المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 1

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ

الدّكتور هادي حسن حمّودي

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

محمّد رمضاني

السيّد حسين رضويان

محمد حسين صادق پور

علي رضا غفرانيّ

علي أكبر قربانعليزاده سودمند

و هناك آخرون كانت لهم مشاركة فترة من الزّمن،ورد تفصيلها في التّصدير.و نذكر بالتّقدير اهتمام الأستاذ إلهيّ الخراسانيّ رئيس مجمع البحوث الإسلاميّة،الّذي شهد النّواة الأولى لهذا المشروع و شارك في بنائه.و نذكر أيضا عناية مجلس إدارة المجمع،و جهود الأقسام المختصّة بالجوانب الفنّيّة.

و لا يفوتنا أن ننوّه بالجهود المتواصلة لقسم الكومبيوتر،خاصّة الأخ حسين الطّائيّ في تنضيد الحروف.

و ما بذله محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ من جهد في مقابلتهما لهذا الجلد،في طبعته الثّانية.و أبو الحسن الملكيّ في مقابلة الآيات القرآنيّة في هذه الطّبعة.

ص: 5

ص: 6

المحتويات

تمهيد 11

تصدير 15

حرف الالف 35

آدم 37

آزر 57

أ ب ب 69

أ ب د 77

إبراهيم 89

أباريق 113

أ ب ق 119

أ ب ل 125

إبليس 147

أ ب و 165

أ ب ي 185

أ ت ي 199

أ ث ث 253

أ ث ر 259

أ ث ل 293

أ ث م 301

أ ج ج 339

أ ج ر 347

أ ج ل 381

أ ح د 431

أ خ ذ 487

أ خ ر 543

أ خ و 641

أ د د 699

إدريس 705

أدو-أدي 715

أذن 727

فهرس الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة 821

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 827

ص: 7

ص: 8

مقدّمة الطّبعة الثّانية

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم نحمد اللّه حمدا كثيرا و نشكره شكرا جميلا على ما وفّقنا لتقديم عشر مجلّدات من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»إلى روّاد علوم القرآن و عشّاق معارفه و العطاشى إلى أسراره في أنحاء العالم الإسلاميّ،و قد وقع موقع القبول لدى كلّ من وقف عليه و طالعه من أعيان العلماء،إذ هم يتوقون إلى صدور الأجزاء اللاّحقة بفارغ الصّبر،للوقوف على ما فيها.

و هذا كلّه فضل من اللّه علينا و على«مجمع البحوث الإسلاميّة»في الآستانة الرّضويّة المقدّسة على مشرّفها السّلام و الصّلاة و التّحيّة،فهذا من بركات هذا المشهد العظيم و كم له من بركات!!

لقد التزمنا في هذه المجلّدات العشرة نفس المنهج الّذي انتهجناه في بداية العمل و أشرنا إليه في صدر المجلّد الأوّل،سوى تعديلات قليلة نبّهنا عليها في مقدّمة المجلّد العاشر،و كذلك تصحيح الأغلاط،و تغيير بعض الأرقام و العناوين في المجلّد الأوّل من الطّبعة الثّانية.

و سنستمرّ على هذا المنوال-بإذن اللّه-بالعمل إلى منتهى الأجل.و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم الهادي إلى الصّراط المستقيم.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 9

ص: 10

تمهيد

بقلم الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي أنزل القرآن على رسوله الأمين،ليكون من المنذرين،بلسان عربيّ مبين، كتابا يهدي للّتي هي أقوم،و يحكم بالحقّ بين الأمم،يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السّلام، و يخرجه من الظّلمات إلى النّور بإذنه،و يهديه إلى صراط مستقيم.

و الصّلاة و السّلام على نبيّنا محمّد بن عبد اللّه،الّذي أرسله شاهدا و مبشّرا و نذيرا،و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا و منيرا،و جعل له من القرآن آية باهرة،و معجزة خالدة قاهرة،شاهدا على صدق دعوته،و برهانا على حقّيّة رسالته،فكان القرآن هداية و حجّة معا،و حكمة و عصمة لمن اتّبع و وعى:هداية للخلق،و حجّة للرّسول على الخلق.

فيه الهدى و النّور،و شفاء لما في الصّدور،و هو حبل اللّه المتين،و صراطه المستقيم،و هو النّور السّاطع برهانه،و الفرقان الصّادع تبيانه،و المعجز الباقي على مرّ الدّهور،و الحجّة الثّابتة عبر العصور،يهدي النّاس إلى صالح القول و العمل،و يعصمهم من الميل و الزّلل،معدن كلّ علم،

ص: 11

و منبع كلّ حكم،من قال به صدق،و من عمل به أجر،و من حكم به عدل،نورا يتوقّد مصباحه، و ضياء يتلألأ صباحه،و دليلا لا يخمد برهانه،و حقّا لا تخذل أعوانه،و حبلا وثيقا عروته، و جبلا منيعا ذروته.كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد.

ظاهره أنيق،و باطنه عميق،لا تفنى عجائبه،و لا تنقضي غرائبه،كثير الدّرر،غزير الغرر، متواصف السّمات،متناصف الصّفات،سيّارا في الأنجاد و الأغوار،طيّارا في الآفاق و الأقطار.

و قد ضرب اللّه فيه الأمثال،و قصّ فيه غيب الأخبار،و بيّن فيه الشّرائع و الأحكام،ففرّق بين الحلال و الحرام،و صرّف فيه العبر للأفهام،فجعل أمثاله و أخباره و عبره عظة و تذكرة لمن تدبّرها،و شرائعه و أحكامه هدى و تبصرة لمن استبصرها.

كتابا عجز الفصحاء عن معارضته،و عيّ الخطباء بمناقضته،و خرس البلغاء عن مشاكلته، فقد تحدّاهم النّبيّ بهذا القرآن،و خاطبهم مرارا بآيات التّحدّي،فقال تعالى:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مثله وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يونس:38.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ هود:13.

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88.

وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ البقرة:23،24.

فلم يأتوا بمثله-و لن يأتوا-و لم يعارضوه.و لو كان لسجّلوه و ضبطوه،كما ضبطوا كلام مسيلمة الكذّاب و من ماثلوه،و لكفاهم عن ما تحمّلوه من الحروب و المشاقّ،و عن ما بذلوه في سبيله من الأموال و النّفوس و الأعراق.فإذ لم يعارضوه بما يماثله في الفصاحة،أو يقاربه في الصّناعة-رغم كثرة من عندهم من أمراء الكلام و البلاغة،و أساطين البيان و الشّعر و الخطابة- ثبت عجزهم عن مجاراته و مباراته،و لزم تفوّقه عليهم في سوره و آياته.

ص: 12

فسلام اللّه و صلواته على هذا النّبيّ الأمّيّ العربيّ،الّذي فتح علينا بكتابه أبواب الكلام و البيان،و مهّد لنا بأحكامه و حكمه سبل السّلام و الأمان،و على الأطايب من عترته،و الأكارم من أرومته،الّذين هم عدل الكتاب،و مطالع أنواره،و على أصحابه و أنصاره،الّذين هم حفّاظ الكتاب،و حملة آثاره،و على التّابعين لهم بإحسان،النّاقلين إلينا آثارهم بائتمان.

اللّهمّ اجعلنا ممّن يتلوه حقّ تلاوته،و يرعاه حقّ رعايته،و يتدبّره حقّ تدبّره،و يتبصّره حقّ تبصّره،و يهتدي بهداه،و يستغني به عن ما سواه،و اجعلنا قائمين بقسطه،وافين بشرطه، مهتدين بأعلامه،عاملين بأحكامه،و اجمع لنا خير الدّنيا و الآخرة،فإنّك أهل التّقوى و المغفرة، آمين يا ربّ العالمين.

و بعد،فهذا هو الجزء الأوّل من الكتاب البديع،و السّفر النّجيع الموسوعة القرآنيّة الكبرى:

«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و سيتلوه بإذن اللّه سائر الأجزاء.و هو بحقّ أوسع و أعظم ما ألّف في ميدان الألفاظ القرآنيّة،و ما فيه من الأسرار البلاغيّة،إذ يضمّ نصوصا لغويّة، و بحوثا تفسيريّة،و شواهد تاريخيّة و أدبيّة،تتعلّق بألفاظ القرآن و مفرداته،و أعلامه و أدواته، و نصوصا من وجوه القرآن و النّظائر،و اختلاف القراءات و اللّهجات و معضلات الإعراب و التركيبات،إضافة إلى آراء منيعة،و بحوث بديعة،في فقه لغة القرآن و بلاغته،من أصول لغويّة، و أساليب قرآنيّة،لا توجد في غيره،و لا تدرك في نظيره.

و لا نغالي لو قلنا:إنّ الّذين يدرسون لغة القرآن تفقّها و تبصّرا،و يتناولونها تأمّلا و تدبّرا، ليستغنون بهذا المعجم عن غيره من المعاجم القرآنيّة،و التّفاسير اللّغويّة،و ما دوّن في مضمار غريبه و وجوهه و مفرداته،و اختلاف حروفه و قراءاته،و ما يتعلّق بإعجازه اللّغويّ و البلاغيّ و العدديّ.

فإنّه بمفرده يحوي معظم ما جاء في تلك المؤلّفات،بأسلوب مرتّب،و نمط مهذّب،فقد ضمّ حسناتها إلى حسناته،وفاقها بخصائصه و سماته،و أصبح كما قال المثل«جاء بالطّمّ و الرّمّ».

ص: 13

ص: 14

تصدير

اشارة

و حريّ بنا أوّل ذي بدء تصدير الكتاب،بما ينطوي على بيان أهدافه و مزاياه،و توضيح فوائده و حواياه،و الفرق بينه و بين كتب المفردات،و مكانته بينها و بين علوم القرآن.و إبداء وجهات النّظر حول المواضيع الّتي عالجها الكتاب،ممّا يتناول مفاهيم اللّغات و أصولها، و أسلوب استعمالها في القرآن و إعجازها.و يوضّح كذلك أسلوب المعجم و اصطلاحاته و رموزه،و مراحل نشوئه و تأليفه،و يعرّف الّذين شاركوا في تأليفه،و يثمّن جهودهم،و يشكر و يقدّر مساعيهم.

و يتناول هذا التّصدير أيضا مجملا من المباحث الهامّة المفصّلة في مجلّد باسم «المدخل»،و الّتي لها دخل مباشر،و مساس متّصل في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته،و يبتني عليها كثير من أبحاث المعجم و محتوياته.و يحوي هذا المدخل أصولا ترجع إليها الفروع،في شتّى موادّ المعجم و كلماته.

و نسأل اللّه تعالى مبتهلين إليه أن يمنّ علينا بالتّوفيق و السّداد،و الجدّ و الاجتهاد،و أن يلهمنا الإخلاص في العمل،إلى منتهى الأجل،و أن يهبنا صدق النّيّة،و طيب الطّويّة،و طاقة الصّبر،و سعة الصّدر،و السّعي إلى نهاية المشوار،و الاحتراز من الزّلّة و العثار.كما نتمنّى و نأمل أن ينتفع به الباحثون في أسرار الفرقان،كما انتفعوا بغيره.

ص: 15

أهداف المعجم و مكانته في علوم القرآن

إنّ اسم الكتاب يفصح عن محتواه و مغزاه،فهو معجم أو موسوعة قرآنيّة،مادّته:فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته،و قد اقتبس اسمه من«فقه اللّغة و سرّ العربيّة»لأبي منصور الثّعالبيّ(350- 430 ه)،أحد أعلام اللّغة و الأدب في القرن الرّابع و الخامس الهجريّين.

و كذلك يفصح هذا الاسم عن حقيقة،مفادها أنّ للقرآن فقه لغة خاصّا به،يرتبط ارتباطا وثيقا بإعجازه.و قد كان القدماء يعبّرون عنه ب«النّظم القرآنيّ»و المتأخّرون ب«البيان القرآنى» أو«الإعجاز البيانيّ».و لم نقف لحدّ الآن على من يستعمل هذا الاصطلاح،أي«فقه لغة القرآن»،رغم أنّهم بحثوا كثيرا في النّظم القرآنيّ.

و لعلّ أوّل من أتى بهذا التّعبير-أي النّظم القرآنيّ-هو أبو عبيدة(م 209 ه)،في كتاب «مجاز القرآن»،و تبعه آخرون على مرّ العصور عند حديثهم عن إعجاز القرآن و بلاغته،و في طليعتهم الجاحظ(م 255 ه)،في كتابه«إعجاز القرآن».إلى أن شاع في هذا العصر اصطلاحا «الإعجاز البيانيّ»و«التّفسير البيانيّ»من قبل الأستاذ المصريّ أمين الخوليّ و روّاد مدرسته.

و نعتقد أنّ اصطلاح«فقه لغة القرآن»أوفى بسرّ البيان القرآنيّ و رمز الكلام الإلهيّ من أيّ تعبير آخر،لما يكمن في كلمة«فقه»-و لا سيّما في التّعبير القرآنيّ-من دقّة و عمق،و قد بيّنّاه في«المدخل»،كما بحثنا هناك في علم«فقه اللّغة»عند القدماء و المتأخّرين،و ركّزنا على أنّ «فقه لغة القرآن»هو علم برأسه،من عداد العلوم القرآنيّة.

و أمّا إثبات هذا المدّعى،أي أنّ للقرآن فقه لغة خاصّا به فتتكفّل ببيانه على العموم بحوث من«المدخل»،و لا سيّما بحث«الإعجاز البلاغيّ»،و يلمسه الدّارسون في طيّات هذا المعجم، خصوصا في بحث«الاستعمال القرآنيّ»من كلّ مادّة،و يمرّون على عدد جمّ من شواهده و مصاديقه.

و أمّا مكانة هذا المعجم بين العلوم القرآنيّة،فسيأتي تفصيله في«المدخل»خلال البحث في اصطلاح«العلوم القرآنيّة»و معانيها الثّلاثة،و ما ينضوي تحت كلّ قسم من أقسام العلوم، و كذلك عند الحديث عن كتب«غريب القرآن و مفرداته»و عن«الإعجاز البلاغيّ»و في غيرها

ص: 16

من البحوث.

و أمّا الحديث عنه بصورة مجملة:فإنّ هذا المعجم-حسب موضوعه-يبحث في لغات القرآن و كلماته،فيندرج تحت طائفة كتب«غريب القرآن و مفرداته»الّتي تكلّمنا عنها في فصل من«المدخل»،و هو من أبسط فصوله.و من جهة أخرى،فإنّ الكتاب يتكفّل بدراسة «بلاغة القرآن»في انتخاب الكلمات و سرّ إعجازها،فهو كتاب لغة و بلاغة و إعجاز قرآنيّ معا، و يعتبر في الوقت نفسه تفسيرا موضوعيّا حسب الكلمات،دون المواضيع،كما أنّه تضمّن علم «أعلام القرآن»أيضا،لاشتماله على شرحها في طائفة الكلمات.

و تتلخّص مزايا هذا المعجم و حواياه في أمور:

1-جمع النّصوص اللّغويّة الهامّة لكلّ مادّة من لغات القرآن،حسب التّرتيب الزّمنيّ لحياة أربابها،فيستغني الباحث بها عن مراجعة معاجم اللّغة،و يطلعه على تطوير علم اللّغة على مرّ العصور،كأنموذج في لغات القرآن،ينبغي بسطه في غيرها من لغة العرب.

2-جمع النّصوص التّفسيريّة الضّروريّة لكلّ مفردة بنفس الأسلوب،فيخلد إليها الدّارسون،و لا يكلّفون أنفسهم مشقّة تصفّح مجلّدات ضخمة من التّفاسير العارية في أغلب الأحوال عن الفهارس الواضحة،و هذا بدوره يبيّن أيضا تطوّر التّفسير اللّغوي على توالي الأزمان.

3-احتواؤه على فقه كلّ لغة،و تحوّلها لفظا و معنى،وصولا إلى جذر اللّفظ و المعنى الأصليّ من بين المعاني المتفرّعة منه،و الّذي هو بمنزلة الأمّ لها.

4-معرفة مشتقّات كلّ كلمة في القرآن و سرّ مجيئها متنوّعة،مراعاة للتّناسب اللّفظيّ و المعنويّ في كلّ موضوع.

5-جمع شتات الوجوه و النّظائر،فيوفّر للباحث وقته و جهده في مراجعة هذه الكتب الكثيرة.

6-شرح الأعلام القرآنيّة لفظا و معنى،و تقديم نموذج واف عمّا جاء في التّفسير و التّاريخ و كتب السّير و معاجم أهل الكتاب،و السّعي إلى التّعرّف على أشخاصها جهد الإمكان تحت

ص: 17

ظلّ القرآن.

7-بيان سرّ الإعجاز القرآنيّ من خلال الكلمات و طريقة مجيئها في القرآن.

8-فتح باب جديد لفهم القرآن و سرّ بلاغته و إعجازه،و ضمّ علم إلى علومه،و هو علم «فقه لغة القرآن».

و بذلك كلّه يظهر فرق هذا المعجم عن سائر كتب«غريب القرآن و مفرداته»فهو نسيج وحده،و فريد دهره،و يوسف مصره.

مادّته و مراحل تدوينه

كانت المادّة الأولى لهذا المعجم هي بطاقات و جذاذات هيّئت للنّصوص اللّغويّة في تفسير«التّبيان»لأبي جعفر الطّوسيّ(385-460 ه)شيخ الطّائفة الإماميّة،بمناسبة عقد مؤتمر الألفي عام(1392 ه ق)في جامعة مشهد.و كنّا بصدد نشرها في كتاب بعد مقابلتها و تصحيحها مع صديقنا الشّيخ إلهي خراسانيّ،و صادف حينذاك تأسيس مجمع البحوث الإسلاميّة»، فانتدبته الآستانة الرّضويّة المقدّسة لتسنّم إدارته،و تصدّيت أنا للإشراف على«قسم القرآن» من بين أقسامه المختلفة،و اتّفقنا على حصر أعماله في نشر هذا المعجم اللّغويّ لتفسير «التّبيان»ثمّ رأينا أن نوسّع دائرة المعجم،ليشمل سائر التّفاسير،علما بأنّ فيها مثل ما في «التّبيان»في شرح اللّغة بأضعاف مضاعفة،و لم تجمع إلى الآن في كتاب.

ثمّ تجاوزنا التّفاسير إلى كتب:المفردات و غريب القرآن و الوجوه و النّظائر،و ما إليها من المؤلّفات.

و لاحظنا بعد ذلك أنّ مادّة هذه الكتب هي معاجم اللّغة العربيّة،و لا تكمل دراسة لغات القرآن من خلال التّفاسير و تلك الكتب إلاّ بضمّ نصوص المعاجم إليها،علما بأنّ كثيرا من الأبحاث اللّغويّة في التّفاسير و كتب المفردات مأخوذة و مستمدّة من تلك المعاجم،و منقولة عنها بألفاظها أو بمعانيها،و بقيت فيها أشياء لم تنقل إلى تلك الكتب،فيجب ضمّها إليها.و بذلك حصلت لدينا مادّة لغويّة واسعة المدى،مختلفة المرمى،تزداد شيئا فشيئا بالوقوف على

ص: 18

نصوص أخرى.

ثمّ رأينا أنّ جمع النّصوص و الاكتفاء بها لا يشفي العليل،و لا يروي الغليل،إلاّ بضمّ بحوث إليها من فقه اللّغات و أسلوبها القرآنيّ و سرّها البلاغيّ؛و ذلك لا يتيسّر إلاّ بتقديم جدول في صدر كلّ مادّة حول ألفاظها في القرآن،ثمّ دراسة آياتها خلال النّصوص التّفسيريّة و اللّغويّة و أصولها،و بحث الاستعمال القرآنيّ،لكي تكون الدّراسة جامعة،لا تشذّ عنها كلمة قرآنيّة، و هذه هي مادّة المعجم.

و أمّا مراحل تدوينه،فكان ينبغي قبل كلّ شيء:

أوّلا:إحضار تلك الكتب و المصادر،و اختيار أحسن طبعاتها،و ما يتعلّق بها من شروح و ملابسات.

ثانيا:اختيار أعوان و زملاء من المثقّفين و الفضلاء الّذين يجيدون اللّغة العربيّة، و يحسنون انتقاء مادّة البطاقات،من المصادر،و اطّلاعهم على طريقة العمل،و تعريفهم بالمشروع الّذي تعلّق به الأمل،ليكونوا على بصيرة من أمرهم،ساعين في عملهم،إلى ما لا يعلم مداه من دهرهم.و قد تحقّق الأمران،فبدأ الإخوان عملهم،و لا يزالون مستمرّين فيه، حتّى حصل-و للّه الحمد-عندنا أكثر من مائتي ألف بطاقة،اقتبسوها من كتب التّفاسير و المفردات.و أمّا معاجم اللّغة فيرجع إليها عند التّدوين.

و بعد أن حصلنا على مقدار من الموادّ الصّالحة للاشتغال بالتّأليف،بدأنا العمل بموادّ من حرف الألف،دون أن نقدّر سعة العمل و تشعّبه،فحصلت لدينا نصوص متراكمة لكلّ مادّة،بلا تنظيم و تبويب،فأعدنا النّظر فيها،و بدّلنا أسلوبها مرّات،حتّى استقرّت على ما عزمنا النّيّة عليه،من أسلوب بديع،و نظم رفيع.

أسلوبه و رموزه

1-راعينا في تنظيم الكلمات موادّها الأصليّة حسب الحروف الهجائيّة في كافّة حروفها:الأوّل فالثّاني فالثالث،سوى الأعلام،فإنّها رتّبت حسب تلفّظها،و لهذا صدّرنا

ص: 19

المعجم ب«آدم»خلافا لسائر المعاجم اللّغويّة و القرآنيّة؛حيث تعرّضت له في مادّة«أدم».

و توضيح ذلك في فصل«الأعلام القرآنيّة»من«المدخل».

2-كلّ مادّة تحتوي ستّة أقسام:

الأوّل:جدول الكلمات:بدء بمادّتها الهجائيّة،ثمّ عددها المكّيّ و المدنيّ،و عدد سورها المكّيّة و المدنيّة مجملا و مفصّلا،و في ما يلي نموذج من الجدول:

(أ ث ر)

13 لفظا،21 مرّة:17 مكّيّة،4 مدنيّة

في 16 سورة:12 مكّيّة،4 مدنيّة

آثر 1:1\يؤثر 1:1\آثارهما 1:1

آثرك 1:1\أثر 2:1-1\آثارهم 7:5-2

يؤثرون:1:-1\أثري 1:1\أثارة 1:1

تؤثرون 1:1\آثار 1:1\...

نؤثرك 1:1\آثارا 2:2\...

معناه أنّ مادّة(أث ر)في القرآن ذات(13)لفظا،وردت(21)مرّة:مكّيّها 17،و مدنيّها 4، وردت في(16)سورة:مكّيّها 12،و مدنيّها 4.

ثمّ ذكرت الألفاظ و مرّات تكرارها،و عدد مكّيّها و مدنيّها،فالرّقم الأوّل-مثلا-في (آثر 1:1)للمرّة،و الثّاني للمكيّ،و ليس له مدنيّ.و في(يؤثرون 1:-1)الرّقم الثّاني-بعد الخطّ المعترض-للمدنيّ،و ليس له مكّيّ.و في(آثارهم 7:5-2)الرّقم قبل الخطّ مكّيّ،و بعد الخطّ مدنيّ،و معناه أنّ(آثارهم)جاء في القرآن(7)مرّات:(5)مرّات مكّيّة،و مرّتين مدنيّتين.

و يعتبر مصدرنا في ذلك«المعجم المفهرس»لفؤاد عبد الباقي،و«معجم ألفاظ القرآن الكريم»لمجمع اللّغة العربيّة،لما فصّلناه في«المدخل»في فصول:«عدد الآيات»و«مكّيّ السّور و الآيات و مدنيّها»و«معاجم كشف الآيات».

ص: 20

الثّاني:النّصوص اللّغويّة،و قد رتّبت بحسب تاريخ وفيات أصحابها،فصدّر النّصّ باسم قائله،مثل:الخليل و الأزهريّ و غيرهما،و ذيّل برقم صفحة المصدر أو جزئه و صفحته،إذا كان المصدر مشهورا في نسبته إلى صاحبه،و قد تمّ تعريف تلك المصادر و مؤلّفيها بصورة موجزة في الفهرس الملحق بالجزء الأوّل،و بصورة مفصّلة في فصل المصادر من«المدخل».فمثلا جاء في مادّة(أث ر):

الخليل:الأثر:بقيّة ما يرى من كلّ شيء...(8:236).

أي الجزء(8)و الصّفحة(236)من كتاب العين.

و إن أخذ النّصّ من واسطة،ذكر اسم الواسطة مع رقم الجزء و الصّفحة من كتابه،مثل:

الكلبيّ:أثرت بهذا المكان،أي ثبتّ فيه.(ابن فارس 1:56).

معناه أنّ النّاقل للنّصّ عن الكلبيّ هو ابن فارس في«المقاييس»،الجزء(1)،و الصّفحة (56).

و إن نقل نفس النّصّ من قائل آخر أيضا،يذكر اسمه ذيل النّصّ مع لفظ«مثله»،إن كان بعين اللّفظ،أو«نحوه»إن تفاوت اللّفظ و اتّحد المعنى.هذا في ما لا يعلم نقل الثّاني عن الأوّل، و إلاّ يسكت عنه غالبا،و ما أكثر هذا في معاجم اللّغة و في التّفاسير؛حيث يكرّرون كلام من سبقوهم،فينسبونه إلى قائله،أو يسكتون عنه،و هذا هو الغالب عليهم.

و إنّما اكتفينا باسم صاحب النّصّ و لم نذكر اسم كتابه،رعاية للاختصار،و اتّكالا على الاشتهار،و اعتمادا على فهرس المصادر المذكور في آخر المجلّد الأوّل،و يكرّر في سائر المجلّدات،و على فصل التّعريف بالمصادر في«المدخل».

و يستثنى من ذلك ما إذا نقل النّصّ من كتاب آخر لصاحبه،غير كتابه المشهور،فمثلا أنّ نصوص الزّمخشريّ منقولة عن«الكشّاف»عادة،و قد ننقل من كتابه«أساس البلاغة»أو «الفائق»،فلا محيص حينئذ عن ذكر الكتاب غير المشهور بعد اسم المؤلّف،حذرا من الاشتباه.

الثّالث:النّصوص التّفسيريّة،و تحرّر بنفس الأسلوب و الرّموز،أي تذكر النّصوص حسب تاريخ الوفاة،ابتداء باسم صاحب النّصّ،و انتهاء برقم الجزء و الصّفحة من كتابه،أو من

ص: 21

مصدر آخر،ثمّ تذييله بلفظ«مثله»أو«نحوه»،إن كان مكرّرا.فقد جاء-مثلا-في مادّة(أث ر) ضمن«النّصوص التّفسيريّة»ذيل قوله تعالى: فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا النّازعات:37،38.

أبو السّعود:فانهمك فيما متّع به فيها...مثله الآلوسيّ(3:36)،و نحوه الكاشانيّ(5:

282)،و البروسويّ(10:327).

و ينبغي هنا التّنبيه على أمور:

1-النّصوص الرّاجعة إلى الإعجاز العدديّ تندرج ضمن النّصوص التّفسيريّة،و كذلك النّصوص البلاغيّة.

2-النّصوص اللّغويّة المحضة الّتي جاءت خلال التّفاسير-و ما أكثرها،و لا سيّما في تفسير القرطبيّ-تندرج ضمن النّصوص اللّغويّة دون النّصوص التّفسيريّة،و إن كانت مصادرها كتب التّفسير.

3-النّصوص التّفسيريّة قد تحتوي نصوصا تاريخيّة كما في الأعلام،فجاء العنوان هكذا:

«النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة».

4-الآيات المشتملة على مشتقّات كلّ مادّة تنظّم حسب مشتقّاتها في جدول الكلمات، فتذكر تحت كلّ كلمة منها آية واحدة أو آيات إن تعدّدت،و تحت كلّ آية نصوصها التّفسيريّة بنفس الأسلوب المتقدّم.

5-تجنّبنا تكرار النّصوص المماثلة مهما أمكن،إلاّ أن توجد فيها مزيّة أوجبت تكرار شطر منها أو كلّها،رعاية للأمانة،و حرصا على أن يقف الباحثون على متن النّصوص بصورة تامّة.

الرّابع:الوجوه و النّظائر،و تكتب بنفس الأسلوب كذلك.

الخامس:الأصول اللّغويّة،و تبحث فيها المادّة الأصليّة للكلمة،و المعنى الأصليّ للمادّة و المعاني المنشعبة منه،و كيفيّة انشعابها حسبما يساعده الذّوق اللّغويّ،و الّذي ربّما يؤدّي بنا إلى القول:إنّ الأصل للمادّة هو«الاسم»دون«المصدر»،كما اخترنا في«أذن»،أنّ أصل المادّة

ص: 22

هو«الأذن»دون الإذن.و توجد في بحث الأصول اللّغويّة أبحاث مبتكرة،تفتح أمامنا آفاقا جديدة من فقه اللّغة،و قد يبحث في هذا القسم اشتقاق اللّفظ في اللّغات السّاميّة و غيرها أيضا، سيّما الأعلام الأعجميّة.

السّادس:الاستعمال القرآنيّ،و فيه يكمن سرّ هذا المعجم؛حيث يقاس فيه حجم الكلمات من كلّ مادّة بمقدار الاهتمام بمفاهيمها في القرآن،و كذلك كثرة مشتقّاتها أو قلّتها، و سرّ مجيء بعضها بلفظ واحد أو مرّة واحدة،أو مجيء معنى واحد بألفاظ متعدّدة حسبما يساعده وضع الآيات و السّور،أو ما تستدعيه فواصل الآيات،كما قلنا في«أبّا»:إنّ لرعاية الفواصل دخلا في اختيار اللّفظ دون سواه ممّا يترادف معه.

و على العموم،ففي بحث«الاستعمال القرآنيّ»سرّ إعجاز الكلمة،و رمز السّياق القرآنيّ، ممّا لا يوجد ما يوازيه في التّفاسير و كتب المفردات و الإعجاز و البلاغة القرآنيّة.

المشاركون في تدوين المعجم

و هم نخبة من ذوي الفضل و الفضيلة،من طلبة العلوم الإسلاميّة و الطّلاّب الجامعيّين، اشتغلوا خلال فترات متفاوتة بتحرير البطاقات و اختيارها من المصادر المختلفة،و هم الإخوة:

أحمد أميري شادمهري،و المرحوم غلام رضا صداقت،و فقيهيّ،و حسن كاهانيّ،و محسن ماريانيّ،و سعيد عبدخدائيّ،و علي رضا الحاج رحيميّ،و ظهير طاهريّ،و السّيّد علي بحر العلوم،و شجاعيان،و محمّدپور،و محمّد حسين إلهي زاده،و محمّد مهدي يزدانيّ،و محمّد علي رضائيّ،و أبو القاسم ذبيحيّ،و محمود ذبيحيّ.و هؤلاء لم يداوموا على العمل،و تركوا قسم القرآن في سني بواديه.

و هناك جماعة اشتغلوا بتدوين البطاقات و الجذاذات مع تأليف النّصوص،و هم الإخوة:

محمود حسينيّ،و حسين علي بابازاده جعفريّ،و محمّد رمضانيّ،و محمّد حسين صادق پور،و حسين عليّ عرفانيّ،و لكنّهم لم يستمرّوا في العمل.

و أمّا الّذين شاركوا بجدّ في الضّبط و التّأليف منذ البداية حتّى الآن،فهم الإخوة الأفاضل:

ص: 23

محمّد حسن مؤمن زاده،و السّيّد جواد سيّديّ،و حسين خاك شور،و السّيّد عبد الحميد عظيميّ.و هذان الأخيران يباشران إعداد النّصوص للطّبع،و مراجعتها بعد الطّبع،إضافة إلى ضبط النّصوص و تأليفها.و قد التحق بهؤلاء منذ سنين الإخوة:السّيّد حسين رضويان،و على أكبر قربان علي زاده سودمند،و علي رضا غفرانيّ.كما اشتغل منذ فترة قصيرة بعمل البطاقات السّيّد مجيد ميرداماديّ،لكنّه لم يدم.

و قد استقلّ من بين هؤلاء الأستاذ محمّد حسن مؤمن زاده بإدارة أعمال قسم القرآن و الإشراف عليها أثناء غيابي،كما أنّه يراجع جميع نصوص الكتاب قبل طبعها و يساعدني في مراجعة المصادر،و قد استقلّ بتنظيم فهرسها.

و إلى جانب هؤلاء هناك إخوة أعزّاء من الأساتذة العرب،اختصّوا بآداب اللّغة العربيّة، و لهم فضل في إعداد هذا المعجم:

أوّلهم:الأستاذ الدّكتور السّيّد هادي حسن حمّوديّ،اشتغل سنين معنا بالتّأليف و الدّراسة،ثمّ غادر البلاد مهاجرا.و قد أعدّ موادّ لهذا المعجم من حرف الألف،و كانت له آراء خاصّة في جذور اللّغة و سيرها و استعمالها القرآنيّ،و قد انتفعنا بها،كما ألّف شيئا كثيرا في أساليب القرآن و أدواته،و هو صالح للنّشر بعد مراجعته و إكماله.

ثانيهم:الأستاذ ناصر النّجفيّ،و كان له نشاط بالغ طوال السّنين-و لا يزال-في تأليف المعجم،و لا سيّما دراسة الأصول اللّغويّة و الاستعمال القرآنيّ،و في تقويم النّصوص و العبارات،و دراسة الأعلام القرآنيّة،و التّنقيب عن جذورها في مصادر أهل الكتاب و سائر اللّغات»سيّما السّاميّة منها،إضافة إلى أنّه حقّق مواضيع لفظ الجلالة في القرآن الكريم حسب طريقة مبتكرة،اندرجت في مادّة«أل ه»من المعجم.

ثالثهم:الأستاذ قاسم النّوريّ،و قد شارك فترة طويلة في التّأليف،لكنّه تصدّى منذ بدء الطّبع-و لا يزال-بمراجعة نصوص المعجم و تصحيحها و وضع علامات التّرقيم خلالها،علما بأنّه حقّق رسالة«قوارع القرآن»،و أعدّها للطّبع،و قد نشرت باسم«قسم القرآن».

رابعهم:الأستاذ جعفر بياتي،اشترك في هذا القسم فترة محدّدة،ثمّ ترك العمل،و كانت له

ص: 24

دراسات لغويّة و قرآنيّة في عدّة موادّ،لخّصناها و حرّرناها من جديد.

و أمّا كاتب هذه السّطور،فقد اقترح المشروع أوّلا،ثمّ اشتغل فيه و لازمه،و زاول العمل فيه،و شارك الإخوة و عايشهم،مشاورة و إشرافا و إرشادا و إيضاحا لما ابهم.و مباشرة لدراسة الأصول اللّغويّة،و تفسيرا للاستعمال القرآنيّ،و إضافة أو حذفا أو تلخيصا أو تقويما لما حقّقه الآخرون،و ما جمعوه من النّصوص،أسأل اللّه لي و لهم مزيدا من التّوفيق،فإنّه خير رفيق، و بالإجابة حقيق.

حول المدخل

اشارة

ذكرنا آنفا أنّ للمعجم مجلّدا باسم«المدخل»،و قد أوردنا فيه فصولا تحتوي أصولا ترتبط ارتباطا وثيقا بالموادّ أو النّصوص،أو بالدّراسات و البحوث،أو بالإعجاز و الأساليب القرآنيّة و النّكات البلاغيّة،أو بالقصص و الأعلام و الأدوات،أو بعدد الكلمات و الآيات،أو مكّيّ السّور و مدنيّها و القراءات،أو بالمصادر و معاجم اللّغة و كشف الآيات.

و يا حبّذا لو تيسّر لنا إخراج«المدخل»تزامنا مع المجلّد الأوّل من المعجم،ليكون الباحثون على بصيرة كاملة من أمرهم،و يرجعوا إليه في ما أبهم عليهم،أو أجمل لديهم.لكنّه لبسط بحوثه و حواياه،و تشعّب مطالبه و قضاياه،تأخّر إخراجه عن موعده،و سينشر بإذن اللّه عزّ و جلّ في المستقبل القريب.و نكتفي هنا بالإشارة إلى فصوله الّتي تدور حول المواضيع الآتية:

1-فقه اللّغة قديما و حديثا:

تناولنا فيه بحثا و تحقيقا لفظ«الفقه»في اللّغة و الكتاب و السّنّة و عند الفقهاء،و انتهينا إلى شرح اصطلاح«فقه اللّغة»عند القدماء،و ذكر أوّل من عبّر به، و ألّف فيه،و عدّه علما برأسه،و بيان الفرق بينه و بين معاجم اللّغة،و المواضيع الّتي تندرج تحته،أو تنتمي إليه من قريب أو بعيد.و على العموم،توضيح مادّة«فقه اللّغة»عندهم،و التّمييز بين آراء القدماء و المتأخّرين حوله مادّة و أسلوبا.

ص: 25

ثمّ بسطنا القول حول«علم فقه اللّغة»خلال العصر الحاضر على مستوى اللّغات عامّة و اللّغة العربيّة خاصّة،مشيرين إلى ما اطّلعنا عليه من مظانّها و مواضيعها،و مقدار تأثّرها بتراث الماضي الأصيل،و أخذها عن الجديد الدّخيل.ثمّ انتهى البحث إلى«فقه لغة القرآن»بنحو أوسع ممّا بدأنا به الكلام في هذا التّصدير.

2-العلوم القرآنيّة و أنواعها:

لكي يجد هذا المعجم موضعه في علوم القرآن،فقد قسّمنا فيه لأوّل مرّة هذه العلوم بمعناها الواسع إلى ثلاثة أقسام:علوم للقرآن،و علوم في القرآن، و علوم حول القرآن.و بسطنا الكلام في كلّ قسم و في ما يشمله من البحوث،سواء الدّاخلة في العلوم القرآنيّة بالمعنى المصطلح،أو ما هو خارج منها،داخل في غيرها من فنون الأدب.و قد أثبتنا خلال البحث أنّ العلوم العربيّة برمّتها،حتّى فنّ معاجم اللّغة،نشأت بنحو أو بآخر من القرآن.و انتهى بنا المطاف إلى محطّ علم«فقه لغة القرآن»،و موضعه بين تلك العلوم.

و جدير بالذّكر أنّه لدينا في قسم القرآن كتاب ضخم في قيد التّأليف باسم«نصوص في علوم القرآن»،جمعت فيه أهمّ النّصوص في علوم القرآن حسب التّرتيب الزّمنيّ،منظّمة على النّحو التّالي:النّزول،و الجمع،و الرّسم،و الكتابة،و القراءات،و هلمّ جرّا.و قد نيط تأليفه على الأخ الفاضل السّيّد علي الموسويّ دارابيّ.

3-غريب القرآن و مفرداته:

لاهتمامنا بإبانة امتياز هذا المعجم و تفوّقه على كتب غريب القرآن و مفرداته،ارتأينا في بسط الحديث عن تطوّر التّفسير اللّغويّ للقرآن الكريم،اعتبارا من عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصّحابة فالتّابعين فما بعدهم جيلا فجيلا،حتّى العصر الحاضر، و التّعريف بأهمّ كتبه على اختلاف عناوينها،كالغريب و المفردات و المعاني و الوجوه و النّظائر، و بيان تفاوتها،رغم اشتراكها في الغرض و الهدف،و هو معرفة لغات القرآن،و لغات الحديث أحيانا،علما بأنّ كثيرا منها يعدّ من مصادر هذا المعجم بشكل مباشر أو غير مباشر.

و قد تحدّثنا في هذا الفصل عن معنى الغريب و سرّ وجوده في القرآن،و ما أثر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تفسير القرآن و في الغريب بالذّات،و كذا أوّل مؤلّف فيه وصلنا-و هو أجوبة

ص: 26

مسائل نافع بن الأزرق لابن عبّاس-و ما تلاه،ثمّ كتاب«مجاز القرآن»لأبي عبيدة(م 209 ه) و بيان ما فيه من جذور البلاغة القرآنيّة الّتي بنى عليها الجاحظ(م 255 ه)،كتاب«مجاز القرآن»و الّتي توسّعت فيما بعد،حتّى صارت مادّة لتدوين علوم البلاغة العربيّة على يد الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ(م 471 ه)،في القرن الخامس الهجريّ.و تضمّن الحديث عن الكتب موجزا عن حياة مؤلّفيها،و علاقة بعضهم ببعض،و مدى تأثّر المتأخّر منهم بالمتقدّم،و الظّروف المحيطة بالأدب العربيّ في القرنين:الثّالث و الرّابع،و العلاقة الوطيدة بين العلوم العربيّة و العلوم القرآنيّة حينذاك،و التّعايش أو التّآلف بين أربابها و مؤلّفيها،إلاّ نحويّ أو لغويّ شذّ عن الجماعة آنذاك،لعدم إلمامه بعلوم القرآن.

ثمّ تحدّثنا عن اصطلاح«معاني القرآن»و كتبه،مركّزين على أنّها كانت البذرة الأولى لعلم تفسير القرآن،و كذلك عن«الوجوه و النّظائر»و كتبها و أهدافها.

و على العموم،فإنّ هذا الفصل يعدّ من أوسع فصول المدخل،و أكثره مساسا لهذا المعجم الّذي يعتبر مرحلة كاملة من فنون لغات القرآن.

4-التّفاسير اللّغويّة و البلاغيّة للقرآن الكريم:

إنّ حجما كبيرا من شروح لغات القرآن يكمن-كما هو معلوم-في التّفاسير القرآنيّة،و لا سيّما ما غلب عليها الصّبغة اللّغويّة و البلاغيّة، مع العلم بأنّها تختلف مادّة و أسلوبا،و يمتاز بعضها عن بعض،رغم أنّها من مصادر هذا المعجم.

فدعانا ذلك إلى التّعرّض لأهمّها،و بيان مزاياها،و تقديم تراجم موجزة لسيرة أصحابها.

و ما حدث بينهم من التّعايش و المصادمة في الآراء،و الاختلاف أو التّوافق في المسائل العلميّة، و تأثّر من تأخّر منهم بالمتقدّم،و اقتباس بعضهم من بعض،بدء بأمّ التّفاسير و عميدها،ألا و هو «جامع البيان»للإمام الطّبريّ(224-310 ه)،و رغم اشتهاره بأنّه تفسير مأثور-و هو كذلك- و غيره عيال عليه في نقل أقوال السّلف،إلاّ أنّ فيه ثروة لغويّة غزيرة،و نكات نحويّة كثيرة، لا يستغني عنها الباحث في لغات القرآن.

ثمّ تفسير التّبيان لشيخ الطّائفة الإماميّة،محمّد بن الحسن الطّوسيّ(385-460 ه)، و الكشّاف للزّمخشريّ(م 538 ه)،إمام المعتزلة في عصره،و مجمع البيان للشّيخ الطّبرسيّ

ص: 27

(م 548 ه)،من الإماميّة،ثمّ مفاتيح الغيب للفخر الرّازيّ(م 606 ه)،إمام الأشاعرة في زمانه.

و هكذا يستمرّ البحث منتقلا من قرن إلى قرن،حتّى يتناول ما يعتنى بشأنه من آثار المعاصرين في تفسير القرآن.

5-أهمّ معاجم اللّغة:

تعرّضنا لمميّزاتها و أساليبها،و مدى اعتبارها،و اعتنائها ب«فقه اللّغة» بمعناه المتداول عند القدماء أو المتأخّرين.و جدير بالذّكر أنّ قسطا كبيرا من النّصوص اللّغويّة في المعجم مأخوذة منها،كما أنّ في بعضها آفاقا واسعة في فقه لغة القرآن.و في طليعة هذه المعاجم كتاب«العين»للخليل بن أحمد(م 175 ه)،و الصّحاح للجوهريّ(م 393 ه)، و المقاييس لابن فارس(م 395 ه)،و المحكم لابن سيده(م 458 ه)و هكذا إلى«القاموس» للفيروزآباديّ(م 817 ه)،فما بعده،و سيتمكّن الباحث في هذا الفصل التّجوال كثيرا في عالم المعاجم،فيكتسب بصيرة و خبرة لغويّة بالغة.

6-الإعجاز البيانيّ و البلاغيّ للقرآن الكريم:

دار الحديث هنا عن وجوه الإعجاز عرضا،و عن الإعجاز البلاغيّ و البيانيّ تفصيلا،تأكيدا على أنّ هذا النّوع من الإعجاز كان أبرز ما تحدّى به القرآن العرب حين النّزول،و اعترافا بأنّ الوجوه الأخرى للإعجاز ربّما اكتسبت أولويّة حسب حاجة العصر،و خاصّة العصر الحاضر.فتناولنا«آيات التّحدّيّ»بالبحث حسب ترتيب نزولها،و أسهبنا الحديث عن القول بأنّ إعجاز القرآن البلاغيّ يدرك و لا يوصف،أو لا يدرك كذات اللّه و صفاته،و بحثنا أيضا إعجاز الكلمة،بل الحروف و الجملة و الآية و السّورة.

و في هذا الفصل يقف الباحث على نخبة صالحة من لطائف القرآن و طرائفه الّتي لا يجمعها كتاب،علما بأنّ«سرّ البلاغة القرآنيّة»ثاني هدفي هذا المعجم،و في نهاية هذا الفصل شرح موجز عن اصطلاحات علوم البلاغة:المعاني و البيان و البديع.

7-التّناسب بين الألفاظ و سياق الآيات:

و هذا باب من الإعجاز البلاغيّ للقرآن،شاع عند المفسّرين و الباحثين،و تكرّر في موادّ المعجم،خاصّة في الاستعمال القرآنيّ،فارتأينا أن نخوض فيه كأصل ثابت،شامل لشتاته.فتحدّثنا-أوّلا-عن ما قيل في اللّغة العربيّة-و ربّما في

ص: 28

سائر اللّغات-بوجود علاقة بين اللّفظ و معناه،و كذا بين الوزن و المعنى،و ما يدّعيه علماء فقه اللّغة في نشأة اللّغات و تطوّرها،و تأثّر بعضها ببعض،أو انشعاب بعضها عن بعض.ثمّ دار الحديث حول تناسب كلمات القرآن لسياق الآيات و السّور.

8-رويّ الآيات و فواصلها:

قد يؤدّي الحديث عن تناسب الكلمات لسياق الآيات إلى أنّ سرّ مجيء بعض الكلمات في آخر الآيات يكمن في فواصلها،تبعا لبعض المفسّرين،مثل الشّيخ الطّبرسي و غيره.فتحدّثنا هنا في البداية عن فواصل الآيات عامّة في القرآن و في كلّ سورة،و عن أساليبها و تنوّعها،بالتّقديم و التّأخير،و الحذف و التّكرار،و الإظهار و الإضمار، و التّبديل و التّغيير،كاستبدال الفعل بالوصف،أو بتصرّف في اللّفظ،كما قيل في«إلياسين»،أو استبداله بلفظ نادر،كما قيل في«أبّا».و هذا بحث بديع،سكت عنه الباحثون في العلوم القرآنيّة،أو لم يستوفوا حقّه،خوفا من تشبيه القرآن بالشّعر،مع أنّه لو أعطي حظّه من التّحقيق كان بذلك حقيقا.

9-الإعجاز العدديّ أو التّناسب العدديّ:

و في طيّ كلام القدماء إشارة إليه،و قد جعله الكاتب المصريّ عبد الرّزاق نوفل علما مستقلاّ،فألّف فيه كتابا،يضمّ ثلاثة أجزاء صغيرة- حسب ما اطّلعنا عليه-باسم«الإعجاز العدديّ»،و لا يخلو بعض موادّها من تكلّف.و قد تناولناه بالبحث حتّى نرى مدى صحّته و أصالته،مشفوعا بجدول يحتوي ما ذكره هذا الباحث و غيره،علما بأنّه جاء خلال النّصوص التّفسيريّة،و دارت حوله دراسات في بحث«الاستعمال القرآنيّ».كما درسنا نظريّة الدّكتور رشاد خليفة القائل بأنّ العدد(19)قطب القرآن و مداره، و كلّ ما فيه يدور عليه.

10-القراءات القرآنيّة و دورها في لغات القرآن و بلاغته:

تعدّ القراءات من أهمّ العلوم القرآنيّة عند السّلف و الخلف،و تخصّص فيها علماء،و ألّفت فيها كتب،و برز فيها قرّاء،لكلّ منهم رواة.و ليس الغرض هنا البحث في ذلك،و لا الخوض في اختلاف القراءات في كلّ آية، و إنّما بيان مدى اعتبارها و منشأها،و أنّها-كما قالوا و التزموه-نزلت وحيا،أو نزلت واحدة

ص: 29

منها،و أجيز لكلّ قبيلة من العرب أو من قريش قراءتها بلغتهم و لهجاتهم.

و مدى علاقة القراءات باللّهجات العربيّة،و أنّها متواترة-كما عليه الجمهور-أو غير متواترة كما ادّعاه فريق منهم،لشبهة ترسّخت عندهم،و قد درسناها،ثمّ عرّجنا آخر المطاف- في هذا الفصل-على دور القراءات في بلاغة القرآن،و تحديد ما اعتبر من علم الحجّة على القراءات الّذي اهتمّ به قديما فريق من النّحويّين و اللّغويّين،أمثال سيبويه(م 180 ه)،و الزّجّاج (م 311 ه)،و الأخفش(م 215 ه)،و أبي عليّ الفارسيّ(م 377 ه)،و من المفسّرين الشّيخ الطّبرسيّ(م 548 ه)الّذي جعل الحجّة على القراءات من موادّ تفسيره،تحت عنوان«الحجّة» بعد عنوان«القراءة»،و اعتمد دائما على أبي عليّ الفارسيّ،و له آراء خاصّة في ذلك.علما بأنّنا أتينا ضمن«النّصوص التّفسيريّة»على ما اتّفق من اختلاف القراءة في حروف بعضها أبلغ من بعض،و أقرب إلى بلاغة القرآن و إعجازه.

11-الرّسم القرآنيّ:

هناك علم يعرف بهذا العنوان،و ألّفت حوله كتب،و في وجوب الاحتفاظ بالرّسم القرآنيّ أو جواز رفضه و كتابة القرآن حسب الرّسم الّذي شاع بعد العصر الأوّل،خلاف ما تناولناه بالبحث،لأنّ له علاقة وثيقة بالقراءات و ضبط الكلمات.

12-الأساليب القرآنيّة:

كما أنّ للقرآن-حسب رأينا-فقه لغة خاصّا به،كذلك له أساليب متنوّعة في الأمر و النّهي و الدّعاء،و التّوبيخ و الإنكار،و الحثّ و الإرشاد،و الاستفهام و السّؤال،و الإنشاء و الإخبار،و الشّرط و التّعليق،و البتّ و التّأكيد و نحوها.و هذا علم لو استوفيت بحوثه لكانت مجلّدا ضخما،لكنّا-لشدّة العلاقة بين الأساليب و البلاغة القرآنيّة- نكتفي في هذا الفصل من«المدخل»بعرض بحوث عامّة منها،نعتمد عليها في ما صادف بحثنا خلال الاستعمال القرآنيّ أو غيره من أبحاث المعجم.

13-أدوات القرآن و ضمائره:

هذا بحث واسع،خاض فيه أستاذان،هما:الدّكتور إسماعيل أحمد عمايرة،أستاذ جامعة محمّد بن سعود الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة،و الدّكتور عبد الحميد مصطفى السّيّد،أستاذ الكلّيّة المتوسّطة ب«أبها»؛إذ ألّفا كتابا ضخما باسم«معجم

ص: 30

الأدوات و الضّمائر في القرآن الكريم»تكملة«المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم».فجمعا فيه الأدوات و الضّمائر القرآنيّة دون شرح أو بيان.و قد ألّف فيها«الدّكتور حمّوديّ»في قسم القرآن من مجمعنا كتابا ضمّ شرحا و بيانا للأدوات،و لكنّه لم يتمّ و لم ينشر لحدّ الآن.و لا يخفى أنّ الأدوات و كذلك الضّمائر هي مادّة لكثير من الأساليب،و قد يكون لحرف مثل«الباء»في قوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ المائدة:6،مثلا دور في إفهام المعنى المراد،و له مغزى في البلاغة،و أثر في التّشريع،كما أنّ كثيرا من موادّ الفعل،مثل«آمن»و «هدى»تتعدّى بحروف متعدّدة،ك«اللاّم»و«إلى»و«من»و«الباء»،حسب المعنى المراد.

و نحن لا نريد جمع الأدوات و البحث حول كلّ واحدة منها،بل نكتفي في ذلك ببحوث عامّة بقدر الحاجة.و يتضمّن الحديث نظريّة زيادة الحرف أحيانا الّتي التزمها الأكثرون،و أنكرها الأقلّون،كالإمام محمّد عبده و أتباعه.

14-الأعلام القرآنيّة و دورها في البيان القرآنيّ:

هذا علم ألّفت فيه كتب حاوية لشرح جميع ما جاء من الأعلام في القرآن،و قد أدرجت في المعجم مع سائر الموادّ بحثا و دراسة.

و الغرض هنا بيان أنواعها،و هي:أسماء الأشخاص و القبائل و الأقوام و الأمكنة و الشّهور و الأوقات و الكواكب و غيرها،و البحث في ألفاظها:أ هي عربيّة-كما أصرّ على ذلك قوم، فاختلقوا لها موادّ عربيّة،مثل:آدم من«أدم»،و إبراهيم من«برهم»و هكذا،فأتوا بها في المعاجم القرآنيّة ضمن تلك الموادّ-أم هي أعجميّة؟كما اخترنا،إلاّ في عدّة ألفاظ،مثل:محمّد و أحمد و زيد و أبي لهب و غيرها.و فضّلنا تنظيمها في المعجم كما يلفظ بها،دون موادّها الأبجديّة،احتجاجا بأدلّة مقنعة.

15-القصص القرآنيّة و أساليبها:

و هذا فنّ ألّفت فيه كتب،قد أتينا على ذكر موجزها في المعجم،عند كلّ علم ترتبط به القصّة،و يدور البحث في هذا الفصل من«المدخل»حول الأساليب القصصيّة و أنواعها في القرآن،و ذكر نموذج منها،فهذا داخل في الأساليب القرآنيّة، لكنّه خصّ بالبحث في فصل مستقلّ،لشدّة الاهتمام بالقصص و دخلها الأكيد في البلاغة

ص: 31

القرآنيّة،و في الإرشاد و الإنذار،و العظة و الاعتبار.

16-مكّيّ السّور و الآيات و مدنيّهما:

جاء هذا البحث مستوفى أيضا ضمن العلوم القرآنيّة،على اختلاف فيه بين الباحثين و في ترتيب النّزول.و نحن نهتمّ في هذا المعجم بإبانة التّعابير المكّيّة عن المدنيّة،علما بأنّها متناسبة مع ظروفها،فبعض الموادّ جاءت في المكّيّة دون المدنيّة و بالعكس،فالباحثون بحاجة ماسّة إلى وضع ضابطة مطّردة للمكّيّ و المدنيّ،و إلى ترتيب نزول السّور و الآيات.و رغم اتّكالنا في جدول الكلمات-كما سبق بيانه-على «المعجم المفهرس»كقاعدة متّبعة،فإنّ دراسة الكلمات قد تؤدّي بنا إلى خلاف ما جاء فيه.

و هذا البحث تناولته دراسة علميّة واسعة،فكان له دور في معرفة السّياق القرآنيّ حسب ظرف النّزول،و في الوقوف كذلك على سير التّشريع القرآنيّ.

17-عدّ الكلمات و الآيات القرآنيّة:

هذا فنّ من علوم القرآن،اهتمّ به السّلف،و ألّفوا فيه الكتب على اختلاف بينهم،فهناك إحصاء و عدّ بصريّ و كوفيّ و مكّيّ و مدنيّ،و شاميّ،تعرّض له الشّيخ الطّبرسيّ في تفسيره.و قد اعتمدنا في المعجم-كما قلنا آنفا-على ما هو المشهور من القراءات،استنادا إلى«المعجم المفهرس»،لكنّ ذلك لا يمنعنا من دراستها برؤية جديدة،فإنّنا لا نأخذ بجميع ما قاله الآخرون،علما بأنّ جدول الكلمات من المعجم و قسما من أبحاثه يبتنيان على عدد الآيات و الكلمات.

18-معاجم كشف الآيات:

ينحصر عمل هذا الضّرب من المعاجم على إحصاء الآيات، كما أنّ البتّ في المكّيّ و المدنيّ يتوقّف على معرفتهما في«المعجم المفهرس»و غيره.ثمّ هناك أساليب و طرق في تنظيم كشف الآيات بين أصحابها،فتناولنا هذا الموضوع بالبحث،بدء بتاريخ هذا العلم و أوّل من ألّف فيه،و مرورا على كتبها،و كذلك كتب المواضيع القرآنيّة،أو كشف المطالب.و لا يخفى أنّ الباحث في هذا المعجم يحتاج إلى معرفة الآيات دائما بأسهل الطّرق و أيسرها.

19-وصف الكلمات الّتي تشكّل مادّة هذا المعجم:

و يتمّ ذلك عبر بيان معيار

ص: 32

اختصاصها بالذّكر،و ما إذا كانت تخصّ الأفعال و الأسماء،أو تتجاوز إلى بعض الحروف و الأدوات،و منها فواتح السّور حيث درسناها هناك و من الجدير بالذّكر أنّ المعاجم القرآنيّة الأخرى يختلف بعضها عن بعض في انتخاب الكلمات،فنشير إلى أهمّ نقاط الاختلاف بينها.

و سيختم هذا الفصل-بإذن اللّه-بتقديم فهرس جامع عن الموادّ و الكلمات المدرجة في المعجم وفقا للحروف الهجائيّة الّتي رتّب عليها المعجم نفسه،لكي يحيط بها الباحث ماثلة أمامه،و تكون نصب عينيه في نظرة عابرة.

20-التّعريف بمصادر هذا المعجم و مؤلّفيها و أنواعها و طبعاتها،

تفصيلا لما جاء في الفهرس الملحق بالمجلّد الأوّل و المجلّدات الأخرى بصورة موجزة.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و سلام على المرسلين

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن في مجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 33

ص: 34

حرف الألف

اشارة

و فيه 99 لفظا:

آدم\أجج\أزز\أفف\أمر\أول

آزر\أجر\أزف\أفق\أمس\اء

أبّ\أجل\أساطير\أفك\أمل\أون

أبد\أحد\إستبرق\أفل\أمم\أوه

إبراهيم\أخذ\إسحاق\أقت\أمن\أوي

إبريق\أخر\أسر\أكل\أمو\إي

أبق\أخو\إسرائيل\ألت\أنث\أيد

إبل\إدّ\أسس\ألف\إنجيل\أيك

أبابيل\أدي\أسف\ألل\أنس\أيم

إبليس\إدريس\إسماعيل\ألم\أنف\أين

أبو\أذن\أسن\أله\أنم\أيي

أبي\أذي\أسو\ألو\أنّى\أيّ

أتي\أرب\أسي\إلياس\أنو\أيّان

أثث\أرض\أشر\إلياسين\أني\أيّوب

أثر\أرك\أصد\اليسع\أهل

أثل\إرم\أصر\أمت\أوب

أثم\أزر\أصل\أمد\أود

ص: 35

ص: 36

آدم

اشارة

لفظ واحد،25 مرّة:16 مكّيّة 9 مدنيّة

في 9 سور:6 مكّيّة 3 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

ابن عبّاس: هو مشتقّ من أدمة الأرض و أديمها، و هو وجهها،فسمّي بما خلق منه.(القرطبيّ 1:279)

بعث ربّ العزّة ملك الموت فأخذ من أديم الأرض من عذبها و مالحها،فخلق منه آدم،و من ثمّ سمّي آدم؛ لأنّه خلق من أديم الأرض.(الطّبريّ 1:214)

سعيد بن جبير: خلق آدم من أديم الأرض، فسمّي آدم.(الطّبريّ 1:214)

الضّحّاك: الأدمة:السّمرة.(القرطبيّ 1:279)

أبو نصر الباهليّ: الأدم:جمع الأديم،مثل أفيق و أفق،و قد يجمع على آدمة،مثل رغيف و أرغفة.

(الجوهريّ 5:1858)

الخليل: الأدم:الاتّفاق،و أدم اللّه بينهما يأدم أدما، و آدم بينهما إيداما فهو مؤدم بينهما.

و يقال:بينهما أدمة و ملحة،أي خلطة.

و قالوا:الأدمة في النّاس شربة من سواد،و في الإبل و الظّباء بياض،يقال:ظبية أدماء،و لم أسمع أحدا يقول للذّكر من الظّباء:آدم،و إن كان قياسا.

و أديم كلّ شيء:ظاهر جلده،و أدمة الأرض:

وجهها.

و قيل:سمّي آدم عليه السّلام لأنّه خلق من أدمة الأرض.

و قيل:بل من أدمة جعلت فيه.

و الإدام و الأدم:ما يؤتدم به الخبز،و أدمت الخبز أدما:جعلت فيه الأدم.

و السّمن و اللّحم و اللّبن كلّه أدم،و الإدام جماعة، و ثلاثة آدمة.(8:88)

الأخفش: آدم عليه السّلام أبو البشر،و أصله بهمزتين لأنّه«أفعل»،إلاّ أنّهم ليّنوا الثّانية فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوا،و قلت:أوادم في الجمع،لأنّه ليس لها أصل في الياء معروف،فجعلت الغالب

ص: 37

عليها الواو.(الجوهريّ 5:1859)

الكسائيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للمغيرة و خطب امرأة«لو نظرت إليها فإنّه أجدى أن يؤدم بينكما»،يؤدم يعني أن تكون بينهما المحبّة و الاتّفاق،يقال منه:أدم اللّه بينهما يأدم أدما.(الأزهريّ 14:214)

ابن شميّل: الإيدامة من الأرض:السّند الّذي ليس بشديد الإشراف و لا يكون إلاّ في سهول الأرض، و هي تنبت،و لكن في نبتها زمر؛لغلظ مكانها و قلّة استقرار الماء فيها.(الأزهريّ 14:214)

الأدمة:البياض،و أنّ آدم عليه السّلام كان أبيض،مأخوذ من قولهم:ناقة أدماء،إذا كانت بيضاء.

(القرطبيّ 1:279)

قطرب: آدم:لو كان من أديم الأرض لكان على وزن«فاعل»،و كانت الهمزة أصليّة،فلم يكن يمنعه من الصّرف مانع،و إنّما هو على وزن«أفعل»من الأدمة، و لذلك جاء غير مجرى[غير منصرف].

(السّهيليّ 1:14)

الفرّاء: الأدمة:الوسيلة إلى الشّيء؛يقال:فلان أدمتي إليك،أي وسيلتي.(الأزهريّ 14:214)

يقال:بشرته و أدمته و مشنته،أي قشرته،و يجمع آدم:أوادم.

و الإيدامة:الأرض الصّلبة مأخوذ من أديم الأرض، و هو وجهها.(الأزهريّ 14:216)

الأصمعيّ: الإيدامة:أرض مستوية صلبة ليست بالغليظة،و جمعها:الأياديم،و يقال:أخذت الإيدامة من الأديم،الإيدامة:الصّلبة من غير حجارة.

و الإدامة:تنقير السّهم على الإبهام.

(الأزهريّ 14:213)

أمّا الأدم و الأفق:فمذكّران إلاّ أن يقصد قصد الجلود و الآدمة؛فتقول:هي الأدم و الأفق؛و يقال:أديم و آدمة في الجمع الأقلّ على«أفعلة»،يقال:ثلاثة آدمة و أربعة آدمة.(ابن منظور 12:10)

رجل مؤدم مبشر:و هو الّذي قد جمع لينا و شدّة مع المعرفة بالأمور.و أصله من أدمة الجلد و بشرته،فالبشرة ظاهره و هي منبت الشّعر،و الأدمة باطنه و هو الّذي يلي اللّحم،فالّذي يراد منه أنّه قد جمع لين الأدمة و خشونة البشرة و جرّب الأمور.

يقال:فلان مأدوم مؤدم مبشر،أي هو جامع يصلح للشّدّة و الرّخاء.و فلان أدمة بني فلان و قد أدمهم يأدمهم،و هو الّذي عرّفهم النّاس.

(الأزهريّ 14:215-216)

الآدم من الإبل:الأبيض،فإن خالطته حمرة فهو أصهب،فإن خالطت الحمرة صفاء فهو مدمّى.و الأدم من الظّباء:بيض تعلوهنّ جدد فيهنّ غبرة،فإن كانت خالصة البياض فهي الآرام.(الأزهريّ 14:214)

اللّحيانيّ: الأديم:و الجمع آدمة و أدم بضمّتين.

(ابن سيده 9:388)

جئتك أديم الضّحى أي في أوّله كما تقول:جئتك شدّ الضّحى،كأنّه يريد ارتفاع الضّحى.

(ابن سيده 9:389)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم للمغيرة بن شعبة و خطب امرأة:«لو نظرت إليها فإنّه

ص: 38

أجدى أن يؤدم بينكما»و لا أدري الأصل فيه إلاّ من أدم الطّعام،لأنّ صلاحه و طيبه إنّما يكون بالإدام،و لذلك يقال:طعام مأدوم،و يقال:آدم اللّه بينهما يؤدم إيداما.

(الأزهريّ 14:214)

ابن الأعرابيّ: فلان مؤدم مبشر كريم الجلد، غليظه جيّده،و من أمثالهم:سمنكم هريق في أديمكم،أي في مأدومكم.(الأزهريّ 14:216)

أدمهم يأدمهم أدما:كان لهم أدمة.

(ابن سيده 9:387)

و أديم اللّيل:ظلمته،و أديم النّهار:بياضه؛ما رأيته في أديم نهار و لا سواد ليل.(ابن سيده 9:389)

ابن السّكّيت: قيل فلان مبشر مؤدم أي قد جمع لين الأدمة و خشونة البشرة.(185)

الأدم من الظّباء:هي البيض البطون السّمر الظّهور، يفصل بين لون ظهورها و بطونها جدّتان مسكيّتان.

(الأزهريّ 14:215)

أبو حاتم: الآدم من الإبل و من الظّباء:الأبيض.

و من كلّ شيء بعد ذلك،غير الأبيض،على ما يقول النّاس،يقولون:رجل آدم و ظبية أدماء بيضاء،و بعير آدم للأبيض،و ناقة أدماء.(الأضداد:121)

الدّينوريّ: الأدمة:البياض،و قد أدم و أدم فهو آدم،و الجمع:أدم،كسّروه على«فعل»كما كسّروا فعولا على«فعل»نحو صبور و صبر؛لأنّ«أفعل»من الثّلاثة (1)،و فيه زيادة كما أنّ فعولا فيه زيادة،و عدّة حروفه كعدّة حروف فعول،إلاّ أنّهم لا يثقّلون العين في جمع«أفعل»إلاّ أن يضطرّ شاعر،و قد قالوا في جمعه:

أدمان،و الأنثى أدماء،و جمعها:أدم،و لا يجمع على فعلان.(ابن سيده 9:389)

المبرّد: في اشتقاق آدم قولان:

أحدهما:أنّه مأخوذ من أديم الأرض،فإذا سمّيت به في هذا الوجه ثمّ نكّرته،صرفته.

و الثّاني:أنّه مأخوذ من الأدمة على معنى اللّون و الصّفة،فإذا سمّيت به في هذا الوجه ثمّ نكّرته،لم تصرفه.(الطّوسيّ 1:136)

الطّبريّ: [بعد نقل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ابن عبّاس و ابن جبير قال:]

فعلى التّأويل الّذي تأوّل آدم من تأوّله،بمعنى أنّه خلق من أديم الأرض،يجب أن يكون أصل آدم فعلا سمّي به أبو البشر كما سمّي«أحمد»بالفعل من الإحماد و«أسعد»من الإسعاد،فلذلك لم يجرّ،و يكون تأويله حينئذ آدم الملك الأرض،يعني به:بلغ أدمتها،و أدمتها:

وجهها الظّاهر لرأي العين،كما أنّ جلدة كلّ ذي جلدة له أدمة،و من ذلك سمّي الإدام إداما؛لأنّه صار كالجلدة العليا ممّا هي منه،ثمّ نقل من الفعل فجعل اسما للشّخص بعينه.(1:214)

الزّجّاج: أدمت بين القوم و آدمت بينهم و ادمت الثّريد و آدمته،إذا خلطته باللّحم.

(فعلت و أفعلت:44)

يقول أهل اللّغة:آدم اشتقاقه من أديم الأرض؛ لأنّه خلق من تراب،و كذلك الأدمة إنّما هي مشبّهة بلون التّراب.(الأزهريّ 14:215)..

ص: 39


1- هكذا في الأصل،و لعلّه:لأنّ أفعل من ذي الثّلاثة...

النّحّاس: آدم:لا ينصرف في المعرفة بإجماع النّحويّين؛لأنّه على«أفعل»و هو معرفة،و لا يمتنع شيء من الصّرف عند البصريّين إلاّ لعلّتين.فإن نكّرته و لم يكن نعتا لم يصرفه الخليل و سيبويه،و صرفه الأخفش سعيد؛لأنّه كان نعتا و هو على وزن الفعل،فإذا لم يكن نعتا صرفه.

قال أبو إسحاق الزّجّاج: القول قول سيبويه،و لا يفرّق بين النّعت و غيره،لأنّه هو ذاك بعينه.

(القرطبيّ 1:281)

الأزهريّ: أخبرني المنذريّ عن القاسم بن محمّد الأنباريّ عن أحمد بن عبيد بن ناصح قال:كنّا نألف مجلس أبي أيّوب ابن أخت أبي الوزير فقال لنا يوما و كان ابن السّكّيت حاضرا:ما تقول في الأدم من الظّباء؟

فقال:هي البيض البطون السّمر الظّهور،يفصل بين لون ظهورها و بطونها جدّتان مسكيّتان.

قال:فالتفت إليّ فقال:ما تقول يا أبا جعفر؟

فقلت:الأدم على ضربين:أمّا الّتي مساكنها الجبال في بلاد قيس فهي على ما وصف،و أمّا الّتي مساكنها الرّمل في بلاد تميم فهي الخوالص البياض.

فأنكر يعقوب،و استأذن ابن الأعرابيّ على تفيئة ذلك،فقال أبو أيّوب:قد جاءكم من يفصل بينكم، فدخل فقال له أبو أيّوب:يا أبا عبد اللّه ما تقول في الأدم من الظّباء؟فتكلّم كأنّما ينطق عن لسان ابن السّكّيت.

(14:215)

يقال:إنّما يعاتب الأديم ذو البشرة،أي يعاد في الدّباغ،و معناه إنّما يعاتب من يرجى،و من به مسكة و قوّة.(14:216)

الجوهريّ: ربما سمّي وجه الأرض أديما.

و الأدمة:باطن الجلد الّذي يلي اللّحم،و البشرة:

ظاهرها.

و فلان مؤدم مبشر،أي قد جمع لين الأدمة و خشونة البشرة.

و يقال أيضا:جعلت فلانا أدمة أهلي،أي أسوتهم.

و الأدمة:السّمرة،و الآدم من النّاس الأسمر، و الجمع:أدمان.

و الأدمة في الإبل:البياض الشّديد؛يقال:بعير آدم و ناقة أدماء،و الجمع:أدم.

و يقال:هو الأبيض الأسود المقلتين.

و الأدم و الإدام:ما يؤتدم به؛تقول منه:أدم الخبز باللّحم يأدمه،بالكسر.

و الأدم:الألفة و الاتّفاق؛يقال:أدم اللّه بينهما،أي أصلح و ألّف،و كذلك:آدم اللّه بينهما،فعل و أفعل بمعنى.

و الأياديم:متون الأرض،لا واحد لها.

(5:1858)

ابن فارس: الهمزة و الدّال و الميم أصل واحد و هو الموافقة و الملاءمة.و من هذا الباب قولهم:جعلت فلانا أدمة أهلي،أي أسوتهم،و هو صحيح؛لأنّه إذا فعل ذلك فقد وفّق بينهم.

و الأدمة:الوسيلة إلى الشّيء،و ذلك أنّ المخالف لا يتوسّل به.

فإن قال قائل:فعلى أيّ شيء تحمل الأدمة و هي باطن الجلد؟

ص: 40

قيل له:الأدمة أحسن ملاءمة للّحم من البشرة، و لذلك سمّي آدم عليه السّلام؛لأنّه أخذ من أدمة الأرض، و يقال:هي الطّبقة الرّابعة.

و العرب تقول:مؤدم مبشر،أي قد جمع لين الأدمة و خشونة البشرة.

فأمّا اللّون الآدم،فلأنّه الأغلب على بني آدم.

و ناس تقول:أديم الأرض و أدمتها:وجهها.

(1:71)

الهرويّ: آدم:اسم مشتقّ من أدمة الأرض و أديمها و هو وجهها،فسمّي بما خلق منه،فإذا كان اسما جمع على الآدمين،و إن كان نعتا جمع على الأدم،يقال:أدم اللّه بينهما يأدم أدما.

و الأصل فيه أدم الطّعام؛لأنّ طيبه إنّما يكون به؛ يقال:إدام و أدم،مثل إهاب و أهب.(1:29)

الثّعلبيّ: التّراب بالعبرانيّة آدام،فسمّي آدم به.

(السّيوطيّ 4:67)

الثّعالبيّ: فإن كان[الإبل]أبيض فهو آدم.

فإذا زاد سواده[الإنسان]على السّمرة فهو آدم.

(102،103)

القيسيّ: آدم:«أفعل»،مشتقّ من الأدمة و هو اللّون،فلم ينصرف؛لأنّه معرفة و أصله الصّفة،و هو على وزن الفعل.

و قيل:هو مشتقّ من أديم الأرض و هو وجهها، و هذا بعيد؛لأنّه لا يحتمل أن يكون وزنه«فاعلا»، كطابق،فيجب صرفه؛إذ ليس فيه من معنى الصّفة شيء،و«أفعل»أصله الصّفة.(1:38)

ابن سيده: الأدمة:القرابة و الوسيلة،و قيل:

الخلطة،و قيل:الموافقة.

و أدم اللّه بينهم يأدم أدما،و آدم:لأم.

و كلّ موافق:إدام.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدمه بأهله أدما:خلطه.

و فلان أدم أهله،و أدمتهم،و أدمتهم،أي أسوتهم،و به يعرفون.

و الإدام:معروف؛و الجمع:آدمة،و هو الأدم أيضا؛ و الجمع:آدام.

و قد ائتدم به.

و أدم الخبز يأدمه أدما:خلطه بالأدم،و منه قول خديجة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«فو اللّه إنّك لتكسب المعدوم،و تطعم المأدوم».

و قول امرأة دريد بن الصّمّة حين طلّقها:«أبا فلان تطلّقني،فو اللّه لقد أبثثتك مكتومي،و أطعمتك مأدومي، و جئتك باهلا».إنّما عنت بالمأدوم:الخلق الحسن.

و آدم القوم:أدم لهم خبزهم.

و قولهم:«سمنهم في أديمهم»،يعني طعامهم المأدوم،أي خيرهم راجع فيهم.

و الأديم:الجلد ما كان،و قيل:الأحمر،و قيل:هو المدبوغ، و قيل:هو بعد الأفيق؛و ذلك إذا تمّ و احمرّ.و استعاره بعضهم للحرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:آدمة و أدم بضمّتين،عن اللّحيانيّ و عندي أنّ من قال:رسل،فسكّن،قال:أدم،هذا مطّرد.

و الأدم:اسم للجمع عند سيبويه،و الآدام:جمع أديم، كيتيم و أيتام،و إن كان هذا في الصّفة أكثر،و قد يجوز أن يكون جمع أدم.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 41

و الأدمة:باطن الجلد الّذي يلي اللّحم.و قيل:ظاهره الّذي عليه الشّعر،و باطنه البشرة.و قد يجوز أن يكون الأدم جمعا لهذا،بل هو القياس،إلاّ أنّ سيبويه جعله اسما للجمع،و نظّره بأفيق و أفق.

و هو الأديم أيضا.

و آدم الأديم:أظهر أدمته.

و رجل مؤدم مبشر:حاذق مجرّب،قد جمع لين الأدمة، و خشونة البشرة.

و امرأة مؤدمة مبشرة،إذا حسن منظرها و صحّ مخبرها.

و قد يقال:رجل مبشر مؤدم،و امرأة مبشرة مؤدمة.

فيقدّمون المبشر على المؤدم؛و الأوّل أعرف،أعني تقديم المؤدم على المبشر.

و قيل:الأدمة:ما ظهر من جلدة الرّأس.

و أدمة الأرض:باطنها،و أديمها:وجهها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أديم السّماء:ما ظهر منها.

و فلان بريء الأديم ممّا يلطخ به.

و الأدمة في الإبل:لون مشرب سوادا أو بياضا.و قيل:

هو البياض الواضح،و هي في الظّباء:لون مشرب بياضا، و في الإنسان:السّمرة.

و الأدمان:جمع كأحمر و حمران،و أنت لا تقول:حمرانة و لا صفرانة.و كان أبو عليّ يقول:بني من هذا الأصل فعلانة كخمصانة.

و العرب تقول:«قريش الإبل أدمها و صهبها»يذهبون في ذلك إلى تفضيلهما على سائر الإبل،و قد أوضحوا ذلك بقولهم:خير الإبل صهبها و حمرها.فجعلوها خير أنواع الإبل،كما أنّ قريشا خير النّاس.

و الأدم من الظّباء:ظباء بيض تعلوها جدد فيها غبرة.

و آدم:أبو البشر صلّى اللّه عليه و سلّم اختلفوا في اشتقاق اسمه،فقال بعضهم:سمّي آدم،لأنّه خلق من أدمة الأرض.و قال بعضهم:لأدمة جعلها اللّه فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأدمان في النّخل كالدّمان،و هو العفن،و قد تقدّم.

و قيل:الأدمان:عفن و سواد في قلب النّخلة،و هو وديّه -عن كراع-و لم يقل أحد في القلب:إنّه الوديّ إلاّ هو.

و الأدمان:شجرة،حكاها أبو حنيفة،قال:و لم أسمعها إلاّ من شبيل بن عزرة.

و الإيدامة:الأرض الصّلبة من غير حجارة.

و أدمى و الأدمى:موضع،و قيل:الأدمى:أرض بظهر اليمامة.

و أدام:بلدة.

و أديمة:موضع.(9:387)

الأدمة:باطن فروة الرّأس،و باطن الجلد كلّه.

(الإفصاح 1:23)

الإدام و الأدم:ما يستمرأ به الخبز مائعا كان أو جامدا،جمع الإدام:أدم،و جمع الأدم:آدام.

أدم الخبز يأدمه أدما و آدمه:خلطه بالإدام و أصلح إساغته به،فالخبز مأدوم و أديم.

و ائتدم الرّجل:أكل الخبز بالإدام.و استأدمت فلانا:طلبت منه الإدام.(الإفصاح 1:422)

الآدم:هو من الإبل الأبيض.

و قيل:الأدمة في الإبل لون مشرب سوادا أو بياضا أو هو البياض الواضح.أدم يأدم و أدم كعلم و كرم فهو

ص: 42

آدم،و الجمع:أدم و أدمان،و هي أدماء،و الجمع:

أدم.(الإفصاح 2:736)

الأديم:الجلد المدبوغ،و ذلك بعد الأفيق،و هذا إذا شقّ الجلد و بسط حتّى يبالغ فيه ما قبل من الدّباغ،فهو حينئذ أديم،الجمع:أدم و آدام و آدمة.

الأديم:الجلد،أو أحمره،أو مدبوغه،الجمع:أدم و آدام و آدمة.و إذا صنع من الأديم شيء فجعلت أدمته هي الظّاهرة يطلب بذلك لينه قيل:أودم الأديم،و هو المؤدم.(الإفصاح 2:812)

الآدم:هو من الظّباء الأبيض،تعلوه جدد فيهنّ غبرة،الجمع:أدم،و هي الّتي تسكن الجبال،فهي على ألوان الجبال.

و قيل:هي الطّوال القوائم و الأعناق،البيض البطون،السّمر الظّهور،و هي ظباء الحجاز الكحل، الواحدة:أدماء.(الإفصاح 2:833)

الأديم:أديم الأرض ما على ظاهرها من تربتها.

و قيل:ما ظهر،و قيل:وجهها،و قيل:أدمة الأرض:

وجهها.و ربّما سمّي وجه الأرض أديما.

(الإفصاح 2:1020)

الإيدامة:الأرض الصّلبة من غير حجارة.و قيل:

الصّلبة و فيها حجارة أكثرها المرو،الجمع:أياديم.

(الإفصاح 2:1027)

الأدمة:لون بين البياض و السّواد،و هي السّمرة في النّاس،و هي في الإبل البياض الواضح،و في الظّباء لون مشرب بياضا.أدم يأدم أدما و أدمة و أدم أدامة و أدمة:

اشتدّت سمرته.

و الآدم:الأسمر،الجمع:أدم و أدمان،و هي أدماء، و شذّ،أدمانة،و الجمع:أدم.(الإفصاح 2:1323)

الطّوسيّ: الأدمة و السّمرة و الدّكنة و الورقة متقاربة المعنى في اللّغة.(1:136)

مثله الطّبرسيّ.(1:76)

الرّاغب: آدم:أبو البشر،قيل سمّي بذلك لكون جسده من أديم الأرض،و قيل:لسمرة في لونه؛يقال:

رجل آدم نحو أسمر.

و قيل:سمّي بذلك لكونه من عناصر مختلفة و قوى متفرّقة كما قال تعالى: أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ الدّهر:2، و يقال:جعلت فلانا أدمة أهلي،أي خلطته بهم.و قيل:

سمّي بذلك لما طيّب به من الرّوح المنفوخ فيه المذكور في قوله: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي الحجر:29،و جعل له به العقل و الفهم و الرّويّة الّتي فضّل بها على غيره،كما قال تعالى: وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً الإسراء:70؛و ذلك من قولهم:الإدام،و هو ما يطيب به الطّعام.(14)

الزّمخشريّ: اشتقاقهم«آدم»من الأدمة و من أديم الأرض،نحو اشتقاقهم يعقوب من العقب، و إدريس من الدّرس،و إبليس من الإبلاس.

و ما آدم إلاّ اسم أعجميّ،و أقرب أمره أن يكون على«فاعل»كآزر و عازر و عابر و شالخ و فالغ، و أشباه ذلك.(1:272)

مثله النّسفيّ.(1:40)

استأدمني فأدمته و آدمته.و طعام أديم:مأدوم، و منه سمنكم هريق في أديمكم.

ص: 43

و من المجاز:فلان مؤدم مبشر،للين في خشونة و ليس تحت أديم السّماء أكرم منه،و أتيته شدّ الضّحى و رأد الضّحى،و أديم الضّحى بمعنى.

و ظلّ أديم النّهار صائما و أديم اللّيل قائما،أي كلّه.

و فلان إدام قومه و أدم بني أبيه:لثمالهم و قوامهم، و من يصلح أمورهم.و هو أدمة قومه:لسيّدهم و مقدّمهم.

و ائتدم العود،إذا جرى فيه الماء.

و من الكناية:ليس بين الدّراهم و الأدم مثله، يريدون بين العراق و اليمن؛لأنّ تبايع أهلهما بالدّراهم و الأدم.(أساس البلاغة:4)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال للمغيرة بن شعبة و خطب امرأة:«لو نظرت إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما»الأدم و الإيدام:الإصلاح و التّوفيق،من أدم الطّعام،و هو إصلاحه بالإدام و جعله موافقا للطّعام.

«نعم الإدام الخلّ»هو اسم لكلّ ما يؤتدم به و يصطبغ،و حقيقته ما يؤدم به الطّعام،أي يصلح.و هذا البناء يجيء لما يفعل به كثيرا،كقولك:الرّكاب لما يركب به و الحزام لما يحزم،و نظائره جمّة.

الأدمة في الإبل:البياض مع سواد المقلتين.

(الفائق 1:29)

الجواليقيّ: أسماء الأنبياء صلوات اللّه عليهم كلّها أعجميّة،نحو:إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و إلياس و إدريس و إسرائيل و أيّوب،إلاّ أربعة أسماء و هي:آدم و صالح و شعيب و محمّد.[و أحمد](61)

ابن عطيّة: آدم:«أفعل»مشتقّ من الأدمة،و هي حمرة تميل إلى السّواد،و جمعه:أدم و أوادم كحمر و أحامر،و لا ينصرف بوجه.

و قيل:آدم وزنه«فاعل»مشتقّ من أديم الأرض، كأنّ الملك أدمها،و جمعه:آدمون و أوادم.و يلزم قائل هذه المقالة صرفه.

و روي عن النّبيّ عليه السّلام أنّه قال:خلق اللّه آدم من أديم الأرض كلّها،فخرجت ذرّيّته على نحو ذلك،منهم:

الأبيض و الأسود و الأسمر،و السّهل و الحزن،و الطّيّب و الخبيث.(1:222)

أبو البركات: آدم:لا ينصرف للعجمة و التّعريف.

و قيل:هو مشتقّ من الأدمة،و لا ينصرف لوزن الفعل و التّعريف،و أصله(أأدم)بهمزتين إلاّ أنّه قلبت الهمزة السّاكنة ألفا لسكونها و انفتاح ما قبلها نحو:آخر و آدر،و أصله:أأخر و أأدر،فقلبوا الهمزة السّاكنة الثّانية ألفا لسكونها و انفتاح ما قبلها.(1:74)

السّهيليّ: آدم:و فيه ثلاثة أقوال:

قيل:هو اسم سريانيّ.

و قيل:هو«أفعل»من الأدمة.

و قيل:أخذ من لفظ الأديم؛لأنّه خلق من أديم الأرض.[و قال بعد نقل قول قطرب:]

و هذا القول ليس بشيء؛لأنّه لا يمتنع أن يكون من الأديم و يكون على وزن«أفعل»،تدخل الهمزة الزّائدة على الهمزة الأصليّة،كما تدخل على همزة الأدمة.فأوّل الأدمة همزة أصليّة،فكذلك أوّل الأديم همزة أصليّة، فلا يمتنع أن يبنى منها«أفعل»فيكون غير مجرى،كما يقال:رجل أعين و أرأس من العين و الرّأس،و أسوق

ص: 44

و أعنق من السّاق و العنق،مع ما في هذا القول من المخالفة لقول السّلف الّذين هم أعلم منه لسانا و أذكى جنانا.

(1:14)

ابن الأثير: «نعم الإدام الخلّ»الإدام بالكسر و الأدم بالضّمّ:ما يؤكل مع الخبز،أيّ شيء كان.و منه الحديث:«سيّد إدام أهل الدّنيا و الآخرة اللّحم»جعل اللّحم أدما.

و بعض الفقهاء لا يجعله أدما،و يقول:لو حلف أن لا يأتدم ثمّ أكل لحما لم يحنث.

و منه حديث أمّ معبد:«أنا رأيت الشّاة و إنّها لتأدمها و تأدم صرمتها».

و منه حديث أنس:«و عصرت عليه أمّ سليم عكّة لها فأدمته»،أي خلطته،و جعلت فيه إداما يؤكل،يقال فيه بالمدّ و القصر،و روي بتشديد الدّال على التّكثير.

و منه الحديث:«أنّه مرّ بقوم فقال:إنّكم تأتدمون على أصحابكم فأصلحوا رحالكم حتّى تكونوا شامة في النّاس»،أي إنّ لكم من الغنى ما يصلحكم كالإدام الّذي يصلح الخبز.

و منه حديث النّكاح:«لو نظرت إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما»،أي أن تكون بينكما المحبّة و الاتّفاق؛ يقال:أدم اللّه بينهما يأدم أدما بالسّكون،أي ألّف و وفّق،و كذلك يؤدم بالمدّ فعل و أفعل.

و فيه:«أنّه لمّا خرج من مكّة قال له رجل:إن كنت تريد النّساء البيض،و النّوق الأدم فعليك ببني مدلج» الأدم جمع آدم كأحمر و حمر.و الأدمة في الإبل:البياض مع سواد المقلتين،بعير آدم بيّن الأدمة،و ناقة أدماء و هي في النّاس السّمرة الشّديدة.

و قيل:هو من أدمة الأرض،و هو لونها،و به سمّي آدم.

و منه حديث نجيّة:«ابنتك المؤدمة المبشرة»يقال للرّجل الكامل:إنّه لمؤدم مبشر،أي جمع لين الأدمة و نعومتها،و هي باطن الجلد،و شدّة البشرة و خشونتها، و هي ظاهره.

و في حديث عمر قال لرجل:«ما مالك،فقال:أقرن و آدمة في المنيئة»،الآدمة بالمدّ:جمع أديم،مثل رغيف و أرغفة،و المشهور في جمعه:أدم.(1:31)

القرطبيّ: اختلف في اشتقاقه:

فقيل:هو مشتقّ من أدمة الأرض و أديمها،و هو وجهها،فسمّي بما خلق منه.

و قيل:إنّه مشتقّ من الأدمة و هي السّمرة،و على هذا الاشتقاق جمعه:أدم و أوادم،كحمر و أحامر، و لا ينصرف بوجه،و على أنّه مشتقّ من الأدمة جمعه:

آدمون،و يلزم قائلو هذه المقالة صرفه.

قلت:الصّحيح أنّه مشتقّ من أديم الأرض،أديم جمع،أدم؛فآدم مشتقّ من الأديم و الأدم،لا من الأدمة، و يحتمل أن يكون منهما جميعا.و آدم لا ينصرف.

(1:279)

البيضاويّ: آدم:اسم أعجميّ كآزر و شالخ، و اشتقاقه من الأدمة أو الادمة بالفتح،بمعنى الأسوة،أو من أديم الأرض،لما روي عنه عليه الصّلاة و السّلام أنّه

ص: 45

تعالى قبض قبضة من جميع الأرض سهلها و حزنها فخلق منها آدم فلذلك يأتي بنوه أخيافا (1)،أو من الأدم و الأدمة بمعنى الألفة،تعسّف كاشتقاق إدريس من الدّرس و يعقوب من العقب و إبليس من الإبلاس.

(1:46)

ابن منظور: أدم:لأم و أصلح و ألّف و وفّق، و كذلك آدم يؤدم بالمدّ،و كلّ موافق إدام.(12:8)

الخازن:سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض.

و قيل:لأنّه كان آدم اللّون،و كنيته أبو محمّد.و قيل:أبو البشر.(1:40)

أبو حيّان: آدم:اسم أعجميّ كآزر و عابر،ممنوع الصّرف للعلميّة و العجمة.و من زعم أنّه«أفعل»مشتقّ من الأدمة و هي كالسّمرة،أو من أديم الأرض و هو وجهها فغير صواب؛لأنّ الاشتقاق من الألفاظ العربيّة قد نصّ التّصريفيّون على أنّه لا يكون في الأسماء الأعجميّة.

و قيل:هو عبريّ من الإدام و هو التّراب.

و من زعم أنّه«فاعل»من أديم الأرض فخطاؤه ظاهر لعدم صرفه.(1:138)

الفيّوميّ: أدمت بين القوم أدما،من باب ضرب:

أصلحت و ألّفت.و في الحديث:«فهو أحرى أن يؤدم بينكما»،أي يدوم الصّلح و الألفة.و آدمت بالمدّ لغة فيه.

و أدمت الخبز و آدمته باللّغتين،إذا أصلحت إساغته بالإدام،و الإدام:ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا، و جمعه:أدم،مثل كتاب و كتب.و يسكّن للتّخفيف فيعامل معاملة المفرد،و يجمع على:آدام،مثل قفل و أقفال.

و الأديم:الجلد المدبوغ،و الجمع:أدم بفتحتين و بضمّتين أيضا،و هو القياس،مثل بريد و برد.

(1:9)

الفيروزآباديّ: الأدمة بالضّمّ:القرابة و الوسيلة و يحرّك،و الخلطة و الموافقة.

و أدم بينهم يأدم:لأم كآدم،و الخبز خلطه بالأدم كآدم،و القوم أدم لهم خبزهم،و هو أدم أهله و أدمتهم و يحرّك.

و إدامهم بالكسر:أسوتهم الّذي به يعرفون،و قد أدمهم كنصر:صار كذلك،و ككتاب:كلّ موافق،و ما يؤتدم به،الجمع:آدمة و آدام.

و الأديم:الطّعام المأدوم،و الجلد أو أحمره أو مدبوغه،و الجمع:آدمة و أدم و آدام.و الأدم:اسم للجمع.

و الأدمة محرّكة:باطن الجلدة الّتي تلي اللّحم أو ظاهرها الّذي عليه الشّعر.و ما ظهر من جلدة الرّأس و باطن الأرض.و آدم الأديم:أظهر أدمته.

و رجل مؤدم مبشر كمكرم:حاذق مجرّب جمع لين الأدمة و خشونة البشرة،و هي بهاء.

و أديم النّهار:عامّته أو بياضه،و من الضّحى:أوّله، و من السّماء و الأرض:ما ظهر.

و الأدمة بالضّمّ في الإبل:لون مشرب سوادا أو بياضا،أو هو البياض الواضح،أو في الظّباء لون مشرب5.

ص: 46


1- إخوة أخياف:أمّهم واحدة و الآباء شتّى.الفيروزآباديّ 3:145.

بياضا،و فينا السّمرة.

أدم كعلم و كرم فهو آدم،و الجمع:أدم و أدمان بضمّهما،و هي أدماء،و شذّ أدمانة،و الجمع:أدم بالضّمّ.

و آدم أبو البشر صلوات اللّه عليه و سلامه،و شذّ أدم محرّكة،و الجمع:أوادم.

و الإيدامة بالكسر:الأرض الصّلبة بلا حجارة، و الجمع:أياديم.و وهم الجوهريّ في قوله:لا واحد لها.

و ائتدم العود:جرى فيه الماء.و أطعمتك مأدومي:

أتيتك بعذري.(4:74)

السّيوطيّ: آدم:أبو البشر،ذكر قوم أنّه«أفعل» وصف مشتقّ من الأدمة،و لذا منع الصّرف.

و قال قوم:هو اسم سريانيّ أصله«آدام»،بوزن «خاتام»،عرّب بحذف الألف الثّانية.(4:67)

الطّريحيّ: في الخبر:«نعم الأدم الخلّ»،الأدم جمع إدام بالكسر مثل كتب و كتاب،و يسكّن.

و روي«سيّد إدامكم»لأنّه أقلّ مئونة و أقرب إلى القناعة،و لذا قنع به أكثر العارفين.

و في بعض كتب أهل اللّغة:الأدام فعال بفتح الفاء:

ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا،و يجمع على:آدام كقفل و أقفال؛يقال:أدم الخبز يأدمه بالكسر و أدّمت الخبز و أدمته باللّغتين،إذا أصلحت إساغته بالإدام.

و الأدمة من الإبل بالضّمّ:البياض الشّديد مع سواد المقلتين،و في النّاس:السّمرة الشّديدة.

و آدم:أبو البشر،كرّر اللّه قصّته في سبع سور:في البقرة،و الأعراف،و الحجر،و بني إسرائيل،و الكهف، و طه،و ص؛لما تشتمل عليه من الفوائد.و أصله بهمزتين؛لأنّه«أفعل»إلاّ أنّهم ليّنوا الثّانية.

و قيل:سمّي آدم من اللّون،و قيل:لأنّه خلق من أدمة الأرض و هو لونها،و جمعها:آدمون.و في معاني الأخبار:«معنى آدم:لأنّه خلق من أديم الأرض الرّابعة».

و أديم السّماء:وجهها،و أديم الأرض:صعيدها و ما ظهر منها.

و الأديم:الجلد المدبوغ،و الجمع:أدم بفتحتين.

و في الخبر:«كانت مخدّته صلّى اللّه عليه و آله من أدم»أي من الجلود.و في آخر:«كانت مرفقته من أدم».(6:6)

الآلوسيّ: صرّح الجواليقيّ و كثيرون أنّه عربيّ، و وزنه«أفعل»من الأدمة بضمّ فسكون:السّمرة.و يا ما أحيلاها في بعض! (1)و فسّرها أناس بالبياض،أو الأدمة بفتحتين:الأسوة و القدوة،أو من أديم الأرض:

ما ظهر منها،أو من الأدم أو الأدمة:الموافقة و الألفة.

و أصله«أأدم»بهمزتين،فأبدلت الثّانية ألفا لسكونها بعد فتحة،و منع صرفه للعلميّة و وزن الفعل.

و قيل:أعجميّ،و وزنه«فاعل»بفتح العين و يكثر هذا في الأسماء كشالخ و آزر،و يشهد له جمعه على «أوادم»بالواو لا أآدم-بالهمزة،و كذا تصغيره على «أويدم»لا«أويدم».

و اعتذر عنه الجوهريّ بأنّه ليس للهمزة أصل في البناء معروف،فجعل الغالب عليها«الواو»و لم يسلّموه له،و حينئذ لا يجري الاشتقاق فيه؛لأنّه من تلك اللّغة لا نعلمه،و من غيرها لا يصحّ،و التّوافق بين اللّغات!.

ص: 47


1- أي ما أجمل السّمرة في بعض النّاس!.

بعيد.

و إن ذكر فيه فذاك للإشارة إلى أنّه بعد التّعريب ملحق بكلامهم،و هو اشتقاق تقديريّ،اعتبروه لمعرفة الوزن و الزّائد فيه من غيره،و من أجراه فيه حقيقة كمن جمع بين الضّبّ و النّون،و لعلّ هذا أقرب إلى الصّواب.

(1:223)

القاسميّ: آدم:اسم عبرانيّ مشتقّ من أدمه، و هي لفظة عبرانيّة معناها التّراب؛لأنّه جبل من تراب الأرض.(2:98)

المصطفويّ: «آدام»-آدم،إنسان«آدوم»- الأحمر«إداماه»الأرض،التّربة.

أخبار الزّمان:49-و سمّى اللّه آدم عبد اللّه و كنّاه أبا محمّد،و كان يتكلّم بالعربيّة فحوّل اللّه عزّ و جلّ لسانه إلى السّريانيّة.

المعارف:11-فخلق آدم من أدمة الأرض،و نفخ في وجهه نسمة الحياة،و قال:إنّ آدم لا يصلح أن يكون وحده،و لكن أصنع له عونا.

فظهر أنّ كلمة«آدم»عربيّة على«أفعل»،فهل هي مأخوذة من العبرانيّة أو السّريانيّة بتغيير مختصر و تصرّف و تعريب،أو بالعكس؟و أنّ العربيّة أصيلة و العبرانيّة مأخوذة منها،لا يمكن القطع بأحد الطّرفين، فإنّ الشّواهد و المآخذ مختلفة.ثمّ قال ما ملخّصه:

1-إنّ هذه الكلمة أطلقت عليه أوّلا باعتبار معناه الوصفيّ،ثمّ جعلت علما له بالغلبة.

2-من الآيات الّتي استعملت كلمة«آدم»فيها علما شخصيّا قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً آل عمران:33، إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ آل عمران:59.

3-من الموارد الّتي يمكن تعميمه و إن كان المورد خاصّا قوله تعالى: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ البقرة:

34، وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها البقرة:31.

(1:39)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إن اللّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض،فجاء بنو آدم على قدر الأرض،جاء منهم الأحمر و الأسود و الأبيض و بين ذلك،و السّهل و الحزن و الخبيث و الطّيّب.(الطّبريّ 1:214)

ابن مسعود: إنّ ملك الموت لمّا بعث ليأخذ من الأرض تربة آدم،أخذ من وجه الأرض و خلط،فلم يأخذ من مكان واحد،و أخذ من تربة حمراء و بيضاء و سوداء،فلذلك خرج بنو آدم مختلفين،و لذلك سمّي آدم، لأنّه أخذ من أديم الأرض.(الطّبريّ 1:214)

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ آدم خلق من أديم الأرض، فيه الطّيّب و الصّالح و الرّديء،فكلّ ذلك أنت راء في ولده الصّالح و الرّديء.(الطّبريّ 1:214)

ابن عبّاس: بعث ربّ العزّة ملك الموت فأخذ من أديم الأرض من عذبها و مالحها،فخلق منه آدم،و من ثمّ سمّي آدم،لأنّه خلق من أديم الأرض.

نحوه سعيد بن جبير.(الطّبريّ 1:214)

اليعقوبيّ: لمّا رأى آدم ما في الجنّة من النّعيم قال:

لو كان سبيل إلى الخلود؟فطمع فيه إبليس لمّا سمع ذلك

ص: 48

منه،فبكى و نظر إليه آدم و حوّاء يبكي،فقالا له:

ما يبكيك؟قال:لأنّكما تفارقان هذا،و ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ الأعراف:20،21.

و كان لباس آدم و حوّاء ثيابا من نور،فلمّا ذاقا من الشّجرة بدت لهما سوآتهما،فزعم أهل الكتاب أنّ مكث آدم في الأرض قبل أن يدخل الجنّة كان ثلاث ساعات، و مكث هو و حوّاء في النّعيم و الكرامة قبل أن يأكلا من الشّجرة فتبدو لهما سوآتهما ثلاث ساعات،فلمّا بدت لآدم سوأته أخذ ورقة من الشّجرة،فوضعها على نفسه، ثمّ صاح:ها أنا يا ربّ عريان قد أكلت من الشّجرة الّتي نهيتني عنها،فقال اللّه:ارجع إلى الأرض الّتي منها خلقت،فإنّي مسخّر لك و لولدك طير السّماء،و نون البحار.

و أخرج اللّه آدم و حوّاء ممّا كانا فيه،فيما يقول أهل الكتاب في تسع ساعات من يوم الجمعة،و هبطا إلى الأرض،و هما حزينان باكيان،و كان هبوطهما على أدنى جبل من جبال الأرض إلى الجنّة،و كان ببلاد الهند، و قال قوم:على«أبي قبيس»،جبل بمكّة،و نزل آدم في مغارة في ذلك الجبل سمّاها«مغارة الكنز»،و دعا اللّه أن يقدّسها.

و روى بعضهم أنّ آدم لمّا هبط كثر بكاؤه،و دام حزنه على مفارقة الجنّة،ثمّ ألهمه اللّه سبحانه أن قال:لا إله إلاّ أنت،سبحانك و بحمدك،عملت سوء و ظلمت نفسي،فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرّحيم، فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ البقرة:37،و اجتباه، و أنزل له من الجنّة الّتي كان فيها الحجر الأسود،و أمره أن يصيّره إلى مكّة فيبني له بيتا،فصار إلى مكّة و بنى البيت و طاف به،ثمّ أمره اللّه أن يضحّي له،فيدعوه و يقدّسه، فخرج معه جبريل حتّى وقف بعرفات،فقال له جبريل:هذا الموضع أمرك ربّك أن تقف له به.ثمّ مضى به إلى مكّة،فاعترض له إبليس،فقال:ارمه،فرماه بالحصى،ثمّ صار إلى الأبطح،فتلقّته الملائكة،فقال له:

برّ حجّك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك ألفي عام.

و أنزل اللّه عزّ و جلّ الحنطة على آدم،و أمره أن يأكل من كدّه،فحرث و زرع،ثمّ حصد ثمّ داس ثم طحن ثمّ عجن ثمّ خبز،فلمّا فرغ عرق جبينه،ثمّ أكل،فلمّا امتلأ ثقل ما في بطنه،فنزل جبريل ففجّه،فلمّا خرج ما في بطنه وجد رائحة تكره،فقال:ما هذا؟قال له جبريل:رائحة الحنطة.

و وقع آدم على حوّاء فحملت،و ولدت غلاما و جارية،فسمّى الغلام«قابيل»و الجارية«لوبذا»،ثمّ حملت فولدت غلاما و جارية،فسمّى الغلام«هابيل» و الجارية«إقليما»،فلمّا كبر ولده و بلغوا النّكاح،قال آدم لحوّاء:مري قابيل فليتزوّج إقليما الّتي ولدت مع هابيل، و مري هابيل فليتزوّج لوبذا الّتي ولدت مع قابيل، فحسده قابيل أن يتزوّج بأخته الّتي ولدت معه.

و قد روى بعضهم أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل لهابيل حوراء من الجنّة،فزوّجه بها،و أخرج لقابيل جنّيّة فزوّجه بها،فحسد قابيل أخاه على الحوراء،فقال لهما آدم:قرّبا قربانا فقرّب هابيل من تبن زرعه،و قرّب

ص: 49

قابيل أفضل كبش في غنمه للّه،فقبل اللّه قربان هابيل، و لم يقبل قربان قابيل،فازداد نفاسة و حسدا،و زيّن له الشّيطان قتل أخيه،فشدخه بالحجارة حتّى قتله، فسخط اللّه على قابيل و لعنه،و أنزله من الجبل المقدّس إلى أرض يقال لها«نود».

و مكث آدم و حوّاء ينوحان على هابيل دهرا طويلا،حتّى يقال:إنّه خرج من دموعهما كالنّهر،و وقع آدم على حوّاء فحملت،فولدت غلاما بعد أن أتى له مائة و ثلاثون سنة،فسمّاه«شيثا»،فكان أشبه ولد آدم بآدم،ثمّ زوّج آدم شيثا فولد له غلام بعد أن أتت عليه مائة و خمس و ستّون سنة،فسمّاه أنوش،ثم ولد لأنوش غلام فسمّاه قينان،ثم ولد لقينان غلام فسمّاه «مهلائيل»،فهؤلاء ولدوا في حياة آدم و على عهده.

و لمّا حضرت آدم الوفاة جاءه شيث ابنه و ولده و ولد ولده،فصلّى عليهم و دعا لهم بالبركة،و جعل وصيّته إلى«شيث»و أمره أن يحفظ جسده،و يجعله إذا مات في«مغارة الكنز»،و أن يوصي بنيه و بني بنيه و يوصي بعضهم بعضا عند وفاتهم إذا كان هبوطهم من جبلهم،أن يأخذوا جسده حشمة،فيجعلوه وسط الأرض،و أمر شيثا ابنه أن يقوم بعده في ولدهم، فيأمرهم بتقوى اللّه و حسن عبادته،و ينهاهم أن يخالطوا قابيل اللّعين و ولده،ثمّ صلّى على بنيه أولئك و أولادهم و نسائهم،ثمّ مات لستّ خلون من نيسان يوم الجمعة، في السّاعة الّتي خلق فيها،و كانت حياته تسعمائة سنة و ثلاثين اتّفاقا.(1:5)

الطّبريّ: [لقد توسّع في تاريخه و تفسيره في قصّة «آدم»و خلقته و هبوطه و تعليم الأسماء و سجود الملائكة له،و ما حدث في عهده بين أولاده و جميع قضاياه، فلاحظ.](تاريخ الملوك و الأمم 1:60)

و نحوه ابن كثير(البداية و النّهاية 1:68)،و ابن الأثير(الكامل في التّاريخ 1:27).

السّهيليّ: آدم عليه السّلام يكنى أبا محمّد،كني بمحمّد خاتم الأنبياء صلوات اللّه عليهم.(القرطبيّ 1:279)

القرطبيّ: قيل:كنيته في الجنّة أبو محمّد و في الأرض أبو البشر.(1:279)

الفيروزآباديّ: له أسماء خمسة:الإنسان، و البشر،و أبو البشر،و آدم،و الخليفة.

أمّا آدم فمشتقّ من الأدمة،و هى بياض اللّون.

و قيل:لون بين البياض و السّواد كلون الحنطة،و قيل:

لأنّه خلق من أديم الأرض.

و أمّا الخليفة فلقوله تعالى: جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و الخليفة و الخليف من يخلف من تقدّمه.و كان آدم خلف قوما من الخلق يسمّون الجانّ بين الجانّ،و لكونه ناب مناب ملائكة السّماء.

و أمّا البشر فلقوله تعالى: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ص:71،قيل:و سمّي بشرا لمباشرته عظائم الأمور.و قيل:لما كان في وجهه من البشر و البشاشة.

و سمّي إنسانا لأنسه بجنسه،فالإنسان من اجتمع فيه أنسان:أنسه بالغير و أنس الغير به،و قيل:اشتقاقه من النّوس و هو الحركة،لكثرة حركته فيما يتحرّاه،و قيل:

من الإيناس و هو الإبصار؛لأنّه ببصره الظّاهر و بصيرته الباطنة يرى رشده و يصل إليه.

ص: 50

و في بعض الآثار أنّ آدم عليه السّلام قيل له:كيف وجدت نفسك عند الزّلّة؟

قال:كرجل انكسرت أعضاؤه فلم يبق مفصل مع مفصل.

فقيل له:كيف وجدت نفسك عند الخروج من الجنّة؟

فقال:الموت أهون عليّ من ذلك.

و في الحديث:«أنّ موسى قال له ليلة المعراج:يا آدم أخرجتنا من الجنّة،فقال:يا موسى هو شيء كتبه اللّه عليّ أم شيء من ذات نفسي؟فقال:لا،بل شيء كتب اللّه عليك.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:فعند ذلك حجّ آدم موسى»،أي غلبه.

و قد ذكره اللّه في القرآن في عشرين موضعا،ففي سبعة مواضع مختصّ بالذّكر وحده،و في سبعة مواضع مقترن بذكر بنيه.

أمّا ذكره منفردا ففي قوله تعالى: كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ آل عمران:59، وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها البقرة:31، يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ البقرة:

33 وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ البقرة:34 يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ البقرة:35 إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ آل عمران:33 فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ البقرة:37، يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ طه:117، وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ طه:121.

و أمّا المقترن ببنيه ففي قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الإسراء:70، يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً الأعراف:26، يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الأعراف:31، وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الأعراف:172، يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي الأعراف:35، يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ الأعراف:27، أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ يس:60.

قال أبو إسحاق الزّجّاج: اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم،ففي موضع: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ آل عمران:59،و في موضع: مِنْ طِينٍ لازِبٍ الصّافّات:

11،و في موضع: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الحجر:26،28 و 33.و في موضع: مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ الرّحمن:

14.

قال:هذه الألفاظ راجعة إلى أصل واحد،و هو التّراب الّذي هو أصل الطّين،فأعلمنا اللّه عزّ و جلّ أنّه خلق من تراب جعل طينا،ثمّ انتقل فصار كالحمإ المسنون،ثمّ انتقل فصار صلصالا كالفخّار.

[و ذكر وجوه تفضيل الطّين على النّار ثمّ قال:]

و في تاريخ دمشق عن عائشة قالت:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:أنا أشبه النّاس بأبي آدم عليه السّلام و كان أبي إبراهيم أشبه النّاس خلقا و خلقا[به]،خلقه اللّه عزّ و جلّ بيده،و أسجد له ملائكته،و أسكنه جنّته، و اصطفاه،و كرّم ذرّيّته و علّمه جميع الأسماء،و جعله أوّل الأنبياء،و علّمه ما لم يعلمه الملائكة المقرّبون، و جعل من نسله الأنبياء و المرسلين و الأولياء و الصّدّيقين.

ص: 51

و اشتهر في كتب التّواريخ أنّه عاش ألف سنة،و أنّه توفّي بمكّة،و دفن في جبل أبي قبيس،و حجّ على رجليه ستّين حجّة من أقصى بلاد الهند.

(بصائر ذوي التّمييز 6:22)

العامليّ: هو أبو البشر معروف،و سيأتي في سورة البقرة أخبار في أنّ اللّه تعالى خلق آدم عليه السّلام،و نفخ فيه من روحه،و جعله مسجودا للملائكة؛لكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة في صلبة و من نسله،و لأجل ولايتهم و الإقرار بهم.

و يأتي في السّورة المذكورة أنّ آدم توسّل بالنّبيّ و آله حتّى قبل اللّه توبته منه،بل في أخبار عديدة أنّ آدم عليه السّلام لمّا لم يعزم على قبول الولاية عزما تامّا،ما صار من أولي العزم و ابتلي بحكاية الشّجرة و الإخراج من الجنّة.(80)

محمّد إسماعيل إبراهيم: آدم:أبو البشر،و هو أوّل رجل خلقه اللّه على هيئته من صلصال من حمأ مسنون،أي طين أسود منتن،ثمّ جعل ذرّيّته تمرّ في خلقها بأطوار من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آخر ما جاء من وصف ذلك بالقرآن،و بعد أن تكوّن جسم آدم عليه السّلام من الصّلصال نفخ فيه ربّ العزّة من روحه مودعا إيّاه سرّا من أسراره يحيا به،ثمّ علّمه الأسماء كلّها،و جعله مستعدّا لمعرفة خصائص الأشياء الّتي تقع تحت حسّه،و قد شاءت إرادته تعالى أن يستخلفه في الأرض ليقوم بهداية ذرّيّته إلى توحيد اللّه و عبادته،و قد أمر الملائكة أن تسجد له سجود تحيّة و تكريم،فسجدوا كلّهم امتثالا لأمر اللّه،إلاّ إبليس أبى و أستكبر،فطرده اللّه من رحمته و أبعده من جنّته،و أسكن آدم و زوجه حوّاء الّتي خلقها من جسم آدم الجنّة،و أباح لهما التّمتّع بكلّ ما فيها من خيرات و طيّبات،و نهاهما عن الاقتراب من شجرة معيّنة،و عن الأكل من ثمارها،و لكن إبليس الّذي كان قد حقد على آدم؛لأنّه سبب طرده و شقاوته أراد أن ينتقم منه،فوسوس إليه هو و زوجه أن يأكلا من الشّجرة المحرّمة عليهما،و أقسم مؤكّدا لهما أنّها شجرة الخلد الّتي لا يموت من أكل منها.

فغوى آدم و أخطأ وجه الصّواب؛لاعتقاده أنّ أحدا لا يقسم باللّه كذبا،فغضب اللّه عليهما و سلبهما نعمته، و أنزلهما من الجنّة الّتي كانا بها إلى الأرض؛ليعيشا فيها و ذرّيّتهما-مع إبليس و ذرّيّته أعداءهم-عيشة فيها التّعب و العناء،و بعد ذلك تلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليهما،و حذّرهما إبليس و جنوده،و أعلمهما أنّ طور النّعيم الخالص الّذي مرّ بهما في الجنّة قد انتهى،و أنّه هو و ذرّيّته قد دخلوا في طور آخر من حياة أرضيّة فيها طرق الخير و الشّرّ،ليختار كلّ ما يشاء.(33)

الأصول اللّغويّة

1-في«آدم»ثلاثة أقوال:الأوّل:هو اسم عبريّ، و الثّاني:سريانيّ،و الثّالث:عربيّ.و القول الأخير مختلف فيه؛فقيل:هو مشتقّ من أديم الأرض،و قيل:

من الأدمة،أي وجه الأرض،أو الأسوة.و قيل:من الأدمة أي السّمرة،أو الخلطة،أو الألفة و الاتّفاق.

2-و من قال:إنّه عربيّ جعله على وزن«أفعل»؛ لأنّ أصله«أأدم»بهمزتين،الأولى زائدة،و الثّانية أصليّة،أي فاء الكلمة.فاستثقل الجمع بين همزتين،

ص: 52

فقلبت الثّانية ألفا لسكونها و انفتاح ما قبلها.و عند تحرّكها تقلب واوا أو ياء في الجمع على القياس،فيقال:

أوادم،على وزن أباعر و أصابع،و يقال:أيادم،مثل:

أيامن و أيابس.إلاّ أنّ ألف«آدم»ليست لها أصل في الياء؛لأنّ مادّة«ي د م»مهملة في اللّغة.

و جعله بعضهم على وزن«فاعل»و جمعه على «فواعل»مثل:ضوارب و حوادث،فعدّ همزته الأولى أصليّة،و الثّانية زائدة.فإن كان كذلك لم يمنعه من الصّرف مانع،و هو خلاف الحال و الاستعمال.

3-و ورد«آدم»بلفظ واحد في العربيّة و السّريانيّة،و في العبريّة«آدام»،و بألفاظ متقاربة في سائر اللّغات السّاميّة.و توافقت العربيّة و العبريّة أيضا في اشتقاقه،ففي العبريّة اشتقّ من«أداماه»أي الأدمة، و هو أحد الأقوال في العربيّة كما تقدّم.

و كذلك التقى القرآن مع التّوراة في أصل خلقته، فقد ورد في الإصحاح الثّاني من سفر التّكوين ما نصّه:

«جبل الرّبّ الإله آدم ترابا من الأرض».و هو عين قوله تعالى في الآية(59)من سورة آل عمران: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ.

و لئن اتّحدت اللّغتان في لفظه و خلقته،فإنّهما اختلفتا في انتسابه و لغته؛فالعرب يقولون:هو عربيّ و كان يتكلّم العربيّة،و اليهود يقولون:هو عبريّ و كان يتكلّم العبريّة.و يقول علماء اللّغات السّاميّة،و قولهم الفصل:إنّ أوزان العبريّة و كلماتها أحدث نشوء من العربيّة«الكنز في قواعد اللّغة العبريّة:43».و عليه فلفظ«آدم»و ما اشتقّ منه عربيّ،على الرّغم من وروده في التّوراة.و لكنّ الظّاهر أنّ العرب أخذوه علما من غيرهم فهو أعجميّ،و إن كان له أصل عربيّ.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

و يلاحظ أوّلا-لم يذكر(آدم)في القرآن إلاّ و أريد به آدم أبو البشر عليه السّلام.

ثانيا-ذكر(25)مرّة؛منها(10)مرّات وقع مضافا إليه،فسيق مرّة واحدة بلفظ(ابني)و مرّة أيضا بلفظ (ذرّيّة)و(7)مرّات بلفظ(بني)تلو النّداء إلاّ في موضع واحد و مرّة بلفظ(كمثل):

1- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ.

المائدة:27.

2- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مريم:58.

3- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ الأعراف:26.

4- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ الأعراف:27.

5- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا الأعراف:31.

6- يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي الأعراف:35.

7- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الأعراف:172.

8- وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ الإسراء:70.

ص: 53

9- أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ. يس:60.

10- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ آل عمران:59.

ثالثا-ورد لفظ(آدم)(15)مرّة من دون إضافة إليه في هذه المواضع:

أ-إخراجه و زوجته من الجنّة:

فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى طه:117

ب-سجود الملائكة له:

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ البقرة:34

وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ الأعراف:11

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً الإسراء:61

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ... الكهف:50

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى طه:116

ج-تعليمه الأسماء:

وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:31

د-إنباؤه بالأسماء:

قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... البقرة:33

ه-إسكانه و زوجته الجنّة:

وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ البقرة:35

وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ الأعراف:19

و-وسوسة الشّيطان له و إغراؤه:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120

ز-عصيانه ربّه و نسيانه عهده:

وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً طه:115

فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه:121

ح-توبته و تلقّيه الكلمات:

فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:37

ط-اصطفاؤه:

إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ آل عمران:33

رابعا-جاء(آدم)في القرآن دائما بدون(أل)غير منصرف،و لا وجه له سوى العلميّة و العجمة،أو وزن

ص: 54

«أفعل»عند من جعله عربيّا.

خامسا-دلّت جملة من الآيات على أنّ البشر كلّهم من ذرّيّة آدم-كما سيأتي-؛و لهذا خاطبهم ب(يا بني آدم)، و هو ممّا تطابق عليه القرآن و التّوراة،و عليه أكثر أهل الملل و الأديان السّماويّة.

سادسا-أكثر ما جاء(آدم)في القرآن مع(إبليس) و حكاية إبائه عن السّجود له.

سابعا-أشير الى(آدم)و زوجه في آيات ابتداء خلق الإنسان من دون أن يذكر اسمه: يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً النّساء:1.

و كذا الأنعام:98،و الأعراف:189،و الزّمر:6، و الحجرات:13.

و هنا يثار سؤال،و هو هل أنّ جميع البشر ينتهون إلى آدم أو لا؟لاحظ«نفس».

ثامنا-إنّ القرآن يكرّر انتساب الإنسان إلى آدم و يخاطبه ب يا بَنِي آدَمَ لوجوه:

الأوّل:التّأكيد على مساواة أفراد البشر من جهة الأصل،فكلّهم من آدم و آدم من تراب،و لا فضل لأحد على آخر و لا لقوم على قوم و لا لشعب على شعب إلاّ بالتّقوى،و لا فخر بالآباء و الأمّهات.و هذا صريح قوله: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات:13،و منه اقتبس الشّعر المنسوب إلى عليّ عليه السّلام:

النّاس من جهة التّمثال أكفاء

أبوهم آدم و الأمّ حوّاء

فإن يكن لهم من أصلهم نسب

يفاخرون به فالطّين و الماء

الثّاني:تنبيه الإنسان بأنّ أباكم كان رسولا من اللّه فأنتم ذرّيّة الرّسول،و لكم كرامة الآباء و الأجداد، فينبغي التّأسّي بهم في طاعة اللّه و عبادته.و كثير من آيات(بني آدم)المتقدّمة تشير إلى هذا،مثل: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ، يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ.

الثّالث:الإشعار بأنّ أباكم آدم قد أغواه الشّيطان فلا يغويكم: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ.

ص: 55

ص: 56

آزر

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الأنعام:74.

ابن عبّاس: إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر،و إنّما كان اسمه تارخ.(ابن كثير 3:53)

يعني ب(آزر)الصّنم.

مثله السّدّيّ.(ابن كثير 3:53)

إنّ اسم أبي إبراهيم عليه السّلام،«يازر»و اسم أمّه«مثلى».

(الآلوسيّ 7:194)

ابن المسيّب: (آزر)اسم صنم كان والد إبراهيم يعبده،و إنّما سمّاه بالاسم لأنّ من عبد شيئا أو أحبّه جعل اسم ذلك المعبود أو المحبوب اسما له،فهو كقوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ الإسراء:71.

(الخازن 2:122)

مجاهد: (آزر)لم يكن بأبيه إنّما هو صنم.

(الطّبريّ 7:243)

الضّحّاك: إنّ(آزر)أبو إبراهيم عليه السّلام،و هو تارخ.

معنى آزر الشّيخ الهمّ بالفارسيّة.(القرطبيّ 7:22)

معناه الشّيخ الهرم.(أبو السّعود 2:112)

الحسن: كان اسم أبيه(آزر).(القرطبيّ 7:22) نحوه الخليل(7:382)،و مثله السّدّيّ(الطّبريّ 7:

242).

السّدّيّ: اسم أبيه،و يقال:لا،بل اسمه تارح، و اسم الصّنم آزر.(الطّبريّ 7:243)

إنّه اسم أبي إبراهيم،و هو تارخ،كما قيل ليعقوب:

إسرائيل.و يجوز أن يكون لقبا غلب عليه.

مثله ابن إسحاق و ابن عبد العزيز و الجبّائيّ و البلخيّ.(الطّوسيّ 4:189)

الكلبيّ: (آزر)اسم أبي إبراهيم و هو تارخ،ضبطه بعضهم بالحاء المهملة،و بعضهم بالخاء المعجمة.

مثله ابن إسحاق و الضّحّاك.(الخازن 2:122)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ(آزر)أبا إبراهيم كان

ص: 57

منجّما لنمرود.(الكاشانيّ 2:131)

كان(آزر)صاحب أمر نمرود و وزيره،و كان يتّخذ الأصنام له و للنّاس،و يدفعها إلى ولده.

(المصطفويّ 1:64)

مقاتل: (آزر)لقب،و«تارخ»اسم.

(الميبديّ 3:401)

مثله ابن إسحاق.(الطّبريّ 7:22)

ابن جريج: إنّ اسمه تيرح أو تارح.

(الآلوسيّ 7:194)

ابن إسحاق: (آزر)أبو إبراهيم،و كان-فيما ذكر لنا-رجلا من أهل كوثى،من قرية بالسّواد،سواد الكوفة.(الطّبريّ 7:242)

سعيد بن عبد العزيز: أبو إبراهيم(آزر)،و هو تارح،مثل إسرائيل و يعقوب.(الطّبريّ 7:243)

الفرّاء: يقال:(آزر)في موضع خفض و لا يجرى؛ لأنّه أعجميّ.و قد أجمع أهل النّسب على أنّه ابن تارح، فكأنّ(آزر)لقب له.و قد بلغني أنّ معنى(آزر)في كلامهم معوجّ،كأنّه عابه بزيغه و بعوجه عن الحقّ.

و قد قرأ بعضهم: (لأبيه آزر) بالرّفع على النّداء«يا» و هو وجه حسن.(1:340)

هي صفة ذمّ بلغتهم كأنّه قال:يا مخطئ،فيمن رفعه.

أو كأنّه قال:و إذ قال لأبيه المخطئ،فيمن خفض.

(القرطبيّ 7:22)

إنّه ليس بين النّسّابين و المؤرّخين اختلاف في كون اسمه تارخ أو تارح.(رشيد رضا 7:536)

الأخفش: فتح إذا جعلت(آزر)بدلا من(أبيه)، و قد قرئت رفعا على النّداء،كأنّه قال:يا آزر.

(2:493)

البخاريّ: إبراهيم بن آزر،و هو في التّوراة تارح، و اللّه سمّاه آزر.(المراغيّ 7:168)

الطّبريّ: اختلف أهل العلم في المعنيّ ب(آزر)، و ما هو؟اسم أم صفة؟و إن كان اسما فمن المسمّى به؟[ذكر أقوالا متعدّدة نقلناها سابقا،ثمّ قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار(آزر)بفتح آزر على إتباعه«الأب»في الخفض،و لكنّه لمّا كان اسما أعجميّا فتحوه؛إذ لم يجرّوه و إن كان في موضع خفض.و ذكر عن أبي يزيد المدينيّ و الحسن البصريّ أنّهما كانا يقرءان ذلك(آزر)بالرّفع على النّداء،بمعنى يا آزر.فأمّا الّذي ذكر عن السّدّيّ من حكايته أنّ(آزر)اسم صنم و إنّما نصبه بمعنى أ تتّخذ آزر أصناما آلهة،فقول من الصّواب من جهة العربيّة بعيد، و ذلك أنّ العرب لا تنصب اسما بفعل بعد حرف الاستفهام؛لا تقول:أخاك أ كلّمت،و هي تريد أ كلّمت أخاك؟

و الصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ بفتح الرّاء من(آزر)على إتباعه إعراب«الأب»و أنّه في موضع خفض،ففتح إذ لم يكن جاريا،لأنّه اسم أعجمي.و إنّما أجيزت قراءة ذلك كذلك لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.

و إذ كان ذلك هو الصّواب من القراءة و كان غير جائز أن يكون منصوبا بالفعل الّذي بعد حرف الاستفهام،صحّ لك فتحه من أحد وجهين:

ص: 58

إمّا أن يكون اسما لأبي إبراهيم صلوات اللّه عليه و على جميع أنبيائه و رسله،فيكون في موضع خفض ردّا على«الأب»،و لكنّه فتح لما ذكرت من أنّه لمّا كان اسما أعجميّا ترك إجراؤه،ففتح كما فتح العرب في أسماء العجم.

أو يكون نعتا له،فيكون أيضا خفضا،بمعنى تكرير اللاّم عليه،و لكنّه لمّا خرّج مخرج أحمر و أسود، ترك إجراؤه،و فعل به كما يفعل بأشكاله،فيكون تأويل الكلام حينئذ وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً.

و إن لم يكن له وجهة في الصّواب إلاّ أحد هذين الوجهين،فأولى القولين بالصّواب منهما عندي قول من قال:هو اسم أبيه؛لأنّ اللّه تعالى أخبر أنّه أبوه،و هو القول المحفوظ من قول أهل العلم دون القول الآخر الّذي زعم قائله أنّه نعت.

فإن قال قائل:فإنّ أهل الأنساب إنّما ينسبون إبراهيم إلى تارح،فكيف يكون آزر اسما له،و المعروف به من الاسم تارح؟

قيل له:غير محال أن يكون له اسمان،كما لكثير من النّاس في دهرنا هذا،و كان ذلك فيما مضى لكثير منهم، و جائز أن يكون لقبا.(7:242)

الزّجّاج: يقرأ بالنّصب(آزر)و يقرأ بالضّمّ(آزر).

فمن نصب فموضع(آزر)خفض بدلا من(أبيه)،و من قرأ (آزر)بالضّمّ فهو على النّداء.

و ليس بين النّسّابين اختلاف أنّ اسم أبيه كان تارخ،و الّذي في القرآن يدلّ على أنّ اسمه آزر.

و قيل:(آزر)عندهم ذمّ في لغتهم،كأنّه قال: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ الخاطئ.(الأزهريّ 13:248)

قيل:(آزر)اسم صنم،فموضعه نصب على إضمار الفعل،كأنّه قال:و إذ قال إبراهيم لأبيه أ تتّخذ آزر، و جعل(أصناما)بدلا من(آزر)و أشباهه.فقال بعد أن قال:أ تتّخذ آزر إلها: أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً.

(الطّوسيّ 4:188)

النّحّاس: آزر لا ينصرف؛لأنّه على أفعل.

(القرطبيّ 7:22)

الجوهريّ: آزر اسم أعجميّ.(2:578)

ابن فارس: آزر مشتقّ من القوّة؛و الأزر:القوّة.

(القرطبيّ 7:22)

الثّعلبيّ: إنّ اسم أبي إبراهيم الّذي سمّاه به أبوه تارح،فلمّا صار مع النّمروذ قيّما على خزانة آلهته سمّاه آزر.(القرطبيّ 7:22)

الثّعالبيّ: إن كان(الفرس)أبيض العجز،فهو آزر.

(99)

القيسيّ: من نصب(آزر)جعله في موضع خفض بدلا من«الأب»كأنّه اسم له.

و قد قرأ يعقوب و غيره بالرّفع على النّداء،كأنّه جعل(آزر)لقبا له،كأنّه قال:يا معوجّ الدّين، أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً ؟ (1:273)

الطّوسيّ: [قال بعد نقل قول الزّجّاج:]

و الّذي قاله الزّجّاج يقوّي ما قاله أصحابنا:إنّ (آزر)كان جدّه لأمّه أو كان عمّه؛لأنّ أباه كان مؤمنا من حيث ثبت عندهم أنّ آباء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى آدم كلّهم

ص: 59

كانوا موحّدين لم يكن فيهم كافر،و حجّتهم في ذلك إجماع الفرقة المحقّة.

و اختلفوا في معنى(آزر)هل هو اسم أو صفة؟ [و قال بعد نقل قول السّدّيّ و مجاهد:]

و قال قوم:هو سبّ و عبث بكلامهم،و معناه معوجّ.

(4:189)

نحوه الطّبرسيّ.(2:322)

الرّاغب: قيل:كان اسم أبيه تارخ،فعرّب فجعل آزر.و قيل:آزر معناه الضّالّ في كلامهم.(17)

البغويّ:القراءة المعروفة بالنّصب،هو اسم أعجمي لا ينصرف؛فينصب في موضع الخفض.

(2:122)

الزّمخشريّ: (آزر)اسم أبي إبراهيم عليه السّلام،و في كتب التّواريخ أنّ اسمه بالسّريانيّة تارح.و الأقرب أن يكون وزن(آزر)فاعل،مثل تارح و عابر و عازر و شالخ و فالغ،و ما أشبهها من أسمائهم،و هو عطف بيان (لأبيه).

و قرئ (آزر) بالضّمّ على النّداء.

و قيل:(آزر)اسم صنم،فيجوز أن ينبز به؛للزومه عبادته،كما نبز ابن قيس ب«الرّقيّات»اللاّئي كان يشبّب بهنّ،فقيل:ابن قيس الرّقيّات،[ثمّ استشهد بشعر]

أو أريد«عابد آزر»،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه.

و قرئ (أأزرا أ تتّخذ اصناما آلهة) بفتح الهمزة و كسرها بعد همزة الاستفهام،و زاي ساكنة و راء منصوبة منوّنة.و هو اسم صنم،و معناه أتعبد آزرا؟على الإنكار.(2:29)

الجواليقيّ: (آزر)اسم أبي إبراهيم،و هو من العجميّ الّذي وافق لفظ العربيّ،نحو الإزارة و الإزرة.

و في التّنزيل: أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ الفتح:29.

(76)

ابن عطيّة: المعنى أ عضدا و قوّة و مظاهرة على اللّه تتّخذ؟و هو من قوله: اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي طه:31.

و معناها أنّها مبدلة من«واو»كوسادة و إسادة، كأنّه قال:أ وزرا أو مأثما تتّخذ أصناما؟و نصبه على هذا بفعل مضمر.(أبو حيّان 4:164)

السّهيليّ: (آزر)قيل:معناه يا أعوج.

و قيل:هو اسم صنم،و انتصب على إضمار الفعل في التّلاوة.

قيل:هو اسم لأبي إبراهيم،كان يسمّى تارح و آزر،و هذا هو الصّحيح؛لمجيئه في الحديث منسوبا إلى آزر.و أمّه نونا،و يقال في اسمها:ليوثي،أو نحو هذا.

(1:12)

آزر كلمة ذمّ في بعض اللّغات،أي يا أعرج.

(الزّبيديّ 3:12)

الفخر الرّازيّ: ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ اسم والد إبراهيم هو آزر،و منهم من قال:اسمه تارح.و من الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن،و قال:هذا النّسب خطأ و ليس بصواب،و للعلماء هاهنا مقامان:

المقام الأوّل:أنّ اسم والد إبراهيم عليه السّلام هو آزر، و أمّا قولهم:أجمع النّسّابون على أنّ اسمه كان تارح،

ص: 60

فنقول:هذا ضعيف؛لأنّ ذلك الإجماع إنّما حصل لأنّ بعضهم يقلّد بعضا،و بالآخرة يرجع ذلك الإجماع إلى قول الواحد و الاثنين،مثل قول وهب و كعب و غيرهما، و ربّما تعلّقوا بما يجدونه من أخبار اليهود و النّصارى، و لا عبرة بذلك في مقابلة صريح القرآن.

المقام الثّاني:سلّمنا أنّ اسمه كان تارح،ثمّ لنا هاهنا وجوه:

الوجه الأوّل:لعلّ والد إبراهيم كان مسمّى بهذين الاسمين،فيحتمل أن يقال:إنّ اسمه الأصليّ كان آزر و جعل تارح لقبا له،فاشتهر هذا اللّقب و خفي الاسم، فاللّه تعالى ذكره بالاسم.و يحتمل أن يكون بالعكس، و هو أنّ تارح كان اسما أصليّا و آزر كان لقبا غالبا، فذكره اللّه تعالى بهذا اللّقب الغالب.

الوجه الثّاني:أن يكون لفظة(آزر)صفة مخصوصة في لغتهم،فقيل:إنّ آزر اسم ذمّ في لغتهم،و هو المخطئ، كأنّه قيل:و إذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ،كأنّه عابه بزيغه و كفره و انحرافه عن الحقّ.و قيل:آزر هو الشّيخ الهرم بالخوارزميّة،و هو أيضا فارسيّة أصليّة.

الوجه الثّالث:أنّ(آزر)كان اسم صنم يعبده والد إبراهيم،و إنّما سمّاه اللّه بهذا الاسم لوجهين:

أحدهما:أنّه جعل نفسه مختصّا بعبادته،و من بالغ في محبّة أحد فقد يجعل اسم المحبوب اسما للمحبّ.قال اللّه تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ الإسراء:

71.

و ثانيهما:أن يكون المراد«عابد آزر»،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه.

الوجه الرّابع:أنّ والد إبراهيم عليه السّلام كان تارح و آزر كان عمّا له،و العمّ قد يطلق عليه اسم الأب،كما حكى اللّه تعالى عن أولاد يعقوب أنّهم قالوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ البقرة:133، و معلوم أنّ إسماعيل كان عمّا ليعقوب،و قد أطلقوا عليه لفظ الأب،فكذا هنا.

و اعلم أنّ هذه التّكلّفات إنّما يجب المصير إليها لو دلّ دليل باهر على أنّ والد إبراهيم ما كان اسمه آزر،و هذا الدّليل لم يوجد البتّة،فأيّ حاجة تحملنا على هذه التّأويلات.و الدّليل القويّ على صحّة أنّ الأمر على ما يدلّ عليه ظاهر هذه الآية أنّ اليهود و النّصارى و المشركين كانوا في غاية الحرص على تكذيب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و إظهار بغضه،فلو كان هذا النّسب كذبا لامتنع في العادة سكوتهم عن تكذيبه،و حيث لم يكذّبوه علمنا أنّ هذا النّسب صحيح.[و فيه مباحث أخرى فلاحظ](13:37)

القرطبيّ: هو[آزر]مشتقّ من:آزر فلان فلانا، إذا عاونه،فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام.

و قيل:في الكلام تقديم و تأخير،التّقدير:أ تتّخذ آزر أصناما؟فعلى هذا(آزر)اسم جنس.

و(آزر)فيه قراءات:(أإزرا)بهمزتين،الأولى مفتوحة و الثّانية مكسورة؛عن ابن عبّاس.و عنه (أأزرا) بهمزتين مفتوحتين.و قرئ بالرّفع،و روي ذلك عن ابن عبّاس.و على القراءتين الأوليين عنه(تتّخذ)بغير همزة.قال المهدويّ:(أإزرا)؟فقيل:إنّه اسم صنم،فهو منصوب على تقدير:أ تتّخذ(إزرا)،و كذلك(أأزرا)،

ص: 61

و يجوز أن يجعل(أإزرا)على أنّه مشتقّ من«الأزر»،و هو الظّهر،فيكون مفعولا من أجله،كأنّه قال:أ للقوّة تتّخذ أصناما؟و يجوز أن يكون«إزر»بمعنى وزر،أبدلت الواو همزة.(7:22)

البيضاويّ: في كتب التّواريخ أنّ اسمه تارخ،فقيل:

هما علمان له كإسرائيل و يعقوب.

و قيل:العلم تارخ،و آزر وصف،معناه الشّيخ أو المعوجّ،و لعلّ منع صرفه لأنّه أعجميّ حمل على موازنه،أو نعت مشتقّ من الأزر أو الوزر.و الأقرب أنّه علم أعجميّ على«فاعل»،كغابر و شالخ.

و قيل:اسم صنم يعبده،فلقّب به للزوم عبادته،أو أطلق عليه بحذف المضاف.

و قيل:المراد به الصّنم،و نصبه بفعل مضمر يفسّره ما بعده،أي أتعبد آزر؟(1:317)

ابن منظور: آزر اسم أعجميّ،و هو اسم أبي إبراهيم.(4: 18)

الخازن: [قال بعد نقل قول الكلبيّ:]

فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم عليه السّلام اسمان:آزر و تأرخ،مثل يعقوب و إسرائيل،اسمان لرجل واحد، فيحتمل أن يكون اسمه الأصليّ آزر،و تارخ لقب له، و بالعكس،و اللّه سمّاه(آزر)و إن كان عند النّسّابين و المؤرّخين اسمه تارخ،ليعرف بذلك.و كان آزر أبو إبراهيم من«كوثى»،و هي قرية من سواد الكوفة.

و قال سليمان التّيميّ:آزر سبّ و عيب،و معناه في كلامهم المعوجّ.

و قيل:الشّيخ الهرم،و هو بالفارسيّة.و هذا على مذهب من يجوّز أنّ في القرآن ألفاظا قليلة فارسيّة.

(2:122)

أبو حيّان: قيل:كان(آزر)من أهل حرّان،و هو تارخ بن ناجور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.(4:164)

ابن كثير: قرأ الجمهور بالفتح،إمّا على أنّه علم أعجميّ لا ينصرف،و هو بدل من قوله:(لابيه)أو عطف بيان،و هو أشبه،و على قول من جعله نعتا لا ينصرف أيضا كأحمر و أسود.

فأمّا من زعم أنّه منصوب لكونه معمولا لقوله:

(أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً) -تقديره:يا أبت أ تتّخذ آزر أصناما آلهة -فإنّه قول بعيد في اللّغة،فإنّ ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله؛لأنّ له صدر الكلام.(3:53)

الفيروزآباديّ: آزر صنم و كلمة ذمّ في بعض اللّغات،و اسم عمّ إبراهيم،و أمّا أبوه فإنّه«تارح»أو هما واحد.(1:377)

السّيوطيّ: (آزر)قال بعضهم:هي بلغتهم يا مخطئ.(2:129)

أبو السّعود: قيل:اسمه بالسّريانيّة تارح،و آزر لقبه المشهور.

و قيل:اسم صنم لقّب هو به؛للزومه عبادته.

و قرئ (آزر) على النّداء و دليل العلميّة؛إذ لا يحذف حرف النّداء إلاّ من الأعلام.(2:112)

الطّريحيّ: قرئ (آزر) على النّداء،و اختلف فيه، فذهب بعض أنّه كان جدّ إبراهيم لأمّه.

و قيل:بل هو اسم أبي إبراهيم عليه السّلام استدلالا بقوله

ص: 62

تعالى: (لِأَبِيهِ آزَرَ) ،و بما روي:«أنّ آزر أبا إبراهيم كان منجّما لنمرود»و هو صريح في أنّ آزر أبو إبراهيم عليه السّلام، و ليس بشيء،لانعقاد الإجماع من الفرقة المحقّة على أنّ أجداد نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله كانوا مسلمين موحّدين إلى آدم عليه السّلام، و قد تواتر عنهم:«نحن من أصلاب المطهّرين و أرحام المطهّرات لم تدنّسهم الجاهليّة بأدناسها».

و قد نقل بعض الأفاضل عن بعض كتب الشّافعيّة كالقاموس و شرح الهمزيّة لابن حجر المكّيّ بأنّ(آزر) كان عمّ إبراهيم عليه السّلام و كان أبوه تارخ.و مثله نقل بعض الأفاضل أنّه لا خلاف بين النّسّابين أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ،و هذا غير مستبعد؛لاشتهار تسمية العمّ بالأب في الزّمن السّابق.(3:204)

الزّبيديّ: (آزر)صنم كان تارح أبو إبراهيم عليه السّلام سادنا له،كذا قاله بعض المفسّرين.

و قيل:معناه يا شيخ،أو هي كلمة زجر و نهي عن الباطل.

و قيل:هو اسم عمّ إبراهيم عليه السّلام و إنّما سمّي العمّ أبا، و جرى عليه القرآن العظيم على عادة العرب في ذلك؛ لأنّهم كثيرا ما يطلقون الأب على العمّ.و أمّا أبوه فإنّه تارخ بالخاء المعجمة،و قيل:بالمهملة على وزن «هاجر»،و هذا باتّفاق النّسّابين،ليس عندهم اختلاف في ذلك.(3:12)

الآلوسيّ: قيل:اسم صنم،و قيل:هو وصف في لغتهم و معناه المخطئ،و عن بعضهم:أنّه الشّيخ الهرم بالخوارزميّة.

و على القول بالوصفيّة يكون منع صرفه للحمل على موازنه،و هو«فاعل»المفتوح العين،فإنّه يغلب منع صرفه؛لكثرته في الأعلام الأعجميّة.و قيل:الأولى أن يقال:إنّه غلب عليه فألحق بالعلم.

و بعضهم يجعله نعتا مشتقّا من«الأزر»بمعنى القوّة، أو«الوزر»بمعنى الإثم.و منع صرفه حينئذ للوصفيّة و وزن الفعل؛لأنّه على وزن«أفعل».

و على القول بأنّه بمعنى الصّنم يكون الكلام على حذف مضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،أي عابد آزر.

و قرأ يعقوب (آزر) بالضّمّ على النّداء.و استدلّ بذلك على العلميّة بناء على أنّه لا يحذف حرف النّداء إلاّ من الأعلام،و حذفه من الصّفات شاذّ،أي يا آزر.

(7:194)

رشيد رضا: أمّا أبو إبراهيم فقد سمّاه اللّه تعالى في الآية الأولى من هذه الآيات(آزر)،و في سفر التّكوين أنّ اسمه«تارح»بفتح التّاء و حاء مهملة،و قالوا:إنّ معناه«متكاسل».

و من الغريب أن نرى أكثر المفسّرين و المؤرّخين و اللّغويّين منّا يقولون:إنّ اسمه«تارخ»بالخاء المعجمة أو المهملة،و أنّ آزر لقبه أو اسم أخيه أو أبيه أو صنمه.

[و قال بعد نقل قول الزّجّاج و الفرّاء:]

و لا نعرف لهذه الأقوال أصلا مرفوعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و لا منقولا عن العرب الأوّلين،و إنّما هو منقول فيما يظهر عمّن دخل في الإسلام من أهل الكتاب،كوهب بن منبّه و كعب الأحبار،اللّذين أدخلا على المسلمين كثيرا من الإسرائيليّات،فتلقّوها بالقبول على علاّتها.(7:535)

ص: 63

الطّباطبائيّ: القراءات السّبع في(آزر)بالفتح، فيكون عطف بيان أو بدلا من(أبيه)،و في بعض القراءات(آزر)بالضّمّ،و ظاهره أنّه منادى مرفوع بالنّداء،و التّقدير:يا آزر أ تتّخذ أصناما آلهة؟و قد عدّ من القراءات(أأزرا تتّخذ)مفتتحا بهمزة الاستفهام، و بعده(أزرا)بالنّصب مصدر أزر يأزر،بمعنى قوّى.

و المعنى:و إذ قال إبراهيم لأبيه أ تتّخذ أصناما للتّقوّي و الاعتضاد؟

و قد اختلف المفسّرون على القراءة الأولى المشهورة و الثّانية الشّاذّة في(آزر)أنّه اسم علم لأبيه أو لقب أريد بمعناه المدح أو الذّمّ بمعنى المعتضد،أو بمعنى الأعرج أو المعوجّ أو غير ذلك.و منشأ ذلك ما ورد في عدّة روايات أنّ اسم أبيه«تارح»بالحاء المهملة أو المعجمة،و يؤيّده ما ضبطه التّاريخ من اسم أبيه،و ما وقع في التّوراة الموجودة أنّه عليه السّلام ابن تارخ.

كما اختلفوا أنّ المراد ب«الأب»هو الوالد أو العمّ أو الجدّ الأمّيّ أو الكبير المطاع.و منشأ ذلك أيضا اختلاف الرّوايات،فمنها ما يتضمّن أنّه كان والده،و أنّ إبراهيم عليه السّلام سيشفع له يوم القيامة،و لكن لا يشفّع بل يمسخه اللّه ضبعا منتنا فيتبرّأ منه إبراهيم عليه السّلام.

و منها ما يدلّ على أنّه لم يكن والده،و أنّ والده كان موحّدا غير مشرك،و ما يدلّ على أنّ آباء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانوا جميعا موحّدين غير مشركين إلى غير ذلك من الرّوايات.و قد اختلفت في سائر ما قصّ من أمر إبراهيم اختلافا عجيبا حتّى اشتمل بعضها على نظائر ما ينسبه إليه العهد العتيق ممّا تنزّهه عنه الخلّة الإلهيّة و الرّسالة.(7:161)

المصطفويّ: إنّ كلمة(آزر)معرّبة من«آزور»، و هو الّذي يشدّ وسطه للخدمة و يتقوّى،و كلمة «الوزير»قريبة منها لفظا و معنى.و كان تارخ وزيرا لنمرود و صاحب أمره،أو معتمدا عنده في النّظر و الرّأي؛ فلقّب بهذا الاسم.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً الأنعام:74، إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ* أَ إِفْكاً آلِهَةً الصّافّات:85،86، وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الزّخرف:26، إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ مريم:42.

فيظهر من هذه الآيات الكريمة أنّ(آزر)كان أبا إبراهيم،و أنّ أباه كان من الضّالّين المخالفين له قطعا، سواء قلنا بأنّ اسمه آزر أو غيره،فإنّ موضوع الحكم في أكثر الآيات هو عنوان الأب.

و قد يقال فرارا عن الإشكال:إنّ المراد من الأب هو العمّ،و كان(آزر)عمّا له لا أبا.

و لكنّ هذا التّأويل لا يجدي إذا نسب الشّرك إلى الآباء المتقدّمين و أجدادهم،مضافا إلى أنّ هذا التّعبير خلاف الحقيقة و ظواهر الآيات،و خلاف ما قال المؤرّخون،بل الرّوايات أيضا.[و هناك بحث طويل في أنّ آباء الأنبياء كانوا مشركين أو لا،فلاحظ.]

(1:64)

هوتسما: (آزر)اسم أبي إبراهيم في القرآن(سورة الأنعام:74).و يظهر أنّ في هذا بعض الخلط؛لأنّ اسم (آزر)لم يرد مطلقا على أنّه أبو إبراهيم في غير هذا

ص: 64

الموضع،كما أنّ تارح أو تارخ قد ورد في روايات بعض المؤرّخين و المفسّرين من المسلمين على أنّه أبو إبراهيم أيضا.(2:39)

الأصول اللّغويّة

1-قالوا في لفظ«آزر»:إنّه عربيّ،و قالوا:فارسيّ، و قالوا:سريانيّ.

فمن قال إنّه عربيّ جعل اشتقاقه من«الأزر»،أي القوّة،أو«الوزر»،أي الإثم.فإن كان من الأزر فوزنه «فعل»،لأنّ أصله على هذا القول«أأزر»بهمزتين مفتوحتين؛الأولى همزة استفهام و الثّانية أصليّة،ثمّ أدغمت الهمزتان لتماثلهما.و إن كان من الوزر فهو على وزن«فعل»و أصله«أوزر»بهمزة واحدة هي همزة الاستفهام،و أبدلت الواو ألفا كما في وشاح و إشاح، و وسادة و إسادة،ثمّ أدغمت الهمزتان أيضا للتّماثل.

و من قال:إنّه فارسيّ بمعنى الرّجل الهمّ،فقوله بعيد عن الصّواب؛لأنّه ليس معروفا في الفارسيّة بالمعنى المذكور،فهم يطلقونه على ناحية تقع بين الأهواز و رامهرمز من بلاد فارس.

2-و هو ليس بعربيّ و لا سريانيّ أيضا،بل عبريّ يوافق لفظ العربيّ،فهو اسم علم أصله«اليعازر»، مركّب من«إلي»أي اللّه في العبريّة (1)،و«عازر» أي إعانة (2).فعند التّعريب فتحوا همزته و سكنوا لامه بجعلهما ألف و لام تعريف،فالتقى ساكنان:اللاّم و الياء، فحذفوا الياء فصار«العازر»كما يرسمه المؤرّخون و أصحاب السير (3)،فجعلوا الألف و اللاّم زائدتين كما هما في الحسن و الحسين؛فيقال:العازر و عازر،مثلما يقال:الياس و ياس.ثمّ أبدلوا من عين عازر همزة، فاجتمعت همزة و ألف فأدغمتا فأصبح«آزر».و هذا الإبدال شائع في اللّغة،فهو على غرار عبد عليه و أبد و أمد،أي غضب؛و موت ذؤاف و ذعاف و زؤاف و زعاف،و هو الّذي يعجّل القتل؛و السّاف و السّعف (4).

3-و لكن من هو اليعازر هذا؟هو مربّي إبراهيم و خادمه و القيّم على بيته،فقد ورد ذكره مرّة واحدة في التّوراة على لسان إبراهيم عليه السّلام:«فقال أبرام:أيّها السّيّد الرّبّ ما ذا تعطيني و أنا ماض عقيما و مالك بيتي هو اليعازر الدّمشقيّ؟» (5).

الاستعمال القرآنيّ

يلاحظ أوّلا:لم يرد ذكر ل(آزر)في العربيّة إلاّ في القرآن.و المفسّرون فيه على فريقين:الفريق الأوّل يرى أنّه اسم أبي إبراهيم،و آزر أحد اسميه،مثل:

إسرائيل و يعقوب.أمّا الفريق الثّاني فيرى أنّه ليس اسما لأبي إبراهيم.و اختلف فيمن يكون هو،فقيل:هو لقب أبي إبراهيم،و قيل:هو عمّ إبراهيم،و قيل:هو جدّ إبراهيم لأمّه،و قيل:هو اسم صنم،و قيل:صفة ذمّ، و معناه المخطئ أو المعوجّ أو الأعرج أو الضّالّ.

ص: 65


1- قاموس عبريّ فارسيّ سليمان حييم 16.
2- المصدر السّابق 389.
3- انظر تاريخ اليعقوبيّ 1:75 و البداية و النّهاية،لابن كثير 1:337.
4- كتاب الإبدال،لابن السّكّيت 76 و 85.
5- التّكوين 15:2.

ثانيا:و القول الأوّل مبنيّ على ظاهر لفظ (لِأَبِيهِ آزَرَ) ،ثمّ على القياس.و وجّه الفريق الثّاني رأيه-و هو خلاف ظاهر اللّفظ-بأنّ آباء النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله كلّهم مؤمنون و ليس فيهم مشرك،و هو رأي الإماميّة دون غيرهم.و قالوا في لفظ«الأب»في قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ :بأنّه لا يقتضي بالضّرورة أن يكون أبا فعليّا له؛لأنّ العرب تطلق لفظ«الأب»على العمّ أيضا.و دليله قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة:133،فعدّ إسماعيل من آباء يعقوب،و هو عمّه.

و ممّا يدعم هذا الرّأي أيضا هو أنّ أحدا من النّسّابين لم يذكر أبا لإبراهيم في عمود النّسب غير«تارخ».

ثالثا:قد أسهب العلاّمة الطّباطبائيّ في الميزان(7:

161)في تأييد هذا الرّأي،فاستقرأ الآيات الّتي وردت بخصوص حياة إبراهيم،و عرض رأيا مفاده:أنّ إبراهيم كان يخاطب شخصا بلفظ الأبوّة اسمه«آزر»و كان يعبد الأصنام،و قد أصرّ عليه أن يترك عبادتها،و لكنّه أبي.

ثمّ أقدم أبوه على طرده و أمره بهجرانه،فهجره إبراهيم و وعده أن يستغفر له،فأنجز وعده بقوله: وَ اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ الشّعراء:86،و لكنّ دعوته لم تستجب؛لقوله تعالى: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ التّوبة:114،و كلّ ذلك وقع في أوائل عهده، و قبل هجرته إلى الأرض المقدّسة،و قبل دعائه بقوله:

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ الشّعراء:

83.

ثمّ ذكر تعالى هجرته: وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ* رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ الصّافّات:99، 100،و قال: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا مريم:49.

ثمّ ذكر آخر دعائه بمكّة بعد ما وهب له الأولاد و بنى البيت و أسكن إسماعيل مكّة: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً... اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ... رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ إبراهيم:35،39،41؛ حيث دعا من صميم قلبه لأبيه و أمّه اللّذين عبّر عنهما بقوله(لوالدىّ)،و الوالد لا يطلق إلاّ على الأب الصّلبيّ، و هذا غير أبيه الّذي كان من الضّالّين،و الّذي تبرّأ منه و خصّه بالاستغفار في الدّنيا فقط دون الآخرة عن موعدة وعدها إيّاه.

فآزر إذن ليس أباه الصّلبيّ بل أطلق عليه لفظ الأب ببعض الأوصاف و العناوين،فضلا عن أنّ اللّغة تسوّغ إطلاق«الأب»على الجدّ و العمّ و زوج الأمّ،و على كلّ من يتولّى أمر شخص و كلّ كبير مطاع.

رابعا:تعقيبا على ما أفاده-رحمه اللّه-نضيف أنّه ليس من دأب القرآن ذكر اسم إلاّ لنكتة،و لعلّ التّصريح باسم(آزر)هنا للإشارة إلى أنّه ليس أباه الحقيقيّ الّذي اتّفقوا على كونه«تارح»أو«تارخ»و لعلّ تخصيص سورة الأنعام بذكر اسم(آزر)دون سائر السّور هي كون الأنعام متقدّمة عليها في السّياق القرآنيّ،بل إنّها متقدّمة

ص: 66

عليها في النّزول على بعض الأقوال.لاحظ«إبراهيم».

خامسا:علّق المصطفويّ على الرّأي القائل بأنّ (آزر)لم يكن أبا إبراهيم بأنّه خلاف ظاهر القرآن،و أنّ حمله على العمّ لا يرفع الإشكال؛لأنّ القرآن يصرّح بأنّ آباء آزر كانوا مشركين،و هذا يسري الى أجداد إبراهيم: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ* قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ* قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الأنبياء:52-54، و نظيره الشّعراء:75،76.و إنّ القدر المسلّم من الرّوايات طهارة آباء الأنبياء-من آدم و من دونه-عن السّفاح و الزّنى و رجس الشّرك،و نزاهتهم عن الأمراض الخلقيّة و الخلقيّة الّتي يتوارثها الأبناء عن الآباء.و هذا لا ينافي صدور المعاصي منهم،كيف و آباء النّبيّ كانوا من سدنة الكعبة و خدّامها،و كانت بيت الأصنام.و يؤيّده توصيفهم-عليهم السّلام في الزّيارات-بأنّهم كانوا في الأصلاب الطّاهرة و الأرحام المطهّرة...و لعلّ منشأ هذا القول هو رأي الصّدوق:«اعتقادنا فيهم أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد اللّه...»الى أن قال المصطفويّ:«إنّ القول بإسلام آباء النّبيّ كلّهم لم يثبت، و لا محذور فيه عقلا و شرعا...».

و نقول:ذكر أنّ الآيات صريحة في أنّ آباء إبراهيم كانوا مشركين يعبدون الأصنام،ينافي ما اعترف به من ظاهر الرّوايات القائلة بنزاهتهم عن الشّرك.نعم، الإشكال باق بحاله على القول بكون(آزر)عمّ إبراهيم، و لكن لو التزمنا بظاهر الرّوايات فلا بدّ أن نلتزم بأنّه ليس عمّه أيضا،و أنّ أجداده-في عمود النّسب إلى آدم -كلّهم كانوا موحّدين.

ص: 67

ص: 68

أ ب ب

اشارة

أبّا

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا. عبس:31

الإمام عليّ عليه السّلام: الأبّ:هو الكلأ و المرعى.

(البحراني 4:429)

مثله ابن عبّاس(الطّبريّ 30:60)،و سعيد بن جبير(الدّرّ المنثور 6:317)،و الطّباطبائيّ(20:21)، و الحجازيّ(30:50).

ابن عبّاس: ما أنبتت الأرض،ممّا لا يأكل النّاس.

(الطّبريّ 30:60)

الثّمار الرّطبة.(الطّبريّ 30:61)

التّبن خاصّة.(القرطبيّ 19:223)

ما تنبت الأرض ممّا يأكل النّاس و الأنعام.

(القرطبيّ 19:223)

مثله الضّحّاك.(أبو حيّان 8:429)

ما تعتلف منه الدّوابّ.(السّيوطيّ 2:100)

مجاهد: ما يأكل الأنعام.(2:731)

مثله الحسن(مجاهد 2:731)،و الفرّاء(3:238)، و سيّد قطب(6:3833).

المرعى.(الطّبريّ 30:60)

مثله الضّحّاك،و ابن زيد(الطّبريّ 30:60)،و ابن قتيبة(515)،و ابن اليزيديّ(الهرويّ 1:7)،و أبو زيد (ابن فارس 1:6)،و القشيريّ(6:258)،و الميبديّ (10:379)،و الجوهريّ(1:86)،و الدّينوريّ(ابن منظور 1:204).

عكرمة: ما تأكل الدّوابّ.(الدّرّ المنثور 6:317)

مثله الحسن و قتادة.(الطّبريّ 30:60)

الضّحّاك: كلّ شيء ينبت على وجه الأرض.

(القرطبيّ 19:222)

ص: 69

مثله عطاء.(ابن كثير 7:216)

الحسن: العشب.(الطّبريّ 30:60)

مثله السّدّيّ.(الدّرّ المنثور 6:317)

قتادة: الأبّ:لأنعامكم نعم من اللّه متظاهرة.

(الطّبريّ 30:60)

الكلبيّ:كلّ نبات سوى الفاكهة.

(القرطبيّ 19:223)

الخليل: أبّ هذا الشّيء،إذا تهيّأ و استقامت طريقته إبابة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:7)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الأبّ:النّزاع إلى الوطن.

(الجوهريّ 1:86)

أبو عبيدة: أببت أؤبّ أبّا،إذا عزمت على المسير و تهيّأت.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:599)

أبو زيد: أبّ يؤبّ أبّا و أبابا و أبابة:تهيّأ للذّهاب و تجهّز؛يقال:هو في أبابه،إذا كان في جهازه.

(الجوهريّ 1:86)

ابن الأعرابيّ: يقال للظّباء:«إن أصابت الماء فلا عباب،و إن لم تصب الماء فلا أباب»،أي لم تأتبّ له و لم تتهيّأ لطلبه.

أبّ،إذا حرّك،و أبّ،إذا هزم بحملة لا مكذوبة فيها.(الأزهريّ 15:599)

الأباب:الماء و السّراب.

استئبّ أبّا:اتّخذه.(ابن سيده 10:554)

شمر: الأبّ:مرعى للسّوائم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الهرويّ 1:7)

الدّينوريّ: المرعى كلّه أبّا.(ابن سيده 10:554)

2Lثعلب: ما أخرجت الأرض.

(مجالس ثعلب 1:299)

الطّبريّ: ما تأكله البهائم من العشب و النّبات.

(30:59)

مثله القاسميّ.(17:6065)

الزّجّاج: الأبّ:جميع الكلأ الّذي تعتلفه الماشية.

(الأزهريّ 15:599)

ابن دريد: المرعى.

و أبّ أبّا للشّيء،إذا تهيّأ له أو همّ به.

و الأبّ:النّزاع إلى الوطن.

و أبّ الرّجل إلى سيفه،إذا ردّ يده إليه ليستلّه.

(1:13،14)

القمّيّ: الحشيش للبهائم.(2:406)

السّجستانيّ: هو ما رعته الأنعام،و يقال:الأبّ للبهائم كالفاكهة للنّاس.(28)

ابن فارس: اعلم أنّ للهمزة و الباء في المضاعف أصلين:أحدهما:المرعى.و الآخر:القصد و التّهيّؤ.فأمّا الأوّل فقول اللّه: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا، عبس:31، و الثّاني:التّهيّؤ للمسير.

و ذكر ناس أنّ الظّباء لا ترد و لا يعرف لها ورد؛ قالوا:و لذلك قالت العرب في الظّباء:«إن وجدت فلا عباب،و إن عدمت فلا أباب»،معناه إن وجدت ماء لم تعبّ فيه،و إن لم تجده لم تأبب لطلبه.

و الأبّ:القصد؛يقال:أببت أبّه،و أممت أمّه و حممت حمّه و حردت حرده و صمدت صمده.[ثمّ استشهد بشعر](1:6،7)

ص: 70

الهرويّ:الأبّ للبهائم كالفاكهة للنّاس.(1:7)

ابن سيده: الأبّ:الكلأ،و عبّر بعضهم عنه بأنّه المرعى.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبّ للسّير يئبّ و يؤبّ أبّا و أبيبا و إبابة:تهيّأ.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك ائتبّ،و هو في إبابه و إبابته و أبابته،أي جهازه.

و أبّ إلى وطنه أبّا و أبابة و إبابة:نزع،و المعروف عند ابن دريد الكسر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبّ يده إلى سيفه:ردّها إليه ليسلّه.

و أبّت أبابة الشّيء و إبابته:استقامت طريقته.و قالوا:إذا لم تصب الظّباء الماء فلا أباب،أي لا تهيّأ لطلبه،و قد تقدّم.

و أباب الماء:عبابه.و استئبّ أبّا:اتّخذه،نادر،عن ابن الأعرابيّ.و إنّما قياسه:استأبّ.(10:554)

الطّوسيّ: المرعى من الحشيش،و سائر النّبات الّذي ترعاه الأنعام و الدّوابّ.

و يقال:أبّ إلى سيفه فاستلّه،كقولك:هبّ إليه و بدر إليه،فيكون كبدور المرعى بالخروج.[ثمّ استشهد بشعر](10:276)

مثله الطّبرسيّ.(5:439)

شيذلة:هو الحشيش بلغة أهل الغرب.

(السّيوطيّ 2:129)

الرّاغب: المرعى المتهيّئ للرّعي و الجزّ،من قولهم:أبّ لكذا،أي تهيّأ،أبّا و إبابة و إبابا.

و أبّ إلى وطنه،إذا نزع إلى وطنه نزوعا،تهيّأ لقصده،و كذا أبّ لسيفه،إذا تهيّأ لسلّه.

و إبّان ذلك فعلان منه،و هو الزّمان المهيّأ لفعله و مجيئه.(8)

البغويّ:يعني الكلأ و المرعى الّذي لم يزرعه النّاس،ممّا يأكله الأنعام و الدّوابّ.(7:175)

مثله الميبديّ(10:386)،و الطّبرسيّ(5:440)، و الخازن(7:176)،و الفيّوميّ(1:1).

الزّمخشريّ: المرعى؛لأنّه يؤبّ،أي يؤمّ و ينتجع.

و الأبّ و الأمّ أخوان.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:220)

اطلب الأمر في إبّانه،و خذه بربّانه،أي أوّله.

و أبّ للمسير،إذا تهيّأ له و تجهّز.

و تقول:«فلان راع له الحبّ و طاع له الأبّ»،أي زكا زرعه و اتّسع مرعاه.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:1)

الفخر الرّازيّ: قيل:الأبّ:الفاكهة اليابسة؛ لأنّها تؤبّ للشّتاء،أي تعدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(31:63)

ابن الأثير: في حديث أنس:«إنّ عمر بن الخطّاب قرأ قول اللّه: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا، و قال:فما الأبّ؟ثمّ قال:ما كلّفنا،أو ما أمرنا بهذا».

الأبّ:المرعى المتهيّئ للرّعي و القطع.

و قيل:الأبّ من المرعى للدّوابّ كالفاكهة للإنسان، و منه حديث قسّ بن ساعدة:«فجعل يرتع أبّا،و أصيد ضبّا».(1:13)

ص: 71

الصّغانيّ:أبّ أبّه،أي قصد قصده.

(الزّبيديّ 1:143)

الرّازيّ: عن أبي بكر أنّه سئل عن الأبّ،فقال:

أيّ سماء تظلّني و أيّ أرض تقلّني،إذا قلت في كتاب اللّه بما لا علم لي به.و أكثر المفسّرين قالوا:الأبّ:كلّ ما ترعاه البهائم.(366)

القرطبيّ: هو ما تأكله البهائم من العشب.

و قيل:سمّي أبّا لأنّه يؤبّ،أي يؤمّ و ينتجع.

و الأبّ و الأمّ أخوان.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الفاكهة:رطب الثّمار،و الأبّ:يابسها.

(19:220)

مثله البيضاويّ(2:541)،و النّيسابوريّ (30:30).

النّسفيّ: (أبّا)مرعى لدوابّكم.(4:334)

أبو حيّان: الأبّ:المرعى؛لأنّه يؤبّ،أي يؤمّ و ينتجع.و الأبّ و الأمّ أخوان.

و قيل:ما يأكله الآدميّون من النّبات يسمّى الحصيد،و ما أكله غيرهم يسمّى الأبّ.(8:425)

نحوه خليل ياسين(2:300)،و المراغيّ (30:46).

الزّركشيّ: اختلف المفسّرون في معنى«الأبّ» على سبعة أقوال:

فقيل:ما ترعاه البهائم،و أمّا ما يأكله الآدميّ فالحصيد.

و الثّاني:التّبن خاصّة.

و الثّالث:كلّ ما نبت على وجه الأرض.

و الرّابع:ما سوى الفاكهة.

و الخامس:الثّمار الرّطبة،و فيه بعد؛لأنّ الفاكهة تدخل في الثّمار الرّطبة.و لا يقال:أفردت للتّفضيل؛إذ لو أريد ذلك لتأخّر ذكرها نحو: فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّانٌ الرّحمن:68.

و السّادس:أنّ رطب الثّمار هو الفاكهة،و يابسها هو الأبّ.

و السّابع:أنّه للأنعام كالفاكهة للنّاس.(1:296)

الفيروزآباديّ:الكلأ أو المرعى،أو ما أنبتت الأرض و الخضر.

و أبّ للسّير يئبّ و يؤبّ أبّا و أبيبا و أبابا و أبابة:

تهيّأ،كائتبّ،و إلى وطنه أبّا و إبابة و أبابة:اشتاق.و يده إلى سيفه:ردّها ليسلّه.و هو في أبابه:في جهازه.

و أبّ أبّه:قصد قصده.

و أبّت أبابته و يكسر:استقامت طريقته.

و الأباب:الماء و السّراب،و بالضّمّ:معظم السّيل، و الموج.

و أبّ:هزم بحملة لا مكذوبة فيها.و الشّيء:

حرّكه.

و أبّب:صاح.

و تأبّب به:تعجّب و تبجّح.(1:37)

البروسويّ: (أبّا)أي مرعى،من أبّه،إذا أمّه، أي قصده؛لأنّه يؤمّ و يقصد جزّه للدّوابّ.

أو من أبّ لكذا،إذا تهيّأ له؛لأنّه متهيّئ للرّعي.

و أبّ إلى وطنه،إذا نزع إليه نزوعا،تهيّأ لقصده.

و كذا أبّ لسيفه،إذا تهيّأ لسلّه.

ص: 72

و إبّان ذلك فعلان منه،و هو الزّمان المتهيّئ لفعله و مجيئه.

أو الأبّ:الفاكهة اليابسة تؤبّ للشّتاء،أي تعدّ و تهيّأ،و هو الملائم لما قبله(10:339)

شبّر: (أبّا)مرعى؛لأنّه يؤبّ،أي يؤمّ.أو الفاكهة اليابسة تؤبّ،أي تعدّ للشّتاء.(549)

الآلوسيّ: من أبّه،إذا أمّه و قصده؛لأنّه يؤمّ و يقصد،أو من أبّ لكذا،إذا تهيّأ له؛لأنّه متهيّئ للرّعي.و يطلق على نفس مكان الكلأ.

و ذكر بعضهم أنّ ما يأكله الآدميّون من النّبات يسمّى الحصيدة و الحصيد،و ما يأكله غيرهم يسمّى الأبّ.

و قيل:هو يابس الفاكهة؛لأنّها تؤبّ و تهيّأ للشّتاء للتّفكّه بها.[ثمّ استشهد بشعر](30:47)

رشيد رضا: قيل:إنّ كلمة«الأبّ»غير عربيّة، فلذلك لم يعرفها عمر،و لا أبو بكر،كما روي بسندين منقطعين.

و الأولى أن يقال:إنّها غير قرشيّة أو غير حجازيّة، و لذلك عرفها ابن عبّاس؛لسعة اطّلاعه على لغة العرب، و كثير من الصّحابة.(7:146)

طنطاوي: الأبّ:الحشيش و البطاطس.

(25:52)

مجمع اللّغة: العشب ترعاه الأنعام،أو هو كلّ ما ينبت على وجه الأرض.(1:1)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أبّ للشّيء:تهيّأ له.

و الأبّ:الكلأ و المرعى و كلّ ما ينمو بدون تدخّل الإنسان،و يرعاه الحيوان.(1:25)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة في القرآن،و لا يبدو تفسيرها بما يعتلف منه الدّوابّ بعيدا.[و بعد نقله كلام أبي حيّان و ابن الأثير و الزّمخشريّ قال:]

و مع ندرة استعمال الكلمة،جاءت المعاجم بعدد من مشتقّاتها و صيغها و معانيها،فذكرت في الأبّ:الكلأ أو المرعى،و الخضر أو ما أنبتت الأرض.

و أبّ للسّير يئبّ و يؤبّ أبّا و إبابا و أبيبا و أبابة:

تهيّأ،و إلى وطنه:اشتاق.

و أبّ أبّه:قصد قصده.

و الأباب:الماء و السّراب،و بالضّمّ:معظم السّيل و الموج.

و هي دلالات تبدو متباعدة،و إن أمكن ردّها إلى الكلأ،و المرعى قريب منه.

و انتقل مجازا إلى الماء ينبته،و إلى السّراب على التّخييل.

و من حيث ينتجع الكلأ،جاءت دلالة القصد و التّهيّؤ،و من حيث يلتمس و يطلب جاء استعماله في الحنين إلى الوطن.

و سياق الكلمة في الآية قريب من معنى الكلأ و المرعى.(الإعجاز البيانيّ:470)

المصطفويّ:الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّهيّؤ،فالأبّ مصدرا بهذا المعنى،و صفة كصعب بمعنى المتهيّئ،و إطلاقه على المرعى بمناسبة كونه متهيّئا للرّعي.

فالكلأ و العشب و ما ينبت من الأرض طبعا و من

ص: 73

دون زرع،متهيّئ لرعي الأنعام،كالفاكهة لتنعّم الإنسان.

فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا عبس:27- 31.

فالفاكهة ما يتفكّه به الإنسان و يتمتّع به رطبا أو يابسا،و غلب استعماله في أثمار النّباتات الّتي يتمتّع بأكلها الإنسان.كما أنّ«الأبّ»غلب استعماله في الكلأ و العشب المتهيّئ لتنعّم الأنعام.

فأنبت اللّه تعالى غذاء الأنعام من الأرض من دون حاجة إلى الزّراعة و العمل،و هذا بخلاف الإنسان الشّاعر المكلّف على العمل و تحصيل المعيشة مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ عبس:32.

فغذاء الأنعام هو الأبّ الّذي تهيّأ طبعا و من دون عمل لها.(1:5)

الأصول اللّغويّة

1-افترق اللّغويّون في اشتقاق مادّة«أب ب»إلى فريقين:

الفريق الأوّل-و هم القدامى و على رأسهم ابن فارس-اشتقّ منها أصلين؛أحدهما:التّهيّؤ.و منه العزم و الاستقامة و النّزاع إلى الوطن،و الحركة،و استلال السّيف،و القصد،و الهزيمة،و الصّياح،و التّعجّب و التّبجّح،و منه الماء و السّراب،و معظم السّيل و الموج.

و الأصل الثّاني:اسم لنبات.

أمّا الفريق الثّاني-و على رأسهم الرّاغب الأصفهانيّ-فقد اشتقّ منها أصلا واحدا،و هو التّهيّؤ و البدور.و عرّف«الأبّ»بأنّه المرعى المتهيّئ للرّعي، أو الفاكهة اليابسة،لأنّها تؤبّ للشّتاء؛حيث لفّق هذا الفريق معنى الأبّ بين الأصلين.و الشّيخ الطّوسيّ قد سبق الرّاغب في الإشارة إلى هذا المعنى بقوله:كبدور المرعى بالخروج.

2-و في معنى الأبّ كانت أقوال العلماء في التّعميم على اتّفاق،و في التّخصيص على غير وفاق؛فقد تواترت أقوالهم على أنّه نبات،و تضاربت في تسميته.

فقيل:هو الكلأ،و قيل:المرعى،و قيل:التّبن خاصّة، و قيل:الحشيش و البطاطس،و قيل:الثّمار الرّطبة، و قيل:الفاكهة اليابسة.و القول الثّاني-أي المرعى- أقربها؛لأنّه يصدق على أغلبها،و الرّابع-أي الحشيش و البطاطس-أبعدها؛لأنّه قول شاذّ.

3-و عزا بعضهم جهل بعض الصّحابة بالأبّ إلى القول بأنّه لفظ غير عربيّ أو غير قرشيّ.و هذا الرّأي مردود لمعرفة عليّ عليه السّلام و ابن عبّاس به،فضلا عن كثرة مشتقّات هذه المادّة في اللّغة.

و ادّعى فرد أنّه لم يسمع بالأبّ إلاّ في القرآن، و يردّه وروده في الشّعر الجاهليّ،كما أشرنا إليه في النّصوص.

4-و قد أدرج الدّامغانيّ و الفيروزآباديّ الأبّ تحت لفظ«الأب»بمعنى الوالد،و جعلاه وجها من وجوهه، و عدّاه مطابقا للفظ«الأبّ»المشدّد،و هي إحدى لغات الأب المخفّف دون الاعتناء بالمعنى.و هذا وهم؛لأنّ أصل«الأبّ»بمعنى الوالد:أبو،و شدّدت الباء فيه-كما

ص: 74

قرّر النّحاة-للتّعويض من الواو المحذوفة.و هو مثل قنّ بمعنى العبد،و أصله:قني،فحذفت الياء و عوّض عنه التّشديد.بيد أنّ تشديد«باء»الأبّ لهذه المادّة هو أصيل و ليس ببديل.و قال ابن دريد:و أمّا الأب:الوالد، فناقص و ليس من هذا.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

1-ورد هذا اللّفظ مرّة واحدة في القرآن.و هذا ممّا يبعث على التّساؤل عن فحوى ورود بعض الألفاظ مرّة أو مرّتين في القرآن.

و أغلب الظّنّ أنّ مثل هذه الألفاظ لم تكن شائعة الاستعمال في كلام العرب،و ما كانوا يستعملونها إلاّ في حالات نادرة عند اقتضاء الضّرورة؛فمثلا نرى أنّ جلّ سياق الآيات الّتي تقدّمت هذا اللّفظ تنتهي ألفاظها بحرفي«با»على النّحو التّالي: أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا عبس:25-31،فاستعمل لفظ«الأبّ»هنا رعاية لرويّ الآيات،و عند ما انتفت هذه الضّرورة فيما يشابهها من الآيات جاءت على نمط آخر.

2-و احتمل النّوبختيّ في تفسير له بالفارسيّة أنّ (و أبّا)تقرأ(و أبا)أي كلمة واحدة من مادّة«و أب»بمعنى الضّخم و الواسع.و استدلّ بأنّ فاكِهَةً وَ أَبًّا على نسق وَ حَدائِقَ غُلْباً مركّب من موصوف و صفة،كما أنّ الآية وَ عِنَباً وَ قَضْباً على نسق وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً مركّب من معطوف و معطوف عليه.و هذا الاحتمال بعيد؛لأنّ أحدا من القرّاء لم يقرأ بهذه القراءة، و القراءات توقيفيّة لا مجال للاجتهاد فيها.كما أنّه لا يتّفق و سياق ما بعده لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ الّذي يعني أنّ ما ذكر من النّعم هي للإنسان و الأنعام،و هو نظير قوله: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها* وَ الْجِبالَ أَرْساها* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ النّازعات:31-33،و قوله:

فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ السّجدة:27.

3-و ما ذكر يدعم ما قيل:إنّ«الأبّ»هو المرعى دون الفاكهة اليابسة و نحوها،ممّا يكون غذاء للإنسان فقط.

4-و لعلّ قائلا يقول:إنّ قوله تعالى في صدر الآيات: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ عبس:24، يقتضي كون جميع ما ذكر غذاء للإنسان.فيقال له:إنّ الجمع بين ما ذكر في صدر الآيات و ذيلها يفيد أنّ بعضه طعام للإنسان بصورة مباشرة،و بعضه الآخر قوت للأنعام الّتي هي الأخرى طعام الإنسان بصورة مباشرة أيضا.

ص: 75

ص: 76

أ ب د

اشارة

أبد

لفظ واحد،28 مرّة:5 مكّيّة،23 مدنيّة

في 15 سورة:2 مكّيّتين،13 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أتان أبد:في كلّ عام تلد.و قيل:الإبد:

الوحشيّة،و يقال:أبل أبد.

و ليس في كلام العرب«فعل»إلاّ أن يتكلّف متكلّف فيبني كلمة محدثة على«فعل»فيتكلّم بها،فأمّا ما جاء عن العرب فهو الّذي جمعناه.

و يقال:إبل و خطب و نكح.

و آباد الدّهر:طوال الدّهر،و الأبيد:مثل الآباد.

و الآبدة:الغريبة من الكلام،و الجميع:أوابد، و الأوابد:الوحش.

و تأبّد فلان:طالت غربته،و تأبّدت الدّار:خلت من أهلها.(8:85)

ابن شميّل:الأبد:الأتان تلد كلّ عام.

(الأزهريّ 14:208)

الفرّاء: يقال:عبد عليه و أبد و أمد و وبد و ومد،إذا غضب عليه أبدا و وبدا و ومدا و عبدا.

(الأزهريّ 14:208)

أبو زيد:أبدت بالمكان آبد به أبودا،إذا أقمت به و لم تبرحه.(الأزهريّ 14:207)

الأصمعيّ: الأوابد:الّتي قد توحّشت و نفرت من الإنس؛يقال:قد أبدت تأبد و تأبد أبودا و تأبّدت تأبّدا.

(الأزهريّ 14:207)

اللّحيانيّ: لا أفعل ذلك أبد الآبدين و أبد الأبديّة، أي أبد الدّهر.

ص: 77

و يقال:وقف فلان أرضه وقفا مؤبّدا،إذا جعلها حبيسا لا تباع و لا تورث.(الأزهريّ 14:208)

ابن الأعرابيّ: يقال:لا أفعله أبد الأبيد و أبد الآباد،و لا آتيه أبد الدّهر و يد المسند،أي لا آتيه طول الدّهر.(الأزهريّ 14:208)

الإبد:ذات النّتاج من المال،كالأمة و الفرس و الأتان،لأنّهنّ يضنأن في كلّ عام،أي يلدن.

و يقال:تأبّد وجهه:كلف.(ابن فارس 1:34)

ابن السّكّيت: يقال:عبد عليه و أبد و أمد،أي غضب.(الإبدال:76)

مثله القاليّ.(2:56)

ابن دريد: الأبد:الدّهر،و تجمع:آبادا و أبودا، و قالوا:لا أفعل ذلك أبد الأبيد.

و تأبّد المنزل،إذا أقفر و أتى عليه الأبد.

و الأوابد:الوحش،سمّيت بذلك لطول أعمارها، و بقائها على الأبد.

و قولهم:تأبّد المنزل،أي رعته الأوابد.

و أبيدة:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء فلان بآبدة،أي بداهية تبقى على الأبد.

و مأبد:موضع.

و يقال:أبد أبيد،كما قالوا:دهر دهير و داهر.

(3:201)

القاليّ:يقولون:هو لك أبدا سمدا سرمدا،و معناها كلّها واحد.(2:222)

الرّمّانيّ:إذا قلت:لا أكلّمه أبدا،فالأبد من لدن تكلّمت إلى آخر عمرك،و جمعه:آباد،مثل سبب و أسباب.(الفيّوميّ 1:1)

الأزهريّ: أمّا إبل و إبد فمسموعان،و أمّا نكح و خطب فما حفظتهما عن ثقة،و لكن يقال:نكح و خطب.

و يقال للطّير المقيمة بأرض شتاءها و صيفها:أوابد.

(14:208)

الجوهريّ: الأبد:الدّهر،و الجمع:آباد و أبود.

يقال:أبد أبيد،كما يقال:دهر داهر،و لا أفعله أبد الأبيد،و أبد الآبدين،كما يقال:دهر الدّاهرين،و عوض العائضين.

و الأبد أيضا:الدّائم.و التّأبيد:التّخليد.

و أبد بالمكان يأبد بالكسر أبودا،أي أقام به.

و أبدت البهيمة تأبد و تأبد،أي توحّشت، و الأوابد:الوحوش،و التأبيد:التّوحّش.

و تأبّد المنزل،أي أقفر،و ألفته الوحوش.

و جاء فلان بآبدة،أي بداهية يبقى ذكرها على الأبد.و يقال للشّوارد من القوافي:أوابد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبد الرّجل،بالكسر:غضب.و أبد أيضا:

توحّش،فهو أبد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإبد على وزن«الإبل»:الولود من أمة أو أتان.

[ثمّ استشهد بشعر](2:439)

أبو هلال:الفرق بين الدّهر و الأبد:أنّ الدّهر أوقات متوالية مختلفة غير متناهية،و هو في المستقبل خلاف«قطّ»في الماضي،و قوله عزّ و جلّ: خالِدِينَ فِيها أَبَداً النّساء:169،حقيقة.و قولك:أفعل هذا

ص: 78

أبدا،مجاز،و المراد المبالغة في إيصال هذا الفعل.

(226)

الهرويّ: في الحديث:«إنّ لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش»،الأوابد:الّتي قد تأبّدت،أي توحّشت و نفرت من الإنس.و قد أبدت تأبد و تأبد.

و تأبّدت الدّيار،أي توحّشت و خلت من قطّانها، و منه قولهم:جاء بآبدة،أي بكلمة أو خصلة ينفر منها و يستوحش.(1:8)

ابن سيده: الأبد:الدّهر؛و الجمع:آباد،و أبود.

و أبد أبيد،كقولهم:دهر دهير.

و لا أفعل ذلك أبد الأبيد،و أبد الآباد،و أبد الدّهر،و أبيد الأبيد،و أبد الأبديّة،و أبد الآبدين،ليست على النّسب، لأنّه لو كان كذلك لكانوا خلقاء أن يقولوا:الأبديّين،و لم نسمعه.و عندي أنّه جمع الأبد بالواو و النّون،على التّشنيع و التّعظيم،كما قالوا:أرضون.

و قالوا في المثل:«طال الأبد على لبد»يضرب ذلك لكلّ ما قدم.

و أبد بالمكان يأبد أبودا:أقام.و أبدت الوحش تأبد و تأبد أبودا،و تأبّدت:توحّشت.

و الأوابد،و الأبّد:الوحش؛الذّكر آبد،و الأنثى آبدة.و قيل:سمّيت بذلك لبقائها على الأبد قال الأصمعيّ:لم يمت وحشيّ حتف أنفه قطّ إنّما موته عن آفة،و كذلك الحيّة فيما زعموا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبود:كالآبد.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأبّدت الدّار:خلت من أهلها و صار فيها الوحش ترعاه.

و أتان آبد:وحشيّة.

و الآبدة:الدّاهية تبقى على الأبد.

و الآبدة:الكلمة أو الفعلة الغريبة.

و الإبد:الجوارح من المال،و هي الأمة و الفرس الأنثى و الأتان.

و قالوا:«لن يبلغ الجدّ النّكد،إلاّ الإبد»،يقول:لن يصل إليه فيذهب بنكده إلاّ المال الّذي يكون منه المال.و أبد عليه أبدا:غضب،كعبد.

و أبيدة:موضع.[ثمّ استشهد بشعر](9:385)

الآبد:واحد الأوابد و الأبّد،و هي الوحوش،لأنّها لم تمت حتف أنفها.

أبد الشّيء يأبد أبودا و تأبّد:نفر و توحّش،فهو آبد على«فاعل».

و فرس قيد الأوابد،أي يدرك الوحش و لا يكاد يفوته،لأنّه يمنعها المضيّ و الخلاص من الطّالب كما يمنعها القيد.

و قيل للألفاظ الّتي يدقّ معناها:أوابد؛لبعد وضوحها.(الإفصاح 2:814)

الطّوسيّ: الأبد:الزّمان المستقبل من غير آخر، كما أنّ«قطّ»للماضي،تقول:ما رأيته قطّ،و لا أراه أبدا و جمع الأبد:آباد و أبود.تقول:لا أفعل ذلك أبدا.

و تأبّد المنزل،إذا أقفر و أتى عليه الأبد.و الأوابد:

الوحش،سمّيت بذلك لطول أعمارها،و بقائها.

و قيل:لم يمت وحشيّ حتف أنفه و إنّما يموت بآفة.

و جاء فلان بآبدة،أي بداهية.و أتان أبد:تسكن القفر متأبّدة.

ص: 79

و الأبد:قطعة من الدّهر متتابعة في اللّغة.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الدّليل على أنّ«الأبد»قطعة من الدّهر أنّه ورد مجموعا في كلامهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تأبّد الرّبيع،إذا مرّ عليه قطعة من الدّهر، و ليس يعنون أنّه مرّ عليه أبد لا غاية له.[ثمّ استشهد بشعر](5:226)

نحوه الطّبرسيّ.(3:64)

الأبد:الزّمان المستقبل من غير انتهائه إلى حدّ، و نظيره للماضي«قطّ»إلاّ أنّه مبنيّ كما بني«أمس» لتضمّنه حروف التّعريف،و أعرب«الأبد»كما أعرب «غد»لأنّ المستقبل أحقّ بالتّنكير.(5:314)

الرّاغب: الأبد عبارة عن مدّة الزّمان الممتدّ الّذي لا يتجزّأ كما يتجزّأ الزّمان،و ذلك أنّه يقال:زمان كذا، و لا يقال:أبد كذا.

و كان حقّه أن لا يثنّى و لا يجمع؛إذ لا يتصوّر حصول«أبد»آخر يضمّ إليه فيثنّى به،لكن قيل:آباد، و ذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله كتخصيص اسم الجنس في بعضه،ثمّ يثنّى و يجمع.على أنّه ذكر بعض النّاس أنّ«آبادا»مولّد و ليس من كلام العرب العرباء.

و قيل:أبد أبد و أبيد،أي دائم،و ذلك على التّأكيد.

و تأبّد الشّيء:بقي أبدا،و يعبّر به عمّا يبقى مدّة طويلة.

و الآبدة:البقرة الوحشيّة،و الأوابد:الوحشيّات، و تأبّد البعير:توحّش فصار كالأوابد،و تأبّد وجه فلان:توحّش،و أبد كذلك،و قد فسّر بغضب.(8)

الحريريّ: من أوهام الخواصّ قولهم:«لا أكلّمه قطّ»و هو من أفحش الخطأ؛لتعارض معانيه و تناقض الكلام فيه،و ذاك أنّ العرب تستعمل لفظة«قطّ»فيما مضى من الزّمان كما تستعمل لفظة«أبدا»فيما يستقبل، فيقولون:ما كلّمته قطّ،و لا أكلّمه أبدا.(13)

الميبديّ: الأبد:الدّهر المستقبل من غير آخر، و جمع الأبد:آباد و أبيد،يقال:لا أفعل أبد الأبيد و أبد الآباد و أبد الآبدين.(4:105)

الزّمخشريّ: لا أفعله أبد الآباد،و أبد الأبيد،و أبد الآبدين.و تقول:رزقك اللّه عمرا طويل الآباد،بعيد الآماد.

و أبّدت الدّوابّ و تأبّدت:توحّشت،و هي أوابد و متأبّدات.

و فرس قيد الأوابد،و هي نفّر الوحوش.و قد تأبّد المنزل:سكنته الأوابد،و تأبّد فلان:توحّش.و طيور أوابد:خلاف القواطع.

و من المجاز:فلان مولع بأوابد الكلام،و هي غرائبه، و بأوابد الشّعر،و هي الّتي لا تشاكل جودة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جئتنا بآبدة ما نعرفها.(أساس البلاغة:1)

ابن الأثير: [قال بعد نقله حديث رافع بن خديج (1):]

و منه حديث أمّ زرع:«فأراح عليّ من كلّ سائمة زوجين،و من كلّ آبدة اثنتين»،تريد أنواعا من ضروب الوحش.ّ.

ص: 80


1- قد تقدّم في قول الهرويّ.

و في حديث الحجّ:«قال له سراقة بن مالك:أ رأيت متعتنا هذه أ لعامنا أم للأبد؟فقال:بل هي للأبد»،و في رواية:«أ لعامنا هذا أم لأبد؟فقال:بل لأبد أبد»و في أخرى:«لأبد الأبد».و الأبد:الدّهر،أي هي لآخر الدّهر.(1:13)

عبد اللّطيف البغداديّ: تقول:ما كلّمته قطّ، و لا أكلّمه أبدا،لأنّ«قطّ»للماضي و«أبدا»للمستقبل.

(ذيل فصيح ثعلب:10)

الصّغانيّ: الإبدان:الأمة و الفرس،لأنّهما تأتيان كلّ عام بولد.

و أتان إبد:متوحّشة تسكن البيداء.

و ناقة إبدة بالهاء:إذا كانت ولودا.

و لا أفعله أبد الأبديّة،أي يد الدّهر.

و تأبّد وجهه:كلف.

و تأبّد الرّجل:طالت غربته.

و تأبّد،إذا قلّ أربه في النّساء،و ليس بتصحيف «تأبّل».(2:188)

الفيّوميّ: الأبد:الدّهر،و يقال:الدّهر الطّويل الّذي ليس بمحدود.

و أبد الشّيء،من بابي ضرب و قتل يأبد و يأبد أبودا:نفر و توحّش،فهو آبد...[ثمّ ذكر مثل ابن سيده]

(1:1)

الجرجانيّ: الأبد:هو استمرار الوجود في أزمنة مقدّرة غير متناهية في جانب المستقبل.كما أنّ«الأزل» استمرار الوجود في أزمنة مقدّرة غير متناهية في جانب الماضي.

و الأبد:مدّة لا يتوهّم انتهاؤها بالفكر و التّأمّل البتّة.و الأبد:هو الشّيء الّذي لا نهاية له.(2)

الفيروزآباديّ: الأبد،محرّكة:الدّهر،جمعه:آباد و أبود،و الدّائم،و القديم الأزليّ،و الولد الّذي أتت عليه سنة.

و لا آتيه أبد الأبديّة،و أبد الآبدين،و أبد الآبدين كأرضين،و أبد الأبد محرّكة،و أبد الأبيد،و أبد الآباد، و أبد الدّهر،و أبيد الأبيد بمعنى.

و الأوابد:الوحوش-لأنّها لم تمت حتف أنفها كالأبّد-،و الدّواهي،و القوافي الشّرّد.

و أبد كفرح:غضب و توحّش.

و أتان و أمة إبد كإبل و كتف و قنو:ولود.

و الإبد،بكسرتين:الأمة،و الأتان المتوحّشة.

و الإبدان:الأمة و الفرس.

و ناقة إبدة:ولود.

و الأبيد:نبات.و أبّدة كقبّرة:بلد.و مأبد كمسجد:

موضع.و غلط الجوهريّ فذكره في«م ي د»،و تصحّف عليه في الشّعر الّذي أنشده أيضا.

و تأبّد:توحّش،و المنزل:أقفر،و الوجه:كلف، و الرّجل:طالت غربته،و قلّ أربه في النّساء.

و أبدت البهيمة تأبد و تأبد:توحّشت.و بالمكان يأبد أبودا:أقام،و الشّاعر:أتى بالعويص في شعره، و ما لا يعرف معناه.

و ناقة مؤبّدة،إذا كانت وحشيّة معتاصة.

و التّأبيد:التّخليد.

و الآبدة:الدّاهية يبقى ذكرها أبدا.(1:283)

ص: 81

الطّريحيّ: الأبد:الدّهر،و الجمع:آباد،مثل سبب و أسباب.و الأبد:الدّهر الطّويل الّذي ليس بمحدود.

و إذا قلت:لا أكلّمه أبدا،فالأبد هو من لدن تكلّمت إلى آخر عمرك.

و التّأبيد:التّخليد،و منه:«اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا»،أي مخلّدا إلى آخر الدّهر.

و الأبد:الدّوام،و منه:يجزي التّحرّي أبدا،أي دائما.

و أبد يأبد بالكسر،أبودا:أقام به.(3:5)

العامليّ: الأبد:هو المدّة و الأجل،و لعلّه يمكن تأويله فيما يناسب ممّا يأتي من تأويل الأجل،و اللّه يعلم.

(70)

الجزائريّ: الأبديّ و الأزليّ:قد فرّق بينهما،بأنّ الأبديّ:هو المصاحب لجميع الأزمنة محقّقة كانت أو مقدّرة في جانب المستقبل إلى غير النّهاية.و الأزليّ:هو المصاحب لجميع الثّابتات المستمرّة الوجود في الزّمان.(26)

الزّبيديّ: يقال:أبد آبد و أبيد،أي دائم.و قالوا في المثل:طال الأبد على لبد،يضرب لكلّ ما قدم.

الأوابد:الطّير المقيمة بأرض شتاءها و صيفها،من:

أبد بالمكان يأبد فهو آبد،فإذا كانت تقطع في أوقاتها فهي قواطع.و الأوابد:ضدّ القواطع من الطّير.(2:287)

المراغيّ: الأبد:الزّمن الممتدّ،و تأبّد الشّيء:بقي أبدا،و أبد بالمكان أبودا:أقام به و لم يبرحه.(6:26)

مجمع اللّغة: الأبد:الدّهر،و أبدا:ظرف زمان لاستغراق النّفي،أو الإثبات في المستقبل و استمراره، تقول:لا أكلّمه أبدا،أي من لدن تكلّمت إلى آخر عمرك،و سأظلّ في بلدي أبدا،أي لا أبرحها ما دمت حيّا.(1:1)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أبد بالمكان:أقام أمدا طويلا،و أبّده:خلّده،و الأبد:دوام الوجود في المستقبل،و عكسه«الأزل»،و هو دوام الوجود في الماضي.

و الأبد:الدّهر،و أبدا:ظرف زمان للتّأكيد في المستقبل نفيا و إثباتا.(1:25)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو امتداد الزّمان و طوله،و ليس في مفهومه قيد و لا حدّ، و إنّما يفهم الحدّ من جانب متعلّقاته،فهذه الكلمة تدلّ على امتداد مفهوم الجملة المتعلّقة بها على حسب اقتضائها.

و أمّا مفهوم التّوحّش فيستفاد منها إذا لم يكن في الجملة المتعلّقة بها اقتضاء الدّلالة على الامتداد و طول الزّمان؛بأن تكون محدودا معيّنا،فيرجع المعنى إلى التّوحّش،و هو خلاف الدّوام و الأبديّة؛فالدّوام يلازم الأمن و الثّبات و الاطمئنان،و إذا رفع الثّبات و الأمن يظهر التّوحّش و التّزلزل؛فالعلاقة بين المفهومين قريبة من التّضادّ.(1:6)

النّصوص التّفسيريّة

1- وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ... البقرة:95

الطّوسيّ: (أبدا)نصب على الظّرف،أي لم يتمنّوه

ص: 82

أبدا طول عمرهم،كقول القائل:لا أكلّمك أبدا،و إنّما يريد ما عشت.(1:358)

القرطبيّ: (أبدا):ظرف زمان يقع على القليل و الكثير،كالحين و الوقت،و هو هنا من أوّل العمر إلى الموت.(2:33)

أبو حيّان: ظاهره أنّ من ادّعى أنّ الجنّة خالصة له دون النّاس ممّن اندرج تحت الخطاب في قوله: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً البقرة:94، لا يمكن أن يتمنّى الموت أبدا،و لذلك كان حرف النّفي هنا «لن»الّذي قد أدّعي فيه أنّه يقتضي النّفي على التّأبيد، فيكون قوله:(أبدا)على زعم من ادّعى ذلك للتّوكيد.

و أمّا من ادّعى أنّه بمعنى«لا»فيكون(أبدا)إذ ذاك مفيدا لاستغراق الأزمان،و يعني ب«الأبد»هنا، ما يستقبل من زمان أعمارهم.(1:311)

البروسويّ: أي في جميع الزّمان المستقبل؛لأنّ أبدا اسم لجميع مستقبل الزّمان ك«قطّ»لماضيه،و فيه دليل على أنّ«لن»ليس للتّأبيد؛لأنّهم يتمنّون الموت في الآخرة و لا يتمنّونه في الدّنيا.(1:184)

الآلوسيّ: و لن يتمنّوه ما عاشوا.(1:328)

2- ...خالِدِينَ فِيها أَبَداً... النّساء:122

ابن شهرآشوب: لا يناقضه قوله: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ:23؛لأنّ الأحقاب جمع،و الجمع لا غاية له،و ليس فيه أن لا يلبثوا أكثر من ذلك.(2:114)

3- قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها... المائدة:24

الطّبريّ: يعنون بقولهم:(أبدا)أيّام حياتنا.

(6:179)

الزّمخشريّ: (أبدا)تعليق للنّفي المؤكّد بالدّهر المتطاول،(ما داموا فيها)بيان للأبد.(1:604)

أبو حيّان: قيّدوا أوّلا نفي الدّخول بالظّرف المختصّ بالاستقبال،و حقيقته التّأبيد،و قد يطلق على الزّمان المتطاول،فكأنّهم نفوا الدّخول طول الأبد،ثمّ رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبّارين فيها،فأبدلوا زمانا مقيّدا من زمان هو ظاهر في العموم في الزّمان المستقبل، فهو بدل بعض من كلّ.(3:456)

البروسويّ: (أبدا)،أي دهرا طويلا،(ما داموا فيها)أي في أرضهم.و هو بدل من(أبدا)بدل البعض؛ لأنّ الأبد يعمّ زمن المستقبل كلّه،و دوام الجبّارين فيها بعض منه.(2:376)

مثله الآلوسيّ(6:108)،و رشيد رضا(6:334).

4- وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً...

التّوبة:84

الفخر الرّازيّ: يحتمل تأبيد المنفيّ،و المقصود هو الأوّل؛لأنّ قرائن هذه الآيات دالّة على أنّ المقصود منعه من أن يصلّي على أحد منهم منعا كلّيّا دائما.

(16:153)

5- لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً... التّوبة:108

القرطبيّ: (أبدا):ظرف زمان،و ظرف الزّمان على

ص: 83

قسمين:ظرف مقدّر كاليوم،و ظرف مبهم كالحين و الوقت.و الأبد من هذا القسم،و كذلك الدّهر.

و تنشأ هنا مسألة أصوليّة،و هي أنّ(أبدا)و إن كانت ظرفا مبهما لا عموم فيه،و لكنّه إذا اتّصل ب«لا»النّافية أفاد العموم،فلو قال:لا تقم،لكفى في الانكفاف المطلق.

فإذا قال:(أبدا)فكأنّه قال:في وقت من الأوقات و لا في حين من الأحيان.

فأمّا النّكرة في الإثبات إذا كانت خبرا عن واقع لم تعمّ،و قد فهم ذلك أهل اللّسان،و قضى به فقهاء الإسلام،فقالوا:لو قال رجل لامرأته:أنت طالق أبدا، طلقت طلقة واحدة.(8:258)

6- ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً الكهف:3

القرطبيّ: لا إلى غاية.(10:352)

البيضاويّ: بلا انقطاع.(2:4)

7- ...قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً الكهف:35

الكاشانيّ: (أبدا)لطول أمله و تمادي غفلته، و اغتراره بمهلته.(3:242)

8- وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً الكهف:57

الزّمخشريّ: مدّة التّكليف كلّها.(2:489)

مثله الآلوسيّ.(15:303)

أبو حيّان: تقييده بالأبديّة مبالغة في انتفاء هدايتهم.(6:140)

9-... وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً... النّور:4

الزّجّاج: قوله:(أبدا)،أي ما دام قاذفا،كما يقال:

لا تقبل شهادة الكافر أبدا،فإنّ معناه ما دام كافرا.

(القرطبيّ 12:181)

القرطبيّ: هذا يقتضي مدّة أعمارهم.

(12:181)

نحوه الآلوسيّ.(18:96)

10- يَعِظُكُمُ اللّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً... النّور:17

الزّمخشريّ: ما داموا أحياء مكلّفين.(3:55)

النّيسابوريّ: أي مدّة حياتكم.(18:78)

نحوه الآلوسيّ(18:122)،و الفخر الرّازيّ (23:181).

11- ...ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً... النّور:21

الكاشانيّ: آخر الدّهر.(3:426)

الآلوسيّ: لا إلى غاية.(18:124)

12- ...وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً...

الممتحنة:4

القرطبيّ: أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم.

(18:56)

مثله الآلوسيّ.(28:71)

13- ...وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً... الجمعة:7

البروسويّ: (أبدا):ظرف بمعنى الزّمان المتطاول لا

ص: 84

بمعنى مطلق الزّمان،و المراد به ما داموا في الدّنيا.

(9:518)

الأصول اللّغويّة

1-لمادّة«أ ب د»أصلان:الأوّل:التّوحّش، و الثّاني:طول المدّة.و يشتقّ من الأوّل:النّفور من الإنس،و خلوّ الدّار من أهلها،و الكلمة،أو الخصلة المنفّرة،و اللّفظ المبهم،أو القوافي الغريبة،و الغضب، و قلّة الأرب في النّساء.

و يشتقّ من الثّاني:الخلود و القدم،و طول الغربة أو العزوبة،و الإقامة بالمكان،و الدّاهية،و الولود من الإماء،و الأتن و النّياق،و الولد الّذي أتت عليه سنة.

و قد تمحّل بعضهم عند ما جعل الأصلين أصلا واحدا؛إذ علّقوا طول المدّة بالأمن و الثّبات،و جعلوا التّوحّش عارضا من عوارضها،يبرز عند انفكاك الأمن و الثّبات عنها.و لا شكّ أنّ التّكلّف يبدو جليّا في تخريجهم،و أقرب منه أن يقال:الأصل:طول المدّة، و الوحشة تابعة له،إذ قد يتوحّش من يمارسها،كما قد يتوحّش السّائر في طريق لا نهاية لها،ثمّ استعمل «الأبد»في اللاّزم نقلا عن الأصل مجازا،ثمّ صار حقيقة.

2-و في الأبد قولان:أحدهما:الدّهر مطلقا؛سواء كان جزء من الدّهر أم الدّهر جزء منه.و الآخر:الدّهر الطّويل الّذي ليس بمحدود.و استدلّ من جزّأ الأبد بجمعه،و استدلّ من لم يجزّئه بعدم وروده مجزّأ؛فلا يقال:

أبد كذا،كما يقال:زمان كذا.و من قال بعدم محدوديّته جعله مقابل«الأزل».

3-و نقل الرّاغب عن قوم لم يسمّهم أنّهم قالوا:إنّ آبادا-جمع أبد-مولّد؛و كأنّه تبنّى هذا القول،على الرّغم من تعارضه مع ما قال به المتقدّمون،و ما ورد في الشّعر الجاهليّ،كما أشرنا في النّصوص.و لعلّ الرّاغب هو مبتدع هذه القالة،ليقوّي مذهبه القائل بعدم جواز تجزئة الأبد،و لعلّ مردّ هذا الزّعم إلى كون آباد يوافق إحدى مفردات اللّغة الفارسيّة لفظا.

و لا يصحّ التّذرّع بهذا السّبب و إلاّ كان تعسّفا في اللّغة؛لاحتمال توافق المفردات في الألسن المختلفة لفظا و تباينها معنى،كما في لفظ آبار جمع بئر،فهو يوافق مفردة في الفارسيّة في اللّفظ دون المعنى.[لاحظ دهخدا]

4-و يترادف«الأبد»مع ألفاظ كثيرة،أقربها إلى معناه:الدّهر و الزّمان و الدّوام و الخلود و السّرمد و الأمد.و لكنّه يفترق عنها جميعا بكونه زمانا معلوم الحدّ على الصّحيح،و امتدادا للأزل.فالدّهر أوقات متوالية مختلفة غير متناهية،و الزّمان أوقات متوالية مختلفة أو غير مختلفة،و الدّوام استمرار البقاء في جميع الأوقات، يقال:إنّ اللّه لم يزل دائما،و لا يزال دائما،و الخلود استمرار البقاء من وقت مبتدإ،لا يقال:إنّ اللّه خالد، و السّرمد اتّباع الشّيء الشّيء دون فصل،يقال:شربته سرمدا مبرّدا،و الأمد مدّة مجهولة عند الإطلاق،معلومة عند التّقييد،يقال:أمد كذا كما يقال:زمان كذا.

و قد عدّ الجزائريّ لفظي«الأبديّ»و«الأزليّ»من المرادفات،و أثبتها في جملة الألفاظ ذات الفروق في اللّغة.و هما ليسا كذلك؛لأنّهما من النّقائض و الأضداد، كالعلم و الجهل و قطّ و أبدا.

ص: 85

5-و«أبدا»،في الأصل مصدر،ثمّ نقل إلى الظّرفيّة و استعمل في الزّمان المستقبل المبهم نفيا و إثباتا.فمثال النّفي قوله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً التّوبة:108، و مثال الإثبات قول عليّ عليه السّلام:«اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

و يلاحظ أوّلا:ورد لفظ«أبدا»في القرآن«14»مرّة منفيّا،و«14»مرّة أيضا مثبتا.

و ثانيا:ففي النّفي ورد مع(لن)«6»مرّات،و مع(لا) «6»مرّات،و مع(ما)مرّتين؛على النّحو الآتي:

مع(لن):

وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ

البقرة:95

إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها

المائدة:24

فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً التّوبة:83

وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً الكهف:20

فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً الكهف:57

بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً الفتح:12

مع(لا):

وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً التّوبة:84

لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى

التّوبة:108

فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً النّور:4

وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً

الأحزاب:53

لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً الحشر:11

وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ

الجمعة:7

مع(ما):

قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً الكهف:35

وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً النّور:21

و فيها بحوث:

أ-و يلاحظ أنّ(أبدا)ورد في النّفي دائما تأكيدا للنّهي،أو النّفي في الأمور الّتي تستقبح و تستهجن،دون أن يرد في موضع مستحسن واحد.

ب-و استعمل(أبدا)في آيتين منفيّتين تتحدّثان في شأن اليهود،فنفيت إحداهما ب(لن)و الاخرى ب(لا)، و هما:

وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ البقرة:95

وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ الجمعة:7

و لا نرى وجها لتغاير أداتي النّفي في الآيتين إلاّ أنّ (لن)فيها من التّأكيد و الشّدّة ما ليس في(لا)،كما قد جاءت الآية الأولى عقيب ادّعائهم أنّ الدّار الآخرة-

ص: 86

أي الجنّة-لهم وحدهم دون سائر النّاس،و جاءت الثّانية عقيب زعمهم أنّهم أولياء للّه من دون النّاس.

و لا شكّ أنّ تأكيد اليهود و إصرارهم على هذين الادّعاءين لهو بمثابة دعم لهما.

و قد عرض القرآن دعواهم الأولى بقوله: إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ... البقرة:94،و عرض دعواهم الثّانية بقوله: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلّهِ... الجمعة:6،فالدّعوة الأولى أشدّ و أعتى من الثّانية،و لذا جاء الجواب موافقا لها في الشّدّة و العتوّ،كما هو الحال في سورة البقرة؛إذ الرّدّ على اليهود في آياتها آكد و أعنف منه في آيات الجمعة.ثمّ عقّب على دعواهم في البقرة: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا... البقرة:96،و عقّب على دعواهم في الجمعة: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ... الجمعة:8،فيلحظ بين الأسلوبين بون شاسع.

و جاء في البحر المحيط(1:311)نقلا عن المنتخب ما نصّه:«إنّما قال هنا-أي في سورة البقرة:97-: وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ، و في الجمعة:7: وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ لأنّ دعواهم هنا أعظم من دعواهم هناك؛لأنّ السّعادة القصوى فوق مرتبة الولاية،لأنّ الثّانية تراد لحصول الأولى.و(لن) أبلغ في النّفي من(لا)فجعلها لنفي الأعظم.و انظر أيضا روح المعاني(28:96)و روح البيان(9:518-519) و الكشّاف(4:103)و البحر المحيط(8:267).

ج-و إنّ الجمع بين(لن)و(أبدا)في الآيات السّتّ الأولى لا يعني إلاّ شدّة التّأكيد و الإحكام،و ليس فيه دلالة على أنّ(لن)بمعنى(لا)كما قيل؛لأنّ هذا يعني نقضا للغرض الّذي أوجب الجمع بينهما.

و ثالثا:أمّا في الإثبات فقد ورد(أبدا)مع اسم الفاعل جمعا منكّرا منصوبا على الحال«12»مرّة،و مع الفعل مرّتين.

و فيها بحوث:

أ-ورد مع(خالدين)في شأن أهل الجنّة في «8»آيات،و مع أهل النّار في«3»آيات كما يلي:

مع أهل الجنّة:

خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ

النّساء:57

خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً النّساء:122

خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ المائدة:119

خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

التّوبة:22

خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

التّوبة:100

خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

التّغابن:9

خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً

الطّلاق:11

خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ البيّنة:8

مع أهل النّار:

إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ

ص: 87

عَلَى اللّهِ يَسِيراً النّساء:169

خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً

الأحزاب:65

فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

الجنّ:23

ب-و ورد مع(ماكثين)في شأن أهل الجنّة:

أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً* ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً الكهف:2،3.

ج-و يلاحظ أنّ(أبدا)ورد في شأن أهل الجنّة «9»مرّات،و في شأن أهل النّار«3»مرّات،فتكون النّسبة بينهما كنسبة 3-9.و هذا فضل منه تعالى و رحمة.

د-و ورد مع غير(خالدين)و(ماكثين)في الآيتين التّاليتين:

يَعِظُكُمُ اللّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً النّور:17

وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً

الممتحنة:4

ه-و لا يخفى أنّ بالإمكان تأويل الآيتين المذكورتين إلى النّفي؛فتقدير الآية الأولى:يعظكم اللّه أن لا تعودوا لمثله أبدا،و تقدير الآية الثّانية:و لم يبد بيننا و بينكم الصّداقة و المحبّة أبدا.

و رابعا:و خلص الفخر الرّازي إلى نتيجة،و هي أنّ ذكر الثّواب في القرآن مرهون بذكر الخلود و التّأبيد معا، و ذكر عقاب الفسّاق مرهون بذكر الخلود دون التّأبيد.

و لكنّ هذا الأمر يتطلّب استقراء تامّا في آيات الثّواب و العقاب.أمّا في شأن الكفّار فقد جاء في الآيات الثّلاث الخلود مع التّأبيد.

و خامسا:و ذهب الفخر و غيره إلى أنّ ذكر«الأبد» مع«الخلود»دليل على عدم دلالة الخلود على الدّوام و إلاّ فهو تكرار.و نحن نرى أنّ التّكرار حسن إذا أريد به التّأكيد و التّشديد،فلا دلالة فيه إذا على ما ذكر.

و سادسا:و ورد(أبدا)ظرفا منكّرا مفردا في جميع القرآن على الرّغم من وروده معرّفا بالألف و اللاّم في غير القرآن كما في حديث متعة الحجّ:«...أ لعامنا هذا أم للأبد؟فقال صلّى اللّه عليه و آله:بل هي للأبد».و ورد أيضا جمعا كما تقدّم في النّصوص،فهل في ذلك نكتة بلاغيّة؟نعم،لأنّها تدلّ على عدم التّناهي و إدراك المدى سواء في الدّار الآخرة أو في الدّنيا،بخلاف المعرّف باللاّم.

و سابعا:و ورد لفظ(أبدا)بلا حدّ و قيد غالبا،و قليلا ما جاء مقيّدا.و يدور الإطلاق أو التّقييد حول مدار اللّفظ أو السّياق،فلربّما يستفاد من السّياق حدّ دون لفظ:

فالتّقييد لفظا مثل: إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها المائدة:24، وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ الممتحنة:4.

و التّقييد من السّياق مثل: فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً الكهف:57،أي مدّة التّكليف،و أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً النّور:17،أي ما داموا أحياء مكلّفين،كما تقدّم في الكشّاف.

و ثامنا:و أفاد كتاب الإعجاز العدديّ(3:117)أنّ لفظ«المصير»جاء في القرآن بصوره الثّلاث:المصير، مصيرا،مصيركم،«28»مرّة،و بنفس العدد لكلّ من لفظي«أبدا»و«اليقين»و مشتقّاته.فكأنّ هذا التّماثل العدديّ لهذه الألفاظ الثّلاثة يوحي إلينا بأنّ المصير أبديّ يقينيّ لا مناص منه و لا محيص عنه.

ص: 88

إبراهيم

اشارة

لفظ واحد،69 مرّة:32 مكّيّة،37 مدنيّة

في 25 سورة:17 مكّيّة،8 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

ابن عبّاس: إبراهيم:بلغة توافق السّريانيّة.

(اللّغات في القرآن:18)

سيبويه: أمّا إبراهيم،و إسماعيل،و إسحاق، و يعقوب،و هرمز،و فيروز،و قارون،و فرعون، و أشباه هذه الأسماء فإنّها لم تقع في كلامهم إلاّ معرفة، على حدّ ما كانت في كلام العجم،و لم تمكّن في كلامهم كما تمكّن الأوّل،[أي ما ذكره قبل هذه الأسماء]و لكنّها وقعت معرفة،و لم تكن من أسمائهم العربيّة، فاستنكروها و لم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربيّة، كنهشل و شعثم،و لم يكن شيء منها قبل ذلك اسما يكون لكلّ شيء من أمّة،فلمّا لم يكن فيها شيء من ذلك استنكروها في كلامهم.(3:235)

إن حقّرت إبراهيم قلت:بريهيم تحذف الألف،فإذا حذفتها صار ما بقي يجيء على مثال«فعيعيل».

(3:446)

المبرّد: تصغير إبراهيم:أبيره؛و ذلك لأنّ الألف من الأصل،لأنّ بعدها أربعة أحرف أصول،و الهمزة لا تلحق بنات الأربعة زائدة في أوّلها،و ذلك يوجب حذف آخره كما يحذف من سفرجل،فيقال:سفيرج.و كذلك القول في إسماعيل و إسرافيل.(الجوهريّ 5:1871)

جمع إبراهيم:أباره و أباريه.(القيسيّ 1:73)

الجوهريّ: البرهمة:إدامة النّظر،و سكون الطّرف.

[ثمّ استشهد بشعر]

و إبراهيم:اسم أعجميّ،و فيه لغات:إبراهام، و إبراهم،و إبراهم،بحذف الياء.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:1871)

أبو العلاء المعرّيّ: إبراهيم اسم قديم ليس بعربيّ.(الجواليقيّ:61)

الطّوسيّ: في إبراهيم خمس لغات:إبراهيم،

ص: 89

و إبراهام،و إبراهم،و إبراهم،بإسقاط الياء و تعاقب الحركات الثّلاث عليه.(2:319)

الجواليقيّ: قد تكلّمت به العرب على وجوه؛ فقالوا:إبراهيم و هو المشهور،و إبراهام،و إبراهم على حذف الياء،و إبرهم.[ثمّ استشهد بشعر](61)

الكرمانيّ: إبراهيم مشتقّ من البرهمة،و هي شدّة النّظر.(السّيوطيّ 4:69)

ابن الجوزيّ: في إبراهيم ستّ لغات:

إحداها:إبراهيم،و هي اللّغة الفاشية.

و الثّانية:إبراهم.

و الثّالثة:إبراهم.

و الرّابعة:إبراهم.

و الخامسة:إبراهام.

و السّادسة:إبرهم.(1:139)

الخازن: إبراهيم اسم أعجميّ،و معناه أب رحيم.

(1:88)

أبو حيّان: إبراهيم اسم علم أعجميّ.قيل:و معناه بالسّريانيّة-قبل النّقل إلى العلميّة-أب رحيم،و فيه لغى ستّ:إبراهيم بألف و ياء و هي الشّهيرة المتداولة، و بألف مكان الياء،و بإسقاط الياء مع كسر الهاء أو فتحها أو ضمّها،و بحذف الألف و الياء و فتح الهاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:372)

الفيروزآباديّ: إبراهيم اسم أعجميّ،و فيه لغات:إبراهام،و إبراهوم،و إبراهم،و إبراهم،و إبراهيم، و أبرهم،و إبرهم،و الجمع:أباره و أباريه و أبارهة و براهم و براهيم و براهمة و براه.و تصغيره:بريه،و قيل:أبيره، و قيل:بريهم.

و أكثر المحقّقين على هذا أنّه اسم جامد غير مشتقّ.

و قال بعض المتكلّفين:إنّه اسم مركّب من البراء و البرء و البراءة،و من الهيمان و الوهم و الهمّة،فقالوا:

بريء من دون اللّه،فهام قلبه بذكر اللّه.

و قال بعضهم:برأ من علّة الزّلّة،فهمّ بالحلول في محلّة الخلّة.

و قيل:برأه اللّه في قالب القربة،فهمّ بصدق النّيّة إلى ملكوت الهمّة.

و قال:بعضهم:«إب»بالسّريانيّة معناه الأب،و «راهيم»معناه الرّحيم،فمعناه أب رحيم.

(بصائر ذوي التّمييز 6:32)

رشيد رضا: كان اسم إبراهيم«أبرام»بفتح الهمزة،و قالوا:إنّ معناه أبو العلاء،فهو مركّب من كلمة أب العربيّة السّاميّة مضافة إلى ما بعدها.

و في سفر التّكوين:إنّ اللّه تعالى ظهر له في سنّ التّاسعة و التّسعين من عمره،و كلّمه و جدّد عهده له بأن يكثّر نسله،و يعطيه أرض كنعان(فلسطين)ملكا أبديّا، و سمّاه لذرّيّته«إبراهيم»بدل«أبرام».

و قالوا:إنّ معنى إبراهيم:أبو الجمهور العظيم،أي أبو الأمّة.و هو بمعنى تبشير اللّه تعالى إيّاه بتكثير نسله من إسماعيل و من إسحاق عليه السّلام.

و لا ينافي ذلك كسر همزته،فقد علم أنّ أصلها الفتح،و أنّ«إب»المكسورة في إبراهيم هي«أب» المفتوحة في أبرام.فالجزء الأوّل منه عربيّ،و الثّاني كلدانيّ،أو من لغة أخرى من فروع السّاميّة أخوات

ص: 90

العربيّة،الّتي هي أعظمها و أوسعها،حتّى جعلها بعض علماء اللّغات هي الأصل و الأمّ لسائر تلك الفروع السّاميّة،كالعبريّة و السّريانيّة.

و ذكر رواة العربيّة في هذا الاسم سبع لغات عن العرب،و هي:إبراهيم،و إبراهام،و إبراهوم،و إبراهم مثلّثة الهاء،و أبرهم بفتح الهاء بلا ألف.

و صرّح بعضهم بأنّه سريانيّ الأصل ثمّ نقل، و بعضهم بأنّ معناه:أب راحم،أو رحيم.و على هذا يكون جزءاه عربيّين بقلب حائه هاء،كما يقلبها جميع الأعاجم الّذين لا ينطقون بالحاء المهملة كالإفرنج، و تركيبه مزجيّ.(7:534)

هوتسما: هو إبراهام المذكور في الكتاب المقدّس، و ورد في القرآن أنّه ابن آزر،و هذا الاسم مشتقّ فيما يظهر من اسم خادمه«اليعازر».[لاحظ آزر]

(1:25)

المصطفويّ: قد استعمل هذا الاسم في تسعة و ستّين موردا في القرآن الكريم.

و ليعلم أنّ هذه الكلمة و أمثالها المأخوذة من اللّغات الأعجميّة إذا تصرّف فيها بالإبدال أو التّغيير أو التّخفيف في التّلفّظ،تصير عربيّة،و يقال:إنّها معرّبة.

فإذا قيل:إنّها أعجميّة فهي بهذا الاعتبار-باعتبار الأصل-و معلوم أنّ أغلب اللّغات العربيّة مأخوذة من العبريّة و السّريانيّة،و هذا لا ينافي استقلال اللّغة و أصالتها،فإنّ اللّغات كالتّكوينيّات لها مراحل مترتّبة و سير تكامليّ،و إنّما يتنوّع و يتشخّص كلّ شيء بالحدود و الفصول فالإنسان له أصالة و استقلال و هو نوع خاصّ مستقلّ،و إن صحّ أن يقال:إنّه نوع كامل و مترتّبة مترقّية من الحيوان أو الجماد.فكلّ لغة أجنبيّة وردت في العربيّة-بتصرّف خاصّ-فهي عربيّة.(1:8)

النّصوص التّفسيريّة

1- وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ...

البقرة:124

ابن خالويه: من العرب من يقول إبراهام،و كذلك قرأ ابن عامر.

و ذلك أنّ إبراهيم اسم أعجميّ،فإذا عرّبته العرب فإنّها تخالف بين ألفاظه.و منهم من يقول:إبرهم بغير ألف.[ثمّ استشهد بشعر](4)

أبو زرعة: قرأ ابن عامر (إبراهام) بألف،كلّ ما في سورة البقرة،و في النّساء بعد المائة،و في الأنعام حرفا واحدا(ملّة إبراهام)و في التّوبة بعد المائة(إبراهام)و في سورة إبراهيم(إبراهام)و في النّحل و مريم كلّها(إبراهام) و في العنكبوت الثّاني(إبراهام)و عسق(إبراهام)و في سور المفصّل كلّها(إبراهام)إلاّ في سورة المودّة [الممتحنة] (إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ) بالياء،و في سبّح (صُحُفِ إِبْراهِيمَ) ،و ما بقي في جميع القرآن بالياء.

و حجّته في ذلك أنّ كلّ ما وجده بألف قرأ بألف، و ما وجده بالياء قرأ بالياء اتّباع المصاحف.

و اعلم أنّ«إبراهيم»اسم أعجميّ دخل في كلام العرب،و العرب إذا أعربت اسما أعجميّا تكلّمت فيه بلغات،فمنهم من يقول:إبراهام،و منهم من يقول:

أبرهم.[ثمّ استشهد بشعر](113)

ص: 91

الماورديّ:تفسيره بالسّريانيّة أب رحيم.

(القرطبيّ 2:96)

البغويّ: قرأ ابن عامر (إبراهام) بالألف في بعض المواضع،و هو ثلاثة و ثلاثون موضعا،جملته تسعة و تسعون موضعا (1).و هو اسم أعجميّ،و لذلك لا يجري عليه الصّرف.(1:88)

نحوه الخازن.(1:88)

الميبديّ: إبراهيم:اسم سريانيّ،و معناه أب رحيم،فحوّلت الحاء هاء-كما قيل في:مدحته و مدهته- و قيل:معناه بريء من الأصنام،و هام إلى ربّه؛لقوله تعالى: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي الصّافّات:99.

(1:346)

ابن عطيّة: إبراهيم بالعربيّة:أب رحيم.

(القرطبيّ 2:96)

السّهيليّ: إبراهيم:معناه أب راحم.(1:12)

الفخر الرّازيّ:قرأ ابن عامر (إبراهام) بألف بين الهاء و الميم،و الباقون (إبراهيم) ،و هما لغتان.

و قرأ ابن عبّاس و أبو حيوة رضي اللّه عنه (إبراهيم ربّه) برفع إبراهيم و نصب ربّه،و المعنى أنّه دعاه بكلمات من الدّعاء فعل المختبر،هل يجيبه اللّه تعالى إليهنّ أم لا؟

(4:40)

نحوه البيضاويّ.(1:80)

القرطبيّ: قراءة العامّة(إبراهيم)بالنّصب،(ربّه) بالرّفع،على ما ذكرنا.و روي عن جابر بن زيد أنّه قرأ على العكس،و زعم أنّ ابن عبّاس أقرأه كذلك.

و المعنى دعا إبراهيم ربّه و سأل،و فيه بعد؛لأجل الباء في قوله:(بكلمات).(2:96،97)

النّيسابوريّ: (إبراهيم)بالنّصب،(ربّه)بالرّفع هو المشهور.و هذه الصّورة ممّا يجب فيه تأخير الفاعل و إزالته عن مركزه الأصليّ،فإنّه لو قدّم الفاعل و قد اتّصل به ضمير المفعول،لزم الإضمار قبل الذّكر لفظا.

و عن ابن عبّاس و أبي حنيفة:رفع(إبراهيم)و نصب (ربّه)،فالمعنى أنّه دعاه بكلمات من الدّعاء فعل المختبر، هل يجيب اللّه تعالى إليهنّ أم لا؟(1:435)

الفيروزآباديّ: قد ذكر اللّه سبحانه إبراهيم بالتّعريض و التّصريح في كتابه بخمسين اسما،منه:

1-المبتلى بقوله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ البقرة:124.

2-المتمّ بقوله: فَأَتَمَّهُنَّ البقرة:124.

3-الإمام بقوله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً البقرة:124.

4-المطهّر بقوله: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ الحجّ:26.

5-الرّافع بقوله: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ البقرة:127.

6-الحنيف و المسلم بقوله: حَنِيفاً مُسْلِماً آل عمران:67.

7-الصّالح بقوله: وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ البقرة:130.

8-المطمئنّ: وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة:260.

9-الأمّة و القانت: أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ النّحل:120.ن.

ص: 92


1- الصّحيح:تسع و ستّون.

10-الشّاكر و المجتبى و المهديّ: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ النّحل:121.

11-الرّائي: رَأى كَوْكَباً الأنعام:76.

12-البريء: إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الأنعام:

78.

13-المتوجّه إلى اللّه: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ الأنعام:79.

14-الحليم،و الأوّاه،و المنيب،بقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75.

15-المتبرّئ عمّا دون اللّه: تَبَرَّأَ مِنْهُ التّوبة:114.

16-المبشّر: وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ الصّافّات:112.

17-البعل و الشّيخ: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72.

18-المبارك: وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ هود:73.

19-المضيف: وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الحجر:51.

20-المذكور: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ مريم:41.

21-الصّدّيق و النّبيّ: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم:41.

22-الرّشيد وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ الأنبياء:51.

23-الفتى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ الأنبياء:60.

24-الوافي: وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى النّجم:37.

25-الطّامع: أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي الشّعراء:82.

26-وارث الجنّة: وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ الشّعراء:85.

27-أبو الملّة: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الحجّ:78.

28-مؤذّن الحجّ: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ الحجّ:27.

29-سقيم الحبّ: إِنِّي سَقِيمٌ الصّافّات:89.

30-شيعة الأنبياء: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ الصّافّات:83.

31-الذّاهب إلى اللّه: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي الصّافّات:99.

32-المهاجر إلى ربّه: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي العنكبوت:26.

33-منادى الحقّ: وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ الصّافّات:104.

35-المحسن: إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:105.

36-المؤمن: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الصّافّات:81.

37-المرسل: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ الحديد:26.

38-الحامد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إبراهيم:39.

39-الموهوب له: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً الأنبياء:72.

40-الخليل و إبراهيم: وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً

ص: 93

النّساء:125.

ذكر اللّه تعالى إبراهيم باسمه في بضع و خمسين[بل «69»]موضعا من الكتاب العزيز منها:

نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الأنعام:75.

قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً الأنعام:74.

وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ الأنعام:83.

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة:125.

وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ البقرة:127.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260.

وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ البقرة:130.

فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ آل عمران:95.

وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ البقرة:132.

ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا آل عمران:67.

إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68.

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ النّساء:54.

رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى هود:69.

فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ هود:74.

يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود 76.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً إبراهيم:35.

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ الذّاريات:24.

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ مريم:41.

آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ الأنبياء 51.

بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ الأنبياء:69.

وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26.

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ الشّعراء:69.

وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ الصّافّات:104.

سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ الصّافّات:109.

وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ الشّورى:13.

أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ الممتحنة:4.

صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى الأعلى:19.

وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً النّساء:125.

قالوا:و كان لإبراهيم عليه السّلام في طريق الحقّ عشر مقامات نال بها غاية المرامات:

الأوّل:مقام الطّلب: هذا رَبِّي الأنعام:76.

الثّاني:مقام الدّعوة: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:27.

الثّالث:مقام الفضيلة: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة:125.

الرّابع:مقام الفقر و الفاقة: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ إبراهيم:40.

الخامس:مقام النّعمة: وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ الشّعراء:79.

السّادس:مقام المغفرة: وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي الشّعراء:82.

ص: 94

السّادس:مقام المغفرة: وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي الشّعراء:82.

السّابع:مقام المحبّة: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى البقرة:260.

الثّامن:مقام المعرفة: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84.

التّاسع:مقام الهيئة: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114.

العاشر:مقام الوراثة: وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ الشّعراء:85.

و في هذا المقام حصل له الاستغناء عن الواسطة و الوسيلة،فقال:حسبي من سؤاله علمه بحالي.[ثمّ ذكر أبياتا بمعناها](بصائر ذوي التّمييز 6:32)

محمّد إسماعيل إبراهيم: يعرف إبراهيم عليه السّلام بخليل اللّه،و بأبي الأنبياء،لأنّ من ذرّيّته أنبياء كثيرين.

و قد آتاه اللّه سبحانه صحفا سمّيت في سورتي«النّجم، و الأعلى»(صحف إبراهيم)و دعا إلى الحنيفيّة،الّتي تدعو إلى التّوحيد،و هي المذكورة في قوله تبارك و تعالى:

ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ آل عمران:67.

(1:25)

2- ...مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ... الحجّ:78.

عبد الجبّار: ربّما قيل في قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ كيف يصحّ ذلك و لغة العرب صادرة عن إسماعيل؟

و جوابنا:أنّ المراد المعنى دون نفس الاسم،فكأنّه وصفهم بتمسّكهم بالملّة،و بأنّهم من أهل الثّواب،و هو المفهوم من وصفنا لهم بأنّهم مسلمون و مؤمنون.(275)

الرّازي: إن قيل:كيف قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ و إبراهيم صلوات اللّه عليه لم يكن أبا للأمّة كلّها؟

قلنا:هو أبو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فكان أبا لأمّته،لأنّ أمّة الرّسول بمنزلة أولاده من جهة العطف و الشّفقة،هذا إن كان الخطاب لعامّة المسلمين.و إن كان للعرب خاصّة،فإبراهيم أبو العرب قاطبة.(236)

3- صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى الأعلى:19.

أبو حيّان: قرأ الجمهور(إبراهيم)بألف و بياء و الهاء مكسورة،و أبو رجاء بحذفهما و الهاء مفتوحة مكسورة معا،و أبو موسى الأشعريّ و ابن الزّبير(إبراهام)بألف في كلّ القرآن،و مالك بن دينار(إبراهم)بألف و فتح الهاء و بغير ياء،و عبد الرّحمن بن أبي بكرة(إبراهم) بكسر الهاء،و بغير ياء في جميع القرآن.(8:460)

مثله الآلوسيّ.(30:111)

النّصوص التّاريخيّة

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ إبراهيم كان مولده ب«كوثى ربّا» (1)و كان أبوه من أهلها،و كانت أمّه و أمّ لوط صلّى اللّه عليهما سارة و ورقة-في نسخة رقية- أختين،و هما ابنتان ل«لا حج»،و كان اللاّحج نبيّا منذرا

ص: 95


1- كما في معجم البلدان 4:487.

و لم يكن رسولا،و كان إبراهيم عليه السّلام في شبيبته على الفطرة الّتي فطر اللّه عزّ و جلّ الخلق عليها حتّى هداه اللّه تبارك و تعالى إلى دينه و اجتباه.

و أنّه تزوّج سارة ابنة لا حج (1)،و هي ابنة خالته، و كانت سارة صاحبة ماشية كثيرة و أرض واسعة و حال حسنة،و كانت قد ملّكت إبراهيم عليه السّلام جميع ما كانت تملكه،فقام فيه و أصلحه،و كثرت الماشية و الزّرع حتّى لم يكن بأرض«كوثى ربّا»رجل أحسن حالا منه.

و إنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا كسّر أصنام نمرود أمر به نمرود، فأوثق و عمل له«حيرا»و جمع له فيه الحطب و ألهب فيه النّار،ثمّ قذف إبراهيم عليه السّلام في النّار لتحرقه،ثمّ اعتزلوها حتّى خمدت النّار،ثمّ أشرفوا على الحير؛فإذا هم بإبراهيم عليه السّلام سليما مطلقا من وثاقه،فأخبر نمرود خبره، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم من بلاده،و أن يمنعوه من الخروج بماشيته و ماله.

فحاجّهم إبراهيم عليه السّلام عند ذلك،فقال:إن أخذتم ماشيتي و مالي فإنّ حقّي عليكم أن تردّوا عليّ ما ذهب من عمري في بلادكم،و اختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم أن يسلّم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم،و قضى على أصحاب نمرود أن يردّوا على إبراهيم عليه السّلام ما ذهب من عمره في بلادهم.فأخبر ذلك نمرود فأمرهم أن يخلّوا سبيله و سبيل ماشيته و ماله و أن يخرجوه،و قال:إنّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم و أضرّ بآلهتكم،فأخرجوا إبراهيم و لوطا معه من بلادهم إلى الشّام.

فخرج إبراهيم و معه لوط لا يفارقه و سارة،و قال لهم: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ الصّافّات:99، يعني بيت المقدس،فتحمّل إبراهيم عليه السّلام بماشيته و ماله، و عمل تابوتا و جعل فيه سارة و شدّ عليها الأغلاق غيرة منه عليها،و مضى حتّى خرج من سلطان نمرود،و صار إلى سلطان رجل من القبط يقال له:«عرارة»فمرّ بعاشر له،فاعترضه العاشر ليعشر ما معه،فلمّا انتهى إلى العاشر و معه التّابوت،قال العاشر لإبراهيم:افتح هذا التّابوت حتّى نعشر ما فيه،فقال له إبراهيم:قل ما شئت فيه من ذهب أو فضّة حتّى نعطي عشره و لا تفتحه، قال:فأبى العاشر إلاّ فتحه،قال:و غضب إبراهيم على فتحه،فلمّا بدت له سارة و كانت موصوفة بالحسن و الجمال،قال له العاشر:ما هذه المرأة منك؟قال إبراهيم:هي حرمتي و ابنة خالتي،فقال العاشر:فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التّابوت؟فقال إبراهيم:

الغيرة عليها أن يراها أحد،فقال له العاشر:لست أدعك تبرح حتّى أعلم الملك حالها و حالك.

قال:فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه،فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتّابوت،فأتوا ليذهبوا به.فقال لهم إبراهيم عليه السّلام:إنّي لست أفارق التّابوت حتّى تفارق روحي جسدي،فأخبروا الملك بذلك،فأرسل الملك أن احملوه و التّابوت معه،فحملوا إبراهيم و التّابوت و جميع ما كان معه حتّى أدخل على الملك.

فقال له الملك:افتح التّابوت،فقال له إبراهيم:

أيّها الملك إنّ فيه حرمتي و بنت خالتي و أنا مفتد فتحه بجميع ما معي،قال:فغضب الملك إبراهيم على فتحه،ج.

ص: 96


1- و الظّاهر ابنة ابنة لا حج.

فلمّا رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مدّ يده إليها، فأعرض إبراهيم عليه السّلام بوجهه عنها و عن الملك غيرة منه، و قال:«اللّهمّ احبس يده عن حرمتي و ابنة خالتي»فلم تصل يده إليها و لم ترجع إليه،فقال له الملك:إنّ إلهك هو الّذي فعل بي هذا،فقال له:نعم،إنّ إلهي غيور يكره الحرام،و هو الّذي حال بينك و بين ما أردت من الحرام، فقال له الملك:فادع إلهك يردّ عليّ يدي فإن أجابك فلم أعرض لها،فقال إبراهيم عليه السّلام:«إلهي ردّ عليه يده ليكفّ عن حرمتي»،قال:فردّ اللّه عزّ و جلّ عليه يده.

فأقبل الملك نحوها ببصره،ثمّ عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عنه بوجهه غيرة منه،و قال:«اللّهمّ احبس يده عنها»،قال:فيبست يده و لم تصل إليها؛ فقال الملك لإبراهيم:إنّ إلهك لغيور و إنّك لغيور،فادع إلهك يردّ عليّ يدي،فإنّه إن فعل لم أعد،فقال له إبراهيم:أسأله ذلك على أنّك إن عدت لم تسألني أن أسأله؟فقال له الملك:نعم،فقال إبراهيم:«اللّهمّ إن كان صادقا فردّ عليه يده»فرجعت إليه يده.

فلمّا رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى،و رأى الآية في يده،عظّم إبراهيم عليه السّلام و هابه و أكرمه و اتّقاه،و قال له:قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء ممّا معك، فانطلق حيث شئت،و لكن لي إليك حاجة،فقال له إبراهيم عليه السّلام:ما هي؟فقال له:أحبّ أن تأذن لي أن أخدمها قبطيّة عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما،قال:

فأذن له إبراهيم فدعا بها فوهبها لسارة و هي هاجر أمّ إسماعيل عليه السّلام.

فسار إبراهيم عليه السّلام بجميع ما معه،و خرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم إعظاما لإبراهيم و هيبة له.فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى إبراهيم:أن قف و لا تمش قدّام الجبّار المتسلّط و يمشي هو خلفك،و لكن اجعله أمامك و امش خلفه و عظّمه وهبه،فإنّه مسلّط و لا بدّ من إمرة في الأرض برّة أو فاجرة،فوقف إبراهيم عليه السّلام و قال للملك:

امض فإنّ إلهي أوحى إليّ السّاعة أن اعظّمك و أهابك و أن أقدّمك أمامي و أمشي خلفك إجلالا لك،فقال له الملك:أوحى إليك بهذا؟فقال له إبراهيم عليه السّلام نعم،قال له الملك:أشهد أنّ إلهك لرفيق حليم كريم و إنّك ترغّبني في دينك،و ودّعه الملك.

فسار إبراهيم حتّى نزل بأعلى الشّامات،و خلّف لوطا في أدنى الشّامات،ثمّ إنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا أبطئ عليه الولد قال لسارة:لو شئت لبعتني هاجر لعلّ اللّه أن يرزقنا منّا ولدا فيكون لنا خلفا،فابتاع إبراهيم هاجر من سارة،فولدت إسماعيل.(العروسيّ 4:416)

كان سبب وفاة إبراهيم عليه السّلام أنّه أتاه ملك الموت ليقبضه،فكره إبراهيم،فرجع ملك الموت إلى ربّه، فقال:إنّ إبراهيم كره الموت،فقال:دع إبراهيم فإنّه يحبّ أن يعبدني،حتّى رأى إبراهيم شيخا يأكل و يخرج منه ما يأكل،فكره الحياة و أحبّ الموت،فأتى داره،فإذا فيها أحسن صورة،ما رآها قطّ،قال:من أنت؟قال:

أنا ملك الموت.[إلى أن قال:]و قبض إبراهيم عليه السّلام بالشّام.الرّاونديّ(قصص الأنبياء:113)

الطّبريّ: هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ ابن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ ابن سام بن نوح.

ص: 97

و اختلف في الموضع الّذي كان منه،و الموضع الّذي ولد فيه،فقال بعضهم:كان مولده بالسّوس من أرض الأهواز.و قال بعضهم:كان مولده ببابل من أرض السّواد.و قال بعضهم:كان بالسّواد بناحية«كوثى».

و قال بعضهم:كان مولده ب«الوركاء»بناحية الزّوابي و حدود«كسكر»ثمّ نقله أبوه إلى الموضع الّذي كان به نمرود من ناحية كوثى.و قال بعضهم:كان مولده ب«حرّان»و لكنّ أباه تارخ نقله إلى أرض بابل.

و قال عامّة السّلف من أهل العلم:كان مولد إبراهيم في عهد نمرود بن كوش.و يقول عامّة أهل الأخبار:كان نمرود عاملا للأزدهاق الّذي زعم بعض من زعم أنّ نوحا عليه السّلام كان مبعوثا إليه على أرض بابل و ما حولها.[ثمّ ذكر ما حاصله:]

1-أنّ آزر رجل من أهل كوثى من قرية بالسّواد -سواد الكوفة-و كان معاصرا لنمرود الخاطئ الّذي يقال له:الهاصر،و كان ملكه قد أحاط بمشارق الأرض و مغاربها،و كان ببابل.

2-إنّ نمرود هو الضّحّاك نفسه،و إنّ إبراهيم خليل الرّحمن ولد في زمانه،و إنّه صاحبه الّذي أراد إحراقه.

3-إنّ أصحاب النّجوم أتوا نمرود،فقالوا له:تعلم أنّا نجد في علمنا أنّ غلاما يولد في قريتك هذه يقال له:

إبراهيم،يفارق دينكم و يكسّر أوثانكم في شهر كذا و كذا من سنة كذا و كذا.

4-ولادة إبراهيم و وضعه أمّه في المغارة و نموّه و رشده و تفكّره في خلق السّماوات و الأرض،و رؤيته كوكبا و قمرا و شمسا،و أفولها،فقال: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الأنعام:78، 79،و كسره الأصنام و محاجّته نمرود،و رمي إبراهيم في النّار،و برد النّار على إبراهيم.

5-و بعد ما صنع اللّه به آمن لوط و كان ابن أخيه، و هو لوط بن هاران بن تارخ،و هاران هو أخو إبراهيم، و كان لهما أخ ثالث يقال له:ناحور بن تارخ.

6-دعوة إبراهيم أباه آزر إلى دينه،فقال: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً مريم:42،فأبى أبوه الإجابة إلى ما دعاه إليه.و برأ إبراهيم من قومه عبدة الأصنام.

7-خروج إبراهيم مهاجرا إلى ربّه،و زواج إبراهيم ابنة عمّه سارة حتّى نزل«حرّان»،ثمّ خروجه منها مهاجرا حتّى قدم مصر و بها فرعون من الفراعنة،و ذكر ما جرى بينه و بين فرعون،و إهداء فرعون هاجر لسارة.

8-ما قال إبراهيم كذبا إلاّ في ثلاث:[و كلّها تورية]

1-قوله: إِنِّي سَقِيمٌ الصّافّات:89،و لم يكن به سقم.

2-قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ الأنبياء:63.

3-قوله لفرعون حين سأله عن سارة:من هذه المرأة معك؟قال:أختي.

9-خروج إبراهيم من مصر إلى الشّام،و نزوله بئر السّبع من أرض فلسطين و هي برّيّة الشّام،و نزول لوط بالمؤتفكة،و هي من بئر السّبع مسيرة يوم و ليلة، و حفره البئر و بنيانه مسجدا،و أذى أهل السّبع إبراهيم

ص: 98

حتّى خرج منها،و نزل بناحية من فلسطين بين الرّملة و إيليا ببلد يقال له:قط أو قط.

10-ضيافة إبراهيم كلّ من نزل به،و كان اللّه قد أوسع عليه و بسط له في المال و الرّزق و الخدم.

11-بشارة الملائكة بأن أعطاه اللّه ولدا:

فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ هود:71.

12-بناء إبراهيم البيت و موضع البيت.

13-إسكان إبراهيم إسماعيل و أمّه عند البيت و انصرافه إلى أهله بالشّام.

14-استئذان إبراهيم سارة أن يأتي هاجر و إسماعيل،و مجيئه مكّة حين كان إسماعيل قد خرج للصّيد و لقاؤه زوجة إسماعيل.ثمّ مجيء إبراهيم مرّة ثانية و لقاؤه زوجة إسماعيل الّتي تزوّجها إسماعيل بعد طلاق زوجته الأولى.

15-ابتلاء إبراهيم بذبح ابنه،و اختلاف العلماء في أنّ الذّبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق؟

(تاريخ الأمم و الملوك 1:162)

الثّعلبيّ: اختلف العلماء في الموضع الّذي ولد فيه، فقال بعضهم:كان مولده بالسّوس[إلى أن قال:]قال السّدّيّ:رأى نمرود في منامه كأنّ كوكبا طلع،فذهب بضوء الشّمس و القمر حتّى لم يبق لهما ضوء،ففزع من ذلك فزعا شديدا،و دعا السّحرة و الكهنة و القافة،و هم الّذين يخطّون في الأرض،و سألهم عن ذلك،فقالوا:هو مولود يولد في ناحيتك هذه السّنة يكون هلاكك و هلاك أهل بيتك على يديه،فأمر نمرود بذبح كلّ غلام يولد في تلك النّاحية تلك السّنة،و أمر بعزل الرّجال عن النّساء، و جعل على كلّ عشر رجلا رقيبا أمينا،فإذا حاضت المرأة خلّى بينه و بينها إذا أمن المواقعة،فإذا طهرت عزل الرّجل عنها.فرجع آزر أبو إبراهيم،فوجد امرأته قد طهرت من الحيض،فوقع عليها في طهرها فحملت بإبراهيم عليه السّلام.

قال محمّد بن إسحاق: بعث نمرود إلى كلّ امرأة حبلى بقريته،فحبسها عنده إلاّ ما كان من أمّ إبراهيم،فإنّه لم يعلم بحبلها،و ذلك أنّها كانت جارية حديثة السّنّ لم تعرف الحبل،و لم يبن في بطنها.

قال السّدّيّ:خرج نمرود بالرّجال إلى العسكر، و نحّاهم عن النّساء تخوّفا من ذلك المولود أن يكون، فمكث كذلك ما شاء اللّه،ثمّ بدت له حاجة إلى المدينة، فلم يأتمن عليها أحدا من قومه إلاّ آزر فدعاه،و قال له:

إنّ لي إليك حاجة أحبّ أنّي أوصيك بها،و لم أبعثك إلاّ لثقتي بك،فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك و لا تواقعها،فقال آزر:أنا أشحّ على ديني من ذلك، فأوصاه بحاجته،ثمّ بعثه فدخل المدينة و قضى حاجته، ثمّ قال:لو دخلت إلى أهلي فنظرت إليهم،فلمّا نظر إلى أمّ إبراهيم لم يتمالك حتّى وقع عليها،فحملت بإبراهيم عليه السّلام.

قال ابن عبّاس:لمّا حملت أمّ إبراهيم عليه السّلام قال الكهّان لنمرود:إنّ الغلام الّذي أخبرناك به قد حملت به امّه هذه اللّيلة،فأمر نمرود بذبح الغلمان.فلمّا دنت ولادة أمّ إبراهيم و أخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطّلع عليها فيقتل ولدها،فوضعته في نهر يابس،ثمّ لفّته في خرقة و وضعته في حلفاء و رجعت،فأخبرت زوجها

ص: 99

بابنها،و أنّها قد ولدت،و أنّ الولد في موضع كذا.

فانطلق أبوه فأخذه من ذلك المكان،و حفر له سردابا عند نهر،فواراه و سدّ عليه بابه بصخرة مخافة السّباع.

و كانت أمّه تختلف إليه فترضعه.

قال السّدّيّ: لمّا عظم بطن أمّ إبراهيم خشي آزر أن يذبح فانطلق بها إلى أرض بين الكوفة و البصرة،يقال لها:«وركاء»فأنزلها في سرب من الأرض،و جعل عندها ما يصلحها،و جعل يتعهّدها و يكتم ذلك من أصحابه،فولدت إبراهيم عليه السّلام في ذلك السّرب،فشبّ فكان و هو ابن سنة كابن ثلاث سنين،و صار من الشّباب بحالة أسقطت عنه طمع الذبّاحين،ثمّ ذكر آزر لأصحابه أنّ له ابنا كبيرا فانطلق به إليهم.

قال ابن إسحاق: و كان آزر سأل أمّ إبراهيم عن حملها ما فعل،فقالت:ولدت غلاما فمات،فصدّقها و سكت عنها،و كان اليوم على إبراهيم في الشّباب كالشّهر،و الشّهر كالسّنة،فلم يمكث إبراهيم عليه السّلام في المغارة إلاّ خمسة عشر يوما حتّى جاء إلى أبيه آزر، فاخبره أنّه ابنه و أخبرته بما كانت صنعت في شأنه، فسرّ آزر بذلك و فرح فرحا شديدا.

[ثمّ ذكر بابين:الباب الأوّل:في خروج إبراهيم من السّرب،و رجوعه إلى قومه و محاجّته إيّاهم في الدّين، و إلقائهم إيّاه في النّار،و ما يتعلّق بذلك.

الباب الثّاني:في ذكر مولد إسماعيل و إسحاق، و نزول إسماعيل و أمّه هاجر الحرم،و قصّة بئر زمزم.]

(44)

ابن كثير: هو إبراهيم بن تارخ«250»بن ناحور «148»بن ساروغ«230»بن راعو«239»بن فالغ «439»بن عابر«464»بن شالخ«433»بن أرفخشذ «438»بن سام«600»بن نوح عليه السّلام.هذا نصّ أهل الكتاب في كتابهم،و قد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهنديّ،كما ذكروه من المدّة،و قدّمنا الكلام على عمر نوح عليه السّلام،فأغنى عن إعادته.

و حكى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحاق بن بشر الكاهليّ صاحب كتاب المبتدأ:أنّ اسم أمّ إبراهيم«أميلة»ثمّ أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة.و قال الكلبيّ:اسمها«بونا» بنت كربنا بن كوثى من بني أرفخشذ بن سام بن نوح.

روى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنّه قال:كان إبراهيم عليه السّلام يكنّى أبا الضّيفان،قالوا:و لمّا كان عمر تارخ خمسا و سبعين سنة ولد له إبراهيم و ناحور و هاران،و ولد لهاران لوط.و عندهم أنّ إبراهيم هو الأوسط،و أنّ هاران مات في حياة أبيه في أرضه الّتي ولد فيها،و هي أرض الكلدانيّين،يعنون:أرض بابل.

و هذا هو الصّحيح المشهور عند أهل السّير و التّواريخ و الأخبار.

و صحّح ذلك الحافظ ابن عساكر بعد ما روى من طريق هشام بن عمّار عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن ابن عبّاس،قال:ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها:برزة،في جبل يقال له:

قاسيون.ثمّ قال:و الصّحيح أنّه ولد ببابل.و إنّما نسب إليه هذا المقام لأنّه صلّى فيه؛إذ جاء معينا للوط عليه السّلام.

قالوا:تزوّج إبراهيم سارة،و ناحور ملكا ابنة هاران

ص: 100

-يعنون بابنة أخيه-قالوا:و كانت سارة عاقرا لا تلد، و انطلق تارخ بابنه إبراهيم و امرأته سارة و ابن أخيه لوط ابن هاران،فخرج بهم من أرض الكلدانيّين إلى أرض الكنعانيّين،فنزلوا حرّان،فمات فيها تارخ و له مائتان و خمسون سنة.و هذا يدلّ على أنّه لم يولد بحرّان،و إنّما مولده بأرض الكلدانيّين،و هي أرض بابل و ما والاها.

[إلى أن قال:]و كلّ من كان على وجه الأرض كانوا كفّارا سوى إبراهيم الخليل و امرأته و ابن أخيه لوط،و كان الخليل عليه السّلام هو الّذي أزال اللّه به تلك الشّرور و أبطل به ذلك الضّلال،فإنّ اللّه سبحانه و تعالى آتاه رشده في صغره و أبعثه رسولا،و اتّخذه خليلا في كبره.[ثمّ ذكر ما حاصله:]

1-مناظرة إبراهيم الخليل مع الملك الجبّار المتمرّد الّذي ادّعى لنفسه الرّبوبيّة،فأبطل الخليل دليله،و بيّن كثرة جهله و قلّة عقله و ألجمه الحجّة،و أوضح له طريق الحجّة.

2-هجرة الخليل إلى بلاد الشّام ثمّ إلى الدّيار المصريّة و استقراره في الأرض المقدّسة.

3-مولد إسماعيل عليه السّلام.

4-مهاجرة إبراهيم مع ابنه إسماعيل و أمّه هاجر إلى جبال فاران-و هي أرض مكّة-و بناؤه البيت العتيق.

5-قصّة الذّبح و الذّبيح.

6-مولد إسحاق.

7-ثناء اللّه و رسوله الكريم على عبده و خليله إبراهيم: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124.

8-قصره في الجنّة:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ في الجنّة قصرا-أحسبه قال-:من لؤلؤة ليس فيه فصم و لا و هي؛أعدّه اللّه لخليله إبراهيم نزلا».

9-صفة إبراهيم:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«رأيت عيسى بن مريم و موسى و إبراهيم؛فأمّا عيسى فأحمر جعد عريض الصّدر،و أمّا موسى فآدم جسيم»قالوا له:فإبراهيم؟قال:«انظروا إلى صاحبكم»،يعني نفسه.

10-وفاة إبراهيم و ما قيل في عمره.

11-أولاد إبراهيم الخليل:أوّل من ولد له إسماعيل من هاجر القبطيّة المصريّة،ثمّ ولد له إسحاق من سارة بنت عمّ الخليل،ثمّ تزوّج بعدها قنطورا بنت يقطن الكنعانيّة،فولدت له ستّة:مدين،و زمران،و سرج، و يقشان،و نشق،و لم يسمّ السّادس.ثمّ تزوّج بعدها حجون بنت أمين فولدت له خمسة:كيسان،و سورج، و أميم،و لوطان،و ناقس.(البداية و النّهاية 1:139)

الفيروزآباديّ: قال المؤرّخون:هاجر إبراهيم عليه السّلام من العراق إلى الشّام،و بلغ عمره مائة و خمسا و سبعين سنة،و قيل:مائتي سنة،و دفن بالأرض المقدّسة.و قبره مقطوع به أنّه في تلك المربعة،و لا يقطع بقبر نبيّ و مكانه غير قبر نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و مكان قبر إبراهيم عليه السّلام.

و روينا في الصّحيحين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«اختتن إبراهيم عليه السّلام و هو ابن ثمانين سنة».

و في الصّحيحين مرفوعا:«أوّل الخلائق يكسى يوم

ص: 101

القيامة إبراهيم عليه السّلام».

و في صحيح مسلم:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«حين أسري بي و رأيت إبراهيم و أنا أشبه ولد به».

و فيه أيضا:أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:يا خير البريّة.قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«ذاك إبراهيم»،و هذا محمول على التّواضع؛لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنا سيّد ولد آدم».

و عند البخاريّ عن ابن عبّاس قال:كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النّار:«حسبي اللّه و نعم الوكيل».

و في الصّحيحين في حديث الإسراء و رؤيته الأنبياء،و أنّه رأى إبراهيم في السّماء السّادسة و أنّه رآه مسندا ظهره إلى بيت المعمور.

و روينا في الموطّأ عن سعيد بن المسيّب قال:كان إبراهيم النّبيّ عليه السّلام أوّل النّاس ضيّف الضّيف،و أوّل النّاس اختتن،و أوّل النّاس قصّ شاربه،و أوّل النّاس رأى الشّيب،فقال:يا ربّ ما هذا؟فقال اللّه تعالى:

وقار،فقال:يا ربّ زدني وقارا.و روينا في تاريخ دمشق بزيادة«و أوّل من استحدّ و قلّم أظفاره».

عن ابن مسعود قال:قال رسول اللّه:لقيت إبراهيم عليه السّلام ليلة أسري بي فقال:يا محمّد أقرئ أمّتك منّي السّلام و أخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة،عذبة الماء، و أنّها قيعان،و أنّ غراسها:سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر.قال التّرمذي:حديث حسن.

و في تاريخ دمشق:ولد إبراهيم بغوطة دمشق بقرية يقال لها:برزة.هكذا في هذه الرّواية.و الصّحيح أنّه ولد بكوثى من أرض العراق بإقليم بابل،و إنّما نسب إليه هذا للمقام ببرزة،لأنّه صلّى فيه لمّا جاء معينا للوط عليه السّلام.

و في التّاريخ المذكور:أنّ أبا إبراهيم آزر كان من أهل حرّان،و أنّ أمّ إبراهيم اسمها بونا،و قيل:نونا،و أنّ نمروذ حبسه سبع سنين،ثمّ ألقاه في النّار،و أنّه كان يدعى أبا الضّيفان،و تجارته كانت في البرّ،و أنّ النّار لم تنل منه إلاّ وثاقه لتنطلق يداه.و لمّا قال اللّه تعالى: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ الأنبياء:69،بردت النّار في ذلك الوقت على أهل المشرق و المغرب،و أنّ جبرئيل مرّ به حين ألقي في الهواء،فقال:يا إبراهيم أ لك حاجة؟فقال:

أمّا إليك فلا.

و عن عليّ رضي اللّه عنه:أنّ البغال كانت تتناسل، و أنّها كانت أسرع الدّوابّ في نقل الحطب لنار إبراهيم فدعا عليها فقطع اللّه نسلها.

و عن الحسن البصريّ في قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ البقرة:124.

قال:ابتلاه بالكوكب فوجده صابرا،و ابتلاه بالقمر فوجده صابرا،و ابتلاه بالشّمس فوجده صابرا،ثمّ ابتلاه بالنّار فوجده صابرا،ثم ابتلاه بذبح ولده فوجده صابرا.

و عن مجاهد:أنّ إبراهيم و إسماعيل حجّا ماشيين.

و عنه في قوله تعالى: ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ الذّاريات:24،إكرامهم،أنّه خدمهم بنفسه.

و في حديث مرفوع أنّه كان من أغير النّاس.و كان سبب وفاة إبراهيم أنّه أتاه ملك في صورة شيخ كبير يضيّفه،و كان يأكل و يسيل طعامه على لحيته و صدره،

ص: 102

فقال إبراهيم:يا عبد اللّه ما هذا؟قال:بلغت الكبر الّذي يكون صاحبه هكذا،قال:و كم أتى عليك؟قال مائتا سنة،و لإبراهيم يومئذ مائتا سنة،فكره الحياة لئلاّ يصير إلى هذه الحال،فمات بلا مرض.

قال بعض العلماء:توفّي إبراهيم و داود و سليمان عليهم السّلام فجأة،و كذلك موت الصّالحين،و هو تخفيف على المؤمن المراقب.(بصائر ذوي التّمييز 6:36)

رشيد رضا: إبراهيم هو الاسم العلم لخليل الرّحمن،أبي الأنبياء الأكبر من بعد نوح عليهم الصّلاة و السّلام،و يؤخذ من سفر التّكوين-و هو السّفر الأوّل من أسفار العهد العتيق-أنّه العاشر من أولاد سام بن نوح،و أنّه ولد في أور الكلدانيّين و هي بلدة من بلاد الكلدان،و«أور»بضمّ الهمزة و سكون الواو،و معناها في الكلدانيّة النّور أو النّار،كما قالوا.قيل:هي البلدة المعروفة الآن باسم«أورفاء»في ولاية حلب،كما رجّح بعض المؤرّخين.و قيل:غيرها من البلاد الواقعة في جزيرة العراق بين النّهرين.

و في أقطار العالم القديم بلاد و مواقع كثيرة مبدوءة أسماؤها بكلمة«أور»واقعة مع ما بعدها موقع المضاف من المضاف إليه،و أشهرها«أورشليم»لمدينة القدس، قالوا:إنّ معناها ملك السّلام،أو إرث السّلام ف«شليم» بالعبريّة هي السّلام بالعربيّة،و في بعض التّواريخ أنّه من قرية اسمها«كوثى»من سواد الكوفة.(7:534)

البستانيّ: هو إبراهيم بن تارح الملقّب بالخليل، من نسل سام بن نوح عليهما السّلام،فكان اسمه أبرام و أخواه ناحور و هاران.و هو جدّ العبرانيّين و العرب المستعربة من ابنه إسماعيل عليه السّلام،و غيرهما من الأمم القديمة،و في التّوراة تاريخ حياته.

و كان من سكّان البادية،بسيط المعيشة،شديد العزم،كريما محبّا للحرّيّة،عارفا بأصول الحرب،مبغضا للغزوات و السّلب،متمسّكا بعرى التّقوى و الطّاعة للّه تعالى،و أكثر أخباره متعلّقة بالمواعيد الّتي نالها: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ آل عمران:33.

ولد في سنة 1996 قبل الميلاد في أور الكلدانيّين في الجهة الشّرقيّة من البلاد الواقعة بين النّهرين.و ألهم تغيير عبادة بيت أبيه ببدل الأصناميّة بعبادة اللّه الأحد و إلى ترك بلاده،فأتى و سكن حرّان في غربيّ البلاد الواقعة بين النّهرين إلى أن مات تارح.«راجع سفر الأعمال،الإصحاح السّابع».

ثمّ ألهم الخروج من حرّان،و كان قد بلغ من السّنّ السّبعين،و أخذ لوطا معه و تاه في البوادي سنين كثيرة، و في أثنائها ذهب إلى مصر بسبب جوع بليت به البلاد.

و بعد ذلك قسّم الأرض بينه و بين لوط،فاختار لوط قسما منها و ترك له أرض كنعان،فسكن عند بلّوطة ممرا.

فولدت له هناك هاجر إسماعيل عليه السّلام،و بعد ولادته بثلاث عشرة سنة وعد بولادة إسحاق،و كان قد بلغ سنّ«99».و سمّي إبراهيم،و امرأته ساراي سمّيت «سارة»و أمر بالختان.

و بعد ولادة إسحاق طرد هاجر و ابنها،و بعد موت سارة تزوّج زوجة أخرى اسمها قطورة،و ولدت له أولادا.

ص: 103

أمّا الميعاد فعقد لإسحاق بالتّخصيص و إن كان أولاده الثّمانية أجداد أمم كثيرة فإنّه صرفهم عنه.

و مات إبراهيم بعد أن بلغ من السّنّ«175»سنة، و دفنه إسحاق و إسماعيل في مغارة المكفيلة في حقل عفرون بن صوحر الحثّي الواقع قبالة«ممرا»و موقعه في مدينة حبرون القديمة المسمّاة الآن ب«الخليل»و قد بني جامع في ذلك المكان.

أمّا نسله فهم الإسرائيليّون و العرب المستعربة و أولادهم الشّرق و أخصّهم المادّيّون،و ربّما كان العمونيّون و الموآبيّون أيضا منه.

و لا يلزم أن نطيل الشّرح عن أخباره و ما حدث له في الحروب و في مصر،فإنّ تفاصيل ذلك ترى في الإصحاح الحادي عشر من سفر التّكوين إلى نهاية الإصحاح،و ما يتبعه من الإصحاحات.

و في الإصحاح العشرين من سفر الأيّام دعي إبراهيم خليل اللّه في العدد السّابع،و هذا نصّه:

أ لست أنت إلهنا الّذي طردت سكّان هذه الأرض من أمام شعبك إسرائيل و أعطيتها لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد.

و قد سمّي بهذا الاسم في سفر أشعيا(الإصحاح 41 عدد 8)و في غيره.و تفصيلات تاريخه تطلب في باب العين من«العبرانيّون».(1:244)

محمّد إسماعيل إبراهيم:يعرف إبراهيم عليه السّلام بخليل اللّه،و بأبي الأنبياء،لأنّ من ذرّيّته أنبياء كثيرين، و قد آتاه اللّه سبحانه صحفا سمّيت في سورتي النّجم و الأعلى صُحُفِ إِبْراهِيمَ و دعا إلى الحنيفيّة،الّتي تدعو إلى التّوحيد،و هي المذكورة في قوله تبارك و تعالى: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ آل عمران:67.

ولد إبراهيم عليه السّلام بأرض بابل منذ آلاف السّنين، و هو من سلالة سام بن نوح،و كان أهل بابل يعبدون الكواكب و الأصنام،و يؤلّهون ملكهم نمرود بن كنعان، و كان آزر والد إبراهيم ينحت الأوثان لقومه،و يتولّى خدمتها.

و نشأ إبراهيم سليم العقيدة بعيدا عن الزّيغ و قد آتاه اللّه رشده فمقت الأوثان و حارب عبادتها،و دعا إلى نبذها و إلى عبادة اللّه الواحد الأحد،و بيّن لقومه أنّها لا تنفع و لا تضرّ،و لكنّهم أبوا و أصرّوا على ضلالهم، فانتهز إبراهيم فرصة عيد لهم خرجوا فيه للتّنزّه،و دلف إلى أوثانهم فحطّمها.فأمر الملك بحرقه،و لكن عناية اللّه تعالى حفظته من النّار المستعرة الّتي ألقوه فيها،و اضطرّ إلى الفرار من قومه،و هاجر هو و زوجته سارة إلى أرض الشّام،ثمّ إلى مصر،فأراد فرعون الاستحواذ على زوجته فصانها اللّه منه،فأطلق سراحها،و أهدى إليها جارية اسمها هاجر لخدمتها،ثمّ رحل إبراهيم إلى فلسطين،و أقام بها مع زوجته.

و لمّا كبر إبراهيم و لم يرزق الولد من زوجته سارة، وهبته جاريتها هاجر،فأنجبت له ولده إسماعيل عليه السّلام، و قد رحل إبراهيم بهاجر و ولدها إلى مكّة؛حيث كان موضع البيت الحرام فوق ربوة حمراء،فاتّخذ عليها إبراهيم مسكنا لهاجر،و تفجّرت عين زمزم إكراما لهما.

و قد زار إبراهيم مكّة مرّتين،و في المرّة الثّانية أمره

ص: 104

اللّه ببناء البيت،و ساعده ابنه إسماعيل في بنائه،و في ذلك يقول تبارك و تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ البقرة:127،و بينما هما منهمكان في عملهما هذا جاءهما جبريل،و أوصاهما بأداء فريضة الحجّ.

و يذكر بعض مؤرّخي العرب بعض القصص في هذا الصّدد،مضمونها:أنّ اللّه تعالى أمر آدم بإعادة بناء الكعبة في وادي مكّة الّتي كانت الملائكة قد شادتها فيه قبل خلق الانسان،و حينما طغى الطّوفان و طوى في لجّته كلّ ما على الأرض،رفعت الكعبة إلى السّماء حتّى إذا غاض الماء أعاد بناءها في مكانها السّابق إبراهيم و إسماعيل،و لمّا شاخ إبراهيم،و عجزت زوجته سارة و قد بلغت سنّ اليأس،أنعم اللّه عليهما و ولدت إسحاق عليه السّلام،و من ذرّيّته بنو إسرائيل.(25)

هاكس:أبرام أو إبراهيم:الأب الأكبر،و هو الّذي سمّي فيما بعد بأبراهام،أي أبو جماعة كثيرة،و يعتبر الأب الأكبر لليهود و بني إسرائيل و سائر القبائل العربيّة.

و أبوه هو ترخ أو تارخ أخو ناحور و حاران،من نسل سام بن نوح.

و ولد إبراهيم عام«1996»قبل الميلاد تقريبا في إحدى مدن الكلدانيّين تدعى«أور».و كان عمره حينما أمره اللّه بهجران قومه المشركين و الابتعاد عنهم،سبعين عاما.و انتقل حينذاك إلى حرّان في ملك الجزيرة مع زوجته سارة و أبيه تارخ و ابن أخيه لوط.و بعد مرور عدّة سنين على إقامته في حرّان و موت أبيه و دفنه فيها، انتقل إلى إحدى مدن أرض الميعاد بإلهام من اللّه مع زوجته و ابن أخيه،و توقّف في طريقه مدّة في«شكيم» و قدّم قربانا إلى اللّه كما هي عادته،و ظهر له اللّه و وعده بإرث هذه الأرض لذرّيّته.

و كان يتنقّل وراء الكلأ و الحشائش،و حينما أجدبت الأرض،انتقل إلى مصر،و عرّف زوجته هناك بأنّها أخته.و بعد ما أصبح إبراهيم صاحب مواش و أغنام كثيرة عاد ثانية إلى أرض كنعان،و أعطى أرض الأردنّ الخصبة لوطا و أقام هو نفسه في ناحية،و أطلق لوط و أعوانه من الأسر بعد عدّة سنين و باركه«ملكي صادق».

و ظهر له اللّه ثانية و وعده بأنّه سوف يكثّر ذرّيّته و يجعلهم بعدد نجوم السّماء،و لكنّهم سوف يكونون أسارى،و يرزحون تحت نير العبوديّة عند المصريّين مدّة«400»سنة.

و في تلك الحقبة أهدت سارة خادمتها المصريّة هاجر إلى إبراهيم لكي يدخل بها،و كانت سارة يومذاك عقيما،و بهذا أصحبت هاجر الزّوجة الثّانية لإبراهيم، و أنجبت له إسماعيل.و كان طلب سارة من إبراهيم لنكاح هاجر كطلب حوّاء من آدم لأكل الثّمرة.و كانت عواقب هذا الزّواج و خيمة؛إذ جرّت إلى مصائب عظيمة.

و بعد مرور ثلاث عشرة سنة ظهر له اللّه مرّة أخرى و طمأنه هذه المرّة بأنّ وارثه و ولده الموعود سيولد من زوجته سارة،و منذ ذلك الوقت غيّر اسم سارة إلى «سارا»و سنّ اللّه سنّة الختان.و التقى مع ثلاثة من الملائكة،و ضجّ إلى ملائكة اللّه و استغاث بهم في هذا

ص: 105

المكان لأجل سكّان سدوم.و سافر إلى جنوب جرّار، ذلك المكان الّذي ادّعى فيه بأنّ«سارا»هي أخته.

و حينما مضى من عمره الشّريف مائة عام ولد ابنه الموعود إسحاق في ذلك المكان،و كانت ولادته سببا في افتراق هاجر و ابنها إسماعيل عن إبراهيم.

و بعد مرور«25»سنة من عمر إسحاق امتحن اللّه إيمان إبراهيم و وضعه في بوتقة الاختبار؛إذ أمره اللّه بأخذ إسحاق ولده و وارثه إلى جبل موريا و تقديمه قربانا إلى اللّه.و بعد«12»سنة من هذه الحادثة توفّيت زوجته سارا،فاشترى إبراهيم مغارة المكفيلة و دفنها فيها.

و حينما بلغ إسحاق مبلغ الرّجال بعث وكيله ليخطب زوجة لابنه إسحاق من أقربائه الموحّدين الّذين كانوا يسكنون ملك الجزيرة.

و تزوّج إبراهيم أيضا«قطورة»و أنجب منها ستّة أولاد،أصبح كلّ واحد منهم فيما بعد أبا لطائفة خاصّة من العرب.

و في آخر دور الشّيخوخة من عمره الشّريف الّذي بلغ«175»سنة وافاه الأجل،و هو يرفل بالعزّ و الاحترام،فدفنه ابناه إسحاق و إسماعيل قرب«سارا» في نفس المغارة.(4)

الأصول اللّغويّة

1-قيل فيه:إنّه عربيّ أصله«أبرحيم»؛مركّب من «أب»و«رحيم»،ثمّ قلبت الحاء هاء،كما في مدح و مده،و كدح و كده.و فتحة الهمزة كسرة كما في الأصر و الإصر،و الأقط و الإقط.و زيدت ألف بين الرّاء و الهاء،فأصبح:إبراهيم.

و قيل:إنّه سريانيّ أصله«أبرحيم»أيضا؛مركّب من«أب»و«رحيم»،كالعربيّة.

2-و يلحظ أنّ القولين متّحدان،إلاّ أنّ الأوّل موجّه،فهو أقرب من الثّاني،فضلا عن أنّ الأب يطلق عليه في السّريانيّة«أبا»،و على الرّحيم«رحيما»، فيصبح عند التّركيب«أبا رحيما»و ليس«أبرحيم»كما قيل.

3-و للعبريّين رأي مخالف لكلا القولين،فهم يزعمون أنّه عبريّ،و أصله«أبرام»ثمّ سمّاه اللّه «أبراهام»أي أبو الجمهور،استنادا إلى ما ورد في التّوراة:

«أمّا أنا فهو ذا عهدي معك و تكون أبا لجمهور من الأمم.فلا يدعى اسمك بعد أبرام،بل يكون اسمك أبراهام.لأنّي أجعلك أبا لجمهور من الأمم».

(التّكوين:17،4 و 5).

4-و لكنّهم يسمّون أبا الجمهور«أب هامون» و ليس«أبراهام»،و لعلّ«أبراهام»محوّل عن أصله،و أنّ أصله لفظ«أب رهام»العربيّ،و يعني في العربيّة أبا الجمهور.فهل يعني هذا أنّ أصل إبراهيم عربيّ؟

5-و قد ورد بألفاظ مختلفة في اللّغات السّاميّة،ففي السّريانيّة ورد بلفظ:برهام،و أبرهم،و إبروهيم، و أبرم.و في العبريّة:أبراهام و أبرام.

6-و تكلّم العرب فيه بلغات عديدة،و هي:

إبراهيم،و هي أشهرها.و هذا اللّفظ معرّب«إبروهيم» السّريانيّ-بإبدال الواو ألفا للخفّة-،و«إبراهام».

و هذه اللّغة توافق العبريّة،سوى قلب فتحة الهمزة

ص: 106

كسرة.و كذلك:إبراهم و إبراهم و إبراهم،و إبرهم.

7-و قد اضطربت أقوال النّسّابين في لغات آباء إبراهيم،و خصوصا في حروفها المعجمة و المهملة؛ ف«تارخ»يروونه تارة بالحاء و تارة بالخاء،و الرّواية الأولى عبريّة،و الثّانية عربيّة.فمن خصائص العبريّة إقلاب الخاء حاء،نحو:أح بمعنى أخ،و حردل بمعنى خردل.فمن رواه بالحاء فإنّه جاء به على الأصل،و من رواه بالخاء فقد عرّبه.

و روي«ناخور»باختلاف في الخاء و الحاء كالأوّل.

و ورد«ساروغ»بألفاظ مختلفة عندهم،فقالوا فيه:

ساروج و شاروع و شاروغ،و في التّوراة سروج.

و«أرغو»كذلك،فقد جاء:راغوا و راعو و رعو.

و لغة الغين عربيّة و العين عبريّة،لأنّ الغين تقلب عينا في العبريّة كما في:صعير بمعنى صغير،و صباع بمعنى صبغ.

و«فالج»رووه بلغات:فالخ و فالع و فالغ.

و في«عابر»كان الاختلاف بين العين و الغين كما في «أرغو»فالعين أصيل و الغين بديل.و قد أورده ابن هشام في السّيرة بلفظ«عيبر»و هي رواية شاذّة.

و«شالخ»ورد بلفظ«شالح»أيضا،و هو كحكم تارخ و ناخور.

و قيل في«أرفخشذ»أرفخشد أيضا،و الأولى معرّبة؛فقلب الدّال ذالا شائع في كلّ اسم أعجميّ ينتهي بالدّال لقرب مخرجه،مثل:بغداذ،و كاغذ،و طبرزذ.

و ورد«أرفخشذ»في التّوراة بلفظ«أرفكشاد».

و زيادة الألف سائغ في العبريّة،كما في«براخ»بمعنى برك،و«أسار»بمعنى أسر،و«دام»بمعنى دوم.

8-و اتّخذ بعض المحقّقين المعاصرين كلمة«إبراهيم» ذريعة للقول بأنّ أغلب اللّغات العربيّة مأخوذة من العبريّة و السّريانيّة.و هو قول لا يعتدّ به البتّة؛لأنّه تعسّف عن الحقيقة.فالكلمة اليوم للتّحقيق و البحث؛إذ أنّ علماء اللّغات السّاميّة-الّتي منها العبريّة و السّريانيّة -يرون أنّ الكلمات العربيّة أقدم و أعرق من سائر أخواتها،حتّى إنّ كثيرا منهم جعلها أصل هذه اللّغات و ما سواها فرع منها.و نرى مصداق ذلك في وسعتها و كثرة مفرداتها.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

1-ورد في القرآن«27»اسما للأنبياء،منهم (إلياسين)بناء على كونه غير(إلياس)النّبيّ،و منهم (لقمان)بناء على أنّه بعث-كما روي-إلى قومه في آخر حياته،و منهم نبيّنا المسمّى في القرآن(محمّد)و(أحمد).

و قد أشار تعالى إلى هؤلاء الأنبياء بقوله: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ المؤمن:78،لاحظ مادّة«ق ص ص».

2-و أكثر من تردّد اسمه منهم في القرآن هو موسى؛ فقد ذكر اسمه«136»مرّة،و أقلّ من ذكر اسمه فيه (إلياسين)و(أحمد)؛حيث ورد كلّ منهما مرّة واحدة، و ينحصر عدد أسماء سائر الأنبياء بين هذين الرّقمين.

أمّا إبراهيم فقد تكرّر اسمه«69»مرّة،و هو أكبر رقم بعد اسم موسى.و هذا يدلّ على شدّة اهتمام القرآن بشأنه،لأنّ حياته كانت حافلة بالأحداث و مسيرته وقف لهداية العباد،فيليق بالوحي الإلهيّ و القرآن

ص: 107

العظيم أن يحدّث بها و يهتمّ بشأنها؛فقد جاء ذكره في «25»سورة،و عرضت وقائع حياته في«200»آية تقريبا مكّيّة و مدنيّة.

و قد أجرينا إحصاء لذلك في الجدول الآتي،معتمدين على كتاب«الجامع لمواضيع آيات القرآن»274-283.

ص: 108

3-و إنّ أسماء الأنبياء الّتي وردت في القرآن غير عربيّة،سوى(محمّد)و(أحمد)و(صالح)،و قيل:أسماء أخرى غيرها.و قد اختلفت أقوال المفسّرين و المؤرّخين و اللّغويّين في الكثير منها كما مرّ في«إبراهيم»،ممّا أدّى إلى التّباين في تبويبها من قبل أصحاب المعاجم.و لم ينحصر هذا الاختلاف بين معجم و آخر فحسب،بل سرى في المعجم الواحد كما في«المعجم المفهرس لألفاظ القرآن»و«معجم الألفاظ و الأعلام القرآنيّة»و غيرهما، فهم لم ينتهجوا أسلوبا واحدا في التّبويب.و كان ينبغي عليهم ترتيب الأعلام الأعجميّة طبق حروفها الثّلاثة الأولى دون طريقة الأصول.و فيما يلي قائمة بأسماء بعض الأنبياء؛توضّح مدى التّباين في فهرستها:

اللّفظ\الجذر\اللّفظ\الجذر

داود\د و د\إسماعيل\أ س م ع

سليمان\س ل م\إلياس\أ ل ي

إدريس\د ر س\إلياسين\أ ل ي

ذو الكفل\ك ف ل\أيّوب\أ ي و

إسحاق\س ح ق\هارون\ه أ ر

اليسع\ي س ع\لقمان\ل ق م

آدم\أ د م\يوسف\ي و س

يحيي\ح ي ي\يعقوب\ي ع ق

عيسى\ع ي س

فقد روعي في العمود الأوّل عين الألفاظ،و روعي في العمود الثّاني الجذور المزعومة لها.و نحن لا نرى وجها لذلك،و لهذا فقد التزمنا في غير ما يعلم كونه عربيّا نفس الألفاظ،دون الأخذ بالجذور المزعومة.

4-و قد عرض القرآن مقتطفات من حياة إبراهيم في النّواحي التّالية:

أوّلا:توحيد الرّبّ،و رفض الشّرك،و احتجاجه على ذلك:

أ-احتجاجه:البقرة:258،الأنعام:74،76، 77،78،79،80،مريم:42،43،44،45،46، 47،48،49،الأنبياء:51،52،53،54،55،56، الشّعراء:70،71،72،73،74،75،76،77،78، 79،80،81،82،العنكبوت:16،17،18،19، 20،21،22،23،24،25،26،الصّافّات:85، 86،87،88،89،90،الزّخرف:26،27، الممتحنة:4.

ب-اعتزال قومه و ما يدعون من دون اللّه.

الصّافّات:99.

ج-تحطيم الأصنام:الصّافّات:91،92،93، 94،95،96،97،98.

ثانيا:صفاته و مواهبه:

أ-كان حنيفا مسلما و لم يكن مشركا.آل عمران:

67،95،النّساء:125،الأنعام:79،161،النّحل:

120،الحجّ:78.

ب-ما كان يهوديّا و لا نصرانيّا.البقرة:140، آل عمران:65،66،67.

ج-إنّه حليم أوّاه منيب.التّوبة:114،هود:75.

د-إنّه كان صدّيقا نبيّا.مريم:41.

ه-إنّه من المحسنين.الصّافّات:105.

ص: 109

و-إنّه كان أمّة قانتا شاكرا.النّحل:120،121.

ز-و اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا.النّساء:125.

ح-جعل له لسان صدق.الشّعراء:84.

ط-آتاه في الدّنيا حسنة و هو في الآخرة من الصّالحين.البقرة:130،النّحل:121،العنكبوت:27.

ي-آتاه رشده:الأنبياء:51.

ك-جعله للنّاس إماما:البقرة:124.

ل-ابتلاؤه بكلمات:البقرة:124.

م-إراءته ملكوت السّماوات و الأرض:الأنعام:75.

ن-إراءته كيف يحيي اللّه الموتى:البقرة:260.

س-أولى النّاس به:آل عمران:68.

ع-جعل النّار عليه بردا و سلاما و نجاته إلى الأرض المباركة:العنكبوت:24،الصّافّات:97.

ف-صحف إبراهيم:الأعلى:19.

ص-طلبه من اللّه أن يهب له حكما و يلحقه بالصّالحين و يجعل له لسان صدق:الشّعراء:82،83، 84،85،86،87،الصّافّات:100.

ثالثا:اهتمامه بذرّيّته:

أ-طلبه أن تكون الإمامة في ذرّيّته:البقرة:124.

ب-وهب له إسحاق و يعقوب و سائر الأنبياء:

الأنعام:84،مريم:49،50،الأنبياء:72،العنكبوت:

27،الصّافّات:113،الحديد:26.

ج-شكره للّه لكونه وهب له على الكبر إسماعيل و إسحاق:إبراهيم:39.

د-دعاؤه لذرّيّته و إسكانهم بواد غير ذي زرع:

البقرة:127،إبراهيم:35،36،37،40.

ه-وصيّته لبنيه بالإسلام:البقرة:132.

و-دعاؤه أن يبعث فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:البقرة:

129.

ز-الشّروع بذبح ولده:الصّافّات:103.

رابعا:اهتمامه بوالديه:

أ-استغفاره لأبيه:التّوبة:114،مريم:47، الشّعراء:86،الممتحنة:4.

ب-استغفاره لوالديه:إبراهيم:41.

خامسا:اهتمامه بالكعبة:

أ-بناء البيت:البقرة:127.

ب-تطهير البيت و مقام إبراهيم:البقرة:125، الحجّ:26.

ج-دعاؤه أن يجعله بلدا آمنا:البقرة:125، إبراهيم:35.

د-تأذينه بالحجّ:الحجّ:27.

سادسا:ضيوفه من الملائكة و احتجاجه في قوم.

لوط:

أ-نزول الملائكة عليه و تبشيره بالولد:هود:69، 70،71،72،73،74،الحجر:51،52،53،54، 55،56،العنكبوت:31،الصّافّات:101،112، الذّاريات:24،25،26،27،28،29،30.

ب-احتجاجه في قوم لوط:هود:74،75،76، الحجر:57،58،59،60،العنكبوت:31،32، الذّاريات:31،32،33،34،35،36،37.

سابعا:أدعية إبراهيم.لاحظ الطّباطبائيّ(1:280)

ثامنا:ما في دين إبراهيم من الأحكام.الطّباطبائيّ

ص: 110

(7:213)

تاسعا:سيره الرّوحانيّ.الطّباطبائيّ(1:289)

عاشرا:شخصيّة إبراهيم و تاريخ حياته.الطّباطبائيّ (7:215)

الحادي عشر:هل كان أبوه مشركا؟لاحظ «آزر»من هذا المعجم.

الثّاني عشر:منزلته عند اللّه.الطّباطبائيّ (7:215)

الثّالث عشر:أثره في المجتمع البشريّ.الطّباطبائيّ (7:219)

الرّابع عشر:مقايسته بين القرآن و التّوراة بشأن إبراهيم و قصصه.الطّباطبائيّ(7:234)

الخامس عشر:إبطال ما في التّوراة ممّا يليق بالأنبياء.الطّباطبائيّ(7:225)

السّادس عشر:بحث حول احتجاج إبراهيم على عبدة الأصنام و عبدة الشّمس.الطّباطبائيّ(7:215)

السّابع عشر:بحث حول عبدة الأصنام و الصّابئة.

الطّباطبائيّ(7:236)،إلى غير ذلك من الأبحاث.

ص: 111

ص: 112

أباريق

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. الواقعة 17،18

ابن عبّاس: أباريق:إنّه من غير لسان العرب.(الجواليقيّ:53)

مجاهد:الأباريق:ما كان لها آذان.

(الطّبريّ 27:174)

الضّحّاك: الأباريق:هي الّتي لها عرى.

(الطّبريّ 27:175)

أبو صالح:الأباريق:ذوات الخراطيم.

(الطّبريّ 27:174)

الخليل: الأباريق:جمع إبريق.(5:157)

الفرّاء: الأباريق:ذوات الآذان و العرى.

(3:123)

اللّحيانيّ: الإبريق:المرأة الحسناء،البرّاقة اللّون.

(الزّبيديّ 6:286)

2Lالدّينوريّ: الإبريق هو الكوز أو مثل الكوز،و هو في كلّ ذلك فارسيّ،و في التّنزيل: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17.(الزّبيديّ 6:286)

كراع النّمل:الإبريق:السّيف،سمّي به لفعله.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 6:397)

الإبريق:هو الكوز.و السّيف البرّاق،أي الشّديد البريق.(الزّبيديّ 6:286)

ابن دريد: سيف إبريق:كثير الماء،و جارية إبريق:برّاقة الجسم،و الإبريق المعروف فارسيّ معرّب.

(3:376)

ابن فارس: يقال للسّيف و لكلّ ما له بريق:

إبريق،حتّى إنّهم يقولون للمرأة الحسناء البرّاقة:إبريق.

(1:222)

الثّعالبيّ: الإبريق:من أسماء الأواني الّتي تفرّدت به الفرس دون العرب،فاضطرّت العرب إلى تعريبها أو تركها كما هي.(305)

ص: 113

فإذا كان له[السّيف]بريق فهو إبريق.(251)

ابن سيده: و سيف إبريق:كثير اللّمعان في الماء.

و الإبريق من الأواني،فارسيّ معرّب.

(6:397،401)

الإبريق:إناء للشّرب ذو عروة.الجمع:

أباريق.(الإفصاح 1:474)

الإبريق:وعاء له أذن و خرطوم ينصب منه السائل،معرّب«آب ري»،الجمع:أباريق.

(الإفصاح 1:587)

سيف إبريق:كثير الماء.و البارقة:السّيوف للمعانها.(الإفصاح 1:592)

الطّوسيّ: الّتي لها عرى و خراطيم واحدها إبريق.

(9:493)

الرّاغب: الإبريق معروف و تصوّر من البرق ما يظهر من تجويفه فقيل:برق فلان و رعد و أبرق و أرعد إذا تهدّد.(44)

الزّمخشريّ: الأباريق:ذوات الخراطيم(4:53)

الجواليقيّ: الإبريق:فارسيّ معرّب.و ترجمته من الفارسيّة أحد شيئين:إمّا أن يكون طريق الماء،أو صبّ الماء على هينة.و قد تكلّمت به العرب قديما.(71)

الطّبرسيّ: هي الّتي لها خراطيم و عرى،و هو الّذي برق من صفاء لونه.(5:216)

الفخر الرّازيّ: الإبريق:له عروة و خرطوم.

ما الفرق بين الأكواب و الأباريق و الكأس؛حيث ذكر الأكواب و الأباريق بلفظ الجميع،و الكأس بلفظ الواحد،و لم يقل:و كئوس؟

نقول:هو على عادة العرب في الشّرب،يكون عندهم أوان كثيرة فيها الخمر معدّة موضوعة عندهم.

و أمّا الكأس فهو القدح الّذي يشرب به الخمر إذا كان فيه الخمر،و لا يشرب واحد في زمان واحد إلاّ من كأس واحد.و أمّا أواني الخمر المملوءة منها في زمان واحد فتوجد كثيرا.

فإن قيل:الطّواف بالكأس على عادة أهل الدّنيا، و أمّا الطّواف بالأكواب و الأباريق فغير معتاد،فما الفائدة فيه؟

نقول:عدم الطّواف بها في الدّنيا لدفع المشقّة عن الطّائف لثقلها،و إلاّ فهي محتاج إليها،بدليل أنّه عند الفراغ يرجع إلى الموضع الّذي هي فيه،و أمّا في الآخرة فالآنية تدور بنفسها،و الوليد معها إكراما لا للحمل.

و فيه وجه آخر من حيث اللّغة،و هو أنّ الكأس إناء فيه شراب فيدخل في مفهومه المشروب،و الإبريق آنية لا يشترط في إطلاق اسم الإبريق عليها أن يكون فيها شراب.

و إذا ثبت هذا فنقول:الإناء المملوء؛الاعتبار لما فيه لا للإناء،و إذا كان كذلك فاعتبار الكأس بما فيه،لكن فيه مشروب من جنس واحد،و هو المعتبر،و الجنس لا يجمع إلاّ عند تنوّعه.فلا يقال للأرغفة من جنس واحد:أخباز،و إنّما يقال:أخباز،عند ما يكون بعضها أسود و بعضها أبيض،و كذلك اللّحوم يقال عند تنوّع الحيوانات الّتي منها اللّحوم،و لا يقال للقطعتين من اللّحم:لحمان.و أمّا الأشياء المصنّفة فتجمع،فالأقداح و إن كانت كبيرة لكنّها لمّا ملئت خمرا من جنس واحد لم

ص: 114

يجز أن يقال لها:خمور،فلم يقل:كئوس،و إلاّ لكان ذلك ترجيحا للظّروف؛لأنّ الكأس من حيث إنّها شراب من جنس واحد لا يجمع واحد فيترك الجمع ترجيحا لجانب المظروف،بخلاف الإبريق،فإنّ المعتبر فيه الإناء فحسب.و على هذا يتبيّن بلاغة القرآن حيث لم يرد فيه لفظ الكئوس؛إذ كان ما فيها نوع واحد من الخمر.و هذا بحث عزيز في اللّغة.(29:150)

القرطبيّ:الإبريق:المستطيل العنق،الطّويل العروة.(16:114)

الأباريق:الّتي لها عرى و خراطيم،واحدها:

إبريق،سمّي بذلك لأنّه يبرق لونه من صفائه.

(17:203)

نحوه النّيسابوريّ.(27:78)

البيضاويّ: الإبريق:إناء له عروة و خرطوم.

(2:446)

مثله أبو السّعود(5:130)،و المراغيّ(27:135)، و القاسميّ(16:5649)،و الآلوسيّ(27:136).

أبو حيّان: إفعيل من البريق،و هو إناء للشّرب له خرطوم،قيل:و أذن،هو من أواني الخمر عند العرب.(8:200)

الفيّوميّ:الإبريق:فارسيّ معرّب،و الجمع:

الأباريق.(1:45)

نحوه الطّريحيّ.(5:137)

الفيروزآباديّ: الإبريق:معرّب«آب ري»، جمعه:أباريق،و السّيف البرّاق،و القوس فيها تلاميع، و المرأة الحسناء البرّاقة.(3:218)

2Lالطّباطبائيّ: الأباريق:جمع إبريق،و هو الإناء الّذي له خرطوم،و قيل:عروة و خرطوم معا.

(19:122)

خليل ياسين: ما الفرق بين الأكواب و الأباريق و الكأس؟و لم أفرد الكأس و جمع الأكواب و الأباريق؟

ما يشرب منه فهو كأس إذا كان فيه الشّراب،و إلاّ فهو كوب.و الأباريق أواني يوضع فيها الشّراب ثمّ يصبّ منها في الكوب،و إنّما أفرد الكأس لأنّ الكوب بما فيه يسمّى كأسا،و لمّا كان الشّراب في الأكواب من جنس واحد لا يجمع؛لأنّه لا يقال للأرغفة إذا كانت من جنس واحد:أخباز.(2:243)

محمّد إسماعيل إبراهيم: إبريق:إناء له أذن و خرطوم،ينصبّ منه السّائل مثل الكوز،و الجمع:

أباريق.و ترد كلمة إبريق في مادّة«برق»في المعاجم اللّغويّة برغم أنّها من الفارسيّ المعرّب،و أصلها «آبريز».(1:26)

المصطفويّ: قد ظهر أنّ لغات«برق،إبريق، استبرق»،أصلها فارسيّة،و قد عرّبت،و ليست مأخوذة من هذه المادّة.[ب ر ق]

برق:معرّبة من كلمة«برّة».

إبريق:معرّبة من كلمة«آبريز».

استبرق:معرّبة من كلمة«استبره».

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ الواقعة:17،18،أي بآنية مصوغة لصبّ الماء و الغسل،منها عند الغذاء و الطّعام.

يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ الدّخان:53،

ص: 115

مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ الرّحمن:54.

يقال:السّندس:اللّطيف من الدّيباج،و الاستبرق:

الضّخيم منه،و لم أجد مأخذا له في كتب اللّغة.

و لا يبعد أن نقول:إنّ البرق يطلق على الحمل،و هو الصّغير من الضّأن؛لظرافته و حسن خلقه،و لطف صورته،كما يطلق الإبريق على المرأة الحسناء.

و أمّا الإبريق فيطلق على إناء يصبّ منه الماء؛ لكونه مصنوعا من فلزّ أبيض برّاق.

و أمّا الاستبرق فيطلق على لباس مأخوذ من ديباج يبرق و يلمع،و هو منقول من«فعل»،و أصله:

استبرق،أي طلب بتلبّسه هذا اللّباس البرق و اللّمعان، ثمّ جعل اسما لهذا المنسوج.فعلى هذا تكون هذه اللّغات أيضا من تلك المادّة.(1:241)

الأصول اللّغويّة

1-أطبقت أكثر الأقوال و النّصوص على أنّ أباريق جمع إبريق،و هو لفظ فارسيّ معرّب«آب ريز»،أي ما يراق منه الماء.و شذّ قول أبي عبيدة حيث جعله عربيّا؛تحرّجا من وجود غير العربيّ في القرآن،محتجّا بقوله تعالى: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3، فقد ثبت أنّ وجود المعرّبات في القرآن لا يقدح في كونه عربيّا فإنّ المعرّبات تعدّ جزء من تراث اللّغة العربيّة جريا على طبيعة التّطوّر اللّغويّ.و يشهد بذلك أنّ أباريق و مثيلاتها هي من ملامح التّحضّر و الرّفاهيّة؛ممّا لم يكن مألوفا عند عرب الجاهليّة أصلا،و إنّما اكتسبوها من اختلاطهم بالأمم المتحضّرة،و لذلك نجد هذه الألفاظ في أشعار الجاهليّين الّذين كانوا يلمّون-بين الفينة و الأخرى-بالمدن الواقعة تحت تأثير الحضارة الفارسيّة و عاداتها،و لا نجدها في صحيح أشعار أهل البادية الّذين لم يكونوا يطرءوا على تلك المدن.فهي فارسيّة الأصل،عربيّة الجرس و الاستعمال و التّصريف.

2-و لقد أخطأ من جعل اللّفظة تحت باب«برق» توهّما منه أنّ التّسمية اشتقّت من اللّمعان الملحوظ في «الإبريق»،و عليه كانت اللّفظة عربيّة لا معرّبة،و لكن لا سبيل لإثبات ذلك.علما بأنّ الإبريق يكون إبريقا من مجرّد كونه طويل العنق،ذا خرطوم و عرى؛سواء أ كان صافي اللّون برّاقا أم لم يكن.و مع ذلك فقول ابن فارس:

«كلّ ما له بريق إبريق»،و الطّبرسيّ:«هو الّذي برق من صفاء لونه»و الرّاغب:«و تصوّر من البرق ما يظهر من تجويفه»،و القرطبيّ:«سمّي بذلك لأنّه يبرق لونه من صفائه»،يشعر بوجود العلاقة عندهم بين الأباريق و البرق.

و عليه فهو مشتقّ من البريق من قولهم:جارية إبريق،إذا كانت برّاقة الجسم،و يقولون للمرأة إذا تحسّنت:أبرقت،و يقال للسّيف:إبريق،إذا كان شديد البريق،فإبريق«إفعيل»و المختار هو الأوّل.و الاختلاف في شكل الإبريق في كونه طويل العنق أو غيره،و له عروة أو عرى و آذان إلى غير ذلك؛لعلّه جاء من اختلاف صورها في البلدان فوصف كلّ منهم ما اعتاده في بلده.

ص: 116

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

1-إذا صحّ القول إنّ أباريق ذات أصل فارسيّ،فإنّ القرآن قد استعملها مع كلمات معرّبة أخرى هي (أكواب)و(كأس)،ليقرّب إلى أذهان القوم صورة من صور الجنّة؛لأنّهم كانوا يسمعون بمجالس الفرس و الرّوم،و يطمحون إلى أن يكون لهم مثلها؛فوصفت مجالس أهل الجنّة بما يشبه ما يدور في خلدهم عن مجالس التّرف و الأبّهة.

2-و جاء أباريق في القرآن مرّة واحدة مع(أكواب) و(كأس)،و جاء(أكواب)«4»مرّات:مرّة مع(أباريق) و(كأس)،و«3»مرّات بدونهما.

و جاء(كأس)«6»مرّات:مرّة معهما و«5»مرّات بدونهما،على النّحو الآتي:

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الواقعة:17،18.

وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا الدّهر:15.

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ

الزّخرف:71.

فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ* وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ

الغاشية:13،14.

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الصّافّات:45.

إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً

الدّهر:5.

وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً

الدّهر:17.

يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ

الطّور:23.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً* وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ:31-34.

3-و يلاحظ أنّ(أباريق و أكوابا)وردا جمعا دائما، و(كأسا)ورد مفردا،الأمر الّذي أثار التّساؤل حول مغزى ذلك،فعلّلوه تارة بأنّ(كأسا)اسم جنس يعمّ الجمع و المفرد،و أريد بهذا العموم بيان الفرق بين ما يدور في مجالس الملوك-حيث الخدم و الأكواب و الكئوس -و بين ما يدور في الجنّة-حيث الولدان المخلّدون و أكواب و أباريق و كأس من معين-،و هذا ليس بشيء.

و علّلوه تارة أخرى بأنّ الكأس لا يكون كأسا إلاّ إذا كان فيه شراب،و الشّراب جنس واحد،فباعتباره لا يكون هنا كئوس بل كأس،و هذا تعليل الرّازيّ في كلام طويل.

و تارة قالوا:إنّ ذلك على عادة أهل الشّرب؛فإنّهم يجعلون الخمر في أباريق متعدّدة و يشربون بكأس واحدة.لاحظ البروسويّ(9:322).

4-و جمع أباريق و أكواب يحكي لنا كثرة الخدم لأهل الجنّة،و صنوف المشروبات،بما يمثّل سعة العيش و الرّفاهيّة مع الأبّهة و العظمة،فهذا الجمع يوازي جمع (ولدان)أي في يد كلّ منهم إبريق و كأس و كوب،أو أنّ في يد كلّ واحد واحدا من تلك الثّلاثة،فهذا يحمل إبريقا و ذاك كوبا و الثّالث كأسا.

5-و ممّا فرّقوا به بين أباريق و أكواب،أنّ الأباريق لها خرطوم و آذان.أمّا الأكواب فهي مثل الكوز،أو أنّ الكوب إناء مستدير كالقدح و ليس بكوز،أو هما إناءان

ص: 117

كبيران ثابتان في مكان،و الكأس هي الّتي تدار على الضّيوف.و هذا مردود بقوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الواقعة:17،18،و لكنّ المعنى المذكور ورد في قوله: وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ الغاشية:14،ممّا يفيد أنّ الأكواب تارة يطاف بها عليهم من قبل الولدان المخلّدين الّذين يسقونهم بالكأس من الأكواب و الأباريق،و تارة أخرى توضع أمامهم ليكونوا هم المباشرين في الصّبّ حيث ما يشتهون.و كيف كان فالجمع بين الثّلاثة في الآية دليل على اختلافها صورة و أثرا.

6-و جاءت الألفاظ الثّلاثة نكرة دائما و تفخيما إشارة إلى أنّها لا يدرك كنهها،و لا مثيل لها في مجالس أهل الدّنيا مهما كانوا من التّرف و الشّرف؛فهي كسائر ما في الجنّة تكون ممّا لا عين رأت،و لا أذن سمعت،و لا خطر على بال بشر.

7-و هذا المعنى بعينه يتجلّى في مجيء(ولدان)و (غلمان)الّذين يطوفون على أهل الجنّة بلفظ النّكرة أيضا في القرآن:

وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً الدّهر:19.

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الواقعة 17،18.

وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ الطّور:24.

8-و جاءت(أكواب)في آية الواقعة:18،مع (اباريق)و(كأس)،و في الدّهر:15،مع(آنية من فضة)، و في الزّخرف:71،مع(صحاف من ذهب)،و في الغاشية:14،(موضوعة)بلا طواف.كما أنّ الكأس جاءت بأوصاف جميلة يرغب فيها كلّ من يراها و يسمع بها.و في كلّ ذلك لطف،و كذا في اختلاف التّعابير و الأساليب تنوّع و تفنّن و حلاوة لا تخفى على اللّبيب،و يتذوّقها الأديب.

9-و الآيات المذكورة مبنيّة على فكرة الطّواف؛ حيث الولدان يطوفون كأنّهم الطّيف السّاري،و لفظة (عليهم)تفيد وقوف(الولدان)و جلوس أهل الجنّة،بل و في انتقاء الألفاظ أيضا ما بين عربيّة أصيلة كالطّواف و المعين الدّالاّن على الجريان و الدّوران و الانتقال، و ما بين غير عربيّة كالألفاظ الثّلاثة؛فكأنّ النّصّ أيضا قد(طاف)في أرجاء الدّنيا،و انتقى ألفاظه المكوّنة له، و هذا من ضروب التّماسك اللّفظيّ و الدّلاليّ في الصّياغة القرآنيّة المعجزة.

10-و آية الواقعة هي الآية الوحيدة الّتي جمعت بين الألفاظ الثّلاثة،كما أنّها الوحيدة في التّصريح بأنّ (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) يطوفون عليهم بهذه الأواني،أمّا سائر الآيات ففي بعضها حذف الطّواف،و في بعض آخر حذف الفاعل(يطاف عليهم)،و في أخرى ذكر اللّفظان دون الأواني(الدّهر:15،و الطّور:24).و في كلّ ذلك تنويع و تفخيم و تمثيل لحياة أهل الجنّة.رزقنا اللّه إيّاها.

11-و إذا صحّ أنّ(اكوابا)أوسع و أكبر من(اباريق) كنسبتها مع(كأس)،فالسّرّ في هذا التّركيب يكاد يكون واضحا؛حيث قدّم الأكبر على الأصغر،مع ما فيه من التّوالي في الجرس«أفعال،أفاعيل،فعل»باختلاف الحركات و ما فيه من صعود و نزول في الصّوت،ففيه أيضا ضرب من التّماسك اللّفظيّ و الدّلاليّ.

ص: 118

أ ب ق

اشارة

أبق

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأبق:قشر القنّب.

و الإباق:ذهاب العبد من غير خوف و لا كدّ عمل، و الحكم فيه أن يردّ،فإذا كان من كدّ عمل أو خوف لم يردّ.(5:231)

أبو عبيدة: أبق:فزع.(ابن الجوزيّ 7:86)

أبو زيد: تأبّق:تباعد.(16)

تأبّق الرّجل:استتر.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 1:38

المبرّد: أصل أبق تباعد،و منه:غلام آبق.(القرطبيّ 15:122)

ثعلب: الأبق هو الكتّان.(الجوهريّ 6:296)

الزّجّاج: أبق:هرب.(ابن الجوزيّ 7:86)

ابن دريد: أبق الغلام يأبق أبقا،و أبق يأبق أبقا، إذا ذهب،و الاسم:الإباق،فهو آبق.(3:209)

الأزهريّ: الإباق:هرب العبد من سيّده،يقال:

أبق العبد يأبق إباقا فهو آبق،و جمعه:أبّاق.(9:355)

نحوه الطّباطبائيّ(17:163)،و النّيسابوريّ (23:67).

الجوهريّ: أبق العبد يأبق و يأبق إباقا،أي هرب، و تأبّق:استتر،و يقال:احتبس.

و الأبق بالتّحريك:القنّب.(4:1445)

ابن فارس: الهمزة و الباء و القاف يدلّ على إباق العبد،و التّشدّد في الأمر؛أبق العبد يأبق أبقا و أبقا، و يقال:عبد أبوق و أبّاق.

قال بعضهم:يقال للرّجل:إنّ فيك كذا،فيقول:

«أما و اللّه ما أتأبّق»،أي ما أنكر.و يقال له:يا ابن فلانة، فيقول:«ما أتأبق منها»،أي ما أنكرها.

ص: 119

قال أبو زياد: الأبق:نبات تدقّ سوقه حتّى يخلص لحاؤه،فيكون قنّبا.(1:38)

الثّعالبيّ: لا يقال للعبد:آبق،إلاّ إذا كان ذهابه من غير خوف و لا كدّ عمل،و إلاّ فهو هارب.(51)

الهرب عامّ،و الإباق للعبيد خاصّ.(312)

ابن سيده: أبق العبد يأبق،و يأبق أبقا و إباقا فهو آبق،و جمعه:أبّاق.و أبق،و تأبّق:استخفى ثمّ ذهب.

و تأبّقت النّاقة:حبست لبنها.

و الأبق:القنّب.و قيل:قشره،و قيل:الحبل منه.

(6:479)

أبق العبد يأبق أبقا،و أبق يأبق أبقا و إباقا:هرب من سيّده من غير خوف و لا كدّ عمل،أو استخفى ثمّ ذهب؛فهو آبق و أبوق،و الجمع:أبّق و أبّاق.

و قيل:إن أبق من المصر فهو الإباق.

(الإفصاح 1:173)

الطّوسيّ: الإباق:الفرار؛فالآبق:الفارّ إلى حيث لا يهتدي إليه طالبه؛يقال:أبق العبد يأبق إباقا فهو آبق،إذا فرّ من مولاه.

و الآبق و الهارب و الفارّ واحد.(8:528)

نحوه الطّبرسيّ.(3:457)

الرّاغب: يقال:أبق العبد يأبق إباقا،و أبق يأبق، إذا هرب،و عبد آبق،و جمعه:أبّاق،و تأبّق الرّجل:

تشبّه به في الاستتار.(8)

الزّمخشريّ: الإباق هو أن يغيب[العبد]من المصر و يهرب.(الفائق 1:430)

عبد آبق،و عبيد أبّاق.

و تقول:الحرّ إلى الخير سابق،و العبد من مواطنه آبق.و تقول:في رقابهم الرّباق،و من شأنهم الإباق.(أساس البلاغة:1)

ابن الأثير: تأبّق:استتر،و قيل:احتبس.و منه حديث شريح:«كان يردّ العبد من الإباق البات»،أي القاطع الّذي لا شبهة فيه.(1:15)

الفيّوميّ: أبق العبد أبقا من بابي«تعب و قتل»في لغة،و الأكثر من باب ضرب،إذا هرب من سيّده من غير خوف و لا كدّ عمل.

الإباق بالكسر:اسم منه،فهو آبق،و الجمع:أبّاق، مثل كافر و كفّار.(1:2)

الجرجانيّ: الآبق:هو المملوك الّذي يفرّ من مالكه قصدا.(3)

الفيروزآباديّ: أبق العبد-كسمع و ضرب و منع- أبقا و يحرّك،و إباقا ككتاب:ذهب بلا خوف و لا كدّ عمل،أو استخفى ثمّ ذهب فهو آبق و أبوق،و الجمع ككفّار و ركّع.

و الأبق محرّكة:القنّب أو قشره.

و تأبّق:استتر أو احتبس و تأثّم،و الشّيء:أنكره.

(3:215)

الزّبيديّ: تأبّقت النّاقة:حبست لبنها.

و الأبق محرّكة:حبل القنّب.(6:277)

مجمع اللّغة: أبق العبد-كسمع و ضرب و نصر- أبقا و إباقا:هرب من مالكه.(1:2)

ص: 120

النّصوص التّفسيريّة

اذ ابق الى الفلك المشحون.الصّافّات:140

الحسن: فرّ من قومه.(الطّوسيّ 8:528)

الطّبريّ: حين فرّ إلى الفلك.(23:98)

السّجستانيّ:هرب إلى السّفينة.(159)

مثله الطّريحيّ(5:135)،و شبّر(425).

الطّوسيّ: حين هرب إلى السّفن المملوءة.

(8:528)

البغويّ: يعني هرب.(6:30)

مثله الخازن(6:30)،و أبو حيّان(7:367)، و أبو السّعود(4:276)،و الكاشانيّ(4:383).

الميبديّ: هرب و تباعد.(8:305)

الزّمخشريّ: سمّي هربه من قومه بغير إذن ربّه إباقا على طريقة المجاز.(3:353)

الطّبرسيّ: فرّ من قومه إلى السّفينة المملوءة.

(4:458)

ابن الجوزيّ: قال بعض أهل المعاني:خرج و لم يؤذن له،فكان بذلك كالهارب من مولاه.(7:86)

الفخر الرّازيّ: أبق:من إباق العبد،و هو هربه من سيّده.(26:164)

البيضاويّ: أصله الهرب من السّيّد،و لكن لمّا كان هربه من قومه بغير إذن ربّه حسن إطلاقه عليه.

(2:299)

النّسفيّ: الإباق:الهرب إلى حيث لا يهتدي إليه الطّلب،فسمّي هربه من قومه بغير إذن ربّه إباقا مجازا.(4:28)

البروسويّ: أذكر وقت إباقه،أي هربه،و أصله الهرب من السّيّد لكن لمّا كان هربه من قومه بغير إذن ربّه حسن إطلاقه عليه بطريق المجاز تصويرا لقبحه،فإنّه عبد اللّه فكيف يفرّ بغير الإذن و إلى أين يفرّ و اللّه محيط به؟!(7:486)

الآلوسيّ: أصله الهرب من السّيّد،لكن لمّا كان هربه من قومه بغير إذن ربّه-كما هو الأنسب بحال الأنبياء-حسن إطلاقه عليه.فهو إمّا استعارة أو مجاز مرسل من استعمال المقيّد في المطلق،و الأوّل أبلغ.

و قال بعض الكمّل:الإباق:الفرار من السّيّد؛بحيث لا يهتدي إليه طالب،أي بهذا القصد،و كان عليه السّلام هرب من قومه بغير إذن ربّه سبحانه إلى حيث طلبوه فلم يجدوه؛فاستعير الإباق لهربه باعتبار هذا القيد لا باعتبار القيد الأوّل.

و فيه بعد تسليم اعتبار هذا القيد على ما ذكره بعض أهل اللّغة أنّه لا مانع من اعتبار ذلك القيد،فلا اعتبار بنفي اعتباره.(23:143)

الطّباطبائيّ: المراد بإباقه إلى الفلك:خروجه عن قومه معرضا عنهم،و هو عليه السّلام و إن لم يعص في خروجه ذلك ربّه و لا كان هناك نهي من ربّه عن الخروج؛لكن خروجه إذ ذاك كان ممثّلا لإباق العبد من خدمة مولاه، فأخذه اللّه بذلك.(17:163)

المراغيّ: أصل الإباق:هرب العبد من سيّده، و المراد هنا أنّه هاجر بغير إذن ربّه.(23:82)

حجازيّ:هرب بلا إذن.و منه عبد آبق.

(23:35)

ص: 121

المصطفويّ: الأبق و الهرب مشتركان في الذّهاب من غير استئذان،و إلاّ لم يصدق مفهوم الهرب.و في معنى الأبق قيد آخر و هو الهرب قبل أن يتوجّه إليه خوف أو شدّة من سيّده: وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ الصّافّات:139،140،فيدلّ على ذهابه من غير استئذان من ربّه،و قبل أن يصل إليه خوف أو شدّة أو كدّ عمل من جانب مولاه،فهو العبد الآبق غفلة.

و هذا الأبق كان مكروها عند اللّه المتعال،فأخذه اللّه فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الأنبياء:87،«حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين».(1:10)

الأصول اللّغويّة

1-اشتقّ ابن فارس من هذه المادّة أصلين هما:إباق العبد،و التّشدّد في الأمر.و نحن نرجّح أن يكون لها أصل واحد هو الشّدّ و التّشدّد.و ما الإباق إلاّ مشتقّ من الأبق،فهو ليس أصلا برأسه.و الأبق:مصدر أبق يأبق، أي هرب و تباعد.و يعني أيضا حبل القنّب،و نراه أصل المادّة.و منه اشتقّ الآبق،و سمّي بذلك لأنّه يشدّ بالأبق لهروبه من مولاه.ثمّ أطلق على كلّ عبد هرب من مولاه،و إن لم يشدّ بالأبق،كما أطلق الأسير على كلّ من وقع في الأسر و إن لم يشدّ بالأسر،و«الأسر»على وزن «الأبق»:قدّ يربط به الأسير،و هو مصدر اشتقّ منه الأسير،و مثله الإسار.

و منه أيضا:تأبّقت النّاقة،إذا حبست لبنها،أي شدّت على حلمها فامتنع نزول اللّبن.و تأبّق الرّجل، إذا أنكر الشّيء،أي تشدّد فيه.و تأبّق:تأثّم،أي وقع في شدّة.

و أمّا قولهم:تأبّق الرّجل،إذا استتر و اختفى،فهو من باب التّشبيه،لأنّ الحرّ أشبه العبد بفعله.

و روي عن ثعلب أنّه قال:الأبق هو الكتّان.و إن صحّت هذه الرّواية عنه فهي شاذّة؛لأنّ أحدا لم يقل بهذا القول سواه.

2-و اشتقّ من هذا الجذر فعلان:أحدهما ثلاثيّ مجرّد،و الآخر ثلاثيّ مزيد فيه،و كلاهما لازمان.فالمجرّد سمع منه فعل يفعل،مثل ضرب يضرب،و هو كثير الاستعمال.و فعل يفعل،مثل تعب يتعب،و هو أقلّ استعمالا من الأوّل.و فعل يفعل،مثل قتل يقتل،و هي لغة قليلة الاستعمال،و مثّل صاحب القاموس الفعل «منع»به،و هو وهم؛لأنّ هذا الباب لما عينه أو لامه حرف حلق.بيد أنّه قد وردت أفعال من هذا الباب شذوذا،مثل:أبى يأبى،و ركن يركن،و عضّ يعضّ، و أثّ يئثّ،و ودّ يودّ.

و أمّا المزيد فيه فهو من باب التّفعّل،و في زيادة حروفه زيادة معانيه-كما مرّ.

3-و نلحظ ممّا تقدّم تجمّع عدد من الدّلالات في هذه المادّة،و هي:الاستخفاء،الهرب أو الفرار و التّباعد، العصيان(عصيان المولى)،التّأبّق(الوقوع في الإثم).

و كلّها تدلّ على الشّدّة.و قد استعملت هذه الألفاظ للعبيد خاصّة؛حيث إنّ الحرّ قد يستخفي خوفا،و قد يهرب أو يفرّ إن دعته الضّرورة،و لكنّه لا سيّد له

ص: 122

ليعصيه أو ليطيعه،أو ليشدّه بالحبل،و إنّما السّيّد للعبد، و على هذا جرت اللّغة الفصيحة.فانعدام دلالة العصيان من الحرّ تلغي وصف استخفائه و فراره-إن حصلا- بالإباق.كما أنّه فرار ليس فيه إثم يحتسب عليه،و إنّما الإثم يختصّ بالعبد.

الاستعمال القرآنيّ

1-فسّر الآية كثير من المفسّرين بالمعنى اللّغويّ لهذه المادّة؛و قالوا:بأنّ يونس عليه السّلام هرب من مولاه، و ليس له مولى سوى اللّه تعالى،فخرج إلى السّفينة من دون إذنه تعالى،فأصبح آبقا مجازا؛تشبيها بإباق العبد من سيّده.و استبعد هذا المعنى آخرون،و قالوا بأنّه فرّ من قومه إلى السّفينة،أو استخفى منهم ثمّ هرب إلى السّفينة حذرا من وقوع العذاب عليه.

و القول الأوّل أرجح؛لأنّه يوافق اللّغة و القرآن أيضا،بدليل قوله تعالى: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ... الأنبياء:87؛إذ فيه نوع من الحركة و الشّدّة و الإصرار على الهرب.و كأنّه تشدّد في أمره فقفز إلى الفلك المشحون لا الخالي،ثمّ يثقل الفلك و يتمّ الاستسهام،فيرمى في البحر،و حدث له ما حدث إخطارا بأنّه لا مهرب منه تعالى إلاّ إليه.و فيه أيضا تشبيه لحال يونس النّفسيّة بحال العبد الآبق،و ما يعتريه من خوف و ذعر؛لا يدري من أين الممرّ،و إلى أين المفرّ؟

2-و لم يستعمل من هذه المادّة في القرآن إلاّ لفظ واحد في سورة مكّيّة،على الرّغم من شيوعها في اللّغة، و لم تكن هناك ضرورة لورود هذا اللّفظ كما في(ابّا).

و لا نعلم له وجها سوى الإشعار بأنّ هذا النّوع من الفرار لم يصدر عن الأنبياء إلاّ مرّة واحدة،و الحال أنّه يصدر من غيرهم بما لا يعدّ و لا يحصى،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

ص: 123

ص: 124

أ ب ل

اشارة

لفظان،3 مرّات مكّيّة،في 3 سور مكّيّة

أبابيل 1:1\إبل 2:2

أبابيل

النّصوص اللّغويّة

الأخفش: يقال:جاءت إبلك أبابيل،أي فرقا، و طير أبابيل.و هذا يجيء في معنى التّكثير،و هو من الجمع الّذي لا واحد له.

و قد قال بعضهم:واحده إبّول،مثل عجّول.و قال بعضهم:إبّيل.و لم أجد العرب تعرف له واحدا.

(الجوهريّ 4:1618)

نحوه ابن سيده.(الإفصاح 1:311)

الرّؤاسيّ: واحدتها إبّيل.(ابن خالويه:193)

سمعت أنّ واحدها إبّالة.(الطّبريّ 30:296)

الكسائيّ: سمعت النّحويّين يقولون:[واحدها] إبّول مثل العجّول،و قد سمعت بعض النّحويّين يقول:

واحدها أبيل.(الطّبريّ 30:296)

الفرّاء: لا واحد لها،مثل الشّماطيط و العباديد و الشّعارير،كلّ هذا لا يفرد له واحد.و لقد سمعت من العرب من يقول:«ضغث على إبّالة»،يريدون خصب على خصب.

و أمّا الإيبالة فهي الفضلة تكون على حمل الحمار أو البعير من العلف،و هو مثل الخصب على الخصب،و حمل فوق حمل.

فلو قال قائل:واحد الأبابيل«إيبالة»كان صوابا، كما قالوا:دينار دنانير.(3:292)

لم أسمع من العرب في توحيدها شيئا.

(الطّبريّ 30:296)

أبو عبيدة: واحد الشّماطيط شمطاط،و واحد الأبابيل إبّيل.(ابن دريد 3:447)

الأبابيل جمع لا واحد له بمنزلة عباديد و شعاليل.

(ابن سيده 10:410)

ص: 125

الأصمعيّ: لا يعرف واحد الشّماطيط،و هي قطع من الخيل و الأساطير و الأبابيل.(ابن دريد 3:447)

ابن الأعرابيّ: الإبّول:طائر ينفرد من الرّفّ، و هو السّطر من الطّير.(الأزهري 15:389

ابن دريد: قالوا:واحد الأبابيل إبّول،مثل عجّول و عجاجيل.(3:447)

ابن خالويه: واحدها إبّول مثل عجّول و عجاجيل.

و قال أبو جعفر الرّؤاسيّ:واحدتها إبّيل.و قال آخرون:أبابيل لا واحد لها،و مثلها أساطير.و ذهب القوم شماطيط،و عبابيد،و عباديد،كلّ ذلك لم يسمع واحده.و قال آخرون:واحد الأساطير أسطورة.

(193)

الهرويّ: قال بعضهم:لا واحد لها.و قيل في واحدها:إبّيل،قياسا لا سماعا.و قيل:واحدها إبّول، مثل عجّول و عجاجيل.(1:9)

نحوه ابن سيده.(الإفصاح 2:882)

الثّعالبيّ: الأبابيل:من جموع لا واحد لها من بناء جمعها.(229)

القيسيّ: واحدها إبّول كعجّول و عجاجيل.

و قيل:واحدها إبّيل كسكّين و سكاكين.و قيل:واحدها إبّال كدينار و دنانير.و قيل:هو جمع لا واحد له.و قيل:

هو اسم للجمع.(2:501)

نحوه القرطبيّ.(2:197)

ابن سيده: و الإبّيل و الإبّول و الإبّالة:القطعة من الطّير و الخيل،و الإبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الأبابيل:جماعة في تفرقة؛واحدها:إبّيل و إبّول.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أبّل الرّجل،كأبّنه.

و الأبيل:العصا.

و الأبيلة و الإبالة:الحزمة من الحشيش.

و الأبيل:رئيس النّصارى.

و قيل:هو الرّاهب،و قيل:صاحب النّاقوس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو الشّيخ.و الجمع:آبال.

و الأيبليّ:الرّاهب؛فإمّا أن يكون أعجميّا،و إمّا أن يكون قد غيّرته ياء الإضافة،و إمّا أن يكون من باب انقحل،فقد قال سيبويه:ليس في الكلام«فيعل».[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«كلّ مال زكّي فقد ذهبت عنه أبلته»أي ثقله و وخامته.و الإبلة:العداوة،عن كراع.

و الأبلّة:تمر يرضّ بين حجرين،و يحلب عليه لبن.قيل:

هي الفدرة من التّمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبلّة:مكان بالبصرة.(10:410)

الزّمخشريّ: حزائق،الواحدة إبّالة،و في أمثالهم «ضغث على إبّالة»و هي الحزمة الكبيرة،شبّهت الحزقة من الطّير في تضامّها بالإبّالة.

و قيل:أبابيل مثل عباديد و شماطيط،لا واحد لها.(4:286)

نحوه النّيسابوريّ.(30:182)

أبو البركات: فيه ثلاث أوجه:

الأوّل:أنّه جمع لا واحد له من لفظه.

و الثّاني:واحده إبّيل.

ص: 126

و الثّالث:إبّول كعجاجيل واحدها عجّول.

(2:536)

الفيروزآباديّ: الأبابيل:فرق،جمع بلا واحد، و الإبّالة كإجّانة و يخفّف،و كسكّيت و عجّول و دينار:

القطعة من الطّير و الخيل و الإبل،أو المتتابعة منها.

(3:336)

المصطفوي: [لاحظ الإبل.](1:12)

النّصوص التّفسيريّة

وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ. الفيل:3

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّها طير بين السّماء و الأرض،تعشّش و تفرّخ.(القرطبيّ 20:196)

ابن مسعود: فرق.(الطّبريّ 30:297)

مختلفة متفرّقة،تجيء من كلّ ناحية من هاهنا و هاهنا.

مثله ابن زيد و الأخفش.(القرطبيّ 20:197)

ابن عبّاس: يتبع بعضها بعضا.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 30:297)

كانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطّير،و أكفّ كأكفّ الكلاب.(الطّبريّ 30:297)

خضر لها خراطيم كخراطيم الإبل،و أنف كأنف الكلاب.

لها أكفّ كأكفّ الرّجل،و أنياب كأنياب السّباع.

فوجا بعد فوج،كانت تخرج عليهم من البحر.

(الدّرّ المنثور 6:395)

ذاهبة و جائية تنقل الحجارة بمناقيرها و أرجلها، فتبلبل عليهم فوق رءوسهم.(السّيوطيّ 2:87)

عبيد بن عمير:هي طير سود بحريّة،في مناقرها و أظفارها الحجارة.(الطّبريّ 30:298)

مثله ابن كعب القرظيّ(القرطبيّ 20:197)،و نحوه قتادة(الميبديّ 10:620).

المتتابعة.خرجت الطّير من البحر،كأنّها أمثال رجال الهند،سود معها حجارة،أعظمها أمثال الإبل البزل،و أصغرها أمثال رءوس الرّجال،لا تريد شيئا إلاّ أصابته،و لا تصيب أحدا إلاّ قتلته.(مجاهد 2:783)

سعيد بن جبير: طير خضر،لها مناقير صفر، تختلف عليهم.(الطّبريّ 30:298)

كانت طيرا من السّماء لم ير قبلها و لا بعدها مثلها.(القرطبيّ 20:196)

مجاهد: يعني من شتّى مجتمعة متتابعة.

(2:782)

هي العنقاء المغربة.(2:783)

هي مثل طير تصيب منهم،لم تر قبلهم و لا بعدهم.

(2:783)

عكرمة: يعني زمرا زمرا.(مجاهد 2:782)

مثله أبو سلمة.(الطّبريّ 30:297)

كانت طيرا خضرا خرجت من البحر،لها رءوس كرءوس السّباع.(الطّبريّ 30:298)

هي طير بيض كأنّ وجوهها وجوه السّباع.

(مجاهد 2:784)

الحسن: الكثيرة.

مثله قتادة.(الطّبريّ 30:297)

ص: 127

1Lالرّبيع: لها أنياب كأنياب السّباع.

(الطّبرسيّ 5:542)

الخليل: أي يتبع بعضها بعضا إبّيلا إبّيلا،أي قطيعا خلف قطيع،و خيل أبابيل كذلك.(8:343)

أبو عبيدة: جماعات في تفرقة،جاءت الطّير أبابيل من هاهنا و هاهنا.و لم نر أحدا يجعل لها واحدا.

(2:312)

ابن هشام: الجماعات.و لم تتكلّم لها العرب بواحد علمناه.(1:56)

ابن قتيبة: جماعات متفرّقة.(539)

مثله القشيريّ.(6:338)

الطّبريّ: و أرسل عليهم ربّك طيرا متفرّقة،يتبع بعضها بعضا من نواح شتّى،و هي جماع لا واحد لها،مثل الشّماطيط و العباديد،و نحو ذلك.(30:296)

الزّجّاج: جماعات من هاهنا،و جماعات من هاهنا.

(الأزهريّ 15:389)

السّجستانيّ: جماعات في تفرقة،أي حلقة حلقة.

واحدها إبّالة و إبّول،و إبّيل.و يقال:هو جمع لا واحد له.

(225)

النّحّاس: إنّها جماعات عظام،يقال:فلان يؤبّل على فلان أي يعظم عليه و يكثر،و هو مشتقّ من الإبل.

(القرطبيّ 20:197)

الرّاغب: أي متفرّقة كقطعات إبل،الواحد أبيل.(8)

البغويّ: كثيرة متفرّقة يتبع بعضها بعضا.و قيل:

أقاطيع كالإبل المؤبّلة.(7:245)

مثله الخازن(7:245)،و الطّبرسيّ(5:542).

الميبديّ: كثيرة متفرّقة يتبع بعضها بعضا.قيل:لا واحد لها من لفظها.و قيل:واحدها إبّالة.و قيل:إبّول، مثل عجّول و عجاجيل.(10:620)

نحوه أبو حيّان.(8:511)

الرّازيّ: فإن قيل:ما معنى الأبابيل،و هل هو واحد أو جمع؟

قلنا:معناها جماعات في تفرقة،أي حلقة حلقة.

و قيل:الّتي يتبع بعضها بعضا.و قيل:الكثيرة.و قيل:

المختلفة الألوان.و قال الفرّاء و أبو عبيدة:لا واحد لها.

و قيل:واحدها أبال و أبول و أبيل.

(مسائل الرّازيّ:383)

القرطبيّ: قالت عائشة:هي أشبه شيء بالخطاطيف.و قيل:بل كانت أشباه الوطاويط،حمراء و سوداء.(20:196)

البيضاويّ: جماعات،جمع إبّالة،و هي الحزمة الكبيرة،شبّهت بها الجماعة من الطّير في تضامّها.

و قيل:لا واحد لها كعباديد و شماطيط.(2:576)

مثله أبو السّعود.(5:285)

الطّريحيّ: أي جماعات في تفرقة،أي حلقة حلقة.واحدها أبول و أبيل،بالكسر فيهما.

و يقال في طير أبابيل:هو طير يعيش بين السّماء و الأرض و يفرّخ،و لها خراطيم كخراطيم الطّير،و أكفّ كأكفّ الكلاب.

و قيل:هي طير خضر خرجت من لجّة البحر،لها رءوس كرءوس السّباع.

و قيل:كالوطاويط.(5:303)

ص: 128

البروسويّ: أي جماعات،لأنّها كانت أفواجا، فوجا بعد فوج متتابعة بعضها على إثر بعض،أو من هاهنا و هاهنا،جمع إبّالة،و هي الحزمة الكبيرة،شبّهت بها الجماعة من الطّير في تضامّها.

و قيل:أبابيل مفرد كعباديد،و معناه الفرق من النّاس الذّاهبون في كلّ وجه،و كشماطيط،و معناه القطع المتفرّقة.و فيه أنّها لو كانت مفردات لأشكل قول النّحاة:إنّ هذا الوزن من الجمع يمنع صرفه لأنّه لا يوجد في المفردات.(10:517)

نحوه الآلوسيّ.(30:236)

العامليّ: هو طير معروف جعله اللّه من جنوده المهلكة لأصحاب الفيل.(78)

محمّد عبده: [قال بعد ما حكى فشوّ الجدريّ بين الجيش:]

هذا ما اتّفقت عليه الرّوايات،و يصحّ الاعتقاد به.

و قد بيّنت لنا هذه السّورة الكريمة أنّ ذلك الجدريّ أو تلك الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش بواسطة فرق عظيمة من الطّير ممّا يرسله اللّه مع الرّيح.

فيجوز لك أن تعتقد أنّ هذا الطّير من جنس البعوض أو الذّباب الّذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، و أن تكون هذه الحجارة من الطّين المسموم اليابس الّذي تحمله الرّياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات،فإذا اتّصل بجسد دخل في مسامّه،فأثار فيه تلك القروح الّتي تنتهي بإفساد الجسم و تساقط لحمه.و أنّ كثيرا من هذه الطّيور الضّعيفة يعدّ من أعظم جنود اللّه في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر،و أنّ هذا الحيوان الصّغير الّذي يسمّونه الآن بالمكروب لا يخرج عنها.و هو فرق و جماعات لا يحصي عددها إلاّ بارئها.و لا يتوقّف ظهور أثر قدرة اللّه تعالى في قهر الطّاغين،على أن يكون الطّير في ضخامة رءوس الجبال،و لا على أن يكون من نوع عنقاء مغرب،و لا على أن يكون له ألوان خاصّة به،و لا على معرفة مقادير الحجارة و كيفيّة تأثيرها.فللّه جند من كلّ شيء.(سيّد قطب 6:3976)

مجمع اللّغة: جماعات متفرّقة،و هو جمع لا واحد له.و يجيء في معنى التّكثير.(1:2)

بنت الشّاطئ: سأل نافع بن الأزرق عن قوله تعالى:(أبابيل)،فقال ابن عبّاس:ذاهبة و جائية تنقل الحجارة بمناقيرها،فتبلبل عليهم رءوسهم.

و لمّا سأله نافع:و هل تعرف العرب ذلك؟أجاب:

نعم،أ ما سمعت قول الشّاعر:

و بالفوارس من ورقاء قد علموا

أحلاس خيل على جرد أبابيل

الكلمة من آية الفيل في أصحابه: وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ الفيل:3،وحيدة في القرآن كلّه.

و تفسير ابن عبّاس،هو من قبيل الشّرح للكلمة في آيتها و سياقها،و ليس من دلالة(أبابيل)منفردة.كما ليس من دلالتها في الشّاهد الشّعريّ:«جرد أبابيل»أن تذهب و تجيء،تنقل الحجارة بمناقيرها.و إنّما أخذه ابن عبّاس في شرحه للكلمة،من كونها وصفا لطير، تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ الفيل:4،فكأنّ(أبابيل) في شرح ابن عبّاس،تعني تبلبل عليهم رءوسهم.

ص: 129

و الكلمة فيما قالوا:معرّبة.و قد عرفنا العربيّة فيما تأخذ من ألفاظ أعجميّة،تعطيها حسّ الدّلالة من مادّتها أو ممّا استعملتها فيه.و هي قد استعملت الإبّالة في الحزمة من الحطب،و الإبل المؤبّلة:المجموعة.

و كرّرت الباء و اللاّم في كلّ ما فيه ملحظ اختلاط و اضطراب،مأخوذا من بلبلة الأسنّة،أي اختلاطها، و بلبل القوم:هيّجهم.و منه البلبلة في عجمة اللّسان و اضطراب مسلكه في النّطق من اختلاط الألسنة.

و البلبل للطّائر المعروف،ينطق مردّدا ما يسمعه دون وعي أو إبابة.و فارقت بين الحسّيّ في البلبلة و المعنويّ في البلبال،للهمّ الشّديد يضطرب له البال من اختلاط الوساوس،و كثرة الهواجس.و كلّ ذلك ممّا يعطي كلمة «أبابيل»حسّ التّأبيل و البلبلة و البلبال.

ثمّ تأخذ من سياق الآية ما في شرح ابن عبّاس من «بلبلة رءوسهم بما تنقل من حجارة»،و إن قصّرت جملة«تنقل من حجارة»،عن التّعبير القرآنيّ:

تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ الفيل:4،و قصّر الشّرح«تبلبل عليهم رءوسهم»عن التّدمير السّاحق الماحق،في قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ الفيل:5،فضلا عمّا لا وجه له من تقييد نقل الحجارة بمناقيرها.

و الآية أطلقت الرّمي من كلّ قيد،بالمناقير أو بالمخالب...،و اللّه أعلم.(الإعجاز البيانيّ:386)

المصطفويّ:طائرات قطيعة قطيعة لها القدرة و المقاومة و الاستقامة و الصّبر حتّى ينلن ما يردن.

(1:12)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل فيه الكثرة-كما سيأتي في«إبل»-و لا يخرج عن دائرة هذا المعنى مطلقا،و قد أطبقت أقوال اللّغويّين على ذلك.و العرب تستعمل هذا اللّفظ صفة على الدّوام؛فإذا ما أرادوا أن يمعنوا في موصوف و يبالغوا فيه استعملوه صفة له،فيقولون:طير أبابيل،و خيل أبابيل،لبيان كثرتها.و يقولون أيضا:جاءت إبلك أبابيل،و جاءت الخيل أبابيل،للمبالغة في وصف كثرتها عند المجيء.

2-و إذا كان اللّغويّون اتّفقوا في معناه،فالنّحويّون تفرّقوا في مبناه،فهم مختلفون في هل أنّه جمع أو اسم جمع؟و الّذين اتّفقوا في كونه جمعا اختلفوا في واحده على أقوال:فقيل:هو إبّيل،مثل:سكّين و سكاكين.و قيل:

إبّول،مثل:عجّول و عجاجيل.و قيل:إبّال،مثل:دينار و دنانير.و قيل:إبّالة،مثل:صنّارة و صنانير.و قيل:

أبّالة.و قيل:أبّال.

3-فمن ذهب إلى كونه اسم جمع استدلّ بالسّماع، و جعله مثل الشّعارير و الشّعاليل و العبابيد و غيرها من الألفاظ الّتي ليس لها مفرد في اللّغة.و من قال بجمعه استدلّ بالقياس،و مثّل بالألفاظ الآنفة الذّكر.إلاّ أنّ قياسه بلفظ«إيبالة»غير مستقيم،لأنّه على وزن «إفعالة»و لفظ«دينار»على وزن«فعّال»على الصّحيح، فهو مثال إبّال لا إيبالة.

و قياس واحد«أبابيل»بلفظي:أبّال و أبّالة،غير معروف في اللّغة،و إلاّ لذكروا مثالا لكلّ منهما.و لكنّ هذين الوزنين يطّردان في المبالغة،مثل:نوّاح و نوّاحة،

ص: 130

و في الحرف،مثل:فلاّح و فلاّحة.

و يمكننا أن نقيسه أيضا بألفاظ أخرى،و هي:أبّول، مثل:مكّوك و مكاكيك،و أبّول،مثل:دبّوس و دبابيس، و أبّال،مثل:درّاج و دراريج،لتصبح عشرة مع ما تقدّم.

4-و الأرجح فيه أنّه اسم جمع لا واحد له من لفظه.

و الّذي جعلنا نعوّل على هذا الرّأي هو أنّ أغلب الألفاظ الّتي وردت على غراره لفظا و معنى هي أسماء جموع، و ما هذه الألفاظ الّتي زعموا أنّها واحد أبابيل سوى أمثلة خاضعة للقياس،و يمكنهم أن يضيفوا إليها ألفاظا أخرى كما فعلنا نحن.و لو كان له مفرد معروف لما اختلفوا فيه كما لم يختلف اثنان في مفرد أباريق على الرّغم من كونه أعجميّا.فالقياس عند النّحويّين حجّة عند غياب السّماع؛فهذا سيبويه أمير القياس يقول في «عباديد»:لأنّه لا واحد له،فواحده على«فعلول»أو «فعليل»أو«فعلال»في القياس،«راجع الصّحاح 1:

501»فعدم وجود مفرد للفظ في اللّغة سبب لصناعة مفرد له.

الاستعمال القرآنيّ

1-ذكر اللّه تعالى الفيل-و هو أكبر الحيوانات جسما-مع أبابيل-و هي من أصغرها-فدفع الأكبر بالأصغر إشارة إلى عظيم قدرته،و شديد سطوته.

2-و يتبادر إلى الذّهن أنّ الطّير ذات قدرة و إن كانت صغيرة؛لكونها في السّماء تشرف على ما في الأرض و لو كان كبيرا و أنّ السّلاح الجوّي مهما كان،هو أقوى من السّلاح الأرضيّ كيفما كان،لأنّه مهيمن عليه، فعلى المجاهدين المسلمين أن ينصبّ اهتمامهم بالسّلاح الجوّي و القوى الجوّيّة.

3-و جاءت كلّ من ألفاظ(الفيل)و(تضليل) و(أبابيل)مرّة واحدة في القرآن،نظرا لقلّة استعمالها عند العرب.و يستعمل القرآن مثل هذه الألفاظ للتّخويف و التّهويل كما في(عتلّ)،و استعمل لفظ(سجّيل)-و هي قليلة الاستعمال أيضا في القرآن-ثلاث مرّات فقط،مرّة هنا و مرّتين في قوم لوط الّذين تضاعفت شناعتهم حيث قال: وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ هود:

82، وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ الحجر:74، فاستعمل بإزاء كلّ لفظ من الألفاظ الثّلاثة مرّة مع ما فيها من تشبيه أصحاب الفيل بقوم لوط في شناعة العمل، فقد أمطر اللّه عليهم حجارة من سجّيل،و قال في أصحاب الفيل وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فجاء الرّمي بإزاء الإمطار، و الإمطار يحكي كثرتها،و الرّمي يحكي شدّتها.

إبل

النّصوص اللّغويّة

ابن عبّاس: لمّا قتل ابن آدم أخاه تأبّل آدم،أي ترك غشيان حوّاء حزنا على ولده.

(الأزهريّ 15:389)

الشّعبيّ: الأبلة:كالتّكرمة للإبل،و هو أن تحسن القيام عليها.(ابن فارس 1:40)

قضى أبلته من كذا،أي حاجته.(ابن فارس 1:43)

ص: 131

أبو نصر الباهليّ: إبل مؤبّلة،إذا كانت للقنية.

(الأزهريّ 15:388)

أبو عمرو ابن العلاء: رأيت عمانيّا راكبا و أبوه يمشي فقلت له:أ تركب و أبوك يمشي؟فقال:إنّه لا يأتبل أي لا يثبت على الإبل.(ابن دريد 3:211)

الخليل: الإبل المؤبّلة:الّتي جعلت قطيعا قطيعا، نعت في الإبل خاصّة.

و الإبّول:طول الإقامة في المرعى و الموضع.

و رجل آبل:ذو إبل.و حمار آبل:مقيم في مكانه لا يبرح.

و أبلت الإبل تأبل أبلا،أي اجتزأت بالرّطب عن الماء.و تأبّل الرّجل عن امرأته تأبّلا،أي اجتزأ عنها كما يجتزئ الوحش عن الماء.

و الأبيل:من رءوس النّصارى،و هو الأيبليّ.

و قوله جلّ و عزّ: وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ الفيل:3،أي يتبع بعضها بعضا إبّيلا إبّيلا،أي قطيعا خلف قطيع،و خيل أبابيل كذلك.

و الأبل:الرّطب.و قال بعضهم:اليبيس.

و الأبلّ:الشّديد الخصومة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبلّ عليهم،و أبرّ أيضا،أي غلبهم خبثا.

و قيل:الإبّالة:الحزمة من الحطب.(8:342)

الأخفش: و المؤبّل:المكمّل،يقال:إبل مؤبّلة،كما يقال:مائة ممآة.(القاليّ 2:135)

سيبويه: و الإبل:بناء نادر،لم يجئ على«فعل» بكسر الفاء و العين من الأسماء إلاّ حرفان«إبل» و«حبر»و هو القلح[الحمار المسنّ]،و من الصّفات إلاّ حرف،و هي:امرأة بلز،و هي الضّخمة،و بعض الأئمّة يذكر ألفاظا غير ذلك لم يثبت نقلها عن سيبويه.

(الفيّوميّ 1:2)

الكسائيّ: أبلت الوحش تأبل أبلا،إذا جزأت بالرّطب عن الماء.(الأزهريّ 15:387)

أبو عمرو الشّيبانيّ: نوق أوابل:جزأت عن الماء بالرّطب.(الزّبيديّ 7:201)

الأبلة:العاهة.و في الحديث:«لا تبع الثّمر حتّى تأمن عليه الأبلة».(الأزهريّ 15:387)

الفرّاء: يقال:فلان يؤبّل على فلان،إذا كان يكثّر عليه،و تأويله التّفخيم و التّعظيم،و من ذلك سمّيت الإبل لعظم خلقها.(ابن فارس 1:41)

الأبلات:الأحقاد،الواحدة أبلة.

(ابن فارس 1:43)

إنّه لأبل مال على«فعل»و ترعية مال و إزاء مال، إذا كان قائما عليها.(الأزهريّ 15:388)

أبو زيد: يقال:رجل أبل،و قد أبل بالمال يأبل أبلا،إذا لم يرض للمال بمرتع سوء،و لا مشرب سوء، و أحسن رعيتها إبلا كانت أو شاء.(247)

سمعت ردّاد الكلابيّ يقول:تأبّل فلان إبلا و تغنّم غنما، إذا اتّخذها.(الأزهريّ 15:388)

يقال:ما لي إليك أبلة بفتح الألف و كسر الباء،أي حاجة.و يقال أنا أطلبه بأبلة،أي ترة.

(ابن فارس 1:43)

الأصمعيّ: المؤبّلة من الإبل:الّتي تتّخذ للقنية لا يحمل عليها،و إبل سابيا،إذا كانت للنّتاج،و إبل

ص: 132

مقترفة،إذا كانت مستحدثة.(ابن السّكّيت:69)

أبل الرّجل يأبل إبالة،إذا حذق مصلحة الإبل و الشّاء.و إنّ فلانا لا يأتبل،أي لا يثبت على رعية الإبل و لا يقيم عليها فيما يصلحها.

و إبل مؤبّلة:كثيرة.و إبل أوابل:قد جزأت بالرّطب عن الماء.(الأزهريّ 15:387)

يقال:للبعير قد أبل يأبل،إذا اجتزأ بالرّطب عن الماء.(الكنز اللّغويّ:103)

الأبالة:الاجتزاء،يقال:ما تقطّعت الأبالة عن الإبل بعد.(الكنز اللّغويّ:130)

اللّحيانيّ: أبّنت الميّت تأبينا،و أبّلته تأبيلا،إذا أثنيت عليه بعد وفاته.(الأزهريّ 15:390)

أبو عبيد: فلان لا يأتبل،أي لا يثبت على الإبل إذا ركبها،و كذلك إذا لم يقم عليها فيما يصلحها.

(الجوهريّ 4:1619)

إبل أوابل،و أبّل و أبّال،أي جوازئ.

(ابن فارس 1:41)

ابن الأعرابيّ: رجل آبل،إذا كان صاحب إبل، و أبل بوزن«فعل»إذا كان حاذقا برعيها،و قد أبل يأبل، و هو من آبل النّاس،أي أحذقهم بالإبل.و يقولون:«هو آبل من حنيف الحناتم».(ابن فارس 1:40)

أبلت تأبل أبلا،إذا رعت في الكلأ،و الكلأ:الرّطب و اليابس.فإذا أكلت الرّطب فهو الجزء.

(ابن فارس 1:41).

ناقة أبلة،أي شديدة.(ابن فارس 1:42)

ابن السّكّيت: رجل آبل:حاذق برعية الإبل.

و قد أبّل الرّجل فهو مؤبّل،إذا كثرت إبله.و يقال:فلان من آبل النّاس،أي أشدّهم تأنّقا في رعية الإبل.

(إصلاح المنطق:326)

أبو حاتم: الإبل:يقال لمسانّها و صغارها،و ليس لها واحد من اللّفظ،و الجمع:آبال.

(ابن فارس 1:40)

يقال:لفلان إبل أي له مائة من الإبل،جعل ذلك اسما للإبل المائة،كهنيدة.و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«النّاس كإبل مائة ليست فيها راحلة».

(ابن فارس 1:41)

المبرّد: تقول:هذه إبل،لأنّه اسم وقع في الأصل للجماعة من غير الآدميّين،فإذا صغّرت قلت:أبيلة، فتأنيثه كتأنيث الواحد.(المذكّر و المؤنّث:110)

كراع النّمل:أبل يأبل أبلا:غلب و امتنع.

(ابن سيده 10:410)

و الإبلة:العداوة.(ابن منظور 11:8)

ابن دريد:رجل أبل و آبل:حسن القيام على الإبل،و رجل لا يأتبل،أي لا يثبت على الإبل.

و إبل مؤبّلة،أي مجموعة.و أبل الوحشيّ يأبل أبلا، و أبل يأبل،إذا اجتزأ بالرّطب عن الماء.(3:211)

القاليّ: يقال:«ضغث على إبّالة»،يضرب مثلا للرّجل تكلّفه الثّقل ثمّ تزيده على ذلك.الإبّالة:الحزمة من الحطب.(1:178)

المؤبّلة:الجماعة من الإبل.(2:135)

المؤبّلة:المجتمعة،و يقال:الّتي جست للقنية.

(2:290)

ص: 133

الأزهريّ:رجل أبل بالإبل بيّن الأبلة،إذا كان حاذقا بالقيام عليها.و العرب تقول:إنّه ليروح على فلان إبلان،إذا راحت إبل مع راع و إبل مع راع آخر.

و أقلّ ما يقع عليه اسم الإبل:الصّرمة،و هي الّتي جاوزت الذّود[:من 3 إلى 30]إلى الثّلاثين،ثمّ الهجمة:

أوّلها الأربعون إلى ما زادت،ثمّ هنيدة:مائة من الإبل.

و تجمع الإبل:آبال.

و قال أبو مالك:إنّ ذلك الأمر ما عليك فيه أبلة و لا أبنة،أي لا عيب عليك فيه.

و يقال:إن فعلت ذاك فقد خرجت من أبلته،أي من تبعته و مذمّته.(15:388،390)

الصّاحب:فلان له إبل،أي له مائة من الإبل، و إبلان:مائتان.(الزّبيديّ 7:198)

من المجاز أبل يأبل أبلا،إذا نسك،و أبل بالعصا:

ضرب بها.(الزّبيديّ 7:199)

أرض مأبلة كمقعدة:ذات إبل،و أبّل الرّجل تأبيلا،أي اتّخذ إبلا و اقتناها.(الزّبيديّ 7:201)

أبل الشّجر يأبل أبولا:نبت في يبيسه خضرة تختلط به فيسمن المال عليه.(الزّبيديّ 7:201)

الجوهريّ: الإبل:لا واحد لها من لفظها،و هي مؤنّثة،لأنّ أسماء الجموع الّتي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميّين فالتّأنيث لها لازم.و إذا صغّرتها أدخلتها الهاء،فقلت:أبيلة و غنيمة،و نحو ذلك.و ربّما قال للإبل:إبل،يسكّنون الباء للتّخفيف،و الجمع:

آبال.و إذا قالوا:إبلان و غنمان فإنّما يريدون قطيعين من الإبل و الغنم.

و أرض مأبلة:ذات إبل.

و النّسبة إلى الإبل إبليّ؛يفتحون الباء استيحاشا لتوالي الكسرات.

و إبل أبّل،مثال قبّر،أي مهملة،فإن كانت للقنية فهي إبل مؤبّلة،فإن كانت كثيرة قيل:إبل أوابل.

و أبلت الإبل و الوحش تأبل و تأبل أبولا،أي اجتزأت بالرّطب عن الماء.الواحد آبل،و الجمع:أبّال، مثل كافر و كفّار.

و أبل الرّجل عن امرأته،إذا امتنع من غشيانها، و تأبّل.و في الحديث:«لقد تأبّل آدم عليه السّلام على ابنه المقتول كذا و كذا عاما لا يصيب حوّاء».

و أبل الرّجل بالكسر يأبل إبالة،مثل شكس شكاسة و تمه تماهة،فهو أبل و آبل،أي حاذق بمصلحة الإبل،و فلان من آبل النّاس،أي من أشدّهم تأنّقا في رعية الإبل و أعلمهم بها.

و رجل إبليّ بفتح الباء،أي صاحب إبل.و أبّل الرّجل،أي اتّخذ إبلا و اقتناها.و أبلت الإبل،أي اقتنيت،فهي مأبولة.

و الأبلة بالتّحريك:الوخامة و الثّقل من الطّعام.و في الحديث:«كلّ مال أدّيت زكاته فقد ذهبت أبلته»، و أصله و بلته من الوبال،فأبدل بالواو الألف،كقولهم:

أحد،و أصله وحد.

و الإبّالة بالكسر:الحزمة من الحطب.و في المثل:

«ضغث على إبّالة»أي بليّة على أخرى كانت قبلها.و لا تقل:إيبالة،لأنّ الاسم إذا كان على«فعّالة»بالهاء، لا يبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء،مثل صنّارة و دنّامة،

ص: 134

و إنّما يبدل إذا كان بلا هاء مثل دينار و قيراط.و بعضهم يقول:إبالة مخفّفا.(4:1618)

ابن فارس: الهمزة و الباء و اللاّم بناء على أصول ثلاثة:على الإبل،و على الاجتزاء،و على الثّقل و على الغلبة.

و الإبلات:الإبل،و أبّل الرّجل:كثرت إبله فهو مؤبّل.و مال مؤبّل:في الإبل خاصّة،و هو كثرتها و ركوب بعضها بعضا.و فلان لا يأتبل،أي لا يثبت على الإبل.

و الأبلة:الثّقل،و في الحديث:«كلّ مال أدّيت زكاته فقد ذهبت أبلته».

و الإبّالة:الحزمة من الحطب.(1:39)

الهرويّ: في الحديث:«تأبّل آدم على حوّاء بعد مقتل ابنه»أي توحّش عنها،و ترك غشيانها،يقال:

أبلت الإبل و تأبّلت،إذا اجتزأت بالرّطب عن الماء.

(1:10)

ابن سيده: الإبل و الأبل-الأخيرة عن كراع-:

معروف،لا واحد له من لفظه.

و الجمع:آبال،و حكى سيبويه:إبلان قال:لأنّ إبلا اسم لم يكسّر عليه و إنّما يريدون قطيعين،[قال]أبو الحسن:

و إنّما ذهب سيبويه إلى الإيناس بتثنية الأسماء الدّالّة على الجمع،فهو يوجّهها إلى الألفاظ الآحاد،و لذلك قال:و إنّما يريدون قطيعين.و قوله:لم يكسّر عليه:لم يضمر في يكسّر.

و تأبّل إبلا:اتّخذها.

و أبّل الرّجل و آبل:كثرت إبله.

و رجل أبل و آبل و إبليّ:ذو إبل.

و أبّال:يرعى الإبل.

و أبل يأبل إبالة،و أبل أبلا فهو آبل و أبل:حذق مصلحة الإبل و الشّاء.

و حكى سيبويه: هو من آبل النّاس،قال:و لا فعل له.

و إنّه لا يأتبل،أي لا يثبت على رعية الإبل،و لا يحسن مهنتها،و قيل:لا يثبت عليها راكبا.

و تأبيل الإبل صنعتها و تسمينها،حكاه عن أبي زياد أبو حنيفة.

و أبلت الإبل و الوحش تأبل و تأبل أبلا و أبولا و أبلت و تأبّلت:جزأت على الماء بالرّطب.[ثمّ استشهد بشعر] و أبل الرّجل عن امرأته و تأبّل:اجتزأ عنها.

و في الحديث:«أبل آدم على ابنه المقتول كذا و كذا عاما لا يصيب حوّاء»أي امتنع من غشيانها.و يروى تأبّل.

و أبلت الإبل بالمكان أبولا:أقامت.[ثمّ استشهد بشعر] و إبل أوابل و أبّل و أبّال و مؤبّلة:كثيرة.و قيل:هي الّتي جعلت قطيعا قطيعا،و قيل:هي المتّخذة للقنية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبل يأبل أبلا:غلب و امتنع-عن كراع-و المعروف:

أبّل.(10:408)

الرّاغب: الإبل:يقع على البعران الكثيرة،و لا واحد له من لفظه.

و أبل الوحشيّ يأبل أبولا و أبل أبلا:اجتزأ عن الماء تشبّها بالإبل في صبرها عن الماء.و كذلك تأبّل الرّجل عن امرأته،إذا ترك مقاربتها.

و أبل الرّجل:كثرت إبله.و فلان لا يأبل،أي

ص: 135

لا يثبت على الإبل إذا ركبها.

و رجل آبل و أبل:حسن القيام على إبله.و إبل مؤبّلة:مجموعة.

و الإبالة:الحزمة من الحطب تشبيها به.(8)

الزّمخشريّ: لقد تأبّل آدم على ابنه المقتول كذا و كذا عاما لا يصيب حوّاء،أي امتنع من غشيان حوّاء متفجّعا على ابنه،فعدّي ب«على»لتضمّنه معنى تفجّع، و هو من:أبلت الإبل و تأبّلت،إذا جزأت.

(الفائق 1:19)

ابن برّيّ: الأبلة محرّكة:الحقد.

(الزّبيديّ 7:210)

ابن الأثير: «لا تبع الثّمرة حتّى تأمن عليها الأبلة» الأبلة بوزن العهدة:العاهة و الآفة.

و في حديث يحيى بن يعمر:«كلّ مال أدّيت زكاته فقد ذهبت أبلته»و يروى و بلته.الأبلة بفتح الهمزة و الباء:الثّقل و الطّلبة،و قيل:هو من الوبال.فإن كان من الأوّل فقد قلبت همزته في الرّواية الثّانية واوا،و إن كان من الثّاني فقد قلبت واوه في الرّواية الأولى همزة.

و في حديث ضوالّ الإبل:«أنّها كانت في زمن عمر إبلا مؤبّلة لا يمسّها أحد»،إذا كانت الإبل مهملة قيل:

إبل أبّل،فإذا كانت للقنية قيل:إبل مؤبّلة،أراد أنّها كانت لكثرتها مجتمعة حيث لا يتعرّض إليها.

و في الحديث:«كان عيسى عليه السّلام يسمّى أبيل الأبيلين»الأبيل،بوزن الأمير:الرّاهب،سمّي به لتأبّله عن النّساء و ترك غشيانهنّ،و الفعل منه:أبل يأبل إبالة، إذا تنسّك و ترهّب.

و في حديث الاستسقاء:«فألّف اللّه بين السّحاب فأبلنا»أي مطرنا وابلا،و هو المطر الكثير القطر.و الهمزة فيه بدل من الواو،مثل أكّد و وكّد.و قد جاء في بعض الرّوايات«فألّف اللّه بين السّحاب فوبلتنا»جاء به على الأصل.(1:15)

الصّغانيّ: الأبل:الرّطب و اليبيس.

(الأضداد:222)

أبو حيّان: الإبل:لا واحد له من لفظه،و هو مؤنّث، و لذلك إذا صغّر دخلته التّاء فقالوا:أبيلة،و قالوا في الجمع:آبال.و قد اشتقّوا من لفظه فقالوا:تأبّل الرّجل.

و تعجّبوا من هذا الفعل على غير قياس،فقالوا:ما آبل زيدا.

و إبل:اسم جاء على«فعل»و لم يحفظ سيبويه ممّا جاء على هذا الوزن غيره.(8:464)

مثله الآلوسيّ.(30:116)

الفيّوميّ: الإبل:اسم جمع لا واحد لها و هي مؤنّثة، لأنّ اسم الجمع الّذي لا واحد له من لفظه إذا كان لما لا يعقل يلزمه التّأنيث،و تدخله الهاء إذا صغّر نحو:أبيلة و غنيمة،و سمع إسكان الباء للتّخفيف،و الجمع:آبال و أبيل،وزان عبيد،و إذا ثنّي أو جمع فالمراد قطيعان أو قطيعات،و كذلك أسماء الجموع نحو أبقار و أغنام.

و«الإبل»بناء نادر.(1:2)

الفيروزآباديّ: الإبل-بكسرتين و تسكّن الباء- معروف،واحد يقع على الجمع ليس بجمع و لا اسم جمع،جمعه:آبال،و تصغيرها أبيلة،و السّحاب الّذي يحمل ماء المطر،و يقال:إبلان للقطيعين.

ص: 136

و تأبّل إبلا:اتّخذها،و أبل كضرب:كثرت إبله كأبّل و آبل،و غلب و امتنع كأبّل.

و الإبل و غيرها تأبل و تأبل أبلا و أبولا:جزأت عن الماء بالرّطب،كأبلت كسمعت و تأبّلت،الواحد آبل، جمعه:أبّال،أو هملت فغابت و ليس معها راع،أو تأبّدت،و عن امرأته:امتنع عن غشيانها كتأبّل و نسك، و بالعصا:ضرب.

و الإبل أبولا:أقامت بالمكان.

و أبل كنصر و فرح إبالة و أبلا فهو آبل و أبل:حذق مصلحة الإبل و الشّاء،و أنّه من آبل النّاس:من أشدّهم تأنّقا في رعيتها.

و أبلت الإبل كفرح و نصر:كثرت،و أبل العشب أبولا:طال فاستمكن منه الإبل،و أبله أبلا:جعل له إبلا سائمة.

و إبل مؤبّلة كمعظّمة:للقنية.و كقبّر:مهملة.

و أوابل:كثيرة.

و أبابيل:فرق جمع بلا واحد.و الإبّالة كإجّانة و يخفّف،و كسكّيت و عجّول و دينار:القطعة من الطّير و الخيل و الإبل،أو المتتابعة منها.

و كأمير:العصا و الحزين بالسّريانيّة،و رئيس النّصارى أو الرّاهب أو صاحب النّاقوس،كالأيبليّ و الأيبليّ و الهيبليّ و الأبليّ بضمّ الباء،و الأيبل و الأيبل و الأيبليّ جمعه:آبال و أبل بالضّمّ.

و الحزمة من الحشيش كالأبيلة،و الإبّالة كإجّانة و الإيبالة و الوبيلة،و يريدون بأبيل الأبيلين عيسى صلوات اللّه و سلامه عليه.

و الإبالة ككتابة:السّياسة،و الأبلة كفرحة:الطّلبة و الحاجة،و المباركة من الولد.

و أنّه لا يأتبل:لا يثبت على رعية الإبل و لا يحسن مهنتها،أو لا يثبت عليها راكبا.

و تأبيل الإبل:تسمينها.و رجل آبل و ككتف و إبليّ بكسرتين و بفتحتين:ذو إبل و كشدّاد:يرعاها.

و الإبلة بالكسر:العداوة،و بالضّمّ:العاهة، و بالفتح أو بالتّحريك:الثّقل،و الوخامة كالأبل محرّكة و الإثم،كعتلّة:تمر يرضّ بين حجرين و يحلب عليه لبن، و الفدرة من التّمر.

و تأبيل الميّت:تأبينه.

و الأبل:الرّطب أو اليبيس و يضمّ،و بضمّتين:

الخلفة من الكلإ.

و جاء في إبالته بالكسر،و أبلّته بضمّتين مشدّدة:

أصحابه و قبيلته،و هو من إبلّة سوء مشدّدة بكسرتين و بضمّتين:طلبة و إبلاته و إبّالته بكسرهما.

«و ضغث على إبّالة»كإجّانة و يخفّف:بليّة على أخرى أو خصب على خصب،كأنّه ضدّ،و آبل كصاحب:بلدة.

و بعير أبل ككتف:لحيم،و ناقة أبلة:مباركة في الولد،و ككتابة:شيء تصدّر به البئر،و قد أبلتها فهي مأبولة،و الحزمة الكبيرة من الحطب،و يضمّ كالبلة كثبة.

و أرض مأبلة:ذات إبل،و أبّل تأبيلا:اتّخذ إبلا و اقتناها.(3:336)

البروسويّ: الإبل:اسم جمع لا واحد لها من لفظها،و إنّما واحدها بعير و ناقة و جمل.(10:416)

ص: 137

رشيد رضا:الإبل:اسم جمع لجنس الأباعر[إلى أن قال:]

و مفرده بعير،و هو يقع في أصل اللّغة على الذّكر و الأنثى مثل الإنسان،و لكنّه غلب في عرف المولّدين على الذّكر،و إنّما الجمل اسم للذّكر كالرّجل في النّاس، و النّاقة للأنثى كالمرأة.(8:142)

مجمع اللّغة:الإبل:الجمال،و لا واحد لها من لفظها.(1:2)

المصطفويّ: لا يبعد أن يكون الأصل الواحد في هذه المادّة هو الاجتزاء مع الثّقل،أي المفهوم الجامع بين العظمة و القناعة،و الإبل أحد مصاديق هذا المعنى فغلب استعماله فيها.

و أمّا الأبابيل فلعلّها أيضا كانت موصوفة بالاجتزاء و الغلبة،بمعنى اتّصافها بالقوّة و القدرة و القناعة، و الاجتزاء مع كونها قطيعة قطيعة،فهذه الكلمة ليست اسما لنوع مخصوص من الطّير،بل هي اسم صفة تدلّ على هذه الخصوصيّات و الصّفات الممتازة،أي طيرا كانت بهذه الخصوصيّات،و أمّا أنّها من أيّ نوع هي؟ فاللّه أعلم بها.(1:11)

العدنانيّ: الإبّالة و أخواتها:و يخطّئون من يسمّي الحزمة من الحطب أو الحشيش إيبالة،و يقولون:إنّ الصّواب هو إبّالة،و يستشهدون بالمثل المعروف«ضغث على إبّالة»،و الضّغث:هو قبضة من حشيش مختلطة باليابس،و يعتمدون على ما جاء في التّهذيب«حطب» و الصّحاح«حطب»و معجم مقاييس اللّغة«حطب» و العباب«حطب»و اللّسان«حطب أو حشيش» و القاموس«حشيش»و التّاج«حطب أو حشيش»و المدّ «حطب أو حشيش»و محيط المحيط«حطب»و أقرب الموارد«حطب»و المتن«حطب أو حشيش»و المعجم الكبير«حطب أو حشيش»و الوسيط«الحزمة من الأعواد و نحوها»و أعني بالحطب و الحشيش الحزمة الكبيرة منهما.

و لكن نستطيع أن نقول«إيبالة»أيضا،اعتمادا على الأزهريّ،و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان،و التّاج، و ذيل أقرب الموارد،الّذين قالوا:إنّ معناها هو الحزمة الكبيرة من الحطب.و على القاموس و محيط المحيط اللّذين قالا:إنّ معناها هو الحزمة الكبيرة من الحشيش.

و على شفاء الغليل،و المدّ،و المتن،و المعجم الكبير الّذين قالوا:إنّها تعني الحزمة الكبيرة من الحطب أو الحشيش.

و قد خطّأ الصّحاح و العباب من يقول:إيبالة.

و هنالك كلمات أخرى تحمل معنى الإبّالة:

1-الإبالة:قال أسماء بن خارجة:

لي كلّ يوم من ذؤاله ضغث يزيد على إباله

و الأزهريّ،و الصّحاح،و العباب،و محيط المحيط الّذين قالوا:إنّها تعني الحزمة الكبيرة من الحطب.

و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد و المتن«مجاز»،و المعجم الكبير الّذين قالوا:إنّها تعني الحزمة الكبيرة من الحطب أو الحشيش.و الوسيط الّذي قال:إنّها الحزمة من الأعواد و نحوها.

2-و الأبيلة:المحكم،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و ذيل أقرب الموارد،و المتن، و المعجم الكبير،و الوسيط،و هؤلاء قالوا:إنّ معناها

ص: 138

الحزمة الكبيرة من الحطب أو الحشيش،ما عدا القاموس و محيط المحيط اللّذين قالا:إنّ معناها هو الحزمة الكبيرة من الحشيش.و التّاج الّذي قال:إنّها الحزمة الكبيرة من الحطب.و الوسيط الّذي قال:إنّها الحزمة من الأعواد و نحوها.

3-و الوبيلة:اللّسان،و التّاج،و أقرب الموارد، و الوسيط الّذين قالوا:إنّ معناها هو الحزمة من الحطب.

و القاموس،و محيط المحيط اللّذان قالا:إنّ معناها هو الحزمة من الحشيش.و المتن الّذي قال:إنّها حزمة الحطب أو الحشيش كليهما.

4-و الوبيل:الصّحاح،و ابن خروف في شرح الدّيوان و الصّغانيّ،و اللّسان،و التّاج،و المتن،و جميعهم قالوا:إنّ معناها هو الحزمة الكبيرة من الحطب.

5-و الأبالة:القاموس،و محيط المحيط اللّذان قالا:

إنّ معناها هو الحزمة الكبيرة من الحطب.و المتن الّذي قال:إنّها من المجاز،و معناها الحزمة الكبيرة من الحطب أو الحشيش.

6-و الموبلة:التّهذيب،و اللّسان،و مستدرك التّاج، و جميعها تقول:إنّها تعني الحزمة الكبيرة من الحطب.

7-و الأبيل:المحكم،و اللّسان«الحطب و الحشيش»،و المدّ.

8-و البلة:التّاج«الحطب»،و المتن«الحطب و الحشيش».

و انفرد الصّحاح بذكر الموبل،و معناه الحزمة الكبيرة من الحطب،و انفرد المتن أيضا بذكر:

أ-الإبّيل.

ب-و الإبّيل.

ج-و الإبّول.

د-و الإيبال.

و جميعها تعني الحزمة الكبيرة من الحطب أو الحشيش.

آبال،أبيل:يقول إبراهيم السّامرّائيّ في كتابه«من معجم المتنبيّ»:إنّ جمع المتنبيّ اسم الجمع«إبل»على «آبال»في قوله من قصيدة يمدح بها أبا شجاع فاتكا:

تجري النّفوس حواليه مخلّطة

منها عداة،و أغنام،و آبال.

لم يرد في المعاجم،الّتي بين أيدينا،عدا تهذيب الأزهريّ؛لأنّ«إبل»هو اسم جمع.

و حاول المؤلّف إيجاد عذر للمتنبّي،لجمعه الإبل على آبال،فوجد له عذرين،هما:الضّرورة الشّعريّة، و عطفها على«أغنام»وزان«أفعال».

و في الحقيقة كان السّامرّائيّ في غنى عن اختلاق هذين العذرين،لأنّ خمسة عشر مصدرا-عدا الأزهريّ -قد جمعت الإبل على آبال،هي:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و حياة الحيوان الكبرى للدّميريّ،و القاموس،و التّاج الّذي استشهد بقول الشّاعر:

و قد سقوا آبالهم بالنّار و النّار قد تشفي من الأوار

و المدّ،و محيط،و أقرب الموارد،و المتن،و المعجم الكبير، و الوسيط.

و هنا لك جمع آخر للجمع«إبل»هو:أبيل،كما جاء في المصباح،و مستدرك التّاج،و المدّ،و ذيل أقرب

ص: 139

الموارد،و المتن،و المعجم الكبير.

و يقول التّاج:تسكّن باء«إبل»للتّخفيف على الصّحيح،كما قال الصّغانيّ و ابن جنّيّ.و جوّز كراع، و المصباح،و محمّد الفاسيّ أن تكون«إبل» لغة مستقلّة.(2)

النّصوص التّفسيريّة

أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الغاشية:17

ابن عبّاس: يريد الأنعام.(القمّيّ 2:418)

الحسن:خصّ الإبل بالذّكر لأنّها تأكل النّوى و القتّ و تخرج اللّبن.

فقيل له:الفيل أعظم في الأعجوبة؟

قال:العرب بعيدة العهد بالفيل،ثمّ هو خنزير لا يؤكل لحمه،و لا يركب ظهره،و لا يحلب درّه.(أبو حيّان 8:464)

أبو عمرو ابن العلاء: من قرأها أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ بالتّخفيف،عنى به البعير،لأنّه من ذوات الأربع،يبرك فتحمل عليه الحمولة،و غيره من ذوات الأربع،لا يحمل عليه إلاّ و هو قائم.و من قرأها بالتّثقيل،فقال:(الإبلّ)،عنى بها السّحاب الّتي تحمل الماء و المطر.(القرطبيّ 20:35)

الفرّاء: عجّبهم من حمل الإبل أنّها تحمل وقرها باركة ثمّ تنهض به،و ليس شيء من الدّوابّ يطيق ذلك إلاّ البعير.(3:258)

المبرّد: الإبل هنا:السّحاب،لأنّ العرب قد تسمّيها بذلك؛إذ تأتي إرسالا كالإبل و تزجي كما تزجي الإبل،و هي في هيئتها أحيانا تشبه الإبل و النّعام.

(أبو حيّان 8:464)

الطّبريّ: أ فلا ينظر هؤلاء المنكرون قدرة اللّه على هذه الأمور،إلى الإبل كيف خلقها و سخّرها لهم و ذلّلها، و جعلها تحمل حملها باركة ثمّ تنهض به.(30:165)

ابن خالويه: قيل:الإبل:السّحاب.و قال آخرون:هي الجمال،لأنّ كلّ ما خلق اللّه يحمل قائما ما خلا الجمل،فإنّه يحمل باركا و ينهض،ففي ذلك أعجوبة.(70)

الثّعلبيّ: قيل في الإبل هنا:السّحاب،و لم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمّة.(القرطبيّ 20:35)

الماورديّ:في الإبل وجهان:أحدهما:-و هو أظهرهما و أشهرهما-أنّها الإبل من النّعم،الثّاني:أنّها السّحاب.(القرطبيّ 20:35)

الطّوسيّ: أي أ فلا يتفكّرون بنظرهم إلى الإبل كيف خلقت،و يعتبرون بما خلقه اللّه عليه من عجيب الخلق،و مع عظمه و قوّته يذلّله الصّبيّ الصّغير،فينقاد له بتسخير اللّه،و يبركه و يحمل عليه ثمّ يقوم،و ليس ذلك في شيء من الحيوان،بتسخير اللّه لعباده و نعمته به على خلقه.(10:337)

القشيريّ: في الإبل خصائص تدلّ على كمال قدرته و إنعامه جلّ شأنه؛منها:ما في إمكانهم من الانتفاع بظهورها للحمل و الرّكوب،ثمّ بنسلها،ثمّ بلحمها و لبنها و وبرها،ثمّ من سهولة تسخيرها لهم، حتّى ليستطيع الصّبيّ أن يأخذ بزمامها فتنجرّ وراءه، و الإبل تصبر على مقاساة العطش في الأسفار الطّويلة،

ص: 140

و هي تقوى على أن تحمل فوق ظهورها الكثير من الحمولات،ثمّ حرانها إذا حقدت،و استرواحها إلى صوت من يحدوها عند الإعياء و التّعب،ثمّ ما يعلّل المرء بما يناط بها من برّها.(6:291)

نحوه شبّر.(556)

الرّاغب: قيل:أريد بها السّحاب،فإن يكن ذلك صحيحا فعلى تشبيه السّحاب بالإبل و أحواله بأحوالها.

(8)

الزّمخشريّ: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ نظر اعتبار كَيْفَ خُلِقَتْ خلقا عجيبا دالاّ على تقدير مقدّر،شاهدا بتدبير مدبّر؛حيث خلقها للنّهوض بالأثقال،و جرّها إلى البلاد الشّاحطة،فجعلها تبرك حتّى تحمل عن قرب و يسر ثمّ تنهض بما حملت، و سخّرها منقادة لكلّ من اقتادها بأزمّتها لا تعاز ضعيفا و لا تمانع صغيرا،و برأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار.

و عن بعض الحكماء أنّه حدّث عن البعير و بديع خلقه،و قد نشأ في بلاد لا إبل بها ففكّر ثمّ قال:يوشك أن تكون طوال الأعناق،و حين أراد بها أن تكون سفائن البرّ،صبّرها على احتمال العطش حتّى أنّ أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعدا،و جعلها ترعى كلّ شيء نابت في البراري و المفاوز ممّا لا يرعاه سائر البهائم.

فإن قلت:كيف حسن ذكر الإبل مع السّماء و الجبال و الأرض و لا مناسبة؟

قلت:قد انتظم هذه الأشياء نظر العرب في أوديتهم و بواديهم فانتظمها الذّكر على حسب ما انتظمها نظرهم، و لم يدع من زعم أنّ الإبل السّحاب إلى قوله إلاّ طلب المناسبة،و لعلّه لم يرد أنّ الإبل في أسماء السّحاب كالغمام و المزن و الرّباب و الغيم و الغين،و غير ذلك،و إنّما رأى السّحاب مشبّها بالإبل كثيرا في أشعارهم فجوّز أن يراد بها السّحاب على طريق التّشبيه و المجاز.(4:247)

الطّبرسيّ:كانت الإبل عيسا من عيسهم فيقول:

أ فلا يتفكّرون فيها و ما يخرج اللّه من ضروعها من بين فرث و دم لبنا خالصا سائغا للشّاربين.(5:480)

ابن شهرآشوب: لمّا كانت العرب منفردين عن النّاس،و السّماء لهم سقفا و الأرض لهم وطء و الجبال أمامهم و هي كهف لهم و حصن،و الإبل ملجأهم في الحلّ و التّرحال أكلا و شربا و ركوبا و حملا نزلت الآية.

و ليست الفيلة بأدلّ على اللّه تعالى من البقّة،و لا الطّاوس من القردة،فلذلك قرن الإبل بالسّماء، و الأرض بالجبال.(1:6)

ابن الجوزيّ: قال العلماء:إنّما خصّ الإبل من غيرها لأنّ العرب لم يروا بهيمة قطّ أعظم منها،و لم يشاهدوا الفيل إلاّ الشّاذّ منهم،و لأنّها كانت أنفس أموالهم و أكثرها،لا تفارقهم و لا يفارقونها،فيلاحظون فيها العبر الدّالة على قدرة الخالق،من إخراج لبنها من بين فرث و دم،و من عجيب خلقها،و هي على عظمها مذلّلة للحمل الثّقيل،و تنقاد للصّبيّ الصّغير،و ليس في ذوات الأربع ما يحمل عليه وقره و هو بارك فيطيق النّهوض به سواها.

و قرأ ابن عبّاس و أبو عمران الجونيّ و الأصمعيّ، عن أبي عمرو(الإبل)بإسكان الباء و تخفيف اللاّم و قرأ أبيّ بن كعب و عائشة و أبو المتوكّل و الجحدري و ابن

ص: 141

السّميقع،و يونس بن حبيب و هارون كلاهما عن أبي عمرو(الإبلّ)بكسر الباء و تشديد اللاّم.

قال هارون: قال أبو عمرو:(الإبلّ)بتشديد اللاّم:

السّحاب الّذي يحمل الماء.(9:99)

الفخر الرّازيّ: [له بحث مستوفى في الإبل و خصائصه؛لخّصه النّيسابوريّ كما سيأتي]

(31:157)

القرطبيّ: قال الماورديّ:في الإبل وجهان:

أحدهما:و هو أظهرهما و أشهرهما أنّها الإبل من النّعم، الثّاني:أنّها السّحاب.

فإن كان المراد بها السّحاب فلما فيها من الآيات الدّالّة على قدرته،و المنافع العامّة لجميع خلقه.و إن كان المراد بها الإبل من النّعم،فلأنّ الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان،لأنّ ضروبه أربعة:حلوبة،و ركوبة، و أكولة،و حمولة.و الإبل تجمع هذه الخلال الأربع، فكانت النّعمة بها أعمّ،و ظهور القدرة فيها أتمّ.

(20:35)

النّسفيّ: تخصيص هذه الأربعة باعتبار أنّ هذا خطاب للعرب و حثّ لهم على الاستدلال،و المرء إنّما يستدلّ بما تكثر مشاهدته له،و العرب تكون في البوادي و نظرهم فيها إلى السّماء و الأرض و الجبال و الإبل،فهي أعزّ أموالهم،و هم لها أكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات،و لأنّها تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان،و هي:النّسل و الدّرّ و الحمل و الرّكوب و الأكل، بخلاف غيرها.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](4:352)

النّيسابوريّ: للمحقّقين في نسق الآية و في تناسب هذه الأمور وجوه:

منها:قول أكثر أهل المعاني:إنّ القرآن إنّما نزل بلغة العرب فيجب أن يخاطبوا بحسب ما هو مركوز في خزانة خيالهم،لا ريب أنّ جلّ هممهم مصروفة بشأن الإبل، فمنها يأكلون و يشربون،و من أصوافها و أوبارها ينتفعون،و عليها في متاجرهم و مسافراتهم يحملون.

فحيث أراد اللّه سبحانه أن ينصب لهم دليلا من مصنوعاته،يمكنهم أن يستدلّوا به على كمال حكمة الصّانع و نهاية قدرته،لم يكن شيء أحضر صورة في متخيّلهم من الإبل،فنصبها لهم.

و لا ريب أنّها من أعاجيب مصنوعات اللّه تعالى صورة و سيرة،لما ركّب فيها من التّحمّل على دوام السّير مع كثرة الأثقال،و من البروك حتّى تحمل،ثمّ النّهوض بما حملت،و من الصّبر على العطش و على العلف القليل أيّاما،ثمّ شرب الماء الكثير إذا وجدت، و من تذلّلها لصبيّ أو ضعيف.

ثمّ إنّ أصحاب المواشي لاحتياجهم الشّديد الى الماء المستعقب للكلإ صار جلّ نظرهم إلى السّماء الّتي منها ينزل المطر،ثمّ إلى الجبال الّتي هي أقرب إلى السّماء و أسرع لوقوع المطر عليها،و حفظ الثّلج الّذي منه مادّة العيون و الآبار عند إقلاع الأمطار،على أنّها مأمنهم و مسكنهم في الأغلب.

ثمّ إلى الأرض الّتي فيها ينبت العشب و عليها متقلّبهم و مرعاهم،فثبت أنّ الآية كيف وردت منظّمة حسب ما انتظم في خزانة خيال العرب بحسب الأغلب.

و منها:أنّ جميع المخلوقات متساوية في دلالة

ص: 142

التّوحيد،و ذكر جميعها غير ممكن،فكلّ طائفة منها تخصّ بالذّكر،ورد هذا السّؤال فوجب الحكم بسقوطه.

و لعلّ في ذكر هذه الأشياء الّتي لا تناسب في الظّاهر تنبيها على أنّ هذا الوجه من الاستدلال غير مختصّ بنوع دون نوع،بل هو عامّ في الكلّ.

و منها:أنّ المراد بالإبل السّحاب على طريق التّشبيه و المجاز،فإنّ العرب كثيرا تشبّه السّحاب بالإبل في أشعارهم.

و منها أنّ تخصيص الإنسان بالاستدلال منه على التّوحيد يستتبع الوقوع في الشّهوة و الفتنة،و كذا الفكر في البساتين و النّزهة و الصّور الحسنة،فخصّ الإبل بالذّكر لأنّ التّفكّر فيها متمحّض لداعية الحكمة،و ليس للشّهوة فيها نصيب.

على أنّ إلف العرب بها أكثر كما مرّ،و كذا السّماء و الأرض و الجبال دلائل الحدوث فيها ظاهرة،و ليس فيها نصيب للشّهوة.(30:84)

الخازن:فإن قلت:كيف حسن ذكر الإبل مع السّماء و الأرض و الجبال و لا مناسبة بينهما؟و لم بدأ بذكر الإبل قبل السّماء و الأرض و الجبال؟

قلت:لمّا كان المراد ذكر الدّلائل الدّالّة على توحيده و قدرته و أنّه هو الخالق لهذه الأشياء جميعها،و كانت الإبل من أعظم شيء عند العرب،فينظرون إليها ليلا و نهارا،و يصاحبونها ظعنا و أسفارا،ذكّرهم عظيم نعمته عليهم فيها و لهذا بدأ بها،و لأنّها من أعجب الحيوانات عندهم.(7:200)

أبو حيّان: قرأ الجمهور(الإبل)بكسر الباء و تخفيف اللاّم،و الأصمعيّ عن أبي عمرو بإسكان الباء، و عليّ و ابن عبّاس بشدّ اللاّم،و رويت عن أبي عمرو و أبي جعفر و الكسائيّ،و قالوا:إنّها السّحاب،عن قوم من أهل اللّغة.(8:464)

البروسويّ: لم يذكر الفيل مع أنّه أعظم خلقة من الإبل،لأنّه لم يكن بأرض العرب،فلم تعرفه و لا يحمل عليه عادة و لا يحلب درّه،و لا يؤمن ضرّه.

(10:416)

الآلوسيّ: أي أ ينكرون ما أشير إليه من البعث و أحكامه و يستبعدون وقوعه من قدرة اللّه عزّ و جلّ، فلا ينظرون إلى الإبل الّتي هي نصب أعينهم يستعملونها كلّ حين،كيف خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلق أكثر أنواع الحيوانات،في عظم جثّتها و شدّة قوّتها، و عجيب هيآتها اللاّئقة بتأتّي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشّاقّة،كالنّوء بالأوقار الثّقيلة و هي باركة،و إيصالها الأثقال الفادحة إلى الأقطار النّازحة،و في صبرها على الجوع و العطش حتّى أنّ ظمأها ليبلغ العشر-بكسر فسكون-و هو ثمانية أيّام بين الوردين،و ربّما يجوز ذلك،و تسمّى حينئذ الحوازي-بالحاء المهملة و الزّاي- و اكتفائها بالسّير و رعيها لكلّ ما يتيسّر من شوك و شجر و غير ذلك ممّا لا يكاد يرعاه سائر البهائم،و في انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة و السّكون و البروك و النّهوض؛حيث يستعملها في ذلك كيف يشاء، و يقتادها بقطارها كلّ صغير و كبير،و في تأثّرها بالصّوت الحسن على غلظ أكبادها إلى غير ذلك؟

و خصّت بالذّكر لأنّها أعجب ما عند العرب من

ص: 143

الحيوانات الّتي هي أشرف المركبات و أكثرها صنعا، و لهم على أحوالها أتمّ وقوف.

قال الإمام (1): التّناسب فيها أنّ الكلام مع العرب و هم أهل أسفار على الإبل في البراري،فربّما انفردوا فيها،و المنفرد يتفكّر لعدم رفيق يحادثه و شاغل يشغله فيتفكّر فيما يقع عليه طرفه،فإذا نظر لما معه رأى الإبل، و إذا نظر لما فوقه رأى السّماء،و إذا نظر يمينا و شمالا رأى الجبال،و إذا نظر لأسفل رأى الأرض،فأمر بالنّظر في خلوته لما يتعلّق به النّظر من هذه الأمور،فبينها مناسبة بهذا الاعتبار.

و قال عصام الدّين: إنّ خيال العرب جامع بين الأربعة،لأنّ ما لهم النّفيس الإبل،و مدار السّقي لهم على السّماء،و رعيهم في الأرض،و حفظ ما لهم بالجبال، و ما ألطف ذكر الإبل بعد ذكر الضّريع،فإنّ خطورها بعده على طرف الثّمام،و إذا صحّ ما روي من كلام قريش عند نزول تلك الآية كان ذكرها ألطف و ألطف.

(30:116)

سيّد قطب: الإبل حيوان العربيّ الأوّل،عليها يسافر و يحمل،و منها يشرب و يأكل،و من أوبارها و جلودها يلبس و ينزل.فهي مورده الأوّل للحياة،ثمّ إنّ لها خصائص تفردها من بين الحيوان،فهي على قوّتها و ضخامتها و ضلاعة تكوينها ذلول يقودها الصّغير فتنقاد،و هي على عظم نفعها و خدمتها قليلة التّكاليف.

مرعاها ميسّر،و كلفتها ضئيلة،و هي أصبر الحيوان المستأنس على الجوع و العطش و الكدح و سوء الأحوال،ثمّ إنّ لهيئتها مزيّة في تناسق المشهد الطّبيعيّ المعروض.لهذا كلّه يوجّه القرآن أنظار المخاطبين إلى تدبّر خلق الإبل،و هي بين أيديهم لا تحتاج منهم إلى نقلة و علم جديد.(6:3898)

الطّباطبائيّ: تخصيص الإبل بالذّكر من جهة أنّ السّورة مكّيّة،و أوّل من تتلى عليهم الأعراب،و اتّخاذ الآبال من أركان عيشهم.(20:274)

خليل ياسين: س-الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة فهلاّ مثّل به؟

ج-العرب بعيدو العهد بالفيل،ثمّ هو خنزير لا يركب ظهرها،و لا يؤكل لحمها،و لا يحلب درّها.و الإبل من أعزّ مال العرب و أنفسه،تأكل النّوى و القتّ و تخرج اللّبن،و يؤكل لحمها،و يركب ظهرها،و تحمل الأثقال عليها،و يأخذ الصّبيّ بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها.(2:314)

المصطفويّ: مضافا إلى حواسّها و أعضائها الحيوانيّة خلقت للرّكوب في الأسفار و حمل الأثقال بالخلقة المتناسبة لها،و قدرة التّحمّل و الصّبر على الجوع و العطش.(1:12)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الإبل،و منه تفرّعت سائر المعاني.فالكثرة أخذت من عظمة خلقتها، و الاجتزاء أخذ من صبرها على الماء القليل،و قناعتها بالكلإ الرّطب،و هي صفة كامنة فيها.

و تجوّزوا في استعمال بعض هذه المعاني بإطلاقها على

ص: 144


1- يقصد الإمام الفخر الرّازيّ.

الآدميّين،فقالوا:أبل الرّجل و تأبّل عن امرأته،إذا اجتزأ عنها و توحّش،كما يجتزئ الوحش عن الماء.

و أبل الرّجل يأبل إبالة،إذا تنسّك و ترهّب،و لذا يقال للرّاهب:أبيلا،لأنّه اجتزأ بالعبادة عن النّساء و لذيذ العيش.

2-و أمّا الأبلّ فهو«أفعل»من«ب ل ل»،و هو الجريء المقدام من الرّجال الّذي لا يستحي و لا يبالي.

و يقال:هو الفاجر الشّديد الخصومة.و يقال:هو الحذر الأريب.

و الوبيل من«و ب ل»،و هو يدلّ على الشّدّة و الثّقل،لاحظ«و ب ل».

و أمّا«أبلته»من الحديث:«كلّ مال زكّي عنه ذهبت أبلته»،فهمزته مبدلة من«واو»،أراد«وبلته»،أي فساده.

3-فتبيّن ممّا تقدّم أنّ اللّغويّين خلطوا في هذه المادّة بين أصول ثلاثة هي:«أ ب ل»و«ب ل ل»و«و ب ل»، و ليس كلّها من«أ ب ل».فما كان فيه معنى الكثرة و الاجتزاء فهو من هذا الباب،و ما فيه معنى الثّقل فهو من«و ب ل»،و ما فيه معنى الامتناع و الخصومة فهو من «ب ل ل».

الاستعمال القرآنيّ

فيها آيتان:

الأولى: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ...

الأنعام:144.

و فيها بحوث:

1-تعتبر الإبل من الأنعام في القرآن،كما هي في اللّغة،لقوله تعالى: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:142،ثمّ يفسّره بقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ... الأنعام:143، وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ... الأنعام:144.

2-و جاء كلّ من الأنعام مقرونا بمثله،فالإبل و البقر متشابهان في الجسم و في المنافع،و هي اللّحم و اللّبن و الحمل و الرّكوب،و الضّأن و المعز كذلك عدا الحمل و الرّكوب.كما يلحظ تناسب الألفاظ في القرينين؛ فالضّأن و المعز كلاهما على وزن«فعل»و الإبل و البقر على وزني«فعل»و«فعل»،و لا يخفى ما فيها أيضا من عذوبة اللّفظ و حلاوته،لا سيّما و أنّ زيادة الحركة في الإبل و البقر تدلّ على زيادة المنفعة؛إذ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني.

3-و قدّمت الضّأن على المعز إشعارا بكثرتها و أصالتها عند العرب،كما أنّ تقديم الإبل على البقر يدلّ على ذلك.

4-و ذكر الإبل كان خطابا موجّها إلى المشركين، و ذكر البقر و الغنم في الآيات التّالية كان حكاية عن اليهود: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما... الأنعام:

146،إشعارا بأنّ الإبل هي حيوان العرب دون اليهود، و لعلّ الاكتفاء بذكر الغنم في آخرها دون المعز يدلّ على اختصاص المعز بالعرب أيضا.

الثّانية: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*

ص: 145

وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الغاشية:17-20.

و فيها بحوث أيضا:

1-الإبل هي حيوان العرب و شريان حياتهم،فينبغي أن يعرفوا أسرار خلقتها الملائمة للبادية بما تتّصف فيه من التّحمّل و الصّبر و عظم الخلقة و الجسم،و ارتفاعها عن الأرض حفظا من السّباع،و طول أعناقها للرّعي من حشائش الأرض و الأكل من الشّجر،و ما فيها من المنافع كحمل الأثقال و شرب لبنها و أكل لحمها و غير ذلك.

2-و أردف الإبل في خلقتها بالسّماء في رفعها، و بالجبال في نصبها.و بالأرض في بسطها،فبدأ بالإبل الّتي تعتبر خلقا أرضيّا ارتفعت عن الأرض،ثمّ صعد إلى السّماء الّتي تعتبر غاية في الارتفاع و السّمك،و عاد إلى الجبال الّتي هي دون السّماء و فوق الإبل،ثمّ نزل إلى سطح الأرض،فهناك صعود و هبوط،و في اختلافها تظهر قدرة اللّه و تتجلّى حكمته.و في الجمع بينها للنّظر إليها متوالية توسيع للمعرفة و إحاطة على خلقة اللّه تعالى في الأرض و السّماء.

هذا بناء على ما إذا أريد من الإبل الحيوان،و على قول المبرّد إنّ المراد بها هنا القطع العظيمة من السّحاب، فالبدء من فوق إلى تحت فقط،ففيه صعود بالنّظر إلى السّماء ثمّ هبوط إلى الأرض بانتظام.

3-و لعلّ ذكر(الإبل)في المكّيّة فقط رمز إلى أصالة أهلها و عراقتها في العربيّة.

ص: 146

إبليس

لفظ واحد،11 مرّة:10 مكّيّة،1 مدنيّة
اشارة

في 9 سور:8 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

السّدّيّ: الإبلاس:تغيير الوجوه،و إنّما سمّي إبليس،لأنّ اللّه نكّس وجهه و غيّره.

(الدّرّ المنثور 3:12)

الخليل: سمّي إبليس لأنّه أبلس من الخير،أي أويس.و قيل:لعن.(7:262)

أبو عبيدة: لم يصرف إبليس لأنّه أعجميّ.

(1:38)

هو عربيّ مشتقّ من أبلس،إذا يئس من الخير، لكنّه لا نظير له في الأسماء،و هو معرفة فلم ينصرف لذلك.(القيسيّ 1:37)

إبليس:وزنه«إفعيل»مشتقّ من الإبلاس،و هو اليأس من رحمة اللّه تعالى.و لم ينصرف لأنّه معرفة،و لا نظير له في الأسماء،فشبّه بالأعجميّة.

(القرطبيّ 1:295)

ابن قتيبة: هو«إفعيل»من أبلس الرّجل،إذا يئس.قال اللّه جلّ ثناؤه: أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ الأنعام:44،أي يائسون.(23)

ثعلب: أبلس الرّجل:قطع به.(ابن سيده 8:512)

الطّبريّ: إبليس«إفعيل»من الإبلاس،و هو الإياس من الخير و النّدم و الحزن.

فإن قال قائل لنا:فإن كان إبليس كما قلت:

«إفعيل»من الإبلاس،فهلاّ صرف و أجري؟

قيل:ترك إجراؤه استثقالا؛إذ كان اسما لا نظير له من أسماء العرب،فشبّهته العرب؛إذ كان كذلك بأسماء العجم الّتي لا تجرى.و قد قالوا:مررت بإسحاق،فلم يجروه،و هو من أسحقه اللّه إسحاقا؛إذ كان وقع مبتدأ اسما لغير العرب،ثمّ تسمّت به العرب فجرى مجراه، و هو من أسماء العجم في الإعراب،فلم يصرف.و كذلك «أيّوب»إنّما هو«فيعول»من آب يئوب[لاحظ إسحاق و أيّوب].(1:227)

الزّجّاج: إنّه ليس بمأخوذ من الإبلاس،كقوله:

ص: 147

مبلسون،أي آيسون من الخير،لأنّه أعجميّ معرّب، بدلالة أنّه لا ينصرف للعجمة و التّعريف.

مثله الرّمّانيّ.(الطّوسيّ 1:153)

نحوه الطّبرسيّ.(1:81)

ابن دريد: أبلس الرّجل إبلاسا فهو مبلس،إذا يئس.

و زعم قوم من أهل اللّغة أنّ اشتقاق إبليس من الإبلاس،كأنّه أبلس،أي يئس من رحمة اللّه.(1:288)

إبليس إن كان عربيّا محضا فاشتقاقه من أبلس يبلس،إذا يئس،فكأنّه يئس من رحمة اللّه.

(3:377)

نفطويه: الإبلاس:الحيرة و اليأس،و منه سمّي إبليس،لأنّه أبلس عن رحمة اللّه،أي يئس منها و تحيّر.

(الهرويّ 1:205)

ابن الأنباريّ: الإبلاس:معناه في اللّغة القنوط و قطع الرّجاء من رحمة اللّه.أبلس الرّجل،إذا انقطع فلم تكن له حجّة.(الأزهريّ 12:442)

السّجستانيّ: إبليس«إفعيل»من أبلس،أي يئس.و يقال:هو اسم أعجميّ،فلذلك لا ينصرف.

(35)

ابن خالويه: لإبليس أسماء:المارد،و الشّيطان، و الموسوس،و الرّجيم،و اللّعين،و الغرور،و المارج، و الأجدع،و المذهب،و المهذّب،و الأزيب،و هياه، و الخيتعور،و الشّيصبان،و الدّلمز،و أوهد،و الدّلامز، و العكبّ،و الكعنكع،و القازّ،و السّفيه.قال اللّه تعالى:

وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللّهِ شَطَطاً الجنّ:4.

(239)

الأزهريّ: قيل:إنّ إبليس سمّي بهذا الاسم،لأنّه لمّا أويس من رحمة اللّه أبلس إبلاسا.(12:442)

الرّمّانيّ: [قال بعد نقل قول الطّبريّ:]

غلط في جميع ذلك،لأنّها ألفاظ أعربت من العجميّة،و وافقت ألفاظ العربيّة.و غلط أيضا في قوله:

أنّه لا نظير له في أسماء العرب،لأنّهم يقولون:إزميل:

للشّفرة،و الإعريض:الطّلع،و إحريض:صبغ أحمر- و قالوا:هو العصفر-،و سيف إصليت:ماض كثير الماء، و ثوب إضريج:مشبع الصّبغ.و قالوا:هو من الصّفرة خاصّة.

و سبيل إبليس سبيل«إنجيل»في أنّه معرّب غير مشتقّ.(الطّوسيّ 1:154)

الجوهريّ: أبلس من رحمة اللّه،أي يئس،و منه سمّي إبليس،و كان اسمه عزازيل.

و الإبلاس أيضا:الانكسار و الحزن،يقال:أبلس فلان،إذا سكت غمّا،و أبلست النّاقة،إذا لم ترغ من شدّة الضّبعة،فهي مبلاس.(3:909)

ابن فارس: الباء و اللاّم و السّين أصل واحد و ما بعده فلا معوّل عليه،فالأصل اليأس،يقال:أبلس، إذا يئس.قال اللّه تعالى: إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ المؤمنون:77.

قالوا:و من ذلك اشتقّ اسم إبليس،كأنّه يئس من رحمة اللّه.(1:299)

ابن سيده: أبلس الرّجل:قطع به،عن ثعلب.

و أبلس:سكت،و أبلس:يئس و ندم،و في التّنزيل:

وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ الرّوم:12.

ص: 148

و إبليس لعنه اللّه،مشتقّ منه،لأنّه أبلس من رحمة اللّه، أي أويس.و قال أبو إسحاق:لم يصرف،لأنّه أعجميّ معرفة.

و البلاس:المسح؛و الجمع:بلس.

و البلس:التّين.

و البلسان:شجر لحبّه دهن.(8:512)

أبلس:يئس و تحيّر و سكت لحيرة أو انقطاع حجّة، و إبليس مشتقّ منه لأنّه أويس من رحمة اللّه.

(الإفصاح 1:176)

الطّوسيّ: إبليس:مشتقّ من الإبلاس،و هو اليأس من روح اللّه،إلاّ أنّه شبّه بالأعجميّ من جهة أنّه لم يستعمل إلاّ على جهة العلم،فلم يصرف.

و قال قوم: إنّه ليس بمشتقّ لأنّه أعجميّ،بدلالة أنّه لا ينصرف.(6:333)

نحوه أبو السّعود.(1:70)

الواحديّ: الاختيار أنّه ليس بمشتقّ لاجتماع النّحويّين على أنّه يمنع من الصّرف،للعجمة و العلميّة.(بصائر ذوي التّمييز 6:103)

الرّاغب: الإبلاس:الحزن المعترض من شدّة البأس (1)،يقال:أبلس،و منه اشتقّ إبليس فيما قيل.

قال عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ الرّوم:12.(60)

الميبديّ: معنى إبليس الآيس،يعني أبلس من رحمة اللّه،و كان يسمّى قبل الإبلاس عزازيل.و قيل:

كان اسمه حارثا و كنيته أبا كردوس.(1:145)

الجواليقيّ: إبليس:ليس بعربيّ،و إن وافق:

أبلس الرّجل،إذا انقطعت حجّته،إذ لو كان منه لصرف.

أ لا ترى أنّك لو سمّيت رجلا بإخريط و إجفيل،لصرفته في المعرفة؟

و منهم من يقول:هو عربيّ،و يجعل اشتقاقه من أبلس يبلس،أي يئس،فكأنّه أبلس من رحمة اللّه، أي يئس منها.و القول هو الأوّل.(71)

ابن عطيّة: إبليس لا ينصرف،لأنّه اسم أعجميّ معرّف[و قال بعد نقله قول ابن عبّاس و السّدّيّ و أبي عبيدة:]

و وزنه على هذا«إفعيل»،و لم تصرفه هذه الفرقة لشذوذه،و أجروه مجرى«إسحاق»من أسحقه اللّه، و«أيّوب»من آب يئوب،مثل«قيّوم»من قام يقوم، و لمّا لم تصرف هذه،و لها وجه من الاشتقاق،كذلك لم يصرف هذا،و إن توجّه اشتقاقه لقلّته و شذوذه.

(1:125)

أبو البركات: لا ينصرف للعجمة و التّعريف.

و قيل:إنّه مشتقّ من أبلس،إذا يئس.و ليس بصحيح،لأنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون منصرفا، لأنّه ليس فيه علّة منع الصّرف إلاّ التّعريف،و التّعريف وحده لا يكفي في منع الصّرف.(1:74)

ابن منظور: أبلس من رحمة اللّه،أي يئس و ندم، و منه سمّي إبليس،و كان اسمه عزازيل.و في التّنزيل العزيز: وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ الرّوم:

12،و إبليس مشتقّ منه،لأنّه أبلس من رحمة اللّه،أي أويس.(6:29)س.

ص: 149


1- هكذا،و الظّاهر:اليأس.

أبو حيّان: إبليس:اسم أعجميّ منع الصّرف، للعجمة و العلميّة.و أبعد أبو عبيدة و غيره في زعمه أنّه مشتقّ من«الإبلاس»،و هو الإبعاد من الخير،و وزنه على هذا«إفعيل»،لأنّه قد تقرّر في علم التّصريف أنّ الاشتقاق العربيّ لا يدخل في الأسماء الأعجميّة.

و اعتذر من قال بالاشتقاق فيه عن منع الصّرف، بأنّه لا نظير له في الأسماء.و ردّ بإغريض و إزميل و إخريط و إجفيل و إعليط و إصليت و إحليل و إكليل و إحريض.

و قد قيل:شبّه بالأسماء الأعجميّة،فامتنع الصّرف للعلميّة و شبه العجمة.و شبه العجمة هو أنّه و إن كان مشتقّا من الإبلاس،فإنّه لم يسمّ به أحد من العرب، فصار خاصّا بمن أطلقه اللّه عليه،فكأنّه دخيل (1)في لسانهم،و هو علم مرتجل.(1:151)

نحوه الآلوسيّ.(1:229)

الفيّوميّ: أبلس الرّجل إبلاسا:سكت،و أبلس:

أيس،و في التّنزيل: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ الأنعام:44

و إبليس:أعجميّ و لهذا لا ينصرف،للعجمة و العلميّة.

و قيل:عربيّ مشتقّ من الإبلاس،و هو اليأس.و ردّ بأنّه لو كان عربيّا لا نصرف كما ينصرف نظائره،نحو إجفيل و إخريط.(60)

الفيروزآباديّ: هو اسم أعجميّ ممنوع من الصّرف.و قيل:عربيّ،و اشتقاقه من الإبلاس،لأنّ اللّه تعالى أبلسه من رحمته و آيسه من مغفرته.

قال ابن الأنباريّ:لا يجوز أن يكون مشتقّا من أبلس،لأنّه لو كان مشتقّا لصرف.

قال أبو إسحاق: فلمّا لم يصرف دلّ على أنّه أعجميّ.

قال ابن جرير: لم يصرف و إن كان عربيّا،لقلّة نظيره في كلامهم،فشبّهوه بالأعجميّ.

(بصائر ذوي التّمييز 6:103)

مثله البروسويّ.(4:462)

الطّريحيّ: إبليس«إفعيل»من أبلس،أي يئس من رحمة اللّه.يقال:إنّه اسم أعجميّ فلذلك لا ينصرف.

و قيل:عربيّ.

و في«حياة الحيوان»:و كنية«إبليس»أبو مرّة.

و الإبلاس بالكسر:الحيرة،يقال:أبلس يبلس، إذا تحيّر،و منه الخبر:«أ لم تر إلى الجنّ و إبلاسها»،أي تحيّرها و دهشها،و منه الدّعاء:أعوذ بك من شرّ ما يبلس به إبليس و جنوده.

و الأبالسة:الشّياطين.(4:54)

حسنين مخلوف: هو أبو الجنّ مشتقّ من الإبلاس،و هو الحزن النّاشئ عن شدّة اليأس.و فعله أبلس،و لم ينصرف لأنّه معرفة.و لا نظير له في الأسماء، فأشبه الأعجميّة.

و قيل:هو أعجميّ لا اشتقاق له،فلم ينصرف، للعلميّة و العجمة.(24)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أبلس:أيس و سكت لحيرة أو انقطاع حجّة فهو مبلس.

و إبليس:المتمرّد و رأس الشّياطين،و هو أعجميّل.

ص: 150


1- في الأصل دليل.

غير منصرف و غير مشتقّ من«بلس»(79)

المصطفويّ: كلمة إبليس:لم نجد أحدا يتعرّض بمأخذ هذه الكلمة!!و يحتمل أن يكون مأخذه مادّة «بالوس»:المخلوط و غير المغربل.«بالس»:خلط و مزج.

أو مادّة«بالش»:بحث و فتّش و تحرّى.«بلاش»:

الشّرطيّ السّرّيّ.و بوليس سرّيّ،كما في قاموس عبريّ-عربيّ.

بمناسبة أنّ إبليس متحرّ،و بوليس سرّيّ داخليّ،أو أنّه لم يكن خالصا صافيا بل ممزوجا ثمّ امتحن و غربل.(1:314)

إنّ الشّيطان هو المتمايل عن الحقّ مع الاعوجاج، فيستعمل هذا اللّفظ في موارد التّجاوز و الطّغيان و العدوان،و هذا بخلاف كلمة إبليس،و هو من الإبلاس،بمعنى اليأس الشّديد بسوء عمل إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ الحجر:31، إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ ص:74.

و هذا إبليس يعبّر عنه بالشّيطان إذا لوحظ فيه العدوان فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما الأعراف:20، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما البقرة:36.

فيلاحظ في كلّ من التّعبيرين خصوصيّة مفهوم كلّ منهما الّذي يستعمل.(6:70)

النّصوص التّفسيريّة

1- فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ .البقرة:34

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم، فدخل في أمره الملائكة و إبليس،فإنّ إبليس كان مع الملائكة في السّماء يعبد اللّه،و كانت الملائكة تظنّ أنّه منهم و لم يكن منهم،فلمّا أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم، خرج ما كان في قلب إبليس من الحسد،فعلمت الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن منهم.

فقيل له:فكيف وقع الأمر على إبليس و إنّما أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:كان إبليس منهم بالولاء،و لم يكن من جنس الملائكة،و ذلك أنّ اللّه خلق خلقا قبل آدم و كان إبليس فيهم في الأرض،فاعتدوا و أفسدوا و سفكوا الدّماء،فبعث اللّه الملائكة فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السّماء،و كان مع الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق اللّه آدم.(الطّريحيّ 4:53)

ابن مسعود: جعل إبليس على ملك سماء الدّنيا، و كان من قبيلة من الملائكة يقال لهم:الجنّ،و إنّما سمّوا الجنّ،لأنّهم خزّان الجنّة،و كان إبليس مع ملكه خازنا.

(الطّبريّ 1:225)

إنّه كان من الملائكة

مثله ابن عبّاس،و ابن جريج،و ابن المسيّب، و قتادة.(القرطبيّ 1:294)

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(الطّوسيّ 1:150)

كانت الملائكة تقاتل الجنّ فسبي إبليس و كان صغيرا،فكان مع الملائكة فتعبّد معها،فلمّا أمروا

ص: 151

بالسّجود لآدم سجدوا فأبى إبليس؛فلذلك قال اللّه:

إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ الكهف:50.

(الطّبريّ 1:226)

نحوه شهر بن حوشب.(أبو حيّان 1:153)

ابن عبّاس: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم:الجنّ،خلقوا من نار السّموم من بين الملائكة،فكان اسمه الحارث،و كان خازنا من خزّان الجنّة،و خلقت الملائكة من نور غير هذا الحيّ،و خلقت الجنّ الّذين ذكروا في القرآن من مارج من نار،و هو لسان النّار الّذي يكون في طرفها إذا التهبت.

كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل،و كان من سكّان الأرض،و كان من أشدّ الملائكة اجتهادا و أكثرهم علما،فذلك دعاه إلى الكبر، و كان من حيّ يسمّون جنّا.(الطّبريّ 1:224)

كان إبليس من أشراف الملائكة و أكرمهم قبيلة، و كان خازنا على الجنان،و كان له سلطان سماء الدّنيا، و كان له سلطان الأرض.

و قوله: كانَ مِنَ الْجِنِّ إنّما يسمّى بالجنان،أنّه كان خازنا عليها،كما يقال للرّجل:مكّيّ،و مدنيّ، و كوفيّ،و بصريّ.

إنّ من الملائكة قبيلة من الجنّ،و كان إبليس منها، و كان يوسوس ما بين السّماء و الأرض.

(الطّبريّ 1:225)

إبليس:أبلسه اللّه من الخير كلّه،و جعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته.(الطّبريّ 1:227)

كان إبليس من الملائكة من طائفة يقال لهم:الجنّ، و كان اسمه بالعبرانيّة«عزازيل»بزاءين معجمتين بينهما ألف،فلمّا عصى اللّه لعنه و جعله شيطانا مريدا،و بالعربيّة «الحارث»،و كان رئيس ملائكة الدّنيا و سلطانها و سلطان الأرض،و كان من أشدّ الملائكة اجتهادا و أكثرها علما،و كان يوسوس بين السّماء و الأرض، فيرى بذلك لنفسه شرفا عظيما و عظما،فذلك الّذي دعاه إلى الكبر،فعصى و كفر،فمسخه اللّه شيطانا رجيما ملعونا.

مثله قتادة،و الزّجّاج،و ابن الأنباريّ.

(الطّريحيّ 4:54)

ابن المسيّب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدّنيا.(الطّبريّ 1:225)

سعيد بن جبير: إنّ الجنّ سبط من الملائكة،خلقوا من نار و إبليس منهم،و خلق سائر الملائكة من نور.

(القرطبيّ 1:294)

إنّه كان من الجنّانين (1)الّذين يعملون في الجنّات، حيّ من الملائكة يصوغون حلية أهل الجنّة مذ خلقوا.(الفخر الرّازي 21:136)

الشّعبيّ: إبليس أبو الجنّ،كما أنّ آدم أبو الإنس.(الميبديّ 1:144)

مثله الحسن،و ابن زيد،و قتادة.

(القرطبيّ 1:294)

الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قطّ، و أنّه لأصل الجنّ،كما أنّ آدم أصل الإنس.

(الطّبريّ 1:226)

مثله ابن زيد.(أبو حيّان 1:153)ن.

ص: 152


1- هكذا،و الصّحيح:الجنّانيّين.

الملائكة لباب الخليفة من الأرواح و لا يتناسلون، و إبليس من نار السّموم.و إنّما صحّ استثناؤه منهم،لأنّه كان يصحبهم و يعبد اللّه معهم.(النّسفيّ 3:67)

إنّه لم يكن من الملائكة.و إنّ الاستثناء في الآية استثناء منقطع،كقوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ النّساء:157، فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَ لا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلاّ رَحْمَةً مِنّا يس:43،44.

(الطّوسيّ 1:151)

مثله قتادة،و البلخيّ،و الرّمّانيّ.

(الطّبرسيّ 1:151)

السّدّيّ: كان اسم إبليس الحارث،و إنّما سمّي إبليس حين أبلس فغيّر،كما قال اللّه جلّ ثناؤه: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ الأنعام:44،يعني به أنّهم آيسون من الخير،نادمون حزنا.(الطّبريّ 1:227)

أبو عبيدة: نصب إبليس على استثناء قليل من كثير،و لم يصرف إبليس،لأنّه أعجميّ.(1:38)

الرّمّانيّ: الدّليل على أنّه لم يكن من الملائكة أشياء:

منها:قوله: لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6،فنفى عنهم المعصية نفيا عامّا.

الثّاني:أنّه قال: إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ الكهف:50،و متى أطلق لفظ الجنّ لم يجز أن يعني به إلاّ الجنس المعروف المباين لجنس الإنس و الملائكة.

الثّالث:أنّ إبليس له نسل و ذرّيّة.

الرّابع:و هو أقوى ما عندي،قوله تعالى: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:

1،فعمّها بالوصف بالرّسالة.و لا يجوز على رسل اللّه أن يكفروا أو يفسقوا كالرّسل من البشر.[و قد ردّه الطّوسيّ؛فراجع قوله](الطّوسيّ 1:151)

الطّوسيّ: المعروف عن ابن عبّاس ما قلناه أنّه كان من الملائكة فأبى و استكبر و كان من الكافرين.و من قال:إنّ إبليس خلق من نار و من مارج،و الملائكة لم يخلقها من ذلك،فقوله ضعيف؛لأنّه لا يمنع أن يكون اللّه تعالى خلق الملائكة أصنافا:صنفا من نار،و صنفا من نور،و صنفا من غير ذلك،و صنفا آخر لا من شيء، فاستبعاد ذلك ضعف معرفة.(1:153)

الزّمخشريّ: (إلاّ إبليس)استثناء متّصل لأنّه كان جنّيّا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم، فغلّبوا عليه في قوله:(فسجدوا)،ثمّ استثني منهم استثناء واحد منهم.و يجوز أن يجعل منقطعا.(1:273)

نحوه البروسويّ.(1:104)

أبو البركات: (إبليس)منصوب على الاستثناء المنقطع على قول من قال:إنّه لم يكن من الملائكة،أو لأنّه استثناء من موجب على قول من قال:إنّه من الملائكة.و لا ينصرف،للعجمة و التّعريف.(1:74)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ إبليس هل كان من الملائكة أم لا؟[سيأتي ملخّصه في كلام النّيسابوريّ]

(2:213)

البيضاويّ: إنّ إبليس كان من الملائكة و إلاّ لم يتناوله أمرهم و لم يصحّ استثناؤه منهم،و لا يرد على ذلك قوله سبحانه و تعالى: إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ الكهف:50،لجواز أن يقال:إنّه كان من الجنّ فعلا و من

ص: 153

الملائكة نوعا.

و لمن زعم أنّه لم يكن من الملائكة أن يقول:إنّه كان جنّيّا نشأ بين أظهر الملائكة،و كان مغمورا بالألوف منهم فغلّبوا عليه،أو الجنّ أيضا كانوا مأمورين مع الملائكة،لكنّه استغني بذكر الملائكة عن ذكرهم،فإنّه إذا علم أنّ الأكابر مأمورين بالتّذلّل لأحد و التّوسّل به، علم أنّ الأصاغر أيضا مأمورين به.(1:48)

النّيسابوريّ:اختلف في أنّ إبليس من الملائكة أم لا؟

فقال أكثر المتكلّمين لا سيّما المعتزلة:إنّه لم يكن منهم،و قال كثير من الفقهاء إنّه كان منهم.

حجّة الأوّلين أنّه من الجنّ،لقوله في الكهف:50 إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ، فلا يكون من الملائكة.

و أيضا قال: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ* قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ سبأ:40،41.

و ردّ الأوّل:بأنّ الجنّ قد يطلق على الملك لاستتاره عن العيون،و بأنّ(كان)يحتمل أن تكون بمعنى«صار».

و الثّاني:بأنّه لا يلزم من كون الجنّ في هذه الآية نوعا مغايرا للملائكة أن يكون في الآية الأولى أيضا مغايرا لاحتمال كونه على مقتضى أصل اللّغة و هو الاستتار.و قالوا:إنّ إبليس له ذرّيّة لقوله تعالى:

أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي الكهف:50، و الملائكة لا ذرّيّة لها،لأنّها تحصل من الذّكر و الأنثى و لا إناث فيهم؛لقوله: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19،منكرا عليها.و أيضا الملائكة معصومون لما سلف،و إبليس لم يكن كذلك.

و أيضا إنّه من النّار خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ الأعراف:

12،و إنّهم من نور لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«خلقت الملائكة من نور،و خلق الجانّ من مارج من نار».

و من المشهور الّذي لا يدفع أنّ الملائكة روحانيّون، فقيل:سمّوا بذلك لأنّه من الرّيح أو من الرّوح.و أيضا الملائكة رسل جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً فاطر:1، و رسل اللّه معصومون اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ الأنعام:124.

حجّة الآخرين:أنّه استثناه من الملائكة.و حمله على المتّصل أولى،لأنّ تخصيص العمومات في كتاب اللّه أكثر من الاستثناء المنقطع.قيل:إنّه جنّيّ واحد مغمور بين ظهرانيّ ألوف من الملائكة فغلّبوا عليه،و هذا لا ينافي كون الاستثناء متّصلا.

و أجيب بأنّ التّغليب إنّما يصار إليه إذا كان المغلوب ساقطا عن درجة الاعتبار،أمّا إذا كان معظم الحديث فيه فلا يصار إلى التّغليب.

و أيضا لو لم يكن من الملائكة لم يتناوله الخطاب ب(اسجدوا)و حينئذ لم يستحقّ بترك السّجود لوما و تعنيفا،و لا يمكن أن يقال:إنّه نشأ معهم و التصق بهم فتناوله الأمر،لما بيّن في أصول الفقه أنّ خطاب الذّكور لا يتناول الإناث و بالعكس،مع شدّة المخالطة بين الصّنفين.و لا أن يقال:إنّه و إن لم يدخل في هذا الأمر إلاّ أنّه تعالى أمره بلفظ آخر ما حكاه في القرآن،بدليل قوله: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ الأعراف:12؛

ص: 154

لأنّ قوله: أَبى وَ اسْتَكْبَرَ عقيب قوله: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا البقرة:34،مشعر بأنّ المخالفة بسبب هذا الأمر،هذا ما قيل عن الجانبين.(1:261)

نحوه الآلوسيّ.(1:229)

الخازن:سمّي به لأنّه أبلس من رحمة اللّه،أي يئس،و كان اسمه«عزازيل»بالسّريانيّة و بالعربيّة «الحارث»،فلمّا عصى غيّر اسمه،فسمّي إبليس، و غيّرت صورته.

و قال ابن عبّاس: كان إبليس من الملائكة بدليل أنّه استثناه منهم.

و قيل:إنّه من الجنّ لأنّه خلق من النّار،و الملائكة خلقوا من النّور،و لأنّه أصل الجنّ،كما أنّ آدم أصل الإنس.

و الأوّل أصحّ لأنّ الخطاب كان مع الملائكة فهو داخل فيهم،ثمّ استثناه منهم.(1:41)

أبو حيّان: استدلّ على أنّه ليس من الملائكة بقوله تعالى: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً فاطر:1،فعمّ، فلا يجوز على الملائكة الكفر و لا الفسق،كما لا يجوز على رسله من البشر.و بقوله: لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6،و بقوله: كانَ مِنَ الْجِنِّ و بأنّ له نسلا بخلاف الملائكة.

و الظّاهر أنّه استثناء متّصل لتوجّه الأمر على الملائكة،فلو لم يكن منهم لما توجّه الأمر عليه،فلم يقع عليه ذمّ،لتركه فعل ما لم يؤمر به.

و أمّا جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً و لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ فهو عامّ مخصوص؛إذ عصمتهم ليست لذاتهم،إنّما هي بجعل اللّه لهم ذلك.

و أمّا إبليس فسلبه اللّه تعالى الصّفات الملكيّة، و ألبسه ثياب الصّفات الشّيطانيّة.(1:153)

الفيروزآباديّ: اختلفوا هل هو من الملائكة أم لا؟فروي عن طاوس و مجاهد عن ابن عبّاس:أنّه من الملائكة،و كان اسمه عزازيل،فلمّا عصى اللّه تعالى لعنه و جعله شيطانا مريدا،و سمّاه إبليس.و بهذا قال ابن مسعود و سعيد بن المسيّب و قتادة و ابن جريج و ابن جرير،و اختاره ابن الأنباريّ و الزّجّاج.قال:و هو مستثنى من جنس المستثنى منه.

قالوا:و قول اللّه تعالى: كانَ مِنَ الْجِنِّ الكهف:

50،أي طائفة من الملائكة يقال لهم:الجنّ.

و قال الحسن و عبد الرّحمن بن زيد و مسهر و ابن حوشب: ما كان من الملائكة قطّ و الاستثناء منقطع، و المعنى عندهم أنّ الملائكة و إبليس أمروا بالسّجود، فأطاعت الملائكة،و عصى إبليس.

و الصّحيح أنّه كان من الملائكة،لأنّه لم ينقل أنّ غير الملائكة أمر بالسّجود،و الأصل في المستثنى أن يكون من جنس المستثنى منه.(بصائر ذوي التّمييز 6:103)

السّيوطيّ:عدّ منهم بالاستثناء تغليبا لكونه كان بينهم.(3:135)

الطّريحيّ: الأبالسة:الشّياطين.

قال الكفعميّ: و هم ذكور و إناث يتوالدون و لا يموتون،بل يخلدون في الدّنيا،كما يخلد إبليس.و إبليس هو أب الجنّ،و الجنّ ذكور و إناث يتوالدون و يموتون، و أمّا الجانّ فهو أب الجنّ.و قيل:إنّه مسخ الجنّ،كما أنّ

ص: 155

القردة و الخنازير مسخ النّاس.و الكلّ خلقوا قبل آدم عليه السّلام.(4:54)

رشيد رضا: هو فرد من أفراد الملائكة،كما يفهم من الآية و أمثالها في القصّة،إلاّ آية الكهف فإنّها ناطقة بأنّه كان من الجنّ وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ الكهف:50.

و ليس عندنا دليل على أنّ بين الملائكة و الجنّ فصلا جوهريّا يميّز أحدهما عن الآخر،و إنّما هو اختلاف أصناف عند ما تختلف أوصاف،كما ترشد إليه الآيات.

فالظّاهر أنّ الجنّ صنف من الملائكة،و قد أطلق في القرآن لفظ«الجنّة»على الملائكة على رأي جمهور المفسّرين في قوله تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:158،و على الشّيطان في آخر سورة النّاس.و على كلّ حال فجميع هؤلاء المسمّيات بهذه الأسماء من عالم الغيب لا نعلم حقائقها و لا نبحث عنها و لا نقول بنسبة شيء إليها،ما لم يرد لنا فيه نصّ قطعيّ عن المعصوم.(1:265)

حسنين مخلوف: هو أب الجنّ،و الاستثناء منقطع،و قيل:متّصل،و أنّ إبليس كان من الملائكة.(24)

نحوه حجازيّ.(1:26)

2- إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ. الكهف:50

ابن عبّاس: إنّه كان من الملائكة قبل أن يعصي اللّه تعالى،فلمّا عصاه مسخه شيطانا.

(مسائل الرّازيّ:203)

الجصّاص:فيه بيان أنّه ليس من الملائكة،لأنّه أخبر أنّه من الجنّ،و قال اللّه تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27،فهو جنس غير جنس الملائكة،كما أنّ الإنس جنس غير جنس الجنّ.

و روي أنّ الملائكة أصلهم من الرّيح،كما أنّ أصل بني آدم من الأرض،و أصل الجنّ من النّار.(3:215)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى بيّن في هذه الآية أنّ إبليس كان من الجنّ و للنّاس في هذه المسألة ثلاثة أقوال:

الأوّل:أنّه من الملائكة.و كونه من الملائكة لا ينافي كونه من الجنّ،و لهم فيه وجوه:

الأوّل:أنّ قبيلة من الملائكة يسمّون بذلك،لقوله تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:

158، وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الأنعام:100.

الثّاني:أنّ الجنّ سمّوا جنّا للاستتار،و الملائكة كذلك،فهم داخلون في الجنّ.

الثّالث:أنّه كان خازن الجنّة و نسب إلى الجنّة، كقولهم:كوفيّ و بصريّ.

و القول الثّاني:أنّه من الجنّ الّذين هم الشّياطين، و الّذين خلقوا من نار،و هو أبوهم.

و القول الثّالث:قول من قال:كان من الملائكة فمسخ و غيّر.و هذه المسألة قد أحكمناها في سورة البقرة.

و أصل ما يدلّ على أنّه ليس من الملائكة،أنّه تعالى أثبت له ذرّيّة و نسلا في هذه الآية،و هو قوله تعالى:

أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي الكهف:50، و الملائكة ليس لهم ذرّيّة و لا نسل،فوجب أن لا يكون إبليس من الملائكة.

بقي أن يقال:إنّ اللّه تعالى أمر الملائكة بالسّجود،

ص: 156

فلو لم يكن إبليس من الملائكة فكيف تناوله ذلك الأمر؟ و أيضا لو لم يكن من الملائكة فكيف يصحّ استثناؤه منهم؟و قد أجبنا عن ذلك بالاستقصاء.(21:136)

الخازن: كونه من الملائكة لا ينافي كونه من الجنّ، بدليل قوله سبحانه و تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:158،و ذلك أنّ قريشا قالت:

الملائكة بنات اللّه،فهذا يدلّ على أنّ الملك يسمّى جنّا، و يعضده اللّغة،لأنّ الجنّ مأخوذ من الاجتنان و هو السّتر.

فعلى هذا تدخل الملائكة فيه،فكلّ الملائكة جنّ لاستتارهم و ليس كلّ جنّ ملائكة.

و وجه كونه من الملائكة أنّ اللّه سبحانه و تعالى استثناه من الملائكة،و الاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل و يصحّ دخوله،و ذلك يوجب كونه من الملائكة.

و وجه من قال:إنّه كان من الجنّ و لم يكن من الملائكة،قوله: كانَ مِنَ الْجِنِّ، و الجنّ جنس مخالف للملائكة،و قوله: أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ الكهف:

50،فأثبت له ذرّيّة،و الملائكة لا ذرّيّة لهم.

و أجيب عن الاستثناء أنّه استثناء منقطع،و هو مشهور في كلام العرب.قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ* إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي الزّخرف:26،27،و قال تعالى:

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً مريم:62.

قيل:إنّه من الملائكة فلمّا خالف الأمر مسخ و غيّر و طرد و لعن.(4:175)

الفيروزآباديّ: عن ابن عبّاس:أنّ اللّه تعالى أمر إبليس أن يأتي محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم في صورة إنسان و يجيبه عن كلّ ما سأل.قال:فجاء اللّعين إلى باب المسجد و عليه لباس من صوف و بيده عكّازة مثل شيخ كبير،فنظره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فأنكره؛إذ لم يسلّم عليه،فقال عليه السّلام:ما أنت يا شيخ؟فقال:أنا إبليس،أمرني اللّه تعالى أن أجيبك عن كلّ ما تسأل، فسل ما تريد.فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:كم أعداؤك من أمّتي؟قال:خمسة عشر،و أنت رأسهم و أوّلهم، و الإمام العادل،و الغنيّ المتواضع،و التّاجر الصّدوق، و العالم المتخشّع،و المؤمن النّاصح،و المؤمن الرّحيم القلب،و المتورّع عن الحرام و المديم على الطّهارة، و الّذي يؤدّي حقّ ماله،و المؤمن السّخيّ،و المؤمن الكثير الصّدقة،و حامل القرآن،و القائم باللّيل،و القائم على التّوبة،قال:فكم رفقاؤك من أمّتي؟

قال:عشرة:السّلطان الجائر،و الغنيّ المتكبّر، و التّاجر الخائن،و شارب الخمر،و صاحب الزّنى، و صاحب الرّبا،و القتّال،و آكل أموال اليتامى،و مانع الزّكاة،و الطّويل الأمل؛هؤلاء خواصّي.قال:كيف موضع صلاة أمّتي منك؟قال تأخذني الحمّى.قال:

فموضع خوضهم في العلم؟قال:أذوب كما يذوب الرّصاص.قال:فالصّوم؟قال:أصير أعمى.قال:

فقراءة القرآن؟قال:أصير أصمّ.قال:الحجّ؟قال:إذا قيّدوني.قال:الجهاد؟قال:يجمع يداي إلى عنقي بالغلّ.

قال:الصّدقة؟قال:منشار يوضع على رأسي فأقطع نصفين:نصف إلى المشرق،و نصف إلى المغرب.قال:

فلم ذاك يا لعين؟قال:لأنّ لهم في الصّدقة ثلاث خصال:

ص: 157

يكون اللّه غريما لهم،و أن يكونوا من ورثة أهل الجنّة، و عصموا منّي أربعين يوما،و أيّ مصيبة أعظم من ذلك.

فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:من أبغض الخلق إليك؟ فقال:العالم النّاصح لنفسه و لأئمّة المسلمين.فقال:من أحبّهم إليك؟فقال:العالم البخيل بعلمه،الشّحيح بدرهمه.فقال:كم لك من الأعوان؟فقال:أكثر من قطر المطر،و ورق الأشجار،و رمل القفار.فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:اللّهمّ أعصم أمّتي.قال:فولّى اللّعين هاربا.

و قد دعاه اللّه تعالى في القرآن العظيم بسبعين اسما قبيحا:

1-بالشّيطان كَمَثَلِ الشَّيْطانِ الحشر:16.

2-وسواس و خنّاس مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ النّاس:4.

3-موسوس اَلَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ النّاس:5.

4-رجيم فَإِنَّكَ رَجِيمٌ الحجر:34،ص:77.

5-عدوّ إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فاطر:6.

6-غرور وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ لقمان:33.

7-فاتن لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ الأعراف:27.

8-مضلّ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ النّساء:

60.

9-مزيّن فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ النّحل:63.

10-كيّاد إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً النّساء:

76.

11-خادع وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142.

12-كاذب كفّار إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ الزّمر:3.

13-ختّار كفور كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32.

14-هامز أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ المؤمنون:97.

15-حاضر وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ المؤمنون:98.

16-مغو لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:39.

17-غاوي لَغَوِيٌّ مُبِينٌ القصص:18.

18-جنّ كانَ مِنَ الْجِنِّ الكهف:50.

19-آبي و مستكبر أَبى وَ اسْتَكْبَرَ البقرة:34.

20-مزلّ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ البقرة:36.

21-لعين عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ الحجر:35.

22-منظر إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ الأعراف:15.

23-ممنّي وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ النّساء:119.

24-آمر وَ لَآمُرَنَّهُمْ النّساء:119.

25-وليّ الكفرة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ البقرة:257.

26-واعد بالفقر اَلشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ البقرة:268.

27-مريد وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ الحجّ:3.

28-مارد مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ الصّافّات:7.

29-مقذوف مدحور يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ* دُحُوراً الصّافّات:8،9.

30-خاطف إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:10.

ص: 158

31-مرجوم وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ الملك:5.

32-داعي إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ فاطر:6.

33-باطل وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ العنكبوت:52.

34-نازع يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما الأعراف:

27.

35-نازغ وَ إِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ الأعراف:200،و فصّلت:36.

36-ماسّ و طائف إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ الأعراف:201.

37-متخبّط يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة:275.

38-مخلف وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ إبراهيم:22.

39-متفحّش وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ البقرة:268.

40-كافر وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ البقرة:34.

41-مذءوم قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً الأعراف:18.

42-خذول وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً الفرقان:29.

43-ملوم فَلا تَلُومُونِي إبراهيم:22.

44-سفيه يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللّهِ شَطَطاً الجنّ:4.

45-أسفل لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ فصّلت:29.

46-بئس القرين فَبِئْسَ الْقَرِينُ الزّخرف:38.

47-بدل للظّالمين بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50.

48-بريء إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ الحشر:16.

49-رائي إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ الأنفال:48.

50-رجز وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ الأنفال:11.

51-خالد في النّار خالِدَيْنِ فِيها الحشر:17.

52-عفريت قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ النّمل:

39.

53-فاسق فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ الكهف:50.

54-مستحوذ اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ المجادلة:19.

55-مسترق إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ الحجر:18.

56-منسي فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ يوسف:42، وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ الكهف:63.

57-مسوّل و مملي سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ محمّد:25.

58-مدلّي فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ الأعراف:22.

59-مقسم وَ قاسَمَهُما الأعراف:21.

60-ملقي أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الحجّ:

52.

61-مبدي لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما الأعراف:20.

62-مبين إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة:168.

63-محتنك لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ الإسراء:62.

ص: 159

64-مشارك وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ الإسراء:64.

65-مستفزز وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الإسراء:64.

66-جالب الشّرّ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ الإسراء:64.

67-ناريّ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ الأعراف:12.

68-خارج فَاخْرُجْ مِنْها الحجر:34.

69-مخرج أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ الأعراف:27.

70-خبيث وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.

قيل:البلد الطّيّب آدم،و الّذي خبث إبليس.

و ذكره اللّه عزّ و جلّ باسمه المخبر عن إبلاسه،المنبئ عن حرمانه و يأسه في مواضع من كتابه العزيز؛قال:

فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ البقرة:34.و قال تعالى على طريق إلزام الحجّة و قهر ممزوج بلطيفة اللّطف: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ الأعراف:

12،ثمّ جعله مقدّم أهل الفساد و المعصية،قال: اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ الإسراء:63.فقام المتمرّد في معرض المناظرة مع ربّ الأرباب و قال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ص:82.فقال الرّبّ مراغما لعدوّه و محابيا لأوليائه: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ الحجر:42.ثمّ جعله مخدوع المهلة بقوله: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ الأعراف:15.و نبّه آدم و أولاده بشدّة عداوته لهم،فقال: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ طه:

117،و قال: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فاطر:6،ثمّ وسمه بوسم اللّعنة الأبديّة،فقال: وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ الحجر:35.و بشّره بخلود النّار،و من تبعه من سائر الشّياطين،فقال: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ص:85.

(بصائر ذوي التّمييز 6:103)

عزّة دروزة: تعليق على وصف إبليس أنّه من الجنّ و ما أورده المفسّرون في صدده،لقد أورد المفسّرون في سياق الآية روايات و أقوالا متنوّعة ليس شيء منها واردا في كتب الصّحاح؛منها أنّ الجنّ جيل من الملائكة،و منها أنّ كلمة الجنّ يصحّ إطلاقها لغة على الملائكة،لأنّها من الاجتنان،و هو الاستتار و الخفاء.

و الّذين قالوا هذا تفادوا به ممّا و هموا أنّه تناقض في مفهوم القرآن،لأنّ مقتضى جميع القصّة في السّور الأخرى أن يكون إبليس من الملائكة،لأنّه استثني منهم؛حيث جاءت الجملة: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ البقرة:34،و لا نرى طائلا و لا ضرورة إلى ذلك.فالآية صريحة بأنّ إبليس شيء و الملائكة شيء آخر.

و الّذين قالوا:إنّ الجنّ جيل من الملائكة،و إنّ كلمة الجنّ يصحّ أن تطلق على الملائكة،و إنّ إبليس من الملائكة،قد غفلوا فيما يتبادر لنا عن تقريرات القرآن الصّريحة الأخرى بأنّ الجانّ قد خلقوا من نار،و عن حكاية قول إبليس:إنّه خلق من نار،ممّا فيه حسم في قصد تقرير كون إبليس من الجنّ النّاريّ،و كذلك غفلوا عن جمع الجنّ و الملائكة في سياق واحد و هو آيات سورة سبأ:40،هذه: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ

ص: 160

لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ممّا فيه حسم بأنّ كلاّ منهم غير الآخر.(6:28)

عبد الرّزّاق نوفل: تكرّر ذكر إبليس في القرآن الكريم«11»مرّة فقط،و ليس للفظه مشتقّات،و ذلك في مثل النّصّ الشّريف: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى البقرة:34،و بنفس العدد،أي «11»مرّة،تكرّر الأمر بالاستعاذة،إذ ورد الأمر بلفظ (أعوذ)«7»مرّات،في مثل قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ النّاس:1.و ورد الأمر بلفظ(فاستعذ)«4» مرّات،في مثل النّصّ الشّريف: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ المؤمن:56،فكما ورد ذكر إبليس«11»مرّة،فلقد تكرّر الأمر بالاستعاذة منه «11»مرّة.(2:15).

[و جاء نظير هذه النّصوص ذيل سائر الآيات:

الأعراف:11،الحجر:31،32،الإسراء:61،طه:

116،الشّعراء:95،سبأ:20،ص:74،75.و في أكثر التّفاسير فلا نعيدها حذرا من التّكرار و التّطويل].

الأصول اللّغويّة

1-قالوا فيه:إنّه عربيّ مشتقّ من الإبلاس،أي البعد عن الخير،أو اليأس من رحمة اللّه.و قالوا:إنّه أعجميّ،و لذا منع من الصّرف للعجمة و التّعريف.

و القول الأوّل قريب لفظا و معنى و بعيد استعمالا؛ فلو كان عربيّا لما منع من الصّرف؛إذ ليس فيه علّة لمنع الصّرف إلاّ التّعريف،و التّعريف وحده لا يمنع من الصّرف،فهو على وزن«إلبيس»أي الأحمق، و«إمليس»أي الأرض الواسعة،و«إحليل»أي مخرج البول و اللّبن،و«إكليل»و هو ما كلّل به الرّأس من ذهب أو غيره (1).

2-و الحقّ أنّه أعجميّ معرّب للّفظ اليونانيّ «ذياقولوس».و منه أخذ اللّفظ الفرنسيّ«دايبل» (2)و الإنجليزيّ«دقل» (3)و هكذا سائر اللّغات اللاّتينيّة.

و قد أخذته السّريانيّة-من اللّغات السّاميّة-عن اليونانيّة بلفظ مقارب لها،فقد ورد فيها بلفظ «ديبلوس» (4).

أمّا العرب فتصرّفوا فيه و جعلوه على وزن «إفعيل»،فألحقوه ببعض الألفاظ اليونانيّة،مثل:إبريز، و هو الذّهب الخالص،و إقليد،أي المفتاح،و إزميل،أي شفرة الحذّاء،و إنجيل،و هو الكتاب المعروف (5).

و إبليس في اليونانيّة اسم علم،و يعني فيها مجازا من يعمل عملا يكون موضع إعجاب لدى الآخرين،و يعني أيضا الشّخص العنيف،و الشّخص القدير (6).

3-و إبليس و الشّيطان واحد،بيد أنّ الأوّل علم شخص خاصّ،يختصّ بمن أطلق عليه و لا يطلق على غيره،و الثّاني اسم جنس عامّ يطلق على كلّ عات من الإنس و الجنّ و الدّوابّ.فلا يقال لمن كان شرّيرا:

إبليس،بل يقال له:شيطان.و يقال لمن يستقبح:كأنّه شيطان،و لا يقال:كأنّه إبليس.و لذا تسمّي العرب

ص: 161


1- جمهرة اللّغة 3:376،377.
2- معجم فرنسي-فارسي،لسعيد نفيسيّ 1:542.
3- المورد(معجم إنجليزيّ-عربيّ)لمنير البعلبكيّ:267.
4- المعجم المقارن للدّكتور محمّد جواد مشكور 1:4.
5- جمهرة اللّغة 3:376،377.
6- معجم يونانيّ-إنجليزي من مطبوعات جامعة أوكسفورد :49.

بعض الحيّات ذات عرف قبيح المنظر:شيطانا (1).

«لاحظ ب ل س».

الاستعمال القرآنيّ

جاء إبليس 11 مرّة في 11 سورة،و فيها بحوث:

1-أطلق لفظ«إبليس»في القرآن على شخص لا على جنس في كلّ المواضع الّتي ورد فيها،حتّى في مورد سجود الملائكة لآدم و امتناع الشّيطان من ذلك؛حيث ورد لفظ«إبليس»لا«الشّيطان»لأنّ المراد فيه شخصه لا جنسه.

2-تسع منها تتحدّث عن إبائه السّجود لآدم.

1- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ البقرة:34

2- وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ الأعراف:11

3 و 4- فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ الحجر 30-32

5- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً الإسراء:61

6- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ...

الكهف:50

7- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى طه:116

8 و 9- فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ص:73-75

و اثنتان في غير هذا المورد:

فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ* وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ الشّعراء:94،95.

وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سبأ:20.

3-و هذه الآيات كلّها مكّيّة إلاّ آية البقرة،فإنّها- كما هو المشهور-أوّل سورة مدنيّة و بذلك يمكننا القول بأنّ موضوع السّجدة لآدم كان موضع اهتمام القرآن في أوائل البعثة.

4-و يستشفّ من الآيتين الأخيرتين أنّ إبليس كان رائد الشّياطين و رأسهم،و له جنود و أتباع.

5-و نظرا لكون«إبليس»شخصا معيّنا فقد جاء مفردا دائما.و لو صحّ ما شاع في المحاورات من لفظ «أبالسة»فلأجل أنّهم استعملوا لفظ«إبليس»محلّ «شيطان»مجازا.

6-و أمّا الشّيطان،فهو و إن أطلق على شخص معيّن مرادف لإبليس،إلاّ أنّه في الأصل اسم جنس.فكلّما أريد به الشّخص استعمل معرّفا بألف و لام العهد،كما جاء في قصّة آدم و زوجه،خمس مرّات:

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ البقرة:36،و الأعراف:20،22،27،طه:

ص: 162


1- تهذيب اللّغة 11:313.

12.

و الدّليل على أنّ الشّيطان اسم جنس هو ما يلي:

أ-وردت هذه الكلمة«17»مرّة بلفظ الجمع،مثل:

وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102.

ب-وردت نكرة في«6»موارد،مثل: وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ الصّافّات:7.

ج-اشتقّت هذه الكلمة من«شطن»أي بعد،أو «شطي»أي هلك،فيدلّ معناه على الحقارة و الشّرّ و الشّقاوة،و يطلق على كلّ شرّير.

د-أطلق هذا الاسم أيضا على الإنسان الشّرّير خاصّة:

وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ الأنعام:112. وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ البقرة:14.

7-استعمل لفظ الشّيطان في القرآن مساويا في العدد للفظ الملائكة،كما في كتاب(الإعجاز العدديّ 1:17)و هذا يناسب تقابل الشّيطان و الملك في طبيعة الخير و الشّرّ،و في عدد النّفوس،و في أصل الخلقة.

فالملك خلق نوريّ و الشّيطان خلق ناريّ،كما اعترف الشّيطان به؛حيث فضّل نفسه على آدم: قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:12، و ص:76.و تمام الكلام في«ش طن».

ص: 163

ص: 164

أ ب و

اشارة

33 لفظا،117 مرّة:92 مكّيّة،25 مدنيّة

في 40 سورة:30 مكّيّة،10 مدنيّة

أبا 1:1\أبى 5:5\آباؤكم 10:6-4

أبت 8:8\أبيه 10:8-2\آباؤنا 12:12

أبا 1:-1\أبيهم 1:1\آباءهم 7:5-2

أباه 1:1\أبيكم 4:3-1\آباءكم 3:1-2

أباهم 1:1\أبينا 1:1\آباءنا 10:2-8

أباكم 1:1\أبواه 2:1-1\آباءهم 5:3-2

أبانا 7:7\أبويه 3:2-1\آباءهنّ 2:-2

أبوهما 1:1\أبويك 1:1\آباءك 1:-1

أبوهم 2:2\أبويكم 1:1\آباءكم 4:3-1

أبوك 1:1\آباء 1:-1\آبائى 1:1

أبونا 1:1\آباؤهم 4:2-2\آباءنا 4:4

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أبوت الرّجل آبوه،إذا كنت له أبا.و يقال:

فلان يأبو هذا اليتيم إباوة،أي يغذوه،كما يغذو الوالد ولده.و يقال في المثل:«لا أبا لك»كأنّه يمدحه.و تصغير الأب:أبيّ،و تصغير الآباء على وجهين:فأجودهما:

أبيّون،و الآخر:أبيّاء،لأنّ كلّ جماعة على«أفعال»فإنّها تصغّر على حدّها.

و الأبوّة:الفعل من الأب،كقولك:تأبّيت أبا، و تبنّيت ابنا،و تأمّمت أمّا.و فلان بيّن الأبوّة و البنوّة و الأمومة.و يجوز في الشّعر أن تقول:هذان أباك،و أنت تريد أباك و أمّك.

و من العرب من يقول: أبوّتنا أكرم الآباء،يجمعون الأب على«فعولة»كما يقولون:هؤلاء عمومتنا و خئولتنا.

و منهم من يجمع الأب: أبين.[ثمّ استشهد بشعر] و تقول:هم الأبون،و هؤلاء أبوكم،يعني آباؤكم.

و الإبة:الخزي.[ثمّ استشهد بشعر](8:419) «لا أبا لك»،معناه لا كافي لك.

(الأزهريّ 15:603) (1)

ص: 165


1- هذا و ما بعده لم نجدهما في كتاب العين.

الهاء في قولهم:يا أبة و يا أبة لا تفعل،و يا أبتاه و يا أمّتاه،مثل الهاء في عمّة و خالة.و يدلّك على أنّ الهاء بمنزلة الهاء في عمّة و خالة،أنّك تقول في الوقف:يا أبه، كما تقول:يا خاله،و تقول:يا أبتاه،كما تقول:يا خالتاه.

و إنّما يلزمون هذه الهاء في النّداء إذا أضفت إلى نفسك خاصّة،كأنّهم جعلوها عوضا،من حذف الياء، و أرادوا أن لا يخلّوا بالاسم حين اجتمع فيه حذف النّداء، و أنّهم لا يكادون يقولون:يا أباه.

و صار هذا محتملا عندهم لما دخل النّداء من الحذف و التّغيير،فأرادوا أن يعوّضوا هذين الحرفين،كما يقولون:أينق،لمّا حذفوا العين جعلوا الياء عوضا،فلمّا ألحقوا الهاء صيّروها بمنزلة الهاء الّتي تلزم الاسم في كلّ موضع،و اختصّ النّداء بذلك لكثرته في كلامهم كما اختصّ بيا أيّها الرّجل.(ابن منظور 14:9،10)

ابن حبيب: أبو المرأة:زوجها.

(ابن منظور 14:13)

اليزيديّ: ما كنت أبا،و لقد أبيت أبوّة.

(الأزهريّ 15:601)

الفرّاء: «يا أبت يا أبت»لغتان،لأنّ من نصب أراد النّدبة:يا أبتاه،فحذفها.(2:35)

«لا أبا لك»:كلمة تفصل بها العرب كلامها(الأزهريّ 15:603)

أبو زيد: بيّبت الرّجل،إذا قلت له:بأبي،فهذا من البيب.(ابن منظور 14:10)

أبو عبيد: تأبّيت أبا،أي اتّخذت أبا،و تأمّيت أمّا،و تعمّمت عمّا.

و زعم بعض العلماء أنّ قولهم:«لا أبا لك و لا أب لك»مدح،و«لا أمّ لك»ذمّ.و قد وجدنا«لا أمّ لك» وضع موضع المدح أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

الأزهريّ 15:601،602)

ابن الأعرابيّ: فلان يأبوك،أي يكون لك أبا.

(الأزهريّ 15:601)

استئب أبا،و استأبب أبا،و تأبّ أبا،و استئمّ أمّا، و استأمم أمّا،و تأمّم أمّا.(الأزهريّ 15:603)

ابن السّكّيت: يقال:أبوت الرّجل آبوه،إذا كنت له أبا.و يقال:ما له أب يأبوه،أي يغذوه و يربّيه.

و أبيت الشّيء آباه إباء:كرهته.

(الأزهريّ 15:601)

أبو الهيثم: إذا قال الرّجل للرّجل:لا أبا لك،فلم يترك له من الشّتيمة شيئا.و إذا أراد إكرامه قال:لا أبا لشانئك،و لا أبّ لشانئك،و ما أشبه ذلك.

(الأزهريّ 15:603)

المبرّد: «لا أبا لك»:كلمة فيها جفاء،و العرب تستعملها عند الحثّ على أخذ الحقّ و الإغراء،و ربّما استعملتها الجفاة من الأعراب عند المسألة و الطّلب، فيقول القائل للأمير و الخليفة:أنظر في أمر رعيّتك لا أبا لك.(2:159)

يقال:لا أب لك و لا أبك،بغير لام.

(ابن منظور 14:13)

ثعلب: يقال:هذا أبوك،و هذا أباك،و هذا أبك.

فمن قال:هذا أبوك أو أباك فتثنيته أبوان،و من قال:هذا أبك فتثنيته أبان على اللّفظ،و أبوان على الأصل.

(ابن منظور 14:7)

ص: 166

ابن دريد: و أمّا الأب:الوالد فناقص و ليس من هذا[أبّ]،قالوا:أب،فلمّا ثنّوا قالوا:أبوان،و كذلك أخ و أخوان.(1:14)

الأزهريّ: قيل:ما كنت أبا،و لقد أبوت.و ما كنت أخا،و لقد أخوت.و ما كنت أمّا،و لقد أموت.

و يقال:هما أبواه،لأبيه و أمّه.و جائز في الشّعر:هما أباه.

و كذلك:رأيت أبيه.و اللّغة العالية:رأيت أبوية.

و يجوز أن يجمع«الأب»بالنّون؛فيقال:هؤلاء أبونكم،أي آباؤكم،و هم الأبون.

قلت:و الكلام الجيّد في جمع«الأب»هؤلاء الآباء، بالمدّ.(15:602)

«لا أبا لك»،قيل:معناه أنّك تجزى أمرك،و هذا أحمد.[و قال بعد نقله قول ابن الأعرابيّ:]

إنّما شدّد الأب و الفعل منه-و هو في الأصل غير مشدّد-لأنّ الأب أصله:أبو؛فزادوا بدل«الواو»ياء، كما قالوا:قنّ،للعبد،و أصله:قني.

و من العرب من قال ل«اليد»:يدّ،فشدّد الدّال،لأنّ أصله يدي.(15:603)

الفارسيّ: «لا أبا لك»فيه تقديران مختلفان لمعنيين مختلفين؛و ذلك أنّ ثبات الألف في«أبا»من:«لا أبا لك»،دليل الإضافة فهذا وجه،و وجه آخر:أنّ ثبات اللاّم و عمل«لا»في هذا الاسم يوجب التّنكير و الفصل، فثبات الألف دليل الإضافة و التّعريف،و وجود اللاّم دليل الفصل و التّنكير،و هذان:كما تراهما متدافعان.

و الفرق بينهما أنّ قولهم:«لا أبا لك»كلام جرى مجرى المثل،و ذلك أنّك إذا قلت:هذا،فإنّك لا تنفي في الحقيقة أباه،و إنّما تخرجه مخرج الدّعاء عليه،أي أنت عندي ممّن يستحقّ أن يدعى عليه بفقد أبيه.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 14:11)

الجوهريّ: الأب أصله:أبو بالتّحريك،لأنّ جمعه:

آباء،مثل قفا و أقفاء و رحى و أرحاء،فالذّاهب منه واو، لأنّك تقول في التّثنية:أبوان.

و بعض العرب يقول: أبان،على النّقص،و في الإضافة:أبيك.و إذا جمعت بالواو و النّون قلت:أبون، و كذلك أخون و حمون و هنون.[ثمّ استشهد بشعر]

و على هذا قرأ بعضهم: اله ابيك ابراهيم و اسماعيل و اسحاق البقرة:133،يريد جمع أب،أي أبينك، فخذف النّون للإضافة.

و يقال:ما كنت أبا و لقد أبوت أبوة.و ما له أب يأبوه،أي يغذوه و يربّيه.و النّسبة إليه أبويّ.

و الأبوان:الأب و الأمّ.

و بيني و بين فلان أبوّة،و الأبوّة أيضا:الآباء،مثل العمومة و الخئولة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:يا أبة افعل.يجعلون علامة التّأنيث عوضا عن ياء الإضافة،كقولهم في الأمّ؛يا أمّه،و تقف عليها بالهاء،إلاّ في القرآن فإنّك تقف عليها بالتّاء اتّباعا للكتاب.و قد يقف بعض العرب على هاء التّأنيث بالتّاء، فيقولون:يا طلحت.

و إنّما لم تسقط التّاء في الوصل من الأب و سقطت من الأمّ،إذا قلت:يا أمّ أقبلي،لأنّ الأب لمّا كان على حرفين كان كأنّه قد أخلّ به،فصارت الهاء لازمة

ص: 167

و صارت الياء كأنّها بعدها.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:«لا أب لك و لا أبا لك»،و هو مدح و ربّما قالوا:لا أباك،لأنّ اللاّم كالمقحمة.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:2260،2261)

ابن فارس: الهمزة و الباء و الواو يدلّ على التّربية و الغذو.

أبوت الشّيء آبوه أبوا،إذا غذوته،و بذلك سمّي الأب أبا.و يقال في النّسبة إلى أب:أبويّ.(1:44)

القيسيّ: أصل أب:أبو،على وزن«فعل»دليله قولهم:«أبوان»في التّثنية،و حذفت الواو منه لكثرة الاستعمال؛و لو جرى على أصول الاعتلال و القياس لقلت:«أباك»في الرّفع و النّصب و الخفض،و لقلت:

«أبا»في الرّفع و النّصب و الخفض،بمنزلة عصا و عصاك.

و بعض العرب يفعل فيه ذلك،و لكن جرى على غير قياس الاعتلال في أكثر اللّغات،و حسن فيه ذلك، لكثرة استعماله و تصرّفه.(2:365)

الطّوسيّ: الأب و الوالد نظائر.(5:228)

الآباء:جمع أب،و هو الّذي يكون منه نطفة الولد.(6:140)

الرّاغب: الأب:الوالد،و يسمّى كلّ من كان سببا في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا،و لذلك يسمّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أبا المؤمنين.

و روي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لعليّ عليه السّلام: «أنا و أنت أبوا هذه الأمّة»،و إلى هذا أشار بقوله:«كلّ سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي».

و قيل:أبو الأضياف لتفقّده إيّاهم،و أبو الحرب:

لمهيّجها،و أبو عذرتها:لمفتضّها.

و يسمّى العمّ مع الأب أبوين،و كذلك الأمّ مع الاب،و كذلك الجدّ مع الأب.و سمّي معلّم الإنسان:أباه؛ لما تقدّم من ذكره.

و جمع الأب:آباء و أبوّة،نحو:بعولة و خئولة.

و أصل أب:فعل،و قد أجري مجرى قفا في قول الشّاعر :*إنّ أباها و أبا أباها*.

و يقال:أبوت القوم:كنت لهم أبا آبوهم،و فلان يأبو بهمه،أي يتفقّدها تفقّد الأب.

و زادوا في النّداء فيه تاء،فقالوا،يا أبت.

و قولهم:بأبأ الصّبيّ،فهو حكاية صوت الصّبيّ إذا قال:بابا.(7)

الحريريّ: يقولون عند نداء الأبوين:يا أبتي و يا أمّتي،فيثبتون ياء الإضافة فيهما،مع إدخال تاء التّأنيث عليهما قياسا على قولهم:يا عمّتي.و هو وهم يشين و خطأ مستبين،و وجه الكلام أن يقال:يا أبت و يا أمّت،بحذف الياء و الاجتزاء عنها بالكسرة،كما قال تعالى: يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ مريم:44، يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ مريم:42،أو يقال:يا أبتا و يا أمّتا،بإثبات الألف.و الاختيار أن يوقف عليهما بالهاء،فيقال:يا أبه و يا أمّه.

فإن قيل:فكيف دخلت تاء التّأنيث على الأب و هو مذكّر؟

فالجواب:أنّه لا غرو[:لا عجب]في ذلك،أ لا ترى أنّهم قالوا:رجل ربعة و رجل فروقة؛فوصفوا المذكّر بالمؤنّث،و قالوا:امرأة حائض؛فوصفوا المؤنّث بلفظ

ص: 168

المذكّر!و إنّما يستعمل ما ذكرناه في النّداء خاصّة.

فأمّا قولهم:عمّتي و خالتي،فإنّ الياء فيهما تثبت في غير موطن النّداء.(125)

ابن الشّجريّ: أصل أب:أبو«فعل»كقلم،بدلالة جمعه على«أفعال»:آباء كأقلام،و الدّليل على أنّ المحذوف منه«واو»قولهم:أبوان.

و قد ألحقوا في بعض اللّغات«أبا»بباب عصا،و ذلك قليل.و إذا أضافوا هذا الاسم أعادوا إليه لامه،فقالوا:

أبوك،و أبو زيد.

فإن أضفته إلى ياء المتكلّم لم تزد،و قلت:أبي.

و أجاز أبو العبّاس المبرّد أبي و أخي و حمي،و احتجّ بقول الشّاعر:

قد راحلك ذا المجاز و قد أرى

و أبي مالك ذو المجاز بدار

و منع أبو عليّ من هذا و قال:إنّ أبي في البيت جمع أب على لغة من قال في جمعه:أبون و أبين،و عليه قول الشّاعر:

فلمّا تبيّن أصواتنا

بكين و فديننا بالأبينا

[إلى أن قال:]

فالياء الّتي قبل ياء المتكلّم في قوله:أبي،ياء الجمع الّتي في أبين،لا لام أب،فوزن أبي«فعي»لا«فعلي»، و على هذا الجمع حملت قراءة من قرأ (اله ابيك) ليكون بإزاء(آبائك)في القراءة الأخرى[انتهى ملخّصا].

(2:36-38)

ابن الأثير: قد تكرّر في الحديث«لا أبا لك»،و هو أكثر ما يذكر في المدح،أي لا كافي لك غير نفسك.

و قد يذكر في معرض الذّمّ،كما يقال:لا أمّ لك.و قد يذكر في معرض التّعجّب و دفعا للعين،كقولهم:للّه درّك.

و قد يذكر بمعنى:جدّ في أمرك و شمّر،لأنّ من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه.و قد تحذف اللاّم،فيقال:لا أباك، بمعناه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«للّه أبوك»إذا أضيف الشّيء إلى عظيم شريف اكتسى عظما و شرفا،كما قيل:بيت اللّه و ناقة اللّه.فإذا وجد من الولد ما يحسن موقعه و يحمد،قيل:«للّه أبوك»في معرض المدح و التّعجّب،أي أبوك للّه خالصا حيث أنجب بك و أتى بمثلك.

و في حديث الأعرابيّ الّذي جاء يسأل عن شرائع الإسلام،فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أفلح و أبيه ان صدق».هذه كلمة جارية على ألسن العرب تستعملها كثيرا في خطابها و تريد بها التّأكيد.و قد نهى النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحلف الرّجل بأبيه؛ فيحتمل أن يكون هذا القول قبل النّهي.و يحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام الجاري على الألسن و لا يقصد به القسم كاليمين المعفوّ عنها من قبيل اللّغو،أو أراد به توكيد الكلام لا اليمين.فإنّ هذه اللّفظة تجري في كلام العرب على ضربين:للتّعظيم و هو المراد بالقسم المنهيّ عنه،و للتّوكيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث أمّ عطيّة:«كانت إذا ذكرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قالت:«بأباه»،أصله:بأبي هو.

يقال:بأبأت الصّبيّ،إذا قلت له:بأبي أنت و أمّي،فلمّا سكّنت الياء قلبت ألفا،كما قيل في يا ويلتي:يا ويلتا؛

ص: 169

و فيها ثلاث لغات:بهمزة مفتوحة بين الباءين،و بقلب الهمزة ياء مفتوحة،و بإبدال الياء الآخرة ألفا و هي هذه.

و الباء الأولى في بأبي أنت و أمّي،متعلّقة بمحذوف.

قيل:هو اسم،فيكون ما بعده مرفوعا تقديره:أنت مفدّى بأبي و أمّي.و قيل:هو فعل و ما بعده منصوب:أي فديتك بأبي و أمي.و حذف هذا المقدّر تخفيفا لكثرة الاستعمال،و علم المخاطب به.

و في حديث رقيقة:«هنيئا لك أبا البطحاء»إنّما سمّوه أبا البطحاء،لأنّهم شرفوا به و عظّموا بدعائه و هدايته، كما يقال للمطعام:أبو الأضياف.

و في حديث وائل بن حجر:«من محمّد رسول اللّه إلى المهاجر بن أبو أميّة».حقّه أن يقول:ابن أبي أميّة،و لكنّه لاشتهاره بالكنية،و لم يكن له اسم معروف غيره،لم يجرّ،كما قيل:عليّ بن أبو طالب.

و في حديث عائشة قالت عن حفصة:«و كانت بنت أبيها»،أي إنّها شبيهة به في قوّة النّفس،و حدّة الخلق، و المبادرة إلى الأشياء.(1:19)

الصّغانيّ: الأب في بعض اللّغات:الزّوج.

(الزّبيديّ 10:5)

القرطبيّ: الأبوان:تثنية الأب و الأبة.و استغني بلفظ الأمّ عن أن يقال لها:أبة.

و من العرب من يجري المختلفين مجرى المتّفقين؛ فيغلّب أحدهما على الآخر لخفّته أو شهرته.جاء ذلك مسموعا في أسماء صالحة،كقولهم للأب و الأمّ:أبوان.

و للشّمس و القمر:القمران.و للّيل و النّهار:الملوان.

و كذلك العمران:لأبي بكر و عمر.غلّبوا القمر على الشّمس لخفّة التّذكير،و غلّبوا عمر على أبي بكر،لأنّ أيّام عمر امتدّت فاشتهرت.(5:68)

الفيّومي: الأب:لامه محذوفة و هي واو،لأنّه يثنّى:أبوين.و الجمع:آباء،مثل سبب و أسباب.و يطلق على الجدّ مجازا.

و إذا صغّر ردّت اللاّم المحذوفة فيبقى«أبيو»،فتجمع الواو و الياء،فتقلب الواو ياء و تدغم في اليا،فيبقى «أبيّ»،و به يسمّى.

و في لغة قليلة تشدّد الباء عوضا من المحذوف، فيقال:هو الأبّ.

و في لغة يلزمه القصر مطلقا،فيقال:هذا أباه، و رأيت أباه،و مررت بأباه.

و في لغة-و هي أقلّها-يلزمه النّقص مطلقا، فيستعمل استعمال«يد»و«دم».

و على اللّغة المشهورة إذا أضيف إلى غير الياء و هو مكبّر،أعرب بالحروف،فيقال:هذا أبوه،و رأيت أباه، و مررت بأبيه.

و الأبوّة:مصدر من الأب،مثل الأمومة مصدر من الأمّ،و الأخوّة و العمومة و الخئولة،فيقال:بينهما أخوّة الرّضاع.

و الأبواء:وزان«أفعال»موضع بين مكّة و المدينة، و يقال له:ودّان.(1:2)

الجرجانيّ: الأب:حيوان يتولّد من نطفته شخص آخر من نوعه.(3)

الفيروزآباديّ: الأبا:لغة في الأب،و أصل الأب «أبو»محرّكة،الجمع:آباء و أبون.

ص: 170

و أبوت و أبيت:صرت أبا،و أبوته إباوة بالكسر.

صرت له أبا.و الاسم الأبواء.

و تأبّاه:اتّخذه أبا.

و قالوا في النّداء:يا أبت بكسر التّاء و فتحها و يا أبه بالهاء و يا أبتاه و يا أباه.

و لاب لك،و لا أبا لك،و لا أباك،و لا أبك و لا أب لك؛كلّ ذلك دعاء في المعنى لا محالة،و في اللّفظ خبر:

يقال:لمن له أب و لمن لا أب له.

و أبو المرأة:زوجها.

و الأبوّ:الأبوّة،و أبّيته تأبية:قلت له:بأبي.

(4:299)

الجزائريّ: «الأب و الوالد»الفرق بينهما:أنّ الوالد لا يطلق إلاّ على من أولدك من غير واسطة،و الأب قد يطلق على الجدّ البعيد؛قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الحجّ:78،و في الحديث النّبويّ:«و هذا أبي آدم و هذا أبي نوح».(61)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أبا أبوّة:صار أبا،و الأب:الوالد.و الآباء:هم الأجداد و الأعمام.و يطلق المثنّى أبوان،على الأب و الأمّ.(1:27)

مجمع اللّغة: الأب:الوالد،و مثنّاه أبوان،و جمعه:

آباء.

و يقال في نداء الأب:يا أبي و يا أبت.و يطلق على الأب و الأمّ:الأبوان،تغليبا للأب.و يطلق على الأجداد أو الأعمام:آباء(1:2)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّربية و التّغذية،و بلحاظ هذا المفهوم يوجد للأب مصاديق حقيقيّة كثيرة:كالوالد،و الرّبّ المتعال، و المعلّم،و النّبيّ،و الجدّ،و العمّ،و غيرهم من أولياء التّربية وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ يوسف:38، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ يوسف:6، كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ الأعراف:27، وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ النّساء:11، وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا النّساء:11، قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً البقرة:133، وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ التّوبة:114، وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ الأنعام:74.

و يقول ابن مالك:

و الفتح و الكسر و حذف الياء استمرّ

في يا ابن أمّ،يا ابن عمّ،لا مفرّ

و في النّداء أبت أمّت عرض

و اكسر أو افتح و من الياء،التّاء عوض

يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ يوسف:100،

يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ الصّافّات:102.

و لا يخفى أنّ حرف التّاء من علائم الخطاب،كما في «فعلت،و تفعل،و أنت»،و الخطاب يدلّ على القرب و المشافهة و المودّة و العطوفة.فإلحاق التّاء في النّداء حيث ما يمكن يكون بهذا النّظر،و ليست عوضا عن الياء،و إنّما تحذف الياء للثّقل،و يكتفى بالكسرة للتّخفيف.(1:13)

ص: 171

النّصوص التّفسيريّة

ابت

1- يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً... يوسف:4 الفرّاء:(يا ابت)لا تقف عليها بالهاء و أنت خافض لها في الوصل،لأنّ تلك الخفضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلّم.و لو قرأ قارئ(يا ابت)لجاز،و كان الوقف على الهاء جائزا،و لم يقرأ به أحد نعلمه.و لو قيل:(يا ابت) لجاز الوقوف عليها بالهاء من جهة،و لم يجز من أخرى.

فأمّا جواز الوقوف على الهاء،بأن تجعل الفتحة فيها من النّداء و لا تنوي أن تصلها بألف النّدبة.

و أمّا الوجه الّذي لا يجوز الوقف على الهاء بأن تنوي(يا ابتاه)ثمّ تحذف الهاء و الألف،لأنّها في النّيّة متّصلة بالألف كاتّصالها في الخفض بالياء من المتكلّم.

(2:32)

ثعلب: قرئ(يا ابت)بكسر التّاء،فأصله:يا أبي، فحذفت الياء و اكتفي بالكسرة عنها،ثمّ أدخل هاء الوقف فقال:(يا ابت)،ثمّ كثر استعماله حتّى صار كأنّه من نفس الكلمة،فأدخلوا عليه الإضافة.

(الفخر الرّازي 18:86)

الزّجّاج: إنّ التّاء كثرت و لزمت في«الأب»عوضا عن ياء الإضافة،فلهذا كسرت التّاء،لأنّ الكسرة أخت الياء.(أبو زرعة:354)

من قرأ(يا ابت)بكسر التّاء فعلى الإضافة إلى نفسه و حذف الياء،لأنّ ياء الإضافة تحذف في النّداء.و أمّا إدخال تاء التّأنيث في«الأب»فإنّما دخلت في النّداء خاصّة،و المذكّر قد يسمّى باسم فيه علامة التّأنيث و يوصف بما فيه تاء التّأنيث،فالاسم نحو:نفس و عين، و الصّفة نحو:غلام يفعة،و رجل ربعة،فلزمت التّاء في «الأب»عوضا من ياء الإضافة،و الوقف عليها«يا أبه» بالهاء و إن كانت في المصحف بالتّاء.

(الطّبرسيّ 3:208)

الفارسيّ: [(يا ابت)بفتح التّاء على حذف الألف المنقلبة عن ياء الإضافة]،و يحتمل أن يكون مثل:

يا طلحة أقبل،و وجهه أنّ الأسماء الّتي فيها تاء التّأنيث أكثر ما ينادى مرخّما،فلمّا كان كذلك ردّ التّاء المحذوفة في التّرخيم و ترك الأمر يجري على ما كان يجرى عليه في التّرخيم من الفتح،فلم يعتدّ بالهاء و إقحامها،كما قالوا:

و أجمعت اليمامة،يريدون أهل اليمامة،قالوا:أجمعت أهل اليمامة،فلم يعتدّوا بردّ أهل.

و إنّما وقف ابن كثير بالهاء،فقال:يا أبه،لأنّ التّاء الّتي للتّأنيث تبدل منها الهاء في الوقف.و لم يجز على تقدير الإضافة،لأنّه إذا وقف عليها سكّنت للوقف، و إذا سكّنت كانت بمنزلة ما لا يراد به الإضافة فأبدل منها الهاء،كما إذا قال:يا طلحة أقبل-بفتح التّاء-،و إذا وقف عليها أبدل الهاء ياء.(الطّوسيّ 6:94)

أبو زرعة:قرأ ابن عامر:(يا ابت)بفتح التّاء في جميع القرآن.و قرأ الباقون بكسر التّاء على الإضافة إلى نفسه.

الأصل«يا ابى»،فحذفت الياء،لأنّ ياء الإضافة تحذف في النّداء كما يحذف التّنوين،و تبقى الكسرة تدلّ على الياء،كما تقول:«رب اغفر لي،و في التنزيل»: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ يوسف:101،و(يا قوم)

ص: 172

و الأصل«يا قومى»،فحذفت الياء.و إنّما تحذف في النّداء،لأنّ باب النّداء باب التّغيير و الحذف.

و أمّا إدخال تاء التّأنيث في«الأب»فقال قوم:إنّما دخلت للمبالغة،كما تقول:علاّمة و نسّابة،فاجتمع ياء المتكلّم و التّاء الّتي للمبالغة،فحذفوا الياء،لأنّ الكسرة تدلّ عليها.

و من فتح فله وجهان:

أحدهما:أن يكون أراد(يا ابتا)،فأبدل من ياء الإضافة«ألفا»ثمّ حذف الألف كما تحذف الياء،و تبقى الفتحة دالّة على الألف،كما أنّ الكسرة تدلّ على الياء.

و الوجه الآخر:أنّه إنّما فتح التّاء،لأنّ هذه التّاء بدل من ياء المتكلّم،و أصل ياء المتكلّم الفتح،فتقول:

يا غلامي.و إنّما قلنا ذلك لأنّ الياء هو اسم،و الاسم إذا كان على حرف واحد فأصله الحركة،فتكون الحركة تقوية للاسم،فلمّا كان أصل هذه الياء الفتحة كان الواجب أن تفتح،لأنّها بدل من الحرف الّذي هو أصله، ليدلّ على المبدل.

وقف ابن كثير و ابن عامر: (يا ابه)على الهاء، و حجّتهما أنّ التّغييرات تكون في حال الوقف دون الإدراج،فتقول:رأيت زيدا،فتقف عليه بالألف.

و وقف الباقون بالتّاء،و حجّتهم أنّ هذه التّاء بدل من الياء،فكما أنّ الياء على صورة واحدة في الوصل و الوقف،فكذلك البدل يجب أن يكون مثل المبدل منه على صورة واحدة.(353)

نحوه الآلوسيّ(12:178)،و الفخر الرّازيّ(18:

86).

الرّمّانيّ: (يا ابة)بضمّ الهاء جائز،لأنّ العوض لا يمنع من الحذف،و الوقف يجوز على التّاء،لأنّ الإضافة مقدّرة بعدها.و إن قدّر على حذف الألف لم يجز الوقف، إلاّ بالتّاء،و إن قدّر على الإقحام جاز الوقف.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما دخلت الهاء في(يا ابت)للعوض من ياء الإضافة؛إذ يكثر في النّداء،مع لزوم معنى الإضافة، فكان أحقّ بالعلامة لهذه العلّة.(الطّوسيّ 6:95)

الطّوسيّ: يجوز في(يا ابت)ثلاثة أوجه من الإعراب:

أحدهما:الكسر على حذف ياء الإضافة.

الثّاني:(يا ابت)بفتح التّاء على حذف الألف المنقلبة عن ياء الإضافة،كأنّه أراد(يا ابتا)،فحذف الألف كما تحذف الياء،فتبقى الفتحة دالّة على الألف،كما أنّ الكسرة دالّة على الياء.[ثمّ استشهد بشعر]فلمّا كثرت هذه الكلمة في كلامهم ألزموه القلب.

الثّالث:(يا ابة)بضمّ الهاء في قول الفرّاء و لم يجزه الزّجّاج،قال:لأنّ التّاء عوض من ياء الإضافة.

(6:94)

البغويّ: قرأ أبو جعفر و ابن عامر(يا ابت)بفتح التّاء...و قرأ الآخرون(يا ابت)بكسر التّاء في كلّ القرآن،و الوجه أنّ أصله:يا أبتي،فحذفت الياء تخفيفا و اكتفاء بالكسرة،لأنّ باب النّداء حذف،يدلّ على ذلك قوله: يا عِبادِ فَاتَّقُونِ الزّمر:16،و قرأ الآخرون(يا ابت)بكسر التّاء،لأنّ أصله:يا أبت، و الجزم يحرّك إلى الكسر.(3:214)

ص: 173

مثله الميبديّ.(5:5)

الزّمخشريّ: (يا ابت)قرئ بالحركات الثّلاث.

فإن قلت:ما هذه التّاء؟

قلت:تاء تأنيث وقعت عوضا عن ياء الإضافة، و الدّليل على أنّها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف.

فإن قلت:كيف جاز إلحاق تاء التّأنيث بالمذكّر؟

قلت:كما جاز نحو قولك:حمامة ذكر،و شاة ذكر، و رجل ربعة،و غلام يفعة.

فإن قلت:فلم ساغ تعويض تاء التّأنيث من ياء الإضافة؟

قلت:لأنّ التّأنيث و الإضافة يتناسبان في أنّ كلّ واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره.

فإن قلت:فما هذه الكسرة؟

قلت:هي الكسرة الّتي كانت قبل الياء في قولك:

يا أبي،قد زحلقت إلى التّاء،لاقتضاء تاء التّأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحا.

فإن قلت:فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة الّتي اقتضتها التّاء،و تبقى التّاء ساكنة؟

قلت:امتنع ذلك فيها،لأنّها اسم،و الأسماء حقّها التّحريك لأصالتها في الإعراب،و إنّما جاز تسكين الياء و أصلها أن تحرّك تخفيفا،لأنّها حرف لين،و أمّا التّاء فحرف صحيح نحو كاف الضّمير،فلزم تحريكها.

فإن قلت:يشبه الجمع بين التّاء و بين هذه الكسرة الجمع بين العوض و المعوّض منه،لأنّها في حكم الياء إذا قلت:يا غلام،فكما لا يجوز«يا ابتى»لا يجوز(يا ابت)؟

قلت:الياء و الكسرة قبلها شيئان،و التّاء عوض من أحد الشّيئين و هو الياء،و الكسرة غير متعرّض لها، فلا يجمع بين العوض و المعوّض منه إلاّ إذا جمع بين التّاء و الياء لا غير،أ لا ترى إلى قولهم:«يا أبتا»مع كون الألف فيه بدلا من الياء،كيف جاز الجمع بينها و بين التّاء،و لم يعدّ ذلك جمعا بين العوض و المعوّض منه، فالكسرة أبعد من ذلك.

فإن قلت:فقد دلّت الكسرة في:«يا غلام»على الإضافة،لأنّها قرينة الياء و لصيقتها،فإن دلّت على مثل ذلك في(يا ابت)فالتّاء المعوّضة لغو،وجودها كعدمها؟

قلت:بل حالها مع التّاء كحالها مع الياء إذا قلت:

يا أبي.

فإن قلت:فما وجه من قرأ بفتح التّاء و ضمّها؟

قلت:أمّا من فتح فقد حذف الألف من«يا أبتاه» و استبقى الفتحة قبلها،كما فعل من حذف الياء في «يا غلام»،و يجوز أن يقال:حرّكها بحركة الياء المعوّض منها في قولك:يا أبي.و أمّا من ضمّ فقد رأى اسما في آخره تاء تأنيث فأجراه مجرى الأسماء المؤنّثة بالتّاء، فقال:يا أبت،كما تقول:يا ثبّة،من غير اعتبار لكونها عوضا من ياء الإضافة.(2:302)

أبو البركات: قرئ بكسر التّاء و فتحها،فمن قرأ بكسر التّاء جعلها بدلا عن ياء الإضافة،و لا يجوز أن يجمع بينهما،لأنّه يؤدّي إلى أن يجمع بين البدل و المبدل.

و من قرأ بفتحها ففيه وجهان:

أحدهما:أنّ أصله:يا أبتي،فأبدل من الكسرة فتحة،و من الياء ألفا؛لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،ثمّ

ص: 174

حذفت الألف فصارت(يا ابت).

و الثّاني:أنّه محمول على قول من قال:يا طلحة بفتح التّاء،كأنّه قد رخّم ثمّ ردّ التّاء و فتحها تبعا لفتح الحاء، فقال:يا طلحة،أو لأنّه لم يعتدّ بها،ففتحها كما كان الاسم قبل ردّها مفتوحا.[ثمّ استشهد بشعر](2:32)

القرطبيّ: بكسر التّاء قراءة أبي عمرو و عاصم و نافع و حمزة و الكسائيّ،و هي عند البصريّين علامة التّأنيث،أدخلت على الأب في النّداء خاصّة بدلا من ياء الإضافة،و قد تدخل علامة التّأنيث على المذكّر،فيقال:

رجل نكحة و هزأة.

قال النّحّاس: إذا قلت:(يا ابت)-بكسر التّاء- فالتّاء عند سيبويه بدل من ياء الإضافة.و لا يجوز على قوله الوقف إلاّ بالهاء،و له على قوله دلائل،منها:أنّ قولك:(يا ابه)يؤدّي عن معنى«يا ابي»؛و أنّه لا يقال:

(يا ابت)إلاّ في المعرفة،و لا يقال:جاءني أبت.

و لا تستعمل العرب هذا إلاّ في النّداء خاصّة،و لا يقال:

يا أبتي لأنّ التّاء بدل من الياء فلا يجمع بينهما.

و زعم الفرّاء أنّه إذا قال:(يا ابت)،فكسر دلّ على الياء لا غير،لأنّ الياء في النّيّة.و زعم أبو إسحاق أنّ هذا خطأ.و الحقّ ما قال،كيف تكون الياء في النّيّة،و ليس يقال:«يا أبتي»؟!(9:121)

البيضاويّ: أصله:يا أبي،فعوّض عن الياء تاء التّأنيث؛لتناسبهما في الزّيادة،و لذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب و كسروها،لأنّها عوض حرف يناسبها.و فتحها ابن عامر في كلّ القرآن، لأنّها حركة أصلها،أو لأنّه كان«يا أبتا»فحذف الألف و بقي الفتحة،و إنّما جاز«يا أبتا»و لم يجز«يا أبتي»لأنّه جمع بين العوض و المعوّض.

و قرئ بالضّمّ إجراء لها مجرى الأسماء المؤنّثة بالتّاء من غير اعتبار التّعويض،و إنّما لم تسكّن كأصلها،لأنّها حرف صحيح منزّل منزلة الاسم،فيجب تحريكها، ككاف الخطاب.(1:486)

مجمع اللّغة: و قد جاء لفظ الأب في القرآن الكريم مفردا و مثنّى و جمعا على آباء.

1-«الأب»مفردا بمعنى الوالد.

قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً يوسف:78.

2-و أطلق المثنّى«أبوان»على الأب و الأمّ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ النّساء:11.

3-و أطلق المثنّى على الجدّين.

كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ يوسف:6.

4-و أطلق المثنّى على آدم و حوّاء.

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ الأعراف:27.

5-و أتى الجمع«آباء»بمعنى الوالدين،أو بمعنى الأصول من الآباء و الأجداد و من في منزلتهم.

وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ النّور:31.

6-و أطلق«آباء»على الأب و العمّ و الجدّ،و ذلك في قوله تعالى على لسان يعقوب.

ص: 175

قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ البقرة:133.(1:3)

2- إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ...

مريم:42

الطّبريّ: اختلف أهل العربيّة في وجه دخول الهاء في قوله:(يا ابت)فكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول:

إذا وقفت عليها قلت:يا أبه،و هي هاء زيدت نحو قولك:

يا أمّه،ثمّ يقال:يا أمّ،إذا وصل،و لكنّه لمّا كان«الأب» على حرفين كان كأنّه قد أخلّ به،فصارت الهاء لازمة، و صارت الياء كأنّها بعدها،فلذلك قالوا:يا أبة أقبل، و جعل التّاء للتّأنيث.و يجوز التّرخيم من:يا أب أقبل، لأنّه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموما،نحو قول العرب:يا ربّ اغفر لي،و تقف في القرآن(يا أبه)في الكتاب.و قد يقف بعض العرب على الهاء بالتّاء.

و قال بعض نحويّي الكوفة: الهاء مع أبة و أمّة هاء وقف،كثرت في كلامهم حتّى صارت كهاء التّأنيث، و أدخلوا عليها الإضافة.فمن طلب الإضافة فهي بالتّاء لا غير،لأنّك تطلب بعدها الياء،و لا تكون الهاء حينئذ إلاّ تاء،كقولك:يا أبت،لا غير.و من قال:يا أبه،فهو الّذي يقف بالهاء،لأنّه لا يطلب بعدها ياء.و من قال:

يا أبتا،فإنّه يقف عليها بالتّاء،و يجوز بالهاء.فأمّا بالتّاء فلطلب ألف النّدبة،فصارت الهاء تاء لذلك،و الوقف بالهاء بعيد،إلاّ فيمن قال:«يا أميمة ناصب»،فجعل هذه الفتحة من فتحة التّرخيم،و كأنّ هذا طرف الاسم.

قال:و هذا بعيد.(16:89)

الطّوسيّ: الأصل:يا أبتي،فحذف ياء الإضافة و بقيت كسرة التّاء تدلّ عليها.و قيل:إنّ التّاء دخلت للمبالغة في تحقيق الإضافة،كما دخلت في«علاّمة، و نسّابة»للمبالغة في الصّفة،و مثله يا أمت،و الوقف بالتّاء لهذه العلّة.و أجاز الزّجّاج الوقف بالهاء.

و قيل:إنّ التّاء عوض من ياء الإضافة.(7:128)

نحوه الطّبرسيّ.(3:516)

الزّمخشريّ: التّاء في(يا ابت)عوض من ياء الإضافة،و لا يقال:يا أبتي؛لئلاّ يجمع بين العوض و المعوّض منه.و قيل:«يا أبتا»لكون الألف بدلا من الياء،و شبّه ذلك سيبويه بأينق.و تعويض الياء فيه عن الواو السّاقطة.(2:510)

نحوه الفخر الرّازيّ.(21:224)

أبو حيّان: في قوله:(يا ابت)تلطّف و استدعاء بالنّسب.و قرأ ابن عامر و الأعرج و أبو جعفر(يا ابت) بفتح التّاء،و قد لحّن هارون هذه القراءة.و في مصحف عبد اللّه(وا ابت)بدل ياء.(6:193)

الآلوسيّ: أي يا أبي،فإنّ التّاء عوض من ياء الإضافة،و لذلك لا يجمع بينهما إلاّ شذوذا كقوله:

«يا أبتي أرّقني القذّان»و الجمع في«يا أبتا»قيل:بين عوضين و هو جائز،كجمع صاحب الجبيرة بين المسح و التّيمّم،و هما عوضان عن الغسل.و قيل:المجموع فيه عوض.و قيل:الألف للإشباع،و أنت تعلم حال العلل النّحويّة.(16:96)

و قرأ ابن عامر و الأعرج و أبو جعفر(يا ابت)بفتح التّاء،و زعم هارون أنّ ذلك لحن،و الحقّ خلافه.و في

ص: 176

مصحف عبد اللّه(وا ابت)بواو بدل ياء،و النّداء بها في غير النّدبة قليل و ناداه عليه السّلام بذلك استعطافا له.

(16:96)

الطّباطبائيّ: و المعروف من مذهب النّحاة في لفظ (يا ابت)أنّ التّاء عوض من ياء المتكلّم،و مثله«يا أمّت» و يختصّ التّعويض بالنّداء،فلا يقال مثلا:قال أبت، و قالت أمّت.(14:57)

أبوهما

...وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً... الكهف:82

ابن عبّاس: أبوهما السّابع،و اسمه كاشح،و كان سيّاحا.(الميبديّ 5:725)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّه كان بينهما و بين ذلك الأب الصّالح سبعة آباء.(الطّبرسيّ 3:488)

مقاتل: هو الأب العاشر،فحفظا فيه و إن لم يذكر بصلاح،و كان يسمّى كاشحا.(القرطبيّ 11:38)

النّقّاش: اسم أمّهما دنيا.(القرطبيّ 11:38)

القرطبيّ: ظاهر اللّفظ و السّابق منه أنّه والدهما «دنية».(11:38)

الآلوسيّ: الظّاهر أنّه الأب الأقرب الّذي ولّدهما، و ذكر أنّ اسمه«كاشح»و أنّ اسم أمّهما«دهنا».

(16:13)

ابيكم

...مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ... الحجّ:78

الحسن: معناه أنّه يرجع جميعهم إلى ولادة إبراهيم.و أفاد هذا أنّ حرمة إبراهيم على المسلمين كحرمة الوالد على الولد،كما قال: وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ الأحزاب:6.(الطّوسيّ 7:344)

نحوه القرطبيّ.(12:101)

الزّمخشريّ: إن قلت:لم يكن إبراهيم أبا للأمّة كلّها.

قلت:هو أبو رسول اللّه فكان أبا لأمّته،لأنّ أمّة الرّسول في حكم أولاده.(3:24)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ العرب من ولد إسماعيل، و أكثر العجم من ولد إسحاق،و هما ابنا إبراهيم،فالغالب عليهم أنّهم أولاده.(4:97)

الفخر الرّازيّ: لم قال: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ و لم يدخل في الخطاب المؤمنون الّذين كانوا في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و لم يكونوا من ولده؟

و الجواب من وجهين:

أحدهما:لمّا كان أكثرهم من ولده كالرّسول و رهطه، و جميع العرب،جاز ذلك.

و ثانيهما:و هو قول الحسن.[و قد تقدّم]

(23:74)

الآلوسيّ: جعله عليه السّلام أباهم،لأنّه أبو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو كالأب لأمّته من حيث إنّه سبب لحياتهم الأبديّة و وجودهم على الوجه المعتدّ به في الآخرة،أو لأنّ أكثر العرب كانوا من ذرّيّته عليه السّلام،فغلّبوا على جميع أهل ملّته صلّى اللّه عليه و سلّم.(17:210)

الطّباطبائيّ:إنّما سمّي(إبراهيم)أبا المسلمين،

ص: 177

لأنّه عليه السّلام أوّل من أسلم للّه،كما قال تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ البقرة:131، و قال حاكيا عنه عليه السّلام: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي إبراهيم:

36،فنسب أتباعه إلى نفسه.

و قال أيضا: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35.و مراده ببنيه:المسلمون،دون المشركين قطعا.

و قال: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68.(14:412)

أبواه

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ... الكهف:80

السّيوطيّ:اسم الأب كازيرا،و الأمّ سهوى.

(4:102)

أبو حيّان: يراد بأبويه أبوه و أمّه؛ثنّي تغليبا،من باب القمرين في القمر و الشّمس،و هي تثنية لا تنقاس.(6:155)

نحوه الآلوسيّ.(16:10)

لابويه

1- ...وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ...

النّساء:11

النّيسابوريّ: المراد بالأبوين:الأب و الأمّ،فغلّب جانب الأب لشرفه،و مثله من التّغليب في التّثنية:

القمران،و العمران،و الخافقان.(4:193)

2- فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ...

يوسف:99

السّدّيّ: أبوه و خالته.(الطّبريّ 13:67)

ابن إسحاق: أباه و أمّه.(الطّبريّ 13:67)

الطّبريّ: قيل:عني بقوله: آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ أبوه و خالته.و قال الّذين قالوا هذا القول:كانت أمّ يوسف قد ماتت قبل،و إنّما كانت عند يعقوب يومئذ خالته أخت أمّه،كان نكحها بعد أمّه.

و قال آخرون:بل كان أباه و أمّه.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب،ما قاله ابن إسحاق،لأنّ ذلك هو الأغلب في استعمال النّاس، و المتعارف بينهم في أبوين،إلاّ أن يصحّ ما يقال:من أنّ أمّ يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك،بحجّة يجب التّسليم لها،فيسلّم حينئذ لها.(13:67)

نحوه الطّبرسيّ.(3:264)

الطّوسيّ: يعني أباه يعقوب و أمّه،فثنّي على لفظ الأب تغليبا للذّكر على الأنثى،و لم يثنّ على لفظ الأمّ، كما غلّب المفرد على المضاف في قولهم:سنّة العمرين.

و مثله قوله: وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ النّساء:11،يعني أباه و أمّه.(6:196)

الزّمخشريّ: قيل:هما أبوه و خالته،ماتت أمّه فتزوّجها و جعلها أحد الأبوين،لأنّ الرّابّة تدعى أمّا، لقيامها مقام الأمّ،أو لأنّ الخالة أمّ كما أنّ العمّ أب،و منه قوله: وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ البقرة:133.(2:344)

الفخر الرّازيّ: في المراد بقوله:(ابويه)قولان:

الأوّل:المراد أبوه و أمّه،و على هذا القول فقيل:إنّ

ص: 178

أمّه كانت باقية حيّة إلى ذلك الوقت،و قيل:إنّها كانت قد ماتت إلاّ أنّ اللّه تعالى أحياها و أنشرها من قبرها حتّى سجدت له تحقيقا لرؤية يوسف عليه السّلام.

و القول الثّاني:إنّ المراد أبوه و خالته،لأنّ أمّه ماتت في النّفاس بأخيه بنيامين.و قيل:بنيامين بالعبرانيّة ابن الوجع،و لمّا ماتت أمّه تزوّج أبوه بخالته فسمّاها اللّه تعالى بأحد الأبوين،لأنّ الرّابّة تدعى أمّا، لقيامها مقام الأمّ،أو لأنّ الخالة أمّ،كما أنّ العمّ أب.

(18:210)

السّيوطيّ: هما أبوه و خالته«ليّا»،و قيل:أمّه و اسمها«راحيل».(4:101)

الطّباطبائيّ: المفسّرون مختلفون في أنّهما كانا والديه أباه و أمّه حقيقة،أو أنّهما يعقوب و زوجه خالة يوسف،بالبناء على أنّ أمّه ماتت و هو صغير.و لا يوجد في كلامه تعالى ما يؤيّد أحد المحتملين،غير أنّ الظّاهر من الأبوين هما الحقيقيّان.(11:246)

3- وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ... يوسف:100

زيد بن أسلم: قال بعض أهل العلم:إنّ أمّه ماتت قبل ذلك،و إنّ هذه خالته.(الطّبريّ 13:68)

الميبديّ: أبواه:والده و خالته«ليّا».(5:137)

ابويك

...وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ... يوسف:6

الميبدي: (ابويك)تثنية أب،و المراد جدّك و جدّ أبيك.(5:9)

الزّمخشريّ: أراد بالأبوين الجدّ و أبا الجدّ،لأنّهما في حكم الأب في الأصالة،و من ثمّ يقولون:ابن فلان، و إن كان بينه و بين فلان عدّة.(2:304)

البروسويّ: التّعبير عنهما بالأب مع كونهما أبا جدّه و أبا أبيه للإشعار بكمال ارتباطه بالأنبياء.(4:216)

مثله الآلوسيّ.(12:188)

آباءنا

...قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا...

المائدة:104

النّيسابوريّ: أي مشايخنا و أهل صحبتنا.

(7:60)

آباؤكم

1- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ... التّوبة:24

الطّوسيّ: الّذين ولّدوكم.(5:229)

مثله الطّبرسيّ.(3:16)

أبو حيّان: قدّم الآباء،لأنّهم الّذين يجب برّهم و إكرامهم و حبّهم.(5:22)

2- يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ...

سبأ:43

القرطبيّ: أي أسلافكم من الآلهة الّتي كانوا يعبدونها.(14:309)

لآبائهم

ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ... الكهف:5

ص: 179

الفرّاء: معناه و لا لأسلافهم:آبائهم و آباء آبائهم، و لا يعني الآباء الّذين هم لأصلابهم فقط.(2:133)

مثله القرطبيّ.(10:353)

الطّبريّ: و لا لأسلافهم الّذين مضوا قبلهم،على مثل الّذي هم عليه اليوم،كان لهم باللّه و بعظمته علم.(15:193)

مثله الطّوسيّ.(7:7)

آبائك

قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. البقرة:133.

الفرّاء: قرأت القرّاء (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ) ، و بعضهم قرأ (و اله أبيك) واحدا.و كأنّ الّذي قال:

(ابيك)ظنّ أنّ العمّ لا يجوز في الآباء،فقال: (و اله ابيك إبراهيم) ،ثمّ عدّد بعد الأب العمّ.و العرب تجعل الأعمام كالآباء،و أهل الأمّ كالأخوال،و ذلك كثير في كلامهم.(1:82)

أبو عبيدة: العرب تجعل العمّ و الخال أبا.(1:57)

الطّبريّ: قرأ بعض المتقدّمين (و اله ابيك إبراهيم) ظنّا منه أنّ إسماعيل إذ كان عمّا ليعقوب،فلا يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء و داخلا في عدادهم، و ذلك من قارئه كذلك قلّة علم منه بمجاري كلام العرب، و العرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء، و الأخوال بمعنى الأمّهات،فلذلك دخل إسماعيل فيمن ترجم به عن الآباء،و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق ترجمة عن الآباء في موضع جرّ،و لكنّهم نصبوا بأنّهم لا يجرّون.

و الصّواب من القراءة عندنا في ذلك (وَ إِلهَ آبائِكَ) ، لاجماع القرّاء على تصويب ذلك،و شذوذ من خالفه من القرّاء ممّن قرأ خلاف ذلك.(1:563)

السّجستانيّ: العرب تجعل العمّ أبا و الخالة أمّا، و منه قوله تعالى: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ يوسف:

100،يعني أباه و خالته،فكانت أمّه ماتت.(4)

نحوه الميبديّ.(1:373)

ابن جنّيّ: سمّى اللّه عز و جلّ العمّ أبا في قوله تعالى:

نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ (ابن منظور 14:8)

القيسيّ: قرأ مجاهد و يحيى بن يعمر و عاصم الجحدري و غيرهم(و اله ابيك)بلفظ الواحد،فيحتمل أن يكون واحدا،و(إبراهيم)بدل منه،و(إسماعيل و اسحاق)عطف عليه.

و يحتمل أن يكون(ابيك)هو جمع مسلّم،فيبدل ما بعده من الأسماء منه،أو ينصب(إبراهيم)على إضمار «أعني»،و يعطف عليه ما بعده،و هي أسماء لا تنصرف للعجمة و التّعريف.(1:72)

الطّوسيّ: إنّما قال:(آبائك)،و إسماعيل عمّ يعقوب.[ثمّ أشار إلى قول أبي عبيدة و الفرّاء]

فالآية دالّة على أنّ العمومة يسمّون آباء.و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ردّوا عليّ أبي»يعني العبّاس عمّه،فسمّي العمّ أبا كما سمّي الجدّ أبا من حيث يجب له التّعظيم،نحو ما يجب للأب.

و قد قرئ في الشّواذّ (و اله ابيك) فعلى هذا ينجرّ إسماعيل و إسحاق على العطف،و هو غير المعنى الأوّل، لأنّه مترجم عن الآباء،و في الثّاني عطف غير ترجمة،

ص: 180

كما تقول:رأيت غلام زيد و عمر،أي غلامهما،فكأنّه قال لهم:و لم يذكر بالأبوّة إلاّ إبراهيم وحده.

و القراءة الأولى هي المشهورة و عليها القرّاء.

(1:476)

نحوه الطّبرسيّ.(1:214)

الزّمخشريّ: (إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ) عطف بيان لآبائك،و جعل(إسماعيل)و هو عمّه من جملة آبائه، لأنّ العمّ أب و الخالة أمّ لانخراطهما في سلك واحد،و هو الإخوة لا تفاوت بينهما،و منه قوله عليه السّلام:«عمّ الرّجل صنو أبيه»،أي لا تفاوت بينهما كما لا تفاوت بين صنوي النّخلة.و قال عليه السّلام في العبّاس:«هذا بقيّة آبائي».

و قرأ أبيّ (و اله إبراهيم) بطرح آبائك،و قرئ(ابيك)، و فيه وجهان:أن يكون واحدا و(إبراهيم)وحده عطف بيان له،و أن يكون جمعا بالواو و النّون،قال:«و فديننا بالأبينا».(1:314)

نحوه ابن عطيّة.(1:428)

أبو حيّان: قرأ ابن عبّاس و الحسن و ابن يعمر و الجحدريّ و أبو رجاء (و اله ابيك) ،فأمّا على قراءة الجمهور فإبراهيم و ما بعده بدل من(آبائك)أو عطف بيان؛و إذ كان بدلا فهو من البدل التّفصيليّ،و لو قرئ فيه بالقطع لكان ذلك جائزا.و أجاز المهدويّ أن يكون (إبراهيم)و ما بعده منصوبا على إضمار«أعني»،و فيه دلالة على أنّ العمّ يطلق عليه أب.

و أمّا قراءة أبيّ فظاهرة.

و أمّا على قراءة ابن عبّاس و من ذكر معه فالظّاهر أن لفظ(ابيك)أريد به الإفراد،و يكون(إبراهيم)بدلا منه،أو عطف بيان.

و قيل:هو جمع سقطت منه النّون للإضافة،فقد جمع أب على«أبين»نصبا و جرّا،و«أبون»رفعا،حكى ذلك سيبويه.[ثمّ استشهد بشعر]

و على هذا الوجه يكون إعراب إبراهيم مثل إعرابه حين كان جمع تكسير.(1:402)

رشيد رضا: (إسماعيل)عمّ يعقوب،ذكر مع آبائه للتّغليب أو لتشبيه العمّ بالأب،و الجمع بين الحقيقة و المجاز جائز يكثر في القرآن وفاقا للشّافعيّ و ابن جرير الطّبريّ،و خلافا لجمهور الأصوليّين.(1:477)

آبائى

وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ... يوسف:38

الفرّاء: تهمز و تثبت فيها الياء.و أصحابنا يروون عن الأعمش (مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ) و (دُعائِي إِلاّ فِراراً) نوح:6،بنصب الياء،لأنّه يترك الهمز و يقصر الممدود، فيصير بمنزلة«محياي»و«هداي».(2:45)

الطّوسيّ: الآباء:جمع أب،و هو الّذي يكون منه نطفة الولد.(6:140)

رشيد رضا: أنبياء اللّه الّذين دعوا إلى توحيده الخالص،و بيّن أسماءهم من الأب الأعلى إلى الأدنى بقوله: إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ، فلفظ الآباء يشمل الجدود و إن علوا.(12:306)

آبائنا

...ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ. المؤمنون:24

ص: 181

ابن عبّاس: أي في الأمم الماضية.

(القرطبيّ 12:118)

مثله الطّبرسيّ(4:104)،و الميبديّ(6:433).

الطّبريّ: في القرون الماضية،و هي آباؤهم الأوّلون.(18:16)

الطّباطبائيّ: فيما سلف من تاريخ الإنسانيّة.

(15:28)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو التّربية،و بذلك سمّي الأب أبا.أمّا قول الرّاغب:«كلّ من كان سببا في إيجاد شيء أو إصلاحه يسمّى أبا»فهو توسّع و تجوّز في اللّغة.

2-و الأب نظير الوالد،لكنّ الأوّل عامّ و الثّاني خاصّ،فكلّ والد أب و ليس كلّ أب والدا.و قد يطلق لفظ الأب مجازا على المعلّم و العمّ و الجدّ و الزّوج و غيرهم؛و لذا جاء في الحديث:«الآباء ثلاثة:أب ولّدك،و أب علّمك،و أب زوّجك».

أمّا لفظ الوالد فلا يطلق إلاّ على الأب الصّلبيّ الّذي به يعرف عقوق الولد و طاعته،أ ما ترى أنّ اللّه ذكر في القرآن لفظ الوالد عند الوصيّة دون لفظ الأب؟

3-و إن جاء«أبو»على التّمام فمعناه مكنّى ما أضيف إليه مثل:أبي لهب،أو والده مثل:أبي طالب.و لا تحرّك واوه في هذه الحالة،و هذا الحكم ينفرد به«أبو»في اللّغة، إلاّ إذا جمع على«فعول»فيكون«أبوّا».

و إن جاء«أب»على النّقص فمعناه والد فقط.و قد تميّز عن سائر اللّغات السّاميّة باستعماله على حرفين؛إذ ورد في العبريّة بلفظ«آب»و في السّريانيّة«أبا»و في الأكديّة«أبو»و«أبوم»و هكذا في غيرها.

4-و أصل الأب«أ ب و»بدليل الاشتقاق و النّسبة و التّثنية و الجمع و التّصغير.و قد جاء بلفظ«أب»و«أبا» و«أب».و هو من الأسماء السّتّة الّتي تعرب بالحروف، و هي اللّغة الغالبة فيه،و قد يعرب بالحركات،كقول بعض العرب:هذا أبك و رأيت أبك،و مررت بأبك،و قد يبنى على الألف عند الإضافة في الأحوال الثّلاثة على لغة بني الحارث ابن كعب و غيرهم من قبائل كهلان القحطانيّة،و منه الحديث النّبويّ:«ما صنع أبا جهل» و قول أبي حنيفة:«لا قود في مثقل و لو ضربه بأبي قبيس». (1)

5-و شذّ قول الدّامغانيّ و الفيروزآباديّ و غيرهما «أبّ مشدّدا-مرعى الأنعام-أنّه من الأب».نعم إنّ أبّا مشدّدا لغة في أب،و ليس بينه و بين الأبّ بمعنى المرعى علاقة،إلاّ أن يتكلّف،و هو من«أ ب ب»،و الأب من «أ ب و»و التّشديد عوض الواو،و قد تقدّم ذلك في «أ ب ب»فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

1-أطلق الأب في القرآن على معان:

أ-الجدّ: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الحجّ:78

وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ يوسف:38

ب-الأسلاف و لو لم يكونوا أجدادا: ما سَمِعْنا بِهذا فِي

ص: 182


1- شرح ابن عقيل 1:52.

آبائِنَا الْأَوَّلِينَ المؤمنون:24

ج-العمّ: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ البقرة:133.

كذا قال أبناء يعقوب لأبيهم،و إسماعيل عمّ يعقوب و ليس جدّا له.

د-الوالد بعينه: إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ... يوسف:4.

و هو الغالب في القرآن و لا سيّما في سورة يوسف.

ه-من له حقّ على الإنسان: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ مريم:42.

قاله إبراهيم لمن كان اسمه«آزر»و لم يكن أباه.

[لاحظ«آزر»]

2-جاءت (يا أَبَتِ) «8»مرّات و كلّها مكّيّة،منها مرّتان في يوسف في بدء القصّة و ختامها:

يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً: 4.

يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ :100.

و أربع في سورة مريم حكاية عن قول إبراهيم لأبيه آزر على التّوالي:

يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ :42.

يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ :43.

يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ :44.

يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ :

45.

و مرّة في القصص حكاية عن بنت شعيب:

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ :26.

و مرّة في الصّافّات حكاية عن إسماعيل:

يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ :102.

يلاحظ أوّلا:صدورها عن عاطفة ودّيّة من الابن أو البنت نحو الأب،و هذه مشهودة في جميع الآيات حتّى الّتي وردت في إبراهيم؛لأنّه كان يواجه«آزر»و يعامله بنفس عاطفة الابن للأب.و لعلّ وجه اختصاصها بالمكّيّات أنّ مكّة قد غلبت عليها الأمّيّة،و اللّغة الدّارجة فيها كانت لغة شعبيّة ملائمة لمثل هذه العواطف السّاذجة.

و ثانيا:خطاب إبراهيم لآزر(يا ابت)-و هو مشرك -أثار تساؤلا بالغا بأنّه لا يوافق عقيدة الإماميّة حسب رواياتهم في أنّ آباء الأنبياء كلّهم موحّدون،و قد استوفينا البحث عنه في«آزر»و«إبراهيم».و حاصله أنّ القرآن يكشف عن أنّه غير والده الحقيقيّ،فلاحظ.

ص: 183

ص: 184

أ ب ي

اشارة

6 ألفاظ،13 مرّة:7 مكّيّة،6 مدنيّة

في 8 سورة:5 مكّيّة،3 مدنيّة

أبى 7:6-1\أبين 1:-1\يأب 2:-2

أبوا 1:1\يأبى 1:-1\تأبى 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأبى،مقصور:داء يأخذ المعز في رءوسها.فلا تكاد تسلم.أبيت العنز تأبى أبى شديدا، و عنز أبية،و تيس أب.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبى فلان يأبى إباء،أي ترك الطّاعة و مال إلى المعصية،قال اللّه عزّ و جلّ: فَكَذَّبَ وَ أَبى طه:56، و وجه آخر:كلّ من ترك أمرا و ردّه فقد أبى.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أبيّ:ذو إباء،و قوم أبيّون و أباة:خفيف.

(8:418)

المفضّل الضّبّيّ: آبى،أي نقص.

(الأزهريّ:15:605)

الأحمر:أخذ الغنم الأبى،مقصور،و هو أن تشرب أبوال الأروى فيصيبها منه داء.

(الأزهريّ:15:604)

سيبويه: شبّهوا الألف بالهمزة في قرأ يقرأ.و أبى يأبى ضارعوا به حسب يحسب،فتحوا كما كسروا، و قالوا:يئبى،و هو شاذّ من وجهين:

أحدهما:أنّه«فعل يفعل»،و ما كان على«فعل»لم يكسر أوّله في المضارع،فكسروا هذا لأنّ مضارعه مشاكل لمضارع«فعل»،فكما كسر أوّل مضارع«فعل» في جميع اللّغات إلاّ في لغة أهل الحجاز،كذلك كسروا «يفعل»هنا.

و الوجه الثّاني:من الشّذوذ أنّهم تجوّزوا الكسر في الياء من يئبى،و لا يكسر البتّة إلاّ في نحو ييجل، و استجازوا هذا الشّذوذ في ياء يئبى،لأنّ الشّذوذ قد كثر في هذه الكلمة.(ابن منظور 14:4)

ص: 185

أبو عمرو الشّيبانيّ: الأبيّ:السّنق من الإبل، و الأبيّ:الممتنعة من العلف لسنقها،و الممتنعة من الفحل لقلّة هدمها[لقلّة شهوتها إلى الفحل].

و قال بعضهم: المؤبي:القليل من الماء.عندنا ماء ما يؤبى،أي ما يقلّ.(الأزهريّ 15:606)

الأوابي من الإبل:الحقاق و الجذاع،و الثّناء.إذا ضربها الفحل فلم تلقح،فهي تسمّى الأوابي حتّى تلقح مرّة،و لا تسمّى بعد ذلك أوابي.واحدتها آبية.

(ابن فارس 1:46)

الفرّاء: لم يجئ عن العرب حرف على«فعل يفعل» مفتوح العين في الماضي و الغابر،إلاّ و ثانيه أو ثالثه أحد حروف الحلق،غير أبى يأبى،فإنّه جاء نادرا.(الأزهريّ 15:605)

أبو زيد: يقال:أبى التّيس،و هو يأبى أبى منقوص.

و تيس آبى،و عنز أبواء في تيوس أبو و أعنز أبو؛ و ذلك أن يشمّ التّيس من المعزى الأهليّة بول الأرويّة في مواطنها،فيأخذه من ذلك داء في رأسه و نفّاخ،فيرم رأسه و يقتله الدّاء،فلا يكاد يقدر على أكل لحمه من مرارته.

و ربّما أبيت الضّأن من ذلك،غير أنّه قلّما يكون ذلك في الضّأن.(الأزهريّ 15:604)

اللّحيانيّ: رجل أبيان،إذا كان يأبى الأشياء.

و ماء مأباة على مثال معباة،أي تأباه الإبل.

(ابن فارس 1:45)

ماء مؤب:قليل.(ابن سيده 10:559)

ابن الأعرابيّ:يقال للماء إذا انقطع:ماء مؤبى.

و يقال:عنده دراهم لا تؤبى،أي لا تنقطع.و ركيّة لا تؤبى:لا تنقطع.و أوبي الفصيل عن لبن أمّه،أي اتّخم عنه لا يرضعها.(الأزهريّ 15:606)

قليب لا يؤبى،أي لا ينزح؛و لا يقال:يوبى.

(ابن منظور 14:6)

ابن السّكّيت: في قول العرب:إذا حيّا أحدهم الملك قال:أبيت اللّعن:أبيت أن تأتي من الأمور ما تلعن عليه.(الأزهريّ 15:605)

أخذه أباء،إذا كان يأبى الطّعام.

(ابن فارس 1:45)

يقال:فلان بحر لا يؤبى،و كذلك كلأ لا يؤبى،أي لا ينقطع من كثرته.(ابن منظور 14:6)

أبو الهيثم: إذا شمّت الماعزة السّهليّة بول الماعزة الجبليّة،و هي الأرويّة،أخذها الصّداع فلا تكاد تبرأ؛ فيقال:أبيت تأبى.(الأزهريّ 15:604)

الدّينوريّ: الأباء:عرض يعرض للعشب من أبوال الأروى،فإذا رعته المعز خاصّة قتلها،كذلك إن بالت في الماء فشربت منه المعز هلكت.

(ابن منظور 14:5)

ابن أبي اليمان: الإباء:الامتناع،يقال:أبى يأبى إباء.(38)

ثعلب: لم يسمع من العرب«فعل يفعل»ممّا ليس لامه أو عينه من حروف الحلق إلاّ أبى يأبى،و قلاه يقلاه،و غشى يغشى،و شجى يشجى.

(الأزهريّ 15:605)

ص: 186

كراع النّمل:رجل أبيان:الّذي يأبى الدّنيئة، و الجمع:إبيان.(ابن سيده 10:559)

ابن دريد: أبى الرّجل يأبى إباء فهو آب و أبيّ كما ترى،و رجل أبيان:يأبى الدّنيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأباء ممدود،و الواحدة إباءة،و هي الأجمة.

و قال آخرون:بل أطراف القصب الّذي يشبه أذناب الثّعالب.[ثمّ استشهد بشعر](3:213)

أبي التّيس يأبى أبا شديدا فهو آب،و تيس آبى مثل أعمى،و عنز أبواء من تيوس أبو؛و ذلك أن يشمّ بول الأرويّة أو يطأ في موطئها،فيأخذه داء في رأسه فيرم حتّى يموت و لا يكاد يقدر على لحمه من مرارته.و ربّما أبيت الضّأن،غير أنّه في المعز أكثر.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:274)

أبيت،إذا أنفت منه فأنا آبى إباء و أنا آب،و أبيت فأنا أبّاء و أبيّ،أي ممتنع.و آبيت فلانا،إذا حملته على أن يأبى فهو أبيّ،أي ممتنع.(3:442)

الأباء،مقصور:داء يصيب الغنم في رءوسها،يقال منه:أبيت الشّاة تأبى أبا شديدا،إذا أصابها هذا الدّاء، و شاة أبواء،إذا أصابها ذلك.(1:170)

عبد الرّحمن الهمذانيّ: يقال:لهم أنفس أبيّة، و أنوف حميّة.و الحميّة و الأنفة و الحفيظة و العزّة و الإباء واحد.(111)

ابن الأنباريّ: يشتقّ الأباءة من أبيت؛و ذلك أنّ الأجمة تمتنع و تأبى على سالكها،فأصلها:أباية،ثمّ عمل فيها ما عمل في:عباية و صلاية و عظاية،حتّى صرن عباءة و صلاءة،في قول من همز،و من لم يهمز أخرجهنّ على أصولهنّ،و هو القياس القويّ.(ابن منظور 14:6)

الأزهريّ: يقال:رجل أبيّ ذو إباء شديد،إذا كان يأبى أن يضام.و رجل أبيان:ذو إباء شديد.

و يقال:تأبّى عليه تأبّيا،إذا امتنع عليه.و رجل أبّاء إذا أبى الضّيم.

و يقال:أخذه أباء،إذا كان يأبى الطّعام فلا يشتهيه.

و قال بعضهم:آبى الماء،أي امتنع أن ينزل فيه إلاّ بتغرير.(15:605)

الفارسيّ: أبى زيد من شرب الماء و آبيته إيّاه.

(ابن سيده 10:558)

ابن جنّيّ: قد قالوا:أبى يأبى،جاء به على وجه القياس كأتى يأتي.(ابن منظور 14:4)

الجوهريّ: الأباء،بالفتح و المدّ:القصب،الواحدة أباءة.و يقال:هو أجمة الحلفاء و القصب خاصّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإباء،بالكسر:مصدر قولك:أبى فلان يأبى- بالفتح فيهما مع خلوّ من حروف الحلق،و هو شاذّ-أي امتنع،فهو آب و أبيّ و أبيان بالتّحريك.و تأبّى عليه،أي امتنع.و أبى فلان الماء،و آبيته الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و عنز أبواء،و قد أبيت تأبى أبى،و تيس آبى بيّن الأباء،إذا شمّ بول الأروى فمرض منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أخذه أباء،على«فعال»بالضّمّ،إذا جعل يأبى الطّعام.(6:2259)

ابن فارس: الهمزة و الباء و الياء يدلّ على

ص: 187

الامتناع،أبيت الشّيء آباه،و قوم أبيّون و أباة.و الأباء:

أن تعرض على الرّجل الشّيء فيأبى قبوله،فتقول:

ما هذا الأباء؟بالضّمّ و الكسر.

و الأبيّة من الإبل:الصّعبة.

الأباء:وجع يأخذ المعزى عن شمّ أبوال الأروى.

الأباء:أطراف القصب،الواحدة أباءة،ثمّ قيل للأجمة:أباءة،كما قالوا للغيضة:أراكة.

و يجوز أن يكون أراد بالأباءة الرّماح؛شبّهها بالقصب كثرة.[ثمّ استشهد بشعر](1:45)

أبو هلال: الفرق بين الكراهة و الإباء،أنّ الإباء هو أن يمتنع،و قد يكره الشّيء من لا يقدر على إبائه.

و قد رأيناهم يقولون للملك:أبيت اللّعن،و لا يعنون أنّك تكره اللّعن،لأنّ اللّعن يكرهه كلّ أحد،و إنّما يريدون أنّك تمتنع من أن تلعن و تشتم لما تأتي من جميل الأفعال.

و قال اللّه تعالى: وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ التّوبة:

32،أي يمتنع من ذلك.و لو كان اللّه يأبى المعاصي كما يكرهها لم تكن معصية و لا عاص.

و الفرق بين الإباء و المضادّة،أنّ الإباء يدلّ على النّعمة.أ لا ترى أنّ المتحرّك ساهيا لا يخرجه ذلك من أن يكون أتى بضدّ السّكون،لا يصحّ أن يقال:قد أبى السّكون،و المضادّة لا تدلّ على النّعمة.(104)

ابن سيده: أبى الشّيء يأباه إباء و إباءة كرهه.قال يعقوب:أبى يأبى،نادر،و قال سيبويه:شبّهوا الألف بالهمزة في قرأ يقرأ،و قال مرّة:«أبى يأبى»ضارعوا به «حسب يحسب»فتحوا كما كسروا،قال:و قالوا:يئبى، و هو شاذّ من وجهين:

أحدهما:أنّه«فعل»«يفعل»،و ما كان على«فعل»لم يكسر أوّله في المضارع،فكسر هذا،لأنّ مضارعه مشاكل لمضارع«فعل»،فلمّا كسر أوّل مضارع«فعل» في جميع اللّغات-إلاّ في لغة أهل الحجاز-كذلك كسروا «يفعل»هنا.

و الوجه الثّاني:من الشّذوذ،أنّهم تجوّزوا الكسر في الياء من«يئبى»و لا يكسر البتّة إلاّ في نحو ييجل، و استجازوا هذا الشّذوذ في ياء«يئبى»لأنّ الشّذوذ قد كثر في هذه الكلمة.قال ابن جنّيّ:و قد قالوا:أبى يأبى.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الآبية الّتي تعاف الماء،و هي أيضا الّتي لا تريد العشاء،و في المثل:«العاشية تهيج الآبية»أي إذا رأت الآبية الإبل العواشي تبعتها فرعت معها.

و ماء مأباة:تأباه الإبل.

و أخذه أباء من الطّعام،أي كراهية له،جاءوا به على «فعال»لأنّه كالدّاء،و الأدواء ممّا تغلب عليها فعال.

و رجل آب:من قوم آبين و أباة و أبيّ و أبّاء.

و رجل أبيّ:من قوم أبيّين.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآبية من الإبل:الّتي ضربت فلم تلقح،كأنّها أبت اللّقاح.

و أبيت اللّعن:من تحيّات الملوك في الجاهليّة،معناه أبيت أن تأتي ما تلعن عليه.

و أبيت من الطّعام و اللّبن أبى:انتهيت عنه من غير شبع.

و رجل أبيان:يأبى الطّعام،و قيل:هو الّذي يأبى الدّنيئة؛و الجمع:إبيان،عن كراع.

ص: 188

و أبي الفصيل أبى،و أبي:سنق من اللّبن.

و أخذه أباء،و الأباءة:البردية،و قيل:الأجمة، و قيل:هي من الحلفاء خاصّة.

قال ابن جنّيّ: كان أبو بكر يشتقّ الأباءة من«أبيت» و ذلك أنّ الأجمة تمتنع و تأبى على سالكها،فأصلها عنده:أباية،ثمّ عمل فيها ما عمل في:عباية و صلاية و عظاية،حتّى صرن:عباءة و صلاءة و عظاءة،في قول من همز و من لم يهمز،أخرجهنّ على أصولهنّ و هو القياس القويّ[قال]أبو الحسن:و هذا كما قيل لها:

أجمة،من قولهم:أجم الطّعام:كرهه.

و الأباء:القصب،[ثمّ استشهد بشعر]واحدته:

أباءة.و الأباءة:القطعة من القصب.

و قليب لا يؤبى-عن ابن الأعرابيّ-أي لا ينزح.

و لا يقال يوبى.

و قال اللّحيانيّ: ماء مؤب:قليل.و حكي عندنا:ماء ما يؤبى،أي ما يقلّ.و قال مرّة:مؤب،و لم يفسّره،فلا أدري أعنى به القليل،أم هو«مفعل»من قولك:أبيت الماء؟

و أبى الماء:امتنع،فلم يستطع أحد أن ينزله إلاّ بتغرير.

و كفر آبيا:موضع.(10:558)

الأباءة:الأجمة.و قيل:أجمة القصب.و قيل:

جماعة الحلفاء خاصّة.(الإفصاح 2:1184)

الطّوسيّ: الإباء و الامتناع و التّرك بمعنى واحد.

و نقيض أبى:أجاب،يقال:أبى يأبى إباء،و تأبّى تأبّيا.

و ليس الإباء بمعنى الكراهة،لأنّ العرب تتمدّح بأنّها تأبى الضّيم و لا تتمدّح في كراهة الضّيم.و إنّما المدح في المنع منه كقوله تعالى: وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ التّوبة:32،أي يمنع الكافرين من إطفاء نوره.

(1:148)

مثله الطّبرسيّ.(1:81)

الرّاغب: الإباء:شدّة الامتناع،فكلّ إباء امتناع و ليس كلّ امتناع إباء.[ثمّ ذكر جملة من الآيات، و قال:]

و روي:«كلّكم في الجنّة إلاّ من أبى»،و منه:رجل أبيّ:ممتنع من تحمّل الضّيم،و أبيت الضّير تأبى.تيس أبى،و عنز أبواء،إذا أخذه من شرب ماء فيه بول الأروى:داء يمنعه من شرب الماء.(7)

الزّمخشريّ: أبى اللّه إلا أن يكون كذا،و أبى عليّ و تأبّى:امتنع.

و هو أبيّ الضّيم و آبيّ الضّيم:له نفس أبيّة و فيه عبّيّة.

و نوق أواب:يأبين الفحل.

و أصابه أباء بالضّيم،إذا كان يأبى الطّعام.تقول:

فلان إن شهد الطّعان فالحميّة و الإباء،و إن حضر الطّعام فالحمية و الأباء.(أساس البلاغة:2)

ابن الشّجريّ: قولهم:أبى يأبى،ممّا شذّ عن القياس،لمجيئه على«فعل يفعل»بفتح العين من الماضي و المستقبل،و ليست عينه و لا لامه من حروف الحلق، و كان قياسه يأبى،مثل يأتي.

و قيل في علّة ذلك قولان:

أحدهما:أنّهم حملوه على منع،لأنّ الإباء و المنع

ص: 189

نظيران،فحملوه على نظيره،كما حملوا يذر على يدع، لاتّفاقهما في المعنى و إن لم يكن في يذر حرف حلقيّ.

و القول الآخر:إنّهم أجروا الألف مجرى الهمزة، لأنّها من مخرجها،قالوا:أبى يأبى،كما قالوا:بدأ يبدأ.

و القول الأوّل أصحّ،لأنّ ألفات الأفعال لسن بأصول،و إنّما هنّ منقلبات عن ياء أو واو،و ألف يأبى إنّما وجدت بعد وجود الفتحة الملاصقة لها،فلو لا الفتحة لم تصر الياء ألفا.و الفتحة في:يمنع و يبدأ و يجبه و نحو ذلك،إنّما حدثت بعد وجود حرف الحلق.

و قال بعض النّحويّين: إنّما فتحوا عين يأبى على سبيل الغلط،توهّموا أنّ ماضيه على«فعل».و عوّل أبو القاسم الثّمانيني على هذا القول.و الصّواب ما ذكرته أوّلا.(1:138)

الطّبرسيّ: تقول من الإباء:أبى يأبى،و لم يأت مثله في اللّغة،لأنّ«فعل يفعل»لا يأتي إلاّ أن يكون في موضع العين من الفعل،أو اللاّم حرف من حروف الحلق.و القول فيه:إنّ الألف من أبى أشبهت الهمزة فجاء«يفعل»منه مفتوحا لهذه العلّة.(1:397)

ابن الأثير: في الحديث:«كلّكم في الجنّة إلاّ من أبى و شرد»،أي إلاّ من ترك طاعة اللّه الّتي يستوجب بها الجنّة،لأنّ من ترك التّسبّب إلى شيء لا يوجد بغيره فقد أباه.و الإباء:أشدّ الامتناع.و في حديث أبي هريرة:

«ينزل المهديّ فيبقى في الأرض أربعين،فقيل:أربعين سنة؟فقال:أبيت،فقيل:شهرا؟فقال:أبيت،فقيل:

يوما؟فقال:أبيت»،أي أبيت أن تعرفه فإنّه غيب لم يرد الخبر ببيانه،و إن روي أبيت بالرّفع،فمعناه أبيت أن أقول في الخبر ما لم أسمعه.

و في حديث ابن ذي يزن،قال له عبد المطّلب لمّا دخل عليه:«أبيت اللّعن»كان هذا من تحايا الملوك في الجاهليّة و الدّعاء لهم،و معناه أبيت أن تفعل فعلا تلعن بسببه و تذمّ.(1:20)

القرطبيّ: يقال:أبى يأبى إباء،و هو حرف نادر جاء على«فعل يفعل»ليس فيه حرف من حروف الحلق.و قد قيل:إنّ الألف مضارعة لحروف الحلق.

قال الزّجّاج: سمعت إسماعيل بن القاضي يقول:

القول عندي أنّ الألف مضارعة لحروف الحلق.

(1:295)

أبى يأبى شاذّ،و لم يجئ إلاّ قلى يقلى،و أبى يأبى، و غشى يغشى،و جبى الخراج يجبى.(3:385)

ابن منظور: أبى الشّيء يأباه إباء و إباءة:كرهه.

و ماء مأباة:تأباه الإبل.و أخذه أباء من الطّعام،أي كراهيّة له.جاءوا به على«فعال»لأنّه كالدّاء،و الأدواء ممّا يغلب عليها«فعال».

و الآبية:الّتي تعاف الماء،و هي أيضا الّتي لا تريد العشاء،و في المثل:«العاشية تهيّج الآبية،أي إذا رأت الآبية الإبل العواشي تبعتها فرعت معها.

أبيت من الطّعام و اللّبن إبى:انتهيت عنه من غير شبع.و رجل أبيان:يأبى الطّعام.

و أوبي الفصيل يوبى إيباء،و هو فصيل موبى،إذا سنق لامتلائه.و أوبي الفصيل عن لبن أمّه،أي اتّخم عنه لا يرضعها.و أبي الفصيل أبى و أبي:سنق من اللّبن و أخذه أباء.

ص: 190

و الأبى من قولك:أخذه أبى،إذا أبى أن يأكل الطّعام،كذلك لا يشتهي العلف و لا يتناوله.

و الأباءة:البرديّة،و قيل:الأجمة،و قيل:هي من الحلفاء[نبت معروف]خاصّة.(14:4)

أبو حيّان: أبى يأبى:منع.و مجيء مضارعه على «فعل»بفتح العين شاذّ،و منه:آبى اللّحم،لرجل من الصّحابة.(5:4)

الإباء:الامتناع،و الفعل منه أبى يأبى.و لمّا جاء مضارعه على«يفعل»بفتح العين-و ليس بقياس أحرى،كأنّه مضارع«فعل»بكسر العين-فقالوا فيه:

يئبي بكسر حرف المضارعة.

و قد سمع فيه«أبى»بكسر العين،فيكون يأبى على هذه اللّغة قياسا،و وافق من قال:أبى بفتح العين على هذه اللّغة.

و قد زعم أبو القاسم السّعديّ أنّ أبى يأبى بفتح العين،لا خلاف فيه،و ليس بصحيح،فقد حكى«أبى» بكسر العين صاحب المحكم.

و قد جاء«يفعل»في أربعة عشر فعلا و ماضيها «فعل»،و ليست عينه و لا لامه حرف حلق،و في بعضها سمع أيضا«فعل»بكسر العين،و في بعض مضارعها سمع أيضا«يفعل»و«يفعل»بكسر العين و ضمّها،ذكرها التّصريفيّون.(1:151)

الفيّوميّ: أبى الرّجل يأبى إباء بالكسر و المدّ، و إباءة:امتنع،فهو آب و أبىّ على فاعل و فعيل،و تأبّى مثله.

و بناؤه شاذّ،لأنّ باب«فعل يفعل»بفتحتين يكون حلقيّ العين أو اللاّم.و لم يأت من حلقيّ الفاء إلاّ أبى يأبى و عضّ يعضّ في لغة،و أثّ الشّعر يئثّ،إذا كثر و التفّ.

و ربّما جاء في غير ذلك،قالوا:ودّ يودّ في لغة.و أمّا لغة طيّئ في باب:نسي ينسى،إذا قلبوا و قالوا:نسى ينسى،فهو تخفيف.(1:3)

الفيروزآباديّ: أبى الشّيء يأباه و يأبيه إباء و إباءة بكسرهما:كرهه،و آبيته إيّاه.

و الآبية:الّتي تعاف الماء و الّتي لا تريد عشاء.

و الإبل:ضربت فلم تلقح.

و ماءة مأباة:تأباها الإبل.

و أخذه أباء من الطّعام بالضّمّ:كراهة.

و رجل آب من آبين و أباة و أبىّ و إباء،و رجل أبىّ من أبيّين.

و أبيت الطّعام كرضيت إبى:انتهيت عنه من غير شبع.

و رجل أبيان محرّكة:يأبى الطّعام أو الدّنيئة،جمعه:

إبيان بالكسر.

و أبى الفصيل-كرضي و عني-أبى بالفتح:سنق من اللّبن و أخذه أباء.و العنز شمّ بول الارويّ فمرض فهو أبوأ.

و الأباء كسحاب:البرديّة أو الاجمة،أو هي من الحلفاء،لأنّ الأجمة تمنع.و القصب؛الواحدة بهاء، و موضعه المهموز.

و الأبيّة بالضّمّ:الكبر و العظمة.

ص: 191

و بحر لا يؤبى،أي لا يجعلك تأباه،أي لا ينقطع.

و الإبية بالكسر:ارتداد اللّبن في الضّرع.

(4:298)

الطّريحيّ: في الحديث:«الملأ أبوا علينا»،أي امتنعوا من إجابتنا إلى الإسلام،و منه:«أبى اللّه أن يعبد إلاّ سرّا»،أي كره ذلك في الدّولة الظّالمة دولة الشّيطان؛ و ذلك لأنّ الدّولة دولتان:دولة الشّيطان،و دولة الرّحمن.فإذا كانت العبادة سرّا فالدّولة دولة الشّيطان، و إذا كانت العبادة جهرا فالدّولة دولة الرّحمن.

(1:16)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أبى:امتنع عن الشّيء كراهة له.(27)

مجمع اللّغة:أبى الشّيء يأباه و يأبيه إباء و إباءة:

امتنع عنه كراهة له و عدم رضاء به.(1:5)

النّصوص التّفسيريّة

ابى

1- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ .البقرة:34

الطّبريّ: يعني بذلك إبليس أنّه امتنع من السّجود لآدم،فلم يسجد له.(1:228)

الطّوسيّ: معناه ترك و امتنع.(1:148)

مثله الطّبرسيّ.(1:81)

الزّمخشريّ: امتنع ممّا أمر به.(1:273)

الفخر الرّازيّ: إنّ اللّه تعالى لمّا استثنى إبليس من السّاجدين فكان يجوز أن يظنّ أنّه كان معذورا في ترك السّجود،فبيّن تعالى أنّه لم يسجد مع القدرة و زوال العذر بقوله:(ابى)،لأنّ الإباء هو الامتناع مع الاختيار، أمّا من لم يكن قادرا على الفعل لا يقال له:إنّه أبى،ثمّ قد كان يجوز أن يكون كذلك و لا ينضمّ إليه الكبر.فبيّن تعالى أنّ ذلك الإباء كان على وجه الاستكبار بقوله:

(و استكبر)،ثمّ كان يجوز أن يوجد الإباء و الاستكبار مع عدم الكفر،فبيّن تعالى أنّه كفر بقوله: وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ.

قال القاضي: هذه الآية تدلّ على بطلان قول أهل الجبر،بدليل أنّهم يزعمون أنّه لمّا لم يسجد لم يقدر على السّجود،لأنّ عندهم القدرة على الفعل منتفية،و من لا يقدر على الشّيء لا يقال:إنّه أباه.

و الجواب عنه:صدور ذلك الفعل عن إبليس عن قصد وداع،أولا عن قصد وداع.فإن كان عن قصد وداع فمن أين ذلك القصد؟أوقع لا عن فاعل أو عن فاعل هو العبد،أو عن فاعل هو اللّه؟فإن وقع لا عن فاعل كيف يثبت الصّانع؟و إن وقع عن العبد فوقوع ذلك القصد عنه إن كان عن قصد آخر فيلزم التّسلسل، و إن كان لا عن قصد فقد وقع الفعل لا عن قصد و سنبطله،و إن وقع عن فاعل هو اللّه فحينئذ يلزمك كلّ ما أوردته علينا.أمّا إن قلت:وقع ذلك الفعل عنه لا عن قصد وداع،فقد ترجّح الممكن من غير مرجّح،و هو يسدّ باب إثبات الصّانع،و أيضا فإن كان كذلك كان وقوع ذلك الفعل اتّفاقيّا،و الاتّفاقيّ لا يكون في وسعه و اختياره فكيف يؤمر به و ينهى عنه؟[نقلناه ملخّصا]

(2:235)

ص: 192

القرطبيّ: معناه امتنع من فعل ما أمر به.(1:295)

أبو حيّان: امتنع و أنف من السّجود لآدم.

و قدّم الإباء على الاستكبار،و إن كان الاستكبار هو الأوّل،لأنّه من أفعال القلوب و هو التّعاظم،و ينشأ عنه الإباء من السّجود اعتبارا،بما ظهر عنه أوّلا و هو الامتناع من السّجود،و لأنّ المأمور به هو السّجود،فلمّا استثنى إبليس كان محكوما عليه بأنّه ترك السّجود،أو بأنّه مسكوت عنه غير محكوم عليه،على الاختلاف الّذي نذكره قريبا.و المقصود الإخبار عنه بأنّه خالف حاله حال الملائكة،فناسب أن يبدأ أوّلا بتأكيد ما حكم به عليه في الاستثناء،أو بإنشاء الإخبار عنه بالمخالفة، و الّذي يؤدّي هذا المعنى هو الإباء من السّجود.

و الخلاف الّذي أشرنا إليه،هو أنّك إذا قلت:قام القوم إلاّ زيدا،فمذهب الكسائيّ أنّ التّخريج من الاسم، و أنّ زيدا غير محكوم عليه بقيام و لا غيره،فيحتمل أن يكون قد قام و أن يكون غير قائم.و مذهب الفرّاء أنّ الاستثناء من الفعل.و الصّحيح مذهبنا و هو أنّ الاسم مستثنى من الاسم،و أنّ الفعل مستثنى من الفعل.

و دلائل هذه مذكورة في كتب النّحو.

و مفعول(ابى)محذوف،لأنّه يتعدّى بنفسه إلى مفعول واحد،و التّقدير:أبى السّجود.

و أبى من الأفعال الواجبة الّتي معناها النّفي،و لهذا يفرّغ ما بعد إلاّ كما يفرّغ لفعل المنفي،قال: وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ التّوبة:32،و لا يجوز:ضربت إلاّ زيدا، على أن يكون استثناء مفرّغا،لأنّ«إلاّ»لا تدخل في الواجب[الموجب].

و«أبى زيد الظّلم»أبلغ من:لم يظلم،لأنّ نفي الشّيء عن الشّخص قد يكون لعجز أو غيره،فإذا قلت:

أبى زيد كذا،دلّ على نفي ذلك عنه على طريق الامتناع و الأنفة منه،فلذلك جاء قوله تعالى:(أبى)لأنّ استثناء إبليس لا يدلّ إلاّ على أنّه لم يسجد،فلو اقتصر عليه لجاز أن يكون تخلّفه عن السّجود لأمر غير الإباء،فنصّ على سبب كونه لم يسجد و هو الإباء و الأنفة.

(1:153)

البروسويّ: أي امتنع عمّا أمر به من السّجود.

و الإباء:امتناع باختيار.و تقديم الإباء على الاستكبار مع كونه مسبّبا عنه لظهوره و وضوح أثره.(1:104)

2- إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ.

الحجر:31

الميبديّ: امتنع من أن يكون معهم.(5:308)

الزّمخشريّ: (ابى)استئناف على تقدير قول قائل يقول:هلاّ سجد؟فقيل:أبى ذلك و استكبر عنه.و قيل:

معناه و لكنّ إبليس أبى.(2:390)

3- ...فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً. الإسراء:89

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف جاز(فابى اكثر النّاس الاّ كفورا)فلم يجز:ضربت إلاّ زيدا؟

قلت:لأنّ أبى متأوّل بالنّفي،كأنّه قيل:فلم يرضوا إلاّ كفورا.(2:465)

نحوه الفخر الرّازيّ.(21:55)

ص: 193

4- وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى. طه:56

الميبديّ:امتنع من طاعة اللّه و الإيمان به(6:141)

القرطبيّ:أي لم يؤمن.و هذا يدلّ على أنّه كفر عنادا،لأنّه رأى الآيات عيانا لا خبرا.(11:211)

5- ...فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى. طه:116

الزّمخشريّ: (ابى):جملة مستأنفة كأنّه جواب قائل قال:لم لم يسجد؟و الوجه أن لا يقدّر له مفعول و هو السّجود المدلول عليه بقوله:(فسجدوا)،و أن يكون معناه أظهر الإباء و توقّف و تثبّط.(2:555)

الطّباطبائيّ: جواب سؤال مقدّر تقديره:ما ذا فعل إبليس؟فقيل:أبى.(14:219)

ابين

إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها...

الأحزاب:72

الطّوسيّ: أي منعن أن يحملن الأمانة.

(8:367)

الفخر الرّازيّ: لم يكن إباؤهنّ كإباء إبليس في قوله تعالى: أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ الحجر:

31،من وجهين:

أحدهما:أنّ هناك السّجود كان فرضا،و هاهنا الأمانة كانت عرضا.

و ثانيهما:أنّ الإباء كان هناك استكبارا،و هاهنا استصغارا استصغرن أنفسهنّ بدليل قوله: وَ أَشْفَقْنَ مِنْها. (25:235)

نحوه النّيسابوريّ.(22:32)

أبو حيّان: أي قصرن و نقصن عنها كما تقول:أبت الصّنجة أن تحمل ما قابلها.(7:254)

الطّباطبائيّ: إباؤها عن حملها و إشفاقها منها، عدم اشتمالها على صلاحيّة التّلبّس،و تجافيها عن قبولها.

(16:350)

يأبى

...وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... التّوبة:32.

الفرّاء: دخلت(الاّ)لأنّ في الكلام طرفا من الجحد.(أبو حيّان 5:33)

الزّجّاج: التّقدير في الآية:و يأبى اللّه كلّ شيء إلاّ إتمام نوره.(الطّوسيّ 5:243)

نحوه ابن الشّجريّ(1:138)،و البروسويّ(3:

416)

الطّوسيّ: يمنع اللّه إلاّ إتمام نوره و إن كره الكافرون.

و لا يجوز على قياس وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أن تقول:ضربت إلاّ أخاك،لأنّ في الإباء معنى النّفي، فكأنّه قال:لا يمكّنهم اللّه إلاّ أن يتمّ نوره.و إذا لم يكن في اللّفظ مستثنى منه لم تدخل(إلاّ)في الإيجاب،و تدخل في النّفي على تقدير الحذف،و التّقدير في الآية:و يأبى اللّه كلّ شيء إلاّ إتمام نوره،في قول الزّجّاج و أنكر أن يكون في الآية معنى الجحد.(5:243)

نحوه الطّبرسيّ.(3:24)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف جاز أبى اللّه إلاّ كذا،

ص: 194

و لا يقال:كرهت أو أبغضت إلاّ زيدا؟

قلت:قد أجري«أبى»مجرى«لم يرد»،أ لا ترى كيف قوبل يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا بقوله:(و يأبى اللّه)؟ و كيف أوقع موقع و لا يريد اللّه إلاّ أن يتمّ نوره؟

(2:186)

الميبديّ: لا يرضى و لا يترك.(4:119)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:كيف جاز:أبى اللّه إلاّ كذا، و لا يقال:كرهت أو أبغضت إلاّ زيدا؟

قلنا:أجري«أبى»مجرى لم يرد،و التّقدير:ما أراد اللّه إلاّ ذلك،إلاّ أنّ الإباء يفيد زيادة عدم الإرادة و هي المنع و الامتناع،و الدّليل عليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و إن أرادوا ظلمنا أبينا»فامتدح بذلك،و لا يجوز أن يمتدح بأنّه يكره الظّلم،لأنّ ذلك يصحّ من القويّ و الضّعيف.و يقال:فلان أبيّ الضّيم،و المعنى ما ذكرناه.(16:39)

أبو حيّان: مجيء(الاّ)بعد(و يابى)يدلّ على مستثنى منه محذوف،لأنّه فعل موجب،و الموجب لا تدخل معه(الاّ)،لا تقول:كرهت إلاّ زيدا،و تقدير المستثنى منه:و يأبى اللّه كلّ شيء إلاّ أن يتمّ نوره،قاله الزّجّاج.

و قال عليّ بن سليمان: جاز هذا في«أبى»لأنّه منع و امتناع،فضارعت النّفي.

و قال الكرماني: معنى«أبى»هنا لا يرضى إلاّ أن يتمّ نوره بدوام دينه إلى أن تقوم السّاعة.(5:33)

ياب

...وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ...

البقرة:282

الشّعبيّ: هو فرض على الكفاية كالجهاد.

مثله الرّمّانيّ و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:372)

مجاهد: واجب على الكاتب أن يكتب.

(الطّبريّ 3:119)

الضّحّاك: كانت عزيمة فنسختها وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ البقرة:282.(الطّبريّ 3:120)

الرّبيع: واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب.

(القرطبيّ 3:384)

مثله الطّبريّ.(3:120)

الطّوسيّ: ظاهره النّهي عن الامتناع من الكتابة، و النّهي يقتضي تحريم الامتناع.(2:372)

الميبديّ: لا يمتنع الكاتب من أن يكتب.

(1:768)

مثله الطّبرسيّ.(1:397)

الزّمخشريّ: لا يمتنع أحد من الكتّاب،و هو معنى تنكير(كاتب).(1:402)

مثله النّيسابوريّ.(3:88)

الفخر الرّازيّ: ظاهر هذا الكلام نهي لكلّ من كان كاتبا عن الامتناع عن الكتابة،و إيجاب الكتابة على كلّ من كان كاتبا،و فيه وجوه:

الأوّل:أنّ هذا على سبيل الإرشاد إلى الأولى لا

ص: 195

على سبيل الإيجاب،و المعنى أنّ اللّه تعالى لمّا علّمه الكتابة و شرّفه بمعرفة الأحكام الشّرعيّة فالأولى أن يكتب تحصيلا لمهمّ أخيه المسلم شكرا لتلك النّعمة،و هو كقوله تعالى: وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ القصص:77،فإنّه ينتفع النّاس بكتابته كما نفعه اللّه بتعليمها.

الثّاني:و هو قول الشّعبيّ[المتقدّم].

الثّالث:قول الضّحّاك[و قد مضى].

الرّابع:أنّ متعلّق الإيجاب هو أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ، يعني أن بتقدير:أن يكتب (1)،فالواجب أن يكتب على ما علّمه اللّه،و أن لا يخلّ بشرط من الشّرائط،و لا يدرج فيه قيدا يخلّ بمقصود الإنسان؛ و ذلك لأنّه لو كتبه من غير مراعاة هذه الشّروط،اختلّ مقصود الإنسان و ضاع ماله،فكأنّه قيل له:إن كنت تكتب فاكتبه عن العدل.(7:119)

القرطبيّ: نهى اللّه الكاتب عن الإباء.(3:384)

أبو حيّان: نهى الكاتب عن الامتناع من الكتابة، و(كاتب)نكرة في سياق النّهي،فتعمّ.(2:344)

الآلوسيّ: أي لا يمتنع أحد من الكتّاب الموصوفين بما ذكر.(3:56)

تابى

...وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ. التّوبة:8

الزّمخشريّ: إباء القلوب:مخالفة ما فيها من الأضغان؛لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل.

(2:176)

الأصول اللّغويّة

1-عرفت العربيّة أوزانا مألوفة متداولة للماضي الثّلاثيّ و مضارعه،غير أنّ ثمّة أوزانا أخرى تغاير نوع مغايرة تلك الأوزان المألوفة من قبيل«فعل يفعل»الّذي مثّل له ببضعة ألفاظ أختلف في رواياتها مثل زكى يزكى، و قوّمه الفرّاء بركن يركن و ركن يركن،و مثل قلاه يقلاه، و غشى يغشى،و شجى يشجى.و قد قوّم اللّغويّون الحاذقون هذه الألفاظ إلى قلا(قلى)يقلي و يقلو، و غشي يغشى،و شجاه يشجوه و شجي يشجى،و جبى يجبي.فلم يسلم لجمهور اللّغويّين من«فعل يفعل»بفتح العين،إلاّ أبى يأبى؛ممّا دفع سيبويه إلى احتمال أن يكون هذا الفعل«أبى يأبى»محمولا على المهموز و فرعا عليه، ليستقيم ذلك الوزن فيه،باعتباره وزنا مألوفا متداولا فيما كان ثانيه أو ثالثه أحد حروف الحلق.

فقد استطاع بعض اللّغويّين بحاسّة لغويّة صائبة أن يدرك العلاقة بين«أبى»و«أبأ»،فوضعهما في مكان واحد،ارتضاه«أبى»لكثرة ما تفرّع عليه،و جعلوا منه «الإباء»بالضّمّ و الكسر،و هو أن تعرض على الرّجل الشّيء فيأباه،كما جعلوا منه«الإباء»بالكسر و هو الأجمة.

2-و«أبى»-كما يستفاد من استعماله في القرآن و غيره-دالّ على العصيان و الرّفض و شدّة الامتناع، و لا يصحّ إطلاقه على مجرّد التّرك و الامتناع؛فقد يترك المرء شيئا و لا يأباه،كما قد يمتنع عن شيء و نفسه تهفو

ص: 196


1- الظّاهر:ان يقدّر ان يكتب.

إليه.فأمّا«أبى»فيتجاوز ذلك ليجعل المتّصف به متلبّسا تلبّسا كاملا ظاهرا و باطنا،إن كان له ذلك؛بحيث إنّه يترك الشّيء و يمتنع عنه بقوّة و إرادة و قناعة كاملة شاملة،فيتضمّن«الإباء»قوّة في اتّخاذ الموقف لا يتضمّنها التّرك و الامتناع.و لذلك استعملها القرآن الكريم-كما سيأتي-في الموارد الّتي يحتاج اتّخاذ القرار فيها إلى قوّة كبيرة،من مثل إباء إبليس السّجود لآدم، و إباء أكثر النّاس إلاّ الكفر،و إباء حمل الأمانة من قبل السّماوات و الأرض،و إباء قلوب المنافقين الإيمان،و إباء اللّه تعالى إلاّ أن يتمّ نوره و لو كره الكافرون.فالسّياق فيها جميعا سياق تحدّ،سياق دالّ على أنّ المتحدّي لم يستطع أن يصل إلى ما وصل إليه إلاّ بقوّة هائلة يمتلكها أو يتوهّم أنّه يمتلكها،و لذا ارتبط ب(استكبر)مرّة،و ب (إلاّ)المفيدة للحصر و القصر أخرى،و ب«التّكذيب» ثالثة،و هكذا في المواضع الأخرى.و على هذا تتكوّن عندنا معادلة دلاليّة لغويّة هي:أبى-ترك+امتنع+ رفض+قوّة ذاتيّة تؤدّي إلى اتّخاذ الموقف+قناعة كاملة تتغلغل في المتّخذ للموقف.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت ماضيا 9 مرّات و مضارعا مرّتين و نهيا مرّتين أيضا:

و يلاحظ أوّلا أنّه قد جاء«أبى»و مشتقّاته في القرآن مسندا إلى«اللّه»مرّة واحدة و إلى غيره«12» مرّة:

مسندا إلى اللّه: وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ التّوبة:32

مسندا إلى إبليس«3»مرّات كلّها في سجوده لآدم:

فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى*وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ البقرة:34

فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى* فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ طه:116،117

إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ... الحجر:31،32

مسندا الى الكافرين و الظّالمين و الفاسقين و المنافقين «5»مرّات:

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً الإسراء:89

وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظّالِمُونَ إِلاّ كُفُوراً الإسراء:99

وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً الفرقان:50

وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى طه:56

يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ التّوبة:8

مسندا إلى من يمسك الخير و الإحسان عن النّاس «3»مرّات:

عن الضّيافة: حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما الكهف:77

عن الكتابة للمدين: وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ البقرة:282

عن الشّهادة له: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما

ص: 197

دُعُوا البقرة:282

و ثانيا:يلاحظ أنّ مادّة«أبى»حينما أسندت إلى «اللّه»تعني أنّه تعالى يأبى كلّ شيء سوى إتمام نوره، و أنّه يريد تأكيد هذا الأمر و كأنّه لا شأن له إلاّ هذا، و نوره دينه و هدايته للخلق.و حيث أسندت إلى إبليس تعني أنّه يأبى الخضوع للّه في أمر توحيده و دينه كأنّه لا شأن له إلاّ هذا،و أنّه مصرّ على ذلك إصرارا لا رجعة فيه أبدا،و صدر منه هذا العمل استكبارا،و جرّ إليه الكفر و الرّجم و اللّعن كما جرّ إليه العداوة لآدم و زوجه.

و عند إسنادها إلى الكفّار و نحوهم تعني عزمهم الرّاسخ على رفض القرآن و الآيات و المعجزات و الدّين، و جرّت إليهم الكفر و التّكذيب و الفسق و الظّلم و نحوها.

و حينما جاءت في الإمساك عن الخير جلبت إليهم النّدم و التّوبيخ فقط دون تلك الخصال.

و ثالثا:سياق الآيات كلّها ذمّ و تنديد مساوقا للمادّة،حتّى فيما نسب إلى اللّه من إبائه إلاّ عن إتمام نوره فإنّه و إن كان مدحا له تعالى إلاّ أنّه جاء رغما للكافرين ذمّا لهم.

و رابعا:و جاء التّعبير بلفظ«إبليس»دون «الشّيطان»في موضع إبائه عن السّجود لآدم،و هذا ربّما يكشف عن العلاقة بين المادّتين،فلفظ«إبليس»من اللّبس و هو يلازم الخفاء و السّرّ،و الإباء كذلك،و لهذا عقّبها في القرآن بلفظ الكفور،و هو بمعنى إخفاء الحقّ و إنكاره،لكنّ المراد من«إبليس»اسم علم دون اسم جنس كالشّيطان كما تقدّم في«إبليس»،فليس بينهما علاقة من هذه النّاحية خصوصا أنّ«إبليس»أعجميّ عند جمّ غفير منهم،و ليس بعربيّ.

و خامسا:و قابل في آية التّوبة بين الرّضا بالأفواه و إباء القلوب،و هذا هو معنى النّفاق بعينه،و فيه دلالة على أنّ«الإباء»هو الحالة النّابعة من أعماق القلوب و المستولية على كلّ الجوارح و العواطف و الأحاسيس.

ص: 198

أ ت ي

اشارة

157 لفظا،549 مرّة:322 مكّيّة،227 مدنيّة

في 72 سورة:49 مكّيّة،23 مدنيّة

أتى 7:6-1\أتينا 2:2\ليأتينّي 1:1\يأتين 5:-5\آتيك 2:2\آتيه 1:1

أتاهم 8:6-2\أتيناهم 2:2\يأتينا 3:2-1\يأتينك 1:-1\آتيكم 4:4\آتيهم 1:1

أتاها 3:3\أتيناك 1:1\يأت 14:9-5\تأتي 3:3\نأتي2:1-1\آتيكم 1:1

أتاك 6:6\أتوا 1:-1\يأته 1:1\تأتيهم 17:11-6\فلنأتينّهم 1:1\آت 2:1-1

أتاكم 3:3\يأتي 22:12-10\يأتهم 3:1-2\تأتيكم 2:2\فلنأتينّك 1:1\آتية 4:3-1

أتانا 1:1\يأتيه 5:5\يأتك 1:1\لتأتينّكم 1:1\نأتيكم 1:1\مأتيّا 1:1

أتيا 1:1\يأتيهم 17:15-2\يأتكم 7:5-2\تأتينا 4:3-1\نأت 1:-1\آتى 3:-3

أتوا 4:3-1\يأتيها 1:1\فليأتنا 1:1\و لتأت 1:-1\ائت 6:5-1:-1\آتاه 3:-3

أتوه 1:1\يأتيك 1:1\يأتيانها 1:-1\تأتهم 2:2\ائتنا 7:7\آتاهما 2:2

أتوك 1:-1\يأتيكما 1:1\يأتون 4:2-2\لتأتنّني 1:1\ائتيا 2:2\آتاهم 10:2-8

أتت 2:2\يأتيكما 1:1\يأتونك 1:1\تأتنا 1:1\ائتياه 1:1\آتاها 1:-1

أتتهم 1:-1\يأتيكم 8:6-2\يأتوننا 1:1\تأتون 10:10\ائتوا 12:8-4\آتاك 1:1

أتتك 1:1\ليأتينّهم 1:1\يأتوا 7:3-4\تأتوننا 1:1\ائتوهنّ 1:-1\آتاكم 8:3-5

أتتكم 1:1\يأتينّكم 3:2-1\يأتوك 4:2-2\تأتوا 1:-1\ائتوني 7:7\آتانى 4:4

أتين 1:-1\يأتيني 1:1\يأتوكم 2:-2\تأتوني 1:1\ائتونا 1:1\آتانا 1:-1

أتيت 1:-1\يأتيني 1:1\يأتوني 1:1\لآتينّهم 1:1\آتي 1:1\آتوا 5:1-4

ص: 199

آتوه 1:1\آتينا 28:20-8\أوتيت 1:1\يؤتون 8:5-3\يؤتى 2:1-1\آتوهم 3:-3

آتوها 1:-1\آتيناه 14:11-3\أوتيتم 5:3-2\يؤتوا 2:-2\يؤت 2:-2\آتوهنّ 3:-3

آتت 3:2-1\آتيناهما 1:1\أوتيته 2:2\تؤتى 2:1-1\يؤتون 1:-1\آتونى 2:-2

آتيت 2:1-1\آتيناهم 21:12-9\أوتينا 2:2\تؤتون 1:1\تؤتوه 1:-1\آتين 1:-1

آتيتهنّ 1:-1\آتيناها 1:1\يؤتى 3:1-2\تؤتونهنّ 1:-1\أوت 1:1\المؤتون 1:-1

آتيتني 1:1\آتيناك 2:1-1\يؤتيه 7:-7\تؤتوا 1:-1\لأوتينّ 1:-1\إيتاء 3:2-1

آتيتنا 1:1\آتيناكم 3:1-2\يؤتيهم 2:1-1\تؤتوها 1:-1\نؤتى 1:1\

آتيتم 5:2-3\أوتى 14:10-4\يؤتين 1:1\نؤتيه 2-2\آت 2:1-1\

آتيتموهنّ 4:-4\أوتوا 32:8-24\سيؤتينا 1:-1\سنؤتيهم 1:-1\آتهم 2:1-1\

آتيتك 1:1\أوتوه 1:-1\يؤت 4:1-3\نؤته 3:1-2\آتنا 5:2-3\

آتيتكم 1:-1\أوتيت 1:1\يؤتكم 4:-4\نؤتها 1:-1\آتوا 12:-12\

النّصوص اللّغويّة

الخليل: تقول:أتاني فلان أتيا و إتيانا و أتية واحدة و لا يقال:إتيانة واحدة،لأنّ المصادر كلّها إذا جعلت واحدة ردّت إلى بناء«فعلة»و ذلك إذا كان منها الفعل على«فعل»أو«فعل»فإذا أدخلت في الفعل زيادات فوق ذلك أدخلت فيها زيادتها في الواحدة، كقولك إقبالة واحدة،و مثل تفعّل تفعلة واحدة،و أشباه ذلك و ذلك في الشّيء الّذي يحسن أن تقول:فعلة واحدة،و إلاّ فلا.[ثمّ استشهد بشعر]

الأتو:الاستقامة في السّير و السّرعة،و يأتوا البعير أتوا.و تقول العرب:أتوت فلانا من أرض كذا،أي سرت إليه.و يجوز في معنى أتيته.[ثمّ استشهد بشعر] و الإيتاء:الإعطاء.

و يقال:هات في معنى آت على«فاعل»فدخلت الهاء على الألف.

و المؤاتاة:حسن المطاوعة.

و تأتّى لفلان أمره،و أتّاه اللّه تأتية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الآتيّ و الأتيّ لغتان،و الصّواب:الأتيّ.

و الأتيّ:جماعة،و كذلك الآتاء:الجماعة،و هو ما وقع في النّهر من خشب أو ورق و نحوه،ممّا لا يحبس الماء.

الأتيّ عند العامّة:النّهر الّذي يجري فيه الماء إلى الحوض،و الجمع:الأتيّ و الآتاء.و قالت طائفة من النّاس:الأتيّ:السّيل الّذي لا يدرى من أين أتى.و أتّيت للماء تأتيّا،إذا حرفت له مجرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أتيّ،إذا كان غريبا في قوم ليس منهم، و أتاويّ.

ص: 200

و الإتاوة:الخراج،و كلّ قسمة تقسم على قوم ممّا يجبى،و قد يجعلون الرّشوة إتاوة.

و تقول:آتيت فلانا على أمره مؤاتاة،و لا تقول:

واتيته،إلاّ في لغة قبيحة لليمن.و أهل اليمن يقولون:

و اتيت و واسيت و واكلت و نحو ذلك،و و امرت من أمرت،و إنّما يجعلونها واوا على تخفيف الهمزة في يؤاكل و يؤامر،و نحو ذلك.(8:145)

سيبويه: الأتيّ:هو المفتح.و كلّ مسيل سهّلته لماء أتيّ،و هو الأتيّ.(ابن منظور 14:15)

الضّبّيّ:يقال للسّقاء إذا تمخّض:قد جاء أتوه.

(ابن فارس 1:50)

الكسائيّ: الأتاويّ،بالفتح:الغريب الّذي هو في غير وطنه.(الأزهريّ 14:351)

ابن شميّل: أتى على فلان أتو،أي موت أو بلاء أصابه،يقال:إن أتى عليّ أتو فغلامي حرّ،أي إن متّ.

و الأتو:المرض الشّديد،أو كسر يد أو رجل أو موت.

و يقال:أتي على يد فلان،إذا هلك له مال

(الأزهريّ 14:353)

أبو عمرو الشّيبانيّ: رجل أتاويّ و أتاويّ و إتاويّ و أتيّ،أي غريب.(الأزهريّ 14:352)

الفرّاء: يقال:جاء فلان يتأتّى،أي يتعرّض لمعروفك.(الجوهري 6:2262)

أتت الأرض و النّخل أتوا،و أتى الماء إتاء،أي كثر.

(ابن فارس 1:52)

أبو زيد: قالوا:إتاوة و ثلاث إتاوات و كذلك الجميع،و هي الرّشوة في كلّ وجه.(212)

أتوته أتوة،إذا رشوته إتاوة،و هي الرّشوة.(الأزهريّ 14:352)

يقال:تني بفلان:ائتني،و للاثنين:تياني به، و للجمع:توني به،و للمرأة:تيني به،و للجمع:تينني.

و أتيت الأمر من مأتاه و مأتاته.(ابن فارس 1:50)

الأصمعيّ: ما أحسن أتو يدي النّاقة،و ما أحسن أتي يديها،يعني رجع يديها في سيرها.

(إصلاح المنطق:140)

كلّ جدول ماء أتيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أتّ لهذا الماء،فيهيّئ له طريقه.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه سأل عاصم بن عديّ الأنصاريّ عن ثابت بن الدّحداح، و توفّي،فقال:«هل تعلمون له نسبا فيكم؟فقال:لا،إنّما هو أتيّ فينا»،و قوله:إنّما هو أتيّ فينا،فإنّ الأتيّ الرّجل يكون في القوم ليس منهم،و لهذا قيل المسيل الّذي يأتي من بلد قد مطر فيه إلى بلد لم يمطر فيه:

أتيّ.(الأزهريّ 14:351)

يقال:تأتّى فلان لحاجته،إذا ترفّق لها و أتاها من وجهها.(الأزهريّ 14:352)

يقال:أتوته أتوا:أعطيته الإتاوة.

(ابن فارس 1:51)

الإتاء:ما خرج من الأرض من الثّمر و غيره.

(ابن منظور 14:18)

اللّحيانيّ: ما أتيتنا حتّى استأتيناك،أي استبطأناك و سألناك الإتيان.و يقال:تأتّ لهذا الأمر،أي ترفّق له.

(ابن فارس 1:50)

ص: 201

رجل أتيّ،إذا كان نافذا.(ابن فارس 1:52)

سيل أتيّ و أتاويّ أي أتى و ليس مطره علينا.

(ابن سيده 9:547)

أبو عبيد: تأتّى للقيام،و التّأتّي:التّهيّؤ للقيام.

(الأزهريّ 14:352)

نحوه الثّعالبيّ.(187)

ابن السّكّيت: يقال:قد جاءت آتية الجرح، و هي مدّته (1).(106)

و يقال:قد آتيته،إذا أعطيته.و قد أتيته،إذا جئته.

(إصلاح المنطق:242)

شمر: ميتاء الطّريق،و ميداؤه:محجّته.

(الهرويّ 1:13)

الزّجّاج: أتى الأمر من مأتاه و مأتاته،أي من جهته و وجهه الّذي يؤتى منه،كما تقول:ما أحسن معناة هذا الكلام،تريد معناه.

و آتى إليه الشّيء:ساقه.

و الأتيّ:النّهر يسوقه الرّجل إلى أرضه.

(ابن منظور 14:15)

آتيته الشّيء:أعطيته.(فعلت و أفعلت:53)

ابن دريد: أتى يأتي و يأتو أتوا و أتيا حسنا.يقال:

ما أحسن أتو قوائم النّاقة و أتيها في السّير!

و الأتيّ:السّيل يأتيك من بلد مطر من غير بلدك.

و يقال:أتّ لمائك،أي سهّل له سبيلا يجري فيه.

و رجل أتيّ و أتاويّ،و هو الغريب.

و آتى يؤتي إيتاء،في معنى أعطى.

و الإتاوة:الخرج أو الجزية،يؤدّيه القوم إلى الملك.

و يقال:ما أحسن أتاء هذا النّخل،أي ما أحسن ثمره، و كذلك الزّرع.(1:170)

يقول:ما أحسن أتو يدي هذه النّاقة في سيرها!أي رجع يديها.

و الإتاوة:الخراج كان يؤدّى إلى الملوك في الجاهليّة.

و أتيت الرّجل آتيه أتيا،و أتوته أتوا.

و الأتاء:زكاء النّخل و الزّرع،و هو ما يخرجه اللّه عزّ و جلّ من ثمره.

و آتيته أوتيه إيتاء،في معنى أعطيته.

و واتيته مواتاة و وتاء،إذا طاوعته.

و أتّى لمائه يؤتّي،إذا سهّل له سبيل الجري.و الأتيّ:

السّيل،و الجمع:أتيّ،إذا جاء من بلد إلى بلد لم يمطر، و كلّ مسيل سهّلته لماء فهو أتيّ.و سيل أتيّ و أتاويّ، إذا جاء من بلد إلى بلد لم يمطر،و كذلك رجل أتيّ و أتاويّ:غريب،و قوم أتاويّون،و في الحديث:«إنّا أتاويّان».

و المأتيّ:الموضع الّذي تأتي فيه صاحبك أو تأتي منه.

و أتيت الحاجة من مأتاتها،إذا جئتها من وجهها.

و طريق ميتاء،أي مسلوك واضح.و رجل ميتاء:

جواد في معنى معطاء.(3:216)

القاليّ:أتوان،من قولهم:أتوته آتوه،بمعنى آتيته آتيه،و هي لغة لهذيل.و يقولون:ما أحسن أتو يدي النّاقة و أتي يديها،يعنون رجع يديها.(2:211)

خرج و خراج و إتاوة واحد.(ذيل الأماليّ:152)ح.

ص: 202


1- المدّة:ما يجتمع في الجرح من القيح.

الأزهريّ:يقال:أتي فلان من مأمنه،أي أتاه الهلاك من جهة مأمنه.

و طريق ميتاء:مسلوك،«مفعال»من الإتيان.

و ميتاء الطّريق و ميداؤه:محجّته.

و يقال:أتّيت السّيل فأنا أؤتّيه،إذا سهّلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه؛و أصل هذا من الغربة، و لهذا قيل:رجل أتاويّ،إذا كان غريبا في غير بلاده.

و إتاء النّخلة:ريعها و زكاؤها و كثرة ثمارها،و كذلك إتاء الزّرع:ريعه،و قد أتت النّخلة و آتت إيتاء و إتاءة.

و من أمثالهم:مأتيّ أنت أيّها السّواد أو السّويد،أي لا بدّ لك من هذا الأمر.

و يقال للرّجل إذا دنا من عدوّه:أتيت أيّها الرّجل.

و يقال:فرس أتيّ و مستأت و مستوت،بغير هاء، إذا أردفت،و قد استأتت النّاقة استئتاء.

(14:350،352 و 354)

الفارسيّ: و أتيّة الجرح و آتيته:مادّته و ما يأتي منه لأنّها تأتيه من مصبّها.(ابن سيده 9:547)

ابن جنّيّ: بعض العرب يقول في الأمر من أتى:ت زيدا،فيحذف الهمزة تخفيفا،كما حذفت من:خذ و كل و مر.(ابن سيده 9:546)

الجوهريّ: الإتيان:المجيء،و قد أتيته أتيا.و أتوته أتوة،لغة فيه.

و تقول:آتيته على ذلك الأمر مواتاة،إذا وافقته و طاوعته،و العامّة تقول:واتيته.

و آتاه إيتاء،أي أعطاه،و آتاه أيضا،أي أتى به،و منه قوله تعالى: آتِنا غَداءَنا الكهف:62،أي ائتنا به.

و الإتاوة:الخراج،و الجمع:الأتاوي.تقول منه أتوته آتوه أتوا و إتاوة.

و يقال للسّقاء إذا مخض و جاء الزّبد:قد جاء أتوه.

و لفلان أتو،أي عطاء.و الإيتاء:الإعطاء.

و تأتّى له الشّيء،أي تهيّأ.و تأتّى له،أي ترفّق، و أتاه من وجهه.

و أتّيت للماء تأتية و تأتيا،أي سهّلت سبيله.

ليخرج إلى موضع.

و الأتيّ:الجدول يؤتّيه الرّجل إلى أرضه،و هو «فعيل»،يقال:جاءنا سيل أتيّ و أتاويّ،إذا جاءك و لم يصبك مطره.

و الأتيّ أيضا و الأتاويّ:الغريب،و نسوة أتاويّات.

و استأتت النّاقة استئتاء مهموز،أي ضبعت، و أرادت الفحل.

و الإتاء:البركة و النّماء،و حمل النّخل،تقول منه:

أتت النّخلة تأتوا إتاء.

و الميتاء و الميداء،ممدودان:آخر الغاية؛حيث ينتهي إليه جري الخيل.

و الميتاء:الطّريق العامر.و مجتمع الطّريق أيضا ميتاء و ميداء،يقال:بنى القوم بيوتهم على ميتاء واحد و ميداء واحد.و داري بميتاء دار فلان و ميداء دار فلان،أي تلقاء داره و محاذية لها.(6:2261)

ابن فارس: الهمزة و التّاء و الواو و الألف و الياء يدلّ على مجيء الشّيء و إصحابه و طاعته.(1:49)

أبو هلال: الفرق بين تبديل الشّيء و الإتيان بغيره:أنّ الإتيان بغيره لا يقتضي رفعه بل يجوز بقاؤه

ص: 203

معه،و تبديله لا يكون إلاّ برفعه و وضع آخر مكانه.

و لو كان تبديله و الإتيان بغيره سواء لم يكن لقوله تعالى:

اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ يونس:15، فائدة.(197)

الفرق بين قولك:أتى فلان و جاء فلان،أنّ قولك:

جاء فلان،كلام تامّ لا يحتاج إلى صلة،و قولك:أتى فلان،يقتضي مجيئه بشيء،و لهذا يقال:جاء فلان نفسه، و لا يقال:أتى فلان نفسه،ثمّ كثر ذلك حتّى استعمل أحد اللّفظين في موضع الآخر.

الفرق بين من يأتيني فله درهم،و الّذي يأتيني فله درهم أنّ جواب الجزاء يدلّ على أنّه يستحقّ من الفعل الأوّل،و الفاء في خبر الّذي مشبهة بالجزاء و ليست به، و إنّما دخلت لتدلّ على أنّ الدّرهم يجب بعد الإتيان.(255)

الهرويّ: في الحديث:«لو لا أنّه طريق ميتاء لحزنّا عليك يا إبراهيم»،أي طريق مسلوك،«مفعال»من الإتيان.

و في الحديث:«إنّما هو أتيّ فينا»أي غريب،يقال:

رجل أتيّ و أتاويّ،و منه حديث عثمان:«إنّا رجلان أتاويّان».

و سيل أتيّ:جاءك و لم يجئك مطره.

و في حديث ظبيان الوافد،و ذكر ثمود و بلادهم، فقال:«و أتّوا جداولها»،أي سهّلوا طرق المياه إليها.

يقال:أتّيت للماء،إذا أصلحت مجراه حتّى يجري إلى مقاصده.(1:13،14)

ابن سيده: أتيته أتيا،و أتيا،و إتيا،و إتيانا،و إتيانة، و مأتاة:جئته.

و قوله تعالى: وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى طه:69،قالوا:معناه:حيث كان،و قيل:معناه حيث كان السّاحر يجب أن يقتل،و كذلك مذهب أهل الفقه في السّحرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و طريق مئتاء:عامر واضح،هكذا رواه ثعلب بهمز الياء من ميتاء،قال:و هو«مفعال»من أتيت،أي يأتيه النّاس.و في الحديث:«لو لا أنّه وعد حقّ،و قول صدق، و طريق ميتاء،لحزنّا عليك،يا إبراهيم».هكذا روي بغير همز،إلاّ أنّ المراد الهمز.

و رواه أبو عبيد في«المصنّف»بغير همز،ذكره في باب «فعلاء»و هذا سهو منه،لأنّ الاشتقاق يؤذن بغير ذلك؛ إذ معنى الإتيان قائم فيه،و لا يجوز أن يكون«ميتاء» بغير همز«فيعالا»لأنّ فيعالا من أبنية المصادر،و ميتاء ليس مصدرا،إنّما هو صفة،فالصّحيح فيه إذن ما رواه ثعلب و فسّره،و قد كان لنا أن نقول:إنّ أبا عبيد أراد الهمز فتركه،إلاّ أنّه عقد الباب بفعلاء،ففضح ذاته، و أبان هناته.

و أتى الأمر من مأتاه،و مأتاته،أي جهته.

و آتى إليه الشّيء:ساقه.

و الأتيّ:النّهر يسوقه الرّجل إلى أرضه،و قيل:هو المفتح.و كلّ مسيل سهّلته لماء:أتيّ،و هو الأتيّ،حكاه سيبويه.و قيل:الأتيّ جمع.

و أتّى لأرضه أتيّا:ساقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتّى للماء:وجّه له مجرى.

و الأتيّ،و الأتاء:ما يقع في النّهر من خشب أو

ص: 204

ورق؛و الجمع:آتاء و أتيّ.و كلّ ذلك من الإتيان.

و سيل أتيّ و أتاويّ:لا يدرى من أين أتى.

و رجل أتيّ،و أتاويّ:غريب شبّه بالسّيل الّذي يأتيك و ليس مطره عليك،و قيل:بل السّيل مشبّه بالرّجل،لأنّه غريب مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتى عليه الدّهر:أهلكه،على المثل.

و أتى الأمر و الذّنب:فعله.

و استأتت النّاقة:أرادت الفحل.

و آتاه الشّيء:أعطاه إيّاه،و في التّنزيل: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،أراد:و أوتيت من كلّ شيء شيئا.و ليس قول من قال:إنّ معناه:أوتيت كلّ شيء بحسن،لأنّ بلقيس لم تؤت كلّ شيء.أ لا ترى إلى قول سليمان للهدهد: اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها النّمل:37،فلو كانت بلقيس قد أوتيت كلّ شيء لأوتيت جنودا تقابل بها جنود سليمان،أو الإسلام،لأنّها إنّما أسلمت بعد ذلك مع سليمان.

و آتاه:جازاه.

و رجل ميتاء:مجاز معطاء.

و قد قرئ ان كان مثقال حبة من خردل آتينا بها الأنبياء:47، (و اتينا بها) فأتينا:جئنا،و آتينا:

أعطينا،و قيل:جازينا.فإن كان آتينا:أعطينا فهو «أفعلنا»،و إن كان جازينا فهو«فاعلنا».

و ما أحسن أتي يدي النّاقة،أي رجع يديها في سيرها.

و آتاه على الأمر:طاوعه.

و تأتّى له الشّيء:تهيّأ.

و أتاه اللّه:هيّأه.

و رجل أتيّ:نافذ يتأتّى للأمور.(9:545)

الإتيان:المجيء،أتى يأتي أتيا،و الإتيان اسم منه، و قد أتيته.و المأتى:موضع الإتيان.و آتى فلانا الشّيء:

أتى بالشّيء إليه،و استأتى فلانا:طلب إتيانه.

الأتو:المجيء،أتا يأتو أتوا.(الإفصاح 1:287)

سيل أتيّ و أتاويّ:أتاك و لم يصبك مطره،أي من بلد آخر.(الإفصاح 2:955)

الأتيّ:«جدول يؤتّيه الرّجل إلى أرضه،أي يهيّئه و يوجّه له مجرى إلى مقرّه.(الإفصاح 2:1070)

أتت الشّجرة تأتو أتوا و إتاء:طلع ثمرها،أو بدا صلاحها.(الإفصاح 2:1178)

الرّاغب: الإتيان:مجيء بسهولة،و منه قيل للسّيل المارّ على وجهه:أتيّ و أتاويّ،و به شبّه الغريب فقيل:

أتاويّ.

و الإتيان:يقال للمجيء بالذّات و بالأمر و بالتّدبير، و يقال في الخير و في الشّرّ،و في الأعيان و الأعراض.

[إلى أن قال:]

يقال:أتيته و أتوته.و يقال للسّقاء إذا مخض و جاء زبده:أتوّة،و تحقيقه جاء ما من شأنه أن يأتي منه،فهو مصدر في معنى«الفاعل».

و هذه أرض كثيرة الإتاء،أي الرّيع.(8،9)

الزّمخشريّ: أتى إليه إحسانا،إذا فعله.و وعد اللّه مأتيّ.و أتيت الأمر من مأتاه و مأتاته،أي من وجهه.

و أتى عليهم الدّهر:أفناهم.و أتى امرأته،و استأتت النّاقة:اغتلمت و طلبت أن تؤتى.و يقال:ما أتيتنا حتّى

ص: 205

استأتيناك،إذا استبطئوه.

و طريق ميتاء:«مفعال»من الإتيان،كقولهم:دار محلال.تقول:الموت طريق ميتاء،و هو لكلّ حيّ ميداء، أي غاية.

و هو أتيّ فينا و أتاويّ،أي غريب.و سيل أتيّ و أتاويّ:أتى من حيث لا يدرى.

و تقول:فلان كريم المواتاة،جميل المواساة.و هذا أمر لا يواتيني.

و تأتّى له أمره إذا تسهّلت له طريقته،و تأتّيت لهذا الأمر:ترفّقت له،و قيل:تهيّأت و تأتّيت له بسهم حتّى أصبته،إذا تقصّدت له.و أتّى للسّيل:سهّل له سبيله.

و فتح الماء فأتّ له إلى أرضك.

و كثر إتاء أرضه،أي ريعها.و نخل ذو إتاء،و لبن ذو إتاء،أي ذو زبد كثير.

و أدّى إتاوة أرضه أي خراجها،و ضربت عليهم الإتاوة،و هي الجباية.

و شكم فاه بالإتاوة،أي بالرّشوة.

(أساس البلاغة:2)

ابن برّيّ: الآتيّ:النّهير الّذي دون السّريّ.

(الزّبيديّ 10:10)

ابن الأثير: في حديث الزّبير:«كنّا نرمي الأتو و الأتوين»أي الدّفعة و الدّفعتين،من الأتو:العدو، يريد رمي السّهام عن القسيّ بعد صلاة المغرب،و منه قوله:ما أحسن أتو يدي هذه النّاقة و أتيهما!أي رجع يديها في السّير.

و في حديث بعضهم:«أنّه رأى رجلا يؤتّي الماء في الأرض»،أي يطرّق،كأنّه جعله يأتي إليها،أي يجيء.

و في الحديث:«خير النّساء المواتية لزوجها» المواتاة:حسن المطاوعة و الموافقة،و أصله الهمز فخفّف و كثر،حتّى صار يقال بالواو الخالصة،و ليس بالوجه.

و في حديث أبي هريرة في العدوى:«أنّى قلت أتيت»أي دهيت،و تغيّر عليك حسّك فتوهّمت ما ليس بصحيح صحيحا.

و في حديث بعضهم:«كم إتاء أرضك؟»أي ريعها و حاصلها،كأنّه من الإتاوة،و هو الخراج.(1:21)

الخويّيّ: لا يكاد اللّغويّون يفرّقون بينهما[الإعطاء و الإيتاء]،و ظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب اللّه،و هو أنّ الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله، لأنّ الإعطاء له مطاوع،تقول:أعطاني فعطوت، و لا يقال في الإيتاء:أتاني فأتيت،و إنّما يقال:آتاني فأخذت.و الفعل الّذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الّذي لا مطاوع له،لأنّك تقول:قطعته فانقطع،فيدلّ على أنّ فعل الفاعل كان موقوفا على قبول في المحلّ،لولاه ما ثبت المفعول،و لهذا يصحّ:قطعته فما انقطع،و لا يصحّ فيما لا مطاوع له ذلك،فلا يجوز:

ضربته فانضرب،أو فما انضرب،و لا قتلته فانقتل، و لا فما انقتل،لأنّ هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحلّ،و الفاعل مستقلّ بالأفعال الّتي لا مطاوع لها،فالإيتاء أقوى من الإعطاء.

و قد تفكّرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى،قال تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ آل عمران:26،لأنّ الملك شيء عظيم لا يعطاه إلاّ من له

ص: 206

قوّة،و كذا: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ البقرة:269، آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي الحجر:87،لعظم القرآن و شأنه،و قال: إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الكوثر:1،لأنّه مورود في الموقف مرتحل عنه،قريب إلى منازل العزّ في الجنّة،فعبّر فيه بالإعطاء؛لأنّه يترك عن قرب و ينتقل إلى ما هو أعظم منه،و كذا: يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى الضّحى:5،لما فيه من تكرير الإعطاء و الزّيادة إلى أن يرضى كلّ الرّضا،و هو مفسّر أيضا بالشّفاعة،و هو نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه،و كذا:

أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ طه:5،لتكرّر حدوث ذلك باعتبار الموجودات، حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، التّوبة:

29،لأنّها موقوفة على قبول منّا،و إنّما يعطونها عن كره.

(السّيوطيّ 2:367)

الفيّوميّ: أتى الرّجل يأتي أتيا:جاء،و الإتيان اسم منه،و أتيته يستعمل لازما و متعدّيا.و أتا يأتوا أتوا، لغة فيه،و أتى زوجته إتيانا:كناية عن الجماع،و المأتيّ:

موضع الإتيان،و أتى عليه:مرّ به،و أتى عليه الدّهر:

أهلكه،و أتاه آت،أي ملك.و أتي من جهة كذا بالبناء للمفعول،إذا تمسّك به و لم يصلح للتّمسّك فأخطأ،و أتى الرّجل القوم:انتسب إليهم ليس منهم،فهو أتيّ على «فعيل».و منه قيل للسّيل يأتي من موضع بعيد و لا يصيب تلك الأرض:أتيّ أيضا.

و الأتاء بفتح الهمزة لغة فيهما.و طريق ميتاء على «مفعال»و الأصل:ميتاي أو ميتاء،فقلب حرف العلّة همزة لتطرّفه،و المعنى يأتيها النّاس كثيرا مثل دار محلال، أي يحلّها النّاس كثيرا،و يقال لمجتمع الطّريق:ميتاء، و لآخر الغاية الّتي ينتهي إليها جري الفرس:ميتاء أيضا.

و تأتّى له الأمر:تسهّل و تهيّأ،و تأتّى في أمره:

ترفّق.

و أتوته آتوه إتاوة بالكسر:رشوته،و آتيته مالا بالمدّ:أعطيته،و آتيت المكاتب:أعطيته أو حططت عنه من نجومه.و آتيته على الأمر،بمعنى وافقته،و في لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واوا،فيقال:واتيته على الأمر مواتاة،و هي المشهورة على ألسنة النّاس،و كذلك ما أشبهه.(1:3)

الفيروزآباديّ: الأتو:الاستقامة في السّير و السّرعة و الطّريقة و الموت و البلاء و المرض الشّديد و الشّخص العظيم و العطاء.

و أتوته إتاوة ككتابة:رشوته،و الإتاوة أيضا:

الخراج و الرّشوة،أو تخصّ الرّشوة على الماء،و الجمع:

أتاوى،و أتى نادر.

و أتت النّخلة و الشّجرة أتوا و إتاء بالكسر:طلع ثمرها أو بدا صلاحها أو كثر حملها.

و الإتاء ككتاب:ما يخرج من إكال الشّجر و النّماء، و قد أتت الماشية إتاء.

و الأتاويّ و الأتيّ و يثلّثان:جدول تؤتيه إلى أرضك أو السّيل الغريب و الرّجل الغريب.

و أتوته:أتيته يائيّ.أتيته أتيا و إتيانا و إتيانة بكسرهما،و مأتاة و أتيّا كعتيّ و يكسر:جئته.

و آتى إليه الشّيء:ساقه،و فلانا شيئا أعطاه إيّاه، و فلانا:جازاه.

وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى طه:69،أي حيث

ص: 207

كان.

و طريق مئتاء بالكسر:عامر واضع،و هو مجتمع الطّريق أيضا،و بمعنى التّلقاء.

و مأتى الأمر و مأتاته:جهته.و الأتيّ كرضيّ و الأتاء كسماء:ما يقع في النّهر من خشب أو ورق، الجمع:آتاء و أتيّ كعتيّ،و سيل أتيّ و أتاويّ ذكر.

و أتيّة الجرح و آتيته:مادّته و ما يأتي منه.

و أتى الأمر:فعله،و عليه الدّهر:أهلكه.

و استأتت النّاقة:أرادت الفحل،و زيد فلانا:

استبطأه و سأله الإتيان.

و رجل ميتاء:مجاز معطاء.

و تأتّى له:ترفّق و أتاه من وجهه،و الأمر:تهيّأ.

و أتّيت الماء تأتية و تأتّيا:سهّلت سبيله.

و أتي فلان كعني:أشرف عليه العدوّ.

و أتّى بمعنى حتّى.(4:299)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من هنا أتيت»،أي من هنا دخل عليك البلاء.و فيه:«ليأتينّ على الأمّة كذا»، أي ليغلبنّ عليهم ذلك،بقرينة«على»المشعرة بالغلبة المؤذنة بالهلاك.

و أتى الرّجل يأتي إيتاء:جاء،و الإتيان الاسم منه.

و أتيتك في الحديث على وجهه،أي جئتك به على مساقه تامّا من غير تغيير و لا حذف.

و أتيت:تستعمل لازما و متعدّيا.و أتا يأتو أتوا:لغة فيه.

و أتى عليه الدّهر:أهلكه.

و تأتّى له الأمر:تسهّل و تهيّأ.

و أتى الرّجل أمّه:زنى بها،و الحائض:جامعها.

و جاءهم سيل أتيّ-بفتح أوّله و تشديد آخره- و أتاويّ أيضا،أي سيل لم يصبه مطره.

و المواتاة:حسن المطاوعة و الموافقة،و أصله الهمزة، و خفّف و كثر حتّى صار يقال بالواو الخالصة،و منه الحديث:«خير النّساء المواتية لزوجها».

و مأتى الأمر،بفتح ما قبل الآخر:وجهه الّذي يؤتى منه.و في حديث الدّبر:«هو أحد المأتيين فيه الغسل» هو بفتح التّاء الفوقانيّة و تخفيف الياء التّحتانيّة.(1:21)

محمّد إسماعيل إبراهيم:أتى:جاء،و أتى به:

جاء به،و أتى عليه:مرّ به،و أتى الأمر:فعله،و أتاه اللّه:

أعطاه،و وعد مأتيّ:آت لا شكّ فيه.(28)

مجمع اللّغة:1-أتى يأتي إتيانا:جاء،و أتى به:

جاء به،و أتاه:جاءه،و أتاه به:جاءه به،و أتى إليه:

جاء إليه،فهو آت و هي آتية،و اسم المفعول مأتيّ.

و أتى عليه:مرّ به.و أتى الأمر و الذّنب:فعله.

و أصل الإتيان:المجيء بسهولة.و إلى هذا المعنى ترجع كلّ المعاني الّتي وردت في القرآن لأتى و تصريفاتها.

2-آتاه يؤتيه:أعطاه و ساقه إليه،و آتاه يؤتيه:

أتى به،أي جاء به.

3-و جاء اسم الفاعل آت و مؤنّثه آتية،من أتى الّتي بمعنى جاء.

4-و جاء المصدر إيتاء،من آتى بمعنى أعطى.

5-و جاء اسم المفعول مأتيّا،من أتى بمعنى جاء.

6-و جاء جمع اسم الفاعل المؤتون،من آتى بمعنى

ص: 208

أعطى.(1:6-13)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو المجيء بسهولة،سواء استعملت في اللّزوم أو التّعدّي، مجرّدة أو مزيدا فيها،و سواء كان الإتيان في المكان أو في الزّمان،و سواء كان الفاعل أو المفعول به محسوسا أو معقولا،فتختلف خصوصيّات الإتيان باختلاف الموارد، ففي كلّ مورد بحسبه:

ففي الزّمان: أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ يوسف:107، هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ الدّهر:1.

و في المكان: أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ الكهف:77، فَلَمّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى طه:11.

و في اللاّزم: إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ الحجر:85، تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ النّحل:111.

و في المتعدّي: أَتاهُمُ الْعَذابُ النّحل:26، أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ... الكهف:77.

و في المعقول: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى طه:9، أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها الرّعد:41، مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:89.

و في المزيد فيها: آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً يوسف:22.

فالأصل الواحد في جميع هذه الموارد محفوظ، و اختلاف خصوصيّات ذلك المعنى باعتبار اختلاف الموارد و الصّيغ،و بحسب التّناسب و اقتضاء طرفي النّسبة،كالسّيل إذا جرى و أتى فهو أتيّ،أو الغريب إذا ورد و أتى البلد فهو أتاويّ،و إتيان الأمر و التّدبير فيما كان الفاعل معنويّا خاصّا.و هذه المادّة في اللّغة العبريّة أيضا بهذا المعنى.(1:15)

العدنانيّ: آتاه على الأمر مؤاتاة،و أتاه على الأمر مواتاة.

يقول الصّحاح و المختار:إنّ الفعل:واتاه على الأمر يواتيه مواتاة،بمعنى وافقه و طاوعه،هو من استعمال العامّة،و يقولان:إنّ الصّواب هو:آتاه على الأمر يؤاتيه مؤاتاة.

و الحقيقة هي أنّ كلا الفعلين صحيح،و المهموز «آتيته»أعلى،لأنّه الأصل،أمّا الفعل الآخر«واتاه» فهو لغة أهل اليمن وحدهم.

و ممّن ذكر الفعل آتاه يؤاتيه مؤاتاة:الخليل بن أحمد الفراهيديّ،و التّهذيب،و الصّحاح،و المحكم و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الحريريّ في هامش المقامة التّفليسيّة،و النّهاية، و المختار و اللّسان،و المصباح،و مستدرك التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و دوزي الّذي اكتفى بذكر المصدر «المؤاتاة»و أقرب الموارد،و المتن،و المعجم الكبير، و الوسيط.

و ممّن ذكر واتاه يواتيه مواتاة،جاء في الحديث:

«خير النّساء المواتية لزوجها»و روي الحديث مهموزا «المؤاتية».

و ممّن ذكر الفعل«واتاه»أيضا:معجم مقاييس اللّغة،و الحريريّ في المقامة التّفليسيّة،و الأساس، و النّهاية،و اللّسان،و المصباح،و مستدرك التّاج،و المدّ، و ذيل أقرب الموارد،و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط.

و ذكر معجم مقاييس اللّغة أنّ«واتاه»لغة قبيحة في اليمن.

ص: 209

و قال المصباح: إنّ«واتاه»يمنيّة،و هي المشهورة على ألسنة النّاس.

و ذكر مستدرك التّاج،و المدّ،و المعجم الكبير:أنّ الفعل«واتاه»هو لغة أهل اليمن.(3)

النّصوص التّفسيريّة

اتى

1- أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.. النّحل:1

ابن قتيبة: يعني القيامة،أي هي قريب فلا تستعجلوه.و أتى بمعنى يأتي،و هذا كما يقال:أتاك الخير فأبشر،أي سيأتيك.(241)

الطّبريّ: فقرب منكم أيّها النّاس و دنا،فلا تستعجلوا وقوعه.(14:75)

نفطويه: تقول العرب:أتاك الأمر،و هو متوقّع بعد،أي أتى أمر اللّه وعدا فلا تستعجلوه وقوعا.(الهرويّ 1:12)

مثله الطّريحيّ.(1:18)

القيسيّ: هو بمعنى يأتي(أمر اللّه)،و حسن لفظ الماضي في موضع المستقبل لصدق إتيان الأمر،فصار في أنّه لا بدّ أن يأتي،بمنزلة ما قد مضى و كان،فحسن الإخبار عنه بالماضي.و أكثر ما يكون هذا فيما يخبرنا اللّه جلّ و عزّ ذكره به أنّه يكون،فلصحّة وقوعه و صدق المخبر به صار كأنّه شيء قد كان.(2:12)

نحوه الطّبرسيّ.(3:348)

الطّوسيّ: إنّما قال:(اتى امر اللّه)و لم يقل:يأتي.

لأنّ اللّه تعالى قرّب السّاعة فجعلها كلمح البصر،فقال:

وَ ما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ النّحل:77،و قال: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ... القمر:1، و كلّ ما هو آت قريب.فعبّر بلفظ الماضي ليكون أبلغ في الموعظة،و إن كان قوله: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ يدلّ على أنّه في معنى يأتي.(6:358)

نحوه الطّبرسيّ.(3:348)

الميبديّ: أتى يأتي كما قال: وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ الأعراف:48،و إنّما استعمل لفظ الماضي للمستقبل تحقيقا،و لأنّ ما هو آت قطعا فهو كما أتى.(5:352)

أبو البركات: أتى بمعنى يأتي،أقام الماضي مقام المستقبل لتحقيق إثبات الأمر و صدقه.و قد يقام الماضي مقام المستقبل كما يقام المستقبل مقام الماضي.(2:74)

الفخر الرّازيّ: فلمّا امتدّت الأيّام قالوا:يا محمّد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به،فنزل قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ...

فوثب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و رفع النّاس رءوسهم فنزل قوله: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.

و الحاصل أنّه عليه السّلام لمّا أكثر من تهديدهم بعذاب الدّنيا و عذاب الآخرة و لم يروا شيئا نسبوه إلى الكذب، فأجاب اللّه تعالى عن هذه الشّبهة بقوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ....

و في تقرير هذا الجواب وجهان:

الوجه الأوّل:أنّه و إن لم يأت ذلك العذاب إلاّ أنّه كان واجب الوقوع،و الشّيء إذا كان بهذه الحالة و الصّفة فإنّه يقال في الكلام المعتاد:إنّه قد أتى و وقع،إجراء لما يجب وقوعه بعد ذلك مجرى الواقع،يقال لمن طلب

ص: 210

الإغاثة و قرب حصولها:قد جاءك الغوث فلا تجزع.

و الوجه الثّاني:و هو أن يقال:إنّ أمر اللّه بذلك حكمه به قد أتى و حصل و وقع،فأمّا المحكوم به فإنّما لم يقع،لأنّه تعالى حكم بوقوعه في وقت معيّن فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود.(19:218)

مثله النّيسابوريّ.(14:44)

القرطبيّ: قيل:(اتى)بمعنى يأتي،فهو كقولك:إن أكرمتني أكرمتك.و قد تقدّم أنّ إخبار اللّه تعالى في الماضي و المستقبل سواء،لأنّه آت لا محالة،كقوله:

وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ الأعراف:

44.(10:65)

أبو حيّان: (اتى)قيل:باق على معناه من المضيّ، و المعنى أتى أمر اللّه وعدا فلا تستعجلوه وقوعا،و قيل:

أَتى أَمْرُ اللّهِ أتت مبادئه و أماراته،و قيل:عبّر بالماضي عن المضارع لقرب وقوعه و تحقّقه.(5:472)

السّيوطيّ: [الفرق بين جاء و أتى]أنّ الأوّل يقال في الجواهر و الأعيان،و الثّاني في المعاني و الأزمان،و لهذا ورد(جاء)في قوله: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:

72، وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ يوسف:18، وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ الفجر:23،و(اتى)في أَتى أَمْرُ اللّهِ النّحل:1، أَتاها أَمْرُنا يونس:24.

و أمّا وَ جاءَ رَبُّكَ الفجر:22،أي أمره،فإنّ المراد به أهوال القيامة المشاهدة،و كذا فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ الأعراف:34،لأنّ الأجل كالمشاهد و لهذا عبّر عنه بالحضور في قوله: حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ البقرة:180،و لهذا فرّق بينهما في قوله: جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ* وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِّ الحجر:63،64، لأنّ الأوّل العذاب و هو مشاهد مرئيّ،بخلاف الحقّ.(2:365)

من المجاز في المفرد إقامة صيغة مقام أخرى،و تحته أنواع كثيرة:

منها:إطلاق الماضي على المستقبل لتحقّق وقوعه، نحو: أَتى أَمْرُ اللّهِ، أي السّاعة،بدليل فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ .(3:131)

إنّ آخر الحجر شديدة الالتئام بأوّل هذه،فإنّ قوله سبحانه وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ الحجر:99، الّذي هو مفسّر بالموت ظاهر المناسبة بقوله سبحانه هنا:

أَتى أَمْرُ اللّهِ .و انظر كيف جاء في المتقدّمة(يأتيك) بلفظ المضارع،و في المتأخّرة(اتى)بلفظ الماضي،لأنّ المستقبل سابق على الماضي كما تقرّر في محلّه.

(الآلوسيّ 14:90)

البروسويّ: إتيانه عبارة عن دنوّه و اقترابه على طريقة نظم المتوقّع في سلك الواقع و قد وقع يوم بدر، و المعنى دنا و اقترب ما وعدتم به أيّها الكفرة.(5:2)

الآلوسيّ: ظاهر صنيع الكثير يشعر باختيار أنّ الماضي بمعنى المضارع على طريق الاستعارة،بتشبيه المستقبل المتحقّق بالماضي في تحقّق الوقوع،و القرينة عليه قوله سبحانه: (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ،فإنّه لو وقع ما استعجل،و هو الّذي يميل إليه القلب.(14:90)

المراغيّ: أي قرب و دنا،و يقال في مجرى العادة لما يجب وقوعه:قد أتى و قد وقع،فيقال لمن طلب مساعدة حان مجيئها:جاءك الغوث.(14:51)

ص: 211

أبو رزق: سيأتي وعد اللّه،لأنّه منتظر الوقوع، و قال:(اتى)بصيغة الماضي لكونه محقّق الإتيان.يقال:

أتى،للمجيء بالذّات أو بالأمر أو بالتّدبير،و في الخير و الشّرّ،و في الأعيان و الأعراض.(1:20)

أحمد بدويّ: من أمثلة استخدام الماضي مكان المضارع(اتى امر اللّه).(111)

2- ...فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ... النّحل:26

ابن عبّاس: أي أتى أمر اللّه بنيانهم الّتي بنوها من جوانب قواعدها فهدّمها.(الطّبرسيّ 3:356)

قتادة: أي و اللّه لأتاها أمر اللّه من أصلها.

(الطّبريّ 14:97)

الطّبريّ: هدّم اللّه بنيانهم من أصله.و كان بعضهم يقول:هذا مثل للاستئصال،و إنّما معناه أنّ اللّه استأصلهم.و قال:العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشّيء.(14:97)

الزّجّاج: فأتى اللّه مكرهم من أصله،أي عاد ضرر المكر عليهم و بهم.

مثله ابن الأنباريّ.(الطّوسيّ 6:374)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،لأنّ الإتيان هاهنا ليس يراد به الحضور عن غيبة،و القرب بعد مسافة،و إنّما ذلك كقول القائل:أتيت من جهة فلان،أي جاءني المكروه من قبله،و أتي فلان من مأمنه،أي ورد عليه الخوف من طريق الأمن،و الضّر من مكان النّفع.

(192)

الطّوسيّ: [نقل قول الزّجّاج ثمّ قال:]

و هذا الّذي ذكره يليق بكلام العرب و يشبهه.

و المعنى إنّ اللّه أتى بنيانهم من القواعد،أي قلعه من أصله كقولهم:أتي فلان من مأمنه،أي أتاه الهلاك من جهة مأمنه،و أتاهم العذاب من جهة اللّه.(6:374)

الزّمخشريّ: هذا تمثيل،يعني أنّهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها اللّه و رسوله،فجعل اللّه هلاكهم في تلك المنصوبات،كحال قوم بنوا بنيانا و عمدوه بالأساطين فأتى البنيان من الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السّقف و هلكوا...و معنى إتيان اللّه إتيان أمره.(2:406)

مثله الطّريحيّ.(1:19)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف]

و إنّما أسند سبحانه الإتيان إلى نفسه من حيث كان تخريب قواعدهم من جهته.(7:335)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:أنّ الإتيان و الحركة على اللّه محال، فالمراد أنّهم لمّا كفروا أتاهم اللّه بزلازل قلع بها بنيانهم من القواعد و الأساس.

المسألة الثّانية:في قوله: (فَأَتَى اللّهُ...) قولان:

القول الأوّل:أنّ هذا محض التّمثيل.[ثم ذكر مثل الزّمخشريّ]

و القول الثّاني:أنّ المراد منه ما دلّ عليه الظّاهر،و هو أنّه تعالى أسقط عليه السّقف و أماتهم تحته.و الأوّل أقرب إلى المعنى.(20:20)

القرطبيّ: أي أتى أمره البنيان،إمّا زلزلة أو ريحا فخرّبته.

ص: 212

و قيل:إنّ قوله: (فَأَتَى اللّهُ...) تمثيل،و المعنى أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه.

و قيل:المعنى أحبط اللّه أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه.

و قيل:المعنى أبطل مكرهم و تدبيرهم فهلكوا كما هلك من نزل عليه السّقف من فوقه.(10:97)

أبو حيّان: أي أمره و عذابه.(5:485)

القاسميّ: أي قلع بنيانهم من قواعده و أسسه، فهدمه عليهم حتّى أهلكهم.و الإتيان يتجوّز به عن الإهلاك،كقوله تعالى: فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2،و يقال:أتي فلان من مأمنه،أي جاءه الهلاك من جهة أمنه،و أتى عليه الدّهر:أهلكه و أفناه.و منه الأتو و هو الموت و البلاء،يقال:أتى على فلان أتوّ،أي موت أو بلاء يصيبه.

و قد جوّز في الآية إرادة حقيقة هلاكهم،كالمحكيّ عن قوم لوط و صالح عليهما السّلام فيما تقدّم،أو مجازه على طريق التّمثيل،لإفساد ما أبرموه من هدم دينه تعالى.شبّهت حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكائد للإيقاع بالرّسل عليهم السّلام،و في إبطاله تعالى تلك الحيل،و جعله إيّاها أسبابا لهلاكهم،بحال قوم بنوا بنيانا و عمدوه بالأساطين، فأتى ذلك من قبل أساطينه بأن ضعضعت؛فسقط عليهم السّقف فهلكوا.

و وجه الشّبه:أنّ ما عدّوه سبب بقائهم عاد سبب استئصالهم و فنائهم،كقولهم:من حفر لأخيه جبّا وقع فيه منكبّا.(10:3795)

الطّباطبائيّ: إتيانه تعالى بنيانهم من القواعد،هو حضور أمره تعالى عنده بعد ما لم يكن حاضرا،و هذا شائع في الكلام.و الظّاهر كما يشعر به السّياق أنّ قوله:

فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ... كناية عن إبطال كيدهم،و إفساد مكرهم من حيث لا يتوقّعون،كمن يتّقي أمامه و يراقبه فيأتيه العدوّ من خلفه،فاللّه سبحانه يأتي بنيان مكرهم من ناحية قواعده،و هم مراقبون سقفه ممّا يأتيه من فوق فينهدم عليهم السّقف،لا،بهادم يهدمه من فوقه بل بانهدام القواعد.(12:232)

المراغيّ: أي أهلكه و أفناه،كما يقال:أتى عليه الدّهر.(14:68)

3- وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى. طه:69

ابن قتيبة: أي حيث كان.(280)

و مثله الطّبري(16:186)،و الميبديّ(6:147).

الطّوسيّ: أي حيث وجد.(7:188)

الزّمخشريّ: كقولهم:حيث سير،و أيّة سلك و أينما كان.(2:545)

القرطبيّ: حيث أتى في الأرض.و قيل:حيث احتال.(11:224)

أبو حيّان: حيث توجّه و سلك.(6:261)

الآلوسيّ: حيث كان و أين أقبل.(16:230)

اتوا

1- حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ... النّمل:18

القمّيّ: قعد على كرسيّه،و حملته الرّيح،فمرّت به على وادي النّمل.(2:126)

ص: 213

نحوه الميبديّ(7:187)،و ابن كثير(5:226).

الطّوسيّ: سار سليمان و جنوده حتّى بلغوا واديا فيه النّمل.(8:84)

نحوه الطّبرسيّ.(4:215)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم عدّي(اتوا)بعلى؟ قلت:يتوجّه على معنيين:

أحدهما:أنّ إتيانهم كان من فوق،فأتى بحرف الاستعلاء.

و الثّاني:أن يراد قطع الوادي و بلوغ آخره،من قولهم:أتى على الشّيء،إذا أنفذه و بلغ آخره.كأنّهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي؛لأنّهم ما دامت الرّيح تحملهم في الهواء لا يخاف حطمهم.(3:141)

مثله النّيسابوريّ(19:89)،و البروسويّ (6:333).و نحوه الطّباطبائيّ(15:352)،و الفخر الرّازيّ(24:187).

الطّبرسيّ: أي فسار سليمان و جنوده حتّى إذا أشرفوا على واد.(4:215)

مثله الخازن(5:114)،و المراغيّ(19:128).

الآلوسيّ: تعدية الفعل إليه بكلمة(على)مع أنّه يتعدّى بنفسه أو بإلى،إمّا لأنّ إتيانهم كان من جانب عال فعدّي بها للدّلالة على ذلك،و إمّا لأنّ المراد بالإتيان عليه قطعه و بلوغ آخره من قولهم:أتى على الشّيء،إذا أنفده و بلغ آخره.

ثمّ الإتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك، و إلاّ لم يكن للتّحذير من الحطم الآتي وجه؛إذ لا معنى له بعد قطع الوادي الّذي فيه النّمل و مجاوزته.

و الظّاهر على الوجهين،أنّهم أتوا عليه مشاة.

و يحتمل أنّهم كانوا يسيرون في الهواء فأرادوا أن ينزلوا هناك،فأحسّت النّملة بنزولهم؛فأنذرت النّمل.

(19:175)

2- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا...

(آل عمران:188)

ابن عبّاس: هم أهل الكتاب،أنزل عليهم الكتاب فحكموا بغير الحقّ،و حرّفوا الكلم عن مواضعه، و فرحوا بذلك،و أحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا،فرحوا بأنّهم كفروا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و ما أنزل اللّه.(الطّبريّ 4:207)

أبو سعيد الخدريّ: إنّ رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى الغزو تخلّفوا عنه،و فرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 4:205)

سعيد بن جبير: هم اليهود،فرحوا بما أعطى اللّه تعالى إبراهيم عليه السّلام.(الطّبريّ 4:207)

مجاهد: يهود فرحوا بإعجاب النّاس بتبديلهم الكتاب،و حمدهم إيّاهم عليه.(الطّبريّ 4:207)

عكرمة: من الأحبار الّذين يفرحون بما يصيبون من الدّنيا على ما زيّنوا للنّاس من الضّلالة.

(الطّبريّ 4:205)

الضّحّاك: [اليهود]فإنّهم فرحوا باجتماعهم على كفرهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 4:206)

ص: 214

قتادة: ذكر لنا أنّ أعداء اللّه اليهود،يهود خيبر أتوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فزعموا أنّهم راضون بالّذي جاء به و أنّهم متابعوه،و هم متمسّكون بضلالتهم، و أرادوا أن يحمدهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بما لم يفعلوا.(الطّبريّ 4:208)

السّدّيّ: كتموا اسم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ففرحوا بذلك،و فرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 4:206)

[اليهود]حيث فرحوا بما أثبتوا من تكذيب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّوسيّ 3:77)

الفرّاء: بما فعلوا،كما قال: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا مريم:27،و كقوله: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ النّساء:

16.(1:250)

الجبّائيّ: الآية في المنافقين،لأنّهم،كانوا يعطون المؤمنين شيئا يستعينون به على الجهاد لا على وجه القربة إلى اللّه،بل على وجه الرّياء،و يفرحون بذلك.(الطّوسيّ 3:77)

الطّبريّ: [نقل الأقوال المذكورة،ثمّ قال:]و أولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ... قول من قال:عنى بذلك أهل الكتاب الّذين أخبر اللّه جلّ و عزّ أنّه أخذ ميثاقهم،ليبيّن للنّاس أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و لا يكتمونه،لأنّ قوله:

(لا تَحْسَبَنَّ...) في سياق الخبر عنهم،و هو شبيه بقصّتهم مع اتّفاق أهل التّأويل على أنّهم المعنيّون بذلك؛فإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية لا تحسبنّ يا محمّد الّذين يفرحون بما أتوا من كتمانهم النّاس أمرك و أنّك لي رسول مرسل بالحقّ،و هم يجدونك مكتوبا عندهم في كتبهم، و قد أخذت عليهم الميثاق بالإقرار بنبوّتك،و بيان أمرك للنّاس و ألاّ يكتموهم ذلك،و هم مع نقضهم ميثاقي الّذي اخذت عليهم بذلك،يفرحون بمعصيتهم إيّاي في ذلك،و مخالفتهم أمري.(4:308)

نحوه الطّوسيّ(3:77)،و الطّبرسيّ(1:554).

الزّمخشريّ: بما فعلوا،«أتى»و«جاء»يستعملان بمعنى فعل،قال اللّه تعالى: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا مريم:

61، لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا مريم:27،و يدلّ عليه قراءة أبيّ: (يفرحون بما فعلوا) .

و قرئ(اتوا)بمعنى أعطوا،و عن عليّ رضي اللّه عنه (بما اوتوا).(1:487)

مثله النّسفيّ(1:200)،و أبو السّعود(1:302)، و الآلوسيّ(4:150)،و النّيسابوريّ(4:144).

الفخر الرّازيّ: [قال بعد نقل أقوال السّابقين:]

و اعلم أنّ الأولى أن يحمل على الكلّ،لأنّ جميع هذه الأمور مشتركة في قدر واحد،و هو أنّ الإنسان يأتي بالفعل الّذي لا ينبغي و يفرح به،ثمّ يتوقّع من النّاس أن يصفوه بسداد السّيرة و استقامة الطّريقة و الزّهد و الإقبال على طاعة اللّه.(9:133)

القرطبيّ: أي بما فعلوا من القعود في التّخلّف عن الغزو و جاءوا به من العذر.[إلى أن قال:]

و قرأ جمهور القرّاء السّبعة و غيرهم(اتوا)بقصر الألف،أي بما جاءوا به من الكذب و الكتمان.و قرأ مروان بن الحكم و الأعمش و إبراهيم النّخعيّ(اتوا) بالمدّ،بمعنى أعطوا.و قرأ سعيد بن جبير(اوتوا)على ما لم

ص: 215

يسمّ فاعله،أي أعطوا.(4:306-308)

البيضاويّ: بما فعلوا من التّدليس و كتمان الحقّ.

(1:197)

القاسميّ: أي بما فعلوا من اشتراء الثّمن القليل بتغيير كلام اللّه تعالى.(4:1063)

الطّباطبائيّ: أي بما أنعم عليهم من المال و لازمه حبّ المال و البخل به.(4:84)

اتوه

...وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ. النّمل:87

الفرّاء: القرّاء على تطويل الألف،يريدون «فاعلوه»،و قصّرها حمزة.

عن تميم بن جذلم،قال:قرأت على عبد اللّه بن مسعود (و كلّ اتوه داخرين) بتطويل الألف،فقال:

(وَ كُلٌّ أَتَوْهُ) بغير تطويل الألف.و هو وجه حسن مردود على قوله:(ففزع)،كما تقول في الكلام:رآني ففرّ و عاد و هو صاغر.فكان ردّ«فعل»على مثلها أعجب إليّ مع قراءة عبد اللّه.(2:301)

مثله الطّبريّ.(20:20)

أبو زرعة: قرأ حمزة و حفص (و كلّ اتوه) مقصورة مفتوحة التّاء؛جعلاه فعلا ماضيا،أي جاءوه على تأويل إذا كان ذلك أتوه،كقوله: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ الأعراف:44،و إنّما هو إذا كان ذلك،و كذلك قوله: يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً الدّهر:7،أي إذا وقع كان شرّه مستطيرا،و هو مردود على قوله:

فَفَزِعَ كأنّهم وجّهوا معنى الكلام إلى قوله: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ و الأصل(اتيوه)، فاستثقلوا الضّمّة على الياء فحذفوها،و حذفوا الياء لسكونها و سكون واو الجمع.

قرأ الباقون (و كلّ اتوه) بالمدّ مضمومة على الاستقبال،و حجّتهم قوله تعالى: وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ مريم:95.فكذلك الجمع(اتوه)،و الأصل:

(اتيونه)فذهبت الياء لما أعلمتك،و النّون للإضافة.

و إنّما جاز في(كلّ)أن تقول:«آتيه،و آتوه»لأنّ لفظها لفظ الواحد و معناه الجمع،فمن جمع ردّه إلى معناها كقوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ البقرة:116، وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ النّمل 87،و من وحّد ردّه إلى لفظها كما قال: وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً، فوحّد ردّا إلى اللّفظ.(538)

نحوه البغويّ(5:132)،و الميبديّ(8:262)، و القرطبيّ(13:241)،و الطّبرسيّ(8:124).

الزّمخشريّ: قرئ(اتوه)و(اتاه)و(دخرين)، فالجمع على المعنى،و التّوحيد على اللّفظ و قيل:معنى الإتيان حضورهم الموقف بعد النّفخة الثّانية،و يجوز أن يراد رجوعهم إلى أمره و انقيادهم له.(3:161)

مثله الفخر الرّازيّ(24:220)،و النّيسابوريّ (20:19)،و البيضاويّ(2:185)،و أبو حيّان (7:100).

الطّبرسيّ: قرأ حمزة و حفص و خلف(اتوه) مقصورة الألف غير ممدودة بفتح التّاء،و قرأ الباقون (اتوه)بضمّ الألف و ضمّ التّاء.

ص: 216

قال أبو عليّ: من قرأ(اتوه)كان«فعلوا»من الإتيان،و من قرأ(أتوه)فهو«فاعلوه»،و كلاهما محمول على معنى كلّ،و لو حمله على اللّفظ جاز كما في قوله:

وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ مريم:95.(4:235)

الآلوسيّ: أي حضروا الموقف بين يدي ربّ العزّة جلّ جلاله للسّؤال و الجواب و المناقشة و الحساب.

و قيل:أي رجعوا إلى أمره تعالى و انقادوا.و ضمير الجمع باعتبار معنى(كلّ).

و قرأ قتادة(أتاه)فعلا ماضيا مسندا لضمير(كلّ) على لفظها.و قرأ أكثر السّبعة(اتوه)اسم فاعل.

(20:34)

اتت

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ... مريم:27

وهب بن منبّه: احتملته ثمّ أقبلت به إلى قومها.(الطّبريّ 16:76)

مثله الميبديّ(6:33)،و الفخر الرّازيّ(21:207).

البروسويّ: أي جاءتهم مع ولدها راجعة إليهم.(5:329)

مثله الآلوسيّ.(16:87)

اتينا

1- ...وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ. الأنبياء:47

الطّوسيّ: روي أنّ مجاهدا قرأ (اتينا) ممدودا،بمعنى جازينا بها.(7:253)

الزّمخشريّ: قرأ ابن عبّاس و مجاهد (اتينا بها) و هي«مفاعلة»من الإتيان،بمعنى المجازاة و المكافأة، لأنّهم أتوه بالأعمال و أتاهم بالجزاء.

و قرأ حميد (اثبنا بها) من الثّواب،و في حرف أبيّ:

(جئنا بها) .(2:575)

القرطبيّ: (أتينا بها) مقصورة الألف قراءة الجمهور،أي أحضرناها و جئنا بها للمجازاة عليها و لها.

يجاء بها،أي بالحبّة،و لو قال:(به)،أي بالمثقال لجاز.

و قيل:مثقال الحبّة ليس شيئا غير الحبّة،فلهذا قال:

(اتينا بها) .

و قرأ مجاهد و عكرمة(اتينا)بالمد على معنى جازينا بها.يقال:آتى يؤاتي مؤاتاة.(11:294)

أبو حيّان: قرأ الجمهور(اتينا)من الإتيان،أي جئنا بها،و كذا قرأ أبيّ،أعني(جئنا)و كأنّه تفسير لأتينا.

و قرأ ابن عبّاس و مجاهد و ابن جبير و ابن أبي إسحاق و العلاء بن سيّابة و جعفر بن محمّد و ابن شريح الأصبهانيّ(اتينا)بمدّه،على وزن«فاعلنا»من المؤاتاة، و هي المجازاة و المكافأة،فمعناه جازينا بها،و لذلك تعدّى بحرف جرّ.و لو كان على«أفعلنا»من الإيتاء بالمدّ على ما توهّمه بعضهم،لتعدّى مطلقا دون جارّ.

و قال ابن عطيّة: على معنى و اتينا من المواتاة.و لو كان(آتينا):أعطينا،لما تعدّت بحرف جرّ،و توهن هذه القراءة أنّ بدل الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف،و إنّما يعرف ذلك في المضمومة و المكسورة.(6:316)

نحوه الآلوسيّ.(17:56)

ص: 217

2- ...فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. فصّلت:11

الزّمخشريّ: معنى الإتيان الحصول و الوقوع،كما تقول:أتى عمله مرضيّا و جاء مقبولا.و يجوز أن يكون المعنى لتأت كلّ واحدة منكما صاحبتها الإتيان الّذي أريده و تقتضيه الحكمة و التّدبير،من كون الأرض قرارا للسّماء و كون السّماء سقفا للأرض،و تنصره قراءة من قرأ(اتيا)و(اتينا)من المؤاتاة و هي الموافقة،أي لتؤت كلّ واحدة أختها و لتوافقها،قالتا:وافقنا و ساعدنا، و يحتمل[أن يكون المعنى]وافقا أمري و مشيئتي و لا تمتنعا.(3:446)

مثله الفخر الرّازيّ.(27:106)

الآلوسيّ: قيل:إنّ إتيان السّماء حدوثها،و إتيان الأرض أن تصير مدحوّة،و فيه جمع بين معنيين مجازيّين،حيث شبّه البروز من العدم و بسط الأرض و تمهيدها بالإتيان من مكان آخر،و في صحّة الجمع بينهما كلام،على أنّ في كون الدّحو مؤخّرا عن جعل الرّواسي،كلاما أيضا ستعرفه إن شاء اللّه تعالى.

و قيل:المراد لتأت كلّ منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما،و أيّد بقراءة ابن عبّاس و ابن جبير و مجاهد(اتيا)،و (قالتا اتينا) ،على أنّ ذلك من المؤاتاة بمعنى الموافقة،تقول:آتيته على ذلك الأمر مؤاتاة،إذا وافقته و طاوعته،لأنّ المتوافقين يأتي كلّ منهما صاحبه.

و جعل ذلك من المجاز المرسل و علاقته اللّزوم.

و قال ابن جنّيّ:هي المسارعة،و هو حسن أيضا، و لم يجعله أكثر الأجلّة من الإيتاء،لأنّه غير لائح.

و جعله ابن عطيّة منه،و قدّر المفعول،أي أعطيا من أنفسكما من الطّاعة ما أردته منكما و ما تقدّم أحسن.

(24:104)

اتوا

...وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً... البقرة:25

الطّوسيّ: معناه جيئوا به،و ليس معناه أعطوه.(1:109)

مثله الطّبرسيّ.(1:65)

أبو البركات: (أتوا)أصله:(اتيوا)فاستثقلت الضّمّة على الياء فنقلت إلى التّاء،فبقيت الياء ساكنة و واو الجمع بعدها ساكنة،فاجتمع ساكنان و هما لا يجتمعان،فحذفت الياء لالتقاء السّاكنين،و كان حذف الياء أولى،لأنّها لم تدخل لمعنى.(1:65)

القرطبيّ: (و اتوا)«فعلوا»من أتيت.و قرأه الجماعة بضمّ الهمزة و التّاء،و قرأ هارون الأعور(و اتوا) بفتح الهمزة و التّاء.فالضّمير في القراءة الأولى لأهل الجنّة و في الثّانية للخدّام.(1:240)

أبو حيّان: (و اتوا)مبنيّا للمفعول،و حذف الفاعل للعلم به و هو الخدم و الولدان،يبيّن ذلك قراءة هارون الأعور و العتكيّ،(و اتوا به)على الجمع و هو إضمار لدلالة المعنى عليه،أ لا ترى إلى قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ الواقعة:18، الى قوله تعالى: وَ فاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ الواقعة:20، فدلّ ذلك على أنّ الولدان هم الّذين يأتون الفاكهة.

(1:115)

ص: 218

ياتى

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ... الأنعام:158

ابن عبّاس: أمر ربّك فيهم بالقتل أو غيره.

مثله الضّحّاك.(القرطبيّ 7:144)

الحسن: يأتي أمر ربّك بالعذاب،فحذف المضاف، و مثله: وَ جاءَ رَبُّكَ الفجر:22.

(الطّبرسيّ 2:387)

الزّجّاج: يأتي إهلاك ربّك إيّاهم بعذاب عاجل أو آجل أو بالقيامة،و هذا كقولنا:قد نزل فلان ببلد كذا، و قد أتاهم فلان،أي قد أوقع بهم.

(الطّبرسيّ 2:388)

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:[قول الحسن و قد تقدّم].

الثّاني:أو يأتي ربّك بعظم آياته،فيكون يأتي به على معنى الفعل المتعدّي،و مثل ذلك قول النّاس:أتانا الرّوم،يريدون أتانا حكم الرّوم و سيرتهم.(4:353)

نحوه الطّبرسيّ.(2:387)

الزّمخشريّ: أو يأتي كلّ آيات ربّك،بدليل قوله:

أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يريد آيات القيامة و الهلاك الكلّيّ.(2:63)

نحوه البيضاويّ(1:339)،و الطّريحيّ(1:18)، و البروسويّ(3:122).

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:قوله: (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) هل يدلّ على جواز المجيء و الغيبة على اللّه؟

قلنا:الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ هذا حكاية عنهم،و هم كانوا كفّارا، و اعتقاد الكافر ليس بحجّة.

و الثّاني:أنّ هذا مجاز،و نظيره قوله تعالى: فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ النّحل:26،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ الأحزاب:57.

و الثّالث:قيام الدّلائل القاطعة على أنّ المجيء و الغيبة على اللّه تعالى محال،و أقربها قول الخليل صلوات اللّه عليه في الرّدّ على عبدة الكواكب: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76.

فإن قيل قوله: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ لا يمكن حمله على إثبات أثر من آثار قدرته،لأنّ على هذا التّقدير يصير هذا عين قوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ، فوجب حمله على أنّ المراد منه إتيان الرّبّ.

قلنا:الجواب المعتمد أنّ هذا حكاية مذهب الكفّار، فلا يكون حجّة،و قيل:يأتي ربّك بالعذاب،أو يأتي بعض آيات ربّك و هو المعجزات القاهرة.(14:6)

القرطبيّ: قد يذكر المضاف إليه و المراد به المضاف، كقوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:83،يعني أهل القرية.و قوله: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ البقرة:

93،أي حبّ العجل.كذلك هنا يأتي أمر ربّك،أي عقوبة ربّك و عذاب ربّك.و يقال:هذا من المتشابه الّذي لا يعلم تأويله إلاّ اللّه.

و قيل:إتيان اللّه تعالى:مجيئه،لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة،كما قال تعالى: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22،و ليس مجيئه تعالى حركة و لا انتقالا و لا زوالا،لأنّ ذلك إنّما يكون إذا كان

ص: 219

الجائي جسما أو جوهرا.(7:144)

الآلوسيّ: [نقل أقوال السّابقين،ثمّ قال:]

و أنت تعلم أنّ المشهور من مذهب السّلف عدم تأويل مثل ذلك بتقدير مضاف و نحوه،بل تفويض المراد منه إلى اللّطيف الخبير مع الجزم بعدم إرادة الظّاهر.

و منهم من يبقيه على الظّاهر إلاّ أنّه يدّعي أنّ الإتيان الّذي ينسب إليه تعالى ليس الإتيان الّذي يتّصف به الحادث،و حاصل ذلك أنّه يقول بالظّواهر و ينفي اللّوازم و يدّعي أنّها لوازم في الشّاهد.

و جوّز بعض المحقّقين حمل الكلام على الظّاهر المتعارف عند النّاس،و المقصود منه حكاية مذهب الكفّار و اعتقادهم،و على ذلك اعتمد الإمام،و هو بعيد أو باطل.(8:62)

رشيد رضا: قيل:إنّ إتيان الرّبّ تعالى عبارة عن إتيان ما وعد به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من النّصر، و أوعد به أعداءه من عذابه إيّاهم في الدّنيا،كما قال في الّذين ظنّوا أنّهم ما نعتهم حصونهم من اللّه: فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2.

و قيل:إتيان أمره بالعذاب أو الجزاء مطلقا،فهاهنا مقدّر دلّ عليه قوله في سورة النّحل الّتي تشابه هذه السّورة في أكثر مسائلها: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33.

و قيل:بل المراد إتيانه سبحانه و تعالى بذاته في الآخرة بغير كيف و لا شبه و لا نظير،و تعرّفه إلى عباده و معرفة أهل الإيمان الصّحيح إيّاه.(8:208)

الطّباطبائيّ: يكون المراد بإتيان الرّبّ هو يوم اللّقاء،و هو الانكشاف التّامّ لآية التّوحيد،بحيث لا يبقى عليه ستر،كما هو شأن يوم القيامة المختصّ بانكشاف الغطاء.و المصحّح لإطلاق الإتيان على ذلك هو الظّهور بعد الخفاء و الحضور بعد الغيبة،جلّ شأنه عن الاتّصاف بصفات الأجسام.

و ربّما يقال:إنّ المراد إتيان أمر الرّبّ،و قد مرّ نظيره في قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ البقرة:210.(7:386)

لا ياتيه

لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ...

فصّلت:42

ابن عبّاس: لا يأتيه ما يبطله من بين يديه،أي من الكتب الّتي قبله،و لا من خلفه،أي لا يجيء من بعده كتاب يبطله،أي ينسخه.

مثله الكلبيّ،و مقاتل.(الطّبرسيّ 5:15)

لا يأتيه الباطل من أوّل تنزيله و لا من آخره.(الطّوسيّ 9:131)

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 5:15)

الضّحّاك: لا يأتيه كتاب من بين يديه يبطله، و لا من خلفه،أي و لا حديث من بعده يكذبه.

(الطّوسيّ 9:131)

قتادة: لا يقدر الشّيطان أن ينقص منه حقّا، و لا يزيد فيه باطلا.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 9:131)

الإمام الباقر عليه السّلام:معناه أنّه ليس في إخباره عمّا

ص: 220

مضى باطل و لا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتها.(الطّبرسيّ 5:15)

الطّبريّ: أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب أن يقال:معناه لا يستطيع ذو باطل تغييره بكيده،و تبديل شيء من معانيه عمّا هو به؛و ذلك هو الإتيان من بين يديه،و لا إلحاق ما ليس منه فيه؛و ذلك إتيانه من خلفه.

(24:125)

الطّوسيّ: قيل في معناه أقوال خمسة:

أحدها:أنّه لا تعلّق به الشّبهة من طريق المشاكلة، و لا الحقيقة من جهة المناقصة،و هو الحقّ المخلص،و الّذي لا يليق به الدّنس.

و الثّاني:[قول قتادة،و السّدّيّ و قد تقدّم].

و الثّالث:أنّ معناه لا يأتي بشيء يوجب بطلانه ممّا وجد قبله و لا معه و لا ممّا يوجد بعده.

و الرابع:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم].

و الخامس:أنّ معناه لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدّم و لا من خلفه و لا عمّا تأخّر.(9:131)

الزّمخشريّ: مثل،كأنّ الباطل لا يتطرّق إليه و لا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتّى يصل إليه و يتعلّق به.(3:455)

نحوه الطّبرسيّ(5:15)،و أبو حيّان(7:501)، و البيضاويّ(2:350).

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:لا تكذّبه الكتب المتقدّمة عليه كالتّوراة و الإنجيل و الزّبور،و لا يجيء كتاب من بعده يكذّبه.

الثّاني:ما حكم القرآن بكونه حقّا لا يصير باطلا، و ما حكم بكونه باطلا لا يصير حقّا.

الثّالث:معناه أنّه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه،أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه.و الدّليل عليه قوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،فعلى هذا الباطل هو الزّيادة و النّقصان.

الرّابع:يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضا له،و لم يوجد فيما تقدّم كتاب يصلح جعله معارضا له.(27:131)

البروسويّ: صفة أخرى لكتاب،أي لا يتطرّق إليه الباطل و لا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتّى يصل إليه و يتعلّق به...فيكون قوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ... استعارة تمثيليّة شبّه الكتاب في عدم تطرّق الباطل إليه بوجه من الوجوه بمن هو محميّ بحماية غالب قاهر يمنع جاره من أن يتعرّض له العدوّ من جهة من جهاته،ثمّ أخرجه مخرج الاستعارة بأن عبّر عن المشبّه بما عبّر به عن المشبّه به،فقال: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ...) أو لا يأتيه الباطل فيما أخبر عمّا مضى و لا فيما أخبر عن الأمور الآتية،أو الباطل هو الشّيطان لا يستطيع أن يغيّره بأن يزيد فيه أو ينقص منه،أو لا يأتيه التّكذيب من الكتب الّتي قبله،و لا يجيء بعده كتاب يبطله أو ينسخه.(8:270)

نحوه الآلوسيّ.(4:127)

الطّباطبائيّ: إتيان الباطل إليه وروده فيه و صيرورة بعض أجزائه أو جميعها باطلا بأن يصير ما فيه من المعارف الحقّة أو بعضها غير حقّة،أو ما فيه من الأحكام و الشّرائع و ما يلحقها من الأخلاق،أو بعضها

ص: 221

لغي لا ينبغي العمل به.و عليه فالمراد بقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ زمانا الحال و الاستقبال،أي زمان النّزول و ما بعده إلى يوم القيامة.

و قيل:المراد بما بين يديه و من خلفه جميع الجهات، كالصّباح و المساء،كناية عن الزّمان كلّه،فهو مصون من البطلان من جميع الجهات،و هذا العموم على الوجه الأوّل مستفاد من إطلاق النّفي في قوله: لا يَأْتِيهِ.

و المدلول على أيّ حال أنّه لا تناقض في بياناته، و لا كذب في إخباره و لا بطلان يتطرّق إلى معارفه و حكمه و شرائعه،و لا يعارض و لا يغيّر بإدخال ما ليس منه فيه، أو بتحريف آية من وجه إلى وجه.فالآية تجري مجرى قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.(17:398)

ياتيهم

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ... (البقرة:210)

ابن عبّاس: هذا من المكتوم الّذي لا يفسّر.

(القرطبيّ 3:26)

الأخفش الأوسط: ليس الكلام على ظاهره في حقّه سبحانه،و إنّما المعنى يأتيهم أمر اللّه و حكمه.

(القرطبيّ 3:25)

الطّبريّ: أختلف في صفة إتيان الرّبّ تبارك و تعالى الّذي ذكره في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ، فقال بعضهم:لا صفة لذلك غير الّذي وصف به نفسه عزّ و جلّ من المجيء و الإتيان و النّزول،و غير جائز تكلّف القول في ذلك لأحد إلاّ بخبر من اللّه جلّ جلاله أو من رسول مرسل.فأمّا القول في صفات اللّه و أسمائه فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج إلاّ بما ذكرنا.

و قال آخرون:إتيانه عزّ و جلّ نظير ما يعرف من مجيء الجائي من موضع إلى موضع،و انتقاله من مكان إلى مكان.

و قال آخرون:معنى قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ... يعني به«هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله،»كما يقال:قد خشينا أن يأتينا بنو أميّة،يراد به حكمهم.

و قال آخرون:بل معنى ذلك هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ ثوابه و حسابه و عذابه،كما قال عزّ و جلّ: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ سبأ:33،و كما يقال:قطع الوالي اللّصّ أو ضربه،و إنّما قطعه أعوانه...

فمعنى الكلام إذن:هل ينظرون التّاركون الدّخول في السّلم كافّة و المتّبعون خطوات الشّيطان إلاّ أن ياتيهم اللّه في ظلل من الغمام فيقضي في أمرهم ما هو قاض.

(2:329)

الزّجّاج: أي بما وعدهم من الحساب و العذاب في ظلل،مثل: فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2،أي بخذلانه إيّاهم.(القرطبيّ 3:25)

الجصّاص: هذا من المتشابه الّذي أمرنا اللّه بردّه إلى المحكم في قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ آل عمران:7،و إنّما كان متشابها لاحتمال حقيقة اللّفظ

ص: 222

و إتيان اللّه،و احتماله أن يريد أمر اللّه،و دليل آياته كقوله في موضع آخر: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ الأنعام:158،فجميع هذه الآيات المتشابهة محمولة على ما بيّنه في قوله: أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33،لأنّ اللّه تعالى لا يجوز عليه الإتيان و لا المجيء و لا الانتقال و لا الزّوال،لأنّ ذلك من صفات الأجسام و دلالات الحدث،و قال تعالى في آية محكمة:

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ... الشّورى:11.

فإن قيل:فهل يجوز أن يقال:جاء ربّك،بمعنى جاء كتابه أو جاء رسوله أو ما جرى مجرى ذلك؟

قيل له:هذا مجاز،و المجاز لا يستعمل إلاّ في موضع يقوم الدّليل عليه،و قد قال تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها يوسف:82،و هو يريد أهل القرية،و قال:

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57،و هو يعني أولياء اللّه.و المجاز إنّما يستعمل في الموضع الّذي يقوم الدّليل على استعماله فيه أو فيما لا يشتبه معناه على السّامع.(1:318)

عبد الجبّار: ربّما قيل:كيف قال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ... و كيف يصحّ ذلك و يتعالى اللّه عن جواز الإتيان عليه؟

و جوابنا:أنّ المراد إتيان الملائكة أو متحمّلي أمره كما قال تعالى في سورة النّحل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33،و هذا كقوله:

وَ جاءَ رَبُّكَ الفجر:22،و المراد رسل ربّك.(48)

الطّوسيّ: معنى الآية ما ينظرون يعني المكذّبين بآيات اللّه محمّدا و ما جاء به من القرآن و الآيات إلاّ أن يأتيهم أمر اللّه و عذابه.

و قد يقال:«أتى»و«جاء»فيما لا يجوز عليه المجيء و الذّهاب،يقولون:أتاني و عيد فلان و كلام فلان،و كلّ ذلك لا يراد به الإتيان الحقيقيّ.(2:189)

الزّمخشريّ: إتيان اللّه:إتيان أمره و بأسه كقوله:

أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33، فَجاءَها بَأْسُنا الأعراف:4،و يجوز أن يكون المأتيّ به محذوفا بمعنى أن يأتيهم اللّه ببأسه أو بنقمته،للدّلالة عليه بقوله: فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ... (1:353)

مثله البيضاويّ.(1:112)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف]

قيل:معناه ما ينتظرون إلاّ أن يأتيهم جلائل آيات اللّه،غير أنّه ذكر نفسه تفخيما للآيات،كما يقال:دخل الأمير البلد،و يراد بذلك جنده.(1:303)

الفخر الرّازيّ: [له بحث مستوفى في معنى مجيء اللّه لخصّه النّيسابوريّ كما يأتي].(5:232)

القرطبيّ: [نقل قول الزّجّاج و الأخفش ثمّ قال:]

و قد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعا إلى الجزاء، فسمّي الجزاء إتيانا كما سمى التّخويف و التّعذيب في قصّة نمرود إتيانا،فقال: فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ النّحل:26.

و قال في قصّة النّضير: فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2، وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها الأنبياء:47،و إنّما احتمل الإتيان هذه المعاني،لأنّ أصل الإتيان عند أهل اللّغة هو القصد إلى الشّيء،فمعنى الآية هل ينظرون إلاّ أن يظهر اللّه تعالى

ص: 223

فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه؟يقصد إلى مجازاتهم و يقضي في أمرهم ما هو قاض،و كما أنّه سبحانه أحدث فعلا سمّاه نزولا و استواء،كذلك يحدث فعلا يسمّيه إتيانا،و أفعاله بلا آلة و لا علّة،سبحانه.و قد سكت بعضهم عن تأويلها،و تأوّلها بعضهم كما ذكرنا.

و لا يجوز أن يحمل هذا و ما أشبهه ممّا جاء في القرآن و الخبر على وجه الانتقال و الحركة و الزّوال،لأنّ ذلك من صفات الأجرام و الأجسام،تعالى اللّه الكبير المتعال ذو الجلال و الإكرام عن مماثلة الأجسام علوّا كبيرا.

(3:25)

النّيسابوريّ: أمّا إتيان اللّه فقد أجمع المفسّرون على أنّه سبحانه منزّه عن المجيء و الذّهاب،لأنّ هذا من شأن المحدثات و المركّبات،و أنّه تعالى أزليّ فرد في ذاته و صفاته.فذكروا في الآية وجهين:

الأوّل:و هو مذهب السّلف الصّالح،السّكوت في مثل هذه الألفاظ عن التّأويل،و تفويضه إلى مراد اللّه تعالى،كما يروى عن ابن عبّاس أنّه قال:نزل القرآن على أربعة أوجه:وجه لا يعذر أحد بجهالته،و وجه يعرفه العلماء و يفسّرونه،و وجه يعرف من قبل العربيّة فقط،و وجه لا يعلمه إلاّ اللّه.

الثّاني:و هو قول جمهور المتكلّمين أنّه لا بدّ من التّأويل على سبيل التّفصيل،فقيل:جعل مجيء الآيات مجيئا له تفخيما لها،كما يقال:جاء الملك،إذا جاء جيش عظيم من جهته.

و قيل:المراد إتيان أمره و بأسه،فحذف المضاف بدليل قوله في موضع آخر: أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:

33 فَجاءَها بَأْسُنا الأعراف:4.

قيل:المأتيّ به محذوف،و المعنى إلاّ أن يأتيهم اللّه ببأسه أو بنقمته؛للدّلالة عليه بقوله:(عزيز).و فائدة الحذف كونه أبلغ في الوعيد،لانقسام خواطرهم و ذهاب فكرتهم في كلّ وجه.

و قيل:الغرض من ذكر إتيان اللّه تصوير غاية الهيبة و نهاية الفزع،كقوله تعالى: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ الزّمر:67، و لا قبض و لا طيّ و لا يمين،و إنّما الغرض تصوير عظمة شأنه.(2:204)

أبو حيّان: الإتيان:حقيقة في الانتقال من حيّز إلى حيّز،و ذلك مستحيل بالنّسبة إلى اللّه تعالى،فروى أبو صالح عن ابن عبّاس أنّ هذا من المكتوم الّذي لا يفسّر و لم يزل السّلف في هذا و أمثاله يؤمنون،و يكلون فهم معناه إلى علم المتكلّم به و هو اللّه تعالى.

و المتأخّرون تأوّلوا«الإتيان»و إسناده على وجوه:

أحدها:أنّه إتيان على ما يليق باللّه تعالى من غير انتقال.

الثّاني:أنّه عبّر به عن المجازات لهم و الانتقام،كما قال: فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ النّحل:26، فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2.

الثّالث:[قول الزّجّاج و قد تقدّم].

الرّابع:أنّه على حذف مضاف،التّقدير:أمر اللّه، بمعنى ما يفعله اللّه بهم،لا الأمر الّذي مقابله النّهي، و يبيّنه قوله بعد: وَ قُضِيَ الْأَمْرُ... البقرة:210.

الخامس:قدرته.

ص: 224

و الأولى أن يكون المعنى أمر اللّه؛إذ قد صرّح به في قوله: أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33،و تكون عبارة عن بأسه و عذابه،لأنّ هذه الآية إنّما جاءت مجيء التّهديد و الوعيد.و قيل:المحذوف آيات اللّه فجعل مجيء آياته مجيئا له على التّفخيم لشأنها.(2:124)

الآلوسيّ: (إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ) بالمعنى اللاّئق به جلّ شأنه منزّها عن مشابهة المحدثات و التّقيّد بصفات الممكنات.

و من النّاس من قدّر في أمثال هذه المتشابهات محذوفا،فقال في الآية:الإسناد مجازيّ،و المراد يأتيهم أمر اللّه تعالى و بأسه.أو حقيقيّ،و المفعول محذوف،أي يأتيهم اللّه تعالى ببأسه.و حذف المأتيّ به للدّلالة عليه بقوله سبحانه: أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:209،فإنّ العزّة و الحكمة تدلّ على الانتقام بحقّ،و هو البأس و العذاب.(2:98)

رشيد رضا: إتيان اللّه تعالى فسّره الجلال و آخرون بإتيان أمره،أي عذابه،كقوله في آية أخرى:

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33،أي فهو بمعنى ما جاء من التّخويف بعذاب الآخرة في الآيات الكثيرة الموافقة لهذه الآيات في أسلوبها.

و أقرّ الأستاذ الإمام الجلال على ذلك،و بيّن في الدّرس أنّ هذا الاستعمال من أساليب العرب المعروفة من حذف المضاف،و إسناد الفعل إلى المضاف إليه مجازا، و أوضحه أتمّ الإيضاح.فهو على حدّ (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ) .

و من المفسّرين من قال:إنّ الإسناد حقيقيّ و إنّما حذف المفعول للعلم به من الوعيد السّابق،أي هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه بما وعدهم به من السّاعة و العذاب.

و عدّه آخرون من المتشابهات،فقالوا:إنّ اللّه تعالى يأتي بذاته و لكن لا كإتيان البشر،بل إتيانه من صفاته الّتي لا نبحث عن كيفيّتها اتّباعا للسّلف.

و قد يقال:إنّه ليس من مقتضى مذهب السّلف أن يجعل كلّ ما يسند إلى اللّه تعالى من المتشابهات الّتي لا تفهم بحال و لا تفسّر و لو بإجمال،فحسبنا أن نقول على رأي من فسّر إتيان اللّه هنا بإتيان أمره و ما وعد به من العذاب،أو إتيانه بما وعد به إنّنا نفوّض إليه تعالى كيفيّة ذلك،و بذلك نكون على طريقة السّلف في التّفويض،مع العلم بأنّ اللّه تعالى ينذر الّذين زلّوا عن صراطه و فرّقوا دينه بأمر معروف في الجملة لا بشيء مجهول مطلق.

و ممّا يدلّنا على أنّ المراد بالآية ما ذكرنا قوله تعالى:

وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً الفرقان:25،مع الآيات الكثيرة النّاطقة بأنّ قيام السّاعة و خراب العالم يكون إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ الانشقاق:1،و انتثرت كواكبها،و إنّما يأتي بذلك اللّه تعالى بتغيير هذا النّظام الّذي وضعه لارتباط الكواكب و حفظ كلّ كوكب في فلكه.(2:262)

الطّباطبائيّ: إنّ من الضّروريّ الثّابت بالضّرورة من الكتاب و السّنّة أنّ اللّه سبحانه و تعالى لا يوصف بصفة الأجسام،و لا ينعت بنعوت الممكنات ممّا يقضي بالحدوث،و يلازم الفقر و الحاجة و النّقص،فقد قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،و قال

ص: 225

تعالى: وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الفاطر:15،و قال تعالى:

اَللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الزّمر:62،إلى غير ذلك من الآيات و هي آيات محكمات ترجع إليها متشابهات القرآن،فما ورد من الآيات و ظاهرها إسناد شيء من الصّفات أو الأفعال الحادثة إليه تعالى ينبغي أن يرجع إليها،و يفهم منها معنى من المعاني.لا ينافي صفاته العليا و أسماءه الحسنى تبارك و تعالى،فالآيات المشتملة على نسبة المجيء أو الإتيان إليه تعالى،كقوله تعالى: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22،و قوله تعالى:

فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2، و قوله تعالى: فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ النّحل:

26،كلّ ذلك يراد فيها معنى يلائم ساحة قدسه تقدّست أسماؤه كالإحاطة و نحوها و لو مجازا،و على هذا فالمراد بالإتيان في قوله تعالى: أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ الإحاطة بهم للقضاء في حقّهم.

على أنّا نجده سبحانه و تعالى في موارد من كلامه إذا سلب نسبة من النّسب و فعلا من الأفعال عن استقلال الأسباب و وساطة الأوساط فربّما نسبها إلى نفسه و ربّما نسبها إلى أمره،كقوله تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الزّمر:42،و قوله تعالى: يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ السّجدة:11،و قوله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا الأنعام:

61،فنسب التّوفّي تارة إلى نفسه و تارة إلى الملائكة،ثمّ قال تعالى في أمر الملائكة: بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ الأنبياء:

27،و كذلك قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يونس:93،و قوله تعالى: فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ المؤمن:78،و كما في هذه الآية: أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ...، و قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33.

و هذا يوجب صحّة تقدير الأمر في موارد تشتمل على نسبة أمور إليه لا تلائم كبرياء ذاته تعالى،نظير جاءَ رَبُّكَ، و يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فالتّقدير:جاء أمر ربّك،و يأتيهم أمر اللّه.

فهذا هو الّذي يوجبه البحث السّاذج في معنى هذه النّسب على ما يراه جمهور المفسّرين،لكن التّدبّر في كلامه تعالى يعطي لهذه النّسب معنى أرقّ و ألطف من ذلك،و ذلك أنّ أمثال قوله تعالى: وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ فاطر:15،و قوله تعالى: اَلْعَزِيزِ الْوَهّابِ ص:9، و قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى طه:

50،تفيد أنّه تعالى واجد لما يعطيه من الخلقة و شئونها و أطوارها،مليء بما يهبه و يجود به،و إن كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادّة و أحكامها الجسمانيّة يصعب عليها تصوّر كيفيّة اتّصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصّفات و نسبته إليه تعالى،لكن هذه المعاني إذا جرّدت عن قيود المادّة،و أوصاف الحدثان لم يكن في نسبته إليه تعالى محذور،فالنّقص و الحاجة هو الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى،فإذا لم يصاحب المعنى نقصا و حاجة لتجريده عنه صحّ إسناده إليه تعالى بل وجب ذلك؛لأنّ كلّ ما يقع عليه اسم شيء فهو منه تعالى بوجه على ما يليق بكبريائه و عظمته.

فالمجيء و الإتيان الّذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه و بين جسم آخر بالحركة و اقترابه منه إذا جرّد عن خصوصيّة المادّة كان هو حصول القرب،و ارتفاع المانع

ص: 226

و الحاجز بين شيئين من جهة من الجهات،و حينئذ صحّ إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز،فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم و بين قضائه فيهم،و هذه من الحقائق القرآنيّة الّتي لم يوفّق الأبحاث البرهانيّة لنيله إلاّ بعد إمعان في السّير،و ركوبها كلّ سهل و وعر،و إثبات التّشكيك في الحقيقة الوجوديّة الأصليّة.

و كيف كان فهذه الآية تتضمّن الوعيد الّذي ينبئ عنه قوله سبحانه في الآية السّابقة: أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:209،و من الممكن أن يكون وعيدا بما سيستقبل القوم في الآخرة يوم القيامة،كما هو ظاهر قوله تعالى في نظير الآية: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ... النّحل:33،و من الممكن أن يكون وعيدا بأمر متوقّع الحصول في الدّنيا،كما يظهر بالرّجوع إلى ما في سورة يونس بعد قوله تعالى: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ يونس:47،و ما في سورة الرّوم بعد قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً... الرّوم:30، و ما في سورة الأنبياء و غيرها.على أنّ الآخرة آجلة هذه العاجلة و ظهور تامّ لما في هذه الدّنيا،و من الممكن أيضا أن يكون وعيدا بما سيقع في الدّنيا و الآخرة معا.

(2:103)

ياتيهم

...فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الأنعام:5

الزّمخشريّ: سيعلمون بأيّ شيء استهزءوا، و سيظهر لهم أنّه لم يكن بموضع استهزاء.(2:5)

مثله أبو حيّان.(4:75)

القرطبيّ: أي يحلّ بهم العقاب.(6:391)

البروسويّ: سيعلمون ما يؤول إليه عاقبة استهزائهم بالآيات.(3:9)

3- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ. الأنبياء:2

قتادة: ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلاّ استمعوه و هم يلعبون.(الطّبريّ 17:2)

الطّبريّ: ما يحدث اللّه من تنزيل شيء من هذا القرآن للنّاس.(17:2)

ياتيكم

وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ... البقرة:248

أبو حيّان: نسبة الإتيان إلى التّابوت مجاز،لأنّ التّابوت لا يأتي إنّما يؤتى به،كقوله: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ محمّد:21، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

(2:261)

يات

1- ...أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. البقرة:148

الزّمخشريّ: أينما تكونوا من الجهات المختلفة يأت بكم اللّه جميعا،يجمعكم و يجعل صلواتكم كأنّها إلى جهة واحدة،و كأنّكم تصلّون حاضري المسجد الحرام.

ص: 227

(1:322)

أبو حيّان: أي يبعثكم و يحشركم للثّواب و العقاب،فأنتم لا تعجزونه وافقتم أم خالفتم.(1:439)

الآلوسيّ: المعنى في أيّ موضع تكونوا من المواضع الموافقة لطبعكم كالأرض،أو المخالفة كالسّماء،أو المجتمعة الأجزاء كالصّخرة،أو المتفرّقة الّتي يختلط بها ما فيها كالرّمل يحشركم اللّه تعالى إليه لجزاء أعمالكم.

أو في أيّ موضع تكونوا من أعماق الأرض و قلل الجبال يقبض اللّه تعالى أرواحكم إليه،فهي على حدّ قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ... النّساء 78.

أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلات يمنة و يسرة و شرقا و غربا يجعل اللّه تعالى صلاتكم مع اختلاف جهاتها في حكم صلاة متّحدة الجهة،كأنّها إلى عين الكعبة أو في المسجد الحرام،فيأت بكم،مجاز عن جعل الصّلاة متّحدة الجهة.(2:15)

2- ...إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً. النّساء:133

الزّمخشريّ: يوجد إنسا آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس.(1:570)

مثله البروسويّ.(2:299)

الآلوسيّ: أي يوجد مكانكم دفعة قوما آخرين من البشر.(5:164)

3- يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ...

هود:105

الطّبريّ:اختلفت القرّاء في قراءة قوله: يوم ياتى ،فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة بإثبات الياء فيها يوم ياتى لا تكلم... ،و قرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة و بعض الكوفيّين بإثبات الياء فيها في الوصل، و حذفها في الوقف،و قرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الياء في الوصل و الوقف يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ....

و الصّواب من القراءة في ذلك عندي (يَوْمَ يَأْتِ) بحذف الياء في الوصل و الوقف،اتّباعا لخطّ المصحف، و أنّها لغة معروفة لهذيل،تقول:ما أدر ما تقول؟

(12:115)

الفارسيّ: قرأ أهل الكوفة إلاّ الكسائيّ و ابن عامر (يأت)بغير ياء،الباقون بياء في الوصل دون الوقف،إلاّ ابن كثير فإنّه أثبت الياء في الحالين:

من أثبت الياء في الوصل فهو القياس البيّن،لأنّه لا شيء هاهنا يوجب حذف الياء في الوصل.و من حذفها في الوقف شبّهها بالفاصلة و إن لم يكن فاصلة، لأنّ هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة،بدلالة أنّهم قد حذفوها كما حذفوا الحركة،فكما أنّ الحركة تحذف في الوقف فكذلك ما يشبهها من هذه الحروف فكان في حكمها.

و من أثبتها في الحالين فقد أحسن،لأنّها أكثر من الحركة في الصّوت،فلا ينبغي إذا حذفت الحركة للوقف أن تحذف الياء له،كما لا تحذف سائر الحروف.و من حذف الياء في الحالين جعلها في الحالين بمنزلة ما يستعمل محذوفا ممّا لم يكن ينبغي في القياس أن يحذف نحو«لم يك،و لا أدر»و هي لغة هذيل.(الطّوسيّ 6:64)

ص: 228

نحوه ملخّصا أبو زرعة(348)،و الزّمخشريّ(2:

293)،و الفخر الرّازيّ(18:59)،و القرطبيّ(9:96)، و الآلوسيّ(12:139)،و رشيد رضا(12:158).

4- فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً. يوسف:93

الفرّاء: أي يرجع بصيرا.(2:55)

مثله البيضاويّ.(1:507)

أبو عبيدة: أي يعد بصيرا،أي يعد مبصرا.(1:318)

مثله الطّبريّ(13:57)،و الهرويّ(1:13).

الزّمخشريّ: يصر بصيرا،كقولك:جاء البناء محكما،بمعنى صار،و يشهد له فَارْتَدَّ بَصِيراً، يوسف:96،أو يأت إلىّ و هو بصير،و ينصره قوله:

وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ يوسف:93،أي يأتني أبي و يأتني آله جميعا.(2:343).

مثله الفخر الرّازيّ(18:206)،و البروسويّ (4:315).

الآلوسيّ: أي يصر بصيرا،و يشهد له (فَارْتَدَّ بَصِيراً) أو يأت إليّ و هو بصير،و ينصره قوله:

وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ يوسف:93.

و حاصل الوجهين كما قال بعض المدقّقين:إنّ الإتيان في الأوّل مجاز عن الصّيرورة،و لم يذكر إتيان الأب إليه لا لكونه داخلا في الأهل،فإنّه يجلّ عن التّابعيّة بل تفاديا عن أمر الأخوّة بالإتيان؛لأنّه نوع إجبار على من يؤتى به فهو إلى اختياره.و في الثّاني،على الحقيقة و فيه التّفادي المذكور،و الجزم بأنّه من الآتين لا محالة وثوقا بمحبّته،و أنّ فائدة الإلقاء إتيانه على ما أحبّ من كونه معا في سليم البصر،و فيه أنّ صيرورته بصيرا أمر مفروغ عنه مقطوع،إنّما الكلام في تسبّب الإلقاء لإتيانه كذلك،فهذا الوجه أرجح و إن كان الأوّل من الخلافة بالقبول بمنزل.(13:52)

5- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ...

لقمان:16

الطّبريّ: كان بعضهم يوجّه معناه إلى يعلمه اللّه، و لا أعرف«يأتي به»بمعنى يعلمه،إلاّ أن يكون قائل ذلك أراد أنّ لقمان إنّما وصف اللّه بذلك لأنّ اللّه يعلم أماكنه،لا يخفى عليه مكان شيء منه،فيكون وجها(21:73)

الطّوسيّ: معناه إنّه يجازي بها و يواقف عليها، فكأنّه أتى بها،و إن كانت أفعال العباد لا يصحّ إعادتها، و لو صحّ إعادتها لما كانت[ظ:لكانت]مقدورة للّه.و إنّما أراد ما قلناه،و في ذلك غاية التّهديد و الحثّ على الأخذ بالجزم.(8:278)

نحوه الطّبرسيّ.(3:319)

الفخر الرّازيّ: قوله: (يَأْتِ بِهَا اللّهُ) أبلغ من قول القائل:يعلمها اللّه،لأنّ من يظهر له الشّيء و لا يقدر على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دون حال من يظهر له الشّيء و يظهره لغيره،فقوله: (يَأْتِ بِهَا اللّهُ) ،أي يظهرها اللّه للأشهاد.(25:148)

البروسويّ: أي يحضرها فيحاسب عليها،لأنّه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. (7:81)

ص: 229

الآلوسيّ: أي يحضرها فيحاسب عليها،و هذا إمّا على ظاهره،أو المراد يجعلها كالحاضر المشاهد لذكرها، و الاعتراف بها.(21:89)

الطّباطبائيّ: المراد بالإتيان بها إحضارها للحساب و الجزاء.(16:217)

ياتين

1- وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ...

النّساء:15

الزّمخشريّ: يرهقنها،يقال:أتى الفاحشة و جاءها و غشيها و رهقها بمعنى.و في قراءة ابن مسعود (يأتين بالفاحشة). (1:511)

الطّبرسيّ: أي يفعلن الزّنى.(2:20)

الفخر الرّازيّ: أي يفعلنها،يقال:أتيت أمرا قبيحا،أي فعلته،قال تعالى: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا مريم:27،قال: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا مريم:89،و في التّعبير عن الإقدام على الفواحش بهذه العبارة لطيفة، و هي أنّ اللّه تعالى لمّا نهى المكلّف عن فعل هذه المعاصي فهو تعالى لا يعين المكلّف على فعلها،بل المكلّف كأنّه ذهب إليها من عند نفسه،و اختارها بمجرّد طبعه،فلهذه الفائدة يقال:إنّه جاء إلى تلك الفاحشة و ذهب إليها،إلاّ أنّ هذه الدّقيقة لا تتمّ إلاّ على قول المعتزلة.(9:230)

البيضاويّ: أي يفعلنها،يقال:أتى الفاحشة:

جاءها و غشيها و رهقها،إذا فعلها.(1:209)

أبو حيّان: معنى (يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) يجئن و يغشين.(3:194)

البروسويّ: الإتيان:الفعل و المباشرة،أي اللاّتي يفعلن الزّنى.(2:176)

الآلوسيّ: الإتيان في الأصل:المجيء،و قد يعبّر به [عن الفعل]كالمجيء و الرّهق و الغشي عن الفعل،و شاع ذلك حتّى صار حقيقة عرفيّة،و هو المراد هنا،فالمعنى يفعلن الزّنى،أي يزنين،و التّعبير بذلك لمزيد التّهجين.

و قرأ ابن مسعود (ياتين بالفاحشة) ،فالإتيان على أصله المشهور.(4:234)

رشيد رضا: أصل الإتيان و الأتي:المجيء،تقول:

جئت البلد و أتيت البلد،و جئت زيدا و أتيته.و يجعلون مفعولهما حدثا فيكونان بمعنى الفعل،و منه في المجيء قوله تعالى حكاية عن صاحب موسى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً الكهف:74،و قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا مريم:89.

و استعمال الإتيان في الزّنى و اللّواط هو الشّائع كما ترى في الآيات عن قوم لوط،و حينئذ يكون مفعوله حدثا كما في الآية الّتي نفسّرها و ما بعدها،و يكون شخصا كما في قوله: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ...

الأعراف:81(4:435)

الطّباطبائيّ: يقال:آتاه و أتى به،أي فعله.

(4:233)

2- ...وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.

الحجّ:27

الفرّاء: (ياتين)فعل النّوق،و قد قرئت(ياتون) يذهب إلى الرّكبان.و لو قال:و على كلّ ضامر تأتي،

ص: 230

تجعله فعلا موحّدا،لأنّ(كلّ)أضيفت إلى واحدة،و قليل في كلام العرب أن يقولوا:مررت على كلّ رجل قائمين، و هو صواب.و أشدّ منه في الجواز قوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،و إنّما جاز الجمع في أحد،و في كلّ رجل،لأنّ تأويلهما قد يكون في النّيّة موحّدا و جمعا.فإذا كان(أحدا)و(كلّ)متفرّقة من اثنين لم يجز إلاّ توحيد فعلهما،من ذلك أن تقول:كلّ رجل منكما قائم،و خطأ أن تقول:قائمون أو قائمان؛لأنّ المعنى قد ردّه إلى الواحد.و كذلك ما منكما أحد قائمون أو قائمان،خطأ لتلك العلّة.(2:224)

الزّمخشريّ: (يأتين)صفة ل(كلّ ضامر)،لأنّه في معنى الجمع.و قرئ(يأتون)صفة للرّجال و الرّكبان.

(3:11)

الفخر الرّازيّ: إنّما قال:(يأتين)،أي جماعة الإبل،و هي الضّوامر،لأنّ قوله:(و على كلّ ضامر)، معناه على إبل ضامرة،فجعل الفعل بمعنى(كلّ)،و لو قال:يأتي على اللّفظ صحّ.

و قرئ(يأتون)صفة للرّجال و الرّكبان.(23:28)

القرطبيّ: قراءة الجماعة(يأتين)،و قرأ أصحاب عبد اللّه(يأتون)،و هذا للرّكبان،و(يأتين)للجمال،كأنّه قال:و على إبل ضامرة(يأتين).(12:40)

3- ...وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ...

الممتحنة:12

ابن عبّاس: لا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم.(الطّبريّ 28:77)

مثله القرطبيّ(18:172)،و الطّبريّ(28:77).

عزّة دروزة: و لا يقدمن على شيء ممّا تفعله الأيدي و الأرجل فيه كذب و افتراء.(12:23)

ياتينك

...ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً... البقرة:260

الطّباطبائيّ: أي يتجسّدن،و اتّصفن بالإتيان و الإسراع إليك.(2:377)

تاتينا

قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا...

الأعراف:129

الطّبريّ: برسالة اللّه إليها.(9:27)

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّه لا فرق بين الإتيان و المجيء، و أنّ الجمع بينهما للتّفنّن و البعد عن التّكرار اللّفظيّ،فإنّ الطّباع مجبولة على معاداة المعادات،و لذلك جيء ب«أن»المصدريّة أوّلا،و ب«ما»أختها ثانيا.

و ذكر الجلال السّيوطيّ في الفرق بينهما:أنّ الإتيان يستعمل في المعاني و الأزمان،و المجيء في الجواهر و الأعيان،و هو غير ظاهر هنا إلاّ أن يتكلّف.

و نقل عن الرّاغب في الفرق بينهما:أنّ الإتيان هو المجيء بسهولة،فهو أخصّ من مطلق المجيء،و هو كسابقه هنا أيضا.(9:30)

الطّباطبائيّ: الإتيان و المجيء في الآية بمعنى واحد،و الاختلاف في التّعبير للتّفنّن،و ما قيل:إنّ المعنى من قبل أن تأتينا بالآيات و من بعد ما جئتنا،لا دليل على

ص: 231

ما فيه من التّقدير.(8:225)

تأتون

1- ...أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ.

الأنبياء:3

الطّبريّ: أ تقبلون السّحر،و تصدّقون به و أنتم تعلمون أنّه سحر؟(17:3)

مثله الطّبرسيّ.(4:39)

الطّوسيّ: معناه أ فتقبلون السّحر؟و قيل:معناه أ فتعدلون إلى الباطل؟(7:229)

الزّمخشريّ: أ فتحضرون السّحر و أنتم تشاهدون و تعاينون أنّه سحر؟(2:562)

مثله أبو حيّان.(4:39)

القرطبيّ: أي إنّ الّذي جاء به محمّد سحر،فكيف تجيئون إليه و تتّبعونه؟(11:269)

النّيسابوريّ: أي أ تقبلون سحره و تحضرون هناك و أنتم ترون أنّه رجل مثلكم؟(17:7)

ابن كثير: أي فتتّبعونه فتكونون كمن يأتي السّحر،و هو يعلم أنّه سحر.(4:552)

2- أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. الشّعراء:165

الطّبريّ: أ تنكحون الذّكران من بني آدم في أدبارهم؟(19:105)

الطّبرسيّ: أي تصيبون الذّكور من جملة الخلائق.

(4:200)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ... فيحتمل عوده إلى الآتي أي أنتم من جملة العالمين صرتم مخصوصين بهذه الصّفة،و هي إتيان الذّكران.و يحتمل عوده إلى المأتيّ،أي أنتم اخترتم الذّكران من العالمين لا الإناث منهم.(24:161)

أبو حيّان: الإتيان:كناية عن وطء الرّجال،و قد سمّاه تعالى بالفاحشة،فقال: أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ الأعراف:80.

(7:36)

البروسويّ: عبّر عن الفاحشة بالإتيان كما عبّر عن الحلال في قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:

223.(6:301)

الطّباطبائي: إتيانهم كناية عن اللّواط،و قد كان شاع فيما بينهم.(15:309)

آتيكم،سآتيكم

إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. النّمل:7

الطّوسيّ: إنّما قال لامرأته لَعَلِّي آتِيكُمْ طه:

10،لأنّه أقامها مقام الجماعة في الأنس بها و السّكون إليها في الأمكنة الموحشة.و يجوز أن يكون على طريق الكناية على هذا التّأويل.(8:77)

مثله الطّبرسيّ.(4:211)

الزّمخشريّ: فإن قلت: سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ و لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ القصص:29،كالمتدافعين، لأنّ أحدهما ترجّ و الآخر تيقّن.

قلت:قد يقول الرّاجي إذا قوي رجاؤه:سأفعل كذا

ص: 232

و سيكون كذا،مع تجويزه الخيبة.

فإن قلت:كيف جاء بسين التّسويف؟

قلت:عدة لأهله أنّه يأتيهم به و إن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة.

فإن قلت:فلم جاء ب«أو»،دون الواو؟

قلت:بنى الرّجاء على أنّه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما:إمّا هداية الطّريق و إمّا اقتباس النّار،ثقة بعادة اللّه أنّه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده،و ما أدراه حين قال ذلك أنّه ظافر على النّار بحاجتيه الكلّيّتين جميعا،و هما العزّان:عزّ الدّنيا و عزّ الآخرة.(3:137)

مثله الفخر الرّازيّ(24:181)،و نحوه الرّازيّ (مسائل الرّازيّ:255)،و البروسويّ(6:321).

البيضاويّ: جمع الضّمير،إن صحّ أنّه لم يكن معه غير امرأته لما كنّى عنها بالأهل،و السّين للدّلالة على بعد المسافة أو الوعد بالإتيان و إن أبطأ.(2:170)

أبو حيّان: جاء هنا سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ و هو خبر،و في طه:10: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ، و في القصص:29: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ و هو ترجّ، و معنى التّرجّي مخالف لمعنى الخبر،و لكن الرّجاء إذا قوي جاز للرّاجي أن يخبر بذلك و إن كانت الخيبة يجوز أن تقع.و أتى بسين الاستقبال إمّا لأنّ المسافة كانت بعيدة،و إمّا لأنّه قد يمكن أن يبطئ،لمّا قدّر أنّه قد يعرض له ما يبطئه.(7:55)

الآلوسيّ: لم يجرّد الفعل عن السّين إمّا للدّلالة على بعد مسافة النّار في الجملة حتّى لا يستوحشوا إن أبطأ عليه السّلام عنهم،أو لتأكيد الوعد بالإتيان،فإنّها كما ذكره الزّمخشريّ تدخل في الوعد لتأكيد،و بيان أنّه كائن لا محالة و إن تأخّر،و ما قيل:من أنّ السّين للدّلالة على تقريب المدّة دفعا للاستيحاش،إنّما ينفع على ما قيل في اختياره على«سوف»دون التّجريد الّذي يتبادر من الفعل معه الحال الّذي هو أتمّ في دفع الاستيحاش.

و لعلّ الأولى اعتبار كونه للتّأكيد،لا يقال:إنّه عليه السّلام لم يتكلّم بالعربيّة و ما ذكر من مباحثها.

لأنّا نقول:ما المانع من أن يكون في غير اللّغة العربيّة ما يؤدّي مؤدّاها،بل حكاية القول عنه عليه السّلام بهذه الألفاظ يقتضي أنّه تكلّم في لغته بما يؤدّي ذلك و لا بدّ.و جمع الضّمير إن صحّ أنّه لم يكن معه عليه السّلام غير امرأته للتّعظيم، و هو الوجه في تسمية اللّه تعالى شأنه امرأة موسى عليه السّلام بالأهل مع أنّه جماعة الأتباع،و التّرديد للدّلالة على أنّه عليه السّلام إن لم يظفر بها لم يعدم أحدهما،بناء على ظاهر الأمر و ثقة بسنّة اللّه عزّ و جلّ،أنّه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده.

و قيل:يجوز أن يقال:التّرديد،لأنّ احتياجه عليه السّلام إلى أحدهما لا لهما،لأنّه كان في حال التّرحال و قد ضلّ عن الطّريق،فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطّريق فيستمرّ في سفره،فإن لم يجده يقتبس نارا و يوقدها و يدفع ضرر البرد في الإقامة.(19:159)

الطّباطبائيّ:قال في المجمع:إنّ خطابها بقوله:

(آتيكم)بصيغة الجمع لإقامتها مقام الجماعة في الأنس بها في الأمكنة الموحشة،انتهى.و من المحتمل أنّه كان معها غيرها من خادم أو مكار أو غيرهما.

ص: 233

و لعلّ اختلاف الإتيان بالخبر و الإتيان بالنّار نوعا هو الموجب لتكرار لفظ الإتيان؛حيث قال:(سآتيكم منها بخبر او آتيكم بشهاب قبس)(15:342)

نأتي

1- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها... الرّعد:41

القرطبيّ: أي نقصدها.(9:333)

النّيسابوريّ: يعني إتيان القهر و الغلبة،بدليل نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها (13:96)

أبو حيّان: (نأتي)يعني بالأمر و القدرة،كقوله:

فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ النّحل:26.(5:400)

البروسويّ: أي يأتي أمرنا أرض الكفرة.

(4:388)

الآلوسيّ: لا يخفى ما في التّعبير بالإتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة،كما في قوله تعالى:

وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23،و في الحواشي الشّهابيّة أنّ المعنى يأتيها أمرنا و عذابنا.(13:173)

2- ...أَ فَلا يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ. الأنبياء:44

الزّمخشريّ: فإن قلت:أيّ فائدة في قوله: نَأْتِي الْأَرْضَ ؟

قلت:الفائدة فيه تصوير ما كان اللّه يجريه على أيدي المسلمين،و أنّ عساكرهم و سراياهم كانت تغزو أرض المشركين،و تأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها.(2:574)

الآلوسيّ: العدول عن أنّا ننقص الأرض من أطرافها إلى ما في النّظم الجليل لتصوير كيفيّة نقصها و انتزاعها من أيديهم،فإنّه بإتيان جيوش المسلمين و استيلائهم،و كان الأصل يأتي جيوش المسلمين،لكنّه أسند الإتيان إليه عزّ و جلّ تعظيما لهم و إشارة إلى أنّه بقدرته تعالى و رضاه.و فيه تعظيم للجهاد و المجاهدين.(17:53)

فلناتينّك

...فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ. طه:58

الطّبريّ: لنجيء بسحر مثل الّذي جئت به.

(16:176)

القرطبيّ: أي لنعارضنّك.(11:211)

فات

1- قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ. الأعراف:106

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف قال له: (فَأْتِ بِها) بعد قوله: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ ؟

قلت:معناه إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأتني بها و أحضرها عندي،لتصحّ دعواك و يثبت صدقك.(2:101)

مثله النّيسابوريّ(9:21)،و الفخر الرّازيّ(14:

192)،و نحوه أبو حيّان(4:357).

ص: 234

البروسويّ: فاحضرها عندي ليثبت بها صدقك، فإنّ الإتيان و المجيء و إن كانا بمعنى واحد إلاّ أنّ بينهما فرقا؛من حيث أنّ المجيء يلاحظ فيه نقل الشّيء من جانب المبدأ،و الإتيان يلاحظ فيه إيصاله إلى المنتهى، فإنّ مبدأ المجيء هو جناب المرسل،و منتهى الإتيان هو المرسل إليه.(3:211)

الآلوسيّ: أي فاحضرها عندي،ليثبت بها صدقك في دعواك،فالمغايرة بين الشّرط و الجزاء ممّا لا غبار عليه،و لعلّ الأمر غنيّ عن التزام ذلك،لحصوله بما لا أظنّه يخفى عليك.(9:20)

2- ...قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ. (يونس:15)

الطّوسيّ: إنّما فرّق بين قوله: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، لأنّ الإتيان بغيره قد يكون معه، و تبديله لا يكون إلاّ برفعه و الإتيان بغيره.(5:403)

نحوه القرطبيّ.(8:319)

الفخر الرّازيّ: طلبوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أحد أمرين على البدل:

فالأوّل:أن يأتيهم بقرآن غير هذا القرآن.

و الثّاني:أن يبدّل هذا القرآن.و فيه إشكال،لأنّه إذا بدّل هذا القرآن بغيره فقد أتى بقرآن غير هذا القرآن، و إذا كان كذلك كان كلّ واحد منهما شيئا واحدا.و أيضا ممّا يدلّ على أنّ كلّ واحد منهما هو عين الآخر أنّه عليه الصّلاة و السّلام اقتصر في الجواب على نفي أحدهما، و هو قوله: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يونس:15،و إذا ثبت أنّ كلّ واحد من هذين الأمرين هو نفس الآخر،كان إلقاء اللّفظ على التّرديد و التّخيير فيه باطلا.

و الجواب:أنّ أحد الأمرين غير الآخر فالإتيان بكتاب آخر،لا على ترتيب هذا القرآن و لا على نظمه، يكون إتيانا بقرآن آخر،و أمّا إذا أتى بهذا القرآن إلاّ أنّه وضع مكان ذمّ بعض الأشياء مدحها،و مكان آية رحمة آية عذاب،كان هذا تبديلا،أو نقول:الإتيان بقرآن غير هذا هو أن يأتيهم بكتاب آخر سوى هذا الكتاب.

مع كون هذا الكتاب باقيا بحاله،و التّبديل هو أن يغيّر هذا الكتاب.

و أمّا قوله:إنّه اكتفى في الجواب على نفي أحد القسمين.

قلنا:الجواب المذكور عن أحد القسمين هو عين الجواب عن القسم الثّاني،و إذا كان كذلك وقع الاكتفاء بذكر أحدهما عن ذكر الثّاني.

و إنّما قلنا:الجواب عن أحد القسمين عين الجواب عن الثّاني لوجهين:

الأوّل:أنّه عليه الصّلاة و السّلام لما بيّن أنّه لا يجوز أن يبدّله من تلقاء نفسه،لأنّه وارد من اللّه تعالى، و لا يقدر على مثله،كما لا يقدر سائر العرب على مثله، فكان ذلك متقرّرا في نفوسهم بسبب ما تقدّم من تحدّيه لهم بمثل هذا القرآن،فقد دلّهم بذلك على أنّه لا يتمكّن من قرآن غير هذا.

و الثّاني:أنّ التّبديل أقرب إلى الإمكان من المجيء بقرآن غير هذا القرآن،فجوابه عن الأسهل يكون

ص: 235

جوابا عن الأصعب.

و من النّاس من قال:لا فرق بين الإتيان بقرآن غير هذا القرآن و بين تبديل هذا القرآن،و جعل قوله:

ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ يونس:15،جوابا عن الأمرين،إلاّ أنّه ضعيف على ما بيّنّاه.(17:55)

القرطبيّ: الفرق بين تبديله و الإتيان بغيره:أنّ تبديله لا يجوز أن يكون معه،و الإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه.(8:319)

ائتنا

...فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ. العنكبوت:29

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:إنّ اللّه تعالى قال في موضع آخر: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ النّمل:56،و قال هاهنا: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتِنا فكيف الجمع؟

فنقول:لوط كان ثابتا على الإرشاد مكرّرا عليهم التّغيير و النّهي و الوعيد،فقالوا أوّلا(ائتنا)،ثمّ لمّا كثر منه ذلك و لم يسكت عنهم قالوا:اخرجوا(25:59)

أبو حيّان: لمّا وقفهم لوط عليه السّلام على هذه القبائح أصرّوا على اللّجاج في التّكذيب،فكان جوابهم له أن قالوا: اِئْتِنا بِعَذابِ اللّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ فيما تعدنا به من نزول العذاب،قالوا ذلك و هم مصمّمون على اعتقاد كذبه فيما وعدهم به.و في آية أخرى: إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ النّمل:56،الجمع بينهما أنّهم أوّلا قالوا: اِئْتِنا بِعَذابِ اللّهِ ثمّ إنّه كثر منه الإنكار و تكرّر ذلك منه نهيا و وعظا و وعيدا قالوا:

أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ، و لمّا كان إنّما يأمرهم بترك الفواحش و ما كانوا يصنعونه من قبيح المعاصي و يعد على ذلك بالعذاب،و كانوا يقولون:انّ اللّه لم يحرّم هذا و لا يعذّب عليه،و هو يقول:إنّ اللّه حرّمه و يعذّب عليه، قالوا: اِئْتِنا بِعَذابِ اللّهِ، فكانوا ألطف في الجواب من قوم إبراهيم بقولهم: اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ العنكبوت:

24،لأنّه كان يذمّ (1)آلهتهم،و عهد إلى أصنامهم فكسّرها،فكان فعله هذا معهم أعظم من قول لوط لقومه،فكان جوابهم له أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ العنكبوت:24.(7:150)

فاتوا

1- وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ... البقرة:23

أبو حيّان: الإتيان:المجيء،و الأمر منه ائت،كما جاء في لفظ القرآن.و شذّ حذف فائه في الأمر قياسا و استعمالا.(1:101)

2- قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ.

الأنبياء:61

أبو حيّان:أي أحضروه على أعين النّاس.

(6:324)

مثله الآلوسيّ.(17:74)

3- ...نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ...

البقرة:223

ص: 236


1- في الأصل:لا يذمّ.

الزّمخشريّ: المعنى جامعوهنّ من أيّ شقّ أردتم، بعد أن يكون المأتيّ واحدا و هو موضع الحرث.

(1:362)

4- ...وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها.

البقرة:189

الزّمخشريّ: أي و باشروا الأمور من وجوهها الّتي يجب أن تباشروا عليها و لا تعكسوا.(1:341)

اتى

إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. مريم:93

الزّمخشريّ: المعنى ما من معبود لهم في السّماوات و الأرض من الملائكة و من النّاس إلاّ و هو يأتي الرّحمن، أي يأوي إليه و يلتجئ إلى ربوبيّته عبدا منقادا مطيعا خاشعا راجيا كما يفعل العبيد.(2:526)

القرطبيّ: أي ما كلّ من في السّماوات و الأرض إلاّ و هو يأتي يوم القيامة مقرّا له بالعبوديّة...و(آتي)بالياء في الخطّ،و الأصل التّنوين،فحذف استخفافا و أضيف.(11:159)

الآلوسيّ: أي إلاّ و هو مملوك له تعالى،يأوي إليه عزّ و جلّ بالعبوديّة و الانقياد لقضائه و قدره سبحانه و تعالى،فالإتيان معنويّ،و قيل:هو حسّيّ،و المراد إلاّ أتى محلّ حكمه،و هو أرض المحشر منقادا لا يدّعي لنفسه شيئا ممّا نسبوه إليه،و ليس بذاك كما لا يخفى.

(16:142)

آت

إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.

الأنعام:134)

البروسويّ: لواقع لا محالة،لا خلف فيه.

(3:108)

الآلوسيّ: المراد أنّ ذلك لواقع لا محالة،و إيثار (آت)على«واقع»لبيان كمال سرعة وقوعه،بتصويره بصورة طالب حثيث لا يفوته هارب،حسبما يعرب عنه قوله تعالى: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. (8:30)

آتية

إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها... طه:15

الطّوسيّ: أي جائية.(7:165)

نحوه الطّبرسيّ.(4:6)

الميبديّ: أي القيامة كائنة لا محالة.(6:105)

البروسويّ: أي القيامة كائنة لا محالة،و إنّما عبّر عن ذلك بالإتيان تحقيقا لحصولها بإبرازها في معرض أمر محقّق متوجّه نحو المخاطبين.(5:371)

ماتيّا

جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا. مريم:61

ابن قتيبة:أي آتيا،مفعول في معنى فاعل.

(274)

الطّبريّ: قال بعض نحويّي الكوفة:خرّج الخبر على أنّ الوعد هو المأتيّ،و معناه أنّه هو الّذي يؤتى،و لم

ص: 237

يقل:و كان وعده آتيا،لأنّ كلّ ما أتاك فأنت تأتيه.

و قال:أ لا ترى أنّك تقول:أتيت على خمسين سنة، و أتت عليّ خمسون سنة.و كلّ ذلك صواب.

(16:101)

نحوه البغويّ.(4:205)

الهرويّ: هو مفعول من الإتيان،و كلّ ما أتاك فقد أتيته،يقال:أتاني خبره،و أتيت خبره.(1:13)

الطّوسيّ: معنى مأتيّا مفعولا،و يجوز في مثل هذا آتيا و مأتيّا،لأنّ ما أتيته فقد أتاك و ما أتاك فقد أتيته، كما يقال:أتيت على خمسين سنة،و أتت عليّ خمسون سنة.و قيل:معناه إنّه كقولك:أتيت خير فلان و أتاني خير فلان.(7:138)

نحوه الطّبرسيّ.(3:521)

الزّمخشريّ: قيل في(ماتيّا):مفعول بمعنى فاعل، و الوجه أنّ الوعد هو الجنّة و هم يأتونها،أو هو من قولك:أتّى إليه إحسانا،أي كان وعده مفعولا منجّزا.

(2:515)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله(ماتيّا)،فقيل:إنّه مفعول بمعنى فاعل،و الوجه أنّ الوعد هو الجنّة و هم يأتونها.

قال الزّجّاج:كلّ ما وصل إليك فقد وصلت إليه، و ما أتاك فقد أتيته،و المقصود من قوله: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا بيان أنّ الوعد منه تعالى و إن كان بأمر غائب، فهو كأنّه مشاهد و حاصل،و المراد تقرير ذلك في القلوب.(21:236)

القرطبيّ: (ماتيّا)مفعول من الإتيان،و كلّ ما وصل إليك فقد وصلت إليه،تقول:أتت عليّ ستّون سنة،و أتيت على ستّين سنة،و وصل إليّ من فلان خير، و وصلت منه إلى خير.

و(مأتيّا)مهموز،لأنّه من أتى يأتي،و من خفّف الهمزة جعلها ألفا.(11:126)

النّيسابوريّ: هو مفعول بمعنى فاعل،أو على أصله،لأنّ ما أتاك فقد أتيته.(16:68)

نحوه أبو حيّان.(6:202)

البروسويّ: أي يأتيه من وعد له لا محالة بغير خلف،فالمأتيّ بمعنى المفعول من الإتيان،أو بمعنى الفاعل، أي جائيا البتّة.(5:345)

الآلوسيّ: أي يأتيه من وعد له لا محالة.و قيل:

(ماتيّا)مفعول بمعنى فاعل،أي آتيا.و قيل:هو مفعول من أتى إليه إحسانا،أي فعل به ما يعدّ إحسانا و جميلا، و الوعد على ظاهره.و معنى كونه مفعولا كونه منجّزا، لأنّ فعل الوعد بعد صدوره و إيجاده إنّما هو تنجيزه،أي إنّه كان وعده عباده منجّزا.(16:112)

خليل ياسين: س-الوعد لا يكون ماتيّا و إنّما يكون آتيا؟

ج-يجوز وقوع مفعول مكان فاعل مراعاة للفواصل،و مثله قوله: حِجاباً مَسْتُوراً الإسراء:

45،أي ساترا.(2:10)

اتى

...وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ... البقرة:177

ابن مسعود: أي يؤتيه و هو صحيح شحيح،يأمل العيش و يخشى الفقر.(الطّبريّ 2:95)

ص: 238

الطّبريّ: أعطى ماله في حين محبّته إيّاه و ضنّه به و شحّه عليه.(2:95)

مثله الطّبرسيّ(1:263)،و الآلوسيّ(2:46)، و المراغيّ(2:53).

السّيوطيّ: القرآن مشتمل على الفصيح و الأفصح،و المليح و الأملح،منها قوله تعالى:(اتى) أخفّ من«أعطى».(4:26)

رشيد رضا: أي و أعطى المال لأجل حبّه أو على حبّه إيّاه،أي المال.قال الأستاذ الإمام:و هذا الإيتاء غير إيتاء الزّكاة الآتي،و هو ركن من أركان البرّ، و واجب كالزّكاة.(2:115)

آتاهم

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ.

محمّد:17

السّدّيّ: بيّن لهم ما يتّقون.(الزّمخشريّ 3:534)

الطّبريّ: و أعطى اللّه هؤلاء المهتدين تقواهم.

(26:52)

الهرويّ: أي أعطاهم جزاء اتّقائهم.(1:13)

الطّوسيّ: قيل:معناه(آتاهم)ثواب(تقويهم).

و لا يجوز أن يكون المراد خلق لهم تقواهم،لأنّه يبطل أن يكون فعلهم.(9:299)

الزّمخشريّ: أعانهم عليها أو آتاهم جزاء تقواهم.و قرئ (و أعطاهم) .(3:534)

مثله النّيسابوريّ.(26:26)

الفخر الرّازيّ:ما معنى قوله: وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ ؟

نقول:فيه وجوه منقولة و مستنبطة:

أمّا المنقول فنقول:قيل فيه:إنّ المراد آتاهم ثواب تقواهم.و قيل:آتاهم نفس تقواهم من غير إضمار، يعني بيّن لهم التّقوى.و قيل:آتاهم توفيق العمل بما علموا.

و أمّا المستنبط فنقول:يحتمل أن يكون المراد به بيان حال المستمعين للقرآن،الفاهمين لمعانيه،المفسّرين له بيانا لغاية الخلاف بين المنافق،فإنّه استمع و لم يفهمه، و استعاد و لم يعلمه،و المهتدي فإنّه علمه و بيّنه لغيره.

و يدلّ عليه قوله تعالى: زادَهُمْ هُدىً .[إلى أن قال:]

و يحتمل أن يقال:قوله: زادَهُمْ هُدىً إشارة إلى العلم، وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ إشارة إلى الأخذ بالاحتياط فيما لم يعلموه،و هو مستنبط من قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ الزّمر:18،و قوله:

وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ آل عمران:7.

(28:59)

القرطبيّ: أي ألهمهم إيّاها.(16:239)

الطّريحيّ: أي جازاهم.(1:18)

البروسويّ: أي خلق التّقوى فيهم،أو بيّن لهم ما يتّقون منه.(8:509)

آتاكم

1- ...وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً... المائدة:48

الطّبريّ: يعني فيما أنزل عليكم من الكتب.

(6:272)

ص: 239

الطّبرسيّ: أي فيما فرضه عليكم و شرعه لكم.

قيل:فيما أعطاكم من السّنن و الكتاب.(2:203)

رشيد رضا: أي أعطاكم من الشّرائع و المناهج.

(6:419)

2- ...لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. الحديد:23

الطّبريّ: معناها إذا مدّت الألف منها:بالّذي أعطاكم منها ربّكم و ملّككم و خوّلكم،و إذا قصرت الألف فمعناها بالّذي جاءكم منها.

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: بِما آتاكُمْ، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز و الكوفة (بما آتاكم) بمدّ الألف،و قرأ بعض قرّاء البصرة (بما آتاكم) بقصر الألف.و كأنّ من قرأ ذلك بقصر الألف اختار قراءته كذلك؛إذ كان الّذي قبله (على ما فاتكم) و لم يكن على ما أفاتكم؛فيردّ الفعل إلى اللّه،فألحق قوله: بِما آتاكُمْ به،و لم يردّه إلى أنّه خبر عن اللّه.

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان صحيح معناهما،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،و إن كنت أختار مدّ الألف،لكثرة قارئي ذلك كذلك،و ليس للّذي اعتلّ به منه معتلّو قارئيه بقصر الألف كبير معنى،لأنّ ما جعل من ذلك خبرا عن اللّه،و ما صرف منه إلى الخبر عن غيره،فغير خارج جميعه عند سامعيه من أهل العلم أنّه من فعل اللّه تعالى،فالفائت من الدّنيا من فاته منها شيء، و المدرك منها ما أدرك عن تقدّم اللّه عزّ و جلّ و قضائه، و قد بيّن ذلك ثناؤه لمن عقل عنه بقوله: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ الحديد:22.

(27:235)

أبو زرعة: قرأ أبو عمرو: (و لا تفرحوا بما آتاكم) قصرا،أي جاءكم.و حجّته في ذلك أنّ(فاتكم)معادل به(آتاكم)،فكما أنّ الفعل للفائت في قوله:(فاتكم) كذلك يكون الفعل للآتي في قوله: بِما آتاكُمْ.

قال أبو عمرو:و تصديقها في آل عمران:153، وَ لا ما أَصابَكُمْ، قال:ف«أصابكم و جاءكم» سواء.

و قرأ الباقون: (بما آتاكم) بالمدّ،أي أعطاكم.

و حجّتهم في ذلك أنّ في حرف أبيّ و ابن مسعود: (بما اوتيتم) ،أي أعطيتم.(701)

نحوه الطّوسيّ(9:533)،و الميبديّ(9:498)، و الزّمخشريّ(4:66)،و النّسفيّ(4:228)،و أبو حيّان (8:225).

الآلوسيّ: أي أعطاكموه اللّه تعالى منها،فإنّ من علم أنّ الكلّ مقدّر يفوت ما قدّر فواته و يأتي ما قدّر إتيانه لا محالة،لا يعظم جزعه على ما فات و لا فرحه بما هو آت،و علم كون الكلّ مقدّرا مع أنّ المذكور سابقا المصائب دون النّعم و غيرها،لأنّه لا قائل بالفرق، و ليس في النّظم الكريم اكتفاء كما توهّم.نعم إن حملت المصيبة على الحوادث من خير و شرّ كان أمر العلم أوضح كما لا يخفى،و ترك التّعادل بين الفعلين في الصّلتين؛حيث لم يسندا إلى شيء واحد،بل أسند الأوّل إلى ضمير الموصول و الثّاني إلى ضميره تعالى،لأنّ الفوات و العدم ذاتيّ للأشياء،فلو خلّيت و نفسها لم تبق،

ص: 240

بخلاف حصولها و بقائها،فإنّه لا بدّ من استنادهما إليه عزّ و جلّ،كما حقّق في موضعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثل هذه القراءة قراءة عبد اللّه(اوتيتم)مبنيّا للمفعول،أي أعطيتم.و قرأ أبو عمرو(أتاكم)من الإتيان،أي جاءكم،و عليها بين الفعلين تعادل.

(27:187)

نحوه الطّباطبائيّ.(9:167)

اتينا

وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ. التّوبة:75

الطّباطبائيّ:الإيتاء:الإعطاء،و قد كثر إطلاق الإيتاء من الفضل على إعطاء المال.و من القرائن عليه في الآية قوله:(لنصّدّقنّ)،أي لنتصدّقنّ مما آتانا من المال،و كذلك ما في الآية التّالية من ذكر البخل به.

(9:349)

اتت

...كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ... البقرة:265

الهرويّ: أي أعطت،و المعنى أثمرت مثلي ما يثمر غيرها من الجنان.(1:14)

نحوه الطّبرسيّ(1:378)،و القرطبيّ(3:316)، و الطّريحيّ(1:18).

أبو حيّان: (اتت)بمعنى أعطت،و المفعول الأوّل محذوف،التّقدير:فآتت صاحبها أو أهلها أكلها،كما حذف في قوله:(كمثل جنّة)،أي صاحب أو غارس جنّة،و لأنّ المقصود ذكر ما يثمر لا لمن تثمر إذ هو معلوم.

و نصب(ضعفين)على الحال؛و من زعم أنّ (ضعفين)مفعول ثان ل(اتت)فهو ساه و ليس المعنى عليه،و كذلك قول من زعم أنّ(اتت)بمعنى أخرجت و أنّها تتعدّى لواحد؛إذ لا يعلم ذلك في لسان العرب، و نسبة الإيتاء إليها مجاز.(2:312)

نحوه الآلوسيّ.(3:36)

اتيتم

...وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ... البقرة:233

أبو زرعة: قرأ ابن كثير: (اذا سلّمتم ما اتيتم) مقصورة الألف،أي ما جئتم.و في الكلام حذف،المعنى إذا سلّمتم ما أتيتم به.

و قرأ الباقون: (ما اتيتم) بالمدّ،أي أعطيتم.

و حجّتهم قوله: (إِذا سَلَّمْتُمْ) ،لأنّ التّسليم لا يكون إلاّ مع الإعطاء.(137)

الزّمخشريّ: ما أردتم إيتاءه،كقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ المائدة:6،و قرئ (ما أتيتم) من أتى إليه إحسانا إذا فعله.و منه قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا مريم:61،أي مفعولا،و روى شيبان عن عاصم (ما اوتيتم) ،أي ما آتاكم اللّه و أقدركم عليه من الأجرة.

(1:371)

نحوه الفخر الرّازيّ(6:133)،و أبو حيّان(2:

218).

ص: 241

الطّبرسيّ:قرأ ابن كثير وحده (ما اتيتم) مقصورة الألف،و الباقون (ما اتيتم) .[إلى أن قال:]

و من قرأ(اتيتم)فالمراد إيتاء المهر كقوله: وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً النّساء:20،و قوله: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المائدة:5

أمّا قول ابن كثير فتقديره:إذا سلّمتم ما أتيتم نقده أو أتيتم سوقه،فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه، ثمّ حذف الهاء من الصّلة،فكأنّه قال:أتيت نقد ألف، أي بذلته،كما يقول:أتيت جميلا،أي فعلته.[ثمّ استشهد بشعر]فكما تقول:أتيت خيرا،فكذلك تقول:

أتيت نقدا.قد وقع آتيت موضع أتيت،و يجوز أن يكون ما في الآية مصدرا،فيكون التّقدير:إذا سلّمتم الإتيان، و الإتيان:المأتيّ ممّا يبذل بسوق أو نقد،كقولك ضرب الأمير،أي مضروبه.(1:333)

أبو البركات: قرئ(اتيتم)بالمدّ و القصر.

فمن قرأ(اتيتم)بالمدّ،حذف المفعولين،لأنّ(آتى) يتعدّى إلى مفعولين،فكذلك ما كان بمنزلته،و تقديره:

آتيتموه المرأة،أي أعطيتموه المرأة.

و من قرأ(اتيتم)بالقصر،فالتّقدير فيه:إذا سلّمتم ما أتيتم به،فحذف الجارّ و المجرور للعلم به.(1:160)

الآلوسيّ: أي ضمنتم و التزمتم،أو أردتم إتيانه، لئلاّ يلزم تحصيل الحاصل.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ]

(2:148)

اتينا

1- وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا بِهِ عالِمِينَ. الأنبياء:51

مجاهد: هديناه صغيرا.(1:411)

الفرّاء: أي أعطيناه هداه.(11:296)

2- وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها.

السّجدة:13

النّحّاس: في معناه قولان:أحدهما:أنّه في الدّنيا، و الآخر:أنّ سياق الكلام يدلّ على أنّه في الآخرة،أي لو شئنا لرددناهم إلى الدّنيا و المحنة كما سألوا.

(القرطبيّ 14:96)

القرطبيّ: تأويل المعتزلة:و لو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة،لكن لا يحسن منه فعله،لأنّه ينقض الغرض المجرى بالتّكليف إليه،و هو الثّواب الّذي لا يستحقّ إلاّ بما يفعله المكلّف باختياره.(14:96)

اتيناه

فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا...

الكهف:65

الطّبريّ: وهبنا له رحمة من عندنا.(15:276)

الطّوسيّ: أي أعطيناه رحمة.(7:69)

عزّة دروزة:اختصصناهم بعلم منّا.(6:32)

اتيناهم

1- أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً

ص: 242

عَظِيماً. النّساء:54

الرّاغب: كلّ موضع ذكر في وصف الكتاب(اتينا) فهو أبلغ من كلّ موضع ذكر فيه(اوتوا)،لأنّ(اوتوا)قد يقال إذا أولى من لم يكن منه قبول،و(اتيناهم)يقال فيمن كان منه قبول.(9)

الآلوسيّ: تكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التّفضيل مع الإشعار بما بين الملك و ما قبله من المغايرة.

و المراد من الايتاء إمّا الإيتاء بالذّات،و إمّا ما هو أعمّ منه و من الإيتاء بالواسطة.و على الأوّل فالمراد من (آل إبراهيم)أنبياء ذرّيّته،و من الضّمير الرّاجع إليهم من(اتيناهم)بعضهم...،و على الثّاني فالمراد بهم ذرّيّته كلّها،فإنّ تشريف البعض بما ذكر تشريف للكلّ، لاغتنامهم بآثار ذلك و اقتباسهم من أنوار.(5:57)

2- اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ... البقرة:146

أبو حيّان: لفظ(اتيناهم)أبلغ من(اوتوا)لإسناد الإيتاء إلى اللّه تعالى،معبّرا عنه بنون العظمة،و كذا ما يجيء من نحو هذا مرادا به الإكرام،نحو هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا مريم:58.

قيل:و لأنّ(اوتوا)قد يستعمل فيما لم يكن له قبول، و(اتيناهم)أكثر ما يستعمل فيما له قبول،نحو:

...اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الأنعام:89.(1:434)

آتيناها

وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ...

الأنعام:83

الطّبريّ: لقّنّاها إبراهيم،و بصّرناه إيّاها، و رفعناه على قومه.(7:259)

الزّمخشريّ: أرشدناه إليها و وفّقناه لها.(2:33)

أبو حيّان:أي أحضرناها بباله و خلقناها في نفسه؛ إذ هي من الحجج العقليّة،أو آتيناها بوحي منّا و لقّنّاه إيّاها.(4:172)

البيضاويّ: أرشدناه إليها أو علّمناه إيّاها.

(1:319)

اوتى

1- قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ...

البقرة:136

أبو حيّان: جاء(و ما انزل الينا)و جاء(و ما اوتى موسى و عيسى)تنويعا في الكلام و تصرّفا في ألفاظه و إن كان المعنى واحدا؛إذ لو كان كلّه بلفظ الإيتاء أو بلفظ الإنزال لما كان فيه حلاوة التنوّع في الألفاظ.

و لمّا ذكر في الإنزال أوّلا خاصّا عطف عليه جمعا، كذلك لمّا ذكر في الإيتاء خاصّا عطف عليه جمعا و لمّا أظهر الموصول في الإنزال في العطف أظهره في الإيتاء،فقال:

(و ما اوتى النّبيّون من ربّهم)و هو تعميم بعد تخصيص،

ص: 243

و ظاهر قوله: وَ ما أُوتِيَ يقتضي التّعميم في الكتب و الشّرائع.(1:408)

الآلوسيّ: أي التّوراة و الإنجيل،و لكون أهل الكتاب زادوا و نقصوا و حرّفوا فيهما،و ادّعوا أنّهما أنزلا كذلك،و المؤمنون ينكرونه،اهتمّ بشأنهما فأفردهما بالذّكر،و بيّن طريق الإيمان بهما و لم يدرجهما في الموصول السّابق،و لأنّ أمرهما أيضا بالنّسبة إلى(موسى و عيسى) أنّهما منزلان عليهما حقيقة،لا باعتبار التّعبّد فقط،كما في المنزل على(اسحاق و يعقوب و الاسباط)،و لم يعد الموصول لذلك في(عيسى)،لعدم مخالفة شريعته لشريعة(موسى)إلاّ في النّزر،و لذلك الاهتمام عبّر بالإيتاء دون الإنزال؛لأنّه أبلغ لكونه المقصود منه،و لما فيه من الدّلالة على الإعطاء الّذي فيه شبه التّمليك و التّفويض،لهذا يقال:أنزلت الدّلو في البئر،و لا تقول:

آتيتها إيّاها،و لك أن تقول:المراد بالموصول هنا ما هو أعمّ من التّوراة و الإنجيل و سائر المعجزات الظّاهرة بأيدي هذين النّبيّين الجليلين حسبما فصّل في التّنزيل الجليل،و إيثار الإيتاء لهذا التّعميم.(1:395)

رشيد رضا: قال الأستاذ الإمام:و هاهنا نكتة دقيقة في اختلاف التّعبير عن الوحي الّذي منحه اللّه الأنبياء؛إذ عبّر ب(انزل)تارة و ب(أوتى)تارة أخرى، و هي أنّ التّعبير ب(انزل)ذكر هنا في جانب الأنبياء الّذي ليس لهم كتب تؤثر و لا صحف تنقل،و ذلك أنّ إنزال الوحي على نبيّ لا يستلزم إعطاؤه كتابا يؤثر عنه، و هذا ظاهر إذا كان النّبيّ غير مرسل،فإنّ الوحي إليه يكون خاصّا به،و يكون إرشاده للنّاس أن يعملوا بشرع رسول آخر إن كان بعث فيهم رسول،و إلاّ كان قدوة في الخير و معدّا للنّفوس لبعثة نبيّ مرسل.و أمّا النّبيّ المرسل فقد يؤمر بالتّبليغ الشّفاهي و لا يعطى كتابا باقيا، و قد يكتب ما يوحى إليه في عصره فيضيع من بعده.

فهؤلاء الرّسل الكرام الّذين عبّر عنهم بقوله:(و ما انزل الى إبراهيم و...)لا يؤثر عن أحد منهم كتاب مسند صحيح و لا غير صحيح،و إنّنا نؤمن بأنّهم كانوا أنبياء، و أنّ ما نزّل عليهم هو دين اللّه الحقّ،و أنّه موافق في جوهره و أصوله لما أنزل على من بعدهم.و ما ذكر اللّه من (ملّة إبراهيم)بالنّصّ هو روح ذلك الوحي كلّه.و قد جاء في سورة النّجم و سورة الأعلى ذكر صحف لإبراهيم.

فنؤمن أنّه كان له صحف،و لا نزيد على ما ورد شيئا، و أمّا إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط فلم يثبت أنّ لهم صحفا و لا كتبا،فنؤمن بما أنزل إليهم بالإجمال، و نعتقد أنّه عين ملّة إبراهيم.

و جاء التّعبير عن وحي الّذين كان لهم كتب تؤثر بقوله: وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، فهو يشير بالإيتاء إلى أنّ ما أوحي إليهم له وجود يمكن الرّجوع إليه و النّظر فيه،فإنّ أقوامهم يأثرون عنهم كتبا.[إلى أن قال:]

و أمّا ما ذكره شيخنا من نكتة اختلاف التّعبير فيشكل بقوله في أوّل الآية: وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا، أي معشر المسلمين و هو القرآن،و قوله بعد: وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ، و لم يعلم أنّه كان لغير داود منهم كتاب منزل.

على أنّ عدم العلم بكتب أنزلت على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق لا يدلّ على عدم تلك الكتب.و لعلّ نكتة

ص: 244

اختلاف التّعبير أن يشمل ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى تلك الآيات الّتي أيّدهما بها،كما قال: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ الإسراء:101،و قال:

وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ البقرة:87،ثمّ قال:

وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، ليدلّ على أنّ ذلك لم يكن خاصّا بموسى و عيسى.(1:483)

الطّباطبائيّ: اختلاف التّعبير في الكلام،حيث عبّر عمّا عندنا و عند إبراهيم و إسحاق و يعقوب بالإنزال، و عمّا عند موسى و عيسى و النّبيّين بالإيتاء و هو الإعطاء.

لعلّ الوجه فيه أنّ الأصل في التّعبير هو الإيتاء،كما قال تعالى بعد ذكر إبراهيم،و من بعده و من قبله من الأنبياء في سورة الأنعام: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الأنعام:89،لكن لفظ«الإيتاء» ليس بصريح في الوحي و الإنزال،كما قال تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ لقمان:12،و قال: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ الجاثية:16.

و لمّا كان كلّ من اليهود و النّصارى يعدّون إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط من أهل ملّتهم فاليهود من اليهود،و النّصارى من النّصارى، و اعتقادهم أنّ الملّة الحقّ من النّصرانيّة أو اليهوديّة، هي ما أوتيه موسى و عيسى،فلو كان قيل:و ما أوتي إبراهيم و إسماعيل،لم يكن بصريح في كونهم بأشخاصهم صاحب ملّة بالوحي و الإنزال،و احتمل أن يكون ما أوتوه هو الّذي أوتيه موسى و عيسى عليهما السّلام،نسب إليهم بحكم التّبعيّة كما نسب إيتاؤه إلى بني إسرائيل، فلذلك خصّ إبراهيم و من عطف عليه باستعمال لفظ الإنزال.و أمّا النّبيّون قبل إبراهيم فليس لهم فيهم كلام حتّى يوهم قوله: وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ شيئا يجب دفعه.

(1:311)

2- ...وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ... آل عمران:84

الميبديّ: إن قيل:لم قال في البقرة:136 وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ، و قال هنا: وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ؟

قيل:كان الخطاب هنا عامّا و هو يتطلّب التّوسّع في اللّفظ لا الاقتضاب،و في البقرة كان الخطاب خاصّا فاقتضى الاقتضاب.(2:184)

النّسفيّ: كرّر في البقرة وَ ما أُوتِيَ و لم يكرّر هنا،لتقدّم ذكر الإيتاء؛حيث قال: لَما آتَيْتُكُمْ .

آل عمران:81.(1:168)

الآلوسيّ: من التّوراة و الإنجيل و سائر المعجزات، كما يشعر به إيثار الإيتاء على الإنزال الخاصّ بالكتاب.

و قيل:هو خاصّ بالكتابين،و تغيير الأسلوب للاعتناء بشأن الكتابين.(3:215)

اوتيت

قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى. طه:36

الآلوسيّ: أي قد أعطيت سؤلك،ف«فعل»بمعنى «مفعول»كالخبز و الأكل بمعنى المخبوز و المأكول.و الإيتاء عبارة عن تعلّق إرادته تعالى بوقوع تلك المطالب و حصولها له عليه السّلام البتّة،و تقديره تعالى إيّاها حتما،فكلّها حاصلة له عليه السّلام،و إن كان وقوع بعضها بالفعل مرتّبا

ص: 245

كتيسير الأمر و شدّ الأزر،و باعتباره قيل: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ القصص:35.(16:186)

يؤتون

اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. فصّلت:7

ابن عبّاس: هم الّذين لا يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 24:92)

مجاهد: لا يزكّون أعمالهم.(الآلوسيّ 24:98)

الضّحّاك: لا يتصدّقون و لا ينفقون في الطّاعة.

مثله مقاتل.(القرطبيّ 15:340)

الحسن: لا يؤمنون بالزّكاة و لا يقرّون بها.

مثله قتادة.(أبو حيّان 7:484)

الطّبريّ: الصّواب من القول في ذلك ما قاله الّذين قالوا:معناه لا يؤدّون زكاة أموالهم،و ذلك أنّ ذلك هو الأشهر من معنى الزّكاة،و أنّ قوله في: وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ دليل على أنّ ذلك كذلك،لأنّ الكفّار الّذين عنوا بهذه الآية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه،فلو كان قوله: اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ مرادا به الّذين لا يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه لم يكن لقوله: وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ، معنى،لأنّه معلوم أنّ من لا يشهد أن لا إله إلاّ اللّه لا يؤمن بالآخرة،و في اتباع اللّه قوله: وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ قوله: اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ما ينبئ عن أنّ الزّكاة في هذا الموضع معنيّ بها زكاة الأموال.(24:93)

النّسفيّ: لا يؤمنون بوجوب الزّكاة و لا يعطونها، أو لا يفعلون ما يكونون به أزكياء،و هو الإيمان.

(4:88)

الطّباطبائيّ: المراد بإيتاء الزّكاة مطلق إنفاق المال للفقراء و المساكين لوجه اللّه،فإنّ الزّكاة بمعنى الصّدقة الواجبة في الإسلام لم تكن شرّعت بعد عند نزل السّورة، و هي من أقدم السّور المكّيّة.

و قيل:المراد بإيتاء الزّكاة تزكية النّفس و تطهيرها من أوساخ الذّنوب و قذارتها،و إنماؤها نماء طيّبا بعبادة اللّه سبحانه،و هو حسن،لو حسن إطلاق إيتاء الزّكاة على ذلك.(17:361)

2- وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ. المؤمنون:60

ابن عبّاس: المؤمن ينفق ماله و يتصدّق و قلبه وجل،أنّه إلى ربّه راجع.(الطّبريّ 18:32)

يعطون ما أعطوا.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 18:33)

الحسن: يعملون ما عملوا من أعمال البرّ.

(الطّبريّ 18:32)

الضّحّاك: ينفقون ما أنفقوا.(الطّبريّ 18:32)

تؤتى

تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها... إبراهيم:25

الطّوسيّ: أي تخرج هذه الشّجرة الطّيّبة-و هي النّخلة-ما يؤكل منها في كلّ حين.(6:291)

الزّمخشريّ: تعطي ثمرها كلّ وقت وقّته اللّه

ص: 246

لإثمارها.(2:376)

مثله البروسويّ(4:414)،و الآلوسيّ(13:

213).

يؤتى

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً. المدّثّر:52

مجاهد: أرادوا أن ينزل على كلّ واحد منهم كتاب فيه من اللّه عزّ و جلّ إلى فلان بن فلان.

(القرطبيّ 19:90)

القرطبيّ: أي يعطى كتبا مفتوحة...

و قيل:المعنى أن يذكر بذكر جميل،فجعلت الصّحف موضع الذّكر مجازا.(19:90)

الطّباطبائيّ: في الكلام إضراب عمّا ذكر من إعراضهم،و المعنى ليس إعراضهم عن التّذكرة لمجرّد النّفرة،بل يريد كلّ امرئ منهم أن ينزّل عليه كتاب من عند اللّه مشتمل على ما تشتمل عليه دعوة القرآن.

و هذه النّسبة إليهم كناية عن استكبارهم على اللّه سبحانه،أنّهم إنّما يقبلون دعوته و لا يردّونها لو دعا كلّ واحد منهم بإنزال كتاب سماويّ إليه مستقلاّ.و أمّا الدّعوة من طريق الرّسالة فليسوا يستجيبونها و إن كانت حقّة مؤيّدة بالآيات البيّنة.

فالآية في معنى ما حكاه اللّه سبحانه من قوله: لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ الأنعام:124، و في معنى قول الأمم لرسلهم: إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا إبراهيم:10،على ما قرّرنا من حجّتهم على نفي رسالة الرّسل.

و قيل:إنّ الآية في معنى قولهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذي حكاه اللّه في قوله: وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء:93.

و يدفعه أنّ مدلول الآية أن ينزل على كلّ واحد منهم صحف منشّرة غير ما ينزّل على غيره،لا نزول كتاب واحد من السّماء على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقرؤه الجميع،كما هو مدلول آية الإسراء.

و قيل:المراد نزول كتب من السّماء عليهم بأسمائهم أن آمنوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و قيل:المراد أن ينزل عليهم كتب من السّماء بالبراءة من العذاب و إسباغ النّعمة حتّى يؤمنوا،و إلاّ بقوا على كفرهم.و قيل:غير ذلك.

و هي جميعا معان بعيدة من السّياق،و التّعويل على ما تقدّم.(20:99)

آتنا

فَلَمّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا... الكهف:62

الطّبريّ: جئنا بغدائنا و أعطناه،و قال: آتِنا غَداءَنا كما يقال:أتى الغداء و آتيته،مثل ذهب و أذهبته.(15:274)

آتوا

وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً... النّساء:4

القفّال: يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة، فيكونوا قد أمروا بدفع المهور الّتي سمّوها لهنّ.

و يحتمل أن يراد الالتزام،كقوله: حَتّى يُعْطُوا

ص: 247

اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ التّوبة:29،أي حتّى يضمنوها و يلتزموها،فيكون المعنى:أنّ الفروج لا تستباح إلاّ بعوض يلتزم،سواء سمّي ذلك أو لم يسمّ إلاّ ما خصّ به الرّسول صلّى اللّه عليه و آله من الموهبة.

و يجوز أن يراد الوجهان جميعا.

(النّيسابوريّ 4:174)

الجصّاص: أمر يقتضي ظاهره الإيجاب،و دلّ بفحواه على أنّ المهر ينبغي أن يكون مالا من وجهين:

أحدهما:قوله:(و آتوا)معناه أعطوا،و الإعطاء إنّما يكون في الأعيان دون المنافع؛إذ المنافع لا يتأتّى فيها الإعطاء على الحقيقة.

و الثّاني:قوله: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً النّساء:4،و ذلك لا يكون في المنافع و إنّما هو في المأكول أو فيما يمكن صرفه بعد الإعطاء إلى المأكول.فدلّت هذه الآية على أنّ المنافع لا تكون مهرا.(2:142)

اتوهم

وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ...

النّور:33

ابن قتيبة: أي أعطوهم،أو،ضعوا عنهم شيئا ممّا يلزمهم.(304)

الزّمخشريّ: قيل:معنى(و اتوهم)أسلفوهم.

و قيل:أنفقوا عليهم بعد أن يؤدّوا و يعتقوا.(3:66)

الآلوسيّ:قيل:معنى(اتوهم)أقرضوهم.و قيل:

هو أمر لهم بالإنفاق عليهم بعد أن يؤدّوا و يعتقوا.

(18:156)

الطّباطبائيّ:إشارة إلى إيتائهم مال الكتابة من الزّكاة المفروضة،فسهم من سهام الزّكاة لهم،كما قال تعالى: وَ فِي الرِّقابِ التّوبة:60،أو إسقاط شيء من مال الكتابة.(15:113)

آتوهنّ

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. النّساء:25

الزّمخشريّ: أدّوا إليهنّ مهورهنّ بغير مطل و ضرار و إحواج إلى الاقتضاء و اللّزّ.

فإن قلت:الموالي هم ملاّك مهورهنّ،لا هنّ، و الواجب أداؤها إليهم لا إليهنّ،فلم قيل:(و آتوهنّ)؟

قلت:لأنّهنّ و ما في أيديهنّ مال الموالي،فكان أداؤها إليهنّ أداء إلى الموالي،أو على أنّ أصله:فآتوا مواليهنّ،فحذف المضاف.(1:520)

مثله الرّازي(مسائل الرّازي 45)،و نحوه البيضاويّ (1:214).

الآلوسيّ: أي أدّوا إليهنّ مهورهنّ بإذن أهلهنّ.

و حذف هذا القيد لتقدّم ذكره،لا لأنّ العطف يوجب مشاركة المعطوف المعطوف عليه في القيد،و يحتمل أنّه يكون في الكلام مضاف محذوف،أي آتوا أهلهنّ،و لعلّ ما تقدّم قرينة عليه.

قيل:و نكتة اختيار(آتوهنّ)على آتوهم مع تقدّم الأهل-على ما ذكره بعض المحقّقين-أنّ في ذلك تأكيدا

ص: 248

لإيجاب المهر،و إشعارا بأنّه حقّهن من هذه الجهة،و إنّما تأخذه الموالي بجهة ملك اليمين،و الدّاعي لهذا كلّه أنّ المهر للسّيّد عند أكثر الأئمّة،لأنّه عوض حقّه.(5:10)

آتونى

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ.

الكهف:96

الفخر الرّازيّ: قراءة الجميع(آتونى)بمدّ الألف إلاّ حمزة فإنّه قرأ(ائتونى)من الإتيان،و قد روي ذلك عن عاصم،و التّقدير:ائتوني بزبر الحديد،ثمّ حذف الباء، كقوله:شكرته و شكرت له،و كفرته و كفرت له.

(21:171)

القرطبيّ: أي أعطوني زبر الحديد و ناولونيها.

و قرأ أبو بكر و المفضّل (ردما ايتونى) من الإتيان الّذي هو المجيء،أي جيئوني بزبر الحديد.(11:60)

نحوه أبو حيّان.(6:164)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: (اتى)على ستّة عشر وجها:

1-الدّنوّ:نحو أَتى أَمْرُ اللّهِ النّحل:1،أي قرب و دنا و هي السّاعة،و نحو حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ الحجر:99،أي يدنو،و نحوه.

2-الإصابة:نحو إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ الأنعام:

40،يعني أصابها.

3-القلع:نحو فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ النّحل:26،يعني قلع بنيان ديارهم.

4-العذاب:نحو فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الحشر:2،أي عذّبهم اللّه تعالى،و نحو أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ الأنعام:158،أي يهلك ربّك،و نحوه.

5-السّوق:نحو يَأْتِيها رِزْقُها النّحل:112،أي يسوق إليها رزقها(رغدا)من كلّ مكان.

6-الجماع:نحو أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ الشّعراء:165،و نحو أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ النّمل:55،و فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223.

7-العمل:نحو إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ العنكبوت:28،و نحوه وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ العنكبوت:29،أي تعلمون.

8-الإقرار و الطّاعة:نحو إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً مريم:93،أي مقرّا له بالعبوديّة.

9-الخلق:نحو إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ فاطر:16،يعني إن يشأ يهلككم و يمتكم و يخلق خلقا جديدا.

10-المجيء بعينه: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ مريم:

27،يعني فجاءت إلى قومها بولدها،و نحوه كثير.

11-الظّهور:نحو وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ الصّفّ:6،يعني يظهر و يخرج.

12-الدّخول:نحو وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها البقرة:189،أي ادخلوها من أبوابها.

13-المضيّ:نحو وَ لَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ الفرقان:40،يعني و لقد مضوا على القرية، و نحو فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ

ص: 249

لَهُمْ الأعراف:138،و حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ النّمل:18،أي مضوا.

14-الإرسال:نحو بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ المؤمنون:90،يعني أرسلنا جبريل بالقرآن،و نحو بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ المؤمنون:71،يعنى أرسلنا جبريل.

15-المفاجأة:نحو أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ الأعراف:97،أي يفجأهم(بأسنا)،أي عذابنا.

16-النّزول:نحو وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ إبراهيم:17،أي ينزل،و نحوه كثير.(14)

مثله الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:44)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في مادّة«أتي»المجيء بسهولة و يسر و رضا،ثمّ تنشعب منها معان أخرى قريبة أو بعيدة منها، حسب ما يقتضيه السّياق.

2-و جاءت أفعاله مجرّدة و مزيدا فيها من باب الإفعال و غيره:أتى يأتي إتيانا،و آتى يؤتي إيتاء.

فالمجرّد جاء لازما و متعدّيا بنفسه إلى الأشخاص:أتى فلان و أتاني،أي جاءني،و متعدّيا ب«إلى»:أتى إليه، أي جاءه،و متعدّيا بالباء:أتى به،أي جاء به،و متعدّيا ب«على»:أتى عليه،أي مرّ به،و أتى على الشّيء،أي هدمه،و متعدّيا بنفسه إلى الشّيء:أتى بنيانهم من القواعد،أي هدّمه.

و أمّا«أتى»فجاء متعدّيا بواحد:آتاه،أي أتى به، و متعدّيا ب«إلى»:آتى إليه،أي ساقه إليه،و متعدّيا بمفعولين:أتى زيدا درهما،أي أعطاه إيّاه.

3-الإيتاء و الإعطاء واحد،إلاّ أنّ الإعطاء أبلغ من وجوه:

أ-الإيتاء-عن السّيوطيّ-أقوى في إثبات مفعوله من الإعطاء،فإنّك إذا آتيته فليس له أن يرفضه،و إذا أعطيته فهو بالخيار له أن يقبله و له أن يرفضه.

ب-الإيتاء يقتضي رضا الطّرف فضلا عن قبوله، و فيه سموّ في أداء المعاني،فإنّ قبول الشّيء أعمّ من الرّضا به.و أمّا الإعطاء فالقبول فيه لا يستلزم الرّضا.

ج-في الإعطاء معنى الصّلة و الإحسان و الهبة دون الإيتاء،و لهذا خصّت العطيّة و العطاء-كما قال الرّاغب- بالصّلة،نحو هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ص:39.

4-لم يبتّ أحد من أرباب اللّغة على اتّحاد أو اختلاف«أتى»و«آتى»،و لكنّهم لمّحوا إلى اختلافهما عند ما صرّح الجوهريّ باتّحادهما،و هو أوّل من قال به؛ إذ قال:آتاه،أي أتى به،ثمّ مثّل بآية و زعم أنّها مشتقّة من هذا المعنى،فقال:و منه قوله تعالى: آتِنا غَداءَنا الكهف:62،أي ائتنا به.و ما ذكره الجوهريّ هو معنى مستقى من القرآن،لأنّه بمثابة شرح للّفظ نظرا إلى سياق الآية،فلم يذكر شاهدا من اللّغة.و هو بهذا القول لم يخالف من تقدّمه من اللّغويّين فحسب،بل أنّه يخالف المفسّرين أيضا،فقد جزم أنّ معنى الإيتاء في الآية أعلاه هو المجيء فقط.بيد أنّهم فسّروه بالمجيء و الإعطاء معا، و منهم الطّبريّ،أو بترجيح الإعطاء على المجيء كما فعل الأخفش الأوسط.

و حذا حذو الجوهريّ بعض من جاء بعده من اللّغويّين و المفسّرين على السّواء،فتلقّفوا هذا المعنى

ص: 250

و كثّروا أمثلته و وسّعوا دائرته.و معنى الآية آتِنا غَداءَنا :التّناول دون الإتيان به،كما سيجيء.

الاستعمال القرآنيّ

و يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة من أكثر ما جاءت في القرآن فقد جاءت من المجرّد و الإفعال و مشتقّاتهما 549 مرّة و لا نذكر الآيات إلاّ بقدر الحاجة حذرا من التّطويل.

لم يرد في القرآن من هذه المادّة إلاّ«أتى»و«آتى» و مشتقّاتها،و نفس تلك المعاني أو قريبة منها تصاحبها بحسب السّياق.

ثانيا:أكثر ما جاء«أتى»في القرآن بمعنى المجيء،ثمّ تصاحبه المعاني الآتية:

أ-الدّنوّ: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1.

ب-الإصابة: أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ الأنعام:40.

ج-الفعل: فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ النّساء:25، و هذا في معنى: وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الأعراف:28.

و من هذا الباب وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ العنكبوت:29،و ليس كناية عن الوطء-كما قيل-بل كنّي عنه بلفظ المنكر،و تأتون،أي تفعلون.

د-و إذا كان بمعنى الفعل فقد يكنّى به عن الوطء:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223.

ه-أو عن اللّواط. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ الأعراف:81.

و-أو عن الهلاك و الدّمار: فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ النّحل:26،و نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها الرّعد:41.

ز-الدّخول: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها البقرة:189.

ح-الظّهور: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ الصّفّ:6.

ط-السّوق: قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً النّحل:112.

ي-الخلق: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ النّساء:133.

ك-الإرسال: وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَ إِنّا لَصادِقُونَ الحجر:64.

ل-المفاجأة: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ الأعراف:97.

م-الحلول و النّزول: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ الأعراف:17.

ن-الرّجوع: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً يوسف:93

س-القبول و التّصديق: أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ الأنبياء:3.

ع-البعث: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ الذّاريات:52.

ف-البلاغ: وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى طه:9، و مثله كثير.

ص-الوصول: فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ القصص:30،و حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا الأنعام:

34.

ق-الحشر: يَوْمَ يَأْتُونَنا مريم:38،و أَيْنَ ما

ص: 251

تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً البقرة:148.

ر-الاحتجاج: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ إبراهيم:10.

ش-الحضور و الإحضار: فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الصّافّات:157.

إلى غير ذلك من المعاني الّتي يذكرها المفسّرون بمناسبة السّياق.

ثالثا:و أكثر ما جاء في القرآن«آتى»بمعنى الإعطاء، ثمّ تصاحبه أيضا المعاني الآتية:

أ-الإرجاع: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ الأنبياء:84.

ب-الإنزال و هو كثير،و منه: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ البقرة:53.

ج-المناولة: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً الكهف:62،و آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ الكهف:96.

و قد تقدّم أنّ الجوهريّ أوّل من قال في آتِنا غَداءَنا أي ائتنا به،فأدخله في اللّغة،و تبعه غيره.

د-الأمر: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الحشر:7.

رابعا:قد تبيّن أنّ«أتى»و«آتى»يكتسبان مجموعة من الدّلالات من السّياق الّذي يردان فيه،و تتّصل هذه الدّلالات مع بعضها البعض بدلالة مركزيّة،تجمع بين العطاء من جانب و القبول من الآخر،و يكون في الخير، كما في نزول الآيات و الكتاب و الفضل و الأجر و الحكمة و العلم و الزّكاة و نحوها،و هو كثير في القرآن،و يكون في الشّرّ مثل الفاحشة و العذاب و المنكر،و نحوها كثير.

خامسا:و إذا كان في«الإتيان»معنى القبول و الرّضا فهو ثابت في الخير و الشّرّ معا،أمّا الخير فلأنّ الإنسان مفطور عليه،و أمّا الشّرّ فلأنّه يلائم هوى النّفس.

فالإنسان يطلب الشّرّ كما يطلب الخير: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ الإسراء:11.فالتّعبير بالإتيان في معرض بيان الرّذيلة و الفاحشة مثل:

أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ الأعراف:80،و أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ الشّعراء:165،و تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ العنكبوت:29،أبلغ و أدقّ من حيث بيان طواعية الجميع لها،و لهذا عبّر بهذا اللّفظ عن الزّنى،مثل وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ النّساء:15،من حيث رغبتهنّ به؛إذ يعطين من أنفسهنّ بكامل الرّضا.

و من هنا ذكر اللّغويّون وجود معنى اليسر و السّهولة و السّخاء في الإتيان و الإيتاء.

سادسا:و بالنّظر إلى هذه الدّلالات المتمازجة نلاحظ القرآن قد استعمل هذا اللّفظ على لسان الكافرين الّذين يطلبون أن يؤتى لهم بما يدّعون هدايته لهم و إيمانهم به، يقولونه بأفواههم و تأبى قلوبهم اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ يونس:15، فَأْتُونا بِسُلْطانٍ إبراهيم:10.

سابعا:قد سبق في هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ البقرة:210،وجوه من التّوجيه،و كان منها أنّها نظير فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ النّحل:

26،فهي تعبير عن المجازات و الانتقام،و نحن نرجّح هذا الوجه احتجاجا بذيلها وَ قُضِيَ الْأَمْرُ و قد أشار إليه الطّبريّ في آخر كلامه حيث قال:«فقضي في أمرهم ما قضي»فلاحظ.

و قد يخطر بالبال أنّ هذا تعبير عن مزاعم المشركين في اللّه أنّه و ملائكته يأتون،تسخيفا لمزاعمهم الباطلة، و ليس توصيفا للّه منه تعالى.و لم يذكروا هذا الوجه.

ص: 252

أ ث ث

اشارة

أثاثا

لفظ واحد،مرّتان مكّيّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل:أثّ النّبات و الشّعر يئثّ أثاثة فهو أثيث، و يوصف به الشّعر الكثير و النّبات الملتفّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثاث:أنواع المتاع،من متاع البيت و نحوه.

(8:253)

المفضّل الضّبّيّ:الأثاث:متاع البيت كالفرش و الأكسية.(أبو حيّان 5:518)

الأحمر:هو[الأثاث]جمع،واحدتها أثاثة،كما أنّ الحمام جمع،واحدتها حمامة،و السّحاب جمع،واحدتها سحابة.(الطّبريّ:16:118)

ابن زيد:الأثاث:المال أجمع،الإبل و الغنم و العبيد و المتاع.الواحدة أثاثة.(الطّريحيّ 2:233)

مثله أبو زيد.(الأزهري 1:165)

الفرّاء:الأثاث:لا واحد لها،كما أنّ المتاع لا واحد له،و لو جمعت الأثاث لقلت:ثلاثة أثّة،و أثث كثيرة.

(الأزهريّ 15:166)

ابن عبد الملك:الأثاث:متاع البيت،و جمعه:

آثّة و أثث.(القرطبيّ 10:159)

الطّبريّ: الأثاث:فإنّه متاع البيت،لم يسمع له بواحد،و هو في أنّه لا واحد له مثل المتاع.و قد حكي عن بعض النّحويّين أنّه كان يقول:واحد الأثاث أثاثة، و لم أر أهل العلم بكلام العرب يعرفون ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنا أرى أصل الأثاث اجتماع بعض المتاع إلى بعض حتّى يكثر،كالشّعر الأثيث،و هو الكثير الملتفّ،يقال منه أثّ شعر فلان يئثّ أثّا،إذا كثر و التفّ و اجتمع.

(14:154)

ص: 253

1Lابن دريد: أثّ النّبت يئثّ و يؤثّ أثّا،إذا كثر و التفّ،و يئثّ أكثر من يؤثّ،و النّبت أثيث و الشّعر أثيث أيضا.و كلّ شيء وطّأته و وثّرته من فراش أو بساط فقد أثّثته تأثيثا.و الأثاث:أثاث البيت من هذا.

الأثائث:الوثيرات الكثيرات اللّحم،و قد جمعوا أثيثة و أثاثا و وثيرة و وثارا،و به سمّي الرّجل أثاثة.

(1:14)

الجوهريّ: أثّ النّبات يئثّ أثاثة،أي كثر و التفّ.

و نبات أثيث و شعر أثيث.و نساء أثائث:كثيرات اللّحم.

و تأثّث فلان،إذا أصاب رياشا.(1:272)

ابن فارس: هذا باب يتفرّع من الاجتماع و اللّين و هو أصل واحد،يقال:إنّ واحده أثاثة،و يقال:لا واحد له من لفظه.يقال:نساء أثائث:وثيرات اللّحم.(1:8)

الهرويّ: قيل الأثاث:ما يلبس و يفترش،و قد تأثّثت،إذا اتّخذت أثاثا.(1:14)

ابن سيده: الأثاث،و الأثاثة،و الأثوثة:الكثرة و العظم من كلّ شيء.

أثّ يئثّ،و يئثّ،و يؤثّ،أثّا و أثاثة،فهو أثّ، مقصور-و عندي أنّه«فعل»-و كذلك أثيث؛و الأنثى:

أثيثة،و الجمع:إثاث،و أثائث.

و شعر أثيث:غزير طويل.و كذلك النّبات،و الفعل كالفعل.

و لحية أثّة،كثّة:أثيثة.

و أثت المرأة تئثّ أثّا:عظمت عجيزتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة أثيثة:وثيرة،كثيرة اللّحم؛و الجمع:إثاث، و أثائث.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثّث الشّيء:وطّأه،و وثّره.

و الأثاث:الكثير من المال.و قيل:كثرة المال.

و قيل:المال كلّه.و المتاع:ما كان من لباس،أو حشو لفراش،أو دثار؛واحدته:أثاثة.و اشتقّه ابن دريد من الشّيء المؤثّث،أي الموثّر.و في التّنزيل العزيز: أَثاثاً وَ رِءْياً مريم:74

و تأثّث الرّجل:أصاب خيرا

و أثاثة:اسم رجل.قال ابن دريد:أحسب أنّ اشتقاقه من هذا.(10:170)

الأثاث:متاع البيت بلا واحد،و قيل:واحدته أثاثة،من قولهم:أثّث البيت:وطّأه و وثّره.

(الإفصاح 1:576)

الأثاث:الورق و المال أجمع،من الإبل و الغنم و العبيد و المتاع.تأثّث:أصاب مالا و خيرا.و الأثاث مذكّر و لا يجمع.(الإفصاح 2:1233)

الطّوسيّ: الأثاث:متاع البيت الكثير،من قولهم:

شعر أثيث،أي كثير.و لا واحد للأثاث كما لا واحد للمتاع.(6:413)

الرّاغب: الأثاث:متاع البيت الكثير،و أصله من أثّ،أي كثر و تكاثف.و قيل للمال كلّه إذا كثر:أثاث، و لا واحد له كالمتاع،و جمعه:إثاث.و نساء أثائث:

كثيرات اللّحم،كأنّ عليهنّ أثاث.و تأثّث فلان:أصاب أثاثا.(9)

نحوه الطّباطبائيّ(12:314)،و الخازن(4:88).

ص: 254

الميبديّ: قال أهل اللّغة:الأثاث:متاع البيت، ما يتمتّع به الإنسان من أداة لا غنى عنها،مشتقّ من أثيث،و هو الكثير.(6:77)

الطّبرسيّ: الأثاث:المتاع من الفرش و الثّياب الّتي تزيّن بها،واحدها أثاثة.و قيل:لا واحد لها.

(3:525)

الفيروزآباديّ: أثّ النّبات يئثّ مثلّثة،أثاثة و أثاثا و أثوثا:كثر و التفّ،و المرأة:عظمت عجيزتها.

و أثّثه:وطّأه و وثّره،و هو أثّ و أثيث:كثير عظيم، و الجمع:إثاث و أثائث،و هي بهاء و الجمع كالجمع، و الأثائث:الكثيرات اللّحم أو الطّوال التّامّات منهنّ.

و الأثاث:متاع البيت بلا واحد،أو المال أجمع، و الواحدة أثاثة.

الأثاثيّ:الأثافيّ.(1:167)

الزّبيديّ: قال بعض اللّغويّين:الأثاث:ما يتّخذ للاستعمال و المتاع،لا للتّجارة.و قيل:هما بمعنى.

و تأثّث الرّجل:أصاب خيرا.(1:599)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أثّ النّبات أو الشّعر:

كثر و كثف.

و الأثاث:متاع البيت و لا واحد له،و بمعنى المال.

(1:28)

مجمع اللّغة: الأثاث،كسحاب:الكثير من المال أو متاع البيت،لا واحد له.و قيل:واحده أثاثة.و يقال للمال كلّه:أثاث.(1:13)

المصطفويّ: إنّ الأصل في هذه المادّة هو ما كثر و اجتمع،و كان من متعلّقات الحياة المادّيّة للإنسان و ما يلائمه في تأمين حياته و معاشه،و يتنوّع ذلك بتنوّع مواردها،فيقال:أثاث البيت،أثاث الحجرة،أثاث المعمل،أثاث السّيّارة،أثاث الحياة الإنسانيّة. وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً مريم:74، مطلق ما يتعلّق بمعاشهم من لوازم المأكل و الملبس و المسكن و المتجر. وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً النّحل:80،يراد مطلق ما يعمل منها و يستفاد في تأمين المعاش.(1:18)

محمود شيت: 1-أ-أثّ أثّا أثوثا و أثاثا،و أثاثة:

كثر و عظم،و أثّ النّبات:تكاثف و التفّ،و أثّ الشّعر:

غزر و طال،فهو أثّ و أثيث،الجمع:إثاث.

ب-أثّثه:ليّنه و مهّده،أثّث البيت:فرشه بالأثاث.

ج-تأثّث:كان ذا أثاث.

د-الأثاث:متاع البيت من فراش و نحوه، و الأثاث:المال أجمع من ماشية و غيرها،الجمع:أثث، و واحدته أثاثة.

2-أ-أثّث الثّكنة[مركز الجنود:]زوّدها بالمتاع الّذي تحتاجه.

ب-أثاث الجيش:متاعه من فراش و غيره،و قسم الأثاث في عينة الجيش:ما يضمّ من متاع ضروريّ للثّكنات و المقرّات و الدّوائر و المؤسّسات.(1:27)

النّصوص التّفسيريّة

اثاثا

1- ...وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ .النّحل:80

ص: 255

ابن عبّاس: يعني بالأثاث المال.

مثله قتادة.(الطّبريّ 14:154)

(أثاثا):ثيابا.(القرطبيّ 10:154)

أراد طنافس و بسطا و ثيابا و كسوة.

(النّيسابوريّ 14:103)

مجاهد: الأثاث:المتاع.(1:350)

مثله أبو عبيدة(1:365)،و القاسميّ(11:

4159)،و كذا روي عن الباقر عليه السّلام(الطّريحيّ 2:233).

الخليل: متاعا منضمّا بعضه إلى بعض،من أثّ، إذا كثر.(القرطبيّ 10:154)

القمّيّ: يعني به الثّياب و الأكل و الشّرب.

(الطّريحيّ 2:233)

الميبديّ: (أثاثا):متاع البيت،الأثاث:اسم لمتاع البيت،كالبساط و الكيس و الرّسن و الفرش، و القلنسوة و اللّجام و أمثال ذلك.و سمّي أثاثا لكثرتها، و كلّ كثير أثيث.(5:428)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:عطف المتاع على الأثاث و العطف يقتضي المغايرة،و ما الفرق بين الأثاث و المتاع؟

قلنا:الأقرب أنّ الأثاث:ما يكتسي به المرء و يستعمله في الغطاء و الوطاء،و المتاع:ما يفرش في المنازل و يزيّن به.(20:92)

البيضاويّ: (أثاثا):ما يلبس و يفرش.

(1:565)

النّيسابوريّ: [قال بعد نقل قول الفخر الرّازيّ:] قلت:لا يبعد أن يراد بالأثاث و المتاع ما هو الجامع بين الوصفين،كونه أثاثا،و كونه ممّا يتمتّع به.(14:103)

القاسميّ: الأثاث:ما يتّخذ للاستعمال بلبس أو فرش.و قيل:هما بمعنى.(10:3844)

بنت الشّاطئ: تفسير الأثاث بالمتاع يرد عليه أنّ المتاع جاء معطوفا على الأثاث في آية النّحل أَثاثاً وَ مَتاعاً، و لا يعطف الشّيء على مثله إن كان هو هو، على ما سبق بيانه في مبحث التّرادف،فضلا عن كون كلمة المتاع المفسّر بها من الألفاظ القرآنيّة،فعدوله عنها في الآية إلى أثاث،يؤذن بفرق بينهما.

و الرّاجح عندي من استقراء الآيات في الكلمتين أنّ الأثاث يستعمل أكثر ما يستعمل في متاع البيت بخاصّة، و مع ملحظ الوفرة و الكثرة.و قلّما استعمل في المعنويّ.

و لعلّ الزّمخشريّ حين أهمله في«أساس البلاغة»كان ينظر إلى هذا الملحظ،من استعمال الأثاث على أصل معناه في الغالب.

أمّا المتاع فعامّ فيما هو من متاع الدّنيا،غير مقصور على الأثاث.و تتصرّف العربيّة في المتاع على سبيل المجاز بمثل قولهم:متع النّهار متوعا،إذا ارتفع غاية الارتفاع ما قبل الزّوال.و شيء ماتع:بالغ في الجودة، و رجل ماتع:كامل في خصال الخير.«الأساس».

و يقوّي هذا الملحظ في الفرق بين خصوص الأثاث و عموم المتاع بعطف أحدهما على الآخر في آية النّحل، مع تدبّر سياق آيات في المتاع لا يقبل سياقها أن تحمل الكلمة على معنى الأثاث:

وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ...إِلى ما مَتَّعْنا

الحجر:88،طه:131

وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ . ..وَ مَتاعٌ...

البقرة:36،و الأعراف:24

أُحِلَّ لَكُمْ... مَتاعاً... المائدة:96

ص: 256

وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ... مَتاعٍ الرّعد:17

إِلاّ رَحْمَةً مِنّا وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ يس:44

وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ... البقرة:241

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ... النّساء:24،البقرة 236،و الأحزاب:49 و 28

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ محمّد:12

ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا... آل عمران:14

وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ

آل عمران:185،و الحديد:20

وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ.. .وَ مَتاعٌ... الأنبياء:111

واضح أنّ المتاع فيها عامّ لكلّ متاع الحياة الدّنيا و ليس كذلك«الأثاث»بخصوص دلالته في آيتيه من الكتاب المحكم.(الإعجاز البيانيّ:293)

2- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً. مريم:74

ابن عبّاس: الأثاث:المال.

الأثاث:المتاع.(الطّبريّ 16:117)

مثله مجاهد و ابن زيد.(الطّبريّ 16:118)

(اثاثا):هيئة.(القرطبيّ 11:143)

الأثاث:المتاع و زينة الدّنيا.(الطّبرسيّ 3:526)

مجاهد: يعني الزّينة.(1:390)

الحسن: أحسن المتاع.(الطّبريّ 16:117)

قتادة: أحسن صورا،و أكثر أموالا.

أي أكثر متاعا و أحسن منزلة و مستقرّا.

(الطّبريّ 16:117)

مقاتل:لباسا و ثيابا.(البغويّ 4:210)

السّجستانيّ: أثاث:متاع البيت،واحدها أثاثة.

(15)

البغويّ: متاعا و أموالا.(4:210)

مثله الخازن.(4:210)

الميبديّ: أكثر نعمة و أوفر زينة.(6:77)

الزّمخشريّ: الأثاث:متاع البيت،و قيل:هو ما جدّ من الفرش،و الخرثيّ:ما لبس منها.(2:521)

الأصول اللّغويّة

1-اتّفقت كلمة القوم-إلاّ النّادر منهم-على أنّ «الأثاث»جمع لا واحد له كلفظ«القوم».و الظّاهر أنّ هذا الأمر جاء في كلّ موضع أطلق فيه اللّفظ على مجموعة من الأشياء؛من حيث المجموع لا باعتبار الكثرة،فلا يقال:قوم،إلاّ على كثرة من النّاس اعتبرت جماعة واحدة،و كذا لا يقال:أثاث،إلاّ على مجموعة من الأدوات اشتركت في كونها متاع البيت.فمعناه جمع اعتبر واحدا،فلا واحد له من لفظه،و هذا هو الفارق بين الجمع و اسم الجمع،فالجمع كثرة بما أنّها كثرة، و اسم الجمع مجموعة باعتبار أنّها واحد.

و ما قلنا في الأثاث يتّفق مع المعنى الأصليّ لهذه المادّة «أثث»و هو الكثرة.

2-و الأثاث-كما مرّ في النّصوص-يطلق في المحاورات على متاع البيت،أي ما يتمتّع به الإنسان في البيت من الأسباب و الادوات،و هذا هو الأصل فيه،ثمّ توسّع فيه فأطلق على ما يتمتّع به في غير البيت،مثل:

ص: 257

أثاث الدّكّان،و أثاث السّيّارة،و أثاث المدرسة،كما قد يتوسّع فيه أيضا،فيقال للمال الكثير باعتباره متاع الحياة.

3-و الفرق بين«أثاث»و«متاع»أنّه لوحظ في الأوّل الكثرة،و في الثّاني التّمتّع،و ليس في المتاع معنى الكثرة بخلاف الأثاث،فالأوّل اسم جمع و الثّاني مفرد، إلاّ أنّه يظهر من قول الطّوسيّ:«لا واحد للأثاث كما لا واحد للمتاع».أنّ المتاع أيضا اسم جمع،و ليس ثابتا، و يؤيّده أنّ«المتاع»يجمع على أمتعة: لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ النّساء:102،و جمع الجمع أماتع و أماتيع،في حال أنّ«الأثاث»لم يثبت له جمع سوى ما قيل:ثلاثة آثّة و أثث،و هو شاذّ.سوى ما مرّ عن بعض اللّغويّين.

و هناك فرق آخر بينهما و هو أنّ المتاع اسم دائما و ليس مصدرا،و أمّا الأثاث فجاء مصدرا أيضا،و لعلّه الأصل فيه،يقال:أثّ:أثاثا و أثوثا و أثاثة،فهو من قبيل«الكتاب»مصدر بمعنى المكتوب،و الأثاث مصدر بمعنى الوصف،أي الشّيء الكثير،ثمّ اختصّ بمتاع البيت.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«أثاث»صيغة واحدة في آيتين مكّيّتين:

1- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ النّحل:80

2- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً مريم:74

و يلاحظ أوّلا:أنّ أثاثا نكرة منصوبة فيهما،فجاء في الأولى مع(متاعا)و في الثّانية مع(رءيا)من الرّؤية،أي المنظر و الهيئة.

و ثانيا:أنّ مجيئه مع(متاعا)يأبى أن يكون الأثاث بمعنى المتاع-كما قيل-بل يتعيّن أن يكون المراد به متاع البيت فقط،و أنّ(اثاثا و متاعا)من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ.

و ثالثا:أنّه ذكر لفظ(بيوت)في الآية الأولى مرّتين، و هو شديد المناسبة مع معنى الأثاث.

و رابعا:أنّ ذكر(اصواف)و(اوبار)و(اشعار)قبل (اثاثا)في هذه الآية-و هي لا يصنع منها سوى الفرش و اللّباس-لعلّه أوجب أنّ بعضهم فسّر(اثاثا)بالفرش أو الثّياب،مع أنّه لا موجب له؛إذ الفرش و الثّياب من جملة متاع البيت،فجاء(اثاثا)بهذه المناسبة،لا لأجل أنّه بمعنى الفرش و اللّباس،فهو من قبيل تفسير المفهوم بالمصداق.

و خامسا:أنّ مجيئه مع(رءيا)و هو بمعنى الهيئة و المنظر،أوجب تفسير الأثاث باللّباس،و هذا أيضا من قبيل ذكر المصداق مكان المفهوم.

ص: 258

أ ث ر

اشارة

13 لفظا،21 مرّة:17 مكّيّة،4 مدنيّة

في 16 سورة:12 مكّيّة،4 مدنيّة

آثر 1:1\يؤثر 1:1\آثارهما 1:1

آثرك 1:1\أثر 2:1-1\آثارهم 7:5-2

يؤثرون 1:-1\أثري 1:1

أثارة 1:1

تؤثرون 1:1\آثار 1:1

...

نؤثرك 1:1\آثارا 2:2\...

النّصوص اللّغويّة

الكلبيّ: أثرت بهذا المكان،أي ثبتّ فيه.

(ابن فارس 1:56)

أبو عمرو ابن العلاء: أخذت ذلك بلا أثرة عليك،أي لم أستأثر عليك.و رجل أثر على«فعل»:

يستأثر على أصحابه.(ابن فارس 1:55)

الخليل: الأثر:بقيّة ما ترى من كلّ شيء و ما لا يرى بعد ما يبقى علقة.

و الإثر:خلاص السّمن.

و أثر السّيف:ضربته.

و ذهبت في إثر فلان،أي استقفيته لا يشتقّ منه فعل هاهنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثر الحديث:أن يأثره قوم عن قوم،أي يحدّث به في آثارهم،أي:بعدهم،و المصدر:الأثارة.

و المأثرة:المكرمة،و إنّما أخذت من هذا،لأنّها يأثرها قرن عن قرن،يتحدّثون بها.

و مآثر كلّ قوم:مساعي آبائهم.

و الأثير:الكريم،تؤثره بفضلك على غيره، و المصدر:الإثرة،تقول:له عندنا إثرة.

و استأثر اللّه بفلان،إذا مات،و هو ممّن يرجى له الجنّة.و استأثرت على فلان بكذا و كذا،أي آثرت به نفسي عليه دونه.

ص: 259

و أثر السّيف:وشيه الّذي يقال له الفرند.و قولهم:

سيف مأثور،من ذلك،و يقال:هو أثير السّيف،مثل ذميل«فعيل»،و أثر السّيف«فعل»مخفّف.[ثمّ استشهد بشعر]

و المئثرة،مهموز:سكّين يؤثر بها باطن خفّ البعير،فحيثما ذهب عرف به أثره.

و الميثرة،خفيفة:شبه مرفقة تتّخذ للسّرج كالصّفّة،تلقى على السّرج،و يلقى عليها السّرج.

و قد أثرت أن أفعل كذا و كذا،و هو همّ في عزم.

و تقول:افعل يا فلان هذا آثرا ما،أي إن أخّرت ذلك الفعل فافعل هذا إمّا لا.و الآثر بوزن«فاعل».

و«الآثر و الواثر»لغتان،هو الّذي يؤثر تحت خفّ البعير المعروف الرّقيق بذلك.(8:236)

الكسائيّ: ما يدرى له أين أثر و ما يدرى له ما أثر، أي ما يدرى أين أصله و لا ما أصله.(ابن سيده 10:173)

ابن شميّل: إن آثرت أن تأتينا فأتنا يوم كذا و كذا، أي إن كان لا بدّ أن تأتينا فأتنا يوم كذا و كذا.

(ابن منظور 4:8)

أثرت أن أفعل كذا بوزن«علمت»،و آثرت أن أقول الحقّ.(أساس البلاغة:2)

المأثورة من الآبار:الّتي اختفيت قبلك ثمّ اندفنت، ثمّ سقطت أنت عليها فرأيت آثار الأرشية و الحبال، فتلك المأثورة.(ابن فارس 1:56)

أبو عمرو الشّيبانيّ: طريق مأثور،أي حديث الأثر.(ابن فارس 1:56)

الفرّاء: ابدأ بهذا آثرا ما،و آثر ذي أثير،و أثير ذي أثير،أي ابدأ به أوّل كلّ شيء.

(الأزهريّ 15:121)

أبو زيد: يقال:سمنت النّاقة على أثارة،أي على عتيق شحم كان قبل ذلك.(الأزهريّ 15:119)

يقال:مأثرة و مأثرة،و هي القدم في الحسب.

(الأزهريّ 15:120)

أثر السّيف:تسلسله أو ديباجته.

(الأزهريّ 15:121)

يقال:قد آثرت أن أقول ذاك،أؤاثر أثرا.

الأثيرة من الدّوابّ:العظيمة الأثر في الأرض بخفّها أو حافرها.(الأزهريّ 15:122)

رجل أثير على«فعيل»و جماعة أثيرون،و هو بيّن الأثرة،و جمع الأثير:أثراء.(ابن فارس 1:54)

يقال:هي الأثرة،و الجمع:الأثر،إذا استأثرت على قوم أو استأثروا عليك.و يقال:هي الأثرة،و الجميع:

الإثر،بكسر الهمزة.

و«الأثر و الإثر»لغتان،أي عليك استأثروا.(87)

الأصمعيّ: الأثر:خلاصة السّمن إذا سلئ،و هو الخلاص و الخلاص.(الأزهريّ 15:120)

الأثر،بضمّ الهمزة،من الجرح و غيره في الجسد:

يبرأ و يبقى أثره.(الأزهريّ 15:121)

المئثرة:حديدة يؤثر بها خفّ البعير ليعرف أثره في الأرض،يقال منه:أثرت البعير،فهو مأثور.

و رأيت أثرته و ثؤثوره.

و سيف مأثور،و هو الّذي يقال:إنّه يعمله الجنّ، و ليس من الأثر:الفرند.

ص: 260

المأثور:الّذي في متنه أثر.(الأزهريّ 15:121)

آثرتك إيثارا،أي فضّلتك.و فلان أثير عند فلان، و ذو أثرة،إذا كان خاصّا به.(الأزهريّ 15:122)

الإبل على أثارة،أي على شحم قديم.

(ابن فارس 1:55)

اللّحياني: أخذته بلا أثرى عليك.[أي لم أستأثر عليك](ابن فارس 1:55)

غضب على أثارة قبل ذلك،أي قد كان قبل ذلك منه غضب ثمّ ازداد بعد ذلك غضبا.(ابن سيده 10:174)

أبو عبيد: حديث عمر:«ما حلفت به ذاكرا و لا آثرا»،قوله:«و لا آثرا»يريد مخبرا عن غيري أنّه حلف،يقول:لا أقول:إنّ فلانا قال:و أبي لا أفعل كذا و كذا،و من هذا قيل:حديث مأثور،أي يخبر النّاس به بعضهم بعضا.(الأزهريّ 15:120)

إذا تخلّص اللّبن من الزّبد و خلص،فهو الأثر.

(ابن فارس 1:57)

ابن الأعرابيّ: أثر السّيف:ضربته.

(الأزهريّ 15:121)

افعل هذا آثرا ما،و آثرا،بلا«ما»و لقيته آثرا ما، و أثر ذات يدين و ذي يدين،و آثر ذي أثير،أي أوّل كلّ شيء،و لقيته أوّل ذي أثير،و إثر ذي أثير.

(ابن منظور 4:9)

آثرته بالشّيء إيثارا،و هي الأثرة و الإثرة،و الجمع:

الإثر.(ابن فارس 1:55)

ابن السّكّيت: يقال:افعل ذاك إثر ذي أثير، و إثرة ذي أثير،أي آخر شيء.(599)

الأثر:فرند السّيف.و الإثر:خلاصة السّمن.

و يقال:خرجت في إثره و في أثره.(إصلاح المنطق:24)

يقال:ما بالبعير كدمة،إذا لم يكن به أثرة و لا وسم.و الأثرة:أن يسحى باطن الخفّ بحديدة.

(إصلاح المنطق:385)

يقال:خرج فلان على إثر فلان و على أثره.و يقال:

سيف بيّن الأثر،و هو فرنده.و يقال:هذا جرح قبيح الأثر.(إصلاح المنطق:418)

رجل أثر على«فعل»بضمّ العين،إذا كان يستأثر على أصحابه،أي يختار لنفسه أفعالا و أخلاقا حسنة.

(الجوهريّ 2:575)

شمر: يقال:في هذا أثر و أثر،و الجمع:آثار.

و بوجهه إثار بكسر الألف،و لو قلت:أثورا،كنت مصيبا.

و أثر السّيف:فرنده،و جمعه الأثور.و يقال:في السّيف أثر،و أثر،على«فعل»و هو واحد ليس بجمع.

(الأزهريّ 15:121)

أبو الهيثم: الإثر،بكسر الهمزة:خلاصة السّمن.

(الأزهريّ 15:121)

المبرّد: في قولهم:«خذ هذا آثرا ما»كأنّه يريد أن يأخذ منه واحدا و هو يسام على آخر،فيقول.خذ هذا الواحد آثرا،أي قد آثرتك به.(الأزهريّ 15:122)

ابن دريد:أثر السّيف:ما استبنته من فرنده، و سيف مأثور:به أثر،و أثر الرّجل:أثر قدمه في الأرض، و كذلك أثر كلّ شيء،و جئت على أثر فلان،أي على عقبه.و أثرت الحديث آثره أثرا فهو مأثور،إذا رويته،

ص: 261

و منه قوله جلّ ثناؤه: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ المدّثّر:

24،بغير همزة.

و آثرت فلانا بكذا و كذا أوثره إيثارا،إذا فضّلته، فأنا مؤثر و هو مؤثر.

و سمنت النّاقة على أثارة،إذا سمنت على شحم قديم.

و أثرت الأرض أثيرها إثارة،إذا نبثت ترابها.[ثمّ استشهد بشعر](3:218)

تقول:أثرت أن أقول الحقّ آثر أثرا.و تقول:أثرت الحديث آثره أثرا فهو مأثور.(3:273)

الأزهريّ: الإثار:شبه الشّمال يشدّ على ضرع العنز شبه كيس؛لئلاّ تعان.

و قالوا:أثر السّيف،مضموم:جرحه.و أثره، مفتوح:رونقه الّذي فيه.و اثر البعير في ظهره،مضموم.

و افعل ذلك آثرا ما،و أثرا ما.و في وجهه أثر و أثر.و جاء في أثره و إثره.و بوجهه إثار،بكسر الألف،و لو قلت:

أثورا،كنت مصيبا.

و في نوادر العرب،يقال:أثر فلان يقول كذا، و طبن،و طبق،و دبق،و لفق،و فطن،و ذلك إذا أبصر الشّيء و ضري بمعرفته و حذقه.

و يقال:قد أثر أن يفعل ذلك الأمر،أي فرغ له و عزم عليه.

و رجل أثر،مثال«فعل»،و هو الّذي يستأثر على أصحابه،مخفّف.يقال:قد أخذه بلا أثرة،و بلا إثرة، و بلا استئثار،أي لم يستأثر على غيره و لم يأخذ الأجود.

يقال:أثّر بوجهه و بجبينه السّجود،و أثّر فيه السّيف و الضّربة.

يقال:آثر كذا و كذا بكذا و كذا،أي أتبعه إيّاه.

آثرك اللّه علينا،أي فضّلك.يقال:له عليّ أثر،أي فضل.و في الحديث:«إنّكم ستلقون بعدي أثرة»،أي يستأثر عليكم فيفضّل غيركم نفسه عليكم في الفيء.

استأثر اللّه بالبقاء أي انفرد بالبقاء.

و حديث مأثور يأثره عدل عن عدل.

و في الحديث:«من سرّه أن يبسط اللّه في رزقه و ينسأ في أثره فليصل رحمه»،أي في أجله،و سمّي الأجل أثرا،لأنّه يتبع العمر.(15:120)

الفارسيّ: و أتثرته و تأثّرته:تبعت أثره.

(ابن سيده 10:173)

ابن جنّيّ: الأثرة و الأثارة:البقيّة و هي ما يؤثر، من قولهم:أثر الحديث يؤثره أثرا أو أثرة.و يقولون:هل عندك من هذا أثرة و أثارة؟أي أثر.و منه:سيف مأثور، أي عليه أثر الصّنعة و طريق العمل.

و أمّا الأثرة ساكنة الثّاء فهي أبلغ معنى؛و ذلك أنّها الفعلة الواحدة من هذا الأصل،فهي كقولهم:آتوني بخبر واحد أو حكاية شاذّة،أي قنعت في الاحتجاج لكم بهذا الأصل على قلّته.(الطّبرسيّ 5:82)

الجوهريّ: الأثر:فرند السّيف.و المأثور:السّيف الّذي يقال إنّه من عمل الجنّ.

و الأثر أيضا:مصدر قولك:أثرت الحديث،إذا ذكرته عن غيرك.و منه قيل:حديث مأثور،أي ينقله خلف عن سلف.

و الأثر بالضّمّ:أثر الجراح يبقى بعد البرء،و قد يثقّل مثل عسر و عسر.

ص: 262

و الأثرة أيضا:أن يسحى باطن خفّ البعير بحديدة ليقتصّ أثره،تقول منه:أثرت البعير فهو مأثور،و تلك الحديدة مئثرة و تؤثور أيضا على«تفعول»بالضّمّ.و أمّا ميثرة السّرج فغير مهموز.

و الإثر،بالكسر أيضا:خلاصة السّمن.

و تقول أيضا:خرجت في إثره،أي في أثره.

و الأثر،بالتّحريك:ما بقي من رسم الشّيء،و ضربة السّيف.

و سنن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:آثاره.

و استأثر فلان بالشّيء،أي استبدّ به،و الاسم الأثرة بالتّحريك.

و استأثر اللّه بفلان،إذا مات و رجي له الغفران.

و آثرت فلانا على نفسي،من الإيثار.و فلان أثيري، أي[من]خلصائي.

و شيء كثير أثير،إتباع له مثل بثير.

و التّأثير:إبقاء الأثر في الشّيء.(2:576)

ابن فارس: الهمزة و الثّاء و الرّاء،له ثلاثة أصول:

تقديم الشّيء،و ذكر الشّيء،و رسم الشّيء الباقي.

في الحديث:«إذا استأثر اللّه بشيء فاله عنه»أي إذا نهى عن شيء فاتركه.

و في الحديث:«سترون بعدي أثرة»،أي من يستأثرون بالفيء.

و الأثارة:البقيّة من الشّيء،و الجمع:أثارات،و منه قوله تعالى: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ الأحقاف:4.

قال الخليل: الأثر في السّيف شبه (1)الّذي يقال له:

الفرند،و يسمّى السّيف مأثورا لذلك،يقال منه:أثرت السّيف آثره أثرا إذا جلوته حتّى يبدو فرنده.(1:53)

أبو هلال: الفرق بين العلامة و الأثر:أنّ أثر الشّيء يكون بعده،و علامته تكون قبله،تقول:الغيوم و الرّياح علامات المطر،و مدافع السّيول آثار المطر.(55)

الفرق بين الاختيار و الإيثار:أنّ الإيثار-على ما قيل-هو الاختيار المقدّم،و الشّاهد قوله تعالى:

قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا يوسف:91،أي قدّم اختيارك علينا،و ذلك أنّهم كلّهم كانوا مختارين عند اللّه تعالى،لأنّهم كانوا أنبياء.و اتّسع في الاختيار فقيل لأفعال الجوارح:اختياريّة،تفرقة بين حركة البطش و حركة المجسّ و حركة المرتعش،و تقول:اخترت المرويّ على الكتّان،أي اخترت لبس هذا على لبس هذا،و قال تعالى: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ الدّخان:32،أي اخترنا إرسالهم.و تقول في الفاعل:مختار لكذا،و في المفعول:مختار من كذا،و عندنا أنّ قوله تعالى: آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا يوسف:91،معناه أنّه فضّلك اللّه علينا،و أنت من أهل الأثرة عندي،أي ممّن أفضّله على غيره بتأثير الخير و النّفع عنده.

و اخترتك:أخذتك للخير الّذي فيك في نفسك، و لهذا يقال:آثرتك بهذا الثّوب و هذا الدّينار،و لا يقال:

اخترتك به،و إنّما يقال:اخترتك لهذا الأمر؛فالفرق بين الإيثار و الاختيار بيّن من هذا الوجه.(101)

الهرويّ: في الحديث:«إنّكم ستلقون بعدي أثره»، أي يستأثر عليكم،فيفضّل غيركم نفسه عليكم في الفيء.و الأثرة:اسم من آثر يؤثر إيثارا.ه.

ص: 263


1- في كلام الخليل:وشيه.

يقال:حديث مأثور،أي يأثره عدل عن عدل، و من ذلك:مآثر العرب،و هي مكارمها الّتي تؤثر عنها، الواحدة مأثرة.و في الحديث:«ألا إنّ كلّ دم و مال و مأثرة كانت في الجاهليّة فإنّها تحت قدميّ هاتين».

يقال:أثرت الحديث آثره،إذا رويته.

الأثارة،و الأثر:البقيّة،يقال:ما ثمّ عين و لا أثر.

(1:15)

أبو سهل الهرويّ: آثرت فلانا عليك بالمدّ فأنا أوثره،أي فضّلته و قدّمته و اخترته.

و أثرت الحديث بالقصر،فأنا آثره بالضّمّ،أي ذكرته عن غيري.(24)

ابن سيده: الأثر:بقيّة الشّيء؛و الجمع:آثار، و أثور.

و خرجت في إثره،و في أثره،أي بعده.

و أثّر في الشّيء:ترك فيه أثرا.

و الآثار:الأعلام.

و الأثيرة من الدّوابّ:العظيمة الأثر في الأرض بخفّها و حافرها،بيّنة الأثارة.

و أثر خفّ البعير يأثره أثرا،و أثّره:حزّه.

و الأثر:سمة في باطن خفّ البعير،يقتفى بها أثره؛ و الجمع:أثور.

و المئثرة،و التّؤثور:حديدة يؤثر بها أسفل خفّ البعير،ليعرف أثره في الأرض.و قيل:الأثرة،و الثّؤثور، و الثّأثور-كلّها-علامة تجعلها الأعراب في باطن خفّ البعير.

و رأيت أثرته،و ثؤثوره،أي موضع أثره من الأرض.

و الأثر:الخبر؛و الجمع:آثار.

و قوله تعالى: وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ يس:12،أي نكتب ما أسلفوا من أعمالهم،و نكتب آثارهم،أي من سنّ سنّة حسنة كتب له ثوابها،و من سنّ سنّة سيّئة كتب عليه عقابها.

و أثر الحديث عن القوم يأثره،و يأثره أثرا،و أثارة و أثرة-الأخيرة عن اللّحيانيّ-:أنبأهم بما سبقوا فيه من الأثر.و قيل:حدّث به عنهم في آثارهم.

و الصّحيح عندي أنّ الأثرة الاسم،و هي المأثرة، و المأثرة.

و أثرة العلم،و أثرته،و أثارته:بقيّة منه تؤثر،أي تروى و تذكر.و قرئ (او اثرة من علم) و (او اثرة من علم) و أَوْ أَثارَةٍ الأحقاف:4،و الأخيرة أعلى.و قال الزّجّاج:أثارة في معنى علامة.

و يجوز أن يكون على معنى بقيّة.و يجوز أن يكون ما يؤثر من العلم.

و سمنت النّاقة على أثارة،أي على عتيق شحم كان قبل ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثرة و المأثرة،و المأثرة:المكرمة المتوارثة.

و آثره:أكرمه.

و رجل أثير:مكين،مكرم؛و الجمع:أثراء،و الأنثى:

أثيرة.

و آثره عليه:فضّله،و في التّنزيل: لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا يوسف:91.

و أثر أن يفعل كذا أثرا،و أثر،و آثر-كلّه-فضّل

ص: 264

و قدّم.

و استأثر بالشّيء على غيره:خصّ به نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«إذا استأثر اللّه بشيء فاله عنه».

و رجل أثر و أثر:يستأثر على أصحابه في القسم.

و هي الأثرة.و كذلك الأثرة،و الإثرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأثر اللّه فلانا و بفلان،إذا مات،و هو ممّن ترجى له الجنّة.

و الأثر،و الإثر،و الأثر:فرند السّيف و رونقه؛ و الجمع:أثور.[ثمّ استشهد بشعر]

و سيف مأثور:في متنه أثر.

و قيل:هو الّذي يقال:إنّه تعمله الجنّ،و ليس من الأثر الّذي هو الفرند.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثر الوجه،و أثره:ماؤه و رونقه.

و أثر السّيف:ضربته.

و أثر الجرح:أثره يبقى بعد ما يبرأ.

و الإثر و الأثر:خلاصة السّمن إذا سلى.و قيل:هو اللّبن إذا فارقه السّمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:افعله آثرا ما،و أثرا ما،أي إن كنت لا تفعل غيره فافعله.و قيل:افعله مؤثرا له على غيره.و ما زائدة، و هي لازمة،لا يجوز حذفها؛لأنّ معناه:افعله آثرا مختارا له،معنيّا به.من قولك:آثرت أن أفعل كذا و كذا.

و لقيته آثرا ما،و أثر ذات يدين،و ذي يدين،و آثر ذي آثير،أي أوّل شيء.

و لقيته أوّل ذي أثير،و افعله أوّل ذي آثير،و إثر ذي أثير.و قيل:الأثير:الصّبح.و ذو أثير:وقته.[ثمّ استشهد بشعر]

و حكى اللّحيانيّ:إثر ذي أثيرين،و إثر ذي أثيرين،و إثرة ما.

و الأثرة:الجدب،و الحال غير المرضيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض»

و أثر الفحل النّاقة يأثرها أثرا:أكثر ضرابها.

(10:173)

الأثر و الإثارة:موضع يد الدّابّة أو رجلها في الأرض،الجمع:آثار.و دابّة أثيرة:عظيمة الأثر في الأرض.

و خرج في أثره و في إثره:في عقبه،و جاء في أثره و في إثره:تبعه عن قرب،و أثره يأثره أثرا و أثرة و أثارة و ائتثره و تأثّره:تبع أثره.(الإفصاح 1:275)

الطّوسيّ: الآثار:جمع أثر،و هو العمل الّذي يظهر للحسّ.و آثار القوم:ما أبقوا من أعمالهم.و منه المأثرة، و هي المكرمة الّتي يأثرها الخلف عن السّلف،لأنّها عمل يظهر نصّا للنّفس.

و الأثير:الكريم على القوم،لأنّهم يؤثرونه بالبرّ، و منه:الإيثار بالاختيار؛لأنّه إظهار أحد العملين على الآخر.

و استأثر فلان بالشّيء،إذا اختاره لنفسه.

(3:539)

الإيثار:إرادة التّفضيل لأحد الشّيئين على الآخر،

ص: 265

و مثله الاختيار،و يقال:آثرت له،و آثرت عليه،ضدّه.

و أصل الإيثار:الأثر الجميل فيما يؤثر على غيره،بمنزلة ما له أثر جميل.

و الآثار:الأخبار،لأنّها إخبار عن أثر ما تقدّم في أمر الدّين و الدّنيا.(6:190)

الأثر:حدث يظهر به أمر،و منه:الآثار الّتي هي الأحاديث عمّن تقدّم بما تقدّم بها،من أحوالهم و طرائقهم في أمر الدّنيا و الدّين.(9:68)

الرّاغب: أثر الشّيء:حصول ما يدلّ على وجوده، يقال:أثر و أثّر،و الجمع:الآثار،قال تعالى: ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا الحديد:27، وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ المؤمن:21،و قوله: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ الرّوم:50.

و من هذا يقال للطّريق المستدلّ به على من تقدّم:

آثار،نحو قوله تعالى: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ الصّافّات:70،و منه:سمنت الإبل،أي على أثارة أثر من شحم.

و أثّرت البعير:جعلت على خفّه أثرة،أي علامة تؤثّر في الأرض ليستدلّ بها على أثره،و تسمّى الحديدة الّتي يعمل بها ذلك،المئثرة.

و أثر السّيف:أثر جودته،و هو الفرند،و سيف مأثور.

و أثرت العلم:رويته،آثره أثرا و إثارة و أثرة، و أصله:تتبّعت أثره.

و المآثر:ما يروى من مكارم الإنسان.و يستعار «الأثر»للفضل،و«الإيثار»للتّفضّل.و منه آثرته، و قوله تعالى: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ الحشر:9، و في الحديث:«سيكون بعدي أثرة»،أي يستأثر بعضكم على بعض.

و الاستئثار:التّفرّد بالشّيء من دون غيره.و قولهم:

استأثر اللّه بفلان،كناية عن موته،تنبيه أنّه ممّن اصطفاه و تفرّده تعالى به من دون الورى،تشريفا له.و رجل أثر:يستأثر على أصحابه.(9)

الحريريّ: يقولون في ضمن أدعيتهم لمن يخاطب أو يكاتب:بلّغك اللّه المأثور،و يعنون به ما يؤثره المدعوّ له فيوهمون فيه؛إذ ليس هو في معنى المؤثر و لا اشتقاق لفظه منه،لأنّ المأثور هو ما يأثره اللّسان لا ما يؤثره الإنسان.و اشتقاق لفظه من:أثرت الحديث،أي رويته،لا من:آثرت الشّيء،أي اخترته.و على معنى الرّواية فسّر قوله تعالى: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ المدّثّر:24،أي يرويه واحد بعد واحد،و ينقله مخبر إلى مخبر.

و قد يشتمل الخبر على المفروح به و المحزون منه،فلا يدلّ معنى المأثور على إخلاص الدّعاء لمن دعا له به؛ لتجويز أن تؤثر المذمّات و المساءات عنه.(37)

الزّمخشريّ: فيه أثر السّيف و آثاره.و جاء على أثره و إثره،و كان هذا إثر ذاك،أي بعده.

و ما تأثّر إليّ أثرا،إذا لم يصطنعك بشيء.

و وجدت ذلك في الأثر،أي السّنّة،و فلان من حملة الآثار.

و فرس أثير:عظيم أثر الحافر.

و حديث مأثور يأثره،أي يرويه قرن عن قرن.

ص: 266

و منه السّيف المأثور:للقديم المتوارث كابرا عن كابر.

و قيل:الّذي له أثر،أي فرند،يقال:ما أحسن أثر هذا السّيف و إثره!

و لهم مآثر،أي مساع يأثرونها عن آبائهم.

و سمنت النّاقة على أثارة من شحم،و هي البقيّة منه.

و تقول:إذا أثرت فأعلم آثر،و إن عثرت فأسلم عاثر.

و هو أثيري،أي الّذي أوثره و أقدّمه.و له عندي أثرة،و هو ذو أثرة عند الأمير.و استأثر عليك بكذا.

و افعل هذا آثرا ما و آثر ذي أثير،أي أوّلا.

(أساس البلاغة:2)

الطّبرسيّ: الإيثار:تفضيل أحد الشّيئين على الآخر،و نظيره الاختيار،و الاجتباء،و نقيضه الإيثار عليه.و أصله من الأثر،فإنّه يؤثر من له أثر جميل.

و الأثر:الأخبار؛يقال:أثر يأثر.

و المأثرة:المكرمة،لأنّها تؤثر.(3:259)

ابن الأثير: قال صلّى اللّه عليه و سلّم للأنصار:

«إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا»الأثرة بفتح الهمزة و الثّاء،الاسم من آثر يؤثر إيثارا،إذا أعطى.أراد أنّه يستأثر عليكم فيفضّل غيركم في نصيبه من الفيء.

و الاستئثار:الانفراد بالشّيء.

و في حديث عليّ في دعائه على الخوارج:«و لا بقي منكم آثر»،أي مخبر يروي الحديث.

و منه حديثه الآخر:«و لست بمأثور في ديني»،أي لست ممّن يؤثر عنّي شرّ و تهمة في ديني؛فيكون قد وضع المأثور وضع المأثور عنه.

و منه قول أبي سفيان في حديث قيصر:«لو لا أن يأثروا عنّي الكذب»أي يروون و يحكون.

و منه قوله للّذي مرّ بين يديه و هو يصلّي:«قطع صلاتنا قطع اللّه أثره»دعا عليه بالزّمانة،لأنّه إذا زمن انقطع مشيه فانقطع أثره.(1:22)

الصّغانيّ: السّيف المأثور:الّذي متنه حديد أنيث، و شفرته حديد ذكر.و يقال:هو الّذي في متنه أثر و بوجهه إثار،بالكسر.

و يقال:قد أثر أن يفعل ذلك الأمر،أي فرغ له.

و يقال:آثر كذا بكذا،اي أتبعه إيّاه.(2:399)

ابن أبي الحديد:الإيثار:أصله أن تقدّم غيرك على نفسك في منفعة أنت قادر على الاختصاص بها.

(6:245)

القرطبيّ: الإيثار هو تقديم الغير على النّفس و حظوظها الدّنياويّة،و رغبة في الحظوظ الدّينيّة.و ذلك ينشأ عن قوّة اليقين و توكيد المحبّة،و الصّبر على المشقّة.

يقال:آثرته بكذا،أي خصّصته به و فضّلته.

(18:26)

أبو حيّان: الإيثار:لفظ يعمّ جميع التّفضّل،و أنواع العطايا.(5:340)

الفيّوميّ: أثرت الحديث أثرا من باب«قتل»:

نقلته،و الأثر بفتحتين:اسم منه.و حديث مأثور،أي منقول،و منه:المأثرة،و هي المكرمة،لأنّها تنقل و يتحدّث بها.

و أثر الدّار:بقيّتها،و الجمع:آثار،مثل سبب و أسباب.و الأثارة:مثل الأثر.و جئت في أثره بفتحتين،

ص: 267

و إثره بكسر الهمزة و السّكون،أي تبعته عن قرب.

و آثرته،بالمدّ:فضّلته.و استأثر بالشّيء:استبدّ به، و الاسم الأثرة،مثل قصبة.أثّرت فيه تأثيرا:جعلت فيه أثرا و علامة فتأثّر،أي قبل و انفعل.(1:4)

الجرجانيّ: الإيثار:أن يقدّم غيره على نفسه في النّفع له و الدّفع عنه،و هو النّهاية في الأخوّة.(18)

الفيروزآباديّ: الأثر،محرّكة:بقيّة الشّيء، الجمع:آثار و أثور،و الخبر.

و خرج في إثره و أثره:بعده،و ائتثره و تأثّره:تبع أثره.و أثّر فيه تأثيرا:ترك فيه أثرا.و الآثار:الأعلام.

و الأثر:فرند السّيف،و يكسر كالأثير،الجمع:

أثور.و نقل الحديث و روايته كالأثارة و الأثرة بالضّمّ، يأثره و يأثره،و إكثار الفحل من ضراب النّاقة.

و بالضّمّ:أثر الجراح يبقى بعد البرء،و ماء الوجه و رونقه،و تضمّ ثاؤهما،و سمة في باطن خفّ البعير يقتفى بها أثره،و بالكسر:خلاصة السّمن،و يضمّ.

و كعجز و كتف:رجل يستأثر على أصحابه،أي يختار لنفسه أشياء حسنة،و الاسم الأثرة محرّكة،و الأثرة بالضّمّ و بالكسر و كالحسنى،و أثر على أصحابه كفرح؛ فعل ذلك.

و الأثرة بالضّمّ:المكرمة المتوارثة كالمأثرة و المأثرة، و البقيّة من العلم تؤثر كالأثرة و الأثارة،و الجدب، و الحال غير المرضيّة.و آثره:أكرمه.

و الأثيرة:الدّابّة العظيمة الأثر في الأرض بحافرها.

و فعل آثرا ما،و آثر ذي أثير،و أوّل ذي أثير، و أثيرة ذي أثير،و أثرة ذي أثير بالضّمّ،و إثر ذي أثيرين بالكسر و يحرّك،و أثر ذات يدين و ذي يدين، أي أوّل كلّ شيء.

و سيف مأثور:في متنه أثر،أو متنه حديد أنيث و شفرته حديد ذكر،أو هو الّذي يعمله الجنّ.

و أثر يفعل كذا كفرح:طفق،و على الأمر:عزم، و له:تفرّغ.

و آثر:اختار،و كذا بكذا:أتبعه إيّاه،و الثّؤثور (1):

حديدة يسحى بها باطن خفّ البعير؛ليقتصّ أثره كالمئثرة و الجلواز.

و استأثر بالشّيء:استبدّ به و خصّ به نفسه،و اللّه تعالى بفلان إذا مات و رجي له الغفران.

و فلان أثيري،أي من خلصائي؛و كثير أثير،إتباع.

(1:375)

الطّريحيّ: في الحديث:«إذا دخل شهر رمضان فهو المأثور»،أي المقدّم المفضّل على غيره من الشّهور.

و في حديث وصفهم[الأئمّة عليهم السّلام:]«آثاركم في الآثار،و قبوركم في القبور»و نحو ذلك،و لعلّ المراد بذلك شدّة الامتزاج بهم و الاختلاط معهم.

و في الخبر: «فبعث في آثارهم»،أي فبعث الطّالب وراءهم.(3:199)

البروسويّ: الآثار:الأعلام،جمع أثر و إثر.

و خرج في أثره و إثره،أي بعده و عقبه.(5:267)

الزّبيديّ: قال صاحب الواعي:الأثر محرّك،هو ما يؤثّره الرّجل بقدمه في الأرض،و كذا كلّ شيء مؤثّر أثر،يقال:جئتك على أثر فلان،كأنّك جئته تطأ أثره.ّ.

ص: 268


1- الصّحيح:التّؤثور كما تقدّم في كلام الجوهريّ.

و كذلك الإثر،ساكن الثّاني مكسور الهمزة،فإن فتحت الهمزة فتحت الثّاء،تقول:جئتك على أثره و إثره، و الجمع:آثار.

و الأثر أيضا:مقابل العين،و معناه العلامة،و من أمثالهم:لا أثر بعد العين.

و فرّق بينهما[الخبر و الأثر]أئمّة الحديث،فقالوا:

الخبر ما كان عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و الأثر ما يروى عن الصّحابة.(3:4)

ابن باديس: الأثر:ما يحصل من العمل،كالّذي يحصل على وجه التّراب من وضع الأقدام و يبقى بعد رفعها و أثر الإنسان:ما يحصل من أعماله الّتي باشرها.

(512)

الطّباطبائيّ: الأثر:شكل قدم المارّة على الطّريق بعد المرور،و الأصل في معناه ما بقي من الشّيء بعده بوجه بحيث يدلّ عليه،كالبناء أثر الباني،و المصنوع أثر الصّانع،و العلم أثر العالم،و هكذا.و من هذا القبيل أثر الأقدام على الأرض من المارّة.(14:195)

إيثار الشّيء:اختياره و تقديمه على غيره.(19:206)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أثر الحديث و العلم:

نقله و ذكره عن غيره،و منه:حديث مأثور،أي ينقله الخلف عن السّلف.

و الأثر:ما بقي من أصل الشّيء،أو هو ما يدلّ على وجوده.

و آثر الشّيء:فضّله.و أثر السّجود:تأثيره.و الآثار:

الأعمال.

و أثارة من علم:بقيّة ممّا وصل إليكم من علم الأوائل.على أثري:ورائي.(28)

مجمع اللّغة: أثر الحديث و العلم يأثره،من بابي «ضرب و نصر»أثرا و أثارة:نقله،و أصله:تتبّع الأثر.

و الأثارة:البقيّة من العلم تؤثر،أي تروى و تذكر.

و أثر الشّيء:ما يدلّ على وجوده.

و الأثر:ما يؤثّره الرّجل بقدمه في الأرض،و من هذا يقال لكلّ ما يستدلّ به على شيء:أثر و آثار.

(1:13)

محمود شيت: 1-أ-أثره أثرا و أثارة و أثرة:تبع أثره،و السّيف و غيره أثرا و أثرة:ترك فيه علامة يعرف بها.

ب-أثر عليه أثرا و أثرة و أثرة و أثرى:فضّل نفسه عليه في النّصيب،فهو أثر.و أثر أن يفعل كذا:فضّل.

و أثر على الأمر:عزم.و أثر له:فرغ له.و أثر به:حذقه، و مرن عليه.

ج-آثره إيثارا:اختاره و فضّله،و يقال:آثره على نفسه.و آثره الشّيء بالشّيء:خصّه به.و آثره:جعل يتّبع أثره.

د-أثّر فيه:ترك فيه أثرا.

ه-ائتثره:تتبّع أثره.

و-تأثّر الشّيء:ظهر فيه الأثر.و تأثّر بالشّيء:

تطبّع به.و تأثّر الشّيء:تتبّع أثره.

ز-استأثر به:خصّ به نفسه.و استأثر اللّه فلانا و به توفّاه.

ح-الأثارة:العلامة.و الأثارة بقيّة الشّيء،قال

ص: 269

تعالى: اِئْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الأحقاف:4.

ط-الأثر،الإثر:لمعان السّيف و رونقه،و يشبه به كلّ ذي نصاعة نقيّة،و بريق السّيف.

ي-الأثر،الأثر:بريق السّيف،و أثر الجرح بعد البرء.

ك-الأثرة:الأثر في الأرض،و أثر السّيف، و المكرمة المتوارثة.و يقال:هو ذو أثرة عندي:من خلصائي.

ل-الأثر:العلامة،و لمعان السّيف.و أثر الشّيء:

بقيّته.و جاء في أثره:في عقبه.و الأثر:ما خلّفه السّابقون.و الأثر:الخبر المرويّ و السّنّة الباقية،الجمع:

آثار و أثور.

م-الأثريّ من الأشياء:القديم المأثور،و المشتغل بدرس الآثار.

ن-الأثير:بريق السّيف.و هو أثيري:أوثره و أفضّله.

س-الإيثار:تفضيل المرء غيره على نفسه.

ع-المأثرة:المكرمة المتوارثة،الجمع:مآثر.

ف-المأثور:ما ورث الخلف عن السّلف.

2-أ-أثر:تتبّع الأثر،سلك طريقه لمعرفة بدايته و نهايته،و هو تعبير يستعمل في دوريّات الاستطلاع.

و ترك على الطّريق آثارا:علامات للدّلالة بها.

ب-مأثرة الجيش و مآثره:أعماله المجيدة.(28)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الأثر،أي ما يدلّ على الشّيء و ما يبقى من آثار وجوده.و من مصاديق هذا:الحديث المأثور،أثر الضّربة،السّنّة النّبويّة،أثارة من العلم،البقيّة من الشّيء،أثر المشي،و السّلوك المكرمة،الفضيلة الباقية المأثورة.

و أمّا حقيقة الإيثار فهي إثبات الفضيلة،و تقديم ما له الفضل،و انتخابه و اختياره على غيره و التّأثير:

إيجاد الأثر و إحداثه.

و الفرق بين الإيثار و التّأثير هو الفرق بين صيغة الإفعال و التّفعيل؛فإنّ الإفعال لقيام الفعل و نسبته أوّلا إلى الفاعل،و الثّاني للوقوع أوّلا إلى المفعول.(1:17)

النّصوص التّفسيريّة

اثر

1- فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا.

النّازعات:37،38

الطّبريّ: و آثر متاع الحياة الدّنيا على كرامة الآخرة،و ما أعدّ اللّه فيها لأوليائه،فعمل للدّنيا،و سعى لها،و ترك العمل للآخرة.(30:48)

الطّوسيّ: اختار منافع الحياة الدّنيا بارتكاب المعاصي و ترك ما وجب عليه.فالإيثار إرادة الشّيء على طريقة التّفضيل له على غيره،و مثله الاختيار،لأنّه يختاره على أنّه خير من غيره.

و قيل:المعنى من آثر نعيم الحياة الدّنيا على نعيم الآخرة.(10:264)

نحوه الطّبرسيّ.(5:435)

ابن كثير:أي قدّمها على أمر دينه

ص: 270

و أخراه.(7:210)

أبو السّعود: فانهمك فيما متّع به فيها،و لم يستعدّ للحياة الأخرويّة الأبديّة بالإيمان و الطّاعة.

(5:235)

مثله الآلوسيّ(3:36)،و نحوه الكاشانيّ(5:

282)،و البروسويّ(10:327).

القاسميّ: أي متاعها و شهواتها على كرامة الآخرة،و ما أعدّ فيها للأبرار.(17:6053)

عزّة دروزة: فضّل الحياة الدّنيا على الآخرة،فهي مأواه.(6:275)

المراغيّ: و آثر لذّات الحياة الدّنيا و شهواتها على ثواب الآخرة.(30:34)

بنت الشّاطئ: الإيثار:التّفضيل،و بهذا المعنى جاء في آيات:

قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91

بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا الأعلى:16

قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ...

طه:72

و جاء نقيضا للأثرة في آية الحشر:9، وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، و هو تفضيل أيضا لكن للغير على النّفس،كرما و فضلا.

و الأثر،لغة:بقيّة الشّيء،و منه:الخبر المأثور:

الباقي،و الأثرة:المكرمة تبقى،و البقيّة من العلم تؤثر، و لعلّ أصل استعماله في الأثيرة:الدّابة العظيمة الأثر في الأرض بحافرها.

و الأثر:سمة في باطن خفّ البعير يقتفي بها أثره، أي ما يترك من علامة باقية.و أثّر فيه تأثيرا:ترك فيه أثرا يبقى،و الآثار:ما بقي من الماضين.

و يجيء الإيثار بمعنى الاختيار،ملحوظا فيه أنّ المرء يختار ما يحسبه أفضل و أبقى،و بمعنى الأثرة ملحوظا فيها أنّ الأثر يستبقي لنفسه الأشياء المختارة.(1:140)

2- قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91

ابن عبّاس: لقد فضّلك اللّه علينا بالملك و الصّبر.

(الخازن 3:256)

قتادة: جعلك اللّه رجلا حليما.

(الطّبريّ 13:56)

الطّبريّ: تاللّه لقد فضّلك اللّه علينا،و آثرك بالعلم و الحلم و الفضل.(3:55)

السّجستانيّ: فضّلك اللّه علينا،و يقال:له علينا أثرة،أي فضل.(14)

مثله الهرويّ(1:15)،و نحوه الطّوسيّ(6:19)، و الطّبرسيّ(3:261).

الميبديّ: اختارك و فضّلك علينا بالعقل و الحلم و الحسن.(5:127)

الزّمخشريّ: فضّلك علينا بالتّقوى و الصّبر و سيرة المحسنين.(2:342)

مثله القاسميّ.(9:3588)

الفخر الرّازيّ: لقد فضّلك اللّه علينا بالعلم و الحلم و العقل و الفضل و الحسن و الملك.(18:204)

ص: 271

القرطبيّ: الأصل همزتان،خفّفت الثّانية، و لا يجوز تحقيقها،و اسم الفاعل مؤثر،و المصدر إيثار.

و يقال:أثرت التّراب إثارة فأنا مثير،و هو أيضا على «أفعل»ثمّ أعلّ،و الأصل«أثير»،نقلت حركة الياء على الثّاء،فانقلبت الياء ألفا،ثمّ حذفت لالتقاء السّاكنين.

و أثرت الحديث على«فعلت»فأنا آثر،و المعنى لقد فضّلك اللّه علينا،و اختارك بالعلم و الحلم و الحكم و العقل و الملك.(9:257)

البيضاويّ: اختارك علينا بحسن الصّورة و كمال السّيرة.(1:507)

مثله الكاشانيّ.(3:41)

الخازن: أي اختارك و فضّلك علينا،يقال:آثرك اللّه إيثارا،أي اختارك.و يستعار«الأثر»للفضل و«الإيثار»للتّفضيل.(3:256)

أبو حيّان: قال أبو سليمان الدّمشقيّ:فضّلك بالحلم و الصّفح.

قال صاحب الغنيان: بحسن الخلق و الخلق و العلم و الحلم و الإحسان و الملك و السّلطان،و بصبرك على أذانا.(5:343)

ابن كثير: يقولون معترفين له بالفضل.و الأثرة عليهم في الخلق و الخلق و السّعة و الملك و التّصرّف و النّبوّة أيضا،على قول من لم يجعلهم أنبياء،و أقرّوا له بأنّهم أساءوا إليه و أخطئوا في حقّه.(4:46)

البروسويّ: اختارك و فضّلك علينا بالجمال و الكمال و الجاه و المال.(4:313)

الآلوسيّ: اختارك و فضّلك علينا بالتّقوى و الصّبر.(13:50)

يؤثرون

...وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ...

الحشر:9

الطّبريّ: و يعطون المهاجرين أموالهم إيثارا لهم بها على أنفسهم.(28:42)

الطّوسيّ: أي يختارون على أنفسهم من يولّونه من ما لهم من المهاجرين.(9:565)

الطّبرسيّ: أي و يؤثرون المهاجرين و يقدّمونهم على أنفسهم بأموالهم و منازلهم.(5:262)

الفخر الرّازيّ: يقال:آثره بكذا،إذا خصّه به.

و مفعول الإيثار محذوف،و التّقدير:و يؤثرونهم بأموالهم و منازلهم على أنفسهم.(29:287)

نحوه القرطبيّ.(18:26)

البيضاويّ: و يقدّمون المهاجرين على أنفسهم.

(2:466)

نحوه ابن كثير(6:607)،و مثله البروسويّ(9:

433)،و الآلوسيّ(28:52)،و الطّباطبائيّ(19:

206)،و المراغيّ(28:44).

تؤثرون

بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا. الأعلى:16

قتادة: فاختار النّاس العاجلة إلاّ من عصم اللّه.

(الطّبريّ 30:157)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: بَلْ

ص: 272

تُؤْثِرُونَ، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار بَلْ تُؤْثِرُونَ بالتّاء،إلاّ أبا عمرو،فإنّه قرأه بالياء،و قال:

يعنى الأشقياء.

و الّذي لا أؤثر عليه في قراءة ذلك،التّاء،لإجماع الحجّة من القراء عليه.و ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيّ(بل انتم تؤثرون)،فلذلك أيضا شاهد لصحّة القراءة بالتّاء.

(30:157)

الطّوسيّ: تختارون الحياة الدّنيا على الآخرة بأن تعملوا للدّنيا و لا تعملوا للآخرة.(10:332)

نحوه الطّبرسيّ.(5:476)

الفخر الرّازيّ: فيه قراءتان:قراءة العامّة بالتّاء، و يؤكّده حرف أبيّ،أي بل أنتم تؤثرون عمل الدّنيا على عمل الآخرة...

و قرأ أبو عمرو (يؤثرون) بالياء،يعني الأشقى.

(31:149)

نحوه القرطبيّ.(20:23)

ابن كثير: أي تقدّمونها على أمر الآخرة،و تبدونها على ما فيه نفعكم و صلاحكم،و في معاشكم و معادكم.(7:271)

الطّريحيّ: أي تقدّمونها و تفضّلونها على الآخرة.

(3:198)

البروسويّ: بل تختارون اللّذّات العاجلة الفانية فتسعون لتحصيلها.

و الخطاب إمّا للكفرة،فالمراد بإيثار الحياة الدّنيا،هو الرّضا و الاطمئنان بها و الإعراض عن الآخرة بالكلّيّة، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها... يونس:7.

أو للكلّ،فالمراد بإيثارها ما هو أعمّ ممّا ذكر،و ما لا يخلو عنه النّاس غالبا من ترجيح جانب الدّنيا على الآخرة،في السّعي و ترتيب المبادئ.

و الالتفات على الأوّل لتشديد التّوبيخ،و على الثّاني كذلك في حقّ الكفرة،و لتشديد العتاب في حقّ المسلمين.(10:410)

نحوه الآلوسيّ.(30:110)

نؤثرك

قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ...

طه:72

الطّبريّ: فنتّبعك و نكذّب من أجلك موسى.(16:189)

الطّوسيّ: أي لا نختارك يا فرعون.(7:190)

الميبدي: لن نختار دينك.(6:148)

الطّبرسيّ: أي لن نفضّلك و لن نختارك على ما أتانا من الأدلّة الدّالّة على صدق موسى و صحّة نبوّته.(4:21)

القرطبيّ: أي لن نختارك.(11:225)

مثله النّيسابوريّ(16:141)،و الخازن(4:222)، و ابن كثير(4:526)،و الكاشانيّ(3:312).

أبو حيّان: أي لن نختار اتّباعك و كوننا من حزبك و سلامتنا من عذابك.(6:261)

البروسويّ: لن نختارك بالإيمان و الاتّباع.

مثله الآلوسيّ.(16:232)

ص: 273

يؤثر

فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ. المدّثّر:24

أبو سعيد البغداديّ: أي يورث.

(القرطبيّ 19:77)

الطّبريّ: يأثره عن غيره.(29:157)

مثله القرطبيّ.(19:76)

الأزهريّ: أي يرويه واحد عن واحد.

(15:123)

مثله الهرويّ.(1:16)

الحريريّ: أي يرويه واحد بعد واحد،و ينقله مخبر إلى مخبر.(37)

البغويّ: يروى و يحكى عن السّحرة.(7:147)

مثله الخازن.(7:147)

الميبديّ: أي ما هذا الّذي يقوله محمّد إلاّ سحر يروى،أي يأثره قوم عن قوم.و قيل:يرويه محمّد عن جبير و يسار.و قيل:عن أهل بابل.(10:285)

الطّبرسيّ: أي يروى عن السّحرة.و قيل:هو من الإيثار،أي سحر تؤثره النّفوس و تختاره لحلاوته فيها (5:388)

الفخر الرّازيّ: فى قوله:(يؤثر) وجهان:

الأوّل:أنّه من قولهم:أثرت الحديث آثره أثرا،إذا حدّثت به عن قوم في آثارهم،أي بعد ما ماتوا.هذا هو الأصل،ثمّ صار بمعنى الرّواية عمّن كان.

و الثّاني:يؤثر على جميع السّحر،و على هذا يكون هو من الإيثار.(30:201)

البيضاويّ: يروى و يتعلّم.(2:518)

مثله الكاشانيّ:(5:247)،و نحوه القاسميّ(16:

5977)،و البروسويّ(10:231)،و الطّباطبائيّ(20:

87).

النّيسابوريّ: قوله:(يؤثر)من الأثر بالسّكون:

الرّواية كما مرّ،أو من الإيثار،أي هو مختار على جميع أنواع السّحر.(29:94)

أبو حيّان: يروى و ينقل.و قيل:(يؤثر)،أي يختار و يرجّح على غيره من السّحر،فيكون من الإيثار.

و معنى(الاّ سحر)أي شبيه بالسّحر.(8:375)

ابن كثير: أي هذا سحر ينقله محمّد عن غيره ممّن قبله،و يحكيه عنهم.(7:157)

نحوه المراغيّ(29:133)،و الطّريحيّ(3:198).

الآلوسيّ: أي يروى و يتعلّم من سحرة بابل و نحوهم.و قيل:أي يختار و يرجّح على غيره من السّحر،و ليس بمختار.(29:124)

جمال الدّين عيّاد: هو من قولهم:أثرت الحديث آثره أثرا،أي حدّثت به عن قوم في آثارهم،أي بعد ما ماتوا.(98)

اثر

1- قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ... طه:96

ابن عبّاس: رأى السّامريّ أثر فرس جبرئيل فأخذ ترابا من أثر حافره.(الطّبريّ 16:205)

مجاهد:من تحت حافر فرس جبرئيل.

(1:401)

ص: 274

الطّبريّ: قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرئيل.(16:205)

مثله البغويّ(4:225)،و الخازن(4:225).

أبو مسلم الأصفهانيّ: ليس في القرآن تصريح بهذا الّذي ذكره المفسّرون،و هنا وجه آخر و هو أن يكون المراد بالرّسول موسى،و بأثره سنّته و رسمه الّذي أمر به،فقد يقول الرّجل:فلان يقفوا أثر فلان و يقتصّ أثره،إذا كان يمتثل رسمه،و التّقدير:أنّ موسى لمّا أقبل على السّامريّ باللّوم و المسألة عن الأمر الّذي دعاه إلى إضلال القوم في العجل قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي عرفت أنّ الّذي أنتم عليه ليس بحقّ،و قد كنت قبضت قبضة من أثرك أيّها الرّسول،أي شيئا من سنّتك و دينك.فقذفته أي طرحته فعند ذلك أعلمه موسى عليه السّلام بماله من العذاب في الدّنيا و الآخرة.و إنّما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرّجل لرئيسه و هو مواجه:له ما يقول الأمير في كذا و بما ذا يأمر الأمير.

و أمّا دعاؤه موسى عليه السّلام رسولا مع جحده و كفره فعلى مثل مذهب من حكى اللّه عنه قوله: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6،و إن لم يؤمنوا بالإنزال.(الفخر الرّازيّ 22:111)

القمّيّ: يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر.(الكاشانيّ 3:318)

الزّمخشريّ: فقبض قبضة من تربة موطئه.

(2:551)

مثله البيضاويّ(2:59)،و البروسويّ(5:421).

الطّبرسيّ: أي قبضت قبضة تراب من أثر قدم جبرائيل.(4:27)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ هذا القول الّذي ذكره أبو مسلم ليس فيه إلاّ مخالفة المفسّرين،و لكنّه أقرب إلى التّحقيق لوجوه:

أحدها:أنّ جبريل عليه السّلام ليس بمشهور باسم الرّسول،و لم يجر له فيما تقدّم ذكر حتّى تجعل«لام التّعريف»إشارة إليه؛فإطلاق لفظ الرّسول لإرادة جبريل عليه السّلام،كأنّه تكليف بعلم الغيب.

و ثانيها:أنّه لا بدّ فيه من الإضمار،و هو قبضة من أثر حافر فرس الرّسول؛و الإضمار خلاف الأصل.

و ثالثها:أنّه لا بدّ من التّعسّف في بيان أنّ السّامريّ كيف اختصّ من بين جميع النّاس برؤية جبريل عليه السّلام و معرفته،ثمّ كيف عرف أنّ لتراب حافر فرسه هذا الأثر؟!و الّذي ذكروه من أنّ جبريل عليه السّلام هو الّذي ربّاه فبعيد،لأنّ السّامريّ إن عرف جبريل-حال كمال عقله-عرف قطعا أنّ موسى عليه السّلام نبيّ صادق،فكيف يحاول الإضلال!و إن كان ما عرفه حال البلوغ فأيّ منفعة لكون جبريل عليه السّلام مربّيا له في الطّفوليّة في حصول تلك المعرفة!

و رابعها:أنّه لو جاز اطّلاع بعض الكفرة على تراب هذا شأنه لكان لقائل أن يقول:فلعلّ موسى عليه السّلام اطّلع على شيء آخر يشبه ذلك،فلأجله أتى بالمعجزات.

و يرجع حاصله إلى سؤال من يطعن في المعجزات، و يقول:لم لا يجوز أن يقال:إنّهم لاختصاصهم بمعرفة بعض الأدوية الّتي لها خاصيّة أن تفيد حصول تلك المعجزة أتوا بتلك المعجزة؛و حينئذ ينسدّ باب المعجزات

ص: 275

بالكلّيّة.(22:111)

النّسفيّ: أي من أثر فرس الرّسول،و قرئ بها.

(3:64)

النّيسابوريّ: أثره:التّراب الّذي أخذه من موقع حافر دابّته،و اسمها حيزوم فرس الحياة.فمعنى الآية فقبضت من أثر فرس المرسل إليك يوم حلول الميعاد.

(16:153)

أبو حيّان: [قال بعد نقله قول أبي مسلم:]

و ما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التّحقيق،إلاّ أنّ فيه مخالفة المفسّرين.(6:274)

ابن كثير: أي من أثر فرسه.هذا هو المشهور عند كثير من المفسّرين أو أكثرهم.(4:534)

أبو السّعود: قرئ(من اثر فرس الرّسول)،أي من تربة موطئ فرس الملك.(3:322)

الطّريحيّ: المعنى من أثر فرس الرّسول...فقبض قبضة من موطئه.(3:197)

الآلوسيّ: أي من أثر فرس الرّسول.و كذا قرأ عبد اللّه،فالكلام على حذف مضاف،كما عليه أكثر المفسّرين.و أثر الفرس:التّراب الّذي تحت حافره.

و قيل:لا حاجة إلى تقدير مضاف؛لأنّ أثر فرسه أثره.

(16:253)

القاسميّ: هو جبرئيل،و أراد بأثره التّراب الّذي أخذه من موضع حافر دابّته.(11:4205)

المراغيّ: أي و قد كنت قبضت قبضة من أثرك أيّها الرّسول،أي شيئا من سنّتك و دينك فطرحته،كما يقال:

فلان يقفوا أثر فلان و يقبض أثره،إذا كان يمتثل رسمه و يتّبع طريقته.(16:145)

2- ...سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.

الفتح:29

عطاء: استنارت وجوههم من التّهجّد.

النّيسابوريّ(2:51)

الزّمخشريّ: أي من التّأثير الّذي يؤثّره السّجود.

و قرئ (من اثر السّجود) و (من آثار السّجود) .

(3:550)

الخازن: استنارت وجوههم بالنّهار من كثرة صلاتهم باللّيل.(6:179)

أبو حيّان: قرأ ابن هرمز(اثر)بكسر الهمزة و سكون الثّاء،و الجمهور بفتحهما،و قرأ قتادة (من آثار السّجود) بالجمع.(8:102)

أبو السّعود: (من اثر السّجود)حال من المستكنّ في الجارّ،أي من التّأثير الّذي يؤثّره كثرة السّجود.

(5:86)

الآلوسيّ: وجه إضافة الأثر إلى السّجود أنّه حادث من التّأثير الّذي يؤثّره السّجود،و شاع تفسير ذلك بما يحدث في جبهة السّجّاد ممّا يشبه أثر الكيّ و ثفنة البعير.(26:125)

اثرى

قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي... طه:84

الحسن: هم على ديني و منهاجي.

هم ينتظرون من بعدي ما الّذي آتاهم به،و ليس

ص: 276

يريد أنّهم يتّبعونه.(الطّبرسيّ 4:24)

الطّبريّ: يقول:قومي على أثري يلحقون بي.

(16:195)

الزّمخشريّ: عن أبي عمرو و يعقوب(اثرى) بالكسر،و عن عيسى بن عمر(أثرى)بالضّمّ،و عنه أيضا(أولى)بالقصر.و الأثر أفصح من الأثر،و أمّا الأثر فمسموع في فرند السّيف في الأصول،يقال:أثر السّيف و أثره،و هو بمعنى الأثر،غريب.(2:548)

الطّبرسيّ: من ورائي يدركونني عن قريب.

(4:24)

الفخر الرّازيّ: يعني بالقرب منّي ينتظرونني.

(22:99)

مثله الآلوسيّ.(16:243)

القرطبيّ: ليس يريد أنّهم يسيرون خلفه متوجّهين إليه،بل أراد أنّهم بالقرب منّي ينتظرون عودي إليهم.و قيل:لا بل كان أمر هارون بأن يتبع في بني إسرائيل أثره و يلتحقوا به.(11:232)

البيضاويّ: ما تقدّمتهم إلاّ بخطى يسيرة لا يعتدّ بها عادة،و ليس بيني و بينهم إلاّ مسافة قريبة،يتقدّم بها الرّفقة بعضهم بعضا.(2:57)

نحوه الكاشانيّ.(3:316)

البغويّ: يعني هم بالقرب منّي يأتون من بعدي.

(4:224)

ابن كثير: أي قادمون ينزلون قريبا من الطّور.

(4:531)

أبو السّعود: يعني أنّهم معي.(3:318)

2Lالطّريحيّ: هو من قولهم:خرجت في أثره بفتحتين،و في إثره بكسر الهمزة فالسّكون،أي تبعته عن قريب.(3:198)

البروسويّ: يجيئون بعدي.(5:413)

عزّة دروزة: آتون من ورائي.(3:82)

الطّباطبائيّ: أي إنّهم لسائرون على أثري، و سيلحقون بي عن قريب.(14:190)

آثار

فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها... الرّوم:50

الطّبريّ: اختلفت القرّاء،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة و بعض الكوفيّين (إلى أثر رحمة اللّه) على التّوحيد،بمعنى فانظر يا محمّد إلى أثر الغيث الّذي أصاب اللّه به من أصاب من عباده،كيف يحيي ذلك الغيث الأرض من بعد موتها؟و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ على الجماع، بمعنى فانظر إلى آثار الغيث الّذي أصاب اللّه به من أصاب،كيف يحيى الأرض بعد موتها؟

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار،متقاربتا المعنى،و ذلك أنّ اللّه إذا أحيا الأرض بغيث أنزله عليها فإنّ الغيث أحياها بإحياء اللّه إيّاها به،و إذا أحياها الغيث فإنّ اللّه هو المحيي به.فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب.(21:55)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة و ابن عامر(إلى آثار) على الجمع،و أماله الكسائيّ إلاّ أبا الحارث،الباقون على

ص: 277

التّوحيد.

و من أفرد(أثر)فلأنّه مضاف إلى مفرد،و جاز الجمع،لأنّ(رحمت اللّه)يجوز أن يراد بها الكثرة.

(8:259)

نحوه الطّبرسيّ.(4:308)

الميبديّ: (اثر)هكذا قرأ أهل الحجاز و البصرة و أبو بكر،و قرأ الآخرون إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ على الجمع...و المعنى فانظر إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يخصب الأرض بعد جدبها و قحطها.(7:469)

الزّمخشريّ: قرئ(اثر)و(آثار)على الوحدة و الجمع...و من قرأ بالجمع رجّع الضّمير(فرأوه) الرّوم:51،إلى معناه،لأنّ معنى آثار الرّحمة النّبات، و اسم النّبات يقع على القليل و الكثير،لأنّه مصدر سمّي به ما ينبت.(3:226)

نحوه النّيسابوريّ(21:43)،و أبو حيّان(7:

179).

القرطبيّ: يعني المطر،أي انظروا نظر استبصار و استدلال،أي استدلّوا بذلك على أنّ من قدر عليه، قادر على إحياء الموتى.

و قرأ ابن عامر و حفص و حمزة و الكسائيّ(آثار) بالجمع،الباقون بالتّوحيد،لأنّه مضاف إلى مفرد.و الأثر فاعل(يحيي)،و يجوز أن يكون الفاعل اسم اللّه عزّ و جلّ.

و من قرأ(آثار)بالجمع فلأنّ(رحمت اللّه)يجوز أن يراد بها الكثرة.(14:45)

البيضاويّ: أثر الغيث من النّبات و الأشجار و أنواع الثّمار،و لذلك جمعه ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و حفص.(2:224)

مثله الكاشانيّ(4:136)،و نحوه القاسميّ(13:

4787)،و البروسويّ(7:52).

أبو السّعود: المترتّبة على تنزيل المطر من النّبات و الأشجار و أنواع الثّمار.(4:186)

مثله الآلوسيّ.(21:53)

الطّريحيّ: أي ما بقي منها.(3:198)

المراغيّ: أي فانظر أيّها الرّسول أثر الغيث الّذي أنبت به ما أنبت من الزّرع و الأشجار و الثّمار.(21:62)

آثارا

1- ...كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ...

المؤمن:21

الميبديّ: يعني أكثر زراعة و عمارة و أبنية، و أشدّ لها طلبا و أبعد غاية.

و قيل:أكثر جيشا و أموالا و ملكا في الأرض من أهل مكّة،فلم ينفعهم ذلك.(8:465)

الزّمخشريّ: يريد حصونهم و قصورهم و عددهم و ما يوصف بالشّدّة من آثارهم،أو أرادوا أكثر آثارا، كقوله:«متقلّدا سيفا و رمحا».(3:422)

الطّبرسيّ: أي و أكثر عمارة للأبنية العجيبة، و قيل:و أبعد ذهابا في الأرض لطلب الدّنيا.(4:519)

الفخر الرّازيّ:المراد حصونهم و قصورهم و عساكرهم.(27:53)

نحوه القاسميّ.(14:5162)

ص: 278

البيضاويّ: مثل القلاع و المدائن الحصينة.و قيل:

المعنى و أكثر آثارا،كقوله:«متقلّدا سيفا و رمحا».

(2:334)

مثله الكاشانيّ.(4:339)

أبو حيّان: (آثارا فى الارض)معطوف على(قوّة)، أي مبانيهم و حصونهم،و عددهم كانت في غاية الشّدّة وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً الشّعراء:149.

(7:457)

ابن كثير: أي أثّروا في الأرض من البنايات و المعالم و الدّيارات ما لا يقدر هؤلاء عليه،كما قال عزّ و جلّ:

وَ لَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ الأحقاف:

26.و قال تعالى: وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها الرّوم:9،أي مع هذه القوّة العظيمة و البأس الشّديد أخذهم اللّه بذنوبهم،و هي كفرهم برسلهم.

(6:133)

البروسويّ: مثل القلاع الحصينة و المدن المتينة.

(8:172)

الآلوسيّ: عطف على(قوّة)،أي و أشدّ آثارا في الأرض،مثل القلاع المحكمة و المدائن الحصينة.و قد حكى اللّه تعالى عن قوم منهم أنّهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا.

و جوّز كونه عطفا على(أشدّ)بتقدير محذوف،أي و أكثر أثارا،فتشمل الآثار القويّة و غيرها،و هو ارتكاب خلاف المتبادر من غير حاجة يعتدّ بها.

و قيل:المراد بهذه الآثار آثار أقدامهم في الأرض؛ لعظم أجرامهم،و ليس بشيء أصلا.(24:61)

2Lالطّباطبائيّ: كالمدائن الحصينة،و القلاع المنيعة، و القصور العالية المشيدة.(17:326)

المراغيّ: قد كانوا أشدّ منهم بطشا،و أبقى في الأرض آثارا،فلم تنفعهم شدّة قواهم و لا عظيم آثارهم؛ إذ جاء أمر اللّه،فأخذوا بما أجرموا من المعاصي و اكتسبوا من الآثام.(24:58)

2- ...كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ... المؤمن:82

مجاهد: يعني المشي في الأرض بأرجلهم.

(2:566)

الطّبريّ: يقول:كان أولئك الّذين من قبل هؤلاء المكذّبين من قريش أكثر عددا من هؤلاء و أشدّ بطشا و أقوى قوّة و أبقى في الأرض آثارا،لأنّهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا،و يتّخذون مصانع.(24:88)

نحوه المراغيّ.(24:100)

الطّوسيّ: أي و أعظم آثارا في الأرض بالأبنية العظيمة الّتي بنوها و القصور المشيّدة الّتي شيّدوها.

(9:101)

مثله الطّبرسيّ.(4:535)

الميبديّ: يعني ما أحدثوا من القصور و الأبنية.

(8:498)

الزّمخشريّ: قصورهم و مصانعهم.(3:439)

القرطبيّ: من الأبنية و الأموال و ما أدالوا به من الأولاد و الأتباع،يقال:دلوت بفلان إليك،أي استشفعت به إليك.(15:335)

البيضاويّ: ما بقي منهم من القصور و المصانع

ص: 279

و نحوهما.(2:342)

مثله الكاشانيّ.(4:350)

الخازن: يعني مصانعهم و قصورهم،و المعنى لو سار هؤلاء في أطراف الأرض لعرفوا أنّ عاقبة هؤلاء المنكرين المتمرّدين الهلاك و البوار،مع أنّهم كانوا أكثر عددا و أموالا من هؤلاء.(6:87)

ابن كثير: يخبر تعالى عن الأمم المكذّبة بالرّسل في قديم الدّهر،و ما ذا حلّ بهم من العذاب الشّديد مع شدّة قواهم،و ما أثّروا في الأرض و جمعوه من الأموال،فما أغنى عنهم ذلك شيئا.(6:157)

البروسويّ: باقية بعدهم من الأبنية و القصور و المصانع،و هي جمع مصنعة،بفتح النّون و ضمّها،شيء كالحوض يجمع فيه ماء المطر،و يقال له:الصّهريج أيضا.(8:220)

آثارهما

...فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً. الكهف:64

ابن عبّاس: فارتدّا يقصّان،أي يتّبعان آثارهما حتّى انتهيا إلى مدخل الحوت.(الطّوسيّ 7:69)

مجاهد: اتّبع موسى و فتاه أثر الحوت يشقّان البحر.(1:379)

قتادة: رجعا عودهما على بدئهما.

(الطّبريّ 15:276)

أبو عبيدة: مجازه نكصا على أدبارهما فرجعا قصصا،رجعا يقصّان الأثر.(1:409)

الطّبريّ: يقول:فرجعا في الطّريق الّذي كانا قطعاه،ناكصين على أدبارهما،يقصّان آثارهما الّتي كانا سلكاها.(15:276)

الطّوسيّ: فرجعا إلى الموضع الّذي حيّيت فيه السّمكة،و هو الّذي كان يطلب منه العلامة فيه.و قيل:

الصّخرة موضع الوعد.(7:69)

البغويّ: أي رجعا يقصّان الأثر الّذي جاءا منه، أي يبتغيانه.(4:181)

الزّمخشريّ: فرجعا في إدراجهما.(2:492)

الطّبرسيّ: أي رجعا و عادا عودهما على بدئهما، في الطّريق الّذي جاءا منه يقصّان آثارهما.(3:481)

النّيسابوريّ: فرجعا على طريقهما المسلوك.

الخازن: أي رجعا يقصّان الّذي جاءا منه و يتّبعانه.(4:181)

أبو حيّان: رجعا على إدراجهما من حيث جاءا.

(6:147)

أبو السّعود: طريقهما الّذي جاءا منه.(3:259)

مثله البروسويّ(5:267)،و الآلوسيّ(15:319)، و المراغيّ(15:174)،و نحوه الكاشانيّ(3:250).

القاسميّ: أي رجعا ماشيين على آثار أقدامهما يتّبعانها.(11:4078)

الطّباطبائيّ: المراد بالآثار آثار أقدامهما.

(13:341)

آثارهم

1- ...وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ... المائدة:46

ص: 280

1Lالفارسيّ: [الهاء و الميم في آثارهم]يعودان على الّذين فرض عليهم الحكم الّذي مضى ذكره،لأنّه أقرب.(الطّوسيّ 3:540)

الرّمّانيّ: الهاء و الميم يرجعان إلى النّبيّين الّذين أسلموا،و قد تقدّم ذكرهم.(الطّوسي 3:540)

الطّوسيّ: [قال بعد نقل قول الفارسيّ و الرّمّانيّ:] و الأوّل[قول الرّمّانيّ]أحسن في المعنى،و هذا أجود في العربيّة.(3:540)

مثله الطّبرسيّ.(2:201)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:فأين المفعول الأوّل في الآية؟ قلنا:هو محذوف،و الظّرف و هو قوله:(على آثارهم) كالسّادّ مسدّه،لأنّه إذا قفّى به على أثره فقد قفّى به إيّاه، و الضّمير في(آثارهم)للنّبيّين في قوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا المائدة:44.

(12:8)

2- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ... الكهف:6

الطّوسيّ: على آثار قومك.(7:8)

مثله الطّبرسيّ.(3:450)

البغويّ: أي من بعدهم.(4:156)

مثله الخازن(4:156)،و الفخر الرّازيّ(21:79).

القرطبيّ: المعنى على أثر تولّيهم و إعراضهم عنك.

(10:353)

النّسفيّ: أي آثار الكفّار،شبّهه و إيّاهم حين تولّوا عنه و لم يؤمنوا به،و ما تداخله من الأسف على تولّيهم برجل فارقه أحبّته،فهو يتساقط حسرات على آثارهم،و يبخع نفسه وجدا عليهم و تلهّفا على فراقهم.

(3:3)

2Lأبو حيّان: (على آثارهم)استعارة فصيحة؛من حيث لهم إدبار و تباعد عن الإيمان،و إعراض عن الشّرع،فكأنّهم من فرط إدبارهم قد بعدوا،فهو في إدبارهم يحزن عليهم.

و معنى(على آثارهم)من بعدهم،أي بعد يأسك من إيمانهم،أو بعد موتهم على الكفر.(6:97)

أبو السّعود: غمّا و وجدا على فراقهم.(3:238)

مثله البروسويّ.(5:216)

الآلوسيّ: أي من بعدهم،يعني من بعد تولّيهم عن الإيمان و تباعدهم عنه.(15:204)

القاسميّ: في النّظم الكريم استعارة تمثيليّة بتشبيه حاله معهم،و قد تولّوا،و هو آسف من عدم هدايتهم، بحال من فارقته أحبّته.فهمّ بقتل نفسه،أو كاد يهلك وجدا عليهم و تحسّرا على آثارهم.(11:4024)

الطّباطبائيّ: المعنى يرجى منك أن تهلك نفسك بعد إعراضهم عن القرآن و انصرافهم عنك من شدّة الحزن،و قد دلّ على إعراضهم و تولّيهم بقوله:(على آثارهم)و هو من الاستعارة.(13:240)

3- ...وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ... يس:12

ابن عبّاس: خطاهم إلى المساجد.

(القرطبيّ 15:12)

مثله مجاهد.(الطّوسيّ 8:447)

مجاهد: خطاهم بأرجلهم.(الطّبريّ 22:154)

الحسن: الآثار في هذه الآية الخطى.

مثله قتادة.(القرطبيّ 15:12)

ص: 281

الجبّائيّ: ما يكون له أثر.(الطّبرسيّ 4:418)

الهرويّ: أي ما قدّموه من الأعمال،و سنّوه بعدهم من السّنن،فعمل بها.(1:17)

الطّوسيّ: [بعد نقله قول مجاهد]قيل:معناه و آثارهم الّتي تبقى بعدهم و يقتدى بهم فيها.(8:447)

الميبدي: للآثار وجهان:

أحدهما:الخطى الّتي كانوا يمشونها في الخير و الشّرّ.

الوجه الثّاني:آثارهم:ما سنّوا من سنّة حسنة أو سيّئة.(8:209)

الزّمخشريّ: و نكتب ما أسلفوا من الأعمال الصّالحة و غيرها،و ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علّموه أو كتاب صنّفوه أو حبيس حبسوه أو بناء بنوه، من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك أو سيّئ كوظيفة وظّفها بعض الظّلاّم على المسلمين و سكّة أحدثها فيها تخسيرهم و شيء أحدث فيه صدّ عن ذكر اللّه من ألحان و ملاه،و كذلك كلّ سنّة حسنة أو سيّئة يستنّ بها،و نحوه قوله تعالى: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ القيامة:13،أي قدّم من أعماله و أخّر من آثاره.

و قيل:هي آثار المشّائين إلى المساجد.(3:316)

الطّبرسيّ: قيل:يعني بآثارهم أعمالهم الّتي صارت سنّة بعدهم يقتدى فيها بهم،حسنة كانت أم قبيحة.(4:418)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:آثارهم:أقدامهم،فإنّ جماعة من أصحابه بعدت دورهم عن المساجد فأرادوا النّقلة،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه يكتب خطواتكم و يثيبكم عليه فألزموا بيوتكم».

الثّاني:هي السّنن الحسنة كالكتب المصنّفة و القناطر المبنيّة و الحبائس الدّارّة،و السّنن السّيّئة كالظّلمات المستمرّة الّتي وضعها ظالم و الكتب المضلّة و آلات الملاهي و أدوات المناهي المعمولة الباقية.

الثّالث:الآثار:الأعمال.(26:49)

نحوه القرطبيّ(15:12)،و البيضاويّ(2:277)، و الخازن(6:3)،و أبو السّعود(4:248)،و الكاشانيّ (4:246)،و البروسويّ(7:375)،و الآلوسيّ(22:

218)،و كثير من المفسّرين.

النّيسابوريّ: خطى أقدام صدقهم و آثار دموعهم على خدودهم.(23:18)

ابن كثير: آثارهم الّتي آثروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك.(5:602)

الطّباطبائيّ: المراد بما قدّموا الأعمال الّتي عملوها قبل الوفاة فقدّموها على موتهم،و المراد ب(آثارهم) ما تركوا لما بعد موتهم من خير يعمل به كتعليم علم ينتفع به أو بناء مسجد يصلّى فيه أو ميضاة يتوضّأ فيها،أو شرّ يعمل به كوضع سنّة مبتدعة يستنّ بها أو بناء مفسقة يعصى اللّه فيها.

و ربّما قيل:إنّ المراد ب(ما قدّموا)النّيّات، و ب(آثارهم)الأعمال المترتّبة المتفرّعة عليها،و هو بعيد من السّياق.(17:66)

4- فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ. الصّافّات:70

الكلبيّ:يعملون مثل أعمالهم.(البغويّ 6:20)

ص: 282

مثله الخازن.(6:20)

الطّبريّ: فهؤلاء يسرع بهم في طريقهم،ليقتفوا آثارهم و سنّتهم.(23:65)

الطّوسيّ: في الضّلال،أي يقلّدونهم و يتّبعونهم.(8:504)

مثله الطّبرسيّ.(4:447)

البيضاويّ: تعليل لاستحقاقهم تلك الشّدائد بتقليد الآباء في الضّلال.(2:294)

مثله الكاشانيّ(4:271)،و القاسميّ(14:

5043).

أبو حيّان: أي وجدوا آباءهم ضالّين فاتّبعوهم على ضلالتهم.(7:364)

نحوه المراغيّ.(23:64)

الآلوسيّ: تعليل لاستحقاقهم ما ذكر من فنون العذاب بتقليد الآباء في أصول الدّين،من غير أن يكون لهم و لا،لآبائهم شيء يتمسّك به أصلا.(23:97)

الطّباطبائيّ: هم مقلّدون و أتباع لهم،و هم أصلهم و مرجعهم،فهم يسرعون على آثارهم.

(17:141)

5- ...وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ. الزّخرف:23

ابن عبّاس: إنّا على دينهم.(الطّبريّ 25:60)

مجاهد: بفعلهم.(الطّبريّ 25:61)

الطّبريّ: يعني و إنّا على منهاجهم و طريقتهم مقتدون بفعلهم،نفعل كالّذي فعلوا،و نعبد ما كانوا يعبدون.(25:61)

الطّريحيّ: أي على سنّتهم في الدّين.(3:198)

2Lالبروسويّ: سننهم و أعمالهم.(8:361)

6- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا... الحديد:27

الميبديّ: أي أرسلنا رسولا بعد رسول على أثر نوح و إبراهيم و من مضى من الأنبياء.(9:501)

الفخر الرّازيّ: المراد أنّه تعالى أرسل بعضهم بعد بعض إلى أن انتهى إلى أيّام عيسى،فأرسله اللّه تعالى بعدهم.(29:244)

القرطبيّ: أي على آثار الذّرّيّة.و قيل:على آثار نوح و إبراهيم.(17:262)

نحوه أبو حيّان.(17:262)

البروسويّ: أي ثمّ أرسلنا بعدهم رسلنا.و الضّمير لنوح و إبراهيم و من أرسلا إليهم من الأمم،أو من عاصرهما من الرّسل،و لا يعود إلى الذّرّيّة فإنّ الرّسل المقفّى بهم من الذّرّيّة.(9:381)

نحوه الآلوسيّ.(27:190)

اثارة

اِئْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ. الأحقاف:4

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:هو خطّ كانت تخطّه العرب في الأرض.(القرطبيّ 16:179)

مثله ابن عبّاس.(الطّبريّ 26:2)

ابن عبّاس: ببيّنة من الأمر.(الطّبريّ 26:3)

أو بقيّة من علم يشهد بصحّة قولكم.

(الطّوسيّ 9:268)

ص: 283

الأثارة:علم الخطّ.و هذا الخطّ علم قديم تركه النّاس.(الميبديّ 9:144)

هو الخطّ بكتاب مكتوب.(الطّبرسيّ 5:82)

إنّه علم الخطّ الّذي كان أوتي بعض الأنبياء.

(الأزهريّ 15:119)

هو علم الخطّ الّذي يخطّ في الرّمل،و العرب كانوا يخطّونه،و هو علم مشهور.(الفخر الرّازيّ 28:5)

المراد بالأثارة الخطّ في التّراب.(أبو حيّان 8:55)

مجاهد: أحدا يأثر علما.(2:593)

أو علما تأثرونه عن غيركم.(الطّوسيّ 9:268)

رواية عن الأنبياء.(الميبديّ 9:143)

مثله عكرمة و مقاتل.(الميبديّ 9:143)

عكرمة: أو ميراث من علم.

(القرطبيّ 16:182)

الحسن: شيء يستخرجونه فطرة.

(الطّبريّ 26:3)

يعني شيء يستخرج منه فيثار،فيعلم به ما هو منفعة لكم.(الطّوسيّ 9:269)

المعنى من علم استخرجتموه فتثيرونه.

(أبو حيّان 8:55)

قتادة: أو خاصّة من علم.(الطّبريّ 26:2)

الكلبيّ: معناه أو بقيّة من علم يؤثر عن الأوّلين و يسند إليهم،جعله من الأثر الّذي هو الباقي من الشّيء.

(الميبديّ 9:143)

نحوه السّجستانيّ.(23)

ابن عيّاش: بقيّة من علم.(الطّبريّ 26:3)

مثله أبو عبيدة و الزّجّاج،و نحوه المبرّد.

(الفخر الرّازي 28:4)

الفرّاء: قرأها العوامّ(اثارة)،و قرأها بعضهم،قال:

قرأ أبو عبد الرّحمن فيما أعلم(اثرة).خفيفة،و قد ذكر عن بعض القرّاء(اثرة).و المعنى فيهنّ كلّهنّ بقيّة من علم،أو شيء مأثور من كتب الأوّلين.

فمن قرأ(اثارة)فهو كالمصدر مثل قولك:السّماحة و الشّجاعة.و من قرأ(اثرة)فإنّه بناه على الأثر،كما قيل:

قترة.و من قرأ(اثرة)كأن أراد مثل قوله: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الصّافّات:10،و اَلرَّجْفَةُ الأعراف:78.(3:50)

ابن قتيبة: أي بقيّة من علم تؤثر عن الأوّلين.

و يقرأ(اثرة)اسم مبنيّ على«فعلة»من ذلك،و الأوّل على«فعالة».(407)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك؛فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و العراق أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ، بالألف،بمعنى أو ائتوني ببقيّة من علم.و روي عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّه كان يقرؤه (او اثرة من علم) ، بمعنى أو خاصّة من علم أوتيتموه،و أوثرتم به على غيركم.

و القراءة الّتي لا أستجيز غيرها أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ بالألف،لإجماع قرّاء الأمصار عليها.[و قال بعد نقل أقوال المفسّرين:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال:

الأثارة:البقيّة من علم،لأنّ ذلك هو المعروف من كلام

ص: 284

العرب،هي مصدر من قول القائل:أثر الشّيء أثارة، مثل سمج سماجة،و قبح قباحة.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا من قرأه(او اثرة)فإنّه جعله أثرة من الأثر،كما قيل:قترة و غبرة.

و قد ذكر عن بعضهم أنّه قرأه(او اثرة)بسكون الثّاء،مثل الرّجفة و الخطفة،و إذا وجّه ذلك إلى ما قلنا فيها من أنّه بقيّة من علم جاز أن تكون تلك البقيّة من علم الخطّ،و من علم أستثير من كتب الأوّلين،و من خاصّة علم كانوا أوثروا به.(26:3)

الزّجّاج: من قرأ(اثارة)فمعناه علامة،و يكون على معنى بقيّة من علم.(الأزهريّ 15:119)

الهرويّ: قرئ(او اثرة)،أي من علم مأثور، و يقال:بقيّة من علم.و الأثارة و الأثر:البقيّة،يقال:ما ثمّ عين و لا أثر.(1:16)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة على أحد التّأويلات،و هو أن يكون معنى أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ، أي شيء يستخرج من العلم بالكشف و البحث و الطّلب و الفحص،فتثور حقيقته و تظهر خبيئته،كما تستثار الأرض بالمحافر،فيخرج نباتها،و تظهر نثائلها،أو كما يستثار القنيص من مجاثمه،و يستطلع من مكامنه.

و سائر التّأويلات في الآية تخرج الكلام عن حيّز الاستعارة،مثل تأوّلهم ذلك على معنى:خاصّة من علم، أي بقيّة من علم،و ما يجري هذا المجرى.(306)

الواحديّ: كلام أهل اللّغة في تفسير هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال:

الأوّل:البقيّة و اشتقاقها من:أثرت الشّيء أثيره إثارة،كأنّها بقيّة تستخرج فتثار.

الثّاني:من الأثر الّذي هو الرّواية.

الثّالث:هو الأثر بمعنى العلامة.

(الفخر الرّازيّ 28:4)

الرّاغب: قرئ(اثرة)،و هو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر.(9)

البغويّ: أصل الكلمة من الأثر،و هو الرّواية، يقال:أثرت الحديث أثرا و أثارة،و منه قيل.للخبر:أثر.

(6:130)

الزّمخشريّ: أو بقيّة من علم بقيت عليكم من علوم الأوّلين،من قولهم:سمنت النّاقة على أثارة من شحم،أي على بقيّة شحم كانت بها من شحم ذاهب.

و قرئ(اثرة)أي من شيء أوثرتم به،و خصّصتم من علم لا إحاطة به لغيركم.

و قرئ(اثرة)بالحركات الثّلاث في الهمزة مع سكون الثّاء؛فالإثرة بالكسر،بمعنى الأثرة.و أمّا الأثرة فالمرّة من مصدر أثر الحديث،إذا رواه.و أمّا الأثرة بالضّمّ، فاسم ما يؤثر،كالخطبة اسم ما يخطب به.(3:515)

الفخر الرّازيّ: [قال بعد نقل قول ابن عبّاس:]

و على هذا الوجه فمعنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخطّ الّذي تخطّونه في الرّمل،يدلّ على صحّة مذهبكم في عبادة الأصنام.فإن صحّ تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من باب التّهكّم بهم و بأقوالهم و دلائلهم.(28:5)

القرطبيّ: قرئ(او اثرة)بضمّ الهمزة و سكون الثّاء.و يجوز أن يكون معناه بقيّة من علم،و يجوز أن يكون معناه شيئا مأثورا من كتب الأوّلين و المأثور:

ص: 285

ما يتحدّث به ممّا صحّ سنده عمّن تحدّث به عنه.

و قرأ السّلميّ و الحسن و أبو رجاء بفتح الهمزة و الثّاء من غير ألف،أي خاصّة من علم أوتيتموها أو أوثرتم بها على غيركم.

و روي عن الحسن أيضا و طائفة(اثرة)مفتوحة الألف ساكنة الثّاء.ذكر الأولى الثّعلبيّ،و الثّانية الماورديّ.(16:182)

البيضاويّ: قرئ(إثارة)بالكسر،أي مناظرة، فإنّ المناظرة تثير المعاني،و(اثرة)،أي شيء أوثرتم به، و(اثرة)بالحركات الثّلاث في الهمزة و سكون الثّاء، فالمفتوحة للمرّة من مصدر:أثر الحديث،إذا رواه، و المكسورة بمعنى الأثرة،و المضمومة اسم ما يؤثر.

(2:385)

الطّباطبائيّ: [قال بعد نقله قول الرّاغب:]

و عليه فالإثارة في الآية مصدر بمعنى المفعول،أي شيء منقول من علم يثبت أنّ لآلهتهم شركة في شيء من السّماوات و الأرض.و فسّره غالب المفسّرين بمعنى البقيّة،و هو قريب ممّا تقدّم.(18:187)

عزّة دروزة: شيء من علم يقينيّ.(5:270)

الأصول اللّغويّة

1-يعتبر الأثر-و هو الرّسم الباقي من كلّ شيء و كلّ فعل-الأصل في هذه المادّة سواء كان مرئيّا و هو المقدّم طبعا كأثر السّيف و أثر الرّجل في الأرض و أثر الدّيار الّتي درست،أو غير مرئيّ كأثر الحديث؛ينقله جيل إثر جيل.و المأثرة،أي المكرمة،يتحدّث بها قوم عن قوم،و كذلك الإيثار،أي التّفضيل،لأنّه يترك أثرا على«المؤثر»لقولهم:آثرته بالشّيء إيثارا،أو إنّ «المؤثر»يترك أثرا في«المؤثر»فيدفعه إلى الإيثار؛ يقال:استأثرت على فلان بكذا و كذا،إذا آثرت به نفسي عليه دونه.و التّأثير:إبقاء الأثر في الشّيء.و الأثارة:

البقيّة،و هي أثر باق من الشّيء.و لمّا كان«الأثر»هو الرّسم الباقي من كلّ شيء فيدلّ على وجود هذا الشّيء من غير أن يؤخذ ذلك في معنى الأثر،كما يتراءى في «معجم الألفاظ»،فلاحظ.

2-و يلاحظ أنّ«أفعل»لهذه المادّة قد ورد بمعنى التّفضيل فقط،فرقا بينه و بين«فعل»الّذي تفرّعت منه معان عديدة.و هما لا يفترقان في المعنى،لأنّ أصلهما واحد كما تقدّم،فضلا عن أنّ الأثر ورد بمعنى الفضل أيضا،يقال:له عليّ أثر،أي فضل.و لكنّهما يفترقان في المبنى،ف«أثر»يوقع الأثر من قبل الآثر على المأثور، فهم يقولون:أثرت البعير،و«آثر»يحمل الغير على فعل الأثر و هو الإيثار،كقولهم:آثرت فلانا عليك،إذا فضّلته و قدّمته و اخترته.

3-و ما اخترناه من وحدة الأصل و هو«الأثر» لا يخرج عن قول ابن فارس الّذي جعل له ثلاثة أصول:

تقديم الشّيء أي«الإيثار»،و ذكره،و رسمه الباقي.غير أنّ إرجاع«الإيثار»إلى الأثر فيه نوع من الإبهام، فيمكن توجيهه بما مرّ من الوجهين،أو نختار رأي الطّوسيّ القائل:«إنّ أصل الإيثار الأثر الجميل فيما يؤثر على غيره بمنزلة ما له أثر جميل».أو نذهب إلى قول الرّاغب:«إنّ الأثر قد يستعار للفضل،و الإيثار

ص: 286

للتّفضيل»،و عليه فهو مجاز.

الاستعمال القرآنيّ

تتجمّع الصّيغ المستعملة في القرآن من هذه المادّة في ثلاثة محاور:

1-أثر-أثر-أثري

آثار-آثارا-آثارهم-آثارهما

يؤثر(على وجه)

2-آثر-آثرك

تؤثرون-نؤثرك-يؤثرون

يؤثر(على وجه)

3-أثارة.و إليك التّفصيل:

أوّلا:الأثر-كما سبق-الرّسم الباقي من الشّيء أو من الفعل،و قد جاء مفردا:

1- قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ* قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي طه 95،96

2- سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ

الفتح:29

3- وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى* قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي طه:83،84

فالأثر في الأولى ما تركه سير الرّسول على الأرض من الأثر،فأخذ منه السّامريّ قبضة.

و في الثّانية:ما تركه السّجود في وجوه المؤمنين، فصار بمثابة علامة لهم يعرفون بها كما يعرف المجرمون بسيماهم أيضا.

و في الثّالثة:ما تركه موسى على الرّمال في سيره، و القوم ساروا على أثر قدمه في الرّمال.

و بذلك قد يفسّر«الأثر»في مثل هذا بالوراء أو القرب،أي هم ورائي أو قربي-و قد تقدّم هذا المعنى في النّصوص-لكنّ هذا مستفاد من السّياق لا من لفظ «اثر»الّذي هو بمعنى الرّسم الباقي عادة.و قد قرئ (اثرى)و(اثرى)و(اثرى)،فلاحظ.

ثانيا-و جاء جمعا:

1- قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً الكهف:64

2- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا الحديد:27

3- وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ المائدة:46

4- بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ الزّخرف:22

5- إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ الزّخرف:23

6- فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ الصّافّات:70

7- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً الكهف:6

8- إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ يس:12

9- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:50

10- كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ

المؤمن:21

11- كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي

ص: 287

اَلْأَرْضِ المؤمن:82

و ثالثا-أنّ الآثار في«1»جمع أضيف إلى التّثنية و أريد به واحد،و هذا هو الفصيح،و قريب منه فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ المائدة:

6،حيث جاء(وجوه)و(ايدي)و(مرافق)جمعا،و لكلّ إنسان وجه واحد و يدان و مرفقان.

و رابعا-أنّ(آثار)في«1-5»قد يفسّر-كما تقدّم في النّصوص-بمعنى بعد أو المنهاج و السّيرة.و الأصل في الجميع هو الأثر الباقي،و المعنى الزّائد عليه هو مقتضى السّياق و التّركيب.و أمّا بقيّة الآيات فهي بمعنى الأثر الباقي من دون أن يعطي السّياق معنى بعد و نحوه.

و خامسا-أنّ صيغة المفرد في القرآن(اثر الرّسول)، (اثر السّجود)،(اثري)يتوضّح فيها البعد المادّيّ،أي الأثر المحسوس في الأرض أو في الجبهة.و أمّا صيغة الجمع فتتّصل أحيانا بالبعد المادّيّ مثل: فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما، و تتّصل أحيانا بالبعد المعنويّ-و هو الأكثر في القرآن-في مثل: وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، أي إنّه تعالى أتبع الأنبياء السّابقين بعيسى على نفس نهجهم و الأفكار الّتي دعوا إليها،و مثله: وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ، أي نتّبع منهاجهم و نسير بسيرتهم.

أمّا قوله: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ و أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ فيبدو أنّه ألصق بالبعد المادّيّ، من حيث الدّلالة على ما صنعوه و شيّدوه،و هي نتائج ملموسة لفعلهم فيما يمكن أن يرى و يجسّد،و لك أن تعمّها للمادّيّ و المعنويّ.

و سادسا-أنّ(آثارهم)و هي سبعة-كلّها تشير إلى البعد المعنويّ،و ما سواها من المفرد و الجمع-و هي سبعة أيضا-تشير إلى البعد المادّيّ،فلاحظ.

و سابعا-أنّ(أثر)مفردا و جمعا ورد«14»مرّة، و غيره فعلا و اسما«اثارة»جاء«7»مرّات،و المجموع «21»مرّة،و معنى هذا أنّ(أثر)يشكّل ثلثي الجذر كلّه، و ضعفي عدد مرّات ورود ألفاظ المحورين الآخرين.

و يشير هذا إلى أهمّيّة الدّلالة الأولى للّفظ،و كونها الأساس الّذي تبتنى عليه دلالات المحورين الآخرين، فكأنّه الرّابطة الّتي تربط هذه الاستعمالات و تشدّ أواصر بعضها إلى البعض الآخر،فيتضاعف عددها اللّفظيّ كما تضاعف تأثيرها المعنويّ.

و ثامنا-من دقيق اللّطائف القرآنيّة أنّ لفظة(آثار) مجرّدة عن الضّمير،وردت مرّة واحدة و بمعنى المفرد؛ حيث أنّ ما بعدها دالّ على الإفراد:

فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:50

فالإحياء أثر واحد لا آثار كثيرة،و هو المناسب لما يقال في الفلسفة:الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد،فاللّه واحد و أثره واحد ثمّ تكثّر.و لك أن تقول:الصّادر منه هو رحمة اللّه-و هو«الوجود المنبسط»في قولهم- و المتكثّرات هي آثار رحمته،و الإحياء تفسير لتلك الرّحمة الواحدة،و هي إعطاء الوجود الّذي هو حقيقة الحياة،و ليس تفسيرا للآثار.و عليه فهي بمعنى الجمع دون المفرد،و هذا بيان لنظريّة:«الوحدة في الكثرة و الكثرة في الوحدة».

ص: 288

و تاسعا-أنّ القرآن استخدم(آثار)الدّالّة على الجمع مرّتين،في سياق واحد و إعراب واحد و دلالة واحدة في سورة واحدة،من دون أن يتكرّر في سورة أخرى:

كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ

المؤمن:21

كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ

المؤمن:82

و كأنّهما يشيران إلى أثر بعينه،على غرار استعماله بصيغة الجمع مسندا إلى ضمير المثنّى:(آثارهما)مرّة واحدة-كما تقدّم-إشارة إلى أثر بعينه تركاه نتيجة فعلهما معا،و كأنّه فعل واحد،خلّف أثرا واحدا؛فهما يرتدّان عَلى آثارِهِما قَصَصاً، و ما تلك الآثار في الحقيقة إلاّ أثر واحد متشابه متكرّر،فيتوازن عدد مرّات ورود اللّفظ مع تعدّد الدّلالة أو إفرادها،فلاحظ و تأمّل.

و عاشرا-قوله: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ المدّثّر:24،25،فإنّ لفظة(يؤثر) مشتركة بين الثّلاثي و المزيد فيه من«أفعل».و احتملهما المفسّرون،فذكروا فيها وجهين:

1-سحر رواه عن غيره،أو ورثه عمّن تقدّمه.

2-اختاره من بين أنواع السّحر و فضّله على غيره، أو سحر تؤثره النّفوس و تختاره لحلاوته.

و لكلّ وجه،إلاّ أنّ الأوّل أقرب بشهادة ما بعده:

إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ، فإنّه بمثابة تفسير له،أي إنّه ليس قول اللّه بل قول البشر رواه محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

قال في الميزان(20:87):قيل إنّ هذه الآية كالتّأكيد للآية السّابقة و إن اختلفتا معنى،لأنّ المقصود منهما نفي كونه قرآنا من كلام اللّه،و باعتبار الاتّحاد في المقصود لم تعطف الجملة على الجملة.

و عليه فهو من قبيل: قالُوا ما هذا إِلاّ سِحْرٌ مُفْتَرىً القصص:36

وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها الفرقان:5

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ

الفرقان:4

وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ

النّحل:103

و يمكن أن يستشهد للوجه الثّاني بما روي في سبب نزول السّورة أنّها ردّ لقول الوليد بن المغيرة في شأن القرآن:«و اللّه إنّ لقوله الّذي يقوله حلاوة،و إنّ عليه لطلاوة،و إنّه لمثمر أعلاه،و مغدق أسفله،و إنّه ليعلو و لا يعلى،و إنّه ليحطّم ما تحته».الميزان(20:90).

و حاصله إنّه كلام ممتاز يفضّل على غيره من النّثر و النّظم.

و الحادي عشر-و جاء(آثر)-ماضيا و مضارعا و هو من باب الإفعال-بمعنى التّفضيل:

1- قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91

2- وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا النّازعات:38

3- بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا الأعلى:16

4- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ

طه:72

ص: 289

5- وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9

و الثّاني عشر-أنّ دلالة(الأثر)بشكليه المادّيّ و المعنويّ بيّنة في غيره من المشتقّات،أي المحورين الآخرين(أثار و مشتقّاته)و(أثارة)كما ستقف عليه.

ف(يؤثر)في إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ سواء كان فعلا مجرّدا أم من باب الإفعال بمعنى التّفضيل،يراد به أنّ القرآن-و هو أثر ملموس مسموع قابل للرّؤية أيضا بعد الكتابة-سحر أثر،و نقل عن غير النّبيّ إليه،أو فضّله هو أو النّاس على غيره من الكلام.و في الوقت نفسه للقرآن أثر معنويّ في نفوس النّاس يجذب القلوب إلى معارفه،و هذا يعدّ بعدا معنويّا للقرآن.على أنّ للقرآن ظاهرا و هو ما نسمع و نرى،و باطنا و هو ما عند اللّه في اللّوح المحفوظ،و ما في القلوب المؤمنة من نور الإيمان.و ما يؤكّد هذه الرّؤية ارتباط(يؤثر)بالسّحر،و تأثير السّحر على النّاس مادّيّا و معنويّا غير خاف.

و أمّا ما جاء من الألفاظ في الآيات الخمس بمعنى «الإيثار»فاتّصالها بالبعد المادّيّ و المعنويّ معا:

1-إنّه تفضيل شيء على آخر؛بحيث أنّ هذا الشّيء المفضّل ينقل إلى الآخرين.

2-و إنّه بهذا النّقل سيترك آثاره على أولئك الآخرين.

و من هذا القبيل السّيف المأثور:الّذي به أثر، و القول المأثور:المنتقى و المنقول عن السّابقين.ففي(آثر) و ما ينبثق عنه سعة قبول المعنيين ممتزجين.فنلاحظ أنّ الدّلالة المقصودة للّفظ تتضمّن معنى الأثر من حيث إنّك قد تؤثر فلانا بشيء،و ذلك الشّيء لا بدّ أن يظهر أثره في فلان.فقوله: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ يدلّ على أنّ المأثور به سيكون له أثره فيمن يخصّ به،من قبيل الرّاحة و السّعادة و الانشراح،و ما إليها من مشاعر و آثار من أجل تحقيقها.و يلحّ الخلق الإسلاميّ الرّفيع على ظاهرة الإيثار،و هذه كلّها راجعة إلى البعد المعنوي،و أمّا المادّيّ فهو ما يفضّل به المؤمن غيره على نفسه من الأرزاق و المآكل و المشارب و الملابس و المساكن و ما إليها.

و هكذا الأمر في إيثار(الحياة الدّنيا)فإنّه يجمع البعدين المادّيّ و المعنويّ،فمن آثر الحياة الدّنيا على الآخرة لا تظهر فيه سمة الإيمان و نور اليقين،كما أنّه يتّجه إلى اللّذّات و متع الحياة المادّيّة و الجاه و المقام،و يزنها بالميزان الأوفى،على خلاف الّذين يؤثرون الآخرة على الدّنيا،فهم الّذين قال تعالى في شأنهم: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً القصص:83

فلهم نورهم يسعى بين أيديهم،و حتّى المقرّبين منهم-كما يحدّثنا القرآن-لا يريدون من اللّه إلاّ اللّه، و يطلبون رضوانا من اللّه و القرب منه،و هذا هو البعد المعنويّ.و أمّا البعد المادّيّ بالنّسبة إليهم فوجوههم النّيّرة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ القيمة:22،و جنّات الخلد و ما إليها.

و الثّالث عشر-إنّ(آثر)و ما اشتقّ منه خمسة بدون عدّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ منها مرّتان في غير المؤمنين متعلّقا بالحياة الدّنيا ذمّا،و مرّتان و هما(آثرك)و(تؤثرون)في

ص: 290

حقّ المؤمنين مدحا،و مرّة واحدة نفيا مؤبّدا (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ذمّا للإيثار.

و لو أضفنا إليه(يؤثر)بجعله من الإيثار فهو إثبات ذمّا،أي أنّهم ينسبون القرآن إلى السّحر على أنّه اختير من بين أنواع السّحر تحقيرا له.و سياق الآية ذمّ لأولئك الكفّار المكذّبين؛فالمعادلة العدديّة ثابتة في(آثر)كما في (أثر)و(آثار)حسبما تقدّم.

و الرّابع عشر-قال المفسّرون في تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا يوسف:91،أي فضّلك بالعلم و الجسم و القدرة و حسن الخلق و الخلق،و الإحسان و الملك و السّلطان و الحلم و الصّبر و الجمال و الكمال و الجاه و المال،و نحو ذلك.و لكن يخطر بالبال أنّ فيها معنى الغلبة و السّيطرة أيضا،أي قد آثرك و سلّطك اللّه علينا فارحمنا.

و الخامس عشر-في قوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا الأعلى:16،لم يذكر فيه«على الآخرة»،و لكنّه معلوم من السّياق.و لك أن تقول:ليس المراد إيثار الدّنيا على الآخرة،بل نفس اختيار الدّنيا و الاتّجاه إليها،أي تختارون اللّذّات العاجلة،و ترضون بها و تطمئنّون إليها، كما قال: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها يونس:7.

و السّادس عشر-و أمّا(أثارة)فهي اللّفظة الوحيدة في القرآن من هذا الجذر في سورة مكّيّة،و لها نظائر في ألفاظ مكّيّة كثيرة نادرة،استعملت مرّة أو مرّتين:

اِئْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الأحقاف:4

و تدلّ على أشياء:

1-القلّة أو البقيّة الضّئيلة،مثلها مثل(أثرة)السّاكنة الثّاء،الدّالّة على المرّة الواحدة.

2-النّقل من القديم إلى الجديد،أي من زمن قديم إلى زمن لاحق،و هذا معلوم من سياق الآية الّتي تطالبهم بأن يقيموا الدّليل على مدّعاهم من كتاب قبل القرآن-و هو دليل نقليّ إلهيّ-(أو أثارة من علم) وصل إليهم من آبائهم و أجدادهم،أو من أمم أخرى ممّا وصل إلى أولئك بالتّجربة أو الرّواية،أو التّفكير العقليّ، و هو دليل بشريّ عقليّ و نقليّ.

3-و الأثارة على الرّغم من دلالتها على القناعة بالقليل من الدّليل تؤكّد أوّلا:على أنّه لا يقبل الدّعوى من غير دليل،و هو ما تحكم به العقول السّليمة و المنطق الحكيم.

و ثانيا:على أنّ الدّليل المقبول لا ينحصر في الوحي و لا النّقل،بل يعمّ كلّما يسلّمه النّاس بفطرتهم و عقولهم، و يتداولونه في حياتهم،و يحتجّ به بعضهم على بعض.

4-أثر يتركه ذلك العلم-المأثور الضّئيل و الشّامل-أو ذلك الادّعاء في تصوّر المشاركة في خلق السّماوات و الأرض من قبل أصنامهم و أوثانهم،حسب الآية السّابقة عليها.

5-شمول هذا الأثر للبعد المعنويّ،و ما سيؤثّر هذا الدّليل-لو كان هناك دليل-في الاقتناع بألوهيّة الأصنام في مشاركتها في الخلق أوّلا،و في استحقاق العبادة لها-و هي معنى الألوهيّة-ثانيا.

و أمّا البعد المادّيّ في(أثارة)فهو كلّ ما نشأ عن عقيدة الشّرك من الاتّجاه المادّيّ،و إيثار الحياة الدّنيا

ص: 291

و ما إليها.

و السّابع عشر-و بهذا يستمرّ معنى«الأثر»في كلّ ما اشتقّ من«أ ث ر»و انتسب إليها.

و لعلّ في التزام ابن فارس-كما تقدّم في النّصوص- بالأصول الثّلاثة لهذا الجذر«تقدّم الشّيء،و ذكره، و رسمه الباقي»سندا لما ذكر،لأنّ وجود الشّيء في الأصول الثّلاثة رمز و إشعار إلى وجود أثره و لا شيء بلا أثر،سواء كان ذلك الشّيء مقدّما(إيثار)أو مذكورا (أثارة)أو بقي رسمه(آثار).

ص: 292

أ ث ل

اشارة

أثل

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأثل:شجر يشبه الطّرفاء إلاّ أنّه أعظم منها و أجود منها عودا،تصنع منه الأقداح الصّفر الجياد.

و تقول:أثّل اللّه ماله،أي كثّره،و قد أثّل فلان تأثيلا،إذا كثر ماله،و تأثّل ملكه و أمواله.و تأثّل فلان، في معنى أثّل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أثل يأثل أثولا،و هو آثل.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:241)

ابن شميّل: في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و لمن وليها أن يأكل و يؤكّل صديقا غير متأثّل مالا»؛ يقولون:هم يتأثّلون النّاس،أي يأخذون منهم أثالا، و الأثال:المال.(الأزهريّ 15:131)

يقال:مال مؤثّل و مجد مؤثّل،أي مجموع ذو أصل.(ابن منظور 11:9)

2Lأبو عمرو الشّيبانيّ: مؤثّل:مهيّأ.و تأثيل المجد:بناؤه.و تأثّل فلان مالا،أي اتّخذه و ثمّره.

(الأزهريّ 15:131)

الأثال:المجد،و به سمّي الرّجل.

(الأزهريّ 15:132)

الأثال:المجد أو المال.(ابن فارس 1:59)

الفرّاء: الأثل هو الّذي يعرف،شبيه بالطّرفاء إلاّ أنّه أعظم طولا.(2:359)

نحوه ابن قتيبة(356)،و السّجستانيّ(152)، و البغويّ(5:237)،و الزّمخشريّ(3:285)و غيرهم.

أبو عبيدة: الأثل هو شجر النّضار.

(القرطبيّ 14:287)

الأصمعيّ: يقال:تأثّل فلان مالا،أي اتّخذ.و مال أثيل،أي مؤثّل مكثّر.(ابن السّكّيت:12)

ص: 293

أثّلت عليه الدّيون تأثيلا،أي جمعتها عليه،و أثّلته برجال،أي كثّرته بهم.[ثمّ استشهد بشعر]

تأثّلت البئر:حفرتها.(ابن فارس 1:59)

ابن الأعرابيّ: الأثيل:منبت الأراك.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: أنّه قال في وصيّ اليتيم:«إنّه يأكل من ماله غير متأثّل مالا»، المتأثّل:الجامع.

و كلّ شيء له أصل قديم أو جمع حتّى يصير له أصل فهو مؤثّل.

و أثلة الشّيء:أصله.[ثمّ استشهد بشعر]

المؤثّل:الدّائم.و أثّلت الشّيء:أدمته.

(الأزهريّ 15:131)

الدّينوريّ: الأثل:ضرب من الطّرفاء.

(الآلوسيّ 22:127)

ابن أبي اليمان: الأثل:الآجام.(149)

الطّبريّ: الأثل:يقال له الطّرفاء.و قيل:شجر شبيه بالطّرفاء،غير أنّه أعظم منها.و قيل:إنّها السّمر.

(22:82)

ابن دريد: وثّلت الشّيء توثيلا،و أثّلته تأثيلا،إذا أصّلته و مكّنته؛و به سمّي الرّجل وثالا.(2:50)

وثّل الرّجل مالا،إذا جمعه،و قد سمّوا أثالا و أثالة و وثالا و وثيلا.و الأثل:شجر معروف.(3:219)

الأزهريّ: يقال:تأثّل فلان بئرا،إذا احتفرها لنفسه.و يقال:أثّل اللّه ملكا آثلا،أي ثبّته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثل:شجر يشبه الطّرفاء إلاّ أنّه أكرم منها، تسوّى منه الأقداح الصّفر الجياد،و منه اتّخذ منبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و للأثل أصول غليظة تسوّى منها الأبواب و غيرها، و ورقه عبل كورق الطّرفاء.(15:131)

الجوهريّ: الأثل:شجر،و هو نوع من الطّرفاء، الواحدة أثلة،و الجمع أثلات،و منه قيل للأصل:أثلة، يقال:فلان ينحت أثلتنا،إذا قال في حسبه قبيحا.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّأثيل:التّأصيل،يقال:مجد مؤثّل و أثيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّأثّل:اتّخاذ أصل مال.

و الأثال،بالفتح:المجد.

و أثال،بالضّمّ:اسم جبل،و منه سمّي الرّجل أثالا.

و ربّما قالوا:تأثّلت بئرا،أي حفرتها.(4:1620)

ابن فارس: الهمزة و الثّاء و اللاّم يدلّ على أصل الشّيء و تجمّعه.قال أبو زياد:الأثل من العضاه طوال في السّماء،له هدب طوال دقاق لا شوك له.

و العرب تقول:«هو مولع بنحت أثلته»،أي مولع بثلبه و شتمه.

و المتأثّل:الّذي يجمع مالا إلى مال.و تقول:أثّل اللّه ملكك،أي عظّمه و كثّره.و أثلة كلّ شيء:أصله.

و تأثّل فلان،اتّخذ أصل مال.

و المتأثّل من فروع الشّجر:الأثيث.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تأثّلت للشّتاء،أي تأهّبت له.[ثمّ نقل قول الأصمعيّ:تأثّلت البئر حفرتها و قال:]

ص: 294

و هذا قياس الباب لأنّ ذلك إخراج ما قد كان فيها مؤثّلا.(1:59)

ابن سيده: أثلة كلّ شيء:أصله.

و أثل يأثل أثولا،و تأثّل:تأصّل.

و أثّل ماله:أصّله.

و تأثّل مالا:اكتسبه،و اتّخذه.

و أثّل اللّه ماله:زكّاه.

و أثّل ملكه:عظّمه.

و تأثّل هو:عظم.

و كلّ شيء قديم مؤصّل:أثيل،و مؤثّل،و متأثّل.

و الأثال:المجد.

و مجد مؤثّل:قديم،منه.

و الأثلة،و الأثلة:متاع البيت،و بزّته.

و تأثّل فلان بعد حاجة،أي اتّخذ أثلة.

و الأثلة:الميرة.

و أثّل أهله:كساهم أفضل الكسوة.

و قيل:أثّلهم:كساهم،و أحسن إليهم.

و أثّل:كثر ماله.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأثّل البئر:حفرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثل:شجر يشبه الطّرفاء،إلاّ أنّه أعظم منه، و أجود عودا.

قال أبو زياد: من العضاه الأثل،و هو طوال في السّماء،مستطيل الخشب،و خشبه جيّد يحمل إلى القرى، فتبنى عليه بيوت المدر،و ورقه هدب طوال دقاق، و ليس له شوك،و منه تصنع القصاع و الجفان،و له ثمرة حمراء كأنّها أبنة،يعني عقدة الرّشاء؛واحدته:أثلة، و جمعه:أثول،كتمر و تمور.[ثمّ استشهد بشعر]

و لسموّ الأثلة و استوائها،و حسن اعتدالها شبّه الشّعراء المرأة إذا تمّ قوامها و استوى خلقها بها.[ثمّ استشهد بشعر](10:178)

الأثل:شجر طوال في السّماء صلب مستقيم الخشب،ورقه هدب طوال دقاق ليس له شوك،واحدته أثلة،الجمع:أثلات و أثول،و منه تصنع الآنية.

(الإفصاح 2:1123)

الطّوسيّ: الأثل:ضرب من الخشب كالطّرفاء إلاّ أنّه أكبر،و قيل:الأثل:الثّمر.و الأثل:قليل من السّدرة.(8:388)

نحوه الطّبرسيّ.(4:386)

الرّاغب: أثل:شجر ثابت الأصل،و شجر متأثّل:

ثابت ثبوته،و تأثّل كذا:ثبت ثبوته.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم في الوصيّ:«غير متأثّل مالا»،أي غير مقتن له و مدّخر،فاستعار التّأثّل له، و عنه استعير:نحتّ أثلته،إذا اغتبته.(10)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال في وصيّ اليتيم:«يأكل من ماله غير متأثّل مالا»،أي غير متّخذ إيّاه لنفسه أثلة،أي أصلا،كقولهم:تديّرت المكان،إذا اتّخذته دارا لك.(الفائق 1:22)

الأثلة:السّمرة،و قيل:شجرة من العضاه طويلة مستقيمة الخشبة تعمل منها القصاع و الأقداح،فوقعت مجازا في قولهم نحت أثلته إذا تنقّصه،و فلان لا تنحت أثلته.[ثمّ استشهد بشعر]

و لفلان أثلة مال،أي أصل مال،ثمّ قالوا:أثّلت مالا

ص: 295

و تأثّلته،و شرف مؤثّل و أثيل،و قد أثل أثالة،حتّى سمّي المجد بالأثال بالفتح،تقول:له أثال كأنّه أثال،أي مجد كأنّه الجبل.(أساس البلاغة:3)

الفخر الرّازيّ: الأثل:نوع من الطّرفاء،و لا يكون عليه ثمرة،إلاّ في بعض الأوقات يكون عليه شيء كالعفص،أو أصغر منه في طعمه و طبعه.(25:251)

نحوه النّيسابوريّ.(23:47)

الفيّوميّ: الأثل:شجر عظيم لا ثمر له،الواحدة أثلة.و قد استعيرت الأثلة للعرض،فقيل:نحت أثلة فلان،إذا عابه و تنقّصه،و هو لا تنحت أثلته،أي ليس به عيب و لا نقص.

و أثال وزان غراب:اسم جبل؛و به سمّي الرّجل.

(1:4)

الفيروزآباديّ: أثل يأثل أثولا،و تأثّل:تأصّل.

و أثّل ماله تأثيلا:زكّاه و أصّله،و ملكه:عظّمه،و الأهل:

كساهم أفضل كسوة و أحسن إليهم،و الرّجل:كثر ماله.

و تأثّل:عظم،و المال:اكتسبه،و البئر:حفرها.

و اتّخذ أثلة،أي ميرة،و الشّيء:تجمّع.

و الأثلة،و يحرّك:متاع البيت.

و الأثل:شجر،واحدته أثلة،و الجمع:أثلات و أثول.

و الأثال كسحاب و غراب:المجد و الشّرف.

و الأثلة:الأهبة و الأصل،و الجمع:[إثال]كجبال.

و هو ينحت في أثلتنا:يطعن في حسبنا.(3:337)

الطّريحيّ: الأثل:شجر شبيه بالطّرفاء إلاّ أنّه أعظم منه،الواحدة أثلة كبقلة،و الجمع:أثلات.

و التّأثيل:التّأصيل،و منه المجد المؤثّل.

و تأثّل الشّيء:تأصّل و تعظّم.

و تأثّلت الشّيء:جمعته،و منه الدّعاء:«تأثّلت علينا لواحق المين»،أي اجتمعت.(5:303)

القاسميّ: الأثل:شجر يشبه الطّرفاء من شجر البادية لا ثمر له.(14:4945)

الطّباطبائيّ: الأثل:الطّرفاء،و قيل:شجر يشبهها أعظم منها لا ثمرة له.(16:364)

المراغيّ: الأثل:الطّرفاء،و هو المعروف في مصر بالأثل.(22:69)

أبو رزق: الأثل:شجر يشبه الطّرفاء،إلاّ أنّه أعظم منه،خشبه جيّد يصنع منه القصاع و الجفان.

و الأثل مفرده أثلة،و هي من العضاه طويلة مستقيمة متأثّلة في الأرض ثابتة الجذور،و منه أخذ فعل «تأثّل».

و مال متأثّل،أي غير مقتنى و مدّخر،و استعير للمعاني كالمجد و الشّرف.(1:23)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أثل أثولا و أثالة:

تأصّل في الأرض أو في الشّرف،فهو أثيل و مؤثّل، و الأثل:شجر يشبه الطّرفاء إلاّ أنّه أكبر،و خشبه صلب ،و ثمره حبّ أحمر لا يؤكل،و تصنع منه القصاع و الجفان.

(29)

عزّة دروزة: الأثل:شجرة طبيعيّة تنبت في الصّحاري،ذات شوك،و ثمرها غير صالح تعافه النّفس.

(5:38)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الحقيقة في هذه المادّة هي

ص: 296

الأصالة و التّجمّع،لقربها من مادّة«الأصل و الأثل و الأسل»،و لأنّ هذا المعنى محفوظ في مشتقّاتها،و لما صرّح به مقاييس اللّغة و هو مقدّم و معتمد عليه في نظره.

ثمّ استعملت في كلّ شجر أصيل مستقيم لا يقصد منه إلاّ أصله و عوده،أو في السّمرة خاصّة.(1:19)

يوسف خيّاط: الأثل:واحدته أثلة،نوع من جنس الطّرفاء من الفصيلة الطّرفاويّة،و هو شجر طويل مستقيم الخشب جيّدة،أغصانه كثيرة التّعقّد، و ورقه معبل دقاق،و ثمره حبّ أحمر قابض يسمّى بحبّ الأثل أو العدب،و عرف بالجزماذج،معرّب من الفارسيّة«الكزمازك»،و كان يصنع من خشبه بعض الآنية،و الآن فإنّه يستعمل في صنع المحاريث و النّوارج.

و من أسمائه«النّضار»في بلاد العرب و«الفارق»في بلاد النّوبة،و«التّاكوت»في مراكش.و إذا اجتمع في مكان أثل فهو عرين للأسود.(1:7)

النّصوص التّفسيريّة

اثل

...ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ

سبأ:16

ابن عبّاس: الأثل:الطّرفاء.

(الطّبريّ 22:82)

الحسن: الخشب.(القرطبيّ 14:287)

قتادة: ضرب من الخشب.(الطّبرسيّ 4:386)

هو ضرب من الخشب يشبه الطّرفاء،رأيت بفيد.

(القرطبيّ 14:287)

البيضاويّ: (و اثل و شيء)معطوفان على(أكل) لا على(خمط)،فإنّ الأثل هو الطّرفاء و لا ثمر له.و قرئا بالنّصب عطفا على(جنّتين).(2:259)

النّسفيّ: الأثل و السّدر معطوفان على(أكل)لا على(خمط)،لأنّ الأثل لا أكل له.(3:322)

أبو حيّان: قرئ (و أثلا و شيئا) بالنّصب عطفا على(جنّتين).(7:271)

البروسويّ: معطوف على(اكل)لا على(خمط)، فإنّ الأثل هو الطّرفاء،بالفارسيّة«گز»،أو شجر يشبهه أعظم منه و لا ثمر له.(7:284)

العامليّ: المراد به شجرة الطّرفاء،و هي من الأشجار المذمومة الّتي ورد أنّها لم تقبل الولاية.(78)

المصطفويّ: الأثل عطف على(اكل)،أي ذواتي أثل،و هي الأشجار القويّة بلا أثمار.و يمكن أن يكون بمعناه الحقيقيّ،و هو أصل الشّجر و أسفله،إشارة إلى السّيل العرم،أي لم تبق فيهما إلاّ أصول الأشجار المثمرة الملائمة و شيء من السّدر.و هذا المعنى أنسب بسياق الآية الشّريفة،من جهة جريان السّيل،و ذكر«الخمط» في الأشجار الّتي لا تلائم أثمارها،و ذكر(سدر قليل)من الّتي تلائم،و من كونه معنى حقيقيّا كما قلنا.

و أمّا قرب الموادّ في كلمات«أصل،أثل،أسل»، فيقال له:الاشتقاق الأكبر،و هو إذا كان التّناسب و الاتّفاق في المعنى مع اختلاف في اللّفظ في الجملة.

(1:19)

ص: 297

الأصول اللّغويّة

1-الظّاهر رجوع«أثل»إلى«أصل»لفظا و معنى، فيهما من قبيل صراط و سراط،و لهذا أطلق الأثل على شجر ثابت الأصل ذو خشب صلب.و كلّ مشتقّاته و معانيه يرجع إلى هذا الأصل،كما قال ابن فارس:«يدلّ على أصل الشّيء و تجمّعه»إلاّ أنّه قد يطلق على ثمره مجازا،و هذا شائع في الأشجار.

و قد تقدّم في النّصوص أنّ شجر الأصل لا يكون عليه ثمرة،إلاّ في بعض الأوقات يكون عليه شيء كالعفص أو أصغر منه في طعمه و طبعه.و في لسان العرب (7:55):«طعام عفص:بشع،و فيه عفوصة و مرارة و تقبّض يعسر ابتلاعه...»و هذا ما سنختاره في معنى الأثل في الآية الكريمة.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

1-جاءت كلمة(أثل)بعد كلمة(خمط)و قبل(سدر قليل)في قوله: وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ سبأ:16، و لا يوقف على معناها إلاّ ضمن تفسير الآية بكاملها.

2-و الآية تصف حال قوم سبأ،و ما أوقع اللّه بهم بسبب سيل العرم بعد إعراضهم عن الحقّ،من تبديل جنّتيهم ذات الثّمار الوافرة و الفواكه و الخيرات الكثيرة، بما يشبه الجنّتين ذات ثمار مرّة حامضة بشعة و شيء من سدر قليل.فحينما كانت الجنّتان قبل السّيل آية في الجمال و النّماء لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ سبأ:

15،ممتدّتان في جانبي الوادي إلى ما شاء اللّه بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ سبأ:15،فكانوا لكثرة الإنتاج شعبا ثريّا قويّا راقيا،كما تشهد به الآثار المكتشفة في مساكنهم.

إذ تبدّلت الجنّتان بعد السّيل إلى صحراء قاحلة لا تنبت سوى الأشجار الصّحراويّة ذوات أكل لا تؤكل.كما أنّ القوم أنفسهم صاروا أحاديث لا أثر لهم في التّاريخ،حتّى ضرب بهم المثل«تفرّق القوم أيادي سبأ»لتفرّقهم في الأرض يمينا و شمالا،لاحظ«سبأ».

3-فالتّعبير عن تلك الصّحراء القفر بالجنّتين-كما جاء في التّفاسير-إمّا تهكّم أو من باب المشاكلة و الازدواج،مثل: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:

54،و فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ البقرة:

194؛إذ لم يبق هناك ما يسمّى جنّة حقيقة،و الدّليل عليه أنّه تعالى عبّر عن ثمراتها بما لا ينبت إلاّ نبتة طبيعيّة في الصّحاري القاحلة مثل شجر الأراك.

4-و من هذا المنطلق لا بدّ من تفسير كلمات: خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. فالمفسّرون-إلاّ النّادر منهم-جعلوها أشجارا،فقالوا:الخمط:الأراك أو كلّ شجر مرّ له شوك،أو الغضا و نحوهما.و الأثل:الطّرفاء أو شبيه منه،أو ضرب من الخشب أو الثّمر أو الآجام.

و السّدر:الشّجر المعروف،و وصفوها بما فيه منافع و نعمة.

و هذه معان توافق اللّغة إلاّ أنّها لا تناسب سياق الآية،فإنّ الظّاهر أنّ الألفاظ الثّلاثة في الآية وصف للأكل أو بيان لها فينبغي أن ننتقل عن تلك الأشجار إلى ما يناسبها.

ص: 298

فالخمط كما في روح المعاني(22:127)،الحامض أو المرّ،و هو وصف للأكل.و في أساس البلاغة(171)، خمر خمطة:حامضة،و لبن حامض:قارص متغيّر.

و الأثل أريد به ثمر الأثل،أي العفص،و هو بشع فيه عفوصة و مرارة و تقبّض يعسر ابتلاعه كما تقدّم.

وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ المراد به الثّمر أيضا دون الشّجر،و توصيفه بالقلّة يسلب النّفع عنه لكي يناسب السّياق،و إلاّ فهو مستساغ عند العرب.

على أنّ الأزهريّ قال:«السّدر سدران:سدر لا ينتفع به و لا يصلح ورقه للغسول،و له ثمرة عفصة لا تؤكل،و هو الّذي يسمّى«الضّال»،و سدر ينبت على الماء،و ثمره النّبق و ورقه غسول يشبه شجر العنّاب» روح المعاني(22:127)،و إن اختلف المفسّرون في أنّ أيّا منهما المراد في الآية،إلاّ أن السّياق يناسب الأوّل.

فحاصل المعنى أنّه تعالى سلبهم تلك الجنّتين ذواتي أكل و نعم عظام بصحراء ذات ثمار مرّة،حامضة عفصة، و قليل من السّدر لا ينتفع به،لأنّه عفصة لا تؤكل و لا يصلح ورقه للغسول.

5-فسياق الآية وصف لسلب نعمهم من دون إثبات نعم أخرى مكانها.فإنّ تلك الثّمرات الثّلاث لا تعدّ نعما بل هي نقمة و عذاب و جزاء لكفرهم و كفرانهم: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ سبأ:17.

6-و قد أشكل الأمر على بعض من كان يعاضدنا في هذا الكتاب،فقال:كيف تكون هذه مجازاة لهم مع ما في هذه الأشجار من الثّمار و الخشب النّافعة؛ينتفع بها العرب و يتذوّقون ثمرها؟و قد ذكر منافع هذه الأشجار و علاقة العرب بها.ثمّ أجاب بما حاصله أنّ هذه ليست إلاّ بقيّة من خير لا يستطيعون إدراكه،رمزا إلى أنّهم لو أطاعوا اللّه لأراهم من صور النّعيم ما لا يخطر على بال، و ما قيمة هذه الأشياء الثّلاثة قياسا بتلك الجنّتين.

و عندنا أنّ الآية لا تصف سوى العذاب و سلب النّعم عنهم مجازاة لهم،و ليس هناك جنّتان بعد الجنّتين،و لا أشجار مثمرة و أكل مقبولة.

7-و جاءت كلمة(اثل)مرّة واحدة منكّرة في سورة مكّيّة،و هي نموذج لحال الكافرين في تلك البلدة.

و وحدتها و تنكيرها مع صاحبيها خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ كلّها تجسيم لكفرهم،و بعدهم عن اللّه تعالى.

ص: 299

ص: 300

أ ث م

اشارة

17 لفظا،48 مرّة:11 مكّيّة،37 مدنيّة

في 21 سورة:12 مكّيّة،9 مدنيّة

آثم 1:-1\إثم 6:-6\إثمك 1:-1

آثما 1:-1\لإثم 1:-1\إثمي 1:-1

الآثمين 1:-1\الإثم 14:4-10\أثاما 1:-1

أثيم 5:4-1\إثما 10:-10\تأثيم 1:1

أثيما 1:-1\إثمه 1:-1\تأثيما 1:1

الأثيم 1:1\إثمهما 1:-1\...

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أثم فلان يأثم إثما،أي وقع في الإثم، كقولك:حرج،إذا وقع في الحرج.

و تأثّم،أي تحرّج من الإثم و كفّ عنه.

و الأثام في جملة التّفسير:عقوبة الإثم،و الأثيم و الأثّام و الأثيمة:في كثرة ركوب الإثم.و الآثم:

الفاعل.(8:250)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقال:لقي فلان آثام ذلك، أي جزاء ذلك.(الأزهريّ 15:160)

الفرّاء: أثمه اللّه يأثمه إثما و أثاما،أي جازاه جزاء الإثم،و العبد مأثوم،أي مجزيّ جزاء إثمه.

(الأزهريّ 15:160)

أبو زيد: رجل أثيم:أثوم.(ابن فارس 1:60)

الأصمعيّ: قال بعض العرب:دعني من تكذابك و تأثامك،و يقال تأثّمت من الشّيء و تحرّجت منه،إذا تركته مخافة الإثم.(أبو حاتم:142)

أبو حاتم: «كذب،أثم».و يقال:كذب فلان و أثم،و يكذب و يأثم.(141)

المبرّد: الأثام:الهلاك.(2:40)

ثعلب: الإثم:القمار،و هو أن يهلك الرّجل و يذهب ماله.و الإثام:عقوبة الإثم.

(ابن سيده 10:186)

ابن خالويه: لو جمع أثيم لقيل:أثماء،مثل عليم

ص: 301

و علماء.(عبد الرّحمن الهمذانيّ:108)

ابن دريد: أثم يأثم إثما فهو أثيم و آثم،و المآثم جمع مأثم،و رجل أثيم و هو الأثّام،و الآثام جمع إثم.

و الأثام مقصور،لا أحبّ أن أتكلّم فيه،لأنّ المفسّرين يقولون في قوله عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً الفرقان:68،قالوا:هو واد في النّار.

(3:219)

الزّجّاج: آثمه:أوقعه في الإثم.(ابن سيده 10:

186)

عبد الرّحمن الهمذانيّ: يقال:فلان أثيم،إذا كان يتعرّض للمآثم.

و جمع الآثم:أثمة،مثل فجرة.(107)

ابن الأنباريّ: الإثم من أسماء الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]و ليس الإثم في أسماء الخمر بمعروف،و لم يصحّ فيه بيت صحيح.(الأزهريّ 15:161)

الجوهريّ: الإثم:الذّنب.و قد أثم الرّجل بالكسر،إثما و مأثما،إذا وقع في الإثم،فهو آثم و أثيم و أثوم أيضا.

و أثمه اللّه في كذا يأثمه و يأثمه،أي عدّه عليه إثما،فهو مأثوم.

و آثمه،بالمدّ:أوقعه في الإثم.

و أثّمه،بالتّشديد،أي قال له:أثمت.

و قد تسمّى الخمر إثما.[ثمّ استشهد بشعر]و ناقة آثمة و نوق آثمات،أي مبطئات.(5:1857)

ابن فارس: الهمزة و الثّاء و الميم تدلّ على أصل واحد،و هو البطء و التّأخّر،يقال:ناقة آثمة،أي متأخّرة.

و الإثم مشتقّ من ذلك،لأنّ ذا الإثم بطيء عن الخير متأخّر عنه.(1:60)

أبو هلال: الفرق بين الإثم و الخطيئة:أنّ الخطيئة قد تكون من غير تعمّد و لا يكون الإثم إلاّ تعمّدا،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّيت الذّنوب كلّها خطايا،كما سمّيت إسرافا.

و أصل الإسراف مجاوزة الحدّ في الشّيء.

الفرق بين الإثم و الذّنب:أنّ الإثم في أصل اللّغة التّقصير؛أثم يأثم،إذا قصر.[ثمّ استشهد بشعر]

و من ثمّ سمّي الخمر إثما،لأنّها تقصر بشاربها، لذهابها بعقله.

الفرق بين الأثيم و الآثم:أنّ الأثيم المتهادي في الإثم،و الآثم فاعل الإثم.(193)

الهروي: يقال:رجل أثيم و أثوم،أي متحمّل للآثام.يقال:أثمه يأثمه،إذا جازاه جزاء إثمه.و في حديث الحسن:«ما علمت أحدا منهم ترك الصّلاة على أحد من أهل القبلة تأثّما»أي تجنّبا للإثم.(1:19)

ابن سيده: الإثم:الذّنب.و قيل:هو أن يعمل ما لا يحلّ له،و في التّنزيل: وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف:33.

و قد أثم يأثم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأثّم الرّجل:تاب من الإثم،و استغفر منه،و هو على السّلب،كأنّه سلب ذاته الإثم بالتّوبة و الاستغفار، أو رام ذلك بهما.

و جمع الإثم:آثام،لا يكسّر على غير ذلك.

و أثم:وقع في الإثم.

ص: 302

و أثمه اللّه يأثمه:عاقبه بالإثم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأثّم:تحرّج من الإثم،و هو على السّلب،كما أنّ تحرّج على السّلب أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثام و الإثام:عقوبة الإثم،الاخيرة عن ثعلب.

و رجل أثّام:من قوم أثّامين،و أثيم:من قوم أثماء.

و أثوم:من قوم أثم.

و الأثيم،و الأثيمة:كثرة ركوب الإثم.

و المأثم:الأثام.

و الإثم عند بعضهم:الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثمت النّاقة المشي تأثمه إثما:أبطأت.[ثمّ استشهد بشعر](10:185)

الإثم و الأثام:الذّنب،و جمع الإثم:آثام.

و أثم يأثم أثما و إثما و أثاما و مأثما:عمل ما لا يحلّ فهو آثم.

و الأثيم و الأثوم:الكثير ركوب الإثم.

و أثمه اللّه في كذا يأثمه و يأثمه:عدّ عليه إثما،فهو مأثوم.

و آثمه:أوقعه في الإثم،و أثمّه:قال له:أثمت،و عدّه آثما.و تأثّم:تاب منه و تحرّج.

و الأثام و المأثم:عقوبة الإثم.(الإفصاح 1:253)

الطّوسيّ: أثم يأثم إثما،فهو آثم و أثيم.و أثّمه تأثيما،إذا نسبه إلى الإثم.و تأثّم من فعل كذا.

كقولك تحرّج منه للإثم به.(10:299)

الرّاغب: الإثم و الأثام اسم للأفعال المبطئة عن الثّواب،و جمعه:آثام،و لتضمّنه لمعنى البطء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أثم و أثاما،فهو آثم و أثم و أثيم.و تأثّم:

خرج من إثمه،كقولهم تحوّب:خرج من حوبه و حرجه، أي ضيقه.

و تسمية الكذب إثما لكون الكذب من جملة الإثم؛ و ذلك كتسمية الإنسان حيوانا،لكونه من جملته.(10)

الطّبرسيّ: الإثم:الفعل القبيح الّذي يستحقّ به اللّوم،و نظيره الوزر.(1:153)

ابن الأثير: في الحديث:«من عضّ على شبدعه سلم من الأثام»الأثام،بالفتح:الإثم،يقال:أثم يأثم أثاما.و قيل:هو جزاء الإثم،و منه الحديث:«أعوذ بك من المأثم و المغرم»المأثم:الأمر الّذي يأثم به الإنسان،أو هو الإثم نفسه،وضعا للمصدر موضع الاسم.

و في حديث معاذ: «فأخبر بها عند موته تأثّما»أي تجنّبا للإثم.يقال:تأثّم فلان،إذا فعل فعلا خرج به من الإثم،كما يقال:تحرّج،إذا فعل ما يخرج به من الحرج.

و في حديث سعيد بن زيد: «و لو شهدت على العاشر لم إيثم»هي لغة لبعض العرب في«آثم»؛و ذلك أنّهم يكسرون حرف المضارعة في نحو:نعلم و تعلم، فلمّا كسروا الهمزة في«آثم»انقلبت الهمزة الأصليّة ياء.

(1:24)

عبد اللّطيف البغداديّ: العرب تقول:فلان يتأثّم و يتحنّث،إذا فعل ما يخرج به من الإثم و الحنث، و العامّة تعني بذلك الدّخول فيهما.(9)

ابن أبي الحديد: الأثيم:المخطئ المذنب.

(17:4)

الفيّوميّ: أثم أثما من باب«تعب»،و الإثم

ص: 303

بالكسر اسم منه،فهو آثم،و في المبالغة أثّام و أثيم و أثوم.

و يعدّى بالحركة،فيقال:أثمته أثما من بابي«ضرب» و«قتل»،إذا جعلته آثما.و آثمته بالمدّ:أوقعته في الذّنب.و أثّمته تأثيما:قلت له:أثمت،كما يقال:

صدّقته و كذّبته،إذا قلت له:صدقت أو كذبت.

و الأثام مثل سلام،هو الإثم و جزاؤه.

و تأثّم:كفّ عن الإثم،كما يقال:حرج،إذا وقع في الحرج،و تحرّج،إذا تحفّظ منه.(5)

الجرجانيّ: الإثم:ما يجب التّحرّز منه شرعا و طبعا.(3)

الفيروزآباديّ: الإثم،بالكسر:الذّنب،و الخمر، و القمار،و أن يعمل ما لا يحلّ.

أثم كعلم إثما و مأثما،فهو آثم و أثيم و أثّام و أثوم.

و أثمه اللّه تعالى في كذا كمنعه و نصره:عدّه عليه إثما فهو مأثوم.و آثمه:أوقعه فيه،و أثّمه تأثيما:قال له:أثمت، و تأثّم:تاب منه و تحرّج.

و كسحاب:واد في جهنّم،و العقوبة،و يكسر كالمأثم.

و الأثيم:الكذّاب كالأثوم،و كثرة ركوب الإثم كالأثيمة،و أبو جهل.

و التّأثيم:الإثم.و المؤاثم:الّذي يكذب في السّير.

و نوق آثمات:مبطئات معييات.(4:74)

الطّريحيّ: في الحديث:«لا يتأثّم و لا يتحرّج»هو من قبيل عطف التّفسير،أي لا يجعل نفسه آثما بكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و المأثم:الأمر الّذي يأثم به الإنسان.و في حديث عليّ للحسن عليهما السّلام في ابن ملجم:«ضربة بضربة و لا تأثم»أي لا إثم عليك بذلك،فإنّ القصاص حقّ أمر اللّه تعالى به.

و في الحديث:«لا ينزل أحدكم على أخيه حتّى يؤثمه،قالوا:يا رسول اللّه و كيف يؤثمه؟قال:لا يكون عنده ما ينفق عليه»،يعني فيوقعه في الإثم.(6:5)

مجمع اللّغة: أثم يأثم من باب«علم»إثما و أثما و أثاما و مأثما:فعل ما نهي عنه،فهو آثم و أثيم.

و الإثم و الأثام:ما نهي عنه،قد يطلق على الجزاء المترتّب على فعل ما نهي عنه.(1:14)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أثم:وقع في الذّنب، و فعل ما نهي عنه،فهو آثم و أثيم.و الإثم:الذّنب، و الأثام:جزاء الإثم.و أثّمه تأثيما:نسب الإثم إليه.

و تأثّم:كفّ نفسه عن الإثم و تجنّبه.(29)

العدنانيّ: يخطّئون من يستعمل الفعل تأثّم بمعنى وقع في الإثم،و يقولون:إنّ معناه:

1-كفّ عن الإثم و تجنّبه.

2-تاب من الإثم و استغفر.

و يعتمدون على ما يأتي:

أ-جاء في حديث ابن عبّاس:«كانت عكاظ و مجنّة و ذو المجاز أسواقا في الجاهليّة،فلمّا كان الإسلام تأثّموا من التّجارة فيها»،أي تجنّبوا التّجارة فيها.

ب-تأثّم فلان:تحرّج عن الإثم و كفّ«التّهذيب، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة لابن فارس،و المحكم، و النّهاية،و المصباح،و القاموس و المدّ».

ص: 304

ج-تأثّم:تاب من الإثم«المحكم،و القاموس».

د-يتأثّم من كذا:يعتزله،يتحنّث منه.«الصّحاح، و القاموس»في مادّة«حنث».و في الحديث:«أنّه كان يأتي غار حراء فيتحنّث فيه».

ه-تأثّم فلان:

1-كفّ عن الإثم و تجنّبه:«المدّ،و محيط المحيط، و المتن،و المعجم الكبير،و الوسيط».

تأثّم من الشّيء:

2-تاب منه و استغفر:«المدّ،و محيط المحيط،و المتن، و المعجم الكبير،و الوسيط».

و لكن قال ابن الأنباريّ في كتابه«الأضداد»:قد تأثّم الرّجل:1-أتى ما فيه المأثم،2-تجنّب المأثم.

و الفعل«تأثّم»عنده من الكلمات الّتي تحمل معنيين متضادّين.

و انفراد ابن الأنباري بقوله:تأثّم:أتى ما فيه المأثم، يجعلني أنصح بعدم اللّجوء إلى استعمال الفعل«تأثّم»بهذا المعنى،دون أن نخطّئ من يضطرّ إلى استعماله،و إن كان ابن الأنباريّ من أعلم أهل زمانه.(4)

النّصوص التّفسيريّة

اثم

...وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ... البقرة:283

مجاهد: كافر قلبه.(الميبديّ 1:774)

و هو المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام.

(الكاشانيّ 1:286)

السّدّيّ: فاجر قلبه.(الطّبريّ 3:141)

مثله الطّبريّ.(3:141)

الرّبيع: فقد ركب إثما عظيما.(الطّبريّ 3:141)

الطّبريّ: مكتسب بكتمانه إيّاها معصية اللّه.

(3:141)

الطّوسيّ: إنّما أضاف إلى القلب مجازا،لأنّه محلّ الكتمان،و إلاّ فالآثم هو الحيّ.(2:381)

البغويّ: أي فاجر قلبه،و أراد به مسخ القلب.

(1:260)

الزّمخشريّ: (آثم)خبر(انّ)،و(قلبه)رفع ب(آثم)على الفاعليّة،كأنّه قيل:فإنّه يأثم قلبه.و يجوز أن يرتفع(قلبه)بالابتداء،و(آثم)خبر مقدّم،و الجملة خبر(إنّ).

فإن قلت:هلاّ اقتصر على قوله: فَإِنَّهُ آثِمٌ و ما فائدة ذكر القلب،و الجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟

قلت:كتمان الشّهادة هو أن يضمرها و لا يتكلّم بها، فلمّا كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه،لأنّ إسناد الفعل إلى الجارحة الّتي يعمل بها أبلغ.أ لا تراك تقول إذا أردت التّوكيد:هذا ممّا أبصرته عيني و ممّا سمعته أذني و ممّا عرفه قلبي،و لأنّ القلب هو رئيس الأعضاء،و المضغة الّتي إن صلحت صلح الجسد كلّه،و إن فسدت فسد الجسد كلّه.

فكأنّه قيل:فقد تمكّن الإثم في أصل نفسه و ملك أشرف مكان فيه،و لئلاّ يظنّ أنّ كتمان الشّهادة من الآثام المتعلّقة باللّسان فقط،و ليعلم أنّ القلب أصل متعلّقه و معدن اقترانه،و اللّسان ترجمان عنه،و لأنّ أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح،و هي لها

ص: 305

كالأصول الّتي تتشعّب منها.أ لا ترى أنّ أصل الحسنات و السّيّئات الإيمان و الكفر،و هما من أفعال القلوب.فإذا جعل كتمان الشّهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنّه من معاظم الذّنوب.(1:406)

الطّبرسيّ: أضاف«الإثم»إلى القلب و إن كان الإثم هو للجملة،لأنّ اكتساب الإثم بكتمان الشّهادة يقع بالقلب،لأنّ العزم على الكتمان إنّما يقع بالقلب،و لأنّ إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذّمّ،كما أنّ إضافة الإيمان إلى القلب أبلغ في المدح.قال تعالى: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ المجادلة:22.(1:400)

الفخر الرّازيّ: (الآثم):الفاجر.و قرأ ابن أبي عبلة (أثم قلبه)،أي جعله آثما.(7:131)

القرطبيّ: مجاز،و هو آكد من الحقيقة في الدّلالة على الوعيد،و هو من بديع البيان و لطيف الإعراب عن المعاني.يقال:إثم القلب سبب مسخه.(3:415)

البروسويّ: المراد مسخ القلب.(1:444)

رشيد رضا: من آثام القلب سوء القصد و فساد النّيّة،و هي شرّ الذّنوب و الآثام.(3:132)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فيكون في الكلام تنبيه على أنّ الكتمان من أعظم الذّنوب.

و قيل:أسند الإثم إلى القلب لئلاّ يظنّ أنّ كتمان الشّهادة من الآثام المتعلّقة باللّسان فقط،و ليعلم أنّ القلب أصل متعلّقه و معدن اقترافه.

و قيل:للإشارة إلى أنّ أثر الكتمان يظهر في قلبه،أو للإشارة إلى أنّه يفسد قلبه فيفسد بدنه كلّه،و الكلّ ليس بشيء كما لا يخفى.

و قرئ قلبه بالنّصب على التّشبيه بالمفعول به، و(آثم)صفة مشبّهة.

و جوّز أبو حيّان كونه بدلا من اسم(انّ)،بدل بعض من كلّ،و بعضهم كونه تمييزا،و استبعده أبو البقاء.

(3:63)

المراغيّ: و من يفعل ذلك يكن مجترحا للإثم مرتكبا للذّنب.

و نسب«الإثم»إلى القلب،لأنّه هو الّذي يعي الوقائع و يدركها و يشهد بها،فهو آلة الشّعور و العقل؛ فكتمان الشّهادة عبارة عن حبس ذلك فيه،و الإثم كما يكون بعمل الجوارح و حركات الأعضاء يكون بعمل القلب و اللّبّ،كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:36.

و من آثام القلب:سوء القصد و فساد النّيّة و الحسد.

(3:78)

المصطفويّ: أي مبطئ عن السّير إلى الحقّ محجوب عنه.(1:21)

اثما

...وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً. الدّهر:24

الحسن: الآثم هو المنافق.

(النّيسابوريّ 29:129)

قتادة: أراد بالآثم و الكفور أبا جهل.

(البغويّ 7:162)

ص: 306

مقاتل: أراد بالآثم عتبة بن ربيعة.

(البغويّ 7:162)

مثله الطّبرسيّ(4:13)،و النّيسابوريّ(29:

129).

ابن زيد: الآثم:المذنب الظّالم،و الكفور هذا،كلّه واحد.(الطّبريّ 29:224)

الطّبريّ: و لا تطع في معصية اللّه من مشركي قومك آثما،يريد:بركوبه معاصيه.(29:224)

الميبديّ: الفاجر.(10:326)

الفخر الرّازيّ: ما الفرق بين الآثم و الكفور؟

الجواب:الآثم هو المقدم على المعاصي أيّ معصية كانت،و الكفور هو الجاحد للنّعمة؛فكلّ كفور آثم،أمّا ليس كلّ آثم كفورا.و إنّما قلنا:إنّ الآثم عامّ في المعاصي كلّها،لأنّه تعالى قال: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً النّساء:48،و قال: وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ البقرة:283، و قال: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:120، و قال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ البقرة:219.فدلّت هذه الآيات على أنّ الإثم شامل لكلّ المعاصي.

و اعلم أنّ كلّ من عبد غير اللّه فقد اجتمع في حقّه هذان الوصفان،لأنّه لمّا عبد غيره فقد عصاه و جحد إنعامه.إذا عرفت هذا فنقول.في الآية قولان:

الأوّل:إنّ المراد شخص معيّن،ثمّ منهم من قال:

«الآثم و الكفور»هو شخص واحد،و هو أبو جهل، و منهم من قال:«الآثم»هو الوليد،و«الكفور»هو عتبة.

قال القفّال: و يدلّ عليه أنّه تعالى سمّى الوليد أثيما في قوله: وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ إلى قوله:

مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ القلم:12.

و روى صاحب الكشّاف أنّ«الآثم»هو عتبة، و«الكفور»هو الوليد،لأنّ عتبة كان ركّابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق،و الوليد كان غاليا في الكفر.

القول الأوّل أولى؛لأنّه متأيّد بالقرآن.

الثّاني:إنّ«الآثم»و«الكفور»مطلقان غير مختصّين بشخص معيّن،و هذا هو الأقرب إلى الظّاهر.ثمّ قال الحسن:«الآثم»هو المنافق،و«الكفور»:مشركو العرب.و هذا ضعيف بل الحقّ ما ذكرناه من أنّ«الآثم» عامّ و«الكفور»خاصّ.(30:258)

المراغيّ: هو الفاجر المجاهر بالمعاصي.

(29:173)

الطّباطبائيّ: المراد بالآثم المتلبّس بالمعصية، و بالكفور المبالغ في الكفر،فتشمل الآية الكفّار و الفسّاق جميعا.(20:141)

الآثمين

...وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ.

المائدة:106

الزّمخشريّ: قرئ(لملاثمين)بحذف الهمزة و طرح حركتها على اللاّم و إدغام نون(من)فيها،كقوله:

(عاد لولى)النّجم:50.(1:651)

نحوه البيضاويّ.(1:296)

ص: 307

البروسويّ: أي العاصين.(2:456)

القاسميّ: أي المعدودين من المستقرّين في الإثم.(6:2195)

رشيد رضا: لمن المتحمّلين للإثم،المتمكّنين فيه المستحقّين لجزائه.و الإثم في الأصل ما يقعد بصاحبه عن عمل الخير و البرّ من معصية و غيرها.و هذا التّعبير أبلغ من«إنّا إذا لآثمون».(7:221)

الطّباطبائيّ: الحاملين للإثم.(6:197)

اثيم

1- ...وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ. البقرة:276

الطّبريّ: و اللّه لا يحبّ كلّ مصرّ على كفر بربّه، مقيم عليه،مستحلّ أكل الرّبا و إطعامه،أثيم متمادّ في الإثم فيما نهاه عنه من أكل الرّبا و الحرام،و غير ذلك من معاصيه،لا ينزجر عن ذلك،و لا يرعوي عنه،و لا يتّعظ بموعظة ربّه الّتي وعظه بها في تنزيله و آي كتابه.

(3:105)

الطّوسيّ: «الأثيم»هو المتمادي في الإثم،و الآثم :الفاعل للإثم.(2:363)

مثله الطّبرسيّ.(1:390)

البغويّ: فاجر بأكله.(1:253)

مثله الميبديّ.(1:753)

ابن الجوزيّ: المتمادي في ارتكاب الإثم المصرّ عليه.(1:331)

الفخر الرّازيّ: الأثيم:فعيل بمعنى فاعل،و هو الآثم،و هو أيضا مبالغة في الاستمرار على اكتساب الآثام و التّمادي فيه،و ذلك لا يليق إلاّ بمن ينكر تحريم الرّبا فيكون جاحدا.و فيه وجه آخر و هو أن يكون الكفّار راجعا إلى المستحيل،و الأثيم يكون راجعا إلى من يفعله،مع اعتقاد التّحريم؛فتكون الآية جامعة للفريقين.(7:103)

ابن فورك: وصف(كفّار)ب(أثيم)لإزالة الاشتراك في كفّار؛إذ قد يقع على الزّارع الّذي يستر الحبّ في الأرض.(القرطبيّ 3:362)

القرطبيّ: وصف(كفّار)بأثيم مبالغة؛من حيث اختلف اللّفظان.(3:362)

البيضاويّ: منهمك في ارتكابه.(1:142)

مثله الآلوسيّ(3:52)،و نحوه البروسويّ(1:

436)،و المراغيّ(3:66).

أبو حيّان: فيه تغليظ أمر الرّبا و إيذان أنّه من فعل الكفّار لا من فعل أهل الإسلام و أتى بصيغة المبالغة في الكافر و الآثم و إن كان تعالى لا يحبّ الكافر؛تنبيها على عظم أمر الرّبا و مخالفة اللّه،و قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:275،و أنّه لا يقول ذلك-و يسوّي بين البيع و الرّبا،ليستدلّ به على أكل الرّبا-إلاّ مبالغ في الكفر مبالغ في الإثم،و ذكر«الأثيم»على سبيل المبالغة و التّوكيد؛من حيث اختلف اللّفظان.[قال بعد نقل قول ابن فورك:]

و هذا فيه بعد إذ إطلاق القرآن«الكافر و الكافرون و الكفّار»إنّما هو على من كفر باللّه و أمّا إطلاقه على الزّارع فبقرينة لفظيّة كقوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ الحديد:20(2:336)

ص: 308

رشيد رضا: الأثيم:المقيم على الإثم،و هو الّذي جعل المال آلة لجذب ما في أيدي النّاس إلى يده، فافترص إعسارهم،لاستغلال اضطرارهم.(3:101)

الطّباطبائيّ: الحامل للإثم.(2:418)

الحجازيّ: مصرّ على الإثم،و مبالغ فيه.

(3:21)

الصّابونيّ: أي كثير الإثم،و هو المتمادي في ارتكاب المعاصي،المصرّ على الذّنوب.(1:384)

2- تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ. الشّعراء:222

قتادة: هم الكهنة،تسترق الجنّ السّمع،ثمّ يأتون به إلى أوليائهم من الإنس.(الطّبريّ 19:125)

أبو عبيدة: أي آثم،بمنزلة عليم في موضع عالم.

(2:91)

نحوه الطّبريّ.(19:125)

البغويّ: فاجر.(5:107)

الزّمخشريّ: هم الكهنة و المتنبّئة كشقّ و سطيح و مسيلمة و طليحة.(3:132)

مثله النّيسابوريّ(19:76)،و نحوه النّسفيّ(3:

199).

الطّبرسيّ: أي إنّما يتنزّل الشّياطين على كلّ كذّاب فاجر عامل بالمعاصي و هو الكهنة.(4:208)

نحوه السّيوطيّ.(الجلالين 2:168)

أبو حيّان: كثير الإثم؛ف(افّاك اثيم)صيغتا مبالغة.(7:48)

البروسويّ: كثير الإثم،و هو اسم للأفعال المبطئة عن الثّواب،أي تتنزّل على المتّصفين بالإفك و الإثم الكثير،من الكهنة و المتنبّئة،كمسيلمة و طليحة،لأنّهم من جنسهم،و بينهم مناسبة بالكذب و الافتراء و الإضلال.(6:314)

3- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ. الجاثية:7

ابن عبّاس: إنّه الحارث بن كلدة.

(القرطبيّ 16:158)

الطّبريّ: لكلّ كذّاب ذي إثم بربّه،مفتر عليه.(25:142)

الثّعلبيّ: إنّه أبو جهل و أصحابه.

(القرطبيّ 16:158)

الطّوسيّ: ذو الإثم،و هو صاحب المعصية الّذي يستحقّ بها العقاب.(9:250)

مثله الطّبرسيّ.(5:53)

البغويّ: صاحب إثم،يعني النّضر بن الحارث.

(6:126)

نحوه الميبديّ.(9:123)

القرطبيّ: أي مرتكب للإثم.(16:158)

القاسميّ: أي بترك الاستدلال،لا سيّما إذا لم يترك عن غفلة بل مع كونه.(14:5319)

المراغيّ: كثير الإثم و المعاصي.(25:143)

الطّباطبائيّ: «الأثيم»من الإثم،بمعنى المعصية، و المعنى ليكن الهلاك على كلّ كذّاب ذي معصية.

(18:159)

4- مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. القلم:12

الطّبريّ: ذي إثم بربّه.(29:23)

ص: 309

الطّوسيّ: أي آثم،فهو فعيل بمعنى فاعل،و هو الّذي فعل ما يأثم به.(10:77)

الميبديّ: كثير الإثم،فاجر عاص.

(10:190)

الطّبرسيّ: أي آثم فاجر فاعل ما يأثم به.

و قيل:معتد في فعله،أثيم في معتقده.

و قيل:معتد في ظلم غيره،أثيم في ظلم نفسه.

(5:334)

القرطبيّ: أي ذي إثم،و معناه أثوم،فهو فعيل بمعنى فعول.(18:232)

الخازن: أي فاجر يتعاطى الإثم.(7:110)

البروسويّ: في التّأويلات النّجميّة:كثير الآثام بالرّكون إلى الأخلاق الرّديئة،و الرّغبة في الصّفات المردودة.(10:111)

الآلوسيّ: كثير الآثام،و هي الأفعال المبطئة عن الثّواب،و المراد بها المعاصي و الذّنوب.(29:27)

المراغيّ: أي كثير الآثام ديدنه ذلك،فهو لا يبالي بما ارتكب،و لا بما اجترح.(29:32)

5- وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. المطفّفين:12

قتادة:أثيم في مريته.(الطّوسيّ 10:299)

الميبديّ: مرتكب للخطايا مستحقّ للعقوبة.

(10:416)

الطّوسيّ: مكتسب القبيح.(10:299)

الطّبرسيّ:كثير الإثم،مبالغ في ارتكابه.

(5:453)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:93)

القرطبيّ: أي فاجر جائز عن الحقّ،معتد على الخلق في معاملته إيّاهم،و على نفسه،هو أثيم في ترك أمر اللّه.

و قيل:هذا في الوليد بن المغيرة و أبي جهل و نظرائهما.(19:259)

البيضاويّ: منهمك في الشّهوات المخدجة؛بحيث أشغلته عمّا وراءها،و حملته على الإنكار لما عداها.

(2:546)

نحوه البروسويّ(10:367)،و الآلوسيّ(30:

72).

النّيسابوريّ: أثيم في إعمال القوى البدنيّة في غير مواقعها،حتّى أثمر له الباطل بدل الحقّ،و حكم على آيات اللّه بأنّها أساطير الأوّلين،و فيه إنكار للنّبوّة أيضا.

(30:51)

الخازن: هو مبالغة في الإثم،و هو المرتكب للإثم و المعاصي.(7:183)

نحوه القاسميّ.(17:6095)

المراغيّ: أي يكثر من ارتكاب الآثام و هي المعاصي.(30:74)

اثيما

...إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً.

النّساء:107

ابن عبّاس: لا تجادل عن الّذين يظلمون أنفسهم و يرمون بالخيانة غيرهم،يريد به سارق الدّرع،سرق

ص: 310

الدّرع و رمى بالسّرقة اليهوديّ؛فصار خائنا بالسّرقة، أثيما في رميه غيره بها.(الطّبرسيّ 2:107)

الميبديّ: إنّ اللّه لا يحبّ من كان خائنا كاذبا.

و الإثم اسم من أسماء الكذب،و هو صفة طعمة بن أبيرق الّذي خان و كذب في سرقة الدّرع.(2:674)

أبو حيّان: أتى بصيغة المبالغة في الخيانة و الإثم، ليخرج منه من وقع منه المرّة و من صدرت منه الخيانة، على سبيل الغفلة و عدم القصد.و في صفتي المبالغة دليل على إفراط طعمة في الخيانة و ارتكاب المآثم.

(3:344)

أبو السّعود: منهمكا فيه.و تعليق عدم المحبّة الّذي هو كناية عن البغض و السّخط بالمبالغ في الخيانة و الإثم ليس لتخصيصه به،بل لبيان إفراط طعمة و قومه فيهما.

(1:381)

البروسويّ: منهمكا فيها.أطلق على طعمة لفظ المبالغة الدّالّ على تكرّر الفعل منه،مع أنّ الصّادر منه خيانة واحدة و إثم واحد،لكون طبعه الخبيث مائلا إلى تكثير كلّ واحد من الفعلين.(2:279)

المراغيّ: أي إنّ اللّه يبغض من اعتاد الخيانة و ألفت نفسه اجتراح السّيّئات و ضريت عليها،و لم يعدّ للعقاب الإلهيّ الرّهبة و الخشية الّتي ينبغي أن يفكّر مثله فيها.(5:149)

الاثيم

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ. الدّخان:43،44

أبو الدّرداء: طعام الفاجر.(الطّبريّ 25:131)

مثله الفرّاء(3:43)،و ابن قتيبة(403).

ابن زيد: أبو جهل.(الطّبريّ 25:131)

الطّبريّ: طعام الآثم في الدّنيا بربّه،و(الأثيم):

ذو الإثم،و الإثم:من أثم يأثم فهو أثيم.و عني به في هذا الموضع الّذي إثمه الكفر بربّه،دون غيره من الآثام.

(25:130)

الأزهريّ: (الاثيم)في هذه الآية بمعنى الآثم.

(15:161)

الطّوسيّ: الّذي يستحقّ العقاب بمعاصيه،و عني به هاهنا أبو جهل.(9:239)

نحوه الميبديّ(9:113)،و الطّبرسيّ(5:67).

الزّمخشريّ: هو الفاجر الكثير الآثام.(3:506)

مثله القاسميّ.(14:5313)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:الآية تدلّ على حصول هذا الوعيد الشّديد للأثيم،و الأثيم هو الّذي صدر عنه الإثم؛فيكون هذا الوعيد حاصلا للفسّاق.

و الجواب:أنّا بيّنّا في أصول الفقه أنّ اللّفظ المفرد الّذي دخل عليه حرف التّعريف الأصل فيه أن ينصرف إلى المذكور السّابق،و لا يفيد العموم،و هاهنا المذكور السّابق هو الكافر،فينصرف إليه.(27:251)

القرطبيّ: (الاثيم):الفاجر،قاله أبو الدّرداء، و كذلك قرأ هو و ابن مسعود.و قال همّام بن الحارث:

كان أبو الدّرداء يقرئ رجلا: (انّ شجرت الزّقّوم طعام الاثيم) ،و الرّجل يقول:طعام اليتيم،فلمّا لم يفهم قال له:

طعام الفاجر.(و 16:149)

البيضاويّ: الكثير الآثام،و المراد به الكافر،

ص: 311

لدلالة ما قبله و ما بعده عليه.(2:377)

مثله البروسويّ.(8:426)

أبو حيّان: صفة مبالغة،و هو كثير الآثام.و يقال له:أثوم،صفة مبالغة أيضا.و فسرّ بالمشرك.

قال يحيى بن سلاّم: المكتسب للإثم،و قيل:

الوليد.(8:39)

الطّباطبائيّ: من استقرّ فيه الإثم إمّا بالمداومة على معصية أو بالإكثار من المعاصي.و الآية إلى تمام ثمان آيات،بيان حال أهل النّار.(18:148)

اثم

1- ...فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.

البقرة:173

الطّبريّ: من أكل ذلك على الصّفة الّتي وصفنا فلا تبعة عليه في أكله ذلك و لا حرج.(2:88)

الميبديّ: لا ذنب عليه من هذا الأكل.

(1:457)

مثله الطّباطبائيّ.(1:426)

الطّبرسيّ: أي لا حرج عليه،و إنّما ذكر هذا اللّفظ ليبيّن أنّه ليس بمباح في الأصل،و إنّما رفع الحرج لأجل الضّرورة.(1:257)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالان:

أحدهما:أنّ الأكل في تلك الحالة واجب،و قوله:

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يفيد الإباحة.

و الثّاني:أنّ المضطرّ كالملجإ إلى الفعل،و الملجأ لا يوصف بأنّه لا إثم عليه.

قلنا:قد بيّنّا في تفسير قوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما البقرة:158،أنّ نفي الإثم قدر مشترك بين الواجب و المندوب و المباح،و أيضا فقوله تعالى:

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ معناه رفع الحرج و الضّيق.(5:14)

2- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ... البقرة:182

الطّبرسيّ: إنّما قال(لا اثم عليه)و لم يقل:

يستحقّ الأجر،لأنّ المتوسّط إنّما يجري أمره في الغالب أن ينقص صاحب الحقّ بعض حقّه بسؤاله إيّاه،فبيّن سبحانه لنا أنّه لا إثم عليه في ذلك إذا قصد الإصلاح.

و قيل:إنّه لمّا بيّن إثم المبدل-و هذا أيضا ضرب من التّبديل-بيّن مخالفته للأوّل،بكونه غير مأثوم بردّه الوصيّة إلى العدل.(1:269)

البروسويّ: أي لا وزر على المغيّر في التّبديل؛ لأنّه تبديل باطل إلى حقّ بخلاف الأوّل.(1:288)

3-4 ...فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ... البقرة:203

ابن مسعود: غفر له.

مثله ابن عبّاس،و النّخعي،و مجاهد،و الشّعبيّ،و هو المرويّ عن الإمام عليّ عليه السّلام.(الطّبريّ 2:307)

لا إثم عليه لتكفير سيّئاته بما كان من حجّه المبرور.(الطّوسيّ 2:176)

ابن عبّاس: فلا حرج عليه.(الطّبريّ 2:307)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 2:37)

ص: 312

ابن عمر: رجع مغفورا له.(الطّبريّ 2:307)

الحسن: إنّ معناه(لا اثم عليه)في التّعجيل و التّأخير،و إنّما نفى الإثم لئلاّ يتوهّم متوهّم أنّ في التّعجيل إثما،و إنّما قال:(فلا اثم عليه)في التّأخير على جهة المزاوجة،كما يقال:إن أعلنت الصّدقة فحسن و إن أسررت فحسن،و إن كان الإسرار أحسن و أفضل.

(الطّبرسيّ 1:299)

السّدّيّ: فلا جناح عليه.(الطّبريّ 2:308)

البيضاويّ: معنى نفي الإثم بالتّعجيل و التّأخير:

التّخيير بينهما و الرّدّ على أهل الجاهليّة،فإنّ منهم من أثم المتعجّل و منهم من أثم المتأخّر.(1:110)

5- ...قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ...

البقرة:219

ابن عبّاس: يعني ما ينقص من الدّين عند من يشربها.(الطّبريّ 2:359)

السّدّيّ: إثم الخمر:أنّ الرّجل يشرب فيسكر فيؤذي النّاس.(الطّبريّ 2:359)

الطّبرسيّ: أي وزر عظيم.(1:316)

القرطبيّ: إثم الخمر:ما يصدر عن الشّارب من المخاصمة و المشاتمة و قول الفحش و الزّور،و زوال العقل الّذي يعرف به ما يجب لخالقه،و تعطيل الصّلوات و التّعوّق عن ذكر اللّه،إلى غير ذلك.(3:55)

البيضاويّ: من حيث إنّه يؤدّي إلى الانتكاب عن المأمور،و ارتكاب المخطور.(1:116)

البروسويّ: لما أنّ الأوّل مسلبة للعقول الّتي هي قطب الدّين و الدّنيا،مع كون كلّ منهما متلفة للأموال.(1:338)

المراغيّ: إنّ في تعاطى الخمر و الميسر إثما،لأنّ فيهما أضرارا كثيرة و مفاسد عظيمة.(2:140)

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... الحجرات:12

ابن عبّاس: إنّ ظنّ المؤمن بالمؤمن الشرّ لا الخير إثم،لأنّ اللّه قد نهاه عنه،ففعل ما نهى اللّه عنه إثم.(الطّبريّ 26:135)

الزّمخشريّ: الإثم:الذّنب الّذي يستحقّ صاحبه العقاب،و منه قيل لعقوبته:الأثام«فعال»منه،كالنّكال و العذاب و الوبال.(3:567)

مثله أبو حيّان(8:114)،و الآلوسيّ(26:157).

لاثم

...فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ...

المائدة:3

ابن عبّاس: يعنى إلى ما حرّم ممّا سمّي في صدر هذه الآية.(الطّبريّ 6:86)

أي غير مائل و منحرف إليه و مختار له،بأن يأكل منها زائدا على ما يمسك رمقه،فإنّ ذلك حرام.

مثله مجاهد و قتادة.(الآلوسيّ 6:61)

قتادة: أي غير متعرّض لمعصية.

(الطّبريّ 6:86)

نحوه ابن كثير.(2:493)

ص: 313

ابن قتيبة: الإثم:أن يتعدّى عند الاضطرار فيأكل فوق الشّبع.(141)

الطّوسيّ: المعنى فمن اضطرّ إلى أكل الميتة،و ما عدّد اللّه تحريمه عند المجاعة الشّديدة،غير متعمّد إلى ذلك و لا مختار له،و لا مستحلّ له على كلّ حال،فإنّ اللّه أباح له تناول ذلك مقدار ما يمسك رمقه،لا زيادة عليه،و هو قول أهل العراق.

و قال أهل المدينة: يجوز أن يشبع منه عند الضّرورة.(3:437)

نحوه الطّبرسيّ.(2:160)

القرطبيّ: غير مائل لحرام،و هو بمعنى غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ البقرة:173.(6:64)

أبو حيّان: الإثم هنا قيل:أن يأكل فوق الشّبع، و قيل:العصيان بالسّفر،و قيل:الإثم هنا:الحرام،و من ذلك قول عمر:«ما تجانفنا فيه لإثم و لا تعهّدنا و نحن نعلمه»،أي ما ملنا فيه لحرام.(3:427)

البروسويّ: غير مائل إليه للإعراض عن الحقّ.

(2:345)

اثما

1- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ... البقرة:182

ابن عبّاس: الإثم العمد.(الطّبريّ 2:128)

مثله الضّحّاك،و النّخعيّ،و الرّبيع و العوفيّ.

(الطّبريّ 2:127).

طاوس: هو الرّجل يوصي لولد ابنته.

(الطّبريّ 2:125)

عطاء: الرّجل يحيف أو يأثم عند موته،فيعطي ورثته بعضهم دون بعض.(الطّبريّ 2:124)

السّدّيّ: عمدا،يعمد في وصيّته الظّلم.

(الطّبريّ 2:125)

ابن زيد: الإثم:ميله لبعض على بعض.

(الطّبريّ 2:128)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الإثم:أن يأمر بعمارة بيوت النّيران و اتّخاذ المسكر،فيحلّ للوصيّ أن لا يعمل بشيء من ذلك.(البحرانيّ 1:179)

الزّمخشريّ: أو تعمّدا للحيف.(1:334)

مثله البيضاويّ.(1:100)

البروسويّ: أي تعمّدا للجنف،يعني إذا جهل الموصي موضع الوصيّة أو زاد على مقدار الوصيّة أو أوصى بما لا يجوز إيصاؤه.(1:287)

القاسميّ: أي ميلا فيها عمدا.(3:411)

2- اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ كَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:50

الآلوسيّ: لا يخفى كونه مأثما من بين آثامهم،و هذا عبارة عن كونه عظيما منكرا.و الجملة-كما قال عصام الملّة-في موضع الحال بتقدير«قد»،أي كيف يفترون الكذب،و الحال أنّ ذلك ينافي مضمونه،لأنّه إثم مبين، و الآثم بالإثم المبين غير المتحاشى عنه،مع ظهوره لا يكون ابن اللّه سبحانه و تعالى و حبيبه،و لا يكون زكيّا عند اللّه تعالى.و انتصاب(اثما)على التّمييز.(5:55)

ص: 314

الطّباطبائيّ: التّعبير بالإثم-و هو الفعل المذموم الّذي يمنع الإنسان من نيل الخيرات و يبطئها-هو المناسب لهذه المعصية،لكونه من أشراك الشّرك و فروعه،يمنع نزول الرّحمة.و كذا في شرك الكفر الّذي يمنع المغفرة،كما وقع في الآية السّابقة: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً بعد قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ النّساء:48.(4:374)

3- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:112

الطّبريّ: و من يعمل خطيئة و هي الذّنب،أو إثما و هو ما لا يحلّ من المعصية.و إنّما فرّق بين الخطيئة و الإثم،لأنّ الخطيئة قد تكون من قبل العمد و غير العمد،و الإثم لا يكون من العمد.(5:274)

مثله الطّوسيّ.(3:322)

الزّجّاج: لمّا سمّى اللّه تعالى المعاصي بأنّها خطيئة، و وصفها دفعة أخرى بأنّها إثم،فصل بينهما هاهنا حتّى يدخل الجنسان فيه.(الطّوسيّ 3:322)

الزّمخشريّ: (خطيئة)صغيرة(او اثما)أو كبيرة.(1:563)

مثله البيضاويّ.(1:243)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في«الخطيئة و الإثم» وجوها:

الأوّل:أنّ الخطيئة هي الصّغيرة،و الإثم هو الكبيرة.

و ثانيها:الخطيئة هي الذّنب القاصر على فاعلها، و الإثم هو الذّنب المتعدّي إلى الغير،كالظّلم و القتل.

و ثالثها:الخطيئة:ما لا ينبغي فعله سواء كان بالعمد أو بالخطإ،و الإثم:ما يحصل بسبب العمد،و الدّليل ما قبل هذه الآية و هو قوله: وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ النّساء:111،فبيّن أنّ الإثم ما يكون سببا لاستحقاق العقوبة.(11:38)

القرطبيّ: قيل:هما بمعنى واحد،كرّر لاختلاف اللّفظ تأكيدا.(5:38)

الآلوسيّ: قيل:الخطيئة:الشّرك،و الإثم:

ما دونه.(5:142)

الطّباطبائيّ: قد مرّ في قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ البقرة:219،أنّ الإثم هو العمل الّذي يوجب بوباله حرمان الإنسان عن خيرات كثيرة،كشرب الخمر و القمار و السّرقة؛ممّا يصدّ الإنسان عن حيازة الخيرات الحيويّة،و يوجب انحطاطا اجتماعيّا،يسقط الإنسان عن وزنه الاجتماعيّ،و يسلب عنه الاعتماد و الثّقة العامّة.

و على هذا فاجتماع«الخطيئة و الإثم»على نحو التّرديد،و نسبتهما جميعا إلى الكسب في قوله: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً يوجب اختصاص كلّ منهما بما يختصّ به من المعنى.

و المعنى-و اللّه أعلم-أنّ من يكسب معصية لا تتجاوز موردها وبالا،كترك بعض الواجبات كالصّوم،أو فعل بعض المحرّمات كأكل الدّم،أو يكسب معصية يستمرّ وبالها،كقتل النّفس من غير حقّ و السّرقة،ثمّ يرم بها بريئا بنسبتها إليه؛فقد احتمل

ص: 315

بهتانا و إثما مبينا.(5:76)

عزّة دروزة: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو وجيه،لأنّه لا بدّ من أن يكون بينهما فرق.(9:159)

4- فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً...

المائدة:107

ابن عبّاس: إن اطّلع على أنّ الكافرين كذبا.(الطّبريّ 7:113)

يعني خانا و ظهر و علم منهما ذلك.

(الطّوسيّ 4:51)

قتادة: أي اطّلع منهما على خيانة،أنّهما كذبا أو كتما.(الطّبريّ 7:113)

ابن زيد: إنّما حلفا على باطل و كذب.

(الطّبريّ 7:116)

الطّبريّ: على أنّهما استوجبا بأيمانهما الّتي حلفا بها إثما؛و ذلك أن يطّلع على أنّهما كانا كاذبين في أيمانهما باللّه:

ما خنّا و لا بدّلنا و لا غيّرنا،فإن وجدا قد خانا من مال الميّت شيئا أو غيّرا وصيّته أو بدّلا،فأثما بذلك من حلفهما بربّهما.(7:112)

الفارسيّ: الإثم هنا:اسم الشّيء المأخوذ،لأنّ آخذه بأخذه آثم،فسمّي إثما،كما سمّي ما يؤخذ بغير حقّ مظلمة.(القرطبيّ 6:358)

الطّبرسيّ: أي ذنبا بأيمانهما الكاذبة و خيانتهما، و قصدهما في شهادتهما إلى غير الاستقامة.(2:259)

القرطبيّ: يعني بالخيانة،و أخذهما ما ليس لهما،أو باليمين الكاذبة،أو بالشّهادة الباطلة.(6:358)

البيضاويّ:أي فعلا ما أوجب إثما كتحريف.

(1:296)

مثله البروسويّ(2:456)،و الآلوسيّ(7:50).

أبو حيّان: [قال بعد نقل قول أبي عليّ الفارسيّ:]

الإثم هنا:ليس الشّيء المأخوذ،بل الذّنب الّذي استحقّا به أن يكونا من الآثمين،الّذي تبرّءا أن يكونا منهم في قولهما: إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ، و لو كان الإثم هو الشّيء المأخوذ ما قيل فيه: اِسْتَحَقّا إِثْماً، لأنّهما ظلما و تعدّيا؛و ذلك هو الموجب للإثم.(444)

القاسميّ: أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو غلول شيء من المال الموصى به إليهما.(6:2195)

الطّباطبائيّ: هذه الآية بيان و تفصيل للحكم في صورة ظهور خيانة الشّاهدين و كذبهما في شهادتهما.

(6:197)

الاثم

1- ...تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ...

البقرة:85

الطّوسيّ: (الإثم)قيل:معناه هو ما تنفر منه النّفس و لم يطمئنّ إليه القلب،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لنوّاس بن سمعان حين سأله عن الإثم،فقال صلّى اللّه عليه و آله:

«البرّ ما اطمأنّت إليه نفسك و الإثم ما حكّ في صدرك».

و قال قوم:معنى الإثم ما يستحقّ عليه الذّمّ،و هو الأصحّ.و قال قوم:هو الإفراط في الظّلم.(1:335)

الآلوسيّ: هو[بالاثم]متعلّق ب(تظاهرون)حال

ص: 316

من فاعله،أي متلبّسين بالإثم،و كونه هنا مجازا عمّا يوجبه من إطلاق المسبّب على سببه،كما سمّيت الخمر إثما.(1:312)

2- ...لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ...

البقرة:188

الطّبريّ: بالحرام الّذي قد حرّمه اللّه عليكم.

(2:183)

الزّمخشريّ: بشهادة الزّور أو باليمين الكاذبة أو بالصّلح،مع العلم بأنّ المقضيّ له ظالم.(1:340)

مثله البيضاويّ(1:104)،و الآلوسيّ(2:70)، و نحوه المراغيّ(2:82).

ابن عطيّة: معناه بالظّلم و التّعدّي،و سمّي ذلك إثما، لما كان الإثم معنى يتعلّق بفاعله.(1:531)

مثله القرطبيّ.(2:340)

الطّبرسيّ: أي لتأكلوا طائفة من أموال النّاس بالفعل الموجب للإثم،بأن يحكم الحاكم بالظّاهر،و كان الأمر في الباطن بخلافه.(1:282)

أبو حيّان: (بالاثم)متعلّق بقوله:(لتاكلوا)، و فسّر بالحكم بشهادة الزّور،و قيل:بالرّشوة،و قيل:

بالحلف الكاذب،و قيل:بالصّلح،مع العلم بأنّ المقضيّ له ظالم.و الأحسن العموم فكلّ ما أخذ به المال و مآله إلى الإثم فهو إثم.و الأصل في الإثم التّقصير في الأمر.

و الباء في(بالاثم)للسّبب،و يحتمل أن تكون للحال، أي متلبّسين بالإثم.(2:56)

3- ...وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ...

المائدة:2

ابن عبّاس: هو ترك ما أمرهم به،و ارتكاب ما نهاهم عنه.

مثله أبو العالية.(الطّوسيّ 3:427)

نحوه الطّبريّ.(6:66)

عطاء: (الإثم):المعاصي،(و العدوان):التّعدّي في حدود اللّه.(أبو حيّان 3:423)

الزّمخشريّ: على الانتقام و التّشفّي.و يجوز أن يراد العموم لكلّ برّ و تقوى و كلّ إثم و عدوان،فيتناول بعمومه العفو و الانتصار.(1:592)

القرطبيّ: هو الحكم اللاّحق عن الجرائم.

(6:47)

أبو حيّان: قيل:(الاثم):الكفر و العصيان، و(العدوان):البدعة.(3:423)

الآلوسيّ: يعمّ النّهي[في الآية]كلّ ما هو من مقولة الظّلم و المعاصي،و يندرج فيه النّهي عن التّعاون على الاعتداء و الانتقام.(6:57)

4- ...يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ...

المائدة:62

السّدّيّ: (الاثم):الكفر.(الطّبريّ 6:297)

مثله الطّبريّ.(6:297)

ابن زيد: إنّهم يسارعون في جميع معاصي اللّه، لا يتحاشون من شيء منها،لا من كفر و لا من غيره،

ص: 317

لأنّ اللّه تعالى ذكره عمّ في وصفهم بما وصفهم به،من أنّهم(يسارعون فى الاثم و العدوان)من غير أن يخصّ بذلك إثما دون إثم.(الطّبريّ 6:297)

الطّوسيّ: قال السّدّيّ:(الإثم):الكفر،و قال غيره:هو يقع على كلّ معصية،و هو الأولى.

و الفرق بين الإثم و العدوان،أنّ الإثم:الجرم كائنا ما كان،و العدوان:الظّلم.(3:577)

مثله الطّبرسيّ.(2:217)

الزّمخشريّ: (الاثم):الكذب،بدليل قوله تعالى: عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ المائدة:63،(و العدوان):

الظّلم.و قيل:(الاثم):كلمة الشّرك،و قيل:(الاثم):

ما يختصّ بهم،(و العدوان):ما يتعدّاهم إلى غيرهم.

(1:626)

مثله النّيسابوريّ.(6:124)

القرطبيّ: يسابقون في المعاصي و الظّلم.

(6:237)

البيضاويّ: أي الحرام.(1:283)

نحوه القاسمي.(6:2054)

أبو حيّان: (الإثم):الكذب،(و العدوان):الظّلم، يدلّ قوله: عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ على ذلك.و ليس حقيقة الإثم الكذب؛إذ الإثم هو المتعلّق بصاحب المعصية،أو الإثم ما يختصّ بهم،و العدوان ما يتعدّى بهم إلى غيرهم،أو الإثم:الكفر،و العدوان:الاعتداء، أو الإثم:ما كتموه من الإيمان،و العدوان:ما يتعدّى فيها.(3:521)

رشيد رضا: يسارعون فيما هم فيه من قول الإثم و عمله،و هو كلّ ما يضرّ قائله و فاعله في دينه و دنياه.(6:450)

المراغي: يسارعون في الظّلم و العدوان،و تجاوز الحدود الّتي ضربها اللّه للنّاس.(6:150)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب(الإثم)هو الخوض في آيات الدّين النّازلة على المؤمنين،و القول في معارف الدّين بما يوجب الكفر و الفسوق،على ما يشهد به ما في الآية التّالية من قوله: عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ المائدة:63.

و على هذا فالأمور الثّلاثة،أعني«الإثم و العدوان و أكل السّحت»تستوعب نماذج من فسوقهم في القول و الفعل،فهم يقترفون الذّنب في القول و هو الإثم القوليّ،و الذّنب في الفعل و هو إمّا فيما بينهم و بين المؤمنين و هو التّعدّي عليهم،و إمّا عند أنفسهم كأكلهم السّحت، و هو الرّبا و الرّشوة و نحو ذلك،ثمّ ذمّ ذلك منهم بقوله:

لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، ثمّ أتبعه بتوبيخ الرّبّانيّين و الأحبار في سكوتهم عنهم و عدم نهيهم عن ارتكاب هذه الموبقات من الآثام و المعاصي،و هم عالمون بأنّها معاص و ذنوب،فقال: لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ المائدة:63.

و ربّما أمكن أن يستفاد من قوله: عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ عند تطبيقه على ما في الآية السّابقة: يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ؛ حيث ترك العدوان في الآية الثّانية،أنّ الإثم و العدوان شيء واحد،و هو تعدّي حدود اللّه سبحانه

ص: 318

قولا،تجاه المعصية الفعليّة الّتي أنموذجها أكلهم السّحت.

فيكون المراد بقوله: يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ إراءة سيّئة قوليّة منهم، و هي(الاثم و العدوان)،و سيّئة أخرى فعليّة منهم، و هي(اكلهم السّحت).(6:30)

5- وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ... الأنعام:120

ابن عبّاس: ظاهره:الزّنى.(أبو حيّان 4:212)

أبو العالية: (الاثم)عامّ في جميع المعاصي.لمّا عتب عليهم في ترك أكل ما سمّي اللّه عليه،أمروا بترك الإثم ما فعل ظاهرا و ما فعل في خفية؛فكأنّه قال:

اتركوا المعاصي ظاهرها و باطنها.

مثله:مجاهد،و قتادة،و عطاء،و ابن الأنباريّ، و الزّجّاج.(أبو حيّان 4:212)

سعيد بن جبير: (ظاهر الإثم):امرأة الأب، (و باطنه):الزّنى.(الطّوسيّ 4:276)

مجاهد: معصية اللّه في السّرّ و العلانيّة.

(الطّبريّ 8:14)

الضّحّاك: (ظاهر الاثم):الزّنى،(و باطنه):اتّخاذ الأخدان.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 4:276)

قتادة: أي قليله و كثيره،و سرّه و علانيته.(الطّبريّ 8:14)

السّدّيّ: أمّا ظاهره فالزّواني في الحوانيت،و أمّا باطنه فالصّديقة يتّخذها الرّجل،فيأتيها سرّا.

(الطّبريّ 8:14)

2Lالكلبيّ: (ظاهر الاثم):طواف الرّجال بالبيت نهارا عراة،(و باطنه):طواف النّساء باللّيل عراة.(الميبديّ 3:474)

مقاتل: (الاثم)هنا:الشّرك.(أبو حيّان 4:212)

ابن زيد: ظاهره:نزع أثوابهم؛إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة،و باطنه:الزّنى.(أبو حيّان 4:212)

الفرّاء: أمّا ظاهره فالفجور و الزّنى،و أمّا باطنه فالمخالّة؛أن تتّخذ المرأة الخليل و أن يتّخذها.

(1:352)

مثله ابن قتيبة.(159)

الجبّائيّ: الظّاهر:أفعال الجوارح،و الباطن:

أفعال القلوب.(الطّوسيّ 4:276)

الطّبريّ: (الاثم):كلّ ما عصي اللّه به من محارمه، و قد يدخل في ذلك سرّ الزّنى و علانيته،و معاهرة أهل الرّايات و أولات الأخدان منهنّ،و نكاح حلائل الآباء و الأمّهات و البنات،و الطّواف بالبيت عريانا،و كلّ معصية للّه ظهرت أو بطنت.

و إذ كان ذلك كذلك،و كان جميع ذلك إثما،و كان اللّه عمّ بقوله: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ جميع ما ظهر من الإثم و جميع ما بطن،لم يكن لأحد أن يخصّ من ذلك شيئا دون شيء،إلاّ بحجّة للعذر قاطعة.غير أنّه لو جاز أن يوجّه ذلك إلى الخصوص بغير برهان،كان توجيهه إلى أنّه عني ب(ظاهر الإثم و باطنه)في هذا الموضع ما حرّم اللّه من المطاعم و المآكل،من الميتة و الدّم.

(8:15)

الميبديّ: عمل الانسان على قسمين:منها

ص: 319

مربوط بالقلب و هو النّيّة،و منها مربوط بالجسم و هو العمل،هذا ظاهر و ذلك باطن،و لذا كلّما كان عملا من المنهيّات بالجوارح فهو ظاهر الإثم،و كلّما كان عقدا بالقلب من مخالفة أمر اللّه فهو باطن الإثم،و قال اللّه تعالى: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ .(3:473)

الزّمخشريّ: ما أعلنتم منه و ما أسررتم.و قيل:

ما علمتم و ما نويتم.(2:47)

الفخر الرّازيّ: المراد من(الاثم)ما يوجب الإثم،و ذكروا في(ظاهر الاثم و باطنه)وجهين:

الأوّل:أنّ(ظاهر الاثم)الإعلان بالزّنى،(و باطنه) الاستسرار به.

الثّاني:أنّ هذا النّهي عامّ في جميع المحرّمات و هو الأصحّ،لأنّ تخصيص اللّفظ العامّ بصورة معيّنة من غير دليل غير جائز،ثمّ قيل:المراد ما أعلنتم و ما أسررتم، و قيل:ما عملتم و ما نويتم.[و قال بعد نقل أقوال بعض السّالفين:]

و قال آخرون:معنى الآية النّهي عن الإثم مع بيان أنّه لا يخرج من كونه إثما بسبب إخفائه و كتمانه،و يمكن أن يقال:المراد من قوله: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ النّهي عن الإقدام على الإثم،ثمّ قال:(و باطنه)،ليظهر بذلك أنّ الدّاعي له إلى ترك ذلك الإثم خوف اللّه لا خوف النّاس.(13:167)

القرطبيّ: الظّاهر:ما كان عملا بالبدن ممّا نهى اللّه عنه،و باطنه:ما عقد بالقلب من مخالفة أمر اللّه فيما أمر و نهى.(7:74)

النّيسابوريّ: (ظاهر الاثم)يعني الأعمال الطّبيعيّة،(و باطنه)يعني الأخلاق الذّميمة الرّديئة.

(8:15)

أبو حيّان: [قال بعد نقل أقوال المفسّرين:]

و قال الماتريديّ: الأليق أن يحمل(ظاهر الاثم و باطنه)على أكل الميتة و ما لم يذكر اسم اللّه عليه.و قال مقاتل:الإثم هنا:الشّرك،و قال غيره:جميع الذّنوب سوى الشّرك.و كلّ هذه الأقوال تخصيصات لا دليل عليها.و الظّاهر العموم في المعاصي كلّها من الشّرك و غيره،ظاهرها و خفيّها،و يدخل في هذا العموم كلّ ما ذكروه.(4:212)

البروسويّ: من إضافة الصّفة إلى الموصوف،أي الإثم الظّاهر و الإثم الباطن،و المراد بالإثم ما يوجب الإثم و هو المعاصي كلّها،لأنّها لا تخلو من هذين الوجهين؛فيدخل فيه ما يعلن و ما يسرّ سواء كان من أعمال القلوب أو الجوارح.فأعمال الجوارح ظاهرة كالأقوال و الأفعال،و أعمال القلوب باطنة كالعقائد الفاسدة و العزائم الباطلة.و حقيقة(ظاهر الاثم)طلب نعم الدّنيا،(و باطنه)الميل إلى نعم العقبى،لأنّ كلاّ منهما يصير سببا للبعد عن حضرة المولى.(3:94)

القاسميّ: أي سيّئات الأعمال و الأقوال الظّاهرة على الجوارح،(و باطنه)أي ما يسرّ منه بالقلب، كالعقائد الفاسدة،و العزائم الباطلة،أو ما يعلن من الذّنوب و ما يسرّ منها،و يستتر فيه.(6:2481)

رشيد رضا:الإثم في اللّغة:القبيح الضّارّ،و في الشّرع:كلّ ما حرّمه اللّه تعالى؛و هو لم يحرم على العباد إلاّ ما كان ضارّا بالأفراد في أنفسهم أو أموالهم أو عقولهم

ص: 320

أو أعراضهم أو دينهم،أو ضارّا بالجماعات في مصالحهم السّياسيّة أو الاجتماعيّة.و الظّاهر منه:ما فعل علنا، و الباطن:ما فعل سرّا،أو الظّاهر:ما ظهر قبحه أو ضرره للعامّة و إن فعل سرّا،و الباطن:ما يخفى ذلك فيه إلاّ عن بعض الخاصّة و إن فعل جهرا،أو الظّاهر:ما تعلّق بأعمال الجوارح،و الباطن:ما تعلّق بأعمال القلوب، كالنّيّات و الكبر و الحسد و التّفكير في تدبير المكايد الضّارّة و الشّرور،و يجوز الجمع بين هذه الوجوه.

و ممّا يقتضيه السّياق ممّا يدخل في عموم«باطن الإثم»على بعض الوجوه ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ البقرة:173،فهو ممّا يخفى على غير العلماء بحقيقة التّوحيد،و منه الاعتداء في أكل المحرّم الّذي يباح للمضطرّ بأن يتجاوز فيه حدّ الضّرورة،و قيل:الحاجة؛ و ذلك قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:3،و هذه الجملة من جوامع الكلم و الأصول الكلّيّة في تحريم الآثام،حتّى قال ابن الأنباريّ:إنّ المراد بهذا التّعبير ترك الإثم من جميع جهاته،أي جميع أنواع الظّهور و البطون فيه.

و قد خصّ بعض المفسّرين«الظّاهر»بزنى السّفاح الّذي يكون في المواخير،«و الباطن»باتّخاذ الأخدان و الصّديقات في السّرّ،و كانوا في الجاهليّة يستبيحون زنى السّرّ،و يستقبحون السّفاح بالجهر.و خصّ بعضهم «الظّاهر»بنكاح الأمّهات و الأخوات و أزواج الآباء، «و الباطن»بالزّنى،و التّخصيص بغير مخصّص باطل.

(8:21)

نحوه المراغيّ.(8:15)

2Lالطّباطبائيّ: إن كانت[الآية]مطلقة بحسب المضمون تنهى عن عامّة الإثم ظاهره و باطنه،غير أنّ ارتباطها بالسّياق المتّصل الّذي لسابقتها و لاحقتها يقضي بكونها تمهيدا للنّهي الآتي في قوله: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ الأنعام:121، و لازم ذلك أن يكون الأكل ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه من مصاديق الإثم حتّى يرتبط بالتّمهيد السّابق عليه،فهو من الإثم الظّاهر أو الباطن.لكنّ التّأكيد البليغ الّذي في قوله: وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ يفيد أنّه من الإثم الباطن،و إلاّ لم تكن حاجة إلى تأكيده ذاك التّأكيد الأكيد.

و بهذا البيان يظهر أنّ المراد ب«ظاهر الاثم» المعصية الّتي لا ستر على شؤم عاقبته و لا خفاء في شناعة نتيجته،كالشّرك و الفساد في الأرض و الظّلم، و ب«باطن الإثم»ما لا يعرف منه ذلك في بادئ النّظر، كأكل الميتة و الدّم و لحم الخنزير و إنّما يتميّز هذا النّوع بتعريف إلهيّ و ربّما أدركه العقل.هذا هو الّذي يعطيه السّياق من معنى(ظاهر الإثم و باطنه).

[و قال بعد نقل أقوال المفسّرين:]

و هذه الأقوال-كما ترى-على أنّ جميعها أو أكثرها لا دليل عليها،تخرج الآية عن حكم السّياق.

(7:333)

6- ...إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ. الأنعام:120

الطّبريّ: إنّ الّذين يعملون بما نهاهم اللّه عنه، و يركبون معاصي اللّه،و يأتون ما حرّم اللّه.(8:15)

ص: 321

الميبديّ: يعني الشّرك.(3:475)

7- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... الأعراف:33

ابن عبّاس: (الاثم):الخمر.

مثله الحسن.(أبو حيّان 4:292)

مجاهد: نهى عن(الإثم)،و هي المعاصي كلّها.(الطّبريّ 8:166)

السّدّيّ: (الاثم):المعصية.(الطّبريّ 8:166)

الإمام الكاظم عليه السّلام: [في حديث]و أمّا(الإثم) فإنّها الخمر بعينها،و قد قال اللّه عزّ و جلّ في موضع آخر:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ البقرة:219،فأمّا الإثم في كتاب اللّه عزّ و جلّ فهي الخمر و الميسر وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما كما قال اللّه تعالى.(البحرانيّ 1:211)

الفرّاء: (الاثم):ما دون الحدّ.(1:378)

الزّمخشريّ: (الاثم):عامّ لكلّ ذنب،و قيل:

شرب الخمر.(2:77)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في الفرق بين«الفواحش و الإثم»على وجوه:

الأوّل:أنّ الفواحش عبارة عن الكبائر،لأنّه قد تفاحش قبحها،أي تزايد،و الإثم عبارة عن الصّغائر، فكان معنى الآية أنّه حرّم الكبائر و الصّغائر.و طعن القاضي فيه،فقال:هذا يقتضي أن يقال:الزّنى و السّرقة؛و الكفر ليس بإثم،و هو بعيد.

الثّاني:أنّ الفاحشة اسم[لما]لا يجب فيه الحدّ، و الإثم اسم لما يجب فيه الحدّ،و هذا و إن كان مغايرا للأوّل إلاّ أنّه قريب منه،و السّؤال فيه ما تقدّم.

الثّالث:أنّ الفاحشة اسم للكبيرة،و الإثم اسم لمطلق الذّنب سواء كان كبيرا أو صغيرا.و الفائدة فيه أنّه تعالى لمّا حرّم الكبيرة أردفها بتحريم مطلق الذّنب،لئلاّ يتوهّم أنّ التّحريم مقصود على الكبيرة،و على هذا القول اختيار القاضي.

الرّابع:أنّ الفاحشة و إن كانت بحسب أصل اللّغة اسما لكلّ ما تفاحش و تزايد في أمر من الأمور،إلاّ أنّه في العرف مخصوص بالزّيادة،و الدّليل عليه أنّه تعالى قال في الزّنى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً الإسراء:32،و لأنّ لفظ الفاحشة إذا أطلق لم يفهم منه إلاّ ذلك،و إذا قيل:فلان فحّاش،فهم أنّه يشتم النّاس بألفاظ الوقاع؛فوجب حمل لفظ الفاحشة على الزّنى فقط.

إذا ثبت هذا فنقول:في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ على هذا التّفسير وجهان:

الأوّل:يريد سرّ الزّنى،و هو الّذي يقع على سبيل العشق و المحبّة،و(ما ظهر منها)بأن يقع علانية.

و الثّاني:أن يراد بما ظهر من الزّنى:الملامة و المعانقة،و ما بطن:الدّخول.

و أمّا الإثم فيجب تخصيصه بالخمر،لأنّه تعالى قال في صفة الخمر: وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما البقرة:219،و بهذا التّقدير فإنّه يظهر الفرق بين اللّفظين.(14:66)

أبو حيّان: (الإثم):عامّ يشمل الأقوال و الأفعال الّتي يترتّب عليها الإثم،هذا قول الجمهور.و قيل:هو

ص: 322

صغار الذّنوب،و قيل:الخمر.و هذا قول لا يصحّ هنا، لأنّ السّورة مكّيّة و لم تحرم الخمر إلاّ بالمدينة بعد أحد، و جماعة من الصّحابة اصطحبوها يوم أحد و ماتوا شهداء و هي في أجوافهم.و أمّا تسمية الخمر إثما فقيل هو من قول الشّاعر:

شربت الإثم حتّى زلّ عقلي...

و هو بيت مصنوع مختلق،و إن صحّ فهو على حذف مضاف،أي موجب الإثم،و لا يدلّ قول ابن عبّاس و الحسن:الإثم:الخمر،على أنّه اسم من أسمائها؛إذ يكون ذلك من إطلاق المسبّب على السّبب.و أنكر أبو العبّاس أن يكون الإثم من أسماء الخمر.و قال الفضل:

الإثم:الخمر.(4:292)

الآلوسيّ: أي ما يوجب الإثم.و أصله:الذّمّ، فأطلق على ما يوجبه من مطلق الذّنب.و ذكر للتّعميم بعد التّخصيص بناء على ما تقدّم من معنى الفواحش.

و قيل:إنّ(الاثم)هو الخمر كما نقل عن ابن عبّاس و الحسن البصريّ،و ذكره أهل اللّغة كالأصمعيّ و غيره.

[ثمّ استشهد بشعر]

و زعم ابن الأنباريّ أنّ العرب لا تسمّي الخمر إثما في جاهليّة و لا إسلام،و أنّ الشّعر موضوع.و المشهور أنّ ذلك من باب المجاز،لأنّ الخمر سبب الإثم.

(8:112)

نحوه القاسميّ.(7:2673)

الطّباطبائيّ: (الإثم)هو الذّنب الّذي يستعقب انحطاط الإنسان في حياته ذلّة و هوانا و سقوطا،كشرب الخمر الّذي يستعقب للإنسان تهلكة في جاهه و ماله و عرضه و نفسه،و نحو ذلك.(8:85)

8- ...لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ...

النّور:11

الطّباطبائيّ: إنّ الإثم هو الأثر السّيّئ الّذي يبقى للإنسان عن اقتراف المعصية،فظاهر الجملة أنّ أهل الإفك الجائين به يعرفون بإثمه و يتميّزون به عندكم، فيفتضحون به بدل ما أرادوا أن يفضحوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

(15:90)

9- ...وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ... المجادلة:8

الطّبريّ: يتناجون بما حرّم اللّه عليهم من الفواحش و العدوان،و ذلك خلاف أمر اللّه و معصية الرّسول محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(28:13)

الفخر الرّازيّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّ(الإثم و العدوان)هو مخالفتهم للرّسل في النّهي عن النّجوى،لأنّ الإقدام على المنهيّ يوجب الإثم و العدوان.لا سيّما إذا كان ذلك الإقدام لأجل المناصبة و إظهار التّمرّد.

الثّاني:أنّ(الإثم و العدوان)هو ذلك السّرّ الّذي كان يجري بينهم،لأنّه إمّا مكر و كيد بالمسلمين أو شيء يسوؤهم.(29:266)

القرطبيّ: أي الكذب و الظّلم.(17:291)

أبو حيّان: بدأ بالإثم لعمومه،ثمّ بالعدوان لعظمته في النّفوس؛إذ هي ظلامات العباد،ثمّ ترقّى إلى ما هو أعظم،و هو معصية الرّسول.(8:236)

ص: 323

كبائر الإثم

1- وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ...

الشّورى:37

ابن عبّاس: كبير الإثم هو الشّرك.

(الزّمخشريّ 3:472)

الزّمخشريّ: الكبائر من هذا الجنس.(3:472)

الفخر الرّازيّ: عن ابن عبّاس:كبير الإثم هو الشّرك،و هو عندي بعيد،لأنّ شرط الإيمان مذكور أوّلا و هو يغني عن عدم الشّرك.

و قيل:المراد ب(كبائر الاثم)ما يتعلّق بالبدع و استخراج الشّبهات،و ب(الفواحش)ما يتعلّق بالقوّة الشّهوانيّة.(27:176)

القرطبيّ: قال قوم:(كبائر الاثم):ما تقع على الصّغائر مغفورة عند اجتنابها.(16:35)

الآلوسيّ: (كبائر الاثم):ما رتّب عليه الوعيد،أو ما يوجب الحدّ،أو كلّ ما نهى اللّه تعالى عنه.

و(الفواحش):ما فحش و عظم قبحه منها.و المراد ب(الإثم)الجنس،و إلاّ لقيل:الآثام.(25:45)

الطّباطبائيّ: (كبائر الاثم):المعاصي الكبيرة الّتي لها آثار سوء عظيمة،و قد عدّ تعالى منها شرب الخمر و الميسر.(18:62)

2- اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ...

النّجم:32

الزّمخشريّ: أي كبائر من الإثم،لأنّ الإثم جنس يشتمل على كبائر و صغائر،و الكبائر:الذّنوب الّتي لا يسقط عقابها إلاّ بالتّوبة.و قيل:الّتي يكبر عقابها بالإضافة إلى ثواب صاحبها.

و الفواحش:ما فحش من الكبائر،كأنّه قال:

و الفواحش منها خاصّة.

و قرئ (كبير الاثم) ،أي النّوع الكبير منه.و قيل:

هو الشّرك باللّه.(4:32)

اثمى

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ... المائدة:29

ابن مسعود: إثم قتلي إلى إثمك الّذي في عنقك.(الطّبريّ 6:192)

معناه إثم قتلي إن قتلتني،و إثمك الّذي كان منك قبل قتلي.(الطّوسيّ 3:496)

مثله ابن عبّاس،و الحسن،و الضّحّاك،و قتادة و مجاهد.(الطّوسيّ 3:496)،و القاسميّ(6:1945).

ابن عبّاس: أي إثم قتلك إيّاي،و إثمك الخاصّ بك الّذي كان من شؤمه عدم قبول قربانك.

(رشيد رضا 6:344)

مجاهد: أي أريد أن يكون عليك خطيئتك و دمي فتبوء بهما.(1:193)

ابن قتيبة: أي تنقلب و تنصرف(باثمى)،أي بقتلي،(و إثمك):ما أضمرت في نفسك من حسدي و عداوتي.(142)

الجبّائيّ: إثمك الّذي من أجله لم يتقبّل قربانك.

مثله الزّجّاج.(الطّوسيّ 3:496)

الطّبريّ: الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ

ص: 324

تأويله إنّي أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إيّاي، و ذلك هو معنى قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي و أمّا معنى(إثمك)فهو إثمه بغير قتله؛و ذلك معصية اللّه جلّ ثناؤه في أعمال سواه.

و إنّما قلنا ذلك هو الصّواب لإجماع أهل التّأويل عليه.(6:193)

الطّوسيّ: [قال بعد نقل قول ابن مسعود و غيره:]

و يجوز أن يريد(باثمى)الأوّل إثم قتلي إن قتلتني و إثمك الّذي قتلتني،فأضافه تارة إلى المفعول و أخرى إلى الفاعل،لأنّه مصدر يصحّ ذلك فيه،كما تقول:ضرب زيد عمرا و ضرب عمرو زيد،فتضيفه تارة إلى الفاعل و أخرى إلى المفعول.

فإن قيل:كيف جاز أن يريد منه الإثم و هو قبيح؟

قلنا:المراد بذلك عقاب الإثم،لأنّ الرّجوع بالإثم رجوع بعقابه،لأنّه لا يجوز لأحد أن يريد معصية اللّه من غيره،كما لا يجوز أن يريدها من نفسه،و هو قول أبي عليّ و غيره.

و قال قوم:التّقدير:إنّي أريد أن لا تبوء بإثمي،كما قال: يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:176،و معناه ألاّ تضلّوا.و هذا وجه يحتمله الكلام،لكن الظّاهر خلافه.و إنّما يحمل على ذلك إذا دلّ الدّليل على أنّه لا يجوز أن يريد من غيره الإثم،و ليس هاهنا ما يدلّ عليه،و الكلام يدلّ على أنّه أراد العقاب لا محالة لو أراد الإثم.(3:496)

الزّمخشريّ: أن تحتمل إثم قتلي لك لو قتلتك، و إثم قتلك لي.

إن قلت:كيف يحمل إثم قتله له وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ؟ الأنعام:164.

قلت:المراد بمثل إثمي على الاتّساع في الكلام،كما تقول:قرأت قراءة فلان و كتبت كتابته،يريد المثل، و هو اتّساع فاش مستفيض لا يكاد يستعمل غيره.

فإن قلت:فحين كفّ هابيل عن قتل أخيه و استسلم و تحرّج عمّا كان محظورا في شريعته من الدّفع، فأين الإثم حتّى يتحمّل أخوه مثله،فيجتمع عليه الإثمان؟

قلت:هو مقدّر،فهو يتحمّل مثل الإثم المقدّر، كأنّه قال:إنّي أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك،و قيل:(باثمى):بإثم قتلي،و(اثمك):الّذي من أجله لم يتقبّل قربانك.

فإن قلت:فكيف جاز أن يريد شقاوة أخيه و تعذيبه بالنّار؟

قلت:كان ظالما و جزاء الظّالم حسن جائز أن يراد.

أ لا ترى إلى قوله تعالى: ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ، و إذا جاز أن يريده اللّه جاز أن يريده العبد،لأنّه لا يريد إلاّ ما هو حسن.و المراد بالإثم وبال القتل،و ما يجرّه من استحقاق العقاب.(1:607)

الطّبرسيّ: قيل:معناه بإثم قتلي،(و اثمك):

الّذي هو قتل جميع النّاس حيث سبب القتل.و معنى (تبوا باثمى)تبوء بعقاب إثمي،لأنّه لا يجوز لأحد أن يريد معصية اللّه من غيره،و لكن يجوز أن يريد عقابه المستحقّ عليه بالمعصية.

و متى قيل:كيف يحسن إرادة عقاب لم يقع سببه،

ص: 325

فإنّ القتل على هذا لم يكن واقعا؟

فجوابه:أنّ ذلك بشرط وقوع ما يستحقّ به العقاب،فهابيل لمّا رأى من أخيه العزم على قتله و غلب على ظنّه ذلك،جاز أن يريد عقابه بشرط أن يفعل ما عزم عليه.(2:184)

البيضاويّ: المعنى إنّما أستسلم لك إرادة أن تحمل إثمي لو بسطت إليك يدي،و إثمك ببسط يدك إليّ.

(1:271)

نحوه البروسويّ.(2:380)

الآلوسيّ: [قال بعد نقل أقوال المفسّرين:]

إضافة الإثم-على جميع هذه الأقوال-إلى ضمير المتكلّم،لأنّه نشأ من قبله،أو هو على تقدير مضاف و لا حاجة إلى تقدير مضاف إليه،كما قد قيل به أوّلا،إلاّ أنّه لا خفاء في عدم حسن المقابلة بين التّكلّم و الخطاب على هذا،لأنّ كلا الإثمين إثم المخاطب،و الأمر فيه سهل،و الجارّ و المجرور مع المعطوف عليه حال من فاعل (تبوا)،أي ترجع متلبّسا بالإثمين حاملا لهما،و لعلّ مراده بالذّات إنّما هو عدم ملابسته للإثم لا ملابسة أخيه؛إذ إرادة الإثم من آخر غير جائزة.و قيل:المراد بالإثم ما يلزمه و يترتّب عليه من العقوبة.(6:114)

رشيد رضا: [قال بعد نقل قول ابن عبّاس:]

و فيه وجه آخر،و هو أنّه مبنيّ على كون القاتل يحمل في الآخرة إثم من قتله إن كان له آثام،لأنّ الذّنوب و الآثام الّتي فيها حقوق للعباد لا يغفر اللّه تعالى منها شيئا حتّى يأخذ لكلّ ذي حقّ حقّه.(6:344)

الطّباطبائيّ: [قال بعد نقل أقوال ابن مسعود و ابن عبّاس و غيرهما:]

و هذه وجوه ذكروها ليس على شيء منها من جهة اللّفظ دليل،و لا يساعد عليه اعتبار،على أنّ المقابلة بين الإثمين مع كونهما جميعا للقاتل،ثمّ تسمية أحدهما بإثم المقتول و غيره بإثم القاتل خالية عن الوجه.

(5:305)

اثاما

...وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. الفرقان:68

ابن عبّاس: جزاء.(الآلوسيّ 19:48)

ابن عمر: أثام:واد في جهنّم هذا اسمه،جعله اللّه عقابا للكفرة.(أبو حيّان 6:515)

مثله مجاهد،و عكرمة،و سعيد بن جبير.

(أبو حيّان 6:515)

مجاهد: إنّه واد في جهنّم،فيه قيح و دم.

(الآلوسيّ 19:48)

الحسن: هو اسم من أسماء جهنّم.

(أبو حيّان 6:515)

قتادة: عقابا.(الآلوسيّ 19:48)

مثله ابن زيد.(الآلوسيّ 19:48)

السّدّيّ: جبل فيها[جهنّم].(القرطبيّ 13:76)

الطّبريّ: يلق من عقاب اللّه عقوبة و نكالا.

(19:40)

أبو مسلم الأصفهانيّ: الأثام:الإثم،و معناه يلق جزاء أثام،فأطلق اسم الشّيء على جزائه.

(أبو حيّان 6:515)

ص: 326

الميبديّ: يعني عقوبة،تقول:أثم الرّجل بالكسر:

أذنب،و أثمه:جازاه.(7:65)

الزّمخشريّ: الأثام:جزاء الإثم،بوزن الوبال و النّكال،و معناهما.(3:101)

مثله النّيسابوريّ(19:35)،و الفخر الرّازيّ (24:111).

البيضاويّ: جزاء إثم،أو إثما،بإضمار الجزاء.

(2:151)

أبو حيّان: قرأ ابن مسعود (يلق ايّاما) جمع يوم، يعني شدائد،يقال:يوم ذو أيّام،لليوم العصيب.

(6:515)

الطّباطبائيّ: الأثام:الإثم،و هو وبال الخطيئة، و هو الجزاء بالعذاب الّذي سيلقاه يوم القيامة.

(15:241)

تاثيم

1- ...يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ...

الطّور:23

ابن عبّاس: لا كذب.(الطّبريّ 27:29)

الطّبريّ: لا فعل فيها يؤثم صاحبه.(27:29)

الضّحّاك: يعني لا يكذّب بعضهم بعضا.

(القرطبيّ 17:69)

الطّوسيّ: ما فيه إثم،كما يجري في الدّنيا عند شرب الخمر.(9:409)

الزّمخشريّ: أي لا يتكلّمون في أثناء الشّرب بسقط الحديث و ما لا طائل تحته،كفعل المتنادمين في الدّنيا على الشّراب في سفههم و عربدتهم؛و لا يفعلون ما يؤثّم به فاعله،أي ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التّكليف من الكذب و الشّتم و الفواحش،و إنّما يتكلّمون بالحكم و الكلام الحسن متلذّذين بذلك،لأنّ عقولهم ثابتة غير زائلة،و هم حكماء علماء.(4:24)

نحوه البيضاويّ(2:426)،و البروسويّ(9:

195)،و الآلوسيّ(27:34).

الفخر الرّازيّ: سواء قلنا(فيها)عائدة إلى الجنّة أو إلى الكأس؛فذكرهما لجريان ذكر الشّراب،و حكايته على ما في الدّنيا،فقال تعالى:ليس في الشّرب في الآخرة كلّ ما فيه في الدّنيا من اللّغو بسبب زوال العقل،و من التّأثيم الّذي بسبب نهوض الشّهوة،و الغضب عند وفور العقل و الفهم.

و فيه وجه ثالث،و هو أن يقال:لا يعتريه كما يعتري الشّارب بالشّرب في الدّنيا فلا يؤثّم،أي لا ينسب إلى إثم.

و فيه وجه رابع،و هو أن يكون المراد من التّأثيم السّكر،و حينئذ يكون فيه ترتيب حسن؛و ذلك لأنّ من النّاس من يسكر و يكون رزين العقل عديم اعتياد العربدة،فيسكن و ينام و لا يؤذي و لا يتأذّى،و لا يهذي و لا يسمع إلى من هذى.(28:253)

القرطبيّ: لا ما فيه إثم.و التّأثيم:تفعيل من الإثم،أي تلك الكأس لا تجعلهم آثمين،لأنّه مباح لهم.

(17:69)

أبو حيّان: التّأثيم:الإثم الّذي يلحق شارب الخمر في الدّنيا.(8:150)

ص: 327

الطّباطبائيّ: التّأثيم:جعل الشّخص ذا إثم، و هو أيضا من آثار الخمر في الدّنيا.و نفي اللّغو و التّأثيم هو القرينة على أنّ المراد بالكأس الّتي يتنازعون فيها كأس الخمر.(19:14)

2- لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً. الواقعة:25

ابن عبّاس: باطلا و لا كذبا.(القرطبيّ 17:206)

مجاهد: شتما و لا مأثما.(القرطبيّ 17:20)

ابن كعب القرظيّ: أي لا يؤثّم بعضهم بعضا.القرطبيّ 17:206)

الطّبريّ: ليس فيها ما يؤثمهم.و كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً، و التّأثيم لا يسمع،و إنّما يسمع اللّغو،كما قيل:أكلت خبزا و لبنا،و اللّبن لا يؤكل؛ فجازت إذ كان معه شيء يؤكل.(27:178)

الطّوسيّ: لا يجري فيها ما يؤثم فيه قائله من قبيح القول.(9:494)

الفخر الرّازيّ: أمّا التّأثيم فهو النّسبة إلى الإثم، و معناه لا يذكر إلاّ باطلا،و لا ينسبه أحد إلاّ إلى الباطل.

قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً النّبأ:

35،فهل بينهما فرق؟

قلنا:نعم،الكذّاب:كثير التّكذيب،و معناه هناك أنّهم لا يسمعون كذبا و لا أحد يقول لآخر:كذبت، و فائدته أنّهم لا يعرفون كذبا من معيّن من النّاس، و لا من واحد منهم غير معيّن،لتفاوت حالهم و حال الدّنيا.فإنّا نعلم أنّ بعض النّاس بأعيانهم كذّابون فإن لم نعرف ذلك نقطع بأنّ في النّاس كذّابا،لأنّ أحدهم يقول لصاحبه:كذبت،فإن صدّق فصاحبه كذّاب،و إن لم يصدّق فهو كاذب؛فيعلم أنّ في الدّنيا كذّابا بعينه أو بغير عينه،و لا كذلك في الآخرة فلا كذب فيها.

و قال هنا:(و لا تاثيما)و هو أبلغ من التّكذيب،فإنّ من يقول في حقّ من لا يعرفه:إنّه زان أو شارب الخمر مثلا فإنّه يأثم،و قد يكون صادقا،فالّذي ليس عن علم أثم،فلا يقول أحد لأحد:قلت ما لا علم لك به.فالكلام هاهنا أبلغ،لأنّه قصر السّورة على بيان أحوال الأقسام،لأنّ المذكورين هنا هم السّابقون و في سورة النّبأ هم المتّقون،و قد بيّنّا أنّ السّابق فوق المتّقي.

(29:158)

القرطبيّ: التّأثيم:مصدر أثّمته،أي قلت له:

أثمت.(17:206)

البيضاويّ: لا نسبة إلى الإثم،أي لا يقال لهم:

أثمتم.(2:447)

الطّباطبائيّ: التّأثيم:النّسبة إلى الإثم،أي لا يخاطب أحدهم صاحبه بما لا فائدة فيه،و لا ينسبه إلى الإثم؛إذ لا إثم هناك.(19:123)

المصطفويّ: إنّ المعنى الحقيقيّ و الأصل في هذه المادّة هو البطء و التّأخير،و بالنّظر إلى هذا الأصل تنكشف لطائف و حقائق في موارد استعمالها في الآيات الكريمة،بل قد لا يلائم غير هذا المعنى في بعضها،كما ترى في وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ البقرة:206،أي يظهر البطء و يتأخّر في مرحلة التّقوى حفظا للعزّة و المنزلة المتخيّلة الموهومة.

ص: 328

وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ المائدة:2،فالبرّ هو صدق العمل و حسن الفعل،و يقابله البطء و التّسامح و التّأخّر فيه، كما أنّ التّقوى هو وقاية النّفس و حفظها،و يقابله العدوان و هو التّجاوز؛فيكون العدوان مقابلا للإثم باعتبار آخر أيضا.

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ الأعراف:33،فالفواحش هي الأعمال القبيحة و الشّنيعة،و يماثلها الإثم و هو التّأخّر عن العمل الصّالح و التّهاون فيه،و لا كذلك إذا أريد من الإثم معناه المتداول و هو من الفواحش،و لا يكون في ذكره فائدة.

وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ المجادلة:8،أي التّفريط و التّقصير في العمل، و التّعدّي عن الحقّ و العصيان للرّسول.

إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً آل عمران:

178،أي نمهّل و نطوّل عيشهم ليزدادوا في التّأخّر و البطء في طريق الصّلاح و السّعادة و الخير.

وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ البقرة:283،أي مبطئ عن السّير إلى الحقّ و محجوب عنه.

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً الواقعة:25، أي حتّى نسبة التّقصير في العمل بالوظيفة إلى أحد،فلا يسمع فيها قول:أثمت و تأخّرت في سلوكك.

هذا هو الأصل و المعنى الحقيقيّ في هذه المادّة،و قد استعملت في الأعمال المبطئة مجازا،و لا يبعد أن تكون هذه الآية منها وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ الشّورى:37،و على أيّ حال فاللاّزم لنا أن نحمل هذه الكلمة على أصلها و لا سيّما في كلمات اللّه التّامّة،حتّى تنكشف لنا أسرار الكلمات و لطائف الآيات،و كذا في سائر الكلمات الإلهيّة.(1:20)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الإثم على خمسة وجوه:

فوجه منها:الإثم يعني الشّرك،فلذلك قوله:

لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ المائدة:63،يعني قولهم الشّرك.

و الوجه الثّاني:يعني المعصية،فلذلك قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ المائدة:3،يعني غير متعمّد بمعصية،و إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ إلى قوله: وَ الْإِثْمَ الأعراف:33،يعني المعاصي، وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ المائدة:2،يعني المعصية. تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ البقرة:85،يعني بالمعصية و العدوان.و قال: فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ المجادلة:9،يعني بالمعصية.

و الوجه الثّالث:يعني الذّنب فلذلك قوله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ البقرة:203،يقول:

لا ذنب عليه.و قال: أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:20.

و الوجه الرّابع:الإثم:الزّنى فذلك قوله: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:120.

و الوجه الخامس:يعني الخطأ،فذلك قوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً البقرة:182،يعني

ص: 329

عمدا أو خطأ.(311)

مثله الدّامغانيّ(16)[إلاّ أنّه لم يذكر الوجه الرّابع].

الأصول اللّغويّة

1-«أثم»في أصل اللّغة:البطء و التّأخّر،عند ابن فارس و الرّاغب و غيرهما،و التّقصير،عند أبي هلال العسكريّ،و هما متقاربان؛فالآثم بطيء عن الخير متأخّر عنه مقصّر في عمله.ثمّ انتقل إلى ما يقارب ذلك، فالأثام:الهلاك؛حيث إنّ الإثم يوجب الهلاك،و سمّي القمار و الخمر إثما،لأنّ فيهما هلاك المال و النّفس،أو أنّهما رأس الإثم،مع أنّ الخمر تقصّر بصاحبها لذهاب عقله، و سمّي الكذب إثما أيضا لبعض ما ذكر،أو لأنّه من أظهر مصاديق الإثم.

ثمّ انتقل«الإثم»إلى مفاهيم شرعيّة فقهيّة أو كلاميّة؛فقيل:الإثم:الفعل القبيح الّذي يستحقّ به اللّوم.أو القبيح الضّارّ،أو ما يجب التّحرّز منه،أو كلّ ما حرّمه اللّه و نحوها.

2-و في جميع الأحوال يعتبر في الإثم التّعمّد،فلا إثم إلاّ عن عمد.و أمّا الخطيئة فتعمّ العمد و الخطأ،إلاّ إذا اجتمعا و تقابلا؛فالخطيئة حين ذاك تخصّ الخطأ مثل قوله: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً النّساء:112

3-ثمّ يتحوّل المعنى و يختلف بحسب اختلاف الصّيغ أو السّياق؛فالأثام:عقوبة الإثم،أو هو الإثم و جزاؤه معا.و تأثّم:خرج من الإثم و تحرّج و تاب منه،أو كفّ نفسه عن الإثم.و أثم:وقع في الإثم،و أثمه اللّه:جازاه جزاء الإثم،و أثّم تأثيما:نسب إليه الإثم،و المأثم:الأمر الّذي يأثم به الإنسان،و الآثام:الأفعال المبطئة عن الثّواب و هكذا.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

الأوّل-جاء هذا الجذر في القرآن«48»مرّة:«11» مرّة منها مكّيّة و«37»مرّة مدنيّة،فالنّسبة بينهما 1/3 تقريبا.و هذا التّفاوت العدديّ يأتلف مع ما ثبت أنّ الأحكام و آياتها مدنيّة،و الإثم تبع للتّكليف.و كلّ ما جاء في المدنيّة راجع إلى مخالفة الأحكام الفرعيّة كما سنمرّ على آياتها.

و أمّا الأحكام الّتي جاءت في الآيات المكّيّة فهي أصول توافقت عليها العقول السّليمة و الشّرائع الهادية، و أكثرها من لوازم العقيدة باللّه و من أصول المحرّمات، و إليك الآيات:

1- وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ

الأنعام:120

2- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ الأعراف:33

3- وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ الشّورى:37

4- اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ [إلى قوله تعالى] هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى النّجم:32

ص: 330

5- تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ الشّعراء:222

6- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ الجاثية:7

7- مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ القلم:12

8- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ

الدّخان:43،44

9- وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ

المطفّفين:12

يلاحظ أوّلا:أنّ(الإثم)جاء في رقم«2»مع(البغي بغير الحقّ)و(الشّرك باللّه)و(القول عليه بغير علم).

و في«2 و 3 و 4»جاء مع(الفواحش)،هذه أصول المحرّمات الّتي جاءت تفاصيلها في الآيات المدنيّة،و تعمّ كلّ إثم و فاحشة حتّى ما لم يسمّها الكتاب و السّنّة، و تلتقي مع الشّرك و الانحراف عن الفطرة المستقيمة.و في مثلها فإنّ الإثم مرادف للفاحشة قبيح ذاتا،فلا حاجة معها إلى نهي شرعيّ إلاّ إرشادا للعقل.

و ثانيا:جاء(الإثم)في«3 و 4»في سياق اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ، توصيفا للمؤمنين بالاجتناب عن الإثم و الفواحش مضافا إليها الكبائر.

و هذا السّياق يدلّ على أنّ الاجتناب عن مثل تلك الكبائر لا ينفكّ عن الإيمان،كما أنّ ارتكابها لا ينفكّ عن الشّرك،فلا حاجة أيضا إلى أمر شرعيّ بالاجتناب عنها إلاّ إرشادا.

و(الكبائر)جاء التّوصيف بها في آية مدنيّة أيضا، و لكنّها قيّدت بالنّهي؛حيث أنّ المدينة دار الأمر و النّهي بالنّسبة إلى الأعمال الّتي هي مصاديق تلك الأصول الفطريّة.و لخفائها تحتاج إلى نهي شرعيّ،و الآية هي:

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً النّساء:31.

و ثالثا:جاء في«1 و 2»تعميم الإثم و الفواحش «للظّاهر و الباطن»،فتعمّ كلّ إثم أو فاحشة صدرت بواسطة أحد الأعضاء أو مباشرة عن القلب،فتشمل أفعال القلب و أفعال الجوارح،و تعمّ الشّريعة و الأخلاق.و مثل هذا السّياق الشّامل إنّما يناسب أصول المحرّمات الّتي جاءت في المكّيّات،و هو ملائم تماما مع سائر الأجزاء في تلك الآيات.و قد جاء مثله في آية مكّيّة أخرى أيضا،و هي: وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151،و هذه خاصّة بالفواحش،كما أنّ وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ خاصّ بالإثم.

و أمّا آية الأعراف المتقدّمة فجمعت فيها الإثم و الفواحش،و السّياق في هذه الآيات الثّلاث متشابه، متناسق تماما مع التّشريع المكّيّ.

الثّاني-جاء(الإثم)مع(العدوان)في آيات كلّها مدنيّة؛حيث أنّ المدينة قد انتابها العدوان و الحروب:

1- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ البقرة:85

2- وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ المائدة:2

3- وَ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ

ص: 331

وَ الْعُدْوانِ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

المائدة:62

4- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ المجادلة:8

5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المجادلة:9

يلاحظ أوّلا:أنّ(الإثم و العدوان)في«1 و 2» مقرونان بقتل النّفوس و الإخراج من الدّيار.و في «4 و 5»أضيف إلى(الإثم و العدوان)،(معصيت الرّسول) أيضا،و كلّ ذلك يحدّد مفهوم الإثم في ساحة المدينة- و هي دار التّشريع و التّقنين-بشكل واسع،مبنيّا على تلك الأصول الإجماليّة الفطريّة الّتي سبق التّنبيه عليها و التّنويه بها في المكّيّة.

فالإثم في دار الهجرة و التّشريع عبارة عن العدوان بالحرب و غيره،و قتل النّفوس و إخراجها من الدّيار و الإغارة عليها،ثمّ معصية الرّسول في كلّ ما أمر و نهى، و هذا شامل لجميع الآثام.

و جدير بالذّكر أنّ آيات عصيان الرّسول،أي محمّد صلّى اللّه عليه و آله كلّها سوى آية(الجنّ)مدنيّة،و هذا يلائم ما سيأتي من أنّ آيات طاعة الرّسول رامية إلى منصب ولاية الأمر،و قد استقامت له عليه السّلام في المدينة،لاحظ «ط و ع»و«ع ص ي».

و ثانيا:في«2»وقع التّقابل بين(التّعاون على الإثم و العدوان)،و بين(التّعاون على البرّ و التّقوى)،فالأوّل مرفوض و الثّاني مطلوب.و المدينة دار الهجرة،انعقدت فيها جماعة المؤمنين و فيها ظهرت أمّة الإسلام كأمّة، و التّعاون لا ينفكّ عن الاجتماع،و لا الاجتماع عن التّعاون.كما أنّ المدينة لا تخلو من المدنيّة بل هي أصلها، و بين اللّفظين علاقة متينة لفظا و معنى.فذكر التّعاون في الآية المدنيّة وقع في محلّه تماما،و أمّا مكّة-حيث التّفرّق و الابتعاد حتّى بين المسلمين أنفسهم لشدّة الضّيق و الضّغط عليهم-فلا مجال فيها للتّعاون.و لم تذكر صيغة التّعاون في القرآن إلاّ مرّتين في هذه الآية في صورة الأمر و النّهي،إشعارا بأنّ الأمّة الإسلاميّة شعارها التّعاون نفيا و إثباتا ألا و هو الالتزام بالتّعاون على البرّ و التّقوى و الاجتناب عن التّعاون على الإثم و العدوان.

و ثالثا:جاء(البرّ و التّقوى)في نفس الآية بإزاء (الإثم و العدوان).و هذا يلقي ضوء على مفهوم الإثم في القرآن؛فالإثم ضدّ البرّ،و البرّ كلّ خير مطلوب واسع نفعه للنّاس.و الإثم خلافه،فهو كلّ شرّ مكروه ضارّ للنّاس.كما جاءت التّقوى مقابل العدوان،و هما نقيضان تماما؛فالعدوان منشأ الطّغيان إن لم يكن نفسه،و الطّغيان إرخاء العنان لهوى النّفس،و التّقوى إمساكها عن الهوى، لاحظ«و ق ي»و«ط غ ي».

ثمّ إذا لاحظنا أنّ بين(الإثم و العدوان)من جانب، و بين(البرّ و التّقوى)من جانب آخر علاقة وثيقة بالسّببيّة-باعتبار أنّ الإثم علّة للعدوان أو بالعكس، و كذا البرّ و التّقوى-لعلمنا أنّ الألفاظ الأربعة وقعت في محلّها تماما و لا بديل لها سواها.

و رابعا:جاء الكلام في المقابلة بين(التّعاون بالإثم

ص: 332

و العدوان)،و بين(التّعاون بالبرّ و التّقوى)بعينها في آية «5»حيث وقع التّقابل بين(التّناجي بالبرّ و التّقوى) و(التّناجى بالإثم و العدوان)و(معصية الرّسول).و إنّما أضيفت هنا معصية الرّسول من دون بديل لها في الجانب المقابل لأنّ نجواهم-كما نصّت الآية الّتي سبقتها-كانت في(معصية الرّسول)؛و هي خطيئة و عصيان له فيما يأمر و ينهى في الأمور العامّة،باعتبار كونه وليّ أمر المسلمين و أنّ طاعته مفروضة عليهم،و هو منصب له،بغضّ النّظر عن كونه مبلّغا عن اللّه.و إنّ آيات طاعة الرّسول كلّها راجعة إلى هذا المنصب-لاحظ«ط و ع»-فكان التّنبيه على كونه معصية الرّسول لازما،و كان تكراره حسنا.

و أمّا وجه عدم ذكر المقابل لها في الجانب الآخر فلأنّ (البرّ و التّقوى)-بما لهما من الشّمول-يغنيان عن كلّ بديل.

و خامسا:جاءت(التّقوى)مع(الإثم)في«2 و 5» و في آيتين أخريين:

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَ اتَّقُوا اللّهَ

البقرة:203

وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ

البقرة:206

و ذلك لأنّ الإثم-كما قلنا-خروج عن الطّاعة و إطلاق للهوى،و التّقوى خلافه،و هو حاجز نفسيّ، رادع له،فلا إثم لمن اتّقى،و من أثم فعليه أن يتّقي.

الثّالث-جاء(الإثم)عقيب الكسب أو الاكتساب في آيات:

1- إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ الأنعام:120

2- لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ

النّور:11

3- وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ النّساء:111

4- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً النّساء:112

و الكسب عبارة عن السّعي وراء الشّيء و الاهتمام به ليصل به و ينتفع منه،ففيه معنى الاهتمام و السّعي فلا إثم فيما لا اهتمام به و لا تعمّد إليه.و من هنا أخذت الأشاعرة- الذّاهبون إلى أنّ أفعال العباد هي فعل اللّه و أنّهم مجبورون عليها-اصطلاح«الكسب»فرارا من الجبر،و هو عندهم إتيان العمل على نحو يتّصف بالحسن أو القبيح، فهذا هو فعل العبد و هو معاقب أو مثاب عليه،و أمّا أصل الفعل عندهم فهو فعل اللّه.و هذا القول لا ينطبق على كثير من الآيات.

و أمّا الاكتساب ففيه وراء السّعي و الاهتمام معنى الكلفة و تحمّل المشقّة في سبيل الإثم،و هذا أحد معاني باب«الافتعال».و لعلّه إشارة إلى أنّ ارتكاب الإثم خروج عن الفطرة الإنسانيّة الّتي فطرها اللّه عليها، و حركة قسريّة،فهو عبء لا يستساغ حمله و تحمّله، و فيه إشعار بشدّة العقوبة و فداحتها قهرا.

الرّابع-جاء التّعبير بالإثم متعدّيا ب(على)في آيات:

1- فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ

البقرة:181

ص: 333

2- ...فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ

البقرة:182

3- فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ البقرة:203

و هذا يحاكي وجود الثّقل و السّيطرة في مفهوم الإثم القرآنيّ و يتلاءم مع ما مضى من التّعبير بالكسب و الاكتساب،فكأنّ الإثم شيء ثقيل يقع عليه،و هو يحمله على عاتقه و كاهله،أو يحيط به من كلّ جانب.

و ربّما يخطر بالبال أنّ المراد ب«الإثم»في مثل ذلك عقابه الّذي يثقل على الآثم أو يحيط به دون نفس الإثم، أو أنّ العقاب هو تجسّم للإثم في عالمي البرزخ و المعاد، كما يدلّ عليه ظاهر القرآن في مثل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8

الخامس-وقع التّقابل بين(الإثم)و(النّفع)في آية الخمر و الميسر مرّتين:

قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما البقرة:219

و فيه إشارة إلى أنّ الإثم ليس فيه نفع بل هو ضرر و خسارة على العباد،و هو ضدّ المنفعة كما كان ضدّ البرّ، ثمّ إنّ هذا التّقابل ينبّهنا إلى قاعدة عقليّة كلاميّة حقوقيّة و أصوليّة هي الموازنة بين المنافع و المفاسد،و ترجيح الرّاجح منها و إصدار الحكم بحسبه.

السّادس-وصف(الإثم)بأوصاف:

1-كبير و أكبر،في آية الخمر و الميسر و قد تقدّمت.

2-عظيم: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً النّساء:48

3-مبين،في آيات:

اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ كَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً النّساء:50

أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:20

وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112

يلاحظ أوّلا:أنّ(الإثم)جاء نكرة في الجميع إشعارا بأنّه كبير جدّا؛بحيث لا يقدّر بقدر و لا يوصف إلاّ بأنّه كبير أو عظيم أو مبين،و هذا يطابق تماما هذه الأوصاف.

و ثانيا:جاءت هذه الأوصاف في آثام خاصّة،مثل شرب الخمر و الميسر،فوصفهما ب(كبير)و(أكبر).و في الافتراء على اللّه أو على العباد،فوصفه ب(عظيم) و(مبين)،و هذا يتلاءم مع كبر هذه الآثام و تبعاتها الاجتماعيّة السّيّئة.

السّابع-جاء(الإثم)مع أكل السّحت و أكل الأموال بالباطل:

1- وَ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ

المائدة:62،63

2- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:188

يلاحظ أوّلا:أنّ(الإثم)عبّر به في«1»عن نفس

ص: 334

قول السّوء مبالغة،مثل:«زيد عدل»كما عبّر عن المال الحرام ب(السّحت)و هو وصف له.ثمّ إنّ الجمع بين «قول الإثم»و«أكل السّحت»فيه إناقة و تناسق، فكلاهما صادران عن مصدر واحد،هو الفم ظاهرا و شره النّفس باطنا،و لهذا جمعهما في: لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ، كما جمع الإثم و السّحت في قوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. و في ذلك تلاؤم في المعنى و تناسق في اللّفظ،ثمّ تأكيد على اجتنابهما،و إيماء إلى وحدة منشئهما ،ممّا يبعث على العجب.

و جدير بالذّكر أنّ القرآن جمع بين«سماع الكذب» و«أكل السّحت»أيضا في آية. سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ المائدة:42،و السّمع فعل الأذن، و الأكل فعل الفم،و هما قريبان،و السّمع عدل القول عند النّاس،و القول مصدره الفم كالأكل.

و هناك أمر يلفت النّظر و يدعو إلى التّأمّل،و هو أنّ (السّحت)جاء في القرآن ثلاث مرّات في ثلاث آيات من سورة المائدة،و هي آخر ما نزل من القرآن على القول المختار،فما هو السرّ في ذلك؟لاحظ«س ح ت».

و ثانيا:جمع في«2»بين«أكل المال بالباطل» و«أكله بالإثم»إيحاء إلى وجود علاقة بين الباطل و الإثم؛فإنّ الباطل فيه خسارة و ضرر فلا خير فيه و لا نفع،و هذا يتّحد مع المفهوم القرآنيّ للإثم في سائر الآيات،لاحظ«ب ط ل».

و ثالثا:عقّب«أكل الأموال بالإثم»بقوله:(و انتم تعلمون)،و هذا يدعم ما سبق من التّعمّد في مفهوم الإثم.

الثّامن-وصف من يكتم الشّهادة بأنّه آثم في آيتين:

وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ البقرة:283

وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ

المائدة:106

يلاحظ في الأولى-أوّلا:أنّه يدعم أيضا ما تقدّم من شرط التّعمّد في مفهوم الإثم،و هو-أي التّعمّد-فعل القلب.ثمّ إنّ كلّ إثم منشؤه القلب كما أنّ كلّ خير كذلك.

و النّيّة-و هي فعل القلب-معيار للخير و الشّرّ،كما قال الرّسول صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما الأعمال بالنّيّات».و للقلب في القرآن و الحديث ميدان واسع،كيف و هو معقل العلم و الإيمان،و مأوى الكفر و النّفاق،و لا نجاة إلاّ لمن أتى اللّه بقلب سليم،لاحظ«ق ل ب».

و ثانيا:أنّ النّكتة في اختصاص كتمان الشّهادة«بإثم القلب»لعلّه يرجع إلى أنّ الكتمان بنفسه ليس عملا سوى إمساك عن الشّهادة،و هو عدم.و لكن منشؤه مرض في القلب كالبخل و الجبن و البغي و نحوها،فنسب الكتمان إلى سببه.

و الّذي لا مرية فيه أنّ هذا التّعبير بالغ في استهجان العمل و إكباره،و أنّ كتمان الشّهادة ناشئ عن رجس الباطن و سوء السّريرة.و قد تقدّم في النّصوص التّفسيريّة ما يكفينا عن الإسهاب هنا.

و ثالثا:جاء قوله في آخر الآية: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تقريرا بأنّ الكتمان فعل لا عدم،كما صرّح القرآن في غيرها من آيات كتمان الشّهادة بنفس الشّيء،مثل:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ وَ مَا اللّهُ

ص: 335

بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:140

وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ البقرة:72، و نحوها كثير.

و من هذا القبيل جعل الكتمان أعظم الظّلم في قوله:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ.

و يلاحظ في الآية الثّانية-أوّلا:أنّه جاء في ذيلها إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ إكبارا للإثم؛حيث جعل كاتم الشّهادة في زمرة الّذين يعرفون بأنّهم آثمون،كأنّهم لا وصف لهم سواه.

و ثانيا:أضاف الشّهادة إلى اللّه تبجيلا لها و تحذيرا من كتمانها،و أنّ ذلك لا يخفى على اللّه.و مثله قوله:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ. و تمام الكلام في «ش ه د»و«ك ت م».

التّاسع-ثمّ إنّ(الإثم)تعلّقت به أمور و أضيفت إليه أشياء لاعتبارات خاصّة تقدّم بعضها؛ففي القرآن:

التّناجي بالإثم،و التّظاهر بالإثم،و التّعاون على الإثم، و المسارعة في الإثم،و الأكل بالإثم،و التّجانف للإثم، و كسب الإثم و اكتسابه،و اجتناب الإثم،و زيادة الإثم، و افتراء الإثم،و احتمال الإثم،و ظنّ الإثم،و أخذ العزّة بالإثم،و خوف الإثم،و قول الإثم،و نحوها.

و إنّ التّدبّر فيها،و ضمّ بعضها الى بعض يوقفنا على مدى تدخّل(الإثم)في حياة الإنسان بنظر القرآن.

العاشر-جاء(أثيم)في القرآن في آيات:

1- هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ

الشّعراء:221-223

2- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ

الدّخان:43-46

3- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ* يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الجاثية:7،8

4- وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ* هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ

القلم:10-13

5- وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ المطفّفين:12،13

6- يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ البقرة:276

7- وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً النّساء:107

يلاحظ أوّلا:أنّ(الأثيم)جاء دائما حسب السّياق فيمن أحاط به الإثم و استغرق هو فيه،و هو كذلك في اللّغة.فإنّ الأثيم-كما تقدّم في النّصوص-صيغة مبالغة، و هو الغالب على صيغة«فعيل»في القرآن،لا سيّما في أوصاف اللّه،فيحاكي الرّجل المتوغّل في الإثم بحيث لا يصدر عنه إلاّ الإثم.و هذا يتلاءم تماما مع أوصاف:

الكفور و العتيد و الكفّار و الخوّان و المعتدي و الأفّاك، و المنّاع للخبر و الحلاّف المهين و الهمّاز المشّاء بنميم و العتلّ الزّنيم و نحوها،و أكثرها صيغ مبالغة.كما يتلاءم مع الأفعال الّتي أسندت إليهم:من تنزّل الشّياطين عليهم،و استكبارهم أمام آيات اللّه،و تكذيبهم بها،

ص: 336

و خيانتهم أنفسهم،و أكلهم الرّبا،و نحو ذلك.

و ثانيا:إنّ(الأثيم)في الآيات الخمس الأولى- و كلّها مكّيّة حتّى المطفّفين على الأرجح-جاء وصفا للكفّار.و أمّا الأخيرتان-و هما مدنيّتان-فجاءتا في أكل الرّبا و الخيانة طبقا للتّفسير،و المخاطب بهما المسلمون دون الكفّار.و هذا يكشف عن عظم هذين الإثمين؛ بحيث كادا أن يلحقا صاحبهما بالكفّار المكذّبين لآيات اللّه،و به وردت الرّوايات فلاحظ.

و هذا السّياق من قبيل قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ آل عمران:97

الحادي عشر-جاء(التّأثيم)-و هو نسبة الإثم إلى الغير-في آيتين:

1- يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ

الطّور:23

2- لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً

الواقعة:25

يلاحظ أوّلا:أنّ(التّأثيم)جاء فيهما مع اللّغو، فيخطر بالبال أنّ هناك ملازمة بينهما،أي أنّ الّذي يلغو لا يتحاشى عن التّأثيم،و هو كذلك بالفعل.

و ثانيا:إنّهما جميعا في شأن أهل الجنّة،و إنّ الجنّة تختصّ بأنّها لا لغو فيها و لا تأثيم،و هذا عكس الحياة الدّنيا الّتي لا تخلو منهما.و فيه إشعار بأنّ الحياة إذا خلت من«اللّغو و التّأثيم»فهي حياة أهل الجنّة،و أنّ هذين الأمرين من شرور الحياة الدّنيا و مأساتها.

و ثالثا:جملة(لا لغو و لا تأثيم)تنفي وجود أيّ لغو و تأثيم في الجنّة،حتّى القليل منهما.

ص: 337

ص: 338

أ ج ج

اشارة

أجاج

لفظ واحد،3 مرّات مكّيّة،في 3 سور مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أجّت النّار تؤجّ أجيجا،و أجّجتها تأجيجا.

و ائتجّ الحرّ:اشتدّت أجّة الصّيف.

و الأجاج:الماء المرّ الملح،قال اللّه تعالى: وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ الفرقان:53،و هو الشّديد الملوحة و المرارة،مثل ماء البحر.(6:198)

ابن شميّل: من الحرّ الوغرة،و الوقدة،و الأكّة، و الأجّة.(ابن السّكّيت:383)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الأجوج:المضيء.أجّج، إذا حمل على العدوّ،و جأج،إذا وقف جبنا.

و أجّ الظّليم يئجّ و يؤجّ أجّا و أجيجا:سمع حفيفه في عدوه.(ابن منظور 2:206)

أبو زيد: أجّ الرّجل يئجّ أجيجا:صوّت.

(ابن سيده 7:473)

2Lأبو عبيدة: الائتجاج:شدّة الحرّ.

(الأزهريّ 11:234)

ابن الأعرابيّ: أجّ في سيره يؤجّ أجّا،إذا أسرع و هرول.(الأزهريّ 11:234)

ابن السّكّيت: ماء ملح،فإذا اشتدّت ملوحته قيل:ماء زعاق،و قعاع،و أجاج،و حراق.(558)

ابن أبي اليمان: الأجاج و هو الماء الكدر،قال اللّه عزّ و جلّ: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً الواقعة:70.

(250)

ابن دريد: أجّ الظّليم يئجّ،و قالوا:يؤجّ أجّا،إذا سمعت حفيفه في عدوه،و كذلك أجيج الكير من حفيف النّار.

و الماء الأجاج:الملح.

و يقال:سمعت أجّة القوم،يعني حفيف مشيهم،أو

ص: 339

اختلاط كلامهم.و أجّ القوم يئجّون أجّا،إذا سمعت لهم حفيفا عند مشيهم.

و الأجّة:شدّة الحرّ،و أجّة كلّ شيء:أعظمه و أشدّه.(1:14)

الأجّة:الصّوت و اختلاطه نحو الأجيج.سمعت أجّة النّار و أجيجها،و أجّة الرّيح و أجيجها.و أجّت الرّيح أجّا و أجيجا.(3:230)

الأزهريّ: الأجاج:شدّة الحرّ.و يقال:جاءت أجّة الصّيف.(11:234)

الجوهريّ: الأجيج:تلهّب النّار،و قد أجّت تؤجّ أجيجا،و أجّجتها فتأجّجت و ائتجّت أيضا،على «افتعلت».

و أجّ الظّليم يؤجّ أجّا،أي عدا،و له حفيف في عدوه.

و قولهم:القوم في أجّة،أي في اختلاط.

و الأجّة:شدّة الحرّ و توهّجه،و الجمع:إجاج،مثل جفنة و جفان،تقول منه:ائتجّ النّهار ائتجاجا.

و ماء أجاج،أي ملح مرّ،و قد أجّ الماء يؤجّ أجوجا.

(1:297)

ابن فارس: أمّا الهمزة و الجيم فلها أصلان:

الحفيف،و الشّدّة،إمّا حرّا و إمّا ملوحة.

و قال قوم:الأجاج:الحارّ المشتعل المتوهّج،و هو من تأجّجت النّار.و الأجّة:شدّة الحرّ،يقال منه:ائتجّ النّهار ائتجاجا.(1:8)

الهرويّ: الأجاج:أشدّ الماء ملوحة،لا يمكن ذوقه من أجوجته.

و في الحديث:«فخرج بها يؤجّ أجّا»،أي يسرع، يقال:أجّ يؤجّ أجّا.و يقال:الأجّ:الهرولة.(1:20)

أبو زرعة: أجّة الحرّ:شدّته و توقّده،و من هذا قولهم:أجّجت النّار.(432)

الثّعالبيّ: إذا اجتمعت فيه[الماء]الملوحة و المرارة فهو أجاج.(280)

ابن سيده: الأجّة،و الأجيج:صوت لهب النّار.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجّت النّار تئجّ أجيجا،إذا سمعت صوت لهبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك:ائتجّت،و تأجّجت،و قد أجّجها.

و أجيج الكير:حفيف النّار،و الفعل كالفعل.

و أجّج بينهم شرّا:أوقده.

و أجّة القوم،و أجيجهم:اختلاط كلامهم مع حفيف مشيهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجّ الظّليم يئجّ أجّا،و أجيجا:سمع حفيفه في عدوه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجّ يؤجّ أجّا:أسرع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأجيج،و الأجاج،و الائتجاج:شدّة الحرّ.

و ماء أجاج:ملح،و قيل:مرّ،و قيل:شديد المرارة.

و قيل:الأجاج:الشّديد الحرارة،و كذلك:الجمع.

و أجيج الماء:صوت انصبابه.

و يأجوج،و مأجوج:قبيلتان.

و يأجج،بالكسر:موضع،حكاه السّيرافيّ عن أصحاب الحديث،و حكاه سيبويه:يأجج بالفتح،و هو القياس.(7:473)

ص: 340

الأجاج:ماء أجاج:مرّ شديد الملوحة،و قيل:ملح مرّ.و قد أجّ يؤجّ أجوجا.و أجّجته،و آججته:جعلته أجاجا.(الإفصاح 2:964)

الأجّة و الأجيج:صوت النّار،و أجّت النّار تئجّ و تؤجّ أجيجا،إذا سمعت صوت لهبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك ائتجّت،على«افتعلت»و تأجّجت،و قد أجّجها تأجيجا.(ابن منظور 2:206)

الطّوسيّ: الأجاج:أشدّ المرّ و الأجاج:مشتقّ من أججت النّار كأنّه يحرق من مرارته.(8:419)

الرّاغب: أجّ الظّليم،إذا عدا أجيجا،تشبيها بأجيج النّار.(10)

الزّمخشريّ: أجّج النّار فتأجّجت و أجّت،و للنّار أجيج،و اشتدّت أجّة المصيف.

و تقول:هجير أجاج،للشّمس فيه مجاج،و هو لعاب الشّمس.و ماء أجاج:يحرق بملوحته.

و من المجاز:مرّ يؤج في سيره،إذا كان له حفيف كحفيف اللّهب،و قد أجّ أجّة الظّليم.و سمعت أجّة القوم:

حفيف مشيهم و اضطرابهم.(أساس البلاغة:3)

الفخر الرّازيّ: الأجاج:الماء المرّ من شدّة الملوحة،و الظّاهر أنّه هو الحارّ من أجيج النّار،كالحطام من الحطيم.(29:184)

ابن الأثير: في حديث خيبر:«فلمّا أصبح دعا عليّا فأعطاه الرّاية فخرج بها يؤجّ حتّى ركزها تحت الحصن»الأجّ:الإسراع و الهرولة،أجّ يؤجّ أجّا.

و في حديث الطّفيل: «طرف سوطه يتأجّج»،أي يضيء،من أجيج النّار:توقّدها.

و في حديث عليّ: «و عذبها أجاج»الأجاج، بالضّمّ:الماء الملح الشّديد الملوحة،و منه حديث الأحنف:«نزلنا سبخة نشّاشة،طرف لها بالفلاة،و طرف لها بالبحر الأجاج».(1:25)

أبو حيّان: الأجاج:البالغ في الملوحة.(6:478)

الأجاج:المرّ،الشّديد الملوحة.

(تحفة الأريب:30)

الفيّوميّ: ماء أجاج:مرّ شديد الملوحة،و كسر الهمزة لغة.

و أجّت النّار تؤجّ بالضّمّ،أجيجا:توقّدت.(1:5)

الفيروزآباديّ: الأجيج:تلهّب النّار كالتّأجّج، و أجّجتها تأجيجا فتأجّجت و أجّت.

و أجّ الظّليم يئجّ و يؤجّ:عدا و له حفيف.

و الأجّة:الاختلاط و شدّة الحرّ،و قد ائتجّ النّهار و تأجّ و تأجّج.

و ماء أجاج:ملح مرّ،و قد أجّ أجوجا بالضّمّ، و أجّجته.

و الأجوج:المضيء النيّر،و أجج كمنع:حمل على العدوّ.(1:183)

الطّريحيّ: الأجاج:المالح المرّ الشّديد الملوحة، يقال:أجّ الماء يؤجّ أجوجا،إذا ملح و اشتدّت ملوحته.

(2:273)

الزّبيديّ: أجّج بينهم شرّا:أوقده.(2:4)

الآلوسيّ: الأجاج:شديد الملوحة كما أشرنا إليه، أطلق عليه لأنّ شربه يزيد أجيج العطش.(19:34)

ص: 341

شديد الملوحة و الحرارة،من قولهم:أجيج النّار و أجّتها،و من هنا قيل:هو الّذي يحرق بملوحته.

(22:179)

أبو رزق: أجاج:ماء شديد الملوحة و المرارة،أي يحرق بملوحته و مرارته،مأخوذ من أجيج النّار المضطرمة،يقال:ماء ملح،و لا يقال:ماء مالح.

(1:24)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أجّ الماء أجوجا:صار شديد الملوحة مرّا،و الماء الأجاج:الملح المرّ.

و أجّ أجيجا:اضطرم و تلهّب.و تأتي من هذه المادّة كلمتا«يأجوج و مأجوج»على رأي اللّغويّين.(30)

فريد وجدي: الأجاج:هو الّذي يحرق بملوحته، يقال:أجّ الماء يؤجّ أجوجا:صار أجاجا.(573)

مجمع اللّغة: الأجاج:الملح الشّديد الملوحة، يقال:أجّ الماء يؤجّ أجوجا،من باب دخل:صار أجاجا،أي ملحا شديد الملوحة.(1:16)

المصطفويّ: إنّ الأصل في هذه المادّة هو الحفيف مع الشّدّة،و هو يختلف باختلاف الموارد،فحفيف كلّ بحسبه:حفيف الظّليم عند عدوه،حفيف الشّجر، حفيف النّار.و يدلّ عليه ما يفهم من الضّجّ و العجّ، و بينهما اشتقاق أكبر.

و أمّا شدّة الملوحة فكأنّها نوع تأجّج،و يظهر هذا التّأجّج في جهاز الهاضمة عند تناول ما فيه الملوحة الشّديدة.(1:22)

النّصوص التّفسيريّة

1- ...هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ...

الفرقان:53

ابن عبّاس: يعنى أنّه خلع أحدهما على الآخر، فليس يفسد العذب المالح،و ليس يفسد المالح العذب.(الطّبريّ 19:24)

الإمام الباقر عليه السّلام: الأجاج:المرّ.

(القمّيّ 2:115)

الطّبريّ: هذا ملح مرّ،يعني بالعذب الفرات:مياه الأنهار و الأمطار،و بالملح الأجاج:مياه البحار.

(19:24)

الطّوسيّ: يعني المرّ.(7:498)

الميبديّ: الأجاج:صفة للملح و هو أشدّ الملوحة،يعني و هذا ملح أشدّ الملوحة.(7:48)

الزّمخشريّ: الفرات:البليغ العذوبة حتّى يضرب إلى الحلاوة،و الأجاج:نقيضه.(3:96)

مثله الفخر الرّازيّ.(24:100)

الطّبرسيّ: شديد الملوحة.و قيل:الفرات:البارد، و الأجاج:الحارّ.(4:175)

القرطبيّ: أي فيه ملوحة و مرارة.(13:59)

البيضاويّ: بليغ الملوحة.(2:148)

مثله أبو السّعود(4:96)،و الكاشانيّ(4:19)، و القاسميّ(12:4583).

النّيسابوريّ: المراد من البحر العذب الأودية

ص: 342

العظام،كالنّيل و الفرات و جيحون،و من البحر الأجاج البحار المشهورة.(19:29)

ابن كثير: أي مالح مرّ زعاق لا يستساغ،و ذلك كالبحار المعروفة في المشارق و المغارب.(5:158)

البروسويّ: بليغ الملوحة،صفة الملح،قالوا:إنّ اللّه تعالى خلق ماء البحر مرّا زعاقا،أي مرّا غليظا بحيث لا يطاق شربه.(6:228)

الآلوسيّ: قيل:الحارّ،فهو ما يقابل الفرات عند من فسّره بالبارد.(19:34)

المراغيّ: أي شديد الملوحة.(19:22)

2- وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ... فاطر:12

ابن عبّاس: أجاج:شديد الملوحة.

(الطّبرسيّ 4:404)

الطّبريّ: ذلك هو ماء البحر الأخضر،و الأجاج:

المرّ،و هو أشدّ المياه ملوحة.(22:123)

الميبديّ: الأجاج:أشدّ الماء ملوحة.

(8:172)

الزّمخشريّ: ضرب(البحرين)العذب و المالح، مثلين للمؤمن و الكافر.(3:303)

الفخر الرّازيّ: قال أكثر المفسّرين:إنّ المراد من الآية ضرب المثل في حقّ الكفر و الإيمان أو الكافر و المؤمن،فالإيمان لا يشتبه بالكفر في الحسن و النّفع،كما لا يشتبه البحران:العذب الفرات و الملح الأجاج.

(26:10)

2Lابن كثير: أي مرّ،و هو البحر السّاكن الّذي تسير فيه السّفن الكبار،و إنّما تكون مالحة زعاقا مرّة،و لهذا قال: وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ. (5:575)

البيضاويّ: مثل ضرب للمؤمن و الكافر، و الفرات:الّذي يكسر العطش،و الأجاج:الّذي يحرق بملوحته.(2:269)

مثله أبو السّعود.(4:241)

البروسويّ: أجاج:شديد ملوحته بحيث يحرق بملوحته،و هو نقيض الفرات.(7:329)

الآلوسيّ:شديد الملوحة و الحرارة،من قولهم:

أجيج النّار و أجّتها،و من هنا قيل:هو الّذي يحرق بملوحته.و هذا مثل ضرب للمؤمن و الكافر.

(22:179)

الطّباطبائيّ: في الآية تمثيل للمؤمن و الكافر بالبحر العذب و المالح،يتبيّن به عدم تساوي المؤمن و الكافر في الكمال الفطريّ،و إن تشاركا في غالب الخواصّ الإنسانيّة و آثارها،فالمؤمن باق على فطرته الأصليّة ينال بها سعادة الحياة الدّائمة،و الكافر منحرف فيها متلبّس بما لا تستطيبه الفطرة الإنسانيّة،و سيعذّب بأعماله.فمثلهما مثل البحرين المختلفين عذوبة و ملوحة، فهما مختلفان من حيث البقاء على فطرة الماء الأصليّة و هي العذوبة و الخروج عنها بالملوحة،و إن اشتركا في بعض الآثار الّتي ينتفع بها...(17:26)

فريد وجدي: ملح أجاج،أي ماء مشبع بالملح.

(573)

ص: 343

3- لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ.

الواقعة:70

ابن عبّاس: أي ملحا شديد الملوحة.

(القرطبيّ 17:221)

الحسن: مرّا قعاعا،لا تنتفعون به في شرب و لا زرع و لا غيرهما.(القرطبيّ 17:221)

الفرّاء: هو الملح المرّ الشّديد المرارة من الماء.

(3:129)

الطّبريّ: لو نشاء جعلنا ذلك الماء الّذي أنزلناه لكم من المزن ملحا،و هو الأجاج؛و الأجاج من الماء:

ما اشتدّت ملوحته.يقول:لو نشاء فعلنا ذلك به،فلم تنتفعوا به في شرب و لا غرس و لا زرع.(27:201)

القمّيّ: أي زعاقا.(الكاشانيّ 5:127)

الطّوسيّ: قال قوم:الأجاج:الّذي اشتدّت ملوحته.(9:506)

الميبديّ: ملحا شديد الملوحة،و قيل:مرّا، و المرّ الّذي إذا شرب أحرق الحلق،من تأجّجت النّار، إذا استعرت.(9:461)

الزّمخشريّ: أجاجا:ملحا زعاقا لا يقدر على شربه.(4:57)

مثله أبو السّعود(5:133)،و البروسويّ(19:

33).

الطّبرسيّ: أي مرّا شديد المرارة.(5:224)

ابن كثير: أي زعاقا مرّا لا يصلح لشرب و لا زرع.(6:533)

البيضاويّ: ملحا،أو من الأجيج فإنّه يحرق الفمّ.

(2:449)

النّسفيّ: ملحا أو مرّا لا يقدر على شربه.

(4:219)

الآلوسيّ: ملحا زعاقا لا يمكن شربه،من الأجيج و هو تلهّب النّار.

و قيل:الأجاج:كلّ ما يلذع الفمّ و لا يمكن شربه، فيشمل الملح و المرّ و الحارّ،فإمّا أن يراد ذلك،أو الملح بقرينة المقام.(27:149)

الأصول اللّغويّة

1-اجتمعت في مادّة«أجّ»-كما تزوّدنا النّصوص- عناصر الحرارة و شدّتها،التّلهّب و التّوقّد و الاضطرام، السّرعة و الهرولة و الحملة،الاضطراب و الهيجان، الصّوت و الحفيف و الاختلاط،شدّة الملوحة و المرارة، كلّ منها في سياق يناسبه.

أمّا«أجاج»وصفا للماء فالعنصر الّذي يناسبه هو شدّة الملوحة و المرارة؛بحيث يحرق بملوحته اللّسان.أمّا غيرها من تلك العناصر،أي الحرارة و الحركة و الحفيف و الهيجان و نحوها،فلا يدلّ عليها إلاّ إذا أريد به ماء البحر،فجماعها يصوّر لنا ساحل البحر المتلاطم الّذي هيّجته العواصف؛فتحرّك و اضطرب،فسمع منه الحفيف و الاختلاط،فعرضته الحرارة بما فيه طبعا من شدّة الملوحة و المرارة فلا يسوغ شربه.

2-و لك أن تسأل أيّ هذه العناصر هو الأصل و أيّها فرع له؟

فنقول:أمّا ابن فارس فاختار أصلين:الحفيف،

ص: 344

و الشّدّة حرّا أو ملوحة،و تبعه بعضهم.و لو قيل بأصالة معنى الشّدة لوجودها مع جميع العناصر لما كان بعيدا عن الصّواب،فإنّ الحفيف-و هو صوت الشّجر أو العدو أو النّار المشتعلة-من شدّة الحركة،كما أنّ السّرعة و العدو هما شدّة الحركة نفسها،و يولد منها الاضطراب،و في النّار التّلهّب و الاضطرام،و في الماء شدّة الملوحة و المرارة.

و يدعمه قول ابن دريد:«أجّة كلّ شيء أعظمه و أشدّه»،و قول من ذهب إلى وجود اشتقاق أكبر لفظا بين«أجّ،و عجّ،و ضجّ»لاشتراكها في أصل المعنى و هو الشّدّة.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

الأوّل-لم يأت منه في القرآن سوى(أجاج)مفردا منكّرا في ثلاث سور مكّيّة:

1: وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً

الفرقان:53

2: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها فاطر:12

3: أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ الواقعة 68-70

الثّاني-(أجاج)في آيتي«الفرقان و فاطر»وصف للبحر،و في«الواقعة»وصف للماء،و هو الّذي تكرّر في النّصوص.و من طبع البحر الحركة و الهيجان و الاضطراب ثمّ الكثافة أحيانا،و لكن وصف البحر بذلك وصف بحال المتعلّق،أي ماؤه كذا.و فيه نوع من التّأكيد في التّوصيف بالملح الأجاج،أي لشدّتهما كأنّ البحر صار كذلك.

و بذلك تفترق آية الواقعة عنهما؛حيث لا يفهم منها سوى عنصر شدّة الملوحة و المرارة دون غيرها،إلاّ أن يستشعر ذلك من السّياق ببيان أنّ الآية تصف ماء المطر الّذي لا ينفكّ طبعا عن حركة،سواء في منشئه أي الرّياح الّتي تثير السّحاب،أو في نزوله ثمّ انحداره من سفوح الجبال إلى بطون الأودية،كما لا ينفكّ المطر عن الحفيف أيضا.

و الأجاج في الآية مقابل له،و بهذا الاعتبار يحمل عنصر الحركة و غيرها،و لكن ليس بذلك الوضوح.

و لك أن تستظهر هذا الفرق الخفيّ في(أجاج)بين السّور الثّلاث بأنّه جاء في«الواقعة»منصوبا،و في«الفرقان و فاطر»مضموما،إشعارا إلى اشتراكهما في أمر،و انفراد «الواقعة»عنهما في ذلك الأمر.

هذا،مع تفاوت بين نفس الآيتين؛حيث عقّبت آية«فاطر»وصفي (عَذْبٌ فُراتٌ) بوصف (سائِغٌ شَرابُهُ) تفسيرا للوصفين،دون آية الفرقان.و يناظره قوله في آية«الواقعة»: اَلْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ حيث جاء مقابلا ل«أجاجا»أي إنّه صالح للشّرب،بخلاف الأجاج.

الثّالث-و قابل القرآن في الآيتين بين (هذا عَذْبٌ فُراتٌ و مِلْحٌ أُجاجٌ) :

ص: 345

الثّالث-و قابل القرآن في الآيتين بين (هذا عَذْبٌ فُراتٌ و مِلْحٌ أُجاجٌ) :

و كأنّ ملحا ضدّ عذب و أجاجا ضدّ فرات،أو مجموع (مِلْحٌ أُجاجٌ) ضدّ مجموع (عَذْبٌ فُراتٌ) أي قابل بين المفهوم المركّب دون المفردات.

و العذب:المستساغ من الشّراب-و الطّعام- الطّيّب،اللّذيذ الطّعم،حتّى يقرب من الحلاوة،أو هو الحلو بالفعل،لاحظ«عذب».

و الفرات:شديد العذوبة-من«فرت»مقلوب «رفت»إذا كسر-،كأنّه سمّي فراتا لأنّه يكسر سورة العطش،أو هو البارد،أو الزّلال،لاحظ«فرت».و كأنّ فراتا نهاية العذوبة،و أجاجا نهاية الملوحة،و هذا مقتضى كمال المقابلة بينهما.فهو (مِلْحٌ أُجاجٌ) توجد فيه أضداد ما توجد من العناصر المفهوميّة في (عَذْبٌ فُراتٌ) فهذا مستساغ شربه،لذيذ طعمه،طيّب بارد،زلال يزيل العطش،و ذاك لا يسوغ شربه،يحرق اللّسان و الحلقوم،خبيث طعمه،حارّ كدر،يزيد العطش، و هكذا.

ص: 346

أ ج ر

اشارة

12 لفظا،108 مرّات:56 مكّيّة،52 مدنيّة

في 39 سورة:25 مكّيّة،14 مدنيّة

تأجرني 1:1\أجرها 1:-1\أجورهم 4:1-3

أجر 40:26-14\أجرهم 12:4-8\أجورهنّ 6:-6

أجرا 27:11-16\أجري 9:9\استأجرت 1:1

أجره 4:2-2\أجوركم 2:-2\استأجره 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأجر:جزاء العمل،أجر يأجر، و المفعول:مأجور،و الأجير:المستأجر،و الإجارة:

ما أعطيت من أجر في عمل،و آجرت مملوكي إيجازا،فهو مؤجر.

و الأجور:جبر الكسر على عوج العظم،و أجرت يده تأجر أجورا،فهي آجرة.

و الأجّار:سطح ليس حواليه سترة،و الجميع:

أجاجير و أجاجرة.

و الإنجار:لغة قبيحة.(6:173)

الإجارة:أن تكون القافية طاء،و الأخرى دالا، و نحو ذلك.(الأزهريّ 11:180)

الكسائيّ: العرب تقول:آجرّة و آجرّ للجميع و آجرة،و جمعها آجر.و آجرة،و جمعها:آجر.

و أجورة،و جمعها آجور.(الأزهريّ 11:180)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الإجّير هو الأجر،مخفّف الرّاء،و هي الآجرة.(الأزهريّ 11:180)

أبو زيد: يقال:آجره اللّه يأجره أجرا،و أجرت المملوك فهو مأجور أجرا،و أجرته أوجره إيجارا فهو مؤجر،و كلّ حسن من كلام العرب.

قال اللّه تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ القصص:27،و يقال:أجرت يد الرّجل تأجر أجرا و أجورا،و ذلك إذا جبرت فبقي لها عثم،و هو مشش كهيئة الورم فيه أود.(الأزهريّ 11:180)

الأصمعيّ: أجر الكسر يأجر أجورا،إذا برأ على

ص: 347

اعوجاج،و آجرتها أنا إيجارا.(الأزهريّ 11:180)

أجر العظم يأجر أجرا و أجورا،أي برأ على عثم.(الجوهريّ 2:576)

الأخفش: في لغة العرب منهم من يقول:أجر غلامي فهو مأجور،و أجرته فهو مؤجر،يريد أفعلته فهو مفعل.و قال بعضهم:آجرته فهو مؤاجر،أراد فاعلته.(2:652)

أبو عبيد: في الحديث:«من بات على إجار ليس له ما يردّ قدميه فقد بريت منه الذّمّة»،أي على سطح.(الأزهريّ 11:180)

جمع الإجّار:أجاجير و أجاجرة.

(الجوهريّ 2:576)

ابن السّكّيت: فإن برأ الكسر قيل:قد جبر و جبرته،فإن جبر على عثم-و هو الاعوجاج-قيل:

وغى يغي وغيا،و أجر يأجر أجرا.(128)

يقال:ما زال ذلك هجّيراه و إجّيراه،أي دأبه و عادته.(الأزهريّ 11:180)

المبرّد: يقال:أجرت داري و مملوكي غير ممدود، و آجرت،ممدودا.(الآلوسيّ 20:67)

الزّجّاج: يقال:أجره اللّه يأجره،و آجره يؤجره، و هو مأجور و مؤجر.و كذلك أجرت المملوك و آجرته:

أعطيته أجرته.(44)

أجر العظم،إذا جبر على فساد.(62)

ابن دريد: الأجر معروف،و الإجّار:السّطح لا حاجز عليه،و الجمع:أجاجير.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأجرة:كرى الأجير،و أجرت يده تأجر أجورا، إذا انكسرت ثمّ جبرت على عثم،و يقال:أجرت تأجر أيضا.

و الآجرّ:فارسيّ معرّب،يقال:هو آجرّ و آجور و ياجور.(3:222)

تقول:أجرت يد الرّجل تأجر أجرا،إذا جبرت على غير استواء.

و أجره اللّه أجرا.و أجرت المملوك فهو مأجور أجرا، و آجرته أوجره إيجارا.

و قد آجرت المملوك مؤاجرة أيضا.(3:271)

الأزهريّ: آجرك اللّه،أي أثابك اللّه.(11:179)

قال الكسائيّ: الإجارة في قول الخليل أن تكون القافية طاء و الأخرى دالا،و نحو ذلك.

قلت:و هذا من أجور الكسر،إذا جبر على غير استواء،و هو«فعالة»،من:أجر يأجر،و هو ما أعطيت من أجر في عمل.(11:180)

يقال:آجور و آجرّ.و يقال لأمّ إسماعيل النّبيّ:

هاجر و آجر.(11:180)

الجوهريّ: الأجر:الثّواب،تقول:أجره اللّه يأجره و يأجره أجرا،و كذلك آجره اللّه إيجارا.

و أجر فلان خمسة من ولده،أي ماتوا،فصاروا أجره.

و الأجرة:الكراء،تقول:استأجرت الرّجل فهو يأجرني ثماني حجج،أي يصير أجيري.

و ائتجر عليه بكذا،من الأجرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أجرت يده،أي جبرت،و آجرها اللّه،أي

ص: 348

جبرها على عثم.

و آجرته الدّار:أكريتها،و العامّة تقول:و اجرته.

و الإجّار:السّطح بلغة أهل الشّام و الحجاز.

و الآجرّ:الّذي يبنى به،فارسيّ معرّب،و يقال أيضا:آجور،على«فاعول».

و آجر:أمّ إسماعيل عليه السّلام.(2:576)

نحوه الرّازيّ.(7)

ابن فارس: الهمزة و الجيم و الرّاء أصلان يمكن الجمع بينهما بالمعنى؛فالأوّل:الكراء على العمل، و الثّاني:جبر العظم الكسير.

فأمّا الكراء:فالأجر و الأجرة.و قيل:الإجارة:

ما أعطيت من أجر في عمل،و من ذلك مهر المرأة،قال اللّه تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، النّساء:24.

و أمّا جبر العظم فيقال منه:أجرت يده،و ناس يقولون:أجرت يده؛فهذان الأصلان.و المعنى الجامع بينهما أنّ أجرة العامل كأنّها شيء يجبر به حاله،فيما لحقه من كدّ فيما عمله.

فأمّا الإجّار فلغة شاميّة،و ربّما تكلّم بها الحجازيّون.فيروى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«من بات على إجّار ليس عليه ما يردّ قدميه فقد برئت منه الذّمّة»،و إنّما لم نذكرها في قياس الباب لما قلناه أنّها ليست من كلام البادية.و ناس يقولون:إنجار، و ذلك ممّا يضعف أمرها.

فإن قال قائل:فكيف هذا و قد تكلّم بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟

قيل له:ذلك كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«قوموا فقد صنع جابر لكم سورا»،و سور فارسيّة،و هو العرس.فإن رأيتها في شعر فسبيلها ما قد ذكرناه.[ثمّ استشهد بشعر](1:62)

أبو هلال: الفرق بين الثّواب و الأجر:أنّ الأجر يكون قبل الفعل المأجور عليه،و الشّاهد أنّك تقول:

ما أعمل حتّى آخذ أجري،و لا تقول:لا أعمل حتّى آخذ ثوابي،لأنّ الثّواب لا يكون إلاّ بعد العمل على ما ذكرنا.

هذا على أنّ الأجر لا يستحقّ له إلاّ بعد العمل كالثّواب، إلاّ أنّ الاستعمال يجري بما ذكرناه،و أيضا فإنّ الثّواب قد شهر في الجزاء على الحسنات،و الأجر يقال في هذا المعنى و يقال على معنى الأجرة الّتي هي من طريق المثامنة بأدنى الأثمان،و فيها معنى المعاوضة بالانتفاع.(197)

الهرويّ: يقال:آجره اللّه يأجره،أي أثابه اللّه.

و يقال لمهر المرأة:أجر،لأنّه عوض من بضعها.

و في الحديث في الأضاحي:«كلوا و ادّخروا و ائتجروا»،أي تصدّقوا طالبين الأجر بذلك.

و يجوز:«اتّجروا»،كقولهم:اتّخذ كذا.و الأصل فيه:

ائتخذ،أدغمت الهمزة في التّاء.و منه الحديث:«إنّ رجلا دخل المسجد و قد قضى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صلاته،فقال:من يتّجر فيقوم فيصلّي معه؟».

و في الحديث:«من بات على إجّار»،الإجّار:

السّطح الذي ليس حواليه ما يردّ المشفي،و جمعه:

أجاجير.و الإنجار لغة فيه.و جاء في المبعث:«فتلقّى النّاس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في السّوق على الأناجير»،يعني السّطوح.(1:20)

ص: 349

أبو سهل الهرويّ: أعط العامل أجرته،أي كراء ما عمله.(61)

ابن سيده: الأجر:الجزاء على العمل؛و الجمع:

أجور.

و قد أجره اللّه يأجره،و يأجره أجرا،و آجره.

و ائتجر الرّجل:تصدّق و طلب الأجر،و في الحديث في الأضاحي:«كلوا و ادّخروا و ائتجروا».حكى التّفسير أبو عبيد الهرويّ في«الغريبين»،و قوله تعالى: وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا العنكبوت:27،قيل:هو الذّكر الحسن، و قيل:معناه أنّه ليس من أمّة من المسلمين و النّصارى و اليهود و المجوس إلاّ و هم يعظّمون إبراهيم عليه السّلام.

و قيل:أجره في الدّنيا:كون الأنبياء من ولده.

و قيل:أجره:الولد الصّالح،و قوله تعالى: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ يس:11،الأجر الكريم:الجنّة.

و أجر المملوك يأجره أجرا،و آجره إيجارا،و مؤاجرة.

و أجر المرأة:مهرها،و في التّنزيل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الأحزاب:

50.

و آجرت الأمة البغيّ نفسها مؤاجرة:أباحت نفسها بأجر.

و آجر الإنسان،و استأجره.

و الأجير:المستأجر[ثمّ استشهد بشعر]،و الاسم منه:الإجارة.

و الأجرة،و الإجارة،و الأجارة:ما أعطيت من أجر.

و أرى ثعلبا حكى فيه:الأجارة،بالفتح.

و أجرت يده،تأجر،و تأجر أجرا،و إجارا،و أجورا:

جبرت على غير استواء.و آجرها هو.

و المئجار:المخراق،كأنه فتل فصلب،كما يصلب العظم المجبور.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأجور،و اليأجور،و الآجرون،و الأجرّ،و الأجرّ، و الآجرّ:طبيخ الطّين.

الواحدة،بالهاء:أجرّة،و آجرّة،و أجرّة.

و الإجّار:سطح ليس عليه سترة،و في الحديث:

«من بات على إجّار ليس حوله ما يردّ قدميه فقد برئت منه الذّمّة».

و الإنجار:لغة فيه.(7:484)

الأجر:المهر.(الإفصاح 1:341)

الإجّار:السّطح لا حاجز عليه.

الإنجار:لغة في الإجّار.(الإفصاح 1:563)

الأجرة:الكراء،الجمع:أجر.

و الأجر و الإجارة:الأجرة على العمل.جمع الأجر:

أجور.أجر العامل يأجره أجرا:أعطاه الأجر،و أثابه و جزاه.(الإفصاح 2:1229)

و الإجّار و الإجّارة:سطح ليس عليه سترة.

(ابن منظور 4:11)

الطّوسيّ: الأجر:النّفع المستحقّ بالعمل.

و الأجرة:مضمّنة بشريطة،أو مجرى عادة.(5:471)

الأجر:هو الجزاء على العمل،على عمل الخير بالخير.و قد يستحقّ الأجر على الشّكر،كالأجر الّذي يعطيه اللّه العبد على شكره لنعمه.(6:6)

الأجر:ما يستحقّ على العمل الصّالح من الثّواب،

ص: 350

و منه الإجارة.و تقول:آجره اللّه يأجره أجرا.

(6:189)

الأجر:جزاء العمل بالخير،يقال:آجره اللّه يأجره أجرا،إذا جازاه بالخير.و يدعى به،يقال:آجرك اللّه.(6:202)

الأجر:الجزاء على العمل بالخير.و الجزاء على الشّرّ يسمّى عقابا؛و لذلك إذا دعي لإنسان قيل:آجرك اللّه.

(8:20)

الاستئجار:طلب الإجارة،و هي العقد على أمر بالمعاوضة،يقال:أجره أجرا،و آجره إجارة و إيجارا، و استأجره استئجارا.و منه الأجير،و المأجور.

و الأجر:الثّواب،و هو الجزاء على الخير.

(8:144)

الرّاغب: الأجر و الأجرة:ما يعود من ثواب العمل دنيويّا كان أو أخرويّا،يقال:أجر زيد عمرا يأجره أجرا:أعطاه الشّيء بأجرة،و أجر عمرو زيدا:أعطاه الأجرة،قال تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ القصص:27،و آجر كذلك.

و الفرق بينهما:أنّ«أجرته»يقال إذا اعتبر فعل أحدهما،و«آجرته»يقال إذا اعتبر فعلاهما،و كلاهما يرجعان إلى معنى واحد.و يقال:آجره اللّه و أجره اللّه.

و الأجير«فعيل»بمعنى فاعل أو مفاعل.

و الاستئجار:طلب الشّيء بالأجرة،ثمّ يعبّر به عن تناوله بالأجرة،نحو الاستيجاب في استعارته الإيجاب، و على هذا قوله: اِسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ القصص:26.(10)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:131)

الزّمخشريّ: أجرك اللّه على ما فعلت و أنت مأجور عليه،و منه قوله تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ، أي تجعلها أجري على التّزويج،يريد المهر،من قوله تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:24،كأنّه قال:

على أن تمهرني عمل هذه المدّة.

و أجر فلان ولده،إذا ماتوا فكانوا له أجرا.

و آجرني فلان داره فاستأجرتها،و هو مؤجر.

و لا تقل:مؤاجر،فإنّه خطأ و قبيح.و ليس آجر هذا «فاعل»و لكن«أفعل»،و إنّما الّذي هو«فاعل»قولك:

آجر الأجير مؤاجرة،كقولك:شاهره و عاومه،و كما يقال:عامله و عاقده.و تقول:طلب الأجرة،فأعطاه الآجرّة.(أساس البلاغة 3)

الإجّار:السّطح.(الفائق 1:24)

ابن الأثير: في حديث أمّ سلمة:«آجرني في مصيبتي و أخلف لي خيرا منها»آجره يؤجره،إذا أثابه و أعطاه الأجر و الجزاء،و كذلك أجره يأجره.و الأمر منهما آجرني و أجرني.

و في حديث دية التّرقوة:«إذا كسرت بعيران،فإن كان فيها أجور فأربعة أبعرة»،الأجور:مصدر أجرت يده توجر أجرا و أجورا،إذا جبرت على عقدة و غير استواء،فبقي لها خروج عن هيئتها.(1:25)

أبو حيّان: الأجر:مصدر أجر يأجر،و يطلق على المأجور به،و هو الثّواب.و الأجور:جبر كسر معوجّ.

و الإجّار:السّطح.[ثمّ استشهد بشعر](1:239)

ص: 351

الفيّوميّ: أجره اللّه أجرا،من باب قتل و من باب ضرب لغة بني كعب،و آجره بالمدّ لغة ثالثة،إذا أثابه، و أجرت الدّار و العبد باللّغات الثّلاث.

و يقال:آجرته مؤاجرة،مثل عاملته معاملة و عاقدته معاقدة،و لأنّ ما كان من«فاعل»في معنى المعاملة كالمشاركة و المزارعة إنّما يتعدّى لمفعول واحد، و مؤاجرة الأجير من ذلك؛فآجرت الدّار و العبد من «أفعل»لا من«فاعل».و منهم من يقول:آجرت الدّار، على«فاعل»،فيقول:آجرته فهو مؤجر.[ثمّ نقل قول الأخفش إلى أن قال:]

و يتعدّى إلى مفعولين،فيقال:آجرت زيدا الدّار، و آجرت الدّار زيدا،على القلب،مثل أعطيت زيدا درهما،و أعطيت درهما زيدا،و يقال:آجرت من زيد الدّار للتّوكيد،كما يقال:بعت زيدا الدّار،و بعت من زيد الدّار.

و الأجرة:الكراء،و الجمع:أجر،مثل غرفة و غرف،و ربّما جمعت«أجرات»،بضمّ الجيم و فتحها.

و يستعمل الأجر بمعنى الإجارة و بمعنى الأجرة، و جمعه:أجور،مثل فلس و فلوس.و أعطيته إجارته بكسر الهمزة،أي أجرته،و بعضهم يقول:أجارته، بضمّ الهمزة؛لأنّها هي العمالة فتضمّها كما تضمّها.

و استأجرت العبد:اتّخذته أجيرا،و يكون الأجير بمعنى«فاعل»،مثل نديم و جليس،و جمعه:أجراء،مثل شريف و شرفاء.

و الآجرّ:اللّبن إذا طبخ،بمدّ الهمزة،و التّشديد أشهر من التّخفيف،الواحدة آجرّة،و هو معرّب.(1:6)

الفيروزآباديّ:الأجر:الجزاء على العمل كالإجارة مثلّثة،و الجمع:أجور و آجار،و الذّكر الحسن، و المهر.

أجره يأجره و يأجره:جزاه،كآجره.

و العظم أجرا و إجارا و أجورا:برأ على عثم، و أجرته.

و المملوك أجرا:أكراه،كآجره إيجارا و مؤاجرة.

و الأجرة:الكراء.

و ائتجر:تصدّق،و طلب الأجر.

و أجر في أولاده كعني،أي ماتوا فصاروا أجره.

و يده:جبرت.

و آجرت المرأة:أباحت نفسها بأجر.

و استأجرته و أجرته فأجرني:صار أجيري.

و الإجّار:السّطح كالإنجار،الجمع:أجاجير و أجاجرة و أناجير.و الإجّيرى:العادة.

و الآجور و اليأجور و الأجور و الآجر و الآجر و الآجر و الآجرون و الآجرون:الآجرّ،معرّبات.

و آجر:أمّ إسماعيل عليه السّلام و آجره الرّمح:أوجره.

(1:376)

الطّريحيّ: آجرته على فعله،إذا جعلت له أجرا.

و الأجرة:الكراء،و الجمع:أجر،مثل غرفة و غرف.

و الإجارة:هي العقد على تملّك منفعة بعوض معلوم.

و«ايتجر عليه بعض إخوانه بكفن»،أي تصدّق.

و المأجور:المثاب،و منه:«كان مأجورا كلّما نظر إليه»،أي مثابا.

و استأجرت العبد،إذا اتّخذته أجيرا.و الأجير:

ص: 352

المستأجر،بفتح الجيم.(3:200)

الزّبيديّ: الأجر:الجزاء على العمل.و في الصّحاح و غيره الأجر:الثّواب.

و قد فرّق بينهما بفروق،قال العينيّ في شرح البخاريّ:الحاصل بأصول الشّرع و العبادات ثواب، و بالمكمّلات أجر،لأنّ الثّواب لغة بدل العين،و الأجر بدل المنفعة،و هي تابعة للعين.و قد يطلق الأجر على الثّواب و بالعكس.

[و كلام الفيروزآباديّ]صريح في أنّ الأجر و الإجارة مترادفان لا فرق بينهما،و المعروف أنّ الأجر هو الثّواب الّذي يكون من اللّه عزّ و جلّ للعبد على العمل الصّالح،و الإجارة هو جزاء عمل الإنسان لصاحبه، و منه الأجير.

و ممّا يستدرك عليه[الفيروزآبادي]ائتجر عليه بكذا،من الأجرة.

و من المجاز الإنجار،بالكسر:الصّحن المنبطح الّذي ليس له حواش،يغرف فيه الطّعام،و الجمع:أناجير، و هي لغة مستعملة عند العوامّ.(3:807)

محمّد المراغيّ: الأجر:ما يعود على العامل من ثواب العمل،دنيويّا كان أو أخرويّا.و يقال لما كان عن عقد أو ما يجري مجرى العقد،و لا يقال إلاّ في النّفع.(15)

مجمع اللّغة: أجر فلان فلانا،من بابي ضرب و نصر،يأجره أجرا:أتابه على عمل.و أجرني يأجرني:

صار أجيرا لي.و الأجر و الأجرة:جزاء العمل،دنيويّا كان أو أخرويّا،و لا يقال إلاّ في النّفع دون الضّرّ،إلاّ أنّ الأجرة تكون في الثّواب الدّنيويّ.

و جمع الأجر:أجور،و سمّيت مهور النّساء أجورا تجوّزا.(1:16)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أجره:أثابه على عمل، استأجره:اتّخذه أجيرا.و الأجر:الثّواب،و أجور النّساء:مهورهنّ.(30)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل في هذه المادّة هو الأجرة،و ما يقابل بالعمل.و الإيجار و الإجارة بمعنى الكراء،و هو الأجرة،و هو في الأصل مصدر كاريته فهو مكار،يقابل:أجرته و آجرته،أي جعلت له أجرة.

و استأجرت زيدا:طلبت منه الأجرة.

و ليعلم أنّ الإجارة مصدر مجرّد كالتّجارة و الزّراعة.

و المصدر من«الإفعال»هو الإيجار،و الإيجار يستعمل متعدّيا إلى مفعول واحد أو إلى مفعولين،كقولك:آجرت زيدا الدّار،أي جعلت الدّار لزيد حتّى يأجرها،أي يعطي أجرتها.(1:24)

محمود شيت: 1-أ.أجر العظم أجرا و أجورا و إجارا:برأ على غير استواء.و أجر العظم أجرا:جبره على غير استواء.

و أجر الشّيء:أكراه.و أجر فلانا على كذا:أعطاه أجرا.

و أجر العامل صاحب العمل:رضي أن يكون أجيرا عنده،قال تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ القصص:27،تكون أجيرا لي.

و أجر اللّه عبده:أثابه.

ب.أجر فلان في ولده:مات فكان له أجرا عند اللّه.

ص: 353

ج.آجره إيجارا:أجره،و آجره من فلان الدّار و غيرها:أكراها له،و آجره فلانا الدّار:أكراه إيّاها.

د.آجره مؤاجرة:استأجره.

ه.ائتجر:طلب الثّواب بصدقة أو نحوها،و ائتجر على فلان بكذا:عمل له بأجر.

و.استأجره:اتّخذه أجيرا.

ز.الإجارة:الأجرة على العمل،و الإجارة:عقد يرد على المنافع بعوض.

ح.الأجر:عوض العمل و الانتفاع.

و الأجر:المهر،الجمع:أجور،قال تعالى:

فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً النّساء:24.

و الأجر الحقّ«في الاقتصاد»:الأجر الّذي يكفي العامل ليعيش عيشة هادئة مريحة.

و الأجر الحقيقيّ:ما للنّقد الّذي يحصل عليه العامل من قوّة الشّراء.

ط.الأجرة:الأجر،الجمع:أجر.

ي.الأجير:من يعمل بأجر،الجمع:أجراء.

2-أ.أجر:أجر فلان في ولده:مات ولده شهيدا، فكان له أجرا عند اللّه.و تستعمل في البلاغات الّتي ترسل إلى ذوي الشّهداء.

ب.آجر الأرض للثّكنات،أو آجر الدّور للمقرّات:أكراها للأغراض العسكريّة.

ج.استأجر العمّال:اتّخذهم أجراء.

د.الأجرة اليوميّة للعمّال:ما يدفع لهم يوميّا من نقود لقاء عملهم.

ه.الأجير:من يعمل بأجر،و منه الجيش الأجير:

الّذي يعمل بأجرة لواجب معيّن في وقت معيّن،ثمّ يسرّح بعد ذلك.(1:30)

النّصوص التّفسيريّة

تاجرنى

...عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ... القصص:27

الضّبّيّ:معناها على أن تثيبني على الإجارة.

(الأزهريّ 11:179)

الفرّاء: أن تجعل ثوابي أن ترعى عليّ غنمي ثماني حجج.(الأزهريّ 11:179)

ابن قتيبة:أي تجازيني عن التّزويج.و الأجر من اللّه إنّما هو الجزاء على العمل.(332)

الطّبريّ: على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حجج،من قول النّاس:أجرك اللّه فهو يأجرك، بمعنى أثابك اللّه.و العرب تقول:أجرت الأجير أجره، بمعنى أعطيته ذلك،كما يقال:أخذته فأنا آخذه.

و حكى بعض أهل العربيّة من أهل البصرة أنّ لغة العرب:أجرت غلامي فهو مأجور،و آجرته فهو مؤجر، يريد«أفعلته».قال:و قال بعضهم:آجره فهو مؤاجر، أراد«فاعلته»و كأنّ أباها-عندي-جعل صداق ابنته الّتي زوّجها موسى،رعي موسى عليه ماشيته ثماني حجج.(20:65)

الزّجّاج: أي تكون أجيرا لي ثماني حجج.(الأزهريّ 11:180)

الطّوسيّ: معناه على أن تجعل أجري على تزويجي إيّاك ابنتي،رعي ماشيتي ثماني سنين.(8:145)

ص: 354

مثله الطّبرسيّ.(4:249)

الميبديّ:أي تأجرني نفسك مدّة ثماني حجج.

و الأجر هاهنا هو الصّداق.و قيل:معناه تكون أجيرا لي،يقال:أجرت الغلام فهو مأجور،و آجرته فهو مؤجر،و آجرته فهو مؤاجر،على وزن«فاعلته»و كلّه بمعنى واحد.

و قيل:معناه أن تثيبني من تزويجي إيّاك رعي ماشيتي ثماني حجج،من قولهم:آجرك اللّه،أي أثابك.(7:296)

الزّمخشريّ: من أجرته،إذا كنت له أجيرا، كقولك:أبوته،إذا كنت له أبا،و(ثمانى حجج)ظرفه.أو من أجرته كذا،إذا أثبته إيّاه،و منه تعزية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أجركم اللّه و رحمكم».(3:172)

نحوه الفخر الرّازيّ.(24:242)،و الطّريحيّ (غريب القرآن:222)،و البروسويّ(6:398).

الآلوسيّ:(تاجرنى)من أجرته:كنت له أجيرا، كقولك:أبوته:كنت له أبا،و هو بهذا المعنى يتعدّى إلى مفعول واحد،و قوله تعالى: ثَمانِيَ حِجَجٍ ظرف له.

و يجوز أن يكون(تاجرنى)بمعنى تثيبني،من أجره اللّه تعالى على ما فعل،أي أثابه؛فيتعدّى إلى اثنين ثانيهما هنا(ثمانى حجج).و الكلام على حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،أي تثيبني رعيه(ثمانى حجج)،أي تجعلها ثوابي و أجري على الإنكاح،و يعني بذلك المهر.

و جوّز على هذا المعنى أن يكون ظرفا ل«تاجرنى» أيضا بحذف المفعول،أي تعوّضني خدمتك أو عملك في ثماني حجج؛فعلى هذا يتعدّى إلى مفعولين،و المفعول الثّاني محذوف،و المعنى على أن تأجرني نفسك.

و قد يتعدّى إلى واحد بنفسه،و الثّاني ب(من)، فيقال:أجرت الدّار من عمرو.

و ظاهر كلام الأكثرين أنّه لا فرق بين آجر بالمدّ، و أجر بدونه.(20:67)

اجر

1- ...وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ. آل عمران:136

ابن إسحاق: أي ثواب المطيعين.

(الطّبريّ 4:99)

الطّبريّ: يعني و نعم جزاء العاملين للّه:الجنّات الّتي وصفها.(4:99)

الطّوسيّ: يعنى ما وصفه من الجنّات و أنواع الثّواب ،و المغفرة بستر الذّنب،حتّى تصير كأنّها لم تعمل في زوال العار بها و العقوبة بها.(2:597)

مثله الطّبرسيّ.(1:506)

2- ...وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.

آل عمران:171

الطّبريّ: لا يبطل جزاء أعمال من صدّق رسوله و اتّبعه،و عمل بما جاءه من عند اللّه.(4:176)

اجرا

1- ...قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... الأنعام:90

الطّبرسيّ: أي لا أطلب منكم على تبليغ الوحي و أداء الرّسالة جعلا،كما لم يسأل ذلك الأنبياء قبلي،فإنّ

ص: 355

أخذ الأجر عليه ينفّر النّاس عن القبول.(2:332)

مثله البروسويّ(3:63)،و الآلوسيّ(7:217)، و رشيد رضا(7:609).

الفخر الرّازيّ: و لا أطلب منكم مالا و لا جعلا.(13:72)

مثله القرطبيّ.(7:36)

أبو حيّان: أي على الدّعاء إلى القرآن،و هو الهدى و الصّراط المستقيم.(اجرا)أي أجرة أتكثّر بها و أخصّ بها،إن القرآن إلاّ ذكرى و موعظة لجميع العالمين.

(4:176)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: ...قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... الشّورى:23،و اِتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ يس:21]

2- ...وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً. النّساء:40

ابن مسعود: أي الجنّة يعطها.

مثله سعيد بن جبير،و ابن زيد.(الطّبريّ 5:91)

الزّمخشريّ: يعط صاحبها من عنده على سبيل التّفضّل عطاء عظيما،و سمّاه أجرا لأنّه تابع للأجر لا يثبت إلاّ بثباته.(1:527)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه لا بدّ من الفرق بين هذا و بين قوله: وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها النّساء:40، و الّذي يخطر ببالي-و العلم عند اللّه-أنّ ذلك التّضعيف يكون من جنس ذلك الثّواب،و أمّا هذا الأجر العظيم فلا يكون من جنس ذلك الثّواب.و الظّاهر أنّ ذلك التّضعيف يكون من جنس اللّذّات الموعود بها في الجنّة.

و أمّا هذا الأجر العظيم الّذي يؤتيه(من لدنه)فهو اللّذّة الحاصلة عند الرّؤية،و عند الاستغراق في المحبّة و المعرفة.و إنّما خصّ هذا النّوع بقوله:(من لدنه)،لأنّ هذا النّوع من الغبطة و السّعادة و البهجة و الكمال لا ينال بالأعمال الجسدانيّة بل إنّما ينال بما يودع اللّه في جوهر النّفس القدسيّة من الإشراق و الصّفاء و النّور.

و بالجملة فذلك التّضعيف إشارة إلى السّعادة الجسمانيّة،و هذا الأجر العظيم إشارة إلى السّعادة الرّوحانيّة.(10:104)

النّسفيّ: و يعط صاحبها من عنده ثوابا عظيما، و ما وصفه اللّه بالعظم فمن يعرف مقداره؟!مع أنّه سمّى متاع الدّنيا قليلا.(1:226)

أبو حيّان: قيل:لا حدّ له و لا عدّ.(3:252)

البروسويّ: عطاء جزيلا،و إنّما سمّاه أجرا لكونه تابعا للأجر،مزيدا عليه.(2:209)

مثله القاسميّ.(5:1239)

رشيد رضا: أي عطاء كبيرا.

قالوا:إنّه سمّى هذا العطاء(أجرا)و هو لا مقابل له من الأعمال،لأنّه تابع للأجر على العمل،فسمّي باسمه من قبيل مجاز المجاورة.

و لعلّ نكتة هذا التّجوّز هي الإيذان بأنّ هذا العطاء العظيم لا يكون لغير المحسنين،فهو علاوة على أجور أعمالهم،و العلاوة على الشّيء تقتضي وجود ذلك الشّيء،فلا مطمع فيها للمسيئين الّذين غلبت سيّئاتهم المفردة على حسناتهم المضاعفة،فما قولك بالمشركين الّذين طمست حسناتهم في ظلمة شركهم؟و العياذ باللّه

ص: 356

تعالى.

و الظّاهر أنّ هذا الأجر العظيم هو النّعيم الرّوحانيّ برضوان اللّه الأكبر،و قد تقدّم الكلام فيه غير مرّة، فراجعه في مظانّه.(5:108)

3- ...وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً. الإسراء:9

ابن جريج: الجنّة،و كلّ شيء في القرآن أجر كبير، و أجر كريم،و رزق كريم،فهو الجنّة،و(انّ)في قوله:

أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً نصب بوقوع البشارة عليها.

(الطّبريّ 15:47)

الطّبريّ: يعني ثوابا عظيما،و جزاء جزيلا،و ذلك هو الجنّة الّتي أعدّها اللّه تعالى لمن رضي عمله.(4715)

مثله الطّوسيّ(6:453)،و الطّبرسيّ(3:401)، و نحوه القرطبيّ(10:225).

النّيسابوريّ: اعلم أنّه سبحانه قال هاهنا:(اجرا كبيرا)و في أوّل الكهف(اجرا حسنا)رعاية للفاصلة، و إلاّ فالأجر الكبير و الأجر الحسن كلاهما الجنّة.

(15:12)

الآلوسيّ: (اجرا كبيرا)بحسب الذّات و بحسب التّضعيف،عشرا فصاعدا.(15:22)

4- وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً. الكهف:2

السّدّيّ: الجنّة.(الآلوسيّ 15:203)

مثله الزّمخشريّ(2:472)،و البروسويّ(5:

215)،و القرطبيّ(10:352).

الطّبريّ: ثوابا جزيلا لهم من اللّه،على إيمانهم باللّه و رسوله،و عملهم في الدّنيا الصّالحات من الأعمال، و ذلك الثّواب هو الجنّة الّتي وعدها المتّقون.

(15:192)

مثله الطّوسيّ(7:6)،و الطّبرسيّ(3:449).

أبو حيّان: الأجر الحسن:الجنّة،و لمّا كنّى عن الجنّة بقوله: (أَجْراً حَسَناً) قال: (ماكِثِينَ فِيهِ) أي مقيمين.

(6:96)

ابن كثير: أي مثوبة عند اللّه جميلة،و هو الجنّة.

(4:365)

الآلوسيّ: (أَجْراً حَسَناً) كما قال السّدّيّ و غيره:

الجنّة.و فيها من النّعيم المقيم و الثّواب العظيم ما فيها، و يؤيّد كون المراد به الجنّة ظاهر قوله تعالى: ماكِثِينَ فِيهِ، أي مقيمين في الأجر.(15:203)

مثله الطّباطبائيّ.(13:238)

5- وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ. القلم:3

الطّبريّ: و إنّ لك يا محمّد لثوابا من اللّه عظيما، على صبرك على أذى المشركين إيّاك.(29:18)

مثله الطّوسيّ(10:75)،و القرطبيّ(18:226)، و الآلوسيّ(29:25).

الطّباطبائيّ: المراد بالأجر أجر الرّسالة عند اللّه سبحانه،و فيه تطييب لنفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أنّ له على تحمّل رسالة اللّه أجرا غير مقطوع،و ليس يذهب سدى.

(19:369)

ص: 357

بنت الشّاطئ: الأجر في أصل الوضع اللّغويّ:

الجزاء المادّي على عمل أو منفعة.و منه:الإيجار و الاستئجار في المعاملات.و ينتقل إلى الجزاء المعنويّ، فيخصّ بصيغة الأجر دون الأجرة،الّتي يغلب استعمالها في التّعامل.

ثمّ جاء الأجر في المصطلح الدّينيّ بمعنى الثّواب، ملحوظا فيه ما يعود من جزاء العمل.

و من الاستعمال القرآنيّ للأجر بمعناه الأوّل الأجور في مهور النّساء فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:24، و آيتا القصص:26،27:

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ* قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ... القصص:26-27.

و من استعماله القرآنيّ بدلالة مجازيّة أو اصطلاحيّة:

إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ يونس:72، وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا يوسف:57، أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ البقرة:62، وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ القلم:3.[ثمّ ذكرت معنى المنّ إلى أن قالت:]و لآية القلم نظائر في آيات:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فصّلت:8.

إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ الانشقاق:25،و معها آية(التّين:6)و بها نستأنس في فهم آية القلم،فنطمئنّ إلى قول من فسّروها بأنّه أجر غير مقطوع،فاللّه سبحانه و تعالى يمنّ على نبيّه المصطفى و على عباده تفضّلا و إنعاما.

و تنكير«أجر»على ما جرت عليه العربيّة في الإطلاق غير المحدود بوصف يحدّه،و التّعميم غير المقيّد بتعريف يخصّصه.(2:48-51)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ القلم:46]

6- وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً ...(الأعراف:113)

السّدّيّ: عطيّة تعطينا.(الطّبريّ 9:19)

أبو عبيدة: ثوابا و جزاء،و اللاّم المفتوحة تزاد توكيدا.(1:225)

ابن قتيبة: أي جزاء من فرعون.(170)

الطّبريّ: يقول:إنّ لنا لثوابا على غلبتنا موسى عندك.(9:18)

الزّمخشريّ: أي جعلا على الغلبة.و قرئ إِنَّ لَنا لَأَجْراً على الإخبار و إثبات الأجر العظيم و إيجابه، كأنّهم قالوا:لا بدّ لنا من أجر،و التّنكير للتّعظيم،كقول العرب:إنّ له لإبلا و إنّ له لغنما،يقصدون الكثرة.

(2:102)

مثله النّسفيّ.(2:29)

الطّبرسيّ: أي عوضا على عملنا،و جزاء بالخير.

(2:461)

القرطبيّ: أي جائزة و مالا.(7:258)

الآلوسيّ: الأجر:إشارة إلى الحظوظ

ص: 358

الحيوانيّة.(19: 153)

رشيد رضا: قرأ ابن كثير و نافع و حفص عن عاصم (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) بهمزة واحدة قيل:إنّه على الإخبار الدّالّ على إيجاب الأجر،و كونه لا بدّ منه.

و قيل:إنّه على حذف همزة الاستفهام الّذي يكثر في كلام العرب،و هو المتبادر و المختار،ليوافق قراءة ابن عامر بإثباتها هنا،و هو ما اتّفقوا عليه في سورة الشّعراء.

(9:63)

الطّباطبائيّ: سؤال للأجر،جيء به في صورة الخبر للتّأكيد،و إفادة الطّلب الإنشائيّ في صورة الإخبار شائع.و يمكن أن يكون استفهاما بحذف أداته،و يؤيّده قراءة ابن عامر: (أ إنّ لنا لاجرا) ،و قوله: قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ الأعراف:114،إجابة لمسئولهم مع زيادة وعدهم بالتّقريب.(8:215)

7- ...قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً... الشّعراء:41

الطّوسيّ: الأجر:الجزاء على العمل بالخير.

و الجزاء على الشّرّ يسمّى عقابا،و لذلك إذا دعي لإنسان قيل:آجرك اللّه.

و المعنى أ إنّ لنا لأجرا عند الملك؟(8:20)

ابن عطيّة: الأجر أن يكون على جهة التّعظيم و التّبرّك باسمه؛إذ كانوا يعبدونه،كما تقول إذا ابتدأت بعمل شيء: بسم اللّه و على بركة اللّه ،و نحو هذا.

(أبو حيّان 7:16)

الطّبرسيّ: أي هل لنا أجرة و جزاء على غلبتنا إيّاه إن نحن غلبناه.(4:188)

2Lالبروسويّ: جعلا عظيما.(6:273)

اجره

1- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ... البقرة:112

الطّبريّ: فللمسلم وجهه للّه محسنا،جزاؤه و ثوابه على إسلامه،و طاعته ربّه عند اللّه في معاده.(1:494)

مثله الطّبرسيّ(1:187)،و نحوه الفخر الرّازيّ(4:

4)،و الكاشانيّ(1:163).

الهرويّ: أي عوضه.(1:21)

الزّمخشريّ: الّذي يستوجبه.(1:305)

البروسويّ: ثوابه الّذي وعد له على عمله،و هو عبارة عن دخول الجنّة،و تصويره بصورة الأجر للإيذان بقوّة ارتباطه بالعمل،و استحالة نيله بدونه.(1:207)

مثله القاسميّ.(2:225)

الآلوسيّ: أي الّذي وعد له على ذلك،لا الّذي يستوجبه كما قاله الزّمخشريّ رعاية لمذهب الاعتزال، و التّعبير عمّا وعد بالأجر إيذانا بقوّة ارتباطه بالعمل.

(1:360)

المراغيّ: أي كلّ من انقاد للّه و أخلص في عمله، فله الجزاء على ذلك عند ربّه الّذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.(1:195)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ النّساء:100،و فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ الشّورى:40]

ص: 359

2- ...وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا... العنكبوت:27

ابن عبّاس: الولد الصّالح و الثّناء.

الذّكر الحسن.(الطّبريّ 20:144)

عكرمة: أجره في الدّنيا أنّ كلّ ملّة تتولاّه،و هو عند اللّه من الصّالحين.(الطّبريّ 20:144)

أهل الملل كلّها تدّعيه و تقول:هو منّا.

(القرطبيّ 13:340)

مجاهد: الثّناء.(الطّبريّ 20:144)

بإنجائه من النّار و من الملك الجبّار،و الثّناء الحسن عليه؛بحيث يتولاّه كلّ أمّة.(الآلوسيّ 20:152)

قتادة: عافية و عملا صالحا،و ثناء حسنا فلست بلاق أحدا من الملل إلاّ يرضى إبراهيم و يتولاّه وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ العنكبوت:27.

(الطّبريّ 20:144)

هو رضا أهل الأديان به،فكلّهم يحبّونه و يتولّونه.

(الطّبرسيّ 4:280)

السّدّيّ: هو أنّه أري مكانه في الجنّة.

(الطّبرسيّ 4:280)

الجبّائيّ: هو ما أمر اللّه به المكلّفين من تعظيم الأنبياء.(الطّوسيّ 8:201)

الطّبريّ: أعطيناه ثواب بلائه فينا في الدّنيا.

(20:143)

مثله الميبديّ.(7:380)

البلخيّ: ذلك يدلّ على أنّه يجوز أن يثيب اللّه في دار التّكليف ببعض الثّواب.(الطّوسيّ 8:201)

2Lالماورديّ: هو بقاء ضيافته عند قبره و ليس ذلك لنبيّ غيره.(الآلوسيّ 20:153)

الزّمخشريّ: الثّناء الحسن و الصّلاة عليه آخر الدّهر،و الذّرّيّة الطّيّبة و النّبوّة،و أنّ أهل الملل كلّهم يتولّونه.(3:204)

البيضاويّ: بإعطاء الولد في غير أوانه و الذّرّيّة الطّيّبة،و استمرار النّبوّة فيهم،و انتماء أهل الملل إليه، و الثّناء و الصّلاة عليه آخر الدّهر.(2:208)

القرطبيّ:قيل:إنّ أكثر الأنبياء من ولده.

(13:340)

الآلوسيّ: [قال بعد نقل أقوال مجاهد و ابن جريج و السّدّيّ و الماورديّ:]

و لا يخفى حال بعض هذه الأقوال،و ذكر بعضهم أنّ المراد(اتيناه اجره)بمقابلة هجرته إلينا؛و عليه لا يصحّ عدّ الإنجاء من النّار من الأجر،بل يعدّ إعطاء الولد و الذّرّيّة الطّيّبة و استمرار النّبوّة فيهم و نحوه،ذلك ممّا كان له عليه السّلام بعد الهجرة من الأجر.(20:153)

الطّباطبائيّ: الأجر هو الجزاء الّذي يقابل العمل، و يعود إلى عامله.

و الفرق بينه و بين الأجرة:أنّ الأجرة تختصّ بالجزاء الدّنيويّ،و الأجر يعمّ الدّنيا و الآخرة.

و الفرق بينه و بين الجزاء:أنّ الأجر لا يقال إلاّ في الخير و النّافع،و الجزاء يعمّ الخير و الشّرّ و النّافع و الضّارّ.

و الغالب في كلامه تعالى استعمال لفظ«الأجر»في جزاء العمل العبوديّ الّذي أعدّه اللّه سبحانه لعباده

ص: 360

المؤمنين في الآخرة،من مقامات القرب و درجات الولاية،و منها الجنّة.نعم،وقع في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السّلام: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:90،و قوله: وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:56، إطلاق الأجر على الجزاء الدّنيويّ الحسن.

فقوله: وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا العنكبوت:27، يمكن أن يكون المراد به إيتاء الأجر الدّنيويّ الحسن، و الأنسب على هذا أن يكون(فى الدّنيا)متعلّقا بالأجر لا بالإيتاء،و ربّما تأيّد هذا المعنى بقوله تعالى فيه عليه السّلام في موضع آخر: وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ النّحل:122،فإنّ الظّاهر أنّ المراد بالحسنة الحياة الحسنة أو العيشة الحسنة،و إيتاؤها فعليّة إعطائها دون تقديرها و كتابتها.

و يمكن أن يكون المراد به تقديم ما أعدّ لعامّة المؤمنين في الآخرة من مقامات القرب في حقّه عليه السّلام، و إيتاؤه ذلك في الدّنيا.و قد تقدّم إحصاء ما يذكره القرآن الكريم من مقاماته عليه السّلام في قصصه،من تفسير سورة الأنعام.(16:122)

اجرهم

1- ...مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ... البقرة:62

الطّبريّ: فلهم ثواب عملهم الصّالح عند ربّهم.

(1:320)

مثله الطّوسيّ(1:283)،و الطّبرسيّ(1:127).

الزّمخشريّ: الّذي يستوجبونه بإيمانهم و عملهم.(1:286)

الآلوسيّ: المراد من الأجر الثّواب الّذي وعدوه على الإيمان و العمل الصّالح،فإضافته إليهم و اختصاصه بهم بمجرّد الوعد لا بالاستيجاب كما زعمه الزّمخشريّ رعاية للاعتزال،لكن تسميته أجرا لعدم التّخلّف.

و يؤيّد ذلك قوله تعالى:(عند ربّهم)المشير إلى أنّه لا يضيع،لأنّه عند لطيف حفيظ.(1:280)

2- ...لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ... البقرة:262

الطّبريّ: لهم ثوابهم و جزاؤهم على نفقتهم الّتي أنفقوها في سبيل اللّه،ثمّ لا يتبعونها منّا و لا أذى.

(3:63)

الطّبرسيّ: قيل:معناه لهم جزاء أعمالهم عند ربّهم.و إنّما قال:(عند ربّهم)،لتكون النّفس أسكن إليه و أوثق به،لأنّ ما عنده لا يخاف عليه فوت و لا نقص.(1:375)

الزّمخشريّ: إن قلت:أيّ فرق بين قوله:(لهم أجرهم)و قوله فيما بعد:(فلهم اجرهم)؟البقرة:274

قلت:الموصول لم يضمّن هاهنا معنى الشّرط و ضمّنه ثمّة.[صدر الآيتين:الّذين ينفقون اموالهم...]

و الفرق بينهما من جهة المعنى أنّ الفاء فيهما دلالة على أنّ الإنفاق به استحقّ الأجر،و طرحها عار عن تلك الدّلالة.(1:394)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

ص: 361

المسألة الأولى:احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ العمل يوجب الأجر على اللّه تعالى،و أصحابنا يقولون:

حصول الأجر بسبب الوعد لا بسبب نفس العمل،لأنّ العمل واجب على العبد،و أداء الواجب لا يوجب الأجر.

المسألة الثّانية:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على نفي الإحباط،و ذلك لأنّها تدلّ على أنّ الأجر حاصل لهم على الإطلاق،فوجب أن يكون الأجر حاصلا لهم بعد فعل الكبائر،و ذلك يبطل القول بالإحباط.

المسألة الثّالثة:أجمعت الأمّة على أنّ قوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ مشروط بأن لا يوجد منه الكفر، و ذلك يدلّ على أنّه يجوز التّكلّم بالعامّ لإرادة الخاصّ، و متى جاز ذلك في الجملة لم تكن دلالة اللّفظ العامّ على الاستغراق دلالة قطعيّة،و ذلك يوجب سقوط دلائل المعتزلة في التّمسّك بالعمومات على القطع بالوعيد.

(7:47)

البروسويّ: ثوابهم في الآخرة،و تخلية الخبر عن الفاء المفيدة لسببيّة ما قبلها لما بعدها للإيذان،بأنّ ترتّب الأجر على ما ذكر من الإنفاق،و ترك المنّ و الأذى أمر بيّن لا يحتاج إلى التّصريح بالسّببيّة.(1:419)

الآلوسيّ: حسبما وعدهم في ضمير التّمثيل،و هو جملة من مبتدإ و خبر وقعت خبرا عن الموصول،و في تكرير الإسناد و تقييد الأجر بقوله تعالى:(لهم)(عند ربّهم)من التّأكيد و التّشريف ما لا يخفى.و كان مقتضى الظّاهر أن يدخل الفاء في حيّز الموصول،لتضمّنه معنى الشّرط،كما في قولك:الّذي يأتيني فله درهم،لكنّه عدل عن ذلك إيهاما بأنّ هؤلاء المنفقين مستحقّون للأجر لذواتهم،و ما ركز في نفوسهم من نيّة الخير لا لوصف الإنفاق،فإنّ الاستحقاق به استحقاق وصفيّ، و فيه ترغيب دقيق لا يهتدى إليه إلاّ بتوفيق.[ثمّ ذكر مثل البروسويّ](3:33)

3- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ...

البقرة:277

الفخر الرّازيّ: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أقوى من قوله:«على ربهم اجرهم»،لأنّ الأوّل يجري مجرى ما إذا باع بالنّقد،فذاك النّقد هناك حاضر متى شاء البائع أخذه،و قوله:«اجرهم على ربهم»،يجري مجرى ما إذا باع بالنّسيئة في الذّمّة،و لا شكّ أنّ الأوّل أفضل.

(7:96)

البروسويّ: الموعود لهم حال كونه (عِنْدَ رَبِّهِمْ) .(1:437)

مثله الآلوسيّ.(3:52)

4- ...أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ...

آل عمران:199

الطّبريّ: يعني لهم عوض أعمالهم الّتي عملوها، و ثواب طاعتهم ربّهم فيما أطاعوه فيه عند ربّهم.يعني مذخور ذلك لهم لديه،حتّى يصيروا إليه في القيامة، فيوفّيهم ذلك.(4:220)

مثله الطّوسيّ(3:94)،و الطّبرسيّ(1:56).

ص: 362

الزّمخشريّ: أي ما يختصّ بهم من الأجر و هو ما وعدوه في قوله: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ القصص:54، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ الحديد:

28، إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ آل عمران:199،لنفوذ علمه في كلّ شيء،فهو عالم بما يستوجبه كلّ عامل من الأجر.(1:491)

مثله البروسويّ(2:156)،و الآلوسيّ(4:174).

أبو حيّان: أي ثواب إيمانهم،و هذا الأجر مضاعف مرّتين بنصّ الحديث الصّحيح:«و أنّ من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرّتين»يضاعف لهم الثّواب بما تضاعف منهم من الأسباب.(3:148)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:96،97،و قوله تعالى:

يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ القصص:54،و قوله تعالى:

أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الزّمر:10، أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ الزّمر:35،و قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ الحديد:19]

اجرها

وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ... الأحزاب:31

الطّبريّ: يعطها اللّه ثواب عملها،مثلي ثواب عمل غيرهنّ من سائر نساء النّاس.(22:1)

مثله الطّبرسيّ.(4:354)

الطّوسيّ: الأجر:الجزاء على العمل،و هو الثّواب،أجره يأجره أجرا.و الأجر مرّتين ليس يجب بالوعد بل إنّما هو مستحقّ،لأنّ أفعالهنّ تقع على وجه يستحقّ مثلى ما لو استحقّ الغير،لأنّه في مقابلة العذاب ضعفين،و لا يجوز أن يضاعف ضعفين إلاّ مستحقّا، و كذلك الثّواب المقابل له.(8:338)

الآلوسيّ: الّذي تستحقّه على ذلك فضلا و كرما.(22:2)

اجرى

1- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ.. .فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ... يونس:71،72

الآلوسيّ: (فَما سَأَلْتُكُمْ) بمقابلة تذكيري و وعظي (مِنْ أَجْرٍ) تؤدّونه إليّ حتّى يؤدّي ذلك إليكم إلى تولّيكم إمّا لاتّهامكم إيّاي بالطّبع أو لثقل دفع المسئول عليكم أو حتّى يضرّني تولّيكم المؤدّي إلى الحرمان فالأوّل لإظهار بطلان التّولّي ببيان عدم ما يصحّحه.و الثّاني لإظهار عدم مبالاته عليه السّلام بوجوده و عدمه..[إلى أن قال]:و قوله تعالى: إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ تأكيد لما قبله على المعنى الأوّل،و تعليل لاستغنائه عليه السّلام على المعنى الثّاني،أي ما ثوابي على العظة و التّذكير إلاّ عليه تعالى يثيبني بذلك آمنتم أو تولّيتم.(11:159)

2- وَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ... هود:29

مجاهد: جزائي.(الطّبريّ 12:30)

ص: 363

الطّبريّ: ما ثواب نصيحتى لكم و دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه إلاّ على اللّه،فإنّه هو الّذي يجازيني و يثيبني عليه.(12:29)

مثله الطّوسيّ.(5:544)

الآلوسيّ: فهو سبحانه يثيبني على ذلك في الآخرة و لا بدّ حسب وعده الّذي لا يخلف،فالمراد بالأجر الأجر على التّبليغ.و جوّز أن يراد الأجر على الطّاعة مطلقا، و يدخل فيه ذلك دخولا أوّليّا،و في التّعبير بالمال أوّلا و بالأجر ثانيا ما لا يخفى من مزيد ما عند اللّه تعالى على ما عندهم.(12:41)

اجورهم

1- ...فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ... آل عمران:57

الطّبريّ: فيعطيهم جزاء أعمالهم الصّالحة كاملا، لا يبخسون منه شيئا و لا ينقصونه.(3:294)

مثله الطّبرسيّ.(1:451)

الآلوسيّ: أي و يتمّم جزاء أعمالهم القلبيّة و القالبيّة،و يعطيهم ثواب ذلك وافيا من غير نقص.

(3:185)

2- ...أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ...

النّساء:152

الطّبريّ: يعني جزاءهم و ثوابهم على تصديقهم الرّسل في توحيد اللّه و شرايع دينه،و ما جاءت به من عند اللّه.(6:7)

الطّوسيّ: سيؤتيهم أجورهم،بمعنى سيعطيهم ثوابهم الّذي استحقّوا على إيمانهم باللّه و رسله،و الإقرار بهم،و إنّه يعطيهم جزاءهم على ذلك.(3:375)

مثله الطّبرسيّ.(2:132)

الآلوسيّ: الموعودة لهم،فالإضافة للعهد.(6:5)

اجورهنّ

1- ...فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً... النّساء:24

الجصّاص: الأجور المذكورة في هذه الآية هي المهور،و إنّما سمّي المهر أجرا،لأنّه بدل المنافع و ليس ببدل عن الأعيان،كما سمّي بدل منافع الدّار و الدّابّة أجرا.(2:146)

مثله الآلوسيّ.(5:5)

الطّوسيّ: يعني مهورهنّ،عند أكثر المفسّرين، و ذلك غير واجب بلا خلاف،و إنّما يجب الأجر بكماله في عقد المتعة.

و في أصحابنا من قال:قوله:(اجورهنّ)يدلّ على أنّه أراد المتعة،لأنّ المهر لا يسمّى أجرا،بل سمّاه اللّه صدقة و نحلة،و هذا ضعيف،لأنّ اللّه سمّى المهر أجرا في قوله: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:25،و قال: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المائدة:5.

و من حمل ذلك كلّه على المتعة كان مرتكبا لما يعلم خلافه،و من حمل لفظ الاستمتاع على الانتفاع فقد أبعد،لأنّه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم من لا ينتفع بها شيء من المهر.(3:166)

ص: 364

الرّاغب: كناية عن المهور،و الأجر و الأجرة يقال فيما كان عن عقد و ما يجري مجرى العقد،و لا يقال إلاّ في النّفع دون الضّرّ،نحو قوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ البقرة:277،و قوله تعالى: فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ الشّورى:40،و الجزاء يقال فيما كان عن عقد و غير عقد،و يقال في النّافع و الضّارّ،نحو قوله: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:12،و قوله: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ النّساء:93.(11)

الميبديّ: الأجر هنا:المهر،و سمّي أجرا،لأنّه أجر الاستمتاع،و لهذا يتأكّد بالخلوة و الدّخول.

(2:470)

مثله أبو حيّان(3:218)،و الكاشانيّ(1:405)، و البروسويّ(2:189).

الزّمخشريّ: (اجورهنّ):مهورهنّ،لأنّ المهر ثواب على البضع.(1:519)

نحوه الطّبرسيّ(2:32)،و البيضاويّ(1:213)، و أبو عبيدة(1:123).

الفخر الرّازيّ: (اجورهنّ)أي مهورهنّ،قال تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً إلى قوله:

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:

25،و هي المهور،و كذا قوله: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:24،هاهنا،و قال تعالى في آية أخرى:

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الممتحنة:10.و إنّما سمّي المهر أجرا،لأنّه بدل المنافع،و ليس ببدل من الأعيان،كما سمّي بدل منافع الدّار و الدّابّة أجرا،و اللّه أعلم.(10:48)

2Lالقرطبيّ: يعمّ المال و غيره،فيجوز أن يكون الصّداق منافع أعيان.(5:133)

القاسميّ: مهورهنّ كاملة.(5:1187)

2- ...وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ... النّساء:25

ابن زيد: الصّداق.(الطّبريّ 5:19)

الطّبريّ: و أعطوهنّ مهورهنّ.(5:19)

مثله السّجستانيّ(32)،و الطّوسيّ(3:170)، و الميبديّ(2:474)،و الطّبرسيّ(2:34)،و أبو حيّان (3:222)،و البروسويّ(2:190)،و الآلوسيّ(5:

10)،و القاسميّ(5:1195)،و رشيد رضا(5:21).

الزّمخشريّ: و أدّوا إليهنّ مهورهنّ بغير مطل و ضرار و إحواج إلى الاقتضاء و اللّزّ.(1:520)

نحوه الطّباطبائيّ.(4:278)

الفخر الرّازيّ: في تفسير الآية قولان:

الأوّل:إنّ المراد من الأجور المهور،و على هذا التّقدير فالآية تدلّ على وجوب مهرها إذا نكحها،سمّي لها المهر أو لم يسمّ،لأنّه تعالى لم يفرّق بين من سمّى و بين من لم يسمّ في إيجاب المهر،و يدلّ على أنّه قد أراد مهر المثل قوله تعالى:(بالمعروف)،و هذا إنّما يطلق فيما كان مبنيّا على الاجتهاد و غالب الظنّ في المعتاد و المتعارف، كقوله تعالى: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة:233.

الثّاني:قال القاضي:إنّ المراد من(اجورهنّ)النّفقة عليهنّ.قال هذا القائل:و هذا أولى من الأوّل،لأنّ المهر مقدّر،و لا معنى لاشتراط المعروف فيه،فكأنّه تعالى بيّن

ص: 365

أنّ كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها و كفايتها،كما في حقّ الحرّة إذا حصلت التّخلية من المولى بينه و بينها على العادة.ثمّ قال القاضي:اللّفظ و إن كان يحتمل ما ذكرناه فأكثر المفسّرين يحملونه على المهر،و حملوا قوله:

(بالمعروف)على إيصال المهر إليها على العادة الجميلة عند المطالبة،من غير مطل و تأخير.(10:62)

القرطبيّ: دليل على وجوب المهر في النّكاح،و أنّه للأمة.(5:142)

3- ...إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... المائدة:5

ابن عبّاس: يعني مهورهنّ.(الطّبريّ 6:108)

الطّبريّ: إنّ الأجر العوض الّذي يبذله الزّوج للمرأة للاستمتاع بها،و هو المهر.(6:108)

مثله الطّوسيّ(3:446)،و الطّبرسيّ(2:162)، و الآلوسيّ(6:66).

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ... الأحزاب:50

مجاهد: يعني صدقاتهنّ.(2:518)

مثله الطّبريّ.(22:20)

الضّحّاك: ما كان من هذه التّسمية ما شاء كثيرا أو قليلا.(الطّبريّ 22:20)

ابن زيد: كلّ امرأة آتاها مهرا فقد أحلّها اللّه له.(الطّبريّ 22:20)

البروسويّ: الأجر يقال فيما كان عن عقد و ما يجري مجرى العقد،و هو ما يعود من ثواب العمل دنيويّا كان أو أخرويّا،و هو هاهنا كناية عن المهر،أي مهورهنّ،لأنّ المهر أجر على البضع،أي المباشرة.

(7:202)

الصّابونيّ: مهورهنّ.و المراد في الآية الأزواج اللّواتي تزوّجهنّ عليه السّلام بصداق.

و سمّي المهر أجرا لأنّه مقابل الاستمتاع بالمرأة في الظّاهر،و أمّا في الحقيقة فهو بذل و عطيّة؛لإظهار خطر المحلّ و شرفه،كما قال تعالى: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً النّساء:4،أي هبة و عطيّة عن طيب نفس.

فالمهر تكريم للمرأة،و ايناس لها،و تطييب لخاطرها،و ليس هو مقابل المنفعة أو الاستمتاع،كما نبّه عليه الفقهاء.(2:299)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... الممتحنة:10]

5- ...فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... الطّلاق:6

سعيد بن جبير: إذا قام الرّضاع على شيء خيّرت الأمّ.(الدّرّ المنثور 6:237)

النّخعيّ: في الصّبيّ إذا قام على ثمن،فأمّه أحقّ أن ترضعه،فإن لم يجد له من يرضعه أجبرت الأمّ على الرّضاع.(الطّبريّ 28:147)

الضّحّاك: إذا قام على شيء فأمّ الصّبيّ أحقّ به، فإن شاءت أرضعته،و إن شاءت تركته،إلاّ أن لا يقبل من غيرها،فإذا كان كذلك أجبرت على رضاعه.(الطّبريّ 28:147)

ص: 366

قتادة: هي أحقّ بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعا به غيرها.(الطّبريّ 28:147)

السّدّيّ: ما تراضوا عليه عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ البقرة:236.(الطّبريّ 28:

147)

ابن عيينة: إن أرضعت لك بأجر فهي أحقّ من غيرها،و إن هي أبت أن ترضعه و لم تؤاتك فيما بينك و بينها عاسرتك في الأجر فاسترضع له أخرى.(الطّبريّ 28:148)

الطّبريّ: فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهنّ الأطفال منكم بأجرة فآتوهنّ أجورهنّ على رضاعهنّ إيّاهم.(28:147)

الطّوسيّ: أمر من اللّه تعالى بأنّ الأمّ المطلّقة متى ولدت و رغبت في رضاع ولدها كان على الأب أجرة الرّضاع أجرة المثل.(10:37)

الطّبرسيّ: أي فإن أرضعن الولد لأجلكم بعد البينونة فأعطوهنّ أجر الرّضاع،يعني أجرة المثل.

(5:309)

الفخر الرّازيّ: يعني حقّ الرّضاع و أجرته،و قد مرّ.و هو دليل على أنّ اللّبن و إن خلق لمكان الولد فهو ملك لها و إلاّ لم يكن لها أن تأخذ الأجر،و فيه دليل على أنّ حقّ الرّضاع و النّفقة على الأزواج في حقّ الأولاد، و حقّ الإمساك و الحضانة و الكفالة على الزّوجات،و إلاّ لكان لها بعض الأجر دون الكلّ.(30:37)

القرطبيّ: يعني المطلّقات أولادكم منهنّ،فعلى الآباء أن يعطوهنّ أجرة إرضاعهنّ،و للرّجل أن يستأجر امرأته للرّضاع كما يستأجر أجنبيّة.

(18:168)

الطّباطبائيّ: فلهنّ عليكم أجر الرّضاعة،و هو من نفقة الولد الّتي على الوالد.(19:317)

اجوركم

1- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ...

آل عمران:185

الطّبريّ: يعني أجور أعمالكم إن خيرا فخير،و إن شرّا فشرّ.(4:199)

مثله الطّوسيّ(3:70)،و الطّبرسيّ(1:550)، و الآلوسيّ(4:146).

البروسويّ: على قدر تقواكم و فجوركم.

(2:140)

2- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ... محمّد:36

الفخر الرّازيّ:إعادة للوعد،و الإضافة للتّعريف، أي الأجر الّذي وعدكم بقوله: أَجْرٍ كَرِيمٍ، و أَجْرٌ كَبِيرٌ، و أَجْرٌ عَظِيمٌ. (28:74)

استاجره و استاجرت

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ. القصص:26

الزّجّاج: أي اتّخذه أجيرا، إِنَّ خَيْرَ مَنِ

ص: 367

اِسْتَأْجَرْتَ، أي خير من استعملت من قوي على عملك،و أدّى الأمانة فيه.(الأزهريّ 11:179)

مثله الطّبرسيّ.(4:249)

النّيسابوريّ: ورود الفعل و هو اِسْتَأْجَرْتَ بلفظ الماضي للدّلالة على أنّه أمر قد جرّب و عرف.(20:39)

البروسويّ: أي اتّخذ موسى أجيرا لرعي الغنم و القيام بأمرها.(6:397)

الآلوسيّ: أصل الاستئجار طلب الشّيء بالأجرة، ثمّ عبّر به عن تناولها بها و هو المراد هنا.

و كذا في قوله سبحانه: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ، و هو تعليل جار مجرى الدّليل على أنّه عليه السّلام حقيق بالاستئجار المفهوم من طلب استئجاره.(20:65)

الطّباطبائيّ: إطلاق الاستئجار يفيد أنّ المراد استخدامه لمطلق حوائجه الّتي تستدعي من يقوم مقامه، و إن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم.

و قوله: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ في مقام التّعليل، لقوله:(استاجره)،و هو من وضع السّبب موضع المسبّب،و التّقدير:استأجره لأنّه قويّ أمين،و خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ هو اَلْقَوِيُّ الْأَمِينُ. (16:26)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «أ ج ر»على أربعة أوجه:المهر، الثّواب،الجعل،نفقة الرّضاع.

فوجه منها:الأجر بمعنى المهر،قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الأحزاب:50،يعني مهورهنّ،كقوله تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:24.

الثّاني:الأجر:الثّواب على الطّاعة،قوله تعالى:

وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ النّحل:96،يعني ثوابهم و يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ الزّمر:35،يعني ثوابهم، و نحوه كثير.

الثّالث:الأجر:الجعل،فذلك قوله تعالى: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ سبأ:47،أي جعل، و إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ، سبأ:47،أي ثوابي،كقوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً الأنعام:90،أي جعلا.و كقوله تعالى: لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا القصص:25،أي جعل ما سقيت لنا،و مثله كثير.

الرّابع:الأجر:النّفقة،فذلك قوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الطّلاق:6،يعني نفقتهنّ.(17)

مثله الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:131)

الأصول اللّغويّة

1-الأجر:ما يجعل جزاء عمل ما تعويضا عن جهد مبذول،أو تنفيذا لعقد مكتوب،أو ما يقوم مقامه.

2-و الأجر-في اللّغة و في القرآن-يحمل معنى الإيجابيّة دائما؛إذ إنّه جزاء حسن عن عمل حسن،فأمّا إذا لم يكن العمل حسنا،أو كان مآله إلى عقاب فلا تستعمل لفظة«الأجر»كنتيجة له،و يقتصر فيها على لفظ الجزاء(فجزاؤه جهنّم)النّساء:93.لا«فاجره

ص: 368

جهنّم»،فيكون الجزاء أعمّ،و الأجر أخصّ.

و اختصاص الأجر بالإيجاب و بالمعاني الخيّرة الحسنة و بكونه نتيجة للأعمال الحسنة يرتكز على موضوعين:

الأوّل:الاستعمال القرآنيّ-كما يأتي-حيث إنّه أينما ورد في القرآن دلّ على النّتيجة الحسنة،و الجزاء الإيجابيّ لعمل خير: وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يوسف:57،و لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ آل عمران:199،و إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ يونس:72،و غيرها.

الثّاني:دلالات الجذر«أ ج ر»؛إذ إنّه دالّ على تقويم و تثمين و إصلاح حال؛فالأجر المدفوع لقاء العمل، و جمعه:أجور،هو في حقيقته تقويم لذلك العمل بما يقابله من جزاء مادّيّ و معنويّ،كما أنّه تثمين له بمعيار متعارف عليه،من نقد و غير نقد،و هو في الوقت نفسه إصلاح لحال باذل الجهد،أي العامل،و ما من عامل يبذل جهدا في عمله إلاّ و له الحقّ في جزاء يصلح حاله.

3-و من هذه الدّلالة الثّالثة استعمال آخر في العظم الكسير يجبر على غير استواء.و كونه«على غير استواء»يشير إلى أنّ الأجر المدفوع لقاء العمل يجبر حال العامل،لكنّه لا ينقذه ممّا هو فيه من فقر و فاقة،أي أنّ هذه الدّلالة اللّغويّة تضيّق حدود«إصلاح الحال»بما يقيم شئون الحياة و بعض متطلّباتها الضّروريّة، فتكون الأجور مصلحة لحال المستأجر لا منقذة له،ممّا قد يكون فيه من سوء.

4-و بذلك تتفرّع دلالة الأجر إلى فرعين:فرع يكون في الدّنيا،و هو يصلح من شأن«المأجور» ما يصلح،لكنّه ليس شاملا لكلّ الأمور الّتي تكون بحاجة إلى إصلاح.و فرع أخرويّ مطلق المعنى في إصلاح أحوال المؤمنين الصّادقين أجرا؛لما عملوه من خير في دنياهم.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

و فيه بحوث:

الأوّل-إنّ استعمال القرآن للفظ«الأجر»-تعبيرا عن الجنّة و عن الجزاء الأخرويّ للأعمال الصّالحة-على غاية عظيمة من الدّقّة الدّالّة على عظمة القرآن و إعجازه اللّغويّ:

فالأجر الدّنيويّ جبر على غير استواء،سواء كان- في عظم كسير-مادّيّا،أم-في جناح مهيض-معنويّا، و أمّا الأجر الأخرويّ فجبر على استواء لبدن الإنسان و صحّته،و معنويّ في تحقيق سعادته الأبديّة.ثمّ هو إعلان للنّاس أنّهم مهما عظمت أجورهم الّتي يحصلون عليها في دنياهم لن يصلوا إلى الحالة السّويّة السّعيدة المكتفية على ما هو الحال في الأجر الأخرويّ؛و بذلك تتضاءل أهمّيّة«الأجور»المكتسبة في الدّنيا أمام عظمة أجر الآخرة.

الثّاني-و استعمل القرآن«الأجر»في معنى المهر المدفوع إلى المرأة أيضا: وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النّساء:

25 و آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الأحزاب:50،دلالة على أنّ المهر المدفوع هو دون ما تستحقّه المرأة؛إذ إنّها تبذل من جسدها و نفسها ما لا يقوّمه مهر مهما غلا،ليشعر الرّجل أنّ هذا المهر المدفوع إلى المرأة-مهما كان مادّيّا أم معنويّا-

ص: 369

ليس منّة منه عليها؛إذ هو«أجر»و ليس في الدّنيا أجر كامل موف للعمل،و هو لا أكثر من كونه جبر حال على غير استواء،و في هذا الاستعمال للفظة«الأجر»بمعنى المهر أيضا إشعار للمرأة أن تصون نفسها،و ألاّ تتّجر بجسدها؛إذ ما من«أجر»يوفّي حقّ ذلك.فعليها أن تطلب الجزاء التّامّ الكامل،و هذا ممّا لا يقوم له«أجر»في الدّنيا،فلتنظر إلى ربّها سبحانه و تعالى،فعنده ذلك الجزاء التّامّ الكامل الّذي هو«الأجر الأخرويّ».

و هذا لا يعني أنّ عليها أن تمتنع عن قبول المهر،أو عن قبول الزّواج،و إنّما عليها أن تقتنع أنّ الأصل هو «الجزاء الأخرويّ»على ما تبذل من جسدها و نفسها لزوجها و لبيتها.و باستصغار المهر مهما غلا يتولّد في النّفس عزوف عنه،و اكتفاء بما قلّ منه،و عدم اشتراط المادّيّة فيه؛حيث إنّ هذه الرّؤية ستولّد في النّفوس الولوع بالمهور الّتي لها ناتج أخرويّ حسن،كقراءة القرآن أو ما إليه ممّا ألفه العابدون الزّاهدون،و تمكّن منه فقراء المسلمين الصّالحين.

ثمّ هو من ناحية أخرى رفع من شأن المرأة،و من شأن علاقتها المقدّسة بزوجها،و الّتي ما تحقّقت إلاّ بكلمة «أجر»،و هذا الأجر ليس ثمنها و لا ثمن جسدها،و لا ثمن ما ستبذله من جسدها و نفسها زوجا و أمّا،و إنّما هو «رمز»إلى ذلك كلّه،و أجر مساو إلى ذلك،فلا يستطاع أداؤه في الدّنيا،فتكون العلاقة بكلّ تفاصيلها و جزئيّاتها قربة إلى اللّه سبحانه و تعالى.

الثّالث-و قد استعمل القرآن العزيز هذه اللّفظة بمشتقّاتها المتنوّعة«108»مرّات،ليس فيها إلاّ ثلاثة أفعال وردت في آيتين متتاليتين،في سورة واحدة:

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ* قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ القصص 26،27.

فورد فعل الأمر أوّلا،ثمّ فعل الماضي،ثمّ فعل المضارع.فيتبادر إلى الذّهن أنّه من قبيل التّسلسل الطّبيعيّ لتطوّر الأفعال في العربيّة على ما يذهب إليه جمهور علماء اللّغة،إلاّ أنّه احتمال ضعيف لا يطابق الواقع،لأنّ فعل الأمر ليس مقدّما في التّسلسل الطّبيعيّ، على أنّ الأمر و الماضي من باب الاستفعال،و المضارع من الثّلاثيّ،و ليس بينهما تسلسل طبيعيّ.و سائر ما ورد من هذه المادّة فإنّما هو الاسم.

الرّابع-و ممّا يلفت النّظر أنّ عدد مرّات ورود لفظ «أجر»الّذي هو-في الوقت نفسه-أصل هذه المادّة اللّغويّة بلغ«40»مرّة،و هذا العدد ذاته هو عدد السّور الّتي ورد فيها«أجر»و مشتقّاته جميعا.كذا قيل؛إلاّ أنّ الفرق بين«أجر»و«أجرا»لا وجه له كما أنّ عدد السّور «39»لا«40»فلاحظ.

الخامس-ثمّ إنّ كلمة(أجرا)وردت«27»مرّة، و مجموع(أجره،أجرها،أجرهم،أجرى)«26»مرّة، غير أنّ لفظة(اجرها)الواردة مرّة واحدة قد ضوعفت في: وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً الأحزاب:31.

ص: 370

كما ضوعف لفظ(اجرهم)مرّة واحدة:

أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ القصص:54

فكان مضاعفة«الأجر»بلا تثنية في الموضعين قد سدّت مسدّ ذكر(أجر)صراحة مكررا،فاستقام عدد مرّات(اجرا)مطلقا بلا إسناد«27»مرّة،مساويا لعدد مرّات ورود اللّفظ ذاته،مسندا إلى الضمائر،إذا جعلنا تكرار مرّتين بمنزلة تكرار الأجر:

4-أجره

1-أجرها«مرّتين»

12-أجرهم

9-أجري

---- 27

السّادس-و يلاحظ أنّه قد ضوعف الأجر للنّساء مرّة و للرّجال مرّة،و فيه إيحاء و تلميح بالمساواة بين الجنسين و تمثيل لعدل اللّه فيهما:

إلاّ أنّه يبقى سؤال هنا،و هو ما هي النّكتة في ذكر (مرّتين)بدل«أجرين»؟هل هي رعاية للتّناسق العدديّ المشار إليه فقط،أو العناية بتفخيم الأجر؟

نرى أنّ النّكتة في ذلك-و اللّه أعلم-هو كون ذكر أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ و أَجْرَها مَرَّتَيْنِ أبلغ و أمسّ بالتّفخيم من«أجرين»؛ففي الأوّل تعدّد الإيتاء و الأجر واحد،و في الثّاني الإيتاء واحد و الأجر متعدّد،و بينهما فرق واضح.على أنّ(اجرها)مرّتين في آية الأحزاب يتناسق مع ما قبلها يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ الأحزاب:30،و هذا أيضا أبلغ من مثل«يعذّب عذابين».

السّابع-و نلاحظ أنّ كلّ موضع ورد فيه لفظ (مرّتين)إنّما جاء في سياق(نؤتها،يؤتون):و هذا مزيد في التّعبير تفخيما بشأن الأجر.إلاّ أنّ القرآن رجّح كفّة المرأة هنا على الرّجل،فأسند الإيتاء إلى اللّه في المرأة نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ، و أبهم الفاعل في الرّجل،فقال:

أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ.

الثّامن-ثمّ نلاحظ أنّ المجموع المسند إلى الضّمائر قد وقع في إطارين:إطار أخرويّ،و هو(اجوركم)و (اجورهم)و مجموعها ستّ مرّات:

1- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ آل عمران:185

2- وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ

محمّد صلّى اللّه عليه و آله:36

3- وَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ آل عمران:57

4- أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ

النّساء:152

5- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ النّساء:173

6- لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ

فاطر:30

و إطار دنيويّ(اجورهنّ)و مجموعها ستّ مرّات أيضا:

1- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً النّساء:24

ص: 371

2- فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النّساء:25

3- إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ المائدة:5

4- إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ

الأحزاب:50

5- وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الممتحنة:10

6- فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ

الطّلاق:65

و يبدو في هذه التّسوية شيء من العناية و الاهتمام باجورهنّ و ضرورتها اهتماما بشأنهنّ؛حيث قابلت تلك الأجور الأخرويّة(كم)أو(هم).لكنّه رجّح كفة الأخرويّة و وعد بتوفيتها في أربع آيات و بإيتائهنّ في آيتين«2 و 4»أي إنّ التّوفية ضعف الإيتاء و اكتفى في آيات التّوفية بالإيتاء،و التّوفية هي الإيتاء التّامّ الكامل مع أنّها من الوفاء المناسب للوعد.[لاحظ«و ف ي»].

التّاسع-و قد غلب على استعمال(اجر)الوصف بأوصاف،أو الإضافة إلى أشياء في أساليب متشابهة تماما:

الف:التّوصيف بالعظم:(اجر عظيم)«7»مرّات، (اجرا عظيما)«11»مرّة،(يعظم له اجرا)مرّة واحدة، (اعظم اجرا)مرّة واحدة،و المجموع«20»مرّة.

و قد جاء هذا الوصف عقيب الإيمان،و العمل الصّالح،و التّقوى،و الإحسان،و الإنفاق،و الصّدقة، و الأمر بالمعروف،و الإصلاح بين النّاس،و الاعتصام باللّه،و الإخلاص للّه،و الصّلاة،و الزّكاة و غيرها من الأعمال.و عقيب القتال،و الهجرة،و الإنفاق فى سبيل اللّه،و الصّبر،و الخشوع،و حفظ الفروج،و ذكر اللّه، و الوفاء بعهد اللّه،و القرض الحسن،و إليك الآيات:

الإيمان و العمل الصّالح

1- وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ المائدة:9

2- وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ (أي من الّذين مع النّبيّ) مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً الفتح:29

الإيمان و التّقوى و الاستجابة للّه و الإحسان

3- اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ آل عمران:172

4- وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ

آل عمران:179

5- إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ الحجرات:3

التّسليم للّه فيما يحكم و يعظ

6- فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً* [إلى أن قال:] وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً* وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنّا أَجْراً عَظِيماً النّساء:65،66،67

ص: 372

الإخلاص و الإصلاح بين النّاس و الأمر

بالمعروف و الاعتصام باللّه و التّوبة

7- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

النّساء:114

8- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً

النّساء:146

القتال و الإنفاق و الهجرة في سبيل اللّه

9- وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً النّساء:74

10- وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:95

11- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ [إلى أن قال:] أَنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ التّوبة:20،22

الصّلاة و الزّكاة و الإيمان باللّه و اليوم الآخر

و الإنفاق

12- لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ الْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً النّساء:162

13- وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ [إلى أن قال:] وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً

النّساء:39،40

الإحسان و العمل للّه و جملة من صفات الخير

و الأعمال الحسنة

14- وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً

الأحزاب:29

15- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِينَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:35

الوفاء بعهد اللّه

16- وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً الفتح:10

عدم الافتتان بالأموال و الأولاد

17- وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ الأنفال:28

18- إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ التّغابن:15

ص: 373

أعظم أجرا

19- وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً

المزّمّل:20

يعظم له أجرا

20- وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً الطّلاق:5

يلاحظ أوّلا:أنّه تعالى ذكر«الأجر العظيم»على تلك الأعمال و الصّفات،و كلّها أصول العقيدة و الأخلاق و الأعمال بفنون من التّعبير نذكرها بالأرقام:

وعد«مرّتين»:للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات:

1،2.

أعدّ«مرّتين»:لمن أحسن و عمل للّه و رسوله و لجملة من صفات الخير:14،15.

عنده«3»مرّات:لمن جاهد و هاجر و أنفق في سبيل اللّه:11.

و لمن لم يفتتن بالأموال و الأولاد:17،18.

لهم،لكم«3»مرّات:لمن أحسن و اتّقى و استجاب للّه و الرّسول:3،4،5.

آتيناهم من لدنّا«مرّة واحدة»لمن أسلم للّه فيما يحكم و يعظ:6.

يؤت«مرّة واحدة»:لمن تاب و أصلح و اعتصم باللّه و أخلص دينه:8.

يؤت من لدنه«مرّة واحدة»:لمن آمن باللّه و اليوم الآخر و أنفق:13.

فسوف نؤتيه«مرّة واحدة»:لمن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب:9.

سنؤتيه،سنؤتيهم«مرّتين»:لمن آمن باللّه و الرّسول و بما أنزل عليه و ما أنزل من قبله و أقام الصّلاة و آتى الزّكاة:12.

و لمن أوفى بما عاهد اللّه:16.

فضّل اللّه«مرّة واحدة»:المجاهدين على القاعدين:

10.

أعظم أجرا«مرّة واحدة»:لمن أقام الصّلاة و آتى الزّكاة و أقرض اللّه قرضا حسنا:19.

يعظم له أجرا«مرّة واحدة»:لمن اتّقى اللّه:20.

و ثانيا:أنّ«الأجر العظيم»جاء نكرة في جميع الآيات،و معلوم أنّه للتّعظيم دون التّحقير،ففي(اجرا عظيما)تأكيد و تشديد للعظمة،أي أجر عظيم لا يعلم مقدار عظمته،أو أجر لا تعلم حقيقته،و لا يقدر أحد على وصفه إلاّ أنّه عظيم.

و ثالثا:أنّ مجموع ما جاء فيه الإيتاء«6»مرّات:

أربع بصيغة المتكلّم جمعا ماضيا و مضارعا،و اثنتين بصيغة الغائب مع اسم الجلالة أو ضميره و النّسبة:1/2.

و رابعا:أنّ«الأجر العظيم»جاء عقيب المغفرة«3» مرّات:1،2،5.

و خامسا:أنّه قيّد بقوله(من لدنّا)أو(من لدنه) مرّتين:6،13،و هو منتهى التّشريف و الإكرام.

و سادسا:أنّ مجموعها و هي عشرون تنقسم إلى:

الوعد بجملة فعليّة«12»مرّة:2،6،10،12، 16،20.

و الوعد بجملة اسميّة«8»مرّات:1،3،4،5،11،

ص: 374

17،18،19.

و النّسبة:2/3،و المعروف أنّ الجملة الاسميّة تدلّ على الثّبات،و الجملة الفعليّة على الحدوث في الأزمان.

و سابعا:التّدبّر في اختلاف هذه التّعابير و مناسباتها لمواردها يكشف لنا أسرارا من البلاغة القرآنيّة،فمثلا في «1 و 2»جمع عقيب الإيمان و العمل الصّالح بين الوعد في الأوّل و المغفرة و الأجر العظيم في الآخر بأسلوب واحد.

و في«17 و 18»عقيب المنع عن الافتتان بالأموال و الأولاد،قال: وَ اللّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، و مثله-مع تفاوت-فيمن جاهد و هاجر في سبيل اللّه.

و في مقام المفاضلة بين المجاهدين و القاعدين جاء قوله: فَضَّلَ اللّهُ.

و في الصّلاة و الزّكاة و القرض الحسن قال: هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً.

و في التّقوى جمع بين تكفير السّيّئات و إعظام الأجر.

و في القرض الحسن يقول: وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً المزّمّل:20،و فيه منتهى التّرغيب.

و لو لم يكن في ذلك كلّه سرّ سوى التّفنّن في الأسلوب لكان هذا بنفسه وجها من وجوه البلاغة بإيراد معنى واحد،بألفاظ و أساليب شتّى كلّها بليغة،و هي تتضمّن مقدرة صاحب الكلام في تحسين كلامه و تنويعه.

و ثامنا:أنّ(الأجر العظيم)جاء في إحدى عشرة سورة كلّها مدنيّة سوى المزّمّل،و هي:النّساء-و هي أكثرها-«7»مرّات،الفتح«مرّتين»،آل عمران «مرّتين»،الأحزاب«مرّتين»،التّوبة،المائدة،الأنفال، الحجرات،التّغابن،الطّلاق،المزّمّل«مرّة واحدة»في كلّ منها.

و تاسعا:أنّ توصيف الأجر بالعظم في صيغه الثّلاث (أَجْراً عَظِيماً) «18»مرّة، (يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) مرّة واحدة، (أَعْظَمَ أَجْراً) مرّة واحدة،جاء كلّها في آخر الآيات.

و هكذا الحال في (أَجْرٌ كَبِيرٌ) و (أَجْرٍ كَرِيمٍ) و (أَجْراً حَسَناً) و (أَجْرُ الْعامِلِينَ) و (أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) .فالجميع وقع رويّا للآيات في القرآن الكريم،فهل لهذا نكتة؟ نعم،هذا نوع من الموافقة بين سياق اللّفظ و لباب المعنى و المحتوى،فإنّ الأجر بجميع هذه الأوصاف إنّما هو جزاء العاملين في الدّار الآخرة،فهو غاية المسير و نهاية المطاف للحياة البشريّة.فإذا كان كذلك فليكن دائما في آخر الآيات،كما هو في آخر الأعمال.

نعم،جاء مرّة واحدة في وسط الآية: فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً الفتح:16،لكنّه وقع في هذا الموضع آخر جملة أيضا هي بمنزلة آية،مقابلا لرويّ الآية عَذاباً أَلِيماً؛ قد جمع الأجر و العذاب في آية لتجسيم الجزاء و تمثيله بالنّسبة إلى المطيع و العاصي.

و هذا هو الحال في أكثر ألفاظ مادّة«جزي»في القرآن الكريم،فإنّ أكثرها جاء في آخر جملة من الآيات،مثل:

وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ الأعراف:40، و في آيات أخر كثيرة جدّا.

وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ الأعراف:41،و في آيات أخر.

ص: 375

وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ الأعراف:152.

كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يونس:13.

وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:12.

لاحظ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم تجد ذلك جليّا.و تمام الكلام في«ج ز ي»،فإذا كان الأجر و الجزاء آخر العمل فلتكن هذه الملاحظة التّاسعة آخر الملاحظات هنا شاملة لكلّ آيات: (أَجْراً عَظِيماً) و (أَجْراً حَسَناً) و نحوها.

ب-أجر كبير:«5»مرّات،في«5»سور،كلّها مكّيّة إلاّ الحديد،و قد جاء في أوائلها دائما:

1- إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ هود:11

2- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ فاطر:7

3- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ الملك:12

4- فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ أَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ الحديد:7

5- وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً الإسراء:9

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء في الثّلاث الأولى عقيب الصّبر و عمل الصّالحات و خشية اللّه بالغيب مع المغفرة بصيغة واحدة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ) .

و في الأخيرتين عقيب الإيمان و الإنفاق و الأعمال الصّالحة (أَجْرٌ كَبِيرٌ) بدون المغفرة.

و في«5»جعله مقرونا بالبشارة بلفظ واحد تماما أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً .

و ثانيا:كلّها جاءت بلفظ النّكرة،و هذا-كما مرّ في (أَجْرٌ عَظِيمٌ) -تأكيد لكبر الأجر،أي أجر كبير لا يعلم مقدار كبره،أو أجر لا تعلم حقيقته و لا يوصف إلاّ بأنّه كبير،كما أنّ كلّها وقعت رويّا للآيات.

و ثالثا:ربّما يطرح سؤال:ما الفرق بين أجر عظيم و أجر كبير؟هل هو مجرّد تفنّن في الكلام و تحسين في اللّفظ من دون وجود أيّ فرق جوهريّ بينهما؟أو أنّ (عظيم)يحاكي جانب المعنى،و(كبير)يصوّر لنا الجانب الصّوريّ؟

و مغزى ذلك أنه أجر لو تجسّم و تمثّل في أعيننا لكان شيئا كبيرا جدّا.و على كلّ حال لا ريب في أنّ للنّظم و رويّ الآيات دخلا في اختيار أحد الوصفين؛فالرّويّ في سورة الإسراء«ر»غالبا،و في الكهف«ر،ز،د،ذ» غالبا،كما أنّ الرّويّ في السّور الّتي جاء فيها (أَجْرٌ عَظِيمٌ) «م»غالبا.و هذا يحتاج إلى مراجعة و محاسبة دقيقة.

ج-أجر كريم:جاء أربع مرّات،في ثلاث سور،كلّها مدنيّة سوى(يس):

1- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ يس:11

2- تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً الأحزاب:44

3- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ الحديد:11

4- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ الحديد:18

ص: 376

يلاحظ أوّلا:اختلاف السّياق رغم أنّ جميعها للوعد:

ففي الأولى-و هي مكّيّة-جاء عقيب مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ التّبشير بمغفرة و أجر كريم.

و في الثّانية جاء في وصف أهل الجنّة أنّ تحيّتهم سلام و أنّه أعدّ لهم أجرا كريما.

و في الأخيرتين في شأن من يقرض اللّه قرضا حسنا أنّه يضاعفه له و له أجر كريم.

و ثانيا:أنّ كلاّ من هذه التّعابير تناسب موضوعها؛ فالقرض الحسن ما لا ربح فيه و لا يضاعف فيه رأس المال كما يضاعف في الرّبا: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً آل عمران:130،فالقرض الحسن يحقّق ما يتمنّاه آكلو الرّبا،فالمناسب مضاعفته ثوابا في الآخرة، ثمّ إعطاؤه أجرا كريما محترما و تمام الكلام في«ق ر ض- ر ب ي»كما أنّ المناسب لخشية الرّحمن بالغيب التّبشير بالمغفرة و أجر كريم محترم.

و أمّا بالنّسبة إلى أهل الجنّة فالمناسب التّحيّة بالسّلام أوّلا؛لأنّ السّلام تأمين للدّاخل كأنّه ضيف،ثمّ الإعداد له من قبل أجرا كريما محتوما.

و ثالثا:الفرق بين الكريم و بين العظيم و الكبير ظاهر،فإنّ الكريم ناظر إلى الكيفيّة و هي رعاية جانب الاحترام و التّكريم،و هما ناظران إلى الكمّيّة.[لاحظ «ك ر م»-«ع ظ م»-«ك ب ر»]

و رابعا:جاء(اجر كريم)في الجميع نكرة مشعرة بأنّه أجر لا توصف حقيقته إلاّ بأنّه كريم،و لا يعلم مقدار كرامته،كما جاء دائما في آخر الآيات و قد سبق في(أجرا عظيما).

و خامسا:جاء أَجْرٍ كَرِيمٍ في الأولى مجرورا عقيب(بشّر)و في الثّانية منصوبا ب(اعدّ)و في الأخيرتين مرفوعا خلال جملة اسميّة في سياق قاطع صارم مرّتين اهتماما بشأن القرض الحسن،مع أنّ السّياق في الأخيرتين لا يتعدى البشارة و الوعد في جملتين فعليّتين.

د-أجر غير ممنون:جاء في أربع آيات مكّيّة:

1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فصّلت:8

2- إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ الانشقاق:25

3- إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ التّين:6

4- وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ القلم:3

يلاحظ أوّلا:وحدة السّياق في الثّلاث الأولى؛ حيث جاء (غَيْرُ مَمْنُونٍ) عقيب (الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ) بتفاوت يسير.ففي«1»(انّ الّذين)و في«2 و 3»(الاّ الّذين)و في«1 و 2»(لهم)و في«3»(فلهم).

و أمّا«4»فخاصّ بالنّبيّ،و فيه (وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً) ، و التّأكيد فيه كاشف عن علوّ مقامه على سائر المؤمنين؛ حيث يفتقدون هذا التّأكيد.

ثمّ إنّه إن دلّ على شيء فيدلّ على أنّ النّبيّ يوازي جميع المؤمنين و ترجح كفّته عليهم.و هذا كما جاء في الحديث«إنّ عقل كلّ نبيّ يفضل عقل أمّته».

و ثانيا:إنّ(أجرا غير ممنون)بجميع ما قيل في معناه

ص: 377

غير منقوص أو غير مقطوع،أو ما لا منّة فيه.ربّما يكون أبلغ و آكد من:أجر كبير،أجر عظيم،أجر كريم و نحوها، لأنّه يفيد الاستمرار و التّمام و الكرامة و الاحترام، لاحظ«م ن ن».

و ثالثا:مجيئه نكرة في الجميع يفيد أنّه لا يوصف كما مرّ كما أنّ مجيئه دائما في الآخر فيه سرّ قد سبق ذكره.

و رابعا:للرّويّ دخل في هذا التّعبير،فإنّ سورة القلم و التّين مبنيّتان على«ن»و«م»،و كذلك أوّل «فصّلت»و آخر«الانشقاق»،فلاحظ.

ه-أجرا حسنا:مرّتين،في سورة مكّيّة، و أخرى مدنيّة:

1- وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً الكهف:2

2- فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً الفتح:16

يلاحظ أوّلا:أنّ (أَجْراً حَسَناً) جاء في المكّيّة عقيب الّذين يعملون الصّالحات،و في المدنيّة عقيب المقاومة في القتال.و هذا هو شأن السّور المكّيّة و المدنيّة كما سيأتي في (أجر المحسنين،المؤمنين،المصلحين).

و ثانيا:أنّ لرعاية الرّويّ دخلا في اختلاف هذه الأوصاف.قال النّيسابوريّ في غرائب القرآن(15:

12):«و اعلم أنّه سبحانه قال هاهنا: (أَجْراً كَبِيراً) ،و في أوّل الكهف: (أَجْراً حَسَناً) رعاية للفاصلة،و إلاّ فالأجر الكبير و الأجر الحسن كلاهما الجنّة».

و-أجر العاملين:ثلاث مرّات،في سورتين مكّيّتين، و واحدة مدنيّة:

1- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ العنكبوت:58

2- قالُوا [أي أهل الجنّة] اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الزّمر:74

3- أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ آل عمران:136

و يلاحظ فيها وحدة السّياق بتفاوت،فكلّها جاءت في أهل الجنّة عقيب ذكر أعمالهم الصّالحة،و فيها ذكر الخلود في الجنّة.و أمّا الاختلاف ففي«1 و 2»جاء (لنبوّئنّهم)و(نتبوّأ)،و في«1 و 3»جاء في وصف الجنّة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ و في«2»: جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، و أمّا نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ فقد ختم به الجميع بتفاوت يسير؛ففي«1»(نعم)و في«2»(فنعم) و في«3»(و نعم)،و في ذلك أسرار ربّما تكشف بالتّدبّر، و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

ز-اجر المحسنين:أربع مرّات،كلّها مكّيّة سوى «4»:

1- وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

هود:115

2- وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:56

3- إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ

ص: 378

اَلْمُحْسِنِينَ يوسف:90

4- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ التّوبة:120

يلاحظ أوّلا:أنّ العنصر الأصليّ لأجر المحسنين في الجميع هو الصّبر.أمّا في المكّيّة فالصّبر على شدائد الدّهر و نوائبه.و أمّا في المدنيّة-و هي سورة التّوبة- فالصّبر على ما يصيب المجاهدين في سبيل اللّه من نصب و مخمصة و ظمأ و غيرها،و القتال في سبيل اللّه شرّع بعد الهجرة.

و ثانيا:أنّ اثنتين منها وردتا بشأن يوسف الصّدّيق في صبره على ما قاساه من إخوته و من امرأة العزيز و نسوة مصر.و قد وصفه اللّه في هذه السّورة خمس مرّات بأنّه من المحسنين،لاحظ«ح س ن».

و ثالثا:قد جاء في القرآن (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أو (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) في«9»آيات بدل أجر المحسنين، فينبغي التّدبّر فيها حتّى يعلم الفرق بينها و بين أجر المحسنين،و تمام الكلام في«ج ز ي».

ح-أجر المؤمنين:مرّة واحدة،في سورة مدنيّة:

يَسْتَبْشِرُونَ [أي الّذين قتلوا في سبيل اللّه] بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

آل عمران:171

ط-أجر المصلحين:مرّة واحدة،في سورة مكّيّة:

وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ الأعراف:170

و يلاحظ أنّ (أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) في الآية المكّيّة جاء عقيب التّمسّك بالكتاب و إقامة الصّلاة،و أمّا في الآية المدنيّة فقد جاء (أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) عقيب الاستشهاد في سبيل اللّه،و هو من شئون القتال في سبيل اللّه الّذي سنّه اللّه في المدينة بعد الهجرة.

ي-أجر من أحسن عملا:مرّة واحدة،في سورة مكّيّة:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً الكهف:30

و يلاحظ أنّه بدّل (أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) هنا ب (أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) رعاية لرويّ الآيات،فإنّ سورة الكهف مبنيّة على ألف،على أنّ (مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) أبين و أوضح في معناه من(المحسنين)،و فيه دلالة على التّجدّد و الحدوث و(المحسنين)يدلّ على الثّبات؛ فالأوّل أوسع و أشمل،و اللّه العالم بسرّ كتابه.

ص: 379

ص: 380

أ ج ل

اشارة

13 لفظا،56 مرّة:37 مكّيّة،19 مدنيّة

في 29 سورة:21 مكّيّة،8 مدنيّة

أجّلت 1:1\أجلا 3:3\أجلنا 1:1

أجّلت 1:1\أجله 2:-2\الأجلين 1:1

مؤجّلا 1:-1\أجلهم 6:6\أجل 1:-1

أجل 30:21-9\أجلها 3:2-1\...

الأجل 1:1\أجلهنّ 5:-5\...

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأجل:غاية الوقت في الموت،و محلّ الدّين و نحوه.تقول:أجل هذا الشّيء يأجل فهو آجل، و هو نقيض عاجل.

و الأجيل:المؤجّل إلى وقت.

و تقول:فعلت ذاك من أجل كذا و من جرّاء كذا،أي من أجله،و إن شئت طرحت«من»فقلت:فعلت ذاك أجل كذا.و لا فعل له.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أجنّك،بمعنى أجل أنّك،فحذفت اللاّم و الألف،كما قال اللّه عزّ اسمه: لكِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّي الكهف:38،معناه-و اللّه أعلم-لكن أنا،فحذفت الألف،فالتقت النّونان،فجاء التّشديد.

و في الحديث:«أجنّك من أصحاب رسول اللّه»،أي من أجل أنّك،و مثله:لهنّك لرجل عاقل،أي و اللّه إنّك لرجل عاقل.

و الإجل:القطيع من بقر الوحش،و الجميع:

الآجال.و تأجّل الصّوار:صار قطيعا قطيعا.

و الآجلة:الآخرة،و العاجلة:الدّنيا.

و المأجل:شبه حوض واسع يؤجّل فيها ماء البئر و ماء القناة المحفورة أيّاما،ثمّ يفجّر في الزّرع،و هو بالفارسيّة«طرخة»،و الجمع:المآجل.

و الأجل:مصدر قولك:أجلوا إبلهم يأجلونها أجلا،أي حبسوها في المرعى،و الأجل:الضّيق أيضا.

و تقول:أجل عليهم شرّا أجلا،أي جناه و بحثه.

ص: 381

و الأجل:وجع في العنق.(6:178)

الكسائيّ: فعلت ذاك من أجلاك و إجلاك و من جلالك،بمعنى واحد.(الأزهريّ 11:193)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المأجل،بفتح الجيم:

مستنقع الماء،و الجمع:المآجل.(الجوهريّ 4:1621)

يقال:جلبت عليهم و جررت و أجلت بمعنى واحد، أي جنيت.(الأزهريّ 11:193)

الأخفش: الأجل:الجناية،من أجل يأجل، تقول:قد أجلت علينا شرّا.

و يقول بعض العرب:من جرّا؛من الجريرة،و يجعله على فعلى.(2:469)

اللّحيانيّ: أجل لأهله يأجل:كسب و جمع و احتال.(ابن سيده 7:489)

ابن الأعرابيّ: [الإجل]هو الأجل و الأدل،و هو وجع العنق من تعادي الوساد.(الأزهريّ 11:194)

ابن السّكّيت: التّأجّل:الإقبال و الإدبار.(310)

الأجل:مصدر أجل عليهم شرّا يأجله أجلا،إذا جناه عليهم و جرّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإجل،بالكسر:القطيع من البقر،و جمعه:

آجال.(إصلاح المنطق:9)

فعلت ذاك من أجلك و من إجلك.

(إصلاح المنطق:32)

فعلت ذاك من أجلك،و إذا أسقطت«من»قلت:

فعلت ذاك أجلك.هذا كلام العرب،و من أجل جرّاك.

و إذا جئت ب«من»قلت:من أجلك.

(الأزهريّ 11:193)

2Lالطّبريّ: يقال:أجلت هذا الأمر،أي جررته إليه و كسبته،آجله له أجلا،كقولك:أخذته أخذا.

(6:200)

ابن دريد: الأجل:معروف،بلغ الشّيء أجله،إذا بلغ غايته،و الجمع:آجال.

و الآجل:ضدّ العاجل.

و تأجّل الماء،إذا استنقع في الموضع فهو أجيل.

و الأجيل:الشّربة،لغة أزديّة،و هو الطّين يجمع حول النّخلة كالحوض،و تسقى فيه الماء.(3:227)

القاليّ: الآجال جمع،واحدها إجل،و هو القطيع من البقر.(1:175)

الأزهريّ: حكي عن أبي الجرّاح أنّه قال:بي إجل فأجّلوني،أي داووني.

و الأصل في قولهم:فعلته من أجلك،من قولهم:

أجل عليه أجلا،أي جنى و جرّ.

و المأجل:شبه حوض واسع يؤجّل فيه ماء القناة إذا كان قليلا،أي يجمع،ثمّ يفجّر إلى المزرعة،و هو بالفارسيّة«طرخا». (1)

و قيل:المأجل:الجبأة الّتي يجتمع فيها مياه الأمطار من الدّور.

قلت:و أصل قولهم:من أجلك،مأخوذ من قولك:

أجلت،أي جنيت،و هو كقولك:فعلت من جرّاك.

و بعضهم لا يهمز المأجل،و يكسر الجيم،فيقول:

الماجل،و يجعله من المجل،و هو الماء يجتمع في النّقطة».

ص: 382


1- و في منتهى الإرب:طرخه،و يقال بالفارسيّة:«تلخ»أو «استخر».

تمتلئ ماء من عمل أو حرق.و أجل:تصديق لخبر يخبرك به صاحبك،فيقول:فعل فلان كذا و كذا، فتصدّقه بقولك له:أجل،و أمّا نعم فإنّه جواب المستفهم بكلام لا جحد فيه،يقول لك:هل صلّيت؟فتقول نعم.

(11:194)

الجوهريّ: الأجل:مدّة الشّيء.

و يقال:فعلت ذلك من أجلك و من إجلك،بفتح الهمزة و كسرها،و من أجلاك،أي من جرّاك.

و الإجل أيضا بالكسر:القطيع من بقر الوحش، و الجمع:الآجال.

و تأجّلت البهام،أي صارت آجالا.

و الإجل أيضا:وجع في العنق،و قد أجل الرّجل بالكسر،أي نام على عنقه فاشتكاها.

و التّأجيل:المداواة منه،يقال:بي إجل فأجّلوني منه،أي داووني منه،كما يقال:طنّيته،إذا عالجته من الطّنى،و مرّضته.

و استأجلته فأجّلني إلى مدّة.

و الإجّل:لغة في الإيّل،و هو الذّكر من الأوعال.

و يقال:هو الّذي يسمّى بالفارسيّة«گوزن».

و الآجل و الآجلة:ضدّ العاجل و العاجلة.

و أجل عليهم شرّا يأجل و يأجل أجلا،أي جناه و هيّجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد تأجّل الماء فهو متأجّل،و ماء أجيل،أي مجتمع.

و قولهم:أجل،إنّما هو جواب مثل«نعم».

قال الأخفش:إلاّ أنّه أحسن من«نعم»في التّصديق،و«نعم»أحسن منه في الاستفهام،و إذا قال:

أنت سوف تذهب قلت:أجل،و كان أحسن من«نعم» و إذا قال:أ تذهب؟قلت:نعم،و كان أحسن من أجل.

(4:1621)

ابن فارس: اعلم أنّ الهمزة و الجيم و اللاّم يدلّ على خمس كلمات متباينة،لا يكاد يمكن حمل واحدة على واحدة من جهة القياس،فكلّ واحدة أصل في نفسها،«و ربّك يفعل ما يشاء».

الأجل:غاية الوقت في محلّ الدّين و غيره.

و الأجيل:المرجأ،أي المؤخّر إلى وقت.و قولهم:أجل، في الجواب،هو من هذا الباب،كأنّه يريد انتهى و بلغ الغاية.

و الإجل:القطيع من بقر الوحش،و الجمع:آجال.

و قد تأجّل الصّوار:صار قطيعا.

و الأجل:مصدر أجل عليهم شرّا،أي جناه و بحثه.

و الإجل:وجع في العنق،و حكي عن أبي الجرّاح:

«بي إجل فأجّلوني»،أي داووني منه.

و المأجل:شبه حوض واسع يؤجّل فيه ماء البئر أو القناة أيّاما ثمّ يفجّر في الزّرع،و الجمع:مآجل.

و يقولون:أجّل لنخلتك،أي اجعل لها مثل الحوض.

فهذه هي الأصول.

و بقيت كلمتان:إحداهما من باب الإبدال،و هو قولهم:أجلوا مالهم يأجلونه أجلا،أي حبسوه،و الأصل في ذلك الزّاء«أزلوه»،و يمكن أن يكون اشتقاق هذا و «مأجل الماء»واحدا،لأنّ الماء يحبس فيه.

و الأخرى قولهم:من أجل ذلك فعلت كذا،و هو

ص: 383

محمول على أجلت الشّيء،أي جنيته؛فمعناه من أن أجل كذا فعلت،أي من أن جني.

فأمّا«أجلى»على«فعلى»فمكان،و الأماكن أكثرها موضوعة الأسماء،غير مقيسة.(1:64)

أبو هلال: الفرق بين المدّة و الأجل:أنّ الأجل الوقت المضروب لانقضاء الشّيء،و لا يكون أجلا[إلاّ] بجعل جاعل،و ما علم أنّه يكون في وقت فلا أجل له إلاّ أن يحكم بأنّه يكون فيه.و أجل الإنسان هو الوقت لانقضاء عمره،و أجل الدّين:محلّه؛و ذلك لانقضاء مدّة الدّين،و أجل الموت:وقت حلوله؛و ذلك لانقضاء مدّة الحياة قبله،فأجل الآخرة:الوقت لانقضاء ما تقدّم قبلها قبل ابتدائها.

و يجوز أن تكون المدّة بين الشّيئين بجعل جاعل و بغير جعل جاعل،و كلّ أجل مدّة،و ليس كلّ مدّة أجلا.(226)

الهرويّ: يقال أجلت الشّيء آجله أجلا،إذا جنيته.

و في خبر زياد«لهو أشهى إليّ من رثيئة فثئت بسلالة ثغب في يوم شديد الوديقة ترمض فيه الآجال» قلت:الآجال:أقاطيع الظّباء،واحدها إجل.

و في حديث مكحول:«كنّا بالسّاحل مرابطين فتأجّل متأجّل»،أي استأذن في الرّجوع إلى أهله، و طلب أن يضرب له الأجل على ذلك.(1:22)

أبو سهل الهرويّ:فعلت ذاك من أجلك و إجلك -بفتح الهمزة و كسرها مع سكون الجيم-و من جرّاك بالقصر،ثلاث لغات،أي من سببك و حالك.(94)

2Lابن سيده: الأجل:غاية الوقت في الموت و حلول الدّين،و في التّنزيل: وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ البقرة:235،أي حتّى تقضي عدّتها،و قوله تعالى: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى طه:129،أي لكان القتل الّذي نالهم لازما لهم أبدا،و كان العذاب دائما بهم،و يعنى بالأجل المسمّى:القيامة،لأنّ اللّه وعدهم بالعذاب يوم القيامة،و ذلك قوله تعالى: بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ القمر:46؛و الجمع:آجال.

و التّأجيل:تحديد الأجل،و في التّنزيل: كِتاباً مُؤَجَّلاً آل عمران:145.

و أجل الشّيء فهو آجل،و أجيل:تأخّر.

و الآجلة:الآخرة.

و الإجل:القطيع من بقر الوحش؛و الجمع:آجال.

و تأجّل الصّوار:صار إجلا.

و تأجّلوا على الشّيء:تجمّعوا.

و الإجل:وجع في العنق.

و قد أجله منه،يأجله،عن الفارسيّ.

و أجّله،و آجله عن غيره،كلّ ذلك:داواه.فأجله -كحمإ البئر-:نزع حمأتها،و أجّله-كقذّى العين-:نزع قذاها،و آجله،كعالجه.

و الأجل:الضّيق.

و أجلوا ما لهم:حبسوه عن المرعى.

و المأجل:شبه حوض واسع يجمع فيه الماء،ثمّ يفجّر إلى المشارات و الدّبار.

و أجّله فيه:جمعه.

ص: 384

و تأجّل فيه:تجمّع.

و الأجيل:الشّربة،و هو الطّين يجمع حول النّخلة، أزديّة.

و فعلت ذلك من أجلك،و إجلك.

و كذلك فعلته من أجلاك،و إجلاك.و يعدّى بغير من.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجل:بمعنى نعم.

و يقال:أجنّك:في أجل أنّك،على الطّرح و الإدغام و معاملة الحركة العارضة.كقوله: لكِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّي الكهف:38.

و التّأجّل:الإقبال و الإدبار،قال:

عهدي به قد كسي ثمّت لم يزل

بدار يزيد طاعما يتأجّل

و أجّل عليهم شرّا يأجله أجلا:جناه و أجلى:

موضع.[ثمّ استشهد بشعر](7:487)

الطّوسيّ: يقال:أجّله تأجيلا،إذا أخّره.

و الآجل:نقيض العاجل،و تأجّل تأجّلا و استأجله استئجالا.و أجلوا ما لهم يأجلونه أجلا،إذا حبسوه في المرعى،لأنّهم أخّروه فيه.

و الأجل:غاية الوقت في محلّ الدّين و غيره،لتأخّره إلى ذلك الوقت.و أجل الشّيء يأجل و هو آجل:نقيض العاجل،لتأخّره عن وقت غيره.و فعلته من أجل كذا، أي لعاقبة كذا،و هي متأخّرة عن وقت الفعل الّذي دعت إليه.

و الإجل:القطيع من بقر الوحش،و جمعه:آجال، و قد تأجّل الصّوار،أي صار قطيعا،لتأخّر بعضه عن بعض.

و آجل عليهم شرّا آجلا،أي خبّأه،لأنّه أعقبهم شرّا،و هو متأخّر عن وقت فعله.

و الآجلة:الآخرة،و العاجلة:الدّنيا.(2:264)

الأجل:الوقت المضروب لانقضاء المهل،لأنّ بين العقد الأوّل الّذي يضرب لنفس الأجل و بين الوقت الآخر مهلا،مثل أجل الدّين و أجل الوعد و أجل العمر.

(4:421)

الأجل،هو الوقت المضروب لحدوث أمر و انقطاعه،فأجل الدّنيا:الوقت المضروب لانقضائها، و أجل الآخرة:الوقت المضروب لحدوثها،و أجل الدّين:وقت حدوث أدائه،و أجل العمر:الوقت المضروب لانقضائه.(6:214)

الرّاغب: الأجل:المدّة المضروبة للشّيء،يقال:

دينه مؤجّل،و قد أجّلته:جعلت له أجلا.و يقال للمدّة المضروبة لحياة الإنسان:أجل؛فيقال:دنا أجله،عبارة عن دنوّ الموت،و أصله استيفاء الأجل،أي مدّة الحياة.

و الأجل:الجناية الّتي يخاف منها آجلا،فكلّ أجل جناية و ليس كلّ جناية أجلا.يقال:فعلت كذا من أجله،قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ المائدة:32،أي من جرّاء.

و يقال:أجل،في تحقيق خبر سمعته.(11)

الزّمخشريّ: الأجل:يقع على المدّة كلّها و على آخرها،يقال لعمر الإنسان:أجل،و للموت الّذي ينتهي به:أجل،و كذلك الغاية و الأمد.(1:368)

الأجل:يطلق على مدّة التّأجيل كلّها و على

ص: 385

منتهاها،فيقولون:انتهى الأجل،و بلغ الأجل آخره، و يقولون:حلّ الأجل.(2:293)

ضربت له أجلا،و تقول:ابن آدم قصير الأجل طويل الأمل،يؤثر العاجل و يذر الآجل.

و تقول:أجلن عيون الآجال فأصبن النّفوس بالآجال.

و تأجّلت الصّوار:اجتمعت.(أساس البلاغة:3)

الطّبرسيّ:الأجل في اللّغة:الجناية،يقال:أجل عليهم شرّا يأجله أجلا،إذا جنى عليهم جناية.[ثمّ استشهد بشعر]

و في هذا المعنى يقال:جرّ عليهم جريرة،ثمّ يقال:

فعلت ذلك من جرّاك و من أجلك،أي من جريرتك، كأنّه يقول:أنت جررتني إلى ذلك،و أنت جنيت عليّ هذا.

و منه:الأجل:الوقت،لأنّه يجرّ إليه العقد الأوّل.

و أجل بمعنى نعم؛لأنّه انقياد إلى ما جرّ إليه.

و الإجل:القطيع من بقر الوحش،واحد الآجال؛ لأنّ بعضها ينجرّ إلى بعض.(2:186)

الأصل في الأجل هو الوقت،فأجل الحياة هو الوقت الّذي يكون فيه الحياة،و أجل الموت و القتل هو الوقت الّذي يحدث فيه الموت و القتل.(2:273)

الأجل:الوقت المضروب لانقضاء الأمد،فأجل الإنسان:وقت انقضاء عمره،و أجل الدّين:محلّه،و هو وقت انقضاء التّأخير.و أصله التّأخير،يقال:أجّله تأجيلا و عجّله تعجيلا.(2:272)

نحوه الفخر الرّازيّ.(7:117)

2Lابن الأثير: في حديث قراءة القرآن:«يتعجّلونه و لا يتأجّلونه»،و في حديث آخر«يتعجّله و لا يتأجّله»،التّأجّل:تفعّل من الأجل،و هو الوقت المضروب المحدود في المستقبل،أي أنّهم يتعجّلون العمل بالقرآن و لا يؤخّرونه.

و في حديث المناجاة:«أجل أن يحزنه»،أي من أجله و لأجله،و الكلّ لغات،و تفتح همزتها و تكسر.

و أمّا أجل بفتحتين،فبمعنى نعم.(1:26)

ابن منظور: أجّله فيه:جمعه،و تأجّل فيه:تجمّع.

(11:12)

الفيّوميّ: أجل الرّجل على قومه شرّا أجلا،من باب قتل:جناه عليهم و جلبه عليهم.و يقال:من أجله كان كذا،أي بسببه.

و أجل الشّيء:مدّته و وقته الّذي يحلّ فيه،و هو مصدر:أجل الشّيء أجلا،من باب«تعب»،و أجل أجولا،من باب«قعد»،لغة.

و أجّلته تأجيلا:جعلت له أجلا.

و الآجل على«فاعل»:خلاف العاجل،و جمع الأجل:آجال،مثل سبب و أسباب.

و أجل مثل نعم،وزنا و معنى.(1:6)

الفيروزآباديّ: الأجل،محرّكة:غاية الوقت في الموت،و حلول الدّين،و مدّة الشّيء،و جمعه:آجال.

و التّأجيل:تحديد الأجل.

و أجل كفرح،فهو أجل و أجيل:تأخّر،و استأجلته فأجّلني إلى مدّة.و الآجلة:الآخرة.

و الإجل،بالكسر:وجع في العنق.و قد أجل كعلم،

ص: 386

و أجله يأجله و أجّله و آجله:داواه منه.و القطيع من بقر الوحش،و الجمع:آجال،و بالضّمّ:جمع أجيل للمتأخّر،و للمجتمع من الطّين يجعل حول النّخلة.

و تأجّل:استأجل،و الصّوار:صار إجلا،و القوم:

تجمّعوا.

و فعلته من أجلك و من أجلاك و من.أجلالك، و يكسر في الكلّ،أي من جللك.

و أجله يأجله و أجّله و آجله:حبسه و منعه.

و الشّرّ عليهم يأجله و يأجله:جناه أو أثاره و هيّجه،و لأهله كسب و جمع و جلب و احتال.و كمقعد و معظّم:مستنقع الماء،و أجّله فيه تأجيلا:جمعه فتأجّل.

و أجل:جواب كنعم إلاّ أنّه أحسن منه في التّصديق،و نعم أحسن منه في الاستفهام.

و الأجّل كقنّب و قبّر:ذكر الأوعال.(3:338)

الطّريحيّ: في الدّعاء:«أسألك إيمانا لا أجل له دون لقائك»،أي لا منتهى له دون لقائك،يعني أموت عليه و ألاقيك فيه.(5:304)

البروسويّ: قال بعض الأفاضل:الأجل هو الوقت المضروب لطريان الزّوال على كلّ ذي روح، و لا يطرأ عليه إلاّ عند حلول ذلك الوقت،لا يتأخّر عنه و لا يسبقه.(3:5)

الأجل:عبارة عن غاية ممتدّة عيّنت لأمر من الأمور،و قد يطلق على كلّ ذلك الزّمان.و الأوّل هو الأشهر في الاستعمال.(6:447)

مثله الآلوسيّ.(20:137)

الزّبيديّ:التّأجّل:الإقبال و الإدبار و الضّيق.

(7:304)

مجمع اللّغة: 1-الأجل:غاية الوقت،وقت الحياة،و وقت الدّين،و وقت العمل،و أيّ وقت يحدّد للشّيء.و قد يطلق الأجل على نفس الوقت الّذي له أجل.

2-و أجّل الشّيء تأجيلا:حدّد له أجلا،و اسم المفعول منه مؤجّل.

3-و يقال:فعلت الشّيء من أجل كذا،أي من جرّاه و بسببه.(1:17)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أجّل الشّيء:ضرب له أجلا محدّدا،و أجّله أيضا:أخّره عن موعده.

و الأجل:غاية الوقت و المدّة المحدّدة للشّيء، و الجمع:آجال.

و جاء أجله:حان موته.

و المؤجّل:ما له موعد معيّن.

و من أجل ذلك،أي بسبب ذلك.(30)

المصطفويّ: الأصل فيها هو غاية الوقت، و بتناسب هذا المعنى تستعمل فيما يقرب منها،فيقال:

أجل على قومه شرّا،أي جلبه و جرّه إليهم.و هذا المعنى قريب من قولهم:أجل الشّيء أي تأخّر؛فإنّ في جرّ الشّرّ إلى شخص،انتهاؤه إليه،و جلبه إليه في غاية وقت.و يدلّ عليه أنّ كلمات«الأزل و العجل»تقربان منه.

و التّأجيل:تعيين الأجل،و المؤجّل:الموقّت و المعيّن.

و أمّا قطيع البقر و غيره فهو نوع من الانتهاء

ص: 387

و المحدوديّة و التّعيّن.(1:25)

محمود شيت: 1-أ-أجل الشّيء أجلا:حبسه و منعه.

ب-أجل أجلا:تأخّر،فهو أجل و آجل و أجيل.

ج-آجله إيجالا:حبسه و منعه.

د-أجّل الشّيء:أخّره،و أجّل:سمّى له أجلا، و أجّل الماء:جمعه و حبسه،و أجّل فلانا:داواه من الإجل.

ه-تأجّل القوم تجمّعوا،و يقال:تأجّلوا عليه.

و تأجّل البهائم:صارت إجلا،و تأجّل الماء:تجمّع و استنقع.و تأجّل الشّيء:أجّله،و تأجّل فلانا:طلب منه أن يؤجّله إلى مدّة.

و-استأجل فلانا:طلب منه تحديد أجل.

ز-الآجلة:الآخرة.

ح-أجل،يقال:فعلت ذلك من أجلك:بسببك.

ط-أجل:حرف جواب كنعم،يكون تصديقا للمخبر،و إعلانا للمستخبر،و وعدا للطّالب.

ي-الأجل:مدّة الشّيء،و الأجل:الوقت الّذي يحدّد لانتهاء الشّيء أو حلوله،يقال:ضربت له أجلا، و يقال:جاء أجله،إذا حان موته،الجمع:آجال.

و أجل:غاية الوقت المحدّد لشيء،قال تعالى: وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا الأنعام:128.

ك-الإجل:وجع في العنق من ميله عن الوسادة، و القطيع من بقر الوحش و الظّباء،الجمع:آجال.

ل-الأجيل:المؤجّل إلى وقت،و الأجيل من الماء:

المجتمع،و الأجيل:حوض حول الشّجرة يحبس الماء لريّها.

م-المأجل:حوض واسع يجمع فيه الماء،ثمّ يفجّر إلى المزارع و غيرها،الجمع:مآجل.

2-أ-أجل:توفّى بأجله الموعود.و تكتب في البلاغات العسكريّة إلى ذوي المتوفّين لإخبارهم بالوفاة.

ب-مؤجّل:جنديّ مؤجّل:تأجّل تجنيده،لمرضه أو لسبب قاهر من أسباب تأجيل الجنود الّتي نصّ عليها القانون.(1:31)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

جاء أجل على أقسام:

الأوّل-أجل الموت و القيامة

أجّلت

لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ .المرسلات:12

الطّوسيّ: أي أخّرت إلى أجل،فالتّأجيل:

التّأخير إلى أجل،فالرّسل قد أجّلت بموعودها إلى يوم الفصل،و هو يوم القيامة.(10:225)

نحوه الطّبرسيّ.(5:415)

الزّمخشريّ: تعظيم لليوم و تعجيب من هوله.

لِيَوْمِ الْفَصْلِ المرسلات:13،بيان ليوم التّأجيل،و هو اليوم الّذي يفصل فيه بين الخلائق.

و(أجّلت):أخّرت.(4:203)

نحوه القرطبيّ(19:158)،و البروسويّ(10:

283).

ص: 388

الفخر الرّازيّ: أي أخّرت،كأنّه تعالى يعجب العباد من تعظيم ذلك اليوم،فقال:لأيّ يوم أخّرت الأمور المتعلّقة بهؤلاء؟!و هي تعذيب من كذّبهم و تعظيم من آمن بهم،و ظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به،من الأهوال و العرض و الحساب و نشر الدّواوين و وضع الموازين.(30:270)

أبو حيّان: التّأجيل من الأجل،أي ليوم عظيم أخّرت، لِيَوْمِ الْفَصْلِ، أي بين الخلائق.(8:405)

الآلوسيّ: جعل التّأجيل بمعنى التّأخير من قولهم:

دين مؤجّل،في مقابل الحال.(29:173)

الطّباطبائيّ: الأجل:المدّة المضروبة للشّيء، و التّأجيل:جعل الأجل للشّيء،و يستعمل في لازمه و هو التّأخير،كقولهم:دين مؤجّل،أي له مدّة،بخلاف الحال.و هذا المعنى هو الأنسب للآية.و الضّمير في(أجّلت)للأمور المذكورة قبلا من طمس النّجوم و فرج السّماء و نسف الجبال و تأقيت الرّسل،و المعنى لأيّ يوم أخّرت هذه الأمور؟

و احتمل أن يكون(أجّلت)بمعنى ضرب الأجل للشّيء،و أن يكون الضّمير المقدّر فيه راجعا إلى الرّسل، أو إلى ما يشعر به الكلام من الأمور المتعلّقة بالرّسل،ممّا أخبروا به من أحوال الآخرة و أهوالها و تعذيب الكافرين و تنعيم المؤمنين فيها،و لا يخلو كلّ ذلك من خفاء.

و قد سيقت الآية و الّتي بعدها أعني قوله: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ* لِيَوْمِ الْفَصْلِ المرسلات:12،13،في صورة الاستفهام و جوابه،للتّعظيم و التّهويل و التّعجيب، و أصل المعنى أخّرت هذه الأمور لِيَوْمِ الْفَصْلِ.

و هذا النّوع من الجمل الاستفهاميّة في معنى تقدير القول،و المعنى إنّ من عظمة هذا اليوم و هوله و كونه عجبا أنّه يسأل فيقال:لأيّ يوم أخّرت هذه الأمور العظيمة الهائلة العجيبة؟فيجاب: لِيَوْمِ الْفَصْلِ. (20:149)

مؤجّلا

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً...

آل عمران:145

الزّمخشريّ: موقّتا،له أجل معلوم لا يتقدّم و لا يتأخّر.(1:469)

الفخر الرّازيّ: المراد ب«الكتاب المؤجّل»الكتاب المشتمل على الآجال،و يقال:إنّه هو اللّوح المحفوظ.

(9:24)

القرطبيّ: هذا حضّ على الجهاد،و إعلام أنّ الموت لا بدّ منه،و أنّ كلّ إنسان مقتول أو غير مقتول ميّت إذا بلغ أجله المكتوب له،لأنّ معنى(مؤجّلا)إلى أجل،و معنى(باذن اللّه)بقضاء اللّه و قدره.

و أجل الموت هو الوقت الّذي في معلومه سبحانه أنّ روح الحيّ تفارق جسده،و متى قتل العبد علمنا أنّ ذلك أجله.و لا يصحّ أن يقال:لو لم يقتل لعاش،و الدّليل على قوله: كِتاباً مُؤَجَّلاً، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34، فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ العنكبوت:5، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ الرّعد:38.

(4:226)

ص: 389

الآلوسيّ: أي موقّتا بوقت معلوم لا يتقدّم و لا يتأخّر،و قيل:حكما لازما مبرما،و هو صفة(كتابا)، و لا يضرّ التّوصيف بكون المصدر مؤكّدا،بناء على أنّه معلوم ممّا سبق.و ليس كلّ وصف يخرج عن التّأكيد، و لك لما في ذلك من الخفاء أن تجعل المصدر لوصفه مبيّنا للنّوع،و هو أولى من جعله مؤكّدا،و جعل(مؤجّلا)حالا من الموت لا صفة له،لبعد ذلك غاية البعد،فتدبّر.

و قرئ(موجلا)بالواو بدل الهمزة على قياس التّخفيف.(4:76)

أجل
اشارة

1- ...وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا... الأنعام:128

ابن عبّاس: الموت.(أبو حيّان 4:220)

مثله الحسن،و السّدّيّ.(الطّوسيّ 4:296)

الطّبريّ: و بلغنا الوقت الّذي وقّت لموتنا.

(8:34)

نحوه الآلوسيّ.(3:103)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:أنّه الموت.

الثّاني:الحشر،لأنّ كلّ واحد منهما أجل في الحكم، فالموت أجل استدراك ما مضى،و الحشر أجل الجزاء.

و قال أبو عليّ:في الآية دلالة على أنّه لا أجل إلاّ واحد،لأنّه لو كان له أجلان فكان إذا اقتطع دونه بأن قتل ظلما لم يكن بلغ أجله.و الآية تتضمّن أنّهم أجمع يقولون: بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا.

و قال الرّمّانيّ و غيره من البغداديّين:لا تدلّ على ذلك بل لا يمتنع أن يكون له أجلان:أحدهما:ما يقع فيه الموت،و الآخر:ما يقع فيه الحشر،و ما كان يجوز أن يعيش إليه.(4:296)

نحوه الطّبرسيّ.(2:365)

الزّمخشريّ: يعنون يوم البعث،و هذا الكلام اعتراف بما كان منهم من طاعة الشّياطين،و اتّباع الهوى،و التّكذيب بالبعث،و استسلام لربّهم،و تحسّر على حالهم.(2:50)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ ذلك الأجل أيّ الأوقات؟فقال بعضهم:هو وقت الموت،و قال آخرون:هو وقت التّخلية و التّمكين،و قال قوم:المراد وقت المحاسبة في القيامة.

و الّذين قالوا بالقول الأوّل،قالوا:إنّه يدلّ على أنّ كلّ من مات من مقتول و غيره فإنّه يموت بأجله،لأنّهم أقرّوا أنّا: بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا، و فيهم المقتول و غير المقتول.(13:192)

أبو حيّان: قيل:هو الغاية الّتي انتهى إليها جميعهم من الاستمتاع[إلى أن قال:]و قرئ(آجالنا)على الجمع و(الّذى)على التّذكير و الإفراد.

قال أبو عليّ: هو جنس أوقع(الّذى)موقع«الّتي» انتهى.

و إعرابه عندي بدل،كأنّه قيل:الوقت،و الّذي، و حينئذ يكون جنسا و لا يكون إعرابه نعتا لعدم المطابقة.

و في قوله:[و بلغنا...إلخ]دليل على المعتزلة في قولهم بالأجلين،لأنّهم أقرّوا بذلك،و فيهم المعقول و غيره.

و قال أبو مسلم:هو من قوله: وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي

ص: 390

أَجَّلْتَ لَنا أي إلاّ من أهلكته و اخترمته و قيل:الأجل الّذي سمّيته لكفره و ضلاله،و هذا ليس بجيّد،لأنّه لو كان على ما زعم لكان التّركيب:إلاّ ما شئت،و لأنّ القول بالأجلين-أجل الاخترام،و الأجل الّذي سمّاه اللّه -باطل.(4:220)

الآلوسيّ: هو يوم القيامة على ما قاله غير واحد، و عن الحسن،و السّدّيّ،و ابن جريج،أنّه الموت.

و الأوّل أولى.(8:26)

الطّباطبائيّ: المراد ب«الأجل»في قولهم:

وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا الحدّ الّذي قدّر لوجودهم،و الدّرجة الّتي حصلت لهم من أعمالهم دون الوقت الّذي ينتهي إليه أعمارهم،و بعبارة أخرى آخر درجة نالوها من فعليّة الوجود،لا السّاعة الّتي ينتهي إليها حياتهم.فيرجع المعنى إلى أنّ بعضنا استمتع ببعض بسوء اختياره و سيّئ عمله،فبلغنا بذلك السّير الاختياريّ ما قدّرت لنا من الأجل،و هو أنّا ظالمون كافرون.

فمعنى الآية: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً الأنعام:

128،ليتمّ أمر الحجاج عليهم،فيقول للجنّ:يا معشر الجنّ قد استكثرتم من ولاية الإنس و إغوائهم،و قال أولياؤهم من الإنس في الاعتراف بحقيقة الأمر: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ الأنعام:128،فاستمتعنا معشر الإنس من الجنّ بأن تمتّعنا بزخارف الدّنيا و ما تهواه أنفسنا بتسويلاتهم و تمتّع الجنّ منّا باتّباع ما كانوا يلقون إلينا من الوساوس،و كنّا على ذلك حتّى بلغنا من فعليّة الحياة الشّقيّة و درجة العمل.

فهذا اعتراف منهم بأنّ«الأجل»و إن كان بتأجيل اللّه سبحانه لكنّهم إنّما بلغوه بطيّهم طريق تمتّع البعض من البعض،و هو طريق سلكوه باختيارهم.(7:352)

2- وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. الأعراف:34

ابن عبّاس: المعنى أنّ اللّه تعالى أمهل كلّ أمّة كذّبت رسولها إلى وقت معيّن،و هو تعالى لا يعذّبهم إلى أن ينظروا ذلك الوقت الّذي يصيرون فيه مستحقّين لعذاب الاستئصال فإذا جاء ذلك الوقت نزل ذلك العذاب لا محالة.

مثله الحسن،و مقاتل.(الفخر الرّازيّ 14:67)

الجبّائيّ: في الآية دلالة على أنّ الأجل واحد، لأنّه لا يجوز أن يكون الظّالم بقتل الإنسان قد اقتطعه عن أجله.(الطّوسيّ 4:421)

المراد ب(الأجل)هنا أجل العمر الّذي هو مدّة الحياة.

(الطّبرسيّ 2:415)

الطّبريّ: يعني وقت لحلول العقوبات بساحتهم و نزول المثلات بهم على شركهم،فإذا جاء الوقت الّذي وقّته اللّه لهلاكهم و حلول العقاب بهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون.(8:167)

الطّوسيّ: قال أبو بكر بن الإخشيد:ليس الأمر على ذلك،لأنّها قد دلّت أنّه غير هذا على الأجلين.(4:421)

الزّمخشريّ: وعيد لأهل مكّة بالعذاب النّازل في أجل معلوم عند اللّه،كما نزل بالأمم.

ص: 391

و قرئ فإذا جاء آجالهم. (2:77)

الطّبرسيّ: [ذكر قول الجبّائيّ و قال:]

و هذا أقوى لأنّه يعمّ جميع الأمم.(2:415)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ«الأجل»هو الوقت الموقّت المضروب لانقضاء المهلة.و في هذه الآية قولان:

القول الأوّل:هو قول ابن عبّاس[و قد مضى].

القول الثّاني:أنّ المراد بهذا أجل العمر،فإذا انقطع ذلك الأجل و كمل امتنع وقوع التّقديم و التّأخير فيه، و القول الأوّل أولى،لأنّه تعالى قال: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ، و لم يقل:لكلّ أحد أجل.

و على القول الثّاني:إنّما قال: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ و لم يقل لكلّ أحد،لأنّ الأمّة هي الجماعة في كلّ زمان،و معلوم من حالها التّقارب في الأجل،لأنّ ذكر الأمّة فيما يجري مجرى الوعيد أفخم،و أيضا فالقول الأوّل يقتضي أن يكون لكلّ أمّة من الأمم وقت معيّن في نزول عذاب الاستئصال عليهم،و ليس الأمر كذلك،لأنّ أمّتنا ليست كذلك.

و إذا حملنا الآية على القول الثّاني لزم أن يكون لكلّ أحد أجل،لا يقع فيه التّقديم و التّأخير،فيكون المقتول ميّتا بأجله.و ليس المراد منه أنّه تعالى لا يقدر على تبقيته أزيد منه و لا أنقص،و لا يقدر على أن يميته في ذلك الوقت؛لأنّ هذا يقتضي خروجه تعالى عن كونه قادرا مختارا،و صيرورته كالموجب لذاته،و ذلك في حقّ اللّه تعالى ممتنع،بل المراد أنّه تعالى أخبر أنّ الأمر يقع على هذا الوجه.(14:67)

القرطبيّ: أي الوقت المعلوم عند اللّه عزّ و جلّ و قرأ ابن سيرين (جاء آجالهم) بالجمع لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34،فدلّ بهذا على أنّ المقتول إنّما يقتل بأجله.و أجل الموت هو وقت الموت، كما أنّ أجل الدّين هو وقت حلوله.

و كلّ شيء وقّت به شيء فهو أجل له.و أجل الإنسان هو الوقت الّذي يعلم اللّه أنّه يموت الحيّ فيه لا محالة،و هو وقت لا يجوز تأخير موته عنه،لا من حيث إنّه ليس مقدورا تأخيره.و قال كثير من المعتزلة إلاّ من شذّ منهم:إنّ المقتول مات بغير أجله الّذي ضرب له،و أنّه لو لم يقتل لحيي.

و هذا غلط،لأنّ المقتول لم يمت من أجل قتل غيره له،بل من أجل ما فعله اللّه من إزهاق نفسه عند الضّرب له.

فإن قيل:فإن مات بأجله فلم تقتلون ضاربه و تقتصّون منه؟

قيل له:نقتله لتعدّيه و تصرّفه فيما ليس له أن يتصرّف فيه،لا لموته و خروج الرّوح؛إذ ليس ذلك من فعله.و لو ترك النّاس و التّعدّي من غير قصاص،لأدّى ذلك إلى الفساد و دمار العباد،و هذا واضح.(7:202)

البيضاويّ: مدّة أو وقت لنزول العذاب بهم،و هو وعيد لأهل مكّة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ انقرضت مدّتهم أو حان وقتهم لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ.

(1:347)

النّيسابوريّ: مدّة مضروبة في الأزل،و فيه وعد للأولياء و استمالة لقلوبهم و وعيد للأعداء،و سياسة لنفوسهم.(8:108)

ص: 392

أبو حيّان: هذا وعيد لأهل مكّة بالعذاب النّازل في أجل معلوم عند اللّه كما نزل بالأمم،أي أجل مؤقّت لمجيء العذاب إذا خالفوا أمر ربّهم،فأنتم أيّتها الأمّة كذلك.

و قيل:الأجل هنا أجل الدّنيا،التّقدير:للأمم كلّها أجل،أي يقدّمون فيه على ما قدّموا من عمل.

و قيل:الأجل:مدّة العمر،و التّقدير:و لكلّ واحد من الأمّة عمر ينتهي إليه بقاؤه في الدّنيا،و إذا مات علم ما كان عليه من حقّ أو باطل.

و أفرد الأجل،لأنّه اسم جنس،أو لتقارب أعمال أهل كلّ عصر،أو لكون التّقدير لكلّ واحد من أمّة.

(4:292)

البروسويّ: حدّ معيّن من الزّمان مضروب لمهلكهم فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ، الضّمير لكلّ أمّة خاصّة حيث لم يقل:«آجالهم»،أي إذا جاءها أجلها الخاصّ بها،و الوقت المعيّن لنزول عذاب الاستئصال عليها لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. (3:157)

رشيد رضا: [له بحث مستوفى فراجع]

(8:402-409)

الطّباطبائيّ: هي حقيقة مستخرجة من قوله تعالى في ذيل القصّة:[قصّة آدم] قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25،نظير الأحكام الأخر المستخرجة منها المذكورة سابقا،و مفاده أنّ الأمم و المجتمعات،لها أعمار و آجال نظير ما للأفراد من الأعمار و الآجال،و ربّما استفيد من هذا التّفريع و الاستخراج أنّ قوله تعالى في ذيل القصّة سابقا: قالَ فِيها تَحْيَوْنَ راجع إلى حياة كلّ فرد فرد و كلّ أمّة أمّة، و هي بعض عمر الإنسانيّة العامّة،و أنّ قوله قبله:

وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ الأعراف:

24،راجع إلى حياة النّوع إلى حين،و هو حين الانقراض أو البعث،و هذا هو عمر الإنسانيّة العامّة في الدّنيا.(8:86)

3- فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ. الأعراف:135

ابن عبّاس: أي إلى حدّ من الزّمان هم واصلون إليه لا بدّ،فمعذّبون فيه أو مهلكون،و هو وقت الغرق.(الآلوسيّ 9:36)

مجاهد: عدد مسمّى لهم من أيّامهم.

(الطّبريّ 9:42)

الحسن:الموت.(الآلوسيّ 9:36)

الأجل المقدّر.(الطّبرسيّ 2:470)

الطّبريّ: ليستوفوا عذاب أيّامهم الّتي جعلها اللّه لهم من الحياة أجلا إلى وقت هلاكهم.(9:42)

الطّوسيّ: أجل الموت.(4:556)

الميبديّ: ضربوا أجلا لإيمانهم،فلمّا جاء الأجل نكثوا عهودهم و لم يؤمنوا.

و قيل:إلى أجل الغرق،و قيل:الموت.(3:715)

الزّمخشريّ: إلى حدّ من الزّمان هم بالغوه لا محالة، فمعذّبون فيه.(2:109)

نحوه البيضاويّ(1:366)،و البروسويّ(3:

223).

ابن عطيّة: يريد به غاية كلّ واحد منهم بما يخصّه

ص: 393

من الهلاك و الموت،هذا اللاّزم من اللّفظ،كما تقول:

أخّرت كذا إلى وقت كذا،و أنت لا تريد وقتا بعينه.

و قال يحيى بن سلاّم:الأجل هاهنا:الغرق.

و إنّما قال هذا القول،لأنّه رأى جمهور هذه الطّائفة قد اتّفق أن هلكت غرقا،فاعتقد أنّ الإشارة هاهنا إنّما هي في الغرق،و هذا ليس بلازم،لأنّه لا بدّ أنّه مات منهم قبل الغرق عالم،و منهم من أخّر و كشف العذاب عنهم إلى أجل بلغه.(أبو حيّان 4:374)

الطّبرسيّ: يعني الأجل الّذي عرّفهم اللّه فيه.

(2:470)

الفخر الرّازيّ: إلى أجل معيّن،و عند ذلك الأجل لا نزيل عنهم العذاب،بل نهلكهم به.(14:220)

القرطبيّ:أجلهم الّذي ضرب لهم في التّغريق.

(7:270)

أبو حيّان: في التّحرير:(إلى أجل)إلى انقضاء مدّة إهمالهم،و هي المدّة المضروبة لإيمانهم.

و قيل:الغرق،و قيل:الموت.

و إذا فسّر الأجل بالموت أو بالغرق فلا يصحّ كشف العذاب إلى ذلك الوقت،أي وقت حصول الموت أو الغرق،لأنّه قد تخلّل بين الكشف و الغرق أو الموت زمان،و هو زمان النّكث،فينبغي أن يكون التّقدير على هذا إلى أقرب أجل هم بالغوه.و أمّا إذا كان الأجل هو المدّة المضروبة لإيمانهم و إرسالهم بني إسرائيل فلا يحتاج إلى حذف مضاف.(4:375)

الآلوسيّ: المراد أنجيناهم إلى ذلك الوقت،أي الهلاك أو الغرق.و من هنا صحّ تعلّق الغاية بالكشف، و لا حاجة إلى جعل الجارّ و المجرور متعلّقا بمحذوف وقع حالا من(الرّجز)خلافا لزاعمه.

و قيل:المراد بالأجل ما عينوه لإيمانهم.(9:36)

الطّباطبائيّ: هو يدلّ على أنّه كان يضمّ إلى معاهدة أجل مضروب،كأن يقول موسى:إنّ اللّه سيرفع العذاب عنكم بشرط أن تؤمنوا و ترسلوا معي بني إسرائيل إلى أجل كذا،أو يقول آل فرعون ما يشابه هذا المعنى،فلمّا كشف العذاب عنهم و حلّ الأجل المضروب نكثوا و نقضوا عهدهم الّذي عاهدوا اللّه و عاهدوا موسى عليه.(8:228)

4- ...لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. يونس:49

الطّبريّ: لكلّ قوم ميقات لانقضاء مدّتهم و أجلهم،فإذا جاء وقت انقضاء أجلهم و فناء أعمارهم لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. (11:123)

نحوه الميبديّ(4:298)،و القرطبيّ(8:350).

الطّوسيّ: الأجل،هو الوقت المضروب لوقوع أمر،كأجل الدّين و أجل البيع و أجل الإنسان و أجل المسافر،فأخبر تعالى أنّه أتى أجل الموت الّذي وقّته اللّه لكلّ حيّ بحياة لا يتأخّر ذلك ساعة و لا يتقدّم،على ما قدّره اللّه تعالى.(5:447)

الزّمخشريّ: يعني أنّ عذابكم له أجل مضروب عند اللّه و حدّ محدود من الزّمان،إذا جاء ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة فلا تستعجلوا.

و قرأ ابن سيرين: (فإذا جاء آجالهم) .(2:240)

ص: 394

الطّبرسيّ: لكلّ أمّة في عذابها على تكذيب الرّسل وقت معلوم فلا يتأخّرون عن ذلك الوقت و لا يتقدّمون عليه،بل يهلكهم في ذلك الوقت بعينه.

(3:115)

البروسويّ: أجل معيّن خاصّ بهم لا يتعدّى إلى أمّة أخرى،مضروب لعذابهم جزاء على تكذيب رسلهم،يحلّ بهم عند حلوله فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ أي زمانهم الخاصّ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. (4:51)

نحوه الألوسيّ(12:131)،المراغيّ(11:117).

رشيد رضا: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ لبقائها و هلاكها، علمه اللّه و قدّره لها،لا يعلمه و لا يقدر عليه غيره. إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ، أي فلا يملك رسولهم من دونه تعالى أن يقدّمه و لا أن يؤخّره ساعة عن الزّمان المقدّر له و إن قلّت،و لا أن يطلب ذلك منه تعالى،و هو معنى ما تدلّ عليه السّين و التّاء في الأصل.

و قد حقّقنا معنى هذا النّصّ في آية سورة الأعراف:

34،بلفظه،فاستغرق أربع ورقات من جزء التّفسير الثّامن فليراجعه من شاء.[ج 8:402-409]

إلاّ أنّه قال هنالك: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ إلخ،و قال هنا: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ إلخ،و الفرق بينهما أنّ ما هنا أبلغ في نفي تأخير الوعيد،لأنّه تفنيد لاستعجالهم به؛و ذلك أنّه جعل الجملة الشّرطيّة وصفا للأجل مرتبطا به مباشرة لا يتخلّف عنه،و ما هنا لك إخبار بآجال الأمم مبتدأ، و ما بعده تفريع عليه،فهو لا يدلّ على لزومه له بلا مهلة كالّذي هنا.(11:390)

5- مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. العنكبوت:5

الطّبريّ: من كان يرجو اللّه يوم لقائه و يطمع في ثوابه فإنّ أجل اللّه الّذي أجّله لبعث خلقه للجزاء و العقاب لآت قريبا.(20:130)

الطّوسيّ: أي الوقت الّذي وقّته اللّه للثّواب و العقاب آت لا محالة.(8:188)

مثله الطّبرسيّ.(4:273)

الزّمخشريّ: هو الموت.

إن قلت: فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ كيف وقع جوابا للشّرط؟

قلت:إذا علم أنّ لقاء اللّه عنيت به تلك الحال الممثّلة،و الوقت الّذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت،فكأنّه قال:من كان يرجو لقاء اللّه فإنّ لقاء اللّه لآت لأنّ الأجل واقع فيه اللّقاء،كما تقول:

من كان يرجو لقاء الملك فإنّ يوم الجمعة قريب،إذا علم أنّه يقعد للنّاس يوم الجمعة.(3:197)

الفخر الرّازيّ: يمكن أن يكون المراد ب(أجل اللّه) الموت،و يمكن أن يكون هو الحياة الثّانية بالحشر.فإن كان هو الموت فهذا ينبئ عن بقاء النّفوس بعد الموت كما ورد في الأخبار؛و ذلك لأنّ القائل إذا قال:من كان يرجو الخير فإنّ السّلطان واصل،يفهم منه أنّ متّصلا (1)ء.

ص: 395


1- و الظاهر أنّه سقط منه شيء.

بوصول السّلطان يكون هو الخير،حتّى أنّه لو وصل هو و تأخّر الخير يصحّ أن يقال للقائل:أ ما قلت ما قلت و وصل السّلطان و لم يظهر الخير؟فلو لم يحصل اللّقاء عند الموت لما حسن ذلك كما ذكرنا في المثال،و إذا تبيّن هذا فلولا البقاء لما حصل اللّقاء.

قوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا شرط،و جزاؤه فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ، و المعلّق بالشّرط عدم عند عدم الشّرط،فمن لا يرجوا لقاء اللّه لا يكون أجل اللّه آتيا له، و هذا باطل،فما الجواب عنه؟

نقول:المراد من ذكر إتيان الأجل وعد المطيع بما بعده من الثّواب،يعني من كان يرجو لقاء اللّه فإنّ أجل اللّه لآت بثواب اللّه يثاب على طاعته عنده،و لا شكّ أنّ من لا يرجوه لا يكون أجل اللّه آتيا على وجه يثاب هو.

(25:31)

البروسويّ: الأجل:عبارة عن غاية زمان ممتدّ عيّنت لأمر من الأمور،و قد يطلق على كلّ ذلك الزّمان.

و الأوّل هو الأشهر في الاستعمال،أي فإنّ الوقت الّذي عيّنه تعالى كذلك لآت.(6:447)

مثله الآلوسيّ.(20:137)

الطّباطبائيّ: الأجل،هو الغاية الّتي ينتهي إليها زمان الدّين و نحوه،و قد يطلق على مجموع ذلك الزّمان.

و الغالب في استعماله هو المعنى الأوّل.

و(أجل اللّه)هو الغاية الّتي عيّنها اللّه للقائه،و هو آت لا ريب فيه.و قد أكّد القول تأكيدا بالغا،و لازم تحتّم إتيان هذا الأجل،و هو يوم القيامة،أن لا يسامح في أمره و لا يستهان بأمر الإيمان باللّه حقّ الإيمان،و الصّبر عليه عند الفتن و المحن من غير رجوع و ارتداد.و قد زاد في تأكيد القول بتذييله بقوله: وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، إذ هو تعالى لمّا كان سميعا لأقوالهم عليما بأحوالهم فلا ينبغي أن يقول القائل:آمنت باللّه،إلاّ عن ظهر القلب،و مع الصّبر على كلّ فتنة و محنة.

و من هنا يظهر أنّ ذيل الآية فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ من قبيل وضع السّبب موضع المسبّب كما كان صدرها:

مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّهِ أيضا كذلك.و الأصل من قال:آمنت باللّه،فليقله مستقيما صابرا عليه،مجاهدا في ربّه.(16:102)

6- وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. المنافقون:11

الطّوسيّ: يعني الأجل المطلق الّذي حكم بأنّ الحيّ يموت عنده،و الأجل المقيّد هو الوقت المحكوم بأنّ العبد يموت عنده،إن لم يقتطع عنه أو لم يزد عليه أو لم ينقص منه،على ما يعلمه اللّه من المصلحة.(10:16)

البروسوي: أي آخر عمرها أو انتهى،إن أريد بالأجل:الزّمان الممتدّ من أوّل العمر الى آخره.

(9:542)

نحوه الآلوسيّ.(28:118)

7- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ...

الإسراء:99

الطّبريّ: و جعل اللّه لهؤلاء المشركين أجلا لهلاكهم

ص: 396

و وقتا لعذابهم.(15:170)

الزّمخشريّ: هو الموت أو القيامة.(2:467)

مثله البيضاويّ.(1:598)

الطّبرسيّ: أي و جعل لإعادتهم وقتا لا شكّ فيه أنّه كائن لا محالة.

و قيل:معناه و ضرب لهم مدّة ليتفكّروا و يعلموا فيها أنّ من قدر على الابتداء قدر على الإعادة.

و قيل:و جعل لهم أجلا يعيشون إليه و يخترمون عنده لا شكّ فيه.(3:442)

القرطبيّ: قيل:في الكلام تقديم و تأخير،أي أو لم يروا أنّ اللّه الّذي خلق السّماوات و الأرض،و جعل لهم أجلا لا ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم؟

و الأجل:مدّة قيامهم في الدّنيا ثمّ موتهم،و ذلك ما لا شكّ فيه؛إذ هو مشاهد.و قيل:هو يوم القيامة.

و قيل:ذلك الأجل هو وقت البعث،و لا ينبغي أن يشك فيه.(10:334)

أبو حيّان: هو الموت أو القيامة.و ليس هذا الجعل [أي الجعل في الآية]واحدا في الاستفهام المتضمّن للتّقرير،إن كان الأجل القيامة؛لأنّهم منكروها.

و إذا كان الأجل الموت فهو اسم جنس واقع موقع آجال.(6:83)

الآلوسيّ: هو ميقات إعادتهم و حشرهم أو موتهم.و هو على هذا اسم جنس؛لأنّ لكلّ أحد أجلا للموت يخصّه.و قد جاء إطلاق الأجل على الموت، و وجهه أنّه يطلق على مدّة الحياة و على آخرها،و الموت مجاور لذلك.(15:179)

2Lالطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد ب«الأجل»هو زمان الموت،فإنّ الأجل إمّا مجموع مدّة الحياة الدّنيا، و هي محدودة بالموت،و إمّا آخر زمان الحياة و يقارنه الموت،و كيف كان فالتّذكير بالموت الّذي لا ريب فيه ليعتبروا به،و يكفّوا عن الجرأة على اللّه و تكذيب آياته.

فهو قادر على بعثهم و الانتقام منهم بما صنعوا.

فقوله: وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ الإسراء:

99،ناظر إلى قوله في صدر الآية السّابقة: ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا الإسراء:98،فهو نظير قوله: وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:182،إلى أن قال: أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلى أن قال:

وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ الأعراف:185.

و جوّز بعضهم أن يكون المراد ب«الأجل»هو يوم القيامة،و هو لا يلائم السّياق،فإنّ سابق الكلام يحكي إنكارهم للبعث،ثمّ يحتجّ عليهم بالقدرة،فلا يناسبه أخذ البعث مسلّما لا ريب فيه.

و نظيره تقرير بعضهم قوله: وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ، حجّة أخرى مسوقة لإثبات يوم القيامة، على كلّ من تقديري كون المراد ب«الأجل»هو يوم الموت أو يوم القيامة.و هو تكلّف لا يعود إلى جدوى البتّة،فلا موجب للاشتغال به.(13:210)

الثّاني-أجل الولادة

...وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى...

الحجّ:5

ص: 397

مجاهد: معناه و نبقي في أرحام الأمّهات ما نشاء إلى وقت تمامه.(الطّبرسيّ 4:71)

ابن زيد: إقامته في الرّحم حتّى يخرج.

(الطّبريّ 17:118)

الطّبريّ: من كنّا كتبنا له بقاء و حياة إلى أمد و غاية،فإنّا نقرّه في رحم أمّه إلى وقته الّذي جعلنا له أن يمكث في رحمها،فلا تسقطه و لا يخرج منها حتّى يبلغ أجله،فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنّا له بالخروج منها فيخرج.(17:118)

الزّمخشريّ: هو وقت الوضع آخر ستّة أشهر أو تسعة أو سنتين أو أربع،أو كما شاء و قدّر،و ما لم يشأ إقراره مجّته الأرحام و أسقطته.(3:6)

الطّبرسيّ: نقرّ من قدّرنا له أجلا مسمّى في رحم أمّه إلى أجله.(4:71)

القرطبيّ: «الأجل المسمّى»يختلف بحسب جنين جنين،فثمّ من يسقط،و ثمّ من يكمل أمره،و يخرج حيّا.

(12:11)

نحوه أبو حيّان.(6:352)

الفخر الرّازيّ: هو الوقت المضروب للولادة، و هو آخر ستّة أشهر أو تسعة أو أربع سنين،أو كما شاء و قدّر اللّه تعالى،فإن كتب ذلك صار أجلا مسمّى.

(23:9)

البروسويّ: وقت معيّن هو وقت الوضع،و أدناه ستّة أشهر عند الكلّ،و أقصاه سنتان عند أبي حنيفة، و أربع سنين عند الشّافعيّ،و خمس سنين عند مالك.

(6:6)

نحوه الآلوسيّ:(17:117)

الطّباطبائيّ: إلى تمام مدّة الحمل.(14:344)

الثّالث-الأجل المسمّى

1- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ. الأنعام:2

ابن عبّاس: (اجلا):الدّنيا،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) :الآخرة.

يعني أجل الموت،و الأجل المسمّى أجل السّاعة و الوقوف عند اللّه.(الطّبريّ 7:147)

أمّا قوله: (قَضى أَجَلاً) فهو النّوم تقبض فيه الرّوح، ثمّ يرجع إلى صاحبها حين اليقظة،و أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ هو أجل موت الإنسان.(الطّبريّ 7:147)

(قَضى أَجَلاً) من مولده إلى مماته،و أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ من الممات إلى البعث،لا يعلم ميقاته أحد سواه.

مثله ابن المسيّب،و الحسن،و قتادة،و الضّحاك، و الزّجّاج.(الطّبرسيّ 2:272)

لكلّ أحد أجلان،فإن كان تقيّا وصولا للرّحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر،و إن كان بالعكس نقص من أجل العمر و زيد في أجل البعث.

(أبو حيّان 4:71)

مثله عطاء.(الميبديّ 3:291)

سعيد بن جبير: الأجل:الّذي يحيا به أهل الدّنيا إلى أن يموتوا،و أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ، يعني الآخرة، لأنّه أجل دائم ممدود لا آخر له.

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 2:273)

مجاهد: (قَضى أَجَلاً) :الآخرة عنده،و (أَجَلٌ

ص: 398

مُسَمًّى) :الدّنيا.(الطّبريّ 7:146)

(قَضى أَجَلاً) :الدّنيا،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) هو أجل البعث.

(قَضى أَجَلاً) :الموت،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) :

الآخرة.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 7:147)

الضّحاك: قضى أجل الموت،و كلّ نفس أجلها الموت، (وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ،يعني أجل السّاعة، ذهاب الدّنيا و الإفضاء إلى اللّه.(الطّبريّ 7:146)

الحسن: قضى أجل الدّنيا من حين خلقك إلى أن تموت،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) :يوم القيامة.

(الطّبريّ 7:147)

مثله عكرمة،و خصيف،و قتادة.

(القرطبيّ 6:389)

الإمام الباقر عليه السّلام: هما أجلان:أجل محتوم، و أجل موقوف.(البحرانيّ 1:517)

الإمام الصّادق عليه السّلام: «الأجل المقتيّ»هو المحتوم الّذي قضاه اللّه و حتّمه،و«المسمّى»هو الّذي فيه البداء يقدّم ما شاء و يؤخّر ما شاء،و المحتوم ليس فيه تقديم و لا تأخير.

الأجل الّذي غير مسمّى:موقوف يقدّم منه ما شاء.

و أمّا«الاجل المسمّى»فهو الّذي ينزل ممّا يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها،قال:فذلك قول اللّه:

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34.(البحرانيّ 1:517)

ابن زيد: الأوّل هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم،و«المسمّى»:في هذه الحياة الدّنيا.(أبو حيّان 4:70)

الجبّائيّ: كتب للمرء أجلا في الدّنيا،و حكم بأنّه أجل لنا،و هو الأجل الّذي يحيى فيه أهل الدّنيا إلى أن يموتوا،و هو أوقات حياتهم،لأنّ أجل الحياة هو وقت الحياة،و أجل الموت هو وقت الموت.

و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني آجالكم في الآخرة، و ذلك أجل دائم ممدود لا آخر له،و إنّما قال له: (مُسَمًّى عِنْدَهُ) لأنّه مكتوب في اللّوح المحفوظ في السّماء،و هو الموضع الّذي لا يملك فيه الحكم على الخلق سواه.(الطّوسيّ 4:81)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معنى قوله: ثُمَّ قَضى أَجَلاً ثمّ قضى لكم أيّها النّاس أجلا؛و ذلك ما بين أن يخلق إلى أن يموت،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ؛و ذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث.

و قال ابن وهب: أخذ الأجل و الميثاق في أجل واحد مسمّى في هذه الحياة الدّنيا.[و قال بعد نقله أقوال المفسّرين:]

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قول من قال:معناه ثمّ قضى أجل الحياة الدّنيا،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ،و هو أجل البعث عنده.

إنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب،لأنّه تعالى نبّه خلقه على موضع حجّته عليهم من أنفسهم،فقال لهم:أيّها النّاس إنّ الّذي يعدل به كفّاركم-الآلهة و الأنداد-هو الّذي خلقكم فابتدأكم و أنشأكم من طين،فجعلكم

ص: 399

صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا،ثمّ قضى آجال حياتكم لفنائكم و مماتكم،ليعيدكم ترابا و طينا، كالّذي كنتم قبل أن ينشأكم و يخلقكم.(7:147)

الزّجّاج: أحد الأجلين أجل الحياة،و هو الوقت الّذي تحدث فيه الحياة و يحيون فيه،و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ،يعني أمر السّاعة و البعث.(الطّوسيّ 4:81)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ(أجلا)يعني به أجل من مضى من الخلق،و (أَجَلٌ مُسَمًّى) يعني به آجال الباقين.(الطّبرسي 2:273)

الطّوسيّ: [نقل قول الزّجّاج و الجبّائيّ و قال:]

و الّذي نقوله:إنّ الأجل هو الوقت الّذي تحدث فيه الحياة أو الموت،و لا يجوز أن يكون المقدّر أجلا،كما لا يجوز أن يكون ملكا.فإن سمّي-ما يعلم اللّه تعالى أنّه لو لم يقتل فيه لعاش إليه-أجلا كان ذلك مجازا،لأنّ الحيّ لم يعش إليه،و لا يمتنع أن يعلم اللّه من حال المقتول أنّه لو لم يقتله القاتل لعاش إلى وقت آخر.(4:81)

الميبديّ: قيل:في هذا الكلام حذف،أي ثمّ قضى أجلا،و علم أجل الآخرة مسمّى عنده لا يعلمه غيره.(3:291)

الزّمخشريّ: ثُمَّ قَضى أَجَلاً: أجل الموت، و أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ: أجل القيامة.(2:4)

الطّبرسيّ: الأصل في الأجل هو الوقت،فأجل الحياة هو الوقت الّذي يكون فيه الحياة،و أجل الموت و القتل هو الوقت الّذي يحدث فيه الموت أو القتل.

و ما يعلم اللّه تعالى أنّ المكلّف يعيش إليه لو لم يقتل لا يسمّى أجلا حقيقة،و يجوز أن يسمّى ذلك مجازا.

و ما جاء في الأخبار من أنّ صلة الرّحم تزيد في العمر و الصّدقة تزيد في الأجل و أنّ اللّه تعالى زاد في أجل قوم يونس و ما أشبه ذلك،فلا مانع من ذلك.(2:273)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ صريح هذه الآية يدلّ على حصول أجلين لكلّ إنسان،و اختلف المفسّرون في تفسيرهما على وجوه:

الأوّل:قال أبو مسلم:قوله: ثُمَّ قَضى أَجَلاً المراد منه آجال الماضين من الخلق.و قوله: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ المراد منه آجال الباقين من الخلق،فهو خصّ هذا الأجل الثّاني بكونه مسمّى عنده،لأنّ الماضين لمّا ماتوا صارت آجالهم معلومة،أمّا الباقون فهم بعد لم يموتوا فلم تصر آجالهم معلومة،فلهذا المعنى قال: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ.

الثّاني:أنّ الأجل الأوّل هو أجل الموت،و الأجل المسمّى عند اللّه هو أجل القيامة،لأنّ مدّة حياتهم في الآخرة لا آخرة لها و لا انقضاء،و لا يعلم أحد كيفيّة الحال في هذا الأجل إلاّ اللّه سبحانه و تعالى.

الثّالث:الأجل الأوّل ما بين أن يخلق إلى أن يموت، و الثّاني ما بين الموت و البعث،و هو البرزخ.

و الرّابع:أنّ الأوّل هو النّوم،و الثّاني الموت.

الخامس:أنّ الأجل الأوّل مقدار ما انقضى من عمر كلّ أحد،و الأجل الثّاني مقدار ما بقي من عمر كلّ أحد.

السّادس:و هو قول حكماء الإسلام أنّ لكلّ إنسان أجلين:

أحدهما:الآجال الطّبيعيّة،و الثّاني:الآجال الاختراميّة.

ص: 400

أمّا الطّبيعيّة فهي الّتي لو بقي ذلك المزاج مصونا من العوارض الخارجيّة لانتهت مدّة بقائه إلى الوقت الفلانيّ.

و أمّا الآجال الاختراميّة فهي الّتي تحصل بسبب من الأسباب الخارجيّة،كالغرق و الحرق و لدغ الحشرات و غيرها من الأمور المعضلة.

فإن قيل:المبتدأ النّكرة إذا كان خبره ظرفا وجب تأخيره،فلم جاز تقديمه في قوله وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ؟

قلنا:لأنّه تخصّص بالصّفة فقارب المعرفة،كقوله:

وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ البقرة:221.

(12:154)

مثله النّيسابوريّ.(7:67)

أبو حيّان:قيل:الأوّل أجل الأمم السّالفة، و الثّاني أجل هذه الأمّة.

و قيل:الأوّل ما علمناه أنّه لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و الثّاني من الآخرة.

و قيل:الأوّل ما عرف النّاس من آجال الأهلّة و السّنين و الكوائن،و الثّاني قيام السّاعة.

و قيل:الأوّل من أوقات الأهلّة و ما أشبهها،و الثّاني موت الإنسان.(4:70)

الكاشانيّ: أجلا محتوما لموتكم لا يتقدّم و لا يتأخّر. وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ لموتكم أيضا،يمحوه و يثبت غيره،لحكمة الصّدقة و الدّعاء و صلة الرّحم و غيرها.(2:107)

البروسويّ: أي حدّا معيّنا من الزّمان يفنى عند حلوله لا محالة،و(ثمّ)للإيذان بتفاوت ما بين خلقهم و بين تقدير آجالهم. وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ أي حدّ معيّن لبعثكم جميعا،و هو مبتدأ خبره قوله:(عنده)أي مثبت معيّن في علمه لا يتغيّر و لا يقف على وقت حلوله أحد،لا مجملا،و لا مفصّلا.

و أمّا أجل الموت فمعلوم إجمالا و تقريبا بناء على ظهور أماراته،أو على ما هو المعتاد في أعمار الإنسان.

و تسميته أجلا إنّما هي باعتبار كونه غاية لمدّة لبثهم في القبور لا باعتبار كونه مبدأ لمدّة القيامة،كما أنّ مدار التّسمية في الأجل الأوّل هو كونه آخر مدّة الحياة لا كونه أوّل مدّة الممات،لما أنّ الأجل في اللّغة عبارة عن آخر المدّة لا عن أوّلها.(3:5)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

قيل:وجه الإخبار عن هذا أو التّقييد بكونه عنده سبحانه و تعالى أنّه من نفس المغيبات الخمس الّتي لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى،و الأوّل أيضا و إن كان لا يعلمه إلاّ هو قبل وقوعه كما قال تعالى: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لقمان:34،لكنّا نعلمه للّذين شاهدنا موتهم و ضبطنا تواريخ ولادتهم و وفاتهم،فنعلمه سواء أريد به آخر المدّة أو جملتها،متى كان و كم مدّة كان.[ثمّ استبعد كثيرا من الوجوه إلى أن قال:]

قيل:إنّ كلا الأجلين للموت،و لكلّ شخص أجلان:أجل يكتبه الكتبة و هو يقبل الزّيادة و النّقص، و هو المراد بالعمر،في خبر«إنّ صلة الرّحم تزيد في العمر»و نحوه؛و أجل مسمّى عنده سبحانه و تعالى لا يقبل التّغيير و لا يطّلع عليه غيره عزّ شأنه.

و قيل:الأجلان واحد،و التّقدير:و هذا أجل

ص: 401

مسمّى،فهو خبر مبتدإ محذوف و(عنده)خبر بعد خبر، أو متعلّق ب(مسمّى)،و هو أبعد الوجوه.(7:88)

عزّة دروزة:معظم المفسّرين على أنّ الأجل الأوّل هو فترة الحياة الأولى إلى الموت،و الأجل الثّاني هو موعد بعث اللّه الأموات للحساب الأخرويّ.

(4:145)

الطّباطبائيّ: يشير إلى خلقة العالم الإنسانيّ الصّغير بعد الإشارة إلى خلق العالم الكبير،فيبيّن أنّ اللّه سبحانه هو الّذي خلق الإنسان و دبّر أمره بضرب الأجل لبقائه الدّنيويّ ظاهرا،فهو محدود الوجود بين الطّين الّذي بدأ منه خلق نوعه،و إن كان بقاء نسله جاريا على سنّة الازدواج و الوقاع،و بين الأجل المقضيّ الّذي يقارن الموت،كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ العنكبوت:57.

و من الممكن أن يراد ما يقارن الرّجوع إلى اللّه سبحانه بالبعث،فإنّ القرآن الكريم كأنّه يعدّ الحياة البرزخيّة من الدّنيا،كما يفيده ظاهر قوله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ* قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ المؤمنون:112-114.

و قد أبهم أمر الأجل بإتيانه منكّرا في قوله: ثُمَّ قَضى أَجَلاً للدّلالة على كونه مجهولا للإنسان،و لا سبيل له إلى المعرفة به بالتّوسّل إلى العلوم العادّية.

قوله تعالى: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ تسمية الأجل تعيينه،فإنّ العادة جرت في العهود و الدّيون و نحو ذلك بذكر الأجل،و هو المدّة المضروبة أو آخر المدّة باسمه، و هو«الأجل المسمّى»،قال تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ البقرة:282،و هو الأجل بمعنى آخر المدّة المضروبة،و كذا قوله تعالى: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ العنكبوت:5،و قال تعالى في قصّة موسى و شعيب: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ القصص:28،و هو الأجل بمعنى تمام المدّة المضروبة.

و الظّاهر أنّ الأجل بمعنى«آخر المدّة»فرع الأجل بمعنى«تمام المدّة»استعمالا،أي إنّه استعمل كثيرا«الأجل المقضيّ»ثمّ حذف الوصف و اكتفى بالموصوف،فأفاد الأجل معنى الأجل المقضيّ.[ثمّ نقل كلام الرّاغب و أضاف:]

و كيف كان فظاهر كلامه تعالى أنّ المراد بالأجل و الأجل المسمّى،هو آخر مدّة الحياة،لإتمام المدّة كما يفيده قوله: فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ العنكبوت:5.

فتبيّن بذلك أنّ الأجل اجلان:الأجل على إبهامه، و الأجل المسمّى عند اللّه تعالى،و هذا هو الّذي لا يقع فيه تغيّر لمكان تقييده بقوله:(عنده)،و قد قال تعالى: وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96.و هو الأجل المحتوم الّذي لا يتغيّر و لا يتبدّل.قال تعالى: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ يونس:49.

فنسبة الأجل المسمّى إلى الأجل غير المسمّى نسبة المطلق المنجّز إلى المشروط المعلّق،فمن الممكن أن يتخلّف المشروط المعلّق عن التّحقّق.لعدم تحقّق شرطه الّذي علّق عليه،بخلاف المطلق المنجّز،فإنّه لا سبيل إلى عدم تحقّقه البتّة.

ص: 402

و التّدبّر في الآيات السّابقة منضمّة إلى قوله تعالى:

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ* يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ الرّعد:39،يفيد أنّ«الأجل المسمّى»هو الّذي وضع في أمّ الكتاب،و غير المسمّى من الأجل،هو المكتوب فيما نسمّيه ب«لوح المحو و الإثبات».و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أنّ«أمّ الكتاب»قابل الانطباق على الحوادث الثّابتة في العين،أي الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب العامّة الّتي لا تتخلّف عن تأثيرها،و«لوح المحو و الإثبات»قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب النّاقصة الّتي ربّما نسمّيها بالمقتضيات الّتي يمكن اقترانها بموانع تمنع من تأثيرها.[إلى أن قال:]

و بهذا يسهل تصوّر وقوع الحاجة بحسب ما نظّم اللّه الوجود إلى الأجل المسمّى و غير المسمّى جميعا،و أنّ الإبهام الّذي بحسب الأجل غير المسمّى لا ينافي التّعيّن بحسب الأجل المسمّى.و أنّ الأجل غير المسمّى و المسمّى ربما توافقا و ربما تخالفا،و الواقع حينئذ هو الأجل المسمّى البتّة.

هذا ما يعطيه التّدبّر في قوله: ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ الأنعام:2،و للمفسّرين تفسيرات غريبة للأجلين الواقعين في الآية.[و بعد ذكرها قال:]

و لا أرى الاشتغال بالبحث عن صحّة هذه الوجوه و أشباهها و سقمها لا يسوّغه الوقت على ضيقه،و لا يسمح بإباحته العمر على قصره.(7:7)

خليل ياسين: يظهر من هذه الآية أنّ هناك أجلين فما هما؟قوله:(اجلا)عنى به النّوم يقبض فيه الرّوح ثمّ يرجع إلى صاحبه عند اليقظة.و قوله: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ هو أجل الموت.

و يؤيّده قوله سبحانه: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:42، فأجل الحياة،هو الوقت الّذي يكون فيه الحياة،و أجل الموت و القتل،هو الوقت الّذي يحدث فيه الموت أو القتل.(1:214)

2- وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ... ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. الأنعام:60

مجاهد: هو الموت.

مثله ابن كثير.(الطّبريّ 7:215)

السّدّيّ: هو أجل الحياة إلى الموت.

(الطّبريّ 7:215)

مثله الطّوسيّ(4:149)،و الميبديّ(3:380).

الطّبريّ: قال عبد اللّه بن كثير:مدّتهم.

ليقضي اللّه الأجل الّذي سمّاه لحياتكم،و ذلك الموت،فيبلغ مدّته و نهايته.(7:215)

الزّمخشريّ: هو الأجل الّذي سمّاه و ضربه لبعث الموتى و جزائهم على أعمالهم.(2:25)

الطّبرسيّ: لتستوفوا آجالكم.(2:312)

الفخر الرّازيّ: أي أعماركم المكتوبة،و هي قوله:

وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ، و المعنى يبعثكم من نومكم إلى أن تبلغوا آجالكم.و معنى القضاء:فصل الأمر على سبيل

ص: 403

التّمام،و معنى قضاء الأجل:فصل مدّة العمر من غيرها بالموت.(13:12)

القرطبيّ: ليستوفي كلّ إنسان أجلا ضرب له.

و قرأ أبو رجاء،و طلحة بن مصرّف ثم يبعثكم فيه ليقضى اجلا مسمى، أي عنده.(7:5)

البيضاويّ: ليبلغ المتيقّظ آخر أجله المسمّى له في الدّنيا.(1:314)

نحوه البروسويّ.(3:44)

الطّباطبائيّ: هو الوقت المعلوم عند اللّه الّذي لا يتخطّاه حياة الإنسان الدّنيويّة،كما قال: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:

34.(7:130)

3- ...يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى...

هود:3

ابن عبّاس: الموت.

مثله الحسن.(أبو حيّان 5:201)

مثله مجاهد،و قتادة.(الطّبريّ 11:181)

سعيد بن جبير: يوم القيامة.

(أبو حيّان 5:201)

الطّبريّ: إلى الوقت الّذي قضى فيه عليكم الموت.(11:181)

نحوه الطّوسيّ(5:514)،و الطّبرسيّ(3:142)، و الطّباطبائيّ(10:141).

الميبديّ: إلى حين الموت،و قيل:إلى وقت لا يعلمه إلاّ اللّه.(4:352)

2Lالزّمخشريّ: إلى أن يتوفّاكم.(2:258)

نحوه القاسمي.(9:340)

الفخر الرّازيّ: هل يدلّ قوله: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى على أنّ للعبد أجلين،و أنّه يقع في ذلك التّقديم و التّأخير؟

و الجواب:لا،و معنى الآية أنّه تعالى حكم بأنّ هذا العبد لو اشتغل بالعبادة لكان أجله في الوقت الفلاني،و لو أعرض عنها لكان أجله في وقت آخر،لكنّه تعالى عالم بأنّه اشتغل بالعبادة أم لا،فإنّ أجله ليس إلاّ في ذلك الوقت المعيّن؛فثبت أنّ لكلّ إنسان أجلا واحدا فقط.(17:182)

القرطبيّ: قيل:هو الموت،و قيل:القيامة،و قيل:

دخول الجنّة.(9:4)

البيضاويّ: هو آخر أعماركم المقدّرة،أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال و الأرزاق و الآجال،و إن كانت متعلّقة بالأعمار لكنّها مسمّاة بالإضافة إلى كلّ أحد،فلا يتغيّر.(1:461)

البروسويّ: هو انقضاء مقامات السّلوك و ابتداء درجات الوصول.(4:94)

الآلوسيّ: هو آخر أعماركم أو آخر أيّام الدّنيا، و لا دلالة في الآية على أنّ للإنسان أجلين كما زعمه المعتزلة.(11:208)

المراغيّ: إلى الوقت الّذي قضى عليكم الموت، و هو العمر المقدّر لكم في علمه المكتوب في نظام الخليقة، و سنن الاجتماع البشريّ في عباده،و لا يقطعه بعذاب الاستئصال و لا بفساد العمران،و لا ينقصه ما ينقص من

ص: 404

أدمن على الشّرك و المعاصي.(11:169)

4- ...وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... إبراهيم:10

ابن عبّاس: المعنى يمتّعكم في الدّنيا بالطّيّبات و اللّذّات إلى الموت.(الفخر الرّازيّ 19:95)

الطّبريّ: يؤخّركم إلى الوقت الّذي كتب في أمّ الكتاب أنّه يقبضكم فيه،و هو الأجل الّذي سمّي لكم.(13:190)

نحوه الطّوسيّ.(6:279)

الميبديّ: إلى منتهى آجالكم الّذي سمّي لكم، فلا يأخذكم بالعذاب و الهلاك كما أخذ به من كفر قبلكم.

(5:236)

الزّمخشريّ: إلى وقت سمّاه اللّه و بيّن مقداره، يبلغكموه إن آمنتم،و إلاّ عاجلكم بالهلاك قبل ذلك.

(2:369)

نحوه البروسويّ(4:403)،و الآلوسيّ(13:

197)،و الفخر الرّازيّ(19:95).

الطّبرسيّ: يؤخّركم إلى الوقت الّذي ضربه اللّه لكم أن يميتكم فيه،و لا يؤاخذكم بعاجل العقاب.

(3:306)

نحوه الطّباطبائيّ.(12:30)

القرطبيّ: يعني الموت،فلا يعذّبكم في الدّنيا.

(9:347)

البيضاويّ: إلى وقت سمّاه اللّه تعالى،و جعله آخر أعماركم.(1:526)

5- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... النّحل:61

الطّبريّ: إلى وقتهم الّذي وقّت لهم.(14:125)

مثله المراغي.(14:99)

الطّوسيّ: الأجل الّذي قدّره لموتهم و هلاكهم.

(6:396)

الميبديّ: قيل:هو وقت العذاب،و قيل:إلى حين الموت،و قيل:إلى يوم القيامة.(5:402)

الطّبرسيّ:هو يوم القيامة،و قيل:إلى وقت يعلمه اللّه.(3:368)

القرطبيّ: أجل موتهم و منتهى أعمارهم.

(10:12)

البيضاويّ: سمّاه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا.(1:559)

مثله البروسويّ(5:45)،و الآلوسيّ(14:171).

الطّباطبائيّ: الأجل المسمّى بالنّسبة إلى الفرد من الإنسان:موته المحتوم،و بالنّسبة إلى الأمّة:يوم انقراضها،و بالنّسبة إلى عامّة البشر:نفخ الصّور و قيام السّاعة.

و لكلّ منها ذكر في كلامه تعالى،قال: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى المؤمن:67، و قال: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34،و قال: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ الشّورى:14.(12:282)

ص: 405

6- وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى. طه:129

مجاهد: الأجل المسمّى:الدّنيا.

(الطّبريّ 16:232)

الأجل المسمّى،هي الكلمة الّتي سبقت.

(الآلوسيّ 16:280)

قتادة: الأجل المسمّى:السّاعة،لأنّ اللّه تعالى يقول: بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ القمر:46.(الطّبريّ 16:232)

ابن زيد: هذا مقدّم و مؤخّر(و لو لا كلمة سبقت من ربّك و اجل مسمّى لكان لزاما).

(الطّبريّ 16:232)

مثله الطّوسيّ.(7:222)

الطّبريّ: وقت مسمّى عند ربّك سمّاه لهم في أمّ الكتاب و خطّه فيه،و هم بالغوه و مستوفوه.(16:232)

الطّوسيّ: [قال مثل ابن زيد و أضاف:]

معناه لو لا ما سبق من وعد اللّه بأنّ السّاعة تقوم في وقت بعينه،و أنّ المكلّف له أجل مقدّر معيّن،لكان هلاكهم لزاما.(7:222)

الزّمخشريّ: لا يخلو من أن يكون معطوفا على (كلمة)أو على الضّمير في(كان)،أي لكان الأخذ العاجل و أجل مسمّى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد و ثمود،و لم ينفرد الأجل المسمّى دون الأخذ العاجل.

(2:558)

الطّبرسيّ: [قيل:]هو الأجل الّذي كتبه اللّه للإنسان أنّه يبقيه إليه.(4:35)

2Lالفخر الرّازيّ: «الأجل المسمّى»فيه قولان:

أحدهما:و لو لا أجل مسمّى في الدّنيا لذلك العذاب، و هو يوم بدر.

و الثّاني:و لو لا أجل مسمّى في الآخرة لذلك العذاب،و هذا أقرب.(22:133)

القرطبيّ: قيل:تأخيرهم إلى يوم بدر.

(11:260)

البيضاويّ: عطف على(كلمة)،أي و لو لا العدة بتأخير العذاب(و اجل مسمّى)لأعمارهم أو لعذابهم و هو يوم القيامة أو بدر،لكان العذاب لزاما.و الفصل للدّلالة على استقلال كلّ منهما بنفي لزوم العذاب.

و يجوز عطفه على المستكنّ في(كان)،أي لكان الأخذ العاجل (وَ أَجَلٌ مُسَمًّى) لازمين له.(2:64)

نحوه البروسويّ.(5:443)

أبو حيّان: الأجل:أجل حياتهم،أو أجل إهلاكهم في الدّنيا،أو عذاب يوم القيامة،أقوال:

فعلى الأوّل:يكون العذاب ما يلقى في قبره و ما بعده.

و على الثّاني:قتلهم بالسّيف يوم بدر.

و على الثّالث:هو عذاب جهنّم.

و الظّاهر عطف (وَ أَجَلٌ مُسَمًّى) على(كلمة)و أخّر المعطوف عن المعطوف عليه،و فصل بينهما بجواب (لو لا)،لمراعاة الفواصل و رءوس الآي.(6:289)

الآلوسيّ: عطف على(كلمة)،كما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة،و السّدّيّ،أي لو لا العدة بتأخير عذابهم و الأجل المسمّى لأعمارهم لما تأخّر عذابهم أصلا،و فصله عمّا عطف عليه للمسارعة إلى بيان جواب

ص: 406

(لو لا)،و الإشعار باستقلال كلّ منهما بنفي لزوم العذاب، و مراعاة فواصل الآي الكريمة.

و قيل أي و لو لا أجل مسمّى لعذابهم،و هو يوم القيامة.

و تعقّب بأنّه يتّحد حينئذ ب«الكلمة السّابقة»فلا يصحّ إدراج استقلال كلّ منهما بالنّفي في عداد نكت الفصل.

و أجيب بأنّه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدّنيا أن يكون له وقت لا يتأخّر عنه و لا يتخلّف،فلا مانع من الاستقلال.

و أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنّ«الأجل المسمّى» هي«الكلمة الّتي سبقت».و قيل:الأجل المسمّى للعذاب،هو يوم بدر.

و تعقّب بأنّه ينافي كون«الكلمة»هي العدة بتأخير هذه الأمّة.

و أجيب بأنّ المراد من ذلك العذاب،هو عذاب الاستئصال،و لم يقع يوم بدر.(16:280)

الطّباطبائيّ: قد تقدّم في تفسير أوّل سورة الأنعام أنّ«الأجل المسمّى»هو الأجل المعيّن بالتّسمية الّذي لا يتخطّى و لا يتخلّف،كما قال: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ الحجر:5.

و ذكر بعضهم أنّ المراد بالأجل المسمّى:يوم القيامة.

و قال آخرون:إنّ الأجل المسمّى،هو«الكلمة الّتي سبقت من اللّه»،فيكون عطف الأجل على«الكلمة»من عطف التّفسير،و لا معوّل على القولين،لعدم الدّليل.

فمحصّل معنى الآية:أنّه لو لا أنّ الكلمة الّتي سبقت من ربّك-و في إضافة الرّبّ إلى ضمير الخطاب إعزاز و تأييد للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-تقضي بتأخير عذابهم،و الأجل المسمّى يعيّن وقته في ظرف التّأخير،لكان الهلاك ملازما لهم،بمجرّد الإسراف و الكفر.

و من هنا يظهر أنّ مجموع«الكلمة الّتي سبقت» و«الأجل المسمّى»سبب واحد تامّ لتأخير العذاب عنهم،لا أنّ كلّ واحد منهما سبب مستقلّ في ذلك،كما اختاره كثير منهم.(14:234)

7- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ... العنكبوت:53

ابن عبّاس: يعني هو ما وعدتك ألاّ أعذّب قومك و أؤخّرهم إلى يوم القيامة.(القرطبيّ 13:356)

سعيد بن جبير: يوم القيامة.

(أبو حيّان 7:156)

الضّحّاك: هو مدّة أعمارهم في الدّنيا.

(القرطبيّ 13:356)

الطّوسيّ: يعني وقتا قدّره اللّه أن يعاقبهم فيه و هو القيامة،و أجل قدّره اللّه أن يبقيهم إليه لضرب من المصلحة.(8:219)

مثله الطّبرسيّ.(4:289)

الزّمخشريّ: المراد ب«الأجل»الآخرة،لما روي «أنّ اللّه تعالى وعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن لا يعذّب قومه و لا يستأصلهم،و أن يؤخّر عذابهم إلى يوم القيامة».

ص: 407

و قيل:يوم بدر،و قيل:وقت فنائهم بآجالهم.

(3:209)

ابن شجرة: الأجل المسمّى:الوقت الّذي قدّره اللّه لهلاكهم و عذابهم.(القرطبيّ 13:356)

القرطبيّ: قيل:المراد ب«الأجل المسمّى»النّفخة الأولى،قاله يحيى بن سلاّم.و قيل:هو القتل يوم بدر.

و على الجملة فلكلّ عذاب أجل لا يتقدّم و لا يتأخّر، دليله قوله: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ الأنعام:67.

(13:356)

أبو حيّان: الأجل المسمّى:ما سمّاه اللّه و أثبته في اللّوح لعذابهم،و أوجبت الحكمة تأخيره.

و قال ابن سلاّم:أجل ما بين النّفختين.(7:156)

البروسويّ: أي وقت معيّن لعذابهم،و هو يوم القيامة،كما قال: بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ القمر:

46.(6:484)

الآلوسيّ: قيل:يوم بدر،و قيل:وقت فنائهم بآجالهم.و فيه بعد ظاهر،لما أنّهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطّبيعيّ و لا كانوا يستعجلون به.(21:8)

الطّباطبائيّ: المراد ب«الأجل المسمّى»،هو الّذي قضاه لبني آدم حين أهبط آدم إلى الأرض،فقال:

وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ البقرة:

36،و قال: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:

34.(16:141)

8- أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ .الرّوم:8

الجبّائيّ: قيل:معناه خلقها في أوقات قدّرها، اقتضت المصلحة خلقها فيها،و لم يخلقها عبثا.

(الطّبرسيّ 4:296)

الطّبريّ: بأجل موقّت مسمّى،إذا بلغ ذلك الوقت أفنى ذلك كلّه،و بدّل الأرض غير الأرض و السّماوات.(21:24)

الزّمخشريّ: هو قيام السّاعة و وقت الحساب و الثّواب و العقاب.(3:215)

الطّبرسيّ:أي لوقت معلوم توفّى فيه كلّ نفس ما كسبت.(4:296)

القرطبيّ: أي للسّماوات و الأرض أجل ينتهيان إليه،و هو يوم القيامة.و في هذا تنبيه على الفناء،و على أنّ لكلّ مخلوق أجلا،و على ثواب المحسن و عقاب المسيء.

و قيل:(و أجل مسمّى)،أي خلق ما خلق في وقت سمّاه،لأن يخلق ذلك الشّيء فيه.(14:8)

أبو حيّان: هو قيام السّاعة و وقت الحساب و الثّواب و العقاب.أ لا ترى إلى قوله: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ المؤمنون:115، كيف سمّى تركهم غير راجعين إليه عبثا؟و المراد بلقاء ربّهم الأجل المسمّى.(7:163)

الآلوسيّ: عطف على(الحقّ)،أي و بأجل معيّن قدّره اللّه تعالى لبقائها لا بدّ لها من أن تنتهي إليه لا محالة، و هو وقت قيام السّاعة،و تبدّل الأرض غير الأرض و السّماوات.(21:22)

الطّباطبائيّ: هو الفكر الّذي يجب عليهم أن يمعنوا

ص: 408

فيه النّظر في أنفسهم،و تقريره على ما تقدّم أنّ اللّه سبحانه ما خلق هذا العالم كلاّ و لا بعضا إلاّ خلقا ملابسا للحقّ أو مصاحبا للحقّ،أي لغاية حقيقيّة لا عبثا لا غاية له و لا إلى أجل[غير]معيّن،فلا يبقى شيء منها إلى ما لا نهاية له بل يفنى و ينقطع.و إذا كان كلّ من أجزائه و المجموع مخلوقا ذا غاية تترتّب عليها،و ليس شيء منها دائم الوجود كانت غايته مترتّبة عليه بعد انقطاع وجوده و فنائه،و هذا هو الآخرة الّتي ستظهر بعد انقضاء الدّنيا و فنائها.(16:158)

9- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى...

فاطر:45

مقاتل: «الأجل المسمّى»،هو ما وعدهم في اللّوح المحفوظ.(القرطبيّ 14:362)

الطّوسيّ: إلى الوقت المعلوم الّذي قدّره لتعذيبهم.

(8:439)

الزّمخشريّ: إلى يوم القيامة.(3:313)

الفخر الرّازيّ: في قوله تعالى: وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وجوه:

أحدها:إلى يوم القيامة،و هو مسمّى مذكور في كثير من المواضع.

ثانيها:يوم لا يوجد في الخلق من يؤمن على ما تقدّم.

ثالثها:لكلّ أمّة أجل،و لكلّ أجل كتاب،و أجل قوم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أيّام القتل و الأسر،كيوم بدر و غيره.(26:38)

البروسويّ: وقت معيّن معلوم عند اللّه،و هو يوم القيامة.(7:363)

الآلوسيّ: هو يوم القيامة،فإنّ الضّمير للنّاس، لأنّه ضمير العقلاء،و يوم القيامة الأجل المضروب لبقاء نوعهم.

و قيل:هو لجميع من ذكر تغليبا،و يوم القيامة الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات.(22:207)

الطّباطبائيّ: هو الموت و القيامة.(17:59)

10- اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

الزّمر:42

الفخر الرّازيّ: يعني أنّ النّفس الّتي يتوفّاها عند النّوم يردّها إلى البدن عند اليقظة،و تبقى هذه الحالة إلى أجل مسمّى،و ذلك الأجل هو وقت الموت.فهذا تفسير لفظ الآية و هي مطابقة للحقيقة،و لكن لا بدّ فيه من مزيد بيان.[له بحث فلسفيّ مستوفى فراجع]

(26:284)

أبو حيّان: إلى أجل ضربه لموتها.(7:431)

البروسويّ:هو الوقت المضروب لموتها،و هو غاية لجنس الإرسال،أي لا لشخصه حتّى يرد لزوم أن لا يقع نوم بعد اليقظة الأولى.(8:115)

الآلوسيّ: هو الوقت المضروب للموت حقيقة،

ص: 409

و هو غاية لجنس الإرسال الواقع بعد الإمساك لا لفرد منه،فإنّه آنيّ لا امتداد له فلا يغيّا.

و اعتبر بعضهم كون الغاية للجنس لئلاّ يرد لزوم أن لا يقع نوم بعد اليقظة الأولى أصلا،و هو حسن.

(24:8)

الطّباطبائيّ: أي فيحفظ النّفس الّتي قضى عليها الموت،كما يحفظ النّفس الّتي توفّاها حين موتها و لا يردّها إلى بدنها،و يرسل النّفس الأخرى الّتي لم يقض عليها الموت إلى بدنها،إلى أجل مسمّى تنتهي إليه الحياة.

و جعل«الأجل المسمّى»غاية للإرسال،دليل على أنّ المراد بالإرسال جنسه،بمعنى أنّه يرسل بعض الأنفس إرسالا واحدا و بعضها إرسالا بعد إرسال حتّى ينتهي إلى الأجل المسمّى.(17:269)

عبد الكريم الخطيب: هو بيان للأنفس الّتي يردّها اللّه سبحانه و تعالى إليه حين يغشى النّوم أصحابها،فهذه النّفوس إن كانت قد استوفت أجلها في الدّنيا أمسكها اللّه عنده فلا تعود إلى الجسد مرّة أخرى، و إن كان قد بقي لها في الحياة أجل أرسلها لتعود إلى الجسد مرّة أخرى،حتّى ينتهي أجلها المقدور لها في الدّنيا.

فاللّه تعالى يردّ الأنفس إليه حين الموت و حين النّوم،إلاّ أنّه في حال الموت يمسكها عنده إلى يوم القيامة،أمّا في حال النّوم فإن كانت النّفس قد استوفت أجلها في الدّنيا أمسكها اللّه عنده،و إن لم تكن قد استوفت أجلها أرسلها لتعود إلى جسدها،حتّى ينتهي أجلها في الدّنيا.(12:1161)

11- وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ... الشّورى:14

السّدّيّ: يوم القيامة.(الطّبريّ 25:16)

مثله الطّبريّ(25:16)،و الزّمخشري(3:464)، و أبو حيّان(7:512).و نحوه القرطبيّ(16:12).

الفخر الرّازيّ: «الأجل المسمّى»قد يكون في الدّنيا و قد يكون في القيامة.(27:158)

البروسويّ: أي وقت معيّن معلوم عند اللّه هو يوم القيامة،أو آخر أعمارهم المقدّرة.(8:299)

نحوه الآلوسيّ.(25:23)

12- ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى... الأحقاف:3

ابن عبّاس: القيامة.(القرطبيّ 16:178)

نحوه الزّمخشريّ(3:515)،و الطّباطبائيّ (18:186)

الطّوسيّ: أي مذكور للملائكة في اللّوح المحفوظ.(9:267)

الطّبرسيّ: يعني يوم القيامة فإنّه أجل مسمّى عنده مطويّ عن العباد علمه إذا انتهى إليه تناهى و قامت القيامة.

و قيل هو مسمّى للملائكة و في اللّوح المحفوظ.

(5:82)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ أَجَلٍ مُسَمًّى فالمراد أنّه ما خلق هذه الأشياء إلاّ بالحقّ و إلاّ لأجل مسمّى،و هذا يدلّ على أنّ إله العالم ما خلق هذا العالم

ص: 410

ليبقى مخلّدا سرمدا،بل إنّما خلقه ليكون دارا للعمل،ثمّ إنّه سبحانه يفنيه ثمّ يعيده،فيقع الجزاء في الدّار الآخرة؛ فعلى هذا«الأجل المسمّى»هو الوقت الّذي عيّنه اللّه تعالى لإفناء الدّنيا.(28:3)

القرطبيّ: هو الأجل الّذي تنتهي إليه السّماوات و الأرض.و قيل:إنّه هو الأجل المقدور لكلّ مخلوق.(16:178)

13- قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ* يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

نوح:2-4

مجاهد: ما قد خطّ من الأجل،فإذا جاء أجل اللّه لا يؤخّر.(الطّبريّ 29:91)

الطّبريّ: يقول:و يؤخّر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب لا بغرق و لا غيره(الى اجل مسمّى)يقول:إلى حين كتب أنّه يبقيكم إليه،إن أنتم أطعتموه و عبدتموه في أمّ الكتاب.(29:91)

الطّوسيّ: في الآية دليل على الأجلين،لأنّ الوعد بالأجل المسمّى مشروط بالعبادة و التّقوى،فلمّا يقع اقتطعوا بعذاب الاستئصال قبل الأجل الأقصى بأجل أدنى،و كلّ ذلك مفهوم هذا الكلام.

و قيل:تقديره إنّ الأجل الأقصى لهم إن آمنوا، و ليس لهم إن لم يؤمنوا،كما أنّ الجنّة لهم إن آمنوا و ليست لهم إن لم يؤمنوا.

ثمّ أخبر(انّ اجل اللّه)الأقصى إذا جاء لا يؤخّر.(10:133)

نحوه الطّبرسي.(5:360)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف قال:(و يؤخّركم)مع إخباره بامتناع تأخير الأجل و هل هذا إلاّ تناقض؟

قلت:قضى اللّه مثلا أنّ قوم نوح إن آمنوا عمّرهم ألف سنة و إن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة فقيل لهم آمنوا يؤخّركم إلى أجل مسمّى:أي إلى وقت سمّاه اللّه و ضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه و هو الوقت الأطول تمام الألف.ثمّ أخبر أنّه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخّر كما يؤخّر هذا الوقت و لم تكن لكم حيلة فبادروا في أوقات الإهمال و التّأخير.(4:161)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:135)

أبو السّعود: هو الأمد الأقصى الّذي قدّره اللّه تعالى لهم بشرط الإيمان و الطّاعة وراء ما قدّره لهم على تقدير بقائهم على الكفر و العصيان فإنّ وصف الأجل بالمسمّى و تعليق تأخيرهم إليه بالإيمان و الطّاعة صريح في أنّ لهم أجلا آخر لا يجاوزونه إن لم يؤمنوا،و هو المراد بقوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللّهِ أي ما قدّر لكم على تقدير بقائكم على الكفر إِذا جاءَ و أنتم على ما أنتم عليه من الكفر لا يُؤَخَّرُ فبادروا إلى الإيمان و الطّاعة قبل مجيئه حتّى لا يتحقّق شرطه الّذي هو بقاؤكم على الكفر فلا يجيء و يتحقّق شرط التّأخير إلى الأجل المسمّى فتؤخّروا إليه و يجوز أن يراد به وقت إتيان العذاب المذكور في قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ نوح:1،فإنّه أجل موقّت له حتما و حمله على الأجل الأطول ممّا لا يساعده المقام كيف لا و الجملة

ص: 411

تعليل للأمر بالعبادة المستتبعة للمغفرة و التّأخير إلى الأجل المسمّى فلا بدّ أن يكون المنفيّ عند مجيء الأجل هو التّأخير الموعود فكيف يتصوّر أن يكون ما فرض مجيئه هو الأجل المسمّى.(5:196)

البروسويّ: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى معيّن مقدّر عند اللّه،و الأجل:المدّة المضروبة للشّيء.[ثمّ ذكر قول أبي السّعود و قال:]

... إِنَّ أَجَلَ اللّهِ، و هو ما قدّر لكم على تقدير بقائكم على الكفر،و هو الأجل القريب المطلق الغير المبرم بخلاف الأجل المسمّى فإنّه البعيد المبرم.

و أضيف الأجل هنا إلى اللّه،لأنّه المقدّر و الخالق أسبابه،و أسند إلى العباد في قوله: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ، لأنّهم المبتلون المصابون.(10:173)

نحوه الآلوسيّ.(29:71)

الطّباطبائيّ: تعليق تأخيرهم إلى أجل مسمّى على عبادة اللّه و التّقوى و طاعة الرّسول يدلّ على أنّ هناك أجلين:أجل مسمّى يؤخّرهم اللّه إليه إن أجابوا الدّعوة،و أجل غيره يعجّل إليهم لو بقوا على الكفر، و أنّ الأجل المسمّى أقصى الأجلين و أبعدهما.

ففي الآية وعدهم بالتّأخير إلى الأجل إن آمنوا،و في قوله: إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ تعليل للتّأخير إلى الأجل المسمّى إن آمنوا،فالمراد ب(أجل اللّه)إذا جاء مطلق الأجل المقضيّ المتحتّم أعمّ من الأجل المسمّى و غير المسمّى.فلا رادّ لقضائه تعالى و لا معقّب لحكمه.

و المعنى أن اعبدوا اللّه و اتّقوه و أطيعوني يؤخّركم اللّه إلى أجل مسمّى،هو أقصى الأجلين،فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك جاءكم الأجل غير المسمّى بكفركم و لم تؤخّروا، فإنّ أجل اللّه إذا جاء لا يؤخّر.

ففي الكلام مضافا إلى وعد التّأخير إلى الأجل المسمّى إن آمنوا،تهديد بعذاب معجّل إن لم يؤمنوا.

و قد ظهر بما تقدّم عدم استقامة تفسير بعضهم ل«اجل اللّه»بالأجل غير المسمّى،و أضعف منه تفسيره بالأجل المسمّى.

و ذكر بعضهم:أنّ المراد ب(أجل اللّه)يوم القيامة.

و الظّاهر أنّه يفسّر«الأجل المسمّى»أيضا بيوم القيامة، فيرجع معنى الآية حينئذ إلى مثل قولنا:إن لم تؤمنوا عجّل اللّه إليكم بعذاب الدّنيا،و إن آمنتم أخّركم إلى يوم القيامة،إنّه إذا جاء لا يؤخّر.

و أنت خبير بأنّه لا يلائم التّبشير الّذي في قوله:

يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ. (20:28)

الرّابع-أجل معدود

وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. هود:104

الطّبريّ: ما نؤخّر يوم القيامة عنكم أن نجيئكم به إلاّ لآن يقضى،فقضى له أجلا،فعدّه و أحصاه،فلا يأتي إلاّ لأجله ذلك،لا يتقدّم مجيئه قبل ذلك و لا يتأخّر.

(12:115)

الطّوسيّ: معناه:الإخبار بأنّه تعالى ليس يؤخّر يوم الجزاء إلاّ ليستوفي الأجل المضروب لوقوع الجزاء فيه.

و إنّما قال:(لأجل)و لم يقل:إلى أجل،لأنّ قوله:

(لأجل)يدلّ على الغرض،و إنّ الحكمة اقتضت تأخيره.

و لو قال:إلى أجل،لما دلّ على ذلك.(6:64)

ص: 412

الزّمخشريّ: إلاّ لانتهاء مدّة معدودة،بحذف المضاف.(2:293)

نحوه البروسويّ.(4:186)

الطّبرسيّ: هو أجل قد عدّه اللّه تعالى لعلمه،أنّ صلاح الخلق في إدامة التّكليف عليهم إلى ذلك الوقت.

و فيه إشارة إلى قربه،لأنّ ما يدخل تحت العدّ فكأنّ قد نفد.[ثمّ ذكر مثل الطّوسيّ](3:193)

القرطبيّ: أي لأجل سبق به قضاؤنا،و هو معدود عندنا.(9:96)

أبو حيّان: أي لقضاء سابق قد نفذ فيه بأجل محدود،لا يتقدّم عليه و لا يتأخّر عنه.(5:261)

الآلوسيّ: أي لانتهاء مدّة قليلة.فالعدّ كناية عن القلّة،و قد يجعل كناية عن التّناهي،و الأجل عبارة عن جميع المدّة المعيّنة للشّيء،و قد يطلق على نهايتها،و منع إرادة ذلك هنا،لأنّه لا يوصف بالعدّ في كلامهم بوجه، و جوّزها بعضهم بناء على أنّ الكناية لا يشترط فيها إمكان المعنى الأصليّ،و تعقّب بأنّه عدول عن الظّاهر، و تقدير المضاف أسهل منه.(12:138)

الخامس-أجل قريب

1- وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ. النّساء:77

ابن جريج:إلى أن نموت موتا،هو الأجل القريب.

(الطّبريّ 5:171)

الطّوسيّ: أن نموت بآجالنا.(3:262)

مثله الطّبرسيّ(2:77)،و البروسويّ(2:239).

الآلوسيّ: هو الأجل المقدّر،و وصف بالقريب للاستعطاف،أي أنّه قليل لا يمنع من مثله.(5:86)

رشيد رضا:أي هلاّ أخّرتنا إلى أن نموت حتف أنوفنا بأجلنا القريب،هكذا فسّره ابن جريج.

و قال غيره:المراد ب«الأجل القريب»الزّمن الّذي يقوون فيه و يستعدّون للقتال بمثل ما عند أعدائهم.

و يحتمل أن لا يكونوا قصدوا أجلا معيّنا معلوما، و إنّما ذكروا ذلك لمحض الهرب و التّفصّي من القتال.

(5:265)

الطّباطبائيّ: من الجائز أن يكون قولهم: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ محكيّا عن لسان حالهم،كما أنّ من الجائز أن يكونوا قائلين ذلك بلسانهم الظّاهر،فإنّ القرآن يستعمل من هذه العنايات كلّ نوع.

و توصيف الأجل الّذي هو أجل الموت حتف الأنف بالقريب،ليس المراد به أن يسألوا التّخلّص عن القتل و العيش زمانا يسيرا،بل ذلك تلويح منهم بأنّهم لو عاشوا من غير قتل حتّى يموتوا حتف أنفهم لم يكن ذلك إلاّ عيشا يسيرا و أجلا قريبا،فاللّه سبحانه لا يرضى لهم أن يعيشوا هذه العيشة اليسيرة حتّى يبتليهم بالقتل، و يعجّل لهم الموت.و هذا الكلام صادر منهم لتعلّق نفوسهم بهذه الحياة الدّنيا الّتي هي في تعليم القرآن متاع قليل يتمتّع به ثمّ ينقضي سريعا و يعفى أثره،و دونه الحياة الآخرة الّتي هي الحياة الباقية الحقيقيّة فهي خير، و لذلك أجيب عنهم بقوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ

(5:6)

ص: 413

2- ...رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ... إبراهيم:44

مجاهد: مدّة يعملون فيها من الدّنيا.

(الطّبريّ 13:242)

الضّحّاك: معنى التّأخّر إلى أجل قريب الرّدّ إلى الدّنيا.(أبو حيّان 5:436)

الزّمخشريّ: ردّنا إلى الدّنيا و أمهلنا إلى أمد و حدّ من الزّمان قريب،نتدارك ما فرّطنا فيه من إجابة دعوتك و اتّباع رسلك.(2:383)

السّادس-الأجل المقرّر في العقد

1- ...أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ...

القصص:28

السّدّيّ: إمّا ثمانيا و إمّا عشرا.(الطّبريّ 20:66) نحوه الطّبريّ(20:66)،و الزّمخشريّ(3:173)، و الفخر الرّازيّ(24:243)،و أبو حيّان(7:115).

البروسويّ: المعنى أكثرهما أو أقصرهما وفيتك بأداء الخدمة.(6:399)

نحوه الآلوسيّ.(20:68)

2- فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً... القصص:29

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:سئل:«أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال:أوفاهما و أتمّهما».(الطّبريّ 20:68)

أبعدهما و أبطأهما.(الزّمخشريّ 3:174)

ابن عبّاس: سئل:أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال:أتمّهما و أخيرهما.

قضى موسى أخر الأجلين.

أكثرهما و أطيبهما.

فإنّه قضى عشر سنين.(الطّبريّ 20:68)

مجاهد: قضى الأجل عشر سنين،ثمّ مكث بعد ذلك عشرا أخرى.(الطّبريّ 20:69)

الطّباطبائيّ: المراد بقضائه الأجل إتمامه مدّة خدمته لشعيب عليه السّلام و المرويّ أنّه قضى أطول الأجلين.(16:31)

السابع-أجل الدّين

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ... البقرة 282

الطّبريّ: إلى وقت معلوم وقّتّموه بينكم.

(3:116)

الطّبرسيّ: أي وقت مذكور معلوم بالتّسمية.

(1:397)

الفخر الرّازيّ: المداينة لا تكون إلاّ مؤجّلة،فما الفائدة في ذكر الأجل بعد ذكر المداينة؟

الجواب:إنّما ذكر الأجل ليمكنه أن يصفه بقوله:

(مسمّى)،و الفائدة في قوله:(مسمّى)ليعلم أنّ من حقّ الأجل أن يكون معلوما،كالتّوقيت بالسّنة و الشّهر و الأيّام،و لو قال:إلى الحصاد أو إلى الدّياس أو إلى قدوم الحاجّ،لم يجز،لعدم التّسمية.(7:117)

الآلوسيّ: أي وقت،و هو متعلّق ب(تداينتم).

و يجوز أن يكون صفة للدّين،أي مؤخّر،أو مؤجّل إلى أجل.(3:55)

2- ...وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى

ص: 414

أَجَلِهِ... البقرة:282

الطّبريّ: إلى أجل الحقّ،فإنّ الكتاب أحصى للأجل و المال.

و قال بعض نحويّي البصريّين: تأويل قوله:(الى اجله)إلى أجل الشّاهد،و معناه إلى الأجل الّذي تجوز شهادته فيه.(3:130)

الطّوسيّ: و الهاء في قوله:(أجله)يحتمل أن تكون عائدة إلى أجل الدّين،و هو الأقوى.

الثّاني:إلى أجل الشّاهد،أي الوقت الّذي تجوز فيه الشّهادة.(2:375)

نحوه الطّبرسيّ.(1:399)

الزّمخشريّ: إلى وقته الّذي اتّفق الغريمان على تسميته.(1:404)

أبو حيّان: نصّ على«الأجل»للدّلالة على وجوب ذكره،فيكتب كما يكتب أصل الدّين و محلّه إن كان ممّا يحتاج فيه إلى ذكر المحلّ،و نبّه بذكر الأجل على صفة الدّين و مقداره،لأنّ الأجل بعض أوصافه، و الأجل هنا هو الوقت الّذي اتّفق المتداينان على تسميته.(2:350)

الآلوسيّ: حال من الهاء في(تكتبوه)،أي مستقرّا في ذمّة المدين إلى وقت حلوله الّذي أقرّ به،و ليس متعلّقا بتكتبوه لعدم استمرار الكتابة إلى الأجل؛إذ هي ممّا ينقضي في زمن يسير.(3:60)

الثّامن-أجل الأضاحيّ في الحجّ

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. الحجّ:33

ابن عبّاس: ما لم يسمّ بدنا.(الطّبريّ 17:157)

الأجل المسمّى:الخروج من مكّة.

أي إلى الخروج و الانتقال من هذه الشّعائر إلى غيرها.(أبو حيّان 6:368)

مجاهد: في أشعارها و أوبارها و ألبانها،قبل أن تسمّيها بدنة.(الطّبريّ 17:157)

قبل أن تسمّى هديا.(الطّبريّ 17:158)

نحوه قتادة،و الضّحّاك.(الطّبرسيّ 4:83)

عطاء: إلى أن تقلّد.(الطّبريّ 17:158)

إلى أن تنحر.(الطّبريّ 17:158)

نحوه الطّباطبائيّ.(14:374)

هو ركوب البدن،و شرب لبنها إن احتاج.

(الطّبريّ 17:158)

قتادة: في ظهورها و ألبانها،فإذا قلّدت فمحلّها إلى البيت العتيق.(الطّبريّ 17:158)

ابن أبي نجيح: إلى أن توجبها بدنة.

(الطّبريّ 17:158)

ابن زيد: «الأجل المسمّى»هو انقضاء أيّام الحجّ الّتي ينسك للّه فيهنّ.(الطّبريّ 17:159)

الطّبريّ: قال محمّد بن أبي موسى:الخروج منه إلى غيره.(17:159)

الطّوسيّ: قال قوم:(الى اجل مسمّى)،يعني يوم القيامة.(7:314)

الزّمخشريّ: إلى أن تنحر و يتصدّق بلحومها و يؤكل منها.(3:14)

الطّبرسيّ: فمن تأوّل أنّ«الشّعائر»الهدي قال:إنّ

ص: 415

منافعها:ركوب ظهورها و شرب ألبانها إذا احتيج إليها، و هو المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام،و هو قول عطاء بن أبي رباح و مذهب الشّافعيّ.و على هذا فقوله: (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معناه إلى أن ينحر.

و قيل:إنّ المنافع من رسلها و نسلها و ركوب ظهورها و أصوافها و أوبارها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ،أي إلى أن يسمّى هديا،و بعد ذلك تنقطع المنافع.عن مجاهد، و قتادة،و الضّحّاك.

و القول الأوّل أصحّ،لأنّ قبل أن تسمّى هديا لا تسمّى شعائر.

و من قال:إنّ«الشّعائر»مناسك الحجّ،قال:المراد «بالمنافع»التّجارة، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى أن يعود من مكّة.

و من قال:إنّ«الشّعائر»دين اللّه،قال: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) ،أي الأجر و الثّواب،و«الأجل المسمّى»:

القيامة.(4:83)

أبو حيّان: قيل:إلى أن تشعر،فلا تركب إلاّ عند الضّرورة.(6:368)

الآلوسيّ: قيل:«الأجل المسمّى»:يوم القيامة، و لا يخفى ضعفه.(17:152)

التّاسع-أجل العدّة

1- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ... البقرة:232

الطّبريّ: يعني ميقاتهنّ الّذي وقّته لهنّ من انقضاء الأقراء الثّلاثة إن كانت من أهل الأقراء،و انقضاء الأشهر إن كانت من أهل الشّهور.(2:479)

2Lالطّوسيّ: انقضى عدّتهنّ بالأقراء أو الأشهر أو الوضع.(2:250)

الطّبرسيّ: المعنى إذا بلغن قرب انقضاء عدّتهنّ.(1:331)

نحوه البروسويّ.(1:360)

القرطبيّ: بلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه؛لأنّ ابتداء النّكاح إنّما يتصوّر بعد انقضاء العدّة.(3:159)

أبو حيّان: الأجل هو الّذي ضربه اللّه للمعتدّات من الأقراء و الأشهر و وضع الحمل،و أضاف الأجل إليهنّ لأنّه أمسّ بهنّ،و لهذا قيل:الطّلاق للرّجال و العدّة للنّساء،و لا يحمل(بلغن اجلهن)على الحقيقة، لأنّ الإمساك إذ ذاك ليس له،لأنّها ليست بزوجة،إذ قد تقضّت عدّتها فلا سبيل له عليها.(2:207)

الآلوسيّ: أي آخر عدّتهنّ،فهو مجاز من قبيل استعمال الكلّ في الجزء إن قلنا:إنّ الأجل حقيقة في جميع المدّة،كما يفهمه كلام الصّحاح،و هو الدّائر في كلام الفقهاء.و نقل الأزهريّ عن اللّيث يدلّ على أنّه حقيقة في الجزء الأخير.

و كلا الاستعمالين ثابت في الكتاب الكريم،فإن كان من باب الاشتراك فذاك،و إلاّ فالتّجوّز من الكلّ إلى الجزء الأخير أقوى من العكس.(2:142)

2- ...وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ... البقرة:235

ابن عبّاس: حتّى تنقضي العدّة.

مثله مجاهد،و قتادة،و سفيان.(الطّبريّ 2:527)

ص: 416

الضّحّاك: لا يتزوّجها حتّى يخلو أجلها.

(الطّبريّ 2:528)

السّدّيّ: حتّى تنقضي أربعة أشهر و عشر.(الطّبريّ 2:527)

الطّوسيّ: معناه انقضاء العدّة بلا خلاف.

(2:268)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ هذا تشبيه للعدّة بالدّين المؤجّل المكتوب أجله في كتاب،فكما يتأخّر المطالبة بذلك الدّين حتّى يبلغ الكتاب أجله كذلك يتأخّر خطبة النّكاح في العدّة إلى انقضاء العدّة.(1:339)

البروسويّ: المعنى حتّى تبلغ العدّة المفروضة آخرها.(1:369)

الآلوسيّ: أي ينتهي ما كتب و فرض من العدّة.

(2:152)

العاشر-جري الشّمس و القمر إلى أجل مسمّى

1- ...وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى... الرّعد:2

ابن عبّاس: أراد ب«الأجل المسمّى»درجاتهما و منازلهما الّتي ينتهيان إليها و لا يجاوزانها،و للشّمس مائة و ثمانون منزلا تنزل كلّ يوم منزلا حتّى تنتهي إلى آخر المنازل فلا تجاوزه،و ترجع إلى أوّل المنازل،و ينزل القمر كلّ ليلة منزلا حتّى ينتهي إلى آخر منازله.(الطّبرسيّ 3:274)

مجاهد: الدّنيا.(الطّبريّ 13:95)

الحسن: أي كلّ واحد منهما يجري إلى وقت معلوم،و هو فناء الدّنيا و قيام السّاعة الّتي تكوّر عندها الشّمس،و يخسف القمر و تنكدر النّجوم.

(الطّبرسيّ 3:274)

نحوه الطّبريّ(13:95)،و القرطبيّ(9:279).

الطّوسيّ: «الأجل المسمّى»قيل:هاهنا يوم القيامة.(6:214)

القرطبيّ: قيل:معنى«الأجل المسمّى»أنّ القمر يقطع فلكه في شهر،و الشّمس في سنة.(9:279)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

الأوّل:قال ابن عبّاس:للشّمس مائة و ثمانون منزلا كلّ يوم لها منزل و ذلك يتمّ في ستّة أشهر،ثمّ إنّها تعود مرّة أخرى إلى واحد منها في ستّة أشهر أخرى،و كذلك القمر له ثمانية و عشرون منزلا.فالمراد بقوله: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى هذا؛و تحقيقه أنّه تعالى قدّر لكلّ واحد من هذه الكواكب سيرا خاصّا إلى جهة خاصّة بمقدار خاصّ من السّرعة و البطء،و متى كان الأمر كذلك لزم أن يكون لها بحسب كلّ لحظة و لمحة حالة أخرى،ما كانت حاصلة قبل ذلك.

الثّاني:أنّ المراد كونهما متحرّكين إلى يوم القيامة، و عند مجيء ذلك اليوم تنقطع هذه الحركات و تبطل تلك السّيرات،كما وصف اللّه تعالى ذلك في قوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ إلخ،التّكوير:1.(18:233)

البروسويّ: اللاّم بمعنى«الى»،أي إلى وقت معلوم،و هو فناء الدّنيا أو تمام دوره.(4:336)

الآلوسيّ: أي وقت معيّن،فإنّ الشّمس تقطع الفلك في سنة و القمر في شهر،لا يختلف جري كلّ منهما، كما في قوله تعالى: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها...

ص: 417

وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ يس:38،39،و هو المرويّ عن ابن عبّاس.

و قيل:أي كلّ يجري لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره،و هي إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ التّكوير:1،2،و هذا مراد مجاهد من تفسير الأجل المسمّى بالدّنيا.

و قيل:و التّفسير الحقّ ما روي عن الحبر،و أمّا الثّاني فلا يناسب الفصل به بين التّسخير و التّدبير.

(13:89)

الطّباطبائيّ: أي كلّ منهما يجري إلى أجل معيّن يقف عنده و لا يتعدّاه،كذا قيل.و من الجائز بل الرّاجح أن يكون الضّمير المحذوف ضمير جمع راجعا إلى الجميع، و المعنى كلّ من السّماوات و الشّمس و القمر يجري إلى أجل مسمّى،فإنّ حكم الجري و الحركة عامّ مطّرد في جميع هذه الأجسام.(11:289)

2- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... لقمان:29

الحسن: «الأجل المسمّى»يوم القيامة؛لأنّه لا ينقطع جريهما إلاّ حينئذ.(الزّمخشريّ 3:237)

الزّمخشريّ: كلّ واحد من الشّمس و القمر يجري في فلكه و يقطعه إلى وقت معلوم،الشّمس إلى آخر السّنة و القمر إلى آخر الشّهر.

فإن قلت:يجري لأجل مسمّى،و يجري إلى أجل مسمّى،أ هو من تعاقب الحرفين؟

قلت:كلاّ،و لا يسلك هذه الطّريقة إلاّ بليد الطّبع ضيّق العطن،و لكنّ المعنيين-أعني الانتهاء و الاختصاص-كلّ واحد منهما ملائم لصحّة الغرض، لأنّ قولك:يجري إلى أجل مسمّى،معناه يبلغه و ينتهى إليه،و قولك:يجري لأجل مسمّى،تريد يجري لإدراك أجل مسمّى،تجعل الجري مختصّا بإدراك أجل مسمّى.

أ لا ترى أنّ جري الشّمس مختصّ بآخر السّنة،و جري القمر مختصّ بآخر الشّهر؟فكلا المعنيين غير ناب به موضعه.(3:237)

النّيسابوريّ: قوله هاهنا: يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى و قوله في فاطر و الزّمر:(لاجل مسمّى)يؤول إلى معنى واحد،و إن كان الطّريق مغايرا،لأنّ الأوّل معناه انتهاؤهما إلى وقت معلوم،و هو للشّمس آخر السّنة و للقمر آخر الشّهر،و الثّاني:معناه اختصاص الجري بإدراك أجل معلوم كما وصفنا.

و وجه اختصاص هذا المقام ب«إلى»و غيره ب«اللاّم»أنّ هذه الآية صدّرت بالتّعجيب،فناسب التّطويل،و المشار إليه بذلك هو ما وصف من عجيب قدرته،أو أراد أنّ الموحى من هذه الآيات بسبب بيان أنّ اللّه هو الحقّ.(21:57)

الآلوسيّ: أي كلّ واحد من الشّمس و القمر (يجري):يسير سيرا سريعا مستمرّا(إلى أجل)،أي منتهى للجري،(مسمّى):سمّاه اللّه تعالى و قدّره لذلك، و هو كما قال الحسن:يوم القيامة،فإنّه لا ينقطع جري النّيّرين،و تبطل حركتهما إلاّ في ذلك اليوم.

و الظّاهر أنّ هذا الجري هو هذه الحركة الّتي

ص: 418

يشاهدها كلّ ذي بصر من أهل المعمورة،و هي عند الفلاسفة بواسطة الفلك الأعظم،فإنّ حركته كذلك، و بها حركة سائر الأفلاك و ما فيها من الكواكب[إلى أن قال:]

لعلّ الأظهر على تقدير جعل جريهما عبارة عن حركتهما الخاصّة بهما أن يجعل«الأجل المسمّى»عبارة عن يوم القيامة،أو يجعل عبارة عن آخر السّنة و الشّهر المعروفين عند العرب،فتأمّل.

و«جرى»يتعدّى ب«إلى»تارة و ب«اللاّم»أخرى، و تعديته بالأوّل باعتبار كون المجرور غاية،و بالثّاني باعتبار كونه غرضا؛فتكون اللاّم لام تعليل أو عاقبة.

و جعلها الزّمخشريّ للاختصاص،و لكلّ وجه.و لم يظهر لي وجه اختصاص هذا المقام ب«إلى»و غيره ب«اللاّم».

و قال النّيسابوريّ: وجه ذلك أنّ هذه الآية صدّرت بالتّعجيب فناسب التّطويل،و هو كما ترى،فتدبّر.

(21:102)

الطّباطبائيّ: المراد بجريان الشّمس و القمر المسخّرين إلى أجل مسمّى،انتهاء كلّ وضع من أوضاعهما إلى وقت محدود مقدّر،ثمّ عودهما إلى بدء.

فمن شاهد هذا النّظام الدّقيق الجاري و أمعن فيه لم يشكّ في أنّ مدبّره إنّما يدبّره عن علم لا يخالطه جهل،و ليس ذلك عن صدفة و اتّفاق.(16:234)

عبد الكريم الخطيب: «الأجل المسمّى»هو الزّمن المحدّد لدورة كلّ من الشّمس و القمر،أو هو الأمد المحدّد لهما الجريان فيه،ثمّ إذا انتهى هذا الأمد توقّفا أو أخذا اتّجاها آخر،شأنهما في هذا شأن كلّ مخلوق،فلا دوام لحال أبدا.(11:589)

3- ...وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى... الزّمر:5

الكلبيّ: يسيران إلى أقصى منازلهما،ثمّ يرجعان إلى أدنى منازلهما لا يجاوزانه.(القرطبيّ 15:235)

الطّبريّ: يعني إلى قيام السّاعة،و ذلك إلى أن تكوّر الشّمس.و تنكدر النّجوم.

و قيل:معنى ذلك أنّ لكلّ واحد منهما منازل لا تعدوه،و لا تقصر دونه.(23:193)

الطّوسيّ: يعني إلى مدّة قدّرها اللّه لهما أن يجريا إليها.

و قيل:إلى قيام السّاعة.(9:6)

الطّبرسيّ: [قال مثل الطّوسي و أضاف:]و قيل:

لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي لوقت معلوم في الشّتاء و الصّيف هو المطلع و المغرب لكلّ منهما.(4:489)

القرطبيّ: أي في فلكه إلى أن تنصرم الدّنيا و هو يوم القيامة،حين تنفطر السّماء و تنتثر الكواكب.

و قيل:«الأجل المسمّى»هو الوقت الّذي ينتهي فيه سير الشّمس و القمر إلى المنازل المرتّبة لغروبها و طلوعها.(15:235)

الحادي عشر-أجل الكتاب

...وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ .الرّعد:38

ابن عبّاس: إنّه من المقلوب،و المعنى لكلّ كتاب ينزل من السّماء أجل ينزل فيه.

ص: 419

مثله الضّحّاك.(الطّبرسيّ 3:297)

نحوه الفرّاء.(القرطبيّ 9:328)

الحسن: أي لكلّ أمر قضاه اللّه كتاب عند اللّه.(القرطبيّ 9:328)

نحوه الجبّائيّ(الطّبرسيّ 3:297)،و الطّبريّ(13:

165).

البلخيّ: إنّ معناه:لكلّ أجل مقدّر كتاب أثبت فيه،و لا تكون آية إلاّ بأجل قد قضاه اللّه في كتاب،على وجه ما يوجبه التّدبير.فالآية الّتي اقترحوها لها وقت أجّله اللّه،لا على شهواتهم و اقتراحاتهم.

(الطّبرسيّ 3:297)

الطّوسيّ: معناه:لكلّ أجل قدّره كتاب أثبت فيه، فلا تكون آية إلاّ بأجل قد قضاه اللّه تعالى في كتاب،على ما توجبه صحّة تدبير العباد.

و قيل:فيه تقديم و تأخير،و تقديره:لكلّ كتاب أجل،كما قال: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:

19،و المعنى و جاءت سكرة الحقّ بالموت.(6:262)

الزّمخشريّ: لكلّ وقت حكم يكتب على العباد؛ أي يفرض عليهم على ما يقتضيه استصلاحهم.

(2:363)

الطّبرسيّ: معناه لكلّ كتاب وقت يعمل به، فللتّوراة وقت،و للإنجيل وقت،و كذلك القرآن.

(3:297)

الفخر الرّازيّ: لكلّ حادث وقت معيّن،و لكلّ أجل كتاب،فقبل حضور ذلك الوقت لا يحدث ذلك الحادث،فتأخّر تلك المواعيد لا يدلّ على كونه كاذبا.(19:63)

القرطبيّ: أي لكلّ أمر كتبه اللّه أجل موقّت و وقت معلوم،نظيره: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ الأنعام:67،بيّن أنّ المراد ليس على اقتراح الأمم في نزول العذاب،بل لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ.

و قيل:المعنى لكلّ مدّة كتاب مكتوب و أمر مقدّر، لا تقف عليه الملائكة.(9:329)

أبو حيّان: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ لفظ عامّ في الأشياء الّتي لها آجال،لأنّه ليس منها شيء إلاّ و له أجل في بدئه و في خاتمته،و ذلك الأجل مكتوب محصور.

(5:397)

البروسويّ: قال الشّيخ في تفسيره:أي لكلّ شيء قضاه اللّه وقت مكتوب معلوم،لا يزاد عليه و لا ينقص منه،أو لا يتقدّم و لا يتأخّر عنه.(4:385)

الآلوسيّ: أي لكلّ وقت و مدّة من الأوقات و المدد كتاب.(13:169)

الطّباطبائيّ: (لِكُلِّ أَجَلٍ) ،أي وقت محدود (كتاب)،أي حكم مقضيّ مكتوب يخصّه،إشارة إلى ما يلوح إليه استثناء الإذن و سنّة اللّه الجارية فيه، و التّقدير:فاللّه سبحانه هو الّذي ينزل ما شاء و يأذن فيما شاء،لكنّه لا ينزل و لا يأذن في كلّ آية في كلّ وقت،فإنّ لكلّ وقت كتابا كتبه لا يجري فيه إلاّ ما فيه.

و ممّا تقدّم يظهر أنّ ما ذكره بعضهم-أنّ قوله:

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ من باب القلب،و أصله:لكلّ كتاب أجل،أي إنّ لكلّ كتاب منزل من عند اللّه وقتا مخصوصا ينزل فيه و يعمل عليه،فللتّوراة وقت،

ص: 420

و للإنجيل وقت،و للقرآن وقت-وجه لا يعبأ به.[إلى أن قال:]

فقوله: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ الرّعد:39، على ما فيه من الإطلاق يفيد فائدة التّعليل،لقوله:

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ، و المعنى أنّ لكلّ وقت كتابا يخصّه فيختلف؛فاختلاف الكتب باختلاف الأوقات و الآجال،إنّما ظهر من ناحية اختلاف التّصرّف الإلهيّ بمشيئته لا من جهة اختلافها في أنفسها؛و من ذواتها بأن يتعيّن لكلّ أجل كتاب في نفسه لا يتغيّر عن وجهه،بل اللّه سبحانه هو الّذي يعيّن ذلك بتبديل كتاب مكان كتاب،و محو كتاب و إثبات آخر.(11:374)

اجل

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ...

المائدة:32

أبو عبيدة: أي من جناية ذلك و جرّ ذلك،و هي مصدر أجلت ذلك عليه.(1:162)

نحوه الزّجّاج.(الطّوسيّ 3:501)

الطّبريّ: من جرّاء ذلك و جريرته و جنايته، يقول:من جرّاء القاتل أخاه من ابني آدم اللّذين اقتصصنا قصّتهما الجريرة الّتي جرّها و جنايته الّتي جناها كتبنا على بني إسرائيل،يقال منه:أجلت هذا الأمر،أي جررته إليه و كسبته،آجله له أجلا،كقولك:أخذته أخذا.

فمعنى الكلام من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلما حكمنا على بني إسرائيل.(6:200)

2Lالطّوسيّ: قرأ أبو جعفر،و الزّبير: (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) بفتح النّون و إسكان الهمزة،و مثله قَدْ أَفْلَحَ و ما أشبهه.

الباقون يقطعون الهمزة بفتح النّون،بنقل الحركة من الهمزة إلى ما قبلها.و من أسكنها تركها على أصلها.

و معنى(من اجل)من جرّاء ذلك و جريرته.

و قال الزّجّاج: معناه من جناية ذلك،يقال أجلت الشّيء أجلا،إذا جنيته.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصله الجرّ،و منه الأجل:الوقت الّذي يجرّ إليه العقد الأوّل،و منه الآجل:نقيض العاجل،و منه أجل:

بمعنى نعم،لأنّه انقياد إلى ما يجرّ إليه،و منه الآجال:

القطيع من بقر الوحش،لأنّ بعضها ينجرّ إلى بعض.

(3:501)

نحوه الطّبرسيّ(2:186)،و القرطبيّ(6:146).

الميبديّ: أي من سبب فعل قابيل فرضنا و أوجبنا.(3:100)

نحوه النّسفيّ.(1:281)

الزّمخشريّ: بسبب ذلك و بعلّته.و قيل:أصله من أجل شرّا،إذا جناه يأجله أجلا،كأنّك إذا قلت:من أجلك فعلت كذا،أردت من أن جنيت فعلته و أوجبته، و يدلّ عليه قولهم:«من جرّاك فعلته»،أي من أن جررته،بمعنى جنيته.(1:68)

أبو حيّان: الجمهور على أنّ(من أجل ذلك)متعلّق بقوله:(كتبنا)،و قال قوم:بقوله:(من النّادمين)أي ندم من أجل ما وقع،و يقال:أجل الأمر أجلا و آجلا،إذا اجتناه وحده،و المعنى بسبب ذلك.

ص: 421

و إذا قلت:فعلت ذلك من أجلك،أردت أنّك جنيت ذلك و أوجبته،و معناه و معنى من جرّاك واحد، أي من جريرتك،و ذلك إشارة إلى القتل،أي من جنى ذلك القتل كتبنا على بني إسرائيل.(3:468)

البروسويّ: شروع فيما هو المقصود بتلاوة النّبأ من بيان بعض آخر من جنايات بني اسرائيل و معاصيهم و ذلك إشارة إلى عظم شأن القتل و إفراط قبحه أي من أجل كون القتل على سبيل العدوان مشتملا على أنواع المفاسد من خسارة جميع الفضائل الدّينيّة و الدّنيويّة و جميع السّعادات الأخرويّة كما هي مندرجة في إجمال قوله: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ و من الابتلاء بجميع ما يوجب الحسرة و النّدامة من غير أن يكون لشيء منها ما يدفعه البتّة كما هو مندرج في إجمال قوله: فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ.

«أجل»في الأصل مصدر أجل شرّا،إذا جناه و هيّجه،استعمل في تعليل الجنايات،أي في جعل ما جناه الغير علّة لأمر؛يقال:فعلته من أجلك،أي بسبب أن جنيت ذلك و كسبته،ثمّ اتّسع فيه و استعمل في كلّ تعليل.(2:384)

الآلوسيّ: «الأجل»-بفتح الهمزة و قد تكسر، و قرئ به،لكن بنقل الكسرة إلى النّون كما قرئ بنقل الفتحة إليها-في الأصل الجناية،يقال:أجل عليهم شرّا، إذا جنى عليهم جناية،و في معناه جرّ عليهم جريرة،ثمّ استعمل في تعليل الجنايات،ثمّ اتّسع فيه فاستعمل لكلّ سبب،أي من ذلك ابتداء الكتب و منه نشأ لا من غيره.

(6:117)

2Lرشيد رضا: قال في«اللّسان»-و قد ذكر الآية-:

و قول العرب:فعلت ذلك من أجل كذا،و أجل كذا بفتح اللاّم،و من أجلاك،و تكسر الهمزة فيهما.[ثمّ ذكر قول الأزهريّ،و أبي عمرو الشّيباني،و الرّاغب،المتقدّم و أضاف:]

و أقول:لا حاجة إلى القيد؛لأنّ من شأن كلّ جناية أن يخاف آجلها و تحذر عاقبتها.و من تتبّع الشّواهد و الأقوال يرجّح معي أنّ«الأجل»هو جلب الشّيء الّذي له عاقبة أو ثمرة،و كسبه أو تهييجه،و يعدّى باللاّم.

و قد تكون العاقبة حسنة،كقولهم:أجل لأهله.

و غلب الفعل في الرّديء و الشّرّ و إن عدّي باللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]ثمّ استعمل في التّعليل مطلقا.

و معنى العبارة أنّه بسبب ذلك الجرم و القتل الّذي أجله أحد هذين الأخوين ظلما و عدوانا لا بسبب آخر كتبنا و فرضنا على بني إسرائيل كيت و كيت.

(6:347)

الطّباطبائيّ: [بعد نقل قول الرّاغب قال:]

ثمّ استعمل للتّعليل،يقال:فعلته من أجل كذا،أي إنّ كذا سبب فعلي،و لعلّ استعمال الكلمة في التّعليل ابتدأ أوّلا في مورد الجناية و الجريرة،كقولنا:أساء فلان،و من أجل ذلك أدّبته بالضّرب،أي إنّ ضربي ناشئ من جنايته و جريرته الّتي هي إساءته،أو من جناية هي إساءته،ثمّ أرسلت كلمة تعليل،فقيل:أزورك من أجل حبّي لك و لأجل حبّي لك.

و ظاهر السّياق أنّ الإشارة بقوله: مِنْ أَجْلِ

ص: 422

ذلِكَ إلى نبإ ابني آدم المذكور في الآيات السّابقة،أي إنّ وقوع تلك الحادثة الفجيعة كان سببا لكتابتنا على بني إسرائيل كذا و كذا.

و ربّما قيل:إنّ قوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ متعلّق بقوله في الآية السّابقة: فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ المائدة:31، أي كان ذلك سببا لندامته.و هذا القول و إن كان في نفسه غير بعيد كما في قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى... البقرة:219-220،إلاّ أنّ لازم ذلك كون قوله: كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ مفتتح الكلام،و المعهود من السّياقات القرآنيّة أن يؤتى في مثل ذلك بواو الاستئناف،كما في آية البقرة المذكورة آنفا و غيرها.

و أمّا وجه الإشارة في قوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ إلى قصّة ابني آدم،فهو أنّ القصّة تدلّ على أنّ من طباع هذا النّوع الإنسانيّ أن يحمله اتّباع الهوى و الحسد الّذي هو الحنق للنّاس بما ليس في اختيارهم أن يحمله أوهن شيء على منازعة الرّبوبيّة،و إبطال غرض الخلقة بقتل أحدهم أخاه من نوعه،و حتّى شقيقه لأبيه و أمّه. (1)(5:314)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «أجل»على خمسة أوجه:

فوجه منها:بمعنى الموت،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها، يعني موتها،نظيره: ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ الأنعام:2.

الثّاني:الأجل:الوقت؛قوله عزّ و جلّ: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ القصص:28،يعني الوقتين،و قيل:

الشّرطين.

الثّالث:الأجل:الهلاك،قوله عزّ و جلّ: وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ الأعراف:185، يعني هلاكهم.

الرّابع:الأجل:العدّة،قوله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ الطّلاق:2،أي عدّتهنّ،كقوله: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ البقرة:231،أي عدّتهنّ.

الخامس:الأجل:العذاب؛قوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ نوح:4،يعني إنّ عذاب اللّه إذا جاء لا يؤخّر.(18)

الفيروزآباديّ: [قال مثل الدّامغانيّ و أضاف:]

و الأجل في الأصل موضوع للمدّة المضروبة للشّيء؛ قال اللّه تعالى: وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى المؤمن:67، و يقال:للمدّة المضروبة لحياة الإنسان:أجل،فيقال:

دنا أجله،عبارة عن دنوّ الموت،و أصله استيفاء الأجل، أي مدّة الحياة.

و قوله: وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا الأنعام:

128،أي حدّ الموت،و قيل:حدّ الهرم.

و قوله: ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى الأنعام:2، فالأوّل البقاء في هذه الدّنيا،و الثّاني البقاء في الآخرة.

ص: 423


1- الظّاهر أنّ قتل هابيل لمّا صار سببا لانعدام بشر كثير بقدر الموجودين قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً... إيماء إلى أنّ المقتول قد يتولّد منه في طول الزّمن مثل النّاس جميعا.

و قيل:الأوّل هو البقاء في الدّنيا،و الثّاني مدّة ما بين الموت إلى النّشور،عن الحسن.

و قيل:الأوّل للنّوم،و الثّاني للموت،إشارة إلى قوله تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها الزّمر:42،عن ابن عبّاس.

قيل:الأجلان جميعا:الموت،فمنهم من أجله بعارض،كالسّيف و الغرق و الحرق و كلّ مخالف،و غير ذلك من الأسباب المؤدّية إلى الهلاك،و منهم من يوقّى و يعافى حتّى يموت حتف أنفه.

و هذان المشار إليهما«من أخطأته سهم الرّزيّة لم تخطه سهم المنيّة».

و قيل:للنّاس أجلان:منهم من يموت عبطة،و منهم من يبلغ حدّا لم يجعل اللّه في طبيعة الدّنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها.(بصائر ذوي التّمييز 2:108)

الأصول اللّغويّة

1-إنّ التّأمّل في النّصوص يدفعنا إلى الإذعان بأنّ الأصل لهذه المادّة هو التّأخّر،كما انتبه له الشّيخ الطّوسيّ،و منه قوله تعالى: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ المرسلات:12،أي أخّرت،و لا يبعد كون الأصل له هو الأجل،أي الوقت المضروب،و به بدأ الخليل، و الرّاغب قولهما؛إشارة إلى أنّه الأصل-كما هو دأبهما- و التّأخّر لازم له،ثمّ شاع استعماله فيه حتّى يتراءى أنّه الأصل-و مثله كثير في اللّغة-و إليه ترجع سائر المعاني، على الرّغم من رأي ابن فارس القائل:«إنّها تدلّ على خمسة معان متباينة لا يمكن حملها على واحدة منها على جهة القياس»و على الرّغم من قول الطّبرسيّ:«الأصل فيها الجناية».

فإنّا نجد معنى التّأخّر ظاهرا في كثير من مشتقّاتها.

فالأجل:آخر الوقت عند الموت و غيره.

و الآجل:ضدّ العاجل،و الآجلة:الدّار الآخرة،كما أنّ العاجلة:الدّنيا.

و الأجيل:المؤخّر إلى وقت.

و أجل الإنسان:وقت موته و نهاية عمره و حياته.

و أجل العمر:الوقت المضروب لانقطاعه.

و أتى أجله،أي موته.

و تأجّل متأجّل:استأذن في الرّجوع إلى أهله،أو طلب أن يضرب له الأجل.

و أجّله تأجيلا،إذا أخّره،و هكذا.

و أمّا وجه رجوع سائر المعاني إلى معنى التّأخير فكما يأتي:

أ-المأجل:يشبه حوضا ينتهي إليه الماء الجاري فينقطع عنده الجريان،يقال:تأجّل الماء،إذا استنقع في الموضع فهو أجيل.و أجّل لنخلتك،أي اجعل لها مثل الحوض،و منه:أجّله فيه،أي جمعه،و تأجّل:تجمّع، لأنّ الجمع عبارة عن انتقال الأشياء إلى مكان واحد، و هذا المكان غاية سيرها.و لعلّ منه قولهم:أجلوا ما لهم، أي حبسوه،فهو مثل مأجل الماء،أي ما يحبس فيه و يجمع،و الأصل:انتهاؤه إليه.

ب-و الإجل:القطيع من بقر الوحش،أطلق عليه ذلك لتأخّر بعضه عن بعض في المرعى و المسير، يقال:تأجّل الصّوار-قطيع البقر-أي صار قطيعا قطيعا،

ص: 424

و منه:أجلوا إبلهم،أي ساروا بها فتأخّر بعضها عن بعض.

ج-و الإجل أيضا:وجع في العنق،كأنّه بلغ الغاية في الشّدّة.

د-و أجل:مصدر أجل عليهم شرّا و جنى عليهم.

و هذا هو الّذي جعله الطّبرسيّ أصلا للمادّة،و الحقّ أنّ الجناية جاءت من إيصال الشّرّ إليهم،و المعنى ساق الشّرّ إليهم حتّى بلغهم و انتهى إليهم،فكأنّهم الغاية للشّرّ و الغرض لهذا المرمى؛فالأجل هنا بمعنى الانتهاء و البلوغ دون الجناية كما توهّم.و للرّاغب وجه آخر في ذلك؛حيث قال:«الأجل:الجناية الّتي يخاف منها آجلا».و هذا يرجع إلى معنى التّأخّر بنحو آخر.

ه-و قولهم:فعلته من أجلك،أي أنت الغاية له و إليك تنتهي ثمرته.

فهذا هو الوجه لإرجاع سائر المعاني إلى معنى التّأخّر في رأينا.

2-ثمّ إنّ الأجل-و هو في الأصل آخر الوقت و نهاية الأمد كما علمت-قد يطلق توسّعا على جميع المدّة المضروبة للشّيء،فيقال:ضربت له أجلا،أي مدّة معيّنة محدّدة لها نهاية.

و لهذا قيل:الأجل:المدّة المضروبة،و التّأجيل:

ضرب الأجل.و يستشفّ من رأى صاحب الميزان أنّ الأصل فيه عنده نفس المدّة و أنّ التّأخير لازمها،و عندنا أنّ الأمر بالعكس.

3-و عليه فالفرق بين المدّة و الأجل:أنّ المدّة عبارة عن نفس الوقت،و الأجل آخره،إلاّ أنّه قد يطلق توسّعا على نفسه.و ليس كما قال أبو هلال العسكريّ:

«إنّ كلّ أجل مدّة و ليس كلّ مدّة أجلا»،فلاحظ كلامه في النّصوص.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

1-لهذه المادّة في القرآن ثلاثة محاور:

أ-الفعل و ما اشتقّ منه«3»مرّات:

أجّلت: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا الأنعام:128

اجّلت: وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ* لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ

المرسلات:11،12

مؤجّلا: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً آل عمران:145

ب-الاسم بمعنى الوقت المحدّد أو آخره،و هو كثير.

ج-الاسم بمعنى السّبب«مرة واحدة»أجل:

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ المائدة:32

و يلاحظ أوّلا:تتميما لما سبق أنّ مدار المعنى في هذه المادّة-بمختلف استعمالاتها القرآنيّة-على معنى التّأجيل و التّأخير،و ذلك أنّ الموعد المقرّر لحدوث شيء ما هو متأخّر حتما عن لحظة التّحدّث عنه،فهو منصوب كغاية لا بدّ من الوصول إليها،فإذا ما تمّ ذلك الوصول تحقّق أمر آخر متعلّق به:

ف (أَجَّلْتَ لَنا) ،أي أخّرت،أو ضربت لنا الأجل.

و(اجّلت)،أي أخّرت،الى موعد محدّد.

و(مؤجّلا)،مؤخّرا إلى حين مرسوم،أو مضروب

ص: 425

له ذلك.

و(الأجل)،هو ذلك الموعد المحدّد،أو المضروب ذاته.

و (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) ،أي الموعدين المحدّدين،و هكذا.

و (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) ،أي ما ينتهي إليه عملنا كمصدر له،و غاية ينتهي إليه.

و ثانيا:أنّ المحور الأوّل-أي الفعل و ما اشتقّ منه- جاء لصميم المعنى اللّغويّ،أي التّأخير لوقت محدّد مع فرق يعلم من السّياق،فإنّ(اجّلت)كما هو الظّاهر و (مؤجّلا)على احتمال،بمعنى ضرب الأجل و تحديده.

و أمّا(اجّلت)فالظّاهر أنّه بمعنى تأخير الحياة إلى وقت محدّد لا تحديد الوقت،فأجّل يأتي بمعنى ضرب الأجل و بمعنى التّأخير إلى الأجل.

و ثالثا:يخطر بالبال من ملاحظة السّياق القرآنيّ أنّ أصل المادّة ليس هو التّأخير إلى مدّة كما ذكر،بل فيه معنى التّحديد،فلا أجل إلاّ و هو محدّد؛فالأجل هو آخر المدّة المحدّدة،و التّأجيل:ضرب الأجل المحدّد أو التّأخير إليه،و أجل هو غرض و غاية العمل المحدّد.

و رابعا:أنّ المحور الثّاني-و هو الأجل-جاء في القرآن تارة في أجل الموت،و أخرى في غير الموت.

أمّا أجل الموت فقسمان:الأجل المسمّى،و الأجل بلا قيد المسمّى.و الأوّل خاصّ بالنّفوس،أمّا الثّاني فيعمّ النّفوس و الأمم،علما بأنّ«الأجل»في القسم الثّاني أيضا أريد به وقتا محدّدا،أشير إليه بقيد،مثل:أجل معدود، أجل قريب،أجل اللّه،أجلا لا ريب فيه،أجلهم،أجلها، أجل هم بالغوه،لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون، و نحوها.

الأجل المسمّى للنّفوس

1- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ الأنعام:2

و قد تقدّم البحث حول هذين الأجلين في النّصوص،فلاحظ.

2- ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ الأنعام:60

3- ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هود:3

4- ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً فاطر:45

5- يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إبراهيم:10

6- يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى نوح:4

7- وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى النّحل:61

8- وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى طه:129

9- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ العنكبوت:53

10- وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ الشّورى:14

11- اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ

ص: 426

اَلْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:42

12- وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى المؤمن:67

الأجل للنّفوس بلا قيد المسمّى

1- وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ هود:104

2- فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ إبراهيم:44

3- وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ النّساء:77

4- مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ

العنكبوت:5

5- فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ المنافقون:10

6- وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها المنافقون:11

7- إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ نوح:4

8- وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ الإسراء:99

9- وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ

الأعراف:185

10- وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ يونس:11

11- فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ الأعراف:135

أجل الأمّة

12- وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34

13- لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ يونس:49

14- ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ

الحجر:5،و المؤمنون:43

الأجل في غير الموت

و هو كثير في مجالي التّكوين و التّشريع،و أريد به الوقت المحدّد،فيها جميعا،و احتمل في بعضها المكان المحدّد كما يأتي.

أجل السّماوات و الأرض

1- أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى

الرّوم:8

2- ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى الأحقاف:3

و قد أريد به فناء الدّنيا و قيام السّاعة كما في النّصوص.

جري الشّمس و القمر إلى أجل مسمّى

1- وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى الرّعد:2،فاطر:13،الزّمر:5

2- وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لقمان:29

و قد تقدّم في النّصوص الفرق بين (إِلى أَجَلٍ) في آية لقمان و (لِأَجَلٍ) في غيرها،فلاحظ.و أنّ المراد ب«الأجل»هو فناء العالم،أو درجات الفلك؛و عليه فالمراد به المكان المحدّد.

ص: 427

أجل ما في الأرحام

وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً الحجّ:5

لكلّ أجل كتاب

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ الرّعد:38

أجل الدّين

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [إلى أن قال:] وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ... البقرة:282

الأجل في الإجارة

1- قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ القصص:28

2- فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ ... القصص:29

الأجل في العدّة

1- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطّلاق:2

2- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ البقرة:231

3- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

البقرة:232

4- وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ

البقرة:234

5- وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ البقرة:235

6- وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ

الطّلاق:4

الأجل في البدن

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33

و المراد به وقت الذّبح،و هو يوم العيد،او المكان و هو منى.و يلاحظ أن الأجل في الجميع جاء بمعنى الوقت إلاّ في آيتي جري الشمس و الهدي فيحتمل فيها الأمران.

و خامسا:أنّ المحور الثّالث و هو«أجل»بسكون الجيم،جاء مرّة واحدة في سياق كلمة القصاص بعد الجناية في قصّة ابني آدم عليه السّلام؛و بذلك زعم بعضهم أنّه في معنى الجناية،و هو سهو،فإنّ«أجل»لا يقتصر استعماله على مورد الجناية بل يعمّ الجناية و نقيضها.و لكنّه جاء في القرآن في الجناية فحسب،في سورة مدنيّة،و هي المائدة،آخر ما نزلت على أصحّ الأقوال.فيبدو أنّ اللّفظة«أجل»كان يستعملها أهل المدينة نادرا،فلم يأت بها القرآن إلاّ مرّة في آخر سورها نزولا.

و كأنّ في سكون الجيم تحوّلا في الدّلالة عن«الأجل» بالفتح،فهذا نهاية الوقت و الفعل،و تلك نهاية السّبب الّذي نشأ منه الفعل.

ص: 428

و سادسا:التّناسق العدديّ:

يلاحظ أنّ لفظة«أجل»غير المضافة إلى الضّمائر، وردت أربعا و ثلاثين مرّة،أي ضعف ورودها مضافة إلى الضّمائر،فأصبح هذا إشعارا بأنّ«الأجل»يعمّ كلّ شيء ممّا ذكر و ممّا لم يذكر؛حيث أنّ الأجل لم يضف إلى كلّ الضّمائر،أي أنّه لم يشمل كلّ الأشياء؛إذ لا نجد«أجلي، أجلك،أجلكم»و ما إلى ذلك؛فنتصوّر أنّ ذلك يوحي بعموميّته و شموله لكلّ شيء خلقه اللّه تعالى،فالأجل حتم لا مفرّ منه سواء كان أجل الموت أم أجل حلول القيامة أم أجل خراب العالم،و الّذي لا أجل له بتاتا هو اللّه جلّ و علا،و هو الحيّ الّذي لا يموت،و كلّ شيء هالك إلاّ وجهه.

ص: 429

ص: 430

أ ح د

اشارة

11 لفظا،85 مرّة:47 مكّيّة،38 مدنيّة

في 33 سورة:22 مكّيّة،11 مدنيّة

احد 13:4-9\أحدهم 7:3-4\إحدى 5:3-2

احدا 21:15-6\أحدكما 1:1\إحداهما 5:2-3

احد 19:7-12\أحدكم 7:2-5\إحداهنّ 1:-1

أحدهما 5:4-1\أحدنا 1:1\...

النّصوص اللّغويّة

الخليل: تقول في ابتداء العدد:واحد،اثنان، ثلاثة،إلى عشرة.و إن شئت قلت:أحد،اثنان،ثلاثة، و في التّأنيث:واحدة و إحدى.

و لا يقال غير أحد و إحدى في«أحد عشر»و «إحدى عشرة».و يقال:واحد و عشرون،و واحدة و عشرون.

فإذا حملوا«الأحد»على الفاعل أجري مجرى الثّاني و الثّالث،و قالوا:هذا حادي عشرهم،و ثاني عشرهم، و هذه اللّيلة الحادية عشرة،و اليوم الحادي عشر.و هذا مقلوب كجذب و جبذ.

و الوحدان:جماعة الواحد.

و تقول:هو أحدهم،و هي إحداهنّ.فإذا كانت امرأة مع رجال،لم يستقم أن تقول:إحداهم و لا أحدهم،إلاّ أن تقول:هي كأحدهم،أو هي واحدة منهم.

و تقول:ذاك أمر لست فيه بأوحد،أي لست على حدة.و الحدة أصلها:الواو.(3:281)

يقال:أحدت إليه،أي عهدت إليه.

(الأزهريّ 5:193)

الكسائيّ: ما أنت إلاّ من الأحد،أي من النّاس.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:197)

الفرّاء: «أحد»يكون للجميع و للواحد في النّفي، و منه قول اللّه جلّ و عزّ: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،جعل«أحدا»في موضع جمع،

ص: 431

و كذلك قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:

285،فهذا جمع،لأنّ«بين»لا يقع إلاّ على اثنين فما زاد.

و العرب تقول:أنتم حيّ واحد و حيّ واحدون.

و موضع واحدين واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم:معي عشرة فاحدهنّ ليه،أي صيّرهنّ لي أحد عشر.الأزهريّ 5:196)

أبو زيد: يقال:لا يقوم لهذا الأمر إلاّ ابن إحداهما، أي الكريم من الرّجال.و في النّوادر:لا يستطيعها إلاّ ابن إحداتها،يعني إلاّ ابن واحدة منها.(الأزهريّ 5:196)

الأصمعيّ: العرب تقول:ما جاءني من أحد، و لا يقال:قد جاءني من أحد.و لا يقال إذا قيل لك:

ما يقول ذلك أحد،بلى يقول ذلك أحد.

(الأزهريّ 5:196)

اللّحيانيّ: الأحد:من الأيّام،معروف.تقول:

مضى الأحد بما فيه،فيفرّد و يذكّر.(ابن منظور 3:70)

ابن الأعرابيّ: يقال:فلان إحدى الأحد،كما يقال:واحد لا مثل له.

يقال:هو إحدى الإحد،و أوحد الأحدين،و واحد الآحاد،و واحد و وحد و أحد،بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:195)

قولهم:ذاك أحد الأحدين.أبلغ المدح.

(الزّبيديّ 2:287)

أبو حاتم: الأحد:اسم أكمل من«الواحد»،أ لا ترى أنّك إذا قلت:فلان لا يقوم له واحد،جاز في المعنى أن يقوم اثنان فأكثر،بخلاف قولك:لا يقوم له أحد.

و في«الأحد»خصوصيّة ليست في«الواحد»، تقول:ليس في الدّار واحد،فيجوز أن يكون من الدّوابّ و الطّير و الوحش و الإنس؛فيعمّ النّاس و غيرهم، بخلاف:ليس في الدّار أحد،فإنّه مخصوص بالآدميّين دون غيرهم.

و يأتي«الأحد»في كلام العرب بمعنى«الأوّل»، و بمعنى«الواحد»،فيستعمل في الإثبات و في النّفي،نحو:

قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1،أي واحد،و أوّل فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ، الكهف:19،و بخلافهما فلا يستعمل إلاّ في النّفي،تقول:ما جاءني من أحد، و منه: أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ البلد:5، و أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ البلد:7 فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ الحاقّة:47، وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ التّوبة:84،و «واحد»يستعمل فيهما مطلقا.

و«أحد»يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،قال تعالى:

لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32،بخلاف «الواحد»،فلا يقال:كواحد من النّساء بل كواحدة.

و«أحد»يصلح في الإفراد و الجمع.[قال السّيوطيّ:]قلت:و لهذا وصف قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،بخلاف«الواحد».

و«الأحد»له جمع من لفظه،و هو الأحدون و الآحاد.و ليس«للواحد»جمع من لفظه،فلا يقال:

واحدون،بل اثنان و ثلاثة.

و«الأحد»ممتنع الدّخول في الضّرب و العدد و القسمة و في شيء من الحساب،بخلاف «الواحد».(السّيوطيّ 2:169)

أبو الهيثم:«ذاك أحد الأحدين»هذا أبلغ المدح،

ص: 432

و الظّاهر أنّ هذا الجمع مستعمل للعقلاء فقط.

(الزّبيديّ 2:287)

المبرّد: [و قد سئل عن«الآحاد»أ هي جمع «الأحد»؟فقال:]

معاذ اللّه،ليس«للأحد»جمع،و لكن إن جعلته جمع «الواحد»فهو محتمل،مثل شاهد و أشهاد،و ليس «للواحد»تثنية،و لا«للاثنين»واحد من جنسه.(الأزهريّ 5:194)

ثعلب: بين واحد و أحد فرق،«الواحد»يدخله العدد و الجمع و الاثنان،و«الأحد»لا يدخله،يقال:اللّه أحد،و لا يقال:زيد أحد لأنّ للّه خصوصيّة له «الأحد»،و زيد تكون منه حالات.

(أبو حيّان 8:528)

الزّجّاج: «الأحد»أصله:الوحد.

(الأزهريّ 5:194)

نحوه القرطبيّ.(20:244)

ابن دريد: رجل وحد:منفرد.و الواحد:أوّل العدد،و الأحد مثل الواحد،و لا يستعمل«أحد»في معنى «واحد»،و تقول:رأيت أحد الرّجلين،و لا تقول:واحد الرّجلين.و تقول:رأيت أحد عشر،و لا يستعمل «واحد»هاهنا إلاّ أن تريد واحدا و عشرة.

و رجل واحد:منفرد،و قوم أحدان،و رجل أوحد، و قوم وحدان.و أحاد أحاد:واحد واحد.[ثمّ استشهد بشعر](2:127)

«الأحد»في معنى الواحد،و الجمع:آحاد.و يوم الأحد،جمعه:آحاد أيضا.و أحاد:واحد واحد،كما قالوا:ثناء و ثلاث.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحدان:جمع واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و استأحد الرّجل،إذا انفرد،و استوحد أيضا.و لغة لبعض أهل اليمن:ما استأحدت هذا الأمر،أي لم أشعر به.(3:231)

نحوه ابن سيده.(3:312)

ابن الأنباريّ: «أحد»بمعنى واحد،سقطت الألف منه على لغة من يقول:وحد في الواحد،و أبدلت الهمزة من الواو المفتوحة،كما أبدلت في قولهم:امرأة أناة، أصلها:وناة،من ونى يني،إذا فتر.و لم يسمع إبدال الهمزة من الواو المفتوحة إلاّ في«أحد»و«أناة».

(القيسيّ 2:509)

نحوه السّجستانيّ(228)،و الطّوسيّ(10:430)، و الطّريحيّ(3:6).

ابن خالويه: الأصل في أحد:وحد،أي واحد، فانقلبت الواو ألفا.و ليس في كلام العرب واو قلبت همزة و هي مفتوحة إلاّ حرفان:أحد،و قولهم:امرأة أناة،أي رزان[وقور]،لأنّ«الواو»إنّما تستثقل عليها الكسرة و الضّمّة،فأمّا الفتحة فلا تستثقل.و هذان الحرفان شاذّان.(228)

الأزهريّ: ألف«أحد»مقطوعة،و كذلك «إحدى».و تصغير أحد:أحيد،و تصغير إحدى:

أحيدى.و ثبوت الألف في«أحد و إحدى»دليل على أنّها مقطوعة.و أمّا ألف«اثني و اثنتي»فألف وصل.

و الفرق بين الواحد و الأحد:أنّ«الأحد»بني لنفي ما يذكر معه من العدد،و«الواحد»اسم لمفتتح العدد،

ص: 433

و«أحد»يصلح في الكلام في موضع الجحد،و«واحد» في موضع الإثبات،تقول:ما أتاني منهم أحد،و جاءني منهم واحد.و لا يقال:جاءني منهم أحد،لأنّك إذا قلت:ما أتاني منهم أحد،فمعناه لا واحد أتاني و لا اثنان، و إذا قلت:جاءني منهم واحد،فمعناه أنّه لم يأتني منهم اثنان.

فهذا حدّ الأحد ما لم يضف،فإذا أضيف قرب من معنى«الواحد»،و ذلك أنّك تقول:قال أحد الثّلاثة كذا و كذا،فأنت تريد واحدا من الثّلاثة.

و«الواحد»بني على انقطاع النّظير و عوز المثل، و«الوحيد»بني على الوحدة و الانفراد عن الأصحاب، من طريق بينونته عنهم.

و قولهم:لست في هذا الأمر بأوحد،أي لست بعادم لي فيه مثلا و عدلا.و تقول:بقيت وحيدا فريدا حريدا، بمعنى واحد.و لا يقال:بقيت أوحد،و أنت تريد فردا.

و كلام العرب يجرى على ما بني عليه مأخوذا عنهم لا يعدى به موضعه.و لا يجوز أن يتكلّم فيه إلاّ أهل المعرفة الثّاقبة به،الّذين رسخوا فيه،و أخذوه عن العرب أو عمّن أخذه عنهم من الأئمّة المأمونين و ذوي التّمييز المبرّزين.

و ما ذكرت في هذا الباب من الألفاظ النّادرة في:

الأحد و الواحد و إحدى و الحادي و غيرها؛فإنّه يجرى على ما جاء عن العرب،و لا يعدى به ما حكي عنهم لقياس متوهّم اطّراده،فإنّ في كلام العرب النّوادر لا تنقاس،و إنّما يحفظها أهل المعرفة المعنيّون بها و لا يقيسون عليها.

و أمّا اسم اللّه جلّ ثناؤه«أحد»فإنّه لا يوصف شيء ب«الأحديّة»غيره.لا يقال:رجل أحد و لا درهم أحد، كما يقال:رجل وحد،أي فرد،لأنّ«أحدا»صفة من صفات اللّه الّتي استأثر بها،فلا يشركه فيها شيء،و ليس كقولك:اللّه واحد،و هذا شيء واحد،لأنّه لا يقال:شيء أحد؛و إن كان بعض اللّغويّين قال:إنّ الأصل في الأحد:

وحد.

و يقول:أحّدت اللّه و وحّدته و هو الأحد الواحد.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال لرجل ذكر اللّه و أومأ بإصبعيه،فقال له:«أحّد أحّد»،معناه أشر بإصبع واحد.(5:194-198)

[و قال بعد قول الفرّاء المتقدّم:]

جعل قوله:«فاحدهنّ ليه»من الحادي لا من أحد.

(5:196)

الجوهريّ: «أحد»بمعنى الواحد،و هو أوّل العدد.

تقول:أحد و اثنان،و أحد عشر و إحدى عشرة، و تقول:لا أحد في الدّار،و لا تقول:فيها أحد.و يوم الأحد يجمع على آحاد.

و أمّا قولهم:ما في الدّار أحد،فهو اسم لمن يصلح أن يخاطب،يستوي فيه الواحد و الجمع و المؤنّث.

و قال تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:

32،و قال: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:

47.

و استأحد الرّجل:انفرد.و جاءوا أحاد أحاد،غير مصروفين،لأنّهما معدولان في اللّفظ و المعنى جميعا.

(2:440)

ص: 434

ابن فارس:الهمزة و الحاء و الدّال فرع،و الأصل:

الواو«وحد».(1:67)

أبو هلال: الفرق بين الواحد و الأحد:أنّ«الأحد» يفيد أنّه فارق غيره ممّن شاركه في فنّ من الفنون و معنى من المعاني،كقولك:فارق فلان أوحد دهره في الجود و العلم،تريد أنّه فوق أهله في ذلك.

و الفرق بين واحد و أحد:أنّ معنى«الواحد»أنّه لا ثاني له،فلذلك لا يقال في التّثنية:واحدان،كما يقال:

رجل و رجلان،و لكن قالوا:اثنان،حين أرادوا أنّ كلّ واحد منهما ثان للآخر.

و أصل أحد:أوحد مثل أكبر،و أحدى مثل كبرى، فلمّا وقعا اسمين و كانا كثيري الاستعمال هربوا في «إحدى»إلى«الكبرى»ليخفّ (1)،و حذفوا الواو ليفرق بين الاسم و الصّفة؛و ذلك أنّ«أوحد»اسم،و«أكبر» صفة.

و«الواحد»فاعل،من وحد يحد و هو واحد،مثل:

وعد يعد و هو واعد.

و«الواحد»هو الّذي لا ينقسم في وهم و لا وجود، و أصله الانفراد في الذّات على ما ذكرنا.

و قال صاحب العين:«الواحد»أوّل العدد،و حدّ الاثنين،ما يبين أحدهما عن صاحبه بذكر أو عقد؛ فيكون ثانيا له بعطفه عليه،و يكون«الأحد»أوّلا له.

و لا يقال:إنّ اللّه ثاني اثنين و لا ثالث ثلاثة،لأنّ ذلك يوجب المشاركة في أمر تفرّد به،فقوله تعالى: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ التّوبة:40،معناه أنّه ثاني اثنين في التّناصر.و قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ المائدة:73،لأنّهم أوجبوا مشاركته فيما ينفرد به من القدم و الإلهيّة.فأمّا قوله تعالى: إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ المجادلة:7،فمعناه أنّه يشاهدهم،كما تقول للغلام:اذهب حيث شئت فأنا معك،تريد أنّ خبره لا يخفى عليك.(114-116)

القيسيّ: أصل أحد:وحد،فأبدلوا من الواو همزة،و هو قليل في الواو المفتوحة.و«أحد»بمعنى واحد.

و قيل أصل أحد:و أحد،فأبدلوا من الواو همزة، فاجتمع همزتان،فحذفت الواحدة تخفيفا،فهو«و أحد» في الأصل.

و قد قيل:إنّ«أحدا»بمعنى الأوّل،لا إبدال فيه و لا تغيير،بمنزلة:اليوم الأحد و كقولهم:لا أحد في الدّار.

و في«أحد»فائدة ليست في«واحد»،لأنّك إذا قلت:لا يقوم لزيد واحد،جاز أن يقوم له اثنان فأكثر، و إذا قلت:لا يقوم له أحد،نفيت الكلّ،و هذا إنّما يكون في النّفي خاصّة.فأمّا في الإيجاب فلا يكون فيه ذلك المعنى.

و«أحد»إذا كان بمعنى«واحد»وقع في الإيجاب، تقول:مرّ بنا أحد،أي واحد،فكذا قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ أي واحد.(2:509)

ابن سيده: الأحد:من الأيّام معروف،تقول:مضى الأحد بما فيه،فتفرد و تذكّر،عن اللّحيانيّ؛و الجمع:ّ.

ص: 435


1- كذا و الظّاهر:هربوا في أحدى،مثل الكبرى إلى إحدى ليخفّ.

آحاد و أحدان.

و استأحد الرّجل:انفرد.

و ما استأحد بهذا الأمر:لم يشعر به،يمانية.

و أحد:جبل.(3:407)

«إحدى»صيغة مضروبة للتّأنيث على غير بناء الواحد،كبنت من ابن،و أخت من أخ.

(ابن منظور 3:447)

الطّوسيّ: أمّا إحدى فهو مؤنّث الواحد،و الواحد الّذي مؤنّثه إحدى إنّما هو اسم و ليس بوصف،و لذلك جاء«إحدى»على بناء لا يكون للصّفات أبدا،كما كان الّذي هو مذكّره كذلك.(2:378)

لفظ«أحد»لواحد من المضاف إليه،ممّا له مثل صفة المضاف في الإفراد،نحو:أحد الإنسانين،و أحد الدّرهمين،فهو إنسان و درهم لا محالة.و البعض يحتمل أن يكون لاثنين فصاعدا،و لذلك إذا قال:جاءني أحد الرّجال،فهم منه أنّه جاءه واحد منهم.و إذا قال:

جاءني بعض الرّجال،جاز أن يكون أكثر من واحد.

(6:143)

أصل أحد:وحد،فقلبت الواو همزة،كما قيل:وناة و أناة،لأنّ الواو مكروهة أوّلا.و قد جاء«وحد»على الأصل.[ثمّ استشهد بشعر]

و حقيقة«الوحد»شيء لا ينقسم في نفسه أو معنى صفته،فإذا أطلق«أحد من غير تقدّم موصوف،فهو أحد نفسه،فإذا جرى على موصوف فهو أحد في معنى صفته.فإذا قيل:الجزء الّذي لا يتجزّأ واحد،فهو واحد في معنى صفته،و إذا وصف تعالى بأنّه أحد،فمعناه أنّه المختصّ بصفات لا يشاركه فيها غيره؛من كونه قديما و قادرا لنفسه،و عالما و حيّا و موجودا كذلك،و أنّه تحقّ له العبادة و لا تجوز لأحد سواه.

و لا يجوز أن يكون(أحد)هذه هي الّتي تقع في النّفي، لأنّها أعمّ العامّ على الجملة أحد (1)،و التّفصيل، فلا يصلح ذلك في الإيجاب،كقولك:ما في الدّار أحد،أي ما فيها واحد فقط و لا أكثر،و يستحيل هذا في الإيجاب.

(10:430)

الرّاغب: «أحد»يستعمل على ضربين:أحدهما في النّفي فقط،و الثّاني في الإثبات.

فأمّا المختصّ بالنّفي فقط فلاستغراق جنس النّاطقين،و يتناول القليل و الكثير على طريق الاجتماع و الافتراق،نحو:ما في الدّار أحد،أي واحد،و لا اثنان فصاعدا،و لا مجتمعين و لا مفترقين.و لهذا المعنى لم يصحّ استعماله في الإثبات،لأنّ نفي المتضادّين يصحّ و لا يصحّ إثباتهما،فلو قيل:في الدّار واحد،لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين و مفترقين، و ذلك ظاهر لا محالة.و لتناول ذلك ما فوق الواحد،يصحّ أن يقال:ما من أحد فاضلين،كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47.

و أمّا المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه:

الأوّل:في الواحد المضموم إلى العشرات،نحو أحد عشر،و أحد و عشرين.

الثّاني:أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى «الأوّل»،كقوله تعالى: أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُا.

ص: 436


1- كذا.

خَمْراً يوسف:41،و قولهم:يوم الأحد،أي يوم الأوّل و يوم الاثنين.

و الثّالث:أنّ يستعمل مطلقا وصفا،و ليس ذلك إلاّ في وصف اللّه تعالى بقوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1،و أصله:وحد،و لكن«وحد»يستعمل في غيره.[ثمّ استشهد بشعر](12)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:91)

الحريريّ: لفظة«أحد»تستغرق الجنس الواقع على المثنّى و الجمع،و ليست بمعنى واحد،يعضد ذلك قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32،و كذلك إذا قلت:ما جاءني أحد،فقد اشتمل هذا النّفي على استغراق الجنس من المذكّر و المؤنّث،و المثنّى و الجمع.(61)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لسعد بن أبي وقّاص و رآه يومئ بإصبعيه:«أحّد،أحّد»أراد وحّد،فقلب الواو بهمزة،كما قيل:أحد و أحاد و إحدى،فقد تلعّب بها القلب مضمومة و مكسورة و مفتوحة.و المعنى أشر بإصبع واحدة.

ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: سئل عن رجل تتابع عليه رمضانان فسكت،ثمّ سأله آخر،فقال:«إحدى من سبع،يصوم شهرين و يطعم مسكينا»أراد أنّ هذه المسألة في صعوبتها و اعتياصها داهية،فجعلها كواحدة من ليالي عاد السّبع الّتي ضربت مثلا في الشّدّة.تقول العرب في الأمر المتفاقم:إحدى الإحد،و إحدى من سبع.(الفائق 1:26)

الطّبرسيّ: «أحد»أصله:وحد،فقلبت الواو همزة،و مثله«أناة»،و أصله:وناة.

و هو على ضربين:أحدهما:أن يكون اسما، و الآخر:أن يكون صفة،فالاسم نحو أحد و عشرون، يريد به الواحد،و الصّفة كما في قول النّابغة:

كأنّ رحلي و قد زال النّهار بنا

بذي الجليل على مستأنس وحد

و كذلك قولهم:«واحد»،يكون اسما كالكاهل و الغارب،و منه قولهم:واحد،اثنان،ثلاثة.و تكون صفة،كما في قول الشّاعر:«فقد رجعوا كحيّ واحدينا»

و قد جمعوا«أحدا»الّذي هو الصّفة على«أحدان»، قالوا:أحد و أحدان،شبّهوه بسلق و سلقان.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا جمع ل«أحد»الّذي يراد به الرّفع من الموصوف و التّعظيم له،و أنّه منفرد عن الشّبه و المثل.و قالوا:هو أحد الأحد،إذا رفع منه و عظم،و قالوا:أحد الأحدين و احد الآحاد.

و حقيقة«الواحد»شيء لا ينقسم في نفسه أو في معنى صفته،فإذا أطلق«واحد»من غير تقدّم موصوف فهو واحد في نفسه،و إذا أجري على موصوف فهو واحد في معنى صفته.فإذا قيل:الجزء الّذي لا يتجزّأ واحد،أريد أنّه واحد في نفسه،و إذا قيل:هذا الرّجل إنسان واحد، فهو واحد في معنى صفته،و إذا وصف اللّه تعالى بأنّه واحد،فمعناه أنّه المختصّ بصفات لا يشاركه فيها أحد غيره،نحو كونه قادرا لنفسه عالما حيّا موجودا كذلك.

(5:562)

الفخر الرّازيّ: في«أحد»وجهان:

ص: 437

أحدهما:أنّه بمعنى واحد،و أصل أحد:وحد، إلاّ أنّه قلبت الواو همزة للتّخفيف.و أكثر ما يفعلون هذا بالواو المضمومة و المكسورة،كقولهم:وجوه و أجوه، و وسادة و إسادة.

و القول الثّاني:أنّ«الواحد و الأحد»ليسا اسمين مترادفين.[ثمّ نقل قول الأزهريّ في امتناع توصيف غير اللّه تعالى بأحد و قال:]

و ذكروا في الفرق بين«الواحد و الأحد»وجوها:

أحدها:أنّ الواحد يدخل في الأحد،و الأحد لا يدخل فيه.

و ثانيها:أنّك إذا قلت:فلان لا يقاومه واحد،جاز أن يقال:لكنّه يقاومه اثنان،بخلاف«الأحد»فإنّك لو قلت:فلان لا يقاومه أحد،لا يجوز أن يقال:لكنّه يقاومه اثنان.

و ثالثها:أنّ الواحد يستعمل في الإثبات،و الأحد في النّفي،تقول في الإثبات:رأيت رجلا واحدا،و تقول في النّفي:ما رأيت أحدا،فيفيد العموم.(32:178)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى:الأحد،و هو الفرد الّذي لم يزل وحده و لم يكن معه آخر،و هو اسم بني لنفي ما يذكر معه من العدد،تقول:ما جاءني أحد،و الهمزة فيه بدل من الواو،و أصله:وحد،لأنّه من الوحدة.

و في حديث ابن عبّاس:«و سئل عن رجل تتابع عليه رمضانان،فقال:إحدى من سبع»،يعني اشتدّ الأمر فيه.و يريد به إحدى سني يوسف عليه السّلام المجدبة.

فشبّه حاله بها في الشّدّة،أو من اللّيالي السّبع الّتي أرسل اللّه فيها العذاب على عاد.(1:27)

2Lالصّغانيّ: يقال في الأمر المتفاقم:إحدى الإحد [ثمّ استشهد بشعر]و يقال:فلان إحدى الإحد،كما يقال:واحد لا مثل له؛يقال:هو إحدى الإحد،و واحد الأحدين،و أحد الأحدين،و واحد الآحاد.

و أحدت إليه؛أي عهدت إليه،قلبوا«العين»همزة و«الهاء»حاء،و حروف الحلق قد يقام بعضها مقام بعض.[ثمّ استشهد بشعر](2:189)

ابن منظور:الوحد و الأحد كالواحد،همزته أيضا بدل من واو.(3:448)

«الواحد»منفرد بالذّات في عدم المثل و النّظير، و«الأحد»منفرد بالمعنى.(3:451)

أوحده اللّه:جعله واحد زمانه،و فلان أوحد أهل زمانه،و الجمع:أحدان مثل:أسود و سودان.

(3:452)

الفيّوميّ: أحد،أصله:وحد،فأبدلت الواو همزة، و يقع على الذّكر و الأنثى،و في التّنزيل يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32،و يكون بمعنى شيء،و عليه قراءة ابن مسعود وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ الممتحنة:11،أي شيء.و يكون«أحد» مرادفا ل«واحد»في موضعين سماعا:

أحدهما:وصف اسم البارئ تعالى،فيقال:هو الواحد و هو الأحد،لاختصاصه بالأحديّة فلا يشركه فيها غيره،و لهذا لا ينعت به غير اللّه تعالى،فلا يقال:

رجل أحد و لا درهم أحد،و نحو ذلك.

و الموضع الثّاني:أسماء العدد للغلبة و كثرة الاستعمال،فيقال:أحد و عشرون،و واحد و عشرون.

ص: 438

و في غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال،بأنّ «الأحد»لنفي ما يذكر معه،فلا يستعمل إلاّ في الجحد لما فيه من العموم،نحو:ما قام أحد،أو مضافا نحو:ما قام أحد الثّلاثة.

و«الواحد»اسم لمفتتح العدد،و يستعمل في الإثبات مضافا و غير مضاف،فيقال:جاءني واحد من القوم.

و أمّا تأنيث«أحد»فلا يكون إلاّ بالألف،لكن لا يقال:إحدى إلاّ مع غيرها نحو:إحدى عشرة، و إحدى و عشرون.

قال ثعلب: و ليس«للأحد»جمع،و أمّا«الآحاد» فيحتمل أن يكون جمع الواحد،مثل شاهد و أشهاد.

قالوا:و إذا نفي«أحد»اختصّ بالعاقل،و أطلقوا فيه القول.

و قد تقدّم أنّ«الأحد»يكون بمعنى شيء،و هو موضوع للعموم؛فيكون كذلك،فيستعمل لغير العاقل أيضا نحو:ما بالدّار من أحد،أي من شيء عاقلا كان أو غير عاقل،ثمّ يستثنى فيقال:إلاّ حمارا و نحوه؛فيكون الاستثناء متّصلا.و صرّح بعضهم بإطلاق«أحد»على غير العاقل،لأنّه بمعنى شيء كما تقدّم.

و تأنيث«الواحد»«واحدة»بالهاء،و يوم الأحد منقول من ذلك،و هو علم على معيّن،و جمعه:آحاد، مثل سبب و أسباب.(2:650)

الجرجانيّ: «الأحد»هو اسم الذّات مع اعتبار تعدّد الصّفات و الأسماء و الغيب.

و التّعيّنات الأحديّة اعتبارها من حيث هي هي بلا إسقاطها و لا إثباتها بحيث يندرج فيها لسبب الخطرة الواحدة.

أحديّة الجمع:معناه لا تنافيه الكثرة.

أحديّة الكثرة:معناه واحد يتعلّق كثرة نسبيّة و يسمّى هذا بمقام الجمع و احديّة الجمع.

و أحديّة العين:هي من حيث إغناؤه عنّا و عن الأسماء و يسمّى هذا جمع الجمع.(5)

الفيروزآباديّ: «الأحد»بمعنى الواحد و يوم من الأيّام،جمعه:آحاد و أحدان.

أو ليس له جمع،أو«الأحد»لا يوصف به إلاّ اللّه سبحانه و تعالى،لخلوص هذا الاسم الشّريف له تعالى و يقال للأمر المتفاقم:إحدى الإحد،و فلان أحد الأحدين،و واحد الأحدين،و واحد الآحاد،و إحدى الإحد؛أي لا مثل له.و هو أبلغ المدح.و أتى بإحدى الإحد،أي بالأمر المنكر العظيم.

و أحد،كسمع:عهد.و استأحد و اتّحد:انفرد.

و جاءوا أحاد،ممنوعين للعدل،أي واحدا واحدا، و ما استأحد به:لم يشعر.

و أحّد العشرة تأحيدا،أي صيّرها أحد عشر.

و الاثنين،أي واحدة.

و يقال:ليس للواحد تثنية،و لا للاثنين واحد من جنسه.(1:283)

الشّربينيّ:جاء في«الواحد»عن العرب لغات كثيرة يقال:واحد و أحد و وحد و وحيد و وحاد و أحاد و موحد و أوحد.و هذا كلّه راجع إلى معنى«الواحد»، و إن كان في ذلك معان لطيفة.و لم يجئ في صفات اللّه

ص: 439

تعالى إلاّ الواحد و الأحد.(4:609)

الجزائريّ: قال بعض المحقّقين:الواحد:الفرد الّذي لم يزل وحده و لم يكن معه آخر،و الأحد:الفرد الّذي لا يتجزّأ و لا يقبل الانقسام.فالواحد،هو المتفرّد بالذّات في عدم المثل،الأحد:المتفرّد بالمعنى.

و قيل:المراد ب«الواحد»نفي التّركيب و الأجزاء الخارجيّة و الذّهنيّة عنه تعالى و ب«الأحد»نفي الشّريك عنه في ذاته و صفاته.

و قيل:«الواحديّة»لنفي المشاركة في الصّفات، و«الأحديّة»لتفرّد الذّات،و لمّا لم ينفكّ عن شأنه تعالى أحدهما عن الآخر قيل:«الواحد و الأحد»في حكم اسم واحد.و قد يفرّق بينهما في الاستعمال من وجوه:

أحدها:أنّ«الواحد»يستعمل وصفا مطلقا، و«الأحد»يختصّ بوصف اللّه تعالى،نحو: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1.

الثّاني:أنّ«الواحد»أعمّ موردا،لأنّه يطلق على من يعقل و غيره،و«الأحد»لا يطلق إلاّ على من يعقل.

الثّالث:أنّ«الواحد»يجوز أن يجعل له ثان،لأنّه لا يستوعب جنسه بخلاف«الأحد»،أ لا ترى أنّك لو قلت:فلان لا يقاومه واحد،جاز أن يقاومه اثنان و أكثر،و لو قلت:لا يقاومه أحد،لم يجز أن يقاومه اثنان و لا أكثر.فهو أبلغ.

الرّابع:أنّ«الواحد»يدخل في الحساب و الضّرب و العدد و القسمة،و«الأحد»يمتنع دخوله في ذلك.

الخامس:أنّ«الواحد»يؤنّث بالتّاء،و«الأحد» يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.

السّادس:أنّ«الواحد»لا يصلح للإفراد و الجمع، بخلاف«الأحد»فإنّه يصلح لهما،و لهذا وصف بالجمع في قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47.

السّابع:أنّ«الواحد»لا جمع له من لفظه،لا يقال:

الواحدون.و«الأحد»له جمع من لفظه،و هو أحدون و آحاد.

و أمّا المتوحّد فهو البليغ في الوحدانيّة كالمتكبّر:

البليغ في الكبرياء.(38)

نحوه خليل ياسين،إذ ذكر أربعة من الفروق بتفاوت يسير.(2:346)

الزّبيديّ:«الأحد»قيل:هو أوّل الأسبوع،كما مال إليه كثيرون،و قيل:هو ثاني الأسبوع.

و«الأحد»المعرّف باللاّم الّذي لم يقصد به العدد المركّب كالأحد عشر و نحوه،لا يوصف به إلاّ حضرة جناب اللّه سبحانه و تعالى،لخلوص هذا الاسم الشّريف له تعالى،و هو الفرد الّذي لم يزل وحده و لم يكن معه آخر.و قيل:أحديّته،معناها أنّه لا يقبل التّجزّؤ، لنزاهته عن ذلك.و قيل:الأحد:الّذي لا ثاني له في ربوبيّته،و لا في ذاته،و لا في صفاته جلّ شأنه.

و يقال للأمر المتفاقم:إحدى الإحد.و إحدى:

مؤنّث و ألفه للتّأنيث،كما هو رأي الأكثر،و قيل:

للإلحاق.

و«الإحد»-بكسر الهمزة و فتح الحاء كعبر،كما هو المشهور،و ضبطه بعض شرّاح التّسهيل بضمّ ففتح كغرف-قال شيخنا:و المعروف«الأوّل»؛لأنّه جمع

ص: 440

ل«إحدى»،و هي مكسورة.و«فعلى»مكسورا لا يجمع على«فعل»بالضّمّ؛و قصدهم بهذا إضافة المفرد إلى جمعه مبالغة على ما صرّحوا.قال الشّهاب:و هذا الجمع و إن عرف في المؤنّث بالتّاء لكنّه جمع به المؤنّث بالألف حملا لها على أختها،أو يقدّر له مفرد مؤنث بهاء،كما حقّقه السّهيليّ في«ذكرى و ذكر».

و سئل سفيان الثّوريّ عن سفيان بن عيينة،قال:

ذاك أحد الأحدين.قال أبو الهيثم:هذا أبلغ المدح،قال:

ثمّ الظّاهر أنّ هذا الجمع مستعمل للعقلاء فقط.

و في شروح التّسهيل خلافه،فإنّهم قالوا في هذا التّركيب:المراد به إحدى الدّواهي،لكنّهم يجمعون ما يستعظمونه جمع العقلاء.و وجهه عند الكوفيّين حتّى لا يفرق بين القلّة و الكثرة.و في اللّباب:ما لا يعقل يجمع جمع المذكّر في أسماء الدّواهي تنزيلا له منزلة العقلاء في شدّة النّكاية.

و قال الدّمامينيّ في شرح التّسهيل:الّذي ثبت استعماله في المدح«أحد و إحدى»مضافين إلى جمع من لفظهما كأحد و أحدين،أو إلى وصف كأحد العلماء.و لم يسمع في أسماء الأجناس.

و إحدى الإحد،أي لا مثل له.و الفرق بين إحدى الإحد هذا و إحدى الإحد السّابق بالكلام؛يقال ذلك عند قصد تعظيم الأمر و تهويله،و يقال:فلان أحد الأحد،أي واحد لا نظير له.فلا فرق في اللّفظ و لا في الضّبط،و به تعلم أنّه لا تكرار،لأنّ الإطلاق مختلف.

[هذا خلاصة كلامه في«إحدى الإحد»فراجع]

(2:287)

2Lالآلوسيّ: في«الكشّاف»أنّ«أحدا»الموضوع في النّفي العامّ همزته أصليّة غير منقلبة عن«الواحد».و قد نصّ على ذلك أبو عليّ،و خالف فيه الرّضيّ،فنقل عنه:

أنّ همزة«أحد»في كلّ مكان بدل من الواو، و المشهور التّفرقة بين الواقع في النّفي العامّ،و الواقع في الإثبات،بأنّ همزة الأوّل أصليّة و همزة الثّاني منقلبة عن الواو.

و في العقد المنظوم في ألفاظ العموم للفاضل القرافيّ:

قد أشكل هذا على كثير من الفضلاء،لأنّ اللّفظين صورتهما واحدة و معنى«الوحدة»يتناولهما،و الواو فيها أصليّة؛فيلزم قطعا انقلاب ألف«أحد»مطلقا عنها، و جعل ألف أحدهما منقلبا دون ألف الآخر تحكّم.

و قد اطّلعني اللّه تعالى على جوابه،و هو أنّ«أحدا» الّذي لا يستعمل إلاّ في النّفي،معناه إنسان بإجماع أهل اللّغة،و«أحدا»الّذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد،فإذا تغاير مسمّاهما تغاير اشتقاقهما،لأنّه لا بدّ فيه من المناسبة بين اللّفظ و المعنى،و لا يكفي فيه أحدهما،فإذا كان المقصود به«الإنسان»فهو الّذي لا يستعمل إلاّ في النّفي و همزته أصليّة و إن قصد به «العدد،و نصف الاثنين»فهو الصّالح للإثبات و النّفي، و ألفه منقلبة عن واو.(22:4)

«أحد»قالوا:همزته مبدلة من الواو و أصله:وحد، و إبدال الواو المفتوحة همزة قليل،و منه قولهم:امرأة أناة،يريدون«وناة»،لأنّه من الوني،و هو الفتور.

و هذا بخلاف«أحد»الّذي يلازم النّفي و نحوه،و يراد به العموم،كما في قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ

ص: 441

حاجِزِينَ الحاقّة:47،و قوله عليه الصّلاة و السّلام:

«أحلّت لي الغنائم و لم تحلّ لأحد قبلي»،و قوله تعالى:

هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98،و قوله سبحانه:

فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً الجنّ:18،و قوله عزّ و جلّ : وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ التّوبة:6،فإنّ همزته أصليّة.

و قيل:الهمزة فيه أصليّة كالهمزة في«الآخر».

(30:271)

[نقل قول الرّاغب و ثعلب ثمّ قال:]

و فرّق بعضهم بينهما[الواحد و الأحد]أيضا بأنّ «الأحد»في النّفي نصّ في العموم بخلاف«الواحد»فإنّه محتمل للعموم و غيره،فيقال:ما في الدّار أحد،و لا يقال:

بل اثنان.و يجوز أن يقال:ما في الدّار واحد بل اثنان.

و نقل عن بعض الحنفيّة أنّه قال في التّفرقة بينهما:إنّ «الأحديّة»لا تحتمل الجزئيّة و العدديّة بحال، و«الواحديّة»تحتملها،لأنّه يقال:مائة واحدة و ألف واحد،و لا يقال:مائة أحد و لا ألف أحد.و بنى على ذلك مسألة الإمام محمّد بن الحسن الّتي ذكرها في«الجامع الكبير»:إذا كان لرجل أربع نسوة،فقال:و اللّه لا أقرب واحدة منكنّ،صار مؤليا منهنّ جميعا،و لم يجز أن يقرب واحدة منهنّ إلاّ بكفّارة،و لو قال:و اللّه لا أقرب إحداكنّ،لم يصر مؤليا إلاّ من إحداهنّ.و البيان إليه.

و فرّق الخطّابيّ بأنّ«الأحديّة»لتفرّد الذّات و«الواحديّة»لنفي المشاركة في الصّفات.

و نقل عن المحقّقين التّفرقة بعكس ذلك.و لمّا لم ينفكّ في شأنه تعالى أحد الأمرين من الآخر قيل:الواحد الأحد في حكم اسم واحد.(30:272)

مجمع اللّغة:«أحد»يستعمل على ضربين:

أ-في النّفي،و ما في حكمه كالشّرط.

ب-في الإثبات.

فأمّا المختصّ بالنّفي و ما في حكمه،فإنّه لاستغراق الجنس،و يكون منكّرا يستوي فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث،على طريق الاجتماع و الافتراق.فإذا قلت:ما في الدّار أحد،أي ليس فيها واحد و لا اثنان فصاعدا،لا مجتمعين و لا مفترقين.

و أمّا المستعمل في الإثبات فإنّه يذكّر و يؤنّث و يعرّف و ينكّر،و يكون مضافا أو مضافا إليه،و يضمّ إلى العشرات عطفا أو تركيبا.و مؤنّثه إحدى.

و إذا جاء«أحد»في صفات اللّه،فمعناه الّذي لا ثاني له في ألوهيّته،و لا في ذاته،و لا في صفاته.(1:19)

الطّباطبائيّ: أحد:وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد،غير أنّ«الأحد»إنّما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا و لا ذهنا،و لذلك لا يقبل العدّ، و لا يدخل في العدد،بخلاف«الواحد»فإنّ كلّ واحد له ثان و ثالث إمّا خارجا و إمّا ذهنا،بتوهّم أو بفرض العقل،فيصير بانضمامه كثيرا.

و أمّا«الأحد»فكلّ ما فرض له ثانيا كان هو هو،لم يزد عليه شيء.و اعتبر ذلك في قولك:ما جاءني من القوم أحد،فإنّك تنفي به مجيء اثنين منهم و أكثر،كما تنفي مجيء واحد منهم،بخلاف ما لو قلت:ما جاءني واحد منهم،فإنّك إنّما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد، و لا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر؛و لإفادته هذا المعنى

ص: 442

لا يستعمل في الإيجاب مطلقا إلاّ فيه تعالى.

و من لطيف البيان في هذا الباب قول عليّ عليه أفضل السّلام في بعض خطبه في توحيده تعالى:«كلّ مسمّى بالوحدة غير قليل».(20:387)

المصطفويّ: الّذي يقوّي في النّفس أنّ النّسبة بين «أحد و وحد»هي الاشتقاق الأكبر،كما في أمثالهما من الكلمات المتقاربة لفظا و معنى،و الحكم بأنّ واحدا منهما أصل و الآخر فرع مشكل،و لا سيّما مع استعمال الصّيغ المشتقّة من كلّ واحد من المادّتين. وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ الليل:19،استعمل في مقام النّفي.

قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1،أطلق على اللّه تعالى.

إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ الأنفال:7، إِحْداهُنَّ النّساء:20، إِحْدَى ابْنَتَيَّ القصص:27،صيغة تأنيث استعملت مضافة.

إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ البقرة:180، أَمّا أَحَدُكُما يوسف:41، فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ يوسف:78، قالَ أَحَدُهُما يوسف:36،التّعبير بهذه الكلمة إشارة إلى عدم خصوصيّة فرد معيّن.و التّوجّه إلى الحكم لا إلى موضوع معيّن.(1:26)

النّصوص التّفسيريّة

احد

1- ...لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. البقرة:136

الزّمخشريّ: (أحد)في معنى الجماعة،و لذلك صحّ دخول(بين)عليه.(1:315)

مثله النّسفيّ(1:77)،و البروسويّ(1:242).

الطّبرسيّ: معنى(أحد منهم)،أي بين اثنين أو جماعة،و تقديره:لا نفرّق بين أحد و أحد منهم.

(1:217)

البيضاويّ: (أحد)لوقوعه في سياق النّفي عامّ، فساغ أن يضاف إليه(بين).(1:85)

أبو حيّان: (أحد)هنا قيل:هو المستعمل في النّفي، فأصوله الهمزة و الحاء و الدّال،و هو للعموم،فلذلك لم يفتقر(بين)إلى معطوف عليه؛إذ هو اسم عامّ تحته أفراد،فيصحّ دخول(بين)عليه،كما تدخل على المجموع،فتقول:المال بين الزّيدين.و لم يذكر الزّمخشريّ غير هذا الوجه.

و قيل:(أحد)هنا بمعنى«واحد»و الهمزة بدل من الواو؛إذ أصله:وحد،و حذف المعطوف لفهم السّامع، و التّقدير:بين أحد منهم و بين نظيره فاختصر،أو بين أحد منهم و الآخر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الوجه الأوّل أرجح،لأنّه لا حذف فيه.

(1:409)

أبو السّعود: همزة(أحد)إمّا أصليّة،فهو اسم موضوع لمن يصلح أن يخاطب،يستوي فيه المفرد و المثنّى و المجموع،و المذكّر و المؤنّث،و لذلك صحّ دخول (بين)عليه،كما في مثل:المال بين النّاس،و منه ما في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرّءوس غيركم»؛حيث وصف بالجمع.

و إمّا مبدلة من الواو،فهو بمعنى واحد،و عمومه

ص: 443

لوقوعه في حيّز النّفي،و صحّة دخول(بين)عليه، باعتبار معطوف قد حذف لظهوره،أي بين أحد منهم و بين غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه من الدّلالة صريحا على تحقّق عدم التّفريق بين كلّ فرد فرد منهم،و بين من عداه كائنا من كان، ما ليس في أن يقال:«لا نفرّق بينهم».(1:129)

الآلوسيّ: (أحد)أصله:وحد،بمعنى واحد؛ و حيث وقع في سياق النّفي عمّ و استوى فيه الواحد و الكثير،و صحّ إرادة كلّ منهما.و قد أريد به هنا الجماعة،و لهذا ساغ أن يضاف إليه(بين)،و يفيد عموم الجماعات،كذا قاله بعض المحقّقين.

و هو مخالف لما هو المشهور عند أرباب العربيّة:من أنّ الموضوع في النّفي العامّ أو المستعمل مع«كلّ»في الإثبات همزته أصليّة،بخلاف ما استعمل في الإثبات بدون«كلّ»فإنّ همزته منقلبة عن واو.

و من هنا قال العلاّمة التّفتازانيّ:إنّ(أحد)في معنى الجماعة بحسب الوضع،لأنّه اسم لمن يصلح أن يخاطب، يستوي فيه المذكّر و المؤنّث و المفرد و المثنّى و المجموع، و يشترط أن يكون استعماله مع كلمة«كلّ»أو مع النّفي.

نصّ على ذلك أبو عليّ و غيره من أئمّة العربيّة و هذا غير الأحد الّذي هو أوّل العدد في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1،و ليس كونه في معنى الجماعة،من جهة كونه نكرة في سياق النّفي،على ما سبق إلى كثير من الأوهام.أ لا ترى أنّه لا يستقيم،لا نفرّق بين رسول من الرّسل،إلاّ بتقدير عطف،أي رسول و رسول، و لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32،ليس في معنى كامرأة منهنّ.انتهى.

و أنت بعد التّأمّل تعلم أنّ ما ذكره العلاّمة لا يرد على ذلك البعض،و إنّما ترد عليه المخالفة في الأصالة و عدمها فقط.و لعلّ الأمر فيها سهل،على أنّ دعوى عدم تلك الاستقامة إلاّ بذلك التّقدير غير مجمع عليه.

فقد ذكر في«الانتصاف»أنّ النّكرة الواقعة في سياق النّفي تفيد العموم لفظا عموما شموليّا حتّى ينزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناوله الآحاد مطابقة،لا كما ظنّه بعض الأصوليّين من أنّ مدلولها بطريق المطابقة في النّفي كمدلولها في الإثبات،و جعل هذا التّعدّد و العموم وضعا هو المسوّغ لدخول(بين)عليها هنا.

و من النّاس من جوّز كون«أحد»في الآية بمعنى «واحد»،و عمومه بدليّ،و صحّة دخول(بين)عليه باعتبار معطوف قد حذف لظهوره بين أحد منهم و غيره.

و فيه من الدّلالة على تحقّق التّفريق بين كلّ فرد فرد منهم،و بين من عداه كائنا من كان،ما ليس في أن يقال:

لا نفرّق بينهم،و لا يخفى ما فيه.(1:395)

2- ...لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ... البقرة:285

ابن قتيبة: (أحد)في معنى جميع،كأنّه قال:

لا نفرّق بين رسله،فنؤمن بواحد،و نكفر بواحد.(100)

نحوه الزّمخشريّ.(1:407)

ممّا يخالف ظاهر اللّفظ معناه«واحد»يراد به جميع، كقوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ و التّفريق

ص: 444

لا يكون إلاّ بين اثنين فصاعدا.

(تأويل مشكل القرآن:284)

الفخر الرّازيّ: (أحد)في معنى الجمع،كقوله:

فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47، و التّقدير:لا نفرّق بين جميع رسله.هذا هو الّذي قالوه.

و عندي أنّه لا يجوز أن يكون(أحد)هاهنا في معنى الجمع،لأنّه يصير التّقدير:لا نفرّق بين جميع رسله، و هذا لا ينافي كونهم مفرّقين بين بعض الرّسل.و المقصود بالنّفي هو هذا،لأنّ اليهود و النّصارى ما كانوا يفرّقون بين كلّ الرّسل،بل بين البعض و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فثبت أنّ التّأويل الّذي ذكروه باطل،بل معنى الآية لا نفرّق بين أحد من الرّسل و بين غيره في النّبوّة؛ فإذا فسّرنا بهذا حصل المقصود من الكلام.(7:144)

الرّازيّ: فإن قيل:قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ كيف قال ذلك مع أنّ«بين»لا تضاف إلاّ إلى اثنين فصاعدا،فكيف قال: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ؟

قلنا:(أحد)هنا بمعنى الجمع الّذي هو آحاد،كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ الحاقّة:47،فإنّه ثمّ بمعنى الجمع؛بدليل قوله تعالى: حاجِزِينَ، فكأنّه قال:

لا نفرّق بين آحاد من رسله،كقولك:المال بين آحاد النّاس،و لأنّ«أحدا»يصلح للمفرد المذكّر و المؤنّث، و تثنيتهما و جمعهما نفيا و إثباتا،تقول:ما رأيت أحدا إلاّ بني فلان،أو إلاّ بنات فلان،سواء.و تقول:إن جاءك أحد بكتابي فأعطه وديعتي،يستوي فيه«الكلّ»، فالمعنى لا نفرّق بين اثنين منهم أو بين جماعة منهم،و منه قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32.(مسائل الرّازيّ:24)

القرطبيّ: (أحد)على الإفراد و لم يقل:آحاد،لأنّ «الأحد»يتناول الواحد و الجميع،كما قال تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ف(حاجزين)صفة لأحد، لأنّ معناه الجمع.و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرّءوس غيركم».[ثمّ استشهد بشعر]

(3:429)

نحوه النّسفيّ.(1:143)

النّيسابوريّ: (أحد)في معنى الجمع،أي بين كلّ منهم و بين آخر منهم،فإنّ النّكرة في سياق النّفي تعمّ، و لذلك صلحت لدخول(بين)عليها.(3:105)

نحوه البيضاويّ(1:146)،و الكاشانيّ(1:287)

أبو حيّان: (أحد)هنا هي المختصّة بالنّفي، و ما أشبهه فهي للعموم،فلذلك دخلت(من)عليها، كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،و المعنى بين آحادهم.[ثمّ استشهد بشعر]

قال بعضهم: (أحد)قيل:إنّه بمعنى جميع،و التّقدير:

بين جميع رسله.و يبعد عندي هذا التّقدير،لأنّه لا ينافي كونهم مفرّقين بين بعض الرّسل.و المقصود بالنّفي هو هذا،لأنّ اليهود و النّصارى ما كانوا يفرّقون بين كلّ الرّسل،بل البعض و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

فثبت أنّ التّأويل الّذي ذكروه باطل،بل معنى الآية لا يفرّق[بين]أحد من رسله و بين غيره في النّبوّة.

و فيه بعض تلخيص،و لا يعني من فسّرها بجميع، أو قال:هي في معنى الجميع،إلاّ أنّه يريد بها العموم،نحو ما قام أحد،أي ما قام فرد فرد من الرّجال مثلا و لا فرد

ص: 445

فرد من النّساء،لا أنّه نفي القيام عن الجميع،فيثبت لبعض.

و يحتمل عندي أن يكون ممّا حذف فيه المعطوف لدلالة المعنى عليه،و التّقدير،لا يفرّق بين أحد من رسله و بين أحد؛فيكون أحد هنا بمعنى واحد،لا أنّه اللّفظ الموضوع للعموم في النّفي.و من حذف المعطوف سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81،أي و البرد.[ثمّ استشهد بشعر](2:365)

الشّربينيّ: أي جمع(من رسله)فنؤمن ببعض و نكفر ببعض،كما فعل اليهود و النّصارى.ف«أحد»اسم لمن يصلح أن يخاطب،يستوي فيه الواحد و المثنّى و المجموع،و المذكّر و المؤنّث؛فحيث أضيف(بين)إليه، أو أعيد ضمير جمع إليه،أو نحو ذلك،فالمراد به جمع من الجنس الّذي يدلّ الكلام عليه.

و يجوز أن يقدّر القول مفردا باعتبار«كلّ»،و إنّما احتيج إلى التّقدير لأجل قوله تعالى:(لا نفرّق)،و لو قال تعالى:لا يفرّقون،لم يحتج إلى ذلك.(1:191)

أبو السّعود: فيه من الدّلالة صريحا على تحقّق عدم التّفريق بين كلّ فرد فرد منهم،و بين من عداه كائنا من كان،ما ليس في أن يقال:لا نفرّق بين رسله؛و إيثار إظهار الرّسل على الإضمار الواقع مثله في قوله تعالى:

وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ البقرة:136،إمّا للاحتراز عن توهّم اندراج الملائكة في الحكم،أو للإشعار بعلّة عدم التّفريق،أو للإيماء إلى عنوانه،لأنّ المعتبر عدم التّفريق من حيث الرّسالة، دون سائر الحيثيّات الخاصّة.(1:208)

2Lالبروسويّ: (أحد)هنا بمعنى الجمع،أي الآحاد، فلذلك أضيف إليه(بين)،لأنّه لا يضاف إلاّ إلى المتعدّد، و«الأحد»وضع لنفي ما يذكر معه من العدد،و«الواحد» اسم لمفتتح العدد،و الواحد الّذي لا نظير له،و الوحيد الّذي لا نصير له.(1:446)

3- ...قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ... آل عمران:73

القيسيّ: (أحد)في قراءة من مدّ(أن)بمعنى واحد، و إنّما جمع في قوله: أَوْ يُحاجُّوكُمْ لأنّه ردّه على معنى أحد،لأنّه بمعنى الكثرة.لكن«أحد»إذا كان في النّفي أقوى في الدّلالة على الكثرة منه إذا كان في الإيجاب.

و حسن دخول«أحد»بعد لفظ الاستفهام،لأنّه بمعنى الإنكار و الجحد،فدخلت«أحد»بعده،كما تدخل بعد الجحد الملفوظ به؛فيصلح على هذا أن تكون على أصلها في العموم و ليست بمعنى واحد.(1:145)

الميبديّ: قرأ ابن كثير (ان يؤتى أحد) ممدودا على معنى الاستفهام أي هل أوتي هو مثل ما أوتيتم،و من شواذّ القراءات (إن يؤت أحد) بكسر الألف أي و لا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم إن أوتي أحد مثل ما أوتيتم و المراد ب(أحد)محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم في كلّ هذه الوجوه.(2:167)

أبو حيّان: [ذكر الوجهين في إعراب (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) و هما:عطفه على ما قبله،و أن يكون (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) منصوبا بإضمار أن بعد(أو)بمعنى حتّى،ثمّ قال:]

و(أحد)في هذين القولين ليس الّذي يأتي في

ص: 446

العموم مختصّا به،لأنّ ذلك شرطه أن يكون في نفي أو في خبر نفي،بل(أحد)هنا بمعنى«واحد»و هو مفرد؛إذ عني به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّما جمع الضّمير في يحاجّوكم،لأنّه عائد على الرّسول و أتباعه،لأنّ الرّسالة تدلّ على الاتّباع.

و قال بعض النّحويّين: (أن)هنا للنّفي بمعنى«لا»، التّقدير:لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم،و نقل ذلك أيضا عن «الفرّاء»؛و تكون(أو)بمعنى«إلاّ»،و المعنى إذ ذاك لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاّ أن يحاجّوكم،فإنّ إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم و محاجّتكم عند ربّكم،لأنّ من آتاه اللّه الوحي لا بدّ أن يحاجّهم عند ربّهم في كونهم لا يتّبعونه،فقوله: (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) حال من جهة المعنى لازمة؛إذ لا يوحي اللّه إلى رسول إلاّ و هو محاجّ مخالفيه.

و في هذا القول يكون(أحد)هو الّذي للعموم،لتقدّم النّفي عليه،و جمع الضّمير في(يحاجّوكم)حملا على معنى (أحد)،كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،جمع(حاجزين)حملا على معنى (أحد)لا على لفظه؛إذ لو حمل على لفظه لأفرد.[ثمّ نقل الأقوال في إعراب جملة (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) و أضاف:]

أمّا(أحد)على هذه الأقوال فإن كان الّذي للعموم و كان ما قبله مقدّرا بالنّفي كقول بعضهم:إنّ المعنى لا يؤتى،أو إنّ المعنى أن لا يؤتى أحد،فهو جار على المألوف في لسان العرب،من أنّه لا يأتي إلاّ في النّفي أو ما أشبه النّفي كالنّهي،و إن كان الفعل مثبتا يدخل هنا،لأنّه تقدّم النّفي في أوّل الكلام،كما دخلت(من)في قوله:

أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ البقرة:105،للنّفي قبله في قوله:(ما يودّ).[ثمّ نقل قراءة ابن كثير: (أن يؤتى أحد) بالمدّ على الاستفهام،و قال:]

قال أبو عليّ: و(أحد)على قراءة ابن كثير،هو الّذي لا يدلّ على الكثرة،و قد منع الاستفهام القاطع من أن يشيع،لامتناع دخوله في النّفي الّذي في أوّل الكلام، فلم يبق إلاّ أنّه«أحد»الّذي في قولك:أحد و عشرون، و هو يقع في الإيجاب،لأنّه في معنى«واحد»،و جمع ضميره في قوله أَوْ يُحاجُّوكُمْ حملا على المعنى إذ لأحد،المراد (1)بمثل النّبوّة أتباع،فهو في المعنى للكثرة.

و قال أبو عليّ: و هذا موضع ينبغي أن ترجّح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير،لأنّ الأسماء المفردة ليس بالمستمرّ أن يدلّ على الكثرة.

(2:495،496)

4- إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ...

آل عمران:153

الميبديّ:(أحد)هنا هو الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:310)

السّيوطيّ: قرئ(أحد)شاذّا.(4:86)

5- ...أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ...

النّساء:43

أبو حيّان: فيه تغليب الخطاب؛إذ قد اجتمع خطاب و غيبة،فالخطاب: (كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ... أَوْ».

ص: 447


1- كذا،و الظّاهر بدل«المراد»«المؤتى»بدليل قوله«ان يؤتى».

لامَسْتُمُ) ،و الغيبة قوله: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ) ؛و ما أحسن ما جاءت هذه الغيبة!لأنّه لمّا كنّى عن الحاجة بالغائط كره إسناد ذلك إلى المخاطبين،فنزع به إلى لفظ الغائب بقوله:(أو جاء أحد)،و هذا من أحسن الملاحظات، و أجمل المخاطبات.(3:259)

الآلوسيّ: في ذكر(أحد)فيه:[الغائط]دون غيره إيماء إلى أنّ الإنسان ينفرد عند قضاء الحاجة،كما هو دأبه و أدبه.و قيل:إنّما ذكر و أسند المجيء إليه دون المخاطبين تفاديا عن التّصريح بنسبتهم إلى ما يستحي منه أو يستهجن التّصريح به.و الفعل عطف على(كنتم)، و الجارّ الأوّل متعلّق بمحذوف وقع صفة للنّكرة قبله، و الثّاني متعلّق بالفعل،أي و إن جاء أحد كائن منكم من الغائط.(5:41)

6- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ... الأحزاب:32

الزّجّاج: لم يقل:كواحدة من النّساء؛لأنّ«أحدا» للنّفي العامّ.(الطّبرسيّ 4:356)

الطّوسيّ: إنّما قال:«كأحد»،و لم يقل:كواحدة، لأنّ«أحدا»نفي عامّ للمذكّر و المؤنّث،و الواحد و الجماعة.(8:338)

نحوه الميبديّ.(8:43)

الزّمخشريّ: (أحد)في الأصل بمعنى«وحد»،و هو الواحد،ثمّ وضع في النّفي العامّ مستويا فيه المذكّر و المؤنّث و الواحد و ما وراءه.و المعنى:لستنّ كجماعة واحدة من جماعات النّساء،أي إذا تقصّيت أمّة النّساء جماعة جماعة لم توجد منهنّ جماعة واحدة تساويكنّ في الفضل و السّابقة،و مثله قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ النّساء:152،يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنّهم على الحقّ المبين.(3:259)

نحوه البيضاويّ(2:244)،و النّسفيّ(3:302)، و أبو السّعود(4:210)،و المراغيّ(22:4).

الفخر الرّازيّ: معنى قول القائل:ليس فلان كآحاد النّاس،يعنى ليس فيه مجرّد كونه إنسانا،بل وصف أخصّ موجود فيه،و هو كونه عالما أو عاملا أو نسيبا أو حسيبا،فإنّ الوصف الأخصّ إذا وجد لا يبقى التّعريف بالأعمّ،فإنّ من عرف رجلا و لم يعرف منه غير كونه رجلا،يقول:رأيت رجلا؛فإن عرف علمه يقول:

رأيت زيدا أو عمرا،فكذلك قوله تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ، يعني فيكنّ غير ذلك أمر لا يوجد في غيركنّ،و هو كونكنّ أمّهات جميع المؤمنين،و زوجات خير المرسلين،و كما أنّ محمّدا عليه السّلام ليس كأحد من الرّجال،كما قال عليه السّلام:«لست كأحدكم»،كذلك قرائبه اللاتى يشرّفن به.و بين الزّوجين نوع من الكفاءة.

(25:208)

القرطبيّ: قال:(كأحد)،و لم يقل:كواحدة،لأنّ أحدا نفي من المذكّر و المؤنّث،و الواحد و الجماعة.و قد يقال على ما ليس بآدميّ،يقال:ليس فيها أحد،لا شاة و لا بعير.(14:177)

أبو حيّان: أي ليس كلّ واحدة منكنّ كشخص واحد من النّساء،أي من نساء عصرك.

ص: 448

[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ،و أضاف:]

أمّا قوله:(أحد)في الأصل بمعنى«وحد»و هو الواحد فصحيح،و أمّا قوله:«ثمّ وضع...إلى قوله:

«و ما وراءه»،فليس بصحيح.لأنّ الّذي يستعمل في النّفي العامّ مدلوله غير مدلول واحد،لأنّ«واحدا» ينطلق على كلّ شيء اتّصف بالوحدة،و«أحد» المستعمل في النّفي العامّ مخصوص بمن يعقل.و ذكر النّحويّون أنّ مادّته:همزة و حاء و دال،و مادّة«أحد» بمعنى«وحد»أصله:واو و حاء و دال،فقد اختلفا مادّة و مدلولا.

و أمّا قوله:لستنّ كجماعة واحدة،فقد قلنا:إنّ قوله:(لستنّ)معناه ليست كلّ واحدة منكنّ،فهو حكم على كلّ واحدة واحدة[و]ليس حكما على المجموع من حيث هو مجموع.و قلنا:إنّ معنى(كأحد)كشخص واحد،فأبقينا«أحدا»على موضوعه من التّذكير،و لم نتأوّله بجماعة واحدة.

و أمّا وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ النّساء:152، فاحتمل أن يكون الّذي للنّفي العامّ،و لذلك جاء في سياق النّفي فعمّ،و صلحت البينيّة للعموم.و احتمل أن يكون(أحد)بمعنى واحد،و يكون قد حذف معطوف، أي بين واحد و واحد من رسله.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:228)

السّيوطيّ: كجماعة.(الجلالين 2:244)

البروسويّ: أصل أحد:وحد،بمعنى الواحد، قلبت واوه همزة على خلاف القياس،ثمّ وضع في النّفي العامّ مستويا فيه المذكّر و المؤنّث و الواحد و الكثير.

و المعنى:لستنّ كجماعة واحدة من جماعات النّساء في الفضل و الشّرف بسبب صحبة النّبيّ عليه السّلام،فإنّ المضاف إلى الشّريف شريف.(7:169)

الآلوسيّ: ذهب جمع من الرّجال إلى أنّ المعنى ليس كلّ واحدة منكنّ كشخص واحد من النّساء،أي من نساء عصركنّ،أي أنّ كلّ واحدة منكنّ أفضل من كلّ واحدة منهنّ لمّا امتازت بشرف الزّوجيّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أمومة المؤمنين.ف(أحد)باق على كونه وصف مذكّر إلاّ أنّ موصوفه محذوف،و لا بدّ من اعتبار الحذف في جانب المشبّه،كما أشير إليه.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ المتقدّم آنفا و قال:]و قد استعمل بمعنى المتعدّد أيضا،في قوله تعالى: وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ لمكان(بين)المقتضية للدّخول على متعدّد.

و حمل(أحد)على الجماعة على ما في«الكشف» ليطابق المشبّه،و المعنى على تفضيل نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على نساء غيره،لا النّظر إلى تفضيل واحدة على واحدة من آحاد النّساء،فإنّ ذلك ليس مقصودا من هذا السّياق،و لا يعطيه ظاهر اللّفظ.

و كون ذلك أبلغ لما يلزم عليه تفضيل جماعتهنّ على كلّ جماعة،و لا يلزم ذلك تفضيل كلّ واحدة على كلّ واحدة من آحاد النّساء،لو سلّم لكان إذا ساعده اللّفظ و المقام.

و اعترضه أيضا بعضهم بأنّه يلزم عليه أن يكون كلّ واحدة من نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل من فاطمة رضي اللّه تعالى عنها،مع أنّه ليس كذلك.

و أجيب عن هذا بأنّه لا مانع من التزامه،إلاّ أنّه

ص: 449

يلتزم كون الأفضليّة من حيث أمومة المؤمنين و الزّوجيّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لا من سائر الحيثيّات، فلا يضرّ فيه كون فاطمة رضي اللّه تعالى عنها أفضل من كلّ واحدة منهنّ لبعض الحيثيّات الأخر،بل هي من بعض الحيثيّات كحيثيّة البضعيّة أفضل من كلّ من الخلفاء الأربعة.

نعم أورد على ما في«الكشّاف»أنّ(أحد)الموضوع في النّفي العامّ همزته أصليّة غير منقلبة عن الواحد،و قد نصّ على ذلك أبو عليّ،و خالف فيه الرّضيّ؛فنقل عنه «أنّ همزة(أحد)في كلّ مكان بدل من الواو».و المشهور التّفرقة بين الواقع في النّفي العامّ و الواقع في الإثبات،بأنّ همزة الأوّل أصليّة و همزة الثّاني منقلبة عن الواو.

[و قال بعد نقل قول أبي حيّان:]

و لا يخفى على المنصف أنّ كون المعنى في الآية ما ذكره الزّمخشريّ أظهر،و تفضيل كلّ واحدة من نسائه صلّى اللّه عليه و سلّم على كلّ واحدة واحدة من سائر النّساء لا يلزم أن يكون لهذه الآية بل هو لدليل آخر،إمّا عقليّ أو نصّ،مثل قوله تعالى: وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ الأحزاب:6.

و قيل:يجوز أن يكون ذلك لها،فإنّها تفيد بحسب عرف الاستعمال تفضيل كلّ منهنّ على سائر النّساء،لأنّ فضل الجماعة على الجماعة يكون غالبا لفضل كلّ منهما.(22:3-5)

7- قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ. الإخلاص:1

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث](قل هو اللّه احد) بلا تأويل عدد.(الطّبرسيّ 5:566)

مثله عن الإمام الرّضا عليه السّلام.(العروسيّ 5:708)

عن شريح بن هانئ عن أبيه،قال:إنّ أعرابيّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام،فقال:يا أمير المؤمنين أ تقول:إنّ اللّه واحد؟قال:فحمل النّاس عليه،و قالوا:

يا أعرابيّ أ ما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«دعوه فإنّ الّذي يريده الأعرابيّ هو الّذي نريده من القوم»،ثمّ قال:«يا أعرابيّ إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام:فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ و جلّ،و وجهان يثبتان فيه،فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل:واحد،يقصد به باب الأعداد،فهذا ما لا يجوز،لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد،أ لا ترى أنّه كفر من قال:ثالث ثلاثة؟ و قول القائل:هو واحد من النّاس يريد به النّوع من الجنس.فهذا ما لا يجوز عليه لأنّه تشبيه،و جلّ ربّنا عن ذلك و تعالى.و أمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه،فقول القائل:هو واحد ليس له في الأشياء شبيه،كذلك ربّنا، و قول القائل:إنّه ربّنا عزّ و جلّ أحديّ المعنى،يعني به أنّه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم،كذلك ربّنا عزّ و جلّ» (1).(العروسيّ 5:709)

ابن عبّاس: معناه واحد،ليس كمثله شيء.(الطّبرسيّ 5:564)

لا فرق بين الواحد و الأحد في المعنى.

مثله أبو عبيدة.(الرّازيّ:388)ع.

ص: 450


1- الرّواية موجودة في توحيد الصّدوق ص 83،ط:نشر الإسلامي،قم،بتفاوت يسير،فراجع.

يعني غير مبعّض و لا مجزّأ،و لا يقع عليه اسم العدد و الزّيادة و لا النّقصان.(الطّريحيّ 3:6)

الإمام الباقر عليه السّلام: [في حديث]الأحد:الفرد المتفرّد،و الأحد و الواحد بمعنى واحد،و هو المتفرّد الّذي لا نظير له.

و التّوحيد:الإقرار بالوحدة و هو الانفراد، و الواحد:المباين الّذي لا ينبعث من شيء و لا يتّحد بشيء،و من ثمّ قالوا:إنّ بناء العدد من«الواحد»و ليس الواحد من العدد؛لأنّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين،فمعنى قوله:(اللّه احد)،أي المعبود الّذي يأله الخلق عن إدراكه،و الإحاطة بكيفيّته،فرد بإلهيّته متعال عن صفات خلقه.(الطّبرسيّ 5:565)

من صفة القديم أنّه واحد أحد صمد،أحديّ المعنى ليس بمعان كثيرة مختلفة (1).(العروسيّ 5:710)

الفرّاء: (أحد)هذا من صفاته أنّه واحد و أحد، و إن كان نكرة في اللّفظ،فإنّه مرفوع بالاستئناف، كقوله: هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72.

و قال الكسائيّ قولا لا أراه شيئا،قال: (هو)عماد، مثل قوله: إِنَّهُ أَنَا اللّهُ النّمل:9،فجعل(أحد) مرفوعا ب(اللّه)،و جعل(هو)بمنزلة الهاء في(إنّه)، و لا يكون العماد مستأنفا به حتّى يكون قبله«إنّ»أو بعض أخواتها،أو«كان»أو«الظّنّ».(3:299)

الّذي قرأ (أحد اللّه الصّمد) بحذف النّون من(أحد) يقول:النّون نون الإعراب،إذا استقبلتها الألف و اللاّم حذفت،و كذلك إذا استقبلتها ساكن،فربّما حذفت.

و ليس بالوجه،قد قرأت القرّاء (وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اَللّهِ) و عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،و التّنوين أجود.

[ثمّ استشهد بشعر](3:300)

(هو)كناية عن مفرد،و(اللّه)خبره،و(أحد)بدل من(اللّه)تعالى.

مثله الأخفش.(القيسيّ 2:509)

نحوه الجوهريّ.(1:437)

الإمام الجواد عليه السّلام: [في حديث:سئل ما معنى الأحد؟فقال:]

المجمع عليه بالوحدانيّة.أ ما سمعته يقول: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ العنكبوت:61،بعد ذلك له شريك و صاحبة؟(العروسيّ 5:710)

الإمام الهاديّ عليه السّلام: عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سمعته يقول:و هو اللطيف الخبير،السميع البصير،الواحد الأحد الصمد،لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد.لو كان كما يقول المشبّهة:لم يعرف الخالق من المخلوق،و لا المنشئ من المنشأ،لكنّه المنشئ فرّق بين من جسّمه و صوّره و أنشأه؛إذ كان لا يشبهه شيء و لا يشبه هو شيئا.

قلت:أجل،جعلني اللّه فداك.لكنّك قلت:الأحد الصّمد،و قلت:لا يشبهه شيء،و اللّه واحد و الإنسان واحد،أ ليس قد تشابهت الوحدانيّة؟

قال:يا فتح أحلت ثبّتك اللّه،إنّما التّشبيه في المعاني،فأمّا في الأسماء فهي واحدة،و هي دلالة علىع.

ص: 451


1- الرّوايتان موجودتان في توحيد الصّدوق ص 90 و 144،بتفاوت يسير،فراجع.

المسمّى؛و ذلك أنّ الإنسان و إن قيل واحد،فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة و ليس باثنين،فالإنسان نفسه ليس بواحد لأنّ أعضاءه مختلفة،و ألوانه مختلفة؛و من ألوانه مختلفة غير واحدة،و هو أجزاء مجزّأة ليست بسواء،دمه غير لحمه،و لحمه غير دمه،و عصبه غير عروقه، و شعره غير بشرته،و سواده غير بياضه،و كذلك سائر جميع الخلق؛فالإنسان واحد في الاسم و لا واحد في المعنى،و اللّه جلّ جلاله هو واحد لا واحد غيره،لا اختلاف فيه و لا تفاوت و لا زيادة و لا نقصان.

فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف من أجزاء مختلفة و جواهر شتّى (1)غير أنّه بالاجتماع شيء واحد.

قلت:جعلت فداك،فرّجت عنّي فرّج اللّه عنك (2).

(العروسيّ 5:709)

الطّبريّ: اختلف أهل العربيّة في الرّافع(أحد)، فقال بعضهم:الرّافع له(اللّه)،و(هو)عماد،بمنزلة الهاء في قوله: إِنَّهُ أَنَا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ النّمل:9.

و قال آخر منهم:بل(هو)مرفوع و إن كان نكرة بالاستئناف،كقوله: هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72.

و قال:(هو اللّه)جواب لكلام قوم قالوا له:ما الّذي تعبد؟فقال:هو اللّه،ثمّ قيل له:فما هو؟قال:هو أحد.

و قال آخرون:(أحد)بمعنى واحد،و أنكر أن يكون العماد مستأنفا به،حتّى يكون قبله حرف من حروف الشّكّ،كظنّ و أخواتها،و كان و ذواتها،أو إنّ و ما أشبهها.و هذا القول الثّاني هو أشبه بمذاهب العربيّة.

و اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (أَحَدٌ اَللّهُ الصَّمَدُ) ،بتنوين(أحد)سوى نصر بن عاصم،و عبد اللّه بن أبي إسحاق،فإنّه روي عنهما ترك التّنوين(أحد اللّه)،و كأنّ من قرأ ذلك كذلك قال:نون الإعراب إذا استقبلتها الألف و اللاّم أو ساكن من الحروف حذفت أحيانا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الصّواب في ذلك عندنا التّنوين،لمعنيين:أحدهما:

أفصح اللّغتين،و أشهر الكلامين،و أجودهما عند العرب.و الثّاني:إجماع الحجّة من قرّاء الأمصار على اختيار التّنوين فيه،ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحّته بغيره.(30:343)

عبد الجبّار: قال في وصفه[تعالى:]إنّه(أحد)، و لا يكون واحدا لا عديل له إلاّ و هو قديم،لا يشبه الأجسام و لا مثل له و لا نظير،في الإلهيّة و القدم.(487)

الطّوسيّ: في قوله:(اللّه أحد)دليل فساد مذهب المجسّمة،لأنّ الجسم ليس ب«أحد»؛إذ هو أجزاء كثيرة، و قد دلّ اللّه بهذا القول على أنّه أحد،فصحّ أنّه ليس بجسم.(10:430)

القشيريّ: معنى(أحد)،أي هو أحد.و يقال:

(هو)مبتدأ،و(اللّه)خبره،و(أحد)خبر ثان،كقولهم:

هذا حلو حامض.

و(أحد)أصله:وحد،و وحد،و واحد،بمعنى، و كونه واحدا أنّه لا قسيم له،و لا شبيه له،و لا شريك له.

و يقال:السّورة بعضها تفسير لبعض؛من هو اللّه؟ع.

ص: 452


1- هنا خبر محذوف بقرينة ما قبله هو:«ففيه اختلاف و تفاوت و زيادة و نقصان».
2- الرّوايتان موجودتان في توحيد الصّدوق ص 82 و 185،بتفاوت يسير،فراجع.

هُوَ اللّهُ، من اللّه؟(الأحد)،من الأحد؟ اَلصَّمَدُ، من الصّمد؟الّذي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، من الّذي لم يلد و لم يولد؟الّذي لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

و يقال:كاشف الأسرار بقوله: هُوَ و كاشف الأرواح بقوله: اَللّهُ و كاشف القلوب بقوله: أَحَدٌ و كاشف نفوس المؤمنين بباقي السّورة.

و يقال:كاشف الوالهين بقوله: هُوَ و الموحّدين بقوله: اَللّهُ و العارفين بقوله: أَحَدٌ و العلماء بقوله.

اَلصَّمَدُ و العقلاء بقوله: لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ إلى آخره.

و يقال:خاطب الّذين هم خاصّ الخواصّ بقوله:

هُوَ فاستقلّوا،ثمّ زاد لمن نزل عنهم،فقال: اَللّهُ ثمّ زاد في البيان لمن نزل عنهم،فقال: أَحَدٌ ثمّ لمن نزل عنهم،فقال: اَلصَّمَدُ. (6:350)

البغويّ: أي واحد،و لا فرق بين«الواحد، و الأحد»،يدلّ عليه قراءة ابن مسعود (قل هو الله الواحد) .(7:265)

الميبديّ: [قال مثل البغويّ و أضاف:]

و قيل:واحد بصفاته،أحد بذاته.

و قيل:«الأحد»بمعنى الأوّل،لأنّه أوّل الأشياء و سابق الكلّ،و أصله:وحد،قلبت واوه همزة.و أكثر ما يقال«أحد»،في الجحد،كقولهم:ليس في الدّار أحد، و لا يشبهه أحد،و أكثر ما يقال«واحد»في الإثبات، كقولهم:رأيت رجلا واحدا،و لا يقال:رجل أحد.

و قيل:«الأحد»هو المتفرّد بإيجاد المفقودات، و المتوحّد بإظهار الخفيّات.(10:662)

هو الواحد الأحد في الذّات و الصّفات و العزّة و القدرة و الألوهيّة و الرّبوبيّة،و في الأزل و الأبد.

(10:664)

الزّمخشريّ: (أحد)بدل من قوله:(اللّه)أو على هو أحد،و هو بمعنى«واحد»،و أصله:وحد.و قرأ عبد اللّه و أبي (هو اللّه أحد) بغير(قل).و في قراءة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم (اللّه أحد) بغير(قل هو)،و قال:من قرأ (اللّه أحد) كان بعدل القرآن.و قرأ الأعمش. (قل هو اللّه الواحد) .و قرئ (أحد اللّه) بغير تنوين،أسقط لملاقاته لام التّعريف،و نحوه:*و لا ذاكر اللّه إلاّ قليلا* و الجيّد هو التّنوين و كسره،لالتقاء السّاكنين.

و المعنى هو واحد متوحّد بالإلهيّة لا يشارك فيها.

(4:298)

مثله القرطبيّ.(20:244)

الطّبرسيّ: قرأ أبو عمرو (أحد اللّه الصّمد) بغير تنوين الدّال من(أحد)،و روي عنه أنّه كان يقول:(قل هو اللّه احد)ثمّ يقف،فإن وصل قال:(أحد اللّه)،و زعم أنّ العرب لم تكن تصل مثل هذا.و الباقون(أحد اللّه) بالتّنوين.

قال أبو عليّ: من قرأ (أحد اللّه) فوجهه بيّن؛و ذلك أنّ التّنوين من(أحد)ساكن،و لام المعرفة من الاسم ساكن،فلمّا التقى السّاكنان حرّك الأوّل منهما بالكسر، كما تقول:اذهب اذهب.و من قال:أحد اللّه،فحذف النّون،فإنّ النّون قد شابهت حروف اللّين في الآخر،في أنّها تزاد كما يزدن،و في أنّها تدغم فيهنّ كما يدغم كلّ واحد من الواو و الياء في الآخر،و في أنّها قد أبدلت منها

ص: 453

الألف في الأسماء المنصوبة و في الخفيفة،فلمّا شابهت حروف اللّين أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء السّاكنين،كما حذف الألف و الواو و الياء لذلك في نحو:رمى القوم،و يغزو الجيش،و يرمي القوم.و من ثمّ حذفت ساكنة في الفعل في نحو لم يك و لا تك في مرية فحذفت في(أحد اللّه)لالتقاء السّاكنين،كما حذفت هذه الحروف في نحو:هذا زيد بن عمرو.حتّى استمرّ ذلك في الكلام.[ثمّ استشهد بشعر](5:562)

أي واحد.و يجوز أن يكون المعنى الأمر،اللّه أحد لا شريك له و لا نظير.

و قيل:واحد في الإلهيّة و القدم.

و قيل:واحد في صفة ذاته لا يشركه في وجوب صفاته أحد،فإنّه يجب أن يكون موجودا عالما قادرا حيّا،و لا يكون ذلك واجبا لغيره.

و قيل:واحد في أفعاله،لأنّ أفعاله كلّها إحسان لم يفعلها لجرّ نفع و لا لدفع ضرر،فاختصّ بالوحدة من هذا الوجه؛إذ لا يشركه فيه سواه.و أحد في أنّه لا يستحقّ العبادة سواه،لأنّه القادر على أصول النّعم من الحياة و القدرة و الشّهوة و غير ذلك،ممّا لا تكون النّعمة نعمة إلاّ به،و لا يقدر على شيء من ذلك غيره.فهو أحد من هذه الوجوه الثّلاثة.

و قيل:إنّما قال:(أحد)و لم يقل:واحد،لأنّ «الواحد»يدخل في الحساب و يضمّ إليه آخر،و أمّا «الأحد»فهو الّذي لا يتجزّأ و لا ينقسم في ذاته و لا في معنى صفاته،و يجوز أن يجعل«للواحد»ثانيا و لا يجوز أن يجعل«للأحد»ثانيا،لأنّ الأحد يستوعب جنسه، بخلاف الواحد.أ لا ترى أنّك لو قلت:فلان لا يقاومه واحد،جاز أن يقاومه اثنان!و لمّا قلت:لا يقاومه أحد، لم يجز أن يقاومه اثنان و لا أكثر،فهو أبلغ.(5:564)

الفخر الرّازيّ: [له بحث مستوفى لخّصه النّيسابوريّ و السّيوطيّ كما سيأتي](32:178-180)

ابن عربيّ:(قل)أمر من عين الجمع وارد على مظهر التّفصيل،(هو)عبارة عن الحقيقة الأحديّة الصّرفة،أي الذّات من حيث هي بلا اعتبار صفة لا يعرفها إلاّ هو،و(اللّه)بدل منه،و هو اسم الذّات مع جميع الصّفات،دلّ بالإبدال على أنّ صفاته تعالى ليست بزائدة على ذاته،بل هي عين الذّات لا فرق إلاّ بالاعتبار العقليّ.و لهذا سمّيت سورة الإخلاص،لأنّ الإخلاص تمحيص الحقيقة الأحديّة عن شائبة الكثرة،كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«كمال الإخلاص له نفي الصّفات عنه لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف،و شهادة كلّ موصوف أنّه غير الصّفة».و إيّاه عنى من قال:«صفاته تعالى لا هو و لا غيره»،أي لا هو باعتبار العقل،و لا غيره بحسب الحقيقة؛و(أحد)خبر المبتدإ.

و الفرق بين الأحد و الواحد:أنّ«الأحد»هو الذّات وحدها،بلا اعتبار كثرة فيها،أي الحقيقة المحضة الّتي هي منبع العين الكافوريّ،بل العين الكافوريّ نفسه، و هو الوجود من حيث هو وجود بلا قيد عموم و خصوص،و شرط عروض،و لا عروض.

و«الواحد»هو الذّات مع اعتبار كثرة الصّفات، و هي الحضرة الأسمائيّة؛لكون الاسم هو الذّات مع الصّفة،فعبّر عن الحقيقة المحضة الغير المعلومة إلاّ له

ص: 454

ب(هو)،و أبدل عنها الذّات مع جميع الصّفات دلالة على أنّها عين الذّات وحدها في الحقيقة،و أخبر عنها ب«الأحديّة»ليدلّ على أنّ الكثرة الاعتباريّة ليست بشيء في الحقيقة،و ما أبطلت أحديّته،و ما أثّرت في وحدته،بل«الحضرة الواحديّة»هي بعينها«الحضرة الأحديّة»بحسب الحقيقة،كتوهّم القطرات في البحر مثلا.(2:869)

الرّازيّ: فإن قيل:فالمشهور في كلام العرب أنّ «الأحد»يستعمل بعد النّفي،و«الواحد»يستعمل بعد الإثبات؛يقال:في الدّار واحد،و ما في الدّار أحد.

و جاءني واحد،و ما جاءني أحد.و منه قوله تعالى:

إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ الكهف:110،و قوله تعالى:

اَلْواحِدُ الْقَهّارُ يوسف:39، وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ التّوبة:84، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ البقرة:

136، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ... الأحزاب:32، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ الحاقّة:47،فكيف جاء هنا«أحد»في الإثبات؟

قلنا:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«لا فرق بين الواحد و الأحد في المعنى».و اختاره أبو عبيدة،و يؤيّده قوله تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ الكهف:19، و قولهم:أحد و عشرون،و ما أشبهه.و إذا كانا بمعنى واحد لا يختصّ أحدهما بمكان دون مكان،و إن غلب استعمال أحدهما في النّفي،و الآخر في الإثبات.و يجوز أن يكون العدول عن الغالب هنا رعاية لمقابلة (الصّمد).(مسائل الرّازيّ:388)

القرطبيّ: أي الواحد الوتر،الّذي لا شبيه له، و لا نظير و لا صاحبة،و لا ولد و لا شريك.(20:244)

البيضاويّ:(أحد)بدل أو خبر ثان،يدلّ على مجامع صفات الجلال،كما دلّ اللّه على جميع صفات الكمال؛إذ الواحد الحقيقيّ ما يكون منزّه الذّات عن أنحاء التّركيب و التّعدّد و ما يستلزم أحدهما كالجسميّة و التّحيّز و المشاركة في الحقيقة و خواصّها،كوجوب الوجود و القدرة الذّاتيّة و الحكمة التّامّة المقتضية للألوهيّة.

(2:581)

النّسفيّ: هو بمعنى«واحد»،و أصله:وحد، فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفا.(4:383)

النّيسابوريّ:كان أبو عمر و يستحبّ الوقف على قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، و إذا وصل كان له وجهان من القراءة،أحدهما:التّنوين و كسره،و الثّاني:حذف التّنوين،كقراءة «عزير ابن اللّه» التّوبة:30،لاجتماع السّاكنين.و كلّ صواب.(30:216)

قال الأزهريّ:لا يوصف شيء ب«الأحديّة»غير اللّه تعالى،لا يقال:رجل أحد،و لا درهم أحد.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ في الفرق بين الأحد و الواحد المتقدّم في النّصوص اللّغويّة و أضاف:]

قلت:و لعلّ وجه تخصيص اللّه ب«الأحد»هو هذا المعنى،و ذلك أبسط الأشياء،و كأنّك قلت:إنّه لا جزء له أصلا بوجه من الوجوه.و من هنا قال بعضهم:إنّ «الأحد»يدلّ على جميع المعاني السّلبيّة،ككونه ليس بجوهر،و لا عرض،و لا متحيّز،و غير ذلك،كما أنّ اسم اللّه يدلّ على مجامع الصّفات الإضافيّة،لأنّ اللّه اسم للمعبود بالحقّ،و استحقاق العبادة لا يتّجه إلاّ إذا كان

ص: 455

مبدأ لجميع ما سواه،عالما قادرا إلى غير ذلك.

و أمّا لفظة(هو)فإنّها تدلّ على نفس الذّات؛فتبيّن أنّ قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ يدلّ على الذّات و الصّفات جميعا.

و هاهنا لطيفة،و هي أنّ قوله:(هو)إشارة إلى مرتبة السّابقين الّذين لا يرون معه شيئا آخر،فيكفي الكناية بالنّسبة إليهم.

و أمّا اسم اللّه فإشارة إلى مرتبة أصحاب اليمين،و هم الّذين عرفوه بالبرهان،مستدلّين على الوجوب بالإمكان،فهم ينظرون إلى الحقّ و إلى الخلق جميعا، فيحتاجون في التّمييز إلى اسمه العلم.

و أمّا«الأحد»فرمز إلى أدون المراتب الإنسانيّة، و هم أصحاب الشّمال الّذين يثبتون مع اللّه إلها آخر، فوجب التّنبيه على إبطال معتقدهم،بأنّ اللّه أحد لا شريك له أو لا جزء[له]بوجه من الوجوه.و بعبارة أخرى(هو)للأخصّ،و(اللّه)للخواصّ،و(أحد) للعموم.(30:219)

الخازن: الواحد في الألوهيّة و الرّبوبيّة،الموصوف بصفات الكمال و العظمة،المنفرد عن الشّبه و المثل و النّظير.

و قيل:«الواحد»هو المنفرد بالذّات فلا يضاهيه أحد،و«الأحد»هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد.

(7:265)

أبو حيّان: (أحد)بمعنى واحد،أي فرد من جميع جهات الوحدانيّة،أي في ذاته و صفاته لا يتجزّأ.

و همزة(أحد)هذا بدل من واو،و إبدال الهمزة مفتوحة من الواو قليل؛من ذلك:امرأة أناة،يريدون «وناة»لأنّه من الوني،و هو الفتور،كما أنّ«أحدا»من الوحدة.[ثمّ نقل قول ثعلب المتقدّم في النّصوص اللّغويّة و قال:]

و ما ذكر من أنّ«أحدا»لا يدخله ما ذكر،منقوض بالعدد.

و قرأ أبان بن عثمان و زيد بن عليّ و نصر بن عاصم و ابن سيرين و الحسن و ابن أبي إسحاق و أبو السّمال و أبو عمرو في رواية يونس،و محبوب و الأصمعيّ و اللّؤلؤيّ و عبيد و هارون عنه.(أحد اللّه)بحذف التّنوين،لالتقائه مع لام التّعريف،و هو موجود في كلام العرب،و أكثر ما يوجد في الشّعر،نحو قوله:

*و لا ذاكر اللّه إلاّ قليلا*

و نحوه قوله: *عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه*

(8:528)

السّيوطيّ: سئل عن الحكمة في تنكير(أحد) و تعريف(الصّمد)من قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ* اَللّهُ الصَّمَدُ، و ألّفت في جوابه تأليفا مودعا في الفتاوى، و حاصله أنّ في ذلك أجوبة:

أحدها:أنّه نكّر للتّعظيم،و الإشارة إلى أنّ مدلوله- و هو الذّات المقدّسة-غير ممكن تعريفها و الإحاطة بها.

الثّاني:أنّه لا يجوز إدخال«أل»عليه ك«غير و كلّ و بعض»،و هو فاسد،فقد قرئ شاذّا (قل هو الله الأحد.

الله الصمد) /.حكى هذه القراءة«أبو حاتم»في كتاب الزّينة عن جعفر بن محمّد.

الثّالث:و هو ممّا خطر لي أنّ(هو)مبتدأ،و(اللّه)

ص: 456

خبر،و كلاهما معرفة؛فاقتضى الحصر،فعرّف الجزءان في(اللّه الصّمد)،لإفادة الحصر،ليطابق الجملة الأولى، و استغني عن تعريف(أحد)فيها،لإفادة الحصر دونه، فأتى به على أصله من التّنكير،على أنّه خبر ثان.و إن جعل الاسم الكريم مبتدأ،و(أحد)خبره،ففيه من ضمير الشّأن ما فيه من التّفخيم و التّعظيم،فأتى بالجملة الثّانية على نحو الأولى،بتعريف الجزءين،للحصر تفخيما و تعظيما.(2:350)

البروسويّ: الأحد:اسم لمن لا يشاركه شيء في ذاته،كما أنّ«الواحد»اسم لمن لا يشاركه شيء في صفاته،يعني أنّ«الأحد»هو الذّات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها؛فأثبت له«الأحديّة»الّتي هي الغنى عن كلّ ما عداه؛و ذلك من حيث عينه و ذاته،من غير اعتبار أمر آخر،و«الواحد»هو الذّات مع اعتبار كثرة الصّفات، و هي الحضرة الأسمائيّة؛و لذا قال تعالى: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ الصّافّات:4،و لم يقل:«لأحد»لأنّ الواحديّة من أسماء التّقييد،فبينها و بين الخلق ارتباط،أي من حيث الإلهيّة و المألوهيّة بخلاف الأحديّة؛إذ لا يصحّ ارتباطها بشيء.

فقولهم:العلم الإلهيّ،هو العلم بالحقّ من حيث الارتباط بينه و بين الخلق،و انتشاء العالم منه بقدر الطّاقة البشريّة؛إذ منه ما لا تفيه الطّاقة البشريّة،و هو ما وقع به الكمّل في ورطة الحيرة،و أقرّوا بالعجز عن حقّ المعرفة.و منه يعلم أنّ توحيد الذّات مختصّ في الحقيقة باللّه تعالى.و«عبد الأحد»هو وحيد الوقت،صاحب الزّمان الّذي له القطبيّة الكبرى،و القيام بالأحديّة الأولى،و«عبد الواحد»هو الّذي بلغه اللّه الحضرة الواحديّة،و كشف له عن أحديّة جميع أسمائه،فيدرك ما يدرك،و يفعل ما يفعل بأسمائه،و يشاهد وجوه أسمائه الحسنى.

قال ابن الشّيخ في حواشيه،قوله:(هو اللّه احد) ثلاثة ألفاظ كلّ واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات السّائرين إلى اللّه تعالى؛فالمقام الأوّل:مقام المقرّبين...

و المقام الثّاني:مقام أصحاب اليمين...و المقام الثّالث:

مقام أصحاب الشّمال...[و قد تقدّم نحوه عن النّيسابوريّ](10:536)

الآلوسيّ: و قال بعض الأجلّة:إنّ«الواحد»مقول على ما تحته بالتّشكيك فالمراد به هنا حيث أطلق المتّصف ب«الواحديّة»الّتي لا يمكن أن يكون أزيد منها و لا أكمل،فهو ما يكون منزّه الذّات عن أنحاء التّركيب و التّعدّد،خارجا و ذهنا،و ما يستلزم أحدهما كالجسميّة و التّحيّز و المشاركة في الحقيقة،و خواصّها كوجوب الوجود و القدرة الذّاتيّة و الحكمة التّامّة المقتضية للألوهيّة،و هو مأخوذ من كلام الرّئيس أبي عليّ بن سينا في تفسيره السّورة الجليلة؛حيث قال:

إنّ«أحدا»دالّ على أنّه تعالى واحد من جميع الوجوه،و أنّه لا كثرة هناك أصلا،لا كثرة معنويّة:و هي كثرة المقوّمات و الأجناس و الفصول،و لا كثرة حسّيّة:

و هي كثرة الأجزاء الخارجيّة المتمايزة عقلا كما في المادّة و الصّورة،و الكثرة الحسّيّة بالقوّة أو بالفعل كما في الجسم،و ذلك يتضمّن كونه سبحانه منزّها عن الجنس و الفصل و المادّة و الصّورة و الأعراض و الأبعاض

ص: 457

و الأعضاء و الأشكال و الألوان و سائر ما يثلم الوحدة الكاملة،و البساطة الحقّة اللاّئقة بكرم وجهه عزّ و جلّ، عن أن يشبهه شيء،أو يساويه سبحانه شيء.

و قال ابن عقيل الحنبليّ:الّذي يصحّ لنا من القول مع إثبات الصّفات أنّه تعالى واحد في إلهيّته لا غير.

و قال غيره من السّلفيّين كالحافظ ابن رجب:هو سبحانه الواحد في إلهيّته و ربوبيّته فلا معبود و لا ربّ سواه عزّ و جلّ،و اختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصّفات أنّ المراد الواحديّة الكاملة،و ذلك على الوجهين:كون الضّمير للشّأن،و كونه للمسئول عنه،و لا يصحّ أن يراد الواحد بالعدد أصلا؛إذ يخلو الكلام عليه من الفائدة.

و ذكر بعضهم: أنّ الاسم الجليل يدلّ على جميع صفات الكمال،و هي الصّفات الثّبوتيّة،و يقال لها:

صفات الإكرام أيضا.و«الأحد»يدلّ على جميع صفات الجلال و هي الصّفات السّلبيّة،و يتضمّن الكلام على كونهما خبرين،الإخبار بكون المسئول عنه متّصفا بجميع الصّفات الجلاليّة و الكماليّة،و تعقّب بأنّ الإلهيّة جامعة لجميع ذلك بل كلّ واحد من الأسماء الحسنى كذلك،لأنّ الهويّة الإلهيّة لا يمكن التّعبير عنها لجلالتها و عظمتها إلاّ بأنّه هو هو،و شرح تلك الهويّة بلوازم،منها ثبوتيّة،و منها سلبيّة.و اسم اللّه تعالى متناول لهما جميعا، ف(هو)إشارة إلى هويّته تعالى،و(اللّه)سبحانه كالتّعريف لها،فلذا عقّب به.و كلام الرّئيس ينادي بذلك.(30:272)

القاسميّ: أي واحد في الألوهيّة و الرّبوبيّة.

(17:6295)

قال الإمام[أي محمّد عبده]و نكّر الخبر،لأنّ المقصود أن يخبر عن اللّه بأنّه واحد،لا بأنّه لا واحد سواه،فإنّ الوحدة تكون لكلّ واحد،تقول:لا أحد في الدّار،بمعنى لا واحد من النّاس فيها.و الّذي كان يزعمه المخاطبون هو التّعدّد في ذاته،فأراد نفي ذلك بأنّه أحد.

و هو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس، و ما يعتقده القائلون بالثّلاثة منهم و من غيرهم.

(17:6296)

المراغيّ: أي واحد لا كثرة في ذاته،فهو ليس بمركّب من جواهر مختلفة مادّيّة،و لا من أصول متعدّدة غير مادّيّة.[إلى أن قال:]

أي قل لمن سألك عن صفة ربّك:اللّه هو الواحد المنزّه عن التّركيب و التّعدّد،لأنّ التّعدّد في الذّات مستلزم لافتقار المجموع إلى تلك الأجزاء،و اللّه لا يفتقر إلى شيء.(30:264)

خليل ياسين: س-لم نكّر(أحد)،و عرّف (الصّمد)؟

ج-أمّا تنكير(أحد)فلأنّه أوّلا:أوقع في النّظم، و ثانيا:ليكون أبلغ في المعنى،و ثالثا:كلمة(أحد)اسم هنا و ليست صفة.و لمّا كان المقصود بها اللّه سبحانه كانت بمنزلة العلم،فلم تدخل عليها«أل»التّعريف،و لذا ذكرت في القرآن مقدار مائة مرّة،مجرّدة من«أل»لما ذكرنا.

س-المشهور أنّ«أحد»يستعمل بعد النّفي و«الواحد»بعد الإثبات،فكيف جاء هنا بعد الإثبات؟

ص: 458

ج-الغالب استعمال«أحد»في النّفي،و يجوز أن يكون العدول هنا عن الغالب رعاية للفواصل.(2:347)

أبو رزق: (أحد)واحد لا شريك له،منزّه عن مماثلة مخلوقاته.فهذه الوحدانيّة في الإسلام أتمّ وجوه الرّوحانيّة منها في وحدانيّة اليهود،فهي لاهوت موسى أقلّ روحانيّة و أميل إلى المادّيّة؛إذ كان يسمّيها موسى بربّ الجنود و القائد الأعلى،و تنسب التّوراة و اليهود إلى هذه الوحدانيّة بعض أخلاق البشر،و لم يجرّدوه منها، هذا إلى أنّ إلههم لم يمنح الحقّ و العدل إلاّ لهم فقط.

و الوحدانيّة في لاهوت النّصارى فيها روحانيّة عظيمة، لكن مازجتها حالة التّعدّد و الوكلاء لها،في الأرض.

(1:28)

شريعتي: قال بعضهم:إنّ بين«أحد و واحد» فرق في أصل المعنى،فالأوّل يفهم منه الوحدة و عدم التّجزئة،و ليس الثّاني كذلك.و إن كان بينهما فروق جزئيّ في كيفيّة الاستعمال و موارده،و لكنّنا لا نرى بينهما فرقا كبيرا لغة.

و بديهيّ أنّ معنى كلّ لفظ يختلف،بحسب الاستعمال سواء كان لفظ«أحد»أو لفظ«واحد»أو أيّ لفظ آخر.

و ألفاظ الأحد و الواحد و الوحيد،تتفاوت معانيها في الفارسيّة،فمثلا يقال:هذه شجرة وحيدة بين أشجار هذا البستان،و يقال:هذه الشّجرة وحيدة في هذا البستان...

و كذلك هاتان الجملتان:1-أحمد الولد الوحيد لهذه الأسرة،2-أحمد الوحيد بين أولاد هذه الأسرة.

فقد عرفتم أنّ هذه الألفاظ:الأحد و الواحد و الوحيد،في إحدى الجملات بمعنى الممتاز الّذي لا نظير له،و في جملة أخرى بمعنى الوحيد الّذي لا شريك له.

و قد يستعمل في الفارسيّة و في العربيّة لفظ المفرد في مقابل التّثنية و الجمع،و قد يطلق في مقابل المركّب.

و بديهيّ أنّ في الأوّل بمعنى الواحد،و في الثّاني بمعنى البسيط.فليس أنّ«أحدا»في اللّغة يدلّ على وحدة اللّه و عدم تركيبه و أنّه غير مجزّا،و ليس كما توهّم بعض أنّه لا يوصف ب«أحد»غير اللّه تعالى.و ممّا يبعث على العجب أنّ بعض المفسّرين الكبار قالوا بذلك،و قد فاتهم أنّ لفظ(أحد)قد أطلق على غير اللّه في آخر هذه السّورة.و استعمل أيضا لفظ«أحد و وحد»-الّذي هو أصل أحد فقلبت واوه ألفا-في الأشخاص غير اللّه تعالى في أشعار العرب.

أمّا وحدة اللّه و عدم تجزئته تعالى،لها دليل عقليّ، لا أنّها تفهم من لفظ أحد.[ثمّ بيّن برهانا لتوحيده و عدم تجزئته و تركيبه تعالى إلى أن قال:]

فعلى هذا أطلق لفظ«أحد»على اللّه تعالى،بمعنى الوحدة و الإله المطلق و الحقيقيّ الّذي لا يقبل التّعدّد و التّكثّر بحال،لا بالفعل و لا بالقوّة و لا بالإمكان.

قال عليّ عليه السّلام في نهج البلاغة:«واحد لا بعدد»، يعني ليس وحدته تعالى الوحدة العدديّة،لأنّ الواحد العدديّ،يعني أكثر من نصف و أقلّ من اثنين.و مثل هذا المعنى لا ينبغي إطلاقه على اللّه تعالى.

و معنى وحدته تعالى-كما قلنا-أنّه لا جزء له و لا شريك و لا نظير،و اللّه واحد في ذاته و أفعاله،فهو واحد في الألوهيّة أيضا،الّذي تحقّ له العبادة دون سواه.

و بهذا تبيّن أنّ(اللّه أحد)قد اشتمل لجميع الصّفات

ص: 459

الثّبوتيّة و السّلبيّة،لما قلنا:إنّ لفظ(اللّه)يدلّ على كلّ الصّفات الثّبوتيّة و الكماليّة من العلم و القدرة و الحياة و الإدراك و التّدبير،و لفظ(أحد)يدلّ على تنزّهه تعالى من الصّفات السّلبيّة و من النّقص و العيب،و يفهم منه أنّه تعالى ليس بجسم و مركّب و حادث،و لا يكون حالاّ في شيء و لا محلاّ لشيء،و ليس له حاجة بشخص و شيء، و أنّه لا نظير و لا شريك و لا ضدّ و لا ندّ له سبحانه و تعالى.

[و له حجّة أخرى لإثبات الوحدة للّه تعالى،فراجع]

(402)

8- وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. الإخلاص:4

ابن عبّاس: ليس كمثله شيء،فسبحان الواحد القهّار.(الطّبريّ 30:348)

الأخفش: (أحد)هو الاسم،و(كفوا)هو الخبر.(2:746)

ابن خالويه: (كفوا)خبر كان،و(أحد)اسم كان، أي و لم يكن للّه أحد شبيها و لا كفوا.

و قال آخرون: (كفوا)ينتصب على الحال،و معناه التّقديم و التّأخير،و لم يكن له أحد كفو،بالرّفع،فلمّا تقدّم نعت النّكرة على المنعوت نصب على الحال،كما تقول:عندي غلام ظريف،و عندي ظريفا غلام.

(231)

القيسيّ: (أحد)اسم كان،و(كفوا)خبر كان، و(له)ملغى.و قيل:(له)الخبر،و هو قياس قول سيبويه،لأنّه يقبح عنده إلغاء الظّرف إذا تقدّم.و خالفه المبرّد،و أجازه على غير قبح،و استشهد بالآية و لا شاهد للمبرّد في الآية،لأنّه يمكن أن تكون(كفوا) حالا من(أحد)مقدّما،لأنّ نعت النّكرة إذا تقدّم عليها نصب على الحال،كما قالوا:وقع فجأة أمر.(2:510)

القرطبيّ: فيه تقديم و تأخير،تقديره و لم يكن له أحد كفوا،فقدّم خبر(كان)على اسمها؛لينساق أواخر الآي على نظم واحد.(20:246)

نحوه السّيوطيّ(الجلالين 2:582)،و خليل ياسين (2:348).

ابن تيميّة: قوله(احد)من قوله: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ينفي المماثلة و المشاركة.

(القاسميّ 17:6300)

[و جاء في التّفاسير نحو ما ذكر أعرضنا عنها احترازا من التّكرار.راجع«ك ف و»]

احد عشر

...إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ. يوسف:4

الحسن: الأحد عشر:إخوته،و الشّمس و القمر:

أبواه.(الطّوسيّ 6:95)

النّيسابوريّ: التّأويل: إِذْ قالَ يُوسُفُ القلب لِأَبِيهِ يعقوب الرّوح: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً هنّ الحواسّ الخمس الظّاهرة و الخمس الباطنة، أي المذكّرة،و الحافظة،و المتخيّلة،و المتوهّمة،و الحسّ المشترك مع المفكّرة،و لكلّ من هذه إضاءة،أي إدراك للمعنى المناسب له،و هم إخوة يوسف القلب،لأنّهم تولّدوا بازدواج يعقوب الرّوح و زوج النّفس، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ :الرّوح و النّفس، رَأَيْتُهُمْ لِي

ص: 460

ساجِدِينَ. و هذا مقام كماليّة الإنسان،أن يصير القلب سلطانا يسجد له الرّوح و النّفس و الحواسّ و القوى.

(12:90)

احدهما

وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ... النّحل:76

عطاء: أبيّ بن خلف.(الميبديّ 5:419)

السّيوطيّ: هو أسيد بن أبي العيص.(4:101)

احدهم

...يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ... البقرة:96

أبو حيّان: أي واحد منهم،و ليس(أحد)هنا هو الّذي في قولهم:ما قام أحد،لأنّ هذا مستعمل في النّفي أو ما جرى مجراه.و الفرق بينهما أنّ«أحدا»هذا أصوله:

همزة و حاء و دال،و أصول ذلك:واو و حاء و دال، فالهمزة في(أحدهم)بدل من«واو»،و لا يراد بقوله:

يَوَدُّ أَحَدُهُمْ، أي يودّ واحد منهم دون سائرهم، و إنّما(أحدهم)هنا عامّ عموم البدل؛أي هذا الحكم عليهم بودّهم أن يعمّروا ألف سنة.و هو يتناول كلّ واحد واحد منهم على طريقة البدل،فكأنّ المعنى أنّك إذا نظرت إلى حرص واحد منهم و شدّة تعلّق قلبه بطول الحياة وجدته[أي يودّ]لو عمّر ألف سنة.(1:314)

احدكما

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً...

يوسف:41

الآلوسيّ: أراد به الشّرابيّ،و إنّما لم يعيّنه عليه السّلام ثقة بدلالة التّعبير،مع ما فيه من رعاية حسن الصّحبة.

(12:245)

احدكم

1- أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ... البقرة:266

أبو حيّان: (أحد)هنا ليس المختصّ بالنّفي و شبهه،و إنّما المعنى أ يودّ واحد منكم،على طريق البدليّة.(2:313)

2- ...فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ... الكهف:19

مقاتل: اسمه يمليخ.(الطّبريّ 15:223)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ و لم يقل:واحد؟قلنا:لأنّه أراد فردا منهم أيّهم كان، و لو قال:واحدكم،لدلّ على بعث رئيسهم و مقدّمهم، فإنّ العرب تقول:رأيت أحد القوم،أي فردا منهم، و لا تقول:رأيت واحد القوم،إلاّ إذا أردت المقدّم المعظّم.

(198)

احدى

1- وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ... الأنفال:7

ابن عبّاس: أقبلت عير أهل مكّة-يريد من الشّام-فبلغ أهل المدينة ذلك،فخرجوا و معهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يريدون العير،فبلغ ذلك أهل

ص: 461

مكّة،فسارعوا السّير إليها،لا يغلب عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه،فسبقت العير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كان اللّه وعدهم إحدى الطّائفتين،فكانوا آن يلقوا العير أحبّ إليهم،و أيسر شوكة،و أحضر مغنما.فلمّا سبقت العير و فاتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالمسلمين يريد القوم،فكره القوم مسيرهم لشوكة في القوم.(الطّبريّ 9:186)

الحسن: كان المسلمون يريدون العير و رسول اللّه يريد ذات الشّوكة،لما وعده اللّه.(الطّوسيّ 5:95)

نحوه الضّحّاك.(الطّوسيّ 5:96)

قتادة: (الطّائفتان):إحداهما أبو سفيان بن حرب؛ إذ أقبل بالعير من الشّام،و الطّائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش،فكره المسلمون الشّوكة و القتال،و أحبّوا أن يلقوا العير،و أراد اللّه ما أراد.(الطّبريّ 9:186)

ابن جريج: كان جبريل عليه السّلام قد نزل فأخبره بمسير قريش،و هي تريد عيرها،و وعده إمّا العير و إمّا قريشا.(الطّبريّ 9:187)

نحوه أبو أيّوب.(الطّبريّ 9:188)

ابن هشام: [راجع السّيرة النّبويّة(2:257)]

الطّبريّ: يعني إحدى الفرقتين:فرقة أبي سفيان ابن حرب و العير،و فرقة المشركين الّذين نفروا من مكّة لمنع عيرهم.(9:184)

نحوه الخازن(3:7)،و البروسويّ(3:317)، و النّيسابوريّ(9:125).

الطّوسيّ: إمّا العير و إمّا قريشا.(5:95)

نحوه الطّبرسيّ.(2:521)

الزّمخشريّ: (الطّائفتان):العير و النّفير.

(2:144)

النّيسابوريّ: التّأويل:إمّا الظّفر بالأعداء و هي النّفوس،و إمّا عير الواردات الرّوحانيّة و غنائم الأسرار الرّبّانيّة.(9:128)

أبو حيّان: (احدى الطّائفتين)غير معيّنة.

و الطّائفتان هما:طائفة عير قريش،و كانت فيها تجارة عظيمة لهم،و معها أربعون راكبا،فيها أبو سفيان و عمرو ابن العاص و عمرو بن هشام؛و طائفة الّذين.استنفرهم أبو جهل.(4:463)

الطّباطبائيّ: المراد ب(الطّائفتين)العير و النّفير.

و العير:قافلة قريش و فيها تجارتهم و أموالهم،و كان عليها أربعون رجلا،منهم أبو سفيان بن حرب؛و النّفير:

جيش قريش،و هم زهاء ألف رجل.(9:19)

2- قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ...

التّوبة:52

الإمام علي عليه السّلام: إمّا داعي اللّه فما عند اللّه خير له، و إمّا رزق اللّه فإذا هو ذو أهل و مال،و معه دينه و حسبه.

(الكاشانيّ 2:348)

ابن عبّاس: فتح أو شهادة.و قال مرّة أخرى:

القتل،فهي الشّهادة و الحياة و الرّزق،و إمّا يخزيكم بأيدينا.(الطّبريّ 10:151)

إحدى الخصلتين الحميدتين،و النّعمتين العظيمتين.

إمّا الغلبة و الغنيمة في العاجل،و إمّا الشّهادة مع الثّواب

ص: 462

الدّائم في الآجل.(الطّبرسيّ 3:37)

مجاهد: القتل في سبيل اللّه،أو الظّهور على أعداء اللّه.(1:281)

الإمام الباقر عليه السّلام: إمّا موت في طاعة اللّه،أو إدراك ظهور إمام.(الكاشانيّ 2:348)

قتادة: فتحا أو قتلا في سبيل اللّه.

(الطّبريّ 10:151)

الفرّاء: الظّفر أو الشّهادة،فهما الحسنيان.

(1:441)

الطّبريّ: إحدى الخلّتين اللّتين هما أحسن من غيرهما،إمّا ظفرا بالعدوّ و فتحا لنا بغلبتنا إيّاهم ففيها الأجر و الغنيمة و السّلامة،و إمّا قتلا من عدوّنا لنا،ففيه الشّهادة و الفوز بالجنّة و النّجاة من النّار،و كلتاهما ممّا يحبّ،و لا يكره.(10:150)

القمّيّ: الغنيمة و الجنّة.(الكاشانيّ 2:348)

الطّوسيّ: إحدى الشّيئين:واحدة منهما،و أحد العشر:واحد منها،و إحدى النّساء معناه واحدة منهنّ، و الحسنيان عظيمان في الحسن من النّعم.(5:274)

القشيريّ: إمّا قيام بحقّ اللّه في الحال،فنكون بوصف الرّضاء و هو-في التّحقيق-الجنّة الكبرى،و إمّا وصول إلى اللّه تعالى في المآل بوصف الشّهادة،و وجدان الزّلفى في العقبى،و هي الكرامة العظمى.(3:34)

الزّمخشريّ: إحدى العاقبتين اللّتين كلّ واحدة منهما هي حسنى العواقب،و هما النّصرة و الشّهادة.

(2:195)

نحوه البيضاويّ(1:418)،و النّسفيّ(2:130).

2Lالنّيسابوريّ: يعني النّصرة أو الشّهادة.و في الأولى إحراز الغنيمة و الظّفر بالأعداء،و في الثّانية إبقاء الذّكر و الفوز بنعيم الآخرة.(10:105)

التّأويل:الإحسان و العواطف الرّبّانيّة،و الوقفة و الفترة الموجبة لحسن التّربية.(10:111)

أبو حيّان: إحدى العاقبتين كلّ واحدة منهما هي الحسنى من العواقب؛إمّا النّصرة و إمّا الشّهادة، فالنّصرة مآلها إلى الغلبة و الاستيلاء،و الشّهادة مآلها إلى الجنّة.

و قيل:الأجر و الغنيمة،و قيل:الشّهادة و المغفرة.

و قرأ ابن محيصن(الاّ حدى)بإسقاط الهمزة.قال ابن عطيّة:فوصل ألف(احدى)و هذه لغة،و ليست بالقياس.[ثمّ استشهد بشعر](5:52)

البروسويّ: أي العاقبتين اللّتين كلّ واحدة منهما من حسنى العواقب،و هما النّصر و الشّهادة.و هذا نوع بيان لما أبهم في الجواب الأوّل،و كشف لحقيقة الحال بإعلام أنّ ما يزعمونه مضرّة للمسلمين من الشّهادة، أنفع ممّا يعدّونه منفعة من النّصر و الغنيمة.(3:447)

الآلوسيّ: أي إحدى العاقبتين اللّتين كلّ منهما أحسن من جميع العواقب غير الأخرى،أو أحسن من جميع عواقب الكفرة،أو كلّ منهما أحسن ممّا عداه من جهة،و المراد بهما النّصرة و الشّهادة.(10:115)

الطّباطبائيّ: الحسنيان هما:الحسنة و السّيّئة، على ما تدلّ عليه الآية الأولى الحاكية أنّهم يسوؤهم ما أصاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من حسنة و تسرّهم ما أصابه من سيّئة،فيقولون: قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ التّوبة:50،

ص: 463

فهم على حال تربّص ينتظرون ما يقع به و بالمؤمنين من الحسنة أو السّيّئة.

و الحسنة و السّيّئة كلتاهما حسنيان بحسب النّظر الدّينيّ،فإنّ في الحسنة حسنة الدّنيا و عظيم الأجر عند اللّه،و في السّيّئة-الّتي هي الشّهادة أو أيّ تعب و عناء أصابهم-مرضاة اللّه و ثواب خالد دائم.

و معنى الآية أنّا نحن و أنتم كلّ يتربّص بصاحبه، غير أنّكم تتربّصون بنا إحدى خصلتين،كلّ واحدة منهما خصلة حسنى،و هما:الغلبة على العدوّ مع الغنيمة، و الشّهادة في سبيل اللّه.(9:307)

3- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ...

القصص:27

أبو حيّان: قرأ ورش و أحمد بن موسى عن أبي عمرو أُنْكِحَكَ إِحْدَى بحذف الهمزة.(7:115)

البروسويّ: هي صفو رياء الّتي قال فيها: قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا القصص:29.(6:398)

4- ...لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ... فاطر:42

الطّبريّ: من إحدى الأمم الّتي خلت من قبلهم.(22:145)

نحوه الطّوسي(8:438)،و المراغيّ22:139).

الزّمخشريّ: في(إحدى الأمم) وجهان:

أحدهما:من بعض الأمم،و من واحدة من الأمم، من اليهود و النّصارى و غيرهم.

و الثّاني:من الأمّة الّتي يقال لها:(إحدى الأمم) تفضيلا لها على غيرها في الهدى و الاستقامة.

(3:312)

نحوه البيضاويّ.(2:274)

الطّبرسيّ: (إحدى الأمم)الماضية،يعني اليهود و النّصارى و الصّابئين.(4:412)

القرطبيّ: يعني ممّن كذّب الرّسل من أهل الكتاب.(14:358)

النّيسابوريّ: قوله:(من إحدى الأمم)ليس للتّفضيل،بل المراد أنّا نكون أهدى ممّا نحن عليه، و نكون من إحدى الأمم،كقولك:زيد من المسلمين؛أو هو للتّفضيل و(الأمم)لتعريف العهد،أي أمّة محمّد و موسى و عيسى عليهم السّلام؛أو للعموم،أي أهدى من أيّ أمّة تفرض.و يقال فيها:(إحدى الأمم)تفضيلا لها على غيرها في الهدى و الاستقامة.(22:84)

أبو حيّان: (لئن جاءهم)حكاية لمعنى كلامهم لا للفظهم؛إذ لو كان اللّفظ لكان التّركيب:لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم،أي من واحدة مهتدية من الأمم،أو من الأمّة الّتي يقال فيها:(إحدى الأمم)تفضيلا لها على غيرها،كما قالوا:هو أحد الأحدين و هو أحد الأحد، يريدون التّفضيل في الدّهاء و العقل،بحيث لا نظير له.

[ثمّ استشهد بشعر](7:318)

البروسويّ: أي من كلّ من اليهود و النّصارى و غيرهم،لأنّ(إحدى)شائعة،و(الأمم)جمع،فليس المراد إحدى الأمّتين:اليهود و النّصارى فقط.و لم يقل:

من الأمم بدون إحدى،لأنّه لو قال لجاز أن يراد بعض

ص: 464

الأمم.و قوله في أواخر الأنعام:156، أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا، أي اليهود و النّصارى.

ثمّ قوله: أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ الأنعام:157،أي إلى الحقّ، لا ينافي العموم،لأنّ تخصيص الطّائفتين و كتابيهما إنّما هو لاشتهارهما بين الأمم،و اشتهارهما فيما بين الكتب السّماويّة.

و قال بعضهم:معنى(من إحدى الأمم)من الأمّة الّتي يقال لها:«إحدى الأمم»تفضيلا لها على غيرها في الهدى و الاستقامة.و منه قولهم للدّاهية:هي إحدى الدّواهي،أي العظيمة،و إحدى سبع،أي إحدى ليالي «عاد»في الشّدّة.(7:360)

الآلوسيّ: (إحدى)بمعنى واحدة،و الظّاهر أنّها عامّة،و إن كانت نكرة في الإثبات،لاقتضاء المقام العموم.و تعريف(الأمم)للعهد،و المراد:الأمم الّذين كذّبوا رسلهم،أي:لئن جاءنا نذير لنكوننّ أهدى من كلّ واحدة من الأمم اليهود و النّصارى و غيرهم،فنؤمن جميعا و لا يكذّب أحد منّا.أو المعنى:لنكوننّ أهدى من أمّة يقال فيها:(إحدى الأمم)تفضيلا لها على غيرها من الأمم،كما يقال:هو واحد القوم و واحد عصره،و كما قالوا:هو أحد الأحدين و هي إحدى الإحد،يريدون التّفضيل في الدّهاء و العقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد نصّ«ابن مالك»في«التّسهيل»على أنّه قد يقال لما يستعظم ممّا لا نظير له:هو إحدى الإحد.لكن قال«الدّمامينيّ»في شرحه:إنّما ثبت استعماله في «إحدى»،و نحوه المضاف إلى جمع مأخوذ من لفظه، كإحدى الإحد و أحد الأحدين،أو المضاف إلى وصف، كأحد العلماء و إحدى الكبر.أمّا في المضاف إلى أسماء الأجناس كالأمم فيحتاج إلى نقل،و بحث فيه،بأنّه قد ثبت استعمال«إحدى»في الاستعظام من دون إضافة أصلا،فإنّهم يقولون للدّاهية العظيمة:هي إحدى من سبع،أي إحدى ليالي«عاد»في الشّدّة،و شاع:واحد قومه،و أوحدهم،و أوحد أمّه.

و لم يظهر فارق بين المضاف إلى الجمع المأخوذ من اللّفظ و المضاف إلى الوصف،و بين المضاف إلى أسماء الأجناس.و لا أظنّ أنّ مثل ذلك يحتاج إلى نقل، فليتدبّر.

و قال صاحب الكشف: إنّ دلالة(إحدى الأمم) على التّفضيل ليست بواضحة،بخلاف واحد القوم و نحوه،ثمّ وجّهها أنّه على أسلوب:«أو يرتبط بعض النّفوس حمامها»،يعني أنّ«البعض المبهم»قد يقصد به التّعظيم كالتّنكير،ف«إحدى»مثله.

و فيه:أنّه متى ثبت استعماله للاستعظام كانت دلالته على التّفضيل في غاية الوضوح.(22:205)

الطّباطبائيّ: أي إحدى الأمم الّتي جاءهم نذير كاليهود و النّصارى.و إنّما قال: لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ و لم يقل:أهدى منهم،لأنّ المعنى أنّهم كانوا أمّة ما جاءهم نذير،ثمّ لو جاءهم نذير كانوا أمّة ذات نذير كإحدى تلك الأمم المنذرة،ثمّ بتصديق النّذير يصيرون أهدى من الّتي ماثلوها،و هو قوله: أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فافهمه.

ص: 465

و قيل:إنّ مقتضى المقام العموم،و قوله:(إحدى الأمم)عامّ و إن كان نكرة في سياق الإثبات،و اللاّم في (الأمم)للعهد،و المعنى ليكوننّ أهدى من كلّ واحدة من تلك الأمم الّتي كذّبوا رسلهم من اليهود و النّصارى و غيرهم.

و قيل:المعنى ليكوننّ أهدى من أمّة يقال فيها:

(إحدى الأمم)تفضيلا لها على غيرها من الأمم،كما يقال:«هو واحد القوم و واحد عصره».و لا يخلو الوجه الأخير عن تكلّف و بعد.(17:57)

المراغيّ:المراد بها اليهود أو النّصارى.

(22:138)

عبد الكريم الخطيب: أي من إحدى هذه الأمم، و هم بنو إسرائيل؛إذ كانوا يتمثّلون فيهم العلم و الدّين، لما كان بين أيديهم من كتاب،و ما بينهم من علماء...

و لم يصرّح القرآن ببني إسرائيل مع أنّ المشركين لا يعنون غيرهم،و ذلك-و اللّه أعلم-للاستصغار بشأنهم،و أنّهم ليسوا المثل الّذي يحتذى به في الاستقامة و الهدى.(11:899)

5- إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. المدّثّر:35

ابن عبّاس: يعني جهنّم.

مثله الضّحّاك،و أبو رزين،و مجاهد.

(الطّبريّ 29:163)

معناه إنّ النّار(لاحدى الكبر).

مثله مجاهد و قتادة،و الضّحّاك.

(الطّوسيّ 10:183)

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 29:163)

إنّ سقر الّتي هي النّار لإحدى العظائم؛و(الكبر):

جمع الكبرى،و هي العظمى.

مثله مجاهد،و قتادة.(الطّبرسيّ 5:391)

أي إنّ تكذيبهم لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم(لإحدى الكبر)،أي لكبيرة من الكبائر.(القرطبيّ 19:85)

الطّبريّ: إنّ جهنّم(لاحدى الكبر)،يعني الأمور العظام.(29:163)

الطّوسيّ: قال قوم:إنّ هذه الآية(لاحدى الكبر)،و الكبر:جمع الكبرى،و هي العظمى.

و روي عن ابن كثير أنّه قرأ (إنّها لحدى الكبر) لا يهمزه و لا يكسر،يسقط الهمزة تخفيفا،كقولهم في زيد الأحمر:زيد لحمر،و في أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الشّعراء:

176،:أصحاب ليكة.

و الاختيار قطع الألف،لأنّ العرب إذا حذفت مثل هذا نقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها.و اللاّم قبل هذه الهمزة متحرّكة،و اللاّم في الأحمر لام التّعريف ساكنة.(10:183)

الميبديّ: يعنى إنّ سقر(لإحدى الكبر).

و قيل:إنّ دركة سقر و النّار المذكورة لإحدى الدّواهي،و إنّها لكبيرة العذاب.

و قيل:إنّ هذه الآية(لاحدى الكبر)،بذكر أليم عذاب اللّه.(10:289)

الزّمخشريّ: جواب القسم أو تعليل ل(كلاّ) و القسم معترض للتّوكيد،أي لإحدى البلايا أو الدّواهي الكبر.[إلى أن قال:]

ص: 466

و معنى كونها«إحداهنّ»،أنّها من بينهنّ واحدة في العظم لا نظيرة لها،كما تقول:هو أحد الرّجال،و هي إحدى النّساء.(4:186)

الطّبرسيّ: قيل:معناه أنّ آيات القرآن (لاحدى الكبر)في الوعيد.(5:391)

القرطبيّ: جواب القسم،أي إنّ هذه النّار (لاحدى الكبر)؛أي لإحدى الدّواهي.

و قيل:إنّ قيام السّاعة(لاحدى الكبر).

و قرأ العامّة(لإحدى)و هو اسم بني ابتداء للتّأنيث، و ليس مبنيّا على المذكّر،نحو عقبى و أخرى،و ألفه ألف قطع،لا تذهب في الوصل.(19:83)

أبو حيّان: الظّاهر أنّ الضّمير في(إنّها)عائد على «النّار».قيل:و يحتمل أن يكون للنّذارة و أمر الآخرة، فهو للحال و القصّة.

و قيل:إنّ قيام السّاعة(لاحدى الكبر)،فعاد الضّمير إلى غير مذكور.و معنى(احدى الكبر)الدّواهي الكبر،أي لا نظير لها،كما تقول:هو أحد الرّجال،و هي إحدى النّساء.

و قرأ الجمهور(لاحدى)بالهمز،و هي منقلبة عن واو،أصله«لوحدى»و هو بدل لازم.

و قرأ نصر بن عاصم و ابن محيصن و وهب بن جرير عن ابن كثير بحذف الهمزة،و هو حذف لا ينقاس.

و تخفيف مثل هذه الهمزة أن تجعل بين بين.(8:378)

السّيوطيّ: الحذف على أنواع:

أحدها:ما يسمّى بالاقتطاع،و هو حذف بعض حروف الكلمة...و منه ما قرئ (إنّها لحدى الكبر).

(3:203)

البروسويّ: المعنى أنّ(سقر)لإحدى البلايا أو لإحدى الدّواهي الكبر الكثيرة،و هي أي(سقر)واحدة في العظم لا نظيرة لها،كقولك:إنّه أحد الرّجال.هذا إذا كان منكرا لسقر و إن كان منكرا لعدّة الخزنة،فالمعنى أنّها من إحدى الحجج،أكبر نذيرا من قدرة اللّه على قهر العصاة،من لدن آدم عليه السّلام إلى قيام السّاعة من الجنّ و الإنس؛حيث استعمل على تعذيبهم هذا العدد القليل.

و إن كان منكر الآيات،فالمعنى أنّها لإحدى الآيات الكبر.(10:238)

الآلوسيّ: أي إنّ(سقر)لإحدى الدّواهي الكبر، على معنى أنّ البلايا الكبيرة كثيرة و سقر واحدة منها.

[و]قيل:فيكون في ذلك إشارة إلى أنّ بلاءهم غير محصور فيها بل تحلّ بهم بلايا غير متناهية،أو أنّ البلايا الكبيرة كثيرة و سقر من بينهم واحدة في العظم لا نظير لها،و هذا كما يقال:فلان أحد الأحدين،و هو واحد الفضلاء و هي إحدى النّساء.و على هذا اقتصر الزّمخشريّ و رجّح الأوّل بأنّه أنسب بالمقام،و لعلّه لما تضمّن من الإشارة.

و قيل:المعنى أنّها لإحدى دركات النّار الكبرى السّبع،لأنّها جهنّم،و لظى،و الحطمة،و سقر،و السّعير، و الجحيم،و الهاوية.

و نقل[ذلك]عن صاحب التّيسير،و ليس بذاك أيضا.

و قيل:ضمير(إنّها)يحتمل أن يكون للنّذارة و أمر الآخرة.(29:130)

ص: 467

الطّباطبائيّ: المعنى أقسم بكذا و كذا إنّ(سقر) لإحدى الدّواهي الكبر،أكبرها إنذارا للبشر.و لا يبعد أن يكون(كلاّ)ردعا لقوله في القرآن: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ المدّثّر:24،25، و يكون ضمير(إنّها)للقرآن بما أنّه آيات،أو من باب مطابقة اسم«إنّ»لخبرها.

و المعنى ليس كما قال:أقسم بكذا و كذا إنّ القرآن- آياته-لإحدى الآيات الإلهيّة الكبرى إنذارا للبشر.

و قيل:الجملة إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ تعليل للرّدع،و القسم معترض للتّأكيد لا جواب له،أو جوابه مقدّر يدلّ عليه(كلاّ).(20:95)

المراغيّ: إنّ جهنّم لإحدى البلايا الكبار، و الدّواهي العظام،لإنذار البشر.(29:138)

إحداهما

1- ...فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى... البقرة:282

الطّوسيّ: فإن قيل:فلم قال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى... فكرّر لفظ(إحداهما)؟و لو قال:فتذكّرها الأخرى،لقام مقامه مع اختصاره؟

قيل:قال الحسين بن عليّ المغربيّ:(أن تضلّ إحداهما)يعني إحدى الشّهادتين،أي تضيع بالنّسيان، فتذكّر إحدى المرأتين الأخرى،لئلاّ يتكرّر لفظ (احداهما)بلا معنى.

و يؤيّد ذلك أنّه يسمّى ناسي الشّهادة ضالاّ.و يجوز أن يقال:ضلّت الشّهادة،إذا ضاعت،كما قال تعالى:

قالُوا ضَلُّوا عَنّا الأعراف:37،أي ضاعوا منّا.

و يحتمل أن يكون إنّما كرّر لئلاّ يفصل بين الفعل و الفاعل بالمفعول،فإنّ ذلك مكروه غير جيّد،فعلى هذا يكون(إحداهما)الفاعلة،و(الأخرى)مفعولا بها.

(2:374)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ إلاّ أنّه قال في تأييد كلام المغربيّ:]

لا يسمّى ناسي الشّهادة ضالاّ.(1:398)

أبو حيّان: ...لمّا أبهم الفاعل في (أَنْ تَضِلَّ) بقوله:

(إحداهما)أبهم الفاعل في(فتذكّر)بقوله:(إحداهما)إذ كلّ من المرأتين يجوز عليها الضّلال و الإذكار فلم يرد بإحداهما معيّنة.و المعنى إن ضلّت هذه أذكرتها هذه، و إنّ ضلّت هذه أذكرتها هذه.فدخل الكلام معنى العموم،و كأنّه قيل:من ضلّ منهما أذكرتها الأخرى.

و لو لم يذكر بعد(فتذكّر)الفاعل مظهرا للزم أن يكون أضمر المفعول،ليكون عائدا على(إحداهما)الفاعل ب(تضلّ)،و يتعيّن أن يكون(الأخرى)هو الفاعل، فكان يكون التّركيب فتذكّرها الأخرى.

و أمّا على التّركيب القرآنيّ فالمتبادر إلى الذّهن أنّ (إحداهما)فاعل(تذكّر)،و(الأخرى)هو المفعول، و يراد به الضّالّة،لأنّ كلاّ من الاسمين مقصور،فالسّابق هو الفاعل.

و يجوز أن يكون(إحداهما)مفعولا و الفاعل هو (الأخرى)لزوال اللّبس؛إذ معلوم أنّ المذكّر ليست النّاسية؛فجاز أن يتقدّم المفعول و يتأخّر الفاعل،فيكون

ص: 468

نحو:كسر العصا موسى.و على هذا الوجه يكون قد وضع الظّاهر موضع المضمر المفعول،فيتعيّن إذ ذاك أن يكون الفاعل هو(الأخرى).(2:349)

السّيوطيّ: [تعرّض لفوائد وضع الظّاهر موضع المضمر في الإطناب ثمّ قال:]

منها:مراعاة التّرصيع و توازن الألفاظ في التّركيب، ذكره بعضهم في قوله[تعالى:] أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (3:248)

أبو السّعود: لعلّ إيثار ما عليه النّظم الكريم على أن يقال:(أن تضل احداهما فتذكرها الاخرى)لتأكيد الإبهام و المبالغة في الاحتراز عن توهّم اختصاص الضّلال بإحداهما بعينها،و التّذكير بالأخرى.

(1:205)

الآلوسيّ: (احداهما)الثّانية يجوز أن تكون فاعل (تذكّر)و ليس من وضع المظهر موضع المضمر؛إذ ليست المذكّرة هي النّاسية،و يجوز أن تكون مفعولا ل(تذكّر) و(الاخرى)فاعل،و ليس من قبيل:ضرب موسى عيسى،كما وهم حتّى يتعيّن الأوّل،بل من قبيل:

أرضعت الصّغرى الكبرى،لأنّ سبق إحداهما بعنوان نسبة الضّلال رافع للضّلال.

و السّبب في تقديم المفعول على الفاعل التّنبيه على الاهتمام بتذكير الضّالّ.و لهذا كما قيل:عدل عن الضّمير إلى الظّاهر،لأنّ التّقديم حينئذ لا ينبّه على الاهتمام كما ينبّه عليه تقديم المفعول الظّاهر،الّذي لو أخّر لم يلزم شيء سوى وضعه موضعه الأصليّ.

و ذكر غير واحد أنّ العدول عن(فتذكّرها الأخرى)،و هي قراءة ابن مسعود كما رواه الأعمش إلى ما في النّظم الكريم للتأكيد الإبهام،و المبالغة في الاحتراز عن توهّم اختصاص الضّلال.ب(احداهما)بعينها و التّذكير ب(الأخرى).

و أبعد الحسين بن عليّ المغربيّ في هذا المقام...[ثمّ نقل قوله و تأييد الطّبرسيّ له و قال:]

و عليه يكون الكلام عاريا عن شائبة توهّم الإضمار في مقام الإظهار رأسا و ليس بشيء؛إذ لا يكون لإحداهما أخرى في الكلام مع حصول التّفكيك و عدم الانتظام،و ما ذكر في التّأييد ينبئ عن قلّة الاطّلاع على اللّغة.ففي نهاية ابن الأثير و غيرها إطلاق الضّالّ على النّاسي.

و قد روي ذلك في الآية عن سعيد بن جبير و الضّحّاك،و الرّبيع،و السّدّيّ،و غيرهم.[ثمّ ذكر قول قاضي القضاة شهاب الدّين الغزنويّ،في سرّ تكرار (احدى)معرّضا بما ذكره المغربيّ في أشعار،فراجع]

(3:59)

رشيد رضا: أي حذّر(أن تضلّ احداهما)أي تخطئ،لعدم ضبطها و قلّة عنايتها،فتذكّر كلّ منهما (الأخرى)بما كان،فتكون شهادتها متمّمة لشهادتها، أي إنّ كلاّ منهما عرضة للخطإ و الضّلال،أي الضّياع و عدم الاهتداء إلى ما كان وقع بالضّبط،فاحتيج إلى إقامة الثّنتين مقام الرّجل الواحد،لأنّهما بتذكير كلّ منهما للأخرى تقومان مقام الرّجل.و لهذا أعاد لفظ(إحداهما) مظهرا،و ليس المعنى لئلاّ تنسى واحدة فتذكّرها الثّانية، كما فهم كثير من المفسّرين.[ثمّ ذكر قول المغربيّ و تأييد

ص: 469

الطّبرسيّ له و قال:]

و كأنّ الأستاذ الإمام أقرّه عند ما ذكره.(3:123)

الطّباطبائيّ: في قوله:(احداهما الاخرى)وضع الظّاهر موضع المضمر.و النّكتة فيه اختلاف معنى اللّفظ في الموضعين،فالمراد من الأوّل(احداهما)لا على التّعيين،و من الثّاني(احداهما)بعد ضلال الأخرى، فالمعنيان مختلفان.(2:434)

2- ...فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ.

القصص:25

الضّحّاك: صافورا.(الفخر الرّازيّ 24:240)

الكلبيّ:هي الصّغرى.(الفخر الرّازيّ 24:240)

ابن إسحاق:اسم الكبرى صفورا،و الصّغرى ليّا.

(الفخر الرّازيّ 24:240)

الزّمخشريّ: كبراهما كانت تسمّى صفراء، و الصّغرى صفيراء،و صفراء هي الّتي ذهبت به و طلبت إلى أبيها أن يستأجره،و هي الّتي تزوّجها.(3:171)

الفخر الرّازيّ: قال محمّد بن إسحاق في البنتين:

اسم الكبرى صفورا،و الصّغرى ليّا.و قال غيره:صفرا و صفيرا،و قال الضّحّاك:صافورا.و الّتي جاءت إلى موسى عليه السّلام هي الكبرى على قول الأكثرين،و قال الكلبيّ:هي الصّغرى.و ليس في القرآن دلالة على شيء من هذه التّفاصيل.(24:240)

القرطبيّ: روي أنّ اسم إحداهما ليّا،و الأخرى صفوريا،ابنتا يثرون،و يثرون هو شعيب عليه السّلام.و قيل:

ابن أخي شعيب،و أنّ شعيبا كان قد مات.و أكثر النّاس على أنّهما ابنتا شعيب،و هو ظاهر القرآن.(13:270)

البيضاويّ: قيل:كانت الصّغرى منهما،و قيل:

الكبرى،و اسمها صفوراء أو صفراء.و هي الّتي تزوّجها موسى عليه السّلام.(2:191)

الخازن: قيل:هي الكبرى،و اسمها صفوراء، و قيل:صفراء.

و قيل:بل هى الصّغرى و اسمها ليّا،و قيل:صفيراء.

(5:141)

أبو حيّان: قرأ ابن محيصن (فجاءته احداهما) بحذف الهمزة تخفيفا على غير قياس،مثل:ويل امّه،في ويل أمّه،و يا با فلان،و القياس أن يجعل بين بين.

و(إحداهما)مبهم،فقيل:الكبرى.و قيل:كانتا توأمتين،ولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار.

(7:114)

نحوه الآلوسيّ.(20:64)

البروسويّ: هي الكبرى،و اسمها صفورياء،فإن قلت:كيف جاز لشعيب إرسال ابنته لطلب أجنبيّ؟

قلت:لأنّه لم يكن له من الرّجال من يقوم بأمره، و لأنّه ثبت عنده صلاح موسى و عفّته،بقرينة الحال و بنور الوحي.(6:396)

3- ...قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ...

القصص:26

ابن إسحاق: (إحداهما)صفورا،ابنة يثرون، و أختها شرفا.و يقال:ليّا.(الطّبريّ 20:62)

الطّبريّ: قالت إحدى المرأتين اللّتين سقى لهما

ص: 470

موسى لأبيها حين أتاه موسى؛و كان اسم إحداهما صفورا،و اسم الأخرى ليّا.و قيل:شرفا،كذلك عن شعيب الجبئيّ،قال:اسم الجاريتين ليّا،و صفوراء، و امرأة موسى صفوراء ابنة يثرون كاهن مدين، و الكاهن:حبر.(20:62)

البيضاويّ: الّتي استدعته.(2:191)

أبو حيّان: أبهم القائلة،و هي الذّاهبة و القائلة و المتزوّجة.(7:114)

البروسويّ: هي الكبرى الّتي استدعته إلى أبيها، و هي الّتي زوّجها موسى عليه السّلام.(6:397)

نحوه الآلوسيّ.(20:65)

إحداهنّ

...وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً...

النّساء:20

الطّبريّ: الّتي تريدون طلاقها.(4:313)

القرطبيّ: قرأ ابن محيصن: (و اتيتم إحداهنّ) بوصل ألف(احداهنّ)،و هي لغة.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:101)

البيضاويّ: أي إحدى الزّوجات.جمع الضّمير، لأنّه أراد بالزّوج الجنس.(1:211)

نحوه أبو السّعود(1:327)،و البروسويّ(2:

183).

النّسفيّ: إحدى الزّوجات،فالمراد بالزّوج الجمع،لأنّ الخطاب لجماعة الرّجال.(1:216)

أبو حيّان: قال: (وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) ،ليدلّ على أنّ قوله: (وَ آتَيْتُمْ) المراد منه و آتى كلّ واحد منكم إحداهنّ،أي إحدى الأزواج قنطارا،و لم يقل:

و اتيتموهنّ قنطارا،لئلاّ يتوهّم أنّ الجميع المخاطبين أتوا الأزواج قنطارا،و المراد آتى كلّ واحد زوجته قنطارا، فدلّ لفظ(إحداهنّ)على أنّ الضّمير في(اتيتم)المراد منه كلّ واحد واحد،كما دلّ لفظ وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ النّساء:20،على أنّ المراد استبدال أزواج مكان أزواج،فأريد بالمفرد هنا الجمع،لدلالة(و إن أردتم)،و أريد بقوله:(و اتيتم)كلّ واحد واحد لدلالة (إحداهنّ)و هي مفردة على ذلك.و هذا من لطيف البلاغة،و لا يدلّ على هذا المعنى بأوجز من هذا و لا أفصح.(3:206)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير(أحد)على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:أحد،هو اللّه،فذلك قوله: أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ البلد:5،يعني أ يحسب أن لن يقدر عليه اللّه، يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً* أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ البلد:6،7،يعني أ يحسب أن لم يره اللّه.

و الوجه الثّاني:أحد،يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فذلك قوله:

وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً الحشر:11،أي قال المنافقون:لا نطيع محمّدا فيكم.و قوله: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ آل عمران:153،يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و الوجه الثّالث:أحد،يعني بلالا،حين كان مولى، فذلك قوله: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ، يعني لبلال عند أبي بكر حين أعتقه أبو بكر مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى الليل:19.

(260)

ص: 471

الدّامغانيّ: [نحو مقاتل و أضاف:]

و الوجه الرّابع:أحد،يعني يمليخا،قوله تعالى:

فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الكهف:

19،يعنى يمليخا.

و الوجه الخامس:أحد،يعنى زيد بن حارثة،قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ الأحزاب:

40،يعني زيد بن حارثة.

و الوجه السّادس:أحد من الخلق كلّهم،الملائكة و الإنس و الجنّ،قوله تعالى: وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الكهف:110،كقوله تعالى: وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً الجنّ:20.

و الوجه السّابع:أحد،يعني دقيانوس،كقوله تعالى:

وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً الكهف:19،يعني دقيانوس.

الوجه الثّامن:أحد،يعني ساقي الملك،قوله تعالى:

قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً يوسف:36، يعني ساقي الملك.(9)

الفيروزآباديّ: [نحو الدّامغانيّ إلاّ أنّه زاد معنيين، و هما:]

[الأوّل:]بمعنى إبليس: وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2.

[الثّاني:]بمعنى الصّنم،و الوثن: وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً الكهف:38، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ الجنّ:22.(بصائر ذوي التّمييز 2:92)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو الأحد،بمعنى التّفرّد و التّقدّم،يقال:فلان أحد الأحدين،أي واحد لا نظير له.و لا يقوم لهذا الأمر إلاّ ابن إحداهما،أي الكريم.

و لا يستطيعها إلاّ ابن إحداها،أي ابن واحدة منها.

و نزلت به إحدى الإحد،و إحدى بنات طبق،أي الدّاهية.و يقال للأمر العظيم:إحدى من سبع.و منه:

يوم الأحد،و هو اليوم الأوّل من الأسبوع،و المتقدّم على سائر أيّامه.يقال:مضى الأحد بما فيه.

2-و ليس لأحد فعل،أمّا«أحّدت اللّه»فهو من «وحد».و أحد-برأينا-ليس من«وحد»كما سيأتي.

و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله:«أحّد أحّد»لأنّ أصله:«وحّد وحّد».

و قولهم:استأحد الرّجل:انفرد،و ما استأحد بهذا الأمر:

لم يشعر به.و أصل:معي عشرة فأحدهنّ ليه:صيّرهنّ لي أحد عشر،من الحادي لا من أحد.

3-و قيل في همزة«أحد»:إنّها أصليّة،و قيل:

مبدلة من الواو،و قيل:أصليّة في سياق النّفي العامّ و مبدلة في الإثبات،و نسبه الآلوسيّ إلى المشهور.

و خرّجوا القول الثّاني-و هو قول بعض كبار اللّغويّين-على ثلاثة أوجه:

الأوّل:أصل أحد:وحد،لأنّه من الوحدة و هي الانفراد؛بإبدال الهمزة من الواو،كما أبدلت في:امرأة أناة و وناة.

و الثّاني:أصله:واحد،بمعنى الأوّل و المنفرد؛ فحذفت الألف و أبدلت الهمزة من الواو.

و الثّالث:أصله:و أحد؛فأبدلت الهمزة من الواو، فاجتمعت همزتان،فحذفت إحداهما للخفّة،فصار «أحد».

و قد يعلّل التّبديل بأنّ«الواحد»تميّز بالتّجسّد،

ص: 472

و يكون له ثان و ثالث و رابع و هكذا.و أمّا«الأحد» فتميّز بالتّجرّد،و لا يكون له ثان و لا ثالث و لا ما وراءهما؛فهو أمعن في الفردانيّة المتجرّدة عن كلّ تجسّد معهود.

و بهذه الدّلالة الّتي لم تكن في«وحد»انتقل إلى «أحد»،و من هنا نرى أنّ مدار الاشتقاق على«وحد» دون«أحد»إلاّ في النّادر.

بيد أنّ الأوجه المذكورة تظلّ مفتقرة إلى الدّليل على الرّغم من حسن توجيهها،فلم يسمع عن العرب«أحد» مبدل من«وحد»،و ما ذكر فهو قياس محض من عمل اللّغويّين.

و من اللّغات المسموعة الّتي تبدّل فيها الهمزة من الواو المفتوحة ما قاله أبو عبيد في الحديث:«كلّ ما زكّي ذهبت أبلته»،أي وبلته،و هي شرّه-لاحظ«أ ب ل»- و قال الزّاهد في قولهم:أين أخيهم؟أي سفرهم و قصدهم،و أصله:وخيهم.و حكى ابن جنّيّ:أجّ في وجّ،و هو اسم موضع.

نعم،إنّ بين«أحد»و«وحد»اشتقاق أكبر و جناس جزئيّ،و هذا ما يلحظ أيضا في اللّغات السّاميّة،و لا يزال باب البحث مفتوحا على مصراعيه.و أمّا الفرق بين اللّفظين معنى فقد كفانا النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء أحد على وجوه:

الأوّل-جاء مرفوعا ثلاث عشر مرّة:

1- قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ آل عمران:73

2 و 3- وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ النّساء:43 و المائدة:6

4- وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ

التّوبة:6

5- فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ هود:81

6- وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ الحجر:65

7- قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً الجنّ:22

8- فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ الفجر:25

9- وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ الفجر:26

10- أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ البلد:5

11- أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ البلد:7

12- قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ الإخلاص:1

13- وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ الإخلاص:4

و يلاحظ أنّ أحدا جاء فيها على أطوار:

1-فجاء عقيب النّهي مرّتين،و هما رقم(4)و(5)، فيفيدان الاستغراق،لكن في دائرة محدّدة:(احد منكم)؛ إذ لا يعمّ البشر و لا غير المخاطبين،إلاّ أنّ الأحكام في القرآن-كما هو ثابت في محلّه-موجّهة إلى جميع المسلمين بل إلى المكلّفين عامّة،و لا تختصّ بالمخاطبين في زمن نزول الوحي.

2-و جاء عقيب النّفي ب«لا»و«لم»و«لن»،

ص: 473

فيستغرق كلّ ذي عقل،و لا سيّما البشر،و هذا سياق كلّ ما يرتبط-من الآيات في(أحد)-بالرّبّ تعالى.

و الّذي يلفت النّظر هنا أنّ كلاّ من النّهي و النّفي بأقسامه الثلاثة-أي«لم»لنفي الماضي،و«لن»لنفي الأبد، و«لا»نفيا بلا زمان-جاء مرّتين،فهل في هذه المعادلة الدّقيقة سرّ،كما سنشير إليه في قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، أو أنّ هذا مجرّد اتّفاق؟

3-و جاء عقيب الشّرط-و هو سياق مردّد بين النّفي و الإثبات-ثلاث مرّات،و هي الأرقام(2)و(3)و (4)،فأفاد الشّمول البدليّ،فهو بمعنى أيّ واحد كان لكن في دائرة محدّدة:(منكم)أو(من المشركين)،و اللّفظ في (2)و(3)واحد،فيؤول هذا السّياق أيضا إلى مرّتين.

4-و جاء مثبتا مرّتين أيضا في الرّقمين(1)و(2)،إلاّ أنّ الأوّل يرجع إلى النّفي،لأنّ (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) عند المفسّرين بمعنى«لئلاّ يؤتى أحد»،إلاّ أنّ لفظه مثبت، و لعلّه جاء كذلك احتفاظا للمعادلة المذكورة فظاهره الشّمول البدليّ،و باطنه الشّمول الاستغراقيّ،فهو وسط بين تلك الآيات.

5-و أمّا المثبت المنفرد المؤكّد العاري من أيّ نفي و شرط،فهو قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، و هو وحيد بسياقه في القرآن،فجاء مرّة واحدة خلافا للمعادلة الملحوظة في أخواته مرّتين مرّتين،ليبقى هو واحدا معلما متألّقا،كراية واحدة ذات لون يغاير لون رايات شتّى تتوسّطها،مثل راية بيضاء بين رايات سوداء.كما أنّه الوحيد الّذي جاء«الأحد»فيه وصفا خاصّا باللّه، لا يوصف به غيره تعالى.و«أحد»في غير هذا الموضع- كما علمنا-اسم عدد.

6-و قد تقدّمت الآراء و وجهات النّظر بكثرة حول (أحد)في هذه الآية،قراءة و إعرابا و تفسيرا،في النّصوص التّفسيريّة،فلا مجال للإضافة أو الإعادة،و لو إشارة و تلخيصا،لأنّ الإشارة و التّلخيص لا يفيان بحقّ هذا الوصف الجامع الفريد،و هذه الدّراسات الواسعة في (احد)هذا مزيّة أخرى له،قلّ نظيرها في لفظ آخر.

7-كما أنّ فيه مزيّة ثالثة،و هو أنّه جاء مثبتا في صدر سورة واحدة قصيرة،سمّيت باسم مأخوذ من لفظ «أحد»،و هو«سورة التّوحيد»،و بأسماء أخرى كثيرة، مثل«سورة الإخلاص»و نحوها مشيرة إلى سعة المعاني و تشعّبها،و في نفس الوقت ختمت السّورة بلفظ(احد) في سياق النّفي بمعناه العدديّ الشّائع،ليكون معلما آخر له بين أقرانه،كغرّة في الجبين،و الشّعرة البيضاء بين الشعر الأسود.

الثّاني-و جاء منصوبا عشرين مرّة:

1- وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ

المائدة:20

2- فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ

المائدة:115

3-: ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً التّوبة:4

4-: وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً

الكهف:19

5- فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:22

ص: 474

6- ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26

7- لكِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً

الكهف:38

8- وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً

الكهف:42

9- وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:47

10- وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً

الكهف:49

11- فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الكهف:110

12- فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً مريم:26

13- فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ النّور:28

14- وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ

الأحزاب:39

15- لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً الحشر:11

16- يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2

17- وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ أَحَداً

الجنّ:7

18- وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً

الجنّ:18

19- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً

الجنّ:20

20- 20- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً

الجنّ:26

يلاحظ أوّلا:أنّ«أحدا»جاء فيها عقيب النّفي(15) مرّة،و عقيب النّهي(4)مرّات،أي في الأرقام(4)و(5) و(11)و(18).و السّياق في الجميع يفيد الاستغراق لكلّ أحد.و جاء عقيب الشّرط مثبتا مرّة واحدة،و هي رقم(12)،فيفيد الشّمول البدليّ،أي واحدا من البشر أيّا كان،دون الاستغراقيّ.

ثانيا:أنّ«أحدا»في آيات نفي الشّرك الواردة في الأرقام:(6)و(7)و(8)و(11)و(16)،عامّ للإنسان و غيره من الملائكة و الجنّ و كلّ ما يتّخذه المشركون ندّا للّه تعالى من الآلهة.و لكنّ الظّاهر خصوص ذوي العقول منها،فلا يشمل الأصنام لفظا،بل ملاكا.و أمّا قوله:

فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً في الرّقم(20)،فخاصّ بذوي العقول من البشر و غيرهم،أو يختصّ بالبشر فقط،بقرينة ما بعده: إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ. و أمّا في ما سواها من الآيات،فيعمّ البشر جميعا،و لا سيّما الرّقم (1)و(2)،لقوله فيهما: مِنَ الْعالَمِينَ، أو جماعة من البشر بقرينة السّياق،مثل قوله في الرّقم(5): وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً، و قوله في الرّقم(3): وَ لَمْ

ص: 475

يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً، أي أحدا من أعدائكم.

ثالثا:أنّ سياق هذه الطّائفة من الآيات سياق مؤكّد، مثل ما جاء فيها«أحد»مرفوعا،بخلاف سياق الآيات الّتي جاء«أحد»فيها مضافا إلى ضمير الجمع الحاضر، كما سيأتي.و لعلّ الفرق بين هاتين الطّائفتين و ذاك هو وجود آلة النّفي أو النّهي في هاتين دون ذاك.و من طبيعة النّفي و النّهي الشّمول و التّأكّد،مع وجود مثبت واحد في الطّائفتين،ففي المرفوع جاء مؤكّدا،و هو: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ في الرّقم(12)،و في المنصوب مشروطا،و هو:

فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً في الرّقم(12)،فالمعادلة بين الأحد منصوبا و مرفوعا موجودة من جهات شتّى:

سياق النّفي أو النّهي،و التّأكّد مع وجود مثبت واحد فيهما.

رابعا:أنّ النّفي فيها جاء ب«لم»لنفي الماضي(5) مرّات،و هي الأرقام:(1)و(3)و(8)و(9)و(13).و ب«لن»لنفي الأبد مرّتين،و هما الرّقمان(4)و(5)،و ب «لا»لنفي بلا زمان(8)مرّات،و هي الأرقام:(2)و(6)و (7)و(10)و(14)و(15)و(19)و(20)،و جاء النّهي فيها(4)مرّات،و هي:(4)و(5)و(11)و(18)، فالمعادلة بين هذين بأن يقال:إنّ النّفي ب«لا»ضعفا النّهي،و ب«لن»نصف النّهي،1/4«لا»،و ب«لم»قريب من نصف«لا».

الثّالث-و جاء مجرورا تسع عشر مرّة:

منها(9)مرّات مع(من)في سياق النّفي،أو الاستفهام الجاري مجرى النّفي:

1- وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ البقرة:102

2- وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ

البقرة:102

3- أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ الأعراف:80

4- إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ العنكبوت:28

5- وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ

فاطر:41

6- فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47

7- وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ النّور:21

8- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98

9- وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ التّوبة:127

و جاء بعد(بين)«4»مرّات:

10 و 11- لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة:136،و آل عمران:84

12- كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285

13- وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ النّساء:152

و جاء بعد(على)مرّتين:

14- إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ

آل عمران:153

ص: 476

15- وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ التّوبة:84

و جاء بعد«اللاّم»مرّتين:

16- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ص:35

17- وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى الليل:19

و جاء بعد«الكاف»مرّة واحدة:

18- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ

الأحزاب:32

و جاء مضافا إليه مرّة واحدة:

19- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ الأحزاب:40

يلاحظ أوّلا:أنّ الاستعمال قد انقسم إلى مستويين:

أ-مستوى يمعن في التّجريد و النّفي المطلق التّامّ الاستغراق للحدث و هو ما دخله(من).

ب-مستوى فيه التّجريد لكنّه على مرتبة أقلّ في الاستغراق،مثل ما جاء في قوله: وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فإنّ هذه مختصّة بالأنبياء و لا تعمّ جميع الخلق، فتكون بذلك تجريديّة غير مطلقة.و هذا هو الفارق بين استعمال(من)و غيره.

و ثانيا:قال ابن هشام في المغني:إنّ(من)هذه زائدة،و هي إمّا لتنصيص العموم أو لتأكيد العموم، و يشترط في زيادتها ثلاثة أمور:

1-تقدّم نفي أو نهي أو استفهام.

2-تنكير مجرورها.

3-كونه فاعلا أو مفعولا به أو مبتدأ.

و على ما قاله فليست(من)هذه للتّبعيض كما قيل، كما أنّها ليست زائدة بالمعنى المصطلح،بل هي لاستغراق النّفي في مثل هذا السّياق.

الرّابع-و جاء مركّبا مرّة واحدة:

إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ، يوسف:4.

هذا تركيب وحيد في القرآن جاء بداية قصّة كانت فريدة بين القصص القرآنيّة من جهات شتّى،لا تخفى على الباحثين في القصص القرآنيّ.و من جملتها أنّها جاءت كاملة من أوّلها إلى آخرها في سورة واحدة،محّضت لها، و لم تفرّق أبعاضها خلال السّور،كغيرها من تلك القصص،و ما شملت السّورة غيرها.و لعلّ هذا هو سرّ انفراد هذا التّركيب العدديّ في القرآن،كانفراد يوسف في مصره و دهره،و كانفراد سورة يوسف بين السّور في لطافة المضامين،و كثرة النّكت،و احتوائها على عشق مفرط-بغير مبادلة-من ناحية حتّى جرّ العاشقات إلى تقطيع الأيدي،كما قال: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يوسف:31.و عفّة بالغة من ناحية أخرى في كبح رغباتهنّ،حتّى أدخلت صاحبها-و هو يوسف- السّجن،و هو غير آبه بذلك،بل دخله مستبشرا مقبلا عليه،حيث قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ يوسف:33.

و من مزايا هذه القصّة احتواؤها بمفردها على أركان أساليب الكمال و الازدهار في كلّ قصّة،منها ابتداؤها بالرّؤيا الصّادقة الّتي تحوي لبّ القصّة و عاقبتها الحميدة بعد طول العناء و ألوان من العذاب و الشّقاء،و من كمال

ص: 477

القصّة الرّؤيا و نحوها،فإذا خلت قصّة من الرّؤيا أو ما شابهها من الأحداث و الإرهاصات،فهي عارية عن ركن من أركانها.

و هذه الرّؤيا في نفس الوقت منطبقة تماما على ما شاع عند أرباب السّلوك،من لزوم نبوءة غيبيّة مبكّرة للسّالك المتعطّش الذي يرجى له الوصول إلى أعلى مراتب الكمال،لتكشف له في بداية سلوكه مستقبله البعيد المشرق الّذي ينتظره،لينقلب في سلوكه الملح الأجاج ماء فراتا سائغا،و تتذلّل له العقبات الكئود، و تضاء له دياجير الظّلمات،ليرى موضع قدمه،حتّى يقطع الأشواط و يخطو الخطوات بقدم صدق مطمئنّ كالجبل الرّاسخ،لا تحرّكه العواصف،و لا تفرّق به السّبل عن سبيله،و عن الصّراط المستقيم.

و هذه الإرهاصات تحدث كما لو التقى في طليعة سيره برجل صالح أو مرشد كامل،يبشّره بما قدّر له من الازدهار في الكمال و الازدياد في الأتباع و في الجاه و المال،مثل لقاء موسى شعيبا،و التقاء النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله بالرّاهب،و مثل ما قيل عن كثير من الشّيوخ الكمّل، كنبوءة العطّار النّيسابوريّ حول مستقبل العارف الرّوميّ،صاحب المثنوي،و هو طفل لم يتجاوز العاشرة.

فيوسف نبّئ قبل كلّ شيء بالرّؤيا،كما جاء في بدء القصّة: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ. يوسف:4،ثمّ وفّق و ألهم بحكايتها لأبيه النّبيّ الشّيخ المجرّب،فبشّره بمستقبله النّيّر إيماء بلا تفصيل،و تحذيرا ممّن يكيد له،ليقف يوسف بنفسه على تأويله بعد أن ذاق مرارة السّلوك،و لاقى ما لاقى من العذاب،إذ قال لأبيه: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ يوسف:100،فآيات بدء القصّة حافلة بمثل هذه الأسرار،على أنّ القصّة احتوت على رؤى أخرى،لها دخل في تغذية القصّة و نموّها،و ما يؤول إليها أمرها.

حتّى أنّ يوسف عليه السّلام-و هو نبيّ-أعطي معجزة،و أيّد بها في نبوّته من نفس تأويل الرّؤيا،كما قال تعالى:

وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:21.

ثمّ إنّ الرّؤيا في ذاتها عجيبة،فالكواكب الأحد عشر جمعت مع الشّمس و القمر ساجدة كلّها ليوسف، و هو طفل لم يبلغ الحلم،في سنّ خاف عليه أبوه أن يأكله الذّئب،فهذا السّياق و تلك العناصر كانت كافية نبوءة و إرهاصا للطّفل،حتّى لو لم يصدر تأويلها على لسان الأب،إلاّ أنّ الرّؤيا لا يوجد فيها عنصر الخوف و العناء، و كانت كلّها فأل حسن،و هذا ما كشف عنه أبوه له،إذ قال له: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يوسف:5، منبّها له أنّ له في طريق الوصول إلى تلك المنزلة العليا -و هي سجود الشّمس و القمر و الكواكب له-مخاطر و عقبات و صعاب و عناء،كلّه من قبل إخوتك الّذين هم الكواكب الأحد عشر،و أنّ الشّيطان هو الّذي سيبعثهم على إيذائه،رغم أنّهم إخوانه.و أمّا سرّ اختصاص تركيب(أحد عشر)بهذه القصّة و هذه السّورة من دون أن يكرّر في القرآن،فلم أهتدي إلى الآن إليه،سوى ما أومأت إليه من قبل،و للّه الأمر من قبل و من بعد.

الخامس-و جاء مضافا إلى ضمير الجمع الغائب سبع مرّات:

ص: 478

1- وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ البقرة:96

2- 2- فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ آل عمران:91

3- حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18

4- وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ النّحل:58

5- حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً المؤمنون:99،100

6- فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ النّور:6

7- وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا الزّخرف:17

يلاحظ أوّلا:أنّ«أحدا»فيها جاء في سياق الإثبات،دون نفي و نهي،سوى الآية رقم(2)،و سياقها مؤكّد.

و جاء تلو الشّرط الدّالّ على التّرديد و عدم الاستقرار،و التّأكّد في الباقي،حتّى في يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ، لأنّه في معنى الشّرط،إلاّ في السّادسة،فليس فيها شرط،لكن لا يوجد فيها أيّ تأكيد أيضا،إلاّ في ذيلها،و هو قوله: إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، و قد سبق أنّ عدم التّأكّد هو الشّائع الدّارج في الإثبات،كما أنّ النّفي هو موضع التّأكيد غالبا.

ثانيا:و رغم ذلك،فقد اختصّ هذا السّياق بالذّمّ و اللّوم حتّى في السّادسة،لأنّها تحمل معاقبة الّذين يرمون أزواجهم،و لم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم.

السّادس-و جاء مضافا إلى ضمير الجمع الحاضر سبع مرّات:

1- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً البقرة:180

2- أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ البقرة:266

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ المائدة:106

4- حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ الأنعام:61

5- فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ

الكهف:19

6- أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ الحجرات:12

7- وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ المنافقون:10

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات في هذا السّياق لا يوجد فيها نفي،و أنّ لفظ(احدكم)فيها لم يسبق بشيء من النّفي أو النّهي،فهل فيه نكتة،أو أنّه اتّفاق محض؟و أقرب ما يخطر بالبال في خصوص آيات الموت منها أنّ النّفي لا يلصق بالموت الّذي هو أمر قطعيّ،يتذوّقه كلّ أحد فلا يناسبه النّفي.

ثانيا:و رغم ذلك فلا يوجد فيها أيضا إثبات مؤكّد مطلق،كما سبق في (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) ،بل جاءت أربع آيات من مجموع السّبع عقيب الشّرط أو ما بمعناه،و هي

ص: 479

الأرقام(1)و(2)و(3)و(7)،فإنّ قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ بمعنى«إذا جاء أحدكم الموت».

و جاءت اثنتان منها استفهام،و هما الرّقمان(2)و(6)، و أمّا ما تبقى منها،و هو الرّقم(5)،فجاء عقيب فعل الأمر فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، من دون أيّ تأكيد،بل و لا دلالة على الوجوب و التّكليف،بل هو مجرّد إرشاد و توصية،فهل في ذلك سرّ،أو أنّه هو الآخر اتّفاق محض؟

ثالثا:أنّ أربع منها جاءت-احدكم-مفعولا لفعل فاعله الموت،ففي الرّقمين(1)و(3): إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، و في الرّقم(4): إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، و في الرّقم(7): مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ. ثمّ إنّ بيان الفرق بين التّعابير الثّلاثة:(حضر)و(جاء)و (يأتي)في هذه،و كذلك يذوقون في مثل كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ آل عمران:185،و(يدرككم)في مثل أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ النّساء:78، و التّوفّي في مثل: حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ النّساء:15، و الإصابة في فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ المائدة:

106،و نحوها،و ربّما يظهر ذلك من التّأمّل في سياق الآيات عند البحث في مادّة«م و ت»،و كذا يكشف القناع هناك عن أنّ الموت رغم كونه أمرا واقعا لكلّ أحد،كما قال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، كيف جاء في هذه الآيات مشروطا معلّقا؟

رابعا:و جاءت كلّ من(احدكم)و(احدهم)سبع مرّات في سياق مشابه من جهتين:الإثبات و عدم التّأكّد،إلاّ في واحدة من كلّ منهما:جاء في(أحدكم) الأمر(رقم 7)و في(أحدهم)نفي الأبد(رقم 2)،لكن بينهما فرق من جهة أنّ الآيات في(احدهم)ليس فيها تشريع إلاّ السّادسة،و الباقي ذمّ كما سبق.و الآيات في (احدكم)ثلاث منها تشريع،و هي الأرقام:(1)و(3)و (7)،و ثلاث منها ذمّ و لوم،و هي الأرقام:(2)و(4)و (6)،و واحدة حكاية قصّة،و هي الرّقم(5).و لو رجع الذّمّ إلى نوع من التّشريع.فكلّها تشريع،و واحدة حكاية،فيوجد بينهما خلال وجه الافتراق نوع من الوفاق.

و بينهما فرق آخر،و هو أنّ(احدكم)منها أربع شرط كما سبق،و اثنتان استفهام،و واحدة أمر،و في (احدهم)خمس شرط،و واحدة نفي،و واحدة إثبات، و هما(2)و(6).

السّابع-و جاء مضافا إلى ضمير التّثنية الغائب خمس مرّات:

1- إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما

المائدة:27

2- وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً يوسف:36

3- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ النّحل:76

4- إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:23

5- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ الكهف:32

يلاحظ أوّلا:أنّ(احدهما)جاء فيها مثبتا،إلاّ اثنتين

ص: 480

منها،و هما الرّقمان(3)و(4)ففيهما نفي أو نهي.

ثانيا:أنّ السّياق فيها جميعا ذمّ أو نحوه،كما في(2)و (4)،و ليس فيها تفاؤل.

ثالثا:أنّ اثنتان منها حكاية،و هما(1)و(2)، و موضوعهما أخوان و فتيان،و اثنتان مثل،و هما(3)و (5)،و موضوعهما رجلان،و واحدة تشريع،و موضوعها أبوان.

رابعا:أنّ كلّ من(احدهما)و(احداهما)-كما يأتي- جاء في القرآن خمس مرّات مع اختلاف السّياق.

الثّامن-و جاء مضافا إلى ضمير المتكلّم مع الغير مرّة واحدة:

قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:78

يلاحظ أنّ السّياق كلّه عاطفيّ،يتضمّن العزّة للملك أوّلا،و أنّه من المحسنين آخرا،و ذكر الأبوّة و الشّيخوخة للأب،و تفاني الذّات من جانب كلّ واحد من الإخوة، فإنّ(خذ احدنا مكانه)يوحي بأنّ كلّ واحد منهم مستعدّ لأن يكون رهينة عند يوسف،مكان أخيهم لا من أجله،بل رعاية لأبيه الشّيخ الكبير.ف(احدنا)يفيد الشّمول البدليّ تأكيدا على أنّه لا فرق بين أحد من الإخوة في الفداء بنفسه لأخيهم.إلاّ أنّ السّياق ينقلب فيما بعد إلى مجابهة صارمة،و عدل بلا هوادة أمام هذه العاطفة الجيّاشة تجاه الأب الشّيخ الكبير،و الطّفل الأسير الذي باعد الدّهر بينه و بين أبيه الّذي ابيضّت عيناه من الحزن، لأخيه يوسف من قبل.

إذ قال العزيز: مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنّا إِذاً يوسف:79،معتذرا بأنّ العدل لا يعرف العاطفة و القاضي العادل هنا كاد أن يكون أعمى،و أنّ من لا يعدل فهو من الظّالمين،فاستيأسوا منه.

و هذا أيضا نظير(أحد عشر)سياق لم يتكرّر في القرآن،و هو لفظ واحد في موضع ألفاظ و كلمات شتّى، و من أجل ذلك ف(أحدنا)تصدّر أوج البلاغة،فلا نجد لفظا آخر يحلّ محلّه،و يفي بحقّه،و لعلّه جاء منفردا في القرآن،و لم يكرّر لهذا السّبب.

التّاسع-و جاء مضافا إلى ضمير تثنية الحاضر مرّة واحدة:

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً

يوسف:41

يلاحظ أنّه كلفظي(احد عشر)و(احدنا)أيضا،إذ لم يكرّر في القرآن لنكتة بليغة مثلهما،و هي أنّ مصداق (احدكما)معيّن عند يوسف،لكنّه أبهمه رعاية لأحاسيس الفتيين،و لا سيّما الفتى الآخر الّذي سيصلب، فتأكل الطّير من رأسه.فلو قال للأوّل:أمّا أنت فتسقي ربّك خمرا،فهو كالتّصريح بأنّ صاحبه هو الّذي ينتظره الصّلب و أكل الطّير من رأسه،و هذا ما لا يرضى به يوسف،فيواجهه به،و أوكل ذلك إليه،ليقف عليه خلال التّأويل من دون تصريح به من قبل يوسف.

و لعلّه لم يبادر إلى تأويل رؤياهما في البداية لهذا السّبب أيضا،فأخّره إلى إنبائهما بنوع الطّعام الّذي يرزقانه قبل إتيانه،استنادا إلى ما علّمه ربّه،ليتخلّى هو عن عهدة التّأويل النّكد المشئوم للثّاني،و عن إبانة الفرق بين الفتيين،حيث أنبأ أحدهما بعاقبة سعيدة،و الآخر

ص: 481

بعاقبة نحسة.فلاحظ قوله تعالى: قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي يوسف:37.ثمّ أطال الكلام في التّوحيد خلال آيات،ليستعدّ الفتيان لاستماع تأويل رؤياهما، و يوكلا أمرهما إلى اللّه،فقال حينئذ في سياق عاطفيّ: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمّا أَحَدُكُما...، و بذلك تبيّنت بلاغة (احدكما)هنا،فلا يكاد يسدّ مسدّه،و يحلّ مكانه لفظ آخر.

العاشر-و أمّا(احدى)-مؤنّث أحد-فما جاءت في القرآن إلاّ مضافة على وجوه:

أ-إلى الاسم الظّاهر خمس مرّات:

1- وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ

الأنفال:7

2- قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ

التّوبة:52

3- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ

القصص:27

4- لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فاطر:42

5- إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ المدّثّر:35

و يلاحظ أوّلا:أنّ(احدى)ما جاءت إلاّ مضافة، إيماء إلى أنّ الأنثى لا كمال لها و لا قرار إلاّ بضمّها إلى ذكر من جنسها،و كأنّها لا استقلال لها بنفسها.

ثانيا:أنّها فيما أضيفت إليه ليست على وتيرة واحد في اثنتين من الخمس،فالمضاف إليه في الأولى الطّائفتان من جيش المشركين في غزوة بدر،و في الثّانية الحسنيان:

النّصر على الأعداء،أو الاستشهاد في سبيل اللّه و الفوز بالجنّة،و في الثّالثة بنتا شعيب،و هذه فريدة من بين الخمس بأن استعملت المؤنّث في معناها الحقيقيّ،و في الرّابعة الأمم من اليهود و النّصارى-كما قيل-أو غيرهم، و في الخامسة الكبائر أو غيرها ممّا مضى في النّصوص.

ثالثا:إن دلّ هذا التّشتّت و الفوضى في ما أضيفت إليه الأنثى على شيء،فهو يعني-كما سبق-تلوّنها و عدم استقرارها على حالة واحدة كما هو طبعها،إلاّ بضمّها و اتباعها لغيرها من الرّجال،أيّا كان.

رابعا:ليس للآيات سياق واحد في موضوعها و محتواها،مسايرة لطبيعتها،فالأولى تحكي نصر المؤمنين على المشركين في غزوة بدر،و الثّانية جدال بين المؤمنين و المنافقين المتخلّفين عن غزوة تبوك،و كلتاهما مدنيّة، و الثّالثة وصل موسى بإحدى ابنتي شعيب،و الرّابعة جدال مع المشركين،و كلتاهما مكّيّة،و الخامسة وصف لسقر أو القيامة أو هذه الآية أو هذا الإنذار أو غير ذلك ممّا مضى في النّصوص،فاختلفت الآيات موضوعا،كما اختلفت الأقوال و الآراء،و اضطربت في تفسير ما أضيفت(احدى)إليها.

خامسا:و لعلّ خلوّها من التّشريع من أجل ذلك،إذ التّشريع يتناسب مع جوّ هادئ،تخيّم عليه السّكينة و الاستقرار،فهي إمّا إنذار و توبيخ،كما في الأرقام:(2)و (4)و(5)،أو بشارة بجزاء حسن أو حكاية لها،كما في (1)و(3).

ب-إلى ضمير التّثنية الغائب خمس مرّات أيضا:

1- وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ

ص: 482

إِحْداهُما البقرة:282

2- فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى البقرة:282

3- فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ

القصص:25

4- قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ القصص:26

5- فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9

يلاحظ أوّلا:أنّ لفظ(احدى)المضاف إلى ضمير التّثنية الغائب جاء مكافئا في العدد للفظ(احدى) المضاف إلى الاسم الظّاهر،و للفظ(احد)المضاف إلى ضمير التّثنية الغائب،فهل هذا صدفة أو حكمة؟

ثانيا:أنّ مساقها ليس مساقا واحدا أيضا،فمساق الأوليين في الاستشهاد بامرأتين مكان رجل واحد، و التّاليتين لهما في بنتي شعيب،و الأخيرة في الطّائفتين المتقاتلتين من المؤمنين،فالتّأنيث في هذه مجازيّ،و في الأربع الأولى حقيقيّ.

ثالثا:و يستشفّ من هذه الآيات نوع من التّلوّن و الاضطراب الّذي يعكس طبيعة الأنثى،كما ذكرنا،إذ جاء في الأوليين: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى، و في هذا صراحة متناهية،تدلّ على تشتّت ذاكرة المرأة الّذي يعمّ النّساء جمعاء.و لهذا اريد ب(إحداهما)في الموردين كلّ واحدة منهما،بلا فرق بينهما،و لا تعيين لإحداهما،و تكرارها في آية واحدة تأكيد على ذلك الإبهام،إذ لو قال بدل«فتذكّر إحداهما الأخرى»:«فتذكّرها الأخرى»لارتفع الإبهام،لكنّه لم يقل كذلك،احتفاظا على الإبهام.و قد تقدّم في النّصوص نحو ما قلنا.

و جاء في الموضعين:الثّالث و الرّابع في آيتين متواليتين في قصّة واحدة: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ و قالَتْ إِحْداهُما، حيث أبهم القرآن شخصيّة الماشية و القائلة،مع أنّهما متعيّنتان في نفس الأمر،و فيه سرّ سوف نكشف عنه.

و كذلك يوجد الإبهام في الخامسة،إيماء إلى أنّ كلّ واحدة من الطّائفتين يمكن أن تكون معتدية أو معتدى عليها،أو تكون في نفس الوقت موصوفة بهما معا،و هذا هو من طبيعة القتال و المتقاتلين.

رابعا:لقد أسهب المفسّرون في(إحداهما)،أي حول ابنتي شعيب و اسميهما،و تعيين الكبرى و الصّغرى منهما، و لا نريد الخوض في هذا الموضوع.

و أمّا القول في من جاءت على استحياء،و من قالت:

يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، و من أنكحها شعيب موسى عليهما السّلام، فالّذي يلوح لنا من سياق الآيات أنّ(إحداهما)في الموردين هي نفس المنكوحة،استنادا إلى تحليل نفسيّ، فإنّ الّتي جاءت على استحياء حملت في سويداء قلبها حبّ الفتى،دون أن تشعر هي به،و هذا الحبّ المخبّأ في نفسها بعثها-رغم إرادتها-على أن تقول لموسى الفتى:

إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا. و هذا المشي حياء،و هذه الدّعوة الصّادقة على لسانها-و الّتي لهجت بها طبعا على استحياء،و بصوت خفيّ يخرج من أعماقها ملتهبا بحبّه،و هي مع ذلك لا تشعر به أيضا، و الّذي قرع سمع الفتى العفيف الّذي التجأ بخوف بالغ إلى مدين،بلد شعيب،و الّذي صدر عن لسان امرأة شابّة،لها

ص: 483

أب حنون،يريد أن يجزي موسى أجر ما سقاه لهما.فمشت هي،و مشى موسى خلفها،ناظرا بطرف خفيّ إلى قامتها- ذلك كلّه لفت انتباه الفتى و ألقى حبّها في سويداء قلبه، و هو الآخر لا يشعر به أيضا،بل أحسّ في نفسه رجاء بالمستقبل فقط.ثمّ قول البنت الّتي مشت لتدعو موسى لأبيها: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، فيه معنى لم تشعر به البنت و لا موسى،لأنّها كلمة خرجت من لسانها،منبعثة من ذلك الحبّ الخفيّ في باطنها،دون أن تشعر و لا تشعر به أحدا،و قد أخذت في قلب موسى مأخذها،دون أن يشعر هو أيضا بذلك،هذه هي حالة الفتى و الفتاة.

و أمّا شعيب النّبيّ اليقظ،فقد فطن هذا الحبّ المتبادل في قلبي الفتاة و الفتى و قرأ ما في ضميرهما و كأنّه رآه رأي العين،و لكنّه لم يشعرهما بذلك،فبادر إلى موسى قائلا:

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ، فلم يبد سرّهما،بل أبهم الكلام إبهاما،و يكمن في هذا الإبهام- المتكرّر ثلاث مرّات:(إحداهما)مرّتين،و(احدى ابنتىّ هاتين)مرّة واحدة-لطف و بلاغة،لا يدركهما إلاّ الأديب البارع،المضطلع بعلم النّفس،و الّذي ذاق في حياته طعم الحبّ العذريّ الصّادق النّزيه.و يتجلّى في هذا السّياق أوج الإعجاز البلاغيّ للقرآن،و تعكس الكلمات المتبادلة بين موسى و شعيب حول هذا الزّواج المبارك هذا الهوى العذريّ و الحبّ النّزيه،و اللّه هو العالم بسرّ كتابه.

ج-إلى ضمير جمع المؤنّث الغائب مرّة واحدة:

وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً

النّساء:20

يلاحظ أنّ موضوع الآية مهر النّساء و صدقاتهنّ، حيث أكّد القرآن على المحافظة عليها،و ضرورة إعطائهنّ حقوقهنّ،في الآية السّابقة لهذه الآية و اللاّحقة لها.إلاّ أنّ فيها مزيّة خاصّة بها،و هي إرادة استبدال زوج مكان زوج الّتي تحدث كثيرا للمفرطين في الزّواج.و عند ذلك تكون الزّوجة تحت وطأة الزّوج الّذي أراد فراقها في صداقها،طموحا إلى المرأة الّتي أراد وصلها،فيجحد حقّ الأولى بهتانا و افتراء بأنّها أخذت حقّها من الصّداق من ذي قبل،أو أنّ مقدار صداقها لم يكن مطابقا لما تدّعيه،أو نحو ذلك من الخلط و التّمويه،ليبلغ أربه من العشق الثّاني و الثّالث و هكذا.

و نحن نعتبر هذه الحالة أشدّ الحالات حسّاسيّة للرّجال،فخصّها القرآن بالبحث على حدة،كما خصّ لفظ(إحداهنّ)بها أيضا،ليكون معلما لها،و لم يكرّره و هذا نظير ما سبق في(أحد عشر)و(أحدكما)و (أحدنا).

الحادي عشر:يلاحظ أنّ للفظة(أحد)و(إحدى) في القرآن محورين:

المحور الأوّل:ما كان دائرا في فلك المخلوقات، و يغلب عليه الاستعمال في سياق النّفي أو ما في معناه،كما رأينا في الآيات المتقدّمة،و مثل قوله: وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2.و فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً الجنّ:18.

و قد يأتي أيضا في سياق الإيجاب مضمّنا معنى التّجريد إلى حدّ ما في:

ص: 484

1- حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ الأنعام:61

2- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ النّحل:76

3- فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي الحجرات:9

4- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ

القصص:27

5- قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ

التّوبة:52

و له نظائر أخرى.فإنّ لفظ(أحد)في ذلك يبقي الشّيء في إطار التّجريد و عدم التّخصيص و التّجسيد إلى حدّ ما.

و المحور الثّاني:ما كان متّصلا بالذّات الإلهيّة،و هذا يتجذّر فيه معنى التّجريد المطلق و الوحدانيّة النّهائيّة كما في سورة التّوحيد.فسياقها التّفرّد المطلق،فكلّ من لفظة(قل)و(هو)و(اللّه)و(أحد)في الموضعين،و (الصّمد)و(لم يلد)و(لم يولد)و(كفوا)تدلّ على الوحدانيّة المطلقة.

و في هذا المحور أيضا جاء(أحد)دلالة على نفي الشّرك:

وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً الكهف:38

وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الكهف:110

وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:39.و له نظائر كثيرة.

الثّاني عشر-يبدو أنّ معنى الواحد-و هو الفرد- لوحظ في مجموعة الأرقام الّتي جاءت في صدر البحث، فالألفاظ(11)،و عدد المرّات(85)،و السّور(33)، و عدد الآيات المكّيّة(47)،و عدد السّور المدنيّة(11).

و كذلك(أحد)مرفوعا و مجرورا-لا منصوبا لأنّه وسط بينهما-و مركّبا و مضافا إلى ضميري الجمع الغائب و الحاضر،و كذا(إحدى)مضافة إلى الاسم الظّاهر،و إلى ضمير التّثنية الغائب و ضمير المؤنّث الغائب.

فكلّها وتر.و إنّما خصّت الآيات المدنيّة بالرّقم(38)، و السّور المكّيّة بالرّقم(22)،و كلاهما زوج،فهذا خرق للأرقام المذكورة،إلاّ أنّ فيها نوعا من المعادلة بين السّور و الآيات،فلكلّ منها نصيب من الفرد و الزّوج.على أنّ أعداد السّور المدنيّة،أي(11)نصف السّور المكّيّة،أي (22)،و أعداد الآيات المدنيّة-أي(37)-أقلّ من المكّيّة -أي(48)-بنحو(9).فالآيات المدنيّة و سورها معا أقلّ من المكّيّة،فهل هذا تأكيد على الوحدة و التّوحيد في الجوّ المكّيّ المشحون بالشّرك،أو أنّه رمز إلى عزلة الإسلام و غربته في مكّة،و خروجه من طوق العزلة و الانفراد في المدينة؟أو هناك سرّ آخر؟أو هو مجرّد صدفة؟و اللّه العالم.

ص: 485

ص: 486

أ خ ذ

اشارة

93 لفظا،273 مرّة:165 مكّيّة،108 مدنيّة

في 55 سورة:35 مكّيّة،20 مدنيّة

أخذ 11:7-4\أخذ 1:-1\تأخذونها 1:-1\أخذهم 1:-1\اتّخذتم 6:2-4\أ فتتّخذونه 1:1

فأخذه 1:1\أخذوا 2:1-1\تأخذوا 2:2\يؤاخذ 2:2\اتّخذتموه 1:1\تتّخذوا 13:3-10

فأخذهم 9:7-2\يأخذ 3:2-1\تأخذوها 1:-1\يؤاخذهم 1:1\فاتّخذتموهم 1:1\أتّخذ 3:3

أخذت 2:2\يأخذه 1:1\نأخذ 1:1\يؤاخذكم 4:-1\اتّخذت 1:1\اتّخذنّ 1:-1

أخذته:2:1-1\يأخذهم 2:2\يؤخذ 5:1-4\تؤاخذني 1:1\اتّخذناه 1:1\نتّخذ 2:2

أخذتهم 10:9-1\فيأخذكم 3:3\خذ 7:5-2\تؤاخذنا 1:-1\اتّخذناهم 1:1\نتّخذه 2:2

أخذتكم 1:1\يأخذون 1:-1\خذها 2:2\اتّخذ 20:17-3\يتّخذ 14:7-7\لنتّخذنّ 2:2

أخذن 1:-1\يأخذونها 1:-1\خذوا 6:2-4\اتّخذها 1:1\يتّخذها 1:1\فاتّخذه 1:1

أخذتم 2:-2\يأخذوا 3:1-2\خذوه 4:2-2\اتّخذوا 26:20-6\يتّخذون 1:-1\اتّخذوا 1:-1

أخذت 1:1\يأخذوه 2:1-1\خذوهم 3:-3\اتّخذوه 1:1\يتّخذوا 3:1-2\اتّخذوه 1:1

أخذتها 1:-1\تأخذ 1:-1\آخذ 1:1\اتّخذوها 1:-1\يتّخذوه 2:2\اتّخذوني 1:-1

أخذتهم 3:1-2\تأخذه 1:-1\آخذين 1:1\اتّخذوهم 1:-1\يتّخذونك 2:2\اتّخذي 1:1

أخذنا 16:5-11\تأخذهم 1:1\بآخذيه 1:-1\اتّخذوك 1:-1\تتّخذ 2:1-1\متّخذ 1:1

فأخذنا 3:3\تأخذكم 1:-1\أخذ 2:2\متّخذي 1:-1\متّخذات 1:-1\اتّخاذكم 1:-1

أخذناهم 7:7\تأخذونه 2:-2\أخذا 1:1\\\

أخذة 1:1\اتّخذت 2:2\تتّخذنا 1:-1\\\

أخذه 1:1\اتّخذت 2:2\تتّخذون 4:4\\\

ص: 487

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الأخذ:التّناول.

و الأخذة:رقية تأخذ العين و نحوها.

و الإخاذة:الضّيعة يتّخذها الإنسان لنفسه.

و رجل مؤخّذ عن النّساء،كأنّه حبس عن إتيانهنّ كالعنّين و نحوه.

و يقال:الاتّخاذ من تخذ يتخذ تخذا،و تخذت مالا، أي كسبته.ألزمت التّاء كأنّها أصليّة،و الأصل من «الأخذ»إن شاء اللّه تعالى،و في القرآن: (لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (1)الكهف:77.

و الأخذ،بغير مدّ،من الإبل:حين يأخذ فيه السّمن،و هنّ الأواخذ.و نحو ذلك:أخذ البعير يأخذ أخذا فهو أخذ،أي شبه الجنون يأخذه،و كذلك الشّاة.

و الإخاذ و الإخاذة و الإخذ:ما حفرت لنفسك كهيئة الحوض.و يجمع على أخذان،و هو أن تمسك الماء أيّاما.

و الأخذ على تقدير فعل:غدر،سمّي (2)به لأنّه يتّخذه لنفسه،من أخذ يأخذ.

و رجل خنذيان:كثير الشّرّ.

و المستأخذ:المستكين،و مريض مستأخذ،أي مستكين لمرضه.(4:298)

سيبويه: أخذ يفعل كذا،أي جعل،و هي من الأفعال الّتي لا يوضع اسم الفاعل في موضع الفعل الّذي هو خبرها.(ابن سيده 5:143)

ابن شميّل: استخذت عليهم يدا و عندهم سواء، أي اتّخذت.(ابن منظور 3:474)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الإخاذ بغير هاء،و هو مجتمع الماء،شبيه بالغدير.و جمع الإخاذ:أخذ.

و أمّا الإخاذة بالهاء فإنّها الأرض يأخذها الرّجل، فيحوزها لنفسه،و يتّخذها،و يحييها.

(الأزهريّ 7:525)

يقال:أصبح فلان مؤتخذا لمرضه و مستأخذا،إذا أصبح مستكينا.(الأزهريّ 7:528)

«استعمل فلان على الشّام و ما أخذ إخذه»بالكسر، أي لم يأخذ ما وجب عليه من حسن السّيرة.و لا تقل:

أخذه.(الجوهريّ 2:560)

الفرّاء: «فلان أكذب من أخيذ الجيش»،و هو الّذي يأخذه العدوّ فيستدلّونه على قومه،فهو يكذبهم بجهده.(الأزهريّ 7:527)

«إنّه لأكذب من الأخذ الصّبحان»بلا ياء،و هو الفصيل الّذي اتّخم من اللّبن.يقال منه:قد أخذ يأخذ أخذا.(الأزهريّ 7:527)

يقال:بعينه أخذ،و هو الرّمد.(الأزهريّ 7:527)

أبو عبيدة: الإخاذة و الإخاذ،بالهاء و غير الهاء، جمع إخذ.و الإخذ:صنع الماء يجتمع فيه.

(الأزهريّ 7:525)

أبو زيد: الأخيذة و الوسيقة و الطّريدة:ما اغتصبه الإنسان،فأخذه فطرده.(259)

إخاذة الحجنة:مقبضها،و هي ثقافها.

(الأزهريّ 7:526)

ص: 488


1- القراءة المشهورة: (لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) .
2- و فيها إبهام رجّحنا ما ذكر استنادا إلى قول الجوهريّ فلاحظ.

اتّخذنا مالا،فنحن نتّخذه اتّخاذا،و تخذت تخذا.

(الطّوسيّ 1:235)

الأصمعيّ: المستأخذ:المطأطئ رأسه من رمد أو وجع.(الجوهريّ 2:559)

ابن السّكّيت: يقال:ذهب بنو فلان و من أخذ إخذهم،يكسرون الألف و يضمّون الذّال،و إن شئت فتحت الألف و ضممت الذّال،و قوم ينصبون الألف و يفتحون الذّال.(إصلاح المنطق:30)

«استعمل فلان على الشّأم و ما أخذ إخذه»، و لا تقل:أخذه.

و تقول:لو كنت فينا لأخذت بإخذنا،أي بخلائقنا و شكلنا.(إصلاح المنطق:174)

الأخيذة:المرأة تسبى.(إصلاح المنطق:353)

ابن قتيبة: نجوم الأخذ:منازل القمر.سمّيت نجوم الأخذ،لأخذ القمر كلّ ليلة في منزل منها.

و قيل:نجوم الأخذ:الّتي يرمى بها مسترق السّمع من الشّياطين،و الأوّل أصحّ.(الأزهريّ 7:529)

المبرّد: إنّ بعض العرب يقول:استخذ فلان أيضا، يريد اتّخذ؛فيبدل من إحدى التّاءين سينا،كما أبدلوا التّاء مكان السّين في قولهم:ستّ.و يجوز أن يكون أراد «استفعل»من تخذ يتخذ؛فحذف إحدى التّاءين تخفيفا،كما قالوا:ظلت من ظللت.

(الجوهريّ 2:559)

ابن دريد: الإخذ،و الجمع:إخاذ،و هي مواضع يجتمع فيها ماء السّماء.و الأخذ مصدر أخذته آخذه أخذا،و أنا آخذ و أخّاذ.و رجل أخذ:للّذي به رمد، و مستأخذ.[ثمّ استشهد بشعر]

و المآخذ:مآخذ الطّير،و هي مصائدها،و الأخيذ:

الأسير.و من أمثالهم:«أكذب من الأخيذ الصّبحان» و الصّبحان:الّذي قد شرب اللّبن بالغداة.(3:236)

تخذ أهملت،إلاّ في قولهم:تخذته و اتّخذته،و ليس هذا موضعه،قال الشّاعر الممزق العبديّ:

*و قد تخذت رجلي لدى جنب غرزها*

و في التّنزيل:( لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (1).

«تخذ و اتّخذ»لغتان فصيحتان.(2:6)

الأزهريّ: في حديث مسروق أنّه قال:«ما شبّهت بأصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الإخاذ».

تكفي الإخاذة الرّاكب،و تكفي الإخاذة الرّاكبين، و تكفي الإخاذة الفئام من النّاس.(7:524)

التّأخيذ:أن تحتال المرأة بحيل من السّحر،تمنع بها زوجها من جماع غيرها.يقال:إنّ لفلانة أخذة تؤخّذ بها الرّجال عن النّساء.و قد أخّذته السّاحرة تؤخّذه تأخيذا.

و من هنا قيل للأسير:أخيذ.و قد أخذ فلان،إذا أسر،و منه قول اللّه جلّ و عزّ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ التّوبة:5،معناه ائسروهم.(7:526)

العرب تقول:«لو كنت منّا لأخذت بإخذنا»بكسر الألف،أي أخذت بشكلنا و هدينا.(7:528)

الأخذ:مصدر أخذ الفصيل يأخذ أخذا،و هو أن يتّخم من شرب اللّبن.7.

ص: 489


1- القراءة المشهورة (لاَتَّخَذْتَ) الكهف:77.

و يقال:ائتخذ القوم يأتخذون ائتخاذا؛و ذلك إذا تصارعوا فأخذ كلّ واحد منهم على مصارعه أخذة يعتقله بها،و جمعها:أخذ.(7:529)

ابن جنّيّ: استخذ فلان أرضا،و هو استفعل منه.

يجوز أن يكون أصله:اتتخذ،وزنه«افتعل»ثمّ إنّهم أبدلوا من التّاء الأولى الّتي هي«فاء افتعل»سينا،كما أبدلوا التّاء من السّين في«ستّ»،فلمّا كانت السّين و التّاء مهموسين،جاز إبدال كلّ واحدة منهما من أختها.

(ابن سيده 5:92)

الجوهريّ: أخذت الشّيء آخذه أخذا:تناولته.

و الإخذ،بالكسر:الاسم،و الأمر منه خذ.

و أصله:«أؤخذ»،إلاّ أنّهم استثقلوا الهمزتين فحذفوهما تخفيفا.و كذلك القول في الأمر من«أكل و أمر»و أشباه ذلك.

و قولهم:خذ عنك،أي خذ ما أقول،ودع عنك الشّكّ و المراء.

يقال:خذ الخطام،و خذ بالخطام بمعنى.

و نجوم الأخذ:منازل القمر،لأنّ القمر يأخذ كلّ ليلة في منزل منها.

و آخذه بذنبه مؤاخذة،و العامّة تقول:و اخذه.

و يقال:ائتخذوا في القتال بهمزتين،أي أخذ بعضهم بعضا.

و الاتّخاذ:افتعال أيضا من الأخذ،إلاّ أنّه أدغم بعد تليين الهمزة و إبدال الياء تاء،ثمّ لمّا كثر استعماله على لفظ«الافتعال»توهّموا أنّ التّاء أصليّة،فبنوا منه«فعل يفعل»،قالوا:تخذ يتخذ.و قرئ (لتخذت عليه اجرا) .

و قولهم:أخذت كذا،يبدلون الذّال تاء فيدغمونها في التّاء،و بعضهم يظهر الذّال،و هو قليل.

و الأخيذ:الأسير،و المرأة أخيذة.

و الأخذة،بالضّمّ:رقية كالسّحر،أو خرزة تؤخّذ بها النّساء الرّجال،من التّأخيذ.

و أخذ الفصيل،بالكسر،يأخذ أخذا:اتّخم من اللّبن.

و يقال أيضا:رجل أخذ،أي رمد.و بعينه أخذ، بالضّمّ،مثال جنب،أي رمد.

و التّأخاذ:تفعال من الأخذ.

و الإخاذة:شيء كالغدير،و الجمع:إخاذ،و جمع الإخاذ:أخذ،مثال كتاب و كتب،و قد يخفّف.

و الإخاذة و الإخاذ أيضا:أرض يحوزها الرّجل لنفسه أو السّلطان.

و يقال:ذهب بنو فلان و من أخذ أخذهم،بالفتح، أي و من سار بسيرتهم.(2:559)

ابن فارس: الهمزة و الخاء و الذّال أصل واحد، تتفرّع منه فروع متقاربة في المعنى.

أمّا أخذ فالأصل حوز الشّيء و جبيه و جمعه، تقول:أخذت الشّيء آخذه أخذا.(1:68)

أبو هلال: الفرق بين الأخذ و الاتّخاذ:أنّ الأخذ مصدر أخذت بيدي،و يستعار فيقال:أخذه بلسانه،إذا تكلّم فيه بمكروه.و جاء بمعنى العذاب في قوله تعالى:

وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ هود:102،و قوله تعالى:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ الحجر:73،و أصله في العربيّة:

الجمع،و منه قيل للغدير:وخذ و أخذ،جعلت الهمزة

ص: 490

واوا،و الجمع:وخاذ و إخاذ.

و الاتّخاذ:أخذ الشّيء لأمر يستمرّ فيه،مثل الدّار يتّخذها مسكنا و الدّابّة يتّخذها قعدة،و يكون الاتّخاذ التّسمية و الحكم،و منه قوله تعالى: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً مريم:81،أي سمّوها بذلك و حكموا لها به.

و الفرق بين الأخذ و التّناول:أنّ التّناول أخذ الشّيء للنّفس خاصّة،أ لا ترى أنّك لا تقول:تناولت الشّيء لزيد،كما تقول:أخذته لزيد،فالأخذ أعمّ.

و يجوز أن يقال:إنّ التّناول يقتضي أخذ شيء يستعمل في أمر من الأمور،و لهذا لا يستعمل في اللّه تعالى،فيقال:تناول زيدا،كما تقول:أخذ زيدا.و قال اللّه تعالى: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ الأحزاب:

7،و لم يقل:تناولنا.

و قيل:التّناول:أخذ القليل المقصود إليه،و لهذا لا يقال:تناولت كذا من غير قصد إليه،و يقال:أخذته من غير قصد.(113)

الهرويّ: يقال:اتّخذ يتّخذ،و تخذ يتخذ.و أصل تخذت:أخذت،و أصل اتّخذت:ائتخذت«افتعلت»من الأخذ.

التّأخيذ:و هو حبس السّواحر أزواجهنّ دون غيرهنّ من النّساء.

و قالت امرأة لعائشة:«أؤخذ جملي؟»تريد هذا المعنى؛و قد أخّذت المرأة زوجها تأخيذا،إذا حبسته عن سائر النّساء.

و في الحديث:«أنّه أخذ السّيف و قال لفلان:من يمنعك منّي؟فقال:كن خير آخذ»،أي خير آسر.

و في الحديث:«و كانت فيها إخاذات أمسكت الماء»،الإخاذات:الغدران الّتي تأخذ ماء السّماء فتحبسه على الشّاربة،و هي المساكات و التّناهي و الأنهاء،الواحدة:إخاذة،و مساكة،و تنهية،و نهي و نهي.(1:23،24)

أبو سهل الهرويّ: استعمل فلان على الشّام، و ما أخذ إخذه،بكسر الألف و فتح الذّال،أي جعل واليا على جباية أموال الشّام،و ما اتّصل به و دخل في حيّزه.

(50)

ابن سيده: الأخذ:خلاف العطاء،و هو أيضا التّناول،أخذه يأخذه أخذا.

و إذا أمرت قلت:خذ،و أصله:أأخذ،فلمّا اجتمعت همزتان،و كثر استعمال الكلمة،حذفت الهمزة الأصليّة،فزال السّاكن،فاستغني عن الهمزة الزّائدة.

و قد جاء على الأصل،فقيل:أؤخذ.

و الأخيذ:المأخوذ،و الأخيذ:الأسير.

و الأخيذة:المرأة تسبى،و الأخيذة:ما اغتصب من شيء فأخذ.

و أخذه بذنبه:عاقبه،و في التّنزيل: فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ العنكبوت:40،و قوله عزّ و جلّ: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَ هِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها الحجّ:48،أراد أخذتها بالعذاب،فاستغني عنه،لتقدّم ذكره في قوله:

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ الحجّ:47،و قوله عزّ و جلّ: وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ...

المؤمن:5.

و آخذه كأخذه،و في التّنزيل: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ

ص: 491

اَلنّاسَ بِما كَسَبُوا فاطر:45.

و أتى العراق و ما أخذ إخذه،و ذهب الحجاز و ما أخذ إخذه،و ولىّ فلان مكّة و ما أخذ إخذها،أي ما يليها.

و ذهب بنو فلان و من أخذ إخذهم و أخذهم.

و لو كنت منّا لأخذت بإخذنا،أي بخلائقنا و زيّنا.

و الأخذة:رقية تأخذ العين و نحوها.

و آخذه:رقاه.

و قالت أخت صبح العاديّ تبكي أخاها صبحا- و قد قتله رجل سيق إليه على سرير،لأنّها كانت قد أخذت عنه القائم و القاعد و السّاعي و الماشي و الرّاكب-:«أخذت عنك الرّاكب و السّاعي و الماشي و القاعد،و لم آخذ عنك النّائم».[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مؤخّذ عن النّساء:محبوس.

و ائتخذنا في القتال:أخذ بعضنا بعضا.

و الإخاذة:الضّيعة يتّخذها الإنسان.

و الإخذ.و الإخذة:ما حفرته كهيئة الحوض، و الجمع:أخذ،و إخاذ.

و الإخاذ:الغدر.و قيل:الإخاذ واحد،و الجمع:

آخاذ،نادر.و قيل:الإخاذ و الإخاذة،بمعنى.

و أخذ في كذا،أي بدأ.

و نجوم الأخذ:منازل القمر،لأنّ القمر يأخذ كلّ ليلة في منزل منها.[ثمّ استشهد بشعر]و قيل:إنّما قيل لها نجوم الأخذ،لأنّها تأخذ كلّ يوم في نوء.

و الآخذ من الإبل:الّذي أخذ فيه السّمن،و الجمع:

أواخذ.

و أخذ الفصيل أخذا،فهو أخذ:أكثر من اللّبن حتّى فسد بطنه و بشم.

و أخذ البعير أخذا،و هو أخذ:أخذه مثل الجنون، و كذلك الشّاة،و قياسه أخذ.

و الأخذ:الرّمد،و قد أخذت عينه أخذا.

و رجل أخذ:بعينه أخذ،و القياس:أخذ،كالأوّل.

و رجل مستأخذ كأخذ.[ثمّ استشهد بشعر]و المستأخذ :المطأطئ رأسه من وجع أو غيره.(5:234)

الأخذ:اشتداد الرّمد حتّى لا يستطيع صاحبه أن يرفع طرفه،و قد أخذ أخذا و استأخذ.

(الإفصاح 1:489)

الأخذ:الّتي تأخذ العين حتّى يظنّ أنّ الأمر كما يرى و ليس كذلك.و المؤخّذ:المحدّث للبغضة بالسّحر،و رجل مؤخّذ:ممنوع عن النّساء و محبوس.

(الإفصاح 1:550)

الأخذة:رقية تأخذ العين و نحوها كالسّحر،تحبس به السّواحر أزواجهنّ عن غيرهنّ من النّساء،و العامّة تسمّيه الرّباط و العقد.

أو الأخذة:خرزة يؤخّذ بها النّساء الرّجال.أخّذته السّاحرة و آخذته:عملت له أخذة،و رجل مؤخّذ عن النّساء:محبوس.(الإفصاح 2:1314)

الأخذ:خلاف العطاء،أخذ الشّيء يأخذه أخذا و تأخاذا و مأخذا:حازه و حصّله،و بيده:تناوله، و الأمر:خذ،و أصله:أؤخذ،ثمّ استثقلوا الهمزتين فحذفوهما تخفيفا.

و قيل:اجتمعت الهمزتان و كثر استعمال الكلمة، فحذفت الهمزة الأصليّة و هي ساكنة،و استغني عن

ص: 492

الهمزة الزّائدة،و كذلك القول في الأمر من«أكل و أمر» و أشباههما.و جاء على الأصل،فقيل:أؤخذ.

(الإفصاح 2:1343)

الطّوسيّ: الأخذ:ضدّ الإعطاء.(2:182)

الاتّخاذ:أخذ الشّيء لأمر يستمرّ في المستأنف، كاتّخاذ البيت و اتّخاذ المركوب.(6:54)

الرّاغب: الأخذ:حوز الشّيء و تحصيله،و ذلك تارة بالتّناول،نحو: مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ يوسف:79،و تارة بالقهر،نحو قوله:

لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ... البقرة:255،و يقال:

أخذته الحمّى،و قال تعالى: وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:67، فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى النّازعات:25.

و يعبّر عن الأسير بالمأخوذ و الأخيذ.و الاتّخاذ «افتعال»منه،و يعدّى إلى مفعولين،و يجري مجرى الجعل،نحو قوله: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ المائدة:51، اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ...

الزّمر:3، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا... المؤمنون:110.

و يقال:فلان مأخوذ،و به أخذة من الجنّ.

و فلان يأخذ مأخذ فلان،أي يفعل فعله و يسلك مسلكه.

و رجل أخذ و به أخذ،كناية عن الرّمد.و الإخاذة.

و الإخاذ:أرض يأخذها الرّجل لنفسه.

و ذهبوا و من أخذ أخذهم و إخذهم.(12)

الزّمخشريّ: ما أنت إلاّ أخّاذ نبّاذ،لمن يأخذ الشّيء حريصا عليه ثمّ ينبذه سريعا.و فلان أخيذ في يد العدوّ،و هو أسير فتنة،و أخيذ محنة.و ذهبوا و من أخذ أخذهم.و لو كنت منّا لأخذت بأخذنا،أي بطريقتنا و شكلنا.و لفلانة أخذة تؤخّذ بها النّاس،أي رقية،و هو مؤخّذ عن النّساء،و في الحديث:«أ أؤخّذ جملي؟»،و هو يصطاد النّاس بأخذ،و الأخذة:الرّقية.

(أساس البلاغة:3)

عائشة جاءتها امرأة فقالت:«أ أؤخّذ جملي؟»فلم تفطن لها حتّى فطّنت،فأمرت بإخراجها.

و روي أنّها قالت:«أ أقيّد جملي؟فقالت:نعم.

فقالت:أ أقيّد جملي؟فلمّا علمت ما تريد،قالت:وجهي من وجهك حرام».جعلت تأخيذ الجمل و هو المبالغة في أخذه و ضبطه مجازا عن الاحتيال لزوجها بحيل من السّحر تمنعه بها عن غيرها.

و يقال:لفلانة أخذة تؤخّذ بها الرّجال عن النّساء.(الفائق 1:28)

الطّبرسيّ: الاتّخاذ،هو الاعتماد على الشّيء لإعداده لأمر،و هو«افتعال»من الأخذ،و أصله:

اءتخاذ،فأبدلت الهمزة تاء و أدغمت في التّاء الّتي بعدها، و مثله الاتّعاد من الوعد.

و الأخذ يكون على وجوه:تقول:أخذ الكتاب،إذا تناوله،و أخذ القربان،إذا تقبّله،و أخذه اللّه من مأمنه، إذا أهلكه.و أصله جواز الشّيء من جهة إلى جهة من الجهات.(2:205)

ابن الأثير: في الحديث:«من أصاب من ذلك شيئا أخذ به»،يقال:أخذ فلان بذنبه،أي حبس و جوزي عليه و عوقب به.و منه الحديث:«و إن أخذوا على

ص: 493

أيديهم نجوا»،يقال:أخذت على يد فلان،إذا منعته عمّا يريد أن يفعله،كأنّك أمسكت يده.

و في الحديث:«و كانت فيها إخاذات أمسكت الماء»،الإخاذات:الغدران الّتي تأخذ ماء السّماء فتحبسه على الشّاربة،الواحدة:إخاذة.و منه حديث مسروق:«جالست أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فوجدتهم كالإخاذ»،هو مجتمع الماء.و جمعه:

أخذ،ككتاب و كتب.و قيل:هو جمع الإخاذة،و هو مصنع للماء يجتمع فيه.و الأولى أن يكون جنسا للإخاذة لا جمعا،و وجه التّشبيه مذكور في سياق الحديث،قال:

«تكفي الإخاذة الرّاكب،و تكفي الإخاذة الرّاكبين، و تكفي الإخاذة الفئام من النّاس»،يعني أنّ فيهم الصّغير و الكبير و العالم و الأعلم.و منه حديث الحجّاج في صفة الغيث:«و امتلأت الإخاذ».

و في الحديث:«قد أخذوا أخذاتهم»،أي نزلوا منازلهم،و هي بفتح الهمزة و الخاء.(1:28)

أبو حيّان: الأخذ:ضد التّرك،و الأخذ:القبض و الإمساك،و منه قيل للأسير.أخيذ.و تحذف فاؤه في الأمر منه،بغير لام،و قلّ الإتمام.(1:187)

الاتّخاذ«افتعال»من الأخذ،و كان القياس أن لا تبدل الهمزة إلاّ ياء،فتقول:ايتخذ،كهمزة إيمان؛إذ أصله:إأمان،و كقولهم:ائتزر«افتعل»من الإزار.فمتى كانت فاء الكلمة واوا أو ياء،و بنيت«افتعل»منها، فاللّغة الفصحى إبدالها«تاء»و إدغامها في تاء الافتعال، فتقول:اتّصل و اتّسر،من الوصل و اليسر.فإن كانت فاء الكلمة«همزة»و بنيت«افتعل»أبدلت تلك الهمزة «ياء»و أقررتها،هذا هو القياس.و قد تبدل هذه الياء «تاء»فتدغم،قالوا:اتّمن،و أصله:ائتمن.و على هذا جاء اتّخذ.

و ممّا علّق بذهني-من فوائد الشّيخ الإمام بهاء الدّين أبي عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن أبي نصر الحلبيّ عرف بابن النّحّاس،و هو كان المشتهر بعلم النّحو في ديار مصر-أنّ«اتّخذ»ممّا أبدل فيه الواو تاء على اللّغة الفصحى،لأنّ فيه لغة أنّه يقال:«وخذ»بالواو، فجاء هذا على الأصل في البدل و إن كان مبنيّا على اللّغة القليلة،و هذا أحسن،لأنّهم نصّوا على أنّ«اتّمن»لغة رديئة،و كان رحمه اللّه يغرب بنقل هذه اللّغة.

و قد خرّج الفارسيّ مسألة«اتّخذ»على أنّ التّاء الأولى أصليّة؛إذ قال:قالت العرب:تخذ،بكسر الخاء، بمعنى أخذ،قال تعالى: (لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً...) الكهف:

77،في قراءة من قرأ كذلك.فعلى قوله:التّاء أصل و بنيت منه«افتعل»،فقلت:اتّخذ،كما تقول:اتّبع،مبنيّا من تبع.

و قد نازع أبو القاسم الزّجّاجيّ في«تخذ»،فزعم أنّ أصله:اتّخذ،و حذف كما حذف اتّقى،فقالوا:«تقى».

و استدلّ على ذلك بقولهم:تخذ،بفتح التّاء مخفّفة،كما قالوا:يتقى و يتسع بحذف التّاء الّتي هي بدل من فاء الكلمة.

و ردّ السّيرافيّ هذا القول،و قال:لو كان محذوفا منه ما كسرت الخاء،بل كانت تكون مفتوحة كقاف تقى، و أمّا«يتّخذ»فمحذوف مثل يتّسع،حذف من المضارع دون الماضي،و«تخذ»بناء أصليّ،انتهى.

ص: 494

و ما ذهب إليه الفارسيّ و السّيرافيّ من أنّه بناء أصليّ على حدّه هو الصّحيح،بدليل ما حكاه أبو زيد،و هو تخذ يتخذ تخذا.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر المهدويّ في شرح الهداية أنّ الأصل«واو» مبدلة من همزة،ثمّ قلبت الواو تاء و أدغمت في التّاء، فصار في اتّخذ أقوال:

أحدها:التّاء الأولى أصل.

الثّاني:أنّها بدل من واو أصليّة.

الثّالث:أنّها بدل من تاء أبدلت من همزة.

الرّابع:أنّها بدل من واو أبدلت من همزة.

و«اتّخذ»تارة يتعدّى لواحد،و ذلك نحو قوله تعالى: اِتَّخَذَتْ بَيْتاً... العنكبوت:41،و تارة لاثنين،نحو قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ... الجاثية:23،بمعنى صيّر.(1:196)

الفيّوميّ: أخذه بيده أخذا:تناوله،و الإخذ بالكسر،اسم منه.و أخذ من الشّعر:قصّ.و أخذ الخطام و بالخطام،على الزّيادة:أمسكه.

و أخذه اللّه تعالى:أهلكه.و أخذه بذنبه:عاقبه عليه.و آخذه بالمدّ مؤاخذة كذلك،و الأمر منه آخذ،بمدّ الهمزة،و تبدل واوا في لغة اليمن،فيقال:و اخذه مؤاخذة.و قرأ بعض السّبعة (لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ) البقرة:

225،بالواو على هذه اللّغة،و الأمر منه و اخذ.

و أخذته،مثل أسرته وزنا و معنى،فهو أخيذ «فعيل»بمعنى مفعول.

و الاتّخاذ«افتعال»من الأخذ،يقال:ائتخذوا في الحرب،إذا أخذ بعضهم بعضا،ثمّ ليّنوا الهمزة و أدغموا، فقالوا:اتّخذوا.و يستعمل بمعنى جعل،و لمّا كثر استعماله توهّموا أصالة التّاء فبنوا منه و قالوا:تخذت زيدا صديقا، من باب«تعب»،إذا جعلته كذلك،و المصدر تخذا،بفتح الخاء و سكونها.و تخذت مالا:كسبته.(1:6)

الفيروزآباديّ: الأخذ:التّناول كالتّأخاذ، و السّيرة،و الإيقاع بالشّخص،و العقوبة.

و بالكسر:سمة على جنب البعير إذا خيف به مرض.

و بضمّتين:الرّمد،و الغدران،جمع إخاذ و إخاذة.

و بالتّحريك:تخمة الفصيل من اللّبن،و جنون البعير،و الرّمد.عن ابن السّيد فعلهما كفرح.

و الأخذة بالضّمّ:رقية كالسّحر،أو خرزة يؤخّذ بها.

و الأخيذ:الأسير،و الشّيخ الغريب.

و الإخاذة ككتابة:مقبض الحجفة،و أرض تحوزها لنفسك كالإخاذ،و أرض يعطيكها الإمام ليست ملكا لآخر.

و الإخذ من الإبل:ما أخذ فيه السّمن أو السنّ و من اللّبن:القارص،و أخذ اللّبن ككرم أخوذة:حمض، و أخّذته تأخيذا.

و مآخذ الطّير:مصائدها.

و المستأخذ:المطأطئ رأسه من وجع،و المستكين الخاضع كالمؤتخذ،و من الشّعر الطّويل.

و آخذه بذنبه مؤاخذة،و لا تقل:و اخذه.

و يقال:ائتخذوا،بهمزتين:أخذ بعضهم بعضا.

و نجوم الأخذ:منازل القمر،أو الّتي يرمى بها

ص: 495

مسترقو السّمع.

و ذهبوا و من أخذ إخذهم-بكسر الهمزة و فتحها و رفع الذّال و نصبها-و من أخذه أخذهم و يكسر،أي من سار بسيرتهم و تخلّق بخلائقهم.

و بادر بزندك أخذة النّار بالضّمّ،و هي بعيد صلاة المغرب،يزعمون أنّها شرّ ساعة يقتدح فيها.و استخذ أرضا:اتّخذها.(1:363)

تخذ يتخذ كعلم يعلم بمعنى أخذ،و قرئ(لتخذت)و (لاتّخذت)الكهف:77،و هو«افتعل»من تخذ،فأدغم إحدى التّاءين في الأخرى.

ابن الأثير: و ليس من الأخذ في شيء،فإنّ «الافتعال»من الأخذ ائتخذ،لأنّ فاءه همزة و الهمزة لا تدغم في التّاء،خلافا لقول الجوهريّ:«الاتّخاذ افتعال من الأخذ إلاّ أنّه أدغم بعد تليين الهمزة و إبدال الياء تاء، ثمّ لمّا كثر استعماله بلفظ الافتعال توهّموا أصالة التّاء، فبنوا منه فعل يفعل».و أهل العربيّة على خلافه.

(1:364)

الزّبيديّ: الأخيذة:ما اغتصب من شيء فأخذ.

و أخذ فلان بذنبه،إذا حبس.و أخذت على يد فلان،إذا منعته عمّا يريد أن يفعله،كأنّك أمسكت على يده.

(2:552)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّناول و الحوز،و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد:

فقد يكون التّناول باليد،كما في خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً... التّوبة:103 أَخَذَ الْأَلْواحَ الأعراف:

154.

و قد يكون بالقلب،كما في خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ... البقرة:63، وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ... الحشر:7.

و قد يكون بالسّمع،كما في إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ...

الأعراف:144.

و بأخذ قهر أو رأفة: فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ...

المؤمن:21، لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ... النّور:2.

و بأخذ إحاطة في الخير و الشّرّ: فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الشّعراء:158، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ... البقرة:255، وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها... الأنعام:70.

و كذلك سائر أنواع هذا المفهوم من الأخذ بالعمل و بالتّصرّف،و غيرهما خُذِ الْعَفْوَ... الأعراف:

199، وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً...

الكهف:79.

و أمّا الاتّخاذ فهو الأخذ مع الدّقّة و التّوجّه،فيكون قريبا من الانتخاب وَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً... البقرة:

116، وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً... النّساء:125.

(1:28)

محمود شيت: 1-أ-أخذ الشّيء يأخذه أخذا و تأخاذا و مأخذا:حازه و حصّله و تناوله و قبله،و أخذ فلانا:حبسه،و أخذه:عاقبه،و أخذه:أسره،و أخذه:

قهره،و أخذه:أمسك به،و أخذ فلانا بذنبه:جازاه، و أخذ فلانا بالأمر:ألزمه،و أخذ اللّه فلانا:أهلكه،و أخذ على يد فلان:منعه عمّا يريد أن يفعله،و أخذ على فمه:

ص: 496

منعه من الكلام،و أخذ عليه الأرض:ضيّق عليه سبلها، و أخذ أخذ فلان و مأخذه:سار سيرته و تخلّق بأخلاقه، و أخذ عن فلان:تلقّى عنه علما،و أخذ فلانا الدّاء و العذاب:أنزل به،و أخذت فيه الخمر:أثّرت،و أخذ الشّيء حدّه:استوفى ما ينبغي له،و أخذ عليه كذا:عدّه عليه،و أخذ نفسه بكذا:ألزمها،و أخذ اللّبن:حمّضه.

و الأمر منه خذ،و الفاعل آخذ،و المفعول مأخوذ.

ب-ائتخذ القوم في القتال:أخذ بعضهم بعضا.

ج-استأخذ فلان:استكان و خضع.

د-الأخذة:المصيدة.

ه-الأخيذ:الأسير.

و-الأخيذة:المرأة تسبى في الحرب.

ز-المآخذ:ما يعاب به على العمل أو الشّخص.

2-أ-الآخذة:المصيدة في القتال،كالحفر المغشوشة و الألغام.

ب-الأخيذ:الأسير.

ج-الأخيذة:الأسيرة.

د-الآخذة:جهاز لاسلكيّ يستقبل الكلام المبثوث بالمرسلة،المذياع مثلا:آخذة،و أجهزة البثّ مرسلات، جمعه:آخذات.و الآخذات من أجهزة صنف المخابرة:

سلاح الإشارة.

ه-المآخذ:جمع مأخذ،فقرة من فقرات تقدير الموقف العسكريّ في المسالك المفتوحة للطّرفين.

(1:33)

العدنانيّ: «أخذت الكتاب،أخذت بالكتاب» و يخطّئون من يقول:أخذت بالكتاب،و يقولون:إنّ الصّواب هو أخذت الكتاب من فلان.و كلتا الجملتين صحيحة،و المعنى تناولت الكتاب و أمسكت به،و في الآية:150،من سورة الأعراف: وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ.

و نقول:

1-أخذ بيد فلان:أعانه و ساعده.

2-أخذ بنفسه:غلبه و قهره.و في حديث بلال يخاطب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم حين غلبه النّوم:

«أخذ بنفسي الّذي أخذ بنفسك،بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه».قال جرير:

إذا أخذت قيس عليك و خندف

بأقطارها لم تدر من أين تسرح.

3-أخذ على يده:منعه عمّا يريد أن يفعله،و روي عن أبي بكر أنّه قال:«إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:إنّ النّاس إذا رأوا الظّالم فلم يأخذوا على يديه،أوشك اللّه أن يعمّهم بعقابه».

4-أخذ على فمه:منعه من الكلام.

5-أخذ فيه الشّراب:أثّر فيه.

6-أخذ في العمل:بدأ فيه.

7-أخذ فلان يفعل كذا:جعل.

8-أخذ الشّيء:حازه،و في الآية:79،من سورة الكهف قال سبحانه و تعالى: وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً...

9-أخذ الحديث:نقله و رواه.

10-أخذ العدوّ:أسره.

11-أخذ الدّاء فلانا:أصابه.

ص: 497

12-أخذ مقعده و مضجعه:قعد،و نام.و عن أبي سعيد الخدريّ في حديث له،قال:«خذوا مقاعدكم فأخذنا مقاعدنا».

13-أخذ فلانا بلسانه:نال منه.

14-أخذ فلانا بذنبه:عاقبه و جازاه،و في الآية الأربعين من سورة العنكبوت: فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، و في الحديث:«من أصاب من ذلك شيئا أخذ به».

و قال كعب بن زهير:

لا تأخذنيّ بأقوال الوشاة و لم

أذنب و لو كثرت فيّ الأقاويل

15-أخذ على فلان الأرض:ضيّق عليه سبلها، قال جرير:

أخذنا عليكم عيون البحور

و برّ البلاد و أمصارها

16-أخذ عليه كذا:عدّه عليه و عابه.(5)

النّصوص التّفسيريّة

اخذ

1- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ...

الأنعام:46

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،و المراد بالأخذ هاهنا إبطال حواسّهم،و إذا بطلت فكأنّها أخذت منهم و غيّبت عنهم.(تلخيص البيان:25)

الطّوسيّ: أي أصمّكم،(و أبصاركم)،أي أعماكم، تقول العرب:أخذ اللّه سمع فلان و بصره،أي أصمّه و أعماه.(4:149)

2Lالطّبرسيّ: أي ذهب بهما فصرتم صمّا عميا.

(2:303)

القرطبيّ: أي أذهب و انتزع.(6:427)

أبو حيّان: الظّاهر من قوله: أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ أنّه ذهاب الحاسّة السّمعيّة و البصريّة، فيكون أخذا حقيقيّا.

و قيل:هو أخذ معنويّ،و المراد إذهاب نور البصر بحيث يحصل العمى،و إذهاب سمع الأذن بحيث يحصل الصّمم.(4:131)

الآلوسيّ: أي أصمّكم و أعماكم،فأخذهما مجاز عمّا ذكر،لأنّه لازم له.(7:152)

الطّباطبائيّ: أخذ السّمع و الأبصار،هو سلب قوّتي السّمع و الإبصار،و هو الإصمام و الإعماء.

(7:93)

2- ...وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ... الأعراف:150

الجبّائيّ: إنّما هو كقبض الرّجل منّا على لحيته و عضّه على شفته أو إبهامه،فأجرى موسى هارون مجرى نفسه،فقبض على لحيته،كما يقبض على لحية نفسه اختصاصا.(الطّوسيّ 4:581)

الطّوسيّ: قال أبو بكر ابن الإخشيد:إنّ هذا أمر يتغيّر بالعادة،و يجوز أن تكون العادة في ذلك الوقت أنّه إذا أراد الإنسان أن يعاتب غيره-لا على وجه الهوان- أخذ بلحيته و جرّه إليه،ثمّ تغيّرت العادة الآن.و قال:

إنّما أخذ برأسه ليسرّ إليه شيئا أراده.(4:581)

ص: 498

الميبديّ: أي أخذ بشعر رأسه و لحيته،تقول العرب:فلان حسن الرّأس،أي الشّعر.و قال في موضع آخر: لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي طه:94.

(3:745)

القرطبيّ: أي بلحيته و ذؤابته.

و للعلماء في أخذ موسى برأس أخيه أربعة تأويلات:

الأوّل:أنّ ذلك كان متعارفا عندهم،كما كانت العرب تفعله من قبض الرّجل على لحية أخيه و صاحبه إكراما و تعظيما،فلم يكن ذلك على طريق الإذلال.

الثّاني:أنّ ذلك إنّما كان ليسرّ إليه نزول الألواح عليه،لأنّها نزلت عليه في هذه المناجاة،و أراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التّوراة،فقال له هارون:

لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي طه:94،لئلاّ يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله.

الثّالث:إنّما فعل ذلك به،لأنّه وقع في نفسه أنّ هارون مائل مع بني إسرائيل فيما فعلوه من أمر العجل.

و مثل هذا لا يجوز على الأنبياء.

الرّابع:ضمّ إليه أخاه ليعلم ما لديه،فكره ذلك هارون لئلاّ يظنّ بنو إسرائيل أنّه أهانه،فبيّن له أخوه أنّهم استضعفوه...(7:289)

أبو حيّان: الظّاهر أنّه أخذ برأسه،أي أمسك رأسه[و]جارّه إليه.و قيل:بشعر رأسه،و قيل:بذوائبه و لحيته،و قيل:بلحيته،و قيل:بأذنه،و قيل:لم يأخذ حقيقة و إنّما كان ذلك إشارة،فخشي هارون أن يتوهّم النّاظر إليهما أنّه لغضب؛فلذلك نهاه و رغب إليه.[ثمّ ذكر مثل القرطبيّ](4:395)

2Lالآلوسيّ: أي بشعر رأس هارون عليه السّلام،لأنّه الّذي يؤخذ و يمسك عادة،و لا ينافي أخذه بلحيته،كما وقع في سورة طه،أو أدخل فيه تغليبا.(9:67)

الطّباطبائيّ: قابضا على شعره يجرّه إليه.[و فيه بحث لعصمة موسى عليه السّلام فراجع](8:250)

3- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الأعراف:172

الطّبريّ: و اذكر يا محمّد ربّك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم.(9:110)

الزّمخشريّ: معنى أخذ ذرّيّاتهم من ظهورهم:

إخراجهم من أصلابهم نسلا،و إشهادهم على أنفسهم.(2:129)

مثله النّسفيّ.(2:85)

البيضاويّ: أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتولّدون قرنا بعد قرن.(1:376)

مثله الطّريحيّ.(غريب القرآن:217)

الآلوسيّ: إيثار الأخذ على الإخراج للإيذان بشأن المأخوذ؛إذ ذاك،لما فيه من الإنباء عن الاجتباء و الاصطفاء،و هو السّبب في إسناده إلى اسم الرّبّ بطريق الالتفات،مع ما فيه من التّمهيد للاستفهام الآتي ،و إضافته إلى ضميره عليه الصّلاة و السّلام للتّشريف.

و قيل:إنّ إيثار الأخذ على الإخراج لمناسبة ما تضمّنته الآية من الميثاق،فإنّ الّذي يناسبه هو الأخذ دون الإخراج،و التّعبير بالرّبّ لما أنّ ذلك الأخذ باعتبار ما يتبعه من آثار الرّبوبيّة.(9:100)

ص: 499

رشيد رضا: أي أخرجهم و أنشأهم بعد أن كانوا نطفا،في أصلاب الآباء إلى الدّنيا،على ترتيبهم في الوجود.(9:397)

الطّباطبائيّ: أخذ الشّيء من الشّيء يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه،و استقلاله دونه بنحو من الأنحاء،و هو يختلف باختلاف العنايات المتعلّقة بها و الاعتبارات المأخوذة فيها،كأخذ اللّقمة من الطّعام و أخذ الجرعة من ماء القدح و هو نوع من الأخذ،و أخذ المال و الأثاث من زيد الغاصب أو الجواد أو البائع أو المعير و هو نوع آخر،أو أنواع مختلفة أخرى،و كأخذ العلم من العالم،و أخذ الأهبة من المجلس،و أخذ الحظّ من لقاء الصّديق و هو نوع،و أخذ الولد من والده للتّربية و هو نوع،إلى غير ذلك.

فمجرّد ذكر الأخذ من الشّيء لا يوضح نوعه إلاّ ببيان زائد،و لذلك أضاف اللّه سبحانه إلى قوله: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ الدّالّ على تفريقهم،و تفضيل بعضهم من بعض،قوله: مِنْ ظُهُورِهِمْ ليدلّ على نوع الفصل و الأخذ،و هو أخذ بعض المادّة منها؛بحيث لا تنقص المادّة المأخوذة منها بحسب صورتها و لا تنقلب عن تمامها و استقلالها،ثمّ تكميل الجزء المأخوذ شيئا تامّا مستقلاّ من نوع المأخوذ منه؛فيؤخذ الولد من ظهر من يلده و يولده.و قد كان جزء،ثمّ يجعل بعد الأخذ و الفصل إنسانا تامّا مستقلاّ من والديه،بعد ما كان جزء منهما.

ثمّ يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ،مأخوذ آخر،و على هذه الوتيرة حتّى يتمّ الأخذ،و ينفصل كلّ جزء عمّا كان جزء منه،و يتفرّق الأناسيّ و ينتشر الأفراد،و قد استقلّ كلّ منهم عمّن سواه،و يكون لكلّ واحد منهم نفس،لها ما لها و عليها ما عليها.فهذا مفاد قوله: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، و لو قال:أخذ ربّك من بني آدم ذرّيّتهم أو نشرهم و نحو ذلك،بقي المعنى على إبهامه.(8:306)

حجازيّ: (أخذ):أخرج،و إنّما عبّر به،لأنّه يدلّ على الاصطفاء و التّمييز.(9:38)

[و تمام الكلام في هذه الآية في«ذرر»]

4- وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. هود:67

الطّوسيّ: إنّما ذكّر اللّفظ،لأنّه حمله على المعنى لأنّ الصّيحة و الصّياح واحد.و يجوز تأنيثه حملا على اللّفظ،كما جاء في موضع آخر.(6:22)

الفخر الرّازيّ: إنّما قال:(أخذ)و لم يقل:أخذت، لأنّ الصّيحة محمولة على الصّياح،و أيضا فصل بين الفعل و الاسم المؤنّث بفاصل،فكان الفاصل كالعوض من تاء التّأنيث.(18:21)

رشيد رضا: الأخذ،في أصل اللّغة:التّناول باليد، و استعمل في المعاني،كأخذ الميثاق و العهد،و في الإهلاك.

(12:125)

اخذه

فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى... النّازعات:25

البروسويّ:(أخذ)مستعمل في معنى مجازيّ،يعمّ

ص: 500

الأخذ في الدّنيا و الآخرة،و إلاّ يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز،لأنّ الاستعمال في الأخذ الدّنيويّ حقيقة،و في الأخرويّ مجاز،لتحقّق وقوعه.(10:322)

الطّباطبائيّ: الأخذ:كناية عن التّعذيب.

(20:189)

اخذهم

...فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ اللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ. آل عمران:11

الطّوسيّ: بمعنى عاقبهم اللّه بذنوبهم.و سمّي المعاقبة مؤاخذة،لأنّها أخذ بالذّنب؛و الأخذ بالذّنب عقوبة.

(2:405)

مثله الطّبرسيّ.(1:413)

الفخر الرّازيّ: إنّما استعمل فيه الأخذ،لأنّ من ينزل به العقاب يصير كالمأخوذ المأسور الّذي لا يقدر على التّخلّص.(7:200)

النّيسابوريّ: فعاقبهم بحجاب ذنوبهم و حرقة قلوبهم.(3:139)

نحوه الآلوسيّ.(3:94)

أبو حيّان: معنى الأخذ بالذّنب:العقاب عليه، و الباء في(بذنوبهم)للسّبب.و في قوله: فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ شبّه إحاطة عذابه بهم بالمأخوذ باليد المتصرّف فيه،بحكم إرادة الآخذ.(2:390)

رشيد رضا: بأن أهلكهم و نصر موسى على آل فرعون و من قبله من الرّسل على أممهم المكذّبين،ذلك بأنّهم كانوا بكفرهم يفسدون في الأرض و لا يصلحون، فما أخذوا إلاّ بذنوبهم،و ما نصر الرّسل و من آمن معهم إلاّ بصلاحهم و إصلاحهم،فاللّه تعالى لا يحابي و لا يظلم.(3:232)

مثله المراغيّ.(3:104)

اخذت

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ... يونس:24

الطّبريّ: يعني ظهر حسنها و بهاؤها.(11:102)

الشّريف الرّضيّ: أي لبست زينتها بألوان الأزهار و أصابيغ الرّياض،كما يقال:أخذت المرأة قناعها،إذا لبسته.و تقول لها:خذي عليك ثوبك،أي البسيه.(155)

الزّمخشريّ: كلام فصيح،جعلت الأرض آخذة زخرفها على التّمثيل بالعروس،إذا أخذت الثّياب الفاخرة من كلّ لون فاكتستها و تزيّنت بغيرها من ألوان الزّين.(2:233)

مثله الفخر الرّازيّ(17:73)،و نحوه النّيسابوريّ (11:72).

أبو حيّان: قوله: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ جملة بديعة اللّفظ،جعلت الأرض آخذه زخرفها متزيّنة؛و ذلك على جهة التّمثيل بالعروس إذا أخذت الثّياب الفاخرة من كلّ لون فاكتست و تزيّنت بأنواع الحليّ،فاستعير«الأخذ»و هو التّناول باليد، لاشتمال نبات الأرض على بهجة و نضارة و أثواب مختلفة،

ص: 501

و استعير لتلك البهجة و النّضارة و الألوان المختلفة لفظة «الزّخرف»و هو الذّهب،لما كان من الأشياء البهجة المنظرة السّارّة للنّفوس.

وَ ازَّيَّنَتْ، أي بنباتها و ما أودع فيه من الحبوب و الثّمار و الأزهار.و يحتمل أن يكون قوله:(و ازّيّنت) تأكيدا لقوله: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها، و احتمل أن لا يكون تأكيدا؛إذ قد يكون أخذ الزّخرف لا لقصد التّزيين،فقيل:(و ازّيّنت)،ليفيد أنّها قصدت التّزيين.

و نسبة الأخذ إلى الأرض و التّزيين من بديع الاستعارة.(5:143)

الآلوسيّ: أي استوفت و استكملت.

و قد ذكر غير واحد أنّ في الكلام استعارة بالكناية؛ حيث شبّهت الأرض بالعروس،و حذف المشبّه به و أقيم المشبّه مقامه.و إثبات أخذ الزّخرف لها تخييل،و ما بعده ترشيح.(11:100)

اخذته

1- وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ...

البقرة:206

الحسن: أخذته العزّة إلى الإثم،كما تقول:أخذت فلانا بأن يفعل،أي دعوته إلى أن يفعل.

(الطّوسيّ 2:182)

قتادة: هو الإشعار بالدّليل على نفاقه،لفضيحته بذلك عند المؤمنين.(الطّوسيّ 2:182)

الطّوسيّ: و يجوز أن يكون الذّمّ له على تلك الحال القبيحة.(2:182)

2Lالزّمخشريّ: من قولك:أخذته بكذا،إذا حملته عليه و ألزمته إيّاه،أي حملته العزّة الّتي فيه،و حميّة الجاهليّة على الإثم الّذي ينهى عنه،و ألزمته ارتكابه، و أن لا يخلّى عنه ضرارا و لجاجا.(1:352)

نحوه البيضاويّ(1:111)،و فريد وجدي (المصحف المفسّر:40)

الطّبرسيّ: حملته العزّة و حميّة الجاهليّة على فعل الإثم و دعته إليه،كما يقال:أخذته بكذا،أي ألزمته ذلك،و أخذته الحمّى،أي لزمته.(1:301)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:أنّ هذا مأخوذ من قولهم:أخذت فلانا بأن يعمل كذا،أي ألزمته ذلك و حكمت به عليه،فتقدير الآية:أخذته العزّة بأن يعمل الإثم،و ذلك الإثم هو ترك الالتفات إلى هذا الواعظ،و عدم الإصغاء إليه.

و ثانيها:أخذته العزّة،أي لزمته،يقال:أخذته الحمّى،أي لزمته،و أخذه الكبر،أي اعتراه ذلك،فمعنى الآية إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ لزمته العزّة الحاصلة بالإثم الّذي في قلبه،فإنّ تلك العزّة إنّما حصلت بسبب ما في قلبه من الكفر و الجهل،و عدم النّظر في الدّلائل.و نظيره قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ ص:2، و الباء هاهنا في معنى اللاّم،يقول الرّجل:فعلت هذا بسببك و لسببك،و عاقبته بجنايته و لجنايته.(5:222)

مثله النّيسابوريّ.(2:200)

أبو حيّان: احتوت عليه و أحاطت به و صار كالمأخوذ لها،كما يأخذ الشّيء باليد.(2:117)

الآلوسيّ:أي احتوت عليه و أحاطت به،و صار

ص: 502

كالمأخوذ بها.و يجوز أن يكون«أخذ»من الأخذ،بمعنى الأسر،و منه الأخيذ للأسير،أي جعلته العزّة و حميّة الجاهليّة أسيرا بقيد الإثم،لا يتخلّص منه.(2:96)

2- ...وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ... العنكبوت:40

الآلوسيّ: لم يقل:أخذناه بالصّيحة،ليوافق ما قبله و ما بعده في إسناد الفعل إليه تعالى،[و هو]الأوفق بقوله تعالى: فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ دفعا لتوهّم أن يكون سبحانه هو الصّائح.(20:159)

اخذتهم

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. الحجر:73

الطّوسيّ: فالأخذ فعل يصير به الشّيء في جهة الفاعل،فالصّيحة كأنّها أخذتهم بما صاروا في قبضتها حتّى هلكوا عن آخرهم.(6:348)

اخذتكم

وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة:55

أبو حيّان: أي استولت عليكم و أحاطت بكم.

و أصل الأخذ:القبض باليد.(1:211)

مثله الآلوسيّ.(1:262)

اخذتم

...قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا... آل عمران:81

2Lالطّبريّ: و قبلتم في ذلك منّي و رضيتموه.

و الأخذ:هو القبول في هذا الموضع و الرّضا،من قولهم:

أخذ الوالي عليه البيعة،بمعنى بايعه و قبل ولايته،و رضي بها.(3:334)

الطّوسيّ: قيل في معنى قوله: وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قولان:

أحدهما:و قبلتم على ذلك عهدي.

الثّاني:و أخذتم على ذلكم إصري من المتّبعين لكم، كما يقال:أخذت بيعتي،أي قبلتها،و أخذتها على غيرك،بمعنى عقدتها على غيرك.(2:515)

الميبديّ: أي قبلتم عهدي.(2:181)

الطّبرسيّ: معناه و قبلتم على ذلكم عهدي، و نظيره إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ المائدة:41،و قيل:

معناه و أخذتم العهد بذلك على أممكم.(1:468)

الفخر الرّازيّ: أي قبلتم عهدي.و الأخذ بمعنى القبول كثير في الكلام،قال تعالى: وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ البقرة:48،أي لا يقبل منها فدية،و قال:

وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ التّوبة:104،أي يقبلها.

(8:128)

مثله النّيسابوريّ.(3:239)

الآلوسيّ: أي قبلتم على حدّ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ المائدة:41،و قيل:معناه هل أخذتم.

(3:212)

نحوه المراغيّ.(3:198)

رشيد رضا: أي قبلتم.الأخذ:التّناول،و فسّرناه هنا بالقبول و هو غايته،لأنّ آخذ الشّيء،يقبله،و هو

ص: 503

مستعمل كذلك في التّنزيل،قال تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً... وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ...

البقرة:48،ثمّ قال: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ البقرة:123،فقال مرّة:إنّه لا يؤخذ منها عدل،و مرّة:لا يقبل منها عدل، و المعنى واحد.(3:353)

الطّباطبائيّ: أخذ العهد يستلزم مأخوذا منه غير الآخذ،و ليس إلاّ أمم الأنبياء،فالمعنى أ أقررتم أنتم بالميثاق،و أخذتم على ذلكم عهدي من أممكم؟قالوا:

أقررنا.

و قيل:المراد بأخذ العهد قبول الأنبياء ذلك لأنفسهم،فيكون قوله: وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي عطف بيان لقوله(اقررتم)،و يؤيّده قوله: قالُوا أَقْرَرْنا، من غير أن يذكر الأخذ في الجواب،و على هذا يكون الميثاق لا يتعدّى الأنبياء إلى غيرهم من الأمم.

و يبعّد قوله: قالَ فَاشْهَدُوا آل عمران:81،لظهور الشّهادة في أنّها على الغير،و كذا قوله بعد: قُلْ آمَنّا بِاللّهِ آل عمران:84،من غير أن يقول:قل آمنت، فإنّ ظاهره أنّه إيمان من رسول اللّه من قبل نفسه و أمّته، إلاّ أن يقال:إنّ اشتراك الأمم مع الأنبياء إنّما يستفاد من هاتين الجملتين،أعني قوله:(فاشهدوا)،و قوله: قُلْ آمَنّا بِاللّهِ، من غير أن يفيد قوله: وَ أَخَذْتُمْ في ذلك شيئا.(3:334)

اخذتهم

1- ..فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ. الحجّ:44

القرطبيّ: فعاقبتهم.(12:73)

أبو حيّان: الأخذ كناية عن العقاب و الإهلاك.

(6:376)

مثله الآلوسيّ.(17:165)

2- ...فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ. المؤمن:5

الطّوسيّ: أي فأهلكتهم و دمّرت عليهم.(9:55)

مثله الطّبرسيّ(5:514)،و أبو حيّان(7:449).

الطّباطبائيّ: أي عذّبتهم،و فيه التفات من الغيبة إلى التّكلّم وحده،و النّكتة فيه الإشارة إلى أنّ أمرهم في هذا الطّغيان و الاستكبار إلى اللّه وحده لا يدخل بينه و بينهم أحد بنصرة أو شفاعة،كما قال: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ الفجر:

13،14.(17:306)

اخذنا

1- وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ. الأعراف:94

أبو حيّان: جاء بعد(الاّ)فعل ماض،و هو (أخذنا)،و لا يليها فعل ماض إلاّ أن تقدّم فعل أو أصحب ب«قد».فمثال ما تقدّمه فعل هذه الآية،و مثال ما أصحب ب«قد»قولك:ما زيد إلاّ قد قام،و الجملة من قوله: أَخَذْنا حاليّة،أي إلاّ آخذين أهلها،و هو استثناء مفرّغ من الأحوال.(4:347)

رشيد رضا: الأخذ بها:جعلها عقابا،و قد تكون تجربة و تربية نافعة.و تقدّم مثل هذا في قوله تعالى:

ص: 504

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ الأنعام:42،فإنّه بمعنى ما هنا،و لكنّ السّياق مختلف،فلمّا كان ما هنا قد ورد عقب قصص طائفة من الرّسل،جعل هذا المعنى قاعدة كلّيّة و سنّة مطّردة في الرّسل مع أقوامهم؛ليعتبر به كلّ من سمعه أو قرأه في عصر التّنزيل و ما بعده.

و لمّا كان ما هنا لك قد ورد في سياق تبليغ خاتم الرّسل للدّعوة و محاجّة قومه،جعل خطابا خبريّا له، لتسليته و تثبيت قلبه من جهة،و لتخويف كفّار قريش و إنذارهم من جهة أخرى.و هذا ملاحظ هنا أيضا و لكن بالتّبع،للاعتبار بالسّنّة العامّة لا بالقصد الأوّل.

(9:14)

2- وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. الأعراف:130

أبو عبيدة: مجازه ابتليناهم بالجدوب.(1:225)

الطّبريّ: و لقد اختبرنا قوم فرعون و أتباعه على ما هم عليه من الضّلالة.(9:28)

الطّبرسيّ: و لقد عاقبنا قوم فرعون بالجدوب و القحوط.(2:466)

أبو حيّان: الأخذ:التّناول باليد،و معناه هنا الابتلاء في المدّة الّتي كان أقام بينهم موسى يدعوهم إلى اللّه.(4:369)

رشيد رضا: قد كثر استعمال مادّة الأخذ في العذاب و ما في معناه،كقوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود:

102، فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ القمر:42، فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً المزّمّل:16، فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً الحاقّة:10.

و الأخذ بالسّنين صريح في إرادة العقاب بالجدب و الضّيق،و يؤيّده نقص الثّمرات.(9:85،86)

3- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ... التّوبة:50

مجاهد: يعني حذرنا.(1:281)

قد حذرنا و احترزنا.(الطّوسيّ 5:272)

الهرويّ: أي بالاحتياط و الحزم.(1:23)

القرطبيّ: أي احتطنا لأنفسنا و أخذنا بالحزم،فلم نخرج إلى القتال.(8:159)

عزّة دروزة: قد احتطنا لأنفسنا حتّى لا نقع فيما وقعوا فيه.(12:154)

الطّباطبائيّ: كناية عن الاحتراز عن الشّرّ قبل وقوعه،كأنّ أمرهم كان خارجا من أيديهم فأخذوه و قبضوه،و تسلّطوا عليه،فلم يدعوه يفسد و يضيع.

(9:306)

4- فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ... العنكبوت:40

البروسويّ: أي عاقبناه بجنايته لا بعضهم دون بعض،كما يشعر به تقديم المفعول.

قال بعضهم: الأخذ أصله باليد ثمّ يستعار في مواضع فيكون بمعنى القبول،كما في قوله: وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي آل عمران:81،أي قبلتم عهدي،و بمعنى

ص: 505

التّعذيب في هذا المقام.(6:469)

5- وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. الحاقّة:44،45

ابن عبّاس: لنلنا منه عقابه بقوّة منّا.

(أبو حيّان 8:329)

مثله السّيوطيّ.(الجلالين 2:502)

الحسن: لقطعنا يده اليمين.(القرطبيّ 18:276)

السّدّيّ: عاقبناه بالحقّ.(أبو حيّان 8:329)

مقاتل: يعني انتقمنا منه بالحقّ.و اليمين على هذا القول بمعنى الحقّ،كقوله تعالى: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ الصّافّات:28،أي من قبل الحقّ.

(الفخر الرّازيّ 30:118)

نحوه القمّيّ.(2:384)

الطّبريّ: قيل:إنّ معنى قوله: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه.قالوا:

و إنّما ذلك مثل،و معناه إنا كنّا نذلّه و نهينه،ثمّ نقطع منه بعد ذلك الوتين.قالوا:و إنّما ذلك كقول ذي السّلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه،لبعض أعوانه:

خذ بيده فأقمه،و افعل به كذا و كذا.قالوا:و كذلك معنى قوله: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، أي لأهنّاه،كالّذي يفعل بالّذي وصفنا حاله.(29:66)

نفطويه: لقبضنا بيمينه عن التّصرّف.

(القرطبيّ 18:276)

الميبديّ: أي لأمرنا أن يؤخذ بيده أخذا بالعقوبة، كالسّلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض رعيّته،قال:

لبعض أعوانه:خذ بيده و أخرجه.

و قيل:معناه لانتقمنا منه بالقوّة و القدرة،أي عذّبناه و أخذناه بقهر أخذ عقوبة.(10:216)

النّيسابوريّ: معنى الأخذ السّلب،أي سلبنا عنه القدرة على التّكلّم بذلك القول.(29:43)

أبو حيّان: قيل:لنزعنا منه قوّته.و قيل:لأذللناه و أعجزناه،ثمّ لقطعنا منه الوتين.(8:329)

البروسويّ: أي منعناه و دفعناه،فعبّر عن ذلك بالأخذ باليمين،كقولك:خذ بيمين فلان.

و قيل:اليمين بمعنى القوّة،فالمعنى لانتقمنا بقوّتنا و قدرتنا.

و قيل:المعنى حينئذ لأخذنا منه اليمين،و سلبنا منه القوّة و القدرة على التّكلّم بذلك.(10:151)

الآلوسيّ: أي لأمسكناه.(29:54)

مثله المراغيّ.(29:62)

عزّة دروزة: لانقضضنا عليه بقوّتنا.(6:257)

اخذناه

1- فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ...

القصص:40

الطّبريّ: فجمعنا فرعون و جنوده من القبط، فألقيناهم جميعهم في البحر.(20:78)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه أخذ فرعون و جنوده،أي جمعهم و طرحهم في البحر.(8:153)

الزّمخشريّ: من الكلام الفخم الّذي دلّ به على عظمة شأنه و كبرياء سلطانه،شبّههم-استحقارا لهم

ص: 506

و استقلالا لعددهم،و إن كانوا الكثير الكثير و الجمّ الغفير -بحصيات أخذهنّ آخذ في كفّه فطرحهنّ في البحر،و نحو ذلك قوله: وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ...

المرسلات:27، وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً... الحاقّة:14، وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ...

الزّمر:67.

و ما هي إلاّ تصويرات و تمثيلات لاقتداره،و أنّ كلّ مقدور و إن عظم و جلّ،فهو مستصغر إلى جنب قدرته.(3:180)

مثله الفخر الرّازيّ(24:254)،و النّيسابوريّ (20:45)،و نحوه البروسويّ(6:407).

الطّبرسيّ: فعاقبناهم و طرحناهم في البحر و اهلكناهم بالغرق.(4:255)

الآلوسيّ: قال بعضهم:«الأخذ»،و هو حقيقة في التّناول،مجاز عن خلق الدّاعية لهم إلى السّير إلى البحر، و«النّبذ»مجاز عن خلق الدّاعية لهم إلى دخوله،و في «البحر»أنّه كناية عن إدخالهم فيه.

و الأولى أن يكون الكلام من باب التّمثيل،كأنّه عزّ و جلّ فيما فعل بهم أخذهم مع كثرتهم في كفّ، و طرحهم في اليمّ.و الظّاهر أنّ الفاء الأولى سببيّة و ليست لمجرّد التّعقيب،و أما الثّانية فللتّعقيب إذا أبقي«الأخذ» على معنى التّناول،أو أريد به خلق الدّاعية إلى السّير أو نحوه.أمّا إذا أريد به الإهلاك فهي للتّفسير كما في:

فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ الأنبياء:76،و نحوه.

(20:83)

2- فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً.

المزّمّل:16

الطّبريّ: فأهلكناه و من معه جميعا.(29:136)

القرطبيّ: عاقبناه عقوبة غليظة.(19:48)

جمال الدّين عيّاد: الأخذ هو الحوز و التّحصيل، و هو يستعار للغلبة و القهر و الإذلال و العقاب لجامع التّمكّن في كلّ،فكان الأخذ تعبيرا عن أنّ المأخوذ قد أصبح بين يدي الآخذ،يفعل به كيف يشاء.(بحوث في تفسير القرآن،سورة المزّمّل:49)

اخذناهم

1- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. الأنعام:42

أبو حيّان: الأخذ:الإمساك بقوّة و بطش و قهر، و هو هنا مجاز عن متابعة العقوبة و الملازمة،و المعنى لعاقبناهم في الدّنيا.(4:130)

الآلوسيّ: أي فكذّبوا فعاقبناهم.(7:150)

رشيد رضا: الأخذ بالبأساء و الضّرّاء عبارة عن إنزالهما بهم،و أخذ الشّيء يطلق على حوزه و تحصيله بالتّناول و الملك،أو الاستيلاء و القهر،و قد يسند هذا إلى الأسباب غير الفاعلة المريدة،كقوله تعالى: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ البقرة:206، فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ العنكبوت:14.

فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ النّحل:113، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، ...اَلصّاعِقَةُ، ...اَلرَّجْفَةُ الحجر:

73،النّساء:153،الأعراف:78.(7:412)

ص: 507

2- حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. الأنعام:44

الطّبريّ: أتيناهم بالعذاب فجأة.(7:194)

الطّبرسيّ: أي أحللنا بهم العقوبة.(2:302)

القرطبيّ: أي استأصلناهم و سطونا بهم.

(6:426)

الآلوسيّ: عاقبناهم و أنزلنا بهم العذاب.(7:152)

3- ...وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. الأعراف:96

الآلوسيّ: الظّاهر أنّ هذا الأخذ و المتقدّم في قوله سبحانه: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الأعراف:

95،واحد،و ليس عبارة عن الجدب و القحط كما قيل، لأنّهما قد زالا بتبديل الحسنة مكان السّيّئة،و حمل أحد الأخذين على الأخذ الأخرويّ و الآخر على الدّنيويّ بعيد.

و من ذهب إلى حمل«أل»على الجنس على الوجه الأخير فيه،يلزمه أن يحمل كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ على وقوع التّكذيب و الأخذ فيما بينهم،و لا يخفى بعده.

(9:11)

القاسميّ: أي عاقبناهم.(7:2825)

4- كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ. القمر:42

الطّبريّ: فعاقبناهم بكفرهم باللّه عقوبة شديد لا يغلب.(27:107)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى أنّهم كانوا كالآبقين،أو إلى أنّهم عاصون،يقال:أخذ الأمير فلانا،إذا حبسه.(29:64)

الآلوسيّ: الفاء للتّفريع،أي فأخذناهم و قهرناهم لأجل تكذيبهم.(27:91)

يأخذ

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ... التّوبة:104

الجبّائيّ: جعل اللّه أخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين للصّدقة أخذا من اللّه على وجه التّشبيه و المجاز؛من حيث كان يأمره.(الطّوسيّ 5:339)

الزّجّاج: أخذ الصّدقات معناه قبولها.

(أبو حيّان 5:96)

الطّوسيّ: معناه أنّه يأخذها بتضمّن الجزاء عليها، كما تؤخذ الهديّة كذلك.و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ الصّدقة قد تقع في يد اللّه قبل أن تصل إلى يد السّائل، و المراد بذلك أنّها تنزل هذا التّنزيل ترغيبا للعباد في فعلها،و ذلك يرجع إلى تضمّن الجزاء عليها.(5:339)

نحوه الطّبرسيّ.(3:68)

الزّمخشريّ: فإن قلت:فما معنى قوله: وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ؟

قلت:هو مجاز عن قبوله لها،و المعنى أنّه يتقبّلها و يضاعف عليها.(2:213)

ابن عطيّة: المعنى يأمر بها و يشرّعها،كما تقول:

أخذ السّلطان من النّاس كذا،إذا حملهم على أدائه.

(أبو حيّان 5:96)

ص: 508

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ فيه سؤال،و هو أنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ الآخذ هو اللّه،و قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً التّوبة:103، يدلّ على أنّ الآخذ هو الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.

و قوله عليه السّلام لمعاذ:«خذها من أغنيائهم»يدلّ[على] أنّ آخذ تلك الصّدقات هو معاذ،و إذا دفعت الصّدقة إلى الفقير فالحسّ يشهد أنّ آخذها هو الفقير،فكيف الجمع بين هذه الألفاظ؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى لمّا بيّن في قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً أنّ الآخذ هو الرّسول،ثمّ ذكر في هذه الآية أنّ الآخذ هو اللّه تعالى،كان المقصود منه أنّ أخذ الرّسول قائم مقام أخذ اللّه تعالى،و المقصود منه التّنبيه على تعظيم شأن الرّسول؛من حيث أنّ أخذه للصّدقة جار مجرى أن يأخذها اللّه.و نظيره قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ... الفتح:10، و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً الأحزاب:57،و المراد منه إيذاء النّبيّ عليه السّلام.

و الجواب الثّاني:أنّه أضيف إلى الرّسول عليه السّلام بمعنى أنّه يأمر بأخذها و يبلّغ حكم اللّه في هذه الواقعة إلى النّاس،و أضيف إلى الفقير بمعنى أنّه هو الّذي يباشر الأخذ.و نظيره أنّه تعالى أضاف التّوفّي إلى نفسه بقوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ... الأنعام:60،و أضافه إلى ملك الموت،و هو قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ السّجدة:11،و أضافه إلى الملائكة الّذين هم أتباع ملك الموت،و هو قوله: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا... الأنعام:61،فأضيف إلى اللّه بالخلق و إلى ملك الموت للرّئاسة في ذلك النّوع من العمل،و إلى أتباع ملك الموت،يعنى أنّهم هم الّذين يباشرون الأعمال الّتي عندها يخلق اللّه الموت،فكذا هاهنا.(16:186)

البيضاويّ: يقبلها قبول من يأخذ شيئا ليؤدّي بدله.(1:431)

النّيسابوريّ: في إضافة«أخذ الصّدقات»إلى اللّه بعد أن أمر الرّسول بالأخذ،تشريف عظيم لهذه الطّاعة، و أنّها من اللّه بمكان،و أنّه يربيها كما يربي أحدنا فلوه، حتّى إنّ اللّقمة تكون عند اللّه أعظم من أحد.(11:17)

الآلوسيّ: أي يقبلها قبول من يأخذ شيئا ليؤدّي بدله؛فالأخذ هنا استعارة للقبول،و جوّز أن يكون إسناد الأخذ إلى اللّه تعالى مجازا مرسلا.

و قيل:نسبة الأخذ إلى الرّسول في قوله سبحانه:

(خذ)ثمّ نسبته إلى ذاته تعالى،إشارة إلى أنّ أخذ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام قائم مقام أخذ اللّه تعالى،تعظيما لشأن نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ... الفتح:10،فهو على حقيقته،و هو معنى حسن،إلاّ أنّ في دعوى الحقيقة ما لا يخفى.

و المختار عندي أنّ المراد«بأخذ الصّدقات»الاعتناء بأمرها و وقوعها عنده سبحانه موقعا حسنا،و في التّعبير به ما لا يخفى من التّرغيب.(11:15)

رشيد رضا:أي يتقبّلها بأنواعها و يثيب عليها،

ص: 509

و يعدّها إقراضا له فيضاعف ثوابها،بمقتضى وعده في مثل قوله: إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... التّغابن:

17،و قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً البقرة:245،فأخذ الصّدقات له ثلاث صور:

إحداها:أخذ الفقراء و المساكين و غيرهم إيّاها،من المستحقّين من يد المتصدّق.

الثّانية:أخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في عهده و الأئمّة من بعده إيّاها،لأجل وضعها في مصارفها الّتي أمر اللّه بها.

الثّالثة:أخذ اللّه عزّ و جلّ إيّاها،و هو قبولها للإثابة عليها بالمضاعفة الّتي وعدها.و في التّعبير بأخذ اللّه تعالى بعد قوله للنّبيّ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً... التّوبة:

103،تشريف للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بكونه تعالى هو الّذي يأخذ ما أمره بأخذه.(11:32)

ياخذكم

...وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

الأعراف:73

الطّوسيّ: أي ينالكم عذاب مؤلم.(4:480)

مثله الطّبرسيّ.(2:240)

أبو حيّان:المسّ و الأخذ هنا استعارة،و هذا وعيد شديد لمن مسّها بسوء.(4:328)

ياخذوا

1- ...وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها...

الأعراف:145

الطّبريّ: يقول:يعملوا بأحسن ما يجدون فيها.

(9:58)

نحوه القرطبيّ.(7:282)

الآلوسيّ: الباء زائدة،و يحتمل أن تكون الباء أصليّة،و هو الظّاهر،و حينئذ فهي إمّا متعلّقة بيأخذوا بتضمينه معنى يعملوا،أو هو من الأخذ بمعنى السّيرة، و منه:أخذ أخذهم،أي سار سيرتهم،و تخلّق بخلائقهم كما نقول.و إمّا متعلّقة بمحذوف وقع حالا،و مفعول (يأخذوا)محذوف،أي أنفسهم كما قيل.

و الظّاهر أنّه مجزوم في جواب الأمر فيحتاج إلى تأويل،لأنّه لا يلزم من أمرهم أخذهم،أي إن تأمرهم و يوفّقهم اللّه تعالى يأخذوا.و قيل:بتقدير لام الأمر فيه بناء على جواز ذلك بعد أمر من القول،أو ما هو بمعناه كما هنا.[إلى أن قال:]

و قيل:«الأخذ بالأحسن»،هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحقّ و أقربها للصّواب،و لا ينبغي أن يحمل«الأخذ»على الشّروع،كما في قولك:أخذ زيد يتكلّم،أي شرع في الكلام.(9:58،59)

الطّباطبائيّ: «الأخذ بالأحسن»كناية عن ملازمة الحسن في الأمور و اتّباعه و اختياره،فإنّ من يهمّ بأمر الحسن في الأمور إذا وجد سيّئا و حسنا اختار الحسن الجميل،و إذا وجد حسنا و أحسن منه اضطرّه حبّ الجمال إلى اختيار الأحسن،و تقديمه على الحسن؛ فالأخذ بأحسن الأمور لازم حبّ الجمال و ملازمة

ص: 510

الحسن،فكنّي به عنه،و المعنى:و أمر قومك يجتنبوا السّيّئات و يلازموا ما تهدي إليه التّوراة من الحسنات.

و نظير الآية في التّكنية قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ... الزّمر:18.(8:246)

2- ...فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ... النّساء:102

ابن عبّاس: إنّ الأمر بأخذ السّلاح،أي حمله،هو للطّائفة الأخرى لقيامها بالحراسة.

(رشيد رضا 5:372)

البروسويّ: أي لا يضعوها و لا يلقوها،و إنّما عبّر عن ذلك بالأخذ للإيذان بالاعتناء باستصحابها،كأنّهم يأخذونها ابتداء.(2:274)

مثله الآلوسيّ.(5:135)

رشيد رضا: أي و ليحمل الّذين يقومون معك في الصّلاة أسلحتهم،و لا يدعوها وقت الصّلاة،لئلاّ يضطرّوا إلى المكافحة عقبها مباشرة أو قبل إتمامها، فيكونوا مستعدّين لها.(5:372)

عزّة دروزة: و ليحملوا أسلحتهم و هم يصلّون.(9:154)

الصّابونيّ: أمر تعالى المجاهدين حين شروعهم بالصّلاة بعدم طرح الأسلحة،و عبّر عن ذلك بالأخذ:

وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ للإيذان بالاعتناء بضرورة الحذر من الكافرين.و التّنبيه على ضرورة اليقظة، و عدم التّساهل في الأخذ بالأسباب.(1:513)

ياخذوه

...وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ...

المؤمن:5

ابن عبّاس: ليملكوه.(أبو حيّان 7:449)

ليقتلوه و يهلكوه.(البغويّ 6:74)

مثله قتادة،و السّدّيّ.(القرطبيّ 15:293)

ابن قتيبة:أي ليهلكوه،و يقال:ليحبسوه و يعذّبوه.و يقال للأسير:أخيذ.(385)

الزّجّاج: ليتمكّنوا منه فيقتلوه.

(ابن سيده 5:142)

الميبديّ: قيل:ليأسره.و العرب تسمّي الأسير أخيذا.

و أخذ النّاس لا يستعمل إلاّ في مكروه.(8:451)

الزّمخشريّ: أي ليتمكّنوا منه،و من الإيقاع به، و إصابته بما أرادوا من تعذيب أو قتل.و يقال للأسير:

أخيذ.(3:415)

مثله القاسميّ(14:5156)،و نحوه النّسفيّ(4:

70).

القرطبيّ: أي ليحبسوه و يعذّبوه،و الأخذ يرد بمعنى الإهلاك،كقوله: ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ الحجّ:44،و العرب تسمّي الأسير الأخيذ،لأنّه مأسور للقتل.(15:293)

أبو حيّان: ليتمكّنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل.

و يقال للقتيل و الأسير:أخيذ.(7:449)

ص: 511

1Lالبروسويّ: من الأخذ بمعنى الأسر،و الأخيذ:

الأسير،أي ليأسروه و يحبسوه؛ليعذّبوه أو يقتلوه.

(8:154)

الآلوسيّ: ليتمكّنوا من إيقاع ما يريدون به،من حبس و تعذيب و قتل و غيره.فالأخذ كناية عن التّمكّن المذكور،و بعضهم فسّره بالأسر،و هو قريب ممّا ذكر.(24:44)

تاخذ

قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي... طه:94

الآلوسيّ: أي بشعر رأسي،فإنّ الأخذ أنسب به.

و زعم بعضهم أنّ قوله(بلحيتى)على معنى بشعر لحيتي أيضا،لأنّ أصل وضع اللّحية للعضو النّابت عليه الشّعر، و لا يناسبه الأخذ كثير مناسبة،و أنت تعلم أنّ المشهور استعمال اللّحية في الشّعر النّابت على العضو المخصوص.

و ظاهر الآيات و الأخبار أنّه عليه السّلام أخذ بذلك.روي أنّه أخذ شعر رأسه بيمينه و لحيته بشماله.و كان عليه السّلام حديدا متصلّبا غضوبا للّه تعال،و قد شاهد ما شاهد،و غلب على ظنّه تقصير في هارون عليه السّلام يستحقّ به،و إن لم يخرجه عن دائرة العصمة الثّابتة للأنبياء عليهم السّلام التّأديب ففعل به ما فعل،و باشر ذلك بنفسه و لا محذور فيه أصلا.

(16:251)

[و قد سبق هذا البحث في«أخذ برأس أخيه»]

تاخذه

...لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ... البقرة:255

الطّبريّ: لا تحلّه الآفات،و لا تناله العاهات؛ و ذلك أنّ«السّنة و النّوم»معنيان،يغمران فهم ذي الفهم، و يزيلان من أصاباه عن الحال الّتي كان عليها،قبل أن يصيباه.(3:7)

الفخر الرّازيّ: إنّه لا يغفل عن تدبير الخلق،لأنّ القيّم بأمر الطّفل لو غفل عنه ساعة لاختلّ أمر الطّفل، فهو سبحانه قيّم جميع المحدثات،و قيّوم الممكنات، فلا يمكن أن يغفل عن تدبيرهم.(7:6)

أبو حيّان: المعنى أنّه تعالى لا يغفل عن دقيق و لا جليل.عبّر بذلك عن الغفلة،لأنّه سببها،فأطلق اسم السّبب على المسبّب.

و قيل:نزّه نفسه عن«السّنة و النّوم»لما فيهما من الرّاحة،و هو تعالى لا يجوز عليه التّعب و الاستراحة.

و قيل:المعنى لا يقهره شيء و لا يغلبه.(2:277)

البروسويّ:المراد بيان انتفاء اعتراء شيء منهما له سبحانه،لعدم كونهما من شأنه،و إنّما عبّر عن عدم الاعتراء و العروض،بعدم الأخذ،لمراعاة الواقع؛إذ عروض«السّنة و النّوم»لمعروضهما إنّما يكون بطريق الأخذ و الاستيلاء.

و الجملة نفي للتّشبيه،و تأكيد لكونه حيّا و قيّوما، فإنّ من أخذه نعاس أو نوم كان مئوف الحياة قاصرا في الحفظ و التّدبير،و المعنى لا يعتريه ما يعتري المخلوقين من السّهو و الغفلة و الملال و الفترة في حفظ ما هو قائم بحفظه، و لا يعرض له عوارض التّعب المحوجة إلى الاستراحة؛ فيستريح بالنّوم و السّنة،لأنّ النّوم أخو الموت و الموت

ص: 512

ضدّ الحياة،و هو الحيّ الحقيقيّ،فلا يلحقه ضدّ الحياة، فكما أنّه موصوف بصفات الكمال،فهو منزّه عن جميع صفات النّقصان.(1:400)

نحوه الآلوسيّ.(3:8)

رشيد رضا: قد قال:(لا تأخذه)دون لا تعرض له أو لا تطرأ عليه،مراعاة للواقع في الوجود،فإنّ «السّنة و النّوم»يأخذان الحيوان عن نفسه أخذا، و يستوليان عليه استيلاء.(3:30)

تاخذكم

...وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ... النّور:2

ابن المسيّب: لا يمنعكم ذلك من الجلد الشّديد.

مثله الحسن،و الشّعبيّ،و حمّاد.(الطّوسيّ 7:406)

لا تأخذكم رأفة بأن يخفّف الجلد.

مثله الحسن،و قتادة.(الفخر الرّازيّ 23:148)

سعيد بن جبير: معناه لا تمنعنّكم الرّأفة و الرّحمة من إقامة الحدّ.

مثله مجاهد،و عطاء،و النّخعيّ.

(الطّوسيّ 7:406)

لا تأخذكم رأفة بأن يعطّل الحدّ أو ينقص منه، و المعنى لا تعطّلوا حدود اللّه و لا تتركوا إقامتها للشّفقة و الرّحمة.

مثله مجاهد،و عكرمة،و الفرّاء،و الزّجّاج.

(الفخر الرّازيّ 23:148)

الشّعبيّ: في الكلام حذف تقديره:و لا تأخذكم بهما رأفة فتعطّلوا الحدود و لا تقيموها.و النّهي في الظّاهر للرّأفة،و المراد ما تدعو إليه الرّأفة،و هو تعطيل الحدود أو نقصها.(أبو حيّان 6:429)

ابن جريج:لا تضيّعوا حدود اللّه.

(الطّبريّ 18:67)

الفخر الرّازيّ:يحتمل أن يكون المراد:أن لا تأخذكم رأفة،بأن يعطّل الحدّ،أو ينقص منه،و المعنى لا تعطّلوا حدود اللّه و لا تتركوا إقامتها للشّفقة و الرّحمة، و هذا قول مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير،و اختيار الفرّاء،و الزّجّاج.و يحتمل:أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفّف الجلد،و هو قول سعيد بن المسيّب،و الحسن، و قتادة،و يحتمل كلا الأمرين.

و الأوّل أولى،لأنّ الّذي تقدّم ذكره الأمر بنفس الجلد،و لم يذكر صفته،فما يعقبه يجب أن يكون راجعا إليه.(23:148)

القرطبيّ: أي لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود،و لا تخفّفوا الضّرب من غير إيجاع.هذا قول جماعة أهل التّفسير.(12:165)

يؤخذ

1- ...وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها...

الأنعام:70

قتادة:لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل منها.

مثله السّدّيّ،و ابن زيد.(الطّبريّ 7:233)

الزّمخشريّ: العدل:الفدية،لأنّ الفادي يعدل المفدى بمثله،و(كلّ عدل)نصب على المصدر،و فاعل (يؤخذ)قوله:(منها)لا ضمير العدل،لأنّ العدل هنا

ص: 513

مصدر فلا يسند إليه الأخذ.و أمّا في قوله تعالى:

وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ... البقرة:48،فبمعنى المفدى به،فصحّ إسناده إليه.(2:27)

الفخر الرّازيّ: العدل:الفدية،لا يؤخذ ذلك العدل و تلك الفدية منها.

قال صاحب«الكشّاف»: فاعل(يؤخذ)ليس هو قوله:(عدل)،لأنّ العدل هنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ، و أمّا في قوله: وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ البقرة:48، فبمعنى المفدى به،فصحّ إسناده إليه.

فنقول:الأخذ بمعنى القبول وارد،قال تعالى:

وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ التّوبة:104،أي يقبلها،و إذا ثبت هذا فيحمل«الأخذ»هاهنا على القبول،و يزول السّؤال.(13:28)

مثله النّيسابوريّ(7:132)،و نحوه البروسويّ (3:50).

2- يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ. الرّحمن:41

ابن عبّاس: يؤخذ بناصيته و قدميه،فيوطأ و يجمع كالحطب،و يلقى كذلك في النّار.

(أبو حيّان 8:196)

الحسن: يجمع بين ناصيته و قدمه بالغلّ،فيسحب إلى النّار.(الطّوسيّ 9:477)

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 5:206)

الضّحّاك: يجمع بينهما في سلسلة من وراء ظهره.(أبو حيّان 8:196)

2Lابن قتيبة: أي يجرّون إلى النّار بنواصيهم و أرجلهم.(تأويل مشكل القرآن:155)

الفخر الرّازيّ: ما وجه إفراد(يؤخذ)مع أنّ المجرمين جمع،و هم المأخوذون؟

نقول فيه وجهان:

أحدهما:أنّ(يؤخذ)متعلّق بقوله تعالى(بالنّواصى)، كما يقول القائل:ذهب بزيد.

و ثانيها:أن يتعلّق بما يدلّ عليه(يؤخذ)،فكأنّه تعالى قال:فيؤخذ المأخوذون بالنّواصي.

فإن قيل:كيف عدّي«الأخذ»بالباء و هو يتعدّى بنفسه،قال تعالى: لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ... الحديد:

15،و قال: خُذْها وَ لا تَخَفْ... طه:21؟

نقول:«الأخذ»يتعدّى بنفسه كما بيّنت،و بالباء أيضا،كقوله تعالى: لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي طه:

94،لكن في الاستعمال تدقيق،و هو أنّ المأخوذ إن كان مقصودا بالأخذ توجّه الفعل نحوه فيتعدّى إليه من غير حرف،و إن كان المقصود بالأخذ غير الشّيء المأخوذ حسّا تعدّى إليه بحرف،لأنّه لمّا لم يكن مقصودا،فكأنّه ليس هو المأخوذ،و كأنّ الفعل لم يتعدّ إليه بنفسه،فذكر الحرف.و يدلّ على ما ذكرنا استعمال القرآن،فإنّ اللّه تعالى قال: خُذْها وَ لا تَخَفْ في العصا،و قال تعالى:

وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ... النّساء:102، أَخَذَ الْأَلْواحَ... الأعراف:154،إلى غير ذلك.فلمّا كان ما ذكر هو المقصود بالأخذ،عدّي الفعل إليه من غير حرف؛و قال تعالى: لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي...

طه:94، فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ... الرّحمن:

ص: 514

41،و يقال:خذ بيدي،و أخذ اللّه بيدك،إلى غير ذلك، ممّا يكون المقصود بالأخذ غير ما ذكرنا.

فإن قيل:ما الفائدة في توجيه الفعل إلى غير ما توجّه إليه الفعل الأوّل؟و لم قال: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ الرّحمن:41؟

نقول:فيه بيان نكالهم و سوء حالهم.[إلى أن قال:]

أمّا بيان النّكال لأنّه لمّا قال: (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي) ، بيّن كيفيّة الأخذ و جعلها مقصود الكلام،و لو قال:

«فيؤخذون»،لكان الكلام يتمّ عنده،و يكون قوله:

(بالنّواصى)فائدة جاءت بعد تمام الكلام،فلا يكون هو المقصود،و أمّا إذا قال:(فيؤخذ)فلا بدّ له من أمر يتعلّق به فينتظر السّامع وجود ذلك،فإذا قال:(بالنّواصى) يكون هذا هو المقصود.و في كيفيّة الأخذ ظهور نكالهم، لأنّ في نفس«الأخذ بالنّاصية»إذلالا و إهانة،و كذلك «الأخذ بالقدم».

لا يقال.قد ذكرت أنّ التّعدية بالباء إنّما تكون حيث لا يكون المأخوذ مقصودا،و الآن ذكرت أنّ«الأخذ بالنّواصي»هو المقصود،لأنّا نقول:لا تنافي بينهما،فإنّ «الأخذ بالنّواصي»مقصود الكلام.و النّاصية ما أخذت لنفس كونها ناصية،و إنّما أخذت ليصير صاحبها مأخوذا.و فرق بين مقصود الكلام و بين الأخذ،و قوله تعالى: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ فيه وجهان:

أحدهما:يجمع بين ناصيتهم و قدمهم،و على هذا ففيه قولان:أحدهما:أنّ ذلك قد يكون من جانب ظهورهم،فيربط بنواصيهم أقدامهم من جانب الظّهر، فتخرج صدورهم نتاء.و الثّاني:أنّ ذلك من جانب وجوههم،فتكون رءوسهم على ركبهم،و نواصيهم في أصابع أرجلهم مربوطة.

الوجه الثّاني:أنّهم يسحبون سحبا،فبعضهم يؤخذ بناصيته،و بعضهم يجرّ برجله،و الأوّل أصحّ و أوضح.(29:119)

أبو حيّان: قيل:تسحبهم الملائكة،تارة تأخذ بالنّواصي،و تارة بالأقدام.و قيل:بعضهم سحبا بالنّاصية،و بعضهم سحبا بالقدم.

و(يؤخذ)متعدّ إلى مفعول بنفسه،و حذف هذا الفاعل و المفعول،و أقيم الجارّ و المجرور مقام الفاعل، مضمّنا معنى ما يعدّى بالباء،أي فيسحب بالنّواصي و الأقدام.(8:196)

نحوه الآلوسيّ.(27:114)

البروسويّ: (النّواصى)جمع ناصية،و هي مقدّم الرّأس،و المراد هنا شعرها،و الجار و المجرور هو القائم مقام الفاعل،يقال:أخذه،إذا كان المأخوذ مقصودا بالأخذ،و منه قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:

71،و نحوه.و أخذ به إذا كان المأخوذ شيئا من ملابسات المقصود بالأخذ،و منه قوله تعالى: لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي طه:94،و قول المستغيث:«خذ بيدي أخذ اللّه بيدك»، و المعنى تأخذ الملائكة بنواصيهم،أي بشعور مقدّم رءوسهم و أقدامهم،فيقذفونهم في النّار،أو تسحبهم الملائكة إلى النّار،تارة تأخذ بالنّواصي و تجرّهم على وجوههم،أو يجمع بين نواصيهم و أقدامهم في سلسلة من وراء ظهورهم.(9:303)

ص: 515

خذ

1- ...فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ.

الأعراف:144

الطّوسيّ: تناول ما أعطيتك.(4:572)

القرطبيّ:إشارة إلى القناعة،أي اقنع بما أعطيتك.

(7:280)

2- خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ.

الأعراف:199

القرطبيّ:أي اقبل من النّاس ما عفا لك من أخلاقهم و تيسّر،تقول:أخذت حقّي عفوا صفوا،أي سهلا.(7:346)

نحوه أبو حيّان.(4:448)

الآلوسيّ: الأخذ:مجاز عن القبول و الرّضا،أي ارض من النّاس بما تيسّر من أعمالهم.(9:146)

الطّباطبائيّ:الأخذ بالشّيء،هو لزومه أو عدم تركه،فأخذ العفو ملازمة السّتر على إساءة من أساء إليه،و الإغماض عن حقّ الانتقام الّذي يعطيه العقل الاجتماعيّ لبعضهم على بعض.هذا بالنّسبة إلى إساءة الغير بالنّسبة إلى نفسه،و التّضييع لحقّ شخصه.و أمّا ما أضيع فيه حقّ الغير بالإساءة إليه فليس ممّا يسوغ العفو فيه،لأنّه إغراء بالإثم و تضييع لحقّ الغير بنحو أشدّ،و إبطال للنّواميس الحافظة للاجتماع،و يمنع عنه جميع الآيات النّاهية عن الظّلم و الإفساد و إعانة الظّالمين و الرّكون إليهم،بل جميع الآيات المعطية لأصول الشّرائع و القوانين،و هو ظاهر.(8:379)

3- ...فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها... الأعراف:145

أبو حيّان: أكّد الأخذ بقوله:(بقوّة)،و أمروهم أن يأخذوا(بأحسنها)،و لم يؤكّد،ليعلم أنّ رتبة النّبوّة أشقّ في التّكليف من رتبة التّابع،و لذلك فرض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قيام اللّيل،و غير ذلك من التّكاليف المختصّة به.(4:388)

الطّباطبائيّ: الأخذ بالقوّة:كناية عن الأخذ بالجدّ و الحزم،فإنّ من يجد و يحزم في أمر،يستعمل ما عنده من القوّة فيه حذرا أن يفوته،فالأخذ بالقوّة لازم الأخذ بالجدّ،و الحزم كنّي به عنه.(8:245)

خذوا

يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...

الأعراف:31

عطاء: البسوا ثيابكم.(الطّبريّ 8:160)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ أخذ الزّينة هو التّمشّط عند كلّ صلاة.(الطّبرسيّ 2:413)

الطّوسيّ: أمرهم اللّه بأن يأخذوا،و معناه أن يتناولوا زينتهم.(4:415)

رشيد رضا: الزّينة ما يزين الشّيء أو الشّخص فهي اسم من زانه يزينه زينا،ضدّ شانه،-أي عابه-، يشينه شينا.و أخذها عبارة عن التّزيّن،لأنّه إنّما يحصل بأخذ ما يزين و استعماله.(8:380)

ص: 516

خذوه

خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ. الدّخان:47

أبو زهرة: فكلمة«الأخذ»تنبئ عن القبض بعنف، و قد كان في القرآن الكريم ما يدلّ على العنف فيها،كما قال تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى...

هود:102.(125)

اخذ

...ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها... هود:56

الضّحّاك: يحييها ثمّ يميتها.(القرطبيّ 9:52)

الفرّاء،مالكها،و القادر عليها.(القرطبيّ 9:52)

أبو عبيدة: مجازه إلاّ هو في قبضته و ملكه و سلطانه.(1:29)

ابن قتيبة: قاهرها،لأنّ من أخذت بناصيته فقد قهرته.(القرطبيّ 9:52)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف قيل: هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، فخصّ بالأخذ النّاصية دون سائر أماكن الجسد؟

قيل:لأنّ العرب كانت تستعمل ذلك في وصفها من وصفته بالذّلّة و الخضوع،فتقول:ما ناصية فلان إلاّ بيد فلان،أي أنّه له مطيع يصرّفه كيف شاءه و كانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه و المنّ عليه جزّوا ناصيته، ليعتدّوا بذلك عليه فخرا عند المفاخرة،فخاطبهم اللّه بما يعرفون في كلامهم.[و في الفارسيّة بدل النّاصية،اللّحية فيقال:لحيته بيد فلان.](12:60)

نحوه الفخر الرّازيّ.(18:13)

2Lالهرويّ: أي هي في قبضته،أي ينالها بما شاء من قدرته.(1:23)

الطّوسيّ: ليس من حيوان يدبّ إلاّ و هو تعالى آخذ بناصيته،أي قادر على التّصرّف فيه،و تصريفه كيف شاء.(6:11)

نحوه القرطبيّ.(9:29)

الميبديّ: الأخذ بالنّاصية:كناية عن الاقتدار.

و روي في بعض الدّعاء في الخبر:«اللّهمّ أنت ربّي و أنا عبدك ناصيتي بيدك»،و منه قوله: لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ... العلق:15،كلّ ذلك مأخوذ من فعل العرب،أنّهم إذا ظفر أحدهم بمن يبارزه و استولى عليه أخذ بناصيته عنفا،و إذا أراد تنكيله جزّ ناصيته،و منه قوله: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ الرّحمن:41، يعني تأخذ الزّبانية بنواصي الكفّار،يقال:أخذت بناصيته و بناصاته.(4:402)

الزّمخشريّ: من كون كلّ دابّة في قبضته و ملكته و تحت قهره و سلطانه،و الأخذ بنواصيها تمثيل لذلك.

(2:277)

نحوه أبو السّعود.(3:29)

الطّبرسيّ: أي ما من حيوان يدبّ على وجه الأرض إلاّ و هو مالك لها يصرّفها كيف يشاء و يقهرها.

و جعل الأخذ بالنّاصية كناية عن القهر و القدرة،لأنّ من أخذ بناصية غيره فقد قهره و أذلّه.(3:170)

نحوه الآلوسيّ.(12:83)

أبو حيّان: قوله: آخِذٌ بِناصِيَتِها؛ إذ كان القادر المالك يقود المقدور عليه بناصيته كما يقاد الأسير

ص: 517

و الفرس بناصيته،حتّى صار الأخذ بالنّاصية عرفا في القدرة على الحيوان،و كانت العرب تجرّ ناصية الأسير الممنون عليه علامة أنّه قد قدر عليه و قبض على ناصيته.(5:234)

البروسويّ: الأخذ بناصية الإنسان،عبارة عن قهره و الغلبة عليه،و كونه في قبضة الآخذ؛بحيث يقدر على التّصرّف فيه كيف يشاء.و العرب إذا وصفوا إنسانا بالذّلّة و الخضوع لرجل قالوا:ما ناصيته إلاّ بيد فلان،أي أنّه مطيع له،لأنّ كلّ من أخذت بناصيته فقد قهرته.

و أخذ اللّه بناصية الخلائق:استعارة تمثيليّة لنفاذ قدرته فيهم،و المعنى إلاّ و هو مالك لها قادر عليها، يصرّفها على ما يريد بها.(4:149)

القاسميّ: الأخذ بالنّاصية،عبارة عن القدرة و التّسلّط،مجازا أو كناية.(9:3457)

رشيد رضا: أي مسخّرها و متصرّف فيها.

و التّعبير بالأخذ بالنّاصية-و هو مقدّم شعر الرّأس-تمثيل لتصرّف القهر،و الخضوع الّذي لا مهرب منه و لا مفرّ.(12:118)

آخذين

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ... الذّاريات:15،16

ابن عبّاس: أي عاملين بالفرائض.

مثله سعيد بن جبير.(القرطبيّ 17:35)

الطّبريّ: عاملين ما أمرهم به ربّهم مؤدّين فرائضه.

(26:196)

2Lالميبديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه حال ثابت لهم في الدّنيا،أي عاملين بما يأمرهم ربّهم في الدّنيا،كقوله: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ... الحشر:7،و منه قولهم:أخذت بقول فلان في مسألة كذا.

و الوجه الثّاني:آخذين في الجنّة ما أعطاهم ربّهم من ثواب أعمالهم.(9:311)

الزّمخشريّ: قابلين لكلّ ما أعطاهم راضين به، يعني أنّه ليس فيما آتاهم إلاّ ما هو متلقّى بالقبول مرضيّ غير مسخوط،لأنّ جميعه حسن طيّب،و منه قوله تعالى: وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ... التّوبة:104،أي يقبلها و يرضاها.(4:15)

نحوه النّسفيّ(4:183)،و البروسويّ(9:153).

الفخر الرّازيّ: ما معنى(آخذين)؟

نقول:فيه وجهان:

أحدهما:قابضين ما آتاهم شيئا فشيئا، و لا يستوفونه بكماله،لامتناع استيفاء ما لا نهاية له.

ثانيها:(آخذين):قابلين قبول راض،كما قال تعالى: وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ... التّوبة:104،أي يقبلها.

و فيه وجه ثالث:و هو أنّ قوله:(فى جنات)يدلّ على السّكنى فحسب،و قوله: آخِذِينَ يدلّ على التّملّك،و لذا يقال:أخذ بلاد كذا و قلعة كذا،إذا دخلها متملّكا لها،و كذلك يقال لمن اشترى دارا أو بستانا:

أخذه بثمن قليل،أي تملّكه،و إن لم يكن هناك قبض حسّا و لا قبول برضا،و حينئذ فائدته بيان أنّ دخولهم

ص: 518

فيها ليس دخول مستعير أو ضيف يستردّ منه ذلك،بل هو ملكه الّذي اشتراه بماله و نفسه،من اللّه تعالى.

(28:200)

النّيسابوريّ: [قيل:]أراد أنّهم يأخذونه شيئا فشيئا و لا يستوفون ذلك بكماله،لامتناع استيفاء ما لا نهاية له.

و قيل:الأخذ بمعنى التّملّك،يقال:بكم أخذت هذا؟كأنّهم اشتروها بأنفسهم و أموالهم.

قال[جار اللّه:]إنّ فيض اللّه تعالى لا ينقطع أصلا، و إنّما يصل إلى كلّ مكلّف بقدر ما استعدّ له،فكلّما ازداد قبولا ازداد تأثّرا من الفيض،و الأخذ في هذا المقام لعلّه إشارة إلى كمال قبولهم للفيوض الإلهيّة؛و ذلك لمّا أسلفوا من حسن العبادة،و وفور الطّاعة،و لهذا علّله بقوله:

إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ... الذّاريات:16.

(27:8)

أبو حيّان: انتصب(آخذين)على الحال،أي قابليه راضين به،و ذلك في الجنّة.(8:135)

الآلوسيّ: أي قابلين لكلّ ما أعطاهم عزّ و جلّ راضين به،على معنى إنّ كلّ ما آتاهم حسن مرضيّ يتلقّى بحسن القبول.و العموم مأخوذ من شيوع(ما)،و إطلاقه في معرض المدح،و إظهار منّه تعالى عليهم،و اعتبار الرّضا،لأنّ الأخذ قبول عن قصد.و نصب(آخذين) على الحال من الضّمير في الظّرف.(27:7)

الطّباطبائيّ: أي قابلين ما أعطاهم ربّهم الرّءوف بهم،راضين عنه و بما أعطاهم،كما يفيده خصوص التّعبير بالأخذ و الإيتاء،و نسبة الإيتاء إلى ربّهم.

(18:368)

اخذ

وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ. هود:102

الطّوسيّ: وجه التّشبيه في قوله: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إنّ أخذه الظّالم الّذي يساوي من تقدّمه في ظلمه و حاله،في بطلان الفلاح ببقائه،كأخذه الّذي قبله،لأنّه ليس هناك محاباة لأحد من خلقه.و الأخذ:نقل الشّيء إلى جهة الآخذ،فلمّا نقلهم اللّه إلى جهة عقابه،كان قد أخذهم به.(6:62)

الطّبرسيّ: أي أخذ أهلها،و هو أن ينقلهم إلى العقوبة و الهلاك...معناه أنّ أخذ اللّه سبحانه الظّالم مؤلم شديد الألم.(3:191)

أبو حيّان: الأخذ هنا:أخذ الإهلاك.(5:261)

الطّباطبائيّ: الإشارة إلى ما تقدّم من أنباء القرى؛ و ذلك بعض مصاديق أخذه تعالى بالعقوبة قاس به مطلق أخذه القرى،في أنّه أليم شديد.و هذا من قبيل التّشبيه الكلّيّ ببعض مصاديقه في الحكم،للدّلالة على أنّ الحكم عامّ شامل لجميع الأفراد،و هو نوع من فنّ التّشبيه شائع.و قوله: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ بيان لوجه الشّبه، و هو الألم و الشّدّة.(11:7)

يؤاخذ

1- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ... النّحل:61

ص: 519

1Lالرّاغب: فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة و المقابلة لما أخذوه من النّعم،فلم يقابلوه بالشّكر.(13)

ابن عطيّة: هي مجاز،كأنّ العبد يأخذ حقّ اللّه تعالى بمعصيته،و اللّه تعالى يأخذ منه بمعاقبته،و كذا الحال في مؤاخذة الخلق بعضهم بعضا.(الآلوسيّ 14:170)

أبو حيّان: (يؤاخذ)مضارع آخذ،و الظّاهر أنّه بمعنى المجرّد الّذي هو أخذ.(5:506)

الآلوسيّ: المؤاخذة:مفاعلة من«فاعل»بمعنى «فعل»،و هو الظّاهر.(14:170)

2- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ... فاطر:45

الطّبريّ: و لو يعاقب اللّه النّاس،و يكافئهم بما عملوا من الذّنوب و المعاصي و اجترحوا من الآثام، ما ترك على ظهرها من دابّة تدبّ عليها.(22:147)

الطّباطبائيّ: المراد بالمؤاخذة:المؤاخذة الدّنيويّة، كما يدلّ عليه قوله الآتي: وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى النّحل:61.(17:59)

يؤاخذكم

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ. البقرة:225

أبو حنيفة:معناه لا يعاقبكم بلغو اليمين الّذي يحلفه أحدكم بالظّنّ،و لكن يعاقبكم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد.(النّيسابوريّ 2:253)

2Lالشّافعيّ: معنى(لا يؤاخذكم)لا يلزمكم الكفّارة بلغو اليمين الّذي لا قصد معه،و لكن يلزمكم الكفّارة بما نوت قلوبكم،و قصدت من الأيمان.

(النّيسابوريّ 2:253)

الفخر الرّازيّ: ذكر المؤاخذة هاهنا،و لم يبيّن أنّ تلك المؤاخذة ما هي،و بيّنها في آية المائدة:89،بقوله:

وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ...، فبيّن أنّ المؤاخذة هي الكفّارة.فكلّ واحدة من هاتين الآيتين مجملة من وجه،مبيّنة من وجه آخر؛فصارت كلّ واحدة منهما مفسّرة للأخرى من وجه،و حصل من كلّ واحدة منهما أنّ كلّ يمين ذكر على سبيل الجدّ و ربط القلب؛فالكفّارة واجبة فيها،و اليمين الغموس كذلك، فكانت الكفّارة واجبة فيها.(6:84)

النّسفيّ: المؤاخذة غير مبيّنة هنا،و بيّنت في المائدة؛فكان البيان ثمّة بيانا هنا.و قلنا:المؤاخذة هنا مطلقة و هي في دار الجزاء،و المؤاخذة ثمّ مقيّدة بدار الابتلاء،فلا يصحّ حمل البعض على البعض.(1:113)

البروسويّ: المؤاخذة:مفاعلة من الأخذ،و هي المعاقبة هاهنا.و في التّيسير أنّ هذه الآية في مؤاخذة الآخرة.فأمّا المؤاخذة المذكورة في قوله تعالى: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ... المائدة:89،فهي المؤاخذة بالكفّارة لكنّها في اليمين المعقودة؛فالآيتان في مؤاخذتين مختلفتين.(1:350)

القاسميّ: أي لا يعاقبكم و لا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاّغية؛إذ لم تقصدوا هتك حرمته، و هي الّتي لا يقصدها الحالف،بل تجري على لسانه عادة،

ص: 520

من غير تعقيد و لا قصد إليها.(3:577)

تؤاخذنا

...رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا...

البقرة:286

ابن عبّاس: لا تعاقبنا إن عصينا جاهلين أو متعمّدين.

مثله عطاء.(الطّبرسيّ 1:404)

الطّوسيّ: إنّما جاز الرّغبة إليه تعالى في ذلك،و إن علمنا أنّه لا يؤاخذ بذلك،و لم يجز أن يقول:لا تجر علينا، لأمرين:

أحدهما:أنّ قوله:لا تجر علينا يدلّ على تسخّط الدّاعي،و ليس كذلك(لا تؤخذنا ان نسينا)،لأنّ الإنسان قد يتعرّض للنّسيان،فيقع منه الفعل الّذي فيه جناية على النّفس،و يحسن الاعتذار بالنّسيان؛فيجري الدّعاء مجرى الاعتذار،إذا قال العبد لسيّده:لا تؤاخذني بكذا فإنّي نسيت؛فلحسن الاعتذار حسن الدّعاء به.

و الثّاني:أنّ(نسينا)بمعنى تركنا،لشبهة دخلت علينا،و النّسيان بمعنى التّرك معروف،نحو قوله: نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ... التّوبة:67،أي تركوا عبادته فترك ثوابهم.و قال الجبّائيّ:معناه ما تركناه لخطأ في التّأويل و اعتقدنا صحّته لشبهة،و هو فاسد.

فأمّا«لا تجر علينا»فلا يقال إلاّ لمن اعتيد منه الجور، و لا يجوز أن يؤاخذ أحد أحدا بما نسيه عند أكثر أهل العدل،إلاّ ما يحكى عن جعفر بن ميسر من أنّ اللّه تعالى يؤاخذ الأنبياء بما يفعلونه من الصّغائر،على وجه السّهو و النّسيان لعظم أقدارهم.

و قال:كان يجوز أن يؤاخذ اللّه العبد،بما يفعله ناسيا، أو ساهيا،و لكن تفضّل بالعفو في قوله: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها... البقرة:286،ذكر ذلك البلخيّ.

و هذا غلط،لأنّه كما لم يجز تكليف فعله و لا تركه،لم يجز أن يؤاخذ به،و لا يشبه ذلك المتولّد الّذي لا يصحّ تكليفه بعد وجود سببه،لأنّه يجوز أن يتعمّده بأن يتعمّد سببه،و ليس كذلك ما يفعله على جهة السّهو و النّسيان.

(2:385)

نحوه الطّبرسيّ.(1:403)

الفخر الرّازيّ: أي لا تعاقبنا.و إنّما جاء بلفظ «المفاعلة»و هو فعل واحد،لأنّ النّاسي قد أمكن من نفسه و طرّق السّبيل إليها بفعله؛فصار من يعاقبه بذنبه كالمعين لنفسه في إيذاء نفسه.

و عندي فيه وجه آخر،و هو أنّ اللّه يأخذ المذنب بالعقوبة؛فالمذنب كأنّه يأخذ ربّه بالمطالبة بالعفو و الكرم،فإنّه لا يجد من يخلّصه من عذابه إلاّ هو،فلهذا يتمسّك العبد عند الخوف منه به.فلمّا كان كلّ واحد منهما يأخذ الآخر،عبّر عنه بلفظ المؤاخذة.(7:154)

نحوه النّيسابوريّ.(3:109)

أبو حيّان: معنى المؤاخذة المعاقبة،و«فاعل»هنا بمعنى الفعل المجرّد نحو أخذ،لقوله: فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ العنكبوت:40،و هو أحد المعاني الّتي جاءت لها:

«فاعل».[ثمّ ذكر مثل الفخر الرّازيّ](2:368)

رشيد رضا: المؤاخذة:المعاقبة،و هي من الأخذ، لأنّ من يراد عقابه يؤخذ بيد القهر.(3:148)

ص: 521

مثله المراغيّ.(3:83)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الأخذ على خمسة وجوه:فوجه منها:الأخذ يعني القبول،فذلك قوله: وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي آل عمران:81،يعني قبلتم على ذلكم عهدي.و قال: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ المائدة:41، يعني فاقبلوه.و قال: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ التّوبة:104.

و قال: لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ... البقرة:48،يعني لا يقبل.و قال: وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها الأنعام:70،يعني لا يقبل.و قال: خُذِ الْعَفْوَ الأعراف:199،يعني أقبل ما أعطوك من أموالهم من الصّدقة.

و الوجه الثّاني:الحبس،فذلك قوله تعالى: فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ يوسف:78،يقول:احبس أحدنا مكانه.و قال: قالَ مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ يوسف:79، يعني أن نحبس.و قال: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،يعني ما كان ليحبس.

و الوجه الثّالث:العذاب،فذلك قوله تعالى:

فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ المؤمن:5،يعني فعذّبتهم.و قال: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى... يعني عذاب ربّك؛ إِذا أَخَذَ الْقُرى إذ عذّب القرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ...

هود:102،يعني عذابه.و قال: فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ... العنكبوت:40.

الوجه الرّابع:القتل،فذلك قوله تعالى: وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ... المؤمن:5،يعني ليقتلوه.

و الوجه الخامس:الأسر،ذلك قوله تعالى:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ التّوبة:5،يعني و أسروهم،و نظيرها: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ... النّساء:89،يعني فأسروهم.(250)

مثله الميبديّ(3:393)،و ابن قتيبة(تأويل مشكل القرآن:502)،و الدّامغانيّ(20)، و الفيروزآباديّ(بصائر ذوي التّمييز 2:104).

الأصول اللّغويّة

1-لا ريب في أنّ الأصل في«أ خ ذ»التّناول باليد.

و منه انشعبت و تفرّعت المعاني الأخرى على ترتيب بينها،ابتداء من المحسوس إلى غير المحسوس.

فمن المحسوس ما جعله ابن فارس أصلا،و هو حوز الشّيء و جبيه و جمعه.

و منه:الإخاذة،و هي الضّيعة يتّخذها الإنسان لنفسه.

و منه:الإخذ،و هو ما حفرت لنفسك كهيئة الحوض.

و منه:أخيذ الجيش،أي الّذي يأخذه العدوّ، فيستدلّونه على قومه،فيكذبهم بجهده.

و منه:الأخذ:الرّمد،و الآخذ:الرّامد،و الأخيذة:

ما اغتصبه الإنسان،و إخاذة الحجنة:مقبضها،و الأخيذ:

الأسير،و الأخيذة:المرأة المسبيّة،و نجوم الأخذ:منازل القمر؛لأخذ القمر كلّ ليلة في منزل منها،و مآخذ الطّير:

مصائدها،و الأخيذ من الإبل:ما أخذ فيه السّمن أو

ص: 522

السّنّ،و أخذ اللّبن:حمض.

و منه أيضا:البدء بالشّيء،يقال:أخذ يفعل،أي جعل و بدأ؛و ذلك لأنّ العمل يبدأ بأخذ الشّيء ثمّ التّصرّف فيه.

و من غير المحسوس:الأخذ،و هو رقية كالسّحر تأخذ بها النّساء الرّجال.

و منه:التّأخيذ.

و منه:أخذه بلسانه،إذا تكلّم فيه،كأنّه يأخذ و يسلب منه شيئا.

و منه:العذاب،لأنّه يأخذ الإنسان و يهلكه فيسلبه.

و منه:المستأخذ،و هو المسكين و المريض،كأنّ الفقر و المرض أخذاه.و يقال أيضا للمطأطئ رأسه من رمد أو وجع،لأنّهما أخذاه و غلبا عليه.

و منه:«استعمل فلان على الشّام و ما أخذ إخذه»، أي لم يأخذ ما وجب عليه من حسن السّيرة.

2-و يبدو أنّ لمادّة«أ خ ذ»سواء في المحسوس أو غير المحسوس استعمالان:

الأوّل:كونه فعلا ذا دلالة مستقلّة،مثل:أخذت الكتاب،و أخذته الرّعدة،أي تملّكته و غلبت عليه.

و مثله:أخذه العذاب.و منه البدء بالشّيء:أخذ المطر ينزل،و أخذ الطّفل يبكي،كأنّه ملكه البكاء فبدأ به.

و الثّاني:كونه فعل الرّبط بلا استقلال دلاليّ.و لعلّ منه:أخذ فيه الرّمد،أي رمد.فيكون الفعل حينئذ أشبه شيء بحلية لفظيّة،أو بفعل مساعد على صياغة الدّلالة.

هذا إذا لم يكن«أخذ»هنا بمعنى بدأبه،و إلاّ فلا يكون فعلا مساعدا،كما تقدّم.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

الأوّل-قد جاء«الأخذ»بمعناه المحسوس و غير المحسوس في القرآن بألوان شتّى،حسب اقتضاء السّياق.

فمن المحسوس التّناول،و الإمساك باليد،و التّصرّف في الشّيء المأخوذ،و تملّكه:

1- وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ الأعراف:150

2- يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي طه:94

3- فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ الرّحمن:41

4- وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ النّساء:102

5- وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ النّساء:102

6- خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:71 و 102

7- لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

الأنفال:68

8- وَ لَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ الأعراف:154

9- خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

الأعراف:31

10- حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها

يونس:24

قال صاحب معجم الألفاظ:أي تناولت حسنها على سبيل الاستيفاء و الاستكمال تشبيها للأرض بالعروس.

11- خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ص:44

ص: 523

12- فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ البقرة:260

13- وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها

الفتح:20،و مثله كثير.

14- وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً البقرة:229،و مثله كثير.

15- مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ يوسف:79

16- ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ

يوسف:76

17- فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ يوسف:78

18- وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ البقرة:48

19- يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً الكهف:79

20- يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَ عَدُوٌّ لَهُ طه:39

21- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ

التّوبة:103

22- وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ التّوبة:104

23- خُذْها وَ لا تَخَفْ طه:21

24- يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى

الأعراف:169

25- وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ

الأعراف:169

26- وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها

الأنعام:70

27- لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ الحديد:15

و منه:التّناول و الإخراج:

28- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ الأعراف:172

و منه أخذ العدوّ و أسره:

29- فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ النّساء:89،91

30- أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً الأحزاب:61

31- وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ التّوبة:5

و منه:أخذ الشّيء و سلبه:

32- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ

الأنعام:46

الثّاني-و من غير المحسوس تشبيها بالمحسوس:

الاستيثاق:

33- أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ

الأعراف:169،و مثله كثير.

34- أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ يوسف:80

35- أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي آل عمران:81

36- أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً النّساء:21

و لعلّ منه:

37- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ الأعراف:172 ،أي أخذ الميثاق من بني آدم ذرّيّة بعد ذرّيّة و نسلا بعد نسل،و أشهدهم على أنفسهم.

و عليه فليس المراد أنّه أخذهم و أخرجهم من ظهورهم على صورة الذّرّ،كما هو المعروف،و قد سبق بيانه.

و منه:الالتزام و العمل و التّصميم:

38- فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها

الأعراف:145

39- خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ مريم:12

ص: 524

40- خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ

البقرة:63،93،الأعراف:171

41- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الحشر:7

42- خُذِ الْعَفْوَ الأعراف:199

43- قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ التّوبة:50 و منه:السّيطرة و الغلبة:

44- أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ البقرة:206

45- وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ

النّور:2

46- لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ البقرة:255 و منه:العذاب و الهلاك في أساليب شتّى:

47- أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ الأعراف:94

48- أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ الأعراف:130

49- أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً الأنعام:44،الأعراف:95

50- فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ القمر:42

51- فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى

النّازعات:25

52- فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ

النّحل:113،الشّعراء:158

53- فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ

الشّعراء:189

54- فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ العنكبوت:14

55- فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ البقرة:55 و في غيرها.

56- وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ سبأ:51 و مثله كثير.

و لعلّ منه:

57- خُذُوهُ فَغُلُّوهُ الحاقّة:30

58- خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ الدّخان:47

59- وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ

المؤمن:5

60- لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ الحاقّة:45،أو هو بمعنى الإمساك في الأربع الأخيرة.

الثّالث-و يلاحظ أنّ مادّة«أ خ ذ»بمختلف صيغها و معانيها في القرآن تدلّ على القوّة،و تقع في حيّزها أحيانا: خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ، و تدلّ عليها في سوى ذلك،لا سيّما ما دلّ على العذاب و الخوف: فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ.... و من مجموع هذا اللّفظ البالغ«145»مرّة جاء اللّفظ في مقام الخوف و العذاب«80»مرّة تقريبا، و هذا من مظاهر القوّة الإلهيّة القاهرة.

الرّابع-و منه أيضا أخذ الميثاق الّذي أخذه من أنبيائه مرّة واحدة،و مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مرّة، و من بني إسرائيل«3»مرّات.و هكذا حتّى يبلغ عدد مرّات ورود(أخذ)في مجال العقد و الميثاق«34»مرّة،بما في ذلك ميثاق النّاس فيما بينهم كميثاق الزّواج.

الخامس-و نلاحظ أنّ فعل الأمر(خذ)و(خذها) و(خذوا)الوارد«14»مرّة قد جاء في معرض الخير،مع الاحتفاظ بمعنى القوّة: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ و خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ و خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً إلى غيرها.

في الوقت الّذي جاء(خذوه)أربع مرّات:مرّتين في الخير،و مرّتين في الخوف و العذاب:

إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ المائدة:41

وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الحشر:7

ص: 525

خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ الدّخان:47

خُذُوهُ فَغُلُّوهُ الحاقّة:30

ثمّ ننتقل إلى(خذوهم)لنجدها قد وردت«3» مرّات،أردفت بلفظ(و اقتلوهم)في موردين،و بلفظ (و احصروهم)في مورد واحد،تأكيدا لموضع التّخويف و العذاب:

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ النّساء:89

فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ

النّساء:91

وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ التّوبة:5

السّادس-و قد جاء(أخذ)و ما اشتقّ منه مع «الباء»:

1- وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ الأعراف:150

2- يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي طه:94

3- فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ الرّحمن:41

4- وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها

الأعراف:145

5- وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ

النّور:2

و يلاحظ أوّلا:أنّ مورد الثّلاث الأولى هو الأخذ «بالرّأس،و اللّحية،و النّواصي»،و المراد بها-كما قيل- أخذ شعر الرّأس و اللّحية و النّاصية.فهل«الباء»زائدة للتّأكيد-كما قيل-أو هي للتّبعيض؟فإنّ الّذي يأخذ شعر غيره لا يقبض إلاّ بعض الشّعر دون جميعه،فهي من قبيل (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) ؛حيث استدلّ به الإمام الصّادق عليه السّلام على أنّ المسح ببعض الرّأس لمكان الباء، و اعترف به جماعة من المفسّرين،لاحظ«م س ح».

و قد تقدّم عن الفخر الرّازيّ في (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي) أنّ«أخذ»يتعدّى بنفسه و بالباء،و لكن في استعماله دقّة، و هو أنّ المأخوذ إن كان مقصودا بالأخذ تعدّى الفعل إليه بنفسه،و إن كان المقصود به غيره تعدّى إليه بالباء،لأنّه حيث لم يكن مقصودا فكأنّه ليس هو المأخوذ،و كأنّ الفعل لم يتعدّ إليه بنفسه فذكر«الباء»،و قد أيّد كلامه بشواهد من القرآن.و حاصله أنّ المقصود«بالأخذ»في هذه الآيات الشّخص دون الشّعر و الرّأس و النّاصية، فتعدّى«الأخذ»إليها بالباء.و هو كلام جدير بالبحث، و نحوه عن البروسويّ،فلاحظ.

و ثانيا:يلحظ في(يأخذوا باحسنها)معنى التّبعيض أيضا،أي يأخذوا ببعضها الّذي هو أحسنها.و قد تقدّم عن الآلوسيّ احتمال زيادة«الباء»و احتمال الأصالة، بتضمين(يأخذوا)معنى(يعملوا)،أو جعل(يأخذوا) بمعنى يسيروا،أي يسيروا بسيرة هي أحسنها،أو متعلّقة بمحذوف،أي يأخذوا أنفسهم بالعمل بأحسنها و نحو ذلك.

و للتّأكيد هنا مجال أيضا،أي يأخذوا بأحسنها بجدّيّة،مثل:(خذ الكتاب بقوّة)و«الباء»قامت مقام (بقوّة).

و ثالثا:في الآية الخامسة في متعلّق«الباء»وجهان:

الأوّل:(تأخذكم)،فيحتمل فيه التّبعيض،أي لا تأخذكم بواحد منهما رأفة،أو بشيء من الأخذ و لو

ص: 526

قليلا.أو«الباء»بمعنى«في»،أي لا تأخذكم في شأنهما رأفة.

و الثّاني:(رأفة)،أي لا تأخذ رأفة بهما في دين اللّه.

و عليه فالأخذ بمعنى الغلبة،أي لا تغلبكم رأفة بهما،مثل:

أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ حسبما قلنا به سابقا.

و رابعا:يحتمل في الجميع إشراب و تضمين«أخذ» معنى فعل آخر يناسب مواردها.

السّابع-جاءت«المؤاخذة»في«9»موارد بنظم ساحر مع«لا»أو«لو»:

1- لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا البقرة:286

2- لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ الكهف:73

3- لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ النّحل:61

4- لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا فاطر:45

5 و 6- لا يُؤاخِذُكُمُ.. .وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ

البقرة:225

7 و 8- لا يُؤاخِذُكُمُ... وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ

المائدة:89

9- لَوْ يُؤاخِذُهُمْ الكهف:58

و معلوم أنّ صيغة«المفاعلة»تقتضي جانبين يؤثّر كلّ منهما في الآخر،كما تقول:المعاتبة بيني و بينك،أي أعاتبك و تعاتبني.و كذلك فإنّ هذه الصّيغة قد تدلّ على طرف واحد يأخذ الطّرف الآخر،فتكون«المفاعلة» هاهنا من طرف واحد،و هو الطّرف القويّ،مثل:

المعاقبة فإنّها من اللّه للعبيد دون العكس،و«المؤاخذة» من اللّه من هذا القبيل.و معنى هذا أنّ«المفاعلة»هنا لا تدلّ على الطّرفين؛فيكون(آخذ)بمعنى(أخذ).

و لك أن تجعلهما للطّرفين،باعتبار أنّ الطّرف الآخر يقاوم الأوّل،فيجري الفعل عليه بعنف،فكأنّ الضّعيف يقابل القويّ بجهده دفاعا عن نفسه.و من هنا تفيد «المفاعلة»عند ذلك الشّدّة و العنف في العمل.

أو جاءت«المفاعلة»هنا تشبيها بما يقع بين النّاس من الطّرفين تمثيلا لعقاب اللّه،و مؤاخذته بما يرى النّاس في حياتهم،تهويلا و تخويفا.

و يلاحظ أوّلا:أنّ«المؤاخذة»برغم كونها مبغوضة ذاتا-لاشتمالها على التّشدّد في الحساب و العقاب-قد جاءت في التّنزيل في سياق الخير أو التّبشير بصيغة الدّعاء، أو في سياق الشّرط المثير للتّذكّر و التّفكّر،أو أعقبت بقوله: وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ البقرة:225،رغبة و رهبة.

و ثانيا أنّها جاءت دائما بصيغة المضارع الدّالّ على الاستقبال،لأنّها وردت بشأن الآخرة،و هي أمر مستقبل.

اتّخذ (1)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

1- وَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ... البقرة:116

أبو حيّان: (اتّخذ)افتعل،من الأخذ،و إنّها تارة تتعدّى إلى واحد،نحو قوله: اِتَّخَذَتْ بَيْتاً العنكبوت:

41،قالوا:معناه صنعت و عملت؛و إلى اثنين،فتكون

ص: 527


1- أوردنا النّصوص اللّغويّة من مادّة«أخذ»و«اتّخذ»معا لتداخل النّصوص و تماشيا مع أهل اللّغة،ثمّ فرّقنا بين نصوصهما التّفسيريّة و ما يتبعها من الأصول اللّغويّة و الاستعمال القرآنيّ.

بمعنى«صيّر».و كلا الوجهين يحتمل هنا،و كلّ من الوجهين يقتضي تصوّره باستحالة الولد،لأنّ الولد يكون من جنس الوالد.

فإن جعلت(اتّخذ)بمعنى«عمل و صنع»استحال ذلك؛لأنّ البارئ تعالى منزّه عن الحدوث،قديم،لا أوّليّة لقدمه،و ما عمله محدث،فاستحال أن يكون ولدا له.

و إن جعلت(اتّخذ)بمعنى«صيّر»استحال أيضا،لأنّ التّصيير هو نقل من حال إلى حال،و هذا لا يكون إلاّ فيما يقبل التّغيير؛و فرضيّة الولد به تقتضي أن يكون من جنس الوالد لا تقتضي التّغيير،فقد استحال ذلك.

و إذا جعلت(اتّخذ)بمعنى«صيّر»كان أحد المفعولين محذوفا،التّقدير:و قالوا:اتّخذ بعض الموجودات ولدا.

و الّذي جاء في القرآن إنّما ظاهره التّعدّي إلى واحد،قال تعالى: وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً مريم:88، مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ... المؤمنون:91، وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً... مريم:92.(1:362)

البروسويّ:الاتّخاذ إمّا بمعنى الصّنع و العمل،فلا يتعدّى إلاّ إلى واحد،و إمّا بمعنى التّصيير،و المفعول الأوّل محذوف،أي صيّر بعض مخلوقاته ولدا.

(1:213)

مثله الآلوسيّ.(1:366)

2- ...وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً. النّساء:125

الزّمخشريّ: مجازا عن اصطفائه،و اختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله.(1:566)

مثله البروسويّ.(2:126)

رشيد رضا: أي اصطفاه،لتوحيده و إقامة دينه، في زمن و بلاد غلبت عليها الوثنيّة.(5:439)

3- وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ... الأعراف:148

الطّوسيّ: معنى الاتّخاذ الإعداد،و هو«افتعال» من الأخذ،و أصله:يتّخذ،إلاّ أنّ الياء تقلب في«افتعل» و تدغم،لأنّها في موضع ثقيل في كلمة واحدة،و لا يجوز في مثل«أحسن نوما»الإدغام.

و الاتّخاذ:اجتباء الشّيء لأمر من الأمور،فهؤلاء اتّخذوا العجل للعبادة.(4:578)

نحوه الطّبرسيّ.(2:479)

أبو حيّان: إن كان الاتّخاذ بمعنى اتّخاذه إلها معبودا فصحّ نسبته إلى القوم.و ذكر أنّهم كلّهم عبدوه غير هارون،و لذلك قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي الأعراف:151،و قيل:إنّما عبده قوم منهم لا جميعهم، لقوله: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ...

الأعراف:159.

و إن كان بمعنى العمل،كقوله: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً... العنكبوت:41،أي عملت و صنعت، فالمتّخذ إنّما هو السّامريّ،و اسمه موسى بن ظفر،من قرية تسمّى سامرة،و نسب ذلك إلى قوم موسى مجازا، كما قالوا:بنو تميم قتلوا فلانا،و إنّما قتله واحد منهم؛ و لكونهم راضين بذلك.[إلى أن قال:]

إن كان«اتّخذ»معناه عمل و صنع،فلا بدّ من تقدير

ص: 528

محذوف،يترتّب عليه هذا الإنكار،و هو:فعبدوه و جعلوه إلها لهم،و إن كان المحذوف إلها،أي اتّخذوا عجلا جسدا له خوار إلها،فلا يحتاج إلى حذف جملة.

(4:391)

الآلوسيّ: (عجلا)مفعول(اتّخذ)،بمعنى صاغ و عمل؛أخّر عن المجرور لما مرّ آنفا.

و قيل:إنّ اتّخذ متعدّ إلى اثنين،و هو بمعنى«صيّر» و المفعول الثّاني محذوف،أي إلها.(9:63)

4- إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً...

المزّمّل:19

الفخر الرّازيّ: اتّخاذ السّبيل عبارة عن الاشتغال بالطّاعة،و الاحتراز عن المعصية.(30:185)

اتّخذوا

1- ...وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى...

البقرة:125

الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأ بعضهم وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى بكسر الخاء،على وجه الأمر باتّخاذه مصلّى،و هي قراءة عامّة المصرين:الكوفة و البصرة،و قراءة عامّة قرّاء أهل مكّة،و بعض قرّاء أهل المدينة.

و قد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ قوله: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ... معطوف على قوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا البقرة:122،فكان الأمر بهذه الآية و باتّخاذ المصلّى من مقام إبراهيم،على قول هذا القائل لليهود من بني إسرائيل،الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قرأ بعض قرّاء أهل المدينة و الشّام(و اتّخذوا)بفتح الخاء،على وجه الخبر.

ثمّ اختلف في الّذي عطف عليه بقوله:(و اتّخذوا)إذا قرئ كذلك على وجه الخبر،فقال بعض نحويّي البصرة:

تأويله إذا قرئ كذلك (و اذ جعلنا البيت مثابة للنّاس و أمنا و إذ (1)و اتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى).

و قال بعض نحويّي الكوفة:بل ذلك معطوف على قوله: جَعَلْنَا، فكان معنى الكلام على قوله:(و اذ جعلنا البيت مثابة للنّاس و اتّخذوه مصلّى).

و الصّواب من القول و القراءة في ذلك عندي (و اتّخذوا)بكسر الخاء،على تأويل الأمر باتّخاذ مقام إبراهيم مصلّى.للخبر الثّابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم...

و عن جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه قرأ: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (1:534)

نحوه الطّوسيّ(1:452)،و الميبديّ(1:350).

الفخر الرّازيّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و عاصم و الكسائيّ(و اتّخذوا)بكسر الخاء،على صيغة الأمر،و قرأ نافع و ابن عامر بفتح الخاء على صيغة الخبر.

أمّا القراءة الأولى فقوله: وَ اتَّخِذُوا، عطف على ما ذا؟و فيه أقوال:

الأوّل:أنّه عطف على قوله: اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي

ص: 529


1- كذا و في مخطوطة«42»تفسير بدار الكتب.«و إذ اتّخذ»

أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:

122، وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة:125.

الثّاني:أنّه عطف على قوله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً... البقرة:124،و المعنى أنّه لمّا ابتلاه بكلمات و أتمّهنّ،قال له جزاء لما فعله من ذلك: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً، و قال: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. و يجوز أن يكون أمر بهذا ولده،إلاّ أنّه تعالى أضمر قوله:«و قال».و نظيره قوله تعالى: وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ الأعراف:171.

الثّالث:أنّ هذا أمر من اللّه تعالى لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى،و هو كلام اعترض في خلال ذكر قصّة إبراهيم عليه السّلام،و كأنّ وجهه:و إذ جعلنا البيت مثابة للنّاس و أمنا و اتّخذوا أنتم من مقام إبراهيم مصلّى،و التّقدير:إنّا لمّا شرّفناه و وصفناه بكونه مثابة للنّاس و أمنا فاتّخذوه أنتم قبلة لأنفسكم.و«الواو و الفاء»قد يذكر كلّ واحد منهما في هذا الوضع و إن كانت الفاء أوضح.

و أمّا من قرأ(و اتّخذوا)بالفتح،فهو إخبار عن ولد إبراهيم أنّهم اتّخذوا من مقامه مصلّى؛فيكون هذا عطفا على(جعلنا البيت)و اتّخذوه مصلّى،و يجوز أن يكون عطفا على وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ، و إذ اتّخذوه مصلّى.

(4:53)

نحوه القرطبيّ(2:111)،و أبو حيّان(1:380)، و الآلوسيّ(1:379).

رشيد رضا: قرأ نافع و ابن عامر(و اتّخذوا)بفتح الخاء،على أنّه فعل ماض معطوف على(جعلنا)، و الباقون بكسرها،على أنّه أمر،أي و قلنا:اتّخذوا،أو قائلين:اتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى،فحذف القول للإيجاز.

و فائدته أن يستحضر ذهن التّالي أو السّامع المأمورين حاضرين،و الأمر يوجّه إليهم،فهو تصوير للماضي بصورة الحاضر،ليقع في نفوس المخاطبين بالقرآن أنّ الأمر يتناولهم،و أنّه موجّه إليهم كما وجّه إلى سلفهم في عهد أبيهم إبراهيم،و هم ولده إسماعيل و آل بيته و من أجاب دعوتهما إلى حجّ البيت،لا أنّه حكاية تاريخيّة سيقت للفكاهة و التّسلية،بل شريعة و دين.

و هذا القول أحسن من قول بعضهم:إنّ(اتّخذوا) أمر لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ ذلك القول يقتصر على معنى صيغة الأمر،و ما قلنا يتضمّن مع ذلك معنى القراءة بصيغة الماضي الدّالّة على أنّ إبراهيم و من معه قد اتّخذوا مقامه مصلّى،و لأنّه أبلغ لما فيه من تحريك شعور الخلف بشرف عمل السّلف،و بعثهم على الاقتداء بهم.(1:461)

2- ...إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ...

الأعراف:30

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه فعل بهم ما فعل من الضّلال،لأنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه، و الاتّخاذ«الافتعال»من الأخذ،بمعنى إعداد الشّيء لأمر من الأمور،فلمّا أعدّوا الشّياطين لنصرتهم،كانوا قد اتّخذوهم أولياء بإعدادهم.(4:415)

نحوه الطّبرسيّ.(2:410)

ص: 530

رشيد رضا: معنى«اتّخاذهم الشّياطين أولياء» أنّهم أطاعوهم في كلّ ما يزيّنونه لهم من الفواحش و المنكرات،كأنّهم ولّوهم أمورهم من دون اللّه...

(8:376)

3- اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ... التّوبة:31

الإمام الباقر عليه السّلام: معنى«اتّخاذهم أربابا»أنّهم قبلوا منهم التّحريم و التّحليل،بخلاف ما أمر اللّه تعالى.

مثله الإمام الصّادق عليه السّلام.(الطّوسيّ 5:241)

ابن قتيبة: يريد أنّهم كانوا يحلّون لهم الشّيء فيستحلّونه،و يحرّمون عليهم الشّيء فيحرّمونه.(184)

الزّمخشريّ: اتّخاذهم أربابا:أنّهم أطاعوهم في الأمر بالمعاصي و تحليل ما حرّم اللّه و تحريم ما حلّله،كما تطاع الأرباب في أوامرهم.(2:185)

نحوه البيضاويّ.(1:413)

الطّباطبائيّ: اتّخاذهم الأحبار و الرّهبان أربابا، هو إصغاؤهم لهم و إطاعتهم من غير قيد و شرط، و لا يطاع كذلك إلاّ اللّه سبحانه.

و أمّا اتّخاذهم المسيح بن مريم ربّا من دون اللّه،فهو القول بألوهيّته بنحو،كما هو المعروف من مذاهب النّصارى.

و في إضافة المسيح إلى مريم إشارة إلى عدم كونهم محقّين في هذا الاتّخاذ،لكونه إنسانا ابن مرأة،و لكون «الاتّخاذين»مختلفين من حيث المعنى فصل بينهما،فذكر «اتّخاذهم الأحبار و الرّهبان أربابا من دون اللّه»أوّلا،ثمّ عطف عليه قوله: وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ التّوبة:31.

(9:245)

4- هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً...

الكهف:15

أبو حيّان: (اتّخذوا)هنا يحتمل أن يكون بمعنى عملوا لأنّها أصنام هم نحتوها،و أن تكون بمعنى صيّروا.

(6:106)

الآلوسيّ: أي عملوها و نحتوها لهم.و تفسير الاتّخاذ بالعمل أحد احتمالين،ذكرهما أبو حيّان.و الآخر تفسيره بالتّصيير،فيتعدّى إلى مفعولين:أحدهما(آلهة)، و الثّاني مقدّر.و جوّز أن يكون(آلهة)هو الأوّل و(من دونه)هو الثّاني،و هو كما ترى.

و أيّا ما كان فالكلام إخبار فيه معنى الإنكار لا إخبار محض بقرينة ما بعده،و لأنّ فائدة الخبر معلومة.

(15:219)

5- وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا.

مريم:81

الطّوسيّ: الاتّخاذ:إعداد الشّيء ليأتيه في العاقبة.

فهؤلاء اتّخذوا الآلهة ليصيروا إلى العزّ،فصاروا بذلك إلى الذّلّ؛فسخط اللّه عليهم و أذلّهم.(7:148)

نحوه الطّبرسيّ.(3:529)

6- أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ.

الأنبياء:21

أبو حيّان:(اتّخذوا)هنا يحتمل أن يكون المعنى

ص: 531

فيها صنعوا و صوّروا،و(من الأرض)متعلّق باتّخذوا، و يحتمل أن يكون المعنى:جعلوا الآلهة أصناما من الأرض،كقوله: أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً... الأنعام:

74،و قوله: وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً... النّساء:

125،و فيه معنى الاصطفاء و الاختيار.(6:304)

7- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً... الأنبياء:24

الميبديّ: قال تعالى في الآية السّابقة: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ... الأنبياء:21،و قال هنا: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً... الأنبياء:24.

قيل:إنّ التّكرار فيهما ليس اعتباطا،[أي بلا سبب] سبب ذكره في الآية المتقدّمة قياسيّ،و في هذه الآية تقليديّ.

فقال في الآية الأولى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ يعني أوجدوا آلهة ينشرون الموتى من الأرض فاتّخذوهم آلهة قياسا،و قال في هذه الآية: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، معناه أوجدوا في كتاب اللّه الأمر باتّخاذ الآلهة فاتّخذوهم آلهة تقليدا،و هذا معنى مفيد حسن.

و قيل:معنى الآية أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على استحقاقها الإلهيّة،و قد تمّ الكلام.(6:228)

الزّمخشريّ: كرّر أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً استفظاعا لشأنهم و استعظاما لكفرهم،أي وصفتم اللّه تعالى بأنّ له شريكا،فهاتوا برهانكم على ذلك،إمّا من جهة العقل و إمّا من جهة الوحي،فإنّكم لا تجدون كتابا من كتب الأوّلين إلاّ و توحيد اللّه و تنزيهه عن الأنداد مدعوّ إليه،و الإشراك به منهيّ عنه متوعّد عليه.

(2:568)

مثله الفخر الرّازيّ.(22:158)

8- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً... العنكبوت:41

الطّوسيّ: الاتّخاذ:أخذ الشّيء على إعداده لنائبة، و هو«افتعال»من الأخذ،فلمّا أخذوا عبادة غير اللّه إعدادا لنائبة كانوا اتّخذوا الأولياء من دون اللّه،و ذلك فاسد،لأنّ عبادة اللّه هي العاصمة من المكاره،دون عبادة الأوثان.(8:211)

نحوه الطّبرسيّ.(4:284)

9- اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً... المجادلة:16

الطّوسيّ: الاتّخاذ:جعل الشّيء عدّة،كما يقال:

اتّخذ سلاحا،و اتّخذ كراعا،و رجالا،و اتّخذ دارا لنفسه، إذا أعدّهما لنفسه،فهؤلاء جعلوا الأيمان عدّة،ليدفعوا بها عن نفوسهم الظّنّة.(9:553)

اتّخذوه

أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَ لا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَ كانُوا ظالِمِينَ الأعراف:148

الزّمخشريّ: أي أقدموا على ما أقدموا عليه من الأمر المنكر.(2:118)

البيضاويّ: (اتّخذوه)تكرير للذّمّ،أي اتّخذوه إلها.(1:370)

ص: 532

مثله البروسويّ(3:244)،و القاسميّ(7:

2858).

الآلوسيّ: تكرار لجميع ما سلف من الاتّخاذ،على الوجه المخصوص المشتمل على الذّمّ،و هو من باب الكناية على أسلوب أن يرى مبصر و يسمع واع،أي أقدموا على ما أقدموا عليه من الأمر المنكر.(9:64)

اتّخذت

...لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً... الكهف:77

الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و الكوفة لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً على التّوجيه منهم له،إلى أنّه«لافتعلت»من الأخذ.و قرأ ذلك بعض أهل البصرة (لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ) بتخفيف التّاء و كسر الخاء،و أصله:«لافتعلت»،غير أنّهم جعلوا التّاء كأنّها من أصل الكلمة،و لأنّ الكلام عندهم في«فعل و يفعل»من ذلك:تخذ فلان كذا يتخذه تخذا،و هي لغة فيما ذكر لهذيل.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنى واحد،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،غير أنّي أختار قراءته بتشديد التّاء على«لافتعلت»لأنّها أفصح اللّغتين و أشهرها، و أكثرها على ألسن العرب.(15:291)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو(لتخذت) بتخفيف التّاء و كسر الخاء.و حجّتهما أنّ أصل هذا الفعل من:تخذ يتخذ تخذا،فالتّاء فاء الفعل مثل«تبع يتبع»؛ فقرأ أبو عمرو،على أصل بنية الفعل من غير زيادة.

و قرأ الباقون(لتّخذت)بفتح الخاء على«افتعلت»، [و]في هذه القراءة قولان:

أحدهما:أن تكون التّاء الأولى أصليّة و التّاء الثّانية تاء زائدة،في افتعل زيادة،و الأصل:تخذ،فلا نظر فيه أنّه«افتعل»منه.

و القول الثّاني:أن يكون«اتّخذ»مأخوذا من«أخذ» و الفاء همزة،فإذا بني منه«افتعل»شابه«افتعل»من وعد؛فيصير:ائتخذ يأتخذ ائتخاذا،كما تقول:ايتعد ياتعد ايتعادا فهو موتعد،ثمّ تقول:اتّعد يتّعد اتّعادا.

كذلك:اتّخذ يتّخذ اتّخاذا،فأبدلوا من مكان الهمزة تاء، كما جرت مجرى الواو في التّثقيل،و الأصل:إأتخذ، فاجتمع همزتان فقلبت الثّانية ياء،لسكونها و انكسار ما قبلها،فصارت ايتخذ،ثمّ أبدلوا من الياء تاء،ثمّ أدغموا في التّاء الّتي بعدها،فقالوا:اتّخذ يتّخذ فهو متّخذ.(425)

نحوه الطّوسيّ(7:76)،و الميبديّ(5:723)، و الفخر الرّازيّ(21:157)،و أبو حيّان(6:152).

الزّمخشريّ: قرئ(لتّخذت)،و التّاء في«تخذ» أصل كما في«تبع»،و اتّخذ«افتعل»منه،كاتّبع من تبع،و ليس من الأخذ في شيء.(2:495)

مثله النّيسابوريّ.(16:14)

الآلوسيّ: اتّخذ«افتعل»،فالتّاء الأولى أصليّة، و الثّانية تاء الافتعال أدغمت فيها الأولى،و مادّته«تخذ» لا«أخذ»،و إن كان بمعناه،لأنّ فاء الكلمة لا تبدل إذا كانت همزة أو ياء مبدلة منها؛و لذا قيل:إنّ«ائتزر» خطأ أو شاذّ،و هذا شائع في فصيح الكلام،و أيضا إبدالها

ص: 533

في«الافتعال»لو سلم لم يكن لقولهم:تخذ،وجه،و هذا مذهب البصريّين.

و قال غيرهم:إنّه الاتّخاذ«افتعال»من الأخذ، و لا يسلم ما تقدّم،و يقول:المدّة العارضة تبدل تاء أيضا، و لكثرة استعماله هنا أجروه مجرى الأصليّ،و قالوا تخذ، ثلاثيّا جريا عليه،و هذا كما قالوا:تقى من اتّقى.

و قرأ عبد اللّه،و الحسن،و قتادة،و أبو بحريّة،و ابن محيصن،و حميد،و اليزيديّ،و يعقوب،و أبو حاتم، و ابن كثير،و أبو عمرو(لتخذت)بتاء مفتوحة و خاء مكسورة،أي لأخذت،و أظهر ابن كثير،و يعقوب و حفص،الذّال،و أدغمها باقي السّبعة.(16:7)

اتّخذتم

وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ. البقرة:51

الميبديّ: أصل الاتّخاذ ابتداء عمل الشّيء،قال اللّه تعالى: وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ الشّعراء:129،و قد يكون مدحا و قد يكون ذمّا.فإذا كان مدحا كان بمعنى الاصطفاء،كقوله تعالى: وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً النّساء:125،و إذا كان ذمّا كان بمعنى التّصيير،كقوله: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا... ص:63.

(1:188)

الطّبرسيّ: أمّا قوله:(اتّخذتم)فإنّ«اتّخذت»على ضربين:

أحدهما:يتعدّى إلى مفعول واحد،كقوله:

وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً... مريم:81،و قوله:

أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ... الزّخرف:16.

و الآخر:يتعدّى إلى مفعولين،كقوله تعالى:

اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً المجادلة:16، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا... المؤمنون:110، لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ... الممتحنة:1؛فقوله: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ تقديره:اتّخذتم العجل إلها،فحذف المفعول الثّاني،لأنّ من صاغ«عجلا»و عمله،لا يستحقّ الوعيد و الغضب من اللّه تعالى.(1:109)

القرطبيّ: أي اتّخذتموه إلها من بعد موسى.و أصل اتّخذتم:ائتخذتم،من الأخذ،و وزنه«افتعلتم»؛سهّلت الهمزة الثّانية لامتناع همزتين،فجاء«ايتخذتم»، فاضطربت الياء في التّصريف جاءت ألفا في«ياتخذ»،و واوا في«موتخذ»،فبدّلت بحرف جلد ثابت من جنس ما بعدها،و هي«التّاء»و أدغمت،ثمّ اجتلبت ألف الوصل للنّطق.و قد يستغنى عنها إذا كان معنى الكلام التّقرير،كقوله تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ... البقرة:

80،فاستغني عن ألف الوصل بألف التّقرير،و نحوه في القرآن أَطَّلَعَ الْغَيْبَ... مريم:78، أَصْطَفَى الْبَناتِ... الصّافّات:153، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ص:75.

و مذهب أبي عليّ الفارسيّ أنّ(اتّخذتم)من«تخذ»، لا من«أخذ».(1:396)

أبو حيّان: الجمهور على إدغام الذّال في التّاء،و قرأ ابن كثير،و حفص من السّبعة بالإظهار.و يحتمل(اتّخذ) هنا أن تكون متعدّية لواحد،أي صنعتم عجلا،كما قال:

وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ... الأعراف:148،على

ص: 534

أحد التّأويلين.و على هذا التّقدير يكون ثمّ جملة محذوفة يدلّ عليها المعنى،و تقديرها:و عبدتموه إلها.و يحتمل أن تكون ممّا تعدّت إلى اثنين،فيكون المفعول الثّاني محذوفا لدلالة المعنى،التّقدير:ثمّ اتّخذتم العجل إلها.

و الأرجح القول الأوّل؛إذ لو كان ممّا يتعدّى في هذه القصّة لاثنين لصرّح بالثّاني و لو في موضع واحد.أ لا ترى أنّه لم يعدّ إلى اثنين بل إلى واحد في هذا الموضع، و في وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى، و في اِتَّخَذُوهُ وَ كانُوا ظالِمِينَ الأعراف:148،و في إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ الأعراف:152،و في قوله في هذه السّورة أيضا إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ البقرة:

54،لكنّه يرجّح القول الثّاني،لاستلزام القول الأوّل حذف جملة من هذه الآيات،و لا يلزم في الثّاني إلاّ حذف المفعول،و حذف المفرد أسهل من حذف الجملة.

فعلى القول الأوّل فيه ذمّ الجماعة بفعل الواحد،لأنّ الّذي عمل العجل هو السّامريّ؛و ذلك عادة العرب في كلامها تذمّ و تمدح القبيلة بما صدر عن بعضها،و على القول الثّاني فيه ذمّهم بما صدر منهم.

و الألف و اللاّم في(العجل)على القول الأوّل لتعريف الماهيّة؛إذ لم يتقدّم عهد فيه،و على القول الثّاني للعهد السّابق؛إذ كانوا قد صنعوا عجلا ثمّ اتّخذوا ذلك العجل إلها.(1:200)

الآلوسيّ: الاتّخاذ يجيء بمعنى ابتداء صنعة فيتعدّى لواحد،نحو:اتّخذت سيفا،أي صنعته،و بمعنى اتّخاذ وصف فيجري مجرى الجعل،و يتعدّى لاثنين،نحو:

اتّخذت زيدا صديقا.و الأمران محتملان في الآية.

و المفعول الثّاني على الاحتمال الثّاني محذوف لشناعته،أي اتّخذتم العجل الّذي صنعه السّامريّ إلها.

و الذّمّ فيه ظاهر،لأنّهم كلّهم عبدوه إلاّ هارون مع اثني عشر ألفا،أو إلاّ هارون و السّبعين الّذين كانوا مع موسى عليه السّلام.

و على الاحتمال الأوّل لا حاجة إلى المفعول الثّاني، و يؤيّده عدم التّصريح به في موضع من آيات هذه القصّة.

و الذّمّ حينئذ لما ترتّب على الاتّخاذ من العبادة أو على نفس الاتّخاذ لذلك،و العرب تذمّ أو تمدح القبيلة بما صدر عن بعضها.(1:257)

يتّخذ

1- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً... البقرة:165

البروسويّ: الاتّخاذ بمعنى الصّنع و العمل،متعدّ إلى مفعول واحد،و هو هنا قوله:(اندادا).(1:269)

2- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً...

التّوبة:98

النّيسابوريّ: هو[مغرما]مفعول ثان ليتّخذ، لأنّه بمعنى الجعل و الاعتقاد و الزّعم،أي يعتقد أنّ الّذي ينفقه في سبيل اللّه غرامة و خسران.(11:9)

الآلوسيّ: أي يعدّ.(11:5)

الطّباطبائيّ: أي يفرض الإنفاق غرما،أو المال الّذي ينفقه مغرما،على أن يكون(ما)مصدريّة أو

ص: 535

موصولة.(9:371)

3- ...وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا... الزّخرف:32

قتادة: ليملك بعضهم بعضا.

مثله الضّحّاك.(القرطبيّ 16:83)

الميبديّ: ليستخدم بعضهم بعضا فيسخر الأغنياء بأموالهم الفقراء بالعمل،فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش،هذا بماله و هذا بعمله.(9:66)

الزّمخشريّ: إنّ اللّه عزّ و علا هو الّذي قسّم بينهم معيشتهم و قدّرها و دبّر أحوالهم تدبير العالم بها،فلم يسوّ بينهم و لكن فاوت بينهم في أسباب العيش،و غاير بين منازلهم،فجعل منهم أقوياء و ضعفاء و أغنياء و محاويج و موالي و خدما،ليصرف بعضهم بعضا في حوائجهم،و يستخدموهم في مهنهم و يتسخّروهم في أشغالهم،حتّى يتعايشوا و يترافدوا و يصلوا إلى منافعهم، و يحصلوا على مرافقهم.(3:486)

مثله النّسفيّ(4:118)،و الآلوسيّ(25:78).

4- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... آل عمران:28

أبو حيّان: معنى اتّخاذهم أولياء،اللّطف بهم في المعاشرة؛و ذلك لقرابة أو صداقة قبل الإسلام،أو يد سابقة أو غير ذلك،و هذا فيما يظهر نهوا عن ذلك،و أمّا أن يتّخذ ذلك بقلبه و نيّته فلا يفعل ذلك مؤمن.و المنهيّون هنا قد قرّر لهم الإيمان،فالنّهي هنا إنّما معناه النّهي عن اللّطف بهم و الميل إليهم،و اللّطف عامّ في جميع الأعصار.

و قد تكرّر هذا في القرآن،و يكفيك من ذلك قوله تعالى:

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ المجادلة:22،و المحبّة في اللّه و البغض في اللّه أصل عظيم من أصول الدّين.

و قرأ الجمهور(لا يتّخذ)على النّهي،و قرأ الضّبّيّ برفع الذّال على النّفي،و المراد به النّهي.و قد أجاز الكسائيّ فيه الرّفع كقراءة الضّبّيّ.(2:422)

محمّد عبده: الاتّخاذ:يفيد معنى الاصطناع،و هو عبارة عن مكاشفتهم بالأسرار الخاصّة بمصلحة الدّين.(رشيد رضا 3:278)

الطّباطبائيّ: اتّخاذ الكافرين أولياء،هو الامتزاج الرّوحيّ بهم،بحيث يؤدّي إلى مطاوعتهم و التّأثّر منهم في الأخلاق و سائر شئون الحياة و تصرّفهم في ذلك؛و يدلّ على ذلك تقييد هذا النّهي بقوله: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فإنّ فيه دلالة على إيثار حبّهم على حبّ المؤمنين،و إلقاء أزمّة الحياة إليهم دون المؤمنين، و فيه الرّكون إليهم و الاتّصال بهم و الانفصال عن المؤمنين.

و قد تكرّر ورود النّهي في الآيات الكريمة عن تولّي الكافرين و اليهود و النّصارى و اتّخاذهم أولياء،لكن موارد النّهي مشتملة على ما يفسّر معنى التّولّي المنهيّ عنه،و يعرف كيفيّة الولاية المنهيّ عنها كاشتمال هذه الآية على قوله:(من دون المؤمنين)بعد قوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ، و اشتمال قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى

ص: 536

أَوْلِياءَ المائدة:51،على قوله: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، و تعقّب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الممتحنة:1، بقوله: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الممتحنة:8،إلى آخر الآيات.

و على هذا فأخذ هذه الأوصاف في قوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:28،للدّلالة على سبب الحكم و علّته،و هو أنّ صفتي الكفر و الإيمان مع ما فيهما من البعد و البينونة و لا محالة يسري ذلك إلى من اتّصف بهما فيفرق بينهما في المعارف و الأخلاق و طريق السّلوك إلى اللّه تعالى و سائر شئون الحياة لا يلائم حالهما مع الولاية فإنّ الولاية يوجب الاتّحاد و الامتزاج،و هاتان الصّفتان توجبان التّفرّق و البينونة؛و إذا قويت الولاية كما إذا كان من دون المؤمنين أوجب ذلك فساد خواصّ الإيمان و آثاره ثمّ فساد أصله،و لذلك عقّبه بقوله: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ، ثمّ عقّبه أيضا بقوله: إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً آل عمران:28،فاستثنى التّقيّة فإنّ التّقيّة إنّما توجب صورة الولاية في الظّاهر دون حقيقتها.

(3:151)

المراغيّ: أي لا يصطف المؤمنون الكافرين فيكاشفوهم بالأسرار الخاصّة بالشّئون الدّينيّة، و يقدّموا مصلحتهم على مصلحة المؤمنين؛إذ في هذا تفضيل لهم عليهم،و إعانة للكفر على الإيمان.

(3:136)

5- ...لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ...

آل عمران:64

عكرمة: أي لا نتّخذهم أربابا فنعتقد فيهم الإلهيّة و نعبدهم على ذلك،كعزير و عيسى.

مثله مقاتل،و الزّجّاج.(أبو حيّان 2:484)

إنّه سجود بعضهم لبعض.(أبو حيّان 2:484)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ما عبدوهم من دون اللّه، و لكن حرّموا لهم حلالا و أحلّوا لهم حراما،و كان ذلك اتّخاذهم أربابا من دون اللّه.(الطّبرسيّ 1:455)

ابن جريج: لا يطع بعضنا بعضا في معصية اللّه.

و يقال:إنّ تلك الرّبوبيّة أن يطيع النّاس سادتهم و قادتهم في غير عبادة،و إن لم يصلّوا لهم.

(الطّبريّ 3:304)

الطّبريّ: لا يدين بعضنا لبعض بالطّاعة فيما أمر به من معاصي اللّه،و يعظّمه بالسّجود له،كما يسجد لربّه.

(3:302)

القرطبيّ: أي لا نتّبعه في تحليل شيء أو تحريمه إلاّ فيما حلّله اللّه تعالى.و هو نظير قوله تعالى: اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ التّوبة:31، معناه أنّهم أنزلوهم منزلة ربّهم في قبول تحريمهم و تحليلهم لما لم يحرّمه اللّه و لم يحلّه اللّه.(4:106)

6- ...وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ... آل عمران:140

الحسن: ليكرم بالشّهادة من قتل يوم أحد.

مثله قتادة،و ابن إسحاق.(الطّوسيّ 2:602)

ص: 537

الجبّائيّ: و يتّخذ منكم شهداء على النّاس بما يكون منهم من العصيان،لما لكم فيه من التّعظيم و التّبجيل.(الطّوسيّ 2:602)

الزّمخشريّ: و ليكرم ناسا منكم بالشّهادة،يريد المستشهدين يوم أحد،أو و ليتّخذ منكم من يصلح للشّهادة على الأمم يوم القيامة،بما يبتلي به صبركم من الشّدائد،من قوله تعالى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ... البقرة:143.(1:416)

نحوه البيضاويّ(1:184)،و الفخر الرّازيّ(9:

17).

السّهيليّ: فيه فضل عظيم للشّهداء،و تنبيه على حبّ اللّه إيّاهم؛حيث قال: وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ، و لا يقال:اتّخذت و لا اتّخذ إلاّ في مصطفى محبوب،قال سبحانه: مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ المؤمنون:91،و قال:

مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً الجنّ:3؛فالاتّخاذ إنّما هو اقتناء و اجتباء،و هو«افتعال»من الأخذ،فإذا قلت:

اتّخذت كذا،فمعناه أخذته لنفسي،و اخترته لها،فالتّاء الأولى بدل من ياء،و تلك الياء بدل من همزة «أخذت»،فقلبت تاء؛إذ كانت الواو تنقلب تاء في مثل هذا البناء،نحو اتّعد و اتّزر،و الياء أخت الواو فقلبت في هذا الموضع تاء.و كثر استعمالهم لهذه الكلمة،حتّى قالوا:تخذت،بحذف إحدى التّاءين اكتفاء بإحداهما عن الأخرى،و لا يكون هذا الحقد إلاّ في الماضي خاصّة، و لا يقال:تتخذ،كما يقال:تخذ؛لأنّ المستقبل ليس فيه همزة وصل،و إنّما فرّوا في الماضي من ثقل الهمزة في الابتداء،و استغنوا بحركة التّاء عنها،و كسروا الخاء من «تخذت»،لأنّه لا مستقبل له مع الحذف،فحرّكوا عين الفعل بالحركة الّتي كانت له في المستقبل.و كلامنا هذا على اللّغة المشهورة،و إلاّ فقد حكي:يتخذ،في لغة ضعيفة ذكرها أبو عبيد،و ذكرها النّحّاس في إعراب القرآن.(3:193)

الآلوسيّ: كنّي بالاتّخاذ عن الإكرام،لأنّ من اتّخذ شيئا لنفسه فقد اختاره و ارتضاه،فالمعنى ليكرم أناسا منكم بالشّهادة.(4:69)

يتّخذوه

...وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً...

الأعراف:146

البروسويّ: أي لا يتوجّهون إلى الحقّ و لا يسلكون سبيله أصلا،لاستيلاء الشّيطنة عليهم.(3:240)

مثله الآلوسيّ.(9:61)

تتّخذون

1- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً... الأعراف:74

الزّمخشريّ: أي تبنونها من سهولة الأرض بما تعملون منها،من الرّهص[الطّين]و اللّبن و الآجر.

(2:90)

مثله القرطبيّ.(7:239)

الفخر الرّازيّ: أي يتبوّءون القصور من سهولة الأرض.(14:164)

أبو حيّان: ظاهر الاتّخاذ هنا العمل،فيتعدّى

ص: 538

(تتّخذون)إلى مفعول واحد،و قيل:يتعدّى إلى اثنين، و المجرور هو الثّاني.(4:329)

البروسويّ: أي تبنون في سهولها قصورا رفيعة، على أنّ(من)بمعنى«في»،كما في قوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الجمعة:9،أو سهولة الأرض بما تعملون منها،من اللّبن و الآجر.(3:191)

مثله الآلوسيّ.(8:163)

2- وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ.

الشّعراء:129

الآلوسيّ: أي تعملون.(19:110)

أبو حيّان: اتّخذ هنا بمعنى عمل،أي و يعملون مصانع،أي تبنون.(7:32)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: اتّخذ على ثلاثة عشر وجها:

اختار،أكرم،صاغ،سلك،سمّى،نسج،جعل، عبد،بنى،رضي،عصر،أرخى،اعتقد.

فوجه منها:اتّخذ يعني اختار،فذلك قوله تعالى:

وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً النّساء:125،يعني اختار اللّه إبراهيم مصافيا،و مثلها مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ المؤمنون:91.

الثاني:أكرم،قوله عزّ و جلّ: وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ آل عمران:140،يعني و يكرم منكم شهداء، يعني به الشّهادة.

الثّالث:صاغ،قوله عزّ و جلّ: وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ الأعراف:148،يعني صاغ...

الرّابع:سلك،فذلك قوله: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ الكهف:61،يعني سلك طريقه،و كقوله تعالى:

وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً الكهف:63...

الخامس:سمّى،قوله تعالى: اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً التّوبة:31،يعني سمّوهم أربابا.

السّادس:اتّخذت:نسجت،فذلك قوله عزّ و جلّ:

كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً العنكبوت:41،أي نسجت بيتا.

السّابع:اتّخذوا أي عبدوا،كقوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ الشّورى:9 يعني عبدوا[و] كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ الشّورى:6،يعني عبدوا،كقوله: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ البقرة:51،أي عبدتم،مثلها إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ الأعراف:152،يعني عبدوه.

الثّامن:أي جعل،كقوله تعالى: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ النّحل:92،أي تجعلون، و كقوله عزّ و جلّ: اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً المجادلة:16، أي جعلوها وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً الكهف:

106 أي جعلوها هزوا.

التّاسع:بنى،فذلك قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً التّوبة:107،يعني بنوا، و كقوله: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً الكهف:21، وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ... الشّعراء:129،أي تبنون.

العاشر:رضي،فذلك قوله تعالى: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ

ص: 539

فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً المزّمّل:9،أي فارض به ربّا و رازقا.

الحادي عشر:عصر،كقوله تعالى: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً النّحل:67،أي تعصرون منه.

الثّاني عشر:اتّخذت:أرخت،كقوله تعالى:

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً مريم:17،يعني فأرخت سترا.

الثّالث عشر:اعتقد،قوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً مريم:87، يعني اعتقد عند الرّحمن بأن لا إله إلاّ اللّه،محمّدا رسول اللّه.(21)

مثله الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:58)

الأصول اللّغويّة

1-لأهل اللّغة و التّفسير في مادّة«اتّخذ»مناهج:

أ-إنّه افتعال من«أخذ»،و أصله«ائتخذ»؛فأبدلت الهمزة الثّانية ياء-كما تبدل واوا-ثمّ أبدلت الياء تاء،أو أبدلت الهمزة تاء رأسا-على خلاف بينهم-ثمّ أدغمت التّاء في تاء الافتعال،و لمّا كثر استعماله بنوا منه الفعل و ما اشتقّ منه«اتّخذ».

و يؤيّده أنّه قد يأتي على أصله،فيقال:ائتخذ القوم يأتخذون ائتخاذا.و قول الزّجّاج:إنّه من قبيل«اتّقى و تقى»يوافق هذا القول.

ب-إنّ أصله«تخذ»و إنّه افتعال منه،و عند بعضهم إنّ أصل تخذ«أخذ»أو«وخذ»،و هي لغة فصحى في «أخذ».و قد استدلّ ابن فارس على هذا القول ب- لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً -الكهف:77،على قراءة التّخفيف.

2-و قد فرّق بين«أخذ»و«اتّخذ»،بأنّ الاتّخاذ يقال لأمر يستمرّ فيه،مثل الدّار يتّخذها مسكنا، و الدّابّة يتّخذها قعدة.و منه اتّخاذ الآلهة أي سمّوها بذلك،و حكموا عليها بالاستمرار.

و عن الطّبرسيّ إنّ الاتّخاذ هو الاعتماد على الشّيء، لإعداده لأمر.و هذا يوافق الوجه الأوّل،باعتبار أنّ الاستمرار في الشّيء يوجب الاعتماد عليه أو بالعكس، أي الاعتماد عليه يدعو إلى الاستمرار فيه.

و قد مرّ في بعض النّصوص أنّ الاتّخاذ هو الاقتناء و الاجتباء،و إنّك إذا قلت:«اتّخذت كذا»فمعناه أخذته لنفسي و اخترته لها.و في بعضها أنّ الاتّخاذ فيه معنى الإكرام،و أنّ معنى«اتّخاذهم الآلهة»إكرامهم لها بالعبادة.

و الظّاهر أنّ هذا المعنى و الّذي قبله مستفادان من السّياق و كذلك جميع ما تقدّم في الوجوه و النّظائر،فإنّ لازم اتّخاذ الأصنام آلهة أن ينزلوها منزلة اللّه في العبادة و الإكرام،كما أنّ اتّخاذ الأحبار و الرّهبان أربابا يستلزم إكرامهم بالطّاعة لهم في كلّ ما يحكمون به،كما أنّ ذلك يحمل معنى الاقتناء و الاجتباء أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«اتّخذ»و ما اشتقّ منه بمعان تتفاوت قليلا حسب السّياق:

أ-الاختيار:

1- وَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً البقرة:116،و مثله كثير.

ص: 540

2- وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً

الإسراء:40،و مثله كثير.

3- وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً الجنّ:3

4- وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً النّساء:125

5- لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا

الأنبياء:17

و لعلّ منه:

6- أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ الفرقان:43

7- أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ الرّعد:16

8- ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ البقرة:92

9- إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً

العنكبوت:25،و أمثالها كثير.

10- لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ

آل عمران:118

ب-الميثاق:

11- أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً

مريم:78

12- لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً مريم:87،و مثلها كثير.

ج-المشي و الاتّجاه:

13- وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً الكهف:63

14- فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ الكهف:61

15- فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً

المزّمّل:19،و الدّهر:29

16- فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً

النّبأ:39،و مثلها كثير.

د-الأخذ بقسميه المحسوس و غير المحسوس:

17- لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً الكهف:77

18- وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة:125

19- لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا

الزّخرف:32

20- اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً

المجادلة:16،و المنافقون:2

21- إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً

الفرقان:30

22- تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

النّحل:92

23- تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً النّحل:67

24- فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً مريم:17

25- كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً

العنكبوت:41

26- اِتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ التّوبة:107

27- تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً الأعراف:74

28- وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ

الشّعراء:129

29- لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً الكهف:21

30- اِتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً النّحل:68

ه-يحتمل معنى البناء و الصّنعة في آية العنكبوت و في الآيات الّتي تليها.

و لعلّ منه:

ص: 541

31- قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ

الرّعد:16،و أمثاله كثير.

32- اِتَّخَذْتُمْ آياتِ اللّهِ هُزُواً

الجاثية:35،و مثله كثير.

و-السّيرة:

33- إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً

الكهف:86

34- وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً

الأعراف:146

35- وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً

الأعراف:146

ص: 542

أ خ ر

اشارة

34 لفظا،250 مرّة:148 مكّيّة،102 مدنيّة

في 64 سورة:44 مكّيّة،20 مدنيّة

أخّر 1:1\تأخّر 2:-2\الأخرى 5:3-2

أخّرت 1:1\يتأخّر 1:1\أخراكم 1:-1

أخّرتنا 1:-1\تستأخرون 1:1\أخراهم 2:2

أخّرتن 1:1\يستأخرون 5:5\أخر 5:2-3

أخّرتني 1:-1\المستأخرين 1:1\آخر 1:1

أخّرنا 1:1\آخر 12:10-2\الآخر 27:1-26

نؤخّره 1:1\الآخر 3:2-1\آخرنا 1:-1

يؤخّر 1:-1\آخران 2:-2\آخره 1:-1

يؤخّركم 2:2\آخرون 5:1-4\الآخرين 10:10

يؤخّرهم 3:3\آخرين 12:7-5\الآخرة 115:71-44

أخّرنا 1:1\الآخرين 5:5-1\...

يؤخّر 1:1\أخرى 18:13-5\...

النّصوص اللّغويّة

الخليل: تقول:هذا آخر،و هذه أخرى.و الآخر و الآخرة:نقيض المتقدّم و المتقدّمة،و مقدّم الشّيء و مؤخّره.

و آخرة الرّحل و قادمته،و مقدم العين و مؤخرها- في العين خاصّة-بالتّخفيف.

و جاء فلان أخيرا،أي بأخرة.و بعته الشّيء بأخرة،أي بتأخير.و فعل اللّه بالآخر،أي بالأبعد.

و الآخر:الغائب.

و الأخر:نقيض القدم،تقول:مضى قدما،و تأخّر أخرا.و لقيته أخريّا،أي آخريّا.

و يقال:الأخير:الأبعد،و أخرى القوم:أخرياتهم.

[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 543

و أمّا أخر فجماعة أخرى.(4:303)

الأصمعيّ: مؤخرة الرّحل،و آخرة الرّحل.

المئخار:النّخلة الّتي يبقى حملها إلى آخر الصّرام.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:557)

ابن شميّل: الأخر:المؤخّر المطروح.

(ابن منظور 4:15)

أبو عبيدة:مؤخر العين:الأجود فيه التّخفيف.

(الفيّوميّ 1:7)

أبو زيد:يقال:جئت فلانا إخريّا،أي بأخرة.

(96)

اللّحيانيّ: تقول:مضى قدما و تأخّر أخرا، و التّأخّر:ضدّ التّقدّم،و قد تأخّر عنه تأخّرا و تأخّرة واحدة.

(ابن منظور 4:12)

ابن الأعرابيّ: يقال:أتيتك آخر مرّتين،و أخرة مرّتين.و بعته المتاع بأخرة،أي بنظرة.

و يقال:للنّاقة آخران و قادمان.فخلفاها المقدّمان:

قادماها،و خلفاها المؤخّران:آخراها.

(الأزهريّ 7:557)

ابن السّكّيت: يقال:نظر إليّ بمؤخر عينه.

و يقال:ضرب مقدّم رأسه و ضرب مؤخّره.و هي مؤخرة السّرج،و هي آخرة الرّحل.

و تقول:جاءنا بأخرة،و جاءنا أخيرا و أخرا.و قد بعته بيعا بأخرة و بنظرة،أي بنسيئة.

و يقال:شقّ ثوبه أخرا و من أخر.

(إصلاح المنطق:330)

2Lشمر: في قولهم:إنّ الأخر فعل كذا و كذا،أراهم أرادوا الأخير،فأندروا الياء[حذفوها].

(ابن منظور 4:15)

المبرّد: في قول قيس بن عاصم:«إيّاكم و المسألة فإنّها أخر كسب الرّجل»؛أخر،بقصر الهمزة لا غير، و من رواه بالمدّ فقد أخطأ.و معنى«أخر»أدنى و أرذل.

(1:123)

«أخر»لا تنصرف؛لأنّه معدول عمّا كان الأصل عليه،و ذلك أنّ الأصغر و الأكبر يدخلهما الألف و اللاّم، إلاّ أن تقول:هو أصغر من كذا و أكبر من كذا؛فخرج «أخر و أخرى»من بابه،و أجيز بغير ألف و لام و بغير الإضافة؛فهو لا ينصرف.و كذلك كلّ جمع على«فعل» لا ينصرف إذا كانت وحدانه لا تنصرف،مثل:كبر و صغر.

و إذا كان«فعل»جمعا«لفعلة»فإنّه ينصرف،نحو سترة و ستر و حفرة و حفر.و إذا كان«فعل»اسما مصروفا عن«فاعل»لم ينصرف في المعرفة،و انصرف في النّكرة،و إذا كان اسما لطائر أو غيره فإنّه ينصرف، نحو:سبد و مرع و جرذ،و ما أشبهها.

(الأزهريّ 7:554)

ابن دريد: الآخر:تالي الأوّل،و الأخرى:واحدة الأخر.و الأخرى:ضدّ الأولى،و الآخر،من قولهم:

واحد و آخر.(3:237)

نخلة مئخار:يؤخّر إدراكها.(3:419)

عبد الرّحمن الهمذانيّ: يقال:أحسن أو أساء فلان أوّلا و آخرا،و مرّة بعد مرّة،و قد أحسن سالفا

ص: 544

و حادثا،و آنفا و باديا،و عائدا و معقّبا و مفتتحا و مكرّرا.

(90)

ابن جنّيّ: قال الأخفش:لو جعلت في الشّعر «آخرا»مع«جابر»لجاز.

هذا هو الوجه القويّ،لأنّه لا يحقّق أحد همزة «آخر».و لو كان تحقيقها حسنا،لكان التّحقيق حقيقا بأن يسمع فيها،و إذا كان بدلا البتّة يجب أن يجرى على ما أجرته عليه العرب من مراعاة لفظه.و تنزيل هذه الهمزة منزلة الألف الزّائدة الّتي لا حظّ فيها للهمزة،نحو عالم و صابر.أ لا تراهم لمّا كسّروا قالوا:آخر و أواخر، كما قالوا:جابر و جوابر.(ابن سيده 5:144)

الجوهريّ: أخّرته فتأخّر.و استأخر مثل تأخّر.

و الآخر:بعد الأوّل،و هو صفة،تقول:جاء آخرا، أي أخيرا،و تقديره:فاعل.و الأنثى آخرة،و الجمع:

أواخر.

و الآخر بالفتح:أحد الشّيئين،و هو اسم على «أفعل»،و الأنثى أخرى،إلاّ أنّ فيه معنى الصّفة،لأنّ «أفعل»من كذا لا يكون إلاّ في الصّفة.

و قولهم:جاء في أخريات النّاس،أي في أواخرهم.

و قولهم:لا أفعله أخرى اللّيالي،أي أبدا.و أخرى المنون،أي آخر الدّهر.

و يقال في الشّتم:أبعد اللّه الأخر،بكسر الخاء و قصر الألف.

و تقول أيضا:بعته بأخرة و بنظرة،أي بنسيئة.

و جاء فلان بأخرة بفتح الخاء،و ما عرفته إلاّ بأخرة،أي أخيرا.و جاءنا أخرا بالضّمّ،أي أخيرا.

و شقّ ثوبه أخرا و من أخر،أي من مؤخّره.

و مؤخر العين،مثال مؤمن:الّذي يلي الصّدغ، و مقدمها:الّذي يلي الأنف،يقال:نظر إليه بمؤخر عينه، و بمقدم عينه.

و مؤخرة الرّحل أيضا لغة في آخرة الرّحل،و هي الّتي يستند إليها الرّاكب.

و مؤخّر الشّيء بالتّشديد:نقيض مقدّمه؛يقال:

ضرب مقدّم رأسه و مؤخّره.

و أخر جمع أخرى،و أخرى تأنيث آخر،و هو غير مصروف؛قال اللّه تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ البقرة:

184،لأنّ«أفعل»الّذي معه«من»لا يجمع و لا يؤنّث ما دام نكرة،تقول:مررت برجل أفضل منك،و برجال أفضل منك،و بامرأة افضل منك.فإن أدخلت عليه الألف و اللاّم أو أضفته ثنّيت و جمعت و أنّثت،تقول:

مررت بالرّجل الأفضل،و بالرّجال الأفضلين،و بالمرأة الفضلى و بالنّساء الفضل،و مررت بأفضلهم و بأفضليهم و بفضلاهنّ و بفضلهنّ.و قالت امرأة من العرب:صغراها مرّاها.

و لا يجوز أن تقول:مررت برجل أفضل،و لا برجال أفاضل،و لا بامرأة فضلى،حتّى تصله بمن،أو تدخل عليه الألف و اللاّم،و هما يتعاقبان عليه.

و ليس كذلك آخر،لأنّه يؤنّث و يجمع بغير من و بغير الألف و اللاّم و بغير الإضافة،تقول:مررت برجل آخر،و برجال أخر و آخرين،و بامرأة أخرى و بنسوة أخر.فلمّا جاء معدولا-و هو صفة-منع الصّرف،و هو مع ذلك جمع.

ص: 545

فإن سمّيت به رجلا صرفته في النّكرة عند الأخفش، و لم تصرفه عند سيبويه.(2:576)

ابن فارس: الهمزة و الخاء و الرّاء أصل واحد إليه ترجع فروعه،و هو خلاف التّقدّم.و هذا قياس أخذناه عن الخليل.

و ابن دريد يقول: الآخر تال للأوّل.و هو قريب ممّا مضى ذكره،إلاّ أنّ قولنا:قال آخر الرّجلين و قال الآخر،و هو لقول ابن دريد أشدّ ملاءمة و أحسن مطابقة.

و أخر:جماعة أخرى.(1:70)

الهرويّ: في حديث أبي برزة قال:«لمّا كان بأخرة»،يقال:لقيت فلانا بأخرة بفتح الخاء،إذا لقيته إخريّا،و بعت الشّيء بأخرة بكسر الخاء،أي بنظرة.

(1:25)

أبو سهل الهرويّ: أبعد اللّه ذلك الأخر-قصيرة الألف مكسورة الخاء-أي الغائب المتأخّر.و يقال هذا عند شتم الإنسان من يخاطبه،لكنّه نزّهه بذلك.(90)

نظر إليّ بمؤخر عينه-بسكون الهمزة و كسر الخاء- و هو الجانب الّذي يلي الصّدغ.(92)

ابن سيده: الأخر:ضدّ القدم.

و استأخر،كتأخّر،و في التّنزيل: لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34،و فيه: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الحجر:24،يقول:علمنا من يستقدم منكم إلى الموت و من يستأخر عنه.

و التّأخير:ضدّ التّقديم.و مؤخّر كلّ شيء:خلاف متقدّمه.و آخرة العين و مؤخرها و مؤخرتها:ما ولي اللّحاظ،و لا يقال كذلك إلاّ في مؤخّر العين.

و مؤخرة الرّحل و مؤخّرته و آخرته و آخره،كلّه خلاف قادمته.و مؤخرة السّرج:خلاف قادمته.

و الآخران من الأخلاف:اللّذان يليان الفخذين.

و الآخر:خلاف الأوّل،و الأنثى آخرة.

و الآخر بمعنى غير،كقولك:رجل آخر،و ثوب آخر،و أصله:أأخر«أفعل»من التّأخّر،فلمّا اجتمعت همزتان في حرف واحد استثقلتا،فأبدلت الثّانية ألفا، لسكونها و انفتاح الأولى قبلها.

و تصغير آخر:أويخر،جرت الألف المخفّفة عن الهمزة مجرى ألف«ضارب».

و الجمع بالواو و النّون،و الأنثى أخرى،و قوله عزّ و جلّ: وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى طه:18،جاء على لفظ صفة الواحد،لأنّ(مآرب)في معنى جماعة أخرى من الحاجات،و لأنّه رأس آية.و الجمع:

أخريات و أخر.

و الأخرى و الآخرة:دار البقاء،صفة غالبة.

و جاء أخرة و بأخرة،و أخرة-هذه عن اللّحيانيّ، بحرف و بغير حرف-أي آخر كلّ شيء.

و شقّ ثوبه أخرا،و من أخر،أي من خلف.

و بعته سلعة بأخرة،أي بنظرة.

و يقال:أبعد اللّه الأخر و الأخير،و لا تقوله للأنثى.

و حكى بعضهم:أبعد اللّه الآخر بالمدّ.و الآخر و الأخير:

الغائب.(5:234)

الرّاغب: آخر:يقابل به الأوّل،و آخر:يقابل به

ص: 546

الواحد.و يعبّر بالدّار الآخرة عن النّشأة الثّانية،كما يعبّر بالدّار الدّنيا عن النّشأة الأولى،نحو: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،و ربّما ترك ذكر الدّار نحو قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ هود:16،و قد توصف الدّار بالآخرة تارة،و تضاف إليها تارة،نحو: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الأنعام:32،و تقدير الإضافة:دار الحياة الآخرة.

و«أخر»معدول عن تقدير ما فيه الألف و اللاّم، و ليس له نظير في كلامهم،فإنّ«أفعل»من كذا إمّا أن يذكر معه«من»لفظا أو تقديرا،فلا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث،و إمّا أن يحذف منه«من»فيدخل عليه الألف و اللاّم فيثنّى و يجمع.و هذه اللّفظة من بين أخواتها جوّز فيها ذلك من غير الألف و اللاّم.

و التّأخير مقابل للتّقديم؛قال تعالى: بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ القيامة:13، ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح:2، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ إبراهيم:42، رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ إبراهيم:44.

و بعته بأخرة،أي بتأخير أجل،كقوله:

فَنَظِرَةٌ البقرة:280.

و قولهم:أبعد اللّه الأخر،أي المتأخّر عن الفضيلة، و عن تحدّي الحقّ.(13)

الحريريّ: يقولون:ابتعت عبدا و جارية أخرى، فيوهمون فيه،لأنّ العرب لم تصف بلفظتي«آخر» و«أخرى»و جمعهما إلاّ ما يجانس المذكور قبله،كما قال سبحانه: أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى* وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى النّجم:19،20،و كما قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ البقرة:185،فوصف جلّ اسمه مناة بالأخرى لما جانست العزّى و اللاّت،و وصف الأيّام بالأخر لكونها من جنس الشّهر؛و الأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنّثة و هو مذكّر،فلم يجز لذلك أن تتّصف بلفظة أخرى،كما لا يقال:جاءت هند و رجل آخر.و الأصل في ذلك أنّ«آخر»من قبيل«أفعل»الّذي تصحبه«من»و يجانس المذكور بعده.يدلّ على ذلك أنّك إذا قلت:قال الفند الزّمّانيّ و قال آخر،كان تقدير الكلام:و قال آخر من الشّعراء،و إنّما حذفت لفظة«من» لدلالة الكلام عليها و كثرة استعمال«آخر»في النّطق.

و أمّا قول الشّاعر:

صلّى على عزّة الرّحمن و ابنتها

ليلى و صلّى على جاراتها الأخر

فمحمول على أنّه جعل ابنتها جارة لها،لتكون «الأخر»من جنسها،و لو لا هذا التّقدير لما جاز أن يعقّب ذكر البنت بالجارات،بل كان يقول:و صلّى على بناتها الأخر.(123)

الزّمخشريّ: جاءوا عن آخرهم،و النّهار يحرّ عن آخر فآخر،و النّاس يرذلون عن آخر فآخر،و السّتر مثل آخرة الرّحل،و مضى قدما و تأخّر أخرا،و جاءوا في أخريات النّاس،و لا أكلّمه آخر الدّهر و أخرى المنون،و نظر إليّ بمؤخر عينه،و جئت أخيرا و بأخرة، و بعته بيعا بأخرة،أي بنظرة معنى و وزنا،و هي نخلة مئخار من نخل مآخير.و من الكناية أبعد اللّه الآخر،أي

ص: 547

من غاب عنّا و بعد،و الغرض الدّعاء للحضور.

(أساس البلاغة:3)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى الآخر و المؤخّر.

فالآخر هو الباقي بعد فناء خلقه كلّه ناطقه و صامته، و المؤخّر هو الّذي يؤخّر الأشياء فيضعها في مواضعها، و هو ضدّ المقدّم.

و فيه:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:

بأخرة،إذا أراد أن يقوم من المجلس كذا و كذا»،أي في آخر جلوسه.و يجوز أن يكون في آخر عمره.و هي بفتح الهمزة و الخاء.

و في حديث ماعز: «إنّ الأخر قد زنى»،الأخر- بوزن«الكبد»-هو الأبعد المتأخّر عن الخير.و منه الحديث:«المسألة أخر كسب المرء»،أي أرذله و أدناه.

و يروى بالمدّ،أي إنّ السّؤال آخر ما يكتسب به المرء عند العجز عن الكسب.

و فيه:«إذا وضع أحدكم بين يديه مثل آخرة الرّحل فلا يبالي من مرّ وراءه»هي بالمدّ،الخشبة الّتي يستند إليها الرّاكب من كور البعير[سرجها].و في حديث آخر:«مثل مؤخرته»و هي بالهمز و السّكون لغة قليلة في آخرته،و قد منع منها بعضهم،و لا يشدّد.

و في حديث عمر: «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال له:أخّر عنّي يا عمر»،أي تأخّر،يقال:أخّر و تأخّر و قدّم و تقدّم بمعنى،كقوله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ الحجرات:1،أي لا تتقدّموا.و قيل:

معناه أخّر عنّي رأيك،فاختصر إيجازا و بلاغة.

(1:29)

2Lالفخر الرّازيّ: أخر:فارقت أخواتها في حكم واحد،و ذلك لأنّ«أخر»جمع أخرى،و أخرى تأنيث آخر،و آخر على وزن«أفعل»،و ما كان على وزن «أفعل»فإنّه يستعمل مع«من»أو بالألف و اللاّم، فيقال:زيد أفضل من عمرو،و زيد الأفضل؛فالألف و اللاّم معاقبتان ل«من»في باب«أفعل»،فكان القياس أن يقال:زيد آخر من عمرو،أو يقال:زيد الآخر،إلاّ أنّهم حذفوا منه لفظ«من»،لأنّ لفظه اقتضى معنى «من»فأسقطوها اكتفاء بدلالة اللّفظ عليه،و الألف و اللاّم معاقبتان ل«من»فسقط الألف و اللاّم أيضا.فلمّا جاز استعماله بغير الألف و اللاّم صار«آخر»،فأخر جمعه،فصارت هذه اللّفظة معدولة عن حكم نظائرها في سقوط الألف و اللاّم عن جمعها و وحدانها.(7:185)

الآخرة:اسم فاعل من فعل غير مستعمل،تقول:

أخّرته فتأخّر،و كان من حقّه أن تقول:فأخر،كما تقول:غبّرته فغبر،فمنعت منه سماعا.[إلى أن قال:]

و«الآخر»فاعل ليس له فعل،و مبالغته بأفعل، و هو كقولنا:أأخر،فنقلت الهمزة إلى مكان الألف، و الألف إلى مكان الهمزة،فصارت الألف همزة و الهمزة ألفا.و يدلّ عليه التّأويل في المعنى،فإنّ آخر الشّيء جزء منه متّصل به،و الآخر مباين عنه منفصل، و المنفصل بعد المتّصل،و الآخر أشدّ تأخّرا عن الشّيء من آخره.(28:303)

الصّغانيّ: الآخر:أحد الشّيئين،يقال:جاء القوم فواحد يفعل كذا و آخر كذا،أي و واحد.

و الأنثى أخرى،بمعنى الواحدة أيضا.(الفيّوميّ 1:7)

ص: 548

1Lالفيّوميّ: آخرة الرّحل و السّرج بالمدّ:الخشبة الّتي،يستند إليها الرّاكب،و الجمع:الأواخر.و هذه أفصح اللّغات.و يقال:مؤخرة،بضمّ الميم و سكون الهمزة.و منهم من يثقّل الخاء،و منهم من يعدّ هذه لحنا.

و مؤخر العين،ساكن الهمزة:ما يلي الصّدغ، و مقدمها بالسّكون:طرفها الّذي يلي الأنف.

و مؤخّر كلّ شيء،بالتّثقيل و الفتح:خلاف مقدّمه، و ضربت مؤخّر رأسه.و أخّرته:ضدّ قدّمته فتأخّر.

و الأخر،وزان«فرح»،بمعنى المطرود المبعد،يقال:

أبعد اللّه تعالى الأخر،أي من غاب عنّا و بعد حكما.و في حديث ماعز:«إنّ الأخر زنى»يعني نفسه كأنّه مطرود، و مدّ همزته خطأ.

و الأخير مثال«كريم»،و الآخر،على«فاعل»:

خلاف الأوّل،و لهذا ينصرف و يطابق في الإفراد و التّثنية و التّذكير و التأنيث؛فتقول:أنت آخر خروجا و دخولا، و أنتما آخران دخولا و خروجا.و نصبهما على التّمييز و التّفسير.و الأنثى آخرة.

و الآخر بالفتح،بمعنى الواحد،و وزنه«أفعل».

و يجمع الآخر لغير العاقل على«الأواخر»،مثل اليوم الأفضل و الأفاضل.و إذا وقع صفة لغير العاقل أو حالا أو خبرا له جاز أن يجمع جمع المذكّر و أن يجمع جمع المؤنّث و أن يعامل معاملة المفرد المؤنّث،فيقال:هذه الأيّام الأفاضل-باعتبار الواحد المذكّر-و الفضليات و الفضل؛إجراء له مجرى جمع المؤنّث،لأنّه غير عاقل، و الفضلى؛إجراء له مجرى الواحدة.

و جمع الأخرى:أخريات و أخر،مثل كبرى و كبريات و كبر،و منه:جاء في أخريات النّاس.

و قولهم:في العشر الآخر،على«فاعل»،أو الأخير أو الأوسط أو الأوّل بالتّشديد عامّيّ،لأنّ المراد بالعشر اللّيالي،و هي جمع مؤنّث فلا توصف بمفرد بل بمثلها.

و يراد بالآخر و الآخرة نقيض المتقدّم و المتقدّمة.

و يجمع الآخر و الآخر على الأواخر.و أمّا الأخر بضمّتين فبمعنى المؤخّر.

و الأخرة،وزان«قصبة»،بمعنى الأخير،يقال:جاء بأخرة،أي أخيرا.

و الأخرة،على«فعلة»بكسر العين النّسيئة،يقال:

بعته بأخرة و نظرة.(1:7)

الفيروزآباديّ: الأخر،بضمّتين:ضدّ القدم.

و تأخّر و أخّر تأخيرا:استأخر،و أخّرته،لازم متعدّ.

و آخرة العين و مؤخرتها:ما ولي اللّحاظ كمؤخرها.

و من الرّحل:خلاف قادمته،كآخره و مؤخّره و مؤخّرته،و تكسر خاؤهما مخفّفة و مشدّدة.

و الآخران من الأخلاف:يليان الفخذين.

و الآخر:خلاف الأوّل،و هي بهاء،و الغائب، كالأخير.و بفتح الخاء بمعنى«غير»،الجمع بالواو و النّون.

و أخر،و الأنثى أخرى و أخراة،الجمع:أخريات؛ و أخر.

و الآخرة و الأخرى:دار البقاء.

و جاء أخرة و بأخرة-محرّكتين،و قد يضمّ أوّلهما- و أخيرا و أخرا-بضمّتين-و إخريّا-بالكسر و الضّمّ- و إخريّا-بكسرتين-و آخريّا،أي آخر كلّ شيء.

ص: 549

و أتيتك آخر مرّتين و آخرة مرّتين،أي المرّة الثّانية.

و شقّه أخرا بضمّتين،و من أخر:من خلف.و بعته بأخرة بكسر الخاء:بنظرة.

و المئخار:نخلة يبقى حملها إلى آخر الشّتاء و الصّرام.

و لا أفعله أخرى اللّيالي أو أخرى المنون،أي أبدا.

و أخرى القوم:من كان في آخرهم،و قد جاء في أخرياتهم:أواخرهم.(1:376)

الآخر:اسم يقابل به الأوّل موضوع للنّهاية،كما أنّ مقابله للبداية،مشتقّ من أخر يأخر-كضرب يضرب -أخورا،فهو آخر و هما آخران و هم آخرون،في المؤنّث آخرة و آخرتان و آخرات و أواخر.

و آخر،بفتح الخاء:يقابل به الواحد،و هما آخران و هم آخرون،و في المؤنّث،تقول:أخرى و أخريان و أخر.

و الأخير و الأخيرة،بمعنى الآخر و الآخرة.و أخر الأمر:آخره.و أخرى اللّيالي:آخر الدّهر.

(بصائر ذوي التّمييز 2:89)

مجمع اللّغة:1-أخّر:مقابل قدّم،و جاءت في القرآن بمعنيين:

أ-أخّر بمعنى لم يؤدّ.ب-أخّر بمعنى أجّل.

تأخّر و استأخر:ضدّ تقدّم.

2-آخر بالفتح،و معناه أحد الشّيئين،و هو اسم على«أفعل»إلاّ أنّ فيه معنى الصّفة.و يقابل به الواحد، و هو بمعنى غير أو مغاير.

و الآخر بالفتح أيضا،هو غير الأوّل،و جمعه:

آخرون.و المؤنّث أخرى،و جمعها:أخريات و أخر.

3-الآخر بالكسر:مقابل الأوّل،و جمعه:آخرون، و مؤنّثه آخرة.

و اليوم الآخر:يوم القيامة و هو النّشأة الثّانية، و كذلك الآخرة و دار الآخرة و الدّار الآخرة.

و الآخر من أسماء اللّه تعالى.

و يقال:أوّلهم و آخرهم،و يراد به شمول الجميع.

(1:26)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أخّر الميعاد:أجّله، و تأخّر و استأخر:ضدّ تقدّم.

و الآخر:الغير،و الجمع:آخرون.

و الآخرة:دار البقاء،نظير الدّنيا،دار الفناء.

آخر الشّيء:نهايته.و الآخر:ضدّ الأوّل.و الآخر من أسماء اللّه الحسنى بمعنى الباقي بعد كلّ شيء؛إذ لا نهاية و لا انتهاء له سبحانه،لأنّه منزّه عن الزّمان.(32)

المصطفويّ: إنّ الأصل في هذه المادّة هو التّأخّر، و هو ما يقابل التّقدّم،و اختلاف المعاني في مشتقّاتها ليس إلاّ من جهة اختلاف الصّيغ و الهيئات فقط،فآخر كفاعل،و أخير كفعيل و أخر كحسن،و الآخر كأفعل، و أخرى كفعلى،و أخر جمع أخرى،كصغرى و صغر و كبرى و كبر.و تفصيل عدم انصراف أخر مذكور في الكتب النّحويّة.و إطلاق أخر على المطرود من جهة تأخّره عن مقامه.

و الظّاهر أنّ صيغ الفعل المجرّد و كذا باب«الإفعال» من هذه المادّة غير مستعملة،و لم نر صيغة على وزانها.

خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً التّوبة:102.

اَلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ الحجر:96.

ص: 550

ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ المؤمنون:14.

وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً يوسف:36.

وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ المائدة:27.

فذكر هذه الكلمة«آخر»في هذه الموارد يشير إلى زيادة التّأخّر فيها رتبة كما في الآيتين الأوليين أو تكوّنا و من جهة شدّة الامتياز و الفصل كما في الآية الثّالثة،أو من جهة خصوصيّات ظاهريّة كما في الأخيرتين.

و هذا المعنى محفوظ في صيغ التّأنيث و التّثنية و الجمع منها[و قوله:] ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ المائدة 106،اشارة إلى شدّة تأخّر رتبة من ليس بعادل، و انحطاط مقامه بالنّسبة إلى العادل.(1:30)

محمود شيت: 1-أ-أخّر:تأخّر،و الشّيء:

جعله بعد موضعه.

ب-تأخّر عنه:جاء بعده و تقهقر عنه،و يقال:أمّة متأخّرة:متخلّفة في الحضارة.

ج-الآخر:مقابل الأوّل،و يقال:جاءوا عن آخرهم،و من أسماء اللّه تعالى الباقي بعد فناء خلقه.

د-الآخرة:مقابل الأولى،و دار الحياة بعد الموت.

ه-الأخير،يقال:لقيته أخيرا،و جاء أخيرا:آخر كلّ شيء.

و-المؤخّر:نهاية الشّيء من الخلف،يقال:مؤخّر السّفينة.

ز-المؤخّرة:نهاية الشّيء من الخلف.و مؤخّرة الجيش:جزء من القوّة يعيّن لحراسة الخطوط الخلفيّة، تكون مهمّته تأخير العدوّ حتّى يتمّ للجيش تنظيم انسحابه.

2-أ-أخّر الصّفوف:جعل نظامها معكوسا،أي ما كان منها في الأمام أصبح في الخلف،و ما كان في الخلف أصبح في الأمام.

ب-تأخّر عن الدّوام:جاء متأخّرا عن وقته المحدّد.

ج-الأخير،يقال:الصّفّ الأخير:آخر الصّفوف.

د-المؤخّر:نهاية السّلاح من الخلف،يقال:مؤخّر المدفع،مؤخّر البندقيّة،مؤخّر البارجة.

ه-المؤخّرة:قطعات الحماية من الخلف،واجبها حماية القوّة من الخلف،و الحصول على المعلومات عن العدوّ،و تأخير تقدّم العدوّ في حالتي تقدّم القطعات إلى أهدافها،أو انسحابها من مواضعها إلى مواضع جديدة.

(1:34)

النّصوص التّفسيريّة

اخّر

يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ. القيمة:13

ابن مسعود:(بما قدّم)من عمله،(و أخّر)من سنّة عمل بها من بعده،من خير أو شرّ.

(الطّبريّ 29:183)

ابن عبّاس: ما عمل قبل موته.و ما سنّ فعمل به بعد موته.(الطّبريّ 29:183)

(بما قدّم)من المعصية،(و أخّر)من الطّاعة.

(الطّبريّ 29:184)

مجاهد: بأوّل عمله و آخره.(الطّبريّ 29:183)

ص: 551

الضّحّاك: (بما قدّم)من فرض(و أخّر)من فرض.

(أبو حيّان 8:386)

الإمام الباقر عليه السّلام: (بما قدّم)من خير و شرّ و ما (أخّر)،فما سنّ من سنّة ليستنّ بها من بعده،فإن كان شرّا كان عليه مثل وزرهم،و لا ينقص من وزرهم شيئا، و إن كان خيرا كان له مثل أجورهم و لا ينقص من أجورهم شيئا.(الكاشانيّ 5:255)

قتادة: (بما قدّم)من طاعة اللّه،(و اخّر)ممّا ضيّع من حقّ اللّه.(الطّبريّ 29:184)

زيد بن أسلم: (بما قدّم)من ماله لنفسه،و ما خلّفه لورثته بعده.(الطّبرسيّ 5:395)

ابن زيد: ما أخّر:ما ترك من العمل لم يعمله، ما ترك من طاعة اللّه لم يعمل به،و ما قدّم:ما عمل من خير أو شرّ.(الطّبريّ 29:183)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندنا،أنّ ذلك خبر من اللّه أنّ الإنسان ينبّأ بكلّ ما قدّم أمامه،ممّا عمل من خير أو شرّ في حياته،و أخّر بعده من سنّة حسنة أو سيّئة،ممّا قدّم و أخّر كذلك،ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ، و أخّر بعده من عمل كان عليه فضيّعه،فلم يعمله ممّا قدّم و أخّر،و لم يخصّص اللّه من ذلك بعضا دون بعض،فكلّ ذلك ممّا ينبّأ به الإنسان يوم القيامة.(29:184)

الطّوسيّ: أي يخبر بجميع ما عمله و ما تركه من الطّاعات و المعاصي،فالنّبأ الخبر بما يعظّم شأنه.و حسن في هذا الموضع لأنّ ما جرى مجرى اللّغو و المباح لا يعتدّ به في هذا الباب.و إنّما الّذي يعظّم شأنه من عمل الطّاعة و المعصية هو ما يستحقّ عليه الجزاء.فأمّا وجوده كعدمه فلا اعتبار به.

و التّقديم:ترتيب الشّيء قبل غيره،و ضدّه التّأخير،و هو ترتيب الشّيء بعد غيره،و يكون التّقديم و التّأخير في الزّمان و في المكان في المرتبة كتقديم المخبر عنه في المرتبة،و هو مؤخّر في الذّكر،كقولك:في الدّار زيد،و كذلك الضّمير في غلامه ضرب زيد،و هو مقدّم في اللّفظ و مؤخّر في المرتبة.(10:194)

الزّمخشريّ: (بما قدّم)من عمل عمله و بما(أخّر) منه لم يعمله،أو(بما قدّم)من ماله فتصدّق به و بما أخّره فخلّفه،أو(بما قدّم)من عمل الخير و الشّرّ،و بما(أخّر) من سنّة حسنة أو سيّئة فعمل بها بعده.(4:191)

القرطبيّ: أي بما أسلف من عمل سيّئ أو صالح، أو(أخّر)من سنّة سيّئة أو صالحة يعمل بها بعده،قاله ابن عبّاس،و ابن مسعود.و روى منصور عن مجاهد، قال:ينبّأ بأوّل عمله و آخره،و قاله النّخعيّ.و قال ابن عبّاس أيضا:أي(بما قدّم)من المعصية،(و أخّر)من الطّاعة،و هو قول قتادة.و قال ابن زيد:(بما قدّم)من أمواله لنفسه،(و اخّر):خلّف للورثة.و قال الضّحّاك:

ينبّأ(بما قدّم)من فرض،(و أخّر)من فرض.

قلت:و الأوّل أظهر،لما خرّجه ابن ماجة في سننه من حديث الزّهريّ،حدّثني أبو عبد اللّه الأغرّ عن أبي هريرة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ ممّا يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علما علّمه و نشره،و ولدا صالحا تركه،أو مصحفا ورّثه أو مسجدا بناه،أو بيتا لابن السّبيل بناه،أو نهرا أجراه،أو صدقة

ص: 552

أخرجها من ماله في صحّته و حياته،تلحقه من بعد موته».(19:99)

أبو حيّان: [نقل قول الضّحّاك ثمّ قال:]

و الظّاهر حمله على العموم،أي يخبر بكلّ ما قدّم و كلّ ما أخّر ممّا ذكره المفسّرون و ممّا لم يذكروه.

(8:386)

ابن كثير: أي يخبر بجميع أعماله قديمها و حديثها، أوّلها و آخرها،صغيرها و كبيرها،كما قال تعالى:

وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً الكهف:49.(7:168)

البروسويّ: (بما قدّم)،أي عمل من عمل خيرا كان أو شرّا؛فيثاب بالأوّل و يعاقب بالثّاني.(و اخّر)، أي لم يعمل خيرا كان أو شرّا،فيعاقب بالأوّل و يثاب بالثّاني.أو(بما قدّم)من حسنة أو سيّئة و بما(اخّر)من حسنة أو سيّئة،فعمل بها بعده.أو بما(قدّم)من مال تصدّق به في حياته و بما(اخّر)فخلّفه أو وقفه أو أوصى به.أو بأوّل عمله و آخره.(10:247)

القاسميّ: أي من عمله الّذي يوجب نجاته و ثوابه،من الخيرات و الصّالحات.(و اخّر)،أي منه ففرّط و قصّر فيه و لم يعمله.

قال الشّهاب: (ما قدّم):كناية عمّا عمل،و ما (أخّر):ما تركه و لم يعمله،و هو مجاز مشهور فيما ذكر.أو ما قدّمه:ما عمله،و ما أخّره:عمل من اقتدى به بعده عملا له،كأنّه وقع منه.(16:5990)

الطّباطبائيّ: المراد ب(ما قدّم و اخّر)ما عمله من حسنة أو سيّئة في أوّل عمره و آخره،أو ما قدّمه على موته من حسنة أو سيّئة،و ما أخّر من سنّة حسنة سنّها أو سنّة سيّئة؛فيثاب بالحسنات و يعاقب على السّيّئات.

و قيل:المراد بما قدّم ما عمله من حسنة أو سيّئة؛ فيثاب على الأوّل و يعاقب على الثّاني،و بما أخّر ما تركه من حسنة أو سيّئة؛فيعاقب على الأوّل و يثاب على الثّاني.

و قيل المراد:ما قدّم من المعاصي و ما أخّر من الطّاعات.و قيل:ما قدّم من طاعة اللّه و أخّر من حقّه فضيّعه.و قيل:ما قدّم من ماله لنفسه و ما ترك لورثته.

و هي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.(20:106)

اخّرت

عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ. الانفطار:5

ابن عبّاس: تعلم(ما قدّمت)من طاعة اللّه،و ما (اخّرت)ممّا أمرت به من حقّ للّه عليه لم تعمل به.

(الطّبريّ 30:86)

عكرمة: (ما قدّمت):ما افترض عليها،و ما (اخّرت):ممّا افترض عليها.(الطّبريّ 30:86)

الضّحّاك: (ما قدّمت)من الفرائض،و ما(اخّرت)، أي ما ضيّعت.(الفخر الرّازيّ 31:77)

القرظيّ: (ما قدّمت)ممّا عملت،و أمّا ما(اخّرت) فالسّنّة يسنّها الرّجل،يعمل بها من بعده.

(الطّبريّ 30:86)

قتادة: (ما قدّمت)من خير و(اخّرت)من حقّ اللّه عليها لم تعمل به.

ص: 553

(ما قدّمت)من طاعة اللّه،و ما(اخّرت)من حقّ اللّه.

(الطّبريّ 30:86)

ابن زيد: (ما قدّمت):عملت،و ما(اخّرت):

تركت و ضيّعت،و أخّرت من العمل الصّالح الّذي دعاها اللّه إليه.(الطّبريّ 30:86)

الطّبريّ: علمت كلّ نفس(ما قدّمت)لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه،(و اخّرت)وراءه من شيء سنّه فعمل به.

و إنّما اخترنا القول الّذي ذكرناه لأنّ كلّ ما عمل العبد من خير أو شرّ فهو ممّا قدّمه،و أنّ ما ضيّع من حقّ اللّه عليه و فرّط فيه فلم يعمله فهو ممّا قد قدّم من شرّ، و ليس ذلك ممّا أخّر من العمل؛لأنّ العمل هو ما عمله، فأمّا ما لم يعمله فإنّما هو سيّئة قدّمها،فلذلك قلنا:

«ما أخّر»هو ما سنّه من سنّة حسنة و سيّئة،ممّا إذا عمل به العامل كان له مثل أجر العامل بها أو وزره.

(30:86)

أبو مسلم الأصفهانيّ: (ما قدّمت)من الأعمال في أوّل عمرها،و ما(اخّرت)في آخر عمرها.

(الفخر الرّازيّ 31:77)

القفّال: المراد قبل قيام القيامة،بل عند ظهور أشراط السّاعة و انقطاع التّكاليف،و حين لا ينفع العمل بعد ذلك كما قال: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً الأنعام 158، فيكون ما عمله الإنسان إلى تلك الغاية هو أوّل أعماله و آخرها؛لأنّه لا عمل له بعد ذلك.

(الفخر الرّازيّ 31:78)

2Lالطّوسيّ: ما أخذت و تركت ممّا يستحقّ به الجزاء.

و قيل:معناه كلّ ما يستحقّ به الجزاء ممّا كان في أوّل عمره أو آخر عمره.

و قيل:معناه(ما قدّمت)من عملها و ما(اخّرت)من سنّة سنّتها يعمل بها.(10:290)

الطّبرسيّ: هذا كقوله سبحانه: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ القيامة:13.(5:449)

الفخر الرّازيّ: في تفسير قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ، و فيه احتمالات:

الأوّل:أنّ المراد بهذه الأمور ذكر يوم القيامة،ثمّ فيه وجوه:

أحدها:و هو الأصحّ أنّ المقصود منه الزّجر عن المعصية،و التّرغيب في الطّاعة،أي يعلم كلّ أحد في هذا اليوم ما قدّم فلم يقصّر فيه،و ما أخّر فقصّر فيه؛لأنّ قوله: ما قَدَّمَتْ يقتضي فعلا،و ما(اخّرت)يقتضي تركا،فهذا الكلام يقتضي فعلا و تركا و تقصيرا و توفيرا، فإن كان قدّم الكبائر و أخّر العمل الصّالح فمأواه النّار، و إن كان قدّم العمل الصّالح و أخّر الكبائر فمأواه الجنّة.

و ثانيها:(ما قدّمت)من عمل أدخله في الوجود،و ما (اخّرت)من سنّة يستنّ بها من بعده من خير أو شرّ.

و ثالثها:[قول الضّحّاك و قد تقدّم]

و رابعها:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ،و قد تقدّم أيضا] الاحتمال الثّاني:[و هو قول القفّال،و قد تقدّم أيضا]

(31:77)

القرطبيّ: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ مثل يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ القيمة:13،

ص: 554

و تقدّم.و هذا جواب إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ الانفطار:1،لأنّه قسم في قول الحسن وقع على قوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ، يقول:إذا بدت هذه الأمور من أشراط السّاعة ختمت الأعمال،فعلمت كلّ نفس ما كسبت،فإنّها لا ينفعها عمل بعد ذلك.

و قيل:أي إذا كانت هذه الأشياء،قامت القيامة، فحوسبت كلّ نفس بما عملت،و أوتيت كتابها بيمينها أو بشمالها،فتذكّرت عند قراءته جميع أعمالها.

و قيل:هو خبر و ليس بقسم،و هو الصّحيح.

(19:243)

البيضاويّ: (ما قدّمت)من عمل أو صدقة، (و اخّرت)من سنّة أو تركة.و يجوز أن يراد بالتّأخير التّضييع،و هو جواب(اذا).(2:544)

النّيسابوريّ: معنى التّقديم و التّأخير قد سبق في القيامة في قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ...، و المراد جميع أعمالها،و إنّما يحصل بها العلم الإجماليّ عند الموت أو في أوائل أشراطه،ثمّ يزيد شيئا فشيئا إلى حين مطالعة صحيفة العمل.(30:42)

البروسويّ: (ما قدّمت)في حياتها من عمل خير أو شرّ،فإنّ(ما)من ألفاظ العموم.(و اخّرت)من سنّة حسنة أو سيّئة يعمل بها بعده.(10:356)

الآلوسيّ: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ جواب(إذا)،لكن لا على أنّها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصّحف،لما عرفت أنّ المراد بها زمان واحد مبدؤه قبيل النّفخة الأولى أو هي،و منتهاه الفصل بين الخلائق لا أزمنة متعدّدة بحسب كلمة(اذا)،و إنّما كرّرت لتهويل ما في حيّزها من الدّواهي.و الكلام فيه كالّذي مرّ في نظيره.

و معنى«ما قدم و أخر»:ما أسلف من عمل خير أو شرّ،و أخّر من سنّة حسنة أو سيّئة يعمل بها بعده،قاله ابن عبّاس،و ابن مسعود.

و عن ابن عبّاس أيضا: ما قدّم من معصية و أخّر من طاعة،و هو قول قتادة.

و قيل:ما عمل ما كلّف به و ما لم يعمل منه.

و قيل:ما قدّم من أمواله لنفسه و ما أخّر لورثته.

و قيل:أوّل عمله و آخره.(30:63)

القاسميّ: أي لذلك اليوم من عمل صالح أو سيّئ.(و اخّرت)،أي تركت من خير أو شرّ.أو المعنى (ما قدّمت)من عمل طيّب لم تقصّر فيه.و ما(اخّرت)، أي قصّرت فيه.

و المراد بالعلم بالتّقديم و التّأخير وجدان الجزاء عليهما و تحقّق مصداق الوعد عليهما.(17:6085)

الطّباطبائيّ: المراد(بما قدّمت و اخّرت)هو ما قدّمته ممّا عملته في حياتها،و بما(اخّرت)ما سنّته من سنّة حسنة أو سيّئة فعملت بها بعد موتها،فتكتب صحيفة عملها،قال تعالى: وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ يس:12.

و قيل:المراد«بما قدمت و اخرت»ما عملته في أوّل العمر و ما عملته في آخره،فيكون كناية عن الاستقصاء.

و قيل:في معنى«التّقديم و التّأخير»وجوه أخر لا يعبأ بها،مذكور في مطوّلات التّفاسير،من أراد

ص: 555

الوقوف عليها فليراجعها.(20:223)

اخّرتن

...لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً. الإسراء:62

الطّبريّ: لئن أخّرت إهلاكي إلى يوم القيامة.

(15:116)

الطّبرسيّ: أي لئن أخّرت أجل موتي.

(3:426)

الفخر الرّازيّ: قرأ ابن كثير (لئن اخّرتنى الى يوم القيمة) بإثبات الياء في الوصل و الوقف.و قرأ عاصم، و ابن عامر،و حمزة،و الكسائيّ بالحذف،و نافع، و أبو عمرو بإثباته في الوصل دون الوقف.(21:4)

البروسويّ: أي أخّر أجلي كما هو الموعود.

(5:180)

الآلوسيّ: استئناف و ابتداء كلام.و اللاّم موطّئة للقسم،و جوابه (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) .(15:109)

اخّرتنى

...لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ... المنافقون:10

الزّمخشريّ: قرئ(اخّرتن)يريد هلاّ أخّرت موتي.(4:112)

الفخر الرّازيّ: أي هلاّ أمهلتني و أخّرت أجلي إلى زمان قليل،و هو الزّيادة في أجله حتّى يتصدّق و يتزكّى.(30:18)

البروسويّ: هلاّ أمهلتني،ف(لو لا)للتّحضيض.

و قيل:(لا)زائدة للتّأكيد،و(لو)للتّمنّي،بمعنى لو أخّرتني.(9:541)

اخّرتنا

...وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ... النّساء:77

الزّمخشريّ: استزادة في مدّة الكفّ و استمهال إلى وقت آخر،كقوله: لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ المنافقون:10.(1:544)

الفخر الرّازيّ: هذا كالعلّة لكراهتهم لإيجاب القتال عليهم،أي هلاّ تركتنا حتّى نموت بآجالنا،ثمّ إنّه تعالى أجاب عن شبهتهم،فقال: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى النّساء:77.(10:186)

نحوه النّيسابوريّ.(5:86)

رشيد رضا: كما تقول لمن يرهقك عسرا في أمر:

أمهلني قليلا،أنظرني إلى أجل قريب.(5:265)

اخّرنا

وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ...

هود:8

ابن جريج: أمسكنا عنهم العذاب إلى أمّة معدودة.

(الطّبريّ 12:6)

يؤخّر

...إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ.

إبراهيم:4

الجبّائيّ: معناه إنّما يؤخّر عقابهم و مجازاتهم إلى

ص: 556

يوم القيامة،و هو اليوم الّذي تكون فيه الأبصار شاخصة عن مواضعها،لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم و لا تطرف.(الطّبرسيّ 3:321)

الطّبريّ: إنّما يؤخّر عقابهم،و إنزال العذاب بهم إلى يوم تشخص فيه أبصار الخلق،و ذلك يوم القيامة.

(13:236)

الطّوسيّ: قرأ الجماعة (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) بالياء.

و روي عن أبي عمرو بالنّون.

قال أبو عليّ: وجه القراءة بالياء أنّ الغيبة للمفرد قد تقدّم،فتكون بالياء على فَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ إبراهيم:47، (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) .و وجه القراءة بالنّون أنّه مثل الياء في المعنى،و قد تقدّم مثله كثيرا.

(6:303)

الفخر الرّازيّ: إنّما يؤخّر عقاب هؤلاء الظّالمين ليوم موصوف بصفات.(19:141)

البروسويّ: تعليل للنّهي،أي لا يؤخّر عذابهم إلاّ لأجل يوم هائل.(4:431)

الآلوسيّ: يمهلهم متمتّعين بالحظوظ الدّنيويّة و لا يعجّل عقوبتهم،و هو استئناف وقع تعليلا للنّهي السّابق،أي لا تحسبنّ اللّه تعالى غافلا عن عقوبة أعمالهم لما ترى من التّأخير،إنّما ذلك لأجل هذه الحكمة.

و إيقاع التّأخير عليهم مع أنّ المؤخّر إنّما هو عذابهم، قيل:لتهويل الخطب و تفظيع الحال،ببيان أنّهم متوجّهون إلى العذاب مرصدون لأمر ما،لا أنّهم باقون باختيارهم،و للدّلالة على أنّ حقّهم من العذاب هو الاستئصال بالمرّة،و أن لا يبقى منهم في الوجود عين و لا أثر،و للإيذان بأنّ المؤخّر ليس من جملة العذاب و عنوانه.و لو قيل:إنّما يؤخّر عذابهم لما فهم ذلك.

(13:245)

الطّباطبائيّ: إنّما يمهلهم اللّه و يؤخّر عقابهم إلى يوم يسكن فيه أبصارهم فلا تطرف،و الحال أنّهم مادّون لأعناقهم رافعون لرءوسهم،لا يقدرون على ردّ طرفهم،و قلوبهم مدهوشة خالية عن كلّ تحيّل و تدبير من شدّة هول يوم القيامة.و في الآية إنذار للظّالمين و تعزية لغيرهم.(12:82)

يقصد أخذهم و عقابهم في يوم القيامة.(12:83)

نؤخّره

وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. هود:104

الطّبريّ: و ما نؤخّر يوم القيامة عنكم أن نجيئكم به إلاّ لآن يقضى،فقضى له أجلا،فعدّه و أحصاه،فلا يأتي إلاّ لأجله ذلك،لا يتقدّم مجيئه قبل ذلك و لا يتأخّر.

(12:115)

الطّوسيّ: الضّمير في قوله:(و ما نؤخّره)عائد على قوله: يَوْمٌ مَشْهُودٌ هود:103،و هو يوم الجزاء.

و معناه الإخبار بأنّه تعالى ليس يؤخّر يوم الجزاء إلاّ ليستوفى الأجل المضروب لوقوع الجزاء فيه.(6:64)

الزّمخشريّ: قرئ (و ما يؤخّره) بالياء.

(2:293)

الفخر الرّازيّ: المعنى أنّ تأخير الآخرة و إفناء الدّنيا موقوف على أجل معدود،و كلّ ما له عدد فهو متناه،و كلّ ما كان متناهيا فإنّه لا بدّ و أن يفنى،فيلزم أن

ص: 557

يقال:إنّ تأخير الآخرة سينتهي إلى وقت لا بدّ و أن يقيم اللّه القيامة فيه،و أن تخرب الدّنيا فيه،و كلّ ما هو آت قريب.(18:59)

البروسويّ: أي و ما نؤخّر أحدا في ذلك اليوم الملحوظ بعنواني الجمع و الشّهود.(4:186)

الآلوسيّ: أي ذلك اليوم الملحوظ بعنوان الجمع و الشّهود.و نقل الحوفيّ رجوع الضّمير للجزاء.و قرأ الأعمش،و يعقوب(يؤخّره)بالياء.(12:138)

الطّباطبائيّ: أي أنّ لذلك اليوم أجلا قضى اللّه أن لا يقع قبل حلول أجله،و اللّه يحكم لا معقّب لحكمه و لا رادّ لقضائه،و لا يؤخّر اليوم إلاّ لأجل يعدّه،فإذا تمّ العدد و حلّ الأجل،حقّ القول و وقع اليوم.(11:9)

اخّرنا

...رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ... إبراهيم:44

مجاهد: معناه أنّهم أقسموا في الدّنيا أنّه ليس لهم انتقال من الدّنيا إلى الآخرة.(الطّوسيّ 6:305)

الضّحّاك: معنى التّأخّر إلى أجل قريب:الرّدّ إلى الدّنيا.(أبو حيّان 5:436)

السّدّيّ: الإمهال إلى أمد و حدّ من الزّمان.

(أبو حيّان 5:436)

الطّبريّ: أي أخّر عنّا عذابك،و أمهلنا.

(13:241)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أخّر آجالنا و أبقنا أيّاما.(الآلوسيّ 13:248)

2Lالطّوسيّ: في الآية دلالة على أنّ أهل الآخرة غير مكلّفين،بخلاف ما يقول النّجّار و جماعة من المجبّرة؛ لأنّهم لو كانوا مكلّفين لما كان لقوله: أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ معنى؛لأنّهم مكلّفون،و كانوا يؤمنون و يتخلّصون من العقاب.(6:305)

مثله الطّبرسيّ.(3:321)

الزّمخشريّ: ردّنا إلى الدّنيا و أمهلنا إلى أمد و حدّ من الزّمان قريب،نتدارك ما فرّطنا فيه من إجابة دعوتك و اتّباع رسلك.(2:383)

الفخر الرّازيّ: قال بعضهم:طلبوا الرّجعة إلى الدّنيا ليتلافوا ما فرّطوا فيه،و قال:بل طلبوا الرّجوع إلى حال التّكليف،بدليل قولهم: نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ .(19:143)

البروسويّ: أخّر آجالنا و أبقنا مقدار ما نؤمن بك و نجيب دعوتك.(4:432)

الآلوسيّ: أي عن العذاب،أو أخّر عذابنا.ففي الكلام تقدير مضاف أو تجوّز في النّسبة.(13:248)

الطّباطبائيّ: الاستمهال بمدّة قصيرة تضاف إلى عمرهم في الدّنيا حتّى يتداركوا فيه ما فوّتوه بظلمهم، و الدّليل عليه قولهم: نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ.

(12:83)

تاخّر

1- وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى...

البقرة:203

ص: 558

مجاهد: المعنى من تعجّل أو تأخّر فلا إثم عليه إلى العام القابل.(أبو حيّان 2:112)

الطّبريّ: من تأخّر إلى اليوم الثّالث من أيّام التّشريق فلا إثم عليه.(2:306)

الزّمخشريّ: من تأخّر حتّى رمى في اليوم الثّالث، و الرّمي في اليوم الثّالث يجوز تقديمه على الزّوال عند أبي حنيفة،و عند الشّافعيّ لا يجوز.(1:351)

الآلوسيّ: من تأخّر في النّفر حتّى رمى في اليوم الثّالث قبل الزّوال أو بعده-عندنا،و عند الشّافعيّ بعده فقط-فلا إثم عليه بما صنع من التّأخّر،و المراد التّخيير بين التّعجّل و التّأخّر.(2:94)

2- لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ.

الفتح:2

مجاهد: (ما تقدّم من ذنبك)قبل الرّسالة، (و ما تاخّر)بعدها.

نحوه الثّوريّ،و الطّبريّ.(القرطبيّ 16:262)

عطاء الخراسانيّ: (ما تقدّم من ذنبك)،أي من ذنب أبويك آدم و حوّاء،(و ما تاخّر)من ذنوب أمّتك.(القرطبيّ 16:263)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ما كان له من ذنب و لا همّ بذنب،و لكنّ اللّه حمّله ذنوب شيعته ثمّ غفرها له.

(القمّيّ 2:314)

ما كان له ذنب،و لكنّ اللّه سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة عليّ عليه السّلام ما تقدّم من ذنبهم و ما تأخّر.(الطّبرسيّ 5:110)

2Lمقاتل: (ما تقدّم)في الجاهليّة و ما بعدها.(الزّمخشريّ 3:541)

الثّوريّ: ما عملته في الجاهليّة من قبل أن يوحى إليك.(و ما تاخّر):كلّ شيء لم تعمله.

مثله الواحديّ.(القرطبيّ 16:262)

الإمام الرّضا عليه السّلام: عليّ بن محمّد بن الجهم قال:

حضرت مجلس المأمون و عنده الرّضا عليه السّلام،فقال المأمون:يا ابن رسول اللّه أ ليس من قولك:إنّ الأنبياء معصومون؟قال:بلى،قال:...فأخبرني عن قول اللّه تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال الرّضا عليه السّلام:لم يكن أحد عند مشركي مكّة أعظم ذنبا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛لأنّهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلاثمائة و ستّين صنما،فلمّا جاءهم بالدّعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم و قالوا: أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ * ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ.

ص:5-7

فلمّا فتح اللّه تعالى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله مكّة،قال له:

يا محمّد إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ عند مشركي أهل مكّة بدعائك توحيد اللّه فيما تقدّم و ما تأخّر،لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكّة،و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التّوحيد إذا دعا النّاس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.فقال المأمون:للّه درّك يا أبا الحسن!(العروسيّ 5:56)

ص: 559

الطّوسيّ: قيل:جعل غفرانه جزاء عن ثوابه على جهاده في فتح مكة.و قيل في معناه أقوال:

أحدها:(ما تقدّم)من معاصيك قبل النّبوّة(و ما تاخّر)منها.

الثّاني:(ما تقدّم)قبل الفتح(و ما تاخّر)عنه.

الثّالث:ما قد وقع منك و ما لم يقع على طريق الوعد، بأنّه يغفره له إذا كان.

الرّابع:(ما تقدّم)من ذنب أبيك آدم،(و ما تاخّر) عنه.

و هذه الوجوه كلّها لا تجوز عندنا،لأنّ الأنبياء عليهم السّلام لا يجوز عليهم فعل شيء من القبيح لا قبل النّبوّة و لا بعدها،لا صغيرها و لا كبيرها،فلا يمكن حمل الآية على شيء ممّا قالوه،و لا صرفها إلى آدم،لأنّ الكلام فيه كالكلام في نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و من حمل الآية على الصّغائر الّتي تقع محبطة فقوله فاسد،لأنّا قد بيّنّا أنّ شيئا من القبائح لا يجوز عليهم بحال.على أنّ الصّغائر تقع مكفّرة محبطة لا يثبت عقابها، فكيف يمتنّ اللّه تعالى على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه يغفرها له،و هو تعالى لو آخذه بها لكان ظالما.و إنّما يصحّ التّمدّح بما له المؤاخذة أو العفو عنه،فإذا غفر استحقّ بذلك الشّكر.

و للآية وجهان من التّأويل:

أحدهما:ليغفر لك(ما تقدّم)من ذنب أمّتك(و ما تاخّر)بشفاعتك و لمكانك.و أضاف الذّنب إلى النّبيّ و أراد به أمّته،كما قال: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82، يريد أهل القرية،فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه،و ذلك جائز لقيام الدّلالة عليه،كما قال: وَ جاءَ رَبُّكَ الفجر:22،و المراد و جاء أمر ربّك.

الثّاني:أراد يغفر ما أذنبه قومك إليك من صدّهم لك عن الدّخول إلى مكّة في سنة الحديبيّة،فأزال اللّه ذلك، و ستر عليك تلك الوصمة بما فتح عليك من مكّة و دخلتها في ما بعد،و لذلك جعله جزاء على جهاده في الدّخول إلى مكّة.(9:313)

نحوه الطّبرسيّ.(5:110)

الميبديّ: يذكر مثل ذلك على طريق التّأكيد،كما يقال:أعطى من رآه و من لم يره،و ضرب من لقيه و من لم يلقه.(9:207)

الزّمخشريّ: يريد جميع ما فرط منك.و قيل (ما تقدّم)من حديث مارية(و ما تاخّر)من امرأة زيد.

(3:541)

الفخر الرّازيّ: ما معنى قوله:(و ما تاخّر)؟نقول:

فيه وجوه:

أحدها:أنّه وعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّه لا يذنب بعد النّبوّة.

ثانيها:(ما تقدّم)على الفتح،(و ما تاخّر)عن الفتح.

ثالثها:العموم،يقال:اضرب من لقيت و من لا تلقاه،مع أنّ من لا يلقى لا يمكن ضربه،إشارة إلى العموم.

رابعها:من قبل النّبوّة و من بعدها،و على هذا فما قبل النّبوّة بالعفو و ما بعدها بالعصمة.

و فيه وجوه أخر ساقطة،منها قول بعضهم:

(ما تقدّم)من أمر مارية(و ما تاخّر)من أمر زينب،و هو أبعد الوجوه و أسقطها؛لعدم التئام الكلام.(28:78)

القرطبيّ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ

ص: 560

قبل الرّسالة،(و ما تاخّر)إلى وقت نزول هذه الآية.

و قيل:(ما تقدّم)قبل الفتح،(و ما تاخّر)بعد الفتح.

و قيل:(ما تقدّم)قبل نزول هذه الآية،(و ما تاخّر) بعدها.

و قيل:من ذنب أبيك إبراهيم،(و ما تاخّر)من ذنوب النّبيّين.

و قيل:(ما تقدّم)من ذنب يوم بدر،(و ما تاخّر)من ذنب يوم حنين.و ذلك أنّ الذّنب المتقدّم يوم بدر أنّه جعل يدعو و يقول:«اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا»و جعل يردّد هذا القول دفعات،فأوحى اللّه إليه:«من أين تعلم أنّي-لو أهلكت هذه العصابة-لا أعبد أبدا»فكان هذا الذّنب المتقدّم.

و أمّا الذّنب المتأخّر فيوم حنين،لمّا انهزم النّاس قال لعمّه العبّاس و لابن عمّه أبي سفيان:«ناولاني كفّا من حصباء الوادي»فناولاه فأخذه بيده،و رمى به في وجوه المشركين،و قال:«شاهت الوجوه،حم.لا ينصرون».

فانهزم القوم عن آخرهم،فلم يبق أحد إلاّ امتلأت عيناه رملا و حصباء.ثمّ نادى في أصحابه فرجعوا،فقال لهم عند رجوعهم:«لو لم أرمهم لم ينهزموا،فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى الأنفال:17،فكان هذا هو الذّنب المتأخّر.

و قال أبو عليّ الرّوذباريّ،يقول:لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك.(16:262)

البروسويّ: أي جميع ما فرط منك من ترك الأولى و تسميته ذنبا بالنّظر إلى منصبه الجليل؛لأنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،على ما قاله أبو سعيد الخرّاز.

2Lقال بعضهم: أي جميع ما صدر منك قبل النّبوّة و بعدها ممّا يطلق عليه الذّنب.

قال في شرح المواقف:حمله على ما تقدّم على النّبوّة و ما تأخّر عنها،لا دلالة للّفظ عليه؛إذ يجوز أن يصدر عنه قبل النّبوّة صغيرتان أحدهما متقدّمة على الأخرى.

و فيه أنّه يصحّ أن يطلق على كلّ من الصّغيرتين أنّهما قبل النّبوّة،فإنّ التّقدّم و التّأخّر إضافيّ،و هو اللاّئح.

قال ابن عطاء:لمّا بلغ عليه السّلام سدرة المنتهى ليلة المعراج قدّم هو و أخّر جبريل،فقال لجبريل:تتركني في هذا الموضع وحدي،فعاتبه اللّه حين سكن إلى جبريل، فقال: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ؛ فيكون كلّ من الذّنبين بعد النّبوّة.[ثمّ ذكر قول الميبديّ و تعقّبه بقوله:]

لكن فيه أنّه خارج من أدب العبارة.(9:8)

الآلوسيّ: المتقدّم و المتأخّر للإحاطة كناية عن الكلّ.(26:91)

الطّباطبائيّ: المراد بالذّنب-و اللّه أعلم-التّبعة السّيّئة الّتي لدعوته صلّى اللّه عليه و آله عند الكفّار و المشركين،و هو ذنب لهم عليه كما في قول موسى لربّه: وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ الشّعراء:14،و ما تقدّم من ذنبه هو ما كان منه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة قبل الهجرة و ما تأخّر من ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة،و مغفرته تعالى لذنبه هي ستره عليه بإبطال تبعته بإذهاب شوكتهم و هدم بنيتهم، و يؤيّد ذلك ما يتلوه من قوله: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ إلى أن قال: وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً الفتح:3.

و للمفسّرين في الآية مذاهب مختلفة أخر:

ص: 561

فمن ذلك:أنّ المراد«بذنبه»صلّى اللّه عليه و آله ما صدر عنه من المعصية،و المراد«بما تقدّم منه و ما تأخّر»ما صدر عنه قبل النّبوّة و بعدها.و قيل:ما صدر قبل الفتح و ما صدر بعده.و فيه أنّه مبنيّ على جواز صدور المعصية عن الأنبياء عليهم السّلام،و هو خلاف ما يقطع به الكتاب و السّنّة و العقل من عصمتهم عليهم السّلام.و قد تقدّم البحث عنه،في الجزء الثّاني من الكتاب و غيره.على أنّ إشكال عدم الارتباط بين الفتح و المغفرة على حاله.

و من ذلك:أنّ المراد«بمغفرة ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر»،مغفرة ما وقع من معصيته و ما لم يقع بمعنى الوعد بمغفرة ما سيقع منه إذا وقع،لئلاّ يرد الإشكال بأنّ مغفرة ما لم يتحقّق من المعصية لا معنى له.و فيه مضافا إلى ورود ما ورد على سابقه عليه أنّ مغفرة ما سيقع من المعصية قبل وقوعه تلازم ارتفاع التّكاليف عنه صلّى اللّه عليه و آله عامّة، و يدفعه نصّ كلامه تعالى في آيات كثيرة،كقوله تعالى:

إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ الزّمر:2،و قوله: وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ الزّمر:12،إلى غير ذلك من الآيات الّتي تأبى بسياقها التّخصيص.

على أنّ من الذّنوب و المعاصي مثل الشّرك باللّه، و افتراء الكذب على اللّه،و الاستهزاء بآيات اللّه، و الإفساد في الأرض،و هتك المحارم،و إطلاق مغفرة الذّنوب يشملها،و لا معنى لأن يبعث اللّه عبدا من عباده فيأمره أن يقيم دينه على ساق و يصلح به الأرض،فإذا فتح له و نصره و أظهره على ما يريد يجيز له مخالفة ما أمره و هدم ما بناه و إفساد ما أصلحه بمغفرة كلّ مخالفة و معصية منه،و العفو عن كلّ ما تقوّله و افتراه على اللّه،و فعله تبليغ كقوله،و قد قال تعالى: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ الحاقّة:44-46.

و من ذلك قول بعضهم:إنّ المراد بمغفرة ما تقدّم من ذنبه مغفرة ما تقدّم من ذنب أبويه آدم و حوّاء عليهما السّلام ببركته صلّى اللّه عليه و آله و المراد بمغفرة ما تأخّر منه مغفرة ذنوب أمّته بدعائه.و فيه ورود ما ورد على ما تقدّم عليه.

و من ذلك:أنّ الكلام في معنى التّقدير و إن كان في سياق التّحقيق،و المعنى ليغفر لك اللّه قديم ذنبك و حديثه لو كان لك ذنب.و فيه أنّه أخذ بخلاف الظّاهر من غير دليل.

و من ذلك:أنّ القول خارج مخرج التّعظيم و حسن الخطاب،و المعنى غفر اللّه لك،كما في قوله تعالى: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:43.و فيه أنّ العادة جرت في هذا النّوع من الخطاب أن يورد بلفظ الدّعاء كما قيل.

و من ذلك:أنّ المراد بالذّنب في حقّه صلّى اللّه عليه و آله ترك الأولى،و هو مخالفة الأوامر الإرشاديّة دون التّمرّد عن امتثال التّكاليف المولويّة،و الأنبياء على ما هم عليه من درجات القرب يؤاخذون على ترك ما هو أولى كما يؤاخذ غيرهم على المعاصي المعروفة،كما قيل:حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.

و من ذلك:ما ارتضاه جمع من أصحابنا من أنّ المراد «بمغفرة ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر»مغفرة ما تقدّم من ذنوب أمّته و ما تأخّر منها بشفاعته صلّى اللّه عليه و آله،و لا ضير في

ص: 562

إضافة ذنوب أمّته صلّى اللّه عليه و آله إليه للاتّصال و السّبب بينه و بين أمّته.و هذا الوجه و الوجه السّابق عليه سليمان عن عامّة الإشكالات،لكن إشكال عدم الارتباط بين الفتح و المغفرة على حاله.

و من ذلك:ما عن علم الهدى رحمه اللّه،أنّ الذّنب مصدر،و المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل و المفعول معا، فيكون هنا مضافا إلى المفعول،و المراد ما تقدّم من ذنبهم إليك في منعهم إيّاك من مكّة و صدّهم لك عن المسجد الحرام،و يكون معنى«المغفرة»على هذا،الإزالة و النّسخ لأحكام أعدائه من المشركين،أي يزيل اللّه تعالى ذلك عنك،و يستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من مكّة فتدخلها فيما بعد.

و هذا الوجه قريب المأخذ ممّا قدّمنا من الوجه، و لا بأس به لو لم يكن فيه بعض المخالفة لظاهر الآية.

(18:254)

يتأخّر

لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ. المدّثّر:37

ابن عبّاس: من شاء اتّبع طاعة اللّه،و من شاء تأخّر عنها.(الطّبريّ 29:164)

هذا تهديد و إعلام أنّ من تقدّم إلى الطّاعة و الإيمان بمحمّد جوزي بثواب لا ينقطع،و من تأخّر عن الطّاعة و كذّب محمّدا عوقب عقابا لا ينقطع.(القرطبيّ 19:86)

الحسن: هذا وعيد و تهديد و إن خرج مخرج الخبر، كقوله تعالى: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف:29.(القرطبيّ 19:86)

2Lقتادة: (يتقدّم)في طاعة اللّه،(او يتأخّر)في معصيته.(الطّبريّ 29:164)

السّدّيّ: (ان يتقدّم)إلى النّار المتقدّم ذكرها،(او يتأخّر)عنها إلى الجنّة.(أبو حيّان 8:379)

الإمام الكاظم عليه السّلام: كلّ من تقدّم إلى ولايتنا تأخّر عن سقر،و كلّ من تأخّر عن ولايتنا تقدّم إلى سقر.(الطّبرسيّ 5:391)

الزّجّاج: (ان يتقدّم)إلى المأمورات(او يتأخّر)عن المنهيّات.(أبو حيّان 8:379)

الطّوسيّ: معناه إنّ هذا الإنذار متوجّه إلى من يمكنه أن يتّقي عذاب النّار،بأن يجتنب معاصيه و يفعل طاعاته،فيقدر على التّقدّم و التّأخّر في أمره بخلاف ما يقوله المجبّرة الّذين يقولون بتكليف ما لا يطاق لمنع القدرة.(10:185)

الزّمخشريّ: معناه مطلق لمن شاء التّقدّم أو التّأخّر (ان يتقدّم او يتأخّر)،و المراد بالتّقدّم و التّأخّر السّبق إلى الخير و التّخلّف عنه،و هو كقوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف:29.(4:186)

ابن عطيّة: هو بيان في النّذارة و إعلام بأنّ كلّ أحد يسلك طريق الهدى و الحقّ إذا حقّق النّظر؛إذ هو بعينه يتأخّر عن هذه الرّتبة بغفلته و سوء نظره.

(أبو حيّان 8:379)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:إنّه سبحانه عبّر عن الإيمان و الطّاعة بالتّقدّم، لأنّ صاحبه متقدّم في العقول و الدّرجات،و عن الكفر و المعصية بالتّأخّر،لأنّه متأخّر في العقول و الدّرجات.

ص: 563

(5:391)

القرطبيّ: اللاّم متعلّقة ب(نذيرا)،أي نذيرا لمن شاء منكم أن يتقدّم إلى الخير و الطّاعة،أو يتأخّر إلى الشّرّ و المعصية،نظيره: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ، أي في الخير، وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ عنه.الحجر:24.

و قال بعض أهل التّأويل:معناه لمن شاء اللّه(ان يتقدّم او يتأخّر)،فالمشيئة متّصلة باللّه جلّ ثناؤه، و التّقديم:الإيمان،و التّأخير:الكفر.(19:86)

أبو حيّان: [نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و هو معنى لا يتبادر إلى الذّهن،و فيه حذف.[و نقل قول الزّجّاج ثمّ قال:]

و الظّاهر العموم في كلّ نفس.(8:379)

البروسويّ: (ان يتقدّم)إلى مقام الشّريعة(او يتأخّر)إلى مقام الطّبيعة.(10:239)

الآلوسيّ: (منكم)الجارّ و المجرور بدل من الجارّ و المجرور فيما سبق،أعني(للبشر)و ضمير(شاء) للموصول،أي(نذيرا)للمتمكّنين منكم من السّبق إلى الخير و التّخلّف عنه.[إلى أن قال:]

و فسّر بعضهم التّقدّم بالإيمان و التّأخّر بالكفر و قيل:ضمير(شاء)للّه تعالى،أي(نذيرا)لمن شاء اللّه تعالى منكم تقدّمه أو تأخّره.و جوّز أن يكون(لمن) خبرا مقدّما،و(ان يتقدّم او يتأخّر)مبتدأ،كقولك لمن توضّأ أن يصلّي،[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و لا يخفى أنّ اللّفظ يحتمله،لكنّه بعيد جدّا.

(29:131)

2Lالطّباطبائيّ: المراد بالتّقدّم و التّأخّر الاتّباع للحقّ و مصداقه الإيمان و الطّاعة،و عدم الاتّباع و مصداقه الكفر و المعصية.و المعنى نذيرا لمن اتّبع منكم الحقّ و لمن لم يتّبع،أي لجميعكم من غير استثناء.(20:95)

يستاخرون

1- وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. الأعراف:34

الطّبريّ: لا يتأخّرون بالبقاء في الدّنيا، و لا يتمتّعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم،و حين حلول أجل فنائهم،ساعة من ساعات الزّمان.

(8:167)

الطّوسيّ: معنى(لا يستاخرون)لا يتأخّرون،و إنّما قيل(لا يستأخرون)من أجل أنّهم لا يطلبون التّأخّر، فهو أبلغ في المعنى من لا يتأخّرون،لأنّ الاستئخار طلب التّأخّر.(4:421)

الطّبرسيّ: أي لا يتأخّرون ساعة عن ذلك الوقت...

و قيل معناه:لا يطلبون التّأخّر عن ذلك الوقت للإياس عنه.(2:415)

الفخر الرّازيّ: المراد أنّه لا يتأخّر عن ذلك الأجل المعيّن لا بساعة و لا بما هو أقلّ من ساعة،إلاّ أنّه تعالى ذكر السّاعة،لأنّ هذا اللّفظ أقلّ أسماء الأوقات.

(14:68)

القاسميّ: أي لا يتركون بعد الأجل شيئا قليلا من الزّمان،و لا يهلكون قبله كذلك.(7:3675)

ص: 564

رشيد رضا: أي فإذا جاء أجل كلّ أمّة كان عقابهم فيه لا يتأخّرون عنه أقلّ تأخّر كما أنّهم لا يتقدّمون عنه إذا لم يجئ،أو لا يملكون طلب تأخيره كما أنّهم لا يملكون طلب تقديمه.

و قد قالوا:إنّ«استقدم»ورد بمعنى قدم و أقدم و تقدّم،كما ورد«استجاب»بمعنى أجاب،و مثله استأخر.

و لا يمنع هذا كون الأصل في السّين و التّاء للطّلب أو مظنّة الطّلب.و الطّلب قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل،فمن أتى سبب الشّيء كان طالبا له بالفعل،و إن كان غافلا عن استتباعه له،فالأمّة الّتي ترتكب أسباب الهلاك تكون طالبة له بلسان حالها و استعدادها و لا بدّ أن يأتيها،لأنّ هذا الطّلب هو الّذي لا يردّ.

و مفهوم الشّرط هنا أنّ الأمّة قد تملك طلب تأخير الهلاك قبل مجيء أجله،أي قبل أن تغلبها على نفسها و على إرادتها أسباب الهلاك؛ذلك بأن تترك الفواحش و الآثام و الظّلم و البغي و الفساد في الأرض،و الإسراف في التّرف المفسد للأخلاق،و خرافات الشّرك المفسدة للعقول و الأعمال،و كذا التّكاليف التّقليديّة بتكثير ما ابتدع من العبادات و المحرّمات الّتي لم يخاطب الرّبّ بها العباد.و المراد أن يكون الغالب على الأمّة الصّلاح؛ لإصلاح جميع الأفراد.(8:403)

نحوه المراغيّ.(8:142)

المصطفوي: أي لا يتأخّرون و لا يتقدّمون و لا يوجد منهم ميل أو طلب إلى التّأخّر و التّقدّم أيضا، و هذا التّعبير يدلّ على كمال اللّطف و الرّحمة من اللّه المتعال؛بحيث لا يبقى حين حلول الأجل اقتضاء في تقدّمه و تأخّره،حتّى يوجب الطّلب و الميل إلى خلافه.

(1:33)

2- ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ.

الحجر:5

الطّبريّ: ما يتقدّم هلاك أمّة قبل أجلها الّذي جعله اللّه أجلا لهلاكها،و لا يستأخر هلاكها عن الأجل الّذي جعل لها أجلا.(14:6)

الطّوسيّ: لا تتأخّر عن أجلها الّذي قدّر لها،بل إذا استوفت أجلها أهلكها اللّه.(6:318)

نحوه الطّبرسيّ.(3:329)

القرطبيّ: أي لا تتجاوز أجلها فتزيد عليه،و لا تتقدّم قبله.و نظيره قوله تعالى: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34.

(10:3)

أبو حيّان: أنّث(أجلها)على لفظ(أمّة)،و جمع و ذكّر في(و ما يستاخرون)حملا على المعنى،و حذف «عنه»لدلالة الكلام عليه.(5:446)

البروسويّ: أي و ما يتأخّرون عنه،و إنّما حذف لأنّه معلوم،و لرعاية الفواصل،و صيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له،و أمّا تأنيث ضمير(أمّة)في(اجلها)،و تذكيره في(يستاخرون) فللحمل على اللّفظ تارة و على المعنى أخرى.

(4:442)

الآلوسيّ: صيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم عن

ص: 565

ذلك مع طلبهم له.و إيثار صيغة المضارع في الفعلين بعد ما ذكر نفي الإهلاك بصيغة الماضي،لأنّ المقصود بيان دوامهما فيما بين الأمم الماضية و الباقية،و له نظائر في الكتاب الكريم.

و إسنادهما إلى الأمّة بعد إسناد الإهلاك إلى القرية لما أنّ السّبق و الاستئخار حال الأمّة بدون القرية،مع ما في الأمّة من العموم لأهل تلك القرى و غيرهم ممّن أخّرت عقوباتهم إلى الآخرة.و تأخير عدم سبقهم-مع كون المقام مقام المبالغة في بيان تحقّق عذابهم-إمّا باعتبار تقدّم السّبق في الوجود،و إمّا باعتبار أنّ المراد بيان سرّ تأخير عذابهم مع استحقاقهم لذلك.

و أورد الفعل على صيغة جمع المذكّر رعاية لمعنى (أمّة)مع التّغليب،كما روعي لفظها أوّلا مع رعاية الفواصل،و لهذا حذف الجارّ و المجرور،و الجملة مبيّنة لما سبق؛و لذا فصلت.و المعنى أنّ تأخير عذابهم إلى يوم الودادة-حسبما أشير إليه-إنّما هو لتأخير أجلهم المقدّر لما يقتضيه من الحكم،و من جملة ذلك ما علم اللّه تعالى من إيمان بعض من يخرج منهم،قاله شيخ الإسلام.

(14:11)

المصطفويّ: إشارة إلى كمال النّظم و نهاية التّدبير في خلق اللّه تعالى؛بحيث لا يمكن السّبق فيها و لا طلب التّأخير منهم بأيّ سبب كان.(1:34)

لا تستاخرون

قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ. سبأ:30

2Lالفخر الرّازيّ: قد ذكرنا في سورة الأعراف:34.

أنّ قوله:(لا يستاخرون)يوجب الإنذار،لأنّ معناه عدم المهلة عن الأجل،و لكنّ الاستقدام ما وجهه؟و ذكرنا هناك وجهه.و نذكرها هنا أنّهم لمّا طلبوا الاستعجال بيّن أنّه لا استعجال فيه كما لا إمهال،و هذا يفيد عظم الأمر و خطر الخطب،و ذلك لأنّ الأمر الحقير إذا طالبه طالب من غيره لا يؤخّره و لا يوقفه على وقت،بخلاف الأمر الخطير.(25:258)

البروسويّ: الاستئخار:التّأخّر،و الاستقدام:

التّقدّم،و في هذا الجواب من المبالغة في التّهديد ما لا يخفى؛ حيث جعل الاستئخار في الاستحالة كالاستقدام الممتنع عقلا.(7:296)

الطّباطبائيّ: أمر منه تعالى أن يجيبهم بأنّ لهم ميعاد يوم مقضيّ محتوم لا يتخلّف عن الوقوع فهو واقع قطعا،و لا يختلف وقت وقوعه البتّة،أي إنّ اللّه وعد به وعدا لا يخلفه،إلاّ أنّ وقت وقوعه مستور لا يعلمه إلاّ اللّه سبحانه.(16:377)

المستاخرين

وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ. الحجر:24

ابن عبّاس: يعنى ب(المستقدمين)من مات، و يعني ب(المستاخرين)من هو حيّ لم يمت.

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 14:24)

سعيد بن جبير: (المستقدمين)في صفوف الحرب و(المستاخرين)فيها.(أبو حيّان 5:451)

ص: 566

1Lالشّعبيّ: ما استقدم في أوّل الخلق،و ما استأخر في آخر الخلق.

(المستقدمين)في العصر،و(المستأخرين)منكم في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء.(الطّبريّ 14:25)

مجاهد: المستقدمون:ما مضى من الأمم، و المستأخرون:أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الطّبريّ 14:25)

عكرمة: المستقدمون:من قد خلق و من خلا من الأمم،و المستأخرون:من لم يخلق.

هم خلق اللّه كلّهم،و قد علم من خلق منهم إلى اليوم،و قد علم من هو خالقه بعد اليوم.

إنّ اللّه خلق الخلق ففرغ منهم،فالمستقدمون:من خرج من الخلق،و المستأخرون:من بقي في أصلاب الرّجال لم يخرج.(الطّبريّ 14:23)

الضّحّاك: (المستقدمين منكم)يعني الأموات منكم،(المستاخرين):بقيّتهم،و هم الأحياء،يقول:

علمنا من مات و من بقي.(الطّبريّ 14:23)

الحسن: المستقدمون في طاعة اللّه،و المستأخرون في معصية اللّه.

(المستقدمين)في الخير،و(المستاخرين)،يقول:

المبطئين عنه.(الطّبريّ 14:25)

ابن كعب القرظيّ: (المستقدمين منكم):الميّت و المقتول،و(المستاخرين):من يلحق بهم من بعد.

(الطّبريّ 14:23)

قتادة: المستقدمون:آدم و من بعده،حتّى نزلت هذه الآية،و المستأخرون:كلّ من كان من ذرّيّته.

(الطّبريّ 14:24)

ابن زيد: المستقدمون منكم:الّذين مضوا في أوّل الأمم،و المستأخرون:الباقون.(الطّبريّ 14:24)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و أولى الأقوال عندي في ذلك بالصّحّة قول من قال:

معنى ذلك و لقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم،فتقدّم موته، وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الّذين استأخر موتهم ممّن هو حيّ،و من هو حادث منكم ممّن لم يحدث بعد،لدلالة ما قبله من الكلام،و هو قوله: وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ الحجر:23،و ما بعده، و هو قوله: وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ. على أنّ ذلك كذلك؛إذ كان بين هذين الخبرين،و لم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدلّ على خلافه،و لا جاء بعد.

و جائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصّفّ لشأن النّساء،و المستأخرين فيه لذلك،ثمّ يكون اللّه عزّ و جلّ عمّ بالمعنى المراد منه جميع الخلق،فقال جلّ ثناؤه لهم:قد علمنا ما مضى من الخلق و أحصيناهم، و ما كانوا يعملون،و من هو حيّ منكم و من هو حادث بعدكم أيّها النّاس،و أعمال جميعكم خيرها و شرّها، و أحصينا جميع ذلك،و نحن نحشر جميعهم،فنجازي كلاّ بأعماله إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا،فيكون ذلك تهديدا و وعيدا للمستأخرين في الصّفوف لشأن النّساء، و لكلّ من تعدّى حدّا للّه،و عمل بغير ما أذن له به، و وعدا لمن تقدّم في الصّفوف لسبب النّساء،و سارع إلى محبّة اللّه و رضوانه في أفعاله كلّها.(14:26)

الزّمخشريّ: من استقدم ولادة و موتا،و من تأخّر

ص: 567

من الأوّلين و الآخرين،أو من خرج من أصلاب الرّجال و من لم يخرج بعد،أو من تقدّم في الإسلام و سبق إلى الطّاعة و من تأخّر.

و قيل:(المستقدمين)في صفوف الجماعة و(المستاخرين).(2:390)

الفخر الرّازيّ:قيل:أراد ب(المستقدمين)الصّفّ الأوّل من أهل الصّلاة،و ب(المستاخرين)الصّفّ الآخر.

[إلى أن قال:]

و اعلم أنّه تعالى لمّا قال: وَ إِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ اتبعه بقوله: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ تنبيها على أنّه لا يخفى على اللّه شيء من أحوالهم،فيدخل فيه علمه تعالى بتقدّمهم و تأخّرهم في الحدوث و الوجود،و بتقدّمهم و تأخّرهم في أنواع الطّاعات و الخيرات.و لا ينبغي أن نخصّ الآية بحالة دون حالة.(19:178)

أبو حيّان: [نقل قول مجاهد،و قتادة،و الحسن و غيرهم ثمّ قال:]

و الأولى حمل هذه الأقوال على التّمثيل لا على الحصر،و المعنى أنّه تعالى محيط علمه بمن تقدّم و بمن تأخّر و بأحوالهم.(5:451)

البروسويّ: استأخر بمعنى تأخّر،أي من تأخّر منكم ولادة و موتا،يعني الآخرين إلى يوم القيامة،أو من تقدّم في الإسلام و الجهاد،و سبق إلى الطّاعة و من تأخّر في ذلك،لا يخفى علينا شيء من أحوالكم.

(4:455)

الآلوسيّ: [نقل قول ابن عبّاس،و مجاهد،و قتادة ثمّ قال:]

و روي عن معتمر أنّه قال: بلغنا أنّ الآية في القتال، فحدّثت أبي فقال:لقد نزلت قبل أن يفرض القتال.

فعلى هذا أخذ الجهاد في عموم الطّاعة ليس بشيء على أنّه ليس في تفسير ذلك ب«المستقدمين و المستأخرين» فيها كمال مناسبة.

قال الرّبيع بن أنس: حرّض النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على الصّفّ الأوّل في الصّلاة،فازدحم النّاس عليه،و كان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد، فقالوا:نبيع دورنا و نشتري دورا قريبة من المسجد، فأنزل اللّه تعالى الآية.و أنت تعلم أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب،و من هنا قال بعضهم:الأولى الحمل على العموم،أي علمنا من اتّصف بالتّقدّم و التّأخّر في الولادة و الموت و الإسلام و صفوف الصّلاة و غير ذلك.

(14:32)

الطّباطبائيّ: لمّا كانت الآيات السّابقة الّتي تعدّ النّعم الإلهيّة،و تصف التّدبير مسوقة لبيان وحدانيّته تعالى في ربوبيّته،و كان لا ينفع الخلق و النّظم من غير انضمام علمه تعالى و خاصّة بمن يحييه و يميته عقّبها بهذه الآية الدّالّة على علمه بمن استقدم منهم بالوجود و من استأخر،أي المتقدّمين من النّاس و المتأخّرين،على ما يفيده السّياق.

و قيل:المراد بالمستقدمين المستقدمون في الخير، و قيل:المستقدمون في صفوف الحرب،و قيل:

المستقدمون إلى الصّفّ الأوّل في صلاة الجماعة،

ص: 568

و المستأخرون خلافهم،و هي أقوال رديئة.

(12:146)

المصطفويّ: الفرق بين التّأخّر و الاستئخار في قولهم:أخّرته فتأخّر و استأخر،فالتّأخّر للمطاوعة الصّرفة،و في الاستئخار مضافة إلى المطاوعة دلالة على الطّلب المكنون في باطنه،فكأنّه يحبّ الاستئخار قبل أن يتأخّر،أي من كان يحبّ التّقدّم و يطلبه ثمّ تقدّم،و من كان يحبّ التّأخّر و تأخّر.(1:33)

آخر

1- وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً... التّوبة:102

الحسن:(عملا صالحا):خروجا إلى الجهاد، (و أخر سيّئا):تخلّفا عنه.(الزّمخشريّ 2:212)

مثله السّدّيّ.(الآلوسيّ 11:12)

الكلبيّ: إنّ الأوّل:التّوبة،و الثّاني:الإثم.

(الآلوسيّ 11:12)

الطّبريّ: الآخر السّيّئ هو تخلّفهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،حين خرج غازيا،و تركهم الجهاد مع المسلمين.

فإن قال قائل:و كيف قيل: خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً، و إنّما الكلام خلطوا عملا صالحا بآخر سيّئ؟

قيل:قد اختلف أهل العربيّة في ذلك،فكان بعض نحوييّ البصرة يقول:قيل ذلك كذلك،و جائز في العربيّة أن يكون بآخر،كما تقول:استوى الماء و الخشبة،أي بالخشبة،و خلطت الماء و اللّبن.

و أنكر آخرون أن يكون نظير قولهم:استوى الماء و الخشبة،و اعتلّ في ذلك بأنّ الفعل في الخلط عامل في الأوّل و الثّاني.و جائز تقديم كلّ واحد منهما على صاحبه،و أنّ تقديم الخشبة على الماء غير جائز في قولهم:استوى الماء و الخشبة،و كان ذلك عندهم دليلا على مخالفة ذلك الخلط.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أنّه بمعنى قولهم:

خلطت الماء و اللّبن،بمعنى خلطته باللّبن.(11:12)

الطّوسيّ: أي بآخر سيّئ،مثله قولك:خلطت الماء و اللّبن أي باللّبن.و قد يستعمل ذلك في الجمع من غير امتزاج،كقولهم:خلطت الدّراهم و الدّنانير.

و قال قوم:هو يجري مجرى قولهم:استوى الماء و الخشبة،أي مع الخشبة.(5:336)

البغويّ: أي بعمل آخر سيّئ،وضع الواو موضع الباء،كما يقال:خلطت الماء و اللّبن،أي باللّبن.

و العمل السّيّئ هو تخلّفهم عن النّبيّ.(3:117)

الميبديّ: (عملا صالحا):التّوبة.(و أخر شيئا):

النّفاق.(4:206)

الطّبرسيّ: يعني أنّهم يفعلون أفعالا جميلة، و يفعلون أفعالا سيّئة قبيحة،و التّقدير:و عملا آخر سيّئا.(3:66)

القرطبيّ: الواو في قوله:(و أخر سيّئا)قيل:هي بمعنى«الباء»،و قيل:بمعنى«مع»،كقولك:استوى الماء و الخشبة.و أنكر ذلك الكوفيّون،و قالوا:لأنّ الخشبة لا يجوز تقديمها على الماء،(و آخر)في الآية يجوز تقديمه على الأوّل،فهو بمنزلة خلطت الماء و اللّبن.(8:244)

ص: 569

البروسويّ: هو ما صدر عنهم من الأعمال السّيّئة أوّلا و آخرا،فيدخل فيه التّخلّف عن غزوة تبوك.

و تبديل الواو بالباء،حيث لم يقل:بآخر،يؤذن بكون كلّ منهما مخلوطا به،و هو أبلغ،فإنّ قولك:خلطت الماء باللّبن،يقتضي إيراد الماء على اللّبن دون العكس، و قولك:خلطت الماء و اللّبن،معناه إيقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص أحدهما بكونه مخلوطا، و الآخر بكونه مخلوطا به.

قال الحدّاديّ: يقال:خرجوا إلى الجهاد مرّة و تخلّفوا مرّة فجمعوا بين العمل الصّالح و العمل السّيّئ،كما يقال:

خلط الدّنانير و الدّراهم،أي جمعهما،و خلط الماء و اللّبن،أي أحدهما بآخر.(3:494)

الآلوسيّ: قيل:العمل الصّالح يعمّ جميع البرّ و الطّاعة،و السّيّئ ما كان ضدّه.و الواو بمعنى الباء،كما نقل عن سيبويه في قولهم:بعت الشّاء شاة و درهما،و هو من باب الاستعارة،لأنّ الباء للإلصاق و الواو للجمع، و هما من واد واحد.

و ادّعى بعضهم أنّ ما في الآية نوع من البديع يسمّى الاحتباك،و الأصل خلطوا عملا صالحا بآخر سيّئ، و خلطوا آخر سيّئا بعمل صالح،و هو خلاف الظّاهر.

(11:12)

القاسميّ: (عملا صالحا):كالنّدم و ما سبق من طاعتهم،(و آخر سيّئا):كالتّخلّف عن الجهاد.

(8:3247)

2- ...ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ... المؤمنون:14

ابن عبّاس: الرّوح.(الطّبريّ 18:9)

خرج من بطن أمّه بعد ما خلق،فكان من بدء خلقه الآخر أن استهلّ،ثمّ كان من خلقه أن دلّ على ثدي أمّه، ثمّ كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه،إلى أن قعد،إلى أن حبا (1)،إلى أن قام على رجليه،إلى أن مشى،إلى أن فطم،فعلم كيف يشرب و يأكل من الطّعام،إلى أن بلغ الحلم،إلى أن بلغ أن يتقلّب في البلاد.

(الطّبريّ 18:10)

أبو العالية: نفخ فيه الرّوح،فهو الخلق الآخر الّذي ذكر.

نحوه عكرمة،و الشّعبيّ،و الضّحّاك.

(الطّبريّ 18:10)

مجاهد: حين استوى به الشّباب.

(الطّبريّ 18:11)

الضّحّاك: يقال:الخلق الآخر بعد خروجه من بطن أمّه بسنّه و شعره.(الطّبريّ 18:10)

الحسن: ثمّ أنشأناه ذكرا و أنثى.

(الطّبرسيّ 4:101)

قتادة: هو نبات الشّعر و الأسنان،و إعطاء الفهم.

(الطّبرسيّ 4:101)

ابن زيد: الرّوح الّذي جعله فيه.(الطّبريّ 18:10)

الطّبريّ: إنشاؤه إيّاه خلقا آخر نفخة الرّوح فيه، فيصير حينئذ إنسانا،و كان قبل ذلك صورة[و قال بعد نقل أقوال المفسّرين:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال:عنىه.

ص: 570


1- زحف على يديه و رجليه.

بذلك نفخ الرّوح فيه،و ذلك أنّه بنفخ الرّوح فيه يتحوّل خلقا آخر إنسانا،و كان قبل ذلك بالأحوال الّتي وصفه اللّه أنّه كان بها،من نطفة و علقة و مضغة و عظم؛و بنفخ الرّوح فيه يتحوّل عن تلك المعاني كلّها إلى معنى الإنسانيّة،كما تحوّل أبوه آدم بنفخ الرّوح في الطّينة الّتي خلق منها إنسانا و خلقا آخر غير الطّين الّذي خلق منه.

(18:11)

الزّمخشريّ: أي خلقا مباينا للخلق الأوّل مباينة ما أبعدها؛حيث جعله حيوانا و كان جمادا،و ناطقا و كان أبكم،و سميعا و كان أصمّ،و بصيرا و كان أكمه (1).

و أودع باطنه و ظاهره بل كلّ عضو من أعضائه و كلّ جزء من أجزائه عجائب فطرة و غرائب حكمة،لا تدرك بوصف الواصف،و لا تبلغ بشرح الشّارح.(3:27)

ابن عطيّة: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و هذا التّخصيص كلّه لا وجه له و إنّما هو عامّ في هذا و غيره من وجوه من النّطق و الإدراك و حسن المحاولة هو بها(آخر)و أوّل رتبة من كونه(آخر)هي نفخ الرّوح فيه و الطّرف الآخر من كونه(آخر)تحصيله المعقولات.

(4:138)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول الزّمخشريّ و ابن عبّاس ثمّ قال:]في الآية دلالة على بطلان قول النّظّام في أنّ الإنسان هو الرّوح لا البدن،فإنّه سبحانه بيّن أنّ الإنسان هو المركّب من هذه الصّفات،و فيها دلالة أيضا على بطلان قول الفلاسفة الّذين يقولون:إنّ الإنسان شيء لا ينقسم،و إنّه ليس بجسم.(23:85)

الطّباطبائيّ: قد غيّر السّياق من الخلق إلى الإنشاء،فقال: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ دون أن يقال:

ثمّ خلقناه إلخ،للدّلالة على حدوث أمر حديث ما كان يتضمّنه و لا يقارنه ما تقدّمه من مادّة،فإنّ العلقة مثلا و إن خالفت النّطفة في أوصافها و خواصّها من لون و طعم و غير ذلك إلاّ أنّ في النّطفة مكان كلّ من هذه الأوصاف و الخواصّ ما يجانسه و إن لم يماثله،كالبياض مكان الحمرة و هما جميعا لون،بخلاف ما أنشأه اللّه أخيرا و هو الإنسان الّذي له حياة و علم و قدرة،فإنّ ما له من جوهر الذّات،و هو الّذي نحكي عنه بأنّه لم يسبق من سنخه في المراحل السّابقة-أعني النّطفة و العلقة و المضغة و العظام المكسوّة لحما-شيء،و لا سبق فيها شيء يناظر ما له من الخواصّ و الأوصاف كالحياة و القدرة و العلم،فهو منشأ حادث مسبوق بالعدم.(15:20)

3- وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ...

المؤمنون:117

الطّوسيّ: معناه إنّ من دعا مع اللّه إلها سواه لا يكون له على ذلك برهان و لا حجّة.(7:402)

نحوه الطّبرسيّ.(4:122)

الآلوسيّ: إفرادا أو إشراكا،أو من يعبد مع عبادة اللّه تعالى إلها آخر كذلك،و يتحقّق هذا في الكافر إذا أفرد معبوده الباطل بالعبادة تارة و أشركه مع اللّه تعالى أخرى،و قد يقتصر على إرادة الإشراك في الوجهين، و يعلم حال من عبد غير اللّه سبحانه إفرادا بالأولى.

و ذكر(آخر)قيل:إنّه للتّصريح بألوهيّته تعالى،ي.

ص: 571


1- أكمه:أعمى،من كمه يكمه،أي عمي.

و للدّلالة على الشّريك فيها و هو المقصود،فليس ذكره تأكيدا لما تدلّ عليه المعيّة و إن جوّز ذلك،فتأمّل.

(18:71)

الطّباطبائيّ: المراد من دعاء إله آخر مع اللّه دعاؤه مع وجوده تعالى لا دعاؤه تعالى و دعاؤه إله آخر معا،فإنّ المشركين جلّهم أو كلّهم لا يدعون اللّه تعالى و إنّما يدعون ما أثبتوه من الشّركاء،و يمكن أن يكون المراد بالدّعاء الإثبات،فإنّ إثبات إله آخر،لا ينفكّ عن دعائه.(15:73)

4- وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ. ص:58

ابن مسعود:هو الزّمهرير.(الطّبريّ 23:178)

الحسن:و آخر لم ير في الدّنيا.

(الطّبريّ 23:178)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و الكوفة: وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ على التّوحيد،بمعنى هذا حميم و غسّاق فليذوقوه، و عذاب آخر من نحو الحميم ألوان و أنواع،كما يقال:لك عذاب من فلان ضروب و أنواع.و قد يحتمل أن يكون مرادا ب«الأزواج»الخبر عن الحميم و الغسّاق و آخر من شكله،و ذلك ثلاثة فقيل:أزواج،يراد أن ينعت بالأزواج تلك الأشياء الثّلاثة.

و قرأ ذلك بعض المكّيّين و بعض البصريّين(و أخر) على الجماع،و كأنّ من قرأ ذلك كذلك كان عنده لا يصلح أن يكون الأزواج-و هي جمع-نعتا لواحد،فلذلك جمع (آخر)لتكون الأزواج نعتا لها،و العرب لا تمنع أن ينعت الاسم إذا كان فعلا بالكثير و القليل و الاثنين كما بيّنّا؛ فتقول:عذاب فلان أنواع،و نوعان مختلفان.

و أعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها(و آخر)على التّوحيد و إن كانت الأخرى صحيحة،لاستفاضة القراءة بها في قرّاء الأمصار،و إنّما اخترنا التّوحيد لأنّه أصحّ مخرجا في العربيّة،و أنّه في التّفسير بمعنى التّوحيد.

(23:178)

أبو زرعة: قرأ أبو عمرو (و أخر من شكله ازواج) بضمّ الألف.و قرأ الباقون(و غسّاق.و آخر)واحدا.

و من أفرد فإنّه عطف على قوله: حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ ص:57،(و آخر)أي و عذاب آخر من شكله،أي مثل ذلك.و حجّته ما روي عن ابن مسعود أنّه قال في تفسير قوله: وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ الزّمهرير.فتفسيره حجّة لمن قرأ(و آخر)بالتّوحيد؛لأنّ الزّمهرير واحد.

فإن قيل:لم جاز أن ينعت«الآخر»و هو واحد في اللّفظ ب(ازواج)و هي جمع؟قيل:إنّ الأزواج نعت للحميم و الغسّاق و الآخر،فهي ثلاثة.

و حجّة من قرأ(أخر)على الجمع أنّ الأخر قد نعتت بالجمع،فدلّ على أنّ المنعوت جمع مثله.

قال سفيان: لو كانت(و آخر)لم يقل:(ازواج)، و قال:زوج.

و قال الزّجّاج: من قرأ(و أخر)فالمعنى و أقوام أخر، لأنّ قوله:(ازواج)معناه أنواع.(615)

الطّوسيّ: معناه أنواع أخر من شكل العذاب.و من قرأ(و آخر)أراد الواحد،و من قرأ(و أخر)أراد الجمع.(8:575)

ص: 572

نحوه الطّبرسيّ.(4:482)

الزّمخشريّ: و مذوقات أخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشّدّة و الفظاعة.و قرئ(و آخر)أي و عذاب آخر،أو و مذوق آخر.و(ازواج)صفة ل(آخر)،لأنّه يجوز أن يكون ضروبا،أو صفة للثّلاثة، و هي حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ* وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ. (3:379)

الفخر الرّازيّ: قرأ أبو عمرو(و أخر)بضمّ الألف على جمع أخرى،أي أصناف أخر من العذاب،و هو قراءة مجاهد.و الباقون(آخر)على الواحد،أي عذاب آخر.

أمّا على القراءة الأولى فقوله:(و أخر)أي و مذوقات أخر من شكل هذا المذوق،أي من مثله في الشّدّة و الفظاعة.

و أمّا على القراءة الثّانية فالتّقدير:و عذاب أو مذوق آخر.(26:221)

أبو حيّان: قرأ الجمهور(و آخر)على الإفراد، فقيل:مبتدأ خبره محذوف،تقديره:و لهم عذاب آخر.

و قيل:خبره في الجملة،لأنّ قوله:(ازواج)مبتدأ، و(من شكله)خبره،و الجملة خبر(و آخر).

و قيل:خبره(ازواج)،و(من شكله)في موضع الصّفة.

و جاز أن يخبر بالجمع عن الواحد من حيث هو درجات و رتب من العذاب،أو سمّي كلّ جزء من ذلك الآخر باسم الكلّ.(7:406)

الآخر

1- وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً...

يوسف:36

الطّبريّ: و قال الآخر من الفتيين.(12:215)

النّقّاش: اسم أحدهما شرهم،و الآخر سرهم.

الأوّل بالشّين المعجمة،و الآخر بالسّين المهملة.

(القرطبيّ 9:189)

الطّوسيّ: (الآخر):صاحب طعامه.(6:138)

مثله الطّبرسيّ.(3:232)

الآلوسيّ: هو الخبّاز،و اسمه مجلث.(12:239)

2-و جاءت كلمة(آخر)بهذا المعنى في آية«41» من هذه السّورة أيضا.

آخران

...فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما... المائدة:107

سعيد بن جبير: يعني الورثة.(الطّوسيّ 4:51)

الزّمخشريّ: فشاهدان آخران.(1:651)

الفخر الرّازيّ: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميّت فيحلفان باللّه،لقد ظهرنا على خيانة الذّمّيّين و كذبهما و تبديلهما،و ما اعتدينا في ذلك و ما كذبنا.

(12:119)

القرطبيّ: قال:(آخران)بحسب أنّ الورثة كانا اثنين.و ارتفع(آخران)بفعل مضمر.(6:358)

أبو حيّان: (آخران)مبتدأ و الخبر(يقومان)، و يكون قد وصف بقوله:(من الّذين)،أو يكون قد وصف بقوله:(يقومان)و الخبر(من الّذين)،و لا يضرّ الفصل بين الصّفة و الموصوف بالخبر.أو يكونان صفتين لقوله:(فاخران).

ص: 573

و يرتفع(آخران)على خبر مبتدإ محذوف،أي فالشّاهدان آخران.و يجوز عند بعضهم أن يرتفع على الفاعل،أي فليشهد آخران.(4:45)

البروسويّ: أي رجلان آخران،و هو مبتدأ خبره (يَقُومانِ مَقامَهُما) .(2:456)

مثله الآلوسيّ.(7:50)

الطّباطبائيّ: شاهدان آخران يقومان مقامهما في اليمين على شهادتهما عليهما بالكذب و الخيانة.

(6:198)

آخرون

1- وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً... التّوبة:102

ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في عشرة أنفس تخلّفوا عن غزوة تبوك فيهم أبو لبابة،فربط سبعة منهم أنفسهم إلى سواري المسجد إلى أن قبلت توبتهم.

إنّها نزلت في قوم من الأعراب.(الطّوسيّ 5:335)

مجاهد: نزلت في أبي لبابة،قال لبني قريظة ما قال.

(الطّبريّ 11:15)

الزّهريّ: نزلت في أبي لبابة خاصّة حين تأخّر عن تبوك.(الطّوسيّ 5:35)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و أولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك قول من قال:

نزلت هذه الآية في المعترفين بخطإ فعلهم،في تخلّفهم عن رسول اللّه،و تركهم الجهاد معه،و الخروج لغزو الرّوم، حين شخص إلى تبوك و إنّ الّذين نزل ذلك فيهم جماعة أحدهم أبو لبابة.(11:16)

الطّوسيّ: [نقل قول ابن عبّاس و أضاف:]

و قيل:كانوا سبعة،منهم أبو لبابة.

و أكثر المفسّرين ذكروا أنّ أبا لبابة كان من جملة المتأخّرين عن تبوك.[و قال بعد نقل القول الثّاني لابن عبّاس:]

و قيل:نزلت في خمسة عشر نفسا ممّن تأخّر عن تبوك.(5:335)

الميبديّ: أي و من أهل المدينة قوم آخرون سوى المذكورين.(4:206)

الطّبرسيّ: (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) ،يعني من أهل المدينة أو من الأعراب آخرون أقرّوا بذنوبهم،و ليس براجع إلى المنافقين.(3:66)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

الأوّل:أنّهم قوم من المنافقين تابوا عن النّفاق.

و الثّاني:أنّهم قوم من المسلمين تخلّفوا عن غزوة تبوك،لا للكفر و النّفاق لكن للكسل،ثمّ ندموا على ما فعلوا ثمّ تابوا.

و احتجّ القائلون بالقول الأوّل بأنّ قوله:(آخرون) عطف على قوله: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ، و العطف يوهم التّشريك،إلاّ أنّه تعالى وفّقهم حتّى تابوا،فلمّا ذكر الفريق الأوّل بالمرود على النّفاق و المبالغة فيه وصف هذه الفرقة بالتّوبة و الإقلاع عن النّفاق.(16:174)

أبو حيّان: نزلت في عشرة رهط تخلّفوا عن غزوة تبوك،فلمّا دنا الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من المدينة

ص: 574

أوثق سبعة منهم[أنفسهم]

و قيل:كانوا ثمانية،منهم:كردم،و مرداس،و أبو قيس،و أبو لبابة.

و قيل:سبعة،و قيل:ستّة،أوثق ثلاثة منهم أنفسهم بسواري المسجد،فيهم أبو لبابة.

و قيل:كانوا خمسة،و قيل:ثلاثة:أبو لبابة بن عبد المنذر،و أوس بن ثعلبة،و وديعة بن خذام الأنصاريّ.

و قيل:نزلت في أبي لبابة وحده،و يبعد ذلك من لفظ(و آخرون)،لأنّه جمع.(5:94)

الآلوسيّ: بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمر الدّين،و لم يكونوا منافقين على الصّحيح.

و قيل:هم طائفة من المنافقين،إلاّ أنّهم وفّقوا للتّوبة فتاب اللّه عليهم.(11:11)

الطّباطبائيّ: أي من الأعراب جماعة آخرون مذنبون لا ينافقون مثل غيرهم بل اعترفوا بذنوبهم،لهم عمل صالح و عمل آخر سيّئ،خلطوا هذا بذلك،من المرجوّ أن يتوب اللّه عليهم إنّ اللّه غفور رحيم.

(9:376)

2- وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ... التّوبة:106

ابن عبّاس: نزلت في الثّلاثة الّذين خلّفوا قبل التّوبة عليهم:هلال بن أميّة الواقفيّ،و مرارة بن الرّبيع العامريّ،و كعب بن مالك.

مثله عكرمة،و مجاهد،و الضّحّاك،و قتادة،و ابن إسحاق.(أبو حيّان 5:97)

2Lالطّبريّ: قيل:عني بهؤلاء الآخرين نفر ممّن كان تخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في غزوة تبوك فندموا على ما فعلوا،و لم يعتذروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عند مقدمه،و لم يوثقوا أنفسهم بالسّواري،فأرجأ اللّه أمرهم إلى أن صحّت توبتهم، فتاب عليهم و عفا عنهم.(11:21)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى قسّم المتخلّفين عن الجهاد ثلاثة أقسام:

الأوّل:المنافقون الّذين مردوا على النّفاق.

الثّاني:التّائبون،و هم المرادون بقوله: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، و بيّن تعالى أنّه قبل توبتهم.

الثّالث:الّذين بقوا موقوفين،و هم المذكورون في هذه الآية.و الفرق بين القسم الثّاني و بين هذا الثّالث، أنّ أولئك سارعوا إلى التّوبة و هؤلاء لم يسارعوا إليها.(16:191)

أبو حيّان: قيل:نزلت في المنافقين المعرضين للتّوبة مع بنائهم مسجد الضّرار.

و قال الأصمّ: يعني المنافقين أرجاهم اللّه فلم يخبر عنهم بما علم منهم،و حذّرهم بهذه الآية إن لم يتوبوا.

(5:97)

البروسويّ: (و آخرون)عطف على(آخرون) قبله،أي و من المتخلّفين من أهل المدينة و من حولها من الأعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين.

(3:502)

نحوه الآلوسيّ.(11:16)

الطّباطبائيّ: هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على

ص: 575

المستضعفين الّذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، و إن ورد في أسباب النّزول أنّ الآية نازلة في الثّلاثة الّذين خلّفوا ثمّ تابوا،فأنزل اللّه توبتهم على رسوله صلّى اللّه عليه و آله.

و كيف كان فالآية تخفي ما يؤول إليه عاقبة أمرهم و تبقيها على إبهامها حتّى فيما ذيّلت به من الاسمين الكريمين(العليم)و(الحكيم)الدّالّين على أنّ اللّه سبحانه يحكم فيهم بما يقتضيه علمه و حكمته،و هذا بخلاف ما ذيّل قوله: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ؛ حيث قال: عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:102.(9:381)

3- ...وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ... الفرقان:4

ابن عبّاس: أشاروا إلى قوم عبيد كانوا للعرب من الفرس:أبو فكيهة مولى الحضرميّين،و جبر،و يسار، و عداس،و غيرهم.(أبو حيّان 6:481)

مجاهد:قالوا:أعانه عليه اليهود.

(الطّوسيّ 7:471)

الضّحّاك: عنوا أبا فكيهة الرّوميّ.

(أبو حيّان 6:481)

الحسن: قالوا أعانه عليه عبد حبشيّ،يعني الحضرميّ.(الطّوسيّ 7:471)

المبرّد: عنوا بقوم آخرين:المؤمنين،لأنّ«آخر» لا يكون إلاّ من جنس الأوّل.(أبو حيّان 6:481)

الطّبريّ: ذكر أنّهم كانوا يقولون:إنّما يعلّم محمّدا هذا الّذي يجيئنا به اليهود،فذلك قوله: وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ. (18:181)

الزّمخشريّ: قيل:هم اليهود،و قيل:عداس مولى حويطب بن عبد العزّى،و يسار مولى العلاء بن الحضرميّ و أبو فكيهة الرّوميّ.قال ذلك النّضر بن الحارث بن عبد الدّار.(3:81)

الطّبرسيّ: قالوا:أعان محمّدا صلّى اللّه عليه و آله على هذا القرآن عداس مولى حويطب بن عبد العزّى، و يسار غلام العلاء بن الحضرميّ،و جبر مولى عامر، و كانوا من أهل الكتاب.(4:161)

نحوه الفخر الرّازيّ.(24:50)

أبو حيّان: [قال بعد نقل قول المبرّد:]

و ما قاله لا يلزم الاشتراك في جنس الإنسان، و لا يلزم الاشتراك في الوصف،أ لا ترى إلى قوله: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ أُخْرى كافِرَةٌ آل عمران:13، فقد اشتركتا في مطلق الفئة و اختلفتا في الوصف؟

(6:481)

البروسويّ: أي اليهود،فإنّهم يلقون إليه أخبار الأمم،و هو يعبّر عنها بعبارته.(6:190)

مثله الآلوسيّ.(18:234)

الطّباطبائيّ: السّياق لا يخلو من إيماء إلى أنّ المراد ب«القوم الآخرين».بعض أهل الكتاب.

و قد ورد في بعض الآثار أنّ«القوم الآخرين»هم عداس مولى حويطب بن عبد العزّى،و يسار مولى العلاء بن الحضرميّ،و جبر مولى عامر،كانوا من أهل الكتاب يقرءون التّوراة أسلموا،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يتعهّدهم،فقيل ما قيل.(15:180)

ص: 576

آخرين

1- ...وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ... المائدة:41

جابر بن زيد: يهود فدك يقولون ليهود المدينة:

إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ (الطّبريّ 6:235)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في السّمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين،فقال بعضهم:سمّاعون لقوم آخرين:يهود فدك،و القوم الآخرون الّذين لم يأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:يهود المدينة و قال آخرون:المعنيّ بذلك قوم من اليهود،كان أهل المرأة الّتي بغت بعثوا بهم يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الحكم فيها،و الباعثون بهم هم القوم الآخرون، و هم أهل المرأة الفاجرة،لم يكونوا أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قول من قال:إنّ السّمّاعين للكذب هم السّمّاعون لقوم آخرين،و قد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود المدينة،و المسموع لهم من يهود فدك،و يجوز أن يكونوا كانوا من غيرهم،غير أنّه أيّ ذلك كان،فهو من صفة قوم من يهود سمعوا الكذب على اللّه في حكم المرأة الّتي كانت بغت فيهم و هي محصنة،و أنّ حكمها في التّوراة التّحميم و الجلد.

و سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الحكم اللاّزم لها،و سمعوا ما يقول فيها قوم المرأة الفاجرة،قبل أن يأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم محتكمين إليه فيها،و إنّما سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك لهم ليعلموا أهل المرأة الفاجرة ما يكون من جوابه لهم، فإن لم يكن من حكمه الرّجم رضوا به حكما فيهم،و إن كان من حكمه الرّجم حذروه و تركوا الرّضا به و بحكمه.

(6:235)

الزّمخشريّ: يعني اليهود الّذين لم يصلوا إلى مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و تجافوا عنه،لما أفرط فيهم من شدّة البغضاء و تبالغ من العداوة،أي قابلون من الأحبار،و من أولئك المفرطين في العداوة الّذين لا يقدرون أن ينظروا إليك.

و قيل:سمّاعون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأجل قوم آخرين من اليهود وجّهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منه.

و قيل:السّمّاعون:بنو قريظة،و القوم الآخرون:

يهود خيبر.(1:613)

نحوه الفخر الرّازيّ.(11:232)

أبو حيّان: يحتمل أن يكون المعنى سمّاعون لكذب قوم آخرين لم يأتوك،أي كذبهم.و الّذين لم يأتوه:يهود فدك.و قيل:يهود خيبر،و قيل:أهل الرّأيين،و قيل:

أهل الخصام في القتل و الدّية.

و يحتمل أن يكون المعنى سمّاعون لأجل قوم آخرين،أي هم عيون لهم و جواسيس يسمعون منك و ينقلون لقوم آخرين.و هذا الوصف يمكن أن يتّصف به المنافقون و يهود المدينة.

و قيل:السّمّاعون:بنو قريظة،و القوم الآخرون:

يهود خيبر.و قيل لسفيان بن عيينة:هل جرى ذكر الجاسوس في كتاب اللّه؟فقال:نعم،و تلا هذه الآية

ص: 577

سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (3:487)

الآلوسيّ: (آخرين)صفة(لقوم)،و جملة (لَمْ يَأْتُوكَ) صفة أخرى.(6:136)

2- سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ... النّساء:91

ابن عبّاس: نزلت في ناس كانوا يأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيسلمون رياء،ثمّ يرجعون إلى قريش و يرتكسون في الأوثان،يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا و هاهنا،فأمر اللّه بقتالهم إن لم يعتزلوا و يصلحوا.

مثله مجاهد.(الطّوسيّ 3:288)

مثله الآلوسيّ.(15:111)

الحسن: إنّهم من المنافقين.(أبو حيّان 3:319)

قتادة: حيّ كانوا بتهامة،قالوا:يا نبيّ اللّه لا نقاتلك و لا نقاتل قومنا،و أرادوا أن يأمنوا نبيّ اللّه و يأمنوا قومهم فأبى اللّه ذلك عليهم،فقال: كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها النّساء:91.(الطّبريّ 5:202)

السّدّيّ: نزلت هذه الآية في نعيم بن مسعود الأشجعيّ،و كان يأمن في المسلمين و المشركين،ينقل الحديث بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المشركين.

(الطّبريّ 5:202)

مقاتل:نزلت في أسد و غطفان.

(الطّبرسيّ 2:89)

الطّبريّ: هؤلاء فريق آخر من المنافقين،كانوا يظهرون الإسلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه،ليأمنوا به عندهم من القتل و السّباء و أخذ الأموال،و هم كفّار،يعلم ذلك منهم قومهم،إذا لقوهم كانوا معهم و عبدوا ما يعبدونه من دون اللّه،ليأمنوهم على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و ذراريهم.(5:201)

الزّمخشريّ: هم قوم من بني أسد و غطفان،كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا و عاهدوا ليأمنوا المسلمين،فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا و نكسوا عهودهم.(1:552)

الطّبرسيّ: قيل:نزلت في عيينة بن حصن الفزاريّ،و ذلك أنّه أجدبت بلادهم،فجاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وادعه على أن يقيم ببطن نخل و لا يتعرّض له،و كان منافقا ملعونا،و هو الّذي سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الأحمق المطاع في قومه.و هو المرويّ عن الصّادق عليه السّلام.

يعني قوما آخرين غير الّذين وصفتهم قبل.

(2:89)

أبو حيّان: لمّا ذكر صفة المحقّين في المتاركة،المجدّين في إلقاء السّلم،نبّه على طائفة أخرى مخادعة،يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم،يقولون لهم:نحن معكم و على دينكم،و يقولون للمسلمين كذلك إذا وجدوا.

[و قال بعد نقل أقوال ابن عبّاس،و السّدّيّ،و قتادة:]

و الظّاهر من قوله: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) أنّهم قوم غير المستثنين في قوله: إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ النّساء:

90.

و ذهب قوم إلى أنّها بمنزلة الآية الأولى،و القوم الّذين نزلت فيهم هم الّذين نزلت فيهم الأولى،و جاءت مؤكّدة لمعنى الأولى مقرّرة لها.(3:318)

الطّباطبائيّ: إخبار بأنّه سيواجهكم قوم آخرون،ربّما شابهوا الطّائفة الثّانية من الطّائفتين

ص: 578

المستثناتين؛حيث إنّهم يريدون أن يأمنوكم و يأمنوا قومهم،غير أنّ اللّه سبحانه يخبر أنّهم منافقون غير مأمونين في مواعدتهم و موادعتهم،و لذا بدّل الشّرطين المثبتين في حقّ غيرهم،أعني قوله: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ النّساء:90،بالشّرط المنفيّ،أعني قوله: فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ النّساء:91،إلخ.و هذا في معنى تنبيه المؤمنين على أن يكونوا على حذر منهم،و معنى الآية ظاهر.(5:31)

3- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ...

النّساء:133

ابن عبّاس: الخطاب للمشركين و المنافقين، و المعنى و يأت بآخرين منكم.(أبو حيّان 3:367)

الطّبريّ: و يأت بناس آخرين غيركم؛لمؤازرة نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نصرته.

و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّها لمّا نزلت،ضرب بيده على ظهر سلمان،فقال:«هم قوم هذا»،يعني عجم الفرس.(5:319)

الزّمخشريّ: يوجد إنسا آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس.(1:570)

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون وعيدا لجميع بني آدم،و يكون«الآخرون»من غير نوعهم،كما أنّه قد روي أنّه كان في الأرض ملائكة يعبدون اللّه قبل بني آدم.(أبو حيّان 3:367)

أبو حيّان: ظاهره أنّ الخطاب لمن تقدّم له الخطاب أوّلا.

و قال أبو سليمان الدّمشقيّ: الخطاب للكفّار،و هو تهديد لهم،كأنّه قال:إن يشأ يهلككم كما أهلك من قبلكم؛إذ كفروا برسله.

و قيل:للمؤمنين يطلق عليه اسم النّاس،و المعنى إن شاء يهلككم كما أنشأكم و أنشأ قوما آخرين يعبدونه.

و قال الطّبريّ:الخطاب للّذين شفعوا في طعمة بن أبيرق،و خاصم و خاصموا عنه في أمر خيانته في الدّرع و الدّقيق.

و هذا التّأويل بعيد،و قد يظهر العموم فيكون خطابا للعالم الحاضر الّذي يتوجّه إليه الخطاب و النّداء،(و يات بآخرين)،أي بناس غيركم.فالمأتيّ به من نوع المذهب، فيكون من جنس المخاطب المنادى،و هم النّاس.

[و قال بعد نقل قول الزّمخشريّ و ابن عطيّة:]

و ما جوّزه لا يجوز،لأنّ مدلول«آخر»في اللّغة هو مدلول غير خاصّ بجنس ما تقدّم،فلو قلت:جاء زيد و آخر معه،أو مررت بامرأة و أخرى معها،أو اشتريت فرسا و آخر،و سابقت بين حمار و آخر،لم يكن«آخر» و لا«أخرى»مؤنّثه و لا تثنيته و لا جمعه إلاّ من جنس ما يكون قبله.

و لو قلت:اشتريت ثوبا و آخر،و يعني به غير ثوب لم يجز.فعلى هذا تجويزهم أن يكون قوله:(بآخرين)من غير جنس ما تقدّم و هم النّاس،ليس بصحيح.و هذا هو الفرق بين«غير»و بين«آخر».لأنّ«غيرا»تقع على المغاير في جنس أو في صفة،فتقول:اشتريت ثوبا و غيره،فيحتمل أن يكون ثوبا و يحتمل أن يكون غير

ص: 579

ثوب،و قلّ من يعرف هذا الفرق.(3:367)

البروسويّ: أي يوجد دفعة مكانكم قوما آخرين من البشر،أو خلقا آخرين مكان الإنس.(2:299)

الآلوسيّ:أي يوجد مكانكم دفعة قوما آخرين من البشر،فالخطاب لنوع من النّاس.

و جوّز الزّمخشريّ و ابن عطيّة و مقلّدوهما أن يكون المراد(خلقا آخرين)أي جنسا غير جنس النّاس.

و تعقّبه أبو حيّان بأنّه خطأ،و كونه من قبيل المجاز-كما قيل-لا يتمّ به المراد؛لمخالفته لاستعمال العرب،فإنّ «غيرا»تقع على المغاير في جنس أو وصف،و«آخر» لا يقع إلاّ على المغايرة بين أبعاض جنس واحد.[ثمّ نقل قول الحريريّ و قال:]

و في«الدّرّ المصون»:إنّ هذا غير متّفق عليه،و إنّما ذهب إليه كثير من النّحاة و أهل اللّغة،و ارتضاه نجم الأئمّة الرّضيّ،إلاّ أنّه يرد على الزّمخشريّ و من معه:أنّ (آخرين)صفة موصوف محذوف.و الصّفة لا تقوم مقام موصوفها إلاّ إذا كانت خاصّة نحو:مررت بكاتب،أو إذا دلّ الدّليل على تعيين الموصوف،و هنا ليست بخاصّة، فلا بدّ أن يكون من جنس الأوّل لتدلّ على المحذوف.

و قال ابن يسعون و الصّقليّ و جماعة:إنّ العرب لا تقول:مررت برجلين و آخر،لأنّه إنّما يقابل«آخر» ما كان من جنسه تثنية و جمعا و إفرادا.

و قال ابن هشام:هذا غير صحيح،لقول ربيعة بن مكدّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما يعنون بكونه من جنس ما قبله أن يكون اسم الموصوف ب«آخر»في اللّفظ أو التّقدير يصحّ وقوعه على المتقدّم الّذي قوبل بآخر على جهة التّواطؤ،و لذلك لو قلت:جاءني زيد و آخر،كان سائغا،لأنّ التّقدير:

و رجل آخر،و كذا جاءني زيد و أخرى،تريد نسمة أخرى،و كذا اشتريت فرسا و مركوبا آخر،سائغ و إن كان المركوب الآخر جملا،لوقوع المركوب عليهما بالتّواطؤ.

فإن كان وقوع الاسم عليهما على جهة الاشتراك المحض-فإن كانت حقيقتهما واحدة-جازت المسألة، نحو:قام أحد الزّيدين و قعد الآخر،و إن لم تكن حقيقتهما واحدة لم تجز،لأنّه لم يقابل به ما هو من جنسه نحو:رأيت المشتري و المشتري الآخر،تريد بأحدهما الكوكب،و بالآخر مقابل البائع.

و هل يشترط مع التّواطؤ اتّفاقهما في التّذكير؟فيه خلاف،فذهب المبرّد إلى عدم اشتراطه،فيجوز:

جاءتني جاريتك و إنسان آخر،و اشترطه ابن جنّيّ، و الصّحيح ما ذهب إليه المبرّد.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما ذكر من أنّ«آخر»يقابل به ما تقدّمه من جنسه، هو المختار،و إلاّ فقد يستعملونه من غير أن يتقدّمه شيء من جنسه.

و زعم أبو الحسن أنّ ذلك لا يجوز إلاّ في الشّعر،فلو قلت:جاءني آخر،من غير أن تتكلّم قبله بشيء من صنفه لم يجز،و لو قلت:أكلت رغيفا،و هذا قميص آخر، لم يحسن.

و في المسائل الصّغرى للأخفش في باب عقده لتحقيق هذه المسألة:أنّ العرب لا تستعمل«آخر»إلاّ فيما هو من صنف ما قبله،فلو قلت:أتاني صديق لك

ص: 580

و عدوّ لك آخر،لم يحسن،لأنّه لغو من الكلام،و هو يشبه«سائرا»و«بقيّة»و«بعضا»في أنّه لا يستعمل إلاّ في جنسه،فلو قلت:ضربت رجلا و تركت سائر النّساء،لم يكن كلاما،و قد يجوز ما امتنع بتأويل، كرأيت فرسا و حمارا آخر،نظرا إلى أنّه دابّة.

و في الحديث:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وجد خفّة في مرضه فقال:انظروا من أتّكئ عليه، فجاءت بريرة و رجل آخر فاتّكأ عليهما».

و حاصل هذا أنّه لا يوصف بآخر إلاّ ما كان من جنس ما قبله،لتتبيّن مغايرته في محلّ يتوهّم فيه اتّحاده و لو تأويلا،و حينئذ لا يكون ما ذكره الزّمخشريّ نصّا في الخطأ،و مخالفة استعمال العرب المعوّل عليه عند الجمهور.(5:164)

الطّباطبائيّ: السّياق-و هو الدّعوة إلى ملازمة التّقوى الّذي أوصى اللّه به هذه الأمّة،و من قبلهم من أهل الكتاب-يدلّ على أنّ إظهار الاستغناء و عدم الحاجة المدلول عليه بقوله:(ان يشأ)إنّما هو في أمر التّقوى.و المعنى أنّ اللّه وصّاكم جميعا بملازمة التّقوى فاتّقوه،و إن كفرتم فإنّه غنيّ عنكم،و هو المالك لكلّ شيء،المتصرّف فيه كيفما شاء و لما شاء إن يشأ أن يعبد و يتّقى،و لم تقوموا بذلك حقّ القيام،فهو قادر أن يؤخّركم و يقدّم آخرين يقومون لما يحبّه و يرتضيه، وَ كانَ اللّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً.

و على هذا،فالآية ناظرة إلى تبديل النّاس إن كانوا غير متّقين بآخرين من النّاس يتّقون اللّه.و قد روي أنّ الآية لمّا نزلت ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده على ظهر سلمان و قال:«إنّهم قوم هذا»،و هو يؤيّد هذا المعنى، و عليك بالتّدبّر فيه.

و أمّا ما احتمله بعض المفسّرين أنّ المعنى إن يشأ يفنكم و يوجد قوما آخرين مكانكم أو خلقا آخرين مكان الإنس،فمعنى بعيد عن السّياق.نعم،لا بأس به في مثل: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَ ما ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ إبراهيم:19،20.(5:103)

4- ...وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ...

الأنفال:60

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:هم الجنّ.(الآلوسيّ 10:26)

مثله ابن عبّاس،و الطّبريّ.(الآلوسيّ 10:27)

مجاهد: بنو قريظة.(الطّبريّ 10:31)

الحسن: المنافقون،لا يعلم المسلمون أنّهم أعداؤهم،و هم أعداؤهم.(الطّبرسيّ 2:555)

مثله مقاتل(الآلوسيّ 10:26)،و ابن زيد (الطّبرسيّ 2:555).

السّدّيّ: هؤلاء أهل فارس.(الطّبريّ 10:31)

ابن زيد: هم كلّ عدوّ للمسلمين،غير الّذي أمر النّبيّ أن يشرّد بهم من خلفهم.(الطّبريّ 10:31)

الجبّائيّ: كلّ من لا تعرفون عداوته داخل فيه.

(الطّوسيّ 5:174)

الطّبريّ: إنّ قول من قال:عني به الجنّ،أقرب و أشبه بالصّواب،لأنّه جلّ ثناؤه قد أدخل بقوله:

وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ الأمر بارتباط الخيل،لإرهاب كلّ عدوّ للّه،و للمؤمنين

ص: 581

يعلمونهم.

و لا شكّ أنّ المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة و فارس لهم،لعلمهم بأنّهم مشركون،و أنّهم لهم حرب، و لا معنى لأن يقال:و هم يعلمونهم لهم أعداء، وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ و لكن معنى ذلك -إن شاء اللّه-ترهبون بارتباطكم أيّها المؤمنون الخيل عدوّ اللّه و أعداءكم من بني آدم،الّذين قد علمتم عداوتهم لكم،لكفرهم باللّه و رسوله،و ترهبون بذلك جنسا آخر من غير بني آدم،لا تعلمون أماكنهم و أحوالهم،اللّه يعلمهم دونكم،لأنّ بني آدم لا يرونهم.

و قيل:إنّ صهيل الخيل يرهب الجنّ،و إنّ الجنّ لا تقرب دارا فيها فرس.

فإن قال قائل:فإنّ المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون،فما تنكر أن يكون عني بذلك المنافقون؟

قيل:فإنّ المنافقين لم يكن تروّعهم خيل المسلمين و لا سلاحهم،و إنّما كان يروّعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم الّتي كانوا يستسرّون من الكفر،و إنّما أمر المؤمنون بإعداد القوّة لإرهاب العدوّ،فأمّا من لم يرهبه ذلك فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون، و قيل:(لا تعلمونهم)فاكتفى للعلم بمنصوب واحد في هذا الموضع،لأنّه أريد لا تعرفونهم.[ثمّ استشهد بشعر](10:32)

الزّمخشريّ: هم اليهود،و قيل:المنافقون،و قيل:

كفرة الجنّ.(2:166)

الفخر الرّازيّ: المراد أنّ تكثير آلات الجهاد و أدواتها كما يرهب الأعداء الّذين نعلم كونهم أعداء، كذلك يرهب الأعداء الّذين لا نعلم أنّهم أعداء،ثمّ فيه وجوه:

الأوّل:و هو الأصحّ أنّهم هم المنافقون،و المعنى أنّ تكثير أسباب الغزو كما يوجب رهبة الكفّار،فكذلك يوجب رهبة المنافقين.

فإن قيل:المنافقون لا يخافون القتال فكيف يوجب ما ذكرتموه الإرهاب؟

قلنا:هذا الإرهاب من وجهين:

الأوّل:أنّهم إذا شاهدوا قوّة المسلمين و كثرة آلاتهم و أدواتهم انقطع عنهم طمعهم من أن يصيروا مغلوبين،و ذلك يحملهم على أن يتركوا الكفر في قلوبهم و بواطنهم،و يصيروا مخلصين في الإيمان.

و الثّاني:أنّ المنافق من عادته أن يتربّص ظهور الآفات و يحتال في إلقاء الإفساد و التّفريق فيما بين المسلمين،فإذا شاهد كون المسلمين في غاية القوّة خافهم و ترك هذه الأفعال المذمومة.

القول الثّاني:في هذا الباب ما رواه ابن جريج عن سليمان بن موسى،قال:المراد كفّار الجنّ.

القول الثّالث:أنّ المسلم كما يعاديه الكافر فكذلك قد يعاديه المسلم أيضا،فإذا كان قويّ الحال كثير السّلاح،فكما يخافه أعداؤه من الكفّار،فكذلك يخافه كلّ من يعاديه مسلما كان أو كافرا.(15:186)

القرطبيّ:يعني فارس و الرّوم،قاله السّدّيّ.

و قيل:الجنّ،و هو اختيار الطّبريّ.

و قيل:المراد بذلك كلّ من لا تعرف عداوته.

قال السّهيليّ: قيل:هم قريظة،و قيل:هم من

ص: 582

الجنّ،و قيل غير ذلك.

و لا ينبغي أن يقال فيهم شيء،لأنّ اللّه سبحانه قال:

وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ فكيف يدّعي أحد علما بهم،إلاّ أن يصحّ حديث جاء في ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو قوله في هذه الآية:«هم الجنّ».(8:38)

أبو حيّان: قال ابن زيد:هم المنافقون،و هذا أظهر،لأنّه قال: لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ أي لا تعلمون أعيانهم و أشخاصهم.إذ هم متستّرون عن أن تعلموهم بالإسلام.فالعلم هنا كالمعرفة تعدّى إلى واحد،و هو متعلّق بالذّوات و ليس متعلّقا بالنّسبة.و من جعله متعلّقا بالنّسبة فقدّر مفعولا ثانيا محذوفا و قدّره «محاربين»،فقد أبعد،لأنّ حذف مثل هذا دون تقدّم ذكر ممنوع عند بعض النّحويّين و عزيز جدّا عند بعضهم، فلا يحمل القرآن عليه مع إمكان حمل اللّفظ على غيره و تمكّنه من المعنى.

و قدّره بعضهم(لا تعلمونهم)فازعين راهبين(اللّه يعلمهم)بتلك الحالة.و الظّاهر أن يكون إشارة إلى المنافقين كما قلنا على جهة الطّعن عليهم و التّنبيه على سوء حالهم،و ليستريب بنفسه كلّ من يعلم منها نفاقا إذا سمع الآية،و بفزعهم و رهبتهم غنى كبير في ظهور الإسلام و علوّه.(4:513)

البروسويّ: أي ترهبون به أيضا عدوّا آخرين من غيرهم من الكفرة كاليهود و المنافقين و الفرس،و منهم كفّار الجنّ،فإنّ صهيل الفرس يخوّفهم.(3:365)

الطّباطبائيّ: في قوله: وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ دلالة على أنّ المراد ب«الأوّلين»هم الّذين يعرفهم المؤمنون بالعداوة للّه و لهم،و المراد بهؤلاء الّذين لا يعلمهم المؤمنون-على ما يعطيه إطلاق اللّفظ-كلّ من لا خبرة للمؤمنين بتهديده إيّاهم بالعداوة،و من المنافقين الّذين هم في كسوة المؤمنين و صورتهم،يصلّون و يصومون و يحجّون و يجاهدون ظاهرا،و من غير المنافقين من الكفّار الّذين لم يبتل بهم المؤمنون بعد.

(9:116)

5- وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ. الأنبياء:11

الطّبريّ: و أحدثنا بعد ما أهلكنا هؤلاء الظّلمة،من أهل هذه القرية الّتي قصمناها بظلمها قوما آخرين سواهم.(17:7)

البروسويّ: أي ليسوا منهم نسبا و لا دينا.(5:458)

الآلوسيّ: أي ليسوا منهم في شيء،تنبيه على استئصال الأوّلين و قطع دابرهم بالكلّيّة،و هو السّرّ في تقديم حكاية إنشاء هؤلاء على حكاية مبادئ إهلاك أولئك،بقوله سبحانه: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا الأنبياء:

12،فضمير الجمع للأهل لا لقوم آخرين؛إذ لا ذنب لهم يقتضي ما تضمّنه هذا الكلام.(17:16)

6- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ. المؤمنون:31

الجبّائيّ: يعني ثمود،لأنّهم أهلكوا بالصّيحة.

(الطّبرسيّ 4:106)

الطّبرسيّ: أي جماعة آخرين من النّاس،و القرن:

أهل العصر،على مقارنة بعضهم لبعض.قيل يعني عادا

ص: 583

قوم هود،لأنّه المبعوث بعد نوح.(4:106)

أبو حيّان: ذكر هذه القصّة عقيب قصّة نوح يظهر أنّ هؤلاء هم قوم هود،و الرّسول هو هود عليه السّلام،و هو قول الأكثرين.

و قال أبو سليمان الدّمشقيّ، و الطّبريّ:هم ثمود و الرّسول صالح عليه السّلام،هلكوا بالصّيحة.(6:403)

البروسويّ: هم عاد،لقوله تعالى حكاية عن هود: وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ الأعراف:69.(6:81)

7- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ.

المؤمنون:42

ابن عبّاس: هم بنو إسرائيل.

(أبو حيّان 6:407)

أبو حيّان: قيل:قصّة لوط و شعيب و أيّوب و يونس.(6:407)

البروسويّ: هم قوم صالح و لوط و شعيب و غيرهم؛إظهارا للقدرة،و ليعلم كلّ أمّة استغناءنا عنهم،و إنّهم إن قبلوا دعوة الأنبياء و تابعوا الرّسل تعود فائدة استسلامهم و انقيادهم و قيامهم بالطّاعات إليهم.

(6:84)

8- كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ. الدّخان:28

قتادة:يعني بني إسرائيل.(الطّبريّ 25:124)

الزّمخشريّ: ليسوا منهم في شيء من قرابة و لا دين و لا ولاء،و هم بنو إسرائيل،كانوا متسخّرين مستعبدين في أيديهم،فأهلكهم اللّه على أيديهم و أورثهم ملكهم و ديارهم.(3:503)

مثله الفخر الرّازيّ.(27:246)

الطّبرسيّ: أراد ب«قوم آخرين»بني إسرائيل لأنّهم رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.(5:64)

أبو حيّان: قال قتادة،و قال الحسن:إنّ بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.

و ضعّف قول قتادة بأنّه لم يرو في مشهور التّواريخ أنّ بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزّمان و لا ملكوها قطّ،إلاّ أن يريد قتادة أنّهم ورثوا نوعها في بلاد الشّام،انتهى.

و لا اعتبار بالتّواريخ،فالكذب فيها كثير و كلام اللّه صدق،قال تعالى: كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:59.

و قيل:(قوما آخرين)ممّن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل.(8:36)

نحوه البروسويّ.(8:412)

الآلوسيّ: المراد ب«القوم الآخرين»بنو إسرائيل، و هم مغايرون للقبط جنسا و دينا،و يفسّر ذلك قوله تعالى في سورة الشّعراء: كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:59،و هو ظاهر في أنّ بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون و ملكوها،و به قال الحسن.

و قيل:المراد بهم غير بني إسرائيل ممّن ملك مصر بعد هلاك القبط،و إليه ذهب قتادة،قال:لم يرد في مشهور التّواريخ أنّ بني إسرائيل رجعوا إلى مصر و لا

ص: 584

أنّهم ملكوها قطّ.و أوّل ما في سورة الشّعراء بأنّه من باب: وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ فاطر:

11،و قولك:عندي درهم و نصفه.فليس المراد خصوص ما تركوه بل نوعه و ما يشبهه.و الإيراث:

الإعطاء.

و قيل:المراد من إيراثها إيّاهم تمكينهم من التّصرّف فيها،و لا يتوقّف ذلك على رجوعهم إلى مصر كما كانوا فيها أوّلا.

و أخذ جمع بقول الحسن،و قالوا:لا اعتبار بالتّواريخ، و كذا الكتب الّتي بيد اليهود اليوم،لما أنّ الكذب فيها كثير و حسبنا كتاب اللّه و هو سبحانه أصدق القائلين، كتابه جلّ و علا مأمون من تحريف المحرّفين.

(25:123)

9- وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ... الجمعة:3

أبو هريرة: كنّا جلوسا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلت عليه سورة الجمعة،فلمّا قرأ: وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال رجل:من هؤلاء يا رسول اللّه؟قال:فلم يراجعه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى سأله مرّة أو مرّتين أو ثلاثا،قال:و فينا سلمان الفارسيّ، فوضع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يده على سلمان،فقال:

«لو كان الإيمان عند الثّريّا لناله رجال من هؤلاء».

(الطّبريّ 28:96)

ابن عبّاس: هم الأعاجم،يعنون بهم غير العرب، أيّ طائفة كانت.(الفخر الرّازيّ 30:4)

ابن عمر: أهل اليمن.(أبو حيّان 8:266)

سعيد بن جبير:الرّوم و العجم.

(أبو حيّان 8:266)

مجاهد: هم الأعاجم.(الطّبريّ 28:95)

من ردف الإسلام من النّاس كلّهم.

(الطّبريّ 28:96)

عكرمة: التّابعين من أبناء العرب.

مثله مقاتل.(أبو حيّان 8:266)

الضّحّاك: طوائف من النّاس.

(أبو حيّان 8:266)

ابن زيد: هؤلاء كلّ من كان بعد النّبيّ إلى يوم القيامة،كلّ من دخل في الإسلام من العرب و العجم.

(الطّبريّ 28:96)

الطّبريّ: [نقل قول أبي هريرة،و مجاهد،و ابن زيد ثمّ قال:]

و أولى القولين في ذلك بالصّواب عندي قول من قال:عني بذلك كلّ لاحق لحق بالّذين كانوا صحبوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في إسلامهم من أيّ الأجناس، لأنّ اللّه عزّ و جلّ عمّ بقوله: وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كلّ لاحق بهم من آخرين،و لم يخصّص منهم نوعا دون نوع،فكلّ لاحق بهم فهو من الآخرين الّذين لم يكونوا في عداد الأوّلين،الّذين كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتلو عليهم آيات اللّه.(28:96)

الطّوسيّ: (آخرين)نصب على تقدير:و يزكّي آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم.و يجوز أن يكون جرّا، و تقديره:هو الّذي بعث في الأمّيّين و في آخرين.

(10:4)

ص: 585

الزّمخشريّ: (آخرين)مجرور،عطف على (الامّيّين)،يعني أنّه بعثه في الأمّيّين الّذين على عهده، و في آخرين من الأمّيّين لم يلحقوا بهم بعد،و سيلحقون بهم،و هم الّذين بعد الصّحابة.(4:102)

الفخر الرّازيّ: [قال بعد نقل أقوال المفسّرين:]

و في الجملة معنى جميع الأقوال فيه كلّ من دخل في الإسلام بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى يوم القيامة.

فالمراد ب(الأمّيّين)العرب.و ب«الآخرين»سواهم من الأمم.

و قوله:(و آخرين)مجرور،لأنّه عطف على المجرور، يعني(الامّيّين)،و يجوز أن ينتصب عطفا على المنصوب في(و يعلّمهم)أي و يعلّمهم و يعلّم آخرين منهم،أي من الأمّيّين و جعلهم منهم،لأنّهم إذا أسلموا صاروا منهم، فالمسلمون كلّهم أمّة واحدة و إن اختلفت أجناسهم، قال تعالى: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71.

و أمّا من لم يؤمن بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يدخل في دينه،فإنّهم كانوا بمعزل عن المراد بقوله:

(وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ) و إن كان النّبيّ مبعوثا إليهم بالدّعوة فإنّه تعالى قال في الآية الأولى: وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ الجمعة:2،و غير المؤمنين ليس من جملة من يعلّمه الكتاب و الحكمة.(30:4)

القرطبيّ: أي لم يكونوا في زمانهم و سيجيئون بعدهم.

قال ابن عمر، و سعيد بن جبير:هم العجم.و قال عكرمة:هم التّابعون.مجاهد:هم النّاس كلّهم،يعني من بعد العرب الّذين بعث فيهم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قاله ابن زيد،و مقاتل بن حيّان.قالا:هم من دخل في الإسلام بعد النّبيّ إلى يوم القيامة.

و القول الأوّل أثبت.(18:93)

أبو حيّان: (آخرين)الظّاهر أنّه معطوف على (الامّيّين)أي و في آخرين من الأمّيّين لم يلحقوا بهم بعد و سيلحقون.

و قيل:(و آخرين)منصوب معطوف على الضّمير في (و يعلّمهم)أسند تعليم الآخرين إليه عليه الصّلاة و السّلام مجازا،لما تناسق التّعليم إلى آخر الزّمان و تلا بعضه بعضا،فكأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم وجد منه.

قال أبو هريرة و غيره:(و آخرين)هم فارس، و جاء نصّا عنه في صحيح البخاريّ و مسلم،و لو فهم منه الحصر في فارس لم يجز أن يفسّر به الآية،و لكن فهم المفسّرون منه أنّه تمثيل.[إلى أن قال:]

و عن أبي روق:الصّغار بعد الكبار.

ينبغي أن تحمل هذه الأقوال على التّمثيل كما حملوا قول الرّسول في فارس.(8:266)

البروسويّ: (آخرين)جمع آخر بمعنى«غير»، و هو عطف على(الامّيّين)،أي بعثه في الأمّيّين الّذين على عهده،و في آخرين من الأمّيّين.أو على المنصوب في(يعلّمهم)،أي يعلّمهم و يعلّم آخرين منهم،و هم الّذين جاءوا من العرب،ف(منهم)متعلّق بالصّفة ل(آخرين)،أي و آخرين كائنين منهم مثلهم في العربيّة و الأمّيّة،و إن كان المراد العجم،ف(منهم)يكون متعلّقا بآخرين.(9:515)

ص: 586

الآخرين

1- وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ. الشّعراء:64

ابن عبّاس: معناه قرّبنا إلى البحر فرعون.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 8:29)

قتادة: هم قوم فرعون،قرّبهم اللّه حتّى أغرقهم في البحر.(الطّبريّ 19:81)

الطّبريّ: و قرّبنا هنا لك آل فرعون من البحر.

(19:81)

الفخر الرّازيّ: أي و قرّبنا(ثمّ)أي حيث انفلق البحر ل(الآخرين)قوم فرعون(ثمّ)فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:قرّبناهم من بني إسرائيل.

و ثانيها:قرّبنا بعضهم من بعض و جمعناهم حتّى لا ينجو منهم أحد.

و ثالثها:قدّمناهم إلى البحر.(24:139)

أبو حيّان: قرأ الحسن و أبو حياة(و زلفنا)بغير ألف،و قرأ أبيّ،و ابن عبّاس،و عبد اللّه بن الحرث (و ازلقنا)بالقاف عوض الفاء،أي أزللنا،قاله صاحب اللّوامح.

قيل:من قرأ بالقاف صار(الآخرين)فرعون و قومه،و من قرأ بالعامّة،يعني بالقراءة العامّة ف«الآخرون»هم موسى و أصحابه،أي جمعنا شملهم و قرّبناهم بالنّجاة.(7:20)

البروسويّ: أي فرعون و قومه.(6:280)

نحوه الآلوسيّ(19:89)،و الطّباطبائيّ(15:

278).

و بهذا المعنى جاء(الآخرين)في آية«66»من هذه السّورة.

2- ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. الشّعراء:172

مقاتل: خسف اللّه بقوم لوط،و أرسل الحجارة على من كان خارجا من القرية.(القرطبيّ 13:133)

الطّبريّ: ثمّ أهلكنا الآخرين من قوم لوط بالتّدمير.(19:106)

[و كذا المراد من(الآخرين)قوم لوط،في آية «136»من سورة الصّافّات.]

3- ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ. الصّافّات:82

قتادة: أنجاه اللّه و من معه في السّفينة،و أغرق بقيّة قومه.(الطّبريّ 23:69)

الطّبريّ: ثمّ أغرقنا حين نجّينا نوحا و أهله من الكرب العظيم،من بقي من قومه.(23:69)

الطّوسيّ: أخبر تعالى أنّه أغرق الباقين من قوم نوح بعد تخليصه نوحا و أهله المؤمنين.(8:507)

الطّبرسيّ: أي من لم يؤمن به.(4:448)

القرطبيّ: أي من كفر،و جمعه:أخر.و الأصل فيه أن يكون معه«من»إلاّ أنّها حذفت،لأن المعنى معروف، و لا يكون آخر إلاّ و قبله شيء من جنسه.(15:90)

أبو حيّان: أي من كان مكذّبا له من قومه.لمّا ذكر تحيّاته و نجاة أهله-إذ كانوا مؤمنين-ذكر هلاك غيرهم بالغرق.(7:364)

البروسويّ: أي المغايرين لنوح و أهله،و هم كفّار قومه أجمعين.(7:468)

ص: 587

مثله الآلوسيّ.(23:99)

الطّباطبائيّ: المراد ب(الآخرين)قومه المشركون.

(17:147)

اخرى

1- ...فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ أُخْرى كافِرَةٌ...

آل عمران:13

ابن عبّاس: قريش الكفّار.(الطّبريّ 3:193)

عكرمة: قريش يوم بدر.(الطّبريّ 3:193)

الطّوسيّ: هم يهود بني قينقاع.(2:408)

الطّبرسيّ: هم المشركون من أهل مكّة.(1:415)

الفخر الرّازيّ: المراد بها كفّار قريش.(7:204)

2- ...وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ... النّساء:102

الطّوسيّ: قال:(طائفة اخرى)و لم يقل:

آخرون،ثمّ قال: لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ و لم يقل:

فلتصلّ معك؛حملا للكلام تارة على اللّفظ و أخرى على المعنى،كما قال: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9،و لو قال:اقتتلتا لكان جائزا.

(3:311)

3- ...وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى. طه:18

الفخر الرّازيّ: إنّما قال:(اخرى)،لأنّ المآرب في معنى جماعة،فكأنّه قال:جماعة من الحاجات أخرى، و لو جاءت«أخر»لكان صوابا،كما قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ البقرة:184.(22:27)

القرطبيّ: قال:(اخرى)على صيغة الواحد،لأنّ (مأرب)في معنى الجماعة،لكنّ المهيع[الطّريق الواضح] في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد و الكناية عنه بذلك،فإنّ ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنّثة،كقوله تعالى: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها الأعراف:180،و كقوله:

يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبأ:10.(11:187)

4- وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى. طه:37

الطّبريّ: و لقد تطوّلنا عليك يا موسى قبل هذه المرّة مرّة أخرى،و ذلك حين أوحينا إلى أمّك-إذ ولدتك في العام الّذي كان فرعون يقتل كلّ مولود ذكر من قومك-ما أوحينا إليها.(16:161)

الطّوسيّ: إنّ نعمة اللّه عزّ و جلّ عليه مستمرّة، فذكّره الإجابة مرّة و قبلها مرّة أخرى.(7:173)

نحوه الطّبرسيّ.(3:10)

الفخر الرّازيّ: لم قال:(مرّة اخرى)مع أنّه تعالى ذكر مننا كثيرة؟

و الجواب:لم يعن ب(مرّة اخرى)مرّة واحدة من المنن،لأنّ ذلك قد يقال في القليل و الكثير.(22:51)

القرطبيّ: أي قبل هذه،و هي حفظه سبحانه له من شرّ الأعداء في الابتداء،و ذلك حين الذّبح.

(11:195)

أبو حيّان:(اخرى)تأنيث«آخر»بمعنى غير،أي منّة غير هذه المنّة،و ليست(اخرى)هنا بمعنى آخرة، فتكون مقابلة للأولى،و تخيّل ذلك بعضهم فقال:سمّاها

ص: 588

(اخرى)و هي أولى،لأنّها أخرى في الذّكر.

و الأخرى لفظ مشترك يكون تأنيث الآخر بفتح الخاء،و تأنيث الآخر بمعنى آخرة،فهذه يلحظ فيها معنى التّأخّر.و المعنى أنّي قد حفظتك و أنت طفل رضيع، فكيف لا أحفظك و قد أهّلتك للرّسالة؟

و في قوله:(مرّة اخرى)إجمال يفسّره قوله: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ (6:240)

البروسويّ: في وقت ذي مرّ و ذهاب،أي وقتا غير هذا الوقت،فإنّ(اخرى)تأنيث«آخر»بمعنى غير.

(5:381)

نحوه الآلوسيّ.(16:187)

5- ...ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.

الزّمر:68

الحسن: القرآن دلّ على أنّ هذه النّفخة الأولى.

(الفخر الرّازيّ 27:18)

الطّوسيّ: هذه النّفخة الثّانية للحشر.(9:46)

الزّمخشريّ: إن قلت:(اخرى)ما محلّها من الإعراب؟

قلت:يحتمل الرّفع و النّصب،أمّا الرّفع فعلى قوله:

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ الحاقّة:13،و أمّا النّصب فعلى قراءة من قرأ (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) ،و المعنى و نفخ في الصّور نفخة واحدة ثمّ نفخ فيه أخرى.و إنّما حذفت لدلالة(اخرى)عليها،و لكونها معلومة بذكرها في غير مكان.(3:409)

الطّبرسيّ: يعني نفخة البعث،و هي النّفخة الثّانية.

(4:508)

الفخر الرّازيّ: قوله:(اخرى)تقدير الكلام و نفخ في الصّور نفخة واحدة ثمّ نفخ فيه نفخة أخرى.و إنّما حسن الحذف لدلالة(اخرى)عليها،و لكونها معلومة.

(27:18)

أبو حيّان: احتمل(اخرى)على أن تكون في موضع نصب،و القائم مقام الفاعل الجارّ و المجرور كما أقيم في الأوّل،و أن يكون في موضع رفع مقاما مقام الفاعل، كما صرّح به في قوله: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ الحاقّة:13.(7:441)

البروسويّ: «نفخة أخرى»هي النّفخة الثّانية على الوجه الأوّل و(اخرى)يحتمل النّصب على أن يكون الظّرف قائما مقام الفاعل،و(اخرى)صفة لمصدر منصوب على المفعول المطلق،و الرّفع على أن يكون المصدر المقدّر قائما مقام الفاعل.(8:138)

الآلوسيّ: أي نفخة أخرى،و هو يدلّ على أنّ المراد بالأوّل: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ نفخة واحدة،كما صرّح به في مواضع،لأنّ العطف يقتضي المغايرة،فلو أريد المطلق الشّامل للأخرى لم يكن لذكرها هاهنا وجه.(24:28)

6- وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. الصّفّ:13

الفرّاء: في موضع رفع،أي و لكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة،ثمّ قال: نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ مفسّرا للأخرى،و لو كان«نصرا من اللّه»لكان صوابا،

ص: 589

و لو قيل:و آخر تحبّونه-يريد الفتح و النّصر-كان صوابا.(3:154)

الطّبريّ: اختلف أهل العربيّة فيما نعتت به قوله:

(و اخرى)،فقال بعض نحويّي البصرة:معنى ذلك و تجارة أخرى،فعلى هذا القول يجب أن يكون(اخرى) في موضع خفض عطفا به على قوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الصّفّ:10،و قد يحتمل أن يكون رفعا على الابتداء.و كان بعض نحويّي الكوفة يقول:هي في موضع رفع،أي و لكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة،ثمّ قال:(نصر من اللّه)مفسّرا للأخرى.

و الصّواب من القول في ذلك عندي القول الثّاني، و هو أنّه معنيّ به«و لكم أخرى تحبّونها»،لأنّ قوله:

نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ مبيّن عن أنّ قوله:

(و اخرى)في موضع رفع،و لو كان جاء ذلك خفضا حسن أن يجعل قوله:(و اخرى)عطفا على قوله:

(تجارة)،فيكون تأويل الكلام حينئذ لو قرئ ذلك خفضا:و على خلّة أخرى تحبّونها،فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ...، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَ يُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ...) ،و لكم خلّة اخرى سوى ذلك في الدّنيا تحبّونها:نصر من اللّه لكم على أعدائكم،و فتح قريب يعجّله لكم.(28:90)

الطّوسيّ: معناه و لكم خصلة أخرى مع ثواب الآخرة.(9:597)

الزّمخشريّ: و لكم إلى هذه النّعمة المذكورة من المغفرة و الثّواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم.(4:100)

الطّبرسيّ: أي و تجارة أخرى أو خصلة أخرى تحبّونها عاجلا مع ثواب الآجل،و هذا من اللّه زيادة ترغيب؛إذ علم سبحانه أنّ فيهم من يحاول عاجل النّصر إمّا رغبة في الدّنيا و إمّا تأييدا للدّين،فوعدهم ذلك بأن قال: نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ، أي تلك الخصلة أو تلك التّجارة نصر من اللّه لكم على أعدائكم و فتح قريب لبلادهم.(5:282)

الفخر الرّازيّ: أي تجارة أخرى في العاجل مع ثواب الآجل.و قوله تعالى: (نَصْرٌ مِنَ اللّهِ) هو مفسّر ل«الأخرى»،لأنّه لا يحسن أن يكون (نَصْرٌ مِنَ اللّهِ) مفسّرا ل«التّجارة»،إذ النّصر لا يكون تجارة لنا بل هو ربح للتّجارة.(29:318)

أبو حيّان: قال الأخفش:(و اخرى)في موضع جرّ عطفا على(تجارة).و ضعّف هذا القول،لأنّ هذه «الأخرى»ليست ممّا دلّ عليه،إنّما هي من الثّواب الّذي يعطيهم اللّه على الإيمان و الجهاد بالنّفس و المال.

(8:264)

البروسويّ: أي و لكم إلى هذه النّعم العظيمة نعمة أخرى عاجلة،ف(أخرى)مبتدأ حذف خبره،و الجملة عطف على (يَغْفِرْ لَكُمْ) على المعنى.(9:509)

الآلوسيّ: أي و لكم إلى ما ذكر من النّعم نعمة أخرى،ف(أخرى)مبتدأ،و هي في الحقيقة صفة للمبتدإ المحذوف أقيمت مقامه بعد حذفه،و الخبر محذوف.

(28:90)

ص: 590

الطّباطبائيّ: (و اخرى)وصف قائم مقام الموصوف،و هو خبر لمبتدإ محذوف،و قوله: نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ بيان ل(أخرى)و التّقدير:و لكم نعمة أو خصلة أخرى-تحبّونها،و هي نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ عاجل.(19:259)

7- ...وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى.

الطّلاق:6

السّدّيّ: إن أبت الأمّ أن ترضع ولدها إذا طلّقها أبوه التمس له مرضعة أخرى.الأمّ أحقّ إذا رضيت من أجر الرّضاع بما يرضى به غيرها،فلا ينبغي له أن ينتزع منها.(الطّبريّ 28:148)

الطّبريّ: إن تعاسر الرّجل و المرأة في رضاع ولدها منه،فامتنعت من رضاعه،فلا سبيل له عليها،و ليس له إكراهها على إرضاعه،و لكنّه يستأجر للصّبيّ مرضعة غير أمّة البائنة منه.(28:148)

الطّوسيّ: خطاب للرّجل و لزوجته المطلّقة أنّهما متى اختلفا في رضاع الصّبيّ و أجرته أرضعته امرأة أخرى.(10:37)

الزّمخشريّ: فستوجد و لا تعوز مرضعة غير الأمّ ترضعه،و فيه طرف من معاتبة الأمّ على المعاسرة،كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتواني:سيقضيها غيرك، تريد لن تبقى غير مقضيّة،و أنت ملوم.(4:122)

الطّبرسيّ: فسترضع له امرأة أخرى أجنبيّة،أي فليسترضع الوالد غير والدة الصّبيّ.(5:309)

أبو حيّان: أي يستأجر غيرها و ليس له إكراهها، فإن لم يقبل إلاّ ثدي أمّه أجبرت على الإرضاع بأجرة مثلها،و لا يختصّ هذا الحكم من وجوب أجرة الرّضاع [في قوله: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ]بالمطلّقة بل المنكوحة في معناها.(8:285)

الاخرى

1- اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... الزّمر:42

السّدّيّ: إنّ أرواح الأحياء إذا ناموا تجتمع مع أرواح الأموات،فإذا أرادت الرّجوع إلى الأجساد أمسك اللّه أرواح الأموات و أرسل أرواح الأحياء.

(الطّوسيّ 9:32)

ابن زيد: (و يرسل الاخرى...):الّتي لم يقبضها.

(الطّبريّ 24:9)

الطّبريّ: ذكر أنّ أرواح الأحياء و الأموات تلتقي في المنام،فيتعارف ما شاء اللّه منها،فإذا أراد جميعها الرّجوع إلى أجسادها،أمسك اللّه أرواح الأموات عنده و حبسها،و أرسل أرواح الأحياء حتّى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمّى.(24:9)

الطّوسيّ: الّتي يريد إبقاءها إلى أن تستوفي أجلها الّذي قدّره لها.(9:32)

الطّبرسيّ: يعني الأنفس الأخرى الّتي لم يقض على موتها،يريد نفس النّائم.(4:501)

الفخر الرّازيّ: يعني أنّ النّفس الّتي يتوفّاها عند النّوم يردّها إلى البدن عند اليقظة و تبقى هذه الحالة إلى

ص: 591

أجل مسمّى.(26:284)

البروسويّ: أي و يرسل أنفس الأحياء و هي النّائمة إلى أبدانها عند اليقظة،و النّزول من عالم المثال المقيّد.و العالم المثال شبّه بالجوهر الجسمانيّ في كونه محسوسا مقداريّا،و بالجوهر العقليّ المجرّد في كونه نورانيّا.

فجعل اللّه عالم المثال وسطا شبيها بكلّ من الطّرفين حتّى يتجسّد أوّلا ثمّ يتكاثف،أ لا ترى أنّ حقيقة العلم الّذي هو مجرّد يتجسّد بالصّورة الّتي في عالم المثال؟

(8:115)

الآلوسيّ: أي الأنفس الأخرى،و هي النّائمة إلى أبدانها،فتكون كما كانت حال اليقظة متعلّقة بها تعلّق التّصرّف ظاهرا و باطنا.(24:8)

تقدّم البحث في هذه الآية في«الأجل المسمّى» فلاحظ.

2- أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى* وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى. النّجم:19،20

أبو البقاء البصريّ: (الاخرى)توكيد،لأنّ الثّالثة لا تكون إلاّ أخرى.(أبو حيّان 8:162)

الزّمخشريّ: (الاخرى)ذمّ،و هي المتأخّرة الوضيعة المقدار،كقوله تعالى: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ الأعراف:38،أي وضعاؤهم[جمع وضيع:

الدّنيّ]لرؤسائهم و أشرافهم.

و يجوز أن تكون الأوّليّة و التّقدّم عندهم للات و العزّى،كانوا يقولون:إنّ الملائكة و هذه الأصنام بنات اللّه،و كانوا يعبدونهم و يزعمون أنّهم شفعاؤهم عند اللّه تعالى مع و أدهم البنات،فقيل لهم: أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى النّجم:21.

و يجوز أن يراد أنّ«اللاّت و العزّى و مناة»إناث و قد جعلتموهنّ للّه شركاء،و من شأنكم أن تحتقروا الإناث، و تستنكفوا من أن يولدن لكم و ينسبن إليكم.فكيف تجعلون هذه الإناث أندادا للّه و تسمّونهنّ آلهة؟

(4:30)

الطّبرسيّ: (الثّالثة)نعت لمناة،و(الاخرى)نعت لها أيضا.(5:176)

الفخر الرّازيّ: الآخر لا يصحّ أن يقال إلاّ إذا كان الأوّل مشاركا للثّاني،فلا يقال:رأيت امرأة و رجلا آخر،و يقال:رأيت رجلا و رجلا آخر،لاشتراك الأوّل و الثّاني في كونهما من الرّجال.و هاهنا قوله:(الثّالثة الاخرى)يقتضي على ما ذكرنا أن تكون العزّى ثالثة أولى،و مناة ثالثة أخرى،و ليس كذلك.

و الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:(الاخرى)كما هي تستعمل للذّمّ،قال اللّه تعالى: وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ الأعراف:39،أي لمتأخّرتهم و هم الأتباع،و يقال لهم:الأذناب،لتأخّرهم في المراتب.فهي صفة ذمّ،كأنّه تعالى يقول:و مناة الثّالثة المتأخّرة الذّليلة.و نقول على هذا:للأصنام الثّلاثة ترتيب،و ذلك لأنّ الأوّل كان وثنا على صورة آدميّ، و العزّى صورتها صورة نبات،و مناة صورتها صورة صخرة هي جماد،فالآدميّ أشرف من النّبات،و النّبات أشرف من الجماد،فالجماد متأخّر،و المناة جماد،فهي في الأخريات من المراتب.

ص: 592

الجواب الثّاني:فيه محذوف تقديره:أ فرأيتم اللاّت و العزّى المعبودين بالباطل و منوة الثّالثة المعبودة الأخرى.

الجواب الثّالث:هو أنّ الأصنام كان فيها كثرة، و اللاّت و العزّى إذا أخذنا متقدّمتين فكلّ صنمة توجد فهي ثالثة،فهناك ثوالث،فكأنّه يقول لهما:ثوالث كثيرة و هذه ثالثة أخرى،و هذا كقول القائل:يوما و يوما.

الجواب الرّابع:فيه تقديم و تأخير،تقديره:و مناة الأخرى الثّالثة،و يحتمل أن يقال:الأخرى تستعمل لموهوم أو مفهوم و إن لم يكن مشهورا و لا مذكورا،يقول من يكثر تأذّيه من النّاس إذا آذاه إنسان:«الآخر حاء يؤذينا»و ربّما يسكت على قوله:«أنت الآخر»،فيفهم غرضه،كذلك هاهنا.(28:296)

القرطبيّ: العرب لا تقول للثّالثة:أخرى،و إنّما (الأخرى)نعت للثّانية.و اختلفوا في وجهها،فقال الخليل:إنّما قال ذلك لوفاق رءوس الآي،كقوله:

مَآرِبُ أُخْرى طه:18،و لم يقل:«أخر».و قال الحسين بن الفضل:في الآية تقديم و تأخير،مجازها أ فرأيتم اللاّت و العزّى الأخرى و مناة الثّالثة.

و قيل:إنّما قال: وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى لأنّها كانت مرتبة عند المشركين في التّعظيم بعد اللاّت و العزّى،فالكلام على نسقه.(17:102)

أبو حيّان: الظّاهر أنّ(الثّالثة الأخرى)صفتان ل«مناة»و هما يفيدان التّوكيد.

قيل:و لمّا كانت مناة هي أعظم هذه الأوثان أكّدت بهذين الوصفين،كما تقول:رأيت فلانا و فلانا،ثمّ تذكر ثالثا أجلّ منهما،فتقول:و فلانا الآخر الّذي من شأنه [كذا و كذا].

و لفظة«آخر»و«أخرى»يوصف به الثّالث من المعدودات،و ذلك نصّ في الآية.[ثمّ استشهد بشعر، و قال بعد نقل قول الزّمخشريّ:]

و لفظ«آخر»و مؤنّثه«أخرى»لم يوضعا للذّمّ و لا للمدح،إنّما يدلاّن على معنى غير،إلاّ أنّ من شرطهما أن يكونا من جنس ما قبلهما،لو قلت:مررت برجل و آخر، لم يدلّ إلاّ على معنى«غير»لا على ذمّ و لا على مدح.

(8:162)

البروسويّ: (الاخرى)صفة ذمّ لها،و هي المتأخّرة الوضيعة المقدار،أي مناة الحقيرة الذّليلة،لأنّ الأخرى تستعمل في الضّعفاء،كقوله تعالى: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ الأعراف:38،أي ضعفاؤهم لرؤسائهم.

قال ابن الشّيخ: «الأخرى»تأنيث«الآخر»بفتح الخاء،و هو في الأصل من التّأخّر في الوجود،نقل في الاستعمال إلى المغايرة مع الاشتراك مع موصوفه فيما أثبت له.و لا يصحّ حمل(الاخرى)في الآية على هذا المعنى العرفيّ؛إذ لا مشاركة لمناة في كونها مناة ثالثة حتّى توصف بالأخرى احترازا عنها،فلذلك حمل على المعنى المذكور.(9:233)

الآلوسيّ: الظّاهر أنّ(الثّالثة الاخرى)صفتان ل«مناة»،و هما على ما قيل:للتّأكيد،فإنّ كونها ثالثة و أخرى،مغايرة لما تقدّمها معلوم غير محتاج للبيان.

و قال بعض الأجلّة:(الثّالثة)للتّأكيد،و(الاخرى)

ص: 593

للذّمّ،بأنّها متأخّرة في الرّتبة وضيعة المقدار.

و تعقّبه أبو حيّان بأنّ«آخر»و مؤنّثه«أخرى»لم يوضعا لذمّ و لا لمدح و إنّما يدلاّن على معنى«غير».

و الحقّ أنّ ذلك باعتبار المفهوم الأصليّ،و هي تدلّ على ذمّ السّابقتين أيضا.

قال في«الكشف»: هي اسم ذمّ يدلّ على وضاعة السّابقتين بوجه أيضا،لأنّ«أخرى»تأنيث«آخر» تستدعي المشاركة مع السّابق،فإذا أتي بها لقصد التّأخّر في الرّتبة عملا بمفهومها الأصليّ-إذ لا يمكن العمل بالمفهوم العرفيّ،لأنّ السّابقتين ليستا ثالثة أيضا- استدعت المشاركة قضاء لحقّ التّفضيل،و كأنّه قيل:

الأخرى في التّأخّر،انتهى.

و هو حسن،و ذكر في نكتة ذمّ مناة بهذا الذّمّ أنّ الكفرة كانوا يزعمون أنّها أعظم الثّلاثة،فأكذبهم اللّه تعالى بذلك.

و قيل:(الاخرى)صفة ل«العزّى»،لأنّها ثانية (اللاّت)،و الثّانية يقال لها:الأخرى،و أخّرت لموافقة رءوس الآي.

و قال الحسن بن المفضّل: في الكلام تقديم و تأخير، و التّقدير:و العزّى الأخرى و مناة الثّالثة.و لعمري إنّه ليس بشيء.(27:56)

3- وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى. النّجم:47

الطّبريّ: و أنّ على ربّك يا محمّد أن يخلق هذين الزّوجين بعد مماتهم،و بلاهم في قبورهم،الخلق الآخر، و ذلك إعادتهم أحياء خلقا جديدا،كما كانوا قبل مماتهم.

(27:75)

الطّوسيّ: هي البعثة يوم القيامة.(9:438)

الطّبرسيّ: أي الخلق الثّاني للبعث يوم القيامة.

(5:183)

الفخر الرّازيّ: هي في قول أكثر المفسّرين إشارة إلى الحشر.و الّذي ظهر لي-بعد طول التّفكّر و السّؤال من فضل اللّه تعالى الهداية فيه إلى الحقّ-أنّه يحتمل أن يكون المراد نفخ الرّوح الإنسانيّة فيه؛و ذلك لأنّ النّفس الشّريفة لا الأمّارة تخالط الأجسام الكثيفة المظلمة، و بها كرّم اللّه بني آدم،و إليه الإشارة في قوله تعالى:

فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ المؤمنون :14،غير خلق النّطفة علقة،و العلقة مضغة،و المضغة عظاما؛و بهذا الخلق الآخر تميّز الإنسان عن أنواع الحيوانات،و شارك الملك في الإدراكات،فكما قال هنا لك: أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ بعد خلق النّطفة،قال هاهنا: وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى؛ فجعل نفخ الرّوح نشأة أخرى كما جعله هنا لك إنشاء آخر.

و الّذي أوجب القول بهذا هو أنّ قوله تعالى: وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى النّجم:42،عند الأكثرين لبيان الإعادة،و قوله تعالى: ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى النّجم:41،كذلك فيكون ذكر(النّشأة الاخرى)إعادة، [أي إعادة لقوله:خلق الذّكر و الأنثى]و لأنّه تعالى قال بعد هذا: وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى النّجم:48،و هذا من أحوال الدّنيا.و على ما ذكرنا يكون التّرتيب في غاية الحسن،فإنّه تعالى يقول: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى النّجم:45،و نفخ فيهما الرّوح الإنسانيّة

ص: 594

الشّريفة،ثمّ أغناه بلبن الأمّ و بنفقة الأب في صغره،ثمّ أقناه بالكسب بعد كبره.

فإن قيل:فقد وردت النّشأة الأخرى للحشر في قوله تعالى: فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ العنكبوت:20،نقول:(الآخرة)من الآخر لا من الآخر،لأنّ الآخر«أفعل»،-و قد تقدّم- على أنّ هناك لمّا ذكر البدء حمل على الإعادة،و هاهنا ذكر خلقه من نطفة،كما في قوله: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً المؤمنون:14،ثمّ قال: أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ.

(29:21)

القرطبيّ: أي إعادة الأرواح في الأشباح للبعث.

(17:118)

أبو حيّان: أي إعادة الأجسام،أي الحشر بعد البلى،و جاء بلفظ(عليه)المشعرة بالتّحتّم لوجود الشّيء،لمّا كانت هذه النّشأة ينكرها الكفّار بولغ بقوله:

(عليه)بوجودها لا محالة،و كأنّه تعالى أوجب ذلك على نفسه.(8:168)

البروسويّ: أي الخلقة الأخرى،و هو الإحياء بعد الموت وفاء بوعده،لا لأنّه يجب على اللّه كما يوهمه ظاهر كلمة«على»،و فيه تصريح بأنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت النّشأة الثّانية الصّوريّة للجزاء و المكافأة، و إيصال المؤمنين بالتّدريج إلى كمالهم اللاّئق بهم.

(9:256)

الآلوسيّ: أي الإحياء بعد الإماتة وفاء بوعده جلّ شأنه[ثمّ ذكر قول أبي حيّان و قال:]

و في الكشّاف،قال سبحانه:(عليه)،لأنّها واجبة في الحكمة،ليجازي على الإحسان و الإسادة،و فيه-مع كونه على طريق الاعتزال-نظر.(27:69)

الطّباطبائيّ: الخلقة الأخرى:الثّانية،و هي الدّار الآخرة الّتي فيها جزاء.(19:49)

أخراهم

...حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً.. .وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ...

الأعراف:38،39

ابن عبّاس: آخر أمّة لأوّل أمّة.

(أبو حيّان 4:296)

مقاتل: يعني آخرهم دخولا في النّار لأولاهم دخولا فيها.(الفخر الرّازيّ 14:73)

السّدّيّ: قالت أخراهم الّذين كانوا في آخر الزّمان لأولاهم الّذين شرعوا لهم ذلك الدّين.

(الطّبريّ 8:173)

الطّبريّ: قالت أخرى أهل كلّ ملّة دخلت النّار- الّذين كانوا في الدّنيا بعد أولى منهم تقدّمتها،و كانت لها سلفا و إماما في الضّلالة و الكفر-لأولاها الّذين كانوا قبلهم في الدّنيا: رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا عن سبيلك.

(8:173)

الطّوسيّ: يعني الفرقة المتأخّرة التّابعة تقول للأمّة المتقدّمة المتبوعة.(4:427)

الزّمخشريّ: (أخراهم)منزلة،و هي الأتباع و السّفلة،(لاولاهم)منزلة،و هي القادة و الرّءوس.

(2:78)

ص: 595

مثله الآلوسيّ.(8:116)

الطّبرسيّ: أي(قالت أخراهم)دخولا النّار،و هم الأتباع لأولاهم دخولا و هم القادة و الرّؤساء.

(2:417)

الفخر الرّازيّ: في تفسير«الأولى و الأخرى» قولان:

الأوّل:[قول مقاتل و قد تقدّم]

الثّاني:(أخراهم)منزلة،و هم الأتباع و السّفلة، (لاولاهم)منزلة،و هو القادة و الرّؤساء.

اللاّم في قوله:(لاخراهم)لام أجل،و المعنى لأجلهم و لإضلالهم إيّاهم.(14:73)

أبو حيّان: (أخراهم):الأمّة الأخيرة في الزّمان، الّتي وجدت ضلالات مقرّرة مستعملة،(لاولاهم):الّتي شرعت ذلك و افترت و سلكت سبيل الضّلال ابتداء،أو (أخراهم)منزلة و رتبة،و هم الأتباع و السّفلة، (لاولاهم)منزلة و رتبة،و هم القادة المتبوعون.

و«أخرى»هنا بمعنى آخرة،مؤنّث آخر،فمقابل «أوّل» (1)،لا مؤنّث له آخر بمعنى غير،لقوله: وِزْرَ أُخْرى [في قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ] الأنعام:164.(4:296)

البروسويّ: أي دخولا،و هم الأتباع.

(3:159)

الطّباطبائيّ: هم اللاّحقون مرتبة أو زمانا من التّابعين،(لاولاهم)و هم الملحوقون المتبوعون من رؤسائهم و أئمّتهم،و من آبائهم و الأجيال السّابقة عليهم زمانا،الممهّدين لهم الطّريق إلى الضّلال.(8:114)

أخراكم

إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ... آل عمران:153

الطّبريّ: يعنى أنّه يناديكم من خلفكم.

(4:133)

الزّمخشريّ: في ساقتكم و جماعتكم الأخرى، و هي المتأخّرة.يقال:جئت في آخر النّاس و أخراهم، كما تقول:في أوّلهم و أولاهم،بتأويل مقدّمهم و جماعتهم الأولى.(1:471)

مثله أبو حيّان.(3:83)

الفخر الرّازيّ: أي آخركم،يقال:جئت في آخر النّاس و أخراهم،كما يقال:في أوّلهم و أولاهم.و يقال:

جاء فلان في أخريات النّاس،أي آخرهم.

و المعنى أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يدعوهم و هو واقف في آخرهم،لأنّ القوم بسبب الهزيمة قد تقدّموه.

(9:40)

نحوه القرطبيّ.(4:24)

الآلوسيّ: أي يناديكم في ساقتكم أو جماعتكم الأخرى،أو يدعوكم من ورائكم،فإنّه يقال:جاء فلان في آخر النّاس و أخرتهم و أخراهم،إذا جاء خلفهم.

(4:91)

الطّباطبائيّ: الأخرى مقابل الأولى؛و كون

ص: 596


1- كذا،و الظّاهر:مؤنّث«آخر»مقابل«أوّل»لا مؤنث «آخر»بمعنى غير...

الرّسول يدعو و هو في أخراهم يدلّ على أنّهم تفرّقوا عنه صلّى اللّه عليه و آله،و هم سواد ممتدّ على طوائف،أولاهم مبتعدون عنه،و أخراهم بقرب منه،و هو يدعوهم من غير أن يلتفت إليه لا أولاهم و لا أخراهم،فتركوه صلّى اللّه عليه و آله بين جموع المشركين،و هم يصعدون فرارا من القتل.

(4:44)

أخر

1- ...فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ... البقرة:184

الطّبريّ: يعني من أيّام أخر غير أيّام مرضه أو سفره.(2:132)

الطّوسيّ: إنّما قال:(أخر)و لا يوصف بهذا الوصف إلاّ جمع المؤنّث الّتي كلّ واحدة أنثى،و الأيّام جمع يوم،و هو مذكّر،حملا له على لفظ الجمع،لأنّ الجمع يؤنّث،كما يقال:جاءت الأيّام و مضت الأيّام.

و(أخر)لا يصرف،لأنّه معدول عن الألف و اللاّم، لأنّ نظائرها من الصّغر و الكبر لا يستعمل إلاّ بالألف و اللاّم لا يجوز:نسوة صغر.(2:116)

نحوه الطّبرسيّ.(1:273)

الفخر الرّازيّ: (أخر)لا ينصرف،لأنّه حصل فيه سببان:الجمع و العدل.أمّا الجمع فلأنّها جمع أخرى، و أمّا العدل فلأنّها جمع أخرى،و أخرى تأنيث آخر، و آخر على وزن«أفعل»و ما كان على وزن«أفعل»فإنّه إمّا أن يستعمل مع«من»أو مع«الألف و اللاّم»،يقال:

زيد أفضل من عمرو،و زيد الأفضل.و كان القياس أن يقال:رجل آخر من زيد،كما تقول:أقدم من عمرو،إلاّ أنّهم حذفوا لفظ«من»،لأنّ لفظه اقتضى معنى«من»، فأسقطوا«من»اكتفاء بدلالة اللّفظ عليه،و الألف و اللاّم منافيان«من»،فلمّا جاز استعماله بغير الألف و اللاّم صار«أخر»و«آخر و أخرى»معدولة عن حكم نظائرها،لأنّ الألف و اللاّم استعملتا فيها ثمّ حذفتا.

(5:86)

القرطبيّ: لم ينصرف(أخر)عند سيبويه،لأنّها معدولة عن الألف و اللاّم،لأنّ سبيل«فعل»من هذا الباب أن يأتي بالألف و اللاّم،نحو الكبر و الفضل.

و قال الكسائيّ:هي معدولة عن«آخر»كما تقول:

حمراء و حمر،فلذلك لم تنصرف.

و قيل:منعت من الصّرف لأنّها على وزن«جمع» و هي صفة لأيّام،و لم تجئ أخرى،لئلاّ يشكل بأنّها صفة للعدّة.

و قيل،إنّ(أخر)جمع أخرى،كأنّه أيّام أخرى،ثمّ كثرت فقيل:أيّام أخر.

و قيل:إنّ نعت الأيّام يكون مؤنّثا،فلذلك نعتت بأخر.(2:281)

أبو حيّان: (أخر)صفة لأيّام،و صفة الجمع الّذي لا يعقل،تارة يعامل معاملة الواحدة المؤنّثة و تارة يعامل معاملة جمع الواحدة المؤنّثة.فمن الأوّل إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً البقرة:80،و من الثّاني إِلاّ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ آل عمران:24،ف(معدودات)جمع لمعدودة،و أنت لا تقول:يوم معدودة،إنّما تقول:

معدود،لأنّه مذكّر،لكن جاز ذلك في جمعه.

ص: 597

و عدل عن أن يوصف الأيّام بوصف الواحدة المؤنّث،فكان يكون«من أيّام أخرى»،و إن كان جائزا فصيحا كالوصف بأخر،لأنّه كان يلبس أن يكون صفة لقوله:(فعدّة)،فلا يدرى أ هو وصف ل(عدّة)أم ل(أيّام)؟و ذلك لخفاء الإعراب لكونه مقصورا،بخلاف (أخر)فإنّه نصّ في أنّه صفة ل(أيّام)لاختلاف إعرابه مع إعراب(فعدّة).أ فلا ينصرف للعلّة الّتي ذكرت في النّحو و هي جمع«أخرى»مقابله آخر.و«أخر»مقابل «أخريين»لا جمع«أخرى»،لمعنى«آخرة»مقابلة «الآخر»المقابل ل«الأوّل»فإنّ«أخر»تأنيث«أخرى» لمعنى«آخرة»مصروفة.

و قد اختلفا حكما و مدلولا:

أمّا اختلاف الحكم،فلأنّ تلك غير مصروفة.

و أمّا اختلاف المدلول فلأنّ مدلول«أخرى»الّتي جمعها«أخر»الّتي لا تنصرف مدلول«غير»،و مدلول «أخرى»الّتي جمعها ينصرف مدلول«متأخّرة»و هي مقابلة«الأولى»،قال تعالى: وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ الأعراف:39،فهي بمعنى الآخرة،كما قال تعالى: وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى الليل:13.

و«أخر»الّذي مؤنّثه«أخرى»مفرده«آخر»الّتي لا تنصرف،بمعنى«غير»،لا يجوز أن يكون ما اتّصل به إلاّ من جنس ما قبله،تقول:مررت بك و برجل آخر، و لا يجوز:اشتريت هذا الفرس و حمارا آخر؛لأنّ الحمار ليس من جنس الفرس.(2:33)

2- ...مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ... آل عمران:7

الطّبريّ:(أخر)فإنّها جمع أخرى.ثمّ اختلف أهل العربيّة في العلّة الّتي من أجلها لم يصرف(أخر)،فقال بعضهم:لم يصرف(أخر)من أجل أنّها نعت،واحدتها:

أخرى،كما لم تصرف جمع و كتع،لأنّهنّ نعوت.

و قال آخرون:إنّما لم تصرف«الأخر»لزيادة الياء الّتي في واحدتها،و أنّ جمعها مبنيّ على واحدها في ترك الصّرف.

قالوا:و إنّما ترك صرف«أخرى»كما ترك صرف «حمراء و بيضاء»في النّكرة و المعرفة،لزيادة المدّة فيها و الهمزة بالواو (1)،ثمّ افترق جمع حمراء و أخرى،فبني جمع«أخرى»على واحدته،فقيل:«فعل»أخر،فترك صرفها كما ترك صرف أخرى،و بني جمع حمراء و بيضاء على خلاف واحدته فصرف،فقيل:حمر و بيض؛ فلاختلاف حالتيهما في الجمع اختلف إعرابهما عندهم في الصّرف،و لاتّفاق حالتيهما في الواحدة اتّفقت حالتاهما فيها.(3:171)

الطّوسيّ: (أخر)لا ينصرف،لأنّه معدول عن الألف و اللاّم،و هو صفة.و قال الكسائيّ:لأنّه صفة.

قال المبرّد:هذا غلط،و قال:«لبد»صفة و كذلك «حطم»و هما منصرفان،قال اللّه تعالى: أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً البلد:6.

و حكي عن أبي عبيدة أنّه قال: لم يصرفوا(أخر)، لأنّ واحده لا ينصرف في معرفة و لا نكرة.ر.

ص: 598


1- و جاء في الهامش قوله:و الهمزة بالواو:غير واضح، و لعلّ أصله و الهمزة بالواحد،يريد الهمزة الاولى في «آخر»أصله:أأخر.

قال المبرّد و هذا غلط،لأنّه يلزم أن لا يصرف غضابا و عطاشا،لأنّ واحده غضبان و عطشان،و هو لا ينصرف.(2:398)

نحوه القرطبيّ.(4:13)

الطّبرسيّ: (أخر)عطف على(آيات)،و هو صفة مبتدإ محذوف،و تقديره:و منه آيات أخر،و (متشابهات)صفة بعد صفة و(أخر)غير منصرف.

قال سيبويه: إنّ(أخر)فارقت أخواتها،و الأصل الّذي عليه بناء أخواتها،لأنّ(أخر)أصلها أن تكون صفة بالألف و اللاّم،كما يقال:الصّغرى و الصّغر،فلمّا عدل عن مجرى الألف و اللاّم-و أصل«أفعل منك»و هي ممّا لا تكون إلاّ صفة-منعت الصّرف.(1:409)

أبو حيّان: (أخر متشابهات)ف(أخر)صفة لآيات محذوفة،و الوصف بالتّشابه لا يصحّ في مفرد(أخر)لو قلت:و أخرى متشابهة،لم يصحّ إلاّ بمعنى أنّ بعضها يشبه بعضا،و ليس المراد هنا هذا المعنى؛و ذلك أنّ التّشابه المقصود هنا لا يكون إلاّ بين اثنين فصاعدا، فلذلك صحّ هذا الوصف مع الجمع،لأنّ كلّ واحد من مفرداته يشابه الباقي و إن كان الواحد لا يصحّ فيه ذلك، فهو نظير رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ القصص:15،و إن كان لا يقال:رجل يقتتل.

و تقدّم الكلام على(أخر)في قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ البقرة:184،فأغنى عن إعادته هنا.

(2:383)

الآلوسيّ: (أخر)نعت لمحذوف معطوف على (آيات)،أي و آيات أخر.و هي كما قال الرّضيّ:جمع «أخرى»الّتي هي مؤنّث آخر،و معناه في الأصل أشدّ تأخّرا،فمعنى جاءني زيد و رجل آخر،جاءني زيد و رجل أشدّ تأخّرا منه في معنى من المعاني،ثمّ نقل إلى معنى غيره.فمعنى رجل آخر رجل غير زيد، و لا يستعمل إلاّ فيما هو من جنس المذكور أوّلا،فلا يقال:

جاءني زيد و حمار آخر،و لا امرأة أخرى.و لمّا خرج عن معنى التّفضيل استعمل من دون لوازم أفعل التّفضيل،أعني«من،و الإضافة،و اللاّم»و طوبق بالمجرّد عن اللاّم و الإضافة ما هو له،نحو:رجلان آخران، و رجال آخرون،و امرأة أخرى،و امرأتان أخريان، و نسوة أخر.

و ذهب أكثر النّحويّين إلى أنّه غير منصرف،لأنّه وصف معدول عن الآخر.قالوا:لأنّ الأصل في أفعل التّفضيل أن لا يجمع إلاّ مقرونا بالألف و اللاّم،كالكبر و الصّغر،فعدل عن أصله و أعطي من الجمعيّة مجرّدا ما لا يعطى غيره إلاّ مقرونا.

و قيل:الدّليل على عدل«أخر»أنّه لو كان مع «من»المقدّرة كما في:اللّه أكبر،للزم أن يقال:بنسوة آخر،على وزن«أفعل»،لأنّ أفعل التّفضيل ما دام ب «من»ظاهرة أو مقدّرة لا يجوز مطابقته لمن هو له بل يجب إفراده،و لا يجوز أن يكون بتقدير الإضافة،لأنّ المضاف إليه لا يحذف إلاّ مع بناء المضاف،أو مع سادّ مسدّ المضاف إليه،أو مع دلالة ما أضيف إليه تابع المضاف أخذا من استقراء كلامهم.فلم يبق إلاّ أن يكون أصله اللاّم.

و اعترض عليه أبو عليّ بأنّه لو كان كذلك وجب أن

ص: 599

يكون معرفة ك«سحر».

و أجيب بأنّه لا يلزم في المعدول عن شيء أن يكون بمعناه من كلّ وجه،و إنّما يلزم أن يكون قد أخرج عمّا يستحقّه،و ما هو القياس فيه إلى صيغة أخرى.

نعم،قد تقصد إرادة تعريفه بعد النّقل إمّا بألف و لام يضمّن معناها فيبنى،أو إمّا بعلميّة كما في«سحر»فيمنع من الصّرف،و لمّا لم يقصد في«أخر»إرادة الألف و اللاّم أعرب،و لا يصحّ إرادة العلميّة،لأنّها تضادّ الوصفيّة المقصودة منه.

و قال ابن جنّيّ: إنّه معدول عن«آخر من».و زعم ابن مالك أنّه التّحقيق.و ظاهر كلام أبي حيّان اختياره، و استدلّوا عليه بما لا يخلو عن نظر.(3:80)

3- وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ... يوسف:43

الطّبريّ: و سبعا أخر من السّنبل يابسات.

(12:225)

مثله الطّبرسيّ(3:231)،و الفخر الرّازيّ(18:

147)،و البروسويّ(4:265).

الزّمخشريّ: إن قلت:هل في الآية دليل على أنّ السّنبلات اليابسة كانت سبعا كالخضر؟

قلت:الكلام مبنيّ على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السّمان و العجاف و السّنابل الخضر،فوجب أن يتناول معنى الأخر السّبع،و يكون قوله: وَ أُخَرَ يابِساتٍ بمعنى و سبعا أخر.

فإن قلت:هل يجوز أن يعطف قوله: وَ أُخَرَ يابِساتٍ على (سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) فيكون مجرور المحلّ؟

قلت:يؤدّي إلى تدافع،و هو أنّ عطفها على (سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) يقتضي أن تدخل في حكمها،فتكون معها مميّزا للسّبع المذكورة،و لفظ«الأخر»يقتضي أن تكون غير السّبع،بيانه أنّك تقول:عندي سبعة رجال قيام و قعود بالجرّ،فيصحّ،لأنّك ميّزت السّبعة برجال موصوفين بالقيام و القعود،على أنّ بعضهم قيام و بعضهم قعود،فلو قلت:عنده سبعة رجال قيام و آخرين قعود،تدافع ففسد.(2:323)

أبو حيّان: قد حذف اسم العدد من قوله: وَ أُخَرَ يابِساتٍ لدلالة قسيمه و ما قبله عليه،فيكون التّقدير:و سبعا أخر يابسات.

و لا يصحّ أن يكون(و أخر)مجرورا عطفا على (سنبلات خضر)،لأنّه من حيث العطف عليه كان من جملة مميّز(سبع)،و من جهة كونه(أخر)كان مباينا لسبع فتدافعا،بخلاف أن لو كان التّركيب«سبع سنبلات خضر و يابسات»،فإنّه كان يصحّ العطف،و يكون من توزيع السّنبلات إلى خضر و يابسات.(5:312)

الآلوسيّ: أي و سبعا أخر يابسات،قد أدركت و التوت على الخضر حتّى غلبتها،و لم يبق من خضرتها شيء،على ما روي.

و لعلّ عدم التّعرّض لذكر العدد للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات،و لا يجوز عطف(أخر)على(سنبلات)، لأنّ العطف على المميّز يقتضي أن يكون المعطوف و المعطوف عليه بيانا للمعدود سواء قيل بالانسحاب أو

ص: 600

بتكرير العامل،لأنّ المعنى على القولين لا يختلف،و إنّما الاختلاف في التّقدير اللّفظيّ.و حينئذ يلزم التّدافع في الآية،لأنّ العطف يقتضي أن تكون السّنبلات خضرها و يابسها سبعا،و لفظ(أخر)يقتضي أن يكون غير السّبع،و ذلك لأنّ تباينها في الوصف-أعني الخضرة و اليبس-منطوق و اشتراكهما في السّنبليّة،فيكون مقتضى لفظ(أخر)تغايرهما في العدد و لزم التّدافع.

و على هذا يصحّ أن تقول:«عندي سبعة رجال قيام و قعود»بالجرّ،لأنّك ميّزت سبعة رجال موصوفين بالقيام و القعود،على أنّ بعضهم كذا و بعضهم كذا.

و لا يصحّ«سبعة رجال قيام و آخرين قعود»لما علمت، فالآية و المثال في هذا المبحث على وزان واحد كما يقتضيه كلام الكشّاف.

و نظر في ذلك صاحب الفرائد فقال:إنّ الصّحيح أنّ العطف في حكم تكرير العامل لا الانسحاب[أي الخروج عن الحكم السّابق إلى حكم جديد]،فلو عطف «آخرين»على«رجال قيام»لكان سبعة مكرّرة في المعطوف،أي و سبعة آخرين،أي رجال آخرين قعود، و يفسد المعنى،لأنّ المفروض أنّ الرّجال سبعة.

و أمّا الآية فلو كرّر فيها و قيل:«و سبع أخر»أي «و سبع سنبلات أخر»استقام،لأنّ الخضر سبع و اليابسات سبع.

نعم،لو خرج ذلك على المرجوح و هو الانسحاب أدّى إلى أنّ السّبع المذكورة مميّزة بسنبلات خضر و سنبلات أخر يابسات،و فسد؛إذ المراد أنّ كلاّ منهما سبعة لا أنّها سبعة،فالمثال و الآية ليسا على وزان؛إذ هو على تكرير العامل يفسد،و على الانسحاب يصحّ، و الآية بالعكس،ثمّ بني على ما زعمه من أنّ الصّحيح قول التّكرير جواز العطف.

و ادّعى أنّ الأولى أن يكون العطف على(خضر)لا على(يابسات)ليدلّ على موصوف آخر،و هو (سنبلات)و لا يقدّر موصوفها بقرينة السّياق.

و لا يخفى أنّ الكلام إنّما هو على تقدير أن يكون مميّز «السّبع»ما علمت،و على ذلك يلزم التّدافع،و لا يبنى على فرض أنّهم سبعة أو أربعة عشر،فيصحّ في الآية و لا يصحّ في المثال،فإنّه وهم.

و من ذلك يظهر أنّه لا مدخل للتّكرير و الانسحاب في هذا الفرض.ثمّ إنّ المختار قول الانسحاب على ما نصّ عليه الشّيخ ابن الحاجب،و حقّقه في غير موضع.

و أمّا الاستدلال بالآية على الانسحاب لا التّقدير- و إلاّ لكان لفظ(أخر)تطويلا يصان كلام اللّه تعالى المعجز عنه-فغير سديد على ما في الكشف،لأنّ القائل بالتّقدير يدّعي الظّهور في الاستقلال،و كذلك القائل بالانسحاب يدّعي الظّهور في المقابل،على ما نصّ عليه أئمّة العربيّة، فلا يكون التّأكيد ب«أخر»لإرادة النّصوص تطويلا بل إطنابا،يكون واقعا في حاقّ موقعه هذا.(12:249)

الطّباطبائيّ: [نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و كلامه على اشتماله على نكتة لطيفة لا ينتج أزيد من الظّنّ بكون السّنبلات اليابسات سبعا كغيرها.أمّا وجوب الدّلالة من الكلام فلا البتّة.(11:186)

ص: 601

آخر

...وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

يونس:10

الزّمخشريّ: خاتمة دعائهم الّذي هو التّسبيح أن يقولوا:(الحمد للّه ربّ العالمين).(2:227)

مثله أبو حيّان(5:127)،و البروسويّ(4:19)، و الآلوسيّ(11:76).

الآخر

1- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. البقرة:8

الطّبريّ: يعني بالبعث يوم القيامة،و إنّما سمّي يوم القيامة«اليوم الآخر»لأنّه آخر يوم،لا يوم بعده سواه.

فإن قال قائل:و كيف لا يكون بعده يوم و لا انقطاع للآخرة و لا فناء و لا زوال؟

قيل:إنّ اليوم عند العرب إنّما سمّي يوما بليلته الّتي قبله،فإذا لم يتقدّم النّهار ليل لم يسمّ يوما.فيوم القيامة يوم لا ليل له بعده سوى اللّيلة الّتي قامت في صبيحتها القيامة،و ذلك اليوم هو آخر الأيّام،و لذلك سمّاه اللّه جلّ ثناؤه(اليوم الآخر)،و نعته بالعقيم،و وصفه بأنّه يوم عقيم،لأنّه لا ليل بعده.(1:117)

نحوه الطّوسيّ(1:67)،و الطّبرسيّ(1:44).

الزّمخشريّ: إن قلت:ما المراد ب(اليوم الآخر)؟

قلت:يجوز أن يراد به الوقت الّذي لا حدّ له،و هو الأبد الدّائم الّذي لا ينقطع،لتأخّره عن الأوقات المنقضية،و أن يراد الوقت المحدود من النّشور إلى أن يدخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار،لأنّه آخر الأوقات المحدودة الّذي لا حدّ للوقت بعده.(1:170)

مثله الفخر الرّازيّ.(2:61)

البيضاويّ: المراد ب(اليوم الآخر)من وقت الحشر إلى ما لا ينتهي،أو إلى أن يدخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار،لأنّه آخر الأوقات المحدودة.(1:22)

مثله البروسويّ.(1:53)

النّسفيّ: إنّما خصّوا الإيمان باللّه و باليوم الآخر،- و هو الوقت الّذي لا حدّ له،و هو الأبد الدّائم الّذي لا ينقطع.و إنّما سمّي ب(الآخر)لتأخّره عن الأوقات المنقضية أو الوقت المعهود من النّشور إلى أن يدخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار-لأنّهم أوهموا في هذا المقال أنّهم أحاطوا بجانبي الإيمان أوّله و آخره.

و هذا لأنّ حاصل المسائل الاعتقاديّة يرجع إلى مسائل المبدإ،و هي العلم بالصّانع و صفاته و أسمائه، و مسائل المعاد،و هي العلم بالنّشور و البعث من القبور، و الصّراط و الميزان،و سائر أحوال الآخرة.(1:18)

البروسويّ: (اليوم الآخر)،أي بنور اللّه يشاهد الآخرة فيؤمن به،فمن لم ينظر بنور اللّه فلا يكون مشاهدا لعالم الغيب،فلا يعلم الغيب،فلا يكون مؤمنا باللّه و باليوم الآخر و لهذا قال: (وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) .(1:53)

العامليّ: في تفسير الإمام[العسكريّ]عليه السّلام أنّ النّبيّ لمّا قدّم عليّا علما للنّاس يوم الغدير و أمرهم ببيعتهم له بإمرة المؤمنين،جعل بعض المنافقين يتواطئون في دفع ذلك عنه،فأنزل اللّه: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ،

ص: 602

و هو دالّ على تأويل(اليوم الآخر)بيوم الغدير.(71)

الآلوسيّ: (اليوم الآخر)يحتمل أن يراد به الوقت الدّائم من الحشر بحيث لا يتناهى،أو ما عيّنه اللّه تعالى منه إلى استقرار كل من المؤمنين و الكافرين فيما أعدّ له.

و سمّي«آخرا»لأنّه آخر الأوقات المحدودة.و الأشبه هو الأوّل،لأنّ إطلاق اليوم شائع عليه في القرآن سواء كان حقيقة أو مجازا،و لأنّ الإيمان به يتضمّن الإيمان بالثّاني، لدخوله فيه من غير عكس.

نعم،المناسب للفظ اليوم لغة هو الثّاني لمحدوديّته، و هو على كلّ تقدير مغاير لما عند النّاس،لأنّ اليوم عرفا من طلوع الشّمس إلى غروبها،و شرعا على الصّحيح من طلوع الفجر الصّادق إلى الغروب،و اصطلاحا من نصف النّهار إلى نصف النّهار،و الأمر وراء ذلك.

(1:145)

2- ...مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ... البقرة:62

الطّبريّ: من صدّق و أقرّ بالبعث بعد الممات يوم القيامة و عمل صالحا فأطاع اللّه،فلهم أجرهم عند ربّهم.(1:320)

الطّبرسيّ: يعني يوم القيامة و البعث و النّشور و الجنّة و النّار.(1:127)

البروسويّ: هو يوم البعث،أي من أحدث منهم إيمانا خالصا بالمبدإ و المعاد على الوجه اللاّئق،و دخل في ملّة الإسلام دخولا أصيلا،و عمل عملا صالحا فلهم أجرهم عند ربّهم.(1:153)

3- ...وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ... البقرة:177

الطّبرسيّ: يعني القيامة،و يدخل فيه التّصديق بالبعث و الحساب و الثّواب و العقاب.(1:263)

أبو حيّان: إن قيل:لم قدّم هنا ذكر(اليوم الآخر) و أخّره في قوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ؟ النّساء:136.

قيل:يجوز ذلك مع أنّ الواو لا تقتضي ترتيبا،من أجل أنّ الكافر لا يعرف الآخرة و لا يعني بها،و هي أبعد الأشياء عن الحقائق عنده،فأخّر ذكره.و لمّا ذكر حال المؤمنين-و المؤمن أقرب الأشياء إليه أمر الآخرة،و كلّ ما يفعله و يتحرّاه فإنّه يقصد به وجه اللّه تعالى ثمّ أمر الآخرة-فقدّم ذكره تنبيها على أنّ البرّ مراعاة اللّه و مراعاة الآخرة،ثمّ مراعاة غيرهما.(2:4)

البروسويّ: أي بالبعث الّذي فيه جزاء الأعمال، على أنّه كائن لا محالة و على ما هو عليه،لا كما يزعمون من أنّهم لا تمسّهم النّار إلاّ أيّاما معدودة،و أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم.(1:281)

الآلوسيّ: أي المعاد الّذي يقول به المسلمون و ما يتبعه عندهم.(2:45)

4- يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...

آل عمران:114

الطّبريّ: يصدّقون باللّه و بالبعث بعد الممات، و يعلمون أنّ اللّه مجازيهم بأعمالهم،و ليسوا كالمشركين

ص: 603

الّذين يجحدون وحدانيّة اللّه و يعبدون معه غيره، و يكذّبون بالبعث بعد الممات،و ينكرون المجازاة على الأعمال و الثّواب و العقاب.(4:56)

الطّبرسيّ: المتأخّر عن الدّنيا،يعني البعث يوم القيامة.(1:489)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم،فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوّة العمليّة و في القوّة النّظريّة،و ذلك أكمل أحوال الإنسان، و هي المرتبة الّتي يقال لها:إنّها آخر درجات الإنسانيّة، و أوّل درجات الملكيّة.(8:202)

الآلوسيّ: خصّ اللّه تعالى(اليوم الآخر)بالذّكر إظهارا لمخالفتهم لسائر اليهود فيما عسى أن يتوهّم متوهّم مشاركتهم لهم فيه،لأنّهم يدّعون أيضا الإيمان باللّه تعالى و اليوم الآخر،لكن لمّا كان ذلك مع قولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،و كفرهم ببعض الكتب و الرّسل، و وصفهم(اليوم الآخر)بخلاف ما نطقت به الشّريعة المصطفويّة،جعل هو و العدم سواء.(4:34)

5- وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ... النّساء:38

الطّبريّ: لا يصدّقون بوحدانيّة اللّه،و لا بالميعاد إليه يوم القيامة،الّذي فيه جزاء الأعمال أنّه كائن.

(5:87)

أبو حيّان: تكرار«لا»و حرف الجرّ في قوله: وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ مفيد لانتفاء كلّ واحد من الإيمان باللّه و من الإيمان باليوم الآخر،لأنّك إذا قلت:لا أضرب زيدا و عمرا،احتمل أن لا تجمع بين ضربيهما،و لذلك يجوز أن تقول بعد ذلك:بل أحدهما،و احتمل نفي الضّرب عن كلّ واحد منهما على سبيل الجمع و على سبيل الإفراد،فإذا قلت:لا أضرب زيدا و لا عمرا، تعيّن هذا الاحتمال الثّاني الّذي كان دون تكرار.

(3:248)

الآلوسيّ: الّذي يثاب فيه المطيع و يعاقب العاصي.

(5:30)

6- وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ...

النّساء:39

الطّبريّ: لو صدّقوا بأنّ اللّه واحد لا شريك له، و أخلصوا له التّوحيد،و أيقنوا بالبعث بعد الممات.

(5:88)

القرطبيّ: أي صدّقوا بواجب الوجود،و بما جاء به الرّسول من تفاصيل الآخرة.(5:194)

7- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ...

التّوبة:29

الطّبريّ: لا يصدّقون بجنّة و لا نار.(10:109)

الطّوسيّ: لا يقرّون باليوم الآخر و البعث و النّشور.(5:236)

مثله الطّبرسيّ.(3:21)

القرطبيّ:تأكيد للذّنب في جانب الاعتقاد.(8:110)

8- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ

ص: 604

اَلْآخِرِ... التّوبة:99

الطّبريّ: من الأعراب من يصدّق اللّه و يقرّ بوحدانيّته و بالبعث بعد الموت و الثّواب و العقاب.

(11:5)

الطّوسيّ: يعني يوم القيامة.(5:330)

الطّبرسيّ: و منهم من يرجع إلى سلامة الاعتقاد في التّصديق باللّه و بالقيامة و الجنّة و النّار.(3:63)

الطّباطبائيّ: معنى الآية و من الأعراب من يؤمن باللّه فيوحّده من غير شرك،و يؤمن باليوم الآخر فيصدّق الحساب و الجزاء.(9:371)

9- وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ. النّور:2

الطّوسيّ: أي إن كنتم تصدّقون بما وعد اللّه و توعّد عليه،و تقرّون بالبعث و النّشور.(7:406)

مثله الطّبرسيّ.(4:124)

البروسويّ: ذكر(اليوم الآخر)لتذكّر ما فيه من العقاب في مقابلة المسامحة و التّعطيل،و إنّما سمّي يوم القيامة(اليوم الآخر)لأنّه لا يكون بعده ليل،فيصير كلّه بمنزلة يوم واحد.

و قد قيل:إنّه تجتمع الأنوار كلّها و تصير في الجنّة يوما واحدا،و تجتمع الظّلمات كلّها و تصير في النّار ليلة واحدة.(6:115)

نحوه الآلوسيّ.(18:83)

10- ...يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ...

العنكبوت:36

الطّبريّ: و ارجوا بعبادتكم إيّاي جزاء(اليوم الآخر)،و ذلك يوم القيامة.(20:149)

الطّوسيّ: يحتمل أن يكون أراد:و خافوا عقاب اليوم الآخرة بمعاصي اللّه،و يحتمل أن يكون أراد:

و اطلبوا ثواب يوم القيامة بفعل الطّاعات.(8:207)

نحوه الطّبرسيّ.(4:284)

البروسويّ: المراد يوم القيامة،لأنّه آخر الأيّام، أي توقّعوه و ما سيقع فيه من فنون الأحوال،و افعلوا اليوم من الأعمال ما تنتفعون به في العاقبة و تأمنون من عذاب اللّه.و يقال:و ارجوا يوم الموت،لأنّه آخر عمرهم.(6:468)

الآلوسيّ: في الكلام مضاف مقدّر،فالمعنى افعلوا ما ترجون به ثواب اليوم الآخر.و جوّز أن لا يقدّر مضاف،و إرادة الثّواب من إطلاق الزّمان على ما فيه.

و قيل:الأمر برجاء الثّواب أمر بسببه اقتضاء بلا تجوّز فيه بعلاقة السّببيّة.(20:157)

الطّباطبائي: رجاء(اليوم الآخر)،و هو الاعتقاد بالمعاد.(16:126)

11- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً.

الأحزاب:21

سعيد بن جبير: أي لمن كان يرجو لقاء اللّه بإيمانه، و يصدّق بالبعث الّذي فيه جزاء الأفعال.

(القرطبيّ 14:156)

ص: 605

مقاتل:معناه يخشى اللّه،و يخشى البعث الّذي فيه جزاء الأعمال،و هو قوله:(و اليوم الآخر).

(الطّبرسيّ 4:349)

الآلوسيّ: أي يؤمّل اللّه تعالى و ثوابه،كما يرمز إليه أثر عن ابن عبّاس.

و عليه يكون قد وضع(اليوم الآخر)بمعنى يوم القيامة موضع الثّواب،لأنّ ثوابه تعالى يقع فيه،فهو على ما قال الطّيّبيّ:من إطلاق اسم المحلّ على الحالّ، و الكلام نحو قولك:أرجو زيدا و كرمه،ممّا يكون ذكر المعطوف عليه فيه توطئة للمعطوف و هو المقصود،و فيه من الحسن و البلاغة ما ليس في قولك:أرجو زيدا كرمه، على البدليّة.

و قال صاحب الفرائد: يمكن أن يكون التّقدير:

يرجو رحمة اللّه أو رضا اللّه و ثواب اليوم الآخر،ففي الكلام مضافان مقدّران.

و عن مقاتل،أي يخشى اللّه و يخشى البعث الّذي فيه جزاء الأعمال،على أنّه وضع(اليوم الآخر)موضع البعث،لأنّه يكون فيه.و الرّجاء عليه بمعنى الخوف، و متعلّق الرّجاء بأيّ معنى كان أمر من جنس المعاني، لأنّه لا يتعلّق بالذّوات.

و قدّر بعضهم المضاف إلى الاسم الجليل لفظ«أيّام» [أي يرجو أيّام اللّه]مرادا بها الوقائع،فإنّ اليوم يطلق على ما يقع فيه من الحروب و الحوادث.و اشتهر في هذا حتّى صار بمنزلة الحقيقة،و جعل قرينة هذا التّقدير المعطوف،و جعل العطف من عطف الخاصّ على العامّ.

و الظّاهر أنّ الرّجاء على هذا بمعنى الخوف،و جوّز أن يكون الكلام عليه كقولك:أرجو زيدا و كرمه،و أن يكون الرّجاء فيه بمعنى الأمل إن أريد ما في اليوم من النّصر و الثّواب،و أن يكون بمعنى الخوف و الأمل معا بناء على جواز استعمال اللّفظ في معنييه أو في حقيقته و مجازه،و إرادة ما يقع فيه من الملائم و المنافر.

و عندي أنّ تقدير أيّام غير متبادر إلى الفهم.

و فسّر بعضهم(اليوم الآخر)بيوم السّباق،و المتبادر منه يوم القيامة.(21:168)

12- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ... الممتحنة:6

الطّبريّ: لمن كان منكم يرجو لقاء اللّه،و ثواب اللّه،و النّجاة في اليوم الآخر.(28:64)

الميبديّ: أي يرجو ثوابه و يؤمّل لقاءه في اليوم الآخر،و يخشى البعث و الحساب.(10:70)

الخازن: أي أنّ هذه الأسوة لمن يخاف اللّه و يخاف عذاب الآخرة.(7:64)

البروسويّ: بالتّصديق بوقوعه،و قيل:يخاف اللّه و يخاف عذاب الآخرة.(9:479)

13- هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. الحديد:3

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّه الأوّل ليس قبله شيء،و الآخر ليس بعده شيء.(الفخر الرّازيّ 29:209)

الإمام عليّ عليه السّلام: [الأوّل:]الّذي ليست لأوّليّته نهاية،و لا لآخريّته حدّ و لا غاية.(الكاشانيّ 5:132)

ص: 606

ابن عمر: (الأوّل)بالخلق و(الآخر) بالرّزق.(الطّبرسيّ 5:230)

الضّحّاك: هو الّذي أوّل الأوّل،و أخّر الآخر.

و أظهر الظّاهر و أبطن الباطن.(الميبديّ 9:477)

السّدّيّ: (هو الأوّل)ببرّه إذ هداك،(و الآخر) بعفوه إذ قبل توبتك.(الطّبرسيّ 5:230)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ابن أبي يعفور قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ و قلنا:أمّا(الأوّل)فقد عرفناه،و أمّا(الآخر) فبيّن لنا تفسيره.

فقال:«إنّه ليس شيء إلاّ يبدأ و يتغيّر أو يدخله التّغيّر و الزّوال،و ينتقل من لون إلى لون،و من هيئة إلى هيئة،و من صفة إلى صفة،و من زيادة إلى نقصان،و من نقصان إلى زيادة،إلاّ ربّ العالمين فإنّه لم يزل و لا يزال بحالة واحدة،هو الأوّل قبل كلّ شيء،و هو الآخر على ما لم يزل،و لا تختلف عليه الصّفات و الأسماء كما تختلف على غيره،مثل الإنسان الّذي يكون ترابا مرّة و مرّة لحما و دما و مرّة رفاتا و رميما،كالبسر الّذي يكون مرّة بلحا و مرّة بسرا و مرّة رطبا و مرّة تمرا،فتتبدّل عليه الأسماء و الصّفات،و اللّه عزّ و جلّ بخلاف ذلك».

سئل عن(الاوّل و الآخر)فقال:«(الأوّل)لا عن أوّل قبله و عن بدء سبقه،و(آخر)لا عن نهاية،كما يعقل من صفة المخلوقين،و لكن قديم أوّل،قديم آخر، لم يزل و لا يزول بلا مدى و لا نهاية،لا يقع عليه الحدوث و لا يحول من حال إلى حال،خالق كلّ شيء».

(العروسيّ 5:231)

2Lالطّبريّ: (هو الاوّل)قبل كلّ شيء بغير حدّ، و(الآخر)بعد كلّ شيء بغير نهاية.و إنّما قيل ذلك كذلك،لأنّه كان و لا شيء موجود سواه،و هو كائن بعد فناء الأشياء كلّها،كما قال جلّ ثناؤه: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88.(27:215)

البلخيّ: إنّه كقول القائل:فلان أوّل هذا الأمر و آخره و ظاهره و باطنه،أي عليه يدور الأمر و به يتمّ.

(الطّوسيّ 9:518)

الطّوسيّ: قوله:(هو الاوّل و الآخر)قيل في معناه قولان:

أحدهما:قول البلخيّ[و قد تقدّم].

الثّاني:قال قوم:هو أوّل الموجودات،لأنّه قديم سابق لجميع الموجودات و ما عداه محدث.و القديم يسبق المحدث بما لا يتناهى من تقدير الأوقات.و الآخر بعد فناء كلّ شيء؛لأنّه تعالى يفني الأجسام كلّها و ما فيها من الأعراض،و يبقى وحده.ففي الآية دلالة على فناء الأجسام.(9:518)

نحوه الطّبرسيّ.(5:230)

الغزاليّ: إنّ الأوّل يكون أوّلا بالإضافة إلى شيء، و الآخر يكون آخرا بالإضافة إلى شيء،و هما متناقضان،فلا يتصوّر أن يكون الشّيء الواحد من وجه واحد بالإضافة إلى شيء واحد أوّلا و آخرا جميعا،بل إذا نظرت إلى ترتيب الوجود و لاحظت سلسلة الموجودات المترتّبة فاللّه تعالى بالإضافة إليها أوّل؛إذ كلّها استفادت الوجود منه سبحانه.

و أمّا هو عزّ و جلّ فموجود بذاته و ما استفاد الوجود

ص: 607

من غيره سبحانه و تعالى عن ذلك.و مهما نظرت إلى ترتيب السّلوك و لاحظت منازل السّالكين،فهو تعالى آخر؛إذ هو آخر ما ترتقي إليه درجات العارفين،و كلّ معرفة تحصل قبل معرفته تعالى فهي مرقاة إلى معرفته جلّ و علا،و المنزل الأقصى هو معرفة اللّه جلّ جلاله.

فهو سبحانه بالإضافة إلى السّلوك آخر،و بالإضافة إلى الوجود أوّل،فمنه عزّ شأنه المبدأ أوّلا،و إليه سبحانه المرجع و المصير آخرا.(الآلوسيّ 27:166)

الميبديّ: (هو الاوّل)يعني قبل كلّ شيء بلا ابتداء كان هو و لم يكن شيء موجود،و(الآخر)بعد فناء كلّ شيء بلا انتهاء،يفني الأشياء و يبقى هو.

و قال مقاتل بن حيّان: (هو الاوّل)بلا تأويل أحد، و(الآخر)بلا تأخير أحد.

و قال يمان: (هو الاوّل)القديم و(الآخر)الرّحيم.

و قال ابن عطاء: (هو الاوّل)بكشف أحوال الدّنيا حتّى لا يرغبوا فيها،و(الآخر)بكشف أحوال العقبى حتّى لا يشكّوا فيها.

و قيل:هذه الواوات مقحمة،و المعنى هو الأوّل الآخر الظّاهر الباطن،لأنّ من كان منّا أوّلا لا يكون آخرا،و من كان ظاهرا لا يكون باطنا.

و قيل:(هو الاوّل)كان قبل كلّ شيء بأسمائه و صفاته و كلامه لم يكن شيء غيره.و(الآخر):بعد كلّ شيء يمضي ما قد أراد و يجبر على مشيئته العباد،لم يزل آخرا كما كان أوّلا،و لا يزال أوّلا كما يكون آخرا.

و قيل:(هو الاوّل)علما و حكما،و(الآخر)إمضاء و قسما.(9:476)

(هو الاوّل)العالم ما لم يكن عالم،و هو(الآخر)يعلم ما يعلم.

(هو الاوّل)كان قبل الخلق بلا ابتداء،و هو(الآخر) بعد كلّ شيء بلا انتهاء.

(هو الاوّل)بالأزليّة،و(الآخر)بالأبديّة.

(هو الاوّل)بالهيبة،و(الآخر)بالرّحمة.

(هو الاوّل)بالعطاء،و(الآخر)بالجزاء.

(هو الاوّل)بالهداية،و(الآخر)بالكفاية.

هو أوّل كلّ نعمة،و آخر كلّ محنة.(9:486)

الزّمخشريّ: (هو الاوّل):هو القديم الّذي كان قبل كلّ شيء،و(الآخر):الّذي يبقى بعد هلاك كلّ شيء.(4:61)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في معنى كونه تعالى «آخرا»على وجوه:

أحدها:أنّه تعالى يفني جميع العالم و الممكنات فيتحقّق كونه آخرا،ثمّ إنّه يوجدها و يبقيها أبدا.

ثانيها:أنّ الموجود الّذي يصحّ في العقل أن يكون آخرا لكلّ الأشياء ليس إلاّ هو،فلمّا كانت صحّة آخريّة كلّ الأشياء مختصّة به سبحانه لا جرم وصف بكونه آخرا.

ثالثها:أنّ الوجود منه تعالى يبتدئ،و لا يزال ينزل حتّى ينتهي إلى الموجود الأخير الّذي يكون هو مسبّبا لكلّ ما عداه،و لا يكون سببا لشيء آخر،فبهذا الاعتبار يكون الحقّ سبحانه أوّلا،ثمّ إذا انتهى أخذ يترقّى من هذا الموجود الأخير درجة فدرجة حتّى ينتهي إلى آخر التّرقي،فهناك وجود الحقّ سبحانه،فهو سبحانه أوّل في

ص: 608

نزول الوجود منه إلى الممكنات،آخر عند الصّعود من الممكنات إليه.

و رابعها:أنّه يميت الخلق و يبقى بعدهم،فهو سبحانه آخر بهذا الاعتبار.

و خامسها:أنّه أوّل في الوجود،و آخر في الاستدلال،لأنّ المقصود من جميع الاستدلالات معرفة الصّانع،و أمّا سائر الاستدلالات الّتي لا يراد منها معرفة الصّانع فهي حقيرة خسيسة.(29:212)

البيضاويّ: (الاوّل):السّابق على سائر الموجودات من حيث إنّه موجدها و محدثها.و(الآخر):

الباقي بعد فنائها،و لو بالنّظر إلى ذاتها مع قطع النّظر عن غيرها.أو هو الأوّل الّذي تبتدئ منه الأسباب و تنتهي إليه المسبّبات،أو(الاوّل)خارجا و(الآخر)ذهنا.

(2:452)

النّيسابوريّ: أمّا البحث عن كونه تعالى آخرا، بمعنى أنّه يبقى و كلّ شيء يفنى،فمنهم من أوجب ذلك حتّى يتقرّر كونه آخرا،و هو مذهب جهم،فإنّه زعم أنّه سبحانه يوصل الثّواب إلى أهل الثّواب،و العقاب إلى أهل العقاب،ثمّ يفني الجنّة و أهلها،و النّار و أهلها، و العرش و الكرسيّ و الملك و الفلك،و لا يبقى مع اللّه شيء أصلا في أبد الآباد،كما لم يكن قبله شيء في أزل الآزال.

و اختلفوا في معنى كونه تعالى آخرا على وجوه:

أحدها:أنّه تعالى يفني جميع العالم ليتحقّق كونه آخرا،ثمّ إنّه يوجدها و يبقيها أبدا.

قلت:هذا حقيق بأن لا يسمّى آخريّة بل يسمّى توسّطا.

ثانيها:أنّ صحّة آخريّة كلّ الأشياء مختصّة به،فلا جرم وصف بكونه آخرا.

أقول:هذا أوّل المسألة،لأنّ الكلام لم يقع في اختصاص وجوده و عدمه،و إنّما النّزاع في معنى قوله آخرا.

ثالثها:أنّه أوّل في الوجود،آخر في الاستدلال،لأنّ المقصود من جميع الاستدلالات معرفة ذات الصّانع و صفاته.و أمّا سائر الاستدلالات الّتي لا يراد بها معرفة الصّانع فهي حقيرة خسيسة.

قلت:أراد أنّه غاية الأفكار و نهاية الأنظار،و هذا معنى حسن في نفسه إلاّ أنّه لا يطابق معنى الأوّل كلّ المطابقة.

رابعها:أنّه أوّل في ترتيب نزول الوجود و آخر إذا عكس التّرتيب.

قلت:هذا تصوّر صحيح ينطبق على السّلسلة المترتّبة من العلل و المعلولات،و على المترتّبة من الأشرف إلى الأخسّ،و على الآخذة من الوحدة إلى الكثرة،و ممّا يلي الأزل إلى ما يلي الأبد،و ممّا يلي المحيط إلى ما يقرب من المركز،فهو سبحانه أوّل بالتّرتيب الطّبيعيّ،و آخر بالتّرتيب المنعكس.(27:93)

الخازن: (هو الاوّل)قبل كلّ شيء بلا ابتداء،كان هو و لم يكن شيء موجودا و(الآخر)بعد فناء كلّ أحد بلا انتهاء،يفني الأشياء و يبقى هو.

و قيل:(هو الاوّل)بوجوده ليس قبله شيء، و(الآخر)ليس بعده شيء.

قيل:(هو الاوّل)بوجوده في الأزل و قبل الابتداء،

ص: 609

و(الآخر)بوجوده في الأبد و بعد الانتهاء.

و قيل:(هو الاوّل)الّذي سبق وجوده كلّ موجود، و(الآخر)الّذي يبقى بعد كلّ مفقود.

و قال أبو بكر ابن الباقلانيّ:معناه أنّه تعالى الباقي بصفاته من العلم و القدرة و غيرهما الّتي كان عليها في الأزل،و يكون كذلك بعد موت الخلائق و ذهاب علومهم و قدرهم و حواسّهم و تفرّق أجسامهم.

و قال:و تعلّقت المعتزلة بهذا الاسم فاحتجّوا لمذهبهم في بناء الأجسام و ذهابها بالكلّيّة.قالوا:معناه أنّه الباقي بعد فناء خلقه.و مذهب أهل الحقّ-يعني أهل السّنّة-بخلاف ذلك،و أنّ المراد الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم،كما يقال:آخر من بقي من بني فلان فلان،يراد حياته،و لا يراد فناء أجسام موتاه و ذهابها بالكلّيّة، انتهى كلامه.

و قيل:(هو الاوّل)السّابق للأشياء،و(الآخر) الباقي بعد فناء الأحياء.

قيل:(هو الاوّل)القديم و(الآخر)الرّحيم.

و قيل:(هو الاوّل)ببرّه إذ عرّفك توحيده، و(الآخر)بجوده إذ عرّفك طريق التّوبة عمّا جنيت.

قال الجنيد: (هو الاوّل)بشرح القلوب و(الآخر) بغفران الذّنوب.(7:25)

أبو حيّان: هو الّذي ليس لوجوده بداية مفتتحة.

و(الآخر)،أي الدّائم الّذي ليس له نهاية منقضية.

(8:217)

صدر المتألّهين: الواوات الثّلاثة للجمعيّة،لكنّ الأولى للدّلالة على أنّه تعالى مجمع صفتي التّقدّم و التّأخّر،و الثّالثة على أنّه مجمع الظّهور و البطون، و الوسطى على أنّه الجامع بين ذينك المجموعين؛مجموع الأوّليّة و الآخريّة،و مجموع الجلاء و الخفاء.

و عن عبد العزيز: إنّ الواوات مقحمة،و المعنى هو الأوّل الآخر الظّاهر الباطن،لأنّ من كان منّا أوّلا لا يكون آخرا،و من كان ظاهرا لا يكون باطنا،و هذا يلائم القول بأنّ أوّليّته عين آخريّته و ظاهريّته عين باطنيّته.

و عن ابن عبّاس: (الأوّل)قبل كلّ شيء بلا ابتداء و(الآخر)بعد فناء كلّ شيء بلا انتهاء،فهو الكائن لم يزل،و الباقي لا يزال،و(الظّاهر)الغالب العالي على كلّ شيء فكلّ شيء دونه،و(الباطن)العالم بكلّ شيء فلا أحد أعلم منه.

و توجيه هذا المنقول و إن كان فيه عدول عن الظّاهر المفهوم،أنّه مأخوذ من«بطن الشّيء»بمعنى علم باطنه، و لهذا أردف بقوله: وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، لأنّ العالم بوجوه الشّيء عالم بما سواه.[و قال بعد نقل قول الضّحّاك،و البلخيّ:]

و قيل:هو المستمرّ الوجود في جميع الأزمنة الماضية و الآتية،الظّاهر في جميعها بالأدلّة و الشّواهد،الباطن عن إدراك الحواسّ و المشاعر الجليّة،فيكون حجّة على من جوّز رؤيته تعالى في الآخرة بهذه الحاسّة.

و قيل:إنّ الأوّل و الآخر صفة الزّمان بالذّات، و الظّاهر و الباطن صفة المكان كذلك،و الحقّ تعالى وسع المكان ظاهرا و باطنا و وسع الزّمان أوّلا و آخرا،و هو منزّه عن الافتقار إلى المكان و الزّمان،فإنّه كان و لا

ص: 610

مكان و لا زمان.

مكاشفة:

الأوّليّة قد يكون بمعنى كون الشّيء فاعلا، و الآخريّة:بمعنى كونه غاية مترتّبة على وجود الفعل في العين،و إن كانت الغاية بحسب وجوده في العلم متقدّمة أيضا،فاللّه سبحانه أوّل كلّ شيء بمعنى أنّ وجوده حصل منه،و بمعنى أنّ الغرض في حصول ذلك الشّيء منه هو علمه بالمصلحة،و كونه تماما في الجود و الرّحمة،فيّاضا على الأشياء بلا عوض،و آخر كلّ شيء بمعنى أنّه الغاية الّتي تطلبه الأشياء و تقصده طبعا و إرادة.

و العرفاء المتألّهون حكموا بسريان نور المحبّة له و الشّوق إليه في جميع المخلوقات على تفاوت طبقاتهم فالكائنات السّفليّة كالمبدعات العلويّة على اقتراف شوق من هذا البحر الخضيم،و اعتراف شاهد مقرّ بوحدانيّة الحقّ العليم، وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها البقرة:148،فهو الحقّ الأوّل الّذي منه ابتدأ أمر العالم، و هو الآخر الّذي إليه ينساق وجود الأشياء سيّما بني آدم؛إذ منه صدر الوجود و لأجله وقع الكون.

و هو الآخر أيضا بالإضافة إلى سير المسافرين إليه، فإنّهم لا يزالون مترقّين من رتبة إلى رتبة حتّى يقع الرّجوع إلى تلك الحضرة بفنائهم عن ذاتهم و هويّتهم و اندكاك جبل وجودهم و إنّيّتهم،فهو أوّل في الوجود و آخر في المشاهدة،و اللّه عزّ اسمه حيث أنبأنا عن غاية وجود العالم قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56،أي ليعرفون،و قوله:«كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف،فخلقت الخلق لأعرف (1)».فدلّنا على أنّه الغاية القصوى لوجود العالم معروفا كما أنّه الفاعل له موجودا،و دلّنا أيضا على بعض الغايات المتوسّطة الضّروريّة بقوله:«لولاك لما خلقت الأفلاك».

فالمبدأ و الغاية لوجود العالم و لقاء الآخرة هو اللّه سبحانه،و لذلك بنى العالم،و لأجله نظّم النّظام.

قال بعض الحكماء: و لو أنّ أحدا من الخلق عرف الكمال الّذي هو الخير الأقصى،ثمّ كان ينظّم الأمور الّتي صدرت منه على الوجه الّذي صدرت هي عليه و على مثاله حتّى كانت الأمور على غاية من النّظام و التّمام، لكان غرضه بالحقيقة هو ذات البارئ،فهو الأوّل و الآخر بهذا المعنى أيضا.(6:153)

الكاشانيّ: (هو الاوّل)قبل كلّ شيء،و(الآخر) بعد كلّ شيء،و(الظّاهر)على كلّ شيء بالقهر له، و(الباطن)الخبير بباطن كلّ شيء،و(هو الاوّل و الآخر)أيضا،تبتدئ منه الأسباب و ينتهي إليه المسبّبات،(و الظّاهر و الباطن)الظّاهر وجوده من كلّ شيء،و الباطن حقيقة ذاته فلا يكتنهها العقول.

(5:132)

البروسويّ: (هو الاوّل)السّابق على سائر الموجودات بالذّات و الصّفات،لما أنّه مبدؤها و مبدعها، فالمراد بالسّبق و الأوّليّة هو الذّاتيّ لا الزّمانيّ،فإنّ الزّمان من جملة الحوادث أيضا.و(الآخر)الباقي بعد».

ص: 611


1- جاء في الكلمات المكنونة للفيض الكاشانيّ الصّفحة: 33،بتصحيح الشّيخ عزيز اللّه العطارديّ«كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف».

فنائها حقيقة أو نظرا إلى ذاتها مع قطع النّظر عن مبقيها، فإنّ جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النّظر عن علّتها فهي فانية.

و في هذا المقام معان أخر:

(هو الاوّل)الّذي تبتدأ منه الأسباب،و(الآخر) الّذي تنتهي إليه المسبّبات،أي إذا نظرت إلى سلسلة الموجودات المتكوّنة بعضها من بعض وجدت اللّه مبدأ تلك السّلسلة و منتهاها،تبتدئ منه سلسلة الأسباب، و تنتهي إليه سلسلة المسبّبات.

و قال بعض الكمّل: (هو الاوّل)باعتبار بدء السّير نزولا،و(الآخر)باعتبار ختم السّير عروجا.

(هو الاوّل)في آخريّته،و(الآخر)في عين أوّليّته.

و يقال:(هو الاوّل)خالق الأوّلين،و(الآخر)خالق الآخرين.

و قال التّرمذيّ: (هو الاوّل)بالتّأليف و(الآخر) بالتّكليف...،و الأوّل بالإنعام و الآخر بالإتمام.

قال بعض المحقّقين من أهل الأصول:هذا مبالغة في نفي التّشبيه،لأنّ كلّ من كان أوّلا لا يكون آخرا،و كلّ من كان ظاهرا لا يكون باطنا،فأخبر أنّه الأوّل الآخر، الظّاهر الباطن،ليعلم أنّه لا يشبه شيئا من المخلوقات و المصنوعات.

و قال بعض المكاشفين: هو الأوّل إذ كان هو و لم تكن صور العالم،كما قال عليه السّلام:«كان اللّه و لا شيء معه» فهو متقدّم عليها،و هذا التّقدّم هو المراد بالأوّليّة،و هو الآخر إذ كان عين صور العالم عند ظهورها و لها التّأخّر، فهو باعتبار ظهوره بها له الآخريّة،فالآخر عين الظّاهر و الباطن عين الأوّل.

هذا باعتبار التّنزّل من الحقّ إلى الخلق.و أمّا باعتبار التّرقّي من الخلق إلى الحقّ فالآخر عين الباطن و الظّاهر عين الأوّل.(9:346)

الآلوسيّ: (هو الاوّل)السّابق على جميع الموجودات،فهو سبحانه موجود قبل كلّ شيء حتّى الزّمان،لأنّه جلّ و علا الموجد و المحدث للموجودات، و(الآخر)الباقي بعد فنائها حقيقة أو نظرا إلى ذاتها مع قطع النّظر عن مبقيها،فإنّ جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النّظر عن علّتها فهي فانية.

و من هنا قال ابن سينا:الممكن في حدّ ذاته ليس و هو من علّته أيس فلا ينافي هذا كون بعض الموجودات الممكنة لا تفنى،كالجنّة و النّار و من فيهما،كما هو مقرّر مبيّن بالآيات و الأحاديث،لأنّ فناءها في حدّ ذاتها أمر لا ينفكّ عنها،و قد يقال:فناء كلّ ممكن بالفعل ليس بمشاهد،و الّذي يدلّ عليه الدّليل إنّما هو إمكانه فالبعديّة في مثله بحسب التّصوّر و التّقدير.و قيل:(هو الاوّل) الّذي تبتدئ منه الأسباب؛إذ هو سبحانه مسبّبها، (و الآخر)الّذي تنتهي إلى المسبّبات.فالأوّليّة ذاتيّة، و الآخريّة بمعنى أنّه تعالى إليه المرجع و المصير،بقطع النّظر عن البقاء الثّابت بالأدلّة.

و قيل:(الأوّل)خارجا،لأنّه تعالى أوجد الأشياء، فهو سبحانه متقدّم عليها في نفس الأمر الخارجيّ، (و الآخر)ذهنا و بحسب التّعلّق،لأنّه عزّ شأنه يستدلّ عليه بالموجودات الدّالّة على الصّانع القديم،كما قيل:

ص: 612

ما رأيت شيئا إلاّ رأيت اللّه تعالى بعده (1).(27:166)

سيّد قطب: (الأوّل)فليس قبله شيء،(و الآخر) فليس بعده شيء...(الاوّل و الآخر)مستغرقا كلّ حقيقة الزّمان،(و الظّاهر و الباطن)مستغرقا كلّ حقيقة المكان.

(6:3478)

الطّباطبائيّ: لمّا كان تعالى قديرا على كلّ شيء مفروض كان محيطا بقدرته على كلّ شيء من كلّ جهة، فكلّ ما فرض أوّلا فهو قبله،فهو الأوّل دون الشّيء المفروض أوّلا،و كلّ ما فرض آخرا فهو بعده،لإحاطة قدرته به من كلّ جهة،فهو الآخر دون الشّيء المفروض آخرا،و كلّ شيء فرض ظاهرا فهو أظهر منه؛لإحاطة قدرته به من فوقه،فهو الظّاهر دون المفروض ظاهرا، و كلّ شيء فرض أنّه باطن فهو تعالى أبطن منه؛ لإحاطته به من ورائه،فهو الباطن دون المفروض باطنا، فهو تعالى الأوّل و الآخر و الظّاهر و الباطن على الإطلاق،و ما في غيره تعالى من هذه الصّفات فهي إضافيّة نسبيّة.

و ليست أوّليّته تعالى و لا آخريّته و لا ظهوره و لا بطونه زمانيّة و لا مكانيّة بمعنى مظروفيّته لهما،و إلاّ لم يتقدّمهما و لا تنزّه عنهما سبحانه،بل هو محيط بالأشياء على أيّ نحو فرضت و كيفما تصوّرت.

فبان ممّا تقدّم أنّ هذه الأسماء الأربعة-الأوّل و الآخر و الظّاهر و الباطن-من فروع اسمه المحيط،و هو فرع إطلاق القدرة،فقدرته محيطة بكلّ شيء.و يمكن تفريع الأسماء الأربعة على إحاطة وجوده بكلّ شيء، فإنّه تعالى ثابت قبل ثبوت كلّ شيء و ثابت بعد فناء كلّ شيء،و أقرب من كلّ شيء ظاهر،و أبطن من الأوهام و العقول من كلّ شيء خفيّ باطن.

و كذا للأسماء الأربعة نوع تفرّع على علمه تعالى، و يناسبه تذييل الآية بقوله: وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

و فسّر بعضهم الأسماء الأربعة بأنّه الأوّل قبل كلّ شيء،و الآخر بعد هلاك كلّ شيء،الظّاهر بالأدلّة الدّالّة عليه،و الباطن غير مدرك بالحواسّ.

و قيل:الأوّل قبل كلّ شيء بلا ابتداء،و الآخر بعد كلّ شيء بلا انتهاء...

و قيل:الأوّل بلا ابتداء و الآخر بلا انتهاء...و هناك أقوال أخر في معناها غير جيّدة أغمضنا عن إيرادها.

(19:145)

اخرنا

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا... المائدة:114

ابن عبّاس: يأكل منها آخر النّاس كما يأكل منها أوّلهم.(القرطبيّ 6:368)

(لاوّلنا):لأهل زماننا،و(اخرنا):من يجيء بعدنا.

(أبو حيّان 4:56)

قتادة: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.

(الطّبريّ 7:132)

السّدّيّ: نتّخذ اليوم الّذي نزلت فيه عيدا،نعظّمه نحن و من بعدنا.(الطّبريّ 7:132)

ص: 613


1- جاء في الكلمات المكنونة للفيض الكاشانيّ الصّفحة: 3،«ما رأيت شيئا إلاّ و رأيت اللّه قبله و بعده و معه».

نحوه الفخر الرّازيّ.(12:131)

ابن جريج: (لاوّلنا):الّذين هم أحياء منهم يومئذ،و(اخرنا):من بعدهم منهم.(الطّبريّ 7:132)

الطّبريّ: الأولى من تأويله بالصّواب قول من قال:تأويله للأحياء منّا اليوم و من يجيء بعدنا منّا،لأنّ ذلك هو الأغلب من معناه.(7:132)

الطّوسيّ: فيه محذوف،لأنّ تقديره:عيدا لنا لأوّلنا و آخرنا،لتصحّ الفائدة في تكرير اللاّم في أوّلنا و آخرنا.(4:64)

الميبديّ: يعني نتّخذ اليوم الّذي تنزل فيه عيدا نعظّمه نحن و من يأتي بعدنا.(3:269)

الزّمخشريّ: بدل من(لنا)بتكرير العامل،أي لمن في زماننا من أهل ديننا،و لمن يأتي بعدنا.و يجوز للمقدّمين و الأتباع.

و في قراءة زيد (لاولانا و اخرانا) و التّأنيث بمعنى الأمّة و الجماعة.(1:655)

القرطبيّ: أي لأوّل أمّتنا و آخرها.

و قرأ زيد بن ثابت (لاولانا و اخرانا) على الجمع.

(6:368)

أبو حيّان: قيل:(لاوّلنا):المتقدّمين منّا و الرّؤساء،و(اخرنا)يعني الأتباع،و الأوّليّة و الآخريّة، فاحتملتا الأكل و الزّمان و الرّتبة.و الظّاهر الزّمان.

و قرأ زيد بن ثابت،و ابن محيصن،و الجحدريّ (لاولانا و اخرانا) ،أنّثوا على معنى الأمّة و الجماعة.

(4:56)

البروسويّ: بدل من(لنا)بإعادة العامل،أي عيدا لمتقدّمينا و متأخّرينا.(2:463)

الآلوسيّ: قرأ زيد،و ابن محيصن،و الجحدريّ (لاولانا و اخرانا)بتأنيث الأوّل و الآخر،باعتبار الأمّة و الطّائفة.و كون المراد ب«الأولى و الأخرى»الدّار الأولى أي الدّنيا،و الدّار الأخرى أي الآخرة،ممّا لا يكاد يصحّ.(7:61)

رشيد رضا: هو بدل من قوله:(لنا)الّذي ذكر أوّلا،لإفادة الحصر و الاختصاص،أي عيدا لأوّل من آمن منّا،و آخر من آمن.و المتبادر أنّه أراد بأوّلهم من كان آمن عند ذلك الدّعاء،و بآخرهم من يؤمن بعد نزول المائدة،ممّن يشهد لهم من شهدها و غيرهم.

و يحتمل على بعد أن يراد أوّل جماعته الحاضرين معه إيمانا و آخرهم.

و روي أنّ المعنى يأكل منها آخر القوم كما يأكل أوّلهم،أو كافية للفريقين.(7:253)

الطّباطبائيّ: أي أوّل جماعتنا من الأمّة و آخر من يلحق بهم،على ما يدلّ عليه السّياق،فإنّ العيد من العود،و لا يكون عيدا إلاّ إذا عاد حينا بعد حين،و في الخلف بعد السّلف من غير تحديد.[لاحظ:ع ي د]

(6:235)

الآخرين

1- وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ.

الشّعراء:84

الطّوسيّ: أي ثناء حسنا في آخر الأمم،فأجاب اللّه تعالى دعاءه،لأنّ اليهود يقرّون بنبوّته،و كذلك

ص: 614

النّصارى،و أكثر الأمم.(8:33)

نحوه الطّبرسيّ.(3:194)

القشيريّ:أراد الدّعاء الحسن إلى قيام السّاعة، فإنّ زيادة الثّواب مطلوبة في حقّ كلّ أحد.

(القرطبيّ 13:112)

الفخر الرّازيّ: فيه ثلاث تأويلات:

الأوّل:أنّه عليه السّلام ابتدأ بطلب ما هو الكمال الذّاتيّ للإنسان في الدّنيا و الآخرة،و هو طلب الحكم الّذي هو العلم،ثمّ طلب بعده كمالات الدّنيا،و بعد ذلك طلب كمالات الآخرة...

الثّاني:أنّه سأل ربّه أن يجعل من ذرّيّته في آخر الزّمان من يكون داعيا إلى اللّه تعالى،و ذلك هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فالمراد من قوله: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ بعثة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّالث:قال بعضهم:المراد اتّفاق أهل الأديان على حبّه،ثمّ إنّ اللّه تعالى أعطاه ذلك،لأنّك لا ترى أهل دين إلاّ و يتوالون إبراهيم عليه السّلام.و قدح بعضهم فيه بأنّه لا تقوى الرّغبة في مدح الكافر.

و جوابه:أنّه ليس المقصود مدح الكافر من حيث هو كافر،بل المقصود أن يكون ممدوح كلّ إنسان و محبوب كلّ قلب.(24:149)

الخازن: يعني ثناء حسنا و ذكرا جميلا و قبولا عامّا في الأمم الّتي تجيء بعدي.(5:99)

نحوه البروسويّ.(6:286)

الآلوسيّ: أي اجعل لنفعي ذكرا صادقا في جميع الأمم إلى يوم القيامة.و حاصله خلّد صيتي و ذكري الجميل في الدّنيا،و ذلك بتوفيقه للآثار الحسنة و السّنن المرضيّة لديه تعالى،المستحسنة الّتي يقتدي بها الآخرون،و يذكرونه بسببها بالخير و هم صادقون.

و تعريف(الآخرين)للاستغراق،و الكلام مستلزم لطلب التّوفيق للآثار الحسنة الّتي أشرنا إليها،و كأنّه المقصود بالطّلب على أبلغ وجه.و لا بأس بأن يريد تخليد ذكره بالجميل.[إلى أن قال:]

و يحتمل أن يراد ب(الآخرين)آخر أمّة يبعث فيها نبيّ،و أنّه عليه السّلام طلب الصّيت الحسن و الذّكر الجميل فيهم ببعثة نبيّه فيهم،يجدّد أصل دينه و يدعو النّاس إلى ما كان يدعوهم إليه من التّوحيد،معلما لهم أنّ ذلك ملّة إبراهيم عليه السّلام،فكأنّه طلب بعثة نبيّ كذلك في آخر الزّمان،لا تنسخ شريعته إلى يوم القيامة،و ليس ذلك إلاّ نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(19:98)

2- وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. الصّافّات:78

ابن عبّاس: يعني ذكرا جميلا،و أثنينا عليه في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

مثله مجاهد،و قتادة.(الطّوسيّ 8:506)

الفرّاء: تركنا عليه قولا هو أن يقال في آخر الأمم:

سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:79.

(الطّوسيّ 8:506)

الزّجّاج: تركنا عليه الذّكر الجميل إلى يوم القيامة.

(الطّبرسيّ 4:447)

الطّبريّ: يعنى فيمن تأخّر بعده من النّاس.

(23:68)

ص: 615

1Lالميبديّ: يعني أبقينا له ثناء حسنا و ذكرا جميلا، فيمن بعده من الأنبياء و الأمم إلى يوم القيامة.

(8:277)

مثله الخازن.(6:20)

الزّمخشريّ: (فى الآخرين)من الأمم هذه الكلمة،و هي سَلامٌ عَلى نُوحٍ الصّافّات:79.

(3:343)

القرطبيّ: أي تركنا عليه ثناء حسنا في كلّ أمّة، فإنّه محبّب إلى الجميع،حتّى أنّ في المجوس من يقول:إنّه أفريدون،روي معناه عن مجاهد و غيره.(15:90)

أبو حيّان: أي في الباقين غابر الدّهر.و مفعول (تركنا)محذوف،تقديره:ثناء حسنا جميلا في آخر الدّهر.(7:364)

الآلوسيّ: في الباقين غابر الدّهر.[إلى أن قال:]

و المراد أبقينا له دعاء النّاس و تسليمهم عليه أمّة بعد أمّة.(23:98)

الطّباطبائي: المراد ب«التّرك»:الإبقاء، و ب(الآخرين):الأمم الغابرة غير الأوّلين.

و قد ذكرت هذه الجملة بعد ذكر إبراهيم عليه السّلام أيضا في هذه السّورة،و قد بدّلت في القصّة بعينها من سورة الشّعراء:84،من قوله: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ.

و استفدنا منه هناك أنّ المراد ب(لسان صدق)كذلك أن يبعث اللّه بعده من يقوم بدعوته و يدعو إلى ملّته و هي دين التّوحيد.

فيتأيّد بذلك أنّ المراد بالإبقاء في الآخرين هو إحياؤه تعالى دعوة نوح عليه السّلام إلى التّوحيد،و مجاهدته في سبيل اللّه عصرا بعد عصر و جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة.(17:146)

[و جاءت كلمة(الآخرين)بهذا المعنى أيضا،في الآيات:108،119،129 من هذه السّورة.أي الصّافّات.]

3- فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلاً لِلْآخِرِينَ. الزّخرف:56

مجاهد:قوم فرعون كفّارهم سلفا لكفّار أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

عبرة لمن بعدهم.

مثله قتادة.(الطّبريّ 25:85)

الطّبريّ: عبرة و عظة يتّعظ بهم من بعدهم من الأمم.(25:85)

نحوه الخازن.(6:115)

الزّمخشريّ: فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفّار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم و نزوله بهم، لإتيانهم بمثل أفعالهم.(3:493)

الطّبرسيّ: أي لمن جاء بعدهم يتّعظون بهم، و المعنى إنّ حال غيرهم يشبه حالهم إذا أقاموا على العصيان.(5:52)

البروسويّ: أي عظة للكفّار المتأخّرين عنهم.

(8:380)

الآلوسيّ: أي عظة لهم،و المراد بهم الكفّار بعدهم، و الجارّ متعلّق على التّنازع ب(سلفا)و(مثلا).و يجوز أن

ص: 616

يراد بالمثل القصّة العجيبة الّتي تسير مسير الأمثال، و معنى كونهم مثلا للكفّار أن يقال لهم:مثلكم مثل قوم فرعون.و يجوز تعلّق الجارّ بالثّاني و تعميم الآخرين بحيث يشمل المؤمنين،و كونهم قصّة عجيبة للجميع ظاهر.(25:92)

القاسميّ: أي النّاجين.(14:5278)

4- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ.

الواقعة:13،14

مجاهد: جماعة ممّن تبع النّبيّ و عاينه،و جماعة ممّن آمن به و كان بعده.(النّيسابوريّ 27:77)

الحسن: ثلّة ممّن قد مضى قبل هذه الأمّة،و قليل من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(القرطبيّ 17:200)

السّابقون من الأمم،و السّابقون من هذه الأمّة.

(أبو حيّان 8:205)

مقاتل: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني سابقي الأمم،و قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ من هذه الأمّة.

(الطّبرسيّ 5:215)

الطّبريّ: جماعة من الأمم الماضية،و قليل من أمّة محمّد،و هم الآخرون.و قيل لهم:الآخرون،لأنّهم آخر الأمم.(27:172)

الطّوسيّ: إنّما قال ذلك:لأنّ الّذين سبقوا إلى إجابة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قليل من كثير ممّن سبق إلى النّبيّين.

(9:490)

الميبديّ: كلاهما من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.فقد روي أنّه قال:«كلتا الثّلّتين أمّتي».

(9:444)

الزّمخشريّ: هم أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:(من الاوّلين):من متقدّمي هذه الأمّة و(من الآخرين):من متأخّريها.

فإن قلت:كيف قال: وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ثمّ قال: ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ؟ الواقعة:40.

قلت:هذا في السّابقين،و ذلك في أصحاب اليمين، و إنّهم يتكاثرون من الأوّلين و الآخرين جميعا.

(4:53)

الطّبرسيّ: من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ من سبق إلى إجابة نبيّنا قليل بالإضافة إلى من سبق إلى إجابة النّبيّين قبله،عن جماعة من المفسّرين.

و قيل:معناه جماعة من أوائل هذه الأمّة،و قليل من أواخرهم ممّن قرب حالهم من حال أولئك.(5:215)

الفخر الرّازيّ: المراد منه السّابقون الأوّلون من المهاجرين و الأنصار،فإنّ أكثرهم لهم الدّرجة العليا، لقوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ الحديد:10، وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ :الّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم.و على هذا فقوله: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً الواقعة:7،يكون خطابا مع الموجودين وقت التّنزيل،و لا يكون فيه بيان الأوّلين الّذين كانوا قبل نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا ظاهر،فإنّ الخطاب لا يتعلّق إلاّ بالموجودين من حيث اللّفظ، و يدخل فيه غيرهم بالدّليل.

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات

ص: 617

بأنفسهم، وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ :الّذين قال اللّه تعالى فيهم: وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ الطّور:21،فالمؤمنون و ذرّيّاتهم إن كانوا من أصحاب اليمين فهم في الكثرة سواء،لأنّ كلّ صبيّ مات و أحد أبويه مؤمن فهو من أصحاب اليمين.و أمّا إن كانوا من المؤمنين السّابقين فقلّما يدرك ولدهم درجة السّابقين،و كثيرا ما يكون ولد المؤمن أحسن حالا من الأب،لتقصير في أبيه و معصية لم توجد في الابن الصّغير.و على هذا فقوله:(الآخرين)، المراد منه الآخرون التّابعون من الصّغار.(29:148)

القرطبيّ: أي ممّن آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(17:200)

الخازن: يعني من هذه الأمّة،و ذلك لأنّ الّذين عاينوا جميع الأنبياء و صدّقوهم من الأمم الماضية أكثر ممّن عاين النّبيّ و آمن به.

و قيل:إنّ(الأوّلين)هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:(من الآخرين)يعني التّابعين لهم بإحسان.

و قيل:إنّ(الأوّلين)سبّاق المهاجرين و الأنصار، و قيل:(من الآخرين)،أي ممّن جاء بعدهم من الصّحابة.

(7:13)

أبو حيّان: قالت عائشة:الفرقتان،في كلّ أمّة نبيّ في صدرها ثلّة و في آخرها قليل.

و قيل:هما الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،كانوا في صدر الدّنيا[كثير]و في آخرها أقلّ.

و في الحديث: «الفرقتان في أمّتي،فسابق في أوّل الأمّة ثلّة و سابق سائرها إلى يوم القيامة قليل».

(8:205)

البروسويّ: أي من هذه الأمّة.و قد روي مرفوعا، أنّ(الأوّلين و الآخرين)هاهنا أيضا متقدّمو هذه الأمّة و متأخّروهم،و هو المختار كما في بحر العلوم.(9:320)

الآلوسيّ: هم النّاس من لدن نبيّنا صلّى اللّه عليه تعالى و سلّم إلى قيام السّاعة.(27:134)

القاسميّ: أي الّذين جاءوا من بعدهم في الأزمنة الّتي حدثت فيها الغير و تبرّجت الدّنيا لخطّابها،و نسي معها سرّ البعثة و حكمة الدّعوة.(16:5648)

الطّباطبائيّ: المراد ب(الأوّلين)الأمم الماضون للأنبياء السّابقين،و ب(الآخرين)هذه الأمّة،على ما هو المعهود من كلامه تعالى في كلّ موضع ذكر فيه(الأوّلين و الآخرين)معا.و منها ما سيأتي من قوله: أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ* أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ* قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الواقعة:47-50،فمعنى الآيتين هم-أي المقرّبون- جماعة كثيرة من الأمم الماضين و قليل من هذه الأمّة.

و بما تقدّم يظهر أنّ قول بعضهم:إنّ المراد ب(الأوّلين و الآخرين)أوّلو هذه الأمّة و آخروها غير سديد.

(19:121)

5- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ.

الواقعة:39،40

أبو العالية: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من سابقي هذه الأمّة،و ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ من هذه الأمّة في آخر الزّمان.

ص: 618

مثله مجاهد،و عطاء بن أبي رباح،و الضّحّاك (الميبديّ 9:451)

الحسن: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ من الأمم،و ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الطّبريّ 27:189)

سابقو الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمّة، و تابعو الأمم الماضية مثل تابعي هذه الأمّة،يعني إنّ أصحاب اليمين منهم مثل أصحاب اليمين منّا.

(الطّبرسيّ 5:219)

الميبديّ: من مؤمني هذه الأمّة.(9:451)

مثله الطّبرسيّ(5:219)،و الخازن(7:17).

أبو حيّان: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ أي من الأمم الماضية،و ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ أي من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و لا تنافي بين قوله: ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ و قول قبله: وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ، لأنّ قوله:(من الآخرين)هو في السّابقين،و قوله: ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ هو في أصحاب اليمين.(8:207)

الآلوسيّ: الأوّلون و الآخرون:المتقدّمون و المتأخّرون،إمّا من الأمم و هذه الأمّة،أو من هذه الأمّة فقط.(27:143)

القاسميّ: أي جماعة و أمّة من المتقدّمين في الإيمان،و ممّن جاء بعدهم من التّابعين لهم بإحسان من هذه الأمّة.(16:5652)

الطّباطبائيّ: يتّضح معناه بما تقدّم و يستفاد من الآيات أنّ أصحاب اليمين في الآخرين جمع كثير كالأوّلين،لكنّ السّابقين المقرّبين في الآخرين أقلّ جمعا منهم في الأوّلين.(19:124)

6- قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. الواقعة:49،50

الطّبريّ: قل يا محمّد لهؤلاء:(انّ الاوّلين)من آبائكم(و الآخرين)منكم و من غيركم.(27:194)

الطّوسيّ: أي قل لهم يا محمّد:إنّ من تقدّمكم من آبائكم أو غير آبائكم،و(الآخرين)الّذين يتأخّرون عن زمانكم،يجمعهم اللّه و يبعثهم و يحشرهم إلى وقت يوم معلوم عند اللّه،و هو يوم القيامة.(9:500)

نحوه الطّبرسيّ.(5:221)

الخازن: يعني الآباء و الأبناء.(7:18)

البروسويّ: من الأمم الّذين من جملتهم أنتم و آباؤكم.(19:329)

نحوه الآلوسيّ.(27:145)

المراغيّ: أي أجبهم أيّها الرّسول الكريم قائلا لهم:(انّ الأوّلين)الّذين تستبعدون بعثهم أشدّ الاستبعاد،(و الآخرين)الّذين تظنّون أن لن يبعثوا، ليجمعون في صعيد واحد في ذلك اليوم المعلوم.

(27:143)

الطّباطبائيّ: أمر منه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجيب عن استبعادهم البعث بتقريره،ثمّ إخبارهم عمّا يعيشون به يوم البعث من طعام و شراب،و هما الزّقّوم و الحميم.

و محصّل القول أنّ(الأوّلين و الآخرين)-من غير فرق بينهم،لا كما فرّقوا فجعلوا بعث أنفسهم مستبعدا و بعث آبائهم الأوّلين أشدّ استبعادا و آكد-لمجموعون

ص: 619

محشورون إلى ميقات يوم معلوم.(19:125)

7- أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ.

المرسلات:16،17

الحسن: إنّ(الآخرين)هم الّذين تقوم عليهم القيامة.(الطّبرسيّ 5:416)

الطّبريّ: ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ بعدهم،ممّن سلك سبيلهم في الكفر بي و برسولي،كقوم إبراهيم و قوم لوط و أصحاب مدين،فنهلكهم كما أهلكنا(الأوّلين) قبلهم.(29:235)

الطّوسيّ: الآخرون:قوم لوط و إبراهيم إلى فرعون و من معه من الجنود،أهلكهم اللّه بأنواع الهلاك جزاء على كفرهم لنعم اللّه،و جحدهم لتوحيده، و إخلاص عبادته.(10:227)

الميبديّ: أي نلحق المتأخّرين الّذين أهلكوا من بعدهم بهم كقوم إبراهيم و قوم لوط و أصحاب مدين و آل فرعون و ملأه،ثمّ توعّد المجرمين من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(10:338)

الزّمخشريّ: (و الآخرين)من قوم شعيب و لوط و موسى.(4:203)

الطّبرسيّ: قوم لوط و إبراهيم.(5:416)

الفخر الرّازيّ: ما المراد من(الأوّلين) و(الآخرين)؟

الجواب فيه قولان:

الأوّل:أنّه أهلك(الأوّلين)من قوم نوح و عاد و ثمود،ثمّ أتبعهم(الآخرين)قوم شعيب و لوط و موسى، كذلك نفعل بالمجرمين،و هم كفّار قريش،و هذا القول ضعيف؛لأنّ قوله: نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ بلفظ المضارع، فهو يتناول الحال و الاستقبال و لا يتناول الماضي البتّة.

القول الثّاني:أنّ المراد ب(الأوّلين)جميع الكفّار الّذين كانوا قبل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قوله: ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ على الاستئناف،على معنى سنفعل ذلك و نتبع الأوّل الآخر.و يدلّ على الاستئناف قراءة عبد اللّه(سنتبعهم).

فإن قيل:قرأ الأعرج (ثمّ نتبعهم) بالجزم،و ذلك يدلّ على الاشتراك في(الم)،و حينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل.

قلنا:القراءة الثّابتة بالتّواتر(نتبعهم)بحركة العين، و ذلك يقتضي المستقبل،فلو اقتضت القراءة بالجزم-أن يكون المراد هو الماضي-لوقع التّنافي بين القراءتين، و إنّه غير جائز.فعلمنا أنّ تسكين العين ليس للجزم بل للتّخفيف.(30:271)

أبو حيّان: (الاوّلين):الأمم الّتي تقدّمت قريشا جمعاء،و يكون(الآخرين):من تأخّر من قريش و غيرهم.

و على التّشريك يكون(الاوّلين):قوم نوح و إبراهيم عليهما السّلام و من كان معهم،و(الآخرين):

قوم فرعون و من تأخّر و قرب من مدّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(8:405)

البروسويّ: هم الّذين كانوا بعد بعثته.

(10:284)

الآلوسيّ: المراد ب(الآخرين)المتأخّرين هلاكا من

ص: 620

المذكورين،كقوم لوط و شعيب و موسى عليهما السّلام،دون كفّار أهل مكّة،لأنّهم بعد ما كانوا قد أهلكوا.(29:174)

الطّباطبائيّ: المراد ب(الأوّلين)أمثال قوم نوح و عاد و ثمود من الأمم القديمة عهدا،و ب(الآخرين):

الملحقون بهم من الأمم الغابرة.(20:152)

الآخرة

1- ...وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.

البقرة:4

ابن عبّاس: أي بالبعث و القيامة و الجنّة و النّار و الحساب و الميزان.(الطّبريّ 1:106)

إيقانهم ما جحده المشركون من البعث و النّشور و الحساب و العقاب.(الطّوسيّ 1:58)

الطّبريّ: أمّا الآخرة فإنّها صفة للدّار،كما قال جلّ ثناؤه: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:64.

و إنّما وصفت بذلك لمصيرها آخرة لأولى كانت قبلها،كما تقول للرّجل:أنعمت عليك مرّة بعد أخرى، فلم تشكر لي الأولى و لا الآخرة،و إنّما صارت الآخرة آخرة للأولى،لتقدّم الأولى أمامها،فكذلك الدّار الآخرة سمّيت آخرة لتقدّم الدّار الأولى أمامها،فصارت التّالية لها آخرة.

و قد يجوز أن تكون سمّيت آخرة لتأخّرها عن الخلق،كما سمّيت الدّنيا دنيا لدنوّها من الخلق.

و أمّا الّذي وصف اللّه جلّ ثناؤه به المؤمنين-بما أنزل إلى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و ما أنزل إلى من قبله من المرسلين،من إيقانهم به من أمر الآخرة-فهو إيقانهم بما كان المشركون به جاحدين،من البعث و النّشر و الثّواب و العقاب و الحساب و الميزان،و غير ذلك ممّا أعدّ اللّه لخلقه يوم القيامة.(1:105)

نحوه الطّوسيّ.(1:58)

الميبديّ: يعني و بالنّشأة الآخرة،و قيل:بالدّار الآخرة.سمّيت آخرة لتأخّرها عن الدّنيا،و قيل:

لتأخّرها عن أعين الخلق.(1:51)

الزّمخشريّ: الآخرة:تأنيث الآخر الّذي هو نقيض الأوّل،و هي صفة الدّار،بدليل قوله: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ القصص:83،و هي من الصّفات الغالبة، و كذلك الدّنيا.(1:137)

نحوه أبو حيّان.(1:41)

الطّبرسيّ: (بالآخرة)،أي بالدّار الآخرة،لأنّ الآخرة صفة،فلا بدّ لها من موصوف،و قيل:أراد به الكرّة الآخرة.و إنّما وصفت بالآخرة لتأخّرها عن الدّنيا.

(1:40)

الآلوسيّ: الآخرة تأنيث الآخر،اسم فاعل من «أخر»الثّلاثيّ بمعنى تأخّر و إن لم يستعمل،كما أنّ الآخر بفتح الخاء،اسم تفضيل منه،و هي صفة في الأصل،كما في اَلدّارُ الْآخِرَةُ القصص:83، يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ العنكبوت:20،ثمّ غلبت كالدّنيا.

و الوصف الغالب قد يوصف به دون الاسم الغالب، فلا يقال:قيد أدهم (1)؛للزوم التّكرار في المفهوم،و هو و إن كان من الدّهمة إلاّ أنّه يستعمله من لا تخطر بباله

ص: 621


1- قيد أدهم:قيد أسود.

أصلا،فافهم.

و قد تضاف«الدّار»لها كقوله تعالى: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،أي دار الحياة الآخرة،و قد يقابل بالأولى كقوله سبحانه و تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ القصص:70،و المعنى هنا الدّار الآخرة أو النّشأة الآخرة.

و الجمهور على تسكين لام التّعريف و إقرار الهمزة الّتي تكون بعدها للقطع،و ورش يحذف و ينقل الحركة إلى اللاّم.(1:122)

رشيد رضا: أمّا لفظ(الآخرة)فقد ورد في القرآن كثيرا،و المراد به الحياة الآخرة أو الدّار الآخرة؛حيث الجزاء على الأعمال،و يتضمّن كلّ ما وردت به النّصوص القطعيّة من الحساب و الجزاء على الأعمال.(1:133)

المصطفويّ: الآخرة:مؤنّث الآخر،و قد ذكرت في تسعة موارد في القرآن الكريم مقيّدة ب«الدّار»صفة أو مضافة إليها: إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ البقرة:

94، وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64، وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ النّحل:30.

و في مورد واحد مقيّدة ب«النّشأة»: يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ العنكبوت:20.

و في خمسة موارد مقابلة ب«الأولى»: فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى النّازعات:25، فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى النّجم:25.

و في ثمانية و أربعين موردا مقابلة ب«الدّنيا» فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ البقرة:220، فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201، وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى الإسراء:72، اِشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ البقرة:86.

و قد ذكر«الآخر»مذكّرا صفة«لليوم»في ستّة و عشرين موردا آمَنّا بِاللّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ البقرة:8، لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ الأحزاب:21.

فظهر أنّ معنى الآخر و الآخرة المراحل المتأخّرة و المنازل المتعقّبة بعد انقضاء أيّام الدّنيا،فيعبّر عنها بالدّار الآخرة و النّشأة الآخرة و اليوم الآخر و الآخرة المطلقة.فالآخرة ممتدّة في طول الحياة الدّنيا،فتشمل مرحلة القبر و البرزخ و الحشر و النّشر و الحساب و الجنّات و الجحيم و غيرها.

و ممّا قلنا يظهر لطف التّعبير بهذه الكلمة دون كلمة «الآخر»بالفتح،أو كلمة«الأخرى»فإنّ الواقع و الحقّ اتّصال مرحلة تلك الدّار بالحياة الدّنيا و ترتّبها عليها من دون فصل،فلا معنى في التّعبير بصيغة«أفعل»الدّالّة على البعد و الفصل،و هذا من إعجاز كتاب اللّه المبين.

(1:32)

2- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... البقرة:86

الطّبريّ: إنّما وصفهم اللّه بأنّهم اِشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ لأنّهم رضوا بالدّنيا بكفرهم باللّه فيها عوضا من نعيم الآخرة الّذي أعدّه اللّه للمؤمنين.

(1:402)

مثله الطّوسيّ(1:339)،و الطّبرسيّ(1:154).

أبو حيّان: قال بعض أرباب المعاني:إنّ الدّنيا مادنا من شهوات القلب،و الآخرة ما اتّصلت برضا

ص: 622

الرّبّ.(1:295)

3- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ... البقرة:94

ابن عبّاس: قل يا محمّد لهم،يعني اليهود:إن كانت لكم الدّار الآخرة،يعني الخير.(الطّبريّ 1:426)

الطّبريّ: قل يا محمّد:إن كان نعيم الدّار الآخرة و لذّاتها لكم يا معشر اليهود عند اللّه.فاكتفى بذكر الدّار من ذكر نعيمها،لمعرفة المخاطبين بالآية معناها.

(1:426)

الطّوسيّ: إن كنتم صادقين أنّ الجنّة خالصة لكم دون النّاس كلّهم.(1:357)

مثله الطّبرسيّ(1:163)،و الزّمخشريّ(1:

297)،و البروسويّ(1:184)،و أبو حيّان(1:310).

الفخر الرّازيّ: المراد الجنّة،لأنّها هي المطلوبة من دار الآخرة دون النّار،لأنّهم كانوا يزعمون أنّ لهم الجنّة.(3:191)

الآلوسيّ: المراد من الدّار الآخرة الجنّة،و هو الشّائع،و استحسن في البحر تقدير مضاف،أي نعيم الدّار الآخرة.(1:327)

رشيد رضا: المراد من الدّار الآخرة ثوابها و نعيمها،لأنّ حال الإنسان فيها لا يخلو من أحد الأمرين:المثوبة بالنّعيم المقيم،و العقوبة بالعذاب الأليم.

و استغنى عن التّصريح بالنّعيم أو الثّواب بقوله:(لكم)، فإنّه يشعر بالمحذوف.(1:388)

4- ...وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ... البقرة:102

الطّبريّ: ما له في الدّار الآخرة حظّ من الجنّة.

(1:466)

رشيد رضا: ليس له نصيب في نعيم الآخرة.

(1:405)

5- ...لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. البقرة:114

الفرّاء: معناه في آخر الدّنيا.(أبو حيّان 1:360)

إنّ معنى الآخرة يوم القيامة.(1:420)

مثله الطّبرسيّ.(1:19)

6- ...وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ. البقرة:130

الطّوسيّ: إنّما خصّ الآخرة بالذّكر و إن كان في الدّنيا كذلك،لأنّ المعنى من الّذين يستوجبون على اللّه الكرامة و حسن الثّواب،فلمّا كان خلوص الثّواب في الآخرة دون الدّنيا وصفه بما ينبئ عن ذلك.(1:471)

مثله الطّبرسيّ.(1:212)

القرطبيّ: قيل:كيف جاز تقديم(فى الآخرة)و هو داخل في الصّلة؟

قال النّحّاس: الجواب أنّه ليس التّقدير إنّه لمن الصّالحين في الآخرة،فتكون الصّلة قد تقدّمت.و لأهل العربيّة فيه ثلاثة أقوال:

منها:أن يكون المعنى و إنّه صالح في الآخرة،ثمّ

ص: 623

حذف.

و قيل:(فى الآخرة)متعلّق بمصدر محذوف،أي صلاحه في الآخرة.

و القول الثّالث:أنّ الصّالحين ليس بمعنى الّذين صلحوا،و لكنّه اسم قائم بنفسه،كما يقال:الرّجل و الغلام.

قلت:و قول رابع:أنّ المعنى و إنّه في عمل الآخرة لمن الصّالحين،فالكلام على حذف مضاف.

و قال الحسين بن الفضل: في الكلام تقديم و تأخير، مجازه:و لقد اصطفيناه في الدّنيا و الآخرة و إنّه لمن الصّالحين.(2:133)

أبو حيّان: قيل:(الآخرة)هنا البرزخ،و الصّلاح ما يتبعه من الثّناء الحسن في الدّنيا.

و قيل:(الآخرة)يوم القيامة،و هو الأظهر.

(1:395)

7- ...فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ .آل عمران:56

الطّوسيّ: الفرق بين الآخرة و الانتهاء،أنّ الآخرة قد تكون بعد العمل،فأمّا الانتهاء فجزء منه لا يكون إلاّ بعد كماله،هذا إذا أطلق،فإن أضيف فقيل:آخر العمل، فمعناه انتهاء العمل.(2:479)

الآلوسيّ: [له بحث مستوفى راجع«عذب»]

(3:184)

8- ...أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ...

آل عمران:77

الطّبريّ: لا حظّ لهم في خيرات الآخرة.

(3:320

نحوه الفخر الرّازيّ.(4:112)

9- وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ .آل عمران:85

أبو البركات: (فى الآخرة)يتعلّق بفعل دلّ عليه الكلام،و تقديره:و هو خاسر في الآخرة من الخاسرين،و لا يجوز أن يتعلّق ب(الخاسرين)،لأنّ الألف و اللاّم فيه بمنزلة الاسم الموصول،فلو تعلّق به لأدّى إلى أن يتقدّم معمول الصّلة على الموصول.

و لا يجوز تقديم الصّلة و لا معمولها على الموصول.و أجاز بعض النّحويّين أن يتعلّق ب(الخاسرين)،و يجعل الألف و اللاّم للتّعريف لا بمعنى الّذين.(1:211)

الآلوسيّ: (في الآخرة)متعلّق بمحذوف يدلّ عليه ما بعده،أي و هو خاسر في الآخرة.أو متعلّق بالخاسرين،على أنّ الألف و اللاّم ليست موصولة بل هي حرف تعريف.(3:215)

10- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ... آل عمران:148

الزّمخشريّ: خصّ ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله و تقدّمه،و أنّه هو المعتدّ به عنده،تريدون عرض الدّنيا و اللّه يريد الآخرة.(1:469)

القرطبيّ: يعني الجنّة.(4:231)

ص: 624

الطّباطبائيّ: قد وصف ثواب الآخرة بالحسن دون الدّنيا إشارة إلى ارتفاع منزلتها و قدرها بالنّسبة إليها.(4:41)

11- يُرِيدُ اللّهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ...

آل عمران:176

الطّبريّ: ألاّ يجعل لهؤلاء الّذين يسارعون في الكفر نصيبا في ثواب الآخرة.(4:185)

القرطبيّ: أي لا يجعل لهم نصيبا في الجنّة.

(4:286)

12- فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... النّساء:74

الطّبريّ: الّذين يبيعون حياتهم الدّنيا بثواب الآخرة.(5:167)

الطّوسيّ: في الآية حذف،و التّقدير:يشرون الحياة الدّنيا بالحياة الآخرة،كأنّه قال:يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية.و يجوز يبيعون الحياة الدّنيا بنعيم الآخرة.(3:257)

القرطبيّ: أي بثواب الآخرة.(5:277)

أبو حيّان: يبيعون و يؤثرون الآجلة على العاجلة.

(3:295)

13- ...قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى... النّساء:77

الطّبريّ: نعيم الآخرة خير،لأنّها باقية و نعيمها باق دائم.(5:172)

الآلوسيّ: أي ثوابها المنوط بالأعمال الّتي من جملتها القتال خير لكم.(5:86)

14- وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ.

الأنعام:32

[راجع«دور»:الدّار الآخرة.]

15- ...وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

الأنعام:92

الطّبريّ: من كان يؤمن بقيام السّاعة و المعاد في الآخرة إلى اللّه و يصدّق بالثّواب و العقاب.(7:272)

الميبديّ: يعني يصدّقون بالبعث الّذي فيه جزاء الأعمال.(3:422)

أبو حيّان: أي الّذين يصدّقون بأنّ لهم حشرا و نشرا و جزاء يؤمنون بهذا الكتاب.(4:179)

رشيد رضا: و الّذين يؤمنون بالدّار الآخرة أو الحياة الآخرة و ما فيها من الجزاء على الإيمان و الأعمال.

(7:621)

16- اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ. الأعراف:45

الطّبريّ: هم لقيام السّاعة و البعث في الآخرة و الثّواب و العقاب فيها جاحدون.(8:187)

الطّبرسيّ: أي بالدّار الآخرة،يعني القيامة و البعث و الجزاء.(2:422)

ص: 625

الآلوسي: أي غير معترفين بالقيامة و ما فيها، و الجارّ متعلّق بما بعده،و التّقديم لرعاية الفواصل.

(8:123)

رشيد رضا: تقديم الجارّ و المجرور(بالآخرة)على متعلّقه للاهتمام به،فإنّ أصل كفرهم قد علم ممّا قبله، و هذا النّوع منه له تأثير خاصّ في إصرارهم على ما أسند إليهم،و قد غفل عن هذا من قال:إنّ التّقديم لأجل رعاية الفاصلة.(8:430)

17- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ... الأعراف:147

الزّمخشريّ: يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به،أي و لقائهم الآخرة و مشاهدتهم أحوالها، و من إضافة المصدر إلى الظّرف،بمعنى و لقاء ما وعد اللّه في الآخرة.(2:117)

مثله البروسويّ.(3:241)

الطّبرسيّ: يعني القيامة و البعث و النّشور.

(2:478)

الآلوسيّ: أي لقائهم الدّار الآخرة،على أنّه من إضافة المصدر إلى المفعول و حذف الفاعل،أو لقائهم ما وعده اللّه تعالى في الآخرة من الجزاء،على أنّ الإضافة إلى الظّرف على التّوسّع.(9:62)

18- ...تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ...

الأنفال:67

الطّوسيّ: معناه و اللّه يريد عمل الآخرة من الطّاعات الّتي تؤدّي إلى الثّواب،و إرادة اللّه لنا خير من إرادتنا لأنفسنا.(5:183)

الزّمخشريّ: قرأ بعضهم (و اللّه يريد الآخرة) بجرّ الآخرة على حذف المضاف و إبقاء المضاف إليه على حاله،و معناه و اللّه يريد عرض الآخرة،على التّقابل، يعني ثوابها.(2:168)

الطّبرسيّ: و اللّه يريد لكم ثواب الآخرة.

(2:558)

الآلوسيّ: أي يريد لكم ثواب الآخرة،أو سبب نيل الآخرة من الطّاعة،بإعزاز دينه و قمع أعدائه.

فالكلام على حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،و ذكر«نيل»في الاحتمال الثّاني،قيل:للتّوضيح لا لتقدير مضافين.

و قرأ سليمان بن جمّاز المدنيّ(الآخرة)بالجرّ، و خرجت على حذف المضاف و إبقاء المضاف إليه على جرّه،و قدّره أبو البقاء عرض الآخرة،و هو من باب المشاكلة و إلاّ فلا يحسن،لأنّ أمور الآخرة مستمرّة،و لو قيل:إنّ المضاف المحذوف على القراءة الأولى ذلك[أي عرض]لذلك[للمشاكلة]أيضا،لم يبعد.

و قدّر بعضهم هنا كما قدّرنا هناك من الثّواب أو السّبب.(10:33)

19- أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ. التّوبة:38

الطّبريّ: عوضا من نعيم الآخرة.(10:133)

الزّمخشريّ: أي بدل الآخرة،كقوله: لَجَعَلْنا

ص: 626

مِنْكُمْ مَلائِكَةً الزّخرف:60،(فى الآخرة):في جنب الآخرة.(2:190)

القرطبيّ: أي بدلا،التّقدير أرضيتم بنعيم الدّنيا بدلا من نعيم الآخرة.(8:141)

أبو حيّان: يتعلّق(فى الآخرة)بمحذوف،التّقدير:

فما متاع الحياة الدّنيا محسوبا في نعيم الآخرة.

و قال الحوفيّ: (فى الآخرة)متعلّق ب(قليل)،و (قليل)خبر الابتداء.و صلح أن يعمل في الظّرف مقدّما، لأنّ رائحة الفعل تعمل في الظّرف.(5:42)

الطّباطبائيّ: في الكلام نوع من العناية المجازيّة، كأنّ الحياة الدّنيا نوع حقير من الحياة الآخرة قنعوا بها منها،و يشعر بذلك قوله بعده: فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ (9:278)

20- اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. هود:19

الطّبريّ: هم بالبعث بعد الممات مع صدّهم عن سبيل اللّه و بغيهم إيّاها عوجا كافرون.(12:22)

الآلوسيّ: تقديم(بالآخرة)للتّخصيص،و الأولى كون تقديمه لرءوس الآي.(12:31)

21- ...وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا...

يوسف:109

الطّوسيّ: قوله:(و لدار الآخرة)على الإضافة، و في موضع آخر وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ الأنعام:32،على الصّفة.فمن أضافه قال:تقديره و لدار الحال الآخرة، لأنّ للنّاس حالين:حال الدّنيا و حال الآخرة،و مثله صلاة الأولى و الصّلاة الأولى،فمن أضافه قدّر صلاة الفريضة الأولى،و من لم يضف جعله صفة.و مثله ساعة الأولى و السّاعة الأولى.(6:206)

نحوه الطّبرسيّ(3:269)،و الفخر الرّازيّ(18:

226)،و القرطبيّ(9:275).

الزّمخشريّ: و لدار السّاعة،أو الحال الآخرة.

(2:347)

أبو حيّان: في هذه الإضافة تخريجان:

أحدهما:أنّها من إضافة الموصوف إلى صفته، و أصله:و الدّار الآخرة.

الثّاني:أن يكون من حذف الموصوف و إقامة صفته مقامه،و أصله:و لدار المدّة الآخرة أو النّشأة الآخرة، و الأوّل تخريج كوفيّ،و الثّاني تخريج بصريّ.

(5:353)

الآلوسيّ: من إضافة الصّفة إلى الموصوف عند الكوفيّة،أي و للدّار الآخرة.و قدّر البصريّ موصوفا، أي و لدار الحال أو السّاعة أو الحياة الآخرة،و هو المختار عند الكثير في مثل ذلك.(13:68)

22- يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ... إبراهيم:27

ابن عبّاس: هي المسألة في القبر إذا أتاه الملك.

(الطّوسيّ 6:293)

مثله البراء.(القرطبيّ 9:363)

قتادة: أي في القبر.(الطّبريّ 13:218)

ص: 627

القفّال: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أي في القبر،لأنّ الموتى في الدّنيا إلى أن يبعثوا، وَ فِي الْآخِرَةِ أي عند الحساب.(القرطبيّ 9:363)

الفخر الرّازيّ: إنّما فسّر الآخرة هاهنا بالقبر،لأنّ الميّت انقطع بالموت عن أحكام الدّنيا،و دخل في أحكام الآخرة.(19:122)

البروسويّ: أي يثبّتهم في القبر عند سؤال منكر و نكير و في سائر المواطن،و القبر من الآخرة،فإنّه أوّل منزل من منازل الآخرة.(4:416)

الآلوسيّ: أي بعد الموت،و ذلك في القبر الّذي هو أوّل منزل من منازل الآخرة و في مواقف القيامة.

نعم،اختار بعضهم أنّ(الحياة الدّنيا):مدّة حياتهم، و(الآخرة)يوم القيامة و العرض،و كأنّ الدّاعي لذلك عموم(الّذين آمنوا)،و شمولهم لمؤمني الأمم السّابقة،مع عدم عموم سؤال القبر.

و من النّاس من زعم أنّ التّثبيت في الدّنيا الفتح و النّصر،و في الآخرة الجنّة و الثّواب.و لا يخفى أنّ هذا ممّا لا يكاد يقال.(13:217)

23- ...فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ...

الإسراء:7

قتادة: آخر العقوبتين.(الطّبريّ 15:36)

الطّبريّ: فإذا جاء وعد المرّة الآخرة من مرّتي إفسادكم يا بني إسرائيل في الأرض.(15:31)

نحوه الطّوسيّ(6:450)،و الزّمخشريّ(2:439)، و أبو حيّان(6:10)،و البروسويّ(5:134)، و الآلوسيّ(15:19)،و الطّباطبائيّ(13:42).

القيسيّ: معناه وعد المرّة الآخرة،ثمّ حذف،فهو في الأصل صفة قامت مقام موصوف،لأنّ(الآخرة)نعت ل«المرّة»،فحذفت«المرّة»و أقيمت(الآخرة)مقامها، و الكلام هو ردّ على قوله: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ الإسراء:4.(2:28)

الطّبرسيّ:أي وعد المرّة الأخرى من قوله:

لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، و المراد به جاء وعد الجزاء على الفساد في الأرض في المرّة الأخيرة،أو جاء وعد فسادكم في الأرض في المرّة الأخيرة،أي الوقت الّذي يكون فيه ما أخبر اللّه عنكم من الفساد و العدوان على العباد.(3:399)

الفخر الرّازيّ: قال المفسّرون:معناه وعد المرّة الأخيرة،و هذه المرّة الأخيرة هي إقدامهم على قتل زكريّا و يحيى عليهما الصّلاة و السّلام.(20:158)

24- فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً.

الإسراء:104

الكلبيّ: يعني مجيء عيسى عليه السّلام من السّماء

(القرطبيّ 10:338)

الطّبريّ: فإذا جاءت السّاعة،و هي وعد الآخرة.

(15:176)

نحوه الطّوسيّ(6:529)،و الطّبرسيّ(3:444)، و الزّمخشريّ(2:469)،و الفخر الرّازيّ(21:66)، و القرطبيّ(10:338)،و أبو حيّان(6:86).

الآلوسيّ: أي الكرّة أو الحياة أو السّاعة أو الدّار

ص: 628

الآخرة،و المراد على جميع ذلك قيام السّاعة.

(15:187)

الطّباطبائيّ: أي وعد الكرّة الآخرة أو الحياة الآخرة،و المراد به على ما ذكره المفسّرون،يوم القيامة.

(13:219)

25- وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. الإسراء:10

الطّبريّ: و أنّ الّذين لا يصدّقون بالمعاد إلى اللّه و لا يقرّون بالثّواب و العقاب في الدّنيا.(15:47)

الطّوسيّ: يجحدون البعث و النّشور.(6:453)

الطّبرسيّ: أي بالنّشأة الآخرة.(3:401)

الآلوسيّ: تخصيص الآخرة بالذّكر من بين سائر ما لم يؤمن به الكفرة لكونها معظم ما أمروا بالإيمان به، و لمراعاة التّناسب بين أعمالهم و جزائها الّذي أنبأ عنه قوله تعالى: أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (15:22)

26- وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. الإسراء:19

الطّوسيّ: أي خير الآخرة و ثواب الجنّة.

(6:463)

نحوه الطّبرسيّ.(3:407)

الفخر الرّازيّ: أي ثواب الآخرة.(20:179)

القرطبيّ: أي الدّار الآخرة.(10:235)

نحوه البروسويّ.(5:144)

الطّباطبائيّ: أي الحياة الآخرة،نظير ما تقدّم من قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ. و الكلام في قول من قال:يعني من أراد بعمله الآخرة،نظير الكلام في مثله في الآية السّابقة.[أي مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ الإسراء:

18](13:65)

27- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ. العنكبوت:20

ابن عبّاس: هي الحياة بعد الموت،و هو النّشور.

(الطّبريّ 20:139)

الطّبريّ: أي البعث بعد الموت.(20:139)

الطّوسيّ: (النّشأة الآخرة)إعادة الخلق كرّة ثانية من غير سبب كما كان أوّل مرّة.(8:196)

نحوه الطّبرسيّ.(4:277)

أبو حيّان: (الآخرة)صفة للنّشأة،فهما نشأتان:

نشأة اختراع من العدم،و نشأة إعادة.(7:146)

28- ...وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ...

العنكبوت:64

الطّبرسيّ: يعني الجنّة.(4:293)

الفخر الرّازيّ: [في مقام المقايسة بين آيتي الأنعام و العنكبوت]قال هناك: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الأنعام:33،و قال هاهنا: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ.

فنقول:لمّا كان الحال هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلّف يحتاج إلى رادع قويّ،فقال:(الآخرة خير).و لمّا كان هاهنا الحال حال الاشتغال بالدّنيا

ص: 629

احتاج إلى رادع قويّ فقال:لا حياة إلاّ حياة الآخرة.

و هذا كما أنّ العاقل إذا عرض عليه شيئان فقال في أحدهما:هذا خير من ذلك،يكون هذا ترجيحا فحسب.و لو قال:هذا جيّد و هذا الآخر ليس بشيء، يكون ترجيحا مع المبالغة،فكذلك هاهنا بالغ،لكون المكلّف متوغّلا فيها.[إلى أن قال:]

و كيف أطلق الحيوان على الدّار الآخرة،مع أنّ الحيوان نام مدرك؟

فنقول:الحيوان مصدر حيّ كالحياة،لكن فيها مبالغة ليست في الحياة،و المراد ب«الدّار الآخرة»هي الحياة الثّانية،فكأنّه قال:الحياة الثّانية هي الحياة المعتبرة.

أو نقول:لمّا كانت الآخرة فيها الزّيادة و النّموّ كما قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:

26،و كانت هي محلّ الإدراك التّامّ الحقّ،كما قال تعالى:

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9،أطلق عليه الاسم المستعمل في النّامي المدرك.(25:91)

أبو حيّان: جعلت الدّار الآخرة حيّا على المبالغة بالوصف بالحياة.(7:158)

29- ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ... ص:7

ابن عبّاس: النّصرانيّة.(الطّبريّ 23:126)

مثله السّدّيّ(الطّبريّ 23:126)،و مجاهد،و ابن كعب،و مقاتل(أبو حيّان 7:385)،و الكلبيّ(القرطبيّ 15:152).

مجاهد: ملّة العرب قريش و نجدتها.

(أبو حيّان 7:385)

الحسن: معناه ما سمعنا بأنّ هذا يكون في آخر الزّمان.(الطّبرسيّ 4:466)

ابن كعب القرظيّ: ملّة عيسى.

(الطّبريّ 23:126)

قتادة: أي في ديننا هذا،و لا في زماننا قطّ.

(الطّبريّ 23:126)

ابن زيد: (الملّة الآخرة):الدّين الآخر.

(الطّبريّ 23:127)

الفرّاء: ملّة اليهود و النّصرانيّة،أشركت اليهود بعزير،و ثلّث النّصارى.(أبو حيّان 7:385)

شيذلة: الجاهليّة الأولى،أي الآخرة(فى الملّة الآخرة)أي الأولى بالقبطيّة،و القبط يسمّون الآخرة الأولى،و الأولى الآخرة.(السّيوطيّ 2:131)

مثله الزّركشيّ.(1:288)

الزّمخشريّ: في ملّة عيسى الّتي هي آخر الملل، لأنّ النّصارى يدّعونها،و هم مثلّثة غير موحّدة،أو في ملّة قريش الّتي أدركنا عليها آباءنا،أو ما سمعنا بهذا كائنا في الملّة الآخرة،على أن يجعل(فى الملّة الآخرة)حالا من (هذا)و لا تعلّقه ب(ما سمعنا)كما في الوجهين،و المعنى:إنّا لم نسمع من أهل الكتاب و لا من الكهّان أنّه يحدث(فى الملّة الآخرة)توحيد اللّه.(3:361)

نحوه الفخر الرّازيّ.(26:178)

القرطبيّ: قيل:أي ما سمعنا من أهل الكتاب أنّ محمّدا رسول حقّ.(15:152)

البروسويّ: (في الملّة الآخرة)ظرف لغو(سمعنا)،

ص: 630

أي في الملّة الّتي أدركنا عليها آباءنا،و هي ملّة قريش و دينهم الّذي هم عليه،فإنّها متأخّرة عمّا عليها من الأديان و الملل.(8:6)

الآلوسيّ: التّوصيف بالآخرة بحسب الاعتقاد، لأنّهم الّذين لا يؤمنون بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و مرادهم من قولهم:(ما سمعنا)إلخ أنّا سمعنا خلافه،و هو عدم التّوحيد،فإنّ النّصارى كانوا يثلّثون و يزعمون أنّه الدّين الّذي جاء به عيسى عليه السّلام،و حاشاه.

و جوّز أن يكون(في الملّة الآخرة)حالا من اسم الإشارة لا متعلّقا ب(سمعنا)،أي ما سمعنا بهذا الّذي يدعونا إليه من التّوحيد كائنا في الملّة الّتي تكون آخر الزّمان.

أرادوا أنّهم لم يسمعوا من أهل الكتاب و الكهّان الّذين كانوا يحدّثونهم قبل بعثة النّبيّ بظهور نبيّ أنّ في دينه التّوحيد،و لقد كذبوا في ذلك،فإنّ حديث«إنّ النّبيّ المبعوث آخر الزّمان يكسّر الأصنام و يدعو إلى توحيد الملك العلاّم»كان أشهر الأمور قبل الظّهور،و إن أرادوا على هذا المعنى إنّا سمعنا خلاف ذلك فكذبهم أقبح.

(23:167)

الطّباطبائيّ: أرادوا بالملّة الآخرة المذهب الّذي تداوله الآخرون من الأمم المعاصرين لهم أو المقارنين لعصرهم،قبال الملل الأولى الّتي تداولتها الأوّلون، كأنّهم يقولون:ليس هذا من(الملّة الآخرة)الّتي يرتضيها أهل الدّنيا اليوم،بل من أساطير الأوّلين.

و قيل:المراد ب(الملّة الآخرة)النّصرانيّة،لأنّها آخر الملل،و هم لا يقولون بالتّوحيد بل بالتّثليث.و ضعفه ظاهر،إذ لم يكن للنّصرانيّة وقع عندهم كالإسلام.

(17:183)

30- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ... الزّمر:9

ابن عبّاس: يحذر عقاب الآخرة.

(الطّبريّ 23:202)

سعيد بن جبير: أي عذاب الآخرة.

(القرطبيّ 15:239)

مثله الطّبريّ.(23:202)

البروسويّ: حال أخرى على التّرادف أو التّداخل،أو استئناف،كأنّه قيل:ما باله يفعل القنوت في الصّلاة؟فقيل:يحذر عذاب الآخرة لإيمانه بالبعث.

(8:81)

مثله الآلوسيّ.(23:246)

الطّباطبائيّ: أي عذاب اللّه في الآخرة،قال تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً الإسراء:57.

(17:243)

31- اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. فصّلت:7

الطّبريّ: هم بقيام السّاعة و بعث اللّه خلقه أحياء من قبورهم من بعد بلائهم و فنائهم منكرون.(24:93)

الآلوسيّ: (بالآخرة)متعلّق ب(كافرون)، و التّقديم للاهتمام و رعاية الفاصلة،و الجملة حال مشعرة بأنّ امتناعهم عن الزّكاة لاستغراقهم في الدّنيا و إنكارهم للآخرة.(24:98)

ص: 631

الطّباطبائيّ: وصف آخر للمشركين هو من لوازم مذهبهم و هو إنكار المعاد،و لذلك أتي بضمير الفصل ليفيد أنّهم معروفون بالكفر بالآخرة.

(17:362)

32- فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى. النّجم:25

الفخر الرّازيّ: (الآخرة)صفة ما ذا؟

نقول:صفة الحياة أو صفة الدّار.(28:303)

الآلوسيّ: قدّمت(الآخرة)اهتماما بردّ ما هو أهمّ أطماعهم عندهم من الفوز فيها،و لذا أردف ذلك بقوله تعالى: وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً النّجم:26.(27:58)

33- فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى.

النّازعات:25

ابن عبّاس: إنّ(الآخرة و الأولى)صفة لكلمتي فرعون،إحداهما قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي القصص:38،و الأخرى قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24،قالوا:و كان بينهما أربعون سنة.

مثله مجاهد،و الشّعبيّ،و سعيد بن جبير،و مقاتل.

(الفخر الرّازيّ 31:43)

و مثله أيضا الطّبرسيّ(5:432)،و الطّباطبائيّ (20:180).

الحسن: أي عذّبه في الآخرة،و أغرقه في الدّنيا.

(الفخر الرّازيّ 31:43)

الفخر الرّازيّ: [قال بعد نقل قول ابن عبّاس و الحسن:]

(الآخرة)هي قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، و(الأولى)هي تكذيبه موسى حين أراه الآية.

قال القفّال: و هذا كأنّه هو الأظهر،لأنّه قال:

فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى* فَكَذَّبَ وَ عَصى* ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى* فَحَشَرَ فَنادى* فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:20-24،فذكر المعصيتين،ثمّ قال:

فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى فظهر أنّ المراد أنّه عاتبه على هذين الأمرين.(31:43)

34- وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى. الأعلى:17

الطّبريّ: زينة الآخرة خير لكم أيّها النّاس و أبقى.

(30:157)

الطّوسيّ: أي منافع الآخرة من الثّواب و غيره خير من منافع الدّنيا و أبقى.(10:332)

الطّبرسيّ: أي و الدّار الآخرة،هي الجنّة.

(5:476)

مثله القرطبيّ.(20:24)

35- وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى. اللّيل:13

الطّبريّ: إنّ لنا ملك ما في الدّنيا و الآخرة.

(30:226)

الطّوسيّ: معناه الإخبار من اللّه بأنّ له دار الآخرة و الجزاء فيها و الأعمال.(10:365)

نحوه الطّبرسيّ.(5:502)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

ص: 632

الأوّل:أنّ لنا كلّ ما في الدّنيا و الآخرة فليس يضرّنا ترككم الاهتداء بهدانا،و لا يزيد في ملكنا اهتداؤكم،بل نفع ذلك و ضرّه عائدان عليكم،و لو شئنا لمنعناكم من المعاصي قهرا؛إذ لنا الدّنيا و الآخرة،و لكنّا لا نمنعكم من هذا الوجه،لأنّ هذا الوجه يخلّ بالتّكليف،بل نمنعكم بالبيان و التّعريف و الوعد و الوعيد.

الثّاني:أنّ لنا ملك الدّارين نعطي ما نشاء من نشاء، فليطلب سعادة الدّارين منّا:

و الأوّل أوفق لقول المعتزلة،و الثّاني أوفق لقولنا.

(31:203)

القرطبيّ: (للآخرة):الجنّة،و(الاولى):الدّنيا.

(20:86)

الخازن: يعني لنا ما في الدّنيا و الآخرة،فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطّريق.(7:213)

أبو حيّان: أي ثواب الدّارين،لقوله تعالى:

وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ العنكبوت:27.(8:484)

الطّباطبائيّ: أي عالم البدء و عالم العود،فكلّ ما يصدق عليه أنّه شيء فهو مملوك له تعالى بحقيقة الملك الّذي هو قيام وجوده بربّه القيّوم،و يتفرّع عليه الملك الاعتباريّ الّذي من آثاره جواز التّصرّفات.

(20:305)

بنت الشّاطئ: «الآخرة و الأولى»في الاستعمال اللّغويّ:النّهاية و البداية،أو المصير و المبتدأ،ملحوظا فيهما الإتيان في الآخر و في الأوّل.

و تأتي«الآخرة و الأولى»في المصطلح الدّينيّ بمعنى الحياتين:الآخرة و الدّنيا.و الأوّل و الآخر من أسماء اللّه تعالى الحسنى.

و في آية«اللّيل»فسّر الطّبريّ(الآخرة و الأولى) بأنّ لنا ملك ما في الدّنيا و الآخرة،نعطي منهما من أردنا من خلقنا،و نحرم من شئنا.و إنّما عنى بذلك جلّ ثناؤه أنّه يوفّق لطاعته من أحبّ من خلقه فيكرمه بها في الدّنيا، و يهيّئ له الكرامة و الثّواب في الآخرة،و يخذل من شاء خذلانه من خلقه عن طاعته،فيهينه بمعصيته في الدّنيا و يخزيه بعقوبته في الآخرة.

و اقتصر فيهما الزّمخشريّ في الكشّاف على ثواب الدّارين للمهتدي،و مثله أبو حيّان في البحر المحيط.

و نقل الرّازيّ قول من قالوا في تأويل الآية:«إنّ لنا كلّ ما في الدّنيا و الآخرة،فليس يضرّنا ترككم الاهتداء بهدانا،و لا يزيد في ملكنا اهتداؤكم،بل نفع ذلك و ضرّه عائدان عليكم،و لو شئنا لمنعناكم من المعاصي قهرا؛إذ لنا الدّنيا و الآخرة».و رأى فيه ما يخلّ بالتّكليف.كما نقل ما ذكرنا من تأويل الطّبريّ،و صرّح بأنّ هذا الوجه من التّأويل أوفق لقوله.

و نرى أنّ قصر الآية على ثواب الدّارين يمنعه العموم المستفاد من صريح السّياق في البشرى و النّذير معا.

و دون خوض في مشكلة الجبر و الاختيار لا نرى في الآية إلاّ أنّ اللّه سبحانه،إليه المصير كما له المبتدأ،و هو تعالى يهيّئ لخلقه في الدّنيا طريق الحقّ و الهدى.و بقدر ما يستجيبون لداعي الهدى أو يدبرون عنه تكون النّهاية و المصير بين يدي الخالق في الآخرة.

و الملحظ البيانيّ في الآية هو العدول عمّا هو مألوف

ص: 633

من تقديم(الأولى)على(الآخرة)،و ليس التّعلّق برعاية الفاصلة هو الّذي اقتضى تقديم(الآخرة)هنا على (الأولى)،و إنّما اقتضاه المعنى في سياق البشرى و النّذير؛ إذ(الآخرة)خير و أبقى،و عذابها أكبر و أشدّ و أخزى و أبقى،و إنّ(الآخرة)هي دار القرار.

و كذلك قدّمت(الآخرة)على(الأولى)في سياق البشرى للمصطفى بآية الضّحى:4 وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. كما قدّمت(الآخرة)على(الأولى)في سياق الوعيد لفرعون.إذ أدبر و تولّى: فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى النّازعات:25.

و في مثل هذا السّياق من الوعيد تتقدّم(الآخرة) على(الأولى)في آية اللّيل،متلوّة بهذا النّذير:

فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى اللّيل:14.(2:113)

36- وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى .الضّحى:4

ابن عبّاس: إنّ له صلّى اللّه عليه و آله في الجنّة ألف ألف قصر من اللّؤلؤ ترابه من المسك و في كلّ قصر ما ينبغي له من الأزواج و الخدم و ما يشتهي على أتمّ الوصف.

(الطّبرسيّ 5:505)

الطّوسيّ: إنّ ثواب الآخرة و النّعيم الدّائم فيها خير لك من الأولى،يعني من الدّنيا.(10:368)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف اتّصل قوله:

وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى بما قبله؟

قلت:لمّا كان في ضمن نفي التّوديع و القلى أنّ اللّه مواصلك بالوحي إليك،و أنّك حبيب اللّه و لا ترى كرامة أعظم من ذلك و لا نعمة أجلّ منه،أخبره أنّ حاله في الآخرة أعظم من ذلك و أجلّ،و هو السّبق و التّقدّم على جميع أنبياء اللّه و رسله و شهادة أمّته على سائر الأمم، و رفع درجات المؤمنين و إعلاء مراتبهم بشفاعته،و غير ذلك من الكرامات السّنيّة.(4:264)

الطّبرسيّ: يعني أنّ ثواب الآخرة و النّعيم الدّائم فيها خير لك من الدّنيا الفانية و الكون فيها.

و قيل معناه و لآخر عمرك الّذي بقي،خير لك من أوّله لما يكون فيه من الفتوح و النّصرة.(5:505)

الآلوسيّ: حمل(الآخرة)على الدّار الآخرة المقابلة للدّنيا،و(الأولى)على الدّار الأولى،و هي الدّنيا.هو الظّاهر المرويّ عن أبي إسحاق و غيره.

و قال ابن عطيّة و جماعة: يحتمل أن يراد بهما نهاية أمره صلّى اللّه عليه و سلّم و بدايته،فاللاّم فيهما للعهد أو عوض عن المضاف إليه،أي لنهاية أمرك خير من بدايته،لا تزال تتزايد قوّة و تتصاعد رفعة.

(30:158)

الطّباطبائيّ: حياتك الآخرة خير من حياتك الدّنيا.(20:310)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الآخرة على خمسة وجوه:

فوجه منها:الآخرة يعني القيامة،فذلك قوله:

وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ المؤمنون:74،يعني بالبعث يوم القيامة و قال في المفصّل: وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى اللّيل:13،و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الآخرة يعني الجنّة خاصّة،فذلك

ص: 634

قوله: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ البقرة:102،يعني ما له في الجنّة من نصيب، و قال: وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزّخرف:35، و قال: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ «يعني الجنّة» نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ القصص:83،و قال:

وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ «الجنّة» مِنْ نَصِيبٍ الشّورى:20.

الوجه الثّالث:يعني جهنّم خاصّة،فذلك قوله:

يَحْذَرُ الْآخِرَةَ الزّمر:9،يعني عذاب جهنّم.

و الوجه الرّابع:الآخرة يعني القبر،فذلك قوله:

يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ إبراهيم:27،يعني و في القبر حين يسألهم منكر و نكير.

الوجه الخامس:الآخرة يعني الأخير،فذلك قوله:

ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ص:7،يعني الملّة الأخيرة في ملّة عيسى،و كانت آخر الملل بعد الأمم قبل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ الإسراء:7،يعني الوقت الأخير بين العذابين الّذي وعدهم.(302)

مثله الدّامغانيّ.(23)

الفيروزآباديّ: ذكرت هذه الألفاظ.[الآخرة، و الآخر،و الأخرى]في نصّ القرآن على ثلاثة عشر وجها:

الأوّل:بمعنى أهل المعصية و الطّاعة وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ التّوبة:102.

الثّاني:آخر بمعنى العذاب و العقوبة وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ص:58.

الثّالث:أخرى بمعنى أهل النّار في حال التّوبيخ و التّعيير قالَتْ أُخْراهُمْ الأعراف:38.

الرّابع:أخرى بمعنى إحياء الخلق يوم القيامة وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى طه:55.

الخامس:الآخرة بمعنى يوم القيامة وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ المؤمنون:74.

السّادس:بمعنى الجنّة خاصّة وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ البقرة:102،أي في الجنّة.

السّابع:بمعنى الجحيم خاصّة ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ الزّمر:9.

الثّامن:بمعنى الأخير في المدّة ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ص:7.

التّاسع:بمعنى القبر بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ إبراهيم:27،أي في القبر.

العاشر:أهل النّفاق سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ المائدة:41.

الحادي عشر:بمعنى المتأخّرين عن الغزو وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ التّوبة:106.

الثّاني عشر:بمعنى طبّاخ مالك بن الرّيّان في حال الحبس وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ يوسف:36.

الثّالث عشر:بمعنى الأزليّ الّذي لا بداية له و لا نهاية هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ الحديد:3.

(بصائر ذوي التّمييز 2:89)

ص: 635

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة نهاية الشّيء،يقال:مؤخر العين،و مؤخّر الرّأس،و آخرة الرّحل،و آخر النّاقة، أي رجلاها الخلفيتان،و نخلة مئخار:يدرك حملها نهاية الصّرام.ثمّ استعمل أيضا في أسماء المعاني،كقولهم:آخر الدّهر و آخر العمر و أخرى اللّيالي،و بعته بأخرة،أي بدين.

و آخر بمعنى واحد-على رأي الفيّوميّ-مثل:جاء القوم فواحد يفعل كذا و آخر كذا و آخر كذا،أي كلّ واحد يفعل فعلا يخالف به الآخر.

و لو كان الآخر بمعنى الواحد-كما قال الفيّوميّ-لما احتيج إلى تعدّد الأحوال و تفصيلها في هذا المثال،و إنّما الواحد يفهم من السّياق كموصوف لآخر،و المعنى و واحد آخر،و حينئذ فمعناه واحد متأخّر عن الأوّل و مغاير له.و له نظائر في كلام العرب،و منه قوله: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ أُخْرى كافِرَةٌ آل عمران:13، فشتّان بين فئتين:مؤمنة و كافرة.

2-و قد اختلفت عبارات اللّغويّين في معنى الآخر و الآخرة؛فقال الخليل:الآخر و الآخرة:نقيض المتقدّم و المتقدّمة.و قال ابن دريد:الآخر:تالي الأوّل.و قال الجوهريّ:الآخر بعد الأوّل.

فبحسب قول الخليل يقتضي أن يكون الحدوث مرادفا للآخر،لأنّ القدم خلاف الحدوث،و الأمر ليس كذلك فيهما،فلا يجوز أن نقول مثلا:اللّه حادث،و لكن يمكننا القول:اللّه آخر.

أمّا قولا ابن دريد و الجوهريّ فغير دقيقين،لأنّ ما يتلو الأوّل قد يكون هو الوسط و ليس الآخر،لقولهم:

وسط الدّار،و وسط البئر،و وسط الرّحل،أي ما وقع بعد الأوّل و قبل الآخر.

و أدقّ تعبير في معنى«الآخر»هو عبارة الرّاغب «الآخر:يقابل به الأوّل»و هو مستقى من قوله تعالى:

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ الحديد:3.

3-و لم يؤثر عن العرب أنّهم استعملوا فعلا ثلاثيّا مجرّدا من هذه المادّة،سوى قول الفيروزآباديّ:أخر يأخر أخورا.و هو قول لا يعتدّ به البتّة،لأنّه مولّد مقيس بفعل يفعل اللاّزم،مثل:جلس يجلس جلوسا.

و لم يسمع من هذه المادّة أيضا«أفعل»و لا«فاعل» و قياس الأوّل:آخر يؤخر إيخارا،و الثّاني:آخر يؤاخر مؤاخرة.

الاستعمال القرآنيّ

و فيها بحوث:

الأوّل-ورد(آخر)في القرآن بصيغ مختلفة بالمعاني الآتية إشارة إلى نحو من التّأخير:

أ-رتبة في التّأخير المعنويّ،أو من جهة الارتباط و النّسبة،مثل:

1- فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ

المائدة:27

2- وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً التّوبة:102

3- وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ

يوسف:46

ص: 636

4- اَلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ الحجر:96

5- أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ يوسف:41

6- هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ* وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ص:57،58

7- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ الفرقان:4

8- سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها

النّساء:91

9- سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ

المائدة:41

10- تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ الأنفال:60

11- وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ الشّعراء:64

12- ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ الشّعراء:66

13- ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ الشّعراء:172

14- وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ص:38

15- اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ المائدة:106

16- وَ أُخْرى كافِرَةٌ آل عمران:13

17- آلِهَةً أُخْرى الأنعام:19

18- وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:164

ب-شدّة الامتنان،مثل:

19- ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ المؤمنون:14

20- وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ آخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ المزّمّل:20

21- وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى طه:18

22- تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى

طه:22

23- وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها الفتح:21

24- وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ

الصّفّ:13

ج-خصوصيّة الظّاهر،كالتّأخّر الزّمنيّ،مثل:

25- وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً يوسف:36

26- وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ الأنعام:6

27- وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الجمعة:3

28- فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا النّساء:102

29- أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى

الإسراء:69

30- ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى الزّمر:68

الثّاني-و قد يأتي(آخر)و نحوه بمعنى الغير المجرّد عن التّأخير،مثل:

31- كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ

الأنعام:133

أي قوم غيركم.و هذا يجري في كثير من الآيات، نظرا إلى السّياق مهما كان التّأخير،دون النّظر إلى لفظ (آخر)و(آخرين).

و ينبغي أن يكون من هذا الباب قوله:

32- وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الجمعة:3

ص: 637

فإنّ المفسّرين أرجعوا الضّمائر في(منهم)و(بهم) و(يلحقوا)إلى(الأمّيّين)أي العرب،و هذا يقتضي أن يكون(آخرين)من العرب أنفسهم،مع أنّ الرّسول عليه السّلام قال-كما جاء في الرّوايات-:إنّهم الأعاجم أو خصوص الفرس،و هم غير الأميّين العرب.و الجمع بين الأمرين أن يكون(آخرين)بمعنى غير الأمّيّين،و تكون (من)للبدليّة،نحو أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ التّوبة:38،انظر المغني لابن هشام(1:320).

و المعنى هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا من العرب...و بعثه في(آخرين)غير العرب (لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) و سيلحقون بهم.

و هذه بشارة بأنّ دعوة الإسلام سوف تتجاوز جزيرة العرب إلى غيرها ممّا يليها،كأرض فارس و الرّوم،و في نفس الوقت إنذار للعرب بأنّهم إن لم يؤمنوا أو ارتدّوا بعد إيمانهم أو توانوا في الدّفاع عن هذا الدّين فسوف يأتي اللّه بدلا منهم بآخرين ليسوا أمثالهم.و هذا ما جاء بصراحة في آيتين:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ المائدة:54.

2- وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ محمّد:38.

و من حسن الموافقة أنّه جاء بعد قوله: (وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ...) مثل ما في ذيل آية المائدة،و هو قوله:

ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الجمعة:4.

و هذا ينطبق على نفس الصّفات الّتي وردت في سورة المائدة،و إيماء أيضا إلى أنّ(آخرين)سوف يكونون موصوفين بها.

الثّالث-و قد ورد(آخر)في القرآن«28»مرّة، منها«26»مرّة معرّفا بالألف و اللاّم صفة لليوم،و مرّة واحدة مضافا إلى(دعواهم)،و مرّة واحدة معطوفا على الخبر و معرّفا بالألف و اللاّم وصفا للّه تعالى.

مثال صفة اليوم: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ البقرة:126.

مثال الإضافة: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.

مثال اختصاصه باللّه: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ الحديد:3.

و للمفسّرين فيه أقوال و آراء سبق ذكرها في النّصوص،و البحث عنها تفصيلا خارج عن طور الكتاب.

الرّابع-و مؤنّث الآخر هي الآخرة الّتي استعملت في القرآن«115»مرّة في وجوه:

1-مجرّدة عن الإضافة«86»مرّة،مثل: وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ البقرة:4.

2-مضافا إليها(دار)أو موصوفة بها«9»مرّات مثل: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ النّحل:30، وَ الدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ الأعراف:169.

ص: 638

3-مضافا إليها(عذاب)«6»مرّات مثل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ هود:103.

4-مضافا إليها كلّ من(ثواب)و(لقاء)«3»مرّات مثل: وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ آل عمران:145، وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ الأعراف:147.

5-مضافا إليها كلّ من(وعد)و(أجر)مرّتين:

فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ الإسراء:7، وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يوسف:57.

6-مضافا إليها كلّ من(نكال)و(حرث)مرّة:

واحدة فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى النّازعات:

25، مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ الشّورى:20.

7-و وصف بها كلّ من(النّشأة)و(الملّة)مرّة واحدة: يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ العنكبوت:20، ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ص:7.

و يلاحظ أوّلا أنّه إذا كانت(الآخرة)مسبوقة بكلمة (الدّار)أو(الملّة)أو غيرها تعيّن معناها،و منه:

أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ البقرة:86.

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً النّساء:134.

و ثانيا:هناك حالات لا تكون فيها قرينة،و إنّما يستدلّ على الموصوف المحذوف من سياق الآية،فتكون للآخرة معان عديدة مثل:الجنّة و البعث و القيامة و النّار و الحساب و الميزان و دار البقاء و السّاعة و المنافع و القبر و قيام السّاعة...كلّ بحسب ما يتوفّر من أدلّة تشير إلى معنى معيّن تنحصر فيه كلمة(الآخرة)حسبما يذهب إليه المفسّرون الّذين يختلفون أحيانا في تفسير كلمة الآخرة عند ما تأتي مجرّدة عن الإضافة و الوصف.

الخامس-قد وردت(الآخرة)في القرآن«115» مرّة،و بنفس الرّقم وردت(الدّنيا)أيضا.و هذا الرّقم المتعادل يشير إلى وجوب التّوازن بين الدّنيا و الآخرة، و ضرورة العمل في الدّنيا بالبدن،و التّوجّه فيها بالرّوح إلى الآخرة استنادا إلى قوله تعالى: وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا القصص:77،فالدّنيا حقل الآخرة،و ليس من الإسلام في شيء ترك أحدهما،قال الصّادق عليه السّلام:«ليس منّا من ترك دنياه لآخرته و لا آخرته لدنياه» (1)و قال لقمان لابنه:و خذ من الدّنيا بلاغا و لا ترفضها فتكون عيالا على النّاس،و لا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك» (1).

و روى عن العالم عليه السّلام:«اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا» (3)

السّادس-و استعمل(استأخر)في القرآن بمعنى التّأخّر الزّمنيّ المتلبّس بما يشبه الطّلب 7 مرّات:

1- وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الحجر:24

2- ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ

الحجر:5).

ص: 639


1- مستدرك الوسائل للنّوريّ 13:16،ب 5 أبواب مقدّمات التّجارة ج 7،(طبع مؤسّسة آل البيت).

3- ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ

المؤمنون:43

4- وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34

5- قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ سبأ:30

6- إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ يونس:49

7- فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ النّحل:61

يلاحظ أوّلا:أنّه قدّم السّبق على التّأخير في الثّلاث الأولى،و هو طبيعيّ،و عكس الأمر في الباقي فقدّم التّأخير على السّبق و هو على خلاف الطّبيعة.فما هو الفارق بينهما؟

و الجواب:أنّ الآية الأولى جاءت بشأن علم اللّه بمن تقدّم موته من النّاس و من تأخّر،و ليس سياقها سياق آيات الأجل.و الآيتان(2 و 3)بعدها تعلنان أنّ آجال العباد لا يلحقها السّبق و اللّحوق عن وقتها،فتقدّم السّبق على التّأخير في هذه الثّلاث طبيعيّ متناسق.

أمّا الآيات الثّلاث(4 و 6 و 7)الّتي بدئت بقوله:(اذا جاء اجلهم)فهذا السّياق يأبى أن يتلوه مباشرة(فلا يستقدمون)فإنّه إذا جاء الأجل فقد انقضى و انصرم وقت تقديمه،بل المناسب أن يقول:إذا جاء الأجل فلا يتأخّر.و كذلك آية«سبأ»فإنّها جاءت بشأن يوم القيامة قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ، أي إذا جاء الميعاد فلا يستأخر.

و أمّا قوله:(و لا يستقدمون)فتأكيد لإكمال الوعد، أي إذا جاء فلا يتأخّر عنه،كما أنّه لم يتقدّم عليه.

ثمّ إنّ هذه الآيات الأربع(4-7)تشترك في ذكر كلمة(ساعة)فيها.و التّعليق على الشّرط في ثلاث منها بخلاف غيرها،فهذا وجه ثان لوحدة سياقها.و بالجملة فالآيات السّبع ليست في سياق واحد.

و ثانيا:أنّه جاء في آيتين(2 و 3): ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ التّعبير بلفظ«السّبق»بدل «التّقدّم»،و لا نعلم له وجها سوى التّفنّن في الكلام، و سهولة لفظ(تسبق)و أنّها أكثر وضوحا في معناها من لفظ«استقدموا»،أو يقال:في السّبق شيء زائد على التّقدّم،و هو قصد التّقدّم على الأجل،مثل من يسبق غيره قصدا.

و ثالثا:جاء في الأولى(المستقدمين)و (المستاخرين)اسم فاعل،و في غيرها فعلا مضارعا.

و لكلّ وجه و تناسق يعلمه كلّ من تذوّق العربيّة و استأنس بها،فإنّ الأولى تفصح عن أنّه تعالى عالم بمن تقدّم أجله و من تأخّر،و من غير ذكر لعجز الإنسان عن تقديم أجله و تأخيره ممّا أريد بيانه في باقي الآيات، فالفعل و لا سيّما المضارع الدّالّ على الاستمرار أنسب به، و اسم الفاعل أنسب بالأوّل.

ص: 640

أ خ و

اشارة

31 لفظا،96 مرّة:57 مكّيّة،39 مدنيّة

في 31 سورة:21 مكّيّة،10 مدنيّة

أخ 3:2-1\أخيك 1:1\إخوتك 1:1

الأخ 1:-1\أخويكم 1:-1\إخوتي 1:1

أخا 1:1\إخوانا 2:1-1\أخت 3:1-2

أخاه 7:7\إخوان 2:2\الأخت 1:-1

أخاهم 8:8\إخوانهم 7:2-5\أخته 1:1

أخانا 2:2\إخوانهنّ 4:-4\أختها 2:2

أخوه 1:1\إخوانكم 6:-6\أختك 1:1

أخوهم 4:4\إخواننا 1:-1\الأختين 1:-1

أخوك 2:2\إخوة 4:1-3\أخواتهنّ 2:-2

أخي 7:5-2\إخوته 1:-1\أخواتكم 3:-3

أخيه 15:11-4\...

النّصوص اللّغويّة

ابن الكلبيّ: زعم بعض العرب أنّه يقال للأخ:

أخّ،مثقّل.(الأزهريّ 7:623)

2Lالخليل: أخ و أخوان و إخوة و إخوان،و بيني و بينه أخوّة و إخاء.

و تقول:آخيته،و لغة طيّئ:واخيته.

و هذا رجل من آخائي بوزن«أفعالي».

و تقول:آخيت،على أصل التّأسيس.و من قال:

واخيت،بلغة طيّئ،أخذه من الوخاء.

و تأنيث الأخ:أخت،تاؤها هاء.و تقول:أخت و أختان و أخوات.

و الأخيّة:عود يعرض في الحائط،تشدّ إليه الدّابّة، و تجمع على الأواخيّ.

و لفلان عند الأمير أخيّة ثابتة.

:و الفعل:أخّيت تأخية،و تأخّيت أنا.و اشتقاقه من آخيّة العود،و هي في تقدير الفعل«فاعولة».و يقال:

آخية بالتّخفيف في كلّ ذلك.[ثمّ ذكر«وخي»بمعنى قصد،إلى أن قال:]

ص: 641

و حدّ تأليف الخاء مع الهمزة«الأخ»،و كان أصل تأليف بنائه على بنائه«فعل»بثلاث حركات،و كذلك «الأب»فاستثقلوا ذلك.

و فيها ثلاثة أشياء:حرف و صوت و صرف،فربّما ألقوا الواو و الياء لصرفها و أبقوا منها الصّوت،فاعتمد الصّوت على حركة ما قبله.فإذا كانت الحركة فتحة صار الصّوت معها ألفا ليّنة،و إن كانت ضمّة صار معها واوا ليّنة،و إن كانت كسرة صار معها ياء ليّنة،فاعتمد صوت واو الأخ على فتحة،فصار معها ألفا ليّنة«أخا»، و كذلك«أبا»،كألف رمى و غزا و نحوهما.

ثمّ ألقوا الألف استخفافا لكثرة استعمالهم إيّاها، و بقيت الخاء على حركتها،فجرت على وجوه النّحو، لقصر الاسم.

فإذا لم يضيفوه قوّوه بالتّنوين،و إذا أضافوه لم يحسن التّنوين فقوّوه بالمدّ في حالات الإضافة،فإذا ثنّوا قالوا:

أخوان و أبوان،لأنّ الاسم متحرّك الحشو،فلم تصر حركته خلفا من الواو السّاقطة،كما صارت حركة الدّال في اليد،و حركة الميم في الدّم،فقالوا:يدان و دمان،لأنّ حشوهما ساكن،فصار تحرّك الدّال و الميم خلفا من الحرف السّاقط،فقالوا:دمان و يدان.و جاء في الشّعر دميان،قال:

فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين

و إنّما قالوا:دميان على الدّماء،كقولك:دمي وجه فلان أشدّ الدّماء،فحرّك الحشو،و كذلك قالوا:إخوان، و هم الإخوة إذا كانوا لأب،و هم الإخوان إذا لم يكونوا لأب.و في القرآن: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ الحجرات:10.

و التّآخي:اتّخاذ الأخوان،بينهما إخاء و أخوّة.

و الأخت:كان حدّها«أخة»و الإعراب على الهاء و الخاء في موضع الرّفع،و لكنّها انفتحت لحال هاء التّأنيث،لأنّها لا تعتمد إلاّ على حرف متحرّك بالفتحة، و أسكنت الخاء فحوّل صرفها على الألف،و صارت الهاء تاء كأنّها من أصل الكلمة،و وقع الإعراب على التّاء،و ألزمت الضّمّة الّتي كانت في الخاء الألف،و كذلك نحو ذلك.(4:319)

[قال في باب«أ خ ت»:]

الأخت أصلها التّأنيث،و تصغيرها:أخية.

(4:296)

سيبويه: الأخوة،بالضّمّ:اسم للجمع و ليس بجمع،لأنّ«فعلا»ليس ممّا يكسّر على«فعلة»،و يدلّ على أنّ أخا«فعل»مفتوحة العين،جمعهم إيّاها على «أفعال»،نحو آخاء.(ابن سيده 5:190)

اليزيديّ: آخيت و واخيت و آسيت و واسيت و آكلت و واكلت.(الزّبيديّ 10:11)

الفرّاء: يجمع أخو على إخوان مثل خرب و خربان، و على إخوة و أخوة.(الجوهريّ 6:2264)

ضمّت الألف من أخت لتدلّ على حذف الواو،فإنّ أصل أخت:أخوة،و الجمع:أخوات.

(القرطبيّ 5:108)

أبو زيد: هذا رجل من آخائي،على وزن «أفعالي»،أي إخواني.و يقال:تركته بأخي الخير.أي

ص: 642

تركته بشرّ.(الأزهريّ 7:623)

الأصمعيّ: لا أكلّمه إلاّ أخا السّرار،أي مثل السّرار.(ابن منظور 14:23)

أبو عبيد: الأخيّة:العروة تشدّ بها الدّابّة،مثنيّة في الأرض.(ابن منظور 14:23)

ابن الأعرابيّ: الأخا،مقصور،و الأخو؛لغتان في «الأخ».(ابن سيده 5:189)

ابن السّكّيت: يقال:آخيت الرّجل و واخيته، يقلبون الهمزة واوا،كما يقال:آسيته و واسيته.

(468)

الآخيّة:هو أن يدفن طرفا قطعة من الحبل في الأرض،و فيه عصيّة أو حجير،فيظهر منه مثل عروة تشدّ إليه الدّابّة،و قد أخّيت للدّابّة تأخية.

(الجوهريّ 6:2264)

أبو حاتم: قال أهل البصرة أجمعون:الإخوة في النّسب،و الإخوان في الصّداقة.

و هذا خطأ و تخليط،يقال للأصدقاء و غير الأصدقاء:إخوة و إخوان،قال اللّه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10،و لم يعن النّسب،و قال: أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ النّور:61،و هذا في النّسب.

(الأزهريّ 7:626)

المبرّد: «الأب و الأخ»ذهب منهما الواو،تقول في التّثنية:أبوان و أخوان.و لم يسكّنوا أوائلهما لئلاّ تدخل ألف الوصل،و هي همزة على الهمزة الّتي في أوائلهما،كما فعلوا في«الابن و الاسم»اللّذين بنيا على سكون أوائلهما،فدخلتهما ألف الوصل.(ابن منظور 14:22)

كراع النّمل:أخو بسكون الخاء،و تثنيته:أخوان، بفتح الخاء.(ابن سيده 5:189)

الزّجّاج: أصل الأخ في اللّغة من التّوخّي،و هو الطّلب،فالأخ مقصده مقصد أخيه،و الصّديق مأخوذ من أن يصدّق كلّ واحد من الصّديقين صاحبه ما في قلبه،و لا يخفي عنه شيئا.(الفخر الرّازيّ 8:175)

ابن دريد: الإخوان معروف،و الإخاء مصدر واخيته و آخيته مؤاخاة و إخاء.و الأخ اسم ناقص، و هو أخ لك،كما قالوا:هو أب لك.(3:240)

نفطويه:الأخوّة:إذا كانت في غير الولادة كانت المشاكلة و الاجتماع في الفعل،كما تقول:هذا الثّوب أخو هذا،أي يشبهه.(الهرويّ 1:26)

الأزهريّ: قال بعض النّحويّين:سمّي الأخ أخا، لأنّ قصده قصد أخيه،و أصله من وخى يخي،إذا قصد؛ فقلبت الواو همزة.و في الحديث:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم آخى بين المهاجرين و الأنصار»،أي ألّف بينهم بأخوّة الإسلام و الإيمان.(7:627)

قال لي أعرابيّ:أخّ لي أخيّة أربط إليها مهري.

و إنّما تؤخّى الأخيّة في سهولة الأرضين،لأنّها أرفق بالخيل من الأوتاد النّاشزة أطرافها عن وجه الأرض، و هي أشدّ رسوبا في بطن الأرض السّهلة من الوتد.

و يقال لها:الإدرون،و جمعه:الأدارين.(7:621)

الجوهريّ: الأخ أصله:أخو بالتّحريك،لأنّه جمع على آخاء،مثل آباء و الذّاهب منه واو،لأنّك تقول في التّثنية:أخوان.و بعض العرب يقول:أخان،على النّقص.و يجمع أيضا على إخوان،مثل خرب و خربان،

ص: 643

و على إخوة و أخوة.

و قد يتّسع فيه فيراد به الاثنان،كقوله تعالى: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ، و هذا كقولك:إنّا فعلنا،و نحن فعلنا، و أنتما اثنان.

و أكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء،و الإخوة في الولادة.و قد جمع بالواو و النّون.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا يقال:أخو،و لا أبو إلاّ مضافا،تقول:هذا أبوك و أخوك،و مررت بأبيك و أخيك،و رأيت أباك و أخاك.

و كذلك حموك و هنوك و فوك و ذو مال.فهذه ستّة أسماء لا تكون موحّدة إلاّ مضافة.و إعرابها في الواو و الياء و الألف،لأنّ الواو فيها و إن كانت من نفس الكلمة ففيها دليل على الرّفع،و في الياء دليل على الخفض،و في الألف دليل على النّصب.

و يقال:ما كنت أخا و لقد أخوت تأخو أخوّة.

و يقال:أخت بيّنة الأخوّة أيضا.و إنّما قالوا:أخت بالضّمّ ليدلّ على أنّ الذّاهب منه واو،و صحّ ذلك فيها دون الأخ،لأجل التّاء الّتي ثبتت في الوصل و الوقف، كالاسم الثّلاثيّ.

و النّسبة إلى الأخ أخويّ،و كذلك إلى الأخت، لأنّك تقول:أخوات.و كان يونس يقول:أختيّ،و ليس بقياس.

و آخاه مؤاخاة و إخاء،و العامّة تقول:و اخاه.

و تقول:لا أخا لك بفلان،أي هو ليس لك بأخ.

و تآخيا على«تفاعلا»،و تأخّيت أخا،أي اتّخذت أخا،و تأخّيت الشّيء أيضا مثل تحرّيته.

و الآخيّة،بالمدّ و التّشديد:واحدة الأواخيّ، و الآخيّة أيضا:الحرمة و الذّمّة.تقول:لفلان أواخيّ و أسباب ترعى.(6:2264)

ابن فارس: الهمزة و الخاء و الواو ليس بأصل، لأنّ الهمزة عندنا مبدلة من واو،و قد ذكرت في كتاب الواو بشرحها،و كذلك الآخيّة.(1:70)

[قال في باب الواو:]الواو و الخاء و الحرف المعتلّ كلمة تدلّ على سير و قصد،يقال:وخت النّاقة تخي وخيا،و هذا وخي فلان،أي سمته،و ما أدري أين وخى،أي توجّه.(6:95)

أبو سهل الهرويّ: أخ بيّن الأخوّة،أي أنّه أخ في النّسب ظاهر صحيح،لا على التّشبيه.(32)

ابن سيده: «الأخ».من النّسب معروف،و قد يكون الصّديق و الصّاحب.

و الأخا مقصور؛و الأخو،لغتان فيه،حكاهما ابن الأعرابيّ.[ثمّ استشهد بشعر]و هذا نادر.

و أمّا كراع فقال:أخو بسكون الخاء،و تثنيته:

أخوان بفتح الخاء،و لا أدري كيف هذا.

و حكى سيبويه: لا أخا-فاعلم-لك.فقوله:

«فاعلم»اعتراض بين المضاف و المضاف إليه،كذا الظّاهر.و أجاز أبو عليّ أن يكون«لك»خبرا،و يكون اسما مقصورا تامّا غير مضاف،كقولك:لا عصا لك.

و الجمع من كلّ ذلك:أخون و آخاء و إخوان، و أخوان و إخوة و أخوة،بالضّمّ.

هذا قول أهل اللّغة.فأمّا سيبويه فالأخوة،بالضّمّ عنده اسم للجمع و ليس بجمع،لأنّ«فعلا»ليس ممّا يكسّر على«فعلة»،و يدلّ على أنّ أخا«فعل»مفتوحة

ص: 644

العين،جمعهم إيّاها على«أفعال»نحو آخاء.حكاه سيبويه عن يونس.[ثمّ استشهد بشعر]

و حكى اللّحيانيّ في جمعه:أخوّة.

و عندي أنّه«أخوّ»على مثال«فعول»،ثمّ لحقت الهاء لتأنيث الجمع،كالبعولة و الفحولة.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ النّساء:11،فإنّ الجمع هاهنا موضوع موضع الاثنين،لأنّ الاثنين يوجبان لها السّدس.

و قوله تعالى: وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ الأعراف:202،يعني بإخوانهم الشّياطين،لأنّ الكفّار إخوان الشّياطين.[إلى أن قال:]

و قولهم:فلان أخو كربة و أخو لزبة،و ما أشبه ذلك، أي صاحبها.

و قولهم:إخوان العزاء و إخوان العمل،و أشباه ذلك، إنّما يريدون أصحابه و ملازميه.

و يجوز أن يعنوا به أنّهم إخوانه،أي إخوته الّذين ولدوا معه،و إن لم يولد العزاء و لا العمل و لا غير ذلك من الأغراض،غير أنّا لم نسمعهم يقولون:إخوة العزاء و لا إخوة العمل و لا غيرهما،إنّما هو إخوان.و لو قالوا،لجاز، و كلّ ذلك على المثل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا:الرّمح أخوك و ربّما خانك.

و الأخت:أنثى الأخ،صيغة على غير بناء المذكّر، و التّاء بدل من الواو،وزنها«فعلة»،فنقلوها إلى«فعل» و ألحقتها التّاء المبدلة من لامها بوزن«فعل»فقالوا:

أخت،و ليست التّاء فيها بعلامة تأنيث،كما ظنّ من لا خبرة له بهذا الشّأن،و ذلك لسكون ما قبلها.هذا مذهب سيبويه،و هو الصّحيح.[إلى أن قال:]و الجمع:

أخوات.

و قالوا:رماه اللّه بليلة لا أخت لها،و هي ليلة يموت.

و آخى الرّجل مؤاخاة،و إخاء،و وخاء،و واخاه، لغة ضعيفة.و قيل:هي بدل.و أرى«الوخاء»عليها.

و الاسم:الأخوّة.و ما كنت أخا،و لقد تأخّيت، و آخيت،و أخوت.

و أخوت عشرة،أي كنت لهم أخا.

و تأخّى الرّجل:اتّخذه أخا،أو دعاه أخا.

و لا أخا لك بفلان،أي ليس لك بأخ.[ثمّ استشهد بشعر]

و حكى اللّحيانيّ،عن أبي الدّينار،و أبي زياد:

القوم بأخي الشّرّ،أي بشرّ.(5:312)

[في مادّة«ء خ ي»قال:]

الأخية،و الأخيّة،و الآخيّة:عود يعرض في الحائط تشدّ إليه الدّابّة.و قيل:هو حبل يدفن في الأرض و يبرز طرفه فيشدّ به.و في الحديث:«مثل المؤمن و الإيمان كمثل الفرس في آخيّته،يجول ثمّ يرجع إلى أخيّته،و إنّ المؤمن يسهو ثمّ يرجع إلى الإيمان».و الجمع:أخايا، و أواخي.و قد أخّيت للدّابّة،و تأخّيت الأخيّة.

و الأخيّة:غير الطّنب.(5:311)

الطّوسيّ: الأخ يجمع:إخوة،إذا كانوا لأب،و إذا لم يكونوا لأب فهم إخوان،ذكر ذلك صاحب العين، و منه قوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ الحجرات:10، و منه الإخاء،و التّآخي:و الأخوّة قرابة الأخ.و التّآخي:

اتّخاذ الإخوان.و بينهما إخاء و أخوّة.

ص: 645

و آخيت فلانا مؤاخاة،و إخاء.و أصل الباب الأخ من النّسب،ثمّ شبّه به الأخ من الصّداقة.(2:101)

نحوه الطّبرسيّ.(1:264)

الأخ:هو من النّسب بولادة الأدنى من أب و أمّ أو منهما،و يقال:الأخ:الشّقيق،و يسمّى الصّديق:الأخ، تشبيها بالنّسيب،فأمّا الموافق في الدّين فإنّه أخ بحكم اللّه في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10.

(4:528)

و الأخ:الشّقيق في النّسب من قبل الأب و الأمّ، و كلّ من رجع مع آخر إلى واحد في النّسب من والد و والدة فهو أخ.(5:228)

الأخ:المساوي في الولادة من أب أو أمّ أو منهما، و يجمع إخوة و آخاء.(6:97)

الرّاغب: الأصل:أخو،و هو المشارك آخر في الولادة من الطّرفين،أو من أحدهما أو من الرّضاع.

و يستعار في كلّ مشارك لغيره في القبيلة أو في الدّين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودّة،و في غير ذلك من المناسبات.قوله تعالى: لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ آل عمران:156،أي لمشاركيهم في الكفر،و قوله: أَخا عادٍ الأحقاف:21،سمّاه«أخا» تنبيها على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه،و قوله:

وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها الزّخرف:

48،أي من الآية الّتي تقدّمتها،و سمّاها«أختا لها» لاشتراكهما في الصّحّة و الإبانة و الصّدق.و قوله تعالى:

كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الأعراف:38.

فإشارة إلى أوليائهم المذكورين،في نحو قوله:

أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ البقرة:257.

و تأخّيت،أي تحرّيت تحرّي الأخ للأخ،و اعتبر من الأخوّة،معنى الملازمة،فقيل:أخيّة الدّابّة.(13)

الحريريّ: التّاء في أخت هي تاء أصليّة تثبت في الوصل و الوقف،و ليست للتّأنيث على الحقيقة،لأنّ تاء التّأنيث يكون ما قبلها مفتوحا كالميم في فاطمة و الرّاء في شجرة،إلاّ أن يكون ألفا كالألف في قطاة و قناة.و لمّا كان ما قبل التّاء في أخت ساكنا و ليس بألف،دلّ على أنّ التّاء فيها أصليّة.(118)

الزّمخشريّ: معنى الأخوّة:اتّفاق الجنس أو النّسب.(1:473)

إخوان الوداد،أقرب من إخوة الولاد.

و من المجاز:بين السّماحة و الحماسة تآخ.و لقيته بأخي الشّرّ،أي بخير،و بأخي الخير،أي بشرّ.و له عند الأمير آخيّة ثابتة.و شدّدت له آخيّة لا يحلّها المهر الأرن.و شدّ اللّه بينكما أواخيّ الإخاء،و حلّ أواريّ الرّياء.(أساس البلاغة:3)

«عمر كان يكلّم النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام كأخي السّرار،لا يسمعه حتّى يستفهمه»،أي كلاما كمثل المسارّة و شبهها،لخفض صوته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز في غير هذا الموضع أن يراد بأخي السّرار:

الجهار،كما تقول العرب:عرفت فلانا بأخي الشّرّ، يعنون بالخير،و بأخي الخير،يريدون بالشّرّ.و لو أريد بأخي السّرار:المسارّ،كان وجها.(الفائق 1:27)

في الحديث:«لا تجعلوا ظهوركم كأخايا الدّوابّ».

هي جمع آخيّة،و هي قطعة حبل تدفن طرفاها في

ص: 646

الأرض فتظهر مثل العروة فتشدّ إليها الدّابّة،و تسمّى «الآريّ و الإدرون».و هذا الجمع على خلاف بنائها، كقولهم في جمع ليلة:ليال.و جمعها القياسيّ:أواخيّ، كأواريّ.و قياس واحد الأخايا:أخيّة،كأليّة و ألايا، كما أنّ قياس واحدة اللّيالي:ليلاة.

أراد:لا تقوّسوها في الصّلاة حتّى تصير كهذه العرى.

(الفائق 1:29)

الطّبرسيّ: [الأخوات]هي جمع الأخت،و كلّ أنثى ولدها شخص ولدك في الدّرجة الأولى فهي أختك.

(2:28)

أبو البركات: «أخت»التّاء فيها بدل عن واو، و ليست للتّأنيث،و الدّليل على أنّها ليست للتّأنيث وجهان:

أحدهما:أنّ ما قبلها ساكن،و لو كانت للتّأنيث، لكان يجب أن تكون متحرّكة.

و الثّاني:أنّها تكتب بالتّاء و لا تكتب بالهاء،و لو كانت للتّأنيث،نحو قائمة و ذاهبة،لكانت تكتب بالهاء.

و قيل:أصلها أخو على«فعل»؛فحذفت الواو و ضمّت الهمزة،ليدلّ على الواو المحذوفة،فيبقى الاسم على حرفين،و زيدت التّاء للإلحاق ببناء«قفل» و«قلب»،و حذفت الواو منه لكثرة الاستعمال.

(2:123)

ابن برّيّ: قال الجوهريّ:«تقول في التّثنية أخوان»،و يجيء في الشّعر أخوان.[ثمّ استشهد بشعر]

قال عند قول الجوهريّ:«لا تكون الأسماء السّتّة موحّدة إلاّ مضافة،و إعرابها في الواو و الياء و الألف».

يجوز أن لا تضاف و تعرب بالحركات،نحو هذا أب و أخ و حم و فم،ما خلا قولهم:ذو مال،فإنّه لا يكون إلاّ مضافا.(ابن منظور 14:19،20)

ابن الأثير: فيه:«مثل المؤمن و الإيمان كمثل الفرس في آخيّته»الآخيّة،بالمدّ و التّشديد:حبيل أو عويد يعرض في الحائط و يدفن طرفاه فيه،و يصير وسطه كالعروة،و تشدّ فيها الدّابّة.و جمعها:الأواخيّ مشدّدا،و الأخايا على غير قياس.و معنى الحديث:أنّه يبعد عن ربّه بالذّنوب و أصل إيمانه ثابت.

و منه الحديث: «لا تجعلوا ظهوركم كأخايا الدّوابّ»،أي لا تقوّسوها في الصّلاة حتّى تصير كهذه العرى.

و منه حديث عمر: «أنّه قال للعبّاس:أنت أخيّة آباء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»،أراد بالأخيّة البقيّة،يقال:له عندي أخيّة،أي ماتّة (1)قويّة و وسيلة قريبة،كأنّه أراد أنت الّذي يستند إليه من أصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يتمسّك به.

و في حديث ابن عمر: «يتأخّى متأخّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»،أي يتحرّى و يقصد،و يقال فيه بالواو أيضا،و هو الأكثر.

و منه حديث السّجود: «الرّجل يؤخّي و المرأة تحتفز»،أخّى الرّجل،إذا جلس على قدمه اليسرى و نصب اليمنى،هكذا جاء في بعض كتب الغريب في حرف الهمزة.

و الرّواية المعروفة: «إنّما هو الرّجل يخوّي و المرأةة.

ص: 647


1- الماتّة:الوسيلة،الحرمة و القرابة.

تحتفز»و التّخوية:أن يجافي بطنه عن الأرض و يرفعها.

إخوان:فيه:«إنّ أهل الإخوان ليجتمعون» الإخوان لغة قليلة في الخوان الّذي يوضع عليه الطّعام عند الأكل.(1:29)

القرطبيّ: الإخوان:جمع أخ،و سمّي أخا،لأنّه يتوخّى مذهب أخيه،أي يقصده.(4:164)

الأخت:اسم لكلّ أنثى جاورتك في أصليك،أو في أحدهما.(5:108)

أبو حيّان: الإخوان:جمع أخ،و الأخ معروف، و هو من ولّده أبوك و أمّك أو أحد،و جمع«فعل»على «فعلان»لا ينقاس.(2:155)

الفيّوميّ: «الأخ»لامه محذوفة و هي واو،و تردّ في التّثنية على الأشهر،فيقال:أخوان.و في لغة يستعمل منقوصا،فيقال:أخان.

و جمعه:إخوة و إخوان-بكسر الهمزة فيهما،و ضمّها لغة-و قلّ جمعه بالواو و النّون.و على آخاء وزان آباء، أقلّ.

و الأنثى أخت،و جمعها:أخوات،و هو جمع مؤنّث سالم.

و تقول:هو أخو تميم،أي واحد منهم.و لقي أخا الموت،أي مثله.و تركته بأخي الخير،أي بشرّ.و هو أخو الصّدق،أي ملازم له.و أخو الغنى،أي ذو الغنى.

و في كلام الفقهاء:«حمّى الأخوين»و هي الّتي تأخذ يومين و تترك يومين.و سألت عنها جماعة من الأطبّاء فلم يعرفوا هذا الاسم،و هي مركّبة من حمّيين،فتأخذ واحدة مثلا يوم السّبت و تقلع ثلاثة أيّام و تأتي يوم الأربعاء،و تأخذ واحدة يوم الأحد و تقلع ثلاثة أيّام و تأتي يوم الخميس،و هكذا فيكون التّرك يومين و الأخذ يومين.و اللّه تعالى أعلم.

و الآخيّة،بالمدّ و التّشديد:عروة تربط إلى وتد مدقوق و تشدّ فيها الدّابّة.و أصلها«فاعولة»،و الجمع:

الأواخيّ،بالتّشديد للتّشديد،و بالتّخفيف للتّخفيف (1)و جمعها:أواخ،مثل ناصية و نواص،و هكذا كلّ جمع واحده مثقّل.

و أخّيت للدّابّة تأخية:صنعت لها آخية و ربطتها بها.

و تأخّيت الشّيء بمعنى قصدته و تحرّيته.و آخيت بين الشّيئين،بهمزة ممدودة،و قد تقلب واوا على البدل، فيقال:واخيت،كما قيل في آسيت:واسيت.و تقدّم في «أخذ»أنّها لغة اليمن.(1:8)

الفيروزآباديّ: الأخيّة كأبيّة،و يشدّد و يخفّف:

عود في حائط أو في حبل يدفن طرفاه في الأرض، و يبرز طرفه كالحلقة،تشدّ فيها الدّابّة و الجمع:أخايا و أواخيّ.

و الآخيّة:الطّنب و الحرمة و الذّمّة.

و أخّيت للدّابّة تأخية:عملت لها أخيّة.

و الأخ و الأخّ مشدّدة،و الأخوّ و الأخا و الأخو كدلو،من النّسب معروف،و الصّديق و الصّاحب.

و الجمع:أخون و آخاء،و إخوان بالكسر،و أخوانن.

ص: 648


1- أي من قال:آخيّة بتشديد الياء،جمعها على أواخيّ بالتّشديد،و من قال:آخيّة بتخفيف الياء قال:أواخ، فهما لغتان.

بالضّمّ،و إخوة بالكسر،و أخوة بالضّمّ،و أخوّة و أخوّ مشدّدين مضمومين.

و الأخت للأنثى،و التّاء ليس للتّأنيث.و الجمع:

أخوات.

و ما كنت أخا و لقد أخوت أخوّة و آخيت و تأخّيت، و آخاه مؤاخاة و إخاء و إخاوة و وخاء،و واخاه ضعيفة.

و تأخّيت الشّيء:تحرّيته،و أخا:اتّخذته،أو دعوته أخا.و لا أخا لك بفلان:ليس لك بأخ.و تركته بأخ الخير:بشرّ.

و أخيّان كعليّان:جبلان.(4:299)

البروسويّ: الأخ:المشارك لآخر في الولادة من الطّرفين،أو من أحدهما أو من الرّضاع.و يستعار في كلّ مشارك لغيره في القبيلة أو في الدّين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودّة أو في غير ذلك من المناسبات.

(6:180)

الزّبيديّ: [قال بعد نقل قول اليزيديّ:]

و وجه ذلك من جهة القياس هو حمل الماضي على المستقبل؛إذ كانوا يقولون:تواخى،بقلب الهمزة واوا على التّخفيف،و قيل:هي بدل.(10:11)

رشيد رضا: «أخ»أصله:أخو،و مثنّاه أخوان، و في لغة:أخان،و يجمع على إخوة و إخوان،بكسر الهمزة فيهما.و كلّ منهما يستعمل في أخوّة النّسب القريب،أي الأخوّة من أحد الأبوين أو كليهما،و النّسب البعيد كالجنس و القبيلة،و في أخوّة الرّضاع و أخوّة الدّين و أخوّة الصّداقة.(10:190)

مجمع اللّغة:

الأخ،و مؤنّثه أخت،هو المشارك الآخر في الولادة من الأبوين أو من أحدهما،و يطلق على المشارك في الرّضاع.كما يطلق على كلّ مشارك في القبيلة أو في الدّين أو في صنعة أو معاملة أو في مودّة، و ما شابه ذلك.

و جمع الأخ:إخوان و إخوة.و جمع الأخت:

أخوات.(1:30)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(32)

الطّباطبائيّ: «الأخ»و أصله:أخو،هو المشارك غيره في الولادة تكوينا لمن ولده،و غيره أب أو أمّ أو هما معا،أو بحسب شرع إلهيّ كالأخ الرّضاعيّ،أو سنّة اجتماعيّة كالأخ بالدّعاء،على ما كان يراه أقوام،فهذا أصله.ثمّ استعير لكلّ من ينتسب إلى قوم أو بلدة أو صنعة أو سجيّة و نحو ذلك،يقال:أخو بني تميم و أخو يثرب و أخو الحياكة و أخو الكرم.

و من هذا الباب قوله: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً هود:50.(8:177)

الإخوان كالإخوة جمع:أخ،و الأخوّة:الاشتراك في الانتساب إلى أب،و يتوسّع فيه فيستعمل في المشتركين في اعتقاد أو صداقة و نحو ذلك،و يكثر استعمال الإخوة في المشتركين في النّسبة إلى أب،و استعمال الإخوان في المشتركين في اعتقاد،و نحوه على ما قيل.(19:211)

المصطفويّ:هذه الكلمة من الأسماء السّتّة الّتي ذكروا أنّ إعرابها بالحروف،و هي:أب،أخ،حم،هن، فم،ذو.قال ابن مالك:

و ارفع بواو و انصبنّ بالألف

و اجرر بياء ما من الأسماء أصف

ص: 649

فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا... يوسف:63،و كان يوسف أخاهم من الأب. وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً هود:50، وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً هود:84، و الأعراف:85،و العنكبوت:36.باعتبار كونهم من قبيلة واحدة،و ينتهي نسبهم إلى أب واحد.

و هكذا: قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ الشّعراء:106، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ الشّعراء:161، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ البقرة:178،عبّر بالأخ لإيجاد الشّفقة و الرّحمة،فإنّ أفراد بني آدم لازم لهم أن يعاملوا و يعاشروا بينهم كالإخوان،فإنّهم من أب واحد و أمّ واحدة،أبوهم آدم و الأمّ حوّاء.

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ الإسراء:27،فإذا كان الإنسان مبذّرا و خرج عن الاعتدال فهو أخو الشّيطان،يجمعهما عنوان واحد و هو التّعدّي عن الحقّ و البعد عن مرحلة العدل.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10، اَلَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الحشر:11، لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ آل عمران:

156.فالمؤمنون و المنافقون و الكافرون كلّ منهم بعضهم إخوة بعض،يجمعهم عنوان واحد:النّفاق، الكفر،الإيمان.

و الفرق بين الإخوة و الإخوان:أنّ استعمال الإخوة في ابتداء مراحل الأخوّة،و لمّا تحقّقت المحبّة بينهم و كملت الألفة و خلصت المودّة تطلق كلمة الإخوان، و كذلك إذا أريد تحقّق المحبّة و جلب الألفة و إيجاد الأخوّة بينهم.هذا ما يظهر و يستكشف من تحقيق موارد استعمال الكلمتين.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ الحجرات:10،نزلت في موارد حدوث الاختلاف و البغض بينهم.

و كذلك: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ يوسف:5، فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ النّساء:11، فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ يوسف:7.هذه الآيات نزلت في موارد مقتضية للاختلاف و حدوث البغض.

و في مقابلها: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً آل عمران:

103، إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ...

التّوبة:24،نزلت في مقام تحقّقت الألفة أو اقتضتها.

وَ لَهُ أَخٌ... النّساء:12، ...اِئْتُونِي بِأَخٍ...

يوسف:59، وَ هذا أَخِي... يوسف:90، ...وَ أَخِي هارُونُ... القصص:34.

و شرط ذا الإعراب أن يضفن لا

للياء كجاء أخو أبيك ذا اعتلاء

و أمّا تأخّيت،أي تحرّيت و قصدت،فلا يبعد أن تكون مأخوذة من مادّة«توخّيت»،و من«الوخي»بمعنى القصد و السّير،فيكون بين المادّتين اشتقاق أكبر.راجع صحاح اللّغة.(1:35-37)

محمود شيت:أخا فلانا أخوّة،و إخاوة:اتّخذه أخا.

آخى فلانا مؤاخاة و إخاء:اتّخذه أخا.

و[آخى]بينهما:جعلهما كالأخوين،و[آخى:] قرن بينهما.

ص: 650

الآخية:عروة تثبّت في أرض أو حائط و تربط فيها الدّابّة،الجمع:أواخ.

الأخ:من جمعك و إيّاه صلب أو بطن أو هما معا.و [الأخ]من الرّضاع:من يشارك في الرّضاعة.و[الأخ:] الصّديق،الجمع:آخاء،و إخوان،و إخوة.

الأخت:مؤنّث الأخ،الجمع:أخوات.

آخى بينهم:جعلهم كالإخوة.آخى بين القطعات:

درّبها تدريبا إجماليّا موحّدا،ليعرف القادة مزايا الضّبّاط،و يتعارف الضّبّاط و المراتب،و تكون بينهم علاقات شخصيّة،حتّى يكون التّعاون بينهم في الحرب تعاونا وثيقا.

الآخيّة:الوتد الحديد الّذي يكون في نهاية مربط (1)الحيوان،يثبّت في الأرض أو الحائط و تربط به الدّابّة، الجمع:أواخ.تستعمل في صنف الخيّالة (2)،و في صنف نقليّة الحيوانات.

الأخ:الصّديق الّذي يرافق الجنديّ في منامه و في تجواله و في تدريبه ليلا و نهارا،ليتعاونا و يتفقّد أحدهما الآخر.

و يكون الأخ من ضمن الحضيرة،و يكون التّآخي اعتياديّا في التّدريب الإجماليّ،و في التّدريب على الحروب الجبليّة خاصّة،و في الحروب عامّة.

الأخت:الممرّضة في المستشفى العسكريّ.(361)

النّصوص التّفسيريّة

اخ

1- وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ... النّساء:12

قتادة: هؤلاء الإخوة من الأمّ.

مثله سعد بن أبي وقّاص،و السّدّيّ.

(الطّبريّ 4:287)

مثله الطّبرسيّ.(2:17)

و هذا أيضا مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(العروسيّ 1:455)

الفرّاء: قوله:(و له اخ او اخت)و لم يقل:و لهما، و هذا جائز،إذا جاء حرفان في معنى واحد ب«أو» أسندت التّفسير إلى أيّهما شئت،و إن شئت ذكرتهما فيه جميعا،تقول في الكلام:من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى الأخ،و فليصلها تذهب إلى الأخت،و إن قلت:فليصلهما،فذلك جائز.

و في قراءتنا: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّهُ أَوْلى بِهِما النّساء:135،و في إحدى القراءتين:(فاللّه اولى بهم)ذهب إلى الجماع،لأنّهما اثنان غير موقّتين.

و في قراءة عبد اللّه: (و الّذين يفعلون منكم فآذوهما) (3)فذهب إلى الجمع،لأنّهما اثنان غير موقّتين،و كذلك في قراءته:(و السّارقون و السّارقات فاقطعوا ايمانهما) (4).

(1:257)

ص: 651


1- ما تربط به الدّابّة.
2- خيّالة جمع خيّال؛صنف الخيّالة:المجموعة العسكريّة الّتي تمتطي الخيل.
3- القراءة المشهورة: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما . النّساء:16.
4- القراءة المشهورة: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما . المائدة:38.

البغويّ:أراد به الأخ و الأخت من الأمّ بالاتّفاق.(1:412)

الزّمخشريّ: [في بحث الكلالة،بعد ما ذكر أقوال بعض المفسّرين،قال:]

و قد أجمعوا على أنّ المراد أولاد الأمّ،و تدلّ عليه قراءة أبيّ (و له اخ او اخت من الامّ) و قراءة سعد بن أبي وقّاص (و له اخ او أخت من امّ) .

و قيل:إنّما استدلّ على أنّ الكلالة هاهنا الإخوة للأمّ خاصّة،بما ذكر في آخر السّورة من أنّ للأختين الثّلثين، و أنّ للأخوة كلّ المال،فعلم هاهنا لمّا جعل للواحد السّدس و للاثنين الثّلث،و لم يزادوا على السّدس شيئا، أنّه يعني بهم الإخوة للأمّ،و إلاّ فالكلالة عامّة لمن عدا الولد و الوالد من سائر الإخوة:الأخياف (1)و الأعيان (2)و أولاد العلاّت (3)و غيرهم.(1:510)

نحوه ملخّصا أبو السّعود.(1:322)

الفخر الرّازيّ: أجمع المفسّرون هاهنا على أنّ المراد من الأخ و الأخت:الأخ و الأخت من الأمّ،و كان سعد بن أبي وقّاص يقرأ (و له اخ او اخت من امّ) ،و إنّما حكموا بذلك لأنّه تعالى قال في آخر السّورة: قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ النّساء:176،فأثبت للأختين الثّلثين،و للإخوة كلّ المال.و هاهنا أثبت للإخوة و الأخوات الثّلث،فوجب أن يكون المراد من الإخوة و الأخوات هاهنا غير الإخوة و الأخوات في تلك الآية، فالمراد هاهنا الإخوة و الأخوات من الأمّ فقط،و هناك الإخوة و الأخوات من الأب و الأمّ،أو من الأب.

(9:223)

نحوه الخازن.(1:412)

البيضاويّ: أي من الأمّ،و يدلّ عليه قراءة أبيّ و سعد بن مالك (و له اخ او اخت من الامّ) ،و أنّه ذكر في آخر السّورة أنّ للأختين الثّلثين و للإخوة الكلّ،و هو لا يليق بأولاد الأمّ،و أنّ ما قدّر هاهنا فرض الأمّ، فناسب أن يكون لأولادها.(1:208)

الآلوسيّ: أي من الأمّ فقط،و على ذلك عامّة المفسّرين،حتّى أنّ بعضهم حكى الإجماع عليه.

و أخرج غير واحد عن سعد بن أبي وقّاص أنّه كان يقرأ (و له اخ او اخت من امّ) و عن أبيّ:(من الامّ)، و هذه القراءة و إن كانت شاذّة إلاّ أنّ كثيرا من العلماء استند إليها،بناء على أنّ الشّاذّ من القراءات إذا صحّ سنده كان كخبر الواحد في وجوب العمل به،خلافا لبعضهم،و يرشد إلى هذا القيد أيضا أنّ أحكام بني الأعيان و العلاّت هي الّتي تأتي في آخر السّورة الكريمة.

و أيضا ما قدّر هنا لكلّ واحد من الأخ و الأخت، و للأكثر و هو السّدس،و الثّلث هو فرض الأمّ؛ فالمناسب أن يكون ذلك لأولاد الأمّ،و يقال لهم:إخوة أخياف،و بنو الأخياف.و الإضافة بيانيّة،و الجملة في محلّ النّصب على أنّها حال من ضمير(يورث)أو من (رجل)،على تقدير كون(يورث)صفة له،و مساقها لتصوير المسألة.

و ذكر«الكلالة»لتحقيق جريان الحكم المذكور،د.

ص: 652


1- أمّهم واحدة و الآباء شتّى.
2- الإخوة من أب و أمّ.
3- بنو أمّهات شتّى من رجل واحد.

و إن كان مع من ذكر ورثة أخرى بطريق الكلالة.

و لا يضرّ عند من لم يقل بالمفهوم جريانه في صورة الأمّ أو الجدّة،مع أنّ قرابتهما ليس بطريق الكلالة،و كذا لا يضرّ عند القائل به أيضا للإجماع على ذلك.

(4:230)

2- ...قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ... يوسف:59

قتادة:يعني بنيامين،و هو أخو يوسف لأبيه و أمّه.

(الطّبريّ 13:8)

نحوه الطّوسيّ(6:160)،و الطّبرسيّ(3:246)، و السّيوطيّ(4:101)،و المراغيّ(13:11).

الميبديّ:نكّر قوله:(باخ لكم)و حقّه التّعريف، لأنّ التّقدير:بأخ لكم قد سمعت به،و الوصف ينوب عن التّعريف.(5:99)

أبو حيّان: و تنكّر(اخ)و لم يقل:بأخيكم،و إن كان قد عرفه و عرفهم،مبالغة في كونه لا يريد أن يتعرّف لهم،و لا أنّه يدري من هو.أ لا ترى فرقا بين مررت بغلامك،و مررت بغلام لك؟إنّك في التّعريف تكون عارفا بالغلام،و في التّنكير أنت جاهل به.فالتّعريف يفيد نوع عهد في الغلام بينك و بين المخاطب،و التّنكير لا عهد فيه البتّة.

و جائز أن تخبر عمّن تعرفه إخبار النّكرة،فتقول:

قال رجل لنا،و أنت تعرفه؛لصدق إطلاق النّكرة على المعرفة.(5:321)

البروسويّ: [قال نحو أبي حيّان و أضاف:]

و لعلّه إنّما قاله لما قيل:إنّهم سألوه حملا زائدا على المعتاد لبنيامين،فأعطاهم ذلك.و شرطهم أن يأتوا به ليعلم صدقهم،و كان يوسف يعطي لكلّ نفس حملا لا غير،تقسيطا بين النّاس.(4:286)

نحوه الآلوسيّ.(13:8)

و بهذا المعنى جاء كلمة«أخيه»في قوله تعالى في سورة يوسف،الآيات:8،63،65،69،70،76، 87 و 89.

3- قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ...

يوسف:77

مجاهد: يوسف.(الطّبريّ 13:28)

مثله البيضاويّ.(1:504)

الطّبريّ: يعنون أخاه لأبيه و أمّه،و هو يوسف.

(13:28)

نحوه الطّوسيّ(6:175)،و الميبديّ(5:113)، و الزّمخشريّ(2:335)،و كثير من المفسّرين.

الطّبرسيّ: من أمّه.(3:254)

النّيسابوريّ: التّأويل:فيه إشارة إلى السّرّ و القلب مع أنّهما مخصوصان بالحظوظ الأخرويّة و الرّوحانيّة،فإنّهما قابلان للاسترقاق من الشّهوات الدّنيويّة و النّفسانيّة.(13:36)

الآلوسيّ: يريدون به يوسف عليه السّلام،و ما جرى عليه من جهة عمّته.[الى أن قال:]و تنكير(أخ)لأنّ الحاضرين لا علم لهم به.(13:31)

الطّباطبائيّ: القائلون هم إخوة يوسف عليه السّلام لأبيه،لذلك نسبوا يوسف إلى أخيهم المتّهم بالسّرقة

ص: 653

لأنّهما كانا من أمّ واحدة،و المعنى أنّهم قالوا:إن يسرق هذا صواع الملك فليس ببعيد منه،لأنّه كان له أخ و قد تحقّقت السّرقة منه من قبل،فهما يتوارثان ذلك من ناحية أمّهما،و نحن مفارقوهما في الأمّ.(11:226)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ يوسف 64.

اخا

وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ...

الأحقاف:21

الطّبريّ: هود عليه السّلام.(26:22)

مثله الطّوسيّ(9:279)،و البغويّ(6:137)، و الطّبرسيّ(5:85)،و كثير من المفسّرين.

النّيسابوريّ: هود،أعني(اخا عاد)لأنّه واحد منهم.(26:15)

البروسويّ: (اخا عاد)واحدا منهم في النّسب لا في الدّين.(8:480)

عزّة دروزة: (اخا عاد)المقصود رسول اللّه إلى قوم عاد و هو منهم،و هو هود عليه السّلام كما ذكرت ذلك صراحة آيات أخرى في سور عديدة سابقة.(5:280)

الطّباطبائيّ: أخو القوم هو المنسوب إليهم من جهة الأب،و المراد بأخي عاد،هود النّبيّ عليه السّلام.

(18:210)

اخاه

1- قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ. الأعراف:111

الطّبرسيّ: هارون.(2:460)

[و هكذا بقيّة التّفاسير]

أبو السّعود: عدم التّعرّض لذكره،لظهور كونه معه،حسبما ينادي به الآيات الأخر.(2:188)

مثله البروسويّ.(3:212)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي... طه:42،و قوله تعالى: قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ... الشّعراء:36.

2- وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ...

يوسف:69

الطّبريّ: أخاه لأبيه و أمّه،و كلّ أخوه لأبيه.

(13:15)

النّيسابوريّ: التّأويل:لمّا دخل الأوصاف البشريّة و معهم السّرّ،على يوسف القلب(آوى) القلب السّرّ إليه،لأنّه أخوه الحقيقيّ بالمناسبة الرّوحانيّة (فلا تبتئس)إذا وصلت بي(بما كانوا يعملون)معك في مفارقتي،لأنّ السّرّ مهما كان مفارقا من قلب مقارنا للأوصاف،كان محروما عن كمالات هو مستعدّ لها.

(13:35)

الطّباطبائيّ: الّذي أمرهم أن يأتوا به إليه،و كان أخا له من أبيه و أمّه.(11:221)

3- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ. المؤمنون:45

ص: 654

الآلوسيّ: و تعرّض لأخوّته لموسى عليهما السّلام،للإشارة إلى تبعيّته له في الإرسال.(18:35)

اخاهم

1- وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ.

الأعراف:65

ابن عبّاس: أي ابن أبيهم.(القرطبيّ 7:235)

الكلبيّ:إنّه كان واحدا من تلك القبيلة.

(الفخر الرّازيّ 14:154)

الزّجّاج: قيل:في الأنبياء عليهم السّلام:أخوهم،و إن كانوا كفرة،لأنّه إنّما يعني أنّه قد أتاهم بشر مثلهم من ولد آدم عليه السّلام و هو أحجّ،و جائز أن يكون أخاهم،لأنّه من قومهم،فيكون أفهم لهم بأن يأخذوه عن رجل منهم.(ابن سيده 5:190)

الطّوسيّ: و انتصب قوله:(اخاهم)بقوله:

(ارسلنا)في أوّل الكلام،و إن تطاول ما بينهما،لأنّ تفصيل القصص يقتضي ذلك،و التّقدير:و ارسلنا الى عاد اخاهم هودا.

و يجوز في مثله الرّفع،و تقديره:و إلى عاد أخوهم هود مرسل.

و الأخ:أحد الولدين لواحد.و إنّما قال لهود عليه السّلام:

إنّه أخوهم،لأنّه كان من قبيلتهم.و جاز ذلك على غير الأخوّة في الدّين،لأنّه احتجّ عليهم أن يكون رجلا منهم،لأنّهم عنه أفهم و إليه أسكن.(4:471)

الزّمخشريّ: واحدا منهم،من قولك:يا أخا العرب،للواحد منهم.و إنّما جعل واحدا منهم لأنّهم أفهم عن رجل منهم،و أعرف بحاله في صدقه و أمانته.

(2:86)

نحوه البروسويّ(3:185)،و المراغيّ(8:192)، و حجازيّ(8:65).

الطّبرسيّ: يعني في النّسب لا في الدّين.

(2:436)

الفخر الرّازيّ: فيه أبحاث:

البحث الأوّل:انتصب قوله:(اخاهم)بقوله:

(ارسلنا)في أوّل الكلام،و التّقدير:لقد ارسلنا نوحا الى قومه،و ارسلنا الى عاد اخاهم هودا.

البحث الثّاني:اتّفقوا على أنّ هودا ما كان أخا لهم في الدّين.و اختلفوا في أنّه هل كان أخا قرابة قريبة أم لا؟

قال الكلبيّ:إنّه كان واحدا من تلك القبيلة،و قال آخرون:إنّه كان من بني آدم و من جنسهم لا من جنس الملائكة،فكفى هذا القدر في تسمية هذه الأخوّة.

و المعنى:أنّا بعثنا إلى عاد واحدا من جنسهم و هو البشر،ليكون الفهم و الأنس بكلامه و أفعاله أكمل.

و ما بعثنا إليهم شخصا من غير جنسهم،مثل ملك أو جنّيّ.

البحث الثّالث:(أخاهم)،أي صاحبهم و رسولهم.

و العرب تسمّي صاحب القوم:أخا القوم،و منه قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الأعراف:

38،أي صاحبتها و شبيهتها.و قال عليه السّلام:«إنّ أخا صداء قد أذن و إنّما يقيم من أذن»يريد صاحبهم.

(14:154)

القرطبيّ: قيل:أخاهم في القبيلة.و قيل:بشرا

ص: 655

من بني أبيهم آدم.و في مصنّف أبي داود أنّ(اخاهم هودا)،أي صاحبهم.(7:235)

أبو حيّان: و(اخاهم)معطوف على(نوحا)و معناه واحدا منهم و ليس هود من بني عاد.و هذا كما تقول:

يا أخا العرب،للواحد منهم.

و قيل:هو من عاد.(4:323)

أبو السّعود: (و الى عاد)متعلّق بمضمر معطوف على قوله تعالى:(ارسلنا)في قصّة نوح عليه السّلام،و هو النّاصب لقوله تعالى:(اخاهم)،أي و أرسلنا إلى عاد أخاهم،أي واحدا منهم في النّسب لا في الدّين،كقولهم:

يا أخا العرب.

و قيل:العامل فيهما الفعل المذكور فيما سبق،و (اخاهم)معطوف على(نوحا)و الأوّل هو الأولى.

و أيّا ما كان فلعلّ تقديم المجرور هاهنا على المفعول الصّريح،للحذر عن الإضمار قبل الذّكر،يرشدك إلى ذلك ما سيأتي من قوله تعالى:(و لوطا...إلخ)الأعراف:80.

فإنّ قومه لمّا لم يعهدوا باسم معروف يقتضي الحال ذكره عليه السّلام مضافا إليهم،كما في قصّة عاد و ثمود و مدين، خولف في النّظم الكريم بين قصّته عليه السّلام و بين القصص الثّلاث.(2:172)

الآلوسيّ: أي و أرسلنا إلى عاد أخاهم.و قيل:لا إضمار،و المجموع معطوف على المجموع السّابق،و العامل الفعل المتقدّم،و غيّر الأسلوب لأجل ضمير(اخاهم)إذ لو أتى به على سنن الأوّل عاد الضّمير على متأخّر لفظا و رتبة.[إلى أن قال:]و معنى كونه عليه السّلام اخاهم أنّه منهم نسبا،و هو قول الكثير من النّسّابين.و من لا يقول به يقول:إنّ المراد صاحبهم و واحد في جملتهم،و هو كما يقال:يا أخا العرب.

و حكمة كون النّبيّ يبعث إلى القوم منهم أنّهم أفهم لقوله من قول غيره،و أعرف بحاله في صدقه و أمانته و شرف أصله.(8:154)

نحوه القاسميّ.(7:2768)

رشيد رضا: أي و أرسلنا إلى عاد أخاهم في النّسب هودا.كما يقال في أخوّة الجنس كلّه:يا أخا العرب.و للدّين أخوّة روحيّة كأخوّة الجنس القوميّة و الوطنيّة.و الآية دليل على جواز تسمية القريب أو الوطنيّ الكافر أخا.

و حكمة كون رسول القوم منهم أن يفهمهم و يفهم منهم،حتّى إذا ما استعدّ البشر للجامعة العامّة،أرسل اللّه خاتم رسله إليهم كافّة،و فرض عليهم توحيد اللّغة لتوحيد الدّين المراد به توحيد البشر و إدخالهم في السّلم كافّة.(8:496)

[و بهذا المعنى جاءت كلمة(اخاهم)في قوله تعالى:

الأعراف:73 و 85،و هود:50 و 61 و 84، و العنكبوت:36،و النّمل:45.]

2- وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ... الأعراف:73

الإمام السّجّاد عليه السّلام: جاء رجل من أهل الشّام إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال:أنت عليّ بن الحسين؟قال:

نعم.قال:أبوك الّذي قتل المؤمنين؟فبكى عليّ بن الحسين عليه السّلام ثمّ مسح عينيه،فقال:ويلك كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟!قال قوله:[أي قول

ص: 656

عليّ عليه السّلام: ]«إخواننا قد بغوا علينا،فقاتلناهم على بغيهم».فقال:ويلك أ ما تقرأ القرآن؟قال:بلى.قال:

فقد قال اللّه تعالى: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:

73،فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟قال له الرّجل لا،بل عشيرتهم،قال:فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم و ليسوا إخوانهم في الدّين.قال:فرّجت عنّي فرّج اللّه عنك.(العروسيّ 2:45)

الميبديّ: بيّن ربّ العالمين جلّ جلاله و تقدّست أسماؤه في هذه الآيات أنّ صالحا النّبيّ هو أخو ثمود،و من الواضح أنّ هذه الأخوّة هي أخوّة نسب لا أخوّة دين و توافق.و كذلك قال في حقّ الأنبياء: أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65،و أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85، و أَخُوهُمْ لُوطٌ الشّعراء:161،و أَخُوهُمْ نُوحٌ الشّعراء:106.

و لمّا كانت هذه الأخوّة من النّسب فإنّها تزول يوم القيامة لا محالة،و لا يبقى لها أثر،لقوله تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ المؤمنون:101،و قال: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ عبس:34،و قال أيضا:بأنّ المؤمن أخو المؤمن إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10،و فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً آل عمران:103،و لكن هذه الأخوّة،أخوّة دين،لا أخوّة نسب،و لا جرم فإنّها ستبقى و تدوم في يوم القيامة ،لقوله تعالى: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الحجر:

47.

و هنا لطيفة أخرى و هي أنّه سمّي كلّ نبيّ من الأنبياء أخا للأمّة،و الأخ و إن كان عطوفا رحيما لكنّه قد تنشأ منه الفرقة و العداوة،أ لا ترى ما ذاق يوسف من إخوته و ما تحمّل؟!لقد ذاق العذاب و تحمّل العذاب منهم،فكلاهما يصدران من الأخ،لأنّه قضاء اللّه و حكمه منذ الأزل.

و لم يسمّ ربّ العالمين المصطفى العربيّ أخا بل سمّاه نفسا في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ التّوبة:128،و لم تنشأ العداوة و الفرقة من النّفس قطّ، و لن تقع أبدا؛و لذا دعا الأنبياء اللّه هلاك قومهم،و أمّا المصطفى فإنّه دعا لهم الرّحمة و المغفرة،فقد كان نوح يقول: رَبِّ لا تَذَرْ... نوح:26،و يقول المصطفى:

وَ اعْفُ عَنّا... البقرة:286.

و لطيفة أخرى هي أنّ ربّ العزّة قال للنّبيّ:إنّه أخ لهم،و قال لهؤلاء:إنّهم قومه لا إخوته،لأنّهم ما فعلوا و ما قالوا مثل ما يقول و يفعل الإخوان،فكلّهم جادلوا و خاصموا نبيّهم و كذّبوه.

فقوم صالح قالوا له: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * ما أَنْتَ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا الشّعراء:153،154، و قال قوم هود: وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ هود:53،و قال قوم نوح: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ الشّعراء:116، و قال قوم لوط: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ الشّعراء:167،و قال قوم شعيب: وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ الشّعراء:186.

و لكنّه قال للنّبيّ:إنّه أخوهم،لأنّه عاملهم معاملة الأخ لإخوته،و كانوا ضالّين،فدعاهم إلى الهداية،

ص: 657

و قال: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ الأعراف:59،و لم يحرمهم الحنان و الشّفقة،و قال: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ هود:26،و بالغ في الشّفقة و النّصيحة،كما قال:

وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ الأعراف:79.

و لكنّ القلب الّذي أوصد بقفل الغفلة و القنوط أنّى له الاستجابة؟و العين الّتي غشّاها رمص (1)الكفر أنّى له الاعتبار؟و الحبل المقطّع كيف يشدّ به الرّحال؟و العبد العنيد أيّ فائدة لعناده؟آه من شرك خفيّ و علقة خفيّة، آه من حسرة أبديّة،و الحذر من قهر سلطانيّ.

(3:667)

أبو حيّان: الأخوّة هنا في القرابة،لأنّ نسبه و نسبهم راجع إلى ثمود بن جاثر.(4:327)

رشيد رضا: (اخاهم)في النّسب و الوطن (صالحا).

سئل الإمام عبد اللّه بن أبي ليلى عن اليهوديّ و النّصرانيّ يقال له أخ؟

قال:الأخ في الدّار،و استدلّ بالآية،رواه أبو الشّيخ.(8:501)

3- ...وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ... هود:50

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى وصف(هودا) بأنّه أخوهم،و معلوم أنّ تلك الأخوّة ما كانت في الدّين، و إنّما كانت في النّسب،لأنّ هودا كان رجلا من قبيلة عاد،و هذه القبيلة كانت قبيلة من العرب،و كانوا بناحية اليمن،و نظيره ما يقال للرّجل:يا أخا تميم و يا أخا سليم،و المراد رجل منهم.فإن قيل:إنّه تعالى قال في ابن نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،فبيّن أنّ قرابة النّسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدّين،و هاهنا أثبت هذه الأخوّة مع الاختلاف في الدّين،فما الفرق بينهما؟

قلنا:المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ قومه كانوا يستبعدون في محمّد-مع أنّه واحد من قبيلتهم-أن يكون رسولا إليهم من عند اللّه، فذكر اللّه تعالى أنّ هودا كان واحدا من عاد،و أنّ صالحا كان واحدا من ثمود،لإزالة هذا الاستبعاد.(18:9)

مثله الشّربينيّ.(2:63)

القرطبيّ: و قيل له:أخوهم،لأنّه منهم،و كانت القبيلة تجمعهم،كما تقول:يا أخا تميم.

و قيل:إنّما قيل له:أخوهم،لأنّه من بني آدم،كما أنّهم من بني آدم.(9:50)

عبد الكريم الخطيب: و في قوله تعالى: أَخاهُمْ هُوداً إشارة إلى أنّ هودا ليس غريبا عن القوم،و إنّما هو منهم و أخ لهم،كما أنّ محمّدا هو من قريش،و أخ و ابن أخ لهم.(6:1153)

اخانا

...يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا...

(يوسف:63)

الآلوسيّ: فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنيامين إلى مصر،و فيه إيذان بأنّ مدار المنع على عدم كونه معهم.

(13:10)

ص: 658


1- وسخ.

الطّباطبائيّ: قولهم:(اخانا)إظهار رأفة و إشفاق لتطييب نفس أبيهم من أنفسهم،كقولهم: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يوسف:63،بما فيه من التّأكيد البالغ.

(11:213)

اخوه

إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا...

يوسف:8

السّدّيّ: يعنون بنيامين.(الطّبريّ 12:155)

الطّبريّ: من أمّه.(12:155)

الطّوسيّ: لأبيه و أمّه،و هو ابن يامين.

(6:100)

نحوه الطّبرسيّ(3:212)،و النّيسابوريّ(12:

84).

الزّمخشريّ: بنيامين،و إنّما قالوا:(اخوه)و هم جميعا إخوته،لأنّ أمّهما كانت واحدة.(2:304)

مثله الفخر الرّازيّ.(18:92)

البيضاويّ: بنيامين،و تخصيصه بالإضافة، لاختصاصه بالأخوّة من الطّرفين.(1:488)

النّيسابوريّ: التّأويل:(ليوسف)القلب، (و اخوه)بنيامين:الحسّ المشترك،فإنّ له اختصاصا بالقلب (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا) ،لأنّ القلب عرش الرّوح، و محلّ استوائه عليه،و الحسّ المشترك بمثابة الكرسيّ للعرش.(12:90)

السّيوطيّ: بنيامين:شقيقه.(4:100)

البروسويّ: أي شقيقه بنيامين،و الشّقيق:الأخ من الأب و الأمّ.و قد يقال للأخ لأب:شقيق،كأنّه شقّ معك ظهر أبيك،و للأخ من الأمّ،لأنّه شقّ معك بطن أمّك.و في القاموس:الشّقيق كأمير:الأخ،كأنّه شقّ نسبه من نسبه انتهى.

و إنّما لم يذكر باسمه،تلويحا بأنّ مدار المحبّة أخوّته ليوسف من الطّرفين الأب و الأمّ،فالمآل إلى زيادة الحبّ ليوسف،و لذلك دبّروا لقتله و طرحه،و لم يتعرّضوا لبنيامين.(4:218)

نحوه الآلوسيّ.(12:189)

الطّباطبائيّ: و قولهم: (لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ) بنسبته إلى يوسف،مع أنّهم جميعا أبناء ليعقوب و إخوة فيما بينهم،يشعر بأنّ يوسف و أخاه هذا كانا أخوين لأمّ واحدة،و أخوين لهؤلاء القائلين لأب فقط.

و الرّوايات تذكر أنّ اسم أخي يوسف هذا بنيامين، و السّياق يشهد أنّهما كانا صغيرين لا يقومان بشيء من أمر بيت يعقوب،و تدبير مواشيه و أمواله.(11:89)

أخوهم

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ.

الشّعراء:106

الطّوسيّ: و إنّما سمّاه بأنّه(اخوهم)لأنّه كان منهم في النّسب،و ذكر ذلك،لأنّهم به آنس،و إلى إجابته أقرب فيما ينبغي أن يكونوا عليه،و هم قد صدفوا عنه [أي أعرضوا](8:39)

البغويّ: أخوهم في النّسب لا في الدّين.

(5:101)

ص: 659

مثله الشّربينيّ(3:23)،و الخازن(5:101).

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله:(اخوهم)فلأنّه كان منهم،من قول العرب:يا أخا بني تميم،يريدون يا واحدا منهم.(24:154)

القرطبيّ: أي ابن أبيهم،و هي أخوّة نسب لا أخوّة دين.و قيل:هي أخوّة المجانسة.قال اللّه تعالى:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ إبراهيم:4.

(13:119)

اخوك

1- ...قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يوسف:69

وهب بن منبّه: سئل عن قول يوسف: وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ يوسف:69،كيف أجابه حين أخذ بالصّواع،و قد أخبره أنّه أخوه،و أنتم تزعمون أنّه لم يزل متنكّرا لهم يكايدهم حتّى رجعوا؟

فقال:إنّه لم يعترف له بالنّسبة،و لكنّه قال:أنا أخوك مكان أخيك الهالك فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يقول:لا يحزنك مكانه.(الطّبريّ 13:15)

ابن إسحاق: أنا يوسف.(الطّبريّ 13:15)

مثله البروسويّ(4:297)،و الآلوسيّ(13:23).

الطّوسيّ: و إنّما قال له ذلك،لأنّه و إن كان علم أنّ له أخا من أبيه و أمّه إلاّ أنّه لا يعلم أنّه هذا.[إلى أن قال]:

و إنّما جاز أن يأخذه بالصّواع،مع تعريفه أنّه أخوه لأمرين:

أحدهما:أنّه كان بمواطأة منه له.

و الثّاني:[قول وهب،و قد تقدّم]،و الأوّل أصحّ.

(6:169)

الميبديّ: أخوه من أمّه.(5:107)

الطّبرسيّ: أي اطّلعه على أنّه أخوه.(3:252)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان،قال وهب:لم يرد أنّه أخوه من النّسب،و لكن أراد به إنّي أقوم لك مقام أخيك في الإيناس لئلاّ تستوحش بالتّفرّد.

و الصّحيح ما عليه سائر المفسّرين من أنّه أراد تعريف النّسب،لأنّ ذلك أقوى في إزالة الوحشة و حصول الأنس،و لأنّ الأصل في الكلام الحقيقة،فلا وجه لصرفه عنها إلى المجاز من غير ضرورة.

(18:177)

الطّباطبائيّ: أي يوسف الّذي فقدته منذ سنين.

و الجملة خبر بعد خبر،أو جواب سؤال مقدّر.

و ظاهر السّياق أنّه عرّفه نفسه بإسرار القول إليه و سلاّه على ما عمله الإخوة،و طيّب نفسه،فلا يعبأ بقول بعضهم أنّ معنى قوله: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ أنا أخوك مكان أخيك الهالك،و قد كان أخبره أنّه كان له أخ من أمّه هلك من قبل،فبقي وحده لا أخ له من أمّه،و لم يعترف يوسف له بالنّسب،و لكنّه أراد أن يطيّب نفسه.

و ذلك أنّه ينافيه ما في قوله: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ من وجوه التّأكيد،و ذلك إنّما يناسب تعريفه نفسه بالنّسب ليستيقن أنّه هو يوسف،على أنّه ينافي أيضا ما سيأتي من قوله لإخوته عند تعريفهم نفسه: أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا يوسف:90،فإنّه إنّما يناسب ما إذا علم أخوه أنّه أخوه فاعتزّ بعزّته،كما لا يخفى.

ص: 660

(11:221)

2- اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي.

طه:42

الطّبريّ: هارون.(16:168)

[و كذا في بقيّة التّفاسير]

اخى

1- قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي...

المائدة:25

الزّجّاج: في إعراب قوله:(و اخى)وجهان:الرّفع و النّصب.

أمّا الرّفع فمن وجهين:

أحدهما:أن يكون نسقا على موضع(انّى)،و المعنى أنا لا أملك إلاّ نفسي،و أخي كذلك،و مثله قوله: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ التّوبة:3.

و الثّاني:أن يكون عطفا على الضّمير في(أملك) و هو«أنا»و المعنى لا أملك أنا و أخي إلاّ أنفسنا.

و أمّا النّصب فمن وجهين:

أحدهما:أن يكون نسقا على الياء،و التّقدير:إنّي و أخي لا نملك إلاّ أنفسنا.

و الثّاني:أن يكون(اخى)معطوفا على(نفسى) فيكون المعنى لا أملك إلاّ نفسي،و لا أملك إلاّ أخي،لأنّ أخاه إذا كان مطيعا له فهو مالك طاعته.

(الفخر الرّازيّ 11:200)

نحوه الطّوسيّ(3:488)،و القرطبيّ(6:128).

القمّيّ: يعني هارون.(1:164)

الزّمخشريّ:[ذكر الوجوه الأربعة في إعراب (أخي)كما تقدّم عن الزّجّاج و أضاف]

...و مجرورا،عطفا على الضّمير في(نفسى)،و هو ضعيف،لقبح العطف على ضمير المجرور إلاّ بتكرير الجارّ.

فإن قلت:أما كان معه الرّجلان المذكوران؟

قلت:كأنّه لم يثق بهما كلّ الوثوق،و لم يطمئنّ إلى ثباتهما،لما ذاق على طول الزّمان و اتّصال الصّحبة من أحوال قومه و تلوّنهم و قسوة قلوبهم،فلم يذكر إلاّ النّبيّ المعصوم الّذي لا شبهة في أمره.

و يجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عند ما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه،و يجوز أن يريد:و من يؤاخيني على ديني.(1:605)

نحوه الفخر الرّازيّ.(11:200)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّ(و أخى)معطوف على (نفسى)،و يحتمل أن يكون(و أخى)مرفوعا بالابتداء، و الخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه،أي و أخي لا يملك إلاّ نفسه،فيكون قد عطف جملة غير مؤكّدة على جملة مؤكّدة،أو منصوبا عطفا على اسم«انّ»،أي و إنّ أخي لا يملك إلاّ نفسه،و الخبر محذوف،و يكون قد عطف الاسم و الخبر على الخبر،نحو:إنّ زيدا قائم و عمرا شاخص،أي و إنّ عمرا شاخص.

و أجاز ابن عطيّة و الزّمخشريّ أن يكون(و أخى) مرفوعا عطفا على الضّمير المستكنّ في(املك)،و أجاز ذلك للفصل بينهما بالمفعول المحصور.و يلزم من ذلك أنّ موسى و هارون عليهما السّلام لا يملكان إلاّ نفس موسى فقط، و ليس المعنى على ذلك بل الظّاهر أنّ موسى يملك أمر

ص: 661

نفسه و أمر أخيه فقط.

و جوّز أيضا أن يكون مجرورا معطوفا على ياء المتكلّم في(نفسى)،و هو ضعيف على رأي البصريّين، و كأنّه في هذا الحصر لم يثق بالرّجلين اللّذين قالا:

«ادخلوا عليهم الباب»،و لم يطمئنّ إلى ثباتهما لما عاين من أحوال قومه و تلوّنهم مع طول الصّحبة،فلم يذكر إلاّ النّبيّ المعصوم الّذي لا شبهة في ثباته.

قيل:أو قال ذلك على سبيل الضّجر عند ما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه،أو أراد بقوله:(و اخى)من يوافقني في الدّين لا هارون خاصّة.

و قرأ الحسن (الاّ نفسى و اخى) بفتح الياء فيهما.

(3:457)

عبد الكريم الخطيب: و هذا القول من موسى قاطع بأنّه لم يكن في القوم من استجاب له غير أخيه هارون...و إذن فهو و هارون جبهة،و القوم جميعهم جبهة أخرى،و لو أنّه كان هناك في جبهة موسى و هارون غيرهما لما قال هذا القول: لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي إذ هو يملك-غير نفسه و غير أخيه-هذين الرّجلين اللّذين قيل عنهما:إنّهما قالا هذا القول.

(3:1070)

2- ...قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا... يوسف:90

الفخر الرّازيّ: إنّما صرّح بالاسم[أي يوسف] تعظيما لما نزل به من ظلم إخوته و ما عوّضه اللّه من الظّفر و النّصر،فكأنّه قال:أنا الّذي ظلمتموني على أعظم الوجوه،و اللّه تعالى أوصلني إلى أعظم المناصب، أنا ذلك العاجز الّذي قصدتم قتله و إلقاءه في البئر ثمّ صرت كما ترون،و لهذا قال:(هذا أخى)مع أنّهم كانوا يعرفونه،لأنّ مقصوده أن يقول:و هذا أيضا كان مظلوما كما كنت،ثمّ إنّه صار منعّما عليه من قبل اللّه تعالى كما ترون.(18:204)

نحوه النّيسابوريّ.(13:44)

أبو السّعود: قالَ أَنَا يُوسُفُ جوابا عن مسألتهم،و قد زاد عليه قوله: وَ هذا أَخِي أي من أبويّ،مبالغة في تعريف نفسه و تفخيما لشأن أخيه، و تكملة لما أفاده قوله: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:89،حسبما يفيده قوله: قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا، فكأنّه قال:هل علمتم ما فعلتم بنا من التّفريق و الإذلال فأنا يوسف و هذا أخي قد منّ اللّه علينا، بالخلاص عمّا ابتلينا به،و الاجتماع بعد الفرقة،و العزّة بعد الذّلّة،و الأنس بعد الوحشة.

و لا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى الجواب عن طلبهم،لردّ بنيامين بأنّه أخي لا أخوكم،فلا وجه لطلبكم.ثمّ علّل ذلك بطريق الاستئناف التّعليليّ بقوله:

إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:90.(3:90)

نحوه البروسويّ.(4:313)

الطّباطبائيّ: و إنّما ألحق أخاه بنفسه و لم يسألوا عنه،و ما كانوا يجهلونه،ليخبر عن منّ اللّه عليهما،و هما معا المحسودان؛و لذا قال: قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا

(11:236)

ص: 662

3- إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ... ص:23

وهب بن منبّه: أخي على ديني.

(الطّبريّ 23:143)

نحوه البغويّ(6:39)،و الخازن(6:39).

الزّمخشريّ: (أخى)بدل من(هذا)أو خبر ل(انّ)، و المراد أخوّة الدّين،أو أخوّة الصّداقة و الألفة،أو أخوّة الشّركة و الخلطة،لقوله تعالى: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ ص:24،و كلّ واحدة من هذه الأخوّات تدلي بحقّ مانع من الاعتداء و الظّلم.(3:368)

مثله الفخر الرّازيّ(26:196)،و الآلوسيّ(23:

180)،و نحوه النّيسابوريّ(23:84).

القرطبيّ: أي على ديني،و أشار إلى المدّعى عليه، و قيل:(اخى)أي صاحبي.(15:172)

أبو حيّان:و الأخوّة هنا مستعارة؛إذ هما ملكان لمّا ظهرا في صورة إنسانين تكلّما بالأخوّة،و مجازها إنّها أخوّة في الدّين و الإيمان.(النّهر 7:389)

البروسويّ: في الدّين أو في الصّحبة و التّعرّض، لذلك تمهيد لبيان كمال قبح ما فعل به صاحبه.

(8:16)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: إِنَّ هذا أَخِي إلى آخر الآية،بيان لخصومتهم،و قوله: إِنَّ هذا أَخِي كلام لواحد من أحد الفريقين،يشير إلى آخر من الفريق الآخر،بأنّ هذا أخي له...إلخ.

و بهذا يظهر فساد ما استدلّ بعضهم بالآية،على أنّ أقلّ الجمع اثنان،لظهور قوله: إِذْ تَسَوَّرُوا... ص:

21، إِذْ دَخَلُوا ص:22،في كونهم جمعا،و دلالة قوله:(خصمان)،(هذا اخى)على الاثنينيّة.

و ذلك لجواز أن يكون في كلّ واحد من جانبي التّثنية أكثر من فرد واحد.قال تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا، الحجّ:19،و جواز أن يكون أصل الخصومة بين فردين،ثمّ يلحق بكلّ منهما غيره لإعانته في دعواه.(17:192)

اخيه

1- ...فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ... البقرة:178

ابن عبّاس: هو المقتول.

مثله قتادة،و مجاهد.(القرطبيّ 2:253)

الطّوسيّ: و الهاء في قوله: مِنْ أَخِيهِ تعود إلى أخي المقتول في قول الحسن.

و قال غيره:تعود إلى أخي القاتل.

فإن قيل:كيف يجوز أن تعود إلى أخي القاتل و هو في تلك الحال فاسق؟

قيل عن ذلك ثلاثة أجوبة:

أحدها:إنّه أراد أخوّة النّسب،لا في الدّين،كما قال: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65،هود:

50.

و الثّاني:لأنّ القاتل قد يتوب فيدخل في الجملة، و غير التّائب على وجه التّغليب.

الثّالث:تعريفه بذلك على أنّه كان أخاه قبل أن يقتله،كما قال: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ

ص: 663

فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ البقرة:232، يعني الّذين كانوا أزواجهنّ.(2:101)

الزّمخشريّ: معناه فمن عفي له من جهة أخيه شيء من العفو.[إلى أن قال:]و أخوه هو وليّ المقتول.

و قيل له:أخوه،لأنّه لابسه من قبل أنّه وليّ الدّم و مطالبه به،كما تقول للرّجل:قل لصاحبك كذا،لمن بينه و بينه أدنى ملابسة.أو ذكره بلفظ الأخوّة،ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسيّة و الإسلام.(1:331)

الطّبرسيّ: أي من دم أخيه،فحذف المضاف للعلم به،و أراد بالأخ:المقتول،سمّاه أخا للقاتل،فدلّ أنّ أخوّة الإسلام بينهما لم تنقطع،و أنّ القاتل لم يخرج عن الإيمان بقتله.

و قيل:أراد بالأخ العافي الّذي هو وليّ الدّم،سمّاه اللّه أخا للقاتل.و قوله:(شىء)دليل على أنّ بعض الأولياء إذا عفا سقط القود،لأنّ شيئا من الدّم قد بطل بعفو البعض،و اللّه تعالى قال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ و الضّمير في قوله:(له)و في(اخيه)كلاهما يرجع إلى(من)،و هو القاتل،أي من ترك له القتل و رضي منه بالدّية.هذا قول أكثر المفسّرين.[إلى أن قال:]

و القول الآخر أنّ المراد بقوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ وليّ الدّم،و الهاء في أخيه يرجع إليه،و تقديره:فمن بذل له من أخيه،يعنى أخا الوليّ و هو المقتول الدّية،و يكون العافي معطي المال،ذكر ذلك عن مالك.(1:265)

ابن الأنباريّ: أي من حقّ أخيه،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه.و الهاء في(أخيه)،تعود على (من)،و الأخ يراد به وليّ المقتول.(1:140)

الفخر الرّازيّ: ...البحث الرّابع:بأيّ معنى أثبت اللّه وصف الأخوّة؟

و الجواب قيل:إنّ ابن عبّاس تمسّك بهذه الآية في بيان كون الفاسق مؤمنا من ثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّه تعالى سمّاه مؤمنا حال ما وجب القصاص عليه،و إنّما وجب القصاص عليه إذا صدر عنه القتل العمد و العدوان،و هو بالإجماع من الكبائر،و هذا يدلّ على أنّ صاحب الكبيرة مؤمن.

و الثّاني:أنّه تعالى أثبت الأخوّة بين القاتل و بين وليّ الدّم،و لا شكّ أنّ هذه الأخوّة تكون بسبب الدّين، لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:

10،فلو لا أنّ الإيمان باق مع الفسق و إلاّ لما بقيت الأخوّة الحاصلة بسبب الإيمان.

الثّالث:أنّه تعالى ندب إلى العفو عن القاتل، و النّدب إلى العفو إنّما يليق بالمؤمن.

أجابت المعتزلة عن الوجه الأوّل،فقالوا:إن قلنا:

المخاطب بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى البقرة:178،هم الأئمّة،فالسّؤال زائل.و إن قلنا:إنّهم هم القاتلون،فجوابه من وجهين:أحدهما:أنّ القاتل قبل إقدامه على القتل كان مؤمنا،فسمّاه اللّه تعالى مؤمنا بهذا التّأويل.

و الثّاني:أنّ القاتل قد يتوب،و عند ذلك يكون مؤمنا،ثمّ إنّه تعالى أدخل فيه غير التّائب على سبيل التّغليب.

ص: 664

و أمّا الوجه الثّاني:و هو ذكر الأخوّة،فأجابوا عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ الآية نازلة قبل أن يقتل أحد أحدا، و لا شكّ أنّ المؤمنين إخوة قبل الإقدام على القتل.

و الثّاني:الظّاهر أنّ الفاسق يتوب،و على هذا التّقدير يكون وليّ المقتول أخا له.

و الثّالث:يجوز أن يكون جعله أخا له في النّسب، كقوله تعالى: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65.

و الرّابع:أنّه حصل بين وليّ الدّم و بين القاتل نوع تعلّق و اختصاص،و هذا القدر يكفي في إطلاق اسم الأخوّة،كما تقول للرّجل:قل لصاحبك كذا،إذا كان بينهما أدنى تعلّق.

و الخامس:ذكره بلفظ الأخوّة ليعطف أحدهما على صاحبه،بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسيّة،في الإقرار و الاعتقاد.

و الجواب:أنّ هذه الوجوه بأسرها تقتضي تقييد الأخوّة بزمان دون زمان،و بصفة دون صفة.و اللّه تعالى أثبت الأخوّة على الإطلاق.(5:59)

نحوه النّيسابوريّ.(2:88)

البيضاويّ: و ذكره بلفظ الأخوّة الثّابتة بينهما من الجنسيّة و الإسلام،ليرقّ له و يعطف عليه.(1:99)

الآلوسيّ: و المراد بالأخ وليّ الدّم،سمّاه أخا استعطافا بتذكير أخوّة البشريّة و الدّين.

و قيل:المراد به المقتول.و الكلام على حذف مضاف،أي من دم أخيه.

و سمّاه أخا القاتل للإشارة إلى أنّ أخوّة الإسلام بينهما لا تنقطع بالقتل.(2:50)

2- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ...

يوسف 87

الطّبريّ: يعني بنيامين.(13:48)

[و هكذا أكثر المفسّرين]

النّيسابوريّ: التّأويل فيه:أنّ الواجب على كلّ مسلم أن يطلب يوسف قلبه و بنيامين سرّه.

(13:52)

البروسويّ: و المراد ب(أخيه)بنيامين،و لم يذكر الثّالث،و هو الّذي قال: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ يوسف:

80،و احتبس بمصر،لأنّ غيبته اختياريّة لا يعسر إزالتها.(4:309)

الطّباطبائيّ: الّذي أخذ بمصر.(11:235)

3- هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ. يوسف:89

ابن إسحاق: لم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه،و لكن للتّفريق بينه و بين أخيه؛إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.(الطّبريّ 13:54)

4- ...أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ... الحجرات:12

الزّمخشريّ: فيه مبالغات شتّى:...

و منها:أن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتّى جعل الإنسان أخا،و منها:أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتّى جعل ميّتا.(3:568)

ص: 665

نحوه أبو السّعود.(5:91)

الفخر الرّازيّ: قوله:(أ يحبّ احدكم...)دليل على أنّ الاغتياب الممنوع اغتياب المؤمن لا ذكر الكافر، و ذلك لأنّه شبّهه بأكل لحم الأخ،و قال من قبل:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فلا أخوّة إلاّ بين المؤمنين، و لا منع إلاّ من شيء يشبه أكل لحم الأخ،ففي هذه الآية نهي عن اغتياب المؤمن دون الكافر.(28:134)

نحوه الطّباطبائيّ.(18:325)

5- يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. عبس:34

الزّمخشريّ: و بدأ بالأخ ثمّ بالأبوين،لأنّهما أقرب منه،ثمّ بالصّاحبة و البنين لأنّهم أقرب و أحبّ،كأنّه قال:يفرّ من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته و بنيه.

و قيل:أوّل من يفرّ من أخيه هابيل،و من أبويه إبراهيم،و من صاحبته نوح و لوط،و من ابنه نوح.

(4:220)

النّيسابوريّ: [بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و أقول:هذا القول يستلزم أن تكون«الصّاحبة» أقرب و أحبّ من الأبوين،و لعلّه خلاف العقل و الشّرع.

و الأصوب أن يقال:أراد أن يذكر بعض من هو مطيف بالمرء في الدّنيا من أقاربه في طرفي الصّعود و النّزول،فبدأ بطرف الصّعود،لأنّ تقديم الأصل أولى من تقديم الفرع،و ذكر أوّلا في كلّ من الطّرفين من هو معه في درجة واحدة،و هو الأخ في الأوّل و الصّاحبة في الثّاني.على أنّ وجود البنين موقوف على وجود الصّاحبة،فكانت بالتّقديم أولى.(30:31)

اخويكم

...إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. الحجرات:10

الطّبريّ: و معنى الأخوين في هذا الموضع كلّ مقتتلين من أهل الإيمان.

و بالتّثنية قرأ ذلك قرّاء الأمصار.و ذكر عن ابن سيرين أنّه قرأ (بين اخوانكم) بالنّون،على مذهب الجمع؛و ذلك من جهة العربيّة صحيح،غير أنّه خلاف لما عليه قرّاء الأمصار،فلا أحبّ القراءة بها.

(26:130)

أبو زرعة: قرأ ابن عامر في رواية الثّعلبيّ (بين اخوتكم) بالتّاء،على الجمع،و حجّته أنّ الطّائفة جمع و إن كان واحدا في اللّفظ،كما قال: خَصْمانِ اخْتَصَمُوا الحجّ:19،و قال هاهنا: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الحجرات:9،على المعنى لا على اللّفظ.

و قرأ الباقون (بين اخويكم) بالياء،تثنية أخ،لأنّ كلّ طائفة جنس واحد فردّوه على اللّفظ دون المعنى.

(675)

نحوه الطّوسيّ.(9:345)

الميبديّ: ثنّى الأخوين لأنّ أقلّ من يقع بينهم القتال اثنان،و المعنى أصلحوا بينهما إذا اختلفا و اقتتلا.

و قيل:التّثنية قد يقع موقع الجمع،كقوله:لبّيك و سعديك،و لا يدي لك.

و قيل:معناه فأصلحوا بين رئيسي الفريقين لأنّهما إذا اصطلحا اصطلح الفريقان.

ص: 666

و قيل:فأصلحوا بين كلّ مسلمين.[إلى أن قال:]

قرأ يعقوب (بين اخوتكم) بالتّاء على الجمع،و قرأ الحسن (بين اخوانكم) .

و الأكثر في النّسب«الإخوة»،و في الصّداقة «الإخوان».و يقع كلّ واحد منهما موقع الآخر.

(9:258)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم خصّ الاثنان بالذّكر دون الجمع؟

قلت:لأنّ أقلّ من يقع بينهم الشّقاق اثنان،فإذا لزمت المصالحة بين الأقلّ كانت بين الأكثر ألزم،لأنّ الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين.

و قيل:المراد ب«الأخوين»الأوس و الخزرج.

و قرئ (بين اخوتكم و اخوانكم) ،و المعنى ليس المؤمنون إلاّ إخوة و أنّهم خلّص لذلك متمحّضون،قد انزاحت عنهم شبهات الأجنبيّة،و أبى لطف حالهم في التّمازج و الاتّحاد،أن يقدموا على ما يتولّد منه التّقاطع، فبادروا قطع ما يقع من ذلك إن وقع و أحسموه.

(3:564)

نحوه البيضاويّ(2:409)،و أبو السّعود(5:90)، و البروسويّ(9:77).

القرطبيّ: أي بين كلّ مسلمين تخاصما.و قيل:بين الأوس و الخزرج.

و قال أبو عليّ: أراد:«الأخوين»الطّائفتين لأنّ لفظ التّثنية يرد،و المراد به الكثرة،كقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ المائدة:64.

و قال أبو عبيدة: أي أصلحوا بين كلّ أخوين؛فهو آت على الجميع.

و قرأ ابن سيرين و نصر بن عاصم و أبو العالية و الجحدريّ و يعقوب (بين اخوتكم) بالتّاء على الجمع.

و قرأ الحسن:(اخوانكم).الباقون(اخويكم)بالياء على التّثنية.(16:323)

أبو حيّان: و قرأ الجمهور (بين اخويكم) مثنى،لأنّ أقلّ من يقع بينهم الشّقاق اثنان،فإذا كان الإصلاح لازما بين اثنين،فهو ألزم بين أكثر من اثنين.

و قيل:المراد ب«الأخوين»الأوس و الخزرج.

و قرأ زيد بن ثابت و ابن مسعود و الحسن-بخلاف عنه-و الجحدريّ و ثابت البنّانيّ و حمّاد بن سلمة و ابن سيرين (بين اخوانكم) جمعا بالألف و النّون.و الحسن أيضا و ابن عامر في رواية و زيد بن عليّ و يعقوب (بين اخوتكم) جمعا على وزن«غلمة».

و روى عبد الوهّاب عن أبي عمرو القراءات الثّلاث.و يغلب«الإخوان»في الصّداقة و«الإخوة»في النّسب،و قد يستعمل كلّ منهما مكان الآخر،و منه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10 و قوله:

أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ النّور:61.(8:112)

الشّربينيّ: و وضع الظّاهر موضع الضّمير مضافا إلى المأمور مبالغة في التّقرير و التّحضيض،و خصّ الاثنين بالذّكر لأنّهما أقلّ من يقع بينهما الشّقاق.

و عن أبي عثمان الحيريّ:أنّ أخوّة الدّين أثبت من أخوّة النّسب،فإنّ أخوّة النّسب تنقطع بمخالفة الدّين، و أخوّة الدّين لا تنقطع بمخالفة النّسب.(4:66)

الآلوسيّ: [ذكر القراءات الثّلاث كما تقدّم عن أبي

ص: 667

حيّان و أضاف:]

قال أبو الفتح: و قراءة الجمع تدلّ على أنّ قراءة الجمهور لفظها لفظ التّثنية و معناها الجماعة،أي كلّ اثنين فصاعدا من المسلمين اقتتلا.و الإضافة لمعنى الجنس نحو لبّيك و سعديك،و يغلب«الإخوان»في الصّداقة و «الإخوة»في النّسب،و قد يستعمل كلّ منهما مكان الآخر.(26:152)

الطّباطبائيّ: و قوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، -و لم يقل:فأصلحوا بين الأخوين-من أوجز الكلام و ألطفه؛حيث يفيد أنّ المتقاتلتين بينهما أخوّة،فمن الواجب أن يستقرّ بينهما الصّلح،و سائر المؤمنين إخوان للمتقاتلتين فيجب عليهم أن يسعوا في الإصلاح بينهما.

(18:315)

عبد الكريم الخطيب: هو تعقيب على الآية السّابقة،و على ما دعت إليه المؤمنين من حسم الخلاف الّذي يقع بين جماعاتهم،ثمّ هو إلفات إلى أنّ الأخوّة القائمة بين المؤمنين لا تتغيّر صفتها،و لا تنقطع آثارها بتلك العوارض الّتي تعرض لهم في حياتهم،فإنّما هي موجات من ريح عابرة،لا تلبث أن تمرّ،ثمّ يعود إلى البحر سكونه،و صفاؤه،و جلاله...

و من جهة أخرى،فإنّ الفئة الباغية لا يزال لها مكانها في المؤمنين،و لا تزال لها أخوّتها فيهم،و إذن فلا يجار عليهم لأنّهم جاروا،و لا يعتدى عليهم لأنّهم اعتدوا،و إنّما يقبل منهم قبولهم لما قضى به المؤمنون عليهم،ثمّ إنّ لهم بعد هذا حقّهم كاملا لا ينقص منه شيء،فالمعتدون و المعتدى عليهم إخوان للمؤمنين جميعا.(13:447)

اخوانا

1- ...فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... آل عمران:103

الزّمخشريّ: إخوانا متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد قد نظم بينهم،و أزال الاختلاف و هو الأخوّة في اللّه.

و قيل:هم الأوس و الخزرج كانا أخوين لأب و أمّ، فوقعت بينهما العداوة،و تطاولت الحرب مائة و عشرين سنة إلى أن أطفأ اللّه ذلك بالإسلام،و ألّف بينهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:451)

نحوه الفخر الرّازيّ(8:174)،و النّيسابوريّ(4:

26)،و أبو السّعود(1:258)،و البروسويّ(2:72)، و المراغيّ(4:18).

القرطبيّ: و الإخوان جمع أخ،و سمّي أخا،لأنّه يتوخّى مذهب أخيه،أي يقصده.(4:164)

الطّباطبائيّ: المراد بالنّعمة هو التّأليف،فالمراد بالأخوّة الّتي توجده و تحقّقه هذه النّعمة أيضا تأليف القلوب،فالأخوّة هاهنا حقيقة ادّعائيّة.

و يمكن أن يكون إشارة إلى ما يشتمل عليه قوله:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10،من تشريع الأخوّة بينهم،فإنّ بين المؤمنين أخوّة مشرّعة تتعلّق بها حقوق هامّة.(3:371)

اخوان

1- إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً. الإسراء:27

ص: 668

الطّبريّ: يعني أنّ المفرّقين أموالهم في معاصي اللّه لمنفقيها في غير طاعته،أولياء الشّياطين،و كذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنّة قوم،و تابع أثرهم:هو أخوهم.

(15:74)

نحوه البغويّ.(4:128)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:إنّ الشّيطان أخوهم باتّباعهم آثاره و جريهم على سنّته.

و الثّاني:إنّهم يقرنون بالشّيطان في النّار.(6:469)

الميبديّ: أولياءهم و أعوانهم،و كلّ ملازم سنّة قوم و تابع أمرهم هو أخوهم.

و قيل:قرناءهم في النّار،و القرينان يقال لهما:

أخوان.(5:545)

الزّمخشريّ: أمثالهم في الشّرارة،و هي غاية المذمّة،لأنّه لأشرّ من الشّيطان،أو هم إخوانهم و أصدقاؤهم،لأنّهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف،أو هم قرناؤهم في النّار على سبيل الوعيد.

(2:446)

نحوه النّيسابوريّ(15:30)،و الشّربينيّ(2:

299)،و الخازن(4:128).

الطّبرسيّ: معناه إنّ المسرفين أتباع الشّياطين سالكون طريقهم،و هذا كما يقال لمن لازم السّفر:هو أخو السّفر.(3:411)

الفخر الرّازيّ: و المراد من هذه الأخوّة التّشبّه بهم في هذا الفعل القبيح،و ذلك لأنّ العرب يسمّون الملازم للشّيء:أخا له،فيقولون:فلان أخو الكرم و الجود، و أخو السّفر،إذا كان مواظبا على هذه الأعمال.

و قيل قوله: إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي قرناءهم في الدّنيا و الآخرة،كما قال: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ الزّخرف:36،و قال تعالى: اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ الصّافّات:22،أي قرناءهم من الشّياطين.

(20:193)

نحوه المراغيّ.(15:38)

القرطبيّ: و قوله:(اخوان)يعني أنّهم في حكمهم؛ إذ المبذّر ساع في الإفساد كالشّياطين،أو أنّهم يفعلون ما تسوّل لهم أنفسهم،أو أنّهم يقرنون بهم غدا في النّار، ثلاثة أقوال.

و الإخوان هنا جمع أخ من غير النّسب،و منه قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10.

(10:248)

البيضاويّ: أمثالهم في الشّرارة-فإنّ التّضييع و الإتلاف شرّ-و أصدقاءهم و أتباعهم،لأنّهم كانوا يطيعونهم في الإسراف و الصّرف في المعاصي.

روي أنّهم كانوا ينحرون الإبل و يتياسرون عليها، و يبذّرون أموالهم في السّمعة،فنهاهم اللّه عن ذلك و أمرهم بالإنفاق في القربات.(1:583)

نحوه أبو السّعود.(3:213)

أبو حيّان: و إخوة الشّياطين كونهم قرناءهم في الدّنيا،و في النّار في الآخرة.و تدلّ هذه الأخوّة على أنّ التّبذير هو في معصية اللّه،أو كونهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف في الدّنيا.(6:30)

ص: 669

الكاشانيّ: أمثالهم السّالكين طريقتهم،و هذا هو غاية الذّمّ.(3:188)

البروسويّ: أي أعوانهم في إهلاك أنفسهم، و نظراءهم في كفران النّعمة و العصيان.(5:150)

الآلوسيّ: و الإخوان جمع أخ،و المراد به المماثل مجازا،أي أنّهم مماثلون لهم في صفات السّوء الّتي من جملتها التّبذير.أو الصّديق و التّابع مجازا أيضا،أي أنّهم أصدقاؤهم و أتباعهم فيما ذكر من التّبذير و الصّرف في المعاصي.(15:63)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ...

تعليل للنّهي عن التّبذير،و المعنى لا تبذّر إنّك إن تبذّر كنت من المبذّرين،و المبذّرون إخوان الشّياطين.و كأنّ وجه المؤاخاة بينهم أنّ الواحد منهم يصير ملازما لشيطانه و بالعكس،كالأخوين اللّذين هما شقيقان متلازمان في أصلهما الواحد،كما يشير إليه قوله تعالى:

وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فصّلت:25،و قوله: اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ الصّافّات:22،أي قرناءهم،و قوله: وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ الأعراف:202.

و من هنا يظهر أنّ تفسير من فسّر الآية بأنّهم قرناء الشّياطين أحسن من قول من قال:المعنى أنّهم أتباع الشّياطين سالكون سبيلهم.(13:82)

2- وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ. ق:13

الطّوسيّ: أي كذّب فرعون موسى،و قوم لوط لوطا،و سمّاهم إخوته لكونهم من نسبه.(9:362) مثله الطّبرسيّ.(5:143)

الفخر الرّازيّ: قال هاهنا: إِخْوانُ لُوطٍ و قال:[في الآية السّابقة] قَوْمُ نُوحٍ ق:12،لأنّ لوطا كان مرسلا إلى طائفة من قوم إبراهيم عليه السّلام معارف لوط،[أقرباءه]و نوح كان مرسلا إلى خلق عظيم.

(28:161)

أبو السّعود: قيل:كانوا من أصهاره عليه الصّلاة و السّلام.(5:95)

البروسويّ: أصهارا و الصّهر زوج بنت الرّجل و زوج أخته.

و قيل:إخوانه:قومه،لاشتراكهم في النّسب لا في الدّين.(9:110)

الآلوسيّ: قيل:كانوا من أصهاره عليه السّلام،فليس المراد الأخوّة الحقيقيّة من النّسب.(26:177)

القاسميّ: و هم الّذين جادلوه في إتيان الرّجال.

(15:5487)

اخوانهم

1- ...وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ...

آل عمران:156

مجاهد: هم عبد اللّه بن أبي سلول،و أصحابه.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 3:26)

البغويّ: في النّفاق و الكفر.

و قيل:في النّسب.(1:367)

نحوه الخازن.(1:367)

الزّمخشريّ: أي لأجل إخوانهم،كقوله تعالى:

ص: 670

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ الأحقاف:11،و معنى الأخوّة:اتّفاق الجنس أو النّسب.(1:473)

الطّبرسيّ: من أهل النّفاق.(1:525)

الفخر الرّازيّ: قال صاحب الكشّاف:قوله:

وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ، أي لأجل إخوانهم،كقوله:

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا الأحقاف:11.

و أقول:تقرير هذا الوجه أنّهم لمّا قالوا: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا، فهذا يدلّ على أنّ أولئك الإخوان كانوا ميّتين و مقتولين عند هذا القول،فوجب أن يكون المراد من قوله: وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ هو أنّهم قالوا ذلك لأجل إخوانهم،و لا يكون المراد هو أنّهم ذكروا هذا القول مع إخوانهم.

و قوله:(اخوانهم)يحتمل أن يكون المراد منه الأخوّة في النّسب و إن كانوا مسلمين،كقوله تعالى:

وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:73،فإنّ الأخوّة في هذه الآيات أخوّة النّسب لا اخوّة الدّين،فلعلّ أولئك المقتولين من المسلمين كانوا من أقارب المنافقين، فالمنافقون ذكروا هذا الكلام.

و يحتمل أن يكون المراد من هذه الأخوّة المشاكلة في الدّين،و اتّفق إلى أن صار بعض المنافقين مقتولا في بعض الغزوات،فالّذين بقوا من المنافقين قالوا ذلك.

(9:53)

القرطبيّ: يعني في النّفاق أو في النّسب،في السّرايا الّتي بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى بئر معونة.

(4:246)

البيضاويّ: لأجلهم و فيهم،و معنى أخوّتهم:

اتّفاقهم في النّسب أو المذهب.(1:188)

أبو حيّان: و اللاّم في(لاخوانهم)لام السّبب أي لأجل إخوانهم،و ليست لام التّبليغ نحو:«قلت لك».

و الأخوّة هنا أخوّة النّسب؛إذ كان قتلى أحد من الأنصار و أكثرهم من الخزرج،و لم يقتل من المهاجرين إلاّ أربعة.

و قيل:خمسة،و يكون القائلون منافقي الأنصار جمعهم أب قريب أو بعيد،أو أخوّة المعتقد و التّآلف،كقوله:

فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً آل عمران:103.

(3:92)

أبو السّعود: تعيين لوجه الشّبه و المماثلة الّتي نهوا عنها،أي قالوا:لأجلهم و في حقّهم.و معنى أخوّتهم:

اتّفاقهم نسبا أو مذهبا.(1:285)

نحوه البروسويّ.(2:114)

الآلوسيّ: لإخوانهم في المذهب أو النّسب،و اللاّم تعليليّة،أي قالوا:لأجلهم.و جعلها ابن الحاجب بمعنى «عن»،و لا يجوز أن يكون المراد مخاطبة الإخوان كما هو المتبادر لدلالة ما بعد على أنّهم كانوا غائبين حين هذا القول.

و قول بعضهم:يصحّ أن يكون جعل القول (لاخوانهم)باعتبار البعض الحاضرين،و الضّرب الآتي لضرب آخر تكلّف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول.(4:99)

عبد الكريم الخطيب:كيف يسمّون إخوانهم، و هؤلاء كافرون و أولئك مؤمنون؟فنقول،و اللّه أعلم:

ص: 671

أوّلا:أنّ هؤلاء الكافرين كانوا في جماعة المؤمنين أوّلا،فلمّا كانت وقعة أحد،و رأوا ما رأوا ممّا أصاب المسلمين،ساء ظنّهم باللّه الّذي آمنوا به،ثمّ بلغ بهم سوء الظّنّ إلى الارتداد عن الإسلام،فتسميتهم إخوانا لهؤلاء المؤمنين تذكير لهم بالدّين الّذي كانوا عليه،و دعوة مجدّدة من اللّه إليهم ليدخلوا فيه،بعد أن خرجوا منه.

و ثانيا:في هذه التّسمية للكافرين بأنّهم إخوان لأولئك المؤمنين الّذين قتلوا في سبيل اللّه؛فضح لهم، و مواجهة صريحة بالحكم الّذي حكم اللّه به عليهم و هو أنّهم كافرون،و في هذا ما يجعلهم يتعرّفون إلى أنفسهم، و يرون الهاوية الّتي سقطوا فيها،و هم يقولون هذه المقولات المنكرة،و أنّهم إذا كان عند أحدهم شكّ في أنّ هذه المقولات الّتي يقولها لا تدخل به إلى مداخل الكفر فليعلم أنّه يخدع نفسه،و يضلّلها،فما هو بعد هذا من المؤمنين،فإمّا أن يتوب و يرجع إلى اللّه،و إمّا أن يمضي في طريقه،مع ضلاله و كفره.

و انظر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...

آل عمران:156،تجد أنّ اللّه سبحانه،قد حكم عليهم أوّلا بأنّهم كافرون،ثمّ أكّد كفرهم هذا بأنّهم كانوا إخوانا لأولئك المؤمنين،و أنّهم منذ قالوا هذا القول ليسوا من الإيمان و لا المؤمنين في شيء.(2:625)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: اَلَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا آل عمران:168.]

2- وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ ...الأنعام:86،87

الطّوسيّ: و إنّما دخلت(من)في قوله: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ للتّبعيض،كأنّه قال:و بعض آبائهم و بعض ذرّيّاتهم و بعض إخوانهم(هديناهم)،و لو لم تدخل(من)،لاقتضى أنّه هدى جميعهم الهداية الّتي هي الثّواب،و الأمر بخلافه.(4:212)

نحوه الطّبرسيّ(3:330)،و البيضاويّ(1:319)

ابن عطيّة: و هدينا من آبائهم و ذرّيّاتهم و إخوانهم جماعات و(من)للتّبعيض و المراد:من آمن، نبيّا كان أو غير نبيّ،و يدخل عيسى في ضمير قوله:

وَ مِنْ آبائِهِمْ و لهذا قال محمّد بن كعب:الخال و الخالة.(أبو حيّان 4:174)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ يفيد أحكاما كثيرة:

الأوّل:أنّه تعالى ذكر الآباء و الذّرّيّات و الإخوان، فالآباء هم الأصول،و الذّرّيّات هم الفروع،و الإخوان فروع الأصول؛و ذلك يدلّ على أنّه تعالى خصّ كلّ من تعلّق بهؤلاء الأنبياء بنوع من الشّرف و الكرامة.

و الثّاني:أنّه تعالى قال: وَ مِنْ آبائِهِمْ و كلمة (من)للتّبعيض.[إلى أن قال:]

الثّالث:أنّا إذا فسّرنا هذه الهداية(و هديناهم) بالنّبوّة كان قوله: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ كالدّلالة على أنّ شرط كون الإنسان رسولا من عند اللّه أن يكون رجلا،و أنّ المرأة لا يجوز أن تكون رسولا من عند اللّه تعالى.(13:66)

أبو حيّان: وَ مِنْ آبائِهِمْ كآدم و إدريس و نوح

ص: 672

و هود و صالح وَ ذُرِّيّاتِهِمْ كذرّيّة نوح عليه السّلام المؤمنين وَ إِخْوانِهِمْ كإخوة يوسف،ذكر الأصول و الفروع و الحواشي.(4:174)

البروسويّ: وَ إِخْوانِهِمْ كإخوة يوسف في عصرهم.و يحتمل أن يكون المراد بهم كلّ من آمن معهم،فإنّهم كلّهم دخلوا في هداية الإسلام.(3:62)

الآلوسيّ: يحتمل كما قيل أن يتعلّق بما تعلّق به من ذرّيّته،و(من)ابتدائيّة،و المفعول محذوف،أي و هدينا من آبائهم و أبنائهم و إخوانهم جماعات كثيرة،أو معطوف على(كلاّ فضّلنا)،و(من)تبعيضيّة،أي فضّلنا بعض آبائهم...إلخ.

و جعله بعضهم عطفا على(نوحا)الأنعام:84،و (من)واقعة موقع المفعول به مؤوّلا ببعض.و اعتبار البعضيّة لما أنّ منهم من لم يكن نبيّا و لا مهديّا.

قيل:و هذا في غير الآباء،لأنّ آباء الأنبياء كلّهم مهديّون،موحّدون.

و أنت تعلم أنّ هذا مختلف فيه نظرا إلى آباء نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم و كثير من النّاس من وراء المنع،فما ظنّك بآباء غيره من الأنبياء عليهم السّلام.

و لا يخفى أنّ إضافة الآباء و الأبناء و الإخوان إلى ضمير(هم)لا يقتضي أن يكون لكلّ منهم أب أو ابن أو أخ،فلا تغفل.(7:214)

رشيد رضا: أي و هدينا من آباء من ذكر من الأنبياء،أي بعض آبائهم و ذرّيّاتهم و إخوانهم.و من المعلوم أنّ بعض هؤلاء الأقربين لم يهتد بهدى ابنه أو أبيه أو أخيه من الأنبياء،كأبي إبراهيم[لاحظ:آزر]و ابن نوح،قال تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ. الحديد:26

و قيل:إنّ العطف هنا على ما قبله مباشرة،أي و فضّلنا بعض آبائهم و ذرّيّاتهم و إخوانهم،و هم الّذين اهتدوا بهديهم،على غيرهم من عالمي زمانهم الّذين لم يهتدوا مثلهم.(7:589)

الطّباطبائيّ: هذا التّعبير يؤيّد ما قدّمناه أنّ المراد بيان اتّصال سلسلة الهداية؛حيث أضاف الباقين إلى المذكورين،بأنّهم متّصلون بهم بأبوّة أو بنوّة أو أخوّة.

(7:246)

3- ...وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ.

الأعراف:202

ابن عبّاس: هم الجنّ يوحون إلى أوليائهم من الإنس.(الطّبريّ 9:159)

مجاهد: من الشّياطين.(الطّبريّ 9:159)

نحوه الضّحّاك،و الحسن.(القرطبيّ 7:351)

ابن كثير: و إخوانهم من الجنّ يمدّون إخوانهم من الإنس.(الطّبريّ 9:159)

السّدّيّ: إخوان الشّياطين من المشركين يمدّهم الشّيطان في الغيّ.(الطّبريّ 9:159)

نحوه الطّوسيّ.(5:77)

الطّبريّ: و إخوان الشّياطين تمدّهم الشّياطين في الغيّ.(9:159)

الميبديّ: هم الشّياطين،و ضمير(هم)

ص: 673

للمشركين.و يجوز أن يكون المراد من الإخوان:

المشركين،و ضمير(هم)للشّياطين.

و جاء في القرآن بأنّ الكفّار إخوان الشّياطين،بمعنى قرناؤهم.(3:825)

الزّمخشريّ: و أمّا إخوان الشّياطين الّذين ليسوا بمتّقين،فإنّ الشّياطين يمدّونهم في الغيّ.

و قوله: وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ كقوله:

*قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها*

في أنّ الخبر جار على غير ما هو له،و يجوز أن يراد بالإخوان:الشّياطين و يرجع الضّمير المتعلّق به إلى الجاهلين،فيكون الخبر جاريا على ما هو له،و الأوّل أوجه،لأنّ إخوانهم في مقابلة الّذين اتّقوا.

فإن قلت:لم جمع الضّمير في إخوانهم و الشّيطان مفرد؟

قلت:المراد به الجنس،كقوله: أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ البقرة:257.(2:139)

نحوه أبو السّعود.(2:223)

الفخر الرّازيّ:اختلفوا في أنّ الكناية في قوله:

(و اخوانهم)إلى ما ذا تعود،على قولين:

القول الأوّل:و هو الأظهر أنّ المعنى و إخوان الشّياطين يمدّون الشّياطين في الغيّ،و ذلك لأنّ شياطين الإنس إخوان لشياطين الجنّ،فشياطين الإنس يغوون النّاس،فيكون ذلك إمدادا منهم لشياطين الجنّ على الإغواء و الإضلال.

و القول الثّاني:إنّ إخوان الشّياطين هم النّاس الّذين ليسوا بمتّقين،فإنّ الشّياطين يكونون مددا لهم فيه و القولان مبنيّان على أنّ لكلّ كافر أخا من الشّياطين.

(15:100)

القرطبيّ: قيل:المعنى و إخوان الشّياطين و هم الفجّار من ضلاّل الإنس تمدّهم الشّياطين في الغيّ.

و قيل للفجّار:«إخوان الشّياطين»لأنّهم يقبلون منهم،و قد سبق في هذه الآية ذكر الشّيطان.هذا أحسن ما قيل فيه،و هو قول قتادة،و الحسن،و الضّحّاك.

(7:351)

البيضاويّ: أي و إخوان الشّياطين الّذين لم يتّقوا، يمدّهم الشّياطين(فى الغىّ)بالتّزيين و الحمل عليه.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون الضّمير في(لا يقصرون) للإخوان،أي لا يكفّون عن الغيّ و لا يقصرون كالمتّقين.

و يجوز أن يراد بالإخوان:الشّياطين،و يرجع الضّمير في(اخوانهم)إلى الجاهلين،فيكون الخبر جاريا على ما هو له.(1:382)

النّيسابوريّ: يعني إخوان القلوب،و هم النّفوس الأمّارة.(9:115)

أبو حيّان: الضّمير في(و اخوانهم)عائد على الجاهلين،أو على ما دلّ عليه قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا الأعراف:201،و هم غير المتّقين،لأنّ الشّيء قد يدلّ على مقابله،فيضمر ذلك المقابل لدلالة مقابله عليه.

و عني بالإخوان على هذا التّقدير:الشّياطين،كأنّه قيل:و الشّياطين الّذين هم إخوان الجاهلين أو غير المتّقين يمدّون الجاهلين أو غير المتّقين في الغيّ.

قالوا:و في(يمدّونهم)ضمير الإخوان،فيكون الخبر

ص: 674

جاريا على من هو له،و الضّمير المجرور و المنصوب للكفّار،و هذا قول قتادة.

و قال ابن عطيّة: و يحتمل أن يعودا جميعا على الشّياطين،و يكون المعنى:و إخوان الشّياطين في الغيّ، بخلاف الأخوّة في اللّه يمدّون الشّياطين،أي بطاعتهم لهم و قبولهم منهم.و لا يترتّب هذا التّأويل على أن يتعلّق (فى الغىّ)بالإمداد،لأنّ الإنس لا يعوذون الشّياطين انتهى.

و يمكن أن يتعلّق(فى الغيّ)على هذا التّأويل بقوله:

(يمدّونهم)على أن تكون(في)للسّببيّة،أي يمدّونهم بسبب غوايتهم،نحو:دخلت امرأة النّار في هرّة،أي بسبب هرّة.

و يحتمل أن يكون(فى الغىّ)حالا فيتعلّق بمحذوف، أي كائنين و مستقرّين في الغيّ،فيبقى(فى الغىّ)في موضعه لا يكون متعلّقا بقوله:(و اخوانهم)و قد جوّز ذلك ابن عطيّة.

و عندي في ذلك نظر،فلو قلت:مطعمك زيد لحما، تريد:مطعمك لحما زيد،فتفصل بين المبتدإ و معموله بالخبر،لكان في جوازه نظر؛لأنّك فصلت بين العامل و المعمول بأجنبيّ لهما معا،و إن كان ليس أجنبيّا لأحدهما الّذي هو المبتدأ.

و يحتمل أن يختلف الضّمير،فيكون في(و اخوانهم) عائد على الشّياطين الدّالّ عليهم(الشّيطان)،أو على (الشّيطان)نفسه باعتبار أنّه يراد به الجنس،نحو قوله:

أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ البقرة:257،المعنى الطّواغيت،و يكون في(يمدّونهم)عائد على الكفّار، و الواو في(يمدّونهم)عائد على الشّياطين،و إخوان الشّياطين يمدّونهم الشّياطين،و يكون الخبر جرى على غير من هو له،لأنّ الإمداد مسند إلى الشّياطين لا لإخوانهم،و هذا نظير قوله:

*قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها*

و هذا الاحتمال هو قول الجمهور،و عليه فسّر الطّبريّ.(4:450)

البروسويّ: أي إخوان الشّياطين،و هم المنهمكون في الغيّ المعرضون عن وقاية أنفسهم عن المضارّ،فضمير(اخوانهم)للشّيطان،و الجمع لكون المراد به الجنس.(3:300)

يعني النّفوس إخوان القلب،فإنّ النّفس و القلب توأمان ولدا من ازدواج الرّوح و القالب،فالقلب يمدّ النّفس في الطّاعة،و لو لا ذلك ما صدر من القلب معصية، لأنّه جبل على الاطمئنان بذكر اللّه و طاعته.(3:301)

الآلوسيّ: أي إخوان الشّياطين الّذين لم يتّقوا، و ذلك معنى الأخوّة بينهم،و هو مبتدأ،و قوله سبحانه و تعالى:(يمدّونهم فى الغىّ)خبره،و الضّمير المرفوع للشّياطين،و المنصوب للمبتدإ،أي تعاونهم الشّياطين في الضّلال،و ذلك بأن يزيّنوه لهم و يحملوهم عليه، و الخبر على هذا جار على غير من هوله.و في أنّه هل يجب إبراز الضّمير أو لا يجب؟في مثل ذلك خلاف بين أهل القريتين،كالصّفة المختلف فيها بينهم.

و قيل:إنّ الضّمير الأوّل للإخوان،و الثّاني للشّياطين،و المعنى و إخوان الشّياطين يمدّون الشّياطين بالاتّباع و الامتثال،و على هذا يكون الخبر جاريا على

ص: 675

من هو له،و الجار و المجرور متعلّق بما عنده،و جوّز أن يكون في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول.[إلى أن قال:]

و جوّز أن يكون الضّمير في(لا يقصرون) للإخوان،و روي ذلك عن ابن عبّاس و السّدّيّ و إليه ذهب الجبّائيّ،أي ثمّ لا يكفّ هؤلاء عن الغيّ و لا يقصرون كالمتّقين.

و جوّز أن يراد بالإخوان:الشّياطين،و ضمير الجمع المضاف إليه أوّلا و المفعول ثانيا و الفاعل ثالثا يعود إلى الجاهلين،في قوله سبحانه و تعالى: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، الأعراف:199،أي و إخوان الجاهلين، و هم الشّياطين يمدّون الجاهلين في الغيّ ثمّ لا يقصر الجاهلون عن ذلك،و الخبر على هذا أيضا جار على ما هو له،كما في بعض الأوجه السّابقة،و الأوّل أولى رعاية للمقابلة.(9:148)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ إِخْوانِهِمْ... كأنّ الجملة حاليّة،و المراد بإخوانهم إخوان المشركين،و هم الشّياطين،كما وقع قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ الإسراء:27.

و المعنى أنّ الّذين اتّقوا على هذا الحال من التّذكّر و الإبصار،و الحال أنّ إخوان المشركين من الشّياطين يمدّون المشركين في غيّهم و يعينونهم،ثمّ لا يكفّون عن مدّهم و إعانتهم،أو لا يكفّ المشركون و لا ينتهون عن غيّهم.(8:381)

عبد الكريم الخطيب: فهم أكثر المفسّرين هذه الآية على أنّ«الإخوان»هنا هم إخوان الشّياطين من المشركين و أهل الضّلال،و أنّ الشّياطين يمدّونهم بالغيّ و الضّلال،فلا يقصرون،و لا يرجعون عن غيّهم و ضلالهم،بل يزدادون ضلالا إلى ضلال،و غيّا إلى غيّ.

و الفهم الّذي أطمئنّ إليه في هذه الآية،هو أنّ المراد ب(اخوانهم)هم إخوان المؤمنين،من المنحرفين، و أصحاب الأهواء و البدع،و من المشركين و الضّالّين.

و أنّ هؤلاء جميعا هم شياطين مسلّطون على المؤمنين، يحاولون جاهدين أن يمدّوهم بالغيّ و الضّلال،و المؤمنون -مع هذا-في إعراض عنهم،و لكنّهم-مع هذا-دائبون على هذا الكيد للمؤمنين..لا يقصرون،و لا ينتهون.

و تسمية هؤلاء الغواة من المشركين و الضّالّين إخوانا للمؤمنين،هو لما بينهم من صلات القرابة و النّسب.

و من جهة أخرى فإنّ هؤلاء المشركين الضّالّين كان من شأنهم-لو عقلوا-أن يكونوا إخوانا لهؤلاء المؤمنين، أخوّة إيمان و تقوى،بعد أن كانوا إخوانا لهم نسبا و قرابة، و لكن فرّق بينهم هذا الضّلال الّذي هم فيه.(5:550)

4- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ... الحشر:11

ابن عبّاس: يعني بني النّضير.

(الطّبريّ 28:46)

الزّمخشريّ: للّذين بينهم و بينهم أخوّة الكفر، و لأنّهم كانوا يوالونهم و يؤاخونهم،و كانوا معهم على المؤمنين في السّرّ.(4:85)

الفخر الرّازيّ:و هذه الأخوّة تحتمل وجوها:

ص: 676

أحدها:الأخوّة في الكفر،لأنّ اليهود و المنافقين كانوا مشتركين في عموم الكفر بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و ثانيها:الأخوّة بسبب المصادقة و الموالاة و المعاونة.

و ثالثها:الأخوّة:بسبب ما بينهما من المشاركة في عداوة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(29:288)

أبو حيّان: و اللاّم في(لاخوانهم)للتّبليغ،و الأخوّة بينهم أخوّة الكفر و موالاتهم.(8:248)

أبو السّعود: و اللاّم في قوله تعالى: (لِإِخْوانِهِمُ) للتّبليغ،و المراد بأخوّتهم إمّا توافقهم في الكفر،أو صداقتهم و موالاتهم.(5:152)

مثله البروسويّ.(9:438)

الآلوسيّ: و اللاّم للتّبليغ،و المراد بأخوّتهم:

الأخوّة في الدّين،و اعتقاد الكفر،أو الصّداقة.و كثر جمع الأخ مرادا به ما ذكر على إخوان،و مرادا به الأخوّة في النّسب على إخوة.و قلّ خلاف ذلك.(28:56)

المراغيّ:الإخوان:الأصدقاء،واحدهم أخ، و الأخ من النّسب جمعه:إخوة.(28:47)

الطّباطبائيّ: و المراد بإخوانهم الّذين كفروا من أهل الكتاب بنو النّضير على ما يؤيّده السّياق،فإنّ مفاد الآيات أنّهم كانوا قوما من أهل الكتاب،دار أمرهم بين الخروج و القتال بعد قوم آخر كذلك،و ليس إلاّ بني النّضير بعد بني قينقاع.(19:211)

اخوانهنّ

...أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ... النّور:31

الآلوسيّ: و المراد ب«الإخوان»ما يشمل الأعيان، و هم الأخوة لأب واحد و أمّ واحدة،و بني العلاّت و هم أولاد الرّجل من نسوة شتّى،و الأخياف و هم أولاد المرأة من آباء شتّى.و نظير ذلك يقال في الأخوات.

(18:142)

اخوانكم

1- ...وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ... البقرة:220

الطّبريّ: فإن قال لنا قائل:و كيف قال:

(فاخوانكم)فرفع الإخوان،و قال في موضع آخر:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً البقرة:239؟

قيل:لافتراق معنييهما؛و ذلك أنّ أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين،خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم.فمعنى الكلام و إن تخالطوهم فهم إخوانكم.

و الإخوان مرفوع بالمعنى المتروك ذكره،و هو«هم» لدلالة الكلام عليه،و إنّه لم يرد ب«الإخوان»الخبر عنهم أنّهم كانوا إخوانا،من أجل مخالطة ولاتهم إيّاهم،و لو كان ذلك المراد لكانت القراءة نصبا،و كان معناه حينئذ و إن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم.و لكنّه قرئ رفعا لما وصفت،من أنّهم إخوان للمؤمنين الّذين يلونهم، خالطوهم أو لم يخالطوهم.

و أمّا قوله: فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً البقرة:239، فنصب،لأنّهما حالان للفعل غير ذاتيّين،و لا يصلح معهما«هو»و ذلك أنّك لو أظهرت«هو»معهما لاستحال

ص: 677

الكلام.

أ لا ترى أنّه لو قال قائل:إن خفت من عدوّك أن تصلّي قائما فهو راجل أو راكب،لبطل المعنى المراد بالكلام؛و ذلك أنّ تأويل الكلام:فإن خفتم أن تصلّوا قياما من عدوّكم،فصلّوا رجالا أو ركبانا،و لذلك نصبه إجراء على ما قبله من الكلام،كما تقول في نحوه من الكلام:إن لبست ثيابا فالبياض،فتنصبه لأنّك تريد:إن لبست ثيابا فالبس البياض،و لست تريد الخبر عن أنّ جميع ما يلبس من الثّياب فهو البياض.

و لو أردت الخبر عن ذلك لقلت:إن لبست ثيابا فالبياض رفعا؛إذ كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللاّبس،أنّ كلّ ما يلبس من الثّياب فبياض،لأنّك تريد حينئذ:إن لبست ثيابا فهي بياض.

فإن قال:فهل يجوز النّصب في قوله:(فاخوانكم)؟ قيل:جائز في العربيّة.فأمّا في القراءة فإنّما منعناه لإجماع القرّاء على رفعه.و أمّا في العربية فإنّما أجزناه لأنّه يحسن معه تكرير ما يحمل في الّذي قبله من الفعل فيهما:و إن تخالطوهم فإخوانكم تخالطون،فيكون ذلك جائزا في كلام العرب.(2:373)

نحوه ملخّصا الطّوسيّ(2:215)،و الطّبرسيّ(1:

351).

أبو حيّان: قيل:و جعلهم[اليتامى]إخوانا.

لوجهين:أحدهما أخوّة الدّين،و الثّاني لانتفاعهم بهم إمّا في الثّواب من اللّه تعالى و إمّا بما يأخذونه من أجرة عملهم في أموالهم،و كلّ من نفعك فهو أخوك.

و قال الباقر[عليه السّلام] لشخص:رأيتك في قوم لم أعرفهم،فقال:هم إخواني،فقال:أ فيهم من إذا احتجت أدخلت يدك في كمّه فأخذت منه من غير استئذان؟ قال:لا،قال:إذن لستم بإخوان.

قيل:و في قوله:(فاخوانكم)دليل على أنّ أطفال المؤمنين مؤمنون في الأحكام،لتسمية اللّه تعالى إيّاهم إخوانا لنا.(2:162)

أبو السّعود: أي فهم إخوانكم،أي في الدّين الّذي هو أقوى من العلاقة النّسبيّة،و من حقوق الأخوّة، و مواجبها المخالطة بالإصلاح و النّفع.(1:168)

مثله البروسويّ.(1:343)

الطّباطبائيّ: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ إشارة إلى المساواة المجعولة بين المؤمنين جميعا بإلغاء جميع الصّفات المميّزة الّتي هي المصادر لبروز أنواع الفساد بين النّاس في اجتماعهم،من الاستعباد و الاستضعاف و الاستذلال و الاستكبار و أنواع البغي و الظّلم،و بذلك يحصل التّوازن بين أثقال الاجتماع،و المعادلة بين اليتيم الضّعيف و الوليّ القويّ،و بين الغنيّ المثري و الفقير المعدم،و كذا كلّ ناقص و تامّ،و قد قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10.(2:198)

عبد الكريم الخطيب: أي و إن تضمّوهم إليكم و تتولّوا عنهم رعاية أمورهم فهم إخوانكم،لهم مكان الأخوّة بينكم،و ما لهذه الأخوّة من حقوق.[إلى أن قال]:

و في التّعبير عن اليتامى بقوله تعالى:(فاخوانكم) بدلا من:«فأولادكم»،كما يقتضيه ظاهر الأمر؛إذ اليتيم لا يكون يتيما إلاّ في حال صغره،الأمر الّذي يجعله

ص: 678

من الوصيّ بصفة الابن لا الأخ.

في هذا التّعبير تنويه بما ينبغي أن تكون عليه نظريّة الوصيّ على اليتيم إلى اليتيم،و هو أن ينظر إليه على أنّه مثله و في درجته،و إن كان في مدارج الصّبا،فهذه النّظرة جدير بها أن تقيم الوصيّ دائما على شعور يقظ،بأنّه إنّما يتعامل مع إنسان رشيد،يرقب أعماله،و يرصد تصرّفاته في شئونه،و هذا الشّعور يجعل الوصيّ حذرا في تصرّفاته،حريصا على أن يظهر بمظهر الأمين الحريص على مصلحة اليتيم.

ثمّ إنّه من جهة أخرى،سيعمل هذا الشّعور عمله عند الوصيّ في الوصول باليتيم إلى مرحلة الرّشد في أقصر زمن ممكن،بحكم هذه الأخوّة الملازمة له، و المستقرّة في شعوره،و هذا شعور معاكس تماما لما يشعر به الأوصياء نحو اليتامى من أنّهم لن يكبروا أبدا،حتّى يظلّوا أكبر زمن ممكن تحت أيديهم!!.

فانظر كم أعطت هاتان الكلمتان المباركتان وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ من ثمرات طيّبة،و كم تعطيان هكذا أبدا من ثمر طيّب مبارك لكلّ طالب و مريد.

و في قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ حماية لهذا الشّعور الّذي أثاره قوله سبحانه : وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ و تغذية دائمة له من أن يضعف،إذ يجد الوصيّ على اليتيم عين اللّه ترقبه،و علمه يحيط بكلّ ما يعمل لليتيم الّذي في يده من خير أو شرّ، و من إصلاح لأمره،ليرشد و يستقلّ بشئونه،أو ليفسد و يظلّ هكذا تحت يده.(1:248)

2- فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ... التّوبة:11

الفرّاء: معناه فهم إخوانكم.يرتفع مثل هذا من الكلام بأن يضمر له اسمه مكنيا عنه،و مثله: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ الأحزاب:5،أي فهم إخوانكم.و في قراءة أبيّ (ان تعذّبهم فعبادك) (1)،أي فهم عبادك.(1:425)

أبو حيّان: علّق حصول الأخوّة في الدّين على الالتباس بمجموع الثّلاثة،و يظهر أنّ مفهوم الشّرط غير مراد.(5:14)

الآلوسيّ: قيل:و الاختلاف بين جواب هذه الشّرطيّة و جواب الشّرطيّة السّابقة فَإِنْ تابُوا...

فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ التّوبة:5،مع اتّحاد الشّرط فيهما،لما أنّ الأولى سيقت إثر الأمر بالقتل و نظائره،فوجب أن يكون جوابها أمرا بخلاف هذه،و هذه سيقت بعد الحكم عليهم بالاعتداء و أشباهه،فلا بدّ من كون جوابها حكما البتّة.

و هذه الآية أجلب لقلوبهم من تلك الآية؛إذ فرق ظاهر بين تخلية سبيلهم و بين إثبات الأخوّة الدّينيّة لهم.

و بها استدلّ على تحريم دماء أهل القبلة،و روي ذلك عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،[إلى أن قال:]

و ذكر بعض جلّة الأفاضل أنّه تعالى،علّق حصول الأخوّة في الدّين على مجموع الأمور الثّلاثة:التّوبة، و إقام الصّلاة،و إيتاء الزّكاة.[ثمّ ذكر مفهوم الشّرط8.

ص: 679


1- القراءة المشهورة: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ المائدة :118.

و الرّدّ عليه.فراجع].(10:57)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ فالمراد به بيان التّساوي بينهم و بين سائر المؤمنين،في الحقوق الّتي يعتبرها الإسلام في المجتمع الإسلاميّ:لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين،و قد عبّر في الآية عن ذلك بالأخوّة في الدّين.

و قال في موضع آخر: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10،اعتبارا بما بينهم من التّساوي في الحقوق الدّينيّة،فإنّ الأخوين شقيقان اشتقّا من مادّة واحدة، و هما لذلك متساويان في الشّئون الرّاجعة إلى ذلك في مجتمع المنزل عند والدهما الّذي هو ربّ البيت،و في مجتمع القرابة عند الأقرباء و العشيرة.

و إذ كان لهذا المعنى المسمّى بلسان الدّين أخوّة أحكام و آثار شرعيّة اعتنى بها قانون الإسلام،فهو اعتبار حقيقة لنوع من الأخوّة بين أفراد المجتمع الإسلاميّ،لها آثار مترتّبة،كما أنّ الأخوّة الطّبيعيّة فيما اعتبرها الإسلام لها آثار مترتّبة عقلائيّة و دينيّة، و ليست تسمية ذلك«أخوّة»مجرّد استعارة لفظيّة عن عناية مجازيّة،و فيما نقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قوله:«المؤمنون إخوة يسعى بذمّتهم أدناهم،و هم يد واحدة على من سواهم».(9:158)

عبد الكريم الخطيب: في هذا ما يكشف عن سماحة الإسلام و إنسانيّته،و أنّه ليس لحساب فرد،أو جماعة،أو أمّة،و إنّما هو حظّ متاح للنّاس جميعا.و أنّ هذه الحرب الّتي تدور بين أتباعه و أعدائه،و الّتي يحتمل فيها هؤلاء الأتباع ما يحتملون من ابتلاء في أموالهم و أنفسهم،هذه الحرب ليست لحساب أحد،و إنّما هي من أجل هذا الدّين،و لحساب هذا الدّين.و من هنا كان مطلب المسلمين المجاهدين أوّلا و قبل كلّ شيء،هو هداية النّاس و ابتغاء الخير لهم،فإذا اهتدى الضّالّ و آمن المشرك و نزع الكافر عن كفره،كان ذلك هو الجزاء الحسن الّذي يسعد به المسلم،و الغنيمة العظيمة الّتي يجد فيها العزاء لكلّ ما أصيب به،في نفسه أو ماله.

و لهذا فإنّ هؤلاء المحاربين للمسلمين،و المعتدين على الإسلام هم على تلك الصّفة،و المسلمون على موقفهم العدائيّ معهم،ما داموا على حالهم تلك،فإذا هم تحوّلوا عن موقفهم هذا و دخلوا في دين اللّه،انقلبوا في الحال أولياء للمؤمنين،و إخوانا لهم،قد ذهب إيمانهم باللّه بكلّ ما كان لهم في نفوس المؤمنين من بغضة و عداوة.(5:709)

[و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ الأحزاب:5]

اخواننا

...رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ... الحشر:10

الطّبريّ: و عني بالّذين جاءوا من بعدهم -المهاجرون-أنّهم يستغفرون لإخوانهم من الأنصار.

(28:44)

البيضاويّ: أي لإخواننا في الدّين.(2:466)

أبو السّعود: أي في الدّين الّذي هو أعزّ و أشرف عندهم من النّسب.(5:152)

ص: 680

مثله البروسويّ(9:436)،و الآلوسيّ(28:54).

الطّباطبائيّ: و قولهم:(ربّنا...)دعاء لأنفسهم و السّابقين من المؤمنين بالمغفرة.و في تعبيرهم عنهم بإخواننا،إشارة إلى أنّهم يعدّونهم من أنفسهم،كما قال اللّه تعالى: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النّساء:25،فهم يحبّونهم كما يحبّون أنفسهم،و يحبّون لهم ما يحبّون لأنفسهم.و لذلك عقّبوه بقولهم: وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا الحشر:10.(19:207)

اخوة

1- ...فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.

النّساء:11

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في عدد الإخوة الّذين عناهم اللّه،فقال جماعة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و التّابعين لهم بإحسان و من بعدهم من علماء أهل الإسلام،في كلّ زمان:عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله:(فان كان له اخوة...):اثنين كان الإخوة أو أكثر منهما،أنثيين كانتا أو كنّ إناثا،أو ذكرين كان أو كانوا ذكورا،أو كان أحدهما ذكرا و الآخر أنثى.

و اعتدّ كثير ممّن قال ذلك،بأنّ ذلك قالته الأمّة عن بيان اللّه جلّ ثناؤه على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فنقلته أمّة نبيّه نقلا مستفيضا،قطع العذر مجيئه، و دفع الشّكّ فيه عن قلوب الخلق وروده.

و روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه كان يقول:بل عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله:(...اخوة):جماعة أقلّها ثلاثة.و كان ينكر أن يكون اللّه جلّ ثناؤه حجب الأمّ عن ثلثها مع الأب بأقلّ من ثلاثة إخوة.[إلى أن قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي أنّ المعنيّ بقوله:

(فان كان له اخوة...):اثنان من إخوة الميّت فصاعدا، على ما قاله أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، دون ما قاله ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،لنقل الأمّة وراثة صحّة ما قالوه من ذلك عن الحجّة،و إنكارهم ما قاله ابن عبّاس في ذلك.

فإن قال قائل:و كيف قيل في الأخوين:إخوة،و قد علمت أنّ الأخوين في منطق العرب مثالا لا يشبه مثال الإخوة في منطقها؟

قيل:إنّ ذلك و إن كان كذلك،فإنّ من شأنها التّأليف بين الكلامين بتقارب معنييهما،و إن اختلفا في بعض وجوههما.فلمّا كان ذلك كذلك،و كان مستفيضا في منطقها،منتشرا مستعملا في كلامها:«ضربت من عبد اللّه و عمرو رءوسهما،و أوجعت منهما ظهورهما» و كان ذلك أشدّ استفاضة في منطقها من أن يقال:

أوجعت منهما ظهرهما،و إن كان مقولا:أوجعت ظهرهما،كما قال الفرزدق:

بما في فؤادينا من الحبّ و الهوى

فيبرأ منهاض الفؤاد المشغّف

غير أنّ ذلك و إن كان مقولا،فأفصح منه«بما في أفئدتنا»،كما قال جلّ ثناؤه: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:4،فلمّا كان ما وصفت من إخراج كلّ ما كان في الإنسان واحدا إذا ضمّ إلى الواحد منه آخر من إنسان آخر،فصارا اثنين من اثنين،فلفظ

ص: 681

الجمع أفصح في منطقها و أشهر في كلامها،و كان الأخوان شخصين،كلّ واحد منهما غير صاحبه من نفسين مختلفين،أشبه معناهما معنى ما كان في الإنسان من أعضائه واحدا لا ثاني له،فأخرج أنثييهما بلفظ أنثى العضوين اللّذين وصفت،فقيل:«إخوة»في معنى الأخوين،كما قيل:«ظهور»في معنى الظّهرين،و أفواه في معنى فموين،و قلوب في معنى قلبين.

و قد قال بعض النّحويّين:إنّما قيل«إخوة»،لأنّ أقلّ الجمع اثنان؛و ذلك أنّه إذا ضمّ شيء إلى شيء صارا جميعا بعد أن كانا فردين،فجمعا ليعلم أنّ الاثنين جمع، و هذا و إن كان كذلك في المعنى،فليس بعلّة تنبئ عن جواز إخراج ما قد جرى الكلام مستعملا مستفيضا على ألسن العرب لاثنيه بمثال و صورة،غير مثال ثلاثة فصاعدا منه و صورتها،لأنّ من قال:أخواك قاما، فلا شكّ أنّه قد علم أنّ كل واحد من الأخوين فرد،ضمّ أحدهما إلى الآخر فصارا جميعا،بعد أن كانا شتّى عنوان الأمر.

و إن كان كذلك فلا تستجيز العرب في كلامها أن يقال:أخواك قاموا،فيخرج قولهم:قاموا،و هو لفظ للخبر عن الجميع،خبرا عن الأخوين،و هما بلفظ الاثنين،لأنّ لكلّ ما جرى به الكلام على ألسنتهم مثالا معروفا عندهم و صورة،إذا غيّر مغيّر ما قد عرفوه فيهم أنكروه،فكذلك الأخوان و إن كانا مجموعين ضمّ أحدهما إلى صاحبه،فلهما مثال في المنطق و صورة،غير مثال الثّلاثة منهم فصاعدا و صورتهم،فغير جائز أن يغيّر أحدهما إلى الآخر إلاّ بمعنى مفهوم،و إذا كان ذلك كذلك فلا قول أولى بالصّحّة ممّا قلنا قبل.(4:278)

الطّوسيّ: ...و لا يحجب عندنا من الإخوة إلاّ من كان من قبل الأب و الأمّ،أو من قبل الأب.فأمّا من كان من قبل الأمّ فحسب فإنّه لا يحجب على حال.

و لا يحجب أقلّ من أخوين،أو أخ و أختين،أو أربع أخوات،فأمّا الأختان فلا يحجبان على حال،و خالفنا جميع الفقهاء في ذلك.

فأمّا الإخوان فلا خلاف أنّه تحجب الأمّ عن الثّلث إلى السّدس،إلاّ ما قال ابن عبّاس:إنّه لا يحجب بأقلّ من ثلاثة؛لقوله:(اخوة)،و الثّلاثة أقلّ الجمع.

و حكي عن ابن عبّاس أيضا:أنّ ما يحجبه الإخوة من سهم الأمّ من الثّلث إلى السّدس،يأخذه الإخوة دون الأب،و ذلك خلاف ما أجمعت الأمّة عليه،لأنّه لا خلاف أنّ أحدا من الإخوة لا يستحقّ مع الأبوين شيئا، و إنّما قلنا:إنّ(اخوة)بمعنى أخوين للإجماع من أهل العصر على ذلك،و أيضا فإنّه يجوز وضع لفظ الجمع في موضع التّثنية إذا اقترنت به دلالة،كما قال: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:4،و يقول القائل:

ضربت الرّجلين أرؤسهما،و من أخويك ظهورهما.

فإن قيل:لم حجب الإخوة الأمّ من غير أن يرثوا مع الأب؟

قلنا:قال قتادة:معونة للأب،لأنّه يقوم بنفقتهم و نكاحهم،دون الأمّ،و هذا بعينه رواه أصحابنا،و هو دالّ على أنّ الإخوة من الأمّ لا يحجبون،لأنّ الأب لا يلزمه نفقتهم على حال.(3:131)

نحوه الطّبرسيّ.(2:15)

ص: 682

الزّمخشريّ: الإخوة يحجبون الأمّ عن الثّلث و إن كانوا لا يرثون مع الأب،فيكون لها السّدس و للأب خمسة الأسداس،و يستوي في الحجب الاثنان فصاعدا إلاّ عند ابن عبّاس.و عنه:أنّهم يأخذون السّدس الّذي حجبوا عنه الأمّ.

فإن قلت:فكيف صحّ أن يتناول«الإخوة» الأخوين،و الجمع خلاف التّثنية؟

قلت:«الإخوة»تفيد معنى الجمعيّة المطلقة بغير كمّيّة،و التّثنية كالتّثليث و التّربيع في إفادة الكمّيّة، و هذا موضع الدّلالة على الجمع المطلق،فدلّ بالإخوة عليه.(1:508)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:المسألة الأولى:

اتّفقوا على أنّ الأخت الواحدة لا تحجب الأمّ من الثّلث إلى السّدس،و اتّفقوا على أنّ الثّلاثة يحجبون،و اختلفوا في الأختين؛فالأكثرون من الصّحابة على القول بإثبات الحجب كما في الثّلاثة،و قال ابن عبّاس:لا يحجبان كما في حقّ الواحدة.

حجّة ابن عبّاس أنّ الآية دالّة على أنّ هذا الحجب مشروط بوجود الإخوة،و لفظ الإخوة جمع،و أقلّ الجمع ثلاثة على ما ثبت في أصول الفقه،فإذا لم توجد الثّلاثة لم يحصل شرط الحجب،فوجب أن لا يحصل الحجب.

روي أنّ ابن عبّاس قال لعثمان:بم صار الأخوان يردّان الأمّ من الثّلث إلى السّدس و إنّما قال اللّه تعالى:

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ و الأخوان في لسان قومك ليسا بإخوة؟

فقال عثمان:لا أستطيع أن أردّ قضاء قضى به من قبلي و مضى في الأمصار.

و اعلم أنّ في هذه الحكاية دلالة على أنّ أقلّ الجمع ثلاثة،لأنّ ابن عبّاس ذكر ذلك مع عثمان و عثمان ما أنكره،و هما كانا من صميم العرب و من علماء اللّسان،فكان اتّفاقهما حجّة في ذلك.

و اعلم أنّ للعلماء في أقلّ الجمع قولين:

الأوّل:أنّ أقلّ الجمع اثنان،و هو قول القاضي أبي بكر الباقلانيّ،و احتجّوا فيه بوجوه:

أحدها:قوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:4،و لا يكون للإنسان الواحد أكثر من قلب واحد.

و ثانيها:قوله تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ النّساء:11،و التّقييد بقوله: (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) إنّما يحسن لو كان لفظ النّساء صالحا للثّنتين.

و ثالثها:قوله:«الاثنان فما فوقهما جماعة»و القائلون بهذا المذهب زعموا أنّ ظاهر الكتاب يوجب الحجب بالأخوين،إلاّ أنّ الّذي نصرناه في أصول الفقه أنّ أقلّ الجمع ثلاثة.و على هذا التّقدير فظاهر الكتاب لا يوجب الحجب بالأخوين،و إنّما الموجب لذلك هو القياس، و تقريره أن نقول:الأختان يوجبان الحجب،و إذا كان كذلك فالأخوان وجب أن يحجبا أيضا.

إنّما قلنا إنّ الأختين يحجبان،و ذلك لأنّا رأينا أنّ اللّه تعالى نزّل الاثنين من النّساء منزلة الثّلاثة في باب الميراث،أ لا ترى أنّ نصيب البنتين و نصيب الثّلاثة هو الثّلثان،و أيضا نصيب الأختين من الأمّ و نصيب الثّلاثة هو الثّلث،فهذا الاستقراء يوجب أن يحصل الحجب

ص: 683

بالأختين،كما أنّه حصل بالأخوات الثّلاثة،فثبت أنّ الأختين تحجبان.و إذا ثبت ذلك في الأختين لزم ثبوته في الأخوين،لأنّه لا قائل بالفرق،فهذا أحسن ما يمكن أن يقال في هذا الموضع.

و فيه إشكال لأنّ إجراء القياس في التّقديرات صعب،لأنّه غير معقول المعنى،فيكون ذلك مجرّد تشبيه من غير جامع،و يمكن أن يقال:لا يتمسّك به على طريقة القياس،بل على طريقة الاستقراء،لأنّ الكثرة أمارة العموم،إلاّ أنّ هذا الطّريق في غاية الضّعف،و اللّه أعلم.

و اعلم أنّه تأكّد هذا بإجماع التّابعين على سقوط مذهب ابن عبّاس،و الأصحّ في أصول الفقه أنّ الإجماع الحاصل عقيب الخلاف حجّة.(9:214)

و جاء في التّفاسير نحو ما أثبتناه عن بعض المفسّرين،و إن شئت الاستيفاء فراجع:الطّوسيّ(3:

132)،و البغويّ(1:410)،و الطّبرسيّ(2:15)، و البيضاويّ(1:410)،و القرطبيّ(5:72)،و أبو حيّان (3:185)،و النّيسابوريّ(4:195)،و أبو السّعود(1:

320)،و الآلوسيّ(4:225)،و الطّباطبائيّ(4:321).

و راجع«ورث»في بحث إرث الأبوين.

2- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ... الحجرات:10

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يشتمه،من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته،و من فرّج عن مسلم كربة فرّج اللّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة،و من ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة.

(الميبديّ 9:258)

الإمام الباقر عليه السّلام: المؤمن أخ المؤمن لأبيه و أمّه، لأنّ اللّه خلق المؤمنين من طينة الجنّة،و أجرى في صورهم من ريح الجنّة،فلذلك هم إخوة لأب و أمّ.

(الكاشانيّ 5:51)

الإمام الصّادق عليه السّلام: بنو أب و أمّ،و إذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.

[و في حديث]المؤمن أخ المؤمن عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يعيبه و لا يعده عدة فيخلفه.

[و في حديث آخر]أنّه سئل عن تفسير هذا الحديث:«إنّ المؤمن ينظر بنور اللّه»؟فقال:إنّ اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغهم من رحمته و أخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرّفهم نفسه،فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه و أمّه أبوه النّور و أمّه الرّحمة،و إنّما ينظر بذلك النّور الّذي خلق منه.(الكاشانيّ 5:51)

الطّبريّ: إخوة في الدّين.(26:130)

نحوه الطّبرسيّ(5:133)،و أبو حيّان(8:112).

الميبديّ: أي متواخون على الإيمان،و الإيمان أشرف أنسابهم،و قد قطع اللّه الولاية بينهم و بين من خالفهم في الدّين من أنسابهم.

قال أبو عثمان الحيريّ:أخوّة الدّين أثبت من أخوّة النّسب.[ثمّ ذكر رواية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-و قد تقدّمت]

(9:258)

الفخر الرّازيّ: قال بعض أهل اللّغة:الإخوة جمع الأخ من النّسب،و الإخوان جمع الأخ من الصّداقة،فاللّه

ص: 684

تعالى قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ تأكيدا للأمر، و إشارة إلى أنّ ما بينهم ما بين الأخوّة من النّسب، و الإسلام كالأب.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

(انّما)للحصر،أي لا أخوّة إلاّ بين المؤمنين،و أمّا بين المؤمن و الكافر فلا،لأنّ الإسلام هو الجامع؛و لهذا إذا مات المسلم و له أخ كافر يكون ماله للمسلمين و لا يكون لأخيه الكافر.

و أمّا الكافر فكذلك،لأنّ في النّسب المعتبر الأب الّذي هو أب شرعا،حتّى أنّ ولدي الزّنى من رجل واحد لا يرث أحدهما الآخر،فكذلك الكفر كالجامع الفاسد فهو كالجامع العاجز لا يفيد الأخوّة،و لهذا من مات من الكفّار و له أخ مسلم و لا وارث له من النّسب لا يجعل ما له للكفّار،و لو كان الدّين يجمعهم لكان مال الكافر للكفّار،كما أنّ مال المسلم للمسلمين عند عدم الوارث.

فإن قيل:قد ثبت أنّ الأخوّة للإسلام أقوى من الأخوّة النّسبيّة،بدليل أنّ المسلم يرثه المسلمون و لا يرثه الأخ الكافر من النّسب،فلم لم يقدّموا الأخوّة الإسلاميّة على الأخوّة النّسبيّة مطلقا،حتّى يكون مال المسلم للمسلمين لا لإخوته من النّسب؟

نقول:هذا سؤال فاسد،و ذلك لأنّ الأخ المسلم إذا كان أخا من النّسب فقد اجتمع فيه أخوّتان فصار أقوى، و العصوبة لمن له القوّة،أ لا ترى أنّ الأخ من الأبوين يرث،و لا يرث الأخ من الأب معه،فكذلك الأخ المسلم من النّسب له أخوّتان فيقدّم على سائر المسلمين.

(28:130)

2Lالبيضاويّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ من حيث أنّهم منتسبون إلى أصل واحد و هو الإيمان الموجب للحياة الأبديّة،و هو تعليل و تقرير للأمر بالإصلاح، و لذلك كرّره مرتّبا عليه بالفاء،فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ. (2:409)

نحوه الشّربينيّ(4:66)،و أبو السّعود(5:90)، و المراغيّ(26:131).

الخازن: أي في الدّين و الولاية،و ذلك أنّ الإيمان قد عقد بين أهله من السّبب و القرابة كعقد النّسب الملاصق،و أنّ بينهم ما بين الإخوة من النّسب و الإسلام لهم كالأب.[ثمّ استشهد بشعر](6:186)

البروسويّ: الفرق بين الخلّة و الأخوّة،أنّ الصّداقة إذا قويت صارت أخوّة،فإن ازدادت صارت خلّة،كما في إحياء العلوم.

و سئل الجنيد عن الأخ،فقال:هو أنت في الحقيقة إلاّ أنّه غيرك في الشّخص.

و المعنى إنّما المؤمنون منتسبون إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للحياة الأبديّة كما أنّ الإخوة من النّسب منتسبون إلى أصل واحد هو الأب الموجب للحياة الفانية،فالآية من قبيل التّشبيه البليغ المبتنى على تشبيه الإيمان بالأب،في كونه سبب الحياة كالأب.(9:77)

الكاشانيّ: [ذكر الرّوايات من الصّادقين عليهما السّلام و قد سبقت ثمّ أضاف:]

أقول:و وجه آخر لأخوّة المؤمنين انتسابهم إلى النّبيّ و الوصيّ،فقد ورد أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«أنا و أنت يا عليّ أبوا هذه الأمّة».

ص: 685

و وجه آخر:انتسابهم إلى الإيمان الموجب للحياة الأبديّة.(5:52)

الآلوسيّ: استئناف،مقرّر لما قبله من الأمر بالإصلاح،و إطلاق«الإخوة»على المؤمنين من باب التّشبيه البليغ،و شبّهوا بالإخوة من حيث انتسابهم إلى أصل واحد و هو الإيمان الموجب للحياة الأبديّة.

و جوّز أن يكون هناك استعارة،و تشبّه المشاركة في الإيمان بالمشاركة في أصل التّوالد،لأنّ كلاّ منهما أصل للبقاء،إذ التّوالد منشأ الحياة،و الإيمان منشأ البقاء الأبديّ في الجنان.(26:151)

نحوه القاسميّ.(15:5455)

الطّباطبائيّ: و اعلم أنّ قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ جعل تشريعيّ لنسبة الإخوة بين المؤمنين لها آثار شرعيّة و حقوق مجعولة،و قد تقدّم في بعض المباحث المتقدّمة أنّ من الأبوّة و البنوّة و الأخوّة و سائر أنواع القرابة ما هو اعتباريّ مجعول يعتبره الشّرائع و القوانين لترتيب آثار خاصّة عليه،كالوراثة و الإنفاق و حرمة الازدواج و غير ذلك،و منها ما هو طبيعيّ بالانتهاء إلى صلب واحد أو رحم واحدة أو هما.

و الاعتباريّ من القرابة غير الطّبيعيّ منها،فربّما يجتمعان كالأخوين المتولّدين بين الرّجل و المرأة عن نكاح مشروع،و ربّما يختلفان كالولد الطّبيعيّ المتولّد من زنى،فإنّه ليس ولدا في الإسلام و لا يلحق بمولّده و إن كان ولدا طبيعيّا،و كالدّعيّ الّذي هو ولد في بعض القوانين و ليس بولد طبيعيّ.

و اعتبار المعنى الاعتباريّ و إن كان لغرض ترتيب آثار حقيقته عليه،كما يؤخذ أحد القوم رأسا لهم ليكون نسبته إليهم نسبة الرّأس إلى البدن،فيدبّر أمر المجتمع و يحكم بينهم و فيهم،كما يحكم الرّأس على البدن.

لكن لمّا كان الاعتبار لمصلحة مقتضية كان تابعا للمصلحة،فإن اقتضت ترتيب جميع آثار الحقيقة ترتّبت عليه جميعا،و إن اقتضت بعضها كان المترتّب على الموضوع الاعتباريّ ذلك البعض،كما أنّ القراءة مثلا جزء من الصّلاة و الجزء الحقيقيّ ينتفي بانتفائه الكلّ مطلقا،لكنّ القراءة لا تنتفي بانتفائها الصّلاة إذا كان ذلك سهوا،و إنّما تبطل الصّلاة إذا تركت عمدا.

و لذلك أيضا ربّما اختلفت آثار معنى اعتباريّ بحسب الموارد المختلفة كجزئيّة الرّكوع؛حيث تبطل الصّلاة بزيادته و نقيصته عمدا و سهوا،بخلاف جزئيّة القراءة كما تقدّم،فمن الجائز أن تختلف الآثار المترتّبة على معنى اعتباريّ بحسب الموارد المختلفة،لكن لا تترتّب الآثار الاعتباريّة إلاّ على موضوع اعتباريّ،كالإنسان يتصرّف في ماله لكن لا بما أنّه إنسان بل بما أنّه مالك و الأخ يرث أخاه في الإسلام لا لأنّه أخ طبيعيّ يشارك الميّت في الوالد أو الوالدة أو فيهما-فولد الزّنى كذلك و لا يرث أخاه الطّبيعيّ-بل يرثه،لأنّه أخ في الشّريعة الإسلاميّة.

و الأخوّة من هذا القبيل،فمنها أخوّة طبيعيّة لا أثر لها في الشّرائع و القوانين،و هي اشتراك إنسانين في أب أو أمّ أو فيهما،و منها أخوّة اعتباريّة لها آثار اعتباريّة و هي في الإسلام أخوّة نسبيّة لها آثار في النّكاح و الإرث، و أخوّة رضاعيّة لها آثار في النّكاح دون الإرث،و أخوّة

ص: 686

دينيّة لها آثار اجتماعيّة و لا أثر لها في النّكاح و الإرث.

[و قال بعد ذكر رواية الإمام الصّادق عليه السّلام:]

و قد خفي هذا المعنى على بعض المفسّرين،فأخذ إطلاق«الإخوة»في كلامه تعالى على المؤمنين إطلاقا مجازيّا من باب الاستعارة،بتشبيه الاشتراك في الإيمان بالمشاركة في أصل التّوالد،لأنّ كلاّ منهم أصل للبقاء؛إذ التّوالد منشأ الحياة،و الإيمان منشأ البقاء الأبديّ في الجنان.

و قيل:هو من باب التّشبيه البليغ من حيث انتسابهم إلى أصل واحد،هو الإيمان الموجب للبقاء الأبديّ.(18:315)

اخوته

لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ.

يوسف:7

البغويّ: أي في خبره و خبر إخوته.و أسماؤهم:

روبيل،و قيل:روبين بالنّون و هو أكبرهم،و شمعون،و لاوي،و يهوذا،و زبالون،و قيل:زبلون،و آشر،و أمّهم «ليا»بنت لابان،هي ابنة خال يعقوب عليه السّلام،و ولد له من سريّتين-اسم إحداهما زلفة،و الأخرى يلهمة- أربعة أولاد:دان،و نفتالي و قيل:نفتولي،و جاد و أوشير،ثمّ توفّيت«ليا»فتزوّج يعقوب عليه السّلام أختها راحيل،فولدت له يوسف و بنيامين،و قيل:و ابن يامين،فكان بنو يعقوب عليه السّلام ثني عشر رجلا.(3:215)

مثله الخازن(3:215)،و نحوه الزّمخشريّ(2:

304)،و الفخر الرّازيّ(18:91)،و القرطبيّ(9:

130)،و أبو حيّان(5:282)،و الشّربينيّ(2:91).

أبو السّعود: أي في قصّتهم،و المراد بهم هاهنا،إمّا جميعهم فإنّ لبنيامين أيضا حصّة من القصّة،أو بنو علاّته المعدودون فيما سلف؛إذ عليهم يدور رحاها.(3:55)

الآلوسيّ: أي في قصصهم،و الظّاهر أنّ المراد ب«الإخوة»هنا ما أريد بالإخوة فيما مرّ.[و سيجيء فيما بعد ذيل كلمة«إخوتك»]

و ذهب جمع إلى أنّهم هناك بنو علاّته،و جوّز أن يراد بهم هاهنا ما يشمل من كان من الأعيان،لأنّ لبنيامين أيضا حصّة من القصّة،و يبعده على ما قيل: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ يوسف:8.(12:188)

اخوتك

قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ...

يوسف:5

أبو حيّان: و إخوة يوسف هم:كاذ،و بنيامين، و يهوذا،و نفتالي،و زبولون،و شمعون،و روبين،و يقال باللاّم:ك«جبريل،و جبرين»،و يساخا،و لاوي، و دان،و ياشير.(5:280)

أبو السّعود: و المراد بإخوته هاهنا الّذين يخشى غوائلهم و مكايدهم بنو علاّته الأحد عشر،و هم:

يهوذا،و روبيل،و شمعون،و لاوي،و زبالون، و يشجر،و دينه بنو يعقوب من«ليا»بنت خالته،و دان، و نفتالي،و جاد،و آشر بنوه من سريّتين،زلفة و بلهة.

و هؤلاء هم المشار إليهم بالكواكب الأحد عشر.

و أمّا بنيامين الّذي هو شقيق يوسف عليه السّلام و أمّهما

ص: 687

«راحيل»الّتي تزوّجها يعقوب عليه السّلام بعد وفاة أختها«ليا» أو في حياتها؛إذ لم يكن جمع الأختين إذ ذاك محرّما، فليس بداخل تحت هذا النّهي؛إذ لا يتوهّم مضرّته و لا يخشى معرّته،و لم يكن معدودا معهم في الرّؤيا؛إذ لم يكن معهم في السّجود ليوسف.(3:53)

البروسويّ: و هم بنو علاّته العشرة،كما هو المشهور إذ عدّ«دينة»من الرّجال سهو،فإنّ الأصحّ إنّها بنت ليا.[ثمّ ذكر قول أبي السّعود و قال:]

فقوله ليس بوجيه بل ليس بسديد؛إذ ليس في الإخوة من يسمّى«دينة»كما في حواشي سعدي المفتيّ، و لا يلزم من عدم كون بنيامين داخلا معهم في الرّؤيا أن لا يكون منهم باعتبار التّغليب،فهو حادي الأحد عشر.

(4:215)

الآلوسيّ: [ذكر قول أبي السّعود و إيراد البروسويّ عليه و أضاف:]

و من النّاس من ذكر ذلك[دينة]في عداد أولاد يعقوب إلاّ أنّه قال:هي أخت يوسف.و بناء الكلام عليه ظاهر الفساد بل لا تكاد تدخل في الإخوة إلاّ باعتبار التّغليب،لأنّه جمع أخ،فهو مخصوص بالذّكور.

فلعلّ المختار أنّ المراد من«الإخوة»ما يشمل الأعيان و العلاّت،و يعدّ بنيامين بدل«دينة»إتماما لأحد عشر عدّة الكواكب المرئيّة،و النّهي عن الاقتصاص عليه-و إن لم يكن ممّن تخشى غوائله-من باب الاحتياط و سدّ باب الاحتمال،و ممّا ذاع كلّ سرّ جاوز الاثنين شاع،و يلتزم القول بوقوع السّجود منه كسائر أهله.

و إسناد الكيد إلى الإخوة باعتبار الغالب فلا إشكال،كذا قيل.و هو على علاّته أولى ممّا قيل:إنّ المراد بإخوته ما لا يدخل تحته«بنيامين و دينة»،لأنّهما لا تخشى معرّتهما و لا يتوّهم مضرّتهما فهم حينئذ تسعة، و تكمل العدّة بأبيه و أمّه أو خالته،و يكون عطف الشّمس و القمر من قبيل عطف جبريل و ميكائيل على الملائكة،و فيه من تعظيم أمرهما ما فيه،لما أنّ في ذلك ما فيه.(12:183)

اخت

يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. مريم:28

ابن عبّاس: إنّ هارون هذا كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كلّ من عرف بالصّلاح.

نحوه قتادة،و ابن زيد،و كعب،و المغيرة بن شعبة.

(الطّبرسيّ 3:512)

سعيد بن جبير: إنّ هارون كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر و الفساد فنسبت إليه،و قيل لها:

يا شبيهته في قبح فعله.(الطّبرسيّ 3:512)

قتادة: كانت من أهل بيت يعرفون بالصّلاح و لا يعرفون بالفساد،و من النّاس من يعرفون بالصّلاح و يتوالدون به،و آخرون يعرفون بالفساد و يتوالدون به،و كان هارون مصلحا محبّبا في عشيرته،و ليس بهارون أخي موسى،و لكنّه هارون آخر.و ذكر لنا أنّه شيّع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلّهم يسمّون هارون من بني إسرائيل!!(الطّبريّ 16:77)

ص: 688

نحوه كعب،و ابن زيد.(الفخر الرّازيّ 21:207)

السّدّيّ: كانت من بني هارون أخي موسى،و هو كما تقول:يا أخا بني فلان.(الطّبريّ 16:78)

الكلبيّ:إنّ هارون كان أخاها لأبيها ليس من أمّها،و كان معروفا بحسن الطّريقة.(الطّبرسيّ 3:512)

الفرّاء: كان لها أخ يقال له:هارون من خيار بني إسرائيل و لم يكن من أبويها،فقيل:يا أخت هارون في صلاحه،أي إنّ أخاك صالح و أبواك أبواك كالتّعيير لها، أي أهل بيتك صالحون و قد أتيت أمرا عظيما.(2:167)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله قيل لها:يا أخت هارون،و من كان هارون هذا الّذي ذكره اللّه،و أخبر أنّهم نسبوا مريم إلى أنّها أخته، فقال بعضهم:قيل لها:(يا اخت هارون)نسبة منهم لها إلى الصّلاح،لأنّ أهل الصّلاح فيهم كانوا يسمّون هارون، و ليس بهارون أخي موسى.[و بعد نقل قول قتادة و غيره قال:]

و عن المغيرة بن شعبة، قال:بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى أهل نجران،فقالوا لي:أ لستم تقرءون (يا أُخْتَ هارُونَ) ؟قلت:بلى،و قد علمتم ما كان بين عيسى و موسى،فرجعت إلى رسول اللّه،فأخبرته، فقال:«أ لا أخبرتهم أنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم و الصّالحين قبلهم؟».

و قال بعضهم: عني به هارون أخو موسى،و نسبت مريم إلى أنّها أخته،لأنّها من ولده.يقال للتّميميّ:

يا أخا تميم،و للمضريّ:يا أخا مضر.

و قال آخرون: بل كان ذلك رجلا منهم فاسقا معلن الفسق،فنسبوها إليه.

و الصّواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي ذكرناه،و أنّها نسبت إلى رجل من قومها.(16:78)

الهرويّ: أي يا شبيهة هارون في الزّهد و الصّلاح، و كان رجلا عظيم الذّكر في زمانه.

و قيل:كان لمريم أخ يقال له:هارون.(1:26)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى: (يا أُخْتَ هارُونَ) كيف يصحّ أن يقال لها ذلك و بينها و بين هارون أخي موسى الزّمن الطّويل؟

و جوابنا أنّه ليس في الظّاهر أنّه هارون الّذي هو أخو موسى،بل كان لها أخ يسمّى بذلك،و إثبات الاسم و اللّقب لا يدلّ على أنّ المسمّى واحد.

و قد قيل:كانت من ولد هارون كما يقال للرّجل من قريش:يا أخا قريش.(247)

الفخر الرّازيّ: [قال بعد ذكر قول قتادة،و سعيد ابن جبير،و السّدّيّ:]

الرّابع:كان لها أخ يسمّى هارون من صلحاء بني إسرائيل فعيّرت به،و هذا هو الأقرب لوجهين:

الأوّل:أنّ الأصل في الكلام الحقيقة،و إنّما يكون ظاهر الآية محمولا على حقيقتها لو كان لها أخ مسمّى بهارون.

الثّانيّ:أنّها أضيفت إليه و وصف أبواها بالصّلاح، و حينئذ يصير التّوبيخ أشدّ،لأنّ من كان حال أبويه و أخيه هذه الحالة يكون صدور الذّنب عنه أفحش.

(21:207)

ص: 689

نحوه الشّربينيّ.(2:423)

أبو حيّان: و هارون شقيقها أو أخوها من أمّها، و كان من أمثل بني إسرائيل،أو هارون أخو موسى إذ كانت من نسله،أو رجل صالح من بني إسرائيل شبّهت به،أو رجل من النّاس و شبّهوها به أقوال.و الأولى أنّه أخوها الأقرب.[ثمّ ذكر حديث المغيرة](6:186)

ابن كثير: عن القرظيّ هي أخت هارون لأبيه و أمّه،و هي أخت موسى أخي هارون الّتي قصّت أثر موسى فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ القصص:11.

و هذا القول خطأ محض،فإنّ اللّه تعالى قد ذكر في كتابه أنّه قفا بعيسى بعد الرّسل،فدلّ على أنّه آخر الأنبياء بعثا،و ليس بعده إلاّ محمّد صلوات اللّه و سلامه عليهما،و لهذا ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«أنا أولى النّاس بابن مريم لأنّه ليس بيني و بينه نبيّ»،و لو كان الأمر كما زعم محمّد بن كعب القرظيّ،لم يكن متأخّرا عن الرّسل سوى محمّد،و لكان قبل سليمان و داود،فإنّ اللّه قد ذكر أنّ داود بعد موسى عليهما السّلام في قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:246، و ذكر القصّة،إلى أن قال: وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ البقرة:251.

و الّذي جرّأ القرظيّ على هذه المقالة ما في التّوراة بعد خروج موسى و بني إسرائيل من البحر و إغراق فرعون و قومه،قال:و قامت مريم بنت عمران أخت موسى و هارون النّبيّين تضرب بالدّفّ هي و النّساء معها يسبّحن اللّه و يشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل.

فاعتقد القرظيّ أنّ هذه هي أمّ عيسى،و هذا هفوة و غلطة شديدة،بل هي باسم هذه،و قد كانوا يسمّون بأسماء أنبيائهم و صالحيهم.[ثمّ استشهد برواية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله](4:453)

عزّة دروزة: يا أُخْتَ هارُونَ كناية عمّا كانت تعرف به مريم من التّقوى،و تشبيها لها بهارون أخي موسى عليهما السّلام،الّذي كان رئيس كهنة اللّه.(3:40)

الطّباطبائيّ: [قال بعد ذكر رواية المغيرة بن شعبة:]

و أورد الحديث في الدّرّ المنثور مفصّلا،و في مجمع البيان مختصرا،عن المغيرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و معنى الحديث أنّ المراد بهارون في قوله: يا أُخْتَ هارُونَ رجل مسمّى باسم هارون النّبيّ أخي موسى عليه السّلام و لا دلالة فيه على كونه من الصّالحين كما توهّمه بعضهم.

(14:53)

عبد الكريم الخطيب: أختلف في هارون هذا من يكون؟[فذكر الأقوال إلى أن قال:]

و الّذي نأخذ به أنّ هارون هذا هو هارون النّبيّ، و قد أضيفت إليه،و لم تضف إلى موسى،لأنّها كانت من نسل هارون،و لأنّ موسى لم يعقّب نسلا.و أضيفت إليه إضافة أخوّة لا إضافة بنوّة،لأنّ أبناء هارون و ذرّيّته المتعاقبة منهم لم يكونوا على حال واحدة من الاستقامة و التّقوي،ففيهم الصّالح،و فيهم الفاسد.فهي و إن كانت بنت هارون نسبا،هي أخته و صنوه استقامة و صلاحا.

(8:732)

ص: 690

و جاء في التّفاسير نحو ما نقلناه انظر الميبديّ(6:

34)،و البيضاويّ(2:32)،و النّسفيّ(3:33)،و ابن كثير(4:452)،و أبا السّعود(3:280)،و البروسويّ (5:329)،و الآلوسيّ(16:88)،و فريد وجدي (399)،و الطّباطبائيّ(14:45).

اخته

وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ. (القصص:11)

الضّحّاك: يعني أخت موسى،و اسمها كلثمة.

(الطّبرسيّ 4:242)

الطّبريّ: و قالت أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليمّ.(قصّيه)(20:38)

الثّعلبيّ: و اسمها مريم بنت عمران،و افق اسمها اسم مريم أمّ عيسى عليه السّلام.

مثله السّهيليّ.(القرطبيّ 13:256)

البغويّ: أي لمريم أخت موسى.(5:137)

نحوه الميبديّ(7:271)،و الزّمخشريّ(3:

167)،و الخازن(5:137)،و البيضاويّ(2:188)، و النّسفيّ(3:228)،و أبو حيّان(7:107).

السّهيليّ: [اسمها]كلثوم.

[و هذا أيضا مرويّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]

(القرطبيّ 13:256)

الفخر الرّازيّ: و كانت أخته لأبيه و أمّه و اسمها مريم.(24:230)

أبو السّعود: مريم،و التّعبير عنها بأخوّته عليه الصّلاة و السّلام دون أن يقال:لبنتها،للتّصريح بمدار المحبّة الموجبة للامتثال بالأمر.(4:149)

مثله الآلوسيّ.(20:50)

البروسويّ: أي لأخت موسى.لم يقل:لبنتها للتّصريح بمدار المحبّة و هو الأخوّة؛إذ به يحصل امتثال الأمر.و اسم أخته مريم بنت عمران،و افق اسم مريم أمّ عيسى،و اسم زوجها غالب بن يوشا.

قال بعضهم: و الأصحّ أنّ اسمها كلثوم لا مريم.[ثمّ يحتجّ برواية الزّبير ابن بكّار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]

(6:386)

المراغيّ: و قالت لابنتها و كانت كبيرة.

(20:40)

اختها

1- ...كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها... الأعراف:38

ابن عبّاس: يعني الّتي سبقتها إلى النّار،و هي أختها في الدّين لا في النّسب،يريد أنّهم يلعنون من كان قبلهم.(الطّبرسيّ 2:417)

نحوه الطّوسيّ(4:424)،و القرطبيّ(7:204).

السّدّيّ: كلّما دخلت أهل ملّة لعنوا أصحابهم على ذلك الدّين،يلعن المشركون المشركين،و اليهود اليهود و النّصارى النّصارى،و الصّابئون الصّابئين،و المجوس المجوس،تلعن الآخرة الأولى.(الطّبريّ 8:173)

نحوه الفخر الرّازيّ(14:73)،و النّيسابوريّ(8:

111).

الطّبريّ: كلّما دخلت النّار جماعة من أهل ملّة

ص: 691

لعنت أختها،يقول:شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملّتها،تبرّيا منها.

و إنّما عني بالأخت الأخوّة في الدّين و الملّة،و قيل:

أختها و لم يقل:أخاها،لأنّه عنى بها أمّة و جماعة أخرى،كأنّه قيل:كلّما دخلت أمّة لعنت أمّة أخرى من أهل ملّتها و دينها.(8:173)

نحوه البغويّ و الخازن(2:182)،و البروسويّ(3:

159).

أبو مسلم الأصفهانيّ: يلعن الأتباع القادة و الرّؤساء إذا حصلوا في العذاب،بعد ما كانوا يتوادّون في الدّنيا،يقولون:أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم اللّه.

(الطّبرسيّ 2:417)

الزّمخشريّ: الّتي ضلّت بالاقتداء بها.(2:78)

مثله البيضاويّ(1:348)،و الشّربينيّ(1:474)، و الكاشانيّ(2:195)،و رشيد رضا(8:413).

الزّبيديّ: إشارة إلى مشاركتهم في الولاية.

(10:11)

الآلوسيّ: أي دعت على نظيرها في الدّين،فتلعن التّابعة المتبوعة الّتي أضلّتها،و تلعن المتبوعة التّابعة الّتي زادت في ضلالها.(8:116)

الطّباطبائيّ: و الأخت:المثل.(8:113)

2- وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها...

الزّخرف:48

الهرويّ: أي من الّتي تشبهها.(1:26)

البغويّ: أي قرينتها و صاحبتها الّتي قبلها.

(6:114)

القرطبيّ: و معنى الأخوّة المشاكلة و المناسبة،كما يقال:هذه صاحبة هذه،أي هما قريبتان في المعنى.

(16:197)

أبو حيّان: و كنّى بأختها مناسبتها،تقول:هذه الذّرّة أخت هذه،أي مناسبتها.(8:21)

البروسويّ: الأخت:تأنيث الأخ،و جعلت التّاء فيها كالعوض عن المحذوف منه،أي أعظم عن الآية الّتي تقدّمتها ليكون العذاب أعظم.و لمّا كانت الآية مؤنّثا عبّر عنها بالأخت و سمّاها أختها،في اشتراكهما في الصّحّة و الصّدق،و كون كلّ منهما نظيرة الأخرى و قرينتها و صاحبتها في ذلك،و في كونها آية.(8:375)

الطّباطبائيّ: الأخت:المثل،و قوله: هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها كناية عن كلّ واحدة منها بالغة في الدّلالة على حقيقة الرّسالة.(18:109)

اخواتكم

1- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ...

النّساء:23

الطّوسيّ: و الأخوات،سواء كنّ لأب و أمّ أو لأب أو لأمّ.(3:157)

مثله الفخر الرّازيّ(10:28)،و النّسفيّ(1:217)، و النّيسابوريّ(5:7)،و الخازن(1:419)،و الشّربينيّ (2:292)،و البروسويّ(2:186)،و المراغيّ(4:

219)،و عبد الكريم الخطيب(2:734).

أبو حيّان:الأخت المحرّمة:كلّ من جمعك و إيّاها

ص: 692

صلب أو بطن.(3:210)

2- وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ... النّساء:23

الطّبرسيّ: يعني بنات المرضعة،و هنّ ثلاث:

الصّغيرة الأجنبيّة الّتي أرضعتها أمّك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولدها قبلك أو بعدك،و الثّانية:

أختك لأمّك دون أبيك و هي الّتي أرضعتها أمّك بلبان غير أبيك،و الثّالثة:أختك لأبيك دون أمّك و هي الّتي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك.(2:28)

مثله الفخر الرّازيّ(10:30)،و القرطبيّ(5:

112).

الفخر الرّازيّ: ...المسألة الثّانية:أنّه تعالى نصّ في هذه الآية على حرمة الأمّهات و الأخوات من جهة الرّضاعة إلاّ أنّ الحرمة غير مقصورة عليهنّ لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»،و إنّما عرفنا أنّ الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات؛ و ذلك لأنّه تعالى لمّا سمّى المرضعة أمّا و المرضعة أختا، فقد نبّه بذلك على أنّه تعالى أجرى الرّضاع مجرى النّسب؛و ذلك لأنّه تعالى حرّم بسبب النّسب سبعا:

اثنتان منها هما المنتسبتان بطريق الولادة و هما الأمّهات و البنات،و خمس منها بطريق الأخوّة و هنّ الأخوات و العمّات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت.

ثمّ إنّه تعالى لمّا شرع بعد ذلك في أحوال الرّضاع، ذكر من هذين القسمين صورة واحدة تنبيها بها على الباقي،فذكر من قسم قرابة الولادة الأمّهات،و من قسم قرابة الأخوّة الأخوات،و نبّه بذكر هذين المثالين من هذين القسمين على أنّ الحال في باب الرّضاع كالحال في النّسب،ثمّ إنّه عليه السّلام أكّد هذا البيان بصريح قوله:«يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»فصار صريح الحديث مطابقا لمفهوم الآية،و هذا بيان لطيف.(10:29)

نحوه النّيسابوريّ(5:7)،الشّربينيّ(1:292).

البيضاويّ: نزل اللّه الرّضاعة منزلة النّسب حتّى سمّى المرضعة أمّا،و المراضعة أختا،و أمرها على قياس النّسب باعتبار المرضعة،و والد الطّفل الّذي درّ عليه اللّبن.

قال عليه الصّلاة و السّلام: «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»و استثناء أخت ابن الرّجل و أمّ أخيه من الرّضاع من هذا الأصل ليس بصحيح،فإنّ حرمتهما من النّسب بالمصاهرة دون النّسب.(1:212)

الخازن: كلّ أنثى انتسبت باللّبن إليها فهي أمّك و بنتها أختك،و إنّما نصّ اللّه على ذكر الأمّ و الأخت ليدلّ بذلك على جميع الأصول و الفروع،فنبّه بذلك أنّه تعالى أجرى الرّضاع مجرى النّسب.(1:419)

الطّباطبائيّ: المراد به الأخوات الملحقة بالرّجل من جهة إرضاع أمّه إيّاها بلبن أبيه و هكذا.(4:264)

عبد الكريم الخطيب:كلّ من أرضعتهم المرأة هم إخوة،و لو لم تكن قد ولدتهم،و يحرم عليهم التّزوّج من بعض،حرمة الأخوّة من الميلاد.(2:735)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الإخاء على ستّة وجوه:

فوجه منها:الأخ من أبيه و أمّه أو من أحدهما،

ص: 693

فذلك قوله لابن آدم: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ المائدة:30،من أبيه و أمّه.و قال: فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي المائدة:31،و كان أخاه.و قال: وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ النّساء:12،و نحو ذلك.

و الوجه الثّاني:الأخ في النّسب،و ليس من أبيه و لا أمّه و لا على دينه،فذلك قوله: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً هود:50،ليس بأخيهم في الدّين و لا في الأب و الأمّ،و لكن أخاهم في النّسب،و قوله: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85،و هود:84، و العنكبوت:36،ليس بأخيهم في الدّين و لكن أخاهم في النّسب،من غير أبيهم و أمّهم،مثله في الشّعراء:

106،124،142،161.

الوجه الثّالث:الأخ في الدّين،و الولاية في الشّرك؛ فذلك قوله: وَ إِخْوانُهُمْ يعني الشّياطين من الكفّار في الدّين،و الولاية في الشّرك يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ الأعراف:202،كما قال: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ الإسراء:27،في الدّين و الولاية.

و الوجه الرّابع:الأخ في دين الإسلام و الولاية، فذلك قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:

10،يعني في دين الإسلام و الولاية.

و الوجه الخامس:الأخ،يعني الصّاحب،فذلك قوله: إِنَّ هذا أَخِي ص:23،يعني صاحبي.و قال:

أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً الحجرات:12.

و الوجه السّادس:الأخ في الحبّ و المودّة،فذلك قوله: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الحجر:47، يعني في الحبّ و المودّة بعضهم لبعض.(307)

2Lالدّامغانيّ: [مثل مقاتل إلاّ أنّه أضاف معنى واحدا و قال:]

و الوجه السّابع:الأخت:الشّبيه،قوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الأعراف:38،أي شبهها.

(79-81)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو القوّة،فالأخ يعني الصّديق و الصّاحب،و هو يدلّ على التّعاضد و التّناصر.

و قد قرن الأخ بالرّمح في قولهم:الرّمح أخوك و ربّما خانك.

و منه الأخيّة،و هي عود أو حبل تشدّ إليه الدّابّة،و تعني أيضا الحرمة و الذّمّة،يقال:لفلان أواخي و أسباب ترعى،و له عندي أخيّة،أي ماتّة قويّة و وسيلة قريبة.

2-و جعل بعضهم أصلها القصد،بعدّ الهمزة مبدلة من واو،و علّلوا تسمية الأخ بهذا الاسم بأنّ قصده قصد أخيه.

و قال آخرون: إنّ همزتها أصليّة،بيد أنّ العامّة يبدلون الهمزة«واوا»في قولهم:و اخى الرّجل صاحبه يواخي مؤاخاة.

و إن كانت همزته مبدلة من واو-على القول الأوّل- فينبغي أن يقال للأخ:وخ،و للأخو:وخو،و هذا ما لم يقل به أحد.

و قولهم:واخيته تخفيف آخيته،و هي لغة يمانيّة معروفة منسوبة إلى طيّئ،و ليست لغة العامّة-على القول الثّاني-،أو لغة ضعيفة كما يحلو لبعض أن ينعتها.

3-أمّا واو«أخو»فيبدو أنّها أصليّة فيه بدليل

ص: 694

ظهورها عند التّثنية و الجمع،و هذا ما يلحظ في بعض اللّغات السّاميّة كالآشوريّة و الأكديّة و غيرهما.

و كذا تاء«أخت»بدل من الواو،و لا تفارق الكلمة إفرادا و تثنية و جمعا و نسبة،سوى ما نقل الجوهريّ من أنّ النّسبة إلى الأخت«أخويّ».و لكنّ يونس نقل عن العرب«أختيّ»بإثبات التّاء و عدم إبدالها من الواو.

و ما ذكره الجوهريّ قياس،لأنّه عقّب على قول يونس بقوله:و ليس بقياس.

و يلحظ ثبوت تاء«أخت»أيضا في جميع اللّغات السّاميّة دون استثناء.

4-و أساس اللّفظ-على أكثر الأقوال-ثلاثيّ الحروف،يتكوّن من الهمزة و الخاء و الواو،حتّى لو استعمل بلفظ الثّنائيّ«أخ»على خلاف بينهم،تقدّم في أصالة الهمزة،و كونها مبدلة من الواو.

5-و قد ذكر بعضهم في«أخو»أخّ لي أخيّة، يريدون بها الحبل يثبت في الأرض تشدّ إليه الدّوابّ، و كأنّهم لحظوا في الهمزة و الخاء و الحرف المعتلّ معنى القوّة،إذا انصرف إلى الأخيّة،و هي الرّابطة القويّة الّتي تربط إليها السّوائم فلا تستطيع الفرار،و لو لا القوّة المتوفّرة فيه لما أمكن أن يستفاد منه تلك الفائدة.

كما نقل بعضهم أنّ الأخّ و الأخّة لغة في الأخ و الأخت،فكأنّ اللّفظين قد أعيدا إلى الهمزة و الخاء المشدّدة و بلا حرف علّة.و بغضّ النّظر عن سلامة هذا الرّأي أو عدم سلامته فإنّه يشير إلى احتواء اللّفظ على معنى القوّة؛ف«أخ»كلمة توجّع و تأوّه تقال حين يشتدّ الألم و يقوى،و كذا في استعمالاته الأخرى.

6-و تكمن القوّة في«أ خ و»من حيث العلاقة النّسبيّة و السّببيّة بين اثنين قد يكونان من أب و أمّ أو من أحدهما،كما قد لا يكون كذلك؛كأن تكون العلاقة القائمة بينهما مسبّبة عن الإيمان أو ما إليه كالرّضاع؛بحيث تكتسب تلك العلاقة قوّة تعوّض عن القوّة المكتسبة بوحدة النّسب،و على هذا المحور يدور الاستعمال القرآنيّ كما يأتي.

7-و لا خلاف بينهم في أنّ إطلاق«الأخ»على الشّخص لعلاقة الإيمان أو الرّضاع أو الصّداقة و نحوها مجاز.و قد انفرد العلاّمة الطّباطبائيّ-كما تقدّم في النّصوص-أنّه حقيقة شرعيّة بجعل الشّارع«أو العرف»،و لا تترتّب ثمرة مهمّة على هذا الخلاف.

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

الأوّل-ورد«الأخ و الأخت»مجرّدين و متّصلين بالضّمائر«96»مرّة،في«31»سورة مكّيّة و مدنيّة،منها «82»بلفظ المذكّر،و«14»بلفظ المؤنّث.و كان أكثر ورود اللّفظ في سورة يوسف«18»مرّة و سورة النّساء «10»مرّات ثمّ سورة الأعراف«9»مرّات.

الثّاني-و يدور الاستعمال القرآنيّ على المحور اللّغويّ المبنيّ على أخذ القوّة في«أ خ و»بصورتيها المذكّرة و المؤنّثة،سواء كانت دالّة على توحّد النّسب أم على توحّد السّبب المحقّق لمعنى القوّة في العلاقة،حتّى تصل إلى درجة الأخوّة و الإخاء.

نعم،إنّ معنى القوّة ملحوظ بكلّ جلاء في دلالة

ص: 695

«الإخوة»على التّلازم و التّماسك و النّصرة و شدّ الأزر و ما إلى ذلك،كما في هذه الآيات:

قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً

القصص:35

وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي

طه:29،30

وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً القصص:34

الثّالث-ثمّ يتجلّى فيه معنى التّراحم و التّعاطف و المودّة،و لو لا القوّة النّسبيّة أو السّببيّة الّتي تشدّ أواصر الأخوّة لما ظهر بينهم من التّراحم و التّعاطف و المودّة، لكي يصل إلى التّمازج الكلّيّ و العناية الفائقة لمن اتّصف بصفة الأخوّة،حتّى إنّهم ليشتركون في الدّعاء،كما تفرض العلاقة النّسبيّة الاشتراك في الميراث.

أمّا التّراحم ففي هذه الآيات:

فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً

آل عمران:103

وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الحجر:47

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ

الحجرات:10

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الحشر:10

الرّابع-و بالنّظر لتضمّن«أ خ و»معاني القوّة الّتي تولّد التّراحم و التّعاطف و العناية بشئون المتّصفين بالأخوّة،قيل لبعض الأنبياء:إنّه أخو قومه،أخوّة قائمة على أساسين:الأساس الأوّل:أنّه منهم نسبا، و الأساس الثّاني:أنّه متمتّع بقوّة ذاتيّة تدفعه-بأمره تعالى-إلى أن يرحم قومه و يعطف عليهم و يعني بشئونهم،فيدعوهم إلى ما ينفعهم في دنياهم و آخرتهم:

وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65

وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:73

وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85

و هكذا...

فهم إخوة أقوامهم تتمثّل أخوّتهم حبّا و شفقة، و لذلك تأهّلوا لكي يتوجّهوا بدعوتهم إليه.و لا يعقل أن يتوجّه نبيّ إلى قوم لا تشدّه إليهم أواصر الأخوّة،بما تتضمّنه من ملامح القوّة و التّعاطف و المحبّة.

الخامس-و تتأنّث لفظة«أخو»فتتحوّل إلى «أخت»الّتي تدلّ في القرآن الكريم على الأخت للأب أو للأمّ أو لكليهما أو للرّضاعة.هذا من حيث النّسب و الرّضاع،أمّا من حيث السّبب فإنّ الأخت-في بعض مواطن الاستعمال القرآني-تدلّ على الشّبهيّة و المماثلة لغيرها،على ما في قوله تعالى:

وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها

الزّخرف:48

كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الأعراف:38

و في ما عداهما دلّت(أخت)على الّتي تحقّق فيها العلاقة النّسبيّة:

وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ النّساء:12

وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ النّساء:23

ص: 696

وَ لَهُ أُخْتٌ النّساء:176 و هكذا

هذا في الكتاب و السّنّة و كذلك في موارد التّشريع، و بيان القانون الإسلاميّ في الأحوال الشّخصيّة من زواج و ميراث،و ما إلى ذلك.

السّادس-و نلاحظ أنّ(أخ،أخ،أخا)وردت خمس مرّات،و هو نفس عدد مرّات ورود(أخويكم، إخوان،إخوان،إخوانا).

و قد وردت لفظة(أخ)بمفردها أو بالإضافة إلى الضّمائر على صيغة المفرد اثنتين و خمسين مرّة،و بلفظ المثنّى مرّة واحدة(أخويكم)،و بلفظ الجمع بصيغة (إخوان)اثنتين و عشرين مرّة،و بلفظ(إخوة)سبع مرّات.

فيكون تسلسل الاستعمال من الأكثر إلى الأقلّ على هذا النّسق:أخ«52»إخوان«22»أخت«14»إخوة «7»أخويكم«1».

فالأخ هو الإطار العامّ،و الإخوان فرعه القويّ لما فيه من المحبّة و التّآلف،ثمّ يقلّ الاستعمال:

فتكون(الأخت)ضعف(الإخوة)تماما.

و يكون(إخوان)ثلاثة أمثال(الإخوة)تقريبا، و يتبقّى واحد خارج الإطار.

و يكون(أخ)سبعة أمثال(الإخوة)تقريبا،و يتبقّى له ثلاثة خارج الإطار.

السّابع-نستخلص من كثرة ورود(إخوان)نسبة إلى(إخوة)أنّ التّوصيف بالأوّل أشيع و أسبر،فكأنّه أعمّ من الإخوة؛إذ يضمّ علاقة السّبب و علاقة النّسب، بينما يختصّ الإخوة بعلاقة النّسب،اللّهمّ إلاّ قوله تعالى:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10،و في هذا إنزال العلاقة بين المؤمنين منزلة عالية من التّواشج السّببيّ المصوغ بلفظ دالّ على التّواشج النّسبيّ.

ص: 697

ص: 698

أ د د

اشارة

إدّا

لفظ واحد:مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: الإدّ:الأمر الفظيع،تقول:فعلت فعلا إدّا.

و لقد أدّت فلانا داهية تؤدّه أدّا.و الإدادة واحدة الإداد،من قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا مريم:

89،أي أمرا فظيعا.(8:100)

ابن السّكّيت: يقال:إنّه لصلّ أصلال،أي داهية دواه،و إدّ آداد،و فلق أفلاق؛يريد داهية.(184)

ابن أبي اليمان:الإدّ:الأمر المنكر العجيب.

(306)

كراع النّمل:و أدّ النّاقة:حنينها،و مدّها لصوتها.

(ابن سيده 9:362)

ابن دريد: و الإدّ من الأمر:العظيم الفظيع.و في التّنزيل العزيز: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا.

و الأدّ،و الأيد،و الآدّ:القوّة،يقال:رجل ذو آدّ و أيد.و في التّنزيل: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ...

الذّاريات:47،أي بقوّة.

و أدّت الإبل تئدّ أدّا،إذا حنّت إلى أوطانها فرجّعت الحنين في أجوافها.و أدّت الإبل تئدّ أدّا،إذا ندّت.

(1:15،16)

النّحّاس: يقال:أدّ يؤدّ أدّا فهو آدّ-و الاسم الإدّ- إذا جاء بشيء عظيم منكر.(القرطبيّ 11:156)

ابن خالويه:الإدّ و الأدّ:العجب،و قيل:العظيم المنكر.

و الأدّة:الشّدّة،و أدّني الأمر و آدني:أثقلني و عظم عليّ إدّا.(الزّمخشريّ 2:525)

الأزهريّ: قال ابن بزرج:أددت الحبل أدّا و إدّا، أي مددته.قال:و الإدّة:الشّدّة،بكسر الهمزة.

و قال غيره:الأدّ:صوت الوطء.

و أدّ البعير يؤدّ أدّا و إدّا،و هو ترجيع الحنين.

و يقال:تأدّد يتأدّد،إذا تشدّد،فهو متأدّد.

(14:236)

ص: 699

الجوهريّ: أدّت النّاقة تؤدّ أدّا،إذا رجّعت الحنين في جوفها.

و الأديد:الجلبة.و شديد أديد،إتباع له.

و الإدّ بالكسر،و الإدّة:الدّاهية،و الأمر الفظيع، و منه قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا، و كذلك الآدّ، مثل«فاعل».و جمع الإدّة:إدد.

و أدّت فلانا داهية تؤدّه أدّا بالفتح.

و الأدّ أيضا:القوّة.[ثمّ استشهد بشعر](2:440)

ابن فارس: و أمّا الهمزة و الدّال في المضاعف فأصلان:أحدهما عظم الشّيء و شدّته و تكرّره،و الآخر النّدود.

فأمّا الأوّل:فالإدّ و هو الأمر العظيم.قال اللّه تعالى:

لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا، أي عظيما من الكفر.

و أمّا الثّاني:فقال ابن دريد:أدّت الإبل،إذا ندّت.

(1:11)

أبو هلال: الفرق بين العجب و الإدّ،أنّ الإدّ العجب المنكر،و أصله من قولك:أدّ البعير،كما تقول:

ندّ،أي شرد.فالإدّ العجب الّذي خرج عمّا في العادة من أمثاله.و العجب استعظام الشّيء لخفاء سببه،و المعجب ما يستعظم لخفاء سببه.(213)

الهرويّ: في حديث عليّ:«قال:رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في المنام،فقلت:ما لقيت بعدك من الإدد و الأود».و الإدد:الدّواهي العظام،واحدتها:إدّة.

(29)

مثله ابن الأثير(1:31)،و الطّريحيّ(3:6).

ابن سيده: الإدّ و الإدّة:العجب،و الأمر الفظيع العظيم؛و جمع الإدّ:آداد،و جمع الإدّة:إدد.

و أمر إدّ:وصف به.هذه عن اللّحيانيّ،و في التّنزيل:

لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا مريم:89.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإدّ:الدّاهية.

و أدّت الدّاهية،تئدّ و تؤدّ أدّا،و أرى اللّحيانيّ حكى:

تأدّ،فإمّا أن يكون بنى ماضيه على«فعل»،و إمّا أن يكون من أبى يأبى.

و أدّه الأمر يؤدّه،و يئدّه،أدّا:دهاه.

و الأدّ:الغلبة و القوّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدّت الإبل تؤدّ أدّا:رجعت الحنين في أجوافها.

و أدّ البعير يؤدّ أدّا:هدر.

و أدّ الشّيء يؤدّه أدّا:مدّه.

و أدّ في الأرض يؤدّ أدّا:ذهب.

و أدد الطّريق:درره.

و أدّ،و أدد،و أدد:أبو عدنان،و هو أدّ بن طابخة.[ثمّ استشهد بشعر]

قال ابن دريد:أحسب أنّ الهمزة في«أدّ»واو لأنّه من الودّ،أي الحبّ،فأبدلت الواو همزة،كما قالوا:أقّتت، و أرّخ الكتاب.(9:361)

الأدّ:ترجيع الإبل الحنين في أجوافها،أدّت تؤدّ أدّا.

(الإفصاح 2:739)

الميبديّ: الإدّ:الدّاهية،و هي الأمر الشّديد، يقال:أدّ الأمر يئدّ،إذا عظم.(6:83)

الزّمخشريّ: بقيت منه في داهية إدّة،و لقيت منه كلّ شدّة.(أساس البلاغة:4)

ابن منظور:الإدّ و الإدّة:العجب،و الأمر الفظيع

ص: 700

العظيم،و الدّاهية،و كذلك الآدّ مثل«فاعل».و جمع الإدّ:إداد،و جمع الإدّة:إدد.و أمر إدّ وصف به.

و أدّ البعير يؤدّ أدّا:هدر.

و أدّ الشّيء و الحبل يؤدّه أدّا:مدّه.

و أدّ في الأرض يؤدّ أدّا:ذهب.

و أدد الطّريق:درره[قصده].(3:71)

الفيروزآباديّ: الإدّ و الإدّة،بكسرهما:العجب، و الأمر الفظيع،و الدّاهية،و المنكر،كالأدّ بالفتح، و الجمع:إداد و إدد.

و الأدّ و الإدّ و الآدّ:الغلبة و القوّة.

و أدّ البعير:هدر،و النّاقة:حنّت،و الشّيء:مدّه، و في الأرض:ذهب.

و أدّته الدّاهية تؤدّه و تئدّه و تأدّه:دهته.و التّأدّد التّشدّد.

و أدد كعمر مصروفا،و بضمّتين:أبو قبيلة.

(1:283)

فريد وجدي: الإدّ و الأدّ:العظيم المنكر،و منه أدّني الأمر،و آدني،أي:ثقل عليّ و عظم.(405)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أدّه الأمر:دهاه و عظم عليه،و الإدّ:الدّاهية،و الأمر الفظيع،و الشّدّة.(33)

الطّباطبائيّ: الإدّ:بكسر الهمزة:الشّيء المنكر الفظيع.(14:111)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الشّدّة و الأمر العظيم الّذي هو غير منتظر.و يكون خلاف الجريان الصّحيح،كما أنّ نسبة الولد إلى اللّه العزيز المتعال كذلك،فإنّها نسبة منكرة.(1:37)

2Lمحمود شيت: 1-أ-أدّ في سيره أدّا،و أديدا:

اشتدّ فيه و أسرع.و الأمر فلانا أدّا:اشتدّ عليه و دهاه.

و الحبل:شدّه.

ب-تأدّد:تشدّد.

ج-الأدد:امتداد الطّريق و استقامته.

د-الإدّ و الإدّة:الأمر الدّاهي المنكر.الجمع:إداد.

ه-الأديد:الجلبة.

2-أ-أدّ في السّير أدّا و أديدا:أسرع،و سير أديد:

سريع.و يستعمل في المسيرات.

ب-الأدد:امتداد الطّريق و استقامته،و تستعمل الكلمة في الطّبغرافيّة العسكريّة.

ج-الأديد:الجلبة،يقال:في المعسكر أديد:صخب و جلبة.و أديد القصف:جلبته.(1:37)

النّصوص التّفسيريّة

ادّا

لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. مريم:89

ابن عبّاس: قولا عظيما.(الطّبريّ 16:129)

مثله مقاتل.(البغويّ 4:211)

منكرا عظيما

مثله مجاهد،و قتادة،و ابن زيد.

(الطّوسيّ 7:151)

ابن زيد: شيئا كبيرا من الأمر حين دعوا للرّحمن ولدا.(الطّبريّ 16:129)

الفرّاء: قرأت القرّاء بكسر الألف،إلاّ أبا عبد الرّحمن السّلميّ فإنّه قرأها بالفتح(أدّا)،و من

ص: 701

العرب من يقول:لقد جئت بشيء آدّ مثل مادّ،و هو في الوجوه كلّها بشيء عظيم.(2:173)

أبو عبيدة: عظيما من أعظم الدّواهي.(2:11)

الطّبريّ: لقد جئتم أيّها النّاس شيئا عظيما من القول منكرا.

و في«الإدّ»لغات ثلاث،يقال:لقد جئت شيئا إدّا بكسر الألف،و أدّا بفتح الألف،و آدّا بفتح الألف و مدّها،على مثال مادّ«فاعل».

و قرأه قرّاء الأمصار،و بها نقرأ.و قد ذكر عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّه قرأ ذلك بفتح الألف.و لا أرى قراءته كذلك،لخلافها قراءة قرّاء الأمصار.و العرب تقول:لكلّ أمر عظيم:إدّ،و إمر،نكر.(16:129)

الهرويّ: يقال:جاء بأمر إدّ،أي منكر عظيم.

(1:29)

الثّعلبيّ: و فيه ثلاث لغات:إدّا بالكسر،و هي قراءة العامّة،و أدّا بالفتح،و هي قراءة السّلميّ،و آدّ مثل مادّ،و هي لغة لبعض العرب.رويت عن ابن عبّاس و أبي العالية،و كأنّها مأخوذة من الثّقل،يقال:آده الحمل يئوده أودا:أثقله.(القرطبيّ 11:156)

الرّاغب: أي أمرا منكرا يقع فيه جلبة،من قولهم:

أدّت النّاقة تئدّ،أي رجّعت حنينها ترجيعا شديدا.

و الأديد:

الجلبة،و أدّ قيل:من الودّ أو من أدّت النّاقة.(14)

الميبديّ: قل لهم يا محمّد لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا آتيتم أمرا منكرا،و قلتم قولا عظيما،أي كفرا عظيما.

و الإدّ:الدّاهية،و هي الأمر الشّديد،يقال:أدّ الأمر يئدّ،إذا عظم.(6:83)

النّيسابوريّ: التفات من الغيبة إلى المخاطبة، تسجيلا عليهم بالجرأة و التّعرّض لسخطه.

و الإدّ:الأمر العجيب أو المنكر،و التّركيب يدلّ على الشّدّة،و الثّقل.و منه:أدّت النّاقة تؤدّ:إذا رجّعت الحنين في جوفها.(16:84)

أبو السّعود: ردّ لمقالتهم الباطلة و تهويل لأمرها بطريق الالتفات،المنبئ عن كمال السّخط،و شدّة الغضب،المفصح عن غاية التّشنيع و التّقبيح،و تسجيل عليهم بنهاية الوقاحة و الجهل و الجراءة.

و الإدّ،بالكسر و الفتح:العظيم المنكر،و الإدّة:

الشّدّة،و أدّني الأمر و آدني:أثقلني و عظم عليّ،أي فعلتم أمرا منكرا شديدا لا يقادر قدره.فإنّ«جاء و أتى» يستعملان في معنى«فعل»فيعدّيان تعديته.(3:294)

نحوه البروسويّ(5:357)،و الآلوسيّ(16:

139)،و المراغيّ(16:85).

عزّة دروزة: عظيما،أو شديدا،أو فظيعا،أو منكرا.(3:66)

حجازيّ: الإدّ و الإدّة:الدّاهية و الأمر الفظيع، و المراد:أتيتم منكرا عظيما.(16:36)

الأصول اللّغويّة

1-قد مرّت في النّصوص لمادّة«أدّ»معان ثلاثة:

أ-الأمر الفظيع المنكر،أو المنكر العجيب،أو الدّاهية الفظيعة،أو الأمر الشّديد و نحوها،فهي عبارات شتّى و المغزى واحد.

ص: 702

ب-حنين النّاقة و مدّها لصوتها،أو ترجيع الحنين في جوفها،و مدّ الحبل،و صوت الوطء،و امتداد المشي على الأرض.و العنصر الأصليّ في الجميع هو الامتداد.

ج-القوّة و الغلبة،و هو عند ابن فارس أصلان:

عظم الشّيء و شدّته و تكرّره.

النّدود،أي الحنين.

و عند غيره الشّدّة،و جريان الأمر على غير مجراه.

و الظّاهر أنّ الأصل فيه القوّة و الشّدّة،و سائر المعاني ناشئة عنها،فإنّ الأمر إذا قوي و اشتدّ غلب على غيره و خرج عن مجراه،فينقلب منكرا عجيبا و داهية فظيعة، كما أنّه يمتدّ و يتكرّر.و ما حنين النّاقة و مدّ الحبل و امتداد المشي على الأرض إلاّ من القوّة.

2-و يبدو وجود علاقة-لفظا و معنى-بين أدّ،و آدّ، و آد،و أيد،و أود،و يد.و الأصل في الجميع هو القوّة و الشّدّة؛فالأود:الثّقل و الحفظ،و هو ناشئ عن القوّة.

قال ابن دريد:«الأدّ و الأيد و الآدّ:القوّة»،و ذكر «الأيد»في مادّة«أدد»باعتبار أنّ التّضعيف إذا انفكّ ينقلب ياء،فأصل أيد:أدّ.

3-و يبدو بالاستقراء أنّ«إدّا و أدّا»أدلّ على معنى القوّة من«أيد»،لما في لفظها من الكزازة و التّماسك الّذي لا يفسح مجالا للرّاحة،على ما تقوم به الياء من وظيفة النّطق في«أيد»،فهو حرف من حروف المدّ و الاستطالة الّتي تحقّق للمتكلّم نبرة استراحيّة مفتقدة في لفظ«أدّ».

4-و هذه القوّة الموجودة في اللّفظ تمتزج بمعنى دنيء،فتكسبه مزيدا من الشّناعة و القباحة.

و لم نجد في العربيّة الفصيحة قبل القرآن استعمالا للفظ«الإدّ»إلاّ و هو دالّ على القوّة فقط،حتّى إذا جاء القرآن أضاف إلى تلك الدّلالة معنى مستقبحا؛بحيث انتقلت من أساليب المدح و الافتخار في العصر الجاهليّ إلى أساليب الهجاء في عصر ما بعد القرآن،فلم يكد أحدهم يفتخر بأنّه قد جاء بأمر«إدّ»،أو أنّه قد عمل «شيئا إدّا»لاكتساب هذا اللّفظ دلالة مستقبحة،بعد أن وصف به القرآن عمل الّذين قالوا: اِتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً مريم:88،القول الّذي تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:

90،فاستحال معنى القوّة المنطوية فيه سابقا إلى معنى الفضاعة الممعنة في المنكر و الدّاخلة فيه بقوّة؛بحيث تتشابك الدّلالة مع اللّفظ تشابكا دقيقا و تمازجا كاملا، فإذا باللّفظ نفس اللّفظ و لكنّ الدّلالة غير الدّلالة.و بهذا التّحوّل تركّز معنى القوّة في«أيد»فقط،لأنّه لم يذكر إلاّ في مواطن الخير و الافتخار،لاحظ«أ ي د».

الاستعمال القرآنيّ

و فيه بحوث:

الأوّل-لم يجئ في القرآن إلاّ مرّة واحدة في آية مكّيّة:

وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:88،90.

الثّاني-و لم يكن في(ادّا)كما قلنا،عنصر الفظاعة و المنكر حتّى إذا ما جاء في القرآن استنكارا لدعوى

ص: 703

المشركين أنّه تعالى اتّخذ ولدا،فدخل فيه هذا العنصر و استقرّ فيه،و اشتبكت فيه الدّلالة مع اللّفظ.و هذا يتلائم مع توجيه الخطاب إليهم و الالتفات عن الغيبة في (لَقَدْ جِئْتُمْ) الدّالّ على خطورة الموقف و عظم الأمر و شناعة القول المتمثّلة في قوله: تَكادُ السَّماواتُ...

إلى آخر الآيات.

الثّالث-و يجب التّنبيه على أنّ اختيار(ادّا)-مع ما فيه من تلك المفاهيم السّاميّة فيه تنسيق لفواصل الآي في سورة مريم،فلاحظ.

الرّابع-و يبقى سؤال هو لما ذا استعملت هذه المادّة في القرآن مرّة واحدة؟فهل فيه إشارة إلى أنّ فظاعة الأمر و ثقل المعنى و ندرة الوجود و الاستعمال بحيث لا يقع إلاّ مرّة واحدة؟أو أنّه كان من الألفاظ النّادرة في لغة العرب،فلا يكاد يستعمل إلاّ لضرورة لفظيّة أو معنويّة؟

و هذا السّؤال يطرح في كلّ ما جاء في القرآن مرّة واحدة،و البحث عنه يفتح أمامنا بابا جديدا إلى سرّ بلاغة القرآن و كنوزها المكنونة.

ص: 704

إدريس

اشارة

لفظ واحد،مرّتان مكّيّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

و التّفسيريّة و التّاريخيّة

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا.

مريم:56

وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ.

الأنبياء:85

ابن مسعود: هو إلياس،بعث إلى قومه بأن يقولوا:لا إله إلاّ اللّه،و يعملوا ما شاءوا فأبوا و أهلكوا.(أبو حيّان 6:200)

ابن عبّاس: هو إلياس.(الطّبرسيّ 4:59)

وهب بن منبّه: إدريس جدّ نوح،الّذي يقال له:

خنوخ،و هو اسم سريانيّ.و قيل:عربيّ،مشتقّ من الدّراسة،لكثرة درسه الصّحف.(السّيوطي 4:68)

السّدّيّ: هو أوّل نبيّ بعثه اللّه بعد آدم و شيث.(الميبديّ 6:56)

ابن إسحاق: كان إدريس أوّل بني آدم أعطي النّبوّة،و هو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم.(السّيوطيّ 4:68)

الطّبريّ: [بعد ذكر آباء إدريس إلى أبيه«يرد» قال:]ثمّ نكح يرد فيما حدّثنا ابن حميد قال:حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق و هو ابن مائة سنة و اثنتين و ستّين سنة:

بركنا[ابن الأثير 1:59 بركتا،المقدسيّ 3:11 بركيا] ابنة الدّرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، فولدت له أخنوخ بن يرد و أخنوخ إدريس النّبيّ و كان أوّل بني آدم أعطي النّبوّة فيما زعم ابن إسحاق،و خطّ بالقلم.فعاش يرد بعد ما ولد له أخنوخ ثمانمائة سنة، و ولد له بنون و بنات،فكان كلّ ما عاش يرد تسعمائة سنة و ستّين ثمّ مات.

و قال غيره من أهل التّوراة:ولد ل«يرد»أخنوخ و هو إدريس،فنبّأه اللّه عزّ و جلّ،و قد مضى من عمر آدم ستّمائة سنة و اثنتان و عشرون سنة،و أنزل عليه ثلاثون صحيفة،و أوّل من خطّ بعد آدم و جاهد في سبيل

ص: 705

اللّه و قطع الثّياب و خاطها،و أوّل من سبي من ولد قابيل فاسترقّ منهم.و كان وصيّ والده«يرد»فيما كان آباؤه أوصوا به إليه،و فيما أوصى به بعضهم بعضا،و ذلك كلّه من فعله في حياة آدم.

و توفّي آدم عليه السّلام بعد أن مضى من عمر خنوخ ثلاثمائة سنة و ثماني سنين تتمّة تسعمائة و ثلاثين سنة الّتي ذكرنا أنّها عمر آدم.

قال:و دعا خنوخ قومه،و وعظهم و أمرهم بطاعة اللّه عزّ و جلّ و معصية الشّيطان،و ألاّ يلابسوا ولد قابيل، فلم يقبلوا منه.و كانت العصابة بعد العصابة من ولد شيث تنزل إلى ولد قابيل.

قال:و في التّوراة،إنّ اللّه تبارك و تعالى رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة و خمس و ستّين سنة مضت من عمره.

[إلى أن قال:]

حدّثني الماضي بن محمّد عن أبي سليمان عن القاسم ابن محمّد عن أبي إدريس الخولانيّ عن أبي ذرّ الغفاريّ قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا أبا ذرّ أربعة-يعني من الرّسل-سريانيّون:آدم،و شيث،و نوح،و خنوخ [الصّدوق في المعاني:333،و الخصال:524 أخنوخ و هو إدريس]،و هو أوّل من خطّ بالقلم و أنزل اللّه تعالى على خنوخ ثلاثين صحيفة.

و قد زعم بعضهم أنّ اللّه بعث إدريس إلى جميع أهل الأرض في زمانه،و جمع له علم الماضين،و أنّ اللّه عزّ و جلّ زاده مع ذلك ثلاثين صحيفة.

قال:فذلك قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى* صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى الأعلى:18،19.

قال:يعني بالصّحف الأولى الّتي أنزلت على ابن آدم:هبة اللّه و إدريس عليهما السّلام.

(تاريخ الأمم و الملوك 1:115،116)

نحوه المسعوديّ(1:50)،و ابن كثير.(البداية و النّهاية 1:99)،و ابن الأثير(الكامل 1:59)،و أبي الفداء(1:9)،و المقدسيّ(3:11)،و الثّعلبيّ(29)، و هوتسما(1:543).

البغويّ: هو جدّ أبي نوح،و اسمه أخنوخ.سمّي إدريس،لكثرة درسه الكتب.و كان خيّاطا،و هو أوّل من خطّ بالقلم،و أوّل من خاط الثّياب و لبس الثّياب المخيطة،و كانوا من قبل يلبسون الجلود.و أوّل من اتّخذ السّلاح و قاتل الكفّار،و أوّل من نظر في علم الحساب.(4:202)

مثله الطّبرسيّ(3:519)و الخازن(4:202).

الميبديّ: هو جدّ أبي نوح،و هو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ.و بين إدريس و آدم خمسة آباء، و هم أخنوخ بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم.و في قول آخر بينهما أربعة آباء:أخنوخ ابن مهلائيل بن أنوش بن شيث بن آدم.و في قول:إنّ اسم إدريس هو إلياس.و في قول:أخنوخ،و هو الأصحّ.

و سمّي إدريس لكثرة درسه الصّحف المنزّلة عليه.

و قيل:إدراسين.و أنزل عليه ثلاثون صحيفة،و في رواية خمسون صحيفة.

و قيل:سمّي إدريس لكثرة تدريسه إيّاه.[ثمّ ذكر مثل البغويّ](6:55)

ص: 706

الزّمخشريّ: قيل:سمّي إدريس لكثرة دراسته كتاب اللّه عزّ و جلّ،و كان اسمه أخنوخ.

و هو غير صحيح،لأنّه لو كان«افعيلا»من الدّرس لم يكن فيه إلاّ سبب واحد و هو العلميّة فكان منصرفا، فامتناعه من الصّرف دليل العجمة،و كذلك إبليس أعجميّ و ليس من الإبلاس كما يزعمون،و لا يعقوب من العقب و لا إسرائيل بإسرال كما زعم ابن السّكّيت، و من لم يحقّق و لم يتدرّب بالصّناعة كثرت منه أمثال هذه الهنات.و يجوز أن يكون معنى إدريس في تلك اللّغة قريبا من ذلك،فحسبه الرّاوي مشتقّا من الدّرس.

و أنزل اللّه عليه ثلاثين صحيفة،و هو أوّل من خطّ بالقلم و نظر في علم النّجوم و الحساب،و أوّل من خاط الثّياب و لبسها،و كانوا يلبسون الجلود.(2:513)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:233)،و البيضاويّ(2:

36).

الرّازيّ: قيل:سمّي إدريس عليه السّلام لكثرة دراسته كتاب اللّه تعالى،و اسمه أخنوخ بخاءين معجمتين بوزن «مفعول».(222)

القرطبيّ: إدريس عليه السّلام أوّل من خطّ بالقلم،و أوّل من خاط الثّياب و لبس المخيط،و أوّل من نظر في علم النّجوم و الحساب و سيرها.و سمّي إدريس لكثرة درسه لكتاب اللّه تعالى.و أنزل اللّه تعالى عليه ثلاثين صحيفة كما في حديث أبي ذرّ.

قال الثّعلبيّ و الغزنويّ و غيرهما: و هو جدّ نوح، و هو خطأ.و كذا وقع في السّيرة أنّ نوحا عليه السّلام بن لامك ابن متوشلخ بن أخنوخ،و هو إدريس النّبيّ فيما يزعمون.

و كان أوّل من أعطي النّبوّة من بني آدم،و خطّ بالقلم، ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم.

(11:117)

النّيسابوريّ: أمّا إدريس،فالأصحّ أنّه اسم أعجميّ،بدليل منع الصّرف،كما مرّ مرارا في آدم و يعقوب و غيرهما.

و قيل:«إفعيل»من الدّرس،لكثرة دراسته كتاب اللّه.و لعلّ معناه بالأعجميّة قريب من الدّراسة،فظنّه القائل مشتقّا منها.(16:66)

أبو حيّان: [ذكر مثل البغويّ و أضاف].

إدريس اسم أعجميّ منع من الصّرف للعلميّة و العجمة،و لا جائز أن يكون«افعيلا»من الدّرس كما قال بعضهم،لأنّه كان يجب صرفه؛إذ ليس فيه إلاّ سبب واحد،و هو العلميّة.(6:200)

ابن خلدون: يقال لمك بن متوشلخ،بفتح اللاّم و سكونها:ابن أخنوخ،و يقال:أخنوخ و يقال:أشنخ، و يقال:أخنخ:و هو إدريس النّبيّ.فيما قاله ابن إسحاق:

ابن يرد،و يقال:بيرد ابن مهلائيل.و يقال:ما هلائل بن فاين،و يقال:قينن بن أنوش.

و يقال:يانش بن شيث بن آدم،و معنى شيث عطيّة اللّه.هكذا نسبه ابن إسحاق و غيره من الأئمّة،و كذا وقع في التّوراة نسبه،و ليس فيه اختلاف بين الأئمّة.

و نقل ابن إسحاق: أنّ خنوخ الواقع اسمه في هذا النّسب هو إدريس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو خلاف ما عليه الأكثر من النّسّابين،فإنّ إدريس عندهم ليس بجدّ لنوح و لا في عمود نسبه.

ص: 707

و قد زعم الحكماء الأقدمون أيضا:أنّ إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم.(2:5)

الفيروزآباديّ: إدريس:اسمه بالسّريانيّة خنوخ، و يقال:أخنوخ،و معناه كثير العبادة.و أمّا إدريس فاسم أعجميّ غير منصرف.و قيل:مشتقّ من الدّرس.

و الدّراسة بمعنى القراءة،سمّي به لكثرة ما درس من كتب اللّه،فإنّه كان يحفظ صحف آدم و صحف شيث على ظهر قلبه.و كانت صحف آدم واحدا و خمسين صحيفة، و صحف شيث عشرين،و صحفه خاصّة ثلاثين،و كان يحفظ الجميع و يدرّسه.

قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «ما اجتمع قوم في مسجد من مساجد اللّه يتلون كتاب اللّه و يتدارسونه إلاّ نزلت عليهم السّكينة و غشيتهم الرّحمة،و ذكرهم اللّه فيمن عنده»

و كان إدريس أوّل من خطّ،و أوّل من خاط،و أوّل من أخبر عن علم الهيئة و الحساب و أحكام النّجوم و تأثير الكواكب بالتّأييد السّماويّ و المدد الرّبّانيّ،رفع اللّه عنه بدعائه إحساس حرارة الشّمس،و عبد اللّه حتّى تمنّت الملائكة المقرّبون صحبته.

دعاه اللّه في التّنزيل باثني عشر اسما:السّاجد، و الباكي خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58،مجتبى، و مهديّ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا مريم:58،رفيع الشّأن،عليّ المكان وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا مريم:57، صالح وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ الأنبياء:72،صابر كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ الأنبياء:85،صدّيق،و نبيّ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم:56،مذكور،و إدريس وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ مريم:56.

و ذكره باسمه في موضعين:

وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ الأنبياء:

85، وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ مريم:56.

(بصائر ذوي التّمييز 6:51)

الطّريحيّ: إدريس:هو أخنوخ،أحد أجداد نوح عليه السّلام،رفع إلى السّماء بعد ثلاثمائة و خمس و ستّين سنة.

قيل:سمّي إدريس لأنّه كان يكثر الدّرس بحكم اللّه،و سنن الإسلام.

قال الشّيخ أبو عليّ:و فيه نظر،لأنّ الاسم أعجميّ و لذلك امتنع عن الصّرف،و لو كان«افعيلا»من الدّرس لم يكن فيه غير سبب و هو العلميّة،و كان يجب أن ينصرف.

و قد أنزل اللّه ثلاثين صحيفة عليه.و هو أوّل من خاط الثّياب و لبسها،و كانوا يلبسون الجلود،و هو أوّل من خطّ بالقلم و نظر في علم النّجوم و الحساب.

(4:70)

الآلوسيّ: هو نبيّ قبل نوح،و بينهما على ما في المستدرك عن ابن عبّاس ألف سنة.و هو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السّلام و عن وهب بن منبّه أنّه جدّ نوح عليه السّلام،و المشهور أنّه جدّ أبيه،فإنّه ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ.

و هو أوّل من نظر في النّجوم و الحساب،و جعل اللّه تعالى ذلك من معجزاته على ما في البحر.و أوّل من خطّ بالقلم و خاط الثّياب و لبس المخيط و كان خيّاطا،و كانوا

ص: 708

قبل يلبسون الجلود.و أوّل مرسل بعد آدم،و قد أنزل اللّه تعالى عليه ثلاثين صحيفة.و أوّل من اتّخذ الموازين و المكاييل و الأسلحة،فقاتل بني قابيل.

و عن ابن مسعود أنّه إلياس،بعث إلى قومه أن يقولوا:لا إله إلاّ اللّه،و يعملوا ما شاءوا فأبوا و أهلكوا.

و المعوّل عليه الأوّل و إن روى القول بأنّه إلياس ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن مسعود.

و هذا اللّفظ سريانيّ عند الأكثرين و ليس مشتقّا من الدّرس،لأنّ الاشتقاق من غير العربيّ ممّا لم يقل به أحد،و كونه عربيّا مشتقّا من ذلك يردّه منع صرفه.نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللّغة قريبا من ذلك، فلقّب به لكثرة دراسته.(16:105)

عزّة دروزة: إدريس عليه السّلام يذكر هنا[سورة مريم] لأوّل مرّة.و قد ذكر مرّة ثانية في سورة الأنبياء.و ذكر المفسرون أنّه من أجداد نوح عليه السّلام،و أنّ اسمه أخنوخ.

و هذا الاسم قد ورد في الإصحاح الخامس من سفر التّكوين كجدّ من أجداد نوح فعلا.و قد جاء في هذا الإصحاح عنه:«و سلك أخنوخ مع اللّه و لم يوجد بعد لأنّ اللّه أخذه»حيث يلمح شيء من التّطابق مع ما ذكر عنه في الآية الّتي ورد اسمه فيها،و لكنّا لا ندري كيف انقلب إلى إدريس.

و قد قال ابن منظور في لسان العرب: إنّه سمّي بذلك لكثرة دراسته كتاب اللّه تعالى،و اسمه أخنوخ.و هذا يعني أنّ الاسم عربيّ الاشتقاق و الجذر.و قد أورد المفسّرون بيانات معزوّة إلى علماء الأخبار و السّير عن إدريس و معارفه و أوّليّته في الكتابة و علم الحساب، و استعمال السّلاح و قتال الكفّار و رفعه إلى السّماء فعلا، و وجوده الآن في السّماء الرّابعة.

و في ما روي عن إدريس و معارفه تطابق ما،مع ما ذكره ابن منظور عنه و عن اشتقاق اسمه من مادّة درس،الّتي من معانيها كثرة الدّراسة.

و ننبّه مع ذلك إلى أنّنا لم نطّلع على شيء موثّق ممّا ذكر عنه،و أنّنا نميل إلى التّحفّظ.و نرى فيه تزيّدا لا طائل منه في موضوع السّلسلة و هدفها،و إن كنّا نرى فيه أنّه يدلّ على أنّ سامعي القرآن أو بعضهم لم يكونوا يجهلون اسمه و نبوّته و عظم شأنه عند اللّه.(3:53)

الطّباطبائيّ: إنّ إدريس النّبيّ كان اسمه أخنوخ، و هو من أجداد نوح عليهما السّلام،على ما ذكر في سفر التّكوين من التّوراة،و إنّما اشتهر بإدريس لكثرة اشتغاله بالدّرس.[و فيه روايات في«إدريس»،فراجع.]

(14:64)

المراغيّ: النّسّابون يقولون:إنّه جدّ أبي نوح عليه السّلام، و يقولون:إنّه أوّل من خطّ بالقلم و خاط الثّياب و لبس المخيط،و كانوا قبله يلبسون الجلود.و أوّل من نظر في النّجوم و تعلّم الحساب،و جعل اللّه ذلك من معجزاته.

و إنّ تقادم العهد،و طول الزّمن،و عدم وجود السّند الصّحيح الّذي يعوّل عليه في الرّواية،يجعلنا في شكّ من كلّ هذا،فعلينا أن نكتفي بما جاء به الكتاب الكريم في شأنه.و قد وصفه اللّه بجملة صفات كلّها مفاخر و مناقب إعظام و إجلال:

1-إنّه كان صدّيقا.

2-نبيّا.

ص: 709

3-و رفعناه مكانا عليّا.أي أعلينا قدره و رفعنا ذكره في الملإ،و نحو هذا قوله لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ الانشراح:4.

و يرى بعض الباحثين في الآثار المصريّة أنّ إدريس تعريب لكلمة«أوزريس،أموريس»و هو الّذي ألّف له المصريّون القدماء رواية خلّدت في بطون تواريخهم، و منها أنّه حصل بينه و بين أخيه تحاسد و شقاق أدّى إلى قتله و تقطيعه إربا إربا،فجمعت امرأته تلك القطع و حفظتها و حنّطتها،و اتّخذوه إلها بعد أن كان مصلحا عظيما.

و هذا القصص الخرافيّ جعل المصريّين يعنون بتحنيط الموتى،و قد أفاد هذا العمل صناعة التّحنيط و رقّاها حتّى صارت مضرب الأمثال في الخافقين.

و قد كان الملك و الدّين في عهد تلك الدّولة أمرا واحدا،فالملك يجمع بين شئون الدّين و الدّنيا،فمن عصى الملك فقد عصى اللّه.

و يعتقدون أن«أوزريس»صعد إلى السّماء و صار إلى العالم العلويّ،و له عرش عظيم في السّماء،و يتمتّع بأعظم الخيرات،و كلّ من حفظ جسمه و وزنت أعماله بعد الموت و حكم القضاة-و هم اثنان و أربعون قاضيا- بأنّ حسناته غلبت سيّئاته،يلحق ب«أوزريس»،و هذا النّبيّ الّذي جعلوه إلها بعد ذلك هو الّذي علّمهم العلوم و المعارف،و ينسبون الفضل في ذلك إليه.

و قد ارتقت الأمّة المصريّة في العلوم و المعارف إلى حدّ لم تصل إليه أمّة أخرى لا في القديم و لا في الحديث، و خدمت النّوع البشريّ خدمة جليلة،فارتفاع إدريس إلى السّماء راجع إلى رقيّ تعاليمه و انتفاع أمّته بها،فالنّبيّ بأمّته،و من ثمّ تجد آثار أمّته بادية للعيان،بعد أن كانت خافية عن الأنظار.(16:64)

محمّد إسماعيل إبراهيم: أوّل من أعطي النّبوّة بعد آدم عليه السّلام إدريس و شيث عليهما السّلام،و كان إدريس أوّل من خطّ بالقلم،و قد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة و ثماني سنين،و قد ثبت في الصّحيحين في حديث الإسراء أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مرّ به في السّماء الرّابعة.

و في بعض الرّوايات أنّ إدريس عليه السّلام كان أوّل الأنبياء ثمّ تلاه نوح ثمّ إبراهيم ثمّ إسماعيل و إسحاق ثمّ يعقوب ثمّ يوسف ثمّ لوط ثمّ هود ثمّ صالح ثمّ شعيب ثمّ موسى و هارون ثمّ إلياس.(186)

البستانيّ: إدريس:اسم نبيّ يقول العرب:إنّه هو نفس أخنوخ المارّ ذكره[2:639]،و يزعم اليونان أنّه هو نفس هرمس الحكيم المصريّ.و قال العرب:إنّ اليونان سمّوه بهذا الاسم و الكلّ واحد.و فرّق قوم بين إدريس و أخنوخ مع ما يرى من الاتّفاق البيّن بين ترجمتهما،كما سترى هنا و رأيت في أخنوخ.

و أمّا تاريخ وجوده بحسب أقوال العرب فكان موافقا أيضا لتاريخ وجود أخنوخ،و يقولون:إنّه ابن يارد،كما يقول اليهود و النّصارى عن أخنوخ.

قال العرب: و إنّما دعي بإدريس لأنّه كان كثير الدّرس.و لا يبعد أن يكون هو نفس أخنوخ،و لا موجب لجعلهما اثنين مع اتّفاق قصّتهما و نسبهما.

و أمّا ترجمة إدريس على قول العرب فهي أنّه كان

ص: 710

نبيّا و ملكا عظيما و حكيما فريدا،ولد بمصر،و أنّه أرسل من اللّه نبيّا و منذرا لنسل قابيل أو قابين،ليرجعوا عن غيّهم و كفرهم و يتوبوا إلى اللّه،و يسيروا في طريق الحقّ و الفضيلة.فلم يصدّقه أكثرهم،فشهر عليهم الحرب و أخذ يجاهد في سبيل اللّه،و هو أوّل من فعل ذلك،فغلبهم و استعبدهم و سبى نساءهم و أولادهم، فكانوا له أرقّاء أيضا.

و قالوا:إنّه أوّل من رسم بعمارة المدن،و جمع طلاّب العلم و قرّر لهم قواعد السّياسة بالمدنيّة.و أنّه كان من العلم و الحكمة في أرفع المنازل،و أنّ اللّه أنزل إليه ثلاثين صحيفة،فعرف أسرار العالم و الكون،و لم يخف عليه شيء.و أنّه أوّل من خطّ بالقلم،و اخترع الخياطة، و لبس ثيابا و لم تكن قبله.و أنّه اخترع علم الهيئة و النّجوم و الحساب و الرّياضة و المنطق و الطّبيعيّات و اللاّهوت و أسرار الفلك.و أنّه صبّ الرّصاص ذهبا بصّاصا،فكان ذلك دليل خبرته بفنّ الكيمياء.و أنّه ألّف كتبا كثيرة فيها أسرار الرّبوبيّة،لكنّ اللّه جعلها تسقط من يده في البحر،و يختفي أثرها،لحكمة منه في كتم ما فيها من الأسرار الّتي لا يجوز للنّاس أن يعرفوها.و أنّه قبل رفعه إلى السّماء بقي ستّ عشرة سنة لا ينام و لا يأكل و لا يشرب حتّى بقي عقلا مجرّدا،فخالط أرواح الملائكة و حصل له المعراج منسلخا عن البشريّة.

و قيل:بل رفع بجسده و كان عمره 365 سنة.

و قالوا:إنّه يبقى حيّا لا يذوق الموت،و أنّه إذا مات النّاس أجمع يوم القيامة تصيبه دهشة كالموت.و قيل:

بل يستأذن ملك الموت اللّه سبحانه بأن يذيق إدريس الموت فيأذن له،و يدخله جهنّم ليراها ثمّ يدخل الجنّة فيلبث فيها إلى الأبد.و هذا تقريبا نفس القول في أخنوخ و إيليا.[و لكلامه تتمّة](دائرة المعارف 2:671)

المصطفويّ: [نقل أقوال السّابقين من الطّبريّ و المسعوديّ و هوتسما و بعض العبارات من سفر التّكوين ثمّ قال:]

فقد ظهر ممّا نقلنا لك أمور:

1-أنّ إدريس هو أخنوخ بن يارد،و نسبه مضبوط في التّكوين.

2-أنّ أخنوخ قد ضبط في العبريّة بلفظ حنوخ.

3-أنّ حنوخ من مادّة حانخ العبريّة و هي بمعنى التّعليم و التّربية،و لا يبعد أن يكون إدريس ترجمة لها إن كان عربيّا من الدّرس.

4-أنّ إدريس يمكن أن يكون مأخوذا من ارميس أو طرميس يونانيّة كما سبق،و يحتمل أن يكون مأخوذا من العبريّة:«دارش»-الوعظ:و الّذي يقوى في النّظر كونه معرّبا لا عربيّا.

5-فلا يبعد أن يكون إدريس اسما آخر له باعتبار صفة أو خصوصيّة فيه،كما في يعقوب و إسرائيل،محمّد و أحمد،عيسى و المسيح.

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا مريم:56،57.

وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ الأنبياء:85.

يستفاد من الآيتين الكريمتين مقامه السّامي في الصّدق و الحقّ،و ارتفاعه إلى مقام عليّ من الرّوحانيّة

ص: 711

و الحقيقة،و كونه من الأنبياء المرسلين في مرتبة إسماعيل و ذي الكفل،و أنّه من الصّابرين على الحقّ الّذين هم استقاموا على الطّريقة الإلهيّة،و أداء الوظائف المعيّنة.

[إلى أن قال:]

فظهر ممّا ذكر أنّ إدريس لا شكّ أنّه أخنوخ بن يارد، و أنّه قبل نوح،و أنّه من الأنبياء الصّدّيقين.

و أمّا أنّ كلمة«إدريس»هل هي معرّبة من السّريانيّة أو العبرانيّة أو اليونانيّة؟و هل هي كانت وصفا أو لقبا أو اسما آخر له؟فلا مأخذ لنا في تحقيقها.

و أقوال أخر يقال في هذا المورد:من أنّ كلمة «إدريس»عربيّة من مادّة«الدّرس»،و أنّه من أنبياء بني إسرائيل،و أنّه هو إلياس أو غيره،و أنّه بعد زمان نوح النّبيّ.كلّها ضعيفة ساقطة.(1:45:46)

الأصول اللّغويّة

1-قال المتقدّمون فيه:إنّه عربيّ مشتقّ من الدّرس، فهو على وزن«إفعيل»و سمّي بهذا الاسم لكثرة دراسته كتاب اللّه،أو لكثرة تدريسه الصّحف.و ردّ المتأخّرون هذا الرّأي بقولهم:بأنّه لو كان عربيّا ما منعه من الصّرف مانع،و العلميّة وحدها لا تمنعه من الصّرف،و هو دليل على أعجميّته.

و تعقيبا على ما ذكر فإنّ أوزان المبالغة كلّها سماعيّة، و«إفعيل»غير مسموع فيها،فلو كان من الدّرس فتكثيره«درّاس»كما جاء في اللّغة،و ما قيل:إنّه من التّدريس هو وهم،لأنّ هذه الأوزان تبنى من الأفعال الثّلاثيّة المجرّدة،و التّدريس مزيد فيه.

2-و الصّحيح أنّه سريانيّ معرّب.و قد ورد بألفاظ مختلفة في هذه اللّغة،فقالوا:«أندرياس»و«أندراس»و «أندروس»و«أندريس» (1).و اللّغة الأخيرة مطابقة للّفظ المعرّب،إلاّ أنّ همزته مكسورة فيه،كما هو ديدن العرب مع الأسماء الأعجميّة؛إذ أنّهم يتصرّفون فيها تصرّفا فاحشا،مثلما قالوا:إنجيل و أنجيل.و حذفوا النّون،لأنّها لا تقع بين همزة و دال في اسم عربيّ،سوى وقوعها بينهما في لفظ«أندر»بمعنى بيدر أو كدس حنطة، و لعلّه لفظ سريانيّ،فاللّغويّون يقولون:إنّه لغة شاميّة، ثمّ سكّنوا الدّال للتّخفيف فصار«إدريس».

3-و اختلفوا في المسمّى كاختلافهم في الاسم،فقال بعضهم:هو إلياس،و قال الجمهور:هو أخنوخ،الوارد ذكره في التّوراة،و قال اليونانيّون:هو هرمس الحكيم (2)

و سبب هذا الخلاف يرجع إلى عدم ورود اسمه في عمود النّسب،و لكنّ النّسّابين أجمعوا على أنّ أخنوخ الوارد اسمه في العمود هو إدريس نفسه،و هو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، و هو أبو جدّ نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ.

4-و قد وقع خلاف في ضبط لفظ أخنوخ و في أسماء آبائه أيضا،لأنّ هذه الأسماء عبريّة،و مخارج حروفها تختلف عن مخارج العربيّة،فلقد ورد بلفظ«أخنوخ» و هو أشهرها،و«حنوخ».

و قالوا فيه أيضا:«خنوخ»بدون همز،و«أخنخ»

ص: 712


1- المعجم المقارن(فرهنگ تطبيقي)للدّكتور محمّد جواد مشكور(1:9).
2- دائرة المعارف للبستانيّ(2:671).

بحذف حرف المدّ لاختلاس حركة النّون،و«أحنوخ».

الاستعمال القرآنيّ،و فيه:

1-على الرّغم من تأكيد النّصوص على أنّ إدريس هذا هو من أجداد نوح،فالمستفاد من القرآن أنّه أحد أنبياء بني إسرائيل.فقد مرّ في صدر البحث أنّ إدريس جاء في آيتين،إحداهما في سورة مريم و الأخرى في الأنبياء.

أمّا الّتي في مريم فإنّها متأخّرة عن ذكر جماعة من الأنبياء،فقد بدأت هذه السّورة بذكر زكريّا و يحيى ثمّ مريم و عيسى،ثمّ عادت إلى ذكر إبراهيم و موسى و هارون و إسماعيل(صادق الوعد)إلى أن تقول:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا* وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا :56،57،و أضافت مباشرة:

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا... :58،و هذا السّياق كأنّه تصريح بأنّ إدريس من ذرّيّة آدم،و ممّن حمل مع نوح،و من ذرّيّة إبراهيم و إسرائيل،و إلاّ فهذا السّياق يرفض على أقلّ تقدير أنّ إدريس من أجداد نوح.

و أمّا آية الأنبياء فلعلّها أقرب من ذلك،فإنّ تلك السّورة تبدأ بسرد قصص الأنبياء بذكر موسى و هارون، ثمّ إبراهيم و لوط،ثمّ إسحاق و يعقوب،ثمّ تعود إلى الخلف لتذكر: وَ نُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ الأنبياء:76، ثمّ ترجع إلى داود و سليمان و أيّوب،إلى أن تقول:

وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ الأنبياء:85،ثمّ تذكر ذا النّون،ثمّ زكريّا و يحيى.

فالمشاهد في هذا السّياق ذكر إدريس بعد داود و سليمان،و قبل ذي النّون و زكريّا و يحيى،و هؤلاء كلّهم من بني إسرائيل.و في نفس الآية ذكر إدريس مع إسماعيل و ذي الكفل.و إسماعيل هذا إمّا ابن إبراهيم،أو رجل آخر يسمّى«صادق الوعد»،و هو الظّاهر هنا بقرينة آية مريم؛حيث جاء فيها: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ إلى أن قال: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم:56، و بقرينة قوله: وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ص:48،لاحظ«إسماعيل».

فإنّ إسماعيل و ذا الكفل هما من بني إسرائيل،و قد جاء إدريس متوسّطا بينهما في آية الأنبياء: وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ، و لا أقل من أنّ هذا السّياق في الآيات يأبى كون إدريس من أجداد نوح،لو لا أنّه كالتّصريح في كونه من بني إسرائيل،و أنّ هؤلاء كلّهم من الصّابرين على ما أصابهم من هذه الأمّة العاصية العاتية العنيدة.

2-و وصف إدريس في الآيتين بأنّه كان صدّيقا نبيّا،و أنّه من الصّابرين كشأن سائر الأنبياء.و السّياق يشعر بالدّوام،و أنّه كان مداوما على هذه الخصال، كملكة راسخة فيه،و لو لا ذلك لما استحقّ النّبوّة و الزّعامة.و لا يخفى أنّ هذا الوصف نفسه قد جاء في نفس السّورة في شأن إبراهيم شيخ الأنبياء: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم:41،و كفى به عظمة،كما أنّ الصّبر من أوصاف أولي العزم من

ص: 713

الرّسل: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:35.

3-و جاء التّعبير ب (اذْكُرْ فِي الْكِتابِ) الدّالّ على مزيد من التّبجيل في شأن إبراهيم و موسى و مريم و إسماعيل (صادِقَ الْوَعْدِ) و إدريس فقط.كما جاء التّعبير ب(أذكر)في شأن داود و أيّوب و إبراهيم و إسحاق و يعقوب و إسماعيل و ذي الكفل و اليسع و لوط(أخى عاد).و هذه المزيّة ترفع مقام إدريس إلى درجة عظماء الرّسل.

ص: 714

أدو-أدي

اشارة

5 ألفاظ،6 مرّات:1 مكّيّة،5 مدنيّة

في 4 سور:1 مكّيّة،3 مدنيّة

فليؤدّ 1:-1\تؤدّوا 1:-1\أداء 1:-1

يؤدّه 2:-2\أدّوا 1:1\...

النّصوص اللّغويّة

الخليل: أدّى فلان ما عليه أداء و تأدية،و فلان آدى للأمانة من فلان.غير أنّ العامّة قد لهجوا بالخطإ، يقولون:فلان أدّى للأمانة،و هذا في النّحو غير جائز.

و ألف الأداة هي الواو،لأنّك تقول:أدوات،لكلّ ذي حرفة أداة،و هي آلته يقيم بها حرفته.

و أداة الحرب:السّلاح،و رجل مؤد:كامل السّلاح.[ثمّ استشهد بشعر](8:98)

الكسائيّ: إنّ العرب تقول:أخذ هداته،أي أداته،على البدل.(ابن سيده 9:451)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الأداء:الخوّ من الرّمل، و هو الواسع من الرّمل،و جمعه:أيدية.

و الإدة:زماع الأمر و اجتماعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدّى الشّيء:أوصله،و الاسم الأداء.و هو آدى للأمانة منه،بمدّ الألف،و العامّة قد لهجوا بالخطإ،فقالوا:

فلان أدّى للأمانة،و هو لحن غير جائز.

(ابن منظور 14:26)

أبو عبيدة: يقال:دلو أديّة مشدّدة الياء،و هي الوفق المقتدرة،و تحوّل الألف ياء،فيقال:يديّة،و هي في موضع آخر الواسعة.(ابن السّكّيت الأضداد:174)

نحوه الأصمعيّ.(الأضداد:19)

أبو زيد: أدوت له آدو له أدوا،إذا ختلته (1).[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 14:24)

مثله ابن دريد.(3:276)

الأصمعيّ: أدى السّقاء يأدي أديّا،إذا أمكن أن

ص: 715


1- أي خدعته.

يمخض.آدى الرّجل فهو مؤد،إذا كان شاكّ السّلاح، و هو من الأداة.(الأزهريّ 14:229)

الأديّة:تقدير عدّة من الإبل،القليلة العدد (الأزهريّ 14:230)

غنم أديّة،على«فعلية»،أي قليلة.

(الجوهريّ 6:2265)

مثله ابن السّكّيت.(678)

يقال:آديته على كذا و كذا و أعديته،أي قوّيته و أعنته.و يقال:استأديت الأمير على فلان في معنى استعديت.[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ:23)

قد تآدى القوم،إذا أخذوا العدّة الّتي تقوّيهم على الدّهر،و غيره.(الأزهريّ 14:230)

اللّحيانيّ: قطع اللّه أديه،يريد يديه.و يقال:

ثوب يديّ و أديّ،إذا كان واسعا.

(إصلاح المنطق:161)

أبو عبيد: تقول العرب للّبن إذا وصل إلى حال الرّءوب و ذلك إذا خثر:قد أدى يأدي أديّا.

(ابن فارس 1:74)

ابن السّكّيت: يقال:آداه يؤديه إيداء،إذا أعانه.

و قد أدا له يأدو له أدوا،إذا ختله.

(إصلاح المنطق:232)

قد آديت للسّفر فأنا مؤد له،إذا كنت متهيّئا له.و قد آديتك على فلان،أي أعنتك عليه.و ذهب فلان يستأدي الأمير على فلان،في معنى يستعدي.

(إصلاح المنطق:304)

أبو حاتم: و ممّا ليس من ذا الباب[أي من الأضداد]و إن تقارب اللّفظان،رجل مود:هالك، و مؤد:تامّ السّلاح.و يقال للسّلاح:الأداة،و منه قيل:

المؤدي،إلاّ أنّ الواو مهموزة،و من الأولى غير مهموزة.

و أمّا لغة أهل الحجاز:استأديت الأمير فآداني،في معنى استعديته فأعداني[استنصرته فنصرني]،فليست من هذا في شيء،و لا استأديته الخراج من هذا في شيء.

(122)

ابن أبي اليمان: الأداء:من أداء المال و الأمانة.(43)

كراع النّمل:أدا اللّبن أدوا:خثر ليروب.

(ابن سيده 9:451)

الأزهريّ: أهل الحجاز يقولون:استأديت السّلطان على فلان،أي استعديت فآداني عليه،أي أعداني و أعانني.

و يقال:تآدى القوم تآديا و تعادوا تعاديا،إذا تتابعوا موتا.

و ما علمت أحدا من النّحويّين أجازوا«آدى»،لأنّ «أفعل»في باب التّعجّب لا يكون إلاّ في الثّلاثيّ،و لا يقال:آدى بالتّخفيف،بمعنى أدّى بالتّشديد،و وجه الكلام أن يقال:فلان أحسن أداء.

ابن بزرج:هل تآديتم لذلك الأمر؟أي هل تأهّبتم له.

قلت:مأخوذ من الأداة.(14:230)

الجوهريّ: الأداة:الآلة،و الجمع:الأدوات.

و آداه على كذا يؤديه إيداء،إذا قوّاه عليه و أعانه.

و من يؤديني على فلان،أي من يعينني عليه.

ص: 716

و آدى الرّجل أيضا،أي قوي،من الأداة،فهو مؤد، بالهمز،أي شاكّ في السّلاح.و أمّا«مود»بلا همز،فهو من«أودى»،أي هلك.

و أهل الحجاز يقولون:آديته على«أفعلته»،أي أعنته.

و تآدى،أي أخذ للدّهر أداته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أخذت لذلك الأمر أديّه،أي أهبته.و نحن على أدىّ للصّلاة،أي تهيّؤ لها.

و أدوت له،أي ختلته.يقال:الذّئب يأدو للغزال، أي يختله ليأكله.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدى اللّبن يأدى أديّا،أي خثر ليروب.

و أدّى دينه تادية،أي قضاه،و الاسم الأداء.و هو آدى للأمانة منك،بمدّ الألف.

و تأدّى إليه الخبر،أي انتهى.

و يقال:استأداه مالا،إذا صادره و استخرجه منه.

و الإداوة:المطهرة،و الجمع:الأداوى،مثال المطايا.

و كان قياسه أدائي،مثل رسالة و رسائل،فتجنّبوه، و فعلوا به ما فعلوا بمطايا و خطايا،فجعلوا«فعائل» «فعالى»،و أبدلوا هنا الواو ليدلّ على أنّه قد كانت في الواحدة واو ظاهرة،فقالوا:أداوى.فهذه الواو بدل من الألف الزّائدة في«إداوة»،و الألف الّتي في آخر «الأداوى»بدل من الواو الّتي في«إداوة»،و ألزموا الواو هاهنا كما ألزموا الياء في مطايا.(6:2265)

ابن فارس: الهمزة و الدّال و الياء أصل واحد، و هو إيصال الشّيء إلى الشّيء،أو وصوله إليه من تلقاء نفسه.(1:74)

أبو هلال:الفرق بين الإبلاغ و الأداء،أنّ الأداء إيصال الشّيء على ما يجب فيه،و منه أداء الدّين:فلان حسن الأداء لما يسمع،و حسن الأداء للقراءة.

و الإبلاغ:إيصال ما فيه بيان للإفهام،و منه البلاغة و هي إيصال المعنى إلى النّفس في أحسن صورة.(50)

الهرويّ: في الحديث:«يخرج من قبل المشرق جيش آدى شيء و أعدّه»أي أقوى شيء،يقال:آدني عليه و أعدني،أي قوّني.و فلان مؤد كما ترى،أي ذو قوّة على الأمر.(1:29)

ابن سيده: و أدا السّبع للغزال يأدوا،أدوا:ختله ليأكله.

و أدوت له،و أدوته:كذلك.

و الإداوة:المطهرة.و قيل:إنّما تكون إداوة إذا كانت من جلدين قوبل أحدهما بالآخر.

و إداوة الشّيء،و أداته:آلته.

و رجل مؤد:ذو أداة.و مؤد:شاكّ في السّلاح.

(9:451)

أدّى الشّيء:أوصله؛و الاسم:الأداء.

و هو آدى للأمانة منه.

و أدى اللّبن أديّا:خثر ليروب.

و أدى السّقاء يأدي أديّا:أمكن ليمخض.

و هو بإدائه،أي بإزائه،طائيّة.

و آداني السّلطان عليه:أعداني.

و استأديته عليه:استعديته.

و آديته عليه:أعنته،كلّه منه.

و إناء أديّ:صغير و سقاء أديّ:بين الصّغير و

ص: 717

الكبير.

و مال أديّ:و متاع أديّ،كلاهما:قليل.

و رجل أديّ،خفيف مشمّر.

و قطع اللّه أديه،أي يديه.

و أدى الشّيء:كثر.

و آداه ماله:كثر عليه فغلبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدى القوم و آدوا:كثروا بالموضع و خصبوا.

و إنما قضينا على ما لم تظهر الياء فيه من هذا الباب بالياء،لكونها لاما.(9:449)

و تأدّيت للأمر:أخذت له أداته.و آديت للسّفر:

استعددت له،و أخذت أداته.و الأديّ:السّفر من ذلك (9:451)

قد لهج العامّة بالخطإ،فقالوا:فلان أدّى للأمانة، بتشديد الدّال،و هو لحن غير جائز.

(الزّبيديّ 10:12)

الطّوسيّ: تقول:أدّيت الشّيء أؤدّيه تأدية،و هو المصدر الحقيقيّ،و لو قلت:أدّيت أداء،كان جائزا،يقام الاسم مقام المصدر.

و يقال:أدوت للصّيد آدو له أدوا،إذا ختلته لتصيده.و أدى اللّبن يأدي،إذا حمض.(3:234)

الرّاغب: الأداء:دفع الحقّ دفعة و توفيته،كأداء الخراج و الجزية و ردّ الأمانة،قال تعالى: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ البقرة:283، إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58، وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ البقرة:178.و أصل ذلك من الأداة،يقال:

أدوت تفعل كذا،أي احتلت،و أصله:تناولت الأداة الّتي بها يتوصّل إليه.و استأديت على فلان،نحو استعديت.(14)

الميبديّ: الأداء:اسم لإرجاع شيء إلى أحد، كالأمانة أو القرض،و التّأدية:مصدر حقيقيّ،و الأداء:

اسم لا مصدر،و لكنّه وضع موضع المصدر.

و أدا يأدو،إذا ختل،يقال:أدوت للصّيد،إذا ختلته لتصيده.

و أدى السّقاء يأدي،إذا أمكن من مخضه.

(2:552)

الزّمخشريّ: أخذ للحرب أداته،حتّى قهر عداته.

و فلان مؤد على هذا الأمر،أي قويّ عليه،من قولهم:

شاك مؤد،للكامل الأداة.و هو آدى للأمانة منك.(أساس البلاغة:4)

الطّبرسيّ: التّأدية و الأداء:تبليغ الغاية،يقال:

أدّى فلان ما عليه،و فلان آدى للأمانة من غيره.

(1:264)

يقال:أدّيت الشّيء تأدية.و قد يوضع الأداء موضع التّأدية،فيقام الاسم مقام المصدر.(2:63)

الأداء:إيصال الشّيء على الوجه الّذي يجب فيه، و منه:فلان أدّى الدّين أداء،و فلان حسن الأداء لما يسمع،و حسن الأداء للقراءة.(2:433)

ابن برّيّ: قيل:تآدى«تفاعل»من الآد،و هي القوّة.(ابن منظور 14:25)

ابن الأثير: و في الحديث:«لا تشربوا إلاّ من ذي أداء»الإداء،بالكسر و المدّ:الوكاء،و هو شداد السّقاء.

و في حديث هجرة الحبشة:«قال:و اللّه لأستأدينّه

ص: 718

عليكم»أي لأستعدينّه،فأبدل الهمزة من العين،لأنّهما من مخرج واحد،يريد لأشكونّ إليه فعلكم بي،ليعديني عليكم و ينصفني منكم.(1:32)

ابن منظور: [قال]ابن بزرج:أدا اللّبن أدوّا- مثقّل-يأدو،و هو اللّبن بين اللّبنين،ليس بالحامض و لا بالحلو.و قد أدت الثّمرة تأدو أدوّا،و هو الينوع و النّضج.

و أدوت في مشيي آدو أدوا،و هو مشي بين المشيين ليس بالسّريع و لا البطيء.

و نحن على أديّ للصّلاة،أي تهيّؤ.

تآديت للأمر:أخذت له أداته.(14:24-27)

الفيّوميّ: أدّى الأمانة إلى أهلها تأدية،إذا أوصلها،و الاسم الأداء؛و آدى،بالمدّ،على«أفعل»:

قوي بالسّلاح و نحوه،فهو مؤد.

و الأداة:الآلة،و أصلها واو،و الجمع:أدوات.

(1:9)

الجرجانيّ: الأداء:هو تسليم العين الثّابت في الذّمّة بالسّبب الموجب،كالوقت للصّلاة و الشّهر للصّوم،إلى من يستحقّ ذلك الواجب.(6)

الفيروزآباديّ: الإداوة،بالكسر:المطهرة، الجمع:أداوى كفتاوى.

و أدت الثّمرة تأدو أدوّا كعتوّ:أينعت و نضجت.

و أدوت له آدو أدوا:ختلته.

الأداة:الآلة،الجمع:أدوات.و تآدى أخذ للدّهر أداته،يائيّ.

أدّاه تأدية:أوصله و قضاه،و الاسم الأداء،و هو آدى للأمانة من غيره.

و أدى اللّبن يأدي أديّا كعتيّ:خثر ليروب، و الشّيء:كثر،و السّقاء:أمكن ليمخض.

و آداه على فلان:أعداه و أعانه،و استأدى عليه:

استعدى،و فلانا مالا:صادره و أخذه منه.

و آدى فهو مؤد:قوي،و للسّفر:تهيّأ،و القوم:

كثروا بالموضع و أخصبوا،و المال صاحبه:كثر عليه فغلبه.

و الأديّ كغبيّ،من الإناء و السّقاء:الصّغير أو بينه و بين الكبير،و منّا:الخفيف المشمّر،و من المال:القليل، و من الثّياب:الواسع كاليديّ.

و قطع اللّه أديه:يديه.و أديت له:ختلته.و تأدّيت له من حقّه:قضيته.(4:300)

الطّريحيّ:في الدّعاء:«أوسع عليّ من رزقك ما أؤدّي به أمانتي»أي أقضي ما ائتمنتني عليه من الحقوق.

و في حديث الميّت مع ولده:«نؤدّيك إلى حفرتك» أي نوصلك إليها.

و فيه:«من غسّل ميّتا و أدّى فيه الأمانة غفر اللّه له» و معناه كما جاءت به الرّواية أن لا يخبر بما رآه منه.

و في دعاء الاستنجاء:«الحمد للّه الحافظ المؤدي» بتخفيف الدّال،كأنّه من أداه كأعطاه،إذا قوّاه و أعانه.

و الأداة:آلة الحرب من سلاح و نحوه.(1:23)

أبو رزق:أصل الأداء مأخوذ من الأداة،يقال:

أدوت تفعل كذا،أي احتلت على فعله،يعني تناولت الأداة الّتي بها يتوصّل إلى ذاك الشّيء المقصود.

(1:35)

ص: 719

محمّد إسماعيل إبراهيم: أدّى الشّيء:قام به، و أدّى الصّلاة:قام بها،و أدّى الشّهادة:أدلى بها،و أدّى إليه الشّيء:أوصله إليه و سلّمه إليه.و الأداء:قضاء الحقّ و توفيته،و من معانيه أيضا:الاستماع.(34)

المصطفويّ:الأصل الواحد في هذه المادّة هو الوصول و الإيصال،و ليعلم أنّ هذه المادّة يائيّة،آخرها ياء.

و أمّا الواويّة و هي أدو،فمشتقّاتها:الأداة و الإداوة، و آداه يؤديه إيداء،إذا قوّاه و أعانه.

و قد اختلطت المادّتان في كلامهم،و الظّاهر أن يكون بينهما اشتقاق أكبر،فإنّ التّناسب بين الإيصال و الإعانة و التّقوية ظاهرة،و لا سيّما مع رعاية خصوصيّة البابين«الإفعال و التّفعيل»،و قد استعملت الواويّة من باب الإفعال،و اليائيّة من التّفعيل.

و الفرق بين الإيصال و التّأدية،أنّ التّأدية إيصال ما كان في ذمّته و ما كان ملزما بإيصاله،بخلاف الإيصال فهو مطلق،فلا يقال في الأمانة:إنّه أوصلها بل أدّاها إلى أهلها.(1:42)

محمود شيت: 1-أ-أدا اللّبن أدوا،و أدى أديّا:

خثر.و اللّبن أدوا و أديا:مخضه.

ب-أدى فلان إيداء:قوي،و للأمر:أخذ أداته و استعدّ له،و فلانا على كذا:قوّاه عليه و أعانه.

ج-أدّى الشّيء:قام به،و الدّين:قضاه،و الصّلاة:

قام بها لوقتها.و الشّهادة:أدلى بها،و إليه الشّيء:

أوصله إليهم.

د-الأداء:التّأدية و التّلاوة.

ه-الأداة:الآلة الصّغيرة،الجمع:أدوات.

و-الإداوة:الإناء الصّغير يحمل فيه الماء،الجمع:

أداوى.

2-أ-أدّى الخدمة العسكريّة:أكملها.و التّحيّة:

سلّم.

ب-أداء الخدمة العسكريّة:إكمالها.و التّحيّة:

السّلام على من هو أعلى منه رتبة،أو أقدم منه في رتبته.

ج-أداة التّوجيه:آلة لتوجيه السّلاح إلى هدفه، الجمع:أدوات.

د-الإداوة:الإناء الّذي يحمل فيه الماء للعجلات.

(1:39)

العدنانيّ:

يقولون:أدّى فلانا حقّه،و الصّواب:

أدّى إلى فلان حقّه،أي سلّمه إليه.قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58.(7)

النّصوص التّفسيريّة

ادّوا

أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ.

الدّخان:18

ابن عبّاس: المعنى جاءهم فقال:اتّبعوني.

(القرطبيّ 16:134)

اتّبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان.

(أبو حيّان 8:35)

الأداء بمعنى الفعل للطّاعة و قبول الدّعوة.

(الآلوسيّ 25:121)

مجاهد: أرسلوا معي بني إسرائيل.هذا قول

ص: 720

موسى.(2:588)

نحوه الحسن.(الطّوسيّ 9:229)

المعنى أرسلوا معي عباد اللّه،و أطلقوهم من العذاب.

(القرطبيّ 16:134)

نحوه المراغيّ.(25:126)

طلب منهم أنّ يؤدّوا إليه بني إسرائيل،كما قال:

فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ طه:47.

مثله قتادة،و ابن زيد.(أبو حيّان 8:35)

قتادة:خلّ سبيلهم.(الطّبريّ 25:118)

الفرّاء: يقول:ادفعوهم إليّ،أرسلوهم معي،و هو قوله: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ الأعراف:105.

(3:40)

نحوه الطّبريّ.(25:118)

ابن زيد: يقول:أرسل عباد اللّه معي،يعني بني إسرائيل.و قرأ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ ذلك قوله: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّهِ ردّهم إلينا.

(الطّبريّ 2:118)

الأزهريّ: هو من قول موسى لذوي فرعون، معناه سلّموا إليّ بني إسرائيل،كما قال: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ الأعراف:105،أي أطلقهم من عذابك.

و قيل:نصب(عباد اللّه)،لأنّه نداء مضاف،و معناه أدّوا إليّ ما أمركم اللّه به يا عباد اللّه فإنّي نذير لكم.

و فيه وجه آخر،و هو أن يكون(أدّوا إليّ)بمعنى استمعوا إليّ،كأنّه يقول:أدّوا إليّ سمعكم،أبلّغكم رسالة ربّكم.(14:230)

الزّمخشريّ: أدّوهم إليّ و أرسلوهم معي،كقوله تعالى: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ طه:

47،و يجوز أن يكون نداء لهم على:أدّوا إليّ يا عباد اللّه ما هو واجب لي عليكم من الإيمان لي و قبول دعوتي و اتّباع سبيلي.(3:503)

الطّبرسيّ: هذا من قول موسى عليه السّلام لفرعون و قومه،و المعنى أطلقوا بني إسرائيل من العذاب و التّسخير،فإنّهم أحرار،فهو كقوله: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ. (5:63)

البروسويّ: (أن)مصدريّة،أي بأن أدّوا إليّ بني إسرائيل و سلّموهم و أرسلوهم معي لأذهب بهم إلى موطن آبائهم الشّام،و لا تستعبدوهم و لا تعذّبوهم،أي جئتكم من اللّه لطلب تأدية عباد اللّه إليّ.(8:409)

الآلوسيّ:أطلقوهم و سلّموهم إليّ.(25:121)

نحوه الحجازيّ.(25:56)

القاسميّ: أي أرسلوا معي بني إسرائيل،لأسير بهم إلى بلادنا الأولى،و أطلقوهم من أسركم و حبسكم فإنّهم قوم أحرار،أبوا-للضّيم-هذه الدّيار.

(14:5305)

عزّة دروزة: تعالوا إليّ و أقبلوا على دعوتي.

(5:246)

المصطفويّ: حقيقة التّأدية في قوله تعالى:

وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ الدّخان:17،18،تحويل عباد اللّه«و هم الّذين يتوجّهون إليه و لهم تعلّق به و يريدون أن يسيروا إليه و يعملوا بوظائف عبوديّتهم»إليه،أي إلى الرّسول الّذي مرسل من جانب اللّه و خليفته في أرضه و أمين اللّه

ص: 721

و رسوله على خلقه،حتّى يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة،و يبلّغهم أوامر اللّه و نواهيه و أحكام العبوديّة.

و هذا المعنى أقرب إلى الصّواب لغة و أدبا و معنى.

(1:42)

فليؤدّ

فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ.

البقرة:283

الزّمخشريّ: حثّ للمديون على أن يكون عند ظنّ الدّائن به و أمنه منه و ائتمانه له،و أن يؤدّي إليه الحقّ الّذي ائتمنه عليه،فلم يرتهن منه.(1:405)

القرطبيّ: من الأداء مهموز،و هو جواب الشّرط.

و يجوز تخفيف همزه،فتقلب الهمزة واوا و لا تقلب ألفا، و لا تجعل بين بين،لأنّ الألف لا يكون ما قبلها إلاّ مفتوحا.و هو أمر معناه الوجوب،بقرينة الإجماع على وجوب أداء الدّيون،و ثبوت حكم الحاكم به،و جبره الغرماء عليه،بقرينة الأحاديث الصّحاح،في تحريم مال الغير.(3:414)

نحوه أبو حيّان.(2:356)

يؤدّه

وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ.

آل عمران:75

الطّبريّ: هذا خبر من اللّه عزّ و جلّ،أنّ من أهل الكتاب-و هم اليهود من بني إسرائيل-أهل أمانة يؤدّونها و لا يخونونها،و منهم الخائن أمانته،الفاجر في يمينه المستحلّ.(3:317)

الزّجّاج: اتّفق أبو عمرو و عاصم و الأعمش و حمزة على إسكان الهاء من(يؤدّه)،و كذلك كلّ ما أشبه هذا من القرآن اتّفقوا على إسكان الهاء فيه،نحو نُصْلِهِ جَهَنَّمَ النّساء:115،و نُؤْتِهِ مِنْها الشّورى:20،و قوله:

ما تَوَلّى النّساء:115،إلاّ حرفا حكي عن أبي عمرو،و حكى أبو عبيدة عن أبي عمرو أنّه كسر في «القه اليهم»النّمل:28.و لا فصل بين هذا الحرف و سائر الحروف الّتي جزمها.أمّا الحكاية عن أبي عمرو فيه و في غيره فغلط،كان أبو عمرو يختلس الكسرة، و هذا كما غلط عليه في بارِئِكُمْ البقرة:54،حكى القرّاء عنه أنّه كان يحذف الهمزة في(بارئكم).

و حكى سيبويه عنه-و هو في هذا أضبط من غيره- أنّه كان يكسر كسرا خفيّا،و أمّا نافع و قرّاء أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف فكسروا،و أثبتوا الياءات مثل (يؤدّه اليك).و هذا الإسكان الّذي حكى عنه هؤلاء غلط بيّن لا ينبغي أن يقرأ به،لأنّ الهاء لا ينبغي أن تجزم و لا تسكّن في الوصل،إنّما تسكّن في الوقف.

و في هذه الحروف أربعة أوجه:يجوز إثبات الياء، و يجوز حذفها،تقول:(يؤدّه إليك)بالكسر،و يجوز (يؤدّ هو اليك)بالضّمّ،بإثبات الواو بعد الهاء،و يجوز حذف الواو و ضمّ الهاء.فأمّا الوقف فلا وجه له،لأنّ الهاء حرف خفيّ بيّن في الوصل بالواو في التّذكير.

قال سيبويه: دخلت الواو في التّذكير كما دخلت الألف في التّأنيث،نحو ضربتهو و ضربتها.قال

ص: 722

أصحابه:اختيرت الواو،لأنّها من طرف الشّفتين، و الهاء من الحلق،فأبانت الواو الهاء،و إنّما تحذف الياء لعلّة تقلب الواو إليها،فإذا حذفت الياء بقيت الكسرة، فأمّا في الوقف فلا يجوز البتّة.(1:431)

الطّوسيّ: قرأ أبو عمرو (يؤدّه اليك) بإسكان الهاء،الباقون بإشباعها.

قال الزّجّاج:هذا غلط من الرّاويّ،كما غلط في بارِئِكُمْ البقرة:54،بإسكان الهمزة،و إنّما كان أبو عمرو يختلس الحركة فيما رواه الضّبّاط عنه،كسيبويه و غيره.

و إنّما لم يجز حذف الحركة،كما لم يجز في:«هذا غلام فاعلم»لأنّه لمّا حذفت الياء تركت الكسرة لتدلّ عليها.(2:503)

الزّمخشريّ: قرئ(يؤدّه)بكسر الهاء و الوصل، و بكسرها بغير وصل،و بسكونها.(1:438)

الفخر الرّازيّ: قرأ حمزة و عاصم في رواية أبي بكر(يؤدّه)بسكون الهاء،و روي ذلك عن أبي عمرو، [ثمّ حكى قول الزّجّاج و احتجاجه على فساد هذه القراءة و أضاف:]

و قال الفرّاء: من العرب من يجزم الهاء إذا تحرّك ما قبلها،فيقول:ضربته ضربا شديدا،كما يسكّنون«ميم» أنتم و قمتم،و أصلها الرّفع.

و قرئ أيضا باختلاس حركة الهاء اكتفاء بالكسرة من الياء.و قرئ بإشباع الكسرة في الهاء،و هو الأصل.

(8:107)

القرطبيّ: قرأ أبو المنذر سلاّم و الزّهريّ(يؤدّه) بضمّ الهاء بغير واو،و قرأ قتادة،و حميد،و مجاهد (يؤدّ هو)بواو في الإدراج،اختير لها الواو،لأنّ الواو من الشّفة و الهاء بعيدة المخرج.

قال سيبويه: الواو في المذكّر بمنزلة الألف في المؤنّث، و يبدل منها ياء،لأنّ الياء أخفّ إذا كان قبلها كسرة أو ياء،و تحذف الياء و تبقى الكسرة،لأنّ الياء قد كانت تحذف و الفعل مرفوع فأثبتت بحالها.(4:116)

تؤدّوا

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.

النّساء:58

ابن عبّاس: يعني السّلطان يعطون النّاس.

(الطّبريّ 5:145)

إنّ كلّ مؤتمن على شيء يلزمه ردّه.

مثله أبيّ بن كعب،و الحسن،و قتادة،و هو المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام،و أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(الطّوسيّ 3:234)

زيد بن أسلم: إنّ المراد به ولاة الأمر.

مثله مكحول،و شهر بن حوشب،و الجبّائيّ،و هو المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(الطّوسيّ 3:234)

الإمام الصّادق عليه السّلام: أمر اللّه الإمام الأوّل أن يدفع إلى الإمام الّذي بعده كلّ شيء عنده.

(العروسيّ 1:496)

ابن جريج: نزلت في عثمان بن طلحة.أمر اللّه نبيّه أن يردّ إليه مفاتيح الكعبة.(الطّوسيّ 1:234)

ص: 723

الطّبريّ: إنّ اللّه يأمركم يا معشر ولاة أمور المسلمين أن تؤدّوا ما ائتمنتكم عليه رعيّتكم،من فيئهم و حقوقهم و أموالهم و صدقاتهم إليهم،على ما أمركم اللّه بأداء كلّ شيء من ذلك،إلى من هوله،بعد أن تصير في أيديكم،لا تظلموها أهلها،و لا تستأثروا بشيء منها، و لا تضعوا شيئا منها في غير موضعه،و لا تأخذوها إلاّ ممّن أذن اللّه لكم بأخذها منه،قبل أن تصير في أيديكم.

(5:146)

الطّوسيّ: [بعد نقل قول ابن عبّاس و زيد بن أسلم و ابن جريج قال:]

و المعتمد هو الأوّل[قول ابن عبّاس]و إن كان الأخير[قول ابن جريج]روي أنّه سبب نزول الآية، غير أنّه لا يقصر عليه.(3:234)

نحوه الطّبرسيّ.(2:62)

الزّمخشريّ: الخطاب عامّ لكلّ أحد في كلّ أمانة.

(1:535)

القرطبيّ: الأظهر في الآية أنّها عامّة في جميع النّاس،فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات،في قسمة الأموال و ردّ الظّلامات و العدل في الحكومات.

(5:256)

أبو حيّان: [نقل أقوالا كثيرة و أضاف:]قيل:

خطاب لليهود،أمروا بردّ ما عندهم من الأمانة من نعت الرّسول أن يظهروه لأهله؛إذ الخطاب معهم قبل هذه الآية.

و نقل التّبريزيّ أنّها خطاب لأمراء السّرايا بحفظ الغنائم و وضعها في أهلها.

و قيل:ذلك عامّ فيما كلّفه العبد من العبادات.

و الأظهر أنّ الخطاب عامّ يتناول الولاة.(3:277)

اداء

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. (البقرة:178)

ابن عبّاس: هو أن يحسن المطلوب الأداء.

(الطّبريّ 2:107)

المراد وصيّة العافي بأن لا يشدّد في طلب الدّية على المعفوّ له،و ينظره إن كان معسرا،و لا يطالبه بالزّيادة عليها.و المعفوّ بأن لا يمطل العافي فيها و لا يبخس منها، و يدفعها عند الإمكان.

مثله الحسن،و قتادة،و مجاهد.(الآلوسيّ 2:50)

ابن قتيبة: أي ليؤدّ المطالب ما عليه أداء بإحسان،لا يبخسه و لا يمطله مطل مدافع.(71)

الزّمخشريّ: بأن لا يمطله و لا يبخسه.(1:333)

الفخر الرّازيّ: أمّا الأداء بإحسان،فالمراد به أن لا يدّعي الإعدام في حال الإمكان،و لا يؤخّره مع الوجود، و لا يقدّم ما ليس بواجب عليه،و أن يؤدّي ذلك المال على بشر و طلاقة و قول جميل.(5:60)

الطّريحيّ: أي إيصال إليه و قضاء.(1:23)

رشيد رضا: واجب على القاتل بأن لا يمطل و لا ينقص و لا يسيء في صفة الأداء.(2:129)

الطّباطبائيّ: على القاتل أن يؤدّي الدّية إلى أخيه وليّ الدّم بالإحسان،من غير مماطلة فيها إيذاؤه.

(1:433)

أبو رزق: توفية الحقّ و دفعه بكلّ رفق و إحسان،

ص: 724

مقابل لإحسانه.(1:35)

الأصول اللّغويّة

1-جملة ما جاء في:«أدي»الوصول و الإيصال، القوّة و العدّة،الكثرة و القلّة،الوسعة.فمن الأوّل الأداء و التّأدية،و هو يائيّ،و يظهر من كلام الرّاغب أنّه واويّ؛ قال:أصل ذلك من الأداة،يقال:أدوت...و منه الأدوّ، بمعنى الينوع و النّضوج،يقال:أدا الثّمر،أي نضج و بلغ إلى كماله،و أدا اللّبن،أي خثر و نقى عنه الخثارة،و خرج زبده.

و من الثّاني أي القوّة و العدّة:آداه،أي أعانه و قوّاه، و منه:يستأدي على فلان،أي يستعديه-بإبدال الهمزة عينا-،أي يستعين و يقوى به عليه.و قيل:إنّه من العداوة،أي يطلب منه أن يعدو عليه و يكون عدوّه.

و منه العدّة و التّهيئة للشّيء؛حيث حصلت له القوّة عليه.و منه:أدا للرّجل:ختله و خدعه فغلب عليه و قوي.و منه الأداة لأنّها آلة القوّة و الغلبة.و لعلّ منه أدّى الشّيء:كثر،و آداه ماله،أي كثر فغلب عليه.

و منه أدى القوم:كثروا.و لعلّ منه الوسعة؛يقال:ثوب يديّ،إذا كان واسعا،فكأنّه غلب على البدن و قوي عليه.و كأنّ أديّة أي قليلة جاءت ضدّ الكثرة،أي استعملت فيه مجازا بعلاقة التّضادّ؛فيقال:غنم أديّة،أي قليلة.

2-و بذلك تيسّر لنا إرجاع جملة من المعاني إلى الوصول،و جملة أخرى إلى القوّة،فإذا أرجعنا القوّة إلى الوصول باعتبار أنّها عبارة عن وصول الشّيء إلى منتهاه،تمّ قول ابن فارس:له أصل واحد و هو الوصول و الإيصال،و إلاّ فله أصلان:الوصول و القوّة.

3-و الأمر في أنّه بأيّ المعنيين«واويّ»و بأيّهما «يائيّ»سهل،فإنّ النّصوص لا تتّفق على شيء واحد، فلا يبعد اشتراكهما في المعنى،كما لا يبعد إبدال أحدهما بالآخر بحسب اللّهجات.كما لا طريق إلى اليقين بأنّ باب الإفعال خاصّ بالواو و باب التّفعيل بالياء،فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«أدي»«6»مرّات بخمس صيغ فعليّة،و صيغة اسميّة واحدة،هكذا:

1- إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.

النّساء:58

2- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ. البقرة:283

3 و 4- وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ.

آل عمران:75

5- أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ.

الدّخان:18

6- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. البقرة:178

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا الجذر في ثلثي موارده جاء بلفظ الأمر أو بمعناه،أي في غير آية آل عمران،و أمّا في هذه الآية فجاء في سياق الخبر مرّتين و هما الثّلث الباقي:

مثبتا مرّة(يؤدّه)،و منفيّا مرّة(لا يؤدّه)،و قد وقع الفعل

ص: 725

في كلّ مواضعه في حالة النّصب و الجزم دون الرّفع.

و ثانيا:أنّ الأداء في الأربعة الأولى تعلّق بالأمانة لفظا و في الباقي معنى،أمّا في آية الدّخان فقبلها: وَ لَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ الدّخان:17،ثمّ قال: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّهِ الدّخان:

18،فكأنّ بني إسرائيل-و هم المعنيّون بعباد اللّه-كانوا أمانات اللّه عند قوم فرعون،فجاءهم رسول كريم-و هو موسى عليه السّلام-ليستأدي الأمانات،فطلب منهم أن يؤدّوها إليه.و يلائم هذا السّياق تمام الملائمة قوله: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي إنّه مؤتمن على الأمانة حقيق بأخذها.و هذا المعنى أقرب إلى الصّواب و أمسّ بالسّياق من كلّ ما قالوه في معنى(ادّوا)،فلاحظ النّصوص.

و أمّا آية البقرة فموردها حقّ القصاص و العفو عنه، فينتقل إلى حقّ الدّية،فهي أمانة في ذمّة القاتل،فلوليّ الدّم أن يتبعه،أي يرجع إليه بالمعروف،و للقاتل أن يؤدّي الدّية إليه بإحسان كردّ أمانة تامّة.و الجمع بين العفو و الأخوّة و المعروف و الإحسان يجعل الجوّ عاطفيّا يثير المحبّة و الأخوّة بينهما،بعد أن اشتدّت العداوة و البغضاء بينهما بارتكاب القتل،و قد بلغ هذا الجوّ العاطفيّ أوجه في قوله: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ البقرة:178.

و ثالثا:و بذلك جاز لنا إطلاق القول بأنّ مادّة «الأداء»لم تستعمل في القرآن إلاّ في الأمانة كما أنّها لم تأت إلاّ من باب التّفعيل،فالأداء مصدر له مثل التّأدية،و هذا ما يناسب تلك القوّة الّتي تكمن في الأمانة.

و رابعا:إذا لاحظنا وجود عنصر القوّة في هذه المادّة -كما مرّ في الأصول اللّغويّة-فأداء الأمانة لا ينفكّ عنها،فإنّه لا يقع إلاّ عن قوّة العزم،كما لا يحصل إلاّ باستيثاق من وصول الحقّ إلى صاحبه،فالأمانات مواثيق اللّه عند أهلها،تؤخذ بقوّة و تؤدّى بقوّة،لاحظ «أ م ن».

و خامسا:سياق الآيات في مثل قوله: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ البقرة:283، و غيرها،دعم الصّلة بين الأمانة و الائتمان و الأداء.

ص: 726

أذن

اشارة

34 لفظا،102 مرّة:44 مكّيّة،58 مدنيّة

في 37 سورة:24 مكّيّة،13 مدنيّة

أذن 5:4-1\آذنتكم 1:1\ليستأذنكم 1:-1

أذنت 2:2\آذنّاك 1:1\يستأذنونك 2:-2

أذنت 1:-1\أذّن 2:2\فليستأذنوا 1:-1

أذن 1:-1\أذّن 1:-1\يستأذنوه 1:-1

يأذن 3:3\مؤذّن 2:2\أذن 3:1-2

يؤذن 5:2-3\أذان 1:-1\الأذن 2:-2

ائذن 2:-2\تأذّن 2:1-1\أذنيه 1:-1

فأذنوا 1:-1\استأذن 1:-1\آذان 4:2-2

إذن 25:10-15\استأذنك 1:-1\آذانهم 7:6-1

إذنه 10:3-7\استأذنوك 2:-2\آذاننا 1:1

بإذني 4:-4\يستأذن 1:-1\...

آذن 3:3\يستأذنك 2:-2\...

النّصوص اللّغويّة

الخليل: يقال للرّجل:هو أذن،و للمرأة:هي أذن،و للقوم كذلك،أي يسمع من كلّ أحد.

و الأذن:العروة،أي عروة الكوز و نحوه.

و الأكواب:كيزان لا أذن لها.

و الأذن:الاستماع للشّيء.[ثمّ استشهد بشعر] و رجل أذنة:يستمع لكلّ شيء،و أمنة:يأمن بكلّ إنسان.

و أذنت بهذا الشّيء،أي علمت،و آذنني:أعلمني، و فعله بإذني،أي بعلمي،و هو في معنى بأمري،و كذلك الّذي يأذن بالدّخول على الوالي و غيره.

و الأذان:اسم للتّأذين،كما أنّ العذاب اسم للتّعذيب.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّأذّن،من قولك:تأذّنت لأفعلنّ كذا،يراد به إيجاب الفعل في ذلك،أي سأفعل لا محالة.

و يقال:هل سمعت الأذان من المئذنة؟

و تأذّنت:تقدّمت،كالأمير يتأذّن قبل العقوبة،

ص: 727

و منه: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ الأعراف:167.(8:199)

سيبويه: قالوا:أذّنت و آذنت،فمن العرب من يجعلهما بمعنى،و منهم من يقول:أذّنت للتّصويت بإعلان،و آذنت:أعلمت.(ابن سيده 10:98)

ابن زيد: الأذان:الإعلام.

مثله الزّجّاج،و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:199)

ابن شميّل: يقال:هذه بقلة تجد بها الإبل أذنة شديدة،أي شهوة شديدة.

و أذّن بإرسال إبله،أي تكلّم به.

و أذّنوا عنّي أوّلها،أي أرسلوا أوّلها.

و المئذنة:الموضع الّذي يؤذّن عليه للصّلاة.

الأذنة:صغار الإبل و الغنم.

و ورق الشّجر يقال له:أذنة،لصغره.

أذنت لحديث فلان،أي اشتهيته،و أذنت لرائحة الطّعام،أي اشتهيته.و هذا طعام لا أذنة له،أي لا شهوة لريحه.(الأزهريّ 15:17،18)

الفرّاء: الأذن،مثقّلة مؤنّثة،و جمعها:آذان.

(الأزهريّ 15:16)

أبو زيد: يقال:هذا رجل أذن و يقن،و هما واحد،و هو الّذي لا يسمع بشيء إلاّ أيقن به.(221)

يقال للمنارة:المئذنة،و المؤذنة.(الأزهريّ 15:18)

رجل أذن و رجال أذن،فأذن الواحد و الجمع في ذلك سواء.و إنّما سمّوه باسم العضو تهويلا و تشنيعا كما قالوا للمرأة:ما أنت إلاّ بطين.(ابن سيده 10:79)

الأصمعيّ: كونوا على إذنه،أي على علم به.

(ابن سيده 13:9)

2Lاللّحيانيّ: المئذنة هو المنارة،يعني الصّومعة.

(ابن سيده 10:98)

أبو عبيد: في الحديث:«ما أذن اللّه لشيء كإذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن»يعني ما استمع اللّه لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنّى بالقرآن.(الأزهريّ 15:16)

ابن الأعرابيّ: أذّنت فلانا تأذينا،أي رددته.

و هذا حرف غريب.

و الأذن:التّبن،واحدته:أذنة.

(الأزهريّ 15:17)

ابن السّكّيت: يقال:جاء ناشرا أذنيه،إذا طمع في الشّيء.(438)

الدّينوريّ: إذا ركّبت القذذ[الرّيش]على السّهم فهي آذانه.(ابن سيده 10:97)

و أذن الحمار:نبت له ورق عرضه مثل الشّبر و له أصل يؤكل أعظم من الجزرة مثل السّاعد و فيه حلاوة.

(ابن سيده 10:98)

ثعلب: أذنت للرّجل في الشّيء يفعله،بكسر الذّال،فهو مأذون له فيه،أي أطلقت له فيه.و آذنته بالصّلاة و غيرها بالمدّ،أي أعلمته بوقتها،فهو مؤذّن بها.(20)

القاليّ: أذنت له،معناه استمعت له.(1:121)

آذنت:أعلمت.(1:136)

يقال:جاء بأذني عناق،أي بالدّاهية،و هي عناق الأرض.(ذيل الأمالي:66)

الأزهريّ: يقال:نعجة أذناء،ممدود،و كبش آذن.

ص: 728

و أذنت فلانا أذنا فهو مأذون،إذا ضربت أذنه.

و أذينة:اسم ملك من ملوك اليمن.

يقال:أذنت للشّيء آذن له،إذا استمعت له.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أذنت لفلان في أمر كذا و كذا إذنا،بكسر الهمزة و جزم الذّال.و استأذنت فلانا استئذانا.

يقال:قد آذنته بكذا و كذا أوذنه إيذانا،إذا أعلمته.

و قد أذن به يأذن،إذا علم.

يقال:آذنته أوذنه إيذانا و أذانا.فالأذان:اسم يقوم مقام الإيذان،و هو المصدر الحقيقيّ.

و الأذان للصّلاة:إعلام بها و بوقتها.و الأذين:مثل الأذان أيضا.

و آذان الكيزان:عراها،واحدها:أذن.

و يقال:فعلت كذا و كذا بإذنه،أي فعلته بعلمه.

و يكون بإذنه،أي بأمره.

المؤذّن:المعلم بأوقات الصّلاة.

و يقال:السّلطان أذن.(15:16)

الجوهريّ: أذن له في الشّيء إذنا،يقال:ائذن لي على الأمير...

و أذن بمعنى علم،و منه قوله تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279.

و أذن له أذنا:استمع...

و الأذان:الإعلام،و أذان الصّلاة معروف.و الأذين مثله.و قد أذّن أذانا.

و المئذنة:المنارة.

و الأذين:الكفيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:الأذين:المكان يأتيه الأذان من كلّ ناحية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأذن:تخفّف و تثقّل،و هي مؤنّثة،و تصغيرها:

أذينة.و لو سمّيت بها رجلا ثمّ صغّرته،قلت:أذين، فلم تؤنّث،لزوال التّأنيث عنه بالنّقل إلى المذكّر.فأمّا قولهم:أذينة،في الاسم العلم فإنّما سمّي به مصغّرا، و الجمع:آذان.

و تقول:أذنته،إذا ضربت أذنه.

و رجل أذن،إذا كان يسمع مقال كلّ أحد و يقبله، يستوي فيه الواحد و الجمع.

و رجل أذانيّ:عظيم الأذنين.و نعجة أذناء،و كبش آذن.

و أذّنت النّعل و غيرها تأذينا،إذا جعلت لها أذنا.

و أذّنت الصّبيّ:عركت أذنه.

و آذنتك بالشّيء:أعلمتكه.

و الآذن:الحاجب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد آذن و تأذّن بمعنى،كما يقال:أيقن و تيقّن.

و تقول:تأذّن الأمير في الكلام،أي نادى فيهم في التّهدّد و النّهي،أي تقدّم و أعلم.و قوله تعالى: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ الأعراف:167،أي أعلم.(5:2068)

ابن فارس: الهمزة و الذّال و النّون أصلان متقاربان في المعنى،متباعدان في اللّفظ؛أحدهما:أذن كلّ ذي أذن،و الآخر:العلم،و عنهما يتفرّع الباب كلّه.

فأمّا التّقارب فبالأذن يقع علم كلّ مسموع.و أمّا تفرّع الباب فالأذن معروفة مؤنّثة.

و يقال لذي الأذن:آذن،و لذات الأذن:أذناء.[ثمّ

ص: 729

استشهد بشعر]

و يقال للرّجل السّامع من كلّ أحد:أذن.قال اللّه تعالى: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ التّوبة:61.

و الأذن:عروة الكوز،و هذا مستعار.

و الأذن:الاستماع،و قيل:أذن،لأنّه بالأذن يكون.

و ممّا جاء مجازا و استعارة الحديث:«ما أذن اللّه تعالى لشيء كإذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن».[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الآخر:العلم و الإعلام،تقول العرب:قد أذنت بهذا الأمر،أي علمت.و آذنني فلان:أعلمني، و المصدر الأذن و الإيذان.و فعله بإذني،أي بعلمي، و يجوز بأمري،و هو قريب من ذلك.

و الأذين:المكان يأتيه الأذان من كلّ ناحية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأذين أيضا:المؤذّن،قال الرّاجز:

فانكشحت له عليها زمجرة

سحقا و ما نادى أذين المدرة

أراد مؤذّن البيوت الّتي تبنى بالطّين و اللّبن و الحجارة.

و آذن الرّجل:حاجبه،و هو من الباب.(1:75)

أبو هلال: الفرق بين الإذن و الإباحة،أنّ الإباحة قد تكون بالعقل و السّمع،و الإذن لا يكون إلاّ بالسّمع وحده.و أمّا الإطلاق فهو إزالة المنع عمّن يجوز عليه ذلك،و لهذا لا يجوز أن يقال:إنّ اللّه تعالى مطلق و إنّ الأشياء مطلقة له.(188)

ابن سيده: أذن بالشّيء إذنا و أذنا و أذانا و أذانة:

علم به.و في التّنزيل: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279،أي كونوا على علم.

و آذنه الأمر،و آذنه به:أعلمه،و قد قرئ (فآذنوا بحرب من الله) أي أعلموا من لم يترك الرّبا بأنّه حرب.

و أذّنت:أكثرت الإعلام بالشّيء.[ثمّ استشهد بشعر]

أذين فيه بمعنى مؤذن،كما قالوا:أليم،و وجيع،بمعنى مؤلم و موجع.

و فعله بإذني و أذني،أي بعلمي.

و أذن له في الشّيء إذنا:أباحه له.

و استأذنه:طلب منه الإذن.

و أذن له عليه:أخذ له منه الإذن.

و أذن إليه أذنا:استمع.

و قوله عزّ و جلّ: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:2،أي استمعت.

و أذن إليه أذنا:استمع إليه معجبا.

و آذنني الشّيء:أعجبني،فاستمعت له.[ثمّ استشهد بشعر]

و أذن للّهو:استمع و مال.

و الأذن و الأذن:من الحواسّ،أنثى،و الّذي حكى سيبويه:أذن،بالضّمّ؛و الجمع:آذان،لا يكسّر على غير ذلك.

و رجل أذن،و أذن:مستمع لما يقال له،قابل له، وصفوا به.[ثمّ استشهد بشعر]

و في التّنزيل: وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ التّوبة:61، و معناه و تفسير الآية:أنّ في المنافقين من كان يعيب

ص: 730

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يقول:إن بلغه عنّي شيء حلفت له،فقبل منّي،لأنّه أذن،فأعلمه اللّه تعالى أنّه أذن خير،لا أذن شرّ.

و قوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي مستمع خير لكم.

ثمّ بيّن ممّن يقبل،فقال: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يسمع ما أنزله اللّه عليه،و يصدّق المؤمنين فيما يخبرونه به.

و رجل أذانيّ،و آذن:عظيم الأذنين،طويلهما،و كذلك هو من الإبل و العنم.

و أذنه:أصاب أذنه،على ما يطّرد في الأعضاء.

و آذنه كأذنه.و من كلامهم:«لكلّ جابه جوزة ثمّ يؤذّن».الجابه:الوارد،و قيل:هو الّذي يرد الماء،و ليست عليه قامة و لا أداة؛و الجوزة:السّقية من الماء.يعنون أنّ الوارد إذا وردهم،فسألهم أن يسقوه ماء لأهله و ماشيته، سقوه سقية واحدة،ثمّ ضربوا أذنه،إعلاما أنّه ليس له عندهم أكثر من ذلك.

و أذن:شكا أذنه.

و أذن القلب و السّهم و النّصل،كلّه على التّشبيه.

و لذلك قال بعض المحاجين:«ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرّديان؟»يعني السّهم.

و أذن كلّ شيء:مقبضه،كأذن الكوز،و الدّلو،على التّشبيه،و كلّه مؤنّث.

و أذن العرفج،و الثّمام:ما يخدّ منه،فيندر إذا أخوص،و ذلك لكونه على شكل الأذن.

و أذينة:اسم رجل،ليست محقّرة عن أذن في التّسمية؛إذ لو كان كذلك لم تلحق الهاء.و إنّما سمّي بها محقّرة من العضو.

و بنو أذن:بطن من هوازن.

و أذن النّعل:ما أطاف منها بالقبال.

و أذّنتها:جعلت لها أذنا.

و الأذان،و الأذين،و التّأذين:النّداء إلى الصّلاة.

و قوله تعالى: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:27، روي أنّ أذان إبراهيم بالحجّ أن«وقف في المقام فنادى:

أيّها النّاس،اجيبوا اللّه.يا عباد اللّه،أطيعوا اللّه.يا عباد اللّه،اتّقوا اللّه».فوقرت في قلب كلّ مؤمن،و مؤمنة، و أسمع ما بين السّماء و الأرض،فأجابه من في الأصلاب ممّن كتب له الحجّ.فكلّ من حجّ فهو ممّن أجاب إبراهيم عليه السّلام.

و يروى أنّ أذانه بالحجّ كان:«يا أيّها النّاس كتب عليكم الحجّ».

و الأذين:المؤذّن.[ثمّ استشهد بشعر]

و المئذنة:موضع الأذان.

و قال اللّحيانيّ:هو المنارة يعني الصّومعة.

و الأذان:الإقامة.

و أذّنت الرّجل:رددته و لم أسقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:أذنه:نقر أذنه،و قد تقدّم.و تأذّن ليفعلنّ، أي أقسم.

و تأذّن،أي أعلم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ الأعراف:167، قيل:(تاذّن):تألّى.و قيل:(تاذّن)أعلم،هذا قول الزّجّاج.

ص: 731

و آذن العشب:إذا بدأ يجفّ،فترى بعضه رطبا، و بعضه قد جفّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذن:جواب و جزاء.و تأويلها:إن كان الأمر كما ذكرت،أو كما جرى.و قالوا:«ذن»لا أفعل،فحذفوا همزة إذن.

و إذا وقفت على«إذن»أبدلت نونه ألفا.و إنّما أبدلت الألف من نون«إذن»هذه في الوقف،و من نون التّوكيد، لأنّ حالهما في ذلك حال النّون الّتي هي علم الصّرف، و إن كانت نون«إذن»أصلا،و تانك النّونان زائدتين.

فإن قلت:فإذا كانت النّون في«إذن»أصلا،و قد أبدلت منها الألف،فهل تجيزه في نحو حسن و رسن -و نحو ذلك ممّا نونه أصل-فيقال فيه:حسا و رسا؟.

فالجواب:أنّ ذلك لا يجوز في غير«إذن»ممّا نونه أصل،و إن كان قد جاء في«إذن»من قبل أنّ«إذن» حرف،فالنّون فيها بعض حرف.كما أنّ نون التّوكيد، و التّنوين،كلّ واحد منهما حرف،فجاز ذلك في نون «إذن»لمضارعة«إذن»كلّها نون التّوكيد،و نون الصّرف.

و أمّا النّون في حسن و رسن،و نحوهما،فهي أصل من اسم متمكّن يجري عليه الإعراب،فالنّون في ذلك كالدّال من«زيد»و الرّاء من«بكر».و نون«إذن»ساكنة، كما أنّ نون التّوكيد،و نون الصّرف ساكنتان،فهي لهذا -و لما قدّمناه من أنّ كلّ واحد منهما حرف،كما أنّ النّون من«إذن»بعض حرف-أشبه منها بنون الاسم المتمكّن.

و الأذين:الكفيل.(10:96)

الأذن:حاسّة السّمع،مؤنّثة،الجمع:آذان.

و رجل آذن و أذانيّ:طويل الأذنين،و المرأة أذناء، و قد أذن يأذن أذنا.

و أذن فلانا يأذنه و أذّنه و آذنه:ضرب أذنه،و أذّنه:

عرك أذنه،و أذن:اشتكى أذنه.

و يقال:أذن الكوز و أذن الدّلو.(الإفصاح 1:33)

الأذن:الرّجل المستمع القابل لما يقال له،للواحد و الجمع.(الإفصاح 1:162)

أذن النّعل:معقد عضد الشّراك و العقب،و أذّنها:

جعل لها أذنا.(الإفصاح 1:394)

أذنه يأذنه أذنا و آذنه،و أذّنه:أصاب أذنه.

(الإفصاح 1:646)

أذن الدّلو:مقبضها.(الإفصاح 2:1005)

الأذان:النّداء للصّلاة و الإشعار بوقتها،أذّن المؤذّن بالصّلاة:أعلم بها.و قولهم:أذّن العصر،خطأ، و الصّواب أذّن بالعصر.و الأذان اسم منه.

(الإفصاح 2:1275)

أذن إليه أذنا:استمع.(ابن منظور 13:10)

الطّوسيّ: تقول:آذنني فلان كذا فأذنت،أي أعلمني فعلمت.و قال بعضهم:معناه النّداء الّذي يسمع بالأذن.(5:199)

الفرق بين الإذن في الدّخول و بين الدّعاء إليه،أنّ الدّعاء إليه يدلّ على إرادة الدّاعي،و ليس كذلك الإذن.

و في الدّعاء رغبة الدّاعي أو المدعوّ،و ليس كذلك الإذن.

(7:426)

الرّاغب: الأذن:الجارحة،و شبّه به من حيث الحلقة،أذن القدر و غيرها،و يستعار لمن كثر استماعه و قوله لما يسمع...

ص: 732

و أذن:استمع،نحو قوله: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:2،و يستعمل ذلك في العلم الّذي يتوصّل إليه بالسّماع،نحو قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279.

و الإذن و الأذان:لما يسمع،و يعبّر بذلك عن العلم؛ إذ هو مبدأ كثير من العلم فينا.

و أذنته بكذا و آذنته،بمعنى.

و المؤذّن:كلّ من يعلم بشيء نداء.

و الأذين:المكان الّذي يأتيه الأذان.

و الإذن في الشّيء:إعلام بإجازته و الرّخصة فيه، نحو: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64،أي بإرادته و أمره...

و الاستئذان:طلب الإذن.(14)

الزّمخشريّ: الأذن:الرّجل الّذي يصدّق كلّ ما يسمع،و يقبل قول كلّ أحد،سمّي بالجارحة الّتي هي آلة السّماع،كأنّ جملته أذن سامعة،و نظيره قولهم للرّبيئة [الحارس:]عين.(2:199)

اطلب لي شاة أذناء قرناء.

و حدّثته فأذن لي أحسن الأذن،و آذنته بالأمر فأذن به فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:

279.

و تأذّن بالشّرّ إذا تقدّم فيه و حذّره و أنذر به.

و إذا نادى منادي السّلطان بشيء:فقد تأذّن به.

و تأذّنت لأفعلنّ كذا،أي سأفعله لا محالة وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ الأعراف:167.

و استأذنت عليه فحجبني الآذن.

و من المجاز:فلان أذن من الآذان،إذا كان سمعة، و هي أذن و هما أذن.

و خذ بأذن الكوز،و هي عروته.و الأكواب:كيزان لا آذان لها.و مضت فيه أذنا السّهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء فلان ناشرا أذنيه،أي طامعا.و جاء لابسا أذنيه،أي متغافلا.

و في المثل:أنا أعرف الأرنب و أذنيها،أي أعرفه و لا يخفى عليّ كما لا تخفى عليّ الأرنب.

و تقول:سيماه بالخير مؤذنة،و النّفس بصلاحه موقنة.

و قد آذن النّبات،إذا أراد أن يهيج،أي نادى بإدباره.(أساس البلاغة:4)

ابن الشّجريّ: الأذن:الاستماع،يقال:أذن للحديث يأذن أذنا،إذا استمع.(2:36)

الطّبرسيّ: الإذن في اللّغة على ثلاثة أقسام:

أحدها:بمعنى العلم،كقوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،أي فاعلموا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:بمعنى الإباحة و الإطلاق،كقوله تعالى:

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ النّساء:25.

و الثّالث:بمعنى الأمر،كقوله: نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:97.(1:171)

الأذان:الإعلام،يقال:أذنته بكذا فأذن،أي أعلمته فعلم.و قيل:إنّ أصله من النّداء الّذي يسمع بالأذن،و معناه أوقعه في أذنه.

و تأذّن بمعنى آذن،كما يقال:تيقّن و أيقن.(3:5)

الأذان و التّأذين واحد،و هو النّداء يسمع بالأذن،

ص: 733

و يقال:آذنته بالشّيء،أي أعلمته،و آذنته:أكثرت إعلامه.(3:251)

التّأذّن:الإعلام،يقال:آذن و تأذّن،و مثله أوعد و توعّد.[ثمّ استشهد بشعر](3:304)

الإيذان:الإعلام.(5:18)

ابن برّيّ: يقال:رجل أذن و امرأة أذن،و لا يثنّى و لا يجمع.و إنّما سمّوه باسم العضو تهويلا و تشنيعا كما قالوا للمرأة:ما أنت إلاّ بطين.[كناية عن الفرج أو الحمل](ابن منظور 13:11)

قولهم:أذّن العصر،بالبناء للفاعل خطأ،و الصّواب أذّن بالعصر،بالبناء للمفعول مع حرف الصّلة (الفيّوميّ 1:10)

الفخر الرّازيّ: معنى التّأذين في اللّغة النّداء، و التّصويت بالإعلام.(14:85)

ابن الأثير: الأذان هو الإعلام بالشّيء،يقال:

آذن يؤذن إيذانا،و أذّن يؤذّن تأذينا.و المشدّد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصّلاة.

و منه الحديث:«إنّ قوما أكلوا من شجرة فجمدوا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:قرّسوا الماء في الشّنان و صبّوه عليهم فيما بين الأذانين»أراد بهما أذان الفجر و الإقامة.و التّقريس:التّبريد.و الشّنان:القرب الخلقان.

و منه الحديث:«بين كلّ أذانين صلاة»يريد بها السّنن الرّواتب الّتي تصلّى بين الأذان و الإقامة قبل الفرض.

و في حديث زيد بن ثابت:«هذا الّذي أو فى اللّه بأذنه»أي أظهر اللّه صدقه في إخباره عمّا سمعت أذنه.

و في حديث أنس:«أنّه قال له:يا ذا الأذنين»قيل:

معناه الحضّ على حسن الاستماع و الوعي،لأنّ السّمع بحاسّة الأذن،و من خلق اللّه له أذنين فأغفل الاستماع و لم يحسن الوعي لم يعذر.

و قيل:إنّ هذا القول من جملة مزحه صلّى اللّه عليه و سلّم و لطيف أخلاقه،كما قال للمرأة عن زوجها:

«ذاك الّذي في عينه بياض».(1:34)

ابن منظور:أذن له في الشّيء إذنا:أباحه له.

و أذن له عليه:أخذ له منه الإذن.

يقال:أذنت للشّيء آذن له أذنا،إذا استمعت له.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أذن إليه أذنا:استمع إليه معجبا.و آذنني الشّيء:

أعجبني،فاستمعت له.

و أذن كلّ شيء:مقبضه،كأذن الكوز و الدّلو على التّشبيه،و كلّه مؤنّث.و أذن النّعل:ما أطاف منها بالقبال.

و الأذان و الأذين و التّأذين:النّداء إلى الصّلاة،و هو الإعلام بها و بوقتها.

و أذّن الرّجل:ردّه و لم يسقه.

و تأذّن ليفعلنّ،أي أقسم.

و المؤذن:مثل الذّاوي،و هو العود الّذي جفّ و فيه رطوبة.و آذن العشب إذا بدأ يجفّ،فترى بعضه رطبا و بعضه قد جفّ.

و الأذنة:خوصة الثّمام[نبات]،يقال:أذن الثّمام، إذا خرجت أذنته.(13:10)

ص: 734

أبو حيّان:الأذن مدلولها مفهوم و هي مؤنّثة،كذلك تلحقها التّاء في التّصغير،قالوا:اذينة،و لا تلحق في العدد،قالوا:ثلاث آذان.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:84)

الفيّوميّ: أذنت له في كذا:أطلقت له فعله، و الاسم الإذن.و يكون الأمر إذنا و كذا الإرادة،نحو:

بإذن اللّه.

و أذنت للعبد في التّجارة فهو مأذون له.و الفقهاء يحذفون الصّلة تخفيفا،فيقولون:العبد المأذون،كما قالوا:

محجور بحذف الصّلة،و الأصل محجور عليه،لفهم المعنى.

و أذنت للشّيء أذنا،من باب تعب:استمعت، و أذنت بالشّيء:علمت به.و يعدّى بالهمزة،فيقال:

آذنته إيذانا،و تأذّنت:أعلمت.

و أذّن المؤذّن بالصّلاة:أعلم بها،و الأذان اسم منه، و الفعال بالفتح،يأتي اسما من«فعل»بالتّشديد،مثل:

ودّع وداعا...

و الأذن بضمّتين و تسكّن تخفيفا،و هي مؤنّثة، و الجمع:الآذان.و يقال للرّجل ينصح القوم بطانة:هو أذن القوم،كما يقال:هو عين القوم.

و استأذنته في كذا:طلبت إذنه،فأذن لي فيه:أطلق لي فعله.

و المئذنة،بكسر الميم:المنارة،و يجوز تخفيف الهمزة ياء.و الجمع:مآذن،بالهمزة على الأصل.

(1:9)

الجرجانيّ: الإذن في اللّغة:الإعلام.و في الشّرع:

فكّ الحجر و إطلاق التّصرّف،لمن كان ممنوعا شرعا.

الأذان في اللّغة:مطلق الإعلام.و في الشّرع:

الإعلام بوقت الصّلاة بألفاظ معلومة مأثورة.(6)

الفيروزآباديّ: أذن بالشّيء كسمع إذنا- بالكسر،و يحرّك-و أذانا و أذانة:علم به. فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ البقرة:279،أي كونوا على علم.

و آذنه الأمر و به:أعلمه.

و أذّن تأذينا:أكثر الإعلام،و فلانا:عرك أذنه، و ردّه عن الشّرب فلم يسقه،و النّعل و غيرها:جعل لها أذنا.

و فعله بإذني و أذيني:بعلمي.

و أذن له في الشّيء كسمع إذنا بالكسر،و أذينا:

أباحه له.

و استأذنه:طلب منه الإذن.

و أذن إليه و له كفرح:استمع معجبا-أو عامّ- و لرائحة الطّعام:اشتهاه.

و آذنه إيذانا:أعجبه و منعه.

و الأذن،بالضّمّ و بضمّتين معروف،مؤنّثة، كالأذين،جمعه:آذان،و المقبض و العروة من كلّ شيء، و الرّجل المستمع القابل لما يقال له،للواحد و الجمع.

و رجل أذانيّ كغرابيّ،و آذن:عظيم الأذن طويلها، و نعجة أذناء و كبش آذن.

و آذنه و أذنه:أصاب أذنه،و كعني:اشتكاها.

و بنو أذن:بطن.و أذن الحمار:نبت له أصل كالجزر الكبار يؤكل،حلو.و آذان الفأر:نبت بارد رطب يدقّ مع سويق الشّعير فيوضع على ورم العين الحارّ فيحلّله.

و آذان الجدي:لسان الحمل.و آذان العبد:مزمار

ص: 735

الرّاعي،و آذان الفيل:القلقاس.و آذان الدّبّ:

البوصير.و آذان القسّيس و آذان الأرنب و أذن الشّاة:

حشائش.

و الأذان و الأذين و التّأذين:النّداء إلى الصّلاة،و قد أذّن تأذينا و آذن.و الأذين كأمير:المؤذّن،و الزّعيم و الكفيل كالآذن،و المكان الّذي يأتيه الأذان من كلّ ناحية.

و المئذنة،بالكسر:موضعه،أو المنارة و الصّومعة.

و الأذان:الإقامة.

و تأذّن:أقسم و أعلم.

و آذن العشب:بدأ يجفّ،فبعضه رطب و بعضه يابس.

و الآذن:الحاجب.

و الأذنة،محرّكة ورق الحبّ،و صغار الإبل و الغنم، و التّبنة،جمعها:أذن.

و طعام لا أذنة له:لا شهوة لريحه.

و أذنا القلب:زنمتان في أعلاه.

و أذن أو أمّ أذن:قارة بالسّماوة.

و لبست أذنيّ له:أعرضت عنه أو تغافلت.

و جاء ناشرا أذنيه:طامعا.

و تأذّن الأمير في النّاس:نادى فيهم بتهدّد.

و الأذنات،محرّكة:أخيلة بحمى فيد نحو عشرين ميلا،الواحدة:أذنة.

و المؤذنة،بفتح الذّال:طائر.(4:197)

الطّريحيّ:رجل أذن،بالسّكون:يسمع كلام كلّ أحد و يصدّقه.

و في الحديث تكرّر ذكر«الأذان»،و هو بفتح الفاء لغة:الإعلام و الإجازة،إمّا من الإذن بمعنى العلم،أو من الإذن بمعنى الإجازة،و على التّقديرين إمّا أصله الإيذان كالأمان بمعنى الإيمان و العطاء بمعنى الإعطاء،أو هو «فعال»بمعنى«التّفعيل»كالسّلام و الكلام بمعنى التّسليم و التّكليم.و شرعا:ألفاظ متلقّاة من الشّارع.

و المئذنة،بكسر الميم و سكون الهمزة:المنارة.

و أذنت له في كذا:أطلقت له في فعله،و مثله أذن لي في فعله.

و أذنت للعبد في التّجارة فهو مأذون له.و الفقهاء يحذفون الصّلة،و يقولون:العبد المأذون.

و في الحديث: «إنّ اللّه خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه،و أمرهم و نهاهم فلا يكونون آخذين و لا تاركين إلاّ بإذن».

قال بعض الشّارحين: الإذن مقارن لحدوث الفعل و التّرك،و إنّ مصداقه الحيلولة أو التّخلية،و معناه ليس ما شاءوا صنعوا،بل فعلهم معلّق على ارادة حادثة متعلّقة بالتّخلية أو بالصّرف،و في كثير من الأحاديث:

«إنّ تأثير السّحر موقوف على إذنه تعالى»و كأنّ السّرّ في ذلك أنّه تعالى قال:لا يكن شيء من طاعة أو معصية أو غيرهما-كالأفعال الطّبيعيّة-إلاّ بإذن جديد منّي، فيتوقّف في كلّ حادث على الإذن توقّف المعلول على شرطه،لا توقّفه على سببه.

و الآذن،بالمدّ:الحاجب.(6:198)

الإيذان:الإعلام،و أصله من الأذن،تقول:اذنك بالصّلاة و الأمر،أي أوقعته في أذنك.

(غريب القرآن:528)

ص: 736

الآلوسيّ: الأصل في الإذن بالشّيء الإعلام بإجازته و الرّخصة فيه و رفع الحجر عنه.(11:194)

مجمع اللّغة:

أذن له في كذا كعلم يأذن إذنا و أذينا:أطلق له فعله و أباحه.

أذن له و إليه كفرح يأذن أذنا:استمع و أنصت،أو استمع معجبا.

أذن به كعلم يأذن إذنا و أذنا و أذانا و أذانة:علم به.و لم ترد بهذا المعنى في القرآن إلاّ بصيغة الأمر و في موضع واحد.

آذنه الأمر و آذنه به يؤذنه إيذانا:أعلمه أو أخبره.

أذّن تأذينا:أعلم بالشّيء أو أكثر الإعلام و نادى، و منه أذّن المؤذّن تأذينا.و الأذان:اسم التّأذين، كالسّلام اسم التّسليم.

تأذّن ليفعلنّ كذا:أقسم أو أعلم.

استأذن:طلب إذنا.فالسّين و التّاء للطّلب،يقال استأذنته في كذا:طلبت إذنه.

الإذن مصدر بمعنى العلم و الإباحة،و يستعمل في المشيئة و الأمر،فيقال:فعله بإذني،أي بعلمي و أمري.

الأذن:حاسّة السّمع،و تطلق مجازا على المستمع القابل لما يقال.(1:32)

المراغيّ: التّأذين:رفع الصّوت بالإعلام بالشّيء.(8:155)

و الأذن:هو الّذي يسمع من كلّ أحد ما يقول فيقبله و يصدّقه،و يقولون:رجل أذن،أي يسرع الاستماع و القبول.(10:146)

محمّد إسماعيل إبراهيم:أذن له في كذا:أباح له فعله،و أذن به:علم به.و تأذّن:أعلم و أقسم.

و استأذن:طلب الإذن.

و الإذن:العلم،كقولك:فعله بإذني،أي بعلمي.

و الأذن:حاسّة السّمع.

و أذّن:أعلم بالشّيء و نادى به،و منه المؤذّن.

و المئذنة:موضع الأذان.

و أذن له و إليه:استمع و أنصت.

و أذن:جاسوس يتسمّع الأخبار،أو مستمع لما يقال له،قابل له.(34)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد فيها هو الاطّلاع بقيد الرّضا و الموافقة سواء صدر منه أمر أو لا،فهذا المعنى مأخوذ في جميع موارد استعمالها.

الأذن،كالجنب:صفة مشبّهة،و معناها المطّلع الرّاضي الموافق وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ التّوبة:61.

ثمّ غلب استعمالها في الجارحة المخصوصة الّتي هي حاسّة السّمع و الاطّلاع وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ المائدة:45.

و الإذن:اسم من أذنت،و هو الاطّلاع مع الرّضا و الوفاق أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:145.

و الاستيذان:طلب الإذن و الرّضا و الوفاق في المطلوب إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ النّور:62.

و التّأذين:جعل النّاس مطّلعين راضين موافقين، و الأذان اسم منه كما مرّ وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:27.

و التّأذّن:إظهار الإذن و الرّضا بملاحظات ثانويّة و مصالح خارجيّة.و هذا معنى التّكلّف في باب«التّفعّل»،

ص: 737

كالتّحلّم و التّعجّل و التّستّر وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الأعراف:167.

و الإيذان مثل التّأذين إلاّ أنّ النّسبة في«الإفعال»في المرتبة الأولى،و في قصد المتكلّم إلى الفاعل،بخلاف «التّفعيل»فإنّ التّوجّه و القصد فيه في المرتبة الأولى إلى المفعول،أي محلّ الوقوع،فباب«الإفعال»ناظر إلى الصّدور و باب«التّفعيل»إلى الوقوع.

فالنّظر الابتدائيّ في الإيذان إلى إظهار الإعلام،و في التّأذين إلى الإبلاغ و الإعلام إلى النّاس وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنّاكَ فصّلت:47،أي أظهرنا اطّلاعنا و أعلنّا. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ الأنبياء:109،أي فقد عملت بوظائف النّبوّة و أبلغت رسالاتي و آذنت الجميع قاطبة.

و هذا بخلاف التّأذين في أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ يوسف:70،فإنّ المقصود فيها الإبلاغ إلى العير و الإسماع لهم.

و يدلّ على هذا الفرق بين الهيئتين وجود حرف الألف في«أفعل»،و حرف الياء و التّشديد في«فعّل» و«التّفعيل».

و بما قلناه من الفرق بين البابين ينكشف لك حقيقة التّعبير و سرّه في موارد استعمالهما في كلمات أخر.

و كذلك يظهر سرّ التّعبير بهذه المادّة و اختيارها على موادّ:العلم،الإعلان،الاطّلاع،الإخبار،و نظائرها في القرآن.(1:50)

محمود شيت:أذن،أذن.

1-أ-أذن-أذنا،جمعه:أذن.

أذن له و إليه:استمع.

و أذن إليه:استراح.

و أذن لرائحة الطّعام:اشتهاه.

و أذن له فيه إذنا و أذينا:أباحه له.

و أذن له على فلان:أخذ له منه الإذن،فهو آذن.

ب-آذن به:نادى و أعلم،يقال:آذن المؤذّن بالصّلاة.

و آذن فلانا الأمر:أعلمه به.

ج-أذّن فلانا تأذينا و أذانا:أكثر الإعلام بالشّيء.

و أذّن للصّلاة:نادى بالأذان.

و أذّن بالحجّ:أعلم.

د-استأذن:طلب إذنه،و استأذن على فلان:طلب الإذن للدّخول عنده.

ه-الآذن:الحاجب.

و-الأذان:النّداء للصّلاة.

ز-الأذن،الأذن:عضو السّمع في الإنسان و الحيوان،جمعها:آذان.

ح-الأذين:الأذان،و الكفيل.

ط-الأذين في التّشريح:أحد التّجويفين العلويّين من القلب،و هما اللّذان يستقبلان الدّم من الأوردة، و هما أذينان:أيمن و أيسر.

ي-الأذينة:آلة السّمع،و الجزء الأسفل من الأذن.

ك-المئذنة:المنارة يؤذّن عليها،جمعه:مآذن.

ل-المأذون:موثّق عقود الزّواج.

2-أ-أذن:أباح له ما أراد،يقال:أذن له بالرّمي:

سمح له.

ص: 738

ب-المأذونيّة:الإجازة،يقال:طلب الجنديّ مأذونيّة:طلب إجازة من آمره.(1:40)

العدنانيّ: إذن،إذا.

و يخطئون كثيرا في كتابة إذن أو إذا،و أنا أرى رأي الفرّاء الّذي يقول:«ينبغي لمن نصب ب«إذن»الفعل المستقبل المضارع أن يكتبها بالنّون(إذن)»نحو:

سأعطيك دينارا إذا سافرت معي إذن أسافر معك.

«فإذا توسّطت و كانت ملغاة كتبت بالألف(إذا)».

نحو:فلان يعبد النّار فهو إذا من الضّالّين.

و قال آخرون: «إذا وقف عليها،و إن لم تكن ناصبة،كتبت بالنّون»نحو:فلان يعبد اللّه فهو من المؤمنين إذن.و المازنيّ و المبرّد يكتبانها نونا،و يقفان عليها بالنّون.

المئذنة،المؤذنة،الميذنة:

يقول الشّيخ عبد القادر المغربيّ في كتابه«عثرات الأقلام في اللّغة»: إنّنا نستطيع أن نسمّي الموضع الّذي نرفع صوتنا فيه بالأذان مأذنة،باعتبار أنّها اسم مكان.

و لكنّ اسم المكان على وزن«مفعل»،لا يصاغ إلاّ من الثّلاثيّ المجرّد.و«المئذنة»مأخوذة من الفعل «أذّن»،و هو مزيد.

و يعثر صاحب محيط المحيط و دوزيّ أيضا،فيطلقان عليها اسم المأذنة.

و يقول التّاج و المدّ:إنّ المأذنة من أقوال العامّة.

و اسم المكان من غير الثّلاثيّ المجرّد يصاغ على وزن اسم المفعول،فيكون اسم المكان من أذّن،هو:مؤذّن، أو مؤذّنة إذا شئنا إدخال تاء التّأنيث عليه.

و قد جاء في المعجمات أنّ المنارة يؤذّن عليها تسمّى:

1-مئذنة:اللّحيانيّ،و أبو زيد الأنصاريّ، و التّهذيب،و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المعجم الكبير،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-و مؤذنة:أبو زيد الأنصاريّ،و التّهذيب، و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و المتن،و المعجم الكبير.

3-و ميذنة:المصباح،و المدّ،و أقرب الموارد، و المعجم الكبير.

و تجمع المئذنة على:مآذن.

أذان الفجر

و يقولون:آذان الفجر يوقظ النّائمين،و الصّواب:

أذان الفجر...و الأذان هو إعلام المؤذّن النّاس بأنّ صلاة الفجر قد آن أوانها.

و من الحديث:«إنّ قوما أكلوا من شجرة فجمدوا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قرّسوا الماء في الشّنان، و صبّوه عليهم فيما بين الأذانين.»أراد بهما أذان الفجر و الإقامة.التّقريس:التّبريد.الشّنان:القرب و الخلقان.

أمّا الآذان فهي جمع أذن و أذن-عضو السّمع-و هي مؤنّثة.

قال الفرزدق:

و حتّى سعى في سور كلّ مدينة

مناد ينادي فوقها بأذان

و جمع شوقيّ الأذان و الآذان في بيت واحد،فقال:

فلا الأذان أذان في منارته

إذا تعالى،و لا الآذان آذان

ص: 739

أذّن بالعصر

و يقولون:أذّن العصر،و الصّواب:أذّن بالعصر.

و قد نبّه إلى ذلك ابن برّيّ؛إذ قال:و قولهم:أذّن العصر بالبناء للفاعل غلط،و الصّواب:أذّن بالعصر.

و حذا حذو ابن برّيّ كلّ من المصباح،و المدّ، و المتن،و المعجم الكبير.

و ممّا قاله المصباح:أذّن المؤذّن للصّلوات و ليس بالصّلوات:أعلم بها.راجع مادّة«لا يخفى على القرّاء» في هذا المعجم.

و فعله:أذّن يؤذّن أذانا و تأذينا.

و ممّا قاله الرّاغب الأصفهانيّ:المؤذّن:كلّ من يعلم بشيء نداء.و استشهد بقوله تعالى في الآية 27،من سورة الحجّ: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ.

و قال اللّسان:«روي أنّ أذان إبراهيم عليه السّلام بالحجّ أن وقف بالمقام،فنادى:أيّها النّاس!أجيبوا اللّه، يا عباد اللّه!أطيعوا اللّه،يا عباد اللّه!اتّقوا اللّه».

و من معاني أذّن:

1-أذّن المؤذّن بالصّلاة:أعلم بها.

2-أذّن:رفع صوته بالأذان.

3-أكثر الإعلام.

4-أذّن فلانا:عرك أذنه أو نقرها.

5-أذّن فلانا:ردّه عن الشّرب فلم يسقه.

6-أذّن النّعل و غيرها:جعل لها أذنا.

أذنا القلب،و أذيناه،و أذينتاه

التّجويفان العلويّان اللّذان يتلقّيان الدّم من الأوردة الرّئيسة،فيصبّانه في البطينين،يخطّئون من يطلق عليهما اسم الأذينتين،و يقولون إنّ الصّواب هو:الأذينان، اعتمادا على ما جاء في الوسيط.

و لكن:

جاء في الجزء الخامس من مجلّة مجمع فؤاد الأوّل للّغة العربيّة بالقاهرة،أنّ المجمع أطلق على ذينك التّجويفين العلويّين اسم:الأذينتين،و ذلك في دورته الخامسة،المنعقدة بين 18 كانون الأوّل 1937 و 27 كانون الثّاني 1938،في الباب A من مصطلحات علم الأمراض،و في مؤتمري الدّورتين الثّانية عشرة و الثّالثة عشرة.

ثمّ أصدر مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة حرف الهمزة من المعجم الكبير،عام 1970،و أيّد فيه مجمع فؤاد الأوّل بذكره الأذينتين،و المعجم الوسيط بذكره الأذينين،و زاد اسما ثالثا،هو:أذنا القلب.

قد يكون الدّافع لمجمع فؤاد الأوّل لإطلاق اسم الأذينتين على تجويفي القلب العلويّين،هو كون الأذن مؤنّثة.و عند ما نصغّرها نضع تاء التّأنيث في آخرها فتصبح أذينة،كما أصبحت هند هنيدة،و جمل-اسم فتاة-جميلة،و دعد دعيدة،و عين عيينة،و أرض أريضة.

أمّا الطّبعة الثّالثة من قاموس حتّي الطّبّيّ،الّتي ظهرت عام 1977،فقد اكتفت بذكر أذينة القلب.

و من معاني الأذينة الأخرى:

1-تصغير الأذن.

ص: 740

2-صوان الأذن.

3-الزّوائد الّتي توجد على جانبي نصل ورقة النّبات عند قاعدته.

المأذون له،المأذون

و يخطّئون من يقول:أذن الضّابط للجنديّ بالسّفر، فالجنديّ مأذون،و يقولون إنّ الصّواب هو:مأذون له، لأنّ فعله هو:أذن له في الأمر يأذن إذنا و أذينا:أباحه له.

و يخطّئون أيضا من يسمّي موثّق عقود الزّواج و الطّلاق مأذونا،و يقولون إنّ الصّواب هو:المأذون له بتوثيق تلك العقود.

و لكن:

أجازوا لنا شذوذا أن نقول:المأذون،على الحذف و الإيصال-حذف الجارّ و إيصال الفعل-و الأصل:

المأذون له.

جاء في المصباح:«أذنت للعبد في التّجارة فهو مأذون له،و الفقهاء يحذفون الصّلة تخفيفا،فيقولون:

العبد المأذون».

و قال محيط المحيط و أقرب الموارد في مادّة«حجر»:

«و حجر عليه القاضي في ماله:منعه من أن يتصرّف فيه و يفسده،فهو حاجر و ذاك محجور عليه.و قولهم:

المحجور يفعل كذا على حذف الصّلة،أي المحجور عليه، كالمأذون،أي المأذون له».

أمّا موثّق عقود الزّواج و الطّلاق فقد أطلق عليه مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة اسم:المأذون،إذ جاء في قرار لجنة الألفاظ و الأساليب التّابعة لمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في مؤتمره في دورته الثّالثة و الأربعين من 3 ربيع الأوّل 1397 ه الموافق ل 21 شباط«فبراير» 1977-إلى 17 ربيع الأوّل 1397 ه الموافق ل 7 آذار «مارس»1977،ما يأتي:

«يخطّئ بعض النّقّاد استعمال المعاصرين لهاتين الصّيغتين في مثل قولهم:القضيّة المشتركة و المأذون الشّرعيّ،بناء على أنّ كلاّ منهما قد اشتقّ من فعل يتعدّى بالحرف،فيجب إتباع صيغة المفعول فيهما بالجارّ و المجرور ليقال:المشترك فيها و المأذون له.

درست اللّجنة هذا،ثمّ انتهت إلى إجازة هاتين الصّيغتين و ما يجري مجراهما؛لأنّ الكلام فيهما على الحذف و الإيصال،أي حذف حرف الجرّ و استتار الضّمير في اسم المفعول،و هو ما أجازه ابن جنّيّ في خصائصه،و استشهد له بقول لبيد:«النّاطق المبروز و المختوم»أي المبروز به كما قال ابن جنّيّ.

و مثله قول بشر بن أبي خازم:«إلى غير موثوق من الأرض تذهب»أي موثوق به.

هذا إلى أنّ السّماع قد ورد نصّا في استعمال لفظ المشترك كما استعمله المعاصرون،و ذلك ما ذكره صاحب الأساس من قول زهير:

ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم

تخالج الأمر،إنّ الأمر مشترك

و أورد الميدانيّ في مجمع الأمثال:

يا ذا البجاد الحلكه و الزّوجة المشتركة

و لهذا كلّه ترى اللّجنة إجازة استعمال«المشتركة» و«المأذون»في المعنى الّذي يستعملان فيه لدى

ص: 741

المعاصرين.

و بعد سماع المؤتمرين الحجج الّتي استندت إليها اللّجنة وافقوا على قرارها المذكور.

و قال المعجم الكبير:إنّ المأذون هو:

أ-موثّق عقود الزّواج و الطّلاق.

ب-عند الفقهاء:من أطلق له التّصرّف بعد زوال السّبب المانع،كعبد أو صبيّ.

ج-في القانون:القاصر الّذي خوّل بعد أن بلغ الرّشد إدارة شئونه و أمواله.

و ذكر الوسيط أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة أطلق كلمة«المأذون»على موثّق عقود الزّواج و الطّلاق.

(7-10)

النّصوص التّفسيريّة

اذن

1- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ...

النّور:36

الميبديّ: الإذن هنا:الأمر،يعني أمر اللّه و رضي، كما في قوله تعالى: لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إبراهيم:1.(6:536)

القرطبيّ: أمر و قضى.و حقيقة الإذن العلم و التّمكين دون حظر،فإن اقترن بذلك أمر و إنفاذ كان أقوى.(12:266)

2- وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ...

سبأ:23

2Lالطّبريّ: المشفوع له.

و اختلف القرّاء في قراءة قوله:(اذن له)فقرأ ذلك عامّة القرّاء بضمّ الألف من(اذن له)على وجه ما لم يسمّ فاعله.و قرأه بعض الكوفيّين(اذن له)على اختلاف أيضا عنه فيه،بمعنى أذن اللّه له.(22:89)

الطّوسيّ: قرأ أبو عمرو،و حمزة،و الكسائيّ، و خلف،و الأعشى،و البرجيّ عن أبي بكر(اذن له) بضمّ الهمزة،الباقون بفتحها.

فمن فتح الهمزة من(اذن)فمعناه أذن اللّه له،و من ضمّها جعله لما لم يسمّ فاعله،يقال:أذنت للرّجل في ما يفعله،أي أعلمته،و أذنته أيضا،و أذن زيد إلى عمرو،إذا استمع إليه.(8:391)

البغويّ: إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ اللّه في الشّفاعة،قاله تكذيبا لهم؛حيث قالوا:هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه.

و يجوز أن يكون المعنى إلاّ لمن أذن اللّه له أن يشفع له.

و قرأ أبو عمرو،و حمزة،و الكسائيّ(اذن)بضمّ الهمزة.(5:238)

الزّمخشريّ: تقول:الشّفاعة لزيد،على معنى أنّه الشّافع،كما تقول:الكرم لزيد.و على معنى أنّه المشفوع له،كما تقول:القيام لزيد.

فاحتمل قوله: وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن يكون على أحد هذين الوجهين،أي لا تنفع الشّفاعة إلاّ كائنة لمن أذن له من الشّافعين و مطلقة له، أو لا تنفع الشّفاعة إلاّ كائنة لمن أذن له،أي لشفيعه،أو هي اللاّم الثّانية في قولك:أذن لزيد لعمرو،أي لأجله،

ص: 742

و كأنّه قيل:إلاّ لمن وقع الإذن للشّفيع لأجله.

و هذا وجه لطيف و هو الوجه،و هذا تكذيب لقولهم: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّهِ يونس:18.

(3:287)

الطّبرسيّ:المعنى أنّه لا تنفع الشّفاعة عند اللّه تعالى إلاّ لمن رضيه اللّه و ارتضاه و أذن له في الشّفاعة،مثل الملائكة و الأنبياء و الأولياء.و يجوز أن يكون المعنى إلاّ لمن أذن اللّه في أن يشفع له،فيكون مثل قوله:

وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى الأنبياء:28،و إنّما قال سبحانه ذلك لأنّ الكفّار كانوا يقولون:نعبدهم ليقرّبونا إلى اللّه زلفى،و هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه،فحكم اللّه تعالى ببطلان اعتقاداتهم.(4:389)

البروسويّ: إلاّ كائنة لمن أذن له،أي لأجله و في شأنه من المستحقّين للشّفاعة.(7:29)

الآلوسيّ: يؤذن بشفعاء و مشفوع لهم،و أنّ هناك استئذانا في الشّفاعة ضرورة أنّ وقوع الإذن يستدعي سابقيّة ذلك،و هو مستدع للتّرقّب و الانتظار للجواب؛ و حيث إنّه كلام صادر عن مقام العظمة و الكبرياء-كيف و قد تقدّمه ما تقدّمه-يدلّ على كون الكلّ في ذلك الموقف خلف سرادق العظمة ملقى عليهم رداء الهيبة.

و ما بعد حرف الغاية أيضا شديد الدّلالة على ذلك، فكأنّه قيل:يقف الشّفعاء و المشفوع لهم في ذلك الموقف الّذي يتشبّث فيه المستشفعون بأذيال الرّجاء من المستشفع بهم،و يقوم فيه المستشفع به على قدم الالتجاء إلى اللّه جلّ جلاله،فيطرق باب الشّفاعة بالاستئذان فيها،و يبقون جميعا منتظرين وجلين فزعين لا يدرون ما يوقّع لهم الملك الأعظم جلّ و علا على رقعة سؤالهم،و ما ذا يصحّ لهم بعد عرض حالهم،حتّى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشّفعاء و المشفوع لهم بظهور تباشير حسن التّوقيع و سطوع أنوار الإجابة و الارتضاء من آفاق رحمة الملك الرّفيع«قالوا»أي قال بعضهم لبعض-و الظّاهر أنّ البعض القائل المشفوع لهم و إن شئت فأعد الضّمير إليهم من أوّل الأمر؛إذ هم الأشدّ احتياجا إلى الإذن،و الأعظم اهتماما بأمره-:(ما ذا قال ربّكم)في شأن الإذن بالشّفاعة؟قالوا-أي الشّفعاء.

فإنّهم المباشرون للاستئذان بالذّات المتوسّطون لأولئك السّائلين بالشّفاعة عنده عزّ و جلّ-:قال ربّنا القول الحقّ،أي الواقع بحسب ما تقتضيه الحكمة،و هو الإذن بالشّفاعة لمن ارتضى.(22:137)

الطّباطبائيّ: قوله: إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يحتمل أن يكون اللاّم في(لمن)لام الملك،و المراد ب«من أذن له» الشّافع من الملائكة،و المعنى لا تنفع الشّفاعة إلاّ أن يملكه الشّافع بالإذن من اللّه.و أن يكون لام التّعليل،و المراد ب«من أذن له»المشفوع له،و المعنى لا تنفع الشّفاعة إلاّ لأجل من أذن له من المشفوع لهم.

قال في«الكشّاف»: و هذا-يعني الوجه الثّاني- وجه لطيف،و هو الوجه.(16:371)

3- إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً. النّبأ:38

ابن عبّاس: إلاّ من أذن له الرّبّ بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و هي منتهى الصّواب.(الطّبريّ 30:24)

عكرمة: يؤذن لأهل الجنّة في الكلام.

(الطّبريّ 30:24)

ص: 743

الإمام الصّادق عليه السّلام: نحن و اللّه المأذون لهم يوم القيامة.(الطّبرسيّ 5:427)

الطّبريّ: قيل:إنّهم يؤذن لهم في الكلام،و قيل:

بالتّوحيد.

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنّهم لا يتكلّمون يوم يقوم الرّوح و الملائكة صفّا،إلاّ من أذن له منهم في الكلام الرّحمن.

(30:24)

الطّوسيّ: أي أذن اللّه له في الكلام.(10:249)

البروسويّ: إنّ أهل السّماوات و الأرض إذا لم يقدروا يومئذ على أن يتكلّموا بشيء من جنس الكلام إلاّ من أذن اللّه له منهم في التّكلّم.

و قيل:(الاّ من اذن)إلخ،منصوب على أصل الاستثناء،و المعنى لا يتكلّمون إلاّ في حقّ شخص أذن له الرّحمن.(10:310)

الآلوسيّ: (الاّ من اذن)بدل من ضمير لا يتكلّمون،و هو عائد إلى أهل السّماوات و الأرض الّذين من جملتهم الرّوح و الملائكة،و ذكر قيامهم مصطفين لتحقيق عظمة سلطانه تعالى،و كبرياء ربوبيّته عزّ و جلّ،و تهويل يوم البعث الّذي عليه مدار الكلام من مطلع السّورة الكريمة إلى مقطعها.

و الجملة استئناف مقرّر لمضمون قوله تعالى:

(لا يملكون...)و مؤكّد له على معنى أنّ أهل السّماوات و الأرض إذا لم يقدروا حينئذ أن يتكلّموا بشيء من جنس الكلام،إلاّ من أذن اللّه تعالى له منهم في التّكلّم مطلقا.(30:20)

2Lالعامليّ: قد روى العيّاشيّ عن الكاظم عليه السّلام أنّه قال في قوله: إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ... «نحن و اللّه المأذون لهم يوم القيامة...»و ظاهر أنّ المراد بالإذن رخصة شفاعتهم لشيعتهم،و كذا سائر ما أذن اللّه لهم، كما قال: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى الضّحى:5.

و قد روي-كما سيأتي-لا شفاعة لأحد يوم القيامة.و كذا قد أذن لهم في الدّنيا بأمور ليس لغيرهم، منها المعجزات و ما مرّ من التّفويض في التّذييل،فتأمّل و لا تغفل.(83)

الطّباطبائيّ: (الاّ من اذن)بدل من ضمير الفاعل في(لا يتكلّمون)أريد به بيان من له أن يتكلّم منهم يومئذ بإذن اللّه،فالجملة في معنى قوله: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ هود:105،على ظاهر إطلاقه.

(20:172)

اذنت

وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ. الانشقاق:2

ابن عبّاس: سمعت لربّها.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 30:113)

سعيد بن جبير: سمعت و أطاعت.

مثله قتادة،و الضّحّاك.(الطّبريّ 30:113)

ابن قتيبة: استمعت.(521)

الطّبريّ: و سمعت السّماوات في تصدّعها و تشقّقها لربّها،و أطاعت له في أمره إيّاها.و العرب تقول:أذن لك في هذا الأمر أذنا،بمعنى استمع لك،يقال منه:سمعت لك،

ص: 744

بمعنى سمعت قولك و أطعت فيما قلت و أمرت.(30:112)

مثله الطّوسيّ(10:308)،و الطّبرسيّ(5:459).

السّجستانيّ: أي سمعت لربّها و حقّ لها أن تسمع(29)

الأزهريّ: أي سمعت سمع طاعة و قبول،و به سمّي الأذن أذنا.(15:19)

الميبديّ: أي سمعت أمر ربّها بالانشقاق و أطاعت؛يقال:أذن للشّيء،إذا أصغى إليه أذنه للاستماع. وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها أطاعت و قابلت أمر ربّها بالسّمع و القبول،و حقّ لها أن تفعل ذلك،و ليس هذا بتكرار،فإنّ الأوّل للسّماء و الثّاني للأرض.(10:427)

الزّمخشريّ: أذن له:استمع له.و المعنى أنّها فعلت في انقيادها للّه حين أراد انشقاقها فعل المطواع الّذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له و أذعن،و لم يأب و لم يمتنع،كقوله: أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11.(4:234)

مثله الفخر الرّازيّ(31:103)،و البيضاويّ(2:

548).

البروسويّ: و استمعت،أي انقادت و أذعنت لتأثير قدرته تعالى،حين تعلّقت قدرته و إرادته بانشقاقها انقياد المأمور المطواع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع.

فهو استعارة تمثيليّة متفرّعة على المجاز المرسل،يعني إذا أطلق الإذن،و هو الاستماع في حقّ من له حاسّة السّمع و الاستماع بها،يراد بها الإجابة و الانقياد مجازا، و إذا أطلق في حقّ نحو السّماء،ممّا ليس في شأنه الاستماع و القبول،يكون استعارة تمثيليّة،فقوله: أَتَيْنا طائِعِينَ يدلّ على نفوذ القدرة في الإيجاد و الإبداع من غير ممانعة أصلا و قوله: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها يدلّ على نفوذ القدرة في التّفريق و الإعدام من غير ممانعة أصلا، و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إليها للإشعار بعلّة الحكم.

و هذا الانقياد عند أرباب الحقائق محمول على أنّ لها حياة و إدراكا كسائر الحيوانات؛إذ ما من شيء إلاّ و له نصيب من تجلّي الاسم الحيّ.و قد سبق مرارا.

(10:375)

الطّباطبائيّ: الأذن:الاستماع،و منه الأذن لجارحة السّمع،و هو مجاز عن الانقياد و الطّاعة.

(20:242)

اذنت

عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ... التّوبة:43

قتادة:اثنان فعلهما النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يؤمر بهما:إذنه للمنافقين،و أخذه الفداء من الأسارى؛فعاتبه اللّه كما تسمعون،و هذا من لطيف المعاتبة بدأه بالعفو قبل العتاب

(الطّبرسيّ 3:33)

أبو مسلم الأصفهانيّ:معناه أدام اللّه لك العفو لم أذنت لهؤلاء في الخروج،لأنّهم استأذنوا فيه تملّقا،و لو خرجوا لأرادوا الخبال و الفساد،و لم يعلم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك من سريرتهم.(الطّبرسيّ 3:33)

نفطويه: ذهب ناس إلى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم معاتب بهذه الآية،و حاشاه من ذلك،بل كان له

ص: 745

أن يفعل و أن لا يفعل حتّى ينزل عليه الوحي،كما قال:

«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة»لأنّه كان له أن يفعل و أن لا يفعل.

و قد قال اللّه تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ الأحزاب:51،لأنّه كان له أن يفعل ما يشاء ممّا لم ينزل عليه فيه وحي.

و استأذنه المخلّفون في التّخلّف و اعتذروا.اختار أيسر الأمرين تكرّما و تفضّلا منه صلّى اللّه عليه و سلّم فأبان اللّه تعالى أنّه لو لم يأذن لهم لأقاموا للنّفاق الّذي في قلوبهم،و أنّهم كاذبون في إظهار الطّاعة و المشاورة،فعفا اللّه عنك.عنده افتتاح كلام،أعلمه اللّه به أنّه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن،و ليس هو عفوا عن ذنب،إنّما هو أنّه تعالى أعلمه أنّه لا يلزمه ترك الإذن لهم،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«عفا اللّه لكم عن صدقة الخيل و الرّقيق و ما وجبتا قطّ»و معناه ترك أن يلزمكم ذلك، انتهى.(أبو حيّان 5:47)

الطّوسيّ: قوله: لِمَ أَذِنْتَ فالإذن رفع التّبعة.

عاتب اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله لم أذن لقوم من المتأخّرين عن الخروج معه إلى تبوك،و إن كان له إذنهم،لكن كان الأولى أن لا يأذن.(5:264)

القشيريّ: في الإذن قولان:

الأوّل: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ في الخروج معك،و في خروجهم بلا عدة و نيّة صادقة فساد.

الثّاني: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ في القعود لمّا اعتلّوا بأعذار،و هذا عتاب تلطّف.(القرطبيّ 8:154)

أبو البقاء: حَتّى يَتَبَيَّنَ متعلّق بمحذوف دلّ عليه الكلام،تقديره:هلاّ أخّرتهم إلى أن يتبيّن أو ليتبيّن.و قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ يدلّ على المحذوف، و لا يجوز أن تتعلّق(حتّى)ب(اذنت)،لأنّ ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية،أو لأجل التّبيين و هذا لا يعاتب عليه.(أبو حيّان 5:47)

الزّمخشريّ: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بيان لما كنّى عنه بالعفو،و معناه ما لك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك و اعتلّوا لك بعللهم،و هلاّ استأنيت بالإذن؟

(2:192)

ابن عطيّة: هذه الآية في صنف مبالغ في النّفاق، و استأذنوا دون اعتذار،منهم:عبد اللّه بن أبيّ،و الجدّ بن قيس،و رفاعة بن التّابوت،و من اتّبعهم.

(أبو حيّان 5:47)

الطّبرسيّ: [قال بعد نقل قول قتادة:]

هل كان هذا الإذن قبيحا أم لا؟

قال الجبّائيّ: كان قبيحا و وقع صغيرا،لأنّه لا يقال في المباح:لم فعلته؟

و هذا غير صحيح،لأنّه يجوز أن يقال فيما غيره أفضل منه:لم فعلته؟كما يقول القائل لغيره إذا رآه يعاتب أخا:لم عاتبته و كلّمته بما يشقّ عليه؟و إن كان يجوز له معاتبته بما يشقّ عليه.و كيف يكون إذنه لهم قبيحا،و قد قال سبحانه في موضع آخر: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ النّور:

62.(3:33)

الفخر الرّازيّ: [له بحث مستوفى لخّصه من بعده.]

(16:75-77)

ص: 746

النّيسابوريّ: بيّن أنّ ذلك التّخلّف من بعضهم كان بإذن الرّسول،و لهذا توجّه عليه العتاب بقوله:

عَفَا اللّهُ عَنْكَ فإنّ العفو يستدعي سابقة الذّنب، و بقوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فإنّه استفهام في معنى الإنكار، و بيان لما كنّى عنه بالعفو.

قال قتادة،و عمرو بن ميمون:شيئان فعلهما الرّسول لم يؤمر بهما:إذنه للمنافقين،و أخذه الفداء من الأسارى؛فعاتبه اللّه بطريق الملاطفة كما تسمعون.

و الّذي عليه المحقّقون أنّه محمول على ترك الأولى، و قوله: عَفَا اللّهُ عَنْكَ إنّما جاء على عادة العرب في التّعظيم و التّوقير،فيقدّمون أمثال ذلك بين يدي الكلام، يقولون:عفا اللّه عنك ما صنعت في أمري؟رضي اللّه عنك ما جوابك عن كلامي؟و عافاك اللّه أ لا عرفت حقّي؟.

و بعد حصول العفو من اللّه تعالى يستحيل أن يكون قولهم: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ واردا على سبيل الذّمّ و الإنكار ،بل يحمل على ترك الأكمل و الأولى،لا سيّما و هذه الواقعة كانت من جنس ما يتعلّق بالحروب و مصالح الدّنيا.

قال كثير من العلماء:في الآية دلالة على جواز الاجتهاد،لأنّه عليه السّلام أذن لهم من تلقاء نفسه من غير أن يكون من اللّه في ذلك إذن و إلاّ لم يعاتب،أو منع و إلاّ كان عاصيا بل كافرا،لقوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ المائدة:44،و لا ريب أنّه لا يكون بمجرّد التّشهّي فيكون بالاجتهاد،ثمّ إنّه لم يمنع من الاجتهاد مطلقا،و إنّما منع إلى غاية هي قوله: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ التّوبة:43.

و لا يمكن أن يكون المراد من ذلك التّبيّن هو التّبيّن بطريق الوحي،و إلاّ كان ترك ذلك كبيرة،فتعيّن أن يحمل التّبيّن على استعلام الحال بطريق الاجتهاد ليكون الخطأ واقعا في الاجتهاد لا في النّصّ،و يدخل تحت قوله:«و من اجتهد و أخطأ فله أجر واحد».

و في الآية دلالة على وجوب الاحتراز عن العجلة، و ترك الاغترار بظواهر الأمور.

قال قتادة: عاتبه اللّه كما تسمعون،ثمّ رخّص له في سورة النّور في قوله: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ النّور:62،[و نقل قول أبي مسلم ثمّ قال:]

و قال القاضي: هذا بعيد،لأنّ سياق الآية يدلّ على أنّ الكلام في القاعدين و بيان حالهم.(10:95)

أبو حيّان:قال بعضهم:(ائذن لي و لا تفتنّي) التّوبة:49.

و قال بعضهم: ائذن لنا في الإقامة،فأذن لهم استبقاء منه عليهم،و أخذا بالأسهل من الأمور و توكّلا على اللّه.

[نقل قول نفطويه،ثمّ قال:]

و وافقه عليه قوم فقالوا:ذكر العفو هنا لم يكن عن تقدّم ذنب،و إنّما هو استفتاح كلام جرت عادة العربان تخاطب بمثله لمن تعظّمه و ترفع من قدره،يقصدون بذلك الدّعاء له،فيقولون:أصلح اللّه الأمير كان كذا و كذا،فعلى هذا صيغته صيغة الخبر،و معناه الدّعاء.

و(لم)و(لهم)متعلّقان بأذنت لكنّه اختلف مدلول

ص: 747

اللاّمين؛إذ لام(لم)للتّعليل و لام(لهم)للتّبليغ،فجاز ذلك لاختلاف معنييهما.و متعلّق«الإذن»غير مذكور، فما قدّمناه يدلّ على أنّه القعود،أي لم أذنت لهم في القعود و التّخلّف عن الغزو حتّى تعرف ذوي العذر في التّخلّف ممّن لا عذر له؟

و قيل:متعلّق الإذن هو الخروج معه للغزو،لما ترتّب على خروجهم من المفاسد،لأنّهم كانوا عينا للكفّار على المسلمين.

و يدلّ عليه قوله: وَ فِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ التّوبة:

47.

و كانوا يخذلون المؤمنين و يتمنّون أن تكون الدّائرة عليهم،فقيل:لم أذنت لهم في إخراجهم و هم على هذه الحالة السّيّئة؟

و بيّن أنّ خروجهم معه ليس مصلحة؛بقوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47، و(حتّى)غاية لما تضمّنه الاستفهام،أي ما كان أن تأذن لهم حتّى يتبيّن من له العذر.

و كلام الزّمخشريّ في تفسير قوله: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ممّا يجب إطراحه،فضلا عن أن يذكر فيردّ عليه.(5:47)

الآلوسيّ: أي لأيّ سبب أذنت لهؤلاء الحالفين المتخلّفين في التّخلّف حين استأذنوا فيه معتذرين بعدم الاستطاعة؟و هذا عتاب لطيف من اللّطيف الخبير سبحانه لحبيبه صلّى اللّه عليه و سلّم على ترك الأولى، و هو التّوقّف عن الإذن إلى انجلاء الأمر و انكشاف الحال.(10:107)

2Lالطّباطبائيّ: جملة حَتّى يَتَبَيَّنَ متعلّقة بقوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ أي في التّخلّف و القعود،و لمّا كان الاستفهام للإنكار أو التّوبيخ كان معناه كان ينبغي أن لا تأذن لهم في التّخلّف و القعود،و يستقيم به تعلّق الغاية الّتي يشتمل عليها قوله: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا بقوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فالتّعلّق إنّما هو بالمستفهم عنه دون الاستفهام و إلاّ أفاد خلاف المقصود، و الكلام مسوق لبيان ظهور كذبهم،و أنّ أدنى الامتحان- كالكفّ عن إذنهم في القعود-يكشف عن فضاحتهم.

و معنى الآية عفا اللّه عنك لم أذنت لهم في التّخلّف و القعود؟و لو شئت لم تأذن لهم و كانوا أحقّ به حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فيتميّز عندك كذبهم و نفاقهم.(9:284)

اذن

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا... الحجّ:39

مجاهد: خرج ناس مؤمنون مهاجرون من مكّة إلى المدينة فاتّبعهم كفّار قريش،فأذن اللّه لهم في قتالهم.

(2:426)

قتادة: هي أوّل آية أنزلت في القتال،فأذن لهم أن يقاتلوا.(الطّبريّ 17:173)

ابن جريج: أوّل قتال أذن اللّه به للمؤمنين.

(الطّبريّ 17:173)

ابن زيد: أذن لهم في قتالهم بعد ما عفا عنهم عشر سنين.(الطّبريّ 17:172)

الفرّاء: يعني أذن اللّه للّذين يحرصون على قتال

ص: 748

المشركين في المستقبل.و من قرأ بفتح التّاء فالتّقدير:

أذن للّذين يقاتلون في القتال.

مثله الزّجّاج.(الفخر الرّازيّ 23:39)

الطّبريّ: أذن اللّه للمؤمنين الّذين يقاتلون المشركين في سبيله،بأنّ المشركين ظلموهم بقتالهم.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة(اذن)بضمّ الألف،(يقاتلون)بفتح التّاء،بترك تسمية الفاعل في(اذن)و(يقاتلون)جميعا.

و قرأ ذلك بعض الكوفيّين و عامّة قرّاء البصرة (اذن)بترك تسمية الفاعل،و(يقاتلون)بكسر التّاء، بمعنى يقاتل المأذون لهم في القتال،المشركين.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين،و بعض المكّيّين (اذن)بفتح الألف،بمعنى اذن اللّه،و(يقاتلون)بكسر التّاء،بمعنى إنّ الّذين أذن اللّه لهم بالقتال يقاتلون المشركين.

و هذه القراءات الثّلاث متقاربات المعنى؛لأنّ الّذين قرءوا(اذن)على وجه ما لم يسمّ فاعله،يرجع معناه في التّأويل إلى معنى قراءة من قرأه على وجه ما سمّي فاعله، و إنّ من قرأ (يقاتلون) و (يقاتلون) بالكسر أو الفتح، فقريب معنى أحدهما من معنى الآخر؛و ذلك أنّ من قاتل إنسانا،فالّذي قاتله له مقاتل،و كلّ واحد منهما مقاتل؛ فإذ كان ذلك كذلك،فبأيّة هذه القراءات قرأ القارئ فمصيب الصّواب.

غير أنّ أحبّ ذلك إليّ،أن أقرأ به(اذن)بفتح الألف،بمعنى أذن اللّه،لقرب ذلك من قوله: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ الحجّ:38،أذن اللّه في الّذين لا يحبّهم للّذين يقاتلونهم بقتالهم،فيرد(اذن)على قوله: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ.

و كذلك أحبّ القراءات إليّ في(يقاتلون)كسر التّاء،بمعنى الّذين يقاتلون من قد أخبر اللّه عنهم أنّه لا يحبّهم،فيكون الكلام متّصلا معنى بعضه ببعض.

(17:172)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير،و حمزة،و الكسائيّ(اذن) بفتح الألف(يقاتلون)بكسر التّاء.

و قرأ نافع،و حفص(اذن)بضمّ الألف(يقاتلون) بفتح التّاء.

و قرأ أبو عمرو،و أبو بكر عن عاصم(اذن)بضمّ الألف(يقاتلون)بكسر التّاء.

و قرأ ابن عامر(اذن)بفتح الألف(يقاتلون)بفتح التّاء.(7:316)

مثله الطّبرسيّ.(4:84)

الميبديّ: هي أوّل آية نزلت في القتال،نسخت بها كلّ آية أمر فيها بالكفّ عن القتال.(6:379)

الزّمخشريّ: (اذن)و(يقاتلون)قرئا على لفظ المبنيّ للفاعل و المفعول جميعا،و المعنى أذن لهم في القتال، فحذف المأذون فيها لدلالة(يقاتلون)عليه.(3:15)

الفخر الرّازيّ: في الآية محذوف،و التّقدير:أذن للّذين يقاتلون في القتال،فحذف المأذون فيه لدلالة (يقاتلون)عليه.(23:39)

البروسويّ: الإذن في الشّيء:إعلام بإجازته، و الرّخصة فيه.(6:38)

الآلوسيّ: (اذن)أي رخّص.

ص: 749

و قرأ ابن عبّاس،و ابن كثير،و ابن عامر،و حمزة، و الكسائيّ(اذن)بالبناء للفاعل،أي أذن اللّه تعالى.

(17:161)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ المراد بقوله:(أذن) إنشاء الإذن دون الإخبار عن إذن سابق،و إنّما هو إذن في القتال،كما يدلّ عليه قوله: لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ إلخ، و لذا بدّل قوله:«الذين آمنوا»من قوله: اَلَّذِينَ يُقاتِلُونَ ليدلّ على المأذون فيه.

و القراءة الدّائرة(يقاتلون)-بفتح التّاء مبنيّا للمفعول-أي الّذين يقاتلهم المشركون،لأنّهم الّذين أرادوا القتال و بدءوهم به،و الباء في بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا للسّببيّة،و فيه تعليل الإذن في القتال،أي أذن لهم فيه بسبب أنّهم ظلموا...

و في عدم التّصريح بفاعل(اذن)تعظيم و تكبير (1).

و نظيره ما في قوله: وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الحجّ:39،من ذكر القدرة على النّصر دون فعليّته،فإنّ فيه إشارة إلى أنّه ممّا لا يهتمّ به،لأنّه هيّن على من هو على كلّ شيء قدير.(14:384)

ياذن

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ... الشّورى:21

الطّبريّ: ابتدعوا لهم من الدّين ما لم يبح اللّه لهم ابتداعه.(25:21)

الطّوسيّ: أي لم يأمر به و لا أذن فيه.(9:157)

مثله الطّبرسيّ.(5:25)

2Lالميبديّ: لم يرض و لم يأمر به.(9:18)

النّيسابوريّ: أي لم يأمرهم به،أو لم يعلمه، كقوله: أَ تُنَبِّئُونَ اللّهَ بِما لا يَعْلَمُ يونس:18، و الأذن بالفتح:العلم بالمسموعات،و تحقيقه شرعوا ما ليس بشريعة؛إذ لو كان شريعة لعلمها اللّه.(25:26)

البروسويّ:كالشّرك و إنكار البعث و العمل للدّنيا،و سائر مخالفات الشّريعة و موافقات الطّبيعة، لأنّهم لا يعلمون غيرها،و تعالى اللّه عن الإذن في هذا و الأمر به.(8:308)

يؤذن

1- ...ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.

النّحل:84

الجبّائيّ: المعنى أنّ اللّه يخلق فيهم العلم الضّروريّ،بأنّهم إن اعتذروا لم تقبل معذرتهم،و إن استعتبوا لم يعتبوا،و لم يرد أنّهم لا يؤمرون بالاعتذار و لا يمكّنون منه،لأنّ الأمر و التّكليف قد زالا عنهم.

(الطّوسيّ 6:415)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:أنّه لا يؤذن لهم في الاعتذار،على أنّ للآخرة مواطن؛فيها ما يمنعون،و فيها ما لا يمنعون.

الثّاني:أنّهم لم يؤذن لهم في الاعتذار بما ينتفعون، و لا يعرضون للعتبى الّذي هو الرّضا.(6:415)

نحوه الطّبرسيّ.(3:379)

الميبديّ:في الكلام و الاعتذار.و قيل:لا يسمع

ص: 750


1- كذا في المتن.

عذرهم.(5:430)

نحوه القرطبيّ.(10:162)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:لا يؤذن لهم في الاعتذار،لقوله:

وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ المرسلات:36.

و ثانيها:لا يؤذن لهم في كثرة الكلام.

و ثالثها:لا يؤذن لهم في الرّجوع إلى دار الدّنيا و إلى التّكليف.

و رابعها:لا يؤذن لهم في حال شهادة الشّهود،بل يسكت أهل الجمع كلّهم ليشهد الشّهود.

و خامسها:لا يؤذن لهم في كثرة الكلام؛ليظهر لهم كونهم آيسين من رحمة اللّه.(20:96)

الطّباطبائيّ: ذكر بعث شهداء الأمم دليل على أنّهم يشهدون على أممهم بما عملوا في الدّنيا،و قرينة على أنّ المراد من نفي الإذن للكافرين أنّهم لا يؤذن لهم في الكلام،و هو الاعتذار لا محالة.و نفي الإذن في الكلام إنّما هو تمهيد لأداء الشّهود شهادتهم،كما تلوح إليه آيات أخر،كقوله: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ يس:65،و قوله:

هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ

المرسلات:36،37.

على أنّ سياق قوله: ثُمَّ لا يُؤْذَنُ إلخ،يفيد أنّ المراد بهذا الّذي ذكر نفي ما يتّقى به الشّرّ يومئذ من الحيل،و بيان أنّه لا سبيل إلى تدارك ما فات منهم، و إصلاح ما فسد من أعمالهم في الدّنيا يومئذ،و هو أحد أمرين:الاعتذار أو استئناف العمل،أمّا الثّاني فيتكفّله قوله: وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، و لا يبقى للأوّل و هو الاعتذار بالكلام إلاّ قوله: ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا (12:317)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ... الأحزاب:53

الطّوسيّ: نهاهم عن دخول دور النّبيّ بغير إذن.

(8:356)

الزّمخشريّ: في معنى الظّرف،تقديره:وقت أن يؤذن لكم،و (غَيْرَ ناظِرِينَ) حال من (لا تَدْخُلُوا) ،وقع الاستثناء على الوقت و الحال معا،كأنّه قيل:لا تدخلوا بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ وقت الإذن و لا تدخلوها إلاّ غير ناظرين،و هؤلاء قوم كانوا يتحيّنون طعام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيدخلون و يقعدون منتظرين لإدراكه؛و معناه:لا تدخلوا يا هؤلاء المتحيّنون للطّعام إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه،و إلاّ فلو لم يكن لهؤلاء خصوصا لما جاز لأحد أن يدخل بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ أن يؤذن له إذنا خاصّا و هو الإذن إلى الطّعام فحسب.

(3:270)

الطّبرسيّ: نهاهم سبحانه عن دخول دار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بغير إذن،و هو قوله: إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ أي في الدّخول،يعني إلاّ أن يدعوكم إلى طعام فادخلوا غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي غير منتظرين إدراك الطّعام، فيطول مقامكم في منزله.و المعنى لا تدخلوها بغير إذن و قبل نضج الطّعام،انتظارا لنضجه،فيطول لبثكم

ص: 751

و مقامكم.(4:368)

الفخر الرّازيّ: لمّا بيّن من حال النّبيّ أنّه داع إلى اللّه،بقوله: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ الأحزاب:46،قال هاهنا:لا تدخلوا إلاّ إذا دعيتم،يعني كما أنّكم ما دخلتم الدّين إلاّ بدعائه،فكذلك لا تدخلوا عليه إلاّ بعد دعائه.

و قوله: غَيْرَ ناظِرِينَ منصوب على الحال،و العامل فيه على ما قاله الزّمخشريّ(لا تدخلوا)،قال:و تقديره:

لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ مأذونين غير ناظرين.

و في الآية مسائل:

الأولى:قوله: إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ إمّا أن يكون فيه تقديم و تأخير،تقديره:و لا تدخلوا إلى طعام إلاّ أن يؤذن لكم،فلا يكون منعا من الدّخول في غير وقت الطّعام بغير الإذن.و إمّا أن لا يكون فيه تقديم و تأخير،فيكون معناه:و لا تدخلوا إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام،فيكون الإذن مشروطا بكونه إلى الطّعام،فإن لم يؤذن لكم إلى طعام فلا يجوز الدّخول،فلو أذن لواحد في الدّخول لاستماع كلام لا لأكل طعام،لا يجوز.

نقول:المراد هو الثّاني ليعمّ النّهي عن الدّخول.

و أمّا قوله:فلا يجوز إلاّ بالإذن الّذي إلى طعام، نقول:

قال الزّمخشريّ: الخطاب مع قوم كانوا يجيئون حين الطّعام و يدخلون من غير إذن،فمنعوا من الدّخول في وقته بغير إذن.

و الأولى أن يقال:المراد هو الثّاني،لأنّ التّقديم و التّأخير خلاف الأصل،و قوله: إِلى طَعامٍ من باب التّخصيص بالذّكر،فلا يدلّ على نفي ما عداه،لا سيّما إذا علم أنّ غيره مثله،فإنّ من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله إلى غير طعامه بإذنه،فإنّ غير الطّعام ممكن وجوده مع الطّعام،فإنّ من الجائز أن يتكلّم معه و قتما يدعوه إلى طعام و يستقضيه في حوائجه،و يعلّمه ممّا عنده من العلوم مع زيادة الإطعام،فإذا رضي بالكلّ فرضاه بالبعض أقرب إلى الفعل،فيصير من باب فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:23.

و قوله: (غَيْرَ ناظِرِينَ) يعني أنتم لا تنتظروا وقت الطّعام فإنّه ربّما لا يتهيّأ.(25:224)

القرطبيّ:هذه الآية تضمّنت قصّتين:

إحداهما:الأدب في أمر الطّعام و الجلوس.

و الثّانية:أمر الحجاب.(14:223)

أبو حيّان: قال الزّمخشريّ: (إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ) في معنى الظّرف،تقديره:وقت أن يؤذن لكم،و (غَيْرَ ناظِرِينَ) حال من (لا تَدْخُلُوا) أوقع الاستثناء على الوقت و الحال معا،كأنّه قيل:لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ وقت الإذن، و لا تدخلوها إلاّ غير ناظرين إناه،انتهى.

فقوله: إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ في معنى الظّرف،و تقديره:

وقت أن يؤذن لكم.و أنّه أوقع الاستثناء على الوقت، فليس بصحيح.و قد نصّوا على أنّ«أن»المصدريّة لا تكون في معنى الظّرف،تقول:أجيئك صياح الدّيك و قدوم الحاجّ،و لا يجوز أجيئك أن يصيح الدّيك و لا أن يقدم الحاجّ.

و أمّا أنّ الاستثناء وقع على الوقت و الحال معا فلا يجوز على مذهب الجمهور،و لا يقع بعد«إلاّ»في الاستثناء إلاّ المستثنى أو المستثنى منه،أو صفة المستثنى

ص: 752

منه.و أجاز الأخفش و الكسائي ذلك في الحال،أجازا:

ما ذهب القوم إلاّ يوم الجمعة راحلين عنّا،فيجوز ما قاله الزّمخشريّ في الحال.

و أمّا قوله: (إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) فلا يتعيّن أن يكون ظرفا،لأنّه يكون التّقدير:إلاّ بأن يؤذن لكم،فتكون الباء للسّببيّة،كقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أو للحال،أي مصحوبين بالإذن.(7:246)

البروسويّ:إلاّ حال كونكم مأذونا لكم و مدعوّا.

(7:213)

الآلوسيّ: بتقدير باء المصاحبة استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال،أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلاّ حال كونكم مصحوبين بالإذن.(22:67)

الطّباطبائيّ:بيان لأدب الدّخول في بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(16:337)

3- وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. المرسلات:36

الطّوسيّ: الإذن:الإطلاق في الفعل،تقول:يسمع بالأذن،فهذا أصله،و قد كثر استعماله حتّى صار كلّ دليل ظهر به أنّ للقادر أن يفعل كذا فهو أذن له،و كلّ ما أطلق اللّه فيه بأيّ دليل كان فقد أذن فيه.(10:232)

الميبديّ: لا يأمرهم فيعتذرون.(1:334)

القرطبيّ: لا يؤذن لهم في الاعتذار و التّنصّل [التّخلّص].(19:166)

أبو حيّان: قرأ القرّاء كلّهم فيما أعلم (وَ لا يُؤْذَنُ) مبنيّا للمفعول،و حكى أبو عليّ الأهوازيّ أنّ زيد بن عليّ قرأ (و لا يأذن) مبنيّا للفاعل،أي اللّه.(8:408)

2Lالبروسويّ: أي لا يكون لهم إذن و اعتذار متعقّب له،من غير أن يجعل الاعتذار مسبّبا عن الإذن.

(10:288)

الآلوسيّ: قيل:في النّطق مطلقا أو في الاعتذار.

(29:177)

مثله الطّباطبائيّ.(20:154)

فاذن

...فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللّهَ... النّور:62

قتادة: رخّص له هاهنا بعد ما قال له: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:43.(مجاهد 2:445)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فإذا استأذنك يا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم الّذين لا يذهبون عنك إلاّ بإذنك في هذه المواطن لبعض شأنهم،يعني لبعض حاجاتهم الّتي تعرض لهم،فأذن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها.(18:177)

الطّوسيّ: قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أيضا:متى ما استأذنوك هؤلاء المؤمنون أن يذهبوا لبعض مهمّاتهم و حاجاتهم فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، فخيّره بين أن يأذن و ألاّ يأذن،و هكذا حكم الإمام.(7:465)

مثله الطّبرسيّ.(4:158)

البروسويّ: لما علمت في ذلك من حكمة و مصلحة فلا اعتراض عليك في ذلك.(6:184)

الآلوسيّ: تفويض للأمر إلى رأيه صلّى اللّه عليه و سلّم،و استدلّ به على أنّ بعض الأحكام مفوّضة إلى

ص: 753

رأيه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذه مسألة التّفويض المختلف في جوازها بين الأصوليّين،و هي أن يفوّض الحكم إلى المجتهد،فيقال له:احكم بما شئت،فإنّه صواب.فأجاز ذلك قوم،لكن اختلفوا،فقال موسى بن عمران:بجواز ذلك مطلقا للنّبيّ و غيره من العلماء...

(18:224)

الطّباطبائيّ: تخيير منه تعالى لرسوله في أن يأذن لمن شاء و لا يأذن لمن لم يشأ.(15:166)

فاذنوا

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ...

البقرة:279

ابن عبّاس: فاستيقنوا بحرب من اللّه و رسوله.

(الطّبريّ 3:108)

مثله الطّبرسيّ.(1:393)

قتادة: أوعدهم اللّه بالقتل كما تسمعون فجعلهم بهرجا[أي مباحة دماءهم]أينما ثقفوا.

(الطّبريّ 3:108)

الرّبيع: أوعد لآكل الرّبا بالقتل.

(الطّبريّ 3:108)

ابن شميّل: أي فاعلموا.أذن يأذن،إذا علم.

(الأزهريّ 15:18)

مثله القاسميّ(3:713)،و النّسفيّ(1:139)، و فريد وجدي(59)،و حجازيّ(3:21).

أبو عبيدة: أيقنوا،تقول:آذنتك بحرب فأذنت به.(1:83)

الأصمعيّ:أي كونوا على إذن،من قولك:إنّي على علم.(القرطبيّ 3:370)

ابن قتيبة: أي اعلموا و من قرأ (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ) أراد آذنوا غيركم من أصحابكم،يقال:آذنني فأذنت.

(98)

الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءة قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة (فاذنوا)-بقصر الألف من(فاذنوا)و فتح ذالها-بمعنى كونوا على علم و إذن.

و قرأه آخرون،و هي قراءة عامّة قرّاء الكوفيّين (فاذنوا)-بمدّ الألف من قوله:(فاذنوا)و كسر ذالها- بمعنى فآذنوا غيركم:أعلموهم و أخبروهم بأنّكم على حربهم.

و أولى القراءتين بالصّواب في ذلك قراءة من قرأ (فاذنوا)-بقصر ألفها و فتح ذالها-بمعنى:اعلموا ذلك و استيقنوه،و كونوا على إذن من اللّه عزّ و جلّ لكم بذلك.

و إنّما اخترنا ذلك،لأنّ اللّه عزّ و جلّ أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن ينبذ إلى من أقام على شركه،الّذي لا يقرّ على المقام عليه،و أن يقتل المرتدّ عن الإسلام منهم بكلّ حال،إلاّ أن يراجع الإسلام،أذنه المشركون بأنّهم على حربه أو لم يأذنوه.فإذا كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين:إمّا أن يكون كان مشركا مقيما على شركه الّذي لا يقرّ عليه،أو يكون كان مسلما فارتدّ و أذن بحرب؛ فأيّ الأمرين كان،فإنّما نبذ إليه بحرب،لا أنّه أمر بالإيذان بها إن عزم على ذلك،لأنّ الأمر إن كان إليه- فأقام على أكل الرّبا مستحلاّ له،و لم يؤذن المسلمون

ص: 754

بالحرب-لم يلزمهم حربه.و ليس ذلك حكمه في واحدة من الحالين،فقد علم أنّه المأذون بالحرب لا الآذن بها، و على هذا التّأويل تأوّله أهل التّأويل.(3:107)

الأزهريّ: قرئ(فاذنوا).فمن قرأ(فاذنوا)كان معناه فأعلموا كلّ من لم يترك الرّبا أنّه حرب،يقال:قد آذنته بكذا و كذا أوذنه إيذانا،إذا أعلمته،و قد أذن به يأذن،إذا علم.

و من قرأ(فاذنوا)فالمعنى فأنصتوا.(15:17)

أبو زرعة:قرأ حمزة و أبو بكر عن عاصم(فان لم تفعلوا فاذنوا)مفتوحة الهمزة،و الذّال مكسورة.و قرأ الباقون(فاذنوا)ساكنة الهمزة.

قال أبو عبيد:الاختيار القصر،لأنّه خطاب بالأمر و التّحذير،و إذا قال:(فاذنوا)بالمدّ و الكسر،فكأنّ المخاطب خارج من التّحذير،مأمور بتحذير غيره و إعلامه.(148)

نحوه الطّوسيّ.(2:367)

الزّمخشريّ: فاعلموا بها،من أذن بالشّيء،إذا علم به.و قرئ(فاذنوا)فأعلموا بها غيركم،و هو من الإذن و هو الاستماع؛لأنّه من طرق العلم.

و قرأ الحسن(فأيقنوا)و هو دليل لقراءة العامّة.

(1:401)

ابن عطيّة: و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و نافع و ابن عامر و الكسائيّ:«فأذنوا»مقصورة مفتوحة الذّال،و قرأ عاصم في رواية أبي بكر:«فآذنوا»ممدودة مكسورة الذّال.

قال سيبويه: آذنت:أعلمت،و أذنت:ناديت و صوت بالإعلام قال:و بعض يجري آذنت مجرى أذنت،قال أبو عليّ:من قال:«فأذنوا»فقصر،معناه فاعلموا الحرب من اللّه،قال ابن عبّاس و غيره من المفسّرين:معناه فاستيقنوا الحرب من اللّه تعالى.

و هي عندي من الإذن،و إذا أذن المرء في شيء فقد قرّره و بنى مع نفسه عليه،فكأنّه قال لهم:فقرّروا الحرب بينكم و بين اللّه و رسوله،ملزمهم من لفظ الآية أنّهم مستدعو الحرب و الباغون بها،إذ هم الآذنون بها و فيها،و يندرج في هذا المعنى الّذي ذكرته علمهم بأنّهم حرب و تيقّنهم لذلك،قال أبو علي:و من قرأ«فآذنوا» فمدّ،فتقديره فأعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب، و المفعول محذوف،و قد ثبت هذا المفعول في قوله تعالى:

فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ الأنبياء:109،و إذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة،قال:ففي إعلامهم علمهم،و ليس في علمهم إعلامهم غيرهم،فقراءة المدّ أرجح،لأنّها أبلغ و آكد.قال الطّبريّ:قراءة القصر أرجح لأنّها تختصّ بهم،و إنّما أمروا على قراءة المدّ بإعلام غيرهم.

و القراءتان عندي سواء لأنّ المخاطب في الآية محضور بأنّه كلّ من لم يذر ما بقي من الرّبا،فإن قيل لهم:

«فأذنوا»فقد عمّهم الأمر،و إن قيل لهم:«فآذنوا»بالمدّ فالمعنى أنفسكم و بعضكم بعضا،و كأنّ هذه القراءة تقتضي فسحا لهم في الارتياء و التّثبيت أي فأعلموا نفوسكم هذا.(1:375)

الفخر الرّازيّ: فيها مسألتان:

المسألة الأولى:قرأ عاصم و حمزة(فاذنوا)-

ص: 755

مفتوحة الألف ممدودة،مكسورة الذّال-على مثال:

فآمنوا.

و الباقون(فاذنوا)بسكون الهمزة مفتوحة الذّال مقصورة.و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و عن عليّ رضي اللّه عنه أنّهما قرءا كذلك(فاذنوا)ممدودة،أي فأعلموا،من قوله تعالى: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ الأنبياء:109.

و مفعول الإيذان محذوف في هذه الآية،و التّقدير:

فأعلموا من لم ينته عن الرّبا بحرب من اللّه و رسوله،و إذا أمروا بإعلام غيرهم فهم أيضا قد علموا ذلك،لكن ليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم،فهذه القراءة في البلاغة آكد.

و قال أحمد بن يحيى: قراءة العامّة من«الإذن»أي كونوا على علم و إذن.و قرأ الحسن(فايقنوا)،و هو دليل لقراءة العامّة.

المسألة الثّانية:اختلفوا في أنّ الخطاب بقوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ خطاب مع المؤمنين المصرّين على معاملة الرّبا،أو هو خطاب مع الكفّار المستحلّين للرّبا،الّذين قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:275.

قال القاضي: و الاحتمال الأوّل أولى،لأنّ قوله:

(فاذنوا)خطاب مع قوم تقدّم ذكرهم،و هم المخاطبون بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا البقرة:278،و ذلك يدلّ على أنّ الخطاب مع المؤمنين.

فإن قيل:كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين؟

قلنا:هذه اللّفظة قد تطلق على من عصى اللّه غير مستحلّ،كما جاء في الخبر:«من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة».

إذا عرفت هذا فنقول في الجواب عن السّؤال المذكور وجهان:الأوّل:المراد المبالغة في التّهديد دون نفس الحرب،و الثّاني:المراد نفس الحرب.

و القول الثّاني في هذه الآية أنّ قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا خطاب للكفّار،و أنّ معنى الآية وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:

278،معترفين بتحريم الرّبا(فان لم تفعلوا)،أي فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ. و من ذهب إلى هذا القول قال:إنّ فيه دليلا على أنّ من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام كان كافرا،كما لو كفر بجميع شرائعه.(7:106)

مثله النّيسابوريّ.(3:80)

الكاشانيّ: فاعلموا بها.من أذن بالشّيء،إذا علم به.و قرئ بمدّ الألف و كسر الذّال من«الإيذان»بمعنى الإعلام،فإنّهم إذا أعلموا علموا بدون العكس فهو آكد، و التّنكير للتّعظيم.(1:281)

الطّباطبائيّ: الإذن كالعلم وزنا و معنى.و قرئ (فاذنوا) (1)بالأمر من«الإيذان»،و الباء في قوله(بحرب) لتضمينه معنى اليقين و نحوه،و المعنى أيقنوا بحرب أوم.

ص: 756


1- تذييل:بناء على قراءة المدّ فالمراد إعلامهم المسلمين الحرب مع اللّه و رسوله دون إعلامهم غيرهم،و هذا آكد من قراءة القصر لا باعتبار أنّ الإعلام يستلزم العلم بل من جهة أنّ آكل الرّبا بمنزلة من أعلن الحرب مع اللّه و رسوله.و هذا المعنى لا يوجد في كلمات القوم.

أعلموا أنفسكم باليقين بحرب من اللّه و رسوله.و تنكير الحرب لإفادة التّعظيم أو التّنويع.(2:422)

اذن

1- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ... البقرة:97

الزّمخشريّ: بتيسيره و تسهيله.(1:299)

الطّبرسيّ: بأمر اللّه،و قيل:أراد بعلمه أو بإعلام اللّه إيّاه ما ينزّل على قلبك.(1:167)

الفخر الرّازيّ: الأظهر بأمر اللّه،و هو أولى من تفسيره بالعلم،لوجوه:

أوّلها:أنّ الإذن حقيقة في الأمر مجاز في العلم، و اللّفظ واجب الحمل على حقيقته ما أمكن.

و ثانيها:أنّ إنزاله كان من الواجبات،و الوجوب مستفاد من الأمر لا من العلم.

و ثالثها:أنّ ذلك الإنزال إذا كان عن أمر لازم كان أوكد في الحجّة.(3:197)

القرطبيّ: أي بإرادته و علمه.(2:36)

البيضاويّ: بأمره و تيسيره،حال من فاعل (نزّله).(1:72)

مثله البروسويّ.(10:188)

أبو حيّان: أذن به:علم به،و آذنه:أعلمه، آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ الأنبياء:109،أعلمتكم.ثمّ يطلق على التّمكين:أذن لي في كذا،أي مكّنني منه، و على الاختيار:فعلته بإذنك،أي باختيارك.

(1:318)

أبو السّعود: بأمره و تيسيره،مستعار من تسهيل الحجاب،و فيه تلويح بكمال توجّه جبريل عليه السّلام إلى تنزيله و صدق عزيمته عليه السّلام،و هو حال من فاعل(نزّله).

(1:105)

الآلوسيّ: أي بأمره،أو بعلمه و تمكينه إيّاه من هذه المنزلة،أو باختياره،أو بتيسيره و تسهيله.و أصل معنى الإذن في الشّيء:الإعلام بإجازته و الرّخصة فيه، فالمعاني المذكورة كلّها مجازيّة،و العلاقة ظاهرة، و المنتخب-كما في المنتخب-المعنى الأوّل.

و المعتزلة-لمّا لم يقولوا بالكلام النّفسيّ و إسناد الإذن إليه تعالى باعتبار الكلام اللّفظيّ يحتاج إلى تكلّف- اقتصر الزّمخشريّ على الوجه الأخير.

و القول:إنّ«الإذن»بمعنى الأمر إن أريد بالتّنزيل، معناه الظّاهر،و بمعنى التّيسير إن أريد به التّحفّظ و التّفهيم،ممّا لا وجه له.(1:333)

2- وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ...

البقرة:102

الحسن: إلاّ بتخلية اللّه،من شاء اللّه منعه فلا يضرّه السّحر،و من شاء خلّى بينه و بينه فيضرّه.

(الطّبرسيّ 1:176)

الثّوريّ: بقضاء اللّه.(الطّبريّ 1:464)

الطّبريّ: للإذن في كلام العرب أوجه:منها:الأمر على غير وجه الإلزام،و غير جائز أن يكون منه قوله:

وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد حرّم التّفريق بين المرء و حليلته بغير سحر،فكيف به على وجه السّحر على لسان الأمّة.

ص: 757

و منها التّخلية بين المأذون له و المخلّى بينه و بينه.

و منها:العلم بالشّيء،يقال منه:قد أذنت بهذا الأمر،إذا علمت به،آذن به إذنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:قوله جلّ ثناؤه: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،و هذا هو معنى الآية،كأنّه قال جلّ ثناؤه:

وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بالّذي تعلّموا من الملكين من أحد إلاّ بعلم اللّه،يعني بالّذي سبق له في علم اللّه أنّه يضرّه.

(1:463)

الزّجّاج: إلاّ بعلم اللّه.(القرطبيّ 2:55)

مثله الأصمّ.(الفخر الرّازيّ 3:221)

النّحّاس: قول أبي إسحاق: إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ إلاّ بعلم اللّه،غلط،لأنّه إنّما يقال في العلم:أذن،و قد أذنت أذنا، و لكن لمّا لم يحلّ فيما بينهم و بينه و ظلّوا يفعلونه كان كأنّه أباحه مجازا.(القرطبيّ 2:55)

الجصّاص: الإذن هنا:العلم فيكون اسما إذا كان مخفّفا،و إذا كان محرّكا كان مصدرا،كما يقول:حذر الرّجل حذرا فهو حذر،فالحذر الاسم و الحذر المصدر.

و يجوز أيضا أن يكون ممّا يقال على وجهين كشبه و شبه،و مثل و مثل.

و قيل فيه: إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ أي بتخليته.(1:58)

الأزهريّ: معناه بعلم اللّه.و الإذن هاهنا لا يكون إلاّ من اللّه عزّ و جلّ،لأنّ اللّه لا يأمر بالفحشاء من السّحر و ما شاكله.(15:17)

الشّريف المرتضى:يحتمل وجوها:

منها:أن يريد بالإذن العلم،من قولهم:آذنت فلانا بكذا،إذا أعلمته،و أذنت لكذا،إذا استمعته و علمته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و منها:أن تكون(إلاّ)زائدة،فيكون المعنى و ما هم بضارّين به من أحد بإذن اللّه،و يجري مجرى قول أحدنا:

لقيت زيدا إلاّ أنّي أكرمته،أي لقيت زيدا فأكرمته.

و منها:أن يكون أراد بالإذن التّخلية و ترك المنع، فكأنّه أفاد بذلك أنّ العباد لن يعجزوه،و ما هم بضارّين أحدا إلاّ بأن يخلّي اللّه تعالى بينهم و بينه،و لو شاء لمنعهم بالقهر و القسر،زائدا على منعهم بالزّجر و النّهي.

و منها:أن يكون الضّرر الّذي عنى أنّه لا يكون إلاّ بإذنه،و أضافه إليه هو ما يلحق المسحور من الأدوية و الأغذية الّتي يطعمه إيّاها السّحرة،و يدّعون أنّها موجبة لما يقصدونه فيه من الأمور.و معلوم أنّ الضّرر الحاصل عن ذلك من فعل اللّه تعالى بالعادة،لأنّ الأغذية لا توجب ضرّا و لا نفعا،و إن كان المعرّض للضّرر من حيث كان كالفاعل له هو المستحقّ للذّمّ،و عليه يجب العوض.

و منها:أن يكون الضّرر المذكور إنّما هو ما يحصل عن التّفريق بين الأزواج،لأنّه أقرب إليه في ترتيب الكلام،و المعنى أنّهم إذا أغووا أحد الزّوجين و كفر، فبانت منه زوجته،فاستضرّ بذلك،كانوا ضارّين له بما حسّنوه له من الكفر،إلاّ أنّ الفرقة لم تكن إلاّ بإذن اللّه و حكمه،لأنّه تعالى هو الّذي حكم و أمر بالتّفريق بين مختلفي الأديان،فلهذا قال: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ، و المعنى أنّه لو لا حكم اللّه و إذنه في الفرقة بين هذين الزّوجين باختلاف الملّة لم يكونوا ضارّين له هذا الضّرب من الضّرر الحاصل عند الفرقة.

ص: 758

و يقوّي هذا الوجه ما روي أنّه كان من دين سليمان،أنّه من سحر بانت منه امرأته.(1:423)

الطّوسيّ: يحتمل أمرين:

أحدهما:بتخلية اللّه.

و الثّاني:إلاّ بعلم اللّه من قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،معناه اعلموا،بلا خلاف.و يقال:

أنت آذن إذنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإذن في اللّغة على ثلاثة أقسام:

أحدها:بمعنى العلم،و ذكرنا شاهده.

و الثّاني:الإباحة و الإطلاق،كقوله: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ النّساء:25،و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّور:58.

و الثّالث:بمعنى الأمر،كقوله: نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:97،و قد أجمعت الأمّة على أنّه لم يأمر بالكفر،و لم يتّجه نفي القسم الثّالث.

و لا يجوز أن يكون المراد(الاّ باذنه)إلاّ بإرادته و مشيئته،لأنّ الإرادة لا تسمّى إذنا.أ لا ترى أنّ من أراد الشّيء من غيره أن يفعله،لا يقال:أذن له فيه؟فبطل ما قالوه.

و قد روي عن سفيان:إلاّ بقضاء اللّه.

و قال بعض من لا معرفة له:الأذن بمعنى العلم،بفتح الهمزة و الذّال،دون الإذن،بكسر الهمزة و سكون الذّال.

و هذا خطأ،لأنّ الإذن مصدر،يقال فيه:أذن و إذن،مثل حذر و حذر.و قال تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:71.

و يجوز فيه لغتان،مثل:شبه و شبه،و مثل و مثل.

و قال هذا القائل:من شاء اللّه يمنعه فلم يضرّه السّحر، و من شاء خلّى بينه و بينه،يضرّه.(1:380)

نحوه الطّبرسيّ.(1:171)

الرّاغب: قيل:معناه بعلمه،لكن بين العلم و الإذن فرق،فإنّ الإذن أخصّ،و لا يكاد يستعمل إلاّ فيما فيه مشيئة به،راضيا منه الفعل أم لم يرض به.فإنّ قوله:

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100، فمعلوم أنّ فيه مشيئته و أمره.

و قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:102،ففيه مشيئته من وجه،و هو أنّه لا خلاف أنّ اللّه تعالى أوجد في الإنسان قوّة فيها إمكان قبول الضّرب من جهة من يظلمه فيضرّه،و لم يجعله كالحجر الّذي لا يوجعه الضّرب.و لا خلاف أنّ إيجاد هذا الإمكان من فعل اللّه،فمن هذا الوجه يصحّ أن يقال:إنّه بإذن اللّه و مشيئته يلحق الضّرر من جهة الظّالم.و لبسط هذا الكلام كتاب غير هذا.(15)

الطّبرسيّ: أي لا يلحقون بغيرهم ضررا إلاّ بعلم اللّه،فيكون على وجه التّهديد.و قيل:معناه إلاّ بتخلية اللّه.(1:176)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ الإذن حقيقة في الأمر، و اللّه لا يأمر بالسّحر،و لأنّه تعالى أراد عيبهم و ذمّهم، و لو كان قد أمرهم به لما جاز أن يذمّهم عليه.فلا بدّ من التّأويل،و فيه وجوه:

أحدها:قال الحسن[و قد مرّ قوله].

و ثانيها:قال الأصمّ:المراد إلاّ بعلم اللّه،و إنّما سمّى

ص: 759

الأذان أذانا،لأنّه إعلام للنّاس بوقت الصّلاة،و سمّي الأذن أذنا،لأنّ بالحاسّة القائمة به يدرك الإذن،و كذلك قوله تعالى: وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ التّوبة:3،أي إعلام.و قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،معناه فاعلموا.و قوله:

آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ الأنبياء:109،يعني أعلمتكم.

و ثالثها:أنّ الضّرر الحاصل عند فعل السّحر إنّما يحصل بخلق اللّه و إيجاده و إبداعه،و ما كان كذلك فإنّه يصحّ أن يضاف إلى إذن اللّه تعالى،كما قال: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:

40.

و رابعها:أن يكون المراد بالإذن الأمر،و هذا الوجه لا يليق إلاّ بأن يفسّر التّفريق بين المرء و زوجه بأن يصير كافرا،و الكفر يقتضي التّفريق،فإنّ هذا حكم شرعيّ؛و ذلك لا يكون إلاّ بأمر اللّه تعالى.(3:221)

القرطبيّ:أي بإرادته و قضائه لا بأمره،لأنّه تعالى لا يأمر بالفحشاء و يقضي على الخلق بها.(2:55)

نحوه النّيسابوريّ.(1:393)

الطّريحيّ: أي بأمره،لأنّه-أي السّحر و غيره من الأسباب-غير مؤثّرة بالذّات بل بأمره تعالى.

(غريب القرآن:529)

الآلوسيّ: المراد من الإذن هنا التّخلية بين المسحور و ضرر السّحر،قاله الحسن.

و فيه دليل على أنّ فيه ضررا مودعا،إذا شاء اللّه تعالى حال بينه و بينه،و إذا شاء خلاّه و ما أودعه فيه.

و هذا مذهب السّلف في سائر الأسباب و المسبّبات.

و قيل:الإذن بمعنى الأمر،و يتجوّز به عن التّكوين بعلاقة ترتّب الوجود على كلّ منهما في الجملة،و القرينة عدم كون القبائح مأمورا بها.ففيه نفي كون الأسباب مؤثّرة بنفسها،بل يجعله إيّاها أسبابا إمّا عاديّة أو حقيقيّة.

و قيل:إنّه هنا بمعنى العلم،و ليس فيه إشارة إلى نفي التّأثير بالذّات،كالوجهين الأوّلين.(1:345)

القاسميّ: ينبغي أن يعلم أنّ الإذن في الشّيء من اللّه تعالى ضربان:

أحدهما:الإذن لقاصد الفعل في مباشرته،نحو قولك:أذن اللّه لك أن تصل الرّحم.

و الثّاني:الإذن في تسخير الشّيء على وجه تسخير السّمّ في قتله من يتناوله،و التّرياق في تخليصه من أذيّته.

فإذن اللّه تعالى في وقوع التّسخير و تأثيره من القبيل الثّاني،و ذلك هو المشار إليه بالقضاء؛و على هذا يقال:الأشياء كلّها بإذن اللّه و قضائه،و لا يقال:الأشياء كلّها بأمره و رضاه.(2:214)

رشيد رضا: أي أنّهم ليس لهم قوّة غيبيّة وراء الأسباب الّتي ربط اللّه بها المسبّبات،فهم يفعلون بها ما يوهمون النّاس أنّه فوق استعداد البشر،و فوق ما منحوا من القوى و القدر،فإذا اتّفق أن أصيب أحد بضرر من أعمالهم فإنّما ذلك بإذن اللّه،أي بسبب من الأسباب الّتي جرت العادة بأن تحصل المسبّبات من ضرّ و نفع عند حصولها بإذن اللّه تعالى.(1:404)

3- كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ.

البقرة:249

ص: 760

الحسن:بنصر اللّه.(الطّوسيّ 2:297)

نحوه الميبديّ.(1:669)

الطّبريّ: بقضاء اللّه و قدره.(2:624)

الطّوسيّ: بنصر اللّه على قول الحسن،لأنّ اللّه إذا أذن في القتال نصر فيه على الوجه الّذي أذن فيه.

(2:297)

مثله الطّبرسيّ.(1:355)

النّيسابوريّ: بتيسيره و تسهيله.(2:317)

أبو حيّان: بتمكينه و تسويغه الغلبة.(2:268)

الآلوسيّ: أي بحكمه و تيسيره.(2:171)

رشيد رضا: بإرادته المنفّذة لسنّته.(2:490)

المراغيّ: بمشيئته و قدرته.(2:224)

4- ...فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ...

آل عمران:49

الطّوسيّ: إنّما قيّد قوله: فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ و لم يقيّد قوله: أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بذكر«إذن اللّه»لينبّه بذكر الإذن أنّه من فعل اللّه دون عيسى.

و أمّا التّصوير و النّفخ ففعله،لأنّه ممّا يدخل تحت مقدور القدر،و ليس كذلك انقلاب الجماد حيوانا،فإنّه لا يقدر على ذلك أحد سواه تعالى.

و قوله: وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ على وجه المجاز إضافة إلى نفسه،و حقيقته:أدعوا اللّه بإحياء الموتى،فيحييهم اللّه،فيحيون بإذنه.(2:468)

2Lالميبديّ: قال أهل المعاني: بِإِذْنِ اللّهِ فصل بين خلق اللّه و خلق عيسى،لأنّه لم يقل في النّفخ:(باذن اللّه)،و كذلك لم يقل:(باذن اللّه)في (أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ) ،و في (أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ) ، لأنّ هذه من أفعال عيسى عليه السّلام.

و أمّا وجود الطّير و إحياؤه و إحياء الموتى فأضاف إليه(باذن اللّه)كي يخبر بأنّه خلق اللّه،و ليس للمخلوق فيه سبيل.(2:123)

الزّمخشريّ: كرّر(باذن اللّه)دفعا لوهم من توهّم فيه اللاّهوتيّة.(1:431)

الطّبرسيّ: قدرته،و قيل:بأمر اللّه تعالى.و إنّما وصل قوله:(باذن اللّه)بقوله: (فَيَكُونُ طَيْراً) دون ما قبله،لأنّ تصوّر الطّين على هيئة الطّير و النّفخ فيه ممّا يدخل تحت مقدور العباد.

فأمّا جعل الطّين طيرا حتّى يكون لحما و دما، و خلق الحياة فيه فممّا لا يقدر عليه غير اللّه،فقال:

(باذن اللّه)ليعلم أنّه من فعله تعالى،و ليس بفعل عيسى.

(1:445)

الفخر الرّازيّ: قوله:(باذن اللّه)معناه بتكوين اللّه تعالى و تخليقه،لقوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:145،أي إلاّ بأن يوجد اللّه الموت.

و إنّما ذكر عيسى عليه السّلام هذا القيد إزالة للشّبهة، و تنبيها على أنّي أعمل هذا التّصوير.فأمّا خلق الحياة فهو من اللّه تعالى على سبيل إظهار المعجزات على يد الرّسل.(8:60)

ص: 761

البروسويّ: بأمره تعالى،أشار بذلك إلى أنّ إحياءه من اللّه تعالى لا منه،لأنّ اللّه هو الّذي خلق الموت و الحياة،فهو يخلق الحياة في ذلك الجسم بقدرته عند نفخ عيسى عليه السّلام فيه،على سبيل إظهار المعجزات.

(2:37)

الآلوسيّ: متعلّق ب(يكون)أو ب(طيرا)و المراد بأمر اللّه،و أشار بذلك إلى أنّ إحياءه من اللّه تعالى و لكن بسبب النّفخ،و ليس ذلك لخصوصيّة في عيسى عليه السّلام، و هي تكوّنه من نفخ جبريل عليه السّلام،و هو روح محض كما قيل،بل لو شاء اللّه تعالى الإحياء بنفخ أيّ شخص كان، لكان من غير تخلّف و لا استعصاء.(3:168)

الطّباطبائيّ: سيق للدّلالة على أنّ صدور هذه الآيات المعجزة منه عليه السّلام مستند إلى اللّه تعالى،من غير أن يستقلّ عيسى عليه السّلام بشيء من ذلك،و إنّما كرّر تكرارا يشعر بالإصرار لما كان من المترقّب أن يضلّ فيه النّاس، فيعتقدوا بألوهيّته استدلالا بالآيات المعجزة الصّادرة عنه عليه السّلام،و لذا كان يقيّد كلّ آية يخبر بها عن نفسه ممّا يمكن أن يضلّوا به،كالخلق و إحياء الموتى بإذن اللّه،ثمّ ختم الكلام بقوله: إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ آل عمران:51.(3:199)

[لاحظ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي... المائدة:110،فيما بعد]

5- وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً... آل عمران:145

ابن عبّاس: «الإذن»هو قضاء اللّه و قدره،فإنّه لا يحدث شيء إلاّ بمشيئته و إرادته،فيجعل ذلك على سبيل التّمثيل،كأنّه فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلاّ بإذن اللّه.(الفخر الرّازيّ 9:23)

أبو مسلم الأصفهانيّ:«الإذن»هو الأمر.

(الفخر الرّازيّ 9:23)

الفارسيّ: الآية تدلّ على أنّه لا يقدر على الموت غير اللّه،كما لا يقدر على ضدّه من الحياة إلاّ اللّه،و لو كان من مقدور غيره لم يكن بإذنه،لأنّه عاص للّه في فعله.(الطّوسيّ 3:8)

الطّوسيّ: قوله: إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يحتمل أمرين:

أحدهما:إلاّ بعلمه،و الثّاني:إلاّ بأمره.(3:8)

مثله الطّبرسيّ.(1:515)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في تفسير«الإذن»على أقوال:

الأوّل:أن يكون«الإذن»هو الأمر،و هو قول أبي مسلم،و المعنى أنّ اللّه تعالى يأمر ملك الموت بقبض الأرواح فلا يموت أحد إلاّ بهذا الأمر.

الثّاني:أنّ المراد من هذا«الإذن»ما هو المراد بقوله:

إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40،و المراد من هذا«الأمر»إنّما هو التّكوين و التّخليق و الإيجاد،لأنّه لا يقدر على الموت و الحياة أحد إلاّ اللّه تعالى،فإذن المراد أنّ نفسا لن تموت إلاّ بما أماتها اللّه تعالى.

الثّالث:أن يكون«الإذن»هو التّخلية و الإطلاق و ترك المنع بالقهر و الإجبار،و به فسّر قوله تعالى:

وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:

ص: 762

102،أي بتخليته،فإنّه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر،فيكون المعنى ما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن اللّه؛ بتخلّي اللّه بين القاتل و المقتول.و لكنّه تعالى يحفظ نبيّه، و يجعل من بين يديه و من خلفه رصدا،ليتمّ على يديه بلاغ ما أرسله به،و لا يخلّي بين أحد و بين قتله حتّى ينتهي إلى الأجل الّذي كتبه اللّه له،فلا تنكسروا بعد ذلك في غزواتكم بأن يرجف مرجف أنّ محمّدا قد قتل.

الرّابع:أن يكون«الإذن»بمعنى العلم،و معناه أنّ نفسا لن تموت إلاّ في الوقت الّذي علم اللّه موتها فيه،و إذا جاء ذلك الوقت لزم الموت،كما قال: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34.

الخامس:[و هو قول ابن عبّاس و قد سبق ذكره]

(9:23)

6- وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. آل عمران:166

ابن عبّاس: المراد من«الإذن»قضاء اللّه بذلك و حكمه به.(الفخر الرّازيّ 9:84)

الطّبريّ: يعني بقضائه و قدره فيكم.(4:167)

الزّجّاج: «الإذن»هنا:العلم،و عبّر عنه به،لأنّه من مقتضياته.(أبو حيّان 3:108)

القفّال: أي فبتخليته بينكم و بينهم،لا أنّه أراد ذلك.(القرطبيّ 4:265)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:بعلم اللّه،و منه قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،معناه اعلموا.

و منه قوله: وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ التّوبة:3،أي إعلام، و منه: آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ فصّلت:47،يعني أعلمناك.

الثّاني:أنّه بتخلية اللّه الّتي تقوم مقام الإطلاق في الفعل برفع الموانع،و التّمكين من الفعل الّذي يصحّ معه التّكليف.

و لا يجوز أن يكون المراد به بأمر اللّه،لأنّه خلاف الإجماع،لأنّ أحدا لا يقول:إنّ اللّه يأمر المشركين بقتل المؤمنين،و لا أنّه يأمر بشيء من القبائح،و لأنّ الأمر بالقبيح قبيح لا يجوز أن يفعله اللّه تعالى.

و يمكن أن يحمل مع تسليم أنّه بأمر اللّه،بأن يكون ذلك مصروفا إلى المنهزمين المعذورين بعد إخلال من أخلّ بالشّعب،و ضعفهم عن مقاومة عدوّهم،و إن حمل على الجميع أمكن أن يكون ذلك بعد تفرّقهم و تبدّد شملهم و انفساد نظامهم،لأنّ عند ذلك أذن اللّه في الرّجوع،و ألاّ يخاطروا بنفوسهم.[إلى أن قال:]

فإن قيل:هل يجوز أن يقول القائل:المعاصي تقع بإذن اللّه،كما قال: ما أَصابَكُمْ من إيقاع المشركين بكم بإذن الله ؟

قلنا:لا يجوز ذلك،لأنّ اللّه تعالى إنّما خاطبهم بذلك على وجه التّسلية للمؤمنين،فدلّ ذلك على أنّ«الإذن» المراد به التّمكين،ليتميّزوا بظهور الطّاعة منهم.

و ليس كذلك قولهم:المعاصي بإذن اللّه،لأنّه لمّا عري من تلك القرينة صار بمعنى إباحة اللّه،و اللّه تعالى لا يبيح المعاصي،لأنّها قبيحة،و لأنّ إباحتها تخرجها من معنى المعصية.

ص: 763

و الفاء إنّما دخلت في قوله: فَبِإِذْنِ اللّهِ لأنّ خبر (ما)الّتي بمعنى الّذي يشبه جواب الجزاء،لأنّه معلّق بالفعل في الصّلة كتعليقه بالفعل في الشّرط،كقولك:

الّذي قام فمن أجل أنّه كريم،أي لأجل قيامه صحّ أنّه كريم،و من أجل كرمه قام.

و قد قيل:إنّ(ما)هي بمعنى الجزاء،و لا يصحّ هاهنا،لأنّ الفعل بمعنى المضيّ.(3:41)

مثله الطّبرسيّ.(1:533)

الزّمخشريّ: أي بتخليته،استعار«الإذن» لتخليته الكفّار،و أنّه لم يمنعهم منهم ليبتليهم،لأنّ الآذن مخلّ بين المأذون له و مراده.(1:477)

الفخر الرّازيّ: في قوله: فَبِإِذْنِ اللّهِ وجوه:

الأوّل:أنّ إذن اللّه عبارة عن التّخلية و ترك المدافعة،استعار«الإذن»لتخلية الكفّار،فإنّه لم يمنعهم منهم ليبتليهم،لأنّ الإذن في الشّيء لا يدفع المأذون عن مراده،فلمّا كان ترك المدافعة من لوازم الإذن،أطلق لفظ الإذن على ترك المدافعة على سبيل المجاز.

الوجه الثّاني: فَبِإِذْنِ اللّهِ، أي بعلمه،كقوله:

وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ التّوبة:3،أي إعلام،و كقوله:

آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ فصلّت:47،و قوله:

فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،و كلّ ذلك بمعنى العلم.[و]طعن الواحديّ (1)فيه،فقال:«الآية تسلية للمؤمنين ممّا أصابهم»،و لا تقع التّسلية إلاّ إذا كان واقعا بعلمه،لأنّ علمه عامّ في جميع المعلومات،بدليل قوله تعالى: وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ فاطر:

11.

الوجه الثّالث:أنّ المراد من«الإذن»الأمر،بدليل قوله: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ آل عمران:152، و المعنى أنّه تعالى لمّا أمر بالمحاربة،ثمّ صارت تلك المحاربة مؤدّية إلى ذلك الانهزام،صحّ على سبيل المجاز أن يقال:

حصل ذلك بأمره.

الوجه الرّابع:و هو المنقول عن ابن عبّاس،أنّ المراد من«الإذن»قضاء اللّه بذلك و حكمه به.و هذا أولى،لأنّ الآية تسلية للمؤمنين ممّا أصابهم،و التّسلية إنّما تحصل إذا قيل:إنّ ذلك وقع بقضاء اللّه و قدره،فحينئذ يرضون بما قضى اللّه.(9:83)

أبو حيّان: بمرأى و مسمع أو بقضائه و قدره.

(3:108)

الكاشانيّ: فهو كائن بقضائه تخلية الكفّار.

(1:367)

البروسويّ: أي فهو كائن بقضائه.و تخليته الكفّار سمّاها إذنا،لأنّها من لوازمه.(2:122)

الآلوسيّ: أي بإرادته،و قيل:بتخليته.و(ما) اسم موصول بمعنى«الّذي»في محلّ رفع بالابتداء،و جملة (اصابكم)صلته و فَبِإِذْنِ اللّهِ خبره.

و المراد بإذن اللّه يكون و يحصل،و دخول الفاء لتضمّن معنى الشّرط،و وجه السّببيّة ليس بظاهر؛إذ الإصابة ليست سببا للإرادة و لا للتّخلية بل الأمر بالعكس،فهو من قبيل وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ النّحل:53،أي ذلك سبب للإخبار بكونه من اللّه،لأنّ قيد الأوامر قد يكون للمطلوب و قد يكون للطّالب،ر.

ص: 764


1- كذا في المصدر.

و كذا الإخبار.و إلى هذا ذهب كثير من المحقّقين.

و ادّعى السّمين أنّ في الكلام إضمارا،أي فهو بإذن اللّه،و دخول الفاء لما تقدّم.

ثمّ قال:و هذا مشكل على ما قرّره الجمهور،لأنّه لا يجوز عندهم دخول هذه الفاء زائدة في الخبر إلاّ بشروط،منها:أن تكون الصّلة مستقبلة في المعنى؛ و ذلك لأنّ الفاء إنّما دخلت للشّبه بالشّرط،و الشّرط إنّما يكون في الاستقبال لا في الماضي،فلو قلت:الّذي أتاني أمس فله درهم،لم يصحّ،و(اصابكم)هنا ماض معنى كما أنّه ماض لفظا،لأنّ القصّة ماضية،فكيف جاز دخول هذه الفاء؟

و أجابوا عنه بأنّه يحمل على التّبيّن،أي و ما يتبيّن إصابته إيّاكم فهو بإذن اللّه،كما تأوّلوا وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ يوسف:27،بذلك.

ثمّ قال:و إذا صحّ هذا التّأويل فليجعل(ما)هنا شرطا صريحا،و تكون الفاء داخلة وجوبا لكونها واقعة جوابا للشّرط انتهى،و لا يخفى ما فيه.(4:117)

7- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ...

النّساء:64

ابن عبّاس: أي بأمره.(أبو حيّان 3:282)

مثله الميبديّ.(2:565)

الطّوسيّ: قوله:(باذن الله)معناه بأمر اللّه الّذي دلّ على وجوب طاعتهم.

و الإذن على وجوه:

يكون بمعنى اللّطف،كقوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100.

و منها:الأمر،مثل هذه الآية.

و منها:التّخلية،نحو وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ... البقرة:102.(3:242)

نحوه الطّبرسيّ.(2:68)

الزّمخشريّ: بسبب إذن اللّه في طاعته،و بأنّه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه و يتّبعوه،لأنّه مؤدّ عن اللّه، فطاعته طاعة اللّه و معصيته معصية اللّه،و من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه.

و يجوز أن يراد به تيسير اللّه و توفيقه في طاعته.

(1:537)

ابن عطيّة: الظّاهر أنّ بِإِذْنِ اللّهِ متعلّق بقوله:

لِيُطاعَ، و قيل:بأرسلنا.

و على التّعليقين،فالكلام عامّ اللّفظ خاصّ المعنى، لأنّا نقطع أنّ اللّه تبارك و تعالى قد أراد من بعض خلقه أن لا يطيعوه،و لذلك خرّجت طائفة معنى«الإذن»إلى العلم،و طائفة خرّجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم،و هو تخريج حسن؛لأنّ اللّه إذا علم من أحد أنّه يؤمن وفّقه لذلك،فكأنّه أذن له.(أبو حيّان 3:282)

الرّاغب: أي بإرادته و أمره.(14)

الفخر الرّازيّ: قال أصحابنا:الآية دالّة على أنّه لا يوجد شيء من الخير و الشّرّ،و الكفر و الإيمان، و الطّاعة و العصيان إلاّ بإرادة اللّه تعالى،و الدّليل عليه قوله تعالى: إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64، و لا يمكن أن يكون المراد من هذا الإذن الأمر و التّكليف، لأنّه لا معنى لكونه رسولا إلاّ أنّ اللّه أمر بطاعته،فلو كان

ص: 765

المراد من«الإذن»هو هذا لصار تقدير الآية:و ما أذنّا في طاعة من أرسلناه إلاّ بإذننا،و هو تكرار قبيح؛فوجب حمل«الإذن»على التّوفيق و الإعانة.

و على هذا الوجه فيصير تقدير الآية:و ما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بتوفيقنا و إعانتنا،و هذا تصريح بأنّه سبحانه ما أراد من الكلّ طاعة الرّسول،بل لا يريد ذلك إلاّ من الّذي وفّقه اللّه لذلك و أعانه عليه،و هم المؤمنون.

و أمّا المحرومون من التّوفيق و الإعانة فاللّه تعالى ما أراد ذلك منهم،فثبت أنّ هذه الآية من أقوى الدّلائل على مذهبنا.(10:161)

القرطبيّ: بعلم اللّه،و قيل:بتوفيق اللّه.(5:265)

النّيسابوريّ: قال الجبّائيّ:هذه الآية من أقوى الدّلائل على بطلان مذهب المجبّرة؛لكونها صريحة في أنّ معصية النّاس غير مرادة للّه تعالى.

و الجواب:أنّ إرسال الرّسل لأجل الطّاعة لا ينافي كون المعصية مرادة للّه تعالى،على أنّ قوله: بِإِذْنِ اللّهِ أي بتيسيره و توفيقه و إعانته،يدلّ على أنّ الكلّ بقضائه و قدره،و كذا لو كان المراد بسبب إذن اللّه في طاعة الرّسول.

و قيل:في الآية دلالة على أنّه لا رسول إلاّ و معه شريعة،فإنّه لو دعا إلى شرع من قبله لكان المطاع هو ذلك المتقدّم.

و فيها دلالة على أنّ الرّسل معصومون عن المعاصي و إلاّ لم يجب اتّباعهم في جميع أقوالهم و أفعالهم.(5:73)

أبو حيّان: أي بعلمه و توفيقه و إرشاده.و حقيقة «الإذن»التّمكين مع العلم بقدر ما مكّن فيه.و الظّاهر أنّ بِإِذْنِ اللّهِ متعلّق بقوله:(ليطاع).

و قيل:ب(ارسلنا)أي و ما أرسلنا بأمر اللّه،أي بشريعته و دينه و عبادته مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ.

[قال بعد نقل قول ابن عطيّة:]

لا يلزم ما ذكره من أنّ الكلام عامّ اللّفظ خاصّ المعنى،لأنّ قوله:(ليطاع)مبنيّ للمفعول الّذي لم يسمّ فاعله،و لا يلزم من الفاعل المحذوف أن يكون عامّا، فيكون التّقدير:ليطيعه العالم.بل المحذوف ينبغي أن يكون خاصّا ليوافق الموجود،فيكون أصله:إلاّ ليطيعه من أردنا طاعته.(3:282)

رشيد رضا: قوله: بِإِذْنِ اللّهِ للاحتراس،لأنّ الطّاعة في الحقيقة للّه تعالى،فهذا القيد من قيود القرآن المحكمة الذّاهبة بظنون من يظنّون أنّ الرّسول يطاع لذاته بلا شرط و لا قيد.فهو عزّ و جلّ يقول:إنّ الطّاعة الذّاتيّة ليست إلاّ للّه تعالى ربّ النّاس و خالقهم،و قد أمر أن تطاع رسله،فطاعتهم واجبة بإذنه و إيجابه.

و فسّر بعضهم«الإذن»بالإرادة،و بعضهم بالأمر، و بعضهم بالتّوفيق و الإعانة،و هو ممّا تجادل فيه الأشعريّة و المعتزلة،و لا مجال فيه للجدال.

قال الرّاغب: الإذن في الشّيء:إعلام بإجازته و الرّخصة فيه،نحو وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ أي بإرادته و أمره.

و قوله:بإرادته و أمره تفسير باللاّزم،و إلاّ فالإذن في اللّغة كالأذان و الإيذان لما يعلم بإدراك حاسّة الأذنين،أي بالسّمع،فقوله: لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ معناه بإعلامه الّذي نطق به وحيه و طرق آذانكم،كقوله في

ص: 766

الآية السّابقة الّتي هي أمّ هذا السّياق: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ النّساء:59.

و ما صرف الرّازيّ عن هذا المعنى البديهيّ إلاّ انصراف ذكائه للرّدّ على الجبّائيّ،دون فهم الآية في نفسها،بما تعطيه اللّغة الفصحى.(5:232)

8- وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً... الأعراف:58

الطّبريّ: يخرج نباته إذا أنزل اللّه الغيث،و أرسل عليه الحيا (1)بإذنه،طيّبا ثمره،في حينه و وقته.(8:

211)

الطّوسيّ: «الإذن»هو الإطلاق في الفعل برفع المنعة فيه،فكذلك منزلة هذا البلد،كأنّه قد أطلق في إخراج النّبت الكريم.(4:463)

الفخر الرّازيّ: ذلك يدلّ على أنّ كلّ ما يعمله المؤمن من خير و طاعة لا يكون إلاّ بتوفيق اللّه تعالى.

(14:145)

أبو حيّان: بتيسيره.(4:318)

البروسويّ: بمشيئته و تيسيره ما أذن اللّه في خروجه لا يكون إلاّ أحسن،أكثر،غزير النّفع.

(3:181)

مثله الآلوسيّ.(8:147)

9- ...وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ. الأنفال:66

الطّبريّ: يعني بتخلية اللّه إيّاهم لغلبتهم،و معونته إيّاهم.(10:38)

الطّبرسيّ: أي بعلم اللّه،و قيل:بأمره.فأمر اللّه تعالى الواحد بأن يثبت لاثنين،و تضمّن النّصرة له عليهما،و إنّما لم يفصل و لم يأمر من كان قويّ البصيرة بأن يثبت لعشرة،و من كان ضعيف البصيرة بأن يثبت لاثنين،لأنّهم كانوا يشهدون القتال مختلطين،فكان لا يمكن التّمييز بينهم،و لو نصّ على من كان ضعيف البصيرة كان فيه إيحاشهم و انكسار قلوبهم و زيادة ضعفهم.(2:557)

الفخر الرّازيّ: قوله: بِإِذْنِ اللّهِ فيه بيان أنّه لا تقع الغلبة إلاّ بإذن اللّه.

و الإذن هاهنا هو الإرادة،و ذلك يدلّ على قولنا في مسألة خلق الأفعال و إرادة الكائنات.(15:196)

البروسويّ: بتيسيره و تسهيله،و هذا القيد معتبر فيما سبق أيضا،ترك ذكره تعويلا على ذكره هاهنا.

(3:371)

رشيد رضا: قوله تعالى في تعليل هذا الغلب:

بِإِذْنِ اللّهِ فقد فسّروه هنا بإرادته و مشيئته تعالى.

و أصل الإذن في اللّغة:إباحة الشّيء و الرّخصة في فعله.

و لا سيّما إذا كان الشّأن فيه أن يكون ممنوعا،فيكون حاصل الإذن إزالة المنع،و هي إمّا أن تكون بالقول لمن يقدر على الفعل،و إمّا أن تكون بالفعل لمن لا يقدر عليه.

فالإذن من اللّه تعالى إمّا أمر تكليف أو إباحة و ترخيص،و هو من متعلّق صفة الكلام؛فالأوّل:

كقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوار.

ص: 767


1- أي المطر.

الحجّ:39،و قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64.و الثّاني:كقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ البقرة:255،و قوله:

وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ الأحزاب:46.

و إمّا أمر تكوين،أي بيان لسنّة اللّه تعالى أو فعله أو تقديره أو إقداره لمن شاء على ما شاء،فيكون من متعلّق الإرادة و من متعلّق القدرة،كقوله تعالى للمسيح عليه السّلام:

وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي المائدة:110،و قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ الأعراف:58،أي بقدرته و إرادته، و كقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:249،أي بإقداره و معونته و توفيقه،و في معناها هذه الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها.(10:80)

10- وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. يونس:100

الحسن:إذنه هاهنا:أمره،كما قال: يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يونس:108.

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:501)

الثّوريّ: بقضاء اللّه.(الطّبريّ 11:174)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه:و ما كان لنفس خلقتها من سبيل إلى تصديقك يا محمّد،إلاّ بأن أذن لها في ذلك،فلا تجهدنّ نفسك في طلب هداها،و بلّغها وعيد اللّه،و عرّفها ما أمرك ربّك بتعريفها،ثمّ خلّها،فإنّ هداها بيد خالقها.(11:174)

الشّريف المرتضى: إن قال قائل:ظاهر هذا الكلام يدلّ على أنّ الإيمان إنّما كان لهم فعله بإذنه و أمره، و ليس هذا مذهبكم؛و إن حمل الإذن هاهنا على الإرادة اقتضى أنّ من لم يقع منه الإيمان لم يرده اللّه منه،و هذا أيضا بخلاف قولكم.ثمّ جعل(الرّجس)الّذي هو العذاب عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ؛ و من كان فاقدا عقله لا يكون مكلّفا،فكيف يستحقّ العذاب؟و هذا بالضّدّ من الخبر المرويّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أكثر أهل الجنّة البله».

الجواب،يقال له في قوله تعالى: إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وجوه:

منها:أن يكون«الإذن»الأمر،و يكون معنى الكلام إنّ الإيمان لا يقع إلاّ بعد أن يأذن اللّه فيه،و يأمر به، و لا يكون معناه ما ظنّه السّائل من أنّه لا يكون للفاعل فعله إلاّ بإذنه،و يجري هذا مجرى قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:145.

و معلوم أنّ معنى قوله:«ليس لها»في هذه الآية هو ما ذكرناه،و إن كان الأشبه في هذه الآية الّتي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم.

و منها:أن يكون«الإذن»هو التّوفيق و التّيسير و التّسهيل،و لا شبهة في أنّ اللّه يوفّق لفعل الإيمان و يلطف فيه،و يسهّل السّبيل إليه.

و منها:أن يكون«الإذن»العلم،من قولهم:أذنت لكذا و كذا،إذا سمعته و علمته،و آذنت فلانا بكذا،إذا أعلمته؛فتكون فائدة الآية الإخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات،فإنّه ممّن لا يخفى عليه الخفيّات.

و قد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون«الإذن»

ص: 768

بكسر الألف و تسكين الذّال،عبارة عن العلم،و زعم أنّ الّذي هو العلم«الأذن»بالتّحريك.[ثمّ استشهد بشعر]

و ليس الأمر على ما توهّمه هذا المتوهّم،لأنّ «الأذن»هو المصدر،و«الإذن»هو اسم الفعل،فيجري مجرى«الحذر»في أنّه مصدر،و«الحذر»-بالتّسكين- الاسم،على أنّه لو لم يكن مسموعا إلاّ«الأذن» بالتّحريك لجاز التّسكين،مثل:مثل و مثل،و شبه و شبه، و نظائر ذلك كثيرة.

و منها:أن يكون«الإذن»العلم،و معناه إعلام اللّه المكلّفين بفضل الإيمان و ما يدعو إلى فعله،و يكون معنى الآية:و ما كان لنفس أن تؤمن إلاّ بإعلام اللّه لها بما يبعثها على الإيمان،و ما يدعوها إلى فعله.

فأمّا ظنّ السّائل دخول الإرادة في محتمل اللّفظ فباطل،لأنّ«الإذن»لا يحتمل الإرادة في اللّغة،و لو احتملها أيضا لم يجب ما توهّمه،لأنّه إذا قال:إنّ الإيمان لا يقع إلاّ و أنا مريد له،لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع، و ليس في صريح الكلام و لا دلالته شيء من ذلك.(1:38)

الطّوسيّ: معنى قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ إنّه لا يمكن أحد أن يؤمن إلاّ بإطلاق اللّه له في الإيمان،و تمكينه منه و دعائه إليه،بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك.

و قال الحسن،و أبو عليّ الجبّائيّ:إذنه هاهنا أمره، كما قال: يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يونس:108،و حقيقة إطلاقه في الفعل بالأمر،و قد يكون الإذن بالإطلاق في الفعل برفع التّبعة.و قيل:

معناه و ما كان لنفس أن تؤمن إلاّ بعلم اللّه.

و أصل«الإذن»الإطلاق في الفعل،فأمّا الإقدار على الفعل فلا يسمّى إذنا فيه،لأنّ النّهي ينافي الإطلاق.

(5:501)

مثله الطّبرسيّ.(3:136)

الزّمخشريّ: أي بتسهيله،و هو منح الألطاف.

(2:255)

الفخر الرّازيّ: احتجّ أصحابنا على صحّة قولهم:

إنّه لا حكم للأشياء قبل ورود الشّرع،بقوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ.

قالوا:وجه الاستدلال به أنّ«الإذن»عبارة عن الإطلاق في الفعل و رفع الحرج،و صريح هذه الآية يدلّ على أنّه قبل حصول هذا المعنى ليس له أن يقدم على هذا الإيمان،ثمّ قالوا:و الّذي يدلّ عليه من جهة العقل[هو:] أنّ معرفة اللّه تعالى و الاشتغال بشكره و الثّناء عليه لا يدلّ العقل على حصول نفع فيه،فوجب أن لا يجب ذلك بحسب العقل.بيان الأوّل أنّ ذلك النّفع إمّا أن يكون عائدا إلى المشكور أو إلى الشّاكر.

و الأوّل باطل،لأنّ في الشّاهد المشكور ينتفع بالشّكر فيسرّه الشّكر و يسوؤه الكفران،فلا جرم كان الشّكر حسنا و الكفران قبيحا،أمّا اللّه سبحانه فإنّه لا يسرّه الشّكر و لا يسوؤه الكفران،فلا ينتفع بهذا الشّكر أصلا.

و الثّاني أيضا باطل،لأنّ الشّاكر يتعب في الحال بذلك الشّكر و يبذل الخدمة مع أنّ المشكور لا ينتفع به البتّة،و لا يمكن أن يقال:إنّ ذلك الشّكر علّة الثّواب،

ص: 769

لأنّ الاستحقاق على اللّه تعالى محال،فإنّ الاستحقاق على الغير إنّما يعقل إذا كان ذلك الغير بحيث لو لم يعط لأوجب امتناعه من إعطاء ذلك الحقّ حصول نقصان في حقّه،و لمّا كان الحقّ سبحانه منزّها عن النّقصان و الزّيادة لم يعقل ذلك في حقّه،فثبت أنّ الاشتغال بالإيمان و بالشّكر لا يفيد نفعا بحسب العقل المحض،و ما كان كذلك امتنع أن يكون العقل موجبا له،فثبت بهذا البرهان القاطع صحّة قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ.

قال القاضي:المراد أنّ الإيمان لا يصدر عنه إلاّ بعلم اللّه أو بتكليفه أو بإقداره عليه.

و جوابنا:أنّ حمل«الإذن»على ما ذكرتم ترك للظّاهر و ذلك لا يجوز،لا سيّما و قد بيّنّا أنّ الدّليل القاطع العقليّ يقوّي قولنا.(17:167)

القرطبيّ: إلاّ بقضائه و قدره و مشيئته و إرادته.

(8:386)

أبو حيّان: معنى إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ أي بإرادته و تقديره لذلك،و التّمكّن منه.(5:193)

البروسويّ: أي إلاّ حال كونها ملابسة بإذنه تعالى و تسهيله و توفيقه،فلا تجهد نفسك في هداها فإنّه إلى اللّه.(4:84)

الآلوسيّ: أي بمشيئته و إرادته سبحانه.و الأصل في الإذن بالشّيء:الإعلام بإجازته،و الرّخصة فيه، و رفع الحجر عنه.(11:194)

11- ...وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ. الرّعد:38

الطّبريّ: إلاّ بأمر اللّه،الجبال بالسّير،و الأرض بالانتقال،و الميّت بأن يحيا.(13:165)

الميبديّ:أي بعلمه و أمره.(5:204)

البروسويّ:أي بأمره لا باختيار نفسه و رأيه، فإنّهم عبيد مربوبون منقادون،و هو جواب لقول المشركين:لو كان رسولا من عند اللّه لكان عليه أن يأتي بأيّ شيء طلبنا منه من المعجزات،و لا يتوقّف فيه.

و فيه إشارة إلى أنّ حركات عامّة الخلق و سكناتهم بمشيئة اللّه تعالى و إرادته،و أنّ حركات الرّسل و سكناتهم بإذن اللّه و رضاه.(4:385)

الآلوسيّ: إلاّ بتيسير اللّه تعالى و مشيئته المبنيّة على الحكم،و المصالح الّتي يدور عليها أمر الكائنات.

(13:168)

القاسميّ: أي ما صحّ له و لا استقام،و لم يكن في وسعه أن يأتي قومه بما يقترح عليه،إلاّ بإرادته تعالى في وقته.(9:3687)

مثله المراغيّ.(13:114)

12- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ... إبراهيم:1

الطّبريّ: يعني بتوفيق ربّهم لهم بذلك،و لطفه بهم.

(13:179)

مثله القرطبيّ.(9:338)

الطّوسيّ: أي بإطلاق اللّه ذلك و أمره به نبيّه صلّى اللّه عليه و آله.

(6:271)

ص: 770

مثله الطّبرسيّ.(3:302)

البغويّ: بأمر ربّهم و قيل:بعلم ربّهم.(4:26)

الميبديّ: «الإذن»هنا بمعنى الأمر.

و جاء في هذه السّورة في ثلاثة مواضع أخرى، و كلّها بمعنى الأمر:

وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ إبراهيم:11،أي بأمر اللّه.

خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إبراهيم:23، تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إبراهيم:25،أي بأمر ربّها.

و قوله تعالى في سورة النّساء:64 وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ يعني بأمر اللّه.

و أمّا ما في سورة يونس:100 وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فهو بمعنى الأمر و الطّلب،يعني إلاّ أن يأذن اللّه في إيمانها.و بهذا المعنى جاء في سورة البقرة:

102،و آل عمران:166.

فيكون بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بهذا المعنى،أي لا يهتدي مهتد إلاّ بإذن اللّه و مشيئته و توفيقه.(5:224)

الزّمخشريّ: بتسهيله و تيسيره،مستعار من «الإذن»الّذي هو تسهيل للحجاب؛و ذلك ما يمنحهم من اللّطف و التّوفيق.(2:365)

مثله البيضاويّ(1:524)،و النّسفيّ(2:254).

الفخر الرّازيّ: احتجّ أصحابنا على صحّة قولهم في أنّ فعل العبد مخلوق للّه تعالى بقوله تعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ فإنّ معنى الآية أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لا يمكنه إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور إلاّ بإذن ربّهم.

و المراد بهذا«الإذن»إمّا الأمر،و إمّا العلم،و إمّا المشيئة و الخلق.

و حمل«الإذن»على الأمر محال،لأنّ الإخراج من الجهل إلى العلم لا يتوقّف على الأمر،فإنّه سواء حصل الأمر أو لم يحصل،فإنّ الجهل متميّز عن العلم،و الباطل متميّز عن الحقّ.

و أيضا حمل«الإذن»على العلم محال،لأنّ العلم يتبع المعلوم على ما هو عليه،فالعلم بالخروج من الظّلمات إلى النّور تابع لذلك الخروج،و يمتنع أن يقال:

إنّ حصول ذلك الخروج تابع للعلم بحصول ذلك الخروج.

و لمّا بطل هذان القسمان لم يبق إلاّ أن يكون المراد من «الإذن»المشيئة و التّخليق؛و ذلك يدلّ على أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لا يمكنه إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور إلاّ بمشيئة اللّه و تخليقه.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون المراد من«الإذن» الإلطاف؟

قلنا:لفظ اللّطف لفظ مجمل،و نحن نفصّل القول فيه،فنقول:المراد ب«الإذن»إمّا أن يكون أمرا يقتضي ترجيح جانب الوجود على جانب العدم أو لا يقتضي ذلك،فإن كان الثّاني لم يكن فيه أمر البتّة،فامتنع أن يقال:إنّه ممّا حصل بسببه و لأجله،فبقي الأوّل؛و هو أنّ المراد من«الإذن»معنى يقتضي ترجيح جانب الوجود على جانب العدم.

و قد دلّلنا في الكتب العقليّة على أنّه متى حصل الرّجحان فقد حصل الوجوب،و لا معنى لذلك إلاّ

ص: 771

الدّاعية الموجبة،و هو عين قولنا،و اللّه أعلم.

(19:74)

النّيسابوريّ: أي بتسهيله و تيسيره،«و كلّ ميسّر لما خلق له».

و الحاصل أنّ المراد من«الإذن»معنى يقتضي ترجيح جانب الوجود على جانب العدم،و متى حصل الرّجحان فقد حصل الوجوب عند المحقّقين،و لك أن تعبّر عن ذلك المعنى بداعية الإيمان.(13:102)

أبو السّعود: أي بتيسيره و توفيقه،و للإنباء عن كون ذلك منوطا بإقبالهم إلى الحقّ،كما يفصح عنه قوله تعالى: وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ الرّعد:27،استعير له«الإذن»الّذي هو عبارة عن تسهيل الحجاب لمن يقصد الورود،و أضيف إلى ضمير(هم)اسم الرّبّ المفصح عن التّربية الّتي هي عبارة عن تبليغ الشّيء إلى كماله المتوجّه إليه.

و شمول«الإذن»بهذا المعنى للكلّ واضح،و عليه يدور كون الإنزال لإخراجهم جميعا،و عدم تحقّق «الإذن»بالفعل في بعضهم،لعدم تحقّق شرطه المستند إلى سوء اختيارهم،غير مخلّ بذلك.

و الباء متعلّقة ب(تخرج)أو بمضمر وقع حالا من مفعوله،أي ملتبسين بِإِذْنِ رَبِّهِمْ و جعله حالا من فاعله يأباه إضافة الرّبّ إليهم لا إليه.(3:115)

البروسويّ: أي بحوله و قوّته،أي لا سبيل له إلى ذلك إلاّ به.و إنّما قال: رَبِّهِمْ لأنّه تعالى مربّيهم،و ما قال:«بإذن ربّك»ليعلم أنّ هذه التّربية من اللّه لا من النّبيّ عليه السّلام،كذا في«التّأويلات النّجميّة».

و قال أهل التّفسير:الباء متعلّق ب(تخرج)أي تخرج منها إليه.لكن لا كيف ما كان،فإنّك لا تهدي من أحببت،بل بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، فإنّه لا يهتدي مهتد إلاّ بإذن ربّه،أي بتيسيره و تسهيله.و لمّا كان«الإذن»من أسباب التّيسير أطلق عليه،فإنّ التّصرّف في ملك الغير متعذّر،فإذا أذن تسهّل و تيسّر.(4:393)

الآلوسيّ: أي بتيسيره و توفيقه تعالى،و هو مستعار من«الإذن»الّذي يوجب تسهيل الحجاب لمن يقصد الورود.و يجوز أن يكون مجازا مرسلا بعلاقة اللّزوم.

و قال محيي السّنّة[البغويّ: ]إذنه تعالى:أمره، و قيل:علمه سبحانه،و قيل:إرادته جلّ شأنه.و هي على ما قيل متقاربة،و منع الإمام[أي الفخر الرّازيّ]أن يراد بذلك الأمر أو العلم،و علّله بما لا يخلو عن نظر.

و في الكلام على ما ذكر أوّلا ثلاث استعارات، إحداها ما سمعت في(الإذن)،و الأخريان في(الظّلمات) و(النّور)،و قد أشير إلى المراد منهما.(13:180)

13- ...وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ... إبراهيم:11

الطّبريّ: يقول:إلاّ بأمر اللّه لنا بذلك.

(13:191)

مثله الميبديّ.(5:233)

الطّوسيّ: إلاّ بأمر اللّه و إطلاقه لنا في ذلك.

(6:280)

مثله الطّبرسيّ.(3:306)

ص: 772

الزّمخشريّ: أرادوا أنّ الإتيان بالآية الّتي اقترحتموها ليس إلينا و لا في استطاعتنا،و ما هو إلاّ أمر يتعلّق بمشيئة اللّه.(2:370)

القرطبيّ: أي بمشيئته،و ليس ذلك في قدرتنا،أي لا نستطيع أن نأتي بحجّة كما تطلبون إلاّ بأمره و قدرته؛ فلفظه لفظ الخبر،و معناه النّفي،لأنّه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه.(9:347)

أبو حيّان: بتسويغه و إرادته.(5:411)

الآلوسيّ: إنّه أمر يتعلّق بمشيئته تعالى،إن شاء كان و إلاّ فلا.(13:198)

مثله المراغيّ.(13:135)

القاسميّ: أي بأمره و إرادته.(10:3716)

14- وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ...

إبراهيم:23

الطّبريّ: أدخلوها بأمر اللّه لهم بالدّخول.(13:203)

نحوه الطّوسيّ(6:291)،و الزّمخشريّ(2:376)، و الطّبرسيّ(3:312).

الميبديّ: أي بأمر ربّهم و بفضل ربّهم.

و«الإذن»هنا بمعنى الأمر و الإطلاق،و هذا ردّ على المعتزلة و القدريّة الّذين يقولون:إنّ«الإذن»هو العلم.

و فسّروا«الإذن»بالعلم كيلا يكون قوله تعالى:

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100، خلاف معتقدهم،فيجب عليهم هنا حمل المعنى على الإطلاق.

و إن كان كما يقولون:بأنّ«الإذن»بمعنى العلم فما هو قولهم في هذه الآية: خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ فمن هو الّذي يدخلهم الجنّة إذن؟فإن كان لا بإذن اللّه و لا بأمره فهو كفر صريح.(5:251)

القرطبيّ: أي بأمره،و قيل:بمشيئته و تيسيره.

و قال: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ و لم يقل:بإذني؛تعظيما و تفخيما.(9:358)

أبو السّعود: أي بأمره أو بتوفيقه و هدايته.و في التّعرّض لوصف الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضمير(هم) إظهار مزيد اللّطف بهم،و المدخلون هم الملائكة عليهم السّلام.

و قرئ على صيغة التّكلّم؛فيكون قوله تعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلّقا بقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يونس:10،أي يحيّيهم الملائكة بالسّلام بِإِذْنِ رَبِّهِمْ.

(3:124)

البروسويّ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلّق ب(ادخل)،أي بأمره أو بتوفيقه و هدايته.و فيه إشارة إلى أنّ الإنسان إذا خلّي و طبعه،لا يؤمن و لا يعمل الصّالحات.(4:413)

15- تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها...

إبراهيم:25

الطّوسيّ: أي يخرج هذا الأكل في كلّ حين بأمر اللّه و خلقه إيّاه.(6:292)

البروسويّ: بإرادة خالقها و تيسيره و تكوينه.

(4:414)

مثله الآلوسيّ(13:213)،و القاسميّ(10:

3727).

ص: 773

16- ...وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ

سبأ:12

الطّبريّ: من الجنّ من يطيعه،و يأتمر بأمره، و ينتهي لنهيه؛فيعمل بين يديه ما يأمره طاعة له بإذن ربّه،يقول:بأمر اللّه له بذلك،و تسخيره إيّاه له.

(22:69)

نحوه الطّوسيّ(8:382)،و الطّبرسيّ(4:382).

الزّمخشريّ: بأمره.(3:282)

مثله القرطبيّ(14:270)،و البروسويّ(7:

272)،و الآلوسيّ(22:118).

الصّابونيّ: فإن قيل:إنّ الاجتماع بالجنّ فيه مفسدة للإنسان،و لهذا قال تعالى: وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ* وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ المؤمنون:97،98،فكيف سخّرت الشّياطين لسليمان عليه السّلام؟

فالجواب:أنّ ذلك الاجتماع و التّسخير كان بأمر اللّه عزّ و جلّ و تسخيره،بدليل قوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ فلم يكن فيه مفسدة.(2:404)

17- ...فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ.. فاطر:32

الطّبريّ: يقول:بتوفيق اللّه إيّاه لذلك.(22:137)

نحوه القشيريّ.(البروسويّ 7: 350)

الميبديّ:معناه ظلم الظّالم و قصد المقتصد و سبق السّابق،بعلم اللّه و إرادته.(8:187)

2Lأبو حيّان: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ :بتيسيره و تمكينه،أي إنّ سبقه ليس من جهة ذاته بل ذلك منه تعالى.و الظّاهر أنّ الإشارة بذلك إلى إيراث الكتاب و اصطفاء هذه الأمّة.(7:313)

البروسويّ: جعله«في كشف الأسرار»متعلّقا بالأصناف الثّلاثة،على معنى ظلم الظّالم و قصد المقتصد و سبق السّابق،بعلم اللّه و إرادته.

و الظّاهر تعلّقه بالسّابق،كما ذهب إليه أجلاّء المفسّرين،على معنى بتيسيره و توفيقه و تمكينه من فعل الخير لا باستقلاله.و فيه تنبيه على عزّة منال هذه الرّتبة و صعوبة مأخذها.(7:350)

18- ...وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ...

المجادلة:10

ابن عبّاس: بأمره.(القرطبيّ 17:295)

الطّبريّ: يعني بقضاء اللّه و قدره.(28:16)

الطّوسيّ: معناه إلاّ بعلم اللّه و تمكينه إيّاهم،لأنّ تكليفهم إيمانهم بذلك.

و قيل:معناه إلاّ بفعل اللّه،الغمّ و الحزن في قلوبهم، لأنّ الشّيطان لا يقدر على فعل ذلك.(9:549)

الزّمخشريّ: أي بمشيئته،و هو أن يقضي الموت على أقاربهم أو الغلبة على الغزاة.(4:75)

مثله أبو حيّان(8:236)،و الآلوسيّ(28:27)، و نحوه القرطبيّ(17:295)،و البروسويّ(9:402).

الفخر الرّازيّ: قيل:بعلمه،و قيل:بخلقه و تقديره للأمراض و أحوال القلب من الحزن و الفرح و قيل:بأن

ص: 774

يبيّن كيفيّة مناجاة الكفّار حتّى يزول الغمّ.(29:268)

19- ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ. الحشر:5

الطّبريّ: فبأمر اللّه.(28:35)

مثله الزّمخشريّ(4:81)،و القرطبيّ(18:10)، و الفخر الرّازيّ(29:283)،و البروسويّ(9:423)، و نحوه الآلوسيّ(28:43).

الطّوسيّ: بعلم اللّه و إذنه في ذلك،و أمره به.

(9:561)

نحوه الطّبرسيّ.(5:259)

20- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ...

التّغابن:11

ابن عبّاس: بعلمه و قضائه.

(الفخر الرّازيّ 30:26)

الحسن: أي بأمر اللّه.(الفخر الرّازيّ 30:25)

مثله الفرّاء.(القرطبيّ 18:139)

الطّبريّ: لم يصب أحدا من الخلق مصيبة إلاّ بإذن اللّه،يقول:إلاّ بقضاء اللّه و تقديره ذلك عليه.

(28:123)

نحوه الزّمخشريّ.(4:115)

البلخيّ: معناه إلاّ بتخلية اللّه بينكم و بين من يريد فعلها.(الطّوسيّ 10:23)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى مخاطبا لخلقه:إنّه ليس يصيبكم مصيبة إلاّ بإذن اللّه.

و قيل:إنّما عمّم قوله: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ -و في المصائب ما هو ظلم-،و اللّه لا يأذن في الظّلم،لأنّه لا يحسن في الحكمة.أ لا ترى أنّه ليس منها إلاّ ما أذن اللّه في وقوعه أو التّمكّن منه؛و ذلك أذن للملك الموكّل به،كأنّه قيل له:لا تمنع من وقوع هذه المصيبة.و قد يكون ذلك بفعل التّمكّن[في مجمع البيان:

التّمكين]من اللّه كأنّه يأذن له أن يكون.

و قال قوم:هو خاصّ فيما يفعله اللّه تعالى أو يأمر به.

و يجوز أيضا أن يكون المراد«بالإذن»هاهنا العلم، فكأنّه قال:لا يصيبكم من مصيبة إلاّ و اللّه تعالى عالم بها.(10:23)

مثله الطّبرسيّ:[إلاّ أنّ كلامه أوضح في الإجابة على ما قيل ففيه بعد قوله لا يأذن بالظّلم:لأنّه ليس منها إلاّ ما أذن اللّه في وقوعه...](5:300)

البغويّ: بإرادته و قضائه.(7:87)

مثله الميبديّ(10:129)،و القرطبيّ(18:

139)،و الخازن(7:87)،و أبو السّعود(5:168)، و الكاشانيّ(5:184).

البروسويّ: استثناء مفرّغ منصوب المحلّ على الحال،أي ما أصاب مصيبة ملتبسة بشيء من الأشياء إلاّ بإذن اللّه،أي بتقديره و إرادته كأنّها بذاتها متوجّهة إلى الإنسان متوقّفة على إذنه تعالى أن تصيبه،و هذا لا يخالف قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30،أي بسبب معاصيكم.و يتجاوز عن كثير منها و لا يعاقب عليها.

أمّا أوّلا:فلأنّ هذا القول في حقّ المجرمين،فكم من

ص: 775

مصيبة تصيب من أصابته لأمر آخر من كثرة الأجر للصّبر،و تكفير السّيّئات لتوفية الأجر إلى غير ذلك، و ما أصاب المؤمنين فمن هذا القبيل.

و أمّا ثانيا:فلأنّ ما أصاب من ساء بسوء فعله فهو لم يصب إلاّ بإذن اللّه و إرادته أيضا،كما قال تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّساء:78،أي إيجادا و إيصالا، فسبحان من لا يجري في ملكه إلاّ ما يشاء.و كان الكفّار يقولون:لو كان ما عليه المسلمون حقّا لصانهم اللّه عن المصائب في أموالهم و أبدانهم في الدّنيا،فبيّن اللّه أنّ ذلك إنّما يصيبهم بتقديره و مشيئته.

و في إصابتها حكمة لا يعرفها إلاّ هو،منها:تحصيل اليقين بأن ليس شيء من الأمر في يديهم،فيبرءون بذلك من حولهم و قوّتهم،إلى حول اللّه و قوّته.

و منها:ما سبق آنفا من تكفير ذنوبهم و تكثير مثوباتهم بالصّبر عليها،و الرّضى بقضاء اللّه إلى غير ذلك.

و لو لم يصب الأنبياء و الأولياء محن الدّنيا و ما يطرأ على الأجسام لافتتن الخلق بما ظهر على أيديهم من المعجزات و الكرامات،على أنّ طريان الآلام و الأوجاع على ظواهرهم لتحقّق بشريّتهم،لا على بواطنهم لتحقّق مشاهدتهم و الأنس بربّهم،فكأنّهم معصومون محفوظون منها،لكون وجودها في حكم العدم،بخلاف حال الكفّار و الأشرار.نسأل العفو و العافية من اللّه الغفّار.

و في الآية إشارة إلى إصابة مصيبة النّفس الأمّارة بالاستيلاء على القلب،و إلى إصابة مصيبة القلب السّيّار بالغلبة على النّفس،فإنّهما بإذن تجلّيه القهريّ للقلب الصّافي بحسب الحكمة،أو بإذن تجلّيه اللّطفيّ الجماليّ للنّفس الجانية بحسب النّقمة.(10:13)

الطّباطبائيّ: الإذن:الإعلام بالرّخصة و عدم المانع،و يلازم علم الآذن بما أذن فيه،و ليس هو العلم كما قيل.

فظهر بما تقدّم أوّلا:أنّ إذنه تعالى في عمل سبب من الأسباب،هو التّخلية بينه و بين مسبّبيه،برفع الموانع الّتي تتخلّل بينه و بين مسبّبه،فلا تدعه يفعل فيه ما يقتضيه بسببيّته،كالنّار تقتضي إحراق القطن مثلا لو لا الفصل بينهما و الرّطوبة،فرفع الفصل بينهما و الرّطوبة من القطن مع العلم بذلك،إذن في عمل النّار في القطن بما تقتضيه ذاتها،أعني الإحراق.

و قد كان استعمال الإذن في العرف العامّ مختصّا بما إذا كان المأذون له من العقلاء،لمكان أخذ معنى الإعلام في مفهومه،فيقال:أذنت لفلان أن يفعل كذا،و لا يقال:

أذنت للنّار أن تحرق،و لا أذنت للفرس أن يعدو.لكنّ القرآن الكريم يستعمله فيما يعمّ العقلاء و غيرهم بالتّحليل،كقوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64،و قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ الأعراف:58.

و لا يبعد أن يكون هذا التّعميم مبنيّا على ما يفيده القرآن من سريان العلم و الإدراك في الموجودات،كما قدّمناه في تفسير قوله: قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فصّلت:21.

و كيف كان فلا يتمّ عمل من عامل و لا تأثير من

ص: 776

مؤثّر إلاّ بإذن من اللّه سبحانه،فما كان من الأسباب غير تامّ،له موانع لو تحقّقت منعت من تأثيره،فإذنه تعالى له في أن يؤثّر رفعه الموانع،و ما كان منها تامّا لا مانع له يمنعه،فإذنه له عدم جعله له شيئا من الموانع،فتأثيره يصاحب الإذن من غير انفكاك.

و ثانيا:أنّ المصائب و هي الحوادث الّتي تصيب الإنسان،فتؤثّر فيه آثارا سيّئة مكروهة،إنّما تقع بإذن من اللّه سبحانه،كما أنّ الحسنات كذلك لاستيعاب إذنه تعالى صدور كلّ أثر من كلّ مؤثّر.

و ثالثا:أنّ هذا الإذن«إذن تكوينيّ»غير«الإذن التّشريعي»الّذي هو رفع الحظر عن الفعل،فإصابة المصيبة تصاحب إذنا من اللّه في وقوعها،و إن كانت من الظّلم الممنوع،فإنّ كون الظّلم ممنوعا غير مأذون فيه، إنّما هو من جهة التّشريع دون التّكوين.

و لذا كانت بعض المصائب غير جائزة الصّبر عليها و لا مأذونا في تحمّلها،و يجب على الإنسان أن يقاومها ما استطاع،كالمظالم المتعلّقة بالأعراض و النّفوس.

و من هنا يظهر أنّ المصائب الّتي ندب إلى الصّبر عندها هي الّتي لم يؤمر المصاب عندها بالذّبّ و الامتناع عن تحمّلها،كالمصائب العامّة الكونيّة من موت و مرض ممّا لا شأن لاختيار الإنسان فيها،و أمّا ما للاختيار فيها دخل كالمظالم المتعلّقة-نوع تعلّق بالاختيار من المظالم المتوجّهة إلى الأعراض-فللإنسان أن يتوقّاها ما استطاع.(19:303)

اذنه

1- ...فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ... البقرة:213

الزّجّاج: بعلمه.(الطّوسيّ 2:196)

النّحّاس: [قال بعد نقل قول الزّجّاج:]

و هذا غلط،و المعنى بأمره.و إذا أذنت في الشّيء فقد أمرت به،أي فهدى اللّه الّذين آمنوا بأن أمرهم بما يجب أن يستعملوه.(القرطبيّ 3:33)

الطّوسيّ: قيل في معنى(باذنه)قولان:

أحدهما:بلطفه،و لا بدّ من محذوف على هذا التّأويل،أي فاهتدوا بإذنه،لأنّ اللّه عزّ و جلّ لا يفعل الشّيء بإذن أحد يأذن له فيه،و لكن قد يجوز أن يكون على جهة التّفسير للهدى،كأنّه قال:هداهم بأن لطف لهم،و هداهم بأن أذن لهم.

و قال الجبّائيّ:لا بدّ من أن يكون على حذف فاهتدوا بإذنه.

و القول الثّاني:هداهم بالحقّ بعلمه،و الإذن بمعنى العلم معروف في اللّغة.(2:195)

نحوه الطّبرسيّ.(1:307)

الميبديّ: الإذن:الأمر و العلم و الإرادة جميعا.

(1:567)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:[هو قول الزّجّاج المتقدّم].

الثّاني:هداهم بأمره،أي حصلت الهداية بسبب الأمر،كما يقال:قطعت بالسّكّين؛و ذلك لأنّ الحقّ لم يكن متميّزا عن الباطل،و بالأمر حصل التّميّز،

ص: 777

فجعلت الهداية بسبب إذنه.

الثّالث:قال بعضهم:لا بدّ فيه من إضمار،و التّقدير:

هداهم فاهتدوا بإذنه.(6:18)

البيضاويّ: بأمره أو بإرادته و لطفه.(1:113)

نحوه أبو حيّان(2:138)،و أبو السّعود(1:164)، و البروسويّ(1:330)،و الآلوسيّ(2:102)،و رشيد رضا(2:289).

2- ...وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ...

البقرة:221

الحسن: معناه أحد أمرين:أحدهما:بإعلامه، و الآخر:بأمره.(الطّوسيّ 2:219)

مثله الطّبرسيّ.(1:318)

أي بأمره،يعني بما يأمر و يأذن فيه من الشّرائع و الأحكام.(الطّبرسيّ 1:318)

الطّبريّ: فإنّه يعني أنّه يدعوكم إلى ذلك بإعلامه إيّاكم سبيله و طريقه،الّذي به الوصول إلى الجنّة و المغفرة.(2:380)

الزّمخشريّ: بتيسير اللّه و توفيقه للعمل الّذي تستحقّ به الجنّة و المغفرة.

و قرأ الحسن (و المغفرة باذنه) بالرّفع،أي و المغفرة حاصلة بتيسيره.(1:361)

الفخر الرّازيّ: بتيسير اللّه و توفيقه للعمل الّذي يستحقّ به الجنّة و المغفرة.و نظيره قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100،و قوله:

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:

145،و قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:102.(6:65)

أبو حيّان: أي و المغفرة حاصلة بتيسيره و تسويغه.و على قراءات الجمهور يكون(باذنه)متعلّقا بقوله:(يدعوا).(2:166)

البروسويّ: (يدعوا)ملتبسا بتوفيقه الّذي من جملته إرشاد المؤمنين لمقارنيهم إلى الخير،و نصيحتهم إيّاهم.(1:345)

مثله الآلوسيّ.(2:120)

3- وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ...

آل عمران:152

الطّبريّ: يعني بحكمي و قضائي لكم بذلك، و تسليطي إيّاكم عليهم.(4:127)

الطّوسيّ: معناه بعلمه.

و يجوز أن يكون المراد بلطفه،لأنّ أصل الإذن الإطلاق في الفعل،فاللّطف تيسير له،كما أنّ الإذن كذلك،إلاّ أنّ اللّطف تدبير يقع معه الفعل لا محالة اختيارا،كما يقع في أصل الإذن اختيارا.(3:18)

مثله الطّبرسيّ(1:520)،و نحوه الفخر الرّازيّ(9:

35)،و النّيسابوريّ(4:92).

القرطبيّ: بعلمه،أو بقضائه و أمره.(4:235)

البروسويّ: ملتبسين بمشيئته و تيسيره و توفيقه، حال من فاعل(تحسّونهم).(2:110)

مثله الآلوسيّ.(4:89)

ص: 778

4- ...وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ...

المائدة:16

الطّبريّ: بإذن اللّه جلّ و عزّ،و إذنه في هذا الموضع:تحبيبه إيّاه الإيمان،برفع طابع الكفر عن قلبه، و خاتم الشّرك عنه،و توفيقه لإبصار سبل السّلام.

(6:162)

عبد الجبّار: بأمر اللّه و علمه.(113)

الطّوسيّ: بلطفه.(3:476)

مثله الطّبرسيّ.(2:175)

البغويّ: يعني بتوفيقه و هدايته.(2:24)

الفخر الرّازيّ: أي بتوفيقه.و الباء تتعلّق بالاتّباع،أي اتّبع رضوانه بإذنه.و لا يجوز أن تتعلّق بالهداية و لا بالإخراج،لأنّه لا معنى له؛فدلّ ذلك على أنّه لا يتّبع رضوان اللّه إلاّ من أراد اللّه منه ذلك.

(11:190)

أبو حيّان: بتمكينه و تسويغه.(3:448)

نحوه البروسويّ(2:370)،و الآلوسيّ(6:98).

رشيد رضا: فسّروه بمشيئته و بتوفيقه.

و الإذن:العلم،يقال:أذن بالشّيء،إذا علم به، و آذنته به:أعلمته فأذن.و يقال:أذّن بالتّشديد و تأذّن، بمعنى أعلم غيره.

و يقال:أذّن له بالشّيء،إذا أباحه له.و أذن له أذنا:

استمع.

و الظّاهر أنّ«الإذن»هنا بمعنى العلم،أي يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بعلمه.(6:305)

الطّباطبائيّ: الإخراج من الظّلمات إلى النّور إذا نسب إلى غيره تعالى كنبيّ أو كتاب.

فمعنى إذنه تعالى فيه إجازته و رضاه،كما قال تعالى:

كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إبراهيم:1.

فقيّد إخراجه إيّاهم من الظّلمات إلى النّور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ليخرج بذلك عن الاستقلال في السّببيّة،فإنّ السّبب الحقيقيّ لذلك هو اللّه سبحانه.و قال: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ إبراهيم:5،فلم يقيّده بالإذن لاشتمال الأمر على معناه.

و إذا نسب ذلك إلى اللّه تعالى فمعنى إخراجهم بإذنه إخراجهم بعلمه.و قد جاء«الإذن»بمعنى العلم،يقال:

أذن به،أي علم به.و من هذا الباب قوله تعالى:

وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ التّوبة:3، فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ الأنبياء:109،و قوله: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:27،إلى غيرها من الآيات.(5:246)

5- ...يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ...

يونس:3

الزّمخشريّ: دليل على العزّة و الكبرياء،كقوله:

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً النّبأ:38.(2:225)

الفخر الرّازيّ: معنى الآية خلق السّماوات و الأرض وحده و لا حيّ معه و لا شريك يعينه،ثمّ خلق الملائكة و الجنّ و البشر،و هو المراد من قوله: إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ أي لم يحدث أحد و لم يدخل في الوجود،إلاّ

ص: 779

من بعد أن قال له:(كن)حتّى كان و حصل.(17:15)

البروسويّ: [إذنه]المبنيّ على الحكمة الباهرة، و هو جواب قول الكفّار:إنّ الأصنام شفعاؤنا عند اللّه، فبيّن اللّه تعالى أنّه ما من ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل يشفع لأحد إلاّ من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء و يرضى،فكيف تشفع الأصنام الّتي ليس لها عقل و لا تمييز؟و فيه إثبات الشّفاعة لمن أذن له.(4:10)

الآلوسيّ: بيان لاستبداده تعالى في التّدبير و التّقدير،و نفي للشّفاعة على أبلغ وجه،فإنّ نفي جميع أفراد الشّفيع ب(من)الاستغراقيّة يستلزم نفي الشّفاعة على أتمّ الوجوه،فلا حاجة إلى أن يقال:التّقدير ما من شفاعة لشفيع،و في ذلك أيضا تقرير لعظمته سبحانه إثر تقرير.و الاستثناء مفرّغ من أعمّ الأوقات،أي ما من شفيع يشفع لأحد في وقت من الأوقات إلاّ بعد إذنه تعالى المبنيّ على الحكمة الباهرة،و ذلك عند كون الشّفيع من المصطفين الأخيار،و المشفوع له ممّن يليق بالشّفاعة.

و ذهب القاضي إلى أنّ فيه ردّا على من زعم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند اللّه.و تعقّب بأنّه غير تامّ؛لأنّهم لمّا ادّعوا شفاعتها فقد يدّعون الإذن لها،فكيف يتمّ هذا الرّدّ؟و لا دلالة في الآية على أنّهم لا يؤذن لهم.و ما قيل:

إنّها دعوى غير مسلّمة و احتمالها غير مجد،لا فائدة فيه، إلاّ أن يقال:مراده أنّ الأصنام لا تدرك و لا تنطق، فكونها ليس من شأنها أن يؤذن لها بديهيّ.(11:65)

6- يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ. هود:105

2Lالجبّائي: الإذن:إلجاؤهم إلى الحسن،لأنّه لا يقع منهم ذلك اليوم قبيح.(الطّوسيّ 6:65)

الطّوسيّ: إن قيل:كيف قال هاهنا: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ، و قال في موضع آخر: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ المرسلات:35، 36،و قال في موضع آخر: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها النّحل:111،و قال: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ الصّافّات:24،و قال في موضع آخر:

فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ الرّحمن:

39،؟و هل هذا إلاّ ظاهر التّناقض؟!.

قلنا:لا تناقض في ذلك،لأنّ معنى قوله: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ، إنّهم يسألون سؤال توبيخ و تقرير و تقريع،لإيجاب الحجّة عليهم لا سؤال استفهام،لأنّه تعالى عالم بذلك لنفسه.

و قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ، أي لا يسأل ليعلم ذلك منه حيث إنّه تعالى قد علم أعمالهم قبل أن يعملوها.

و قيل:إنّ معناه إنّه لا يسأل عن ذنب المذنب إنس و لا جانّ غيره،و إنّما يسأل المذنب لا غير،و كذلك قوله: يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، أي لا ينطقون بحجّة،و إنّما يتكلّمون بالإقرار بذنوبهم و لوم بعضهم بعضا،و طرح بعضهم على بعض الذّنوب،فأمّا المتكلّم بحجّة فلا.

و هذا كما يقول القائل لمن يخاطبه بخطاب كثير فارغ من الحجّة:ما تكلّمت بشيء،و ما نطقت بشيء،فسمّي من يتكلّم بما لا حجّة فيه له غير متكلّم،كما قال: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ البقرة:171،و هم كانوا

ص: 780

يبصرون و يسمعون إلاّ أنّهم لا يقبلون،و لا يفكّرون فيما يسمعون،و لا يتأمّلون،فهم بمنزلة الصّمّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم:إنّ ذلك اليوم يوم طويل،له مواضع و مواطن و مواقف،في بعضها يمنعون من الكلام،و في بعضها يطلق لهم ذلك بدلالة قوله: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ و كلاهما حسن،و الأوّل أحسن.

(6:65)

نحوه الطّبرسيّ(3:193)،و الفخر الرّازيّ(18:

60)،و الزّمخشريّ(2:293).

الفخر الرّازيّ: فيه حذف،و التّقدير:لا تكلّم نفس فيه إلاّ بإذن اللّه تعالى.(18:60)

الآلوسيّ: أي إلاّ بإذن اللّه تعالى شأنه و عزّ سلطانه في التّكلّم،كقوله سبحانه: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ النّبأ:38،و هذا في موقف من مواقف ذلك اليوم،و قوله تبارك و تعالى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ المرسلات:35،36،في موقف آخر من مواقفه،كما أنّ قوله تعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها النّحل:111،في آخر منها،و روي هذا عن الحسن.

و قد ذكر غير واحد أنّ المأذون فيه الأجوبة الحقّة، و الممنوع منه الأعذار الباطلة.نعم قد يؤذن فيها أيضا لإظهار بطلانها،كما في قول الكفرة: وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ الأنعام:23،و نظائره.

و القول بأنّ هذا ليس من قبيل الأعذار،و إنّما هو إسناد الذّنب إلى كبرائهم،و أنّهم أضلّوهم،ليس بشيء كما لا يخفى.

و في«الدّرر و الغرر»للسّيّد المرتضى:أنّ بين قوله سبحانه: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ و قوله سبحانه: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، و كذا قوله جلّ و علا: وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ الصّافّات:27،اختلافا بحسب الظّاهر.

و أجاب قوم من المفسّرين عن ذلك بأنّ يوم القيامة يوم طويل ممتدّ،فيجوز أن يمنعوا النّطق في بعضه،و يؤذن لهم في بعض آخر منه.

و يضعّف هذا الجواب أنّ الإشارة إلى يوم القيامة بطوله،فكيف يجوز أن تكون الآيات فيه مختلفة؟و على ما ذكروه يكون معنى هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، هذا يوم لا ينطقون في بعضه،و هو خلاف الظّاهر.

و الجواب السّديد عن ذلك أن يقال:إنّما أريد نفي النّطق المسموع المقبول الّذي ينتفعون به،و يكون لهم في مثله إقامة حجّة و خلاص،لا نفي النّطق مطلقا؛بحيث يعمّ ما ليس له هذه الحالة.و يجري هذا المجرى قولهم:

خرس فلان عن حجّته،و حضرنا فلانا يناظر فلانا فلم نره قال شيئا.و إن كان الّذي وصف بالخرس و الّذي نفي عنه القول قد تكلّم بكلام كثير،إلاّ أنّه من حيث لم يكن فيه حجّة و لم يتضمّن منفعة،جاز إطلاق ما حكيناه عليه.[ثمّ استشهد بشعر]و على هذا فلا اختلاف،لأنّ التّساؤل و التّلاؤم مثلا لا حجّة فيه.

و أمّا قوله سبحانه: وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، فقد قيل فيه:إنّهم غير مأمورين بالاعتذار فكيف

ص: 781

يعتذرون؟!

و يحمل«الإذن»على الأمر،و إنّما لم يؤمروا به،لأنّ تلك الحالة لا تكليف فيها،و العباد ملجئون عند مشاهدة الأهوال إلى الاعتراف و الإقرار.و أحسن من هذا أن يحمل(يؤذن لهم)أنّه لا يسمع لهم و لا يقبل عذرهم،انتهى.

و أنت تعلم أنّ تضعيفه لما أجاب به القوم من امتداد يوم القيامة.و جواز كون المنع من النّطق في بعض منه و الإذن في بعض آخر،ليس بمرتضى عند ذي الفكر الرّضيّ،لظهور صحّة وقوع الزّمان الممتدّ ظرفا للنّقيضين،فيما إذا لم يقتض كلّ منهما أو أحدهما جميع ذلك الزّمان.

و قد شاع دفع التّناقض بين الكلامين بمثل ما فعلوا، و مرجعه إلى القول باختلاف الزّمان،كما أنّ مرجع ما روي عن الحسن إلى القول باختلاف المكان،و اتّحاد الزّمان و المكان من شروط تناقض القضيّتين،و ليس هذا الّذي فعلوه بأبعد ممّا فعله المرتضى،على أنّ في كلامه بعد ما لا يخفى.

و قال بعض الفضلاء:لا منافاة بين هذه الآية و الآيات الّتي تدلّ على التّكلّم يوم القيامة،لأنّ المراد من يَوْمَ يَأْتِ حين يأتي،و القضيّة المشتملة على ذلك وقتيّة،حكم فيها بسلب المحمول عن جميع أفراد الموضوع،في وقت معيّن.و هذا لا ينافي ثبوت المحمول للموضوع في غير ذلك الوقت.

و قال ابن عطية:لا بدّ من أحد أمرين:

إمّا أن يقال:إنّ ما جاء في الآيات من التّلاؤم و التّساؤل و التّجادل و نحو ذلك ممّا هو صريح في التّكلّم كان عن إذن.

و إمّا أن يحمل التّكلّم هنا على تكلّم شفاعة أو إقامة حجّة،و كلا القولين كما ترى.و الاستثناء قيل:من أعمّ الأسباب،أي لا تكلّم نفس بسبب من الأسباب،إلاّ بسبب إذنه تعالى،و هو متّصل،و جوّز أن يكون منقطعا و يقدّر ما لا يتناول المستثنى،أي لا تكلّم نفس باقتدار من عندها إلاّ بإذنه تعالى.و لا يخفى أنّ هذا استثناء مفرّغ،و قد طرق سمعك ما هو الأصحّ فيه.

و قرئ كما في المصاحف لابن الأنباريّ (يوم ياتون لا تكلم دابة الا باذنه) .(12:139)

الطّباطبائيّ: الباء في قوله:(باذنه) للمصاحبة،فالاستثناء في الحقيقة من الكلام لا من المتكلّم،كما في قوله: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ النّبأ:38،و المعنى لا تتكلّم نفس بشيء من الكلام إلاّ بالكلام الّذي يصاحب إذنه،لا كالدّنيا يتكلّم فيها الواحد منهم بما اختاره و أراده،أذن فيه اللّه إذن تشريع أم لم يأذن.[إلى أن قال:]

ذكر بعضهم أنّ معنى قوله: لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ أنّها لا تتكلّم فيه إلاّ بالكلام الحسن المأذون فيه شرعا،لأنّ النّاس ملجئون هناك إلى ترك القبائح،فلا يقع منهم قبيح.و أمّا غير القبيح فهو مأذون فيه.

و فيه أنّه تخصيص من غير مخصّص،فاليوم ليس بيوم عمل حتّى يؤذن فيه في إتيان الفعل الحسن و لا يؤذن في القبيح،و الإلجاء الّذي منشؤه كون الظّرف ظرف جزاء لا عمل،لا يفرق فيه بين العمل الحسن و القبيح،

ص: 782

مع كون كليهما اختياريّين،لأنّ الحسن و القبح إنّما يعنون بهما الأفعال الاختياريّة.

على أنّ اللّه تعالى يقول: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ المرسلات:35،36،و من المعلوم أنّ الإتيان بالأعذار ليس من الفعل القبيح في شيء.

و قال آخرون: إنّ معنى الآية أنّه لا يتكلّم أحد في الآخرة بكلام نافع من شفاعة و وسيلة إلاّ بإذنه.

و هذا إرجاع للآية بحسب المدلول إلى مثل قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ طه:109،و فيه أنّ ذلك تقييد من غير شاهد عليه،و لو كان المراد ذلك لكان من حقّ الكلام أن يقال:

لا تكلّم نفس عن نفس أو في نفس إلاّ بإذنه،كما وقع في نظيره من قوله: لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً الانفطار:

19.

و قد تحصّل ممّا قدّمناه وجه الجمع بين الآيات المثبتة للتّكلّم يوم القيامة و الآيات النّافية له.

توضيحه:أنّ الآيات المتعرّضة لمسألة التّكلّم فيه صنفان:

صنف ينفي التّكلّم أو يثبته لأفراد النّاس من غير استثناء،كقوله: لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ الرّحمن:39،و قوله: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها النّحل:111.

و صنف ينفي الكلام على أيّ نعت كان من صدق أو كذب،كقوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، و قوله: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ الشّعراء:101.

و الصّنف الأوّل يجمع بين طرفيه بمثل قوله تعالى:

لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ.

و الصّنف الثّاني يرتفع التّنافي بين طرفيه بالآية المبحوث عنها: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ لكن بالبناء على ما تقدّم توضيحه،في معنى إناطة التّكلّم بإذنه حتّى يفيد أنّهم ملجئون في ما تكلّموا به،مضطرّون إلى ما يأذن اللّه سبحانه فيه،ليس لهم أن يتكلّموا بما يختارون و يريدون كما كان لهم ذلك في الدّنيا،ليكون ذلك ممّا يختصّ بيوم القيامة من الوصف.

و بذلك يظهر وجه القصور فيما ذكره صاحب «المنار»في تفسيره؛حيث قال في تفسير الآية:«و نفي الكلام في ذلك اليوم إلاّ بإذنه تعالى يفسّر لنا الجمع بين الآيات النّافية له مطلقا و المثبتة له مطلقا» (1)انتهى.

و قد ذكر قبله آيات فيها،مثل قوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، و قوله: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:

65.

و ذلك أنّه،أوّلا:لم يفرّق بين الصّنفين من الآيات، فأوهم ذلك أنّ نفي الكلام(إلاّ بإذنه)في الآية المبحوث عنها كاف في رفع التّنافي بين الآيات مطلقا،و ليس كذلك.

و ثانيا:لم يبيّن معنى كون الكلام بإذنه تعالى،فتوجّه إليه إشكال تخصيص يوم القيامة في الآية بما لا يختصّ به.

و قد يجاب عن إشكال التّنافي بوجه آخر،و هو أنّ يوم القيامة يشتمل على مواقف قد أذن لهم في الكلام في بعض تلك المواقف،و لم يؤذن لهم في الكلام في بعضها،8.

ص: 783


1- المنار 10:158.

و قد ورد ذلك في بعض الرّوايات.

و هذا الجواب و إن كان بظاهره متميّزا من الوجه السّابق إلاّ أنّه لا يستغني عن مسألة الإذن،فهو في الحقيقة راجع إليه.

و قد يجاب بأنّ المراد بعدم التّكلّم و النّطق أنّهم لا ينطقون بحجّة،و إنّما يتكلّمون بالإقرار بذنوبهم،و لوم بعضهم بعضا،و طرح بعضهم الذّنوب على بعض،و هذا كما يقول القائل لمن أكثر من الكلام و لا يشتمل على حجّة:ما تكلّمت بشيء و لا نطقت بشيء،فسمّي من يتكلّم بما لا حجّة فيه،غير متكلّم؛لأنّه لم يأت بحقّ الكلام الّذي كان من الواجب أن يشتمل على حجّة، فكأنّه ليس بكلام.فنفي التّكلّم ناظر إلى عدّ الكلام الّذي لا جدوى فيه غير كلام ادّعاء.

و فيه:أنّه لو صحّ فإنّما يصحّ في مثل قوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، و أمّا مثل قوله: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فلا يرجع إلى معنى محصّل.

و قد يجاب-كما نقله الآلوسيّ عن الغرر و الدّرر للمرتضى-أنّ يوم القيامة يوم طويل ممتدّ،فيجوز،أن يمنعوا النّطق في بعضه،و يؤذن لهم في بعض آخر منه.

و فيه أنّ الإشارة إلى يوم القيامة بطوله.و على قولهم يكون مثلا معنى قوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، هذا يوم لا ينطقون في بعضه،و هو خلاف الظّاهر.و يرد نظير الإشكال على الوجه الثّاني الّذي أجيب فيه عن الإشكال باختلاف المواقف.فإنّ مرجع الوجهين-أعني الوجه الثّاني و هذا الوجه الرّابع-واحد،و إنّما الفرق أنّ الوجه الثّاني يرفع التّنافي باختلاف الأمكنة،و هذا الوجه يرفعه باختلاف الأزمنة،كما أنّ الوجه الثّالث يرفعه باختلاف الكلام،باشتماله على الجدوى و عدم اشتماله عليه.

و قد يجاب بما يظهر من قول بعضهم:إنّ الاستثناء في قوله: لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ منقطع لا متّصل،أي لا تتكلّم نفس باقتدار من عندها إلاّ بإذنه تعالى و محصّل الوجه أنّ الممنوع من التّكلّم يوم القيامة هو الّذي يكون بقدرة من الإنسان،و الجائز الواقع ما يكون بإذنه تعالى.

و فيه:أنّ تكلّم الإنسان كسائر أفعاله الاختياريّة، ليس مستندا إلى قدرته محضا في وقت قطّ،بل هو منسوب إلى قدرته،مستمدّا من قدرة اللّه تعالى و إذنه.

فكلّما تكلّم الإنسان أو فعل فعلا بقدرته صدر عنه ذلك عن قدرته،بمصاحبة من إذن اللّه تعالى.

و يعود معنى الاستثناء حينئذ إلى إلغاء جميع الأسباب العاملة في التّكلّم يوم القيامة إلاّ واحدا منها، هو إذنه تعالى.و يصير الاستثناء متّصلا،و يرجع إلى ما قدّمناه من الوجه أوّلا،أنّ التّكلّم الممنوع هو الاختياريّ منه على حدّ التّكلّم الدّنيويّ،و الجائز ما كان مستندا إلى السّبب الإلهيّ فقط و هو إذنه و إرادته، و الظّرف ظرف الاضطرار و الإلجاء.

لكنّهم يرون أنّ سبب الإلجاء يوم القيامة مشاهدة أهواله،فإنّ النّاس ملجئون عند مشاهدة الأهوال إلى الاعتراف و الإقرار،و قول الصّدق و اتّباع الحقّ.و قد قدّمنا أنّ السّبب في ذلك كون الظّرف ظرف جزاء لا عمل،و بروز الحقائق عند ذلك.(11:10-18)

7- ...وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ

ص: 784

بِإِذْنِهِ... الحجّ:65

القرطبيّ:أي إلاّ بإذن اللّه لها بالوقوع،فتقع بإذنه،أي بإرادته و تخليته.(12:93)

الآلوسيّ:أي بمشيئته.(17:194)

8- وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً.

الأحزاب:46

الطّبريّ: يقول:بأمره إيّاك بذلك.(22:18)

الزّمخشريّ: فإن قلت:قد فهم من قوله:إنّا أرسلناك داعيا،أنّه مأذون له في الدّعاء،فما فائدة قوله:

(باذنه)؟

قلت:لم يرد به حقيقة الإذن،و إنّما جعل الإذن مستعارا للتّسهيل و التّيسير؛لأنّ الدّخول في حقّ المالك متعذّر،فإذا صودف الإذن تسهّل و تيسّر،فلمّا كان الإذن تسهيلا لما تعذّر من ذلك وضع موضعه؛و ذلك أنّ دعاء أهل الشّرك و الجاهليّة إلى التّوحيد و الشّرائع أمر في غاية الصّعوبة و التّعذّر،فقيل:(باذنه)للإيذان بأنّ الأمر صعب لا يتأتّى و لا يستطاع إلاّ إذا سهّله اللّه و يسّره.و منه قولهم في الشّحيح:إنّه غير مأذون له في الإنفاق،أي غير مسهّل له الإنفاق،لكونه شاقّا عليه داخلا في حكم التّعذّر.(3:266)

نحوه أبو حيّان(7:238)،و الرّازيّ(مسائل الرّازيّ:283).

القرطبيّ: هنا معناه بأمره إيّاك،و تقديره:ذلك في وقته و أوانه.(14:200)

البيضاويّ: بتيسيره أطلق له من حيث إنّه من أسبابه،و قيّد به الدّعوة إيذانا بأنّه أمر صعب لا يتأتّى إلاّ بمعونة من جناب قدسه.(2:248)

مثله أبو السّعود.(4:214)

البروسويّ: أي بتيسيره.و تسهيله،فأطلق الإذن و أريد به التّيسير مجازا بعلاقة السّببيّة،فإنّ التّصرّف في ملك الغير متعسّر،فإذا أذن تسهّل و تيسّر.

و إنّما لم يحمل على حقيقته،و هو الإعلام بإجازة الشّيء و الرّخصة فيه،لانفهامه من قوله: أَرْسَلْناكَ الأحزاب:45، وَ داعِياً إِلَى اللّهِ، و قيّد به الدّعوة إيذانا بأنّها أمر صعب لا يتأتّى إلاّ بمعونة و إمداد من جانب قدسه.كيف لا و هي صرف الوجوه عن سمت الخلق إلى الخلاّق و إدخال قلادة غير معهودة في الأعناق.

قال بعض الكبار(باذنه)،أي بأمره،لا بطبعك و رأيك؛و ذلك فإنّ حكم الطّبع مرفوع عن الكمّل،فلا يدعون قولا و لا عملا إلاّ بالفناء في ذات اللّه عزّ و جلّ.

(7:196)

نحوه الآلوسيّ.(22:45)

الطّباطبائيّ: تقييد الدّعوة(باذن اللّه)يجعلها مساوقة للبعثة.(16:330)

باذنى

...وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي... المائدة:110

الطّبريّ: يقول:بعوني على ذلك،و علم منّي.

(7:127)

ص: 785

الطّوسيّ:أي تفعل ذلك بإذني و أمري.(4:59)

مثله الطّبرسيّ.(2:262)

الزّمخشريّ: بتسهيلي.(1:653)

نحوه البروسويّ.(2:460)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى اعتبر الإذن في خلق الطّين كهيئة الطّير،و في صيرورته ذلك الشّيء طيرا.

و إنّما أعاد قوله:(باذنى)تأكيدا لكون ذلك واقعا بقدرة اللّه تعالى و تخليقه،لا بقدرة عيسى و إيجاده...أي و إذ تخرج الموتى من قبورهم أحياء بإذني،أي بفعلي ذلك عند دعائك،و عند قولك للميّت:أخرج بإذن اللّه من قبرك.

و ذكر الإذن في هذه الأفاعيل إنّما هو على معنى إضافة حقيقة الفعل إلى اللّه،كقوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:145،أي إلاّ بخلق اللّه الموت فيها.(12:126)

أبو حيّان: جاء في آل عمران(باذن اللّه)مرّتين و جاء هنا(باذنى)أربع مرّات،عقيب أربع جمل،لأنّ هذا موضع ذكر النّعمة و الامتنان بها فناسب الإسهاب، و هناك موضع إخبار لبني إسرائيل فناسب الإيجاز.

(4:52)

نحوه الآلوسيّ.(7:58)

رشيد رضا: تكرار كلمة«الإذن»بتقييد كلّ فعل من تلك الأفعال بها يفيد أنّه ما وقع شيء منها إلاّ بمشيئة اللّه الخاصّة و قدرته.

و الإذن يطلق على الإعلام بإجازة الشّيء و الرّخصة فيه،و على الأمر به،و كذا على المشيئة و التّيسير،كقوله تعالى: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:102،و محال أن يكون معناه بإجازته أو أمره.و مثله بل أظهر منه قوله: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:

166،أي بإرادته و تيسيره.(7:247)

الطّباطبائيّ: تذييل خلق الطّير بذكر«الإذن» من غير أن يكتفي بالإذن المذكور في آخر الجملة إنّما هو لعظمة أمر الخلق بإفاضة الحياة؛فتعلّقت العناية به، فاختصّ بذكر«الإذن»بعده من غير أن ينتظر فيه آخر الكلام،صونا لقلوب السّامعين من أن يخطر فيها أنّ غيره تعالى يستقلّ دونه بإفاضة الحياة أو تلبّث فيها هذه الخطرة و لو لحظات يسيرة،و اللّه أعلم.(6:220)

اذن

1- قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ...

الأعراف:123

الطّبرسيّ: أي من قبل أن آمركم بالإيمان،و آذن لكم في ذلك.(2:463)

أبو حيّان: دليل على وهن أمره،لأنّه إنّما جعل ذنبهم بمفارقة الإذن،و لم يجعله نفس الإيمان إلاّ بشرط(4:365)

الآلوسيّ: أي قبل أن آمركم أنا بذلك،و هو على حدّ قوله تعالى: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي الكهف:109،لا أنّ الإذن منه ممكن في ذلك.

و أصل آذن:أأذن بهمزتين،الأولى للتّكلّم،

ص: 786

و الثّانية من صلب الكلمة،قلبت ألفا لوقوعها ساكنة بعد همزة.(9:27)

2- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ... طه:71

الطّوسيّ: الفرق بين الإذن و الأمر:أنّ في الأمر دلالة على إرادة الفعل المأمور به،و ليس في الإذن دلالة على إرادة المأذون فيه،كقوله: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا المائدة:2،فهذا إذن.(7:189)

مثله الطّبرسيّ.(4:20)

البروسويّ: أي من غير أن آذن لكم في الإيمان له و آمركم به،كما في قوله تعالى: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي الكهف:109،لا أنّ الإذن لهم في ذلك واقع بعده أو متوقّع.الإذن في الشّيء:إعلام بإجازته،و أذنته بكذا و آذنته بمعنى.(5:405)

مثله الآلوسيّ.(16:231)

اذنتكم

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ... الأنبياء:109

ابن قتيبة: أي أعلمتكم و صرت أنا و أنتم على سواء،و إنّما يريد نابذتكم و عاديتكم و أعلمتكم ذلك، فاستوينا في العلم.(289)

نحوه السّجستانيّ(126)،و الهرويّ(1:31).

الطّبريّ: يقول:أعلمهم أنّك و هم على علم من أنّ بعضكم لبعض حرب،لا صلح بينكم و لا سلم.

(17:107)

نحوه القرطبيّ.(11:350)

2Lأبو مسلم الأصفهانيّ: «الإيذان على السّواء»:

الدّعاء إلى الحرب مجاهرة؛لقوله تعالى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ الأنفال:58.(الفخر الرّازيّ 22:233)

القيسيّ: يحتمل(على سواء)أن تكون في موضع نصب نعت لمصدر محذوف،أي إيذانا على سواء.

و يحتمل أن تكون في موضع الحال من الفاعل،و هو النّبيّ عليه السّلام.

و يحتمل أن تكون حالا من المفعولين،و هم المخاطبون.(2:88)

الطّوسيّ: أي أعلمتكم على سواء في الإيذان تتساوون في العلم به،لم أظهر بعضكم على شيء كتمته عن غيره،و هو دليل على بطلان قول أصحاب الرّموز:

و إنّ للقرآن بواطن خصّ بالعلم بها أقوام.

و قيل:على سواء في العلم،إنّي صرت مثلكم، و مثله قوله: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ الأنفال:58،أي ليستوي علمك و علمهم.

و قيل:معناه لتستووا في الإيمان به.(7:285)

مثله الطّبرسيّ.(4:67)

الزّمخشريّ: (اذن)منقول من أذن،إذا علم، و لكنّه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار،و منه قوله تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279.

[ثمّ استشهد بشعر](2:586)

الفخر الرّازيّ: [قال بعد نقل قول الزّمخشريّ:] إذا عرفت هذا،فنقول:المفسّرون ذكروا فيه وجوها:

أحدها:قال أبو مسلم:«الإيذان على السّواء»:

ص: 787

الدّعاء إلى الحرب مجاهرة،لقوله تعالى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ الأنفال:58،و فائدة ذلك أنّه كان يجوز أن يقدّر على من أشرك من قريش أنّ حالهم مخالف لسائر الكفّار في المجاهدة،فعرّفهم بذلك أنّهم كالكفّار في ذلك.

و ثانيها:أنّ المراد فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التّوحيد و غيره على سواء،فلم أفرّق في الإبلاغ و البيان بينكم،لأنّي بعثت معلّما.

و الغرض منه إزاحة العذر لئلاّ يقولوا: رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً طه:134.

و ثالثها:(على سواء)على إظهار و إعلان.

و رابعها:على مهل،و المراد أنّي لا أعاجل بالحرب الّذي آذنتكم به بل أمهل و أؤخّر رجاء الإسلام منكم.

(22:233)

أبو حيّان: آذنتكم:أعلمتكم،و تتضمّن معنى التّحذير و النّذارة.(6:344)

البروسويّ: أعلمتكم ما أمرت به من وجوب التّوحيد و التّنزيه.(5:530)

الآلوسيّ: أي أعلمتكم ما أمرت به،أو حربي لكم.و الإيذان:إفعال من الإذن،و أصله:العلم بالإجازة في شيء و ترخيصه،ثمّ تجوّز به عن مطلق العلم،و صيغ منه الإفعال.و كثيرا ما يتضمّن معنى التّحذير و الإنذار،و هو يتعدّى لمفعولين،الثّاني منهما مقدّر كما أشير إليه.(17:107)

نحوه الطّباطبائيّ.(14:331)

اذنّاك

...قالُوا آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ. فصّلت:47

ابن عبّاس: أعلمناك.(الطّبريّ 25:1)

مثله الكلبيّ(الفخر الرّازيّ 27:136)،و الطّبريّ (25:1)،و الأزهريّ(15:18)،و الزّمخشريّ(3:

456)،و الطّبرسيّ(5:18).

أسمعناك.(أبو حيّان 7:504)

السّدّيّ: قالوا:أطعناك ما منّا من شهيد،على أنّ لك شريكا.(الطّبريّ 25:1)

ابن قتيبة: أعلمناك.هذا من قول الآلهة الّتي كانوا يعبدون في الدّنيا.(390)

الطّوسيّ: معناه إنّهم يقولون:أعلمناك ما منّا من شهيد لمكانهم.

و قيل:معناه(اذنّاك)أقررنا لك ما منّا من شهيد بشريك له معك.(9:136)

الفخر الرّازيّ: قال ابن عبّاس:أسمعناك.

و قال الكلبيّ: أعلمناك.و هذا بعيد،لأنّ أهل القيامة يعلمون اللّه و يعلمون أنّه يعلم الأشياء علما واجبا،فالإعلام في حقّه محال.(27:136)

النّسفيّ: أعلمناك.و قيل:أخبرناك،و هو الأظهر؛إذ اللّه تعالى كان عالما بذلك،و إعلام العالم محال.

أمّا الإخبار للعالم بالشّيء فيتحقّق بما علم به،إلاّ أن يكون المعنى إنّك علمت من قلوبنا الآن إنّا لنشهد تلك الشّهادة الباطلة؛لأنّه إذا علمه من نفوسهم فكأنّهم أعلموه.(4:97)

ص: 788

مثله البروسويّ(8:276)،و الآلوسيّ(25:3).

أبو حيّان: (قالوا اذنّاك)،أي أعلمناك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن عبّاس:أسمعناك،كأنّه استبعد الإعلام للّه، لأنّ أهل القيامة يعلمون أنّ اللّه يعلم الأشياء علما واجبا، فالإعلام في حقّه محال.

و الظّاهر أنّ الضّمير في(قالوا)عائد على المنادين، لأنّهم المحدّث معهم ما منّا أحد اليوم-و قد أبصرنا و سمعنا-يشهد أنّ لك شريكا بل نحن موحّدون لك، و ما منّا أحد يشاهدهم،لأنّهم ضلّوا عنهم و ضلّت عنهم آلهتهم،لا يبصرونها في ساعة التّوبيخ.

و قيل:الضّمير في(قالوا)عائد على الشّركاء،أي قالت الشّركاء:ما منّا من شهيد بما أضافوا إلينا من الشّرك.و(اذنّاك)معلّق،لأنّه بمعنى الإعلام،و الجملة من قوله:(ما منّا من شهيد)في موضع المفعول.و في تعليق باب«أعلم»رأينا خلافه،و الصّحيح أنّه مسموع من كلام العرب.

و الظّاهر أنّ قولهم:(اذنّاك)إنشاء،كقولك:

أقسمت لأضربنّ زيدا.و إن كان إخبارا سابقا؛فتكون إعادة السّؤال توبيخا لهم.(7:504)

الطّباطبائيّ: الإيذان:الإعلام.(17:401)

اذّن

وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ... الحجّ:27

ابن عبّاس: لمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له:

أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ قال:«ربّ و ما يبلغ صوتي؟ قال:أذّن و عليّ البلاغ،فنادى إبراهيم:أيّها النّاس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فحجّوا»،فسمعه ما بين السّماء و الأرض.أ فلا ترى النّاس يجيئون من أقصى الأرض يلبّون.(الطّبريّ 17:144)

لمّا بنى إبراهيم البيت أوحى اللّه إليه أن أذّن في النّاس بالحجّ،فقال إبراهيم:«ألا إنّ ربّكم قد اتّخذ بيتا و أمركم أن تحجّوه»فاستجاب له ما سمعه من شيء،من حجر و شجر و أكمة أو تراب أو شيء،«لبّيك اللّهمّ لبّيك».

مثله سعيد بن جبير.(الطّبريّ 17:144)

هل تدري كيف كانت التّلبية؟

قلت:و كيف كانت التّلبية؟

قال:إنّ إبراهيم لمّا أمر أن يؤذّن في النّاس بالحجّ، خفضت له الجبال رءوسها،و رفعت القرى،فأذّن في النّاس.(الطّبريّ 17:145)

مجاهد: قام إبراهيم على مقامه،فقال:يا أيّها النّاس أجيبوا ربّكم،فقالوا:«لبّيك اللّهمّ لبّيك».فمن حجّ اليوم فهو ممّن أجاب إبراهيم يومئذ.

(الطّبريّ 17:145)

ما حجّ إنسان و لا يحجّ أحد حتّى تقوم السّاعة إلاّ و قد أسمعه ذلك النّداء،فمن أجاب مرّة حجّ مرّة،و من أجاب مرّتين أو أكثر فالحجّ مرّتين أو أكثر على ذلك المقدار.(الفخر الرّازيّ 23:27)

الحسن: هو أمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يؤذّن للنّاس بالحجّ و يأمرهم به،و أنّه فعل ذلك في حجّة الوداع.

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 7:309)

الجبّائيّ: أمره اللّه تعالى أن يعلن التّلبية فيعلم

ص: 789

النّاس أنّه حاجّ،فيحجّوا معه.

و في قوله:(ياتوك)دلالة على أنّ المراد أن يحجّ فيقتدى به.(الفخر الرّازيّ 23:28)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:عهدنا إليه أيضا أن أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ، يعني بقوله:(و اذّن)أعلم و ناد في النّاس أن حجّوا أيّها النّاس بيت اللّه الحرام.

و ذكر أنّ إبراهيم صلوات اللّه عليه لمّا أمره اللّه بالتّأذين بالحجّ،قام على مقامه فنادى:يا أيّها النّاس إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ،فحجّوا بيته العتيق.(17:143)

الزّمخشريّ: ناد فيهم.و قرأ ابن محيصن(و اذن) و النّداء بالحجّ أن يقول:«حجّوا،أو عليكم بالحجّ».

و روي أنّه صعد أبا قبيس،فقال:«يا أيّها النّاس حجّوا بيت ربّكم».(3:11)

الطّبرسيّ: أي ناد في النّاس و أعلمهم بوجوب الحجّ.

و اختلف في المخاطب به على قولين:

أحدهما:أنّه إبراهيم،عن عليّ عليه السّلام و ابن عبّاس، و اختاره أبو مسلم.قال ابن عبّاس:قام في المقام فنادى:

يا أيّها النّاس إنّ اللّه دعاكم إلى الحجّ فأجيبوا ب«لبّيك اللّهمّ لبّيك».

و الثّاني:أنّ المخاطب به نبيّنا محمّد عليه أفضل الصّلوات،أي و أذّن يا محمّد في النّاس بالحجّ،فأذّن صلوات اللّه عليه في حجّة الوداع،أي أعلمهم بوجوب الحجّ،عن الحسن و الجبّائيّ.

و جمهور المفسّرين على القول الأوّل،و قالوا:أسمع اللّه تعالى صوت إبراهيم كلّ من سبق علمه،بأنّه يحجّ إلى يوم القيامة،كما أسمع سليمان-مع ارتفاع منزلته و كثرة جنوده حوله-صوت النّملة مع خفضه و سكونه.

و في رواية عطاء عن ابن عبّاس قال:لمّا أمر اللّه سبحانه إبراهيم أن ينادي في النّاس بالحجّ صعد أبا قبيس و وضع إصبعيه في اذنيه،و قال:«يا أيّها النّاس أجيبوا ربّكم»فأجابوه بالتّلبية في أصلاب الرّجال،و أوّل من أجابه أهل اليمن.(4:80)

الفخر الرّازيّ: قرأ ابن محيصن(و اذن)بمعنى أعلم.

في المأمور قولان:أحدهما-و عليه أكثر المفسّرين-:أنّه هو إبراهيم عليه السّلام.

قالوا:لمّا فرغ إبراهيم عليه السّلام من بناء البيت،قال سبحانه: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ.

قال:يا ربّ و ما يبلغ صوتي؟

قال:عليك الأذان و عليّ البلاغ.

فصعد إبراهيم عليه السّلام الصّفا،و في رواية أخرى أبا قبيس،و في رواية أخرى على المقام.قال إبراهيم:كيف أقول؟

قال جبريل عليه السّلام:قل:«لبّيك اللّهمّ لبّيك».

فهو أوّل من لبّى.

و في رواية أخرى:إنّه صعد الصّفا،فقال:يا أيّها النّاس إنّ اللّه كتب عليكم حجّ البيت العتيق،فسمعه ما بين السّماء و الأرض،فما بقي شيء سمع صوته إلاّ أقبل يلبّي،يقول:«لبّيك اللّهمّ لبّيك».

و في رواية أخرى:إنّ اللّه يدعوكم إلى حجّ البيت الحرام ليثيبكم به الجنّة و يخرجكم من النّار،فأجابه يومئذ من كان في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء،و كلّ

ص: 790

من وصل إليه صوته من حجر أو شجر و مدر و أكمة أو تراب.[و قال بعد نقل قول مجاهد و ابن عبّاس:]

قال القاضي عبد الجبّار:يبعد قولهم إنّه أجابه الصّخر و المدر،لأنّ الإعلام لا يكون إلاّ لمن يؤمر بالحجّ دون الجهاد،فأمّا من يسمع من أهل المشرق و المغرب نداءه فلا يمتنع إذا قوّاه اللّه تعالى و رفع الموانع،و مثل ذلك قد يجوز في زمان الأنبياء عليهم السّلام.

القول الثّاني:أنّ المأمور بقوله:(و اذّن)هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو قول الحسن،و اختيار أكثر المعتزلة.و احتجّوا عليه بأنّ ما جاء في القرآن و أمكن حمله على أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم هو المخاطب به فهو أولى،و تقدّم قوله: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26،لا يوجب أن يكون قوله:(و اذّن) يرجع إليه؛إذ قد بيّنّا أنّ معنى قوله: وَ إِذْ بَوَّأْنا أي و اذكر يا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم(اذ بوّأنا)فهو في حكم المذكور،فإذا قال تعالى:(و اذّن)فإليه يرجع الخطاب.و على هذا القول ذكروا في تفسير قوله تعالى:

(و اذّن)وجوها:

أحدها:أنّ اللّه تعالى أمر محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يعلم النّاس بالحجّ.

و ثانيها:[هو قول الجبّائيّ المتقدّم].

و ثالثها:أنّه ابتداء فرض الحجّ من اللّه تعالى للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(23:27)

نحوه القرطبيّ.(12:37)

أبو حيّان: قرأ الحسن و ابن محيصن(و اذن)بمدّة و تخفيف الذّال.

قال ابن عطيّة: و تصحّف هذا على ابن جنّي،فإنّه حكى عنهما(و اذّن)على فعل ماض،و أعرب على ذلك بأن جعله عطفا على(بوّأنا)انتهى.

و ليس بتصحيف،بل قد حكى أبو عبد اللّه الحسين ابن خالويه في شواذّ القراءات من جمعه،و صاحب «اللّوامح»أبو الفضل الرّازيّ ذلك عن الحسن و ابن محيصن.

قال صاحب«اللّوامح»: هو عطف على(و اذ بوّأنا) فيصير في الكلام تقديم و تأخير،و يصير(ياتوك)جزما على جواب الأمر الّذي هو(و طهّر)انتهى.(6:364)

الآلوسيّ: [نقل قول الحسن ثمّ قال:]

و هو خلاف الظّاهر جدّا و لا قرينة عليه.و قيل:

يأباه كون السّورة مكّيّة،و قد علمت ما فيه أوّلها.[ثمّ ذكر مثل أبي حيّان](17:143)

الطّباطبائيّ: أي:ناد النّاس بقصد البيت أو بعمل الحجّ،و الجملة معطوفة على قوله: لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً الحجّ:26،و المخاطب به إبراهيم.و ما قيل:إنّ المخاطب نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،بعيد من السّياق.(14:369)

مؤذّن

1- ...فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ... الأعراف:44

الإمام عليّ عليه السّلام:أنا ذلك المؤذّن.

(الكاشانيّ 2:198)

ابن عبّاس: صاحب الصّور عليه السّلام.(الآلوسيّ 8:123)

الإمام الرّضا عليه السّلام:المؤذّن أمير المؤمنين عليه السّلام.

(الكاشاني 2:197)

ابن قتيبة:أي نادى مناد بينهم.(168)

ص: 791

الطّبريّ:يقول:فنادى مناد،و أعلم معلم بينهم.

(8:187)

الطّوسيّ: معناه نادى مناد نداء أسمع الفريقين.

(4:438)

مثله الطّبرسيّ.(2:422)

الزّمخشريّ: هو ملك يأمره اللّه فينادي بينهم نداء يسمع أهل الجنّة و أهل النّار.(2:80)

الفخر الرّازيّ: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ ففيه مسألتان:

المسألة الأولى:معنى التّأذين في اللّغة النّداء و التّصويت بالإعلام،و الأذان للصّلاة:إعلام بها و بوقتها.و قالوا:في(فاذّن مؤذّن)نادى مناد أسمع الفريقين...

المسألة الثّانية:قوله:(بينهم)يحتمل أن يكون ظرفا لقوله:(اذّن)،و التّقدير:أنّ المؤذّن أوقع ذلك الأذان بينهم و في وسطهم،و يحتمل أن يكون صفة لقوله:

(مؤذّن)،و التّقدير:أنّ مؤذّنا من بينهم أذّن بذلك الأذان.و الأوّل أولى،و اللّه أعلم.(14:85)

القرطبيّ: أي نادى و صوّت،يعني من الملائكة (7:209)

أبو حيّان: أي فأعلم معلم.

قيل:هو إسرافيل صاحب الصّور.

و قيل:جبريل يسمع الفريقين تفريحا و تبريجا.

و قيل:ملك غير معيّن.

و دخل طاوس على هشام بن عبد الملك،فقال له:

احذر يوم الأذان،فقال:و ما يوم الأذان؟قال:يوم (فاذّن مؤذّن)الآية.فصعق هشام،فقال طاوس:هذا ذلّ الصّفة،فكيف ذلّ المعاينة.

و(بينهم)يحتمل أن يكون معمولا ل«أذّن»،و يحتمل أن يكون صفة ل«مؤذّن»،فالعامل فيه محذوف.

(4:301)

البروسويّ: فنادى مناد،و هو ملك ينادي من قبل اللّه تعالى نداء يسمعه كلّ واحد من أهل الجنّة و أهل النّار.(3:165)

الآلوسيّ: هو على ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنه«صاحب الصّور عليه السّلام»،و قيل:مالك خازن النّار.و قيل:ملك من الملائكة غيرهما،يأمره اللّه تعالى بذلك.

و رواية الإماميّة عن الرّضا[عليه السّلام]و ابن عبّاس أنّه عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،ممّا لم يثبت من طريق أهل السّنّة،و بعيد عن هذا الإمام أن يكون مؤذّنا،و هو إذ ذاك في حظائر القدس.(8:123)

رشيد رضا: التّأذين:رفع الصّوت بالإعلام بالشّيء.[إلى أن قال:]

و نكّر«المؤذّن»لأنّ معرفته غير مقصودة،بل المقصود الإعلام بما يقوله هنا لك،للتّخويف منه هنا،و لم يرو عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيه شيء،و هو من أمور الغيب الّتي لا تعلم علما صحيحا إلاّ بالتّوقيف المستند إلى الوحي،و لكن المعهود في أمور عالم الغيب و لا سيّما الآخرة أن يتولّى مثل ذلك فيها ملائكة اللّه عزّ و جلّ.[قال بعد نقل قول الآلوسيّ:]

و أقول:إنّ واضعي كتب الجرح و التّعديل لرواة الآثار لم يضعوها على قواعد المذاهب،و قد كان في أئمّتهم من يعدّ من شيعة عليّ[عليه السّلام]و آله كعبد الرّزّاق

ص: 792

و الحاكم،و ما منهم أحد إلاّ و قد عدّل كثيرا من الشّيعة في روايتهم.

فإذا ثبتت هذه الرّواية بسند صحيح قبلناها،و لا نرى كونه في حظائر القدس مانعا منها،و لو كنّا نعقل لإسناد هذا التّأذين إليه-كرّم اللّه وجهه-معنى يعدّ به فضيلة أو مثوبة عند اللّه تعالى لقبلنا الرّواية بما دون السّند الصّحيح،ما لم يكن موضوعا أو معارضا برواية أقوى سندا أو أصحّ متنا.(8:426)

الطّباطبائيّ: الأذان هو قوله: لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ الأعراف:44،و هو إعلام عامّ للفريقين.

و قد أبهم اللّه هذا الّذي يخبر عنه بقوله: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ و لم يعرّفه من هو؟أ من الإنس أم من الجنّ أم من الملائكة؟

لكن الّذي يقتضيه التّدبّر في كلامه تعالى أن يكون هذا المؤذّن من البشر لا من الجنّ و لا من الملائكة.

أمّا الجنّ فلم يذكر في شيء من تضاعيف كلامه تعالى أن يتصدّى الجنّ شيئا من التّوسّط في أمر الإنسان من لدن وروده في عالم الآخرة،و هو حين نزول الموت إلى أن يستقرّ في جنّة أو نار فيختم أمره،فلا موجب لاحتمال كونه من الجنّ.

و أمّا الملائكة فإنّهم وسائط لأمر اللّه و حملة لإرادته، بأيديهم إنفاذ الأوامر الإلهيّة،و بوساطتهم يجري ما قضى به في خلقه،و قد ذكر اللّه سبحانه أشياء من أمرهم و حكمهم في عالم الموت و في جنّة الآخرة و نارها،كقولهم للظّالمين حين القبض: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الأنعام:

93،و قولهم لأهل الجنّة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ النّحل:32،و قول مالك لأهل النّار: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ الزّخرف:77،و نظائر ذلك.

و أمّا المحشر-و هو حظيرة البعث و السّؤال و الشّهادة و تطاير الكتب و الوزن و الحساب و الظّرف الّذي فيه الحكم الفصل-فلم يذكر للملائكة فيه شيء من الحكم أو الأمر و النّهي،و لا لغيرهم صريحا إلاّ ما صرّح تعالى به في حقّ الإنسان،كقوله تعالى في أصحاب الأعراف في ذيل هذه الآيات حكاية عنهم: وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ الأعراف:46، و قولهم لجمع من المؤمنين هناك: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الأعراف:49،و هذا حكم و أمر و تأمين بإذن اللّه،و قوله تعالى فيما يصف يوم القيامة: قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ النّحل:27،و قوله تعالى بعد ذكر سؤاله أهل الجمع عن مدّة لبثهم في الأرض: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ الرّوم:56.

فهذه جهات من تصدّي الشّئون،و القيام بالأمر يوم القيامة حبا اللّه الإنسان به دون الملائكة،مضافا إلى أمثال الشّهادة و الشّفاعة اللّتين له.

فهذا كلّه يقرّب إلى الذّهن أن يكون هذا المؤذّن من الإنسان دون الملائكة(8:120)

عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام:المؤذّن:

أمير المؤمنين عليه السّلام.

[و نقل في معناه روايات كثيرة،و نقل كلام الآلوسيّ و رشيد رضا،ثمّ قال:]

و لقد أجاد[رشيد رضا]فيما أفاد،غير أنّ الآحاد

ص: 793

من الرّوايات لا تكون حجّة عندنا،إلاّ إذا كانت محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم،أعني الوثوق التّامّ الشّخصيّ سواء كانت في أصول الدّين أو التّاريخ أو الفضائل أو غيرها، إلاّ في الفقه،فإنّ الوثوق النّوعي كاف في حجّيّة الرّواية، كلّ ذلك بعد عدم مخالفة الكتاب.و التّفصيل موكول إلى فنّ أصول الفقه.

و أمّا كون هذا التّأذين فضيلة فلا ينبغي الارتياب فيه،و ليعتبر التّأذين الأخرويّ بالتّأذين الدّنيويّ.

فالتّأذين هو إعلام الحكم من قبل صاحبه ليستقرّ على المحكومين.فالمؤذّن هو الرّابطة يربط صاحب الحكم بالمحكومين بتقرير حكمه عليه،و الرّابطة في شرفها و خسّتها تتبع الطّرفين،و من الواضح أنّ الطّرف إذا كان هو اللّه عزّ اسمه كان في ذلك من الشّرف و الكرامة ما لا يعادله شيء،كما في وساطة إبراهيم عن اللّه سبحانه في قوله: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:27،و وساطة عليّ عليه السّلام في إبلاغ آيات البراءة: وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ التّوبة:3،هذا في الأذان و الإعلام التّشريعيّ الّذي يستقرّ به حكم الحاكم على المحكومين به.

و أمّا الأذان غير التّشريعيّ كما في أذان يوم القيامة أَنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ ففيه استقرار البعد التّامّ و اللّعن المطلق الدّائم على الظّالمين،بعد إشهادهم حقيقة الوعد الإلهيّ الّذي بلغهم منه تعالى من طريق أنبيائه و رسله،و فيه تثبيت ما في ظهور حقائق الوعد و الوعيد للظّالمين من النّتيجة العائدة إليهم.فافهم ذلك و لا يهوننّ عليك أمر الحقائق،و لا تساهل في البحث عنها إن كنت ذا قدم فيه.

و هذا هو الّذي يشير إليه عليّ عليه السّلام نفسه فيما مرّ من خطبته؛إذ قال:«و أنا المؤذّن في الدّنيا و الآخرة».

و الرّواية كما تقدّم مرويّة بطرق متعدّدة من الشّيعة عن عليّ و الباقر و الرّضا عليهم السّلام،و من طرق أهل السّنّة ما رواه الحاكم بإسناده عن ابن الحنفيّة عن عليّ عليه السّلام، و بإسناده عن أبي صالح عن ابن عبّاس.و الرّجل جيّد الرّواية ضابط في الحديث ينقل في التّفاسير الرّوائيّة و غيرها رواياته في التّفسير،لكنّهم لم يذكروا روايته هذه حتّى مثل السّيوطيّ الّذي يستوفي في«الدّرّ المنثور» ما رواه في التّفسير ترك ذكر الحديث،و ما أدري ما هو السّبب فيه؟(8:139،141)

2- ...ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ.

يوسف:70

الطّبريّ: يقول:ثمّ نادى مناد،و قيل:أعلم معلم.

(13:17)

الطّوسيّ: أي نادى مناد.

و الإيذان:الإعلام بقول يسمع بالأذن.و مثله الإذن؛و الإذن:الإطلاق في الفعل بقول يسمع بالأذن.

(6:169)

الزّمخشريّ: ثمّ نادى مناد.يقال:آذنه:أعلمه، و أذّن:أكثر الإعلام،و منه المؤذّن،لكثرة ذلك منه.

روي أنّهم ارتحلوا،و أمهلهم يوسف حتّى انطلقوا، ثمّ أمر بهم فأدركوا و حبسوا،ثمّ قيل لهم ذلك.

(2:334)

ص: 794

مثله أبو حيّان.(5:329)

الطّبرسيّ: أي نادى مناد مسمعا معلما.

(3:252)

الآلوسيّ: نادى مسمع،كما في«مجمع البيان».و في «الكشّاف»و غيره:نادى مناد.

و أورد عليه أنّ النّحاة قالوا:لا يقال:قام قائم،لأنّه لا فائدة فيه.

و أجيب بأنّهم أرادوا أنّ ذلك المنادي من شأنه الإعلام بما نادى به،بمعنى أنّه موصوف بصفة مقدّرة تتمّ بها الفائدة،أي أذّن رجل معيّن للأذان.(13:24)

المراغيّ: أي و قد افتقد فتيانه السّقاية،لأنّها الصّواع الّذي يكيلون به للممتارين فلم يجدوها،فأذّن مؤذّنهم بذلك،أي كرّر النّداء به،كدأب الّذين ينشدون المفقود في كلّ زمان و مكان.(13:20)

اذان

وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ... التّوبة:3

الإمام عليّ عليه السّلام: كنت أنا الأذان[ظ،الآذن]في النّاس.(العروسيّ 2:183)

ابن زيد: إعلام من اللّه و رسوله.و رفع قوله:

بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ كأنّه قال:هذه براءة من اللّه و رسوله، و أذان من اللّه.(الطّبريّ 10:67)

مثله الزّجّاج،و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:199)

أبو عبيدة: مجازه و علم من اللّه،و هو مصدر و اسم من قولهم:آذنتهم،أي أعلمتهم.يقال أيضا:أذين و إذن.(1:252)

2Lابن قتيبة: أي إعلام،و منه أذان الصّلاة،إنّما هو إعلام بها،يقال:آذنتهم إيذانا فأذنوا إذنا.و الأذن:

اسم مبنيّ منه.(182)

السّجستانيّ: إعلام من اللّه،و الأذان و التّأذين و الإيذان:الإعلام،و أصله من الأذن،يقال:آذنتك بالأمر،تريد أوقعته في أذنك.(12)

الأزهريّ: أي إعلام،يقال:آذنته أوذنه إيذانا و أذانا.

فالأذان:اسم يقوم مقام الإيذان،و هو المصدر الحقيقيّ.(15:17)

الطّوسيّ: تقول:آذنني فلان كذا فأذنت،أي أعلمني فعلمت.

و قال بعضهم: معناه النّداء الّذي يسمع بالأذن.

و قيل:معناه عليكم أذان،لأنّ فيه معنى الأمر.

(5:199)

الزّمخشريّ: (اذان)ارتفاعه كارتفاع(براءة)على الوجهين[خبر مبتدإ محذوف أي هذه أذان أو مبتدأ لتخصيصها بصفتها و الخبر(الى النّاس)]،ثمّ الجملة معطوفة على مثلها،و لا وجه لقول من قال:إنّه معطوف على(براءة)،كما لا يقال:عمرو معطوف على زيد،في قولك:زيد قائم و عمرو قاعد.

و الأذان بمعنى الإيذان،و هو الإعلام،كما أنّ الأمان و العطاء بمعنى الإيمان و الإعطاء.

فإن قلت:أيّ فرق بين معنى الجملة الأولى و الثّانية؟

قلت:تلك إخبار بثبوت البراءة،و هذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت.

ص: 795

فإن قلت:لم علّقت البراءة بالّذين عوهدوا من المشركين،و علّق الأذان بالنّاس؟

قلت:لأنّ البراءة مختصّة بالمعاهدين و النّاكثين منهم،و أمّا الأذان فعامّ لجميع النّاس من عاهد و من لم يعاهد،و من نكث من المعاهدين و من لم ينكث.

(2:173)

الطّبرسيّ:معناه و إعلام،و فيه معنى الأمر،أي أذّنوا النّاس.(3:5)

تاذّن

1- وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ... الأعراف:167

ابن عبّاس: قال ربّك.(الخازن 2:250)

مثله مجاهد.(1:249)

مجاهد: أمر ربّك.(الطّبريّ 9:102)

الحسن: تأذّن:أعلم،من الأذان،و هو الإعلام.

مثله ابن قتيبة،و الزّجّاج،و الفارسيّ.(أبو حيّان 4:413)و الطّباطبائيّ(8:296).

عطاء: تأذّن:حتم.(أبو حيّان 4:413)

حكم ربّك.(الخازن 2:250)

سيبويه: أذّن:أعلم،و أذّن:نادى و صاح للإعلام،و منه فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ الأعراف:44، و مثله(تاذّن).(المراغيّ 9:96)

قطرب: و عد.(أبو حيّان 4:414)

أبو عبيدة: مجازه:و(تأذّن ربّك)،مجازه:أمر، و هو من الإذن،و أحلّ و حرّم و نهى.(1:231)

أخبر،و هو راجع لمعنى أعلم.(أبو حيّان 4:414)

ابن قتيبة: أي أعلم،و هو من آذنتك بالأمر.

(174)

الطّبريّ: و اذكر يا محمّد إذ أذّن ربّك فأعلم،و هو تفعّل من الإيذان.[ثمّ استشهد بشعر](9:102)

نحوه الطّوسيّ.(5:21)

الزّجّاج: معنى(تاذّن)تألّى ربّك ليبعثنّ.

(الطّوسيّ 5:21)

أقسم.(أبو حيّان 4:414)

الأزهريّ: أي أعلم،و هو واقع مثل توعّد.

و يجوز أن يكون«تفعّل»من قولك:«تأذّن»،كما يقال:تعلّم،بمعنى أعلم.(15:19)

الميبديّ: أي آذن،و معناه أعلم.تفعّل و أفعل بمعنى واحد،كتوعّده و أوعده،و ترضّاه و أرضاه، و تيقّنه و أيقنه.

و قيل:(تأذّن)أمر من الإذن،و قيل:حكم،و قيل:

أخبر،و قيل:وعد،و قيل:حلف.(3:774)

الزّمخشريّ: عزم ربّك،و هو تفعّل من الإيذان، و هو الإعلام،لأنّ العازم على الأمر يحدّث نفسه به و يؤذنها بفعله.و أجري مجرى فعل القسم،كعلم اللّه و شهد اللّه،و لذلك أجيب بما يجاب به القسم،و هو قوله:

(ليبعثنّ)،و المعنى و إذ حتم ربّك و كتب على نفسه (ليبعثنّ)على اليهود.(2:127)

نحوه النّيسابوري(9:74)،و البيضاويّ(1:375).

ابن عطيّة: بنية«تأذّن»،هي الّتي تقتضي التّكسّب من«أذن»أي علم و مكن.فإذا كان مسندا إلى

ص: 796

غير اللّه لحقه معنى التّكسّب الّذي يلحق المحدثين،و إلى اللّه كان بمعنى«علم»صفة لا مكتسبة بل قائمة بالذّات، فالمعنى و إذا علم اللّه ليبعثنّ.

و يقتضي قوّة الكلام أنّ ذلك العلم منه مقترن بإنفاذ و إمضاء،كما تقول في أمر قد عزمت عليه غاية العزم:

علم اللّه لأبعثنّ كذا.(أبو حيّان 4:414)

الطّبرسيّ: معناه و اذكر يا محمّد إذ أذّن و أعلم ربّك،فإنّ«تأذّن و أذّن»بمعنى.

و قيل:معناه تألّى ربّك،أي أقسم القسم الّذي يسمع بالأذن.(2:494)

ابن شهرآشوب: قوله تعالى: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ أي قال قولا يسمع بالأذن،و لا يريد بذلك أنّه أصغى بالأذن إلى قول.[ثمّ استشهد بشعر](1:77)

الفخر الرّازيّ: أذّن:نادى و صاح للإعلام،و منه قوله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ الأعراف:44، و قوله:(تاذّن)بمعنى أذّن،أي أعلم.

و لفظة«تفعّل»هاهنا ليس معناه أنّه أظهر شيئا ليس فيه بل معناه«فعّل»فقوله:(تاذّن)بمعنى أذّن،كما في قوله: سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ يونس:18، معناه علا و ارتفع،لا بمعنى أنّه أظهر من نفسه العلوّ،و إن لم يحصل ذلك فيه.(15:41)

القرطبيّ: أي أعلم أسلافهم أنّهم إن غيّروا و لم يؤمنوا بالنّبيّ الأمّيّ بعث اللّه عليهم من يعذّبهم.

و قال أبو عليّ:«اذن»بالمدّ:أعلم.و«أذّن» بالتّشديد:نادى.

و قال قوم:«آذن و أذّن»بمعنى أعلم،كما يقال:أيقن و تيقّن.[ثمّ استشهد بشعر](7:309)

الكاشانيّ: تفعّل،من الإيذان بمعنى الإعلام،أو العزم و الإقسام،معناه و اذكر إذ أعلم أو عزم ربّك و أقسم.(2:248)

البروسويّ: بمعنى آذن،مثل توعّد بمعنى أوعد.

و الإيذان:الإعلام،و بمعنى عزم،لأنّ من عزم على الأمر و صمّم نيّته عليه يحدّث به نفسه،و يؤذنها بفعله.

و عزم اللّه تعالى على الأمر عبارة عن تقرّر ذلك الأمر في علمه و تعلّق إرادته بوقوعه في الوقت المقدّر له.

و المعنى و اذكر يا محمّد لليهود وقت إيجابه تعالى على نفسه.(ليبعثنّ)(3:267)

الآلوسيّ: (تاذّن)تفعّل،من الإذن،و هو بمعنى آذن،أي أعلم.و التّفعّل يجيء بمعنى الإفعال،كالتّوعّد و الإيعاد.و إلى هذا يؤول ما روي عن ابن عبّاس من أنّ المعنى:قال ربّك.و فسّره بعضهم ب«عزم»و هو كناية عنه أو مجاز،لأنّ العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل و التّرك ثمّ يجزم،فهو يطلب من النّفس الإذن فيه.

و في«الكشف»:لو جعل بمعنى«الاستئذان»دون «الإيذان»كأنّه يطلب الإذن من نفسه لكان وجها؛ و حيث جعل بمعنى«عزم»و كان العازم جازما،فسّر «عزم»ب«جزم»و«قضى»،فأفاد التّأكيد،فلذا أجري مجرى القسم،و أجيب بما يجاب به و هو هنا(ليبعثنّ).

(9:94)

2- وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ .إبراهيم:7

ص: 797

ابن مسعود: كان يقرأ (و اذ قال ربّكم) .

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 13:185)

الحسن: أي أعلمكم،و قد يستعمل تفعّل بمعنى أفعل،كقولهم:أوعدته و توعّدته.(الطّوسيّ 6:276)

مثله الفرّاء.(2:69)

أبو عبيدة: مجازه:آذنكم ربّكم،و(إذ)من حروف الزّوائد،و(تأذّن)تفعّل،من قولهم:آذنته.

(1:335)

الطّبريّ: و اذكروا أيضا حين آذنكم ربّكم.

و(تاذّن)تفعّل،من أذن.و العرب ربّما وضعت «تفعّل»موضع«أفعل»،كما قالوا:أوعدته و توعّدته بمعنى واحد،و آذن:أعلم.[ثمّ استشهد بشعر]

(13:185)

الزّمخشريّ: معنى(تاذّن ربّكم)آذن ربّكم، و نظير تأذّن و آذن توعّد و أوعد و تفضّل و أفضل.

و لا بدّ في«تفعّل»من زيادة معنى ليس في«أفعل»، كأنّه قيل:و إذ آذن ربّكم إيذانا بليغا تنتفي عنده الشّكوك و تنزاح الشّبه،و المعنى(و اذ تاذّن ربّكم)فقال:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ

أو أجري(تاذّن)مجرى«قال»،لأنّه ضرب من القول.(2:368)

مثله الفخر الرّازيّ.(19:85)

البيضاويّ: (تاذّن)بمعنى آذن،كتوعّد و أوعد، غير أنّه أبلغ لما في«التّفعّل»من معنى التّكلّف و المبالغة.

(1:525)

نحوه أبو السّعود(3:118)،و الآلوسيّ(13:190).

عزّة دروزة:قطع على نفسه عهدا.(6:131)

يستاذنك

لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ...

التّوبة:44

ابن عبّاس: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد من غير عذر،و عذّر اللّه المؤمنين، فقال: لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ النّور:62.

(الطّبريّ 10:143)

الطّبريّ: يا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لا تأذننّ في التّخلّف عنك إذا خرجت لغزو عدوّك لمن استأذنك في التّخلّف من غير عذر،فإنّه لا يستأذنك في ذلك إلاّ منافق،لا يؤمن باللّه و اليوم الآخر،فأمّا الّذي يصدّق باللّه و يقرّ بوحدانيّته و بالبعث و الدّار الآخرة و الثّواب و العقاب،فإنّه لا يستأذنك في ترك الغزو و جهاد أعداء اللّه بماله و نفسه.(10:143)

نحوه الطّوسيّ(5:264)،و الفخر الرّازيّ(16:72).

أبو مسلم الأصفهانيّ:لا يستأذنك في الخروج، لأنّه مستغن عنه بدعائك إلى ذلك،بل يتأهّب له.

(الطّبرسيّ 3:34)

الزّمخشريّ: ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا،و كان الخلّص من المهاجرين و الأنصار يقولون:لا نستأذن النّبيّ أبدا،و لنجاهدنّ أبدا معه بأموالنا و أنفسنا.(2:192)

الطّبرسيّ:أي لا يطلب منك الإذن في القعود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة.(3:34)

ص: 798

الآلوسيّ: تنبيه على أنّه ينبغي أن يستدلّ عليه السّلام باستئذانهم على حالهم و لا يأذن لهم،أي ليس من شأن المؤمنين و عادتهم أن يستأذنوك في أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فإنّ الخلّص منهم يبادرون إليه من غير توقّف على الإذن،فضلا عن أن يستأذنوك في التّخلّف عنه.

و نفي العادة مستفاد من نفي الفعل المستقبل الدّالّ على الاستمرار،نحو:فلان يقري الضّيف و يحمى الحريم،فالكلام محمول على نفي الاستمرار،و لو حمل على استمرار النّفي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون، فيكون المعنى عادتهم عدم الاستئذان،لم يبعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّز أن يكون متعلّق الاستئذان محذوفا،و(ان يجاهدوا)بتقدير كراهة أن يجاهدوا.و المحذوف قيل:

التّخلّف عليه،و المعنى لا يستأذنك المؤمنون في التّخلّف كراهة الجهاد.و النّفي متوجّه للاستئذان و الكراهة معا.

و قال بعض:إنّه متوجّه إلى القيد،و به يمتاز المؤمن من المنافق،و هو و إن كان في نفسه أمرا خفيّا لا يوقف عليه بادئ الأمر،لكن عامّة أحوالهم لمّا كانت منبئة عن ذلك جعل أمرا ظاهرا مقرّرا.

و قيل:الجهاد،أي لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد كراهة أن يجاهدوا.و تعقّب بأنّه مبنيّ على أنّ الاستئذان في الجهاد ربما يكون لكراهة،و لا يخفى أنّ الاستئذان في الشّيء لكراهته ممّا لا يقع بل لا يعقل،و لو سلّم وقوعه فالاستئذان لعلّة الكراهة ممّا لا يمتاز بحسب الظّاهر من الاستئذان لعلّة الرّغبة لو سلّم،فالّذي نفي عن المؤمنين يجب أن يثبت للمنافقين.و ظاهر أنّهم لم يستأذنوا في الجهاد لكراهتهم له،بل إنّما استأذنوا في التّخلّف،فتدبّر.

(10:110)

ليستاذنكم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ... النّور:58

ابن عبّاس: الآية في النّساء و الرّجال من العبيد.

(الطّوسيّ 7:460)

معناه مروا عبيدكم و إماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدّخول إلى مواضع خلواتكم.

(الطّبرسيّ 4:154)

مجاهد: عني به الذّكور دون الإناث،لأنّ قوله:

اَلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ صيغة الذّكور لا صيغة الإناث.

مثله ابن عمر.(الفخر الرّازيّ 24:29)

الإمام الباقر عليه السّلام: أراد العبيد خاصّة.

(الطّبرسيّ 4:154)

الجبّائيّ: الاستئذان واجب على كلّ بالغ في كلّ حال،و يجب على الأطفال في هذه الأوقات الثّلاثة بظاهر هذه الآية.(الطّوسيّ 7:460)

الطّوسيّ: قال قوم:في ذلك دلالة على أنّه يجوز أن يؤمر الصّبيّ الّذي يعقل،لأنّه أمره بالاستئذان.

و قال آخرون:ذلك أمر للآباء أن يأخذوا الأولاد

ص: 799

بذلك.فظاهر الآية يدلّ على وجوب الاستئذان ثلاث مرّات في ثلاثة أوقات من ساعات اللّيل و النّهار.

(7:460)

مثله الطّبرسيّ.(4:154)

الزّمخشريّ: أمر بأن يستأذن العبيد.

و قيل:العبيد و الإماء و الأطفال الّذين لم يحتلموا من الأحرار.(3:74)

الفخر الرّازيّ: إن أريد به العبيد و الإماء إذا كانوا بالغين،فغير ممتنع أن يكون أمرا لهم في الحقيقة،و إن أريد الّذين لم يبلغوا الحلم لم يجز أن يكون أمرا لهم، و يجب أن يكون أمرا لنا بأن نأمرهم بذلك و نبعثهم عليه، كما أمرنا بأمر الصّبيّ-و قد عقل الصّلاة-أن يفعلها،لا على وجه التّكليف لهم،لكنّه تكليف لنا لما فيه من المصلحة لنا و لهم بعد البلوغ.و لا يبعد أن يكون لفظ الأمر و إن كان في الظّاهر متوجّها عليهم إلاّ أنّه يكون في الحقيقة متوجّها على المولى،كقولك للرّجل:ليخفك أهلك و ولدك.فظاهر الأمر لهم،و حقيقة الأمر له بفعل ما يخافون عنده.[قال بعد نقل قول ابن عبّاس و مجاهد و ابن عمر:]

و الصّحيح أنّه يجب إثبات هذا الحكم في النّساء، لأنّ الإنسان كما يكره اطّلاع الذّكور على أحواله فقد يكره أيضا اطّلاع النّساء عليها،و لكن الحكم يثبت في النّساء بالقياس لا بظاهر اللّفظ على ما قدّمناه.

من العلماء من قال:الأمر في قوله: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ على النّدب و الاستحباب،و منهم من قال:إنّه على الإيجاب،و هذا أولى،لما ثبت أنّ ظاهر الأمر للوجوب.

(24:28)

القرطبيّ: اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى:

لِيَسْتَأْذِنْكُمُ على ستّة أقوال:

الأوّل:أنّها منسوخة،قاله ابن المسيّب و ابن جبير.

الثّاني:أنّها ندب غير واجبة،قاله أبو قلابة،قال:

إنّما أمروا بهذا نظرا لهم.

الثّالث:عنى بها النّساء،قاله أبو عبد الرّحمن السّلميّ.

الرّابع:هي في الرّجال دون النّساء،قاله ابن عمر.

الخامس:كان ذلك واجبا؛إذ كانوا لا غلق لهم و لا أبواب،و لو عاد الحال لعاد الوجوب،حكاه المهدويّ عن ابن عبّاس.

السّادس:أنّها محكمة واجبة ثابتة على الرّجال و النّساء،و هو قول أكثر أهل العلم،منهم القاسم، و جابر بن زيد،و الشّعبيّ.

و أضعفها قول السّلميّ،لأنّ(الّذين)لا يكون للنّساء في كلام العرب،إنّما يكون للنّساء«اللاّتي و اللّواتي».

و قول ابن عمر:يستحسنه أهل النّظر،لأنّ(الّذين) للرّجال في كلام العرب،و إن كان يجوز أن يدخل معهم النّساء،فإنّما يقع ذلك بدليل،و الكلام على ظاهره.

(12:302)

البروسويّ: هذه اللاّم لام الأمر،و الاستئذان:

طلب الإذن،و الإذن في الشّيء:إعلام بإجازته و الرّخصة فيه.(6:175)

الآلوسيّ:إنّ الأمر في قوله سبحانه:

لِيَسْتَأْذِنْكُمُ و إن كان في الظّاهر للمملوكين و الصّبيان

ص: 800

لكنّه في الحقيقة للمخاطبين،فكأنّهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان،و بهذا ينحلّ ما قيل:كيف يأمر اللّه عزّ و جلّ من لم يبلغ الحلم بالاستئذان و هو تكليف، و لا تكليف قبل البلوغ؟و حاصله أنّ اللّه تعالى لم يأمره حقيقة و إنّما أمر سبحانه الكبير أن يأمره بذلك،كما أمره أن يأمره بالصّلاة.

و قيل:الأمر للبالغين من المذكورين على الحقيقة، و لغيرهم على وجه التّأديب.

و قيل:هو للجميع على الحقيقة،و التّكليف يعتمد التّمييز و لا يتوقّف على البلوغ،فالمراد ب(الّذين لم يبلغوا الحلم)المميّزون من الصّغار،و هو كما ترى.

و اختلف في هذا الأمر فذهب بعض إلى أنّه للوجوب،و ذهب الجمهور إلى أنّه للنّدب.و على القولين هو محكم على الصّحيح.(18:210)

الطّباطبائيّ: أي مروهم أن يستأذنوكم للدّخول.و ظاهر اَلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ العبيد دون الإماء،و إن كان اللّفظ لا يأبى عن العموم بعناية التّغليب.(15:163)

فليستاذنوا

وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... النّور:59

ابن مسعود: عليكم أن تستأذنوا على آبائكم و أمّهاتكم و أخواتكم.(الآلوسيّ 18:216)

ابن عبّاس: عن عطاء أنّه سأل ابن عبّاس رضي اللّه عنه:أ أستأذن على أختي؟

قال:نعم.

قلت:إنّها في حجري،و أنا أنفق عليها و إنّها معي في البيت،أ أستأذن عليها؟

قال:نعم،إنّ اللّه تعالى يقول: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ النّور:58،فلم يأمر هؤلاء بالاستئذان إلاّ في العورات الثّلاث.

و قال تعالى: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فالإذن واجب على خلق اللّه تعالى أجمعين.

و روي عنه رضي اللّه عنه أنّه قال:آية لا يؤمن بها أكثر النّاس آية الإذن،و إنّي لآمر جارتي-يعني زوجته- أن تستأذن عليّ.(الآلوسيّ 18:216)

الطّوسيّ: يعني يرتفع من دخوله بغير إذن إذا بلغ، و صار حكمه حكم الرّجال في وجوب الاستئذان على كلّ حال.(7:461)

الفخر الرّازيّ: الأمر بالاستئذان هل هو مختصّ بالمملوك و من لم يبغ الحلم،أو يتناول الكلّ من ذوي الرّحم؟و الأجنبيّ أيضا لو كان المملوك من ذوي الرّحم هل يجب عليه الاستئذان؟

الجواب:أمّا الصورة الأولى فنعم،إمّا لعموم قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا أو بالقياس على المملوك،و من لم يبلغ الحلم بطريق الأولى.

و أمّا الصّورة الثّانية فيجب عليه الاستئذان لعموم الآية.(24:33)

القرطبيّ: إنّ الأطفال أمروا بالاستئذان في

ص: 801

الأوقات الثّلاثة المذكورة،و أبيح لهم الأمر في غير ذلك، كما ذكرنا.

ثمّ أمر اللّه تعالى في هذه الآية أن يكونوا إذا بلغوا الحلم على حكم الرّجال في الاستئذان في كلّ وقت.

و هذا بيان من اللّه عزّ و جلّ لأحكامه و إيضاح حلاله و حرامه.و قال: فَلْيَسْتَأْذِنُوا و لم يقل:فليستأذنوكم و قال في الأولى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ النّور:58،لأنّ الأطفال غير مخاطبين و لا متعبّدين.(12:308)

الآلوسيّ: فَلْيَسْتَأْذِنُوا إذا أرادوا الدّخول عليكم. كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي الّذين ذكروا من قبلهم في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها النّور:27.

و جوّز أن تكون القبليّة باعتبار الوصف لا باعتبار الذّكر في النّظم الجليل،بقرينة ذكر البلوغ و حكم الطّفوليّة،أي الّذين بلغوا من قبلهم.و زعم بعضهم أنّه أظهر.

و تعقّب بأنّ المراد بالتّشبيه بيان كيفيّة استئذان هؤلاء و زيادة إيضاحه،و لا يتسنّى ذلك إلاّ بتشبيهه باستئذان المعهودين عند السّامع.

و لا ريب في أنّ بلوغهم قبل بلوغ هؤلاء ممّا لا يخطر ببال أحد،و إن كان الأمر كذلك في الواقع،و إنّما المعهود المعروف ذكرهم قبل ذكرهم،فالمعنى فليستأذنوا استئذانا كائنا مثل استئذان المذكورين قبلهم،بأن يستأذنوا في جميع الأوقات،و يرجعوا إن قيل لهم:

ارجعوا،حسبما فصّل فيما سلف.

و كون المراد بالأطفال الأطفال الأحرار الأجانب، قد ذهب إليه غير واحد.

و قال بعض الأجلّة:المراد بهم ما يعمّ الأحرار و المماليك،فيجب الاستئذان على من بلغ من الفريقين، و أوجب هذا استئذان العبد البالغ على سيّدته لهذه الآية.

و نقل عن بعضهم أنّ وجوب الاستئذان المستفاد من الأمر الدّالّ عليه في الآية منسوخ،و أنكر ذلك سعيد بن جبير،روي عنه يقولون:هي منسوخة،لا و اللّه ما هي منسوخة،و لكن النّاس تهاونوا بها.

و عن الشّعبيّ:ليست منسوخة.فقيل له:إنّ النّاس لا يعملون بها،فقال:اللّه تعالى المستعان.

و قيل:ذلك مخصوص بعدم الرّضا و عدم باب يغلق، كما كان في العصر الأوّل.(18:215)

المراغيّ: أي و إذا بلغ الصّغار من أولادكم و أقربائكم الأحرار سنّ الاحتلام و هو خمس عشرة سنة،فلا يدخلوا عليكم في كلّ حين إلاّ بإذن،لا في أوقات العورات الثّلاث و لا في غيرها،كما استأذن الكبار من ولد الرّجل و أقاربه.(18:132)

اذن

1- وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ... التّوبة:61

ابن عبّاس: يقولون:هو صاحب أذن يصغى إلى كلّ أحد.

مثله قتادة،و مجاهد،و الضّحّاك.

(الجصّاص 3:142)

ص: 802

يسمع من كلّ أحد.(الطّبريّ 10:168)

مثله السّيوطيّ.(2:18)

مجاهد: يقولون:سنقول ما شئنا،ثمّ نحلف له فيصدّقنا.(1:283)

قتادة: كانوا يقولون:إنّما محمّد أذن لا يحدّث عنّا شيئا،إلاّ هو أذن يسمع ما يقال له.

(الطّبريّ 10:169)

الأخفش: أي هو أذن خير لا أذن شرّ.

و قال بعضهم: (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) و الأولى أحسنهما، لأنّك لو قلت:(هو اذن خير لكم)لم يكن في حسن(هو اذن خير لكم)و هذا جائز،على أن تجعل(لكم)صفة «الأذن».(2:556)

ابن قتيبة: أي يقبل كلّ ما بلغه.و الأصل أنّ الأذن هي السّامعة،فقيل لكلّ من صدّق بكلّ خبر يسمعه:

أذن،و منه يقال:آذنتك بالأمر فأذنت،كما تقول:

أعلمتك فعلمت،إنّما هو أوقعته في أذنك.

(تأويل مشكل القرآن:182)

نحوه السّجستانيّ.(79)

الطّبريّ: يقولون:هو أذن سامعة،يسمع من كلّ أحد ما يقول،فيقبله و يصدّقه،و هو من قولهم:رجل أذنة مثل فعلة،إذا كان يسرع الاستماع و القبول،كما يقال:هو يقن و يقن،إذا كان ذا يقين بكلّ ما حدّث.

و أصله من:أذن له يأذن،إذا استمع له.

و اختلف القرّاء في قراءة قوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ بإضافة الأذن إلى الخير،يعني قل لهم يا محمّد:هو أذن خير،لا أذن شرّ.

و ذكر عن الحسن البصريّ أنّه قرأ ذلك (قل اذن خير لكم) بتنوين(أذن)،و يصير(خير)خبرا له،بمعنى قل:من يسمع منكم أيّها المنافقون ما تقولون و يصدّقكم؟إن كان محمّد كما وصفتموه-من أنّكم إذا آذيتموه فأنكرتم ما ذكر له عنكم من أذاكم إيّاه و عيبكم له،سمع منكم و صدّقكم-،خير لكم من أن يكذّبكم، و لا يقبل منكم ما تقولون،ثمّ كذّبهم فقال:بل لا يقبل إلاّ من المؤمنين،يؤمن باللّه،و يؤمن للمؤمنين.

و الصّواب من القراءة عندي في ذلك قراءة من قرأ (قل اذن خير لكم) بإضافة«الأذن»إلى الخير،و خفض الخير،يعني قل:هو أذن خير لكم،لا أذن شرّ.

(10:168)

الأزهريّ: أي يأذن لما يقال له،أي يستمع فيقبل.

قوله:(هو اذن)أرادوا أنّه متى بلغه عنّا أنّا تناولناه بسوء أنكرنا ذلك و حلفنا عليه،فيقبل ذلك؛لأنّه أذن.

و يقال:السّلطان أذن.(15:19)

الجصّاص: قيل:إنّ أصله من أذن يأذن،إذا سمع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و معناه أذن صلاح لكم،لا أذن شرّ.(3:142)

الفارسيّ: تخفيف أذن من أذن قياس مطّرد،نحو طنب و طنب،و عنق و عنق،و ظفر و ظفر،لأنّ ذلك تخفيف و تثقيل لاتّفاقهما في الوزن و في جمع التّكسير، تقول:آذان و أطناب و أعناق و أظفار.

فأمّا الأذن في الآية فإنّه يجوز أن يطلق على الجملة

ص: 803

و إن كان عبارة عن جارحة فيها،و يجوز أن يكون فعلا من أذن يأذن،إذا استمع.(الطّوسيّ 5:286)

مثله الطّبرسيّ.(3:43)

أبو زرعة: قرأ نافع (قل هو اذن) بإسكان الذّال في كلّ القرآن،كأنّه استثقل ثلاث ضمّات فسكّن.و قرأ الباقون بضمّ الذّال على أصل الكلمة.

قرأ أبو بكر في رواية الأعشى (قل هو اذن) منوّن (خير لكم) بالرّفع و التّنوين،المعنى:قل يا محمّد:فمن يستمع منكم و يكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم.

و قرأ الباقون (أُذُنُ خَيْرٍ) بالإضافة،و هو نفي لما قالوه،المعنى أذن خير لا أذن شرّ،أي مستمع خير.

ثمّ بيّن ممّن يقبل،فقال: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يسمع ما ينزله اللّه عليه،فيصدّق به و يصدّق المؤمنين فيما يخبرونه،و لا يصدّق المنافقين.

(319)

نحوه القرطبيّ.(8:192)

الطّوسيّ: المعنى في الإضافة:مستمع خير لكم و صلاح و مصغ إليه،لا مستمع شرّ و فساد.

و من رفع(رحمة)فالمعنى فيه أذن خير و رحمة،أي مستمع خير و رحمة.فجعله للرّحمة لكثرة هذا المعنى فيه،كما قال: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:107.و يجوز أن يقدّر حذف المضاف من المصدر.

و أمّا من جرّ فعطفه على(خير)كأنّه قال:أذن خير و رحمة،و تقديره:مستمع خير و رحمة.و جاز هذا كما جاز مستمع خير،لأنّ الرّحمة من الخير و إنّما خصّ تشريفا،كما قال: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ثمّ قال: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ العلق:1،2،و إن كان قوله تعالى:(خلق)عمّ الإنسان و غيره.

و البعد بين الجارّ و ما عطف عليه لا يمنع من العطف، أ لا ترى أنّ من قرأ وَ قِيلِهِ يا رَبِّ الزّخرف:88،إنّما جعله عطفا على وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ الزّخرف:85، و علم قيله؟

و روي أنّ الأعمش قرأ (قل اذن خير و رحمة) و هي قراءة ابن مسعود.(5:287)

نحوه الطّبرسيّ.(3:43)

الزّمخشريّ: الأذن:الرّجل الّذي يصدّق كلّ ما يسمع،و يقبل قول كلّ أحد،سمّي بالجارحة الّتي هي آلة السّماع،كأنّ جملته أذن سامعة.و نظيره قولهم للرّبيئة:عين.

و إيذاؤهم له هو قولهم فيه:(هو اذن).و(أذن خير) كقولك:رجل صدق،تريد الجودة و الصّلاح،كأنّه قيل:

نعم هو أذن،و لكن نعم الأذن.

و يجوز أن يريد هو أذن في الخير و الحقّ و فيما يجب سماعه و قبوله،و ليس بأذن في غير ذلك،و دلّ عليه قراءة حمزة(و رحمة)بالجرّ عطفا عليه،أي هو أذن خير و رحمة لا يسمع غيرهما و لا يقبله.

ثمّ فسّر كونه(اذن خير)بأنّه يصدّق باللّه لما قام عنده من الأدلّة،و يقبل من المؤمنين الخلّص من المهاجرين و الأنصار،و هو رحمة لمن آمن منكم،أي أظهر الإيمان أيّها المنافقون؛حيث يسمع منكم و يقبل إيمانكم الظّاهر،و لا يكشف أسراركم و لا يفضحكم،

ص: 804

و لا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين؛مراعاة لما رأى اللّه من المصلحة في الإبقاء عليكم،فهو أذن كما قلتم،إلاّ أنّه أذن خير لكم لا أذن سوء،فسلّم لهم قولهم فيه إلاّ أنّه فسّر بما هو مدح له و ثناء عليه،و إن كانوا قصدوا به المذمّة و التّقصير بفطنته و شهامته،و أنّه من أهل سلامة القلوب و العزّة.

و قيل:إنّ جماعة منهم ذمّوه-صلوات اللّه عليه و سلامه-و بلغه ذلك فاشتغلت قلوبهم،فقال بعضهم:

لا عليكم فإنّما هو أذن سامعة قد سمع كلام المبلّغ فأذي، و نحن نأتيه و نعتذر إليه،فيسمع عذرنا أيضا فيرضى.

فقيل:هو أذن خير لكم.

و قرئ (اذن خير لكم) على أنّ(اذن)خبر مبتدإ محذوف،و(خير)كذلك،أي هو أذن هو خير لكم، يعني إن كان كما تقولون فهو خير لكم،لأنّه يقبل معاذيركم و لا يكافئكم على سوء دخلتكم.و قرأ نافع بتخفيف الذّال.(2:199)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى حكى أنّ من المنافقين من يؤذي النّبيّ،ثمّ فسّر ذلك الإيذاء بأنّهم يقولون للنّبيّ:إنّه أذن،و غرضهم منه أنّه ليس له ذكاء و لا بعد غور،بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكلّ ما يسمع،فلهذا السّبب سمّوه بأنّه أذن،كما أنّ الجاسوس يسمّى بالعين،يقال:جعل فلان علينا عينا،أي جاسوسا متفحّصا عن الأمور،فكذا هاهنا.

ثمّ إنّه تعالى أجاب عنه بقوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ و التّقدير:هب أنّه أذن؛لكنّه خير لكم.و قوله:(اذن خير)مثل ما يقال:فلان رجل صدق و شاهد عدل،ثمّ بيّن كونه(اذن خير)بقوله: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جعل تعالى هذه الثّلاثة كالموجبة لكونه عليه الصّلاة و السّلام أُذُنُ خَيْرٍ. فلنبيّن كيفيّة اقتضاء هذه المعاني لتلك الخيريّة.

أمّا الأوّل و هو قوله: يُؤْمِنُ بِاللّهِ فلأنّ كلّ من آمن باللّه كان خائفا من اللّه،و الخائف من اللّه لا يقدم على الإيذاء بالباطل.

و أمّا الثّاني و هو قوله: وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ فالمعنى أنّه يسلم للمؤمنين قولهم،و المعنى أنّهم إذا توافقوا على قول واحد،سلم لهم ذلك القول،و هذا ينافي كونه سليم القلب سريع الاغترار...(16:116)

الآلوسيّ:هي في الأصل اسم للجارحة،و إطلاقها على الشّخص بالمعنى المذكور-كما يؤيّده بعض الرّوايات-من باب المجاز المرسل على ما في«المفتاح»، كإطلاق العين على ربيئة القوم؛حيث كانت العين هي المقصودة منه.و صرّح غير واحد أنّ ذلك من إطلاق الجزء على الكلّ للمبالغة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إنّه مجاز عقليّ كرجل عدل،و فيه نظر.

و المبالغة هنا على ما قيل:في أنّه يسمع كلّ قول،باعتبار أنّه يصدّقه لا في مجرّد السّماع،و ما قيل:إنّ مرادهم بكونه عليه السّلام أذنا تصديقه بكلّ ما يسمع من غير فرق بين ما يليق بالقبول لمساعدة أمارات الصّدق له و بين ما لا يليق به،فليس من قبيل إطلاق العين على الرّبيئة.

و لذا جعله بعضهم من قبيل التّشبيه بالأذن في أنّه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حقّ عن باطل،ليس بشيء يعتدّ به.و قيل:إنّه على تقدير مضاف،أي ذو

ص: 805

أذن.و لا يخفى أنّه مذهب لرونقه.

و جوّز أن يكون(اذن)صفة مشبّهة من أذن يأذن إذنا،إذا استمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و على هذا هو صفة بمعنى«سميع»و لا تجوّز فيه.

(10:126)

الطّباطبائيّ: الأذن:جارحة السّمع المعروفة، و قد أطلقوا عليه عليه السّلام«الأذن»و سمّوه بها إشارة إلى أنّه يصغى لكلّ ما قيل له،و يستمع إلى كلّ ما يذكر له،فهو أذن.

و قوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ من الإضافة الحقيقيّة، أي سمّاع يسمع ما فيه خيركم؛حيث يسمع من اللّه سبحانه الوحي و فيه خير لكم،و يسمع من المؤمنين النّصيحة و فيها خير لكم.

و يمكن أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصّفة، أي أذن هي خير لكم،لأنّه لا يسمع إلاّ ما ينفعكم و لا يضرّكم.

و الفرق بين الوجهين أنّ اللاّزم على الأوّل أن يكون مسموعه خيرا لهم كالوحي من اللّه و النّصيحة من المؤمنين،و اللاّزم على الثّاني أن يكون استماعه استماع خير و إن لم يكن مسموعه خيرا،كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيرا لهم،لكنّه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله، ثمّ يحمل ذلك القول منه على الصّحّة فلا يهتك حرمته و لا يسيء الظّنّ به،ثمّ لا يرتّب أثر الخبر الصّادق المطابق للواقع عليه،فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه،فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الّذي جاءه بالخبر.

و من هنا يظهر أنّ الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثّاني لما عقّبه بقوله: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.

(9:314)

أبو رزق:يستمع لكلّ خير يقال له و يقبله،أي استماعه لما يعود بخيركم.(1:38)

2- وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ. الحاقّة:12 راجع«و ع ي»

اذانهم

فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً.

الكهف:11

ابن عبّاس: ضربنا على آذانهم بالنّوم،أي سددنا آذانهم عن نفوذ الأصوات إليها.(القرطبيّ 10:363)

قطرب: هذا كقول العرب:«ضرب الأمير على يد الرّعيّة»إذا منعهم الفساد.«و ضرب السّيّد على يد عبده المأذون له في التّجارة»إذا منعه في التّصرّف.

(القرطبيّ 10:363)

ابن قتيبة: أي أنمناهم.

و مثله قول أبي ذرّ:«قد ضرب اللّه على أصمختهم».(264)

الطّبريّ: فضربنا على آذانهم بالنّوم في الكهف، أي ألقينا عليهم النّوم،كما يقول القائل لآخر:«ضربك اللّه بالفالج»بمعنى ابتلاه اللّه به،و أرسله عليه.

(15:205)

مثله الطّوسيّ.(7:13)

ص: 806

الزّجّاج: أي منعناهم عن أن يسمعوا،لأنّ النّائم إذا سمع انتبه.(القرطبيّ 10:363)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،لأنّ المراد بها منع آذانهم من استماع الأصوات،و همس الحركات.

قال بعضهم: و ذلك كالضّرب على الكتاب لتشكل حروفه،فتمتنع على القارئ قراءته.و إنّما دلّ تعالى على عدم الإحساس بالضّرب على الآذان دون الضّرب على الأبصار،لأنّ ذلك أبلغ في الغرض المقصود،من حيث كانت الأبصار قد يضرب عليها من غير عمّى،و لا يبطل إدراك بقيّة الحواسّ جملة،و ذلك عند تغميض الإنسان عينه.و ليس كذلك منع الاستماع من غير صمم،لأنّه إذا ضرب عليها من غير صمم،بالنّوم الّذي هو السّهو على صفة،دلّ ذلك على عدم الإحساس من كلّ جارحة يصحّ بها الإدراك،و لأنّ الأذن لمّا كانت طريقا إلى الأنباء،ثمّ ضرب عليها،لم يكن سبيل إلى الانتباه، فبطل استماعهم.

و في هذا القول بعض التّخليط.و الّذي أذهب إليه في ذلك،أن يكون المراد بقوله تعالى: فَضَرَبْنا...

-و اللّه أعلم-أي أخذنا أسماعهم،و يكون ذلك من قول القائل:قد ضرب فلان على مالي،أي أخذه و حال بيني و بينه.

فأمّا تشبيه ذلك بالضّرب على الكتاب حتّى تشكل حروفه على المتأمّل ففيه بعد و تعسّف.(93)

الميبديّ:يعني أنمناهم،يقال:ضرب على أذن فلان،إذا نام،لأنّ النّائم ربّما فتح عينيه أو هذى لسانه أو تحرّك شيء من أطرافه،و من النّاس و غيرهم ما ينام فاتحا عينيه،و ليس شيء من ذوات الرّوح يسمع و هو نائم،فلذلك قيل للنّوم:«ضرب على الأذن».

و قيل: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي سلبناهم حواسّهم؛لأنّ النّائم مسلوب الحواسّ.و خصّ السّمع بالذّكر من بين الحواسّ،لأنّ من سلب سمعه سلب عقله، و النّائم مسلوب العقل بخلاف سائر الحواسّ.(5:649)

الزّمخشريّ: أي ضربنا عليها حجابا من أن تسمع،يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبّههم فيها الأصوات، كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا يسمع و لا يستنبه.فحذف المفعول الّذي هو الحجاب،كما يقال:

بنى على امرأته،يريدون بنى عليها القبّة.(2:473)

مثله الفخر الرّازيّ.(21:83)

الطّبرسيّ: سلّطنا عليهم النّوم،و هو من الكلام البالغ في الفصاحة،يقال:ضربه اللّه بالفالج إذا ابتلاه اللّه به.(3:451)

القرطبيّ: عبارة عن إلقاء اللّه تعالى النّوم عليهم.

و هذه من فصيحات القرآن الّتي أقرّت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله.

و قيل:المعنى فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي فاستجبنا دعاءهم،و صرفنا عنهم شرّ قومهم و أنمناهم.و المعنى كلّه متقارب.

و أمّا تخصيص الآذان بالذّكر فلأنّها الجارحة الّتي منها عظم فساد النّوم،و قلّما ينقطع نوم نائم إلاّ من جهة أذنه،و لا يستحكم نوم إلاّ من تعطّل السّمع.

(10:363)

أبو حيّان:استعارة بديعة للإنامة المستثقلة الّتي

ص: 807

لا يكاد يسمع معها،و عبّر بالضّرب ليدلّ على قوّة المباشرة و اللّصوق و اللّزوم،و منه: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ البقرة:61،و ضرب الجزية،و ضرب البعث.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر الجارحة الّتي هي الآذان؛إذ هي يكون منها السّمع،لأنّه لا يستحكم نوم إلاّ مع تعطّل السّمع.

(6:102)

الآلوسيّ: أي ضربنا عليها حجابا يمنع السّماع، فالمفعول محذوف،كما في قولهم:بنى على امرأته.

و المراد أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبّههم فيها الأصوات، بأن يجعل الضّرب على الآذان كناية عن الإنامة الثّقيلة.

و إنّما صلح كناية لأنّ الصّوت و التّنبيه طريق من طرق إزالة النّوم،فسدّ طريقه يدلّ على استحكامه.

و أمّا الضّرب على العين و إن كان تعلّقه بها أشدّ فلا يصلح كناية؛إذ ليس المبصرات من طرق إزالته حتّى يكون سدّ الأبصار كناية،و لو صلح كناية فعن ابتداء النّوم لا النّومة الثّقيلة.

و اعترض«القطب»جعله كناية عمّا ذكر بما لا يخفى ردّه،و خرّج الآية على الاستعارة المكنيّة،بأن يقال:

شبّه الإنامة الثّقيلة بضرب الحجاب على الآذان،ثمّ ذكر (ضربنا)و أريد أنمنا،و هو وجه فيها.و جوّز أن تكون من باب الاستعارة التّمثيليّة.و اختاره بعض المحقّقين.

و من النّاس من حمل الضّرب على الآذان على تعطيلها،كما في قولهم:ضرب الأمير على يد الرّعيّة، أي منعهم عن التّصرّف.و تعقّب بأنّه-مع عدم ملاءمته لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى من البعث-لا يدلّ على إرادة النّوم مع أنّه المراد قطعا.

و أجيب:بأنّه يمكن أن يكون مراد الحامل التّوصّل بذلك إلى إرادة الإنامة،فافهم.(15:211)

الطّباطبائيّ: [قال بعد نقل أقوال الزّمخشريّ، و الطّبرسيّ،و قطرب:]

ما ذكره[قطرب]من المعنى أبلغ ممّا ذكره الزّمخشريّ.

و هنا معنى ثالث و إن لم يذكروه،و هو أن يكون إشارة إلى ما تصنعه النّساء عند إنامة الصّبيّ غالبا من الضّرب على أذنه بدقّ الأكفّ أو الأنامل عليها دقّا نعيما،لتتجمّع حاسّته عليه،فيأخذه النّوم بذلك.

فالجملة كناية عن إنامتهم سنين معدودة بشفقة و حنان، كما تفعل الأمّ المرضع بطفلها الرّضيع.(13:248)

الوجوه و النّظائر

اذن

مقاتل: تفسير بِإِذْنِ اللّهِ على وجهين:

فوجه منها بِإِذْنِ اللّهِ يعني بإذن اللّه في شيء لم يكن،فذلك قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:102،يقول:في ضرّه.و قال:

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:

145،يقول:إلاّ بإذن اللّه في موتها.و قال: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100،يقول:إلاّ بإذن اللّه في إيمانها.

و الوجه الثّاني:الإذن يعني الأمر،فذلك قوله:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:

ص: 808

64،يعني بأمر اللّه.و قال: وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ الرّعد:38،يعني بأمر اللّه.و قال:

لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إبراهيم:1،يعني بأمر ربّهم.و قال أيضا: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إبراهيم:25،يعني بأمر ربّها.

و قال أيضا: وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ إبراهيم:11،يعني بأمر اللّه.و قال أيضا:

خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إبراهيم:23،يعني بأمر ربّهم.(252)

نحوه الدّامغانيّ.(154)

أذان

مقاتل: تفسير«أذان»على وجهين:

فوجه منها:«أذان»يعني إسماعا،فذلك قوله في:

إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:

2،يعني و سمعت لربّها و حقّ لها أن تسمع لربّها.و قال:

آذَنّاكَ يعني أسمعناك ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ فصّلت:

47.

و الوجه الثّاني:«أذان»يعني نداء،فذلك قوله:

فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ يعني فنادى مناد بين الجنّة و النّار أَنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ الأعراف:44،و قال:

فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ يعني نادى مناد أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ يوسف:70،و قال: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ الحجّ:27،يعني ناد في النّاس.(262)

نحوه الدّامغانيّ.(65)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو«الأذن»أي الجارحة، و منه تفرّعت سائر المعاني بألفاظها،فإذا كان الإنسان يسمع و يقبل قول كلّ أحد قالوا فيه:هو أذن،كأنّه قد استحال كلّ جسمه إلى أذن سامعة،و منه قولهم لمن يراد طاعته:نحن لك آذان صاغية.ثمّ جاء بمعنى النّداء و رفع الصّوت؛لأنّ المنادي يوصل نداءه إلى آذان النّاس،أو كأنّه أعطاهم آذانا؛لأنّ نداءه قد استولى على آذانهم و امتلكها.و من هنا يتطوّر الأذان،ليصبح هذا الأذان الشّرعيّ المعروف منذ ظهور الإسلام،و الّذي عبّر عنه القرآن بالنّداء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ... الجمعة:9.

و يقال للأرض الّتي يصل إليها الأذان:أذينة،و إذا عرّكت أذن الصّبيّ قلت:أذّنت الصّبيّ.

ثمّ تفرّع منه«الإذن»و«الاستئذان»لأنّ الآذن يوصل كلامه إلى أذن المأذون له بإعلام رضاه،أو المأذون له يوصل كلامه إلى أذن السّامع حين يستأذنه في أمر.

2-هذا كلّه محسوس،ثمّ تجاوز إلى معنى يلازم المحسوس و هو غير محسوس،و هو العلم و الإعلام؛لأنّ الأصل في العلم أن يتوصّل إليه بالسّماع،فأذّن،أي أعلم وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ أي إعلام منه.

هكذا ينبغي أن يتصوّر التّدرّج في هذه المادّة، و أنطق دليل على صحّة هذه الرّؤية أنّنا لو عدنا إلى قديم اللّغة و اعتبرنا الظّروف الاجتماعيّة المتخلّفة غير المتحضّرة،لا نرى حاجة للإذن و الاستئذان،-و هما من

ص: 809

آداب المجتمعات المتمدّنة المتحضّرة-حتّى يوجد لهما أثر في اللّغة،فهذه الكلمات الحضاريّة تظهر في ظلّ خلق اجتماعيّ متقدّم لمسيس الحاجة إلى التّعبير عنه بلغة تناسبها،فالحاجة هي الّتي تفرض على الشّعوب أن تتطوّر من القديم إلى الجديد في كلّ أطوار الحياة،و على رأسها التّطوّر في اللّغة الّذي هو ميزان تطوّر الأمم و الشّعوب،فطبيعيّ أن يأخذوا الإذن و الاستئذان من «الأذن»،ثمّ بنوا عليه سائر المشتقّات تمشّيا مع الحاجات الحضاريّة.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

لهذه المادّة في القرآن ثلاثة محاور:الأذن،و الإذن و الأذان.

1-الأذن و الأذنين و الآذان«18»مرّة،و جاء فعل منها مرّتين.

2-الإذن و ما اشتقّ منه من الأفعال مجرّدا و مزيدا «68»مرّة.

3-الأذان بمعنى الإعلام مجرّدا و مزيدا من باب الإفعال و التّفعيل و التّفعّل«14»مرّة.

المحور الأوّل«الأذن»جاءت مفردة«5»مرّات:

1 و 2- وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ

المائدة:45

3 و 4- وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ التّوبة:61

5- وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ الحاقّة:12

و يلاحظ أنّها في الأولى حقيقة و في الأخيرتين مجاز،فإنّ(هو اذن)استعمال الجزء في الكلّ،أو نحو آخر من المجاز كما تقدّم في كلام الآلوسيّ و غيره و(اذن واعية)أريد بها قلوب واعية.

و جاءت مثنّى مرّة واحدة:

وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً لقمان:7

و اللّفظ حقيقة لكن الجملة استعارة أريد بها الإعراض عن الحقّ.

و جاءت جمعا«12»مرّة:

1- وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ

النّساء:119

2- فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً الكهف:11

3- يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ البقرة:19

4- جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ نوح:7

5 و 6- وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الأنعام:25،و الإسراء:46

7- إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الكهف:57

8- وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ فصّلت:5

9- وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى فصّلت:44

10- وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ

ص: 810

هُمْ أَضَلُّ الأعراف:179

11- أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها الأعراف:195

12- فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها الحجّ:46

يلاحظ أوّلا:أنّ الآذان في«1»حقيقة و كذا في«2» و لكن الجملة فيها استعارة،أريد بها غلبة النّوم عليهم.

و عن بعضهم:إنّها استعارة بديعيّة،لاحظ النّصوص.

و أمّا في«3 و 4»فاللّفظ حقيقة،لكن الجملة فيهما وردت مورد المثل فهي شبيهة بالاستعارة.و أريد بها في «3»شدّة الخوف كما قال: حَذَرَ الْمَوْتِ و في«4» شدّة الإعراض عن سماع الحقّ،و جملة(و استغشوا ثيابهم)تأكيد لها.و أمّا في باقي الآيات فجملة: لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً و نحوهما اللّفظ فيها حقيقة،و الجملة استعارة أريد بها الإعراض عن الحقّ.و الوقر:الصّمم،و جملة: وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً و نحوها جاءت تأكيدا لما قبلها: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ و نحوها في«5»إلى«8».و الأكنّة على القلوب أيضا كناية عن قلّة التّعقّل.كما أنّ جملة(و هو عليهم عمى)في«9»و أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ في«10»تأكيد لما قبلهما أيضا.

و ثانيا:جاء المفرد مدحا مرّتين في«2 و 3»و ذمّا مرّة في«2»،و في القصاص أيضا مرّتين في«1»و يعتبر ذمّا؛لأنّه يكشف عن وقوع الجناية.و أمّا التّثنية و الجمع فكلّها ذمّ سوى قوله: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً و هذه الأرقام إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أنّ الآذان الواعية للحقّ أقلّ من غيرها بكثير،على الرّغم من كون«الأذن»آلة السّمع،و هي كمال للإنسان، و نعمة كبيرة من نعم الباري جلّ و عزّ.

و ثالثا:جاءت الأذن«7»مرّات في الآيات المدنيّة و «11»مرّة في المكّيّة؛حيث إنّ أكثرها وردت مورد الإعراض عن الحقّ،فيكشف أنّ المعرضين فيهما كثيرون،لكنّهم في مكّة أكثر من المدينة،و هذا ما وقع بالفعل.

و اشتقّ من الأذن«الفعل»في آيتين مكّيّتين:

1- إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:1،2

2- وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ * وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ الانشقاق:3-5

و فسّروها بقولهم:أي سمعت أو استمعت و أطاعت،و حقّ لها ذلك.و عن بعضهم إنّه استعارة تمثيليّة متفرّعة على المجاز.

و يبدو أنّه أوّل اشتقاق من الأذن أو من أوائل ما اشتقّ منها؛حيث احتفظ بمعناه اللّغويّ.و لا يبعد كونه في الآيتين بمعنى إعلام الطّاعة-و لم يذكروه-و عليه فيدرج في المحور الثّاني.

و على الوجهين فهو مجاز أريد به أنّ السّماء و الأرض مسخّرتان لأمر اللّه،كما قال تعالى: فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:

11.

ص: 811

المحور الثّاني«الإذن»و ما اشتقّ منه و فيه
اشارة

بحوث:

الأوّل-كلمة«إذن»معناها المعروف و المتبادر إلى الذّهن هو الرّخصة،و لها دلالات متنوّعة ذكرها المفسّرون حسب مساعدة السّياق،و قد يدلّ لفظ القرآن على أكثر من واحدة،كقوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100،ففيه معنى الأمر،و التّوفيق،و التّيسير،و العلم،أي بعلمه سبحانه، إلى آخر الوجوه الّتي ذكرها المفسّرون حسب ما سبق في النّصوص.

الثّاني-و إذا دقّقنا النّظر في دلالة«الإيذان»و «الإذن»في القرآن-كغيرها من النّصوص الفصيحة- نجدها تتّصل أيضا بالسّمع و الأذن على ما سبق.و غنيّ عن البيان أنّ هذا المعنى الأوّل،أي«الأذن»قد تنوسي في مراحل التّطوّر اللّغويّ اللاّحقة؛حيث استقرّ الجذر على المحور الثّاني«إذن»كما تطوّر اللّفظ من حيث الحركة، ففي«أذن»ضمّتان،و في«الإذن»كسرة و سكون؛فكان هذا التّغيير في البناء مستتبعا التّغيير في الدّلالة،و في الوقت نفسه ناتجا عنه.

الثّالث-الإذن يأتي منسوبا إلى اللّه و هو كثير.

و منسوبا إلى غيره.و ما نسب إلى اللّه قسمان:تكوينيّ و تشريعيّ،و قد يشتبه الأمر بينهما،و يتردّد بين تلك المعاني المتنوّعة الّتي أدلى بها المفسّرون.

فالتّكوينيّ فيما يأتي:

1-السّبق إلى الخيرات: وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ فاطر:32

2-الغلبة على العدوّ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:249

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ

البقرة:251

وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ

الأنفال:66

وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ

آل عمران:152

3-الإصابة بالمصائب: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:166

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ التّغابن:11

وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ المجادلة:10

4-ضرر السّحر: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:102

5-نبت الأرض: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ الأعراف:58

6-ثمار الشّجر: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها إبراهيم:25

7-وقوع السّماء على الأرض: وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ الحجّ:65

8-إعجاز الأنبياء: وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ المؤمن:78،و الرّعد:38

وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ

إبراهيم:11

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ

ص: 812

اَلْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:49

وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي المائدة:110

9-عمل الجنّ: وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ سبأ:12

10-موت الأنفس: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً آل عمران:145

و أمّا التّشريعيّ أو المردّد بينه و بين التّكوينيّ فكالآتي:

1-الخلود في الجنّة: خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ

إبراهيم:23

2-نزول الملائكة: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ القدر:4

3-الوحي: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ الشّورى:51

4-تنزيل القرآن: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:97

5-الدّعوة إلى الجنّة و المغفرة: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ البقرة:221

6-ذكر اللّه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ النّور:36

7-قطع الأشجار: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ الحشر:5

8-الدّعوة إلى اللّه: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً الأحزاب:46

9-الإيمان: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ يونس:100

10-الهداية: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ البقرة:213

يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ المائدة:16

كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إبراهيم:1

11-الطّاعة: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64

12-التّكلّم يوم القيامة: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً النّبأ:38

يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ هود:105

13-الشّفاعة: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ طه:109

وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ

سبأ:23

فالمذكورات أوّلا إلى موت الأنفس لا تقع إلاّ بإرادة اللّه و قدرته و ليس للعباد فيها أمر،و إن احتمل في السّبق إلى الخيرات،و في عمل الجنّ أن يكون الإذن فيهما تشريعيّا.أمّا غيرها فمنها ما هو فعل العباد و للّه فيها الأمر و التّرخيص،كالدّعوة إلى اللّه و الشّفاعة و نحوهما، و منها ما هو للعباد فيها شأن،و للّه فيها تقدير و تمكين، كالإيمان و الهداية و الطّاعة و نحوها،و لهذا اختلفت آراء المفسّرين من العدليّة و الأشاعرة بحسب معتقدهم في تفسيرها كما يلاحظ في النّصوص،و عنها نشأت مسألة

ص: 813

الجبر و الاختيار.

الرّابع-أضيفت كلمة«إذن»إلى«ربّ»«6» مرّات،و إلى«رحمان»مرّتين،و في غيرهما فهي مضافة إلى لفظ الجلالة أو إلى ضمير يعود إليه دلالة على قدرته و سلطانه،و معلوم أنّ إضافته إلى«ربّ»تشعر بأنّه نشأ عن ربوبيّته تعالى،فنزول الملائكة و الوحي بمثابة وصول البشر إلى مستوى الكمال،كوصول الأرض و الشّجر إلى الكمال عند الإنبات و الإثمار،و كذا الأمر في عمل الجنّ باعتبار أنّ هذه الأعمال يحصل بها كمال روحيّ لدى الجنّ،و أيضا الخلود في الجنّة ناتج عن تكامل نفسانيّ و فيض ربّانيّ.

و أمّا إضافته إلى«الرّحمن»-في آيتي الشّفاعة «13»و التّكلّم«12»عند اللّه يوم القيامة-فمردّها إلى أنّ عرصات القيامة بما فيها من أنواع الأهوال و الفزع تؤدّي إلى سلب حقّ الشّفاعة و الاستغاثة بأيّ شفيع،و الدّفاع عن النّفس بأيّ كلام عن الإنسان لأنّه يوم الفصل،إلاّ إذا شملته رحمة إلهيّة؛رحمانيّة واسعة فأذن للشّفيع بالشّفاعة و للمذنب بالتّكلّم أمام اللّه تعالى.

الخامس-يعتبر إذن اللّه في الأمور-سواء كان الأمر تكوينيّا أم تشريعيّا-رمزا للتّوحيد بكلّ معانيه و أنواعه،و ترجمانا لقوله: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة:5،فله الأمر و الخلق و إليه ترجع الأمور جميعا.

السّادس-جاء«الإذن»في سياق الإنكار في آيتين:

1- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ يونس:59

2- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ الشّورى:21

يلاحظ:أنّ الإذن فيهما تشريعيّ في معنى الأمر و الحكم الّذي هو حقّ للّه دون سواه،و قد كان المشركون يحلّلون و يحرّمون أشياء افتراء على اللّه،فأنكرها عليهم بأنّه لم يأذن لهم،و أنّ من سنّ قانونا من دون إذن اللّه فهو مفتر على اللّه مشرك به.

السّابع-و جاء منه فعل مجهول في سياق الإثبات و النّفي في ثلاث آيات:

1- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الحجّ:39

2- وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ النّحل:84

3- وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ المرسلات:36

يلاحظ أوّلا:أنّ الإثبات في«1»راجع إلى حكم دينيّ هامّ،هو جهاد الأعداء،و هذا أوّل ما نزل في هذا الشّأن،و لم يكن القتال مسموحا للمؤمنين من ذي قبل، على الرّغم من رغبتهم إليه و حرصهم عليه،فيبدأ التّشريع أوّلا بالإذن و الرّخصة في استقبال الهجرة- لنزول سورة الحجّ،كما يظهر من سياقها،قبيل الهجرة أو في طريقها-تلبية لرجائهم،بعد أن أدلى إليهم بالصّبر و الانتظار في آيات مكّيّة.ثمّ اشتدّ الأمر شيئا فشيئا حتّى عدّ القعود عن الجهاد نفاقا و تمرّدا على الإسلام.

و لعلّ حذف الفاعل إشارة لوجود هذا الانتظار لهم من اللّه،و أنّه حقّ له تعالى،فلا حاجة إلى ذكره،أو أنّ

ص: 814

الدّفاع حقّ طبيعيّ للمظلوم أمام الظّالم،فلا حاجة إلى الإذن،لو لا اعتبار المصلحة في تركه.

و ثانيا:أنّ عدم الإذن للمذنبين يوم القيامة،لتقديم العذر في«2 و 3»من دون ذكر الفاعل،لوضوح أنّه حقّ اللّه،أو أنّه لا عذر لهم في ذلك اليوم أمام اللّه،فلم يبق لهم حقّ الدّفاع عن أنفسهم،حتّى يؤذن لهم أيّا كان الآذن.

و ثالثا:لا ريب في أنّ الإذن بالقتال في«1» تشريعيّ،أمّا في«2 و 3»فيحتمل الأمرين،أي أنّه تعالى لا يسمح لهم بالاعتذار رغم استطاعتهم له،أو إنّه لا يمكّنهم منه بسلب اختيارهم.

الثّامن-و أمّا الإذن الّذي نسب إلى العباد فكما يأتي:

1- فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي

يوسف:80

2- عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:43

3- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي

التّوبة:49

4- فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ

النّور:62

5- فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ النّور:28

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الأحزاب:53

7- فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ النّساء:25

يلاحظ أوّلا:أنّ الإذن في الجميع بمعنى الرّخصة دون الأمر و نحوه.

و ثانيا:أنّ الإذن في«1»راجع إلى الأخ الأكبر ليوسف؛حيث أبى أن يرجع حتّى يأذن له أبوه،و في «7»إلى نكاح النّساء بإذن أهلهنّ،و في«5 و 6»إلى الاستئذان عند دخول البيوت.و أمّا سائر الآيات فهي راجعة إلى إذن النّبيّ للنّاس بأن لا يخرجوا إلى القتال، توبيخا لهم أو ترخيصا له عليه السّلام.

التّاسع-الاستئذان بمعنى طلب الإذن،جاء في القرآن بصيغ مختلفة في مجالات ثلاثة:

الأوّل:في مجال أدب المعاشرة في البيت:

1 و 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ... وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

النّور:58 و 59

يلاحظ أنّ الآيتين وردتا بشأن استئذان الأطفال و المماليك للدّخول في ساعات خاصّة على أوليائهم تحفّظا على العفاف،و سدّا لأبواب العهارة و الفساد على الصّغار و الكبار.

الثّاني:في سلوك المؤمنين مع النّبيّ في الأمور الجامعة:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ النّور:62

الثّالث:في إدانة المنافقين بشأن القتال:

ص: 815

1 و 2- لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ التّوبة:44،45

3- فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ التّوبة:83

4- وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ التّوبة:86

5- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ التّوبة:93

6- وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً

الأحزاب:13

يلاحظ أوّلا:أنّ آيات الاستئذان كلّها مدنيّة،تمشّيا مع ما نعلم أنّ آيات الأحكام و لا سيّما آيات الجهاد معظمها مدنيّة.

و ثانيا:أنّ الاستئذان في القعود عن القتال في تلك الحروب-و لا سيّما حرب الأحزاب و هي آخر حروب النّبيّ مع مشركي مكّة و أعظمها،و حرب تبوك و هي آخر غزوة قادها النّبيّ بنفسه و أكبرها عدّة و عدّة، و أشدّها احتداما مع عدوّ شرس،و هم الرّوم-كان الاستئذان آية النّفاق،و لهذا نفاه اللّه عن المؤمنين لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ، و حصره في المنافقين إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ و كان الاستئذان يوم ذاك ذريعة للفرار عن القتال.

و ثالثا:أشار في آيتين إلى أنّ الاستئذان صدر من الأغنياء يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ اِسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ و فيه إشعار بأنّ علاقتهم بالمال هي الّتي بعثتهم على القعود و الاستئذان له.

و رابعا:سمح القرآن للمؤمنين أن يستأذنوا النّبيّ إذا كانوا معه على أمر جامع في آية واحدة،و هي آية النّور و لم يذكر القتال فيها،و عدّ الاستئذان في مثل ذلك آية الإيمان إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ النّور:62.

و هذا هو الفارق بين المؤمنين و المنافقين،أي إنّ المؤمنين لا يستأذنونه في القتال و يستأذنونه في غيره من أمر جامع،و المنافقون يستأذنونه في أمر القتال و يتخلّفون عن أمره في غير القتال،من دون استئذان.

و خامسا:جاء الاستئذان من قبل المنافقين«5» مرّات،كلّها بشأن القتال،و من قبل المؤمنين«3»مرّات مثبتا في غير القتال،و مرّة واحدة منفيّا بشأن القتال، و فيه إيماء إلى أنّ استئذان المؤمنين حتّى فيما أبيح لهم أقلّ من المنافقين فيما حرّم عليهم.

و سادسا:كرّر استئذان المؤمنين في آية واحدة ثلاث مرّات و خصّه ببعض شأنهم-أي لا في جميع أمورهم-و مع ذلك فوّض الأمر في الإذن لهم إلى النّبيّ

ص: 816

مستغفرا لهم تطييبا لقلوبهم عمّا علّق بها من وصمة التّقصير بالاستيذان فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ معلنا لهم تبّا ب إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ كلّ ذلك إيذان بتعهّدهم أمام النّبيّ،و تفويض الأمر إلى مشيئته، يأذن لمن يشاء و يمسك الإذن عمّن يشاء،و هم في الحالتين راضون لا يجدون في أنفسهم حرجا ممّا شاء و قضى،و هذا كلّه علامة اكتمال الإيمان و استقراره في قلوبهم.

المحور الثّالث،بمعنى العلم و الإعلام

مجرّدا و مزيدا:

المجرّد: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279

الإفعال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ

الأنبياء:109

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ فصّلت:47

التّفعيل: وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ التّوبة:3

قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ الأعراف:44

ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ

يوسف:70

وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ الحجّ:27

التّفعّل: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ

إبراهيم:7

يلاحظ أوّلا:أنّه في الجميع بمعنى الإعلان، و الإعلان إنّما يكون في الأمور المهمّة الخطيرة.مثل ما جاء في هذه الآيات إلاّ أنّ هناك تفاوتا بين الصّيغ كما يأتي.

و ثانيا:أنّه في الجميع يفيد معنى الإنذار و التّحذير و الإعلام بالعقوبة صراحة أو إيماء حسب ما يأتي،و هذا موافق تماما لما تقدّم في النّصوص؛أنّه كثيرا ما يتضمّن معنى التّحذير و الإنذار.

و ثالثا:في قوله فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ اختلف أقوالهم:

اعلموا،أطيعوا،أقرّوا،اخبروا،استيقنوا،كونوا على إذن من قولك:«على علم»،أنصتوا،كلّها على القراءة المشهورة(فاذنوا).

و أمّا على قراءة(فاذنوا)من باب الإفعال،و هي مرجوحة عند أبي عبيدة،و الطّبريّ زعما أنّ هذا تحذير، و لا معنى لتوجيه الإنذار و التّحذير من آكلي الرّبا إلى اللّه، و لبعضهم تأويله بقوله:أي أعلموا و أخبروا غيركم على حربكم إيّاهم.

و عندنا أنّ القراءتين بمعنى واحد،و أنّ اللّه يعلن إكبارا لجرمهم و تهويلا لعقوبتهم:أي إذا لم ترجعوا عمّا أنتم عليه من أكل الرّبا فأنتم محاربون اللّه،فأعلنوا حربا مع اللّه أو حربا من اللّه و رسوله معكم-و هو أبلغ تخويفا و أظهر سياقا-لأنّكم لستم مؤمنين بل موقفكم هذا موقف العدوّ المحارب.و قد قال قبله: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:278،و يؤيّده ما قيل:

من أنّ تنكير(حرب)لإفادة التّعظيم و التّهويل.

و رابعا:يؤيّد ما اخترناه في فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ما قيل

ص: 817

في: آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ أي نابذتكم و عاديتكم و أعلمتكم ذلك،فاستوينا في العلم،و مثله فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ الأنفال:58،و أنّ الإيذان على السّواء:

الدّعاء إلى الحرب مجاهرة،و أنّ آذن منقول من أذن بمعنى علم،لكنّه كثيرا ما يجري مجرى الإنذار،مثل فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ، لاحظ النّصوص.

و خامسا:في قوله:(اذنّاك)أيضا اختلفت أقوالهم:

أعلمناك،أطعناك،أقررنا لك،أخبرناك،كما اختلفوا في من هم القائلون:(اذنّاك)،و في أنّه إخبار أو إنشاء، و لا يتيسّر ترجيح قول من الأقوال إلاّ في ضوء فهم الآية كلّها.فالخطاب موجّه إلى المشركين يوم القيامة:

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ* وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فصّلت:47،48.

و سياق الآيات في السّورة نفس السّياق.و الآية بدأت بقوله: يَوْمَ يُنادِيهِمْ و النّداء هو الصّوت العالي،تخويفا و تبكيتا لهم،أو إيماء إلى أنّهم لا يزالون صمّا عميا كما كانوا في الدّنيا وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً الإسراء:72.

و معلوم أنّ الاستفهام توبيخيّ،فالقائلون هم المشركون،و إليهم ترجع ضمائر الجمع كلّها،فهم يعلنون بصوت عال ردّا و إجابة على النّداء الإلهيّ و متناسقا لإنذاره:ليس أحد منّا الآن يشهد بالشّركاء،ناسين ما كانوا يدعون من قبل.

فالرّاجح عندنا أنّه بمعنى الإعلان بالصّوت العالي إنذارا و إنكارا لما كانوا يشركون به من قبل،فردّ اللّه عليهم بقوله: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ فصّلت:48.

و سادسا:جاء في آيتين فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ

أحدهما:في قصّة الأعراف و مناداة أصحاب الجنّة و أصحاب النّار؛فالتّأذين هنا بمعنى الإعلام بصوت عال مجاراة للنّداء المكرّر من قبل الفريقين،و سياقه سياق الإنذار و التّهويل.و قد قيل:إنّ التّأذين هو النّداء نفسه.

و عن سيبويه:أذّن:نادى و صاح.

و ثانيهما:في قصّة إخوة يوسف و هو أيضا بمعنى النّداء بصوت عال إنذارا و تخويفا.

و سابعا:التّأذين في: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ هو النّداء الموجّه إلى النّاس جهارا،و ليس فيه إنذار و تخويف إلاّ من أجل إشعاره بأنّ الحجّ بمكان من العظمة و الأهميّة عند اللّه،حتّى أنّ تاركه ينبغي إيذانه بالحرب، و يؤيّده قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ آل عمران:97.

و ثامنا:جاء في مفتتح سورة التّوبة: أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ بعد بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ في سياق واحد،بحذف الابتداء فيهما، كما هو المعتاد في الشّعائر أحدهما يكمّل الآخر،فالبراءة سياقه سياق الإعلان و الشّعار،فهو أذان معنى،و الأذان بالبراءة تصريح و إجهار بها،و كلاهما من اللّه و رسوله.

و الأوّل خطاب إلى المؤمنين،و الثّاني إلى النّاس عامّة، و فيه تعظيم للمؤمنين؛حيث لم يصرّح في خطابهم بالإنذار بخلاف النّاس.

ص: 818

و تاسعا:قوله: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ فسّروه بقولهم:

قال ربّكم،أمر،أعلم،حتم،عزم،حلف و أقسم.و لا شاهد على شيء منها،سوى أنّ الآية بصدد الإعلان الجازم الصّارم لبني إسرائيل بأنّكم إذا شكرتم لأزيدنّكم و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد.

و القسم هنا يستفاد من اللاّم في(لئن)لا من لفظ (تاذّن)،كما أنّ الحتم و العزم مستفاد من أداة الشّرط و نون التّأكيد في الجملتين و من السّياق؛حيث قابل الشّكر بالكفر و الزّيادة بالعذاب الشّديد.و جاء بعدها وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ إبراهيم:8،و من هنا يحتوي التّأذّن معنى الإنذار،كما مرّ نظيره في وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:27.

و عاشرا:هل هذه الصّيغ،أي«المجرّد و الإفعال و التّفعيل و التّفعّل»،متساوية في المعنى كما عن بعضهم؛ إذ هي مثل«أوعد و توعّد»أو يكون بينها فرق؟فإنّ «تاذّن»فيه معنى زائد لزيادة اللّفظ،و أنّه إيذان بليغ تذهل عنده الشّكوك.و إنّ«أذّن»فيه تشديد ليس في «اذن»و«آذن»مساوقة بين اللّفظ و المعنى.

فعن الزّمخشريّ:أذّن:أكثر الإعلام،و منه المؤذّن، لكثرة ذلك منه.و إنّ«اذن»بالمدّ:أعلم،و«اذّن» بالتّشديد:نادى،و الفرق هو وجود الصّوت العالي في النّداء،و الأذان دون الإيذان،وجوه كلّها مقبولة، و يمكن دراستها و التّحقّق منها.

و الحادي عشر:«الأذان»بمعنى أذان الصّلاة، لم يأت في القرآن و إنّما جاء في عرف الشّرع.و جاء بدله النّداء في آيتين:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ الجمعة:9

2- وَ إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً

المائدة:58

و معلوم أنّ لفظ«النّداء»أظهر في رفع الصّوت و الدّعوة الى الصّلاة من لفظ«الأذان».

ص: 819

ص: 820

فهرس الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس، بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلاميّ،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:

حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة، بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة، بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:القاهرة.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

ص: 821


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

2-الصّاحبيّ،ط:المكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:

المكتبة العلميّة،القاهرة.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:

المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر، بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف، الاسكندريّة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ، القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة، بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(244)

غريب الحديث،ط:دار الكتب، بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر، مصر.

أبو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة، بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي، قم.

أحمد بدويّ:(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:الدّار المصريّة.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق، بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:

انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:آفتاب،طهران.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة، بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:التّجاريّة، مصر.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ص: 822

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو، طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب، بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:

المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم، بيروت.

حجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب، مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ، جدّة.

الحريريّ:قاسم(216)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب، مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر) إعجاز القرآن البيانيّ،ط:

الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر، بيروت.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة، مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر، دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة، بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب، بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة، بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد، مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب، القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر) الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة، بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة، بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر، بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب، بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

الروض الأنف،ط:

الكلّيّات،القاهرة.

ص: 823

سيبويه:عمرو

الكتاب،ط:عالم الكتب، بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت،3- تفسير الجلالين،ط:مصطفى البابيّ،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين، الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة، بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي، قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة، طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب، القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب، بيروت.

صدر المتألّهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة، طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابيّ،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:

الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:

المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ، مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة، بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب، بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم، بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر، بيروت.

عبد اللّطيف بغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد، القاهرة.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء

ص: 824

الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة، طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن، القاهرة.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو، طهران.

فريد وجدي:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

المصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب، قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافي،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة، القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب، بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف، بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان، طهران.

محمّد إسماعيل إبراهيم(معاصر) معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:

الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:

الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة، طهران.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير، طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن، ط:مشهد.

ص: 825

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب، بيروت.

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحرّيّة، بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:

المطبعة الإمريكيّة،بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:

جهان،طهران.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 826

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حلزة...(؟)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن نحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ص: 827

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:نعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدّمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق.(206)

أبو قلابة:....(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبيّ بن كعب.(21)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

إسماعيل بن قاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدورد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن:ابن يسار.(110)

ص: 828

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّينوريّ:أحمد.(282)

الرّبيع:ابن أنس.(139)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

السّمين:أحمد.(756)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر:ابن حمدويه.(255)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان:ابن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

الشّيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك:ابن مزاحم.(105)

طاوس:ابن كيسان.(106)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة:ابن عروة.(؟)

عطاء:ابن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة:ابن عبد اللّه.(105)

علاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

ص: 829

قتادة:ابن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكفعميّ:إبراهيم.(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث:ابن مظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

مالك:ابن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

مجاهد:ابن جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمّد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.

(1323)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر:ابن عبد الملك.(؟)

مطرّف بن الشّخّير.(87)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول:ابن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النّقّاش:محمّد.(351)

هارون:ابن حاتم.(728)

همّام بن حارث.(؟)

الواحديّ:عليّ.(468)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يعقوب:ابن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 830

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.