الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام المجلد 17

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان :عربی

تعداد جلد: 20

کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء السابع عشر (ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي)]

نسب المختار و بعض أخباره

قال المجلسي:هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمير الثقفي.

و قال المرزباني ابن عمير ابن عقدة بن عنزة:كنيته أبو إسحاق و كان أبو عبيد والده يتنوق في طلب النساء فذكر له نساء قومه فأبى أن يتزوج منهن فأتاه آت في منامه فقال:تزوج دومة الحسناء الحومة،فما تسمع فيها للائم لومة،فأخبر أهله، فقالوا:قد أمرت فتزوج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب،فلما حملت بالمختار قالت:رأيت في النوم قائلا يقول:

أبشري بالولد أشبه شيء بالاسد

إذا الرجال في كبد تقاتلوا على بلد

كان له الحظ الاشد

فلما وضعت أتاها ذلك الآتي فقال لها:إنه قبل أن يترعرع،و قبل أن يتشعشع، قليل الهلع،كثير التبع،يدان بما صنع،و ولدت لأبي عبيد المختار و جبرا و أبا جبر و أبا الحكم و أبا امية،و كان مولده في عام الهجرة،و حضر مع أبيه وقعة قس الناطف (1)و هو ابن ثلاث عشرة سنة و كان يتفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه،فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا،و تعاطى معالي الأمور،و كان ذا عقل وافر و جواب حاضر،و خلال مأثورة،و نفس بالسخاء موفورة،و فطرة تدرك الأشياء

ص: 3


1- قس الناطف:موضع قرب الكوفة،و به كان وقعة لهم على الفرس راجع أيام العرب في الاسلام للميدانى بذيل مجمع الامثال ج 2 ص 445،و فى النسخ:قيس الناطف و هو تصحيف.

بفراستها،و همة تعلو على الفراقد بنفاستها،و حدس مصيب،و كف في الحروب مجيب،و مارس التجارب فحنكته،و لابس الخطوب فهذبته.

و روي عن الأصبغ بن نباته أنه قال:رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يمسح رأسه و يقول:ياكيس ياكيس فسمي كيسان و إليه عزي الكيسانية كما عزي الواقفة إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام و الاسماعيلية إلى أخيه إسماعيل و غيرهم من الفرق.

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام أنه قال:لا تسبوا المختار،فإنه قتل قتلتنا و طلب ثأرنا، و زوج أراملنا،و قسم فينا المال على العسرة.

و روي أنه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر عليه السّلام و فيهم عبد اللّه بن شريك،قال:

فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة،فتناول يده ليقبلها فمنعه،ثم قال:من أنت؟

قال:أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي و كان متباعدا منه عليه السّلام فمديده فأدناه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده،فقال:أصلحك اللّه إن الناس قد أكثروا في أبي،و القول و اللّه قولك،قال:و أي شيء يقولون؟

قال:يقولون:كذاب و لا تأمرني بشيء إلا قبلته،فقال عليه السّلام:سبحان اللّه أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه،أو لم يبن دورنا،و قتل قاتلنا،و طلب بثأرنا، فرحم اللّه أباك-و كررها ثلاثا-ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه.

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت أزور على بن الحسين عليهما السّلام في كل سنة مرة في وقت الحج فأتيته سنة و إذا على فخذه صبي فقام الصبي فوقع على عتبة الباب فانشج فوثب إليه مهر و لا،فجعل ينشف دمه و يقول:(إني)اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة.

قلت:بأبي أنت و امي و أي كناسة؟

قال:كناسة الكوفة.

ص: 4

قلت:و يكون ذلك؟

قال:إي و الذي بعث محمدا بالحق،لئن بعشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة،و هو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة ثم ينزل فيحرق و يذرى في البر،فقلت:جعلت فداك و ما اسم هذا الغلام؟

فقال:ابني زيد ثم دمعت عيناه و قال:لأحدثنك بحديث ابني هذا،بينا أنا ليلة ساجد و راكع ذهب بي النوم فرأيت كأني في الجنة و كأن رسول اللّه و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام قد زوجوني حوراء من حور العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهى و وليت،هتف بي هاتف،ليهئك زيد فاستيقظت و تطهرت و صليت صلاة الفجر فدق الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية ملفوف كمها على يده،مخمرة بخمار،قلت:حاجتك؟

قال:أريد علي بن الحسين.

قلت:أنا هو.

قال:أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي يقرئك السّلام و يقول:وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار،و هذه ستمائة دينار،فاستعن بها على دهرك،و دفع إلي كتابا كتبت جوابه،و قلت:ما اسمك؟

قالت:حوراء فهيؤها لي و بت بها عروسا،فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيدا و سترى ما قلت لك.

قال أبو حمزة الثمالي:فو اللّه لقد رأيت كل ما ذكره عليه السّلام في زيد.

و روي عن عمر بن علي عليه السّلام أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين عليه السّلام عشرين ألف دينار،فقبلها و بنى منها دار عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت،و كان المختار ذا مقول مشحوذ الغرار،مأمون العثار،إن نثر سجع،و إن نطق برع،ثابت الجنان،مقدم الشجعان،ما حدس إلا أصاب،و لا تفرس قط خاب،و لو لم يكن كذلك لما قام بأدوات المفاخر،و رأس على الامراء و العساكر،و ولي علي عليه السّلام عمه على

ص: 5

المدائن عاملا و المختار معه،فلما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة من قبل معاوية رحل المختار إلى المدينة،و كان يجالس محمد بن الحنفية و يأخذ عنه الاحاديث، فلما عاد إلى الكوفة ركب مع المغيرة يوما فمر بالسوق،فقال المغيرة:يا لها غارة و يا له جمعا،إني لأعلم كلمة لو نعق لها ناعق و لا ناعق لها لاتبعوه،و لا سيما الأعاجم الذين إذا القي إليهم الشيء قبلوه،فقال له المختار:و ما هي باعم؟

قال:يستأدون بآل محمد فأغضى عليها المختار،و لم يزل ذلك في نفسه،ثم جعل يتكلم بفضل آل محمد و ينشر مناقب علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و يسير ذلك و يقول:إنهم أحق بالأمر من كل أحد بعد رسول اللّه،و يتوجع لهم مما نزل بهم ففي بعض الأيام لقيه معبد بن خالد الجدلي جديلة قيس،فقال له:يا معبد إن أهل الكتب ذكروا أنهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبارين،و ينصر المظلومين، و يأخذ بثأر المستضعفين،و وصفوا صفته،فلم يذكروا صفة في الرجل إلا و هي في غير خصلتين:أنه شاب و قد جاوزت الستين،و أنه ردي البصر،و أنا أبصر من عقاب.

فقال معبد:أما السن فان ابن ستين و سبعين عند أهل ذلك الزمان شاب،و أما بصرك فما تدري ما يحدث اللّه فيه لعله يكل،قال:عسى،فلم يزل على ذلك حتى مات معاوية و ولى يزيد و وجه الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه،فلما قتل مسلم-رحمه اللّه-سعي بالمختار إلى عبيد اللّه بن زياد فأحضره،و قال له:يا ابن عبيد أنت المبايع لأعدائنا فشهد له عمرو بن حريث أنه لم يفعل.

فقال عبيد اللّه:لو لا شهادة عمرو لقتلتك،و شتمه و ضربه بقضيب في يده فشتر عينه،و حبسه و حبس أيضا عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطلب و كان في الحبس ميثم التمار-رحمه اللّه-فطلب عبد اللّه حديدة يزيل بها شعر بدنه و قال:لا آمن ابن زياد يقتلني،فأكون قد ألقيت ما على من الشعر.

ص: 6

فقال المختار:و اللّه لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلا قليل حتى تلي البصرة، فقال ميثم للمختار:و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين،فتقتل هذا الذي يريد قتلنا،و تطأ بقدميك على وجنتيه و لم يزل ذلك يتردد في صدره حتى قتل الحسين عليه السّلام كتب المختار إلى اخته صفية بنت أبي عبيد،و كانت زوجة عبد اللّه بن عمر،تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية فكتب إليه فقال يزيد:نشفع أبا عبد الرحمن و كلمته هند بنت أبي سفيان في عبد اللّه بن الحارث،و هي خالته،فكتب إلى عبيد اللّه فأطلقهما بعد أن أجل المختار ثلاثة أيام ليخرج من الكوفة و إن تأخر عنها ضرب عنقه،فخرج هاربا نحو الحجاز حتى إذا صاربوا قصة لقي الصقعب بن زهير الازدي،فقال:يا أبا إسحاق ما لي أرى عينك على هذه الحال؟

قال:فعل بي ذلك عبيد اللّه بن زياد،قتلني اللّه إن لم أقتله،و اقطع أعضاءه و لأقتلن بالحسين عليه السّلام عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا و هم سبعون ألفا.

ثم قال:و الذي أنزل القرآن،و بين الفرقان،و شرع الأديان،و كره العصيان، لأقتلن العصاة من أزد عمان،و مذحج و همدان،و نهد و خولان و بكر و هزان،و ثعل و نبهان،و عبس و ذبيان،و قبائل قيس عيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن،نعم يا صقعب و حق السميع العليم،العلي العظيم،العدل الكريم،العزيز الحكيم،الرحمن الرحيم،لأعركن عرك الأديم بني كندة و سليم،و الاشراف من تميم،ثم سار إلى مكة.

قال ابن العرق:رأيت المختار أشتر العين،فسألته فقال:شترها ابن زياد يا ابن العرق إن الفتنة أرعدت و أبرقت،و كأن قد أينعت و ألقت خطامها،و خبطت و شمست،و هي رافعة ذيلها،و قائلة ويلها،بدجلة و حولها فلم يزل على ذلك حتى مات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شهر بيع الأول سنة ثلاث و ستين،و قيل:سنة أربع،و عمره على الخلاف فيه ثمان و ثلاثون سنة،و كان مدة خلافته سنتين و ثمانية أشهر،و خلف أحد عشر ولدا منهم أبو ليلى معاوية،و بويع

ص: 7

له بالشام،و خلع نفسه و قد ذكرت حديثه في المقتل،و أخوه خالد امه بنت هاشم بن عتبة بن عبد شمس تزوجها مروان بن الحكم بعد يزيد،و فيها قال الشاعر:

أسلمي ام خالد رب ساع لقاعد (1).

و في تلك السنة بويع لعبد اللّه بن الزبير بالحجاز،و لمروان بن الحكم بالشام و لعبيد اللّه بن زياد بالبصرة و أما أهل العراق فإنهم وقعوا في الحيرة و الأسف و الندم على تركهم نصرة الحسين عليه السّلام و كان عبيد اللّه بن الحر بن المجمع بن حريم الجعفي من أشراف أهل الكوفة و كان قد مشى إلى الحسين و ندبه إلى الخروج معه فلم يفعل،ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض،فقال:

فيالك حسرة ما دمت حيا تردد بين حلقي و التراقي

حسين حين يطلب بذل نصري على أهل الضلالة و النفاق

غداة يقول لي بالقصر قولا: أتتركنا و تزمع بالفراق

و لو أني اواسيه بنفسي لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه تولى ثم ودع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلب حي لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الأولى نصروا حسينا و خاب الآخرون أولو النفاق (2). (3)ر.

ص: 8


1- بحار الأنوار:354/41 باب 45 أحوال المختار.
2- في الاصل:إلى النفاق،و هو تصحيف،و فى مقتل الخوارزمى ج 1 ص 228:ذوو النفاق.
3- بحار الأنوار:357/41 باب 45 أحوال المختار.

ذكر حبس المختار بن أبي عبيد بالكوفة و ما كان من عبيد اللّه بن زياد

قال ابن الأعثم:و تحدّث أهل الكوفة بشىء من أمر عبد اللّه بن الزبير و شاع ذلك بالكوفة،و قدمها عبيد اللّه بن زياد من البصرة فدعا بخليفته عمرو بن حريث المخزومي فقال:ويحك يا عمرو!بلغني عن ابن الزبير أمر من الأمور فلا أدري ذلك حق أم باطل،و لست أخاف على أمير المؤمنين من ابن الزبير،و إنما أخاف عليه من هذه الترابية شيعة أبي تراب علي بن أبي طالب،و لكن هل تعلم اليوم بالكوفة أحدا لا يتولى عليا و ولده؟

فقال عمرو:ما أعلم ذلك أيها الأمير إلا علما يقينا إلا من كان لعلي عدوا.

قال:فوثب عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال:أصلح اللّه الأمير!ههنا المختار بن أبي عبيد و هو الذي كان يؤلب عليك بالأمس الناس حتى خرج عليك مسلم بن عقيل، و قد كان فيما مضى عثمانيا و اليوم فقد صار ترابيا.

قال:و إنما تكلم عمارة بن عقبة (1)بهذا الكلام لشي كان بينه و بين المختار قبل ذلك،و ذلك أنهما قعدا ذات يوم بالمدينة بمسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فتذاكرا قريشا و فضلها و شرفها و ما قد خصّها اللّه بها من الكرامة.

فقال المختار:إن اللّه قد أعطى قريشا فضلا غير مستنكر،و إنما أعطاها ذلك بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أما في الجاهلية فنحن أولى بالفضل من قريش،و و اللّه لقد جاء اللّه تبارك و تعالى بالإسلام و هل دار من دورنا إلا و فيها امرأة من قريش و ما في دور

ص: 9


1- انظر الطبري 571/5.

قريش من نسائنا إلا ثلاث أو أربع.

قال:فغضب عمارة بن عقبة،ثم وثب فصار إلى عم المختار سعد بن مسعود الثقفي و عنده جماعة من جلسائه،فجلس إليه عمارة بن عقبة و شكى إليه المختار و ذكر ما كان من كلامه.

فقال سعد بن مسعود:أما إني سأعرفه صاحب سفه و طيش أحيانا و لوددت أني أكلبه،و أيم اللّه لأسأته إن شاء اللّه تعالى.

قال:و أقبل المختار إلى عمه قال:فلما رآه عمارة بن عقبة نهض،فقال:فقد شكاني إليك؟

فقال عمه:أجل لقد شكاك إلي و أخبرني بما كان من إستطالتك عليه و إنك لظالم متعد،و بلى أخبرني عنك أعلى قريش يستطيل و يفتخر،و إياها ينتقص و منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

فقال المختار:يا عم!و اللّه لقد كان المستطيل علي في الكلام،و يجب عليك أن تسمع مني كما سمعت منه!

فقال له عمه:لست بسامع منك و لا قابل عنك عذرا حتى تنطلق إليه فتعتذر مما كان،قاتلك اللّه أنت الظالم!

قال:فقال المختار:و اللّه يا عم!لقد كان هو الظالم و أنا مطيعك في لقائه و الإعتذار إليه.

قال:فوثب المختار فنهض إلى عمارة بن عقبة فاعتذر إليه و ذكر حقه و قرابته، قال:فقبل عمارة عذره في وقته ذلك و قلبه فيه ما فيه.

ثم رجعنا إلى الخبر الأول قال:فلما كان ذلك اليوم و تكلم عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-بما تكلم أحب عمارة أن يغريه بالمختار فقال:ما قال:فغضب عبيد اللّه بن زياد ثم قال:علي به!فأتي بالمختار،فلما دخل وقف بين يدي عبيد اللّه بن زياد فقال له:يا

ص: 10

ابن أبي عبيد!أنت المقبل في الجيوش بالأمس لنصرة مسلم بن عقيل (1)و أنت ممن يتولى عليا و ولده؟

فقال:إني أحبهم بمحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم،و أما نصرتي لمسلم بن عقيل فلم أفعل،و هذا عمرو بن حريث المخزومي يعلم ذلك،و هو شيخ أهل الكوفة يعلم أني كنت في ذلك الوقت لازما لمنزلي.

قال:و استحيى عمرو بن حريث أن يشهد على رجل مسلم في ذلك الوقت بين يدي عبيد اللّه بن زياد فيقتل،غير أنه قال:صدق أيها الأمير لم يقاتل مع مسلم بن عقيل،و لقد كذب عليه في هذا،فإن رأى الأمير أن لا يعجل عليه فإنه من أبناء المهاجرين.

قال:فرفع عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-قضيبا كان بين يديه فاعترض به وجه المختار فشتر به عينه فصار المختار أشتر في ذلك الوقت،ثم قال:يا عدو اللّه!لو لا شهادة عمرو بن حريث لضربت عنقك.

ثم قال:إنطلقوا به إلى السجن!

قال:فمضوا به إلى السجن.

قال:و بلغ ذلك عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه و هو ختن المختار على أخته صفية بنت أبي عبيد فاغتم لذلك،قال:و جزعت أيضا أخت المختار لحبس أخيها بالكوفة و أيقنت عليه من عبيد اللّه بن زياد أن يقتله.

قال:فسألت أخت المختار زوجها عبد اللّه بن عمر أن يشفع في أخيها،فكتب عبد اللّه إلى يزيد كتابا يشفع في صهره.ب.

ص: 11


1- في الطبري 569/5 أن المختار بن أبي عبيد بايع مسلم بن عقيل فيمن بايعه من أهل الكوفة... حتى خرج ابن عقيل و المختار في قرية له تدعى لقفا...فأقبل المختار في موال له حتى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب.

فقال يزيد لما قرأ الكتاب:و يشفع أبو عبد الرحمن في صهره فإنه أهل ذلك،فأمر كاتبه فكتب إلى عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فخل سبيل المختار ساعة (1)تنظر في كتابي هذا،و السّلام.

قال:فلما قرأ عبيد اللّه بن زياد كتاب يزيد بعث إلى المختار و أخرجه من السجن.

فقال له:إني قد أمهلتك ثلاثا فإن (2)أصبتك بالكوفة بعد ثلاثة أيام ضربت عنقك، و السّلام (3).6.

ص: 12


1- الطبري 571/5:حين تنظر.
2- في الطبري:فإن أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمة.فخرج إلى رحله.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 146.

ذكر هرب المختار من ابن زياد و ما كان من بيعته لابن الزبير

قال:فخرج المختار من الكوفة قاصدا نحو الحجاز،حتى إذا صار بواقصة (1)إذا هو برجل من أهل الكوفة يقال له الصقعب بن زهير،فسلّم عليه ثم قال:أبا إسحاق! ما لي أرى عينك على هذه الحالة!صرف اللّه عنك السوء!

فقال (2):غرضها هذا المدعي عبيد اللّه بن زياد عبد بني علاج ابن سمية و مرجانة.

فقال:ما له!شلّت يمينه سريعا عاجلا!

فقال:نعم يا صقعب!و قتلني اللّه إن (3)لم أقتله و أقطع أعضاءه عضوا عضوا، و لكن أخبرني عن عبد اللّه بن الزبير أين تركته؟

فقال:تركته و هو يظهر العداوة ليزيد بن معاوية،و هو أظن يبايع سرا.

فقال:بشرك اللّه بالخير يا صقعب!فو اللّه إنه لرجل قومه (4)و هو من أبناء المهاجرين الأولين،و ما هو بدون غيره يا صقعب!و اللّه إني أرى الفتنة قد أرعدت و أبرقت و كأنك يا صقعب بي و قد خرجت و سمعت و قيل لك إن المختار بن أبي عبيد في عصابة من المؤمنين يطلب بدم الوصيين أولاد بنت نبي رب العالمين،فو ربك يا صقعب لأقتلن عدد الذين قتلوا على دم يحيى بن زكرياء عليه السّلام.

فقال له الصقعب:ويحك يا أبا إسحاق!هذه و اللّه أعجوبة و أحدوثة أن يكون هذا

ص: 13


1- واقصة:منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة.
2- في الطبري 572/5 خبط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى.
3- الطبري:إن لم أقطع أنامله و أباجله و أعضاءه إربا إربا.
4- الطبري:إنه لرجل العرب اليوم.

منك.

فقال المختار:نعم و اللّه يا صقعب!هو و اللّه ما قلت لك فاحفظ عني حتى ترى مصاديقه.فإنه كائن لا محالة.

قال:و جعل المختار يقول:و الذي أنزل القرآن و شرع الأديان،و كتب الإيمان و كره العصيان،لأقتلن العتاة من آل درغمان و مذحج و همدان،و نهد و خولان، و بكر و هران،و بعل و نبهان و عيص و ذبيان،و قبائل قيس غيلان،تعصبا لابن بنت نبي الرحمن،نعم يا صقعب و حق السميع العليم،العلي العظيم،العدل الكريم، الرحمن الرحيم،لأعركن عرك الأديم بني محمد و سليم،و الأشراف من بني تميم.

قال:ثم ضرب المختار راحلته و مضى حتى صار إلى مكة فدخل على عبد اللّه بن الزبير فسلّم عليه و حيّاه،فرحب به ابن الزبير و قرّبه،و قال:من أين أقبلت يا أبا إسحاق؟

قال:من الكوفة،قال:فما تخبرني عنهم؟

قال:أخبرك عنهم أنهم في السر أعداء و في العلانية أتقياء،قال:فقال له عبد اللّه بن الزبير:هذه و اللّه صفة أهل السوء العبيد إذا حضر مواليهم خدموهم و إذا غابوا عنهم عابوهم.

فقال المختار:ذرني من هذا و ابسط يدك أبايعك و أعطنا ما يرضينا و ثب بنا على الحجاز حتى نأخذها،فإن أهل الحجاز كلهم معك و أنت أقرب إلى جماعة الناس، و أدهى عند ذوي النهى من يزيد بن معاوية.

قال:فسكت ابن الزبير و لم يقل شيئا.فقام المختار من عنده مغضبا فركب من ساعته و مضى إلى الطائف فأقام بها حولا كاملا عند بني عمه من بني ثقيف.

قال:وافتقده عبد اللّه بن الزبير فقال لبعض من يلوذ به من أصحابه:لك علم بالمختار بن أبي عبيد؟

فقال:ما لي به علم منذ رأيته عندك ههنا،و لكني سمعت نفرا من أهل الطائف

ص: 14

يذكرون أنه مقيم عندهم هناك،و أنه ابن عماته صاحب العقرب،و أنه سيد الجبارين و قاتل الملحدين:قال:فضحك ابن الزبير ثم قال:قاتله اللّه من متكهن كذاب!و اللّه لئن أهلك اللّه الجبارين فإن المختار أولهم قال:فما كان بأسرع من أن قدم المختار من الطائف بعد ذلك بثلاثة أيام،فأقبل نحو البيت الحرام،و عبد اللّه بن الزبير ينظر إليه و عنده نفر من أصحابه حتى دنا المختار من البيت و استلم الحجر الأسود ثم طاف فصلّى ركعتين و جلس،فجاءه قوم من أهل مكة فسلّموا عليه و جلسوا عنده.

فقال عبد اللّه بن الزبير لأصحابه:إني لا أراه يصير إلينا!

فقال العباس بن سهل الأنصاري:إن شئت أتيتك به أو بخبره!

فقال ابن الزبير:نعم فافعل.فأقبل العباس بن سهل إلى المختار و سأله عن أحواله و أحوال بني عمه بالطائف،ثم قال:يا أبا إسحاق ليس مثلك من يغيب عما اجتمع عليه أهل الشرف و بيوتات العرب!

فقال المختار:و ما ذلك؟

فقال العباس:إنه لم يبق حي من أحياء العرب إلا و قد جاء عميدهم و بايع هذا الرجل عبد اللّه بن الزبير،فعجبا لك و لرأيك ألا ما أتيته فأخذت بحظك من هذا الأمر!

فقال المختار:و اللّه يا أخا الأنصار!إني أتيته في العام الماضي و أشرت عليه بالرأي و دعوته إلى حظه فطوى أمره دوني،و رأيته مستغنيا عني فأحببت أيضا أن رآني عنه مستغنيا،فو اللّه إنه لأحوج إلي مني إليه.

فقال له العباس بن سهل:صدقت يا أبا إسحاق!قد كان ذلك،غير أنك كلمته و هو ظاهر في المسجد و هذا كلام لا يجب إلا و الستور دونك مسدولة و الأبواب دونك مغلقة،و لكن إلقه الليلة و أنا معك حتى تسمع كلامه و يسمع كلامك!

فقال المختار:إني فاعل ذلك إن شاء اللّه إذا صلينا العشاء الآخرة.

قال:فنهض الأنصاري من عنده إلى عبد اللّه بن الزبير فخبّره بما كان منه.فلما كان الليل و صليا العشاء الآخرة أقبل المختار و معه العباس بن سهل الأنصاري

ص: 15

حتى صار إلى ابن الزبير،قال:فمديده إلى المختار فصافحه و رحب به ثم سأله عن أقربائه و أهله بالطائف،فتحدثا ساعة،ثم أقبل عليه ابن الزبير و قال:إنك كلمتني بهذا الكلام و الناس حضور و الحيطان لها آذان و ليس من أحد إلا و له عدو و صديق، و هذا وقت خلوة فهات الآن ما عندك!

فقال المختار:إنه لا خير في الإكثار عن المنطق،و لا حظ في التقصير عن الحاجة،و أنت اليوم رجل قومك و قد جئتك أبايعك على أنه لا تقضي الأمور دوني و على أن أكون أول من تأذن له و آخر من يخرج عنك،فإذا أظهرك اللّه على يزيد بن معاوية فاستخلفني على أجلّ أعمالك (1)فأنتفع و أرد على أهل بيتي شيئا.

فقال له ابن الزبير:أنا أبايعك على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال المختار:لا و اللّه لا أبايعك إلا على هذه الخصال!

قال:فسكت ابن الزبير.

فقال له العباس:إشتر منه دينه حتى ترى من رأيك!

قال ابن الزبير:أبا إسحاق!فإني أبايعك على ما ذكرت،قال:ثم بسط يده فبايعه المختار و أتى إلى منزله.

قال:فجعل الناس يبايعون عبد اللّه بن الزبير،حتى بايعه خلق كثير من أهل الحجاز و غيرهم من أهل الأمصار،و يزيد بن معاوية لا يعلم بشيء من ذلك.حتى إذا علم ابن الزبير أنه قد قوي ظهره بهؤلاء الخلق قد بايعوه أظهر عيب يزيد سرا و جهرا و جعل يلعنه و يقول فيه و في بني أمية كل ما قدر عليه من الكلام القبيح،ثم إنه كان يصعد المنبر فيقول:أيها الناس!إنكم قد علمتم ما سارت به فيكم بنو أمية من نبذ الكتاب و السنّة،و ما سار به معاوية بن أبي سفيان إنه تأمّر على هذه الأمة بغير رضى،و ادعى زياد بن أبيه ردا منه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّمك.

ص: 16


1- الطبري:و إذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك.

يقول:«الولد للفراش و للعاهر الحجر»،فادعى معاوية زيادا و زعم أنه أخوه،و قتل حجر بن عدي الكندي و من معه من المسلمين،ثم إنه أخذ البيعة لابنه يزيد في حياته،و نقض ما كان في عنقه من بيعة الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،ثم هذا يزيد بن معاوية قد علمتم ما فعل بالحسين و إخوته و أولاده و بني عمه،قتلهم كلهم و أسر من بقي منهم و حملهم إلى الشام على محامل ليس لهم وطأ و لا راعى فيهم حق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو مشغول بلعب الفهود و القرود،و شرب الخمر و المعاصي و الفجور،فاتقوا اللّه عباد اللّه!فقد علمتم أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه لما ولي أمر هذه الأمة صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم خطب و قال في خطبته:أيها الناس!أطيعوني ما أطعت اللّه،فإذا عصيت اللّه فلا طاعة لي عليكم.مع كلام كثير كان له و لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه،و لست أذكر أحدا من الخلفاء الراشدين إلا أخبر عن أني أنهاكم عن طاعة من عصى اللّه و تعدّى مرة.

قال:فكان الناس يجتمعون إليه و يقولون بقوله حتى فشا ذلك في الناس.

قال:و بلغ ذلك يزيد فلم تحمله الأرض غيظا (1).8.

ص: 17


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 148.

حبس المختار برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و علم المختار أن سليمان بن صرد قد مضى في أصحابه و حدثته نفسه أنه ليس يرجع منهم أحد،فجعل يبعث إلى الشيعة و يشاورهم في الخروج،قال:و بلغ ذلك عمر بن سعد بن أبي وقاص،فأقبل و معه نفر من أصحابه حتى دخل على عبد اللّه بن يزيد فقال:أيها الأمير!إن المختار بن أبي عبيد صاحب فتنة،و قد بلغني أن قوما من هؤلاء الترابية يختلفون إليه و لست آمنه،فابعث إليه الساعة فخذه و خلّده السجن،فإنك لا تقوى به.فأرسل عبد اللّه بن يزيد إلى إبراهيم ابن محمد بن طلحة فخبّره بذلك،فركب من ساعته في جماعة من خاصته و أعوانه حتى صار إلى دار المختار ثم قال:اهجموا عليه فأخرجوه.

فقال له إبراهيم بن محمد:يابن أبي عبيد:ما هذا الذي يبلغنا عنك؟

فقال المختار:كل ما بلغكم عني فإنه باطل و زور.

قال:و أقبل عمر بن سعد على فرس له حتى وقف على المختار و قد أخرج من منزله.

فقال لإبراهيم بن محمد بن طلحة:أيها الرجل!هذا رجل يريد أن يخرج عليكم في مصركم هذه فيفسد عليكم البلد،فأوثقوه بالحديد و خلّدوه السجن إلى أن يستقيم للناس الأمر.

قال:و إذا رسول الأمير عبد اللّه بن يزيد قد أقبل إلى إبراهيم فقال:يقول لك الأمير:

شد المختار كتافا و امض به إلى السجن حافيا!

قال:فقال إبراهيم بن طلحة للرسول:يا هذا!و لم هذا؟و اللّه ما هذا جزاؤه من أمير

ص: 18

المؤمنين عبد اللّه بن الزبير و قد أبلى بين يديه البلاء الحسن و قاتل القتال الشديد! فلما ذا يشده كتافا و يسوقه إلى السجن حافيا و لم ير منه بعد إلا حسنا،و إنما أخذناه على التهمة و الظن.

قال:ثم أمر به إبراهيم بن محمد السجن فحبس.و مشى قوم من وجوه أهل الكوفة إلى عبد اللّه بن يزيد فقالوا:أيها الأمير!إن المختار بن أبي عبيد رجل من شيعة آل محمد عليه السّلام و أنت عارف به قديما و حديثا،و إنما قدم علينا لأنه رأى أمن أمير المؤمنين حفوة فأحب أن يكون في ناحيتنا،و لم يظهر لنا و لا لك عداوة منه و لا حربا،فإن رأى الأمير أن يشفّعنا فيه!

قال:فأبى عبد اللّه بن يزيد ذلك.

قال:فانصرف القوم مغضبين.

قال:و بلغ المختار ذلك فجعل يقول و هو في السجن:أما!و رب البحار،و النخل و الأشجار،و الهامة و العقار،و الملائكة الأبرار،و المصطفين الأخيار!لأقتلن كل جبار بكل مهند خطار،حتى إذا أقمت عمود الدين،و رأيت شيعة المسلمين،و شفيت غليل الصادين،من أولاد القاسطين و بقية المارقين،و أدركت بثأر أولاد النبيين،لم يكثر علي زوال الدنيا و لم أحتفل بالموت إذا أتى،إذ كان المصير إلى دار الجزاء.

قال:ثم كتب المختار إلى عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما:أما بعد:

فإني حبست بالكوفة مظلوما و ظن بي الولاة ظنونا كاذبة،فاكتب إلى هذين الواليين الصالحين كتابا لطيفا،عسى اللّه أن يفرّج عني من أيديهما ببركتك-و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

قال:فكتب عبد اللّه بن عمر إلى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة:(أما بعد،فقد علمتما الذي بيني و بين المختار من الصهر و القرابة و الذي بيني و بينكما من المودة)-و السّلام عليكما و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:فلما ورد كتاب عبد اللّه بن عمر على عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن

ص: 19

طلحة فأرسلا إلى المختار فأخرجاه من السجن ثم قالا له:أعطنا كفيلا أن لا تحدث أمرا و الزم منزلك!

قال:فتقدم عشرة من وجوه الشيعة فضمنوه.

قال:ثم سكت المختار و لزم منزله.

ثم رجعنا إلى أخبار سليمان بن صرد و أصحابه قال:و سار سليمان بن صرد و أصحابه من القيارة حتى صاروا إلى هيت (1)،ثم رحل من هيت إلى عانات (2)و ما يليها،حتى صار إلى مدينة قرقيسيا (3)و بها يومئذ رجل من العرب يقال له زفر بن الحارث الكلابي من بني كلاب،فلما نظر إلى خيل المسلمين قد أقبلن من ناحية الكوفة كأنه اتقى من ناحيتهم فأمر بأبواب مدينتهم فغلقت.

قال:و نزل المسلمون حذاء مدينته على شاطئ الفرات،و دعا سلمان بن صرد بالمسيب بن نجبة الفزاري فقال له:صر إلى ابن عمك هذا فخبّره إنا لسنا إياه أردنا، و إنما نريد عبيد اللّه بن زياد و أصحابه-لعنهم اللّه-الذين قتلوا الحسين بن علي رضي اللّه عنهما،و قل له يخرج إلينا سوقا حتى نتسوق و ننظر ما يكون من خبر هؤلاء،ثم نرحل إليهم و لا قوة إلا باللّه و إن شاء اللّه.

قال:فأقبل المسيب بن نجبة حتى نزل في زورق،و عبر و صار إلى باب قرقيسيا و كلم الناس فقالوا له:من أنت؟

فقال:أنا رجل من أهل هذا العسكر و أنا ابن عم صاحب مدينتكم هذه،قال:

فانطلق القوم إلى الملك فخبّروه بذلك،فأذن له في الدخول،فدخل المسيب و صار إلى زفر فدخل و سلّم عليه فرد عليه السّلام و أدناه و أجلسه إلى جانبه،ثم سأله عنق.

ص: 20


1- هيت:بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار.
2- عانات بلد بين الرقة و هيت،و بالأصل:غانات.
3- قرقيسيا:بلد على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق.

حاله و أمره.

فقال له المسيب:إنا لسنا إياك أردنا و لا لك قصدنا،إنما نريد هذا الفاسق عبيد اللّه ابن زياد و أصحابه الذين قتلوا ابن بنت نبي رب العالمين،فإن رأيت أن تخرج لنا سوقا فإنا لا نقيم ههنا إلا يومين أو ثلاثة ثم نرحل عنك إن شاء اللّه.

قال:فقال له زفر بن الحارث:إنا لم نغلق باب مدينتنا هذه لأجل العسكر،و لكن السمع و الطاعة.

ثم دعا زفر بولد له يقال له هذيل و أمره أن يخرج لهم سوقا و زاد في إكرامهم،ثم أخرج إليهم الدقيق الكثير و الشعير و جميع ما يحتاجون إليه،فظل القوم يومهم ذلك و الثاني مخصبين لا يحتاجون إلى شيء من ذلك السوق الذي خرج إليهم.فلما كان اليوم الثالث نادى فيهم سليمان بن صرد بالرحيل،فرحل الناس و خرج إليهم صاحب قرقيسيا زفر بن الحارث،فجعل يسايرهم ساعة ثم أقبل على سليمان بن صرد و من معه من الرؤساء فقال:إني لأرى لكم خيلا عتاقا و رجالا هينة حسنة قلّ ما رأيت مثلها غير أني أخبركم أن هذا اللعين عبيد اللّه بن زياد قد ترك الرقة لمّا بلغه من مسيركم إلى ما قبله،و قد وجّه نحوكم بخمسة من قواده،منهم:الحصين بن نمير السكوني و شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري و أدهم بن محرز الباهلي و ربيعة بن المخارق الغنوي و حملة بن عبد اللّه الخثعمي،و قد أتوكم بالشوك و الشجر و في عدة لا طاقة لكم بها.

قال:فقال سليمان:على اللّه توكلنا و على اللّه فليتوكل المتوكلون.

فقال زفر بن الحارث:نعم ما قلت!و لكن هل أدلكم على أمر أعرضه عليكم لعل اللّه تبارك و تعالى يجعل لنا و لكم فيه فرجا؟

فقال سليمان:و ما ذلك؟

فقال:إن شئتم فتحنا لكم باب مدينتنا فتدخلونها فيكون أمرنا و أمركم واحدا و أيدينا و أيديكم على القوم واحدة،و إن شئتم نزلتم على باب مدينتنا و نعسكر نحن

ص: 21

إلى جانبكم،فإذا جاء هذا العدو قاتلناه جميعا،فعسى اللّه تبارك و تعالى أن يظفركم.

قال:فقال سليمان:إنه قد عرض علينا هذا أهل مصرنا بالكوفة فلم نفعل و كتب بذلك إلينا فأبينا.

فقال زفر:أما إذا أبيتم ذلك فافهموا عني ما أقول لكم فإني عدو للقوم لخصال شتى،و أنا أحب أن يجعل اللّه الدائرة عليهم و أنا لكم محب،و أحب أن يحفظكم اللّه بالعافية،فاسمعوا مشورتي عليكم و اقبلوها مني فإنها مشورة ناصح ودود، و اعلموا أن القوم قد فصلوا من الرقة إلى ما قبلكم أربعمائة فارس من أشد فرسان عسكره،و قال له:حسر حتى تلقى أول عسكره،فإذا عاينتهم فاحمل عليهم بمن معك من أصحاب هؤلاء حملة ترعب بها قلوبهم.

قال:فسار المسيب في أصحابه الذين معه حتى إذا أصبح الصباح و أشرف على عسكر شرحبيل بن ذي الكلاع و نظر إليه صاح بأصحابه أن كبّروا عليهم:يا سباع العراق!

قال:فحمل أهل العراق على أهل الشام فانهزموا و قد ألقى اللّه الرعب في قلوبهم.

قال:و سارت أهل الشام حتى وافوا أهل العراق بعين الوردة يزيدون على عشرين ألفا،و أهل العراق يومئذ في ثلاثة آلاف و ثلاثمائة رجل.

قال:ثم تعبّأ أهل الشام و كان على ميمنتهم جبلة بن عبد اللّه،و على ميسرتهم ربيعة بن المخارق الغنوي،و على جناحهم شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري،و في القلب الحصين.

قال:و زحف القوم بعضهم على بعض.

قال:و صاح أهل الشام:يا أهل العراق!هلموا إلى طاعة أمير المؤمنين عبد الملك ابن مروان،فناداهم أهل العراق:يا أهل الشام!هلموا إلى طاعة أهل بيت النبوة، فإنهم أحق بهذا الأمر من بني مروان،أو ادفعوا إلينا ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد.

قال:و جعل سليمان بن صرد ينادي بأعلى صوته:يا شيعة آل محمد!يا من

ص: 22

يطلب بدم الشهيد ابن فاطمة!أبشروا بكرامة اللّه عز و جل،فو اللّه ما بينكم و بين الشهادة و دخول الجنة و الراحة من هذه الدنيا إلا فراق الأنفس و التوبة و الوفاء بالعهد!ثم كسر سليمان بن صرد جفن سيفه و تقدّم نحو أهل الشام و هو يرتجز و يقول:

إليك ربي تبت من ذنوبي و قد علاني في الورى مشيبي

فارحم عبيدا غير ما تكذيبي و اغفر ذنوبي سيدي و حوبي

ثم حمل و لم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة و قتل-رحمه اللّه-.

قال:و تقدّم المسيب بن نجبة الفزاري فجعل يطعن في أهل الشام و هو يقول:

لقد منيتم يا أخي جلادي بيت المقام مقفص الأعادي

ليس بفرار و لا حياد أشجع من ليث عرين عادي

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل-رحمه اللّه-.

قال:و تقدّم عبد اللّه بن سعد بن نفيل الأزدي فأخذ الراية فرفعها لأهل الكوفة و جعل يقول:رحمكم اللّه!إخوتي! فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1)قال:و تقدم بالراية فجعل يطعن بها في أعراض أهل الشام و هو يقول:

إرحم الهي عبدك التوابا و لا تؤاخذه فقد أنابا

لا كوفة يبقى و لا عراقا لا بل يريد الموت و العتاقا

قال:ثم حمل و لم يزل يقاتل حتى قتل-رحمه اللّه-.

قال:و تقدّم رفاعة بن شداد البجلي نحو صفوف أهل الشام و هو يرتجز و يقول:

يا رب إني تائب إليكا قد اتكلت شدتي عليكا قدما

أزجى الخير من يديكا فاجعل ثوابي علي لديكا

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى جرح،فرجع إلى أصحابه مجروحا،ثم التفت رجل3.

ص: 23


1- سورة الأحزاب الآية 23.

من أهل المدائن فقال:و يحكم يا أهل العراق!ما لكم بهؤلاء طاقة،و ذلك أنا إذا قتلناهم لم يتبين ذلك عليهم لكثرتهم،و إذا قتلوا منا بان لهم ذلك لقلّتنا،فارجعوا بنا رحمكم اللّه إلى بلدنا لعل اللّه أن يكفينا أمرهم.

قال:فقال له عبد اللّه بن عوف بن الأحمر الأزدي:يا هذا الرجل!بئس و اللّه ما قلت! لقد أشرت علينا بمشورة ما أردت بها إلا هلاكنا،و اللّه لئن وليناهم الأدبار ليركبن أكتافنا فلا نبلغ إلا فرسخا واحدا حتى نقتل عن آخرنا.

قال:و تقدم صخر بن حذيفة و كان مزنيا من خيار أهل الكوفة و زهادهم حتى وقف بين الجمعين و معه يومئذ نيف عن ثلاثين رجلا من بني عمه،فأقبل عليهم فقال:يا بني عمي!إن هؤلاء الذين تقاتلونهم هم الذين قتلوا ابن بنت رسول اللّه الحسين بن علي رضي اللّه عنهما و ساروا برأسه إلى يزيد بن معاوية منكوب الدماغ،يريدون بذلك الزلفى و المرتبة و الجائزة،فانظروا و لا تهابوا الموت فإنه لاقيكم و لا ترجعوا إلى الدنيا التي خرجتم منها فإنها لن تبقى لكم دارا.

قال:ثم تقدّم صخر بن حذيفة هذا و هو يرتجز و يقول:

بؤسا لقوم قتلوا حسينا بؤسا و تعسا لهم و حينا

أرضوا يزيد ثم لاقوا شينا و لم يخافوا بغيهم علينا

ثم حمل و حمل معه قومه و عشيرته،فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل منهم جماعة.

قال:فناداه قوم من أهل الشام:من أنت ويلك خبّرنا باسمك و نسبك؟

فقال:يا بقية القاسطين!أنا من بني آدم،فقالوا:كلنا من بني آدم،فمن أنت منهم؟

فقال:لا أحب أن أعرّفكم نفسي يا محرقي البيت الحرام!

قال:ثم جعل يرتجز و يقول:

إني إلى اللّه من الذنب أفر أنوي ثواب اللّه فيمن قد أسر

و أضرب القرن بمصقول بتر و لا أبالي كلما كان قدر

ص: 24

قال:ثم حمل عليهم،فأحدقوا به فقتلوه،ثم عرف بعد ذلك فقال رجل من أهل الشام:هذا عبيد اللّه بن عبيد الرافعي،هذا فارس مزينة قاطبة.

قال:فعندها عزم أهل العراق على التنحي من أيدي أهل الشام،ثم إنهم دفنوا قتلاهم في جوف الليل و سووا عليهم الأرض لكي لا يعرفوا،و خرج القوم ليلا يريدون العراق،فكانوا لا يمرون بجسر إلا جازوا عليه و قطعوه،و لا يجوزون على قنطرة إلا كسروها و غوروها (1).

قال:فأصبح أهل الشام فلم يروا منهم أحدا فخبّروا بذلك أميرهم الحصين بن نمير السكوني فلم يبعث في طلبهم حتى و صلوا إلى قرقيسيا،فأقاموا بها أياما و استراحوا،ثم ساروا منها إلى هيت،و قد مات منهم في الطريق جماعة.

قال:فخرج إليهم عبد اللّه بن يزيد الأنصاري أمير الكوفة فاستقبلهم و عزّاهم.

قال:و خرج إليهم أيضا المختار بن أبي عبيد فعزّاهم (2)و قال:أبشروا فقد قضيتم ما عليكم و بقي ما علينا،و لن يفوتنا منهم من بقي إن شاء اللّه تعالى.انقضاء حديث عين الوردة و ما كان بها-من الحروب.ابتداء خروج المختار بن أبي عبيد و ما كانم.

ص: 25


1- في الطبري 604/5 نظر رفاعة بن شداد إلى كل رجل قد عقر به و إلى كل جريح لا يعين على نفسه فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته كلها حتى أصبح بالتنينير فعبر الخابور و قطع المعابر ثم مضى لا يمر بمعبر إلا قطعة.
2- في الطبري 605/5 و أقبل أهل الكوفة إلى الكوفة،فإذا المختار محبوس.و في موضع آخر ص 606 أن المختار كتب إلى رفاعة بن شداد حين قدم من عين الوردة:أما بعد،فمرحبا بالعصب الذين أعظم اللّه لهم الأجر حين انصرفوا،و رضي انصرافهم حين قفلوا.أما و رب البنية التي بنى ما خطا خاط منكم خطوة و لا رتا رتوة إلا كان ثواب اللّه له أعظم من ملك الدنيا.إن سليمان قد قضى ما عليه و توفاه اللّه فجعل روحه مع أرواح الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين،و لم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون،إني أنا الأمير المأمور و الأمين المأمون و أمير الجيش و قاتل الجبارين و المنتقم من أعداء الدين و المقيد من الأوتار،فأعدوا و استعدوا و أبشروا و استبشروا أدعوكم إلى كتاب اللّه و ستة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و إلى الطلب بدماء أهل البيت:و الدفع عن الضعفاء و جهاد المحلين و السّلام.

منه قال:و أرسل عبد اللّه بن الزبير إلى عبد اللّه بن يزيد الأنصاري فعزله عن الكوفة و ولّى مكانه عبد اللّه بن مطيع العدوي.

قال:فقدم عبد اللّه بن مطيع أميرا على الكوفة و ذلك في رمضان من سنة خمس و ستين ليلة الخميس لثلاث بقين من الشهر،فدخل إلى قصر الإمارة،فلما كان من الغد نادى في الناس أن يحضروا المسجد الأعظم،فحضروا و فيهم يومئذ المختار ابن أبي عبيد و جماعة من أصحابه الذي كانوا بايعوه،و جاء عبد اللّه بن مطيع فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:أما بعد يا أهل الكوفة!فإن أمير المؤمنين بعثني أميرا عليكم و أمرني بحياطة مصركم،فاتقوا اللّه عباد اللّه و لا تختلفوا،و إن لم تفعلوا فلا تلوموني و لوموا أنفسكم و السّلام،فو اللّه لأوقعن بالسقيم العاصي، و لأقيمن أود المرتاب.

قال:فالتفت المختار إلى من كان حوله من الشيعة فقال:إنه قد تكلم بما قد سمعتم،فقوموا فردوا عليه و لا تمهلوه!

قال:فوثب إليه السائب بن مالك الأشعري فقال:أيها الأمير!إنا قد سمعنا كلامك، إن أمير المؤمنين أمرك أن لا تحمل عنا و نحن نشهدك أن لا نرضى أن تحمل علينا فيئنا و لكن يكون ذلك في فقرائنا،و أما ما ذكرت من سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و سيرة عثمان بن عفان فلسنا نقول في القوم إلا خيرا غير أنا نحب أن تسير فينا سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه،فليس علي عندنا بدون عمر و لا عثمان،و إن فعلت ذلك و إلا فلست لنا بأمير و لا نحن لك برعية، و السّلام..

قال:و تكلم عامة الناس بما تكلم به السائب بن مالك الأشعري و قالوا:أحسنت يا سائب!فلا يعدمك المسلمون!

قال:فقال عبد اللّه بن مطيع:يا هؤلاء!اسكتوا،فو اللّه ما نسير فيكم إلا بما تحبون.

قال:ثم نزل عن المنبر و دخل إلى منزله و أقبل إليه إياس بن مضارب العجلي

ص: 26

و هو صاحب شرطته،فقال:أصلح اللّه الأمير!إن الذي اعترض عليك في المسجد و قال:ما قال:هو رجل من الأشعريين من رؤساء أصحاب المختار،و لست آمن المختار أن يخرج عليك في عملك هذا،و لكن ابعث إليه الساعة فادعه إليك،فإذا جاءك فاحبسه إلى أن يستقيم أمر الناس،و معه قوم من أهل مصرك هذا قد بايعوه سرا، و كأنك به و قد خرج عليك ليلا و نهارا.

قال:فدعا عبد اللّه بن مطيع برجلين من أصحابه:أحدهما زائدة بن قدامة،و الآخر الحسين بن عبد اللّه الهمداني،و قال لهما:انطلقا إلى المختار فادعواه إلي!

قال:فأقبلا حتى دخلا على المختار،فسلّما عليه ثم قالا:يا أبا إسحاق!أجب الأمير،فإنه يدعوك لأمر أحب فيه مشورتك.

قال:فغمزه زائدة بن قدامة و فهمها المختار فقال:يا غلام!ألق علي ثقيلا،فإني أجد في نفسي.

قال:ثم رمى نفسه و تمثل بهذا البيت:

إذا ما معشر كرهوا أمورا و لم يأتوا الكريهة لم يهابوا

ثم قال:ارجعا إلى الأمير فأعلماه حالي و ما أجد في بدني.

فقال له زائدة بن قدامة:إني فاعل ذلك يا أبا إسحاق!

قال المختار:و أنت يا أخا همدان فأعذرني عنده،فإنه خير لك عندي!

فقال الهمداني:أفعل ذلك و لا أخبر الأمير عنك إلا ما تحب.

ثم أقبلا حتى دخلا على عبد اللّه بن مطيع فخبّراه بعلة المختار،فصدّقهما و لها عن ذكر المختار.

قال:و جعل المختار يجمع أصحابه و يقول:تهيأوا و كونوا على أهبة الخروج و الطلب بدماء أهل بيت نبيكم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).7.

ص: 27


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 225-227.

ابتداء حرب واقم

ابتداء حرب واقم (1)

قال ابن الأعثم:لما بلغ يزيد بن معاوية ما فيه عبد اللّه بن الزبير من بيعة الناس له و اجتماعهم إليه،دعا بعشرة نفر من وجوه أصحابه (2)،منهم النعمان بن بشير الأنصاري،و شريك بن عبد اللّه الكناني،و زمل بن عمرو العذري،و مالك بن هبيرة السكوني،و عبد اللّه بن عضأة الأشعري،و روح بن زنباع الجذامي،و أبو كبشة السكسكي،و سعيد بن عمرو الهمداني،و عبد اللّه بن مسعدة الفزاري،و عبد الرحمن ابن مسعود الفزاري،فدعا بهؤلاء العشرة ثم قال لهم:إن عبد اللّه بن الزبير قد تحرك بالحجاز و أخرج يده من طاعتي و دعا الناس إلى سبّي و سبّ أبي،و قد اجتمع إليه قوم يعينونه على ذلك،و يزينون له أمره.و أنا أكره البغي عليه قبل الإعذار إليه، و لكن صيروا إليه!فإذا دخلتم عليه فعظّموا حقه و حق أبيه الزبير،و خبّروه بالذي بلغني عنه و سلوه بعد ذلك أن يلزم الطاعة و لا يفارق الجماعة و أن يرجع إلى الأمر

ص: 28


1- واقم:أطم من أطام المدينة،و حرة و أقم إلى جانبه.و في هذه الحرة كانت وقعة الحرة المشهورة سنة 63.
2- في الأخبار الطوال ص 263:من أشراف أهل الشام.و فيه ص 262 أن يزيد كان قدم إلى ابن الزبير رجلا من عشرة نفر من حرسه و قال له:انطلق فانظر ما عنده،فإن في الطاعة فخذه بالبيعة،و إن أبى فضع في عنقه جامعة و ائتني به.و أتاه الحرسي. فقال له ابن الزبير:انصرف إلى صاحبك فأعلمه أني لا أجيبه إلى شيء مما يسألني. قال الحرسي:أ لست في الطاعة. قال:بلى غير أني لا أمكنك من نفسي.فانصرف الحرسي إلى يزيد و أخبره بذلك.

الذي خرج منه،و عليكم بالرفق و التأني (1)،فإن أجاب إلى ذلك فخذوا بيعته و انصرفوا عنه،و إن أبى إلا العداوة و شق العصا فخوّفوه و حذّروه ما نزل بالحسين بن علي.و ليس الزبير عندي بأفضل من علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، و لا ابنه عبد اللّه بأفضل من الحسين بن علي عليه السّلام،و انظروا أن لا تلبثوا عنده فإني متعلق القلب بورود خبركم علي و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فخرج القوم من الشام و ساروا إلى مكة و دخلوا على عبد اللّه بن الزبير، و عنده يومئذ المختار بن أبي عبيد و عبد اللّه بن مطيع العدوي و العباس بن سهل الأنصاري و وجوه أولاد المهاجرين و الأنصار،قال:فسلّموا عليه،فرد عليهم السّلام و رحب بهم و قرّبهم و أدناهم ثم سألهم عن حالهم و أمرهم،فأدوا إليه رسالة يزيد.

فقال عبد اللّه بن الزبير:و ما الذي يريد مني يزيد بن معاوية؟إنما أنا رجل مجاور لهذا البيت عائذ به من شر يزيد بن معاوية و غير يزيد،فإن تركني فيه و إلا انتقلت عنه إلى بلد غيره،و كنت فيه إلى أن يأتيني الموت.

قال:ثم أمر لهم بمنزل،فصاروا إليه يومهم ذلك و أمر لهم بما يصلحهم.فلما كان من الغد خرج فصلّى بأصحابه الفجر،ثم أقبل فجلس في الحجر،و اجتمع إليه أصحابه،و أقبل إليه هؤلاء الوفد الذين قدموا عليه من عند يزيد و تكلموا كلاما يرجون به اتباعه ليزيد و طاعته له.

قال:فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال:بلغ يزيد عنك أنك تصعد المنبر فتذكره و تذكر أباه معاوية بكل قبيح،و أنت تعلم أنه إمام و قد بايعه الناس،و لا نحب لك أن تخرج يدك من الطاعة و تفارق الجماعة،و بعد فإن الغيبة لا خير فيها.ة.

ص: 29


1- في الأخبار الطوال:فقال لهم(يعني يزيد):انطلقوا فأعيدوه إلى الطاعة و الجماعة و أعلموه أن أحب الأمور إلي ما فيه السلامة.

قال:فقطع عليه الكلام عبد اللّه بن الزبير،ثم قال:يابن بشير!إن الفاسق لا غيبة له،و ما قلت فيه إلا ما قد علمه الناس منه،و لو كان على ما كان عليه الأئمة الأخيار سمعنا و أطعنا و لذكرناه بكل جميل،و بعد فإني أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة من حمام مكة،أفتحل لكم أن تؤذوا حمام مكة؟

قال:فغضب عبد اللّه بن عضأة الأشعري فقال:نعم و اللّه يابن الزبير (1)!نؤذي حمام مكة و نقتل حمام مكة،و ما حرمة حمام مكة يابن الزبير!أ تصعد المنبر و تتكلم في أمير المؤمنين بكل قبيح ثم تشبّه نفسك بحمام مكة؟ثم قال:يا غلام! ائتني بقوسي و سهم!

قال:فأتي بقوسه و سهامه.فأخذ سهما فوضعه في كبد قوس ثم سدده نحو حمام مكة و قال:يا حمامة!أ يشرب أمير المؤمنين و يفجر؟

قولي:نعم!أما و اللّه لو قلت:نعم،لما أخطأك سهمي هذا،يا حمامة!أ يلعب أمير المؤمنين بالقرود و الفهود و يفسق في الدين؟

قولي:نعم!أما و اللّه لئن قلت:نعم،لا أخطأك سهمي هذا،يا حمامة!فتقتلين أم تخلعين الطاعة و تفارقين الجماعة و تقيمين في الحرام عاصية؟

قولي نعم (2)!

قال:ثم أقبل عبد اللّه بن عضأة على ابن الزبير فقال له:ما لي لا أرى الحمامة تنطق بشىء و أنت الناطق بجميع ما كلّمتها فيه على المنبر،أما و اللّه يابن الزبير!إني خائف عليك و أقسم باللّه قسما صادقا لتبايعن يزيد طائعا أو كارها أو لتعرفني في هذه البطحاء و في يدي راية الأشعريين.ا.

ص: 30


1- في الأخبار الطوال ص 263 و كان ابن الزبير قال لابن عضأة:أ تستحل قتالي في هذا الحرم؟ قال:نعم إن أنت لم تجب إلى طاعة أمير المؤمنين.
2- في الأخبار الطوال:ثم قال:يا حمامة،أ تعصين أمير المؤمنين؟و التفت إلى ابن الزبير،و قال:أما أنها لو قالت نعم،لقتلتها.

قال:فقال له المختار بن أبي عبيد:أما و اللّه يابن عضأة!لئن أنت رمت ذلك و أردت بصاحب هذا البيت سوءا ليدمرن اللّه عليك و على صاحبك يزيد كما دمر على أصحاب الفيل إذ راموه فجعل كيدهم في تضليل،فإن شئت فرم ذلك!

فقال له عبد اللّه بن عضأة:يابن أبي عبيد!أما إن عبيد اللّه بن زياد قد كان حازم الرأي في حبسك بالكوفة،و لو ضرب عنقك لأصاب الرأي،و لكن لا جزى اللّه صهرك عبد اللّه بن عمر خيرا.

قال ابن أبي عبيد:و اللّه ما كان أبوه أمير المؤمنين،و قد قتل و سفك دماء المؤمنين،و قد قتل ابن بنت نبي رب العالمين.

قال:و ارتفعت الأصوات بين عبد اللّه بن عضأة و بين المختار،فأقسم عبد اللّه بن الزبير على المختار أن يسكت،فسكت،ثم أقبل على عبد اللّه بن عضأة فقال:يا هذا! أ تستحل دمي في البيت الحرام و قد أخبر اللّه تعالى في كتابه وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (1)؟

فقال ابن العضأة:إنما يستحل الحرام من حلّ فيه و خلع الطاعة و فارق الجماعة.

قال:و كثر الكلام بين القوم (2)و لم يجبهم ابن الزبير إلى ما يريدون،فانصرفوا

ص: 31


1- سورة آل عمران 97.
2- زيد في الأخبار الطوال ص 263-264 أن ابن الزبير خلا بنعمان بن بشير فقال:أنشدك اللّه،أنا أفضل عندك أم يزيد؟ فقال:بل أنت. فقال:فوالدي خير أم والده؟ قال:بل والدك. قال:فأمي خير أم أمه؟ قال:بل أمك. قال:فخالتي خير أم خالته؟ قال:بل خالتك. قال:فعمتي خير أم عمته؟ قال:بل عمتك،أبوك الزبير و أمك أسماء بنت أبي بكر و خالتك عائشة و خالتك خديجة بنت خويلد. قال:أ فتشير علي بمبايعة يزيد. قال النعمان:أما إذا إستشرتني فلا أرى لك ذلك..

عنه،حتى إذا صاروا إلى يزيد فخبّروه بذلك،فأمهله يزيد و جعل يتأنى في أمره و يقول لأصحابه:و يحكم!إني قتلت بالأمس الحسين بن علي عليه السّلام و أقتل اليوم عبد اللّه ابن الزبير!أخاف أن تشعث علي العامة و لا يحتمل ذلك لي و يتنغص علي أمري.

قال:و جعل عبد اللّه بن الزبير يجمع الجموع و جعل يقوّي أمره يوما بعد يوم، و محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه معتزل عنه في منزله و لا يدخل في طاعته (1).3.

ص: 32


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 153.

ذكر ما قتل فيها من المسلمين

قال ابن الأعثم:و خرج أهل المدينة مع أميرهم عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر إلى حرب أهل الشام،فعبّأ عبد اللّه بن حنظلة أصحابه و جعل على ميمنته يعقوب بن طلحة بن عبيد اللّه،و على ميسرته أبو جهم بن حذيفة العدوي،و على الجناح عبد اللّه بن خزيمة بن أبي ثابت الأنصاري،و عبّأ مسلم بن عقبة أصحابه عن المدينة.

قال:فاختلطوا و اقتتلوا.فوقعت الهزيمة على أهل المدينة،فقتل منهم مقتلة عظيمة،فأما المقتل فقيل إنهم لما انهزموا أخذهم السيف فقتل من أولاد المهاجرين ألف و ثلاثمائة و قتل من أبناء الأنصار ألف و سبعمائة،و من العبيد و الموالي و سائر الناس ثلاثة آلاف و خمسمائة:فتلك ستة آلاف و خمسمائة رجل (1)و دخل أهل الشام إلى المدينة بالسيف فجعلوا يقتلون كل من يقدرون عليه من صغير أو كبير، ثم وضعوا الغارة على أهل المدينة فأغاروا عليها ثلاثة أيام و لياليها و فجروا بالنساء.

قال أبو سعيد الخدري:فو اللّه ما سمعنا الأذان بالمدينة منذ ثلاثة أيام إلا من قبر

ص: 33


1- في عدد من قتل من أهل المدينة أقوال. قال خليفة بن خياط في تاريخه ص 250:فجميع من أصيب من الأنصار مئة رجل و ثلاثة و سبعون رجلا،و جميع من أصيب من قريش و الأنصار ثلاثمئة رجل و ستة رجال.و قد ذكر خليفة ص 240 و ما بعدها أسماء من قتل يوم الحرة.و انظر في عدد من قتل ابن الأثير 600/2 سير أعلام النبلاء /3 220 العقد الفريد 390/4 مروج الذهب 85/3 النجوم الزاهرة 161/1 الإمامة و السياسة 237/1 البداية و النهاية 220/8 و المعرفة و التاريخ 325/3.

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال:و مسلم بن عقبة المري قد وضع له سرير على باب المسجد و كل من أتي به ضرب عنقه.

قال:فبينما هو كذلك إذ أتي بأبي جهم بن حذيفة العدوي و هو ابن عم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.

فقال له مسلم بن عقبة:من أنت؟

فقال:أنا أبو جهم بن حذيفة العدوي!

قال:و تتكنى علي و تقول أنا أبو جهم بن حذيفة،بايع الآن يزيد بن معاوية على أنك عبد من عبيده!

فقال أبو جهم:يا سبحان اللّه كيف أكون عبدا ليزيد و أنا رجل من قريش معروف الحسب و النسب!

فقال مسلم بن عقبة:اضربوا عنقه!

فقال:إني أبايع على ما تأمرني به،فقال:لا و اللّه لا سمرة بن جندب.

فقال له مسلم:من الرجل؟

قال:رجل من بني أمية،فقال:بايع يزيد على أنك عبده!

فقال:ما كنت قط إلا حرا فكيف أكون عبدا ليزيد و أنا معه في عبد شمس،فقال:

اضربوا عنقه!فجردوه بين يديه فضربوا عنقه.

ثم قال:اطلبوا لي معقل بن سنان!فإنه ابن عمي فلعله قد خاف مني،فطلبوه فأصابوه و قد خرج من المدينة يريد مكة،فأخذوه فقالوا:إن ابن عمك قد أمرنا أن نأتي بك إليه فقال و يحكم!اتقوا اللّه فإني عارف به و إن كان ابن عمي،فقالوا:و اللّه لا نفارقك أو نأتي بك إليه قال:ثم أتوا به و قد أجهده العطش،و كان شيخا قد أسن،فلما نظر إليه ابن عقبة قال:يا غلام!علي بقدح من سويق الكوز الذي زوّدناه أمير المؤمنين!

ص: 34

قال:فأتي بقدح فيه سويق الكوز مكتوف بالقند،فجرّعوه بالماء ثم ناولوه إياه.

فقال له مسلم بن عقبة:إشرب أبا محمد!فعزيز علي ما نالك من العطش.فلما شرب قال له مسلم بن عقبة:أ تذكر إذ أنا و أنت بالطبرية و أمير المؤمنين يزيد إذ ذاك في دعوة فلان ابن فلان،فالتفت إلي و قلت:إلى كم هذا الذل و الهوان الذي نحن فيه من اللّه!لئن أخّر اللّه لي في الأجل لأبايعن رجلا من أبناء المهاجرين!أما إنك وفيت بما قلت فبايعت لعبد اللّه بن الزبير،و هو لعمري رجل من أبناء المهاجرين الأولين، أ تعرف هذا الحديث؟

فقال:نعم،أعرفه،فقال:إذ عرفته فاضرب يا غلام عنقه!

فقال:أنا ابن عمك،أنا رجل من أشجع و أنت من بني مرة و يجمعني و إياك قيس غيلان.

فقال مسلم بن عقبة:و لذلك أقتلك لأنك ابن عمي،ثم قدّمه فضرب عنقه.

فقال في ذلك بعض أهل مكة:

رمانا يزيد بابن عقبة مسلم فلا سلمت حدثا من الحدثان

يقود إلى أهل المدينة جحفلا له لجب كالبحر في الجريان

يقتل سكان المدينة عنوة و قد أصبحوا صرعى بكل مكان

و أصبحت الأنصار تبكي سراتها و أشجع تبكي معقل بن سنان

قال ثم قدم إليه عمرو بن أسد بن خزيمة بن أسد،فلما وقف بين يديه.

قال ابن عقبة:ما أكثر قبائل قريش!من أنت من قريش؟

قال:أنا رجل من بني أسد بن عبد العزى بن قصي،ولي حرمة بأمير المؤمنين يزيد،قال:و من أجل ذلك خرجت عليه و بايعت عبد اللّه بن الزبير؟

فقال مروان بن الحكم:هذا نديم أمير المؤمنين و جليسه.

فقال ابن عقبة:من ههنا جاء في عنقه!فلم يزل القوم يحاورون في عنق مروان حتى سقط.

ص: 35

فقال عبد الملك بن مروان:أيها الأمير!حسبك فقد أبلغت من الشيخ!

فقال مسلم بن عقبة:يا عبد الملك!أنت عندي أرجى من مروان و أبعد منه همة، يراني و قد قتلت ابن عمي معقل بن سنان فيقول:هذا نديم أمير المؤمنين و جليسه!

قال:ثم أتي بعلي بن عبد اللّه بن عباس،فلما قدم إليه قامت قبائل كندة من كل ناحية فقالوا:أيها الأمير!إن هذا الذي قدم عليك منا و إلينا،و ذلك أن عبد اللّه بن العباس خطب إلينا فزوجناه بنت عم لنا يقال لها زرعة بنت مشرح فأولدها،هذا الفتى ابن أختنا فخل سبيله!

فقال:يا معشر كندة!خلعتم أيديكم من الطاعة!فقالوا:ما خلعنا أيدينا من الطاعة،و لكنا لا نمكنك من ابن أختنا تقتله!

فقال لهم:إذا فيبايع أمير المؤمنين يزيد!فقالوا (1):أما البيعة فإنه يبايع على أنه و اللّه أشرف من يزيد و أكرم منه أبا و أما.

قال:فبايع علي بن عبد اللّه بن عباس يزيد بن معاوية و تنحّى ناحية من بين يدي مسلم بن عقبة.

قال:و سمع مسلم بن عقبة صياحا و صراخا فقال:ما هذا؟

فقيل:إنه قد أتي بعلي بن الحسين عليه السّلام بين يديه و هؤلاء أقاربه يصيحون،فقال:

أعلموه أنه لا بأس عليه!

قال:فلما أتي بعلي بن الحسين عليه السّلام وثب مسلم بن عقبة فصافحه و قبّل بين3.

ص: 36


1- في ابن الأثير 599/2 فقال الحصين بن نمير السكوني:لا يبايع ابن أختنا إلا كبيعة علي بن الحسين،فقامت كندة مع الحصين فتركه مسلم.ذكر ابن الأثير:فقال علي: أبي العباس قرم بني قصي و أخوالي الملوك بني وليعة هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف و بنو اللكيعة أرادوني التي لا عز فيها فحالت دونه أيد سريعة و الأبيات في مروج الذهب 86/3.

عينيه و أقعده معه على سريره،ثم قال له:لا بأس عليك و أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يقرأ عليك السّلام و يقول لك:لا تلمني على حبس عطائي لك،إنما شغلني عنك عبد اللّه بن الزبير و أنا موجه إليك بعطائك موفرا.

قال:ثم أمر له مسلم بن عقبة بألف درهم،و قال:احملوه إلى منزله.و لم يزل مسلم بن عقبة يفعل بأهل المدينة ما فعل ثلاثة أيام و لياليهن،ثم خرج يوم الرابع منها و قد انتهب و أغار و قتل من قتل و فعل ما فعل،و خرج يريد مكة إلى عبد اللّه بن الزبير حتى إذا صار إلى بعض الطريق أدركته الوفاة،فدعا بالجند و المقاتلة الذين كانوا معه.

ثم دعا الحصين بن نمير السكوني فأقعده بين يديه ثم أقبل إليه فقال:إسمع مني ما أقول لك يابن برذعة الحمار!إني قد وليتك هذا الجيش،و لو كان الأمر إلي ما فعلت،غير أن أمير المؤمنين أمرني بذلك و أنا ميت لا محالة (1)،فانظر أن تفعل في أهل مكة و في عبد اللّه بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة.

ثم جعل يقول:اللهم!إنك تعلم أني لم أعص خليفة قط،اللهم!إني لا أعلم (2)عملا أرجو به النجاة إلا ما فعلت بأهل المدينة.

ثم اشتد به الأمر فمات،فغسلوه و كفنوه و دفنوه،و بايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده،و سار القوم يريدون مكة،و خرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره و صلبوه على نخلة (3).

قال:و بلغ ذلك أهل العسكر فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل فوضعوا السيف فيهم،ل.

ص: 37


1- زيد في الأخبار الطوال ص 267 لأن من شأن اليمانية الرقة،غير أني لا أعصى أمير المؤمنين.
2- في الطبري 497/5:إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله أحب إلي من قتل أهل المدينة.
3- في الإمامة و السياسة 242/1 أتته أم ولد ليزيد بن عبد اللّه بن زمعة...فنبّشت عنه...فصلبته على المشلل.

فقتل منهم من قتل و هرب الباقون،ثم أنزلوه من النخلة فدفنوه ثم أجلسوا على قبره من يحفظه.و سار القوم يريدون مكة و عبد اللّه بن الزبير يومئذ في جمع كثيف و قد بلغه ما قد فعل بأهل المدينة فعزم على حربهم.

قال:و بلغ ذلك رجل من أهل البصرة،فخرجوا إلى عبد اللّه بن الزبير لمعاونته (1)، و جعل عبد اللّه بن الزبير يحارب القوم.

قال:و الحصين بن نمير قد أمر بالمجانيق فنصبت،فجعل يرمي أهل مكة رميا متداركا لا يفتر من الرمي،فجعل رجل من أهل مكة يقول في ذلك:

ابن نمير (2)بئس ما تولّى قد أحرق المقام و المصلّى

و بيت ذي العرش العلي الأعلى قبلة من حج له و صلّى

قال:و إذا بصاعقة قد نزلت فأحرقت منجنيقا كان لهم.

قال:فلم يزل القوم يرمون المسجد الحرام و البيت بالنيران و الحجارة،فلما رأى عبد اللّه بن الزبير ذلك خرج إليهم فيمن كان عنده من الجيش،فحاربهم حربا شديدا فقتل منهم جماعة،و جعل المختار بن أبي عبيد يقاتل بين يدي عبد اللّه بن الزبير أشد القتال و هو يقول:أنا ابن الكرار لست من بني الفرار ثم حمل فقاتل حتى ضج أهل الشام من قتاله.فأقام القوم على ذلك أياما لا يفترون عن القتال ليلا و نهارا حتى قتل من أهل الشام خلق كثير و كذلك من أصحاب عبد اللّه بن الزبير.

قال:فبينما الحصين كذلك إذا برجل من أهل الشام قد قدم عليه فسلم ثم جلس عنده فقال:أيها الشيخ الضال!أنت حائم على بيت اللّه الحرام ترميه بالحجارة و النيران و يزيد بن معاوية قد مات و مضى إلى سبيله.1.

ص: 38


1- و في الطبري 497/5 و قدم عليه كل أهل المدينة،و قد قدم عليه نجدة بن عامر الحنفي في أناس من الخوارج يمنعون البيت.
2- انظر خطبته في الطبري 530/5 ابن الأثير 605/2 و مروج الذهب 88/3.و الإمامة و السياسة 17/2 تاريخ اليعقوبي 254/2 الفخري ص 118 تاريخ ابن العبري ص 111.

فقال الحصين:ويلك!ما تقول؟

فقال:أقول ما تسمع.

فقال له:و ما كان سبب ذلك؟

فقال:إنه شرب من الليل شرابا كثيرا ثم أصبح مخمورا فذرعه القىء ثم لم يزل كذلك إلى أن مات حتى قذف عشرين طشتا من ذهب فهذه قصته.

قال الحصين:ويحك!لمن بايع الناس بعده؟

فقال:بايعوا ابنه معاوية بن يزيد،غير أنه خلع نفسه من الخلافة،فقال:و لم ذلك؟ فقال:إذا أخبرك أنه ملك أربعين يوما،فلما كان بعد ذلك صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم خطب و قال في خطبته:أيها الناس!إنما أنا لحم و دم،و اللحم و الدم لا يصبران على نار جهنم،و أنا خالع هذا الأمر،فقلّدوا أموركم من أحببتم!فناداه الناس من كل مكان فقالوا:يا أمير المؤمنين!فاعهد عهدك إلى من أحببت فإنا له سامعون مطيعون!

فقال:ما أنا بأمير المؤمنين و لا أعهد إلى أحد،فإن نال خيرا فقد نال منه آل أبي سفيان،و إن كان شرا فلا أحب أن أوردهم الدنيا و أمضي في الآخرة،ثم نزل عن المنبر فصار إلى منزله،فعاش ثلاثة أيام و مات،و الناس في الشام في أمر عظيم من الاختلاف.

قال:فبقي الحصين حائرا ماذا يصنع!ثم أرسل إلى عبد اللّه بن الزبير فقال إن أذنت لي أن أدخل مكة فأهل بالعمرة!فأرسل إليه عبد اللّه بن الزبير:ذلك إليك.

قال:فدخل أهل الشام إلى مكة نادمين على ما كان منهم،فلما عزموا على الرحيل منها إلى الشام أقبل الحصين إلى عبد اللّه بن الزبير فجلس إليه ثم قال:أبا بكر!إن يزيد بن معاوية قد مضى إلى حال سبيله،و ليس بالشام خليفة،و هذا الجيش معي كما ترى،فأخرج معي إلى الشام حتى تكون خليفة هناك فأنت رجل من أبناء المهاجرين الأولين.

ص: 39

قال:فرفع عبد اللّه بن الزبير صوته،و قال:لا و اللّه أو أقتل بكل رجل قتل من الحرة عشرة آلاف من أهل الشام (1).

قال:فقال له الحصين:ويحك (2)يابن الزبير!تزعم أنك عاقل و أنا أكلمك بهذا سرا و تكلمني جهرا،و أدعوك إلى أن تكون خليفة و توعدني بالقتل!يابن الزبير!إن اللّه تبارك و تعالى بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكة،ثم إنه لم يرضها له دارا حتى نقله إلى المدينة،فكانت المدينة داره و قراره إلى أن أدركته الوفاة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المدينة موضع قبره و منزله و منبره،ثم صار الأمر من بعده إلى أبي بكر،ثم إلى عمر،ثم إلى عثمان -رضي اللّه عنهم-،فلما قتل أهل المدينة عثمان إنتقلت الخلافة إلى الشام و الشام دار الخلافة،فاقبل مني يابن الزبير و اخرج معي إلى الشام،فأنا أول من يبايعك ثم يبايعك أهل هذا العسكر و أهل الشام جميعهم.

قال:فأبى عبد اللّه بن الزبير أن يجيب الحصين بن نمير إلى ذلك.

قال:فرحل الحصين إلى الشام بعسكره ذلك،و انصرف أهل البصرة إلى البصرة،و بها يومئذ عبيد اللّه بن زياد،ثم أرسل إليهم فدعاهم ثم قال:يا أعداء اللّه! أخرجتم من البصرة لنصرة عبد اللّه بن الزبير لتعينوه على أمير المؤمنين يزيد بن معاوية؟

قال:فقالوا له:أيها الأمير!إنا ما خرجنا إلى مكة لنعين عبد اللّه بن الزبير على يزيد،و إنما خرجنا لننصر البيت الحرام من أهل الشام،و أما يزيد فقد مضى لسبيله و لعله قد بلغك ذلك!ل.

ص: 40


1- في مروج الذهب 99/3:أبعد قتل أهل الحرة،لا و اللّه حتى أقتل بكل رجل خمسة من أهل الشام،و انظر الطبري 502/5 الأخبار الطوال ص 286 و الإمامة و السياسة 20/2.
2- في مروج الذهب:من زعم يابن الزبير أنك داهية فهو أحمق.و انظر ما جرى بينهما في المصادر السابقة.حيث أضاع عبد اللّه بن الزبير فرصة ثمينة لم تتكرر و سيدفع بعد قليل ثمن غلطته هذه حياته. و كان آخر ما قال له الحصين:و اللّه لا تفلح أبدا و ستعلم أينا المقتول.

قال:و كان الخبر وقع إلى عبيد اللّه بن زياد بأن يزيد قد مات فلم يصدق،فلما خبّره هؤلاء القوم بما خبّروه علم و تيقّن أن يزيد قد مضى لسبيله فاتقى لنفسه من أهل البصرة،فأرسل إلى نفر من خاصة أصحابه فدعاهم ثم استشارهم في أمره، فأشاروا عليه بأن يحبس هؤلاء القوم الذين قدموا من مكة.

قال:فأرسل عبيد اللّه بن زياد إلى هؤلاء القوم فجمعهم إليه ثم أمر بهم فحبسهم.

ثم خرج في جوف الليل في جماعة من خاصته حتى صار إلى دار مسعود بن عمرو الأزدي و هو شيخ الأزد بالبصرة،فاستجار به عبيد اللّه بن زياد،فأجاره و أجار من كان معه.

قال:و أصبح أهل البصرة فعلموا أن عبيد اللّه بن زياد قد هرب،فاجتمعوا و راحوا إلى داره البيضاء و الحمراء فغاروا عليها،ثم دخلوا إلى أم عبيد اللّه بن زياد فسلبوها و سلبوا امرأته و رحمه حتى أخذوا مقانعهن من رؤوسهن،قال:و اجتمعت الناس إلى الدارين جميعا و أخرجوا كل من كان في حبس عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-! و جعلوا يطلبونه فلا يقدرون عليه.

قال:و اتقى عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-أن يعلم بمكانه،فأقبل على مسعود بن عمرو فقال له:إنك قد أجرتني و أجرت أصحابي هؤلاء،و أنا خائف على نفسي من أهل البصرة و أنا أريد منك أن تتم إحسانك و أن تخلصني كيف شئت و أنى شئت.

فقال له مسعود بن عمرو:أفعل ذلك إن شاء اللّه!فقد كان لأبيك علي حق واجب.

قال:ثم دعى بثلاثين رجلا من أصحابه و أمرهم أن يخفروا عبيد اللّه بن زياد حتى يلحقوه بالشام.

قال:فخرج عبيد اللّه بن زياد في جوف الليل مع جماعة من خاصته و غلمانه و حشمه و معه هؤلاء الثلاثون رجلا،فساروا حتى أصبحوا على مرحلتين من البصرة،و استقام لهم الطريق فساروا و جعل عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-يفكر في أمره.

ص: 41

فقال له بعض من كان معه:أيها الأمير!إني أراك مفكرا و كأني قد علمت فيما تفكر.

فقال عبيد اللّه بن زياد:و ما ذلك؟

فقال:إن فكرت فقلت يا ليتني لم أقتل الحسين بن علي عليه السّلام،و ليتني لم أبن داري البيضاء و الحمراء و ليتني لم أستعمل الدهاقين على كور البصرة!

فقال ابن زياد-لعنه اللّه-:لا و اللّه ما أصبت!أما الحسين بن علي عليه السّلام فإنه صار إلى أهل العراق يريد قتلي فاخترت أن أقتله،و أما داري الحمراء و البيضاء فإني أنفقت عليهما مالي الذي وصلني به يزيد،و أما الدهاقين فإني استعملتهم برضى أهل البصرة،و لكنني كنت أفكر يا ليتني كنت قتلت أولئك القوم الذين قدموا من عند عبد اللّه بن الزبير،فإني أعلم أنهم هم فراعنة أهل البصرة،و سيكون لهم نبأ.و بلغ ذلك أهل البصرة أن مسعود بن عمرو الأزدي هو الذي أجار عبيد اللّه بن زياد، فجاءوا إليه و دخلوا عليه فقتلوه في جوف الليل و نهبوا ماله.

قال:و سار عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-حتى صار إلى الشام،و بلغ ذلك سلم بن زياد و هو يومئذ بخراسان بمدينة مرثي كما ولاّه يزيد بن معاوية من قبل،و كان أيضا لا يصدّق موت يزيد،غير أنه قعد في منزله و أغلق بابه،و احتجب عن الناس، فبعث إليه شاعره حنظلة بن قيس بن عروة التميمي بهذه الأبيات:

يا أيها الرجل المغلق بابه حدثت أمور شأنهن عظيم

حدثت أمور في أمية جمة و يزيد أعلن شأنه المكتوم

طرقت منيته و عند و ساده عود و زق راعف مرثوم

و مرنة تبكي على نشوانه بالصنج تقعد ساعة و تقوم

فلئن رضيت لترضين عشيرتي و لئن غضبت لتغضبن تميم

قال:فعندها علم سلم بن زياد أن يزيد بن معاوية قد مات،فتجهز و خرج يريد بلاد الشام،و خلف المهلب بن أبي صفرة على بلاد خراسان.و خرج يريد الشام

ص: 42

و معه مال جزيل يزيد على خمسمائة ألف دينار،فلما صار في بعض الطريق استقبله عبد اللّه بن خازم السلمي فقال:إلى أين يا عدو اللّه؟إلى أين يابن مرجانة؟ إلى أين يابن عبد بني علاج؟غصبت أهل خراسان أموالهم فكلت و ادخرت و لبست و ركبت،ثم حملت أموال خراسان تريد الشام،و اللّه يا عدو اللّه لا تفارقني أو آخذ جميع ما معك و أجعلك صفرا.

قال:و لم تزل الرسل بينهم إلى أن صالحه على نصف ما معه و أطلقه،و مضى سلم بن زياد إلى الشام و تغلّب ابن خازم على بلاد خراسان،فأخذها و جعل يدعو لعبد اللّه بن الزبير.

قال:و خرج عليه رجل من أهل خراسان يقال له بكير بن وشاح التميمي،فمع هذا جيش و مع هذا جيش،فلم يزالا يقتتلان مدة من المدد إلى أن قتل عبد اللّه بن خازم و احتوى بكير بن وشاح على بلاد خراسان.

ثم رجعنا إلى أخبار الشام قال:و أهل الشام يومئذ في أمر عظيم من الاختلاف، فقوم يؤمون إلى عبد اللّه بن الزبير،و قوم يؤمون إلى خالد بن يزيد بن معاوية، و قوم إلى الضحاك بن قيس الفهري،و آخرون يؤمون إلى مروان بن الحكم.

قال:و اجتمع الناس إلى الضحاك بن قيس الفهري،و أرسل مروان بن الحكم إلى روح بن زنباع الجذامي فقال له:أشر علي برأيك!

فقال:أشير عليك أن تطلب هذا الأمر لنفسك،فإنك اليوم شيخ كبير بني أمية، و أنت ابن عم أمير المؤمنين عثمان بن عفان،و أنت أحق بهذا الأمر من الضحاك بن قيس.

قال:فعندها جعل مروان يجمع الناس حتى صار إليه ثمانية عشر ألفا أكثرهم جماعة اليمن،و في ذلك يقول مروان بن الحكم حيث يقول:

أعددت غسان لهم و كلبا و السكسكيين رجالا غلبا

لا يأخذون الملك إلا غصبا بالطعن أحيانا و حينا ضربا

ص: 43

قال:و الضحاك يومئذ في نيف و عشرين ألفا أكثرهم قبائل قيس بن غيلان.

ثم إنه بعث إلى النعمان بن بشير،و النعمان يومئذ بمدينة حمص،قد كان ولاّه يزيد بن معاوية قبل موته.

قال:فكتب إليه الضحاك بن قيس يسأله المدد،فأمدّه النعمان بن بشير بألفي رجل،فصار الضحاك في اثنين و عشرين ألفا.

قال:و تواعد القوم للقتال،فأنشأ رجل من أصحاب مروان يقول في ذلك:

أرى عسكرا جمعا لسفك دمائنا و عما قليل لا نشك محارب

و أشهدكم أني لمروان سامع مطيع و للضحاك عاص مجانب

إمامان أما واحد فعلى الهدى و آخر بدعو للضلالة كاذب

فلا بد من حرب يفرق جمعنا يثلم فيها المرهفات القواضب

قال:ثم دنا القوم بعضهم من بعض،قال:فكان وقعتهم بموضع يقال له مرج راهط إلى جانب زراعة الضحاك بن قيس،و الزراعة يقال لها جوبر (1)،و قد ذكر ذلك بعض العرب في قصيدة له حيث يقول:

إذا فاخر القيسي فاذكر بلاءه بزراعة الضحاك شرقي جوبرا

قال:فاقتتل القوم هناك قتالا شديدا،فقتل الضحاك بن قيس و قتل عامة أصحابه، و انهزم الباقون،و استأمر عامتهم إلى مروان بن الحكم فبايعه الناس بموضع يقال له دير أيوب (2)،فدخل مروان إلى دمشق فاستوسق له الأمر.فكتب إلى النعمان بن بشير:أما بعد فقد بلغني ما كان من معونتك للضحاك بن قيس،و قد قتل اللّه الضحاك و شيعته و أمكن منهم،و قد استقر الأمر قراره،فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فزوّج ابنتك عمرة من ابني عبد الملك،و ادخل في طاعتي،و ادع لي هنالكق.

ص: 44


1- جوبر قرية بالغوطة من دمشق،و قيل نهر بها.
2- دير أيوب:قرية بحوران من نواحي دمشق.

بالخلافة على منبر حمص،فإذا فعلت ذلك محوت ما كان منك إلي من خطيئتك،و إن أنت تربصت أو ارتبت بعثت إليك من يقتلك و يأخذ ابنتك غصبا،و السّلام.

قال:فلما ورد كتاب مروان على النعمان بن بشير و قرأه جعل يقول لمن عنده:ما كنت أدخل في طاعة مروان الطريد ابن الطريد،و لا أزوّج ابنتي من ابنه!ثم تجهّز و خرج من حمص يريد مكة إلى عبد اللّه بن الزبير يريد أن يبايعه و يكون معه،و بلغ ذلك مروان بن الحكم فوجّه إليه رجلا يقال له عبد الرحمن بن الخلي فقال له:سر فأينما رأيت النعمان فجئني به أسيرا،فإن تأبّى عليك فاضرب عنقه و أتني برأسه!.

قال:فسار عبد الرحمن يريد حمصا،فلما دخلها سأل عن النعمان بن بشير، فخبّر أنه رحل عنها،فسار عبد الرحمن في طلبه،فلحقه في بعض المنازل،فقتله و احتز رأسه،و احتوى على قليله و كثيره،و جاء بالرأس حتى وضعه بين يدي مروان بن الحكم.فلما أتته عمرة فلا ندري تزوّجت بعبد الملك أم لا (1).و اللّه أعلم (2).

قال:و أقام مروان في خلافته تسعة أشهر و مات،و صار الأمر من بعده إلى ابنه عبد الملك بن مروان،و بكير بن الوشاح يومئذ على بلاد خراسان ضابطا لها معينا عليها،فلما بلغه أن الأمر صار إلى عبد الملك بن مروان جعل يدعو له بخراسان، و عبد اللّه بن الزبير يومئذ بالحجاز و قد بايعه أهل الحجاز و أهل البصرة و أهل الكوفة (3).6.

ص: 45


1- في الأخبار الطوال ص 309 أن عمرة بنت النعمان بن بشير كانت زوجة المختار بن أبي عبيد.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 166-173.
3- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 160-166.

ذكر الوقعة الأولى بين مكة و المدينة

بين عمرو بن الزبير و أخيه عبد اللّه و مقتل عمرو بن الزبير

قال ابن الأعثم:و كان يومئذ أمير المدينة عمرو بن سعيد بن العاص من قبل يزيد بن معاوية،كتب إليه يزيد من الشام يخبره بخبر عبد اللّه بن الزبير و أخيه، فعزم عمرو بن سعيد على ذلك،و كانت بنو أمية يكرمون عمرو بن الزبير لأن أمه بنت خالد بن سعيد بن العاص،فكانوا يكرمون عمرو بن الزبير لأنه ابن أختهم.

قال:و كان عمرو بن الزبير من أشد الناس عداوة لأخيه عبد اللّه بن الزبير،فدعاه عمرو بن سعيد بن العاص فعقد له عقدا و ضم إليه جيشا كثيفا و وجّه به إلى محاربة أخيه عبد اللّه بن الزبير.

قال:فخرج عمرو بن الزبير يومئذ في جيشه من المدينة،يريد مكة،و بلغ ذلك عبد اللّه بن الزبير فنادى في الناس و خرج من مكة في جيش،حتى التقى القوم بين مكة و المدينة،و اختلطوا و اقتتلوا ساعة من النهار،فقتل من الفريقين جماعة.

ثم حمل عبد اللّه بن الزبير في جميع أصحابه و حمل المختار بن أبي عبيد من الميمنة و العباس بن سهل الأنصاري من الميسرة،فوقعت الهزيمة على جماعة بني أمية،فقتل من القوم مقتلة عظيمة و أسر منهم من أسر،و فيمن أسر يومئذ عمرو بن الزبير.

فلما وقف بين يديه قال:قبّحك اللّه من أخ و ذي رحم!فإنك لم تذكر ما كان من البلاء عندك و قيامي بحقك و أخذي إياك من يد مروان بن الحكم،و لكن أنت قديم العداوة،و كنت تضرب وجهي بالسيف قال:ثم جاء به إلى مكة فحبسه.فلما كان من

ص: 46

الغد أقامه للناس و نادى:أيها الناس!أن أمير المؤمنين يقول لكم:من كانت له مظلمة عند عمرو بن الزبير فليحضر!

قال:فكان يجىء الرجل من بعد الرجل فيقول:يا أمير المؤمنين!إن هذا شتمني، فيقول:اشتمه!و يقول آخر:إن هذا ضربني،فيقول:اضربه!حتى جاء مصعب (1)بن عبد الرحمن بن عوف فقال:يا أمير المؤمنين!إنه جلدني مائة سوط بلا ذنب كان مني إلا لميلي إليك،قال:فأمر به عبد اللّه بن الزبير فجرّد من ثيابه،و أمر مصعبا أن يجلده،فجلده مصعب بيده مائة سوط،ثم أمر به عبد اللّه بن الزبير،فحبس (2)و لم يداو فمات.

ثم قال:أ تدرون لم عملت بعمرو بن الزبير هذا؟

فقالوا:لا يا أمير المؤمنين!

قال:إنه صار إلى معاوية زائرا،فكتب له بمائة ألف درهم،ففتح الكتاب و ضاعفها مائة ألف أخرى،فدفع إليه ذلك المبلغ زياد-مائتي ألف درهم-،فلما دفع إليه زياد حسابه.

قال معاوية:ما أمرت لعمرو بن الزبير إلا بمائة ألف درهم،و علم معاوية أنه هو الذي عمل في الكتاب الزيادة،فكتب إلى مروان بن الحكم و هو عامله بالمدينة أن يأخذ من عمرو بن الزبير مائة ألف درهم،فصرت أنا إلى مروان و ضمنت له المائةت.

ص: 47


1- في الطبري 344/5 أن عمرو بن الزبير لما ولّي شرطه عمرو بن سعيد:نظر إلى كل من كان يهوى هوى ابن الزبير فضربه و كان ممن ضرب:المنذر بن الزبير و ابنه محمد بن المنذر(و قد رفضا أن يستقيدا منه)و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث و عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام و خبيب بن عبد اللّه بن الزبير و محمد بن عمار بن ياسر،فضربهم الأربعين إلى الخمسين إلى الستين.و لم يرد فيهم مصعب.
2- حبس في حبس عارم.و في مروج الذهب 92/3 فأقامه للناس بباب المسجد الحرام مجردا، و لم يزل يضربه بالسياط حتى مات.

ألف،فأخذه مروان فحبسه فأخرجته،و هذا جزائي منه أن يخرج علي ليضرب وجهي بالسيف،قال:فلم يعذر عبد اللّه بن الزبير في هذا.

قال:وشق على عامة أهل مكة ما فعل عبد اللّه بن الزبير بأخيه.

قال:و قد كان عبد اللّه بن الزبير قبل ذلك يصعد المنبر فيقول:أيها الناس!إن بطني شبرا و ما عسى يكفي شبرا،إنما يكفيني في كل يوم قبضة من طعام.و إنما أريد أن أسير فيكم بسيرة الصالحين و سيرة أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما.

قال:و كثيرا ما كان يقرأ سورة الأعراف على المنبر و يقرأها حرفا حرفا،و كان يدور في أسواق مكة يتشبه بعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.فلما فعل بأخيه ما فعل و أقامه للناس و أمر بضربه حتى مات،فجعل بعض أهل مكة يقول في ذلك:

تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة

و بطنك شبر أقل من الشبر

و أنت إذا ما نلت شيئا قضمته

كما قضمت نار الغضا حطب السدر (1)

لكم سيرة الفاروق لا شك غيره

و سنة صديق النبي أبي بكر

فلما كذبت اللّه ما قد وعدته

و ما كنت قد و كدت في جانب الحجر

فأصبحت ما تجري لك اليوم طاعة

ببلدة أعراب ولاه و لا قفرع.

ص: 48


1- قضمت:يقال قضمت الدابة الشعير،و قضمت النار أي أكلت و أحرقت الحطب مع صوت يسمع.

فإن كنت تخشى أن تبيت بنعمة قريبا لردتك العطوف على عمرو (1).

قال:و ذكر ذلك أبوحرة مولى بني مخزوم في تغزله حيث يقول:

ما زال في سورة الأعراف يقرأها حتى فؤادي مثل الخز في اللبن

يقول للناس بطني غير ما كذب شبرا هنيا و دون القوت يكفيني

لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد أفضلت فضلا كثيرا للمساكين

أما تصبك من الأيام جائحة لا سهل منك على دنيا و لا دين

و لا نقول إذا أصبحت مغتبطا ألا أمير برب الناس آمين.

ثم أعلن عبد اللّه بن الزبير ما هو فيه،و أرسل إلى سعد مولى عتبة بن أبي سفيان و هو متحصن بالطائف،فأرسل إليه بقوم فحاصروه حتى استنزلوه في خمسين رجلا من أصحابه من شيعة يزيد بن معاوية،فأتوا بهم إليه فأمر بحبسهم،و يقال:

إنه قتلهم عن آخرهم-و اللّه أعلم-.

قال:ثم أقبل حتى نزل دار البلاط بمكة فجعلها دار إمارته.

قال:و تفرق كل من كان بمكة من شيعة بني أمية خوفا على أنفسهم،فصاروا إلى الشام،و أنشأ بعض أهل مكة يقول:

بلى أم حمد ما تحمد أهله فكيف بذي وجد من القوم آلف

من أجل أبي بكر جلت عن بلادها أمية و الأيام دار تعارف

و قد حل في دار البلاط مطوع قبول على الأرحام ليس بعاطف

و عما قليل سوف يأتي بيثرب عليها من الأبطال ذات زواحف

قال:و بلغ أهل المدينة أن عبد اللّه بن الزبير بايعه أهل مكة و الطائف و سائر الحجاز فوثبوا على عاملهم عمرو بن سعيد بن العاص فأخرجوه من المدينة،5.

ص: 49


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 155.

و أخرجوا من كان معه من بني أمية فطردوهم بأجمعهم و بايعوا عبد اللّه بن الزبير (1).

ص: 50


1- في الطبري بايعوا عبد اللّه بن حنظلة الغسيل.و يرى صاحب الإمامة و السياسة أن السبب في خلع أهل المدينة يزيدا أن يزيد كان قد أرسل إليهم كتابا جاء فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم ،أما بعد، فإني قد نفستكم حتى أخلفتكم و رفقتكم حتى أخرفتكم،و وضعتكم على رأسي قد وضعتكم و أيم اللّه لئن آثرت أن أضعكم تحت قدمي لأطأنكم و طأة أقل منها عددكم و أترككم أحاديث تناسخ كأحاديث عاد و ثمود،و آيم اللّه لا يأتيكم مني أولى من عقوبتي،فلا أفلح من ندم.قلت:لم يكن كتاب يزيد إلى أهل المدينة،و لا تعيينه عثمان بن محمد بن أبي سفيان ذلك الفتى الغر الحدث الغمر الذي لم يجرب الأمور و لم يحنكه السن و لم تضرسه التجارب و الذي كان لا يكاد ينظر في شىء من سلطانه و لا عمله السبب في خلافهم على يزيد،و خلعهم إياه و نكثهم بيعتهم له.و قد يكون هو العامل الذي حرك الأسباب الحقيقية لتحرك أهل المدينة خاصة و دفعها إلى الواجهة حيث أخذت المواجهة بين المدنيين و الحكم الأموي المتمثل بيزيد الطابع الصدامي و الأكثر دموية.و لحركة المدينة أسباب كثيرة منها سياسية و منها اقتصادية و اجتماعية،و أهم هذه الأسباب:-السياسة الأموية التي وضع معاوية بن أبي سفيان خطوطها الأولى كانت وراء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمدينة و التي دفعت بها إلى حدود الضيق و الفقر(انظر تفاصيل حول هذه السياسة أوردها د. إبراهيم بيضون في كتابه الحجاز و الدولة الإسلامية ص 250 و ما بعدها).-القهر السياسي الذي عانى منه الحجاز عامة و المدينة و مكة خاصة حيث حظر على زعمائهما تجاوز الاهتمامات الاجتماعية و الثقافية بعد انتقال الخلافة إلى الشام.-رفض الحكم الأموي،و قد جاء غياب معاوية فرصة لإظهار هذا الفرض من الخفاء إلى العلن،و قد كان غيابه مؤشرا للإنفجار المرتقب حيث كان وجوده عاملا في منعه أو تجميده.-فشل الخليفة يزيد أمام الأزمات الخطيرة التي واجهت حكمه و انغماسه(حسب الروايات)بالترف و المجون و استغراقه حتى العبث في حياته الخاصة في إذكاء روح المعارضة و تجرئها على الإعلان عن نفسها.-ضربه الرموز الإسلامية بمنتهى العنف،حيث رأى في اتباعه هذه السياسة مدخلا إلى إثبات حضوره السلطوي لكن هذا شجع المعارضة على المبادرة إلى اتخاذ موقف علني ضده.-ثورة الحسين التي كانت السباقة إلى رفض الأمر الواقع و التي انتهت بمأساة دموية في العراق و أوقعت النظام الأموي و أدواته في ارتباك شديد.-حركة ابن الزبير التي استطاعت أن تستثمر النقمة المتزايدة على الحكم الأموي.-وجود الوالي عثمان بن محمد بن أبي سفيان و الذي وصف بأنه غر قليل التجربة حديث السن و إخفاقه في التعاطي مع المستجدات الخطيرة في مكة و المدينة.-محاولة أهل المدينة(الأنصار)إعادة التوازن الذي اختل منذ السقيفة. و هنا لا بد من الإشارة إلى أن دعوة ابن الزبير للمدينة لبيعته بعد مقتل الحسين لم يرافقها في المدينة كثير من الحماسة فقد انقسمت بين مؤيد له و متحفظ و متردد،لكن اللقاء مع ابن الزبير تمحور حول هدف كبير مشترك هو الإطاحة بالخليفة الأموي،و ما تولّي عبد اللّه بن حنظلة(من الأوس)إلا إشارة على التوجه الأنصاري لأهل المدينة.و هذا ما سيؤدي(كما سيرد)إلى استفراد المدينة في الحملة العسكرية التي استهدفتها.

قال:و بلغ ذلك ابن الزبير فأرسل إلى عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل- غسيل الملائكة-فولاّه المدينة،قال:فخلت مكة و المدينة من بني أمية.

قال:و جعل عبد اللّه بن حنظلة أمير المدينة يشتم يزيد بن معاوية و يظهر عيب يزيد و عيب بني أمية،و يقول فيهم و يقذفهم بكل عجيب.

فقال له مسلم:أيها الأمير!مهلا عن بني أمية،فإنك تعلم أنك قدمت على معاوية فأجلست معه على سريره ورد عليك صدقة أبيك ثم قضى حوائجه و أمر له بمائة ألف درهم،ثم إنك قصدت ابنه يزيد فأجلست أيضا على سريره و أكرمك،فو اللّه ما كافيت ابنه يزيد و لا معاوية،ما لك و لبني أمية تشتمهم و تظهر عيبهم و أنت لا تدري ما يكون في عاقبة هذا الأمر.

فقال له عبد اللّه:أسكت ويحك يا مسلم!فو اللّه ما خرجت بسيفي و طردت بني أمية عن المدينة حتى كنت أصعد إلى سطح بيتي في جوف الليل فأخاف أن ينحروني بالهجوم لما أرى من كثرة بني أمية و جورهم و أعمالهم القبيحة و لا أقدر أن أغيرها.

قال:و بلغ يزيد بن معاوية ما قد فعله أهل المدينة بعامله عمرو بن سعيد بن العاص و ببني أمية و ما فعله عبد اللّه بن الزبير بمكة،فدعا بالضحاك بن قيسا.

ص: 51

الفهري (1)و أمره أن يسير إلى المدينة و مكة فيتولى حرب عبد اللّه بن الزبير.

فقال الضحاك:لا و اللّه يا أمير المؤمنين لا أحب أن أكون أول من أراق دم قريش، فادع لهذا الأمر غيري.

قال:فتركه و دعا مسلم بن عقبة المري و كان شيخا كبيرا من أبناء بضع و تسعين سنة،فكلمه يزيد في ذلك و أمره بالخروج إلى عبد اللّه بن الزبير،فقال:أنا شيخ كبير.

فقال له:لا بد لك من ذلك فإن أبي أوصاك بحفظي من بعده (2)،و لا أجد أحدا يقوم بذلك سواك،فإذا تقاربت من المدينة فاجعل طريقك عليها،فإن كان أهل المدينة قتلوا أحدا من بني أمية فادخلها بالسيف و أرق الدماء فيها ثلاثة أيام،ثم سر بعد ذلك إلى مكة،و إن لم يكن أهل المدينة قتلوا أحدا فلا تتعرض لهم إلا بكل خير.

قال:ثم أمر يزيد الناس فجمعهم لمسلم بن عقبة المري فاجتمع إليه عشرون ألف فارس و سبعة آلاف راجل،فأعطى يزيد كل واحد منهم مائتي دينار،و لكل راجل مائة دينار،و أمرهم بالمسير مع مسلم بن عقبة و شيّعهم حتى إذا صار إلى موضع يقال له الثنية ودّعه يزيد ثم أوصاه بوصية ثم جعل يقول:

أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى و هبط القوم على وادي القرى

عشرون ألفا بين كهل و فتى أجمع سكران من القوى ترىي.

ص: 52


1- في الطبري:"عمرو بن سعيد"و فيه:أن يزيد كتب إلى ابن مرجانة(عبيد اللّه بن زياد)أن اغز ابن الزبير:فقال:لا أجمعهما للفاسق أبدا.أقتل ابن بنت رسول اللّه و أغزو الكعبة. ثم أرسل إليه يعتذر(انظر ابن الأثير 594/2).
2- في رواية في الطبري 495/5 أن معاوية لما حضرته الوفاة قال ليزيد:إن لك من أهل المدينة يوما،فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة،فإنه رجل قد عرفت نصيحته.و جاء في الإمامة و السياسة /1 231 أن يزيد قال له:سر إلى هذه المدينة بهذه الجيوش،و إن شئت أعفيتك فإني أراك مدنفا منهوكا، فقال:نشدتك اللّه ألا تحرمني أجرا ساقه اللّه إلي.

أم جمع يقظان نفى عنه الكرى يا عجبا من ملحد يا عجبا

مخادع في الدين يقفو بالعرى (1).8.

ص: 53


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 158.

ذكر مسير مسلم بن عقبة المري إلى مكة

قال ابن الأعثم:و سار مسلم بن عقبة مع الجيش يريد مكة،فلما تقارب من المدينة استقبله بنو أمية مطرودين من المدينة فوقفوا إليه و سلّموا عليه فقال لهم مسلم:هل قتل منكم أحد؟

قالوا:لا و لكن أخرجنا عن المدينة مطرودين،فقال:لا بأس عليكم،ارجعوا معي حتى نفرغ من عبد اللّه بن الزبير،فقد أمرني يزيد بأمر و أنا منته إلى أمره.

قال:فرجعت معه بنو أمية و نزل مسلم بن عقبة المدينة عن يساره و مضى نحو الساحل لكي يخرج إلى مكة،ثم إنه نزل في بعض المنازل قريبا من المدينة فتطرف عسكره،و وقعت الصيحة.

فقال مسلم:ما هذا؟

فقالوا:أيها الأمير!هؤلاء سفهاء المدينة قد خرجوا يتطرفون عسكرنا يريدون الغارة علينا.

قال:فغضب مسلم بن عقبة و قال:ارجعوا الآن إليهم حتى ننزل بهم ما هم أهله!

قال:فرجع القوم حتى نزلوا بموضع يقال له حرة و أقم (1).

ص: 54


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 5-ص 159.

مفارقة المختار عبد اللّه بن الزبير و خروجه عليه

قال الطبري:و عزم المختار بن أبي عبيد على مفارقة عبد اللّه بن الزبير فجعل يقدّم في ذلك و يؤخر.

قال:و قدم هانئ بن أبي حية الهمداني إلى مكة يريد العمرة،فأقبل إليه المختار بعد أن فرغ من عمرته فقال له:يا أخا همدان!ألا تخبرني عن الناس كيف تركتهم بالكوفة؟

فقال:تركتهم و اللّه و قد استوسقوا لصاحبك هذا عبد اللّه بن الزبير،و لو كان لهم رجل يجمعهم على رأيهم لأكل بهم الأرض.

قال:فقال له المختار:لا عليك يا أخا همدان،فأنا و اللّه أجمعهم على الحق،و أنفي بهم الباطل،و أقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

قال:فقال له هانئ بن أبي حية:ويحك يا أبا إسحاق!اتق اللّه و لا توضع في الضلال و الفتنة،فإن صاحب الفتنة هو أقرب شيء أجلا و أسوأ الناس عملا.

قال:فقال له المختار:سبحان اللّه يا أخا همدان!ما لي و للفتنة!إنما أدعو إلى الطاعة و الجماعة،و لكن خبّرني عن سليمان بن صرد و أصحابه هل شخص إلى قتال المحلين؟

قال:لا،و لكنه عازم على ذلك.

قال:فسكت المختار ثم انصرف إلى منزله،فلما كان الليل وثب فاستوى على فرسه و خرج من مكة بغير علم من عبد اللّه بن الزبير،فلم يصبح إلا على مرحلتين من مكة،ثم سار مجدا يريد الكوفة،حتى إذا صار بالقرعاء وجده رجل من أهل

ص: 55

الكوفة يقال له:سلمة بن مرثد،فسلّم عليه المختار و قال:من أين أقبلت يا سلمة؟

قال:أقبلت من الكوفة،قال:فكيف خلفت بها أهلها؟

فقال:خلفتهم و اللّه كغنم رعاء تهادوا و تمردّوا.

فقال له المختار بن أبي عبيد:أنا الذي أحسن رعايتها و أبلغ نهايتها.

فقال له سلمة:يابن أبي عبيد!إتق اللّه فإنك ميت و مبعوث و محاسب و مجزى بعملك من خير و شر.

قال:ثم افترقا،و سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة و ذلك في يوم الجمعة، فنزل و اغتسل فيه،ثم لبس ثيابه و اعتم بعمامته و تقلد بسيفه،ثم ركب و أقبل حتى دخل الكوفة نهارا،فجعل يمر على مجالس القوم و يقف عليهم و يسلّم و يقول لهم:

أبشروا بالفرج!فقد جئناكم بما تحبون و أنا المسلّط على الفاسقين و الطالب بدماء أهل بيت نبي رب العالمين.ثم أقبل إلى المسجد الأعظم فنزل،ثم دخل المسجد فصلّى،و استشرف الناس ينظرون إليه و يقولون:هذا المختار بن أبي عبيد،و ما قدم إلا لأمر و نحن نرجو به الفرج.

قال:ثم قعد المختار في المسجد حتى صلّى الظهر و العصر و نهض و عليه ثياب رثة حتى صار إلى باب المسجد فركب و أقبل حتى نزل في دار سلم بن المسيب و هي داره التي لا تعرف إلا به.فلما كان من الغد بعث إلى وجوه الشيعة فدعاهم ثم قال لهم:اعلموا أني قد جئتكم من عند ولي الأمر،و معدن الفضل،و وصي الوصي، و الإمام المهدي،محمد بن علي ابن الحنيفة،بعثني إليكم أمينا و وزيرا و عاملا و أميرا،و قد أمرني بقتال المحلّين،و الطلب بدم ابن بنت نبي رب العالمين،و هذا أمر لكم فيه الشفاء،و كشف الغطاء،و قتل الأعداء،و تمام النعماء.

قالت الشيعة:يا أبا إسحاق!أنت موضع ذلك،غير أن الناس اجتمعوا إلى سليمان بن صرد الخزاعي و أنت تعلم أنه شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل إلى أن تنظر و ينظر و يؤول الأمر إلى ما تحب إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

ص: 56

قال:فسكت المختار و أقام بالكوفة ينتظر ما يكون من أمر سليمان بن صرد (1).

قال:و علم عبد اللّه بن الزبير أن المختار قد صار إلى الكوفة فاتقى أن يفسد عليه البلد،فأرسل إلى عامر بن مسعود الجمحي فعزله عن الكوفة و ولّى عليها عبد اللّه بن يزيد الأنصاري،قال:فقدم عبد اللّه بن يزيد أميرا على الكوفة من قبل عبد اللّه بن الزبير و قدم معه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد اللّه على خراج الكوفة (2).

قال:و أقبل رؤساء أهل الكوفة على عبد اللّه بن يزيد فسلّموا عليه.و هنأوه بالولاية.

فقال لهم:يا أهل الكوفة!ما هذا الذي يبلغني عن سليمان بن صرد و أصحابه؟ فقالوا:أيها الأمير!يذكر أنه يطلب بدم الحسين بن علي رضي اللّه عنهما.

فقال عبد اللّه بن يزيد:نعم هذا الرأي و أنا معهم و معينهم أيضا على ذلك (3).

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة و اتعدوا الاجتماع بالنخيلة في سنة 65 للمسير إلى أهل الشأم للطلب بدم الحسين بن علي و تكاتبوا في ذلك ذكر الخبر عن مبدأ أمرهم في ذلك.

(قال هشام)بن محمد حدثنا أبو مخنف قال:حدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه ابن عوف بن الأحمر الأزدي قال:لما قتل الحسين بن علي و رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم و التندم و رأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرا بدعوتهم الحسين إلى النصرة و تركهم إجابته و مقتله إلى جانبهم لم ينصروه و رأوا أنه لا يغسل عارهم و الإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من6.

ص: 57


1- في الطبري 561/5 انشعبت إليه طائفة تعظمه و تجيبه و تنتظر أمره،و عظم الشيعة مع سليمان بن صرد.
2- و كان قدوم عبد اللّه بن يزيد يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة 64.و كان المختار قد قدمها قبله بثمانية أيام.(الطبري 560/5).
3- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 426.

قتله أو القتل فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة إلى سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و إلى المسيب بن نجبة الفزاري و كان من أصحاب علي و خيارهم و إلى عبد اللّه بن سعد بن نفيل الأزدي و إلى عبد اللّه بن وال التيمي و إلى رفاعة بن شداد البجلي ثم إن هؤلاء النفر الحمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد و كانوا من خيار أصحاب علي و معهم أناس من الشيعة و خيارهم و وجوههم قال:فلما اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام فتكلم فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:أما بعد فإنا قد ابتلينا بطول العمر و التعرض لأنواع الفتن فنرغب إلى ربنا ألا يجعلنا ممن يقول له غدا أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فإن أمير المؤمنين قال العمر الذي أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستون سنة و ليس فينا رجل إلا و قد بلغه و قد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا و تقريظ شيعتنا حتى بلا اللّه أخبارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم و قد بلغتنا قبل ذلك كتبه و قدمت علينا رسله و أعذر إلينا يسألنا نصره عودا و بدءا و علانية و سرا فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحن نصرناه بأيدينا و لا جادلنا عنه بألسنتنا و لا قوّيناه بأموالنا و لا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا إلى ربنا و عند لقاء نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم و قد قتل فينا ولده و حبيبه و ذريته و نسله لا و اللّه لا عذر دون أن تقتلوا قاتله و الموالين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك و ما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن:أيها القوم ولّوا عليكم رجلا منكم فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفّون بها أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم قال:فبدر القوم رفاعة بن شداد بعد المسيب الكلام فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:

أما بعد فإن اللّه قد هداك لأصوب القول و دعوت إلى أرشد الأمور بدأت بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و دعوت إلى جهاد الفاسقين و إلى التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك.

ص: 58

قلت:ولّوا أمركم رجلا منكم تفزعون إليه و تحفّون برايته و ذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا و فينا متنصحا في جماعتنا محبا و إن رأيت و رأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ذا السابقة و القدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه و دينه و الموثوق بحزمه أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم.

قال:ثم تكلم عبد اللّه بن وال و عبد اللّه بن سعد فحمدا ربهما و أثنيا عليه و تكلما بنحو من كلام رفاعة بن شداد فذكرا المسيب بن نجبة بفضله و ذكرا سليمان بن صرد بسابقته و رضاهما بتوليته فقال المسيب بن نجبة أصبتم و وفقتم و أنا أرى مثل الذي رأيتم فولّوا أمركم سليمان بن صرد (1).

(قال أبو مخنف)فحدثت سليمان بن أبي راشد بهذا الحديث فقال:حدثني حميد بن مسلم قال:و اللّه إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولّوا سليمان بن صرد و إنا يومئذ لأكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة و وجوههم في داره قال:فتكلم سليمان بن صرد فشدد و ما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته بدءا.

فقال:أثني على اللّه خيرا و أحمد آلاءه و بلاءه و أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسوله:أما بعد فإني و اللّه لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة و عظمت فيه الرزية و شمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا و نمنيهم النصر و نحثهم على القدوم،فلما قدموا و نينا و عجزنا و أدهنا و تربّصنا و انتظرنا ما يكون حتى قتل فينا ولدينا ولد نبينا و سلالته و عصارته و بضعة من لحمه و دمه إذ جعل يستصرخ و يسأل النصف فلا يعطاه اتخذه الفاسقون غرضا لنبل و درية للرماح حتى أقصدوه و عدوا عليه فسلبوه ألا انهضوا فقد سخط ربكم و لا ترجعوا إلى الحلائل و الأبناء حتى8.

ص: 59


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 428.

يرضى اللّه و اللّه ما أظنه رضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا ألا لا تهابوا الموت فو اللّه ما هابه امرؤ قط إلا ذل كونوا كالأولى من بني إسرائيل إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فما فعل القوم جثوا على الركب و اللّه و مدوا الأعناق و رضوا بالقضاء حتى حين علموا أنه لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا الصبر على القتل فكيف بكم لوقد دعيتم إلى مثل ما دعى القوم إليه أشحذوا السيوف و ركبوا الأسنة و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل حتى تدعوا حين تدعوا و تستنفروا.

قال:فقام خالد بن سعد بن نفيل فقال:أما أنا فو اللّه لو أعلم أن قتلي نفسي يخرجني من ذنبي و يرضى عني ربي لقتلتها و لكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا و نهينا عنه فأشهد اللّه و من حضر من المسلمين أن كلّما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوي صدقة على المسلمين أقوّيهم به على قتال القاسطين.

و قام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكناني فقال:و أنا أشهدكم على مثل ذلك فقال سليمان بن صرد حسبكم من أراد من هذا شيئا فليأت بماله عبد اللّه بن وال التيمي تيم بكر بن وائل فإذا اجتمع عنده كلما تريدون إخراجه من أموالكم جهزنا به ذوي الخلة و المسكنة من أشياعكم (1).

(قال أبو مخنف)لوط بن يحيى عن سليمان بن أبي راشد قال:فحدثنا حميد ابن مسلم الأزدي أن سليمان بن صرد قال لخالد بن سعد بن نفيل حين قال له و اللّه لو علمت أن قتلى نفسي يخرجني من ذنبي و يرضى عني ربي لقتلتها و لكن هذا أمر به قوم غيرنا كانوا من قبلنا و نهينا عنه قال أخوكم هذا غدا فريس أول الأسنة قال:فلما تصدّق بماله على المسلمين.قال له:أبشر بجزيل ثواب اللّه الذين لأنفسهم يمهدون.

(قال أبو مخنف)حدثني الحصين بن يزيد بن عبد اللّه بن سعد بن نفيل قال:9.

ص: 60


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 429.

أخذت كتابا كان سليمان بن صرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن فقرأته زمان ولّي سليمان قال:فلما قرأته أعجبني فتعلّمته فما نسيته كتب إليه بسم اللّه الرحمن الرحيم من سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة و من قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فإن الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا و أقبل منها ما كان منكرا و أصبحت قد تشنأت إلى ذوي الألباب و أزمع بالترحال منها عباد اللّه الأخيار و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند اللّه لا يفنى إن أولياء من إخوانكم و شيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دعي فأجاب و دعا فلم يجب و أراد الرجعة فحبس و سأل الأمان فمنع و ترك الناس فلم يتركوه و عدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه و جرّدوه ظلما و عدوانا و غرة باللّه و جهلا و بعبر اللّه ما يعملون و إلى اللّه ما يرجعون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فلما نظروا إخوانكم و تدبّروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي الطيب و إسلامه و ترك مواساته و النصر له خطأ كبيرا ليس لهم منه مخرج و لا توبة دون قتل قاتليه أو قتلهم حتى تفنى على ذلك أرواحهم فقد جدّوا إخوانكم فجدّوا و أعدوا و استعدوا و قد ضربنا لاخواننا أجلا يوافوننا إليه و موطنا يلقوننا فيه.

فأما الأجل فغرة شهر ربيع الآخر سنة 65.

و أما الموطن الذي يلقوننا فيه فالنخيلة أنتم الذين لم تزالوا لنا شيعة و إخوانا و إلا و قد رأينا أن ندعوكم إلى هذا الأمر الذي أراد اللّه به إخوانكم فيما يزعمون و يظهرون لنا أنهم يتوبون و أنكم جدراء بتطلاب الفضل و التماس الأجر و التوبة إلى ربكم من الذنب و لو كان في ذلك حز الرقاب و قتل الأولاد و استيفاء الأموال و هلاك العشائر ما ضر أهل عذراء الذين قتلوا ألا يكونوا اليوم أحياء و هم عند ربهم يرزقون شهداء قد لقوا اللّه صابرين محتسبين فأثابهم ثواب الصابرين يعنى حجرا و أصحابه و ما ضر إخوانكم المقتّلين صبرا المصلّبين ظلما و الممثول بهم المعتدى عليهم ألا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم قد خيّر لهم فلقوا ربهم و وفّاهم اللّه إن شاء

ص: 61

اللّه أجرهم فاصبروا رحمكم اللّه على البأساء و الضراء و حين البأس و توبوا إلى اللّه عن قريب فو اللّه إنكم لأحرياء ألا يكون أحد من إخوانكم صبر على شيء من البلاء إرادة ثوابه إلا صبرتم التماس الأجر فيه على مثله و لا يطلب رضاء اللّه طالب بشيء من الأشياء و لو أنه القتل إلا طلبتم رضاء اللّه به إن التقوى أفضل الزاد في الدنيا و ما سوى ذلك يبور و يفنى فلتعزف عنها أنفسكم و لتكن رغبتكم في دار عافيتكم و جهاد عدو اللّه و عدوكم و عدو أهل بيت نبيكم حتى تقدموا على اللّه تائبين راغبين أحيانا اللّه و إياكم حياة طيبة و أجارنا و إياكم من النار و جعل منايانا قتلا في سبيله على يدي أبغض خلقه اللّه و أشدهم عداوة له إنه القدير على ما يشاء و الصانع لأوليائه في الأشياء و السّلام عليكم.

قال:و كتب ابن صرد الكتاب و بعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبد اللّه ابن مالك الطائي فبعث به سعد حين قرأ كتابه إلى من كان بالمدائن من الشيعة و كان بها أقوام من أهل الكوفة قد أعجبتهم فأوطنوها و هم يقدمون الكوفة في كل حين عطاء و رزق فيأخذون حقوقهم و ينصرفون إلى أوطانهم فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن صرد ثم إنه حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنكم قد كنتم مجتمعين مزمعين على نصر الحسين عليه السّلام و قتال عدوه فلم يفجأكم أول من قتله و اللّه مثيبكم على حسن النية و ما أجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة و قد بعث إليكم إخوانكم يستنجدونكم و يستمدونكم و يدعونكم إلى الحق و إلى ما ترجون لكم به عند اللّه أفضل الأجر و الحظ فماذا ترون و ماذا تقولون فقال القوم بأجمعهم نجيبهم و نقاتل معهم و رأينا في ذلك مثل رأيهم.

فقام عبد اللّه بن الحنطل الطائي ثم الحزمري فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنا قد أجبنا إخواننا إلى ما دعونا إليه و قد رأينا مثل الذي قد رأوا فسرّحني إليهم في الخيل.

فقال له:رويدا لا تعجل استعدوا للعدو و أعدوا له الحرب ثم نسير و تسيرون

ص: 62

و كتب سعد بن حذيفة بن اليمان إلى سليمان بن صرد مع عبد اللّه بن مالك الطائي بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى سليمان بن صرد من سعد بن حذيفة و من قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فقد قرأنا كتابك و فهمنا الذي دعوتنا إليه من الأمر الذي عليه رأي الملأ من إخوانك فقد هديت لحظك و يسرت لرشدك و نحن جادون مجدون معدون مسرجون ملجمون ننتظر الأمر و نستمع الداعي فإذا جاء الصريخ أقبلنا و لم نعرج إن شاء اللّه و السّلام،فلما قرأ كتابه سليمان بن صرد قرأه على أصحابه فسروا بذلك.

قال:و كتب إلى المثنى بن محربة العبدي نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان و بعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد فكتب إليه المثنى أما بعد فقد قرأت كتابك و أقرأته إخوانك فحمدوا رأيك و استجابوا لك فنحن موافوك إن شاء اللّه للأجل الذي ضربت و في الموطن الذي ذكرت و السّلام عليك و كتب في أسفل كتابه

تبصر كأني قد أتيتك معلما على أتلع الهادي أجش هزيم

طويل القرى نهد الشواء مقلص ملح على فأس اللجام أزوم

بكل فتى لا يملأ الروع نحره محس لعض الحرب غير سؤوم

أخي ثقة ينوى الاله بسعيه ضروب بنصل السيف غير أثيم (1).

(قال أبو مخنف)لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن سعد بن نفيل قال:كان أول ما ابتدعوا به من أمرهم سنة 61 و هى السنة التي قتل فيها الحسين رضي اللّه عنه فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب و الإستعداد للقتال و دعاء الناس في السر من الشيعة و غيرها إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم بعد القوم و النفر بعد النفر فلم يزالوا كذلك و في ذلك حتى مات يزيد بن معاوية يوم1.

ص: 63


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 431.

الخميس لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة 64 و كان بين قتل الحسين و هلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين و شهران و أربعة أيام و هلك يزيد و أمير العراق عبيد اللّه بن زياد و هو بالبصرة و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة فقالوا:قد مات هذا الطاغية و الآمر الآن ضعيف فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين عليه السّلام و تتبعنا قتلته و دعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم فقالوا في ذلك فأكثروا.

فقال لهم سليمان بن صرد:رويدا لا تعجلوا إني قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين عليه السّلام هم أشراف أهل الكوفة و فرسان العرب و هم المطالبون بدمه و متى علموا ما تريدون و علموا أنهم المطلوبون كانوا أشد عليكم و نظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم و لم يشفوا أنفسهم و لم ينكوا في عدوهم و كانوا لهم جزرا و لكن بثّوا دعاتكم في المصر فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم و غير شيعتكم فإني أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه ففعلوا و خرجت طائفة منهم دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك (1).

(قال هشام)قال أبو مخنف:و حدثنا الحصين بن يزيد عن رجل من مزينة قال:

ما رأيت من هذه الأمة أحدا كان أبلغ من عبيد اللّه بن عبد اللّه المري في منطق و لا عظة و كان من دعاة أهل المصر زمان سليمان بن صرد و كان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس فوعظهم بدأ بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم يقول:أما بعد فإن اللّه اصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم على خلقه بنبوته و خصّه بالفضل كله2.

ص: 64


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 432.

و أعزّكم باتباعه و أكرمكم بالايمان به فحقن به دماءكم المسفوكة و آمن به سبلكم المخوفة وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ فهل خلق ربكم في الأولين و الآخرين أعظم حقا على هذه الأمة من نبيها و هل ذرية أحد من النبيين و المرسلين أو غيرهم أعظم حقا على هذه الأمة من ذرية رسولها ؟ لا و اللّه ما كان و لا يكون للّه أنتم ألم تروا و يبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيكم أما رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته و استضعافهم وحدته و ترميلهم إياه بالدم و تجرارهموه على الأرض لم يرقبوا فيه ربهم و لا قرابته من الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم اتخذوه للنبل غرضا و غادروه للضباع جزرا فللّه عينا من رأى مثله و للّه حسين بن علي ماذا غادروا به،ذا صدق و صبر و ذا أمانة و نجدة و حزم،ابن أول المسلمين إسلاما و ابن بنت رسول رب العالمين قلّت حماته و كثرت عداته حوله فقتله عدوه و خذله وليه فويل للقاتل و ملامة للخاذل إن اللّه لم يجعل لقاتله حجة و لا لخاذله معذرة إلا أن يناصح للّه في التوبة فيجاهد القاتلين و ينابذ القاسطين فعسى اللّه عند ذلك أن يقبل التوبة و يقيل العثرة إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه و سنة نبيه و الطلب بدماء أهل بيته و إلى جهاد المحلين و المارقين فإن قتلنا فما عند اللّه خير للأبرار و إن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهل بيت نبينا.

قال:و كان يعيد هذا الكلام علينا في كل يوم حتى حفظه عامتنا قال:و وثب الناس على عمرو بن حريث عند هلاك يزيد بن معاوية فأخرجوه من القصر و اصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي و هو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولي:

أشدد يديك بزيد إن ظفرت به و اشف الأرامل من دحروجة الجعل

و كان كأنه إيهام قصرا و زيد مولاه و خازنه فكان يصلّى بالناس و بايع لابن الزبير و لم يزل أصحاب سليمان بن صرد يدعون شيعتهم و غيرهم من أهل مصرهم حتى كثر تبعهم و كان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع

ص: 65

منهم قبل ذلك،فلما مضت ستة أشهر من هلاك يزيد بن معاوية قدم المختار بن أبي عبيد الكوفة فقدم في النصف من شهر رمضان يوم الجمعة.

قال:و قدم عبد اللّه بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي من قبل عبد اللّه بن الزبير أميرا على الكوفة على حربها و ثغرها و قدم معه من قبل ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه الأعرج أميرا على خراج الكوفة و كان قدوم عبد اللّه بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة 64.

قال:و قدم المختار قبل عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بثمانية أيام و دخل المختار الكوفة و قد اجتمعت رؤوس الشيعة و وجوهها مع سليمان بن صرد فليس يعدلونه به فكان المختار إذا دعاهم إلى نفسه و إلى الطلب بدم الحسين عليه السّلام قالت له الشيعة:هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة قد انقادوا له و اجتمعوا عليه فأخذ يقول للشيعة إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن علي بن الحنفية مؤتمنا مأمونا منتجبا و وزيرا فو اللّه ما زال بالشيعة حتى انشعبت إليه طائفة تعظّمه و تجيبه و تنتظر أمره و عظم الشيعة مع سليمان بن صرد فسليمان أثقل خلق اللّه على المختار و كان المختار يقول لأصحابه أتدرون ما يريد هذا يعنى سليمان بن صرد إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه و يقتلكم ليس له بصر بالحروب و لا له علم بها.

قال:و أتى يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم الشيباني عبد اللّه بن يزيد الأنصاري فقال:إن الناس يتحدثون أن هذه الشيعة خارجة عليك مع ابن صرد و منهم طائفة أخرى مع المختار و هى أقل الطائفتين عددا و المختار فيما يذكر الناس لا يريد أن يخرج حتى ينظر إلى ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد و قد اجتمع له أمره و هو خارج من أيامه هذه فإن رأيت أن تجمع الشرط و المقاتلة و وجوه الناس ثم تنهض إليهم و ننهض معك فإذا دفعت إلى منزله دعوته فإن أجابك حسبه و إن قاتلك قاتلته و قد جمعت له و عبأت و هو مغتر فإني أخاف عليك إن هو بدأك و أقررته حتى يخرج عليك أن تشتد شوكته و أن يتفاقم أمره فقال عبد اللّه بن يزيد اللّه بيننا

ص: 66

و بينهم إن هم قاتلونا قاتلناهم و إن تركونا لم نطلبهم.حدثني ما يريد الناس؟

قال:يذكر الناس أنهم يطلبون بدم الحسين بن علي عليه السّلام قال:فأنا قتلت الحسين لعن اللّه قاتل الحسين.

قال:و كان سليمان بن صرد و أصحابه يريدون أن يثبوا بالكوفة فخرج عبد اللّه بن يزيد حتى صعد المنبر ثم قام في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فقد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر أرادوا أن يخرجوا علينا فسألت عن الذي دعاهم إلى ذلك ما هو فقيل لي زعموا أنهم يطلبون بدم الحسين بن علي فرحم اللّه هؤلاء القوم قد و اللّه دللت على أماكنهم و أمرت بأخذهم و قيل ابدأهم قبل أن يبدأوك فأبيت ذلك فقلت إن قاتلوني قاتلتهم و إن تركوني لم أطلبهم و علام يقاتلوني فو اللّه ما أنا قتلت حسينا و لا أنا ممن قاتله و لقد أصبت بمقتله رحمة اللّه عليه فإن هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا و لينتشروا ظاهرين ليسيروا إلى من قاتل الحسين فقد أقبل إليهم و أنالهم على قاتله ظهير هذا ابن زياد قاتل الحسين و قاتل خياركم و أماثلكم قد توجه إليكم عهد العاهد به على مسيرة ليلة من جسر منبج فقتاله و الإستعداد له أولى و أرشد من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضا و يسفك بعضكم دماء بعض فيلقاكم ذلك العدو غدا و قد رققتم،و تلك و اللّه أمنية عدوكم و إنه قد أقبل إليكم أعدى خلق اللّه لكم من ولّي عليكم هو و أبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف و الدين هو الذي قتلكم و من قبله أوتيتم و الذي قتل من تثأرون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم و شوكتكم و اجعلوها به و لا تجعلوها بأنفسكم إني لم ألكم نصحا جمع اللّه لنا كلمتنا و أصلح لنا أئمتنا.

قال:فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة:أيها الناس لا يغرنكم من السيف و الغشم مقالة هذا المداهن الموادع و اللّه لئن خرج علينا خارج لنقتلنه و لئن استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده و المولود بوالده و لنأخذن الحميم بالحميم و العريف بما في عرافته حتى يدينوا للحق و يذلوا للطاعة فوثب إليه

ص: 67

المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال:يا ابن الناكثين أنت تهددنا بسيفك و غشمك أنت و اللّه أذل من ذلك إنا لا نلومك على بغضنا و قد قتلنا أباك وجدك و اللّه إني لأرجو ألا يخرجك اللّه من بين ظهراني أهل هذا المصر حتى يثلثوا بك جدك و أباك و أما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا و إني و اللّه لأظن من يريد هذا الأمر مستنصحا لك و قابلا قولك فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة أي و اللّه ليقتلن و قد أدهن ثم أعلن.

فقام إليه عبد اللّه بن وال التيمي فقال:ما اعتراضك يا أخا بني تيم بن مرة فيما بيننا و بين أميرنا فو اللّه ما أنت علينا بأمير و لا لك علينا سلطان إنما أنت أمير الجزية فأقبل على خراجك فلعمر اللّه لئن كنت مفسدا ما أفسد أمر هذه الأمة إلا والدك وجدك الناكثان فكانت بهما اليدان و كانت عليهما دائرة السوء.

قال:ثم أقبل مسيب بن نجبة و عبد اللّه بن وال على عبد اللّه بن يزيد فقالا:أما رأيك أيها الأمير فو اللّه إنا لا نرجو أن تكون به عند العامة محمودا و أن تكون عند الذي عنيت و اعتريت مقبولا فغضب أناس من عمال إبراهيم بن محمد بن طلحة و جماعة ممن كان معه فتشاتموا دونه فشتمهم الناس و خصموهم،فلما سمع ذلك عبد اللّه بن يزيد نزل و دخل و انطلق إبراهيم بن محمد و هو يقول قد داهن عبد اللّه بن يزيد أهل الكوفة و اللّه لأكتبن بذلك إلى عبد اللّه بن الزبير فأتى شبث بن ربعي التميمي عبد اللّه بن يزيد فأخبره بذلك فركب به و بيزيد بن الحارث بن رويم حتى دخل على إبراهيم بن محمد بن طلحة فحلف له باللّه ما أردت بالقول الذي سمعت إلا العافية و صلاح ذات البين إنما أتاني يزيد بن الحارث بكذا و كذا فرأيت أن أقوم فيهم بما سمعت إرادة ألا تختلف الكلمة و لا تتفرق الألفة و ألا تقع بأس هؤلاء القوم بينهم فعذره و قبل منه.

قال:ثم إن أصحاب سليمان بن صرد خرجوا ينشرون السلاح ظاهرين و يتجهزون يجاهرون بجهازهم و ما يصلحهم.

ص: 68

(و في هذه السنة)فارق عبد اللّه بن الزبير الخوارج الذين كانوا قدموا عليه مكة فقاتلوا معه حصين بن نمير السكوني فصاروا إلى البصرة ثم افترقت كلمتهم فصاروا أحزابا (1).6.

ص: 69


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 436.

فراق الخوارج ابن الزبير

قال الطبري:حُدّثت عن هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى قال:حدثني أبو المخارق الراسبي قال:لما ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبي بلال ما ركب و قد كان قبل ذلك لا يكف عنهم و لا يستبقيهم غير أنه بعد قتل أبي بلال تجرّد لاستئصالهم و هلاكهم و اجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة و سار إليه أهل الشام فتذاكروا ما أتى إليهم فقال لهم نافع بن الأزرق:إن اللّه قد أنزل عليكم الكتاب و فرض عليكم فيه الجهاد و احتج عليكم بالبيان و قد جرّد فيكم السيوف أهل الظلم و أولو العدى و الغشم و هذا من قد ثار بمكة فاخرجوا بنا نأت البيت و نلق هذا الرجل فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو و إن يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا و نظرنا بعد ذلك في أمورنا فخرجوا حتى قدموا على عبد اللّه بن الزبير فسرّ بمقدمهم و نبّأهم أنه على رأيهم و أعطاهم الرضى من غير توقف و لا تفتيش فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية و انصرف أهل الشأم عن مكة.

ثم إن القوم لقي بعضهم بعضا فقالوا إن هذا الذي صنعتم أمس بغير رأي و لا صواب من الأمر تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله ليس على رأيكم إنما كان أمس يقاتلكم هو و أبوه ينادي يا لثارات عثمان فأتوه و سلوه عن عثمان فإن برئ منه كان وليّكم و إن أبى كان عدوكم،فمشوا نحوه فقالوا له:أيها الانسان إنا قد قاتلنا معك و لم نفتشك عن رأيك حتى نعلم أمنا أنت أم من عدونا خبّرنا ما مقالتك في عثمان فنظر فإذا من حوله من أصحابه قليل فقال لهم إنكم أتيتموني فصادفتموني حين أردت القيام و لكن روحوا إلى العشية حتى أعلمكم من ذلك الذي تريدون فانصرفوا

ص: 70

و بعث إلى أصحابه فقال البسوا السلاح و احضروني بأجمعكم العشية ففعلوا و جاءت الخوارج و قد أقام أصحابه حوله سماطين عليهم السلاح و قامت جماعة منهم عظيمة على رأسه بأيديهم الأعمدة.

فقال ابن الأزرق لأصحابه:خشي الرجل غائلتكم و قد أزمع بخلافكم و استعد لكم ما ترون فدنا منه ابن الأزرق.

فقال له:يا ابن الزبير اتق اللّه ربك و ابغض الخائن المستأثر و عاد أول من سنّ الضلالة و أحدث الأحداث و خالف حكم الكتاب فإنك إن تفعل ذلك ترض ربك و تنج من العذاب الأليم نفسك و إن تركت ذلك فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم و أذهبوا في الحياة الدنيا طيباتهم يا عبيدة بن هلال صف لهذا الانسان و من معه أمرنا الذي نحن عليه و الذي ندعو الناس إليه فتقدّم عبيدة بن هلال.

(قال هشام)قال أبو مخنف:و حدثني أبو علقمة الخثعمي عن أبي قبيصة بن عبد الرحمن القحافي من خثعم قال:أنا و اللّه شاهد عبيدة بن هلال إذ تقدّم فتكلم فما سمعت ناطقا قط ينطق كان أبلغ و لا أصوب قولا منه و كان يرى رأى الخوارج قال:

و إن كان ليجمع القول الكثير في المعنى الخطير في اللفظ اليسير.

قال:فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإن اللّه بعث محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم يدعو إلى عبادة اللّه و إخلاص الدين فدعا إلى ذلك فأجابه المسلمون فعمل فيهم بكتاب اللّه و أمره حتى قبضه اللّه إليه صلّى اللّه عليه و استخلف الناس أبا بكر و استخلف أبو بكر عمر فكلاهما عملا بالكتاب و سنة رسول اللّه فالحمد للّه رب العالمين ثم إن الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الأحماء فآثر القربى و استعمل الفتى و رفع الدرة و وضع السوط و مزّق الكتاب و حقّر المسلم و ضرب منكري الجور و آوى طريد الرسول صلّى اللّه عليه و ضرب السابقين بالفضل و سيّرهم و حرمهم ثم أخذ في اللّه الذي أفاءه عليهم فقسمه بين فساق قريش و مجان العرب فسارت إليه طائفة من

ص: 71

المسلمين أخذ اللّه ميثاقهم على طاعته لا يبالون في اللّه لومة لائم فقتلوه فنحن لهم أولياء و من ابن عفان و أوليائه برآء فما تقول أنت يا ابن الزبير؟

قال:فحمد اللّه ابن الزبير و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فقد فهمت الذي ذكرتم و ذكرت به النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فهو كما قلت صلّى اللّه عليه و فوق ما وصفته و فهمت ما ذكرت به أبا بكر و عمر و قد وفقت و أصبت و قد فهمت الذي ذكرت به عثمان بن عفان رحمة اللّه عليه و إني لا أعلم مكان أحد من خلق اللّه اليوم أعلم بابن عفان و أمره مني كنت معه حيث نقم القوم عليه و استعتبوه فلم يدع شيئا استعتبه القوم فيه إلا أعتبهم منه ثم إنهم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنه كتبه فيهم يأمر فيه بقتلهم فقال لهم ما كتبته فإن شئتم فهاتوا بينتكم فإن لم تكن حلفت لكم فو اللّه ما جاءوه ببيّنة و لا استحلفوه و وثبوا عليه فقتلوه و قد سمعت ما عبته به فليس كذلك بل هو لكل خير أهل و أنا أشهدكم و من حضر أني وليّ لابن عفان في الدنيا و الآخرة و ولي أوليائه و عدو أعدائه قالوا فبرئ اللّه منك يا عدو اللّه.

قال:فبرئ اللّه منكم يا أعداء اللّه و تفرّق القوم فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي و عبد اللّه بن صفار السعدي من بني صريم بن مقاعس و عبد اللّه بن أباض أيضا من بني صريم و حنظلة بن بيهس و بنو الماحوز عبد اللّه و عبيد اللّه و الزبير من بني سليط بن يربوع حتى أتوا البصرة و انطلق أبو طالوت من بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن مالك بن بكر بن وائل و عبد اللّه بن ثور أبو فديك من بني قيس بن ثعلبة و عطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا باليمامة مع أبي طالوت ثم أجمعوا بعد ذلك على نجدة ابن عامر الحنفي فأما البصريون منهم فإنهم قدموا البصرة و هم مجمعون على رأى أبى بلال.

(قال هشام)قال أبو مخنف لوط بن يحيى:فحدثني أبو المثنى عن رجل من إخوانه من أهل البصرة أنهم اجتمعوا فقالت العامة منهم لو خرج منا خارجون في سبيل اللّه فقد كانت منافترة منذ خرج أصحابنا فيقوم علماؤنا في الأرض فيكونون

ص: 72

مصابيح الناس يدعونهم إلى الدين و يخرج أهل الورع و الإجتهاد فيلحقون بالرب فيكونون شهداء مرزوقين عند اللّه أحياء فانتدب لها نافع بن الأزرق فاعتقد على ثلاثمائة رجل فخرج و ذلك عند و ثوب الناس بعبيد اللّه بن زياد و كسر الخوارج أبواب السجون و خروجهم منها و اشتغل الناس بقتال الأزدي و ربيعة و بني تميم و قيس في دم مسعود بن عمرو فاغتنمت الخوارج اشتغال الناس بعضهم ببعض فتهيأوا و اجتمعوا،فلما خرج نافع ابن الأزرق تبعوه و اصطلح أهل البصرة على عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب يصلّي بهم و خرج ابن زياد إلى الشام و اصطلحت الأزد و بنو تميم فتجرد الناس للخوارج فأتبعوهم و أخافوهم حتى خرج من بقى منهم بالبصرة فلحق بابن الأزرق إلا قليلا منهم ممن لم يكن أراد الخروج يومه ذلك منهم عبد اللّه بن صفار و عبد اللّه بن أباض و رجال معهما على رأيهما و نظر نافع بن الأزرق و رأى أن ولاية من تخلّف عنه لا تنبغي و أن من تخلف عنه لا نجاة له فقال لأصحابه:إن اللّه قد أكرمكم بمخرجكم و بصّركم ما عمي عنه غيركم ألستم تعلمون أنكم إنما خرجتم تطلبون شريعته و أمره فأمره لكم قائد و الكتاب لكم إمام و إنما تتبعون سننه و أثره.

فقالوا:بلى.

فقال:أ ليس حكمكم في وليّكم حكم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في وليّه و حكمكم في عدوكم حكم النبي صلّى اللّه عليه و على آله و سلم في عدوه و عدوكم اليوم عدو اللّه و عدو النبي صلّى اللّه تعالى عليه و سلم كما أن عدو النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يومئذ هو عدو اللّه و عدوكم اليوم فقالوا:نعم.

قال:فقد أنزل اللّه تبارك و تعالى بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1).1.

ص: 73


1- سورة براءة:1.

و قال: لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ (1)فقد حرّم اللّه ولايتهم و المقام بين أظهرهم و إجازة شهادتهم و أكل ذبائحهم و قبول علم الدين عنهم و مناكحتهم و مواريثهم و قد احتج اللّه علينا بمعرفة هذا و حق علينا أن نعلّم هذا الدين الذين خرجنا من عندهم و لا نكتم ما أنزل اللّه و اللّه عز و جل يقول إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (2)فاستجاب له إلى هذا الرأي جميع أصحابه فكتب من عبيد اللّه نافع بن الأزرق إلى عبد اللّه بن صفار و عبد اللّه بن أباض و من قبلهما من الناس سلام على أهله طاعة اللّه من عباد اللّه فإن من الأمر كيت و كيت فقص هذه القصة و وصف هذه الصفة ثم بعث بالكتاب إليهما فأتيا به فقرأه عبد اللّه بن صفار فأخذه فوضعه خلفه فلم يقرأه على الناس خشية أن يتفرقوا و يختلفوا.

فقال له عبد اللّه بن أباض:ما لك للّه أبوك أي شيء أصبت أن قد أصيب إخواننا أو أسر بعضهم فدفع الكتاب إليه فقرأه فقال:قاتله اللّه أي رأي رأى صدق نافع بن الأزرق لو كان القوم مشركين كان أصوب الناس رأيا و حكما فيما يشير به و كانت سيرته كسيرة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في المشركين و لكنه قد كذب و كذبنا فيما يقول:إن القوم كفار بالنعم و الأحكام و هم برآء من الشرك و لا يحل لنا إلا دماؤهم و ما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام فقال ابن صفار برئ اللّه منك فقد قصّرت و برئ اللّه من ابن الأزرق فقد غلا برئ اللّه منكما جميعا.

و قال الآخر:فبرئ اللّه منك و منه و تفرّق القوم و اشتدت شوكة ابن الأزرق و كثرت جموعه و أقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبد اللّه بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد الشمس بن عبد مناف9.

ص: 74


1- سورة البقرة:221.
2- سورة البقرة:159.

في أهل البصرة

(قال أبو جعفر)و في النصف من شهر رمضان من هذه السنة كان مقدم المختار بن أبي عبيد الكوفة (1).1.

ص: 75


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 441.

سبب مقدم المختار إلى الكوفة

قال الطبري:قال هشام بن محمد الكلبي:قالوا أبو مخنف:قال النضر بن صالح:

كانت الشيعة تشتم المختار و تعتبه لما كان منه في أمر الحسن بن علي يوم طعن في مظلم ساباط فحمل إلى أبيض المدائن حتى إذا كان زمن الحسين و بعث الحسين مسلم بن عقيل إلى الكوفة نزل دار المختار و هى اليوم دار سلم بن المسيب فبايعه المختار بن أبي عبيد فيمن بايعه من أهل الكوفة و ناصحه و دعا إليه من أطاعه حتى خرج ابن عقيل يوم خرج و المختار في قرية له بخطرنية تدعى لقفا فجاءه خبر ابن عقيل عند الظهر أنه قد ظهر بالكوفة فلم يكن خروجه يوم خرج على ميعاد من أصحابه إنما خرج حين قيل له إن هانئ بن عروة المرادي قد ضرب و حبس فأقبل المختار في موال له حتى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب و قد عقد عبيد اللّه بن زياد لعمرو بن حريث راية على جميع الناس و أمره أن يقعد لهم في المسجد،فلما كان المختار فوقف على باب الفيل مر به هانئ بن أبي حية الوادعي فقال للمختار ما وقوفك ههنا لا أنت مع الناس و لا أنت في رحلك.

قال:أصبح رأيي مرتجا لعظم خطيئتكم.

فقال له:أظنك و اللّه قاتلا نفسك ثم دخل على عمرو بن حريث فأخبره بما قال للمختار و ما رد عليه المختار.

(قال أبو مخنف)فأخبرني النضر بن صالح عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي قال:كنت جالسا عند عمرو بن حريث حين بلّغه هانئ بن أبي حية عن المختار هذه

ص: 76

المقالة فقال لي قم إلى ابن عمك فأخبره أن صاحبه لا يدرى أين هو فلا يجعلن على نفسه سبيلا فقمت لآتيه و وثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود فقال له:يأتيك على أنه آمن.

فقال له عمرو بن حريث:أمّا مني فهو آمن إن رقي إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد شيء من أمره أقمت له بمحضره الشهادة و شفعت له أحسن الشفاعة.

فقال له زائدة بن قدامة:لا يكوننّ مع هذا إن شاء اللّه إلا خير.

قال عبد الرحمن فخرجت و خرجت معي زائدة إلى المختار فأخبرناه بمقالة ابن أبي حية و بمقالة عمرو بن حريث و ناشدناه باللّه ألا يجعل على نفسه سبيلا فنزل إلى ابن حريث فسلّم عليه و جلس تحت رايته حتى أصبح و تذاكر الناس أمر المختار و فعله فمشى عمارة بن عقبة بن أبي معيط بذلك إلى عبيد اللّه بن زياد فذكر له فلما ارتفع النهار فتح باب عبيد اللّه بن زياد و أذن للناس فدخل المختار فيمن دخل فدعاه عبيد اللّه.

فقال له:أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل.

فقال له:لم أفعل و لكني أقبلت و نزلت تحت راية عمرو بن حريث و بت معه و أصبحت.

فقال له عمرو:صدق أصلحك اللّه.

قال:فرفع القضيب فاعترض به وجه المختار فحبط به عينه فشترها و قال أولى لك أما و اللّه لو لا شهادة عمرو لك لضربت عنقك انطلقوا به إلى السجن فانطلقوا به إلى السجن فحبس فيه فلم يزل في السجن حتى قتل الحسين ثم إن المختار بعث إلى زائدة بن قدامة فسأله أن يسير إلى عبد اللّه بن عمر بالمدينة فيسأله أن يكتب له إلى يزيد بن معاوية فيكتب إلى عبيد اللّه بن زياد بتخلية سبيله فركب زائدة إلى عبد اللّه بن عمر فقدم عليه فبلّغه رسالة المختار و علمت صفية أخت المختار بمحبس أخيها و هى تحت عبد اللّه بن عمر فبكت و جزعت،فلما رأى ذلك عبد اللّه بن عمر كتب مع

ص: 77

زائدة إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن عبيد اللّه بن زياد حبس المختار و هو صهري و أنا أحب أن يعافى و يصلح من حاله فإن رأيت رحمنا اللّه و إياك أن تكتب إلى ابن زياد فتأمره بتخليته فعلت و السّلام عليك فمضى زائدة على رواحله بالكتاب حتى قدم به على يزيد بالشام،فلما قرأه ضحك ثم قال:يشفع أبو عبد الرحمن و أهل ذلك هو فكتب له إلى ابن زياد أما بعد فخل سبيل المختار بن أبي عبيد حين تنظر في كتابي و السّلام عليك فأقبل به زائدة حتى دفعه فدعا ابن زياد بالمختار فأخرجه ثم قال له:قد أجلّتك ثلاثا فإن أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمة فخرج إلى رحله و قال ابن زياد و اللّه لقد اجترأ عليّ زائدة حين يرحل إلى أمير المؤمنين حتى يأتيني بالكتاب في تخلية رجل قد كان من شأني أن أطيل حبسه عليّ به فمر به عمرو بن نافع أبو عثمان كاتب لابن زياد و هو يطلب و قال له:النجاء بنفسك و اذكرها يدا لي عندك.

قال:فخرج زائدة فتوارى يومه ذلك ثم إنه خرج في أناس من قومه حتى أتى القعقاع بن شور الذهلي و مسلم بن عمرو الباهلي فأخذا له من ابن زياد الأمان.

(قال هشام)قال أبو مخنف:و لما كان اليوم الثالث خرج المختار إلى الحجاز قال:

فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق مولى لثقيف قال:أقبلت من الحجاز حتى إذا كنت بالبسيطة من وراء واقصة استقبلت المختار بن أبي عبيد خارجا يريد الحجاز حين خلّى سبيله ابن زياد،فلما استقبلته رحبت به و عطفت إليه،فلما رأيت شتر عينه استرجعت له و قلت له بعد ما توجعت له:ما بال عينك صرف اللّه عنك السوء.

قال:خبط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى فقلت له:ماله شلّت أنامله.

فقال المختار:قتلني اللّه إن لم أقطع أنامله و أباجله و أعضاءه إربا إربا.

قال:فعجبت لمقالته فقلت له:ما علمك بذلك رحمك اللّه؟

ص: 78

فقال لي:ما أقول لك فاحفظه عني حتى ترى مصداقه.

قال:ثم طفق يسألني عن عبد اللّه بن الزبير فقلت له لجأ إلى البيت.

فقال:إنما أنا عائذ برب هذه البنية الناس يتحدثون أنه يبايع سرا و لا أراه إلا لو قد اشتدت شوكته و استكثف من الرجال إلا سيظهر الخلاف.قال:أجل لا شك في ذلك أما انه رجل العرب اليوم أما إنه ان يخطط في أثري و يسمع قولي أكفه أمر الناس و إلا يفعل فو اللّه ما أنا بدون أحد من العرب يا ابن العرق إن الفتنة قد أرعدت و أبرقت و كأن قد انبعثت فوطئت في خطامها فإذا رأيت ذلك و سمعت به بمكان قد ظهرت فيه فقيل:إن المختار في عصائبه من المسلمين يطلب بدم المظلوم الشهيد المقتول بالطف سيد المسلمين و ابن سيدها الحسين بن علي عليه السّلام فو ربك لأقتلن بقتله عدة القتلى التي قتلت على دم يحيى بن زكرياء عليه السّلام.

قال:فقلت له:سبحان اللّه و هذه أعجوبة مع الأحدوثة الأولى.فقال:هو ما أقول لك فاحفظه عني حتى ترى مصداقه.

ثم حرّك راحلته فمضى و مضيت معه ساعة أدعو اللّه له بالسلامة و حسن الصحابة.

قال:ثم إنه وقف فأقسم علي لما انصرفت فأخذت بيده فودّعته و سلّمت عليه و انصرفت عنه فقلت في نفسي:هذا الذي يذكر لي هذا الإنسان يعنى المختار مما يزعم أنه كائن أشيء حدث به نفسه فو اللّه ما أطلع اللّه على الغيب أحدا و إنما هو شي يتمناه فيرى أنه كائن فهو يوجب رأيه فهذا و اللّه الرأي الشعاع فو اللّه ما كل ما يرى الانسان أنه كائن يكون.

قال:فو اللّه مامت حتى رأيت كل ما قاله قال:فو اللّه لئن كان ذلك من علم ألقي إليه لقد أثبت له و لئن كان ذلك رأيا رآه و شيئا تمناه لقد كان

(قال أبو مخنف)فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق قال:فحدثت بهذا الحديث للحجاج بن يوسف فضحك ثم قال لي:انه كان يقول أيضا:و دافعة ذيلها

ص: 79

و داعية ويلها بدجلة أو حولها فقلت له أترى هذا شيئا كان يخترعه و تخرصا يتخرّصه أم هو من علم كان أوتيه فقال:و اللّه ما أدرى ما هذا الذي تسألني عنه و لكن للّه دره أي رجل دينا و مسعر حرب و مقارع أعداء كان (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف الأنصاري من بني الخزرج عن عباس بن سهل بن سعد قال:قدم المختار علينا مكة فجاء إلى عبد اللّه بن الزبير و أنا جالس عنده فسلّم عليه فرد عليه ابن الزبير و رحب به و أوسع له ثم قال:حدثني عن حال الناس بالكوفة يا أبا إسحاق.

قال:هم لسلطانهم في العلانية أولياء و في السر أعداء.

فقال له ابن الزبير:هذه صفة عبيد السوء إذا رأوا أربابهم خدموهم و أطاعوهم فإذا غابوا عنهم شتموهم و لعنوهم.

قال:فجلس معنا ساعة ثم إنه قال إلى ابن الزبير كأنه يساره.

فقال له:ما تنتظر أبسط يدك أبايعك و أعطنا ما يرضينا و ثب على الحجاز فإن أهل الحجاز كلهم معك و قام المختار فخرج فلم ير حولا ثم إني بينا أنا جالس مع ابن الزبير إذ قال لي ابن الزبير:متى عهدك بالمختار ابن أبي عبيد فقلت له مالي به عهد منذ رأيته عندك عاما أول،فقال:أين تراه ذهب لو كان بمكة لقد رؤي بها بعد.

فقلت له:إني انصرفت إلى المدينة بعد إذ رأيته عندك بشهر أو شهرين فلبثت بالمدينة أشهرا ثم إني قدمت عليك فسمعت نفرا من أهل الطائف جاءوا معتمرين يزعمون أنه قدم عليهم الطائف و هو يزعم أنه صاحب الغضب و مبير الجبارين قال:قاتله اللّه لقد انبعث كذابا متكهنا إن اللّه إن يهلك الجبارين يكن المختار أحدهم فو اللّه ما كان إلا ريث فراغنا من منطقنا حتى عنّ لنا في جانب المسجد فقال ابن الزبير:أذكر غائبا تره أين تظنه يهوى؟4.

ص: 80


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 444.

فقلت:أظنه يريد البيت فأتى البيت فاستقبل الحجر ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم صلّى ركعتين عند الحجر ثم جلس فما لبث أن مر به رجال من معارفه من أهل الطائف و غيرهم من أهل الحجاز فجلسوا إليه و استبطأ ابن الزبير قيامه إليه فقال:

ما ترى شأنه لا يأتينا؟

قلت:لا أدري و سأعلم لك علمه و قال:ما شئت و كأن ذلك أعجبه.

قال:فقمت فمررت به كأني أريد الخروج من المسجد ثم التفت إليه فأقبلت نحوه ثم سلّمت عليه ثم جلست إليه و أخذت بيده فقلت له:أين كنت و أين بلغت بعدي أبا لطائف كنت؟

فقال لي:كنت بالطائف و غير الطائف و عمس علي أمره فملت إليه فناجيته فقلت له:مثلك يغيب عن مثل ما قد اجتمع عليه أهل الشرف و بيوتات العرب من قريش و الأنصار و ثقيف لم يبق أهل بيت و لا قبيلة إلا و قد جاء زعيمهم و عميدهم فبايع هذا الرجل فعجبا لك و لرأيك ألا تكون أتيته فبايعته و أخذت بحظك من هذا الأمر و قال لي:و ما رأيتني أتيته العام الماضي فأشرت عليه بالرأي فطوى أمره دوني و إني لما رأيته استغنى عني أحببت أن أريه أني مستغن عنه إنه و اللّه لهو أحوج إلي مني إليه فقلت له إنك كلمته بالذي كلمته و هو ظاهر في المسجد و هذا الكلام لا ينبغي أن يكون إلا و الستور دونه مرخاة و الأبواب دونه مغلقة إلقه الليلة إن شئت و أنا معك فقال لي:فإني فاعل إذا صلّينا العتمة أتيناه و اتعدنا الحجر.

قال:فنهضت من عنده فخرجت ثم رجعت إلى ابن الزبير فأخبرته بما كان من قولي و قوله فسر بذلك.

فلما صلّينا العتمة التقينا بالحجر ثم خرجنا حتى أتينا منزل ابن الزبير فاستأذنا عليه فأذن لنا فقلت أخليكما فقالا جميعا:لا سرّ دونك فجلست فإذا ابن الزبير قد أخذ بيده فصافحه و رحب به فسأله عن حاله و أهل بيته و سكتا جميعا غير طويل.

فقال له المختار:و أنا أسمع بعد أن تبدّأ في أول منطقه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم

ص: 81

قال أنه لا خير في الإكثار من المنطق و لا في التقصير عن الحاجة إني قد جئتك لأبايعك على ألا تقضي الأمور دوني و على أن أكون في أول من تأذن له و إذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك.

فقال له ابن الزبير:أبايعك على كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:و شر غلماني أنت مبايعه على كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم ما لي في هذا الأمر من الحظ ما ليس لأقصى الخلق منك لا و اللّه لا أبايعك أبدا إلا على هذه الخصال.

قال عباس بن سهل:فالتقمت أذن ابن الزبير.

فقلت له:اشتر منه دينه حتى ترى من رأيك.

فقال له ابن الزبير:فإن لك ما سألته فبسط يده فبايعه و مكث معه حتى شاهد الحصار الأول حين قدم الحصين بن نمير السكوني مكة فقاتل في ذلك اليوم فكان من أحسن الناس يومئذ بلاء و أعظمهم غناء.

فلما قتل المنذر بن الزبير و المسور بن مخرمة و مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري نادى المختار يا أهل الإسلام إلي إلي أنا ابن أبي عبيد بن مسعود و أنا ابن الكرار لا الفرار أنا ابن المقدمين غير المحجمين إلي يا أهل الحفاظ و حماة الأوتار فحمى الناس يومئذ و أبلى و قاتل قتالا حسنا ثم أقام مع ابن الزبير في ذلك الحصار حتى كان يوم أحرق البيت فإنه أحرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الأول سنة 64 فقاتل المختار يومئذ في عصابة معه نحو من ثلثمائة أحسن قتال قاتله أحد من الناس إن كان ليقاتل حتى يتبلد ثم يجلس و يحيط به أصحابه فإذا استراح نهض فقاتل فما كان يتوجّه نحو طائفة من أهل الشأم إلا ضاربهم حتى يكشفهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو يوسف محمد بن ثابط عن عباس بن سهل بن سعد قال تولّى قتال أهل الشأم يوم تحريق الكعبة عبد اللّه بن مطيع و أنا و المختار.

قال:فما كان فينا يومئذ رجل أحسن بلاء من المختار قال:و قاتل قبل أن يطّلع

ص: 82

أهل الشام على موت يزيد بن معاوية بيوم قتالا شديدا و ذلك يوم الأحد لخمس عشرة ليلة مضت من ربيع الآخر سنة 64 و كان أهل الشام قد رجوا أن يظفروا بنا و أخذوا علينا سكك مكة.

قال:و خرج ابن الزبير فبايعه رجال كثير على الموت.

قال:فخرجت في عصابة معي أقاتل في جانب و المختار في عصابة أخرى يقاتل في جماعة من أهل اليمامة في جانب و هم خوارج و إنما قاتلوا ليدفعوا عن البيت فهم في جانب و عبد اللّه بن المطيع في جانب.

قال:فشد أهل الشأم علي فحازوني في أصحابي حتى اجتمعت أنا و المختار و أصحابه في مكان واحدا فلم أكن أصنع شيئا إلا صنع مثله و لا يصنع شيئا إلا تكلفت أن أصنع مثله فما رأيت أشد منه قط.قال:فإنا لنقاتل إذ شدّت علينا رجال و خيل من خيل أهل الشأم فاضطروني و إياه في نحو من سبعين رجلا من أهل الصبر إلى جانب دار من دور أهل مكة فقاتلهم المختار يومئذ و أخذ يقول رجل لرجل و لا والت نفس امرىء يفر.

قال:فخرج المختار و خرجت معه فقلت ليخرج منكم إلي رجل فخرج إليّ رجل و اليه رجل آخر فمشيت إلى صاحبي فقتلته و مشى المختار إلى صاحبه فقتله ثم صحنا بأصحابنا و شددنا عليهم فو اللّه لضربناهم حتى أخرجناهم من السكك كلها ثم رجعنا إلى صاحبينا اللذين قتلنا.

قال:فإذا الذي قتلت رجل أحمر شديد الحمرة كأنه رومي و إذا الذي قتله المختار رجل أسود شديد السواد فقال لي المختار تعلم و اللّه إني لأظن قتيلينا هذين عبدين و لو أن هذين قتلانا لفجع بنا عشائرنا و من يرجونا و ما هذان و كلبان من الكلاب عندي إلا سواء و لا أخرج بعد يومي هذا لرجل أبدا إلا لرجل أعرفه.

فقلت له:و أنا و اللّه لا أخرج إلا لرجل أعرفه و أقام المختار مع ابن الزبير حتى هلك يزيد بن معاوية و انقضى الحصار و رجع أهل الشام إلى الشام و اصطلح أهل

ص: 83

الكوفة على عامر بن مسعود بعد ما هلك يزيد يصلّى بهم حتى يجتمع الناس على إمام يرضونه فلم يلبث عامر إلا شهرا حتى بعث ببيعته و بيعة أهل الكوفة إلى ابن الزبير و أقام المختار مع ابن الزبير خمسة أشهر بعد مهلك يزيد و أياما (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص.

قال:و اللّه إني لمع عبد اللّه بن الزبير و مع عبد اللّه بن صفوان بن أمية بن خلف و نحن نطوف بالبيت إذ نظر ابن الزبير فإذا هو بالمختار فقال لابن صفوان أنظر إليه فو اللّه لهو أحذر من ذئب قد أطافت به السباع.

قال:فمضى و مضينا معه،فلما قضينا طوافنا و صلّينا الركعتين بعد الطواف لحقنا المختار فقال لابن صفوان ما الذي ذكّرني به ابن الزبير.

قال:قال:فكتمه و قال:لم يذكرك إلا بخير.

قال:بلى و رب هذه البنية إن كنت لمن شأنكما أما و اللّه ليخطن في أثري أو لأقدنّها عليه سعرا فأقام معه خمسة أشهر،فلما رآه لا يستعمله جعل لا يقدم عليه أحد من الكوفة إلا سأله عن حال الناس و هيئتهم.

(قال أبو مخنف)فحدثني عطية بن الحارث أبو روق الهمداني أن هانئ بن أبي حية الوادعي قدم مكة يريد عمرة رمضان فسأله المختار عن حاله و حال الناس بالكوفة و هيئتهم فأخبره عنهم بصلاح و اتساق على طاعة ابن الزبير إلا أن طائفة من الناس لهم عدد أهل مصر لو كان لهم رجل يجمعهم على رأبهم أكل بهم الأرض إلى يوم ما.

فقال له المختار:أنا أبو إسحاق أنا و اللّه لهم أنا أجمعهم على مر الحق و أنفي بهم ركبان الباطل و أقتل بهم كل جبار عنيد فقال له هانئ بن أبي حية:ويحك يا ابن أبي7.

ص: 84


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 447.

عبيد إن استطعت ألا توضع في الظلال ليكن صاحبهم غيرك فإن صاحب الفتنة أقرب شي أجلا و أسوأ الناس عملا.

فقال له المختار:أني لا أدعو إلى الفتنة إنما أدعو إلى الهدى و الجماعة ثم وثب فخرج و ركب رواحله فأقبل نحو الكوفة حتى إذا كان بالقرعاء فلقيه سلمة بن مرثد أخو بنت مرثد القابضي من همدان و كان من أشجع العرب و كان ناسكا فلما التقيا تصافحا و تساء لا فخبّره المختار خبر الحجاز.

ثم قال لسلمة بن مرثد:حدثني عن الناس بالكوفة قال:هم كغنم ضل راعيها.

فقال المختار بن أبي عبيد:أنا الذي أحسن رعايتها و أبلغ نهايتها.

فقال له سلمة:اتق اللّه و اعلم أنك ميت و مبعوث و محاسب و مجزى بعملك إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ثم افترقا و أقبل المختار حتى انتهى إلى بحر الحيرة يوم الجمعة فنزل فاغتسل فيه و ادهن دهنا يسيرا و لبس ثيابه و اعتم و تقلّد سيفه ثم ركب راحلته فمر بمسجد السكون و جبانة كندة لا يمر بمجلس إلا سلّم على أهله و قال أبشروا بالنصر و الفلج أتاكم ما تحبون و أقبل حتى مر بمسجد بني ذهل و بني حجر فلم يجد ثم أحدا و وجد الناس قد راحوا إلى الجمعة فأقبل حتى مرّ ببنى بداء فوجد عبيدة بن عمرو البدي من كندة فسلّم عليه ثم قال:أبشر بالنصر و اليسر و الفلج إنك أبا عمرو على رأي حسن لن يدع اللّه لك معه مأثما إلا غفره و لا ذنبا إلا ستره.

قال:و كان عبيدة من أشجع الناس و أشعرهم و أشدهم حبا لعلى رضي اللّه عنه و كان لا يصبر عن الشراب،فلما قال له المختار هذا القول قال له عبيدة:بشّرك اللّه بخير إنك قد بشّرتنا فهل أنت مفسّر لنا؟.

قال:نعم فالقني في الرحل الليلة ثم مضى.

(قال أبو مخنف)فحدثني فضيل ابن حديج عن عبيدة بن عمرو قال:قال لي المختار هذه المقالة ثم قال لي:إلقني في الرحل و بلّغ أهل مسجدكم هذا عني أنهم

ص: 85

قوم أخذ اللّه ميثاقهم على طاعته يقتلون المحلين و يطالبون بدماء أولاد النبيين و يهديهم للنور المبين ثم مضى فقال لي كيف الطريق إلى بني هند فقلت له أنظرني أدلك فدعوت بفرسي و قد أسرج لي فركبته.

قال:و مضيت معه إلى بني هند فقال دلّني على منزل إسماعيل بن كثير.

قال:فمضيت به إلى منزله فاستخرجته فحياه و رحب به و صافحه و بشره و قال له إلقني أنت و أخوك الليلة و أبو عمرو فإني قد أتيتكم بكل ما تحبون.

قال:ثم مضى و مضينا معه حتى مر بمسجد جهينة الباطنة ثم مضى إلى باب الفيل فأناخ راحلته ثم دخل المسجد و استشرف له الناس و قالوا هذا المختار قد قدم فقام المختار إلى جنب سارية من سواري المسجد فصلّى عندها حتى أقيمت الصلاة فصلّى مع الناس ثم ركد إلى سارية أخرى فصلّى ما بين الجمعة و العصر، فلما صلّى العصر مع الناس انصرف.

(قال أبو مخنف)فحدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن المختار مر على حلقة همدان و عليه ثياب السفر فقال:أبشروا فإني قد قدمت عليكم بما يسركم و مضى حتى نزل داره و هى الدار التي تدعى دار سلم بن المسيب و كانت الشيعة تختلف إليها و اليه فيها.

(قال أبو مخنف)فحدثني فضيل بن حديج عن عبيد بن عمرو و إسماعيل بن كثير من بني هند قالا:أتيناه من الليل كما وعدنا،فلما دخلنا عليه و جلسنا ساءلنا عن أمر الناس و عن حال الشيعة فقلنا له إن الشيعة قد اجتمعت لسليمان بن صرد الخزاعي و إنه لن يلبث إلا يسيرا حتى يخرج.

قال:فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:أما بعد فإن المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم أمينا و وزيرا و منتخبا و أميرا و أمرني بقتال

ص: 86

الملحدين و الطلب بدماء أهل بيته و الدفع عن الضعفاء (1).

(قال أبو مخنف)قال:فضيل بن حديج فحدثني عبيدة بن عمرو و إسماعيل بن كثير أنهما كانا أول خلق اللّه إجابة و ضربا على يده و بايعاه.

قال:و أقبل المختار يبعث إلى الشيعة و قد اجتمعت عند سليمان بن صرد فيقول لهم إني قد جئتكم من قبل ولي الأمر و معدن الفضل و وصي الوصي و الإمام المهدي بأمر فيه الشفاء و كشف الغطاء و قتل الأعداء و تمام النعماء إن سليمان بن صرد يرحمنا اللّه و إياه إنما هو عشمة من العشم و حفش بال ليس بذى تجربة للأمور و لا له علم بالحروب إنما يريد أن يخرجكم فيقتل نفسه و يقتلكم إني إنما أعمل على مثال قد مثل لي و أمر قد بيّن لي فيه عز وليكم و قتل عدوكم و شفاء صدوركم فاسمعوا مني قولي و أطيعوا أمري ثم أبشروا و تباشروا فإني لكم بكل ما تأملون خير زعيم.

قال:فو اللّه ما زال بهذا القول و نحوه حتى استمال طائفة من الشيعة و كانوا يختلفون إليه و يعظّمونه و ينظرون أمره و عظم الشيعة يومئذ و رؤساؤهم مع سليمان بن صرد و هو شيخ الشيعة و أسنّهم فليس يعدلون به أحدا إلا أن المختار قد استمال منهم طائفة ليسوا بالكثير فسليمان بن صرد أثقل خلق اللّه على المختار و قد اجتمع لابن صرد يومئذ أمره و هو يريد الخروج و المختار لا يريد أن يتحرك و لا أن يهيج أمرا رجاء أن ينظر إلى ما يصير إليه أمر سليمان رجاء أن يستجمع له أمر الشيعة فيكون أقوى له على درك ما يطلب،فلما خرج سليمان بن صرد و مضى نحو الجزيرة قال عمر بن سعد بن أبي وقاص و شبث بن ربعي و يزيد بن الحارث بن رويم لعبد اللّه بن يزيد الخطمي و إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه:إن المختار أشد عليكم من سليمان بن صرد إن سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم9.

ص: 87


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 449.

و يذللهم لكم و قد خرج عن بلادكم و إن المختار إنما يريد أن يثب عليكم في مصركم فسيروا إليه فأوثقوه في الحديد و خلّدوه في السجن حتى يستقيم أمر الناس فخرجوا إليه في الناس فما شعر بشيء حتى أحاطوا به و بداره فاستخرجوه،فلما رأى جماعتهم قال:ما بالكم فو اللّه بعد ما ظفرت أكفكم.

قال:فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه لعبد اللّه بن يزيد:شدّه كتافا و مشّه حافيا.

فقال له عبد اللّه بن يزيد:سبحان اللّه ما كنت لأمشيه و لا لأحفيه و لا كنت لأفعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة و لا حربا و إنما أخذناه على الظن.

فقال له إبراهيم بن محمد:ليس بعشك فادرجي ما أنت و ما يبلغنا عنك يا ابن أبي عبيد.

فقال له:ما الذي بلغك عني إلا باطل و أعوذ باللّه من غش كغش أبيك و جدك قال:

قال فضيل:فو اللّه إني لأنظر إليه حين أخرج و أسمع هذا القول حين قال له:غير أني لا أدرى أسمعه منه إبراهيم أم لم يسمعه فسكت حين تكلم به.

قال:و أتى المختار ببلغة دهماء يركبها فقال إبراهيم لعبد اللّه بن يزيد ألا تشد عليه القيود فقال:كفى له بالسجن قيدا.

(قال أبو مخنف)و أما يحيى بن أبي عيسى فحدثني أنه قال:دخلت إليه مع حميد بن مسلم الأزدي نزوره و نتعاهده فرأيته مقيدا.

قال:فسمعته يقول أما و رب البحار و النخيل و الأشجار و المهامه و القفار و الملائكة الأبرار و المصطفين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار و مهند بتار في جموع من الأنصار ليسوا بميل أغمار و لا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين و رأيت شعب صدع المسلمين و شفيت غليل صدور المؤمنين و أدركت بثأر النبيين لم يكبر علي زوال الدنيا و لم أحفل بالموت إذا أتى.

قال:فكان إذا أتيناه و هو في السجن ردد علينا هذا القول حتى خرج منه.

ص: 88

قال:و كان يتشجع لأصحابه بعد ما خرج ابن صرد.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة هدم ابن الزبير الكعبة و كانت قد مال حيطانها مما رميت به من حجارة المجانيق فذكر محمد بن عمر الواقدي أن إبراهيم بن موسى حدثه عن عكرمة بن خالد قال:هدم ابن الزبير البيت حتى سوّاه بالأرض و حفر أساسه و أدخل الحجر فيه و كان الناس يطوفون من وراء الأساس و يصلون إلى موضعه و جعل الركن الأسود عنده في تابوت في سرقة من حرير و جعل ما كان من حلى البيت و ما وجد فيه من ثياب أو طيب عند الحجبة في خزانة البيت حتى أعادها لما أعاد بناءه.

قال محمد بن عمرو:حدثني معقل بن عبد اللّه عن عطاء قال:رأيت ابن الزبير هدم البيت كله حتى وضعه بالأرض.

(و حج)بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان عامله على مدينة فيها أخوه عبيدة بن الزبير و على الكوفة عبد اللّه بن زيد الخطمي و على قضائها سعد بن نمران و أبي شريح أن يقضى فيها و قال:فيما ذكر عنه أنا لا أقضى في الفتنة و على البصرة عمر بن عبيد اللّه ابن معمر التيمي و على قضائها هشام بن هبيرة و على خراسان عبد اللّه بن خازم ثم دخلت سنة خمس و ستين (1).1.

ص: 89


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 451.

عقد مروان البيعة لابنيه

قال الطبري:(و في هذه السنة)أمر مروان بن الحكم أهل الشأم بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز و جعلهما وليي العهد.

(قال هشام)عن عوانة قال:لما هزم عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق مصعب بن الزبير حين وجّهه أخوه عبد اللّه إلى فلسطين و انصرف راجعا إلى مروان و مروان يومئذ بدمشق قد غلب على الشام كلها و مصر و بلغ مروان أن عمروا يقول:إن هذا الأمر لي من بعد مروان و يدّعي أنه قد كان وعده وعدا فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايع لعبد الملك و عبد العزيز ابنيه من بعده و أخبره بما بلغه عن عمرو بن سعيد فقال:أنا أكفيك عمروا،فلما اجتمع الناس عند مروان عشيا قام ابن بحدل فقال:إنه قد بلغنا أن رجالا يتمنون أماني قوموا فبايعوا لعبد الملك و لعبد العزيز من بعده فقام الناس فبايعوا من عند آخرهم (1).

(و في هذه السنة)مات مروان بن الحكم بدمشق مستهل شهر رمضان

ص: 90


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 473.

سبب هلاك مروان

قال الطبري:حدثني الحارث قال:حدثنا ابن سعد قال:أخبرنا محمد بن عمر قال:حدثني موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث قال:لما حضرت معاوية بن يزيد أبا ليلى الوفاة أبى أن يستخلف أحدا و كان حسان بن مالك بن بحدل يريد أن يجعل الأمر بعد معاوية بن يزيد لأخيه خالد بن يزيد بن معاوية و كان صغيرا و هو خال أبيه يزيد بن معاوية فبايع لمروان و هو يربد أن يجعل الأمر بعده لخالد بن يزيد، فلما بايع لمروان و بايعه معه أهل الشام قيل لمروان:تزوّج أم خالد و أمّه أم خالد ابنة أبي هشام بن عتبة حتى تصغّر شأنه فلا يطلب الخلافة فتزوّجها فدخل خالد يوما على مروان و عنده جماعة كثيرة و هو يمشي بين الصفين.

فقال:إنه و اللّه ما علمت لأحمق تعال يا ابن الرطبة الاست يقصر به ليسقطه من أعين أهل الشام فرجع إلى أمه فأخبرها فقالت له:أمه لا يعرفن ذلك منك و اسكت فإني أكفيكه فدخل عليها مروان.

فقال لها:هل قال لك خالد فيّ شيئا؟

فقالت:و خالد يقول فيك شيئا خالد أشد لك إعظاما من أن يقول فيك شيئا فصدّقها ثم مكث أياما ثم إن مروان نام عندها فغطته بالوسادة حتى قتلته (1).

(قال أبو جعفر)و كان هلاك مروان في شهر رمضان بدمشق و هو ابن ثلاث و ستين سنة في قول الواقدي و أما هشام بن محمد الكلبي فإنه قال:كان يوم هلك

ص: 91


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 475.

ابن إحدى و ستين سنة و قيل توفي و هو ابن إحدى و سبعين سنة و قيل ابن إحدى و ثمانين سنة و كان يكنّى أبا عبد الملك و هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس و أمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية الكناني و عاش بعد أن بويع له بالخلافة تسعة أشهر و قيل عاش بعد أن بويع له بالخلافة عشرة أشهر إلا ثلاث ليال و كان قبل هلاكه قد بعث بعثين أحدهما إلى المدينة عليهم حبيش بن دلجة القيني و الآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد اللّه بن زياد فأما عبيد اللّه بن زياد فسار حتى نزل الجزيرة فأتاه الخبر بها بموت مروان و خرج إليه التوابون من أهل الكوفة طالبين بدم الحسين عليه السّلام فكان من أمرهم ما قد مضى ذكره و سنذكر إن شاء اللّه باقي خبره إلى أن قتل.

(و في هذه السنة)قتل حبيش بن دلجة و أما حبيش بن دلجة فإنه سار حتى انتهى فيما ذكر عن هشام عن عوانة بن الحكم إلى المدينة و عليهم جابر بن الأسود ابن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف من قبل عبد اللّه بن الزبير فهرب جابر من حبيش ثم إن الحارث بن أبي ربيعة و هو أخو عمر بن عبد اللّه بن أبي ربيعة وجّه جيشا من البصرة لحرب حبيش بن دلجة (1)،فلما سمع حبيش بن دلجة بهم سار إليهم من المدينة و سرّح عبد اللّه بن الزبير عياش بن سهل بن سعد الأنصاري على المدينة و أمره أن يسير في طلب حبيش بن دلجة حتى يوافي الجند من أهل البصرة الذين جاءوا ينصرون ابن الزبير عليهم الحنيف و أقبل عياش في آثارهم مسرعا حتى لحقهم بالربذة و قد قال أصحاب ابن دلجة له:دعهم لا تعجل إلى قتالهم فقال:لا أنزل حتى آكل من مقندهم يعنى السويق الذي فيه القند فجاءه سهم غرب فقتله و قتل معه المنذر بن قيس الجذامي و أبو عقاب مولى أبي سفيان و كان معه يومئذ يوسف بن الحكم و الحجاج بن يوسف و ما نجوا يومئذ إلا على جمل واحد و تحرزي.

ص: 92


1- و كان عبد اللّه بن الزبير قد ولاه البصرة عليهم الحنيف بن السجف التميمي.

منهم نحو من خمسمائة في عمود المدينة فقال لهم عياش أنزلوا على حكمي فنزلوا على حكمه فضرب أعناقهم و رحل حفل حبيش إلى الشام.

حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد أنه قال:الذي قتل حبيش بن دلجة يوم الربذة يزيد بن سياه الأسواري رماه بنشابة فقتله،فلما دخلوا المدينة وقف يزيد ابن سياه على برذون أشهب و عليه ثياب بياض فما لبث أن اسودت ثيابه و رأيته مما مسح الناس به و مما صبوا عليه من الطيب.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة وقع بالبصرة الطاعون الذي يقال له:الطاعون الجارف فهلك به خلق كثير من أهل البصرة.

حدثني عمر بن شبة قال:حدثني زهير بن حرب قال:حدثنا وهب بن جرير قال:

حدثني أبي عن المصعب بن زيد أن الجارف وقع و عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمر على البصرة فماتت أمه في الجارف فما وجدوا لها من يحملها حتى استأجروا لها أربعة علوج فحملوها إلى حفرتها و هو الأمير يومئذ.

(و في هذه السنة)اشتدت شوكة الخوارج بالبصرة و قتل فيها نافع بن الأزرق (1).7.

ص: 93


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 477.

مقتل نافع بن الأزرق

قال الطبري:حدثني عمر بن شبة قال:حدثنا زهير بن حرب قال:حدثنا وهب بن جرير قال:حدثنا أبي عن محمد بن الزبير أن عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمر بعث أخاه عثمان بن عبيد اللّه إلى نافع بن الأزرق في جيش فلقيهم بدولاب فقتل عثمان و هزم جيشه.

قال:عمر:قال:زهير قال وهب:و حدثنا محمد بن أبي عيينة عن سبرة ابن نخف أن ابن معمر عبيد اللّه بعث أخاه عثمان إلى ابن الأزرق فهزم جنده و قتل.

قال:وهب فحدثنا أبي أن أهل البصرة بعثوا جيشا عليهم حارثة بن بدر فلقيهم فقال لأصحابه:

كرنبوا و دولبوا و حيث شئتم فاذهبوا

حدثنا عمر قال:حدثنا زهير قال:حدثنا وهب قال:حدثنا أبي و محمد بن أبي عيينة قالا حدثنا معاوية بن قرة قال:خرجنا مع ابن عبيس فلقيناهم فقتل ابن الأزرق و ابنان أو ثلاثة للماحوز و قتل ابن عبيس.

(قال أبو جعفر)و أما هشام بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف عن أبي المخارق الراسبي من قصة ابن الأزرق و بنى الماحوز قصة هي غير ما ذكره عمر عن زهير بن حرب عن وهب بن جرير و الذي ذكر من خبرهم أن نافع بن الأزرق اشتدت شوكته باشتغال أهل البصرة بالاختلاف الذي كان بين الأزد و ربيعة و تميم بسبب مسعود بن عمرو و كثرت جموعه فأقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبد اللّه بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس

ص: 94

بن عبد مناف في أهل البصرة فخرج إليه فأخذ يحوزه عن البصرة و يرفعه عن أرضها حتى بلغ مكانا من أرض الأهواز يقال له دولاب فتهيأ الناس بعضهم لبعض و تزاحفوا فجعل مسلم بن عبيس على ميمنته الحجاج بن باب الحميري و على ميسرته حارثة بن بدر التميمي ثم الغداني و جعل ابن الأزرق على ميمنته عبيدة بن هلال اليشكري و على ميسرته الزبير بن الماحوز التميمي ثم التقوا فاضطربوا فاقتتل الناس قتالا لا يرى قتال قط أشد منه فقتل مسلم بن عبيس أمير أهل البصرة و قتل نافع بن الأزرق رأس الخوارج و أمّر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب الحميري و أمرت الأزارقة عليهم عبد اللّه بن الماحوز ثم عادوا فاقتتلوا أشد قتال فقتل الحجاج بن باب الحميري أمير أهل البصرة و قتل عبد اللّه بن الماحوز أمير الأزارقة ثم إن أهل البصرة أمّروا عليهم ربيعة الأجذم التميمي و أمّرت الخوارج عليهم عبيد اللّه بن الماحوز ثم عادوا فاقتتلوا حتى أمسوا و قد كره بعضهم بعضا و ملّوا القتال فإنهم لمتواقفون متحاجزون حتى جاءت الخوارج سرية لهم جامة لم تكن شهدت القتال فحملت على الناس من قبل عبد القيس فانهزم الناس و قاتل أمير البصرة ربيعة الأجذم فقتل و أخذ راية أهل البصرة حارثة بن بدر فقاتل ساعة و قد ذهب الناس عنه فقاتل من وراء الناس في حماتهم و أهل الصبر منهم ثم أقبل بالناس حتى نزل بهم منزلا بالأهواز ففي ذلك يقول الشاعر من الخوارج

يا كبدا من غير جوع و لا ظما و يا كبدي من حب أم حكيم

و لو شهدتني يوم دولاب أبصرت طعان امرئ في الحرب غير لئيم

غداة طفت في الماء بكر بن وائل و عجنا صدور الخيل نحو تميم

و كان لعبد القيس أول حدنا و ذلت شيوخ الأزد و هى تعوم

و بلغ ذلك أهل البصرة فها لهم و أفزعهم و بعث ابن الزبير الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة القرشي على تلك الحزة فقدم و عزل عبد اللّه بن الحارث فأقبلت الخوارج نحو البصرة و قدم المهلب بن أبي صفرة على تلك من حال الناس من قبل عبد اللّه بن

ص: 95

الزبير معه عهده على خراسان فقال الأحنف للحارث بن أبي ربيعة و للناس عامة لا و اللّه ما لهذا الأمر إلا المهلب فخرج أشراف الناس فكلموه أن يتولى قتال الخوارج فقال:لا أفعل،هذا عهد أمير المؤمنين معي على خراسان فلم أكن لأدع عهده و أمره فدعاه ابن أبي ربيعة فكلمه في ذلك.

فقال له مثل ذلك فاتفق رأي ابن أبي ربيعة و رأي أهل البصرة على أن كتبوا على لسان ابن الزبير: بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الحارث بن عبد اللّه كتب إلى أن الأزارقة المارقة أصابوا جندا للمسلمين كان عددهم كثيرا و أشرافهم كثيرا و ذكر أنهم قد أقبلوا نحو البصرة و قد كنت وجهتك إلى خراسان و كتبت لك عليها عهدا و قد رأيت حيث ذكر أمر هذه الخوارج أن تكون أنت تلي قتالهم فقد رجوت أن يكون ميمونا طائرك مباركا على أهل مصرك و الأجر في ذلك أفضل من المسير إلى خراسان فسر إليهم راشدا فقاتل عدو اللّه و عدوك و دافع عن حقك و حقوق أهل مصرك فإنه لن يفوتك من سلطاننا خراسان و لا غير خراسان إن شاء اللّه و السّلام عليكم و رحمة اللّه.

فأتى بذلك الكتاب،فلما قرأه.قال:فإني و اللّه لا أسير إليهم إلا أن تجعلوا لي ما غلبت عليه و تعطوني من بيت المال ما أقوي به من معي و أنتخب من فرسان الناس و وجوههم و ذوي الشرف من أحببت فقال جميع أهل البصرة ذلك لك.

قال:فاكتبوا لي على الأخماس بذلك كتابا ففعلوا إلا ما كان من مالك بن مسمع و طائفة من بكر بن وائل فاضطغنها عليهم المهلب و قال الأحنف و عبيد اللّه بن زياد ابن ظييان و أشراف أهل البصرة للمهلب و ما عليك ألا يكتب لك مالك بن مسمع و لا من تابعه من أصحابه إذا أعطاك الذي أردت من ذلك جميع أهل البصرة و يستطيع مالك خلاف جماعة الناس أوله ذلك انكمش أيها الرجل و اعزم على أمرك و سر إلى عدوك ففعل ذلك المهلب و أمر على الأخماس فأمر عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان على

ص: 96

خمس بكر بن وائل و أمر الحريش بن هلال السعدي على خمس بني تميم،و جاءت الخوارج حتى انتهت إلى الجسر الأصغر عليهم عبيد اللّه بن الماحوز فخرج إليهم في أشراف الناس و فرسانهم و وجوههم فحازهم عن الجسر و دفعهم عنه فكان أول شي دفعهم عنه أهل البصرة و لم يكن بقى لهم إلا أن يدخلوا فارتفعوا إلى الجسر الأكبر ثم إنه عبّأ لهم فسار إليهم في الخيل و الرجال،فلما أن رأوا أن قد أظل عليهم و انتهى إليهم ارتفعوا فوق ذلك مرحلة أخرى فلم يزل يحوزهم و يرفعهم مرحلة بعد مرحلة و منزلة بعد منزلة حتى انتهوا إلى منزل من منازل الأهواز يقال له:سلى و سلبرى فأقاموا به،و لما بلغ حارثة بن بدر الغداني أن المهلب قد أمّر على قتال الأزارقة قال لمن معه من الناس:كرنبوا و دولبوا و حيث شئتم فاذهبوا قد أمّر المهلب فأقبل من كان معه نحو البصرة فصرفهم الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة إلى المهلب،و لما نزل المهلب بالقوم خندق عليه و وضع المسالح و أذكى العيون و أقام الأحراس و لم يزل الجند على مصافهم و الناس على راياتهم و أخماسهم و أبواب الخنادق عليها رجال موكلون بها فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلب وجدوا أمرا محكما فرجعوا فلم يقاتلهم إنسان قط كان أشد عليهم و لا أغيظ لقلوبهم منه.

(قال أبو مخنف)فحدثني يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر أن رجلا كان في تلك الخوارج حدثه أن الخوارج بعثت عبيدة بن هلال و الزبير بن الماحوز في خيلين عظيمين ليلا إلى عسكر المهلب فجاء الزبير من جانبه الأيمن، و جاء عبيدة من جانبه الأيسر ثم كبّروا و صاحوا بالناس فوجدوهم على تعبئتهم و مصافهم حذرين معدين فلم يصيبوا للقوم غرة و لم يظفروا منهم بشي،فلما ذهبوا ليرجعوا ناداهم عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان فقال:وجدتمونا و قرأ أنجادا:

لا كشفا خورا و لا أوغادا هيهات إنا إذا صيح بنا أبينا

يا أهل النار ألا ابكروا إليها غدا فإنها مأواكم و مثواكم

ص: 97

قالوا يا فاسق و هل تذخر النار إلا لك و لأشباهك إنها أعدت للكافرين و أنت منهم قال أ تسمعون كل مملوك لي حر إن دخلتم أنتم الجنة إن بقي فيما بين سفوان إلى أقصى حجر من أرض خراسان مجوسي ينكح أمه و ابنته و أخته إلا دخلها قال له عبيدة:اسكت يا فاسق فإنما أنت عبد للجبار العنيد و وزير للظالم الكفور.

قال:يا فاسق و أنت عدو المؤمن التقى و وزير الشيطان الرجيم فقال الناس لابن ظبيان:وفقك اللّه يا ابن ظبيان فقد و اللّه أجبت الفاسق بجوابه و صدقته،فلما أصبح الناس أخرجهم المهلب على تعبيتهم و أخماسهم و مواقفهم الأزد و تميم ميمنة الناس و بكر بن وائل و عبد القيس ميسرة الناس و أهل العالية في القلب وسط الناس و خرجت الخوارج على ميمنتهم عبيدة بن هلال اليشكري و على ميسرتهم الزبير ابن الماحوز و جاءوا و هم أحسن عدة و أكرم خيولا و أكثر سلاحا من أهل البصرة و ذلك لأنهم مخروا الأرض و جرّدوها و أكلوا ما بين كرمان إلى الأهواز فجاءوا عليهم مغافر تضرب إلى صدورهم و عليهم دروع يسحبونها و سوق من زرد يشدونها بكلاليب الحديد إلى مناطقهم فالتقى الناس فاقتتلوا كأشد القتال فصبر بعضهم لبعض عامة النهار (1).

ثم إن الخوارج شدت على الناس بأجمعها شدة منكرة فأجفل الناس و انصاعوا منهزمين لا تلوي أم على ولد حتى بلغ البصرة هزيمة الناس و خافوا السبي و أسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب عن سنن المنهزمين ثم إنه نادى الناس إلي إلي عباد اللّه فثاب إليه جماعة من قومه و ثابت إليه سرية عمان فاجتمع إليه منهم نحو من ثلاثة آلاف،فلما نظر إلى من قد اجتمع رضي جماعتهم فحمد اللّه و أثنى عليه.

ثم قال:أما بعد فإن اللّه ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون و ينزل0.

ص: 98


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 480.

النصر على الجمع اليسير فيظهرون و لعمري ما بكم الآن من قلة إني لجماعتكم لراض و إنكم لأنتم أهل الصبر و فرسان أهل المصر و ما أحب أن أحدا ممن انهزم معكم فإنهم لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا عزمت على كل امرئ منكم لما أخذ عشرة أحجار معه ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن آمنون و قد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم،فو اللّه إني لأرجو أن لا ترجع إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم و تقتلوا أميرهم ففعلوا ثم أقبل بهم راجعا فلا و اللّه ما شعرت الخوارج إلا بالمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم.

ثم استقبلوا عبيد اللّه بن الماحوز و أصحابه و عليهم الدروع و السلاح كاملا فأخذ الرجل من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد اللّه بن الماحوز و ضرب اللّه وجوه أصحابه و أخذ المهلب عسكر القوم و ما فيه و قتل الأزارقة قتلا ذريعا و أقبل من كان في طلب أهل البصرة منهم راجعا و قد وضع لهم المهلب خيلا و رجالا في الطريق تختطفهم و تقتلهم فانكفأوا راجعين مفلولين مقتولين محروبين مغلوبين فارتفعوا إلى كرمان و جانب أصفهان و أقام المهلب بالأهواز ففي ذلك اليوم يقول الصلتان العبدي:

بسلى و سلبرى مصارع فتية كرام و قتلى لم توسد خدودها

و انصرفت الخوارج حين انصرفت و إن أصحاب النيران الخمس و الست ليجتمعون على النار الواحدة من الفلول و قلة العدد حتى جاءتهم مادة لهم من قبل البحرين فخرجوا نحو كرمان و أصبهان فأقام المهلب بالأهواز فلم يزل ذلك مكانه حتى جاء مصعب البصرة و عزل الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة عنها،و لما ظهر المهلب على الأزارقة كتب بسم اللّه الرحمن الرحيم للأمير الحارث بن عبد اللّه من المهلب بن أبي صفرة سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد:

فالحمد للّه الذي نصر أمير المؤمنين و هزم الفاسقين و أنزل بهم نقمته و قتلهم

ص: 99

كل قتلة و شردهم كل مشرد أخبر الأمير أصلحه اللّه أنا لقينا الأزارقة بأرض من أرض الأهواز يقال لها:سلى و سلبرى،فزحفنا إليهم ثم ناهضناهم فاقتتلنا كأشد القتال مليا من النهار.

ثم إن كتائب الأزارقة اجتمع بعضها إلى بعض ثم حملوا على طائفة من المسلمين فهزموهم و كانت في المسلمين جولة قد كنت أشفقت أن تكون هي الاصرى منهم،فلما رأيت ذلك عمدت إلى مكان يفاع فعلوته ثم دعوت إلى عشيرتي خاصة و المسلمين عامة فثاب إلي أقوام شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة اللّه من أهل الدين و الصبر و الصدق و الوفاء فقصدت بهم إلى عسكر القوم و فيه جماعتهم و حدهم و أميرهم قد أطاف به أولو فضلهم فيهم و ذوو النيات منهم فاقتتلنا ساعة رمينا بالنبل و طعنا بالرماح.

ثم خلص الفريقان إلى السيوف فكان الجلاد بها ساعة من النهار مبالطة و مبالدة ثم إن اللّه عز و جل أنزل نصره على المؤمنين و ضرب وجوه الكافرين و نزل طاغيتهم في رجال كثير من حماتهم و ذوي نياتهم فقتلهم اللّه في المعركة ثم اتبعت الخيل شرادهم فقتلوا في الطريق و الإخاذ و الفرى و الحمد للّه رب العالمين و السّلام عليك و رحمة اللّه،فلما أتى هذا الكتاب الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة بعث به إلى ابن الزبير فقرئ على الناس بمكة و كتب الحارث بن أبي ربيعة إلى المهلب أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه نصر اللّه إياك و ظفر المسلمين فهنيئا لك يا أخا الأزد بشرف الدنيا و عزها و ثواب الآخرة و فضلها و السّلام عليك و رحمة اللّه،فلما قرأ المهلب كتابه ضحك ثم قال:أما تظنونه يعرفني إلا بأخي الأزد ما أهل مكة إلا أعراب.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو المخارق الراسبي أن أبا علقمة اليحمدي قاتل يوم سلى و سلبرى قتالا لم يقاتله أحد من الناس و أنه أخذ ينادي في شباب الأزد و فتيان

ص: 100

اليحمد أعيرونا جماجمكم ساعة من نهار فأخذ فتيان منهم يكرون فيقاتلون ثم يرجعون إليه يضحكون و يقولون يا أبا علقمة القدور تستعار،فلما ظهر المهلب و رأى من بلائه ما رأى وفاه مائة ألف.

و قد قيل إن أهل البصرة قد كانوا سألوا الأحنف قبل المهلب أن يقاتل الأزارقة و أشار عليهم بالمهلب و قال هو أقوى على حربهم مني و أن المهلب إذ أجابهم إلى قتالهم شرط على أهل البصرة أن ما غلب عليه من الأرض فهو له و لمن خف معه من قومه و غيرهم ثلاث سنين و أنه ليس لمن تخلف عنه منه شي فأجابوه إلى ذلك و كتب بذلك عليهم كتابا و أوفدوا بذلك وفدا إلى ابن الزبير و أن ابن الزبير أمضى تلك الشروط كلها للمهلب و أجازها له و أن المهلب لما أجيب إلى ما سأل وجّه ابنه حبيبا في ستمائة فارس إلى عمرو القنا و هو معسكر خلف الجسر الأصغر في ستمائة فارس فأمر المهلب بعقد الجسر الأصغر فقطع حبيب الجسر إلى عمرو و من معه فقاتلهم حتى نفاهم عما بين الجسر و انهزموا حتى صاروا من ناحية الفرات و تجهز المهلب فيمن خف من قومه معه و هم اثنا عشر ألف رجل و من سائر الناس سبعون رجلا و سار المهلب حتى نزل الجسر الأكبر و عمرو القنا بإزائه في ستمائة فبعث المغيرة بن المهلب في الخيل و الرجالة فهزمتهم الرجالة بالنبل و اتبعتهم الخيل و أمر المهلب بالجسر فعقد فعبر هو و أصحابه فلحق عمرو القنا حينئذ بابن الماحوز و أصحابه و هو بالمفتح فأخبروهم الخبر فساروا فعسكروا دون الأهواز بثمانية فراسخ و أقام المهلب بقية سنته فجبى كور دجلة و رزق أصحابه و أتاه المدد من أهل البصرة لمّا بلغهم ذلك فأثبتهم في الديوان و أعطاهم حتى صاروا ثلاثين ألفا.

(قال أبو جعفر)فعلى قول هؤلاء كانت الوقعة التي كانت فيها هزيمة الأزارقة و ارتحالهم عن نواحي البصرة و الأهواز إلى ناحية أصبهان و كرمان في سنة 66 و قيل إنهم ارتحلوا حين ارتحلوا عن الأهواز و هم ثلاثة آلاف و إنه قتل منهم في

ص: 101

الوقعة التي كانت بينهم و بين المهلب بسلى و سلبرى سبعة آلاف.

(قال أبو جعفر)و في هذه السنة وجّه مروان بن الحكم قبل مهلكه ابنه محمدا إلى الجزيرة و ذلك قبل مسيره إلى مصر.

(و في هذه السنة)عزل عبد اللّه بن الزبير عبد اللّه بن يزيد عن الكوفة و ولاّها عبد اللّه بن مطيع و نزع عن المدينة أخاه عبيدة بن الزبير و ولاّها أخاه مصعب بن الزبير و كان سبب عزله أخاه عبيدة عنهم أنه فيما ذكر الواقدي خطب الناس فقال لهم:قد رأيتم ما صنع بقوم في ناقة قيمتها خمسمائة درهم فسمي مقوّم الناقة و بلغ ذلك ابن الزبير فقال:إن هذا لهو التكلف.

(و في هذه السنة)بنى عبد اللّه بن الزبير البيت الحرام فأدخل الحجر فيه.

أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال:حدثني عبد العزيز بن خالد بن رستم الصنعاني أبو محمد قال:حدثني زياد بن جيل أنه كان بمكة يوم غلب ابن الزبير فسمعه يقول:إن أمي أسماء بنت أبي بكر حدثتني أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لعائشة:

لو لا حداثة عهد قومك بالكفر رددت الكعبة على أساس إبراهيم فأزيد في الكعبة من الحجر.

فأمر به ابن الزبير فحفر فوجدوا قلاعا أمثال الإبل فحرّكوا منها صخرة فبرقت بارقة فقال:أقروها على أساسها فبناها ابن الزبير و جعل لها بابين يدخل من أحدهما و يخرج من الآخر.

(قال أبو جعفر)و حج بالناس في هذه السنة عبد اللّه بن الزبير و كان على المدينة أخوه مصعب بن الزبير و على الكوفة في آخر السنة عبد اللّه بن مطيع و على البصرة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي و هو الذي يقال له:القباع و على قضائها هشام بن هبيرة و على خراسان عبد اللّه بن خازم (1).4.

ص: 102


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 484.

(و في هذه السنة)خالف من كان بخراسان من بني تميم عبد اللّه بن خازم حتى وقعت بينهم حروب.

ص: 103

ذكر الحروب بين بني تميم و عبد اللّه بن خازم

قال الطبري:و كان السبب في ذلك فيما ذكر أن من كان بخراسان من بني تميم أعانوا عبد اللّه بن خازم على من كان بها من ربيعة و على حرب أوس بن ثعلبة حتى قتل من قتل منهم و ظفر به وصفا له خراسان فلما صفا له و لم ينازعه به أحد جفاهم و كان قد ضم هراة إلى ابنه محمد و استعمله عليها و جعل بكير بن وشاح على شرطته و ضم إليه شماس بن دثار العطاردي و كانت أم ابنه محمد امرأة من تميم تدعى صفية،فلما جفا ابن خازم بني تميم أتوا ابنه محمدا بهراة فكتب ابن حازم إلى بكير و شماس يأمرهما بمنع بني تميم من دخول هراة فأما شماس بن دثار فأبى ذلك و خرج من هراة فصار من بني تميم و أما بكير فمنعهم من الدخول.

فذكر علي بن محمد أن زهير بن الهنيد حدثه عن أشياخ من قومه أن بكير بن وشاح لما منع بني تميم من دخول هراة أقاموا ببلاد هراة و خرج إليهم شماس بن دثار فأرسل بكير إلى شماس إني أعطيك ثلاثين ألفا و أعطي كل رجل من بني تميم ألفا على أن ينصرفوا فأبوا فدخلوا المدينة و قتلوا محمد بن عبد اللّه بن خازم.

قال علي:فأخبرنا الحسن بن رشيد عن محمد بن عزيز الكندي قال:خرج محمد بن عبد اللّه بن خازم يتصيد بهراة و قد منع بني تميم من دخولها فرصدوه فأخذوه فشدوه وثاقا و شربوا ليلتهم و جعل كلما أراد رجل منهم البول بال عليه فقال لهم شماس بن دثار أما إذ بلغتم هذا منه فاقتلوه بصاحبيكما اللذين قتلهما بالسياط.

قال:و قد كان أخذ قبيل ذلك رجلين من بني تميم فضربهما بالسياط حتى ماتا.

قال:فقتلوه.

قال:فزعم لنا عمن شهد قتله من شيوخهم أن جيهان ابن مشجعة الضبي نهاهم

ص: 104

عن قتله و ألقى نفسه عليه فشكر له ابن خازم ذلك فلم يقتله فيمن قتل يوم فرتنا.

قال:فزعم عامر بن أبي عمر أنه سمع أشياخهم من بني تميم يزعمون أن الذي ولى قتل محمد بن عبد اللّه بن خازم رجلان من بنى مالك بن سعد يقال لأحدهما عجلة و للآخر كسيب.

فقال ابن خازم:بئس ما اكتسب كسيب لقومه و لقد عجّل عجلة لقومه شرا.

قال علي:و حدثنا أبو الذيال زهير بن هنيد العدوي قال:لما قتل بنو تميم محمد ابن عبد اللّه بن خازم إنصرفوا إلى مرو فطلبهم بكير بن وشاح فأدرك رجلا من بني عطارد يقال له شميخ فقتله و أقبل شماس و أصحابه إلى مرو فقالوا لبنى سعد قد أدركنا لكم بثأركم قتلنا محمد بن عبد اللّه بن خازم بالجشمي الذي أصيب بمرو فأجمعوا على قتال ابن خازم و ولّوا عليهم الحريش بن هلال القريعي.

قال:فأخبرني أبو الفوارس عن طفيل بن مرداس قال:أجمع أكثر بني تميم على قتال عبد اللّه بن خازم.

قال:و كان مع الحريش فرسان لم يدرك مثلهم إنما الرجل منهم كتيبة منهم شماس بن دثار و بحير بن ورقاء الصريمي و شعبة بن ظهير النهشلي و ورد بن الفلق العنبري و الحجاج بن ناشب العدوي و كان من أرمى الناس و عاصم بن حبيب العدوي فقاتل الحريش بن هلال عبد اللّه بن خازم سنتين.

قال:فلما طالت الحرب و الشر بينهم ضجروا.

قال:فخرج الحريش فنادى ابن خازم فخرج إليه فقال:قد طالت الحرب بيننا فعلام تقتل قومي و قومك أبرز لي فأينا قتل صاحبه صارت الأرض له فقال ابن خازم:و أبيك لقد أنصفتني فبرز له فتصاولا تصاول الفحلين لا يقدر أحد منهما على ما يريد و تغفل ابن خازم غفلة و ضربه الحريش على رأسه فرمى بفروة رأسه على وجهه و انقطع ركابا الحريش و انتزع السيف.

قال:فلزم ابن خازم عنق فرسه راجعا إلى أصحابه و به ضربة قد أخذت من

ص: 105

رأسه ثم غاداهم القتال فمكثوا بذلك بعد الضربة أياما ثم ملّ الفريقان فتفرّقوا ثلاث فرق فمضى بحير بن ورقاء إلى أبرشهر في جماعة و توجه شماس بن دثار العطاردي ناحية أخرى و قيل أتى سجستان و أخذ عثمان بن بشر بن المحتفز إلى فرتنا فنزل قصرا بها و مضى الحريش إلى ناحية مرو الروذ فاتبعه ابن خازم فلحقه بقرية من قراها يقال لها:قرية الملحمة أو قصر الملحمة و الحريش بن هلال في اثني عشر رجلا و قد تفرّق عنه أصحابه فهم في خربة و قد نصب رماحا كانت معه و ترسة.

قال:و انتهى إليه ابن خازم فخرج إليه في أصحابه و مع ابن خازم مولى له شديد البأس فحمل على الحريش فضربه فلم يصنع شيئا فقال رجل من بني ضبة للحريش أما ترى ما يصنع العبد.

فقال له الحريش:عليه سلاح كثير و سيفي لا يعمل في سلاحه و لكن أنظر لي خشبة ثقيلة فقطع له عودا ثقيلا من عناب و يقال:أصابه في القصر فأعطاه إياه فحمل به على مولى ابن خازم فضربه فسقط و قيذا ثم أقبل على ابن خازم فقال:ما تريد إلي و قد خلّيتك و البلاد.

قال:إنك تعود إليها.

قال:فإني لا أعود فصالحه على أن يخرج له من خراسان و لا يعود إلى قتاله فوصله ابن خازم بأربعين ألفا.

قال:و فتح له الحريش باب القصر فدخل ابن خازم فوصله و ضمن له قضاء دينه و تحدثا طويلا.

قال:و طارت قطنة كانت على رأس ابن خازم ملصقة على الضربة التي كان الحريش ضربه فقام الحريش فتناولها فوضعها على رأسه.

فقال له ابن خازم:مسك اليوم يا أبا قدامة ألين من مسك أمس.

قال:معذرة إلى اللّه و إليك أما و اللّه لو لا أن ركابي انقطعا لخالط السيف أضراسك

ص: 106

فضحك ابن خازم و انصرف عنه و تفرّق جمع بني تميم فقال بعض شعراء بني تميم

لو كنتم مثل الحريش صبرتم و كنتم بقصر الملح خير فوارس

إذا لسقيتم بالعوالي ابن خازم سجال دم يورثن طول وساوس

قال:و كان الأشعث بن ذؤيب أخو زهير بن ذؤيب العدوي قتل في تلك الحرب فقال له أخوه زهير و به رمق من قتلك قال:لا أدرى طعنني رجل على برذون أصفر.

قال:فكان زهير لا يرى أحدا على برذون أصفر إلا حمل عليه فمنهم من يقتله و منهم من يهرب فتحامى أهل العسكر البراذين الصفر فكانت مخلاة في العسكر لا يركبها أحد.

و قال الحريش في قتاله ابن خازم:

أزال عظم يميني عن مركبه حمل الردينى في الإدلاج

و السحر حولين ما اغتمضت عيني بمنزلة إلا و كفى و ساد لي على حجر

بزي الحديد و سربالى إذا هجعت عني العيون مجال القارح الذكر (1)7.

ص: 107


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 487.

ظهور المختار للدعوة إلى ما دعا إليه الشيعة بالكوفة

قال الطبري:ذكر هشام بن محمد:عن أبي مخنف أن فضيل بن خديج حدثه عن عبيدة بن عمرو و إسماعيل بن كثير من بني هند أن أصحاب سليمان بن صرد لما قدموا كتب إليهم المختار أما بعد فإن اللّه أعظم لكم الأجر و حطّ عنكم الوزر بمفارقة القاسطين و جهاد المحلين إنكم لم تنفقوا نفقة و لم تقطعوا عقبة و لم تخطوا خطوة إلا رفع اللّه لكم بها درجة و كتب لكم بها حسنة إلى ما لا يحصيه إلا اللّه من التضعيف فأبشروا فإني لو قد خرجت إليكم قد جردت فيما بين المشرق و المغرب في عدوكم السيف بإذن اللّه فجعلتهم بإذن اللّه ركاما و قتلتهم فذا و توأما،فرحب اللّه بمن قارب منكم و اهتدى و لا يبعد اللّه إلا من عصى و أبى و السّلام يا أهل الهدى.

فجاءهم بهذا الكتاب سيحان بن عمرو من بني ليث من عبد القيس قد أدخله في قلنسوته فيما بين الظهارة و البطانة فأتى بالكتاب رفاعة بن شداد و المثنى بن مخربية العبدي و سعد بن حذيفة بن اليمان و يزيد بن أنس و أحمر بن شميط الأحمسي و عبد اللّه بن شداد البجلي و عبد اللّه بن كامل فقرأ عليهم الكتاب فبعثوا إليه ابن كامل فقالوا قل له قد قرأنا الكتاب و نحن حيث يسرك فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك فعلنا فأتاه فدخل عليه السجن فأخبر بما أرسل إليه به فسر باجتماع الشيعة له و قال لهم:لا تزيدوا هذا فإني أخرج في أيامي هذه.

قال:و كان المختار قد بعث ماغلا يدعى زربيا إلى عبد اللّه بن عمر بن الخطاب و كتب إليه أما بعد فإني قد حبست مظلوما و ظن بن الولاة ظنونا كاذبة فاكتب في يرحمك اللّه إلى هذين الظالمين كتابا لطيفا عسى اللّه أن يخلّصني من أيديهما بلطفك

ص: 108

و بركتك و بمنك و السّلام عليك فكتب إليهما عبد اللّه بن عمر أما بعد فقد علمتما الذي بيني و بين المختار بن أبي عبيد من الصهر و الذي بيني و بينكما من الود فأقسمت عليكما بحق ما بيني و بينكما لما خليتما سبيله حين تنظران في كتابي هذا و السّلام عليكما و رحمة اللّه،فلما أتى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة كتاب عبد اللّه بن عمر دعوا للمختار بكفلاء يضمنونه بنفسه فأتاه أناس من أصحابه كثير فقال يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم لعبد اللّه بن يزيد ما تصنع بضمان هؤلاء كلهم ضمنه عشرة منهم أشرافا معروفين و دع سائرهم ففعل ذلك،فلما ضمنوه و دعا به عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة فحلّفاه باللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم لا يبغيهما غائلة و لا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان فإن هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة و ممالكيه كلهم ذكرهم و أنثاهم أحرار فحلف لهما بذلك ثم خرج فجاء داره فنزلها.

(قال أبو مخنف)فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال:سمعت المختار بعد ذلك يقول قاتلهم اللّه ما أحمقهم حين يرون أني أفى لهم بأيمانهم هذه أمّا حلفي لهم باللّه فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها أن أدع ما حلفت عليه و آتى الذي هو خير و أكفّر يميني و خروجي عليهم خير من كفي عنهم و أكفّر يميني و أما هدي ألف بدنة فهو أهون علي من بصقة و ما ثمن ألف بدنة فيهولني و أما عتق مماليكي فو اللّه لوددت أنه قد استتب لي أمري ثم لم أملك مملوكا أبدا.

قال:و لما نزل المختار داره عند خروجه من السجن إختلف إليه الشيعة و اجتمعت عليه و اتفق رأيها على الرضى به و كان يبايع له الناس و هو في السجن خمسة نفر السائب بن مالك الأشعري و يزيد بن أنس و أحمر بن شميط و رفاعة بن شداد الفتياني و عبد اللّه بن شداد الجشمي.

قال:فلم تزل أصحابه يكثرون و أمره يقوى و يشتد حتى عزل ابن الزبير عبد اللّه

ص: 109

ابن يزيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة و بعث عبد اللّه بن مطيع على عملهما إلى الكوفة.

(قال أبو مخنف)فحدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام قال:دعا ابن الزبير عبد اللّه بن مطيع أخا بني عدي بن كعب و الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي فبعث عبد اللّه بن مطيع على الكوفة و بعث الحارث ابن عبد اللّه بن أبي ربيعة على البصرة.

قال:فبلغ ذلك بحير بن ريسان الحميري فلقيهما فقال لهما يا هذان إن القمر الليلة بالناطح فلا تسيرا فأما ابن أبي ربيعة فأطاعه فأقام يسيرا ثم شخص إلى عمله فسلم و أما عبد اللّه بن مطيع.

فقال له:و هل نطلب إلا النطح.

قال:فلقي و اللّه نطحا و بطحا قال:يقول عمر:و البلاء موكل بالقول.قال عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام:بلغ عبد الملك بن مروان أن ابن الزبير بعث عمالا على البلاد فقال:من بعث على البصرة فقيل بعث عليها الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة قال:لا حر بوادي عوف بعث عوفا و جلس ثم قال:من بعث على الكوفة قالوا عبد اللّه ابن مطيع قال حازم:و كثيرا ما يسقط و شجاع و ما يكره أن يفر قال:من بعث على المدينة قالوا:بعث أخاه مصعب بن الزبير.

قال:ذاك الليث النهد و هو رجل أهل بيته (1).

(قال هشام)قال أبو مخنف:و قدم عبد اللّه بن مطيع الكوفة في رمضان سنة 65 يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان فقال لعبد اللّه بن يزيد إن أحببت أن تقيم معي أحسنت صحبتك و أكرمت مثواك و إن لحقت بأمير المؤمنين عبد اللّه بن الزبير فبك عليه كرامة و على من قبله من المسلمين و قال لإبراهيم بن محمد بن9.

ص: 110


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 489.

طلحة:إلحق بأمير المؤمنين فخرج إبراهيم حتى قدم المدينة و كسر على ابن الزبير الخراج و قال:إنما كانت فتنة فكف عنه ابن الزبير.

قال:و أقام ابن مطيع على الكوفة على الصلاة و الخراج و بعث على شرطته إياس ابن مضارب العجلي و أمره أن يحسن السيرة و الشدة على المريب.

(قال أبو مخنف)فحدثني حصيرة بن عبد اللّه بن الحارث بن دريد الأزدي و كان قد أدرك ذلك الزمان و شهد قتل مصعب بن الزبير قال:إني لشاهد المسجد حيث قدم عبد اللّه بن مطيع فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:أما بعد فإن أمير المؤمنين عبد اللّه بن الزبير بعثني على مصركم و ثغوركم و أمرني بجباية فيئكم و أن لا أحمل فضل فيئكم عنكم إلا برضى منكم و وصية عمر بن الخطاب التي أوصى بها عند وفاته و بسيرة عثمان ابن عفان التي سار بها في المسلمين فاتقوا اللّه و استقيموا و لا تختلفوا و خذوا على أيدي سفهائكم و إلا تفعلوا فلوموا أنفسكم و لا تلوموني فو اللّه لأوقعن بالسقيم العاصي و لأقيمن درأ الأصعر المرتاب،فقام إليه السائب بن مالك الأشعري فقال:أما أمر ابن الزبير إياك أن لا تحمل فضل فيئنا عنا إلا برضانا فإنا نشهدك أنا لا نرضى أن تحمل فضل فيئنا عنا و أن لا يقسم إلا فينا و أن لا يسار فينا إلا بسيرة علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك رحمة اللّه عليه و لا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا و لا في أنفسنا فإنها إنما كانت أثرة و هوى و لا في سيرة عمر بن الخطاب في فيئنا و إن كانت أهون السيرتين علينا ضرا و قد كان لا يألو الناس خيرا.

فقال يزيد بن أنس:صدق السائب بن مالك و بر رأينا مثل رأيه و قولنا مثل قوله فقال ابن مطيع:نسير فيكم بكل سيرة أحببتموها و هو يتموها.ثم نزل فقال يزيد بن أنس الأسدي:ذهبت بفضلها يا سائب لا يعدمك المسلمون أما و اللّه لقد قمت و إني لأريد أن أقوم فأقول له نحوا من مقالتك و ما أحب أن اللّه ولّى الرد عليه رجلا من أهل المصر ليس من شيعتنا،و جاء إياس بن مضارب إلى ابن مطيع.

ص: 111

فقال له:إن السائب بن مالك من رؤوس أصحاب المختار و لست آمن المختار فابعث إليه فليأتك فإذا جاءك فاحبسه في سجنك حتى يستقيم أمر الناس فإن عيوني قد أتتني فخبّرتني أن أمره قد استجمع له و كأنه قد وثب بالمصر.

قال:فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة و حسين بن عبد اللّه البرسمي من همدان فدخل عليه فقالا:أجب الأمير فدعا بثيابه و أمر بإسراج دابته و تخشخش للذهاب معهما،فلما رأى زائدة بن قدامة ذلك قرأ قول اللّه تبارك و تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (1).

ففهمها المختار فجلس ثم ألقى ثيابه عنه ثم قال:ألقوا عليّ القطيفة ما أراني إلا قد وعكت انى لأجد قفقفة شديدة ثم تمثل قول عبد العزى بن صهل الأزدي:

إذا ما معشر تركوا نداهم و لم يأتوا الكريهة لم يهابوا

ارجعا إلى ابن مطيع فأعلماه حالي التي أنا عليها

فقال له زائدة بن قدامة:أما أنا ففاعل و أنت يا أخا همدان فاعذرني عنده فإنه خير لك.

(قال أبو مخنف)فحدثني إسماعيل بن نعيم الهمداني عن حسين بن عبد اللّه قال:

قلت في نفسي:و اللّه إن أنا لم أبلّغ عن هذا ما يرضيه ما أنا بآمن من أن يظهر غدا فيهلكني.

قال:فقلت له نعم أنا أصنع عند ابن مطيع عذرك و أبلغه كل ما تحب فخرجنا من عنده فإذا أصحابه على بابه و في داره منهم جماعة كثيرة.

قال:فأقبلنا نحو ابن مطيع فقلت لزائدة بن قدامة أما إني قد فهمت قولك حين قرأت تلك الآية و علمت ما أردت بها و قد علمت أنها هي ثبطته عن الخروج معنا بعد0.

ص: 112


1- سورة الأنفال:30.

ما كان قد لبس ثيابه و أسرج دابته و علمت حين تمثل البيت الذي تمثل إنما أراد يخبرك أنه قد فهم عنك ما أردت أن تفهمه و أنه لن يأتيه.

قال:فجاحدني أن يكون أراد شيئا من ذلك فقلت له لا تحلف فو اللّه ما كنت لأبلّغ عنك و لا عنه شيئا تكرهانه و لقد علمت أنك مشفق عليه تجد له ما يجد المرء لابن عمه فأقبلنا إلى ابن مطيع فأخبرناه بعلته و شكواه فصدّقنا و لهى عنه.

قال:و بعث المختار إلى أصحابه فأخذ يجمعهم في الدور حوله و أراد أن يثب بالكوفة في المحرم فجاء رجل من أصحابه من شبام و كان عظيم الشرف يقال له عبد الرحمن ابن شريح فلقي سعيد بن منقذ الثوري و سعر بن أبي سعر الحنفي و الأسود بن جراد الكندي و قدامة بن مالك الجشمي فاجتمعوا في منزل سعر الحنفي فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإن المختار يريد أن يخرج بنا و قد بايعناه و لا ندري أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية فلنخبره بما قدم علينا به و بما دعانا إليه فإن رخّص لنا في اتباعه اتبعناه و إن نهانا عنه اجتنبناه فو اللّه ما ينبغي أن يكون شي من أمر الدنيا آثر عندنا من سلامة ديننا فقالوا له:أرشدك اللّه فقد أصبت و وفقت أخرج بنا إذا شئت فاجمع رأيهم على أن يخرجوا من أيامهم فخرجوا فلحقوا بابن الحنفية و كان أمامهم عبد الرحمن بن شريح،فلما قدموا عليه سألهم عن حال الناس فخبّروه عن حالهم و ما هم عليه.

(قال أبو مخنف)فحدثني خليفة بن ورقاء عن الأسود بن جراد الكندي قال:قلنا لابن الحنفية:إن لنا إليك حاجة.

قال:فسر هي أم علانية؟

قال:قلنا:لا بل سرّ.

قال:فرويدا إذا.

قال:فمكث قليلا ثم تنحى جانبا فدعانا فقمنا إليه فبدأ عبد الرحمن بن شريح

ص: 113

فتكلم فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنكم أهل بيت خصّكم اللّه بالفضيلة و شرّفكم بالنبوة و عظّم حقكم على هذه الأمة فلا يجهل حقكم إلا مغبون الرأي مخسوس النصيب قد أصبتم بحسين رحمة اللّه عليه عظمت مصيبة ما قد خصّكم بها فقد عمّ بها المسلمون و قد قدم علينا المختار بن أبي عبيد يزعم لنا أنه قد جاءنا من تلقائكم و قد دعانا إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و الطلب بدماء أهل البيت و الدفع عن الضعفاء فبايعناه على ذلك ثم إنا رأينا أن نأتيك فنذكر لك ما دعانا إليه و ندبنا له فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه و إن نهيتنا عنه اجتنبناه ثم تكلمنا واحدا واحدا بنحو مما تكلم به صاحبنا و هو يسمع حتى إذا فرغنا حمدا للّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:أما بعد فأما ما ذكرتم مما خصّصنا اللّه به من فضل فإن اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم فلله الحمد و أما ما ذكرتم من مصيبتنا بحسين فإن ذلك كان في الذكر الحكيم و هى ملحمة كتبت عليه و كرامة أهداها اللّه له رفع بما كان منها درجات قوم عنده و وضع بها آخرين و كان أمر اللّه مفعولا و كان أمر اللّه قدرا مقدورا و أما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم إلى الطلب بدمائنا فو اللّه لوددت أن اللّه انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم.

قال:فخرجنا من عنده و نحن نقول قد أذن لنا قد قال:لوددت أن اللّه انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه و لو كره لقال لا تفعلوا.

قال:فجئنا و أناس من الشيعة ينتظرون لقدومنا ممن كنا قد أعلمناه بمخرجنا و أطلعناه على ذات أنفسنا ممن كان على رأينا من إخواننا و قد كان بلغ المختار مخرجنا فشق ذلك عليه و خشي أن نأتيه بأمر يخذل الشيعة عنه فكان قد أرادهم على أن ينهض بهم قبل قدومنا فلم يهيأ ذلك له فكان المختار يقول:إن نفيرا منكم ارتابوا و تخيروا و خابوا فإن هم أصابوا أقبلوا و أنابوا و إن هم كبوا و هابوا و اعترضوا و انجابوا فقد ثبروا و خابوا فلم يكن إلا شهرا و زيادة شيء حتى أقبل القوم على رواحلهم حتى دخلوا على المختار قبل دخولهم إلى رحالهم فقال لهم:ما

ص: 114

وراءكم فقد فتنتم و ارتبتم.

فقالوا له:قد أمرنا بنصرتك.

فقال:اللّه أكبر أنا أبو إسحق اجمعوا إلي الشيعة فجمع له منهم من كان منه قريبا فقال:يا معشر الشيعة إن نفرا منكم أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به فرحلوا إلى إمام الهدى و النجيب المرتضى ابن خير من طشى و مشى حاشا النبي المجتبى فسألوه عما قدمت به عليكم فنبّأهم أني وزيره و ظهيره و رسوله و خليله و أمركم باتباعي و طاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلين و الطلب بدماء أهل بيت نبيكم المصطفين فقام عبد الرحمن بن شريح فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد يا معشر الشيعة فانا قد كنا أحببنا أن نستثبت لأنفسنا خاصة و لجميع إخواننا عامة فقدمنا على المهدي بن علي فسألناه عن حربنا هذه و عن ما دعانا إليه المختار منها فأمرنا بمظاهرته و موازرته و إجابته إلى ما دعانا إليه فأقبلنا طيبة أنفسنا منشرحة صدورنا قد أذهب اللّه منها الشك و الغل و الريب و استقامت لنا بصيرتنا في قتال عدونا فليبلغ ذلك شاهدكم غائبكم و استعدوا و تأهبوا ثم جلس و قمنا رجلا فرجلا فتكلمنا بنحو من كلامه فاستجمعت له الشيعة و حدبت عليه (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني نمير بن وعلة و المشرقي عن عامر الشعبي قال:كنت أنا و أبي أول من أجاب المختار.

قال:فلما تهيأ أمره و دنا خروجه قال له أحمر بن شميط و يزيد بن أنس و عبد اللّه بن كامل و عبد اللّه بن شداد:إن أشراف أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع فإن جامعنا على أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا بإذن اللّه القوة على عدونا و أن لا يضرنا خلاف من خالفنا فإنه فتى بئيس و ابن رجل شريف بعيد الصيت و له عشيرة ذات عز و عدد قال لهم المختار:فالقوه فادعوه و أعلموه الذي أمرنا به من3.

ص: 115


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 493.

الطلب بدم الحسين عليه السّلام و أهل بيته عليهم السّلام.

قال الشعبي:فخرجوا إليه و أنا فيهم و أبي فتكلم يزيد بن أنس فقال له:إنا قد أتيناك في أمر نعرضه عليك و ندعوك إليه فإن قبلته كان خيرا لك و ان تركته فقد أدينا إليك فيه النصيحة و نحن نحب أن يكون عندك مستورا فقال لهم إبراهيم بن الأشتر:و إن مثلي لا تخاف غائلته و لا سعايته و لا التقرّب إلى سلطانه باغتياب الناس إنما أولئك الصغار الأخطار الدقاق همما.

فقال له:إنما ندعوك إلى أمر قد أجمع عليه رأي الملأ من الشيعة إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و الطلب بدماء أهل البيت و قتال المحلين و الدفع عن الضعفاء،قال:تكلم أحمر بن شميط فقال له:إني لك ناصح و لحظك محب و إن أباك قد هلك و هو سيد و فيك منه إن رعيت حق اللّه خلف قد دعوناك إلى أمر إن أجبتنا إليه عادت لك منزلة أبيك في الناس و أحييت من ذلك أمرا قد مات إنما يكفي مثلك اليسير حتى تبلغ الغاية التي لا مذهب وراءها إنه قد بني لك أو لك فتحرّى و أقبل القوم كلهم عليه يدعونه إلى أمرهم و يرغّبونه فيه فقال لهم إبراهيم بن الأشتر:فإني قد أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه من الطلب بدم الحسين عليه السّلام و أهل بيته على أن تولوني الأمر.

فقالوا:أنت لذلك أهل و لكن ليس إلى ذلك سبيل هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدي و هو الرسول و المأمور بالقتال و قد أمرنا بطاعته فسكت عنهم ابن الأشتر و لم يجبهم فانصرفنا من عنده إلى المختار فأخبرناه بما رد علينا.

قال:فغبر ثلاثا.

ثم إن المختار دعا بضعة عشر رجلا من وجوه أصحابه قال الشعبي:أنا و أبي فيهم.

قال:فسار بنا و مضى أمامنا يقد بنا بيوت الكوفة قدا لا ندري أين يريد حتى وقف على باب إبراهيم بن الأشتر فاستأذنا عليه فأذن لنا و ألقيت لنا و سائد فجلسنا

ص: 116

عليها و جلس المختار معه على فراشه.

فقال المختار:الحمد للّه و أشهد أن لا إله إلا اللّه و صلّى اللّه على محمد و السّلام عليه أما بعد فإن هذا كتاب إليك من المهدي محمد ابن أمير المؤمنين الوصي و هو خير أهل الأرض اليوم و ابن خير أهل الأرض كلها قبل اليوم بعد أنبياء اللّه و رسله و هو يسألك أن تنصرنا و توازرنا فإن فعلت اغتبطت و ان لم تفعل فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني اللّه المهدي محمدا و أولياءه عنك.

قال الشعبي:و كان المختار قد دفع الكتاب إلي حين خرج من منزله،فلما قضى كلامه قال لي:إدفع الكتاب إليه فدفعته إليه فدعا بالمصباح و فض خاتمه و قرأه فإذا هو:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد المهدي إلى إبراهيم بن مالك الأشتر سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم بوزيري و أميني و نجيبي الذي ارتضيته لنفسي و قد أمرته بقتال عدوى و الطلب بدماء أهل بيتي فانهض معك بنفسك و عشيرتك و من أطاعك فإنك ان نصرتني و أجبت دعوتي و ساعدت وزيري كانت لك عندي بذلك فضيلة و لك بذلك أعنة الخيل و كل جيش غاز و كل مصر و منبر و ثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة و أقصى بلاد أهل الشام على الوفاء بذلك علي عهد اللّه فإن فعلت ذلك نلت به عند اللّه أفضل الكرامة و إن أبيت هلكت هلاكا لا تستقيله أبدا و السّلام عليك.

فلما قضى إبراهيم قراءة الكتاب قال:قد كتب إلى ابن الحنفية و قد كتبت إليه قبل اليوم فما كان يكتب إلي إلا باسمه و اسم أبيه قال له المختار:إن ذلك زمان و هذا زمان.

قال إبراهيم:فمن يعلم أن هذا الكتاب ابن الحنيفة إلي فقال له يزيد بن أنس و أحمر بن شميط و عبد اللّه بن كامل و جماعتهم قال الشعبي:إلا أنا و أبي.

فقالوا:نشهد أن هذا كتاب محمد بن علي إليك فتأخر إبراهيم عند ذلك عن صدر

ص: 117

الفراش فأجلس المختار عليه فقال:أبسط يدك أبايعك فبسط المختار يده فبايعه إبراهيم و دعا لنا بفاكهة فأصبنا منها و دعا لنا بشراب من عسل فشربنا ثم نهضنا و خرج معنا ابن الأشتر فركب مع المختار حتى دخل رحله،فلما رجع إبراهيم منصرفا أخذ بيدي فقال:انصرف بنا يا شعبي.

قال:فانصرفت معه و مضى بي حتى دخل بي رحله فقال:يا شعبي إني قد حفظت إنك لم تشهد أنت و لا أبوك أفترى هؤلاء شهدوا على حق قال:قلت له:قد شهدوا على ما رأيت و هم سادة القراء و مشيخة المصر و فرسان العرب و لا أرى مثل هؤلاء يقولون إلا حقا.

قال:فقلت له هذه المقالة و أنا و اللّه لهم على شهادتهم متهم غير أني يعجبني الخروج و أنا أرى رأي القوم و أحب تمام ذلك الأمر فلم أطلعه على ما في نفسي من ذلك فقال لي ابن الأشتر:أكتب لي أسماءهم فإني ليس كلهم أعرف و دعا بصحيفة و دواة و كتب فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه السائب بن مالك الأشعري و يزيد بن أنس الأسدي و أحمر بن شميط الأحمسي و مالك بن عمرو النهدي حتى أتى على أسماء القوم ثم كتب شهدوا أن محمد بن علي كتب إلى إبراهيم بن الأشتر يأمره بموازرة المختار و مظاهرته على قتال المحلين و الطلب بدماء أهل البيت و شهد على هؤلاء النفر الذين شهدوا على هذه الشهادة شراحيل بن عبد و هو أبو عامر الشعبي الفقيه و عبد الرحمن بن عبد اللّه النخعي و عامر بن شراحيل الشعبي فقلت له:ما تصنع بهذا رحمك اللّه؟

فقال:دعه يكون.

قال:و دعا إبراهيم عشريته و إخوانه و من أطاعه و أقبل يختلف إلى المختار.

(قال هشام بن محمد)قال أبو مخنف:حدثني يحيى بن أبي عيسى الأزدي قال:

كان حميد بن مسلم الأسدي صديقا لإبراهيم بن الأشتر و كان يختلف إليه و يذهب به معه و كان إبراهيم يروح في كل عشية عند المساء فيأتي المختار فيمكث عنده

ص: 118

حتى تصوب النجوم ثم ينصرف فمكثوا بذلك يدبرون أمورهم حتى اجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة 66 و وطن على ذلك شيعتهم و من أجابهم.

فلما كان عند غروب الشمس قام إبراهيم بن الأشتر فأذن ثم إنه استقدم فصلى بنا المغرب ثم خرج بنا بعد المغرب حين قلت أخوك أو الذئب و هو يريد المختار فأقبلنا علينا السلاح و قد أتى إياس بن مضارب عبد اللّه بن مطيع فقال:إن المختار خارج عليك إحدى الليلتين.

قال:فخرج إياس في الشرط فبعث ابنه راشدا إلى الكناسة و أقبل يسير حول السوق في الشرط ثم إن إياس بن مضارب دخل على ابن مطيع فقال له:إني قد بعثت ابني إلى الكناسة فلو بعثت في كل جبانة بالكوفة عظيمة رجلا من أصحابك في جماعة من أهل الطاعة هاب المريب الخروج عليك.

قال:فبعث ابن مطيع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس إلى جبانة السبيع و قال اكفني قومك لا أوتين من قبلك و احكم أمر الجبانة التي وجّهتك إليها لا يحدثن بها حدث فأولئك العجز و الوهن و بعث كعب بن أبي كعب الخثعمي إلى جبانة بشر و بعث زحر بن قيس إلى جبانة كندة و بعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبانة سالم و بعث عبد الرحمن بن مخنف بن سليم إلى جبانة الصائديين و بعث يزيد بن الحارث بن رؤيم أبا حوشب إلى جبانة مراد و أوصى كل رجل أن يكفيه قومه و أن لا يؤتى من قبله و أن يحكم الوجه الذي وجّهه فيه و بعث شبث بن ربعي إلى السبخة و قال:إذا سمعت صوت القوم فوجّه نحوهم فكان هؤلاء قد خرجوا يوم الاثنين فنزلوا هذه الجبابين و خرج إبراهيم بن الأشتر من رحله بعد المغرب يريد إتيان المختار و قد بلغه أن الجبابين قد حشيت رجالا و أن الشرط قد أحاطت بالسوق و القصر.

(قال أبو مخنف)فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال:خرجت

ص: 119

مع إبراهيم من منزله بعد المغرب ليلة الثلاثاء حتى مررنا بدار عمر بن حريث و نحن مع ابن الأشتر كتيبة نحو من مائة علينا الدروع قد كفرنا عليها بالأقبية و نحن متقلد و السيوف ليس معنا سلاح إلا السيوف في عواتقنا و الدروع قد سترناها بأقبيتنا فلما مررنا بدار سعيد بن قيس فجزناها إلى دار أسامة قلنا مر بنا على دار خالد بن عرفطة ثم امض بنا إلى بجيلة فلنمر في دورهم حتى نخرج إلى دار المختار و كان إبراهيم فتى حدثا شجاعا فكان لا يكره أن يلقاهم فقال:و اللّه لأمرّن على دار عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط السوق و لأرعبن به عدونا و لأرينهم هوانهم علينا.

قال:فأخذنا على باب الفيل على دار هبار ثم أخذ ذات اليمين على دار عمرو بن حريث حتى إذا جاوزها ألفينا إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح فقال لنا:من أنتم ما أنتم.

فقال له إبراهيم:أنا إبراهيم بن الأشتر.

فقال له ابن مضارب:ما هذا الجمع معك و ما تريد و اللّه إن أمرك لمريب و قد بلغني أنك تمر كل عشية ههنا و ما أنا بتاركك حتى آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه فقال إبراهيم:لا أبا لغيرك خل سبيلنا.

فقال:كلا و اللّه لا أفعل و مع إياس بن مضارب رجل من همدان يقال له أبو قطن كان يكون مع إمرة الشرطة فهم يكرمونه و يؤثرونه و كان لابن الأشتر صديقا.

فقال له ابن الأشتر:يا أبا قطن ادن مني و مع أبي قطن رمح له طويل فدنا منه أبو قطن و معه الرمح و هو يرى أن ابن الأشتر يطلب إليه أن يشفع له إلى ابن مضارب ليخلي سبيله.

فقال إبراهيم و تناول الرمح من يده:إن رمحك هذا لطويل فحمل به إبراهيم على ابن مضارب فطعنه في ثغرة نحره فصرعه و قال لرجل من قومه إنزل فاحتز رأسه فنزل إليه فاحتز رأسه و تفرّق أصحابه و رجعوا إلى ابن مطيع فبعث ابن مطيع ابنه

ص: 120

راشد بن إياس مكان أبيه على الشرطة و بعث مكان راشد بن اياس إلى الكناسة تلك الليلة سويد بن عبد الرحمن المنقري أبا القعقاع بن سويد و أقبل إبراهيم بن الأشتر إلى المختار ليلة الأربعاء فدخل عليه.

فقال له إبراهيم:إنا اتعدنا للخروج للقابلة ليلة الخميس و قد حدث أمر لابد من الخروج الليلة.

قال المختار:و ما هو؟

قال:عرض لي إياس بن مضارب في الطريق ليحبسني بزعمه فقتلته و هذا رأسه مع أصحابي على الباب.

فقال المختار:فبشّرك اللّه بخير فهذا طير صالح و هذا أول الفتح إن شاء اللّه.

فقال المختار:قم يا سعيد بن منقذ فأشعل في الهرادي النيران ثم ارفعها للمسلمين و قم أنت يا عبد اللّه بن شداد فناد يا منصور أمت و قم أنت يا سفيان بن ليل و أنت يا قدامة بن مالك فناد يا لثارات الحسين.

ثم قال المختار:عليّ بدرعي و سلاحي فأتي به فأخذ يلبس سلاحه و يقول:

قد علمت بيضاء سناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل

أني غداة الروع مقدام بطل

ثم إن إبراهيم قال للمختار:إن هؤلاء الرؤوس الذين وضعهم ابن مطيع في الجبابين يمنعون إخواننا أن يأتونا و يضيّقون عليهم فلو أني خرجت بمن معي من أصحابي حتى آتي قومي فيأتيني كل من قد بايعني من قومي ثم سرت بهم في نواحي الكوفة و دعوت بشعارنا فخرج إلي من أراد الخروج إلينا و من قدر على إتيانك من الناس فمن أتاك حبسته عندك إلى من معك و لم تفرّقهم فإن عوجلت فأتيت كان معك من تمتنع به و أنا لو قد فرغت من هذا الأمر عجلت إليك في الخيل و الرجال قال له إمالا فأعجل و إياك أن تسير إلى أميرهم تقاتله و لا تقاتل أحدا و أنت تستطيع أن لا تقاتل واحفظ ما أوصيتك به إلا أن يبدأك أحد بقتال فخرج إبراهيم بن الأشتر من عنده في

ص: 121

الكتيبة التي أقبل فيها حتى أتى قومه و اجتمع إليه جل من كان بايعه و أجابه ثم إنه سار بهم في سكك الكوفة طويلا من الليل و هو في ذلك يتجنب السكك التي فيها الأمراء فجاء إلى الذين معهم الجماعات الذين وضع ابن مطيع في الجبابين و أفواه الطرق العظام حتى انتهى إلى مسجد السكون و عجلت إليه خيل من خيل زحر بن قيس الجعفي ليس لهم قائد و لا عليهم أمير فشد عليهم إبراهيم ابن الأشتر و أصحابه فكشفوهم حتى دخلوا جبانة كندة.

فقال إبراهيم:من صاحب الخيل في جبانة كندة؟

فقيل له:زحر بن قيس.

فقال:انصرفوا بنا عنهم فركب بعضهم بعضا كلما لقيهم زقاق دخل منهم طائفة فانصرفوا يسيرون (1).

ثم خرج إبراهيم يسير حتى انتهى إلى جبانة أثير فوقف فيها طويلا و نادى أصحابه بشعارهم فبلغ سويد بن عبد الرحمن المنقري مكانهم في جبانة أثير فرجا أن يصيبهم فيحظى بذلك عند ابن مطيع فلم يشعر ابن الأشتر إلا و هم معه في الجبانة،فلما رأى ذلك ابن الأشتر قال لأصحابه:يا شرطة اللّه أنزلوا فإنكم أولى بالنصر من اللّه من هؤلاء الفساق الذين خاضوا دماء أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلوا ثم شد عليهم إبراهيم فضربهم حتى أخرجهم من الصحراء و ولّوا منهزمين يركب بعضهم بعضا و هم يتلاومون فقال:قائل منهم إن هذا الأمر يراد ما يلقون لنا جماعة إلا هزموهم فلم يزل يهزمهم حتى أدخلهم الكناسة.

و قال أصحاب إبراهيم لإبراهيم:إتبعهم و اغتنم ما قد دخلهم من الرعب فقد علم اللّه إلى من ندعو و ما نطلب و إلى من يدعون و ما يطلبون قال:لا و لكن سيروا بنا إلىم.

ص: 122


1- فشد إبراهيم و أصحابه عليهم و هو يقول:اللهم إنك تعلم إنا غضبنا لأهل بيت نبيك و ثرنا لهم فانصرنا عليهم و تمم لنا دعوتنا حتى انتهى إليهم هو و أصحابه فخالطوهم و كشفوهم.

صاحبنا حتى يؤمن اللّه بنا وحشته و نكون من أمره على علم و يعلم هو أيضا ما كان من عنائنا فيزداد هو و أصحابه قوة و بصيرة إلى قواهم و بصيرتهم مع أني لا آمن أن يكون قد أتى فأقبل إبراهيم في أصحابه حتى مر بمسجد الأشعث فوقف به ساعة ثم مضى حتى أتى دار المختار فوجد الأصوات عالية و القوم يقتتلون و قد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة فعبّأ له المختار يزيد بن أنس،و جاء حجار بن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه أحمر بن شميط فالناس يقتتلون و جاء إبراهيم من قبل القصر فبلغ حجارا و أصحابه أن إبراهيم قد جاءهم من ورائهم فتفرّقوا قبل أن يأتيهم إبراهيم و ذهبوا في الأزقة و السكك،و جاء قيس بن طهفة في قريب من مائة رجل من بني نهد من أصحاب المختار فحمل على شبث بن ربعي و هو يقاتل يزيد بن أنس فخلّى لهم الطريق حتى اجتمعوا جميعا ثم إن شبث ابن ربعي ترك لهم السكة و أقبل حتى لقي ابن مطيع فقال:ابعث إلى أمراء الجبابين فمرهم فليأتوك فاجمع إليك جميع الناس ثم انهد إلى هؤلاء القوم فقاتلهم و ابعث إليهم من تثق به فليكفك قتالهم فإن أمر القوم قد قوي و قد خرج المختار و ظهر و اجتمع له أمره،فلما بلغ ذلك المختار من مشورة شبث بن ربعي على ابن مطيع خرج المختار في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة.

قال:و خرج أبو عثمان النهدي فنادى في شاكر و هم مجتمعون في دورهم يخافون أن يظهروا في الميدان لقرب كعب بن أبي كعب الخثعمي منهم و كان كعب في جبانة بشر،فلما بلغه أن شاكر يخرج جاء يسير حتى نزل بالميدان و أخذ عليهم بأفواه سككهم و طرقهم.

قال:فلما أتاهم أبو عثمان النهدي في عصابة من أصحابه نادى يا لثارات الحسين يا منصور أمت يا أيها الحي المهتدون ألا إن أمير آل محمد و وزيرهم قد خرج فنزل دير هند و بعثني إليكم داعيا و مبشرا فاخرجوا إليه رحمكم اللّه.

ص: 123

قال:فخرجوا من الدور يتداعون يا لثارات الحسين ثم ضاربوا كعب بن أبي كعب حتى خلّى لهم الطريق فأقبلوا إلى المختار حتى نزلوا معه في عسكره و خرج عبد اللّه بن قراد الخثعمي في جماعة من خثعم نحو المائتين حتى لحق بالمختار فنزلوا معه في عسكره و قد كان عرض له كعب بن أبي كعب فصافه،فلما عرفهم و رأى أنهم قومه خلّى عنهم و لم يقاتلهم و خرجت شبام من آخر ليلتهم فاجتمعوا إلى جبانة مراد،فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بن سعيد بن قيس بعث إليهم إن كنتم تريدون اللحاق بالمختار فلا تمروا على جبانة السبيع فلحقوا بالمختار فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف و ثمانمائة من إثنى عشر ألفا كانوا بايعوه فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر فأصبح قد فرغ من تعبئته (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني الوالبي قال:خرجت أنا و حميد بن مسلم و النعمان بن أبي الجعد إلى المختار ليلة خرج فأتيناه في داره و خرجنا معه إلى معسكره.

قال:فو اللّه ما انفجر الفجر حتى فرغ من تعبئته،فلما أصبح استقدم فصلّى بنا الغداة بغلس ثم قرأ و النازعات و عبس و تولى.

قال:فما سمعنا إماما أمّ قوما أفصح لهجة منه.

(قال أبو مخنف)حدثني حصيرة بن عبد اللّه أن ابن مطيع بعث إلى أهل الجبابين فأمرهم أن ينضموا إلى المسجد و قال لراشد بن إياس بن مضارب ناد في الناس فليأتوا المسجد فنادى المنادي ألا برئت الذمة من رجل لم يحضر المسجد الليلة فتوافى الناس في المسجد فلما اجتمعوا بعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو من ثلاثة آلاف إلى المختار و بعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو الصلت التيمي عن أبي سعيد الصيقل قال:لما صلّى المختار الغداة ثم انصرف سمعنا أصواتا مرتفعة فيما بين بني سليم و سكة البريد.0.

ص: 124


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 500.

فقال المختار:من يعلم لنا علم هؤلاء ما هم؟

فقلت له:أنا أصلحك اللّه.

فقال المختار إمالا فألق سلاحك و انطلق حتى تدخل فيهم كأنك نظار ثم تأتيني بخبرهم.

قال:ففعلت،فلما دنوت منهم إذا مؤذنهم يقيم فجئت حتى دنوت منهم فإذا شبث ابن ربعي معه خيل عظيمة و على خيله شيبان بن حريث الضبي و هو في الرجالة معه منهم كثرة،فلما أقام مؤذنهم تقدم فصلّى بأصحابه فقرأ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها فقلت في نفسي:أما و اللّه إني لأرجو أن يزلزل اللّه بكم و قرأ وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فقال أناس من أصحابه:لو كنت قرأت سورتين هما أطول من هاتين شيئا فقال شبث:ترون الديلم قد نزلت بساحتكم و أنتم تقولون لو قرأت سورة البقرة و آل عمران.

قال:و كانوا ثلاثة آلاف.

قال:فأقبلت سريعا حتى أتيت المختار فأخبرته بخبر شبث و أصحابه و أتاه معي ساعة أتيته سعر بن أبي سعر الحنفي يركض من قبل مراد و كان ممن بايع المختار فلم يقدر على الخروج معه ليلة خرج مخافة الحرس،فلما أصبح أقبل على فرسه فمر بجبانة مراد و فيها راشد بن إياس فقالوا كما أنت و من أنت فراكضهم حتى جاء المختار فأخبره خبر راشد و أخبرته أنا خبر شبث.

قال:فسرّح إبراهيم بن الأشتر قبل راشد بن إياس في تسعمائة و يقال:ستمائة فارس و ستمائة راجل و بعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة في ثلثمائة فارس و ستمائة راجل و قال لهما امضيا حتى تلقيا عدوكما فإذا لقيتماهم فانزلا في الرجال و عجّلا الفراغ و ابدآهم بالإقدام و لا تستهدفا لهم فإنهم أكثر منكم و لا ترجعا إلي حتى تظهرا أو تقتلا فتوجه إبراهيم إلى راشد و قدّم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث في تسعمائة أمامه و توجّه نعيم بن هبيرة قبل شبث.

ص: 125

(قال أبو مخنف)قال أبو سعيد الصيقل:كنت أنا فيمن توجه مع نعيم بن هبيرة إلى شبث و معي سعر بن أبي سعر الحنفي،فلما انتهينا إليه قاتلناه قتالا شديدا فجعل نعيم بن هبيرة سعر بن أبي سعر الحنفي على الخيل و مشى هو في الرجال فقاتلهم حتى أشرقت الشمس وانبسطت فضربناهم حتى أدخلناهم البيوت ثم إن شبث بن ربعي ناداهم يا حماة السوء بئس فرسان الحقائق أنتم أمن عبيدكم تهربون.

قال:فثابت إليه منهم جماعة فشد علينا و قد تفرّقنا فهزمنا و صبر نعيم بن هبيرة فقتل و نزل معه سعر فأسر و أسرت أنا و خليد مولى حسان بن يخدج فقال شبث لخليد و كان و سيما جسيما من أنت فقال خليد مولى حسان بن يخدج الذهلي.

فقال له شبث:يا ابن المتكاء تركت بيع الصحناة بالكناسة و كان جزاء من أعتقك أن تعدو عليه بسيفك تضرب رقابه اضربوا عنقه فقتل و رأى سعرا الحنفي فعرفه فقال:أخو بني حنيفة.

فقال له:نعم.

فقال:ويحك ما أردت إلى اتباع هذه السباية قبّح اللّه رأيك دعوا ذا فقلت في نفسي:

قتل المولى و ترك العربي إن علم و اللّه إني مولى قتلني،فلما عرضت عليه قال:من أنت فقلت من بني تيم اللّه قال:أ عربي أنت أو مولى؟

فقلت:لا بل عربي أنا من آل زياد بن خصفة.

فقال:بخ بخ ذكرت الشريف المعروف إلحق بأهلك.

قال:فأقبلت حتى انتهيت إلى الحمراء و كانت لي في قتال القوم بصيرة فجئت حتى انتهيت إلى المختار و قلت في نفسي:و اللّه لآتين أصحابي فلأواسينهم بنفسي فقبّح اللّه العيش بعدهم.

قال:فأتيتهم و قد سبقني إليهم سعر الحنفي و أقبلت إليه خيل شبث و جاءه قتل

ص: 126

نعيم بن هبيرة فدخل من ذلك أصحاب المختار أمر كبير.

قال:فدنوت من المختار فأخبرته بالذي كان من أمري فقال لي:أسكت فليس هذا بمكان الحديث،و جاء شبث حتى أحاط بالمختار و بيزيد بن أنس و بعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رؤيم في ألفين من قبل سكة لحام جرير فوقفوا في أفواه تلك السكك و ولّى المختار يزيد بن أنس خيله و خرج هو في الرجالة (1).

(قال أبو مخنف)فحدثني الحارث بن كعب الوالبي والبة الأزد قال:حملت علينا خيل شبث بن ربعي حملتين فما يزول منا رجل من مكانه فقال يزيد بن أنس لنا:يا معشر الشيعة قد كنتم تقتلون و تقطع أيديكم و أرجلكم و تسمل أعينكم و ترفعون على جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم و أنتم مقيمون في بيوتكم و طاعة عدوكم فما ظنكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم إذا و اللّه لا يدعون منكم عينا تطرف و ليقتلنكم صبرا و لترون منهم في أولادكم و أزواجكم و أموالكم ما الموت خير منه و اللّه لا ينجيكم منه إلا الصدق و الصبر و الطعن الصائب في أعينهم و الضرب الدراك على هامهم فتيسروا للشدة و تهيأوا للحملة فإذا حركت رايتي مرتين فاحملوا.قال الحارث:فتهيأنا و تيسرنا و جثونا على الركب و انتظرنا أمره.

(قال أبو مخنف)و حدثني فضيل بن خديج الكندي أن إبراهيم بن الأشتر كان حين توجه إلى راشد بن إياس مضى حتى لقيه في مراد فإذا معه أربعة آلاف فقال إبراهيم لأصحابه لا يهولنكم كثرة هؤلاء فو اللّه لرب رجل خير من عشرة و لرب فئة قليلة قد غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه و اللّه مع الصابرين.

ثم قال:يا خزيمة بن نصر سر إليهم في الخيل و نزل هو يمشى في الرجال و رأيته مع مزاحم بن طفيل فأخذ إبراهيم يقول له ازدلف برايتك إمض بها قدما قدما و اقتتل الناس فاشتد قتالهم و بصر خزيمة بن نصر العبسي براشد بن إياس فحمل3.

ص: 127


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 503.

عليه فطعنه فقتله ثم نادى قتلت راشدا و رب الكعبة و انهزم أصحاب راشد و أقبل إبراهيم بن الأشتر و خزيمة بن نصر و من كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار و بعث النعمان بن أبي الجعد يبشر المختار بالفتح عليه و بقتل راشد،فلما أن جاءهم البشير بذلك كبّروا و اشتدت أنفسهم و دخل أصحاب ابن مطيع الفشل و سرّح ابن مطيع حسان بن فائد بن بكير العبسي و معه جيش كثيف نحو من ألفين فاعترض إبراهيم بن الأشتر فويق الحمراء ليرده عن من في السبخة من أصحاب ابن مطيع فقدم إبراهيم خزيمة بن نصر إلى حسان بن قائد في الخيل و مشى إبراهيم نحوه في الرجال فقال:و اللّه ما طعنا برمح و لا ضربنا بسيف حتى انهزموا و تخلّف حسان بن فائد في أخريات الناس يحميهم و حمل عليه خزيمة بن نصر فلما رآه عرفه.

فقال له:يا حسان بن فائد أما و اللّه لو لا القرابة لعرفت أني سألتمس قتلك بجهدي و لكن النجاء فعثر بحسان فرسه فوقع فقال تسعا لك أبا عبد اللّه و ابتدره الناس فأحاطوا به فضاربهم ساعة بسيفه فناداه خزيمة بن نصر قال:إنك آمن يا أبا عبد اللّه لا تقتل نفسك،و جاء حتى وقف عليه و نهنه الناس عنه و مر به إبراهيم فقال له خزيمة:هذا ابن عمى و قد آمنته.

فقال له إبراهيم:أحسنت فأمر خزيمة بطلب فرسه حتى أتي به فحمله عليه و قال:

إلحق بأهلك.

قال:و أقبل إبراهيم نحو المختار و شبث محيط بالمختار و يزيد بن أنس،فلما رآه يزيد بن الحارث و هو على أفواه سكك الكوفة التي تلي السبخة و إبراهيم مقبل نحو شبث أقبل نحوه ليصدّه عن شبث و أصحابه فبعث إبراهيم طائفة من أصحابه مع خزيمة بن نصر فقال:إغن عنا يزيد بن الحارث و صمد هو في بقية أصحابه نحو شبث بن ربعي.

(قال أبو مخنف)فحدثني الحارث بن كعب أن إبراهيم لما أقبل نحونا رأينا شبثا

ص: 128

و أصحابه ينكصون وراءهم رويدا رويدا،فلما دنا إبراهيم من شبث و أصحابه حمل عليهم و أمرنا يزيد بن أنس بالحملة عليهم فحملنا عليهم فانكشفوا حتى انتهوا إلى أبيات الكوفة و حمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحارث بن رؤيم فهزمه و ازدحموا على أفواه السكك و قد كان يزيد بن الحارث وضع رامية على أفواه السكك فوق البيوت و أقبل المختار في جماعة الناس إلى يزيد بن الحارث،فلما انتهى أصحاب المختار إلى أفواه السكك رمته تلك الرامية بالنبل فصدوهم عن دخول الكوفة من ذلك الوجه و رجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع و جاءه قتل راشد بن إياس فأسقط في يده.

(قال أبو مخنف)فحدثني يحيى بن هانى.قال:قال عمرو بن الحجاج الزبيدي لابن مطيع:أيها الرجل لا يسقط في خلدك و لا تلق بيدك أخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوك فاغزهم فإن الناس كثير عددهم و كلهم معك إلا هذه الطاغية التي خرجت على الناس و اللّه مخزيها و مهلكها و أنا أول منتدب فاندب معي طائفة و مع غيري طائفة.

قال:فخرج ابن مطيع فقام في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس إن من أعجب العجب عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها خبيث دينها ضالة مضلة أخرجوا إليهم فامنعوا منهم رحيمكم و قاتلوهم عن مصركم و امنعوا منهم فيئكم و إلا و اللّه ليشاركنكم في فيئكم من لا حق له فيه و اللّه لقد بلغني أن فيهم خمسمائة رجل من محرريكم عليهم أمير منهم و إنما ذهاب عزكم و سلطانكم و تغير دينكم حين يكثرون ثم نزل.

قال:و منعهم يزيد بن الحارث أن يدخلوا الكوفة.

قال:و مضى المختار من السبخة حتى ظهر على الجبانة ثم ارتفع إلى البيوت بيوت مزينة و أحمس و بارق فنزل عند مسجدهم و بيوتهم و بيوتهم شاذة منفردة من بيوت أهل الكوفة فاستقبلوه بالماء فسقى أصحابه و أبى المختار أن يشرب.

ص: 129

قال:فظن أصحابه أنه صائم و قال أحمر بن هديج من همدان لابن كامل أترى الأمير صائما.فقال له:نعم هو صائم فقال له:فلو أنه كان في هذا اليوم مفطرا كان أقوى له.

فقال له:إنه معصوم و هو أعلم بما يصنع.

فقال له:صدقت أستغفر اللّه.

و قال المختار:نعم مكان المقاتل هذا.

فقال له إبراهيم:بن الأشتر قد هزمهم اللّه و فلّهم و أدخل الرعب قلوبهم و تنزل ههنا سربنا فو اللّه ما دون القصر أحد يمنع و لا يمتنع كبير امتناع.

فقال المختار:ليقم ههنا كل شيخ ضعيف و ذي علة وضعوا ما كان لكم من ثقل و متاع بهذا الموضع حتى تسيروا إلى عدونا ففعلوا فاستخلف المختار عليهم أبا عثمان النهدي و قدّم إبراهيم بن الأشتر أمامه و عبّأ أصحابه على الحال التي كانوا عليها في السبخة.

قال:و بعث عبد اللّه بن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفي رجل فخرج عليهم من سكة الثوريين فبعث المختار إلى إبراهيم أن اطوه و لا تقم عليه فطواه إبراهيم و دعا المختار يزيد بن أنس فأمره أن يصمد لعمرو بن الحجاج فمضى نحوه و ذهب المختار في أثر إبراهيم فمضوا جميعا حتى إذا انتهى المختار إلى موضع مصلّى خالد بن عبد اللّه وقف و أمر إبراهيم أن يمضي على وجهه حتى يدخل الكوفة من قبل الكناسة فمضى فخرج إليه من سكة ابن محرز و أقبل شمر بن ذي الجوشن في ألفين فسرح المختار إليه سعيد بن منقذ الهمداني فواقعه و بعث إلى إبراهيم أن اطوه و امض على وجهك فمضى حتى انتهى إلى سكة شبث و إذا نوفل بن مساحق بن عبد اللّه بن مخرمة في نحو من ألفين أو قال:خمسة آلاف،و هو الصحيح و قد أمر ابن مطيع سويد بن عبد الرحمن فنادى في الناس أن الحقوا بابن مساحق.

قال:و استخلف شبث بن ربعي على القصر و خرج ابن مطيع حتى وقف

ص: 130

بالكناسة.

(قال أبو مخنف)حدثني حصيرة بن عبد اللّه قال:إني لأنظر إلى ابن الأشتر حين أقبل في أصحابه حتى إذا دنا منهم قال لهم:أنزلوا فنزلوا فقال قرّبوا خيولكم بعضها إلى بعض ثم امشوا إليهم مصلتين بالسيوف و لا يهولنكم أن يقال جاءكم شبث بن ربعي و آل عتيبة بن النهاس و آل الأشعت و آل فلان و آل يزيد بن الحارث.

قال:فسمّى بيوتات من بيوتات أهل الكوفة ثم قال:إن هؤلاء لو قد وجدوا لهم حر السيوف قد انصفقوا عن ابن مطيع إنصفاق المعزى عن الذئب قال حصيرة:فإني لأنظر إليه و إلى أصحابه حين قرّبوا خيولهم و حين أخذ ابن الأشتر أسفل قبائه فرفعه فأدخله في منطقة له حمراء من حواشيء البرود و قد شد بها على القباء و قد كفر بالقباء على الدرع ثم قال لأصحابه:شدوا عليهم فدى لكم عمى و خالي.

قال:فو اللّه ما لبثهم أن هزمهم فركب بعضهم بعضا على فم السكة و ازدحموا و انتهى ابن الأشتر إلى ابن مساحق فأخذ بلجام دابته و رفع السيف عليه فقال له ابن مساحق:يا ابن الأشتر أنشدك اللّه أتطلبني بثأر هل بيني و بينك من إحنة فخلّى ابن الأشتر سبيله و قال له:اذكرها،فكان بعد ذلك ابن مساحق يذكرها لابن الأشتر.

و أقبلوا يسيرون حتى دخلوا الكناسة ثم أثار القوم حتى دخلوا السوق و المسجد و حصروا ابن مطيع ثلاثا.

(قال أبو مخنف)و حدثني النضر بن صالح أن ابن مطيع مكث ثلاثا يرزق أصحابه في القصر حيث حصر الدقيق و معه أشراف الناس إلا ما كان من عمرو بن حريث فإنه أتى داره و لم يلزم نفسه الحصار ثم خرج حتى نزل البر،و جاء المختار حتى نزل جانب السوق و ولّى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر و يزيد بن أنس و أحمر بن شميط فكان ابن الأشتر مما يلي المسجد و باب القصر و يزيد بن أنس

ص: 131

مما يلي بني حذيفة و سكة دار الروميين و أحمر بن شميط مما يلي دار عمارة و دار أبى موسى،فلما اشتد الحصار على ابن مطيع و أصحابه كلّمه الاشراف فقام إليه شبث فقال:أصلح اللّه الأمير أنظر لنفسك و لمن معك فو اللّه ما عندهم غناء عنك و لا عن أنفسهم قال ابن مطيع:هاتوا أشيروا علي برأيكم.

قال شبث:الرأي أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا و لنا و تخرج و لا تهلك نفسك و من معك قال ابن مطيع:و اللّه إني لأكره أن آخذ منه أمانا و الأمور مستقيمة لأمير المؤمنين بالحجاز كله و بأرض البصرة.

قال:فتخرج لا يشعر بك أحد حتى تنزل منزلا بالكوفة عند من تستنصحه و تثق به و لا يعلم بمكانك حتى تخرج فتلحق بصاحبك فقال لأسماء بن خارجة و عبد الرحمن بن مخنف و عبد الرحمن بن سعيد بن قيس و أشراف أهل الكوفة ما ترون في هذا الرأي الذي أشار به علي شبث فقالوا ما:نرى الرأي إلا ما أشار به عليك.

قال:فرويدا حتى أمسي.

(قال أبو مخنف)فحدثني أبو المغلس الليثي أن عبد اللّه بن عبد اللّه الليثي أشرف على أصحاب المختار من القصر من العشي يشتمهم و ينتحي له مالك بن عمر و أبو نمر النهدي بسهم فيمر بحلقه فقطع جلدة من حلقه فمال فوقع.

قال:ثم إنه قام و برأ بعد و قال النهدي حين أصابه خذها من مالك من فاعل كذا (1).

(قال أبو مخنف)و حدثني النضر بن صالح عن حسان بن فائد بن بكير قال:لما أمسينا في القصر في اليوم الثالث دعانا ابن مطيع فذكر اللّه بما هو أصله و صلّى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و قال:أما بعد فقد علمت الذين صنعوا هذا منكم من هم و قد علمت أنما هم أراذلكم و سفهاؤكم و طغامكم و أخساؤكم ما عدا الرجل أو الرجلين و إن7.

ص: 132


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 507.

أشرافكم و أهل الفضل منكم لم يزالوا سامعين مطيعين مناصحين و أنا مبلغ ذلك صاحبي و معلمه طاعتكم و جهادكم عدوه حتى كان اللّه الغالب على أمره و قد كان من رأيكم و ما أشرتم به على ما قد علمتم و قد رأيت أن أخرج الساعة.

فقال له شبث:جزاك اللّه من أمير خيرا فقد و اللّه عففت عن أموالنا و أكرمت أشرافنا و نصحت لصاحبك و قضيت الذي عليك و اللّه ما كنا لنفارقك أبدا إلا و نحن منك في إذن فقال:جزاكم اللّه خيرا أخذ امرؤ حيث أحب ثم خرج من نحو دروب الروميين حتى أتى دار أبى موسى و خلّى القصر و فتح أصحابه الباب.

فقالوا:يا ابن الأشتر آمنون نحن؟

قال:أنتم آمنون فخرجوا فبايعوا المختار.

(قال أبو مخنف)فحدثني موسى بن عامر العدوي من عدى جهينة و هو أبو الأشعر أن المختار جاء حتى دخل القصر فبات به و أصبح أشراف الناس في المسجد و على باب القصر و خرج المختار فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه فقال الحمد للّه الذي وعد وليه النصر و عدوه الخسر و جعله فيه إلى آخر الدهر وعدا مفعولا و قضاء مقضيا و قد خاب من افترى أيها الناس إنه رفعت لنا راية و مدت لنا غاية فقيل لنا في الراية أن ارفعوها و لا تضعوها و في الغاية أن اجروا إليها و لا تعدوها فسمعنا دعوة الداعي و مقالة الواعي فكم من ناع و ناعية لقتلى في الواعية و بعدا لمن طغى و أدبر و عصى و كذّب و تولى ألا فأدخلوا أيها الناس فبايعوا بيعة هدى فلا و الذي جعل السماء سقفا مكفوفا و الأرض فجاجا سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب و آل علي أهدى منها ثم نزل فدخل و دخلنا عليه و أشراف الناس فبسط يده و ابتدره الناس فبايعوه و جعل يقول تبايعوني على كتاب اللّه و سنّة نبيه و الطلب بدماء أهل البيت و جهاد المحلين و الدفع عن الضعفاء و قتال من قاتلنا و سلم من سالمنا و الوفاء ببيعتنا لا نقيلكم و لا نستقيلكم فإذا قال الرجل نعم بايعه.

قال:فكأني و اللّه أنظر إلى المنذر بن حسان بن ضرار الضبي إذ أتاه حتى سلّم

ص: 133

عليه بالامرة ثم بايعه و انصرف عنه،فلما خرج من القصر استقبل سعيد بن منقذ الثوري في عصابة من الشيعة واقفا عند المصطبة،فلما رأوه و معه ابنه حيان بن المنذر قال رجل من سفهائهم:هذا و اللّه من رؤوس الجبارين فشدوا عليه و على ابنه فقتلوهما فصاح بهم سعيد بن منقذ لا تعجلوا لا تعجلوا حتى ننظر ما رأي أميركم فيه.

قال:و بلغ المختار ذلك فكرهه حتى رؤي ذلك في وجهه و أقبل المختار يمنّي الناس و يستجر مودتهم و مودة الأشراف و يحسن السيرة جهده.

قال:و جاءه ابن كامل فقال للمختار:أعلمت أن ابن مطيع في دار أبى موسى فلم يجبه بشي فأعادها عليه ثلاث مرات فلم يجبه ثم أعادها فلم يجبه فظن ابن كامل أن ذلك لا يوافقه و كان ابن مطيع قبل للمختار صديقا،فلما أمسى بعث إلى ابن مطيع بمائة ألف درهم.

فقال له:تجهز بهذه و اخرج فإني قد شعرت بمكانك و قد ظننت أنه لم يمنعك من الخروج إلا أنه ليس في يديك ما يقويّك على الخروج و أصاب المختار تسعة آلاف ألف في بيت مال الكوفة فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر و هم ثلاثة آلاف و ثمانمائة رجل كل رجل خمسمائة درهم خمسمائة درهم و أعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعد ما أحاط بالقصر فأقاموا معه تلك الليلة و تلك الثلاثة الأيام حتى دخل القصر مائتين مائتين و استقبل الناس بخير و منّاهم العدل و حسن السيرة و أدنى الاشراف فكانوا جلساءه و حدّاثه و استعمل على شرطته عبد اللّه بن كامل الشاكري و على حرسه كيسان أبا عمرة مولى عرينة فقام ذات يوم على رأسه فرأى الأشراف يحدثونه و رآه قد أقبل بوجهه و حديثه عليهم فقال لأبي عمرة بعض أصحابه من الموالي أما ترى أبا إسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر إلينا فدعاه المختار فقال له:ما يقول لك أولئك الذين رأيتهم يكلمونك فقال له:و أسرّ إليه شقّ عليهم أصلحك اللّه صرفك وجهك عنهم إلى العرب.

ص: 134

فقال له:قل لهم:لا يشقن ذلك عليكم فأنتم مني و أنا منكم ثم سكت طويلا ثم قرأ إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (1).

قال:فحدثني أبو الأشعر موسى بن عامر قال:ما هو إلا أن سمعها الموالي منه.

فقال بعضهم لبعض:أبشروا كأنكم و اللّه به قد قتلهم.

(قال أبو مخنف)حدثني حصيرة بن عبد اللّه الأزدي و فضيل بن خديج الكندي و النضر بن صالح العبسي قالوا أول رجل عقد له المختار راية عبد اللّه بن الحارث أخو الأشتر عقد له على أرمينية و بعث محمد بن عمير بن عطارد على آذربيجان و بعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل و بعث إسحاق بن مسعود على المدائن و أرض جوخى و بعث قدامة بن أبي عيسى بن ربيعة النصري و هو حليف لثقيف على بهقباذ الأعلى و بعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الأوسط و بعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل و بعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان و كان مع سعد بن حذيفة ألفا فارس بحلوان.

قال:و رزقه ألف درهم في كل شهر و أمره بقتال الأكراد و بإقامة الطرق و كتب إلى عماله على الجبال يأمرهم أن يحملوا أموال كورهم إلى سعد بن حذيفة بحلوان و كان عبد اللّه بن الزبير قد بعث محمد بن الأشعث بن قيس على الموصل و أمره بمكاتبة ابن مطيع و بالسمع له و الطاعة غير أن ابن مطيع لا يقدر على عزله إلا بأمر ابن الزبير و كان قبل ذلك في إمارة عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمد منقطعا بإمارة الموصل لا يكاتب أحدا دون ابن الزبير.

فلما قدم عليه عبد الرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميرا تنحى له عن الموصل و أقبل حتى نزل تكريت و أقام بها مع أناس من أشراف قومه و غيرهم و هو معتزل ينظر ما يصنع الناس و إلى ما يصير أمرهم ثم شخص إلى المختار2.

ص: 135


1- سورة السجدة:22.

فبايع له و دخل فيما دخل فيه أهل بلده.

(قال أبو مخنف)و حدثني صلة بن زهير النهدي عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي قال:لما ظهر المختار و استمكن و نفى ابن مطيع و بعث عماله أقبل يجلس للناس غدوة و عشية فيقضى بين الخصمين ثم قال:و اللّه إن لي فيما أزاول و أحاول لشغلا عن القضاء بين الناس قال:فأجلس للناس شريحا و قضى بين الناس ثم إنه خافهم فتمارض و كانوا يقولون إنه عثماني و إنه ممن شهد على حجر بن عدي و إنه لم يبلغ عن هانئ بن عروة ما أرسله به و قد كان علي بن أبي طالب عزله عن القضاء،فلما أن سمع بذلك و رآهم يذمونه و يسندون إليه مثل هذا القول تمارض و جعل المختار مكانه عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ثم إن عبد اللّه مرض فجعل مكانه عبد اللّه بن مالك الطائي قاضيا.

قال مسلم بن عبد اللّه:و كان عبد اللّه بن همام سمع أبا عمرة يذكر الشيعة و ينال من عثمان بن عفان فقنعه بالسوط فلما ظهر المختار كان معتزلا حتى استأمن له عبد اللّه بن شداد فجاء إلى المختار ذات يوم فقال:

ألا انتسأت بالود عنك و أدبرت

معالنة بالهجر أم سريع

و حملها واش سعى غير مؤتل

فأبت بهم في الفؤاد جميع

فخفض عليك الشأن لا يردك الهوى

فليس انتقال خلة ببديع

و في ليلة المختار ما يذهل الفتى

و يلهيه عن رؤد الشباب شموع

ص: 136

دعا يا لثأرات الحسين فأقبلت

كتائب من همدان بعد هزيع

و من مذحج جاء الرئيس ابن مالك

يقود جموعا عبيت بجموع

و من أسد وافى يزيد لنصره

بكل فتى حامي الذمار منيع

و جاء نعبم خير شيبان كلها

بأمر لدى الهيجا أحد جميع

و ما ابن شميط إذ يحرض قومه

هناك بمخذول و لا بمضيع

و لا قيس نهد لا و لا ابن هوازن

و كل أخو إخباتة و خشوع

و سار أبو النعمان للّه سعيه

إلى ابن إياس مصحرا لوقوع

بخيل عليها يوم هيجا دروعها

و أخرى حسورا غير ذات دروع

فكر الخيول كرة ثقفتهم

و شد بأولاها على ابن مطيع

فولى بضرب يشدخ الهام وقعه

و طعن غداة السكتين وجيع

فحوصر في دار الإمارة بائيا

بذل و ارغا له و خضوع

ص: 137

فمن وزير ابن الوصي عليهم

و كان لهم في الناس خير شفيع

و آب الهدى حقا إلى مستقره

بخير إياب آبه و رجوع

إلى الهاشمي المهتدي المهتدى به

فنحن له من سامع و مطيع

قال:فلما أنشدها المختار قال المختار لأصحابه:قد أثنى عليكم كما تسمعون و قد أحسن الثناء عليكم فأحسنوا له الجزاء ثم قام المختار فدخل و قال لأصحابه لا تبرحوا حتى أخرج إليكم.

قال:و قال عبد اللّه بن شداد الجشمي يا ابن همام إن لك عندي فرسا و مطرفا و قال قيس بن طهفة النهدي و كانت عنده الرباب بنت الأشعث فإن لك عندي فرسا و مطرفا و استحيا أن يعطيه صاحبه شيئا لا يعطي مثله فقال ليزيد بن أنس:فما تعطيه؟

فقال يزيد:إن كان ثواب اللّه أراد بقوله فما عند اللّه خير له و إن كان إنما اعترى بهذا القول أموالنا فو اللّه ما في أموالنا ما يسعه قد كانت بقيت من عطائي بقية فقوّيت بها إخواني.

فقال:أحمر بن شميط مبادرا لهم قبل أن يكلموه يا ابن همام إن كنت أردت بهذا القول وجه اللّه فاطلب ثوابك من اللّه و إن كنت إنما اعتريت به رضى الناس و طلب أموالهم فاكدم الجندل فو اللّه من قال قولا لغير اللّه و في غير ذات اللّه بأهل أن ينحل و لا يوصل.

فقال له:عضضت ب... (1)أبيك فرفع يزيد بن أنس السوط و قال لابن شميط:تقولل.

ص: 138


1- و ذكر عورة الرجل.

هذا القول يا فاسق و قال:لابن شميط اضربه بالسيف فرفع ابن شميط عليه السيف و وثب و وثب أصحابهما يتفلتون على ابن همام و أخذ بيده إبراهيم بن الأشتر فألقاه وراءه و قال:أنا له جار لم تأتون إليه ما أرى فو اللّه إنه لواصل الولاية راض بما نحن عليه حسن الثناء فإن أنتم لم تكافئوه بحسن ثنائه فلا تشتموا عرضه و لا تسفكوا دمه و وثبت مذحج فحالت دونه و قالوا أجاره ابن الأشتر لا و اللّه لا يوصل إليه.

قال:و سمع لغطهم المختار فخرج إليهم و أومأ بيده إليهم أن اجلسوا فجلسوا فقال لهم:إذا قيل لكم خير فاقبلوه و إن قدرتم على مكافأة فافعلوا و إن لم تقدروا على مكافأة فتنصّلوا و اتقوا لسان الشاعر فإن شره حاضر و قوله فاجر و سعيه بائر و هو بكم غدا غادر فقالوا:أ فلا نقتله؟

قال:لا إنا قد آمناه و أجرناه و قد أجاره أخوكم إبراهيم بن الأشتر فجلس مع الناس قال:إن إبراهيم قام فانصرف إلى منزله فأعطاه ألفا و فرسا و مطرفا فرجع بها و قال:لا و اللّه لا جاورت هؤلاء أبدا و أقبلت هوازن و غضبت و اجتمعت في المسجد غضبا لابن همام فبعث إليهم المختار فسألهم أن يصفحوا عما اجتمعوا له ففعلوا و قال ابن همام لابن الأشتر يمدحه:

أطفأ عن نار كلبين ألبا على الكلاب ذو الفعال ابن مالك

فتى حين يلقى الخيل يفرق بينها بطعن دراك أو بضرب مواشك

و قد غضبت لي من هوازن عصبة طوال الذرى فيها عراض المبارك

إذا ابن شميط أو يزيد تعرضا لها وقعا في مستحار المهالك

و ثبتم علينا يا موالي طيئ مع ابن شميط شر ماش وراتك

و أعظم ديار على اللّه فرية و ما مفتر طاغ كآخر ناسك

فيا عجبا من أحمس ابنة أحمس توثب حولي بالقنا و النيازك

كأنكم في العز قيس و خثعم و هل أنتم إلا لثام عوارك

و أقبل عبد اللّه بن شداد من الغد.فجلس في المسجد يقول علينا توثب بنو أسد

ص: 139

و أحمس و اللّه لا نرضى بهذا أبدا فبلغ ذلك المختار فبعث إليه فدعاه و دعا بيزيد بن أنس و بابن شميط فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:يا ابن شداد إن الذي فعلت نزغة من نزغات الشيطان فتب إلى اللّه قال:قد تبت و قال:إن هذين أخواك فأقبل إليهما و اقبل منهما وهب لي هذا الامر.

قال:فهو لك و كان ابن همام قد قال قصيدة أخرى في أمر المختار فقال:

أضحت سليمى بعد طول عتاب و تجرم و نفاد غرب شباب

قد أزمعت بصريمتي و تجنبي و تهوك من ذاك في إعتاب

لما رأيت القصر أغلق بابه و توكلت همدان بالأسباب

و رأيت أصحاب الدقيق كأنهم حول البيوت ثعالب الاسراب

و رأيت أبواب الأزقة حولنا دربت بكل هراوة و دباب

أيقنت أن خيول شيعة راشد لم يبق منها فيش أير ذباب (1)3.

ص: 140


1- تاريخ الطبري-الطبري-ج 4-ص 513.

ذكر خروج الشيعة إلى محمد ابن الحنيفة يسألونه عن المختار

قال ابن الأعثم:فخرج جماعة منهم حتى قدموا إلى مكة على محمد بن علي،فلما دخلوا عليه و سلّموا رد عليهم السّلام و قرّبهم و أدناهم و قال:ما الذي أقدمكم إلى مكة و ما هذا وقت الحج؟

فقالوا:حاجة مهمة.

فقال محمد بن علي:أ فعلانية أم سرا؟

فقالوا:بل سرا،فتنحّى معهم ناحية من مجلسه،ثم قالوا له:أ نتكلم؟

فقال:تكلموا.

فقالوا له:فداك يابن أمير المؤمنين!إنكم أهل بيت قد خصّكم اللّه بالفضل،و أماط عنكم الجهل،و قد أصبتم بأبي عبد اللّه الحسين بن علي رضي اللّه عنهما مصيبة قد عظمت بالمؤمنين،و قد قدم علينا المختار بن أبي عبيد ذكر أنه قد جاءنا من قبلك، و أنك الذي أرسلته إلينا لتطلب بدم الحسين،و هو مقيم بين أظهرنا من قبل أن يقتل سليمان بن صرد و أصحابه،و قد بايعناه و عزمنا على الخروج معه لنأخذ بدمائكم أهل البيت عليهم السّلام،غير أنا أحببنا أن نستطلع رأيك في ذلك،فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه، و إن نهيتنا عنه اجتنبناه.

فقال محمد:أما ما ذكرتم من الفضل الذي خصصنا به فذاك فضل اللّه يؤتيه من يشاء من عباده،و أما ما ذكرتم من مصيبتنا بالحسين بن علي عليه السّلام فذلك في الكتاب مسطور،و أما ما ذكرتم من أمر المختار بن أبي عبيد فو اللّه لقد وددت أن اللّه تعالى قد انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه،و السّلام..

قال:فودعه القوم و خرجوا من عنده و هم يقولون:قد رضي بذلك و لو لا أنه رضي بالمختار لكان نهانا عن ذلك.

ص: 141

قال:و المختار قد علم بخروجهم إلى محمد بن علي،فعظم ذلك عليه و خشي أن يأتيه من محمد ابن الحنفية ما يحرك الناس عنه.فلما قدموا أرسل إليهم فدعاهم،ثم قال:هاتوا ما عندكم!

فقالوا:عندنا أنا أمرنا باتباعك و الخروج معك.

قال المختار:اللّه أكبر!أنا أبو إسحاق أنا جرار القاسطين.

ثم أرسل المختار إلى وجوه الشيعة فجمعهم في داره،فلما اجتمعوا حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أما بعد،يا شيعة آل محمد المصطفى!إن نفرا منكم أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به إليكم،فرحلوا إلى أبي القاسم الإمام المهدي، فاستخبروه عما جئت به إليكم،فخبّرهم أني وزيره و ظهيره،و قد أمركم باتباعي و طاعتي فيما أدعوكم إليه و الطلب بدماء أهل بيت نبيكم،و السّلام..

قال:فتكلم عبد الرحمن بن شريح الهمداني فقال:أيها الناس!إنا أحببنا أن نستخبر لأنفسنا خاصة و لكم عامة،فقدمنا مكة إلى أبي القاسم محمد بن علي، فخبّرناه بخبر المختار بن أبي عبيد،فأمر بمظاهرته و موازرته و بإجابته إلى ما دعانا إليه.قال:فبايعه الناس.

فقال المختار لأصحابه:ما تقولون في ابن الأشتر؟

فقالوا:نقول إنه سيد قومه بهذا المصر،فإن هو ساعدنا على أمرنا نرجو بعون اللّه النصرة على عدونا،فإنه رجل شريف و ابن شريف،و بعد فإنه بعيد الصيت في قومه و ذو عز و عشيرة و عدد.

قال المختار:فصيروا إليه،كلموه و ادعوه إلى ما نحن عليه،و أعلموه أن الذي أمرنا به من الطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام و رغبّوه في ذلك،فإن فعل و إلا صرت إليه أنا بنفسي (1).8.

ص: 142


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 228.

بيعة إبراهيم بن الأشتر للمختار

قال ابن الأعثم:فخرج جماعة من أهل الكوفة من أوجههم،و فيهم يومئذ أبو عثمان النهدي و عامر الشعبي و من أشبههما،حتى صاروا إلى ابن الأشتر فدخلوا إليه و سلّموا عليه،فرد عليهم السّلام و رفعهم و قرّب مجلسهم،ثم قال:تكلموا بحاجتكم!فقالوا:يا أبا النعمان!إنا أتيناك في أمر نعرضه عليك و ندعوك إليه،فإن قبلته كان الحظ فيه لك،و إن تركته فقد أدينا إليك النصيحة،و نحن نحب أن نكون عند مشورتك.فتبسم إبراهيم بن الأشتر و قال:إن مثلي لا يخاف غائلته،و إنما يفعل ذلك الصغار الأخطار الدقاق همما،فقولوا ما أحببتم.

قال:فقالوا له:إن الأمر على ما ذكرت و أحببت.

ثم تكلم أحمر بن شميط البجلي و قال:يا أبا النعمان!إني لك ناصح و عليك مشفق،و إن أباك رحمة اللّه عليه هلك يوم هلك و هو سيد الناس في محبة أهل البيت عليهم السّلام،و قد دعوناك إلى أمر إن أجبتنا إليه عادت إليك منزلة أبيك في الناس، و يكون في ذلك قد أحييت أمرا كان ميتا،و أنت أولى بذلك فخرا و سؤددا.

فقال لهم:قد أجبتكم إلى ما دعوتم إليه من الطلب بدماء أهل البيت صلوات اللّه عليهم على أنكم تولوني هذا الأمر.

قال:فقال له يزيد بن أنس:و اللّه إنك لأهل ذلك و محله و لكنا بايعنا هذا الرجل المختار بن أبي عبيد،لأنه قد جاءنا من عند أبي القاسم محمد بن علي،و هو الأمير و المأمور بالقتال،و قد أمرنا بطاعته،و ليس إلى خلافه من سبيل.

قال:فسكت عنهم إبراهيم بن الأشتر و لم يجبهم إلى شيء.فلما رأوه لم يرد عليهم جوابا و ثبوا و انصرفوا إلى المختار فخبّروه بذلك.

ص: 143

قال:فسكت عنه المختار ثلاثة أيام،ثم دعا بجماعة من أصحابه الذين وثق بهم، و خرج بهم ليلا حتى أتى منزل إبراهيم بن الأشتر،ثم استأذن عليه فأذن له،فدخل المختار و من معه،فأجلسهم على الوسائد،و جلس المختار مع ابن الأشتر على فراشه،ثم تكلم فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:أما بعد يا أبا النعمان!فإني ما قصدتك في وقتي هذا إلا لأن هذا الكتاب المهدي إليك يدعوك إلى الطاعة،فإن أبيت فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني اللّه المهدي و شيعته عنك، و إن فعلت ذلك فقد أصبت حظك و رشدك،و هذا الكتاب إليك!فقام الشعبي إلى إبراهيم بن الأشتر و ناوله الكتاب و فيه:

أما بعد فقد وجهت إليك بوزيري و أميني الذي ارتضيته لنفسي المختار بن أبي عبيد و قد أمرته بقتال عدوي و الطلب بدم أخي،فإن ساعدته كان لك عندي يد عظيمة و لك بذلك أعنة الخيل من كل جيش غاز و كل مصر و منبر من الكوفة إلى أقاصي أرض الشام و مصر،و لك بذلك الوفاء بعهد اللّه و ميثاقه،و إن أبيت ذلك هلكت هلاكا لا تستقيله أبدا-و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته-.

قال:فلما بلغ إبراهيم بن الأشتر آخر الكتاب أقبل على المختار بن أبي عبيد فقال:

يا أبا إسحاق!إني كتبت إلى محمد بن علي قبل ذلك اليوم و كتب إلي فما كان يكاتبني إلا باسمه و اسم أبيه،و قد أنكرت ههنا قوله المهدي.

قال:فقال له المختار:صدقت أبا النعمان!ذلك زمان و هذا زمان.

قال:فبسط المختار يده فبايعه ابن الأشتر.

ثم دعا بأطباق فيها فاكهة كثيرة فأكلوا،ثم أمر بشراب من عسل غير سكر فشربوا،ثم قال:يا غلام!علي بداوة و بياض!

فقال:يا شعبي!أكتب إلي أسماء هؤلاء الشهود بأجمعهم.

فقال الشعبي:و ما تصنع بهذا رحمك اللّه؟

فقال:على حال أحب أن تكون أسماؤهم عندي.

ص: 144

فقال:و كتب الشعبي أسماءهم و دفعهم إليه.

ثم قال المختار:فخرج و خرج معه أصحابه و معهم إبراهيم بن الأشتر إلى باب الدار،و مضى المختار إلى منزله.فلما أصبح أرسل إلى الشعبي فدعاه و قال:إني أعلم أنك لم تشهد البارحة بما شهد أصحابي لا أنت و لا أبوك،فما منعكما عن ذلك؟

قال:فسكت الشعبي و لم يقل شيئا.

فقال له المختار:تكلم بما عندك،أ ترى هؤلاء الذين شهدوا البارحة علي على حق شهدوا أم على باطل؟

فقال الشعبي:لا و اللّه يا أبا إسحاق!ما أدري غير أنهم سادة أهل العراق و فرسان الناس و لا أظنهم شهدوا إلا على حق.و كان قد علم و تيقّن أن المختار كتب ذلك من نفسه.

قال:و جعل إبراهيم بن الأشتر يختلف إلى المختار في كل ليلة فيجلس عنده ثم ينصرف إلى منزله فلم يزالوا كذلك أياما يدبرون أمرهم بينهم حتى اجتمعت لهم آراؤهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست و ستين.

قال:فوطّنوا أنفسهم على ذلك هم و شيعتهم،فأقبل إياس بن مضارب العجلي و هو صاحب شرطة عبد اللّه بن مطيع فدخل عليه و قال:أصلح اللّه الأمير!إن المختار بن أبي عبيد خارج عليك لا محالة،و ذلك أنه قد بايعه إبراهيم بن الأشتر،و في ديوانه بضعة عشر ألف رجل ما بين فارس و راجل،فخذ حذرك.

قال:فأرسل عبد اللّه بن مطيع إلى قواده فجمعهم ثم أخبرهم بالذي اتصل به من أمر المختار و ما يريد من الخروج عليه،ثم قال:أريد منكم أن يكفيني كل رجل منكم ناحيته التي هو فيها،فإن سمعتم الأصوات قد علت في جوف الليل فتوجهوا إليهم بالخيل و اكفوني أمرهم،فقالوا:نفعل ذلك أيها الأمير!فلا يهولنك أمر المختار و لا من بايعه،فإنما بايعه شرذمة من هؤلاء الترابية.

ص: 145

ثم خرج القوم من عنده و صار عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني إلى جبانة السبيع من همدان،فصار كعب بن أبي كعب إلى جبانة بشر،و صار زحر بن قيس إلى جبانة كندة و الشمر بن ذي الجوشن عليه لعنة اللّه إلى جبانة سالم،و عبد الرحمن بن مخنف بن سليم إلى جبانة الصائدين،و يزيد بن الحارث بن رؤيم إلى جبانة مراد،و شبث بن ربعي إلى جبانة السبخة.

قال:فنزل هؤلاء القواد في هذه المواضع من الكوفة في يوم الاثنين في الآلة و السلاح (1).2.

ص: 146


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 232.

ذكر وقت خروج المختار برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و خرج إبراهيم بن الأشتر تلك الليلة و هي ليلة الثلاثاء من منزله بعد عشاء الآخرة يريد دار المختار،و قد بلغه أن الجبانات شحنت بالخيل و الرجال، و الشرط قد أحاطوا بالأسواق،قال:فجعل إبراهيم بن الأشتر يسير في نحو مائة رجل من بني عمه عليهم الدروع و قد ظاهروها (1)بالأقبية حتى صاروا إلى دار عمرو بن حريث المخزومي و جازوها إلى دار سعيد بن قيس الهمداني رضي اللّه عنه ثم إلى درب أسامة إذ هم بإياس بن مضارب العجلي صاحب الشرطة،و قد أقبل فاستقبلهم في نفر من أصحابه في أيديهم السلاح و قال:من هؤلاء؟

فقال إبراهيم بن الأشتر:نحن هؤلاء فامض لشأنك!

قال:و ما هذا الجمع الذي مضى معك يابن الأشتر،فو اللّه إن أمرك لمريب،و قد بلغني أنك تمر ههنا في كل ليلة في جمعك هذا،و لا و اللّه لا تزايلني أو آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه.

فقال ابن الأشتر:خل ويلك سبيلنا و امض لشأنك!أنك تأتي بي الأمير؟

فقال:نعم و اللّه و لا صرت إلا معي إلى الأمير!

فقال له إبراهيم:يا عدو اللّه أ لست من قتلة الحسين بن علي.

قال:فالتفت إبراهيم إلى رجل من أصحاب إياس بن مضارب يكنى أبا قطن الهمداني فتناول رمحه من يده ثم حمل على إياس بن مضارب فطعنه طعنة في

ص: 147


1- أي ستروها و أخفوها.

صدره نكسه عن فرسه،ثم قال لأصحابه،انزلوا فحزوا رأسه!

قال:فنزل أصحاب إبراهيم بن الأشتر إلى إياس بن مضارب فحزوا رأسه و مضى أصحابه هاربين على وجوههم (1).و أقبل إبراهيم بن الأشتر إلى المختار فدخل عليه.

فقال قوم:أيها الأمير!إنا كنا قد عزمنا على أن نخرج ليلة الخميس و قد حدث أمر لابد من الخروج له.

فقال المختار:و ما القصة؟

قال:استقبلني إياس بن مضارب في جماعة من أعوانه فكلمني بكذا و كذا فقتلته و هذا رأسه مع أصحابي على الباب.

فقال له المختار:بشرك اللّه بالخير فهذا أول الظفر إن شاء اللّه تعالى!

قال:ثم صاح المختار برجل من أصحابه فقال:يا سعيد بن منقذ!قم فاشعل النيران في هوادي (2)القصب!و قم يا عبد اللّه!فناد:يا منصور أمت يا منصور أمت! و قم أنت يا سفيان بن ليل و أنت يا قدامة بن مالك!فناديا في الناس:يا لثارات الحسين بن علي!ثم قال:يا غلام علي بدرعي و سلاحي،فجعل المختار يصب الدرع على بدنه و هو يقول:

قد علمت بيضاء حسناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل

أني غداة الروع مقدام بطل لا عاجز فيها و لا وغد فشل

قال:ثم خرج المختار من منزله على فرس له أدهم أغر محجل و معه إبراهيم بنب.

ص: 148


1- في الأخبار الطوال ص 290 أن إياس بن نضار(مضارب)و قد رأى كثرة تردد ابن الأشتر على المختار هدده:إن أمرك يريبني،فلا أرينك راكبا و لا تبرحن منزلك فأضرب عنقك.و أخبر ابن الأشتر بذلك المختار و استأذنه في قتله فأذن له.
2- في الطبري الهرادي بالراء.و الهرادي جمع هردية هي قصبات تضم ملوية بطاقات الكرم تحمل عليها قضبانه.و في ابن الأثير:في الهوادي و القصب.

الأشتر على كميت له أرثم و قد رفعت النار بين أيديهم في هوادي القصب و الناس ينادون من كل موضع:يا لثأرات الحسين بن علي!

قال:فالتأم الناس إلى المختار في جوف الليل من كل ناحية،و جاءه عبيد اللّه بن الحرفي قومه و عشيرته.

قال:فجعل إبراهيم بن الأشتر ينتخب السكك التي فيها الأمراء و الجند الكثير فيهجم عليهم هو و المختار و عبيد اللّه بن الحر و من معهم من أجنادهم فيكشفونهم كشفة بعد كشفة و المختار يقول في خلال ذلك:اللهم إنك تعلم أننا إنما غضبنا لأهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،اللهم فانصرنا على من قتلهم و تمم لنا دعوتنا إنك على كل شيء قدير.

قال:و إذا برجل من أصحاب عبد اللّه بن مطيع يقال له سويد بن عبد الرحمن أقبل في خيل عظيمة،فنظر إليه إبراهيم بن الأشتر فقال:مكانك أيها الأمير في موضعك هذا و دعني و هؤلاء القوم،فقال:ثم نادى ابن الأشتر في أصحابه و قال:يا شرطة اللّه إلي إلي.

قال:فأحاطت به بنو أمية عمه من قبائل مذحج و النخع.

فقال لهم:انزلوا عن دوابكم فإنكم أولى بالنصر و الظفر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال:فنزل الناس عن دوابهم و نزل معهم ابن الأشتر بنفسه،ثم دنوا من أصحاب عبد اللّه بن مطيع و طاعنوهم طعانا عنيدا،و ضاربوهم ضرابا شديدا،و هزموهم حتى بلغوا بهم إلى الكناس.

ثم استوى ابن الأشتر و أصحابه على دوابهم و أقبلوا نحو المختار فأخذوا على مسجد الأشعث بن قيس ثم على مسجد جهينة ثم في السكة التي ينتهي منها إلى دار أبي عبيد اللّه الجدلي حتى خرجوا إلى الموضع الذي فيه المختار و أصحابه،فاشتد القتال هنالك و علت الأصوات و إذا بشبث بن ربعي الرياحي و حجار بن أبجر

ص: 149

العجلي قد أقبلوا في قبيلة عظيمة من أصحاب عبد اللّه بن مطيع،قال:و كبّر إبراهيم بن الأشتر تكبيرة و حمل و حمل معه أصحابه و كشفوهم حتى تفرّقوا في الأزقة.

قال:و أقبل أبو عثمان النهدي في قومه من بني نهد و في يده راية صفراء و هو ينادي:يا لثارات الحسين بن علي!إلي إلي أيها الحي المهتدون!فأتت إليه الناس من كل ناحية فحملوا و حمل على أصحاب عبد اللّه بن مطيع.

قال:فلم تزل الناس في تلك الليلة في قتال تذكّروا فيها ليلة الهرير بصفين إلى أن أصبحوا.

قال:و نظر المختار إلى الفجر و قد طلع فنادى في أصحابه،و خرج من الكوفة حتى نزل ظهر دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة،قال:و جعل الناس يخرجون إليه من كل ناحية على كل صعب و ذلول،حتى التأم إليه الناس.

قال:و جعل عبد اللّه بن مطيع يوجه إليه بالكراديس كردوسا بعد كردوس،فأول كردوس زحف إلى المختار شبث بن ربعي الرياحي في أربعة آلاف،و راشد بن إياس بن مضارب العجلي في ثلاثة آلاف،و حجار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف، و الغضبان بن القبثري في ثلاثة آلاف،و الشمر بن ذي الجوشن في ثلاثة آلاف، و عكرمة بن ربعي في ألف،و شداد بن المنذر في ألف،و سويد بن عبد الرحمن في ألف،قال:فزحفت الخيل نحو المختار في عشرين ألف فارس أو يزيدون.

قال:و أشرف رجل من أصحاب المختار على حائط من حيطان الكوفة فجعل ينظر إلى هذه العساكر و قد وافت،فقوم قد صلوا و قوم لم يصلوا بعد و إذا بإمام بين أيدي القوم و هو يقرأ بهم إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1)فقال هذا الرجل الذي هو من أصحاب المختار:أرجو أن يزلزل اللّه بكم سريعا إن شاء اللّه تعالى!..

ص: 150


1- سورة الزلزلة الآية الأولى..

قال:ثم قرأ في الركعة الثانية بأم الكتاب و وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً (1)فقال:هذا الرجل الذي هو من أصحاب المختار:الغارة عليكم سريعا إن شاء اللّه.

قال:فلما سلّم الإمام قال له رجل من أصحابه:يا هذا!لو كنت قرأت بنا سورتين أطول من هاتين قليلا؟

قال:فسمعه شبث بن ربعي الرياحي فقال:يا سبحان اللّه العظيم!أ ترون الترك و الديلم قد نزلوا بساحتكم!و تقول:لو قرأت بنا سورتين أطول من هاتين!نعم،قد كان يجب عليه أن يقرأ بكم البقرة و آل عمران.

قال:و أقبل سعر بن أبي سعر الحنفي إلى المختار فقال:أيها الأمير!إنه قد وافتك عساكر عبد اللّه بن مطيع يتلو بعضها بعضا مستعدين للحرب عازمين على الموت، فاصنع ما أنت صانع!

فقال له المختار:يا أخا بني حنيفة!فإن اللّه تبارك و تعالى يكسر شوكتهم و يهزمهم الساعة إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه.

قال:و أصحرت العساكر من الكوفة،و كان كلما ينظر إلى قائد من أصحابه أخرج إليه المختار بقائد من قواده في مثل قوته و عدته.

قال:و اختلط القوم فجعل إبراهيم بن الأشتر يحمل من ناحية و عبيد اللّه بن الحر يحمل من ناحية أخرى،و المختار مرة يحرّض الناس على القتال و مرة يحمل و يقاتل،حتى إذا كان وقت الضحى انهزم أصحاب عبد اللّه بن مطيع هزيمة قبيحة و قتل منهم جماعة،فصاح بهم شبث بن ربعي الرياحي فقال:شوه لكم يا حماة السوء!ويلكم تنهزمون من عبيدكم و أراذلكم!

قال!فتراجع إليه الناس فاقتتلوا ساعة،و أخذ رجل من أصحاب المختار أسيرا، فأتي به إلى شبث بن ربعي الرياحي حتى أوقف بين يديه.ى.

ص: 151


1- سورة العاديات الآية الأولى.

فقال له شبث:من أنت؟

قال:أنا خليد مولى حسان بن محدوج الذهلي.

فقال له شبث:يابن كذا و كذا!أتركت بيع الصحناة (1)بالكناس ثم بايعت المختار الكذاب على قتال من أعتق رقبتك من الرق!

قال:ثم قدّمه شبث بن ربعي فضرب عنقه صبرا.

قال:و وقعت الهزيمة ثانية على أصحاب عبد اللّه بن مطيع حتى دخلوا أزقة الكوفة.فأقبل المختار في عساكره حتى وقف على أفواه السكك و أمر أصحابه بالقتال،فاقتتلوا قتالا لم يسمع به و لا بمثله.

قال:و جعل السائب بن مالك الأشعري ينادي:و يحكم يا شيعة آل رسول اللّه عليهم السّلام!إنكم قد كنتم تقتلون قبل اليوم،و تقطع أيديكم و أرجلكم من خلاف، و تسمل أعينكم،و تصلبون أحياء على جذوع النخل،و أنتم إذ ذاك في منازلكم لا تقاتلون أحدا،فما ظنكم اليوم بهؤلاء القوم إن هم ظهروا عليكم!فاللّه اللّه في أنفسكم و أهاليكم و أموالكم و أولادكم!قاتلوا أعداء اللّه المحلين،فإنه لا ينجيكم اليوم إلا الصدق و اليقين،و الطعن الشزر،و الضرب الهبر،و لا يهولنكم ما ترون من عساكر هؤلاء القوم فإن النصر مع الصبر.

قال:فعندها رمت الناس بأنفسهم عن دوابهم،قال:ثم جثوا على الركب و شرعوا الرماح و جرّدوا الصفاح و فوّقوا السهام و ثار القتام،و اصطفقوا بالصفوف إصطفاقا،و تشابك القوم اعتناقا،فصبر القوم بعضهم لبعض ساعة،و قتل من الفريقين جماعة،و انهزم أصحاب عبد اللّه بن مطيع،و اقتحم المختار و أصحابه الكوفة،و علت الأصوات و تصايح المشايخ و النساء من فوق البيوت و نادوا:يا أبا إسحاق!اللّه اللّه في الحرم!).

ص: 152


1- الصحناء:بالكسر،إدام يتخذ من السمك يمد و يقصر،و الصحناة أخص منه(اللسان).

قال:فصاح عليهن:لا بأس عليكن،الزموا منازلكن،فأنا السليط على المحلّين الفاسقين أولاد الفاسقين.

قال:و جعل عبد اللّه بن مطيع ينادي بأعلى صوته:أيها الناس!إن من أعجب العجائب عندي عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها،خبيث دينها،ضالة مضلة، يقاتلونكم على غير حق شجاعة منهم و جرأة على هذا الخلق،كروا عليهم و امنعوا حريمكم و مصركم و دينكم.

قال:فبينا عبد اللّه بن مطيع كذلك يشجع أصحابه و يحرضهم على القتال إذ بإبراهيم بن الأشتر و عبيد اللّه بن الحر قد أقبلا في قريب من أربعة آلاف فارس ما يرى منهم إلا الحدق.فلما نظر إبراهيم بن الأشتر إلى عبد اللّه بن مطيع نادى بأعلى صوته:أنا إبراهيم بن الأشتر!أنا ابن الأفعى الذكر!

ثم التفت إلى أصحابه فقال:شدوا عليهم فداكم عمي و خالي!و لا يهولنكم أسماء قوادهم:شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و الغضبان بن القبثري و سويد بن عبد الرحمن و فلان و فلان،فو اللّه لئن أذقتموهم حر الصفاح و شباة الرماح و لا وقفوا لكم أبدا،إيه فداكم أبي و أمي.

قال:ثم حمل ابن الأشتر و عبيد اللّه بن الحر و حمل الناس معهم،و حمل المختار من ناحية أخرى،و انهزم الناس حتى صاروا إلى باب المسجد الجامع،و دخل عبد اللّه بن مطيع إلى قصر الإمارة في حشمه و غلمانه و نفر من خاصة أصحابه،و أمر بباب القصر فغلق،و تفرّق الناس و صاروا إلى منازلهم هاربين،و أقبلت الخيل حتى أحدقت بالقصر (1)فقال عبد اللّه بن مطيع:أيها الناس!إنه ربما غلب أهل الباطل على أهل الحق،و قد ترون غلبة المختار،فهاتوا الآن أشيروا علي برأيكم!م.

ص: 153


1- في الطبري 30/6 فلما اشتد الحصار على ابن مطيع و أصحابه كلمه الأشراف،فقام إليه شبث فقال:أصلح اللّه الأمير!انظر لنفسك و لمن معك،فو اللّه ما عندهم غناء عنك و لا عن أنفسهم.

قال:فقال شبث بن ربعي:أصلح اللّه الأمير!الرأي عندي أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا ثم تخرج إليه و نخرج معك،و إلا دام الحصار علينا في هذا القصر.

فقال عبد اللّه بن مطيع:و اللّه إني لأكره لنفسي أن آخذ منه أمانا و الأمور لأمير المؤمنين مستقيمة بأرض الحجاز و أرض البصرة و بلاد المشرق عن آخره.

قال:فقال له شبث بن ربعي:أيها الأمير!فتخرج إذا من القصر و لا يشعر بك أحد فتصير إلى من تثق به من أهل هذا القصر فتنزل عنده أياما حتى يستقر المختار و يسكن شرة أصحابه فتخرج و تلحق بأصحابك.و أشار عامة من معه في القصر بمثل هذا.

فلما كان الليل جمع إليه أصحابه،ثم حمد اللّه و أثنى عليه و قال:أما أنتم فجزاكم اللّه عني خيرا و عن أمير المؤمنين!و بعد فإني ما علمتكم إلا سامعين مطيعين و ناصحين،و إنما خرج علي سفهاؤكم و عبيدكم،و أنا مبلغ ذلك صاحبي عنكم و معلمه طاعتكم و ما أشرتم به علي من صلاح أمري.

قال:فقال له شبث بن ربعي:و أنت أيها الأمير فجزاك اللّه عنا خير الجزاء!فو اللّه لقد عففت عن أموالنا،و أكرمت أشرافنا،و نصحت لصاحبك و قضيت الذي وجب عليك،و لا و اللّه أصلح اللّه الأمير ما كنا بالذين نفارقك أبدا إلا و نحن منك في إذن:قال:

فقال عبد اللّه بن مطيع:أنتم في أوسع الإذن،و اللّه إني لأرجو أن يقتل اللّه هذا الكذاب قريبا،ثم ترجعون إلى مراتبكم التي كنتم عليها و منازلكم إن شاء اللّه سريعا،غير أني قد رأيت الساعة أن أخرج من هذا القصر و لا يتبعني منكم أحد.

قال:ثم وثب عبد اللّه بن مطيع في جوف الليل متنكرا،فخرج من قصر الإمارة في زي امرأة فأخذ على درب الروميين حتى صار إلى دار أبي موسى الأشعري و علم به آل أبي موسى فآووه و كتموا عليه أمره.

قال:و أصبح من في القصر من أصحاب عبد اللّه بن مطيع فصاحوا و طلبوا الأمان،و بلغ ذلك إبراهيم بن الأشتر فأعطاهم الأمان،فخرجوا من القصر و أقبلوا

ص: 154

إلى المختار فبايعوه و أخبروه بخروج عبد اللّه بن مطيع من القصر.

فقال المختار:و ما علينا من عبد اللّه بن مطيع،ذلك رجل كان بالكوفة أميرا فلم يجد بدا من القتال.

قال:ثم نادى المختار في الناس فأعطاهم الأمان،و اتصل بهم أن عبد اللّه بن مطيع قد هرب،فجعل الناس يخرجون إلى المختار فيبايعونه حتى بايعه الناس بأجمعهم (1). (2).9.

ص: 155


1- في الأخبار الطوال ص 292:فلما رأى ابن مطيع ضعفه عن القوم سأل الأمان على نفسه و من معه من أصحابه فأجابه المختار إلى ذلك،فأمنه.فخرج ابن مطيع و أظهر المختار إكرامه و أمر له من بيت المال بمائة ألف ألف درهم و حفظ فيه قرابته من عمر بن الخطاب و قال له:ارحل إذا شئت.
2- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 239.

ذكر غلبة المختار على الكوفة و بيعة الناس له بها

قال ابن الأعثم:فعندها فتح المختار بيت المال الذي لعبد اللّه بن الزبير،فأصاب فيه تسعة آلاف ألف درهم.

ثم نادى في الناس:الصلاة جامعة!فاجتمعت الناس إلى المسجد الأعظم و خرج المختار من قصر الإمارة حتى دخل المسجد فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه (1).

ص: 156


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 240.

ذكر كلام المختار على المنبر

ثم قال:الحمد للّه الذي وعد وليه النصر،و وعد عدوه الخسر و الخذل و الختر، و جعله فيه إلى آخر الدهر قضاء مقضيا،و وعدا مأتيا،و قولا مقبولا،و أمرا مفعولا، و قد خاب من افترى،أيها الناس!قد مدت لنا غاية،و رفعت لنا راية،فقيل لنا في الراية أن ارفعوها و لا تضعوها،و في الغاية أن خذوها و لا تدعوها،فسمعنا دعوة الداعي و قبلنا قول الراعي،فكم من ناع و ناعية لقتلى في الواعية!

ألا!فبعدا لمن طغى و بغى،و جحد و لغى،و كذب و عصى،و أدبر و تولى،ألا! فهلموا عباد اللّه إلى بيعة الهدى،و مجاهدة الأعداء و الذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفى،على قتال المحلين،و أنا الطالب بدم ابن بنت نبي رب العالمين،أما! و منشئ السحاب،الشديد العقاب،السريع الحساب،منزل الكتاب،العزيز الوهاب، القدير الغلاب،لأنبشن قبر ابن شهاب،المفتري الكذاب،المجرم المرتاب!و لأنفين الأحزاب،إلى دار بلاد الأعراب!ثم و رب العالمين،و رب البلد الأمين،و حرمة طور سينين،لأقتلن الشاعر الهجين،أعسى الباغضين،و شويعر الحنظلين،و زاجر البارقين،و ابن همام اللعين،و أولياء الكافرين،و أعوان الظالمين،و بقايا القاسطين، و إخوان الشياطين،الذين اجتمعوا على الأباطيل،و تقوّلوا علي الأقاويل،و تمثّلوا بالأماثيل،و جاءوا بالأماحيل،و تسكّعوا في الأضاليل،بأقوال المجاهيل،الكذبة الأراذيل!ألا!فطوبى لعبد اللّه،و عبيد و أخي ليلة الطريدة،و لذي الأخلاق الحميدة، و العزائم الشديدة.و المقالات الرشيدة،و الأفاعيل السديدة،و الآراء العتيدة، و النفوس السعيدة.

ص: 157

قال:ثم قعد على المنبر و وثب قائما و قال:أما!و الذي جعلني بصيرا،و نوّر قلبي تنويرا،لأحرقن بالمصر دورا!و لأنبشن بها قبورا!و لأشفين بها صدروا!و لأقتلن جبارا كفورا،ملعونا و غدورا!و كفى باللّه هاديا و نصيرا،و عن قليل و رب الحرم، و البيت المحرم،و الركن المكرم،و المسجد المعظم،و حق النون و القلم،ليرفعن لي العلم،من الكوفة إلى إضم،إلى أكناف ذي سلم،من العرب و العجم!ثم لأتخذن من بني تميم أكثر الخدم.

قال:ثم نزل عن المنبر فصلّى ركعتين بالناس و دخل إلى قصر الإمارة واحتفل عليه الناس بالبيعة،فلم يزل باسطا يده و الناس يبايعونه على كتاب اللّه و سنّة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الطلب بدماء أهل البيت عليهم السّلام،و المختار يقول:تقاتلون من قاتلنا، و تسالمون من سالمنا،و الوفاء عليكم ببيعتنا،لا نقيلكم و لا نستقيلكم،حتى بايع الناس من العرب و الموالي و غير ذلك من سائر الناس.

قال:و إذا الخبر قد اتصل به أن عبد اللّه بن مطيع مختف في دار أبي موسى،قال:

فسكت المختار و لم يقل شيئا،حتى إذا كان الليل دعا بعبد اللّه بن كامل الهمداني و دفع إليه عشرة آلاف درهم و قال له:صر إلى دار أبي موسى الأشعري و ادخل على عبد اللّه بن مطيع و أقرئه مني السّلام و قل له:يقول لك الأمير:إني قد علمت بمكانك و ليس مثلي من أساء إلى مثلك و قد وجّهت إليك بما تستعين به على سفرك، فخذه و الحق بأهلك و صاحبك.

قال:فخرج عبد اللّه بن مطيع من الكوفة في جوف الليل هاربا و استحيى أن يصير إلى مكة فيعيّره عبد اللّه بن الزبير بفراره من المختار،فصار إلى البصرة و بها يومئذ مصعب بن الزبير نائبا عليها من قبل أخيه عبد اللّه بن الزبير.

قال:واحتوى المختار على الكوفة فعقد لأصحابه و ولاّهم البلاد من أرمينية و آذربيجان و أران و حوران و الماهين إلى الري و أصفهان،فجعل يجبي خراج البلاد.

ص: 158

قال:و كان محمد بن الأشعث بن قيس الكندي عاملا على الموصل من قبل عبد اللّه بن الزبير،فلما قدم عامل المختار على الموصل لم يكن لمحمد بن الأشعث به طاقة فخرج عن الموصل هاربا،و أقبل إلى قرية يقال لها تكريت فنزلها،ثم كتب إلى عبد اللّه بن الزبير:أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أيده اللّه أن عامل المختار قدم الموصل و هو عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني،و قد كنت عزمت على محاربته و منعه من الدخول إلى البلد،غير أن عامة أصحابي خذلوا و استأمنوا إليه فلم يكن لي بالرجل طاقة،فتنحيت من بين يديه إلى قرية يقال لها تكريت،فنزلتها أنتظر بذلك أمر أمير المؤمنين و رأيه،و السّلام..

قال:فكتب إليه عبد اللّه بن الزبير:أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت الذي ذكرت فيه من تنحيك عن البلد،و لا عذر لك عندي في ذلك أن تخلي أرض الموصل و خراجها و حصونها و مزارعها،و تخرج عنها بلا قتال و قد أمّرتك عليها،فأنت تأكل منها الكثير و تبعث إلي منها اليسير!فو اللّه لو لم تقاتلهم مناصحة لأميرك و طلبا للثواب من اللّه تبارك و تعالى لقد كان يجب عليك أن تقاتل عن بلد أنت أميره!فلم تقاتل غضبا لربك و لا نصرة لإمامك و لا مخافة على سلطانك!فسوءة لما أتيت به و لما جاء منك!فلقد عجزت عن عدوك و ضيّعت ما ولّيتك،و السّلام (1).2.

ص: 159


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 242.

ذكر محمد بن الأشعث و قدومه على المختار

قال ابن الأعثم:و بلغ المختار أن محمد بن الأشعث مقيم بتكريت،فدعا بابنه عبد الرحمن.

فقال له:أنت في طاعتي و أبوك في طاعة عبد اللّه بن الزبير،ما الذي يمنعه من المسير إلي و الدخول في طاعتي؟

أما و اللّه لقد هممت أن أوجه إليه من يأتيني به يتل تلا فأفعل ما أضمر له في قلبي! أو ليس من قتلة الحسين بن علي!أو ليس هو الذي قال للحسين عليه السّلام يوم كربلاء:

و أي قرابة بينك و بين محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:فقال له عبد الرحمن:أعز اللّه الأمير!فأنا أخرج بإذنك فآتيك به شاء أو أبى إن شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

قال:فأذن له المختار في ذلك.فخرج عبد الرحمن من الكوفة حتى قدم على أبيه محمد بن الأشعث و هو نازل بتكريت،فدخل و سلم عليه ثم جلس.

فقال له:ما وراءك يا بني؟

قال له:ورائي أن هذا الرجل قد ظهر على الكوفة و سائر البلاد،و قد استوسق له الأمر و أطاعه الناس،و قد سأل عنك و ذكرك،أخاف أن يبطش بمن قتل الحسين بن علي فلم يترك منهم أحدا،و أنت ممن سار إلى الحسين،و ليس جلوسك ههنا بشي لأنه ليس معك جيش تمتنع به،و أنت بالكوفة أعز منك ههنا،و بعد فلا و اللّه ما رأيت شيخا يرضى لنفسه بما ترضاه لنفسك!إنك قد أقمت في مثل هذه القرية في غير

ص: 160

كثرة من عدد و لا كثيف من جمع و لا إمارة و لا منعة و أنت أنت.

قال:فتبسم محمد بن الأشعث ثم قال:يا بني!إني قد علمت أنك لم تأتني و لم تعرضي علي هذا الرأي إلا خوفا من المختار.

قال:ثم أقبل محمد بن الأشعث على من عنده من أصحابه و قال:إن ابني هذا له نخل بالكوفة على شاطئ الفرات،و إنما يريد أن أكون أنا مقيما بالكوفة حتى يأمن هو في نخله و ماله و أنا فلست أبالي بذلك النخل كان أم لم يكن.

قال:فلم يزل عبد الرحمن يلين لأبيه في الكلام و يخوّفه مرة و يرغّبه أخرى حتى أجابه إلى ما أراد.

قال:ثم خرج محمد بن الأشعث من تكريت في جماعة من أصحابه و بني عمه حتى قدم الكوفة،ثم دخل على المختار فسلّم عليه بالإمارة و قال:أيها الأمير!الحمد للّه الذي نصرك،و أعزك و أظهرك،و بعدوك أظفرك،إذ أنجز دعوتك،و أعلى رتبتك، و رفع منزلتك،فإنك دعوت دعوة هدى و أنجيتنا من الضلالة و العمى.

قال:فقال له المختار:أبا عبد الرحمن!إن الذي غضبنا له هو نصرنا،و بعدوه أظفرنا،و إن لربنا تعالى جندا لا يغلب،و ملكا لا يسلب،و ليس من يوم يأتي بعد يوم إلا و اللّه تعالى معز فيه للمؤمنين مذل فيه للكافرين،حتى يعود الدين كما بدأ.

ثم أدناه المختار و أجلسه معه على سريره،و وعده و منّاه و أمر له بجائزة سنية، و صرفه إلى منزله.

قال:و جعل المختار يجلس للناس في كل غدوة و عشية فيقضي بين الخصمين، فإذا عاقه عائق أمر شريحا القاضي أن يجلس فيقضي بين الناس.قال:و أحبه الناس حبا شديدا،و درّ له جلب البلاد،و حمل إليه الخراج من جميع عماله.

قال:ثم أرسل إلى وجوه أصحابه و ثقاته،فجمعهم عنده.

ثم قال:اعلموا أنه ليس يسوغ لي الطعام و لا أحب أن أروى من الماء و قتلة الحسين بن علي أحياء يمشون في هذه الدنيا!و قد استوسق لي الأمر و أطاعني

ص: 161

الناس،و لست بالناصر لآل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن لم أطلب بدمائهم،و أقتل من قتلهم، و أذل من جهل حقهم!و لكن سمّوهم لي فعلي أن أطهر الأرض منهم. (1)4.

ص: 162


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 244.

ذكر وقعة جبانة السبيع برواية ابن أعثم

قال ابن الأعثم:و سار المختار إلى جبانة السبيع و بها يومئذ قبائل اليمن،و قد اجتمعوا على عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني.

قال:فالتقى القوم هنالك فقاتل بعضهم بعضا،و علت الأصوات من كل ناحية.

و جعل ابن الأشتر يقول:و يحكم يا معشر ربيعة و مضر!انصرفوا عني،فحسبكم مني،أنا ابن الأشتر،أنا ابن الضل الذكر،و اللّه ما أحب أن يصاب أحد منكم على يدي!

قال:فأبوا عليه،و اشتد القتال حتى انتصف بعضهم من بعض،ثم وقعت الهزيمة بعد ذلك فانهزموا هزيمة قبيحة من بين يديه،فأبقى عليهم ابن الأشتر فلم يتبعهم.

قال:و جاء البشير إلى المختار أن القوم قد انهزموا من بين يدي ابن الأشتر،فكبّر المختار و كبر أصحابه،و سمع هؤلاء الذين يقاتلونه التكبير ففزعوا لذلك و علموا أن أصحابهم قد انهزموا،فانكسروا انكسارا شديدا،ثم ولّوا مدبرين،فمنهم من اختفى في منزله،و منهم من خرج هاربا في البرية على وجهه،و منهم من لحق بمصعب بن الزبير بالبصرة فكان معه،و وضعت الحرب أوزارها.

فقال المختار لأصحابه:انظروا كم قتل من الناس!و فتشوا البيوت فأتوني بهؤلاء الذين خرجوا علي و نقضوا بيعتي!

قال:فحصر من كان قتل من أصحاب المختار فكانوا مائة و خمسة و ثلاثين رجلا،و أحصي من قتل من الخارجيين عليه فكانوا ستمائة و أربعين رجلا،فذلك سبعمائة و خمسة و سبعون رجلا (1).

ص: 163


1- كتاب الفتوح-أحمد بن أعثم الكوفي-ج 6-ص 263.

الفهرس

ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي 1

الجزء السابع عشر 1

نسب المختار و بعض أخباره 3

ذكر حبس المختار بن أبي عبيد بالكوفة و ما كان من عبيد اللّه بن زياد 9

ذكر هرب المختار من ابن زياد و ما كان من بيعته لابن الزبير 13

حبس المختار برواية ابن أعثم 18

ابتداء حرب واقم 28

ذكر ما قتل فيها من المسلمين 33

ذكر واقعة الأولى بين مكة و المدينة 46

بين عمرو بن الزبير و أخيه عبد اللّه و مقتل عمرو بن الزبير 46

ذكر مسير مسلم بن عقبة المري إلى مكة 54

مفارقة المختار عبد اللّه بن الزبير و خروجه عليه 55

فراق الخوارج ابن الزبير 70

سبب مقدم المختار إلى الكوفة 76

عقد مروان البيعة لابنيه 90

سبب هلاك مروان 91

مقتل نافع بن الأزرق 94

ذكر الحروب بين بني تميم و عبد اللّه بن خازم 104

ص: 164

ظهور المختار للدعوة إلى ما دعا إليه الشيعة بالكوفة 108

ذكر خروج الشيعة إلى محمد ابن الحنيفة يسألونه عن المختار 140

بيعة إبراهيم بن الأشتر للمختار 142

ذكر وقت خروج المختار برواية ابن أعثم 146

ذكر غلبة المختار على الكوفة و بيعة الناس له بها 155

ذكر كلام المختار على المنبر 156

ذكر محمد بن الأشعث و قدومه على المختار 159

ذكر وقعة جبانة السبيع برواية ابن أعثم 162

الفهرس 163

ص: 165

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.