الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام المجلد 18

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان :عربی

تعداد جلد: 20

کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثامن عشر

ثورة المختار بن ابى عبيد الثقفى

قتل المختار قتلة الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

عن عبد اللّه بن محمد بن أبي سعيد،عن أبي العيناء،عن يحيى بن راشد،قال:قالت فاطمة بنت علي:ما تحنأت (1)امرأة منا و لا أجالت في عينها مرودا و لا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد اللّه بن زياد و روي أنه قتل ثمانية عشر ألفا ممن شرك في قتل الحسين عليه السّلام أيام ولايته و كانت ثمانية عشر شهرا أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست و ستين،و آخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع و ستين و عمره سبع و ستون سنة (2).

ص: 3


1- يقال:تحنأ:تخضب بالحناء.
2- بحار الأنوار:388/41 باب 45 أحوال المختار.

قتل حرملة

من كتاب الدلائل للحميري،عن المنهال بن عمرو قال:حججت فدخلت على علي بن الحسين عليه السّلام،فقال لي:يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي؟

قلت:تركته حيا بالكوفة.

قال:فرفع يديه ثم قال:اللهم أذقه حر الحديد،اللهم أذقه حر النار.

قال:فانصرفت إلى الكوفة و قد خرج بها المختار بن أبي عبيد و كان لي صديقا، فركبت لأسلم عليه،فوجدته قد دعا بدابته فركب و ركبت معه حتى أتى الكناسة فوقف وقوف منتظر لشيء و قد كان وجه في طلب حرملة بن كاهل فاحضر فقال:

الحمد للّه الذي مكنني منك،ثم دعا بالجزار فقال:اقطعوا يديه فقطعتا.

ثم قال:اقطعوا رجليه،فقطعتا،ثم قال:النار النار فاتي بطن قصب ثم جعل فيها، ثم ألهبت فيه النار حتى احترق.

فقلت:سبحان اللّه سبحان اللّه فالتفت إلي المختار،فقال:مم سبحت؟

فقلت له:دخلت على علي بن الحسين فسألني عن حرملة فأخبرت أني تركته بالكوفة حيا،فرفع يديه و قال:اللهم أذقه حر الحديد،اللهم أذقه حر النار.

فقال المختار:اللّه اللّه أسمعت علي بن الحسين عليه السّلام يقول هذا؟

فقلت:اللّه اللّه لقد سمعته يقول هذا،فنزل المختار و صلى ركعتين ثم أطال ثم سجد و أطال،ثم رفع رأسه و ذهب،و مضيت معه حتى انتهى إلى باب داري فقلت له:

إن رأيت أن تكرمني بأن تنزل و تتغدى عندي.

ص: 4

فقال:يا منهال تخبرني أن علي بن الحسين دعا اللّه بثلاث دعوات فأجابه اللّه فيها على يدي ثم تسألني الأكل عندك،هذا يوم صوم شكرا للّه على ما وفقني له (1).

و في مجالس الشيخ روي أن الإمام عليه السّلام قال:قال مرتين:اللهم أذقه حر الحديد، ثم قال:اللهم أذقه حر النار،فأشار بالمرتين إلى قطع اليد ثم الرجل فتتم ثلاث دعوات،و على ما هنا يمكن أن تكون الثلاث لتضمن الدعائين القتل أيضا (2).2.

ص: 5


1- كشف الغمة ج 2 ص 312.
2- بحار الأنوار:54/42.

مدح المختار

و قال جعفر بن نما مصنف هذا الثأر:اعلم أن كثيرا من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الالفاظ،و لاروية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ،و لو تدبروا أقوال الأئمة في مدح المختار،لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم اللّه تعالى جل جلاله في كتابه المبين،و دعاء زين العابدين عليه السّلام للمختار دليل واضح و برهان لائح على أنه عنده من المصطفين الأخيار و لو كان على غير الطريقة المشكورة،و يعلم أنه مخالف له في اعتقاده،لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب،و يقول فيه قولا لا يستطاب،و كان دعاؤه عليه السّلام له عبثا، و الإمام منزه عن ذلك،و قد أسلفنا من أقوال الأئمة عليهم السّلام في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له و نهيهم عن ذمة،ما فيه غنية لذوي الابصار،و بغية لذوي الاعتبار،و إنما أعداؤه عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السّلام له مساوي،و هلك بها كثير ممن حاد عن محبته،و حال عن طاعته، فالولي له عليه السّلام لم تغيره الأوهام و لاباحته تلك الاحلام،بل كشفت له عن فضله المكنون،و علمه المصون،فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمة الأطهار عليهم السّلام،و قد وفيت بما وعدت من الاختصار و أتيت بالمعاني التي تضمنت حديث الثأر من غير حشو و لا إطالة،و لا سأم و لا ملالة،و أقسمت على قارئيه و مستمعيه و على كل ناظر فيه أن لا يخليني من إهداء الدعوات إلي و الاكثار من الترحم علي.

ص: 6

و أسأل اللّه أن يجعلني و إياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الأوهام، و صفت طويته من كدر الآثام و أن يباعدنا من الحسد المحبط للأعمال،المؤدي إلى أقبح المآل،و أن يحسن لي الخلافة على الأهل و الآل،و يذهب الغل من القلوب، و يوفق لمراضي علام الغيوب،فإنه أسمع سميع،و أكرم مجيب،و الحمد للّه رب العالمين و صلاته على سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين (1).ر.

ص: 7


1- بحار الأنوار:390/41 باب 45 أحوال المختار.

قتل جملة من قتلة الحسين عليه السلام

قال الطبري:و كان سبب ذلك فيما ذكره هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم أن مروان بن الحكم لما استوثقت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني و قد ذكرنا أمره و خبر مهلكه قبل و الآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد اللّه بن زياد و قد ذكرنا ما كان من أمره و أمر التوابين من الشيعة بعين الوردة و كان مروان جعل لعبيد اللّه بن زياد إذ وجهه إلى العراق ما غلب عليه و أمره أن ينهب الكوفة إذا هو ظفر بأهلها ثلاثا قال عوانة:فمر بأرض الجزيرة فاحتبس بها و بها قيس عيلان على طاعة ابن الزبير و قد كان مروان أصاب قيسا يوم مرج راهط و هم مع الضحاك بن قيس مخالفين على مروان و على ابنه عبد الملك من بعده فلم يزل عبيد اللّه مشتغلا بهم عن العراق نحوا من سنة ثم إنه أقبل إلى الموصل فكتب عبد الرحمن بن سعيد بن قيس عامل المختار على الموصل إلى المختار أما بعد فإني أخبرك أيها الأمير أن عبيد اللّه بن زياد قد دخل أرض الموصل و قد وجّه قبلي خيله و رجاله و إني انحزت إلى تكريت حتى يأتيني رأيك و أمرك و السلام عليك.

فكتب إليه المختار أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت كل ما ذكرت فيه فقد أصبت بانحيازك إلى تكريت فلا تبرحن مكانك الذي أنت به حتى يأتيك أمري إن شاء اللّه و السلام عليك.

ص: 8

(قال هشام)عن أبي مخنف حدثني موسى بن عامر أن كتاب عبد الرحمن بن سعيد لما ورد على المختار بعث إلى يزيد بن أنس فدعاه فقال له:يا يزيد بن أنس إن العالم ليس كالجاهل و إن الحق ليس كالباطل و إني أخبرك خبر من لم يكذب و لم يكذب و لم يخالف و لم يرتب و إنا المؤمنون الميامين الغالبون المساليم و إنك صاحب الخيل التي تجر جعابها و تضفر أذنابها حتى توردها منابت الزيتون غائرة عيونها لاحقة بطونها أخرج إلى الموصل حتى تنزل أدانيها فإني ممدك بالرجال بعد الرجال.

فقال له يزيد بن أنس:سرّح معي ثلاثة آلاف فارس أنتخبهم و خلّني و الفرج الذي توجّهنا إليه فإن احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك.

قال له المختار:فاخرج فانتخب على اسم اللّه من أحببت فخرج فانتخب ثلاثة آلاف فارس فجعل على ربع المدينة النعمان بن عوف بن أبي جابر الأزدي و على ربع تميم و همدان عاصم بن قيس بن حبيب الهمداني و على مذحج و أسد و رقاء بن عازب الأسدي و على ربع ربيعة و كندة سعر بن أبي سعر الحنفي ثم إنه فصل من الكوفة فخرج و خرج معه المختار و الناس يشيعونه،فلما بلغ دير أبى موسى و دّعه المختار و انصرف.

ثم قال له:إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم و إذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها و ليكن خبرك في كل يوم عندي و إن احتجت إلى مدد فاكتب إلي مع أني ممدك و لو لم تستمدد فإنه أشد لعضدك و أعز لجندك و أرعب لعدوك.

فقال له يزيد بن أنس:لا تمدني إلا بدعائك فكفى به مددا و قال له:الناس صحبك اللّه و أداك و أيدك و ودعوه فقال لهم يزيد:سلوا اللّه لي الشهادة و أيم اللّه لئن لقيتهم ففاتني النصر لا تفتني الشهادة إن شاء اللّه فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد ابن قيس أما بعد فخل بين يزيد و بين البلاد إن شاء اللّه و السلام عليك فخرج يزيد بن

ص: 9

أنس بالناس حتى بات بسورا ثم غدابهم سائرا حتى بات بالمدائن فشكا الناس إليه ما دخلهم من شدة السير عليهم فأقام بها يوما و ليلة ثم إنه اعترض بهم أرض جوخى حتى خرج بهم في الراذانات حتى قطع بهم إلى أرض الموصل فنزل ببنات تلى و بلغ مكانه و منزله الذي نزل به عبيد اللّه بن زياد فسأل عن عدتهم فأخبرته عيونه أنه خرج معه من الكوفة ثلاثة آلاف فارس.

فقال عبيد اللّه:فأنا أبعث إلى كل ألف ألفين و دعا ربيعة بن المخارق الغنوي و عبد اللّه بن حملة الخثعمي فبعثهما في ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف و بعث ربيعة بن المخارق أولا ثم مكث يوما ثم بعث خلفه عبد اللّه بن حملة ثم كتب إليهما أيكما سبق فهو أمير على صاحبه و إن انتهيتما جميعا فأكبر كما سنا أمير على صاحبه و الجماعة.

قال:فسبق ربيعة بن المخارق فنزل بيزيد ابن أنس و هو ببنات تلى فخرج إليه يزيد بن أنس و هو مريض مضني.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو الصلت عن أبي سعيد الصيقل قال:خرج علينا يزيد ابن أنس و هو مريض على حمار يمشى معه الرجال يمسكونه عن يمينه و عن شماله بفخذيه و عضديه و جنبيه فجعل يقف على الأرباع ربع ربع و يقول:يا شرطة اللّه اصبروا تؤجروا و صابروا عدوكم تظفروا و قاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا إن هلكت فأميركم و رقاء بن عازب الأسدي فإن هلك فأميركم عبد اللّه بن ضمرة العذري فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي.

قال:و أنا و اللّه فيمن يمشي معه و يمسك بعضده و يده و إني لأعرف في وجهه أن الموت قد نزل به.

قال:فجعل يزيد بن أنس عبد اللّه بن ضمرة العذري على ميمنته و سعر بن أبي سعر على ميسرته و جعل و رقاء بن عازب الأسدي على الخيل و نزل هو فوضع بين

ص: 10

الرجال على السرير ثم قال لهم:ابرزوا لهم بالعراء و قدّموني في الرجال ثم إن شئتم فقاتلوا عن أميركم و إن شئتم ففروا عنه.

قال:فأخرجناه في ذي الحجة يوم عرفة سنة 66 ه فأخذنا نمسك أحيانا بظهره فيقول اصنعوا كذا اصنعوا كذا و افعلوا كذا فيأمر بأمره ثم لا يكون بأسرع من أن يغلبه الوجع فيوضع هنيهة و يقتتل الناس و ذلك عند شفق الصبح قبل شروق الشمس.

قال:فحملت ميسرتهم على ميمنتنا فاشتد قتالهم و تحمل ميسرتنا على ميمنتهم فتهزمها و يحمل و رقاء بن عازب الأسدي في الخيل فهزمهم فلم يرتفع الضحى حتى هزمناهم و حوينا عسكرهم.

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر العدوي قال:انتهينا إلى ربيعة بن المخارق صاحبهم و قد انهزم عنه أصحابه و هو نازل ينادى يا أولياء الحق و يا أهل السمع و الطاعة إلي أنا ابن المخارق قال موسى:فأما أنا فكنت غلاما حدثا فهبته و وقفت و يحمل عليه عبد اللّه بن ورقاء الأسدي و عبد اللّه بن ضمرة العذري فقتلاه.

(قال أبو مخنف)و حدثني عمرو بن مالك أبو كبشة القيني قال:كنت غلاما حين راهقت مع أحد عمومتي في ذلك العسكر،فلما نزلنا بعسكر الكوفيين عبأنا ربيعة ابن المخارق فأحسن التعبئة و جعل على ميمنته ابن أخيه و على ميسرته عبد ربه السلمي و خرج هو في الخيل و الرجال و قال:يا أهل الشام إنكم إنما تقاتلون العبيد الآباق و قوما قد تركوا الإسلام و خرجوا منه ليست لهم تقية و لا ينطقون بالعربية.

قال:فو اللّه إن كنت لأحسب أن ذلك كذلك حتى قاتلناهم.

قال:فو اللّه ما هو إلا أن اقتتل الناس إذا رجل من أهل العراق يعترض الناس بسيفه و هو يقول:

ص: 11

برئت من دين المحكّمينا و ذاك فينا شر دين دينا

ثم إن قتالنا و قتالهم اشتد ساعة من النهار ثم إنهم هزمونا حين ارتفع الضحى فقتلوا صاحبنا و حووا عسكرنا فخرجنا منهزمين حتى تلقّانا عبد اللّه بن حملة على مسيرة ساعة من تلك القرية التي يقال لها ببنات تلى فردّنا فأقبلنا معه حتى نزل بيزيد ابن أنس فبتنا متحارسين حتى أصبحنا فصلّينا الغداة ثم خرجنا على تعبئة حسنة فجعل على ميمنته الزبير بن حريمة من خثعم و على ميسرته ابن أقيصر القحافي من خثعم و تقدّم في الخيل و الرجال و ذلك يوم الأضحى فاقتتلنا قتالا شديدا ثم إنهم هزمونا هزيمة قبيحة و قتلونا قتلا ذريعا و حووا عسكرنا و أقبلنا حتى انتهينا إلى عبيد اللّه بن زياد فحدّثناه بما لقينا.

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر قال:أقبل إلينا عبد اللّه بن حملة الخثعمي فاستقبل فل ربيعة بن المخارق الغنوي فردّهم ثم جاء حتى نزل ببنات تلى،فلما أصبح غادوا و غادينا فتطارت الخيلان من أول النهار ثم انصرفوا و انصرفنا حتى إذا صلينا الظهر خرجنا فاقتتلنا ثم هزمناهم.

قال:و نزل عبد اللّه بن حملة فأخذ ينادي أصحابه الكرة بعد الفرة يا أهل السمع و الطاعة فحمل عليه عبد اللّه بن قراد الخثعمي فقتله و حوينا عسكرهم و ما فيه و أتى يزيد بن أنس بثلثمائة أسير و هو في السوق فأخذ يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم فقتلوا من عند آخرهم.

و قال يزيد بن أنس:إن هلكت فأميركم و رقاء بن عازب الأسدي فما أمسى حتى مات فصلّى عليه و رقاء بن عازب و دفنه فلما رأى ذلك أصحابه أسقط في أيديهم و كسر موته قلوب أصحابه و أخذوا في دفنه فقال لهم و رقاء:يا قوم ماذا ترون إنه قد بلغني أن عبيد اللّه بن زياد قد أقبل إلينا في ثمانين ألفا من أهل الشام فأخذوا

ص: 12

يتسللون و يرجعون ثم إن ورقاء دعا رؤوس الأرباع و فرسان أصحابه فقال لهم يا هؤلاء ماذا ترون فيما أخبرتكم إنما أن رجل منكم و لست بأفضلكم رأيا فأشيروا علي فإن ابن زياد قد جاءكم في جند أهل الشام الأعظم و بجلتهم و فرسانهم و أشرافهم و لا أرى لنا و لكم بهم طاقة على هذه الحال و قد هلك يزيد بن أنس أميرنا و تفرّقت عنا طائفة منا فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل أن نلقاهم و قبل أن نبلغهم فيعلموا أنا إنما ردنا عنهم هلاك صاحبنا فلا يزالوا لنا هائبين لقتلنا منهم أميرهم و لأنا إنما نعتل لانصرافنا يموت صاحبنا و أنا إن لقيناهم اليوم كنا مخاطرين فإن هزمنا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا إياهم من قبل اليوم.

قالوا:فإنك نعما رأيت انصرف رحمك اللّه،فانصرف فبلغ منصرفهم ذلك المختار و أهل الكوفة فأوجف الناس و لم يعلموا كيف كان الأمر أن يزيد بن أنس هلك و أن الناس هزموا فبعث إلى المختار عامله على المدائن عينا له من أنباط السواد فأخبره الخبر فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر فعقد له على سبعة آلاف رجل،ثم قال له:سرّ حتى إذا أنت لقيت جيش ابن أنس فارددهم معك ثم سر حتى تلقى عدوك فتناجزهم فخرج إبراهيم فوضع عسكره بحمام أعين (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو زهير النضر بن صالح قال:لما مات يزيد بن أنس التقى أشراف الناس بالكوفة فأرجفوا بالمختار و قالوا:قتل يزيد بن أنس و لم يصدقوا أنه مات و أخذوا يقولون:و اللّه لقد تأمر علينا هذا الرجل بغير رضى منا و لقد أدنى موالينا فحملهم على الدواب و أعطاهم و أطعمهم فيئنا و لقد عصتنا عبيدنا فحرب بذلك أيتامنا و أراملنا فاتعدوا منزل شبث بن ربعي و قالوا:نجتمع في منزل شيخنا و كان شبث جاهليا إسلاميا فاجتمعوا فأتوا منزله فصلّى بأصحابه ثم7.

ص: 13


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 517.

تذاكروا هذا النحو من الحديث.

قال:و لم يكن فيما أحدث المختار عليهم شيء هو أعظم من أن جعل للموالي من الفيء نصيبا فقال لهم شبث دعوني حتى ألقاه فذهب فلقيه فلم يدع شيئا مما أنكره أصحابه إلا و قد ذاكره إياه فأخذ لا يذكر خصلة إلا قال له المختار:أرضيهم في هذه الخصلة و آتى كل شيء أحبوا.

قال:فذكر المماليك.

قال:فأنا أرد عليهم عبيدهم فذكر له الموالي فقال عمدت إلى موالينا و هم في ما أفاءه اللّه علينا و هذه البلاد جميعا فأعتقنا رقابهم نأمل الأجر في ذلك و الثواب و الشكر فلم ترض لهم بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا فقال لهم المختار إن أنا تركت لكم مواليكم و جعلت فيأكم فيكم أتقاتلون معي بني أمية و ابن الزبير و تعطون على الوفاء بذلك عهد اللّه و ميثاقه و ما أطمئن إليه من الأيمان.

فقال شبث:ما أدري حتى أخرج إلى أصحابي فأذاكرهم ذلك فخرج فلم يرجع إلى المختار.

قال:و أجمع رأى أشراف أهل الكوفة على قتال المختار.

(قال أبو مخنف)فحدثني قدامة بن حوشب قال:جاء شبث ابن ربعي و شمر بن ذي الجوشن و محمد بن الأشعث و عبد الرحمن بن سعيد بن قيس حتى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعمي فتكلم شبث فحمد اللّه و أثنى عليه ثم أخبره باجتماع رأيهم على قتال المختار و سأله أن يجيبهم إلى ذلك و قال:فيما يعتب على المختار إنه تأمّر علينا بغير رضى منا و زعم أن ابن الحنفية بعثه إلينا و قد علمنا أن ابن الحنفية لم يفعل و أطعم موالينا فيئنا و أخذ عبيدنا فحرب بهم يتامانا و أراملنا و أظهر هو و سبايته البراءة من أسلافنا الصالحين قال:فرحّب بهم كعب بن أبي كعب و أجابهم إلى ما دعوه إليه.

ص: 14

(قال أبو مخنف)فحدثني أبى يحيى بن سعيد أن أشراف أهل الكوفة قد كانوا دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف فدعوه إلى أن يجيبهم إلى قتال المختار فقال لهم يا هؤلاء إنكم إن أبيتم إلا أن تخرجوا لم أخذلكم و إن أنتم أطعتموني لم تخرجوا فقالوا لم قال:لانى أخاف أن تتفرّقوا و تختلفوا و تتخاذلوا و مع الرجل و اللّه شجعاؤكم و فرسانكم من أنفسكم أليس معه فلان و فلان ثم معه عبيدكم و مواليكم و كلمة هؤلاء واحدة و عبيدكم و مواليكم أشد حنقا عليكم من عدوكم فهو مقاتلكم بشجاعة العرب و عداوة العجم و إن انتظرتموه قليلا كفيتموه بقدوم أهل الشام أو بمجىء أهل البصرة فتكونوا قد كفيتموه بغيركم و لم تجعلوا بأسكم بينكم.

قالوا:ننشدك اللّه أن تخالفنا و أن تفسد علينا رأينا و ما قد اجتمعت عليه جماعتنا.

قال:فأنا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا فسار بعضهم إلى بعض و قالوا:

إنتظروا حتى يذهب عنه إبراهيم بن الأشتر.

قال:فأمهلوا حتى إذا بلغ ابن الأشتر ساباط و ثبوا بالمختار.

قال:فخرج عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني في همدان في جبانة السبيع و خرج زحر بن قيس الجعفي و إسحاق بن محمد بن الأشعث في جبانة كندة.

(قال هشام)فحدثني سليمان بن محمد الحضرمي قال:خرج إليهما جبير الحضرمي فقال لهما:اخرجا عن جبانتنا فإنا نكره أن نعرى بشر فقال له إسحاق بن محمد:و جبانتكم هي.

قال:نعم فانصرفوا عنه و خرج كعب بن أبي كعب الخثعمي في جبانة بشر و سار بشير بن جرير بن عبد اللّه إليهم في بجيلة و خرج عبد الرحمن بن مخنف في جبانة مخنف و سار إسحاق بن محمد و زحر بن قيس إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس بجبانة السبيع و سارت بجيلة و خثعم إلى عبد الرحمن بن مخنف و هو بالأزد و بلغ الذين في جبانة السبيع أن المختار قد عبّأ لهم خيلا ليسير إليهم فبعثوا الرسل

ص: 15

يتلو بعضها بعضا إلى الأزد و بجيلة و خثعم يسألونهم باللّه و الرحم لما عجّلوا إليهم فساروا إليهم و اجتمعوا جميعا في جبانة السبيع،و لما أن بلغ ذلك المختار سرّه اجتماعهم في مكان واحد و خرج شمر بن ذي الجوشن حتى نزل بجبانة بني سلول في قيس و نزل شبث بن ربعي و حسان بن فائد العبسي و ربيعة بن ثروان الضبي في مضر بالكناسة و نزل حجار بن أبحر و يزيد بن الحارث بن رؤيم في ربيعة فيما بين التمارين و السبخة و نزل عمرو بن الحجاج الزبيدي في جبانة مراد بمن تبعه من مذحج فبعث إليهم أهل اليمن أن ائتنا فأبى أن يأتيهم و قال لهم:جدّوا فكأني قد أتيتكم.

قال:و بعث المختار رسولا من يومه يقال له:عمرو بن توبة بالركض إلى إبراهيم بن الأشتر و هو بساباط أن لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بجميع من معك إلي.

قال:و بعث إليهم المختار في ذلك اليوم أخبروني ما تريدون فإني صانع كل ما أحببتم قالوا:فإنا نريد أن تعتزلنا فإنك زعمت أن ابن الحنفية بعثك و لم يبعثك فأرسل إليهم المختار أن ابعثوا إليه من قبلكم وفدا و أبعث إليه من قبلي وفدا ثم انظروا في ذلك حتى تتبينوه و هو يريد أن يريثهم بهذه المقالة ليقدم عليه إبراهيم ابن الأشتر و قد أمر أصحابه فكفوا أيديهم و قد أخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه السكك فليس شيء يصل إلى المختار و لا إلى أصحابه من الماء إلا القليل الوتح يجيئهم إذا غفلوا عنه.

قال:و خرج عبد اللّه بن سبيع في الميدان فقاتله شاكر قتالا شديدا فجاءه عقبة بن طارق الجشمي فقاتل معه ساعة حتى رد عاديتهم عنه ثم أقبلا على حاميتهما يسيران حتى نزل عقبة بن طارق مع قيس في جبانة بني سلول،و جاء عبد اللّه بن سييع حتى نزل مع أهل اليمن في جبانة السبيع.

ص: 16

(قال أبو مخنف)حدثني يونس بن أبي إسحاق أن شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن فقال لهم إن اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنبتين و نقاتل من وجه واحد فأنا صاحبكم و إلا فلا و اللّه لا أقاتل في مثل هذا المكان في سكك ضيقة و نقاتل من غير وجه فانصرف إلى جماعة قومه في جبانة بني سلول.

قال:و لما خرج رسول المختار إلى ابن الأشتر بلغه من يومه عشية فنادى في الناس أن ارجعوا إلى الكوفة فسار بقية عشيته تلك ثم نزل حين أمسى فتعشى أصحابه و أراحوا الدواب شيئا كلا شيء ثم نادى في الناس فسار ليلته كلها ثم صلّى الغداة بسورا ثم سار من يومه فصلّى العصر على باب الجسر من الغد ثم إنه جاء حتى بات ليلة في المسجد و معه من أصحابه أهل القوة و الجلد حتى إذا كان صبيحة اليوم الثالث من مخرجهم على المختار خرج المختار إلى المنبر فصعده.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو جناب الكلبي إن شبث بن ربعي بعث إليه ابنه عبد المؤمن فقال له:إنما نحن عشيرتك و كف يمينك لا و اللّه لا نقاتلك فثق بذلك منا و كان رأيه قتاله و لكنه كاده،و لما أن اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة فكره كل رأس من رؤوس أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف هذا أول الإختلاف قدّموا الرضى فيكم فإن في عشيرتكم سيد قراء أهل المصر فليصل بكم رفاعة بن شداد الفتياني من بجيلة ففعلوا فلم يزل يصلّي بهم حتى كانت الوقعة.

(قال أبو مخنف)و حدثني و ازع بن السرى أن أنس بن عمرو الأزدي إنطلق فدخل في أهل اليمن و سمعهم و هم يقولون:إن سار المختار إلى إخواننا من مضر سرنا إليهم و إن سار إلينا ساروا إلينا فسمعها منهم رجل و أقبل جوادا حتى صعد إلى

ص: 17

المختار على المنبر فأخبره بمقالتهم فقال:أما هم فخلقاء لو سرت إلى مضر أن يسيروا إليهم و أما أهل اليمن فأشهد لئن سرت إليهم لا تسير إليهم مضر فكان بعد ذلك يدعو ذلك الرجل و يكرمه.

ثم إن المختار نزل فعبّأ أصحابه في السوق و السوق إذ ذاك ليس فيها هذا البناء.

فقال لإبراهيم بن الأشتر إلى أي الفريقين أحب إليك أن تسير فقال إلى أي الفريقين أحببت فنظر المختار و كان ذا رأي فكره أن يسير إلى قومه فلا يبالغ في قتالهم فقال سر إلى مضر بالكناسة و عليهم شبث بن ربعي و محمد بن عمير بن عطارد و أنا أسير إلى أهل اليمن.

قال:و لم يزل المختار يعرف بشدة النفس و قلة البقيا على أهل اليمن و غيرهم إذا ظفر فسار إبراهيم بن الأشتر إلى الكناسة و سار المختار إلى جبانة السبيع فوقف المختار عند دار عمر بن سعد بن أبي وقاص و سرّح بين يديه أحمر بن شميط البجلي ثم الأحمسي و سرّح عبد اللّه بن كامل الشاكري و قال:لابن شميط إلزم هذه السكة حتى تخرج إلى أهل جبانة السبيع من بين دور قومك و قال لعبد اللّه بن كامل:

إلزم هذه السكة حتى تخرج على جبانة السبيع من دار آل الأخنس بن شريق و دعاهما فأسرّ إليهما أن شباما قد بعثت تخبرني أنهم قد أتوا القوم من ورائهم فمضيا فسلكا الطريقين اللذين أمرهما بهما و بلغ أهل اليمن مسير هذين الرجلين إليهم فاقتسموا تينك السكتين فأما السكة التي في دبر المسجد أحمس فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني و إسحاق بن الأشعث و زحر بن قيس و أما السكة التي تلي الفرات فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن مخنف و بشير بن جرير ابن عبد اللّه و كعب بن أبي كعب ثم إن القوم اقتتلوا كأشد قتال اقتتله قوم ثم إن أصحاب أحمر بن شميم انكشفوا و أصحاب عبد اللّه بن كامل أيضا فلم يرع المختار إلا و قد جاءه الفل قد أقبل فقال:ما وراءكم؟

ص: 18

قالوا:هزمنا.

قال:فما فعل أحمر بن شميط؟

قالوا:تركناه قد نزل عند مسجد القصاص يعنون مسجد أبى داود في وادعة و كان يعتاده رجال أهل ذلك الزمان يقصون فيه و قد نزل معه أناس من أصحابه.

و قال أصحاب عبد اللّه:ما ندري ما فعل ابن كامل فصاح بهم أن انصرفوا ثم أقبل بهم حتى انتهى إلى دار أبى عبد اللّه الجدلي و بعث عبد اللّه بن قراد الخثعمي و كان على أربعمائة رجل من أصحابه فقال:سر في أصحابك إلى ابن كامل فإن يك هلك فأنت مكانه فقاتل القوم بأصحابك و أصحابه و إن تجده حيا صالحا فسر في مائة من أصحابك كلهم فارس و ادفع إليه بقية أصحابك و مر بالجد معه و المناصحة له فإنهم إنما يناصحونني و من ناصحني فليبشر ثم امض في المائة حتى تأتى أهل جبانة السبيع مما يلي حمام قطن بن عبد اللّه فمضى فوجدا بن كامل واقفا عند حمام عمرو بن حريث معه أناس من أصحابه قد صبروا و هو يقاتل القوم فدفع إليه ثلثمائة من أصحابه ثم مضى حتى نزل إلى جبانة السبيع ثم أخذ في تلك السكك حتى انتهى إلى مسجد عبد القيس فوقف عنده و قال لأصحابه:ما ترون؟

قالوا:أمرنا لأمرك تبع و كل من كان معه من حاشد من قومه و هم مائة.

فقال لهم:و اللّه إني لأحب أن يظهر المختار و و اللّه إني لكاره أن يهلك أشراف عشيرتي اليوم و و اللّه لئن أموت أحب إلي من أن يحل بهم الهلاك على يدي و لكن قفوا قليلا فإني قد سمعت شباما يزعمون أنهم سيأتونهم من ورائهم فلعل شباما تكون هي تفعل ذلك و نعافى نحن منه.

قال له أصحابه:فرأيك فثبت كما هو عند مسجد عبد القيس و بعث المختار مالك بن عمرو النهدي في مائتي رجل و كان من أشد الناس بأسا و بعث عبد اللّه بن شريك

ص: 19

النهدي في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط و ثبت مكانه فانتهوا إليه و قد علاه القوم و كثروه فاقتتلوا عند ذلك كأشد القتال و مضى ابن الأشتر حتى لقي شبث بن ربعي و أناسا معه من مضر كثيرا و فيهم حسان بن فائد العبسي.

فقال لهم إبراهيم:و يحكم إنصرفوا فو اللّه ما أحب أن يصاب أحد من مضر على يدي فلا تهلكوا أنفسكم،فأبوا فقاتلوه فهزمهم و احتمل حسان بن فائد إلى أهله فمات حين أدخل إليهم و قد كان و هو على فراشه قبل موته أفاق إفاقة فقال:أما و اللّه ما كنت أحب أن أعيش من جراحتي هذه و ما كنت أحب أن تكون منيتي إلا بطعنة رمح أو بضربة بالسيف فلم يتكلم بعدها كلمة حتى مات و جاءت البشرى إلى المختار من قبل إبراهيم بهزيمة مضر فبعث المختار البشرى من قبله إلى أحمر بن شميط و إلى ابن كامل فالناس على أحوالهم كل أهل سكة منهم قد أعنت ما يليها.

قال:فاجتمعت شبام و قد رأسوا عليهم أبا القلوص و قد أجمعوا و اجتمعوا بأن يأتوا أهل اليمن من ورائهم.

فقال بعضهم لبعض:أما و اللّه لو جعلتم جدكم هذا على من خالفكم من غيركم لكان أصوب فسيروا إلى مضر أو إلى ربيعة فقاتلوهم و شيخهم أبو القلوص ساكت لا يتكلم فقالوا يا أبا القلوص ما رأيك فقال:قال اللّه جل ثناؤه قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (1).

قوموا فقاموا فمشى بهم قيس رمحين أو ثلاثة ثم قال لهم:إجلسوا فجلسوا ثم مشى بهم أنفس من ذلك شيئا ثم قعد بعد ثم قال لهم:قوموا ثم مشى بهم الثالثة أنفس من ذلك شيئا ثم قعد بهم فقالوا له يا أبا القلوص و اللّه إنك عندنا لأشجع العرب فما يحملك على الذي تصنع.

قال:إن المجرب ليس كمن لم يجرب إني أردت أن ترجع إليكم أفئدتكم و أن .23

ص: 20


1- سورة التوبة:123

توطنوا على القتال أنفسكم و كرهت أن أقحمكم على القتال و أنتم على حال دهش قالوا:أنت أبصر بما صنعت،فلما خرجوا إلى جبانة السبيع استقبلهم على فم السكة الأعسر الشاكري فحمل عليه الجندعي و أبو الزبير بن كريب فصرعاه و دخلا الجبانة و دخل الناس الجبانة في آثارهم و هم ينادون يا لثارات الحسين فأجابهم أصحاب ابن شميط يا لثارات الحسين فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران من همدان فقال:يا لثارات عثمان.

فقال لهم رفاعة بن شداد:مالنا و لعثمان لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان.

فقال له أناس من قومه:جئت بنا و أطعناك حتى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت:انصرفوا و دعوهم فعطف عليهم و هو يقول:

أنا ابن شداد على دين علي لست لعثمان بن أروى بولي

لأصلين اليوم فيمن يصطلي بحر نار الحرب غير مؤتلي

فقاتل حتى قتل و قتل يزيد بن عمير بن ذي مران و قتل النعمان بن صهبان الجرمي ثم الراسبي و كان ناسكا و رفاعة بن شداد بن عوسجة الفتياني عند حمام المهبذان الذي بالسبخة و كان ناسكا و قتل الفرات بن زحر بن قيس الجعفي و ارتث زحر بن قيس و قتل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس و قتل عمر بن مخنف و قاتل عبد الرحمن بن مخنف حتى ارتث و حملته الرجال على أيديها و ما يشعر و قاتل حوله رجال من الأزد فقال حميد بن مسلم

لأضر بن عن أبي حكيم مفارق الأعبد و الصميم

و قال سراقة بن مرداس البارقي:

يا نفس إلا تصبري تلبمى لا نتولى عن أبي حكيم

و استخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير فأتى بهم المختار مكتفين فأخذ رجل من بني نهد و هو من رؤساء أصحاب المختار يقال له عبد اللّه بن شريك لا

ص: 21

يخلو بعربي إلا خلى سبيله فرفع ذلك للمختار درهم مولى لبنى نهد.

فقال له المختار:أعرضوهم علي و انظروا كل من شهد منهم قتل الحسين عليه السّلام فأعلموني به فأخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد قتل الحسين عليه السّلام إلا قيل له هذا ممن شهد قتله فيقدّمه فيضرب عنقه حتى قتل منهم قبل أن يخرج مائتين و ثمانية و أربعين قتيلا و أخذ أصحابه كلما رأوا رجلا قد كان يؤذيهم أو يماريهم أو يضربهم خلوا به فقتلوه حتى قتل ناس كثير منهم و ما يشعر بهم المختار فأخبر بذلك المختار بعد فدعى بمن بقي من الأسارى فأعتقهم و أخذ عليهم المواثيق أن لا يجامعوا عليه عدوا و لا يبغوه و لا أصحابه غائلة إلا سراقة بن مرداس البارقي فإنه أمر به أن يساق معه إلى المسجد.

قال:و نادى منادي المختار إنه من أغلق بابه فهو آمن إلا رجلا شرك في دم آل محمد عليهم السّلام (1).

(قال أبو مخنف)حدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن يزيد بن الحارث ابن يزيد بن رؤيم و حجار بن أبجر بعثا رسلا لهما فقالا لهم كونوا من أهل اليمن قريبا فإن رأيتموهم قد ظهروا فأيكم سبق إلينا فليقل صرفان و إن كانوا هزموا فليقل جمزان،فلما هزم أهل اليمن أتتهم رسلهم فقال لهم:أول من انتهى إليهم جمزان فقام الرجلان فقالا لقومهما:انصرفوا إلى بيوتكم فانصرفوا و خرج عمرو ابن الحجاج الزبيدي و كان ممن شهد قتل الحسين عليه السّلام فركب راحلته ثم ذهب عليها فأخذ طريق شراف و واقصة فلم ير حتى الساعة و لا يدرى أرض بخسته أم سماء حصبته و أما فرات به زحر بن قيس فإنه لما قتل بعثت عائشة بنت خليفة بن عبد اللّه الجعفية و كانت امرأة الحسين بن علي عليه السّلام إلى المختار تسأله أن يأذن لها أن5.

ص: 22


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 525.

تواري جسده ففعل فدفنته و بعث المختار غلاما له يدعى زربيا في طلب شمر بن ذي الجوشن.

(قال أبو مخنف)فحدثني يونس بن أبي إسحاق عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال:تبعنا زربي غلام المختار فلحقنا و قد خرجنا من الكوفة على خيول لنا ضمر فأقبل يتمطر به فرسه،فلما دنا منا قال لنا شمر:اركضوا و تباعدوا عني لعل العبد يطمع في.

قال:فركضنا فأمعنا و طمع العبد في شمر و أخذ شمر ما يستطرد له حتى إذا انقطع من أصحابه حمل عليه شمر فدق ظهره و أتي المختار فأخبر بذلك فقال بؤسا لزربي أما لو يستشيرني ما أمرته أن يخرج لأبي السابغة.

(قال أبو مخنف)حدثني أبو محمد الهمداني عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال:

لما خرج شمر بن ذي الجوشن و أنا معه حين هزمنا المختار و قتل أهل اليمن بجبانة السبيع و وجّه غلامه زربيا في طلب شمر و كان من قتل شمر إياه ما كان مضى شمر حتى ينزل ساتيد ما ثم مضى حتى ينزل إلى جانب قرية يقال لها الكلتانية على شاطئ نهر إلى جانب تل ثم أرسل إلى تلك القرية فأخذ منها علجا فضربه ثم قال:

النجاء بكتابي هذا إلى المصعب بن الزبير و كتب عنوانه للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن.

قال:فمضى العلج حتى يدخل قرية فيها بيوت و فيها أبو عمرة و قد كان المختار بعثه في تلك الأيام إلى تلك القرية ليكون مسلحة فيما بينه و بين أهل البصرة فلقي ذلك العلج علجا من تلك القرية فأقبل يشكو إليه ما لقي من شمر فإنه لقائم معه يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة فرأى الكتاب مع العلج و عنوانه لمصعب من شمر فسألوا العلج عن مكانه الذي هو به فأخبرهم فذا ليس بينهم و بينه إلا ثلاثة

ص: 23

فراسخ.

قال:فأقبلوا يسيرون إليه.

(قال أبو مخنف)فحدثني مسلم بن عبد اللّه.قال:و أنا و اللّه مع شمر تلك الليلة فقلنا لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فانا نتخوف به فقال:أو كل هذا فرقا من الكذاب و اللّه لا أتحول منه ثلاثة أيام ملأ اللّه قلوبكم رعبا قال:و كان بذلك المكان الذي كنا فيه دبى كثير فو اللّه إني لبين اليقظان و النائم إذ سمعت وقع حوافر الخيل فقلت في نفسي:هذا صوت الدبى ثم إني سمعته أشد من ذلك فانتهبت و مسحت عيني و قلت:لا و اللّه ما هذا بالدبى.

قال:و ذهبت لأقوم فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التل فكبّروا ثم أحاطوا بأبياتنا و خرجنا نشتد على أرجلنا و تركنا خيلنا.

قال:فأمر على شمر و إنه لمتزر ببرد محقق و كان أبرص فكأني أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد فإنه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه و ثيابه فمضينا و تركناه.

قال:فما هو إلا أن أمعنت ساعة إذ سمعت اللّه أكبر قتل اللّه الخبيث.

(قال أبو مخنف)حدثني المشرقي عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود قال:أنا و اللّه صاحب الكتاب الذي رأيته مع العلج و أتيت به أبا عمرة و أنا قتلت شمرا.قال:

قلت:هل سمعته يقول شيئا ليلتئذ؟

قال:نعم خرج علينا فطاعننا برمحه ساعة ثم ألقى رمحه ثم دخل بيته فأخذ سيفه ثم خرج علينا و هو يقول:

نبهتم ليث عرين باسلا حهما محياه يدق الكاهلا

لم ير يوما عن عدو ناكلا إلا كذا مقاتلا أو قاتلا

ص: 24

يبرحهم ضربا و يروى العاملا (1).

(قال أبو مخنف)عن يونس بن أبي إسحاق،و لما خرج المختار من جبانة السبيع و أقبل إلى القصر أخذ سراقة بن مرداس يناديه بأعلى صوته:

أمنن علي اليوم يا خير معد و خير من حل بشحر و الجند

و خير من حيى و لبى و سجد

فبعث به المختار إلى السجن فحبسه ليلة ثم أرسل إليه من الغد فأخرجه فدعا سراقة فأقبل إلى المختار و هو يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أنا

نزونا نزوة كانت علينا

خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا

و كان خروجنا بطرا و حينا

نراهم في مصافهم قليلا

و هم مثل الدبى حين التقينا

برزنا إذ رأيناهم،فلما

رأينا القوم قد برزوا إلينا

لقينا منهم ضربا طلحفا

و طعنا صائبا حتى انثنينا

نصرت على عدوك كل يوم

بكل كتيبة تنعى حسينا

كنصر محمد في يوم بدر

و يوم الشعب إذ لاقي حنينا7.

ص: 25


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 527.

فاسجع إذ ملكت فلو ملكنا

لجرنا في الحكومة و اعتدينا

تقبل توبة مني فإني

سأشكر إن جعلت النقد دينا

قال:فلما انتهى إلى المختار قال له:أصلحك اللّه أيها الأمير سراقة بن مرداس يحلف باللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البلق بين السماء و الأرض.

فقال له المختار:فاصعد المنبر فأعلم ذلك المسلمين فصعد فأخبرهم بذلك ثم نزل فخلا به المختار فقال:إني قد علمت أنك لم تر الملائكة و إنما أردت ما قد عرفت أن لا أقتلك فاذهب عني حيث أحببت لا تفسد علي أصحابي.

(قال أبو مخنف)فحدثني الحجاج بن علي البارقي عن سراقة بن مرداس قال:ما كنت في أيمان حلفت بها فط أشد اجتهادا و لا مبالغة في الكذب مني في أيماني هذه التي حلفت لهم بها أني قد رأيت الملائكة معهم تقاتل فخلّوا سبيله فهرب فلحق بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة و خرج أشراف أهل الكوفة و الوجوه فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة و خرج سراقة بن مرداس من الكوفة و هو يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

كفرت بوحيكم و جعلت نذرا علي قتالكم حتى الممات

أرى عيني ما لم تبصراه كلانا عالم بالترهات

إذا قالوا أقول لهم كذبتم و إن خرجوا لبست لهم أداتى

حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال:حدثنا محمد بن براد من ولد أبي موسى الأشعري عن شيخ قال:لما أسر سراقة البارقي.قال:و أنتم أسرتموني ما أسرني

ص: 26

إلا قوم على دواب بلق عليهم ثياب بيض.

قال:فقال المختار:أولئك الملائكة فأطلقه فقال:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

أرى عيني ما لم يرأياه كلانا عالم بالترهات.

(قال أبو مخنف)حدثني عمير بن زياد أن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني قال يوم جبانة السبيع:و يحكم من هؤلاء الذين أتونا من ورائنا قيل له شبام فقال:يا عجبا يقاتلني بقومي من لا قوم له.

(قال أبو مخنف)و حدثني أبو روق أن شرحبيل بن ذي بقلان من الناعطيين قتل يؤمئذ و كان من بيوتات همدان فقال يومئذ قبل أن يقتل يا لها قتلة ما أضل مقتولها قتال مع غير إمام و قتال على غير نية و تعجيل فراق الأحبة و لو قتلناهم إذا لم نسلم منهم إنا للّه و إنا إليه راجعون أما و اللّه ما خرجت إلا مواسيا لقومي بنفسي مخافة أن يضطهدوا،و أيم اللّه ما نجوت من ذلك و لا أنجو و لا أغنيت عنهم و لا أغنوا.

قال:و يرميه رجل من الفائشيين من همدان يقال له أحمر بن هديج بسهم فيقتله.

قال:و اختصم في عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني نفر ثلاثة سعر بن أبي سعر الحنفي و أبو الزبير الشبامي و رجل آخر فقال سعر:طعنته طعنة و قال أبو الزبير:لكن ضربته أنا عشر ضربات أو أكثر و قال لي ابنه:يا أبا الزبير أتقتل عبد الرحمن بن سعيد سيد قومك؟

فقلت: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .

فقال المختار:كلكم محسن.

و انجلت الوقعة عن سبعمائة و ثمانين قتيلا من قومه.

(قال أبو مخنف)حدثني النضر بن صالح أن القتل إذ ذاك كان استحر في أهل

ص: 27

اليمن و أن مضر أصيب منهم بالكناسة بضعة عشر رجلا ثم مضوا حتى مروا بربيعة فرجع حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن رؤيم و شداد بن المنذر أخو حصين و عكرمة بن ربعي فانصرف جميع هؤلاء إلى رحالهم و عطف عليهم عكرمة فقاتلهم قتالا شديدا ثم انصرف عنهم و قد خرج فجاء حتى دخل منزله فقيل له قد مرّت خيل في ناحية الحي فخرج فأراد أن يثب من حائط داره إلى دار أخرى إلى جانبه فلم يستطع حتى حمله غلام له و كانت وقعة جبانة السبيع يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة 66.

قال:و خرج أشراف الناس فلحقوا بالبصرة و تجرّد المختار لقتلة الحسين فقال ما من ديننا ترك قوم قتلوا الحسين يمشون أحياء في الدنيا آمنين بئس ناصر آل محمد أنا إذا الكذاب كما سمّوني فإني باللّه أستعين عليهم و الحمد للّه الذي جعلني سيفا ضربهم به و رمحا طعنهم به و طالب و ترهم و القائم بحقهم إنه كان حقا على اللّه أن يقتل من قتلهم و أن يذل من جهل حقهم فسمّوهم لي ثم اتبعوهم حتى تفنوهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني موسى بن عامر أن المختار قال لهم:اطلبوا لي قتلة الحسين فإنه لا يسوغ لي الطعام و الشراب حتى أطهر الأرض منهم و أنفي المصر منهم.

(قال أبو مخنف)و حدثني مالك بن أعين الجهني أن عبد اللّه بن دباس و هو الذي قتل محمد بن عمار بن ياسر الذي قال الشاعر:قتيل ابن دباس أصاب قذا له،هو الذي دلّ المختار على نفر ممن قتل الحسين منهم عبد اللّه بن أسيد بن النزال الجهني من حرقة و مالك بن النسير البدي و حمل بن مالك المحاربي فبعث إليهم المختار أبا نمر مالك بن عمرو النهدي و كان من رؤساء أصحاب المختار فأتاهم و هم بالقادسية فأخذهم فأقبل بهم حتى أدخلهم عليه عشاء فقال لهم المختار:يا أعداء اللّه

ص: 28

و أعداء كتابه و أعداء رسوله و آل رسوله أين الحسين بن علي عليه السّلام،أدوا إلى الحسين قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة،فقالوا:رحمك اللّه بعثنا و نحن كارهون فامنن علينا و استبقنا.

قال المختار:فهلا مننتم على الحسين بن بنت نبيكم و استبقيتموه و سقيتموه ثم قال المختار للبدي:أنت صاحب برنسه.

فقال له عبد اللّه بن كامل:نعم هو هو.

فقال المختار:إقطعوا يدي هذا و رجليه و دعوه فليضطرب حتى يموت ففعل ذلك به و ترك فلم يزل ينزف الدم حتى مات و أمر بالآخرين فقدّما فقتل عبد اللّه بن كامل عبد اللّه الجهني و قتل سعر بن أبي سعر حمل بن مالك المحاربي.

(قال أبو مخنف)و حدثني أبو الصلت التيمي قال:حدثني أبو سعيد الصيقل أن المختار دلّ على رجال من قتلة الحسين دلّه عليهم سعر الحنفي.

قال:فبعث المختار عبد اللّه بن كامل فخرجنا معه حتى مر ببنى ضبيعة فأخذ منهم رجلا يقال له زياد بن مالك.

قال:ثم مضى إلى عنزة فأخذ منهم رجلا يقال له:عمران بن خالد قال:ثم بعثني في رجال معه يقال لهم الدبابة إلى دار في الحمراء فيها عبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي و عبد اللّه بن قيس الخولاني فجئنا بهم حتى أدخلناهم عليه فقال لهم يا قتلة الصالحين و قتلة سيد شباب أهل الجنة ألا ترون اللّه قد أقاد منكم اليوم لقد جاءكم الورس بيوم نحس و كانوا قد أصابوا من الورس الذي كان مع الحسين أخرجوهم إلى السوق فضربوا رقابهم ففعل ذلك بهم فهؤلاء أربعة نفر.

(قال أبو مخنف)و حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:جاءنا السائب بن مالك الأشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبد القيس و خرج عبد اللّه و عبد الرحمن ابنا صلخب في أثرى و شغلوا بالاحتباس عليهما عني فنجوت

ص: 29

و أخذوهما ثم مضوا بهما حتى مروا على منزل رجل يقال له عبد اللّه بن وهب بن عمرو ابن عم أعشى همدان من بني عبد فأخذوه فانتهوا بهم إلى المختار فأمر بهم فقتلوا في السوق فهؤلاء ثلاثة فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم:

ألم ترني على دهش نجوت و لم أكد أنجو

رجاء اللّه أنقذني و لم أك غيره أرجو.

(قال أبو مخنف)حدثني موسى بن عامر العدوي من جهينة و قد عرف ذلك الحديث شهم بن عبد الرحمن الجهني قال:بعث المختار عبد اللّه بن كامل إلى عثمان ابن خالد بن أسير الدهماني من جهينة و إلى أبى أسماء بشر بن سوط القابضي و كانا ممن شهدا قتل الحسين عليه السّلام و كانا اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب و في سلبه فأحاط عبد اللّه بن كامل عند العصر بمسجد بني دهمان.

ثم قال:علي مثل خطايا بني دهمان منذ يوم خلقوا إلى يوم يبعثون إن لم أوت بعثمان ابن خالد بن أسير إن لم أضرب أعناقكم من عند آخركم.

فقلنا له:أمهلنا نطلبه فخرجوا معه على الخيل في طلبه فوجدوهما جالسين في الجبانة و كانا يريدان أن يخرجا إلى الجزيرة فأتى بهما عبد اللّه بن كامل فقال:الحمد للّه الذي كفى المؤمنين القتال لو لم يجدوا هذا مع هذا عنانا إلى منزله في طلبه فالحمد للّه الذي حينك حتى أمكن منك فخرج بهما حتى إذا كان في موضع بئر الجعد ضرب أعناقهما ثم رجع فأخبر المختار خبرهما فأمره أن يرجع إليهما فيحرقهما بالنار و قال:لا يدفنان حتى يحرقا فهذان رجلان.

فقال أعشى همدان يرثي عثمان الجهني

يا عين إبك فتى الفتيان عثمانا لا يبعدن الفتى من آل دهمانا

و اذكر فتى ماجدا حلوا شمائله ما مثله فارس في آل همدانا

قال موسى بن عامر:و بعث معاذ بن هانئ بن عدي الكندي بن أخي حجر و بعث

ص: 30

أبا عمرة صاحب حرسه فساروا حتى أحاطوا بدار خولي بن يزيد الأصبحي و هو صاحب رأس الحسين الذي جاء به فاختبأ في مخرجه فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في الدار فخرجت امرأته إليهم فقالوا لها:أين زوجك؟.

فقالت:لا أدرى أين هو و أشارت بيدها إلى المخرج فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة فأخرجوه و كان المختار يسير بالكوفة ثم إنه أقبل في أثر أصحابه و قد بعث أبو عمرة إليه رسولا فاستقبل المختار الرسول عند دار أبى بلال و معه ابن كامل فأخبره الخبر فأقبل المختار نحوهم فاستقبل به فردده حتى قتله إلى جانب أهله ثم دعا بنار فأحرقه ثم لم يبرح حتى عاد رمادا ثم انصرف عنه و كانت امرأته من حضرت موت يقال لها العيوف بنت مالك بن نهار بن عقرب و كانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين (1).

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر أبو الأشعر أن المختار قال:ذات يوم و هو يحدث جلساءه لأقتلن غدا رجلا عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين يسر مقتله المؤمنين و الملائكة المقربين.

قال:و كان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص فلما رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال:إلق ابن سعد الليلة فخبّره بكذا و كذا و قل له خذ حذرك فإنه لا يريد غيرك.

قال:فأتاه فاستخلاه ثم حدّثه الحديث فقال له عمر بن سعد:جزى اللّه أباك و الاخاء خيرا كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود و المواثيق و كان المختار أول ما ظهر أحسن شيء سيرة و تألفا للناس و كان عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق اللّه على المختار لقرابته بعلي فكلم عمر بن سعد عبد اللّه بن جعدة2.

ص: 31


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 532.

و قال له:إني لا آمن هذا الرجل يعنى المختار فخذلي منه أمانا ففعل.

قال:فأنا رأيت أمانه و قرأته بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص إنك آمن بأمان اللّه على نفسك و مالك و أهلك و أهل بيتك و ولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت رحلك و أهلك و مصرك فمن لقي عمر بن سعد من شرطة اللّه و شيعة آل محمد و من غيرهم من الناس فلا يعرض له إلا بخير شهد السائب بن مالك و أحمر بن شميط و عبد اللّه ابن شداد و عبد اللّه بن كامل و جعل المختار على نفسه عهد اللّه و ميثاقه ليفين لعمر ابن سعد بما أعطاه من الأمان إلا أن يحدث حدثا و أشهد اللّه على نفسه و كفى باللّه شهيدا.

قال:فكان أبو جعفر محمد بن علي يقول أما أمان المختار لعمر بن سعد إلا أن يحدث حدثا فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث قال:فلما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمامه ثم قال في نفسه:أنزل داري فرجع فعبر الروحاء ثم أتى داره غدوة و قد أتى حمامه فأخبر مولى له بما كان من أمانه و بما أريد به.

فقال له مولاه:و أي حدث أعظم مما صنعت إنك تركت رحلك و أهلك و أقبلت إلى ههنا إرجع إلى رحلك لا تجعلن للرجل عليك سبيلا فرجع إلى منزله و أتى المختار بانطلاقه فقال:كلا إن في عنقه سلسلة سترده لو جهد أن ينطلق ما استطاع.

قال:و أصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة و أمره أن يأتيه به فجاءه حتى دخل عليه فقال:أجب الأمير.

فقام عمر فعثر في جبة له و ضربه أبو عمرة بسيفه فقتله،و جاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار.

فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد و هو جالس عنده:أتعرف هذا الرجل

ص: 32

فاسترجع.

قال:نعم و لا خير في العيش بعده.

قال له المختار:صدقت فإنك لا تعيش بعده فأمر به فقتل و إذا رأسه مع رأس أبيه.

ثم إن المختار قال:هذا بحسين و هذا بعلي بن حسين و لا سواء و اللّه لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما و فوا أنملة من أنامله فقالت حميدة بنت عمر بن سعد تبكى أباها:

لو كان غير أخي قسى غره أو غير ذي يمن و غير الأعجم

سخى بنفسي ذاك شيئا فاعلموا عنه و ما البطريق مثل الآلام

أعطى ابن سعد في الصحيفة و ابنه عهدا يلين له جناح الأرقم

فلما قتل المختار عمر بن سعد و ابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي و ظبيان بن عمارة التميمي حتى قدما بهما على محمد بن الحنفية و كتب إلى ابن الحنفية في ذلك بكتاب.

(قال أبو مخنف)و حدثني موسى بن عامر قال:إنما كان هيج المختار على قتل عمر بن سعد أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد بن الحنفية فسلّم عليه فجري الحديث إلى أن تذاكروا المختار و خروجه و ما يدعو إليه من الطلب بدماء أهل البيت فقال محمد بن الحنفية على أهون رسله يزعم أنه لناشعة و قتلة الحسين جلساؤه على الكراسي يحدثونه.

قال:فوعاها الآخر منه،فلما قدم الكوفة أتاه فسلّم عليه فسأله المختار هل لقيت المهدي.

فقال له:نعم.

فقال:ما قال لك و ما ذاكرك؟

ص: 33

قال:فخبّره الخبر.

قال:فما لبث المختار أن قتل عمر بن سعد و ابنه ثم بعث برأسيهما إلى ابن الحنفية مع الرسولين اللذين سمينا و كتب معهما إلى ابن الحنفية بسم اللّه الرحمن الرحيم للمهدى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد سلام عليك يا أيها المهدي فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن اللّه بعثني نقمة على أعدائكم فهم بين قتيل و أسير و طريد و شريد فالحمد للّه الذي قتل قاتليكم و نصر مؤازريكم و قد بعثت إليك برأس عمر بن سعد و ابنه و قد قتلنا من شرك في دم الحسين و أهل بيته رحمة اللّه عليهم كل من قدرنا عليه و لن يعجز اللّه من بقي و لست بمحجم عنهم حتى لا يبلغني أن على أديم الأرض منهم أرميا فاكتب إلى أيها المهدي برأيك أتبعه و أكون عليه،و السلام عليك أيها المهدي و رحمة اللّه و بركاته.

ثم إن المختار بعث عبد اللّه بن كامل إلى حكيم بن طفيل الطائي السنبسي و قد كان أصاب صلب العباس بن علي و رمى حسينا بسهم فكان يقول تعلّق سهمي بسر باله و ما ضرّه فأتاه عبد اللّه ابن كامل فأخذه ثم أقبل به و ذهب أهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم فلحقهم في الطريق فكلم عبد اللّه بن كامل فيه فقال:ما إلي من أمره شيء إنما ذلك إلى الأمير المختار.

قال:فإني آتيه.

قال:فأته راشدا فمضى عدي نحو المختار و كان المختار قد شفّعه في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع لم يكونوا نطقوا بشيء من أمر الحسين و لا أهل بيته فقالت الشيعة لابن كامل إنا نخاف أن يشفع الأمير عدي بن حاتم في هذا الخبيث و له من الذنب ما قد علمت فدعنا نقتله؟

قال:شأنكم به،فلما انتهوا به إلى دار العنزيين و هو مكتوف نصبوه غرضا ثم قالوا له:سلبت ابن علي ثيابه و اللّه لنسلبن ثيابك و أنت حي تنظر فنزعوا ثيابه،ثم

ص: 34

قالوا له:رميت حسينا و اتخذته غرضا لنبلك و قلت:تعلّق سهمي بسرباله و لم يضره و أيم اللّه لنرمينك كما رميته بنبال ما تعلق بك منها أجزاك.

قال:فرموه رشقا واحدا فوقعت به منهم نبال كثيرة فخرّ ميتا.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو الجارود عمن رآه قتيلا كأنه قنفذ لما فيه من كثرة النبل و دخل عدي بن حاتم على المختار فأجلسه معه على مجلسه فأخبره عدي عما جاء له.

فقال له المختار:أتستحل يا أبا طريف أن تطلب في قتلة الحسين قال:إنه مكذوب عليه أصلحك اللّه قال:إذا ندعه لك.

قال:فلم يكن بأسرع من أن دخل ابن كامل.

فقال له المختار:ما فعل الرجل قال:قتلته الشيعة.

قال:و ما أعجلك إلى قتله قبل أن تأتيني به و هو لا يسره أنه لم يقتله و هذا عدي قد جاء فيه و هو أهل أن يشفّع و يؤتى ما سرّه قال:غلبتني و اللّه الشيعة قال له عدي:

كذبت يا عدو اللّه و لكن ظننت أن من هو خير منك سيشفّعني فيه فبادرتني فقتلته و لم يكن خطر يدفعك عما صنعت.

قال:فاستنفر إليه ابن كامل بالشتيمة فوضع المختار إصبعه على فيه يأمر ابن كامل بالسكوت و الكف عن عدي فقام عدي راضيا عن المختار ساخطا على ابن كامل يشكوه عند من لقي من قومه و بعث المختار إلى قاتل على بن الحسين عبد اللّه بن كامل و هو رجل من عبد القيس يقال له:مرة بن منقذ بن النعمان العبدي و كان شجاعا فأتاه ابن كامل فأحاط بداره فخرج إليهم و بيده الرمح و هو على فرس جواد فطعن عبيد اللّه بن ناجية الشبامي فصرعه و لم يضره.

قال:و يضر به ابن كامل بالسيف فيتقيه بيده اليسرى فأسرع فيها السيف و تمطرت به الفرس فأفلت و لحق بمصعب و شلّت يده بعد ذلك.

ص: 35

قال:و بعث المختار أيضا عبد اللّه الشاكري إلى رجل من جنب يقال له:زيد بن رقاد كان يقول لقد رميت فتى منهم بسهم و إنه لواضع كفه على جبهته يتقي النبل فأثبتّ كفه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو عبد الأعلى الزبيدي أن ذلك الفتى عبد اللّه بن مسلم ابن عقيل و أنه قال حيث أثبت كفه في جبهته:اللهم إنهم استقلّونا و استذلّونا اللهم فاقتلهم كما قتلونا و أذلهم كما استذلونا.

ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر فقتله فكان يقول جئته ميتا فنزعت سهمي الذي قتله به من جوفه فلم أزل أنضنض السهم من جبهته حتى نزعته و بقى النصل في جبهته مثبتا ما قدرت على نزعه قال:فلما أتى ابن كامل داره أحاط بها و اقتحم الرجال عليه فخرج مصلتا بسيفه و كان شجاعا فقال ابن كامل:لا تضربوه بسيف و لا تطعنوه برمح و لكن ارموه بالنبل و ارجموه بالحجارة ففعلوا ذلك به فسقط فقال ابن كامل إن كان به رمق فأخرجوه فأخرجوه و به رمق فدعا بنار فحرقه بها و هو حي لم تخرج روحه و طلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدّعي قتل الحسين عليه السّلام فوجده قد هرب إلى البصرة فهدم داره و طلب المختار عبد اللّه بن عقبة الغنوي فوجده قد هرب و لحق بالجزيرة فهدم داره و كان ذلك الغنوي قد قتل منهم غلاما و قتل رجل آخر من بني أسد يقال له:حرملة بن كاهل رجلا من آل الحسين ففيهما يقول ابن أبي عقب الليثي:

و عند غنى قطرة من دمائنا و في أسد أخرى تعد و تذكر

و طلب رجلا من خثعم يقال له:عبد اللّه بن عروة الخثعمي كان يقول رميت فيهم باثني عشر سهما ضيعة ففاته و لحق بمصعب فهدم داره و طلب رجلا من صداء يقال له:عمرو بن صبيح و كان يقول:لقد طعنت بعضهم و جرجت فيهم و ما قتلت منهم أحدا فأتي ليلا و هو على سطحه و هو لا يشعر بعد ما هدأت العيون و سيفه

ص: 36

تحت رأسه فأخذوه أخذا و أخذوا سيفه فقال قبّحك اللّه سيفا ما أقربك و أبعدك فجيء به إلى المختار فحبسه معه في القصر.

فلما أن أصبح أذن لأصحابه و قيل ليدخل من شاء أن يدخل و دخل الناس و جيء به مقيدا فقال:أما و اللّه يا معشر الكفرة الفجرة أن لو بيدي سيفي لعلمتم أني بنصل السيف غير رعش و لا رعديد ما يسرني إذ كانت منيتي قتلا أنه قتلني من الخلق أحد غيركم لقد علمت أنكم شرار خلق اللّه غير أني وددت أن بيدي سيفا أضرب به فيكم ساعة ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل و هو إلى جنبه فضحك ابن كامل ثم أخذ بيده و أمسكها ثم قال:إنه يزعم أنه قد جرح في آل محمد و طعن فمرنا بأمرك فيه.

فقال المختار:عليّ بالرماح فأتي بها فقال اطعنوه حتى يموت فطعن بالرماح حتى مات (1).

(قال أبو مخنف)حدثني هشام بن عبد الرحمن و ابنه الحكم بن هشام ان أصحاب المختار مروا بدار بني أبى زرعة بن مسعود فرموهم من فوقها فأقبلوا حتى دخلوا الدار فقتلوا الهبياط بن عثمان بن أبي زرعة الثقفي و عبد الرحمن بن عثمان بن أبي زرعة الثقفي و أفلتهم عبد المالك بن أبي زرعة بضربة في رأسه فجاء يشتد حتى دخل على المختار فأمر امرأته أم ثابت ابنة سمرة بن جندب فداوت شجّته ثم دعاه فقال:لا ذنب لي أنكم رميتم القوم فأغضبتموهم و كان محمد بن الأشعث بن قيس في قرية الأشعث إلى جنب القادسية فبعث المختار إليه حوشبا سادن الكرسي في مائة فقال انطلق إليه فإنك تجده لاهيا متصيدا أو قائما متلبدا أو خائفا متلددا أو كامنا متغمدا فإن قدرت عليه فأتني برأسه فخرج حتى أتى قصره فأحاط به و خرج منه محمد بن الأشعث فلحق بمصعب و أقاموا على القصر و هم يرون أنه فيه ثم إنهم دخلوا فعلموا أنه قد فاتهم فانصرفوا إلى المختار فبعث إلى6.

ص: 37


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 536.

داره فهدمها و بنى بلبنها و طينها دار حجر بن عدي الكندي و كان زياد بن سمية قد هدمها.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة دعى المثنى بن مخربة العبدي إلى البيعة للمختار بالبصرة أهلها.

فحدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن عبد اللّه بن عطية الليثي و عامر بن الأسود أن المثنى بن مخربة العبدي كان ممن شهد عين الوردة مع سليمان بن صرد ثم رجع مع من رجع ممن بقي من التوابين إلى الكوفة و المختار محبوس فأقام حتى خرج المختار من السجن فبايعه المثنى سرا و قال له المختار:إلحق ببلدك بالبصرة فارع الناس و أسرّ أمرك فقدم البصرة فدعا فأجابه رجال من قومه و غيرهم.

فلما أخرج المختار ابن مطيع من الكوفة و منع عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام من الكوفة خرج المثنى بن مخربة فاتخذ مسجدا و اجتمع إليه قومه و دعا إلى المختار ثم أتى مدينة الرزق فعسكر عندها و جمعوا الطعام في المدينة و نحروا الجزر فوجّه إليهم القباع عباد بن حصين و هو على شرطته و قيس بن الهيثم في الشرط و المقاتلة فأخذوا في سكة الموالي حتى خرجوا إلى السبخة فوقفوا و لزم الناس دورهم فلم يخرج أحد فجعل عبّاد ينظر هل يرى أحدا يسأله فلم ير أحدا فقال:

أما ههنا رجل من بني تميم فقال خليفة الأعور مولى بني عدي عدي الرباب:هذه دار و راد مولى بني عبد شمس.

قال:دق الباب فدقه فخرج إليه و راد فشتمه عبّاد و قال:و يحك أنا واقف ههنا لم تخرج إلي.

قال:لم أدر ما يوافقك.

قال:شد عليك سلاحك و اركب ففعل و وقفوا و أقبل أصحاب المثنى فواقفوهم

ص: 38

فقال عبّاد لو راد قف مكانك مع قيس فوقف قيس بن الهيثم و وراد و رجع عبّاد فأخذ في طريق الذباحين و الناس وقوف في السبخة حتى أتى الكلأ و لمدينة الرزق أربعة أبواب باب مما يلي البصرة و باب إلى الخلالين و باب إلى المسجد و باب إلى مهب الشمال فأتى الباب الذي يلي النهر مما يلي أصحاب السقط و هو باب صغير فوقف و دعا بسلم فوضعه مع حائط المدينة فصعد ثلاثون رجلا و قال لهم:الزموا السطح فإذا سمعتم التكبير فكبّروا على السطوح و رجع عبّاد إلى قيس بن الهيثم و قال:

لو رّاد حرش القوم نطاردهم وراد ثم القتال،فقتل أربعون رجلا من أصحاب المثنى و قتل رجل من أصحاب عباد و سمع الذين على السطوح في دار الرزق الضجة و التكبير فكبّروا فهرب من كان في المدينة و سمع المثنى و أصحابه التكبير من ورائهم فانهزموا و أمر عبّاد و قيس بن الهيثم الناس بالكف عن اتباعهم و أخذوا مدينة الرزق و ما كان فيها و أتى المثنى و أصحابه عبد القيس و رجع عبّاد و قيس و من معهم إلى القباع فوجههما إلى عبد القيس فأخذ قيس بن الهيثم من ناحية الجسر و أتاهم عبّاد من طريق المربد فالتقوا فأقبل زياد بن عمرو العتكي إلى القباع و هو في المسجد جالس على المنبر فدخل زياد المسجد على فرسه فقال:أيها الرجل لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنها فأرسل القباع الأحنف بن قيس و عمر بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا أمر الناس فأتيا عبد القيس.

فقال الأحنف لبكر و الأزد و للعامة:ألستم على بيعة ابن الزبير؟

قالوا:بلى و لكنا لا نسلّم إخواننا.

قال:فمروهم فليخرجوا إلى أي بلاد أحبوا و لا يفسدوا هذا المصر على أهله و هم آمنون فليخرجوا حيث شاءوا؟فمشى مالك بن مسمع و زياد بن عمرو و وجوه أصحابهم إلى المثنى فقالوا له و لأصحابه إنا و اللّه ما نحن على رأيكم و لكنا كرهنا أن تضاموا الحقو بصاحبكم فإن من أجابكم إلى رأيكم قليل و أنتم آمنون فقبل

ص: 39

المثنى قولهما و ما أشارا به و انصرف و رجع الأحنف.

و قال:ما غبنت رأيي إلا يومي هذا إني أتيت هؤلاء القوم و خلفت بكرا و الأزد و رائي و رجع عبّاد و قيس إلى القباع و شخص المثنى إلى المختار بالكوفة في نفر يسير من أصحابه و أصيب في تلك الحرب سويد بن رئاب الشنى و عقبة بن عشيرة الشنى قتله رجل من بني تميم و قتل التميمي فولغ أخوه عقبة بن عشيرة في دم التميمي و قال:ثأري و أخبر المثنى المختار حين قدم عليه بما كان من أمر مالك بن مسمع و زياد بن عمرو و مسيرهما إليه و ذبهما عنه حتى شخص عن البصرة فطمع المختار فيهما فكتب إليهما أما بعد فاسمعا و أطيعا أوتكما من الدنيا ما شئتما و أضمن لكما الجنة.

فقال مالك لزياد:يا أبا المغيرة قد أكثر لنا أبو إسحاق إعطاءنا الدنيا و الآخرة فقال زياد مازحا لمالك:يا أبا غسان أما أنا فلا أقاتل نسيئة من أعطانا الدراهم قاتلنا معه و كتب المختار إلى الأحنف بن قيس من المختار إلى الأحنف و من قبله فسلم أنتم أما بعد فويل أم ربيعة من مضر فإن الأحنف مورد قومه سقر حيث لا يستطيع لهم الصدر و إني لا أملك ما خط في القدر و قد بلغني أنكم تسمونّني كذابا و قد كذّب الأنبياء من قبلي و لست بخير من كثير منهم و كتب إلى الأحنف:

إذا اشتريت فرسا من مالكا ثم أخذت الجوب في شمالكا

فاجعل مصاعا حذما من بالكا.

حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال:حدثنا الحسن بن حماد عن حيان بن علي عن المجالد عن الشعبي قال:دخلت البصرة فقعدت إلى حلقة فيها الأحنف بن قيس.

فقال لي بعض القوم:من أنت؟قلت:رجل من أهل الكوفة؟قال:أنتم موال لنا؟

قلت:و كيف؟قال:قد أنقذناكم من أيدي عبيدكم من أصحاب المختار.قلت:

تدري ما قال شيخ همدان فينا و فيكم؟

ص: 40

فقال الأحنف بن قيس و ما قال؟

قلت:قال:

أفخرتم إن قتلتم أعبدا و هزمتم مرة آل عزل

و إذا فاخرتمونا فاذكروا ما فعلنا بكم يوم الجمل

بين شيخ خاضب عثنونه و فتى أبيض و ضاح رفل

جاءنا يهدج في سابغة فذبحناه ضحى ذبح الحمل

و عفونا فنسيتم عفونا و كفرتم نعمة اللّه الأجّل

و قتلتم خشبيين بهم بدلا من قومكم شر بدل

فغضب الأحنف فقال:يا غلام هات تلك الصحيفة فأتي بصحيفة فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم:من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس أما بعد:فويل أم ربيعة و مضر فإن الأحنف مورد قومه سقر حيث لا يقدرون على الصدر و قد بلغني أنكم تكذّبوني و إن كذّبت فقد كذّب رسل من قبلي و لست أنا خيرا منهم فقال:هذا منا أو منكم.

(و قال هشام)بن محمد عن أبي مخنف قال:حدثني منيع بن العلاء السعدي أن مسكين بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس كان فيمن قاتل المختار، فلما هزم الناس لحق بآذربيجان بمحمد بن عمير بن عطارد و قال:

عجبت دختنوس لما رأتني

قد علاني من المشيب خمار

فأهلّت بصوتها و أرنّت

لا تهالي قد شاب مني العذار

إن تريني قد بان غرب شبابي

و أتى دون مولدي أعصار

ص: 41

فابن عامين و ابن خمسين عاما

أي دهر إلا له أدهار

ليت سيفي لها و جوبتها لي

يوم قالت ألا كريم يغار

ليتنا قبل ذلك اليوم متنا

أو فعلنا ما تفعل الأحرار

فعل قوم تقاذف الخير عنهم

لم نقاتل و قاتل العيزار

و توليت عنهم و أصيبوا

و نفاني عنهم شنار و عار

لهف نفسي على شهاب قريش

يوم يؤتى برأسه المختار

و قال المتوكل:

قتلوا حسينا ثم هم ينعونه إن الزمان بأهله أطوار

لا تبعدن بالطف قتلى ضيعت و سقى مساكن هامها الأمطار

ما شرطة الدجال تحت لوائه بأضل ممن غرّه المختار

أبني قسي أوثقوا دجالكم يجلي الغبار و أنتم أحرار

لو كان علم الغيب عند أخيكم لتوطأت لكم به الأحبار

و لكان أمرا بيّنا فيما مضى تأتي به الأنباء و الأخبار

إني لأرجو أن يكذب و حيكم طعن يشق عصاكم و حصار

و يجيئكم قوم كأن سيوفهم بأكفهم تحت العجاجة نار

لا ينثنون إذا هم لاقوكم إلا و هام كماتكم أعشار

ص: 42

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة بعث المختار جيشا إلى المدينة للمكر بابن الزبير و هو مظهر له أنه وجّههم معونة له لحرب الجيش الذي كان عبد الملك بن مروان وجّهه إليه لحربه فنزلوا وادى القرى (1).0.

ص: 43


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 540.

من قتلهم المختار برواية ابن أعثم

اشارة

قال ابن الأعثم:فجعل أصحابه يسمون رجلا بعد رجل فجعل يؤتى بهم إليه فمنهم من يقطع يديه،و منهم من يقطع رجليه،و منهم من يقطع يديه و رجليه،و منهم من يبقر بطنه،و منهم من يقطع عينيه،و منهم من يجدع أنفه و أذنيه،و منهم من يقطع لسانه و شفتيه،و منهم من يضربه بالسياط حتى يموت،و منهم من يقطع بالسيوف إربا إربا،و منهم من يضرب عنقه صبرا،و منهم من يحرق بالنار حرقا.

قال:فلم يزل كذلك حتى قتل منهم مقتلة عظيمة،و مثل بهم كل مثلة.

قال:و أقبل قوم من أعوان المختار حتى اقتحموا دار خولي بن يزيد الأصبحي و هو الذي احتز رأس الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،و كانت له امرأة يقال لها:

العيوف بنت مالك بن غفير الحضرمي،فلما نظرت إلى أصحاب المختار و قد دخلوا دارها فقالت:يا هؤلاء!ما شأنكم و ما تريدون؟

فقال لها أبو عمرة صاحب شرطة المختار:لا بأس عليك،أين زوجك؟

فقالت:لا أدري-و أشارت بيدها إلى المخرج-قال:فدخلوا عليه و إذا هو جالس و على رأسه قوصرة،فأخذوه و أتوا به إلى المختار،فقالوا:أيها الأمير!هذا خولي ابن يزيد و هو الذي احتز رأس الحسين،قال:فأمر به المختار فذبح بين يديه ذبحا، ثم أمر بجسده فأحرق بالنار.

ثم أتي برجل يقال له بحر بن سليم الكلبي حتى أدخل على المختار فقالوا:أيها الأمير!هذا الذي أخذ خاتم الحسين!فقطع إصبعه مع الخاتم!

ص: 44

فقال:اقطعوا يديه و رجليه و دعوه يشحط في دمه.

قال:فلم يزل المختار كذلك حتى فعل بهم الأفاعيل. (1)4.

ص: 45


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 244.

ذكر مقتل عمر بن سعد و ابنه حفص

قال ابن الأعثم:ثم دعا المختار بأبي عمرة صاحب شرطته.

فقال له:إذهب الساعة في جماعة من أعوانك حتى تهجم على عمر بن سعد فتأتيني به،فإذا دخلت عليه و سمعته يقول:يا غلام!علي بطيلساني،فاعلم أنه إنما يدعو بالسيف،فبادر إليه بسيفك فاقتله و أتني برأسه!

قال:فلم يشعر عمر بن سعد إلا و أبو عمرة قد و افاه في أعوانه،فلما نظر إليه بقي متحيرا ثم قال:ما شأنكم؟

فقال:أجب أمير المؤمنين!

فقال:إن الأمير قد علم بمكاني و قد أعطاني الأمان،فهذا أمانه عندي،قد أخذه لي عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي،ثم قال:يا غلام علي بالأمان! و إذا فيه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم،هذا أمان المختار بن أبي عبيد الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص،إنك آمن بأمان اللّه على نفسك و أهلك و ولدك و أهل بيتك،و لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت منزلك إلا أن تحدث حدثا،فمن لقي عمر بن سعد من شرطة اللّه و شيعة آل محمد لا يتعرض له إلا بسبيل خير،شهد على ذلك السائب بن مالك الأشعري و أحمر بن شميط البجلي و عبد اللّه بن كامل الهمداني و عبد اللّه بن شداد الجهني و يزيد بن أنس الأسدي و فلان ابن فلان،شهدوا على المختار بن أبي عبيد بالعهد و الميثاق و الأمان لعمر بن سعد و ولده إلا أن يحدث حدثا و كفى باللّه شهيدا و السلام».

ص: 46

فقال له أبو عمرة صاحب شرطة المختار:صدقت أبا حفص!قد كنا حضورا عند الأمير أيده اللّه حين كتب لك هذا الأمان،غير أنه يقول إلا أن يحدث حدثا،و لعمري لقد دخلت المخرج مرارا فأحدثت إحداثا،و ليس مثل المختار من يغلط،و إنما عنى هذا الإحداث،و ليس يجب أن يغني عن مثلك و قد قتلت ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسين بن علي و ابن فاطمة،و لكن أجب الأمير فلعله إنما يدعوك لأمر من الأمور، قال:فإني أفعل،يا غلام علي بطيلساني!

فقال أبو عمرة:يا عدو اللّه!لمثلي يقال هذا،و سل سيفه ثم ضربه ضربة على رأسه،سقط منها على قفاه.

ثم قال لأعوانه:خذوا رأسه!

قال:فأخذوا رأس عمر بن سعد و أتي به حتى وضع بين يدي المختار و ابنه حفص بن عمر بن سعد واقف بين يديه،و هو ابن أخت المختار.

فقال له المختار:أتعرف هذا الرأس يا حفص؟

قال:نعم هذا رأس أبي و لا خير في العيش من بعده،ثم قال:فقدّم حفصا بعمر، قال:فتقدم حفص فضربت عنقه صبرا،ثم وضع رأسه إلى جنب رأس أبيه.

فقال المختار:هذا بالحسين و هذا بعلي بن الحسين و لا سواء،فو اللّه لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة واحدة من أنامل الحسين رضي اللّه عنه (1).

قال:ثم وجّه المختار بالرأسين إلى مكة إلى محمد ابن الحنفية و وجّه أيضا مع الرأسين ثلاثين ألف دينار و كتب إليه:بسم اللّه الرحمن الرحيم،للمهدي محمد بن).

ص: 47


1- و كان السبب في تهييج المختار على قتله أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد ابن الحنفية و جرى الحديث إلى أن تذاكرا المختار. فقال ابن الحنفية:إنه يزعم أنه لنا شيعة و قتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه.فلما عاد يزيد أخبر المختار بذلك.فعمد إلى قتله(ابن الأثير682/2-683).

علي،من المختار بن أبي عبيد،سلام عليك،أما بعد فإن اللّه تبارك و تعالى بعثني نعمة لأوليائكم و نقمة على قاتليكم و أعدائكم،فهم من بين قتيل و أسير طريد، فأحمد اللّه على ذلك أيها المهدي حمدا تستوجب منه المزيد في العاجلة،و المغفرة في الآجلة،و قد وجّهت إليك برأس عمر بن سعد و رأس ابنه حفص بن عمر،و قد قتلت من شارك في دم الحسين بن علي عليه السّلام و أهل بيته ممن قدرت عليه بالكوفة، و لن يعجز اللّه من بقي منهم،و لست أنام و لا يسوغ لي الطعام حتى لا يبقى أحد ممن شارك في دماء أهل بيتك،و أنا أرجو أن يقتل اللّه عزوجل عبيد اللّه بن زياد و أصحابه المحلّين،فأطهر منه و من شيعته البلاد،و قد وجّهت إليك أيها المهدي ثلاثين ألف دينار لتفرّقها على من أحببت من أهل بيتك و من التجأ إليك من شيعتك، فاكتب إلي في ذلك برأيك أتبعه،و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

قال:ثم دفع الكتاب و المال و الرأسين إلى مسافر بن سعيد الهمداني و ظبيان بن عمارة التميمي،و ضم إليهما عشرين رجلا،و وجّه بهم إلى محمد ابن الحنفية و هو يومئذ بمكة،و هو جالس في نفر من شيعته يحدثهم و يقول لهم:ألا ترون إلى المختار بن أبي عبيد يزعم أنه محب لنا،و أنه من شيعتنا،و أنه يطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام،و قتلة الحسين بن علي جلوس على الكراسي يحدثهم و يحدثونه،حتى لقد بلغني عن عمر بن سعد و ابنه حفص أنهما يغدوان إليه و يروحان-و اللّه المستعان-.

قال:فما خرجت الكلمة من فيه حينا إلا و كتاب المختار قد وافاه مع الرأسين و المال،فلما وضعت الرأسان بين يديه و قرأ الكتاب حوّل وجهه إلى القبلة و خر ساجدا.

ثم رفع رأسه و بسط كفيه و قال:اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار!اللهم و اجز به عن أهل بيت نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خير الجزاء!فو اللّه ما على المختار بعد هذا من عتب!

ص: 48

قال:ثم أخذ ذلك المال ففرّق منه بمكة ما فرّق،و وجّه بالباقي إلى المدينة ففرق في أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و غيرهم من أولاد المهاجرين و الأنصار (1).7.

ص: 49


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 247.

ذكر مقتل الشمر بن ذي الجوشن

قال ابن الأعثم:ثم دعا المختار بغلام له أسود يقال له رزين،و كان فارسا بطلا، فقال:ويلك يا رزين!قد بلغني عن الشمر بن ذي الجوشن أنه قد خرج عن الكوفة هاربا في نفر من غلمانه و من اتبعه،فاخرج في طلبه فلعلك تأتيني به أو برأسه، فإني ما أعرف من قاتل الحسين بن علي أعتى منه و لا أشد بغضا لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:فاستوى رزين على فرسه و خرج في طلب الشمر بن ذي الجوشن فجعل يسير مسيرا عنيفا،و هو في ذلك يسأل عنه فيقال له:نعم إنه قد مر بنا آنفا،فلم يزل ذلك حتى نظر إليه من بعيد،قال:و حانت من الشمر التفاته فنظر إلى رزين غلام المختار فقال لغلمانه:سيروا أنتم فإن الكذاب قد بعث بهذا الفارس في طلبي!

قال:ثم عطف الشمر على غلام المختار و تطاعنوا برمحيهما،طعنه الشمر طعنة قتله ثم مضى.

قال:و بلغ ذلك المختار فاغتم لذلك غما شديدا،ثم دعا برجل يقال له عبد الرحمن ابن عبيد الهمداني،فضم إليه عشرة من أبطال أصحابه ثم قال:يا عبد الرحمن!إن الشمر قد قتل غلامي رزينا و مر على وجهه،و لست أدري أي طريق سلك،و لكني أنشدك باللّه يا أخا همدان ألا قررت عيني أنت و من معك بقتله إن قدرتم على ذلك.

قال:فخرج عبد الرحمن بن عبيد في عشرة من أصحاب المختار في طلب الشمر ابن ذي الجوشن،فجعلوا يسيرون و هم يسألون عنه و يمضون على الصفة،قال:

ص: 50

و الشمر قد نزل إلى جانب قرية على شاطئ الفرات يقال لها الكلتانية و هو جالس في غلمانه،و معه قوم قد صحبوه من أهل الكوفة من قتلة الحسين بن علي عليه السّلام،و هم آمنون مطمئنون،و الشمر قد نزع درعه و رمى به و رمى ثيابه و اتزر بمئزر و جلس، و دوابه بين يديه ترعى.

فقال له بعض أصحابه ممن كان معه:إنك لو رحلت بنا عن هذا المكان لكان الصواب فإنك قد قتلت غلام المختار،و لا نأمن أن يكون قد وجّه في طلبنا!

قال:فغضب الشمر من ذلك و قال:ويلكم أكل هذا خوفا و جزعا من الكذاب،و اللّه لا برحت من مكاني هذا إلى ثلاثة أيام و لو جاءني الكذاب في جميع أصحابه!

قال:فو اللّه ما فرغ من كلامه حينا حتى أشرفت عليه خيل المختار،فلما نظر إليهم وثب قائما فتأملهم،قال:و نظروا إليه و كان أبرص،و البرص على بطنه و سائر بدنه كأنه ثوب يلمع.

قال:ثم ضرب بيده إلى رمحه ثم دنا من أصحاب المختار و هو يومئذ متزر بمنديل و هو يرتجز و يقول:

تيمموا ليثا هزبرا باسلا جهما محياه يدق الكاهلا

لم يك يوما من عدو ناكلا إلا كذا مقاتلا أو قاتلا

يمنحكم طعنا و موتا عاجلا

قال:فقصده عبد الرحمن بن عبيد و هو يرتجز و يقول:

يا أيها الكلب العوي العامري أبشر بخزي و بموت حاضر

من عصبة لدى الوغى مساعر شم الأنوف سادة مغاور

يا قاتل الشيخ الكريم الطاهر أعني حسين الخير ذي المفاخر

و ابن النبي الصادق المهاجر و ابن الذي كان لدى التشاجر

أشجع من ليث عرين خادر ذاك على ذو النوال الغامر

ص: 51

قال:ثم حنق عليه الهمداني فطعنه في نحره طعنة فسقط عدو اللّه قتيلا،و نزل إليه الهمداني فاحتز رأسه،و قتل أصحابه عن آخرهم،و أخذت أموالهم و أسلحتهم و دوابهم،و أقبل الهمداني برأسه و رؤوس أصحابه إلى المختار حتى وضعها بين يديه،فلما نظر المختار إلى ذلك خر ساجدا للّه،ثم أمر برأس الشمر و أصحابه فنصبت بالكوفة في وجه الحدادين حذاء المسجد الجامع،ثم أمر لهذا الهمداني بعشرة آلاف درهم و ولاّه أرض حلوان.

ثم رجعنا إلى الحديث الأول و خبر عبيد اللّه بن زياد قال:ثم دعا المختار بإبراهيم ابن الأشتر.

فقال له:أبا النعمان!إننا قد عرفنا ممن كان بغى علينا،فاجمع الآن إليك أصحابك و سر إلى عدوك عبيد اللّه بن زياد و أصحابه المحلين،فإن احتجت إلى مدد فاكتب إلي حتى أمدك بالخيل و الرجال،حتى تكتفي إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فقال له ابن الأشتر:أيها الأمير!إني خارج كما ذكرت و أمرت،لكني لا أحب أن يخرج معي عبيد اللّه بن الحر في هذا الجيش،فإنه رجل معجب بنفسه،و أخاف أن يغدر بي في وقت حاجتي إليه!

فقال المختار:صدقت أبا النعمان هو كذلك و لكن داره و أحسن إليه و املأ عينه من المال،فإنه ابن عمك،و لعلّي إن أمرته بالتخلف عنك أن يجد في نفسه من ذلك عليك،و لكن عليك بمداراته مهما استطعت،و اعلم أني منتظر لأمرك و ما يكون منك في قتال الفاسقين،و أنا أرجو أن تلحق الآخرين بالأولين.

قال:فخرج إبراهيم بن الأشتر من الكوفة يوم السبت لثمان خلون من ذي الحجة سنة ست و ستين،و معه يومئذ عشرة آلاف فارس و سبعة آلاف راجل،و قد رفع رأسه إلى السماء و هو يقول:اللهم عمّرنا في طاعتك،و لا تجعلنا من أهل معصيتك،

ص: 52

اللهم اذكرنا و لا تنسانا،و انصرنا و لا تخذلنا،و ارفعنا و لا تضعنا،و أعزنا و لا تذلنا، إنك واسع الرحمة قريب من المحسنين.

قال:و خرج المختار في نفر من أصحابه لتشييعه فجعل يقول:اللهم انصر من صبر،و اخذل من كفر،و من عصى و من فجر،و بايع و غدر،و علا و تجبّر،فصار إلى سقر،لا تبقي و لا تذر،ليذوق العذاب الأكبر.

قال:ثم أقبل على ابن الأشتر فقال:أبا النعمان!إحفظ عني ثلاث خصال أوصيك بها:خف اللّه في السر و العلانية،و عجّل المسير إلى عدوك،فإذا (1)عاينتهم فناجزهم و حاكمهم إلى اللّه فإنه أحكم الحاكمين!أفهمت ما أوصيتك؟

فقال:نعم أيها الأمير قد فهمت.

قال:فسر الآن راشدا،صحبك اللّه و سلّمك،و ردك سالما (2).0.

ص: 53


1- في الطبري 82/6 و إذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم،و إن لقيتهم ليلا فاستطعت ألا تصبح حتى تناجزهم و إن لقيتهم نهارا فلا تنتظر بهم الليل حتى تحاكمهم إلى اللّه.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 270.

مقتل ابن زياد و إرسال رأسه للسجاد عليه السّلام

ذكر اليعقوبي و قال:وجه المختار برأس عبيد اللّه بن زياد إلى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه،و قال له:قف بباب علي بن الحسين،فإذا رأيت أبوابه قد فتحت و دخل الناس،فذلك الذي فيه طعامه،فادخل إليه،فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين،فلما فتحت أبوابه،و دخل الناس للطعام،دخل و نادى بأعلى صوته:يا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مهبط الملائكة،و منزل الوحي،أنا رسول المختار ابن أبي عبيد معي رأس عبيد اللّه بن زياد.

فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلاّ صرخت،و دخل الرسول فأخرج الرأس،فلما رآه علي بن الحسين قال:أبعده اللّه إلى النار.

و روى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه،إلا في ذلك اليوم،و انه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام،فلما أتي برأس عبيد اللّه بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرقت بين أهل المدينة و امتشطت نساء آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و اختضبن و ما امتشطت امرأة و لا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي (1).

ص: 54


1- تاريخ اليعقوبي 259/2.

ذكر القوم الذين عرضوا على المختار فقتلهم صبرا

قال ابن الأعثم:ثم جعل أصحاب المختار يفتشون الدور و يخرجون القوم إلى المختار مكتفين،فكان المختار كلما قدّم إليه رجل يسأل عنه،فإن كان ممن قاتل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما و شهد عليه بذلك أمر به فضربت عنقه صبرا،و إن كان من قتلة الحسين عليه السّلام أمر به فقطعت يده،و منهم من يقطع يده و رجله،و منهم من يأمر به فيكبل بالحديد و يلقى في السجن.

قال:و إذا برجل أسود قد أتي به حتى وقف بين يديه،قال:فجعل الأسود يرتعد و يقول:

أمنن علي اليوم يا خير معد و خير من صلّى و خير من سجد

و خير من حلّ بقوم و وفد و خير من لبى لجبار صمد

قال:فقال له المختار:إني قد سمعت كلامك بالأمس و تحريضك،و أنت تنادي و تقول:أيها الناس قاتلوا الكذاب!أخبرني ما علمك بأني كذاب؟نعم أنا الكذاب،نعم أنا الكذاب كما زعمت إن لم أذقك حر الحديد.

قال:فأمر به،فضربت عنقه صبرا.

ص: 55

خبر سراقة بن مرداس البارقي

قال:و كان آخر من قدم عليه رجل من القوم بهي جميل.

فقال له المختار:من أنت؟

فقال:أيها الأمير!أنا سراقة بن مرداس البارقي،و لست ممن قاتل الحسين بن علي و لا مشارك في دمه،فاسمع كلامي و لا تعجل!

فقال له المختار:فقل ما تشاء فإني سامع منك،فأنشأ يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أنا نزونا نزوة كانت علينا

خرجنا لا نرى الأبطال شيئا و كان خروجنا بطرا و حينا

نراهم في صفوفهم قليلا و هم مثل الدبى لما التقينا

برزنا إذ رأيناهم إليهم و أما القوم قد برزوا إلينا

لقينا منهم ضربا عنيدا و طعنا مسحجا حتى انثنينا

زففت الخيل يا مختار زفا بكل كتيبة قتلت حسينا

نصرت على عدوك كل يوم بكل حضارم لم يلق شينا

كنصرة أحمد في يوم بدر و يوم الشعب إذ لاقى حنينا

فصفحا إذ قدرت فلو قدرنا لجرنا في الحكومة و اعتدينا

تقبّل توبة مني فإني سأشكر إن جعلت النقد دينا.

قال:فقال له المختار:إني قد سمعت شعرك و أنت ممن قاتلني و لا بد من قتلك أو تخليدك السجن،قال:فقال سراقة:و لم ذلك فو اللّه فعليه كذا و كذا إن لم أر الملائكة بالأمس تقاتل معك،فلما وضعت الحرب أوزارها رأيت الملائكة تطير بين السماء

ص: 56

و الأرض.

فقال له المختار:و أنا أحلف أنك ما رأيت شيئا مما رأيت من أمر الملائكة،و قد حلفت باللّه كاذبا،و قد حقنت لك دمك فاخرج عن الكوفة و الحق بأي بلد شئت (1)!

قال:فقال سراقة:صدقت و اللّه أصلح اللّه الأمير ما رأيت شيئا و ما كنت في يمين حلفت بها ساعة قط أشد اجتهادا و لا مبالغة في الكذب من تلك اليمين،و لكني خفت سيفك.

قال:ثم خرج سراقة بن مرداس من الكوفة هاربا حتى صار إلى مصعب بن الزبير فحدّثه بقصته،ثم أنشأ يقول:

ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات

كفرت بوحيكم و جعلت نذرا علي قتالكم حتى الممات (2)

أرى عيني ما لم تبصراه كلانا عالم بالترهات

إذا قالوا أقول لكم كذبتم و إن خرجوا لبست لهم أداتي

قال:فبلغ المختار ما قاله سراقة بن مرداس فقال:أما أنا فلو علمت ذلك منه لما أفلت من مخالبي (3).6.

ص: 57


1- جاء قول المختار هذا لسراقة سرا و كان قد خلا به،و كان قبل قد أمره أن يصعد المنبر و يعلم الناس بما رأى من أن الملائكة كانت تقاتل مع جيش المختار.(انظر الطبري 55/6 ابن الأثير /2 680 الأخبار الطوال ص 303).
2- البيت في الأخبار الطوال ص 303: كفرت بدينكم و برئت منكم و من قتلاكم حتى الممات.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 266.

سبب توجيه المختار الجيش إلى المدينة لابن الزبير

قال الطبري:قال هشام بن محمد:قال أبو مخنف حدثني موسى بن عامر قال:لما أخرج المختار ابن مطيع من الكوفة لحق بالبصرة و كره أن يقدم على ابن الزبير بمكة و هو مهزوم مفلول فكان بالبصرة مقيما حتى قدم عليه عمر بن عبد الرحمن ابن هشام فصارا جميعا بالبصرة و كان سبب قدوم عمر البصرة أن المختار حين ظهر بالكوفة و استجمع له الأمر و هو عند الشيعة إنما يدعو إلى ابن الحنفية و الطلب بدماء أهل البيت أخذ يخادع ابن الزبير و يكتب إليه فكتب إليه أما بعد فقد عرفت مناصحتي إياك و جهدي على أهلي عداوتك و ما كنت أعطيتني إذا أنا فعلت ذلك من نفسك،فلما وفيت لك و قضيت الذي كان لك على خست بي و لم تف بما عاهدتني عليه و رأيت مني ما قد رأيت فإن ترد مراجعتي أراجعك و إن ترد مناصحتي أنصح لك و هو يريد بذلك كفّه عنه حتى يستجمع له الأمر و هو لا يطلع الشيعة على شيء من هذا الأمر و إذا بلغهم شيء منه أراهم أنه أبعد الناس عن ذلك.

قال:فأراد ابن الزبير أن يعلم أسلم هو أم حرب فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام المخزومي.

فقال له:تجهّز إلى الكوفة فقد وليناكها فقال:كيف و بها المختار قال:إنه يزعم إنه سامع مطيع قال:فتجهّز بما بين الثلاثين ألف درهم إلى الأربعين ألفا ثم خرج مقبلا إلى الكوفة.

قال:و يجيء عين المختار من مكة حتى أخبره الخبر.

ص: 58

فقال له:بكم تجهّز قال:بما بين الثلاثين ألفا إلى الأربعين ألفا.

قال:فدعا المختار زائدة بن قدامة و قال له:إحمل معك سبعين ألف درهم ضعف ما أنفق هذا في مسيره إلينا و تلقّه في المفاوز و أخرج معك بمسافر بن سعيد بن نمران الناعطي في خمسمائة فارس دارع رامح عليهم البيض ثم قل له:خذ هذه النفقة فإنها ضعف نفقتك فإنه قد بلغنا أنك تجهّزت و تكلّفت قدر ذلك فكر هنا أن تغرم فخذها و انصرف فإن فعل و إلا فأره الخيل و قل له إن وراء هؤلاء مثلهم مائة كتيبة.

قال:فأخذ زائدة المال و أخرج معه الخيل و تلقّاه بالمفاوز و عرض عليه المال و أمره بالانصراف فقال له:إن أمير المؤمنين قد و لاّنى الكوفة و لابد من إنفاذ أمره فدعا زائدة بالخيل و قد أكمنها في جانب،فلما رآها قد أقبلت قال:هذا الآن أعذر لي و أجمل بي هات المال فقال له زائدة:أما انه لم يبعث به إليك إلا لما بينك و بينه فدفعه إليه فأخذه ثم مضى راجعا نحو البصرة فاجتمع بها هو و ابن مطيع في إمارة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة و ذلك قبل و ثوب المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني إسماعيل بن نعيم أن المختار أخبر أن أهل الشأم قد أقبلوا نحو العراق فعرف أنه به يبدأ فخشي أن يأتيه أهل الشام من قبل المغرب و يأتيه مصعب بن الزبير من قبل البصرة فوادع ابن الزبير و داراه و كايده و كان عبد الملك بن مروان قد بعث عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص إلى وادى القرى و المختار لابن الزبير مكايد موادع فكتب المختار إلى ابن الزبير أما بعد فقد بلغني أن عبد الملك بن مروان قد بعث إليك جيشا فإن أحببت أن أمدك بمدد2.

ص: 59


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 542.

أمددتك فكتب إليه عبد اللّه بن الزبير أما بعد فان كنت على طاعتي فلست أكره أن تبعث الجيش إلى بلادي و تبايع لي الناس قبلك فإذا أتتني بيعتك صدقت مقالتك و كففت جنودي عن بلادك و عجّل علي بتسريح الجيش الذي أنت باعثه و مرهم فليسيروا إلى من بوادي القرى من جند ابن مروان فليقاتلوهم و السلام فدعا المختار شرحبيل بن ورس من همدان فسرّحه في ثلاثة آلاف أكثرهم الموالي ليس فيهم من العرب إلا سبعمائة رجل.

فقال له:سر حتى تدخل المدينة فإذا دخلتها فاكتب إلي بذلك حتى يأتيك أمري و هو يريد إذا دخلوا المدينة أن يبعث عليهم أميرا من قبله و يأمر ابن ورس أن يمضى إلى مكة حتى يحاصر ابن الزبير و يقاتله بمكة فخرج الآخر يسير قبل المدينة و خشي ابن الزبير أن يكون المختار إنما يكيده فبعث من مكة إلى المدينة عباس بن سهل بن سعد في ألفين و أمره أن يستنفر الأعراب و قال له ابن الزبير:إن رأيت القوم في طاعتي فاقبل منهم و إلا فكايدهم حتى تهلكهم ففعلوا و أقبل عباس ابن سهل حتى لقي ابن ورس بالرقيم و قد عبّأ ابن ورس أصحابه فجعل على ميمنته سلمان بن حمير الثوري من همدان و على ميسرته عياش بن جعدة الجدلي و كانت خيله كلها في الميمنة و الميسرة فدنا فسلّم عليه و نزل هو يمشي في الرجالة،و جاء عباس في أصحابه و هم منقطعون على غير تعبئة فيجد ابن ورس على الماء قد عبّأ أصحابه تعبئة القتال فدنا منهم فسلّم عليهم ثم قال:أخل معي ههنا فخلا به.

فقال له:رحمك اللّه ألست في طاعة ابن الزبير فقال له ابن ورس:بلى.

قال:فسر بنا إلى عدوه هذا الذي بوادي القرى فإن ابن الزبير حدثني أنه إنما أشخصكم صاحبكم إليهم؟

قال ابن ورس:ما أمرت بطاعتك إنما أمرت أن أسير حتى آتي المدينة فإذا نزلتها

ص: 60

رأيت رأيي.

قال له عباس بن سهل:فإن كنت في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسير بك و بأصحابك إلى عدونا الذين بوادي القرى.

فقال له ابن ورس:ما أمرت بطاعتك و ما أنا بمتبعك دون أن أدخل المدينة ثم اكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره،فلما رأى عباس بن سهل لجاجته عرف خلافه فكره أن يعلمه أنه قد فطن له فقال فرأيك أفضل إعمل بما بدا لك فأما أنا فإني سائر إلى وادى القرى ثم جاء عباس بن سهل فنزل بالماء و بعث إلى ابن ورس بجزائر كانت معه فأهداها له و بعث إليه بدقيق و غنم مسلخة و كان ابن ورس و أصحابه قد هلكوا جوعا فبعث عباس بن سهل إلى كل عشرة منهم شاة فذبحوها و اشتغلوا بها و اختلطوا على الماء و ترك القوم تعبئتهم و أمن بعضهم بعضا،فلما رأى عباس بن سهل ما هم فيه من الشغل جمع من أصحابه نحوا من ألف رجل من ذوي البأس و النجدة ثم أقبل نحو فسطاط شرحبيل بن ورس،فلما رآهم ابن ورس مقبلين إليه نادى في أصحابه فلم يتواف إليه مائة رجل حتى انتهى إليه عباس بن سهل و هو يقول:يا شرطة اللّه إلي إلي قاتلوا المحلين أولياء الشيطان الرجيم فإنكم على الحق و الهدى و قد غدروا و فجروا.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف أن عباسا انتهى إليهم و هو يقول:

أنا ابن سهل فارس غير و كل أروع مقدام إذا الكبش نكل

و أعتلي رأس الطرماح البطل بالسيف يوم الروع حتى ينخزل

قال:فو اللّه ما اقتتلنا إلا شيئا ليس بشيء حتى قتل ابن ورس في سبعين من أهل الحفاظ و رفع عباس بن سهل راية أمان لأصحاب ابن ورس فأتوها إلا نحوا من ثلثمائة رجل انصرفوا مع سلمان بن حمير الهمداني و عياش بن جعدة الجدلي،فلما وقعوا في يد عباس بن سهل أمر بهم فقتلوا إلا نحوا من مائتي رجل كره ناس من

ص: 61

الناس ممن دفعوا إليهم قتلهم فخلّوا سبيلهم فرجعوا فمات أكثرهم في الطريق،فلما بلغ المختار أمرهم و رجع من رجع منهم قام خطيبا فقال:ألا إن الفجار الأشرار قتلوا الأبرار الأخيار ألا إنه كان أمرا مأتيا و قضاء مقضيا و كتب المختار إلى ابن الحنفية مع صالح بن مسعود الخثعمي:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإني كنت بعثت إليك جندا ليذلوا لك الأعداء و ليحوزوا لك البلاد فساروا إليك حتى إذا أظلوا على طيبة لقيهم جند الملحد فخدعوهم باللّه و غروهم بعهد اللّه،فلما اطمأنوا إليهم و وثقوا بذلك منهم و ثبوا عليهم فقتلوهم فإن رأيت أن أبعث إلى أهل المدينة من قبلي جيشا كثيفا و تبعث إليهم من قبلك رسلا حتى يعلم أهل المدينة أني في طاعتك و إنما بعثت الجند إليهم عن أمرك فافعل فإنك ستجد معظمهم بحقكم أعرف و بكم أهل البيت أرأف منهم بآل الزبير الظلمة الملحدين و السلام عليك فكتب إليه ابن الحنفية أما بعد فإن كتابك لما بلغني قرأته و فهمت تعظيمك لحقي و ما تنوى به من سروري و إن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللّه فيه فأطع اللّه ما استطعت فيما أعلنت و أسررت و اعلم أني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعا و الأعوان لي كثيرا و لكني أعتزلهم و أصبر حتى يحكم اللّه لي و هو خير الحاكمين فأقبل صالح بن مسعود إلى ابن الحنفية فودّعه و سلّم عليه و أعطاه الكتاب و قال له:قل للمختار فليتق اللّه و ليكفف عن الدماء.

قال:فقلت له:أصلحك اللّه أو لم تكتب بهذا إليه.

قال ابن الحنفية:قد أمرته بطاعة اللّه و طاعة اللّه تجمع الخير كله و تنهي عن الشر كله فلما قدم كتابه على المختار أظهر للناس أني قد أمرت بأمر يجمع البر و اليسر و يضرح الكفر و الغدر.(قال أبو جعفر)و في هذه السنة قدمت الخشبية مكة و وافوا الحج و أميرهم أبو عبد اللّه الجدلي (1).5.

ص: 62


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 545.

كتاب محمد ابن الحنفية إلى المختار برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:كتب إليه:من محمد بن علي إلى المختار بن أبي عبيد و من بحضرته من شيعة أهل البيت عليهم السّلام،سلام عليكم،أما بعد فإني أسأل اللّه أن يرزقنا و إياكم الجنة،و أن يصرف عنا و عنكم عوارض الفتنة،و إني كتبت إليكم كتابي هذا و أنا و أهل بيتي و جماعة من أصحابي محصورون لدى البيت الذي من دخله كان آمنا،و قد منعنا عذب الماء،و طيب الطعام،و كلام الناس يتهدد في كل صباح و مساء بأمر عظيم،و أنا أنشدكم اللّه الذي يجزي بالإحسان و يتولى الصالحين أن لا تخذلوا أهل بيت نبيكم!فتندموا كما ندمتم قبل اليوم عن قعودكم عن الحسين بن علي عليه السّلام، إذ قتل بساحة أرضكم ثم لم تمنعوهم و لم تدفعوا عنهم،فأصبحتم على ما فعلتم نادمين،هذا كتابي إليكم و هو حجة عليكم-و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:ثم وجّه ابن الحنفية بهذا الكتاب إلى المختار،فلما قرأ المختار كتاب ابن الحنفية خنقته العبرة و استعبر باكيا ثم قال:يا غلام!ناد في الناس:الصلاة جامعة!

قال:فنادى المنادي و اجتمع الناس إلى المسجد الأعظم،و خرج المختار حتى دخل المسجد و صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس!هذا كتاب مهديكم و صريح آل نبيكم،يستغيث بكم ما نزل به من ابن الزبير،فأغيثوه و أعينوه،فلست بأبي إسحاق إن لم أنصره نصر مؤازر،و إن لم أحزب الخيل في آثار الخيل كالسيل يتلوه السيل،حتى يحل بمن عاداه الويل.

ثم قال:يا أبا المعتمر!أخرج فعسكر بدم هند،بجد وجد،على خيل طائر و سعد.

ص: 63

و أخرج أنت يا هانئ بن قيس!فعسكر بدار السري بن وقاص العاصي،المداهن الحياص،الذي زعم أنه لنا سلم،و أنه من أهل العلم،قد علمت أنه من أهل الخيانة و الظلم.

قال:فخرج الناس فعسكروا كما أمرهم به المختار،فدعا المختار بأبي عبد اللّه الجدلي و كان من خيار أهل الكوفة و أكابرهم،فدفع إليه أربعمائة ألف درهم و أمره بالمسير إلى محمد ابن الحنفية ثم كتب إليه:بسم اللّه الرحمن الرحيم،للمهدي محمد بن علي،من المختار بن أبي عبيد،أما بعد فقد قرأت كتابك و أقرأته شيعتك و إخوانك من أهل الكوفة،و قد سيّرت إليك الشيعة إرسالا يتبع أولاهم أخراهم، و باللّه أقسم قسما صادقا لئن لم يكف عنك من تخاف غائلته على نفسك و أهل بيتك لأبعثن إليك الخيل و الرجال ما يضيق به مكة على ما عاداك و ناوأك،حتى يعلم ابن الزبير أنك أعز منه نفرا و دعوة و أكثر نفيرا،فأبشر فقد أتاك الغوث و جاءك الغيث، و قد وجّهت إليك بأربعمائة ألف درهم لتجعلها فيمن أحببت من أهل بيتك و شيعتك، و قد سرّحت إليك رجالا ينصرونك و يحفظون المال حتى يؤدوه إليك،ثم يقومون بين يديك فيقاتلون عدوك و يدفعون الظلم عنك و عن أهل بيتك فأبشر بالجيش الكبير و الجند الكثير،و اللّه الذي أنا له لو لم أعلم أني أعز لك و لأهل بيتك بهذا المكان إذا لسرت إليك بنفسي و أذب عنك و عن أهل بيتك و عن وليك و شيعتك،دفع اللّه عنك و عنهم السوء أجمعين-و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:فخرج الناس من الكوفة يريدون مكة إلى محمد ابن الحنفية و سبق إليه الكتاب،فلما قرأه حمد اللّه على ذلك،و أقبلت الخيل نحو مكة أرسالا يتلو بعضها بعضا،فلما دخلوا أقبلوا إلى محمد ابن الحنفية فجعلوا يفدونه بآبائهم و أمهاتهم و هم يقولون:جعلنا فداك يابن أمير المؤمنين!فخل بيننا و بين ابن الزبير حتى يرى أننا أعز نفرا.

ص: 64

فقال لهم ابن الحنفية (1):مهلا فإني لا أستحل القتال في حرم اللّه و حرم رسوله محمد صلى عليه و آله و سلم.

قال:و بلغ ابن الزبير ذلك،فقام في أصحابه خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فالعجب كل العجب من هذه العصبة الرديئة السيئة الترابية الذين يناؤوني في سلطاني ثم إنهم ينعون حسينا و يسمعوني ذلك (2)حتى كأني أنا الذي قتلت الحسين بن علي عليه السّلام،و اللّه لو قدرت على قتلة الحسين لقتلتهم،و هؤلاء الذين كاتبوا الحسين بن علي فأطمعوه في النصر!فلما صار إليهم خذلوه و أسلموه لعدو.

قال:ثم أرسل ابن الزبير إلى أبي عبد اللّه الجدلي و أصحابه القادمين من الكوفة فدعاهم ثم قال:أخبروني عنكم يا أهل الكوفة أما كفاكم خروجكم مع المختار و إفسادكم علي العراق حتى قدمتم هذا البلد تناؤوني في سلطاني!أتظنون أني أخلي صاحبكم هذا دون أن يبايع و تبايعوا أنتم أيضا معه صاغرين!

قال:فقال له أبو عبد اللّه الجدلي:إي و الركن و المقام،و الحل و الحرام،و هذا البلد الحرام،و حرمة الشهر الحرام!لتخلين سبيل صاحبنا ابن علي و لينزلن من مكة حيث يشاء و من الأرض حيث يحب أو لنجاهدنك بأسيافنا جهادا و جلادا يرتاب منه المبطلون.

قال:و إذا محمد ابن الحنفية قد أقبل في جماعة من أصحابه حتى دخل المسجد الحرام،قال:و نظر ابن الزبير فإذا أصحابه كثير و أصحاب ابن الحنفية قليل،غير أنهم مغضبون مجمعون على الحرب محبون لذلك،فعلم أن جانبهم خشن،و أن..

ص: 65


1- و كان ابن الزبير قد حصر محمد ابن الحنفية و أهل بيته و شيعته و سبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة و حبسهم بزمزم و توعدهم بالقتل و الإحراق إن لم يبايعوا.و كان وصول أهل الكوفة و قد بقي من الأجل الذي ضربه لهم ابن الزبير يومان.(لنظر الطبري 76/6 و ابن الأثير 689/2).
2- و كان قد دخلوا المسجد الحرام و معهم الرايات و هم ينادون يا لثارات الحسين..

وراءهم شوكة شديدة من قبل المختار فجعل يتشجع و يقول لإخوته و أصحابه:

و من ابن الحنفية و أصحابه هؤلاء!و اللّه ما هم عندي شيء!و لو أني هممت بهم لما مضى ساعة من النهار حتى تقطف رؤوسهم كما يقطف الحنظل.

قال له رجل من أصحاب ابن الحنفية (1):و اللّه يابن الزبير!لئن رمت ذلك منا فإني أرجو أن يوصل إليك من قبل أن ترى فينا ما تحب.

قال:ثم ضرب الطفيل (2)بيده إلى سيفه فاستلّه فهم أن يفعل شيئا.

فقال ابن الحنفية لأبيه:يا أبا الطفيل!قل لابنك فليكف عما يريد أن يصنع.

ثم أقبل على أصحابه فقال:يا هؤلاء!مهلا فإني أذكركم اللّه إلا كففتم عنا أيديكم و ألسنتكم،فإني ما أحب أن أقاتل أحدا من الناس،و لا أقول للناس إلا حسنا،و لا أريد أيضا أن أنازع ابن الزبير في سلطانه و لا بني أمية في سلطانهم،و لا أدعوكم إلى أن يضرب بعضكم بعضا بالسيف،و إنما آمركم أن تتقوا اللّه ربكم،و أن تحقنوا دماءكم،فإني قد اعتزلت هذه الفتنة التي فيها ابن الزبير و عبد الملك بن مروان إلى أن تجتمع الأمة على رجل واحد،فأكون كواحد من المسلمين.

قال:فقال رجل من أصحاب عبد اللّه بن الزبير:صدق و اللّه الرجل-يعني ابن الحنفية!و اللّه ما هذه إلا فتنة كما قال!و السعيد عندي من اعتزلها.

قال:فصاح به ابن الزبير و قال:أسكت أيها الرجل!فإنك لا تعقل ما يأتي و ما تدري من هذا حتى يسمع قوله و يؤخذ برأيه،إنما كان هذا مع أخويه الحسن و الحسين كالعسيف الذي لا يؤامر و لا يشاور.

قال:فقال له محمد ابن الحنفية:كذبت و اللّه و لؤمت!ما كان إخواني بهذه المنزلة،م.

ص: 66


1- هو قيس بن مالك(الطبري 77/6).
2- و كان أبو الطفيل عامر بن واثلة بن وجوه أهل الكوفة المحبوس مع ابن الحنفية في زمزم و الطفيل ابنه بقي إلى أيام ابن الأشعث و قتل معه بدير الجماجم.

و لكنهم كانوا أخوي و شقيقي،و كنت أعرف لهم فضلهم و نسبهم و قرابتهم من الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و قد كانوا يعرفون لي من الحق مثل ذلك،و ما قطعوا أمرا دوني مذ عقلت،و أما قولك:إنه لا ينبغي أن يسمع قولي و لا يؤخذ برأيي،فأنا و اللّه أوجب حقا على الأمة منك و أحق بالمودة و النصر لحق علي بن أبي طالب و قرابته من الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم!و لو أني أعتمد على الناس بحق النبوة أنها في بني هاشم دون غيرهم لكان ينبغي لذوي الرأي و العلم أن يأخذوا برأيي و يستمعوا لقولي، و يكونوا لي أود و مني أسمع و لي أنصح منهم لك يابن الزبير.

قال:فلم يزل هذا الكلام بين محمد ابن الحنفية و بين عبد اللّه بن الزبير و قد ضاق الناس بعضهم بعضا في المسجد الحرام عليهم السلاح،و المعتمرون يمشون بينهم بالصلح حتى سكت ابن الزبير و لم يقل شيئا،و خرج ابن الحنفية و من معه من أصحابه حتى نزل في شعب أبي طالب،ثم جمع أصحابه فقسم عليهم من المال الذي وجّه به المختار ما قسم،و قسم باقي ذلك في أهل بيته و قرابته،و أقام في ذلك الشعب ممنوعا،فهذا أول خبر ابن الحنفية مع ابن الزبير،و سنرجع إلى أخبارهم بعد هذا إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ثم رجعنا إلى حديث المختار قال:ثم عزم المختار على هدم دار أسماء بن خارجة الفزاري و إحراقها لأنه كان ممن عمل في قتل مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما.

قال فجعل يقول:أما و رب السماء و الماء و رب الضياء و الظلماء!لتنزلن نار من السماء،حمراء دهماء سحماء،فلتحرقن في دار أسماء.

قال:و بلغ ذلك أسماء بن خارجة فقال:إنه قد سجع و ليس ههنا مقام بعد هذا قال:

ثم خرج أسماء من داره هاربا حتى صار إلى البادية،و أرسل المختار إلى داره و دور بني عمه فهدمها عن آخرها.

ص: 67

ثم دعا برجل من أصحابه يقال له حوشب بن يعلى الهمداني فقال:و يحك يا حوشب!أنت تعلم أن محمد بن الأشعث من قتلة الحسين بن علي،و هو الذي قال له بكربلاء ما قال،اللّه ما يهنئني النوم و لا القرار و رجل من قتلة الحسين بن علي يمشي علي وجه الأرض!و قد بلغني أنه في قرية إلى جنب القادسية فسر إليه في مائة رجل من أصحابك فإنك تجده لاهيا متصيدا،أو قائما متلبدا،أو خائفا متلددا، أو كامنا مترددا،فاقتله و جئني برأسه.

قال:فخرج حوشب بن يعلى الهمداني في مائة رجل من أصحابه حتى صار إلى قرية محمد بن الأشعث،و علم ابن الأشعث بذلك فخرج من باب له آخر في جوف الليل هاربا و مضى نحو البصرة إلى معصب بن الزبير.

قال:و أصبح حوشب بن يعلى هذا و قد علم أن محمد بن الأشعث قد هرب فكتب إلى المختار بذلك،فكتب إليه المختار أنك قد ضيّعت الحزم و لم تأخذ بالوثيقة،فإذا قد فاتك الرجل فأهدم قصره،و أخرب قريته،و أتني بأمواله!

قال:فهدمت دار محمد بن الأشعث،و أمر المختار بنقضها فبنوا به دار حجر بن عدي الكندي رحمه اللّه.

قال:و صار محمد بن الأشعث إلى مصعب بن الزبير فالتجأ إليه.

فقال له مصعب:ما وراءك؟

فقال:ورائي و اللّه أيها الأمير الترك و الديلم!هذا المختار بن أبي عبيد قد غلب على الأرض،فهو يقتل الناس كيف شاء،و قد قتل إلى الساعة هذه ممن يتهم بقتال الحسين بن علي أكثر من ثلاثة آلاف،و قد كان أعطاني الأمان ثم إنه بعث إلي ببعض أصحابه فأراد قتلي فهربت إليك،فهذه قصتي و هذه حالي،ثم وثب رجل من كندة ممن قدم مع محمد بن الأشعث حتى وقف بين يدي مصعب بن الزبير فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:

ص: 68

إن قوما من كندة الأخيار بين قيس و بين آل المذار

إلى آخرها.

قال:فقال له مصعب بن الزبير:يا أخا كندة!إني قد فهمت كلامك،و إني أعمل برأي أمير المؤمنين،و هو الذي و لاني البصرة و أمرني بحرب الأزارقة،و هذا المهلب بن أبي صفرة في وجوههم يحاربهم،فلا تعجلوا فإن المختار له مدة هو بالغها.

قال:فأقام محمد بن الأشعث عند مصعب بن الزبير بالبصرة،و بلغ عبد الملك بن مروان ما فيه المختار من غلبته على البلاد و قتله للناس،فأحب أن يبدأ به قبل غيره، ثم يتفرغ لعبد اللّه بن الزبير و أخيه مصعب بن الزبير-و اللّه أعلم-ابتداء مسير عبيد اللّه بن زياد إلى العراق و مقتله قال:فدعا عبد الملك بن مروان بعبيد اللّه بن زياد، فضم إليه ثمانين ألفا من أجناده و أهل الشام،ثم وضع لهم الأرزاق و أعطاهم و أمرهم بالسمع و الطاعة لعبيد اللّه بن زياد،ثم أقبل عليه فقال له:يابن زياد!أنت تعلم أن أبي مروان كان قد أمرك بالمسير إلى العراق على أنك تأتي الكوفة فتقتل أهلها و تنهبها ثلاثا،ثم إن الموت عاجله فمضى لسبيله،و الآن فإني وليتك على هذا الجيش فسر نحو الجزيرة و العراق،فإذا فرغت من المختار فسر إلى مصعب بن الزبير فاكفني أمره،ثم سر إلى عبد اللّه بن الزبير بالحجاز فألحقه بأخيه مصعب، فإذا فرغت من ذلك فلك جميع ما غلبت عليه بسيفك من أرض الشام إلى مطلع الشمس.

قال:فسار عبيد اللّه بن زياد من الشام و معه ثمانون ألفا من الخيل و الجنود حتى صار إلى بلاد الجزيرة و نزل أرض نصيبين.

قال:و بلغ ذلك عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني و هو يومئذ عامل المختار على الموصل و ما والاها،فكتب إلى المختار يخبره بذلك.

ص: 69

قال:و خرجت مقدمة عبيد اللّه بن زياد في عشرين ألفا نحو الموصل،و خرج عامل المختار عن الموصل هاربا حتى صار إلى تكريت فنزلها،و أقبل عبيد اللّه بن زياد في جيشه ذلك حتى نزل الموصل،و بلغ ذلك المختار فكتب إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس:أما بعد فقد بلغني أيضا كتابك و فهمت ما ذكرت من أمر عبيد اللّه بن زياد،و قد بلغني أيضا نزوله أرض الموصل و نزولك بتكريت،و قد لعمري أصبت الرأي في تنحيك من بين يديه إذ كنت لا تقوم لجيشه،فانظر لا تبرحن في موضعك ذلك حتى يأتيك أمري،و السلام..

قال:ثم دعا المختار برجل من سادات الكوفة و شجعانهم يقال لهم يزيد بن أنس الأسدي.

فقال له:يا يزيد!إنك قد علمت أن العاقل ليس كالجاهل،و أن الحق ليس كالباطل، و إني أخبرك خبر من لم-يكذب،و لم يخالف و لم يرتب،إننا نحن المؤمنون، الميامين المساليم العالمون،و إنك صاحب الخيل العتاق،و فارس أرض العراق، و سنورد خيلك حياض المنون،و منابت الزيتون،غائرة عيونها،لاحقة بطونها، و هذا ابن زياد قد أقبل في المحلين و أبناء القاسطين،فسر إليه في المؤمنين،و اطلب بدم ابن بنت نبي رب العالمين.

قال:فقال له يزيد بن أنس:أيها الأمير!أضمم إلي ثلاثة آلاف فارس ممن أنتخبهم أنا،و خلّني و الوجه الذي توجّهني،فإن احتجت إلى مدد فإني سأكتب إليك بذلك إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فقال له المختار:أخرج فانتخب من أحببت من الناس على بركة اللّه و عونه.

قال:فخرج يزيد بن أنس فجعل ينتخب القائد بعد القائد،و الرجل بعد الرجل، حتى انتخب ثلاثة آلاف من سادات فرسان العرب،ثم إنه فصل من الكوفة فخرج معه المختار و الناس يشيعونه،حتى إذا صار إلى دير أبي موسى أقبل عليه المختار

ص: 70

يوصيه فقال له:يا يزيد!أنظر إذا لقيت العدو نهارا فلا تنظرهم إلى الليل،و إن أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها،و ليكن عندي خبرك في كل يوم،و إن احتجت إلى مدد فاكتب إلي في ذلك مع أني أمدك بالخيل و الرجال حتى تكتفي إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فقال يزيد بن أنس:أيها الأمير!ما أريد منك أن تمدني إلا بالدعاء و كفى لي به مددا،و السلام..

قال:ثم ودّعه و سار.و كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني:أما بعد فقد توجّه إلى ما قبلك يزيد بن أنس،و هو من قد علمت في البأس و الشدة،فإذا قدم عليك فخل بينه و بين البلاد،و كن تحت رايته سامعا مطيعا له، و السلام (1).7.

ص: 71


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 257.

مسير يزيد بن أنس إلى محاربة عبيد اللّه ابن زياد

قال ابن الأعثم:و هي الوقعة الأولى قال:و سار يزيد بن أنس حتى صار إلى تكريت و صار إليه عبد الرحمن بن سعيد في ألف رجل،فصار يزيد في أربعة آلاف فارس،و أقبل حتى نزل على خمسة فراسخ من أرض الموصل،و بلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد فوجّه إليه بقائد من قواد أهل الشام يقال له ربيعة بن مخارق الغنوي في ثلاثة آلاف فارس،و أتبعه بقائد آخر يقال له عبد اللّه بن حملة الخثعمي في ثلاثة آلاف،قال:و أقبل القوم حتى نزلوا حذاء يزيد بن أنس.

قال:و اعتل يزيد بن أنس في ليلته تلك علة شديدة و أصبح موعوكا لما به،فدعا بحمار له مصري فاستوى عليه و جعل يجول في عسكره و غلمانه يمسكونه من ضعفه أن لا يسقط من الحمار،فجعل يوصي أصحابه و يقول:يا شرطة اللّه! اصبروا تؤجروا،و صابروا عدوكم تظفروا،و قاتلوا أولياء الشيطان،إن كيد الشيطان كان ضعيفا،فقد ترون ما بي من العلة فإن هلكت فأميركم من بعدي ابن عمي ورقاء بن عازب الأسدي،فإن أصيب فعبد اللّه بن ضمرة العذري،فإن أصيب فسعر بن أبي سعر الحنفي.

قال:ثم نزل عن الحمار و وضع له كرسي،فجلس عليه و جعل يقول:إن شئتم فقاتلوا عن أميركم و إن شئتم فعن أنفسكم و دينكم،و خذوا بدم ابن بنت نبيكم محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

ثم دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا ساعة،و حمل ورقاء بن عازب الأسدي

ص: 72

على رجل من أهل الشام فضربه ضربة نكسه عن فرسه قتيلا.

ثم صاح بأهل العراق فحملوا و حمل معهم،و انهزم أهل الشام هزيمة قبيحة، و وضع أهل العراق فيهم السيف،فجعلوا يقتلونهم خمسة فراسخ حتى ألحقوهم بصاحبهم عبيد اللّه بن زياد،و قد قتل منهم من قتل،و أسر منهم ثلاثمائة رجل أو يزيدون،فأتي بهم إلى يزيد بن أنس و هو لما به حتى أوقفهم بين يديه فجعل يومىء بيده أن اضربوا أعناقهم!

قال:فضربت أعناقهم عن آخرهم.فلما كان الليل اشتدت العلة بيزيد بن أنس فتوفي في بعض الليل رحمه اللّه!فغسل و كفن و حفر له ناحية من العسكر،و تقدّم ورقاء بن عازب الأسدي فصلّى عليه،و دفن في جوف الليل و سوّي قبره بالأرض لكيلا يعلم أحد بموضعه قال:و أصبح أهل العراق مغمومين بموت صاحبهم يزيد بن أنس.

فقال لهم ورقاء بن عازب:أيها الناس!دعوا عنكم هذا الجزع الذي قد تداخلكم، فكل حي ميت،فلا تشربوا قلوبكم الهم و الغم،فهذا عبيد اللّه بن زياد بإزائكم في خلق عظيم،و قد علمتم من قد التأم إليه من أهل الجزيرة،و لا أظن أن لكم به طاقة،فإني أعلم أننا إن قاتلناهم كنا مخاطرين،و إن هزمناهم لن ينفعنا هزيمتهم شيئا لكثرة جمعهم و عددهم.

قال:فقالوا:أيها الأمير!الرأي عندنا أن تنصرف حتى ننصرف معك.

قال:فرحل القوم في جوف الليل نحو العراق.و بلغ ذلك المختار و أهل الكوفة فأرجف منهم من أرجف و تكلم أعداء المختار ما تكلموا و لم يعلموا ما الخبر،و ظنوا أنه قد قتل يزيد بن أنس و أن أصحابه قد أبيدوا.

قال:و اغتم المختار أيضا لذلك و لم يدر ما قصة يزيد بن أنس و أصحابه،ثم أتاه الخبر بعد ذلك بأن يزيد بن أنس إنما مات من علة نزلت به،و أن أصحابه انصرفوا

ص: 73

من غير هزيمة.

قال:فطابت نفس المختار بذلك،و قدم أصحاب يزيد بن أنس الكوفة يخبرون بما كان من أمرهم.

قال:فعندها دعا المختار بإبراهيم بن الأشتر،فعقد له عقدا و ضم إليه أصحاب يزيد بن أنس و غيرهم من فرسان أهل الكوفة و رجالتهم (1)و قال له:سر إلى عدوك فناجزهم و طالعني بأخبارك في ليلك و نهارك،و إن رأيت أمرا لا طاقة لك به فلا تلق بيدك إلى التهلكة،و اكتب إلي حتى أمدك بخيل و رجال ما تكتفي بهم إن شاء اللّه تعالى و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فخرج إبراهيم بن الأشتر حتى ضرب عسكره بموضع يقال له حمام أعين (2)،و عزم أهل الكوفة على أن يغدروا بالمختار (3).9.

ص: 74


1- في الطبري أن المختار علم خبر جيش يزيد بن أنس من عين له من أنباط السواد قبل وصولهم الكوفة و أنه عقد لابن الأشتر على سبعة آلاف رجل و ساربهم قبل دخول جيش ابن أنس الكوفة و أمره أن يرد معه جيش ابن أنس إن التقى بهم.43/6.و انظر الأخبار الطوال 293.
2- حمام أعين موضع بالكوفة منسوب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاص.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 259.

كتاب المختار إلى محمد ابن الحنفية برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و كتب المختار إلى محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه كتابا و وجّه معه ثلاثون ألف دينار:بسم اللّه الرحمن الرحيم،للمهدي محمد بن علي،من المختار ابن أبي عبيد،سلام عليك!أما بعد،فالحمد للّه الذي طلب لك بالأوتار،و أخذ لك بالثأر و من الأشرار و أبناء الفجار،فقتلهم في كل فج بقهر،و غرقهم في كل بحر و نهر، فشفى بذلك قلوب المؤمنين،و أقرّ به عيون المسلمين،و أهلك المحلّين الفاسقين، و أولاد القاسطين،فأبادهم رب العباد أجمعين،فنزل بهم ما نزل بثمود و عاد، و غرّقهم تغريق فرعون ذي الأوتاد،الذين طغوا في البلاد،فأكثروا فيها الفساد،قد قتلوا أشر قتلة،و مثل بأشرافهم أقبح مثلة،فاحمد اللّه أيها المهدي على ما أتاك، و اشكره على ما أعطاك،و أنعم عليك و أولاك،و قد وجّهت إليك بثلاثين ألف دينار لتصرفها في أهل بيتك و قرابتك و من لجأ إليك من شيعتك،و السلام عليك أيها المهدي و رحمة اللّه و بركاته.

قال:فلما ورد كتابه على محمد ابن الحنفية و قرأه على أهل بيته و شيعته خر القوم سجدا.

ثم قام محمد ابن الحنفية و صلى ركعتين شكرا للّه تعالى إذ قتل عبيد اللّه بن زياد و أصحابه،ثم أمر بالرؤوس أن تنصب خارج الجسر،فمنعه ابن الزبير من ذلك و أمر بالرؤوس فدفنت،ثم قسم محمد ابن الحنفية ذلك المال في أهل بيته و شيعته و قرابته.

ص: 75

قال:و نظر عبد اللّه بن الزبير إلى غلبة المختار على البلاد،فاشتد ذلك عليه، و ضاقت عليه الأرض بما رحبت،و لم يدر ما يصنع،قال:و سار ابن الأشتر حتى نزل الموصل،و احتوى على أرض الجزيرة كلها،فأخذها وجبى خراجها،و وجّه ببعض ذلك إلى المختار،و فرّق باقي ذلك على أصحابه.

قال:فصارت الكوفة و سوادها إلى حلوان إلى الماهين إلى الري و ما والاها في يدي المختار،و الجزيرة بأجمعها من ديار ربيعة و مضر في يد إبراهيم بن الأشتر و نوابه بها (1)،و الشام كلها و أرض مصر إلى الواحات في يدي عبد الملك بن مروان، و الحجاز كلها و أرض اليمن في يد عبد اللّه بن الزبير و أخيه مصعب بن الزبير بالبصرة،و المهلب بن أبي صفرة من قبل مصعب في وجوه الأزارقة يحاربهم.

ابتداء مسير مصعب من البصرة إلى الكوفة و مقتل المختار رحمه اللّه قال:و نظر مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن الأشتر و قد احتوى على البلاد من الجزيرة و قد بقي المختار بالكوفة،فعزم على المسير إليه و كتب إلى المهلب بن أبي صفرة:أما بعد،فإننا قد عزمنا على المسير إلى الكوفة إلى محاربة المختار الكذاب،غير أني قد أحببت أن تشهد أمرنا،فإذا ورد كتابي هذا عليك فول بعض أولادك حرب الأزارقة و أقبل إلينا راشدا إن شاء اللّه،و السلام.

قال:ثم دفع الكتاب إلى محمد بن الأشعث بن قيس الكندي (2).ث.

ص: 76


1- أنفذ إبراهيم عماله إلى البلاد فبعث أخاه عبد الرحمن بن عبد اللّه(أخوه لأمه)إلى نصيبين، و ولى السفاح بن كردوس على سنجار،و زفر بن الحارث على قرقيسيا و حاتم بن النعمان الباهلي حران و الرها و سميساط و ناحيتها و عمير بن الحباب كفرتوثا و طور عبدين و مسلم بن ربيعة العقيلي على آمد(ابن الأثير 8/3 الأخبار الطوال ص 297).
2- في الطبري 94/6 و ابن الأثير 10/3 أن مصعب بن الزبير أرسل كتابا إلى المهلب يدعوه فيه للمجئ إليه لمحاربة المختار فأبطأ عليه كراهية الخروج معه و قد اعتل عليه بشي من الخراج.فأرسل عندئذ إليه محمد بن الأشعث.

فقال له:سر إلى المهلب فليس له أحد سواك،فإنه إذا نظر إليك رسولا علم أن الأمر جد فلا يتخلف،و انظر لا تفارقه و أشخصه معك إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

قال:فأخذ محمد بن الأشعث الكتاب و سار إلى المهلب و المهلب يومئذ بسابور من أرض فارس يحارب الأزارقة،فلما قرأ الكتاب قال:يا سبحان اللّه!أما وجد الأمير بريدا سواك؟

فقال محمد بن الأشعث:أبا سعيد!و اللّه ما أنا ببريد لأحد:غير أن نساءنا و أبناءنا و أموالنا و عقارنا و منازلنا في يد المختار،و قد غلبنا على ذلك و أجلانا عن بلدنا، و هذا إبراهيم بن الأشتر قد غلب على بلاد الجزيرة و خالف على المختار،و المختار اليوم فليس معه جيش،و إنما هو شرذمة قليلة،و إني لأرجو أن يظفرنا اللّه به فنرجع إلى نعمتنا التي لم تزل لنا و لآبائنا من قبلنا.

قال:فدعا المهلب برؤساء أصحابه فأحضرهم بين يديه،ثم حمد اللّه و أثنى عليه و قال:أيها الناس!إن الأزارقة ليس يريدون إلا ما في أيديهم،و المختار يريد ما يكون في أيديكم،و هذا كتاب مصعب بن الزبير يأمرني فيه بالقدوم عليه،فاستمعوا له و أطيعوا أمره!فو اللّه ما رأيت صوابا قط إلا سبقني إليه،و قد تعلمون أنه ليث عبوس،للأقران فروس،و هو خليفتي عليكم إلى حين رجوعي إليكم-إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم-.

قال:ثم ودّع المهلب أولاده و أهل عسكره،و سار في ألف رجل من فرسان عسكره حتى قدم البصرة،و دخل على مصعب بن الزبير،فقرّبه و أدناه و أجلسه معه على سريره،و أمر له بخلعة و جائزة ثم أمره بالتأهب إلى محاربة المختار.

فقال له المهلب:أيها الأمير!أنا متأهب لك فاعزم إذا شئت!

قال:فعندها أمر مصعب عسكره و أصحابه أن يعسكروا عند الجسر الأعظم.

ثم خرج و خرج الناس معه من البصرة،و جعل على كل قبيلة من قبائل العرب

ص: 77

رئيسا يقتدون به و برأيه و ينتهون إلى أمره،فعلى قريش و أحلافها عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيمي،و على بني تميم كلها الأحنف بن قيس التيمي،و على قيس عيلان قيس بن الهيثم السلمي،و على بني بكر بن وائل مالك بن مسمع الجحدري،و على قبائل عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود العبدي،و على قبائل كندة محمد بن الأشعث بن قيس الكندي،و على قبائل مذحج عبيد اللّه بن الحر الجعفي،و على قبائل الأزد يومئذ المهلب بن أبي صفرة.

قال:و بلغ ذلك المختار فعلم أنه قد أوتي من قبل إبراهيم بن الأشتر،لأنه قد خذله و قعد عنه،فقام في الناس خطيبا،فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد يا أهل الكوفة! فإن أهل مصركم الذين بغوا عليكم،و قتلوا ابن بنت نبيكم الحسين بن علي،قد كانوا لجأوا إلى أمثالهم من الفاسقين،فاستعانوا بهم عليكم،لما علموا أن ابن الأشتر خذلني و قعد عن نصرتي،و قد بلغني أنهم خرجوا من البصرة في جيش لجب إلى قبلكم،و إنما يريدون قتلي ليضمحل الحق،و ينتعش الباطل،و يقتل أولياء اللّه،ألا فانتدبوا رحمكم اللّه مع الأحمر بن شميط البجلي،فإني أرجو أن يهلكهم اللّه على أيديكم هلاك عاد و ثمود و ما ذلك على اللّه بعزيز.

قال:فأجابه الناس إلى ذلك من كل جانب و قالوا:سمعنا و أطعنا.

ثم خرج و خرج بهم الأحمر بن شميط حتى عسكر بهم على موضع يقال له حمام أعين،و خرج إليه أمراء الأجناد فعسكروا معه في قريب من ثلاثة آلاف فارس و راجل،ثم سار الأحمر بأهل الكوفة حتى نزل المذار و أقبل إليه مصعب بن الزبير حتى نزل قريبا منه في سبعة آلاف ما بين فارس و راجل و دنا القوم بعضهم من بعض،و تقدم عبّاد بن الحصين الحبطي حتى وقف بين الجمعين ثم نادى بأعلى صوته:ألا يا شيعة المختار!إننا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و إلى بيعة أمير المؤمنين عبد اللّه بن الزبير.

ص: 78

قال:فقال عبد اللّه بن كامل الهمداني:و نحن أيضا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و إلى بيعة المختار بن أبي عبيد،و إلى أن نجعل هذا الأمر شورى في آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فمن زعم أنه أحق بهذا الأمر منهم برئنا منه في الدنيا و الآخرة و جاهدناه حق الجهاد.

قال:فلما سمع مصعب بن الزبير ذلك غضب فقال:احملوا عليهم!فحمل عبّاد بن الحصين في قبيلة عظيمة على أصحاب المختار،فلم يزل منهم واحد عن موقفه قال:

فعندها صاح محمد بن الأشعث و قال:يا أهل العراق!إلى متى و حتى متى نكون أذلاء مشردين مطرودين عن أهلنا و أولادنا،كروا عليه كرة صادقة فإنهم مغلوبون إن شاء اللّه.

قال:فاضطرب القوم و تصادموا،و حنق بعضهم على بعض،و وقعت الهزيمة على أصحاب المختار (1)،و قتل صاحبهم الأحمر بن شميط و انكشفوا فولوا الأدبار، و أخذهم السيف،فأما الرجالة فما التفت منهم أحد،و أما الخيل فما انفلت منهم إلا الجواد،فدخل أقلهم إلى الكوفة بأشر حالة تكون حتى صاروا إلى المختار، فأخبروه بذلك،فأنشأ الأعشى يقول شعرا.

قال:و نزل بالمختار أمر عظيم من قتل أصحابه،و أيقن بالهلكة،و لم يجد بدا من التشجع،و كتب إلى إبراهيم بن الأشتر كتابا بعد كتاب يسأله المسير إليه فلم يفعل، و أقبل مصعب بن الزبير حتى نزل في موضع واسط،ثم أمر أصحابه الرجالة فقعدوا في السفن و ساروا إلى نهر يخرجهم إلى الفرات.

قال:و بلغ ذلك المختار فأمر كل نهر علم أن يحمل من الفرات فسكر بعضها بعضا،فبقيت سفن أصحاب مصعب في الطين،فلما نظروا إلى ذلك خرجوا من5.

ص: 79


1- انظر تفاصيل حول المعركة و وردت في الطبري 97/6 و ابن الأثير 10/3 و الأخبار الطوال ص 305.

السفن و أقبلوا يسيرون نحو الكوفة و مصعب قد سار في خيله على الظهر حتى وافى أصحابه.

قال:و دعا المختار برجل من أصحابه فاستخلفه على الكوفة،و قد أعد في القصر جميع ما احتاج إليه من آلة الحصار،ثم أقبل حتى نزل بحروراء و دنا القوم بعضهم من بعض.

فقال المختار:يا له من يوم لو حضرني فيه ابن الأشتر!و لكنه قعد عني و خذلني، و و اللّه ما من الموت بد!

قال:و اختلط الفريقان،فأرسل مصعب بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة يقول:أبا سعيد!رحمك اللّه ما تنتظر أن تحمل على من بإزائك؟أما ترى إلى تعبئة جيش هذا الكذاب!فالتفت المهلب إلى بعض أصحابه فقال:إن الأمير أعزه اللّه يظن أننا نلعب،و لا يعلم أني قاتلت قتالا هو أشد من هذا،و لكن احملوا و استعينوا باللّه و اصبروا.

قال:ثم حمل المهلب و حمل الناس معه حملة صادقة،فحطموا أصحاب المختار و كشفوا،فصاح المختار بأصحابه:لا بأس عليكم أنا أبو إسحاق أنا جزار القاسطين،أين أصحاب الصبر و اليقين،إلي إلي رحمكم اللّه!

قال:فثاب إليه زهاء عن خمسمائة رجل،ليس فيهم رجل إلا و هو يعد برجال، فجعلوا يقاتلون قتالا لم يسمع الناس بمثله،و التفت رجل من أصحاب المختار يقال له عبد اللّه بن عمرو النهدي فقال:و يحكم أروني الموضع الذي فيه محمد بن الأشعث،فإنه ممن قاتل الحسين بن علي عليه السّلام و شارك في دمه!فقالوا:ألا ترى هو في الكتيبة الحمراء على الفرس الأدهم؟

فقال:بلى قد رأيته،فدعوني و إياه.

ثم رفع رأسه إلى السماء و قال:اللهم إننا على ما كنت عليه بصفين،اللهم و إني

ص: 80

أبرأ إليك ممن قتل أهل البيت بيت نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو شارك في دمائهم.

قال:ثم حمل حتى خالط أصحاب مصعب بن الزبير،فجعل يضرب فيهم ضربا منكرا و هو في ذلك يلاحظ محمد بن الأشعث،حتى إذا أمكنته الفرصة و حمل عليه، ضربه ضربة على رأسه جدله صريعا.

قال:و اختلط الناس من أصحاب ابن الزبير بعبد اللّه بن عمرو هذا فقتلوه.

قال:و جعل المختار يقول:بأبي و أمي أنتم كروا على الحرب،كروا كروا على الثعالب الرواغة!

قال:فجعل أصحاب المختار يقاتلون بين يديه أشد قتال يكون،و صاح مصعب بن الزبير بأصحابه و قال:سوءة لكم يا معشر العرب!أما ترون ما نحن فيه من أصحاب هذا الكذاب،أما فيكم من يحامي على دين أو حسب!

قال:فعندها اجتمع أصحاب أبطال العرب الذين كان المختار أخرجهم من الكوفة،مثل عبيد اللّه بن الحر و شبث بن ربعي و غيرهم من سادات أهل الكوفة،ثم حملوا على أصحاب المختار فهزمهم و لحق رجل منهم من أهل الكوفة عبيد اللّه (1)بن علي بن أبي طالب و هو لم يعرفه،فضربه من ورائه ضربة على حبل عاتقه،جدله قتيلا.

قال:و صار أصحاب مصعب بن الزبير إلى حيطان الكوفة.و نزل المختار عن فرسه و نزل معه أشداء أصحابه،و ركبوا على أفواه السكك،فلم يزالوا يقاتلون منس.

ص: 81


1- في ابن الأثير 13/3 و في البداية و النهاية 288/8 عمير بن علي بن أبي طالب،و في الأخبار الطوال ص 306 و تاريخ خليفة ص 264 عمر بن علي.قال الدينوري أنه قدم على المختار من الحجاز فقال له المختار:هل معك كتاب من محمد ابن الحنفية،فقال عمر:لا،فقال المختار انطلق حيث شئت فلا خير لك عندي،فسار إلى مصعب،فاستقبله في بعض الطريق و أقبل معه حتى حضر الوقعة،فقتل فيمن قتل من الناس.

وقت المغرب إلى الصباح،و انهزم المختار حتى دخل إلى قصر الإمارة.

فقال له بعض أصحابه:أيها الأمير!أما خبّرتنا أنّا نقتل مصعب بن الزبير في وقعتنا هذه؟

فقال:بلى!و لكن أما تسمع قول اللّه تعالى، يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1).

قال:و أصبح مصعب فعبّأ أصحابه تعبئة الحرب،و أقبل نحو الكوفة حتى دخلها في جيشه ذلك،و المهلب بن أبي صفرة على يساره.

فقال له أبا سعيد:يا له من فتح ما أهنأه لو لا قتل محمد بن الأشعث.

فقال المهلب:صدقت أيها الأمير،قد قتل عبيد اللّه بن أبي طالب أيضا،قال مصعب:فإننا ما قتلناه و إنما قتله من كان من شيعته و شيعة أبيه.

قال:و دخل أصحاب المختار إلى منازلهم،و دخل قوم منهم إلى قصر الإمارة، فصاروا مع المختار عازمين على الموت (2).9.

ص: 82


1- سورة الرعد:39.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 289.

ما جرى بين محمد ابن الحنفية و عبد اللّه بن الزبير برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و نظر عبد اللّه بن الزبير إلى المختار و غلبته على البلاد فعلم أنه إنما يفعل ذلك بظهر محمد ابن الحنفية،فأرسل إليه أن هلم فبايع فإن الناس قد بايعوا،فأرسل إليه ابن الحنفية:إذا لم يبق أحد من الناس غيري أبايعك،قال:فأبى ابن الزبير أن يتركه و أبى ابن الحنفية أن يبايع،و جرى بينهم كلام كثير،فأرسل ابن الزبير إلى نفر من أصحاب ابن الحنفية فدعاهم ثم قال لهم:إني أراكم لا تفارقون هذا الرجل،فمن أنتم فإني لا أعرفكم؟

فقالوا:نحن قوم من أهل الكوفة،قال:فما يمنعكم من بيعتي و قد بايعني أهل بلدكم؟لعله قد غرّكم هذا المختار الكذاب!فقالوا:يا هذا!ما لنا و للمختار،إننا لو أردنا أن نكون مع المختار لما قدمنا هذه البلدة،نحن قوم قد اعتزلنا أمور الناس و أتينا هذا الحرم،فنزلناه لكيلا نقتل و لا نقتل و لا نؤذي و لا نؤذى،فنحن ههنا مقيمون عند هذا الرجل محمد بن علي،فإذا اجتمعت الأمة على رجل واحد دخلنا فيما دخل فيه الناس.

قال:فقال عبد اللّه بن الزبير:فأنا لا أفارقكم أو تبايعوا طائعين أو مكرهين،قالوا:

فإننا لا نبايع أبدا أو نرى صاحبنا هذا قد بايع.

قال:فغضب ابن الزبير ثم قال:و من صاحبكم؟فو اللّه!ما صاحبكم هذا برضي في الدين،و لا محمود الرأي،و لا راجح العقل،و لا لهذا الأمر بأهل.

قال:فقال له رجل من القوم يقال له معاذ بن هانئ:أيها الرجل!إننا لا ندري ما

ص: 83

تقول،و لكنا رأيناه على مثل هدانا و أمرنا و طريقتنا،و قد اعتزل الناس و ما هم فيه، و نحن قعود بهذا الحرم لكيلا نقتل و لا نؤذى إلى أن يجمع اللّه أمر الأمة على ما شاء من خلقه،فندخل فيما دخل فيه الأسود و الأبيض،فأجبناه على ذلك و لزمنا هديه و طريقته و مذهبه،و مع ذلك فإنه لا يعيش و السلام،و لا يكافأ بالسوء،و لا يغتاب الغائب و لا يمكر به،ثم إنه قد أمرنا أن نكف أيدينا و لا نسفك دماءنا،ففعلنا ما أمرنا به،و لعمري يابن الزبير!لئن لم يخالفك أحد من الناس إلا كخلافنا إياك فإنه لم يدخل عليك في ذلك شىء من الضرر.

قال:ثم تقدم عبد اللّه بن هانئ و هو أخو هذا المتكلم فقال:يابن الزبير!إننا قد سمعنا كلامك و ما ذكرت به ابن عمك من السوء،و نحن أعلم به منك و أطول له معاشرة،و هو و اللّه الرجل البر،الطيب الطعمة،الكريم الطبيعة،الطاهر الأخلاق، الصادق النية،و هو من ذلك أنصح لهذه الأمة منك،لأنك أنت رجل تدعو الناس إلى بيعتك،فمن لا يبايعك استحللت ماله و دمه،و هو رجل لا يرى ذلك،و بعد يابن الزبير فإننا ما خليناك و تركنا هذا الأمر أن تكونوا ولاة علينا إلا لمكان الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،لأنكم أولى الناس بمنزلته و ميراثه و قيامه في أمته،إذ كنتم من قريش،فإننا سلّمنا إليكم هذا الأمر من هذا الطريق،فإن أنتم عدلتم بينكم كما عدلنا عليكم علمت أنت خاصة أن صاحبنا هذا محمد بن علي هو أهل لهذا الأمر و أولى الناس به،لمكان أبيه علي بن أبي طالب،فإن أبيت أن تقر بهذا الأمر أنه مكذب فإننا وجدناه رجلا من صالحي العرب،معروف الحسب،ثابت النسب،ابن أمير المؤمنين،و ابن أول ذكر صلّى مع النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:فغضب ابن الزبير و قال:من ههنا أهزؤه و أوجؤه في قفاه!

قال ابن هانئ:يابن الزبير إن حرم الرحمن و جوار البيت الحرام الذي من دخله كان آمنا.

ص: 84

قال:ثم تقدم أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني فقال:يابن الزبير! إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (1).

فقال ابن الزبير:و أنت ههنا يابن واثلة؟

فقال:نعم أنا ههنا يابن الزبير؟فاتق اللّه و لا تكن ممن إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (2).

قال:أفلا تسمع إلى كلام هذا الرجل الذي يضرب لي الأمثال و يأتيني بالمقاييس؟

فقال عبد اللّه بن هانئ: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (3).

قال:فازداد غضب ابن الزبير ثم قال لأصحابه:ادفعوهم عني،فإنهم بئس العصابة.

قال:فأخرجوا من بين يديه و أقبلوا إلى محمد ابن الحنفية فأخبروه بما كان بينهم و بين ابن الزبير.

فقال لهم:جزاكم اللّه عني من قوم خير الجزاء!أما إني أتقي عليكم من هذا المسرف على نفسه،و أرى لكم من الرأي أن تعتزلوني و تكونوا قريبا مني إلى أن تنظروا ما يكون من عاقبة أمري و أمره،فإني أكره أن تكونوا معي و لعله ينالكم منه أمر أغتم لكم منه.

قال:فقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني:جعلت فداك يابن أمير المؤمنين! و اللّه ما أنطق إلا بما في قلبي،و لا أخبر إلا عن نفسي،و أنا أشهد اللّه في وقتي هذا أني قد رضيت أن أقتل إن قتلت،و أن أؤسر إن أسرت،و أن أحبس إن حبست،و أن أشبع7.

ص: 85


1- سورة القصص الآية 19.
2- سورة البقرة الآية 206.
3- سورة غافر الآية 27.

إن شبعت،و أن أجوع إن جعت،و أن أظمأ إن ظمئت،و لا و اللّه لا أفارقك في عسر و لا يسر و لا ضيق و لا جهد ما أردتني و قبلتني!أرى لك ذلك علي فرضا واجبا و حقا لازما،و ما لا أبغي به منك جزاء و إكراما،و لا أريد بذلك إلا ثواب اللّه و الدار الآخرة و دفع الظلم عن أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:ثم وثب معاذ بن هانئ الكندي فقال:جعلت فداك!نحن شيعتك و شيعة أبيك من قبلك،نؤاسيك بأنفسنا،و نقيك بأيدينا،و نحن معك على الخوف و الأمن و الخصب و الجدب،إلى أن يأتيك اللّه تبارك و تعالى بالفرج من عنده،غضب ابن الزبير بذلك أم رضي.

قال:فقال محمد ابن الحنفية:إن قدرتم على ذلك فأنا أستأنس بكم،و إن عرضت لكم مآرب و أشغال فأنتم في أوسع العذر.

قال:فبينا القوم كذلك إذا بعمر بن عروة بن الزبير قد أقبل حتى دخل على محمد ابن الحنفية فسلّم ثم قال:إن أمير المؤمنين يقول لك:هلم فبايع أنت و أصحابك هؤلاء الذين معك،فإنكم إن لم تفعلوا حبستكم و أطلت حبسكم.

قال:فسكت القوم و أقبل عليه ابن الحنفية فقال له:إرجع إلى عمك فقل له:يقول لك محمد بن علي:يابن الزبير!أصبحت منتهكا للحرمة،متلبثا في الفتنة،جريا على نفسك الدم الحرام،فعش رويدا،فإن أمامك عقبة كؤودا،و حسابا طويلا،و سؤالا حفيا،و كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها،و بعد فو اللّه لا بايعتك أبدا أو لا يبقى أحد إلا بايعك،فاقض ما أنت قاض!

قال:فرجع عمر بن عروة بن الزبير إلى عمه عبد اللّه بن الزبير.

فقال لهم محمد:مهلا يا قوم!لا تفعلوا فو اللّه ما أحب أني أمرتكم بقتل حبشي أجدع و إنه أجمع لي بعد ذلك سلطان العرب قاطبة من المشرق إلى المغرب.

قال:و خشي عبد اللّه بن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا محمد ابن الحنفية إذا

ص: 86

كان له مثل المختار بالكوفة فكأنه هم بالإساءة به و بأصحابه،قال:و علم ابن الحنفية بذلك فكتب إلى المختار (1).0.

ص: 87


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 250.

قدوم الخشبية مكة

قال الطبري:و كان السبب في ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف و علي بن محمد عن مسلمة بن محارب أن عبد اللّه بن الزبير حبس محمد ابن الحنفية و من معه من أهل بيته و سبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة بزمزم و كرهوا البيعة لمن لم تجتمع عليه الأمة و هربوا إلى الحرم و توعّدهم بالقتل و الإحراق و أعطى اللّه عهدا إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به و ضرب لهم في ذلك أجلا فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار و إلى من بالكوفة رسولا يعلمهم حالهم و حال من معهم و ما توعّدهم به ابن الزبير فوجّه ثلاثة نفر من أهل الكوفة حين نام الحرس على باب زمزم و كتب معهم إلى المختار و أهل الكوفة يعلمهم حاله و حال من معه و ما توعّدهم به ابن الزبير من القتل و التحريق بالنار و يسألهم أن لا يخذلوه كما خذلوا الحسين و أهل بيته عليهم السّلام فقدموا على المختار فدفعوا إليه الكتاب فنادى في الناس و قرأ عليهم الكتاب و قال:هذا كتاب مهديكم و صريخ أهل بيت نبيكم و قد تركوا محظورا عليهم كما يحظر على الغنم ينتظرون القتل و التحريق بالنار في آناء الليل و تارات النهار و لست أبا إسحاق إن لم أنصرهم نصرا مؤزرا و إن لم أسرب إليهم الخيل في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل.

و وجّه أبا عبد اللّه الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة و وجّه ظبيان بن عثمان

ص: 88

أخابني تميم و معه أربعمائة و أبا المعتمر في مائة و هانئ بن قيس في مائة و عمير بن طارق في أربعين و يونس بن عمران في أربعين و كتب إلى محمد بن علي مع الطفيل بن عامر و محمد بن قيس بتوجيه الجنود إليه فخرج الناس بعضهم في أثر بعض،و جاء أبو عبد اللّه حتى نزل ذات عرق في سبعين راكبا ثم لحقه عمير بن طارق في أربعين راكبا و يونس بن عمران في أربعين راكبا فتموا خمسين و مائة فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام و معهم الكافر كوبات و هم ينادون(يا لثارات الحسين)حتى انتهوا إلى زمزم و قد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم و كان قد بقى من الأجل يومان فطردوا الحرس و كسروا أعواد زمزم و دخلوا على ابن الحنفية فقالوا له:خل بيننا و بين عدو اللّه ابن الزبير.

فقال لهم:إني لا أستحل القتال في حرم اللّه.

فقال ابن الزبير:أتحسبون إني مخل سبيلهم دون أن يبايع و يبايعوا.

فقال:أبو عبد اللّه الجدلي أي و رب الركن و المقام و رب الحل و الحرام لتخلين سبيله أو لنجالدنك بأسيافنا جلادا يرتاب منه المبطلون.

فقال ابن الزبير:و اللّه ما هؤلاء إلا أكلة رأس و اللّه لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتى تقطف رؤوسهم.

فقال له قيس بن مالك:أما و اللّه إني لأرجو إن رمت ذلك أن يوصل إليك قبل أن ترى فينا ما تحب فكف ابن الحنفية أصحابه و حذّرهم الفتنة ثم قدم أبو المعتمر في مائة و هانئ بن قيس في مائة و ظبيان بن عمارة في مائتين و معه المال حتى دخلوا المسجد فكبّروا يا لثارات الحسين،فلما رآهم ابن الزبير خافهم فخرج محمد ابن الحنفية و من معه إلى شعب علي و هم يسبّون ابن الزبير و يستأذنون ابن الحنفية فيه فيأبى عليهم فاجتمع مع محمد بن علي في الشعب أربعة آلاف رجل فقسّم

ص: 89

بينهم ذلك المال (1).

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة كان حصار عبد اللّه بن خازم من كان بخراسان من رجال بني تميم بسبب قتل من قتل منهم ابنه محمدا.قال علي بن محمد:حدثنا الحسين بن رشيد الجوزجاني عن الطفيل ابن مرداس العمى قال:لما تفرّقت بنو تميم بخراسان أيام ابن خازم أتى قصر فرتنا عدة من فرسانهم ما بين السبعين إلى الثمانين فولّوا أمرهم عثمان بن بشر بن المحتفز المزني و معه شعبة بن ظهير النهشلي و ورد بن الفلق العنبري و زهير بن ذؤيب العدوي و جيهان بن مشجعة الضبي و الحجاج بن ناشب العدوي و رقبة بن الحر في فرسان بني تميم.

قال:فأتاهم ابن خازم فحصرهم و خندق خندقا حصينا.

قال:و كانوا يخرجون إليه فيقاتلونه ثم يرجعون إلى القصر.

قال:فخرج ابن خازم يوما على تعبئة من خندقه في ستة آلاف و خرج أهل القصر إليه فقال لهم عثمان بن بشر بن المحتفز إنصرفوا اليوم عن ابن خازم فلا أظن لكم به طاقة فقال زهير بن ذؤيب العدوي امرأته طالق إن رجع حتى ينقض صفوفهم إلى جنبهم نهر يدخله الماء في الشتاء و لم يكن يومئذ فيه ماء فاستبطنه زهير فسار فيه فلم يشعر به أصحاب ابن خازم حتى حمل عليهم فحطّم أوّلهم على آخرهم و استداروا و كرّ راجعا و أتبعوه على جنبتي النهر يصيحون به لا ينزل إليه أحد حتى انتهى إلى الموضع الذي انحدر فيه فخرج فحمل عليهم فأفرجوا له حتى رجع.

قال:فقال ابن خازم لأصحابه إذا طاعنتم زهيرا فاجعلوا في رماحكم كلاليب فأعلقوها في أداته إن قدرتم عليه فخرج إليهم يوما و في رماحهم كلاليب قد هيأوها له فطاعنوه فأعلقوا في درعه أربعة أرماح فالتفت إليهم ليحمل عليهم فاضطربت6.

ص: 90


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 546.

أيديهم فخلّوا رماحهم فجاء يجر أربعة أرماح حتى دخل القصر.

قال:فأرسل ابن خازم غزوان بن جزء العدوي إلى زهير فقال قل له أرأيتك إن آمنتك و أعطيتك مائة ألف و جعلت لك باسان طعمة تناصحني فقال زهير لغزوان و يحك كيف أناصح قوما قتلوا الأشعث بن ذؤيب فأسقط بها غزوان عند موسى بن عبد اللّه بن خازم.

قال:فلما طال عليهم الحصار أرسلوا إلى ابن خازم أنا خلّنا نخرج فنتفرق فقال:

لا إلا أن تنزلوا على حكمي.قالوا:فإنا ننزل على حكمك فقال لهم زهير:ثكلتكم أمهاتكم و اللّه ليقتلنكم عن آخركم فإن طبتم بالموت أنفسا فموتوا كراما اخرجوا بنا جميعا فإما أن تموتوا جميعا و إما أن ينجو بعضكم و يهلك بعضكم و أيم اللّه لئن شددتم عليهم شدة صادقة ليفرجن لكم عن مثل طريق المربد فإن شئتم كنت أمامكم و إن شئتم كنت خلفكم.

قال:فأبوا عليه فقال:أما إني سأريكم ثم خرج هو و رقبة بن الحر و مع رقبة غلام له تركي و شعبة بن ظهير.

قال:فحملوا على القوم حملة منكرة فأفرجوا لهم فمضوا فأما زهير فرجع إلى أصحابه حتى دخل القصر فقال لأصحابه قد رأيتم فأطيعوني و مضى رقبة و غلامه و شعبة قالوا:إن فينا من يضعف عن هذا و يطمع في الحياة قال:أبعدكم اللّه أتخلون عن أصحابكم و اللّه لا أكون أجزعكم عند الموت.

قال:ففتحوا القصر و نزلوا فأرسل إليهم فقيّدهم ثم حملوا إليه رجلا رجلا فأراد أن يمن عليهم فأبى ابنه موسى و قال:و اللّه لئن عفوت عنهم لأتكأن على سيفي حتى يخرج من ظهري فقال له عبد اللّه:أما و اللّه إني لأعلم أن الغي فيما تأمرني به ثم قتلهم جميعا إلا ثلاثة قال:أحدهم الحجاج بن ناشب العدوي و كان رمى ابن خازم و هو محاصرهم فكسر ضرسه فحلف لئن ظفر به ليقتلنه أو ليقطعن يده و كان حدثا

ص: 91

فكلّمه فيه رجال من بني تميم كانوا معتزلين من عمرو بن حنظلة فقال رجل منهم ابن عمى و هو غلام حدث جاهل هبه لي.

قال:فوهبه له و قال:النجاء لا أرينك.

قال:و جيهان بن مشجعة الضبي الذي ألقى نفسه على ابنه محمد يوم قتل فقال ابن خازم خلّوا عن هذا البغل الدارج و رجل من بني سعد و هو الذي قال يوم لحقوا ابن خازم:إنصرفوا عن فارس مضر.قال:و جاءوا بزهير بن ذؤيب فأرادوا حمله و هو مقيد فأبى و أقبل يحجل حتى جلس بين يديه.

فقال له ابن خازم:كيف شكرك إن أطلقتك و جعلت لك باسان طعمة قال:لو لم تصنع بي إلا حقن دمى لشكرتك فقام ابنه موسى فقال تقتل الضبع و تترك الذبح تقتل اللبوة و تترك الليث.

قال:و يحك تقتل مثل زهير من لقتال عدو المسلمين من لنساء العرب.

قال:و اللّه لو شركت في دم أخي أنت لقتلتك فقام رجل من بني سليم إلى ابن خازم فقال:أذكرك اللّه في زهير.

فقال له:موسى اتخذه فحلا لبناتك فغضب ابن خازم فأمر بقتله فقال له زهير:إن لي حاجة قال:و ما هي؟

قال:تقتلني على حدة و لا تخلط دمى بدماء هؤلاء اللئام فقد نهيتهم عما صنعوا و أمرتهم أن يموتوا كراما و أن يخرجوا عليكم مصلتين و أيم اللّه أن لو فعلوا لذعروا بنيك هذا و شغلوه بنفسه عن طلب الثأر بأخيه فأبوا و لو فعلوا ما قتل منهم رجل حتى يقتل رجالا فأمر به فنحي ناحية فقتل.قال مسلمة بن محارب:فكان الأحنف بن قيس إذا ذكرهم قال:قبّح اللّه ابن خازم قتل رجالا من بني تميم بابنه صبي و غد أحمق لا يساوى علقا و لو قتل منهم رجلا به لكان و فى.

قال:و زعمت بنو عدى أنهم لما أرادوا حمل زهير بن ذؤيب أبى و اعتمد على

ص: 92

رمحه و جمع رجليه فوثب الخندق،فلما بلغ الحريش بن هلال قتلهم.

قال:

أعاذل إني لم ألم في قتالهم

و قد عض سيفي كبشهم ثم صمما

أعاذل ما وليت حتى تبددت

رجال و حتى لم أجد متقدما

أعاذل أفناني السلاح و من يطل

مقارعة الأبطال يرجع مكلما

أعيني إن أنزفتما الدمع فاسكبا

دما لازما لي دون أن تسكب الدما

الدما أبعد زهير و ابن بشر تتابعا

و ورد أرجى في خراسان مغنما

أعاذل كم من يوم حرب شهدته

أكر إذا ما فارس السوء أحجما

يعنى بقوله أبعد زهير زهير بن ذؤيب و ابن بشر عثمان بن بشر المحتفز المازني و ورد بن الفلق العنبري قتلوا يومئذ و قتل سليمان بن المحتفز أخو بشر.

(قال أبو جعفر)و حج بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان على المدينة مصعب بن الزبير من قبل أخيه عبد اللّه و على البصرة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة و على قضائها هشام بن هبيرة و كانت الكوفة بها المختار غالبا عليها و بخراسان عبد اللّه بن خازم(و في هذه السنة)شخص إبراهيم بن الأشتر متوجها إلى عبيد اللّه بن زياد لحربه و ذلك لثمان بقين من ذي الحجة.

(قال هشام بن محمد)حدثني أبو مخنف قال:حدثني النضر بن صالح و كان قد

ص: 93

أدرك ذلك قال:حدثني فضيل بن خديج و كان قد شهد ذلك و غيرهما قالوا:ما هو إلا أن فرغ المختار من أهل السبيع و أهل الكناسة فما نزل إبراهيم بن الأشتر إلا يومين حتى أشخصه إلى الوجه الذي كان وجّهه له لقتال أهل الشام فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة 66 و أخرج المختار معه من وجوه أصحابه و فرسانهم و ذوي البصائر منهم ممن قد شهد الحرب و جرّبها و خرج معه قيس بن طهفة النهدي على ربع أهل المدينة و أمر عبد اللّه بن حية الأسدي على ربع مذحج و أسد و بعث الأسود بن جراد الكندي على ربع كندة و ربيعة و بعث حبيب بن منقذ الثوري من همدان على ربع تميم و همدان و خرج معه المختار يشيعه حتى إذا بلغ دير عبد الرحمن بن أم الحكم إذا أصحاب المختار قد استقبلوه قد حملوا الكرسي على بغل أشهب كانوا يحملونه عليه فوقفوا به على القنطرة و صاحب أمر الكرسي حوشب البرسمي و هو يقول يا رب عمّرنا في طاعتك و انصرنا على الأعداء و اذكرنا و لا تنسنا و استرنا.

قال:و أصحابه يقولون:آمين آمين.

قال:فضيل فأنا سمعت ابن نوف الهمداني يقول:قال المختار:

أما و رب المرسلات عرفا لنقتلن بعد صف صفا

و بعد ألف قاسطين ألفا

قال:فلما انتهى إليهم المختار و ابن الأشتر ازدحموا ازدحاما شديدا على القنطرة و مضى المختار مع إبراهيم إلى قناطر رأس الجالوت و هى إلى جنب دير عبد الرحمن فإذا أصحاب الكرسي قد وقفوا على قناطر رأس الجالوت يستنصرون، فلما صار المختار بين قنطرة دير عبد الرحمن و قناطر رأس الجالوت وقف و ذلك حين أراد أن ينصرف فقال لابن الأشتر:خذ عني ثلاثا خف اللّه في سر أمرك و علانيته و عجّل السير و إذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم و إن لقيتهم ليلا

ص: 94

فاستطعت أن لا تصبح حتى تناجزهم و إن لقيتهم نهارا فلا تنتظر بهم الليل حتى تحاكمهم إلى اللّه.

ثم قال:هل حفظت ما أوصيتك به.

قال:نعم.

قال:صحبك اللّه.

ثم انصرف و كان موضع عسكر إبراهيم بموضع حمام أعين و منه شخص بعسكره (1).0.

ص: 95


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 550.

سبب كرسي المختار الذي يستنصر به هو و أصحابه

قال الطبري:(أبو مخنف)ذكر عن بعض شيوخه قصة هذا الكرسي غير الذي ذكره عبد اللّه بن أحمد بالإسناد الذي حدثنا به عن طفيل بن جعدة و الذي ذكر من ذلك ما حدثنا به عن هشام بن محمد عنه قال:حدثنا هشام بن عبد الرحمن و ابنه الحكم بن هشام أن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي و كانت أم جعدة أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب عليه السّلام لأبيه و أمه:

ائتوني بكرسي علي بن أبي طالب.فقالوا:لا و اللّه ما هو عندنا و ما ندري من أين نجىء به قال:لا تكونن حمقى اذهبوا فأتوني به.

قال:فظن القوم عند ذلك أنهم لا يأتون بكرسي فيقولون هو هذا إلا قبله منهم فجاءوا بكرسي فقالوا هو هذا فقبله.

قال:فخرجت شبام و شاكرو رؤوس أصحاب المختار و قد عصبوه بالحرير و الديباج.

(قال أبو مخنف)عن موسى بن عامر أبى الأشعر الجهني أن الكرسي لما بلغ ابن الزبير أمره قال:أين بعض جنادبة الأزد عنه.

(قال أبو الأشعر)لما جىء بالكرسي كان أول من سدنه موسى بن أبي موسى الأشعري و كان يأتي المختار أول ما جاء و يحف به لأن أمه أم كلثوم بنت الفضل ابن العباس بن عبد المطلب ثم إنه بعد ذلك عتب عليه فاستحيى منه فدفعه إلى حوشب البرسمي فكان صاحبه حتى هلك المختار.

ص: 96

قال:و كان أحد عمومة الأعشى رجلا يكنى أبا أمامة يأتي مجلس أصحابه فيقول قد وضع لنا اليوم وحي ما سمع الناس بمثله فيه نبأ ما يكون من شيء.

(قال أبو مخنف)حدثنا موسى بن عامر أنه إنما كان يصنع ذلك لهم عبد اللّه بن نوف و يقول المختار أمرني به و يتبرأ المختار منه (1).

ثم دخلت سنة سبع و ستين.1.

ص: 97


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 551.

مقتل عبيد اللّه بن زياد و من كان معه من أهل الشام

ذكر الخبر عن صفة مقتله

قال الطبري:ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال:حدثني أبو الصلت عن أبي سعيد الصيقل قال:مضينا مع إبراهيم بن الأشتر و نحن نريد عبيد اللّه بن زياد و من معه من أهل الشام فخرجنا مسرعين لا ننثني نريد أن نلقاه قبل أن يدخل أرض العراق.

قال:فسبقناه إلى تخوم أرض العراق سبقا بعيدا و وغلنا في أرض الموصل فتعجلنا إليه و أسرعنا السير فنلقاه بخازر إلى جنب قرية يقال لها باربيثا بينها و بين مدينة الموصل خمسة فراسخ و قد كان ابن الأشتر جعل على مقدمته الطفيل بن لقيط من و هبيل من النخع رجلا من قومه و كان شجاعا بئيسا،فلما أن دنا من ابن زياد ضم حميد بن حريث إليه و أخذ ابن الأشتر لا يسير إلا على تعبئة و ضم أصحابه كلهم إليه بخيله و رجاله فأخذ يسير بهم جميعا لا يفرّقهم إلا أنه يبعث الطفيل بن لقيط في الطلائع حتى نزل تلك القرية.

قال:و جاء عبيد اللّه بن زياد حتى نزل قريبا منهم على شاطئ خازر و أرسل عمير بن الحباب السلمي إلى ابن الأشتر إني معك و أنا أريد الليلة لقاءك فأرسل إليه ابن الأشتر أن القني إذا شئت و كانت قيس كلها بالجزيرة فهم أهل خلاف لمروان و آل مروان و جند مروان يومئذ كلب و صاحبهم ابن بحدل فأتاه عمير ليلا فبايعوه

ص: 98

و أخبره أنه على ميسرة صاحبه و واعده أن ينهزم بالناس.

و قال ابن الأشتر:ما رأيك أخندق علي (1)و أتلوم (2)يومين أو ثلاثة.

قال عمير بن الحباب:لا تفعل إنا للّه هل يريد القوم إلا هذه إن طاولوك و ما طلوك فهو خير لهم هم كثير أضعافكم و ليس يطيق القليل الكثير في المطاولة و لكن ناجز القوم فإنهم قد ملئوا منكم رعبا فأتهم فإنهم إن شاموا أصحابك و قاتلوهم يوما بعد يوم و مرة بعد مرة أنسوا بهم و اجترأوا عليهم.

قال إبراهيم:الآن علمت أنك لي مناصح صدقت الرأي ما رأيت أما إن صاحبي بهذا أوصاني و بهذا الرأي أمرني قال عمير:فلا تعدون رأيه فإن الشيخ قد ضرسته الحروب و قاسى منها ما لم نقاس أصبح فناهض الرجل ثم إن عميرا انصرف و أذكى ابن الأشتر حرسه تلك الليلة الليل كله و لم يدخل عينه غمض حتى إذا كان في السحر الأول عبّأ أصحابه و كتب كتائبه و أمر أمراءه فبعث سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي على ميمنته و علي بن مالك الجشمي على ميسرته و هو أخو أبى الأحوص و بعث عبد الرحمن بن عبد اللّه و هو أخو إبراهيم بن الأشتر لأمه على الخيل و كانت خيله قليلة فضمّها إليه و كانت في الميمنة و القلب و جعل على رجالته الطفيل بن لقيط و كانت رايته مع مزاحم بن مالك.

قال:فلما انفجر الفجر صلّى بهم الغداة بغاس ثم خرج بهم فصفّهم و وضع أمراء الأرباع في مواضعهم و ألحق أمير الميمنة بالميمنة و أمير الميسرة بالميسرة و أمير الرجالة بالرجالة،و ضم الخيل إليه و عليها أخوه لأمه عبد الرحمن بن عبد اللّه فكانت وسطا من الناس و نزل إبراهيم يمشى و قال للناس:إزحفوا فزحف الناس معه على رسلهم رويدا رويدا حتى أشرف على تل عظيم مشرف على القوم فجلسف.

ص: 99


1- في تاريخ الإسلام:على نفسي.
2- في الكامل:أتوقف.

عليه و إذا أولئك لم يتحرك منهم أحد بعد فسرّح عبد اللّه بن زهير السلولي و هو على فرس له يتأكل تأكلا فقال:قرب علي فرسك حتى تأتيني بخبر هؤلاء فانطلق فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء فقال:قد خرج القوم على دهش و فشل لقيني رجل منهم فما كان له هجيرى إلا يا شيعة أبى تراب يا شيعة المختار الكذاب فقلت ما بيننا و بينكم أجلّ من الشتم فقال لي يا عدو اللّه إلا م تدعونا أنتم تقاتلونا مع غير إمام فقلت له بل يا لثارات الحسين ابن رسول اللّه ادفعوا إلينا عبيد اللّه بن زياد فإنه قتل ابن رسول اللّه و سيد شباب أهل الجنة حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلهم مع الحسين عليه السّلام فانا لا نراه لحسين ندا فنرضى أن يكون منه قودا و إذا دفعتموه إلينا فقتلناه ببعض موالينا الذين قتلهم جعلنا بيننا و بينكم كتاب اللّه أو أي صالح من المسلمين شئتم حكما فقال لي قد جربناكم مرة أخرى في مثل هذا يعنى الحكمين فغدرتم فقلت له:

و ما هو؟

فقال:قد جعلنا بيننا و بينكم حكمين فلم ترضوا بحكمهما فقلت له ما جئت بحجة إنما كان صلحنا على أنهما إذا اجتمعا على رجل تبعنا حكمهما و رضينا به و بايعناه فلم يجتمعا على واحد و تفرّقا فكلاهما لم يوفقه اللّه لخير و لم يسدده فقال:من أنت فأخبرته فقلت له:من أنت.

فقال:عدس لبغلته يزجرها فقلت له ما أنصفتني هذا أول غدرك.

قال:و دعا ابن الأشتر بفرس له فركبه ثم مر بأصحاب الرايات كلها فكلما مر على راية وقف عليها ثم قال:يا أنصار الدين و شيعة الحق و شرطة اللّه هذا عبيد اللّه بن مرجانة قاتل الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللّه حال بينه و بين بناته و نسائه و شيعته و بين ماء الفرات أن يشربوا منه و هم ينظرون إليه و منعه أن يأتي ابن عمه فيصالحه و منعه أن ينصرف إلى رحله و أهله و منعه الذهاب في الأرض العريضة حتى قتله و قتل أهل بيته فو اللّه ما عمل فرعون بنجباء بني إسرائيل ما

ص: 100

عمل ابن مرجانة بأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا قد جاءكم اللّه به و جاءه بكم فو اللّه إني لأرجو أن لا يكون اللّه جمع بينكم في هذا الموطن و بينه إلا ليشفي صدوركم بسفك دمه على أيديكم فقد علم اللّه أنكم خرجتم غضبا لأهل بيت نبيكم عليهم السّلام فسار فيما بين الميمنة و الميسرة و سار في الناس كلهم فرغّبهم في الجهاد و حرّضهم على القتال ثم رجع حتى نزل تحت رايته و زحف القوم إليه و قد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني و على ميسرته عمير بن الحباب السلمي و شرحبيل بن ذي الكلاع على الخيل و هو يمشي في الرجال،فلما تدانى الصفان حمل الحصين بن نمير في ميمنة أهل الشام على ميسرة أهل الكوفة و عليها علي بن مالك الجشمي فثبت له هو بنفسه فقتل ثم أخذ رايته قرة بن علي فقال:أيضا في رجال من أهل الحفاظ قتلوا و انهزمت الميسرة فأخذ راية علي بن مالك الجشمي عبد اللّه بن ورقاء بن جنادة السلولي ابن أخي حبشي بن جنادة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاستقبل أهل الميسرة حين انهزموا فقال:

إلي يا شرطة اللّه فأقبل إليه جلّهم فقال:هذا أميركم يقاتل سيروا بنا إليه فأقبل حتى أتاه و إذا هو كاشف عن رأسه ينادى يا شرطة اللّه إلي أنا ابن الأشتر إن خير فراركم كراركم ليس مسيئا من أعتب فثاب إليه أصحابه و أرسل إلى صاحب الميمنة إحمل على ميسرتهم و هو يرجو حينئذ أن ينهزم لهم عمير بن الحباب كما زعم فحمل عليهم صاحب الميمنة و هو سفيان بن يزيد بن المغفل فثبت له عمير بن الحباب و قاتله قتالا شديدا،فلما رأى إبراهيم ذلك قال لأصحابه:أموا هذا السواد الأعظم فو اللّه لو قد فضضناه لا نجفل من ترون منهم يمنة و يسرة انجفال طير ذعرته فطارت.

(قال أبو مخنف)فحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري عن ورقاء بن عازب قال:مشينا إليهم حتى إذا دنونا منهم اطّعنا بالرماح قليلا ثم صرنا إلى السيوف

ص: 101

و العمد فاضطربنا بها مليا من النهار فو اللّه ما شبّهت ما سمعت بيننا و بينهم من وقع الحديد على الحديد إلا مياجن قصارى دار الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

قال:فكان ذلك كذلك ثم إن اللّه هزمهم و منحنا أكتافهم.

(قال أبو مخنف)و حدثني الحارث بن حصيرة عن أبي صادق أن إبراهيم بن الأشتر كان يقول لصاحب رايته انغمس برايتك فيهم فيقول له إنه جعلت فداك ليس لي متقدم فيقول بلى فإن أصحابك يقاتلون و إن هؤلاء لا يهربون إن شاء اللّه فإذا تقدم صاحب رايته برايته شد إبراهيم بسيفه فلا يضرب به رجلا إلا صرعه و كرد إبراهيم الرجال من بين يديه كأنهم الحملان و إذا حمل برايته شدّ أصحابه شدّة رجل واحد (1).

(قال أبو مخنف)حدثني المشرقي أنه كان مع عبيد اللّه بن زياد يومئذ حديدة لا تليق شيئا مرت به و أنه لما هزم أصحابه حمل عيينة ابن أسماء أخته هند بنت أسماء و كانت امرأة عبيد اللّه بن زياد فذهب بها و أخذ يرتجز و يقول:

إن تصرمي حبالنا فربما أرديت في الهيجا الكمي المعلما.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج أن إبراهيم لما شد على ابن زياد و أصحابه إنهزموا بعد قتال شديد و قتلى كثيرة بين الفريقين و أن عمير بن الحباب لما رأى أصحاب إبراهيم قد هزموا أصحاب عبيد اللّه بعث إليه أجيئك الآن فقال:لا تأتيني حتى تسكن فورة شرطة اللّه فإني أخاف عليك عاديتهم.

و قال ابن الأشتر:قتلت رجلا وجدت منه رائحة المسك شرقت يداه و غربت رجلاه تحت راية منفردة على شاطئ نهر خازز فالتمسوه فإذا هو عبيد اللّه بن زياد قتيلا ضربه فقدّه نصفين فذهبت رجلاه في المشرق و يداه في المغرب و حمل شريك بن جدير التغلبي على الحصين بن نمير السكوني و هو يحسبه عبيد اللّه بن6.

ص: 102


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 556.

زياد فاعتنق كل واحد منهما صاحبه و نادى التغلبي اقتلوني و ابن الزانية فقتل ابن نمير.

حدثني عبد اللّه بن أحمد قال:حدثني أبي قال:حدثني سليمان قال:حدثني عبد اللّه بن المبارك قال:حدثني الحسن بن كثير قال:كان شريك بن جدير التغلبي مع علي عليه السلام و أصيبت عينه معه فلما انقضت حرب علي لحق ببيت المقدس فكان به،فلما جاءه قتل الحسين.قال:أعاهد اللّه إن قدرت على كذا و كذا يطلب بدم الحسين لأقتلن ابن مرجانة أو لأموتن دونه،فلما بلغه أن المختار خرج يطلب بدم الحسين أقبل إليه.

قال:فكان وجهه مع إبراهيم بن الأشتر و جعل على خيل ربيعة فقال لأصحابه إني عاهدت اللّه على كذا و كذا فبايعه ثلثمائة على الموت،فلما التقوا حمل فجعل يهتكها صفا صفا مع أصحابه حتى وصلوا إليه و ثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد و السيوف فانفرجت عن الناس و هما قتيلان ليس بينهما أحد التغلبي و عبيد اللّه بن زياد.

قال:و هو الذي يقول:

كل عيش قد أراه قذرا غير ركز الرمح في ظل الفرس

(قال هشام)قال أبو مخنف:حدثني فضيل بن خديج قال:قتل شرحبيل بن ذي الكلاع فادعى قتله ثلاثة سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي و ورقاء بن عازب الأسدي و عبيد اللّه بن زهير السلمي.

قال:و لما هزم أصحاب عبيد اللّه تبعهم أصحاب إبراهيم بن الأشتر فكان من غرق أكثر ممن قتل و أصابوا عسكرهم فيه من كل شيء و بلغ المختار و هو يقول لأصحابه يأتيكم الفتح أحد اليومين إن شاء اللّه من قبل إبراهيم بن الأشتر و أصحابه قد هزموا أصحاب عبيد اللّه بن مرجانة.

ص: 103

قال:فخرج المختار من الكوفة و استخلف عليها السائب بن مالك الأشعري و خرج بالناس و نزل ساباط.

(قال أبو مخنف)حدثني المشرقي عن الشعبي قال:كنت أنا و أبي ممن خرج معه.

قال:فلما جزنا ساباط قال للناس:أبشروا فإن شرطة اللّه قد حسوهم بالسيوف يوما إلى الليل بنصيبين أو قريبا من نصيبين و دون منازلهم إلا أن جلّهم محصور بنصيبين.

قال:و دخلنا المدائن و اجتمعنا إليه فصعد المنبر فو اللّه إنه ليخطبنا و يأمرنا بالجد و حسن الرأي و الإجتهاد و الثبات على الطاعة و الطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام إذ جاءته البشرى تترى يتبع بعضها بعضا بقتل عبيد اللّه بن زياد و هزيمة أصحابه و أخذ عسكره و قتل أشراف أهل الشام.

فقال المختار:يا شرطة اللّه ألم أبشّركم بهذا قبل أن يكون قالوا:بلى و اللّه لقد قلت ذلك.

قال:فيقول لي رجل من بعض جيراننا من الهمدانيين أتؤمن الآن يا شعيى قال:

قلت:بأي شيء أؤمن بأن المختار يعلم الغيب لا أؤمن بذلك أبدا.

قال:أولم يقل لنا إنهم قد هزموا؟

فقلت له:إنما زعم لنا أنهم هزموا بنصيبين من أرض الجزيرة و إنما هو بخازر من أرض الموصل فقال:و اللّه لا تؤمن يا شعبى حتى ترى العذاب الأليم فقلت له من هذا الهمداني الذي يقول لك هذا فقال رجل لعمري كان شجاعا قتل مع المختار بعد ذلك يوم حروراء يقال له:سلمان بن حمير من الثوريين من همدان.

قال:و انصرف المختار إلى الكوفة و مضى ابن الأشتر في عسكره إلى الموصل و بعث عماله عليها فبعث أخاه عبد الرحمن بن عبد اللّه على نصيبين و غلب على سنجار و دارا و ما والاها من أرض الجزيرة و خرج أهل الكوفة الذين كان المختار

ص: 104

قاتلهم فهزمهم فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة و كان فيمن قدم على مصعب شبث بن ربعي فقال سراقة بن مرداس البارقي يمدح إبراهيم بن الأشتر و أصحابه في قتل عبيد اللّه بن زياد:

أتاكم غلام من عرانين مذحج جرى على الأعداء غير نكول

فيا ابن زياد بؤ بأعظم مالك و ذق حد ماضي الشفرتين صقيل

ضربناك بالعضب الحسام بحدة إذا ما أبأنا قاتلا بقتيل

جزى اللّه خيرا شرطة اللّه إنهم شفوا من عبيد اللّه أمس غليلي.

(و في هذه السنة)عزل عبد اللّه بن الزبير القباع عن البصرة و بعث عليها أخاه مصعب بن الزبير.

فحدثني عمر بن شبة قال:حدثني علي بن محمد قال:حدثنا الشعبي قال:حدثني وافد بن أبي ياسر قال:كان عمرو بن سرح مولى الزبير يأتينا فيحدثنا.

قال:كنت و اللّه في الرهط الذين قدموا مع المصعب بن الزبير من مكة إلى البصرة.

قال:فقدم متلثما حتى أناخ على باب المسجد ثم دخل فصعد المنبر فقال الناس أمير أمير.

قال:و جاء الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة و هو أميرها قبله فسفر المصعب فعرفوه و قالوا:مصعب بن الزبير قال للحارث:أظهر أظهر فصعد حتى جلس تحته من المنبر درجة.

قال:ثم قام المصعب فحمد اللّه و أثنى عليه.

قال:فو اللّه ما أكثر الكلام ثم قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى إلى قوله إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (1)

ص: 105


1- سورة القصص:3.

و أشار بيده نحو الشام وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (1)و أشار بيده نحو الحجاز وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2)و أشار بيده نحو الشام.

حدثني عمر بن شبة قال:حدثني علي بن محمد عن عوانة قال:لما قدم مصعب البصرة خطبهم فقال:يا أهل البصرة بلغني أنكم تلقبون أمراءكم و قد سميت نفسي الجزار.

(و في هذه السنة)سار مصعب بن الزبير إلى المختار فقتله (3).5.

ص: 106


1- سورة القصص:5.
2- سورة القصص:6.
3- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 555.

مسير مصعب إلى المختار و الخبر عن مقتله

قال الطبري:قال هشام بن محمد عن أبي مخنف:حدثني حبيب بن بديل قال:لما قدم شبث على مصعب بن الزبير البصرة و تحته بغلة له قد قطع ذنبها و قطع طرف أذنها و شق قباءه و هو ينادى يا غوثاه يا غوثاه فأتى مصعب فقيل له إن بالباب رجلا ينادى يا غوثاه يا غوثاه مشقوق القباء من صفته كذا و كذا فقال لهم نعم هذا شبث بن ربعي لم يكن ليفعل هذا غيره فأدخلوه فأدخل عليه و جاءه أشراف الناس من أهل الكوفة فدخلوا عليه فأخبروه بما اجتمعوا له و بما أصيبوا به و وثوب عبيدهم و مواليهم عليهم و شكوا إليه و سألوه النصر لهم و المسير إلى المختار معهم و قدم عليهم محمد بن الأشعث بن قيس و لم يكن شهد وقعة الكوفة كان في قصر له مما يلي القادسية بطيزناباذا،فلما بلغه هزيمة الناس تهيأ للشخوص و سأل عنه المختار فأخبر بمكانه فسرّح إليه عبد اللّه بن قراد الخثعمي في مائة فلما ساروا إليه و بلغه أن قد دنوا منه خرج في البرية نحو المصعب حتى لحق به،فلما قدم على المصعب استحثه بالخروج و أدناه مصعب و أكرمه لشرفه.

قال:و بعث المختار إلى دار محمد بن الأشعث فهدمها.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف بن يزيد أن المصعب لما أراد المسير إلى الكوفة حين أكثر الناس عليه قال لمحمد بن الأشعث:إني لا أسير حين يأتيني المهلب بن أبي صفرة فكتب المصعب إلى المهلب و هو عامله على فارس أن أقبل إلينا لتشهد أمرنا فإنا نريد المسير إلى الكوفة فأبطأ عليه المهلب و أصحابه و اعتل

ص: 107

بشيء من الخراج لكراهة الخروج فأمر مصعب محمد بن الأشعث في بعض ما يستحثه أن يأتي المهلب فيقبل به و أعلمه أنه لا يشخص دون أن يأتي المهلب فذهب محمد بن الأشعث بكتاب المصعب إلى المهلب،فلما قرأه قال له:مثلك يا محمد يأتي بريدا أما وجد المصعب بريدا غيرك.

قال محمد:إني و اللّه ما أنا ببريد أحد غير أن نساءنا و أبناءنا و حرمنا غلبنا عليهم عبداننا و موالينا فخرج المهلب و أقبل بجموع كثيرة و أموال عظيمة معه في جموع و هيئة ليس بها أحد من أهل البصرة،و لما دخل المهلب البصرة أتى باب المصعب ليدخل عليه و قد أذن للناس فحجبه الحاجب و هو لا يعرفه فرفع المهلب يده فكسر أنفه فدخل إلى المصعب و أنفه يسيل دما فقال له مالك:ضربني رجل ما أعرفه و دخل المهلب،فلما رآه الحاجب قال:هوذا.

قال له المصعب:عد إلى مكانك و أمر المصعب الناس بالمعسكر عند الجسر الأكبر و دعا عبد الرحمن بن مخنف فقال له:ائت الكوفة فأخرج إلى جميع من قدرت عليه أن تخرجه و ادعهم إلى بيعتي سرا و خذّل أصحاب المختار فانسل من عنده حتى جلس في بيته مستترا لا يظهر و خرج المصعب فقدّم أمامه عباد بن الحصين الحبطي من بني تميم على مقدمته و بعث عمر بن عبيد اللّه بن معمر على ميمنته و بعث المهلب بن أبي صفرة على ميسرته و جعل مالك بن مسمع على خمس بكر ابن وائل و مالك بن المنذر على خمس عبد القيس و الأحنف بن قيس على خمس تميم و زياد بن عمرو الأزدي على خمس الأزد و قيس بن الهيثم على خمس أهل العالية.

و بلغ ذلك المختار فقام في أصحابه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:يا أهل الكوفة يا أهل الدين و أعوان الحق و أنصار الضعيف و شيعة الرسول و آل الرسول إن فرّاركم الذين بغوا عليكم أتوا أشباههم من الفاسقين فاستغووهم عليكم ليمحّص

ص: 108

الحق و ينتعش الباطل و يقتل أولياء اللّه و اللّه لو تهلكون ما عبد اللّه في الأرض إلا بالفرى على اللّه و اللعن لأهل بيت نبيه انتدبوا مع أحمر بن شميط فإنكم لو قد لقيتموهم لقد قتلتموهم إن شاء اللّه قتل عاد و إرم فخرج أحمر بن شميط فعسكر بحمام أعين و دعا المختار رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر فبعثهم مع أحمر بن شميط كما كانوا مع ابن الأشتر فإنهم إنما فارقوا ابن الأشتر لانهم رأوه كالمتهاون بأمر المختار فانصرفوا عنه و بعثهم المختار مع ابن شميط و بعث معه جيشا كثيفا فخرج ابن شميط فبعث على مقدمته ابن كامل الشاكري و سار أحمر ابن شميط حتى ورد المذار،و جاء المصعب حتى عسكر منه قريبا ثم إن كل واحد منهما عبّأ جنده ثم تزاحفا فجعل أحمر بن شميط على ميمنته عبد اللّه بن كامل الشاكري و على ميسرته عبد اللّه بن وهب بن نضلة الجشمي و على الخيل رزين عبد السلولي و على الرجالة كثير بن إسماعيل الكندي و كان يوم خازر مع ابن الأشتر و جعل كيسان أبا عمرة و كان مولى لعرينة على الموالي فجاء عبد اللّه بن وهب بن أنس الجشمي إلى ابن شميط و قد جعله على ميسرته.

فقال له:إن الموالي و العبيد آل خور عند المصدوقة و إن معهم رجالا كثيرا على الخيل و أنت تمشي فمرهم فلينزلوا معك فإن لهم بك أسوة فإني أتخوف إن طوردوا ساعة و طوعنوا و ضوربوا أن يطيروا على متونها و يسلموك و إنك إن أرجلتهم لم يجدوا من الصبر بدا و إنما كان هذا منه غشا للموالي و العبيد لما كانوا لقوا منهم بالكوفة فأحب إن كانت عليهم الدبرة أن يكونوا رجالا لا ينجو منهم أحد و لم يتهمه ابن شميط و ظن أنه إنما أراد بذلك نصحه ليصبروا و يقاتلوا فقال:يا معشر الموالي أنزلوا معي فقاتلوا فنزلوا معه ثم مشوا بين يديه و بين يدي رايته،و جاء مصعب بن الزبير و قد جعل عبّاد بن الحصين على الخيل فجاء عبّاد حتى دنا من ابن شميط و أصحابه فقال:إنما ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله و إلى بيعة أمير المؤمنين

ص: 109

عبد اللّه بن الزبير و قال الآخرون:إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله و إلى بيعة الأمير المختار و إلى أن نجعل هذا الأمر شورى في آل الرسول فمن زعم من الناس أن أحدا ينبغي له أن يتولى عليهم برئنا منه و جاهدناه فانصرف عبّاد إلى المصعب فأخبره.

فقال له:ارجع فاحمل عليهم فرجع فحمل على ابن شميط و أصحابه فلم يزل منهم أحد ثم انصرف إلى موقفه و حمل المهلب على ابن كامل فجال أصحابه بعضهم في بعض فنزل ابن كامل ثم انصرف عنه المهلب فقام مكانه فوقفوا ساعة ثم قال المهلب لأصحابه:كرّوا كرّة صادقة فإن القوم قد أطمعوكم و ذلك بجولتهم التي جالوا فحمل عليهم حملة منكرة فولّوا و صبر ابن كامل في رجال من همدان فأخذ المهلب يسمع شعار القوم أنا الغلام الشاكري أنا الغلام الشبامي أنا الغلام الثوري فما كان إلا ساعة حتى هزموا و حمل عمر بن عبيد اللّه بن معمر على عبد اللّه ابن أنس فقاتل ساعة ثم انصرف و حمل الناس جميعا على ابن شميط فقاتل حتى قتل و تنادوا يا معشر بجيلة و خثعم الصبر الصبر فناداهم المهلب الفرار الفرار اليوم أنجى لكم علام تقتلون أنفسكم مع هذه العبدان أضل اللّه سعيكم.

ثم نظر إلى أصحابه فقال:و اللّه ما أرى استحرار القتل اليوم إلا في قومي و مالت الخيل على رجالة ابن شميط فافترقت فانهزمت و أخذت الصحراء فبعث المصعب عبّاد بن الحصين على الخيل فقال:أيما أسير أخذته فاضرب عنقه و سرّح محمد بن الأشعث في خيل عظيمة من خيل أهل الكوفة ممن كان المختار طردهم فقال دونكم ثأركم فكانوا حيث انهزموا أشد عليهم من أهل البصرة لا يدركون منهزما إلا قتلوه و لا يأخذون أسيرا فيعفون عنه.

قال:فلم ينج من ذلك الجيش إلا طائفة من أصحاب الخيل و أما رجالتهم فأبيدوا

ص: 110

إلا قليلا (1).

(قال أبو مخنف)حدثني ابن عياش المنتوف عن معاوية بن قرة المزني قال:

انتهيت إلى رجل منهم فأدخلت سنان الرمح في عينه فأخذت أخضخض عينه بسنان رمحي فقلت له و فعلت به هذا قال:نعم إنهم كانوا أحلّ عندنا دماء من الترك و الديلم و كان معاوية بن قرة قاضيا لأهل البصرة ففي ذلك يقول الأعشى:

ألا هل أتاك و الأنباء تنمى بما لاقت بحيلة بالمذار

أتيح لهم بها ضرب طلخف و طعن صائب وجه النهار

كأن سحابة صعقت عليهم فعمتهم هنالك بالدمار

فبشر شيعة المختار إما مررت على الكويفة بالصغار

أقر العين صرعاهم و فل لهم جم يقتل بالصحاري

و ما إن سرنى إهلاك قومي و إن كانوا وجدك في خيار

و لكني سررت بما يلاقي أبو إسحاق من خزي و عار

و أقبل المصعب حتى قطع من تلقاء واسط القصب و لم تك واسط هذه بنيت حينئذ بعد فأخذ في كسكر ثم حمل الرجال و أثقالهم و ضعفاء الناس في السفن فأخذوا في نهر يقال له:نهر خرشاذ ثم خرجوا من ذلك النهر إلى نهر يقال له:

قوسان ثم أخرجهم من ذلك النهر إلى الفرات.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج الكندي أن أهل البصرة كانوا يخرجون فيجرّون سفنهم و يقولون:

عودنا المصعب جر القلس و الزنبريات الطوال القعس

قال:فلما بلغ من مع المختار من تلك الأعاجم ما لقي إخوانهم مع ابن شميط قالوا2.

ص: 111


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 562.

بالفارسية:«أين بار دروغ كفت»يقولون:هذه المرة كذب.

(قال أبو مخنف)و حدثني هشام بن عبد الرحمن الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي.

قال:و اللّه إني لجالس عند المختار حين أتاه هزيمة القوم و مالقوا قال:فأصغى إلي فقال قتلت و اللّه العبيد قتلة ما سمعت بمثلها قط ثم قال:و قتل ابن شميط و ابن كامل و فلان و فلان فسمّى رجالا من العرب أصيبوا كان الرجل منهم في الحرب خيرا من فئام من الناس قال:فقلت له فهذه و اللّه مصيبة فقال لي ما من الموت بد و ما من ميتة أموتها أحب إلى من مثل ميتة ابن شميط حبذا مصارع الكرام قال:فعلمت أن الرجل قد حدّث نفسه إن لم يصب حاجته أن يقاتل حتى يموت.

و لما بلغ المختار أنهم قد أقبلوا إليه في البحر و على الظهر سار حتى نزل بهم السيلحين و نظر إلى مجتمع الأنهار نهر الحيرة و نهر السيلحين و نهر القادسية و نهر برسف فسكّر الفرات على مجتمع الأنهار فذهب ماء الفرات كله في هذه الأنهار و بقيت سفن أهل البصرة في الطين،فلما رأوا ذلك خرجوا من السفن يمشون و أقبلت خيلهم تركض أتوا ذلك السكّر فكسروه و صمدوا صمد الكوفة.

فلما رأى ذلك المختار أقبل إليهم حتى نزل حروراء و حال بينهم و بين الكوفة و قد كان حصّن قصره و المسجد و أدخل في قصره عدة الحصار،و جاء المصعب يسير إليه و هو بحروراء و قد استعمل على الكوفة عبد اللّه بن شداد و خرج إليه المختار و قد جعل على ميمنته سليم بن يزيد الكندي و جعل على ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني ثم الثوري و كان على شرطته يومئذ عبد اللّه بن قراد الخثعمي و بعث على الخيل عمر بن عبد اللّه النهدي و على الرجال مالك بن عمرو النهدي و جعل مصعب على ميمنته المهلب بن أبي صفرة و على ميسرته عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيمي و على الخيل عبّاد بن الحصين الحبطي و على الرجال مقاتل بن مسمع

ص: 112

البكري و نزل هو يمشى متنكبا قوسا له.

قال:و جعل على أهل الكوفة محمد بن الأشعث فجاء محمد حتى نزل بين المصعب و المختار مغربا ميامنا.

قال:فلما رأى ذلك المختار بعث إلى كل خمس من أخماس أهل البصرة رجلا من أصحابه فبعث إلى بكر بن وائل سعيد بن منقذ صاحب ميسرته و عليهم مالك بن مسمع البكري و بعث إلى عبد القيس و عليهم مالك بن المنذر عبد اللّه بن شريح الشبامي و كان على بيت ماله و بعث إلى أهل العالية و عليهم قيس بن الهيثم السلمي عبد اللّه بن جعدة القرشيء ثم المخزومي و بعث إلى الأزد و عليهم زياد بن عمرو العتكي مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي و بعث إلى بني تميم و عليهم الأحنف بن قيس سليم بن يزيد الكندي و كان صاحب ميمنته و بعث إلى محمد بن الأشعث السائب بن مالك الأشعري و وقف في بقية أصحابه و تزاحف الناس و دنا بعضهم من بعض و يحمل سعيد بن منقذ و عبد اللّه بن شريح على بكر بن وائل و عبد القيس و هم في الميسرة و عليهم عمر بن عبيد اللّه بن معمر فقاتلتهم ربيعة قتالا شديدا و صبروا لهم و أخذ سعيد بن منقذ و عبد الرحمن بن شريح لا يقلعان إذا حمل واحد فانصرف حمل الآخر و ربما حملا جميعا.

قال:فبعث المصعب إلى المهلب ما تنتظر أن تحمل على من بإزائك ألا ترى ما يلقى هذان الخمسان منذ اليوم إحمل بأصحابك فقال:أي لعمري ما كنت لأجزر الأزد و تميما خشية أهل الكوفة حتى أرى فرصتي.

قال:و بعث المختار إلى عبد اللّه بن جعدة أن احمل على من بإزائك فحمل على أهل العالية فكشفهم حتى انتهوا إلى المصعب فجثا المصعب على ركبتيه و لم يكن فرارا فرمى بأسهمه و نزل الناس عنده فقاتلوا ساعة ثم تحاجزوا.

قال:و بعث المصعب إلى المهلب و هو في خمسين جامين كثيري العدد

ص: 113

و الفرسان لا أبالك ما تنتظر أن تحمل على القوم فمكث غير بعيد.

ثم إنه قال لأصحابه:قد قاتل الناس منذ اليوم و أنتم وقوف و قد أحسنوا و قد بقي ما عليكم احملوا و استعينوا باللّه و اصبروا فحمل على من يليه حملة منكرة فحطّموا أصحاب المختار حطمة منكرة فكشفوهم.و قال عبد اللّه بن عمرو النهدي و كان من أصحاب صفين:اللهم إني على ما كنت عليه ليلة الخميس بصفين اللهم إني أبرأ إليك من فعل هؤلاء لأصحابه حين انهزموا و أبرأ إليك من أنفس هؤلاء يعنى أصحاب المصعب ثم جالد بسيفه حتى قتل و أتى مالك بن عمرو أبو نمران النهدي و هو على الرجالة بفرسه فركبه و انقصف أصحاب المختار انقصافة شديدة كأنهم أجمة فيها حريق.

فقال مالك حين ركب:ما أصنع بالركوب و اللّه لئن أقتل ههنا أحب إلي من أن أقتل في بيتي أين أهل البصائر أين أهل الصبر فثاب إليه نحو من خمسين رجلا و ذلك عند المساء فكرّ على أصحاب محمد بن الأشعث فقتل محمد بن الأشعث إلى جانبه هو و عامة أصحابه فبعض الناس يقول هو قتل محمد بن الأشعث و وجد أبو نمران قتيلا إلى جانبه و كندة تزعم أن عبد الملك بن أشاءة الكندي هو الذي قتله،فلما مر المختار في أصحابه على محمد بن الأشعث قتيلا قال:يا معشر الأنصار كروا على الثعالب الرواغة فحملوا عليهم فقتل،فخثعم تزعم أن عبد اللّه بن قراد هو الذي قتله.

(قال أبو مخنف)و سمعت عوف بن عمرو الجشمي يزعم أن مولى لهم قتله فادعى قتله أربعة نفر كلهم يزعم أنه قتله و انكشف أصحاب سعيد بن منقذ فقاتل في عصابة من قومه نحو من سبعين رجلا فقتلوا و قاتل سليم بن يزيد الكندي في تسعين رجلا من قومه و غيرهم ضارب حتى قتل و قاتل المختار على فم سكة شبث و نزل و هو يريد أن لا يبرح فقاتل عامة ليلته حتى انصرف عنه القوم و قتل معه ليلتئذ رجال من أصحابه من أهل الحفاظ منهم عاصم بن عبد اللّه الأزدي و عياش

ص: 114

ابن خازم الهمداني ثم الثوري و أحمر بن هديج الهمداني ثم الفايشي (1).

(قال أبو مخنف)حدثنا أبو الزبير أن همدان تنادوا ليلتئذ يا معشر همدان سيفوهم فقاتلوهم أشد القتال،فلما أن تفرّقوا عن المختار قال له أصحابه:أيها الأمير قد ذهب القوم فانصرف إلى منزلك إلى القصر.

فقال المختار:أما و اللّه ما نزلت و أنا أريد أن آتي القصر فأما إذا انصرفوا فاركبوها بنا على اسم اللّه فجاء حتى دخل القصر فقال الأعشى في قتل محمد بن الأشعث:

تأوب عينك عوارها

و عاد لنفسك تذكارها

و إحدى لياليك راجعتها

أرقت و نوم سمارها

و ما ذاقت العين طعم الرقا

د حتى تبلج إسفارها

و قام نعاة أبى قاسم

فأسبل بالدمع تحدارها

فحق العيون على ابن الأشج

أن لا يفتر تقطارها

و ألا تزال تبكى له

و تبتل بالدمع أشفارها

عليك محمد لما ثويت

تبكى البلاد و أشجارها5.

ص: 115


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 565.

و ما يذكرونك إلا بكوا

إذا ذمة خانها جارها

و عارية من ليالي الشتا

ء لا يتمنح أيسارها

و لا ينبح الكلب فيها العقور

إلا الهرير و تختارها

فأنت محمد في مثلها

مهين الجزائر نحارها

و لا ينفع الثوب فيها الفتى

و لا رية الخدر تخدارها

تظل جفانك موضوعة

تسيل من الشحم أصبارها

و ما في سقائك مستنطق

إذا الشول روح أغبارها

فيا واهب الوصفاء الصبا

ح إن شبرت تم أشبارها

و يا واهب الجرد مثل القدا

ح قد يعجب الصف شوارها

و يا واهب البكرات الهجا

ن عوذا تجاوب أبكارها

و كنت كدجلة إذ ترتمي

فيقذف في البحر تيارها

ص: 116

و كنت جليدا و ذا مرة

إذا يبتغى منك إمرارها

و كنت إذا بلدة أصفقت

و آذن بالحرب جبارها

بعثت عليها ذواكي العيون

حتى تواصل أخبارها

بإذن من اللّه و الخيل قد

أعد لذلك مضمارها

و قد تطعم الخيل منك الوجيف

حتى تنبذ أمهارها

و قد تعلم البازل العيسجور

أنك بالخبت حسارها

فيا أسفى يوم لاقيتهم

و خانت رجالك فرارها

و أقبلت الخيل مهزومة

عثارا تضرب أدبارها

بشط حروراء و استجمعت

عليك الموالي و سحارها

فأخطرت نفسك من دونهم

فحاز الرزبئة أخطارها

فلا تبعدن أبا قاسم

فقد يبلغ النفس مقدارها

ص: 117

و أفنى الحوادث ساداتنا و مر الليالي و تكرارها

(قال هشام)قال أبي:كان السائب أتى مع مصعب بن الزبير فقتله ورقاء النخعي من و هبيل فقال ورقاء:

من مبلغ عني عبيدا بأنني علوت أخاه بالحسام المهند

فإن كنت تبغى العلم عنه فإنه صريع لدى الديرين غير موسد

و عمدا علوت الرأس منه بصارم فأثكلته سفيان بعد محمد

(قال هشام)عن أبي مخنف قال:حدثني حصيرة بن عبد اللّه أن هند بنت المتكلفة الناعطية كان يجتمع إليها كل غال من الشيعة فيتحدث في بيتها و في بيت ليلى بنت قمامة المزنية و كان أخوها رفاعة بن قمامة من شيعة علي و كان مقتصدا فكانت لا تحبه فكان أبو عبد اللّه الجدلي و يزيد بن شراحيل قد أخبرا بن الحنفية خبر هاتين المرأتين و غلّوهما و خبر أبي الأحراس المرادي و البطين الليثي و أبي الحارث الكندي.

(قال هشام)عن أبي مخنف قال:حدثني يحيى بن أبي عيسى.قال:فكان ابن الحنفية قد كتب مع يزيد بن شراحيل إلى الشيعة بالكوفة تحذرهم هؤلاء فكتب إليهم من محمد بن علي إلى من بالكوفة من شيعتنا أما بعد فاخرجوا إلى المجالس و المساجد فاذكروا اللّه علانية و سرا و لا تتخذوا من دون المؤمنين بطانة فإن خشيتم على أنفسكم فاحذروا على دينكم الكذابين و أكثروا الصلاة و الصيام و الدعاء فإنه ليس أحد من الخلق يملك لاحد ضرا و لا نفعا إلا ما شاء اللّه و كل نفس بما كسبت رهينة و لا تزر واررة وزر أخرى و اللّه قائم على كل نفس بما كسبت فاعملوا صالحا و قدموا لأنفسكم حسنا و لا تكونوا من الغافلين و السلام عليكم.

(قال أبو مخنف)فحدثني حصيرة بن عبد اللّه أن عبد اللّه بن نوف خرج من بيت

ص: 118

هند بنت المتكلفة حين خرج الناس إلى حروراء و هو يقول يوم الأربعاء ترفّعت السما و نزل القضا بهزيمة الأعداء فاخرجوا على اسم اللّه إلى حرورا فخرج،فلما التقى الناس للقتال ضرب على وجهه ضربة و رجع الناس منهزمين و لقيه عبد اللّه بن شريك النهدي و قد سمع مقالته.

فقال له:ألم تزعم لنا يا ابن نوف أنّا سنهزمهم قال:أوما قرأت في كتاب اللّه يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال:فلما أصبح المصعب أقبل يسير بمن معه من أهل البصرة و من خرج إليه من أهل الكوفة فأخذ بهم نحو السبخة فمر بالمهلب.

فقال له المهلب:يا له فتحا ما أهناه لو لم يكن محمد بن الأشعث قتل قال:صدقت فرحم اللّه محمدا.

ثم سار غير بعيد ثم قال:يا مهلب.

قال:لبيك أيها الأمير قال:هل علمت أن عبيد اللّه بن علي بن أبي طالب قد قتل قال:

إنا للّه و إنا إليه راجعون.قال المصعب:أما إنه كان ممن أحب أن يرى هذا الفتح ثم لا نجعل أنفسنا أحق بشيء مما نحن فيه منه أتدري من قتله؟قال:لا.

قال:إنما قتله من يزعم أنه لأبيه شيعة أما إنهم قد قتلوه و هم يعرفونه.

قال:ثم مضى حتى نزل السبخة فقطع عنهم الماء و المادة و بعث عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فنزل الكناسة و بعث عبد الرحمن بن مخنف سليم إلى جبانة السبيع و قد كان قال لعبد الرحمن بن مخنف:ما كنت صنعت فيما كنت و كلّتك به.

قال:أصلحك اللّه وجدت الناس صنفين أما من كان له فيك هوى فخرج إليك و أما من كان يرى رأي المختار فلم يكن ليدعه و لا ليؤثر أحدا عليه فلم أبرح بيتي حتى قدمت.قال:صدقت و بعث عباد بن الحصين إلى جبانة كندة فكل هؤلاء كان يقطع

ص: 119

عن المختار و أصحابه الماء و المادة و هم في قصر المختار و بعث زحر بن قيس إلى جبانة مراد و بعث عبيد اللّه بن الحر إلى جبانة الصائديين.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج قال:لقد رأيت عبيد اللّه بن الحر و إنه ليطارد أصحاب خيل المختار يقاتلهم في جبانة الصائديين و لربما رأيت خيلهم تطرد خيله و إنه لوراء خيله يحميها حتى ينتهى إلى دار عكرمة ثم يكر راجعا هو و خيله فيطردهم حتى يلحقهم بجبانة الصائديين و لربما رأيت خيل عبيد اللّه قد أخذت السقاء و السقاءين فيضربون و إنما كانوا يأتونهم بالماء أنهم كانوا يعطونهم بالراوية الدينار و الدينارين لما أصابهم من الجهد.

و كان المختار ربما خرج هو و أصحابه فقاتلوا قتالا ضعيفا و لا نكاية لهم و كانت لا تخرج له خيل إلا رميت بالحجارة من فوق البيوت و يصب عليهم الماء القذر و اجترأ عليهم الناس فكانت معايشهم أفضلها من نسائهم فكانت المرأة تخرج من منزلها معها الطعام و اللطف و الماء قد التحفت عليه فتخرج كأنما تريد المسجد الأعظم للصلاة و كأنها تأتي أهلها و تزور ذات قرابة لها فإذا دنت من القصر فتح لها فدخلت على زوجها و حميمها بطعامه و شرابه و لطفه و إن ذلك بلغ المصعب و أصحابه.

فقال له المهلب:و كان مجربا إجعل عليهم دروبا حتى تمنع من يأتيهم من أهليهم و أبنائهم و تدعهم في حصنهم حتى يموتوا فيه و كان القوم إذا اشتد عليهم العطش في قصرهم استقوا من ماء البثر ثم أمر لهم المختار بعسل فصب فيه ليغير طعمه فيشربوا منه فكان ذلك أيضا مما يروي أكثرهم ثم إن مصعبا أمر أصحابه فاقتربوا من القصر فجاء عبّاد بن الحصين الحبطي حتى نزل عند مسجد جهينة و كان ربما تقدّم حتى ينتهى إلى مسجد بني مخزوم و حتى يرمي أصحابه من أشرف عليهم من أصحاب المختار من القصر و كان لا يلقى امرأة قريبا من القصر

ص: 120

إلا قال لها:من أنت و من أين جئت و ما تريدين فأخذ في يوم ثلاث نسوة للشباميين و شاكر أتين أزواجهن في القصر فبعث بهن إلى مصعب و إن الطعام لمعهن فردّهن مصعب و لم يعرض لهن و بعث زحر بن قيس فنزل عند الحدادين حيث تكرى الدواب و بعث عبيد اللّه بن الحر فكان موقفه عند دار بلال و بعث محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس فكان موقفه عند دار أبيه و بعث حوشب بن يزيد فوقف عند زقاق البصريين عند فم سكة بني جذيمة بن مالك من بنى أسد بن خزيمة، و جاء المهلب يسير حتى نزل جهارسوج خنيس.

و جاء عبد الرحمن بن مخنف من قبل دار السقاية و ابتدر السوق أناس من شباب أهل الكوفة و أهل البصرة أغمار ليس لهم علم بالحرب فأخذوا يصيحون و ليس لهم أمير يا ابن دومة يا ابن دومة فأشرف عليهم المختار فقال:أما و اللّه لو أن الذي يعيّرني بدومة كان من القريتين عظيما ما عيّرني بها و بصر بهم و بتفرّقهم و هيئتهم و انتشارهم فطمع فيهم فقال لطائفة من أصحابه:أخرجوا معي فخرج معه منهم نحو من مائتي رجل فكرّ عليهم فشدخ نحوا من مائة و هزمهم فركب بعضهم بعضا و أخذوا على دار فرات بن حيان العجلي.

ثم إن رجلا من بني ضبة من أهل البصرة يقال له يحيى بن ضمضم كانت رجلاه تكاد أن تخطان الأرض إذا ركب من طوله و كان أقتل شيء للرجال و أهيبه عندهم إذا رأوه فأخذ يحمل على أصحاب المختار فلا يثبت له رجل صمد صمده و بصر به المختار فحمل عليه فضربه ضربة على جبهته فأطار جبهته و قحف رأسه و خرّ ميتا ثم إن تلك الامراء و تلك الرؤوس أقبلوا من كل جانب فلم تكن لأصحابه بهم طاقة فدخلوا القصر فكانوا فيه فاشتد عليهم الحصار فقال لهم المختار:و يحكم إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفا أنزلوا بنا فلنقاتل حتى نقتل كراما إن نحن قتلنا و اللّه ما أنا بآيس أن صدقتموهم أن ينصركم اللّه فضعفوا

ص: 121

و عجزوا.

فقال لهم المختار:أما أنا فو اللّه لا أعطى بيدي و لا أحكّمهم في نفسي،و لما رأى عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة ابن أبي وهب ما يريد المختار تدلّى من القصر بحبل فلحق بأناس من إخوانه فاختبى عندهم ثم إن المختار أزمع بالخروج إلى القوم حين رأى من أصحابه الضعف و رأى ما بأصحابه من الفشل فأرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري فأرسلت إليه بطيب كثير فاغتسل و تحنّط ثم وضع ذلك الطيب على رأسه و لحيته ثم خرج في تسعة عشر رجلا فيهم السائب بن مالك الأشعري و كان خليفته على الكوفة إذا خرج إلى المدائن و كانت تحته عمرة بنت أبي موسى الأشعري فولدت له غلاما فسمّاه محمدا فكان مع أبيه في القصر، فلما قتل أبوه و أخذ من في القصر وجد صبيا فترك،و لما خرج المختار من القصر قال للسائب:ماذا ترى؟

قال:الرأي لك فماذا ترى؟

قال:أنا أرى أم اللّه يرى.

قال:بل اللّه يرى.

قال:و يحك أحمق أنت إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز و رأيت نجدة انتزى على اليمامة و مروان على الشام فلم أكن دون أحد من رجال العرب فأخذت هذه البلاد فكنت كأحدهم إلا أني قد طلبت بثأر أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ نامت عنه العرب فقتلت من شرك في دمائهم و بالغت في ذلك إلى يومي هذا فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية.

فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون و ما كنت أصنع أن أقاتل على حسبي.

فقال المختار عند ذلك يتمثل بقول غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي:

و لو يراني أبو غيلان إذ حسرت عني الهموم بأمر ماله طبق

ص: 122

لقال رهبا و رعبا يجمعان معا غنم الحياة و هول النفس و الشفق

إما تسف على مجد و مكرمة أو إسوة لك فيمن تهلك الورق

فخرج في تسعة عشر رجلا فقال لهم أتؤمنوني و أخرج إليكم فقالوا لا إلا على الحكم فقال:لا أحكمكم في نفسي أبدا فضارب بسيفه حتى قتل و قد كان قال لأصحابه حين أبوا أن يتابعوه على الخروج معه:إذا أنا خرجت إليهم فقتلت لم تزدادوا إلا ضعفا و ذلا فإن نزلتم على حكمهم و ثب أعداؤكم الذين قد و ترتموهم فقال كل رجل منهم لبعضكم هذا عنده ثأري فيقتل و بعضكم ينظر إلى مصارع بعض فتقولون يا ليتنا أطعنا المختار و عملنا برأيه و لو أنكم خرجتم معي كنتم إن أخطأتم الظفر متم كراما و إن هرب منكم هارب فدخل في عشيرته اشتملت عليه عشيرته أنتم غدا هذه الساعة أذل من على ظهر الأرض فكان كما قال.

و زعم الناس أن المختار قتل عند موضع الزياتين اليوم قتله رجلان من بني حنيفة أخوان يدعى أحدهما طرفة و الآخر طرافا ابنا عبد اللّه بن دجاجة من بني حنيفة،و لما كان من الغد من قتل المختار قال بجير بن عبد اللّه المسلى:يا قوم قد كان صاحبكم أمس أشار عليكم بالرأي لو أطعتموه يا قوم إنكم إن نزلتم على حكم القوم ذبحتم كما تذبح الغنم اخرجوا بأسيافكم فقاتلوا حتى تموتوا كراما فعصوه و قالوا:لقد أمرنا بهذا من كان أطوع عندنا و أصبح لنا منك فعصيناه أفنحن نطيعك فأمكن القوم من أنفسهم و نزلوا على الحكم فبعث إليهم مصعب عبّاد بن الحصين الحبطي فكان هو يخرجهم مكتفين و أوصى عبد اللّه بن شداد الجشمي إلى عبّاد بن الحصين و طلب عبد اللّه بن قراد عصا أو حديدة أو شيئا يقاتل به فلم يجده و ذلك أن الندامة أدركته بعد ما دخلوا عليه فأخذوا سيفه و أخرجوه مكتوفا فمر به عبد الرحمن و هو يقول:

ما كنت أخشى أن أرى أسيرا إن الذين خالفوا الأميرا

ص: 123

قد رغموا و تبرّوا تتبيرا

فقال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث علي بذا قدّموه إلي أضرب عنقه فقال له:أما إني على دين جدك الذي آمن ثم كفر إن لم أكن ضربت أباك بسيفي حتى فاض فنزل،ثم قال:أدنوه مني فأدنوه منه فقتله فغضب عبّاد فقال:قتلته و لم تؤمر بقتله و مر بعبد اللّه بن شداد الجشمي و كان شريفا فطلب عبد الرحمن إلى عبّاد أن يحبسه حتى يكلم فيه الأمير فأتى مصعبا فقال:إني أحب أن تدفع إلي عبد اللّه بن شداد فأقتله فإنه من الثأر فأمر له به،فلما جاءه أخذه فضرب عنقه فكان عبّاد يقول:أما و اللّه لو علمت أنك إنما تريد قتله لدفعته إلى غيرك فقتله و لكني حسبت أنك تكلمه فيه فتخلي سبيله و أتى بابن عبد اللّه بن شداد و إذا اسمه شداد و هو رجل محتلم و قد اطلى بنورة فقال:اكشفوا عنه هل أدرك.

فقالوا:لا إنما هو غلام فخلّوا سبيله و كان الأسود بن سعيد قد طلب إلى مصعب أن يعرض على أخيه الأمان فإن نزل تركه له فأتاه فعرض عليه الأمان فأبى أن ينزل و قال:أموت مع أصحابي أحب إلي من حياة معكم.

و كان يقال له قيس.فأخرج فقتل فيمن قتل و قال:بجير بن عبد اللّه المسلى و يقال:

كان مولى لهم حين أتي به مصعب و معه منهم ناس كثير.

فقال له المسلى:الحمد للّه الذي ابتلانا بالإسار و ابتلاك بأن تعفو عنا و هما منزلتان إحداهما رضى اللّه و الأخرى سخطه من عفا عفا اللّه عنه و زاده عزا و من عاقب لم يأمن القصاص يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم و على ملتكم و لسنا تركا و لا ديلما فإن خالفنا اخواننا من أهل مصرنا فإما أن نكون أصبنا و أخطأوا و إما أن نكون أخطأنا و أصابوا فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم فقد اختلفوا و اقتتلوا ثم اجتمعوا و كما اقتتل أهل البصرة بينهم فقد اختلفوا و اقتتلوا ثم اصطلحوا و اجتمعوا و قد ملكتم فأسجحوا و قد قدرتم فاعفوا فما زال بهذا القول و نحوه حتى

ص: 124

رق لهم الناس ورق لهم مصعب و أراد أن يخلى سبيلهم.

فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال:تخلي سبيلهم اخترنا يا ابن الزبير أو اخترهم،و وثب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فقال:قتل أبي و خمسمائة من همدان و أشراف العشيرة و أهل المصر ثم تخلي سبيلهم و دماؤنا ترقرق في أجوافهم اخترنا أو اخترهم و وثب كل قوم و أهل بيت كان أصيب منهم رجل فقالوا نحوا من هذا القول،فلما رأى مصعب بن الزبير ذلك أمر بقتلهم فنادوه بأجمعهم يا ابن الزبير لا تقتلنا اجعلنا مقدمتك إلى أهل الشام غدا فو اللّه ما بك و لا بأصحابك عنا غدا غنى إذا لقيتم عدوكم فإن قتلنا لم نقتل نرقهم لكم و إن ظفرنا بهم كان ذلك لك و لمن معك فأبى عليهم و تبع رضى العامة،فقال:بجير المسلى:إن حاجتي إليك ألا أقتل مع هؤلاء إني أمرتهم أن يخرجوا بأسيافهم فيقاتلوا حتى يموتوا كراما فعصوني فقدّم فقتل (1).

(قال أبو مخنف)و حدثني أبي قال:حدثني أبو روق أن مسافر بن سعيد بن نمران قال لمصعب بن الزبير:يا ابن الزبير ما تقول للّه إذا قدمت عليه و قد قتلت أمة من المسلمين صبرا حكّموك في دمائهم فكان الحق في دمائهم أن لا تقتل نفسا مسلمة بغير نفس مسلمة فإن كان قتلنا عدة رجال منكم فاقتلوا عدة من قتلنا منكم و خلّوا سبيل بقيتنا و فينا الآن رجال كثير لم يشهدوا موطنا من حربنا و حربكم يوما واحدا كانوا في الجبال و السواد يجبون الخراج و يؤمنون السبيل فلم يستمع له فقال:قبّح اللّه قوما أمرتهم أن يخرجوا ليلا على حرس سكة من هذه السكك فنطردهم ثم نلحق بعشائرنا فعصوني حتى حملوني على أن أعطيت التي هي أنقص و أدنى و أوضع و أبوا أن يموتوا إلا ميتة العبيد فأنا أسألك ألا تخلط دمي3.

ص: 125


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 573.

بدمائهم فقدّم فقتل ناحية ثم إن المصعب أمر بكف المختار فقطعت ثم سمّرت بمسمار حديد إلى جنب المسجد،فلم يزل على ذلك حتى قدم الحجاج بن يوسف فنظر إليها فقال:ما هذه؟

قالوا:كف المختار فأمر بنزعها و بعث مصعب عماله على الجبال و السواد ثم إنه كتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته و يقول له إن أنت أجبتني و دخلت في طاعتي فلك الشام و أعنة الخيل و ما غلبت عليه من أرض المغرب مادام لآل الزبير سلطان و كتب عبد الملك بن مروان من الشام إليه يدعوه إلى طاعته و يقول:إن أنت أجبتني و دخلت في طاعتي فلك العراق فدعا إبراهيم أصحابه فقال:ما ترون؟

فقال بعضهم:تدخل في طاعة عبد الملك،و قال:بعضهم:تدخل مع ابن الزبير في طاعته فقال ابن الأشتر ذاك لو لم أكن أصبت عبيد اللّه بن زياد و لا رؤساء أهل الشام تبعت عبد الملك مع إني لا أحب أن أختار على أهل مصري مصرا و لا على عشيرتي عشيرة فكتب إلى مصعب فكتب إليه مصعب أن أقبل فأقبل إليه بالطاعة.

(قال أبو مخنف)حدثني أبو جناب الكلبي أن كتاب مصعب قدم على ابن الأشتر و فيه أما بعد فإن اللّه قد قتل المختار الكذاب و شيعته الذين دانوا بالكفر و كادوا بالسحر و إنّا ندعوك إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه و إلى بيعة أمير المؤمنين فإن أجبت إلى ذلك فأقبل إلي فان لك أرض الجزيرة و أرض المغرب كلها ما بقيت و بقي سلطان آل الزبير لك بذلك عهد اللّه و ميثاقه و أشدّ ما أخذ اللّه على النبيين من عهد أو عقد و السلام و كتب إليه عبد الملك بن مروان أما بعد فإن آل الزبير انتزوا على أئمة الهدى و نازعوا الأمر أهله و ألحدوا في بيت اللّه الحرام و اللّه ممكن منهم و جاعل دائرة السوء عليهم و إني أدعوك إلى اللّه و إلى سنّة نبيه فإن قبلت و أجبت فلك سلطان العراق ما بقيت و بقيت لك علي بالوفاء بذلك عهد اللّه و ميثاقه.

قال:فدعا أصحابه فأقرأهم الكتاب و استشارهم في الرأي فقائل يقول عبد الملك

ص: 126

و قائل يقول ابن الزبير فقال لهم:و رأيي اتباع أهل الشام كيف لي بذلك و لكن ليس قبيلة تسكن الشام إلا و قد و ترتها و لست بتارك عشيرتي و أهل مصري فأقبل إلى مصعب،فلما بلغ مصعبا إقباله بعث المهلب إلى عمله و هى السنة التي نزل فيها المهلب على الفرات.

(قال أبو مخنف)حدثني أبو علقمة الخثعمي أن المصعب بعث إلى أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار و الى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري و هى امرأة المختار فقال لهما:ما تقولان في المختار؟

فقالت أم ثابت:ما عسينا أن نقول ما نقول فيه إلا ما تقولون فيه أنتم فقالوا لها اذهبي و أما عمرة فقالت:رحمة اللّه عليه إن كان عبدا من عباد اللّه الصالحين فرفعها مصعب إلى السجن و كتب فيها إلى عبد اللّه ابن الزبير أنها تزعم أنه نبي فكتب إليه أن أخرجها فاقتلها فأخرجها بين الحيرة و الكوفة بعد العتمة فضربها مطر ثلاث ضربات بالسيف و مطر تابع لآل قفل من بني تيم اللّه بن ثعلبة كان يكون مع الشرط فقالت:يا أبتاه يا أهلاه يا عشيرتاه فسمع بها بعض الأنصار و هو أبان بن النعمان بن بشير فأتاه فلطمه و قال له:يا ابن الزانية قطعت نفسها قطع اللّه يمينك فلزمه حتى رفعه إلى مصعب فقال:إن أمي مسلمة و ادعى شهادة بني قفل فلم يشهد له أحد فقال مصعب خلّوا سبيل الفتى فإنه رأى أمرا فظيعا فقال عمر بن أبي ربيعة القرشي في قتل مصعب عمرة بنت النعمان بن بشير:

إن من أعجب العجائب عندي قتل بيضاء حرة عطبول

قتلت هكذا على غير جرم إن للّه درها من قتيل

كتب القتل و القتال علينا و على المحصنات جر الذيول.

(قال أبو مخنف)و حدثني محمد بن يوسف أن مصعبا لقي عبد اللّه بن عمر فسلّم عليه و قال له:أنا ابن أخيك مصعب.

ص: 127

فقال له ابن عمر:نعم أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت فقال مصعب إنهم كانوا كفرة سحرة فقال ابن عمر:و اللّه لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا.

فقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك:

أتى راكب بالامر ذي النبأ العجب

بقتل ابنة النعمان ذي الدين و الحسب

بقتل فتاة ذات دل ستيرة

مهذبة الأخلاق و الخيم و النسب

مطهرة من نسل قوم أكارم

من المؤثرين الخير في سالف الحقب

خليل النبي المصطفى و نصيره

و صاحبه في الحرب و النكب و الكرب

أتاني بأن الملحدين توافقوا

على قتلها لأجنبوا القتل و السلب

فلا هنات آل الزبير معيشة

و ذاقوا لباس الذل و الخوف و الحرب

كأنهم إذ أبرزوها و قطّعت

بأسيافهم فازوا بمملكة العرب

ألم تعجب الأقوام من قتل حرة

من المحصنات الدين محمودة الأدب

من الغافلات المؤمنات بريئة

من الذم و البهتان و الشك و الكذب

ص: 128

علينا كتاب القتل و البأس واجب

و هن العفاف في الحجال و في الحجب

على دين أجداد لها و أبوة

كرام مضت لم تخز أهلا و لم ترب

من الخفرات لا خروج بذية

ملايمة تبغي على جارها الجنب

و لا الجار ذي القربى و لم تدر ما الخنا

و لم تزدلف يوما بسوء و لم تحب

عجبت لها إذ كفنت و هى حية

ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب.

حدثت عن علي بن حرب الموصلي.قال:حدثني إبراهيم بن سليمان الحنفي بن أخي أبى الأحوص قال:حدثنا محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سويد بن غفلة قال:بينا أبا أسير بظهر النجف إذ لحقني رجل فطعنني بمخصره من خلفي فالتفت إليه فقال:ما قولك في الشيخ؟قلت:أي الشيوخ؟

قال:علي بن أبي طالب.

قلت:إني أشهد إني أحبه بسمعي و بصرى و قلبي و لساني.

قال:و أنا أشهدك إني أبغضه بسمعي و بصرى و قلبي و لساني فسرنا حتى دخلنا الكوفة فافترقنا فمكث بعد ذلك سنين أو قال زمانا.

قال:ثم إني لفى المسجد الأعظم إذ دخل رجل معتم يتصفح وجوه الخلق فلم يزل ينظر فلم ير لحى أحمق من لحى همدان فجلس إليهم فتحوّلت فجلست معهم فقالوا من أين أقبلت قال:من عند أهل بيت نبيكم قالوا:فماذا جئتنا به.

قال:ليس هذا موضع ذلك فوعدهم من الغد موعدا فغدا و غدوت فإذا قد أخرج

ص: 129

كتابا معه في أسفله طابع من رصاص فدفعه إلى غلام.

فقال له:يا غلام إقرأه و كان أميا لا يكتب فقال الغلام بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب للمختار بن أبي عبيد كتبه له وصي آل محمد أما بعد:فكذا و كذا.فاستفرغ القوم البكاء فقال:يا غلام إرفع كتابك حتى يفيق القوم.

قلت:معاشر همدان أنا أشهد باللّه لقد أدركني هذا بظهر النجف فقصصت عليهم قصته فقالوا:أبيت و اللّه إلا تثبيطا عن آل محمد و تزيينا لنعثل شقّاق المصاحف.

قال:قلت:معاشر همدان لا أحدثكم إلا ما سمعته أذناي و وعاه قلبي من علي بن أبي طالب عليه السلام سمعته يقول لا تسموا عثمان شقّاق المصاحف فو اللّه ما شققها إلا عن ملأ من أصحاب محمد و لو ولّيتها لعملت فيها مثل الذي عمل.قالوا:

آللّه أنت سمعت هذا من علي؟

قلت:و اللّه لأنا سمعته منه.

قال:فتفرّقوا عنه فعند ذلك مال إلى العبيد و استعان بهم و صنع ما صنع (1).

(قال أبو جعفر)و اقتص الواقدي من خبر المختار بن أبي عبيد بعض ما ذكرنا فخالف فيه من ذكرنا خبره فزعم أن المختار إنما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة و أن مصعبا لما سار إليه فبلغه مسيره إليه بعث إليه أحمر ابن شميط البجلي و أمره أن يواقعه بالمذار و قال:إن الفتح بالمذار.

قال:و إنما قال ذلك المختار لأنه قيل:إن رجلا من ثقيف يفتح عليه بالمذار فتح عظيم فظن أنه هو و إنما كان ذلك للحجاج بن يوسف في قتاله عبد الرحمن بن الأشعث و أمر مصعب صاحب مقدمته عبّادا الحبطي أن يسير إلى جمع المختار فتقدم و تقدم معه عبيد اللّه بن علي بن أبي طالب و نزل مصعب نهر البصريين على6.

ص: 130


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 576.

شط الفرات و حفر هنالك نهرا فسمّي نهر البصريين من أجل ذلك.

قال:و خرج المختار في عشرين ألفا حتى وقف بإزائهم و زحف مصعب و من معه فوافوه مع الليل على تعبية فأرسل إلى أصحابه حين أمسى لا يبرحن أحد منكم موقفه حتى يسمع مناديا ينادي:يا محمد،فإذا سمعتموه فاحملوا.

فقال رجل من القوم من أصحاب المختار:هذا و اللّه كذاب على اللّه و انحاز و من معه إلى المصعب فأمهل المختار حتى إذا طلع القمر أمر مناديا فنادى يا محمد ثم حملوا على مصعب و أصحابه فهزموهم فأدخلوه عسكره فلم يزالوا يقاتلونهم حتى أصبحوا و أصبح المختار و ليس عنده أحد و إذا أصحابه قد و غلوا في أصحاب مصعب فانصرف المختار منهزما حتى دخل قصر الكوفة فجاء أصحاب المختار حين أصبحوا فوقفوا مليا فلم يروا المختار فقالوا قد قتل فهرب منهم من أطاق الهرب و اختفوا في دور الكوفة و توجّه منهم نحو القصر ثمانية آلاف لم يجدوا من يقاتل بهم و وجدوا المختار في القصر فدخلوا معه و كان أصحاب المختار قتلوا في تلك الليلة من أصحاب مصعب بشرا كثيرا فيهم محمد بن الأشعث و أقبل مصعب حين أصبح حتى أحاط بالقصر فأقام مصعب يحاصره أربعة أشهر يخرج إليهم في كل يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة من وجه واحد و لا يقدر عليه حتى قتل المختار.

فلما قتل المختار بعث من في القصر يطلب الأمان فأبى مصعب حتى نزلوا على حكمه،فلما نزلوا على حكمه قتل من العرب سبعمائة أو نحو ذلك و سائرهم من العجم.

قال:فلما خرجوا أراد مصعب أن يقتل العجم و يترك العرب فكلّمه من معه فقالوا أي دين هذا و كيف ترجو النصر و أنت تقتل العجم و تترك العرب و دينهم واحد فقدّمهم فضرب أعناقهم.

ص: 131

(قال أبو جعفر)و حدثني عمر بن شبة قال:حدثنا علي بن محمد قال:لما قتل المختار شاور مصعب أصحابه في المحصورين الذين نزلوا على حكمه فقال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس و أشباههم ممن و ترهم المختار اقتلهم و ضجّت ضبة و قالوا:دم منذر بن حسان.

فقال عبيد اللّه ابن الحر:أيها الأمير إدفع كل رجل في يديك إلى عشيرته تمن عليهم بهم فإنهم إن كانوا قتلونا فقد قتلناهم و لا غنى بنا عنهم في ثغورنا و ادفع عبيدنا الذين في يديك إلى مواليهم فإنهم لأيتامنا و أراملنا و ضعفائنا يردونهم إلى أعمالهم و اقتل هؤلاء الموالي فإنهم قد بدا كفرهم و عظم كبرهم و قلّ شكرهم فضحك مصعب و قال للأحنف:ما ترى يا أبا بحر؟

قال:قد أرادني زياد فعصيته يعرّض بهم فأمر مصعب بالقوم جميعا فقتلوا و كانوا ستة آلاف فقال عقبة الأسدي:

قتلتم ستة الآلاف صبرا مع العهد الموثق مكتفينا

جعلتم ذمة الحبطي جسرا ذلو لا ظهره للواطئينا

و ما كاتوا غداة دعوا فغروا بعهدهم بأول خائنينا

و كنت أمرتهم لو طاوعوني بضرب في الأزقة مصلتينا.

و قتل المختار فيما قيل و هو ابن سبع و ستين سنة لأربع عشرة خلت من شهر رمضان في سنة 67،فلما فرغ مصعب من أمر المختار و أصحابه و صار إليه إبراهيم بن الأشتر وجه المهلب بن أبي صفرة على الموصل و الجزيرة و آذربيجان و أرمينية و أقام بالكوفة.

(و في هذه السنة)عزل عبد اللّه بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير عن البصرة و بعث بابنه حمزة بن عبد اللّه إليها فاختلف في سبب عزله إياه عنها و كيف كان الأمر في ذلك.

ص: 132

فقال بعضهم:في ذلك ما حدثني به عمر.

قال:حدثني علي بن محمد قال:لم يزل المصعب على البصرة حتى سار منها إلى المختار و استخلف على البصرة عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمر فقتل المختار ثم وفد إلى عبد اللّه بن الزبير فعزله و حبسه عنده و اعتذر إليه من عزله و قال:و اللّه إني لأعلم أنك أحرى و أكفى من حمزة و لكني رأيت فيه رأي عثمان في عبد اللّه بن عامر حين عزل أبا موسى الأشعري و ولاّه.

و حدثني عمر قال:حدثني علي بن محمد قال:قدم حمزة البصرة واليا و كان جوادا سخيا مخلطا يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه و يمنع أحيانا ما لا يمنع مثله فظهرت منه بالبصرة خفة و ضعف فيقال:إنه ركب يوما إلى فيض البصرة، فلما رآه قال:إن هذا الغدير إن رفقوا به ليكفينهم صيفهم،فلما كان بعد ذلك ركب إليه فوافقه جازرا فقال:قد رأيت هذا ذات يوم و ظننت أن لن يكفيهم.

فقال له الأحنف:إن هذا ماء يأتينا ثم يغيض عنا و شخص إلى الأهواز،فلما رأى جبلها قال:هذا قعيقعان لموضع بمكة فسمى الجبل قعيقعان و بعث إلى مرادنشاه فاستحثه بالخراج فأبطأ به فقام إليه بسيفه فضربه فقتله.

فقال الأحنف:ما أحد سيف الأمير.

حدثني عمر قال:حدثني علي بن محمد قال:لما خلط حمزة بالبصرة و ظهر منه ما ظهر و هم بعبد العزيز بن بشر أن يضربه كتب الأحنف إلى ابن الزبير بذلك و سأله أن يعيد مصعبا.

قال:و حمزة الذي عقد لعبد اللّه بن عمير الليثي على قتال النجدية بالبحرين.

حدثني عمر قال:حدثنا علي بن محمد قال:لما عزل ابن الزبير حمزة احتمل مالا كثيرا من مال البصرة فعرض له مالك بن مسمع فقال:لا ندعك تخرج بأعطياتنا فضمن له عبيد اللّه بن عبيد بن معمر العطاء فكف و شخص حمزة بالمال فترك أباه

ص: 133

و أتى المدينة فأودع ذلك المال رجالا فذهبوا به إلا يهوديا كان أودعه فوفى له و علم ابن الزبير بما صنع فقال:أبعده اللّه أردت أن أباهي به بني مروان فنكص.

(و أما هشام)بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف في أمر مصعب و عزل أخيه إياه عن البصرة ورده إياه إليها غير هذه القصة و الذي ذكر من ذلك عنه في سياق خبر حدثت به عنه عن أبي المخارق الراسبي أن مصعبا لما ظهر على الكوفة أقام بها سنة معزولا عن البصرة عزله عنها عبد اللّه و بعث ابنه حمزة فمكث بذلك سنة ثم إنه وفد على أخيه عبد اللّه بمكة فردّه على البصرة،و قيل:إن مصعبا لما فرغ من أمر المختار إنصرف إلى البصرة و ولّى الكوفة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة.

قال:و قال محمد بن عمر:لما قتل مصعب المختار ملك الكوفة و البصرة.

(و حج)بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان عامله على الكوفة مصعب و قد ذكرت اختلاف أهل السير في العامل على البصرة و كان على قضاء الكوفة عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و على قضاء البصرة هشام بن هبيرة و بالشام عبد الملك ابن مروان و كان على خراسان عبد اللّه بن حازم السلمي ثم دخلت سنة ثمان و ستين.

ص: 134

مقتل المختار برواية ابن أعثم

خروج أهل الكوفة على المختار و غدرهم به و محاربتهم إياه

قال ابن الأعثم:و عزم أهل الكوفة على أن يغدروا بالمختار و أن ينقضوا عهده و بيعته،فجعل بعضهم يقول لبعض:و اللّه لقد تأمر علينا هذا الكذاب على غير رضى منا،و لقد عمد إلى عبيدنا و موالينا،فقرّبهم و أدناهم و حملهم على الخيل،و أعطاهم الأموال،و أطعمهم الفيء،و قد علمتم ما كان لنا فيهم من المنافع لأيتامنا و أراملنا.

قال:ثم اجتمعوا في منزل شبث بن ربعي فذكروا له ذلك،و كان شبث من أشراف بني تميم،و كان جاهليا إسلاميا فارسا،لا يدفع عن حسب و لا شرف،بطلا شجاعا،فلما ذكروا له ذلك قال لهم:لا تعجلوا حتى ألقاه فأكلّمه في ذلك،قال:ثم أقبل شبث حتى دخل على المختار فسلّم و جلس،ثم تكلم فلم يترك شيئا مما أنكره عليه أهل الكوفة إلا ذكره له،حتى ذكر أمر العبيد و الموالي،فقال:أيها الأمير!و أعظم الأشياء عليك أنك عمدت إلى عبيدنا و هم فيؤنا الذين أفاء اللّه بهم فأخذتهم إليك،ثم لم ترض بأخذهم حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا،و لا يحل لك أيها الأمير هذا في دينك و لا يجمل بك في شرفك!

قال:فقال له المختار:فإني أرضيكم بكل ما تحبون و أغنيكم من كل ما تكرهون على أنكم تقاتلون معي بني أمية و عبد اللّه بن الزبير،و آخذ عليكم بذلك عهودا و مواثيق و أيمانا مغلظة أنكم لا تغدرون و لا تنكثون.

ص: 135

قال:فقام شبث بن ربعي من عند المختار و صار إلى قومه و ذكر لهم ذلك، فغضبوا غضبا شديدا و ضجّوا و قالوا:لا و اللّه ما نقاتل معهم أحدا و لكنّا نقاتله و ننقض عليه بيعته.

ثم عزم القوم على محاربة المختار،و أقبل إليهم رجل من أشرافهم يقال له عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فقال:يا هؤلاء!اتقوا اللّه و لا تخرجوا على هذا الرجل فقد بايعتموه أنكم لا تغدرون به،و أنا أخاف عليكم أنكم إن قاتلتموه أن تختلفوا و تتخاذلوا فيظفر بكم،لأن الرجل اليوم محتو على بلدكم،و معه أشرافكم و شجعانكم و فرسانكم،و معه أيضا عبيدكم و أولادكم،فكفّوا عن الرجل و لا تقاتلوه،فهذا مصعب بن الزبير بالبصرة و لو قد فرغ من حرب الأزارقة لسار إليه و كفاكم أمره،و هذا عبيد اللّه بن زياد بالموصل في ثمانين ألفا و يزيدون،فعسى اللّه تبارك و تعالى أن يكفيكم أمره بأحدهم.

قال:فقال له الأشراف من أهل الكوفة:يابن مخنف!ننشدك باللّه أن لا تفسد علينا ما اجتمعنا عليه من أمرنا.

قال:فأمسك عنهم عبد الرحمن بن مخنف ثم قال:يا هؤلاء!فإني ممسك عنكم فافعلوا ما بدا لكم،و لكن إن كنتم قد عزمتم على الخروج عليه فلا تعجلوا و تلبّثوا حتى يمضي إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد اللّه بن زياد،و يبقى المختار ههنا في نفر يسير،فعند ذلك فافعلوا ما بدا لكم إن لم يكن له ناصر ينصره و يذب عنه.

قال:فسكت أهل الكوفة عن المختار،حتى إذا علموا أن ابن الأشتر قد بلغ ساباط المدائن نادوا و خرجوا و ارتفعت الضجة،و لم يبق أحد بالكوفة ممن كان مختفيا و شارك في قتل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما إلا ظهر.

قال:و نقض القوم بيعة المختار و خرجوا عليه،فخرج الشمر بن ذي الجوشن في جبانة السكون،و خرج كعب بن أبي كعب في جبانة بشر،و خرج إسحاق بن

ص: 136

محمد بن الأشعث في جبانة كندة،و خرجت قبائل همدان في جبانة السبيع.

قال:فصارت الكوفة كلها على المختار سيفا واحدا،فلما رأى ذلك دعا برجل من خاصته يقال له عمرو بن توبة فأمره بالركض إلى إبراهيم بن الأشتر يخبره بقصته،و كتب:أنظر،لا تضع كتابي من يدك أو تقبل إلي راجعا بجميع من معك،فإن أهل الكوفة قد نقضوا بيعتي و خرجوا علي-و السلام،فالعجل العجل.

قال:فمضى الرسول إلى إبراهيم بن الأشتر،و بعث المختار برسله إلى هؤلاء الذين خرجوا عليه فقال:يا هؤلاء!أخبروني ما الذي حملكم على نقض بيعتي و الخروج علي!و أخبروني ما الذي تريدون!فإني نازل بحيث تحبون.فقالوا:نريد أن تعتزل عنا فإنك زعمت أن محمد ابن الحنفية أرسلك إلينا و قد كذبت على ابن الحنفية.

قال:فرجعت الرسل إلى المختار فأخبروه بذلك،فأرسل إليهم المختار أن يا هؤلاء فلا عليكم،ها أنا ههنا بين أظهركم مقيم،فابعثوا برسلكم إلى ابن الحنفية و اسألوه عن ذلك و لا تعجلوا.

قال:و جعل المختار يرسل إليهم رسولا بعد رسول كل ذلك ليشغلهم عن حربه إلى أن يقدم ابن الأشتر،و القوم يأبون ذلك،ثم إنهم ساروا إليه يريدون قتاله و قتله، و المختار يومئذ في قريب من أربعة آلاف،فلما رأى أنهم قد بغوا عليه أمر أصحابه بالحرب فاقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل،و باتوا على حرب و أصبحوا على حرب، و المختار يعلم أن لا طاقة له بهم.

قال:و إذا إبراهيم بن الأشتر وافى يوم الثاني فصلّى الفجر على باب الجسر،ثم أقبل بخيله و رجله حتى دخل الكوفة قال:و علم أولئك الخارجون أن ابن الأشتر قد وافى،فافترقوا فرقتين،فصارت ربيعة و مضر على حدة،و اليمن على حدة.

فقال ابن الأشتر للمختار:أيها الأمير!أي الفريقين تحب أن أكفيك اليمن أو ربيعة

ص: 137

و مضر؟

فقال المختار:إذا أخبرك أبا النعمان!أن اليمن هم قومك و عشريتك و لعلك إن حاربتهم أبقيت عليهم،فدعني و اليمن و عليك بربيعة و مضر!

قال:فسار إبراهيم بن الأشتر في جيشه ذلك حتى صار إلى الكناسة و قد اجتمع بالكناسة يومئذ خلق كثير من ربيعة و مضر.فلما نظروا إلى ابن الأشتر حملوا و حمل عليهم،و اقتتل القوم و صبر بعضهم لبعض (1).2.

ص: 138


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 262.

رجوع المختار إلى الكوفة و مضي ابن الأشتر في جيشه

قال ابن الأعثم:ثم رجع المختار إلى الكوفة،و مضى ابن الأشتر في جيشه و هو يقول:

أما و حق المرسلات عرفا و عصفه للعاصفات عصفا

لنعسفن من بغانا عسفا حتى نسوم القوم منا خسفا

زحفا إليهم لا نمل زحفا حتى نلاقي بعد صف صفا

و بعد ألف قاسطين ألفا نكشفهم لدى الهياج كشفا

ثم سار ابن الأشتر في جيشه ذلك حتى صار إلى المدائن،فنزلها أياما ثلاثة،ثم رحل عنها وجد السير حتى صار بتكريت،فلما نزلها أمر بجباية خراجها،فجبي له الخراج في أيام قلائل،فأخذه و فرّقه على من كان معه من أصحابه،و بعث إلى عبيد اللّه بن الحر بخمسة آلاف درهم.

قال:فغضب ابن الحر لذلك،ثم بعث إلى ابن الأشتر فقال:أيها الأمير!أتبعث إلي بخمسة آلاف درهم و تقبض لنفسك على ما بلغني عشرة آلاف درهم!و اللّه ما أنا بدونك في هذا العسكر،و لا كان الحر بن عمرو بدون أبيك مالك بن الحارث،فلم تأخذ أنت من المال ما آخذه أنا.

قال:فبعث إليه ابن الأشتر:و اللّه يابن عم!ما أخذت إلا كما أخذت و قد وجّهت إليك بالخمسة آلاف درهم التي صارت إلي.قال:فأبى ابن الحر أن يقبل من ذلك شيئا، و عزم على مخالفة القوم و الخروج عليهم.

ص: 139

ابتداء خبر عبيد اللّه بن الحر الجعفي

قال أهل العلم كما حدثني به غير واحد من جمع هذه العلوم:أن عبيد اللّه بن الحر كان رجلا من سادات أهل الكوفة،و بها ولد و بها نشأ،و هو عبيد اللّه بن الحر بن عمرو بن خالد بن المجمع بن مالك بن كعب بن عوف بن حريم بن جعفي،و كان مقيما بالكوفة في خلافة عثمان بن عفان،قال:فلما قتل عثمان و كان من أمر الجمل ما كان،خرج عبيد اللّه بن الحر إلى معاوية بالشام فالتجأ إليه،و لم يشاهد حرب الجمل،حتى إذا قدم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه من البصرة إلى الكوفة و خرج إلى الشام فحاربه معاوية فدعاه ثم قال:يابن الحر!إننا احتجنا إلى معاونتك و لك عندنا بالرضى!

فقال له ابن الحر:إني لا يتهيأ لي ذلك لأنني رجل من الكوفة و هؤلاء الذين مع علي بن أبي طالب أكثرهم قومي و عشائري،و لم أخرج من عندهم مكرها،و لم يقتل علي عثمان بن عفان فأقاتله!فإن رأيت أن تعفيني من قتال علي فافعل أنت،فإذا انصرف عنك علي فأقاتل من شئت من بعده.

قال:فغضب عليه معاوية و جفاه،فلزم ابن الحر منزله فلم يشهد مشهدا من حروب صفين،و لم يزل كذلك إلى أن كان من أمر الحكمين ما كان،و رجع علي رضي اللّه عنه إلى الكوفة فنزلها،و أرسل معاوية إلى عبيد اللّه بن الحر فدعاه ثم قال:

يابن الحر!دعوناك بالأمس إلى قتال رجل قد سار إلينا يريد بوارنا و استئصالنا فلم

ص: 140

تجبنا و لم تقاتل معنا،و الآن فقد كفانا اللّه تبارك و تعالى أمر علي و صار إلى الكوفة، غير أنه بلغني أن جماعة من العرب يصيرون إليك في جوف الليل فيكونون عندك، فإذا أصبحوا تفرّقوا،فمن هؤلاء يابن الحر؟

فقال:هؤلاء أصحابي الذين قدموا معي من بلدي فيشاورونني في أمورهم و أشاورهم في أمري و مقامي بأرض الشام!

فقال له معاوية:أتظن نفسك قد تطلعت إلى الكوفة و الكينونة مع علي بن أبي طالب؟

فقال ابن الحر:إنه و اللّه لعلى ما ظننت،و أن بلدي أحب إلي من غيره،و إنه لقبيح بي أن أترك قومي و عشيرتي و أقيم بالشام غريبا في غير داري و وطني،و أما ما ذكرت من علي فو اللّه ما أشك أنه على الحق و أنه إمام هدى.

فقال رجل من جلساء معاوية:كذبت يابن الحر!بل نحن على الحق و من أومأت إليه على الباطل،و ما قاتلناه إلا ديانة.

فقال ابن الحر:أنت و اللّه أكذب و ألأم و لقد قاتلت أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ابن عمه ظلما و عدوانا.

قال:ثم وثب ابن الحر فخرج من عند معاوية مغضبا حتى صار إلى منزله، و التفت معاوية إلى ذلك الرجل فقال:بئس ما صنعت،نحن أحوج إلى أن ترضي رجلا مثل هذا من أن تسخطه.

قال:و أرسل ابن الحر في جوف الليل إلى أصحابه و بني عمه فأمرهم بالخروج معه في وقتهم ذلك،فخرج نحو الكوفة في أصحابه هؤلاء و بني عمه و هم خمسة و ثلاثون نفرا،فجعل يسير حتى إذا أصبح مر ببعض مشايخ معاوية فقاموا إليه و قالوا:من أنت أيها الرجل؟

فقال أنا عبيد اللّه بن الحر،قالوا:فأين تريد؟

ص: 141

قال:في حاجة،قالوا:فإننا نخاف أن تكون مخالفا لأمير المؤمنين و تريد الخروج عليه،و لسنا بتاركيك أو يأتينا فيك الخبر من عند أمير المؤمنين،فالتفت ابن الحر إلى أصحابه فقال:دونكم القوم!فهذه أول الغنيمة!

قال:فشد أصحاب عبيد اللّه بن الحمر على هؤلاء القوم،فقتلوا منهم من قتلوا، و هرب الباقون على وجوههم،و أخذت دوابهم و أسلحتهم.و سار ابن الحر فجعل لا يمر بقرية من قرى الشام إلا أغار عليها هو و أصحابه،فلم يزل كذلك حتى قدم الكوفة،و بها يومئذ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه،فصار ابن الحر إلى منزله فإذا قد زوّجت امرأته برجل من العرب،قال:فهمّ ابن الحر أن يخاصم أولياء المرأة إلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.

فقال له بعض بني عمه:أتخاصم إلى رجل كنت بالأمس عليه مع معاوية؟

فقال ابن الحر:و اللّه ما كنت عليه ساعة قط،و لو كنت عليه ما خفت أن يجور علي في الحكم.

قال:ثم اختصم ابن الحر مع أولياء المرأة إلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقضى علي رضي اللّه عنه بالمرأة لابن الحر!فانتزعت المرأة من ذلك الرجل و ردّت إلى ابن الحر.و أقام ابن الحر بالكوفة مع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يغدو إليه و يروح.فلم يزل كذلك إلى أن قتل علي رضي اللّه عنه،و مات الحسن بن علي،و مات زياد بن أبيه،و ولي عبيد اللّه بن زياد البصرة و الكوفة من قبل يزيد بن معاوية، فأنف عبيد اللّه بن الحر أن يناله القوم بسوء،فخرج عن الكوفة فنزل بقصر بني مقاتل بن سليمان الحميري،فلم يزل هنالك مقيما إلى أن قتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي اللّه عنهم،و إلى أن وافى الحسين بن علي فنزل بقصر بني مقاتل ثم بعث إلى ابن الحر يسأله النصرة فأبى عليه،فتركه الحسين رضي اللّه عنه و مضى إلى كربلاء فقتل هنالك-رضي اللّه عنه-و بلغ ذلك ابن الحر فندم على تركه

ص: 142

الحسين ندامة شديدة،و قال في ذلك أبياتا:قد أخلفناها في مقتل الحسين عليه السّلام.

قال:ثم أقبل ابن الحر حتى دخل الكوفة بعد مقتل الحسين بثلاثة أيام،و بها يومئذ عبيد اللّه بن زياد فهو يفتقد أشراف الناس إذا دخلوا عليه فلا يرى فيهم عبيد اللّه بن الحر،فلما دخل و نظر إليه ابن زياد و قال:أين كنت يابن الحر؟

قال:كنت مريضا أصلح اللّه الأمير.

فقال:مريض القلب أم مريض الجسد؟

فقال ابن الحر:أما قلبي فإنه لم يمرض قط و الحمد للّه،و أما جسدي فقد كان مريضا و قد منّ اللّه علي بالعافية فقال:أبطلت يابن الحر!ما كنت مع عدونا الحسين بن علي؟

فقال:إني لو كنت مع الحسين لم يخف عليك مكاني أيها الأمير!

فقال ابن زياد:أما معنا فلم تكن،فقال:صدقت أيها الأمير لم أكن معك و لا عليك.

قال ابن زياد:و ما منعك من نصرة أمير المؤمنين يزيد؟

فقال منعني من ذلك قول اللّه تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1).

قال:فغضب ابن زياد و هم بقتل عبيد اللّه بن الحر في ذلك الوقت،ثم إنه خاف أن يشوش عليه أهل الكوفة فسكت،و خرج عبيد اللّه بن الحر فصار إلى منزله ثم جمع أصحابه و خرج من الكوفة ليلا و معه أصحابه و بنو عمه،و طلبه عبيد اللّه بن زياد لكي يرضيه و يعتذر إليه فلم يظفر به.

قال:و مضى عبيد اللّه بن الحر نحو السواد و جعل يقول أبياتا مطلعها:

يقول أمير غار و ابن غار ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

إلى آخرها.3.

ص: 143


1- سورة هود:113.

قال:ثم جعل عبيد اللّه بن الحر يغير على أطراف السواد و أصحابه،و يفعل ما يفعل،و ليس أحد يطلبه إلى أن مات معاوية،و إلى أن مات مروان بن الحكم،و إلى أن مات عبد الملك بن مروان،و إلى أن قتل سليمان بن الصرد و أصحابه-رحمة اللّه عليهم-بعين الوردة،و إلى أن صار المختار بن أبي عبيد إلى الكوفة و بايعه من أهلها من بايع،و بلغ ذلك ابن الحر فأقبل حتى دخل الكوفة،ثم صار إلى المختار فبايعه و نصره في حروبه الأول،و في جبانة السبيع،ثم خرج مع إبراهيم بن الأشتر،فلما صار معه إلى تكريت و كان منه إليه ما كان عزم على مخالفته و مخالفة المختار،فهذا أول خبره.

ثم أرسل إلى وجوه أهل العسكر أختدعهم ثم منّاهم و أوعدهم الغنائم،ثم قال:

ما تصنعون بمحاربة عبيد اللّه بن زياد و أنتم لا تدرون ما يكون الأمر غدا،اتبعوني فإني أغنيكم و أغني عاقبتكم من بعدكم.

قال:فأجابوه إلى ذلك.

قال:فخرج بهم من العسكر في جوف الليل،الواحد بعد الواحد،و الإثنين بعد الإثنين،و الثلاثة بعد الثلاثة،حتى اجتمع ثلاثمائة رجل،فسار بهم عبيد اللّه بن الحر، فما أصبح إلى على عشرين فرسخا من تكريت،ثم أنشأ يقول أبياتا مطلعها:

عجبت سليمى أن رأتني ساحبا خلق القميص بساعدي خدوش

إلى آخرها.

قال:و أصبح ابن الأشتر و قد فقد عبيد اللّه بن الحر،فاعتمّ لذلك و لم يدر أي طريق سلك و ظن أنه قد مضى مستأمنا إلى عبيد اللّه بن زياد.

قال:و جعل ابن الحر لا يمر ببلد إلا أغار على أهله حتى جمع مالا عظيما،قال لأصحابه:اقسموا هذا المال بينكم،فلا حاجة لي إلى شيء منه.

قال:فاقتسموا ذلك المال بقلنسوة رجل منهم،فأنشأ ابن الحر يقول أبياتا

ص: 144

مطلعها:

أنا الحر و ابن الحر يحمل منكبي طوال الهوادي مشرفات الحوارك

إلى آخرها.

قال:و جعل كل من كان مبغضا للمختار يصير إلى عبيد اللّه بن الحر،حتى صار ابن الحر في خمسمائة فارس،و بلغ ذلك إبراهيم بن الأشتر فكتب إلى المختار يعلمه بذلك،فقال:قد كان ابن الأشتر أعرف به مني،و لكني لم أقبل منه.

قال:و أقبل ابن الحر حتى صار إلى هيت و بها يومئذ نائب المختار،فكبسها ابن الحر و قتل نائبها و أخذ أموالها.

ثم سار إلى الأنبار و بها يومئذ نائب للمختار،فكبسها و قتل نائبها،و احتوى على بيت المال فأصاب فيه مالا جزيلا.

فقال لأصحابه:اقتسموا هذا المال بينكم!

قال:فاقتسموه بقلنسوة رجل يقال له دلهم بن زياد المرادي و كانت على مثال المكوك،ثم أنشأ ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:

أنا الحر و ابن الحر يحمل منكبي شديد القصيري في العباد رحيل

إلى آخرها.

قال:و بلغ ذلك المختار فضاقت عليه الأرض بما رحبت،و لم يدر ما يصنع، و المختار يومئذ بين جمرتين:جمرة عن يمينه مصعب بن الزبير يومئذ بالبصرة، و الجمرة العظمى عبيد اللّه بن زياد بالموصل في ثلاث و ثمانين ألفا.

قال:فدعا المختار برجل من ثقاته يقال له عبيد اللّه بن كامل الهمداني.

فقال له:إركب الساعة في مائة رجل من أصحابك،و صر إلى دار عبيد اللّه بن الحر فاهدمها،و خذ امرأته فضعها في السجن.

قال:فسار عبيد اللّه بن كامل إلى دار ابن الحر فهدمها،و لم يمنعه مانع خوفا من

ص: 145

المختار،و أخذ امرأته-و يقال لها أم توبة،و اسمها سلمى بنت خالد الجعفية- فحبسها.و بلغ ذلك عبيد اللّه بن الحر.

فقال لأصحابه:أبلغكم ما صنع المختار،أنه هدم داري و حبس أهلي في السجن فقالوا:قد بلغنا فأمرنا بأمرك!

فقال:لا تعجلوا!و أنشأ و جعل يقول:

ألم تعلمي يا أم توبة أنني على حدثان الدهر غير بليد

أشد حيازيمي لكل كريهة و إني على ما نالني لجليد

هم هدموا داري و ساقوا حليلتي إلى سجنهم و المسلمون شهودي

و هم أعجلوها أن تشد خمارها فلله هذا الدهر كيف يعود

فلست بابن الحر إن لم أرعهم بخيل عليها الدارعون قعود

و إن لم أصبح شاكرا بكتيبة فعالجت بالكفين غل حديدي

قال:ثم جمع عبيد اللّه بن الحر أصحابه و سار بهم نحو الكوفة حتى كبسها غلسا و الناس في الصلاة،فلم يكذب أن أقبل إلى باب السجن فكسره و أخرج امرأته عنوة و كل من كان في السجن من النساء (1).

قال:و وقعت الضجة في الكوفة بأن عبيد اللّه بن الحر قد كبس السجن و أخرج امرأته،ففزع الناس و بلغ ذلك المختار فوجّه إليه بعبد اللّه بن كامل الهمداني و أحمر بن شميط البجلي.

قال:و نظر إليهم عبيد اللّه بن الحر فحمل عليهم بأصحابه،فجعل يقاتلهم و يسوق امرأته بين يديه و لم يتبعه أحد من أصحاب المختار،فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:

ألم تعلمي يا أم توبة أنني أنا الفارس الحامي حقيقة مذحج

إلى آخرها.4.

ص: 146


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 274.

قال:ثم نزل عبيد اللّه بن الحر على ميلين من الكوفة،و المختار يظن أنه قد رحل و مضى،حتى إذا كان الليل عبّأ أصحابه و أقبل رويدا حتى كبس الكوفة من ناحية قبائل همدان،فوقع بحي منهم يقال لهم بنو شبام فقاتلهم و قاتلوه ساعة،ثم قصده مولى لهم يقال له الأحمق،و التقيا بضربتين بادره عبيد اللّه بن الحر بضربة أبدى عن دماغه فسقط قتيلا،ثم حمل عليهم ففرّقهم يمنة و يسرة،ثم قال لأصحابه:

إنصرفوا عنهم الآن فقد أدركت من حي شبام ما أردت ليلتي هذه،ثم أنشأ عبيد اللّه ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:

صبّحت شباما غارة مشمعلة و أخرى نشاهدها صباحا لشاكر

إلى آخرها.

قال:و أرسل المختار إلى قبائل همدان من أرحب و شبام و شاكر و السبيع و يام، فقال:شوه لكم يا معشر همدان!أن يكون رجل منكم يأتي في نفر من هؤلاء المتلصصة فيكبس دياركم،ثم يقتل و يفعل و يخرج و عنكم سالما،أما لكم أنفة؟أما فيكم من يخاف أن يعيّر بهذا آخر الدهر؟

قال:فقال القوم:كفيت أيها الأمير!و أي ذلك لعار علينا كما ذكرت،غير أننا عزمنا على المسير إليه حيث كان،و ليس نرجع إليك إلا برأسه،فأبشر لذلك و قر عينا.

قال:ثم اجتمعت قبائل همدان في ثلاثمائة فارس،حتى وافوا الكوفة في رونق الضحى،و همدان يومئذ في ثلاثمائة من قبائلهم و ثلاثمائة من أصحاب المختار، فلم يشعروا إلا و عبيد اللّه بن الحر قد وافاهم حاسر الرأس و هو يرتجز و يقول:

إني أنا الحر و ابن الحر ذو حسب مذحج و فخر

و قادح لكم غداة الذعر بالضرب أحيانا و طعن شزر

قال:و تنادت همدان من كل ناحية،و حملوا عليه و حمل عليه السبيع،و يقول له عمرو بن نفيل:إلي يابن الحر!و دع الناس جانبا!

ص: 147

قال:فحمل عليه ابن الحر،و التقيا بضربتين ضربة ألزمه الحضيض،ثم ولّى و ولّى القوم الأدبار،فكف عنهم ابن الحر و قال لأصحابه:لا تتبعوهم!فحسبهم ما نالهم عارا،و كفاهم ما نالهم به ذلا و شنارا،إنهم أصبحوا في ديارهم فما حموا كريما،و لا منعوا حريما.

قال:ثم خشي عبيد اللّه بن الحر أن تدهمه خيل المختار بأجمعها أو تجتمع عليه أهل الكوفة فلا يكون له بهم طاقة،فصاح بأصحابه و مضى حتى خرج من الكوفة، فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:

لقيت شباما عند مسجد مخنف و قبل شبام شاكرا و سبيعا

إلى آخرها.

قال:ثم جعل عبيد اللّه بن الحر يغير على سواد الكوفة،و يقتل نواب المختار، و يمثل بهم،و يكبس المدن و القرى،و يأخذ الأموال حتى إذا علم أنه قد استقل بالأموال و اكتفى من الرجال و الآلة و السلاح سار إلى البصرة.و بها يومئذ مصعب ابن الزبير في وجوه الأزارقة،فاستأمن إليه عبيد اللّه بن الحر.

قال:فقرّبه مصعب و أدناه و أجلسه معه على سريره و أكرمه كرامة لم يكرم مثلها أحدا قبله ممن قصده،و جعل ابن الحر يحدّث مصعبا بما كان من أمره و أمر المختار و إبراهيم بن الأشتر.

قال:و بلغ ذلك المختار،فكأنه سر بمسير عبيد اللّه بن الحر إلى مصعب بن الزبير،فهذا أول خبر عبيد اللّه بن الحر و خروجه على المختار،و سنرجع إلى خبره و قتل المختار و خروجه على مصعب بن الزبير-إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم-.

ثم رجعنا إلى خبر إبراهيم بن الأشتر و عبيد اللّه بن زياد قال:ثم كتب المختار إلى إبراهيم بن الأشتر أن صر إلى أرض الموصل فناجز عدوك،فقد كفانا اللّه أمر ابن

ص: 148

الحر،فإن أظفرنا اللّه بابن زياد و أصحابه المحلّين لن نرهب بعده أحدا من الظالمين، و السلام..

قال:فلما ورد كتاب المختار على إبراهيم بن الأشتر نادى في أصحابه،ثم سار بهم فجعل يطوي البلاد طيا حتى نزل على خمسة فراسخ من الموصل،و عبيد اللّه بن زياد يومئذ بالموصل قد أخذ خراجها و فرّقه في أصحابه،فلما بلغه مسير ابن الأشتر إلى ما قبله رحل من الموصل في ثلاثة و ثمانين ألفا،حتى نزل قريبا من عسكر إبراهيم،و إبراهيم يومئذ في أقل من عشرين ألفا.

ص: 149

خبر عمير بن الحباب السلمي

قال:و في عسكر عبيد اللّه بن زياد يومئذ من الأشراف رجل يقال له عمير بن الحباب،فأرسل إليه إبراهيم بن الأشتر أن قد أعطيتك الأمان،و لك عندي الحب و الكرامة إن رزقني اللّه من هذا الجيش السلامة،فهلم إلينا رحمك اللّه آمنا مطمئنا قال:فخرج إليه عمير في جوف الليل في ألف فارس من بني عمه و مواليهم،حتى وافا إلى ابن الأشتر،فأكرمه ابن الأشتر و أوعده و منّاه و برّ أصحابه بمال فرّقه عليهم قال:و بلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد فأقلقه ذلك (1)و قال:يخرج رجل من عسكري في ألف فارس و لا يعلم به،أن هذا الأمر لا يراد.

قال:و أقبل ابن الأشتر على عمير بن الحباب هذا فقال:إني رأيت أن أخندق على عسكري خندقا،فما الذي تراه؟

فقال له عمير بن الحباب مهلا أيها الأمير!فإن القوم يحبون أن يطاولوك،فإن طاولتهم فهو خير لهم،و لكن ناجزهم فإنهم قد ملئوا خوفا و رعبا،و لا تدعهم أن يشاموا أصحابك فيذوقهم يوما بعد يوم فيجترئوا عليهم،و لكن صادمهم بخيلك و رجلك،فإنك بحمد اللّه على الحق و إنهم على الباطل،و اللّه مظفرك بهم و ناصرك عليهم بحوله و قوته.

قال:فقال ابن الأشتر:الآن قد علمت أنك ناصح لي،و لقد أصبت الرأي فيما أشرت به علي،و بهذا أوصاني صاحبي المختار،و أنا عازم على ما أشرت،و اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

ص: 150


1- في الطبري 86/6 و ابن الأثير 5/3 أن عمير بن الحباب السلمي التقى بإبراهيم بن الأشتر ليلا و بايعه و اتفق معه إن بدأ القتال ينهزم بمن معه من الناس ثم انصرف إلى معسكره مع عبيد اللّه بن زياد. و انظر الأخبار الطوال ص 294-295.

قال:و جعل عبيد اللّه بن زياد يقول لأصحابه:إني لأعجب من هذا الغلام إبراهيم بن الأشتر و مسيره إلي بهذا الجيش و عهدي به بالأمس بالكوفة،و قد كان يلعب بالحمام،و لعل أجله قد اقترب.

قال:و بات الفريقان ليلتهم تلك و ابن الأشتر لا يغمض لا هو و لا أحد من أصحابه لما يريدون أن يقدموا عليه من محاربة ذلك الخلق العظيم،حتى إذا كان قريبا من وقت السحر وثب القوم و صلوا بغلس،و عبّأ ابن الأشتر أصحابه،فجعل على ميمنته سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي،و على ميسرته علي بن مالك الجشمي، و على أعنة الخيل الطفيل بن لقيط الحنفي،و على الرجالة مزاحم بن مالك السكوني.

ابتداء الوقعة و من قتل فيها قال:و زحف القوم بعضهم إلى بعض،و تقدّمت الرجالة بين أيديهم،و ابن الأشتر ينهاهم عن الجزع و الفشل،ثم زخف بأصحابه رويدا حتى إذا أشرف على تل عظيم فنظر إلى عسكر القوم و تأملهم،و أهل الشام بعد لم يتحركوا و لا ظنّوا أن أهل العراق يقدمون عليهم،فلما نظروا إلى الخيل و قد وافتهم بادروا إلى خيولهم،و قدّموا الرجالة بين أيديهم،فخيلهم ستون ألفا و رجالتهم اثنان و عشرون ألفا.

قال:فعبأهم عبيد اللّه بن زياد.فجعل على ميمنته شرحبيل بن ذي الكلاع،و على ميسرته ربيعة بن مخارق الغنوي،و على جناح ميسرته عبد اللّه بن حملة الخثعمي، و في القلب يومئذ الحصين بن نمير السكوني.

قال:و انفض عليهم أهل العراق مستعدين للموت و هم يقولون:اللهم إننا ما خرجنا إلى حرب هؤلاء القوم إلا شارين بدمائنا و أموالنا الجنة،طالبين بدماء أهل بيت نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فانصرنا عليهم كيف شئت و أنى شئت،إنك على كل شيء قدير.

قال:فوقف الفريقان بعضهم ينظر إلى بعض،و تقدّم رجل من عتاة أهل الشام

ص: 151

و مردتهم يقال له عوف بن ضبعان الكلبي حتى وقف بين يدي الجمعين على فرس أدهم ثم نادى:ألا يا شيعة أبي تراب!ألا يا شيعة المختار الكذاب!ألا يا شيعة ابن الأشتر المرتاب!من كان منكم يدل بشجاعته و شدته فليبرز إلي إن كان صادقا، و للقرآن معانقا!ثم جعل يجول في ميدان الحرب و هو يرتجز و يقول:

أنا ابن ضبعان الكريم المفضل إني أنا الليث الكمي الهذلي

من عصبة يبرون من دين علي كذاك كانوا في الزمان الأول

يا رجال!فما لبث أن خرج إليه الأحوص بن شداد الهمداني و هو يرتجز و يقول:

أنا ابن شداد على دين علي لست لمروان ابن ليلى بولي

لأصطلين الحرب فيمن يصطلي أحوص نار الحرب حتى تنجلي

قال:فجعل الشامي يشتم الأحوص بن شداد.

فقال له الأحوص:يا هذا لا تشتم إن كنت غريبا،فإن الذي بيننا و بينكم أجلّ من الشتيمة،أنتم تقاتلون عن بني مروان،و نحن نطالبكم بدم ابن بنت نبي الرحمن، فادفعوا إلينا هذا الفاسق اللعين عبيد اللّه بن زياد،الذي قتل ابن بنت نبي رب العالمين محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلوا مع الحسين بن علي،فإننا لا نراه للحسين كفؤا فنقتله به،فإذا دفعتموه إلينا فقتلناه جعلنا بيننا و بينكم حكما من المسلمين.

فقال له الشامي:إننا قد جرّبناكم في يوم صفين عندما حكّمنا و حكّمتم،فغدرتم و لم ترضوا بما حكم عليكم (1).

قال:فقال له الأحوص بن شداد:يا هذا إن الحكمين لم يحكما برضى الجميع، و أحدهما خدع صاحبه الآخر،و الخلافة لا تعقد في الخديعة،و لا يجوز في الدين إلا النصيحة،و لكن ما اسمك أيها الرجل؟0.

ص: 152


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 280.

فقال الشامي:إسمي منازل الأقران حلال!

فقال له الأحوص بن شداد:ما أقرب الإسمين بعضهم من بعض،أنت منازل الأبطال،و أنا مقرّب الآجال!ثم حمل عليه الأحوص و التقيا بضربتين ضربه الأحوص ضربة سقط الشامي قتيلا،فجال الأحوص في ميدان الحرب و نادى:يا قتلة الحسين:هل من مبارز!فخرج إليه داود بن عروة الدمشقي مقنعا في الحديد على كميت له و هو يقول:

أنا ابن من قاتل في صفينا قتال قرم لم يكن غبينا

بل كان فيها بطلا حرونا مجربا لدى الوغا كمينا

قال:فضمه إليه الأحوص بن شداد الهمداني و جعل يقول:

يابن الذي قاتل في صفينا و لم يكن في دينه غبينا

كذبت قد كان بها مغبونا مذبذبا في أمره مفتونا

لا يعرف الحق و لا اليقينا بؤسا له لقد مضى ملعونا

قال:ثم التقيا فضربه الأحوص ضربة ألحقه بصاحبه،ثم رجع إلى صفه و خرج الحصين بن نمير السكوني و هو يقول شعرا،قال:فما لبث أن خرج إليه فتى من أهل الكوفة يقال له شريك بن جدير التغلبي مجيبا له و هو يقول شعرا.

قال:فحاوله الحصين بن نمير السكوني فالتقيا بضربتين،ضربه الثعلبي ضربة جدله قتيلا،فدخل على قتلة الحسين عليه السّلام من أهل العراق مدخل عظيم.

و تقدّم إبراهيم بن الأشتر يومئذ على فرس له أغر محجل حتى وقف بين الجمعين،ثم نادى بصوت جهوري:ألا يا شرطة اللّه!يا شيعة الحق!ألا يا أنصار الدين!قاتلوا المحلين و أولاد القاسطين،و أعوان الظالمين،و جنود ابن مرجانة اللعين،أيها الناس!لا تطلبوا أثرا بعد عين،هذا عبيد اللّه بن زياد،قاتل الحسين بن علي عليه السّلام و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،هذا الذي حال بين الحسين و بين الماء

ص: 153

الفرات أن يشربوه و هم ينظرون إليه،هذا الذي بعث إلى الحسين بن علي أن لا أمان لك عندي أو تنزل على حكمي،ثم عدا عليه فقتله و قتل أهل بيته،و ساق حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كسبايا الروم و الترك و الديلم من بلد إلى بلد،حتى أدخلوا على يزيد،إنه ما فعل فرعون ببني إسرائيل ما فعل هذا الملعون بأهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و ها هو قد جاءه اللّه بكم و جاءكم به،و لا أنتم في بلدكم و لا هو في بلده،و اللّه إني لأرجو أن يكون اللّه تعالى لم يجمع بينكم و بينه في هذا الموضع إلا لهلاكه و هلاك من معه من هؤلاء المحلّين.

قال:ثم تقدّم إبراهيم بن الأشتر قدام أصحابه فجعل يضرب بسيفه قدما قدما و هو يقول شعرا.

قال:ثم حمل و حمل معه أهل العراق بأجمعهم،ثم اختلط القوم فاصطفقوا بالسيوف،و تطاعنوا بالرماح،و تراموا بالسهام،و جعل إبراهيم بن الأشتر يقول لصاحب رايته:تقدّم بين يديك،فداك أبي و أمي و لا تجزع!فو اللّه ما أشبه هذا اليوم إلا بيوم الخميس و ليلة الهرير بصفين.

قال:فجعل صاحب راية ابن الأشتر يتقدّم و أهل العراق يقاتلون و يتبعون الراية.

قال:و نظر رجل من أهل الشام إلى صاحب راية ابن الأشتر فحمل عليه،و التقوا و اعتنقوا و سقطوا جميعا عن فرسهم إلى الأرض،فجعل يقول هذا:اقتلوني و ابن كذا و كذا!و هذا يقول:اقتلوني و أبن كذا و كذا!فقتل الشامي و انفلت صاحب راية ابن الأشتر.

قال:و حان وقت الصلاتين جميعا الظهر و العصر،فما صلّى القوم إلا بالإيماء و التكبير،حتى إذا كان في وقت اصفرار الشمس انهزم أهل الشام نحو مدينة الموصل،و أخذهم السيف،و القوم ينهزمون و السيف في أقفيتهم،و اختلط الظلام.

و نظر إبراهيم بن الأشتر إلى رجل من القوم و عليه بزة حسنة،و درع سابغ،و عمامة

ص: 154

خز دكناء،و ديباجة خضراء من فوق الدرع،و قد أخرج يده من الديباجة و فيها صفيحة له مذهبة.

قال:فقصده ابن الأشتر لا لشيء إلا لتلك الصفيحة التي في يده و الفرس التي تحته،حتى إذا لحقه لم يكذب أن ضربه ضربة فشرّقت يداه و غرّبت رجلاه،و اتكأ ابن الأشتر في ركابه فتناول الصفيحة،و غار الفرس فلم يقدر عليه!و لم يبصر الناس بعضهم بعضا من شدة الظلمة،فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم و الخيل لا تطأ إلا على القتلى.قال:و أصبح الناس و قد فقد من أهل العراق ثلاثمائة و سبعون رجلا،و أهل الشام قد كانوا في اثنين و ثمانين ألفا فانفلت عشرة آلاف و ثمانية رجال عامّتهم جرحى،و قد ذكر ذلك بعض الشعراء في شعر له.

قال:ثم أقبل ابن الأشتر على أصحابه فقال:و يحكم إني اتبعت البارحة رجلا و قد اختلط الظلام،فشممت منه رائحة المسك،و رأيت في يده هذه الصفيحة،و رأيت تحته فرسا جوادا فلم أزل حتى ضربته ضربة شرقت يداه و غربت رجلاه،فمددت يدي فأخذت هذه الصفيحة و فاتني الفرس!

فقال له بعض أصحابه:أصلح اللّه الأمير!الفرس عندي و أنا آتيك به،و قد جعله اللّه لك.

قال ابن الأشتر:فصيروا إذا إلى شاطئ الفرات موضع كذا و كذا فإنكم ترون الرجل قتيلا،فانظروا من هو؟فإن نفسي تحدّثني أنه عبيد اللّه بن زياد!فمضوا فوجدوه،فأتوا برأسه حتى وضعوه بين يديه،فلما رآه كبّر و خر ساجدا،ثم رفع رأسه و قال:الحمد للّه الذي أجرى قتله على يدي.فأنشأ بعض أصحابه في ذلك يقول أبياتا مطلعها:

أتاكم غلام من عرانيين مذحج جري على الأعداء غير نكول

إلى آخرها.

ص: 155

قال:ثم أمر إبراهيم بن الأشتر برأس عبيد اللّه بن زياد،و رأس الحصين بن نمير السكوني و شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري،و ربيعة بن مخارق الغنوي و من أشبههم من رؤساء أهل الشام،فجمعت ثم قوّرت و نفضت،و كتبت الرقاع و علّقت في آذانهم بأسمائهم،ثم جمعت أيضا رؤوس القوم عن آخرها و بعث بها إلى المختار،و كتب إليه ابن الأشتر يعلمه بالوقعة،و كيف أهلك اللّه القوم،و أباد خضراءهم،و بدد شملهم.

قال:فوردت الرؤوس يومئذ على أهل الكوفة زيادة على سبعين ألف رأس،و في أوائلها رأس عبيد اللّه بن زياد.

قال:فقوم من شيعة بني أمية اشتدّ عليهم ذلك،و أما شيعة آل محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فجعلوا يكبّرون و يقولون:الحمد للّه الذي قتل المحلّين،و شفا غليل المؤمنين.

قال:و بعث المختار برأس عبيد اللّه بن زياد و الحصين و شرحبيل و من أشبههم إلى محمد ابن الحنفية،و أما باقي هذه الرؤوس فصلبت حول الكوفة (1).

و قال ابن الأعثم:و جاءت الخيل حتى أحدقت بالقصر،فحاصروا المختار و من فيه حصارا شديدا،حتى أخذ منه العطش،فكانوا ربما بذلوا في الراوية من الماء الدينار و الدينارين و الثلاثة.

قال:و كانت النساء في أول الأمر يأتين فيدخلن في القصر إلى أقاربهن بالطعام و الماء،فبلغ ذلك مصعب بن الزبير فمنع النساء من ذلك.

ثم قطع عنهم الماء،فكانوا يمزجون ماء البئر بالعسل و الدوشاب و التمر و يشربونه لما ينالهم من العطش.

قال:و جعل أصحاب مصعب ينادون المختار من خارج القصر و يقولون:يا ابن دومة!كيف ترى ما أنت فيه من الحصار،هذا جزاء من خالف على أمير المؤمنين3.

ص: 156


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 283.

عبد اللّه بن الزبير و طلب الأمر لغيره!

قال:فأشرف عليهم المختار من أعالي القصر ثم قال:يا جند المرأة!يا أعوان البهيمة!يا بقايا السيف!أتعيرونني بأمي دومة،حسناء الحومة،التي لا تسمع فيها اللائم لومة،أما و اللّه لو كان من يعيّرني بدومة من الفريقين عظيما لما عيّرني بها، و لكن إن كنتم رجالا فاثبتوا لي قليلا،فو اللّه لأقاتلنكم قتال مستقل قد آيس من الحياة.

قال:ثم نزل المختار عن حائط القصر،فصبّ عليه سلاحه و استوى على فرسه، و جعل يتمثل بقول قيس غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي و هو يقول:

و لو يراني أبو غيلان إذ حسرت عني الهموم بأمر ما له طبق

لقال رعبا و رهبا يجمعان معا غنم الحياة و هول النفس و الشفق

و الموت أحمد شيء بالكريم إذا ما قاله الدهر و الآجال تخترق

قال:ثم أمر بباب القصر ففتح،و خرج في نحو من مائتي رجل ممن يثق بهم،فكرّ على أصحاب مصعب فهزمهم حتى ركب بعضهم بعضا.

قال:و نظر إليه رجل من أصحاب البصرة يقال له يحيى بن ضمضم الضبي، و كان إذا ركب خطّت رجلاه في الأرض لطوله،و لم يكن في أصحاب مصعب بن الزبير أفرس منه،فحمل على المختار ليضربه و ضربه،فاستقبله المختار بضربة على جبينه أطار قحف رأسه فخر صريعا،و حملت الكتائب على المختار من كل جانب،فجعل يحاربهم و يرجع إلى ورائه حتى دخل القصر،و اشتد الحصار على القوم،فجعل السائب بن مالك الأشعري يتمثل بقول عبيد اللّه بن حذاق حيث يقول أبياتا مطلعها:

هل للفتى من نياب الدهر من واقي أم هل لحتم إذا ما حم من راقي

إلى آخرها.

ص: 157

قال:فسمع المختار هذه الأبيات من السائب بن مالك الأشعري فقال:للّه در عبد اللّه بن حداق ما أجود معناه في هذا القول،أما و اللّه لو لا ما نحن فيه لأحببت أن أحفظ هذه الأبيات،و و اللّه يا سائب!إن لو كان معي عشرة لعلمت أننا نقهر مصعبا و أصحابه.

قال:ثم أقبل المختار على أصحابه فقال:و يحكم اخرجوا بنا حتى نقاتل هؤلاء القوم فنقتل كراما،فو اللّه ما أنا بيائس إن أنتم صدقتموهم القتال أن تنصروا عليهم.

قال:فأجابه أصحابه إلى ذلك،و قالوا:ما الرأي إلا ما رأيت!و ليس يجب أن نعطي بأيدينا و لا نحكّم هؤلاء على دمائنا،فاعزم على ما أنت عازم عليه من أمرك فها نحن بين يديك.

قال:فعندها بعث المختار إلى امرأته أم ثابت الفزارية بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير و حنوط،فقام و اغتسل و أفرغ عليه ثيابه و تحنّط و وضع ذلك الطيب في رأسه و لحيته،و وثب أصحابه يفعلون كذلك.

فقال له رجل منهم:أبا إسحاق!أما بد من الموت؟

قال:قد رأيت و اللّه عبد اللّه بن الزبير على الحجاز،و بني أمية على الشام، و مصعبا على العراق،و لم أكن بدون واحد منهم.و إنما خرجت أطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و قد و اللّه أشفيت نفسي من أعدائهم و ممن شارك في دمائهم،و لست أبالي بعد هذا كيف أتاني الموت.

قال:ثم استوى على فرسه و جعل يرتجز و يقول شعرا.

ثم أمر بباب القصر ففتح و خرج معه نفر من أصحابه فلم يزل يقاتل و يقاتلون معه حتى قتلوا بأجمعهم و بقي المختار وحده،فجعل يقاتل و السهام تأخذه،فصاح مصعب بن الزبير بأصحابه أن احدقوا به فقد قتلت أنصاره.

قال:فأحاطت به الخيل من كل جانب،فجعل يكر عليهم و يكرون عليه حتى بلغوا

ص: 158

به إلى الموضع الذي فيه حوانيت الزياتين اليوم،فأحاطوا به هنالك و ألجأوه إلى جدار هناك و قصده رجلان من بني حنيفة أخوان يقال لأحدهما:طرفة و الآخر طراف ابنا عبد اللّه بن دجاجة الحنفي و ضرباه جميعا بأسيافهما.

فسقط المختار إلى الأرض،فنزلا إليه فذبحاه و احتزا رأسه و أقبلا به إلى مصعب بن الزبير،قال:فأمر مصعب بقطع يده اليمنى،فقطعت و سمّرت على باب القصر،ثم أمر برأسه فنصب في رحبة الحدادين.

ثم أقبل مصعب و أصحابه حتى أحدقوا بالقصر فجعلوا ينادون لمن في القصر و يقولون:أخرجوا و لكم الأمان!فقد قتل اللّه صاحبكم.

قال:ففتح القوم باب القصر و خرجوا،فأخذوا بأجمعهم حتى أتي بهم مصعب بن الزبير،فقدموا حتى وقفوا بين يديه،و جعل رجل منهم يقول:

ما كنت أخشى أن أرى أسيرا و لا أرى مدمرا تدميرا

إن الذين خالفوا الأميرا قد رغموا و تبّروا تتبيرا

قال:فرفع مصعب رأسه إليه فقال:الحمد للّه الذي أمكن منكم يا شيعة الدجال!

قال:فتكلم رجل منهم يقال له بحير بن عبد اللّه السلمي،فقال:لا و اللّه ما نحن بشيعة الدجال،و لكنا شيعة آل محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و ما خرجنا بأسيافنا إلا طلبا بدمائهم،و قد ابتلانا اللّه بالأسر و ابتلاك بالعفو أيها الأمير،و الصفح و العفاف و هما منزلتان:منزلة رضى و منزلة سخط،فمن عفا عفي عنه،و من عاقب لم يأمن من القصاص!و بعد فإننا إخوانكم في دينكم و شركاؤكم في حظكم،و نحن أهل قبلتكم، لسنا بالترك و لا بالديلم،و قد كان منا ما كان من أهل العراق و أهل الشام،فاصفح إن قدرت.

قال:فكان مصعب بن الزبير قد رق لهذا المتكلم و أصحابه و همّ بإطلاقهم فوثب أشراف العرب فقالوا:أيها الأمير!إن هؤلاء هم الذين قتلوا أبناءنا و إخواننا و بني

ص: 159

أعمامنا،و في إطلاقهم فساد عليك في سلطانك و علينا في أحسابنا.

قال مصعب:فشأنكم إذا بهم!

قال:فاتكوا عليهم بالسيوف فقتلوهم صبرا-رحمة اللّه عليهم-.

قال:و أقبل مصعب حتى دخل قصر الإمارة،فجلس على سرير المختار،ثم أرسل إلى امرأتي المختار أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزارية و عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية،فلما أتي بهما قال لهما مصعب:ما تقولان في المختار؟

فقالت الفزارية:نقول فيه كما تقولون فيه.

فقال مصعب:أحسنت إذهبي فلا سبيل عليك.

فقالت الأنصارية:و لكني أقول كان عبدا مؤمنا،محبا للّه و رسوله و أهل بيت رسوله محمد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فإنكم إن قتلتموه لم تبقوا بعده إلا قليلا فغضب مصعب بن الزبير ثم أمر بها فقتلت.

فقال بعضهم في ذلك:

إن من أعجب العجائب عندي قتل بيضاء حرة عطبول

قتلت هكذا على غير جرم إن للّه درها من قتيل

كتب القتل و القتال علينا و على المحصنات جر الذيول

قال:ثم بعث مصعب برأس المختار إلى مكة إلى عبد اللّه بن الزبير،فأمر عبد اللّه ابن الزبير برأس المختار فنصب بالأبطح،ثم أرسل إلى عبد اللّه بن عباس فقال:يا بن عباس إنه قد قتل اللّه الكذاب.

فقال ابن عباس:رحم اللّه المختار كان رجلا محبا لنا عارفا بحقنا،و إنما خرج بسيفه طالبا بدمائنا و ليس جزاؤه منا أن نسميه كذابا (1).3.

ص: 160


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 292-293.

فهرس الموضوعات

قتل المختار قتلة الإمام الحسين عليه السلام 3

قتل حرملة 4

مدح المختار 6

قتل جملة من قتلة الحسين عليه السلام 8

من قتلهم المختار برواية ابن أعثم 44

ذكر مقتل عمر بن سعد و ابنه حفص 46

ذكر مقتل الشمر بن ذي الجوشن 50

مقتل ابن زياد و إرسال رأسه للسجاد عليه السلام 54

ذكر القوم الذين عرضوا على المختار فقتلهم صبرا 55

خبر سراقة بن مرداس البارقي 56

سبب توجيه المختار الجيش إلى المدينة لابن الزبير 58

كتاب محمد ابن الحنفية إلى المختار برواية ابن أعثم 63

مسير يزيد بن أنس إلى محاربة عبيد اللّه ابن زياد 72

كتاب المختار إلى محمد ابن الحنفية برواية ابن أعثم 75

ما جرى بين محمد ابن الحنفية و عبد اللّه بن الزبير برواية ابن أعثم 83

قدوم الخشبية مكة 88

سبب كرسي المختار الذي يستنصر به هو و أصحابه 96

ص: 161

مقتل عبيد اللّه بن زياد و من كان معه من أهل الشام 98

ذكر الخبر عن صفة مقتله 98

مسير مصعب إلى المختار و الخبر عن مقتله 107

مقتل المختار برواية ابن أعثم 135

خروج أهل الكوفة على المختار و غدرهم به و محاربتهم إياه 135

رجوع المختار إلى الكوفة و مضي ابن الأشتر في جيشه 139

ابتداء خبر عبيد اللّه بن الحر الجعفي 140

خبر عمير بن الحباب السلمي 150

ص: 162

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.