعّال»من أمثلة المبالغة،فدلّ على كثرة رجوعهم إلى اللّه.و أفاد هذا طريقة إصلاح النّفوس بدوام علاجها بالرّجوع إلى اللّه؛ ذلك أنّ النّفوس بما ركّب فيها من شهوة،و بما فطرت عليه من غفلة،و بما عرضت له من شئون الحياة،و بما سلّط عليها من قرناء السّوء من شياطين الإنس و الجنّ، لا تزال،إلاّ من عصم اللّه في مقارفة ذنب،و مواقعة معصية صغيرة أو كبيرة،من حيث تدري و من حيث لا تدري.

و كلّ ذلك فساد يطرأ عليها،فيجب إصلاحها بإزالة نقصه،و إبعاد ضرره عنها.و هذا الإصلاح لا يكون إلاّ بالتّوبة و الرّجوع إلى اللّه تعالى.و لمّا كان طروء الفساد متكرّرا فالإصلاح بما ذكر يكون دائما متكرّرا.و المداومة على المبادرة إلى إصلاح النّفس من فسادها،و القيام في ذلك،و الجدّ فيه،و التّصميم عليه،هو من جهاد النّفس الّذي هو أعظم الجهاد.

و من معنى هذه الآية قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222،و هم الّذين كلّما أذنبوا تابوا،و التّوبة طهارة للنّفس من درن المعاصي.

(110)

الطّباطبائيّ: أي للرّاجعين إليه عند كلّ معصية، و هو من وضع البيان العامّ موضع الخاصّ.و المعنى:إن تكونوا صالحين و علم اللّه من نفوسكم،و رجعتم و تبتم إليه في بادرة ظهرت منكم على والديكم،غفر اللّه لكم ذلك إنّه كان للأوّابين غفورا.(13:81)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الرّجوع و العودة،يقال:

آب يئوب أوبا و أوبة،بمعنى رجع نوع رجوع،و عاد صنف عودة.و قد عرفت العربيّة هذا الجذر باستعماله في الجزء،كقولهم:آب بيده إلى قائم سيفه ليستلّه،و إلى سهمه ليرمي به،و إلى قوسه لينزع فيها،و كذا في الكلّ، كقولهم:آبت الشّمس،و آب الرّجل من سفره.و كلّ ذلك دالّ على نوع من العودة أو الإعادة،و الفرق بينهما-أي بين الجزء و الكلّ-أنّ العودة في الأوّل تتمّ بجزء من

ص: 162

العائد،و في الثّاني تتمّ به كلّه.

2-و يوجد في هذه المادّة تداخل مع مادّة«أ ب ب»، و هذا التّداخل ملحوظ في قولهم:أبّ الرّجل بيده إلى قائم سيفه ليستلّه،كما قالوا:آب.و كذلك نصّهم على الأبّ في بعض تصريفاته يفيد نوعا من الرّجوع و ضربا من العودة،لاحظ«أ ب ب».

لذلك نحتمل أنّ أصل الجذر هو الهمزة و الباء،على منتهى صلة المرء بالعالم،و هو«الأب»الّذي يعود إليه الفرد حين ينسب،ثمّ يتطوّر هذا الجذر ليصير«أ ب ب» بالباء المشدّدة،فيدلّ على الكلأ الّذي تعود إليه الماشية.

ثمّ يتطوّر اللّفظ بفكّ تضعيفه إلى الواو الوسطيّة،فيكون «الأوب»بمعنى الرّجوع النّهائيّ للمرء،و استقراره في مكان أو زمان.و هذه العودة النّهائيّة نسبيّة بحسب معطيات الزّمان.فإذا أريد العودة المحدّدة بزمن،قيل:عاد و رجع،و إذا أريد العودة الطّويلة نسبيّا،استعملت مادّة «الأوب».

3-و يأتي«المآب»و كأنّه محلّ الاستقرار النّهائيّ للمرء،مع أنّ صيغة«مفعل»دالّة على المكان مطلقا،إلاّ أنّ معنى الجذر يظلّ في المادّة إشارة إلى منتهى المصير من حيث المكان،فزادت«المآب»على سائر ما جاء على وزن«مفعل»في دلالتها على الاستقرار النّهائيّ.

4-و نلحظ في هذه المادّة أنّ المنظور فيها هو الموطن الأصليّ،فلا يقال مثلا:آب إلى مكّة،إن لم يكن من أهلها، فإن كان من أهلها،صحّ ذلك القول.هذا على ما هو في أصل اللّغة،فإذا ما خرج عن ذلك،فيعدّ من أبواب المجاز و قضايا البلاغة الأخرى.

الاستعمال القرآنيّ

1-استعمل القرآن هذه المادّة على ما هي عليه في أصل اللّغة،مع زيادة دلاليّة و تصريفيّة،كما سنرى.

فقد ورد فيه لفظ«المآب»9 مرّات،تفيد كلّها الدّلالة على المكان النّهائيّ للمرء،و ذلك بعد حساب يوم القيامة؛حيث دلّ على:

أ-الجنّة:بلفظ (حُسْنُ مَآبٍ) في(5)مواضع:

ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14

اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ الرّعد:29

فَغَفَرْنا لَهُ (أي لداود عليه السّلام) ذلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ ص:25

وَ إِنَّ لَهُ (أي لسليمان عليه السّلام) عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ ص:40

هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49

ب-الجحيم:بلفظ(شر مآب)في موضع واحد:

هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55

و بلفظ(مآبا)في آية واحدة:

إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً

النّبأ:21،22

ج-عموم من غير تحديد أريد به اللّه جلّ و علا في آيتين:

قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ الرّعد:36

فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً النّبأ:39

ص: 163

يلاحظ أوّلا:أنّ سورة(ص)هي سورة المآب، لتكرار اللّفظ فيها(4)مرّات،و تليها سورتا الرّعد و النّبأ مرّتين في كلّ منهما،ثمّ(آل عمران)مرّة واحدة.

ثانيا:في آيات سورة(ص)-بما فيها من نكات بلاغيّة-تقابل لطيف بين المتّقين و الطّاغين:حسن مآب، و شرّ مآب،و كذا في سورة النّبأ.إلاّ أنّ(مآبا)جاء فيها مع(الطّاغين)قبال(مفازا)للمتّقين: لِلطّاغِينَ مَآباً، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً النّبأ:22،31.

و المقابلة بين أهل النّعيم و أهل الجحيم كثيرة في القرآن،و فيها نوع موازنة بين الفريقين،و جمع بين الإنذار و التّبشير،و هو أبلغ في الهداية و الإرشاد.

و ثالثا:جاء التّبشير بلفظ(مآب)خمس مرّات، و الإنذار مرّتين،و هذا يرجّح كفّة الثّواب على العقاب، و الرّحمة على النّقمة،و الفضل على الحساب في صفح ربّ العباد،و يفضّل روح الرّجاء على الخوف و الحرمان في جانب العباد،و هو يواكب ما ثبت أنّ رحمته سبقت غضبه،و أنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا.

و رابعا:العموم من غير تحديد في الأخيرتين (وَ إِلَيْهِ مَآبِ) و (إِلى رَبِّهِ مَآباً)، جاء في موضع التّبشير بالخير أيضا،فضلا عن تلك الخمس،مشيرا إلى الطّموح،أو التّشجيع بالحصول على«المآب»في الآخرة،من غير تصريح بجوهر ذلك المآب.لكنّ المفهوم أنّ«المآب» هاهنا هو الرّجوع إليه سبحانه و تعالى،و الرّجوع إليه ليس له مفهوم إلاّ الجنّة،أو ما هو أسمى منها،و هو الوصول إلى اللّه و رضوانه الّذي هو غاية آمال السّالكين إلى اللّه؛حيث إنّ الكملة لا يطلبون من اللّه إلاّ اللّه،دون الجنّة و النّعيم.

و هذا نظير ما جاء في شأن«المستشهدين»في سبيل اللّه: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169، فإنّهم يصلون إلى الغاية،و يحضرون عند ربّهم، و يجلسون على مائدته من غير حجاب،و أنّ اللّه يضيّفهم عنده و بمحضر منه،لا في جنّة بعيدة و غائبة عنه في حسباننا،و لا يبلغ هذا المقام إلاّ النّبيّون و الصّدّيقون و الشّهداء، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69.

و خامسا:جاء في آل عمران (حُسْنُ الْمَآبِ) و في سائر الآيات (حُسْنُ مَآبٍ)، فما هي العلّة في هذا التّعريف و التّنكير؟و أيّهما أبلغ في أداء المقصود؟

يبدو أنّ التّعريف إشارة إلى الجنّة المعهودة-بما فيها من النّعيم-الّتي تكرّر ذكرها في القرآن،في مقابل ما ذكر في الآية من متاع الدّنيا،فهي من هذه النّاحية تفيد التّعظيم و التّكريم.كما أنّ التّنكير أيضا يفيد التّعظيم من جهة أخرى،حيث يذهب به ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن.و ربّما هناك سرّ آخر يكشفه الرّاسخون في الأدب القرآنيّ.

و بعد التّدبّر توصّلنا إلى أنّ (حُسْنُ الْمَآبِ) في آل عمران روعي فيه الرّويّ؛إذ قبله:النّار،المهاد، الأبصار.و بعده:العباد،النّار،الأسحار،و هكذا،و كلّها جاءت معرّفا بالألف و اللاّم،بلا تنوين.

و الرّويّ في سورة الرّعد قبل (حُسْنُ مَآبٍ): أناب، و بعده:متاب.و كذلك في الآية(20)من سورة(ص)، فقبلها:أناب،و في الآية(40)من نفس السّورة،فقبلها:

(بغير حساب)،و بعدها:عذاب.و في الآية(48)منها

ص: 164

أيضا،فبعدها بآيتين:شراب،و هي في شأن المتّقين؛ حيث قال: هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:

49،و يقابله هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55.

و الرّويّ في كثير من آيات سورة(ص)و إن جاء مع الألف و اللاّم مرّات،إلاّ أنّه جاء أيضا بدون الألف و اللاّم مرّات،و قد روعي فيها التّنكير في لفظ(مآب)دائما، سواء بشأن أهل الجنّة أو أهل النّار.و مثلها سورة الرّعد، حيث جاء فيها الرّويّ بصورتين،إلاّ أنّ(مآب)فيها بدون الألف و اللاّم في الموضعين،و بذلك يعلم أنّ(مآب) في سورة النّبأ قد روعي فيه الرّويّ أيضا في الموضعين.

2-و ورد فيه لفظ«الإياب»-من هذه المادّة-الدّالّ على الرّجوع النّهائيّ في آية واحدة:

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ

الغاشية:25،26

و يلاحظ أنّها أبلغ في التّخويف و الإنذار من ذكر الجحيم و ما فيها؛حيث قارن تعالى الرّجوع إليه بالحساب عليه،مع الإتيان بالجمع بدل المفرد: (إِلَيْنا)، (عَلَيْنا)، إعظاما للأمر،و مثلها كثير في القرآن.

و القرآن يجمع التّخويف و الإرجاء في مثل قوله:

اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. البقرة:156

مع أنّ القرآن صبغ الرّجوع في مثل هذه الآيات بصبغة الإيمان،و لوّنه بلونه،حين عدّ«الإياب»عودة إلى اللّه،لا نزوعا إلى وطن،أو رجوعا إلى زمان،و بذلك صارت العودة النّهائيّة إلى الرّبّ الجليل عودة لا عودة بعدها،و لا رجوع منها.

3-جاء الأمر من هذه المادّة (أَوِّبِي) مرّة واحدة:

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ سبأ:10

يلاحظ أوّلا:أنّه قرئ (أوبي) ،و لم يقبلها بعض المفسّرين.و كيفما يكن الأمر،فإنّ هذا الاشتقاق و دلالته على التّسبيح شيء جديد،لم تألفه العربيّة قبل القرآن، كما لم يذكر في أيّ نصّ من النّصوص الفصيحة الّتي ظهرت بعد القرآن الكريم.و بعبارة أخرى أنّ«التّأويب» -بمعنى التّسبيح و ترجيع الاستغفار و الدّعاء-من الفرائد القرآنيّة الجديدة.

و ثانيا:من الواضح أنّ ترجيع التّسبيح و الاستغفار قد تمّ بتغيير لفظيّ بيّن؛حيث إنّ الفعل لم يكن(أوبي) بسكون الواو،و إنّما بتشديدها،فصار معناه ردّدي و رجّعي،و لو كان ساكن الواو،لجاز قول من قال:إنّها بمعنى عودي و ارجعي،و سيري معه.فلمّا لم يكن كذلك،صحّ رأي اللّغويّين و المفسّرين القائلين:إنّها ترجيع التّسبيح،و يؤيّده قوله تعالى: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ ص:18،فإنّه كالبيان و التّفسير لقوله: يا جِبالُ أَوِّبِي.

و ثالثا:أنّه لم يجئ فعل منها سوى(اوّبى)،و يبدو أنّه -و كذلك(اوّاب)-ممّا أحدثه القرآن في هذه المادّة، زيادة لأصل اللّغة.

4-جاء«الأوّاب»مفردا في خمسة مواضع، و«الأوّابين»جمعا في موضع واحد:

أ-وصفا لداود: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:17

ص: 165

ب-وصفا لسليمان: وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:30

ج-وصفا لأيّوب: إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ص:44

د-وصفا للمتّقين: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:31،32

ه-وصفا للطّير: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ

ص:19

و-وصفا للصّالحين: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً

الإسراء:25

و يلاحظ أوّلا:أنّ«الأوّاب»بصيغة المبالغة،و الجمع «الأوّابون»للّذين يكثرون من الرّجوع إلى المكان، و للّذين يكثرون من الرّجوع إلى اللّه سبحانه و تعالى عن طريق الاستغفار و كثرة الذّكر،و كلّها في شأن الأنبياء و المسبّحين من النّاس،سوى آية وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً، و سنتناولها بالبحث لاحقا.

و نعتقد أنّ القائلين بأنّ المعنى«من يرتكب الذّنب ثمّ يتوب،ثمّ يرتكب الذّنب و يتوب»،و أنّ هذا الصّنف هو المقصود بقوله تعالى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً، قد جانبوا الصّواب.و نميل إلى الاعتقاد بأنّ المقصود أولئك الّذين يكثرون من الاستغفار،باعتباره طريق الأوبة إليه سبحانه،متجنّبين الوقوع في الإثم و الذّنب.و هذا هو مؤدّى اللّفظة من سياقاتها المختلفة،كقوله تعالى: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ، فليس من المعقول أن يكون داود عليه السّلام يكثر من ارتكاب الذّنب،ثمّ يكثر من الاستغفار،و إنّما الأليق ما قلناه.

و ثانيا:قوله: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ أوضح ما قلناه في معنى(اوّاب)؛حيث أنّ الطّير تطير بعيدا عن داود،تشرّق و تغرّب ثمّ تؤوب إليه،فيكثر منها ذلك،فيصير(أوّاب)بمعنى الرّجّاع إلى وطنه،فكان داود عليه السّلام هو الموطن الّذي تحلّه الطّير،فكلّ منها أوّاب له.

و هذا الاستعمال أوضح الاستعمالات السّابقة؛إذ الطّير في طيرانها لم تعص داود،و ذلك بدليل قوله:

(محشورة)،فهي مجموعة مأمورة بطاعته،لذا لا يعدّ جولانها عصيانا،و إنّما هي تتّخذ إلى داود سبيل العودة، و لذلك فهي رجّاعة إليه،و إذا كان رجوعها مادّيّا بجسدها،فإنّ الأوبة إلى اللّه عن طريق الاستغفار أوبة معنويّة لا مادّيّة،مثلها مثل: (أَوِّبِي مَعَهُ) في مخاطبة الجبال.

هذا،و لكنّ قوله: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ عطف على ما قبله: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ، و معناه أنّ الطّير تسبّح للّه، و الضّمير(له)يرجع إلى اللّه لا إلى داود،و هو أحد الوجهين في«الكشّاف»و غيره.و عليه فلا رجوع إلى داود،لا جسميّا و لا معنويّا.و يبدو«الأوّاب»هنا بمعنى المسبّح،فهو تعبير آخر عن تسبيح الجبال و الطّير.

و هناك قول بأنّ كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ، أي كلّ من داود و الجبال و الطّير مسبّح له تعالى،و مرجّع للتّسبيح،و هو الأظهر؛إذ لا معنى لاستغفار الجبال و الطّير،لعدم عصيانهما.

و ثالثا:إذا كان المراد منه هنا الرّجوع الجسمانيّ،

ص: 166

فالبعد كذلك،فالطّير كانت تطير و تبتعد عن داود ثمّ ترجع إليه مرارا و تكرارا،فلا عصيان هناك،بل بعد و قرب،و ذهاب و إياب بالمعنى المادّي،فلا ضير في عدم صدق العصيان بالنّسبة إلى الطّير.أمّا إذا كان الرّجوع معنويّا بمعنى التّوبة،فالبعد عصيان اللّه تعالى و بعد عنه كذلك.و لكنّه منفيّ عن داود و الأنبياء عليهم السّلام.و عليه فهو بمعنى المسبّح مرّة بعد أخرى،كما سبق.

و رابعا:أنّ أكثر ورود هذه المادّة كان في السّور المكّيّة؛حيث ورد فيها ثلاثة أضعاف مرّات وروده في السّور المدنيّة تقريبا،بل لم يرد في السّور المدنيّة إلاّ لفظا (المآب)و(مآب)،و في سورتين اثنتين،هما آل عمران و الرّعد.و ليس في السّورة الأخيرة ما يدلّ على أنّها مدنيّة،بل فيها ما يشهد بكونها مكّيّة،و عليه فتبقى آية واحدة مدنيّة في آل عمران.و المشترك بين المدنيّة و المكّيّة هو لفظ(مآب)فقط،منكّرا.و معنى ذلك أنّ استعمال هذه المادّة كان شائعا في مكّة و مفهوما فيها أكثر من المدينة،ثمّ دخل المدينة-و لعلّه من طريق القرآن-بصيغة واحدة هي(مآب)منكّرا مرّتين،كما كان في مكّة،و معرّفا مرّة واحدة فقط.و اللّه أعلم.

و خامسا:أنّ معظم المادّة قد ورد في السّور الّتي تبدأ بالحروف:آل عمران (الم)، ص،ق،الرّعد (المر)، حيث وردت في هذه السّور اثنتي عشرة مرّة من المجموع الكلّي الّذي هو سبع عشرة مرّة،فهل في ذلك سرّ؟و أمّا السّور الأخرى الّتي ورد فيها الجذر،و لم تبدأ بحرف من الحروف،فقد بدأت اثنتان منها بصيغة استفهاميّة:النّبأ عَمَّ يَتَساءَلُونَ، الغاشية هَلْ أَتاكَ، و بدأت اثنتان منها بحمد اللّه و تسبيحه:سبأ اَلْحَمْدُ لِلّهِ، الإسراء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى.

و سادسا:قد جاء كلّ من صيغتي(اوّاب)و(مآب) أربع مرّات في سورة(ص)،باعتبار أنّ رويّ الآيات فيها (ب)في أكثر من ثلثها،أي بنسبة 35:88،من مجموع آياتها،و الباقي(ر)12 مرّة،ثمّ بعض الحروف الأخرى، فلاحظ.و بذلك علمنا أنّ ما يقرب من نصف مرّات هذه المادّة جاء في سورة(ص)،أي بنسبة 8:17.كما أنّ عدد مجيء(مآب)و(اوّاب)في القرآن بنسبة 9 مآب6/ أوّاب

و سابعا:جاء(اوّاب)تلو صفة مدح مرّات و قبلها مرّة واحدة:

1-صابر(بشأن أيّوب) إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:44

2-ذو الأيد(بشأن داود) وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ. ص:17

و المراد به ذو القوّة،أو ذو الإحسان،مثل:له أياد.

3-نعم العبد أو عبدنا(بشأن سليمان و داود و أيّوب).

4-حفيظ: هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:32.

و يلاحظ أنّه وصف خاصّ في الجميع سوى الأخير، فهو عامّ.فتحصّل لدينا أنّ من كان«أوّابا»في عرف القرآن،يكون صابرا قويّا في طاعة اللّه،محسنا إلى العباد، حفيظا لأمر اللّه.و هذه الخصال بمجموعها تشكّل حقيقة العبوديّة للّه،فيستحقّ صاحبها وصف (نِعْمَ الْعَبْدُ) و (عَبْدَنا).

ص: 167

ص: 168

أ و د

اشارة

يؤده

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأود:مصدر آد يئود أودا.و تقول:أدت العود فأنا أءوده أودا فانآد،و تفسيره عجته فانعاج.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:آدني هذا الأمر،يئودني أودا و أوودا،إذا بلغ منك المشقّة.

و يقال:آده الكبر،و منه التّأوّد و هو كالتّثنّي و التّعوّج للقضيب و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ما آدك فهو لي آئد،أي ما أثقلك فهو لي مثقل.

و الأود:العوج،و أود يأود أودا فهو أود.

و موضع بالبادية يسمّى أوّد بالتّشديد.[ثمّ استشهد بشعر](8:95)

أبو عبيدة: تقول:لقد آداني هذا الأمر،و ما أداك فهو لي آئد.[ثمّ استشهد بشعر](1:78)

نحوه الطّبريّ(3:12)،و السّجستانيّ(28).

أبو زيد:تأيّد أيدا،إذا اشتدّ و توي.

(الأزهريّ 14:228)

آدني الحمل يئودني أودا:أثقلني،و أنا مئود،مثال مقول.(الجوهريّ 2:442)

الأصمعيّ: آد العود يئوده أودا،إذا حناه،و قد انآد العود ينآد انئيادا فهو منآد،إذا تثنّى و اعوجّ.

(الأزهريّ 14:228)

أبو عبيد: المؤيد بوزن معيد:الأمر العظيم.و قال طرفة:

*أ لست ترى أن قد أتيت بمؤيد*

و جمعه غيره على مآود،جعله من آده يئوده أودا،

ص: 169

إذا أثقله.و تأوّد،إذا تثنّى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:228)

ابن الأعرابيّ: و المآود و الموائد:الدّواهي،و هو من المقلوب.و رماه بإحدى المآود،أي الدّواهي.

(ابن منظور 3:75)

ابن السّكّيت: آد العشيّ،إذا مال.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:228)

ابن أبي اليمان: الأود:عطف العود،يقال:أدت العود أءوده أودا،إذا عطفته.قال اللّه جلّ ذكره:

وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255،أي لا يثقله.

(التّقفية:308)

الزّجّاج: و آد الرّجل:كثرت عنده آلة الحرب.

(كتاب فعلت و افعلت:53)

ابن دريد: يقال:آدني الأمر يئودني أودا،إذا بهظني.و كذلك فسّر قوله جلّ ثناؤه: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255،و اللّه أعلم.

و آد الشّيء يئوده،إذا رجع،فهو آئد،أي راجع.

و المؤيد:الدّاهية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأود:العوج،أود يأود أودا.و أود:واد معروف.

(1:174،175)

الأزهريّ: يقال:آد النّهار فهو يئود أودا،إذا رجع في العشيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أود الشّيء يأود أودا،إذا اعوجّ،فهو أود.

و أود قبيلة،و أدد (1)موضع.(14:227،228)

الجوهريّ: أود الشّيء بالكسر يأود أودا،أي اعوجّ.و تأوّد:تعوّج.

يقال:ما آدك فهو لي آئد.

و آده أيضا بمعنى حناه و عطفه،و أصلهما واحد.

و آد العشيّ،أي مال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الانئياد:الانحناء.[ثمّ استشهد بشعر](2:442)

ابن فارس: الهمزة و الواو و الدّال أصل واحد،و هو العطف و الانثناء.أدت الشّيء:عطفته،و تأوّد النّبت،مثل تعطّف و تعوّج.[ثمّ استشهد بشعر]

و إلى هذا يرجع آدني الشّيء يئودني،كأنّه ثقل عليك حتّى ثناك و عطفك.

و أود قبيلة،و يمكن أن يكون اشتقاقها من هذا.و أود موضع.(1:154)

الهرويّ: يقال:آده،إذا أثقله و اشتدّ عليه.

و في الحديث:«أقام الأود و شفى العمد».الأود:

العوج،و قد تأوّد الشّيء.و العمد:ورم يكون في الظّهر.

(1:107)

الطّوسيّ: الأود:مصدر آده يئوده أودا و إيادا،إذا أثقله و جهده.

و أدت العود فأنا أءوده أودا فانآد،و معناه عجته فانعاج،لأنّه اعتمد عليه بالثّقل حتّى مال.و الآود، و الأوداء على وزن أعوج و عوجاء،و المعنى واحد، و الجمع:الأود بوزن العوج،و أصل الباب الثّقل.

(2:310)

مثله الطّبرسيّ(1:361)،و صدر المتألّهين(4:

176).ا.

ص: 170


1- الصّحيح:أود،كما ذكره صاحب«اللّسان»عن الأزهريّ 3:75.و هكذا ذكره ابن دريد و ابن فارس و غيرهما.

الرّاغب: آد يئود أودا و إيادا،إذا أثقله،نحو قال يقول قولا.و في الحكاية عن نفسك أدت مثل قلت؛ فتحقيق آده:عوّجه من ثقله في ممرّه.(30)

الزّمخشريّ: آده الحمل،أي أثقله.و آدت الخيل الأرض بكثرتها.و آد العود:اعتمد عليه فثناه.و انآد:

انعطف.و تقول:رجعت منه بالدّاهية النّآد،و بالصّلب المنآد.و أود الشّيء و تأوّد و فيه أود،أي عوج.

و من المجاز:آدني هذا الأمر:بلغ منّي المجهود و المشقّة.

و آد الفيء:انثنى و رجع،و آد العشيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:12)

الصّغانيّ: تآوده الأمر،إذا ثقل عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رماه اللّه بإحدى المآود و الموائد،أي الدّواهي.

أويد القوم:أزيزهم و حسّهم.

الآود،و الأوداء:الأعوج،و العوجاء.و أدت العود:

عطفته.

و ذو أود:مرثد،من ملوك اليمن،ملك ستّمائة سنة.

(2:192)

الرّازيّ: أود الشّيء:اعوجّ،و بابه طرب.و تأوّد:

تعوّج.و آده الحمل:أثقله،من باب قال،فهو مؤدّ بوزن «مقول».(44)

الفيّوميّ: يئوده أودا:أثقله،فانآد،وزان«انفعل» أي ثقل به.و آده أودا:عطفه و حناه.(1:29)

الفيروزآباديّ:اود كعرج يأود أودا:اعوجّ، و النّعت آود و أوداء.

و أدته فانآد و أوّدته فتأوّد:عطفته فانعطف.

و آده الأمر أودا و أوودا:بلغ منه المجهود.و المآود:

الدّواهي.و آد:مال و رجع.و أود:رجل،و بالضمّ:موضع بالبادية.

و أويد القوم:أزيزهم و حسّهم.

و تأوّده الأمر و تآداه:ثقل عليه.

و ذو أود:مرثد،ملك ستّمائة سنة باليمن.

(1:284)

الطّريحيّ: الأود،بالفتح:القوّة.و الأود أيضا:

العوج.

و أود الشّيء،بالكسر يأود أودا:أي اعوجّ.و تأوّد:

تعوّج.

و أقام إوده،أي عوجه،و منه«يقيم إودكم»أي اعوجاجكم.

و مثله«أقم بهم أودي»أي اعوجاجي،و المعنى أصلح بهم شأني،و اكشف بهم غمّي،و نظائره.(3:8)

مجمع اللّغة:آده الأمر يئوده أودا:أضنكه و ثقل عليه.(1:68)

النّصوص التّفسيريّة

لا يؤده

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. البقرة:255

ابن عبّاس: لا يثقل عليه حفظهما.

مثله ربيع بن أنس،و الضّحّاك.(الطّبريّ 3:12)

و مثله السّيوطيّ(2:8)،و البيضاويّ(1:133)،

ص: 171

و القمّيّ(1:84)

لا يشقّه و لا يثقل عليه.

مثله الحسن،و قتادة.(أبو حيّان 2:280)

و مثله الطّبريّ(3:12)،و الحجازيّ(3:6)، و القاسميّ(3:662)،و البروسويّ(1:405)، و الطّبرسيّ(1:363).

مجاهد: لا يضرّ به أو لا يكرثه حفظهما.(1:115)

الحسن: لا يثقل عليه شيء.

مثله قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 3:12)

نحوه أبو عبيدة(1:78)،و الأخفش(1:379)، و القرطبيّ(3:278)،و الطّريحيّ(غريب القرآن:184)، و الكاشانيّ(1:260).

أبان بن تغلب: لا يتعاظمه حفظهما.

(أبو حيّان 2:280)

ابن زيد: لا يعزّ عليه حفظهما.(الطّبريّ 3:12)

ابن قتيبة: لا يثقله حتّى يئوده،أي تميله.(334)

الأزهريّ: لا يكرثه و لا يثقله و لا يشقّ عليه.

(14:228)

نحوه الزّجّاج(1:338)،و الميبديّ(1:695)، و الزّمخشريّ(1:386)،و النّسفيّ(1:128)، و النّيسابوريّ(3:19)،و الخازن(1:228)،و أبو السّعود (1:189)،و الشّربينيّ(1:169)،و شبّر(1:260)، و فريد وجديّ(53)،و رشيد رضا(3:33)، و النّهاونديّ(1:178)،و محمّد عبد المنعم(1:256)، و القاسميّ(3:662).

أبو الفتوح: (لا يؤده)أي لا يجهده،و قيل:(يؤده) يسقطه من ثقله.(1:443)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (يَؤُدُهُ) بالهمز،و قرئ شاذّا بالحذف،كما حذفت همزة«أناس».و قرئ أيضا (يئوده) بواو مضمومة على البدل من الهمزة،أي لا يشقّه و لا يثقل عليه،قاله ابن عبّاس،و الحسن،و قتادة،و غيرهم.

و قال أبان بن تغلب:لا يتعاظمه حفظهما.و قيل:

لا يشغله حفظ السّماوات عن حفظ الأرضين و لا حفظ الأرضين عن حفظ السّماوات،و الهاء تعود على اللّه تعالى.(2:280)

صدر المتألّهين: لمّا عظّم اللّه تعالى أمر السّماء و ما فيها و الأرض و ما فيها سابقا،بأن نسب و أضاف ما في كلّ منهما إلى ملكه و سلطانه،ثمّ عظّم أمر الكرسيّ بأنّه وسع السّماوات و الأرض،إذ كما أنّ الكرسيّ بطبيعته الجسميّة المحدّدة للأمكنة و الأزمنة محيط بما في داخله- لا كمجرّد إحاطة الظّرف بالمظروف محدّدا كان المكان المحاط عليه أم لا،بل بأن لا يتعيّن للمحاط عليه مكان أو حيّز أو وضع أو ما شئت فسمّه إلاّ بسبب طبيعة جسميّة بخصوصها-فكذلك بحقيقته العقليّة و النّفسيّة،و روحه و قلبه الّذي هو مستوى الرّحمن مؤثّرة فيما دونها من النّفوس و الطّبائع الفلكيّة و العنصريّة و ملكوت العالم السّفلي-من الجماد و النّبات و الحيوان-و لذلك تنبعث الأرزاق و الآجال من هناك و ترتفع الدّعوات لطلب الحاجات إلى ذاك،فأراد أن يشير إلى أنّ ذلك لا يشقّ عليه و لا ينوء به،فقال: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما.

أي لا يتعب الكرسيّ و لا يشقّ على ظاهر حقيقته و باطن قلبه حفظ أجسام السّماوات و الأرض و حفظ

ص: 172

نفوسها و طبائعها و صورها-إن كان الضّمير راجعا إلى «الكرسيّ»-أو لا يتعبه تعالى حفظهما بالكرسيّ على الوجه المذكور-إن كان الضّمير راجعا إليه سبحانه-كما لا يئود الرّوح الإنسانيّ حفظ أسرار السّماوات و الأرض و معانيها الّتي أودعها اللّه في السّرّ الإنسانيّ بقوله تعالى:

وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها البقرة:31.

و تحقيق هذا المطلب يحتاج إلى مزيد تقرير له،ليظهر لك بالبرهان كيفيّة دوام الممكن بدوام علّته الفيّاضة،من غير تعب و ملال و أودة و كلال،و هذا هو الّذي وعدناه آنفا،فاستمع و عه.

اعلم أنّ للحقّ تعالى أسماء و صفات،و لكلّ منهما مجاليّ و مظاهر في كلّ من العوالم،من أحصاها-أي عرفها و عرف لوازمها و آثارها و بدايتها و غايتها-وجبت له الجنّة،و هي الكمال العلميّ العرفانيّ،أي العلم بحقائق الأشياء،كما هي عليها الموجب لمشاهدة المثل العقليّة و الأشباح الجنانيّة الموعودة-انشاء اللّه-جزاء لصالح العمل و مرضيّ السّعي.

فكما أنّ عالم الجبروت من الملائكة العقليّة-بجملة عددها الكثيرة و ضروبها الّتي لا يحيط بها غير اللّه-هو عالم قدرة اللّه تعالى و مظهر جبّاريّته،و مستوى اسم «الجبّار»،كذلك«عالم الكرسيّ»بجملة ما فيها من ملكوت السّماوات و الأرض«عالم رحموته»و مظهر رحمانيّته و مستوى اسم«الرّحمن»،إذ برحمته قامت السّماوات و الأرض،فالكرسيّ صورة رحمانيّة اللّه تعالى على الخلائق،و بها يعطف بعضهم بعضا بالتّرتيب الحكميّ و النّظم السّببيّ و المسبّبيّ،فلكلّ سبب خاصّ عطوفة و رحمة على مسبّبه بإيجاده و إقامته و حفظه و إدامته.

ثمّ اعلم أنّ العلّة الفاعليّة بحسب المشهور على ضربين:أحدهما:الفاعل الّذي يحتاج في فاعليّته إلى حركة و آلة و قابل-كالكاتب و البنّاء-و مثل هذا الفاعل يقال له في عرف الإلهيّين:«المعدّ»و«المحرّك»،و هي العلّة بالعرض.

و ثانيهما:الفاعل الّذي لا يحتاج إلى حركة و آلة جسمانيّة و قابل-و هو الفاعل في عرفهم-و إن سألت الحقّ فليس الفاعل بالحقيقة إلاّ ما هو بريء بالكلّيّة عن جهة الإمكان،و ما هو إلاّ الواحد الحقّ،كما مرّت الإشارة إليه.

فالفاعل بالمعنى الأوّل لتعلّقه بالمادّة الجسمانيّة و تحرّكه عند تحريكه يلحقه-لا محالة-كلال و إعياء و دثور و فناء،لأنّ الجسمانيّات متناهية الذّوات،متناهية القوى و الانفعالات،كما أنّها متناهية الامتدادات و الاتّصالات،فيصحبها الكلال أوّلا ثمّ الزّوال ثانيا.و قد صرّح بعض الحكماء بأنّ الفاعل الجسمانيّ قابل في الحقيقة لفعله لمباشرته إيّاه،و أمّا القوى الفعّالة المتقدّسة عن شوب الانفعال المادّيّ،المرتفعة عن حضيض العالم السّفليّ فهي مسلوبة التّغيّر عن حالها،ممتنعة التّجدّد في فعالها،بريئة الذّوات عن لحوق معنى عارض يوجب كلالها و ملالها،أو مضادّ مفسد يقتضي فسادها و زوالها.

فهي وسائط فيض الحقّ و روابط جوده و مكثر جهات رحمته و مفنّن شعوب فضله و جوده،فهي بالحقيقة عباد الرّحمن المؤتمرون بأمره المتزجّرون بنهيه و زجره،كما وصفهم اللّه تعالى بقوله: لا يَعْصُونَ اللّهَ

ص: 173

ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6.

بخلاف الفاعل بالمعنى الأوّل،فإنّه لوقوعه في عالم الأضداد و تصادم صور الموادّ ربّما يعوق عن فعله المقصود لمانع،و يقطع عن طريقه المصمود إليه لقاطع.

و إن أردت زيادة التّوضيح فقد أودع اللّه تعالى في نفسك هذين الضّربين من التّأثير،أي الإبداع و التّحريك،و هو المسمّى بالإحداث أيضا،لأنّ الحدوث يعرض الحركة بالذّات و لما يقترنه بالعرض.

ف«الإبداع»إيجاد شيء لا عن شيء،و مثاله فيك تصوّرك للأشياء بقوّتك المصوّرة و مثولها بين يديك في عالمك الخاصّ،على وجه يكون وجودها لك نفس مشاهدتك إيّاها،و«الإحداث»هو جعل الشّيء شيئا، و مثاله فيك تكلّمك و كتابتك بآلات و أسباب طبيعيّة أو غيرها.

ففي الضّرب الأوّل لا يصرف منك شيء إلاّ مجرّد الالتفات و العناية،و في الثّاني يصرف منك المادّة و الآلة و الزّمان و القوّة شيئا فشيئا،فيحصل منه المفعول تدريجا، و يكمل عند انقضاء الحركة و الزّمان،و هما مقدار خروج المادّة إلى الفعل،و توجّه القوّة و الآلة نحو الكمال،تقرّبا إلى المبدئ الفعّال.

فإذا علمت هذين الضّربين من الفاعليّة،و علمت خصوصيّة كلّ منهما و امتيازه عن صاحبه بخواصّ و لوازم،ظهر لك أنّ التّعب و المشقّة و الأودة لا يعرض إلاّ لفاعل جسمانيّ لا يفعل إلاّ بأن ينفعل و يتحرّك من حال إلى حال،و يكون فاعليّته على سبيل المباشرة.

و أمّا الّذي فاعليّته لشيء بحيث إذا أراد أن يقول له:

«كن»فيكون،أي يكون مجرّد إرادة الفعل منه،مقتضيا لحصول فعله من غير أمر زائد،يكون متوسّطا بينه و بين فعله-كإيجاده تعالى عالم الأمر-أو يكون الوسط حاصلا بأمره من غير مدخليّة مادّة و استعداد و حركة- كإيجاده لجواهر السّماوات و الأرض بواسطة أمره-أو مع مدخليّتها-كإيجاده حوادث الفلكيّة و الأرضيّة بإفادة الأسباب و إفاضة الاستعدادات و الحركات،من غير تغيّر فيه تعالى.و إليه أشار بقوله سبحانه: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما أي لا يتعبه إدامة جواهر ما في السّماوات و الأرض-هذا إذا كان الضّمير المفعول كناية عنه تعالى، و أمّا إذا كان راجعا إلى«الكرسيّ»فالحكم بعدم عروض التّعب و المشقّة ثابت للكرسيّ،لأنّه بحقيقته و ذاته من وسائل جوده تعالى و ربّانيّته و جهات كرمه و رحمانيّته الّتي لا تبيد و لا تنقص أبدا،فلا يلحق له مشقّة و تعب، و إذا لم يحصل له فاستحال حصوله للحقّ بالطّريق الأولى.

و بالجملة كلّ ما هو علّة لشيء بالحقيقة-لا بحسب القسر للإعداد و الاستعداد-فيكون المعلول من توابع ذاته و رشحات وجوده،بمنزلة الظّلّ للشّخص،فكما لا يثقل و لا يشقّ وجود الظّلّ على الشّخص و استتباعه إيّاه،فكذلك المعلول بالقياس إلى ما هو علّة له بالذّات، و هذه الأسباب الّتي يظنّ النّاس أنّها علّة إنّما يئودها وجود ما ينسب إليها،لأنّها ليست عللا بالحقيقة،بل بحسب المجاز،و ما هو علّة بالحقيقة لا يلحقه الفتور في تأثيره،اللّهمّ إلاّ أن يكون بحسب نفس الأمر ناقصا ضعيف الوجود.

ص: 174

فاعتبر بالكتابة الصّادرة من الكاتب،فإنّ جوهر الإنسان كاتب بالعرض لا بالذّات،و لهذا يلحقه التّعب و الملال،و أمّا الكاتب بما هو كاتب-و هو أمر مركّب من جوهر الإنسان و أمور أخرى،بعضها نفسانيّة و بعضها طبيعيّة و بعضها خارجيّة من الآلة و الحركة و القابل و غيرها-فلا يحصل التّعب للمجموع إلاّ من جهة تصادم وقع بين أجزائه،و تعارض قد حصل في العضو الواحد بين مقتضى الطّبيعة و مقصود الإرادة،فإنّ مقتضى الطّبيعة الّتي في العضو الثّقل-أي الميل إلى مركز العالم- و مقصود الإرادة الحركة إلى جهات مختلفة فيحصل له الإعياء،فيملّ الإنسان من الكتابة قبل أن يحصل بها الاكتفاء و عنها الغناء.و أمّا الأمور الّتي تجري مجرى التّصوّرات المحضة و التّمثّلات،فحصولها من الإنسان لا يشقّ عليه،لأنّها إنّما صدرت منه بجهة واحدة فاعليّة ذاتيّة من غير تعارض الجهتين،فيكون هناك نفس التّصوّر و الإرادة الشّوقيّة نفس الحصول في صقع من النّفس.

فمن هذا السّبيل يجب أن يعتقد فاعليّته تعالى للأشياء و فاعليّة ملائكته المقرّبين و ملائكته المدبّرين، فإنّ صدور الموجودات عنه تعالى-كليّة كانت أو جزئيّة،روحانيّة كانت أو جرميّة-نفس تعقّله إيّاها كما حقّق في موضعه،و كذا فاعليّة من هو في عالم جبروته و صقع ملكوته،فمن اعتقد فاعليّته تعالى على هذا الوجه و أعلى منه آمن من التّجسّم في حقّه الموجب للعذاب الأليم.(4:176)

الآلوسيّ: أي لا يثقله،و هو مأخوذ من«الأود» بمعنى الاعوجاج،لأنّ الثّقيل يميل له ما تحته،و ماضيه آد.

(3:10)

عزّة دروزة: (يؤده):يعجزه أو يشقّ عليه،أو يثقل عليه.(7:381)

بنت الشّاطئ: الكلمة-من آية الكرسيّ-وحيدة في القرآن،صيغة و مادّة.

و تفسير(لا يئوده)ب«لا يثقله»،تقريب.و قال الفيروزآباديّ في«القاموس»:و آده الأمر أودا:بلغ منه المجهود،و تأوّده:ثقل عليه.

و لا يفوتنا مع ذلك أنّ القرآن استعمل«الثّقل»نحو أربعين مرّة،إمّا على أصل معناه في الوزن و الموازين و المثقال،و إمّا في الأثقال حسّيّة و معنويّة.

و لعلّ الفرق بين«الثّقل»و«الأود»:أنّ الوزن أصل في معنى الثّقل،أمّا الأود ففيه معنى العوج و المشقّة،فكأنّ الإثقال فيه جاء من جهد المشقّة،لاحتماله أو لإقامة اعوجاجه.(الإعجاز البيانيّ:373)

المصطفويّ:لا يعطفه و لا يؤثّر فيه انحناء و ثقلا و انعطافا،حتّى يوجب ضعفه في قبال الحفظ.(1:160)

الأصول اللّغويّة

1-جعل ابن فارس الأصل فيه العطف و الانثناء، و أرجع إليه«الثّقل»الّذي ذكره غيره أصلا للمادّة، باعتبار أنّه إذا آداه الشّيء كأنّه ثقل عليه حتّى ثناه و عطفه.و لو وافقناه على هذا الأصل فلا نوافقه في بقاء اللّفظ دائما عليه،فإنّه قد انتقل من هذا المنطلق الّذي ذكره إلى«الثّقل الحسّيّ»حتّى صار كأنّه الأصل،فيقال:

ص: 175

آداه الحمل،أي أثقله.ثمّ استعمل مجازا في«الثّقل المعنويّ»،فيقال:آدني هذا الأمر،أي بلغ منّي المجهود و المشقّة.

2-و لمّا كان من مظاهر الثّقل و الإثقال الضّنك و التّعب و الاعوجاج و نحوها أصبح الأوّل يعطي معنى الاعوجاج و العطف-لو لم يكن أصلا له-و الرّجوع، يقال:يقيم أودنا،أي يعدّل اعوجاجنا.و من مظاهر هذا التّطوّر أنّ«المآود»بمعنى الأثقال أصبحت تعني الدّواهي و الأمور العظيمة الّتي يشقّ تحمّلها.

3-و الفعل:أود يأود أودا،و قد يقلب الواو همزة، فيقال:أأد،ثمّ أدغمت الهمزتان،أو اعتلّ الواو مثل:قول و قال فصار«آد».و لعلّ وأد-بمعنى دفن من كان حيّا- مقلوب«أود»أو بالعكس،لأنّ«الوأد»هو الإثقال بالتّراب.

و يبدو أنّ هناك علاقة أيضا بين الفعلين«أود» و«وأد»و بين الفعل«أدّ»،فالأدّ هو القوّة و الأمر العجيب و العظيم المنكر،و الشّدّة و الغلبة و الدّاهية،و هي معان قريبة من معنى الفعلين.كما أنّ لها جميعا علاقة باليد- و أصلها يد و-و هي مظهر القوّة و الغلبة،و العمل المثمر المجهد.

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء في التّنزيل في سياق وصف اللّه:بالحيّ القيّوم الّذي لا تأخذه سنة و لا نوم،و أنّ له ما في السّماوات و الأرض،و وسع كرسيّه السّماوات و الأرض وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما، أي لا يثقله و لا يجهده و لا يشقّ عليه و لا يعزّ عليه،إلى غيرها ممّا جاء في التّفاسير.

2-و الفعل يحمل البعدين:الثّقل المادّيّ و المعنويّ، إلاّ أنّ الجانب الحسّيّ فيه أقرب؛لأنّ السّماوات و الأرض محسوستان،كما أنّ الجانب المعنويّ أنسب-و هو منفيّ عنه -بساحته تعالى،فإنّ ضمير المفعول به(يؤده)يرجع إليه،و لا يظنّ أحد مهما كان بعيدا عن معرفته تعالى نسبة الثّقل المادّيّ إليه.

3-و الفعل المضارع المنفيّ (لا يَؤُدُهُ) يعطي مدّا زمنيّا لا حدود له،فإنّ الآية بكاملها و أجزائها المترابطة المتكاملة بصدد بيان سيطرته القيموميّة على العالم أجمع، فلا شيء خارج الإرادة و القيموميّة الإلهيّة يخلّ بالنّظام أو يجهد الباري جلّ جلاله من ناحية الخلق أو الحفظ.

و لا سيّما أنّه وصف قبله بأنّه لا تأخذه سنة و لا نوم، و أنّه عالم محيط بالعالم و بالإنسان.و من هنا يجد الذّوق العربيّ المرهف أنّ (لا يَؤُدُهُ) جاءت على أنسب ما يكون،و لا يمكن رفعها و لا حذفها و لا تبديلها من لفظ آخر.و بالجملة فهذه الصّفات و من جملتها لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما من لوازم حياته القيموميّة و يستحيل انفكاكها عنها.

و قوله في ذيل الآية: وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، فيه تناسب مع اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ في أوّل الآية،و الصّفات الأربع حدّان لسائر الصّفات الّتي ذكرت في الوسط،على أنسب وجه في التّرتيب و التّوالي.

4-ثمّ إنّ اختصاص النّفي بحفظهما من دون خلقهما لا يعني طبعا أنّ خلقهما يؤده،بل هو إشارة إلى أحد أمرين:

ص: 176

الأوّل:إن كان لا يؤده حفظهما فخلقهما أولى بذلك، لأنّ قدرة الخلق أشدّ من الحفظ.

الثّاني:أنّ النّاس حينما يرون السّماء و الأرض قائمتين يتصوّرون أنّ من يحفظهما سوف ينوء بثقلهما؛فنفى اللّه ذلك إشعارا بأنّ قدرته لا حدّ لها،فهو قيّوم ذاتا و صفة.

و من هنا نستحسن كون هذه الصّفة و ما قبلها و ما بعدها شرحا و تفسيرا لقوله في صدر الآية: هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاحظ كلام صدر المتألّهين في النّصوص التّفسيريّة و تأمّل فيه.

5-و لعلّ مجيء هذا اللّفظ مرّة واحدة بصيغة المضارع المنفيّ في القرآن إشارة إلى أنّ الأمر مؤكّد ثابت و دائم لا يحتاج إلى تكرار،و لا ينبغي لأحد نسبته إلى اللّه، كما أنّ الماضي في أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1، يعطي التّأكيد في مجيء القيامة كأنّها واقعة و لا ينبغي الرّيب فيها.

6-و كما أنّ الغفلة القليلة منفيّة عن اللّه،فكذلك الحفظ مضمون لا يثقل عليه،و أنّ الحفظ-كما مرّ-أسهل من الإيجاد من العدم،و السّنة أقلّ من النّوم.

و هذا تناسب لطيف في الآية يشير إلى حسن الختام، فنفي الغفلة مهما قلّت في أوّل الآية يناسب دوام حفظ السّماوات و الأرض،و عدم النّوء بحملها في آخر الآية.كما أنّ عدم الإعياء بحفظهما في آخر الآية يناسب القيّوميّة في أوّلها.

ص: 177

ص: 178

آل

اشارة

لفظ واحد،26 مرّة:15 مكّيّة،11 مدنيّة

في 14 سورة:10 مكّيّة،4 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الآل:السّراب.

و آل الرّجل:ذو قرابته،و أهل بيته.

و آل البعير:ألواحه،و ما أشرف من أقطار جسمه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و آل الخيمة:عمدها.

و آل الجبل:أطرافه و نواحيه.(8:359)

الضّبّيّ: قالت العرب:الآل:مذ غدوة إلى ارتفاع الضّحى الأعلى،ثمّ هو سراب سائر اليوم.

(الأزهريّ 15:440)

الكسائيّ: تصغير آل:أويل.

(الأزهريّ 15:438)

الشّافعيّ: إنّه سئل عن قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد،من آل محمّد؟

من قائل:آله:أهله و أزواجه،كأنّه ذهب إلى أنّ الرّجل يقال له:أ لك أهل؟فيقول:لا،و إنّما يعني أنّه ليس له زوجة.

و هذا معنى يحتمله اللّسان،و لكنّه معنى كلام لا يعرف إلاّ أن يكون له سبب من كلام يدلّ عليه؛و ذلك أن يقال للرّجل:تزوّجت؟فيقول:ما تأهّلت،فيعرف بأوّل الكلام أنّه أراد:ما تزوّجت.أو يقول الرّجل:

أجنبت من أهلي،فيعرف إنّ الجنابة إنّما تكون من الزّوجة.

فأمّا أن يبدأ الرّجل فيقول:أهلي ببلد كذا فأنا أزور أهلي،و أنا كريم الأهل.فإنّما يذهب النّاس في هذا إلى:

أهل البيت له.

و قال قائل: آل محمّد:أهل دين محمّد.

و من ذهب إلى هذا أشبه أن يقول:قال اللّه لنوح عليه السّلام: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ هود:40،و قال نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ

ص: 179

أَهْلِي هود:45،فقال تبارك و تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،أي ليس من أهل دينك.

و الّذي نذهب إليه في معنى الآية:أنّ معناه إنّه ليس من أهلك الّذين أمرناك بحملهم معك.

فإن قال قائل:و ما دلّ على ذلك؟

قيل:قوله: وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ هود:40،فأعلمه أنّه أمره بأن يحمل من أهله من لم يسبق عليه القول من أهل المعاصي،ثمّ بيّن ذلك فقال:

إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46.

و ذهب ناس إلى أنّ«آل محمّد»:قرابته الّتي ينفرد بها دون غيرها من قرابته.

و إذا عدّ آل الرّجل:ولده الّذين إليه نسبهم،و من يؤويه بيته من زوجة أو مملوك أو مولى أو أحد ضمّه عياله،و كان هذا في بعض قرابته من قبل أبيه دون قرابته من قبل أمّه،لم يجز أن يستدلّ على ما أراد اللّه من هذا ثمّ رسوله،إلاّ بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فلمّا قال:إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد،دلّ على أنّ«آل محمّد»هم الّذين حرّمت عليهم الصّدقة و عوّضوا منها الخمس،و هم صليبة بني هاشم،و بني المطّلب،و هم الّذين اصطفاهم اللّه من خلقه بعد نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الأزهريّ 15:438)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الآل:الشّخص.و الآل:

الأحوال،جمع آلة.و الآل:السّراب.

و الآل:الخشب المجرّد.و منه قوله:

*آل على آل تحمّل آلا*

فالآل الأوّل:الرّجل،و الثّاني:السّراب،و الثّالث:

الخشب.(الأزهريّ 15:438)

الأخفش: أمّا«آل»فإنّها تحسن إذا أضيفت إلى اسم خاصّ نحو:أتيت آل زيد و أهل زيد،و أهل مكّة، و آل مكّة،و أهل المدينة و آل المدينة.و لو قلت:أتيت آل الرّجل و آل المرأة لم يحسن،و لكن:أتيت آل اللّه،و هم زعموا أهل مكّة.

و ليس«آل»بالكثير في أسماء الأرضين،و قد سمعنا من يقول ذلك.و إنّما هي همزة أبدلت مكان الهاء مثل هيهات و أيهات.(1:265)

ابن السّكّيت: الآل:الّذي يرفع الشّخوص،و هو يكون بالضّحى.و السّراب:الّذي يجري على وجه الأرض كأنّه الماء،و هو يكون نصف النّهار.

(الأزهريّ 15:440)

ابن قتيبة: السّراب:ما رأيته من الشّمس كالماء نصف النّهار،و الآل:ما رأيته في أوّل النّهار و آخره،الّذي يرفع كلّ شيء.(305)

المبرّد: [بعد قول الكسائيّ:تصغير آل على«أويل قال:]

فقد زالت تلك العلّة و صار«الآل»و«الأهل» أصلين لمعنيين،فيدخل في الصّلاة كلّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، قرابة كان أو غير قرابة.(الأزهريّ 15:438)

ثعلب:اختلف النّاس في«الآل»،فقالت طائفة:آل النّبيّ:من اتّبعه،قرابة كان أو غير قرابة،و آله:ذو قرابته متّبعا كان أو غير متّبع.

و قالت طائفة:الآل و الأهل واحد.

و احتجّوا بأنّ«الآل»إذا صغّر قالوا:أهيل،فكأنّ

ص: 180

الهمزة هاء،كقولهم:هنرت الثّوب و أنرته،إذا جعلت له علما.(الأزهريّ 15:438)

الطّبريّ: أصل آل:أهل،أبدلت الهاء همزة،كما قالوا:ماه،فأبدلوا الهاء همزة،فإذا صغّروه قالوا:مويه، فردّوا الهاء في التّصغير،و أخرجوه على أصله،و كذلك إذا صغّروا«آل»قالوا:أهيل.و قد حكي سماعا من العرب في تصغير آل:أويل.و قد يقال:فلان من آل النّساء،يراد به أنّه منهنّ خلق،و يقال ذلك أيضا بمعنى أنّه يريدهنّ و يهواهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحسن أماكن«آل»أن ينطق به مع الأسماء المشهورة،مثل قولهم:آل النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و آل عليّ،و آل عبّاس،و آل عقيل.و غير مستحسن استعماله مع المجهول،و في أسماء الأرضين و ما أشبه ذلك،غير حسن عند أهل العلم بلسان العرب أن يقال:رأيت آل الرّجل، و رآني آل المرأة،و لا رأيت آل البصرة،و آل الكوفة.

و قد ذكر عن بعض العرب سماعا أنّها تقول:رأيت آل مكّة و آل المدينة،و ليس ذلك في كلامهم بالمستعمل الفاشيّ.(1:270)

ابن دريد: الآل:السّراب،و آل كلّ شيء:شخصه، و آل الرّجل:أهله و قرابته.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:189)

الأزهريّ: قال الأصمعيّ:السّراب و الآل واحد.

و خالفه غيره،فقال:الآل:من الضّحى إلى زوال الشّمس،و السّراب:بعد الزّوال إلى صلاة العصر.

و احتجّوا بأنّ«الآل»يرفع كلّ شيء حتّى يصير له آل،أي شخص،و آل كلّ شيء:شخصه.و أنّ السّراب:

يخفض كلّ شيء فيه حتّى يصير لاصقا بالأرض، لا شخص له.[و قال بعد نقل قول ابن السّكّيت المتقدّم:]

و على هذا رأيت العرب في البادية و هو صحيح، سمّي:سرابا،لأنّه كالماء الجاري.(15:440)

الجوهريّ: آل الرّجل:أهله و عياله،و آله أيضا:

أتباعه.

و الآل:الشّخص،و الآل:الّذي تراه في أوّل النّهار و آخره،كأنّه يرفع الشّخوص،و ليس هو السّراب.

(4:1627)

ابن فارس: آل الرّجل:أهل بيته،لأنّه إليه مآلهم و إليهم مآله.

و آل الرّجل:شخصه،و كذلك آل كلّ شيء؛و ذلك أنّهم يعبّرون عنه بآله،و هم عشيرته،يقولون:آل أبي بكر،و هم يريدون أبا بكر،و في هذا غموض قليل.

(1:161)

أبو هلال: الفرق بين الشّخص و الآل:أنّ«الآل»هو الشّخص الّذي يظهر لك من بعيد،شبّه بالآل الّذي يرتفع في الصّحاري،و هو غير السّراب.و إنّما«السّراب» سبخة تطلع عليها الشّمس فتبرق كأنّها ماء،و الآل:

شخوص ترتفع في الصّحاري للنّاظر و ليست بشيء.

و قيل:«الآل»من الشّخوص ما لم يشتبه.و قال بعضهم:

«الآل»من الأجسام ما طال،و لهذا سمّي الخشب آلا.

(131)

الفرق بين الأهل و الآل:أنّ«الأهل»يكون من جهة النّسب و الاختصاص،فمن جهة النّسب قولك:أهل الرّجل:لقرابته الأدنين،و من جهة الاختصاص قولك:

ص: 181

أهل البصرة و أهل العلم.و الآل:خاصّة الرّجل من جهة القرابة أو الصّحبة تقول:آل الرّجل،لأهله و أصحابه، و لا تقول:آل البصرة و آل العلم.و قالوا:آل فرعون:

أتباعه،و كذلك آل لوط.

و قال المبرّد: إذا صغّرت العرب«الآل»قالت:أهيل، فيدلّ على أنّ أصل الآل:الأهل.و قال بعضهم:الآل:

عيدان الخيمة و أعمدتها،و آل الرّجل مشبّهون بذلك لأنّهم معتمده.و الّذي يرفع في الصّحاري آل،لأنّه يرتفع كما ترفع عيدان الخيمة،و الشّخص:آل،لأنّه كذلك.

الفرق بين الآل و العترة:أنّ«العترة»على ما قال المبرّد:النّصاب،و منه عترة فلان،أي منصبه.و قال بعضهم:العترة:أصل الشّجرة الباقي بعد قطعها،قالوا:

فعترة الرّجل:أصله.و قال غيره:عترة الرّجل:أهله و بنو أعمامه الأدنون،و احتجّوا بقول أبي بكر رضى اللّه عنه عن عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يعني قريشا.فهي مفارقة للآل على كلّ قول،لأنّ«الآل»هم الأهل و الأتباع،و«العترة»هم الأصل في قول،و الأهل و بنو الأعمام في قول آخر.(233)

ابن سيدة: الآل،هم من الرّجل:قومه الّذين يؤول إليهم.و أصله:أهل،و تصغيره«أهيل»أو «أويل».(الإفصاح 1:306)

السّراب:الّذي يكون نصف النّهار،لاطئا بالأرض لاصقا بها كأنّه ماء جار.و الآل:الّذي يكون بالضّحى يرفع الشّخوص و يزهاها كالملا بين السّماء و الأرض.

و قيل:الآل و السّراب واحد.و قيل:الآل:من الضّحى إلى زوال الشّمس،و السّراب:بعد الزّوال إلى صلاة العصر.و سمّي السّراب سرابا لأنّه يسرب سروبا،أي يجري جريا.و يرفع الآل كلّ شيء حتّى يصير آلا،أي شخصا.(الإفصاح 2:1051)

آل الرّجل:أهله.و آل اللّه و آل رسوله:أولياؤه.

أصلها«أهل»ثمّ أبدلت الهاء همزة،فصارت في التّقدير «أأل»فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثّانية ألفا،كما قالوا:

آدم و آخر،و في الفعل آمن و آزر.

فإن قيل:و لم زعمت أنّهم قلبوا الهاء همزة،ثمّ قلبوها فيما بعد،و ما أنكرت من أن يكون قلبوا الهاء ألفا في أوّل الحال؟

فالجواب:أنّ الهاء لم تقلب ألفا في غير هذا الموضع، فيقاس هذا هنا عليه،فعلى هذا أبدلت الهاء همزة،ثمّ أبدلت الهمزة ألفا،و أيضا فالألف لو كانت منقلبة عن غير الهمزة المنقلبة عن الهاء على ما قدّمناه لجاز أن تستعمل آل في كلّ موضع يستعمل فيه أهل،و لو كانت ألف آل بدلا من هاء أهل لقيل:انصرف إلى آلك،كما يقال:انصرف إلى أهلك،و آلك و اللّيل كما يقال:أهلك و اللّيل،فلمّا كانوا يخصّون بالآل الأشرف الأخصّ دون الشّائع الأعمّ حتّى لا يقال إلاّ في نحو قولهم:القرّاء آل اللّه،و اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28،و كذلك ما أنشده أبو العبّاس للفرزدق:

نجوت و لم يمنن عليك طلاقة

سوى ربذ التّقريب من آل أعوجا

لأنّ أعوج فيه:فرس مشهور عند العرب،فلذلك

ص: 182

قال:آل أعوج،و لا يقال:آل الخيّاط،كما يقال:أهل الخيّاط و لا آل الإسكاف،كما يقال:أهل الإسكاف، دلّ على أنّ الألف ليست فيه بدلا من الأصل،إنّما هي بدل ممّا هو بدل من الأصل،فجرت في ذلك مجرى التّاء في القسم،لأنّها بدل من الواو فيه،و الواو فيه بدل،من الباء،فلمّا كانت التّاء فيه بدلا من بدل و كانت فرع الفرع اختصّت بأشرف الأسماء و أشهرها و هو اسم اللّه، فلذلك لم تقل:تزيد و لا تالبيت،كما لم تقل:آل الإسكاف،و لا آل الخيّاط،فإن قلت؛فقد قال بشر:

لعمرك ما يطلبن من آل نعمة

و لكنّما يطلبن قيسا و يشكرا

فقد أضافه إلى نعمة،و هي نكرة غير مخصوصة، و لا مشرّفة؟فإنّ هذا بيت شاذّ،هذا كلّه قول ابن جنّيّ، قال:و الّذي العمل عليه ما قدّمناه،و هو رأي الأخفش.

فإن قلت:أ لست تزعم أنّ الواو في و اللّه بدل من الباء في باللّه،و أنت لو أضمرت لم تقل:«وه»كما تقول:«به لأفعلنّ»فقد تجد أيضا بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه في كلّ موضع،فما تنكر أيضا أن تكون الألف في آل بدلا من الهاء،و إن كان لا يقع جميع مواقع أهل؟

فالجواب أنّ الفرق بينهما:أنّ الواو لم تمتنع من وقوعها في جميع مواقع الباء،من حيث امتنع وقوع آل في جميع مواقع أهل،و ذلك أنّ الإضمار يردّ الأسماء إلى أصولها في كثير من المواضع،أ لا ترى أنّ من قال:

أعطيتكم درهما،فحذف الواو الّتي كانت بعد الميم و أسكن الميم،فإنّه إذا أضمر الدّرهم قال:أعطيتكموه، فردّ الواو لأجل اتّصال الكلمة بالمضمر،فأمّا ما حكاه يونس من قول بعضهم:أعطيتكمه فشاذّ،لا يقاس عليه عند عامّة أصحابنا،فلذلك جاز أن يقول:بهم لأقعدنّ، و بك لأنطلقنّ،و لم يجز أن يقول:«وك»و لا«وه»،بل كان هذا في الواو أحرى،لأنّها حرف منفرد،فضعف عن القوّة،و عن تصرّف الباء الّتي هي أصل.و أنت ممتنع من استعمال آل في غير الأشهر الأخصّ،و سواء في ذلك أضفته إلى مظهر أو أضفته إلى مضمر.

فإن قيل:أ لست تزعم أنّ التّاء في تولج بدل من واو، و أنّ أصله و ولج،لأنّه فوعل من الولوج،ثمّ إنّك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدّال من هذه التّاء،فقالوا:دولج،و أنت مع ذلك تقول:دولج في جميع المواضع الّتي تقول فيها:

تولج،و إن كانت الدّال مع ذلك بدلا من التّاء الّتي هي بدل من الواو؟

فالجواب عن ذلك:أنّ هذه مغالطة من السّائل، و ذلك أنّه إنّما كان يطّرد هذا له لو كانوا يقولون:و ولج و دولج،فيستعملون دولجا في جميع أماكن و ولج،فهذا لعمري لو كان كذا لكان له به تعلّق،و كانت تحتسب زيادة،فأمّا و هم لا يقولون و ولج البتّة،كراهيّة اجتماع الواوين في أوّل الكلمة،و إنّما قالوا:تولج،ثمّ أبدلوا الدّال من التّاء المبدلة من الواو فقالوا:دولج،فإنّما استعملوا الدّال مكان التّاء الّتي هي في المرتبة قبلها تليها، و لم يستعملوا الدّال موضع الواو الّتي هي الأصل،فصار إبدال الدّال من التّاء في هذا الموضع كإبدال الهمزة من الواو في نحو:أقّتت،و أجوه،لقربها منها،و أنّه لا منزلة بينهما واسطة.

و كذلك لو عارض معارض بهنيهة-تصغير هنة-

ص: 183

فقال:أ لست تزعم أنّ أصلها هنيوة،ثمّ صارت هنيّة،ثمّ صارت هنيهة،و أنت تقول:هنيهة في كلّ موضع تقول فيه هنيّة؟كان الجواب واحدا كالّذي قبله؛أ لا ترى أنّ هنيوة الّذي هو أصل لا ينطق به و لا يستعمل البتّة، فجرى ذلك مجرى و ولج في رفضه و ترك استعماله،فهذا كلّه يؤكّد عندك أنّ امتناعه من استعمال آل في جميع مواقع أهل إنّما هو لأنّ فيه بدلا من بدل،كما كانت التّاء في القسم بدلا من بدل.(4:256)

الطّوسيّ: لا خلاف بين النّحويّين أنّ أصل آل:أهل فقلبوا الهاء همزة و جعلوها مدّة لئلاّ يجتمع ساكنان،أ لا ترى أنّك إذا صغّرت قلت:أهيل،و لا يجوز أويل،لأنّه ردّ إلى الأصل لا إلى اللّفظ.(8:525)

الرّاغب: الآل:مقلوب عن الأهل،و يصغّر على «أهيل»إلاّ أنّه خصّ بالإضافة إلى أعلام النّاطقين دون النّكرات و دون الأزمنة و الأمكنة.يقال:آل فلان، و لا يقال:آل رجل و لا آل زمان كذا أو موضع كذا، و لا يقال:آل الخيّاط،بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال:آل اللّه،و آل السّلطان.

و«الأهل»يضاف إلى الكلّ،يقال:أهل اللّه،و أهل الخيّاط،كما يقال:أهل زمن كذا و بلد كذا.

و قيل:هو في الأصل اسم الشّخص،و يصغّر«أويلا» و يستعمل فيمن يختصّ بالإنسان اختصاصا ذاتيّا إمّا بقرابة قريبة أو بموالاة.قال عزّ و جلّ: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ آل عمران:33،و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

قيل:و آل النّبيّ،عليه الصّلاة و السّلام:أقاربه، و قيل:المختصّون به من حيث العلم؛و ذلك أنّ أهل الدّين ضربان:ضرب متخصّص بالعلم المتقن و العمل المحكم،فيقال لهم:آل النّبيّ و أمّته.و ضرب يختصّون بالعلم على سبيل التّقليد،و يقال لهم:أمّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و لا يقال لهم:آله،فكلّ آل للنّبيّ أمّة له، و ليس كلّ أمّة له آله.

و قيل لجعفر الصّادق رضى اللّه عنه:النّاس يقولون:المسلمون كلّهم آل النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام.فقال:كذبوا و صدقوا.فقيل له ما معنى ذلك؟فقال:كذبوا في أنّ الأمّة كافّتهم آله،و صدقوا في أنّهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله.

و قوله تعالى: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28،أي من المختصّين به و بشريعته،و جعله منهم من حيث النّسب أو المسكن،لا من حيث تقدير القوم أنّه على شريعتهم.[إلى أن قال:]

و آل الشّيء:شخصه المتردّد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآل أيضا:الحال الّتي يؤول إليها أمره.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل لما يبدو من السّراب:آل،و ذلك لشخص يبدو من حيث المنظر و إن كان كاذبا،أو لتردّد هواء، و تموّج،فيكون من آل يؤول.(30)

ابن عطيّة: آل أصله:أهل،قلبت الهاء ألفا،كما عمل في ماء،و لذلك ردّها التّصغير إلى الأصل فقيل:

أهيل و مويه.و قد قيل في آل:إنّه اسم غير أهل،أصله «أول»و تصغيره«أويل».

و آل الرّجل:قرابته و شيعته و أتباعه.[ثمّ استشهد

ص: 184

بشعر][إلى أن قال:]

و الأشهر في«آل»أن يضاف إلى الأسماء لا إلى البقاع و البلاد،و قد يقال:آل مكّة و آل المدينة.

(1:139)

الطّبرسيّ:الآل و الأهل واحد.

قيل:أصل آل:أهل،لأنّ تصغيره«أهيل».و حكى الكسائيّ«أويل»فزعموا أنّها أبدلت،كما قالوا:هيهات و أيهات.و قيل:لا،بل هو أصل بنفسه.

و الفرق بين الآل و الأهل:أنّ الأهل أعمّ منه،يقال:

أهل البصرة،و لا يقال:آل البصرة.و يقال:آل الرّجل:

قومه و كلّ من يؤول إليه بنسب أو قرابة،مأخوذ من «الأول»و هو الرّجوع،و أهله:كلّ من يضمّه بيته.و قيل:

آل الرّجل:قرابته و أهل بيته.

قال أبو عبيدة: سمعت أعرابيّا فصيحا يقول:أهل مكّة:آل اللّه،فقلنا:ما تعني بذلك قال:أ ليسوا مسلمين؟ المسلمون آل اللّه،قال:و إنّما يقال:آل فلان للرّئيس المتّبع،و في شبه مكّة،لأنّها أمّ القرى،و مثل فرعون في الضّلال و اتّباع قومه له،فإذا جاوزت هذا فإنّ آل الرّجل أهل بيته خاصّة.فقلنا له:أ فيقول لقبيلته آل فلان؟قال:

لا،إلاّ أهل بيته خاصّة.(1:104)

ابن الأثير: [بعد نقل حديث الصّدقة قال:]

و منه الحديث:«لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود»أراد من مزامير داود نفسه،و«الآل»صلة زائدة.

و في حديث قسّ بن ساعدة:«قطعت مهمها و آلا فآلا»الآل:السّراب،و المهمه:القفر.(1:81)

الفيّوميّ: الآل:أهل الشّخص،و هم ذوو قرابته.

و قد أطلق على أهل بيته و على الأتباع،و أصله عند بعض«أول»تحرّكت الواو و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا مثل «قال».

قال البطليوسيّ في كتاب«الاقتضاب»: ذهب الكسائيّ إلى منع إضافة«آل»إلى المضمر،فلا يقال:آله، بل أهله.و هو أوّل من قال ذلك و تبعه النّحّاس و الزّبيديّ.و ليس بصحيح،إذ لا قياس يعضده و لا سماع يؤيّده.

قال بعضهم: أصل الآل:أهل،لكن دخله الإبدال و استدلّ عليه بعود الهاء في التّصغير،فيقال:أهيل.

الآل:الّذي يشبه السّراب يذكّر و يؤنّث.(1:29)

الفيروزآباديّ: الآل:ما أشرف من البعير و السّراب،أو خاصّ بما في أوّل النّهار و يؤنّث،و الخشب و الشّخص و عمد الخيمة كالآلة،الجمع:آلات.و جبل و أطراف الجبل و نواحيه.و أهل الرّجل و أتباعه و أولياؤه.

و لا يستعمل إلاّ فيما فيه شرف غالبا،فلا يقال:آل الإسكاف،كما يقال:أهله.

و أصله:أهل،أبدلت الهاء همزة فصارت«أأل» توالت همزتان فأبدلت الثّانية ألفا،و تصغيره:أويل و أهيل.(3:341)

الطّريحيّ: آل إبراهيم:إسماعيل و إسحاق و أولادهما.

و آل عمران:موسى و هارون ابنا عمران بن يصهر.

و في الحديث:«لا تحلّ الصّدقة لمحمّد و آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و سئل الصّادق عليه السّلام من الآل؟فقال:ذرّيّة

ص: 185

محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقيل له:من الأهل؟فقال:الأئمّة عليهم السّلام.

و في«معاني الأخبار»:سئل عن آل محمّد؟ فقال عليه السّلام:ذرّيّته.فقيل:و من أهل بيته؟قال:

الأئمّة عليهم السّلام.قيل:و من عترته؟قال:أصحاب العباء.

و قيل:فمن أمّته؟قال:المؤمنون.

و عن بعض أهل الكمال في تحقيق معرفة«الآل»أنّ آل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلّ من يؤول إليه،و هم قسمان:

الأوّل:من يؤول إليه مآلا صوريّا جسمانيّا كأولاده، و من يحذو حذوهم من أقاربه الصّوريّين،الّذين يحرم عليهم الصّدقة في الشّريعة المحمّديّة.

و الثّاني:من يؤول إليه مآلا معنويّا روحانيّا،و هم أولاده الرّوحانيّون من العلماء الرّاسخين و الأولياء الكاملين و الحكماء المتألّهين المقتبسين من مشكاة أنواره -إلى أن قال-:و لا شكّ أنّ النّسبة الثّانية آكد من الأولى.

و إذا اجتمعت النّسبتان كان نورا على نور،كما في الأئمّة المشهورين من العترة الطّاهرة.

ثمّ قال:و كما حرم على الأولاد الصّوريّين الصّدقة الصّوريّة كذلك حرم على الأولاد المعنويّين الصّدقة المعنويّة،أعني تقليد الغير في العلوم و المعارف.

و آل حم:سور أوّلها«حم»أو يراد نفس«حم».

و آل:أصله«أهل»قلبت الهاء همزة بدليل«أهيل» فإنّ التّصغير يردّ الأشياء إلى أصولها.(5:313)

الآلوسيّ: «الآل»قيل:بمعنى الأهل،و إنّ ألفه بدل عن هاء،و إنّ تصغيره«أهيل»،و بعضهم ذهب إلى أنّ ألفه بدل من همزة ساكنة،و تلك الهمزة بدل من هاء.

و قيل:ليس بمعنى الأهل،لأنّ الأهل القرابة و الآل من يؤول إليك في قرابة أو رأي أو مذهب،فألفه بدل من واو و لذلك قال يونس في تصغيره:أويل،و نقله الكسائيّ نصّا عن العرب.

و روي عن أبي عمرو غلام ثعلب: أنّ الأهل:القرابة كان لها تابع أولا،و الآل:القرابة بتابعها،فهو أخصّ من الأهل،و قد خصّوه أيضا بالإضافة إلى أولي الخطر، فلا يضاف إلى غير العقلاء و لا إلى من لا خطر له منهم، فلا يقال:آل الكوفة و لا آل الحجّام.و زاد بعضهم اشتراط التّذكير فلا يقال:آل فاطمة.و لعلّ كلّ ذلك أكثريّ،و إلاّ فقد ورد على خلاف ذلك كآل أعوج-اسم فرس-و آل المدينة،و آل نعم،و آل الصّليب،و آلك.

و يستعمل غير مضاف كهم خير آل.و يجمع كأهل، فيقال:آلون.(1:253)

مجمع اللّغة: آل الرّجل:أهله.و خصّ«الآل» بالإضافة إلى أعلام النّاطقين دون النّكرات و دون الأزمنة و الأمكنة،كما غلبت إضافته إلى ما فيه الشّرف، فلا يقال:آل الإسكاف.(1:68)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ هذه الكلمة مشتقّة من «الأول»بمعنى الرّجوع،و بلحاظ هذا المعنى تطلق على عدّة يرجع نسبهم أو عنوانهم أو طريقتهم أو دينهم إلى شخص،فتضاف إليه،فيقال:آل يعقوب،آل النّبيّ،آل فرعون،آل موسى.

و يختلف مفهومه سعة و ضيقا باختلاف هذه النّسبة، و قد يتعيّن مفهومه بالقرائن كلاما أو مقاما أو خارجا فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50،أي من يتّبعه و يعينه. وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ

ص: 186

الأعراف:130،أي رعيّته التّابعين له.

و كذلك من جهة سعة المفهوم كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الأنفال:52، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54.

ثمّ بعد ذلك،قوله تعالى: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248.

و لا يبعد أن نقول:إنّ القدر المسلّم من مفهوم«الآل» هو أهل بيت الرّجل،ثمّ يوسّع بالقرائن فيطلق على ذوي قرابته،ثمّ يوسّع فيطلق على مطلق الأتباع له.فالتّوسعة محتاجة إلى القرينة،فإذا لم تكن قرينة في المورد،فيحمل على القدر المتيقّن.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله،فالتّصلية و التّسليم و التّحيّة و ذكرهم عقيب ذكر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله قرائن لاختصاص الآل.و إن قلنا بفقدان القرائن و عدم دلالتها فهم القدر المسلّم و المصداق المتيقّن،فالآل المخصوص هم أهل الكساء الّذين عرّفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فالقيد في مفهوم«الأهل»هو الأنس،و في«الآل» هو الرّجوع و الاتّكاء.و أمّا اشتقاق أحدهما عن الآخر فغير معلوم.(1:163)

النّصوص التّفسيريّة

1-آل إبراهيم و آل عمران

إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. آل عمران:33

أبو ذرّ:لمّا بايع النّاس أبا بكر دخل أبو ذرّ المسجد فقال:

أيّها النّاس إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فأهل بيت نبيّكم هم الآل من آل إبراهيم،و الصّفوة و السّلالة من إسماعيل،و العترة الهادية من محمّد، فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله شرف شريفهم فاستوجبوا حقّهم و نالوا الفضيلة من ربّهم،كالسّماء المبنيّة و الأرض المدحيّة و الجبال المنصوبة و الكعبة المستورة و الشّمس الضّاحية و النّجوم الهادية و الشّجرة الزّيتونة أضاء زيتها و بورك ما حولها،فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله وصيّ آدم و وارث علمه و إمام المتّقين و قائد الغرّ المحجّلين و تأويل القرآن العظيم،و عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام الصّدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم و وصيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و وارث علمه و أخوه.

فما بالكم أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها لو قدّمتم من قدّم اللّه و خلّفتم الولاية لمن خلّفها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لما عال وليّ اللّه و لا اختلف اثنان في حكم و لا سقط سهم من فرائض اللّه و لا تنازعت هذه الأمّة في شيء من أمر دينها إلاّ وجدتم علم ذلك عند أهل بيت نبيّكم،لأنّ اللّه تعالى يقول في كتابه العزيز: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121،فذوقوا و بال ما فرّطتم وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ الشّعراء:

227.(فرات الكوفيّ:81)

ابن عبّاس: هم المؤمنون من آل إبراهيم و آل عمران و آل ياسين و آل محمّد.(الطّبريّ 3:234)

آلَ إِبْراهِيمَ: هم المؤمنون المتمسّكون بدينه و هو دين الإسلام.(الطّبرسيّ 1:433)

الحسن: فضّلهم اللّه على العالمين بالنّبوّة على النّاس

ص: 187

كلّهم،كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربّهم.(الطّبريّ 3:234)

المراد ب (آلَ عِمْرانَ) عيسى عليه الصّلاة و السّلام و أمّه مريم بنت عمران بن ماثان،من ولد سليمان بن داود.

(الآلوسيّ 3:131)

الإمام الباقر عليه السّلام: [في حديث]لمّا قضى محمّد صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و استكمل أيّامه أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه:أن يا محمّد قد قضيت نبوّتك و استكملت أيّامك،فاجعل العلم الّذي عندك و الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فإنّه لم أقطع العلم و الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك،كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك و بين أبيك آدم؛و ذلك قوله عزّ و جلّ:

إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. (العروسيّ 1:329)

قتادة: ذكر اللّه أهل بيتين صالحين،و رجلين صالحين،ففضّلهم على العالمين،فكان محمّد من آل إبراهيم.(الطّبريّ 3:234)

الإمام الصّادق عليه السّلام: قال محمّد بن أشعث بن قيس الكنديّ للحسين عليه السّلام:يا حسين بن فاطمة-صلوات اللّه عليهما-أيّة حرمة لك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين عليه السّلام هذه الآية: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ثمّ قال:و اللّه إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله لمن آل إبراهيم و إنّ العترة الهادية لمن آل محمّد صلوات اللّه عليهم.

(الكاشانيّ 1:305)

مقاتل: المراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط.

المراد بهم موسى و هارون عليهما السّلام،فعمران حينئذ هو عمران بن يصهر أبو موسى.(الآلوسيّ 3:131)

الطّبريّ: إنّما عنى ب (آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ) المؤمنين.و قد دلّلنا على أنّ آل الرّجل:أتباعه و قومه، و من هو على دينه.(3:234)

الطّوسيّ: قال الحسن:(آل عمران):المسيح،لأنّ أمّة مريم بنت عمران،و في قراءة أهل البيت«و آل محمّد على العالمين».و قال أيضا:إنّ (آلَ إِبْراهِيمَ) هم آل محمّد الّذين هم أهله.

و قد بيّنّا في ما مضى أنّ«الآل»بمعنى الأهل،و الآية تدلّ على أنّ الّذين اصطفاهم معصومون منزّهون،لأنّه لا يختار و لا يصطفى إلاّ من كان كذلك،و يكون ظاهره و باطنه واحدا،فإذا يجب أن يختصّ الاصطفاء بآل إبراهيم و آل عمران من كان مرضيّا معصوما،سواء كان نبيّا أو إماما.(2:441)

الميبديّ: آل الرّجل:أقاربه و خواصّه من قبيلته و من وافقه في دينه،و أمّا من خالفه في دينه و لم يتّبع طريقته فليس من آله و إن كان من ذرّيّته،و إليه الإشارة بقوله: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي إبراهيم:36،و قال تعالى: وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ المائدة:51.

و كان ابن نوح مخالفا لدين أبيه،فما عدّه من آله بقوله:

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،لأنّهم كانوا جميعا على ملّة الكفر و اتّبع بعضهم بعضا.

ص: 188

و قد عدّ المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم أقرباءه كفّارا حينما وصفهم بقوله:«إنّ آل أبي ليسوا لي بأولياء إنّما وليّي اللّه و صالح المؤمنين،و لكن لهم رحم أبلّها ببلالها».و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مرض،فأتى أهل قبا يعودونه،و قالوا:يا رسول اللّه لم نعلم بمرضك إلاّ الآن فجئنا،فادعوا اللّه لنا.فقال:

«سوف أدعو لكم و لآل محمّد»قالوا:يا رسول اللّه و من آل محمّد؟قال:«سألتموني عن شيء ما سألني عنه أحد غيركم،المسلمون آل محمّد،كلّ مؤمن تقيّ».

و قيل:إنّ أهل الدّين الّذين ينتسبون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قسمان:

الأوّل:خواصّه و أتباعه«بعلم متقن و عمل محكم» ممّن عمل بأوامره و لم يفارق طريقته،فيطلق على هؤلاء «آل».

الثّاني:من ينسب إليه و يعمل على شاكلته تقليدا، و ممّن في عمل و فرّط فيه و لم يجد سبيلا إلى علم متقن و لا عمل محكم.فيطلق على هؤلاء«أمّة»و لا«آل».فآل النّبيّ إذا جميع أمّته و ليس جميع أمّته آله.[إلى أن قال:]

و اصطفى آل عمران،يعني موسى عليه السّلام و هارون عليه السّلام.

و قيل:(آل عمران):مريم و ابنها عيسى عليه السّلام،و هو عمران بن ماثان النّجّار،و كان رجلا صالحا من صلحاء الأرض المقدّسة.(2:88)

الزّمخشريّ: (آلَ إِبْراهِيمَ): إسماعيل و إسحاق و أولادهما.و(آل عمران):موسى و هارون ابنا عمران ابن يصهر.و قيل:عيسى و مريم بنت عمران بن ماثان.

و بين العمرانين ألف و ثمانمائة سنة.(1:424)

الطّبرسيّ: (آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ) قيل:أراد به نفس إبراهيم و نفس عمران،كقوله: وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248،يعني موسى و هارون.

و قيل: (آلَ إِبْراهِيمَ) أولاده إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و فيهم داود و سليمان و يونس و زكريّا و يحيى و عيسى،و فيهم نبيّنا لأنّه من ولد إسماعيل.و أمّا (آلَ عِمْرانَ) فقيل:هم من آل إبراهيم أيضا.(1:433)

الفخر الرّازيّ: من النّاس من قال:المراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) المؤمنون،كما في قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ المؤمن:46،و الصّحيح أنّ المراد بهم الأولاد،و هم المراد بقوله تعالى: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124.

و أمّا (آلَ عِمْرانَ) فقد اختلفوا فيه،فمنهم من قال:

المراد عمران والد موسى و هارون،و هو عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،فيكون المراد من(آل عمران)موسى و هارون و أتباعهما من الأنبياء.و منهم من قال:بل المراد عمران ابن ماثان والد مريم،و كان هو من نسل سليمان بن داود ابن إيشا،و كانوا من نسل يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصّلاة و السّلام.قالوا:و بين العمرانين ألف و ثمانمائة سنة.

و احتجّ من قال بهذا القول على صحّته بأمور:

أحدها:أنّ المذكور عقيب قوله: وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ هو عمران بن ماثان جدّ عيسى عليه السّلام من قبل الأمّ،فكان صرف الكلام إليه أولى.

ثانيها:أنّ المقصود من الكلام أنّ النّصارى كانوا يحتجّون على إلهيّة عيسى بالخوارق الّتي ظهرت على

ص: 189

يديه،فاللّه تعالى يقول:إنّما ظهرت على يده إكراما من اللّه تعالى إيّاه بها؛و ذلك لأنّه تعالى اصطفاه على العالمين و خصّه بالكرامات العظيمة،فكان حمل هذا الكلام على عمران بن ماثان أولى في هذا المقام من حمله على عمران والد موسى و هارون.

ثالثها:أنّ هذا اللّفظ شديد المطابقة لقوله تعالى:

وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91.

و اعلم أنّ هذه الوجوه ليست دلائل قويّة،بل هي أمور ظنّيّة،و أصل الاحتمال قائم.(8:24)

القرطبيّ: خصّ هؤلاء بالذّكر من بين الأنبياء،لأنّ الأنبياء و الرّسل بقضّهم و قضيضهم من نسلهم.

و لم ينصرف(عمران)لأنّ في آخره ألفا و نونا زائدتين.(4:63)

النّيسابوريّ: المراد ب(الآل)كلّ مؤمن تقيّ بعضها من بعض بالوراثة الدّينيّة.(3:174)

أبو حيّان: الظّاهر في(عمران)أنّه أبو مريم،لقوله بعد إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ آل عمران:35،فذكر قصّة مريم و ابنها عيسى و نصّ على أنّ اللّه اصطفاها بقوله: وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ آل عمران:42،فقول: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ كالشّرح لكيفيّة الاصطفاء لقوله: (وَ آلَ عِمْرانَ) و صار نظير تكرار الاسم في جملتين،فيسبق الذّهن إلى أنّ الثّاني هو الأوّل،نحو أكرم زيدا إنّ زيدا رجل صالح،و إذا كان المراد بالثّاني غير الأوّل كان في ذلك إلباس على السّامع.

و قد رجّح القول الآخر بأنّ موسى يقرن بإبراهيم كثيرا في الذّكر و لا يتطرّق الفهم إلى أنّ عمران الثّاني هو أبو موسى و هارون،و إن كانت له بنت تسمّى مريم و كانت أكبر من موسى و هارون سنّا،للنّصّ على أنّ مريم بنت عمران بن ماثان ولدت عيسى،و إنّ زكريّا كفّل مريم أمّ عيسى،و كان زكريّا قد تزوّج أخت مريم ايشاع ابنة عمران بن ماثان،فكان يحيى و عيسى ابني خالة، و بين العمرانين و المريمين أعصار كثيرة،قيل:بين العمرانين ألف سنة و ثمانمائة سنة.

و الظّاهر أنّ الآل:من يؤول إلى الشّخص في قرابة أو مذهب،و الظّاهر أنّه نصّ على هؤلاء هنا في الاصطفاء للمزايا الّتي جعلها اللّه تعالى فيهم.(2:434)

الآلوسيّ: ذكر (آلَ إِبْراهِيمَ) لترغيب المعترفين باصطفائهم في الإيمان بنبوّة واسطة قلادتهم و استمالتهم، نحو الاعتراف باصطفائه بواسطة كونه من زمرتهم،و ذكر (آلَ عِمْرانَ) مع اندراجهم في الآل الأوّل،لإظهار مزيد الاعتناء بأمر عيسى عليه الصّلاة و السّلام،لكمال رسوخ الاختلاف في شأنه.و هذا هو الدّاعي إلى إضافة (الآل)في الأخيرين دون الأوّلين.

و قيل:المراد ب(الآل)في الموضعين بمعنى النّفس،أي اصطفى آدم و نوحا و إبراهيم و عمران.و ذكر(الآل)فيهما اعتناء بشأنهما،و ليس بشيء.[إلى أن قال:]

و الظّاهر هو القول الأوّل،لأنّ السّورة تسمّى آل عمران،و لم تشرح قصّة عيسى و مريم في سورة أبسط من شرحها في هذه السّورة.و أمّا موسى و هارون فلم يذكر من قصّتهما فيها طرف،فدلّ ذلك على أنّ عمران المذكور هو أبو مريم،و أيضا يرجّح كون المراد به أبا مريم

ص: 190

أنّ اللّه تعالى ذكر اصطفاءها بعد،و نصّ عليه،و أنّه قال سبحانه: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ آل عمران:35.

(3:131)

النّهاونديّ: في«العيون»في حديث...فقال المأمون:هل فضّل اللّه العترة على سائر النّاس؟فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ اللّه تعالى أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.فقال المأمون:أين ذلك في كتاب اللّه؟فقال له الرّضا عليه السّلام:في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ، و قد فسّر (آلَ إِبْراهِيمَ) بآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(1:215)

محمّد جواد مغنيّة: [بعد نقله قول أبي حيّان قال:]

و مهما يكن،فقد ابتدأ اللّه سبحانه بذكر آدم،لأنّه أبو البشر الأوّل،و ثنّى بنوح،و هو أبو البشر الثّاني،لأنّ جميع سكّان الأرض من نسله وحده من أولاده الثّلاثة:

سام،و حام،و يافث؛حيث قضى الطّوفان على جميع النّاس إلاّ نوحا،و اصطفى اللّه كلاّ من آدم و نوح بشخصه، و لذا لم يقترن اسمهما ب«آل»،أمّا إبراهيم و عمران فقد اصطفاهما مع«الآل».

و كما أنّ آدم و نوحا هما أبو البشر،فإنّ إبراهيم أبو الأنبياء جميعا بعد نوح؛حيث لا نبيّ منذ إبراهيم إلاّ من نسله.

و الظّاهر أنّ المراد ب(عمران)في قوله: (آلَ عِمْرانَ) هو أبو مريم جدّ عيسى لا أبو موسى الكليم،لتكراره في الآية الثّانية: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ. [إلى أن قال:]

و قيل:إنّه كان لعمران-أبي موسى الكليم-بنت اسمها مريم أكبر سنّا،و إنّ بين عمران هذا،و عمران جدّ المسيح ألف و ثمانمائة سنة.(2:48)

الطّباطبائيّ: فأمّا (آلَ إِبْراهِيمَ) فظاهر لفظه أنّهم الطّيّبون من ذرّيّته كإسحاق و إسرائيل و الأنبياء من بني إسرائيل و إسماعيل،و الطّاهرون من ذرّيّته و سيّدهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و الملحقون بهم في مقامات الولاية.إلاّ أنّ ذكر (آلَ عِمْرانَ) مع (آلَ إِبْراهِيمَ) يدلّ على أنّه لم يستعمل على تلك السّعة،فإنّ(عمران)هذا إمّا هو أبو مريم أو أبو موسى عليه السّلام،و على أيّ تقدير هو من ذرّيّة إبراهيم و كذا آله،و قد أخرجوا من آل إبراهيم.فالمراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) بعض ذرّيّته الطّاهرين لا جميعهم.

و قد قال اللّه تعالى فيما قال: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:54،و الآية في مقام الإنكار على بني إسرائيل و ذمّهم،كما يتّضح بالرّجوع إلى سياقها،و ما يحتفّ بها من الآيات.و من ذلك يظهر أنّ المراد من (آلَ إِبْراهِيمَ) فيها غير بني إسرائيل،أعني غير إسحاق و يعقوب و ذرّيّة يعقوب، و هم-أي ذرّيّة يعقوب-بنو إسرائيل،فلم يبق لآل إبراهيم إلاّ الطّاهرون من ذرّيّته من طريق إسماعيل، و فيهم النّبيّ و آله.

على أنّا سنبيّن إن شاء اللّه أنّ المراد ب(النّاس)في الآية هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أنّه داخل في (آلَ إِبْراهِيمَ) بدلالة الآية.

على أنّه يشعر به قوله تعالى في ذيل هذه الآيات:

إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ

ص: 191

وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68،و قوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا -إلى أن قال- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ البقرة:127 -129.

فالمراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) الطّاهرون من ذرّيّته من طريق إسماعيل،و الآية ليست في مقام الحصر،فلا تنافي بين عدم تعرّضها لاصطفاء نفس إبراهيم و اصطفاء موسى و سائر الأنبياء الطّاهرين من ذرّيّته من طريق إسحاق،و بين ما تثبتها آيات كثيرة من مناقبهم و سموّ شأنهم و علوّ مقامهم،و هي آيات متكثّرة جدّا لا حاجة إلى إيرادها،فإنّ إثبات الشّيء لا يستلزم نفي ما عداه.

و كذا لا ينافي مثل ما ورد في بني إسرائيل من قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ الجاثية:16،كلّ ذلك ظاهر.

و لا أنّ تفضيلهم على العالمين ينافي تفضيل غيرهم على العالمين،و لا تفضيل غيرهم عليهم،فإنّ تفضيل قوم واحد أو أقوام مختلفين على غيرهم،إنّما يستلزم تقدّمهم في فضيلة دنيويّة أو أخرويّة على من دونهم من النّاس، و لو نافى تفضيلهم على النّاس تفضيل غيرهم،أو نافى تفضيل هؤلاء المذكورين في الآية-أعني آدم و نوح و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين-تفضيل غيرهم على العالمين،لاستلزم ذلك التّنافي بين هؤلاء المذكورين في الآية أنفسهم،و هو ظاهر.

و لا أنّ تفضيل هؤلاء على غيرهم ينافي وقوع التّفاضل فيما بينهم أنفسهم.فقد فضّل اللّه النّبيّين على سائر العالمين و فضّل بعضهم على بعض،قال تعالى:

وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ الأنعام:86،و قال أيضا:

وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ الإسراء:55.

و أمّا (آلَ عِمْرانَ) فالظّاهر أنّ المراد ب(عمران)أبو مريم كما يشعر به تعقيب هاتين الآيتين بالآيات الّتي تذكر قصّة امرأة عمران و مريم ابنة عمران.و قد تكرّر ذكر عمران أبي مريم باسمه في القرآن الكريم،و لم يرد ذكر عمران أبي موسى حتّى في موضع واحد يتعيّن فيه كونه هو المراد بعينه،و هذا يؤيّد كون المراد ب(عمران)في الآية أبا مريم عليها السّلام.و على هذا فالمراد ب (آلَ عِمْرانَ) هو مريم و عيسى عليهما السّلام،أو هما و زوجة عمران.

و أمّا ما يذكر أنّ النّصارى غير معترفين بكون اسم أبي مريم عمران،فالقرآن غير تابع لهواهم.(3:165)

عبد الكريم الخطيب: قد اقتضت حكمته سبحانه أن يصطفي من يشاء من عباده لتلقّي هباته و عطاياه،و أنّ من عباده الّذين اصطفاهم لأفضاله و منحه آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران.

فآدم هو أبو البشر و قد اصطفاه اللّه فجعله خليفته في الأرض،و نوح هو الأب الثّاني للبشريّة،بعد أن هلك البشر بالطّوفان،و إبراهيم هو أبو الأنبياء،و آله هم هؤلاء الأنبياء من ذرّيّته،و عمران هو الفرع الزّاكي من شجرة إبراهيم،و من ذرّيّته موسى و هارون و زكريّا و يحيى و عيسى.

ص: 192

و في قوله تعالى: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ إشارة إلى امتداد الاصطفاء من الأصول إلى الفروع،و لهذا قال تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً لا آل آدم،و لا آل نوح،لأنّ ذلك يشمل الإنسانيّة كلّها،من حيث كان آدم و نوح أبوي البشريّة كلّها،فلا يكون-و الأمر كذلك- مكان للاصطفاء من بين الذّرّيّة المصطفاة كلّها.

(2:433)

2-آل لوط

1- قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. الحجر:58،59

الطّبريّ: إلاّ أتباع لوط،على ما هو عليه من الدّين.

(14:41)

الزّجّاج: استثناء،ليس من الأوّل،المعنى قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ المعنى إنّا أرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط.

(3:181)

الزّمخشريّ: إن قلت:قوله تعالى: إِلاّ آلَ لُوطٍ استثناء متّصل أم منقطع؟

قلت:لا يخلو من أن يكون استثناء من(قوم)فيكون منقطعا،لأنّ القوم موصوفون بالإجرام،فاختلف لذلك الجنسان.و أن يكون استثناء من الضّمير في(مجرمين) فيكون متّصلا،كأنّه قيل:إلى قوم قد أجرموا كلّهم إلاّ آل لوط وحدهم،كما قال: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36.

فإن قلت:فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين؟

قلت:نعم،و ذلك أنّ (آلَ لُوطٍ) مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال،و على أنّهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصّة،و لم يرسلوا إلى آل لوط أصلا،.و معنى إرسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال الحجر أو السّهم إلى المرميّ،في أنّه في معنى التّعذيب و الإهلاك،كأنّه قيل:أهلكنا قوما مجرمين و لكن آل لوط أنجيناهم.و أمّا في المتّصل فهم داخلون في حكم الإرسال،و على أنّ الملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء و ينجوا هؤلاء،فلا يكون الإرسال مخلصا بمعنى الإهلاك و التّعذيب،كما في الوجه الأوّل.

فإن قلت:فقوله: إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ بم يتعلّق على الوجهين؟

قلت:إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر«لكن» في الاتّصال ب (آلَ لُوطٍ) لأنّ المعنى لكن آل لوط منجّون، و إذا اتّصل كان كلاما مستأنفا كأنّ إبراهيم عليه السّلام قال لهم:

فما حال آل لوط؟فقالوا:إنّا لمنجّوهم.

فإن قلت:فقوله: (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) ممّ استثني،و هل هو استثناء من استثناء؟

قلت:استثني من الضّمير المجرور في قوله: (لَمُنَجُّوهُمْ) و ليس من الاستثناء في شيء،لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنّما يكون فيما اتّحد الحكم فيه،و أن يقال:

أهلكناهم إلاّ آل لوط إلاّ امرأته،كما اتّحد الحكم في قول المطلّق:أنت طالق ثلاثا إلاّ اثنتين إلاّ واحدة،و في قول المقرّ:لفلان عليّ عشرة دراهم إلاّ ثلاثة إلاّ درهما.فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان،لأنّ إِلاّ آلَ لُوطٍ متعلّق ب (أُرْسِلْنا) أو ب (مُجْرِمِينَ) و (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) قد تعلّق ب(منجوهم)فأنّى يكون استثناء من استثناء؟!(2:393)

ص: 193

الميبديّ: يعني أهله المؤمنين،و هم ابنتان و امرأة سوى الغابرة.(5:323)

الطّبرسيّ: استثنى منهم (آلَ لُوطٍ) و هم خاصّته و عشيرته،و إنّما استثناهم منهم و إن لم يكونوا مجرمين، من حيث كانوا من قوم لوط و ممّن بعث إليهم.و قيل:إنّ معناه:لكن آل لوط إنّا لمنجّوهم أجمعين،أي نخلّصهم أجمعين من العذاب.(3:340)

الفخر الرّازيّ: المراد من (آلَ لُوطٍ) أتباعه الّذين كانوا على دينه.(19:199)

نحوه القرطبيّ.(10:36)

النّيسابوريّ: زعم صاحب«الكشّاف»أنّ الإرسال هاهنا في معنى التّعذيب و الإهلاك كإرسال الحجر أو السّهم إلى المرميّ.

و أقول:كأنّه لا حاجة إلى هذا التّجوّز،لقوله: قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ الذّاريات:32،33،فالتّقدير:إنّا أرسلنا إليهم لنهلكهم إلاّ آل لوط.و على هذا يكون الاستثناء منقطعا لاختلاف الجنسين،فإنّ القوم موصوفون بالإجرام دون آل لوط،و يكون قوله: إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ جاريا مجرى خبر«لكن»،كأنّه قيل:لكن قوم لوط منجّون،و يكون قوله: (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) استثناء من الاستثناء أي أرسلنا إليهم لنهلكهم إلاّ آل لوط الاّ امرأته،كقول المقرّ:لفلان عليّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ واحدا.

و جوّز في«الكشّاف»أن يكون قوله: (إِلاّ آلَ لُوطٍ) مستثنى من الضّمير في(مجرمين)حتّى يكون الاستثناء متّصلا،أي إلى قوم قد أجرموا كلّهم إلاّ آل لوط وحدهم.

و لم لا يجوز الاستثناء من الاستثناء بناء على أنّ (آلَ لُوطٍ) مستثنى من معمول (أُرْسِلْنا) أو (مُجْرِمِينَ)، و (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) من معمول(منجوهم)و قد عرفت ما فيه،على أنّه إذا جعل الإرسال بمعنى الإهلاك كما قرّره هو،آل الأمر إلى ما ذكرنا.فلا أدري لم استبعده مع وفور فضله؟

(14:29)

الطّباطبائيّ: هم لوط و خاصّته،و ظهر به:أنّ القوم قومه إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أي مخلصوهم من العذاب (أَجْمَعِينَ) و ظاهر السّياق كون الاستثناء منقطعا.

(12:182)

2- فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. الحجر:61

الميبديّ: إنّما قال: (آلَ لُوطٍ) و هم أتوا لوطا،لأنّهم كانوا في بلدة واحدة.و قيل: (آلَ لُوطٍ) يريد شخصه،كما في الخبر:«و بارك على آل إبراهيم»و عني به إبراهيم.(5:323)

الآلوسيّ: شروع في بيان إهلاك المجرمين و تنجية آل لوط.و وضع الظّاهر موضع الضّمير للإيذان بأنّ مجيئهم لتحقيق ما أرسلوا به من ذلك،و ليس المراد به ابتداء مجيئهم،بل مطلق كينونتهم عند آل لوط.

(14:67)

عبد الكريم الخطيب: هنا سؤال و هو:لما ذا كان الحديث عن لوط في مجيء الرّسل إليه غير موجّه إليه بل كان موجّها إلى«آله»هكذا فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ؟

ص: 194

و لم التزم القرآن هذا التّعبير في كلّ مرّة ورد فيها مجيء الرّسل إلى لوط؟

و الجواب على هذا-و اللّه أعلم-أنّ لوطا عليه السّلام كان هو و آل بيته-غير امرأته-كلّ من آمنوا باللّه في القرية، كما يقول سبحانه و تعالى: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36،و بهذا يكون لوط و من آمن معه من آل بيته،هم كيان واحد سليم في مجتمع هذه القرية الفاسدة.و من هنا كان الحديث إلى لوط في هذا الجسد الّذي يضمّه و يضمّ أهله الّذين آمنوا معه،و الّذين هم أشبه ببعض أعضائه.(7:249)

3- إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ. القمر:34

الطّبريّ: غير آل لوط الّذين صدّقوه و اتّبعوه على دينه.(27:104)

الميبديّ: يعني بناته و من آمن به من أزواجهنّ.

(9:393)

الفخر الرّازيّ: (إِلاّ آلَ لُوطٍ) استثناء ممّا ذا؟إن كان من الّذين قال فيهم: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً فالضّمير في (عَلَيْهِمْ) عائد إلى قوم لوط،و هم الّذين قال فيهم: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ القمر:33،ثمّ قال: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ لكن لم يستثن عند قوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ و آله من قومه،فيكون آله قد كذّبوا و لم يكن كذلك؟

الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ الاستثناء ممّن عاد إليهم الضّمير في (عَلَيْهِمْ) و هم القوم بأسرهم،غير أنّ قوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ لا يوجب كون آله مكذّبين،لأنّ قول القائل:

عصى أهل بلدة كذا،يصحّ و إن كان فيها شرذمة قليلة يطيعون،فكيف إذا كان فيهم واحد أو اثنان من المطيعين لا غير.

فإن قيل:ما له حاجة إلى الاستثناء،لأنّ قوله: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ يصحّ و إن نجا منهم طائفة يسيرة؟

نقول:الفائدة لمّا كانت لا تحصل إلاّ ببيان إهلاك من كذّب و إنجاء من آمن،فكان ذكر الإنجاء مقصودا؛ و حيث يكون القليل من الجمع الكثير مقصودا لا يجوز التّعميم و الإطلاق من غير بيان حال ذلك المقصود بالاستثناء،أو بكلام منفصل،مثاله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ الحجر:30،31 استثنى الواحد لأنّه كان مقصودا.و قال تعالى: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،و لم يستثن؛إذ المقصود بيان أنّها أوتيت،لا بيان أنّها ما أوتيت.و في حكاية إبليس كلاهما مراد ليعلم أنّ من تكبّر على آدم عوقب،و من تواضع أثيب،كذلك القول هاهنا.و أمّا عند التّكذيب فكأنّ المقصود ذكر المكذّبين فلم يستثن.

الجواب الثّاني:أنّ الاستثناء من كلام مدلول عليه، كأنّه قال: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً فما أنجينا من الحاصب إلاّ آل لوط.و جاز أن يكون الإرسال عليهم و الإهلاك يكون عامّا،كما في قوله تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الأنفال:25، فكان الحاصب أهلك من كان الإرسال عليه مقصودا و من لم يكن كذلك،كأطفالهم و دوابّهم و مساكنهم،فما

ص: 195

نجا منهم أحد إلاّ آل لوط.

فإن قيل:إذا لم يكن الاستثناء من قوم لوط بل كان من أمر عامّ فيجب أن يكون لوط أيضا مستثنى؟

نقول:هو مستثنى عقلا،لأنّ من المعلوم أنّه لا يجوز تركه و إنجاء أتباعه.و الّذي يدلّ عليه أنّه مستثنى قوله تعالى عن الملائكة: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ العنكبوت:32،في جوابهم لإبراهيم عليه السّلام، حيث قال: إِنَّ فِيها لُوطاً.

فإن قيل:قوله: إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ الحجر:

59،استثناء من المجرمين،و آل لوط لم يكونوا مجرمين، فكيف استثنى منهم؟

و الجواب:مثل ما ذكرنا،فأحد الجوابين:إنّا أرسلنا إلى قوم يصدق عليهم إنّهم مجرمون و إن كان فيهم من لم يجرم.

ثانيهما:إلى قوم مجرمين بإهلاك يعمّ الكلّ إلاّ آل لوط.(29:58)

القرطبيّ: يعني من تبعه على دينه،و لم يكن إلاّ بنتاه.(17:143)

البروسويّ: هم أهل بيته الّذين نجوا من العذاب، و كانوا ثلاثة عشر.و قيل:يعني لوطا و ابنتيه.(9:280)

3-آل يعقوب

1- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ...

يوسف:6

أبو عبيدة: أي على أهل يعقوب،و الدّليل على ذلك إنّك إذا صغّرت«آل»قلت:«أهيل»،و على أهل ملّته أيضا.(1:302)

الطّبريّ: على أهل دين يعقوب و ملّته،و من ذرّيّته و غيرهم.(12:154)

الزّمخشريّ: (آلِ يَعْقُوبَ) أهله،و هم نسله و غيرهم.(2:303)

الطّبرسيّ: أي و على إخوتك.(3:210)

النّيسابوريّ: المراد ب (آلِ يَعْقُوبَ) نسله.

(12:83)

أبو حيّان: (آلِ يَعْقُوبَ) الظّاهر أنّهم أولاده و نسلهم،أي نجعل النّبوّة فيهم.

و قيل:أهل دينه و أتباعهم،كما جاء في الحديث:

«من آلك؟فقال:كلّ تقيّ».و قيل:امرأته و أولاده الأحد عشر.و قيل:المراد يعقوب نفسه خاصّة.(5:281)

الآلوسيّ: المراد بهم أهله من بنيه و غيرهم، و أصله:أهل،و قيل:أول.و لا يستعمل إلاّ فيمن له خطر مطلقا،و لا يضاف لما لا يعقل و لو كان ذا خطر،بخلاف «أهل»فلا يقال:آل الحجّام و لا آل الحرم،و لكن أهل الحجّام و أهل الحرم،نعم قد يضاف لما نزل منزلة العاقل، كما في قول عبد المطّلب:

و انصر على آل الصّليب و عابديه اليوم آلك

و فيه ردّ على أبي جعفر الزّبيديّ حيث زعم عدم جواز إضافته إلى الضّمير،لعدم سماعه مضافا إليه.

(12:187)

القاسميّ: و هم أهله من بنيه و حاشيتهم،أي يسبغ نعمته عليهم بك.(9:3507)

ص: 196

2- يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا.

مريم:6

الكلبيّ: ليس هو يعقوب بن إسحاق بل هو يعقوب بن ماثان.(الميبديّ 6:9)

مثله مقاتل.(الطّوسيّ 7:106)

الطّوسيّ: كان آل يعقوب أخواله،و هو يعقوب بن ماثان،و كان قيّم الملك منهم،و كان زكريّا من ولد هارون ابن عمران أخي موسى بن عمران.(7:106)

الميبديّ: هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف، و زكريّا كان من آل يعقوب.(6:9)

الزّمخشريّ: قيل:(من)للتّبعيض لا للتّعدية،لأنّ آل يعقوب لم يكونوا كلّهم أنبياء و لا علماء،و كان زكريّا عليه السّلام من نسل يعقوب بن إسحاق.

و قيل:هو يعقوب بن ماتان أخو زكريّا.و قيل:

يعقوب هذا و عمران أبو مريم أخوان من نسل سليمان بن داود.(2:503)

4-آل موسى و هارون

...وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ.

البقرة:248

القفّال: إنّما أضيف ذلك إلى موسى و آل هارون، لأنّ ذلك التّابوت قد تداولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت،و ما في التّابوت أشياء تورثها العلماء من أتباع موسى و هارون؛فيكون(الآل)هم الأتباع،قال تعالى:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

(الفخر الرّازيّ 6:191)

الزّمخشريّ: إن قلت:من آل موسى و آل هارون؟

قلت:الأنبياء من بني يعقوب بعدهما،لأنّ عمران هو ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب،فكان أولاد يعقوب آلهما.و يجوز أن يراد ممّا تركه موسى و هارون،و الآل مقحم لتفخيم شأنهما.(1:380)

نحوه البيضاويّ.(1:130)

الطّبرسيّ: قيل:أراد ب (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) موسى و هارون على نبيّنا و عليهما السّلام،يعني ممّا ترك موسى و هارون.تقول العرب:آل فلان:يريدون نفسه.(1:353)

الفخر الرّازيّ: قال بعض المفسّرين:يحتمل أن يكون المراد من (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) هو موسى و هارون أنفسهما،و الدّليل عليه قوله عليه الصّلاة و السّلام لأبي موسى الأشعريّ:«لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود»و أراد به داود نفسه،لأنّه لم يكن لأحد من آل داود من الصّوت الحسن مثل ما كان لداود عليه السّلام.(6:191)

القرطبيّ: أسند«التّرك»إلى (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) من حيث كان الأمر مندرجا من قوم إلى قوم، و كلّهم آل موسى و آل هارون.و آل الرّجل:قرابته.

(3:250)

أبو حيّان: (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) هم من الأنبياء، إليهما من قرابة أو شريعة.و الّذي يظهر أنّ (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ) هم الأنبياء الّذين كانوا بعدهما،فإنّهم كانوا يتوارثون ذلك إلى أن فقد.

ص: 197

[و بعد نقل قول الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ قال:]

و دعوى الإقحام و الزّيادة في الأسماء لا يذهب إليه نحويّ محقّق،و قول الزّمخشريّ:و(الآل)مقحم لتفخيم شأنهما.إن عنى بالإقحام ما يدلّ عليه أوّل كلامه في قوله:

و يجوز أن يراد ممّا ترك موسى و هارون،فلا أدري كيف يفيد زيادة(آل)تفخيم شأن موسى و هارون.و إن عنى ب(الآل)الشّخص فإنّه يطلق على شخص الرّجل آله، فكأنّه قيل:ممّا ترك موسى و هارون أنفسهما،فنسب تلك الأشياء العظيمة الّتي تضمّنها التّابوت إلى أنّها من بقايا موسى و هارون شخصيهما،أي أنفسهما،لا من بقايا غيرهما.

فجرى(آل)هنا مجرى التّوكيد الّذي يراد به أنّ المتروك من ذلك الخير هو منسوب لذات موسى و هارون،فيكون في التّنصيص عليهما بذاتهما تفخيم لشأنهما.و كان ذلك مقحما،لأنّه لو قيل:ممّا ترك موسى و هارون لاكتفى،و كان ظاهر ذلك أنّهما أنفسهما تركا ذلك و ورث عنهما.(2:262)

الطّباطبائيّ: آل الرّجل:خاصّته من أهله، و يدخل فيهم نفسه إذا أطلق،ف (آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ)، هم موسى و هارون،و خاصّتهما من أهلهما.(2:291)

5-آل فرعون

1- وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ... البقرة:49

مقاتل: (آلِ فِرْعَوْنَ) هنا أهل مصر.

(أبو حيّان 1:192)

أبو عبيد: أهل بيته خاصّة.(أبو حيّان 1:192)

ابن قتيبة: (آلِ فِرْعَوْنَ): أهل بيته و أتباعه و أشياعه.(48)

الإمام العسكريّ عليه السّلام: هم الّذين كانوا يدنون إليه بقرابته و بدينه و مذهبه.(البحرانيّ 1:96)

الطّبريّ: (آلِ فِرْعَوْنَ): أهل دينه و قومه و أشياعه.

(1:270)

الزّجّاج: (آلِ فِرْعَوْنَ): أتباعه و من كان على دينه، و كذلك آل الأنبياء صلوات اللّه عليهم:من كان على دينهم،و كذلك قولنا:صلّى اللّه على محمّد و آله،معنى آله:

من اتّبعه من أهل بيته و غيرهم.(1:130)

أتباعه على دينه.(أبو حيّان 1:192)

السّجستانيّ: قومه و أهل دينه.(10)

الطّوسيّ: قومه و أتباعه.(1:219)

الميبديّ: (آلِ فِرْعَوْنَ): القبط.(1:182)

الفخر الرّازيّ: (آلِ فِرْعَوْنَ) لا شكّ أنّ المراد منه هاهنا من كان من قوم فرعون،و هم الّذين عزموا على إهلاك بني إسرائيل،ليكون تعالى منجيا لهم منهم،بما تفضّل به من الأحوال الّتي توجب بقاءهم و هلاك فرعون و قومه.(3:67)

القرطبيّ: (آلِ فِرْعَوْنَ): قومه و أتباعه و أهل دينه.

و كذلك آل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من هو على دينه و ملّته في عصره و سائر الأعصار،سواء كان نسيبا له أو لم يكن.

و من لم يكن على دينه و ملّته فليس من آله و لا أهله، و إن كان نسيبه و قريبه.

ص: 198

خلافا للرّافضة (1)حيث قالت:إنّ آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:فاطمة و الحسن و الحسين فقط،دليلنا قوله تعالى: وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،أي آل دينه،إذ لم يكن له ابن و لا بنت و لا أب و لا عمّ و لا أخ و لا عصبة، و لأنّه لا خلاف أنّ من ليس بمؤمن و لا موحّد فإنّه ليس من آل محمّد و إن كان قريبا له،و لأجل هذا يقال:إنّ أبا لهب و أبا جهل ليسا من آله و لا من أهله،و إن كان بينهما و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قرابة،و لأجل هذا قال اللّه تعالى في ابن نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46.

و قالت طائفة: آل محمّد:أزواجه و ذرّيّته خاصّة، لحديث أبي حميد السّاعديّ أنّهم قالوا:يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك؟قال:قولوا:اللّهمّ صلّ على محمّد و على أزواجه و ذرّيّته كما صلّيت على آل إبراهيم،و بارك على محمّد و على أزواجه و ذرّيّته كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد.

و قالت طائفة من أهل العلم: الأهل معلوم،و الآل:

الأتباع.و الأوّل أصحّ لما ذكرناه،و لحديث عبد اللّه بن أبي أوفى:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال:

«اللّهمّ صلّ عليهم»فأتاه أبي بصدقته فقال:«اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى».(1:381)

النّيسابوريّ: المراد ب (آلِ فِرْعَوْنَ) أتباعه و أعوانه الّذين عزموا على إهلاك بني إسرائيل بأمره.(1:308)

2- وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة:50

أبو عبيدة: (آلِ فِرْعَوْنَ): قومه و أهل دينه،و مثلها:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

(1:40)

الطّبرسيّ: و لم يذكر غرق فرعون،لأنّه قد ذكره في مواضع،كقوله: فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ الإسراء:

103،فاختصر لدلالة الكلام عليه،لأنّ الغرض مبنيّ على إهلاك فرعون و قومه.و نظيره قول القائل:«دخل جيش الأمير البادية»و يكون الظّاهر أنّ الأمير معهم.

و يجوز أن يريد ب (آلِ فِرْعَوْنَ) نفسه،كقوله: مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248،يعني موسى و هارون.(1:107)

أبو حيّان: و لم يذكر فرعون فيمن غرق،لأنّ وجوده معهم مستقرّ،فاكتفى بذكر(الآل)هنا،لأنّهم هم الّذين ذكروا في الآية قبل هذه،و نسب تلك الصّفة القبيحة إليهم من سومهم بني إسرائيل العذاب و ذبحهم أبناءهم و استحيائهم نساءهم،فناسب هذا إفرادهم بالغرق.

و قد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر منها:

فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ القصص:40، حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ يونس:90، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه:

78.(1:198)

البروسويّ: يريد فرعون و قومه،للعلم بدخولهم.

ص: 199


1- هذه الكلمة تعدّ من التّنابز بالألقاب و كم لها من نظير بين فرق المسلمين.فيجب على المسلمين الحذر من اشتعالها فيما يقولون و فيما يسطرون،حفاظا على أخوتهم و وحدتهم.

فيهم،و كونه أولى به منهم.(1:131)

الآلوسيّ: في الكلام حذف يدلّ عليه المعنى، و التّقدير: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ و تبعكم فرعون و جنوده في تقحّمه فَأَنْجَيْناكُمْ أي من الغرق،أو من إدراك فرعون و آله لكم،أو ممّا تكرهون.و كنى سبحانه ب (آلِ فِرْعَوْنَ) عن فرعون و آله،كما يقال:بني هاشم، و قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الإسراء:70، يعني هذا الجنس الشّامل لآدم،أو اقتصر على ذكر (الآل)لأنّهم إذا عذّبوا بالإغراق كان مبدأ العناد و رأس الضّلال أولى بذلك.و قد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر من كتابه،كقوله سبحانه: فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً الإسراء:103 فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ القصص:40،و حمل(الآل)على الشّخص- حيث إنّه ثبت لغة كما في«الصّحاح»-ركيك غير مناسب للمقام،و إنّما المناسب له التّعميم.(1:255)

3- وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ.

الأعراف:130

الطّبريّ: و لقد اختبرنا قوم فرعون و أتباعه،على ما هم عليه من الضّلالة،بالسّنين.(9:28)

نحوه الطّبرسيّ(2:466)،و البروسويّ(3:217).

الآلوسيّ: المراد ب (آلَ فِرْعَوْنَ) أتباعه من القبط.

و إضافة(الآل)إليه و هو لا يضاف إلاّ إلى الأشراف،لما فيه من الشّرف الدّنيويّ الظّاهر،و إن كان في نفس الأمر خسيسا.(9:31)

رشيد رضا: [بعد نقل قول الرّاغب قال:]

إنّ آلَ فِرْعَوْنَ أطلق في القرآن على أهل بيته خاصّة،في موضع واحد لا يحتمل غيرهم،و في موضع آخر محتمل لغيرهم،فالأوّل قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و الثّاني قوله: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28.

و أطلق كثيرا بمعنى ملأه،و خاصّة أتباعه أو جملتهم، كقوله: وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ البقرة:50، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46، وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ البقرة:49، وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ القمر:41.

كذلك كثر ذكر ملإ فرعون في إرسال موسى إليهم، و ما دار بين فرعون و بينه،و هم أشراف قومه و رجال دولته كما تقدّم.و لو لا أن ورد ذكر قومه في بعض الآيات لحملنا(الآل)في الآية-الّتي نحن بصدد تفسيرها و في أمثالها-عليهم دون سائر قومه.فقد قال تعالى في أوّل قصّة موسى: وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ الشّعراء:10،11، و قال: وَ لَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ الدّخان:17،و من الواضح أنّ عامّة قوم فرعون ينالهم من عذاب الأخذ بالسّنين و نقص الثّمرات ما لا ينال فرعون و أهل بيته و خاصّة ملئه.فالمراد ب(آله) قومه،و هم أهل مصر في عهده،و هم مؤاخذون بظلمه و طغيانه،لأنّ قوّته الماليّة و الجنديّة منهم.و قد خلقهم اللّه أحرارا و كرّمهم بالعقل و الفطرة الّتي تكره الظّلم و الطّغيان بالغريزة،فكان حقّا عليهم أن لا يقبلوا استعباده لهم و جعلهم آلة لطغيانه و إرضاء كبريائه

ص: 200

و شهواته،و لا سيّما بعد بعثة موسى و وصول دعوته إليهم و رؤيتهم لما أيّده اللّه به من الآيات.(9:86)

المراغيّ: (آلَ فِرْعَوْنَ): قومه و خاصّته و أعوانه في أمور الدّولة،و هم الملأ من قومه.و لا يستعمل هذا اللّفظ إلاّ فيمن يختصّ بالإنسان بقرابة قريبة،كما قال عزّ اسمه: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ آل عمران:33،أو بموالاة و متابعة في الرّأي كما قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.(9:40)

4- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً... القصص:8

عبد الرّحمن بن زيد: إنّ امرأة فرعون خرجت إلى البحر و كانت برصاء،فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها،فقالت:هذا الصّبيّ مبارك.

(الماورديّ 4:236).

ابن عبّاس: أنّه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها.(الماورديّ 4:236)

السّدّيّ: أقبل الموج بالتّابوت يرفعه مرّة و يخفضه أخرى،حتّى أدخله بين أشجار،عند بيت فرعون.

فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن فوجدن التّابوت فأدخلنه إلى آسية،و ظننّ أنّ فيه مالا،فلمّا نظرت إليه آسية،وقعت عليها رحمته،فأحبّته،فلمّا أخبرت به فرعون،أراد أن يذبحه،فلم تزل آسية تكلّمه،حتّى تركه لها،قال:إنّي أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل،و أن يكون هذا الّذي على يديه هلاكنا، فذلك قول اللّه: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً. (الطّبريّ 20:31)

ابن إسحاق: أصبح فرعون في مجلس له،كان يجلسه على شفير النّيل كلّ غداة،فبينما هو جالس،إذ مرّ النّيل بالتّابوت يقذف به،و آسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه،فقالت:إنّ هذا لشيء في البحر، فأتوني به،فخرج إليه أعوانه،حتّى جاءوا به،ففتح التّابوت فإذا فيه صبيّ في مهده،فألقى اللّه عليه محبّته، و عطف عليه نفسه.(الطّبريّ 20:32)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله:

(آلُ فِرْعَوْنَ) في هذا الموضع،فقال بعضهم:عنى بذلك:

جواري امرأة فرعون.

و قال آخرون: بل عنى به ابنة فرعون.ذكر من قال ذلك.

عن محمّد بن قيس،قال: كانت بنت فرعون برصاء،فجاءت إلى النّيل،فإذا التّابوت في النّيل تخفقه الأمواج،فأخذته بنت فرعون،فلمّا فتحت التّابوت، فإذا هي بصبيّ،فلمّا أطلعت في وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلى أمّها،فقالت:إنّ هذا الصّبيّ مبارك لمّا نظرت إليه برئت.

و قال آخرون: عني به أعوان فرعون.

و لا قول في ذلك عندنا أولى بالصّواب،ممّا قال اللّه عزّ و جلّ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، و قد بيّنّا معنى الآل فيما مضى،بما فيه الكفاية من إعادته هاهنا.(20:31)

الميبديّ:آل الرّجل:شيعته و خاصّته.

(7:276)

ص: 201

ابن عطيّة: أهله و جملته،و روي أنّ آسية امرأة فرعون رأت التّابوت يعوم في اليمّ فأمرت بسوقه و فتحته فرأت فيه صبيّا صغيرا فرحمته و أحبّته.

(4:277)

الفخر الرّازيّ: و المراد ب (آلُ فِرْعَوْنَ) جواريه.

(24:228)

5- وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ... المؤمن:28

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الصّدّيقون ثلاثة:حبيب النّجّار مؤمن آل يس الّذي يقول: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اِتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ يس:20،21، و حزقيل مؤمن آل فرعون،و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، هو أفضلهم.(البحرانيّ 4:96)

ابن عبّاس: لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره و غير امرأة فرعون،و غير المؤمن الّذي أنذر موسى فقال: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ القصص:

20.(الطّبرسيّ 4:521)

الإمام الباقر عليه السّلام: كان خازن فرعون مؤمنا بموسى،قد كتم إيمانه...و هو الّذي قال اللّه: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ.

(البحرانيّ 4:95)

السّدّيّ: هو ابن عمّ فرعون.و يقال:هو الّذي نجا مع موسى.(الطّبريّ 24:58)

كان رجلا قبطيّا ابن عمّ فرعون،و زوج ماشطة بنت فرعون.

مثله مقاتل.(الميبديّ 8:466)

الإمام الرّضا عليه السّلام: كان ابن خال فرعون،فنسبه إليه فرعون بنسبه،و لم يضفه إليه بدينه.

(البحرانيّ 4:96)

الطّبريّ: اختلف أهل العلم في هذا الرّجل المؤمن، فقال بعضهم:كان من قوم فرعون،غير أنّه كان قد آمن بموسى،و كان يسرّ إيمانه من فرعون.[و بعد نقل قول السّدّيّ قال:]

و قال آخرون: بل كان الرّجل إسرائيليّا،و لكنّه كان يكتم إيمانه من آل فرعون.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب عندي القول الّذي قاله السّدّيّ:من أنّ الرّجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه،و استمع منه ما قاله،و توقّف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله،و قيله ما قال.و قال له:

ما أريكم إلاّ ما أرى،و ما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد.و لو كان إسرائيليّا لكان حريّا أن يعاجل هذا القائل له و لملئه ما قال،بالعقوبة على قوله،لأنّه لم يكن يستنصح بني إسرائيل،لاعتداده إيّاهم أعداء له،فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا،و لكنّه لمّا كان من ملإ قومه،استمع قوله،و كفّ عمّا كان همّ به في موسى.(24:57)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّ هذا الرّجل،أعني مؤمن آل فرعون كان يسمّى سمعان،و قيل:كان اسمه حبيبا.و يكون (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صفة للرّجل،و يكون (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) معه محذوف،و يكون المعنى يكتم إيمانه

ص: 202

منهم،و يكون(يكتم)من صفة رجل،فيكون المعنى:

و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.

(4:371)

الميبديّ: قال قوم من المفسّرين:هو رجل إسرائيليّ و ما كان قبطيّا.فعلى هذا القول في الآية تقديم و تأخير،أي و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون،لأنّه لم يكن مؤمن من آل فرعون أبدا.

(8:466)

الزّمخشريّ: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صفة ل(رجل)أو صلة ل(يكتم)،أي يكتم إيمانه من آل فرعون،و اسمه سمعان أو حبيب،و قيل:خربيل أو حزبيل،و الظّاهر أنّه كان من آل فرعون،فإنّ المؤمنين من بني إسرائيل لم يقلّوا و لم يعزوا،و الدّليل عليه قول فرعون: أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ المؤمن:25،و قول المؤمن: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ جاءَنا المؤمن:29،دليل ظاهر على أنّه يتنصّح لقومه.(3:423)

الطّبرسيّ: و قيل:إنّه كان وليّ عهده من بعده، و كان اسمه حبيب،و قيل:اسمه حزبيل.(4:521)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في ذلك الرّجل الّذي كان من آل فرعون،فقيل:إنّه كان ابن عمّ له و كان جاريا مجرى وليّ العهد و مجرى صاحب الشّرطة.و قيل:كان قبطيّا من آل فرعون و ما كان من أقاربه.و قيل:إنّه كان من بني إسرائيل.

و القول الأوّل أقرب،لأنّ لفظ(الآل)يقع على القرابة و العشيرة.(27:57)

القرطبيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ اسم هذا الرّجل حبيب،و قيل:شمعان،بالشّين المعجمة.قال السّهيليّ:و هو أصحّ ما قيل فيه.

و في تاريخ الطّبريّ رحمه اللّه:اسمه خبرك،و قيل:

حزقيل.ذكره الثّعلبيّ عن ابن عبّاس و أكثر العلماء، و قيل:خربيل أو حزبيل.

و اختلف هل كان إسرائيليّا أو قبطيّا؟

فقال الحسن و غيره:كان قبطيّا.و يقال:إنّه كان ابن عمّ فرعون،قاله السّدّيّ،قال:و هو الّذي نجا مع موسى عليه السّلام،و لهذا قال: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [إلى أن قال:]

و قيل:كان هذا الرّجل من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون،عن السّدّيّ أيضا.

ففي الكلام على هذا تقديم و تأخير،و التّقدير:و قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.

فمن جعل الرّجل قبطيّا ف(من)عنده متعلّقة بمحذوف صفة لرجل،التّقدير:و قال رجل مؤمن منسوب من آل فرعون،أي من أهله و أقاربه.و من جعله إسرائيليّا(فمن)متعلّقة ب(يكتم)في موضع المفعول الثّاني ل(يكتم).القشيريّ:و من جعله إسرائيليّا ففيه بعد،لأنّه يقال:كتمه أمر كذا،و لا يقال:كتم منه.(15:306)

البروسويّ: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) فهو صفة ثانية ل(رجل)،و قوله: (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) صفة ثالثة،قدّم الأوّل أعني(مؤمن)لكونه أشرف الأوصاف.ثمّ الثّاني لئلاّ يتوهّم خلاف المقصود؛و ذلك لأنّه لو أخّر عن (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) لتوهّم أنّ(من)صلته،فلم يفهم أنّ ذلك الرّجل كان من آل فرعون.[إلى أن قال:]

ص: 203

قال في«التّكملة»:فإن قلت:(الآل)قد يكون في غير القرابة بدليل قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،و لم يرد إلاّ كلّ من كان على دينه من ذوي قرابته و غيرهم.

فالجواب:أنّ هذا الرّجل لم يكن من أهل دين فرعون و إنّما كان مؤمنا،فإذا لم يكن من أهل دينه فلم يبق لوصفه بأنّه من آله إلاّ أن يكون من عشيرته، انتهى.

و قيل:كان إسرائيليّا ابن عمّ قارون،أو أبوه من آل فرعون و أمّه من بني إسرائيل،فيكون (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صلة (يَكْتُمُ). و فيه أنّه لا مقتضى هنا لتقديم المتعلّق.

و أيضا أنّ فرعون كان يعلم إيمان بني إسرائيل،أ لا ترى إلى قوله: أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ المؤمن:25،فكيف يمكنهم أن يفعلوا،كذلك مع فرعون.

و قيل:كان عربيّا موحّدا ينافقهم لأجل المصلحة.(8:177)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صفة رجل و (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) صفة أخرى،فكان الرّجل من القبط من خاصّة فرعون،و هم لا يعلمون بإيمانه لكتمانه إيّاهم ذلك تقيّة.

و قيل:قوله: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) مفعول ثان لقوله:

(يَكْتُمُ) قدّم عليه،و الغالب فيه و إن كان التّعدّي إلى المفعول الثّاني بنفسه،كما في قوله: وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً النّساء:42،لكنّه قد يتعدّى إليه ب(من)كما صرّح به في«المصباح».

و فيه أنّ السّياق يأباه فلا نكتة ظاهرة تقتضي تقدّم المفعول الثّاني على الفعل من حصر و نحوه.على أنّ الرّجل يكرّر نداء فرعون و قومه بلفظة«يا قومي»و لو لم يكن منهم لم يكن له ذلك.(17:328)

عبد الكريم الخطيب: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي من آل بيته،و من الرّءوس البارزة في دولة فرعون،فقد يكون أميرا،أو وزيرا،أو قائد جند،و نحو هذا.

(12:1325)

6- وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ. القمر:41

الفخر الرّازيّ: ما الفائدة في لفظ (آلَ فِرْعَوْنَ) بدل «قوم فرعون»؟

نقول:القوم أعمّ من الآل،فالقوم:كلّ من يقوم الرّئيس بأمرهم أو يقومون بأمره،و الآل:كلّ من يؤول إلى الرّئيس خيرهم و شرّهم،أو يؤول إليهم خيره و شرّه.فالبعيد الّذي لا يعرفه الرّئيس و لا يعرف هو عين الرّئيس و إنّما يسمع اسمه،فليس هو بآله.

إذا عرفت الفرق،نقول:قوم الأنبياء الّذين هم غير موسى عليهم السّلام،لم يكن فيهم قاهر يقهر الكلّ و يجمعهم على كلمة واحدة،و إنّما كانوا هم رؤساء و أتباعا.

و الرّؤساء إذا كثروا لا يبقى لأحد منهم حكم نافذ على أحد.أمّا على من هو مثله فظاهر،و أمّا على الأراذل فلأنّهم يلجئون إلى واحد منهم،و يدفعون به الآخر فيصير كلّ واحد برأسه،فكأنّ الإرسال إليهم جميعا.

و أمّا فرعون فكان قاهرا يقهر الكلّ،و جعلهم بحيث لا يخالفونه في قليل و لا كثير،فأرسل اللّه إليه الرّسول وحده،غير أنّه كان عنده جماعة من التّابعين المقرّبين

ص: 204

مثل قارون،تقدّم عنده لماله العظيم،و هامان لدهائه، فاعتبرهم اللّه في الإرسال؛حيث قال في مواضع: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ الزّخرف:

46،و قال تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذّابٌ المؤمن:23،24،و قال: وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ العنكبوت:39، لأنّهم إن آمنوا آمن الكلّ،بخلاف الأقوام الّذين كانوا قبلهم و بعدهم.فقال: وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ و قال كثيرا مثل هذا كما في قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46، وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ المؤمن:28،و قال بلفظ«الملأ» أيضا كثيرا.(29:63)

البروسويّ: اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنّه أولى بالنّذر،أي و باللّه لقد جاءهم الإنذارات من جهة موسى و هارون عليهما السّلام،كأنّه قيل:فما ذا فعلوا حينئذ؟ فقيل: كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها القمر:42.(9:281)

الآلوسيّ: الاكتفاء بذكر (آلَ فِرْعَوْنَ) للعلم بأنّ نفسه أولى بذلك،فإنّه رأس الطّغيان و مدّعي الألوهيّة، و القول بأنّه إشارة إلى إسلامه ممّا لا يلتفت إليه.

(27:91)

6-آل داود

...اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ. سبأ:13

البغويّ: أي و قلنا: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً مجازه:اعملوا يا آل داود بطاعة اللّه،شكرا له على نعمه.

قيل:المراد من (آلَ داوُدَ) هو داود نفسه.و قيل:

داود و سليمان و أهل بيته.(5:234)

الآلوسيّ: (آل)منادى،حذف منه حرف النّداء.

[إلى أن قال:]

و جوّز بعض الأفاضل دخول(داود)عليه السّلام في(الآل) هنا،لأنّ«آل الرّجل»قد يعمّه.(22:120)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير(آل)على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:(آل)يعني قومه فذلك قوله: وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ القمر:41،يعني فرعون و قومه القبط،و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،يعني فرعون و قومه أهل ملّته القبط، وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ المؤمن:28،يعني من قوم فرعون.

و الوجه الثّاني:(آل)يعني أهل بيت الرّجل،فذلك قوله: إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ القمر:34،يعني لوطا و ابنتيه.و قال: فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ الحجر:61،يعني أهل لوط.و قال أيضا: إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:58،59،يعني لوطا و أهله.ثمّ استثنى من أهله فقال:(الا امراته)لا ننجها.

و الوجه الثّالث:(آل)يعني ذرّيّة الرّجل و إن سفل، فذلك قوله: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ يعني إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط. وَ آلَ

ص: 205

عِمْرانَ آل عمران:33،يعني موسى و هارون اختارهم للرّسالة.(271)

مثله هارون الأعور(295)،و الدّامغانيّ(66)، و نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:162).

لاحظ الأصول اللّغويّة و الاستعمال القرآنيّ لهذه الكلمة في(أول).

ص: 206

أ و ل

اشارة

8 ألفاظ،79 مرّة:66 مكّيّة،13 مدنيّة

في 36 سورة:28 مكّيّة،8 مدنيّة

تأويل 7:7 الأوّل 2:1-1

تأويلا 2:1-1 لأوّلنا 1:-1

تأويله 8:6-2 الأوّلون 6:5-1

أوّل 21:15-6 الأوّلين 32:31-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: فأمّا الأوائل من الأوّل،فمنهم من يقول:

تأسيس بنائه من همزة و واو و لام.و منهم من يقول:

تأسيسه من واوين بعدهما لام،و لكلّ حجّة،قال (1)في وصف الثّور و الكلاب:

*جهام تحثّ الوائلات أواخره*

رواية أبي الدّقيش.و قال أبو خيرة:تحثّ الأوّلات أواخره.

و الأوّل و الأولى بمنزلة أفعل و فعلى.و جمع أوّل:

أوّلون،و جمع أولى:أوليات،كما أنّ جمع الأخرى:

أخريات.

فمن قال:إنّ تأليفها من همزة و واو و لام،فكان ينبغي أن يكون«أفعل»منه:آول ممدود،كما تقول من آب يئوب:آوب.و لكنّهم احتجّوا بأن قالوا:أدغمت تلك المدّة في الواو،لكثرة ما جرى على الألسن.

و من قال:إنّ تأليفها من واوين و لام،جعل الهمزة ألف«أفعل»و أدغم إحدى الواوين في الأخرى، و شدّدهما.

و تقول:رأيته عاما أوّل يا فتى،لأنّ«أوّل»على بناء «أفعل».و من نوّن حمله على النّكرة،و من لم ينوّن فهو بابه.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّأوّل و التّأويل:تفسير الكلام الّذي تختلف معانيه،و لا يصحّ إلاّ ببيان غير لفظه.(8:368)

آل يؤول إليه،إذا رجع إليه،تقول:طبخت النّبيذ

ص: 207


1- أي و قال الشّاعر.

و الدّواء فآل إلى قدر كذا و كذا:إلى الثّلث أو الرّبع،أي رجع.(8:359)

و الإيال،بوزن فعال:وعاء يؤال فيه شراب أو عصير أو نحو ذلك،يقال:ألت الشّراب أءوله أولا؛ قال:

ففتّ الختام و قد أزمنت و أحدث بعد إيال إيالا

و هو الخثر،و كذلك بول الإبل الّتي جزأت بالرّطب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و المصدر منه:الأول و الأوول.(8:358)

سيبويه: أوّل«أفعل»لا فعل له،لاعتلال فائه و عينه.(ابن عطيّة 1:134)

أبو زيد: يقال:لقيته عام الأوّل و يوم الأوّل،جرّ آخره.

يقال:جاء فلان في أوّليّة النّاس،إذا جاء في أوّلهم.

(الأزهريّ 15:457)

كان الجاهليّة يسمّون يوم الأحد:الأوّل.

(ابن فارس 1:159)

ناقة أوّلة و جمل أوّل،إذا تقدّما الإبل.

(ابن فارس 1:158)

الأصمعيّ: آل القطران يؤول أولا،إذا خثر،و آل ماله يؤوله إيالة،إذا أصلحه و ساسه.

(الأزهريّ 15:437)

الآلة:سرير الميّت.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:441)

آل الرّجل رعيّته يؤولها،إذا أحسن سياستها.

يقال:رددته إلى آئلته،أي طبعه وسوسه. (1)

(ابن فارس 1:160)

أبو عبيد: التّأويل:المرجع و المصير،مأخوذ من:آل يؤول إلى كذا،أي صار إليه.

و أوّلته:صيّرته إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:460)

ابن الأعرابيّ: الأوّل:الرّجوع،و قد آل يؤول أولا.

و الأول:بلوغ طيب الدّهن بالعلاج.

(الأزهريّ 15:437)

خذ هذا أوّل ذات يدين و أوّل ذي أوّل،و أوّل أوّل، أي قبل كلّ شيء.(ابن فارس 1:158)

ابن السّكّيت: يقال:«أوّل الحكم إلى أهله»أي أرجعه و ردّه إليهم.(ابن فارس 1:159)

أبو حاتم: آل اللّبن على الإصبع،و ذلك أن يروب، فإذا جعلت فيه الإصبع قيل:آل عليها.

(ابن فارس 1:160)

أبو الهيثم: تقول العرب:«أوّل ما أطلع ضبّ ذنبه».يقال ذلك للرّجل يصنع الخير و لم يكن صنعه قبل ذلك.

و العرب ترفع«أوّل»و تنصب«ذنبه»على معنى:

أوّل ما أطلع ذنبه.

و منهم من يرفع«أوّل»و يرفع«ذنبه»،على معنى:

أوّل شيء أطلعه ذنبه.

و منهم من ينصب«أوّل»و ينصب«ذنبه»،على أن يجعل«أوّل»صفة.ه.

ص: 208


1- أصله و طبعه.

و منهم من ينصب«أوّل»و يرفع«ذنبه»،على معنى:

في أوّل ما أطلع ضبّ ذنبه،أي في أوّل ذلك.

(الأزهريّ 15:458)

يقال:«إنّما طعام فلان القفعاء و التّأويل»-و التّأويل:

نبت يعتلفه الحمار،و القفعاء:شجرة لها شوك-و يضرب هذا للرّجل إذا استبلد فهمه،و شبّه بالحمار في ضعف عقله.

(الأزهريّ 15:459)

فلان آيل مال و عائس مال و مراقح مال و إزاء مال و سربال مال،إذا كان حسن القيام عليه و الس