المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 3

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المشاركون في هذا المجلّد

الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ ناصر النّجفيّ قاسم النّوريّ محمّد حسن مؤمن زاده حسين خاك شور السيّد عبد الحميد عظيمى السيّد جواد سيّدى السيّد حسين رضويان علي رضا غفرانى و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و محمّد الملكوتيّ و مقابلة النّصوص إلى محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ و محمّد رضا النّوريّ و تنضيد الحروف إلى الأستاذ حسين الطّائيّ في قسم الكمبيوتر.

ص: 5

ص: 6

المحتويات

المقدّمة 9

أل و،أل ى 11

إلياس،إلياسين 49

اليسع 74

أمت 85

أمد 93

أمر 103

أمس 235

أمل 243

أمم 249

أمن 433

أمو 705

أنث 715

إنجيل 739

أنس 819

الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة 879

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 885

ص: 7

إيضاح

لطول جملة من الموادّ و وسعتها فقد رتّبنا فهرسا لمواضيعها تيسيرا للباحث أمر\أمم\أمن\إنجيل

النّصوص اللّغويّة\103\249\433\739

النّصوص التّفسيريّة\115\268\444\742

الأشباه و النّظائر\213\406\675\-

الأصول اللّغويّة\215\409\677\811

الاستعمال القرآنيّ\216\412\679\812

ص: 8

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى و نشكره على أن وفّقنا لتقديم المجلّد الثّالث من الموسوعة «المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»إلى عشّاق علوم القرآن و تفسيره و المختصّين بمعرفة لغاته و أسرار بلاغته و رمز إعجازه.

و اشتمل هذا الجزء على شرح(14)كلمة قرآنية من حرف الألف،ابتداء من (أل و)،و انتهاء ب(أن س).و أوسع الكلمات فيه بحثا:(أم ن)حيث استوعب (270)صفحة.

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته،و يوفّر لنا رحمته،و يساعدنا في استمرار العمل إلى آخر المطاف،إنّه خير معين،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن في مجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الالف

أل و-أل ي

اشارة

14 لفظا،356 مرّة:155 مكّيّة،201 مدنيّة

في 70 سورة:45 مكّيّة،25 مدنيّة

يألونكم 1:-1\أولاهما 1:1\أولاء 2:1-1

يأتل 1:-1\أولاهم 2:2\هؤلاء 46:34-12

يؤلون 1:-1\ألو 17:7-10\أولئك 204:79-125

آلاء 34:3-31\أولي 26:10-16\أولئكم 2:1-1

الأولى 17:17\آلات 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الآلاء:النّعم،واحدتها:إلى.

و أليّة:يمين،و منها ألوة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأليّة:محمولة على«فعولة»،و ألوة على«فعلة»، و الفعل:آليت إيلاء.

و تقول:ما ألّيت عن الجهد في حاجتك،و ما ألوتك نصحا.و المصدر:الأليّ و الألوّ،بمنزلة العتيّ و العتوّ،إلاّ أنّ الأليّ أكثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الألوّة:عود يدخّن به و يتبخّر،و يسمّى عود الألوّة،و هو أجود العود.

و ألا يألو،أي لم يدع.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول عن الائتلاء:تألّى،إذا اجترأ على أمر غيب، فحلف عليه.و الائتلاء و الإيلاء واحد.

و الألية:ألية الشّاة،و ألية الإنسان.و كبش أليان، و نعجة أليانة.و يجوز في الشّعر:آلى بوزن«أفعل»و ألياء بوزن«فعلاء».

و ألية الخنصر:اللّحمة الّتي تحتها،و هي ألية اليد.

و المئلاة:خرقة مع النّائحة سوداء تشير بها، و الجمع:المآلي.[ثمّ استشهد بشعر](8:356)

أولاء:يقصر في لغة تميم،و أهل الحجاز يمدّون أولاء، و الهاء في أوّله زيادة للتّنبيه إذا قلت:هؤلاء،و قلّما يقال:

ها أولئك في المخاطبة،و هو جائز في الشّعر.

ألوو أولات:مثل:ذوو،و ذوات في المعنى،و لا يقال إلاّ للجميع من النّاس و ما يشبهه.(8:370)

ص: 11

الكسائيّ: أقبل يضربه لا يأل،يريد لا يألو، فحذف،كما قالوا:لا أدر.(الجوهريّ 6:237)

أبو عمرو الشّيبانيّ:ألّيت،أي أبطأت.

و سألني القاسم بن معن عن بيت الرّبيع بن ضبع الفزاريّ: *و ما ألّى بنيّ و لا أساءوا*

فقلت:أبطئوا.فقال:ما تدع شيئا،و هو«فعّلت»من ألوت،أي:أبطأت.(الأزهريّ 15:432)

آليت:توانيت و أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 1:128)

الفرّاء: يقال:ائتلى الرّجل،إذا حلف،و في كتاب اللّه تعالى: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ النّور:22.

و ربما جمعوا ألوة:ألى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال لليمين:ألوة و ألوة و إلوة و أليّة.

(ابن فارس 1:128)

ائتليت«افتعلت»من ألوت:قصّرت،فيقول:

لا دريت و لا قصّرت في الطّلب،ليكون أشقى لك.

(الأزهريّ 15:431)

أبو زيد:يقال:كبش آلا،مثل عالا،و أليان، و كباش ألي مثل عمي،و نعجة أليانة و أليانتان و أليانات،و كبش أليان و كباش أليانات،مثل أتان قطوانة و حمار قطوان،إذا لم يكن يسهل السّير.(223)

هما أليان،للأليتين،و إذا أفردت الواحدة قيل:ألية.

[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك:هما خصيان،الواحدة خصية.

(الأزهريّ 15:433)

يقال:ألوت في الشّيء آلو،إذا قصّرت فيه.

(ابن فارس 1:128)

الأصمعيّ: في الحديث:«و مجامرهم الألوّة غير مطرّاة»و هو العود الّذي يتبخّر به،و أراها كلمة فارسيّة عرّبت.(الأزهريّ 15:430)

[لا دريت و لا ائتليت]هو من ألوت الشّيء،إذا استطعته،فيقول:لا دريت و لا استطعت أن تدري.

(الأزهريّ 15:431)

يقال:ما ألوت جهدا،أي لم أدع جهدا.و العامّة تقول:

ما آلوك جهدا،و هو خطأ.(ابن منظور 14:40)

الألية:أصل الإبهام،و الضّرّة:أصل الخنصر.

(الهرويّ 1:79)

الأخفش: آلى من امرأته يؤلي إيلاء،و ظاهر منها ظهارا،كما تقول:قاتل قتالا.(1:369)

اللّحيانيّ: يقال لضرب من العود:ألوّة،و ألوّة و ليّة و لوّة،و تجمع ألوّة:الاوية.(الأزهريّ 15:432)

إنّه لذو أليات،كأنّه جعل كلّ جزء ألية،ثمّ جمع على هذا،و لا تقل:ليّة و لا ألية فإنّهما خطأ.

(ابن منظور 14:42)

أبو عبيد: فيها[الألوّة]لغتان:الألوّة،و الألوّة.

الألوة و الأليّة:اليمين،و الفعل:آلى يؤلي إيلاء،و تألّى يتألّى تألّيا،و ائتلى يأتلى ائتلاء.(الأزهري 15:430)

ابن الأعرابيّ: الألو:التّقصير،و المنع،و الاجتهاد، و الاستطاعة،و العطيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تقول:أتاني فلان فما ألوت ردّه،أي ما استطعت.و أتاني في حاجة فألوت فيها،أي اجتهدت فيها.(الأزهريّ 15:431)

ص: 12

الألية،بكسر الهمزة:القبل.و جاء في الحديث:

«لا يقام الرّجل من مجلسه حتّى يقوم من ألية نفسه»أي من قبل نفسه.

الأليّ:الرّجل الكثير الأيمان،و الألى:الأيمان.

و الألى،بمعنى الّذين.(الأزهريّ 15:434)

ابن السّكّيت: و المتألّية من النّساء:المسلّبة.

و المؤتلية من المئلاة.(379)

يقال:ألوة و ألوة و إلوة لليمين.

(إصلاح المنطق 117)

هو ألية الشّاة،مفتوحة الألف،و الجمع:أليات.

و لا تقل:ليّة و لا ألية،فإنّهما خطأ.و تقول:كبش أليان و نعجة أليانة،و كبش آلى و نعجة ألياء و كباش ألي و نعاج ألي و تقول:رجل آلى و استه و ستهم،إذا كان عظيم الاست.و لا يقال:أعجز،و امرأة ستهاء و عجزاء.(إصلاح المنطق:163)

قولهم:لا دريت و لا ائتليت،هو«افتعلت»من قولك:ما ألوت هذا،أي ما استطعته،أي و لا استطعت.

و بعضهم يقول:لا دريت و لا أتليت،و قد ذكرناه في «تلا».(الجوهريّ 6:2270)

أبو الهيثم:الألو،من الأضداد،يقال:ألا يألو،إذا فتر و ضعف،و كذلك:ألّى و ائتلى.

و ألا،و ألّى،و تألّى،إذا اجتهد.

(الأزهريّ 15:432)

ابن أبي اليمان:الإيلاء:الحلف،يقال آلى يؤلي إيلاء.(54)

الألو:مصدر ألا الرّجل يألو ألوا،إذا قصّر في أمر، و يقال فيه أيضا:آلى يؤلي تألية (1)،بمعناه.

قال العجّاج: *ألّ و ما في صبرها أليّ*

أي يؤول من جهده يبغي منه شيئا،يقول:صبرها غير آل،على وزن«فاعل»و أليّ«فعيل»معناهما واحد،كقولك:عالم و عليم،و معناهما لا آلوك جهدا،أي لا أدع من جهد شيئا.

قال أبو سعيد:قلت لأعرابيّ:أيّ حمل هذا؟قال:

لا آلوه،أي لا أطيقه.و يقال فيه:مؤتل.(678)

كراع النّمل:الألية:المجاعة.(ابن منظور 14:43)

ابن دريد:الأليّة:اليمين،و الجمع:ألايا،و ربّما قيل:

الألوّة في معنى الأليّة.و يقال:آلى الرّجل يؤلي إيلاء،إذا حلف.

و الألوّة:العود الّذي يتبخّر به،فارسيّ معرّب، و يقال:ألوّة،بالفتح أيضا.

يقال:فلان لا يألو أن يفعل كذا و كذا،أي لا يقصّر.

و في لغة هذيل:لا يألو،أي لا يقدر.

و ألية الشّاة معروفة،و كبش أليان،إذا كان عظيم الألية،و كذلك الرّجل.و لا يقال للمرأة ذلك،و إنّما يقال:

عجزاء.و يقال:هذه ألية و هاتان أليان،و تجمع ألية:

أليات.(1:188)

المآلي،واحدتها:مئلاة،و هي خرقة سوداء تشير به النّائحة.(2:163)

ألية الكبش و كبش أليان و نعجة أليانة،و تجمع ألية:

أليا،و أليات،و ألايا.

و الأليّة:اليمين،و يجمع:ألايا،و في بعض اللّغات:ة.

ص: 13


1- كذا:و الظّاهر ألّى يؤلّي تألية.

ألوّة.(3:178)

القاليّ:الأليّة:اليمين،و فيها أربع لغات،يقال:أليّة و تجمع أليّات و ألايا،و ألوّة و تجمع ألوات،و ألوة و تجمع ألى،و إلوة و تجمع إلى.(2:69)

ما ألوت:ما قصّرت،و ما ألوت:ما استطعت.

(2:206)

الأزهريّ: الآلاء:النّعم،واحدتها:إلي و ألي،و ألو و ألى،و إلى.[ثمّ استشهد بشعر](15:430)

[بعد نقل قول الشّيبانيّ قال:]

و قال غيره:هو من الألوّ،و هو التّقصير.

يقال:هو يألو هذا الأمر،أي يطيقه و يقوى عليه.

و يقال:إنّي لا آلوك نصحا،أي لا أفتر و لا أقصّر.(15:432)

يقال:كبش أليان و نعجة أليانة،بيّنة الألى،مقصور.

و كبش أليان و نعجة أليا،و كباش و نعاج ألي مثل عمي.

[و بعد نقل قول ابن الأعرابيّ قال:]

و قال غيره:قام فلان من ذي ألية،أي من تلقاء نفسه.

و روي عن ابن عمر:أنّه كان يقوم له الرّجل من لية نفسه،بلا ألف.

قلت:كأنّه اسم من ولى يلي مثل الشّية،من وشى يشي.

و من قال:ألية فأصلها:ولية،فقلبت الواو همزة.(15:433)

الألو:يكون جهدا،و يكون تقصيرا،و يكون استطاعة.(الهرويّ 1:76)

«الألى»بمعنى الّذين،و منه قوله:

فإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم

تآسوا،فسنّوا للكرام التّآسيا

و أتى به زياد الأعجم نكرة بغير ألف و لام،في قوله:

فأنتم ألى جئتم مع البقل و الدّبى

فطار،و هذا شخصكم غير طائر

و هذا البيت في باب الهجاء من الحماسة،قال:و قد جاء ممدودا،قال خلف بن حازم:

إلى النّفر البيض الألاء كأنّهم

صفائح،يوم الرّوع،أخلصها الصّقل

و الكسرة الّتي في«ألاء»كسرة بناء لا كسرة إعراب،و على ذلك قول الآخر:

*فإنّ الألاء يعلمونك منهم*

و هذا يدلّ على أنّ«ألا و ألاء»نقلتا من أسماء الإشارة إلى معنى«الّذين»،قال:و لهذا جاء فيهما المدّ و القصر،و بني الممدود على الكسر.

و أمّا قولهم:ذهبت العرب الألى،فهو مقلوب من «الأول»لأنّه جمع أولى مثل أخرى و أخر،و أنشد ابن برّيّ:

رأيت مواليّ الألى يخذلونني

على حدثان الدّهر،إذ يتقلّب

فقوله يخذلونني مفعول ثان أو حال و ليس بصلة، و قال عبيد بن الأبرص:

نحن الألى،فاجمع جمو

عك،ثمّ وجّههم إلينا

و عليه قول أبي تمّام:

ص: 14

من أجل ذلك كانت العرب الألى

يدعون هذا سوددا محدودا

رأيت بخطّ الشّيخ رضيّ الدّين الشّاطبيّ قال:

و للشّريف الرّضيّ يمدح الطّائع:

قد كان جدّك عصمة العرب الألى

فاليوم أنت لهم من الأجذام

و قال ابن الشّجريّ:قوله:«الألى»يحتمل وجهين؛ أحدهما أن يكون اسما ناقصا بمعنى الّذين،أراد:الألى سلفوا،فحذف الصّلة للعلم بها،كما حذفها عبيد بن الأبرص في قوله:

*نحن الألى،فاجمع جموعك*

أراد:نحن الألى عرفتهم،و ذكر (1)ابن سيدة«ألى» في اللاّم و الهمزة و الياء،و قال:ذكرته هنا لأنّ سيبويه قال:ألى بمنزلة هدى،فمثّله بما هو من الياء،و إن كان سيبويه ربّما عامل اللّفظ.(ابن منظور 15:437)

الجصّاص:الإيلاء في اللّغة هو الحلف،يقولون:

آلى يؤلي إيلاء و ألية.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد اختصّ في الشّرع بالحلف على ترك الجماع الّذي يكسب الطّلاق،بمضيّ المدّة،حتّى إذا قيل:آلى فلان من امرأته:عقل به ذلك.(1:355)

الصّاحب:و الألاء:شجر ورقه و حمله دباغ،و هو شتاء و صيفا أخضر،و الواحدة:ألاءة.و أرض مألأة.

و أديم مألوء:مدبوغ به،و مأليّ:مثله.

و الإلى:النّعمة،و جمعه:الإلاء و الآلاء.

و الألاء:الخصال الصّالحة،الواحد:إلى و ألى.و كيف ألاء فرسك،أي ما يوليك من جرائه و كفايته.

و الألو:الضّرب و اللّطم،و العطيّة أيضا.

و عود ألوّة:أجود ما يتبخّر به؛و ألوّة:لغة؛و ليّة و لوّة،و ألاوية:جمع ألوّة،و في الحديث:«مجامرهم الألوّة»و«الأليّة»و«الألوة»و«الألوة».

و الأليّة:اليمين،و الألية:مثلها.و آليت إيلاء و ائتليت ائتلاء،و تألّى تألّيا،و هو برّ المؤتلى.و الإيلاء:

أن يحلف الرّجل باللّه لا يقرب امرأته أربعة أشهر.

و أليت عن حاجتي و ألّيت،أي تمكّثت عنها حتّى تكاد تفوت.

و ألّيت تألية:أبطأت،مثل ألوت.

و المؤتلي:المطيق.و المولي:المعوز.

و ما ألوت عن الجهد في حاجتك.و ما ألوت نصحا.

و منه الإليّ و الأليّ و الألوّ،و لا يألوا أليّا و لا يأتلي.

و لا آلو كذا،أي لا أستطيعه،مثل:«فلا تأل أن تتودّد إلى النّاس».و في الدّعاء عليه:«لا دريت و لا ائتليت».

و آلى الرّجل،إذا تمكّث في الأمر.و آل عليه:أشبل و عطف.(10:373)

و يقال من الإيلاء:تألّى و ائتلى،إذا حلف على أمر غيب.

و ألى:في لغة يقصر،و أهل الحجاز يمدّون:ألاء.

و الهاء في أوّله زيادة إذا قال:ها أولئك في المخاطبة، و يقولون:ألالك فعلوا،بمعنى أولئك.و هم اللاّءين فعلوا ذاك و اللاّءون،بمعنى الّذين.

أولو،و المؤنّث أولات،و الواحد:ذو.

و يقولون:«لا آتيك ألوة بن هبيرة»أي أبدا.و ألوة:ا.

ص: 15


1- لعلّ ما ذكر عن ابن سيدة هو:ثانيهما.

اسم رجل.(10:378)

ابن جنّيّ: اعلم أنّ«ألاء»وزنه إذا مثل«فعال» كغراب،و كان حكمه إذا حقّرته على تحقير الأسماء المتمكّنة أن تقول:هذا أليّئ و رأيت أليّئا و مررت بأليّئ،فلمّا صار تقديره أليّئا أرادوا أن يزيدوا في آخره الألف الّتي تكون عوضا من ضمّة أوّله،كما قالوا في ذا:

ذيّا،و في تا:تيّا،و لو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا:أليّئا، فيصير بعد التّحقير مقصورا،و قد كان قبل التّحقير ممدودا،أرادوا أن يقرّوه بعد التّحقير على ما كان عليه قبل التّحقير من مدّه فزادوا الألف قبل الهمزة،فالألف الّتي قبل الهمزة في أليّاء ليست بتلك الّتي كانت قبلها في الأصل،إنّما هي الألف الّتي كان سبيلها أن تلحق آخرا فقدّمت لما ذكرناه.

و أمّا ألف«ألاء»فقد قلبت ياء كما تقلب ألف غلام إذا قلت:غليّم،و هي الياء الثّانية،و الياء الأولى هي ياء التّحقير.(ابن منظور 15:436)

الجوهريّ: ألا الرّجل يألو،أي قصر.و فلان لا يألوك نصحا،فهو آل،و المرأة آلية،و جمعها:أوال.

و في المثل:«إلاّ حظيّة فلا أليّة»و قد فسّرناه في حظيّة...

و يقال أيضا:ألّى يؤلّي تألية،إذا قصّر و أبطأ...

و تقول:آلاه يألوه ألوا:استطاعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآلاء:النّعم،واحدها:ألا،بالفتح،و قد يكسر و يكتب بالياء،مثاله معى و أمعاء.

و آلى يؤلي إيلاء:حلف،و تألّى و ائتلى مثله فيه.

و يقال أيضا:ائتلى في الأمر،إذا قصّر.

و الأليّة:اليمين،على«فعيلة»و الجمع؛ألايا.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك الألوة و الألوة و الإلوة.

و أمّا الألوّة بالتّشديد،فهو العود الّذي يتبخّر به.

و فيه لغتان:ألوّة و ألوّة،بضمّ الهمزة و فتحها.

قال الأصمعيّ:هو فارسيّ معرّب.

و المئلاة بالهمز،على وزن المعلاة:الخرقة الّتي تمسكها المرأة عند النّوح و تشير بها؛و الجمع:المآلي.

و الألاء بالفتح:شجر حسن المنظر مرّ الطّعم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الألية بالفتح:ألية الشّاة،و لا تقل:ألية و لا ليّة.فإذا ثنّيت قلت:أليان،فلا تلحقه التّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و بائعه:ألاّء على«فعّال».

و كبش آلى على«أفعل»و نعجة أليا،و الجمع:ألي على«فعل».و يقال أيضا:كبش أليان بالتّحريك،و نعجة أليانة،و كباش أليانات.

و رجل آلى،أي عظيم الألية.و امرأة عجزاء، و لا تقل:ألياء،و بعضهم يقوله.و قد ألي الرّجل بالكسر يألى ألى.

و ألية الحافر:مؤخّره.

و الألية:اللّحمة الّتي في أصل الإبهام،و الضّرّة:الّتي تقابلها.(6:2270)

و أمّا«أولو»فجمع لا واحد له من لفظه،واحده:ذو.

و ألات للإناث واحدتها:ذات،تقول:جاءني أولو

ص: 16

الألباب،و أولات الأحمال.

و أمّا«أولى»فهو أيضا جمع لا واحد له من لفظه، واحده:ذا للمذكّر،و ذه للمؤنّث،يمدّ و يقصر.فإن قصرته كتبته بالياء،و إن مددته بنيته على الكسر، و يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.

و تصغيره«أليّا».بضمّ الهمزة و تشديد الياء،يمدّ و يقصر،لأنّ تصغير المبهم لا يغيّر أوّله بل يترك على ما هو عليه من فتح أو ضمّ.و تدخل ياء التّصغير ثانية إذا كان على حرفين،و ثالثة إذا كان على ثلاثة أحرف.

و تدخل عليه«ها»للتّنبيه،تقول:هؤلاء.قال أبو زيد:

و من العرب من يقول هؤلاء قومك،فينوّن و يكسر الهمزة.

و تدخل عليه الكاف للخطاب،تقول:أولئك و ألاك.

قال الكسائيّ:من قال:أولئك فواحده:ذلك،و من قال:

أولاك فواحده:ذاك.و ألالك مثل أولئك،و أنشد ابن السّكّيت:

أولالك قومي لم يكونوا أشابة

و هل يعظ الضّلّيل إلاّ أولالكا

و إنّما قالوا:أولئك في غير العقلاء.

قال الشّاعر:

ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى

و العيش بعد أولئك الأيّام

و قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:36.

و أمّا«الألى»بوزن العلى،فهو أيضا جمع لا واحد له من لفظه،واحده:الّذي.

و أمّا قولهم:ذهبت العرب الألى،فهو مقلوب من الأول،لأنّه جمع«أولى»مثل أخرى و أخر.(6:2544)

ابن فارس: الهمزة و اللاّم و ما بعدهما-في المعتلّ- أصلان متباعدان:

أحدهما:الاجتهاد و المبالغة،و الآخر:التّقصير؛ و الثّاني:خلاف ذلك الأوّل،قولهم:آلى يؤلي،إذا حلف، أليّة و ألوة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأليّة محمولة على«فعولة»،و ألوة على«فعلة»نحو القدمة.و يقال:يؤلي و يأتلي،و يتألّى في المبالغة.

و تقول في المثل:«إلاّ حظيّة فلا أليّة»يقول:إن أخطأتك الحظوة فلا تتألّ أن تتودّد إلى النّاس.

و ألّى الكلب عن صيده،إذا قصّر،و كذلك البازيّ و نحوه.(1:128)

أبو هلال :الفرق بين الآلاء و النّعم:أنّ الألى واحد الآلاء،و هي النّعمة الّتي تتلو غيرها،من قولك:وليه يليه،إذا قرب منه.و أصله:ولى.

و قيل:واحد الآلاء إلى،و قال بعضهم:الإلى مقلوب من ألى الشّيء،إذا عظم و علا،قال:فهو اسم للنّعمة العظيمة.(159)

الهرويّ: الآلاء:النّعماء،واحدها:إلى و إلي.

و قوله: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ البقرة:226، الإيلاء:اليمين،و هي الأليّة،و قد آلى فلان من امرأته.

و في الحديث:«من يتألّ على اللّه يكذّبه»أي من حكم عليه،فقال:ليدخلنّ اللّه تعالى فلانا النّار، و لينجحنّ اللّه سعي فلان.

و في حديث روته عائشة:«ويل للمتألّين من أمّتي»

ص: 17

تعني الّذين يحكمون على اللّه،فيقولون:فلان في الجنّة، و فلان في النّار.

و في الحديث:«لا دريت و لا تليت»قال أبو بكر:هو غلط،و صوابه أحد وجهين:

[الأوّل:]أن يقال:«لا دريت و لا ائتليت»أي و لا استطعت أن تدري.يقال:ما آلوه،أي ما أستطيعه، و هو«افتعلت»منه.

و الثّاني:«لا دريت و لا أتليت»يدعو عليه بألاّ تتلي إبله،أي لا يكون لها أولاد تتلوها،أي تتّبعها.

يقال:أتلت النّاقة فهي متلية،و تلاها أولادها؛و الوجه الأوّل أجود.

و في الحديث:«لا صام و لا ألّى»هو«فعّل»،من ألوت.يقال:لا صام و لا استطاع أن يصوم،دعا عليه.

و يجوز أن يكون إخبارا،أي لم يصم و لم يقصّر،من قولك:ألوت،أي قصّرت.

و في حديث عمرو:«إنّي و اللّه ما تأبّطتني الإماء و لا حملتني البغايا في غبرات المآلي»،المآلي:هي خرق الحائض الّتي تحتشي بها.يقال:الواحدة:مئلاة.يقول:

لم تلدني بغىّ كانت تزني و هي حائض،فيكون العار لازما لها من جهتين.و المئلاة:الخرقة الّتي تمسكها النّوائح بأيديهنّ.

و في الحديث:«فتفل في عين عليّ و مسحها بألية إبهامه».قال الأصمعيّ:الألية:أصل الإبهام.(1:74)

أبو سهل الهرويّ:هي ألية الكبش لذنبه،و تجمع أليات بفتح اللاّم،و كبش أليان بفتح اللاّم أيضا،أي عظيم الألية،و نعجة أليانة بفتحها أيضا،و رجل آلى على مثال عالى،أي عظيم العجز،و امرأة عجزاء بالمدّ،كذلك كلام العرب،و القياس ألياء.(46)

ابن سيدة :الألية:العجيزة،أو ما ركب العجز من شحم و لحم،الجمع:أليات و ألايا.رجل أليان و آلى، و امرأة أليانة و ألياء:عظيما الألية،و قد ألي يألى ألى.(الإفصاح 1:94)

الألية:هي من الشّاة عجزها،أو ما ولى العجز من شحم و لحم،الجمع:أليات و ألايا.ألي الكبش يألى ألى:

عظمت أليته،و كبش أليان و نعجة أليانة و ألياء:عظيما الألية.(2:776)

الألاّء:الّذي يبيع الألية.(2:1211)

الطّوسيّ: يقال:آلى الرّجل من امرأته يؤلي إيلاء و أليّة و ألوّة،و هو الحلف.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع أليّة:ألايا،و أليّات،كعشيّة و عشايا، و عشيّات.فأمّا جمع ألوّة فألايا،كركوبة و ركائب.

و جمع أليّة:ألاء كصحيفة و صحائف،و منه ائتلى يأتلي ائتلاء،و في التّنزيل: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ النّور:22،و تقول:لا تألو أليّا و ألوّا،نحو العتيّ و العتوّ.و ما ألوت جهدا،و لا ألوته نصحا أو غشّا،و منه قوله: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118.

و أصل الباب التّقصير،فمنه لا يألوا جهدا،و منه الأليّة:اليمين،لأنّها لنفي التّقصير.و عود ألوة و ألوة:أجود العود،لأنّه خالص.(2:231)

نحوه الطّبرسيّ.(1:323)

الرّاغب: ألوت في الأمر:قصّرت فيه،هو منه، كأنّه رأى فيه الانتهاء.و ألوت فلانا،أي أوليته تقصيرا،

ص: 18

نحو كسبته،أي أوليته كسبا.و ما ألوته جهدا،أي ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد،فقولك:جهدا تمييز،و كذلك ما ألوته نصحا.

و أولاء في قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ آل عمران:119،و قوله:(أولئك)اسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكّر و المؤنّث،و لا واحد له من لفظه، و قد يقصر.[ثمّ استشهد بشعر](22)

الحريريّ: يقولون:ما آليت جهدا في حاجتك، فيخطّئون فيه،لأنّ معنى ما آليت ما حلفت،و تصحيح الكلام فيه أن يقال:ما ألوت،أي ما قصّرت.

و حكى الأصمعيّ قال:إذا قيل لك:ما ألوت في حاجتك،فقل:بلى أشدّ الألو.

و قد أجاز بعضهم أن يقال:ما ألّيت في حاجتك بتشديد اللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و لفظة«ألوت»لا تستعمل في الواجب البتّة،مثل لفظة:أحد و قطّ و صافر و ديّار،و كمثل لا جرم و لا بدّ.(71)

الميبديّ: التّألّي:الحلف و التّحكّم،يقال:آلى و تألّى و ائتلى،إذا حلف.(6:506)

الزّمخشريّ: يقال:ألا في الأمر يألو،إذا قصّر فيه، ثمّ استعمل معدّى إلى مفعولين،في قولهم:لا آلوك نصحا و لا آلوك جهدا على التّضمين،و المعنى لا أمنعك نصحا و لا أنقصكه.(1:458)

مثله النّيسابوريّ(4:47)،و نحوه البيضاويّ(1:

178).

استجمر بالألوّة،و هي العود.و هو لا يألو،و لا يأتلي أن يفعل كذا.

و يقول الرّجل:ما ألوت عن الجهد في حاجتك، فيقال له:بل أشدّ الألو.

و آلى الرّجل،و ائتلى ليفعلنّ،و تألّى على اللّه،إذا حلف ليغفرنّ اللّه له.و عليّ أليّة في ذلك.

و عجبت من الألى فعلوا كذا.

و كبش أليان،و نعجة أليانة.(أساس البلاغة:9)

الفخر الرّازيّ: آلى يؤلي إيلاء،و تألّى يتألّى تألّيا، و ائتلى يأتلي ائتلاء.و الاسم منه أليّة و ألوّة،كلاهما بالتّشديد.و حكى أبو عبيدة:ألوّة و ألوّة و إلوّة ثلاث لغات.و بالجملة فالأليّة و القسم و اليمين و الحلف،كلّها عبارات عن معنى واحد.

و في الحديث:حكاية عن اللّه تعالى:«آليت أفعل خلاف المقدّرين».[ثمّ استشهد بشعر]

هذا هو معنى اللّفظ بحسب أصل اللّغة،أمّا في عرف الشّرع فهو اليمين على ترك الوطء.(6:85)

ابن الأثير: حديث أنس:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم آلى من نسائه شهرا»أي حلف لا يدخل عليهنّ،و إنّما عدّاه ب«من»حملا على المعنى،و هو الامتناع من الدّخول،و هو يتعدّى ب«من».

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«ليس في الإصلاح إيلاء»أي أنّ«الإيلاء»إنّما يكون في الضّرار و الغضب لا في الرّضا و النّفع.

و منه:«من صام الدّهر لا صام و لا ألّى»أي لا صام و لا استطاع أن يصوم،و هو«فعّل»منه كأنّه دعا عليه.

و يجوز أن يكون إخبارا،أي لم يصم و لم يقصّر،من

ص: 19

ألوت،إذا قصّرت.

قال الخطّانيّ: رواه إبراهيم بن فراس:و لا آل،بوزن «عال»و فسّر بمعنى و لا رجع.قال:و الصّواب«ألّى» مشدّدا و مخفّفا،يقال:ألّى الرّجل و ألي،إذا قصّر و ترك الجهد.

و منه الحديث:«ما من وال إلاّ و له بطانتان:بطانة تأمره بالمعروف و تنهاه عن المنكر،و بطانة لا تألوه خبالا»أي لا تقصّر في إفساد حاله.

و منه زواج عليّ رضي اللّه عنه،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لفاطمة:«ما يبكيك فما ألوتك و نفسي،و قد أصبت لك خير أهلي»أي ما قصّرت في أمرك و أمري؛حيث اخترت لك عليّا زوجا.

و فيه:«تفكّروا في آلاء اللّه و لا تتفكّروا في اللّه» الآلاء:النّعم،واحدها«ألا»بالفتح و القصر،و قد تكسر الهمزة،و هي في الحديث كثيرة.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«حتّى أورى قبسا لقابس ألاء اللّه».

و في صفة أهل الجنّة:«و مجامرهم الألوّة»هو العود الّذي يتبخّر به،و تفتح همزته و تضمّ،و همزتها أصليّة، و قيل:زائدة.

و منه حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما:«أنّه كان يستجمر بالألوّة غير مطرّاة».

و منه:«فتفل في عين عليّ و مسحها بألية إبهامه»ألية الإبهام:أصلها،و أصل الخنصر:الضّرّة.

و منه حديث البراء رضي اللّه عنه:«السّجود على أليتي الكفّ»أراد ألية الإبهام و ضرّة الخنصر،فغلّب كالعمرين و القمرين.

في حديث آخر:«كانوا يجتبّون أليات الغنم أحياء» جمع الألية،و هي طرف الشّاة.

و منه الحديث:«لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة»ذو الخلصة:بيت كان فيه صنم لدوس،يسمّى الخلصة.

أراد لا تقوم السّاعة حتّى ترجع دوس عن الإسلام، فتطوف نساؤهم بذي الخلصة و تضطرب أعجازهنّ في طوافهنّ،كما كنّ يفعلن في الجاهليّة.(1:62)

ابن منظور :ألى و ألاء:اسم يشار به إلى الجمع، و يدخل عليهما حرف التّنبيه،تكون لما يعقل و لما لا يعقل،و التّصغير أليّا و أليّاء؛قال:

يا ما أميلح غزلانا برزن لنا

من هؤليّائكنّ الضّال و السّمر

(15:436)

الفيّوميّ: الألى مقصور،و تفتح الهمزة و تكسر:

النّعمة،و الجمع:الآلاء على«أفعال»مثل سبب و أسباب، لكن أبدلت الهمزة الّتي هي فاء ألفا،استثقالا لاجتماع همزتين.

و الألية:ألية الشّاة،و الجمع:أليات،مثل سجدة و سجدات،و التّثنية أليان،بحذف الهاء على غير قياس، و بإثباتها في لغة،على القياس.

و ألي الكبش ألى،من باب«تعب»:عظمت أليته، فهو أليان،وزان«سكران»على غير قياس،و سمع آلى على وزان«أعمى»و هو القياس،و نعجة أليانة.و رجل آلى،و امرأة عجزاء.

ص: 20

الأليّة:الحلف،و الجمع:ألايا،مثل عطيّة و عطايا.

و آلى إيلاء مثل آتى إيتاء،إذا حلف،فهو مؤل،و تألّى و ائتلى كذلك.(1:20)

الفيروزآباديّ: الألاء،كسحاب و يقصر:شجر مرّ دائم الخضرة،واحدته:ألاءة،و ألاء أيضا.و سقاء مألوّ و مأليّ:دبغ به.

و ألا ألوا و ألوّا و أليّا و ألّى و اتّلى:قصّر و أبطأ و تكبّر.

«و إلاّ حظيّة فلا أليّة»أي إن لم أحظ فلا أزال أطلب ذلك، و أجهد نفسي فيه.

و ما ألوته:ما استطعته.و الشّيء ألوا و ألوّا:ما تركته.

و الألوة و يثلّث،و الأليّة و الأليّا:اليمين.و آلى و ائتلى و تألّى:أقسم.

و لا دريت و لا ائتليت،أو و لا أليت اتباع،و قيل:

و لا أتليت،أي لا أتلت إبلك.

و الألوّة:الغلوة و السّبغة و العود يتبخّر به،كالألوّة و الألوّ،بضمّتين فيهما.و الإليّة بكسرتين،الجمع:

ألاوية.

و الألو:العطيّة،و بعر الغنم،و قد آلى المكان.

الألية:العجيزة أو ما ركب العجز من شحم و لحم، الجمع:أليات و ألايا.و لا تقل:ألية و لا ليّة.و قد ألي كسمع.

و كبش أليان و يحرّك،و ألى و آل و آلى،و نعجة أليانة و أليا،و كذا الرّجل و المرأة من رجال ألي و نساء ألي و أليانات و ألايا و ألاء.

و الأليّة:اللّحمة في ضرّة الإبهام،و حماة السّاق، و المجاعة،و الشّحمة،و بالكسر:القبل و الجانب.

و الآلاء:النّعم،واحدها:إلي و ألو و ألي و ألى و إلى.

و الأليّ كغنيّ:الكثير الأيمان.

و ألية ماء،و بالضّمّ:بلدان بالمغرب.و أليتان:

هضبتان بالحوأب.(4:302)

الطّريحيّ: آلاء اللّه أي نعمه،واحدها:ألى بالقصر و الفتح،و قد تكسر الهمزة.

و في الغريب:واحدها:ألّى،بالحركات الثّلاث.

و قيل:«الآلاء»هي النّعم الظّاهرة،و«النّعماء»هي النّعم الباطنة.

و منه الحديث:«تفكّروا في آلاء اللّه و لا تتفكّروا في اللّه».

و منه الحديث:«آلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميّت حتّى يبدءوا بحمزة»أي حلفوا.

و قوله: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ النّور:22،هو يفتعل من الأليّة،أي يحلف.

و الأليّة على«فعيلة»:اليمين،و الجمع:ألايا.

و ألى الرّجل،إذا قصّر و ترك الجهد.

و منه قوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:

118،أي لا يقصّرون لكم في الفساد.

و ألاه يألوه كغزاه يغزوه:استطاعه،و عليه حمل قول الملكين للميّت عند قول«لا أدري»:«لا دريت و لا ائتليت»أي لا استطعت.

و الألية:ألية الشّاة،و لا تكسر الهمزة،و لا يقال:ليّة، و الجمع:أليات،كسجدة و سجدات،و التّثنية أليان، بحذف التّاء كسكران.

و«إليا»نقل أنّه اسم عليّ[عليه السّلام]بالسّريانيّة،و هي

ص: 21

لغة اليهود.(1:29)

الآلوسيّ: أصل الألو:التّقصير،يقال:ألا كغزا يألوا ألوا،إذا قصّر و فتر و ضعف.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو لازم يتعدّى إلى المفعول بالحرف،و قد يستعمل متعدّيا إلى مفعولين في قولهم:«لا آلوك نصحا و لا آلوك جهدا،على تضمين معنى المنع،أي لا أمنعك ذلك.و قد يجعل بمنع التّرك،فيتعدّى إلى واحد.(4:37)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ألا في الأمر ألوا:قصّر فيه و أبطأ.و في حديث معاذ:«أجتهد رأيي و لا آلو».آلى إيلاء:حلف،و آلى على نفسه و أقسم،و تألّى و ائتلى:

أقسم و حلف.

و الألو:العطيّة،و الآلاء:النّعم،واحدها:الألى و الإلى.(44)

مجمع اللّغة :ألا في الأمر يألو ألوا و ألوّا و ائتلى:

قصّر فيه و أبطأ،و يقال:لا آلوك نصحا أو جهد،أي لا أقصّر و لا أفتّر.

و الألوة و الألية:الحلف،يقال:آلى يؤلى إيلاء، و ائتلى يأتلي ائتلاء:أقسم.

و خصّ«الإيلاء»في اصطلاح الشّرع أن يحلف الزّوج على أن لا يقرب زوجه أربعة أشهر فأكثر.يقال:

آلى من زوجه يؤلي إيلاء.

الآلاء:النّعم،واحدها:ألو كدلو،أو ألا كرحا،أو إلى كمعى.(1:48)

المصطفويّ:الأصل في هذه المادّة هو التّواني و التّسامح،الموجب إلى التّقصير و التّأخير في العمل، و قضاء الأمر.و من لوازم هذا المعنى:ترك العمل و عدم صرف الاستطاعة في طلبه و تحصيله،و الإبطاء و التّأخير.و ما يقال من معان أخر فهي لليائيّ من هذه المادّة،فخلطوا بينهما.

و الّذي يقوى في النّفس:أنّ«الألو»بمعنى التّواني و التّقصير،و«الألى»بمعنى البلوغ و ظهور القدرة.و هذان المعنيان متقابلان،و لا يبعد أن يكون بين المادّتين اشتقاق أكبر،و يؤخذ أحد المفهومين من الآخر بنسبة التّقابل،ثمّ تفرّعت من المعنيين معان أخر.

فمن مفهوم التّقصير و التّواني:التّأخير،الإبطاء، التّرك،البعد.

و من مفهوم البلوغ:التّصميم،و العهد،و الحلف، و الاستطاعة،و إظهار القدرة،و العطوفة،و النّعمة، و الانتهاء،و الاجتهاد،و الأليّة،و النّعمة.

فظهر أنّ الحلف من متفرّعات البلوغ و التّصميم،فهو عهد جدّيّ و تصميم نهائيّ في العمل و الإقدام على أمر.

و هكذا النّعمة،فهي ترجع إلى إظهار الرّحمة و الانتهاء في العطوفة،و كذلك النّعمة الخاصّة الّتي هي الأليّة في الشّاة.

و كلّ هذه المعاني في قبال التّواني و التّقصير.

و تبيّن أنّ مفهوم«الألى»ليس مرادفا للنّعمة،بل كلّ ما يعدّ من مصاديق الإكمال في الرّحمة،و البلوغ في العطوفة،سواء كان بالأمر أو بالتّقدير أو بالخلق أو بتهيئة الأسباب أو بالنّظم أو بالنّعم العموميّة،ظاهرة أو باطنة، دنيويّة أو أخرويّة.

و هذا المعنى يظهر عند التّدبّر في مصاديق«الآلاء» في سورة الرّحمن: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ 17،18.

ص: 22

فمصاديق«الآلاء»في تلك الآيات الكريمة مختلفة جدّا،و الجامع بينهما مفهوم الانتهاء في الإحسان و البلوغ، في إظهار الرّحمة و عدم التّقصير فيه.

و قد يستشكل بأنّ العذاب كيف يكون من النّعم على العباد؟

فيقال:البلوغ في إحقاق الحقّ و الانتهاء في بسط العدل،و إجراء الحكم و القانون و حفظ النّظم؛كلّها من الرّحمة و النّعمة و من الألى.(1:109)

النّصوص التّفسيريّة

يألونكم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118

ابن الأعرابيّ: لا يقصّرون في فسادكم.(الأزهري 15:431)

الطّبريّ: لا يستطيعونكم شرّا،من ألوت آلو ألوّا، يقال:ما ألا فلان كذا،أي ما استطاع.(4:60)

الزّجّاج: لا يتّقون في إلقائكم فيما يضرّكم.

(الطّبرسيّ 1:492)

الطّوسيّ: لا يقصّرون في أمركم خبالا،من قولهم:

ما ألوت في الحاجة جهدا و لا آلو الأمر،أي لا أقصّر جهدا.

(2:571)

نحوه الرّاغب(22)،و الميبديّ(2:255)،و أبو رزق(2:253)،و مجمع اللّغة(1:48)،و ابن عطيّة (أبو حيّان 3:39)،و الكاشانيّ(1:344)،و المصطفويّ (1:109).

الطّبرسيّ: أي لا يقصّرون فيما يؤدّي إلى فساد أمركم،و لا يدعون جهدهم في مضرّتكم.(1:492)

الفخر الرّازيّ: أي لا يدعون جهدهم في مضرّتكم و فسادكم،يقال:ما ألوته نصحا،أي ما قصّرت في نصيحته،و ما ألوته شرّا مثله.(8:211)

القرطبيّ: لا يتركون الجهد في فسادكم،يعني أنّهم و إن لم يقاتلوكم في الظّاهر،فإنّهم لا يتركون الجهد في المكر و الخديعة.(4:179)

الآلوسيّ: أصل الألو:التّقصير،يقال:ألا كغزا يألو ألوا،إذا قصّر و فتر و ضعف.و هو لازم يتعدّى إلى المفعول بالحرف.و قد يستعمل متعدّيا إلى مفعولين في قولهم:لا آلوك نصحا و لا ألوك جهدا،على تضمين معنى المنع،أي لا أمنعك ذلك.و قد يجعل بمنع التّرك فيتعدّى إلى واحد.

و معنى الآية على الأوّل:لا يقصّرون لكم في الفساد و الشّرّ،بل يجهدون في مضرّتكم؛و عليه يكون الضّمير المنصوب و الاسم الظّاهر منصوبين بنزع الخافض.و إليه ذهب ابن عطيّة،و جوّز أن يكون الثّاني منصوبا على الحال،أي مخبلين،أو على التّمييز.

و اعترض ذلك بأنّه لا إبهام في نسبة التّقصير إلى الفاعل،و لا يصحّ جعله فاعلا إلاّ على اعتبار الإسناد المجازيّ و النّصب بنزع الخافض؛و وقوع المصدر حالا ليس بقياس إلاّ فيما يكون المصدر نوعا من العامل،نحو أتاني سرعة و بطء،كما نصّ عليه الرّضيّ في بحث المفعول به و الحال-و اعتمده السّيالكوتيّ-،و نقل أبو حيّان أنّ التّمييز هنا محوّل عن المفعول نحو: وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ

ص: 23

عُيُوناً القمر:12،و هو من الغرابة بمكان،لأنّ المفروض أنّ الفعل لازم فمن أين يكون له مفعول ليحوّل عنه! و ملاحظة تعدّيه إليه بتقدير الحرف قول بالنّصب على نزع الخافض،و قد سمعت ما فيه.

و أجيب بالتزام أحد الأمرين،أو كونه منصوبا على النّزع،مع القول بالسّماع هنا.

و المعنى على الثّاني:لا يمنعونكم خبالا،أي إنّهم يفعلون معكم ما يقدرون عليه من الفساد،و لا يبقون عندهم شيئا منه في حقّكم،و هو وجه وجيه.و التّضمين قياسيّ على الصّحيح،و الخلاف فيه واه لا يلتفت إليه، و المعنى و الإعراب على الثّالث ظاهران بعد الإحاطة بما تقدّم.(4:37)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى:

لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118،إشارة إلى السّبب الدّاعي إلى الحذر من مخالطة هؤلاء الّذين يعادون الإسلام و يكيدون له،إنّهم يجهدون كلّ جهدهم في النّيل من المسلمين،لا يقصّرون في أمر فيه نكاية بالمسلمين، و خبالهم،و إضعاف لشأنهم.(2:565)

يؤلون

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ...

البقرة:226

ابن مسعود:هو[الإيلاء]الحلف أن لا يقربها يوما أو أقلّ أو أكثر،ثمّ لا يطأها أربعة أشهر فتبين منه بالإيلاء.

مثله النّخعيّ،و قتادة،و الحكم،و ابن أبي ليلى، و حمّاد بن سليمان،و إسحاق.(أبو حيّان 2:180)

الإمام عليّ عليه السّلام:يكون الحلف على الامتناع من الجماع على وجه الغضب و الضّرار.(الطّبرسيّ 1:324)

ابن عبّاس: هو الحلف أن لا يطأها أبدا.

(أبو حيّان 2:180)

كلّ يمين منعت جماعا فهي إيلاء.

مثله النّخعيّ،و الثّوريّ،و أبو حنيفة،و مالك،و أبو ثور،و أبو عبيد،و ابن المنذر،و القاضي أبو بكر ابن العربيّ.

(أبو حيّان 2:181)

كان إيلاء الجاهليّة السّنة و السّنتين و أكثر من ذلك.

يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة،فوقّت لهم أربعة أشهر،فمن آلى بأقلّ من ذلك فليس بإيلاء حكميّ.

(القرطبيّ 3:103)

ابن المسيّب: يحلفون.(الطّبريّ 2:417)

كان الرّجل لا يريد المرأة و لا يحبّ أن يتزوّجها غيره،فيحلف أن لا يقربها،فكان يتركها بذلك لا أيّما و لا ذات بعل،و الغرض منه مضارّة المرأة.ثمّ إنّ أهل الإسلام كانوا يفعلون ذلك أيضا،فأزال اللّه تعالى ذلك و أمهل للزّوج مدّة حتّى يتروّى و يتأمّل،فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارّة فعلها،و إن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها.(الفخر الرّازيّ 6:85)

هو في الجماع و غيره من الضّرار،نحو أن يحلف لا يكلّمها.(الطّبرسيّ 1:324)

النّخعيّ: [يكون الحلف]في الغضب و الرّضا.

مثله الشّعبيّ.(الطّبرسيّ 1:324)

الحسن :يكون الحلف على الامتناع من الجماع،

ص: 24

على وجه الغضب و الضّرار.(الطّبرسيّ 1:324)

الثّوريّ: هو الحلف أن لا يطأ أربعة أشهر،و بعد مضيّها يسقط الإيلاء و يكون الطّلاق،و لا تسقط قبل المضيّ إلاّ بالفيء،و هو الجماع في داخل المدّة.

مثله أبو حنيفة.(أبو حيّان 2:181)

ابن قتيبة :يحلفون،يقال:آليت من امرأتي أولي إيلاء،إذا حلف أن لا يجامعها،و الاسم الأليّة.(85)

الطّبريّ: الّذين يقسمون أليّة،و الأليّة:الحلف.

(2:417)

السّجستانيّ: يحلفون على وطء نسائهم،يعني من الأليّة و هي اليمين،يقال:آلوه ألوة و ألوة و أليّة:اليمين.

و كانت العرب في الجاهليّة يكره الرّجل منهم المرأة، و يكره أن يتزوّجها غيره،فيحلف أن لا يطأها أبدا و لا يخلّي سبيلها إضرارا بها،فتكون معلّقة عليه حتّى يموت أحدهما.فأبطل اللّه عزّ و جلّ ذلك من فعلهم، و جعل الوقت الّذي يعرف فيه ما عند الرّجل للمرأة أربعة أشهر.(25)

الطّوسيّ: الإيلاء في الآية،المراد به اعتزال النّساء و ترك جماعهنّ على وجه الإضرار بهنّ.و كأنّه قيل:

للّذين يؤلون أن يعتزلوا نساءهم تربّص أربعة أشهر منهم.

و اليمين الّتي يكون بها الرّجل موليا،هي اليمين باللّه عزّ و جلّ،أو بشيء من صفاته الّتي لا يشركه فيها غيره، على وجه لا يقع موقع اللّغو الّذي لا فائدة فيه،و يكون الحلف على الامتناع من الجماع على جهة الغضب و الضّرار،و هو المرويّ عن عليّ عليه السّلام،و ابن عبّاس، و الحسن.(2:232)

الزّمخشريّ: قرأ عبد اللّه (آلوا من نسائهم) و قرأ ابن عبّاس (يقسمون من نسائهم) .

فإن قلت:كيف عدّي ب(من)و هو معدّى ب«على»

قلت:قد ضمّن في هذا القسم المخصوص معنى البعد، فكأنّه قيل:يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين.

و الإيلاء من المرأة أن يقول:و اللّه لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا؛على التّقييد بالأشهر،أو لا أقربك على الإطلاق.و لا يكون فيما دون أربعة أشهر إلاّ ما يحكى عن إبراهيم النّخعيّ.(1:363)

نحوه البروسويّ.(1:352)

الطّبرسيّ: أي يحلفون،و فيه حذف،أي أن يعتزلوا عن وطء نسائهم،على وجه الإضرار بهنّ.(1:324)

ابن الأنباريّ: (من نسائهم)جارّ و مجرور متعلّق بالظّرف،كما تقول:لك منّي المعونة.و ليست(من)متعلّقة ب(يؤلون)لأنّه يقال:آلى على امرأته.و قول العامّة:آلى من امرأته غلط،و كأنّه لمّا سمع قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ البقرة:226،ظنّ أنّ(من)تتعلّق ب(يؤلون)فجوّز أن يقال:آلى من امرأته،و ليس كذلك.(1:156)

الفخر الرّازيّ:[بعد ذكر الإيلاء بحسب اللّغة قال:]

أمّا في عرف الشّرع فهو اليمين على ترك الوطء،كما إذا قال:و اللّه لا أجامعك،و لا أباضعك و لا أقربك.و من المفسّرين من قال:في الآية حذف،تقديره:للّذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم.إلاّ أنّه حذف لدلالة الباقي عليه.

ص: 25

و أنا أقول:هذا الإضمار إنّما يحتاج إليه إذا حملنا لفظ الإيلاء على المعهود اللّغويّ،أمّا إذا حملناه على المتعارف في الشّرع استغنينا عن هذا الإضمار.

أمّا قوله:(من نسائهم)ففيه سؤال،و هو أنّه يقال:

المتعارف أن يقال:حلف فلان على كذا أو آلى على كذا، فلم أبدلت لفظة«على»هاهنا بلفظة«من»؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أن يراد لهم من نسائهم تربّص أربعة أشهر، كما يقال:لي منك كذا.

و الثّاني:أنّه ضمّن في هذا القسم معنى البعد،فكأنّه قيل:يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين.(6:85)

نحوه النّيسابوريّ.(2:253)

القرطبيّ: (يؤلون)معناه يحلفون،و المصدر إيلاء و أليّة و ألوة و ألوة.

و قرأ أبيّ،و ابن عبّاس: (للّذين يقسمون) ،و معلوم أن يقسمون تفسير يؤلون.و قرئ (للّذين آلوا) يقال:

آلى يؤلي إيلاء،و تألّى تألّيا،و ائتلى ائتلاء،أي حلف.

و منه: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ النّور:22.

[و فيه بحث طويل في شرائط الإيلاء و كيفيّته فراجع](3:102)

أبو حيّان:قال الجمهور:هو الحلف أن لا يطأ أكثر من أربعة أشهر،فإن حلف على أربعة أشهر أو ما دونها فليس بمول و كانت يمينا محضا،لو وطئ في هذه المدّة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان.و هذا قول مالك، و الشّافعيّ،و أحمد،و أبي ثور.

و الظّاهر من الآية أنّ«الإيلاء»هو الحلف على الامتناع من وطء امرأته مطلقا،غير مقيّد بزمان.

[و فيه أيضا بحوث مستوفاة،فراجع](2:181)

رشيد رضا :الإيلاء من المرأة أن يحلف الرّجل إنّه لا يقربها،و هو ممّا يكون من الرّجال عند المغاضبة و الغيظ.و فيه امتهان للمرأة و هضم لحقّها و إظهار لعدم المبالاة بها،فترك المقاربة الخاصّة المعلومة ضرارا معصية،و الحلف عليه حلف على ما لا يرضى اللّه تعالى به، لما فيه من ترك التّوادّ و التّراحم بين الزّوجين،و ما يترتّب على ذلك من المفاسد في أنفسهما و في عيالهما و أقاربهما.

و الظّاهر أنّ حكم هذا الإيلاء الحلف يدخل في معنى الآية السّابقة،على الوجه الأوّل من الوجهين اللّذين أوردناهما،و هو أنّه يجب على المؤلي أن يحنث و يكفّر عن يمينه،و لكنّه إذا لم يفعل هذا الواجب لم يكن آثما في نفسه فقط،فيقال:حسبه ما يلقى من جزاء إثمه،بل يكون بإثمه هاضما لحقّ امرأته،و لا يبيح له العدل هذا الهضم و الظّلم،و لذلك أنزل اللّه فيه هذا الحكم.(2:368)

الطّباطبائيّ: الإيلاء من الألية بمعنى الحلف.

و غلب في الشّرع في حلف الزّوج أن لا يأتي زوجته غضبا و إضرارا،و هو المراد في الآية.

و الظّاهر أنّ تعدية الإيلاء ب(من)لتضمينه معنى الابتعاد و نحوه،فيفيد وقوع الحلف على الاجتناب عن المباشرة،و يشعر به تحديد التّربّص بأربعة أشهر،فإنّها الأمد المضروب للمباشرة الواجبة شرعا.و منه يعلم أنّ المراد بالعزم على الطّلاق مع إيقاعه،و يشعر به أيضا تذييله بقوله تعالى: فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة:227، فإنّ السّمع إنّما يتعلّق بالطّلاق الواقع لا بالعزم

ص: 26

عليه.(2:226)

المصطفويّ: الّذين يظهرون التّواني و يؤخّرون أنفسهم عن أزواجهم فلهم تربّص أربعة أشهر.

(1:110)

ياتل

وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ... النّور:22

ابن عبّاس: لا يحلف،بلغة قريش.

(اللّغات في القرآن:36)

لا يقسم.(السّيوطيّ 2:32)

الحسن :لا يحلف أولو الفضل.

(ابن هشام 3:316)

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 18:103)

الفرّاء: الائتلاء:الحلف.و قرأ بعض أهل المدينة (و لا يتالّ اولو الفضل) و هي مخالفة للكتاب،من تألّيت.(2:248)

أبو عبيدة :مجازه و لا يفتعل،من آليت:أقسمت.

و له موضع آخر من ألوت بالواو.(2:65)

يقصّر،من«افتعل»ألوت قصّرت،و منه:

لا يَأْلُونَكُمْ آل عمران:118.(أبو حيّان 6:440)

ابن هشام: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ و لا يأل أولو الفضل منكم.(3:316)

ابن قتيبة :لا يحلف،و هو«يفتعل»من الأليّة، و هي اليمين.و قرئت أيضا(و لا يتألّ)على «يتفعّل».(302)

الطّبريّ: و اختلف القرّاء في قراءة قوله: (وَ لا يَأْتَلِ) ، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (وَ لا يَأْتَلِ) بمعنى«يفتعل»من الأليّة،و هي القسم باللّه،سوى أبي جعفر و زيد بن أسلم، فإنّه ذكر عنهما أنّهما قرءا ذلك (و لا يتألّ) بمعنى«يتفعّل» من الأليّة.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ (وَ لا يَأْتَلِ) بمعنى«يفتعل»من الأليّة؛و ذلك أنّ ذلك في خطّ المصحف كذلك،و القراءة الأخرى مخالفة خطّ المصحف.فاتّباع المصحف مع قراءة جماعة القرّاء، و صحّة المقروء به،أولى من خلاف ذلك كلّه.

(18:101)

السّجستانيّ: يحلف«يفتعل»من الأليّة،و هي اليمين.و قرئت(يتألّ)على«يتفعّل»من الأليّة أيضا.

و يأتل أيضا«يفتعل»من قولك:ما ألوت جهدا،أي ما قصّرت.(133)

نحوه القرطبيّ(12:208)،و أبو حيّان(6:440)، و الميبديّ(6:506).

الطّوسيّ: الائتلاء:القسم،يقال:آلى يؤلي إيلاء، إذا حلف على أمر من الأمور،و يأتل«يفتعل»من الأليّة على وزن«يقتضي»من القضيّة.و من قرأ (يتألّ) فعلى وزن«يتفعّل»و المعنى لا يحلف أن لا يؤتي.(7:421)

الزّمخشريّ: هو من ائتلى،إذا حلف«افتعال»من الأليّة.و قيل:من قولهم:ما ألوت جهدا،إذا لم تدّخر منه شيئا.

و يشهد للأوّل قراءة الحسن (و لا يتألّ) و المعنى لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقّين للإحسان،أو لا يقصّروا في أن يحسنوا إليهم،و إن كانت بينهم و بينهم

ص: 27

شحناء لجناية اقترفوها،فليعودوا عليهم بالعفو و الصّفح، و ليفعلوا بهم مثل ما يرجون أن يفعل ربّهم مع كثرة خطاياهم و ذنوبهم.(3:56)

الطّبرسيّ:أي لا يحلف أو لا يقصّر و لا يترك.

(4:134)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في قوله:(و لا ياتل)وجهين:

الأوّل (1):و هو المشهور أنّه من ائتلى،إذا حلف «افتعل»من الأليّة،و المعنى لا يحلف.قال أبو مسلم:هذا ضعيف لوجهين:

أحدهما:أنّ ظاهر الآية على هذا التّأويل يقتضي المنع من الحلف على الإعطاء،و هم أرادوا المنع من الحلف على ترك الإعطاء،فهذا المتأوّل قد أقام النّفي مكان الإيجاب،و جعل المنهيّ عنه مأمورا به.

و ثانيهما:أنّه قلّما يوجد في الكلام«افتعلت»مكان «أفعلت»،و هنا آليت من الأليّة«افتعلت»،فلا يقال:

أفعلت،كما لا يقال:من ألزمت التزمت،و من أعطيت اعتطيت.ثمّ قال في(ياتل):إنّ أصله يأتلي،ذهبت الياء للجزم،لأنّه نهي،و هو من قولك:ما ألوت فلانا نصحا، و لم آل في أمري جهدا،أي ما قصّرت-و لا يأل و لا يأتل واحد-فالمراد لا تقصّروا في أن تحسنوا إليهم.و يوجد كثيرا«افتعلت»مكان«فعلت»،تقول:كسبت و اكتسبت،و صنعت و اصطنعت،و رضيت و ارتضيت.

فهذا التّأويل هو الصّحيح دون الأوّل،[و هو:لا يحلف] و يروى هذا التّأويل أيضا عن أبي عبيدة.

أجاب الزّجّاج عن السّؤال الأوّل بأنّ«لا»تحذف في اليمين كثيرا،قال اللّه تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا البقرة:224،يعني أن لا تبرّوا.

و أجابوا عن السّؤال الثّاني أنّ جميع المفسّرين الّذين كانوا قبل أبي مسلم فسّروا اللّفظة باليمين،و قول كلّ واحد منهم حجّة في اللّغة فكيف الكلّ،و يعضده قراءة الحسن (و لا يتألّ) .(23:186)

النّيسابوريّ: (وَ لا يَأْتَلِ) و هو«افتعل»من الأليّة، أي لا يحلف على عدم الإحسان.و حرف النّفي يحذف من جواب القسم كثيرا،فهي كقراءة من قرأ (و لا يتألّ) .

و قيل:هو من قولهم:ما ألوت جهدا،إذا لم يدّخر من الاجتهاد شيئا،أي لا يقصّر في الإحسان إلى المستحقّين.(18:80)

أبو السّعود: أي لا يحلف«افتعال»من الأليّة.

و قيل:لا يقصّر من الألو.و الأوّل هو الأظهر.(4:52)

الآلوسيّ: أي لا يحلف«افتعال»من الأليّة.

و قال أبو عبيدة: و اختاره أبو مسلم،أي لا يقصّر، من الألو بوزن الدّلو،و الألوّ بوزن العتوّ.قيل:و الأوّل أوفق بسبب النّزول.[إلى أن قال:]

و قرأ عبد اللّه بن عبّاس بن ربيعة،و أبو جعفر مولاه، و زيد بن أسلم (يتألّ) مضارع تألّى،بمعنى حلف.

و هذه القراءة تؤيّد المعنى الأوّل ل(يأتل).

(18:125)

الطّباطبائيّ: الائتلاء:التّقصير و التّرك و الحلف.

و كلّ من المعاني الثّلاثة لا يخلو من مناسبة،و المعنى لا يقصّر أولو الفضل منكم.(15:94)ر.

ص: 28


1- قد غفل عن بيان الوجه الثّاني و كأنّه اكتفى بما حكاه عن أبي مسلم في السّؤال الثّاني أنّه بمعنى:لا يقصّر.

عبد الكريم الخطيب: أي و لا يمتنع أو يقصّر.

(9:1253)

آلاء

1- ..فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

الأعراف:69

ابن عبّاس: أي نعم اللّه عليكم.

(الفخر الرّازيّ 14:158)

نحوه قتادة و السّدّيّ،و ابن زيد.(الطّبريّ 8:216)

مثله الطّبرسيّ(2:437)،و الحسن(الطّوسيّ 4:475).

الإمام الصّادق عليه السّلام:هي أعظم نعم اللّه على خلقه، و هي:ولايتنا.(الكاشانيّ 2:211)

أبو عبيدة :أي نعم اللّه،و واحدها في قول بعضهم:

ألى،تقديرها قفا،و في قول بعضهم:إلى،تقديرها معى.

(1:217)

الطّبريّ: «الآلاء»فإنّها جمع،واحدها:إلي،بكسر الألف،في تقدير معي،و يقال:ألى في تقدير قفا،بفتح الألف.و قد حكي سماعا من العرب إلي،مثل حسي.

(8:216)

السّجستانيّ:نعم اللّه واحدها:إلي و ألى و إلى.(11)

القيسيّ: واحد آلاء:إلى أو ألى أو ألي أو إلي،بمنزلة واحد.(1:323)

الطّوسيّ: الآلاء؛في واحدها لغات:«ألا مثل معا، و«ألا»مثل قفا،و«إلي»مثل حسي،و«إلى»مثل دمى.

قال الشّاعر:

أبيض لا يرهب الهزال و لا

يقطع رحما و لا يخون إلاّ

«إلا و ألا»رويا جميعا.

معناه اذكروا نعم اللّه و اشكروه عليها،لكي تفوزوا بثواب الجنّة و النّعيم الدّائم الأبديّ.(4:475)

الواحديّ:واحد الآلاء:إلي و ألو و إلى.نظير الآلاء، الآناء،واحدها:إنا و أني و إني.

(الفخر الرّازيّ 14:158)

الميبديّ: تذكّروا أيادي اللّه الجميلة عليكم.

(3:644)

الزّمخشريّ: في استخلافكم و بسطة أجرامكم، و ما سواهما من عطاياه.و واحد الآلاء:ألى،و نحوه أنى و آناء و ضلع و أضلاع و عنب و أعناب.(3:87)

مثله النّيسابوريّ.(8:160)

الفخر الرّازيّ: لا بدّ في الآية من إضمار،و التّقدير:

و اذكروا آلاء اللّه و اعملوا عملا يليق بتلك الإنعامات لعلّكم تفلحون.(14:158)

أبو السّعود: الّتي أنعم بها عليكم من فنون النّعماء الّتي هذه من جملتها.و هذا تكرير للتّذكير لزيادة التّقرير،و تعميم أثر تخصيص.(2:174)

البروسويّ: جمع إلى،بمعنى النّعمة،و هو تعميم تخصيص.(3:186)

الآلوسيّ: أي نعمه سبحانه و تعالى،و هي جمع إلي، بكسر فسكون،كحمل و أحمال،أو ألي،بضمّ فسكون،

ص: 29

كقفل و أقفال،أو إلى،بكسر ففتح مقصورا،كمعى و أمعاء،أو بفتحتين مقصورا،كقفا و أقفاء.

و هذا تكرير للتّذكير لزيادة التّقرير،و تعميم أثر تخصيص،أي اذكروا الآلاء الّتي من جملتها ما تقدّم.(8:157)

القاسميّ: أي في استخلافكم،و بسطة أجرامكم، و ما سواهما من عطاياه،لتخصّصوه بالعبادة.(7:2771)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الأعراف:74

2- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى. النّجم:55

الطّبريّ: فبأيّ نعمات ربّك يا ابن آدم الّتي أنعمها عليك،ترتاب و تشكّ و تجادل؟!

و الآلاء:جمع ألى.و في واحدها لغات ثلاثة:إلي على مثال علي،و إليّ على مثال عليّ،و ألى على مثال على.(27:80)

الطّوسيّ: إنّما قيل بعد تعديد النّعم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى لأنّ النّعم الّتي عدّدت على من ذكر نعم من اللّه علينا،لما لنا في ذلك من اللّطف في الانزجار عن القبيح،مع أنّه نالهم ما نالهم بكفرهم النّعم،فبأيّ نعم ربّك أيّها المخاطب تتمارى حتّى تكون مقارنا لهم في سلوك بعض مسالكهم،أي فما بقيت لك شبهة بعد تلك الأهوال في جحده نعمه.(9:440)

الميبديّ: أي تشكّ و تجادل أيّها الإنسان بما أولاك من النّعم أو بما كفاك من النّقم!و قيل:بأيّ نعم ربّك الدّالّة على وحدانيّته تشكّ؟(9:371)

الزّمخشريّ: قد عدّد نعما و نقما و سمّاها كلّها آلاء،من قبل ما في نقمة من المزاجر و المواعظ للمعتبرين.(4:35)

الطّبرسيّ: قيل:لمّا عدّ اللّه سبحانه ما فعله ممّا يدلّ على وحدانيّته قال:فبأيّ نعم ربّك الّتي تدلّ على وحدانيّته تتشكّك؟و إنّما ذكره بالنّعم بعد تعديد النّقم، لأنّ النّقم الّتي عدّدت هي نعم علينا لما لنا فيها من اللّطف في الانزجار عن القبيح؛إذ نالهم تلك النّقم بكفرانهم المنعم.(5:183)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:المذكور من قبل نعم و الآلاء نعم،فكيف قال:آلاء ربّك؟

نقول:لمّا عدّ من قبل النّعم و هو الخلق من النّطفة و نفخ الرّوح الشّريفة فيه و الإغناء و الإقناء،و ذكر أنّ الكافر بنعمه أهلك،قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى فيصيبك مثل ما أصاب الّذين تماروا من قبل،أو تقول:لمّا ذكر الإهلاك،قال للشّاكّ:أنت ما أصابك الّذي أصابهم؛ و ذلك بحفظ اللّه إيّاك فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى النّجم:55 و سنزيده بيانا في قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:13.(29:25)

أبو حيّان: و هو استفهام في معنى الإنكار،أي آلاؤه،و هي النّعم لا يتشكّك فيها سامع.و قد سبق ذكر نعم و نقم،و أطلق عليها كلّها«آلاء»لما في النّقم من الزّجر و الوعظ لمن اعتبر.(8:170)

الآلوسيّ: الاستفهام للإنكار،و الآلاء-جمع إلي-:

النّعم،و المراد بها ما عدّ في الآيات قبل.و سمّي الكلّ بذلك

ص: 30

مع أنّ منه نقما،لما في النّقم من العبر و المواعظ للمعتبرين، و الانتفاع للأنبياء و المؤمنين،فهي نعم بذلك الاعتبار أيضا.

و قيل:التّعبير بالآلاء للتّغليب.و تعقّب بأنّ المقام غير مناسب له.(27:71)

3- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ .الرّحمن:13

ابن زيد :الآلاء:القدرة،فبأيّ آلائه تكذّب، خلقكم كذا و كذا،فبأيّ قدرة اللّه تكذّبان؟!

(الطّبريّ 27:124)

ابن قتيبة :أمّا تكرار: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فإنّه عدّد في هذه السّورة نعماءه،و أذكر عباده آلاءه،و نبّههم على قدرته و لطفه بخلقه،ثمّ أتبع ذكر كلّ خلّة وصفها بهذه الآية،و جعلها فاصلة بين كلّ نعمتين، ليفهّمهم النّعم و يقرّرهم بها.

و هذا كقولك للرّجل:أجل أحسنت إليه دهرك و تابعت عنده الأيادي،و هو في ذلك ينكرك و يكفرك؛أ لم أبوّئك منزلا و أنت طريد؟أ فتنكر هذا؟و أ لم أحملك و أنت راجل؟أ لم أحجّ بك و أنت صرورة؟أ فتنكر هذا؟

و مثل ذلك تكرار: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر:15، 17،أي هل من معتبر و متّعظ.

(تأويل مشكل القرآن:240)

نحوه الميبديّ(9:409)،و القرطبيّ(17:161).

الحسين بن الفضل: التّكرير طردا للغفلة، و تأكيدا للحجّة.(القرطبي 17:160)

عبد الجبّار: ربما قيل:إنّه تعالى ذكر في أوّل السّورة أنّه: خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرّحمن:3، 4،فكيف قال:من بعد: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟

و جوابنا:أنّه بعد ذلك ذكر مع الإنس الجنّ،فقال:

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ* وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ الرّحمن:14،15،ثمّ عطف على ذلك بقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لأنّه كلّف تعالى في الأرض الإنس و الجنّ.و إنّما كرّر تعالى في هذه الآيات الكثيرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لأنّه ذكر نعمة بعد نعمة فأتبعه ذلك،و هذا ممّا يحسن ممّا يذكر نعمه و أياديه.

فإن قال:ففي جملة الآيات ما ليس فيه نعمة كقوله:

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،إلى غير ذلك.

و جوابنا:أنّ ذلك من النّعم إذا تدبّره المرء و خاف منه،فصار زاجرا له عن المعاصي.(410)

الإسكافيّ: تكريره إحدى و ثلاثين مرّة.

للسّائل أن يسأل عن العدّة الّتي جاءت عليها هذه الآية متكرّرة،و عن فائدتها.

و الجواب أن يقال:نبّه اللّه تعالى على ما خلق من نعم الدّنيا المختلفة في سبع منها،و أفرد سبعا للتّرهيب و الإنذار و التّخويف بالنّار،و فصّل بين السّبع الأوّل و السّبع الآخر بواحدة ثلاث آيات سويّ،فيها بين النّاس كلّهم فيما كتب اللّه من الفناء عليهم؛حيث يقول: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن 26،أي من على الأرض،و هذه الفاصلة للتّسوية بين الملائكة و بين الإنس و الجنّ في الافتقار إلى اللّه تعالى،و إلى المسألة و الإشفاق من خشية اللّه،و هي

ص: 31

قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29،و إنّما كانت الأوّل سبعا،لأنّ أمّهات النّعم الّتي خلقها اللّه سبعا سبعا كالسّماوات و الأرضين و معظم الكواكب،و كانت الثّانية سبعا،لأنّها على قسمة أبواب جهنّم لمّا كانت في ذكرها.و بعد هذه السّبع ثمانية في وصف الجنان و أهلها على قسمة أبوابها،و ثمانية أخرى بعدها للجنّتين اللّتين دون الجنّتين الأوليين،لأنّه قال تعالى:في مفتتح الثّمانية المتقدّمة: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46،فلمّا استكملت هذه الآية ثماني مرّات قال: وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ الرّحمن:62، فمضت ثمانية في وصف الجنّتين و أهلهما،و ثمانية في جنّتين دونهما للثّمانية المتقدّمة إليه،فكان الجميع إحدى و ثلاثين مرّة.

فإن قال قائل:فقد سوّى بين الجنّة و النّار في الاعتدال بالإنعام على الثّقلين بوصفهما،و إنّما النّعمة إحداهما دون الأخرى؟

و الجواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى منعم على عباده نعمتين:نعمة الدّنيا و نعمة الدّين،و أعظمهما الأخرى، و اجتهاد الإنسان و رهبته ممّا يؤلمه أكثر من اجتهاده و رغبته فيما ينعمه،فالتّرهيب زجر على المعاصي و بعث على الطّاعات،و هو سبب النّفع الدّائم،فأيّة نعمة أكبر إذا من التّخويف بالضّرر المؤدّي إلى أشرف النّعم،فلمّا جاز عند ذكر ما أنعم به علينا في الدّنيا و عند ذكر ما أعدّه للمطيعين في الأخرى أن يقول: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:13،جاز أن يقول عند ذكر ما يخوّفنا به ممّا يصرفنا عن معصيته إلى طاعته الّتي تكسبنا نعيم جنّته كذلك،لأنّ هذا أشوق إلى تلك الكرامة من وصف ما أعدّ فيهما من النّعمة.

فإن قال:إنّ السّبع الأوّل قد عرفت من ستّ منها نعمة اللّه علينا في البرّ و البحر،و السّابعة هي كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26،و أيّة نعمة في ذلك حتّى تعدّ من نعمة الدّنيا؟

و الجواب أن يقال:فيه التّسوية بين الصّغير و الكبير، و الأمير و المأمور،و المالك و المملوك،و الظّالم و المظلوم،في الفناء المؤدّي إلى دار البقاء،و مجازاة المحسن و المسيء بحقّه من الجزاء،فالمظلوم يؤخذ حقّه،و الظّالم يقرع فيترك الظّلم له،و سبب الفناء يعلمه الإنسان باضطرار، فلا نعمة إذا أكبر من هذه.(463)

الشّريف المرتضى: أمّا التّكرار في سورة الرّحمن فإنّما حسن للتّقرير بالنّعم المختلفة المعدّدة،فكلّما ذكر نعمة أنعم بها قرّر عليها،و وبّخ على التّكذيب بها،كما يقول الرّجل لغيره:أ لم أحسن إليك بأن خوّلتك الأموال؟أ لم أحسن إليك بأن خلّصتك من المكاره؟أ لم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا و كذا؟فيحسن منه التّكرير لاختلاف ما يقرّره به،و هذا كثير في كلام العرب و أشعارهم.[ثمّ ذكر أشعارا كثيرة إلى أن قال:]

و هذا المعنى أكثر من أن نحصيه،و هذا هو الجواب عن التّكرار في سورة المرسلات،بقوله تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ المرسلات:15،19،24،28،34.

فإن قيل:إذا كان الّذي حسّن التّكرار في سورة الرّحمن ما عدّده من آلائه و نعمه،فقد عدّد في جملة ذلك ما ليس بنعمة،و هو قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ الرّحمن:35،و قوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ* يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:43،44،فكيف يحسن أن يقول بعقب هذا: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ و ليس هذا من الآلاء و النّعم؟

ص: 32

فإن قيل:إذا كان الّذي حسّن التّكرار في سورة الرّحمن ما عدّده من آلائه و نعمه،فقد عدّد في جملة ذلك ما ليس بنعمة،و هو قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ الرّحمن:35،و قوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ* يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:43،44،فكيف يحسن أن يقول بعقب هذا: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ و ليس هذا من الآلاء و النّعم؟

قلنا:الوجه في ذلك أنّ فعل العقاب و إن لم يكن نعمة فذكره و وصفه و الإنذار به من أكبر النّعم،لأنّ في ذلك زجرا عمّا يستحقّ به العقاب،و بعثا على ما يستحقّ به الثّواب.فإنّما أشار بقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، بعد ذكر جهنّم و العذاب فيها إلى نعمته بوصفها و الإنذار بعقابها،و هذا ممّا لا شبهة في كونه نعمة.

(1:123)

الطّوسيّ: إنّما كرّرت هذه الآية،لأنّه تقرير بالنّعمة عند ذكرها على التّفصيل نعمة نعمة،كأنّه قيل:بأيّ هذه الآلاء تكذّبان.ثمّ ذكرت آلاء أخر فاقتضت من التّذكير و التّقرير بها ما اقتضت الأولى،ليتأمّل كلّ واحد في نفسها و في ما تقتضيه صفتها من حقيقتها الّتي تتفضّل بها من غيرها.(9:468)

الكرمانيّ: كرّر الآية إحدى و ثلاثين مرّة،ثمانية منها ذكرت عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق اللّه، و بدائع صنعه،و مبدأ الخلق و معادهم،ثمّ سبعة منها عقيب آيات فيها ذكر النّار و شدائدها على عدد أبواب جهنّم.و حسن ذكر الآلاء عقيبها لأنّ صرفها و دفعها نعما توازي النّعم المذكورة،أو لأنّها حلّت بالأعداء،و ذلك يعدّ من أكبر النّعماء.

و بعد هذه السّبعة ثمانية في وصف الجنان و أهلها على عدد أبواب الجنّة،و ثمانية أخرى بعدها للجنّتين اللّتين دونهما.فمن اعتقد الثّمانية الأولى و عمل بموجبها استحقّ كلتا الثّمانيتين من اللّه،و وقاه السّبعة السّابقة،و اللّه تعالى أعلم.(186)

الميبديّ:و اعلم أنّ في بعض هذه السّورة ذكر الشّدائد و العذاب و النّار و النّعمة من وجهين:[ثمّ ذكر نحو الكرمانيّ](9:410)

الفخر الرّازيّ: ما الحكمة في تكرير هذه الآية و كونه إحدى و ثلاثين مرّة؟

نقول:الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:إنّ فائدة التّكرير التّقرير،و أمّا هذا العدد الخاصّ فالأعداد توقيفيّة لا يطّلع على تقدير المقدّرات أذهان النّاس.و الأولى أن لا يبالغ الإنسان في استخراج الأمور البعيدة في كلام اللّه تعالى.

الثّاني:ما قلناه:إنّه تعالى ذكر في السّورة المتقدّمة فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ القمر:18،أربع مرّات لبيان ما في ذلك من المعنى،و ثلاث مرّات للتّقرير و التّكرير.و للثّلاث و السّبع من بين الأعداد فوائد ذكرناها في قوله تعالى: وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لقمان:27،فلمّا ذكر العذاب ثلاث مرّات ذكر الآلاء إحدى و ثلاثين مرّة،لبيان ما فيه،من المعنى، و ثلاثين مرّة للتّقرير.و الآلاء مذكورة عشر مرّات أضعاف مرّات ذكر العذاب،إشارة إلى معنى قوله تعالى:

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها الأنعام:160.

الثّالث:إنّ الثّلاثين مرّة تكرير بعد البيان في المرّة

ص: 33

الأولى،لأنّ الخطاب مع الجنّ و الإنس،و النّعم منحصرة في دفع المكروه و تحصيل المقصود،لكن أعظم المكروهات عذاب جهنّم: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ الحجر:

44،و أتمّ المقاصد نعيم الجنّة و لها ثمانية أبواب،فإغلاق الأبواب السّبعة و فتح الأبواب الثّمانية جمعية نعمة و إكرام.فإذا اعتبرت تلك النّعم بالنّسبة إلى جنسي الجنّ و الإنس تبلغ ثلاثين مرّة و هي مرّات التّكرير للتّقرير، و المرّة الأولى لبيان فائدة الكلام.و هذا منقول و هو ضعيف،لأنّ اللّه ذكر نعم الدّنيا و الآخرة،و ما ذكره اقتصار على بيان نعم الآخرة.

الرّابع:هو أنّ أبواب النّار سبعة و اللّه تعالى ذكر سبع آيات تتعلّق بالتّخويف من النّار،من قوله تعالى:

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31،إلى قوله تعالى:

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ الرّحمن:44،ثمّ إنّه تعالى ذكر بعد ذلك جنّتين؛حيث قال: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46،و لكلّ جنّة ثمانية أبواب تفتح كلّها للمتّقين.و ذكر من أوّل السّورة إلى ما ذكرنا من آيات التّخويف ثماني مرّات: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ سبع مرّات للتّقرير بالتّكرير،استيفاء للعدد الكثير الّذي هو سبعة.و قد بيّنّا سبب اختصاصه في قوله تعالى: سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لقمان:27،و سنعيد منه طرفا إن شاء اللّه تعالى،فصار المجموع ثلاثين مرّة.و المرّة الواحدة الّتي هي عقيب النّعم الكثيرة لبيان المعنى و هو الأصل، و التّكثير تكرار فصار إحدى و ثلاثين مرّة.(29:96)

الرّازيّ: فإن قيل:بعض الجمل المذكورة في هذه السّورة ليست من النّعم،كقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26،و قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ الرّحمن:35،فكيف حسن الامتنان بعدها بقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟

قلنا:من جملة الآلاء دفع البلاء و تأخير العقاب، فإبقاء من هو مخلوق للفناء نعمة،و تأخير العقاب عن العصاة أيضا نعمة،فلهذا امتنّ علينا بذلك.

(مسائل الرّازيّ:332)

الطّوفيّ: فائدة التّكرير إعلامهم بتأكيد استحقاقه لعبادتهم،بتذكيره إيّاهم نعمه عليهم عند كلّ فرد من أفرادها،كما يقول الرّجل لعبده:أ لم أكسك،أ لم أزوّجك؟ أ لم أرحك من التّعب،فبأيّ نعمي تكذّب؟أ لم أفقدك من الجناية الفلانيّة؟أ لم أعطك الضّيعة الفلانيّة؟و يعدّد نعمه عليه،ثمّ يقول:فبأيّ آلاء تكذّب؟و معنى هذا الكلام و قوّته أنّك لا تستطيع تكذيب شيء من ذلك لوضوحه و ظهوره.(الإكسير في علم التّفسير:250)

السّيوطيّ: إنّها و إن تكرّرت نيّفا و ثلاثين مرّة، فكلّ واحدة تتعلّق بما قبلها؛و لذلك زادت على ثلاثة.

و لو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة، لأنّ التّأكيد لا يزيد عليها،قاله ابن عبد السّلام و غيره.

و إن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النّقمة للتّحذير نعمة.و قد سئل:أيّ نعمة في قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26؟فأجيب بأجوبة،أحسنها:النّقل من دار الهموم إلى دار السّرور،و إراحة المؤمن و البارّ من الفاجر.

(3:226)

البروسويّ:في«بحر العلوم»الآلاء:النّعم الظّاهرة

ص: 34

و الباطنة الواصلة إلى الفريقين،و بهذا يظهر فساد ما قيل:

من أنّ الآلاء هي النّعم الظّاهرة فحسب،و النّعماء هي النّعم الباطنة.

و الصّواب:أنّهما من الألفاظ المترادفة كالأسود و اللّيوث،و الفلك و السّفن.

و في«التّأويلات النّجميّة»الآلاء:هي النّعمة الظّاهرة و النّعماء الباطنة.و الآيات المتوالية تدلّ على هذا،لأنّها نعمة ظاهرة بالنّسبة إلى أهل الظاهر.

و معنى تكذيبهم بالآلاء كفرهم بها.و التّعبير عن الكفر بالتّكذيب لما أنّ دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان و الشّكر شهادة منها بذلك،فكفرهم بها تكذيب بها لا محالة،أي فإذا كان الأمر كما فصّل فبأيّ فرد من أفراد آلاء مالككما و مربّيكما بتلك الآلاء تكذّبان،مع أنّ كلاّ منها ناطق بالحقّ شاهد بالصّدق، فالاستفهام للتّقرير،أي للحمل على الإقرار بتلك النّعم، و وجوب الشّكر عليها.(9:292)

القاسميّ: في«عروس الأفراح»فإن قلت:إذا كان المراد بكلّ ما قبله فليس ذلك بإطناب،بل هي ألفاظ كلّ أريد به غير ما أريد به الآخر.

قلت:إذا قلنا:العبرة بعموم اللّفظ،فكلّ واحد أريد بالآخرة و لكن كرّر ليكون نصّا فيما يليه،ظاهرا في غيره.

فإن قلت:يلزم التّأكيد؟

قلت:و الأمر كذلك،و لا يرد عليه أنّ التّأكيد لا يزاد به عن ثلاثة،لأنّ ذاك في التّأكيد الّذي هو تابع.أمّا ذكر الشّيء في مقامات متعدّدة أكثر من ثلاثة،فلا يمتنع.

و قال العزّ بن عبد السّلام في آخر كتابه:الإشارة إلى الإيجاز.و أمّا قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فيجوز أن تكون مكرّرة على جميع أنعمه و يجوز أن يراد بكلّ واحدة منهنّ ما وقع بينها و بين قبلها من نعمة،و يجوز أن يراد بالأولى ما تقدّمها من النّعم،و بالثّانية ما تقدّمها، و بالثّالثة ما تقدّم على الأولى و الثّانية،و بالرّابعة ما تقدّم على الأولى و الثّانية و الثّالثة،و هكذا إلى آخر السّورة.(15:5636)

الطّباطبائيّ: و الخطاب في الآية لعامّة الثّقلين:

الجنّ و الإنس،و يدلّ على ذلك توجيه الخطاب إليهما صريحا،فيما سيأتي من قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31،و قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الرّحمن:

33،و قوله يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ الرّحمن:

35،فلا يصغى إلى قول من قال:إنّ الخطاب في الآية للذّكر و الأنثى من بني آدم،و لا إلى قول من قال:إنّه من خطاب الواحد بخطاب الاثنين،و يفيد تكرّر الخطاب نحو يا شرطيّ اضربا عنقه،أي اضرب عنقه اضرب عنقه.

و توجيه الخطاب إلى عالمي الجنّ و الإنس هو المصحّح لعدّ ما سنذكره من شدائد يوم القيامة و عقوبات المجرمين من أهل النّار من آلائه و نعمه تعالى،فإنّ سوق المسيئين و أهل الشّقوة في نظام الكون إلى ما تقتضيه شقوتهم و مجازاتهم بتبعات أعمالهم من لوازم صلاح النّظام العامّ الجاري في الكلّ الحاكم على الجميع،فذلك نعمة بالقياس إلى الكلّ و إن كان نقمة بالنّسبة إلى طائفة خاصّة منهم و هم المجرمون،و هذا نظير ما نجده في السّنن و القوانين الجارية في المجتمعات،فإنّ التّشديد على أهل البغي و الفساد ممّا يتوقّف عليه حياة المجتمع و بقاؤه،

ص: 35

و ليس يتنعّم به أهل الصّلاح خاصّة،كما أنّ إثابة أهل الصّلاح بالثّناء الجميل و الأجر الحسن كذلك.

فما في النّار من عذاب و عقاب لأهلها،و ما في الجنّة من كرامة و ثواب آلاء و نعم على معشر الجنّ و الإنس،كما أنّ الشّمس و القمر و السّماء المرفوعة و الأرض الموضوعة و النّجم و الشّجر و غيرها آلاء و نعم على أهل الدّنيا.(19:98)

أولاء

1- ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ. آل عمران:119 أبو العالية :يعني المنافقين،دليله قوله تعالى:

وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا آل عمران:119.

مثله مقاتل.(القرطبيّ 4:181)

الفرّاء: العرب إذا جاءت إلى اسم مكنّى قد وصف بهذا و هذان و هؤلاء،فرّقوا بين«ها»و بين«ذا»و جعلوا المكنّى بينهما؛و ذلك في جهة التّقريب لا في غيرها، فيقولون:أين أنت؟فيقول القائل:هاأنا ذا،و لا يكادون يقولون:هذا أنا.

و كذلك التّثنية و الجمع،و منه: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ و ربّما أعادوا«ها»فوصلوها بذا و هذان و هؤلاء،فيقولون:ها أنت هذا،و ها أنتم هؤلاء،و قال اللّه تبارك و تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ النّساء:

109.

فإذا كان الكلام على غير تقريب أو كان مع اسم ظاهر،جعلوا«ها»موصولة ب«ذا»فيقولون:هذا هو، و هذان هما،إذا كان على خبر يكتفي كلّ واحد بصاحبه بلا فعل.و التّقريب لا بدّ فيه من فعل لنقصانه،و أحبّوا أن يفرّقوا بذلك بين معنى التّقريب و بين معنى الاسم الصّحيح.(1:231)

نحوه الطّبريّ.(4:65)

الزّجّاج: قال بعض النّحويّين:العرب إذا جاءت إلى اسم مكنّى قد وصف ب«هذا»جعلته بين«ها»و«ذا»، فيقول القائل:أين أنت؟فيقول المجيب:هاأنا ذا.قال:

و ذلك إذا أرادوا جهة التّقريب،قال:فإنّما فعلوا ذلك ليفصلوا بين التّقريب و غيره.

و معنى التّقريب عنده أنّك لا تقصد الخبر عن هذا الاسم،فتقول:هذا زيد.

و القول في هذا عندنا أنّ الاستعمال في المضمر أكثر فقط،أعني أن يفصل بين«ها»و«ذا»لأنّ التّنبيه أن يلي المضمر أبين.

فإن قال قائل:ها زيد ذا،و هذا زيد،جاز، لا اختلاف بين النّاس في ذلك.

و هذا عندنا على ضربين:جائز أن يكون(أولاء)في معنى الّذين،كأنّه قيل:هأنتم الّذين تحبّونهم و لا يحبّونكم.و جائز أن يكون(تحبّونهم)منصوبة على الحال،و(انتم)ابتداء و(اولاء)الخبر.

المعنى:انظروا إلى أنفسكم محبّين لهم،نهوا في حال محبّتهم إيّاهم.(1:462).

الطّوسيّ: قال الحسن بن عليّ المغربيّ:(أولاء) يعني به المنافقين،كما تقول:ما أنت زيدا تحبّه،و لا يحبّك.

و هذا مليح غير أنّه يحتاج أن يقدّر عامل في(اولاء)

ص: 36

ينصبه،يفسّره قوله:(يحبّونهم)لأنّه مشغول لا يعمل فيما قبله،كقوله: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ يس:39،في من نصبه.

و أولاء للرّجال،و للنّساء أولات،و هو مبنيّ على الكسر.و كان الأصل السّكون و الألف قبلها ساكنة، فحرّك لالتقاء السّاكنين على أصل الكسرة.(2:573)

الزّمخشريّ: (ها)للتّنبيه،و(انتم)مبتدأ،و(اولاء) خبره،أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاة منافقي أهل الكتاب.(1:459)

أبو حيّان: تقدّم لنا الكلام على نظير ها أَنْتُمْ أُولاءِ في قوله: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ آل عمران:

66،قراءة و إعرابا.

و تلخيصه هنا أن يكون(أولاء)خبرا عن(انتم) و(تحبّونهم)مستأنف أو حال،أو صلة على أن يكون (أولاء)موصولا،أو خبرا ل(انتم)و(اولاء)منادى،أو يكون(أولاء)مبتدأ ثانيا و(تحبّونهم)خبر عنه و الجملة خبر عن الأوّل،أو يكون(أولاء)في موضع نصب،نحو:

أنا زيدا ضربته،فيكون من الاشتغال،و اسم الإشارة في هذين الوجهين واقع على غير ما وقع عليه(انتم)لأنّ (انتم)خطاب للمؤمنين،و(اولاء)إشارة إلى الكافرين.

و في الأوجه السّابقة مدلوله و مدلول(انتم)واحد و هو المؤمنون،و على تقدير الاستئناف في(تحبّونهم) لا ينعقد ممّا قبله مبتدأ و خبر،إلاّ بإضمار وصف تقديره:

أنتم أولاء الخاطئون في موالاة غير المؤمنين؛إذ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ بيان لخطئهم في موالاتهم، حيث يبذلون المحبّة لمن يبغضهم.(3:39)

2-قال هم اولاء على اثرى و عجلت اليك ربّ لترضى.طه:84

الطّبريّ: يقول:قومي على أثري يلحقون بي.(16:195)

أبو البقاء: (أولاء)اسم موصول،و(على اثرى) صلته.(إملاء ما منّ به الرّحمن 2:125)

الطّبرسيّ: (هم أولاء)مبتدأ و خبر،و يجوز أن يكون(اولاء)بدلا من(هم)و يكون(على اثرى)في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ.و على الوجه الأوّل يجوز أن يكون(على اثرى)في موضع نصب على الحال،و العامل فيه معنى الإشارة في(اولاء)،و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر.(4:23)

القرطبيّ: قال أبو حاتم:قال عيسى:بنو تميم يقولون:«هم أولى»مقصورة مرسلة،و أهل الحجاز يقولون:«أولاء»ممدودة.

و حكى الفرّاء:(هم اولاى على اثري)،و زعم أبو إسحاق الزّجّاج:أنّ هذا لا وجه له.قال النّحّاس:و هو كما قال،لأنّ هذا ليس ممّا يضاف،فيكون مثل هداي.

و لا يخلو من إحدى جهتين:إمّا أن يكون اسما مبهما فإضافته محال،و إمّا أن يكون بمعنى«الّذين» فلا يضاف أيضا،لأنّ ما بعده من تمامه،و هو معرفة.(11:

233)

الآلوسيّ: (اولاء)اسم إشارة كما هو المشهور، مرفوع المحلّ على الخبريّة.(16:242)

هؤلاء

1- ...فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ

ص: 37

صادِقِينَ. البقرة:31

مجاهد :بأسماء هذه الّتي حدّثت بها آدم.

(الطّبريّ 1:218)

الطّبريّ: أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيّتها الملائكة.(1:218)

الطّوسيّ: (هؤلاء):لغة قريش و من جاورهم، بإثبات ألف بين الهاء و الواو،و مدّ الألف الأخيرة.و تميم و بكر و عامّة بني أسد يقصّرون الألف الأخيرة،و بعض العرب يسقط الألف الأولى الّتي بين الهاء و الواو،و يمدّ الأخيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و حقّق الهمزة ابن عامر و أهل الكوفة إذا اتّفقا من كلمتين.

و قرأ أبو عمرو،و أحمد بن صالح عن قالون بتحقيق الأولى فحذف الثّانية.و قرأ ورش،و قنبل،و أبو جعفر، و أويس (1)بتحقيق الأولى و تليين الثّانية.و قرأ ابن كثير إلاّ قنبلا،و نافع إلاّ ورشا،و أحمد بن صالح بسكون الأولى و تحقيق الثّانية في المكسورتين و المضمومتين،و في المفتوحتين بتحقيق الأولى و حذف الثّانية.(1:142)

ابن عطيّة: (هؤلاء)ظاهره حضور اشخاص، و ذلك عند العرض على الملائكة.و ليس في هذه الآية ما يوجب أنّ الاسم أريد به المسمّى،كما ذهب إليه المكّيّ و المهدويّ.

فمن قال:إنّه تعالى عرض على الملائكة أشخاصا استقام له مع لفظ(هؤلاء)،و من قال:إنّه إنّما عرض أسماء فقط،جعل الإشارة ب(هؤلاء)إلى أشخاص الأسماء و هي غائبة؛إذ قد حضر ما هو منها بسبب،و ذلك أسماؤها،و كأنّه قال لهم في كلّ اسم:لأيّ شخص هذا.

و الّذي يظهر أنّ اللّه تعالى علّم آدم الأسماء،و عرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصا،ثمّ عرض تلك على الملائكة و سألهم عن تسمياتها الّتي قد تعلّمها آدم،ثمّ إنّ آدم قال لهم:هذا اسمه كذا،و هذا اسمه كذا.و(هؤلاء)لفظ مبنيّ على الكسر،و القصر فيه لغة تميم،و بعض قيس، و أسد.[ثمّ استشهد بشعر](1:120)

الطّبرسيّ: قرأ أهل المدينة و أهل البصرة(هؤلاء) بمدّة واحدة،و لا يمدّونها إلاّ على قدر خروج الألف، و يمدّون(اولاء)كأنّهم يجعلونه كلمتين.و الباقون يمدّون مدّتين في كلّ القرآن.

فأمّا الهمزتان من كلمتين-نحو: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و نحوها-فأبو جعفر،و نافع برواية ورش، و ابن كثير برواية القوّاس،و يعقوب يهمزون الأولى و يخفّفون الثّانية و يشيرون بالكسرة إليها،و كذلك يفعلون في كلّ همزتين متّفقتين تلتقيان من كلمتين مكسورتين كانتا أو مضمومتين أو مفتوحتين.

فالمكسورتان: عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً النّور:

33،و المضمومتان أَوْلِياءُ أُولئِكَ الأحقاف:32، ليس في القرآن غيره،و المفتوحتان: جاءَ أَحَدَكُمُ الأنعام:61،و شاءَ أَنْشَرَهُ عبس:22.

و أبو عمرو،و البزّيّ بهمزة واحدة فيتركان إحداهما أصلا إذا كانتا متّفقتين،و نافع برواية إسماعيل،و ابن كثيرس.

ص: 38


1- كذا،و الظّاهر:رويس.

برواية ابن فليح بتليين الأولى و تحقيق الثّانية،و إذا اختلفتا فاتّفقوا على همز الأولى و تليين الثّانية نحو:

كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ... البقرة:13، و فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ المائدة:14.

فأمّا ابن عامر،و عاصم،و الكسائي فإنّهم يهمزون همزتين في جميع ذلك،متّفقتين كانتا أو مختلفتين.

أمّا الحذف و التّليين فللتّخفيف،و أمّا الهمز فللحمل على الأصل.(1:75)

أبو حيّان: [بعد الإشارة إلى ما حكيناه عن ابن عطيّة قال:]

و هذا فيه بعد و تكلّف و خروج عن الظّاهر بغير داعية إلى ذلك.(1:146)

2- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ. البقرة:85

الطّبريّ: يتّجه في قوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ وجهان:

أحدهما:أن يكون أريد به:ثمّ أنتم يا هؤلاء،فترك «يا»استغناء بدلالة الكلام عليه،كما قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا يوسف:29،و تأويله:يا يوسف أعرض عن هذا؛فيكون معنى الكلام حينئذ:ثمّ أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل بعد إقراركم بالميثاق الّذي أخذته عليكم لا تسفكون دماءكم و لا تخرجون أنفسكم من دياركم.

و الوجه الآخر:أن يكون معناه ثمّ أنتم قوم تقتلون أنفسكم،فيرجع إلى الخبر عن(انتم)،و قد اعترض بينهم و بين الخبر عنهم ب(هؤلاء)،كما تقول العرب:أنا ذا أقوم،و أنا هذا أجلس.و لو قيل:أنا هذا أجلس كان صحيحا جائزا،كذلك:أنت ذاك تقوم.

و قد زعم بعض البصريّين أنّ قوله:(هؤلاء)في قوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تنبيه و توكيد ل(أنتم)،و زعم أنّ (انتم)و إن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين فإنّما جاز أن يؤكّدوا ب(هؤلاء)و أولى،لأنّها كناية عن المخاطبين.

(1:369)

ابن عطيّة: (هؤلاء)دالّة على أنّ المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردّا إلى الأسلاف،قيل:تقدير الكلام:يا هؤلاء،فحذف حرف النّداء.و لا يحسن حذفه عند سيبويه مع المبهمات،لا تقول:هذا أقبل.

و قيل:تقديره:أعني هؤلاء،و قيل:(هؤلاء)بمعنى «الّذين»فالتّقدير:ثمّ أنتم الّذين تقتلون.(1:174)

الزّمخشريّ: ثمّ أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون، يعنى أنّكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين تنزيلا،لتغيّر الصّفة منزلة تغيّر الذّات،كما تقول:رجعت بغير الوجه الّذي خرجت به.(1:293)

الفخر الرّازي: قوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ فيه إشكال،لأنّ قوله:(انتم)للحاضرين و(هؤلاء) للغائبين،فكيف يكون الحاضر نفس الغائب؟

و جوابه من وجوه:

أحدها:تقديره:ثمّ أنتم يا هؤلاء.

ثانيها:تقديره:ثمّ أنتم أعني هؤلاء الحاضرين.

ثالثها:أنّه بمعنى«الّذين»وصلته(تقتلون).و موضع (تقتلون)رفع إذا كان خبرا،و لا موضع له إذا كان صلة.

ص: 39

رابعها:(هؤلاء)تأكيد ل(انتم)و الخبر(تقتلون).

(3:172).

أبو حيّان: هذا استبعاد لما أخبر عنهم به من القتل و الإجلاء و العدوان،بعد أخذ الميثاق منهم و إقرارهم و شهادتهم.و اختلف المعربون في إعراب هذه الجملة، فالمختار أنّ(أنتم)مبتدأ و(هؤلاء)خبر و(تقتلون)حال.

و قد قالت العرب:ها أنت ذا قائما،و ها أنا ذا قائما.

و قالت أيضا:هذا أنا قائما،و ها هو ذا قائما.و إنّما أخبر عن الضّمير باسم الإشارة في اللّفظ،و كأنّه قال:أنت الحاضر و أنا الحاضر و هو الحاضر،و المقصود من حيث المعنى الإخبار بالحال،و يدلّ على أنّ الجملة حال مجيئهم بالاسم المفرد منصوبا على الحال فيما قلناه من قولهم:ها أنت ذا قائما،و نحوه.[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و الظّاهر أنّ المشار إليه بقوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ هم المخاطبون أوّلا فليسوا قوما آخرين،أ لا ترى أنّ هذا التّقدير الّذي قدّره الزّمخشريّ من تنزيل تغيّر الصّفة منزلة تغيّر الذّات لا يتأتّى في نحو:ها أنا ذا قائما،و لا في:

ها أنتم أولاء،بل المخاطب هو المشار إليه من غير تغيّر.

و قال ابن عطيّة: و قال الأستاذ الأجلّ أبو الحسن بن أحمد شيخنا:(هؤلاء)رفع بالابتداء و(انتم)خبر مقدّم و(تقتلون)حال،بها تمّ المعنى و هي كانت المقصود،فهي غير مستغنى عنها،و إنّما جاءت بعد أن تمّ الكلام في المسند و المسند إليه،كما تقول:هذا زيد منطلقا،و أنت قد قصدت الإخبار بانطلاقه لا الإخبار بأنّ هذا هو زيد، انتهى ما نقله ابن عطيّة عن شيخه.

و لا أدري ما العلّة في العدول عن جعل(انتم)المبتدأ و(هؤلاء)الخبر إلى عكس هذا،و العامل في هذه الحال اسم الإشارة بما فيه من معنى الفعل،قالوا:و هو حال منه، فيكون إذا ذاك قد اتّحد ذو الحال و العامل فيها.

و ذهب بعض المعربين إلى أنّ(هؤلاء)منادى، محذوف منه حرف النّداء.و هذا لا يجوز عند البصريّين، لأنّ اسم الإشارة عندهم لا يجوز أن يحذف منه حرف النّداء.

و نقل جوازه عن الفرّاء،و خرّج عليه الآية الزّجّاج و غيره جنوحا إلى مذهب الفرّاء،فيكون على هذا القول (يقتلون)خبرا عن(انتم).و فصل بين المبتدإ و الخبر بالنّداء،و الفصل بينهما بالنّداء جائز.

و إنّما ذهب من ذهب إلى هذا في هذه الآية،لأنّه صعب عنده أن ينعقد من ضمير المخاطب و اسم الإشارة جملة من مبتدإ و خبر.

و ذهب ابن كيسان و غيره إلى أنّ(انتم)مبتدأ و(يقتلون)الخبر و(هؤلاء)تخصيص للمخاطبين،لما نبّهوا على الحال الّتي هم عليها مقيمون،فيكون إذ ذاك منصوبا ب«أعني».

و قد نصّ النّحويّون على أنّ التّخصيص لا يكون بالنّكرات و لا بأسماء الإشارة،و المستقرأ من لسان العرب أنّه يكون«أيّا»نحو:اللّهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة،أو معرّفا بالألف و اللاّم نحو:نحن العرب أقرى النّاس للضّيف،أو بالإضافة نحو:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»،و قد يكون علما،كما أنشدوا:

*بنا تميما يكشف الضّباب*

و أكثر ما يأتي بعد ضمير متكلّم كما مثّلناه،و قد جاء

ص: 40

بعد ضمير مخاطب كقولهم:بك اللّه نرجو الفضل.

و ذهب بعضهم إلى أنّ(هؤلاء)موصول بمعنى الّذي، و هو خبر عن(انتم)و يكون(تقتلون)صلة ل(هؤلاء).

و هذا لا يجوز على مذهب البصريّين،و أجاز ذلك الكوفيّون،و هي مسألة خلافيّة مذكورة في علم النّحو.

(1:290)

3- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ...

آل عمران:66

الطّوسيّ: إن قيل:أين خبر أنتم في(ها انتم)؟

قيل:يحتمل أمرين:

أحدهما:(حاججتم)على أن يكون(هؤلاء)تابعا عطف بيان.

و الثّاني:أن يكون الخبر(هؤلاء)على معنى هؤلاء بمعنى«الّذين»و ما بعده صلة.(2:491)

الزّمخشريّ: يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى، و بيان حماقتكم و قلّة عقولكم أنّكم جادلتم فيما لكم به علم.(1:435)

ابن عطيّة: (هؤلاء)فيه لغتان:المدّ و القصر،و قد جمعهما في بيت الأعشى في بعض الرّوايات:

هؤلاء ثمّ هؤلاء قد اعطيت

نعالا محذوّة بنعال

و أمّا إعراب ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ فابتداء و خبر، و(حاججتم)في موضع الحال لا يستغنى عنها،و هي بمنزلة قوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ البقرة:85، و يحتمل أن يكون(هؤلاء)بدلا أو صفة،و يكون الخبر (حاججتم).(1:450)

أبو حيّان: قرأ الكوفيّون و ابن عامر و البزّيّ (ها انتم)بألف بعد الهاء بعدها همزة(انتم)محقّقة،و قرأ نافع و أبو عمرو و يعقوب بهاء بعدها ألف بعدها همزة مسهلة بين بين،و أبدل أناس هذه الهمزة ألفا محضة لورش(ها)للتّنبيه،لأنّه يكثر وجودها مع المضمرات المرفوعة،مفصولا بينها و بين اسم الإشارة،حيث لا استفهام.و أصلها أن تباشر اسم الإشارة لكن اعتني بحرف التّنبيه،فقدّم،و ذلك نحو قول العرب:ها أنا ذا قائما، و ها أنت ذا تصنع كذا،و ها هو ذا قائما.

و لم ينبّه المخاطب هنا على وجود ذاته بل نبّه على حال غفل عنها لشغفه بما التبس به.و تلك الحالة هي أنّهم حاجّوا فيما لا يعلمون،و لم ترد به التّوراة و الإنجيل، فتقول لهم:هب أنّكم تحتجّون فيما تدّعون أن قد ورد به كتب اللّه المتقدّمة فلم تحتجّون فيما ليس كذلك؛و تكون الجملة خبريّة و هو الأصل،لأنّه قد صدرت منهم المحاجّة فيما يعلمون،و لذاك أنكر عليهم بعد المحاجّة فيما ليس لهم به علم.

و على هذا يكون(ها)قد أعيدت مع اسم الإشارة توكيدا،و تكون في قراءة قنبل قد حذف ألف(ها)كما حذفها من وقف على أَيُّهَ الثَّقَلانِ. الرّحمن:31.

(يا أيّه)بالسّكون،و ليس الحذف فيها بقويّ في القياس.

و قال أبو عمرو ابن العلاء و أبو الحسن الأخفش:

الأصل في (ها أَنْتُمْ) :أ أنتم،فأبدل من الهمزة الأولى الّتي للاستفهام(ها)لأنّها أختها،و استحسنه النّحّاس.و إبدال الهمزة«هاء»مسموع في كلمات و لا ينقاس،و لم يسمع

ص: 41

ذلك في همزة الاستفهام،لا يحفظ من كلامهم:هتضرب زيدا،بمعنى أ تضرب زيدا،إلاّ في بيت نادر جاءت فيه ها بدل همزة الاستفهام و هو

و أتت صواحبها و قلن هذا الّذي

منح المودّة غيرنا و جفانا

ثمّ الفصل بين الهاء المبدلة من همزة الاستفهام و همزة «أتت»لا يناسب،لأنّه إنّما يفصل لاستثقال اجتماع الهمزتين،و هنا قد زال الاستثقال بإبدال الأولى هاء، أ لا ترى أنّهم حذفوا الهمزة في نحو:أريقه؛إذ أصله:

أ أريقه،فلمّا أبدلوها هاء لم يحذفوا بل قالوا:أهريقه.

و قد وجّهوا قراءة قنبل على أنّ«الهاء»بدل من همزة الاستفهام لكونها هاء لا ألف بعدها.

و على هذا من أثبت الألف فيكون عنده فاصلة بين الهاء و المبدلة من همزة الاستفهام و بين همزة(انتم) أجرى البدل في الفصل مجرى المبدل منه،و الاستفهام على هذا معناه«التّعجّب»من حماقتهم،و أمّا من سهّل فلأنّها همزة بعد ألف على حد تسهيلهم إيّاها في«هيئة» و أمّا تحقيقها فهو الأصل،و أمّا إبدالها ألفا فقد تقدّم الكلام في ذلك،في قوله: أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ البقرة:6.

و(انتم)مبتدأ و(هؤلاء)الخبر و(حاججتم)جملة حاليّة،كقول:ها أنت ذا قائما،و هي من الأحوال الّتي ليست يستغنى عنها،كقوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ البقرة:85،على أحسن الوجوه في إعرابه.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و أجازوا أن يكون(هؤلاء)بدلا و عطف بيان، و الخبر(حاججتم)و أجازوا أن يكون(هؤلاء)موصولا، بمعنى«الّذي»و هو خبر المبتدإ و(حاججتم)صلته،و هذا على رأي الكوفيّين.و أجازوا أيضا أن يكون منادى،أي يا هؤلاء،و حذف منه حرف النّداء،و لا يجوز حذف حرف النّداء من المشار على مذهب البصريّين،و يجوز على مذهب الكوفيّين،و قد جاء في الشّعر حذفه و هو قليل،نحو قول رجل من طيء:

إنّ الألى وصفوا قومي لهم فهم

هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا

و قال:

لا يغرّنكم أولاء من القو

م جنوح للسّلم فهو خداع

يريد يا هذا اعتصم و يا أولاء.

(2:485)

اولئك

1- أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. البقرة:5

ابن مسعود: أمّا الّذين يؤمنون بالغيب،فهم المؤمنون من العرب،و الّذين يؤمنون بما أنزل إليك:

المؤمنون من أهل الكتاب،ثمّ جمع الفريقين فقال:

أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

مثله ابن عبّاس.(الطّبريّ 1:106)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ، فقال بعضهم:عنى بذلك أهل الصّفتين المتقدّمتين،أعني المؤمنين بالغيب من العرب و المؤمنين،و بما أنزل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و إلى من قبله من الرّسل،و إيّاهم جميعا وصف

ص: 42

بأنّهم على هدى منه،و أنّهم هم المفلحون.

و قال بعضهم:بل عنى بذلك المتّقين الّذين يؤمنون بالغيب،و هم الّذين يؤمنون بما أنزل إلى محمّد،و بما أنزل إلى من قبله من الرّسل.

و قال آخرون:بل عنى بذلك الّذين يؤمنون بما أنزل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بما أنزل إلى من قبله،و هم مؤمنو أهل الكتاب،الّذين صدّقوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و بما جاء به،و كانوا مؤمنين من قبل بسائر الأنبياء و الكتب.

و أولى التّأويلات عندي بقوله: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ ما ذكرت من قول ابن مسعود،و ابن عبّاس، و أن تكون(اولئك)إشارة إلى الفريقين،أعني المتّقين وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ البقرة:4،و تكون (اولئك)مرفوعة بالعائد من ذكرهم في قوله: عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ و أن تكون(الّذين)الثّانية معطوفة على ما قبل من الكلام،على ما قد بيّنّاه.(1:106)

الزّمخشريّ: في اسم الإشارة الّذي هو(اولئك) إيذان بأنّ ما يرد عقيبه فالمذكورون قبله أهل لاكتسابه، من أجل الخصال الّتي عدّدت لهم.(1:141)

الطّبرسيّ: موضع(اولئك)رفع بالابتداء،و الخبر عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ و هو اسم مبنيّ،و الكاف حرف خطاب لا محلّ له من الإعراب،و كسرت الهمزة فيه لالتقاء السّاكنين.(1:40)

الفخر الرّازيّ: في تكرير(اولئك)تنبيه على أنّهم كما ثبت لهم الاختصاص بالهدى ثبت لهم الاختصاص بالفلاح أيضا،فقد تميّزوا عن غيرهم بهذين الاختصاصين.

فإن قيل:فلم جاء مع العاطف،و ما الفرق بينه و بين قوله: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الأعراف:179؟

قلنا:قد اختلف الخبران هنا،فلذلك دخل العاطف بخلاف الخبرين ثمّت،فإنّهما متّفقان،لأنّ التّسجيل عليهم بالغفلة و تشبيههم بالبهائم شيء واحد،و كانت الجملة الثّانية مقرّرة لما في الأولى،فهي من العطف بمعزل.

(2:34)

نحوه الآلوسيّ.(1:125)

القرطبيّ: قال النّحّاس:أهل نجد يقولون:ألاك، و بعضهم يقول:ألالك،الكاف للخطاب.

قال الكسائيّ:من قال:أولئك فواحده:ذلك،و من قال:ألاك فواحده:ذاك،و ألالك مثل اولئك.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قالوا:أولئك،في غير العقلاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:181)

أبو حيّان: (اولئك)اسم إشارة للجمع،يشترك فيه المذكّر و المؤنّث،و المشهور عند أصحابنا أنّه للرّتبة القصوى كأولالك.و قال بعضهم:هو للرّتبة الوسطى، قاسه على«ذا»حين لم يزيدوا في الوسطى عليه حرف الخطاب،بخلاف أولالك.

و يضعّف قوله كون هاء التّنبيه لا تدخل عليه، و كتبوه بالواو فرقا بينه و بين إليك،و بني لافتقاره إلى حاضر يشار إليه به،و حرّك لالتقاء السّاكنين،و بالكسر على أصل التقائهما.(1:43)

ص: 43

2- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ. محمّد:22،23

الطّبريّ: هؤلاء الّذين يفعلون هذا،يعني الّذين يفسدون و يقطّعون الأرحام الّذين لعنهم اللّه،فأبعدهم من رحمته.(26:57)

الفخر الرّازيّ: إشارة لمن سبق ذكرهم من المنافقين،أبعدهم اللّه عنه أو عن الخير فأصمّهم، فلا يسمعون الكلام المستبين،و أعماهم فلا يتّبعون الصّراط المستقيم،و فيه ترتيب حسن.(28:64)

أبو حيّان:(اولئك)إشارة إلى مرضى القلوب فأصمّهم عن سماع الموعظة،و أعمى أبصارهم عن طريق الهدى.(8:82)

البروسويّ: إشارة إلى المخاطبين بطريق الالتفات، إيذانا بأنّ ذكر إهانتهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب،و حكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم.و هو مبتدأ، خبره قوله تعالى: اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ. (8:517)

مثله الآلوسيّ.(26:69)

الطّباطبائيّ: الإشارة إلى المفسدين في الأرض المقطّعين للأرحام.و قد وصفهم اللّه بأنّه لعنهم فأصمّهم، و أذهب بسمعهم فلا يسمعون القول الحقّ،و أعمى أبصارهم فلا يرون الرّأي الحقّ.(18:240)

الأصول اللّغويّة

1-لقد لفّق اللّغويّون بين«أ ل و»و«أ ل ي»، و دمجوهما في مادّة«أ ل و»كما فعل الجوهريّ،أو في مادّة «أ ل ي»كما فعل الأزهريّ.أمّا ابن فارس فقد تردّد في لاميهما،كما هو ديدنه في مثل هذه المواضع.

2-و الحقيقة أنّهما مادّتان منفصلتان.فما دلّ على الاجتهاد و التّقصير أو اليمين،فهو واويّ اللاّم،يقال:ألا يألو ألوا،و ألّى يؤلّي تألية،و ائتلى يأتلي ائتلاء،إذا قصّر و اجتهد.و يقال:ما ألوتك نصحا،و ما ألّيت عن الجهد في حاجتك،أي ما قصّرت.

و منه:آلى بمعنى حلف فإنّه جهد في تسجيل المطلوب،يقال:آلى يؤلي إيلاء،و تألّى يتألّى تألّيا:حلف و اجتهد.

و منه أيضا:الألوة-بتثليث الهمزة-و الأليّة،و هي اليمين،لأنّ صاحب اليمين بمثابة المقصّر،فيحلف صادقا أو كاذبا لدرء حالة التّقصير عنه.

و الألوّة-بفتح الهمزة و ضمّها-أي العود الّذي يتبخّر به،غير عربيّ-كما قيل-و لا يعرف في سائر اللّغات السّاميّة أيضا.و لعلّه معرّب اللّفظ الفارسيّ «ألو»،أي لهيب النّار (1)،فتصرّف العرب في لفظه، و تسامحوا في معناه،كما فعلوا ذلك في لفظ«هندسة»؛إذ أنّ أصله في الفارسيّة«أندازه»،أي مقياس الشّيء و مقداره (2).

3-و أمّا ما دلّ على النّعمة و القحط،فهو يائيّ اللاّم، بدليل الاشتقاق،يقال:ألي الرّجل يألى ألى فهو آلى،إذا كان عظيم العجز.و في التّثنية يقال:هما أليان و أليتان.

و الجمع يقال:كباش ألي و أليانات،و يقال أيضا:أليات.

ص: 44


1- راجع معجم دهخدا 8:103 بالفارسيّة.
2- المصدر السّابق 8:343.

و منه:الآلاء،و هي النّعم،واحدها«إلى»مثل معى، و«ألى»مثل قفى،و«إلي»مثل حسي،و«ألي»مثل رمي.

و منه أيضا:الألية،و هي ذنب الشّاة،لأنّها تكتنز عند ما يمرع الجناب (1)،و تكثر الأعشاب.فهي أمارة الخير و الخصب،مثل اللّبن أمارة الغنى و الرّخاء عند العرب.

و قالوا مجازا:ألية الإنسان،أي عجزه،و ألية الإبهام أو الخنصر،أي اللّحمة الّتي تحته،و ألية القدم،أي مؤخّر الموطئ،و ألية السّاق:عضلتها،و ألية الحافر:مؤخّره.

و منه:الألية،و هي المجاعة و الجدب،فهذا نقيض النّعمة في اليائيّ،كالاجتهاد و التّقصير في الواويّ.

4-و من«أ ل ي»أيضا لفظ«ألى»،«الّذين»،كما قرّره ابن سيدة،حذوا لسيبويه،و عليه سائر اللّغويّين.

و أمّا«ألو»و«ألات»و«ألاء»و«هؤلاء» و«أولئك»،فهي من«أ ل و»،كما يرشد إليه اللّفظ.و قد ضبطت بهذا الشّكل في الإملاء الحديث،كما يلاحظ في «لسان العرب»و غيره،إلاّ لفظ«أولئك»،فإنّه مشترك بين رسم الخطّ القديم و الحديث،و لمزيد من التّفصيل لاحظ«أ و ل».

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد الألو-الواويّ-ثلاث مرّات في القرآن:

لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ البقرة:226

وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَ الْمَساكِينَ النّور:22

يلاحظ أوّلا:أنّ معنى هذه الآيات لا يخرج عن نطاق التّقصير،فقد أطبق المفسّرون على أنّ الأولى بمعنى التّقصير،و اتّفقوا اجماعا على أنّ الثّانية بمعنى الحلف، و اختلفوا في الثّالثة؛إذ فسّروها بالحلف تارة،و بالتّقصير تارة أخرى.

ثانيا:و للحدّ من جور المسلمين و تسديدهم،نهاهم اللّه تعالى عن اتّخاذ البطانة من غيرهم في الآية الأولى، لأنّهم لا يألونهم خبالا،أي لا يقصّرون فيهم فسادا، و عن الحلف أو التّقصير في الإنفاق على الأقرباء و المحتاجين في الثّالثة.و حدّد لهم مدّة الإيلاء بأربعة أشهر في الثّانية،كي لا يتجاوز هذه المدّة؛إذ كان إيلاء العرب في الجاهليّة السّنة و السّنتين.

ثالثا:أنّ الحكم في الأولى و الثّانية عامّ نزولا و تشريعا،يسري إلى جميع المكلّفين في كلّ زمان و مكان،أمّا الحكم في الثّالثة فخاصّ نزولا و عامّ تشريعا،فهو و إن نزل بشأن فرد-و هو أبو بكر على رواية-و بشأن جماعة من الصّحابة على رواية أخرى- و يؤيّده صيغة الجمع-غير أنّ الآية تتناول الأمّة إلى يوم القيامة؛و ذلك بأن لا يغتاظ ذو فضل وسعة،فيحلف ألاّ ينفع من هذه صفته غابر الدّهر (2).

2-و جاء الألى-اليائيّ-جمعا(34)مرّة:

فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ الأعراف:69

ص: 45


1- يمرع الجناب:يخصب المكان.
2- لاحظ القرطبيّ 12:207.

فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الأعراف:74

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى النّجم:55

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الرّحمن:13-77، (31)مرّة.

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات الثّلاث الأول جاءت ضمن سرد حكاية الأقوام الكافرة و إهلاكها،فقد وردت الأولى ضمن قصّه نوح مع قومه،ثمّ إهلاكهم،و إرسال هود إلى عاد،و إهلاكهم أيضا.و جاءت الثّانية خلال قصّة صالح مع قومه ثمود،ثمّ إهلاكهم.و الثّالثة عقب الإخبار بإهلاك قوم نوح و عاد و ثمود و أصحاب المؤتفكة.

و ثانيا:عدّ اللّه تعالى في هذه الثّلاث إهلاك الجيل الّذي سلف نعمة للجيل الّذي خلف،و تتجلّى هذه النّعمة في خلافة الأسلاف في الأرض،و استثمار منافعها،و زيادة علمهم،كما صرّح في آيتي الأعراف(69 و 74)؛إذ قال في الأولى خطابا لقوم عاد: وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، و قال في الثّانية خطابا لقوم ثمود:

وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.

و لم يذكر الاستخلاف في الأرض في آية النّجم،رغم أنّ مشركي مكّة هم أخلاف عاد و ثمود الّذين كانوا يسكنون أعالي الحجاز،كما أثبتت الحفريّات الأثريّة الحديثة.بيد أنّه ذكر في مواضع أخرى من القرآن،منها قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ* ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يونس:13،14،علما بأنّ اللّه تعالى كلّما منّ على أمّة بخلافة الأرض أهلكها لعصيانها،إلاّ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و سيأتي تفصيل ذلك في مادّة«خ ل ف».

و ثالثا:تكرّرت الآية الرّابعة(31)مرّة في سورة الرّحمن،و هذا العدد يقارب نصف آيات هذه السّورة.

و قد بحث المفسّرون كثيرا حول هذا التّكرار،كما سبق في النّصوص.و نحن لا نرى هذا التّكرار إلاّ إمعانا في التّوبيخ و التّقريع للإنس و الجنّ،و ليس تعدادا لنعم اللّه عليهما فقط-كما قالوا-إذ سبقت هذه الآية آيات،تنذرهما عذابا،و تعدّهما شرّا،كقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ الرّحمن:43،و إن تكلّفوا توجيهها- لاحظ النّصوص-و ليس أيضا تناسقا مع رءوس الآي فحسب-كما قيل-إذ التّناسق في رءوس الآي و إن كان موجودا،إلاّ أنّه لا يوجب التّكرار.

و رابعا:أنّ السّور الثّلاث الّتي ورد فيها هذا اللّفظ تتضمّن التّهديد و الوعيد،سوى سورة الرّحمن،فغلب عليها جانب الوعد و الرّحمة؛فسورة الأعراف تغلب عليها العظات و الحكايات و التّرهيب و التّرغيب.و تبدأ سورة النّجم بمدح النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ ذمّ المشركين،و تنتهي بالتّهديد و الوعيد.أمّا سورة الرّحمن فتعدّ أوّل الأمر منن اللّه تعالى على الإنسان،و تعقّب ذلك بالتّهديد و الوعيد، ثمّ تنتهي بوصف الجنّة و أهلها.

ص: 46

3-جاء(اولاء)في القرآن مرّتين:

ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ آل عمران:119

قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى طه:84

و قد ذكر المفسّرون-كما سبق في النّصوص-لهذه الكلمة وجهين:

الأوّل:أنّها اسم إشارة،ثمّ اختلفوا في المشار إليهم و في إعرابه في الآيتين؛ففي الأولى قيل:إنّ(ها انتم اولاء)مبتدأ،أي أنتم أولئك الخاطئون،و(تحبّونهم)في موضع حال عن(اولاء)أو استئناف،أو خبر عن(انتم) و(أولاء)بدل عن(انتم)،أو هو منادى،و حذف حرف النّداء،لدلالة الكلام عليه،كقوله تعالى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا يوسف:29،أو مبتدإ ثان،و(تحبّونهم) خبر عنه،و الجملة خبر عن(انتم).هذا كلّه بناء على أنّ المراد ب(أولاء)المؤمنون.

و أمّا لو أريد بها المنافقون،فمحلّه نصب،من قبيل «أنت زيدا تحبّه و لا يحبّك»،فهو منصوب بعامل مقدّر، يفسّره(تحبّونهم)،فيكون من باب الاشتغال،أي أنتم و هؤلاء مختلفون قلبا،فأنتم تحبّونهم،و هم لا يحبّونكم.

و عليه،فيكون(انتم)مبتدأ،و ما بعده جملة خبره.

و كذلك قيل في الآية الثّانية:إنّ(هم اولاء)مبتدأ و خبر،و(على اثرى)حال،و العامل فيه معنى الإشارة، أو خبر بعد خبر.أو(اولاء)بدل عن(هم)،و(على أثرى)خبر عن(هم).

الثّاني:أنّ(اولاء)في الآيتين اسم موصول بمعنى «الّذين»خبر للمبتدإ،و ما بعدها صلة لها.و عليه،فالمراد ب(انتم اولاء):المؤمنون.و هذا هو الأقرب عندنا،لكنّه يحتاج إلى إقامة شواهد من غير القرآن،على أنّ(أولاء) و(هؤلاء)جاءا موصولين.

و جاء(هؤلاء)(26)مرّة في القرآن اسم إشارة إلى الجمع الغائب،منها أربع مرّات في سياق (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) :

1- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ البقرة:85

2- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ

آل عمران:66

3- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا النّساء:109

4- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ محمّد:38

و قد اختلفت في هذه الآيات كلمة المفسّرين حول موضع(هؤلاء)إعرابا،مع اتّفاقهم على أنّ المراد ب(هؤلاء)نفس المراد ب(انتم)،و هو مبتدأ،و(هؤلاء) تأكيد له،أو منادى بتقدير:يا هؤلاء،فيكون ما بعده خبر المبتدإ،أو بجعل(هؤلاء)موصولا،و ما بعده صلة له، و الجملة خبر.و هناك وجوه أخرى بعيدة عن الذّوق العربيّ،فلاحظ النّصوص.

و القول الأخير أولى بالصّواب لو ثبت مجيء (هؤلاء)موصولا،كما قلنا في(اولاء)،إلاّ أنّه يستشكل عليه بأنّهما لو كانا موصولين،لوجب الإتيان بضمير الغيبة في الصّلة،راجعا إلى الموصول،و الحال أنّ الضّمير في جميع الآيات السّتّ في(اولاء)و(هؤلاء)ضمير خطاب،و ما زال باب البحث مفتوحا.

ص: 47

ص: 48

إلياس،إلياسين

اشارة

لفظان مكّيّان ثلاث مرّات في سورتين مكّيّتين

إلياس 2:2\إلياسين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الجوهريّ: إلياس:اسم أعجميّ و قد سمّت العرب به،و هو إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان.(3:904)

الجواليقيّ: أسماء الأنبياء كلّها أعجميّة نحو:

إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و إلياس و إدريس و إسرائيل و أيّوب،إلاّ أربعة أسماء،و هي:آدم و صالح و شعيب و محمّد.(61)

ابن الأنباريّ: إلياس،بكسر الهمزة،و جعله موافقا لاسم النّبيّ.و في اشتقاقه أقوال:

منها:أن يكون فعيالا من«الألس»و هي الخديعة.

منها:أنّ«الألس»اختلاط العقل.

منها:أنّه إفعال من قولهم:رجل أ ليس،و هو الشّجاع الّذي لا يفرّ.(السّهيليّ 1:9)

ابن الطّيّب: هو فعيال من«الألس»و هو الخديعة و الخيانة،أو من«الألس»و هو اختلاط العقل.و قيل:هو إفعال من«ليس»يقال:رجل أ ليس،أي شجاع لا يفرّ.

أو أخذوه من ضدّ الرّجاء،و مدّوه.و إلياس بن مضر في التّحتيّة،و هو اسم عبرانيّ.(الزّبيديّ 4:97)

المصطفوي: إنّ كلمة«إيليّا»قد ضبطت في التّوراة العبريّة هكذا أي إليّاهو، و في الفارسيّة بخطّ العبريّ مثلها،و في الفارسية ترجمة فاضل خان هكذا إيلياه،و في العربيّة طبع«1811 م» هكذا إيليا،و في يوحنّا إيلياء،و في أغلب النّسخ المتأخّرة المترجمة هكذا إيليّا.

و أمّا كلمة«إلياس»فالظّاهر أنّها معرّبة من إليّاهو، أو إيلياه أو إيلياء.و حرف السّين تلحق أواخر الأسماء في اليونانيّة كثيرا كما في هرمس،ديوجانس، ديوغانس،هيردوطس،يولياس،طيطوس.

ص: 49

و توجد في الكلمات المعرّبة و غيرها كثيرا،كما في إبليس،برجيس،بلقيس،جرجيس،سندوس، عبدوس،طمروس،طرابلس،طرطوس،طغموس، جرنفس.راجع باب ما آخره السّين من قاموس اللّغة تجد فيها لغات كثيرة من هذا القبيل.

و إلحاق السّين في غالب موارده إمّا للوقف و السّكت كالهاء،و إمّا للدّلالة على العظمة و المبالغة و الكثرة و الزّيادة.(1:113)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

إلياس

1- وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ .الأنعام:85

ابن مسعود: إدريس هو إلياس،و إسرائيل هو يعقوب.(الطّبريّ 7:261)

كعب: هو الخضر.(الطّبرسيّ 2:33)

الضّحّاك: كان إلياس من ولد إسماعيل.

(القرطبيّ 7:32)

وهب بن منبّه: ابن يرد بن مهلائيل بن أنوش بن قينان بن آدم،و هو جدّ نوح.

مثله ابن اسحاق.(الآلوسيّ 7:214)

ابن اسحاق: هو إلياس بن سناس ابن فنحاص بن العيزار بن عمران.(الخازن 2:128)

الطّبريّ: و اختلفوا في(إلياس)،فكان ابن إسحاق يقول:هو إلياس بن يسّى بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران،ابن أخي موسى نبيّ اللّه،و كان غيره يقول:هو إدريس.

و أمّا أهل الأنساب فإنّهم يقولون:إدريس جدّ نوح ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ،و أخنوخ هو إدريس بن يرد بن مهلائيل.

و الّذي يقول أهل الأنساب أشبه بالصّواب؛و ذلك أنّ اللّه تعالى نسب إلياس في هذه الآية إلى نوح و جعله من ذرّيّته،و نوح ابن إدريس عند أهل العلم فمحال أن يكون جدّ أبيه منسوبا إلاّ أنّه من ذرّيّته.(7:261)

إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.و قال محمّد بن إسحاق:ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قبض حزقيل،و عظمت في بني إسرائيل الأحداث، و نسوا ما كان من عهد اللّه إليهم حتّى نصبوا الأوثان و عبدوها من دون اللّه،فبعث اللّه إليهم إلياس بن ياسين ابن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيّا.

و إنّما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التّوراة،فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل،يقال له:«أحاب» (1)و كان اسم امرأته«أزبل» (2)و كان يسمع منه و يصدّقه،و كان إلياس يقيم له أمره،و كان سائر بني إسرائيل قد اتّخذوا

ص: 50


1- و قد جاءت كلمة«أحاب»في الكامل لابن الأثير 1:118،«أخاب»بالخاء المعجمة و في العرائس للثّعلبيّ: 176،«لاجب»و في كشف الأسرار للميبديّ 8:294، «إجب»و في البدء و التّاريخ للمقدسيّ 3:99،«آحب» و في المعارف لابن قتيبة:53،«أحب».
2- و قد جاء في البدء و التّاريخ للمقدسيّ(3:99)و المعارف لابن قتيبة:(97)،«أزبيل».

صنما يعبدونه من دون اللّه،يقال له:بعل.و قال ابن إسحاق:و قد سمعت بعض أهل العلم يقول:ما كان بعل إلاّ امرأة يعبدونها من دون اللّه،يقول اللّه لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ... وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الصّافّات:123- 126،فجعل إلياس يدعوهم إلى اللّه عزّ و جلّ،و جعلوا لا يسمعون منه شيئا إلاّ ما كان من ذلك الملك،و الملوك متفرّقة بالشّأم كلّ ملك له ناحية منها يأكل.

فقال ذلك الملك الّذي كان إلياس معه يقوم له بأمره و يراه على هدى من بين أصحابه يوما:يا إلياس و اللّه ما أرى ما تدعو إليه إلاّ باطلا،و اللّه ما أرى فلانا و فلانا يعدّ ملوكا من ملوك بني إسرائيل،قد عبدوا الأوثان من دون اللّه إلاّ على مثل ما نحن عليه،يأكلون و يشربون و يتنعّمون،مملكين ما ينقص دنياهم أمرهم الّذي تزعم أنّه باطل،و ما نرى لنا عليهم من فضل فيزعمون،و اللّه أعلم:أنّ إلياس استرجع و قام شعر رأسه و جلده،ثمّ رفضه و خرج عنه ففعل ذلك الملك فعل أصحابه عبد الأوثان،و صنع ما يصنعون،فقال إلياس:اللّهمّ إنّ بني إسرائيل قد أبوا إلاّ الكفر بك و العبادة لغيرك فغيّر ما بهم من نعمتك.[إلى أن قال:]

إنّه أوحي إليه:إنّا قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدك و إليك حتّى تكون أنت الّذي تأمر في ذلك،فقال إلياس:اللّهمّ فامسك عنهم المطر،فحبس عنهم ثلاث سنين حتّى هلكت الماشية و الدّوابّ و الهوامّ و الشّجر،و جهد النّاس جهدا شديدا.

و كان إلياس فيما يذكرون حين دعا بذلك على بني إسرائيل قد استخفى شفقا على نفسه منهم و كان حيث ما كان وضع له رزق،فكانوا إذا أوجدوا ريح الخبز في دار أو بيت قالوا:لقد دخل إلياس هذا المكان فطلبوه، و لقي أهل ذلك المنزل منهم شرّا.

ثمّ إنّه أوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له:اليسع بن أخطوب،به ضرّ فآوته و أخفت أمره، فدعا إلياس لابنها فعوفي من الضّرّ الّذي كان به،و أتبع اليسع إلياس فآمن به و صدّقه و لزمه،فكان يذهب معه حيثما ذهب،و كان إلياس قد أسنّ و كبر،و كان اليسع غلاما شابّا.

فيزعمون،و اللّه أعلم:أنّ اللّه أوحى إلى إلياس أنّك قد أهلكت كثيرا من الخلق ممّن لم يعص سوى بني إسرائيل،ممّن لم أكن أريد هلاكه بخطايا بني إسرائيل، من البهائم و الدّوابّ و الطّير و الهوامّ و الشّجر،بحبس المطر عن بني إسرائيل.

فيزعمون،و اللّه أعلم أنّ إلياس قال:أي ربّ دعني أكن أنا الّذي أدعو لهم به،و أكن أنا الّذي آتيهم بالفرج ممّا هم فيه من البلاء الّذي أصابهم لعلّهم أن يرجعوا و ينزعوا عمّا عليه من عبادة غيرك.قيل له:نعم،فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال لهم:إنّكم قد هلكتم جهدا و هلكت البهائم و الدّوابّ و الطّير و الهوامّ و الشّجر بخطاياكم،و إنّكم على باطل و غرور.[إلى أن قال:]

ثمّ قالوا لإلياس:يا إلياس إنّا قد هلكنا فادع اللّه لنا، فدعا لهم إلياس بالفرج ممّا هم فيه و أن يسقوا، فخرجت سحابة مثل التّرس بإذن اللّه على ظهر البحر و هم ينظرون ثمّ ترامى إليه السّحاب،ثمّ أدجنت ثمّ

ص: 51

أرسل اللّه المطر فأغاثهم؛فحييت بلادهم و فرّج عنهم ما كانوا فيه من البلاء،فلم ينزعوا و لم يرجعوا،و أقاموا على أخبث ما كانوا عليه.

فلمّا رأى ذلك إلياس من كفرهم دعا ربّه أن يقبضه إليه فيريحه منهم،فقال له فيما يزعمون:انظر يوم كذا و كذا،فاخرج فيه إلى بلد كذا و كذا،فما جاءك من شيء فاركبه و لا تهبه،فخرج إلياس و خرج معه اليسع بن أخطوب حتّى إذا كان بالبلد الّذي ذكر له في المكان الّذي أمر به،أقبل فرس من نار حتّى وقف بين يديه فوثب عليه فانطلق به،فناداه اليسع:يا إلياس يا إلياس ما تأمرني،فكان آخر عهدهم به،فكساه اللّه الرّيش و ألبسه النّور و قطع عنه لذّة المطعم و المشرب،و طار في الملائكة،فكان إنسيّا ملكيّا أرضيّا سمائيّا.

ثمّ قام بعد إلياس بأمر بني إسرائيل اليسع.

(تاريخ الأمم و الملوك 1:325)

المقدسيّ: قصّة إلياس،هو إلياس بن العادر من ولد يوشع بن نون.و كان ابن إسحاق يقول:هو إلياس بن يسّى من ولد هارون بن عمران،يقال له:إلياس و إلياسين و إدرياسين،:هو ذو الكفل بعينه.بعثه اللّه بعد حزقيل إلى ملك ببعلبكّ يقال له:آحب،و له امرأة يقال لها:أزبيل،كان يستخلفها على ملكه إذا غاب،قتّالة للأنبياء عابدة للأصنام،و لهم صنم عظيم اسمه بعل، فكذّبوه و عصوه و نفوه.فأمسك اللّه عنهم السّماء حتّى أجهدهم الجوع،فطلبوا إلياس كلّ مطلب يعنتوه و يراجعوه فيدعو لهم.

و كان اليسع بن أخطوب تلميذ إلياس،فبعثه اللّه إليهم:إن أردتم أن يكشف اللّه عنكم الضّرّ فدعوا عبادة الأصنام،قال:فآمنوا و صدّقوا،فرفع اللّه عنهم البلاء و عاشوا،ثمّ عادوا إلى كفرهم،فدعا إلياس أن يريحه منهم.

ذكر الاختلاف في هذه القصّة:زعموا أنّ إلياس كان سيّاحا يأكل الحشيش الأخضر حتّى يرى ذلك في أمعائه من وراء حجاب أضلاعه،و لمّا كفروا به أوحى اللّه إليه:قد جعلت رزقهم بيدك،فحبس عنهم القطر ثلاث سنين حتّى أكلوا الجيف و الكلاب الميتة،فلمّا عادوا إلى كفرهم بعد إيمانهم به،سأل ربّه أن يرفعه من بينهم،فأتاه فجأة دابّة لونها لون النّار،فوثب عليها فانطلقت به، و ناداه تلميذه:اليسع:بم تأمرني؟قال:بطاعة اللّه و العهد، و كساه اللّه الرّيش،و قطع عنه لذّة المطعم و المشرب، و جعله أرضيّا سماويّا ملكيّا إنسيّا.

قال الحسن: هو موكّل بالفيافي،و الخضر بالبحار، يجتمعان بالمواسم في كلّ عام.(3:99)

البغويّ: اختلفوا فيه[إلياس]قال ابن مسعود:هو إدريس و له اسمان،مثل يعقوب و إسرائيل.و الصّحيح أنّه غيره،لأنّ اللّه تعالى ذكره من ولد نوح.و إدريس جدّ أبي نوح،و هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران.(2:128)

الميبديّ: قال قوم:إنّ إلياس هو إدريس،و هذا غير صحيح،لأنّ اللّه تعالى نسب إلياس في هذه الآية إلى نوح و عدّه من أبنائه.و المشهور أنّ نوحا من أبناء إدريس،فهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس،الّذي يقال له:أخنوخ.

ص: 52

القول الصّحيح هو أنّ إلياس من أبناء هارون،و هو إلياس بن بشر بن فينحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.(3:415)

نحوه الخازن.(2:128)

الفخر الرّازي: إن قيل:رعاية التّرتيب واجبة، و التّرتيب إمّا أن يعتبر بحسب الفضل و الدّرجة و إمّا أن يعتبر بحسب الزّمان و المدّة،و التّرتيب بحسب هذين النّوعين غير معتبر في هذه الآية فما السّبب فيه؟.

قلنا:الحقّ أنّ حرف الواو لا يوجب التّرتيب،و أحد الدّلائل على صحّة هذا المطلوب هذه الآية،فإنّ حرف الواو حاصل هاهنا مع أنّه لا يفيد التّرتيب البتّة، لا بحسب الشّرف و لا بحسب الزّمان.

و أقول:عندي فيه وجه من وجوه التّرتيب،و ذلك لأنّه تعالى خصّ كلّ طائفة من طوائف الأنبياء بنوع من الإكرام و الفضل.

فمن المراتب المعتبرة عند جمهور الخلق:الملك و السّلطان و القدرة،و اللّه تعالى قد أعطى داود و سليمان من هذا الباب نصيبا عظيما.[إلى أن قال:]

و المرتبة الخامسة:الزّهد الشّديد و الإعراض عن الدّنيا،و ترك مخالطة الخلق،و ذلك كما في حقّ زكريّا و يحيى و عيسى و إلياس،و لهذا السّبب وصفهم بأنّهم من الصّالحين.(13:64)

البيضاويّ: قيل:هو إدريس جدّ نوح عليهما السّلام، فيكون البيان مخصوصا بمن في الآية الأولى.و قيل:هو من أسباط هارون أخي موسى.(1:319)

أبو حيّان: قرن بينهم لاشتراكهم في الزّهد الشّديد و الإعراض عن الدّنيا،و بدأ بزكريّا و يحيى لسبقهما عيسى في الزّمان،و قدّم زكريّا لأنّه والد يحيى،فهو أصل و يحيى فرع.و قرن عيسى و إلياس لاشتراكهما في كونهما لم يموتا بعد.و قدّم عيسى،لأنّه صاحب كتاب و دائرة متّسعة.

و تقدّم ذكر أنساب هؤلاء الأنبياء إلاّ إلياس،و هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.و روي عن ابن مسعود:أنّ إدريس هو إلياس، و ردّ ذلك بأنّ إدريس هو جدّ نوح عليهما السّلام،تظافرت بذلك الرّوايات.و قيل:إلياس هو الخضر.و قرأ ابن عبّاس- باختلاف عنه-و الحسن و قتادة بتسهيل همزة إلياس.(4:173)

الفيروزآباديّ: إلياس اسم أعجميّ كسائر أشكاله،لا مجال للعربيّة فيه،و إلياسين المذكور في التّنزيل إشارة إلى إلياس و أتباعه،و الّذي يقرأ (آل ياسين) المراد إلياس و أتباعه أيضا،لأنّ نسبه:إلياس بن ياسين بن عيزار بن هارون بن عمران.

و قيل:(آل ياسين)المراد به آل مصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم و لكن فيه ضعف من حيث المعنى،فإنّه لا مناسبة بينه و بين ما قبله.

و كان إلياس من أنبياء بني إسرائيل،أرسل إلى قوم كانوا ببعلبكّ،و كانوا يعبدون صنما سمّوه بعلا و بلغ قومه في إيذائه و جفائه الغاية،و عاقبهم اللّه تعالى أنواعا من العقوبة.و كانوا يلجئون إلى إلياس،فكان يسأل اللّه لهم العفو فيأتيهم الفرج بدعائه.إلى أن ملّ إلياس من أذاهم و نقض عهدهم،فتضرّع إلى اللّه تعالى و سأله الخلاص

ص: 53

من مقاساتهم،فأذن له في مفارقتهم،و سلبه شهوة الطّعام و الشّراب حتّى يطبّع كطبع الملك،فصار إنسيّا ملكيّا أرضيّا سماويّا،شرقيّا غربيّا،برّيّا بحريّا،مثل أخيه الخضر.

قد دعاه اللّه تعالى في القرآن بخمسة أسماء:مؤمن:

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الصّافّات:132،محسن:

إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:131، إلياسين: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّات:130، إلياس و مرسل: وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:123(بصائر ذوي التّمييز:6:78)

المجلسيّ: [بعد نقل روايات بشأن إلياس و إيليا قال:]

لا يبعد اتّحاد إلياس و إليا،لتشابه الاسمين و القصص المشتملة عليهما.(13:400)

الآلوسيّ: قال ابن إسحاق في المبتدإ:هو ابن يس ابن فنحاص بن العيزار بن هارون،أخي موسى بن عمران عليهم السّلام.

و حكى القتيبيّ: أنّه من سبط يوشع،و قيل:من ولد إسماعيل عليه السّلام.

و عن ابن مسعود: أنّه إدريس،و هو-على ما قال ابن إسحاق-ابن يرد بن مهلائيل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم،و هو جدّ نوح،كما أشرنا إليه.و روي ذلك عن وهب بن منبّه.

و في المستدرك عن ابن عبّاس أنّه كان بين نوح و إدريس ألف سنة،و على القول بأنّه قبل نوح يكون البيان مختصّا بمن في الآية الأولى.(7:314)

محمّد إسماعيل ابراهيم: إلياس نبيّ من أنبياء بني إسرائيل من نسل هارون عليه السّلام،أرسله اللّه تبارك و تعالى إلى قومه بني إسرائيل.و يرى بعض المفسّرين أنّه هو ذو الكفل.(44)

المصطفويّ: «المعارف»:إلياس هو من سبط يوشع ابن نون،بعثه اللّه إلى بعلبكّ،و كانوا يعبدون صنما يقال له:بعل،و ملكهم أحب و امرأته أزبيل،و كان يستخلفها على ملكه إذا غاب.

الملوك الأوّل 17:و قال إيليّا التّشبيّ-من مستوطني جلعاد-لأخآب حيّ هو الرّبّ إله إسرائيل الّذي وقفت أمامه،إنّه لا يكون طلّ و لا مطر في هذه السّنين إلاّ عند قولي.

و في 16:29:و ملك آخاب بن عمريّ على اسرائيل في السّامرة اثنتين و عشرين سنة حتّى اتّخذ إيزابل ابنة اثبعل ملك الصّيدونيّين امرأة،و سار و عبد البعل،و سجد له.

و في 19:19:فذهب إيليّا من هناك و وجد اليشع بن شافاط يحرث،و اثني عشر فدّان بقر قدّامه و هو مع الثّاني عشر،فمرّ إيليّا به و طرح رداءه عليه،فترك البقر و ركض وراء إيليّا.

الملوك الثّاني 2:9:و لمّا عبرا قال إيليّا لأليشع:

أطلب ما ذا أفعل لك.و فيما هما يسيران و يتكلّمان،إذا مركبة من نار و خبل من نار ففصل بينهما،فصعد إيليّا في العاصفة إلى السّماء،و كان اليشع يرى و هو يصرخ:

يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل و فرسانها،و لم يره بعد...

يوحنّا 1:19:هذه هي شهادة يوحنّا حين أرسل

ص: 54

اليهود من أورشليم كهنة و لاويّين ليسألوه من أنت؟ فسألوه إذا ما ذا،إيليّا أنت؟فقال:لست أنا،النّبيّ أنت؟ فأجاب لا.

يظهر من هذه الكلمات أنّ كهنة أورشليم كانوا ينتظرون ظهور المسيح،و ظهور إيليّا،و رجعته بعد ما رفع إلى السّماء،و ظهور النّبيّ المطلق،و هو نبيّ الإسلام.

وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ الأنعام:85.

فقد عدّ(الياس)في رديف زكريّا و يحيى و عيسى، اشارة إلى أنّ هدايته و اجتباءه و تفضيله كان من نوع هدايتهم عليهم السّلام،ثمّ قال: وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ الأنعام:86،فذكرهم في رديف واحد.

و هذا المعنى منظور في كلّ مورد ذكرت أسماء الأنبياء عليهم السّلام في مقام ذكر فضلهم و اجتبائهم و هدايتهم، و كيفيّة سلوكهم و العمل برسالتهم.و ليس في الآيات دلالة على تقدّم زمانهم أو تأخّره،فإنّه أمر مادّيّ تاريخيّ لا ربط فيه إلى النّبوّة و الرّسالة و الهداية و التّبليغ.

فيستفاد من الآية الكريمة أنّ إلياس عليه السّلام كان في حال التّجرّد و الانقطاع و التّوجّه التّامّ و التّبتّل الخالص و العبوديّة الكاملة.(1:113)

2- وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الصّافّات:123

ابن مسعود:إنّ إلياس هو إدريس،له اسمان كما ليعقوب اسمان:إسرائيل و يعقوب.(الميبديّ 8:294) مثله قتادة،و محمّد بن إسحاق،و الضّحّاك.

(ابن كثير 6:33)

ابن عبّاس: هو من أنبياء بني إسرائيل،من ولد هارون بن عمران بن عمّ اليسع.

مثله محمّد بن إسحاق.(الطّبرسيّ 4:457)

وهب بن منبّه:أنّه ذو الكفل.

(الطّبرسيّ 4:457)

مثله الكرمانيّ.(الآلوسيّ 23:139)

ابن اسحاق:هو من ولد هارون،و هو اسم نبيّ، و هو أعجميّ،فلذلك لم ينصرف.و لو جعل«إفعالا»من الأليس،و هو الشّجاع الجريء،لجاز.

(الطّوسيّ 8:525)

الفرّاء: ذكر أنّه نبيّ،و أنّ هذا الاسم اسم من أسماء العبرانيّة،كقولهم:إسماعيل و إسحاق،و الألف و اللاّم منه.و لو جعلته عربيّا من الأليس،فتجعله«إفعالا»،مثل الإخراج و الإدخال،،لجرى.

و قد قرأ بعضهم (و إنّ اليأس) يجعل اسمه يأسا، أدخل عليه الألف و اللاّم.(2:391)

ابن حنبل:إنّ إلياس هو إدريس.

خمسة من الأنبياء لهم اسمان:إلياس هو إدريس، و يعقوب هو إسرائيل،و يونس هو ذو النّون،و عيسى هو المسيح،و محمّد و هو أحمد.(البروسويّ 7:481)

أبو زرعة: قرأ ابن عامر (و إنّ إلياس) بغير همز، و قرأ الباقون (و إنّ إلياس) بالهمز،جعلوا أوّل الاسم على هذه القراءة الألف،كأنّه من نفس الكلمة،تقول:إلياس، كما تقول:إسحاق و إبراهيم.و حجّته قوله بعدها: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (609)

الطّوسيّ: كلّهم قرأ (و إنّ إلياس) بقطع الهمزة إلاّ

ص: 55

أنّ أبا عامر،فإنّه فصل الهمزة و أسقطها في الدّرج،فإذا ابتدأ فتحها،قال أبو عليّ النّحويّ:يجوز أن يكون حذف الهمزة حذفا،كما حذفها أبو جعفر في قوله: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ المدّثّر:35،و يحتمل أن تكون الهمزة الّتي تصحب لام التّعريف و هي تسقط في الدّرج،و أصله «ياس».

أخبر اللّه تعالى أنّ(إلياس)من جملة من أرسله اللّه إلى خلقه نبيّا داعيا إلى توحيده و طاعته،حين قال لقومه: أَ لا تَتَّقُونَ الصّافّات:124.(8:524)

الميبديّ: قال عبد اللّه بن مسعود:(إلياس)هو إدريس نفسه،و له اسمان كما ليعقوب اسمان:إسرائيل و يعقوب.و جاء في مصحف ابن مسعود:(و انّ ادريس لمن المرسلين)و به قال عكرمة.

و أمّا جمهور المفسّرين فقد قالوا:إنّه كان من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى،و هو من أبناء هارون،و هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

و قيل:هو ابن عمّ اليسع،و كانت بعثته بعد حزقيل النّبيّ،و لمّا قضى حزقيل نحبه طغى بنو إسرائيل و عاثوا فسادا،فعبد سبط منهم صنما يسمّى«بعلا»في ناحية من نواحي الشّام تدعى«بعل بكّ»و به سمّيت مدينتهم بعلبكّ.و كان طوله عشرون ذراعا،و له أربعة أوجه، و كان يدخل الشّيطان في جوفه و يكلّمهم فيوقعهم في الفتنة مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلا هادِيَ لَهُ الأعراف:186، و كان لهم ملك اسمه أجب،و له امرأة اسمها أزبيل،و كانت قتّالة للأنبياء،يقال:هي الّتي قتلت يحيى بن زكريّا.

و هذا الملك و امرأته و ذلك السّبط من بني إسرائيل الّذي اتّخذ من مدينة بعلبكّ مسكنا له عاكفين على عبادة البعل،فأرسل اللّه تعالى إليهم إلياس النّبيّ فدعاهم إلى توحيد اللّه،و لكن ما زادهم إلاّ نفورا،فتولّوا عنه و أجمعوا على قتله،فهرب إلياس منهم إلى الجبل،و لبث في غار سبع سنوات و كان يأكل حشائش الأرض و نباتها،و كان عيون الملك أجب طيلة هذه المدّة يبحثون عنه في كلّ مكان،و لكنّ اللّه حفظه و نجّاه منهم.

و بعد هذه المدّة خرج من مخبئه و أوى إلى بيت امرأة و هي أمّ يونس بن متّى،و كان يومذاك طفلا رضيعا فآوته تلك المرأة ستّة أشهر و تكفّلت بمعيشته.

و ورد في قصّته:أنّ يونس مات في صغره فجزعت أمّه عليه،و فزعت إلى إلياس قائلة:«أنت نبيّ اللّه و دعاؤك مستجاب فادع حتّى يحييه»فدعا إلياس ربّه فاستجاب اللّه دعاءه و أحيا يونس،و قفل إلياس راجعا إلى الجبل.و كان الملك و قومه يزدادون عتوّا و طغيانا على مرور الأيّام.

و لمّا علم الملك أجب و زوجته أزبيل بمخبإ إلياس، أرسلا إليه خمسين رجلا شجاعا ليلقوا القبض عليه بمكر و خديعة و من ثمّ يقتلوه،فوصل هؤلاء الخمسون إلى سفح الجبل،و نادوا بأعلى أصواتهم:يا أيّها النّبيّ إنّا آمنّا بك و بما أنزل إليك،و قد آمن بك الملك أجب أيضا و قومه و صدّقوك،و هم نادمون على ما بدا منهم،للّه عليك أخرج إلينا لكي نعتذر إليك.

فقال إلياس:اللّهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي أن أبرز إليهم،و إن كانوا كاذبين فاكفنيهم

ص: 56

و ارمهم بنار تحرقهم.

و ما استتمّ كلامه حتّى نزلت نار من السّماء و أحرقتهم فهلكوا،و بلغ خبر هلاكهم إلى أجب،فما اعتبر و لا رجع عن غيّه و كفره بل ازداد طغيانا و عصيانا،ثمّ دعا إلياس ربّه أن يبتليهم بالقحط و الجوع قائلا:اللّهم احبس عنهم قطر السّماء و بركات الأرض جزاء لما عملوا.

فأوحى اللّه إليه:«يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك و إن كانوا ظالمين،و لكن أعطيك مرادك ثلاث سنين» فلم تمطر السّماء و لم تخضرّ الأرض ثلاث سنين حتّى هلك بعض من النّاس و البهائم و الدّوابّ.

و كان مع إلياس غلام اسمه اليسع بن أخطوب قد آمن به،و كان تابعه يذهب معه أنّى يذهب،ثمّ أوحى اللّه إليه:«يا إلياس إنّك قد أهلكت كثيرا من الخلق ممّن لم يعص من البهائم و الدّوابّ و الطّيور و الهوامّ».

و بعد ذلك أنزل اللّه عليهم المطر فاخضرّ الجناب و أمرعوا.و لكنّهم ظلّوا مصرّين على كفرهم و شركهم، و أجمعوا على قتل إلياس،فدعا ربّه بأن يخلّصه منهم، فقيل له:اذهب إلى المكان الفلانيّ حتّى ترى فرسا تركب عليه و لا تخف.فجاء إلى الميعاد و رأى اليسع معه فرسا ناريّا،و قيل:لونه كلون النّار،فركب إلياس عليه فرفعه إلى السّماء،و قال اليسع:يا إلياس ما تأمرني؟فرمى إلياس إليه بكسائه من الجوّ،يعني جعلتك خليفتي على بني إسرائيل.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:إلياس موكّل بالفيافي،و الخضر موكّل بالبحار،و هما يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، و يوافيان الموسم في كلّ عام،و هما آخر من يموت من بني آدم؛فذلك قوله عزّ و جلّ:في سورة الصّافّات:123، 124 وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ عذاب اللّه بالإيمان به.(8:294)

الفخر الرّازيّ: قرأ ابن عامر: (و انّ إلياس) بغير همزة على وصل الألف،و الباقون بالهمزة و قطع الألف، قال أبو بكر بن مهران:من ذكر عند الوصل الألف فقد أخطأ،و كان أهل الشّام ينكرونه و لا يعرفونه.قال الواحديّ:و له وجهان:

أحدهما:أنّه حذف الهمزة من إلياس حذفا،كما حذفها ابن كثير من قوله: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ

و الآخر:أنّه جعل الهمزة الّتي تصحب اللاّم للتّعريف،كقوله:(و اليسع).(26:161)

أبو حيّان:قال ابن مسعود و قتادة:هو إدريس عليه السّلام.و نقلوا عن ابن مسعود و ابن وثّاب و الأعمش و المنهال بن عمر و الحكم بن عتيبة الكوفيّ أنّهم قرءوا (و انّ ادريس لمن المرسلين) .

و هي محمولة عندي على تفسيره،لأنّ المستفيض عن ابن مسعود أنّه قرأ (و انّ الياس) ،و أيضا تفسيره إلياس بأنّه إدريس لعلّه لا يصحّ عنه،لانّ إدريس في التّاريخ المنقول كان قبل نوح،و في سورة الأنعام ذكر إلياس و أنّه من ذرّية إبراهيم،أو من ذرّية نوح على ما يحتمله قوله تعالى: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ الأنعام:

84،و ذكر في جملة هذه الذّرّيّة إلياس.

و قيل:إلياس من أولاد هارون.

و قرأ الجمهور (و إنّ الياس) بهمزة قطع مكسورة،

ص: 57

و قرأ عكرمة و الحسن بخلاف عنهما،و الأعرج و أبو رجاء و ابن عامر و ابن محيصن بوصل الألف،فاحتمل أن يكون وصل همزة القطع،و احتمل أن يكون اسمه ياسا، و دخلت عليه«ال»كما دخلت على«اليسع».

و في حرف أبيّ و مصحفه (و إنّ ايليس) بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة بعدها لام مكسورة بعدها ياء ساكنة و سين مفتوحة.

و قرئ (و إنّ إدراس) لغة في إدريس،كإبراهام في إبراهيم.(7:373)

الآلوسيّ: قال الطّبري:هو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى عليهما السّلام،فهو إسرائيليّ من سبط هارون.و حكى القتيبيّ أنّه من سبط يوشع.و حكى الطّبرسيّ أنّه ابن عمّ اليسع و أنّه بعث بعد حزقيل،و في«العجائب»للكرمانيّ أنّه ذو الكفل،و عن وهب أنّه،عمّر كما عمّر الخضر،و يبقى إلى فناء الدّنيا.

و أخرج ابن عساكر عن الحسن:أنّه موكّل بالفيافي، و الخضر بالبحار و الجزائر،و إنّهما يجتمعان بالموسم في كلّ عام.و حديث اجتماعه مع النّبيّ في بعض الأسفار، و أكله معه من مائدة نزلت عليهما من السّماء-هي خبز و حوت و كرفس-و صلاتهما العصر معا.رواه الحاكم عن أنس،و قال:هذا حديث صحيح الإسناد و كلّ ذلك من التّعمير،و ما بعده لا يعوّل عليه.

و حديث الحاكم ضعّفه البيهقيّ.و قال الذّهبيّ:

موضوع،قبّح اللّه تعالى من وضعه،ثمّ قال:و ما كنت أحسب و لا أجوز أنّ الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحّح هذا.[إلى أن قال:]

و قرئ(إدراس)و هو لغة في إدريس،كإبراهام في إبراهيم.و إذا فسّر إلياس بإدريس على أنّ أحد اللّفظين اسم و الآخر لقب،فإن كان المراد بهما من سمعت نسبه فلا بأس به،و إن كان المراد بهما إدريس المشهور الّذي رفعه اللّه تعالى مكانا عليّا،و هو على ما قيل:أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم.و كان على ما ذكره المؤرّخون قبل نوح،و في«المستدرك»عن ابن عبّاس أنّ بينه و بين نوح ألف سنة،و عن وهب أنّه جدّ نوح،أشكل الأمر في قوله تعالى: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ* وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ الأنعام:83-86،لأنّ ضمير ذرّيّته إمّا أن يكون لإبراهيم لأنّ الكلام فيه،و إمّا أن يكون لنوح لأنّه أقرب،و لأنّ يونس و لوطا ليسا من ذرّيّة إبراهيم.و على التّقديرين لا يتسنّى نظم إلياس المراد به إدريس الّذي هو قبل نوح،على ما سمعت في عداد الذّرّيّة،و يرد على القول بالاتّحاد مطلقا أنّه خلاف الظّاهر،فلا تغفل.

(23:139)

القاسميّ: هو من أنبياء بني إسرائيل من بعد زمن سليمان،أرسله اللّه لمّا انتشرت الوثنيّة في الإسرائيليّين، و ساعد على انتشارها بينهم ملوكهم،و بنوا لها المذابح و عبدوها من دون اللّه تعالى،و نبذوا أحكام التّوراة

ص: 58

ظهريّا.فقام إلياس عليه السّلام يوبّخهم على ضلالهم و يدعوهم إلى التّوحيد.و يسمّى في التّوراة إيليا،و له نبأ فيها كبير.

(14:5059)

محمّد إسماعيل إبراهيم: (إلياس)نبيّ من أنبياء بني إسرائيل من نسل هارون،أرسله اللّه إلى قومه بني إسرائيل،و يرى بعض المفسّرين أنّه ذو الكفل.(44)

هوتسما :هو النّبيّ إيليا المذكور في التّوراة،ورد ذكره مرّتين في القرآن.(2:604)

المصطفويّ: وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ* أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ الصّافّات:123-125،هذه الآيات الكريمة في مقام ذكر جمع من المرسلين الّذين أرسلوا إلى النّاس، فيذكرون واحدا واحدا و يذكر ما هو الجالب من جريان رسالته،ثمّ يختم بجملة وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّات:129،130.

ففي هذه الآيات أيضا يقول تعالى: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّات:129، 130،فيستفاد من نظم الآيات الكريمة أنّ المراد من كلمة إِلْ ياسِينَ هو إلياس المذكور قطعا،و الأقوال الأخر في هذا المورد خلاف نظم الآيات و ظاهرها.(1:116)

ال ياسين

سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ. الصّافّات:130

الإمام عليّ عليه السّلام: (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (يس):

محمّد،و نحن آل يس.(البحرانيّ 4:33)

ابن عبّاس: أي على آل محمّد.(أبو زرعة:610)

مثله الكاشانيّ.(4:281)

مجاهد :هو إلياس.(الدّرّ المنثور 5:286)

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 23:96)

الفرّاء: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ جعله بالنّون، و العجميّ من الأسماء قد يفعل به هذا العرب،تقول:

ميكال و ميكائيل و ميكائل و ميكائن بالنّون،و هي في بني أسد،يقولون:هذا إسماعين قد جاء بالنّون و سائر العرب باللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و إن شئت ذهبت ب(إلياسين)إلى أن تجعله جمعا، فتجعل أصحابه داخلين في اسمه،كما تقول للقوم رئيسهم المهلّب:قد جاءتكم المهالبة و المهلّبون،فيكون بمنزلة قوله:الأشعرين و السّعدين و شبهه.قال الشّاعر:

*أنا ابن سعد سيّد السّعدينا*

و هو في الاثنين أكثر أن يضمّ أحدهما إلى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما،كقول الشّاعر:

جزاني الزّهدمان جزاء سوء

و كنت المرء يجزى بالكرامة

و اسم أحدهما زهدم.

و قد قرأ بعضهم (و انّ اليأس) ،يجعل اسمه«يأسا»، أدخل عليه الألف و اللاّم،ثمّ يقرءون سلام على آل ياسين، جاء التّفسير في تفسير الكلبيّ عَلى إِلْ ياسِينَ :على آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و الأوّل أشبه بالصّواب- و اللّه أعلم-لأنّها في قراءة عبد اللّه (و انّ ادريس لمن المرسلين) (سلام على ادراسين) ،و قد يشهد على صواب هذا قوله: وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ

ص: 59

المؤمنون:20،ثمّ قال في موضع آخر: وَ طُورِ سِينِينَ التّين:2،و هو معنى واحد و موضع واحد،و اللّه أعلم.(2:391)

أبو عبيدة :أي سلام على إلياسين و أهله و أهل دينه،جمعهم بغير إضافة الياء على العدد،فقال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و زعم أنّ أهل المدينة يقولون: (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) أي على أهل آل ياسين.

و قال أصحاب سعد ابن أبي وقّاص و ابن عمر و أهل الشّام:هم قومه و من كان على دينه،و احتجّوا بالقرآن:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،فقال:

هم قومه و من كان على دينه.

و قالت الشّيعة:آل محمّد أهل بيته،و احتجّوا بأنّك تصغّر«آل»فتجعله«أهيل».(2:172)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: سلام على ال ياسين فقرأته عامّة قرّاء مكّة و البصرة و الكوفة سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ بكسر الألف من إلياسين،فكان بعضهم يقول:هو اسم«إلياس».و يقول:

إنّه كان يسمّى باسمين:إلياس و إلياسين،مثل إبراهيم و إبراهام،يستشهد على أنّ ذلك كذلك،بأنّ جميع ما في السّورة من قوله:(سلام)فإنّه سلام على النّبيّ الّذي ذكر دون«آله»،فكذلك(إلياسين)إنّما هو سلام على إلياس دون آله.

و كان بعض أهل العربيّة يقول:«إلياس»اسم من أسماء العبرانيّة،كقولهم:إسماعيل و اسحاق،و الألف و اللاّم منه.و يقول:لو جعلته عربيّا من«الألس»فتجعله «إفعالا»،مثل الإخراج و الإدخال،أجري.

و يقول:قال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ...[و ذكر مثل الفرّاء إلى أن قال:]

و قرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) بقطع(آل)من(ياسين)،فكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى سلام على آل محمّد.و ذكر عن بعض القرّاء أنّه كان يقرأ قوله: (و انّ اليأس) بترك الهمز في«إلياس»و يجعل الألف و اللاّم داخلتين على«يأس»للتّعريف،و يقول:إنّما كان اسمه«يأس»أدخلت عليه ألف و لام،ثمّ يقرأ على ذلك (سلام على الياسين) .

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه سلام على آل ياسين بكسر ألفها،على مثال (إدراسين)لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أخبر عن كلّ موضع ذكر فيه نبيّا من أنبيائه صلوات اللّه عليهم في هذه السّورة،بأنّ عليه سلاما،لا على آله،فكذلك السّلام في هذا الموضع ينبغي أن يكون على«إلياس»كسلامه على غيره من أنبيائه لا على«آله»على نحو ما بيّنّا من معنى ذلك.

فإن ظنّ ظانّ أنّ إلياسين غير إلياس،فإنّ فيما حكينا من احتجاج من احتجّ بأنّ إلياسين هو إلياس،غنى عن الزّيادة فيه.مع أنّ فيما جاء عن السّدّيّ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ قال:إلياس،و في قراءة عبد اللّه بن مسعود:

(سلام على ادراسين) دلالة واضحة على خطأ قول من قال:عنى بذلك سلام على آل محمّد،و فساد قراءة من قرأ وَ إِنَّ إِلْياسَ بوصل النّون من«انّ»بالياس،و توجيه الألف و اللاّم فيه إلى أنّهما أدخلتا تعريفا للاسم الّذي هو

ص: 60

«ياس»؛و ذلك أنّ عبد اللّه كان يقول:إلياس هو إدريس، و يقرأ: (و انّ ادريس لمن المرسلين) ،ثمّ يقرأ على ذلك (سلام على ادراسين) كما قرأ الآخرون سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ، فلا وجه على ما ذكرنا من قراءة عبد اللّه،لقراءة من قرأ ذلك (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) بقطع«الآل»من «ياسين».و نظير تسمية إلياس بالياسين: وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ المؤمنون:20،ثمّ قال في موضع آخر: وَ طُورِ سِينِينَ التّين:2،و هو موضع واحد سمّي بذلك.(23:94)

السّجستانيّ: يعني إلياس و أهل دينه،جمعهم بغير إضافة بالياء و النّون على العدد،كأنّ كلّ واحد اسمه «إلياس».و قال بعض العلماء:يجوز أن يكون إلياس و إلياسين بمعنى واحد،كما يقال:ميكال و ميكائيل و يقرأ (عَلى إِلْ ياسِينَ) أي على آل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(159)

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن عامر (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) بفتح الألف و كسر اللاّم.

قال ابن عبّاس: (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) أي على آل محمّد،كما قيل في ياسين:يا محمّد،و آل محمّد،كلّ من آل إليه بحسب أو بقرابة.و قال قوم:آل محمّد كلّ من كان على دينه،و مثله كما قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46،يريد من كان على دينه.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:آل محمّد كلّ تقيّ.

و أجمع النّحويّون على أنّ«الآل»أصله«أهل» فقلبوا الهاء همزة و جعلوها مدّة؛لئلاّ تجتمع همزتان.

و فيها وجه آخر:يكون لغتين:«إلياس»و «إلياسين»،كما قالوا:ميكال و ميكائيل،و جبريل و جبرئيل.و حجّة هذه القراءة أنّه ذكره في صدر الآية، فقال في الآية: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ كما ذكر نوحا في صدر الآية،ثمّ قال آخر القصّة: سَلامٌ عَلى نُوحٍ الصّافّات:79،و كذلك إبراهيم و موسى و هارون إنّما قال في آخر قصصهم:سلام على فلان.(610)

القيسيّ: من فتح الهمزة و مدّه،جعله(آل)الّذي أصله«أهل»أضافه إلى(ياسين)،و هي في المصحف منفصلة،فقوي ذلك عنده.

و من كسر الهمزة جعله جمعا منسوبا إلى(إلياسين) و إلياسين جمع إلياس،و هو جمع السّلامة،لكنّ الياء المشدّدة في النّسب حذفت منه،و أصله«إلياسيّ»و تجمع فتقول:إلياسيّين،فالسّلام على من نسب إلى إلياس من أمّته و السّلام في الوجه الأوّل على أهل ياسين.و قد قال اللّه تعالى: عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ الشّعراء:198، و أصله في النّسب:الأعجميّين،بياء مشدّدة،و لكن حذفت لثقلها و ثقل الجمع.و تحذف أيضا هذه الياء في الجمع المكسّر كما حذفت في المسلّم،قالوا:المسامعة و المهالبة،و واحدهم:مسمعيّ و مهلبيّ.(2:242)

الطّوسيّ: قرأ نافع،و ابن عامر،و يعقوب: (سلام على آل ياسين) على إضافة(آل)إلى(ياسين)،الباقون (على إلياسين) موصولة.من أضاف أراد به على آل محمّد،لأنّ(ياسين)اسم من أسماء محمّد على ما حكيناه.

و قال بعضهم:أراد آل إلياس.و قال الجبّائيّ:أراد أهل القرآن.و من لم يضف أراد إلياس،و قال:(إلياسين)، لأنّ العرب تغيّر الأسماء الأعجميّة بالزّيادة،كما يقولون:

ميكائيل و ميكائين،و ميكال و ميكائل،و في إسماعيل

ص: 61

إسماعين.(8:523)

الميبديّ :قرأ نافع،و ابن عامر،و يعقوب: (آل ياسين) بفتح الهمزة مشبعة و كسر اللاّم مقطوعة على كلمتين،و يؤيّد هذه القراءة أنّها في المصحف مفصولة من ياسين.و قرأ الآخرون:بكسر الهمزة و سكون اللاّم موصولة على كلمة واحدة.فمن قرأ (إِلْ ياسِينَ) مقطوعا، أراد آل محمّد.و يجوز أن يكون اسم ذلك النّبيّ ياسين، لقراءة بعضهم (و انّ إلياس) بهمزة الوصل،فزيدت في آخره الياء و النّون كما زيدت في (الياسين) ؛فعلى هذا يجوز أن يكون (إِلْ ياسِينَ) آل ذلك النّبيّ.و من قرأ (الياسين) بالوصل على كلمة واحدة ففيه قولان:

أحدهما:أنّه لغة في«إلياس»كسيناء و سينين و ميكال و ميكائيل.

و الثّاني:أنّه قد جمع،و المراد:إلياس و أتباعه من المؤمنين،و أصله«إلياسيّين»بياء النّسب،فحذف كما حذف من الأعجمين و الأشعرين.(8:297)

نحوه أبو البركات(2:308)،و أبو حيّان(7:373).

الزّمخشريّ: قرئ(على إلياسين،إدريسين، و إدراسين،و إدريسين)على أنّها لغات في إلياس و إدريس،و لعلّ لزيادة الياء و النّون في السّريانيّة معنى.

و قرئ(على إلياسين)بالوصل على أنّه جمع،يراد به إلياس و قومه،كقولهم:الخبيبون و المهلّبون.

فإن قلت:فهلاّ حملت على هذا(إلياسين)على القطع و أخواته؟

قلت:لو كان جمعا لعرّف بالألف و اللاّم.و أمّا من قرأ (على آل ياسين) فعلى أنّ«ياسين»اسم أبي إلياس، أضيف إليه«الآل».(3:352)

الطّبرسيّ:قرأ ابن عامر و نافع و رويس عن يعقوب (آل ياسين) بفتح الألف و كسر اللاّم المقطوعة من ياسين،و الباقون(إلياسين)بكسر الألف و سكون اللاّم موصولة بياسين.

و في الشّواذّ قراءة ابن مسعود و يحيى و الأعمش و الحكم بن عيينة (و إنّ إدريس سلام على إدراسين) و قراءة ابن محيصن و أبي رجاء (و إنّ إلياس سلام على الياسين) بغير همز.

و قال أبو عليّ: من قرأ (آل ياسين) فحجّته أنّها في المصحف مفصولة من(ياسين)،و في فصلها دلالة على أنّ (آل)هو الّذي تصغيره«أهيل».

و قال الزّجّاج: من قرأ (إلياسين) فإنّه جمع«إلياس» جمع هو و أمّته المؤمنون،و كذلك يجمع ما ينسب إلى الشّيء بلفظ الشّيء،تقول:رأيت المسامعة و المهالبة، تريد بني المسمع و بني المهلّب،و كذلك:رأيت المهلّبين و المسمعين.و فيها وجه آخر،و هو أن يكون لغتان:

إلياس و إلياسين،كما قيل:ميكال و ميكائيل.

و قال أبو عليّ: هذا لا يصحّ،لأنّ ميكال و ميكائيل لغتان في اسم واحد،و ليس أحدهما مفردا و الآخر جمعا كإلياس و إلياسين و إدريس و إدراسين،و مثله:«قدني من نصر الخبيبين قدي»أراد عبد اللّه و من كان على رأيه،فكذلك إلياسين و إدراسين،من كان من شيعته و أهل دينه على إرادة ياء النّسب،التّقدير:إلياسيّين و إدراسيّين،فحذف كما حذف من سائر هذه الكلم الّتي يراد الصّفة،كالأعجمين و الأشعرين.

ص: 62

و من قرأ (إلياسين) أراد إلياس و من اتّبعه.

و قيل:(ياسين)اسم السّورة،فكأنّه قال:سلام على من آمن بكتاب اللّه و القرآن الّذي هو ياسين.(4:456)

الفخر الرّازيّ: قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب: (آل ياسين) على إضافة لفظ(آل)إلى لفظ(ياسين)،الباقون بكسر الألف و جزم اللاّم موصولة بياسين.

أمّا القراءة الأولى ففيها وجوه:

الأوّل:و هو الأقرب أنّا ذكرنا أنّه إلياس بن ياسين، فكان إلياس(آل ياسين).

الثّاني:(آل ياسين)آل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّالث:أنّ(ياسين)اسم القرآن،كأنّه قيل:سلام اللّه على من آمن بكتاب اللّه الّذي هو ياسين.

و الوجه هو الأوّل،لأنّه أليق بسياق الكلام.

و أمّا القراءة الثّانية ففيها وجهان:

الأوّل:[قول الزّجّاج و قد تقدّم]

الثّاني:قال الفرّاء:هو جمع،و أراد به إلياس و أتباعه من المؤمنين،كقولهم:المهلّبون و السّعدون.(26:162)

نحوه النّيسابوريّ(23:67)،و الخازن(6:30).

القرطبيّ: (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) قراءة الأعرج و شيبة و نافع.و قرأ عكرمة و أبو عمرو و ابن كثير و حمزة و الكسائيّ (سلام على الياسين) بوصل الألف،كأنّها (ياسين)دخلت عليها الألف و اللاّم الّتي للتّعريف، و المراد(إلياس)عليه السّلام.و عليه وقع التّسليم،و لكنّه اسم أعجميّ،و العرب تضطرب في هذه الأسماء الأعجميّة، و يكثر تغييرهم لها.

قال ابن جنّيّ:العرب تتلاعب بالأسماء الأعجميّة تلاعبا،فياسين و إلياس و إلياسين شيء واحد.

الزّمخشريّ: و كان حمزة إذا وصل نصب،و إذا وقف رفع.

و قرئ(على إلياسين،و إدريسين،و إدرسين و إدراسين)على أنّها لغات في إلياس و إدريس،و لعلّ لزيادة الياء و النّون في السّريانيّة معنى.

النّحّاس: و من قرأ (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) فكأنّه -و اللّه أعلم-جعل اسمه إلياس و ياسين،ثمّ سلّم على آله،أي أهل دينه و من كان على مذهبه.و علم أنّه إذا سلّم على آله من أجله فهو داخل في السّلام،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى»و قال اللّه تعالى:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.

و من قرأ (إلياسين) فللعلماء فيه غير قول.فروى هارون عن ابن أبي إسحاق قال:(إلياسين)،مثل إبراهيم، يذهب إلى أنّه اسم له.و أبو عبيدة يذهب إلى أنّه جمع جمع التّسليم على أنّه و أهل بيته سلّم عليهم.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

قال عليّ بن سليمان: فإنّ العرب تسمّي قوم الرّجل باسم الرّجل الجليل منهم،فيقولون:المهالبة على أنّهم سمّوا كلّ رجل منهم بالمهلّب.قال:فعلى هذا سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ سمّي كلّ رجل منهم بإلياس.و قد ذكر سيبويه في كتابه شيئا من هذا،إلاّ أنّه ذكر أنّ العرب تفعل هذا على جهة النّسبة،فيقولون:الأشعرون، يريدون به النّسب.

المهدويّ: و من قرأ (إلياسين) فهو جمع يدخل فيه إلياس،فهو جمع«إلياسيّ»فحذفت ياء النّسبة،كما

ص: 63

حذفت ياء النّسبة في جمع المكسّر،في نحو:المهالبة في جمع مهلّبيّ،كذلك حذفت في المسلّم،فقيل:المهلّبون.

و قد حكى سيبويه:الأشعرون و النّميرون، يريدون الأشعريّين و النّميريّين.

السّهيليّ: و هذا لا يصحّ بل هي لغة في إلياس،و لو أراد ما قالوه لأدخل الألف و اللاّم،كما تدخل في المهالبة و الأشعريّين،فكان يقول: «سلام على الإلياسين» ،لأنّ العلم إذا جمع ينكّر حتّى يعرّف بالألف و اللاّم،لا تقول:

سلام على زيدين،بل على الزّيدين،بالألف و اللاّم.

فإلياس عليه السّلام فيه ثلاث لغات.

النّحّاس: و احتجّ أبو عبيد في قراءته سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ و أنّه اسمه كما أنّ اسمه إلياس،لأنّه ليس في السّورة سلام على(آل)لغيره من الأنبياء،فكما سمّي الأنبياء كذا سمّي هو،هذا الاحتجاج أصله لأبي عمرو، و هو غير لازم،لأنّا بيّنّا قول أهل اللّغة:أنّه إذا سلّم على آله من أجله فهو سلام عليه.

و القول بأنّ اسمه(إلياسين)يحتاج إلى دليل و رواية، فقد وقع في الأمر إشكال.

قال الماورديّ:و قرأ الحسن (سلام على ياسين) بإسقاط الألف و اللاّم،و فيه وجهان:

أحدهما:أنّهم آل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم قاله ابن عبّاس.

الثّاني:أنّهم آل ياسين،فعلى هذا في دخول الزّيادة في ياسين وجهان:

أحدهما:أنّها زيدت لتساوي الآي،كما قال في موضع: طُورِ سَيْناءَ المؤمنون:20،و في موضع آخر:

وَ طُورِ سِينِينَ التّين:2،فعلى هذا يكون«السّلام» على أهله دونه،و تكون الإضافة إليه تشريفا له.

الثّاني:أنّها دخلت للجمع،فيكون داخلا في جملتهم،فيكون السّلام عليه و عليهم.

قال السّهيليّ:قال بعض المتكلّمين في معاني القرآن (آل ياسين)آل محمّد عليه السّلام،و نزع إلى قول من قال في تفسير(ياسين)يا محمّد،و هذا القول يبطل من وجوه كثيرة:

أحدها:أنّ سياقة الكلام في قصّة(إلياسين)يلزم أن تكون كما هي في قصّة إبراهيم،و نوح،و موسى،و هارون، و أنّ التّسليم راجع عليهم،و لا معنى للخروج عن مقصود الكلام،لقول قيل في تلك الآية الأخرى،مع ضعف ذلك القول أيضا.فإنّ(يس)و(حم)و(الم)و نحو ذلك،القول فيها واحد،إنّما هي حروف مقطّعة.إمّا مأخوذة من أسماء اللّه تعالى،كما قال ابن عبّاس،و إمّا من صفات القرآن، و إمّا كما قال الشّعبيّ:للّه في كلّ كتاب سرّ،و سرّه في القرآن فواتح القرآن.

و أيضا فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لي خمسة أسماء» و لم يذكر فيها(يس).

و أيضا فإنّ(يس)جاءت التّلاوة فيها بالسّكون و الوقف،و لو كان اسما للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لقال:«يسن»بالضّمّ، كما قال تعالى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ يوسف:46.

و إذا بطل هذا القول لما ذكرناه ف(إلياسين)هو (إلياس)المذكور،و عليه وقع التّسليم.

و قال أبو عمر و ابن العلاء:هو مثل(إدريس) و(إدراسين)و كذلك هو في مصحف ابن مسعود(و انّ ادريس لمن المرسلين)،ثمّ قال(سلام على ادراسين)

ص: 64

إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الصّافّات:131،132،تقدّم.

(15:118-120)

ابن القيّم:هذه الآية فيها قراءتان:

إحداهما:(إلياسين)،بوزن إسماعيل،و فيه وجهان:

أحدهما:أنّه اسم ثان للنّبيّ إلياس و إلياسين،كميكال و ميكائيل.

و الوجه الثّاني:أنّه جمع،و فيه وجهان:

أحدهما:أنّه جمع إلياس،و أصله«إلياسيّين»بيائين كعبرانيّين،خفّفت إحدى الياءين،فقيل:(إلياسين)، و المراد أتباعه،كما حكى سيبويه:الأشعرون،مثله:

الأعجمون.

و الثّاني:أنّه جمع إلياس،محذوف الياء.

و القراءة الثّانية (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)، و فيه أوجه:

أحدها:أنّ(ياسين)اسم لأبيه،فأضيف إليه الآل، كما يقال:آل إبراهيم.

و الثّاني:أنّ(آل ياسين)هو إلياس نفسه،فيكون (آل)مضافة إلى(ياسين)،و المراد بالآل:ياسين نفسه، كما ذكر الأوّلون.

و الثّالث:أنّه على حذف ياء النّسب،فيقال:

(ياسين)و أصله«ياسيّين»،كما تقدّم،و آلهم أتباعهم على دينهم.

و الرّابع:أنّ(ياسين)هو القرآن،و آله هم أهل القرآن.

و الخامس:أنّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و آله:أقاربه و أتباعه،كما سيأتي.و هذه الأقوال كلّها ضعيفة.

و الّذي حمل قائليها عليها استشكالهم إضافة (آل)إلى(ياسين)،و اسمه:إلياس و إلياسين،و رووها في المصحف مفصولة.و قد قرأها بعض القرّاء (آل ياسين).

فقال طائفة منهم:له أسماء:ياسين،و إلياسين، و إلياس.و قالت طائفة:(ياسين)اسم لغيره.

ثمّ اختلفوا،فقال الكلبيّ:ياسين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و قالت طائفة:هو القرآن.و هذا كلّه تعسّف ظاهر لا حاجة إليه.

و الصّواب-و اللّه أعلم-في ذلك أنّ أصل الكلمة:آل ياسين،كآل إبراهيم،فحذفت الألف و اللاّم من أوّله لاجتماع الأمثال،و دلالة الاسم على موضع المحذوف.

و هذا كثير في كلامهم،إذا اجتمعت الأمثال كرهوا النّطق بها كلّها،فحذفوا منها ما لا لبس في حذفه،و إن كانوا لا يحذفونه في موضع لا تجتمع فيه الأمثال،و لهذا يحذفون النّون من إنّي و أنّى و كأنّي و لكنّي،و لا يحذفونها من ليتني.و لمّا كانت اللاّم في لعلّ شبيهة بالنّون حذفوا النّون معها،و لا سيّما عادة العرب في استعمالها للاسم الأعجميّ و تغييرها له،فيقولون:مرّة إلياسين،و مرّة إلياس،و مرّة ياسين،و ربّما قالوا:ياس.

و يكون على إحدى القراءتين قد وقع «السّلام»عليه،و على القراءة الأخرى(على آله).(417)

الآلوسيّ: الكلام فيه كما في نظيره،بيد أنّه يقال هاهنا:إنّ(آل ياسين)لغة في(إلياس)،و كثيرا ما يتصرّفون في الأسماء الغير العربيّة.

و في«الكشّاف»:لعلّ لزيادة الياء و النّون معنى في اللّغة السّريانيّة.

ص: 65

و من هذا الباب«سيناء»و«سينين»،و اختار هذه اللّغة هنا رعاية للفواصل.و قيل:هو جمع(إلياس)على طريق التّغليب بإطلاقه على قومه و أتباعه،كالمهلّبين للمهلّب و قومه.

و ضعّف بما ذكره النّحاة من أنّ العلم إذا جمع أو ثنّي وجب تعريفه باللاّم جبرا،لما فاته من العلميّة،و لا فرق فيه بين ما فيه تغليب و بين غيره كما صرّح به ابن الحاجب في«شرح المفصّل»،لكن هذا غير متّفق عليه.

قال ابن يعيش في«شرح المفصّل»:يجوز استعماله نكرة بعد التّثنية و الجمع،نحو:زيدان كريمان،و زيدون كريمون،و هو مختار الشّيخ عبد القاهر،و قد أشبعوا الكلام على ذلك في مفصّلات كتب النّحو.ثمّ إنّ هذا البحث إنّما يتأتّى مع من لم يجعل لام(إلياس)للتّعريف،أمّا من جعلها له فلا يتأتّى البحث معه.

و قيل:هو جمع«إلياسيّ»بياء النّسبة،فخفّف لاجتماع الياءات في الجرّ و النّصب،كما قيل:أعجمين في أعجميّين،و أشعرين في أشعريّين،و المراد ب(إلياسين) قوم إلياس المخلصون،فإنّهم الأحقّاء بأن ينسبوا إليه.

و ضعّف بقلّة ذلك و إلباسه بإلياس إذا جمع،و إن قيل:

حذف لام إلياس مزيل،للإلباس،و أيضا هو غير مناسب للسّياق و السّباق؛إذا لم يذكر آل أحد من الأنبياء.

و قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب و زيد بن عليّ (آل ياسين) بالإضافة،و كتب في المصحف العثمانيّ منفصلا،ففيه نوع تأييد لهذه القراءة،و خرّجت عن أنّ (ياسين)اسم أبي إلياس،و يحمل«الآل»على(إلياس).

و في الكناية عنه تفخيم له،كما في آل إبراهيم عن نبيّنا.

و جوّز أن يكون«الآل»مقحما على أنّ(ياسين)هو إلياس نفسه.

و قيل:(ياسين)فيها اسم لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

ف(آل ياسين):آله عليه الصّلاة و السّلام،أخرج ابن أبي حاتم و الطّبرانيّ و ابن مردويه عن ابن عبّاس أنّه قال في (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) :نحن آل محمّد آل ياسين، و هو ظاهر في جعل(ياسين)اسما له،

و قيل:هو اسم للسّورة المعروفة.

و قيل:اسم للقرآن،ف(آل ياسين)هذه الأمّة المحمّديّة أو خواصّها.

و قيل:اسم لغير القرآن من الكتب.و لا يخفى عليك أنّ السّياق و السّباق يأبيان أكثر هذه الأقوال.

و قرأ أبو رجاء و الحسن (على الياسين) بوصل الهمزة و تخريجها يعلم ممّا مرّ.و قرأ ابن مسعود و من قرأ معه فيما سبق إدريس (سلام على ادراسين) ،و عن قتادة (و انّ ادريس) ،و قرأ (على إدريسين) ،و قرأ أبيّ (على إيليس) كما قرأ (و انّ ايليس لمن المرسلين) .(23:141)

المصطفويّ: يستفاد من نظم الآيات الكريمة أنّ المراد من كلمة(إل ياسين)هو إلياس المذكور قطعا، فالأقوال الأخر في هذا المورد خلاف نظم الآيات و ظاهرها.

و التّحقيق أنّ كلمة(إلياسين)كإسرائين كلمة واحدة،و هي لغة في(إلياس)،زيدت فيها الياء و النّون لحفظ النّظم في أواخر الآيات في المورد،و هذا هو الموجب

ص: 66

و المجوّز لانتخاب هذه اللّغة.

و لا يخفى أنّ حرف«س»تزاد عليها ياء و نون في التّلفّظ،فيقال:سين،و هذا المعنى شبيه بمدّ الحرف و تفخيمها و إظهارها،كما أنّ كلمة(يس)تتلفّظ بهذه الصّورة:ياسين.

و الظّاهر أنّ قراءة بعضهم هذه الكلمة بفتح الهمزة و مدّها و كسر اللاّم(آل ياسين)هي الموجبة لكتابتها منفصلة،و لعلّ من هذا المعنى نشأ القول بأنّ اسم أبيه (ياسين)كما أنّ منشأ هذه القراءة هو كلمة(يس) المفسّرة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و كلّ هذه موهونة ضعيفة.(1:117)

محمّد هادي معرفة: الإسرائيليّات في قصّة إلياس عليه السّلام

و من الإسرائيليّات الّتي اشتملت عليها بعض كتب التّفسير ما ذكروه في قصّة إلياس عليه السّلام عند تفسير قوله تعالى: وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ* أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ* اَللّهَ رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ* وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. الصّافّات:123- 132.

فقد روى البغويّ،و الخازن،و صاحب«الدّرّ»، و غيرهم،عن ابن عبّاس،و الحسن،و كعب الأحبار و وهب بن منبّه،مرويّات تتعلّق بإلياس عليه السّلام.

قال صاحب«الدّرّ المنثور»:أخرج ابن عساكر،عن الحسن رضي اللّه عنه في قوله: وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، قال:إنّ اللّه تعالى بعث إلياس إلى بعلبكّ، و كانوا قوما يعبدون الأصنام،و كانت ملوك بني إسرائيل متفرّقة على العامّة،كلّ ملك على ناحية يأكلها،و كان الملك الّذي كان إلياس معه يقوم له أمره،و يقتدي برأيه، و هو على هدى من بين أصحابه،حتّى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام،فقالوا له:ما يدعوك إلاّ إلى الضّلالة و الباطل،و جعلوا يقولون له:اعبد هذه الأوثان الّتي تعبد الملوك،و هم على ما نحن عليه،يأكلون،و يشربون،و هم في ملكهم يتقلّبون،و ما تنقص دنياهم من ربّهم الّذي تزعم أنّه باطل،و ما لنا عليهم من فضل.فاسترجع إلياس،فقام شعر رأسه،و جلده،فخرج عليه إلياس.

قال الحسن:و إنّ الّذي زيّن لذلك الملك امرأته، و كانت قبله تحت ملك جبّار،و كان من الكنعانيّين في طول و جسم و حسن،فمات زوجها فاتّخذت تمثالا على صورة بعلها من الذّهب،و جعلت له حدقتين من ياقوتتين،و توّجته بتاج مكلّل بالدّرّ و الجوهر،ثمّ أقعدته على سرير،تدخل عليه،فتدخّنه،و تطيّبه،و تسجد له، ثمّ تخرج عنه.فتزوّجت بعد ذلك هذا الملك الّذي كان إلياس معه.و كانت فاجرة قد قهرت زوجها،و وضعت البعل في ذلك البيت،و جعلت سبعين سادنا[هو الّذي يقوم بخدمة الأصنام]،فعبدوا البعل.فدعاهم إلياس إلى اللّه فلم يزدهم ذلك إلاّ بعدا،فقال إلياس:اللّهمّ إنّ بني إسرائيل قد أبوا إلاّ الكفر بك،و عبادة غيرك،فغيّر ما بهم من نعمتك.فأوحى اللّه إليه:إنّي قد جعلت أرزاقهم بيدك،فقال:اللّهمّ أمسك عنهم القطر ثلاث سنين،

ص: 67

فأمسك اللّه عنهم القطر.و أرسل إلى الملك فتاه اليسع، فقال:قل له:إنّ إلياس يقول لك:إنّك اخترت عبادة البعل على عبادة اللّه،و اتّبعت هوى امرأتك،فاستعدّ للعذاب و البلاء.فانطلق اليسع،فبلّغ رسالته للملك، فعصمه اللّه تعالى من شرّ الملك،و أمسك اللّه عنهم القطر، حتّى هلكت الماشية و الدّوابّ،و جهد النّاس جهدا شديدا.و خرج إلياس إلى ذروة جبل،فكان اللّه يأتيه برزق،و فجّر له عينا معينا لشرابه و طهوره.حتّى أصاب النّاس الجهد،فأرسل الملك إلى السّبعين،فقال لهم:سلوا البعل أن يفرج ما بنا،فأخرجوا أصنامهم،فقرّبوا لها الذّبائح،و عطفوا عليها،و جعلوا يدعون،حتّى طال ذلك بهم،فقال لهم الملك:إنّ إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء.فبعثوا في طلب إلياس،فأتى،فقال:أ تحبّون أن يفرج عنكم؟قالوا:نعم،قال:فأخرجوا أوثانكم.فدعا إلياس عليه السّلام ربّه أن يفرج عنهم،فارتفعت سحابة مثل التّرس[ما يلبسه المحارب]،و هم ينظرون،ثمّ أرسل اللّه عليهم المطر،فتابوا و رجعوا.

قال:و أخرج ابن عساكر،عن كعب،قال:«أربعة أنبياء اليوم أحياء،في الدّنيا:إلياس و الخضر،و اثنان في السّماء:عيسى و إدريس».

قال:و أخرج ابن عساكر،عن وهب،قال:دعا إلياس عليه السّلام ربّه،أن يريحه من قومه،فقيل له:انظر يوم كذا و كذا،فإذا رأيت دابّة لونها مثل لون النّار فاركبها.

فجعل يتوقّع ذلك اليوم،فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس،لونه كلون النّار،حتّى وقف بين يديه، فوثب عليه،فانطلق به،فكان آخر العهد به،فكساه اللّه الرّيش،و كساه النّور،و قطع عنه لذّة المطعم و المشرب، فصار في الملائكة عليهم السّلام.

قال:و أخرج ابن عساكر،عن الحسن رضى اللّه عنه قال:

إلياس عليه السّلام موكّل بالفيافيّ.و الخضر عليه السّلام بالجبال،و قد أعطيا الخلد في الدّنيا إلى الصّيحة الأولى[يعني النّفخة الأولى]،و أنّهما يجتمعان كلّ عام بالموسم.

قال:و أخرج الحاكم عن كعب،قال:كان إلياس صاحب جبال و برّيّة يخلو فيها،يعبد ربّه عزّ و جلّ.و كان ضخم الرّأس،خميص البطن،دقيق السّاقين،في صدره شامة حمراء،و إنّما رفعه اللّه إلى أرض الشّام،لم يصعد به إلى السّماء،و هو الّذي سمّاه اللّه ذا النّون (1).

و كلّ هذا من أخبار بني إسرائيل و تزيّداتهم،و اختلافاتهم،و ما روي منها عن بعض الصّحابة و التّابعين،فمرجعه إلى مسلمة أهل الكتاب ككعب و وهب و غيرهما،و قد رأيت كيف تضارب و تناقض كعب و وهب،فكعب يقول:لم يصعد إلى السّماء،و يزعم أنّه ذو النّون،و وهب يقول:إنّه رفعه إلى السّماء،و صار في عداد الملائكة عليهم السّلام و أنّ بعض الرّوايات تقول:إنّه الخضر،و البعض الآخر يقول:إنّه غير الخضر،إلى غير ذلك من الاضطرابات و الأباطيل،كزعم مختلق الرّوايات الأولى:«أنّ اللّه أوحى إلى إلياس إنّي قد جعلت أرزاقهم بيدك».بينما في بعض الرّوايات الأخرى:أنّ اللّه أبى عليه ذلك مرّتين،و أجابه في الثّالثة،و هكذا الباطل يكون مضطربا لجلجا،و أمّا الحقّ فهو ثابت أبلج.

و لم يقف الأمر عند نقل هذه الإسرائيليّات عمّن1.

ص: 68


1- الدّرّ المنثور 5:280،281.

ذكرنا،بل بلغ الافتراء ببعض الزّنادقة و الكذّابين إلى نسبة ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كي يؤيّد به أكاذيب بني إسرائيل و خرافاتهم،و كي يعود ذلك بالطّعن على صاحب الرّسالة العامّة الخالدة صلّى اللّه عليه و آله.

قال السّيوطيّ في«الدّرّ»:و أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الخضر هو إلياس».

و أخرج الحاكم و صحّحه و البيهقيّ في«الدّلائل»و ضعّفه عن أنس رضى اللّه عنه قال:كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر، فنزلنا منزلا،فإذا رجل في الوادي يقول:اللّهمّ اجعلني من أمّة محمّد المرحومة،المغفورة،المثاب لها،فأشرفت على الوادي،فإذا رجل طوله ثلاثمائة ذراع و أكثر،فقال:

من أنت؟قلت:أنس،خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:أين هو؟قلت:هو ذا يسمع كلامك،قال:فأته و أقرئه منّي السّلام،و قل له:أخوك إلياس يقرئك السّلام.فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته،فجاء حتّى عانقه،و قعدا يتحدّثان، فقال له:يا رسول اللّه،إنّي إنّما آكل في كلّ سنة يوما،و هذا يوم فطري فكل أنت و أنا،فنزلت عليهما مائدة من السّماء،و خبز و حوت و كرفس،فأكلا،و أطعماني،و صلّيا العصر،ثمّ ودّعني و ودّعته،ثمّ رأيته مرّ على السّحاب نحو السّماء.

قال الحاكم:صحيح الإسناد،و قال الإمام الذّهبيّ:

بل هو موضوع،قبّح اللّه من وضعه،قال-أي الذّهبيّ-:

و ما كنت أحسب و لا أجوّز أنّ الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحّح مثل هذا.

و أخلق بهذا أن يكون موضوعا،كما قاله الإمام الحافظ النّاقد الذّهبيّ.

(التّفسير و المفسّرون 2:262-266)

الأصول اللّغويّة

1-تشبّث فريق من العلماء بالقول بأنّ«إلياس» عربيّ مشتقّ من«اليأس»الّذي هو ضدّ الرّجاء،فليّنت همزته ثمّ دخلت عليه الألف و اللاّم.أو مشتقّ من «ألس».بمعنى الخديعة و الخيانة،أو اختلاط العقل،فهو على وزن«فعيال».أو من«ليس»بمعنى الشّجاعة.و منه:

رجل أ ليس،أي شجاع لا يفرّ،فهو«إفعال».

و قال بعضهم:أصله«ياس»اسم لعلم،ثمّ دخلت عليه الألف و اللاّم،كما دخلت على بعض الأعلام، كالحسن،و الحسين،و العبّاس.

2-و كلّ هذه الأقوال ضعيفة،لأنّهم افترضوه مشتقّا من معان لا تنطبق على حاله،فهم راعوا اللّفظ و أهملوا المعنى.و لو كان الألف و اللاّم زائدتين لما كسرت همزته، إضافة إلى ذلك فإنّ وزن«فعيال»لا نظير له في الأوزان العربيّة،و وزن«إفعال»مقصور على المصادر،عدا ستّة أسماء محفوظة،و هي:إعصار و إسكاف و إمخاض و إنشاط و إنسان و إبهام (1).

و لعلّ الباعث الرّئيس لهذه الأقوال هو القراءات غير المشهورة لهذا اللّفظ،و ليس بعيدا أن يكون أصحاب هذه القراءات أنفسهم قد توهّموا هذه المعاني،

ص: 69


1- المزهر للسّيوطيّ 2:105.

فنحوا قراءاتهم نحوها.

3-و الحقيقة أنّه اسم أعجميّ،و الألف و اللاّم فيه أصليّان؛فهو لفظ يونانيّ محرّف«إلياه»أو«إلياهو» العبريّ (1)،انتقل إلى العربيّة بواسطة اللّغة السّريانيّة (2)،كما انتقلت بواسطتها ألفاظ أخرى من اليونانيّة،مثل:إنجيل و أسطوانة و أسقف و ناموس و ميل و إسفنج (3).فقد ورد في اليونانيّة بلفظ«إلياس» بسكون اللاّم،و«إلياس»بكسرها (4).و اللّغة الأولى موافقة لقواعد اللّغة،لتحرّك ثالثه،كما تقدّم في «إسحاق».

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء(إلياس)في آيتين مكّيّتين،و ذكر عقب الثّانية(إلياسين)في آية مكّيّة أيضا:

1- وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ الأنعام:85

2- وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ* أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ* اَللّهَ رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ* وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

الصّافّات:123-132

يلاحظ أوّلا:أنّ(إلياس)جاء ذكره في الموردين ضمن أنبياء بني إسرائيل،ففي الأولى يقول بعد ذكر إبراهيم و إسحاق و يعقوب: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ الأنعام:84،فيسرد الأنبياء من بني إسرائيل -بما فيهم إسماعيل الّذي هو غير إسماعيل بن إبراهيم، و إن كان هو من ذرّيّته أيضا،حسب ما استظهرنا في إسماعيل-ثمّ يأتي على ذكر زكريّا و يحيى و عيسى و إلياس.و نحن نعلم أنّ اليهود يعدّونه من القدّيسين مثل الخضر،حتّى أنّ الآية الثّانية تفصح عن ذلك؛حيث تقول بعد ذكر إبراهيم و إسحاق: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ. الصّافّات:113،ثمّ يذكر موسى و هارون ثمّ إلياس،فذكر هؤلاء كالشّرح لقوله:(و من ذرّيّتهما).

ثانيا:يعلم من قوله: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ الصّافّات:125،أنّ قوم إلياس كانوا يعبدون بعلا،و هو يحذّرهم منه.و هذا بمثابة مسلك إلى التّعريف به.فمن كان هؤلاء الّذين يعبدون بعلا؟و ليس في القرآن ذكر لبعل إلاّ في هذه الآية فقط.و في أعلام «المنجد»:«بعل اسم أطلق على عدّة آلهة ساميّة، أشهرها معبود فينيقيّ هو إله الخصب و التّناسل،انتشرت عبادته في إسرائيل فقاومها الأنبياء».و هذا يناسب المعنى اللّغويّ للفظة«بعل»؛حيث إنّها بمعنى الزّوج الّذي منه الولد.و عليه فلم تكن عبادة«البعل»في بني إسرائيل مختصّة بقوم إلياس حتّى نعيّن عصره بالذّات،إلاّ أنّه

ص: 70


1- المعجم المقارن للدّكتور محمّد جواد مشكور(1:34)
2- ورد في السّريانيّة بلغات منها:(إليا)و(إيليا)و(إلياس). قاموس سريانيّ عربيّ-لويس كوستاز(403)
3- تاريخ اللغات السّاميّة للدّكتور إسرائيل و لفنسون (169).
4- المعجم المقارن للدّكتور محمّد جواد مشكور(1:34)

يدعم أنّ إلياس من بني إسرائيل.

و في«مجمع البيان 4:457»:«(بعلا)يعني صنما لهم من ذهب كانوا يعبدونه،عن عطاء.و البعل بلغة أهل اليمن هو الرّبّ و السّيّد،عن عكرمة،و مجاهد،و قتادة،و السّدّيّ.فالتّقدير أ تدعون ربّا غير اللّه تعالى؟!».

و في«تفسير الجواهر 18:22»:«هو اسم صنم كان لأهل بكّ بالشّام،و هو البلد الّذي يقال الآن له بعلبكّ.و يطلق البعل على الرّبّ بلغة أهل اليمن،و يصير المعنى أ تدعون بعض البعول؟!».

فيبدو أنّ الصّنم-أيّ صنم كان-يقال له في بني إسرائيل:«بعل»لأنّه كان أعظم صنم في المنطقة قديما.و لا بدّ من ملاحظة أخبار أنبياء بني إسرائيل حتّى نرى من منهم عارض عبدة الأصنام،لاحظ«ب ع ل».

ثالثا:اختلفوا في شخصيّته-حسب ما تقدّم في النّصوص-على أقوال لا دليل عليها،و أقواها قول النّسّابين:هو ابن العازار بن العيزار بن هارون بن عمران،أو هو ابن يسّى بن فينحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

بيد أنّ العيزار المذكور لا يمتّ بصلة تذكر إلى هارون، لأنّ لهذا الأخير أربعة أولاد منهم ألعازار،و هو ثالثهم (1).

و لألعازار ولد واحد هو فيخاص (2)،و لم يكن لفيخاص سوى أبيشوع (3).

و جعلوا لأبي إلياس أيضا أسماء أخرى،منها «يسّى»و هو أبو داود النّبيّ،كما جاء في العهد القديم (4)و الإنجيل (5).و«تشبي»و هو لقب إلياس،نسبة إلى قرية تشبه الّتي ولد فيها (6).و«ياسين»و«نسي»،و لعلّهما تصحيف«يسّى»المارّ الذّكر.و«بشر»و«بشير»و «شير»،و لعلّها تصحيف«أشير»،و هو الولد الثّامن ليعقوب (7)،أو تصحيف«شبر»و هو ابن كالب المذكور في العهد القديم.

و لم يفصح العهد القديم شيئا عن نسبه أيضا سوى تلقيبه ب«التّشبي» (8).و بذلك يبقى«إلياس»مغمورا بين النّاس،و يوكّل أمره إلى الأجيال.إلاّ أنّ القرآن-كما ستعلم-يذكره في عداد أنبياء بني إسرائيل.

رابعا:من أمعن النّظر في الآية الثّانية لا يشكّ في أنّ المراد ب(إلياسين)هو إلياس،لأنّه تعالى كلّما يذكر في هذه الآيات نبيّا من الأنبياء يعقّبه بالقول:(سلام على...) و يذكر اسم ذلك النّبيّ.و حينما يصل إلى(إلياس)يبدأ بوصفه و حكاية دعوته قومه،ثمّ ينتهي بقوله: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ، و يكرّر ما جاء في شأن سائر الأنبياء بقوله: إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.

و عليه فليس(إلياسين)شخصا آخر غير إلياس، و ليس جمعا لهذه الكلمة على ما قيل،بل هو إلياس نفسه، و قوله: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ صريح في ذلك، لأنّ ضمير(انّه)يرجع إلى إلياسين.1.

ص: 71


1- الخروج 6:23.
2- الخروج 6:25.
3- أخبار الأيّام الأول 6:4.
4- راعوث 6:23.
5- متّى 1:6.
6- الملوك الأوّل 17:1.
7- التّكوين 35:26.
8- الملوك الأوّل 17:1.

خامسا:أمّا سبب تبديل(الياسين)من(إلياس) فالظّاهر أنّه مرتبط بفصل الآيات و رويّها،فإنّ السّورة تبدأ برويّ الألف إلى(ذكرا)،ثمّ يوازن(لواحد)و (المشارق)و(الكواكب)إلى(طين لازب)من الآية (11).ثمّ يتداخل الرّويّ و يتناوب بين الواو و النّون،و الياء و النّون:(العالمين)،(المرسلين)،(ينظرون)، (يكذبون)،و هذا الأخير يتناسق إلى آخر السّورة.و (إلياسين)على وزان الياء و النّون.

و هناك وجه آخر سيأتي،و هو أنّه محوّل عن أصله اليونانيّ«إلياسون».

سادسا:قرئ(إلياسين)ببضع قراءات،أشهرها قراءتان،الأولى:(إلياسين)بكسر الهمزة و سكون اللاّم، موصولة ب«ياسين»باعتبارها جزء من كلمة واحدة.و الثّانية:(آل ياسين)بمدّ الهمزة و كسر اللاّم،مفصولة عن «ياسين»بعدّها معها كلمتين.

فعلى القراءة الأولى نحتمل أنّه محوّل عن أصله؛ حيث أصله في اليونانيّة«إلياسون»،فأجري مجرى جمع المذكّر السّالم-الرّفع بالواو و النّصب و الجرّ بالياء،فحينما جرّ صار(إلياسين).و لعلّه اسم آخر لإلياس في لغتهم.

أمّا(آل ياسين)على القراءة الثّانية،فنرى«ياسين» كسائر الحروف المقطّعة في أوائل السّور،إلاّ أنّ«الياء»و «السّين»رسمتا هنا بلفظيهما،و حذفت همزة«ياء» للخفّة،كما حذفت من«طا»و«ها»عند تلفّظ«طه».

سابعا:ما جاء في بعض الرّوايات و التّفاسير بأنّ المراد ب(إلياسين)على قراءة(آل ياسين)هم آل محمّد، لا يوافق-حسب علمنا-سياق القرآن كما عرفت،و لا يبعد عن وقوع خلط بين هذا المعنى و بين ما قيل:إنّ «ياسين»بمعنى يا محمّد،فضلا عن ذلك فإنّ آل محمّد ينبغي أن يكون بحسب قولهم:«آل ياسين»دون«آل ياسين»،إلاّ أن يقال:بأنّ هذه الرّوايات هي بمنزلة التّأويل،و التّأويلات كثيرة،و لكنّها لا توافق ظاهر الآيات،و اللّه أعلم.

ص: 72

اليسع

اشارة

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

1- وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ. الأنعام:86

2- وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ. ص:48

كعب الأحبار:اليسع هو خضر،و كان معلّما لموسى.(الميبديّ 3:416)

الحسن :كان بعد إلياس اليسع،فمكث ما شاء اللّه أن يمكث يدعوهم إلى اللّه،مستمسكا بمنهاج إلياس و شريعته حتّى قبضه اللّه عزّ و جلّ إليه،ثمّ خلّف فيهم الخلوف و عظمت فيهم الأحداث و الخطايا،و كثرت الجبابرة و قتلوا الأنبياء،و كان فيهم ملك عنيد طاغ، و يقال:إنّه الّذي تكفّل له ذو الكفل،إن هو بات و رجع دخل الجنّة؛فسمّي ذا الكفل.(البداية و النّهاية 2:4)

وهب بن منبّه: و هو تلميذ إلياس.

(الميبديّ 3:416)

هو صاحب إلياس،و كانا قبل زكريّا و يحيى و عيسى.(القرطبيّ 7:33)

زيد بن أسلم: هو يوشع بن نون.

(أبو حيّان 4:174)

الخليل: اسم من أسماء الأنبياء،و الألف و اللاّم زائدتان.(2:203)

الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليه السّلام مشى على الماء و أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص،فلم تتّخذه أمّته ربّا.(المجلسيّ 13:401)

الفرّاء: يشدّد أصحاب عبد اللّه اللاّم،و هي أشبه بأسماء العجم من الّذين يقولون:(و اليسع)،لا تكاد العرب تدخل الألف و اللاّم فيما لا يجرى،مثل:يزيد و يعمر،إلاّ في شعر.[ثمّ استشهد بشعر](1:342)

الأخفش: قال بعضهم:(و اليسع)،و قال بعضهم:

ص: 73

(و اللّيسع)،و نقرأ بالخفيفة.(2:496)

الطّبريّ: هو اليسع بن أخطوب بن العجوز.

و اختلف القرّاء في قراءة اسمه،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و العراق(و اليسع)بلام واحدة مخفّفة.و قد زعم قوم أنّه«يفعل»،من قول القائل:وسع يسع،و لا تكاد العرب تدخل الألف و اللاّم على اسم يكون على هذه الصّورة،أعني على«يفعل»لا يقولون:رأيت اليزيد،و لا أتاني التّجيب،و لا مررت باليشكر،إلاّ في ضرورة شعر، و ذلك أيضا إذا تحرّى به المدح كما قال بعضهم:

وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

فأدخل في«اليزيد»الألف و اللاّم،و ذلك لإدخاله إيّاهما في الوليد،فأتبعه اليزيد بمثل لفظه.

و قرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيّين(و اللّيسع) بلامين و بالتّشديد،و قالوا:إذا قرئ كذلك كان أشبه بأسماء العجم.و أنكروا التّخفيف،و قالوا:لا نعرف في كلام العرب اسما على«يفعل»فيه ألف و لام.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بلام واحدة مخفّفة،لإجماع أهل الأخبار على أنّ ذلك هو المعروف من اسمه دون التّشديد،مع أنّه اسم أعجميّ، فينطق به على ما هو به.و إنّما لا يستقيم دخول الألف و اللاّم فيما جاء من أسماء العرب على«يفعل».و أمّا الاسم الّذي يكون أعجميّا فإنّما ينطق به على ما سمّوا به،فإن غيّر منه شيء إذا تكلّمت العرب به فإنّما يغيّر بتقويم حرف منه،من غير حذف و لا زيادة فيه،و لا نقصان، (و اللّيسع)إذا شدّد لحقته زيادة،لم تكن فيه قبل التّشديد،و أخرى أنّه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنّه قال:اسمه«ليسع»فيكون مشدّدا عند دخول الألف و اللاّم اللّتين تدخلان التّعريف.(7:261)

المقدسيّ:اليسع بن أخطوب،و كان تلميذ إلياس، فنبّأه اللّه بعده.و قد يقال:إنّ اليسع هو ذو الكفل،و قيل:

هو الخضر،و قيل:هو ابن العجوز.

و في كتاب أبي حذيفة أنّ ذا الكفل هو اليسع بن أخطوب تلميذ إلياس،و ليس هو اليسع الّذي ذكره اللّه في القرآن،يرويه عن أبي سمعان،فإن كان هذا حقّا فهما اليسعان.(3:100)

أبو زرعة: قرأ حمزة،و الكسائيّ (و اللّيسع) بلامين.

و حجّتهما في ذلك أنّ(اللّيسع)أشبه بالأسماء الأعجميّة.

و دخول الألف و اللاّم في«اليسع»قبيح،لأنّك لا تقول:

اليزيد و لا اليحيى،و تشديد اللاّم أشبه بالأسماء الأعجميّة.

و قرأ الباقون (و اليسع) بلام واحدة.و حجّتهم ذكرها اليزيديّ عن أبي عمرو،فقال:هو مثل«اليسر».

و إنّما هو يسر و يسع مثل،فردّت الألف و اللاّم فقال:

اليسع،مثل«اليحمد»قبيلة من العرب،و«اليرمع» الحجارة،و الأصل يسع مثل يزيد،و إنّما تدخل الألف و اللاّم عند الفرّاء للمدح.فإن كان عربيّا فوزنه«يفعل» و الأصل«يوسع»مثل يصنع،و إن كان أعجميّا لا اشتقاق له،فوزنه«فعل»تجعل الياء أصليّة.

قال الأصمعيّ:كان الكسائيّ يقرأ (اللّيسع) ،و يقول:

لا يكون اليفعل كما لا يكون اليحيى،قال:فقلت له:

«اليرمع،و اليحمد»حيّ من اليمن،فسكت.

ص: 74

و من قرأ بلامين وزنه«فيعل»اللاّم أصليّة مثل «صيرف»ثمّ أدخلت الألف و اللاّم للتّعريف،فقلت:

(اللّيسع)مثل«الصّيرف»و اللّه أعلم.(259)

القيسيّ: هو اسم أعجميّ معرفة،و الألف و اللاّم فيه زائدتان.

و قيل:هو فعل مستقبل سمّي به و نكّر،فدخله حرفا التّعريف.

و من قرأه بلامين جعله أيضا اسما أعجميّا على فيعل،و نكّره فدخله حرفا التّعريف،و أصله«ليسع» و الأصل في القراءة الأخرى«يسع»أصله على قول من جعله فعلا مستقبلا سمّي به«يوسع»،ثمّ حذفت الواو كما حذفت في«يعد»و لم تعمل الفتحة في السّين،لأنّها فتحة مجتلبة أوجبتها العين،أصلها الكسر،فوقع الحذف على تقدير الأصل.(1:275)

الطّوسيّ: قرأ حمزة،و الكسائيّ،و خلف (اللّيسع) بتشديد اللاّم،و فتحها و سكون الياء هاهنا.[في سورة الأنعام]و في«ص»،الباقون بسكون اللاّم و فتح الياء.

قال الزّجّاج: التّشديد و التّخفيف لغتان.

و قال أبو عليّ: الألف و اللاّم ليستا للتّعريف بل هما زائدتان،و كان الكسائيّ:يستصوب القراءة بلامين و يخطّئ من قرأ بغيرهما،كان الاسم عنده«ليسع»ثمّ يدخل الألف و اللاّم،و قال:لو كانت«يسع»لم يجز أن يدخل الألف و اللاّم،كما لا يدخل في«يزيد و يحيى».

(4:207)

الميبديّ: (اليسع)هو خليفة إلياس في قومه، و قيل:هو ابن عمّ إلياس،و قيل:هو ابن إلياس.

(8:356)

الزّمخشري: (و اليسع)كأنّ حرف التّعريف دخل على يسع،و قرئ(و اللّيسع)كأنّ حرف التّعريف دخل على ليسع«فيعل»من اللّسع.(3:378)

الجواليقيّ: اللّيسع،و لوط اسم النّبيّ أعجميّان معرّبان.(347)

الطّبرسيّ:قرأ أهل الكوفة غير عاصم(و اللّيسع) بتشديد اللام و فتحها و سكون الياء،هاهنا[في سورة الأنعام]و في«ص»،و الباقون(و اليسع)بسكون اللاّم و فتح الياء.

و أمّا من قرأ(اللّيسع)باللاّم فإنّ هذه اللاّم زائدة.

قال أبو عليّ: اعلم أنّ لام المعرفة يدخل الأسماء على ضربين:أحدهما للتّعريف و الآخر زيادة زيدت كما تزاد الحروف،و التّعريف على ضروب[إلى أن قال:]

فأمّا الألف و اللاّم في(اللّيسع)فلا يخلو أن تكون زائدة أو غير زائدة،فإن كانت غير زائدة فلا يخلو أن يكون على حدّ الرّجل إذا أردت به المعهود أو الجنس، نحو إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2،أو على حدّ دخولهما في«العبّاس»فلا يجوز أن يكون على واحد من ذلك،فثبت أنّه زيادة.

و ممّا جاءت اللاّم فيه زائدة ما أنشده أحمد بن يحيى:

يا ليت أمّ العمرو كانت صاحبي

مكان من أنشأ على الرّكائب

و ممّا جاءت الألف و اللاّم فيه زائدة«الخمسة العشر درهما»حكاه أبو الحسن الأخفش.أ لا ترى أنّهما اسم

ص: 75

واحد،و لا يجوز أن يعرّف اسم واحد بتعريفين،كما لا يجوز أن يتعرّف بعض الاسم دون بعض.

و ذهب أبو الحسن إلى أنّ اللاّم في اللاّت زائدة،لأنّ اللاّت معرفة،فأمّا العزّى فبمنزلة العبّاس.

و قياس قول أبي الحسن هذا أن يكون اللاّم في (اللّيسع)أيضا زائدة،لأنّه علم،مثل اللاّت،و ليس صفة.

و ممّا جاءت اللاّم فيه زائدة قول الشّاعر:

وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

فأمّا من قال:(اللّيسع)فأنّه يكون اللاّم على حدّ ما في الحارث.أ لا ترى أنّه على وزن الصّفات إلاّ أنّه و إن كان كذلك فليس له مزيّة على القول الآخر.

أ لا ترى أنّه لم يجئ في الأسماء الأعجميّة المنقولة في حال التّعريف نحو إسماعيل و إسحاق شيء على هذا النّحو،كما لم يجئ فيها شيء فيه لام التّعريف،فإذا كان كذلك كان(اللّيسع)بمنزلة(اليسع)في أنّه خارج عمّا عليه الأسماء الأعجميّة المختصّة المعرّبة.(2:328)

أبو البركات: قرئ بلام واحدة،و قرئ بلامين.فمن قرأ(اليسع)بلام واحدة،جعله اسما أعجميّا،و لهذا لا ينصرف للعجمة و التّعريف.

و قيل:الأصل في(اليسع)بلام واحدة«يسع»و هو فعل مضارع سمّي به و نكّر و أدخل عليه الألف و اللاّم، و الأصل في يسع يوسع،و أصل يوسع يوسع،لأنّه ممّا جاء على فعل يفعل نحو:وطئ يطأ،و أصله يوطئ،إلاّ أنّه فتحت العين لمكان حرف الحلق،و حذفت الواو منه على تقدير الأصل،كما حذفت في«يعد و يزن»،و حذفت في«يحد و يزن»لوقوعها بين ياء و كسرة،و ذلك مستثقل.

و من قرأه(اللّيسع)بلامين جعله اسما أعجميّا و نكّره،و أدخل عليه الألف و اللاّم،و أصله«ليسع» و لا ينصرف أيضا للعجمة و التّعريف.(1:330)

القرطبيّ:قرأ أهل الحرمين،و أبو عمرو،و عاصم (و اليسع)بلام مخفّفة.و قرأ الكوفيّون إلاّ عاصما (و اللّيسع) و كذا قرأ الكسائيّ،و ردّ قراءة من قرأ (و اليسع)،قال:لأنّه لا يقال،اليفعل مثل اليحيى.

قال النّحّاس:و هذا الرّدّ لا يلزم،و العرب تقول:

اليعمل و اليحمد،و لو نكّرت يحيى لقلت اليحيى.

و ردّ أبو حاتم على من قرأ(اللّيسع)و قال:لا يوجد ليسع.

و قال النّحّاس: و هذا الرّدّ لا يلزم،فقد جاء في كلام العرب حيدر و زينب.

و الحقّ في هذا أنّه اسم أعجميّ،و العجمة لا تؤخذ بالقياس إنّما تؤخذ سماعا،و العرب تغيّرها كثيرا،فلا ينكر أن يأتي الاسم بلغتين.

قال مكّيّ: من قرأ بلامين فأصل الاسم«ليسع»ثمّ دخلت الألف و اللاّم للتّعريف.و لو كان أصله«يسع» ما دخلته الألف و اللام،إذ لا يدخلان على يزيد و يشكر:

اسمين لرجلين،لأنّهما معرفتان علمان.فأمّا«ليسع»نكرة فتدخله الألف و اللاّم للتّعريف.و القراءة بلام واحدة أحبّ إليّ،لأنّ أكثر القرّاء عليه.

و قال المهدويّ:من قرأ(اليسع)بلام واحدة فالاسم

ص: 76

«يسع»و دخلت الألف و اللاّم زائدتين،كزيادتهما في نحو «الخمسة عشر».[ثم استشهد بشعرين]

قال القشيريّ:قرئ بتخفيف اللاّم و التّشديد، و المعنى واحد في أنّه اسم لنبيّ معروف،مثل إسماعيل و إبراهيم،و لكن خرج عمّا عليه الأسماء الأعجميّة بإدخال الألف و اللاّم.

و توهّم قوم أنّ اليسع هو إلياس،و ليس كذلك لأنّ اللّه تعالى أفرد كلّ واحد بالذّكر.

و قيل:إلياس هو الخضر،و قيل:لا بل اليسع هو الخضر.(7:32)

أبو حيّان: قال زيد بن أسلم:هو يوشع بن نون.

و قال غيره:هو اليسع بن أخطوب بن العجوز.

و قرأ الجمهور (وَ الْيَسَعَ) كأنّ«أل»أدخلت على مضارع«وسع».و قرأ الأخوان (و اللّيسع) على وزن «فيعل»نحو الضّيغم.و اختلف فيه أ هو عربيّ أم عجميّ؟

فأمّا على قراءة الجمهور و قول من قال:إنّه عربيّ، فقال:هو مضارع سمّي به و لا ضير فيه،فأعرب ثمّ نكّر و عرّف بال.

و قيل:سمّي بالفعل كيزيد،ثمّ أدخلت فيه«أل» زائدة شذوذا كاليزيد.[ثمّ استشهد بشعر]و لزمت كما لزمت في الآن.

و من قال:إنّه أعجميّ فقال:زيدت فيه«أل» و لزمت شذوذا.و ممّن نصّ على زيادة«أل»في(اليسع) أبو عليّ الفارسيّ.

و أمّا على قراءة الأخوين فزعم أبو عليّ أنّ«أل»فيه كهي في الحارث و العبّاس،لأنّهما من أبنية الصّفات،لكن دخول«أل»فيه شذوذ عمّا عليه الأسماء الأعجميّة؛إذ لم يجئ فيها شيء على هذا الوزن،كما لم يجئ فيها شيء فيه أل للتّعريف.

و قال أبو عبد اللّه ابن مالك الجيّانيّ:ما قارنت«أل» نقله كالمسمّى بالنّضر أو بالنّعمان،أو ارتجاله كاليسع و السّموأل،فإنّ الأغلب ثبوت«أل»فيه،و قد يجوز أن يحذف؛فعلى هذا لا تكون«أل»فيه لازمة.و اتّضح من قوله:إنّ اليسع ليس منقولا من فعل،كما قال بعضهم.

إنّما جمع هؤلاء الأربعة[الأنعام:86]،لأنّهم لم يبق لهم من الخلق أتباع و لا أشياع،فهذه مراتب ستّ:

1-مرتبة الملك و القدرة،ذكر فيها داود و سليمان.

2-مرتبة البلاء الشّديد،ذكر فيها أيّوب.

3-مرتبة الجمع بين البلاء و الوصول إلى الملك،ذكر فيها يوسف.

4-مرتبة قوّة البراهين و المعجزات و القتال و الصّولة،ذكر فيها موسى و هارون.

5-مرتبة الزّهد الشّديد و الانقطاع عن النّاس للعبادة،ذكر فيها زكريّا و يحيى و عيسى و إلياس.

6-مرتبة عدم الأتباع ذكر فيها إسماعيل و اليسع و يونس و لوطا.

و هذه الأسماء أعجميّة لا تجرّ بالكسرة و لا تنوّن إلاّ(اليسع)فإنّه يجرّ بها و لا ينوّن.(4:174)

ابن كثير :قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في حرف الياء من تاريخه:(اليسع)و هو الأسباط بن عديّ ابن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل،و يقال:هو ابن عمّ النّبيّ.

ص: 77

و يقال:كان مستخفيا معه بجبل قاسيون من ملك بعلبكّ،ثمّ ذهب معه إليها،فلمّا رفع إلياس خلفه اليسع في قومه،و نبّأه اللّه بعده.ذكر ذلك عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبّه،قال:و قال غيره:و كان بيانياس.

ثمّ ذكر ابن عساكر قراءة من قرأ(و اليسع) بالتّخفيف و التّشديد.

و من قرأ(و اللّيسع)و هو اسم واحد لنبيّ من الأنبياء.(البداية و النّهاية 2:4)

الفيروزآباديّ: يسع:كيضع،اسم أعجميّ أدخل عليه«أل»و لا يدخل على نظائره كيزيد.و قرئ (و اللّيسع) بلامين.(3:97)

هو اسم أعجميّ ممنوع من الصّرف.

و قيل:عربيّ وزنه«لفع»و كان في الأصل يسعى.

و قيل:وزنه«يعل»و كان في الأصل يوسع.

و قيل:وزنه«فعل»و الياء من أصل الكلمة.

و قيل له:يسع لسعة علمه،أو لسعيه في طلب الحقّ و طاعته.

و يسع كان خليفة إلياس.و لمّا خرج إلياس من بين النّاس و ركب المركب الّذي بعثه اللّه تعالى له كان يسع معه،فلمّا رأى المركب ارتفع في الهواء،علم أنّه آخر عهده به،فقال:يا إلياس بم تأمرني؟و كان معه كساء فطرحه إليه،فعلم أنّه جعله وليّ عهده،فاشتغل بدعوة قوم إلياس،و قام بشرائط شرعه.

و ذكر اللّه تعالى(اليسع)في التّنزيل مع جملة الأنبياء وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ص:48.

(بصائر ذوي التّمييز 6:79)

السّيوطيّ: (اليسع)قال ابن جبير:هو ابن أخطوب بن العجوز.قال:و العامّة تقرؤه بلام واحدة مخفّفة.و قرأ بعضهم (و اللّيسع) بلامين و بالتّشديد.فعلى هذا هو عجميّ،و كذا على الأولى.

و قيل:عربيّ منقول من الفعل،من:وسع يسع.

(4:76)

أبو السّعود: هو ابن أخطوب بن العجوز،استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثمّ استنبئ،و اللاّم فيه حرف تعريف دخل على«يسع»كما في قول من قال:

*رأيت الوليد بن اليزيد مباركا*

و قرئ (و اللّيسع) ،كأنّ أصله:ليسع«فيعل»من اللّسع،دخل عليه حرف التّعريف.

و قيل:هو على القراءتين علم أعجميّ دخل عليه اللاّم،و قيل:هو يوشع.(4:293)

البروسويّ: (و اليسع)ابن أخطوب بن العجوز، و اللاّم زائدة،لأنّه علم أعجميّ.(3:61)

هو ابن أخطوب من العجوز،استخلفه إلياس عليه السّلام على بني إسرائيل ثمّ استنبئ.و دخل اللاّم على العلم لكونه منكّرا بسبب طروّ الاشتراك عليه،فعرّف باللاّم العهديّة على إرادة اليسع الفلانيّ،مثل قول الشّاعر:

*رأيت الوليد بن اليزيد مباركا*

(8:47)

الآلوسيّ: قرأ حمزة و الكسائي (اللّيسع) بوزن «ضيغم»و هو أعجميّ،دخلت عليه اللاّم على خلاف القياس،و قارنت النّقل فجعلت علامة التّعريب،كما قاله التّبريزيّ،و نصّ على أنّ استعماله بدونها خطأ يغفل عنه

ص: 78

النّاس،فليس كاليزيد في قوله:

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

من جميع الوجوه،و هو على القراءة الأولى أعجميّ أيضا.

و قيل:إنّه معرّب يوشع.

و قيل:عربيّ منقول من يسع مضارع وسع.

(7:214)

قال ابن جرير: هو ابن أخطوب بن العجوز،و ذكر أنّه استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثمّ استنبئ،و اللاّم فيه زائدة لازمة لمقارنتها للوضع،و لا ينافي كونه غير عربيّ،فإنّها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجميّة كالإسكندر.فقد لحّن التّبريزيّ من قال:اسكندر مجرّدا له منها،و الأولى عندي أنّه إذا كان اسما أعجميّا و أل فيه مقارنة للوضع أن لا يقال بزيادتها فيه.

و قيل:هو اسم عربيّ منقول من يسع مضارع وسع.

و قرأ حمزة و الكسائيّ (و اللّيسع) بلامين و التّشديد، كان أصله:ليسع،بوزن«فيعل»من اللّسع،دخل عليه «أل»تشبيها بالمنقول الّذي تدخله للمح أصله.و جزم بعضهم بأنّه على هذه القراءة أيضا علم أعجميّ دخل عليه اللاّم.(23:211)

القاسميّ:خليفة إلياس،و كان خادمه.و يقال له بالعبرانيّة:اليشاع،كما يسمّى إلياس فيها إيليا.و في التّوراة نبأ طويل عن اليسع و نبوّته و معجزاته.

(14:5112)

رشيد رضا :قد ذكر اللّه في هذه الآيات الثّلاث (1)أربعة عشر نبيّا،لم يرتّبهم على حسب تاريخهم و أزمانهم،لأنّه أنزل كتابه هدى و موعظة لا تاريخا،و لا على حسب فضلهم و مناقبهم،لأنّ كتابه ليس كتاب مناقب و مدائح،و إنّما هو كتاب تذكرة و عبرة.

و قد جعلهم ثلاثة أقسام لمعان في ذلك جامعة بين كلّ قسم منهم:

فالقسم الأوّل:داود و سليمان و أيّوب و يوسف و موسى و هارون.[إلى أن قال:]

و القسم الثّاني:زكريّا و يحيى و عيسى و إلياس، و هؤلاء قد امتازوا في الأنبياء عليهم السّلام بشدّة الزّهد في الدّنيا.[إلى أن قال:]

و القسم الثّالث:إسماعيل و اليسع و يونس و لوط، و أخّر ذكرهم لعدم الخصوصيّة؛إذ لم يكن لهم من ملك الدّنيا أو سلطانها ما كان للقسم الأوّل،و لا من المبالغة في الإعراض عن الدّنيا ما كان للقسم الثّاني،و قد قفى على ذكرهم بالتّفضيل على العالمين،الّذي جعله اللّه تعالى لكلّ نبيّ على عالمي زمانه،فمن كان من النّبيّين منهم منفردا في عالم أو قوم كان أفضلهم على الإطلاق.[إلى أن قال:]

و نذكر هنا من مباحث اللّفظ و القراءات أنّ القرّاء اختلفوا في قراءة اسم(اليسع)،فقرأه الجمهور بلام واحدة بوزن«اليمن»القطر المعروف.و قرأه حمزة، و الكسائيّ بلامين،أدغمت إحداهما في الأخرى بوزن «الضّيغم».

قال بعض المفسّرين:إنّ(اليسع)معرّب الاسم6.

ص: 79


1- الأنعام:84-86.

العبرانيّ«يوشع»،فهو اسم أعجميّ دخلت عليه لام التّعريف على خلاف القياس،و قارنت النّقل فجعلت علامة التّعريب،فلا يجوز مفارقتها له كاليزيد الّذي دخلت عليه في الشّعر.

و قيل:إنّه اسم عربيّ منقول من يسع مضارع وسع.

و أقول:الأقرب أنّه تعريب«اليشع»و هو أحد أنبياء بني إسرائيل،و كان خليفة إلياس«إيليا».و من المعهود في نقل العبريّ إلى العربيّ إبدال الشّين المعجمة بالمهملة.(7:586)

الطّباطبائيّ: (اليسع)بفتحتين كأسد،و قرئ (اللّيسع) كالضّيغم،أحد أنبياء بني إسرائيل،ذكر اللّه اسمه مع إسماعيل عليهما السّلام كما في قوله: وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ص:48.و لم يذكر شيئا من قصّته في كلامه.(7:243)

البستانيّ: (اليشع)نبيّ عبرانيّ ذكرت سيرته في أسفار الملوك،لقيه إيليّا و هو يحرث،و أمامه اثنا عشر فدان بقر فدعاه إلى التّنبّي.و لمّا رفع إيليا عن الأرض أخذ رداءه فرآه بنو الأنبياء الّذين في«أريحا»تجاهه، فقالوا:قد حلّت روح إيليا على اليشع،و جاءوا للقائه و سجدوا له إلى الأرض.

و من أعماله أنّه ضرب مياه الأردن برداء إيليا فانفلقت،و طرح ملحا في ماء أريحا فجعله عذبا صحيحا بعد أن كان رديئا،و لعن صبيان بيت إيل لأنّهم هزءوا به،فخرج دبّتان من الغاب و افترستا منهم«42»صبيّا.

و تنبّأ باستظهار يورام و يوشافاط على الموآبيّين، و مكّن امرأة اضطهدها دائنوها من قضاء دينها و الحصول على ما يكفيها لتعيش هي و ابناها،و ردّ الحياة على ابن امرأة من شونم كانت قد أنزلته بيتها،و شفى نعمان من برصه،و أبطل مقاصد«بنهدد»ملك سوريّة،و ضرب الرّسول الّذي أرسله لإلقاء القبض عليه بالعمي.

و لمّا حصرت السّامرة و أصابتها مجاعة شديدة تنبّأ اليشع بأنّه في مثل ساعة نبوّته من غد يباع مكيال السّميذ بمثقال،و مكيال الشّعير بمثقال،فتمّ ذلك بفرار الجيوش السّوريّة لما لحق بها من الرّعب و الخوف تاركة خيامها مملوءة ذهبا و مؤنا،و أنبأ أيضا بموت بنهدد و بجلوس حزائيل مكانه.

و لمّا مرض اليشع-مرضه الّذي مات فيه-انحدر إليه«يوآش»ملك إسرائيل فوعده أنّه يستظهر على السّوريّين ثلثا.

و قد أجمع المؤرّخون على أنّ وفاته كانت نحو سنة «840 ق م»،و قد أثبت الكنيسة الرّومانيّة قداسته، و جعلت له عيدا يحتفل به في«14»حزيران«جون».

و قد ذكرت في أخبار القدّيسين الرّوايات المتعلّقة به،فاطلبها في اليوم الرّابع عشر من الشّهر المقدّم ذكره.

و في أيّام إبرونيموس كان له قبر معروف بالسّامرة.

و في أيّام يوليانوس نبشت عظامه من لحدها و أحرقت بالنّار.(4:335)

هوتسما :اليسع:أو اليسع بن أخطوب،و اسمه في التّوراة اليشع.ورد ذكره مرّتين في القرآن،الأنعام:86، و ص:48،بعد ذكر إسماعيل.

و جاء في الآية:19،من الإصحاح:16،من سفر الملوك الأوّل أنّ اليشع هو ابن شافاط.و لكنّ المفسّرين

ص: 80

و علماء التّاريخ من المسلمين ذكروا أنّ اليسع هو ابن أخطوب،و يذهب خوندمير إلى أنّه من نسل أفرايم بن يوسف.

و تروى مقابلته الأولى لإلياس على الوجه الآتي:

إنّ إلياس ذهب إلى بيت امرأة فقيرة من بني إسرائيل توفّي عنها زوجها أخطوب،و كان لها ابن صغير به ضرّ اسمه اليسع،فدعا له إلياس فعوفي،و لزمه اليسع في أسفاره منذ ذلك الحين.

و يظهر أنّ هذه القصّة أخذت عمّا ورد في سفر الملوك الأوّل،الإصحاح:17،الآية:9،و ما بعدها.و لو أنّه جاء في الإصحاح التّاسع عشر،الآية العشرين،أنّ والدي اليسع كانا على قيد الحياة عند ما لقيه إلياس لأوّل مرّة.

و يذهب بعض المؤلّفين إلى أنّ اليسع هو النّبيّ الّذي كان يسمّى ابن العجوز.و لكنّ الطّبريّ يقول:إنّ ابن العجوز هو حزقيل،و كان اليسع وصيّ إلياس في نبوّته، و كان في حوزته تابوت العهد الّذي يقول عنه علماء المسلمين:إنّه كان ينتقل من بنى إلى آخر.

و بعد أن دعا اليسع بني إسرائيل إلى الإيمان باللّه، سأل اللّه أن يقبضه إليه ليكون في جوار إلياس.

و استجاب اللّه له،فتوفّاه إليه،و خلّفه ذو الكفل.

و يذكر علماء المسلمين أنّ اليسع كان موجودا قبل الملك شاول،و هذا القول يجعله سابقا على التّاريخ الّذي ذكرت التّوراة أنّه كان موجودا فيه.

و يقول الطّبريّ:إنّ اليسع هو الّذي أصعدته ساحرة عين دور من القبر للملك شاول.

و هنالك اختلاف في تعيين شخصيّة اليسع،و يورد كلّ من الطّبريّ و الثّعلبيّ آراء بعض من ذهبوا إلى أنّ اليسع هو الخضر،بينما يورد خوندمير الرّأي القائل بأنّ اليسع هو ذو الكفل.(2:609)

مستر هاكس: اليشع بن شافاط هو تلميذ إلياس النّبيّ و خليفته،و كان شافاط يسكن آبل محولة.و قد مسحه إلياس بأمر اللّه تعالى،فمرّ عليه يوما و هو يحرث الأرض فطرح عليه رداءه،فترك المحراث،و ذهب مسرعا لوداع أبيه و أمّه،و لحق بإلياس.

و لم يكن لليسع مهمّة خاصّة أو منصب معيّن في حياة إلياس،و حينما نصبه خليفة له و رحل عن الدّنيا، طفق يبلّغ دعوة ربّه و يوصي الملوك بالعدالة و حسن المعاملة مع الرّعيّة.

و كان يسكن مع تلاميذه في المدينة معزّزا مكرّما من قبل النّاس و الحكّام.و قد سأل اللّه أن يمدّه من روح إلياس ضعفه،فاستجاب اللّه دعوته و أصبح وارثا لإرث مولاه المقدّس.

و لليسع معاجز كثيرة،منها:أنّه جعل البركة في زيت المرأة الأرملة،فما كان ينقص منه شيئا،و أحيا ولد شمونيّة بعد ما فارق الحياة،و شفى نعمان من البرص، و حوّله إلى جيحزى،و دعا على الآراميّين فشرّدوا من ديارهم،و ظفر ملك بني إسرائيل بعدوّه،و ذلك قبل موته بقليل.

ثمّ التحق اليسع بالرّفيق الأعلى،و بعد سنة من وفاته دخل بنو إسرائيل في حرب مع مؤابيان.و حدث أن قد دفن بنو إسرائيل أحد موتاهم قرب قبر اليسع، فمسّ جسم الميّت عظامه فأحيا اللّه ذلك الميّت فورا.

ص: 81

و كانت مدّة نبوّة اليسع ستّين عاما.(98)

أبو رزق:هو نبيّ من أنبياء بني إسرائيل،ولد في عين الحلوة من أعمال طوباس«نابلس»و دفن في سبسطيّة.(2:270)

عفيف عبد الفتّاح طبّارة:هو من أنبياء بني إسرائيل لم يذكر القرآن شيئا عن حياته سوى ذكره في مجموعة الأنبياء الّذين يجب الإيمان بهم.

و يقال:إنّه ابن عمّ إلياس،قام بالدّعوة بعد انتقال إلياس إلى جوار ربّه،فقام يدعو إلى اللّه متمسّكا بمنهاج نبيّ اللّه إلياس و شريعته،و قد كثرت في زمانه الأحداث و الخطايا.(مع الأنبياء في القرآن:304)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الألف و اللاّم فيها ليست للتّعريف،بل هي من جوهرة الكلمة.و أصلها«إل»بمعنى اللّه،و أصل الكلمة في العبريّة«اليشاع»،و قد عرّبت بلفظ اليسع.و القراءة الصّحيحة في القرآن الكريم أيضا كذلك.

نعم يجوز حذف الهمزة وصلا للتّخفيف و لكونها شبيهة بهمزة الوصل في لام التّعريف،كما تحذف الهمزة في بعض الأسماء كابن و ابنم و اثنين و ايمن و ابنة و امرئ و امرأة و غيرها في الوصل.

فإن قيل:سقوط الهمزة في الأسماء سماعيّ و لا يقاس عليها.

قلنا:أيّ سماع أقوى من كلام اللّه تعالى،و قد ذكرت موصولة في موردين من القرآن المجيد.

وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ الأنعام:86.

وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ص:48.

فقد استعملت هذه الكلمة في الآيتين و همزتها موصولة ساقطة،و تستفاد من الآيتين الكريمتين أنّ اليسع النّبيّ كان في رديف إسماعيل و يونس و لوط و ذي الكفل من الأنبياء الأخيار،و الّذين فضّلوا على قومهم و أهل زمانهم أجمعين.(1:118)

الأصول اللّغويّة

1-قيل اليسع:إنّه اسم علم عربيّ،منقول من مضارع«وسع»،ثمّ نكّر و أدخلت عليه الألف و اللاّم، فصار«اليسع»مثل:اليعمل.و قيل:إنّه اسم علم أعجميّ،و الألف و اللاّم فيه أصليّان.و سيتّضح لنا مدى جزافة القول الأوّل،و جزالة القول الثّاني من خلال هذا البحث.

2-فلفظ«اليسع»اسم عبريّ،أصله«اليشاع» (1)و هو مركّب من«إل»أو«إلي»أي اللّه (2)،و«يشاع» أي ينجي (3)،أو«شاع»أي يرى (4).

و ورد في السّريانيّة بلفظ«اليشع» (5)،و هو قريب الشّبه باللّفظ العربيّ،و منه عرّب؛بقلب الشّين سينا كما هو المتّبع في الأسماء الأعجميّة،و وصل همزة القطع لكثرة الاستعمال،و حينئذ تسكّن لامه؛لأنّها تكون بمثابة

ص: 82


1- المعجم المقارن للدّكتور مشكور(1:34).
2- قاموس عبريّ-فارسيّ لسليمان حييم(16).
3- المصدر السّابق(197).
4- المصدر السّابق(567).
5- قاموس سريانيّ-عربيّ،لويس كوستاز.

لام التّعريف،ثمّ وجب تحريك الياء؛للتّخلّص من السّاكنين-اللاّم و الياء-و كانت حركتها فتحة للخفّة.

الاستعمال القرآنيّ

1-جاء اليسع مرّتين في آيتين مكّيّتين:

وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ الأنعام:86.

وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ص:48.

و يلاحظ أوّلا:أنّه جاء مسبوقا بإسماعيل في كلتا الآيتين.و ألحق بيونس و لوط في الآية الأولى،و في الثّانية ألحق بذي الكفل.

و ثانيا:قد سبق الآية الأولى ذكر لجملة من الأنبياء:

وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ* وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ...

ثمّ قال: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام:84 -87

و سبق في الآية الثّانية أيضا ذكر لجملة من الأنبياء:

وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ* إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ* وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ* وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ... *هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:45-49.

و ذكر داود و سليمان و أيّوب قبل هذه الآيات أيضا في آيات من سورة«ص».

و ثالثا:من تدبّر آيات الأنعام لا يرتاب في أنّ (اليسع)من ذرّيّة إبراهيم،بل من ذرّيّة إسحاق و يعقوب،و أنّه من أنبياء بني إسرائيل.فالظّاهر أنّ الضّمير في(و من ذرّيّته)يرجع إلى يعقوب-و هو الأقرب-أو إلى إبراهيم.و ذكره مع إسماعيل ربّما يشعر بأنّ إسماعيل هذا ليس بإسماعيل بن إبراهيم أخي إسحاق،بل هو أيضا رجل من بني إسرائيل،عبّر عنه القرآن بإسماعيل صادق الوعد،لاحظ«إسماعيل».

كما لا يرتاب بأنّ اليسع ليس هو إلياس كما قيل، لأنّ إلياس مذكور معه،و لا هو ذو الكفل كما قيل،لأنّه مذكور بعده في سورة«ص».هذا هو المستفاد من سياق القرآن بشأن اليسع.

2-و الحقّ أنّ(اليسع)من النّاحية التّاريخيّة كصاحبه(الياس)مجهول النّسب،حتّى قيل:هو ابنه،أو ابن عمّه،أو تلميذه،أو خادمه.و قيل:هو يوشع بن نون، و قيل:الخضر،و قيل:ذو الكفل،و قيل:هو ابن إسحاق أبو الرّوم،و قيل:ابن أخطوب ابن العجوز.و في العهد القديم:هو ابن شافاط (1).

3-و لو تتبّعنا الحوادث التّاريخيّة الّتي وقعت في عصره لوجدناها تنحصر في الحقبة الّتي تلت عصر النّبيّ سليمان بن داود عليهما السّلام بقرن من الزّمان أو يزيد قليلا.

ص: 83


1- الملوك الأوّل(19:16).

و طبق رواية العهد القديم فإنّ(اليسع)قد مات في عصر الملك«يوآش» (1)أحد ملوك بني إسرائيل الّذي تولّى الحكم بعد موت سليمان بمدّة تقرب من«130» سنة.

و بهذا تتهافت الرّوايات الّتي ذكرت أنّه ابن إسحاق،أو يوشع بن نون،أو ابن أخطوب؛لأنّ عصر إسحاق يعتبر عصرا متقدّما جدّا بالنّسبة إلى عصره.

و بين عصره و عصر يوشع بن نون بون شاسع؛لأنّ يوشع خليفة موسى عليه السّلام،و لعلّهم نظروا إلى لفظه فتوهّموا أنّه معرّب«اليسع».

و أخطوب في العهد القديم اسم لرجلين عرفا به، أحدهما:أخطوب بن أمريا بن مرايوث،من أحفاد هارون (2)،و كان له ولد يسمّى«صادوق»و هو كاهن كان معاصرا لداود و سليمان (3).

و الثّاني:أخطوب بن فينحاص بن عالي (4)،و له ولد يسمّى«أخيمالك»،و كان كاهنا معاصرا لداود عليه السّلام (5).

و من قال:إنّه الخضر أو ذو الكفل،فقد زاد الطّين بلّة؛لأنّ هذين العلمين غير معروفين،و حولهما خلاف كثير،و قد تقدّم حسب السّياق القرآنيّ أنّه نبيّ آخر غيرهما.).

ص: 84


1- الملوك الثّاني(13:14).
2- الأيّام الأوّل(6:3-7).
3- صموئيل الثّاني(2:35)و(8:17).
4- صموئيل الأوّل(14:3).
5- صموئيل الأوّل(21:1).

أ م ت

اشارة

امتا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة.

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و الأمت:أن تصبّ في السّقاء ماء فلا تملؤه فينثني و ذلك الثّني هو الأمت،و إذا ملئ و تمدّد فلا أمت فيه.

و هذا شيء مأموت،أي معروف.[ثمّ استشهد بشعر](8:141)

العوج و الأمت بمعنى واحد.(ابن فارس 1:137)

سيبويه :و قالوا:أمت في الحجر لا فيك،أي ليكن الأمت في الحجارة لا فيك،و معناه أبقاك اللّه بعد فناء الحجارة،و هي ممّا يوصف بالخلود و البقاء.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 2:5)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الأمت،هو التّلال الصّغار.

(الرّازيّ:35)

الأمت:النّباك،و هي التّلال الصّغار،واحدها:

نبك.(القرطبيّ 11:246)

الفرّاء: الأمت:موضع النّبك من الأرض:ما ارتفع منها،و يقال:مسايل الأودية-غير مهموز-ما تسفّل و قد سمعت العرب يقولون:ملأ القربة ملأ لا أمت فيها،إذا لم يكن فيها استرخاء،و يقال:سرنا سيرا لا أمت فيه و لا وهن فيه و لا ضعف.(2:191)

أبو زيد:يقال:ما فيك و لا في ثوبك أمت،أي عيب.

(218)

أمتّ القوم آمتهم أمتا،إذا حرزتهم،و أمتّ الماء أمتا، إذا قدّرت ما بينك و بينه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ايمت هذا لي كم هو؟أي احزره كم هو؟و قد أمتّه آمته أمتا.(الأزهريّ 14:341)

ابن الأعرابيّ: الأمت وهدة بين نشوز.يقال:كم أمت ما بينك و بين الكوفة؟أي قدر.

(الأزهريّ 14:341)

الأمت:الطّريقة الحسنة،و الأمت:تخلخل القربة إذا

ص: 85

لم يحكم إفراطها.(الأزهريّ 14:342)

شمر: عن أبي سعيد الخدريّ:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ اللّه حرّم الخمر فلا أمت فيها و أنا أنهى عن السّكر و المسكر»و أنشدني ابن جابر:

و لا أمت في جمل ليالي ساعفت

بها الدّار إلاّ أنّ جملا إلى بخل

لا أمت فيها،أي لا عيب فيها.

(الأزهريّ 14:342)

ابن أبي اليمان :الأمت:الارتفاع،و الأمت أيضا:

القصد،يقال:أمتّ أمتك،أي قصدت قصدك.(220)

الأمت:الشّقوق في الأرض.(القرطبيّ 11:246)

ثعلب :الأمت:النبك.و ليس في الخمر أمت،أي ليس فيها شكّ أنّها حرام.(ابن منظور 2:5)

الزّجّاج: هو أن يغلظ مكان و يدقّ مكان.

(الآلوسيّ 16:263)

ابن دريد :أمتّ الشّيء آمته أمتا فهو مأموت،إذا قدّرته.و كذلك الماء إذا قدّرت كم بينك و بينه.[ثمّ استشهد بشعر](3:274)

الأزهريّ: [بعد نقل قول شمر قال:]

قلت:معنى قول أبي سعيد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ اللّه حرّم الخمر فلا أمت فيه»،معناه غير معنى ما في البيت.

أراد أنّه حرّمها تحريما لا هوادة فيه و لا لين،لكنّه شدّد في تحريمها،و هو من قولك:سرت سيرا لا أمت فيه،أي لا وهن فيه و لا ضعف.و جائز أن يكون المعنى أنّه حرّمها تحريما لا شكّ فيه.و أصله من الأمت بمعنى الحزر و التّقدير،لأنّ الشّكّ يدخلها.[ثمّ استشهد بشعر]

(14:342)

الجوهريّ: الأمت:المكان المرتفع.

و الأمت:النّباك،و هي التّلال الصّغار،و قوله:

لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:107،أي لا انخفاض فيها و لا ارتفاع،و تقول:امتلأ السّقاء فما به أمت.

و أمتّ الشّيء أمتا:قدّرته.يقال:هو إلى أجل مأموت،أي موقوت.[ثمّ استشهد بشعر](1:241)

ابن فارس: الهمزة و الميم و التّاء أصل واحد لا يقاس عليه،و هو الأمت.(1:137)

الزّمخشريّ: الخدريّ رضى اللّه عنه:«إنّ اللّه حرّم الخمر فلا أمت فيها»،أي لا نقص في تحريمها؛يعني أنّه تحريم بليغ،من قولهم:ملأ مزادته حتّى لا أمت فيها أو لا شكّ، من قولهم:بيننا و بين الماء ثلاثة أميال على الأمت،أي على الحزر و التّقدير،لأنّ الحزر ظنّ و شكّ،أو لا لين و لا هوادة من قولهم:سار سيرا لا أمت فيه.

(الفائق 1:57)

استوت الأرض فما بها أمت،و امتلأ السّقاء فلم يبق فيه أمت.(أساس البلاغة:9)

الطّبرسيّ: و الأمت:الأكمّة،يقال:مدّ حبله حتّى ما ترك فيه أمتا،و ملأ سقاءه حتّى ما ترك فيه أمتا،أي انثناء.(4:28)

القرطبيّ: تقول:امتلأ فما به أمت،و ملأت القربة ملأ لا أمت فيه،أي لا استرخاء فيه.

و الأمت في اللّغة:المكان المرتفع.(11:246)

الفيروزآباديّ: أمته يأمته:قدّره و حزره،كأمّته و قصده.

ص: 86

و أجل مأموت:موقّت.

و الأمت:المكان المرتفع،و التّلال الصّغار، و الانخفاض و الارتفاع،و الاختلاف في الشّيء،جمعه:

إمات و أموت.و الضّعف،و الوهن،و الطّريقة الحسنة و العوج و العيب في الفم و في الثّوب،و الحجر.و أن يغلظ مكان و يرقّ مكان.

و المؤمّت:المملوء،و المتّهم بالشّرّ و نحوه.

و الخمر حرّمت لا أمت فيها،أي لا شكّ في حرمتها.(1:147)

مجمع اللّغة:الأمت:الارتفاع و الانخفاض.

(1:49)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الأمت:المكان المرتفع قليلا،أو التّلال الصّغار،و هو يعني أيضا:الانخفاض و الارتفاع و الاختلاف في الشّيء.(44)

النّصوص التّفسيريّة

لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً. طه:107

ابن عبّاس: واديا و لا رابية.(الطّبريّ 16:212)

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 4:30)

هي الأرض البيضاء،الملساء الّتي ليس فيها لبنة مرتفعة.(الطّبريّ 16:212)

لا ترى فيها ميلا.و الأمت:الأثر مثل الشّراك.

(الطّبريّ 16:213)

أي ليس فيها منخفض و لا مرتفع.

(الطّبرسيّ 4:30)

مجاهد:يعني ارتفاعا.(1:402)

مثله الجلالين.(2:61)

ارتفاعا و لا انخفاضا.(الطّبريّ 16:212)

نحوه الخازن(4:227)،و الميبديّ(6:178).

الحسن:العوج ما انخفض من الأرض،و الأمت:

ما نشز من الرّوابي.(الميبديّ 6:178)

قتادة:صدعا و لا أكمّة.(الطّبريّ 16:213)

الأمت:الحدب.(الطّبريّ 16:213)

ابن زيد:لا تعادي،الأمت:التّعادي.

(الطّبريّ 16:212)

أبو عبيدة:مجازه لا ربى و لا وطئا،أي لا ارتفاع و لا هبوط،يقال:مدّ حبله حتّى ما ترك فيه أمتا،و ملأ سقاءه حتّى ما ترك فيه أمتا،أي انثناء.(2:29)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في معنى«العوج و الأمت»فقال بعضهم:عنى بالعوج في هذا الموضع:

الأودية،و بالأمت:الرّوابي و النّشوز.

و قال آخرون:بل عنى بالعوج في هذا الموضع:

الصّدوع،و بالأمت:الارتفاع من الآكام و أشباهها.

و قال آخرون:الأمت:المحاني و الأحداب.

و قال آخرون:عنى بالعوج:الميل،و بالأمت:الأثر.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال:عنى بالعوج:الميل،و ذلك أنّ ذلك هو المعروف في كلام العرب [إلى أن قال:]

و أمّا الأمت فإنّه عند العرب الانثناء و الضّعف.

مسموع منهم،مدّ حبله حتّى ما ترك فيه أمتا.[ثمّ استشهد بشعر]

فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون

ص: 87

أصوب الأقوال في تأويله،و لا ارتفاع و لا انخفاض؛لأنّ الانخفاض لم يكن إلاّ عن ارتفاع،فإذ كان ذلك كذلك؛ فتأويل الكلام:لا ترى فيها ميلا عن الاستواء و لا ارتفاعا و لا انخفاضا،و لكنّها مستوية ملساء،كما قال جلّ ثناؤه: قاعاً صَفْصَفاً طه:106.(16:213)

السّجستانيّ:ارتفاعا و هبوطا،و يقال نبكا،النّبك:

الرّوابي من الطّين.(122)

نحوه أبو حيّان.(تحفة الأريب:29)

الهرويّ: أي لا حدب فيها و لا نبك و لا ارتفاع و لا انخفاض،يقال:ملأ مزادته حتّى لا أمت فيها،أي لا غرض فيها و لا تثنّي.(1:79)

الطّوسيّ: أي لا ربى و لا وهاد أي لا ارتفاع فيه و لا هبوط،يقال:مدّ حبله حتّى ما ترك فيه أمتا،و ملأ سقاه حتّى ما ترك فيه أمتا أي انثناء.[ثمّ استشهد بشعر] (7:208)

الزّمخشريّ: النّتوّ اليسير،يقال:مدّ حبله حتّى ما فيه أمت.(2:553)

مثله الفخر الرّازيّ(22:118)،و أبو حيّان(6:

280)،و المراغيّ(16:151)،و النّيسابوريّ(16:

156)،و البيضاويّ(2:61)،و القاسميّ(11:4210)، و أبو السّعود(3:324).

الآلوسي:قيل:الأمت في الآية:العوج في السّماء تجاه الهواء،و العوج في الأرض مختصّ بالأرض.

(16:263)

عزّة دروزة:أمتا:بمعنى النتوء أو البروز.(3:87)

الطّباطبائيّ:قيل:العوج:ما انخفض من الأرض، و الأمت:ما ارتفع منها،و الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المراد كلّ من له أن يرى،و المعنى لا يرى راء فيها منخفضا كالأودية و لا مرتفعا كالرّوابي و التّلال.(14:211)

أبو رزق:ارتفاعا و هبوطا،و الأمت:التّلال الصّغيرة.(1:84)

المصطفوي:و لا يخفى أنّ الاعوجاج في السّطح هو الانخفاض،و هذا معنى الرّقّة فيها،كما أنّ الغلظة في السّطح هي الارتفاع في نقاطها.و لا يبعد أن يكون العوج في مقابل القاع،و الأمت في مقابل الصّفصف(1:130)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الانخفاض و الانثناء، و هو الأمت،أي المكان المنخفض بين مكان مرتفع؛ يقال:سرنا سيرا لا أمت فيه،أي لا انخفاض و لا انعطاف فيه.و يقال عند صبّ الماء لملء السّقاء:قد ملأ السّقاء ملأ لا أمت فيه،أي لا انثناء و لا استرخاء فيه.

و منه قولهم:ايمت هذا لي كم هو؟أي احزره كم هو؟ و هو من الأمت بمعنى الوهدة و المنخفض؛لأنّ سالكها يجهل ما يكمن فيها،كالحدس أصله الرّمي،ثمّ استعمل في الظّنّ و الوهم؛لأنّه رجم بالغيب.

و منه أيضا:أمتّ الماء أمتا:قدّرت ما بينك و بينه.

و قولهم:كم أمت ما بينك و بين الكوفة؟أي قدر.و أمتّ القوم آمتهم أمتا:حزرتهم.

2-و الأمت يترادف مع الغرض في ملء السّقاء و الانثناء،إلاّ أنّ الغرض يعنى الملء و النّقصان أيضا،فهو من الأضداد؛يقال:غرضت السّقاء،إذا ملأته،و غرضته،

ص: 88

إذا نقصته.

و معنى التّثنّي فيه مستقلّ لا يقترن مع الملء أو النّقصان؛يقال:انغرض الغصن،أي تثنّى و انكسر انكسارا غير بائن،عكس الأمت الّذي يقترن فيه مع الملء.

3-و ربّما هناك علاقة بين(أمت)و(أمّ)و(أمه).ففي (الأمت)معنى الارتفاع و النّتوء و الخلل و الاختلاف،و في (الأمّ)معنى الارتفاع،و في(الأمه)معنى النّسيان.

فيشترك(الأمت)مع(الأمّ)في العلوّ؛لأنّه يأتي بمعنى الرّابية و الأثر و التّلال الصّغار و الطّريقة الحسنة.

و يشترك مع(الأمه)في النّقص؛لأنّ(الأمت)يأتي بمعنى الوادي و الوهدة و تخلخل الماء في القربة و الانثناء و الوهن و العيب في الفم و الثّوب و الحجر.

4-قد يكون(الأمت)من الأضداد،فهو يحمل معنى الارتفاع و الانخفاض باعتبار أنّ كلّ مرتفع يكون مرتفعا بالنسبة إلى غيره،و غيره منخفض بالنّسبة إلى قمّته.

و قد يحمل صفتي الغلظة و الرّقّة.

5-أمّا(أمّت)بمعنى اتّهم فهي تشبه(أمّ)بمعنى ألبس، و تشترك مع(أمت)الّتي تحمل الضّعف و الشّكّ؛إذ قد تكون التّهمة منطبقة مع الواقع أو مخالفة،فلا تحمل الدّليل القطعيّ.

الاستعمال القرآنيّ

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:105-107

1-جاءت كلمة(امتا)مرّة واحدة في وصف الجبال يوم القيامة،و المعنى المحيط بهذه الكلمة مادّيّ لا وجدانيّ.

و قد ذهب المفسّرون في تفسيرها مذاهب شتّى،فمنهم من اعتبر(الأمت)الرّوابي و المرتفعات،و منهم من اعتبرها الآثار و المحاني و الأحداب،و منهم من قال:إنّها الانثناء و الضّعف،و منهم من قال:إنّها مسايل الأودية أو ما انخفض من الأرض.

2-و لو استقرأنا الآيات القرآنيّة السّابقة لقوله تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً لخرجنا بهذه الاحتمالات:

الأوّل:أنّ الجبال تتحوّل إلى ذرّات تتساوى أمام القدرة الرّبّانيّة خشوعا،أو تستوي هذه الذّرّات فتنسجم انبساطا،فلا نرى فيها ارتفاعا أو انخفاضا.

الثّاني:قد يكون العوج المذكور في القرآن هو الانثناء النّظريّ و الانحراف المنظور بالعين،و الأمت هو الانثناء المادّيّ و الانحراف المحسوس باليد أو الرّجل.و بما أنّ المنظور سبق الملموس،لذا جاء الفعل(لا ترى)متقدّما باعتبار أنّ العوج يرى،و الأمت أقلّ منه،فقد لا يرى و إنّما يحسّ بالمسّ.

و على هذا نستطيع أن نقول إذا صحّ الرّأي:إنّ «العوج»يكون أفقيّا كالتّموّج المرئيّ من اليمين إلى اليسار و بالعكس،و«الأمت»يكون عموديّا كالتموّج المحسوس ارتفاعا و انخفاضا من الأسفل إلى الأعلى و بالعكس.

الثّالث:يحتمل أن يكون«العوج»هو الارتفاع و الانخفاض الملحوظين لوضوحهما و كبرهما.و«الأمت» هو الارتفاع و الانخفاض الدّقيقين اللّذين لا يلاحظان إلاّ

ص: 89

مع التّدقيق لصغرهما و يسرهما كالنّتوء الصّغير الّذي قد لا يستطيع الرّائي رؤيته من مسافة معيّنة.فحين لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً تكون الجبال أرضا ملساء مستوية، ليس فيها أيّ اعوجاج أو انحراف و إن قلّ فكان بمقدار الأمت.و القرآن الكريم قد يذكر الأمت من باب نفي الكثير كما في قوله تعالى: بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً النّساء:49 وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ فاطر:13.

و لعلّ سياق الآيات السّابقة ل لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً يبيّن حال الجبال؛حيث دخل عليها النّسف فأصبحت بقدرة اللّه(قاعا)أي ملساء(صفصفا)أي مستوية؛إذ قد يكون الشّيء أملس كالقماش،و لكنّه غير مستو و لا منبسط إذا ألقي على الأرض كيفما اتّفق،إلاّ إذا سحبت جوانبه.

3-قد تتقابل الصّفات في الآيات فينفى العوج عن الذّرّات؛لأنّها أصبحت ملساء ناعمة كالرّمل،و ينفى الأمت عنها أيضا؛لأنّ هذه الذّرّات أصبحت متساوية مع غيرها منبسطة تماما.و إذا صحّت المقابلة بين القاع و عدم العوج،و الصّفصف مع عدم الأمت،كانت الآيات هنا شبيهة لقوله تعالى: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ عبس:31،32،فالفاكهة لكم و الأبّ -و هو العلف-لأنعامكم.

4-اقترن العوج بالأمت على الرّغم من أنّهما بمعنى واحد؛إذ الأمت هو الانثناء-كما تقدّم-و الانثناء هو العوج.و لكن يمكن أن يقال:إنّ العوج انثناء نحو الدّنوّ، و الأمت انثناء نحو العلوّ أو بالعكس.و قد اختار المفسّرون المعنى الأوّل استيحاء من قول ابن عبّاس:

«لا انخفاضا و لا ارتفاعا»،أو«لا واديا و لا رابية»في قول له آخر.

5-أمّا ما نقل عنه قوله:«هي الأرض البيضاء الملساء»فهو تفسير للنّفي دون المنفيّ؛لأنّها إذا لم يكن فيها ارتفاع و لا انخفاض فهي ملساء مستوية،و هذا ما اختاره الطّبريّ بقوله:لا ترى فيها ميلا عن الاستواء و لا ارتفاعا و لا انخفاضا،و لكنّها مستوية ملساء،كما قال:

قاعاً صَفْصَفاً.

6-سبق و أن نوّهنا بأنّ الألفاظ الوحيدة في القرآن دليل على قلّة استعمالها عند العرب؛بحيث إنّها لا تستعمل إلاّ لضرورة كضرورة القافية في الشّعر و الرّويّ في القرآن،لاحظ«أ ب ب».و هذا محتمل هنا، فإنّ رويّ آيات سورة«طه»يدور حول الألف،نحو:

موسى،هدى،نفعا،إلاّ ما شذّ عن ذلك في بعض الآيات.

و ربّما استعمل(امتا)هنا لعدم وجود لفظ آخر يفيد معناه و يناسب الرّويّ،فلاحظ.

7-وصفت الجبال في القرآن بأنّها عند قيام السّاعة تسير،كما في الكهف:47،و الطّور:10،و النّبأ:20، و التّكوير:3.و بأنّها تدكّ دكّا كما في الحاقّة:14، و تنسف كما في المرسلات:10،و هو القلع أو التّفتيت بحيث تطير،و تبسّ كما في الواقعة:5،و هو تفتيتها كالدّقيق،و تكون كثيبا مهيلا كما في المزّمّل:14،أي رملا سائلا،أو هباء منبثّا كما في الواقعة:6،أي ترابا منتشرا كالغبار،أو سرابا كما في النّبأ:20،أو عهنا كما في المعارج:8،أو عهنا منفوشا كما في القارعة:5،أي صوفا

ص: 90

محلّجا مفرّقا،أو قاعا صفصفا كما في طه:105،أي ملساء مستوية.

و كلّ هذا يمثّل بثّ الجبال كالغبار و الهباء حتّى تصير أجزاؤها متساوية لا تفاوت فيها،بل لا ترى هناك أجزاء،بل غبارا و سرابا.و هذا السّياق يحكي سطوة اللّه تعالى يوم القيامة،و يسلّط الضّوء على المراد بقوله:

لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً؛ لأنّها متساوية مستوية.

ص: 91

ص: 92

أ م د

اشارة

لفظان 4 مرّات:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان

في 4 سور:2 مكّيّتين،2 مدنيّتين

الامد 1:-1\امدا 3:2-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الأمد:منتهى كلّ شيء و آخره.(8:89)

أبو عمرو الشّيبانيّ:يقال للسّفينة إذا كانت مشحونة:عامد و آمد و عامدة و آمدة.

و السّامد:العاقل الآمد المملوء من خير أو شرّ.

و«آمد»بلد معروف.(الأزهريّ 14:222)

الفرّاء: أمد عليه و أبد،إذا غضب.

(الأزهريّ 14:222)

مثله القاليّ.(2:56)

أبو عبيدة:الأمد:الغاية.(1:90)

مثله ابن قتيبة(264)،و ابن أبي اليمان(315)، و الرّازيّ(35).

شمر:الأمد:منتهى الأجل،و للإنسان أمدان:

أحدهما:ابتداء خلقه الّذي يظهر عند مولده،و إيّاه عنى الحجّاج حين سأل الحسن،فقال له:ما أمدك؟فقال:

سنتان من خلافة عمر،أراد أنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

و الأمد الثّاني:الموت،و أمد الخيل في الرّهان:مدافعها في السّباق،و منتهى غايتها الّتي تستبق إليه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:222)

كراع النّمل:الإمّدان:الماء على وجه الأرض.

(ابن منظور 3:74)

الطّبريّ: و الأمد:الغاية الّتي ينتهي إليها.

(3:231)

مثله الطّبرسيّ(1:431)،و الطّباطبائيّ(20:53).

الصّاحب:الأمد:منتهى كلّ شيء و آخره.و ليس لهذا الأمر أمد مأمود:أي منتهى إليه.

و أصبح سقاؤك مؤمّدا:أي ليس فيه جرعة من ماء.

ص: 93

و البقيّة:الأمدة.

و الأمد:المملوء من خير و شرّ،و به سمّي البلد.

و أمد عليه:أي غضب عليه.(9:383)

الجوهريّ: الأمد:الغاية كالمدى،يقال:ما أمدك؟ أي منتهى عمرك.و الأمد أيضا:الغضب.و قد أمد عليه بالكسر،و أبد عليه،أي غضب.و آمد:بلد في الثّغور.

(2:442)

نحوه الفيّوميّ.(1:21)

ابن فارس: الهمزة و الميم و الدّال،الأمد:الغاية، كلمة واحدة لا يقاس عليها.(1:137)

أبو هلال:الفرق بين الأمد و الغاية،أنّ الأمد حقيقة،و الغاية مستعارة على ما ذكرنا،و يكون الأمد ظرفا من الزّمان و المكان،فالزّمان قوله تعالى: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ الحديد:16،و المكان قوله تعالى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران:30.(242)

ابن سيدة:الآمد و الآمدة:السّفينة المشحونة، الجمع:أوامد.(الإفصاح 2:982)

الأمد:الزّمان،عامّ في الغاية و المبدأ.و يعبّر به مجازا عن سائر المدّة.(الإفصاح 2:924)

الإمّدان:الماء النّاقع في السّبخة.و النّزّ.

(الإفصاح 2:969)

الرّاغب: الأمد و الأبد يتقاربان لكنّ الأبد عبارة عن مدّة الزّمان الّتي ليس لها حدّ محدود و لا يتقيّد، لا يقال:أبد كذا.

و الأمد:مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق،و قد ينحصر، نحو أن يقال:أمد كذا،كما يقال:زمان كذا،و الفرق بين الزّمان و الأمد:أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية،و الزّمان عامّ في المبدأ و الغاية،و لذلك قال بعضهم:المدى و الأمد يتقاربان.(24)

الزّمخشريّ: ضرب له أمدا و هو بعيد الآماد.

(أساس البلاغة:9)

الطّبرسيّ:و الأمد:الوقت الممتدّ،و هو و المدّة واحد.(5:237)

ابن الأثير: للإنسان أمدان:مولده و موته.

و الأمد:الغاية.(1:65)

الصّغانيّ:الآمد،على مثال«فاعل»المملوء من خير أو شرّ.

و يقال للسّفينة،إذا كانت مشحونة:غامد (1)و آمد، و غامدة و آمدة.

و أمد تأميدا،أي بيّن الأمد،مثل أجّل تأجيلا،أي بيّن الأجل.

أمد مأمود:منتهى إليه.

و أصبح سقاؤك مؤمّدا،أي ليس فيه جرعة من ماء.

و الأمدة:البقيّة.(2:192)

أبو حيّان:غاية الشّيء و منتهاه،و جمعه:آماد.

(2:416)

الفيروزآباديّ:الأمد،محرّكة:الغاية و المنتهى و الغضب.أمد عليه كفرح.

و الآمد:المملوء من خير أو شرّ،و السّفينة المشحونة.

و آمد بالثّغور.

و التّأميد تبيين الأمد،و سقاء مؤمّد ما فيه جرعة ماء.ن.

ص: 94


1- كذا،و الظّاهر عامد و عامدة مهملتين لا المعجمتين.

و الأمدة بالضّمّ:البقيّة.

و أمد مأمود:منتهى إليه.

و الإمّدان كإسحمان و أضحيان:الماء على وجه الأرض و ما لها رابع.(1:284)

الطريحيّ: الأمد هو نهاية البلوغ،و جمعه:آماد، يقال:بلغ أمده،أي بلغ غايته.

و في حديث وصفه تعالى:«لا أمد لكونه و لا غاية لبقائه»قيل:أي لا أوّل.

و في الدّعاء:«جعلت له أمدا محدودا»أي منتهى ينتهي إليه،و أمد أمدا من باب لعب:غضب.(3:8)

المراغيّ: و الأمد:مدّة لها حدّ و غاية.(15:121)

الحجازيّ: الأمد؛المسافة،و قيل:مدّة من الزّمان قد تنحصر،إذا قلت:أمد كذا.(3:46)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الأمد:الزّمن،المسافة، الأجل،الغاية،و منتهى الشّيء.(1:44)

محمود شيت: 1-أ-أمد أمدا:غضب.و يقال:أمد عليه.

ب-أمّده:بيّن أمده.

ج-الآمد:السّفينة المشحونة.

د-الآمدة:السّفينة المشحونة.جمعه:أوامد.

ه-الأمد:الغاية و النّهاية.يقال:ضرب له أمدا.

و يقال:هو بعيد الآماد.جمعه:آماد.

2-أ-الآمد:السّفينة المشحونة،و تستعمل هذه الكلمة في القوّة البحريّة و القوّة النّهريّة.

ب-الآمدة:السّفينة المشحونة،و تستعمل هذه الكلمة في القوّة البحريّة و القوّة النّهريّة.(1:51)

المصطفويّ: الأصل في هذه المادّة هو الغاية و المنتهى من الزّمان.

و أمّا الغضب فهو باعتبار انتهاء الصّبر و الحلم عليه.

(1:131)

النّصوص التّفسيريّة

الامد

...فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ... الحديد:16 ابن عبّاس:الأجل،بلغة هذيل.

(اللّغات في القرآن:46)

مجاهد :الأمد:الدّهر.(الطّبريّ 27:229)

الطّبريّ: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ما بينهم و بين موسى عليه السّلام و ذلك الأمد:الزّمان.(27:229)

الطّوسيّ: يعني المدّة و الوقت،فإنّ أهل الكتاب لمّا طال عليهم مدّة الجزاء على الطّاعات فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ الحديد:16،حتّى عدلوا عن الواجب و عملوا بالباطل.

قيل:معناه طال عليهم الأمد ما بين زمانهم و زمن موسى.

و قيل:طال عليهم الأمد ما بين نبيّهم و زمن موسى عليه السّلام.

و قيل:طال أمد الآخرة.(9:529)

الطّبرسيّ: أي طال الزّمان بينهم و بين أنبيائهم.

و قيل:طال عليهم الأمد للجزاء،أي لم يعاجلوا بالجزاء فاغترّوا بذلك.(5:238)

الفخر الرّازيّ: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فيه مسألتان:المسألة الأولى:ذكروا في تفسير طول الأمد

ص: 95

وجوها:

أحدها:طالت المدّة بينهم و بين أنبياءهم فقست قلوبهم.

و ثانيها:قال ابن عبّاس:مالوا إلى الدّنيا.و أعرضوا عن مواعظ اللّه.

و ثالثها:طالت أعمارهم في الغفلة،فحصلت القسوة في قلوبهم بذلك السّبب.

و رابعها:قال ابن حيّان:الأمد هاهنا:الأمل البعيد، و المعنى على هذا طال عليهم الأمد بطول الأمل،أي لمّا طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم.

و خامسها:قال مقاتل بن سليمان:طال عليهم أمد خروج النّبيّ عليه السّلام.

و سادسها:طال عهدهم بسماع التّوراة و الإنجيل فزال وقعها عن قلوبهم،فلا جرم قست قلوبهم.فكأنّه تعالى نهى المؤمنين عن أن يكونوا كذلك،قاله القرظيّ.

المسألة الثّانية:قرئ (الأمدّ) بالتّشديد،أي الوقت الأطول.(29:229)

البيضاويّ: أي فطال عليهم الزّمان لطول أعمارهم أو آمالهم أو ما بينهم و بين أنبيائهم،فقست قلوبهم.

و قرئ(الامدّ)و هو الوقت الأطول.(2:454)

أبو حيّان: أي انتظار الفتح أو انتظار القيامة.

و قيل:أمد الحياة.و قرأ الجمهور (الْأَمَدُ) مخفّف الدّال، و هي الغاية من الزّمان.و ابن كثير يشدّها؛و هو الزّمان بعينه الأطول.(8:223)

الطّريحيّ: هو نهاية البلوغ،و جمعه:آماد.

(غريب القرآن:184)

القاسميّ:أي الأجل و الإمهال و الاستدراج.

(16:5685)

الحائريّ: أي الأجل و الزّمان أو الأعمار،و زالت عنهم الرّوعة الّتي كانت تأتيهم من التّوراة و الإنجيل إذا سمعوهما.(11:50)

امدا

1- ..وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً... آل عمران:30

الحسن :يسرّ أحدهم أن لا يلقى عمله ذاك أبدا، يكون ذلك مناه،و أمّا في الدّنيا فقد كانت خطيئته يستلذّها.(الطّبريّ 3:231)

السّدّيّ: مكانا بعيدا.(الطّبريّ 3:231)

مقاتل: قيل ما بين المشرق و المغرب.

(الطّبرسيّ 1:431)

مثله الميبديّ.(2:79)

ابن جريج: أجلا.(الطّبريّ 3:231)

الطّبريّ: يعنى غاية بعيدة،فإنّ مصيركم أيّها القوم يومئذ إليه،فاحذروه على أنفسكم من ذنوبكم.

(3:231)

الطّوسيّ: الأمد:الغاية الّتي ينتهي إليها.[ثمّ استشهد بشعر](2:437)

البغويّ: و الأمد:الأجل و الغاية الّتي ينتهي إليها.

(1:283)

الزّمخشريّ: و الأمد:المسافة كقوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ الزّخرف:38(1:423)

الطّبرسيّ:أي غاية بعيدة أي تودّ أنّها لم يكن

ص: 96

فعلها.(1:431)

الفخر الرّازيّ: الأمد:الغاية الّتي ينتهي إليها.

و نظيره قوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ الزّخرف:38

و اعلم أنّ المراد من هذا التّمنّي معلوم سواء حملنا لفظ الأمد على الزّمان أو على المكان إذ المقصود تمنّي بعده.(8:17)

مثله النّيسابوريّ.(3:168)

القرطبيّ: و الأمد:الغاية،و جمعه:آماد.و يقال:

استولى على الأمد،أي غلب سابقا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأمد:الغضب يقال:أمد أمدا،إذا غضب غضبا.(4:59)

الخازن :أي مكانا بعيدا،قيل:كما بين المشرق و المغرب.

و الأمد:الأجل و الغاية،و قيل:معناه تودّ أنّها لم تعمله،و يكون بينها و بينه أمد بعيد.(1:283)

أبو حيّان: و معنى(أمدا بعيدا)غاية طويلة.

و قيل:مقدار أجله.و قيل:قدر ما بين المشرق و المغرب.(2:430)

الطّريحيّ: (امدا بعيدا):مسافة واسعة.

(غريب القرآن:184)

الشّربينيّ: أي غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها.

(1:208)

مثله القاسميّ.(4:828)

البروسويّ: أي مسافة واسعة كما بين المشرق و المغرب،و لم تحضر ذلك اليوم أو لم تعمل ذلك السّوء قطّ.(2:21)

الآلوسيّ: و الأمد:غاية الشّيء و منتهاه،و الفرق بينه و بين الأبد:أنّ الأبد مدّة من الزّمان غير محدودة، و الأمد مدّة لها حدّ مجهول.و المراد هنا الغاية الطّويلة.

و قيل:مقدار العمر،و قيل:قدر ما يذهب به من المشرق إلى المغرب.

و ذهب بعضهم إلى أنّ المراد بالأمد البعيد المسافة البعيدة،و لعلّه الأظهر.(3:127)

الطّباطبائيّ: و الأمد يفيد معنى الفاصلة الزّمانيّة.

[إلى أن قال:]

و في قوله: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران:30،دلالة على أنّ حضور سيّئ العمل يسوء النّفس،كما يشعر بالمقابلة بأنّ حضور خير العمل يسرّها،و إنّما تودّ الفاصلة الزّمانيّة بينها و بينه دون أن تودّ أنّه لم يكن من أصله لما يشاهد من بقائه بحفظ اللّه، فلا يسعها إلاّ أن تحبّ بعده و عدم حضوره في أشقّ الأحوال و عند أعظم الأهوال،كما يقول لقرين السّوء نظير ذلك.قال تعالى: نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ الزّخرف:36.[إلى أن قال:] حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ الزّخرف:38.(3:156)

2- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً.

الكهف:12

ابن عبّاس: بعيدا.(الطّبريّ 15:206)

مجاهد :عددا.(الطّبريّ 15:206)

ص: 97

أبو عبيدة:أي غاية.(1:394)

مثله البغويّ.(4:165)

الطّبريّ: يعنى بالأمد:الغاية،و في نصب قوله:

(امدا)وجهان:

أحدهما:أن يكون منصوبا على التّفسير من قوله:

(احصى)كأنّه قيل:أيّ الحزبين أصوب عددا لقدر لبثهم، و هذا هو أولى الوجهين في ذلك بالصّواب،لأنّ تفسير أهل التّفسير بذلك جاء.

و الآخر:أن يكون منصوبا بوقوع قوله:(لبثوا)عليه، كأنّه قال:أيّ الحزبين أحصى للبثهم غاية.(15:14)

مثله الطّوسيّ.(7:14)

أبو حيّان: (امدا)تمييز و هكذا أعربه من زعم أنّ (احصى)أفعل للتّفضيل،كما تقول:زيد أقطع النّاس سيفا و زيد أقطع للهامّ سيفا،و لم يعربه مفعولا به.[إلى أن قال:]

ذهب الطّبريّ إلى نصب(امدا)ب(لبثوا).قال ابن عطيّة:و هذا غير متّجه انتهى.

و قد يتّجه ذلك أنّ«الأمد»هو الغاية،و يكون عبارة عن المدّة من حيث إنّ للمدّة غاية على أمد المدّة في الحقيقة و(ما)بمعنى الّذي و(امدا)منتصب على إسقاط الحرف،و تقديره:لما لبثوا من أمد،أي مدّة.و يصير من أمد تفسيرا لما أبهم في لفظ«ما لبثوا»كقوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ البقرة:106،و ما يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فاطر:2،و لمّا سقط الحرف وصل إليه الفعل.

(6:105)

أبو السّعود: و الأمد بمعنى المدى كالغاية في قولهم ابتداء الغاية و انتهاء الغاية،و هو مفعول ل(احصى) و الجار و المجرور حال منه،قدّمت عليه لكونه نكرة.

(3:241)

مثله البروسويّ.(5:220)

الآلوسيّ: و الأمد على ما قال الرّاغب:مدّة لها حدّ، و الفرق بينه و بين الزّمان أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية بخلاف الزّمان،فإنّه عامّ في المبدأ أو الغاية،و لذلك قال بعضهم:المدى و الأمد يتقاربان و ليس اسما للغاية حتّى يكون إطلاقه على المدّة مجازا،كما أطلقت الغاية عليها في قولهم:ابتداء الغاية و انتهاؤها،أي ليعلم أيّهم أحصى مدّة كائنة للبثهم.(15:213)

3- قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. الجنّ:25

الطّبريّ: غاية معلومة تطول مدّتها.(29:121)

الطّوسيّ: أي غاية ينتهي إليها بعينها أم يؤخّره اللّه تعالى مدّة لا يعلمها بعينها إلاّ اللّه تعالى.

(10:158)

مثله الطّبرسيّ(5:374)،و الطّباطبائيّ(20:53).

البغويّ: أي أجلا و غاية تطول مدّتها،و المعنى أنّ علم وقت العذاب غيب لا يعلمه إلاّ اللّه.(7:136)

نحوه الميبديّ(10:258)،و الفخر الرّازيّ(30:

167)،و القرطبيّ(19:27)،و البيضاويّ(2:512)، و النّسفيّ(4:302)،و الخازن(7:137)،و شبّر(6:

300)،و كذا سائر المفسّرين.

الزّمخشريّ: و الأمد يكون قريبا و بعيدا أ لا ترى

ص: 98

إلى قوله: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران:30.(4:172)

البروسويّ: أي غاية تطول مدّتها.

و الأمد و إن كان يطلق على القريب أيضا إلاّ أنّ المقابلة تخصّصه بالبعيد.

و الفرق بين الزّمان و الأمد أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية،و الزّمان عامّ في المبدأ و الغاية.(10:200)

الآلوسيّ: و المراد بالأمد الزّمان البعيد بقرينة المقابلة بالقريب،و إلاّ فهو-وضعا-شامل لهما؛و لذا وصف ب(بعيدا)في قوله تعالى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران:30.

و قيل:إنّ معنى القرب ينبئ عن مشارفة النّهاية فكأنّه قيل:لا أدري أ هو حال متوقّع في كلّ ساعة أم هو مؤجّل ضرب له غاية،و الأوّل أولى و أقرب.

(29:95)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الغاية كما أجمع على ذلك كلّ اللّغويّين و جلّ المفسّرين؛قال الحجّاج للحسن البصريّ:ما أمدك؟قال:سنتان من خلافة عمر.قال شمر:

أراد أنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر؛إذ أنّ شمرا جعل للإنسان أجلين:ولادته و وفاته.

و لم يؤثر عن العرب قول في النّثر سواه،و لذا قال ابن فارس:الأمد كلمة واحدة لا يقاس عليها.

2-و الإمّدان-و هو الماء على وجه الأرض-مختلف فيه؛قال الجوهريّ في مادّة«م د د»:ماء إمّدان:شديد الملوحة،و هو«افعلان»بكسر الهمزة.و قال الصّاغانيّ في «م م د»:إمّدان بكسر الهمزة و تشديد الميم على «افعلان»:موضع.و تردّد الفيروزآباديّ فيه،فعدّه مرّة «فعّلان»من«أ م د»و ثانية«افعلان»من«م د د»و ثالثة:

«افعلان»من«م م د».

قال السّيوطيّ في«المزهر(2:54»نقلا عن سيبويه:

«افعلان»قليل في الكلام،لا نعلمه جاء إلاّ إسحمان و هو جبل،و إمّدان،و إربيان،و الصّفة ليلة إضحيان.

3-و أمّا قولهم:أمد عليه:غضب،و سفينة آمد و آمدة:مشحونة،فهو من باب الإبدال؛إذ ميم الأوّل مبدل من الباء،يقال:عبد عليه و أمد و أبد.و همزة الثّاني مبدلة من العين أو الغين؛يقال:سفينة عامد و عامدة، و آمد و آمدة،و غامد و غامدة.

و إبدال الميم باء لغة معروفة عند القبائل القحطانيّة من أهل الجنوب،فهم يسمّون«الكحم»و هو الحصرم «الكحب».و كذلك عند بعض القبائل العدنانيّة من أهل الشّمال كقبيلة مازن شيبان،فعند ما يسألون عن الاسم يقولون:با اسمك؟يريدون ما اسمك؟

و قد ورد العكس-أي قلب الباء ميما-عند قبيلة سعد بن بكر و هي من عدنان.و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أنا أفصح العرب ميد أنّي من قريش،و نشأت في بني سعد بن بكر».أي بيد أنّي.و قال أيضا:«نحن الآخرون السّابقون ميد أنّا أوتينا الكتاب من بعدهم».

4-و لو لا يذودنا في النّثر قولهم:ما أمدك؟و في الشّعر قول النّابغة:

*سبق الجواد إذا استولى على الأمد*

ص: 99

و قول الطّرمّاح:

*و مردّ إذا انقضى أمده*

لقلنا:إنّ ميم الأمد مبدلة من باء،و الأمد لغة في الأبد،و لا سيّما أنّ الأمد لم يرد له ذكر في سائر اللّغات السّاميّة.

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد الأمد في القرآن أربع مرّات؛مرّة واحدة معرفة و ثلاث مرّات نكرة:

1- أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ الحديد:16

2- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً

آل عمران:30

3- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12

4- قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً الجنّ:25

يلاحظ أوّلا:أنّ كلاّ من معاني هذه الآيات الأربع قد قابل بعضها بعضا مقابلة تخالف؛فخشوع القلب قد قابل قسوة القلب في«1»،و عمل الخير قابل عمل السّوء في«2»،و حزب الفتية المؤمنين قابل حزب قومهم الكافرين في«3»،و الوعد القريب قابل وعدا بعيدا مقدّرا في«4».

ثانيا:و هذه المقابلة في الآيات الّتي تضمّ ظروفا لا تكاد تلحظ في القرآن إلاّ مع الأمد و أخيه الأبد.فالأبد قابل الخلود في إحدى عشرة آية بلفظ واحد،و هو قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً الجنّ:23،و هي مقابلة تماثل لا تخالف.[لاحظ«أ ب د»]

ثالثا:يلاحظ أنّ الأمد في الآية الأولى قد استعمل في امتداد الحياة الدّنيا معرّفا،و في الآيات الثّلاث الأخرى قد استعمل في امتداد الحياة بعد الموت منكّرا.فهل في ذلك نكتة بلاغيّة؟

ربّما يخطر بالبال أنّ الحياة الدّنيا مهما طالت فهي محدودة قابلة للتّعيين و التّحديد،فهي معروفة للإنسان أو قابلة للتّعرّف.و أمّا الحياة بعد الموت إلى البعث فلا يعلمها إلاّ اللّه،فلا يليق التّعبير عنها بلفظ المعرفة، و لا غاية لها بعد البعث،فهم فيها مخلّدون إمّا في الجنّة أو في النّار.

2-بعد استقراء التّفاسير الواردة في كلمة الأمد نجد أنّ معنى الكلمة يتغيّر من مورد إلى آخر،و كأنّ المفسّرين أخذوا المعنى العامّ للكلمة ثمّ أضافوا إليها معنى آخر في كلّ سياق جديد.

فقد ذهب بعضهم إلى أنّ الأمد في الثّانية يعني الفاصلة المكانيّة،و ذهب آخرون إلى أنّه يعني الفاصلة الزّمانيّة.و لا نرى كبير فرق بين المعنيين؛لأنّ الفاصلة المكانيّة تتضمّن الفاصلة الزّمانيّة حتّى يحصل التّلاقي، و طيّ المكان يحتاج إلى زمان.بيد أنّ الفاصلة الزّمانيّة أبلغ في المعنى؛لأنّ الفاصلة المكانيّة قد تعني وجود مسافة قد تطوي فينتهي الزّمن بين المتمنّي و ما يتمنّى

ص: 100

فراقه.بينما الفاصلة الزّمانيّة أوفق لأمنيّة المتمنّي؛لأنّها تفصله عمّا يكره زمنا و لا يمكن أن يلتقي ذلك المكروه به،و لأنّ العصر الماضي لا يمكن أن يلتحق بالعصر الحاضر أو القادم.

فالنّفس هنا تتمنّى ألاّ تلتقي بعملها السّيّئ و أنّ بينهما زمنا بعيدا كي لا يصل أحدهما إلى صاحبه؛لأنّها تخشى أن تؤاخذ بما عملت من سوء.و هذه الأمنيّة الّتي تبثّها النّفس هي أمنيّتها يوم القيامة.و كأنّ النّفس تتمنّى أن تكون حاضرة عند ربّها و قد بلغت يوم الدّين،و أنّ عملها السّيّئ ظلّ في الحياة الدّنيا متخلّفا زمنا.و قد تكون الأمنيّة مشتملة على الفاصلتين:الزّمانيّة و المكانيّة؛لأنّ حال النّفس في ذلك اليوم يستدعي ذلك.

أمّا الأمد في الرّابعة فإنّه موصوف بصفة محذوفة تقديرها«بعيدا»؛لأنّ(امدا)قد سبقت بهمزة التّسوية و(ام)المعادلة،فتكون(امدا)بمعنى غاية يطول وقتها، و ذلك مفهوم من سياق الجملة.

و الأمد في الثّالثة يعني غاية الزّمان.و إذا كان ابن عبّاس يرى أنّ هناك صفة محذوفة هي«بعيدا»فإنّ ذلك من جهة أنّ السّياق يدلّ على هذا المعنى؛لأنّ السّنين الّتي مكث فيها أصحاب الكهف كانت طويلة.

و أمّا الأمد في الأولى فهو الدّهر.و يفهم من السّياق أنّ المعنى العامّ للآية هو طال عليهم الأجل حتّى أصبح استدراجا و إمهالا.

ص: 101

ص: 102

أ م ر

اشارة

46 لفظا،248 مرّة:151 مكّيّة،97 مدنيّة

في 62 سورة:45 مكّيّة،17 مدنيّة

امر 7:3-4\يأمرهم 1:1\و امر 4:4

امره 1:1\يامركم 7:-7\الآمرون 1:-1

امرهم 2:1-1\يامرون 7:-7\امّارة 1:1

امركم 1:-1\تامرهم 1:1\امر 38:25-13

امرنا 1:1\تامرك 1:1\الامر 34:18-16

امروا 1:-1\تامرنا 1:1\امرا 17:11-6

امرتهم 1:-1\تامرون 4:2-2\امره 22:13-9

امرتنى 1:-1\تامرونّي 1:1\امرهم 12:9-3

امرتك 1:1\تامروننا 1:1\امرها 3:1-2

امرنا 1:1\تامرين 1:1\امركم 3:3

امروا 3:-3\امره 1:1\امرى 8:8

امرت 2:2\لامرنّهم 2:-2\امرنا 16:13-3

امرت 11:10-1\يؤمرون 2:1-1\الامور 13:5-8

امرنا 1:1\تؤمر 2:2\ياتمرون 1:1

يامر 5:4-1\تؤمرون 2:1-1

و أتمروا 1:-1\امرا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الكلبيّ:كانت عاد تسمّي المحرّم مؤتمرا.

(الأزهريّ 15:296)

الخليل: الأمر:نقيض النّهي،و الأمر:واحد من أمور النّاس.و إذا أمرت من الأمر قلت:أؤمر يا هذا، فيمن قرأ: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ طه:132.

لا يقال:أؤمر و لا أؤخذ منه شيئا و لا أؤكل،إنّما يقال:

مر و خذ و كل،في الابتداء بالأمر،استثقالا للضّمّتين.فإذا تقدّم قبل الكلام واو أو فاء قلت:و أمر،فأمر،كما قال عزّ و جلّ: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ.

فأمّا«كل»من أكل يأكل فلا يكاد يدخلون فيه الهمزة مع الفاء و الواو،و يقولون:و كلا و خذا،و ارفعاه

ص: 103

فكلاه،و لا يقولون:فأكلاه.

و هذه أحرف جاءت عن العرب نوادر؛و ذلك أنّ أكثر كلامها في كلّ فعل أوّله همزة مثل:أبل يأبل،و أسر يأسر،أن يكسروا«يفعل»منه،و كذلك أبق يأبق.فإذا كان الفعل الّذي أوّله همزة و يفعل منه مكسورا مردودا إلى الأمر قيل:ائسر يا فلان،ايبق يا غلام،و كأنّ أصله «إئسر»بهمزتين.فكرهوا جمعا بين همزتين،فحوّلوا إحداهما ياء إذ كان ما قبلها مكسورا.

و كان حقّ«الأمر»من أمر يأمر أن يقال:أؤمر، أؤخذ،أؤكل بهمزتين،فتركت الهمزة الثّانية و حوّلت واوا للضّمّة،فاجتمع في الحرف ضمّتان بينهما واو، و الضّمّة من جنس الواو،فاستثقلت العرب جمعا بين ضمّتين و واو،فطرحوا همزة الواو،لأنّه بقي بعد طرحها حرفان،فقالوا:مر فلانا بكذا و كذا،و خذ من فلان و كل، و لم يقولوا:أكل و لا أمر و لا أخذ.

إلاّ أنّهم قالوا في أمر يأمر إذا تقدّم قبل ألف أمره واو أو فاء أو كلام يتّصل به الأمر من أمر يأمر،فقالوا:الق فلانا و أمره،فردّوه إلى أصله.و إنّما فعلوا ذلك،لأنّ ألف الأمر إذا اتّصلت بكلام قبلها سقطت الألف في اللّفظ.و لم يفعلوا ذلك في«كل و خذ»إذا اتّصل الأمر بهما بكلام قبله،فقالوا:الق فلانا و خذ منه كذا،و لم نسمع«و أخذ» كما سمعنا«و أمر».قال اللّه تعالى: وَ كُلا مِنْها رَغَداً البقرة:35،و لم يقل:و أكلا.

فإن قيل:لم ردّوا«مر»إلى أصلها و لم يردّوا«و كلا» و لا«و خذ»؟

قيل:لسعة كلام العرب،ربّما ردّوا الشّيء إلى أصله و ربّما بنوه على ما سبق،و ربّما كتبوا الحرف مهموزا،و ربّما تركوه على ترك الهمزة،و ربّما كتبوه على الإدغام،و كلّ ذلك جائز واسع.

و الأمرة:البركة،و امرأة أمرة،أي مباركة على زوجها.

و أمر الشّيء،أي كثر.

و الإمّرة:الأنثى من الحملان،و الإمّر:الضّعيف من الرّجال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإمرة:الإمارة،و هو أمير مؤمّر.

و الأمار:الموعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمر ولدها،أي كثر ما في بطنها.و أمر بنو فلان أمارة،أي كثروا و كثرت نعمهم.(8:297)

الكسائيّ: فلان يؤامر نفسيه،أي نفس تأمره بشيء و نفس تأمره بآخر.

إنّه لأمور بالمعروف و نهيّ عن المنكر،من قوم أمر.(ابن فارس 1:137)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الأمرات:الأعلام،واحدتها:

أمرة.(الأزهريّ 15:293)

نحوه الفرّاء(الأزهريّ 15:293)،و الأصمعيّ(ابن فارس 1:138).

لا يقال:أمرت بالتّخفيف في معنى كثّرت،و إنّما يقال:

أمّرت و آمرت.(الرّاغب:25)

الفرّاء: تقول العرب:في وجه المال تعرف أمرته،أي زيادته و نماءه.

يقول:في إقبال الأمر تعرف صلاحه.

و الأمرة:الزّيادة و النّماء و البركة.

ص: 104

يقال:لا جعل اللّه فيه أمرة،أي بركة،من قولك:أمر المال،أي كثر.

و وجه الأمر،أوّل ما تراه.(الأزهريّ 15:292)

أبو عبيدة :آمرته بالمدّ،و أمرته،لغتان بمعنى كثّرته.

(الجوهريّ 2:581)

نحوه أبو زيد(ابن السّكّيت:3)،و أبو عبيد(الأزهريّ 15:293)،و الزّجّاج(فعلت و أفعلت:44).

أبو زيد: «مهرة (1)مأمورة»:هي الّتي كثر نسلها.

يقولون:أمر اللّه المهرة،أي كثّر ولدها.

(الأزهريّ 15:292)

يقال:لقد علم تأمورك ذلك،أي قد علمت نفسك ذلك.[ثمّ استشهد بشعر](الزّبيديّ 3:20)

الأصمعيّ: أمر الرّجل إمارة،إذا صار عليهم أميرا.

و أمّر أمارة،إذا صيّر علما.

و يقال:مالك في الإمرة و الإمارة خير،بالكسر.

و أمّر فلان،إذا صيّر أميرا.

و آمرت فلانا،و و امرته،إذا شاورته.

و الأمار:الوقت و العلامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإمّر:ولد الضّأن الصّغير،و الإمّرة:الأنثى.

و العرب تقول للرّجل إذا وصفوه بالإعدام:ما له إمّر و لا إمّرة.

و الإمّر أيضا:الرّجل الضّعيف الّذي لا عقل له إلاّ ما أمرته به لحمقه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:292)

سنان مؤمّر،أي محدّد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:296)

يقال:لي عليك أمرة مطاعة،أي لي عليك أن آمرك مرّة واحدة فتطيعني.

يقول العرب:«خير المال سكّة مأبورة،أو مهرة مأمورة»و هي الكثيرة الولد المباركة.

و يقال:أمر اللّه ماله و آمره،و منه«مهرة مأمورة».

و الأمار:أما الطّريق:معالمه،الواحدة:أمارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأمر و اليأمور:العلم أيضا،يقال:جعلت بيني و بينه أمارا و وقتا و موعدا و أجلا،كلّ ذلك أمار.

(ابن فارس 1:138)

الأمار و الأمارة:الوقت و العلامة.

(الجوهريّ 2:582)

نحوه ابن الأعرابيّ.(ابن منظور 4:33)

اللّحيانيّ: رجل إمّر،و إمّرة،أي يستأمر كلّ أحد في أمره.

و رجل أمر،أي مبارك،يقبل عليه المال.

و الإمّر:الخروف،و الإمّرة:الرّخل.

و الخروف ذكر،و الرّخل أنثى.

(الأزهريّ 15:292)

أبو عبيد: «مهرة مأمورة»:إنّها الكثيرة النّتاج و النّسل.(الأزهريّ 15:292)

ابن الأعرابيّ: أمّرت فلانا،أي جعلته أميرا.

و أمرته و آمرته،كلّهنّ بمعنى واحد.

أمر فلان على قومه،إذا صار أميرا.

(ابن فارس 1:137)ر.

ص: 105


1- ولد الفرس الأنثى،و الذّكر:مهر.

ابن السّكّيت: يقال في مثل:في وجه مالك تعرف إمّرته،أي نماءه و كثرته.(3)

مثله القاليّ.(1:104)

الأمر:من الأمور،و الأمر:مصدر أمرت أمرا.

و الإمر:الشّيء العجيب،قال اللّه جلّ ثناؤه: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً الكهف:71.(إصلاح المنطق:12)

الأمر:الكثير.

و الأمر:جمع أمرة،و هو علم صغير.

(إصلاح المنطق:101)

تقول:لك عليّ أمرة مطاعة،و لا تقل:إمرة.إنّما الإمرة من الولاية.(إصلاح المنطق:165)

أبو الهيثم:تقول العرب:في وجه المال تعرف أمرته،أي نقصانه.(الأزهريّ 1:293)

شمر: قوله:

*اعلمن أن كلّ مؤتمر*

أي كلّ من عمل برأيه فلا بدّ أن يخطئ الأحيان.

و قوله:و لا يأتمر لمرشد،أي لا يشاوره.

و يقال:ائتمرت فلانا في ذلك الأمر،و ائتمر القوم، إذا تشاوروا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال العجّاج:

*لمّا رأى تلبيس أمر مؤتمر*

تلبيس أمر،أي تخليط أمر.مؤتمر،أي اتّخذ أمرا.

يقال:بئسما ائتمرت لنفسك.(الأزهريّ 15:295)

في قول عمر:«الرّجال ثلاثة،رجل إذا نزل به أمر ائتمر رأيه»أي شاور نفسه و ارتأى قبل مواقعة الأمر.

(الهرويّ 1:82)

ابن قتيبة: يقال:أمّرت الشّيء و أمرته،أي كثّرته، تقدير:فعّلت و أفعلت،و منه قولهم:«مهرة مأمورة»أي كثيرة النّتاج.و يقال:أمر بنو فلان يأمرون أمرا؛إذا كثروا.

(253)

كراع النّمل:أمره به و أمره.(ابن منظور 4:26)

ابن دريد :أمر يأمر أمرا.و أمر،إذا صار أميرا.و أمر القوم،إذا كثروا.و لك عليّ إمرة مطاعة،و الإمرة:

الإمارة.و الأمارة:العلامة.(3:253)

عبد الرّحمن الهمذانيّ: يقال:إلى فلان حلّ الأمور و عقدها،و رتقها و فتقها،و بسطها و قبضها، و نقضها و إبرامها،و إيرادها و إصدارها،و الأمر و النّهي، و الصّرف و الولاية.

و تقول:قد استفاض الأمر استفاضة،و استطار استطارة،و شاع شيعا.و قال الواسطيّ:شيوعا.(145)

ابن الأنباريّ:يجوز أن يكون الأمار جمع أمارة، و يجوز أن يكونان اسما واحدا،كما تقول:جرّ و جرّة، و قمطر و قمطرة.(الهرويّ 1:84)

الأزهريّ: قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«خير المال سكّة مأبورة، أو مهرة مأمورة».

قال أبو عبيد: إنّها الكثيرة النّتاج و النّسل.

و قال غيره:إنّما هو«مهرة مأمورة»للازدواج،لأنّهم أتبعوها«مأبورة»فلمّا ازدوج اللّفظان جاءوا ب«مأمورة» على وزن«مأبورة»كما قالت العرب:إنّي آتيه بالغدايا و العشايا،و إنّما يجمع«الغداة»غدوات،فجاءوا ب«الغدايا»على لفظ«العشايا»تزويجا للّفظين،و لها نظائر.[و بعد نقل قول الفرّاء و أبي الهيثم قال:]

ص: 106

و الصّواب ما قال الفرّاء في«الأمرة»و أنّه الزّيادة.

و يقال:لك عليّ أمرة مطاعة،بالفتح لا غير.

ابن بزرج:قالوا:في وجه مالك تعرف أمرته،أي يمنه.

و«أمارته»مثله،و«أمرته».

و رجل أمر،و امرأة أمرة،إذا كانا ميمونين.

[و قيل:]الأمر:الحجارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو عمرو:الأمرات:الأعلام،واحدتها:أمرة، و قال غيره:و أمارة،مثل«أمرة».[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ علامة تعدّ فهي أمارة.و تقول:هي أمارة ما بيني و بينك،أي علامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:رجل إمّر:لا رأي له،فهو يأتمر لكلّ أمر و يطيعه.[ثمّ استشهد بشعر]

قال:ابن مقبل:

*و يحذي الكميّ الزّاعبيّ المؤمّرا*

قال خالد:هو المسلّط.

و سمعت العرب تقول:أمّر قناتك،أي اجعل فيها سنانا.(15:291-296)

الجوهريّ: الأمر:واحد الأمور،يقال:أمر فلان مستقيم،و أموره مستقيمة.

و قولهم:«لك عليّ أمرة مطاعة»معناه لك عليّ أمرة أطيعك فيها،و هي المرّة الواحدة من الأمر.و لا تقل:إمرة بالكسر،إنّما الإمرة من الولاية.

و أمرته بكذا أمرا،و الجمع:الأوامر.

و الأمير:ذو الأمر،و قد أمر فلان و أمر أيضا بالضّمّ، أي صار أميرا،و الأنثى بالهاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و المصدر:الإمرة،بالكسر.

و الإمارة:الولاية،يقال:فلان أمّر و أمّر عليه،إذ كان واليا و قد كان سوقة،أي أنّه مجرّب.

و يقال أيضا:«في وجه المال تعرف أمرته»أي نماءه و كثرته و نفقته.

و التّأمير:تولية الإمارة،يقال:هو أمير مؤمّر.

و تأمّر عليهم،أي تسلّط.و آمرته في أمري مؤامرة، إذا شاورته.و العامّة تقول:و امرته.

و ائتمر الأمر،أي امتثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ائتمروا به،إذا همّوا به و تشاوروا فيه.

و الائتمار و الاستئمار:المشاورة،و كذلك التّآمر،على وزن«التّفاعل».[ثمّ استشهد بشعر]

و الأمر بالتّحريك:جمع أمرة،و هي العلم الصّغير من أعلام المفاوز من الحجارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل إمّر و إمّرة،أي ضعيف الرّأي يأتمر لكلّ أحد، مثال إمّع و إمّعة.[ثمّ استشهد بشعر](2:580-582)

ابن فارس: الهمزة و الميم و الرّاء أصول خمسة:

الأمر من الأمور،و الأمر ضدّ النهي،و الأمر النّماء و البركة بفتح الميم،و المعلم،و العجب.

فأمّا الواحد من الأمور فقولهم:هذا أمر رضيته، و أمر لا أرضاه.و في المثل:«أمر ما أتى بك».و من ذلك في المثل:«لأمر ما يسوّد من يسود».

و الأمر الّذي هو نقيض النّهي قولك:افعل كذا.

و من هذا الباب الإمّر الّذي لا يزال يستأمر النّاس و ينتهي إلى أمرهم.

و يقول العرب:«من قلّ ذلّ،و من أمر فلّ»أي من

ص: 107

كثر غلب.و تقول:أمر بنو فلان أمرة،أي كثروا و ولدت نعمهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأمار:أمار الطّريق:معالمه،الواحدة:أمارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأمر و اليأمور:العلم أيضا،يقال:جعلت بيني و بينه أمارا و وقتا و موعدا و أجلا،كلّ ذلك أمار.

(1:138)

أبو هلال :الفرق بين الخبر و الأمر:أنّ الأمر لا يتناول الآمر،لأنّه لا يصحّ أن يأمر الإنسان نفسه، و لا أن يكون فوق نفسه في الرّتبة.فلا يدخل الآمر مع غيره في«الأمر»و يدخل مع غيره في«الخبر»لأنّه لا يمتنع أن يخبر عن نفسه كإخباره عن غيره،و لذلك قال الفقهاء:إنّ أوامر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تتعدّاه إلى غيره؛من حيث كان لا يجوز أن يختصّ بها.و فصلوا بينها و بين أفعاله بذلك،فقالوا:أفعاله لا تتعدّاه إلاّ بدليل.و قال بعضهم:بل حكمنا و حكمه في فعله سواء،فإذا فعل شيئا فقد صار كأنّه قال لنا:إنّه مباح.قال:و يختصّ العامّ بفعله كما يختصّ بقوله.

و يفرق بينهما أيضا من وجه آخر،و هو أنّ«النّسخ» يصحّ في«الأمر»و لا يصحّ في«الخبر»عند أبي عليّ و أبي هاشم رحمهما اللّه تعالى.

و ذهب أبو عبد اللّه البصريّ رحمه اللّه إلى أنّ «النّسخ»يكون في«الخبر»كما يكون في«الأمر».قال:

و ذلك مثل أن يقول:الصّلاة تلزم المكلّف في المستقبل،ثمّ يقول بعد مدّة:إنّ ذلك لا يلزمه،و هذا أيضا عند القائلين بالقول الأوّل أمر و إن كان لفظه لفظ الخبر.

و أمّا«الخبر»عند حال الشّيء الواحد المعلوم،أنّه لا يجوز خروجه عن تلك الحال،فإنّ«النّسخ»لا يصحّ في ذلك عند الجميع،نحو الخبر عن صفات اللّه بأنّه عالم و قادر.(30)

الفرق بين الدّلالة و الأمارة:أنّ«الدّلالة»عند شيوخنا ما يؤدّي النّظر فيه إلى العلم،و«الأمارة» ما يؤدّي النّظر فيه إلى غلبة الظّنّ،لنحو ما يطلب به من جهة القبلة،و يعرف به جزاء الصّيد و قيم المتلفات.

و«الظّنّ»في الحقيقة ليس يجب عن النّظر في الأمارة لوجوب النّظر عن العلم في الدّلالة،و إنّما يختار ذلك عنده.

ف«الأمارة»في الحقيقة ما يختار عنده الظّنّ،و لهذا جاز اختلاف المجتهدين مع علم كلّ واحد منهم بالوجه الّذي منه خالفه صاحبه،كاختلاف الصّحابة في مسائل الجدّ، و اختلاف آراء ذوي الرّأي في الحروب و غيرها،مع تقاربهم في معرفة الأمور المتعلّقة بذلك،و لهذا تستعمل الأمارة فيما كان عقليّا و شرعيّا.(53)

الفرق بين الأمارة و العلامة:أنّ«الأمارة»هي العلامة الظّاهرة،و يدلّ على ذلك أصل الكلمة و هو «الظّهور»،و منه قيل:أمر الشّيء،إذا كثر.و مع الكثرة ظهور الشّأن،و من ثمّ قيل:الأمارة لظهور الشّأن.و سمّيت «المشورة»أمارا،لأنّ الرّأي يظهر بها.و ائتمر القوم،إذا تشاوروا.[ثمّ استشهد بشعر](55)

الفرق بين العجب و الإمر:أنّ«الإمر»:العجب الظّاهر المكشوف،و الشّاهد أنّ أصل الكلمة«الظّهور» و منه قيل للعلامة:الأمارة،لظهورها.و الإمرة و الإمارة:

ظاهر الحال،و في القرآن لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً

ص: 108

الكهف:71.(213)

الهرويّ: في الحديث:«أميري من الملائكة جبريل»يعني وليّي و صاحب أمري.

و كلّ من فزعت إلى مشاورته و مؤامرته،فهو أميرك.

و أمير المرأة:بعلها.و أمير الأعمى:قائده.[ثمّ استشهد بشعر]

[قيل:]المؤتمر:الّذي يهمّ بالأمر؛يفعله.

يقال:بئس ما ائتمرت لنفسك.و كلّ من عمل برأيه فلا بدّ له من مواقعة الخطأ.

و في حديث:«لا يأتمر رشدا»أي لا يأتي برشد من ذات نفسه.

و يقال لكلّ من فعل فعلا من غير مشاورة:ائتمر.

(1:81)

ابن سيدة :الأمير:الملك و الوالي،الجمع:أمراء، و الأنثى:أميرة.

أمر فلان على القوم يأمر أمرا و إمارة و إمرة و أمر يأمر أمرا و إمارة،و أمر إمارة:صار أميرا.

و أمّره:جعله أميرا،فتأمّر،أي تسلّط.

و الإمارة:منصب الأمير،و جزء من الأرض يحكمه الأمير.(الإفصاح 1:315)

الأمير:هي الأنثى الّتي تبيض النّحال،و النّحال:

تبيض اليماخير.

و قيل:الأمير تبيض الأمراء و النّحال،و تخرج في كلّ بطن يماخير.(الإفصاح 2:901)

الطّوسيّ: «الإمر»مأخوذ من الأمر،لأنّه الفاسد الّذي يحتاج أن يؤمر بتركه إلى الصّلاح.

و منه رجل إمّر،إذا كان ضعيف الرّأي،لأنّه يحتاج أن يؤمر حتّى يقوّي رأيه.

و منه آمر القوم،إذا كثروا حتّى احتاجوا إلى من يأمرهم و ينهاهم.

و منه الأمر من الأمور،أي الشّيء الّذي من شأنه أن يؤمر فيه،و لهذا لم يكن كلّ شيء أمرا.(7:74)

الرّاغب: الأمر:الشّأن،و جمعه:أمور.و مصدر أمرته،إذا كلّفته أن يفعل شيئا،و هو لفظ عامّ للأفعال و الأقوال كلّها،و على ذلك قوله تعالى: وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ هود:123،و قال: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:154، وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ البقرة:

275.

و يقال للإبداع:أمر،نحو: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54،و يختصّ ذلك باللّه تعالى دون الخلائق.

و قد حمل على ذلك قوله: وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فصّلت:12،و على ذلك حمل الحكماء قوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الإسراء:85،أي من إبداعه،و قوله:

إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40،فإشارة إلى إبداعه.

و عبّر عنه بأقصر لفظة،و أبلغ ما يتقدّم فيه فيما بيننا بفعل الشّيء،و على ذلك قوله: وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ القمر:50،فعبّر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا.

و الأمر:التّقدّم بالشّيء سواء كان ذلك بقولهم:افعل و ليفعل،أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ البقرة:228،أو كان بإشارة أو غير ذلك.أ لا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه«أمرا»حيث قال: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ الصّافّات:

ص: 109

و الأمر:التّقدّم بالشّيء سواء كان ذلك بقولهم:افعل و ليفعل،أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ البقرة:228،أو كان بإشارة أو غير ذلك.أ لا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه«أمرا»حيث قال: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ الصّافّات:

102،فسمّى ما رآه في المنام من تعاطي الذّبح أمرا.[إلى أن قال:]

الائتمار:قبول الأمر،و يقال للتّشاور:ائتمار،لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به،قال تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ القصص:20.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً الكهف:71، أي منكرا،من قولهم:أمر الأمر:أي كبر و كثر،كقولهم:

استفحل الأمر.(24)

الزّمخشريّ: «الائتمار»بمعنى التّآمر كالاشتوار بمعنى التّشاور،يقال:ائتمر القوم و تآمروا،إذا أمر بعضهم بعضا.(4:122)

إنّه لأمور بالمعروف نهوّ عن المنكر.و أمرت فلانا أمره،أي أمرته بما ينبغي له من الخير.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمر إمر،أي عجب.

و أتمرت ما أمرتني به:امتثلت.

و فلان مؤتمر:مستبدّ.

يقال:فلان لا يأتمر رشدا،أي لا يأتي برشد من ذات نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أمرته فأتمر.و أبى أن يأتمر،أي استبدّ و لم يمتثل.

و تآمر القوم و أتمروا مثل تشاوروا و اشتوروا.

و مرني بمعنى أشر عليّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:فلان بعيد من المئمر،قريب من المئبر،و هو المشورة«مفعل»من المؤامرة.و المئبر:النّميمة.

و هو أميري،أي مؤامري.و فلانة مطيعة لأميرها، أي لزوجها.

و رجل إمّرة:يقول لكلّ أحد مرني بأمرك.

و أمّر علينا فلان فنعم المؤمّر.و تأمّر علينا فحسنت إمرته.

و لك عليّ أمرة مطاعة،أي تأمرني مرّة واحدة فأطيعك.

و اجعله في تأمورك،و لقد علم تأمورك ذاك،و هو «تفعول»من الأمر،و هو القلب و النّفس،لأنّها الأمّارة.

و ما في الدّار تأمور،أي أحد.

و قلّ بنو فلان بعد ما أمروا،أي كثروا،و أمرهم اللّه تعالى.

و تقول العرب:الشّرّ أمر.و في مثل:«من قلّ ذلّ، و من أمر فلّ».

و تقول:إنّ ماله لأمر،و عهدي به و هو زمر.

و يقولون:ألقى اللّه في مالك الأمرة،و هي البركة و الزّيادة.

و أمّر فلان أمارة،إذا نصب علما.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز«مهرة مأمورة»:كثيرة النّتاج،كأنّها أمرت بذلك.و قيل لها:كوني نثورا،فكانت.

و ما في الرّكيّة تأمور،أي ماء،و هذا كما قيل له النّفس.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:9)

إنّ أميري من الملائكة جبريل.هو«فعيل»من المؤامرة و هي المشاورة.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 110

و مثله العشير و النّزيل،بمعنى المعاشر و المنازل،و هو من الأمر،لأنّ كلّ واحد منهما يباثّ صاحبه أمره،أو يصدر عن رأيه و ما يأمر به،و المراد وليّي و صاحبي الّذي أفزع إليه.(الفائق 1:56)

الطّبرسيّ: الأمر هو قول القائل لمن دونه:«افعل» هذه صيغته،ثمّ يصير أمرا بإرادة الآمر المأمور به.

و صيغة الأمر تستعمل في«الإباحة»نحو قوله:

فَاصْطادُوا المائدة:2،و في«التّهديد»نحو قوله:

اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فصّلت:40،و في«التّحدّي»نحو قوله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ البقرة:23،و في «التّكوين»كقوله: كُنْ فَيَكُونُ يس:82؛و الأصل في الجميع«الطّلب».(1:69)

نحوه النّيسابوريّ.(1:221)

الائتمار:قبول الأمر و ملاقاته بالتّقبّل.(5:309)

ابن الأثير: و فيه:[الحديث]«آمروا النّساء في أنفسهنّ»أي شاوروهنّ في تزويجهنّ.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب ابنه»الإمرة بالكسر:الإمارة.

و في قول موسى للخضر عليهما السّلام: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً الكهف:71،الإمر بالكسر:الأمر العظيم الشّنيع، و قيل:العجب.

و في حديث آدم عليه السّلام:«من يطع إمّرة لا يأكل ثمرة» الإمّرة-بكسر الهمزة و تشديد الميم-تأنيث الإمّر،و هو الأحمق الضّعيف الرّأي الّذي يقول لغيره:مرني بأمرك، أي من يطع امرأة حمقاء يحرم الخير.

و قد تطلق«الإمّرة»على الرّجل،و الهاء للمبالغة،كما يقال:رجل إمّعة.

و الإمّرة أيضا:النّعجة،و كنّي بها عن المرأة كما كنّي عنها بالشّاة.(1:66)

ابن منظور :الأمر:الحادثة،و الجمع:أمور، لا يكسّر على غير ذلك.

و الأمير:الملك لنفاذ أمره،بيّن الإمارة و الأمارة.

و الجمع:أمراء.

و أمر علينا يأمر أمرا،و أمر و أمر كولي.

و التّأمير:تولية الإمارة.و أمير مؤمّر:مملّك.

و أولو الأمر:الرّؤساء،و أهل العلم.

و الأمر:الحجارة،واحدتها:أمرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأمرة:الرّابية،و الجمع:أمر.

و الأمارة و الأمار:الموعد و الوقت المحدود،و هو أمار لكذا،أي علم.

و المؤمّر:المحدّد،و قيل:الموسوم.و المؤمّر أيضا:

المسلّط،و تأمّر عليهم،أي تسلّط.

و أنت أعلم بتامورك؛تاموره:وعاؤه،يريد أنت أعلم بما عندك و بنفسك.

و قيل:التّامور:النّفس و حياتها،و قيل:العقل.

و التّامور أيضا:دم القلب،و حبّته و حياته.و قيل:هو القلب نفسه،و ربّما جعل خمرا،و ربّما جعل صبغا على التّشبيه.

و التّأمور:الولد.و التّامور:وزير الملك.و التّامور:

ناموس الرّاهب.

و التّامورة:عرّيسة الأسد،و قيل:أصل هذه الكلمة

ص: 111

سريانيّة.و التّامورة:الإبريق.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّامورة:الحقّة.

و التّاموريّ و التأمريّ و التؤمريّ:الإنسان.

و ما رأيت تامريّا أحسن من هذه المرأة.

و ما بالدّار تأمور،أي ما بها أحد.

و ما بالرّكيّة تامور،يعني الماء.

و التّامور:من دوابّ البحر،و قيل:هي دويبة.

و التّامور:جنس من الأوعال،أو شبيه بها،له قرن واحد متشعّب في وسط رأسه.

و آمر:السّادس من أيّام العجوز،و مؤتمر:السّابع منها.[ثمّ استشهد بشعر](4:26-34)

الفيّوميّ:الأمر بمعنى الحال،جمعه:أمور،و عليه وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ هود:97.

و الأمر بمعنى الطّلب،جمعه:أوامر،فرقا بينهما.

و جمع الأمر أوامر،هكذا يتكلّم به النّاس.و من الأئمّة من يصحّحه و يقول في تأويله:إنّ الأمر مأمور به، ثمّ حوّل المفعول إلى فاعل،كما قيل:أمر عارف،و أصله معروف،و عيشة راضية و الأصل مرضيّة،إلى غير ذلك، ثمّ جمع«فاعل»على«فواعل»فأوامر جمع مأمور.

و إذا أمرت من هذا الفعل و لم يتقدّمه حرف عطف، حذفت الهمزة على غير قياس،و قلت:مره بكذا، و نظيره:كل و خذ.و إن تقدّمه حرف عطف فالمشهور ردّ الهمزة على القياس،فيقال:و أمر بكذا،و لا يعرف في «كل»و«خذ»إلاّ التّخفيف مطلقا.

و في أمرته لغتان،المشهور في الاستعمال قصر الهمزة،و الثّانية مدّها.

و الإمرة و الإمارة:الولاية بكسر الهمزة،يقال:أمر على القوم يأمر-من باب قتل-فهو أمير،و الجمع:

الأمراء.و يعدّى بالتّضعيف فيقال:أمّرته تأميرا.

و الأمارة:العلامة وزنا و معنى،و لك عليّ أمرة لا أعصيها بالفتح،أي مرّة واحدة.

و أمر الشّيء يأمر-من باب تعب-كثر،و يعدّى بالحركة و الهمزة يقال:أمرته أمرا-من باب قتل- و آمرته.

و الأمر:الحالة،يقال:أمر مستقيم،و الجمع:أمور، مثل فلس و فلوس.

و أمرته فائتمر،أي سمع و أطاع.و ائتمر بالشّيء:همّ به،و ائتمروا:تشاوروا.

و قولهم:أقلّ الأمرين أو أكثر الأمرين،من كذا و كذا،الوجه أن يكون بالواو،لأنّها عاطفة على«من» و نائبة عن تكريرها،و الأصل:من كذا و من كذا،فإنّ من كذا و كذا تفسير ل«الأمرين»مطابق لهما في التّعدّد، موضّح لمعناهما.و لو قيل:من كذا أو من كذا بالألف،لبقي المعنى أقلّ الأمرين،إمّا من هذا و إمّا من هذا،و كان أحدهما لا بعينه مفسّرا للاثنين،و هو ممتنع لما فيه من الإبهام،و لأنّ الواحد لا يكون له أقلّ أو أكثر،إلاّ أن يقال بالمذهب الكوفيّ،و هو إيقاع أو موقع الواو.

(1:21)

الفيروزآباديّ: الأمر:ضدّ النّهي كالإمار و الإيمار، بكسرهما.

و الآمرة على«فاعلة»أمره و به و آمره فأتمر.

و الحادثة.جمعها:أمور.و مصدر أمر علينا مثلّثة،إذا ولي،

ص: 112

و الاسم الإمرة بالكسر،و قول الجوهريّ:مصدر،و هم.

و له عليّ أمرة مطاعة بالفتح للمرّة منه،أي له عليّ أمرة أطيعه فيها.

و الأمير:الملك،و هي بهاء،بيّن الإمارة و يفتح، جمعه:أمراء،و قائد الأعمى،و الجار،و المشاور.

و المؤمّر كمعظّم:المملّك و المحدّد و الموسوم و القناة إذا جعلت فيها سنانا،و المسلّط.

و أولو الأمر:الرّؤساء و العلماء.

و أمر كفرح أمرا و أمرة:كثر و تمّ فهو أمر،و الأمر اشتدّ،و الرّجل كثرت ماشيته.

و آمره اللّه و أمره كنصره لغيّة:كثّر نسله و ماشيته.

و الأمر ككتف:المبارك.

و رجل إمّر كامّع و إمّعة و يفتحان:ضعيف الرّأي، يوافق كلّ أحد على ما يريد من أمره كلّه،و هما الصّغير من أولاد الضّأن.

و الأمرة محرّكة:الحجارة و العلامة و الرّابية،جمع الكلّ:أمر.

و الأمارة و الأمار بفتحهما:الموعد و الوقت و العلم.

و أمر إمر:منكر عجب،و ما بها أمر محرّكة.و تأمور و تؤمور،أي أحد.

و الائتمار:المشاورة كالمؤامرة،و الاستئمار و التّأمّر و الهمّ بالشّيء.

و التّأمور:الوعاء و النّفس و حياتها،و القلب و حبّته و حياته و دمه،أو الدّم و الزّعفران،و الولد و وعاؤه، و وزير الملك،و لعب الجواري أو الصّبيان،و صومعة الرّاهب و ناموسه،و الماء و عرّيسة الأسد،و الخمر و الإبريق و الحقّة،كالتّأمورة في هذه الأربعة،وزنه «تفعول».و هذا موضع ذكره،لا كما توهّم الجوهريّ.

و التّأموريّ و التّأمريّ و التّؤمريّ:الإنسان.

و آمر و مؤتمر:آخر أيّام العجوز.

و المؤتمر و مؤتمر:المحرّم،جمعه:مآمر و مآمير،و إمّرة كامّعة:بلدة و جبل.و وادي الأميّر مصغّرا:موضع،و يوم المأمور:لبني الحرث.

«و خير المال مهرة مأمورة و سكّة مأبورة»أي مهرة كثيرة النّتاج و النّسل.و الأصل:مؤمرة،و إنّما هو للازدواج،أو لغيّة كما سبق.

و تأمّر عليهم:تسلّط.

و اليأمور:دابّة برّيّة،أو جنس من الأوعال.

و التّآمير:الأعلام في المفاوز،الواحد:تؤمور،و بنو عيد بن الآمريّ كعامريّ،نسب إليه النّجائب العيديّة.

(1:379)

الطّريحي: الإمرة بالكسر:الولاية.

و في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين»،و منه سمّي أمير المؤمنين عليه السّلام.

و في الحديث: «هو اسم سمّاه اللّه تعالى به لم يسمّ به أحد قبله،و لم يسمّ بعده،حتّى قائم أهل البيت عليهم السّلام لم يسلّم عليه بذلك بل يقال:السّلام عليك يا بقيّة اللّه».

(3:210)

الزّبيديّ: قد وقع في مصنّفات الأصول الفرق في الجمع،فقالوا:«الأمر»إذا كان بمعنى ضدّ النّهي،فجمعه:

أوامر،و إذا كان بمعنى«الشّأن»فجمعه:أمور؛و عليه أكثر الفقهاء،و هو الجاري في ألسنة الأقوام.

ص: 113

و حقّق شيخنا في بعض الحواشي الأصوليّة ما نصّه:

اختلفوا في واحد«أمور»و«أوامر»فقال الأصوليّون:إنّ «الأمر»بمعنى القول المخصوص،يجمع على أوامر،و بمعنى الفعل أو الشّأن يجمع على أمور.

و لا يعرف من وافقهم إلاّ الجوهريّ في قوله:أمره بكذا أمرا،و جمعه:أوامر.

و أمّا الأزهريّ فإنّه قال:«الأمر»ضدّ النّهي،واحد الأمور.

و في«المحكم»:لا يجمع«الأمر»إلاّ على أمور،و لم يذكر أحد من النّحاة إنّ«فعلا»يجمع على«فواعل»،أو أنّ شيئا من الثّلاثيّات يجمع على«فواعل».(3:17)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الأمّار:الكثير الأمر، و مؤنّثه أمّارة.

و الأمر:الحال و الشّأن،و جمعه:أمور،و منه قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128.

و الإمر،بكسر الهمزة و سكون الميم:العجيب المنكر.

و أولو الأمر:الرّؤساء و العلماء.(1:45)

الطّباطبائيّ: الأمر:يستعمل في معنى الشّأن، و جمعه:أمور،و مصدرا بمعنى يقرب من بعث الإنسان غيره نحو ما يريده،يقال:أمرته بكذا أمرا.و ليس من البعيد أن يكون هذا هو الأصل في معنى اللّفظ،ثمّ يستعمل«الأمر»اسم مصدر بمعنى نتيجة الأمر،و هو النّظم المستقرّ في جميع أفعال المأمور المنبسط على مظاهر حياته،فينطبق في الإنسان على شأنه في الحياة،ثمّ يتوسّع فيه فيستعمل بمعنى«الشّأن»في كلّ شيء،فأمر كلّ شيء هو الشّأن الّذي يصلح له وجوده،و ينظم له تفاريق حركاته و سكناته و شتّى أعماله و إرادته.يقال:

أمر العبد إلى مولاه،أي هو يدبّر حياته و معاشه،و أمر المال إلى مالكه،و أمر الإنسان إلى ربّه،أي بيده تدبيره في مسير حياته.(8:151)

العدنانيّ: «قاما أو قاموا بمؤامرة لقتل الحاكم»

و يقولون:قام فلان بمؤامرة لقتل الحاكم،و الصّواب:

قام فلان و فلان...أو أكثر من اثنين،بمؤامرة لقتل الحاكم، لأنّ المؤامرة كما جاء في المعجم الكبير هي:

أ-اتّفاق جنائيّ خاصّ بين شخصين أو أكثر،يكون الغرض منه ارتكاب جريمة من الجرائم المضرّة بسلامة أمن الدّولة.و يعاقب القانون على مجرّد هذا الاتّفاق و لو لم ينفّذ أو يشرع في تنفيذ ما يهدف إليه«محدثة».

ب-المؤامرة في اصطلاح الدّيوان القديم:هي عمل تجمع فيه الأوامر الخارجة في مدّة أيّام الطّمع،و يوقّع السّلطان في آخره بإجازة ذلك.و قد تعمل المؤامرة في كلّ ديوان تجمع جميع ما يحتاج إليه،من استئمار و استدعاء و توقيع.(26)

محمود شيت: 1-أ-أمر عليهم أمرا و إمارة و إمرة:

صار عليهم أميرا.

و أمر فلانا أمرا و إمارة و آمرة:كلّفه شيئا.و الأمر منه:مر.و يقال:أمره به،و أمره إيّاه.و أمرته أمري:

ما ينبغي لي أن آمره به.

ب-أمر عليهم أمرا و إمارة:صار أميرا.و أمر الأمر:

اشتدّ.

ج-أمّر عليهم أمارة:صار أميرا.

د-آمر فلانا في الأمر مؤامرة:شاوره.

ص: 114

ه-أمّر فلان أمارة:نصب علامة.و أمّر فلانا:صيّره أميرا.و أمّر الشّيء:جعل له حدودا بالعلامات.و أمّر السّنان:حدّده.و أمّر القناة:ركّب فيها سنانا.

و-ائتمر:مطاوع أمره.يقال:أمرته فأتمر.و ائتمر القوم:تشاوروا.و ائتمروا بالشّيء:همّوا به.و ائتمروا بفلان:تشاوروا في إيذائه.و ائتمر كفلان برأيه:استبدّ.

ز-تآمروا:تشاوروا.و تآمروا عليه:تشاوروا في إيذائه.

ح-استأمره:طلب أمره.و استأمره:استشاره.

ط-الأمارة:العلامة.و الأمارة:الموعد و الوقت.

ي-الإمارة:منصب الأمير،و الإمارة:جزء من الأرض يحكمه الأمير.

ك-الأمر:الحال و الشّأن،و منه قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128،الجمع:أمور.

و الأمر:الطّلب أو المأمور به،أو ما يقتضي تنفيذه.الجمع:

أوامر.و أولو الأمر:الرّؤساء و العلماء.

ل-الإمر؛يقال:أمر إمر:عجيب منكر.

م-الإمرة:الإمارة.

ن-الأمير:من يتولّى الإمارة.الجمع:أمراء.

2-أ-آمر:آمر حضيرة،و آمر فصيل،و آمر رعيل، و آمر سريّة،و آمر بطريّة،و آمر فوج،و آمر كتيبة، و آمر لواء،و آمر جحفل،و آمر المدفعيّة،و آمر الهندسة، و آمر الدّروع،و آمر المشاة،و آمر مدرسة،و آمر كلّيّة، و آمر معمل،و آمر مستشفى.

ب-الأمراء:جمع آمر.و الأمراء:صنف من الضّبّاط ذوي الرّتب العالية:لواء،و فريق،و مهيب،و مشير.

ج-إمرة:عند ما يكون العسكريّ بدون منصب معيّن،يكون بالإمرة.

د-مؤتمر:اجتماع للمشاورة و التّخطيط.

ه-أمارة:علامات الطّريق،و إشارات دالّة على موضع أو موقع أو مكان معيّن.(1:51)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو:

الطّلب مع الاستعلاء و التّكليف.

ثمّ يطلق على كلّ ما يكون مطلوبا و موردا لتوجّه تكليف من جانب مولى أو من جانب نفسه،صريحا أو مقدّرا.

و أمر بكسر العين،مأخوذ من هذا المعنى أيضا.فإنّ أمر متعدّيا،إذا أريد لزومه تكسر عينه،و يكون الطّلب مع الاستعلاء بمعنى العلوّ و الكبر لازما في نفسه.

و منه يؤخذ معنى المنكر و العجب و النّماء و البركة.

و كذلك العلامة من جهة كونها علامة للطّلب و المطلوب.

فمعنى:الطّلب و الاستعلاء في جميع هذه الموارد محفوظ،فهذه المادّة تطلق على تلك المعاني بهذه الحيثيّة لا مطلقا،و باعتبار هذا القيد يحصل الفرق بين الأمارة و العلامة،و بين الأمر و الشّأن،و بين أمر و كثر،و هكذا بينها و بين العجب و النّماء و البركة.(1:132)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

1- ..وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ...

البقرة:27

الحسن :معناه أمروا بصلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين،

ص: 115

فقطعوهم.(الطّبرسيّ 1:70)

مثله الأصمّ.(أبو الفتوح الرّازيّ 1:75)

أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قطعوه بالتّكذيب و العصيان.

(أبو حيّان 1:128)

قتادة :و اللّه ما أمر اللّه به أن يوصل بقطيعة الرّحم و القرابة.(الطّبريّ 1:185)

أمروا بالقول و العمل،فقالوا فلم يعملوا،فلم يصلوا القول بالعمل.(الميبديّ 1:121)

الطّبريّ: الّذي رغب اللّه في وصله،و ذمّ على قطعه في هذه الآية:الرّحم،و قد بيّن ذلك في كتابه،فقال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ محمّد:22،و إنّما عنى بالرّحم:أهل الرّجل الّذين جمعتهم و إيّاه رحم والدة واحدة،و قطّع ذلك ظلمه في ترك أداء ما ألزم اللّه من حقوقها،و أوجب من برّها و وصلها،أداء الواجب لها إليها:من حقوق اللّه الّتي أوجب لها،و التّعطّف عليها بما يحقّ التّعطّف به عليها.

و(ان)الّتي مع(يوصل)في محلّ خفض بمعنى ردّها على موضع الهاء الّتي في(به).و كان معنى الكلام:و يقطعون الّذي أمر اللّه بأن يوصل،و الهاء الّتي في(به)هي كناية عن ذكر(ان يوصل).(1:184)

الميبديّ: و يقطعون ما أمر اللّه باتّصاله من تصديق الأنبياء،و اتّصال تصديق موسى عليه السّلام بتصديق محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و اتّصال تعظيم السّبت بالجمعة،و اتّصال استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة،و اتّصال إطاعة التّوراة و الإنجيل بإطاعة القرآن.

و قيل:يريد بذلك قطع الرّحم،فإنّ قريشا قطعوا رحم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالمعاداة معه.

و قيل:أمروا بتصديق الأنبياء كلّهم فآمنوا بالبعض و كفروا بالبعض،و المؤمنون وصلوا،فقالوا: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285(1:121)

الزّمخشريّ: قطعهم الأرحام و موالاة المؤمنين.

و قيل:قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة و الاتّحاد و الاجتماع على الحقّ،في إيمانهم ببعض و كفرهم ببعض.

فإن قلت:ما الأمر؟قلت:طلب الفعل ممّن هو دونك و بعثه عليه.و به سمّي«الأمر»الّذي هو واحد الأمور، لأنّ الدّاعي الّذي يدعو إليه من يتولاّه،شبّه بآمر يأمره به؛فقيل له:أمر،تسمية للمفعول به بالمصدر،كأنّه مأمور به،كما قيل له:«شأن»،و الشّأن:الطّلب و القصد،يقال:

شأنت شأنه،أي قصدت قصده.(1:269)

الطّبرسيّ: قيل:معناه الأمر بوصل كلّ من أمر اللّه بصلته من أوليائه،و القطع و البراءة من أعدائه.و هذا أقوى،لأنّه أعمّ،و يدخل فيه الجميع.(1:70)

الفخر الرّازيّ:اختلفوا في المراد من قوله تعالى:

وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ البقرة:27، فذكروا وجوها:

أحدها:أراد به قطيعة الرّحم و حقوق القرابات الّتي أمر اللّه بوصلها،و هو كقوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ محمّد:22،و فيه إشارة إلى أنّهم قطعوا ما بينهم و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من القرابة؛و على هذا التّأويل تكون الآية خاصّة.

و ثانيها:أنّ اللّه تعالى أمرهم أن يصلوا حبلهم بحبل

ص: 116

المؤمنين،فهم انقطعوا عن المؤمنين و اتّصلوا بالكفّار، فذاك هو المراد من قوله: وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

و ثالثها:أنّهم نهوا عن التّنازع و إثارة الفتن،و هم كانوا مشتغلين بذلك.(2:148)

القرطبيّ: قيل:الإشارة إلى دين اللّه،و عبادته في الأرض،و إقامة شرائعه،و حفظ حدوده،فهي عامّة في كلّ ما أمر اللّه تعالى به أن يوصل.هذا قول الجمهور، و الرّحم جزء من هذا.(1:247)

أبو حيّان: فيه خمسة أقوال:

أحدها:أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قطعوه بالتّكذيب و العصيان،قاله الحسن.و فيه ضعف؛إذ لو كان كما قال، لكان(من)مكان(ما).

الثّاني:القول،أمر اللّه أن يوصل بالعمل فقطعوا بينهما قالوا و لم يعملوا،يشير إلى أنّها نزلت في المنافقين، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

الثّالث:التّصديق بالأنبياء،أمروا بوصله فقطعوه بتكذيب بعض و تصديق بعض.

الرّابع:الرّحم و القرابة،قاله قتادة.و هذا يدلّ على أنّه أراد كفّار قريش و من أشبههم.

الخامس:أنّه على العموم في كلّ ما أمر اللّه به أن يوصل.و هذا هو الأوجه،لأنّ فيه حمل اللّفظ على مدلوله من العموم،و لا دليل واضح على الخصوص.

و أجاز أبو البقاء أن تكون(ما)نكرة موصوفة.و قد بيّنّا ضعف القول بأنّ(ما)تكون موصوفة خصوصا هنا؛ إذ يصير المعنى:و يقطعون شيئا أمر اللّه به أن يوصل،فهو مطلق،و لا يقع الذّمّ البليغ و الحكم بالفسق و الخسران بفعل مطلق ما،و الأمر هو استدعاء الأعلى الفعل من الأدنى.

قال الزّمخشريّ: و بعثه عليه-و هي نكتة اعتزاليّة لطيفة-قال:و به سمّي«الأمر»الّذي هو واحد الأمور، لأنّ الدّاعي الّذي يدعو إليه من لا يتولاّه،شبّه بآمر يأمره به،فقيل له:أمر،تسمية للمفعول به بالمصدر،كأنّه مأمور به،كما قيل له:«شأن»،و الشّأن:الطّلب و القصد، يقال:شأنت شأنه،أي قصدت قصده.

و أمر يتعدّى إلى اثنين،و الأوّل محذوف لفهم المعنى، أي ما أمر اللّه به.(1:128)

الآلوسيّ: الأمر:القول الطّالب للفعل مع علوّ،عند المعتزلة،أو استعلاء عند أبي الحسين.و يفسدهما ظاهر قوله تعالى حكاية عن فرعون: فَما ذا تَأْمُرُونَ الأعراف:110،و يطلق على التّكلّم بالصّيغة و على نفسها.و في موجبها خلاف،و هذا هو الأمر الطّلبيّ.

و قد نقل إلى الأمر الّذي يصدر عن الشّخص،لأنّه يصدر عن داعية تشبه الأمر،فكأنّه مأمور به،أو لأنّه من شأنه أن يؤمر به،كما سمّي الخطب و الحال العظيمة شأنا.و هو مصدر في الأصل بمعنى القصد،و سمّي به ذلك، لأنّ من شأنه أن يقصد.

و ذهب الفقهاء إلى أنّ«الأمر»مشترك بين القول و الفعل،لأنّه يطلق عليه مثل: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. هود:97.(1:212)

رشيد رضا :هذا الأمر نوعان:أمر تكوين،و هو ما عليه الخلق من النّظام و السّنن المحكمة.و قد سمّى اللّه

ص: 117

تعالى التّكوين أمرا،بما عبّر عنه بقوله:(كن).و أمر تشريع،و هو ما أوحاه إلى أنبيائه،و أمر النّاس بالأخذ به.

و من النّوع الأوّل ترتيب النّتائج على المقدّمات، و وصل الأدلّة بالمدلولات،و إفضاء الأسباب إلى المسبّبات،و معرفة المنافع و المضارّ بالغايات.فمن أنكر نبوّة النّبيّ بعد ما قام الدّليل على صدقه أو أنكر سلطان اللّه على عباده بعد ما شهدت له بها آثاره في خلقه،فقد قطع ما أمر اللّه به أن يوصل،بمقتضى التّكوين الفطريّ.

و كذلك من أنكر شيئا ممّا علم أنّه جاء به الرّسول، لأنّه إن كان من الأصول الاعتقاديّة ففيه القطع بين الدّليل و المدلول.و إن كان من الأحكام العمليّة ففيه القطع بين المبادئ و الغايات،لأنّ كلّ ما أمر الدّين به قطعا فهو نافع،و منفعته تثبتها التّجربة و الدّليل،و كلّ ما نهى عنه حتما فلا بدّ أن تكون عاقبته مضرّة.

فالّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه هم الّذين يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل بغايته.أمّا بالنّسبة إلى الإيمان باللّه تعالى و بالنّبوّة،فيقطعون ما أمر به بمقتضى التّكوين و النّظام الفطريّ.و أمّا بالنّسبة إلى الأحكام، فيقطعون ما أمر به في كتبه أمر تشريع و تكليف،و صلة الأرحام تدخل في كلّ من القسمين.

إذا كان مشركو العرب قد نقضوا عهد الفطرة و قطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل بمقتضاها،بتكذيبهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و إيذائه،و هو ذو رحم بهم؛فالمكذّبون من أهل الكتابين قد قطعوا صلات الأمرين كما نقضوا العهدين.

فإنّ اللّه تعالى قد بشّرهم في الكتب المنزلة على أنبيائهم بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه ذكر للمبشّر به صفات و أعمالا و أحوالا تنطبق عليه أتمّ الانطباق،فحرّفوا و أوّلوا و اجتهدوا في صرفها عنه،و هم متعمّدون: وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:146،و منهم من يحمل تلك الصّفات و العلامات على غيره،و منهم ينتظر مبعوثا آخر يجيء الزّمان به.(1:243)

2- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. النّساء:114

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف قال:(الاّ من أمر)ثمّ قال: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ؟

قلت:قد ذكر الآمر بالخير ليدلّ به على فاعله،لأنّه إذا دخل الآمر به في زمرة الخيّرين كان الفاعل فيهم أدخل.ثمّ قال: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فذكر الفاعل و قرن به الوعد بالأجر العظيم.و يجوز أن يراد:و من يأمر بذلك، فعبّر عن«الأمر»بالفعل،كما يعبّر به سائر الأفعال.

(1:563)

مثله الفخر الرّازيّ.(11:42)

الطّباطبائيّ: قد سمّي دعوة النّجوى إلى الخير أمرا،ذلك من قبيل الاستعارة.(5:81)

3- ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ... يوسف:40

الطّوسيّ: الأمر:قول القائل لمن دونه:افعل، و الصّحيح أنّه يقتضي الإيجاب.و قوله: أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ، معناه أمر أن تعبدوه،و كره منكم عبادة غيره، لأنّ الأمر لا يتعلّق بأن لا يكون الشّيء،لأنّه إنّما يكون أمرا بإرادة المأمور،و الإرادة لا تتعلّق إلاّ بحدوث الشّيء.

ص: 118

الطّوسيّ: الأمر:قول القائل لمن دونه:افعل، و الصّحيح أنّه يقتضي الإيجاب.و قوله: أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ، معناه أمر أن تعبدوه،و كره منكم عبادة غيره، لأنّ الأمر لا يتعلّق بأن لا يكون الشّيء،لأنّه إنّما يكون أمرا بإرادة المأمور،و الإرادة لا تتعلّق إلاّ بحدوث الشّيء.

(6:143)

الرّازيّ: إن قيل:كيف قال تعالى: أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ فسّر الأمر بالنّهي أو بما جزؤه النّهي،و هما ضدّان؟

قلنا:فيه إضمار أمر آخر،تقديره:أمر أمرا اقتضى أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه،و هو قوله تعالى: فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ العنكبوت:56،فإنّه باعتبار تقديم المفعول في معنى الحصر،كما قال في قوله تعالى: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ الحمد:4.

الثّاني:أنّ فيه إضمار نهي،تقديره:أمر و نهى،ثمّ فسّر الأمرين بقوله تعالى: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ.

الثّالث:أنّ قوله تعالى: أَلاّ تَعْبُدُوا و إن كان مضادّا للأمر من حيث اللّفظ فهو موافق له من حيث المعنى.فلم قلتم إنّ تفسير الشّيء بما يضادّه صورة و يوافقه معنى غير جائز،بيان موافقته معنى من وجهين:

أحدهما:أنّ النّهي عن الشّيء أمر بضدّه،و عبادة اللّه ضدّ لا عبادة اللّه.

الثّاني:أنّ معنى مجموع قوله تعالى: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ اعبدوه وحده،فيكون تفسيرا للأمر المطلق بفرد من أفراده،و أنّه جائز.(مسائل الرّازيّ:150)

الآلوسيّ: أي بأن لا تعبدوا أحدا إِلاّ إِيّاهُ حسبما يقتضي به قضيّة العقل أيضا.و الجملة استئناف مبنيّ على سؤال ناشئ من الجملة السّابقة،كأنّه قيل:فما ذا حكم اللّه سبحانه في هذا الشّأن؟فقيل:(امر)إلخ.

و قيل:في موضع التّعليل لمحذوف،كأنّه قيل:حيث لم يكن الحكم في أمر العبادة إلاّ له فلا تكون العبادة إلاّ له سبحانه،أو لمن يأمر بعبادته،و هو لا يأمر بذلك و لا يجعله لغيره،لأنّه سبحانه: أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ و هو خلاف الظّاهر.

و جوّز أن يكون سرد هذه الجمل على هذا الطّرز لسدّ الطّرق في توجيه صحّة عبادة الأصنام عليهم أحكم سدّ،فإنّهم إن قالوا:إنّ اللّه تعالى قد أنزل حجّة في ذلك، ردّوا بقوله: ما أَنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يوسف:40، و إن قالوا:حكم لنا بذلك كبراؤنا،ردّوا بقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يوسف:40،و إن قالوا:حيث لم ينزل حجّة في ذلك و لم يكن حكم لغيره بقي الأمر موقوفا؛إذ عدم إنزال حجّة على البطلان،ردّوا بقوله: أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ. (12:245)

4- وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ... الرّعد:21

ابن عبّاس: هو صله الرّحم.(الطّبرسيّ 3:289)

مثله قتادة.(الآلوسيّ 13:140)

الإيمان بجميع الكتب و الرّسل كلّهم.

مثله سعيد بن جبير.(القرطبيّ 9:310)

الحسن :هو صلة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و مؤازرته و معاونته و الجهاد معه.(الطّبرسيّ 3:289)

الإمام الباقر عليه السّلام: قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«برّ الوالدين و صلة الرّحم يهوّنان الحساب»ثمّ تلا هذه

ص: 119

الآية.(الطّبرسيّ 3:289)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [لمّا حضرته الوفاة قال:] أعطوا الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين-و هو الأفطس-سبعين دينارا.فقالت له أمّ ولد له:أ تعطي رجلا حمل عليك بالشّفرة؟فقال لها:ويحك أ ما تقرئين قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ... (الطّبرسي 3:289)

الإمام الكاظم عليه السّلام: [حول هذه الآية قال:]

صلة آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله معلّقة بالعرش،تقول:اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني،و هي تجري في كلّ رحم.

(الطّبرسيّ 3:289)

الإمام الرّضا عليه السّلام: روى الوليد بن أبان عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:قلت له:هل على الرّجل في ماله سوى الزّكاة؟قال:نعم،أين ما قال اللّه: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ... (الطّبرسيّ 3:289)

الجبّائيّ: هو ما يلزم من صلة المؤمنين بأن يتولّوهم و ينصروهم و يذبّوا عنهم،و يدخل فيه صلة الرّحم، و غير ذلك.

مثله أبو مسلم.(الطّبرسيّ 3:289)

الزّمخشريّ: من الأرحام و القرابات،و يدخل فيه وصل قرابة رسول اللّه،و قرابة المؤمنين الثّابتة بسبب الإيمان: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10، بالإحسان إليهم على حسب الطّاقة،و نصرتهم،و الذّبّ عنهم،و الشّفقة عليهم،و النّصيحة لهم،و طرح التّفرقة بين أنفسهم و بينهم،و إفشاء السّلام عليهم،و عيادة مرضاهم،و شهود جنائزهم،و منه مراعاة حقّ الأصحاب و الخدم و الجيران و الرّفقاء في السّفر،و كلّ ما تعلّق منهم بسبب حتّى الهرّة و الدّجاجة.(2:357)

نحوه الفخر الرّازيّ.(19:41)

الطّبرسيّ: المراد به الإيمان بجميع الرّسل و الكتب، كما في قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285.

(3:289)

مثله شبّر.(3:331)

الآلوسيّ:الظّاهر العموم في كلّ ما أمر اللّه تعالى به في كتابه،و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(13:140)

نحوه سيّد قطب.(4:2057)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب«الأمر»هو الأمر التّشريعيّ النّازل بشهادة ذيل الآية: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21،فإنّ الحساب على الأحكام النّازلة في الشّريعة ظاهرا و إن كانت مدركة بالفطرة، كقبح الظّلم و حسن العدل،فإنّ المستضعف الّذي لم يبلغه الحكم الإلهيّ و لم يقصّر لا يحاسب عليه،كما يحاسب غيره.و قد تقدّم في أبحاثنا السّابقة أنّ الحجّة لا تتمّ على الإنسان بمجرّد الإدراك الفطريّ لو لا انضمام طريق الوحي إليه،قال تعالى: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ النّساء:165.

و الآية مطلقة،فالمراد به،كلّ صلة أمر اللّه سبحانه بها،و من أشهر مصاديقه صلة الرّحم الّتي أمر اللّه بها و أكّد القول في وجوبها،قال تعالى: وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ النّساء:1.

و قد أكّد القول فيه بما في ذيل الآية من قوله:

وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:،21،

ص: 120

فأشار إلى أنّ في ترك الصّلة مخالفة لأمر اللّه-فليخش اللّه في ذلك-و عملا سيّئا مكتوبا في صحيفة العمل،محفوظا على الإنسان،يجب أن يخاف من حسابه السّيّئ.

(11:342)

5- أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى .العلق:12

الطّبريّ: أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم هذا الّذي ينهى عن الصّلاة، باتّقاء اللّه،و خوف عقابه.(30:254)

مثله الطّوسيّ.(10:381)

الطّبرسيّ: يعني بالإخلاص و التّوحيد و مخافة اللّه تعالى.و هاهنا حذف أيضا،تقديره:كيف يكون حال من ينهاه عن الصّلاة و يزجره عنها.(5:515)

البروسويّ: أي أمر بالتّقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده.

و هذه الجملة الشّرطيّة بجوابها المحذوف-و هو أ لم يعلم بأنّ اللّه يرى-سدّت مسدّ المفعول الثّاني،فإنّ المفعول الثّاني ل(أ رأيت)لا يكون إلاّ جملة استفهاميّة أو قسميّة.و إنّما حذف جواب هذه الشّرطيّة اكتفاء عنه بجواب الشّرطيّة،لأنّ قوله: إِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّى العلق:

13،مقابل للشّرط الأوّل،و هو: إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى العلق:11،12.

و الآية في الحقيقة تهكّم بالنّاهي،ضرورة أنّه ليس في النّهي عن عبادته تعالى و الأمر بعبادة الأصنام،على هدى البتّة.(10:475)

امرهم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ .التّحريم:6

الطّوسيّ: إنّما أمرهم اللّه بتعذيب أهل النّار على وجه الثّواب لهم،بأن جعل سرورهم و لذّاتهم في تعذيب أهل النّار،كما جعل سرور المؤمنين و لذّاتهم في الجنّة.

(10:51)

مثله الطّبرسيّ.(5:318)

الزّمخشريّ: ما أَمَرَهُمْ في محلّ النّصب على البدل،أي لا يعصون ما أمر اللّه،أي أمره،كقوله تعالى:

أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي طه:93،أو لا يعصونه فيما أمرهم.

فإن قلت:أ ليست الجملتان في معنى واحد؟

قلت:لا،فإنّ معنى الأولى أنّهم يتقبّلون أوامره و يلتزمونها و لا يأبونها و لا ينكرونها،و معنى الثّانية أنّهم يؤدّون ما يؤمرون به،لا يتثاقلون عنه و لا يتوانون فيه.(4:129)

الرّازيّ:إن قيل:ما فائدة قوله تعالى: وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ بعد قوله سبحانه: لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ؟

قلنا:قيل:المراد بالأمر الأوّل الأمر بالعبادات و الطّاعات،و بالأمر الثّاني الأمر بتعذيب أهل النّار.

و قيل:هو تأكيد.(مسائل الرّازيّ:350)

البروسويّ:أي أمره في عقوبة الكفّار و غيرها، على أنّه بدل اشتمال من(اللّه)و(ما)مصدريّة،أو فيما أمرهم به،على نزع الخافض و(ما)موصولة،أي

ص: 121

لا يمتنعون من قبول الأمر،و يلتزمونه و يعزمون على إتيانه.فليست هذه الجملة مع الّتي بعدها في معنى واحد.

و قال القاضي:لا يعصون اللّه ما أمرهم فيما مضى، و يستمرّون على فعل ما يؤمرون به في المستقبل.

قال بعضهم:لعلّ التّعبير في«الأمر»أوّلا بالماضي مع نفي«العصيان»بالمستقبل لما أنّ العصيان و عدمه يكونان بعد الأمر،و ثانيا بالمستقبل لما أمرهم بعذاب الأشقياء يكون مرّة بعد مرّة.(10:60)

امركم

...فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ... البقرة:222

ابن عبّاس: من حيث أمركم أن تعتزلوهنّ.

مثله عكرمة و عثمان بن الأسود.(الطّبريّ 2:387)

في الفرج لا تعدوه إلى غيره،فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى.

مثله مجاهد و النّخعيّ.(الطّبريّ 2:387)

و مثله قتادة و الرّبيع.(الطّوسيّ 2:222)

من قبل الطّهر لا من قبل الحيض.

مثله أبو رزين و الضّحّاك.(القرطبيّ 3:91)

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 2:222)

ابن الحنفيّة: من قبل الحلال،من قبل التّزويج.(الطّبريّ 2:389)

مجاهد :دبر المرأة مثله من الرّجل،ثمّ قرأ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ إلى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ من حيث أمركم أن تعتزلوهنّ.

(الطّبريّ 2:388)

إذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث نهى عنه في المحيض.

مثله قتادة و الرّبيع و أبو رزين و عكرمة.

(الطّبريّ 2:388)

قتادة :طواهر من غير جماع،و من غير حيض،من الوجه الّذي يأتي المحيض،و لا يتعدّى إلى غيره.

(الطّبريّ 2:388)

الإمام الصّادق عليه السّلام: عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يأتي المرأة في دبرها.قال:لا بأس إذا رضيت.

قلت:فأين قول اللّه: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222،قال:هذا في طلب الولد،فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه،إنّ اللّه تعالى يقول: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223.

(العروسيّ 1:214)

الفرّاء: لو أراد الفرج لقال:في حيث،فلمّا قال:

مِنْ حَيْثُ علمنا أنّه أراد من الجهة الّتي أمركم اللّه بها.

(الطّوسيّ 2:222)

الأصمّ:أي من الوجه الّذي أذن لكم فيه،أي من غير صوم و إحرام و اعتكاف.(القرطبيّ 3:90)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ فقال بعضهم:معنى ذلك فأتوا نساءكم إذا تطهّرن من الوجه الّذي نهيتكم عن إتيانهنّ منه في حال حيضهنّ؛و ذلك الفرج الّذي أمر اللّه بترك جماعهنّ فيه،في حال الحيض.

و قال آخرون:معناه فأتوهنّ من الوجه الّذي أمركم اللّه فيه أن تأتوهنّ منه،و ذلك الوجه هو الطّهر دون

ص: 122

الحيض؛فكان معنى قائل ذلك في الآية:فأتوهنّ من قبل طهرهنّ،لا من قبل حيضهنّ.

و قال آخرون:بل معنى ذلك فأتوا النّساء من قبل النّكاح،لا من قبل الفجور.

و أولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك عندي قول من قال:معنى ذلك فأتوهنّ من قبل طهرهنّ؛و ذلك أنّ كلّ أمر بمعنى،فنهي عن خلافه و ضدّه،و كذلك النّهي عن الشّيء أمر بضدّه و خلافه.

فلو كان معنى قوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ :فأتوهنّ من قبل مخرج الدّم الّذي نهيتكم أن تأتوهنّ من قبله في حال حيضهنّ،لوجب أن يكون قوله: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ تأويله:و لا تقربوهنّ في مخرج الدّم،دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها، فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهنّ في أدبارهنّ.

و في إجماع الجميع على أنّ اللّه تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهنّ في أدبارهنّ شيئا حرّمه في حال الطّهر،و لا حرّم من ذلك في حال الطّهر شيئا أحلّه في حال الحيض،ما يعلم به فساد هذا القول.

و بعد:فلو كان معنى ذلك على ما تأوّله قائلو هذه المقالة،لوجب أن يكون الكلام:فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه.حتّى يكون معنى الكلام حينئذ على التّأويل الّذي تأوّله،و يكون ذلك أمرا بإتيانهنّ في فروجهنّ،لأنّ الكلام المعروف إذا أريد ذلك أن يقال:أتى فلان زوجته من قبل فرجها،و لا يقال:أتاها من فرجها، إلاّ أن يكون أتاها من قبل فرجها،في مكان غير الفرج.

فإن قال لنا قائل:فإنّ ذلك و إن كان كذلك،فليس معنى الكلام:فأتوهنّ في فروجهنّ،و إنّما معناه فأتوهنّ من قبل قبلهنّ في فروجهنّ،كما يقال:أتيت هذا الأمر من مأتاه.

قيل له:إن كان ذلك كذلك،فلا شكّ أنّ مأتى الأمر و وجهه غيره،و أنّ ذلك مطلبه.

فإن كان ذلك على ما زعمتم،فقد يجب أن يكون معنى قوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ غير الّذي زعمتم أنّه معناه بقولكم:ائتوهن من قبل مخرج الدّم، و من حيث أمرتم باعتزالهنّ.و لكنّ الواجب أن يكون تأويله على ذلك:فأتوهنّ من قبل وجوههنّ في أقبالهنّ، كما كان قول القائل:ائت الأمر من مأتاه،إنّما معناه اطلبه من مطلبه،و مطلب الأمر غير الأمر المطلوب،فكذلك يجب أنّ مأتى الفرج الّذي أمر اللّه في قولهم بإتيانه غير الفرج.

و إذا كان كذلك،و كان معنى الكلام عندهم فأتوهنّ من قبل وجوههنّ في فروجهنّ،وجب أن يكون-على قولهم-محرّما إتيانهنّ في فروجهنّ من قبل أدبارهنّ، و ذلك إن قالوه خرج من قاله من قبل أهل الإسلام، و خالف نصّ كتاب اللّه تعالى ذكره،و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؛ و ذلك أنّ اللّه يقول: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223،و أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في إتيانهنّ في فروجهنّ من قبل أدبارهنّ.

فقد تبيّن إذن-إذ كان الأمر على ما وصفنا-فساد تأويل من قال ذلك:فأتوهنّ في فروجهنّ حيث نهيتكم عن إتيانهنّ في حال حيضهنّ،و صحّة القول الّذي قلناه، و هو أنّ معناه:فأتوهنّ في فروجهنّ من الوجه الّذي أذن

ص: 123

اللّه لكم بإتيانهنّ،و ذلك حال طهرهنّ و تطهّرهنّ دون حال حيضهنّ.(2:387-390)

الزّجّاج: يحتمل أن يكون:من حيث أباح اللّه لكم دون ما حرّمه عليكم من إتيانها،و هي صائمة،أو محرمة، أو معتكفة.(الطّوسيّ 2:222)

الطّوسيّ: صورته صورة الأمر،و معناه الإباحة، كقوله: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا المائدة:2، فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا الجمعة:10.(2:222)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد بقوله تعالى:

فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ و فيه وجوه:

الأوّل:[هو قول ابن عبّاس المتقدّم]

الثّاني:[هو قول الأصمّ و قد مضى]

الثّالث:[هو قول محمّد بن الحنفيّة و قد سبق ذكره]

و الأقرب هو القول الأوّل،لأنّ لفظة(حيث)حقيقة في المكان،مجاز في غيره.(6:73)

الطّباطبائيّ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ أمر يفيد الجواز لوقوعه بعد الحظر،و هو كناية عن الأمر بالجماع على ما يليق بالقرآن الشّريف من الأدب الإلهيّ البارع.و تقييد الأمر بالإتيان بقوله: أَمَرَكُمُ اللّهُ لتتميم هذا التّأدّب،فإنّ الجماع ممّا يعدّ بحسب بادئ النّظر لغوا و لهوا؛فقيّده بكونه ممّا أمر اللّه به أمرا تكوينيّا، للدّلالة على أنّه ممّا يتمّ به نظام النّوع الإنسانيّ في حياته و بقائه.فلا ينبغي عدّه من اللّغو و اللّهو،بل هو من أصول النّواميس التّكوينيّة.

و هذه الآية،أعني قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ تماثل قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ البقرة:187،و قوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ البقرة:223،من حيث السّياق.

فالظّاهر أنّ المراد بالأمر بالإتيان في الآية،هو الأمر التّكوينيّ المدلول عليه بتجهيز الإنسان بالأعضاء و القوى الهادية إلى التّوليد،كما أنّ المراد بالكتابة في قوله تعالى: وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ البقرة:187،أيضا ذلك،و هو ظاهر.و يمكن أن يكون المراد ب«الأمر»هو الإيجاب الكفائيّ المتعلّق بالازدواج و التّناكح،نظير سائر الواجبات الكفائيّة الّتي لا تتمّ حياة النّوع إلاّ به،لكنّه بعيد.

و قد استدلّ بعض المفسّرين بهذه الآية على حرمة إتيان النّساء من أدبارهنّ،و هو من أوهن الاستدلال و أردأه،فإنّه مبنيّ إمّا على الاستدلال بمفهوم قوله تعالى:

فَأْتُوهُنَّ و هو من مفهوم اللّقب المقطوع عدم حجّيّته، و إمّا على الاستدلال بدلالة الأمر على النّهي عن الضّدّ الخاصّ،و هو مقطوع الضّعف.

على أنّ الاستدلال لو كان بالأمر في قوله تعالى:

(فأتوهنّ)فهو واقع عقيب الحظر،لا يدلّ على الوجوب، و لو كان بالأمر في قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ، فهو إن كان أمرا تكوينيّا كان خارجا عن الدّلالة اللّفظيّة، و إن كان أمرا تشريعيّا كان للإيجاب الكفائيّ.و الدّلالة على النّهي عن الضّدّ على تقدير التّسليم إنّما هي للأمر الإيجابيّ العينيّ المولويّ.(2:210)

ص: 124

امرنا

وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللّهُ أَمَرَنا بِها... الأعراف:28

«راجع مادّة ف ح ش»

امرتك

قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ... الأعراف:12

عبد الجبّار: ربّما قيل في قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ كيف يصحّ ذلك،و لم يمنع من أن لا يسجد،و إنّما منع من السّجود؟

و جوابنا:أنّ المراد ما منعك أن تسجد،و هو كقوله:

لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ الحديد:29،و المراد لكي يعلموا،و كقوله: يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:

176،و المراد أن لا تضلّوا.فإذا كان تعالى أمره بالسّجود، كما قال: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ فقد نبّه(إذ امرتك)على أنّ المراد:ما منعك أن تفعل ما أمرتك؛و ذلك يدلّ على قدرة إبليس على السّجود،كما نقوله،و إن لم يفعله.(143)

القرطبيّ: يدلّ على ما يقوله الفقهاء:من أنّ «الأمر»يقتضي الوجوب بمطلقه من غير قرينة،لأنّ الذّمّ علّق على ترك الأمر المطلق الّذي هو قوله عزّ و جلّ للملائكة: اُسْجُدُوا لِآدَمَ الأعراف:11،و هذا بيّن.(7:170)

نحوه البيضاويّ(1:343)،و أبو حيّان(4:274).

الطّباطبائيّ: فإن قلت:القول بكون الأمر بالسّجود تكوينيّا ينافي ما تنصّ عليه الآيات من معصية إبليس،فإنّ القابل للمعصية و المخالفة إنّما هو الأمر التّشريعيّ،و أمّا الأمر التّكوينيّ فلا يقبل المعصية و التّمّرد البتّة،فإنّه«كلمة الإيجاد»الّذي لا يتخلّف عنه الوجود،قال: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40.

قلت:الّذي ذكرناه آنفا أنّ القصّة بما تشتمل عليه بصورتها من الأمر و الامتثال و التّمرّد و الطّرد و غير ذلك و إن كانت تتشبّه بالقضايا الاجتماعيّة المألوفة فيما بيننا لكنّها تحكي عن جريان تكوينيّ في الرّوابط الحقيقيّة الّتي بين الإنسان و الملائكة و إبليس،فهي في الحقيقة تبيّن ما عليه خلق الملائكة و إبليس و هما مرتبطان بالإنسان، و ما تقتضيه طبائع القبيلين بالنّسبة إلى سعادة الإنسان و شقائه،و هذا غير كون الأمر تكوينيّا.

فالقصّة قصّة تكوينيّة مثّلت بصورة نألفها من صور حياتنا الدّنيويّة الاجتماعيّة،كملك من الملوك أقبل على واحد من عامّة رعيّته لما تفرّس منه كمال الاستعداد و تمام القابليّة،فاستخلصه لنفسه و خصّه بمزيد عنايته،و جعله خليفته في مملكته،مقدّما له على خاصّته ممّن حوله،فأمرهم بالخضوع لمقامه و العمل بين يديه، فلبّاه في دعوته و امتثال أمره جمع منهم،فرضي عنهم بذلك و أقرّهم على مكانتهم.و استكبر بعضهم فخطّأ الملك في أمره فلم يمتثله،معتلاّ بأنّه أشرف منه جوهرا و أغزر عملا،فغضب عليه و طرده عن نفسه،و ضرب عليه الذّلّة و الصّغار،لأنّ الملك إنّما يطاع لأنّه ملك بيده

ص: 125

زمام الأمر،و إليه إصدار الفرامين (1)و الدّساتير،و ليس يطاع لأنّ ما أمر به يطابق المصلحة الواقعيّة،فإنّما ذلك شأن النّاصح الهادي إلى الخير و الرّشد.[إلى أن قال:]

فإن قلت:رفع اليد عن ظاهر القصّة و حملها على جهة التّكوين المحضة يوجب التّشابه في عامّة كلامه تعالى،و لا مانع حينئذ يمنع من حمل معارف المبدإ و المعاد بل و القصص و العبر و الشّرائع على الأمثال،و في تجويز ذلك إبطال للدّين.

قلت:إنّما المتّبع هو الدّليل،فربّما دلّ على ثبوتها و على صراحتها و نصوصيّتها كالمعارف الأصليّة، و الاعتقادات الحقّة،و قصص الأنبياء و الأمم في دعواتهم الدّينيّة،و الشّرائع و الأحكام و ما تستتبعه من الثّواب و العقاب،و نظائر ذلك.و ربّما دلّ الدّليل و قامت شواهد على خلاف ذلك،كما في القصّة الّتي نحن فيها،و مثل قصّة الذّرّ و عرض الأمانة و غير ذلك،ممّا لا يستعقب إنكار ضروريّ من ضروريّات الدّين،و لا يخالف آية محكمة، و لا سنّة قائمة،و لا برهانا يقينيّا.(8:27)

امرنا

وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. الإسراء:16

ابن مسعود: كنّا نقول في الجاهليّة للحيّ إذا كثروا:

أمر أمر بني فلان.(القرطبيّ 10:233)

ابن عبّاس: بطاعة اللّه،فعصوا.

مثله ابن جبير.(الطّبريّ 15:55)

أكثرنا عددهم.

مثله عكرمة و الحسن و الضّحّاك و قتادة و ابن زيد.

(الطّبريّ 15:56)و مثله أبو زيد و الواحديّ،و نحوه أبو عبيدة.(الفخر الرّازيّ 20:175)

سلّطنا أشرارها،فعصوا فيها،فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب،و هو قوله: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها الأنعام:123.

مثله ربيع بن أنس.(الطّبريّ 15:55)

مثله السّيوطيّ.(2:24) أبو العالية :(امّرنا)مثقّلة:جعلنا عليها مترفيها:

مستكبريها.(الطّبريّ 15:55)

مجاهد :بعثنا.(1:359)

الإمام الباقر عليه السّلام: مشدّدة منصوبة،تفسيرها:

كثّرنا،و لا قرأتها مخفّفة.(العيّاشيّ 2:284)

الفرّاء: قرأ الأعمش و عاصم و رجال من أهل المدينة (أَمَرْنا) خفيفة.حدّثنا محمّد،قال:حدّثنا الفرّاء، قال:حدّثني سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد(امرنا)خفيفة.

و فسّر بعضهم أَمَرْنا مُتْرَفِيها بالطّاعة(ففسقوا) أي إنّ المترف إذا أمر بالطّاعة خالف إلى الفسوق.

و في قراءة أبيّ بن كعب: (بعثنا فيها أكابر مجرميها) .

و قرأ الحسن(آمرنا)،و روي عنه(أمرنا).و لا ندري أنّها حفظت عنه،لأنّا لا نعرف معناها هاهنا.

و معنى(آمرنا)بالمدّ:أكثرنا.

و قرأ أبو العالية الرّياحيّ (أمّرنا مترفيها) و هو موافق لتفسير ابن عبّاس؛و ذلك أنّه قال:سلّطنا رؤساءها

ص: 126


1- فارسيّة،بمعنى عهود السّلاطين للولاة.

ففسقوا فيها.(2:119)

أبو عبيدة :أي أكثرنا مترفيها،و هي من قولهم:قد أمر بنو فلان،أي كثروا،فخرج على تقدير قولهم:علم فلان،و أعلمته أنا ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعضهم يقرؤها: أَمَرْنا مُتْرَفِيها على تقدير أخذنا،و هي في معنى أكثرنا و آمرنا،غير أنّها لغة؛أمرنا:

أكثرنا ترك المدّ،و معناه آمرنا،ثمّ قالوا:مأمورة من هذا.

فإن احتجّ محتجّ فقال:هي من أمرت،فقل:كان ينبغي أن يكون آمرة،و لكنّهم يتركون إحدى الهمزتين، و كان ينبغي أن يكون آمرة.ثمّ طوّلوا ثمّ حذفوا وَ لَآمُرَنَّهُمْ النّساء:119،فلم يمدّوها.[إلى أن قال:]

مجازه:أمرنا و نهينا،في قول بعضهم،و ثقّله بعضهم، فجعل معناه أنّهم جعلوا أمراء.(1:372)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها؛ فقرأت ذلك عامّة قرّاء الحجاز و العراق (امرنا)بقصر الألف و غير مدّها،و تخفيف الميم و فتحها.

و إذا قرئ ذلك كذلك فإنّ الأغلب من تأويله:أمرنا مترفيها بالطّاعة،ففسقوا فيها بمعصيتهم اللّه،و خلافهم أمره،كذلك تأوّله كثير ممّن قرأه كذلك.

قد يحتمل أيضا إذا قرئ كذلك أن يكون معناه:

جعلناهم أمراء،ففسقوا فيها،لأنّ العرب تقول:هو أمير غير مأمور.

و قد كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول:قد يتوجّه معناه إذا قرئ كذلك إلى معنى:

أكثرنا مترفيها،و يحتجّ لتصحيحه ذلك بالخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«خير المال مهرة مأمورة أو سكّة مأبورة»،و يقول:إنّ معنى قوله:مأمورة:كثيرة النّسل.

و كان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيّين ينكر ذلك من قيله،و لا يجيزنا:أمرنا بمعنى أكثرنا،إلاّ بمدّ الألف من أمرنا.و يقول في قوله:«مهرة مأمورة»:إنّما قيل ذلك على الاتباع،لمجيء«مأبورة»بعدها،كما قيل:

«ارجعن مأزورات غير مأجورات».فهمز مأزورات، لهمز مأجورات،و هي من«وزرت»إتباعا لبعض الكلام بعضا.و قرأ ذلك أبو عثمان(أمّرنا)بتشديد الميم،بمعنى الإمارة.

و ذكر عن الحسن البصريّ أنّه قرأ ذلك(آمرنا)بمدّ الألف من«أمرنا»بمعنى أكثرنا فسقتها.و قد وجّه تأويل هذا الحرف إلى هذا التّأويل جماعة من أهل التّأويل، إلاّ أنّ الّذين حدّثونا لم يميّزوا لنا اختلاف القراءات في ذلك،و كيف قرأ ذلك المتأوّلون،إلاّ القليل منهم.

و الأمر المصدر،و الاسم الإمر،كما قال اللّه جلّ ثناؤه: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً الكهف:71،قال:عظيما، و حكي في مثل شرّ إمر،أي كثير.

و أولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأ أَمَرْنا مُتْرَفِيها بقصر الألف من(أمرنا)و تخفيف الميم منها،لإجماع الحجّة من القرّاء على تصويبها،دون غيرها.

و إذا كان ذلك هو الأولى بالصّواب بالقراءة،فأولى التّأويلات به تأويل من تأوّله:أمرنا أهلها بالطّاعة، فعصوا و فسقوا فيها؛فحقّ عليهم القول،لأنّ الأغلب من معنى(أمرنا)الأمر الّذي هو خلاف النّهي،دون غيره.

ص: 127

و توجيه معاني كلام اللّه جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه،أولى ما وجد إليه سبيل من غيره.

(15:54-57)

نحوه الميبديّ.(5:531)

عبد الجبّار: ربّما قيل في قوله تعالى: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها أ ليس ذلك يدلّ على أنّه أراد منهم ذلك الفسق؟

و جوابنا:أنّه تعالى لم يذكر ما أمرهم به،و معلوم أنّه لم يأمرهم بالفسق بل أمرهم بخلافه،فكأنّه قال تعالى:

أَمَرْنا مُتْرَفِيها بالطّاعة فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ أي الوعيد و الهلاك المعجّل،و لذلك قال بعده:

وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ الإسراء:17.

و قد قرئ وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها، فتأويله أمرناهم بمنعهم عن المعاصي ففسقوا فيها.

و قد قيل:إنّ معنى قوله: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً، إرادة الطّاعة منهم و العبادة دون الهلاك،فإنّ ذلك قد يستعمل في اللّغة على هذا الوجه،فقد يقال:إذا أراد العليل الهلاك تعاطى التّخليط في المأكل،لا أنّه في الحقيقة يريد الهلاك.و إن أراد التّاجر أن تأتيه البضائع من كلّ جهة فعل كيت و كيت،لا أنّه يريد ذلك في الحقيقة.

و ما قدّمناه أوّلا أقرب إلى المراد،و الّذي يحكى من القراءة الثّانية،و هو قوله تعالى: (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) فالمراد به يقرب ممّا قدّمناه؛إذا المراد كثّرناهم ليطيعوا ففسقوا فيها، و لذلك قال بعده: وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ الإسراء:17،و كلّ ذلك ترغيب في الطّاعة و تخويف من خلافها.[و أيّده بآيات أخر فراجع](227)

الزّمخشريّ: أي أمرناهم بالفسق ففعلوا.و الأمر مجاز،لأنّ حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم:افسقوا، و هذا لا يكون،فبقي أن يكون مجازا.

و وجه المجاز أنّه صبّ عليهم النّعمة صبّا،فجعلوها ذريعة إلى المعاصي و اتّباع الشّهوات،فكأنّهم مأمورون بذلك لتسبّب إيلاء النّعمة فيه.و إنّما خوّلهم إيّاها ليشكروا و يعملوا فيها الخير،و يتمكّنوا من الإحسان و البرّ،كما خلقهم أصحّاء أقوياء و أقدرهم على الخير و الشّرّ،و طلب منهم إيثار الطّاعة على المعصية،فآثروا الفسوق،فلمّا فسقوا حقّ عليهم القول،و هو كلمة العذاب فدمّرهم.

فإن قلت:هلاّ زعمت أنّ معناه:أمرناهم بالطّاعة ففسقوا؟

قلت:لأنّ حذف ما لا دليل عليه غير جائز،فكيف يحذف ما الدّليل قائم على نقيضه.و ذلك أنّ المأمور به إنّما حذف،لأنّ(فسقوا)يدلّ عليه،و هو كلام مستفيض، يقال:أمرته فقام و أمرته فقرأ،لا يفهم منه إلاّ أنّ المأمور به قيام أو قراءة،و لو ذهبت تقدّر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب.و لا يلزم على هذا قولهم:أمرته فعصاني أو فلم يمتثل أمري،لأنّ ذلك مناف للأمر مناقض له،و لا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به،فكان محالا أن يقصد أصلا حتّى يجعل دالاّ على المأمور به، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه

ص: 128

و لا منويّ،لأنّ من يتكلّم بهذا الكلام فإنّه لا ينوي لأمره مأمورا به،و كأنّه يقول:كان منّي أمر فلم تكن منه طاعة، كما أنّ من يقول:فلان يعطي و يمنع و يأمر و ينهى غير قاصد إلى مفعول.

فإن قلت:هلاّ كان ثبوت العلم بأنّ اللّه لا يأمر بالفحشاء و إنّما يأمر بالقصد و الخير،دليلا على أنّ المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟

قلت:لا يصحّ ذلك،لأنّ قوله:(ففسقوا)يدافعه، فكأنّك أظهرت شيئا و أنت تدّعي إضمار خلافه،فكان صرف الأمر إلى المجاز هو الوجه.و نظير أمر«شاء»في أنّ مفعوله استفاض فيه الحذف لدلالة ما بعده عليه،تقول:

لو شاء لأحسن إليك و لو شاء لأساء إليك،تريد:لو شاء الإحسان و لو شاء الإساءة.فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت،و قلت:قد دلّت حال من أسندت إليه المشيئة أنّه من أهل الإحسان أو من أهل الإساءة،فأترك الظّاهر المنطوق به و أضمر ما دلّت عليه حال صاحب المشيئة، لم تكن على سداد.

و قد فسّر بعضهم(أمرنا)بكثّرنا،و جعل:أمرته فأمر من باب:فعلته ففعل،كثبرته فثبر،و روي:«أنّ رجلا من المشركين قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّي أرى أمرك هذا حقيرا،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّه سيأمر»،أي سيكثر و سيكبر.

(2:442)

الفخر الرّازيّ: [له بحث مستوفى لخّصه النّيسابوريّ] (20:174)

النّيسابوريّ: للمفسّرين في معنى(أمرنا)قولان:

الأوّل:إنّ المراد به الأمر الّذي هو نقيض النّهي.

و على هذا اختلفوا في المأمور به،فالأكثرون على أنّه الطّاعة و الخير.

و قال في«الكشّاف»:معناه و إذا دنا وقت إهلاك قوم و لم يبق من زمان إمهالهم إلاّ قليل أمرناهم بالفسق ففسقوا.

و لمّا كان من أصول الاعتزال أنّه تعالى لا يأمر بالفحشاء ذكر أنّ الأمر بالفسق هاهنا مجاز،و وجهه أنّه صبّ عليهم النّعمة صبّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي و اتّباع الشّهوات،فكان إيتاء النّعمة سببا لإيثارهم الفسوق على الائتمار،فكأنّهم مأمورون بذلك.

ثمّ إنّه جعل تقدير«أمرناهم بالطّاعة ففسقوا»من قبيل التّكاليف بعلم الغيب،و لم يجوّز أن تكون من قبيل أمرته فعصاني،فإنّه يفهم منه أنّ المأمور به طاعته،و لكنّه حكم بأنّه مثل:أمرته فقام أو أمرته فقرأ،فإنّه لا يفهم منه إلاّ أنّ المأمور به قيام أو قراءة.

و لقائل أن يقول:كما أنّ قوله:أمرته فعصاني،يدلّ على أنّ المأمور به شيء غير المعصية،من حيث إنّ «المعصية»منافية للأمر و مناقضة له،فكذلك قوله:أمرته ففسق يدلّ على أنّ المأمور به شيء غير الفسق،لأنّ «الفسق»عبارة عن الإتيان بضدّ المأمور به،فكونه فسقا ينافي كونه مأمورا به،كما أنّ كونها معصية ينافي كونها مأمورا بها،و هذا ظاهر.فلا أدري لم أصرّ جار اللّه على قوله مع ضعفه،و مخالفته أصله.

القول الثّاني:أنّ معنى أَمَرْنا مُتْرَفِيها أكثرنا فسّاقها.

قال الواحديّ: تقول العرب:أمر القوم،إذا كثروا.

ص: 129

و أمرهم اللّه،إذا كثّرهم،و آمرهم أيضا بالمدّ.

و احتجّ أبو عبيدة على صحّة هذه اللّغة بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«خير المال سكّة مأبورة و مهرة مأمورة»فالسّكّة:

النّخيل المصطفّة،و المهر المأمورة:كثيرة النّتاج.

و قد حمل بعضهم الحديث على الأمر ضدّ النّهي،أي قال اللّه لها:كوني كثيرة النّسل،فكانت.[إلى أن قال:]

قالت الأشاعرة:ظاهر الآية يدلّ على أنّه تعالى أراد إهلاكهم ابتداء،ثمّ توسّل إلى إهلاكهم بهذا الطّريق، و يؤيّده قوله: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الإسراء:16،أي بالكفر ثمّ التّعذيب.

و قال الكعبيّ: إنّ سائر الآيات دلّت على أنّه تعالى لا يبتدئ بالتّعذيب،كقوله: إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ الرّعد:11،و قوله: ما يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ النّساء:147،فتلك الآيات محكمة،و هذه من المتشابهات،فيجب حمل هذه على تلك.

قال في التّفسير الكبير:أحسن النّاس كلاما في تأويل هذه الآية القفّال،فإنّه ذكر وجهين:

الأوّل:أخبر اللّه أنّه لا يعذّب أحدا بما علمه منه ما لم يعمل به،أي لا يجعل علمه حجّة على من علم أنّه إن أمره عصاه،بل يأمره حتّى يظهر عصيانه للنّاس،فحينئذ يعاقبه.و معنى الآية:و إذا أردنا إمضاء ما سبق من القضاء بإهلاك قوم.

الثّاني:أن نقول:و إذا أردنا إهلاك قوم بسبب ظهور العصيان منهم لم نعالجهم بالعذاب في أوّل ظهور المعصية منهم،بل أمرنا مترفيها بالرّجوع عن تلك المعاصي.

و خصّ المترفين بذلك لأنّ نعمة اللّه عليهم أكثر،فكان الشّكر عليهم أوجب،فإذا لم يرجعوا و أصرّوا صبّ عليهم البلاء صبّا.

و زعم الجبّائيّ:أنّ المراد بالإرادة:الدّنوّ و المشارفة، كقولك:إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدّة،و إذا أراد التّاجر أن يفتقر أتاه الخسران من كلّ جهة.ليس المعنى أنّ المريض يريد أن يموت و التّاجر يريد أن يفتقر، و إنّما عنيت أنّه سيصير إلى ذلك،فمعنى الآية:و إذا قرب وقت إهلاك قرية.و قد نقلنا مثله عن صاحب «الكشّاف»و لا يخفى أنّه عدول عن الظّاهر.(15:17)

القرطبيّ: فيه ثلاث مسائل:

الأولى:أخبر اللّه تعالى في الآية الّتي قبل أنّه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرّسل،لا لأنّه يقبح منه ذلك إن فعل، و لكنّه وعد منه،و لا خلف في وعده.فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قاله تعالى أمر مترفيها بالفسق (1)و الظّلم فيها فحقّ عليها القول بالتّدمير.

يعلمك أنّ من هلك فإنّما هلك بإرادته،فهو الّذي يسبّب الأسباب و يسوقها إلى غاياتها ليحقّ القول السّابق من اللّه تعالى.

الثّانية:قوله تعالى: أَمَرْنا قرأ أبو عثمان النّهديّ و أبو رجاء و أبو العالية،و الرّبيع و مجاهد و الحسن«امّرنا» بالتّشديد،و هي قراءة عليّ رضي اللّه عنه؛أي سلّطنا شرارها فعصوا فيها،فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم.و قال أبول.

ص: 130


1- المحقّقون على ما قال ابن عبّاس كما في«البحر»: أمرناهم فعصوا و فسقوا و سيأتي.و هذا هو المطابق لقوله تعالى إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أمّا ما ذكره القرطبيّ كالزّمخشريّ فيحتاج إلى تأويل.

عثمان النّهديّ(امّرنا)بتشديد الميم،جعلناهم أمراء مسلّطين؛و قاله ابن عزيز.و تأمّر عليهم:تسلّط عليهم.

و قرأ الحسن أيضا و قتادة و أبو حيوة الشّاميّ و يعقوب و خارجة عن نافع و حمّاد بن سلمة عن ابن كثير و عليّ و ابن عبّاس باختلاف عنهما:(آمرنا)بالمدّ و التّخفيف، أي أكثرنا جبابرتها و أمراءها؛قاله الكسائيّ.و قال أبو عبيدة:آمرته بالمدّ و أمرته،لغتان بمعنى كثّرته؛و منه الحديث«خير المال مهرة مأمورة أو سكّة مأبورة (1)» أي كثيرة النّتاج و النّسل.و كذلك قال ابن عزيز:آمرنا و أمرنا بمعنى واحد؛أي أكثرنا.و عن الحسن أيضا و يحيى بن يعمر«أمرنا»بالقصر و كسر الميم على فعلنا،و رويت عن ابن عبّاس.قال قتادة و الحسن:المعنى أكثرنا؛ و حكى نحوه أبو زيد و أبو عبيد،و أنكره الكسائيّ و قال:

لا يقال من الكثرة إلاّ آمرنا بالمدّ؛قال:و أصلها«أأمرنا» فخفّف،حكاه المهدويّ.و في«الصّحاح»:و قال أبو الحسن أمر ماله(بالكسر)أي أكثره و أمر القوم أي كثروا؛قال الشّاعر:

*أمرون لا يرثون سهم القعدد*

و آمر اللّه ماله(بالمدّ).الثّعلبيّ:و يقال للشّيء الكثير أمر،و الفعل منه:أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا.قال ابن مسعود:كنّا نقول في الجاهليّة للحيّ إذا كثروا:أمر أمر بني فلان؛[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:و في حديث هرقل الحديث الصّحيح:«لقد أمر أمر ابن أبي كبشة،ليخافه ملك بني الأصفر»أي كثر.

و كلّه غير متعدّ و لذلك أنكره الكسائيّ،و اللّه أعلم.قال المهدويّ:و من قرأ«أمر»فهي لغة،و وجه تعدية«أمر» أنّه شبّهه بعمر من حيث كانت الكثرة أقرب شيء إلى العمارة فعدّي كما عدّي عمر.الباقون:«أمرنا»من الأمر؛ أي أمرناهم بالطّاعة إعذارا و إنذارا و تخويفا و وعيدا فَفَسَقُوا أي فخرجوا عن الطّاعة عاصين لنا. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فوجب عليها الوعيد؛عن ابن عبّاس و قيل:«أمرنا»جعلناهم أمراء؛لأنّ العرب تقول:أمير غير مأمور،أي غير مؤمّر.و قيل:«معناه بعثنا مستكبريها.قال هارون:و هي قراءة أبيّ: (بعثنا أكابر مجرميها ففسقوا) ذكره الماورديّ.

و حكى النّحّاس: قال هارون و هي قراءة أبيّ:

(و اذا اردنا ان نهلك قرية بعثنا فيها اكابر مجرميها فمكروا فيها فحقّ عليها القول) .و يجوز أن يكون(امرنا)بمعنى أكثرنا؛و منه«خير المال مهرة مأمورة»على ما تقدّم.

و قال قوم:مأمورة إتباع لمأبورة؛كالغدايا و العشايا.

و كقوله:«ارجعن مأزورات غير مأجورات».و على هذا لا يقال:أمرهم اللّه،بمعنى كثّرهم،بل يقال:آمره و أمره.

و اختار أبو عبيد و أبو حاتم قراءة العامّة.قال أبو عبيد:

و إنّما اخترنا«أمرنا»لأنّ المعاني الثّلاثة تجتمع فيها من الأمر و الإمارة و الكثرة.و المترف:المنعّم؛و خصّوا بالأمر لأنّ غيرهم تبع لهم.(10:232)

الآلوسيّ: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:] و أجاب في«الكشف»عن ذلك،فقال:الجواب عن الأوّلين منع أن يراد:أمرنا بالطّاعة.و أمّا أن يراد توجيه).

ص: 131


1- السّكّة:الطّريقة المصطفّة من النّخل.و المأبورة:الملقحة؛ يقال:أبرت النّخلة و أبّرتها؛فهي مأبورة و مؤبرة.و قيل: السّكّة سكّة الحرث،و المأبورة المصلحة له.و المراد: خير المال نتاج و زرع.(ابن الأثير).

الأمر فلم يمنعه من هذا المسلك،بل المانع أنّ تخصيص المترفين حينئذ يبقى غير بيّن الوجه.و كذلك التّقييد بزمان إرادة الإهلاك،فإنّ أمره تعالى في كلّ زمان و لكلّ أحد؛و لظهوره لم يتعرّض له.و عن الثّالث أنّ شهرة الفسق في أحد معنييه تمنع من عدّه مقابلا بمعنى العصيان.

على أنّ ما ذكرنا من نبوّ المقام عن الإطلاق قائم في التّقييد بالطّاعة،و فيه قول بسلامة الأمير و نظر بعين الرّضا، و غفلة عن وجه التّخصيص الّذي ذكرناه،و هو بيّن لا غبار عليه،و كذا وجه التّقييد بالزّمان المذكور.

و الحقّ أنّ ما ذكره الزّمخشريّ من الحمل وجه جميل، إلاّ أنّ عدم ارتضائه ما روته الثّقات عن ترجمان القرآن و غيره،من تقدير الطّاعة مع ظهور الدّليل و مساعدة مقام الزّجر عن الضّلال و الحثّ على الاهتداء،لا وجه له، كما لا يخفى على من له قلب[إلى أن قال:]

و قيل:(امرنا)بمعنى ولّيناهم و جعلناهم أمراء، و اللاّزم من ذلك«أمر» (1)بالضّم إلحاقا له بالسّجايا،أي صار أميرا.و المراد به من يؤمر و يؤتمر به،سواء كان ملكا أم لا،على أنّه لا محذور لو أريد به الملك أيضا.خلافا للفارسيّ،لأنّ القرية إذا ملك عليها مترف ففسق ثمّ آخر ففسق و هكذا،كثر الفساد و توالى الكفر و نزل بهم العذاب على الآخر من ملوكهم فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ. (15:43)

الطّباطبائيّ: قوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها من المعلوم من كلامه تعالى أنّه لا يأمر بالمعصية أمرا تشريعيّا،فهو القائل: قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28.

و أمّا الأمر التّكوينيّ فعدم تعلّقه بالمعصية،من حيث إنّها معصية أوضح،لجعله الفعل ضروريّا يبطل معه تعلّقه باختيار الإنسان.و لا معصية مع عدم الاختيار،قال تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82.

فمتعلّق«الأمر»في قوله:(امرنا)إن كان هو الطّاعة كان الأمر بحقيقة معناه و هو الأمر التّشريعيّ،و كان هو الأمر الّذي توجّه إليهم بلسان الرّسول الّذي يبلّغهم أمر ربّهم و ينذرهم بعذابه لو خالفوا،و هو الشّأن الّذي يختصّ بالرّسول،كما تقدّمت الإشارة إليه.فإذا خالفوا و فسقوا عن أمر ربّهم حقّ عليهم القول،و هو أنّهم معذّبون إن خالفوا فأهلكوا و دمّروا تدميرا.

و إن كان متعلّق«الأمر»هو الفسق و المعصية كان الأمر مرادا به الإكثار من إفاضة النّعم عليهم،و توفيرها على سبيل الإملاء و الاستدراج،و تقريبهم بذلك من الفسق حتّى يفسقوا،فيحقّ عليهم القول،و ينزل عليهم العذاب.

و هذان وجهان في معنى قوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها يجوز توجيهه بكلّ منهما،لكن يبعّد أوّل الوجهين أوّلا:أنّ قولنا:أمرته ففعل و أمرته ففسق، ظاهره تعلّق الأمر بعين ما فرّع عليه.و ثانيا:عدم ظهور وجه لتعلّق الأمر بالمترفين مع كون الفسق لجميع أهل القرية،و إلاّ لم يهلكوا.[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

هو كلام حسن في تقريب ظهور قوله: أَمَرْناى.

ص: 132


1- -أمر مثلّث،و التّقييد بالضّمّ،لأنّه حينئذ يتعيّن لهذا المعنى.

مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها في كون المأمور به هو الفسق، و أمّا كونه صريحا فيه بحيث لا يحتمل إلاّ ذلك كما يدّعيه، فلا.

فلم لا يجوز أن تكون الآية من قبيل قولنا:أمرته فعصاني،حيث تكون المعصية،و هي منافية للأمر قرينة على كون المأمور به هو الطّاعة،و الفسق و المعصية واحد، فإنّ الفسق هو الخروج عن زيّ العبوديّة و الطّاعة،فهو المعصية،و يكون المعنى حينئذ:أمرنا مترفيها بالطّاعة ففسقوا عن أمرنا و عصوه،أو يكون«الأمر»في الآية مستعملا استعمال اللازم،و المعنى توجّه أمرنا إلى مترفيها ففسقوا فيها عنه.

فالحقّ أنّ الوجهين لا بأس بكلّ منهما،و إن كان الثّاني لا يخلو من ظهوره.و قد أجيب عن اختصاص الأمر بالمترفين بأنّهم الرّؤساء السّادة و الأئمّة المتبوعون، و غيرهم أتباعهم،و حكم التّابع تابع لحكم المتبوع، و لا يخلو من سقم.

و ذكر بعضهم في توجيه الآية أنّ قوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها إلخ صفة ل(قرية)،و ليس جوابا ل(إذا)، و جواب(إذا)محذوف على حدّ قوله: حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها الزّمر:73،إلى آخر الآية،للاستغناء عنه بدلالة الكلام.

و ذكر آخرون أنّ في الآية تقديما و تأخيرا،و التّقدير:

و إذا أمرنا مترفي قرية ففسقوا فيها أردنا أن نهلكها، و ذلك أنّه لا معنى لإرادة الهلاك قبل تحقّق سببه و هو الفسق،و هو وجه سخيف كسابقه.

هذا كلّه على القراءة المعروفة(امرنا)بفتح الهمزة ثمّ الميم مخفّفة،من الأمر بمعنى الطّلب،و ربّما أخذ من الأمر بمعنى الإكثار،أي أكثرنا مترفيها مالا و ولدا ففسقوا فيها.

(13:60)

أمرت

1- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ...

هود:112

ابن عبّاس: ما نزلت آية كان أشقّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذه الآية،و لهذا قال:«شيّبتني هود و الواقعة و أخواتهما». (1)(الكاشانيّ 2:475)

الضّحّاك: استقم بالجهاد.(أبو حيّان 5:268)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أي افتقر إلى اللّه بصحّة العزم.(الكاشانيّ 2:474)

مقاتل: امض على التّوحيد.(أبو حيّان 5:268)

ابن عيينة: معناه استقم على القرآن.

(أبو حيّان 5:268)

مثله الثّوريّ.(الطّبريّ 12:126)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:فاستقم أنت يا محمّد على أمر ربّك،و الدّين الّذي ابتعثك به، و الدّعاء إليه،كما أمرك ربّك.(12:126)

ابن عطيّة: أمر بالاستقامة و هو عليها،و هو أمر بالدّوام و الثّبوت،و الخطاب للرّسول و أصحابه الّذين تابوا من الكفر و لسائر الأمّة،فالمعنى و(أمرت)،مخاطبة

ص: 133


1- قيل إنّما ذكر«هود»و لم يذكر«الشّورى»مع وجود «استقم كما امرت»فيهما،من أجل وَ مَنْ تابَ مَعَكَ في«هود»دون«الشّورى».

تعظيم.(أبو حيّان 5:268)

الطّبرسيّ: أي استقم على الوعظ و الإنذار و التّمسّك بالطّاعة،و الأمر بها و الدّعاء عليها.

و الاستقامة هو أداء المأمور به و الانتهاء عن المنهيّ عنه، كما أمرت في القرآن.(3:168)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا أطنب في شرح الوعد و الوعيد قال لرسوله: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ و هذه الكلمة كلمة جامعة في كلّ ما يتعلّق بالعقائد و الأعمال،سواء كان مختصّا به أو كان متعلّقا بتبليغ الوحي و بيان الشّرائع.(18:70)

الآلوسيّ: ذهب بعض المحقّقين إلى كون الكاف في (كما)بمعنى«على»كما في قولهم:كن كما أنت عليه،أي على ما أنت عليه.و من هنا قال ابن عطيّة و جماعة:المعنى استقم على القرآن،و قال مقاتل:امض على التّوحيد، و قال جعفر الصّادق عليه السّلام:استقم على الإخبار عن اللّه تعالى بصحّة العزم.و الأظهر إبقاء(ما)على العموم،أي استقم على جميع ما أمرت به.و الكلام في حذف مثل هذا الضّمير أمر شائع،و قد مرّ التّنبيه عليه.

و مال بعضهم إلى كون الكاف للتّشبيه حسبما هو الظّاهر منها،إلاّ أنّه قال:إنّها في حكم«مثل»في قولهم:

مثلك لا يبخل،فكأنّه قيل:استقم الاستقامة الّتي أمرت بها،فرارا من تشبيه الشّيء بنفسه،و لا يخفى أنّه ليس بلازم.(12:153)

الطّباطبائيّ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي كن ثابتا على الدّين موفيا حقّه طبق ما أمرت بالاستقامة، و قد أمر به في قوله: وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يونس:105،و قوله:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ الرّوم:30.(11:48)

يلاحظ«ق و م»و ما يرتبط بالموضوع.

2- ..وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ..

الشّورى:15.

الطّبرسيّ: أي فاثبت على أمر اللّه و تمسّك به و اعمل بموجبه.و قيل:و استقم على تبليغ الرّسالة.

(5:25)

الفخر الرّازيّ: يعني فلأجل ذلك التّفرّق،و لأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدّين،فادع إلى الاتّفاق على الملّة الحنيفيّة و استقم عليها و على الدّعوة إليها،كما أمرك اللّه،و لا تتّبع أهواءهم المختلفة الباطلة.(27:158)

أبو حيّان: أمره بأن يصرّح أنّه آمن بكلّ كتاب أنزله اللّه،لأنّ الّذين تفرّقوا آمنوا ببعض.(7:513)

امرت

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. الزّمر:11،12

الزّمخشريّ: بإخلاص الدّين(و امرت)بذلك لأجل«ان اكون اول المسلمين»أي مقدّمهم و سابقهم في الدنيا و الآخرة،و المعنى:أنّ الإخلاص له السّبقة في الدّين،فمن أخلص كان سابقا.

ص: 134

فإن قلت:كيف عطف(أمرت)على(أمرت)و هما واحد؟

قلت:ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما،و ذلك أنّ الأمر بالإخلاص و تكليفه شيء،و الأمر به ليحرز القائم به قصب السّبق في الدّين شيء،و إذا اختلف وجها الشّيء و صفتاه ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين.و لك أن تجعل اللاّم مزيدة،مثلها في:أردت لأن أفعل،و لا تزاد إلاّ مع«أن»خاصّة دون الاسم الصّريح،كأنّها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه،كما عوّض السّين في اسطاع عوضا من ترك الأصل الّذي هو «أطوع»،و الدّليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله:

وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يونس:72 وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يونس:104، أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ الأنعام:14.

(3:392)

أبو حيّان: أمره تعالى أن يصدع الكفّار بما أمر به من عبادة اللّه يخلصها من الشّوائب.(و أمرت)أي أمرت بما أمرت لأكون أوّل من أسلم،أي انقاد للّه تعالى،و يعني من أهل عصره أو من قومه،لأنّه أوّل من خالف عبّاد الأصنام،أو أوّل من دعوتهم إلى الإسلام إسلاما،أو أوّل من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره،لأكون مقتدى بي قولا و فعلا،لا كالملوك الّذين يأمرون بما لا يفعلون،أو أن أفعل ما أستحقّ به الأوّليّة من أعمال السّابقين،دلالة السّبب بالمسبّب.(7:420)

امرنا

...وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. الأنعام:71

الزّجّاج: العرب تقول:أمرتك بأن تفعل،و أمرتك لتفعل،و أمرتك أن تفعل.

فمن قال:أمرتك بأن تفعل،فالباء للإلصاق،المعنى:

وقع الأمر بهذا الفعل.

و من قال:أمرتك أن تفعل،فعلى حذف الباء.

و من قال:أمرتك لتفعل،فقد أخبر بالعلّة الّتي لها وقع الأمر،المعنى:أمرنا للإسلام.(2:262)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما محلّ(امرنا)؟

قلت:النّصب عطفا على محلّ قوله: إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى الأنعام:71،على أنّهما مقولان،كأنّه قيل:قل:

هذا القول،و قل:أمرنا لنسلم.(2:29)

يامر

وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. الأعراف:28

الطّوسيّ: إن قيل:إنّما أنكر اللّه قولهم: وَ اللّهُ أَمَرَنا بِها و لا يدفع ذلك أن يكون مريدا لها،لأنّ«الأمر» منفصل من الإرادة.

قلنا:الأمر لا يكون أمرا إلاّ بإرادة المأمور به،فما أراده فقد رغّب فيه و دعا إليه،فاشتركا في المعنى.

(4:412)

الفخر الرّازيّ: قولهم: وَ اللّهُ أَمَرَنا بِها فقد

ص: 135

أجاب عنه بقوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ.

و المعنى:أنّه ثبت على لسان الأنبياء و الرّسل كون هذه الأفعال منكرة قبيحة،فكيف يمكن القول بأنّ اللّه تعالى أمرنا بها؟

و أقول:للمعتزلة أن يحتجّوا بهذه الآية على أنّ الشّيء إنّما يقبح لوجه عائد إليه،ثمّ إنّه تعالى نهى عنه لكونه مشتملا على ذلك الوجه،لأنّ قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ إشارة إلى أنّه لمّا كان ذلك موصوفا في نفسه بكونه من الفحشاء امتنع أن يأمر اللّه به،و هذا يقتضي أن يكون كونه في نفسه من الفحشاء مغايرا لتعلّق الأمر و النّهي به،و ذلك يفيد المطلوب.

و جوابه:يحتمل أنّه لمّا ثبت بالاستقراء أنّه تعالى لا يأمر إلاّ بما يكون مصلحة للعباد،و لا ينهى إلاّ عمّا يكون مفسدة لهم،فقد صحّ هذا التّعليل لهذا المعنى،و اللّه أعلم.(14:56)

البروسويّ: أي لا يأمر بحبّ الدّنيا و الحرص على جمعها،و إنّما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضّروريّة،لقوام القالب بالقوّة و اللّباس،ليقوم بأداء حقّ العبوديّة.(3:152)

الآلوسيّ: إنّ عادته تعالى جرت على الأمر بمحاسن الأعمال،و الحثّ على مكارم الخصال،و هو اللاّئق بالحكمة المقتضية أن لا يتخلّف.(8:16)

يامرهم

اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ... الأعراف:157

الزّجّاج: قوله: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ يجوز أن يكون(يأمرهم)مستأنفا.(2:381)

الفارسيّ: (يأمرهم)تفسير لما كتب من ذكره، كقوله: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ آل عمران:59،و لا يجوز أن يكون حالا من الضّمير في(يجدونه)لأنّ الضّمير للذّكر و الاسم،و الاسم و الذّكر لا يأمران.(أبو حيّان 4:403) مثله شبّر.(2:424)

النّيسابوريّ: (يأمرهم)يحتمل أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي هو يأمرهم،و أن يكون نعتا،أي مكتوبا أمرا،أو بدلا من(مكتوبا)أو مفعولا بعد مفعول، أي يجدونه أمرا،أو يكون التّقدير:الأمّيّ الّذي يأمرهم، فيكون كالبدل من الصّلة.(9:58)

نحوه الآلوسيّ.(9:81)

يأمركم

1- ..إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. البقرة:169

الزّمخشريّ: بيان لوجوب الانتهاء عن اتباعه [الشّيطان]و ظهور عداوته،أي لا يأمركم بخير قطّ،إنّما يأمركم بالسّوء.(1:327)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ أمر الشّيطان و وسوسته، عبارة عن هذه الخواطر الّتي نجدها من أنفسنا.و قد اختلف النّاس في هذه الخواطر من وجوه:أحدها:

اختلفوا في ماهيّاتها،فقال بعضهم:إنّها حروف و أصوات خفيّة.و قال الفلاسفة:إنّها تصوّرات الحروف و الأصوات و تخيّلاتها،على مثال الصّور المنطبعة في المرايا،فإنّ تلك

ص: 136

الصّور تشبه تلك الأشياء من بعض الوجوه،و إن لم تكن مشابهة لها في كلّ الوجوه.[و للكلام تتمّة،فراجع]

(5:4)

النّيسابوريّ: معنى أمر الشّيطان:وسوسته،و قد سلف في شرح الاستعاذة.

و في التّعبير عن وسوسته بالأمر،رمز إلى أنّكم منه بمنزلة المأمورين لطاعتكم،أو قبولكم وساوسه،و إذا كان الآمر المطاع مرجوما مذموما فكيف حال المأمور المطيع؟و في هذا معتبر للبصراء و مزدجر للعقلاء،أعاذنا اللّه بحوله و أيده من مكر الشّيطان و كيده.(2:65)

البيضاويّ: بيان لعداوته و وجوب التّحرّز عن متابعته.و استعير«الأمر»لتزيينه و بعثه لهم على الشّرّ، تسفيها لرأيهم و تحقيرا لشأنهم.(1:95)

نحوه البروسويّ(1:272)،و الآلوسيّ(2:39).

الطّباطبائيّ: الأمر هو تحميل الآمر إرادة نفسه على المأمور ليأتي ما يريده،و الأمر من الشّيطان:

وسوسته و تحميله ما يريده من الإنسان عليه،بإخطاره في قلبه،و تزيينه في نظره.(1:417)

2- وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً... آل عمران:80

أبو زرعة: قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة (و لا يأمركم) بالنّصب،و حجّتهم أنّها نسق على قوله:

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ... ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ... آل عمران:79،(و لا ان يامركم).

و قرأ الباقون (و لا يامركم) بالرّفع على وجه الابتداء من اللّه بالخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه:لا يأمركم أيّها النّاس أن تتّخذوا من الملائكة و النّبيّين أربابا.(168)

مثله الطّوسيّ.(2:512)

الزّمخشريّ: قرئ (و لا يأمركم) بالنّصب عطفا على(ثمّ يقول)و فيه وجهان:

أحدهما:أن تجعل(لا)مزيدة لتأكيد معنى النّفي في قوله: ما كانَ لِبَشَرٍ و المعنى ما كان لبشر أن يستنبئه اللّه،و ينصبه للدّعاء إلى اختصاص اللّه بالعبادة و ترك الأنداد،ثمّ يأمر النّاس بأن يكونوا عبادا له،و يأمركم أن تتّخذوا الملائكة و النّبيّين أربابا كما تقول:ما كان لزيد أن أكرمه ثمّ يهينني و لا يستخفّ بي.

و الثّاني:أن تجعل(لا)غير مزيدة،و المعنى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة،و اليهود و النّصارى عن عبادة عزير و المسيح،فلمّا قالوا له:

أ نتّخذك ربّا؟قيل لهم:ما كان لبشر أن يستنبئه اللّه ثمّ يأمر النّاس بعبادته و ينهاكم عن عبادة الملائكة و الأنبياء.

و القراءة بالرّفع على ابتداء الكلام أظهر،و تنصرها قراءة عبد اللّه (و لن يأمركم) و الضّمير في (و لا يأمركم) و(أ يأمركم)ل(بشر)،و قيل:ل(اللّه)،و الهمزة في (أ يأمركم)للإنكار.(1:440)

أبو حيّان: قرأ الحرميّان و النّحويّان و الأعشى و البرجميّ برفع الرّاء على القطع،و يختلس أبو عمرو الحركة على أصله،و الفاعل ضمير مستكنّ في(يأمر) عائد على(اللّه)قاله سيبويه و الزّجّاج.

و قال ابن جريج: عائد على(بشر)الموصوف بما

ص: 137

سبق،و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و المعنى على هذه القراءة أنّه لا يقع من بشر موصوف بما وصف به أن يجعل نفسه ربّا فيعبد، و لا هو أيضا يأمر باتّخاذ غيره من ملائكة و أنبياء أربابا، فانتفى أن يدعو لنفسه و لغيره،و إن كان الضّمير عائدا على(اللّه)فيكون إخبارا من اللّه أنّه لم يأمر بذلك،فانتفى أمر اللّه بذلك و أمر أنبيائه.

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة (و لا يأمركم) بنصب الرّاء،و خرّجه أبو عليّ و غيره على أن يكون المعنى:

و لا له أن يأمركم،فقدّروا(أن)مضمرة بعد(لا)و تكون (لا)مؤكّدة معنى النّفي السّابق،كما تقول:ما كان من زيد إتيان و لا منه قيام.

و قال الطّبريّ: قوله:(و لا يأمركم)بالنّصب معطوف على قوله:(ثمّ يقول).

قال ابن عطيّة: و هذا خطأ لا يلتئم به المعنى،انتهى كلامه.و لم يبيّن جهة الخطأ،و لا عدم التئام المعنى به.

و وجه الخطأ أنّه إذا كان معطوفا على(ثمّ يقول) و كانت(لا)لتأسيس النّفي فلا يمكن إلاّ أن يقدّر العامل قبل(لا)و هو(أن)فينسبك من(أن)و الفعل المنفيّ مصدر منتف،فيصير المعنى:ما كان لبشر موصوف بما وصف به انتفاء أمره باتّخاذ الملائكة و النّبيّين أربابا،و إذا لم يكن له الانتفاء كان له الثّبوت فصار آمرا باتّخاذهم أربابا،و هو خطأ.

فإذا جعلت(لا)لتأكيد النّفي السّابق كان النّفي منسحبا على المصدرين المقدّر ثبوتهما،فينتفي قوله:

كُونُوا عِباداً لِي و أمره باتّخاذ الملائكة و النّبيّين أربابا.

و يوضّح هذا المعنى وضع«غير»موضع(لا)،فإذا قلت:ما لزيد فقه و لا نحو،كانت(لا)لتأكيد النّفي،و انتفى عنه الوصفان.و لو جعلت(لا)لتأسيس النّفي كانت بمعنى «غير»فيصير المعنى انتفاء الفقه عنه و ثبوت النّحو له؛إذ لو قلت:ما لزيد فقه و غير نحو،كان في ذلك إثبات النّحو له،كأنّك قلت:ما له غير نحو،أ لا ترى أنّك إذا قلت:

جئت بلا زاد،كان المعنى جئت بغير زاد،و إذا قلت:

ما جئت بغير زاد،معناه أنّك جئت بزاد،لأنّ(لا)هنا لتأسيس النّفي.

فإطلاق ابن عطيّة الخطأ و عدم قيام المعنى إنّما يكون على أحد التّقريرين في(لا)و هي أن يكون لتأسيس النّفي،و أن يكون من عطف المنفيّ ب(لا)على المثبت الدّاخل عليه النّفي،نحو:ما أريد أن تجهل و أن لا تتعلّم،تريد:ما أريد أن لا تتعلّم.(2:507)

تامرنا

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً. الفرقان:60

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة لِما تَأْمُرُنا بمعنى أ نسجد نحن يا محمّد لما تأمرنا أنت أن نسجد له؟!و قرأته عامّة قرّاء الكوفة(لما يأمرنا)بالياء،بمعنى أ نسجد لما يأمرنا الرّحمن.

و ذكر بعضهم أنّ مسيلمة كان يدعى الرّحمن،فلمّا قال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:اسجدوا للرّحمن،قالوا:أ نسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة؟يعنون مسيلمة،بالسّجود له.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان

ص: 138

مستفيضتان مشهورتان،قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(19:28)

الزّمخشريّ: أي للّذي تأمرناه،بمعنى تأمرنا سجوده،على قوله:أمرتك الخير أو لأمرك لنا.و قرئ بالياء كأنّ بعضهم قال لبعض:أ نسجد لما يأمرنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أو يأمرنا المسمّى بالرّحمن،و لا نعرف ما هو؟(3:98)

مثله الفخر الرّازي.(24:106)

القرطبيّ:(تامرنا)هذه قراءة المدنيّين و البصريّين،أي لما تأمرنا أنت يا محمّد.و اختاره أبو عبيد و أبو حاتم.

و قرأ الأعمش و حمزة و الكسائي (يأمرنا) بالياء، يعنون الرّحمن.كذا تأوّله أبو عبيد،قال:و لو أقرّوا بأنّ الرّحمن أمرهم،ما كانوا كفّارا.فقال النّحّاس:و ليس يجب أن يتأوّل عن الكوفيّين في قراءتهم هذا التّأويل البعيد،و لكنّ الأولى أن يكون التّأويل لهم(أ نسجد لما يأمرنا)النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فتصحّ القراءة على هذا،و إن كانت الأولى أبين و أقرب تناولا.(13:64)

الطّباطبائيّ:في تكرار التّعبير عنه تعالى ب(ما) إصرار على الاستكبار،و التّعبير عن طلبه عنهم السّجدة بالأمر،لا يخلو من تهكّم و استهزاء.(15:234)

تامرون

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ. الأعراف:110

ابن عبّاس: أي تشيرون في أمره.

(الآلوسيّ 9:21)

الطّبريّ: يقول:فأيّ شيء تأمرون أن نفعل في أمره،بأيّ شيء تشيرون فيه.و قيل:فما ذا تأمرون، و الخبر بذلك عن فرعون،و لم يذكر فرعون.و قلّما يجيء مثل ذلك في الكلام؛و ذلك نظير قوله: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ* ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:

51،52،فقيل: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ من قول يوسف،و لم يذكر يوسف.و من ذلك أن يقول:قلت لزيد:قم،فإنّي قائم،و هو يريد:فقال زيد:إنّي قائم.

(9:16)

الزّمخشريّ: قولهم: (فَما ذا تَأْمُرُونَ) من أمرته فأمرني بكذا،إذا شاورته فأشار عليك برأي،و قيل:

(فَما ذا تَأْمُرُونَ) من كلام فرعون.قال للملإ لمّا قالوا له:

إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ الأعراف:

109،110 كأنّه قيل:قال: فَما ذا تَأْمُرُونَ؟ قالوا:أرجئه و أخاه.(2:102)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ هذا قول الأشراف بعضهم لبعض على سبيل المشورة،و يحتمل أن يكون قالوا ذلك لفرعون،و إنّما قالوا:(تأمرون)بلفظ الجمع على خطاب الملوك،و يحتمل أيضا أن يكون قول فرعون لقومه، فيكون تقديره:قال فرعون لهم:فما ذا تأمرون،و هو قول الفرّاء و الجبّائي.(2:460)

الفخر الرّازيّ: قوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ فقد ذكر الزّجّاج فيه ثلاثة (1)أوجه:

ص: 139


1- و المذكور في كلام الفخر عن الزّجّاج وجهان!!

الأوّل:أنّ كلام الملإ من قوم فرعون تمّ عند قوله:

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ثمّ عند هذا الكلام قال فرعون مجيبا لهم: فَما ذا تَأْمُرُونَ. و احتجّوا على صحّة هذا القول بوجهين:

أحدهما:أنّ قوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ خطاب للجمع لا للواحد،فيجب أن يكون هذا كلام فرعون للقوم.أمّا لو جعلناه كلام القوم مع فرعون لكانوا قد خاطبوه بخطاب الواحد،لا بخطاب الجمع.

و أجيب عنه:بأنّه يجوز أن يكونوا خاطبوه بخطاب الجمع تفخيما لشأنه،لأنّ العظيم إنّما يكنّى عنه بكناية الجمع،كما في قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر:

9، إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً نوح:1، إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر:1.

و الحجّة الثّانية:أنّه تعالى لمّا ذكر قوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ قال بعده: قالُوا أَرْجِهْ. و لا شكّ أنّ هذا كلام القوم،و جعله جوابا عن قولهم: فَما ذا تَأْمُرُونَ، فوجب أن يكون القائل لقوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ غير الّذي قالوا: أَرْجِهْ و ذلك يدلّ على أنّ قوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ كلام لغير الملإ من قوم فرعون.

و أجيب عنه:بأنّه لا يبعد أنّ القوم قالوا: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ثمّ قالوا لفرعون و لأكابر خدمه:

فَما ذا تَأْمُرُونَ ثمّ أتبعوه بقولهم: أَرْجِهْ وَ أَخاهُ فإنّ الخدم و الأتباع يفوّضون الأمر و النّهي إلى المخدوم و المتبوع أوّلا،ثمّ يذكرون ما حضر في خواطرهم من المصلحة.

و القول الثّاني:أنّ قوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ من بقيّة كلام القوم،و احتجّوا عليه بوجهين:

الأوّل:أنّه منسوق على كلام القوم من غير فاصل، فوجب أن يكون ذلك من بقيّة كلامهم.

و الثّاني:أنّ الرّتبة معتبرة في الأمر،فوجب أن يكون قوله: فَما ذا تَأْمُرُونَ خطابا من الأدنى مع الأعلى، و ذلك يوجب أن يكون هذا من بقيّة كلام فرعون معه.

و أجيب عن هذا الثّاني:بأنّ الرّئيس المخدوم قد يقول للجمع الحاضر عنده من رهطه و رعيّته:ما ذا تأمرون؟و يكون غرضه منه تطييب قلوبهم و إدخال السّرور في صدورهم،و أن يظهر من نفسه كونه معظّما لهم و معتقدا فيهم.ثمّ إنّ القائلين:بأنّ هذا من بقيّة كلام قوم فرعون،ذكروا وجهين:

أحدهما:أنّ المخاطب بهذا الخطاب هو فرعون وحده،فإنّه يقال للرّئيس المطاع:ما ترون في هذه الواقعة؟أي ما ترى أنت وحدك،و المقصود أنّك وحدك قائم مقام الجماعة.و الغرض منه التّنبيه على كماله و رفعة شأنه و حاله.

و الثّاني:أن يكون المخاطب بهذا الخطاب هو فرعون و أكابر دولته و عظماء حضرته،لأنّهم هم المستقلّون بالأمر و النّهي،و اللّه أعلم.(14:197)

أبو حيّان: فَما ذا تَأْمُرُونَ من قول فرعون أو من قول الملإ إمّا لفرعون و أصحابه و إمّا له وحده،كما يخاطب أفراد العظماء بلفظ الجمع،و هو من الأمر.

و قال ابن عبّاس: معناه تشيرون به.

قال الزّمخشري: من أمرته فأمرني بكذا،أي شاورته فأشار عليك برأي.

ص: 140

و قرأ الجمهور (تَأْمُرُونَ) بفتح النّون هنا،و في الشّعراء.

و روى كردم (1)عن نافع بكسر النّون فيهما،و(ما ذا) يحتمل أن تكون كلّها استفهاما،و تكون مفعولا ثانيا ل(تأمرون)على سبيل التّوسّع فيه،بأن حذف منه حرف الجرّ،كما قال:«امرتك الخير».و يكون المفعول الأوّل محذوفا لفهم المعنى،أي أيّ شيء تأمرونني،و أصله:بأيّ شيء.

و يجوز أن تكون(ما)استفهاما مبتدأ و(ذا)بمعنى الّذي،خبر عنه،و(تأمرون)صلة(ذا)،و يكون قد حذف منه مفعولي(تأمرون)الأوّل و هو ضمير المتكلّم، و الثّاني و هو الضّمير العائد على الموصول،و التّقدير:فأيّ شيء الّذي تأمروننيه،أي تأمرونني به.و كلا الإعرابين في(ما ذا)جائز في قراءة من كسر النّون،إلاّ أنّه حذف ياء المتكلّم و أبقى الكسرة دلالة عليها.

و قدّر ابن عطيّة الضّمير العائد على(ذا)إذا كانت موصولة مقرونة بحرف الجرّ،فقال:و في(تأمرون)ضمير عائد على«الّذي»تقديره:تأمرون به،انتهى.

و هذا ليس بجيّد لفوات شرط جواز حذف الضّمير إذا كان مجرورا بحرف الجرّ،ذلك الشّرط هو أن لا يكون الضّمير في موضع رفع،و أن يجرّ ذلك الحرف الموصول أو الموصوف به أو المضاف إليه،و يتّحد المتعلّق به الحرفان لفظا و معنى،و يتّحد معنى الحرف أيضا،لابن عطيّة أنّه قدّره على الأصل،ثمّ اتّسع فيه فتعدّى إليه الفعل بغير واسطة الحروف،ثمّ حذف بعد الاتّساع.(4:359)

الآلوسيّ:قيل:من الأمر المعهود.(9:21)

رشيد رضا: ليس هو المقابل للنّهي،بل هو بمعنى الإدلاء بالرّأي في الشّورى.(9:61)

الطّباطبائيّ:لم يذكر تعالى ما قاله فرعون عند ذلك،و إنّما الّذي ذكر محاورة الملإ بعضهم بعضا،كأنّهم في مجلس مشاورة يذاكر بعضهم بعضا،و يشير بعضهم إلى ما يراه و يصوّبه آخرون،فيقدّمون ما صوّبوه من رأي إلى فرعون ليعمل به.فهم لمّا تشاوروا في أمر موسى و ما شاهدوه من آياته المعجزة قالوا: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ الأعراف:109.

و إذا كان ساحرا غير صادق فيما يذكره من رسالة اللّه سبحانه فإنّما يتوسّل بهذه الوسيلة إلى نجاة بني إسرائيل و استقلالهم في أمرهم ليتأيّد بهم،ثمّ يخرجكم من أرضكم و يذهب بطريقتكم المثلى،فما ذا تأمرون به في إبطال كيده،و إخماد ناره الّتي أوقدها؟أ من الواجب مثلا أن يقتل أو يصلب أو يسجن أو يعارض بساحر مثله؟

فاستصوبوا آخر الآراء،و قدّموا إلى فرعون أن أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ. الأعراف:111،112

و من ذلك يظهر أنّ قوله تعالى: فَما ذا تَأْمُرُونَ حكاية ما قاله بعض الملإ لبعض،و قوله: قالُوا أَرْجِهْ الخ،حكاية ما قدّموه من رأي الجميع إلى فرعون،و قد اتّفقوا عليه.و قد حكى اللّه سبحانه في موضع آخر من كلامه هذا القول بعينه من فرعون يخاطب به ملأه،قال تعالى: قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ* قالُوات.

ص: 141


1- اسم شخص من القرّاء راجع حجّة القراءات.

أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ الشّعراء:34-37.

و يظهر ممّا في الموضعين أنّهم إنّما شاوروا حول ما قاله فرعون ثمّ صوّبوه،و رأوا أن يجيبه بسحر مثل سحره.

و قد حكى اللّه أيضا هذا القول عن فرعون يخاطب به موسى حتّى بالّذي أشار إليه الملأ من معارضة سحره بسحر آخر مثله؛إذ قال: قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى* فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ...

طه:57،58.

و لعلّ ذلك محصّل ما خرج من مشاورتهم حول ما قاله فرعون بعد ما قدّم إلى فرعون ما خاطب به موسى من قبل نفسه.

و للملإ جلسة مشاورة أخرى أيضا بعد قدوم السّحرة إلى فرعون،ناجى فيها بعضهم بعضا بمثل ما في هذه الآيات،قال تعالى: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوى* قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى طه:62،63.

فتبيّن أنّ أصل الكلام لفرعون،ألقاه إليهم ليتشاوروا فيه،و يروا رأيهم فيما يفعل به فرعون؛ فتشاوروا و صدّقوا قوله و أشاروا بالإرجاء و جمع السّحرة للمعارضة،فقبله.ثمّ ذكره لموسى،ثمّ اجتمعوا للمشاورة و المناجاة ثانيا بعد مجيء السّحرة،و اتّفقوا أن يجتمعوا عليه و يعارضوه بكلّ ما يقدرون عليه من السّحر صفّا واحدا.(8:213)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ الشّعراء:35.

تامرونّى

قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.

الزّمر:64

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير: تامروني اعبد مشدّدة النّون مفتوح الياء.و قرأ نافع و ابن عامر في رواية الدّاجونيّ خفيفة النّون.و فتح الياء نافع،و لم يفتحها ابن عامر.و قرأ ابن عامر في غير رواية الدّاجونيّ (تامروننى) بنونين،الباقون مشدّدة النّون ساكنة الياء.(9:41)

الزّمخشريّ: تَأْمُرُونِّي اعتراض،و معناه أ فغير اللّه أعبد بأمركم؛و ذلك حين قال له المشركون:استلم بعض آلهتنا و نؤمن بإلهك،أو ينصب بما يدلّ عليه جملة قوله: تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ لأنّه في معنى تعبدونني، و تقولون لي:أعبد،و الأصل:تأمرونني أن أعبد،فحذف (أن)و رفع الفعل.[ثمّ استشهد بشعر].

و قرئ (تأمرونني) على الأصل،و (تأمرونّى) على إدغام النّون،أو حذفها.(3:407)

تؤمر

...قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ. الصّافّات:102.

الطّبريّ: قال إسحاق لأبيه:يا أبت افعل ما يأمرك به ربّك من ذبحي، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ يقول:ستجدني إن شاء اللّه صابرا من الصّابرين لما يأمرنا

ص: 142

به ربّنا،و قال:(افعل ما تؤمر)و لم يقل:ما تؤمر به،لأنّ المعنى افعل الأمر الّذي تؤمره،و ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: (إنّى أرى فى المنام افعل ما أمرت به) .

(23:79)

الزّمخشريّ: أي ما تؤمر به،فحذف الجارّ كما حذف من قوله:«أمرتك الخير فافعل ما أمرت به»أو «أمرك»على إضافة المصدر إلى المفعول،و تسمية المأمور به أمرا،و قرئ (ما تؤمر به) .(3:348)

الآلوسيّ: أي الّذي تؤمر به،فحذف الجارّ و المجرور دفعة،أو حذف الجارّ أوّلا فعدّي الفعل بنفسه،نحو «أمرتك الخير»ثمّ حذف المجرور بعد أن صار منصوبا ثانيا.و الحذف الأوّل شائع مع الأمر حتّى كاد يعدّ متعدّيا بنفسه،فكأنّه لم يجتمع حذفان.

أو«افعل أمرك»على أنّ(ما)مصدريّة،و المراد بالمصدر:الحاصل بالمصدر،أي المأمور به.و لا فرق في جواز إرادة ذلك من المصدر،بين أن يكون صريحا،و أن يكون مسبوكا.

و إضافته إلى«ضمير»إبراهيم إضافة إلى المفعول، و لا يخفى بعد هذا الوجه.و هذا الكلام يقتضي تقدّم الأمر و هو غير مذكور،فإمّا أن يكون فهم من كلامه عليه السّلام أنّه رأى أنّه يذبحه مأمورا،أو علم أنّ رؤيا الأنبياء حقّ،و أنّ مثل ذلك لا يقدمون عليه إلاّ بأمر،و صيغة المضارع للإيذان بغرابة ذلك مثلها في كلام إبراهيم على وجه.

و فيه إشارة إلى أنّ ما قاله لم يكن إلاّ عن حلم،غير مشوب بجهل بحال المأمور به.

و قيل:للدّلالة على أنّ«الأمر»متعلّق به متوجّه إليه مستمرّ إلى حين الامتثال به،و قيل:لتكرّر الرّؤيا،و قيل:

جيء بها لأنّه لم يكن بعد أمر،و إنّما كانت رؤيا الذّبح فأخبره بها فعلم،لعلمه بمقام أبيه،و أنّه ممّن لا يجد الشّيطان سبيلا بإلقاء الخيالات الباطلة إليه في المنام أنّه سيكون ذلك،و لا يكون إلاّ بأمر إلهيّ،فقال له:افعل ما تؤمر بعد من الذّبح الّذي رأيته في منامك.

و لمّا كان خطاب الأب(يا بنيّ)على سبيل التّرحّم، قال هو:(يا أبت)على سبيل التّوقير و التّعظيم،و مع ذلك أتى بجواب حكيم،لأنّه فوّض الأمر حيث استشاره، فأجاب بأنّه ليس مجازها،و إنّما الواجب إمضاء الأمر.(23:129)

الطّباطبائيّ: قوله: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ إظهار رضى بالذّبح في صورة الأمر،و قد قال:(افعل ما تؤمر) و لم يقل:اذبحني،إشارة إلى أنّ أباه مأمور بأمر ليس له إلاّ ائتماره و طاعته.(17:152)

تؤمرون

...فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. البقرة:68

الطّبريّ: افعلوا ما آمركم به،تدركوا حاجاتكم و طلباتكم عندي،و اذبحوا البقرة الّتي أمرتكم بذبحها، تصلوا بانتهائكم إلى طاعتي بذبحها،إلى العلم بقاتل قتيلكم.(1:344)

الزّمخشريّ: أي ما تؤمرونه بمعنى تؤمرون به،من قوله:أمرتك الخير أو أمركم بمعنى مأموركم،تسمية للمفعول بالمصدر،كضرب الأمير.(1:287)

مثله النّيسابوريّ(1:343)،و البيضاويّ(1:62)

ص: 143

ابن عطيّة: تجديد للأمر و تأكيد،و تنبيه على ترك التعنّت فما تركوه.(1:313)

الطّبرسيّ:أي اذبحوا ما أمرتم بذبحه.(1:135)

القرطبيّ:تجديد للأمر،و تأكيد و تنبيه على ترك التّعنّت فما تركوه.و هذا يدلّ على أنّ مقتضى الأمر الوجوب،كما تقوله الفقهاء.و هو الصّحيح على ما هو مذكور في أصول الفقه،و على أنّ«الأمر»على الفور،و هو مذهب أكثر الفقهاء أيضا.و يدلّ على صحّة ذلك أنّه تعالى استقصرهم حين لم يبادروا إلى فعل ما أمروا به، فقال: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ. (1:449)

أبو حيّان:أي من ذبح البقرة،و لا تكرّروا السّؤال، و لا تعنّتوا في أمر ما أمرتم بذبحه.و يحتمل أن تكون هذه الجملة من قول اللّه،و يحتمل أن تكون من قول موسى، و هو الأظهر.حرّضهم على امتثال ما أمروا به شفقة منه.

و(ما)موصولة،و العائد محذوف،تقديره:

ما تؤمرونه.و حذف الفاعل للعلم به؛إذ تقدّم(انّ اللّه يأمركم)و لتناسب أواخر الآي،كما قصد تناسب الإعراب في أواخر الأبيات.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجاز بعضهم أن تكون(ما)مصدريّة،أي فافعلوا أمركم،و يكون المصدر بمعنى المفعول،أي مأموركم،و فيه بعد.(1:252)

مثله الآلوسيّ.(1:288)

امر اللّه

1- ..وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً. النّساء:47

ابن عبّاس: يريد لا رادّ لحكمه و لا ناقض لأمره.

(الفخر الرّازيّ 10:123)

الجبّائيّ: إنّ كلّ أمر من أمور اللّه من وعد أو وعيد أو مخبر خبر،فإنّه يكون على ما أخبر به.

(الطّوسيّ 3:218)

الطّبريّ: كان جميع ما أمر اللّه أن يكون كائنا مخلوقا موجودا،لا يمتنع عليه خلق شيء شاء خلقه.و الأمر في هذا الموضع المأمور،سمّي أمر اللّه،لأنّه عن أمره كان، و بأمره،و المعنى و كان ما أمر اللّه مفعولا.(5:125)

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:[و ذكر قول الجبّائيّ]

و الثّاني:أنّ معناه وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً أي الّذي يأمر به بقوله:(كن)،و ذلك يدلّ على أنّ كلامه محدث.

و قال البلخيّ:معناه أنّه إذا أراد شيئا من طريق الإجبار و الاضطرار،كان واقعا لا محالة،و لا يدفعه دافع، كقبض الأرواح و قلب الأرض و إرسال الحجارة و المسخ و غير ذلك.فأمّا ما يأمر به على وجه الاختيار،فقد يقع، و قد لا يقع.و لا يكون في ذلك مغالبة له،لأنّه تعالى لو أراد إلجاءه إلى ما أمره به لقدر عليه.(3:217)

نحوه الطّبرسيّ.(2:56)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

قال ابن عبّاس: يريد لا رادّ لحكمه و لا ناقض لأمره،على معنى أنّه لا يتعذّر عليه شيء يريد أن يفعله، كما تقول في الشّيء الّذي لا شكّ في حصوله:هذا الأمر مفعول،و إن لم يفعل بعد.و إنّما قال:(و كان)إخبارا عن جريان عادة اللّه في الأنبياء المتقدّمين أنّه مهما أخبرهم بإنزال العذاب عليهم فعل ذلك لا محالة،فكأنّه قيل لهم:

ص: 144

أنتم تعلمون أنّه كان تهديد اللّه في الأمم السّالفة واقعا لا محالة،فاحترزوا الآن و كونوا على حذر من هذا الوعيد،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:احتجّ الجبّائيّ بهذه الآية على أنّ كلام اللّه محدث فقال:قوله: وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً يقتضي أنّ أمره مفعول،و المخلوق و المصنوع و المفعول واحد؛فدلّ هذا على أنّ أمر اللّه مخلوق مصنوع.و هذا في غاية السّقوط،لأنّ«الأمر»في اللّغة جاء بمعنى الشّأن و الطّريقة و الفعل،قال تعالى: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ هود:97،و المراد هاهنا ذاك.(10:123)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً و المفعول مخلوق،و أمر اللّه و قوله غير مخلوق؟

قلنا:ليس المراد بهذا الأمر ما هو ضدّ للنّهي،بل المراد به ما يحدث من الحوادث،فإنّ الحادثة تسمّى أيضا أمرا،و منه قوله تعالى: لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً الطّلاق:1،و قوله: أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً يونس:

24.(47)

أبو حيّان: «الأمر»هنا واحد الأمور،و اكتفى به، لأنّه دالّ على الجنس،و هو عبارة عن المخلوقات، كالعذاب و اللّعنة و المغفرة.

و قيل:المراد به«المأمور»مصدر وقع موقع المفعول، و المعنى:الّذي أراده أوجده.و قيل:معناه أنّ كلّ أمر أخّر تكوينه فهو كائن لا محالة،و المعنى:أنّه تعالى لا يتعذّر عليه شيء يريد أن يفعله.(3:268)

2- لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ. التّوبة:48

الزّمخشريّ: غلب دينه و علا شرعه.(2:194)

مثله الطّبرسيّ(30:36)،و القاسميّ(8:3170)، و القرطبيّ(8:157)،و الآلوسيّ(10:113)،و البروسويّ (3:443)،و الطّباطبائيّ(9:290).

الفخر الرّازيّ: ظهر أمر اللّه الّذي كان كالمستور، و المراد ب(امر اللّه)الأسباب الّتي أظهرها اللّه تعالى، و جعلها مؤثّرة في قوّة شرع محمّد عليه الصّلاة و السّلام، و هم لها كارهون أي و هم لمجيء هذا الحقّ و ظهور أمر اللّه كارهون.

و فيه تنبيه على أنّه لا أثر لمكرهم و كيدهم و مبالغتهم في إثارة الشّرّ،فإنّهم منذ كانوا في طلب هذا المكر و الكيد،و اللّه تعالى ردّه في نحرهم،و قلّب مرادهم،و أتى بضدّ مقصودهم،فلمّا كان الأمر كذلك في الماضي،فهذا يكون في المستقبل.(16:83)

نحوه رشيد رضا.(10:475)

3- قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ. هود:73

الطّبريّ: قالت الرّسل لها:أ تعجبين من أمر أمر اللّه به أن يكون،و قضاء قضاه اللّه فيك و في بعلك.

(12:77)

نحوه القرطبيّ.(9:70)

الزّمخشريّ: (امر اللّه):قدرته و حكمته.

(2:281)

مثله أبو حيّان.(5:244)

ص: 145

البروسوي: أي من شأن اللّه تعالى بإيجاد الولد من كبيرين.

و في«التّأويلات النّجميّة»: مِنْ أَمْرِ اللّهِ أي من قدرة اللّه تعالى.فإنّ للّه تعالى سنّة و قدرة،فيجري أمر العوامّ بسنّته،و أمر الخواصّ إظهارا للآية،و الإعجاز بقدرته؛فأجرى أمركم بقدرته.و مثلها امرأة عمران و هي«حنّة»كانت عاقرا،لم تلد إلى أن عجزت،أي صارت عجوزا،ثمّ حملت بمريم-و قد سبق في آل عمران-فإذا كان هذا الحمل بقدرة اللّه تعالى خارقا للعادة لم يحتج إلى الحيض،و لا يبعد الحيض أيضا في كبر السّنّ.(4:164)

الطّباطبائيّ: استفهام إنكاريّ أنكرت الملائكة تعجّبها عليها،لأنّ التّعجّب إنّما يكون للجهل بالسّبب و استغراب الأمر،و الأمر المنسوب إلى اللّه سبحانه و هو الّذي يفعل ما يشاء،و هو على كلّ شيء قدير،لا وجه للتّعجّب منه.

على أنّه تعالى خصّ بيت إبراهيم بعنايات عظيمة و مواهب عالية،يتفرّدون بها من بين النّاس،فلا ضير إن ضمّ إلى ما مضى من نعمه النّازلة عليهم نعمة أخرى مختصّة بهم من بين النّاس،و هو ولد من زوجين شائخين لا يولد من مثلهما ولد عادة.

و لهذا الّذي ذكرنا قالت الملائكة لها في إنكار ما رأوا من تعجّبها أوّلا: أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ فأضافوا «الأمر»إلى اللّه،لينقطع بذلك كلّ استعجاب و استغراب، لأنّ ساحة الألوهيّة لا يشقّ شيء عليها،و هو الخالق لكلّ شيء.

و ثانيا: رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فنبّهوها بذلك أنّ اللّه أنزل رحمته و بركاته عليهم أهل البيت،و ألزمهم ذلك،فليس من البعيد أن يكون من ذلك تولّد مولود من والدين في غير سنّهما العاديّ المألوف لذلك.(10:325)

4- لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ... الرّعد:11

ابن عبّاس: يقول:بإذن اللّه،فالمعقّبات هي من أمر اللّه،و هي الملائكة.(الطّبريّ 13:117)

يعني وليّ السّلطان يكون عليه الحرس،يحفظونه من بين يديه و من خلفه.يقول اللّه عزّ و جلّ:يحفظونه من أمري،فإنّي إذا أردت بقوم سوء فلا مردّ له،و ما لهم من دونه من وال.(الطّبريّ 13:118)

يحفظونه ممّا لم يقدّر نزوله،فإذا جاء المقدّر بطل الحفظ.(الطّبرسيّ 3:281)

مِنْ أَمْرِ اللّهِ أي بأمر اللّه.

مثله الحسن و مجاهد و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:281)

مجاهد :ما من عبد إلاّ له ملك موكّل يحفظه في نومه و يقظته من الجنّ و الإنس و الهوامّ،فما منهم شيء يأتيه يريده،إلاّ قال:وراءك،إلاّ شيئا يأذن اللّه فيصيبه.

(الطّبريّ 13:119)

مثله كعب الأحبار و أبو أمامة.(القرطبيّ 9:291)، و النّخعيّ(الطّوسيّ 6:228).

الحفظة:هم من أمر اللّه.(الطّبريّ 13:118)

الضّحّاك: يحفظونه من الموت ما لم يأت أجل.

(القرطبيّ 9:293)

ص: 146

الحسن: المعنى بأمر اللّه،كما تقول:جئتك من دعائك إيّاي،أي بدعائك.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 6:228)

يحفظون ما تقدّم من عمله و ما تأخّر إلى أن يموت، فيكتبونه.(الطّبرسي 3:281)

الإمام الباقر عليه السّلام: بأمر اللّه من أن يقع في ركيّ (1)، أو يقع عليه حائط،أو يصيبه شيء،حتّى إذا جاء القدر خلّوا بينه و بينه،يدفعونه إلى المقادير.و هما ملكان يحفظانه بالليل،و ملكان بالنّهار يتعاقبانه.

(العروسيّ 2:487)

ابن جريج: يحفظون عليه،من اللّه.

(الطّبريّ 13:119)

الفرّاء: و المعقّبات من أمر اللّه عزّ و جلّ يحفظونه، و ليس يحفظ من أمره إنّما هو تقديم و تأخير-و اللّه أعلم- و يكون(يحفظونه)ذلك الحفظ من أمر اللّه و بأمره و بإذنه عزّ و جلّ،كما تقول للرّجل:أجيئك من دعائك إيّاي و بدعائك إيّاي،و اللّه أعلم بصواب ذلك.(2:60)

الطّبريّ: قال ابن جريج:«يحفظون عليه من اللّه».

يعني ابن جريج بقوله:«يحفظون عليه»:الملائكة الموكّلة بابن آدم،بحفظ حسناته و سيّئاته،و هي المعقّبات عندنا،تحفظ على ابن آدم حسناته و سيّئاته،من أمر اللّه.

و على هذا القول يجب أن يكون معنى قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ أنّ الحفظة من أمر اللّه،أو تحفظ بأمر اللّه،و يجب أن تكون الهاء الّتي في قوله:(يحفظونه)وحّدت و ذكّرت، و هي مراد بها الحسنات و السّيّئات،لأنّها كناية عن من ذكر[أي قبلها]الّذي هو مستخف باللّيل و سارب بالنّهار،و أن يكون المستخفي باللّيل أقيم ذكره مقام الخبر عن سيّئاته و حسناته،كما قيل: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها يوسف:82.

(13:117-119)

الطّوسيّ: قال قوم:معناه عن أمر اللّه،كما يقال:

أطعمه عن جوع و من جوع.(6:228)

مثله الطّبرسيّ.(3:281)

الزّمخشريّ: هما صفتان (2)جميعا،و ليس مِنْ أَمْرِ اللّهِ بصلة للحفظ،كأنّه قيل:له معقّبات من أمر اللّه، أو يحفظونه من أجل أمر اللّه،أي من أجل أنّ اللّه أمرهم بحفظه-و الدّليل عليه قراءة عليّ رضي اللّه عنه،و ابن عبّاس و زيد بن عليّ و جعفر بن محمّد و عكرمة:

(يحفظونه بامر اللّه)-أو يحفظونه من بأس اللّه و نقمته إذا أذنب بدعائهم له،و مسألتهم ربّهم أن يمهله رجاء أن يتوب و ينيب،كقوله: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ الأنبياء:42.(2:352)

ابن عطيّة: معنى مِنْ أَمْرِ اللّهِ بأمر اللّه،أي يحفظونه بما أمر اللّه،و هذا تحكّم في التّأويل.

(أبو حيّان 5:372)

الفخر الرّازيّ:ما المراد من قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ؟ و الجواب:ذكر الفرّاء فيه قولين:.)

ص: 147


1- الرّكيّ:البئر
2- هما صفتان:يعود إلى قوله تعالى: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ...)

القول الأوّل:أنّه على التّقديم و التّأخير،و التّقدير:

له معقبات من امر الله يحفظونه.

القول الثّاني:أنّ فيه إضمارا،أي ذلك الحفظ من أمر اللّه،أي ممّا أمر اللّه به،فحذف الاسم و أبقى خبره،كما يكتب على الكيس«ألفان»و المراد:الّذي فيه ألفان.

و القول الثّالث:ذكره ابن الأنباريّ أنّ كلمة(من) معناها الباء،و التّقدير:يحفظونه بأمر اللّه و بإعانته.

و الدّليل على أنّه لا بدّ من المصير إليه أنّه لا قدرة للملائكة و لا لأحد من الخلق على أن يحفظوا أحدا من أمر اللّه،و ممّا قضاه عليه.(19:19)

أبو حيّان: قال ابن عطيّة و قتادة:[و ذكر قول ابن عطيّة ثمّ قال:]

و ليس بتحكّم،و ورود(من)للسّبب ثابت من لسان العرب.

و قيل:يحفظونه من بأس اللّه و نقمته،كقولك:

حرست زيدا من الأسد،و معنى ذلك إذا أذن اللّه لهم في دعائهم أن يمهله رجاء أن يتوب عليه و ينيب،كقوله تعالى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ الأنبياء:42،يصير معنى الكلام إلى التّضمين،أي يدعون له بالحفظ من نقمات اللّه رجاء توبته.

و من جعل«المعقّبات»الحرس،و جعلها في رؤساء الكفّار فيحفظونه-معناه في زعمه و توهّمه-من هلاك اللّه،و يدفعون قضاءه،في ظنّه؛و ذلك لجهالته باللّه تعالى، أو يكون ذلك على معنى التّهكّم به.و حقيقة التّهكّم هو أن يخبر بشيء ظاهره مثلا الثّبوت في ذلك الوصف،و في الحقيقة هو[غير]متّصف،و لذلك حمل بعضهم (يحفظونه)على أنّه مراد به:لا يحفظونه،فحذف«لا».

و على هذا التّأويل في(من)تكون متعلّقة-كما ذكرنا- ب(يحفظونه)و هي في موضع نصب.(5:372)

نحوه الآلوسيّ.(13:111)

الطّباطبائيّ: مِنْ أَمْرِ اللّهِ قيل:هو متعلّق بقوله:(معقّبات)،و أنّ قوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ و قوله:(يحفظونه)و قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ ثلاث صفات لمعقّبات،و فيه أنّه خلاف الظّاهر.

و قيل:هو متعلّق بقوله:(يحفظونه)،و(من)بمعنى الباء للسّببيّة أو المصاحبة،و المعنى يحفظونه بسبب أمر اللّه أو بمصاحبة أمر اللّه.

و قيل:متعلّق ب(يحفظونه)،و(من)للابتداء أو للنّشوء،أي يحفظونه مبتدئا ذلك أو ناشئا ذلك من أمر اللّه.

و قيل:هو كذلك،لكن(من)بمعنى(عن)،أي يحفظونه عن أمر اللّه أن يحلّ به و يغشاه.

و فسّروا الحفظ من أمر اللّه بأنّ«الأمر»بمعنى البأس، أي يحفظونه من بأس اللّه بأن يستمهلوا كلّما أذنب، و يسألوا اللّه سبحانه أن يؤخّر عنه المؤاخذة و العقوبة،أو إمضاء شقائه،لعلّه يتوب و يرجع،و فساد أغلب هذه الوجوه ظاهر،غنيّ عن البيان.(11:315)

5- أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ. النّحل:1

ابن عبّاس: المشركون قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ائتنا بعذاب اللّه إن كنت من الصّادقين،فقال اللّه تعالى: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ .(الطّوسيّ 6:358)

ص: 148

ابن عبّاس: المشركون قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ائتنا بعذاب اللّه إن كنت من الصّادقين،فقال اللّه تعالى: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ .(الطّوسيّ 6:358)

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 3:348)

إنّ(امر اللّه)هو يوم القيامة.(الطّبرسيّ 3:348).

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 6:358)

خروج محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الدّرّ المنثور 4:109)

المراد ب«الأمر»نصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و ظهوره على الكفّار.(أبو حيّان 5:472)

الضّحّاك: الأحكام و الحدود و الفرائض.

(الطّبريّ 14:75)

الحسن :(امر اللّه)يراد به العذاب.

مثله ابن جريج.(الطّوسيّ 6:358)

ابن جريج:«الأمر»هنا ما وعد اللّه نبيّه من النّصر، و ظفره بأعدائه،و انتقامه منهم بالقتل و السّبي و نهب الأموال،و الاستيلاء على منازلهم و ديارهم.

(أبو حيّان 5:472)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في«الأمر»الّذي أعلم اللّه عباده مجيئه و قربه منهم ما هو؟و أيّ شيء هو؟ فقال بعضهم:هو فرائضه و أحكامه.

و قال آخرون:بل ذلك وعيد من اللّه لأهل الشّرك به،أخبرهم أنّ السّاعة قد قربت،و أنّ عذابهم قد حضر أجله،فدنا.

و أولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قول من قال:هو تهديد من اللّه أهل الكفر به و برسوله،و إعلام منه لهم قرب العذاب منهم و الهلاك؛و ذلك أنّه عقّب ذلك بقوله: سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ فدلّ بذلك على تقريعه المشركين،و وعيده لهم.

و بعد،فإنّه لم يبلغنا أنّ أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم،فيقال لهم من أجل ذلك:قد جاءتكم فرائض اللّه فلا تستعجلوها و أمّا مستعجلو العذاب من المشركين، فقد كانوا كثيرا.(14:75)

نحوه أبو حيّان(5:472)،و الآلوسيّ(14:90).

الزّمخشريّ: كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام السّاعة أو نزول العذاب بهم يوم بدر،استهزاء و تكذيبا بالوعد فقيل لهم: أَتى أَمْرُ اللّهِ، الّذي هو بمنزلة:الآتي الواقع،و إن كان منتظرا لقرب وقوعه.(2:400)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ الخطاب للمشركين،لأنّ الآيات التّالية مسوقة احتجاجا عليهم، إلى قوله في الآية الثّانية و العشرين: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.

و وجه الكلام فيها إلى المشركين،و هي جميعا كالمتفرّعة على قوله في ذيل هذه الآية: سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ، و مقتضاه أن يكون«الأمر» الّذي أخبر بإتيانه أمرا يطهّر ساحة الرّبوبيّة من شركهم، بحسم مادّته.

و لم تقع في كلامه حكاية استعجال من المؤمنين في أمر،بل المذكور استعجال المشركين بما كان يذكر في كلامه تعالى من أمر السّاعة و أمر الفتح و أمر نزول العذاب،كما يشير إليه قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ -إلى قوله - وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يونس:50،53،إلى غير ذلك من الآيات.

و على هذا فالمراد ب«الأمر»ما وعد اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

ص: 149

و الّذين آمنوا،و أوعد المشركين مرّة بعد مرّة في كلامه أنّه سينصر المؤمنين و يخزي الكافرين و يعذّبهم،و يظهر دينه بأمر من عنده،كما قال: فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ البقرة:109،و إليه يعود أيضا ضمير فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ على ما يفيده السّياق.

أو يكون المراد بإتيان الأمر:إشرافه على التّحقّق، و قربه من الظّهور.و هذا شائع في الكلام،يقال لمن ينتظر ورود الأمير:هذا الأمير جاء،و قد دنا مجيئه،و لم يجئ بعد.[إلى أن قال:]

و كذا ما ذكروه أنّ المراد ب«الأمر»هو يوم القيامة؛ و ذلك أنّ المشركين و إن كانوا يستعجلونه أيضا-كما يدلّ عليه قولهم على ما حكاه اللّه تعالى: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يس:48-لكن سياق الآيات لا يساعد عليه،كما عرفت.

و من العجيب ما استدلّ به جمع منهم على أنّ المراد ب«الأمر»يوم القيامة،أنّه تعالى لمّا قال في آخر سورة الحجر: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:92،و كان فيه تنبيه على حشر هؤلاء و سؤالهم،قال في مفتتح هذه السّورة: أَتى أَمْرُ اللّهِ فأخبر بقرب يوم القيامة،و كذا قوله في آخر الحجر: وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ و هو مفسّر بالموت،شديد المناسبة بأن يكون المراد ب«الأمر»في هذه السّورة يوم القيامة.و ممّا يؤكّد المناسبة قوله هناك:(يأتيك)و هاهنا:(اتى)،و أمثال هذه الأقاويل الملفّقة ممّا لا ينبغي أن يلتفت إليها.

و نظيره قول بعضهم:إنّ المراد ب«الأمر»واحدة الأوامر،و معناه الحكم،كأنّه يشير به إلى ما في السّورة من أحكام العهد و اليمين و محرّمات الأكل و غيرها.

و الخطاب على هذا للمؤمنين خاصّة،و هو كما ترى.

(12:204)

6- ...فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ... الحجرات:9

الطّبريّ: حتّى ترجع إلى حكم اللّه الّذي حكم في كتابه بين خلقه.(26:127)

الطّوسيّ: أي حتّى ترجع إلى أمر اللّه و تترك قتال الطّائفة المؤمنة.(9:346)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: إِلى أَمْرِ اللّهِ يحتمل وجوها:

أحدها:إلى طاعة الرّسول و أولي الأمر،لقوله تعالى:

أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ النّساء:59.

و ثانيها:إلى أمر اللّه،أي إلى الصّلح،فإنّه مأمور به، يدلّ عليه قوله تعالى: وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الأنفال:1.

و ثالثها:إلى أمر اللّه بالتّقوى،فإنّ من خاف اللّه حقّ الخوف لا يبقى له عداوة إلاّ مع الشّيطان،كما قال تعالى:

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فاطر:6.

(28:128)

البروسويّ: أي إلى حكمه الّذي حكم به في كتابه العزيز،و هو المصالحة و رفع العداوة،أو إلى ما أمر به و هو الإطاعة المدلول عليها بقوله: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ النّساء:59؛ف(امر اللّه) على الأوّل واحد الأمور،و على الثّاني واحد الأوامر.(9:75)

ص: 150

البروسويّ: أي إلى حكمه الّذي حكم به في كتابه العزيز،و هو المصالحة و رفع العداوة،أو إلى ما أمر به و هو الإطاعة المدلول عليها بقوله: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ النّساء:59؛ف(امر اللّه) على الأوّل واحد الأمور،و على الثّاني واحد الأوامر.(9:75)

نحوه الآلوسيّ(26:150)،و سيّد قطب(6:

3343)،و الطّباطبائيّ(18:315).

7- فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ. المؤمن:78

الطّوسي: يعني قيام السّاعة.(9:98)

الزّمخشريّ: وعيد و ردّ،عقيب اقتراح الآيات.

و(امر اللّه):القيامة.(3:438)

مثله الطّبرسيّ.(4:534)،و الفخر الرّازيّ(27:

89).

الميبديّ: أي بالعذاب لهم،و هو القتل ببدر.

(8:497)

امر الرّبّ

1- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ... النّحل:33

مجاهد :يعني يوم القيامة.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 6:377)

الزّمخشري: العذاب المستأصل أو القيامة.

(2:408)

مثله الفخر الرّازيّ(20:25)،و القاسميّ(10:

3800).

القرطبيّ: أي بالعذاب من القتل كيوم بدر،أو الزّلزلة و الخسف في الدّنيا.

و قيل:المراد يوم القيامة.و القوم لم ينتظروا هذه الأشياء،لأنّهم ما آمنوا بها،و لكن امتناعهم عن الإيمان أوجب عليهم العذاب،فأضيف ذلك إليهم،أي عاقبتهم العذاب.(10:102)

البروسويّ: أي العذاب الدّنيويّ،و قد أتى يوم بدر.(5:32)

الآلوسيّ:أي القيامة،كما روي عمّن تقدّم [كمجاهد و قتادة].

و قال بعضهم:المراد به العذاب الدّنيويّ دونها،لا لأنّ انتظارها يجامع انتظار إتيان الملائكة.فلا يلائمه العطف ب(أو)،لا لأنّها ليست نصّا في العناد؛إذ يجوز أن يعتبر منع الخلوّ،و يراد بإيرادها كفاية كلّ واحد من الأمرين في عذابهم،بل لأنّ قوله تعالى فيما سيأتي إن شاء اللّه تعالى: وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ البقرة:57، فأصابهم،الآية صريح في أنّ المراد به ما أصابهم من العذاب الدّنيويّ،و فيه منع ظاهر.و يؤيّد إرادة الأوّل التّعبير ب(يأتي)دون«يأتيهم».[إلى أن قال:]

و لا يخفى ما في التّعبير بالرّبّ و إضافته إلى ضميره صلّى اللّه عليه و سلّم من اللّطف به عليه السّلام.(14:134)

الطّباطبائيّ:و المراد بإتيان أمر الرّبّ تعالى قيام السّاعة و فصل القضاء و الانتقام الإلهيّ منهم.

و أمّا كون المراد باتيان الأمر ما تقدّم في أوّل السّورة من قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ و قد قرّبنا هناك أنّ المراد به مجيء النّصر و ظهور الإسلام على الشّرك،فلا يلائم

ص: 151

اللّحن الشّديد الّذي في الآية تلك الملائمة،و أيضا سيأتي في ذيل الآيات ذكر إنكارهم للبعث و إصرارهم على نفيه و الرّدّ عليهم،و هو يؤيّد كون المراد بإتيان الأمر قيام السّاعة.

و قد أضاف الرّبّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: أَمْرُ رَبِّكَ و لم يقل:أمر اللّه أو أمر ربّهم ليدلّ به على أنّ فيه انتصارا له صلّى اللّه عليه و آله و قضاء له عليهم.(12:237)

2- ..أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ.. الأعراف:150

ابن عبّاس: يعني ميعاد ربّكم،فلم تصبروا له.

(الفخر الرّازي 15:11)

الحسن :وعد ربّكم الّذي وعدكم من الأربعين.(الفخر الرّازيّ 15:11)

عطاء:يريد أعجلتم سخط ربّكم.

(الفخر الرّازيّ 15:11)

الكلبيّ: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربّكم.(الفخر الرّازيّ 15:11)

سيّد قطب :أي استعجلتم قضاءه و عقابه،أو ربّما كان يعني استعجلتم موعده و ميقاته.(3:1374)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب«أمر ربّهم»أمره الّذي لأجله واعد موسى لميقاته،و هو نزول التّوراة.

و ربّما قيل:إنّ معنى أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربّكم.

و قيل:المعنى استعجلتم وعد اللّه و ثوابه على عبادته، فلمّا لم تنالوه عدلتم إلى عبادة غيره.

و قيل:المعنى أعجلتم عمّا أمركم به ربّكم،و هو انتظار رجوع موسى حافظين لعهده،فبنيتم على أنّ الميقات قد بلغ آخره و لم يرجع إليكم،فغيّرتم هذا.

و ما قدّمناه من الوجه أنسب بالسّياق.(8:250)

3- ..إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ..

الكهف:50

مجاهد :عصى في السّجود لآدم.

(الطّبريّ 15:262)

الفرّاء: ففسق عن أمر ربّه،أي خرج عن طاعته.(الفخر الرّازيّ 21:137)

مثله الطّبرسيّ(3:475)،و الميبديّ(5:704).

الطّوسيّ: معناه خرج عن أمر ربّه إلى معصيته، بترك السّجود لآدم.(7:57)

مثله الزّمخشريّ.(2:488)

أبو حيّان: الظّاهر أنّ معنى فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فخرج عمّا أمره ربّه به من السّجود.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:(ففسق)صار فاسقا كافرا بسبب أمر ربّه الّذي هو قوله: اُسْجُدُوا لِآدَمَ حيث لم يمتثله.

و قيل:و يحتمل أن يكون المعنى ففسق بأمر ربّه،أي بمشيئته و قضائه،لأنّ المشيئة يطلق عليها«أمر»كما تقول:فعلت ذلك عن أمرك،أي بحسب مرادك.

(6:136)

الآلوسيّ: أي فخرج عن طاعته سبحانه،كما قال الفرّاء.[إلى أن قال:]

و كأنّ ما ذكره الفرّاء بيان لحاصل المعنى؛إذ ليس «الأمر»بمعنى الطّاعة أصلا بل هو إمّا بمعنى المأمور به

ص: 152

«و هو السّجود»و خروجه عنه بمعنى عدم اتّصافه به، و إمّا قوله: اُسْجُدُوا و خروجه عنه،مخالفته له.و كون حاصل المعنى ذلك على المعنيين ظاهر.(15:293)

4- وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي...

الإسراء:85

الطّبريّ: إنّه من الأمر الّذي يعلمه اللّه عزّ و جلّ دونكم،فلا تعلمونه،و يعلم ما هو.(15:157)

الطّوسيّ: أي من خلق ربّي و فعله.(6:515)

مثله الطّبرسيّ.(3:437)

الميبديّ: أي من وحي ربّي،و من عنده،كقوله:

أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الشّورى:52.

و قيل:هي الرّوح الّتي يحيا بها البدن،سألوه عن ذلك و عن حقيقته و كيفيّته و موضعه من البدن،و لم يعط علمه أحدا من عباده،فقال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من علم ربّي،و إنّكم لا تعلمونه.(5:614)

الزّمخشريّ: أي من وحيه و كلامه،ليس من كلام البشر.(2:464)

الفخر الرّازيّ: إنّ لفظ«الأمر»قد جاء بمعنى «الفعل»قال تعالى: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ هود:97، و قال: فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا هود:66،أي فعلنا،فقوله:

قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من فعل ربّى.

(21:38)

الطّباطبائيّ: و ظاهر«من»أنّها لتبيين الجنس،كما في نظائرها من الآيات: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ المؤمن:

15، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ النّحل:2 أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الشّورى:52، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ القدر:

4،فالرّوح من سنخ الأمر.ثمّ عرّف أمره في قوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ يس:82،83،فبيّن أوّلا أنّ(امره)هو قول للشّيء:(كن)و هو كلمة«الإيجاد» الّتي هي الإيجاد،و الإيجاد هو وجود الشّيء لكن لا من كلّ جهة بل من جهة استناده إليه تعالى و قيامه به؛فقوله:

فعله.

و من الدّليل على أنّ وجود الأشياء قول له تعالى من جهة نسبته إليه-مع إلغاء الأسباب الوجوديّة الأخر- قوله تعالى: وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر:50،حيث شبّه«أمره»بعد عدّه(واحدة)بلمح بالبصر.و هذا النّوع من التّشبيه لنفي التّدريج؛و به يعلم أنّ في الأشياء المكوّنة تدريجيّا الحاصلة بتوسّط الأسباب الكونيّة المنطبقة على الزّمان و المكان جهة،معرّاة عن التّدريج،خارجة عن حيطة الزّمان و المكان،هي من تلك الجهة أمره و قوله و كلمته.

و أمّا الجهة الّتي هي بها تدريجيّة مرتبطة بالأسباب الكونيّة منطبقة على الزّمان و المكان فهي بها من الخلق، قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54، ف(الامر)هو وجود الشّيء من جهة استناده إليه تعالى وحده،و(الخلق)هو ذلك من جهة استناده إليه مع توسّط الأسباب الكونيّة فيه.

و يستفاد ذلك أيضا من قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل

ص: 153

عمران:59،حيث ذكر أوّلا خلق آدم و ذكر تعلّقه بالتّراب،و هو من الأسباب،ثمّ ذكر وجوده و لم يعلّقه بشيء إلاّ بقوله:(كن)،فافهم ذلك.

و نظيره قوله: ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً -إلى أن قال - ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ المؤمنون:13،14،فعدّ إيجاده المنسوب إلى نفسه من غير تخلّل الأسباب الكونيّة إنشاء خلق آخر.

فظهر بذلك كلّه أنّ«الأمر»هو كلمة الإيجاد السّماويّة و فعله تعالى المختصّ به،الّذي لا تتوسّط فيه الأسباب،و لا يتقدّر بزمان أو مكان،و غير ذلك.

(13:197)

امر فرعون

..فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ.

هود:97

الطّوسيّ: الأمر هو قول القائل لمن دونه:افعل.

و فيه إخبار أنّ قوم فرعون اتّبعوه على ما كان يأمرهم به.

ثمّ أخبر تعالى أنّ أمر فرعون لم يكن رشيدا -و الرّشيد هو الّذي يدعو إلى الخير و يهدي إليه-فأمر فرعون بضدّ هذه الحال،لأنّه يدعو إلى الشّرّ،و يصدّ عن الخير.

و استدلّ قوم بهذه الآية على أنّ لفظة«الأمر» مشتركة بين القول و الفعل،لأنّه قال: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يعني و ما فعل فرعون برشيد.و هذا ليس بصحيح،لأنّه يجوز أن يكون أراد بذلك الأمر الّذي هو «القول»،أو يكون مجازا.(6:59)

الطّبرسيّ:[قال مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و المراد هاهنا:و ما فعل فرعون برشيد.(3:190)

الفخر الرّازيّ:يحتمل أن يكون المراد أمره إيّاهم بالكفر بموسى و معجزاته،و يحتمل أن يكون المراد من «الأمر»الطّريق و الشّأن.(18:53)

مثله أبو حيّان.(5:258)

الآلوسيّ: أي أمره بالكفر بما جاء به موسى عليه السّلام من الحقّ،للإيذان بوضوح حاله.فكأنّ كفره و أمر ملئه بذلك أمر متحقّق الوجود غير محتاج إلى الذّكر صريحا، و إنّما المحتاج إلى ذلك شأن ملئه المتردّدين بين هاد إلى الحقّ-و هو موسى عليه السّلام-و داع إلى الضّلال-و هو فرعون-فنعى عليهم سوء اختيارهم.

و إيراد«الفاء»للإشعار بمفاجأتهم في الاتّباع، و مسارعة فرعون إلى الكفر و الأمر به،فكأنّ ذلك لم يتراخ عن الإرسال و التّبليغ.

و جوّز أن يراد من الأمر:الطّريقة و الشّأن.[إلى أن قال:]

و عدل عن أمره إلى أمر فرعون،لدفع توهّم رجوع الضّمير إلى موسى عليه السّلام من أوّل الأمر،و لزيادة تقبيح حال المتّبعين،فإنّ فرعون علم في الفساد و الإفساد، و الضّلال و الإضلال،فاتّباعه لفرط الجهالة و عدم الاستبصار.(12:133)

الطّباطبائيّ:الظّاهر أنّ المراد ب«الأمر»ما هو الأعمّ من القول و الفعل،كما حكى اللّه عن فرعون في

ص: 154

قوله: قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ المؤمن:29،فينطبق على السّنّة و الطّريقة الّتي كان يتّخذها و يأمر بها.و كأنّ الآية محاذاة لقول فرعون هذا،فكذّبه اللّه تعالى بقوله: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. (10:380)

امر المسرفين

وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الشّعراء:151

الزّمخشريّ: استعير لامتثال الأمر،و ارتسامه طاعة الآمر المطاع،أو جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكميّ،و المراد الآمر.و منه قولهم:لك عليّ إمرة مطاعة، و قوله تعالى: وَ أَطِيعُوا أَمْرِي طه:90.

(3:123)

الآلوسي: نسبة الإطاعة إلى الأمر مجاز،و هي للآمر حقيقة.و في ذلك من المبالغة ما لا يخفى،و كونه لا يناسب المقام،فيه بحث.

و يجوز أن تكون الإطاعة مستعارة للامتثال لما بينهما من الشّبه في الإفضاء إلى فعل ما أمر به،أو مجازا مرسلا عنه للزومه له.

و يحتمل أن يكون هناك استعارة مكنيّة و تخييليّة.

و جوّز عليه أن يكون«الأمر»واحد الأمور،و فيه من البعد ما فيه.(19:113)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب«الأمر»ما يقابل النّهي،بقرينة النّهي عن طاعته و إن جوّز بعضهم كون «الأمر»بمعنى الشّأن؛و عليه يكون المراد بطاعة أمرهم:

تقليد العامّة و اتّباعهم لهم في أعمالهم،و سلوكهم السّبل الّتي يستحبّون لهم سلوكها.(15:305)

الأمر

1- وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ. آل عمران:152

الفخر الرّازيّ: قوله:(فى الامر)،فيه وجهان:

الأوّل:أنّ(الأمر)هاهنا بمعنى الشّأن و القصّة،أي تنازعتم فيما كنتم فيه من الشّأن.

و الثّاني:أنّه الأمر الّذي يضادّه النّهي،و المعنى و تنازعتم فيما أمركم الرّسول به،من ملازمة ذلك المكان.

(9:36)

البروسويّ: أي في أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال بعض الرّماة:-حين انهزم المشركون و ولّوا هاربين، و المسلمون على أعقابهم قتلا و ضربا-فما موقفنا هذا؟ و قال رئيسهم عبد اللّه بن جبير:لا نخالف أمر الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،فثبت مكانه في نفر دون العشرة من أصحابه،و نفر الباقون للنّهب.(2:110)

الآلوسيّ: أي أمر الحرب أو أمره صلّى اللّه عليه و سلّم لكم في سدّ ذلك الثّغر.(4:89)

الطّباطبائيّ: ينطبق على ما صنعه الرّماة؛حيث تنازعوا فيما بينهم في ترك مراكزهم و اللّحوق بمن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لنيل الغنيمة،ففشلوا و تنازعوا في الأمر، و عصوا أمر النّبيّ بأن لا يتركوا مراكزهم على أيّ حال.(4:43)

ص: 155

2- ..يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا... آل عمران:154

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:قال الحسن:أخرجنا كرها،و لو كان الأمر إلينا ما خرجنا،و ذلك من قبل عبد اللّه بن أبيّ بن سلول، و معتّب بن قشير،على قول الزّبير بن العوّام،و ابن جريج.

و الآخر:أي ليس لنا من الظّفر شيء كما وعدنا على وجه التّكذيب.(3:24)

الزّمخشريّ: معناه هل لنا معاشر المسلمين من أمر اللّه نصيب قطّ؟يعنون النّصر و الإظهار على العدوّ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ و لأوليائه المؤمنين،و هو النّصر و الغلبة. كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي المجادلة:21، وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ. الصّافّات:173. يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ معناه يقولون لك فيما يظهرون: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ؟ سؤال المؤمنين المسترشدين،و هم فيما يبطنون على النّفاق يقولون في أنفسهم أو بعضهم لبعض،منكرين لقولك لهم: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ : لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أي لو كان الأمر كما قال محمّد[صلّى اللّه عليه و آله:]إنّ الأمر كلّه للّه و لأوليائه و إنّهم الغالبون،لما غلبنا قطّ،و لما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة.(1:472)

الفخر الرّازيّ:[له كلام مستوفى لخّصه النّيسابوريّ كما يأتي](9:47)

النّيسابوريّ: يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ حكاية شبهة،تمسّك بها أهل النّفاق،فاستفهموا عنها على سبيل الإنكار.و إنّما يحتمل وجوها:

أحدها:هل لنا من التّدبير من شيء،يعنون رأي عبد اللّه بن أبيّ،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يقبل قوله حين أمره أن يسكن في المدينة و لا يخرج منها،و نظيره ما حكي عنه:

«لو أطاعونا ما قتلوا».

و ثانيها:من عادة العرب أنّه إذا كانت الدّولة لأحد قالوا:له الأمر،و إذا كانت لعدوّه:قالوا عليه الأمر،أي هل لنا من الأمر الّذي كان يعدنا به محمّد و هو النّصر و القدرة شيء؟

و ثالثها:أ نطمع أن يكون لنا الغلبة على هؤلاء؟ و الغرض منه تعيير المسلمين على التّسديد في الجهاد، فأمره اللّه تعالى أن يجيب عنها بقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ.

و الحوادث بأسرها مستندة إلى قضائه و قدره،فإذا كان قدّر الخروج إلى الكفّار و اختصاص جمع من الصّحابة بالشّهادة،فلا مفرّ من ذلك.و إذا أراد إعلاء كلمة الإسلام و إظهار هذا الدّين على الأديان،وقع لا محالة.[إلى أن قال:]

ثمّ لمّا كان سؤالهم ذلك مظنّة أن يكون سؤال المؤمنين المسترشدين لا المعاندين المنكرين،أراد أن يكشف عن حالهم و يبيّن مقالهم،كيلا يغترّ به المؤمنون،فقال:

يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ أي ذلك القول إنّما صدر عنهم في هذه الحالة،فكان لسائل أن يسأل ما الّذي يخفونه في أنفسهم؟فقيل: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، و قد مرّ تفسيره.

ص: 156

و يحتمل أن يراد:لو كان لنا رأي مطاع لم نخرج من المدينة فلم نقتل هاهنا،فيكون كالطّعن في قوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ.

قال في«التّفسير الكبير»:هذا بعينه هو المناظرة الدّائرة بين السّنّيّ و المعتزليّ،فذاك يقول:الطّاعة و العصيان و الكفر و الإيمان من اللّه،و هذا يقول:الإنسان مختار مستقلّ،إن شاء آمن،و إن شاء كفر،فأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يجيب عن هذا الاعتقاد؛بأنّ ما قضى اللّه فهو كائن، و الحذر لا يردّ القدر،و التّدبير لا يبطل التّقدير.و إن شئتم المصالح ففائدته الابتلاء،و هو أن يتميّز الموافق عن المنافق،كما في المثل:لا تكرهوا الفتن فإنّها حصاد المنافقين،و تطهير القلوب عن وساوس الشّبهات، و تبعات المعاصي و السّيّئات.(4:98)

أبو حيّان: ظاهر قوله: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ الاستفهام.فقيل:سألوا الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم هل لهم معاشر المسلمين من النّصر و الظّهور على العدوّ شيء؟ أي نصيب.

و أجيبوا بقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ،لِلّهِ و هو النّصر و الغلبة كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي المجادلة:21، وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ الصّافّات:173.

و قيل:المعنى ليس النّصر لنا بل هو للمشركين.

و قال قتادة و ابن جريج:قيل لعبد اللّه بن أبيّ بن سلول:قتل بنو الخزرج،فقال:و هل لنا من الأمر من شيء؟يريد أنّ الرّأي ليس لنا،و لو كان لنا منه شيء لسمع من رأينا،و لم نخرج و لم يقتل أحد منّا،و هذا منهم قول بأجلين.

و ذكر المهدويّ و ابن فورك أنّ المعنى:لسنا على حقّ في اتّباع محمّد.و يضعف هذا التّأويل الرّدّ عليهم بقوله:

قل فأفهم:أنّ كلامهم إنّما هو في معنى سوء الرّأي في الخروج،و أنّه لو لم يخرج لم يقتل أحد؛و على هذا المعنى و ما قبله من قول قتادة و ابن جريج يكون الاستفهام معناه النّفي.(3:87)

الآلوسيّ: و الجملة قيل:إمّا حال أو خبر إثر خبر، أو صفة إثر صفة،أو مستأنفة مبيّنة لما قبلها،أو بدل من (يظنّون)و هو بدل الكلّ بحسب الصّدق،و بدل الاشتمال بحسب المفهوم.

و استشكل بأنّ قوله: يَقُولُونَ هَلْ لَنا إلخ تفسير ل(يظنّون)و ترجمة له.و الاستفهام لا يكون ترجمة للخبر، كما لا يصحّ أن تقول:أخبرني زيد قال:لا تذهب،أو أمرني قال:لا تضرب،أو نهاني قال:اضرب،فإنّ المطابقة بين الحكاية و المحكيّ واجبة.

و حاصل الإشكال أنّ متعلّق«الظّنّ»النّسبة التّصديقيّة،فكيف يقع استفهام ترجمة له؟

و أجيب بأنّ الاستفهام طلب علم فيما يشكّ و يظنّ، فجاز أن يكون متعلّق«الظّنّ».و تحقيقه أنّ«الظّنّ»أو «العلم»يتعلّق بما يقال في جواب ذلك الاستفهام،على ما ذكر في باب تعليق أفعال القلوب باستفهام.و لا يخفى أنّ هذا إنّما هو على تقدير كون الاستفهام حقيقيّا،و أمّا على تقدير كونه إنكاريّا فلا إشكال،و لا قيل و لا قال،لأنّه خبر،فيتطابق مع ما قبله في الخبريّة.

و بعض من جعله إنكاريّا ذهب إلى أنّ المعنى إنّا منعنا تدبير أنفسنا و تصريفها باختيارنا،فلم يبق لنا من الأمر

ص: 157

شيء.و قد قال ذلك عبد اللّه بن أبيّ حين أخبره المنافقون بقتل بني الخزرج،ثمّ قال:و اللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.

قيل:و ظنّهم السّوء على هذا،تصويبهم رأي عبد اللّه و من تبعه.

و قيل:الاستفهام على ظاهره،و المعنى هل يزول عنّا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شيء،و لا يخفى أنّه خلاف الظّاهر.(4:95)

الطّباطبائيّ: يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ إلى قوله:«لله»أي ظنّوا باللّه أمرا ليس بحقّ بل هو من ظنون الجاهليّة،فهم يصفونه بوصف ليس بحقّ بل من الأوصاف الّتي كان يصفه بها أهل الجاهليّة.و هذا الظّنّ أيّا ما كان هو شيء يناسبه،و يلازمه قولهم: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ، و يكشف عنه ما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يجيبهم به،و هو قوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ. فظاهر هذا الجواب أنّهم كانوا يظنّون أنّ بعض«الأمر»لهم،و لذا لمّا غلبوا و فشا فيهم القتل،تشكّكوا،فقالوا: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ.

و بذلك يظهر أنّ«الأمر»الّذي كانوا يرونه لأنفسهم هو الظّهور و الغلبة،و إنّما كانوا يظنّونه لأنفسهم من جهة إسلامهم.فهم قد كانوا يظنّون أنّ الدّين الحقّ لا يغلب و لا يغلب المتديّن به،لما أنّ على اللّه أن ينصره من غير قيد و شرط،و قد وعدهم به.[إلى أن قال:]

و لنرجع إلى ما كنّا فيه؛فقول هؤلاء الطّائفة الّذين أهمّتهم أنفسهم: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ تشكّك في حقّيّة الدّين،و قد أدرجوا في هيكله روح الوثنيّة على ما مرّ بيانه،فأمر سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجيبهم،فقال:

قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ، و قد خاطب نبيّه قبل ذلك بقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ فبيّن بذلك أنّ ملّة الفطرة و دين التّوحيد هو الّذي لا يملك فيه الأمر إلاّ اللّه جلّ شأنه،و باقي الأشياء و منها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليست بمؤثّرة شيئا بل هي في حيطة الأسباب و المسبّبات،و السّنّة الإلهيّة الّتي تؤدّي إلى جريان ناموس الابتلاء و الامتحان.[إلى أن قال:]

و من عجيب ما ذكر في هذه الآية قول عدّة من المفسّرين:إنّ المراد بهذه الطّائفة-الّتي تشرح الآية حالها-هم المنافقون،مع ظهور سياق الآيات في أنّها تصف حال المؤمنين.و أمّا المنافقون-أعني أصحاب عبد اللّه بن أبيّ المنخذلين في أوّل الواقعة قبل وقوع القتال- فإنّما يتعرّض لحالهم فيما سيأتي.

اللّهمّ إلاّ أن يريدوا بالمنافقين الضّعفاء الإيمان،الّذين يعود عقائدهم المتناقضة بحسب اللاّزم إلى إنكار الحقّ قلبا،و الاعتراف به لسانا،و هم الّذين يسمّيهم اللّه:

بالّذين في قلوبهم مرض،قال تعالى: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ الأنفال:49،و قال: وَ فِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ التّوبة:47، أو يريدوا أنّ جميع المنافقين لم يرجعوا مع أصحاب عبد اللّه بن أبيّ إلى المدينة.

و أعجب منه قول بعض آخر:إنّ هذه الطّائفة كانوا مؤمنين،و أنّهم كانوا يظنّون أنّ أمر النّصر و الغلبة إليهم، لكونهم على دين اللّه الحقّ لما رأوا من الفتح و الظّفر و نزول الملائكة يوم بدر،فقولهم: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ و قولهم: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ إلخ، اعتراف منهم بأنّ«الأمر»إلى اللّه لا إليهم و إلاّ لم يستأصلهم القتل.

ص: 158

و أعجب منه قول بعض آخر:إنّ هذه الطّائفة كانوا مؤمنين،و أنّهم كانوا يظنّون أنّ أمر النّصر و الغلبة إليهم، لكونهم على دين اللّه الحقّ لما رأوا من الفتح و الظّفر و نزول الملائكة يوم بدر،فقولهم: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ و قولهم: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ إلخ، اعتراف منهم بأنّ«الأمر»إلى اللّه لا إليهم و إلاّ لم يستأصلهم القتل.

و يرد عليه عدم استقامة الجواب حينئذ،و هو قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ و قوله: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ آل عمران:154 إلخ،و قد أحسّ بعض هؤلاء بهذا الإشكال،فأجاب عنه بما هو أردأ من أصل كلامه، و قد عرفت ما هو الحقّ من المعنى.(4:47-50)

3- ...وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ... آل عمران:159

الزّمخشريّ: يعني في أمر الحرب و نحوه،ممّا لا ينزل عليك فيه وحي،لتستظهر برأيهم.(1:474)

أبو حيّان:قيل:في أمر الحرب و الدّنيا.و قيل:في الدّين و الدّنيا ما لم يرد نصّ،و لذلك استشار في أسرى بدر.[إلى أن قال:]

و قراءة الجمهور (فِي الْأَمْرِ) ليس على العموم؛إذ لا يشاور في التّحليل و التّحريم.و الأمر:اسم جنس،يقع للكلّ و للبعض.

و قرأ ابن عبّاس (فى بعض الأمر) .(3:98)

رشيد رضا :(الأمر)المعرّف هنا،هو أمر المسلمين المضاف إليهم في القاعدة الأولى،الّتي وضعت للحكومة الإسلاميّة في سورة الشّورى المكّيّة،و هي قوله تعالى في بيان ما يجب أن يكون عليه أهل هذا الدّين: وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ الشّورى:38،فالمراد ب(الأمر)أمر الأمّة الدّنيويّ الّذي يقوم به الحكّام عادة،لا أمر الدّين المحض الّذي مداره على الوحي دون الرّأي؛إذ لو كانت المسائل الدّينيّة-كالعقائد و العبادات و الحلال و الحرام-ممّا يقرّر بالمشاورة،لكان الدّين من وضع البشر،و إنّما هو وضع إلهيّ ليس لأحد فيه رأي،لا في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لا بعده.

و قد روي أنّ الصّحابة عليهم الرّضوان كانوا لا يعرضون رأيهم مع قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مسائل الدّنيا إلاّ بعد العلم،بأنّه قاله عن رأي لا عن وحي،كما فعلوا يوم بدر؛إذ جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أدنى ماء من بدر فنزل عنده،فقال الحبّاب بن المنذر بن الجموح:يا رسول اللّه أ رأيت هذا المنزل أ منزلا أنزلكه اللّه ليس لنا أن نتقدّمه و لا نتأخّر عنه،أم هو الرّأي و الحرب و المكيدة؟فقال:«بل هو الرّأي و الحرب و المكيدة».فقال:يا رسول اللّه ليس هذا بمنزل،فانهض بالنّاس حتّى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله،ثمّ نغور ما وراءه إلى آخر ما قال.فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لقد أشرت بالرّأي»،و عمل برأيه.

(4:200)

4- ..ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ..

يونس:3

الزّمخشريّ: (الامر):أمر الخلق كلّه،و أمر ملكوت السّماوات و الأرض و العرش.

فإن قلت:ما موقع هذه الجملة؟

قلت:قد دلّ بالجملة قبلها على عظمة شأنه و ملكه بخلق السّماوات و الأرض،مع بسطتها و اتّساعها في وقت يسير،و بالاستواء على العرش.و أتبعها هذه الجملة لزيادة الدّلالة على العظمة،و أنّه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه و تقديره.(2:225)

ص: 159

نحوه الفخر الرّازيّ.(7:14)

أبو حيّان: الخلق كلّه علويّة و سفليّة.(5:123)

مثله الآلوسيّ(11:64)،و الكاشانيّ(2:394).

القرطبيّ: الأمر:اسم لجنس الأمور.(8:308)

5- ..وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ.

الأنعام:8

راجع«ق ض ي».

6- أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

الأعراف:54

راجع«خ ل ق».

7- ..وَ غِيضَ الْماءُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ... هود:44

راجع«ق ض ي».

8- ..قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ. يوسف:41

الزّمخشريّ: قطع و تمّ ما تستفتيان فيه من أمركما و شأنكما.

فإن قلت:ما استفتيا في أمر واحد بل في أمرين مختلفين،فما وجه التّوحيد؟

قلت:المراد ب(الامر)ما اتّهم به من سمّ الملك و ما سجنا من أجله،و ظنّا أنّ ما رأياه في معنى ما نزل بهما، فكأنّهما كانا يستفتيانه في الأمر الّذي نزل بهما،أ عاقبته نجاة أم هلاك؟فقال لهما: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ أي ما يجرّ إليه من العاقبة،و هي هلاك أحدهما و نجاة الآخر.

و قيل:جحدا و قالا:ما رأينا شيئا-على ما روي أنّهما تحالما له-فأخبرهما أنّ ذلك كائن صدقتما أو كذبتما.

(2:322)

الطّبرسيّ: أي فرغ من الأمر الّذي تسألان و تطلبان معرفته،و ما قلته لكما فإنّه نازل بكما،و هو كائن لا محالة.و في هذا دلالة على أنّه كان يقول ذلك على جهة الإخبار عن الغيب بما يوحى إليه،لا كما يعبّر أحدنا الرّؤيا على جهة التّأويل.(3:234)

نحوه أبو حيّان.(5:311)

الآلوسيّ: قيل:المراد ب(الامر)ما اتّهما به،و الكلام حينئذ على حذف مضاف،أي عاقبة ذلك.

و ذهب بعض المحقّقين إلى أنّ المراد به ما رأياه من الرّؤيتين،و نفى أن يكون المراد ما يؤول إليه أمرهما.(12:246)

9- ..لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ... الرّوم:4

الإمام الباقر عليه السّلام: لِلّهِ الْأَمْرُ من قبل أن يأمر، و من بعد أن يقضي بما يشاء.

مثله الإمام العسكريّ عليه السّلام.(الكاشانيّ 4:125)

أبو حيّان: لِلّهِ الْأَمْرُ أي إنفاذ الأحكام، و تصريفها على ما يريد.(7:162)

سيّد قطب :المسارعة بردّ(الامر)كلّه للّه،في هذا الحادث و في سواه،و تقرير هذه الحقيقة الكلّيّة،لتكون ميزان الموقف و ميزان كلّ موقف.

فالنّصر و الهزيمة،و ظهور الدّول و دثورها،و ضعفها

ص: 160

و قوّتها،شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون،من أحداث و من أحوال،مردّه كلّه إلى اللّه،يصرفه كيف شاء،وفق حكمته و وفق مراده.و ما الأحداث و الأحوال إلاّ آثار لهذه الإرادة المطلقة،الّتي ليس لأحد عليها من سلطان،و لا يدري أحد ما وراءها من الحكمة،و لا يعرف مصادرها و مواردها إلاّ اللّه.و إذن فالتّسليم و الاستسلام هو أقصى ما يملكه البشر أمام الأحوال و الأحداث الّتي يجريها اللّه،وفق قدر مرسوم.(5:2757)

الطّباطبائيّ: (قبل)و(بعد)مبنيّان على الضّمّ، فهناك مضاف إليه مقدّر،و التّقدير:للّه الأمر من قبل أن غلبت الرّوم و من بعد أن غلبت،يأمر بما يشاء؛فينصر من يشاء،و يخذل من يشاء.

و قيل:المعنى لِلّهِ الْأَمْرُ من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،أي وقت كونهم مغلوبين و وقت كونهم غالبين.و المعنى الأوّل أرجح،إن لم يكن راجحا متعيّنا.(16:155)

10- يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ...

السّجدة:5

ابن عبّاس: ينزّل القضاء و القدر.

(القرطبيّ 14:86)

ينفّذ اللّه قضاءه بجميع ما يشاؤه.

مثله مجاهد و قتادة و عكرمة و الضّحّاك.

(أبو حيّان 7:198)

السّدّيّ: الأمر:الوحي.(أبو حيّان 7:198)

مقاتل: القضاء.(أبو حيّان 7:198)

الطّوسيّ: معناه أنّ الّذي خلق السّماوات و الأرض و ما بينهما في هذه المدّة يدبّر الأمور كلّها،و يقدّرها على حسب إرادته في ما بين السّماء و الأرض،و ينزله مع الملك إلى الأرض.(8:294)

مثله الطّبرسيّ.(4:326)

الزّمخشريّ: المأمور به من الطّاعات و الأعمال الصّالحة،ينزله مدبّرا.(3:241)

الفخر الرّازيّ:لمّا بيّن اللّه تعالى الخلق بيّن الأمر، كما قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54، و العظمة تتبيّن بهما.فإنّ من يملك مماليك كثيرين عظماء تكون له عظمة،ثمّ إذا كان أمره نافذا فيهم يزداد في أعين الخلق،و إن لم يكن له نفاذ أمر،ينقص من عظمته.

(25:172)

أبو حيّان: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ الأمر:واحد الأمور.

و قيل:يدبّر أمر الشّمس في طلوعها من المشرق و غروبها في المغرب،و مدارها في العالم من السّماء إلى الأرض،لأنّها على أهل الأرض تطلع إلى أن تغرب، و ترجع إلى موضعها من الطّلوع.(7:198)

11- وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ... الجاثية:17

ابن عبّاس: يعني بيّن لهم من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه يهاجر من تهامة إلى يثرب،و يكون أنصاره أهل يثرب.(الفخر الرّازيّ 27:265)

الطّبريّ: و أعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا،بتنزيلنا إليهم التّوراة،فيها تفصيل كلّ

ص: 161

شيء.(25:146)

نحوه أبو حيّان.(8:45)

الزّمخشريّ: من أمر الدّين،فما وقع بينهم الخلاف في الدّين.(3:511)

الطّبرسيّ: أي أعطيناهم دلالات،و براهين واضحات من العلم،بمبعث محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و ما بيّن لهم من أمره.و قيل:يريد ب(الأمر)أحكام التّوراة.(5:75)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:أنّه آتاهم من الأمر،أي أدلّة على أمور الدّنيا.

الثّاني:قال ابن عبّاس:يعني بيّن لهم من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه يهاجر من تهامة إلى يثرب،و يكون أنصاره أهل يثرب.

الثّالث:المراد وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ، أي معجزات قاهرة على صحّة نبوّتهم،و المراد معجزات موسى عليه السّلام.(27:265)

القرطبيّ:قيل:«بيّنات الأمر»:شرائع واضحات في الحلال و الحرام،و معجزات.(16:163)

12- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. الجاثية:18

الزّمخشريّ: من أمر الدّين.(3:511)

مثله الفخر الرّازيّ(27:265)،و البروسويّ(8:

444)،و الآلوسيّ(25:149).

ابن العربيّ:«الأمر»يرد في اللّغة بمعنيين:

أحدهما:بمعنى الشّأن،كقوله: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ هود:97.

و الثّاني:أنّه أحد أقسام الكلام الّذي يقابله النّهي.

و كلاهما يصحّ أن يكون مرادا هاهنا،و تقديره:ثمّ جعلناك على طريقة من الدّين،و هي ملّة الإسلام،كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ النّحل:123.(4:1694)

الطّباطبائيّ: (الامر):أمر الدّين،و المعنى:بعد ما آتينا بني إسرائيل ما آتينا،جعلناك على طريقة خاصّة من أمر الدّين الإلهيّ،و هي الشّريعة الإسلاميّة الّتي خصّ اللّه بها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أمّته.(18:166)

13- اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ... الطّلاق:12

مجاهد :بحياة بعض و موت بعض،و سلامة هذا و هلاك ذاك مثلا.(الفخر الرّازيّ 30:40)

الحسن :بين كلّ سماءين أرض و أمر.

(القرطبيّ 18:176)

عطاء: يريد الوحي بينهنّ إلى خلقه في كلّ أرض، و في كلّ سماء.(الفخر الرّازيّ 30:40)

قتادة :في كلّ سماء و في كلّ أرض خلق من خلقه، و أمر من أمره،و قضاء من قضائه.

(الزّمخشريّ 4:124)

مقاتل: يعني الوحي من السّماء العليا إلى الأرض السّفلى.(الفخر الرّازيّ 30:40)

الميبديّ: أي بين السّماء و الأرض،يريد:الأمر و النّهي و الرّسل و الوحي.

ص: 162

و قيل:(بينهنّ)أي بين كلّ سماء و سماء و أرض و أرض.

و(الامر):القضاء و القدر.

و قيل:يريد ب(الامر)الوقائع و الحوادث الّتي تحدث،و كلّ واحد منهما أمر و شأن من اللّه،يتنزّل بحكمه و قضائه و علمه.

و قيل:هو ما يدبّر فيهنّ من عجيب تدبيره؛فينزّل المطر و يخرج النّبات،و يأتي باللّيل و النّهار و الشّتاء و الصّيف،و يخلق الحيوان على اختلاف هيأتها و أنواعها، و ينقلهم من حال إلى حال.(10:147)

الزّمخشريّ: أي يجري أمر اللّه و حكمه بينهنّ، و ملكه ينفذ فيهنّ.(4:124)

الطّبرسيّ: إنّما صاحب الأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو على وجه الأرض.و إنّما(يتنزّل الامر)من فوق بين السّماوات و الأرضين؛فعلى هذا يكون المعنى تتنزّل الملائكة بأوامره إلى الأنبياء.(5:311)

القرطبيّ: قال مجاهد:يتنزّل الأمر من السّماوات السّبع إلى الأرضين السّبع.

و قال الحسن: بين كلّ سماءين أرض و أمر.

و(الامر)هنا الوحي،في قول مقاتل و غيره؛و عليه فيكون قوله:(بينهنّ)إشارة إلى بين هذه الأرض العليا الّتي هي أدناها و بين السّماء السّابعة الّتي هي أعلاها.

و قيل:الأمر القضاء و القدر.و هو قول الأكثرين.فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى:(بينهنّ)إشارة إلى ما بين الأرض السّفلى الّتي هي أقصاها و بين السّماء السّابعة الّتي هي أعلاها.و قيل: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ بحياة بعض و موت بعض و غنى قوم و فقر قوم.و قيل:هو ما يدبّر فيهنّ من عجيب تدبيره؛فينزل المطر و يخرج النّبات و يأتي باللّيل و النّهار،و الصّيف و الشّتاء،و يخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها و هيئاتها؛فينقلهم من حال إلى حال.قال ابن كيسان:و هذا على مجال اللّغة و اتّساعها؛كما يقال للموت:أمر اللّه؛و للرّيح و السّحاب و نحوها.(18:176)

البروسويّ: أي أمر اللّه،و اللاّم عوض عن المضاف إليه.(بينهنّ)أي بين السّماوات السّبع و الأرضين السّبع.

و الظّاهر أنّ الجملة استئنافيّة للإخبار عن شمول جريان حكمه و نفوذ أمره في العلويّات و السّفليّات كلّها.

فالأمر عند الأكثرين القضاء و القدر،بمعنى يجري قضاؤه و ينفذ حكمه بين السّماء السّابعة الّتي هي أعلى السّماوات، و بين الأرض السّابعة الّتي أسفل الأرضين.و لا يقتضي ذلك أن لا يجري في العرش و الكرسيّ،لأنّ المقام اقتضى ذكر ما ذكره،و التّخصيص بالذّكر لا يقتضي التّخصيص بالحكم،كذا قالوا.

يقول الفقير: تحقيق هذا المقام يستدعي تمهيد مقدّمة،و هي أنّه استوى الأمر الإراديّ الإيجاديّ على العرش،كما استوى الأمر التّكليفيّ الإرشاديّ على الشّرع الّذي هو مقلوب العرش،و التّجلّيات الإيجاديّة الأمريّة المتنزّلة بين السّماوات السّبع و الأرضين السّبع موقوفة على استواء أمر تمام حصول الأركان الأربعة على العرش،و تلك الأمور الأربعة هي:الحركة المعنويّة الأسمائيّة،و الحركة النّوريّة الرّوحانيّة،و الحركة الطّبيعيّة المثاليّة،و الحركة الصّوريّة الحسّيّة،و هي حركة العرش.

ص: 163

فالعرش مستوى أمره الإيجاديّ لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك.

و منه يتنزّل الأمر الإلهيّ بينهنّ،و هي التّجلّيات الإلهيّة الدّنيويّة و البرزخيّة و الحشريّة و النّيرانيّة و الجنانيّة،و كلّها تجلّيات وجوديّة،أشير إليها بقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29،و بقوله:

يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها الحديد:4،و أمّا التّجليّات الشّهوديّة فما كانت و تكون في الدّنيا و الآخرة،لقلوب أهل الكمال و أرواحهم و أسرارهم من الأنبياء العظام و الأولياء الكرام.

فمعنى الآية:يتنزّل أمر اللّه بالإيجاد و التّكوين و ترتيب النّظام و التّكميل بين كلّ سماء و أرض،من جانب العرش العظيم أبدا دائما،لأنّ اللّه تعالى لم يزل و لا يزال خالقا في الدّنيا و الآخرة،فيفني و يعدم عوالم و يوجد و يظهر عوالم أخرى لا نهاية لشئونه،فهو كلّ يوم و آن في أمر و شأن،بحسب مقتضيات استعدادات أهل العصر،و موجبات قابليّات أصحاب الزّمان.

(10:46)

الطّباطبائيّ: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ الظّاهر أنّ الضّمير للسّماوات و الأرض جميعا،و(الامر)هو الأمر الإلهيّ الّذي فسّره بقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،و هو كلمة«الإيجاد»، و«تنزّله»هو أخذه بالنّزول من مصدر الأمر إلى سماء بعد سماء حتّى ينتهي إلى العالم الأرضيّ،فيتكوّن ما قصد بالأمر من عين أو أثر أو رزق أو موت أو حياة أو عزّة أو ذلّة أو غير ذلك.قال تعالى: وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فصّلت:12،و قال: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ السّجدة:5.

و قيل:المراد ب(الامر)الأمر التّشريعيّ،يتنزّل ملائكة الوحي به من السّماء إلى النّبيّ و هو بالأرض،و هو تخصيص من غير مخصّص.و ذيل الآية: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ الطّلاق:12 إلخ،لا يلائمه.(19:326)

امرا

...قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً...

يوسف:18

الزّمخشريّ: أمرا عظيما ارتكبتموه من يوسف، و هوّنته في أعينكم.استدلّ على فعلهم به بما كان يعرف من حسدهم،و بسلامة القميص،أو أوحى إليه بأنّهم قصدوه.(2:308)

البروسويّ: (امرا)من الأمور منكرا لا يوصف و لا يعرف،فصنعتموه بيوسف.(4:227)

مثله الآلوسيّ(12:200)،و أبو السّعود(3:580).

امر

1- فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ...

المائدة:52

ابن عبّاس: هو القتل و سبي الذّراري لبني قريظة، و الإجلاء لبني النّضير.

ص: 164

مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 2:207)

الحسن :هو إظهار نفاق المنافقين مع الأمر بقتالهم.

مثله الزّجّاج.(الطّبرسيّ 2:207)

السّدّيّ: الأمر:الجزية.(الطّبريّ 6:280)

هو تجديد أمر فيه إذلال المشركين و عزّ للمؤمنين.(الطّوسيّ 3:552)

الكلبيّ: هو إجلاء بني النّضير و أخذ أموالهم، لم يكن للنّاس فيه فعل بل طرح اللّه في قلوبهم الرّعب، فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل و لا ركاب.و قتل قريظة و سبي ذراريهم.

(أبو حيّان 3:508)

ابن قتيبة :الخصب و الرّخاء.(أبو حيّان 3:508)

الجبّائيّ: هو أمر دون الفتح الأعظم،أو موت هذا المنافق.(الطّبرسيّ 2:207)

موت رأس النّفاق.(الآلوسيّ 6:158)

الطّبريّ: قد يحتمل أن يكون«الأمر»الّذي وعد اللّه نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أن يأتي به هو الجزية،و يحتمل أن يكون غيرها.غير أنّه أيّ ذلك كان،فهو ممّا فيه إدالة المؤمنين،على أهل الكفر باللّه و برسوله،و ممّا يسوء المنافقين و لا يسرّهم؛و ذلك أنّ اللّه تعالى قد أخبر عنهم، أنّ ذلك الأمر إذا جاء أصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين.(6:280)

الفارسيّ: هو أمر دون الفتح الأعظم،أو موت هذا المنافق،لأنّه إذا أتى اللّه المؤمنين ذلك ندم المنافقون و الكفّار على تقويتهم بأنفسهم ذلك،و كذلك إذا ماتوا أو تحقّقوا ما يصيرون إليه من العقاب ندموا على ما فعلوه في الدّنيا من الكفر و النّفاق.(الطّوسيّ 3:552)

الزّمخشريّ: يقطع شأفة اليهود و يجليهم عن بلادهم،فيصبح المنافقون نادمين على ما حدّثوا به أنفسهم؛و ذلك أنّهم كانوا يشكّون في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و يقولون:ما نظنّ أن يتمّ له أمر،و بالحريّ أن تكون الدّولة و الغلبة لهؤلاء.

و قيل: أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ أو أن يؤمر النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم بإظهار أسرار المنافقين و قتلهم؛فيندموا على نفاقهم.

و قيل:أو أمر من عند اللّه لا يكون فيه للنّاس فعل، كبني النّضير الّذين طرح اللّه في قلوبهم الرّعب فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل و لا ركاب.

(1:620)

نحوه البروسويّ.(2:403)

ابن عطيّة: يظهر أنّ هذا التّقسيم (1)إنّما هو،لأنّ الفتح الموعود به هو ما يتركّب على سعي النّبيّ و أصحابه و يسبّبه جدّهم و عملهم؛فوعد اللّه تعالى إمّا بفتح بمقتضى تلك الأفعال،و إمّا بأمر من عنده يهلك أعداء الشّرع،هو أيضا فتح،لا يقع للبشر فيه تسبيب.(3:205)

الفخر الرّازيّ: [قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

إن قيل:شرط صحّة التّقسيم أن يكون ذلك بين قسمين متنافيين،و قوله: فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ليس كذلك،لأنّ الإتيان بالفتح داخل في قوله: أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ؟

قلنا:قوله: أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ معناه أو أمر من عنده لا يكون للنّاس فيه فعل البتّة،كبني النّضير الّذين).

ص: 165


1- يعني قوله:(ان ياتى بالفتح او امر من عنده).

طرح اللّه في قلوبهم الرّعب،فأعطوا بأيديهم من غير محاربة و لا عسكر.(12:17)

2- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ...

النّور:62

راجع«ج م ع».

3- فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ. الدّخان:4-5

ابن عبّاس: يحكم اللّه أمر الدّنيا إلى قابل في ليلة القدر،ما كان من حياة أو موت أو رزق.

مثله قتادة و مجاهد و الحسن.(القرطبيّ 16:126)

ابن عمر: يحكم اللّه أمر الدّنيا إلاّ الشّقاء و السّعادة، فإنّهما لا يتغيّران.(القرطبيّ 16:126)

مجاهد :في ليلة القدر كلّ أمر يكون في السّنة إلى السّنة:الحياة و الموت،يقدّر فيها المعايش و المصائب كلّها.

نحوه أبو مالك و قتادة.(الطّبريّ 25:108)

عكرمة :هي ليلة النّصف من شعبان يبرم فيها أمر السّنة،و ينسخ الأحياء من الأموات،و يكتب الحاجّ، فلا يزيد فيهم أحد و لا ينقص منهم أحد.

(الطّبرسيّ 5:61)

الإمام الباقر عليه السّلام: ينزّل فيها كلّ أمر حكيم، و المحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد.فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللّه عزّ و جلّ،و من حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطّاغوت.

إنّه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة،يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا و كذا و في أمر النّاس كذا و كذا،و أنّه ليحدّث لوليّ الأمر-سوى ذلك- كلّ يوم علم اللّه الخاصّ و المكنون العجيب المخزون،مثل ما ينزّل في تلك اللّيلة من الأمر،ثمّ قرأ: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ... لقمان:27

(الكاشانيّ 4:404)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله:

(امرا)،فقال بعض نحويّي الكوفة:نصب على إنّا أنزلناه امرا و رحمة،على الحال.

و قال بعض نحويّي البصرة:نصب على معنى يفرق كلّ أمر فرقا و أمرا.(25:109)

نحوه الطّوسيّ(9:224)،و الطّبرسيّ(5:61).

النّقّاش: «الأمر»هو القرآن،أنزله اللّه من عنده.

(القرطبيّ 16:128)

الرّمّانيّ: هو ما قضاه اللّه في اللّيلة المباركة من أحوال عباده.(القرطبيّ(16:128)

الزّمخشري: كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ :كلّ شأن ذي حكمة،أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة.و هو من الإسناد المجازيّ،لأنّ«الحكيم»صفة صاحب الأمر على الحقيقة،و وصف«الأمر»به مجاز.

أَمْراً مِنْ عِنْدِنا نصب على الاختصاص،جعل كلّ أمر جزلا فخما،بأن وصفه بالحكيم،ثمّ زاده جزالة و كسبه فخامة بأن قال:أعني بهذا الأمر:أمرا حاصلا من

ص: 166

عندنا كائنا من لدنّا،و كما اقتضاه علمنا و تدبيرنا.

و يجوز أن يراد به الأمر الّذي هو ضدّ النّهي،ثمّ إمّا أن يوضع موضع«فرقانا»الّذي هو مصدر«يفرق»لأنّ معنى الأمر و الفرقان واحد؛من حيث إنّه إذا حكم بالشّيء و كتبه فقد أمر به و أوجبه.أو يكون حالا من أحد الضّميرين في(انزلناه)،إمّا من ضمير الفاعل،أي أنزلناه آمرين أمرا.أو من ضمير المفعول،أي أنزلناه في حال كونه أمرا من عندنا،بما يجب أن يفعل.

(3:500)

نحوه الفخر الرّازيّ.(27:240)

4- تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. القدر:4

ابن عبّاس: أمر بكلّ أمر قدّره اللّه و قضاه في تلك السّنة إلى قابل.(القرطبيّ 20:133)

قتادة :يقضي فيها ما يكون في السّنة إلى مثلها.فعلى هذا القول منتهي الخبر،و موضع الوقف من كلّ أمر.(الطّبريّ 30:260)

الطّبريّ: من كلّ أمر قضاه اللّه في تلك السّنة،من رزق و أجل و غير ذلك.[إلى أن قال:]

عن ابن عبّاس:أنّه كان يقرأ (من كلّ امرئ سلام) ،و هذه القراءة من قرأ بها وجّه معنى (من كلّ امرئ) من كلّ ملك،كان معناه عنده:تنزّل الملائكة و الرّوح فيها بإذن ربّهم من كلّ ملك يسلّم على المؤمنين و المؤمنات.

و لا أرى القراءة بها جائزة،لإجماع الحجّة من القرّاء على خلافها،و أنّها خلاف لما في مصاحف المسلمين؛ و ذلك أنّه ليس في مصحف من مصاحف المسلمين في قوله:(امر)ياء،و إذا قرئت:(من كلّ امرئ)لحقتها همزة،تصير في الخطّ ياء.

و الصّواب من القول في ذلك،القول الأوّل الّذي ذكرناه قبل،على ما تأوّله قتادة.(30:260)

الطّوسيّ: روي عن ابن عبّاس أنّه قرأ (من كلّ امرئ) بمعنى من الملائكة،الباقون(من كلّ امر)بمعنى الواحد من الأمور.[إلى أن قال:]

أي ما ينزلون به كلّه بأمر اللّه.و يكون الوقف هاهنا تامّا على ما قرأ به القرّاء المشهورون،و على ما حكيناه عن ابن عبّاس-و هو قول عكرمة و الضّحّاك-لا يكون تامّا.(10:384)

الطّبرسيّ: أي بكلّ أمر من الخير و البركة،كقوله:

يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11،أي بأمر اللّه.و قيل:

بكلّ أمر من أجل و رزق،إلى مثلها من العام القابل؛فعلى هذا يكون الوقف هنا تامّا.(5:520)

الفخر الرّازيّ: معناه تنزّل الملائكة و الرّوح فيها من أجل كلّ أمر،و المعنى أنّ كلّ واحد منهم إنّما نزل لمهمّ آخر،ثمّ ذكروا فيه وجوها:

أحدها:أنّهم كانوا في أشغال كثيرة،فبعضهم للرّكوع و بعضهم للسّجود،و بعضهم بالدّعاء،و كذا القول في التّفكّر و التّعليم و إبلاغ الوحي،و بعضهم لإدراك فضيلة اللّيلة أو ليسلّموا على المؤمنين.

و ثانيها:و هو قول الأكثرين،من أجل كلّ أمر قدّر في تلك السّنة من خير أو شرّ.و فيه إشارة إلى أنّ نزولهم

ص: 167

إنّما كان عبادة،فكأنّهم قالوا:ما نزلنا إلى الأرض لهوى أنفسنا،لكن لأجل كلّ أمر فيه مصلحة المكلّفين.و عمّ لفظ«الأمر»ليعمّ خير الدّنيا و الآخرة،بيانا منه أنّهم ينزلون بما هو صلاح المكلّف في دينه و دنياه،كأنّ السّائل يقول:من أين جئت؟فيقول:مالك و هذا الفضول،و لكن قل:لأيّ أمر جئت،لأنّه حظّك.

و ثالثها:قرأ بعضهم (من كلّ امرئ) أي من أجل كلّ انسان.(32:35)

الآلوسيّ: أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التّقدير في تلك السّنة إلى قابل،و أظهره سبحانه و تعالى لهم،قاله غير واحد.ف(من)بمعنى اللاّم التّعليليّة متعلّقة ب(تنزّل).

قال عصام الدّين:فإن قلت:المقدّرات لا تفعل في تلك اللّيلة بل في تمام السّنة،فلما ذا تنزّل الملائكة عليهم السّلام فيها لأجل تلك الأمور؟

قلت:لعلّ تنزّلهم لتعيين إنفاذ تلك الأمور لهم، و تنزّلهم لأجل كلّ أمر.ليس على معنى تنزّل كلّ واحد لأجل كلّ أمر،و لا تنزّل كلّ واحد لأمر،بل على معنى تنزّل الجميع لأجل جميع الأمور،حتّى يكون في الكلام تقسيم العلل على المعلولات،انتهى.

و أقول:يمكن أن يكون تنزّلهم لإعداد القوابل لقبول ما أمروا به.و أشار-بما ذكره من التّقسيم-إلى أنّه يجوز أن يكون نزول الواحد منهم لعدّة أمور،و قولهم:من أجل كلّ أمر تعلّق إلخ قد تقدّم ما فيه من البحث فتذكّر.

و قال أبو حاتم:(من)بمعنى الباء،أي تنزّل بكلّ أمر.

فقيل:أي من الخير و البركة،و قيل:من الخير و الشّرّ.

و جعلت الباء عليه للسّببيّة،فيرجع المعنى إلى نحو ما مرّ.و منهم من جعلها للملابسة،و المراد بملابستهم له ملابستهم للأمر به،فكأنّه قيل:تنزّل الملائكة و هم مأمورون بكلّ أمر يكون في السّنة،و كونهم يتنزّلون و هم كذلك لا يستدعي فعلهم جميع ما أمروا به في تلك اللّيلة.

و الظّاهر-على ما قالوا-أنّ المراد ب(الملائكة) المدبّرات؛إذ غيرهم لا تعلّق له في الأمور الّتي تعلّق بها التّقدير ليتنزّلوا لأجلها،على المعنى السّابق،و هو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات،فتدبّر.

و كأنّه لذلك قيل:إنّ(من كلّ أمر)متعلّق بقوله تعالى:(سلام)و هو مصدر بمعنى السّلامة خبر مقدّم، و قوله تعالى:(هى)مبتدأ،أي هي سلام من كلّ أمر مخوف.و تعلّقه بذلك على التّوسّع في الظّرف،و إلاّ فمعمول المصدر لا يتقدّم عليه في المشهور.

و قيل:هو متعلّق بمحذوف مقدّم يفسّره المذكور.

و من وقف على كلام العلاّمة التّفتازانيّ في أوائل«شرح التّلخيص»في مثل ذلك،استغنى عمّا ذكر.

و قيل: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ متعلّق ب(تنزّل)لكن على معنى تنزّل إلى الأرض منفصلة من كلّ أمر لها في السّماء و تاركة له.و فيه إشارة إلى مزيد الاهتمام بالتّنزّل إلى الأرض و فيه من البعد ما فيه.(30:196)

الطّباطبائيّ: (من)في قوله: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قيل:

بمعنى الباء.و قيل:لابتداء الغاية،و تفيد السّببيّة،أي بسبب كلّ أمر إلهيّ.و قيل:للتّعليل بالغاية،أي لأجل تدبير كلّ أمر من الأمور.

ص: 168

و الحقّ أنّ المراد ب«الأمر»إن كان هو الأمر الإلهيّ المفسّر بقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،ف(من)للابتداء و تفيد السّببيّة، و المعنى تتنزّل الملائكة و الرّوح في ليلة القدر بإذن ربّهم مبتدأ تنزّلهم و صادرا من كلّ أمر إلهيّ.

و إن كان هو الأمر من الأمور الكونيّة و الحوادث الواقعة ف(من)بمعنى اللاّم التّعليليّة،و المعنى تتنزّل الملائكة و الرّوح في اللّيلة بإذن ربّهم،لأجل تدبير كلّ أمر من الأمور الكونيّة.(20:332)

امره

...وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ...

البقرة:275

الحسن :أجره على اللّه لقبوله الموعظة.

(أبو حيّان 2:336)

مثله الميبديّ.(1:752)

أبو سليمان الدّمشقيّ: في عفو اللّه عن ما شاء منه.(أبو حيّان 2:336)

الطّبريّ: يعني و أمر آكله بعد مجيئه الموعظة من ربّه و التّحريم،و بعد انتهاء آكله عن أكله،إلى اللّه في عصمته و توفيقه،إن شاء عصمه عن أكله و ثبّته في انتهائه عنه، و إن شاء خذله عن ذلك.(3:104)

نحوه الطّوسيّ(2:361)،و الطّبرسيّ(1:390).

الزّمخشريّ: يحكم في شأنه يوم القيامة،و ليس من أمره إليكم شيء،فلا تطالبوه به.(1:400)

الفخر الرّازيّ: وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ فيه وجوه للمفسّرين،إلاّ أنّ الّذي أقوله:إنّ هذه الآية مختصّة بمن ترك استحلال الرّبا من غير بيان أنّه ترك أكل الرّبا أو لم يترك،و الدّليل عليه مقدّمة الآية و مؤخّرتها.

أمّا مقدّمة الآية فلأنّ قوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى ليس فيه بيان؛أنّه انتهى عمّا ذا؟فلا بدّ و أن يصرف ذلك المذكور إلى السّابق.و أقرب المذكورات في هذه الكلمة ما حكى اللّه أنّهم قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، فكان قوله:(فانتهى)عائدا إليه،فكان المعنى فانتهى عن هذا القول.

و أمّا مؤخّر الآية فقوله: وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ و معناه:عاد إلى الكلام المتقدّم،و هو استحلال الرّبا،فأمره إلى اللّه.

ثمّ هذا الإنسان إمّا أن يقال:إنّه كما انتهى عن استحلال الرّبا انتهى أيضا عن أكل الرّبا،أو ليس كذلك.

فإن كان الأوّل كان هذا الشّخص مقرّا بدين اللّه عالما بتكليف اللّه؛فحينئذ يستحقّ المدح و التّعظيم و الإكرام.

لكن قوله:«فامره إلى الله»ليس كذلك،لأنّه يفيد أنّه تعالى إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له؛فثبت أنّ هذه الآية لا تليق بالكافر و لا بالمؤمن المطيع،فلم يبق إلاّ أن يكون مختصّا بمن أقرّ بحرمة الرّبا ثمّ أكل الرّبا.فهاهنا أمره للّه إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له،و هو كقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،فيكون ذلك دليلا ظاهرا على صحّة قولنا:

إنّ العفو من اللّه مرجوّ.(7:100)

القرطبيّ:فيه أربع تأويلات:

ص: 169

أحدها:أنّ الضّمير عائد إلى(الرّبا)،بمعنى و أمر الرّبا إلى اللّه في إمرار تحريمه،أو غير ذلك.

و الآخر:أن يكون الضّمير عائدا على(ما سلف)أي أمره إلى اللّه تعالى في العفو عنه،و إسقاط التّبعة فيه.

و الثّالث:أن يكون الضّمير عائدا على«ذي الرّبا» بمعنى أمره إلى اللّه في أن يثبته على الانتهاء،أو يعيده إلى المعصية في الرّبا.

و اختار هذا القول النّحّاس،قال:و هذا قول حسن بيّن،أي و أمره إلى اللّه في المستقبل إن شاء ثبّته على التّحريم و إن شاء أباحه.

و الرّابع:أن يعود الضّمير على«المنتهى»،و لكن بمعنى التّأنيس له و بسط أمله في الخير،كما تقول:و أمره إلى طاعة و خير،و كما تقول:و أمره في نموّ و إقبال إلى اللّه تعالى و إلى طاعته.(3:361)

أبو حيّان:الظّاهر أنّ الضّمير في(امره)عائد على «المنتهى»إذ سياق الكلام معه،و هو بمعنى التّأنيس له و بسط أمله في الخير،كما تقول:أمره إلى طاعة و خير و موضع رجاء.و الأمر هنا ليس في الرّبا خاصّة بل و جملة أموره.

و قيل:في الجزاء و المحاسبة.

و قيل:في العفو و العقوبة.

و قيل: أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ يحكم في شأنه يوم القيامة لا إلى الّذين عاملهم،فلا يطالبونه بشيء.

و قيل:المعنى فأجره على اللّه لقبوله الموعظة،قاله الحسن.

و قيل:الضّمير يعود على(ما سلف)أي في العفو عنه، و إسقاط التّبعة فيه.

و قيل:يعود على«ذي الرّبا»أي في أن يثبّته على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية،قاله ابن جبير و مقاتل.

و قيل:يعود على(الرّبا)أي في إمرار تحريمه أو غير ذلك.

و قيل:في عفو اللّه عن ما شاء منه،قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.(2:335)

الطّباطبائيّ: اعلم أنّ أمر الآية عجيب،فإنّ قوله:

فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ إلى آخر الآية-مع ما يشتمل عليه من التّسهيل و التّشديد-حكم غير خاصّ بالرّبا،بل عامّ يشمل جميع الكبائر الموبقة.و القوم قد قصروا في البحث عن معناها،حيث اقتصروا بالبحث عن مورد الرّبا خاصّة،من حيث العفو عمّا سلف منه،و رجوع الأمر إلى اللّه فيمن انتهى،و خلود العذاب لمن عاد إليه بعد مجيء الموعظة.هذا كلّه مع ما تراه من العموم في الآية.

إذا علمت هذا ظهر لك أنّ قوله: فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ لا يفيد إلاّ معنى مبهما،يتعيّن المعصية الّتي جاء فيها الموعظة،و يختلف باختلافها.فالمعنى:أنّ من انتهى عن موعظة جاءته،فالّذي تقدّم منه من المعصية سواء كان في حقوق اللّه أو في حقوق النّاس فإنّه لا يؤاخذ بعينها،لكنّه لا يوجب تخلّصه من تبعاته أيضا،كما تخلّص من أصله من حيث صدوره،بل أمره فيه إلى اللّه.

إن شاء وضع فيها تبعة،كقضاء الصّلاة الفائتة و الصّوم المنقوض،و موارد الحدود و التّعزيرات،و ردّ المال المحفوظ المأخوذ غصبا أو ربا و غير ذلك،مع العفو عن أصل الجرائم بالتّوبة و الانتهاء.

ص: 170

و إن شاء عفا عن الذّنب،و لم يضع عليه تبعة بعد التّوبة،كالمشرك إذا تاب عن شركه،و من عصى بنحو شرب الخمر و اللّهو فيما بينه و بين اللّه و نحو ذلك.

فإنّ قوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى مطلق يشمل الكافرين و المؤمنين في أوّل التّشريع، و غيرهم من التّابعين،و أهل الأعصار اللاّحقة.

(2:417)

امره

...لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ... المائدة:95

راجع«و ب ل».

بامره

1- ...وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ...

الأعراف:54

الطّبريّ: كلّ ذلك بأمره،أمرهنّ اللّه فأطعن أمره.

ألا للّه الخلق كلّه،و الأمر الّذي لا يخالف،و لا يردّ أمره دون ما سواه من الأشياء كلّها،و دون ما عبده المشركون من الآلهة و الأوثان الّتي لا تضرّ و لا تنفع،و لا تخلق و لا تأمر،تبارك اللّه معبودنا الّذي له عبادة كلّ شيء ربّ العالمين.(8:206)

الزّمخشريّ: بمشيئته و تصريفه،و هو متعلّق ب(مسخّرات)أي خلقهنّ جاريات بمقتضى حكمته و تدبيره،و كما يريد أن يصرفها،سمّى ذلك أمرا على التّشبيه،كأنّهنّ مأمورات بذلك.(2:82)

أبو حيّان:قيل:بأمره،أي بنفاذ إرادته؛إذ المقصود تبيين عظيم قدرته،لقوله: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11،و قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ... النّحل:

40

و قيل:الأمر هو الكلام.(4:310)

الآلوسيّ:أي خلقهنّ،حال كونهنّ مذلّلات تابعات لتصرّفه سبحانه فيهنّ بما شاء،غير ممتنعات عليه جلّ شأنه،كأنّهنّ مميّزات أمرن فانقدن،فتسمية ذلك أمرا على سبيل التّشبيه و الاستعارة.

و يصحّ حمل«الأمر»على الإرادة كما قيل،أي هذه الأجرام العظيمة و المخلوقات البديعة منقادة لإرادته.

و منهم من حمل«الأمر»على الأمر الكلاميّ،و قال:

إنّه سبحانه أمر هذه الأجرام بالسّير الدّائم و الحركة المستمرّة على الوجه المخصوص،إلى حيث شاء.

و لا مانع من أن يعطيها اللّه تعالى إدراكا و فهما لذلك، بل ادّعى بعضهم أنّها مدركة مطلقا.و في بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ لبعضها إدراكا لغير ما ذكر.(8:138)

رشيد رضا :الأمر هنا أمر التّكوين،أو هو عبارة عن التّصرّف و التّدبير،و منه(أولو الأمر)،و أصله:الأمر المقابل للنّهي،توسّع فيه،أي و خلق الشّمس و القمر و النّجوم حال كونهنّ مذلّلات خاضعات لتصرّفه، منقادات لمشيئته.

فقد قرأ الجمهور هذه الكلمات بالنّصب،و قرأها ابن عامر بالرّفع على أنّ(الشّمس)مبتدأ باعتبار ما عطف عليها،و(مسخّرات)خبره.و لا فرق بين القراءتين في المعنى المراد من التّسخير بأمره،إلاّ أنّ ظاهر قراءة

ص: 171

الجمهور أن (الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ) غير(السماوات و الأرض)لأنّ العطف يقتضي المغايرة،و سيأتي الكلام على ذلك في الكلام على(السّماوات السّبع)في موضعه.

(8:454)

2- ...فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ... التّوبة:24 ابن عبّاس: هو فتح مكّة.(الزّمخشريّ 2:181)

مثله مجاهد و مقاتل(الآلوسيّ 10:710)،و الطّبريّ (10:99).

مجاهد :بالفتح.(الطّبريّ 10:99)

الحسن :هي عقوبة عاجلة أو آجلة.

(الزّمخشريّ 2:181)

مثله الجبّائيّ(الآلوسيّ 10:71)،و الفخر الرّازيّ (16:19)،و البروسويّ(3:403).

الطّبرسيّ:أي بحكمه فيكم.و قيل:بفتح مكّة،عن مجاهد.

و قال بعضهم:و هذا لا يصحّ،لأنّ سورة براءة نزلت بعد فتح مكّة.(3:16)

رشيد رضا :وعيدا بهم لتذهب أنفسهم فيه كلّ مذهب،و أقرب ما يفسّر به قوله في وعيد المنافقين،من هذه السّورة: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا التّوبة:52.(10:235)

الطّباطبائيّ: ذكر تعالى أنّهم إن تولّوا أعداء الدّين،و قدّموا حكم هؤلاء الأمور على حبّ اللّه و رسوله و الجهاد في سبيله فليتربّصوا و لينتظروا حتّى يأتي اللّه بأمره و اللّه لا يهدي القوم الفاسقين.

و من المعلوم أنّ الشّرط أعني قوله: إِنْ كانَ آباؤُكُمْ إلى قوله: فِي سَبِيلِهِ في معنى أن يقال:إن تنتهوا عمّا ينهاكم عنه من اتّخاذ الآباء و الإخوان الكافرين أولياء باتّخاذكم سببا يؤدّي إلى خلاف ما يدعوكم إليه و إهمالكم في أمر غرض الدّين و هو الجهاد في سبيل اللّه.

فقوله في الجزاء: فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ لا محالة إمّا أمر يتدارك به ما عرض على الدّين من ثلمة و سقوط غرض في ظرف مخالفتهم،و إمّا عذاب يأتيهم عن مخالفة أمر اللّه و رسوله،و الإعراض عن الجهاد في سبيله.

غير أنّ قوله تعالى في ذيل الآية: وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يعرض لهم أنّهم خارجون حينئذ عن زيّ العبوديّة،فاسقون عن أمر اللّه و رسوله،فهم بمعزل من أن يهديهم اللّه بأعمالهم،و يوفّقهم لنصرة اللّه و رسوله،و إعلاء كلمة الدّين،و إمحاء آثار الشّرك.

فذيل الآية يهدي إلى أنّ المراد بهذا الأمر الّذي يأمرهم اللّه أن يتربّصوا له حتّى يأتي به أمر منه تعالى، متعلّق بنصرة دينه و إعلاء كلمته،فينطبق على مثل قوله تعالى في سورة المائدة-بعد آيات ينهى فيها عن تولّي الكافرين-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ المائدة:54،و الآية بقيودها و خصوصيّاتها

ص: 172

كما ترى تنطبق على ما تفيده الآية الّتي نحن فيها.

فالمراد-و اللّه أعلم-إن اتّخذتم هؤلاء أولياء، و استنكفتم عن إطاعة اللّه و رسوله،و الجهاد في سبيل اللّه؛ فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره،و يبعث قوما لا يحبّون إلاّ اللّه،و لا يوالون أعداءه،و يقومون بنصرة الدّين و الجهاد في سبيل اللّه أفضل قيام،فإنّكم إذا فاسقون لا ينتفع بكم الدّين،و لا يهدي اللّه شيئا من أعمالكم إلى غرض حقّ، و سعادة مطلوبة.

و ربّما قيل:إنّ المراد بقوله: فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ الإشارة إلى فتح مكّة.

و ليس بسديد،فإنّ الخطاب في الآية للمؤمنين من المهاجرين و الأنصار،و خاصّة المهاجرين،و هؤلاء هم الّذين فتح اللّه مكّة بأيديهم،و لا معنى لأن يخاطبوا و يقال لهم: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يفتح اللّه مكّة بأيديكم وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ التّوبة:

24،أو فتربّصوا حتّى يفتح اللّه مكّة،و اللّه لا يهديكم لمكان فسقكم،فتأمّل.(9:208)

3- ..وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ... إبراهيم:32

الزّمخشريّ: بقوله:(كن).(2:379)

الطّبرسيّ: أي بأمر اللّه،لأنّها تسير بالرّياح،و اللّه هو المنشئ للرّياح.(3:316)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى أضاف ذلك التّسخير إلى أمره،لأنّ الملك العظيم قلّما يوصف بأنّه فعل،و إنّما يقال فيه:إنّه أمر بكذا تعظيما لشأنه.و منهم من حمله على ظاهر قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40،(19:128)

البروسويّ: بإرادته إلى حيث توجّهتم،و انطوى في تسخير الفلك تسخير البخار و تسخير الرّياح.

(4:421)

الآلوسيّ: بمشيئته الّتي بها نيط كلّ شيء.

و تخصيصه بالذّكر على ما ذكره بعض المحقّقين للتّنصيص على أنّ ذلك ليس بمزاولة الأعمال و استعمال الآلات كما يتراءى من ظاهر الحال،و يندرج في تسخير الفلك كما في البحر تسخيره،و كذا تسخير الرّياح.(13:224)

الطّباطبائيّ: إسناد جريها في البحر إلى أمره تعالى،مع كونه مستندا إلى الأسباب الطّبيعيّة العاملة كالرّيح و البخار و سائر الأسباب،لكونه تعالى هو السّبب المحيط الّذي إليه ينتهي كلّ سبب.(12:59)

4- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ...

الرّوم:25

الزّمخشريّ: أي بقوله:كونا قائمتين،و المراد بإقامته لهما إرادته لكونهما على صفة القيام دون الزّوال.

(3:219)

الطّبرسيّ: بلاد عامة تدعمها و لا علاقة تتعلّق بها بأمره لهما بالقيام،كقوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40.

و قيل:(بأمره)أي بفعله و إمساكه،إلاّ أنّ أفعال اللّه عزّ اسمه تضاف إليه بلفظ الأمر،لأنّه أبلغ في الاقتدار،

ص: 173

فإنّ قول القائل:أراد فكان،أو أمر فكان،أبلغ في الدّلالة على الاقتدار من أن يقول:فعل فكان.(4:301)

نحوه الطّباطبائيّ.(16:169)

الفخر الرّازيّ: قوله:(بامره)أي بقوله:«قوما»أو بارادته قيامهما،و ذلك لأنّ الأمر عند المعتزلة موافق للإرادة،و عندنا ليس كذلك.و لكنّ النّزاع في الأمر الّذي للتّكليف لا في الأمر الّذي للتّكوين،فإنّا لا ننازعهم في أنّ قوله:(كن)و(كونوا)و(يا نار كونى)موافق للإرادة.(25:115).

القرطبيّ: أي قيامها و استمساكها بقدرته بلا عمد.

و قيل:بتدبيره و حكمته،أي يمسكها بغير عمد لمنافع الخلق.

و قيل:(بامره):بإذنه،و المعنى واحد.(14:19)

امركم

...فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً... يونس:71

الزّمخشريّ: إن قلت:ما معنى الأمرين:أمرهم الّذي يجمعونه،و أمرهم الّذي لا يكون عليهم غمّة؟

قلت:أمّا الأمر الأوّل فالقصد إلى إهلاكه،يعني فاجمعوا ما تريدون من إهلاكي و احتشدوا فيه،و ابذلوا وسعكم في كيدي.و إنّما قال ذلك إظهارا لقلّة مبالاته و ثقته بما وعده ربّه من كلاءته و عصمته إيّاه،و أنّهم لن يجدوا إليه سبيلا.

و أمّا الثّاني ففيه وجهان:أحدهما:أن يراد مصاحبتهم له،و ما كانوا فيه معه من الحال الشّديدة عليهم المكروهة عندهم،يعني ثمّ أهلكوني لئلاّ يكون عيشكم بسببي غصّة و حالكم عليكم غمّة،أي غمّا و همّا،و الغمّ و الغمّة كالكرب و الكربة.و الثّاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأوّل.(2:245)

أبو البركات: المراد من«الأمر»هنا وجود كيدهم و مكرهم،فالتّقدير:لا تتركوا من أمركم شيئا إلاّ أحضرتموه.(أبو حيّان 5:179)

القاسميّ:أي شأنكم في إهلاكي.(9:3380)

امرى

1- ...وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي... الكهف:82

ابن عبّاس: يريد انكشف لي من اللّه علم فعملت به.(الطّبرسيّ 3:488)

قتادة :كان عبدا مأمورا،فمضى لأمر اللّه.

(الطّبريّ 16:7)

ابن إسحاق :ما رأيت أجمع ما فعلته عن نفسي.

(الطّبريّ 16:7)

الطّبريّ: و ما فعلت يا موسى جميع الّذي رأيتني فعلته عن رأيي،و من تلقاء نفسي،و إنّما فعلته عن أمر اللّه إيّاي به.(16:7)

مثله الطّبرسيّ.(3:488)

الزّمخشريّ: عن اجتهادي و رأيي،و إنّما فعلته بأمر اللّه.(2:496)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:162)،و أبو حيّان(6:

156)،و البروسويّ(5:287)،و الآلوسيّ(16:14)، و الطّباطبائيّ(13:349).

ص: 174

2- وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. طه:32

الطّبريّ: و اجعله نبيّا مثل ما جعلتني نبيّا،و أرسله معي إلى فرعون.(16:160)

مثله القرطبيّ.(11:194)

الزّمخشريّ: أي اجعله شريكي في الرّسالة حتّى نتعاون على عبادتك و ذكرك،فإنّ التّعاون مهيّج الرّغبات،يتزايد به الخبر و يتكاثر.(2:536)

مثله البروسويّ(5:379)،و الآلوسيّ(16:185)، و المراغيّ(16:107).

الطّبرسيّ: أي اجمع بيني و بينه في النّبوّة،ليكون أحرص على مؤازرتي.لم يقتصر على سؤال الوزارة حتّى سأل أن يكون شريكه في النّبوّة،و لو لا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة.(4:9)

الفخر الرّازيّ: الأمر هاهنا«النّبوّة»و إنّما قال ذلك لأنّه عليه السّلام علم أنّه يشدّ به عضده،و هو أكبر منه سنّا، و أفصح منه لسانا.(22:50)

الطّباطبائيّ: معنى قوله: وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي سؤال الإشراك في أمر كان يخصّه،و هو تبليغ ما بلغه من ربّه بادئ مرّة،فهو الّذي يخصّه و لا يشاركه فيه أحد سواه،و لا له أن يستنيب فيه غيره.

و أمّا تبليغ الدّين أو شيء من أجزائه بعد بلوغه بتوسّط النّبيّ،فليس ممّا يختصّ بالنّبيّ بل هو وظيفة كلّ من آمن به،ممّن يعلم شيئا من الدّين؛و على العالم أن يبلّغ الجاهل،و على الشّاهد أن يبلّغ الغائب.و لا معنى لسؤال اشتراك أخيه معه في أمر لا يخصّه بل يعمّه و أخاه،و كلّ من آمن به من الإرشاد و التّعليم و البيان و التّبليغ.

فتبيّن أنّ معنى إشراكه في أمره:أن يقوم بتبليغ بعض ما يوحى إليه من ربّه عنه و سائر ما يختصّ به من عند اللّه، كافتراض الطّاعة و حجّيّة الكلمة.

و أمّا الاشتراك في النّبوّة خاصّة،بمعنى تلقّي الوحي من اللّه سبحانه فلم يكن موسى يخاف على نفسه التّفرّد في ذلك حتّى يسأل الشّريك،و إنّما كان يخاف التّفرّد في التّبليغ و إدارة الأمور،في إنجاء بني إسرائيل و ما يلحق بذلك.و قد نقل ذلك عن موسى نفسه في قوله: وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي القصص:34.

على أنّه صحّ من طرق الفريقين أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله دعا بهذا الدّعاء بألفاظه في حقّ عليّ عليه السّلام،و لم يكن نبيّا.(14:147)

امرنا

1- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ. التّوبة:50

مجاهد :أي أخذنا حذرنا و احترزنا بالقعود،من قبل هذه المصيبة.(الطّبرسيّ 3:37)

الطّبريّ: أي قد أخذنا حذرنا بتخلّفنا عن محمّد، و ترك اتّباعه إلى عدوّه.(10:149)

الزّمخشريّ: أي أمرنا الّذي نحن متّسمون به من الحذر و التّيقّظ و العمل بالحزم.(2:194)

مثله الفخر الرّازيّ(16:84)،و أبو حيّان(5:51).

ص: 175

الطّبرسيّ: أخذنا أمرنا من مواضع الهلكة،فسلمنا ممّا وقعوا فيه.(3:37)

القرطبي: أي احتطنا لأنفسنا و أخذنا بالحزم،فلم نخرج إلى القتال.(8:159)

مثله رشيد رضا.(10:478)

الآلوسيّ: أي تلا فينا ما يهمّنا من الأمر،يعنون به التّخلّف و القعود عن الحرب و المداراة مع الكفرة،و غير ذلك من أمور الكفر و النّفاق،قولا و فعلا.(10:114)

الطّباطبائيّ: كناية عن الاحتراز عن الشّرّ قبل وقوعه،كأنّ أمرهم كان خارجا من أيديهم فأخذوه و قبضوا و تسلّطوا عليه،فلم يدعوه يفسد و يضيع.

فمعنى الآية أنّ هؤلاء المنافقين هواهم عليك:إن غنمت و ظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك،و إن قتلت أو جرحت أو أصبت بأيّ مصيبة أخرى قالوا:قد احترزنا عن الشّرّ من قبل،و تولّوا و هم فرحون.

(9:306)

2- وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً... هود:58

الطّوسيّ: المعنى و لمّا جاء أمرنا بهلاك عاد.

(6:13)

مثله الطّبرسيّ.(3:171)

الفخر الرّازيّ: أي عذابنا،و ذلك هو ما نزل بهم من الرّيح العقيم عذّبهم اللّه بها سبع ليال و ثمانية أيّام،تدخل في مناخرهم و تخرج من أدبارهم،و تصرعهم على الأرض على وجوههم،حتّى صاروا كأعجاز نخل خاوية.

فان قيل:فهذه الرّيح كيف تؤثّر في إهلاكهم؟

قلنا:يحتمل أن يكون ذلك لشدّة حرّها أو لشدّة بردها أو لشدّة قوّتها،فتخطف الحيوان من الأرض،ثمّ تضربه على الأرض،فكلّ ذلك محتمل.(18:14)

نحوه القرطبيّ(9:81)،و البروسويّ(4:150)، و البيضاويّ(1:472)،و القاسميّ(9:3458).

أبو حيّان: الأمر:واحد الأمور،فيكون كناية عن العذاب أو عن القضاء بهلاكهم،أو مصدر أمر،أي أمرنا للرّيح أو لخزنتها.(5:235)

الآلوسيّ: أي نزل عذابنا على أنّ الأمر واحد الأمور.

و قيل:أو المأمور به،و في التّعبير عنه بذلك مضافا إلى ضمير جلّ جلاله،و عن نزوله بالمجيء ما لا يخفى من التّفخيم و التّهويل.

و جوّز أن يكون واحد الأوامر،أي و ورد أمرنا بالعذاب.و الكلام على الحقيقة إن أريد أمر الملائكة عليهم السّلام.و يجوز أن يكون ذلك مجازا عن الوقوع، على سبيل التّمثيل.(12:85)

مثله أبو السّعود.(3:29)

الطّباطبائيّ: المراد بمجيء«الأمر»نزول العذاب، و بوجه أدقّ صدور الأمر الإلهي الّذي يستتبع القضاء الفاصل بين الرّسول و بين قومه،كما قال تعالى:

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ المؤمن:78.

(10:304)

ص: 176

3- ...فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ المؤمنون:27.

الطّبريّ: يقول:فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم و هلاكهم.(18:17)

مثله الطّوسيّ(7:362)،و البروسويّ(6:79)، و القاسميّ(12:4397)،و المراغيّ(18:19).

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ لفظ«الأمر»كما هو، حقيقة في طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء،فكذا هو حقيقة في الشّأن العظيم.و الدّليل عليه أنّك إذا قلت:

هذا أمر،بقي الذّهن يتردّد بين المفهومين،و ذلك يدلّ على كونه حقيقة فيهما،و تمام تقريره مذكور في كتاب «المحصول»في الأصول.

و من النّاس من قال:إنّما سمّاه«أمرا»على سبيل التّعظيم و التّفخيم،مثل قوله: فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فصّلت:11.(23:94)

الآلوسيّ: لترتيب مضمون ما بعدها على إتمام صنع الفلك.

و المراد ب«الأمر»العذاب،كما في قوله تعالى:

لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ هود:43،فهو واحد الأمور،لا الأمر بالرّكوب فهو واحد الأوامر كما قيل.

و المراد بمجيئه كمال اقترابه أو ابتداء ظهوره،أي إذا جاء إثر تمام الفلك عذابنا.(18:26)

الطّباطبائيّ: المراد ب«الأمر»-كما قيل-حكمه الفصل بينه و بين قومه،و قضاؤه فيهم بالغرق.

(156:29)

بامرنا

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا... الأنبياء:73

الطّبريّ: يهدون النّاس بأمر اللّه إيّاهم بذلك، و يدعونهم إلى اللّه و إلى عبادته.(17:49)

نحوه القاسميّ.(11:4287)

الطّبرسيّ: يهدون الخلق إلى طريق الحقّ و إلى الدّين المستقيم(بامرنا)،فمن اهتدى بهم في أقوالهم و أفعالهم فالنّعمة لنا عليه.(4:56)

القرطبيّ: أي بما أنزلنا عليهم من الوحي و الأمر و النّهي،فكأنّه قال:يهدون بكتابنا.(11:305)

الطّباطبائيّ: و ظاهر قوله: أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أنّ الهداية بالأمر يجري مجرى المفسّر لمعنى الإمامة،و قد تقدّم الكلام في معنى«هداية الإمام بأمر اللّه في الكلام»على قوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً البقرة:124،في الجزء الأوّل من الكتاب.(14:304)

الامور

...وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.

البقرة:210

الطّبريّ: و إلى اللّه يؤول القضاء بين خلقه يوم القيامة،و الحكم بينهم في أمورهم الّتي جرت في الدّنيا.

[إلى أن قال:]

و إنّما أدخل جلّ و عزّ الألف و اللاّم في(الأمور)لأنّه جلّ ثناؤه عنى بها جميع الأمور،و لم يعن بها بعضا دون بعض،فكان ذلك بمعنى قول القائل:يعجبني العسل، و البغل أقوى من الحمار،فيدخل فيه الألف و اللاّم،لأنّه لم يقصد به قصد بعض دون بعض،إنّما يراد به العموم و الجمع.(2:331)

ص: 177

نحوه البروسويّ(1:326)،و المراغيّ(3:116).

الطّبرسيّ: معناه فرغ من الأمر،و هو المحاسبة و إنزال أهل الجنّة في الجنّة و أهل النّار في النّار،هذا في الآخرة.و قيل:معناه وجب العذاب،أي عذاب الاستئصال،و هذا في الدّنيا.

وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي إليه تردّ الأمور في سؤاله عنها و مجازاته عليها،و كانت الأمور كلّها له في الابتداء فملك بعضها في الدّنيا غيره،ثمّ يصير كلّها إليه في الحشر،لا يملك أحد هناك شيئا.

و قيل:إليه ترجع أمور الدّنيا و الآخرة.(1:304)

الأمر بالمعروف
امروا

...وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ. الحجّ:41

الحسن :أخذ اللّه الميثاق على الأمراء إذ تمكّنوا في الأرض أن يقيموا الصّلاة و يؤتوا الزّكاة،يأمروا بالمعروف و ينهوا عن المنكر،كما أخذ على العلماء أن يتلوا كتابه و أحكامه فلا يكتموه،في قوله: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ البقرة:

121،و في قوله: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آل عمران:187.(الميبديّ 6:380)

التّستريّ: الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر واجب على السّلطان و على العلماء الّذين يأتونه.و ليس على النّاس أن يأمروا السّلطان،لأنّ ذلك لازم له واجب عليه،و لا يأمروا العلماء فإنّ الحجّة قد وجبت عليهم.

(القرطبيّ 12:73)

الطّوسيّ: في ذلك دلالة على أنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر واجب،لأنّ ما رغب اللّه فيه فقد أراده، و كلّ ما أراده من العبد فهو واجب إلاّ أن يقوم دليل على ذلك أنّه نقل،لأنّ الاحتياط يقتضي ذلك.

(7:323)

مثله الطّبرسيّ.(4:88)

القشيريّ: يبتدئون في الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر بأنفسهم ثمّ بأغيارهم،فإذا أخذوا في ذلك لم يتفرّغوا من أنفسهم إلى غيرهم.

يقال:الأمر بالمعروف حفظ الحواسّ عن مخالفة أمره،و مراعاة الأنفاس معه إجلالا لقدره.

و يقال:الأمر بالمعروف على نفسك،ثمّ إذا فرغت من ذلك تأخذ في نهيها عن المنكر.و من وجوه المنكر:

الرّياء،و الإعجاب،و المساكنة،و الملاحظة.(4:222)

يأمرون

1- وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. آل عمران:104

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أنّه سئل و هو على المنبر،من خير النّاس؟قال:آمرهم بالمعروف،و أنهاهم عن المنكر، و أتقاهم للّه،و أوصلهم.(الزّمخشريّ 1:452)

من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فهو خليفة اللّه في

ص: 178

أرضه و خليفة رسوله،و خليفة كتابه.

(الزّمخشريّ 1:452)

لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا على البرّ،فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات،و سلّط بعضهم على بعض،و لم يكن لهم ناصر في الأرض،و لا في السّماء.(الكاشانيّ 1:339)

أبو الدّرداء: لتأمرنّ بالمعروف و تنهون عن المنكر، أو ليسلّطنّ اللّه عليكم سلطانا ظالما لا يجلّ كبيركم و لا يرحم صغيركم،و تدعو خياركم فلا يستجاب لهم، و تستنصرون فلا تنصرون،و تستغيثون فلا تغاثون، و تستغفرون فلا تغفرون.(الطّبرسيّ 1:484)

حذيفة: يأتي على النّاس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحبّ إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر.(الزّمخشريّ 1:452)

الإمام عليّ عليه السّلام: أفضل الجهاد الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و من شنئ الفاسقين و غضب للّه، غضب اللّه له.(الزّمخشريّ 1:452)

و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه،فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التّناهي.(الكاشانيّ 1:339)

لعن اللّه الآمرين بالمعروف التّاركين له،و النّاهين عن المنكر العاملين به.(الكاشانيّ 1:339)

الإمام الباقر عليه السّلام: هذه الآية لآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و من تابعهم،يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر.(القمّيّ 1:109)

الإمام الصّادق عليه السّلام: في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي،لأنّه من لم يكن يدعو إلى الخيرات و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمّة الّتي وصفها،لأنّكم تزعمون أنّ جميع المسلمين من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

قد بدت هذه الآية و قد وصفت أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله بالدّعاء إلى الخير،و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و من لم يوجد فيه الصّفة الّتي وصفت فكيف يكون من الأمّة،و هو على خلاف ما شرطه اللّه على الأمّة و وصفها به؟(البحرانيّ 1:308)

سئل عن الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر أ واجب هو على الأمّة جميعا؟فقال:لا.

فقيل:و لم قال:إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضّعفة الّذين لا يهتدون سبيلا إلى أيّ من أيّ يقول من الحقّ إلى الباطل؛و الدّليل على ذلك كتاب اللّه تعالى،قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فهذا خاصّ غير عامّ،كما قال اللّه تعالى:

وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ الأعراف:159،و لم يقل:على أمّة موسى و لا على كلّ قوم،و هم يومئذ أمم مختلفة.

و الأمّة واحد فصاعدا،كما قال اللّه سبحانه: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ. النّحل:120،يقول:مطيعا للّه و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوّة له و لا عدد و لا طاعة.

(الكاشانيّ 1:339)

نحوه في الكافي.(5:59)

سئل عن الحديث الّذي جاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله«أنّ

ص: 179

أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر»ما معناه؟قال:

هذا على أن يأمره بعد معرفته،و هو مع ذلك يقبل منه و إلاّ فلا.(الكاشانيّ 1:339)

إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم،فأمّا صاحب سيف أو سوط فلا.(الكاشانيّ 1:339)

الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر خلقان من خلق اللّه تعالى،فمن نصرهما أعزّه اللّه،و من خذلهما خذله اللّه.

(الكاشانيّ 1:339)

الطّبريّ: يأمرون النّاس باتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و دينه الّذي جاء به من عند اللّه، وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعني و ينهون عن الكفر باللّه و التّكذيب بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بما جاء به من عند اللّه،بجهادهم بالأيدي و الجوارح،حتّى ينقادوا لكم بالطّاعة.(4:38)

الجصّاص :قد حوت هذه الآية معنيين:أحدهما:

وجوب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.و الآخر:أنّه فرض على الكفاية ليس بفرض على كلّ أحد في نفسه إذا قام به غيره،لقوله تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ، و حقيقته تقتضي البعض دون البعض؛فدلّ على أنّه فرض على الكفاية،إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين.

و من النّاس من يقول:هو فرض على كلّ أحد في نفسه،و يجعل مخرج الكلام مخرج الخصوص في قوله:

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ مجازا،كقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ نوح:4،و معناه ذنوبكم.

و الّذي يدلّ على صحّة هذا القول أنّه إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين،كالجهاد،و غسل الموتى، و تكفينهم،و الصّلاة عليهم،و دفنهم.و لو لا أنّه فرض على الكفاية لما سقط عن الآخرين بقيام بعضهم به.

و قد ذكر اللّه تعالى:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،في مواضع أخر من كتابه،فقال عزّ و جلّ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ آل عمران:110.

و قال فيما حكى عن لقمان: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ لقمان:17.

و قال تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9.

و قال عزّ و جلّ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المائدة:78،79.

فهذه الآي و نظائرها مقتضية لإيجاب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و هي على منازل،أوّلها تغييره باليد إذا أمكن،فإن لم يمكن و كان في نفيه خائفا على نفسه إذا أنكره بيده،فعليه إنكاره بلسانه،فإن تعذّر ذلك لما وصفنا،فعليه إنكاره بقلبه.[ثمّ ذكر روايات إلى أن قال:]

لمّا ثبت بما قدّمنا ذكره من القرآن و الآثار الواردة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:وجوب فرض الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و بيّنّا أنّه فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين،وجب أن لا يختلف في لزوم فرضه البرّ

ص: 180

و الفاجر،لأنّ ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضا غيره،أ لا ترى أنّ تركه للصّلاة لا يسقط عنه فرض الصّوم و سائر العبادات،فكذلك من لم يفعل سائر المعروف و لم ينته عن سائر المناكير،فإنّ فرض الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر غير ساقط عنه.[إلى أن قال:]

و لم يدفع أحد من علماء الأمّة و فقهائها-سلفهم و خلفهم-وجوب ذلك إلاّ قوم من الحشو و جهّال أصحاب الحديث،فإنّهم أنكروا قتال الفئة الباغية، و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر بالسّلاح،و سمّوا الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر فتنة،إذا احتيج فيه إلى حمل السّلاح و قتال الفئة الباغية،مع ما قد سمعوا فيه من قول اللّه تعالى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9،و ما يقتضيه اللّفظ من وجوب قتالها بالسّيف و غيره.

و زعموا مع ذلك أنّ السّلطان لا ينكر عليه الظّلم و الجور،و قتل النّفس الّتي حرّم اللّه،و إنّما ينكر على غير السّلطان بالقول أو باليد بغير سلاح؛فصاروا شرّا على الأمّة من أعدائها المخالفين لها،لأنّهم اقعدوا النّاس عن قتال الفئة الباغية،و عن الإنكار على السّلطان الظّلم و الجور،حتّى أدّى ذلك إلى تغلّب الفجّار بل المجوس و أعداء الإسلام،حتّى ذهبت الثّغور و شاع الظّلم و خربت البلاد و ذهب الدّين و الدّنيا،و ظهرت الزّندقة و الغلوّ و مذاهب الثّنويّة و الخرّميّة و المزدكيّة.

و الّذي جلب ذلك كلّه عليهم:ترك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و الإنكار على السّلطان الجائر،و اللّه المستعان.(2:29-34)

نحوه أبو حيّان.(3:20)

الطّوسيّ: الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر واجبان بلا خلاف،و أكثر المتكلّمين يذهبون إلى أنّه من «فروض الكفايات».و منهم من قال:من«فروض الأعيان»،و هو الصّحيح على ما بيّنّاه.

و اختلفوا،فقال جماعة:إنّ طريق وجوب إنكار المنكر العقل،لأنّه كما تجب كراهته وجب المنع منه،إذا لم يمكن قيام الدّلالة على الكراهة،و إلاّ كان تاركه بمنزلة الرّاضي به.

و قال آخرون،و هو الصّحيح عندنا:إنّ طريق وجوبه السّمع،و أجمعت الأمّة على ذلك،و يكفي المكلّف الدّلالة على كراهته من جهة الخير و ما جرى مجراه.و قد استوفينا ما يتعلّق بذلك في شرح جمل العلم.(2:549)

الزّمخشريّ: (من)للتّبعيض،لأنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر من فروض الكفايات و لأنّه لا يصلح له إلاّ من علم بالمعروف و المنكر،و علم كيف يرتّب الأمر في إقامته و كيف يباشر.

فإنّ الجاهل ربّما نهى عن معروف و أمر بمنكر،و ربّما عرف الحكم في مذهبه و جهله في مذهب صاحبه،فنهاه عن غير منكر.و قد يغلظ في موضع اللّين و يلين في موضع الغلظة،و ينكر على من لا يزيده إنكاره إلاّ تماديا، أو على من الإنكار عليه عبث كالإنكار عن أصحاب المآصر و الجلاّدين و أضرابهم.

و قيل:(من)للتّبيين بمعنى و كونوا أمّة تأمرون،كقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ آل

ص: 181

عمران:110.

و الأمر بالمعروف تابع للمأمور به،إن كان واجبا فواجب،و إن كان ندبا فندب.و أمّا النّهي عن المنكر فواجب كلّه،لأنّ جميع المنكر تركه واجب،لاتّصافه بالقبح.

فإن قلت:ما طريق الوجوب؟

قلت:قد اختلف فيه الشّيخان،فعند أبي عليّ (1)السّمع و العقل،و عند أبي هاشم (2)السّمع وحده.

[ثمّ ذكر شرائط الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر]

(1:452)

الطّبرسيّ: و في هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و عظم موقعهما و محلّهما من الدّين،لأنّه تعالى علّق الفلاح بهما.و أكثر المتكلّمين على أنّهما من فروض الكفايات.و منهم من قال:إنّهما من فروض الأعيان،و اختاره الشّيخ أبو جعفر رحمه اللّه.

و الصّحيح أنّ ذلك إنّما يجب في السّمع و ليس في العقل ما يدلّ على وجوبه،إلاّ إذا كان على سبيل دفع الضّرر.و قال أبو عليّ الجبّائي:يجب عقلا،و السّمع يؤكّده.(1:484)

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى في قوله:(منكم) قولان:

أحدهما:أنّ(من)هاهنا ليست للتّبعيض لدليلين:

الأوّل:أنّ اللّه تعالى أوجب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر على كلّ الأمّة،في قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ آل عمران:110.

و الثّاني:هو أنّه لا مكلّف إلاّ و يجب عليه الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،إمّا بيده أو بلسانه أو بقلبه، و يجب على كلّ أحد دفع الضّرر عن النّفس.إذا ثبت هذا فنقول:معنى هذه الآية كونوا أمّة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.

و أمّا كلمة(من)فهي هنا للتّبيين،لا للتّبعيض،كقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الحجّ:30، و يقال أيضا:لفلان من أولاده جند،و للأمير من غلمانه عسكر،يريد بذلك جميع أولاده و غلمانه لا بعضهم،كذا هنا.

ثمّ قالوا:إنّ ذلك و إن كان واجبا على الكلّ،إلاّ أنّه متى قام به قوم سقط التّكليف عن الباقين،و نظيره قوله تعالى: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً التّوبة:41،و قوله: إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً التّوبة:39،فالأمر عامّ،ثمّ إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية،و زال التّكليف عن الباقين.

و القول الثّاني:إنّ(من)هاهنا للتّبعيض،و القائلون بهذا القول اختلفوا أيضا على قولين:

أحدهما:أنّ فائدة كلمة(من)هي أنّ في القوم من لا يقدر على الدّعوة،و لا على الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،مثل النّساء و المرضى و العاجزين.

و الثّاني:أنّ هذا التّكليف مختصّ بالعلماء،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:أنّ هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة1)

ص: 182


1- هو أبو عليّ الجبّائيّ(303)
2- هو أبو هاشم الجبّائيّ(321)

أشياء:الدّعوة إلى الخير،و الأمر بالمعروف،و النّهي عن المنكر،و معلوم أنّ الدّعوة إلى الخير مشروطة بالعلم بالخير و بالمعروف و بالمنكر،فإنّ الجاهل ربّما دعا إلى الباطل و أمر بالمنكر و نهى عن المعروف،و ربّما عرف الحكم في مذهبه،و جهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر،و قد يغلظ في موضع اللّين و يلين في موضع الغلظة،و ينكر على من لا يزيده إنكاره إلاّ تماديا،فثبت أنّ هذا التّكليف متوجّه على العلماء،و لا شكّ أنّهم بعض الأمّة،و نظير هذه الآية قوله تعالى: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ التّوبة:122.

و الثّاني:أنّا أجمعنا على أنّ ذلك واجب على سبيل الكفاية،بمعنى أنّه متى قام به البعض سقط عن الباقين، و إذا كان كذلك كان المعنى ليقم بذلك بعضكم،فكان في الحقيقة هذا إيجابا على البعض لا على الكلّ،و اللّه أعلم.

و فيه قول رابع و هو قول الضّحّاك:إنّ المراد من هذه الآية أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّهم كانوا يتعلّمون من الرّسول عليه السّلام و يعلّمون النّاس.و التّأويل على هذا الوجه:

كونوا أمّة مجتمعين على حفظ سنن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و تعلّم الدّين.(8:177)

السّيوطي: (من)للتّبعيض،لأنّ ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كلّ الأمّة،و لا يليق بكلّ أحد كالجاهل.

و قيل:زائدة،أي لتكونوا أمّة.(الجلالين 1:175)

الآلوسيّ: (من)هنا قيل:للتّبعيض،و قيل:للتّبيين.

و هي تجريديّة،كما يقال:لفلان من أولاده جند،و للأمير من غلمانه عسكر،يراد بذلك جميع الأولاد و الغلمان.

و منشأ الخلاف في ذلك أنّ العلماء اتّفقوا على أنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،من فروض الكفايات.و لم يخالف في ذلك إلاّ النّزر،و منهم الشّيخ أبو جعفر من الإماميّة،قالوا:إنّها من فروض الأعيان.

و اختلفوا في أنّ الواجب على الكفاية هل هو واجب على جميع المكلّفين و يسقط عنهم بفعل بعضهم،أو هو واجب على البعض؟

ذهب الإمام الرّازيّ و أتباعه إلى الثّاني،للاكتفاء بحصوله من البعض،و لو وجب على الكلّ لم يكتف بفعل البعض؛إذ يستبعد سقوط الواجب على المكلّف بفعل غيره.و ذهب إلى الأوّل الجمهور،و هو ظاهر نصّ الإمام الشّافعيّ في«الأمّ».و استدلّوا على ذلك بإثم الجميع بتركه،و لو لم يكن واجبا عليهم كلّهم لما أثموا بالتّرك.

و أجاب الأوّلون عن هذا:بأنّ إثمهم بالتّرك لتفويتهم ما قصد حصوله من جهتهم في الجملة لا للوجوب عليهم.

و اعترض عليه من طرف الجمهور بأنّ هذا هو الحقيق بالاستبعاد،أعني إثم طائفة بترك أخرى فعلا كلّفت به.

و الجواب عنه:بأنّه ليس الإسقاط عن غيرهم بفعلهم أولى من تأثيم غيرهم بتركهم،يقال فيه،بل هو أولى لأنّه قد ثبت نظيره شرعا من إسقاط ما على زيد بأداء عمرو،و لم يثبت تأثيم إنسان بترك آخر،فيتمّ ما قاله الجمهور.

و اعترض القول:بأنّ هذا هو الحقيق بالاستبعاد، بأنّه إنّما يتأتّى لو ارتبط التّكليف في الظّاهر بتلك الطّائفة الأخرى بعينها وحدها.لكنّه ليس كذلك بل كلتا الطّائفتين متساويتان في احتمال الأمر لهما،و تعلّقه بهما من غير مزيّة لإحداهما على الأخرى،فليس في التّأثيم

ص: 183

المذكور تأثيم طائفة بترك أخرى فعلا كلّفت به؛إذ كون الأخرى كلّفت به غير معلوم،بل كلتا الطّائفتين متساويتان في احتمال كلّ أن تكون مكلّفة به،فالاستبعاد المذكور ليس في محلّه.

على أنّه إذا قلنا،بما اختاره جماعة من أصحاب المذهب الثّاني:من أنّ«البعض»مبهم،آل الحال إلى أنّ المكلّف طائفة،لا بعينها؛فيكون المكلّف:القدر المشترك بين الطّوائف الصّادق بكلّ طائفة.فجميع الطّوائف مستوية في تعلّق الخطاب بها بواسطة تعلّقه بالقدر المشترك المستوي فيها،فلا إشكال في اسم الجميع، و لا يصير النّزاع بهذا بين الطّائفتين لفظيّا؛حيث إنّ الخطاب حينئذ عمّ الجميع على القولين.

و كذا الإثم عند التّرك لما أنّ في أحدهما دعوى التّعليق بكلّ واحد بعينه،و في الآخر دعوى تعلّقه بكلّ، بطريق السّراية من تعلّقه بالمشترك.و ثمرة ذلك:أنّ من شكّ أنّ غيره هل فعل ذلك الواجب؟لا يلزمه على القول بالسّراية و يلزمه على القول بالابتداء،و لا يسقط عنه إلاّ إذا ظنّ فعل الغير.

و من هنا يستغنى عن الجواب عمّا اعترض به من طرف الجمهور،فلا يضرّنا ما قيل فيه.على أنّه يقال على ما قيل:ليس الدّين نظير ما نحن فيه كليّا،لأنّ دين زيد واجب عليه وحده بحسب الظّاهر،و لا تعلّق له بغيره فلذا صحّ أن يسقط عنه بأداء غيره،و لم يصحّ أن يأثم غيره بترك أدائه.

بخلاف ما نحن فيه،فإنّ نسبة الواجب في الظّاهر إلى كلتا الطّائفتين على السّواء فيه،فجاز أن يأثم كلّ الطائفة بترك غيرها لتعلّق الوجوب بها بحسب الظّاهر، و استوائها مع غيرها في التّعلّق.

و أمّا قولهم:«و لم يثبت تأثيم إنسان بأداء آخر»فهو لا يطابق البحث؛إذ ليس المدّعى تأثيم أحد بأداء غيره بل تأثيمه بترك،فالمطابق و لم يثبت تأثيم إنسان بترك أداء آخر.و يتخلّص منه حينئذ بأنّ التّعلّق في الظّاهر مشترك في سائر الطّوائف،فيتمّ ما ذهب إليه الإمام الرّازيّ و أتباعه،و هو مختار ابن السّبكيّ خلافا لأبيه.

إذا تحقّق هذا،فاعلم أنّ القائلين بأنّ المكلّف البعض قالوا:إنّ(من)للتّبعيض،و أنّ القائلين بأنّ المكلّف الكلّ قالوا:إنّها للتّبيين،و أيّدوا ذلك بأنّ اللّه تعالى أثبت الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر لكلّ الأمّة،في قوله سبحانه:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ آل عمران:110،و لا يقتضي ذلك كون الدّعاء فرض عين،فإنّ الجهاد من فروض الكفاية بالإجماع،مع ثبوته بالخطابات العامّة، فتأمّل.(4:21)

رشيد رضا :الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر حفاظ الجامعة و سياج الوحدة.

و قد اختلف المفسّرون في قوله تعالى:(منكم)هل معناه بعضكم،أم(من)بيانيّة؟

ذهب مفسّرنا«الجلال»إلى الأوّل،لأنّ ذلك فرض كفاية،و سبقه إليه«الكشّاف»و غيره.

و قال بعضهم:بالثّاني،قالوا:و المعنى و لتكونوا أمّة تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر.

قال الأستاذ الإمام:و الظّاهر أنّ الكلام على حدّ

ص: 184

«ليكن لي منك صديق»فالأمر عامّ،و يدلّ على العموم قوله تعالى: وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ العصر:1-3،فإنّ«التّواصي»هو الأمر و النّهي،و قوله عزّ و جلّ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المائدة:78،79،و ما قصّ اللّه علينا شيئا من أخبار الأمم السّالفة إلاّ لنعتبر به.

و قد أشار المفسّر«الجلال»إلى الاعتراض،الّذي يرد على القول بالعموم،و هو أنّه يشترط فيمن يأمر و ينهى أن يكون عالما بالمعروف الّذي يأمر به و المنكر الّذي ينهى عنه،و في النّاس جاهلون لا يعرفون الأحكام.

و لكن هذا الكلام لا ينطبق على ما يجب أن يكون عليه المسلم من العلم،فإنّ المفروض الّذي ينبغي أن يحمل عليه خطاب التّنزيل هو أنّ المسلم لا يجهل ما يجب عليه،و هو مأمور بالعلم و التّفرقة بين المعروف و المنكر، على أنّ المعروف عند إطلاقه يراد به ما عرفته العقول و الطّباع السّليمة.و المنكر ضدّه،و هو ما أنكرته العقول و الطّباع السّليمة.و لا يلزم لمعرفة هذا قراءة حاشية ابن عابدين على«الدّرّ»و لا«فتح القدير»و لا«المبسوط».

و إنّما المرشد إليه-مع سلامة الفطرة-كتاب اللّه و سنّة رسوله المنقولة بالتّواتر و العمل،و هو ما لا يسع أحدا جهله،و لا يكون المسلم مسلما إلاّ به.فالّذين منعوا عموم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،جوّزوا أن يكون المسلم جاهلا لا يعرف الخير من الشّرّ،و لا يميّز بين المعروف و المنكر،و هو لا يجوز دينا.

[ثمّ ذكر مراتب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و شرائطهما،فراجع](4:26-36)

الطّباطبائيّ:التّجربة القطعيّة تدلّ على أنّ المعلومات الّتي يهيّئها الإنسان لنفسه في حياته -و لا يهيّئ و لا يدّخر لنفسه إلاّ ما ينتفع به-من أيّ طريق هيّأها و بأيّ وجه ادّخرها،تزول عنه إذا لم يذكرها و لم يدم على تكرارها بالعمل.

و لا شكّ أن العمل في جميع شئونه يدور مدار العلم، يقوى بقوّته،و يضعف بضعفه،و يصلح بصلاحه،و يفسد بفساده،و قد مثّل اللّه سبحانه حالهما في قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.

و لا نشكّ أنّ العلم و العمل متعاكسان في التّأثير، فالعلم أقوى داع إلى العمل،و العمل الواقع المشهود أقوى معلّم يعلّم الإنسان.

و هذا الّذي ذكر هو الّذي يدعوا المجتمع الصّالح الّذي عندهم العلم النّافع و العمل الصّالح أن يتحفّظوا على معرفتهم و ثقافتهم،و أن يردّوا المتخلّف عن طريق الخير المعروف عندهم إليه،و أن لا يدعوا المائل عن طريق الخير المعروف-و هو الواقع في مهبط الشّرّ المنكر عندهم -أن يقع في مهلكة الشّرّ و ينهوه عنه.

و هذه هي الدّعوة بالتّعليم و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و هي الّتي يذكرها اللّه في هذه الآية بقوله:

يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ

ص: 185

اَلْمُنْكَرِ.

و من هنا يظهر السّرّ في تعبيره تعالى عن الخير و من هنا يظهر السّرّ في تعبيره تعالى عن الخير و الشّرّ بالمعروف و المنكر،فإنّ الكلام مبنيّ على ما في الآية السّابقة من قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:103،و من المعلوم أنّ المجتمع الّذي هذا شأنه يكون المعروف فيه هو الخير،و المنكر فيه هو الشّرّ.و لو لا العبرة بهذه النّكتة لكان الوجه في تسمية الخير و الشّرّ بالمعروف و المنكر،كون الخير و الشّرّ معروفا و منكرا،بحسب نظر الدّين،لا بحسب العمل الخارجيّ.

و أمّا قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ فقد قيل:إنّ(من) للتّبعيض،بناء على أنّ:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و كذا الدّعوة،من الواجبات الكفائيّة.

و ربّما قيل:إنّ(من)بيانيّة،و المراد منه:و لتكونوا بهذا الاجتماع الصّالح أمّة يدعون إلى الخير،فيجري الكلام على هذا مجرى قولنا:ليكن لي منك صديق،أي كن صديقا لي.و الظّاهر أنّ المراد بكون(من)بيانيّة،كونها نشوئيّة ابتدائية.

و الّذي ينبغي أن يقال:إنّ البحث في كون(من) تبعيضيّة أو بيانيّة لا يرجع إلى ثمرة محصّلة،فإنّ الدّعوة و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر أمور لو وجبت لكانت بحسب طبعها واجبات كفائيّة؛إذ لا معنى للدّعوة و الأمر و النّهي المذكورات بعد حصول الغرض،فلو رضت الأمّة بأجمعهم داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر،كان معناه أنّ فيهم من يقوم بهذه الوظائف؛فالأمر قائم بالبعض على أيّ حال،و الخطاب إن كان للبعض فهو ذاك و إن كان للكلّ كان أيضا باعتبار البعض.و بعبارة أخرى المسئول بها الكلّ،و المثاب بها البعض،و لذلك عقّبه بقوله: وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

فالظّاهر أنّ(من)تبعيضيّة،و هو الظّاهر من مثل هذا التّركيب في لسان المحاورين،و لا يصار إلى غيره إلاّ بدليل.(3:372)

2- يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ... آل عمران:114

الطّوسيّ: قد بيّنّا أنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر واجبان،و أنّه ليس طريق وجوبهما العقل،و إنّما طريق وجوبهما السّمع،و عليه إجماع الأمّة.

و إنّما الواجب بالعقل كراهة المنكر فقط،غير أنّه إذا ثبت بالسّمع وجوبه،فعلينا إزالة المنكر بما يقدر عليه من الأمور الحسنة دون القبيحة،لأنّه لا يجوز إزالة قبيح بقبيح آخر.و ليس لنا أن نترك أحدا يعمل بالمعاصي إذا أمكننا منعه منها،سواء كانت المعصية من أفعال القلوب، مثل إظهار المذاهب الفاسدة،أو من أفعال الجوارح.

ثمّ ننظر،فإن أمكننا إزالته بالقول،فلا نزيد عليه.و إن لم يمكن إلاّ بالمنع من غير إضرار،لم نزد عليه.فإن لم يتمّ إلاّ بالدّفع بالحرب،فعلناه على ما بيّنّاه فيما تقدّم،و إن كان عند أكثر أصحابنا هذا الجنس موقوف على السّلطان أو إذنه في ذلك.

و إنكار المذاهب الفاسدة لا يكون إلاّ بإقامة الحجج و البراهين و الدّعاء إلى الحقّ،و كذلك إنكار أهل الذّمّة.

فأمّا الإنكار باليد،فمقصور على من يفعل شيئا من

ص: 186

معاصي الجوارح،أو يكون باغيا على إمام الحقّ،فإنّه يجب علينا قتاله و دفعه حتّى يفيء إلى الحقّ،و سبيلهم سبيل أهل الحرب،فإنّ الإنكار عليهم باليد و القتال، حتّى يرجعوا إلى الإسلام،أو يدخلوا في الذّمّة.

(2:565)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الغاية القصوى في الكمال أن يكون تامّا و فوق التّمام،فكون الإنسان تامّا ليس إلاّ في كمال قوّته العمليّة و قوّته النّظريّة،و قد تقدّم ذكره.

و كونه فوق التّمام أن يسعى في تكميل النّاقصين،و ذلك بطريقين:إمّا بإرشادهم إلى ما ينبغي و هو الأمر بالمعروف،أو بمنعهم عمّا لا ينبغي و هو النّهي عن المنكر.(8:202)

البروسويّ: تعريض بمداهنتهم في الاحتساب بل بتعكيسهم في الأمر بإضلال النّاس و صدّهم عن سبيل اللّه،فإنّه أمر بالمنكر و نهي عن المعروف.(2:81)

الآلوسيّ:إشارة إلى وفور نصيبهم من فضيلة تكميل الغير إثر الإشارة إلى وفوره من فضيلة تكميل النّفس،و فيه تعريض بالمداهنين الصّادّين عن سبيل اللّه تعالى.(4:34)

3- يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...

التّوبة:71

رشيد رضا :كما أنّ المنافقين يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف،و هاتان الصّفتان من أخصّ صفات المؤمنين الّتي يمتازون بها على المنافقين و على غيرهم من الكفّار،و هما سياج حفظ الفضائل،و منع فشوّ الرّذائل.(10:542)

مثله المراغيّ.(10:160)

تامرون

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ.. آل عمران:110

الفخر الرّازيّ: [إن قيل:]لم قدّم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر على الإيمان باللّه في الذّكر،مع أنّ الإيمان باللّه لا بدّ و أن يكون مقدّما على كلّ الطّاعات؟

و الجواب:أنّ الإيمان باللّه أمر مشترك فيه بين جميع الأمم المحقّة،ثمّ إنّه تعالى فضّل هذه الأمّة على سائر الأمم المحقّة،فيمتنع أن يكون المؤثّر في حصول هذه الخيريّة هو الإيمان الّذي هو القدر المشترك بين الكلّ،بل المؤثّر في حصول هذه الزّيادة هو كون هذه الأمّة أقوى حالا في الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر من سائر الأمم؛فإذن المؤثّر في حصول هذه الخيريّة هو:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.

و أمّا الإيمان باللّه فهو شرط لتأثير هذا المؤثّر في هذا الحكم،لأنّه ما لم يوجد الإيمان لم يصر شيء من الطّاعات مؤثّرا في صفة الخيريّة؛فثبت أنّ الموجب لهذه الخيريّة هو كونهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.و أمّا إيمانهم فذاك شرط التّأثير،و المؤثّر ألصق بالأثر من شرط التّأثير،فلهذا السّبب قدّم اللّه تعالى ذكر الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،على ذكر الإيمان.(8:190-192)

رشيد رضا :[حكى قول الرّازي في وجه تقديم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر على الإيمان باللّه ثمّ

ص: 187

قال:]

قال الأستاذ الإمام: أمّا تقديم ذكر الأمر و النّهي على الإيمان،فالحكمة فيه أنّ هذه الصّفة-الأمر و النّهي- محمودة في عرف جميع النّاس-مؤمنهم و كافرهم- يعترفون لصاحبها بالفضل.و لمّا كان الكلام في خيريّة هذه الأمّة على جميع الأمم-مؤمنهم و كافرهم-قدّم الوصف المتّفق على حسنه عند المؤمنين و الكافرين.

و هناك حكمة أخرى،و هي أنّ:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر سياج الإيمان و حفاظه-كما تقدّم بيانه -فكان تقديمه في الذّكر موافقا للمعهود عند النّاس،في جعل سياج كلّ شيء مقدّما عليه.

أقول:كلّ ذلك حسن،و المتبادر عندي أنّ تقديم «الأمر و النّهي»للتّعريض بأهل الكتاب الّذين (1)كانوا يدّعون الإيمان و لا يقدرون على ادّعاء القيام بالأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،لأنّهم كانوا في مجموعهم لا يتناهون عن منكر فعلوه،و ادّعاء ما تكذبه المشاهدة يفضح صاحبه،فقدّم ذكر«الأمر و النّهي»لأنّهم لا مجال لهم في دعوى مشاركة المؤمنين فيه،و أخّر ذكر«الإيمان» الّذي يدّعونه ليرتّب عليه بيان أنّه إيمان غير صحيح، لأنّه لم يأت بثمر الإيمان الصّحيح.(4:63)

و امر

يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ... لقمان:17

راجع«ع ر ف».

خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. الأعراف:199

راجع«ع ر ف-ع ر ض».

وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ... طه:132

الإمام الباقر عليه السّلام: أمر اللّه نبيّه أن يخصّ أهل بيته و أهله دون النّاس،ليعلم النّاس أنّ لأهله عند اللّه منزلة ليست لغيرهم،فأمرهم مع النّاس عامّة،ثمّ أمرهم خاصّة.(الكاشانيّ 3:327)

الزّمخشريّ: أي و أقبل أنت مع أهلك على عبادة اللّه و الصّلاة.(2:560)

سيّد قطب :أوّل واجبات الرّجل المسلم أن يحوّل بيته إلى بيت مسلم،و أن يوجّه أهله إلى أداء الفريضة الّتي تصلهم معه باللّه،فتوحّد اتّجاههم العلويّ في الحياة، و ما أروح الحياة في ظلال بيت أهله كلّهم يتّجهون إلى اللّه!(4:2357)

الآمرون

اَلْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ...

التّوبة:112

«راجع ع ر ف».

اولى الامر

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ

ص: 188


1- في الأصل:الذي.

وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. النّساء:59

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال:

لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله يا أَيُّهَا الَّذِينَ... قلت:يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله،فمن «أولو الأمر»الّذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟

فقال عليه السّلام:هم خلفائي يا جابر،و أئمّة المسلمين من بعدي.[ثمّ ذكر الأئمّة واحدا بعد واحد،و مثله كثير في روايات أهل البيت عليهم السّلام](العروسيّ 1:499)

نحوه عن الإمام عليّ عليه السّلام.(البحرانيّ 1:386)

على المرء المسلم السّمع و الطّاعة فيما أحبّ و كره إلاّ أن يؤمر بمعصية،فمن أمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة.

(الدّرّ المنثور 2:177)

نحوه ابن مسعود.(الطّبريّ 5:150)

أبيّ بن كعب:هم السّلاطين.(الطّبريّ 5:148)

الإمام عليّ عليه السّلام: لا طاعة لمن عصى اللّه،إنّما الطّاعة للّه و لرسوله و لولاة الأمر.و إنّما أمر اللّه تعالى بطاعة الرّسول،لأنّه معصوم مطهّر لا يأمر بمعصية.و إنّما أمر بطاعة أولي الأمر،لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصية.(العروسي 1:501)

اعرفوا اللّه باللّه،و الرّسول بالرّسالة،و أولي الأمر بالمعروف و العدل و الإحسان.(العروسيّ 1:501)

أبو هريرة:أمراء المسلمين في عهد الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و بعده،و يندرج فيهم الخلفاء و السّلاطين و القضاة، و غيرهم.(الآلوسيّ 5:65)

ابن عبّاس: إنّ هذه الآية نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس السّهميّ؛إذ بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في السّريّة.(الطّبريّ 5:148)

مثله ابن جبير.(الفخر الرّازي 10:144)

يعني أهل الفقه و الدّين.(الطّبريّ 5:149)

المراد بهم أهل العلم.

مثله جابر بن عبد اللّه،و مجاهد،و الحسن،و عطاء.

(الآلوسيّ 5:65)

أولو الأمر:هم الأمراء.

مثله أبو هريرة و السّدّيّ،و ابن زيد.

(أبو حيّان 3:278)

جابر بن عبد اللّه: أهل القرآن و العلم.

مثله مجاهد.(القرطبيّ 5:259) أبو العالية :هم أهل العلم،أ لا ترى أنّه يقول:

وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ النّساء:83.

(الطّبريّ 5:149)

مجاهد :يعني أولي الفقه في الدّين و العقل.

(1:162)

مثله ابن أبي نجيح.(الطّبريّ 5:149)

أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أولي الفضل،و الفقه،و دين اللّه.(الطّبريّ 5:149)

الضّحّاك: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،هم الدّعاة الرّواة.(الدّرّ المنثور 2:177)

الفقهاء و العلماء في الدّين.(القرطبيّ 5:259)

عطاء:الفقهاء و العلماء.(الطّبريّ 5:149)

ص: 189

الإمام الباقر عليه السّلام:[في حديث]...ثمّ قال للنّاس:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إيّانا عنى خاصّة،أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا.(العروسيّ 1:497)

في قول اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الأئمّة من ولد عليّ و فاطمة عليهما السّلام إلى أن تقوم السّاعة.

(العروسيّ 1:499)

أبو عبيدة :أي ذوي الأمر،و الدّليل على ذلك،أنّ واحدها«ذو».(1:130)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في(اولى الامر) الّذين أمر اللّه عباده بطاعتهم في هذه الآية:

فقال بعضهم:هم الأمراء.

و قال آخرون:هم أهل العلم و الفقه.

و قال آخرون:هم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال آخرون:هم أبو بكر و عمر،رضي اللّه عنهما.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،قول من قال:هم الأمراء و الولاة،لصحّة الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالأمر بطاعة الأئمّة و الولاة فيما كان طاعة،و للمسلمين مصلحة.

فإذا كان معلوما أنّه لا طاعة واجبة لأحد،غير اللّه أو رسوله أو إمام عادل،و كان اللّه قد أمر بقوله: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ بطاعة ذوي أمرنا،كان معلوما أنّ الّذين أمر بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا،هم الأئمّة،و من ولاّه المسلمون دون غيرهم من النّاس.

و إن كان فرضا القبول من كلّ من أمر بترك معصية اللّه،و دعا إلى طاعة اللّه،و أنّه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر و نهى،فيما لم تقم حجّة وجوبه،إلاّ للأئمّة الّذين ألزم اللّه عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيّتهم،ممّا هو مصلحة لعامّة الرّعيّة،فإنّ على من أمروه بذلك طاعتهم، و كذلك في كلّ ما لم يكن للّه معصية.

و إذ كان ذلك كذلك،كان معلوما بذلك صحّة ما اخترنا من التّأويل،دون غيره.(5:147-150)

ابن كيسان :هم أولو العقل و الرّأي الّذين يدبّرون أمر النّاس.(القرطبيّ 5:260)

القمّيّ:يعني أمير المؤمنين عليه السّلام.(1:141)

الطّوسيّ: [بعد نقل قول ابن عبّاس و جابر و مجاهد و غيرهم،قال:]

و روى أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام:

أنّهم الأئمّة من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فلذلك أوجب اللّه تعالى طاعتهم بالإطلاق،كما أوجب طاعة رسوله و طاعة نفسه كذلك.

و لا يجوز إيجاب طاعة أحد مطلقا إلاّ من كان معصوما،مأمونا منه السّهو و الغلط.و ليس ذلك بحاصل في الأمراء،و لا العلماء،و إنّما هو واجب في الأئمّة الّذين دلّت الأدلّة على عصمتهم و طهارتهم.

فأمّا من قال:المراد به العلماء،فقوله بعيد،لأنّ قوله:

وَ أُولِي الْأَمْرِ معناه أطيعوا من له الأمر،و ليس ذلك للعلماء.

فإن قالوا:يجب علينا طاعتهم إذا كانوا محقّين،فإذا عدلوا عن الحقّ،فلا طاعة لهم علينا.

ص: 190

قلنا:هذا تخصيص لعموم إيجاب الطّاعة،لم يدلّ عليه دليل.

و حمل الآية على العموم،فيمن يصحّ ذلك فيه أولى من تخصيص الطّاعة بشيء دون شيء،كما لا يجوز تخصيص وجوب طاعة الرّسول و طاعة اللّه،في شيء دون شيء.(3:236)

نحوه الطّبرسيّ.(2:64)

القشيريّ: «أولو الأمر»على لسان العلم:السّلطان.

و على بيان المعرفة:العارف ذو الأمر على المستأنف.

و الشّيخ أولو الأمر على المريد،و إمام كلّ طائفة ذو الأمر عليهم.

و يقال:الوليّ أولى بالمريد-من المريد-للمريد.

(2:36)

الرّاغب: قيل:عنى الأمراء في زمن النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام.

و قيل:الأئمّة من أهل البيت.

و قيل:الآمرون بالمعروف.

و قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:هم الفقهاء،و أهل الدّين المطيعون للّه.

و كلّ هذه الأقوال صحيحة،و وجه ذلك أنّ(اولى الامر)الّذين بهم يرتدع النّاس أربعة:

الأنبياء،و حكمهم على ظاهر العامّة و الخاصّة،و على بواطنهم.

و الولاة،و حكمهم على ظاهر الكافّة دون باطنهم.

و الحكماء،و حكمهم على باطن الخاصّة دون الظّاهر.

و الوعظة،و حكمهم على بواطن العامّة دون ظواهرهم.(25)

الزّمخشريّ: المراد ب أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أمراء الحقّ،لأنّ أمراء الجور،اللّه و رسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على اللّه و رسوله في وجوب الطّاعة لهم،و إنّما يجمع بين اللّه و رسوله و الأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل،و اختيار الحقّ،و الأمر بهما و النّهي عن أضدادهما، كالخلفاء الرّاشدين و من تبعهم بإحسان.

كان الخلفاء يقولون:أطيعوني ما عدلت فيكم،فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم.

و عن أبي حازم أنّ مسلمة بن عبد الملك قال:أ لستم أمرتم بطاعتنا في قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؟ قال:

أ ليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحقّ بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ النّساء:59.

و قيل:هم أمراء السّرايا.

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أطاعني فقد أطاع اللّه،و من عصاني فقد عصى اللّه،و من يطع أميري فقد أطاعني، و من يعص أميري فقد عصاني».

و قيل:هم العلماء الدّيّنون الّذين يعلّمون النّاس الدّين،و يأمرونهم بالمعروف و ينهونهم عن المنكر.

(1:535)

نحوه أبو السّعود(1:345)،و البروسويّ(2:228).

ابن شهرآشوب: قالوا:إنّها نزلت في أمراء السّرايا،في ولاية الصّحابة،و عليّ أوّلهم.و قالوا:نزلت في علماء العامّة،و قالوا:نزلت في أئمّة الهدى،و الدّليل على ذلك أنّ ظاهرها يقتضي عموم طاعة(اولى الامر)من حيث عطف تعالى الأمر بطاعتهم على الأمر بطاعته

ص: 191

و طاعة رسوله عليه السّلام.و طاعة أمراء السّرايا و علماء العامّة لا تجب مثل طاعة اللّه و طاعة رسوله،فلم يبق إلاّ أنّ أئمّتنا هم المعنيّون بها.

ثمّ إنّنا قد علمنا اختصاص طاعة الأمراء بمن ولّوا عليه و بما كانوا أمراء فيه،و بالزّمان الّذي اختصّت به ولايتهم؛فطاعتهم خاصّة،و طاعة(اولى الامر)في الآية عامّة من كلّ وجه.و أمّا علماء العامّة فهم مختلفون،و في طاعة بعضهم عصيان بعض،و في فساد القولين صحّة مقالنا.

و قد وصف اللّه تعالى(اولى الامر)بصفة تدلّ على العلم و الإمرة جميعا،قوله: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ النّساء:83، فردّ الأمر من الأمن و الخوف و الاستنباط إلى العلماء.

و لا يجتمعان إلاّ لأمير عالم و هم أئمّتنا عليهم السّلام،لأنّ ظاهرها يقتضي طاعة(اولى الأمر)بطاعته و طاعة رسوله،من حيث أطلق الأمر بطاعتهم.و لم يخصّ شيئا من شيء، لأنّه سبحانه لو أراد خاصّا لنبيّه لوقف عليه.و في فقد البيان منه تعالى دليل على إرادة الكلّ،و مطلق الأمر بالطّاعة يقتضي تناوله لكلّ مخاطب في كلّ زمان.

و إذا ثبت ذلك ثبت إمامتهم،لأنّه لا أحد يجب طاعته على ذلك الوجه بعد النّبيّ إلاّ الإمام.و إذا اقتضت وجوب طاعة(أولي الأمر)على العموم لم يكن بدّ من عصمتهم،و إلاّ أدّى أن يكون تعالى قد أمره بالقبيح،لأنّ من ليس بمعصوم لا يؤمن منه وقوع القبيح،فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا.

و إذا ثبت دلالة الآية على العصمة و عموم الطّاعة، ثبت إمامتهم و بطل توجّهها إلى غيرهم،لارتفاع عصمتهم و اختصاص طاعتهم.(2:48)

نحوه شبّر.(2:58)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يدلّ عندنا على أنّ إجماع الأمّة حجّة،و الدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية.

و من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم و القطع لا بدّ و أن يكون معصوما عن الخطأ؛إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته،فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ،و الخطأ -لكونه خطأ-منهيّ عنه،فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر و النّهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد،و أنّه محال؛ فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم،و ثبت أنّ كلّ من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ؛فثبت قطعا أنّ(اولى الامر)المذكور في هذه الآية لا بدّ و أن يكون معصوما.

ثمّ نقول:ذلك المعصوم إمّا مجموع الأمّة أو بعض الأمّة،لا جائز أن يكون بعض الأمّة،لأنّا بيّنّا أنّ اللّه تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعا، و إيجاب طاعتهم قطعا مشروط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم و الاستفادة منهم.و نحن نعلم بالضّرورة أنّا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم،عاجزون عن الوصول إليهم،عاجزون عن استفادة الدّين و العلم منهم،و إذا كان الأمر كذلك علمنا

ص: 192

أنّ المعصوم الّذي أمر اللّه المؤمنين بطاعته ليس بعضا من أبعاض الأمّة،و لا طائفة من طوائفهم.

و لمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الّذي هو المراد بقوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ أهل الحلّ و العقد من الأمّة،و ذلك يوجب القطع بأنّ إجماع الأمّة حجّة.

فإن قيل:المفسّرون ذكروا في(اولى الامر)وجوها أخرى سوى ما ذكرتم:

أحدها:أنّ المراد من(اولى الامر)الخلفاء الرّاشدون.

و الثّاني:المراد أمراء السّرايا.قال سعيد بن جبير:

نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن حذافة السّهميّ؛إذ بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أميرا على سريّة.و عن ابن عبّاس أنّها نزلت في خالد بن الوليد بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أميرا على سريّة و فيها عمّار بن ياسر،فجرى بينهما اختلاف في شيء،فنزلت هذه الآية،و أمر بطاعة(اولى الامر).

و ثالثها:المراد العلماء الّذين يفتون في الأحكام الشّرعيّة،و يعلّمون النّاس دينهم.و هذا رواية الثّعلبيّ عن ابن عبّاس،و قول الحسن و مجاهد و الضّحّاك.

و رابعها:نقل عن الرّوافض أنّ المراد به الأئمّة المعصومون.و لمّا كانت أقوال الأمّة في تفسير هذه الآية محصورة في هذه الوجوه،و كان القول الّذي نصرتموه خارجا عنها،كان ذلك بإجماع الأمّة باطلا.

إن قيل:حمل(اولى الامر)على الأمراء و السّلاطين أولى ممّا ذكرتم،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ الأمراء و السّلاطين أوامرهم نافذة على الخلق،فهم في الحقيقة أولو الأمر.أمّا أهل الإجماع فليس لهم أمر نافذ على الخلق،فكان حمل اللّفظ على الأمراء و السّلاطين أولى.

و الثّاني:أنّ أوّل الآية و آخرها يناسب ما ذكرناه.أمّا أوّل الآية فهو أنّه تعالى أمر الحكّام بأداء الأمانات و برعاية العدل،و أمّا آخر الآية فهو أنّه تعالى أمر بالرّدّ إلى الكتاب و السّنّة فيما أشكل،و هذا إنّما يليق بالأمراء، لا بأهل الإجماع.

الثّالث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالغ في التّرغيب في طاعة الأمراء،فقال:«من أطاعني فقد أطاع اللّه،و من أطاع أميري فقد أطاعني،و من عصاني فقد عصى اللّه،و من عصى أميري فقد عصاني»فهذا ما يمكن ذكره من السّؤال على الاستدلال الّذي ذكرناه.

و الجواب:أنّه لا نزاع أنّ جماعة من الصّحابة و التّابعين حملوا قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ على العلماء،فإذا قلنا:المراد منه جميع العلماء من أهل العقد و الحلّ لم يكن هذا قولا خارجا عن أقوال الأمّة،بل كان هذا اختيارا لأحد أقوالهم،و تصحيحا له بالحجّة القاطعة، فاندفع السّؤال الأوّل.

و أمّا سؤالهم الثّاني فهو مدفوع،لأنّ الوجوه الّتي ذكروها وجوه ضعيفة،و الّذي ذكرناه برهان قاطع، فكان قولنا أولى.

على أنّا نعارض تلك الوجوه بوجوه أخرى أقوى منها:

فأحدها:أنّ الأمّة مجمعة على أنّ الأمراء و السّلاطين إنّما يجب طاعتهم فيما علم بالدّليل أنّه حقّ و صواب،و ذلك الدّليل ليس إلاّ الكتاب و السّنّة،فحينئذ لا يكون هذا قسما منفصلا عن طاعة الكتاب و السّنّة،

ص: 193

و عن طاعة اللّه و طاعة رسوله،بل يكون داخلا فيه.كما أنّ وجوب طاعة الزّوجة للزّوج،و الولد للوالدين، و التّلميذ للاستاذ،داخل في طاعة اللّه و طاعة الرّسول.

أمّا إذا حملناه على الإجماع لم يكن هذا القسم داخلا تحتها،لأنّه ربّما دلّ الإجماع على حكم،بحيث لا يكون في الكتاب و السّنّة دلالة عليه،فحينئذ أمكن جعل هذا القسم منفصلا عن القسمين الأوّلين فهذا أولى.

و ثانيها:أنّ حمل الآية على طاعة الأمراء يقتضي إدخال الشّرط في الآية،لأنّ طاعة الأمراء إنّما تجب إذا كانوا مع الحقّ،فإذا حملناه على الإجماع لا يدخل الشّرط في الآية،فكان هذا أولى.

و ثالثها:أنّ قوله من بعد: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ مشعر بإجماع مقدّم،يخالف حكمه حكم هذا التّنازع.

و رابعها:أنّ طاعة اللّه و طاعة رسوله واجبة قطعا، و عندنا أنّ طاعة أهل الإجماع واجبة قطعا.و أمّا طاعة الأمراء و السّلاطين فغير واجبة قطعا،بل الأكثر أنّها تكون محرّمة،لأنّهم لا يأمرون إلاّ بالظّلم،و في الأقلّ تكون واجبة بحسب الظّنّ الضّعيف،فكان حمل الآية على الإجماع أولى،لأنّه أدخل(الرّسول)و(اولى الامر) في لفظ واحد،و هو قوله: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فكان حمل(اولي الامر)الّذي هو مقرون ب(الرّسول)على المعصوم،أولى من حمله على الفاجر الفاسق.

و خامسها:أنّ أعمال الأمراء و السّلاطين موقوفة على فتاوى العلماء،و العلماء في الحقيقة أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ(اولى الامر)عليهم أولى.

و أمّا حمل الآية على الأئمّة المعصومين،على ما تقوله الرّوافض،ففي غاية البعد لوجوه:

أحدها:ما ذكرناه أنّ طاعتهم مشروطة بمعرفتهم، و قدرة الوصول إليهم.فلو أوجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا تكليف ما لا يطاق،و لو أوجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم و بمذاهبهم صار هذا الإيجاب مشروطا.و ظاهر قوله: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يقتضي الإطلاق.

و أيضا ففي الآية ما يدفع هذا الاحتمال،و ذلك لأنّه تعالى أمر بطاعة(الرّسول)و طاعة(أولي الامر)في لفظة واحدة،و هو قوله: وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، و اللّفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطابقة و مشروطة معا،فلمّا كانت هذه اللّفظة مطلقة في حقّ الرّسول،وجب أن تكون مطلقة في حقّ(اولى الامر).

و الثّاني:أنّه تعالى أمر بطاعة(أولي الامر)،و أولو الأمر جمع،و عندهم لا يكون في الزّمان إلاّ إمام واحد، و حمل الجمع على الفرد خلاف الظّاهر.

و ثالثها:أنّه قال: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ و لو كان المراد ب(اولى الامر)الإمام المعصوم،لوجب أن يقال:فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الإمام،فثبت أنّ الحقّ تفسير الآية بما ذكرناه.

(10:144-146)

ابن عربيّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الصّفات أَطِيعُوا اللّهَ بتوحيد الذّات،و الفناء في الجمع. وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ بمراعاة حقوق التّفصيل في

ص: 194

عين الجمع،و ملاحظة ترتيب الصّفات بعد الفناء في الذّات. وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ممّن استحقّ الولاية، و الرّئاسة،كما مرّ في حكاية طالوت.

(1:267)

[و قال في حكاية طالوت:]

طالوت كان رجلا فقيرا لا نسب له و لا مال،فما قبلوه للملك،لأنّ استحقاق الملك و الرّئاسة عند العامّة إنّما هو بالسّعادة الخارجيّة،الّتي هي المال و النّسب.فنبّه نبيّهم على أنّ الاستحقاق إنّما يكون بالسّعادتين الأخريين:

الرّوحانيّة الّتي هي العلم،و البدنيّة الّتي هي زيادة القوى،و شدّة البنية و البسطة،بقوله: وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247.و اللّه أعلم بمن يستحقّ الملك فيؤتيه من يشاء، وَ اللّهُ واسِعٌ كثير العطاء، يؤتي المال،كما يؤتي الملك، عَلِيمٌ بمن له الاستحقاق، و ما يحتاج إليه من المال الّذي يعتضد به فيعطيه.

(1:139)

القرطبيّ: قال جابر بن عبد اللّه و مجاهد:«أولو الأمر»أهل القرآن و العلم؛و هو اختيار مالك رحمه اللّه، و نحوه قول الضّحّاك قال:يعني الفقهاء و العلماء في الدّين.

و حكي عن مجاهد أنّهم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم خاصّة.

و حكي عن عكرمة أنّها إشارة إلى أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما خاصّة.[إلى أن قال:]

و قال ابن كيسان:هم أولو العقل و الرّأي الّذين يدبّرون أمر النّاس.

قلت:و أصحّ هذه الأقوال الأوّل و الثّاني،أمّا الأوّل:

فلأنّ أصل الأمر منهم و الحكم إليهم.

[إلى أن قال:]

و أمّا القول الثّاني:فيدلّ على صحّته قوله تعالى:

فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ فأمر تعالى بردّ المتنازع فيه إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و ليس لغير العلماء معرفة كيفيّة الرّدّ إلى الكتاب و السّنّة.

و يدلّ هذا على صحّة كون سؤال العلماء واجبا،و امتثال فتواهم لازما.[إلى أن قال:]

و أمّا القول الثّالث فخاصّ،و أخصّ منه القول الرّابع.

و أمّا الخامس فيأباه ظاهر اللّفظ،و إن كان المعنى صحيحا.فإنّ العقل لكلّ فضيلة أسّ،و لكلّ أدب ينبوع، و هو الّذي جعله اللّه للدّين أصلا و للدّنيا عمادا،فأوجب اللّه التّكليف بكماله،و جعل الدّنيا مدبّرة بأحكامه.

و العاقل أقرب إلى ربّه تعالى من جميع المجتهدين بغير عقل،و روي هذا المعنى عن ابن عبّاس.(5:259)

أبو حيّان:[بعد نقل كثير من الأقوال المتقدّمة قال:]

و الظّاهر أنّه كلّ من ولي أمر شيء ولاية صحيحة، قالوا:حتّى المرأة يجب عليها طاعة زوجها،و العبد مع سيّده،و الولد مع والديه،و اليتيم مع وصيّه،فيما يرضي اللّه و له فيه مصلحة.(3:278)

ابن كثير :يعني العلماء،و الظّاهر-و اللّه أعلم-أنّها عامّة في كلّ أولي الأمر من الأمراء و العلماء.

(2:326)

الآلوسيّ: [بعد نقل كثير من الأقوال،قال:]

و ليس ببعيد على ما يعمّ الجميع لتناول الاسم لهم، لأنّ للأمراء تدبير أمر الجيش و القتال،و للعلماء حفظ

ص: 195

الشّريعة،و ما يجوز ممّا لا يجوز.و استشكل إرادة العلماء لقوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فإنّ الخطاب فيه عامّ للمؤمنين مطلقا،«و الشّيء»خاصّ بأمر الدّين بدليل ما بعده،و المعنى فإن تنازعتم أيّها المؤمنون أنتم و أولو الأمر منكم في أمر من أمور الدّين(فردّوه) فراجعوا فيه(الى اللّه)أي إلى كتابه،(و الرّسول)أي إلى سنّته.

و لا شكّ أنّ هذا إنّما يلائم حمل(اولى الامر)على الأمراء دون العلماء،لأنّ للنّاس و العامّة منازعة الأمراء في بعض الأمور و ليس لهم منازعة العلماء؛إذ المراد بهم المجتهدون و النّاس ممّن سواهم،لا ينازعونهم في أحكامهم.(5:66)

رشيد رضا :قال الأستاذ الإمام:

و أمّا«أولو الامر»فقد اختلف فيهم،فقال بعضهم:

هم الأمراء،و اشترطوا فيهم أن لا يأمروا بمحرّم،كما قال مفسّرنا«الجلال»و غيره.و الآية مطلقة،أي و إنّما أخذوا هذا القيد من نصوص أخرى،كحديث«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»،و حديث«إنّما الطّاعة في المعروف».

و بعضهم أطلق في الحكّام فأوجبوا طاعة كلّ حاكم، و غفلوا عن قوله تعالى:(منكم).

و قال بعضهم:إنّهم العلماء،و لكن العلماء يختلفون، فمن يطاع في المسائل الخلافيّة و من يعصى.و حجّة هؤلاء أنّ العلماء هم الّذين يمكنهم أن يستنبطوا الأحكام غير المنصوصة،من الأحكام المنصوصة.

و قالت الشّيعة: إنّهم الأئمّة المعصومون،و هذا مردود؛إذ لا دليل على هذه العصمة،و لو أريد ذلك لصرّحت به الآية.و معنى(اولى الامر)الّذين يناط بهم النّظر في أمر إصلاح النّاس أو مصالح النّاس،و هؤلاء يختلفون أيضا فكيف يؤمر بطاعتهم بدون شرط و لا قيد؟

قال رحمه اللّه تعالى:إنّه فكّر في هذه المسألة من زمن بعيد،فانتهى به الفكر إلى أنّ المراد ب(اولى الأمر)جماعة أهل الحلّ و العقد من المسلمين،و هم الأمراء و الحكّام و العلماء و رؤساء الجند،و سائر الرّؤساء و الزّعماء الّذين يرجع إليهم النّاس في الحاجات و المصالح العامّة.فهؤلاء إذا اتّفقوا على أمر أو حكم وجب أن يطاعوا فيه، بشرط:أن يكونوا منّا،و أن لا يخالفوا أمر اللّه و لا سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي عرفت بالتّواتر،و أن يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر و اتّفاقهم عليه،و أن يكون ما يتّفقون عليه من المصالح العامّة،و هو ما لأولي الأمر سلطة فيه و وقوف عليه.و أمّا العبادات و ما كان من قبيل الاعتقاد الدّينيّ فلا يتعلّق به أمر أهل الحلّ و العقد،بل هو ممّا يؤخذ عن اللّه و رسوله فقط،ليس لأحد رأي فيه إلاّ ما يكون في فهمه.

فأهل الحلّ و العقد من المؤمنين إذا أجمعوا على أمر من مصالح الأمّة ليس فيه نصّ عن الشّارع،مختارين في ذلك غير مكرهين عليه،بقوّة أحد و لا نفوذه،فطاعتهم واجبة،و يصحّ أن يقال:هم معصومون في هذا الإجماع، و لذلك أطلق(الأمر)بطاعتهم بلا شرط،مع اعتبار الوصف و الاتّباع المفهوم من الآية.و ذلك كالدّيوان الّذي أنشأه عمر باستشارة أهل الرّأي من الصّحابة رضي اللّه عنهم،و غيره من المصالح الّتي أحدثها برأي(أولي الأمر)

ص: 196

من الصّحابة،و لم تكن في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و لم يعترض أحد من علمائهم على ذلك.

قال:فأمر اللّه في كتابه و سنّة رسوله الثّابتة القطعيّة الّتي جرى عليها صلّى اللّه عليه و سلّم بالعمل هما الأصل الّذي لا يردّ، و ما لا يوجد فيه نصّ عنهما ينظر فيه أولو الأمر إذا كان من المصالح،لأنّهم هم الّذين يثق بهم النّاس فيها و يتّبعونهم،فيجب أن يتشاوروا في تقرير ما ينبغي العمل به،فإذا اتّفقوا و أجمعوا وجب العمل بما أجمعوا عليه،و إن اختلفوا و تنازعوا فقد بيّن الواجب فيما تنازعوا بقوله:

فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ.

النّساء:59،و ذلك بأن يعرض على كتاب اللّه و سنّة رسوله و ما فيهما من القواعد العامّة و السّيرة المطّردة،فما كان موافقا لهما علم أنّه صالح لنا و وجب الأخذ به، و ما كان منافرا علم أنّه غير صالح و وجب تركه،و بذلك يزول التّنازع،و تجتمع الكلمة.

و هذا الرّدّ و استنباط الفصل في الخلاف من القواعد هو الّذي يعبّر عنه ب«القياس»و الأوّل هو الإجماع الّذي يعتدّ به،و قد اشترطوا في«القياس»شروطا بالنّظر إلى العلّة.

و الغرض من هذا الرّدّ أن لا يقع خلاف في الدّين و الشّرع،لأنّه لا خلاف و لا اختلاف في أحكامهما.كذا قال الأستاذ:و المراد أن لا يفضي التّنازع إلى الاختلاف و التّفرّق الّذي يلبس المسلمين شيعا،و يذيق بعضهم بأس بعض-و سيأتي بيان ذلك مفصّلا-و لكنّهم لم يعملوا بالآية،فتفرّقوا و اختلفوا.

[ثمّ نقل كلام الرّازيّ المتقدّم إلى أن قال:]

أقول:إنّ القائلين بالإمام المعصوم يقولون:إنّ فائدة اتّباعه إنقاذ الأمّة من ظلمة الخلاف و ضرر التّنازع و التفرّق،و ظاهر الآية بيان حكم المتنازع فيه مع وجود أولي الأمر و طاعة الأمّة لهم،كأن يختلف أولو الأمر في حكم بعض النّوازل و الوقائع.و الخلاف و التّنازع مع وجود الإمام المعصوم غير جائز عند القائلين به،لأنّه عندهم مثل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يكون لهذه الزّيادة فائدة على رأيهم.

و حصر الرّازيّ الأقوال المنقولة في الأربعة الّتي ذكرها غير مسلّم،فقد روي عن مجاهد أنّ(اولى الامر) هم الصّحابة،و في رواية عنه و عن مالك و الضّحّاك، و هي مأثورة عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما أنّهم أهل القرآن و العلم.فإن كان الرّازيّ يعني ب«أهل الإجماع»المجتهدين على اصطلاح أهل الأصول فهم أهل العلم و القرآن،و إن كان يعني بهم أهل الحلّ و العقد الّذين ينصبون الإمام الأعظم كما يفهم من تعبيره الآخر،فقد يوافق قوله قول ابن كيسان:إنّ(اولى الامر)هم أهل العقل و الرّأي.و قلّما تجد أحدا من المتأخّرين قال قولا إلاّ و تجد لمن قبله قولا بمعناه.و لكنّ القول إذا لم يكن واضحا مفصّلا حيث يحتاج إلى التّفصيل فإنّه يضيع و لا يفهم الجمهور المراد منه.

و هذا الرّازيّ على إسهابه و إطنابه في المسائل لم يحلّ المسألة كما يجب؛إذ عبّر تارة بأهل الإجماع،و المتبادر إلى الذّهن أن المراد بهم المجتهدون في المسائل الفقهيّة، و تارة بأهل الحلّ و العقد،و المتبادر إلى الذّهن أنّهم هم الّذين يختارون الإمام الأعظم.و هذا ما فهمه أو اختاره

ص: 197

النّيسابوريّ،و هو الصّواب و به يكون الرّازيّ قد حقّق مسألة الإجماع أفضل التّحقيق،كما سنبيّنه.

قال السّعد في«شرح المقاصد»: «و تنعقد الإمامة بطرق؛أحدها:بيعة أهل الحلّ و العقد من العلماء و الرّؤساء و وجوه النّاس»إلخ.فأهل الحلّ و العقد الّذين هم خواصّ الأمّة من العلماء و رؤساء الجند و المصالح العامّة هم أولو الامر الّذين تجب طاعتهم فيما يتّفقون عليه،لأنّ عامّة النّاس و دهماءهم يتّبعونهم بارتياح و اطمئنان،و لأنّهم هم العارفون بالمصلحة الّتي يحتاج إلى تقرير الحكم فيها،و لأنّ اجتماعهم و اتّفاقهم ميسور، و لأجل ذلك كان إجماعهم بمعنى إجماع الأمّة برمّتها، و هذه المعاني لا تتحقّق بإجماع المجتهدين في الفقه،إن أمكن أن يعرفوا و أن يجتمعوا،و أن تعلم الأمّة بإجماعهم، و تثق به.(5:180-187)

القاسميّ: يشمل عموم قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ :

العلماء.كما روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس أنّه يعني أهل الفقه و الدّين،و كذا قال مجاهد و عطاء و الحسن البصريّ و أبو العالية.

و هذا ليس قولا ثانيا في الآية بل هو ممّا يشمله لفظها،فهي عامّة في كلّ(اولى الامر)من الأمراء و العلماء و إن نزلت على سبب خاصّ.و قد كثرت الأوامر بطاعة العلماء كالأمراء،قال تعالى: لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ المائدة:

63،و قال تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّحل:43،و قال تعالى: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ النّساء:83.[إلى أن قال:]

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى،في كتابه«الحسبة في الإسلام»:و قد أمر اللّه تعالى في كتابه بطاعته و طاعة رسوله و طاعة أولي الأمر من المؤمنين.

و أولو الأمر:أصحاب الأمر و ذووه،و هم الّذين يأمرون النّاس،و ذلك يشترك فيه أهل اليد و القدرة،و أهل العلم و الكلام.فلهذا كان«أولو الأمر»صنفين:العلماء، و الأمراء.فإذا صلحوا صلح النّاس،و إذا فسدوا فسد النّاس.[إلى أن قال:]

و يدخل فيهم الملوك و المشايخ و أهل الدّيوان،و كلّ من كان متبوعا فإنّه من أولي الأمر.

(5:1344)

عزّة دروزة :كلمة(منكم)في الآية تعني أنّ(أولى الامر)الّذين تجب على المسلمين طاعتهم هم الّذين يكونون منهم،أي مسلمين.و ينطوي في هذا عدم جواز طاعة المسلم لحاكم،أو سلطان أو أمير غير مسلم،كما هو المتبادر.

و في هذا ما فيه من تلقين جليل مستمرّ المدى بعدم الرّضا لحكم الأجنبيّ و الخضوع لحكمه و الاستسلام له و حفزه على التّمرّد عليه و التّخلّص من سيطرته،و بذل ما يستطيع من جهد في هذا السّبيل.

و في هذه السّورة آيات مؤيّدة لهذا التّلقين،فيها تنديد بمن يخضع للظّالمين و الحكّام الأجانب،و توجيه لمقاومتهم و إرغامهم بمختلف الوسائل،على ما يأتي شرحه بعد.

و لقد روى المفسّرون أقوالا عن ابن عبّاس و بعض

ص: 198

التّابعين:أنّ(اولى الامر)الّذين يجب طاعتهم،هم أولو العلم و الفقه،كما رووا أقوالا أخرى عن بعض التّابعين أنّهم الولاة و الحكّام.

و قد انتهى الطّبريّ الّذي أورد هذه الأقوال إلى تصويب القول الثّاني دون الأوّل،استئناسا بالأحاديث النّبويّة الّتي رويناها قبل،و استنادا إليها،و هو الحقّ و الصّواب فيما يتبادر لنا.و لا سيّما أنّه لم يكن في زمن النّبيّ من تميّز بعده بمدّة غير قصيرة بالعلم و الفقه، و صاروا يدعون علماء و فقهاء.(9:104)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد بالأمر في أُولِي الْأَمْرِ هو الشّأن الرّاجع إلى دين المؤمنين المخاطبين بهذا الخطاب،أو دنياهم،على ما يؤيّده قوله تعالى:

وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ آل عمران:159،و قوله في مدح المتّقين: وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ الشّورى:38،و إن كان من الجائز بوجه أن يراد ب(الأمر)ما يقابل النّهي، لكنّه بعيد.

و قد قيّد بقوله:(منكم)و ظاهره كونه ظرفا مستقرّا، أي أولي الأمر كائنين منكم،و هو نظير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ الجمعة:2،و قوله في دعوة إبراهيم: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ البقرة:129،و قوله: رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي الأعراف:35،و بهذا يندفع ما ذكره بعضهم:أنّ تقييد(اولى الامر)بقوله:(منكم)يدلّ على أنّ الواحد منهم إنسان عاديّ مثلنا و هم منّا،و نحن مؤمنون من غير مزيّة عصمة إلهيّة.

ثمّ إنّ(اولي الامر)لمّا كان اسم جمع يدلّ على كثرة جمعيّة في هؤلاء المسمّين بأولي الأمر،فهذا لا شكّ فيه، لكن يحتمل في بادئ النّظر أن يكونوا آحادا يلي الأمر، و يتلبّس بافتراض الطّاعة واحد منهم بعد الواحد، فينسب افتراض الطّاعة إلى جميعهم بحسب اللّفظ، و الأخذ بجامع المعنى،كقولنا:صلّ فرائضك و أطع سادتك و كبراء قومك.

و من عجيب الكلام ما ذكره الرّازيّ:أنّ هذا المعنى يوجب حمل الجمع على المفرد،و هو خلاف الظّاهر.و قد غفل عن أنّ هذا استعمال شائع في اللّغة،و القرآن مليء به،كقوله تعالى: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ القلم:8، و قوله: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ الفرقان:52،و قوله:

إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا الأحزاب:67،و قوله:

وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الشّعراء:151،و قوله:

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ البقرة:238،و قوله:

وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:88،إلى غير ذلك من الموارد المختلفة بالإثبات و النّفي،و الإخبار و الإنشاء.

و الّذي هو خلاف الظّاهر من حمل الجمع على المفرد،هو أن يطلق لفظ الجمع و يراد به واحد من آحاده،لا أن يوقع حكم على الجمع بحيث ينحلّ إلى أحكام متعدّدة بتعدّد الآحاد؛كقولنا:أكرم علماء بلدك، أي أكرم هذا العالم،و أكرم ذاك العالم،و هكذا.

و يحتمل أيضا أن يكون المراد ب(اولى الامر) -هؤلاء الّذين هم متعلّق افتراض الطّاعة-الجمع من حيث هو جمع،أي الهيئة الحاصلة من عدّة معدودة كلّ واحد منهم من أولي الأمر،و هو أن يكون صاحب نفوذ

ص: 199

في النّاس،و ذا تأثير في أمورهم،كرؤساء الجنود و السّرايا و العلماء و أولياء الدّولة،و سراة القوم،بل كما ذكره في«المنار»:هم أهل الحلّ و العقد الّذين تثق بهم الأمّة،من العلماء و الرّؤساء في الجيش و المصالح العامّة، كالتّجارة و الصّناعات و الزّراعة،و كذا رؤساء العمّال و الأحزاب،و مدير و الجرائد المحترمة،و رؤساء تحريرها.

فهذا معنى كون(اولى الامر)هم:أهل الحلّ و العقد،و هم الهيئة الاجتماعيّة من وجوه الأمّة،لكن الشّأن في تطبيق مضمون تمام الآية على هذا الاحتمال.

الآية دالّة-كما عرفت-على عصمة(اولى الامر) و قد اضطرّ إلى قبول ذلك القائلون بهذا المعنى من المفسّرين.

فهل المتّصف بهذه العصمة أفراد هذه الهيئة،فيكون كلّ واحد منهم معصوما،فالجميع معصوم؛إذ ليس المجموع إلاّ الآحاد؟لكن من البديهيّ أن لم يمرّ بهذه الأمّة يوم يجتمع فيه جماعة من أهل الحلّ و العقد كلّهم معصومون،على إنفاذ أمر من أمور الأمّة،و من المحال أن يأمر اللّه بشيء لا مصداق له في الخارج،أو أنّ هذه العصمة-و هي صفة حقيقيّة-قائمة بتلك الهيئة قيام الصّفة بموصوفها،و إن كانت الأجزاء و الأفراد غير معصومين بل يجوز عليهم من الشّرك و المعصية ما يجوز على سائر أفراد النّاس،فالرّأي الّذي يراه الفرد يجوز فيه الخطأ،و أن يكون داعيا إلى الضّلال و المعصية،بخلاف ما إذا رأته الهيئة المذكورة لعصمتها؟و هذا أيضا محال، و كيف يتصوّر اتّصاف موضوع اعتباريّ بصفة حقيقيّة، أعني اتّصاف الهيئة الاجتماعيّة بالعصمة.

أو أنّ عصمة هذه الهيئة ليست وصفا لأفرادها و لا لنفس الهيئة،بل حقيقته أنّ اللّه يصون هذه الهيئة أن تأمر بمعصية أو ترى رأيا فتخطئ فيه،كما أنّ الخبر المتواتر مصون عن الكذب،و مع ذلك ليست هذه العصمة بوصف لكلّ واحد من المخبرين و لا للهيئة الاجتماعيّة،بل حقيقته أنّ العادة جارية على امتناع الكذب فيه.و بعبارة أخرى هو تعالى يصون الخبر الّذي هذا شأنه،عن وقوع الخطأ فيه،و تسرّب الكذب عليه؛ فيكون رأي(اولى الامر)ممّا لا يقع فيه الخطأ البتّة، و إن لم يكن آحادهم و لا هيئتهم متّصفة بصفة زائدة بل هو كالخبر المتواتر مصون عن الكذب و الخطأ.و ليكن هذا معنى العصمة في(اولى الامر)،و الآية لا تدلّ على أزيد من أنّ رأيهم غير خابط بل مصيب يوافق الكتاب و السنّة،و هو من عناية اللّه على الأمّة،و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تجتمع أمّتي على خطأ».

أمّا الرّواية فهي أجنبيّة عن المورد،فإنّها إن صحّت فإنّما تنفي اجتماع الأمّة على خطأ،و لا تنفي اجتماع أهل الحلّ و العقد منهم على خطأ.و للأمّة معنى و لأهل الحلّ و العقد معنى آخر،و لا دليل على إرادة معنى الثّاني من لفظ الأوّل،و كذا لا تنفي الخطأ عن اجتماع الأمّة،بل تنفي الاجتماع على خطأ،و بينهما فرق.

و يعود معنى الرّواية إلى أنّ الخطأ في مسألة من المسائل لا يستوعب الأمّة،بل يكون دائما فيهم من هو على الحقّ:إمّا كلّهم أو بعضهم و لو معصوم واحد،فيوافق ما دلّ من الآيات و الرّوايات على أنّ دين الإسلام و ملّة الحقّ لا يرتفع من الأرض بل هو باق إلى يوم القيامة،قال

ص: 200

تعالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ الأنعام:89،و قوله: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ الزّخرف:28،و قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و قوله: وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:41،42،إلى غير ذلك من الآيات.

و ليس يختصّ هذا بأمّة محمّد بل الصّحيح من الرّوايات تدلّ على خلافه،و هي الرّوايات الواردة من طرق شتّى،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،الدّالّة على افتراق اليهود على إحدى و سبعين فرقة،و النّصارى على اثنتين و سبعين فرقة،و المسلمين على ثلاث و سبعين فرقة،كلّهم هالك إلاّ واحدة.و قد نقلنا الرّواية في المبحث الرّوائيّ الموضوع في ذيل قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً آل عمران:103.

و بالجملة لا كلام على متن الرّواية إن صحّ سندها، فإنّها أجنبيّة عن مورد الكلام،و إنّما الكلام في معنى عصمة أهل الحلّ و العقد من الأمّة،لو كان هو المراد بقوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.

ما هو العامل الموجب لعصمة أهل الحلّ و العقد من المسلمين فيما يرونه من الرّأي؟هذه العصابة الّتي شأنها الحلّ و العقد في الأمور غير مختصّة بالأمّة المسلمة،بل كلّ أمّة من الأمم العظام بل الأمم الصّغيرة بل القبائل و العشائر،لا تفقد عدّة من أفرادها لهم مكانة في مجتمعهم، ذات قوّة و تأثير في الأمور العامّة.و أنت إذا فحصت التّاريخ في الحوادث الماضية-و ما في عصرنا من الأمم و الأجيال-وجدت موارد كثيرة اجتمعت أهل الحلّ و العقد منهم في مهامّ الأمور و عزائمها على رأي استصوبوه،ثمّ عقّبوه بالعمل،فربّما أصابوا و ربّما أخطئوا.

فالخطأ و إن كان في الآراء الفرديّة أكثر منه في الآراء الاجتماعيّة،لكنّ الآراء الاجتماعيّة ليست بحيث لا تقبل الخطأ أصلا،فهذا التّاريخ و هذه المشاهدة يشهدان منه على مصاديق و موارد كثيرة جدّا.

فلو كان الرّأي الاجتماعيّ من أهل الحلّ و العقد في الإسلام مصونا عن الخطأ،فإنّما هو بعامل ليس من سنخ العوامل العاديّة،بل عامل من سنخ العوامل و المعجزة الخارقة للعادة.و يكون حينئذ كرامة باهرة تختصّ بها هذه الأمّة تقيم صلبهم،و تحفظ حماهم،و تقيهم من كلّ شرّ يدبّ في جماعتهم و وحدتهم،و بالأخرة سببا معجزا إلهيّا يتلو القرآن الكريم،و يعيش ما عاش القرآن،نسبته إلى حياة الأمّة العمليّة نسبة القرآن إلى حياتهم العلميّة.

فكان من اللاّزم أن يبيّن القرآن حدوده وسعة دائرته،و يمتنّ اللّه به كما امتنّ بالقرآن و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، و يبيّن لهذه العصابة وظيفتهم الاجتماعيّة كما بيّن لنبيّه ذلك،و أن يوصي به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمّته و لا سيّما أصحابه الكرام،و هم الّذين صاروا بعده أهلا للحلّ و العقد، و تقلّدوا ولاية أمور الأمّة.و أن يبيّن أنّ هذه العصابة المسمّاة ب(أولى الامر)ما حقيقتها،و ما حدّها،و ما سعة دائرة عملها،و هل يتشكّل هيئة حاكمة واحدة على جميع المسلمين في الأمور العامّة لجميع الأمّة الإسلاميّة؟ أو تنعقد في كلّ جمعيّة إسلاميّة جمعيّة(اولى الامر) فيحكم في نفوسهم و أعراضهم و أموالهم؟

و لكان من اللاّزم أن يهتمّ به المسلمون و لا سيّما

ص: 201

الصّحابة،فيسألوا عنه و يبحثوا فيه.و قد سألوا عن أشياء لا قدر لها بالنّسبة إلى هذه المهمّة:كالأهلّة،و ما ذا ينفقون،و الأنفال،قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ البقرة:189،و يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ البقرة:215، و يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الأنفال:1،فما بالهم لم يسألوا؟أو أنّهم سألوا ثمّ لعبت به الأيدي فخفي علينا؟ فليس الأمر ممّا يخالف هوى أكثريّة الأمّة الجارية على هذه الطّريقة،حتّى يقضوا عليه بالإعراض فالتّرك حتّى ينسى.

و لكان من الواجب أن يحتجّ به في الاختلافات و الفتن الواقعة بعد ارتحال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حينا بعد حين،فما لهذه الحقيقة لا توجد لها عين و لا أثر في احتجاجاتهم و مناظراتهم،و قد ضبطها النّقلة بكلماتها و حروفها، و لا توجد في خطاب و لا كتاب؟و لم تظهر بين قدماء المفسّرين من الصّحابة و التّابعين،حتّى ذهب إليه شرذمة من المتأخّرين:الرّازيّ و بعض من بعده!

حتّى أنّ الرّازيّ أورد على هذا الوجه بعد ذكره:بأنّه مخالف للإجماع المركّب،فإنّ الأقوال في معنى(اولى الامر)لا تجاوز أربعة:الخلفاء الرّاشدون،و أمراء السّرايا، و العلماء،و الأئمّة المعصومون؛فالقول الخامس خرق للإجماع،ثمّ أجاب بأنّه في الحقيقة راجع إلى القول الثّالث،فأفسد على نفسه ما كان أصلحه.فهذا كلّه يقضي بأنّ الامر لم يكن بهذه المثابة،و لم يفهم منه أنّه عطيّة شريفة و موهبة عزيزة من معجزات الإسلام و كراماته الخارقة،لأهل الحلّ و العقد من المسلمين.

أو يقال:إنّ العصمة لا تنتهي إلى عامل خارق للعادة،بل الإسلام بنى تربيته العامّة على أصول دقيقة، تنتج هذه النّتيجة:أنّ أهل الحلّ و العقد من الأمّة لا يغلطون فيما اجتمعوا عليه،و لا يعرضهم الخطأ فيما رأوه.

و هذا الاحتمال مع كونه باطلا من جهة منافاته للنّاموس العامّ،و هو أنّ إدراك الكلّ هو مجموع إدراكات الأبعاض،و إذا جاز الخطأ على كلّ واحد جاز على الكلّ يرد عليه أنّ رأي(اولى الامر)بهذا المعنى لو اعتمد في صحّته و عصمته على مثل هذا العامل غير المغلوب لم يتخلّف عن أثره،فإلى أين تنتهي الأباطيل و الفسادات الّتي ملأت العالم الإسلاميّ؟

و كم من منتدى إسلاميّ بعد رحلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اجتمع فيه أهل الحلّ و العقد من المسلمين على ما اجتمعوا عليه،ثمّ سلكوا طريقا يهديهم إليه رأيهم،فلم يزيدوا إلاّ ضلالا،و لم يزد إسعادهم المسلمين إلاّ شقاء، و لم يمكث الاجتماع الدّينيّ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله دون أن عاد إلى إمبراطوريّة ظالمة حاطمة!فليبحث الباحث النّاقد في الفتن النّاشئة منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما استتبعته من دماء مسفوكة،و أعراض مهتوكة،و أموال منهوبة، و أحكام عطّلت،و حدود أبطلت!ثمّ ليبحث في منشئها و محتدّها،و أصولها و أعراقها،هل تنتهي الأسباب العاملة فيها إلاّ إلى ما رأته أهل الحلّ و العقد من الأمّة،ثمّ حملوا ما رأوه على أكتاف النّاس؟

فهذا حال هذا الرّكن الرّكين الّذي يعتمد عليه بناية الدّين،أعني رأي أهل الحلّ و العقد،لو كان هو المراد ب(اولى الامر)المعصومين في رأيهم.

فلا مناص على القول بأنّ المراد ب(أولي الأمر)أهل

ص: 202

الحلّ و العقد،من أن نقول بجواز خطأهم،و أنّهم على حدّ سائر النّاس يصيبون و يخطئون.غير أنّهم لمّا كانوا عصابة فاضلة خبيرة بالأمور،مدرّبين مجرّبين يقلّ خطؤهم جدّا،و أنّ الأمر بوجوب طاعتهم مع كونهم ربما يغلطون و يخطئون من باب المسامحة في موارد الخطأ،نظرا إلى المصلحة الغالبة في مداخلتهم؛فلو حكموا بما يغاير حكم الكتاب و السّنّة،و يطابق ما شخّصوه من مصلحة الأمّة،بتفسير حكم من أحكام الدّين بغير ما كان يفسّر سابقا،أو تغيير حكم بما يوافق صلاح الوقت،أو طبع الأمّة أو وضع حاضر الدّنيا،كان هو المتّبع.و هو الّذي يرتضيه الدّين،لأنّه لا يريد إلاّ سعادة المجتمع و رقيّه في اجتماعه،كما هو الظّاهر المتراءى من سير الحكومات الإسلاميّة في صدر الإسلام و من دونهم.فلم يمنع حكم من الأحكام الدّائرة في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لم يقض على سيرة من سيره و سننه إلاّ علّل ذلك بأنّ الحكم السابق يزاحم حقّا من حقوق الأمّة،و أنّ صلاح حال الأمّة في إنفاذ حكم جديد يصلح شأنهم،أو سنّ سنّة حديثة توافق آمالهم في سعادة الحياة.و قد صرّح بعض الباحثين (1)أنّ الخليفة له أن يعمل بما يخالف صريح الدّين،حفظا لصلاح الأمّة.

و على هذا فيكون حال الملّة الإسلاميّة حال سائر المجتمعات الفاضلة المدنيّة،في أنّ فيها جمعيّة منتخبة تحكم على قوانين المجتمع،على حسب ما تراه و تشاهده من مقتضيات الأحوال،و موجبات الأوضاع.

و هذا الوجه أو القول-كما ترى-قول من يرى أنّ «الدّين»سنّة اجتماعيّة سبكت في قالب الدّين،و ظهرت في صورته،فهو محكوم بما يحكم على متون الاجتماعات البشريّة و هياكلها بالتّطوّر في أطوار الكمال التّدريجيّ، و مثال عال لا ينطبق إلاّ على حياة الإنسان الّذي كان يعيش في عصر النّبوّة،و ما يقاربه.

فهي حلقة مقتضية من حلق هذه السّلسلة المسمّاة بالمجتمع الإنسانيّ،لا ينبغي أن يبحث عنها اليوم إلاّ كما يبحث علماء طبقات الأرض«الجيولوجيا»عن السّلع المستخرجة،من تحت أطباق الأرض.

و الّذي يذهب إلى مثل هذا القول لا كلام لنا معه في هذه الآية: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الآية،فإنّ القول يبتني على أصل مؤثّر في جميع الأصول و السّنن المأثورة من الدّين،من معارف أصليّة، و نواميس أخلاقيّة،و أحكام فرعيّة.و لو حمل على هذا ما وقع من الصّحابة في زمن النّبيّ و في مرض موته،ثمّ الاختلافات الّتي صدرت منهم،و ما وقع من تصرّف الخلفاء في بعض الأحكام و بعض سير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ في زمن معاوية و من تلاه من الأمويّين ثمّ العبّاسيّين ثمّ الّذين يلونهم،و الجميع أمور متشابهة أنتجت نتيجة باهتة.

و من أعجب الكلام المتعلّق بهذه الآية ما ذكره بعض المؤلّفين:أنّ قوله تعالى: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ لا يدلّ على شيء ممّا ذكره المفسّرون،على اختلاف أقوالهم.

أمّا أوّلا:فلأنّ فرض طاعة(اولى الامر)كائنين من كانوا،لا يدلّ على فضل و مزيّة لهم على غيرهم أصلا،كماه.

ص: 203


1- صاحب«فجر الإسلام»فيه.

أنّ طاعة الجبابرة و الظّلاّم واجبة علينا في حال الاضطرار اتّقاء من شرّهم،و لن يكونوا بذلك أفضل منّا عند اللّه سبحانه.

و أمّا ثانيا:فلأنّ الحكم المذكور في الآية لا يزيد على سائر الأحكام الّتي تتوقّف فعليّتها على تحقّق موضوعاتها،نظير وجوب الإنفاق على الفقير،و حرمة إعانة الظّالم.فليس يجب علينا أن نوجد فقيرا حتّى ننفق عليه،أو ظالما حتّى لا نعينه.

و الوجهان اللّذان ذكرهما ظاهرا الفساد،مضافا إلى أنّ هذا القائل قدّر أنّ المراد ب(أولى الامر)في الآية:

الحكّام و السّلاطين،و قد تبيّن فساد هذا الاحتمال.

أمّا الوجه الأوّل،فلأنّه غفل عن أنّ القرآن مملوء من النّهي عن طاعة الظّالمين و المسرفين و الكافرين، و من المحال أن يأمر اللّه مع ذلك بطاعتهم،ثمّ يزيد على ذلك فيقرن طاعتهم بطاعة نفسه و رسوله.و لو فرض كون هذه الطّاعة طاعة تقيّة لعبّر عنها بإذن و نحو ذلك، كما قال تعالى: إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً آل عمران:

28،لا بالأمر بطاعتهم صريحا،حتّى يستلزم كلّ محذور شنيع.

و أمّا الوجه الثّاني،فهو مبنيّ على الوجه الأوّل من معنى الآية.أمّا لو فرض افتراض طاعتهم لكونهم ذا شأن في الدّين فكانوا معصومين لما تقدّم تفصيلا، و محال أن يأمر اللّه بطاعة من لا مصداق له،أو له مصداق اتّفاقيّ في آية تتضمّن أسّ أساس المصالح الدّينيّة و حكما لا يستقيم بدونه حال المجتمع الإسلاميّ أصلا.

و قد عرفت أنّ الحاجة إلى(اولى الامر)عين الحاجة إلى الرّسول،و هي الحاجة إلى ولاية أمر الأمّة،و قد تكلّمنا فيه في بحث المحكم و المتشابه.

و لنرجع إلى أوّل الكلام في الآية:

ظهر لك من جميع ما قدّمناه أن لا معنى لحمل قوله تعالى: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ على جماعة المجمعين من أهل الحلّ و العقد،و هي الهيئة الاجتماعيّة،بأيّ معنى من المعاني فسّرناه فليس إلاّ أنّ المراد ب(أولي الأمر)آحاد من الأمّة،معصومون في أقوالهم،مفترض طاعتهم، فتحتاج معرفتهم إلى تنصيص من جانب اللّه سبحانه من كلامه أو بلسان نبيّه،فينطبق على ما روي من طرق أئمّة أهل البيت عليهم السّلام أنّهم هم.

و أمّا ما قيل:إنّ(اولى الامر)هم الخلفاء الرّاشدون أو أمراء السّرايا أو العلماء المتّبعون في أقوالهم و آرائهم، فيدفع ذلك كلّه أوّلا:أنّ الآية تدلّ على عصمتهم، و لا عصمة في هؤلاء الطّبقات بلا إشكال إلاّ ما تعتقده طائفة من المسلمين في حقّ عليّ عليه السّلام.و ثانيا:أنّ كلاّ من الأقوال الثّلاث قول من غير دليل يدلّ عليه.

و أمّا ما أورد على كون المراد به:أئمّة أهل البيت المعصومين عليهم السّلام:

أوّلا:أنّ ذلك يحتاج إلى تعريف صريح من اللّه و رسوله،و لو كان ذلك لم يختلف في أمرهم اثنان بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و فيه:أنّ ذلك منصوص عليه في الكتاب و السّنّة، كآية الولاية و آية التّطهير و غير ذلك-و سيأتي بسط الكلام فيها-و كحديث السّفينة:«مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا،و من تخلّف عنها غرق»

ص: 204

و حديث الثّقلين:«إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».و قد مرّ في بحث المحكم و المتشابه في الجزء الثّالث من الكتاب،و كأحاديث(اولى الامر)المرويّة من طرق الشّيعة و أهل السّنّة،و سيجيء بعضها في البحث الرّوائيّ التّالي.

و ثانيا:أنّ طاعتهم مشروطة بمعرفتهم،فإنّها من دون معرفتهم تكليف بما لا يطاق،و إذا كانت مشروطة فالآية تدفعه،لأنّها مطلقة.

و فيه:أنّ الإشكال منقلب على المستشكل،فإنّ الطّاعة مشروطة بالمعرفة مطلقا،و إنّما الفرق أنّ«أهل الحلّ و العقد»يعرف مصداقهم على قوله من عند أنفسنا، من غير حاجة إلى بيان من اللّه و رسوله،و الإمام المعصوم يحتاج معرفته إلى معرّف يعرفه،و لا فرق بين الشّرط و الشّرط في منافاته الآية.

على أنّ المعرفة و إن عدّت شرطا لكنّها ليست من قبيل سائر الشّروط،فإنّها راجعة إلى تحقّق بلوغ التّكليف،فلا تكليف من غير معرفة به و بموضوعه و متعلّقه،و ليست راجعة إلى التّكليف و المكلّف به.و لو كانت المعرفة في عداد سائر الشّرائط كالاستطاعة في الحجّ،و وجدان الماء في الوضوء مثلا،لم يوجد تكليف مطلق أبدا؛إذ لا معنى لتوجّه التّكليف إلى مكلّف،سواء علم به أو لم يعلم.

و ثالثا:أنّا في زماننا هذا عاجزون عن الوصول إلى الإمام المعصوم و تعلّم العلم و الدّين منه،فلا يكون هو الّذي فرض اللّه طاعته على الأمّة؛إذ لا سبيل إليه.

و فيه:أنّ ذلك مستند إلى نفس الأمّة في سوء فعالها و خيانتها على نفسها،لا إلى اللّه و رسوله؛فالتّكليف غير مرتفع.كما لو قتلت الأمّة نبيّها،ثمّ اعتذرت أنّها لا تقدر على طاعته.على أنّ الإشكال مقلوب عليه،فإنّا لا نقدر اليوم على أمّة واحدة في الإسلام ينفذ فيها ما استصوبته لها أهل الحلّ و العقد منها.

و رابعا:أنّ اللّه تعالى يقول: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ، و لو كان المراد من(اولى الامر)الإمام المعصوم،لوجب أن يقال:فان تنازعتم في شيء فردّوه الى الإمام.

و فيه:أنّ جوابه تقدّم فيما مرّ من البيان،و المراد بالرّدّ:

الرّدّ إلى الإمام بالتّقريب الّذي تقدّم.

و خامسا:أنّ القائلين ب«الإمام المعصوم»يقولون:

إنّ فائدة اتّباعه إنقاذ الأمّة من ظلمة الخلاف،و ضرر التّنازع و التّفرّق.و ظاهر الآية يبيّن حكم التّنازع مع وجود(اولى الامر)،و طاعة الأمّة لهم،كأن يختلف أولو الأمر في حكم بعض النّوازل و الوقائع.و الخلاف و التّنازع مع وجود الإمام المعصوم غير جائز عند القائلين به،لأنّه عندهم مثل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،فلا يكون لهذه الزّيادة فائدة على رأيهم.

و فيه:أنّ جوابه ظاهر ممّا تقدّم أيضا،فإنّ التّنازع المذكور في الآية إنّما هو تنازع المؤمنين في أحكام الكتاب و السّنّة دون أحكام الولاية الصّادرة عن الإمام في الوقائع و الحوادث،و قد تقدّم أن لا حكم إلاّ للّه و رسوله.

فإن تمكّن المتنازعون من فهم الحكم من الكتاب و السّنّة، كان لهم أن يستنبطوه منهما،أو يسألوا الإمام عنه و هو

ص: 205

معصوم في فهمه؛و إن لم يتمكّنوا من ذلك،كان عليهم أن يسألوا عنه الإمام،و ذلك نظير ما كان لمن يعاصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانوا يتفقّهون فيما يتمكّنون منه،أو يسألون عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يسألونه فيما لا يتمكّنون من فهمه بالاستنباط.

فحكم(اولى الامر)في الطّاعة حكم الرّسول،على ما تدلّ عليه الآية،و حكم التّنازع هو الّذي ذكره في الآية،سواء في ذلك حضور الرّسول كما تدلّ عليه الآيات التّالية،و غيبته كما يدلّ عليه الأمر في الآية بإطلاقه.فالرّدّ إلى اللّه و الرّسول المذكور في الآية مختصّ بصورة تنازع المؤمنين،كما يدلّ عليه قوله:(تنازعتم)، و لم يقل:فإن تنازع أولو الأمر،و لا قال:فإن تنازعوا، و الرّدّ إلى اللّه و الرّسول عند حضور الرّسول،هو سؤال الرّسول عن حكم المسألة أو استنباطه من الكتاب و السّنّة للمتمكّن منه،و عند غيبته أن يسأل الإمام عنه، أو الاستنباط كما تقدّم بيانه.فلا يكون قوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ إلخ زائدا من الكلام،مستغنى عنه،كما ادّعاه المستشكل.

فقد تبيّن من جميع ما تقدّم:أنّ المراد ب(اولى الامر) في الآية:رجال من الأمّة،حكم الواحد منهم في العصمة و افتراض الطّاعة حكم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و هذا مع ذلك لا ينافي عموم مفهوم لفظ(اولى الامر)بحسب اللّغة، و إرادته من اللّفظ.فإنّ قصد مفهوم من المفاهيم من اللّفظ شيء و إرادة المصداق الّذي ينطبق عليه المفهوم شيء آخر،و ذلك كما أنّ مفهوم الرّسول معنى عامّ كلّيّ و هو المراد من اللّفظ في الآية،لكنّ المصداق المقصود هو الرّسول محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(4:391-401)

المصطفويّ: (اولى الامر)عطف على(الرّسول) فيكون إطاعة أولي الأمر في مرتبة إطاعة الرّسول و من سنخه.و لازم أن يكون أمرهم موافق أمر الرّسول،كما أنّ إطاعة الرّسول لازم أن لا تخالف إطاعة اللّه بوجه،و إلاّ يلزم التّنافي و التّخالف،و لا تتحقّق الإطاعة.

فتفسير(اولى الامر)بالأمراء و الحكّام في غاية الوهن.(1:133)

مكارم الشّيرازيّ: من هم أولو الأمر؟

للمفسّرين أقوال عديدة حول المعنيّ ب(اولى الامر) نجملها فيما يلي:

1-يذهب جمع من مفسّري أهل السّنّة إلى أنّ(أولي الأمر)هم أهل الحلّ و العقد من الحكّام،في كلّ زمان و مكان،و لم يستثنوا منهم أحدا،لذا ينبغي للمسلمين إطاعة كلّ حكومة مهما كانت،حتّى لو كانت حكومة مغوليّة.

2-و يعتقد بعض آخر من المفسّرين كصاحب تفسير«المنار»و صاحب تفسير«في ظلال القرآن» و غيرهما بأنّ(اولى الامر)هم ولاة جميع الطّبقات،من حكّام و مسئولين و علماء و أصحاب المراكز المرموقة،في جميع مرافق الحياة للشّعب.و لكن ليس بصورة مطلقة و بدون قيد و شرط،بل تشترط إطاعة هؤلاء في حالة عدم مخالفتهم الأحكام و المقرّرات الإسلاميّة.

3-و يعدّ آخرون(اولى الامر)بأنّهم العلماء العادلون،الّذين يحيطون بالكتاب و الس