الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام المجلد 14

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان :عربی

تعداد جلد: 20

کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الرابع عشر

مقتل أهل البيت عليهم السلام

مقتل عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله

اشارة

قال السيد مرتضى العسكري:و قال:لما لم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته.

اجتمعوا و ودع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب (1).

أول شهيد من عترة رسول اللّه

قال الطبري:و كان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر بن الحسين ابن علي و أمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي (2)و كانت أم أمه ميمونة بنت أبي سفيان ابن حرب (3)و من أجل هذا أعطي له الأمان يومذاك،و قالوا له كما ذكره المصعب الزبيري:"ان لك قرابة بأمير المؤمنين-يعنى يزيد بن معاوية-و نريد أن يرعى هذا الرحم،فإن شئت آمناك".

فقال علي عليه السّلام:"لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحق أن ترعى"و حمل و هو يقول (4).

ص: 3


1- مقتل الخوارزمي 6/2.
2- مقاتل الطالبيين ص 80 و تاريخ الطبري،ط/اروبا 356/2-357.
3- مقاتل الطالبيين ص 80 و نسب قريش لمصعب ص 57،و الإصابة 178/4 ترجمة أبي مرة.
4- نسب قريش ص 57.

قال الخوارزمي:فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء،و قال:اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك محمد صلّى اللّه عليه و اله و كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه،اللهم فامنعهم بركات الأرض،و فرقهم تفريقا و مزقهم تمزيقا،و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترض الولاة عنهم أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا،ثم عدوا علينا يقاتلونا.

ثم صاح بعمر بن سعد:مالك قطع اللّه رحمك،و لا بارك لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك على فراشك،كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول اللّه.

ثم رفع صوته و قرأ: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و حمل علي بن الحسين و هو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي نحن و بيت اللّه أولى بالنبي

و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعي أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف حتى يلتوي ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الكوفة،ثم رجع إلى أبيه و قد أصابته جراحات كثيرة،فقال:يا أبة:العطش قد قتلني و ثقل الحديد أجهدني،فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء؟فبكى الحسين و قال:يا بني عز على محمد،و على علي،و على أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك و تستغيث بهم فلا يغيثونك.

و دفع إليه خاتمه،و قال له:خذ هذا الخاتم في فيك و ارجع إلى قتال عدوك،فإني لأرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا، فرجع علي بن الحسين إلى القتال و حمل و هو يقول:

الحرب قد بانت لها حقائق و ظهرت من بعدها مصادق

ص: 4

و اللّه رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق (1)

قال الطبري:ففعل ذلك مرارا فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي فقال:علي آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل ان لم أثكله أباه فمر يشد على الناس بسيفه فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع و احتوشه الناس فقطعوه بأسيافهم.

و قال الخوارزمي:ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها،و ضربه الناس بأسيافهم،فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوه، فقطعوه بأسيافهم إربا إربا،فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته:يا أبتاه! هذا جدي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا و هو يقول لك:العجل فإن لك كأسا مذخورة،فصاح الحسين (2).

و روى الطبري:عن حميد بن مسلم الأزدي قال:سماع أذني يومئذ من الحسين يقول:قتل اللّه قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن و على انتهاك حرمة الرسول،على الدنيا بعدك العفاء.

قال:و كأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى يا أخياه و يا بن أخاه قال فسألت عنها فقيل:هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول اللّه فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين،فأخذ بيدها،فردها إلى الفسطاط،و أقبل الحسين إلى ابنه و أقبل فتيانه إليه فقال:احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون امامه (3).3.

ص: 5


1- مقتل الخوارزمي 30/2-31.
2- مقتل الخوارزمي 31/2.
3- معالم المدرستين للعسكري:124/3.

مقتل آل أبي طالب

عبد اللّه بن مسلم بن عقيل

اشارة

ثم برز من بعده عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (1)،و أمه رقية الكبرى بنت الإمام علي عليه السّلام (2)و هو يقول:

اليوم ألقى مسلما و هو أبي و فتية بادوا على دين النبي (3).

قال الطبري:ثم إن عمرو بن صبيح الصدائي رمى عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع كفه على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ إلى جبهته فسمرها به (4).

فاخذ لا يستطيع أن يحرك كفيه ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه،قال:

فاعتورهم الناس من كل جانب.

قال الخوارزمي و ابن شهر آشوب برز جعفر بن عقيل بن أبي طالب و هو يقول:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم من غالب

و نحق حقا سادة الذوائب هذا حسين أطيب الأطايب

ص: 6


1- ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر،ط/اروبا،357/2.
2- ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر،ط/اروبا،357/2.
3- ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر،ط/اروبا،357/2.
4- هذه الزيادة في سياق الارشاد ص 223.

فقاتل حتى قتل،قتله بشر بن سوط الهمداني (1).

و قال الطبري:و شد عثمان بن خالد الجهني و بشر بن سوط الهمداني ثم القابضي على عبد الرحمن بن عقيل فقتلاه.

و برز بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يرتجز:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني كهول

صدق سادة الاقران هذا حسين شامخ البنيان

و سيد الشباب في الجنان

فقاتل حتى قتله عثمان بن خالد الجهني.

قال الطبري:ورمى عبد اللّه بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

قال الخوارزمي و ابن شهر آشوب:ثم برز محمد بن عبد اللّه بن جعفر و هو ينشد:

أشكو إلى اللّه من العدوان فعال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان

و أظهروا الكفر مع الطغيان

فقاتل قتالا شديدا حتى قتله عامل بن نهشل التميمي،ثم برز أخوه عون فحمل و هو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفا في محشرب.

ص: 7


1- نقلنا في مقتل ابني عقيل و ابني جعفر بعدهما الأراجيز من مقتل الخوارزمي و مناقب ابن شهرآشوب و كان الطبري قد أسقط أراجيزهم من خبر مقتلهم على عادته في حذف الأراجيز في أغلب ما يروى من اخبار الحروب.

فقاتل حتى قتله عبد اللّه بن قطبة الطائي (1).ن.

ص: 8


1- مناقب ابن شهر آشوب 220/2،و مقتل الخوارزمي 27/2،و يتفق سياق رواية الطبري معهما فيما عدا حذفه الرجزين.

ذكر شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما

و قال في البحار:في كتاب الأمالي مسندا إلى أبي محمّد شيخ لأهل الكوفة في شهادة ولدي مسلم الصغيرين قال:لمّا قتل الحسين بن علي أسر من عسكره غلامان صغيران فأتي بهما عبيد اللّه بن زياد فدعا سجّانا له و قال:خذ هذين الغلامين و لا تطعمهما من طيب الطعام و لا تسقهما من الماء البارد و ضيّق عليهما في السجن،و كان الغلامان يصومان النهار فإذا جنّهما الليل أتي لهما بقرصين من شعير و كوز ماء فصارا في الحبس طول السنة فقال أحدهما للآخر:يا أخي يوشك أن تفنى أعمارنا في السجن و تبلى أبداننا فإذا جاء الشيخ فاعلمه بحالنا لعلّه يوسّع علينا في طعامنا فأقبل الشيخ بقرصين من شعير فقال له الغلام الصغير:يا شيخ أتعرف محمّدا؟

قال:هو نبيّي كيف لا أعرفه،قال:أتعرف عليّ بن أبي طالب؟

قال:هو ابن عمّ النبيّ،قال له:يا شيخ نحن من عترة النبيّ من ولد مسلم بن عقيل و قد ضيّقت علينا السجن فانكبّ الشيخ يقبّل أقدامهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء هذا باب السجن مفتوح فخذا أيّ طريق شئتما.

فلمّا جنّهما الليل أتى لهما بقرصين من شعير و كوز من ماء و أقفهما على الطريق و قال لهما:سيرا الليل و اكمنا النهار ففعل الغلامان ذلك فلمّا جنّهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها:إنّا غلامان صغيران غريبان لا نعرف الطريق أضيفينا سواد هذه الليلة،فقالت لهما:فمن أنتما فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما؟

فقالا:نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل،فقالت

ص: 9

العجوز:يا حبيبي إنّ لي صهرا فاسقا قد شهد الواقعة مع عبيد اللّه بن زياد أتخوّف أن يصيبكما ههنا فيقتلكما،قالا:سواد هذه الليلة.

قالت:سآتيكما بطعام،فلمّا ولجا الفراش قال الصغير للكبير:يا أخي انّا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه فتعال حتّى اعانقك و تعانقني و أشمّ ريحك و تشمّ ريحي قبل أن يفرّق الموت بيننا،ففعل الغلامان ذلك و اعتنقا و ناما،فلمّا كان في بعض الليل أقبل صهر العجوز الفاسق حتّى قرع الباب فدخل و قد أصابه التعب فقال:هرب غلامان من عسكر ابن زياد فنادى من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم و من جاء برأسيهما فله ألفا درهم و قد تعبت و لم يصل في يدي شيء،قالت العجوز:يا صهري احذر أن يكون خصمك محمّد في القيامة.

فقال:الدّنيا محرص عليها،فأكل الملعون و شرب،فلمّا كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف الليل فأقبل يلمس بكفّه جدار البيت حتّى وقعت يده على جنب الغلام الصغير فقال:من هذا؟

قال:أمّا أنا فصاحب المنزل فمن أنتما؟فأقبل الصغير يحرّك الكبير و يقول له:

قم فقد وقعنا فيما كنّا نحذره،قال لهما:من أنتما؟

قالا له:إن صدقناك فلنا الأمان؟

قال:نعم،فأخذا عليه العهود المؤكّدة قالا:يا شيخ نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل فقال:من الموت هربتما و إلى الموت وقعتما، الحمد للّه الذي أظفرني بكما،فشدّ أكتافهما إلى الصباح فلمّا أصبح دعى غلاما له أسود اسمه فليح فقال:خذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و اضرب أعناقهما و أتني برأسيهما لأنطلق بهما إلى ابن زياد و آخذ الجائزة فحمل الغلام السيف و مشى مع الغلامين فقالا له:يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:إنّ مولاي قد أمرني بقتلكما فمن أنتما؟

ص: 10

قالا:نحن من عترة النبيّ هربنا من القتل،فانكبّ الأسود على أقدامهما يقبّلهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء و اللّه لا يكون محمّد خصمي في القيامة،ثمّ رمى السيف و عبر الفرات إلى الجانب الآخر فصاح به مولاه:عصيتني،فقال:إذا أنت عصيت اللّه فأنا منك بريء.فدعا ابنه فقال:يا بني إنّما أجمع الدّنيا حلالها و حرامها لك فخذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و أتني برأسيهما لآخذ الجائزة من ابن زياد فأخذ السيف و مضى مع الغلامين فقال أحدهما:يا شاب ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنّم،قال:من أنتما؟

قالا:من عترة نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فانكبّ الغلام على أقدامهما و رمى السيف و عبر الفرات فصاح به أبوه.

ثمّ قال الملعون:لا يلي أحد قتلكما غيري و أخذ السيف و مشى معهما،فلمّا نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغر و رقت أعينهما و قالا له:يا شيخ انطلق بنا إلى السوق بعنا و خذ أثماننا و لا تجعل محمّدا خصمك في القيامة.

فقال:لا،و لكن أقتلكما و أذهب برأسيكما إلى ابن زياد لأجل الجائزة،فقالا له:

فامض بنا إلى ابن زياد حتّى يحكم فينا بأمره،فقال:لا،إلاّ أن أتقرّب بدمكما،قالا له:

أما ترحم صغر سنّنا؟

قال:ما جعل اللّه لكما في قلبي من الرحمة شيئا،قالا:إن كان و لا بدّ فدعنا نصلّي ركعات،قال:فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة،فصلّى الغلامان أربع ركعات ثمّ رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا يا حيّ يا حكيم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ فأقام الأكبر فضرب عنقه و وضع رأسه في المخلاة و أقبل الغلام الصغير يتمرّغ في دم أخيه و يقول:حتّى ألقى رسول اللّه و أنا مختضب بدم أخي ثمّ ضرب عنق الصغير و وضع رأسه في المخلاة و رمى ببدنيهما في الماء و هما يقطران دما فكان بدن الأوّل على وجه الفرات ساعة حتّى رمى الثاني فأقبل بدن الأوّل راجعا يشقّ الماء شقّا حتّى التزم بدن أخيه و مضيا في الماء،و جاء إلى ابن زياد فوضع

ص: 11

الرأسين بين يديه فقال:الويل لك أين ظفرت بهما؟

قال:أضافتهما عجوز لنا،قال:فما عرفت لهما حقّ الضيافة؟

قال:لا،قال:فأيّ شيء قالا لك؟فحكى كلامهما و جوابه لهما،قال:أفلا جئتني بهما حيّين فكنت أضاعف لك الجائزة و أجعلها أربعة آلاف درهم؟

قال:ما رأيت إلاّ التقرّب إليك بدمهما،قال:ما قالا لك في آخر صلاتهما؟

قال:قالا:يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ.

قال ابن زياد:قد حكم اللّه بينك و بينهما،من للفاسق؟فانتدب له رجل من أهل الشام قال:أنا له.

قال:فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه و لا تترك أن يختلط دمه بدمهما و عجّل برأسه ففعل الرجل ذلك و جاء برأسه فنصبه على قناة فجعل الصبيان يرمونه بالنبل و الحجارة و يقولون:هذا قاتل ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1).

و روي أن الغلامين اللّذين هربا من عسكر ابن زياد إبراهيم و محمّد و كانا من ولد جعفر الطيّار و ذكر أنّ ابن زياد لمّا أمر بقتل الملعون قاتلهما رمى جيفته في الماء فلم يقبلها الماء ورمى به إلى الجرف فأمر ابن زياد أن يحرق بالنار ففعل به ذلك و صار إلى عذاب اللّه تعالى.5.

ص: 12


1- أمالي الصدوق:148 ح 145،و البحار:105/45.

نجلا السبط الأكبر

قال العسكري:ثم برز عبد اللّه بن الحسن بن علي و هو يقول:

إن تنكروني فأنا فرع الحسن سبط النبي المصطفى المؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن بين أناس لا سقوا صوب المزن

قتله هاني بن شبيب الحضرمي (1).

ثم برز أخوه القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلما نظر إليه الحسين اعتنقه و جعلا يبكيان ثم استأذن الغلام للحرب فأبى عمه الحسين أن يأذن له،فلم يزل الغلام يقبل يديه و رجليه و يسأله الاذن حتى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خديه (2)عليه ثوب و ازار و نعلان فقط و كأنه فلقة قمر و أنشأ يقول:

اني أنا القاسم من نسل علي نحن و بيت اللّه أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي (3)

و روى الطبري عن حميد بن مسلم،قال:خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر

ص: 13


1- مناقب ابن شهر آشوب 220/2،و فى مقتل الخوارزمي 27/2 نسب البيتين إلى القاسم أو عبد اللّه،و فى إعلام الورى ص 213:و كان عبد اللّه بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.
2- مناقب ابن شهر آشوب 220/2،و فى مقتل الخوارزمي 27/2 نسب البيتين إلى القاسم أو عبد الله،و فى إعلام الورى ص 213:و كان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.
3- مناقب ابن شهر آشوب 221/2.

في يده السيف عليه قميص و إزار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما ما انسى أنها اليسرى،فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي و اللّه لأشدن عليه،فقلت له:

سبحان اللّه و ما تريد إلى ذلك،يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوهم قال:

فقال:و اللّه لأشدن عليه،فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف،فوقع الغلام لوجهه،فقال:يا عماه!قال:فجلى الحسين كما يجلى الصقر،ثم شد شدة ليث أغضب،فضرب عمرا بالسيف،فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق،فصاح- صيحة سمعها أهل العسكر- (1)ثم تنحى عنه،و حملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين،فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها و جالت الخيل بفرسانها عليه،فتوطأته حتى مات و انجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام،و الغلام يفحص برجليه،و حسين يقول:بعدا لقوم قتلوك و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك.

ثم قال:عز و اللّه على عمك،ان تدعوه فلا يجيبك،أو يجيبك فلا ينفعك،صوت و اللّه كثر واتره و قل ناصره ثم احتمله فكأني انظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض و قد وضع حسين صدره على صدره.

قال:فقلت في نفسي:ما يصنع به،فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي ابن الحسين و قتلى قد قتلت حوله من أهل بيته،فسألت عن الغلام فقيل:هو القاسم ابن الحسن ابن علي بن أبي طالب (2).3.

ص: 14


1- إرشاد المفيد ص 223.
2- معالم المدرستين للعسكري:126/3.

مقتل إخوة الحسين

أبو بكر بن علي عليه السلام

مقتل إخوة الحسين(1)

أبو بكر بن علي عليه السلام

ثم تقدم اخوة الحسين عليه السّلام عازمين على أن يقتلوا من دونه فأول من تقدم منهم أبو بكر بن علي،و اسمه عبد اللّه،و أمة ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم ابن جندل بن نهشل بن دارم التميمية فبرز أبو بكر و هو يقول:

شيخي علي ذو الفخار الأطول من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا الحسين ابن النبي المرسل نذود عنه بالحسام الفيصل

تفديه نفسي من أخ مبجل يا رب فامنحني الثواب المجزل

فحمل زحر بن قيس النخعي فقتله:عمر بن علي عليه السّلام:ثم خرج من بعد أبي بكر ابن علي،أخوه عمر بن علي،فحمل و هو يقول:

أضربكم و لا أرى فيكم زحر ذاك الشقي بالنبي قد كفر

يا زحر يا زحر تدان من عمر لعلك اليوم تبوء بسقر

شر مكان في حريق و سعر فإنك الجاحد يا شر البشر

ثم قصد قاتل أخيه فقتله،و جعل يضرب بسيفه ضربا منكرا

و يقول في حملاته:

خلوا عداة اللّه خلوا عن عمر خلوا عن الليث العبوس المكفهر

ص: 15


1- إلى آخر هذا الفصل أوردناه بلفظ الخوارزمي 28/2-29.

يضربكم بسيفه و لا يفر و ليس يغدو كالجبان المنجحر

و لم يزل يقاتل حتى قتل.

عثمان بن علي عليه السلام

ثم خرج من بعده عثمان بن علي و أمه أم البنين بنت حزام بن خالد،من بني كلاب و هو يقول:

إني أنا عثمان ذو المفاخر شيخي علي ذو الفعال الطاهر

صنو النبي ذو الرشاد السائر ما بين كل غائب و حاضر

ثم قاتل حتى قتل.

جعفر بن علي عليه السلام

ثم خرج أخوه جعفر بن علي و أمه أم البنين أيضا فحمل و هو يقول:

اني أنا جعفر ذو المعالي نجل علي الخير ذو النوال

أحمي حسينا بالقنا العسال و بالحسام الواضح الصقال

ثم قاتل حتى قتل.

عبد اللّه بن علي عليه السلام

ثم خرج من بعده أخوه عبد اللّه بن علي،و أمه أم البنين أيضا،فحمل و هو يقول:

أنا ابن ذي النجدة و الافضال ذاك علي الخير في الفعال

سيف رسول اللّه ذو النكال و كاشف الخطوب و الأهوال

ص: 16

فحمل و قاتل حتى قتل (1).

و روى الطبري عن حميد بن مسلم قال:سمعت الحسين يومئذ و هو يقول:اللهم أمسك عنهم قطر السماء و امنعهم بركات الأرض اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض عنهم الولاة أبدا.

فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا قال:و ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه،قال:و لما بقي الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة،دعا بسراويل محققة يلمع فيها البصر يماني محقق ففزره و نكثه لكي لا يسلبه فقال له بعض أصحابه:لو لبست تحته تبانا قال ذلك ثوب مذلة و لا ينبغي لي أن ألبسه قال:فلما قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجردا.

قال أبو مخنف:فحدثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن أن يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء و في الصيف تيبسان كأنهما عود.ه.

ص: 17


1- أورد الطبري و من تبعه خبر مقتل أخوة الحسين بإيجاز،و فى مناقب ابن شهر آشوب أورد ارجاز أخوة العباس لامه و ما أوردناه هنا نقلناه من مقتل الخوارزمي 28/2-29 و بلفظه.

مقتل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام

اشارة

في مقاتل الطالبين:كان رجلا و سيما جميلا يركب الفرس المطهم و رجلاه تخطان في الأرض،و كان يقال له:قمر بني هاشم،و كان لواء الحسين معه يوم قتل،و هو أكبر ولد أم البنين و هو آخر من قتل من أخوته لامه و أبيه (1).

و في مقتل الخوارزمي:ثم خرج العباس و هو السقاء فحمل و هو يقول:

أقسمت باللّه الأعز الأعظم و بالحجون صادقا و زمزم

و بالحطيم و الفنا المحرم ليخضبن اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم امام أهل الفضل و التكرم (2)

و فى الارشاد و مثير الأحزان و اللهوف (3):و اشتد العطش بالحسين عليه السّلام فركب المسناة يريد الفرات و بين يديه العباس أخوه فاعترضه خيل ابن سعد.

و في مناقب شهر آشوب:مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم و هو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقى حتى أوارى في المصاليت لقا

نفسي لابن المصطفى الطهر وقا أنّى أنا العباس أغدو بالسقا

و لا أخاف الشر يوم الملتقى

ص: 18


1- مقاتل الطالبيين ص 84.
2- مقتل الخوارزمي 29/2-30.
3- الارشاد ص 24،و إعلام الورى ص 244،و مثير الأحزان ص 53،و اللهوف ص 45.

ففرقهم فكمن له زيد بن الورقاء الجهني من وراء نخلة و عاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله و حمل عليه و هو يرتجز:

و اللّه ان قطعتموا يميني اني أحامي أبدا عن ديني

و عن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين

فقاتل حتى ضعف،فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله،فقال:

يا نفس لا تخشي من الكفار و أبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حر النار

فقتله الملعون بعمود من حديد (1).

و في مقتل الخوارزمي:فقال الحسين:الان انكسر ظهري و قلّت حيلتي... (2).

و قال في البحار:و كان العبّاس سقّاء الحسين عليه السّلام صاحب لوائه و هو أكبر الاخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله و قاتل ثمّ قطعت شماله فقاتل حتّى ضربه ملعون بعمود على رأسه،فلمّا رآه الحسين عليه السّلام صريعا على شاطئ الفرات بكى و قال شعرا:

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم و خالفتموا دين النبيّ محمّد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا أما نحن من نجل النبيّ المسدّد

أما كانت الزهراء امّي دونكم أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا فسوف تلاقوا حرّ نار توقد2.

ص: 19


1- مناقب ابن شهر آشوب 221/2-222.
2- مقتل الخوارزمي 30/2.

و روي أنّ العبّاس لمّا رأى وحدة الحسين عليه السّلام أتاه و قال:يا أخي هل من رخصة، فبكى الحسين و قال:أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرّق عسكري فقال العبّاس:

قد سئمت من الحياة و أريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين فقال له:فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء،فركب و أخذ رمحه و القربة و قصد الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فقتل منهم ثمانين رجلا، فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين فرمى بالماء و ملأ القربة و حملها على كتفه فقطعوا عليه الطريق ثمّ قطعوا يده اليمنى فحمل القربة باليسرى ثمّ قطعها نوفل من الزند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة فاريق ماؤها ثمّ جاءه سهم أصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين:

أدركني فأتى إليه و حمله إلى الخيمة.

و لمّا قتل العبّاس قال الحسين عليه السّلام:الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي (1).3.

ص: 20


1- معالم المدرستين:129/3.

فضيلة شهادة العباس عليه السلام

قال السيد الخامئني:و أما وفاء أبي الفضل العباس فقد تجسد لدى بلوغه شريعة الفرات دون أن يشرب قطرة من مائه؛فالمشهور على كل الألسنة هو أن الإمام الحسين عليه السلام بعث بأبي الفضل لجلب الماء،إلاّ أنّ الذي شاهدته من الروايات المعتبرة الواردة في كتب مثل"الارشاد"للمفيد،و"اللهوف"لابن طاووس فلقد جاء في هذه الكتب المعتبرة أنّ العطش كان قد اشتدّ بالصبية و الصبايا و بلغ مبلغه من حرم آل البيت،فذهب الإمام الحسين عليه السّلام و أبو الفضل معا في طلب الماء، و توجها إلى شريعة الفرات لعلّهما يحصلان على بعض الماء.

فهذان الاثنان من الأخوة الشجعان و الأقوياء كانا معا دائما في ساحة القتال،أي الإمام الحسين عليه السّلام بعمره الذي يشرف على الستين عاما و لكنه لا يشق له غبار في البسالة و القوة،و أخوه الشاب أبو الفضل العباس الذي جاوز الثلاثين بقليل من عمره بما يتميز به من خصال يعرفها الجميع.فهذان الأخوان لم يفارق أحدهما الآخر في ساحة الحرب،و كان كل منهما يحمي ظهر الآخر عند اشتداد القتال و تخلل صفوف الأعداء أملا في الوصول إلى الفرات و جلب الماء.

و خلال هذه الجولة من المعركة شعر الإمام الحسين عليه السّلام فجأة بأن العدو قد فصل بينه و بين أخيه العباس لدى اشتداد القتال؛و في هذه المعمعة كان أبو الفضل قد اقترب من الماء و وصل إلى شريعة النهر.

و كما جاء في الروايات،فإنه ملأ قربة بالماء للعودة بها إلى الخيام؛و في مثل هذه

ص: 21

الحالة يعطي كل واحد الحق لنفسه بأن يروي ظمأه،و لكن أبا الفضل العباس أظهر وفاءه في هذا الموقف الصعب.فعندما غرف غرفة من الماء ذكر عطش الإمام الحسين عليه السّلام،و تذكر صيحات:العطش..العطش..التي أطلقها الصبية و الصبايا، و ربما تذكر بكاء علي الأصغر الظمآن،فلم يشرب و ألقى الماء و غادر الشريعة.

و حينئذ وقعت تلك الأحداث عندما سمع الإمام الحسين عليه السلام فجأة صوت أخيه قادما من وسط جند الأعداء و هو يصيح:"يا أخاه أدرك أخاك" (1).

بصيرة العباس

فأين تكمن بصيرة أبي الفضل العباس؟لقد كان أولئك جميعا من أولي البصائر،إلاّ أنه كشف عن بصيرة أكبر؛ففي يوم تاسوعاء،عند ما سنحت له الفرصة للخلاص من هذا البلاء حيث اقترحوا عليه الاستسلام في مقابل إعطائه الأمان،فإنّه كان شهما لدرجة أفحمت الأعداء،و قال لهم:و هل أتخلى عن الحسين عليه السّلام؟!الويل لكم!أفّ لكم و لأمانكم هذا! (2)،و في رواية أنه قال له:بترت يدك و لعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو اللّه،أتأمرنا أن نترك أخانا و سيدنا الحسين بن فاطمة و ندخل في طاعة اللعناء و أولاد اللعناء.

و ثمة نموذج آخر لبصيرته،و ذلك عند ما أمر ثلاثة من إخوته الذين كانوا معهم بالتقدم قبله إلى ميدان الحرب و الجهاد حتى بلوغ الشهادة.فإنكم على علم بأنهم كانوا أربعة إخوة من أم واحدة،و هم:أبو الفضل العباس-الأخ الأكبر-و جعفر و عبد الله و عثمان.فأن يضحي المرء بإخوته الثلاثة أمام عينيه من أجل الحسين ابن علي دون التفكير في أمه المحزونة أو الاكتفاء بواحد منهم حفاظا على مشاعر

ص: 22


1- أنظر العوالم:285.
2- أنظر العوالم:242،و لواعج الأشجان:116.

أمه و الاهتمام بمصير إخوته الصغار و من سيعولهم في المدينة المنورة،فهذه هي البصيرة.

شأن و منزلة أبي الفضل العباس

قد دأب الخطباء و أهل الرثاء على الحديث حول شهادة أبي الفضل العباس.إنّ الذي يبدو من كافة الشواهد و الأدلة هو أن أبا الفضل العباس كان آخر من استشهد قبل الإمام الحسين عليه السّلام من المجاهدين،باستثناء الطفل البالغ ستة أشهر من عمره أو الصبي البالغ أحد عشر عاما.

و كانت تلك الشهادة فداء لعمل عظيم أقدم عليه،ألا و هو جلب الماء للعطاشى في خيام أبي عبد الله الحسين عليه السّلام.

و بالنظر في تلك الزيارات و التمعن في تلك الكلمات الواردة عن الأئمة(عليهم السلام)بشأن أبي الفضل العباس عليه السّلام،فإننا نكتشف أنه تم تأكيد خصلتين:الأولى البصيرة،و الثانية الوفاء (1).

ص: 23


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:276-278.

مقتل أطفال آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله

قتل الطفل الرضيع

في مقتل الخوارزمي و غيره:تقدم الحسين إلى باب الخيمة و قال:ناولوني عليا الطفل حتى أودعه،فناولوه الصبي،فجعل يقبله و يقول:ويل لهؤلاء القوم إذ كان خصمهم جدك،فبينا الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في حجره فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به نحو السماء،و قال:اللهم ان حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا،و انتقم من هؤلاء الظالمين،ثم نزل الحسين عن فرسه و حفر للصبي بجفن سيفه و زمله بدمه و صلى عليه (1).

و قال في البحار:ثمّ التفت الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا فلم ير أحدا من الرجال، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين و كان مريضا فقال الحسين:يا امّ كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد و تقدّم الحسين إلى باب الخيمة فقال:

ناولوني ابني عليّا الطفل حتّى اودّعه.

و قال المفيد:دعى ابنه عبد اللّه فجعل يقبّله و الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقّى الحسين عليه السّلام دمه حتّى امتلأت كفّه ثمّ رمى به إلى السماء و لم يسقط منه قطرة إلى الأرض (2).

ص: 24


1- مقتل الخوارزمي 32/2،و تاريخ الطبري ط/اروبا،360/2،و ابن كثير 188/8.
2- بحار الانوار للعلامة المجلسي:46/45،و كلمات الامام الحسين:476.

مقتل طفل آخر للحسين عليه السلام

اشارة

قال الطبري:ورمى عبد اللّه بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي بسهم فقتله فلذلك يقول الشاعر و هو ابن أبي عقب:

و عند غني قطرة من دمائنا و فى أسد أخرى تعد و تذكر (1)

معركة في طريق الفرات

روى الطبري عمن شهد الحسين في عسكره،أن حسينا حين غلب على عسكره،ركب المسناة،يريد الفرات،قال:فقال رجل من بني أبان بن دارم:ويلكم حولوا بينه و بين الماء لا تتام إليه شيعته قال:و ضرب فرسه و اتبعه الناس حتى حالوا بينه و بين الفرات فقال الحسين:اللهم أظمه!قال:و ينتزع الاباني بسهم فأثبته في حنك الحسين.

و فى رواية:فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه-و في رواية في حنكه- قال:فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلأتا دما فرمى به إلى السماء،ثم حمد اللّه و أثنى عليه ثم جمع يديه فقال:اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك، اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بددا و لا تذر على الأرض منهم أحدا.و روى الطبري و قال:فانتزع الحسين عليه السّلام السهم ثم بسط كفيه فامتلأتا دما ثم قال الحسين:اللهم

ص: 25


1- معالم المدرستين للعسكري:131/3.

إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك قال:فو اللّه ان مكث الرجل إلاّ يسيرا حتى صب اللّه عليه الظماء فجعل لا يروي،قال القاسم بن الأصبغ لقد رأيتني فيمن يروح عنه،و الماء يبرد له فيه السكر و عساس فيها اللبن و قلال فيها الماء و انه ليقول:

ويلكم أسقوني قتلني الظماء فيعطى القلة أو العس كان مرويا أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول:ويلكم أسقوني قتلني الظماء قال:فو اللّه ما لبث إلاّ يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.

مقتل طفل مذعور

روى الطبري عن هانئ بن ثبيت الحضرمي،قال:كنت ممن شهد قتل الحسين، قال:فو اللّه إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس و قد جالت الخيل و تضعضعت:إذ خرج غلام من آل الحسين و هو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه ازار و قميص و هو مذعور يتلفت يمينا و شمالا فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت،إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف،قال الراوي:هانئ بن ثبيت هذا هو صاحب الغلام فلما عتب عليه كنى عن نفسه.

مقتل طفل الإمام الحسن عليه السلام

قال الطبري:ثم أن شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجالة نحو الحسين فأخذ الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به إحاطة و أقبل إلى الحسين

ص: 26

عبد اللّه بن الحسن (1)من عند النساء و هو غلام لم يراهق فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه،فقال لها الحسين:أحبسيه فأبى الغلام و جاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه،قال:و قد أهوى بحر بن كعب بن عبيد اللّه من بني تيم اللّه بن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام:يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟!فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده،فأطنها إلاّ الجلدة فإذا يده معلقة فنادى الغلام يا أمتاه فاخذه الحسين فضمه إلى صدره و قال:يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك، و احتسب في ذلك الخير،فإن اللّه يلحقك بآبائك الصالحين برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي بن أبي طالب و حمزة و جعفر و الحسن بن علي صلى اللّه عليهم أجمعين!و روى الطبري:قال و مكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه،و كره ان يتولى قتله و عظيم إثمه عليه قال:و ان رجلا يقال له:مالك بن نسير من بني بداء أتاه و ضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين:لا أكلت بها و لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين،قال:فألقى ذلك البرنس ثم دعا بقلنسوة فلبسها و اعتم و قد أعيا و بلد و جاء الكندي حتى أخذ البرنس و كان من خز فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أم عبد اللّه ابنة الحر أخت حسين بن الحر البدي أقبل يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته:أسلب ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تدخل بيتي:

أخرجه عني:فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيرا بشر حتى مات (2).3.

ص: 27


1- في الطبري ط/اروبا،363/2:"غلام من أهله"و التصحيح من ارشاد المفيد ص 225.
2- معالم المدرستين للعسكري:133/3.

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول اللّه

قال أبو مخنف في حديثه:ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله و عياله فمشى نحوه، فقال الحسين عليه السّلام:ويلكم ان لم يكن لكم دين و لا تخافون يوم المعاد،فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب امنعوا رحلي و أهلي من طغامكم و جهالكم!فقال ابن ذي الجوشن:ذلك لك يا ابن فاطمة.

قال:و أقدم عليه بالرجالة منهم أبو الجنوب و اسمه عبد الرحمن الجعفي و القشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي و صالح بن وهب اليزني و سنان ابن أنس النخعي و خولي بن يزيد الأصبحي،فجعل شمر ابن ذي الجوشن يحرضهم فمر بأبي الجنوب و هو شاك في السلاح فقال له:أقدم عليه قال:و ما يمنعك أن تقدم عليه أنت؟و قال له شمر:ألي تقول ذا؟

قال:و أنت لي تقول ذا؟فاستبا فقال له أبو الجنوب:و كان شجاعا:و اللّه لهممت أن أخضخض السنان في عينك قال:فانصرف عنه شمر و قال:و اللّه لإن قدرت على أن أضرك لأضرنك (1).

ص: 28


1- معالم المدرستين للعسكري:134/3.

آخر قتال الحسين عليه السلام

و روى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد اللّه بن عمار بن عبد يغوث البارقي أنه عتب على عبد اللّه بن عمار مشهده قتل الحسين فقال عبد اللّه بن عمار:

إن لي عند بني هاشم ليدا قلنا له:و ما يدك عندهم؟

قال:حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه فو اللّه لو شئت لطعنته ثم انصرفت عنه غير بعيد و قلت ما أصنع بأن أتولى قتله يقتله غيري،قال:فشد عليه رجالة ممن عن يمينه و شماله،فحمل على من عن يمينه حتى ابذعروا،و على من عن شماله حتى ابذعروا،و عليه قميص له من خز و هو معتم،قال:فو اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا و لا أمضى جنانا منه و لا اجرأ مقدما،و اللّه ما رأيت قبله و لا بعده مثله إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب.

صرخة زينب

قال:فو اللّه انه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته و هي تقول:ليت السماء تطابقت على الأرض،و قد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت:يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد اللّه و أنت تنظر إليه؟!قال:فكأني أنظر إلى دموع عمر و هي تسيل على خديه و لحيته قال:و صرف بوجهه عنها.

ص: 29

مقتل سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن الزبير عن حميد بن مسلم قال:كانت عليه جبة من خز و كان معتما و كان مخضوبا بالوسمة قال:سمعته يقول قبل أن يقتل و هو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية و يفترص العورة و يشد على الخيل و هو يقول:أعلى قتلي تحاثون أما و اللّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللّه اللّه أسخط عليكم لقتله مني!و أيم اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون أما و اللّه ان لو قتلتموني لقد القى اللّه بأسكم بينكم و سفك دماءكم،ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم،قال:و لقد مكث طويلا من النهار و لو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا،و لكنهم كان يتقي بعضهم ببعض،و يحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال:فنادى شمر في الناس:و يحكم ماذا تنظرون بالرجل!اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم!

قال:فحمل عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة ضربها شريك التميمي و ضرب على عاتقه ثم انصرفوا و هو ينوء و يكبو،قال:و حمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع،ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فارعد.

فقال له سنان بن أنس:فت اللّه عضديك و أبان يديك فنزل إليه فذبحه و احتز رأسه ثم دفع إلى خولي بن يزيد و قد ضرب قبل ذلك بالسيوف.

قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي قال:وجد بالحسين عليه السّلام حين قتل ثلاث و ثلاثون طعنة و أربع و ثلاثون ضربة.

قال:و جعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين إلاّشد عليه مخافة أن يغلب

ص: 30

على رأسه حتى أخذ رأس الحسين عليه السّلام فدفعه إلى الخولي (1).

جيش الخلافة تسلب ذراري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تنهب

قال:و سلب الحسين ما كان عليه فأخذ سراويله بحر بن كعب و أخذ قيس بن الأشعث قطيفته و كانت من خز و كان يسمى بعد قيس قطيفة و أخذ نعليه رجل من بني أود يقال له:الأسود و أخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل،قال:و مال الناس على الورس و الحلل و الإبل و انتهبوها،قال:

و مال الناس على نساء الحسين و ثقله و متاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها (2).

آخر شهيد

و روى عن زهير بن عبد الرحمن الخثعمي،ان سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فأثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون:قتل الحسين فوجد إفاقة فإذا معه سكين و قد اخذ سيفه فقاتلهم بسكينه ساعة ثم إنه قتل قتله عروة بن بطار التغلبي و زيد بن رقاد الجنبي و كان آخر قتيل.

و عن حميد بن مسلم قال:انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي،الأصغر (3)و هو منبسط على فراش له و هو مريض و إذا شمر بن ذي الجوشن في رجالته يقولون لا

ص: 31


1- معالم المدرستين للعسكري:136/3.
2- معالم المدرستين للعسكري:136/3.
3- لم يكن بعلى الأصغر و كان قد ولد له محمد الباقر يومذاك بل هو على الأوسط.

نقتل هذا قال:فقلت:سبحان اللّه أنقتل الصبيان إنما هذا صبي.

قال:فما زال ذلك دأبي ادفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال:ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد!و لا يعرضن لهذا الغلام المريض،و من أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليه.

قال:فو اللّه ما رد أحد شيئا،قال:فقال علي بن الحسين:جزيت من رجل خيرا فو اللّه لقد دفع اللّه عني بمقالتك شرا.

قاتل الحسين يطلب الجائزة:قال:فقال الناس لسنان بن أنس:قتلت حسين بن علي و ابن فاطمة ابنة رسول اللّه،قتلت أعظم العرب خطرا،جاء إلى هؤلاء يريد ان يزيلهم عن ملكهم فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم و انهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا فأقبل على فرسه و كان شجاعا و كانت به لوثة فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثم نادى بأعلى صوته:

أوقر ركابي فضة و ذهبا أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد:أشهد أنك لمجنون ما صححت قط،أدخلوه علي فلما أدخل حذفه بالقضيب،ثم قال:يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام!أما و اللّه لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

نجاة عقبة بن سمعان و أسر المرقع

قال:و أخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان،و كان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية و هي أم سكينة بنت الحسين فقال له:ما أنت؟

قال:أنا عبد مملوك فخلى سبيله،فلم ينج منهم أحد غيره إلاّ ان المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله و جثا على ركبتيه فقاتل فجاءه نفر من قومه فقالوا له:أنت

ص: 32

آمن أخرج إلينا فخرج إليه فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد و أخبره سيره إلى الزارة.

توطئوا بالخيل جسد الحسين عليه السلام

قال:ثم إن عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين و يوطئه فرسه فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حياة الحضرمي و هو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد و أحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره و صدره فبلغني أن أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب و هو واقف في قتال ففلق قلبه فمات (1).

ص: 33


1- معالم المدرستين للعسكري:122/3-137.

روايات أخرى لمقتل أهل البيت عليهم السلام

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:و بعد ما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الإمام هبت أبناء الأسرة النبوية شبابا و أطفالا للتضحية و الفداء،و هم بالرغم من صغر أسنانهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت و لم تفزعهم الأهوال و تسابقوا-بشوق-إلى ميادين الجهاد،و قد ضنّ الإمام على بعضهم بالموت فلم يسمح لهم بالجهاد إلا أنهم أخذوا يتضرعون إليه،و يقبلون يديه و رجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه.

و المنظر الرهيب الذي يذيب القلوب،و يذهل كل كائن حي هو أن تلك الفتية جعل يودع بعضهم بعضا الوداع الأخير فكان كل واحد منهم يوسع أخاه و ابن عمه تقبيلا و هم غارقون بالدموع حزنا و أسى على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله حيث يرونه وحيدا غريبا قد أحاطت به جيوش الأعداء و يرون عقائل النبوة و مخدرات الوحي،و قد تعالت أصواتهن بالبكاء و العويل...و ساعد الله الإمام على تحمل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب،و تذهل الألباب،و لا يطيقها أي إنسان إلا من امتحن الله قلبه للإيمان...أما الذين استشهدوا من أبناء الرسول صلّى اللّه عليه و آله فهم:

1-علي الأكبر

اشارة

و أجمع المؤرخون أن علي بن الحسين الأكبر كان يضارع جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله،في خلقه و أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين،و أعظم بهذه الثورة التي ملكها

ص: 34

سليل هاشم فقد ملك جميع الطاقات الإنسانية و المثل الكريمة التي يسمو بها العظماء و المصلحون.

و كان البارز من معاني أخلاقه الإباء و الشمم و عزة النفس و الاندفاع الهائل في ميادين الكرامة الإنسانية،فقد آثر الموت و استهان بالحياة في سبيل كرامته،و لا يخضع لحكم الدعي ابن الدعي،و قد بعث عمر بن سعد رجلا من أصحابه فناداه:

«إن لك قرابة بأمير المؤمنين-يعني يزيد-و نريد أن نرعى هذا الرحم،فإن شئت آمناك؟».

فسخر منه علي بن الحسين و صاح به:

«لقرابة رسول الله أحق أن ترعى».

و كان من أبر أبناء الإمام و أكثرهم مواساة و حرصا عليه،و هو أول من اندفع بحماس بالغ من الهاشميين إلى الحرب،و كان عمره فيما يقول المؤرخون ثماني عشرة سنة فلما رآه الإمام أخذ يطيل النظر إليه،و قد ذابت نفسه حزنا و أشرف على الاحتضار،لأنه رأى ولده الذي لا ند له قد ساق نفسه إلى الموت،فرفع شيبته الكريمة نحو السماء و راح يقول بحرارة و ألم ممض:

«اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمد صلّى اللّه عليه و اله خلقا و خلقا و منطقا،و كنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه...اللّهم امنعهم بركات الأرض، و فرقهم تفريقا،و مزقهم تمزيقا،و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترضي الولاة عنهم أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا».

و يلمس في هذه الكلمات الحزينة مدى أساه على ولده الذي استوعب نفسه حبا له،و قد دعا الله-بحرارة-أن ينزل على تلك العصابة المجرمة عذابه الأليم في هذه الدنيا و تقطع قلب الإمام حزنا على ولده فصاح بالمجرم الأثيم عمر بن سعد.

«ما لك قطع الله رحمك،و لا بارك لك في أمرك،و سلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك،كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله ثم تلا قوله

ص: 35

تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

و شيع الإمام ولده بدموع مشفوعة بالحزن و الزفرات،و خلفه نساء أهل البيت و قد علا منهن الصراخ و العويل على شبيه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله الذي ستتناهب شلوه السيوف و الرماح.

و انطلق الفتى إلى حومة الحرب مزهوا لم يختلج في قلبه خوف و لا رعب،و هو يحمل هيبة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و شجاعة أمير المؤمنين و بأس حمزة و إباء الحسين، و توسط حراب الأعداء و سيوفهم و هو يرتجز بعزة و تصميم محاميا عن دين الله:

أنا علي بن الحسين بن علي نحن و رب البيت أولى بالنبي

تا الله لا يحكم فينا ابن الدعي

أجل و الله يا فخر هاشم أنت و أبوك أولى بالنبي و أحق بمقامه،فأنتم أقرب الناس إليه و ألصقهم به،و لكن الأطماع السياسية التي تغلبت على القوم هي التي دفعتكم عن مقامكم،و سلطت عليكم هذه الطغمة الجائرة فعمدت إلى تقطيع أوصالكم و استئصال شأفتكم ليخلو لها الجو في التآمر على المسلمين بغير الحق.

و أعلن علي بن الحسين في رجزه عن روعة بأسه و شدة ابائه،و انه يؤثر الموت على الخنوع للدعي ابن الدعي..و التحم مع أعداء الله و قد ملأ قلوبهم رعبا و فزعا و أبدى من البسالة ما يقصر عنه الوصف،فقد ذكّرهم ببطولات جده أمير المؤمنين، و قد قتل فيما يقول بعض المؤرخين مائة و عشرين فارسا سوى المجروحين و ألح عليه العطش فقفل راجعا إلى أبيه يشكو إليه ظمأه القاتل و يودعه الوداع الأخير، و استقبله أبوه بحرارة فبادره علي قائلا:

«يا أبة العطش قد قتلني،و ثقل الحديد قد أجهدني،فهل إلى شربة ماء من سبيل4.

ص: 36


1- البقرة:33-34.

أتقوى بها على الأعداء؟».

و التاع الإمام كأشد ما تكون اللوعة ألما و محنة،فقال له بصوت خافت و عيناه تفيضان دموعا:

«و اغوثاه ما أسرع الملتقى بجدك،فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا».

و أخذ لسانه فمصه ليريه ظمأه فكان كشقة مبرد من شدة العطش و دفع إليه خاتمه ليضعه في فيه.

لقد كان هذا المنظر الرهيب من أفجع ما رزي به الإمام الحسين لقد رأى فلذة كبده و هو في غضارة العمر و ريعان الشباب،و قد استوعبت الجراحات جسمه الشريف و قد أشرف على الهلاك من شدة العطش و هو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي ظمأه،يقول الحجة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته:

يشكو لخير أب ظمأه و ما اشتكى ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي

كل حشاشته كصالية الغضا و لسانه ظمأ كشقة مبرد

فانصاع يؤثره عليه بريقه لو كان ثمة ريقه لم يجمد

و قفل علي بن الحسين راجعا إلى حومة الحرب و قد فتكت الجروح بجسمه و فتت العطش كبده،و هو لم يحفل بما هو فيه،و إنما استوعبت فكره وحدة أبيه و تضافر أعداء الله على قتله،و جعل يرتجز:

الحرب قد بانت لها حقائق و ظهرت من بعدها مصادق

و الله رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق

لقد أعرب فخر هاشم بهذا الرجز بأن الحقائق قد ظهرت في هذه الحرب،و تجلت للجميع الأهداف النبيلة التي ينشدها أهل البيت،و انهم سيبقون يناضلون عنها حتى تغمد البوارق.

و جعل علي الأكبر يقاتل أشد القتال و أعنفه حتى قتل تمام المئتين و قد ضج العسكر فيما يقول المؤرخون من شدة الخسائر التي مني بها،فقال الوضر الخبيث

ص: 37

مرة بن منقذ العبدي علي آثام العرب إن لم أثكل أباه و أسرع الخبيث إلى شبيه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فطعنه بالرمح في ظهره و ضربه ضربة غادرة بالسيف على رأسه ففلق هامته،و اعتنق علي فرسه يظن أنه يرجعه إلى أبيه ليتزود بالنظر إليه،إلا أن الفرس حمله إلى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كل جانب و لم يكتفوا بقتله و إنما راحوا يقطعونه بسيوفهم إربا إربا تشفيا منه لما ألحقه بهم من الخسائر الفادحة، و نادى علي رافعا صوته:

«عليك مني السلام أبا عبد الله،هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها،و هو يقول:إن لك كأسا مذخورة».

و حمل الأثير هذه الكلمات إلى أبيه الثاكل الحزين فقطعت قلبه و مزقت أحشاءه ففزع إليه و هو خائر القوى منهد الركن فانكب عليه،و وضع خده على خده،و هو جثة هامدة قد قطعت شلوه السيوف في وحشية قاسية،فأخذ يذرف أحر دموعه و هو يقول بصوت خافت قد لفظ شظايا قلبه فيه:

«قتل الله قوما قتلوك،يا بني ما أجرأهم على الله،و على انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا».

و هرعت إليه الفتية من عمومته و أبناء عمومته فألقوا بنفوسهم عليه و هو يوسعونه تقبيلا و يلثمون جراحاته،و يقسمون على أن يمضوا على ما مضى عليه، و أمرهم الإمام أن يحملوه إلى المخيم.

و هرعت الطاهرة البتول حفيدة النبي صلّى اللّه عليه و اله زينب عليه السّلام فانكبت على جثمان ابن أخيها تضمخه بدموعها،و تندبه بأشجى ما تكون الندبة،و قد انهارت أمام ابن أخيها الذي كان قبل ساعة يملأ العين اهابه،و أثر منظرها الحزين في نفس الإمام فجعل يعزيها بمصابها الأليم،و هو يردد:«على الدنيا بعدك العفا».

لقد كان علي بن الحسين الرائد و الزعيم لكل أبي شريف مات عصيا على الضيم في دنيا الإباء و الشرف.

ص: 38

و داعا يا بطل الإسلام.

و داعا يا فخر هاشم.

و داعا يا فجر كل ليل.

و نحن نودعك بالأسى و الحزن و نردد مع أبيك كلماته الحزينة«على الدنيا بعدك العفا» (1).3.

ص: 39


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:165/3.

فضيلة مقتل علي الأكبر عليه السلام

قال السيد الخامنئي:يصوّر كتاب اللهوف مشهدا آخر من مشاهد تلك الواقعة و هو بروز علي الأكبر للقتال،و كان مشهدا مثيرا حقّا من جميع أبعاده و جوانبه.

فهو مثير من جهة الإمام الحسين عليه السّلام،و مثير من جهة هذا الشاب-علي الأكبر- و مثبر من جهة النساء و خاصة عمّته زينب الكبرى عليها السّلام.

و ذكروا أن عليّا الأكبر كان بين الثامنة عشر إلى الخامسة و العشرين سنة من عمره،أي أنه كان في الثامنة عشر من عمره على أقل التقادير أو ما بينها و بين الخامسة و العشرين أو في الخامسة و العشرين على أعلى التقادير.

قال الراوي:«..خرج علي بن الحسين،و كان أصبح الناس وجها و أحسنهم خلقا، فاستأذن أباه في القتال،فأذن له» (1).

لما جاءه القاسم بن الحسن و استأذنه،لم يأذن له في بداية الأمر،و بعد أن ألحّ الغلام أذن له.أما بالنسبة لعلي بن الحسين عليه السّلام،فبما أنه ابنه،فما إنّ استأذن حتى أذن له.«ثم نظر إليه نظرة آيس منه و أرخى عليه السّلام عينيه و بكى».

هذه هي إحدى الخصائص العاطفية التي يتميز بها المسلمون،و هي البكاء عند المواقف و الأحداث المثيرة للعواطف.فأنتم تلاحظون أنه عليه السّلام بكى في مواقف متعددة،و ليس بكاؤه عن جزع و لكنه لشدّة العاطفة.و الإسلام ينمّي هذه العاطفة لدى الفرد المسلم.

ص: 40


1- المجالس الفاخرة:239.

ثم قال:«اللّهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك».

أريد أن أبيّن لكم هنا مسألة و هي أن فترة الطفولة التي عاشها الحسين إلى جنب جدّه،كان النبي يحبه كثيرا،و كان هو بدوره أيضا شديد الحب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و كان تقريبا في السادسة أو السابعة من عمره عند وفاة الرسول و بقيت صورته عالقة في ذهنه،و حب الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله متجذّر في أعماق قلبه..ثم رزقه اللّه في ما بعد ولدا،هو علي الأكبر..مضت الأيام و شبّ هذا الفتى و إذا به يشبه في خلقته رسول اللّه تمام الشبه،فترسّخ حبّه في قلب الحسين كحبّه للنبي،فكان هذا الفتى يشبه النبي في شكله و شمائله و في صوته و كلامه و في أخلاقه،و يحمل نفس ذلك الكرم و شرف المحتد.

ثم قال عليه السّلام:«و كنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه» (1).ثم صاح الحسين عليه السّلام:«يا ابن سعد قطع اللّه رحمك كما قطعت رحمي».

فتقدم علي الأكبر نحو القوم فقاتل قتالا شديدا و قتل جمعا كثيرا،ثم رجع إلى أبيه و قال:«يا أبة العطش قد قتلني و ثقل الحديد قد أجهدني،فهل إلى شربة ماء من سبيل»؟

فقال له الإمام الحسين عليه السّلام:«قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدّك محمّدا صلّى اللّه عليه و اله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها».

فرجع إلى موقف النزال و قاتل أعظم القتال،و بعد أن ضرب نادى:«يا أبتاه عليك السلام،هذا جدي يقرؤك السلام و يقول لك عجل القدوم علينا».

هذه مشاهد مروّعة من تلك الواقعة الخالدة.

و جرت في مثل هذا اليوم-الحادي عشر من محرم-الذي يعتبر يوم زينب1.

ص: 41


1- اللهوف لإبن طاووس:67،و أبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام:51.

الكبرى(سلام اللّه عليها)مصائب مفجعة؛فهي قد أخذت على عاتقها منذ لحظة استشهاد الحسين ثقل الأمانة.و قطعت ذلك الشوط بكل شجاعة و اقتدار و كما هو خليق ببنت أمير المؤمنين عليه السّلام؛و هم الذين استطاعوا تخليد الإسلام و صيانة معالم الدين.و لم تكن واقعة الطفوف هذه استنقاذا لحياة شعب أو حياة أمّة فحسب،و انّما كانت استنقاذا لتأريخ بأكمله.

فالإمام الحسين عليه السّلام،و أخته زينب عليها السّلام،و أصحابه و أهل بيته عليهم السّلام أنقذوا التأريخ بموقفهم البطولي ذاك.

السلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين و على الأرواح التي حلّت بفنائك..عليك مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتك..

السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين (1).3.

ص: 42


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:273.

مصرع آل عقيل

اشارة

قال السيد القرشي:و اندفعت الفتية الطيبة من آل عقيل إلى الجهاد و هي مستهينة بالموت و قد نظر الإمام عليه السّلام إلى بسالتهم و اندفاعهم إلى نصرته فكان يقول:

«اللّهم اقتل قاتل آل عقيل...صبرا آل عقيل إن موعدكم الجنة».

و كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام يميل أشد الميل لآل عقيل و يقدمهم على غيرهم من آل جعفر،فقيل له في ذلك فقال:إني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله فأرق لهم.

و قد استشهد منهم تسعة في المعركة دفاعا عن ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و فيهم يقول الشاعر:

عين جودي بعبرة و عويل و اندبي ان ندبت آل الرسول

سبعة كلهم لصلب علي قد أصيبوا و تسعة لعقيل

و قد علوا بإرادتهم و عزمهم الجبار على ذلك الجيش«و أنزلوا به أفدح الخسائر» و من بينهم:

عبد الله بن مسلم

و انبرى فتى هاشم عبد الله بن مسلم إلى ساحة الجهاد فخاض غمرات الحرب و أهوالها في شوق إلى الشهادة،و قد بهر الأبصار بجماله و بسالته و هو يرتجز:

ص: 43

اليوم ألقى مسلما و هو أبي و فتية ماتوا على دين النبي

ليسوا كقوم عرفوا بالكذب لكن خيار و كرام النسب

ان هاشم السادات أهل الحسب

لقد عرف نفسه بأنه نجل الشهيد الخالد مسلم بن عقيل،و انه سيلقى أباه في يومه و يلتقي بالفتية من أبناء عمومته الذين استشهدوا في سبيل الإسلام و ماتوا على دين النبي صلّى اللّه عليه و اله و انهم ليسوا كأهل الكوفة الذين عرفوا بالغدر و الخيانة و الكذب، و انما ينميهم هاشم سيد العرب،و بهم تلتقي كل فضيلة و شرف في الإسلام.

و قاتل الفتى قتالا عنيفا فقتل جماعة في ثلاث حملات،و سدد له الوضر الأثيم يزيد بن الرقاد سهما غادرا فاتقاه الفتى بيده فسمرها إلى جبهته،فما استطاع أن يزيل السهم و قد أخذ منه الألم القاسي مأخذا عظيما فراح يدعو على السفكة المجرمين قائلا:

«اللّهم انهم استقلونا و استذلونا فاقتلهم كما قتلونا».

و شد عليه و غد فطعنه بالرمح في قلبه،فتوفي الفتى شهيدا مدافعا عن أقدس الحرمات في الإسلام.

جعفر بن عقيل

و برز إلى ساحات الجهاد جعفر بن عقيل فتوسط في ميدان الحراب و هو يرتجز:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم و غالب

و نحن حقا سادة الذوائب هذا حسين سيد الأطائب

لقد عرفهم نفسه بأنه من الأسرة النبوية التي هي أشرف الأسر العربية و أعلاها مجدا،و انه إنما يدافع عن سيده الحسين الذي هو سيد الأطائب و فخر هذه الدنيا.

ص: 44

و قاتل الفتى قتالا عنيفا،فرماه عروة بن عبد الله الخثعمي فقتله (1).

و قال في البحار:و خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يقول،شعرا:

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ من معشر في هاشم و غالب

فقتل خمسة عشر فارسا ثمّ قتله بشر بن لوط الهمداني (2).

عبد الرحمن بن عقيل

قال القرشي:و انطلق عبد الرحمن بن عقيل إلى حومة الحرب و أخذ يصول و يجول و هو يرتجز:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني

كهول صدق سادة القران هذا حسين شامخ البنيان

لقد أدلى بنسبه الوضاح فهو نجل عقيل ابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و انه من السادة الأماجد الذين هم من أروع أمثلة الوفاء و النبل و الشرف في الأرض،كما أشاد بالإمام الحسين بأنه شامخ البنيان بمثله و مواهبه و قرابته من النبي صلّى اللّه عليه و اله...و قاتل قتال الأبطال فشد عليه عثمان بن خالد الجهني و بشير بن حوص القايض فقتلاه (3).

محمد بن عقيل

و كان محمد بن عقيل من الفقهاء،و قد برز مدافعا عن ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله

ص: 45


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:171/3.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:44/45.
3- قال في البحار:فقتل سبعة عشر فارسا ثمّ قتله عثمان الجهني.

و استشهد بين يديه.

عبد الله الأكبر

و برز عبد الله الأكبر فقاتل،و شد عليه عثمان بن خالد بن أسير الجهني و رجل من همدان فقتلاه.

محمد بن أبي سعيد بن عقيل

و كان محمد بن أبي سعيد بن عقيل متكلما سريع الجواب،و قد برز إلى حومة الحرب و استشهد بين يدي الإمام.

محمد بن مسلم

و برز محمد بن مسلم إلى الحرب فشد عليه أبو مرهم الأزدي و لقيط بن إياس الجهني فقتلاه.

علي بن عقيل

و برز علي بن عقيل فقاتل قتالا شديدا،و استشهد بين يدي أبي عبد الله عليه السّلام.

لقد أبدى شباب آل عقيل من البطولة و البسالة ما لا يوصف،و تنافسوا على الشهادة بين يدي الحسين،و فدوه بأرواحهم.

ص: 46

أبناء الإمام الحسن عليه السلام

اشارة

و تقدمت الفتية من أبناء الإمام الحسن و هم في غضارة العمر و ريعان الشباب فجعلوا يتسابقون إلى الموت ليفدون عمهم بأرواحهم،و هم:

عبد الله بن الحسن

و يكنى أبا بكر،و أمه أم ولد يقال لها رملة،و قد برز إلى الحرب فتناهبت جسمه السيوف و الرماح و خرّ صريعا إلى الأرض يتخبط بدمه الزاكي.

القاسم بن الحسن

اشارة

و في طليعة أبناء الإمام الحسن القاسم،و كان فيما وصفه المؤرخون كالقمر في بهائه و جماله،و كرونق الزهور في زهوه و نضارته،و قد أنعم الله عليه و هو في سنه المبكر بإشراق العقل و فطنة النفس و عزة الإيمان،و قد غذاه عمه بمواهبه، و أفرغ عليه أشعة من روحه حتى صار مثلا للكمال و قدوة للإيمان.

و كان القاسم يرنو إلى عمه و يتطلع إلى محنته،و يود أن يرد عنه عوادي الأعداء بدمه،و كان يقول:

«لا يقتل عمي و أنا أحمل السيف».

و لما رأى وحدة عمه أحاطت به الآلام الهائلة،و اندفع يطلب منه الإذن ليجاهد

ص: 47

بين يديه فاعتنقه الإمام و عيناه تفيضان دموعا،و أذن له بالجهاد بعد إلحاحه، و انطلق الفتى ببطولة رائعة و هو لا يعرف الخوف و يهزأ من الحياة،و لم يضف على جسده لامة حرب،و إنما صحب معه سيفه،و التحم مع الأعداء يضرب الأعناق، و يحصد الرؤوس كأن المنايا كانت طوع أمره يقذف بها من يشاء،و بينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله،فأنف سليل النبوة أن تكون إحدى رجليه بلا نعل فوقف يشده متحديا تلك الوحوش الكاسرة و غير حافل بها،و اغتنم هذه الفرصة الوغد الخبيث عمرو بن سعد الأزدي،فقال:و الله لأشدن عليه،«فأنكر عليه ذلك حميد بن مسلم و راح يقول له:

«سبحان الله!!و ما تريد بذلك؟يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم».

فلم يعن به،و شد عليه فضربه بالسيف على رأسه الشريف،و هوى إلى الأرض صريعا كما تهوي النجوم،و نادى رافعا صوته:

«يا عماه..».

و تقطع قلب الإمام،و هرع نحو ابن أخيه،فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف فاتقاها بساعده فقطعها من المرفق،و طرحه أرضا،فحملت خيل أهل الكوفة لاستنقاذه إلا أنه هلك الأثيم تحت حوافرها و انعطف الإمام نحو ابن أخيه فجعل يقبله و الفتى يفحص بيديه و رجليه،و جعل الإمام يخاطبه بذوب روحه قائلا:

«بعدا لقوم قتلوك،و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك..عزّ و الله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك،أو يجيبك فلا ينفعك صوت و الله هذا يوم كثر واتره،و قل ناصره».

و حمل الفتى بين ذراعيه و هو يفحص برجليه كالطير المذبوح و جاء به فألقاه بجوار ولده علي الأكبر و سائر القتلى من أهل البيت،و أخذ يطيل النظر إلى تلك الكواكب المشرقة من أهل بيته،فجعل يدعو على السفكة المجرمين من أعدائه، و يدعو البقية الباقية من أهل بيته بالخلود إلى الصبر قائلا:

ص: 48

«اللّهم احصهم عددا،و لا تغادر منهم أحدا،و لا تغفر لهم أبدا،صبرا يا بني عمومتي،صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا..».

لك الله يا أبا عبد الله على هذه الرزايا و الكوارث التي تميد من هولها الجبال، و تعصف بحلم أي إنسان كان (1).

و قال في البحار:ثمّ برز القاسم بن الحسن و برز من بعده عليّ بن الحسين و امّه ليلى الثقفية و هو ابن ثماني عشرة سنة و يقال ابن خمس و عشرين سنة و قال الحسين:اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه،اللّهم امنعهم بركات الأرض.

و روي أنّه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا ثمّ رجع إلى أبيه يشكو العطش فدفع إليه خاتمه يمصّه و قال:أمسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا،فرجع إلى القتال حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه ملعون على مفرق رأسه و ضربه الناس بأسيافهم،فلمّا بلغت الروح التراقي نادى:يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى و هو يقول:العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة فصاح الحسين:لعن اللّه قوما قتلوك على الدّنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم:فكأنّي أنظر إلى امرأة كأنّها الشمس خرجت مسرعة تنادي يا نور عيناه،فقيل هي زينب بنت علي فجاءت و انكبّت عليه فردّها الحسين عليه السّلام إلى الفسطاط و حملوه إلى قتلاهم.

قال أبو الفرج:عليّ بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له و يكنّى أبا الحسن و امّه ليلى بنت أبي مرّة و هو أوّل من قتل في الوقعة (2).8.

ص: 49


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:173/3.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:45/45،و العوالم،الإمام الحسين:288.

ثمّ قالوا:و خرج من تلك الأبنية غلام و في اذنيه درّتان و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه تذبذبان فحمل عليه هاني بن بعيث لعنه اللّه فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة (1).

فضيلة مقتل القاسم بن الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:من جملة المشاهد التي يصورها في كتابه هذا هو بروز القاسم بن الحسن إلى الميدان،و كان فتى لم يبلغ الحلم.ليلة عاشوراء أعلم الحسين أصحابه بأن المعركة ستقع و أنهم سيقتلون جميعا،فأحلهم و أذن لهم بالإنصراف، فأبوا إلاّ أن يكونوا إلى جنبه.و في تلك الليلة سأل هذا الفتى عمّه الإمام الحسين عليه السّلام، هل سيقتل هو أيضا في ساحة المعركة؟فأراد الإمام الحسين عليه السّلام اختباره-على حد تعبيرنا-فقال له:كيف ترى الموت؟

قال:أحلى من العسل.

لا حظوا،هذا مؤشر على طبيعة القيم التي كان يحملها أهل بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و من تربى في حجور أهل البيت.فقد ترعرع هذا الفتى منذ نعومة أظفاره في حجر الإمام الحسين عليه السّلام.

فكان عمره حين شهادة أبيه ثلاث أو أربع سنوات.فتكفل الإمام الحسين بتربيته.و في يوم عاشوراء وقف هذا الفتى إلى جانب عمّه.

و جاء في هذا المقتل ذكر هذه الواقعة على النحو التالي:«قال الراوي:...و خرج غلام كأن وجهه شقّة القمر و جعل يقاتل» (2).

ص: 50


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:172/3.
2- المجالس الفاخرة:240.

لقد دوّن الرواة كل أحداث و وقائع عاشوراء بتفاصيلها؛فذكروا اسم الضارب و المضروب و من ضرب أولا،و اسم أول من رمى،و من سلب،و من سرق.

فالشخص الذي سرق قطيفة أبي عبد اللّه عليه السّلام ذكروا اسمه،و كان يطلق عليه في ما بعد لقب:«سارق القطيفة».و من الواضح أن أهل البيت عليهم السّلام و محبيهم لم يتركوا هذه الحادثة تضيع في مجاهل التاريخ.

«فضربه ابن فضيل الأزدي على رأسه ففلقه،فوقع الغلام لوجهه و صاح:يا عمّاه.

فجلى الحسين عليه السّلام كما يجلي السقر،و شدّ شدّة ليث أغضب،فضرب ابن فضيل بالسيف فاتقاها بساعده فأطنّها من لدن المرفق،فصاح صيحة سمعه أهل العسكر، فحمل أهل الكوفة لينقذوه،فوطأته الخيل حتى هلك».

دارت معركة عند مصرع القاسم..هزمهم الحسين عليه السّلام بعد أن قاتلهم.

قال الراوي:«...و انجلت الغبرة،فرأيت الحسين عليه السّلام قائما على رأس الغلام و هو يفحص برجله،و الحسين يقول:بعدا لقوم قتلوك» (1).

ياله من مشهد مؤثر يعكس رقّة الحسين عليه السّلام و حبّه لهذا الفتى،من جهة، و صلابته إذ أذن له في القتال و التضحية من جهة أخرى.

كما و يدلّ أيضا على ما لهذا الفتى من عظمة روحية،و ما يتصف به الأعداء من قسوة تجعلهم يتصرفون مع هذا الفتى بمثل هذا السلوك (2).

الحسن ابن الإمام الحسن

و قال السيد القرشي:و قاتل الحسن ابن الإمام الحسن قتال الأبطال حتى هوى

ص: 51


1- مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفاني:58.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:271.

إلى الأرض جريحا،و لما عمد أنذال أهل الكوفة إلى حز رؤوس الشهداء و جدوا به رمقا فاستشفع به أسماء بن خارجة الفزاري و كان من أخواله فشفعوه فيه فحمله معه إلى الكوفة و عالجه حتى برى من جرحه،ثم لحق في يثرب.

عبد الله بن الحسن

كان غلاما له من العمر إحدى عشرة سنة،و قد رأى عمه قد أحاطت به الأعداء فهرول إليه فعمدت إليه عمته زينب لتمنعه فامتنع عليها،و جاء يركض إلى عمه فأهوى أبحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح به الطفل في براءة الأطفال:

«يابن الخبيثة أتقتل عمي؟!!».

و عمد ابن الخبيثة إلى الطفل فعلاه بالسيف فتلقاه بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة فصاح الطفل مستغيثا بعمه قائلا:يا عماه،و وقع في حجر عمه فاعتنقه و جعل يواسيه،و يصبره على ما نزل به قائلا:

«يابن أخي اصبر على ما نزل بك،و احتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين».

و أخذ الإمام يدعو على السفكة المجرمين:

«اللّهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم تفريقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا».

و بينما هو في حجر عمه إذ سدد له الباغي اللئيم حرملة بن كاهل سهما غادرا فذبحه و حمله الإمام فوضعه بين القتلى من أهل بيته،لقد تجرد أولئك الممسوخون من كل نزعة إنسانية فاستباحوا قتل الأطفال الأبرياء الذي كان محرما حتى في العرف الجاهلي.

و قال في البحار:ثمّ برز عبد اللّه بن الحسن و هو يقول شعرا:

ص: 52

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة ضرغام آجام و ليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

فقتل أربعة عشر رجلا ثمّ قتله حرملة بن كاهل الأسدي.

أبناء عبد الله بن جعفر

اشارة

قال السيد القرشي:و تسابقت الفتية من أبناء عبد الله بن جعفر إلى الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و هم:

1-عون بن عبد الله

و أمه العقيلة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين،و قد برز إلى ساحة الجهاد فجعل يقاتل قتال الأبطال و هو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفا من معشر

و قد عرف نفسه بأنه ابن جعفر الشهيد الخالد في الإسلام الذي قطعت يداه في سبيل الدعوة الإسلامية،فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الفردوس الأعلى حسبما يقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و يكفي عونا شرفا و مجدا انه حفيد هذا الرجل العظيم.

و جعل يقاتل فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله،و قد رثاه سليمان بن قتة بقوله:

و اندبي إن بكيت عونا أخاه ليس فيما ينوبهم بخذول

فلعمري لقد أصبت ذوي القر بى فبكى على المصاب الطويل

ص: 53

2-محمد بن عبد الله

و برز إلى حومة الحرب محمد بن عبد الله بن جعفر،و امه الخوصا من بني بكر ابن وائل و جعل يقاتل و هو يرتجز:

نشكو إلى الله من العدوان قتال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان

و أظهروا الكفر مع الطغيان

لقد شكا إلى الله بهذا الرجز ما يعانيه أهل البيت عليهم السّلام من الظلم و الاعتداء من تلك العصابة الباغية التي عميت عن الحق و تردت في الضلال و بدلت أحكام القرآن، و أظهرت الكفر و الطغيان.

و قاتل الفتى أعنف القتال فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فضربه بالسيف فهوى جسمه الخضيب على رمضاء كربلاء،و لم يلبث أن لفظ أنفاسه الأخيرة و قد رثاه سليمان بن قتة بقوله:

و سمي النبي غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول

فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كل مسيل (1)

و قال في البحار:و خرج من بعده محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار فقتل منهم عشرة ثمّ قتله عامر التميمي و خرج من بعده أخوه عون و قتل ثمانية عشر رجلا و ثلاثة فوارس و قتله ابن بطّة ثمّ خرج القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فاستأذن الحسين عليه السّلام فأبى أن يأذن له فلم يزل يقبّل يديه و رجليه حتّى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خدّيه و هو يقول شعرا:

ص: 54


1- حياة الحسين للقرشي:176/3.

إن تنكروني فأنا ابن الحسن سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن

فقتل منهم خمسة و ثلاثين رجلا فضربه عمر الأزدي بالسيف على رأسه فوقع الغلام لوجهه و نادى يا عمّاه فجاءه الحسين عليه السّلام كالصقر المنقضّ فقتل قاتله و حملت خيل أهل الكوفة فجرحنه بحوافرها حتّى مات الغلام فانجلت الغبرة فإذا الحسين واقف على رأس الغلام و هو يفحص برجله فقال الحسين عليه السّلام:يعزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك بعدا لقوم قتلوك،ثمّ احتمله حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

3-عبيد الله بن جعفر

قال السيد القرشي:و عبيد الله أمه الخوصا بنت حفصة،و قد برز إلى الجهاد فقتل.

ص: 55

شهادة أخوة الحسين عليه السلام

اشارة

و بعد ما استشهدت الصفوة الطيبة من أهل البيت عليهم السّلام و لم يبق مع الإمام الحسين عليه السّلام سوى أخوته من أبيه هبوا للجهاد،و وطنوا نفوسهم على الموت ليفدوا ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بنفوسهم و مهجهم.

العباس مع اخوته

اشارة

و لما رأى بطل هاشم و فخر عدنان العباس ابن الإمام أمير المؤمنين كثرة القتلى من أهل بيته التفت إلى اخوته من أبيه و أمه فقال لهم:

«تقدموا يا بني أمي حتى أراكم نصحتم لله و لرسوله فإنه لا ولد لكم..».

و كشفت هذه الكلمات عن مدى إيمانه العميق،فهو يطلب من أخوته أن يكونوا قرابين لله،و يراهم في جهادهم قد نصحوا لله و رسوله و لم يلحظ في جهادهم أي اعتبار آخر من النسب و غيره...و التفت أبو الفضل إلى أخيه عبد الله،و كان أكبر اخوانه سنا فقال له:

«تقدم يا أخي حتى أراك قتيلا و احتسبك».

و استجابت الفتية إلى نداء الحق،فتقدموا إلى الجهاد بعزم و إخلاص.

قول رخيص

و ان من أرخص الأقوال و أهزلها ما ذكره ابن الأثير أن العباس عليه السّلام قال لأخوته:

ص: 56

«تقدموا حتى ارثكم فإنه لا ولد لكم»لقد قالوا بذلك ليقللوا من أهمية هذا العملاق العظيم الذي هو في طليعة رجال الإسلام بذلا و تضحية في سبيل الله،و هل من الممكن أن يفكر العباس عليه السّلام في الناحية المادية في تلك الساعة الرهيبة التي كان الموت المحتم منه كقاب قوسين أو أدنى،مضافا إلى المحن الشاقة التي أحاطت به، فهو يرى الكواكب من أبناء أخوته و عمومته صرعى على الأرض،و يسمع ضجيج حرائر النبوة و كرائم الوحي،و يسمع صراخ الأطفال و هم ينادون العطش العطش، و يرى أخاه قد أحيط به و هو يستغيث فلا يغاث،فقد استوعبت هذه الرزايا التي تذهل الألباب جميع مشاعره و عواطفه و لم يكن يفكر إلا بسرعة الرحيل عن هذه الدنيا،و مضافا لذلك كله فإن أم البنين أم العباس كانت حية فهي التي تحوز ميراث أبنائها لأنها من الطبقة الأولى،و لعل الوارد حتى أثأركم أي أطلب بثأركم فحرف ذلك.

مصرع عبد الله ابن أمير المؤمنين

و برز عبد الله ابن أمير المؤمنين و أمه أم البنين إلى ساحة الجهاد و التحم مع الأعداء و هو يرتجز:

شيخي علي ذو الفخار الأطول من هاشم الخير الكريم المفضل

هذا حسين ابن النبي المرسل عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل يا رب فامنحني ثواب المنزل

لقد اعتز بهذا الرجز بأبيه الإمام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله و وصيه كما اعتز بأخيه الإمام الحسين ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و انه إنما ينافح عنه لا بدافع الأخوة و الرحم،و إنما يبغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة.

و لم يزل الفتى يقاتل أعنف القتال حتى شد عليه الباغي الأثيم هانىء بن ثبيت

ص: 57

الحضرمي فقتله.

مصرع جعفر

و برز جعفر ابن أمير المؤمنين عليه السّلام و أمه أم البنين و كان له من العمر تسع عشرة سنة،فجعل يقاتل قتال الأبطال فشد عليه هانىء بن ثبيت فقتله.

مصرع عثمان

و برز عثمان ابن أمير المؤمنين و امه أم البنين و هو ابن إحدى و عشرين سنة فرماه خولي بسهم فأضعفه،و شدّ عليه رجل من بني دارم فقتله و أخذ رأسه ليتقرب به إلى سيده ابن مرجانة.

مصرع العباس

و ليس في تأريخ الإنسانية قديما و لا حديثا أخوة أصدق و لا أنبل و لا أوفى من أخوة أبي الفضل لأخيه الإمام الحسين فقد حفلت بجميع القيم الإنسانية و المثل الكريمة.

و كان البارز من مثل تلك الأخوة النادرة الإيثار و المواساة و الفداء فقد آثر أبو الفضل أخاه و فداه بروحه،و واساه في أقسى المحن و الخطوب و قد أشاد الإمام زين العابدين عليه السّلام بهذه المواساة النادرة من عمه يقول عليه السّلام:

«رحم الله عمي العباس فلقد آثر و أبلى و فدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله تعالى بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن

ص: 58

أبي طالب..و إن للعباس عند الله تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة».

و قد أثارت هذه الأخوة الصادقة الإكبار و الإعجاب عند جميع الناس،و صارت مضرب المثل في جميع الأحقاب و الآباد،و قد اعتز بها حفيده الفضل بن محمد يقول:

أحق الناس أن يبكى عليه فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه و ابن والده علي أبو الفضل المضرج بالدماء

و من واساه لا يثنيه شيء و جاد له على عطش بماء

و يقول الكميت:

و أبو الفضل إن ذكرهم الحلو شفاء النفوس من أسقام

قتل الأدعياء إذ قتلوه أكرم الشاربين صوب الغمام

لقد كان أبو الفضل يملك طاقات هائلة من التقوى و الدين،و كانت أسارير النور بادية على وجهه الكريم حتى لقب بقمر بني هاشم،كما كان من الأبطال البارزين في الإسلام،و كان إذا ركب الفرس المطهم تخطان رجلاه في الأرض و قد ورث صفات أبيه من الشجاعة و النضال.

و أسند إليه الإمام عليه السّلام يوم الطف قيادة جيشه و دفع إليه رايته فرفعها عالية خفاقة،و قد قاتل أعنف القتال و أشده،و لما رأى وحدة أخيه و قتل أصحابه و أهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب منه الرخصة ليلاقي مصيره المشرق،فلم يسمح له الإمام و قال له بصوت خافت حزين النبرات:

«أنت صاحب لوائي».

لقد كان الإمام يشعر بالقوة و المنعة ما دام أبو الفضل حيا،فهو كجيش إلى جانبه يحميه و يذب عنه،و ألح عليه أبو الفضل قائلا:

«لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين،و أريد أن آخذ ثأري منهم».

لقد ضاق صدره و سئم من الحياة حينما رأى الكواكب المشرقة من أخوته

ص: 59

و أبناء أخوته و عمومته صرعى مجزرين على رمال كربلاء فتحرق شوقا للالتحاق بهم و الأخذ بثأرهم،و طلب منه الإمام أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فاندفع الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين فجعل يعظهم و يحذرهم غضب الله و نقمته،و خاطب ابن سعد قائلا:

«يابن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قد قتلتم أصحابه و أهل بيته، و هؤلاء عياله و أولاده عطاشى فاسقوهم من الماء،قد أحرق الظمأ قلوبهم،و هو مع ذلك يقول:دعوني أذهب إلى الروم أو الهند و أخلي لكم الحجاز و العراق».

و زلزلت الأرض تحت أقدامهم و ودوا أن تخيس بهم،و بكى بعضهم و ساد عليهم صمت رهيب فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فرد عليه قائلا:

«يابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء و هو تحت أيدينا لما سقيناهم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد».

و قفل أبو الفضل راجعا إلى أخيه فأخبره بعتو القوم و طغيانهم،و سمع الأبي الشهم صراخ الأطفال و هم يستغيثون و ينادون:

العطش العطش.الماء الماء.

فرآهم أبو الفضل العباس-و يا لهول ما رأى-قد ذبلت شفاههم و تغيرت ألوانهم و أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ،فالتاع كأشد ما يكون الالتياع،و سرى الألم العاصف في محياه،و اندفع ببسالة لإغاثتهم فركب جواده و أخذ معه القربة، فاقتحم الفرات و قد استطاع بقوة بأسه أن يفك الحصار الذي فرض على الماء و قد انهزم الجيش من بين يديه،فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر و محطم فلول الشرك،و قد انتهى إلى الماء و كان قلبه الشريف قد تفتت من العطش،و اغترف من الماء غرفة ليشرب منه إلا أنه تذكر عطش أخيه و من معه من النساء و الأطفال فرمى الماء من يده و امتنع أن يروي غليله و هو يقول:

ص: 60

يا نفس من بعد الحسين هوني و بعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون و تشربين بارد المعين

تا الله ما هذا فعال ديني

إن الإنسانية بكل إجلال و إكبار لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألقت في دنيا الفضيلة و الإسلام،و هي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الإنسانية و المثل العليا.

لقد كان هذا الإيثار الذي تجاوز حدود الزمان و المكان من أبرز الذاتيات في خلق أبي الفضل،فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء و الحنان لأخيه أن يشرب من الماء قبله،فأي إيثار أنبل أو أصدق من هذا الإيثار لقد امتزجت نفسه بنفس أخيه، و تفاعلت روحه مع روحه،فلم يعد هناك أي تعدد في الوجود بينهما و اتجه فخر هاشم مزهوا نحو المخيم بعد ما ملأ القربة و هي عنده أغلى و أثمن من الحياة، و التحم مع الأعداء التحاما رهيبا فقد أحاطوا به ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى أهل البيت،و أشاع فيهم البطل القتل فأخذ يحصد الرؤوس و يجندل الأبطال و هو يرتجز:

لا أرهب الموت إذا الموت زقا حتى أوارى في المصاليت لقى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا إني أنا العباس اغدو بالسقا

و لا أخاف الشر يوم الملتقى

لقد أعلن لهم عن شجاعته النادرة و بطولاته العظيمة،فهو لا يرهب الموت،و إنما يستقبله بثغر باسم دفاعا عن الحق،و دفاعا عن أخيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض...و انه لفخور إذ يغدو بالسقاء مملوءا من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.

و انهزمت جيوش الباطل يطاردها الرعب و الفزع،فقد أبدى أبو الفضل من البطولات ما يفوق حد الوصف و قد أيقنوا أنهم عاجزون عن مقاومته،إلا أن الوضر

ص: 61

الجبان زيد بن الرقاد الجهني قد كمن له من وراء نخلة،و لم يستقبله بوجهه، فضربه على يمينه فبراها..لقد قطع تلك اليد التي كانت تفيض سماحا و برا على الناس و دفاعا عن حقوق المظلومين و المضطهدين.

و لم يعن أبو الفضل بيمينه،و إنما راح يرتجز:

و الله ان قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني

و عن إمام صادق يقيني نجل النبي الطاهر الأمين

و دلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة التي يناضل من أجلها،فهو إنما يناضل دفاعا عن الدين،و دفاعا عن إمام المسلمين.

و لم يبعد العباس قليلا حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية و هو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها،و تنص بعض المقاتل أنه حمل القربة بأسنانه و جعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت،غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء و ألم الجروح و شدة الظمأ..لقد كان ذلك منتهى ما وصلت إليه الإنسانية في جميع أدوارها من الوفاء و الرحمة و الحنان.

و بينما هو يركض و هو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها، و وقف البطل الشهم حزينا،فقد كان إراقة الماء عنده أشد عليه من ضرب السيوف و طعن الرماح،و شد عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته،و هوى إلى الأرض و هو يؤدي تحيته و وداعه الأخير إلى أخيه قائلا:

«عليك مني السلام أبا عبد الله».

و حمل الأثير كلماته إلى أخيه فخرقت قلبه و مزقت أحشاءه،و انطلق و هو خائر القوى منهد الركن فاقتحم بجواده جيوش الأعداء،و وقف على الجثمان المقدس و هو يعاني آلام الاحتضار و ألقى بنفسه عليه فجعل يشمه و يضمخه بدموع عينيه و هو يلفظ شظايا قلبه الذي مزقته الكوارث قائلا:

«الآن انكسر ظهري،و قلت حيلتي».

ص: 62

و جعل الإمام يطيل النظر إلى جثمان أخيه و هو يذكر أخوته الصادقة و وفاءه النادر و شهامته الفذة...و تبددت جميع آماله،و كان مما يهون عليه أهوال هذه الكارثة سرعة اللحاق به،و عدم بقائه بعده إلا لحظات،و لكنها كانت عنده كالسنين فقد ودّ أن المنية قد وافته قبله.

و قام الثاكل الحزين و قد انهارت قواه،و هو لا يتمكن أن يقل قدميه،و قد بان عليه الانكسار و الحزن،و اتجه صوب المخيم و هو يكفكف دموعه،فاستقبلته سكينة قائلة:

«أين عمي؟».

فأخبرها بشهادته و هو غارق بالبكاء و الشجون،و ذعرت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و اله زينب و استولى عليها الفزع حينما سمعت بمقتل أخيها،و وضعت يدها على قلبها المذاب و هي تصيح:

«وا أخاه،وا عباساه،وا ضيعتنا بعدك».

و شارك الإمام شقيقته في النياحة على أخيه البار،و اندفع رافعا عقيرته و هو الصبور:

«وا ضيعتنا بعدك يا أبا الفضل».

لقد شعر بالوحدة و الضيعة بعد فقده لأخيه الذي لم يترك لونا من ألوان البر و المواساة إلا قدمها لأخيه.

فسلام على سيرتك و ذكراك يا أبا الفضل،فلقد مضيت إلى مصيرك العظيم و أنت من أعظم الشهداء إشراقا و تضحية.

وداعا يا قمر بني هاشم.

وداعا يا بطل كربلاء.

و سلام عليك يوم ولدت و يوم استشهدت و يوم تبعث حيا.

ص: 63

محمد الأصغر

و ممن استشهد من أخوة الحسين لأبيه محمد الأصغر و أمه أم ولد و قد قاتل قتالا عنيفا فشد عليه رجل من تميم فقتله.

أبو بكر

و هو أخو الإمام لأبيه،و أمه ليلى بنت مسعود لم يعرف اسمه و يقول الخوارزمي:إن اسمه عبد الله و قد برز للحرب فقتله رجل من همدان،و قيل لا يدرى من قتله و يذهب الطبري إلى أنه مشكوك في قتله (1).

و قال في البحار:ثمّ برز أبو بكر بن الحسن و قتله عبد اللّه بن عقبة ثمّ تقدّمت أخوة الحسين فبرز منهم أبو بكر بن عليّ ثمّ عثمان بن علي.

و عن عليّ عليه السّلام قال:إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون.

قيل لعلّ أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما سمّى أولاده بهذه الأسماء مع أنّه لا يحبّها توسيعا على شيعته في ميدان التقيّة مثلا لو كان رجل من الشيعة في بلاد المخالفين.

و قيل له:أتحبّ أبا بكر و عمر و عثمان؟

يقول:نعم و يحلف على هذا قاصدا إلى أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام و اللّه أعلم.

ص: 64


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:184/3.

العباس الأصغر

قال السيد القرشي:هو أخو الإمام لأبيه و أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس استشهد يوم الطف و يقول القاسم بن أصبغ المجاشعي لما أتي بالرؤوس إلى الكوفة رأيت فارسا علق في ساق فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر ليلة البدر فإذا طأطأ الفرس رأسه لحق رأس الغلام بالأرض فسألت عن الفارس فقيل هو حرملة بن كاهل و سألت عن الرأس فقيل هو رأس العباس بن علي و هذا مما يؤكد وجود العباس الأصغر لأن العباس الأكبر كان عمره يوم قتل اثنين و ثلاثين سنة و ليس غلاما أمرد.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن شهداء أهل البيت عليهم السّلام و قد انتهكت بقتلهم حرمة الرسول صلّى اللّه عليه و اله فلم يرع الجيش الأموي قرابتهم من رسول الله صلّى اللّه عليه و اله التي هي أولى بالرعاية و العطف من كل شي.

ص: 65

مصرع الإمام العظيم

اشارة

و تتابعت الرزايا و الخطوب يتتبع بعضها بعضا على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله، فهو لم يكد ينتهي من كارثة قاصمة حتى تتواكب عليه أشد الكوارث هولا و أعظمها محنة.

لقد عانى الإمام في تلك اللحظات الرهيبة من المحن الشاقة ما لم يعانه أي مصلح كان،و من بينها:

أولا-إنه كان ينظر إلى مخدرات الرسالة و عقائل الوحي و هن بحالة من الذعر لا يعلمها إلا الله،ففي كل لحظة يستقبلن عزيزا من نجوم العترة الطاهرة مضمخما بدمائه الزكية لا يلبث أن يلفظ نفسه الأخير أمامهن و مما زاد في وجلهن أن الجفاة من الأعداء الذين محيت الرحمة من نفوسهم قد أحاطوا بهن،و لا يعلمن ماذا سيجري عليهن من المحن بعد فقد الأهل و الحماة،و كان الإمام ينظر إلى ما ألم بهن من الخوف فيذوب قلبه أسى و حسرات فكان يأمرهن بالتجلد و الخلود إلى الصبر، و أن لا يبدين من الجزع ما ينقص قدرهن،و اعلمهن أن الله يحفظهن و ينجيهن من شر الأعداء.

ثانيا-إن الأطفال قد تعالى صراخهم من ألم الظمأ القاتل،و هو لا يجد مجالا لإغاثتهم،و قد ذاب قلبه الكبير حنانا و رحمة على أطفاله و عياله الذين يعانون ما لا طاقة لهم به.

ثالثا-تعدي السفكة المجرمين بعد قتل أصحابه و أهل بيته إلى قتل الأطفال الأبرياء من أبناء أخوته و عمومته.

ص: 66

رابعا-مقاساته العطش الأليم،فقد ورد عن شدة ظمأه أنه كان لا يبصر السماء إلا كالدخان و ان كبده الشريف قد تفتت من شدة العطش،يقول الشيخ التستري:

«إن عطش الحسين قد أثر في أربعة أعضاء فالشفة ذابلة من حر الظمأ،و الكبد مفتت لعدم الماء-كما قال عليه السّلام-و قد أخبر بذلك حينما يئس من الحياة،و قد علموا أنه لا يعيش بعد ذلك فقال لهم:اسقوني قطرة من الماء فقد تفتت كبدي،و اللسان مجروح من شدة اللوك-كما في الحديث-و العين مظلمة من العطش».

خامسا-فقده للأحبة،من أهل بيته و أصحابه،فكان ينظر إلى خيمهم فيراها خالية فجعل يصعد آهاته و أحزانه،و يندبهم بأقسى ندبة.

إن النفس لتذوب حسرات من هذه الخطوب التي ألمت بابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،يقول صفي الدين:«و قد لاقى الحسين من المحن و البلايا ما لا يستطيع مسلم أن يسمعه إلا و يذوب فؤاده».

استغاثة الإمام

و ألقى الإمام الممتحن نظرة مشفوعة بالأسى و الحسرات على أهل بيته و أصحابه فرآهم مجزرين كالأضاحي على رمال كربلاء تصهرهم الشمس، و سمع عياله و قد ارتفعت أصواتهن بالبكاء فأخذ يستغيث و يطلب الناصر و المعين ليحامي عن حرم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قائلا:

«هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلّى اللّه عليه و اله؟هل من موحد يخاف الله فينا؟هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».

و لم تنفذ هذه الاستغاثة إلى تلك القلوب التي ران عليها الباطل و غرقت في الآثام...و لما سمع زين العابدين استغاثة أبيه و ثب من فراشه،و جعل يتوكأ على عصا لشدة مرضه،فبصر به الحسين فصاح بأخته السيدة أم كلثوم!احبسيه لئلا

ص: 67

تخلو الأرض من نسل آل محمد،و بادرت إليه فأرجعته إلى فراشه.

مصرع الرضيع

أي صبر كان صبر أبي عبد الله؟!!كيف استطاع أن يتحمل هذه الكوارث..إنه صبر تعجز عنه الكائنات،و تميد من هو له الجبال،و كان من أفجع و أقسى ما نكب به رزيته بولده عبد الله الرضيع فقد كان كالبدر في بهائه،فأخذه و جعل يوسعه تقبيلا و يودعه الوداع الأخير،و قد رآه مغمى عليه،و قد غارت عيناه و ذبلت شفتاه من شدة الظمأ فحمله إلى القوم ليستدر عواطفهم لعلهم يسقوه جرعة من الماء، و عرضه عليهم و هو يظلل له بردائه من حرارة الشمس،و طلب منهم أن يسعفوه بقليل من الماء،فلم ترق قلوب أولئك الممسوخين،و انبرى الباغي اللئيم حرملة بن كاهل فسدد له سهما،و جعل يضحك ضحكة الدناة و هو يقول مفتخرا أمام اللئام من أصحابه:

«خذ هذا فاسقه».

و اخترق السهم-بالله-رقبة الطفل،و لما أحس بحرارة السهم أخرج يديه من القماط،و جعل يرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح،و انحنى الطفل رافعا رأسه إلى السماء فمات على ذراع أبيه...إنه منظر تتصدع من هو له القلوب،و تلجم الألسن...و رفع الإمام يديه و كانتا مملوءتين من ذلك الدم الطاهر فرمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة واحدة إلى الأرض-حسبما يقول الإمام الباقر عليه السّلام- و أخذ يناجي ربه قائلا:

«هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى:اللّهم لا يكون أهون عليك من فصيل،إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه،و انتقم لنا من الظالمين،و اجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة في الآجل،اللّهم،أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك

ص: 68

محمد صلّى اللّه عليه و اله».

و نزل الإمام عن جواده و حفر لطفله بجفن سيفه حفرة و دفنه مرملا بدمائه الزكية،و قيل إنه ألقاه مع القتلى من أهل بيته.لك الله يا أبا عبد الله على هذه الكوارث التي لم يمتحن ببعضها أي نبي من أنبياء الله،و لم تجر على أي مصلح في الأرض.

صمود الإمام

و وقف الإمام وحيدا في الميدان أمام أعدائه،و قد زادته الفجائع المذهلة إيمانا و يقينا في بشر و طلاقة و ثقة بما يصير إليه من منازل الفردوس الأعلى.

لقد وقف ثابت الجنان لم يوهن عزيمته مصارع أولاده و أهل بيته و أصحابه و لا ما كان يعانيه من ألم العطش و نزيف الدماء،انه صمود الأنبياء و أولي العزم الذين ميزهم الله على بقية عباده،و قد روى ولده علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام الصور المذهلة عن صبر أبيه و صموده قال:كان كلما يشتد الأمر يشرق لونه، و تطمئن جوارحه،فقال بعضهم:انظروا كيف لا يبالي بالموت و يقول عبد الله بن عمار:رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه يحمل على من على يمينه حتى انذغروا عنه فو الله ما رأيت مكثورا قد قتل أولاده و أصحابه أربط جأشا منه،و لا أمضى جنانا منه،و و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و كان يتمثل بقول ابن الخطاب الفهري:

مهلا بني عمنا ظلامتنا إن بنا سورة من القلق

لمثلكم تحمل السيوف و لا تغمز احسابنا من الرفق

إني لأنمى إذا انتميت إلى عز عزيز و معشر صدق

بيض سباط كأن أعينهم تكحل يوم الهياج بالعلق

و حمل على أعداء الله فجعل يقاتلهم أشد قتال رآه الناس،و قد حمل على الميمنة و هو يرتجز:

ص: 69

الموت أولى من ركوب العار و العار أولى من دخول النار

و حمل على الميسرة و هو يرتجز:

أنا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي

أجل أنت الحسين و أنت ملء فم الدنيا شرفا و مجدا،و أنت الوحيد في هذه الدنيا لم تنثن عن عزيمتك و إرادتك،فلم تضرع و لم تهن و مضيت في طريق الكفاح تدك حصون الظالمين و الماردين.

لقد مضيت على دين جدك الرسول صلّى اللّه عليه و اله فأنت الباعث المجدد لهذا الدين و لولاك لكان شبحا مبهما لا ظل له على واقع الحياة...و روى ابن حجر أن الإمام كان يقاتل و ينشد هذه الأبيات:

أنا ابن علي الحر من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

و جدي رسول الله أكرم من مشى و نحن سراج الله في الناس يزهر

و فاطمة أمي سلالة أحمد و عمي يدعى ذو الجناحين جعفر

و فينا كتاب الله أنزل صادقا و فينا الهدى و الوحي و الخير يذكر

موقف المكرهين

و انبرى بعض الأوغاد من المكرهين في جيش ابن سعد فأخذوا بالدعاء للإمام بالنصر و التغلب على أعدائه يقول سعد بن عبيدة:إن أشياخنا من أهل الكوفة كانوا واقفين على تل و هم يبكون و يقولون:اللّهم أنزل عليه-أي على الحسين-نصرك، فأنكر عليهم سعد و قال:يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه.

ص: 70

فزع ابن سعد

و ذعر ابن سعد من كثرة الخسائر التي مني بها جيشه،فراح الخبيث الدنس يثير النعرات و يؤلب الجيش على حرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قائلا:

«هذا ابن الأنزع البطين،هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب».

لقد أثار ابن سعد الأحقاد الجاهلية على الإمام فذكرهم بقتل أمير المؤمنين للعرب،و عليهم أن يثأروا لدمائهم و هو منطق من لا علاقة له بالإسلام،فإن الإمام أمير المؤمنين لم يقتل العرب و إنما قتل القوى الباغية على الإسلام و المنحرفة عن الدين.

و وجه ابن سعد الرماة نحو الإمام فكان-فيما يقول المؤرخون-قد سددت نحوه أربعة آلاف نبلة فصار جسده الشريف هدفا لنبال أولئك البغاة و التحم معهم التحاما رهيبا،و قد أبدى من البسالة ما لم يشاهد له نظير في جميع فترات التأريخ.

استيلاء الإمام على الماء

و ألح العطش على الإمام،و أضر به إلى حد بعيد،فحمل على الفرات،و كان الموكلون بحراسته فيما يقول بعض المؤرخين أربعة آلاف فانهزموا من بين يديه، و استولى على الماء فغرف منه غرفة ليروي ظمأه القاتل فناداه خبيث من القوم:

«أتلتذ بالماء؟!و قد هتكت حرمك».

ورمى أبي الضيم الماء من يده،و آثر كرامة عائلته على عطشه و أسرع إلى الخيمة فإذا بها سالمة فعلم أنها مكيدة يقول ابن حجر:و لو لا ما كادوه به من أنهم حالوا بينه و بين الماء لم يقدروا عليه إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول و لا يتحول.

ص: 71

الهجوم على خيم الحسين

و توسط أبي الضيم معسكر الأعداء و جعل يقاتلهم أشد القتال و أعنفه و قد هجموا على خيمه ليسلبوا الحريم و الأطفال فصاح بهم:

«يا شيعة آل أبي سفيان،إن لم يكن لكم دين،و كنتم لا تخافون المعاد،فكونوا أحرارا في دنياكم و ارجعوا إلى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون..».

لقد جردهم الإمام بهده الكلمات من الإطار الإسلامي،و أضافهم إلى آل أبي سفيان العدو الأول للإسلام و تزعم من بعده أبناؤه القوى الباغية عليه،و ما كارثة كربلاء إلا امتداد لأحقادهم و أضغانهم على نبي الإسلام...و قد دعاهم عليه السّلام إلى الاحتفاظ بالتقاليد العربية التي كانت سائدة في أيام الجاهلية من عدم التعرض للنساء و الأطفال بأي أذى أو مكروه.

و انبرى الوغد الخبيث شمر بن ذي الجوشن فقال للإمام:

«ما تقول يابن فاطمة؟».

و حسب الرجس أنه قد انتقص الإمام بنسبته إلى أمه سيدة النساء،و لم يعلم أنه نسبه إلى معدن الطهر و النبوة،و حسب الحسين فخرا و مجدا أن تكون أمه سيدة نساء العالمين حسبما يقول الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

فقال له الإمام:

«أنا الذي أقاتلكم،و النساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا».

فأجابه الشمر إلى ذلك،و أحاط به القتلة المجرمون و هم يوسعونه ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح،فجعلت جراحاته تتفجر دما.

ص: 72

خطابه الأخير

و وجه الإمام عليه السّلام و هو بتلك الحالة خطابا لأعدائه حذرهم فيه من غرور الدنيا و فتنتها،و يقول المؤرخون:إنه لم يلبث بعده إلا قليلا حتى استشهد،و هذا نصه:

«عباد الله،اتقوا الله،و كونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لأحد،و بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء،و أولى بالرضا،و أرضى بالقضاء،غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء،و خلق أهلها للفناء فجديدها بال،و نعيمها مضمحل،و سرورها مكفهر، و المنزل بلغة،و الدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى،و اتقوا الله لعلكم تفلحون».

الإمام يطلب ثوبا خلقا

و طلب الإمام من أهل بيته أن يأتوه بثوب خلق لا يرغب فيه أحد ليجعله تحت ثيابه لئلا يسلب منه،فأتوه بتبان فلم يرغب فيه و قال ذلك لباس من ضربت عليه الذلة،و أخذ ثوبا فخرقه،و جعله تحت ثيابه فلما قتل جردوه منه... (1)

و روي أنه قال عليه السّلام لأهله:ابعثوا إليّ ثوبا خلقا اجعله تحت ثيابي لئلاّ أجرّد فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه،ثمّ استدعى بسراويل من حبره ففزرها و لبسها،فلمّا قتل سلبها بحر بن كعب فكانت يدا بحر بعد ذلك يابسان في الصيف و ينضحان الماء في الشتاء إلى أن مات.

و لمّا أثخن بالجراح طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن.

ص: 73


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:192/3.

و خرجت زينب من الفسطاط تنادي:وا أخاه وا سيّداه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل و صاح شمر:ما تنتظرون بالرجل فحملوا عليه من كلّ جانب فضربه رجل ضربة بالسيف كبا منها لوجهه و طعنه سنان في ترقوته و رماه أيضا بسهم وقع في نحره فنزع عليه السّلام السهم من نحره و قرن كفّيه جميعا و كلّما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته يقول:هكذا ألقى اللّه مخضبا بدمي.

فقال ابن سعد لرجل:إنزل إلى الحسين و أرحه فبدر إليه خولي الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد و نزل إليه سنان النخعي فضربه بالسيف على حلقه الشريف و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أبا و امّا ثمّ احتزّ رأسه المقدّس.

و روي أنّ سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة انملة ثمّ قطع يديه و رجليه و أغلى له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب و قيل الذي قطع رأس الحسين هو الشمر لعنه اللّه و قيل بل جاء إليه شمر و سنان و الحسين عليه السّلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش و يطلب الماء فرفسه شمر برجله و قال:يابن أبي تراب ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده فاحتزّ رأسه.

و روي أنّ فرس الحسين عليه السّلام كان يحامي عنه و يثب على الفارس فيحبطه عن سرجه و يدوسه حتّى قتل أربعين رجلا ثمّ نزع في دم الحسين و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض (1).

و في حين قتله ارتفعت في السماء غبرة شديدة و سواد مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين و لا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم فلبثوا ساعة ثمّ انجلت5.

ص: 74


1- مناقب آل أبي طالب:215/3،و البحار:57/45.

عنهم.

و عن هلال بن نافع قال:إنّي لواقف مع أصحاب ابن سعد إذ صرخ صارخ ابشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه و أنّه ليجود بنفسه فو اللّه ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فقال له رجل:لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية.

فقال الحسين عليه السلام:بل أرد على جدّي و أسكن معه في داره و أشرب من ماء غير آسن و أشكو إليه ما ارتكبتم منّي.

فاحتزّوا رأسه و هو يكلّمهم فتعجّبت من قلّة رحمتهم.

فقلت:و اللّه لا اجامعكم على أمر أبدا (1).5.

ص: 75


1- مدينة المعاجز:77/4،و البحار:/5745.

توديع الإمام الحسين لأهل بيته عليهم السلام

ثمّ نظر الحسين إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى فنادى يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا امّ كلثوم عليكنّ منّي السلام فنادته سكينة يا أبه استسلمت للموت،قال:كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين فقالت:يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا فقال:هيهات لو ترك القطا لنام،فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين عليه السّلام فرسه و برز إلى القوم و هو يقول،شعرا:

خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب فأنا الفضّة و ابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء امّي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين

عبد اللّه غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين

فأبي شمس و امّي قمر فأنا الكوكب و ابن القمرين

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنا منه حتّى قتل مقتلة عظيمة قال بعضهم:و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه و إنّه كان يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب،و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد:الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب فاحملوا عليه من كلّ جانب و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام

ص: 76

و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس:

أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب،فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام.

فقال الحسين عليه السّلام:اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين عليه السّلام يده فغرف من الماء.

فقال فارس:يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال عليه السّلام:

اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة،اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول:يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي و ايم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة.

و قال الباقر عليه السّلام:اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ (1).

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح،فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء ثمّ وضع يده0.

ص: 77


1- أمالي الصدوق:282 ح 240.

ثانيا،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال:هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر لعنه اللّه فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته:تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين (1).

ثمّ حمل شمر على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال:عليّ بالنار أحرقه على من فيه.

فقال له الحسين عليه السّلام:أحرقك اللّه بالنار (2).

هيهات لو ترك القطا لنام،فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين عليه السّلام فرسه و برز إلى القوم و هو يقول،شعرا:

خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ أمّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب فأنا الفضّة و ابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء أمّي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين

عبد اللّه غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين

فأبي شمس و امّي قمر فأنا الكوكب و ابن القمرين

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنا منه حتّى قتل مقتلة عظيمة قال بعضهم:و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه و إنّه كان5.

ص: 78


1- بحار الانوار للعلامد المجلسي:53/45.
2- بحار الانوار للعلامد المجلسي:54/45.

يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب،و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد:الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب فاحملوا عليه من كلّ جانب و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس:

أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب،فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام.

فقال الحسين عليه السّلام:اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين عليه السّلام يده فغرف من الماء.

فقال فارس:يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال:اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة،اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول:يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي و ايم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة.

و قال الباقر عليه السّلام:اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ (1).

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال0.

ص: 79


1- أمالي الصدوق:282 ح 240.

فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح،فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء ثمّ وضع يده ثانيا،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال:هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر لعنه اللّه فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته:تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين (1).

ثمّ حمل شمر على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال:عليّ بالنار أحرقه على من فيه.

فقال له الحسين عليه السّلام:أحرقك اللّه بالنار (2).

و قال السيد محمد باقر القرشي:و قفل الإمام راجعا إلى عياله ليودعهم الوداع الأخير،و جراحاته تتفجر دما و قد أوصى حرم الرسالة و عقائل الوحي بلبس الازر و الاستعداد للبلاء،و أمرهن بالخلود إلى الصبر و التسليم لقضاء الله قائلا:

«استعدوا للبلاء،و اعلموا أن الله تعالى حاميكم و حافظكم،و سينجيكم من شر الأعداء،و يجعل عاقبة أمركم إلى خير،و يعذب عدوكم بأنواع العذاب،و يعوضكم عن5.

ص: 80


1- بحار الانوار للعلامد المجلسي:53/45.
2- بحار الانوار للعلامد المجلسي:54/45.

هذه البلية بأنواع النعم و الكرامة فلا تشكوا و لا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم».

تزول الدول،و تذهب الممالك،و تفنى الحضارات،و هذا الإيمان الذي لا حد له أحق بالبقاء و أجدر بالخلود من كل كائن في هذه الحياة،أي نفس تطيق مثل هذه الكوارث،و تستقبلها برباطة جأش و رضا و تسليم لأمر الله،انه ليس هناك غير الحسين أمل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته و الصورة الكاملة التي تحكيه.

و ذابت أسى أرواح بنات الرسول صلّى اللّه عليه و اله حينما رأين الإمام بتلك الحالة يتعلقن به يودعنه،و قد وجلت منهن القلوب،و اختطف الرعب ألوانهن،و التاع الإمام حينما نظر إليهن و قد سرت الرعدة بأوصالهن،يقول الإمام كاشف الغطاء:

«من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين عليه السّلام و قد تلاطمت أمواج البلاء حوله، و صبت عليه المصائب من كل جانب،و في تلك الحال عزم على توديع العيال و من بقي من الأطفال فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة و بنات علي و الزهراء عليه السّلام فخرجت المخدرات كسرب القطا المذعورة فأحطن به و هو سابح بدمائه،فهل تستطيع أن تتصور حالهن و حال الحسين في ذلك الموقف الرهيب و لا يتفطر قلبك،و لا يطيش لبك،و لا تجري دمعتك».

لقد كانت محنة الإمام في توديعه لعياله من أقسى و أشق ما عاناه من المحن و الخطوب،فقد لطمن بنات رسول الله صلّى اللّه عليه و اله وجوههن،و ارتفعت أصواتهن بالبكاء و العويل،و هن يندبن جدهن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و ألقين بأنفسهن عليه لوداعه،و قد أثر ذلك المنظر المريع في نفس الإمام بما لا يعلم بمداه إلا الله.

و نادى الرجز الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الإمام قائلا:

«اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه و حرمه،فو الله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم».

و حمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام،و تخالفت السهام بين أطناب

ص: 81

المخيم،و أصاب بعضها أزر بعض النساء فذعرن و دخلن الخيمة و خرج بقية الله في الأرض كالليث الغضبان على أولئك الممسوخين فجعل يحصد رؤوسهم الخبيثة بسيفه،و كانت السهام تأخذه يمينا و شمالا،و هو يتقيها بصدره و نحره، و من بين تلك السهام التي فتكت به.

1-سهم أصاب فمه الطاهر،فتفجر دمه الشريف فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت دما رفعه إلى السماء و جعل يخاطب الله تعالى قائلا:

«اللّهم إن هذا فيك قليل».

2-سهم أصاب جبهته الشريفة المشرقة بنور النبوة و الإمامة رماه به أبو الحتوف الجعفي فانتزعه،و قد تفجر دمه الشريف،فرفع يديه بالدعاء على السفكة المجرمين قائلا:

«اللّهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك العصاة،اللّهم احصهم عددا و اقتلهم بددا،و لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا،و لا تغفر لهم أبدا».

و صاح بالجيش:«يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته،أما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي،و ايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة،ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون..».

لقد كان جزاء الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي أنقذهم من حياة البؤس و الشقاء أن عدوا على ذريته فسفكوا دماءهم،و اقترفوا منهم ما تقشعر منه الجلود و تندى له الوجوه..

و قد استجاب الله دعاء الإمام فانتقم له من أعدائه المجرمين،فلم يلبثوا قليلا حتى اجتاحتهم الفتن و العواصف،فقد هب الثائر العظيم المختار طالبا بدم الإمام فأخذ يطاردهم و يلاحقهم،و قد هربوا في البيداء و شرطة المختار تطاردهم حتى أباد الكثيرين منهم،يقول الزهري لم يبق من قتلة الحسين أحد إلا عوقب أما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه،أو زوال الملك في مدة يسيرة.

3-و هو من أعظم السهام التي فتكت بالإمام.يقول المؤرخون:إن الإمام وقف

ص: 82

ليستريح بعدما أعياه نزيف الدماء،فرماه و غد بحجر أصاب جبهته الشريفة فسالت الدماء على وجهه فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه،فرماه رجس بسهم محدد له ثلاث شعب فوقع على قلبه الشريف الذي يحمل العطف و الحنان لجميع الناس،فعند ذلك أيقن بدنو الأجل المحتوم منه فشخص ببصره نحو السماء و هو يقول:

«بسم الله و بالله و على ملة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله..إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري».

و أخرج السهم من قفاه فانبعث الدم كالميزاب فأخذ يتلقاه بيديه فلما امتلأتا رمى به نحو السماء و هو يقول:

«هون ما نزل بي أنه بعين الله».

و أخذ الإمام من دمه الشريف فلطخ به وجهه ولحيته،و هو بتلك الهيبة التي تحكي هيبة الأنبياء و اندفع يقول:

«هكذا أكون حتى ألقى الله و جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أنا مخضب بدمي..».

4-رماه الحصين بن نمير بسهم أصاب فمه الشريف فتفجر دما فجعل يتلقى الدم بيده و يرمي به نحو السماء و هو يدعو على الجناة المجرمين قائلا:

«اللّهم احصهم عددا،و اقتلهم بددا،و لا تذر على الأرض منهم أحدا».

و تكاثرت عليه السهام حتى صار جسده الشريف قطعة منها..و قد أجهده نزيف الدماء و أعياه العطش،فجلس على الأرض،و هو ينوء برقبته من شدة الآلام فحمل عليه و هو بتلك الحالة الرجس الخبيث مالك بن النسر فشتمه و علاه بالسيف،و كان عليه برنس فامتلأ دما،فرمقه الإمام بطرفه،و دعا عليه قائلا:

«لا أكلت بيمينك و لا شربت و حشرك الله مع الظالمين».

و ألقى البرنس و اعتم على القلنسوة فأسرع الباغي إلى البرنس فأخذه و قد شلت يداه.

ص: 83

الإمام مع ابن رباح

و كان مسلم بن رباح هو آخر من بقي من أصحاب الإمام،و كان معه،و قد أصاب الإمام سهم في وجهه الشريف فجلس على الأرض و انتزعه،و قد تفجر دمه،و لم تكن به طاقة فقال لابن رباح:

«ادن يديك من هذا الدم».

فوضع ابن رباح يديه تحت الجرح فلما امتلأتا دما قال له:

«اسكبه في يدي».

فسكبه في يديه،فرفعهما نحو السماء و جعل يخاطب الله تعالى قائلا:

«اللّهم اطلب بدم ابن بنت نبيك».

و رمى بدمه الشريف نحو السماء فلم تقع منه قطرة واحدة إلى الأرض فيما يقول ابن رباح.

ص: 84

مناجاة الإمام للّه تعالى

و اتجه الإمام عليه السّلام في تلك اللحظات الأخيرة إلى الله فأخذ يناجيه و يتضرع إليه بقلب منيب و يشكو إليه ما ألم به من الكوارث و الخطوب قائلا:

«صبرا على قضائك لا إله سواك،يا غياث المستغيثين،مالي رب سواك و لا معبود غيرك.صبرا على حكمك،يا غياث من لا غياث له،يا دائما لا نفاد له يا محيي الموتى،يا قائما على كل نفس احكم بيني و بينهم و أنت خير الحاكمين».

إنه الإيمان الذي تفاعل مع جميع ذاتياته فكان من أهم عناصره..لقد تعلق بالله و صبر على قضائه و فوض إليه جميع ما نزل به و عاناه من الكوارث و الخطوب، و قد أنساه هذا الإيمان العميق جميع ما حل به،يقول الدكتور الشيخ أحمد الوائلي في رائعته:

يا أبا الطف و ازدهى بالضحايا من أديم الطفوف روض خيل

نخبة من صحابة و شقيق و رضيع مطوق و شبول

و الشباب الفينان جف ففاضت طلعة حلوة و وجه جميل

و توغلت تستبين الضحايا و زواكي الدماء منها تسيل

و مشت في شفاهك الغر نجوى نم عنها التحميد و التهليل

لك عتبى يا رب إن كان يرضيك فهذا إلى رضاك قليل

ص: 85

الهجوم على الإمام

و هجمت على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله تلك العصابة المجرمة التي تحمل رجس الأرض و خبث اللئام فحملوا عليه-يا لله-من كل جانب و هم يوسعونه ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح فضربه زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى، و ضربه و غد آخر على عاتقه،و كان من أحقد أعدائه عليه الخبيث سنان بن أنس، فقد أخذ يضربه تارة بالسيف و أخرى يطعنه بالرمح،و كان يفخر بذلك،و قد حكى للحجاج ما صنعه به باعتزاز قائلا:

«دعمته بالرمح،و هبرته بالسيف هبرا».

فالتاع الحجاج على قسوته و صاح به:اما انكما لن تجتمعا في دار.

و أحاط به أعداء الله من كل جانب،و سيوفهم تقطر من دمه الزكي،يقول بعض المؤرخين إنه لم يضرب أحد في الإسلام كما ضرب الحسين فقد وجد به مائة و عشرون جراحة ما بين ضربة سيف و طعنة رمح و رمية سهم.

و مكث الإمام مدة من الوقت على وجه الأرض،و قد هابه الجميع و نكصوا من الإجهاز عليه يقول السيد حيدر:

فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها

و كانت هيبته تأخذ بمجامع القلوب حتى قال بعض أعدائه:«لقد شغلنا جمال وجهه و نور بهجته عن الفكرة في قتله»و ما انتهى إليه رجل إلا انصرف كراهية أن يتولى قتله.

ص: 86

خروج العقيلة زينب

و خرجت حفيدة الرسول صلّى اللّه عليه و اله زينب من خبائها و هي فزعة تندب شقيقها و بقية أهلها و تقول بذوب روحها:

«ليت السماء وقعت على الأرض».

و أقبل ابن سعد فصاحت به:يا عمر أرضيت أن يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه؟

فأشاح الخبيث بوجهه عنها و دموعه تسيل على لحيته المشومة و لم تعد العقيلة تقوى على النظر إلى أخيها و هو بتلك الحالة التي تميد بالصبر،فانصرفت إلى خبائها لترعى المذاعير من النساء و الأطفال.

ص: 87

الفاجعة الكبرى

و مكث الإمام طويلا من النهار،و قد أجهدته الجروح و أعياه نزيف الدماء،فصاح بالقتلة المجرمين:

«أعلى قتلي تجتمعون؟أما و الله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله و ايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم،ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون..».

و كان الشقي الأثيم سنان بن أنس قد شهر سيفه فلم يدع أحدا يدنو من الإمام مخافة أن يغلبه على أخذ رأسه فيخسر الجائزة من سيده ابن مرجانة،و التفت الخبيث عمر بن سعد إلى شبث بن ربعي فقال له:

«انزل فجئني برأسه».

فأنكر عليه شبث و قال له:

«أنا بايعته ثم غدرت به،ثم أنزل فاحتز رأسه لا و الله لا أفعل ذلك..».

و التاع ابن سعد فراح يهدده:

«إذا اكتب إلى ابن زياد».

«اكتب له».

و صاح شمر بالأوغاد المجرمين من أصحابه:و يحكم ما ذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فاندفع خولي بن يزيد إلى الإجهاز عليه إلا أنه ضعف و أرعد فقد أخذته هيبة الإمام فأنكر عليه الرجس سنان بن أنس و صاح به:فتّ الله في عضدك و أبان يدك،و اشتد كالكلب على الإمام فاحتز رأسه الشريف فيما يقول بعض المؤرخين،و سنذكر الأقوال في ذلك.

ص: 88

و احتز رأس الإمام عليه السّلام و كانت على شفتيه ابتسامة الرضا و الاطمئنان و النصر الذي أحرزه إلى الأبد.

لقد قدم الإمام روحه ثمنا للقرآن الكريم،و ثمنا لكل ما تسمو به الإنسانية من شرف و عز و إباء.و قد كان الثمن الذي بذله غاليا و عظيما فقد قتل مظلوما مهضوما غريبا بعد أن رزى بأبنائه و أهل بيته و أصحابه و ذبح و هو عطشانا أمام عائلته، فأي ثمن أغلى من هذا الثمن الذي قدمه الإمام قربانا خالصا لوجه الله؟

لقد تاجر الإمام مع الله بما قدمه من عظيم التضحية و الفداء،فكانت تجارته هي التجارة الرابحة.

قال الله تعالى: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1).

و الشيء المحقق أن الإمام قد ربح بتجارته و فاز بالفخر الذي لم يفز به أحد غيره،فليس في أسرة شهداء الحق من نال الشرف و المجد و الخلود مثل ما ناله الإمام،فها هي الدنيا تعج بذكراه،و ها هو حرمه المقدس أصبح أعز حرم و أمنعه في الأرض.

لقد رفع الإمام العظيم راية الإسلام عالية خفاقة و هي ملطخة بدمه و دماء الشهداء من أهل بيته و أصحابه:و هي تضي في رحاب هذا الكون و تفتح الآفاق الكريمة لشعوب العالم و أمم الأرض لحريتهم و كرامتهم.

لقد استشهد الإمام من أجل أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة الحق،و ينقذ المجتمع من حكم الأمويين الذين كفروا بحقوق الإنسان،و حولوا البلاد إلى مزرعة لهم يصيبون منها حيث ما شاءوا (2).9.

ص: 89


1- التوبة:110.
2- حياة الإمام الحسين للقرشي:165/3-199.

مقتل الحسين عليه السلام على لسان الصادق عليه السّلام

في كتاب الأمالي عن عبد اللّه بن منصور قال:قلت للصادق عليه السّلام:حدّثني عن مقتل الحسين عليه السّلام.

قال:لمّا حضرت معاوية الوفاة قال لابنه يزيد لعنه اللّه:قد ذلّلت لك الرّقاب و إنّي أخشى عليك من ثلاث نفر مخالفون عليك و هم عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير و الحسين بن عليّ،فأمّا ابن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه،و أمّا ابن الزبير فاقتله إن ظفرت به فإنّه ثعلب،و أمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه و هو من لحم رسول اللّه و دمه و قد علمت أنّ أهل العراق يخرجونه إليهم ثمّ يخذلونه فإن ظفرت به فلا تؤاخذه بفعله و لا تناله بمكروه.

فلمّا هلك معاوية و تولّى الأمر يزيد بعث عامله على المدينة عمّه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة و بعث إلى الحسين عليه السّلام و قال:إنّ أمير المؤمنين يزيد آمرك أن تبايع له فقال:يا عتبة قد علمت إنّا معدن الرّسالة و أعلام الحقّ و لقد سمعت جدّي يقول:إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان فكيف ابايع أهل بيت قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هذا؟فكتب عتبة إلى يزيد أنّ الحسين بن علي لا يرى لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره،فكتب إليه:إذا أتاك كتابي هذا فعجّل إليّ بإرسال رأس الحسين، فبلغ ذلك الحسين عليه السّلام فهمّ بالخروج من الحجاز إلى العراق فلمّا أقبل الليل مضى يودّع قبر جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه.

فلمّا كانت الليلة الثانية مضى إلى القبر يودّعه فصلّى ثمّ سجد و نام فجاءه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو في منامه فضمّه إلى صدره و قبّل ما بين عينيه و قال له:بأبي أنت

ص: 90

كأنّي أراك مرمّلا بدمك بين عصابة من هذه الامّة،يا بنيّ إنّك قادم على أبيك و امّك و أخيك و هم مشتاقون إليك و أنّ لك في الجنّة درجات لا تنالها إلاّ بالشهاده فانتبه الحسين عليه السّلام باكيا فأتى أهله و أخبرهم بالرؤيا و ودّعهم و حمل أخواته على المحامل و ابن أخيه و صار في أحد و عشرين من أهل بيته و أصحابه و سمع عبد اللّه ابن عمر بخروجه فركب خلفه و أدركه فقال له:ارجع إلى حرم جدّك و لا تخرج إلى العراق،فأبى،فقال:إكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقبّله منك، فكشف الحسين عليه السّلام عن سرّته فقبّلها ابن عمر ثلاثا و بكى و قال:أستودعك اللّه يا أبا عبد اللّه فإنّك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين و أصحابه حتّى نزل العذيب فقال فيها قايلة الظهر ثمّ انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه:ما يبكيك يا أبه؟

قال:با بني إنّها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها إنّه عرض لي في منامي عارض فقال:

تسرعون السير و المطايا تسير بكم إلى الجنّة ثمّ سار حتّى نزل الرهيميّة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرم فقال:يا بن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة؟

فقال:ويحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي فهربت و ايم اللّه ليقتلنّي ثمّ ليلبسنّهم اللّه ذلاّ شاملا و سيفا قاطعا،و بلغ عبيد اللّه ابن زياد لعنه اللّه الخبر و أنّ الحسين نزل الرهيمية فأرسل إليه الحرّ بن يزيد في ألف فارس،قال الحرّ:فلمّا خرجت من منزلي متوجّها نحو الحسين نوديت ثلاثا:يا حرّ أبشر بالجنّة،فالتفت فلم أر أحدا فقلت:ثكلت الحرّ أمة يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه و يبشّر بالجنّة فبلغه عند صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السّلام ابنه فأذّن و أقام و صلّى الحسين عليه السّلام بالفريقين جميعا،فلمّا سلّم و ثب الحرّ بن يزيد و سلّم على الحسين فقال له الحسين عليه السّلام:من أنت؟

فقال:أنا الحرّ بن يزيد،فقال:يا حرّ علينا أم لنا؟

ص: 91

فقال:يابن رسول اللّه لقد بعثت لقتالك و أعوذ باللّه أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلى رجلي،يابن رسول اللّه أين تذهب إرجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول، فقال الحسين عليه السّلام شعرا:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

ثمّ سار حتّى نزل القطقطانية فنظر إلى فسطاط مضروب لعبد اللّه بن الحرّ فأرسل إليه الحسين عليه السّلام فقال له:إنّك مذنب خاطئ و إنّ اللّه عزّ و جلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى اللّه فتنصرني،فقال:يابن رسول اللّه لو نصرتك لكنت أوّل مقتول بين يديك و لكن هذا فرسي خذه إليك فأعرض عنه الحسين عليه السّلام بوجهه و قال:لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا،و لكن فرّ فلا لنا و لا علينا فإنّه من سمع و اعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم ثمّ سار حتّى نزل كربلاء فقال:أيّ موضع هذا؟

فقيل:هذا كربلاء يابن رسول اللّه فقال:هذا و اللّه يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي تهرق فيه دماؤنا و يباح فيه حريمنا فأقبل عبيد اللّه بن زياد بعسكره حتّى نزل النخيلة و بعث إلى الحسين عمر ابن سعد في أربعة آلاف فارس و عبد اللّه بن الحصين و شبث بن ربعي و محمّد بن الأشعث كلّ واحد في ألف فارس و كتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي و حل بينه و بين الماء كما حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار،فلمّا وصله الكتاب نادى إنّا قد أجّلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشقّ ذلك على الحسين و أصحابه فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال:اللّهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ و لا أزكى من أهل بيتي و لا أصحابا هم خير من أصحابي و قد نزل بي ما ترون و أنتم في حلّ من بيعتي و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا و تفرّقوا في سواده فإنّ القوم إنّما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن عقيل فقال:يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن

ص: 92

نحن خذلنا سيّدنا و ابن سيّد الأعمام و ابن نبيّنا لم نضرب معه بسيف و لم نقاتل معه برمح لا و اللّه أو نرد موردك و نجعل دماءنا دون دمك فإذا فعلنا ذلك قضينا ما علينا،و قام إليه زهير بن القين فقال:وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة و أنّ اللّه دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له و لأصحابه:جزيتم خيرا.

ثمّ إنّ الحسين عليه السّلام أمر بحفيرة حول عسكره شبه الخندق فحشيت حطبا و أرسل عليّا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على وجل شديد و أنشأ الحسين عليه السّلام يقول شعرا:

يا دهر اف لك من خليل كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلى الجليل و كلّ حيّ سالك سبيلي

ثمّ قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضأوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابم لتكون أكفانكم ثمّ صلّى بهم الفجر و عبّأهم تعبئة الحرب و أمر بالحفيرة فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي جويرية فقال:يا حسين أبشروا بالنار التي تعجّلتموها في الدّنيا،فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم أذقه عذاب النار في الدّنيا فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق.

ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين فنادى يا حسين و يا أصحاب حسين ألا ترون إلى ماء الفرات يموج كأنّه بطون الحيّات و اللّه لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جرعا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثمّ أقبل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي و قال:أيّة حرمة لك من رسول اللّه

ص: 93

ليست لغيرك؟

فقال:إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين،و اللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم و أنّ العترة الهادية لمن آل محمّد فقال:اللّهم أر محمّد بن الأشعث ذلاّ في هذا اليوم فخرج من العسكر يتبرز فسلّط اللّه عليه عقربا فلدغه فمات بادئ العورة فبلغ العطش من الحسين و أصحابه فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له يزيد الهمداني فقال:ائذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم،فأذن له فخرج إليهم و قال:يا معشر الناس إنّ اللّه بعث محمّدا بالحقّ بشيرا و نذيرا و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه.

فقالوا:يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف فو اللّه ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله،فقال الحسين عليه السّلام:أقعد يا يزيد ثمّ وثب الحسين عليه السّلام متوكئا على سيفه فنادى بأعلى صوته:أنشدكم اللّه هل تعرفوني؟

قالوا:نعم أنت ابن رسول اللّه و سبطه،فقال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:هل تعلمون إنّ امّي فاطمة بنت محمّد؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة أوّل نساء هذه الامّة إسلاما؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟

قالوا:اللّهمّ نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه و أنا متقلّده؟

قالوا:اللّهمّ نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟

ص: 94

قالوا:اللّهم نعم،قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ عليّا كان أوّلهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنّه أوّل كلّ مؤمن و مؤمنة؟

قالوا:اللّهم نعم،قال:فبم تستحلّون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يد جدّي يوم القيامة؟

قالوا:قد علمنا ذلك كلّه و نحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا،فأخذ الحسين عليه السّلام بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة ثمّ قال:اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا عزير ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا المسيح ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه و اشتدّ غضب اللّه على قوم قتلوا نبيّهم و اشتدّ غضب اللّه على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم.

قال:فضرب الحرّ بن يزيد فرسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام واضعا يده على رأسه و هو يقول:اللّهم إليك انيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك،يابن رسول اللّه هل من توبة؟

قال:نعم تاب اللّه عليك.

قال:يابن رسول اللّه ائذن لي فأقاتل عنك فأذن له فبرز و هو يقول شعرا:

أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثمّ قتل فأتاه الحسين عليه السّلام و دمه يشخب فقال:بخ بخ يا حرّ أنت حرّ كما سمّيت في الدّنيا و الآخرة ثمّ أنشأ الحسين عليه السّلام يقول شعرا:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح صبور عند مختلف الرّماح

و نعم الحرّ إذ ساوى حسينا فجاد بنفسه عند الصياح

ثمّ برز من بعده زهير بن القين و هو يقول مخاطبا للحسين عليه السّلام شعرا:

اليوم نلقى جدّك النبيّا و حسنا و المرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثمّ صرع و خرج من بعده حبيب بن مظاهر و هو

ص: 95

يقول شعرا:

أنا حبيب و أبي مظاهر لنحن أزكى منكم و أطهر

فقتل منهم واحدا و ثلاثين رجلا ثمّ قتل و برز وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم على يدي الحسين عليه السّلام هو و امّه و ركب فرسا و تناول عمود الفسطاط فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استؤسر فأمر ابن سعد بقتله فقتل و رمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام فأخذت امّه سيفه و برزت فقال لها الحسين عليه السّلام:يا امّ وهب إجلسي فقد وضع اللّه الجهاد عن النساء إنّك و ابنك مع جدّي محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في الجنّة.

و برز إليهم عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و أنشد شعرا:

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا و إن وجدت الموت شيئا مرّا

أكره أن ادعى جبانا فرّا إنّ الجبان من عصى و فرّا

فقتل ثلاثة و قتل،و برز من بعده عليّ بن الحسين عليه السّلام،فلمّا برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السّلام فقال:اللّهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمة به فجعل يقول شعرا:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ نحن و رب بيت اللّه أولى بالنبيّ

فقتل عشرة ثمّ رجع إلى أبيه فقال؛يا أبه العطش،فقال له الحسين عليه السّلام:صبرا يا بني يسقيك جدّك بالكأس الأوفى،فرجع و قتل منهم أربعة و أربعين ثمّ قتل عليه السّلام،ثمّ برز من بعده القاسم بن الحسن و هو يقول شعرا:

لا تجزعي نفسي فكلّ فإني اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثمّ رمي عن فرسه فنظر الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا فلم ير أحدا فقال:اللّهم إنّك ترى ما يصنع بولد نبيّك و حالوا بينه و بين الماء و رمي بسهم فوقع في نحره و خرّ عن فرسه فأخذ السهم فرمى به و جعل يتلقّى الدم بكفّه،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و يقول ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مظلوم متلطّخ بدمي ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعا و أقبل عدوّ اللّه سنان و شمر بن ذي الجوشن لعنهما اللّه تعالى

ص: 96

في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على رأسه فقال بعضهم لبعض:ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان و أخذ بلحية الحسين عليه السّلام و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أنا أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أمّا و أبا.

و أقبل فرس الحسين حتّى لطخ عرفه و ناصيته بدمه و جعل يركض و يصهل و سمعت بنات النبيّ صهيله فخرجن فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أنّ حسينا قد قتل و خرجت امّ كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب وا محمّداه هذا الحسين بالعراقد سلب العمامة و الرّداء.

و أقبل سنان لعنه اللّه حتّى أدخل رأس الحسين عليه السّلام على ابن زياد و هو يقول شعرا:

املأ ركابي فضّة أو ذهبا إنّي قتلنا الملك المحجّبا

قتلت خير الناس امّا و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له ابن زياد:و يحك إذا علمت إنّه خير الناس أبا و امّا لم قتلته؟فأمر به فضربت عنقه و عجّل اللّه بروحه إلى النار،و أرسل ابن زياد قاصدا إلى امّ كلثوم بنت الحسين يقول لها:الحمد للّه الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟

فقالت:يابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسين فطالما قرّت عين جدّه به و كان يقبّله و يلثم شفتيه يابن زياد أعد لجدّه جوابا فإنّه خصمك غدا.

و قال السيّد علي بن طاووس:إنّ مروان بن الحكم قال للحسين عليه السّلام:بايع ليزيد يكن خيرا لك في دينك و دنياك.

فقال الحسين عليه السّلام:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و على الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد.

و روى الكليني طاب ثراه في كتاب الوسائل مسندا إلى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ذكرنا خروج الحسين عليه السّلام و تخلّف ابن الحنفية فقال أبو

ص: 97

عبد اللّه عليه السّلام:يا حمزة إنّي سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا؛إنّ الحسين عليه السّلام لمّا فصل متوجّها دعا بقرطاس و كتب فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم؛أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد و من تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام (1).1.

ص: 98


1- الكليني و الكافي:216،و بصائر الدرجات:501.

من هو قاتل الإمام؟

قال السيد محمد باقر القرشي:و اختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الذي أجهز على ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله،و هذه بعض الأقوال:

1-سنان بن أنس

و ذهب الكثيرون من المؤرخين إلى أن الشقي الأثيم سنان بن أنس هو الذي احتز رأس الإمام عليه السّلام و فيه يقول الشاعر:

و أي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان

2-شمر بن ذي الجوشن

و صرحت بعض المصادر أن الأبرص شمر بن ذي الجوشن هو الذي قتل الإمام فقد كان هذا الخبيث من أحقد الناس على الإمام،يقول المستشرق رينهارت دوزي:

و لم يتردد الشمر لحظة بقتل حفيد الرسول صلّى اللّه عليه و اله حين أحجم غيره عن هذا الجرم الشنيع و إن كانوا مثله في الكفر.

3-عمر بن سعد

و ذكر المقريزي و غيره أن عمر بن سعد هو الذي قتل الإمام بعد أن أحجم غيره من السفكة المجرمين من قتله.

4-خولي بن يزيد الأصبحي

و تعزو بعض المصادر أن خولي بن يزيد الأصبحي هو الذي قتل الإمام و احتز رأسه.

5-شبل بن يزيد الأصبحي

ص: 99

و نص بعض المؤرخين على أن خولي بن يزيد الأصبحي نزل عن فرسه ليحتز رأس الإمام فارتعدت يداه فنزل إليه أخوه شبل فاحتز رأسه و دفعه إليه.

6-الحصين بن نمر

نص على ذلك بعض المؤرخين.

7-رجل من مذحج

ذكر ذلك ابن حجر و انفرد هو بنقله.

8-المهاجر بن أوس

نص على ذلك السبط ابن الجوزي و لم يذكره غيره.

هذه بعض الأقوال،و الذي نراه أن شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الإمام، و اشترك مع سنان في حز رأسه،كما ذهب لذلك بعض المؤرخين.

و على أي حال فالويل لذلك الشقي الذي أقدم على اقتراف هذه الجريمة التي هي أبشع ما اقترفت من يوم خلق الله هذه الأرض حتى يرثها،و قد أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله عما يلاقيه قاتل الحسين في الدار الآخرة من العذاب الأليم،قال صلّى اللّه عليه و اله:«إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار،و قد شدت يداه و رجلاه بسلاسل من نار، منكس في النار حتى يقع في نار جهنم و له ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة ريح نتنه،و هو فيها خالد ذائق العذاب العظيم،كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم،لا يفتر عنهم ساعة،و سقوا من حميم جهنم،ويل لهم من عذاب الله».

بأي وجه يلقى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و قد أثكله بريحانته،و سبطه،يقول منصور النمري:

ويلك يا قاتل الحسين لقد نؤت بحمل ينوء بالحامل

أي حباء حبوت أحمد في حفرته من حرارة الثاكل

بأي وجه تلقى النبي و قد دخلت في قتله مع القاتل

ص: 100

عمر الإمام و سنة شهادته

أما عمر الإمام عليه السّلام حين شهادته فقد اختلف فيه المؤرخون،و هذه بعض الأقوال:

1-58 سنة:و إليه ذهب معظم المؤرخين.

2-56 سنة:و إليه ذهب اليعقوبي و قال:لأنه ولد سنة 4 من الهجرة.

3-57 سنة.

4-65 سنة.

أما السنة التي استشهد فيها فهي سنة(61 ه)حسبما ذكره أغلب المؤرخين و هي تصادف سنة(680 م)في 10 اكتوبر تشرين الأول و ما ذكره الحجة الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء انه في«10 تموز»فإنه لا واقع له..يقول المؤرخون إنه كانت بين وفاة النبي صلّى اللّه عليه و اله و اليوم الذي قتل فيه الحسين خمسون سنة و لم يرع المسلمون أنه ريحانة نبيهم و سبطه الذي خلفه في أمته (1).

ص: 101


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:200/3-202.

مقتل الإمام الحسين و أصحابه و أهله برواية أبو مخنف

عن أبي مخنف-قال:حدثني أبو جناب عن عدي بن حرملة عن عبد اللّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:أقبل الحسين عليه السّلام حتى نزل شراف،فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار،ثم إن رجلا قال:اللّه اكبر،فقال الحسين:اللّه اكبر ما كبرت؟

قال:رأيت النخل،فقال له الاسديان:إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط،قالا:فقال لنا الحسين:فما تريانه رأى،قلنا:نراه رأى هوادى الخيل،فقال:و إنا و اللّه أرى ذلك.

فقال الحسين:أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد،فقلنا له:بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك،فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد،قال:فأخذ إليه ذات اليسار،قال:و ملنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادى الخيل فتبيناها و عدلنا،فلما رأونا و قد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كان اسنتهم اليعاسيب،و كان رأياتهم اجنحة الطير.

قال:فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه،فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت، و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحرين يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدو اسيافهم.

فقال الحسين لفتيانه:اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا.

ص: 102

فقام فتية و سقوا القوم من الماء حتى ارووهم و اقبلوا يملئون القصاع و الاتوار و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه ثلاثا أو اربعا أو خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها.

قال هشام:حدثني لقيط عن علي بن الطعان المحاربي:كنت مع الحر بن يزيد فجئت في آخر من جاء من أصحابه،فلما رأى الحسين ما بي و بفرسي من العطش قال:أنخ الراوية و الراوية عندي السقاء،ثم قال:يا بن أخي انخ الجمل فأنخته،فقال:

اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء،فقال الحسين:اخنث السقاء أي اعطفه،قال:فجعلت لا أدري كيف افعل،قال:فقام الحسين فخنثه فشربت و سقيت فرسي.

قال:و كان مجيء الحر بن يزيد و مسيره إلى الحسين من القادسية و ذلك ان عبيد اللّه بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين بن نمير التميمي و كان على شرطه فأمره أن ينزل القادسية و إن يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان، و قدم الحر بن يزيد بين يديه في هذه الالف من القادسية فيستقبل حسينا قال:فلم يزل موافقا حسينا حتى حضرت الصلوة صلوة الظهر،فأمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي ان يؤذن فاذن،فلما حضرت الاقامة خرج الحسين في ازار ورداء و نعلين فحمد اللّه و اثنى عليه،ثم قال:أيها الناس انها معذرة إلى اللّه عز و جل و إليكم، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ان اقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل اللّه يجمعنا بك على الهدى،فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم،فإن تعطوني ما اطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم،و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي اقبلت منه إليكم،قال:فسكتوا عنه و قالوا للمؤذن:اقم،فاقام الصلاة،فقال الحسين عليه السّلام للحر أتريد ان تصلى بأصحابك؟

قال:لا بلى تصلي أنت و نصلي بصلاتك،قال:فصلى بهم الحسين.

ثم إنه دخل و اجتمع إليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان به،فدخل

ص: 103

خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه و عاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه،ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها،فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إلى القوم بوجهه فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:أما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا و تعرفوا الحق لاهله يكن ارضى للّه،و نحن أهل البيت اولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان،و إن أنتم كرهتمونا و جعلتم حقنا (1)و كان رأيكم غير ما اتتنى كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر بن يزيد:انا و اللّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر،فقال الحسين:يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم إلى،فاخرج خرجين مملؤين صحفا فنشرها بين أيديهم،فقال الحر:فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد امرنا إذا نحن لقيناك إلا نفارقك حتى نقدمك على عبيد اللّه بن زياد،فقال له الحسين:

الموت ادنى إليك من ذلك.

ثم قال لأصحابه:قوموا فاركبوا،فركبوا و انتظروا حتى ركبت نساءهم،فقال لأصحابه:انصرفوا بنا،فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين للحر:ثكلتك امك ما تريد؟

قال:أما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل ان اقوله كائنا من كان،و لكن و اللّه مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه.

فقال له الحسين عليه السّلام:فما تريد؟

قال الحر:أريد و اللّه ان انطلق بك إلى عبيد اللّه بن زياد،قال له الحسين:إذا و اللّه لاح.

ص: 104


1- في الكامل:جهلتم حقنا و هو الصحيح.

اتبعك.

فقال له الحر:اذن و اللّه لا ادعك،فترادا القول ثلاث مرات،و لما كثر الكلام بينهما قال له الحر:إني لم أؤمر بقتالك و إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة،فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة و لا تردك إلى المدينة لتكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد و تكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت ان تكتب إليه أو إلى عبيد اللّه بن زياد إن شئت،فلعل اللّه إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك،قال:فخذ هيهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و بينه و بين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا.

ثم إن الحسين عليه السّلام سار في أصحابه و الحر يسايره.

قال أبو مخنف:عن عقبة بن أبي العيزار ان الحسين خطب أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:ايها الناس ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم قال:

من رآى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه،ناكثا لعهد اللّه،مخالفا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد اللّه بالاثم و العدوان،فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله.ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان،و تركوا طاعة الرحمن، و اظهروا الفساد و عطلوا الحدود،و استأثروا بالفيئ،و أحلوا حرام اللّه و حرموا حلاله،و إنا أحق من غير و قد أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني،فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم،فانا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة.و إن لم تفعلوا و نقضتم عهدكم و خلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر،لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم،و المغرور من اغتربكم،فحظكم اخطأتم و نصيبكم ضيعتم،و من نكث فانما ينكث على نفسه، و سيغنى اللّه عنك و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته و قال عقبة بن أبي العيزار:قام حسين عليه السّلام بذي حسم فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:انه قد نزل من الأمر قد ترون،

ص: 105

و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت جدا،فلم يبق منها الاصبابة كصبابة الاناء،و خسيس عيش كالمرعى الوبيل.

ألا ترون أن الحق لا يعمل به،و أن الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإني لا أرى الموت إلا شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.

قال:فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه:تكلمون أم أتكلم،قالوا:لا بل تكلم.

فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:قد سمعنا هداك اللّه يا بن رسول اللّه مقالتك،و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك و مواساتك لاثرنا الخروج معك على الاقامة فيها،قال:فدعا الحسين له ثم قال له خيرا.

و أقبل الحر يسايره و هو يقول له:يا حسين إني اذكرك اللّه في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن،و لئن قوتلت لتهلكن فيما أرى،فقال له الحسين:أفبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني،ما أدرى ما أقول لك،و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و لقيه و هو يريد نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال له:أين تذهب؟فإنك مقتول فقال:

سامضى و ما بالموت عار على الفتى إذا مانوى حقا و جاهد مسلما

و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا يغش و يرغما

قال:فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه و كان يسير بأصحابه في ناحية و حسين في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات و كان بها هجائن النعمان ترعى هنالك،فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له:الكامل و معهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه و هو يقول:

يا ناقتى لا تذعري من زجرى و شمّرى قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر حتى تحلى بكريم النحر

ص: 106

ثمت أبقاه بقاء الدهر قال:فلما انتهوا إلى الحسين أنشده هذه الابيات،فقال:أما و اللّه إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللّه بنا،قتلنا أم ظفرنا،قال:و أقبل إليهم الحر بن يزيد فقال:إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك و إنا حابسهم أو رادهم.

فقال له الحسين عليه السّلام:لا منعنهم مما أمنع منه نفسي،إنما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد كنت اعطيتني إلا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد،فقال:أجل، لكن لم يأتوا معك،قال:هم أصحابي و هم بمنزلة من جاء معى،فإن تممت على ما كان بيني و بينك و إلاّ ناجزتك،قال:فكف عنهم الحر.

قال:ثم قال لهم الحسين:أخبروني خبر الناس ورائكم،فقال له مجمع بن عبد اللّه العائذي و هو أحد النفر الاربعة الذين جاءوه:أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم،يستمال و دهم و يستخلص به نصيحتهم،فهم الب واحد عليك و أما سائر الناس بعد فإن افئدتهم تهوى إليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك.

قال:أخبرني فهل لكم برسولي إليكم؟

قالوا:من هو؟

قال:قيس بن مسهر الصيداوي،قالوا:نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك و يلعن أباك فصلى عليك و على ابيك و لعن ابن زياد و أباه و دعا إلى نصرتك و أخبرهم بقدومك،فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر،فترقرقت عينا حسين عليه السّلام و لم يملك دمعه ثم قال: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا،و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب مذخور ثوابك.

قال أبو مخنف:حدثني جميل بن مرثد من بني معن عن الطرماح بن عدى أنه دنا من الحسين فقال له:و اللّه إني لأنظر فما أرى معك أحدا،و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم،و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم

ص: 107

ظهر الكوفة و فيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه،فسألت عنهم فقيل:اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين،فانشدك اللّه ان قدرت على إلا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت،فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك اللّه به حتى ترى من رأيك و يستبين لك ما أنت صانع،فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى اجأ امتنعنا و اللّه به من ملوك غسان و حمير و من النعمان بن المنذر و من الاسود و الاحمر و اللّه ان دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى انزلك القرية ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ و سلمى من طيء،فو اللّه لا يأتي عليك عشرة أيام حتى ياتيك طئ رجالا و ركبانا ثم اقم فينا ما بدالك،فإن هاجك هيج فأنازعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك باسيافهم،و اللّه لا يوصل إليك أبدا و منهم عين تطرف.

فقال له:جزاك اللّه و قومك خيرا انه قد كان بيننا و بين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف و لا ندري علام تنصرف بنا و بهم الأمور في عاقبه.

قال أبو مخنف:فحدثني جميل بن مرثد قال:حدثني الطرماح ابن عدي:فودعته و قلت له:دفع اللّه عنك شر الجن و الانس إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة و معي نفقة لهم فآتيهم فاضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء اللّه،فإن الحقك فو اللّه لاكونن من أنصارك قال:فإن كنت فاعلا فعجل رحمك اللّه،قال:فعلمت انه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل،قال:فلما بلغت اهلي وضعت عندهم ما يصلحهم و اوصيت فأخذ أهلي يقولون:إنك لتصنع مرتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم،فأخبرتهم بما أريد.و اقبلت في طريق بني ثعل حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إلى فرجعت.

قال:و مضى الحسين عليه السّلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب.

قال أبو مخنف:حدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن الحسين بن علي رضي اللّه عنه قال:لمن هذا الفسطاط؟فقيل:لعبيد اللّه بن الحر الجعفي،قال:ادعوه

ص: 108

لي،و بعث إليه فلما أتاه الرسول قال:هذا الحسين بن علي يدعوك،فقال عبيد اللّه بن الحر:إنا للّه و إنا إليه راجعون،و اللّه ما خرجت من الكوفة إلا كراهة أن يدخلها الحسين و إنا بها،و اللّه ما أريد أراه و لا يراني،فأتاه الرسول فأخبره،فأخذ الحسين نعليه فانتعل ثم قام فجاءه حتى دخل عليه فسلم و جلس،ثم دعاه إلى الخروج معه، فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة،فقال:فالا تنصرنا فاتق اللّه أن تكون ممن يقاتلنا، فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك.

قال:أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء اللّه ثم قام الحسين عليه السّلام من عنده حتى دخل رحله.

قال أبو مخنف:حدثني عبد الرحمن بن حندب عن عقبة بن سمعان قال:لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء،ثم أمرنا بالرحى ففعلنا،قال:فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل و سرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه و هو يقول:إنا للّه و إنا إليه راجعون و الحمد للّه رب العالمين.

قال:ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.

قال:فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون و الحمد للّه رب العالمين،يا أبت جعلت فداك مم حمدت اللّه و استرجعت؟

قال:يأبني إني خفقت برأسي خفقة،فعن لي فارس على فرس،فقال:القوم يسيرون و المنايا تسرى إليهم،فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا،قال له:يا أبت لا أراك اللّه سوء ألسنا على الحق؟

قال:بلى و الذي إليه مرجع العباد،قال:يا أبت إذا لا نبالي نموت محقين،فقال له:

جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.

قال:فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب،فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم،فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان

ص: 109

الذي نزل به الحسين،قال:فإذا راكب على نجيب له و عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة،فوقفوا جميعا ينتظرونه،فلما انتهى إليهم سلم على الحر بن يزيد و أصحابه و لم يسلم على الحسين عليه السّلام و أصحابه،فدفع إلى الحر كتابا من عبيد اللّه بن زياد فإذا فيه:أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى و يقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء،و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام.

قال:فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر:هذا كتاب الأمير عبيد اللّه بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه و هذا رسوله،و قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه و أمره،فنظر إلى رسول عبيد اللّه يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثم النهدي فعن له،فقال:أمالك بن النسير البدي؟

قال:نعم و كان أحد كندة،فقال له يزيد بن زياد:ثكلتك امك ماذا جئت فيه؟

قال:و ما جئت فيه أطعت إمامي و وفيت ببيعتي.

فقال له أبو الشعثاء:عصيت ربك و أطعت امامك في هلاك نفسك،كسبت العار و النار،قال اللّه عز و جل:و جعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون فهو امامك..

قال:و أخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء،و لا فى قرية فقالوا:دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية يعنون الغاضرية أو هذه الأخرى يعنون شفية.

فقال:لا و اللّه ما استطيع ذلك،هذا رجل قد بعث إلى عينا فقال له زهير بن القين:يا ابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء اهون من قتال من يأتينا من بعدهم،فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به؟

فقال له الحسين:ما كنت لا بد أهم بالقتال،فقال له زهير بن القين:سربنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فانها حصينة و هي على شاطئ الفرات،فإن منعونا قاتلناهم

ص: 110

فقتالهم أهون علينا من قتال من يجئ من بعدهم،فقال له الحسين:و أية قرية هي؟

قال:هي العقر،فقال الحسين:أللهم إني أعوذ بك من العقر،ثم نزل و ذلك يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة 61.

فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في اربعة آلاف قال:و كان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السّلام ان عبيد اللّه بن زياد بعثه على اربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى و كانت الديلم قد خرجوا إليها و غلبوا عليها،فكتب إليه ابن زياد عهده على الري و امره بالخروج،فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين،فلما كان من أمر الحسين ما كان و أقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال:سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا و بينه سرت إلى عملك، فقال له عمر بن سعد:إن رأيت رحمك اللّه أن تعفيني فافعل،فقال له عبيد اللّه:نعم على أن ترد لنا عهدنا.

قال:فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد:أمهلني اليوم حتى أنظر.

قال:فانصرف عمر يستشير نصحاءه فلم يكن يستشير أحدا إلا نهاه قال:و جاء حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن اخته فقال انشدك اللّه يا خال ان تسير إلى الحسين عليه السّلام فتأثم بربك و تقطع رحمك،فو اللّه لان تخرج من دنياك و مالك و سلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من ان تلقى اللّه بدم الحسين،فقال له عمر بن سعد:

فإني افعل إن شاء اللّه.

قال هشام:حدثني عوانة بن الحكم عن عمار بن عبد اللّه بن يسار الجهني عن أبيه قال:دخلت على عمر بن سعد و قد أمر بالمسير إلى الحسين فقال:إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه،فقلت له:اصاب اللّه بك،ارشدك اللّه احل فلا تفعل و لا تسر إليه،قال:فخرجت من عنده فأتانى آت و قال:هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين قال:فأتيته فإذا هو جالس،فلما رآني اعرض بوجهه فعرفت انه قد عزم على المسير إليه،فخرجت من عنده.

ص: 111

قال:فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد فقال:أصلحك اللّه إنك و ليتني هذا العمل، و كتبت لي العهد و سمع به الناس،فإن رأيت ان تنفذ لي ذلك فافعل و ابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى و لا اجزأ عنك في الحرب منه فسمى له أناسا.

فقال له ابن زياد:لا تعلمني باشراف أهل الكوفة و لست استأمرك فيمن أريد أن ابعث،ان سرت بجندنا و إلاّ فابعث إلينا بعهدنا فلما رآه قد لج قال:فإني سائر،قال:

فأقبل في اربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.

قال:فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام عزرة بن قيس الاحمسي فقال:ائته فسله ما الذي جاء به و ما ذا يريد؟و كان عزرة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه ان يأتيه،قال:فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه و كلهم أبى و كرهه،قال:و قام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي و كان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شيئ،فقال:انا اذهب إليه و اللّه لئن شئت لافتكن به،فقال له عمر بن سعد:ما أريد ان يفتك به،و لكن ائته فسله ما الذي جاء به؟

قال:فأقبل إليه،فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين:أصلحك اللّه أبا عبد اللّه قد جاءك شر أهل الأرض و اجرأه على دم و افتكه،فقام إليه فقال:ضع سيفك،قال:لا و اللّه و لا كرامة إنما انا رسول،فإن سمعتم مني ابلغتكم ما ارسلت به إليكم،و إن ابيتم انصرفت عنكم-فقال له:فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك،قال:لا و اللّه لا تمسه،فقال له:أخبرني ما جئت به و إنا ابلغه عنك و لا ادعك تدنو منه فإنك فاجر، قال:فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.

قال:فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له:ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد؟

قال:فاتاه قرة بن قيس،فلما رآه الحسين مقبلا قال:اتعرفون هذا؟

فقال حبيب بن مظاهر:نعم هذا رجل من حنظلة تميمي و هو ابن اختنا و لقد كنت

ص: 112

اعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد قال:فجاء حتى سلم على الحسين و ابلغه رسالة عمر بن سعد إليه له،فقال الحسين عليه السّلام:كتب إلى أهل مصركم هذا أن اقدم،فأما اذكر هوني فانا انصرف عنهم.

قال:ثم قال له حبيب بن مظاهر:ويحك يا قرة بن قيس أنى ترجع إلى القوم الظالمين،انصر هذا الرجل الذي بآباءه ايدك اللّه بالكرامة،و ايانا معك،فقال له قرة:

ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي،قال:فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر،فقال له عمر بن سعد:إني لأرجو أن يعافيني اللّه من حربه و قتاله قال هشام عن أبي مخنف قال:حدثني النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي عن حسان بن فائد ابن أبي بكر العبسي،قال:أشهد ان كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد اللّه بن زياد و إنا عنده فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه و ماذا يطلب و يسأل؟

فقال:كتب إلى أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت،فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال:الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص قال:و كتب إلى عمر بن سعد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت،فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو و جميع أصحابه،فإذا فعل ذلك رأينا رأينا و السلام.

قال:فلما أتى عمر بن سعد الكتاب قال:قد حسبت ألا يقبل ابن زياد العافية (1).

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الأزدي قال:

جاء من عبيد اللّه بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد:أما بعد فحل بين الحسين8.

ص: 113


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:98.

و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عثمان بن عفان،قال:فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمس مئة فارس،فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء ان يسقوا منه قطرة،و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث.

قال:و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين إلا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا.

قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه،فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رايته يشرب حتى بغر،ثم يقىء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى،فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه.

قال:و لما اشتد على الحسين و أصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا،و استقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي،فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي:من الرجل فجئ ما جاء بك؟

قال:جئنا نشرب من هذا الماء الذي جلأتمونا عنه،قال:فاشرب هنيئا.

قال:لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان و من ترى من أصحابه فطلعوا عليه،فقال:لا سبيل إلى سقى هؤلاء،إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء،فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله:املؤوا قربكم فشد الرجالة فملؤوا قربهم و ثار إليهم عمرو ابن الحجاج و أصحابه،فحمل عليهم العباس بن علي و نافع بن هلال فكفوهم،ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا:امضوا،و وقفوا دونهم،فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه و اطردوا قليلا،ثم إن رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن انها ليست بشيء،ثم انها انتقضت بعد ذلك فمات منها.و جاء أصحاب الحسين بالقرب فأدخلوها عليه.

ص: 114

قال أبو مخنف:حدثني أبو جناب عن هاني بن ثبيت الحضرمي و كان قد شهد قتل الحسين قال:بعث الحسين عليه السّلام إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري أن القنى الليل بين عسكرى و عسكرك قال:فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا،و أقبل حسين في مثل ذلك،فلما التقوا أمر حسين أصحابه ان يتنحوا عنه،و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك،قال:فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع اصواتهما و لا كلامهما،فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع،ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه،و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد:أخرج معى إلى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين،قال عمر:اذن تهدم داري.

قال:أنا ابنيها لك.

قال:اذن تؤخذ ضياغي.

قال:اذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز.

قال:فتكره ذلك عمر،قال:فتحدث الناس بذلك و شاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه.

قال أبو مخنف:و أما ما حدثنا به المجالد بن سعيد و الصقعب بن زهير الأزدي و غيرهما من المحدثين فهو ما عليه جماعة المحدثين قالوا:أنه قال:اختاروا مني خصالا ثلاثا إما أن ارجع إلى المكان الذي اقبلت منه،و إما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بينى و بينه رأيه و إما ان تسيرونى إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله لي مالهم و علي ما عليهم.

قال أبو مخنف:فأما عبد الرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال:

صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة،و من مكة إلى العراق و لم أفارقه حتى قتل،و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها،ألا و اللّه ما أعطاهم ما يتذاكر

ص: 115

الناس و ما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية و لا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين،و لكنه قال:دعوني فلا ذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.

قال أبو مخنف:حدثني المجالد بن سعيد الهمداني و الصقعب بن زهير انهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا حسين و عمر بن سعد،قال:فكتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فإن اللّه قد اطفأ النائرة،و جمع الكلمة،و أصلح أمر الأمة،هذا حسين قد اعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه أتى،أو أن نسيره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا،فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم،أو ان يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه،و في هذا لكم رضى و للامة صلاح قال:فلما قرأ عبيد اللّه الكتاب قال:هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه نعم قد قبلت.

قال:فقام إليه شمر بذي الجوشن فقال:اتقبل هذا منه؟و قد نزل بارضك إلى جنبك،و اللّه لأن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة و العز و لتكونن أولى بالضعف و العجز،فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه،فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة،و إن غفرت كان ذلك لك، و اللّه لقد بلغني أن حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل،فقال له ابن زياد:نعم ما رأيت الرأي رأيك.

قال أبو مخنف:فحدثنى سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:ثم إن عبيد اللّه بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له:أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي،فإن فعلوا فليبعث بهم إلى سلما،و إن هم أبوا فليقاتلهم،فإن فعل فاسمع له و اطع،و إن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس و ثب عليه فاضرب عنقه و ابعث إلى برأسه.

قال أبو ممخنف حدثني أبو جباب الكلبي قال:ثم كتب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن

ص: 116

سعد،أما بعد فإني لم ابعثك إلى حسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتقعد له عندي شافعا،انظر فإن نزل حسين و أصحابه على الحكم و استسلموا فابعث بهم إلى سلما،و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتل حسين فأوط الخيل صدره و ظهره،فإنه عاق مشاق،قاطع ظلوم،و ليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا و لكن على قول لو قد قتلته فعلت هذا به،ان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا و السلام.

قال أبو مخنف:عن الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن شريك العامري قال:لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو و عبد اللّه بن أبي المحل و كانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السّلام،فولدت له العباس و عبد اللّه و جعفرا و عثمان،فقال عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب ابن عامر بن كلاب:أصلح اللّه الأميران بني اختنا مع الحسين فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت.

قال:نعم و نعمة عين،فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا فبعث به عبد اللّه بن أبي المحل مع مولى له يقال له:كزمان،فلما قدم عليهم دعاهم فقال:هذا أمان بعث به خالكم، فقال له الفتية:أقرئ خالنا السلام و قل له:إن لا حاجة لنا في أمانكم،أمان اللّه خير من أمان ابن سمية.

قال:فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد،فلما قدم به عليه فقرأ قال له عمر:مالك ويلك لاقرب اللّه دارك و قبح اللّه ما قدمت به علي، و اللّه إني لاظنك أنت ثنيته ان يقبل ما كتبت به إليه،أفسدت علينا امرا كنا رجونا ان يصلح،لا يستسلم و اللّه حسين ان نفسا ابية لبين جنبيه،فقال له شمر:أخبرني ما أنت صانع؟أتمضي لأمر أميرك و تقتل عدوه و إلاّ فخل بيني و بين الجند و العسكر.

ص: 117

قال:لا و لا كرامة لك،و إنا اتولى ذلك.

قال:فدونك و كن أنت على الرجال قال:فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم،قال:و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال:أين بنو اختنا؟ فخرج إليه العباس و جعفر و عثمان بنو على فقالوا له:مالك و ما تريد؟

قال:أنتم يا بني اختي آمنون،قال له الفتية:لعنك اللّه و لعن أمانك لإن كنت خالنا أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له؟

قال:ثم إن عمر بن سعد نادى يا خيل اللّه اركبي و أبشري فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلوة العصر،و حسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه،و سمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت:يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت؟

قال:فرفع الحسين رأسه فقال:إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام فقال لي:إنك تروح إلينا،قال:فلطمت اخته وجهها و قالت:يا ويلتي،فقال ليس لك الويل يا اخية، اسكتي رحمك الرحمن و قال العباس بن علي:يا أخي اتاك القوم،قال:فنهض ثم قال:يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم:ما لكم و ما بدالكم؟ و تسألهم عما جاء بهم.

فأتاهم العباس فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر،فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون؟

قالوا:جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو ننازلكم،قال:فلا تعجلون حتى ارجع إلى أبي عبد اللّه فاعرض عليه ما ذكرتم قال:فوقفوا ثم قالوا:

القه فأعلمه ذلك،ثم القنا بما يقول:قال:فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين يخبره بالخبر،و وقف أصحابه يخاطبون القوم.

فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين:كلم القوم إن شئت و إن شئت كلمتهم، فقال له زهير أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم فقال له حبيب بن مظاهر:أما و اللّه

ص: 118

لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه،قتلوا ذرية نبيه عليه السّلام و عترته و اهل بيته صلّى اللّه عليه و اله و عباد أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار و الذاكرين اللّه كثيرا فقال له عزرة بن قيس:إنك لتزكي نفسك ما استطعت،فقال له زهير:يا عزرة إن اللّه قد زكاها و هداها، فاتق اللّه يا عزرة فإني لك من الناصحين انشدك اللّه يا عزرة ان تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية،قال:يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا.

قال:أفلست تستدل بموقفي هذا إني منهم؟أما و اللّه ما كتبت إليه كتابا قط،و لا أرسلت إليه رسولا قط،و لا وعدته نصرتي قط،و لكن الطريق جمع بيني و بينه،فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مكانه منه،و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم فرأيت ان انصره و إن أكون في حزبه و ان اجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق اللّه و حق رسوله عليه السّلام.

قال:و أقبل العباس بن علي يركض حتى انتهى إليهم فقال:يا هؤلاء إن أبا عبد اللّه يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر،فإن هذا أمر لم يجر بينكم و بينه فيه منطق،فإذا أصحبنا التقينا إن شاء اللّه فأما رضيناه فاتينا بالأمر الذي تسألونه و تسومونه او كرهنا فرددناه و إنما أراد بذلك ان يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره و يوصى أهله،فلما اتاهم العباس بن علي بذلك قال عمر بن سعد:

ما ترى يا شمر؟

قال:ما ترى أنت،أنت الأمير و الرأي رأيك،قال:قد أردت أن لا أكون،ثم أقبل على الناس فقال:ما ذا ترون؟

فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي:سبحان اللّه و اللّه لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغى لك أن تجيبهم إليها.

و قال قيس بن الأشعث:اجبهم إلى ما سألوك،فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة.

فقال:و اللّه لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية،قال:و كان العباس بن علي حين

ص: 119

أتى حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد قال:ارجع إليهم،فإن استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة و تدفعهم عند العشية لعلنا نصلى لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره،فهو يعلم إني قد كنت احب الصلوة له و تلاوة كتابه كثرة الدعاء و الاستغفار (1).

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن شريك العامرى عن علي بن الحسين قال:أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يسمع الصوت فقال:انا قد أجلناكم إلى غد،فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى أميرنا عبيد اللّه بن زياد،و إن أبيتم فلسنا تاركيكم.

قال أبو مخنف:و حدثني عبد اللّه بن عاصم الفائشي عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقى بطن من همدان ان الحسين بن علي عليه السّلام جمع أصحابه.

قال أبو مخنف:و حدثني أيضا الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه بن شريك العامري عن على بن الحسين قالا:جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد و ذلك عند قرب المساء،قال علي بن الحسين عليه السّلام:فدنوت منه لأسمع و إنا مريض فسمعت أبي و هو يقول لأصحابه:أثني على اللّه تبارك و تعالى أحسن الثناء،و أحمده على السراء و الضراء،اللهم إني أحمدك على ان اكرمتنا بالنبوة،و علمتنا القرآن،و فقهتنا في الدين،و جعلت لنا اسماعا و ابصارا و افئدة و لم تجعلنا من المشركين،أما بعد فإني لا أعلم أصحابا اولى و لا خيرا من أصحابي،و لا أهل بيت ابر و لا أوصل من أهل بيتي،فجزاكم اللّه عني جميعا خيرا،ألا و إني أظن يومنا من هؤلاء الاعداء غدا،ألا و إني قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام،هذا اليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

قال أبو مخنف:حدثنا عبد اللّه بن عاصم الفائشي بطن من همدان عن الضحاك ابن عبد اللّه المشرقي قال:قدمت و مالك بن النضر الارحبي على الحسين فسلمنا7.

ص: 120


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:107.

عليه ثم جلسنا إليه،فرد علينا و رحب بنا و سألنا عما جئنا له؟فقلنا:جئنا لنسلم عليك و ندعو اللّه لك بالعافية،و نحدث بك عهدا و نخبرك خبر الناس،و إنا نحدثك أنهم قد جمعوا على حربك فررأيك.

فقال الحسين عليه السّلام:حسبي اللّه و نعم الوكيل،قال:فتذممنا و سلمنا عليه و دعونا اللّه له،قال:فما يمنعكما من نصرتي؟

فقال مالك بن النضر:على دين ولي عيال،فقلت له:إن على دينا و إن لي لعيالا و لكنك ان جعلتني في حل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا قال:قال:فأنت في حل،فاقمت معه فلما كان الليل قال:هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي،ثم تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج اللّه،فإن القوم إنما يطلبوني و لو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري.

فقال له اخوته و ابناءه و بنو أخيه و ابنا عبد اللّه بن جعفر:لم نفعل لنبقى بعدك؟لا أرانا اللّه ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي،ثم إنهم تكلموا بهذا و نحوه.

فقال الحسين عليه السّلام:يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم،اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا:فما يقول الناس؟يقولون:إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الاعمام و لم نرم معهم بسهم،و لم نطعن معهم برمح،و لم نضرب معهم بسيف،و لا ندري ما صنعوا لا و اللّه لا نفعل و لكن نفديك أنفسنا و اموالنا و اهلونا و نقاتل معك حتى نرد موردك،فقبح اللّه العيش بعدك.

قال أبو مخنف:حدثني عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:

فقام إليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال:انحن نخلي عنك و لما نعذر إلى اللّه في اداء حقك.أما و اللّه لا افارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي و اضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك،قال:و قال سعد بن عبد اللّه الحنفي:و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه انا قد

ص: 121

حفظنا غيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيك،و اللّه لو علمت إني أقتل ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك،فكيف ألا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة،ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

قال:و قال زهير بن القين:و اللّه لوددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة و إن اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك، قال:و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فقالوا:و اللّه لا نفارقك و لكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا و جباهنا و ايدينا فإذا نحن قتلنا كنا و فينا و قضينا ما علينا.

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن كعب و أبو الضحاك عن علي بن الحسين بن علي قال:إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها و عمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له و عنده حوى مولى أبي ذر الغفاري و هو يعالج سيفه و يصلحه و ابي يقول:

يا دهر أف لك من خليل كم لك بالاشراق و الاصيل

من صاحب أو طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنما الأمر إلى الجليل و كل حي سالك السبيل

قال:فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد فخنقتني عبرتي فرددت دمعي و لزمت السكون فعلمت ان البلاء قد نزل،فأما عمتي فانها سمعت ما سمعت و هي امرأة و في النساء الرقة و الجزع،فلم تملك نفسها ان و ثبت تجر ثوبها و انها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت:و اثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت فاطمة أمي،و علي أبي،و حسن أخي،يا خليفة الماضي و ثمال الباقي.

قال:فنظر إليها الحسين عليه السّلام فقال:يا اخية لا يذهبن بحلمك الشيطان،قالت:بابي أنت و امي يا أبا عبد اللّه استقتل نفسي فداك،فرد غصته و ترقرقت عيناه و قال:لو ترك القطاء ليلا لنام.

ص: 122

قالت عليها السّلام:يا ويلتي افتغصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي و اشد على نفسي، و لطمت وجهها و اهوت إلى جيبها و شقته و خرت مغشيا عليها.

فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء و قال لها:يا اخية اتقي اللّه،و تعزى بعزاء اللّه،و اعلمي أن أهل الأرض يموتون،و إن أهل السماء لا يبقون،و إن كل شيء هالك إلا وجه اللّه الذي خلق الأرض بقدرته،و يبعث الخلق فيعودون و هو فرد وحده، أبي خير مني،و امي خير مني،و أخي خير مني،و لي و لهم و لكل مسلم برسول اللّه اسوة.

قال:فعزاها بهذا و نحوه و قال لها:يا اخية إني اقسم عليك فأبري قسمى و لا تشقي علي جيبا،و لا تخمشي علي وجها،و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا أنا هلكت.

قال:ثم جاء بها حتى أجلسها عندي،و خرج إلى أصحابه،فأمرهم أن يقربوا بعض بيوتهم من بعض،و أن يدخلوا الاطناب بعضها في بعض،و أن يكونوا هم بين البيوت إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم.

قال أبو مخنف:عن عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:فلما أمسى حسين و أصحابه قاموا الليل كله يصلون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون.قال:فمر بنا خيل لهم تحرسنا و إن حسينا ليقرأ وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (1)ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب،فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال:نحن و رب الكعبة الطيبون ميزنا منكم،قال:

فعرفته و قلت لبرير بن حضير:تدري من هذا؟

قال:لا.3.

ص: 123


1- سورة آل عمران رقم الاية 173.

قلت:هذا أبو حرب السبيعي عبد اللّه بن شهر و كان مضحاكا بطالا و كان شريفا شجاعا فاتكا،و كان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية،و قال له برير بن حضير:

يا فاسق أنت يجعلك اللّه في الطيبين؟

فقال له:من أنت؟

قال:انا برير بن حضير،قال:إنا للّه،عزّ عليّ هلكت و اللّه هلكت و اللّه يا برير،قال:يا أبا حرب هل لك أن تتوب إلى اللّه من ذنوبك العظام؟فو اللّه انا لنحن الطيبون،و لكنكم لانتم الخبيثون،قال:و إنا على ذلك من الشاهدين،قلت:ويحك افلا ينفعك معرفتك؟

قال جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل؟

قال:ها هو ذا معي.

قال:قبح اللّه رأيك على كل حال أنت سفيه.

قال:ثم انصرف عنا و كان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الاحمسي و كان على الخيل،قال:فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت و قد بلغنا أيضا انه كان يوم الجمعة و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس.

قال:و عبأ الحسين أصحابه و صلى بهم صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا،و اربعون راجلا،فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه،و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه،و اعطى رايته العباس بن علي أخاه،و جعلوا البيوت في ظهورهم،و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت تحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم،قال:و كان الحسين عليه السّلام أتى بقصب و حطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل فجعلوه كالخندق،ثم القوا فيه ذلك الحطب و القصب و قالوا:إذا عدوا علينا فقاتلونا القينا فيه النار كيلا نوتى من و رائنا،و قاتلونا القوم من وجه واحد،ففعلوا و كان لهم نافعا.

قال أبو مخنف:حدثني فضيل بن خديج الكندي عن محمد بن بشر عن عمرو

ص: 124

الحضرمي قال:لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد اللّه بن زهير بن سليم الأزدي،و على ربع مذحج و أسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي و على ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث بن قيس،و على ربع تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي،فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين عليه السّلام إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين و قتل معه.و جعل عمر على ميمنته عمرو بن حجاج الزبيدي، و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الاعور بن عمر بن معاوية و هو الضباب بن كلاب،و على الخيل عزرة بن قيس الاحمسي،و على الرجال شبث ابن ربعي اليربوعي،و أعطى الراية ذويدا مولاه.

قال أبو مخنف:حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري قال:كنت مع مولاي فلما حضر الناس و اقبلوا إلى الحسين أمر الحسين بفسطاط فضرب،ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة قال:ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال:و مولاي عبد الرحمن بن عبد ربه و برير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما أيهما يطل على أثره،فجعل برير يهازل عبد الرحمن:فقال له عبد الرحمن:

دعنا فو اللّه ما هذه بساعة باطل فقال له برير:و اللّه لقد علم قومي إني ما احببت الباطل شابا و لا كهلا و لكن و اللّه إني لمستبشر بما نحن لاقون و اللّه ان بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا باسيافهم،و لوددت أنهم قد مالوا علينا باسيافهم،قال:فلما فرغ الحسين دخلنا فاطلينا.

قال:ثم إن الحسين ركب دابته و دعا بمصحف فوضعه امامه،قال:فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا،فلما رأيت القوم قد صرعوا افلت و تركتهم.

قال أبو مخنف:عن بعض أصحابه عن أبي خالد الكاهلي قال:لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه فقال:اللهم أنت ثقتي في كل كرب،و رجائي في كل شدة و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة،كم من هم يضعف فيه الفؤاد و تقل فيه

ص: 125

الحيلة،و يخذل فيه الصديق،و يشمت فيه العدو،انزلته بك و شكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته و كشفته فأنت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة.

قال أبو مخنف:فحدثني عبد اللّه بن عاصم،قال:حدثني الضحاك المشرقي،قال:

لما اقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كنا الهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا،إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الاداة.فلم يكلمنا حتى مر على ابياتنا،فنظر إلى ابياتنا فإذا هو لا يرى إلى حطبا تلتهب النار فيه فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته:يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة.

فقال الحسين عليه السّلام:من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن،فقالوا:نعم أصلحك اللّه هو هو.

فقال:يا بن راعية المعزى أنت اولى بها صليا.

فقال له مسلم بن عوسجة:يا بن رسول اللّه جعلت فداك إلا أرميه بسهم فإنه قد أمكنني و ليس يسقط سهم فالفاسق من أعظم الجبارين،فقال له الحسين:لا ترمه، فإني اكره أن أبدأهم،و كان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علي بن الحسين،قال:فلما دنا منه القوم عاد براحلته فركبها.

ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس:أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوني حتى اعظكم بما لحق لكم علي،و حتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم،فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و اعطيتموني النصف كنتم بذلك اسعد و لم يكن لكم علي سبيل،و إن لم تقبلوا مني العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم فاجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون، إن وليي اللّه الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين قال:فلما سمع اخواته كلامه هذا صحن و بكين و بكى بناته فارتفعت اصواتهن،فارسل إليهن أخاه العباس بن

ص: 126

علي و عليا ابنه و قال لهما:اسكتاهن،فلعمي ليكثرن بكائهن،قال:فلما ذهبا ليسكتاهن.

قال:لا يبعد ابن عباس.

قال:فظننا انه إنما قالها حين سمع بكائهن لانه قد كان نهاه ان يخرج بهن.فلما سكتن حمد اللّه و اثنى عليه و ذكر اللّه بما هو أهله،و صلى على محمد صلّى اللّه عليه و اله و على ملائكته و انبيائه فذكر من ذلك ما اللّه اعلم و ما لا يحصى ذكره،قال:فو اللّه ما سمعت متكلما قط قبله و لا بعده ابلغ في منطق منه ثم قال:أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا؟ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم صلّى اللّه عليه و اله و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين باللّه و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟او ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟او ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟ا و لم يبلغكم قول مستفيض فيكم:إن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و آله و سلم قال لي و لاخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة؟فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق و اللّه ما تعمدت كذبا مذ علمت إن اللّه يمقت عليه أهله و يضربه من اختلفه،و إن كذبتموني فإن فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري أو أبا سعيد الخدري،أو سهل بن سعد الساعدي، او زيد بن أرقم أو أنس بن مالك،يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لي و لاخي،أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟

فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد اللّه على حرف إن كان يدري:ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر:و اللّه إني لاراك تعبد اللّه على سبعين حرفا،و إنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول،قد طبع اللّه على قلبك.

ثم قال لهم الحسين عليه السّلام:فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أتى ابن بنت نبيكم؟فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم،أنا ابن بنت نبيكم خاصة،أخبروني اتطلبوني بقتيل منكم قتلته!أو مال لكم

ص: 127

استهلكته؟أو بقصاص من جراحة؟

قال:فأخذوا لا يكلمونه.

قال:فنادى يا شبث بن ربعي،و يا حجار بن أبجر،و يا قيس بن الأشعث،و يا يزيد بن الحارث،الم تكتبوا إلى أن قد اينعت الثمار،و اخضر الجناب،و طمت الجمام، و إنما تقدم على جند لك مجند فأقبل.

قالوا له:لم نفعل.

فقال:سبحان اللّه بلى و اللّه لقد فعلتم.

ثم قال:أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمنى من الأرض، قال:فقال له قيس بن الأشعث:أو لا تنزل على حكم بني عمك؟فإنهم لن يروك إلا ما تحب،و لن يصل إليك منهم مكروه.

فقال له الحسين:أنت أخو أخيك،اتريد ان يطلبك بنو هاشم باكثر من دم مسلم بن عقيل؟لا و اللّه لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل،و لا أقر اقرار العبيد.عباد اللّه إني عذت بربي و ربكم ان ترجمون،اعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب قال:ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة ابن سمعان فعقلها و أقبلوا يزحفون نحوه.

قال أبو مخنف:فحدثني علي بن حنظلة بن اسعد الشامي عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قتل يقال له:كثير بن عبد اللّه الشعبي قال:لما زحفنا قبل الحسين خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح.

فقال:يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار إنّ حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم،و نحن حتى الآن أخوة و على دين واحد و ملة واحدة ما لم يقع بيننا و بينكم السيف،و أنتم للنصيحة منا أهل،فإذا وقع السيف انقطعت العصمة.و كنا أمة و أنتم أمة،إن اللّه قد ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله لينظر ما نحن و أنتم عاملون،انا ندعوكم إلى نصرهم و خذلان الطاغية عبيد اللّه بن زياد.فإنكم لا تدركون منهما إلا

ص: 128

بسوء عمر سلطانهما كله ليسملان اعينكم و يقطعان ايديكم و ارجلكم و يمثلان بكم و يرقعانكم على جذوع النخل و يقتلان اماثلكم و قراءكم امثال حجر بن عدي و أصحابه و هاني بن عروة و اشباهه.

قال:فسبوه و أثنوا على عبيد اللّه بن زياد و دعوا له و قالوا:و اللّه لا نبرح حتى نقتل صاحبك و من معه أو نبعث به و بأصحابه إلى الأمير عبيد اللّه سلما فقال لهم:عباد اللّه و إن ولد فاطمة رضو إن اللّه عليها أحق بالود و النصر من ابن سمية فإن لم تنصروهم فاعيذكم باللّه ان تقتلوهم فخلوا بين هذا الرجل و بين ابن عمه يزيد بن معاوية فلعمري أن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

قال:فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم و قال:اسكت اسكت اللّه نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك.

فقال له زهير:يا بن البوال على عقبيه ما أياك أخاطب،إنما أنت بهيمة و اللّه ما أظنك تحكم من كتاب اللّه آيتين فابشر بالخزى يوم القيامة و العذاب الأليم.

فقال له شمر:إن اللّه قاتلك و صاحبك عن ساعة،قال:أفبالموت تخوفني؟فو اللّه للموت معه أحب إلي من الخلد معكم.

قال:ثم أقبل على الناس رافعا صوته فقال:عباد اللّه لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الخافى و أشباهه،فو اللّه لا تنال شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و اله قوما هراقوا دماء ذريته و أهل بيته و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم.

قال:فناداه رجل فقال له:إن أبا عبد اللّه يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و ابلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الابلاغ.

قال أبو مخنف:عن أبي جناب الكلبي عن عدي بن حرملة قال:ثم إن الحر بن يزد لما زحف عمر بن سعد قال له:أصلحك اللّه مقاتل أنت هذا الرجل؟

قال:أي و اللّه قتالا ايسره أن يسقط الرؤوس و تطيح الايدي،قال افما لكم في

ص: 129

واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟

قال عمر بن سعد:أما و اللّه لو كان الأمر الي لفعلت و لكن أميرك قد أبى ذلك.

قال:فأقبل حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له:قرة بن قيس فقا:يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟

قال:لا.

قال:إنما تريد أن تسقيه؟

قال:فظننت و اللّه أنه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال و كره أن أراه حين يصنع ذلك،فيخاف أن أرفعه عليه،فقلت له:لم أسقه و إنا منطلق فساقيه.

قال:فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه قال:فو اللّه لو انه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين،قال:فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا،فقال له رجل من قومه يقال له:المهاجرين الاوس:ما تريد يا بن يزيد؟أتريد ان تحمل؟فسكت و أخذه مثل العرواء،فقال له:يا بن يزيد و اللّه ان أمرك لمريب،و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن،و لو قيل لي من اشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك،قال:إني و اللّه اخير نفسي بين الجنة و الجنار،و و اللّه لا اختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت.

ثم ضرب فرسه فلحق بحسين عليه السّلام فقال له:جعلني اللّه فداك يا بن رسول اللّه انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق،و جعجعت بك في هذا المكان،و اللّه الذي لا إله إلا هو ما ظننتان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا، و لا يبلغون منك هذه المنزلة،فقلت في نفسي لا أبالي ان اضيع القوم في بعض امرهم و لا يرون إني خرجت من طاعتهم،و أما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم،و و اللّه لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، و إني قد جئتك تائبا مما كان مني الي ربي و مواسيا لك بنفسي حتى اموت بين يديك،افترى ذلك لي توبة؟

ص: 130

قال:نعم يتوب اللّه عليك و يغفر لك ما اسمك؟

قال:انا الحر بن يزيد،قال:أنت الحر كما سمتك أمك،أنت الحر إن شاء اللّه في الدنيا و الآخرة أنزل،قال:أنا لك فارسا خير مني راجلا،أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النزول ما يصير آخر أمرى،قال الحسين:فاصنع يرحمك اللّه ما بدالك.

فاستقدم أمام أصحابه ثم قال:أيها القوم إلا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم اللّه من حربه و قتاله؟

قالوا:هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه،فكلمه بمثل ما كلمه به قبل و بمثل ما كلم به أصحابه،قال عمر:قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت.

فقال:يا أهل الكوفة لامكم الهبل و العبر إذ دعوتموه حتى إذا اتاكم اسلمتموه و زعمتم إنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه،امسكتم بنفسه و أخذتم بكظمه،و احطتم به من كل جانب،فمنعتموه التوجه في بلاد اللّه العريضة حتى يأمن و يأمن أهل بيته،و أصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع ضرا، و خلاءتموه و نساءه و اهل بيته و أصحابه عن ماء الفرات الجارى الذي يشربه اليهودي و المجوسي و النصراني و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه،و هاهم قد صرعهم العطش،بئسما خلفتم محمدا في ذريته،لا اسقاكم اللّه يوم الظماء ان لم تتوبوا و تنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه،فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين.

قال:أبو مخنف عن الصعقب بن زهير و سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:و زحف عمر بن سعد نحوهم ثم بادى:يا زويد أدن رأيتك،قال:فادناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال:اشهدوا إني أول من رمى (1).

قال أبو مخنف:حدثني أبو جناب قال:كان منا رجل يدعى عبد اللّه بن عمير من3.

ص: 131


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:123.

بني عليم كان قد نزل الكوفة و اتخذ عنه بئر الجعد من همدان دارا،و كانت معه امرأة له من النمرين قاسط يقال لها أم وهب بنت عبد،فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين،قال:فسأل عنهم فقيل له:يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:و اللّه لو قد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا و إني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند اللّه من ثوابه إياي في جهاد المشركين.

فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع و أعلمها بما يريد فقالت:أصبت أصاب اللّه بك،أرشد أمورك،افعل و أخرجني معك،قال:فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا فأقام معه،فلما دنا منه عمر بن سعد و رمى بسهم ارتمى الناس،فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان و سالم مولى عبيد اللّه بن زياد فقالا:من يبارز ليخرج إلينا بعضكم.

قال:فوثب حبيب بن مظاهر و برير بن حضير فقال لهما الحسين:اجلسا،فقام عبد اللّه بن عمير الكلبي فقال:أبا عبد اللّه رحمك اللّه ائذن لي فلا خرج إليهما،فرأى الحسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين،بعيد ما بين المنكبين،فقال الحسين عليه السّلام:

إني لأحسبه للاقران قتالا،أخرج إن شئت.

قال:فخرج إليهما،فقالا له:من أنت؟فانتسب لهما،فقالا:لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين،أو جيب بن مظاهر،أو برير بن حضير،و يسار مستنتل أمام سالم، فقال له الكلبي:يا بن الزانية و بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس و يخرج إليك أحد من الناس إلا و هو خير منك،ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم،فصاح به قد رهقك العبد،قال:فلم يأبه له حتى غشيه،فبدره الصربة فاتقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى،ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله،و أقبل الكلبي مرتجزا و هو يقول و قد قتلهما جميعا:

إن تنكروني فأنا بن كلب حسبي ببيتي في عليم حسبي

ص: 132

إني امرؤ ذو مرة و عصب و لست بالخوار عند النكب

إني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم مقدما و الضرب

ضرب غلام مؤمن بالرب

فأخذت أم وهب امرأته عمودا ثم اقبلت نحو زوجها تقول له:فداك أبي و امي قاتل دون الطيبين ذرية محمد،فأقبل إليها يردها نحو النساء،فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت:إني لن ادعك دون أن اموت معك،فناداها حسين فقال:جزيتم من أهل بيت خيرا،ارجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهن فإنه ليس على النساء قتال، فانصرفت إليهن قال:و حمل عمرو بن الحجاج و هو على ميمنة الناس في الميمنة فلما أن دنا من حسين جثوا له على الركب و اشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالا و جرحوا منهم آخرين.

قال أبو مخنف:فحدثني حسين أبو جعفر قال:ثم إن رجلا من بني تميم يقال له:

عبد اللّه بن حوزة جاء حتى وقف أمام الحسين فقال:يا حسين يا حسين فقال له حسين ما تشاء؟

قال:أبشر بالنار،قال:كلا إني اقدم على رب رحيم و شفيع مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة،قال:رب حزه إلى النار،قال:فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه،و تعلقت رجله بالركاب و وقع راسه في الأرض و نفر الفرس فأخذه يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتى مات.

قال أبو مخنف:و أما سويد بن حية فزعم لي ان عبد اللّه بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب و ارتفعت اليمنى فطارت و عدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر واصل شجرة حتى مات.

قال أبو مخنف:عن عطاء عن عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن اخيه مسروق بن وائل قال:كنت في اوائل الخيل ممن سار إلى الحسين فقلت:

ص: 133

أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين فاصيب به منزلة عند عبيد اللّه بن زياد، قال:فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له:ابن حوزة فقال:افيكم حسين؟

قال:فسكت حسين فقالها ثانية فأسكت حتى إذا كانت الثالثة قال:قولو له نعم هذا حسين فما حاجتك؟

قال:يا حسين أبشر بالنار،قال:كذبت بل اقدم على رب غفور و شفيع مطاع،فمن أنت؟

قال:ابن حوزة،قال:فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض ابطيه من فوق الثياب.

ثم قال:اللهم حزه إلى النار،قال:فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس و بينه و بينه نهر،قال:فعلقت قدمه بالركاب و جالت به الفرس فسقط عنها،قال:

فانقطعت قدمه و ساقه و فخذه و بقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب،قال:فرجع مسروق و ترك الخيل من ورائه،قال:فسئلته فقال:لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا قال:و نشب القتال.

قال أبو مخنف:و حدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس و كان قد شهد مقتل الحسين قال:و خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة و هو حليف لبني سليمة من عبد القيس فقال:يا برير بن حضير كيف ترى اللّه صنع بك؟

قال:صنع اللّه و اللّه بي خيرا و صنع اللّه بك شرا،قال:كذبت و قبل اليوم ما كنت كذابا،هل تذكروانا أما شيك في بني لوذان و أنت تقول:إن عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفا،و إن معاوية بن أبي سفيان ضال مضل،و إن إمام الهدى و الحق علي ابن أبي طالب،فقال له برير:اشهد ان هذا رايي و قولي،فقال له يزيد بن معقل:فإني اشهد أنك من الضالين،فقال له برير بن حضير:هل لك فلا بأهلك و لندع اللّه ان يلعن الكاذب و إن يقتل المبطل،ثم أخرج فلا بارزك.

ص: 134

قال:فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللّه يدعو انه ان يلعن الكاذب و إن يقتل المحق المبطل،ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة لم تضره شيئا،و ضربه برير بن حضير ضربة قدت المغفر و بلغت الدماغ فخر كانما هوى من حالق،و إن سيف ابن حضير لثابت في رأسه،فكأني انظر إليه ينضنضه من رأسه،و حمل عليه رضى بن منقذ العبدى فاعتنق بريرا فاعتركا ساعة.

ثم إن برير قعد على صدره فقال:أين أهل المصاع و الدفاع،قال:فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه،فقلت:إن هذا برير بن حضير القارىء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد،فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره،فلما وجه مس الرمح برك عليه فعض بوجهه و قطع طرف أنفه،فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه،و قد غيب السنان في ظهره،ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتى قتله.

قال عفيف:كأني انظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه و يقول:

أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبدا.

قال:فقلت:أنت رأيت هذا؟

قال:نعم رأى عيني و سمع أذني،فلما رجع كعب بن جابر قالت له أمراته أو أخته النوار بنت جابر:اعنت علي ابن فاطمة و قتلت سيد القراء لقد أتيت عظيما من الأمر و اللّه لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا و قال كعب بن جابر:

سلى تخبري عني و أنت ذميمة غداة حسين و الرماح شوارع

الم آت أقصى ما كرهت و لم يخل على غداة الروع ما أنا صانع

معي يزني لم تخنه كعوبه و أبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم بدينى و إني بابن حرب لقانع

و لم تر عيني مثلهم في زمانهم و لا قبلهم في الناس إذ أنا يافع

أشد قراعا بالسيوف لدى الوغا ألاكل من يحمى الذمار مقارع

ص: 135

و قد صبروا للطعن و الضرب حسرا و قد نازلوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد اللّه أما لقيته باني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم حملت نعمة أبا منقذ لما دعا من يماصع

قال أبو مخنف:حدثني عبد الرحمن بن جندب قال:سمعته في امارة مصعب بن الزبير و هو يقول:يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر،فقال له أبي:

صدق و لقد وفى و كرم و كسبت لنفسك سوء،قال:كلا إني لم أكسب لنفسي شرا و لكني كسبت لها خيرا.

قال:و زعموا أن رضى بن منقذ العبدى رد بعد على كعب بن جابر جواب قوله فقال:لو شاء ربي ما شهدت قتالهم و لا جعل النعماء عندي ابن جابر لقد كان ذاك اليوم عارا و سبة يعيره الابناء بعد المعاشر فيا ليت إني كنت من قبل قتله و يوم حسين كنت في رمس قابر قال:و خرج عمرو بن (1)قرظة الأنصاري يقاتل دون.

ص: 136


1- هو عمرو بن قرظة بن كعب بن عمرو بن عائذ بن زيد مناة بن ثعلبة بن كعب الخزرج الأنصاري الخزرجي الكوفي.كان قرظة من الصحابة الرواة،و كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام نزل الكوفة و حارب مع أمير المؤمنين عليه السّلام في حروبه،و ولاه فارس.و توفى سنة إحدى و خمسين،و هو أول من نيح عليه بالكوفة،و خلف اولادا اشهرهم عمرو و على.أما عمرو فجاء إلى أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام أيام المهادنة في نزوله بكربلاء قبل الممانعة،و كان الحسين عليه السّلام يرسله إلى عمر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل ارسال شمر بن ذي الجوشن فيأتيه بالجواب حتى كان القطع بينهما بوصول شمر،فلما كان يوم العاشر من المحرم استأذن الحسين في القتال ثم برز و هو يقول:قد علمت كتائب الأنصار إني سأحمى حوزة الذمار فعل غلام غير نكس شار دون حسين مهجتي و داري قال الشيخ ابن نما:عرض بقوله:مهجتي و داري بعمر بن سعد فإنه لما قال له الحسين عليه السّلام:صرمعي،قال:أخاف على داري،فقال الحسين له:انا اعوضك عنها،قال:أخاف على مالي،فقال له:انا اعوضك عنه من مالي بالحجاز،فتكره،انتهى كلامه. ثم إنه قاتل ساعة و رجع الحسين عليه السّلام فوقف دونه ليقيه من العدو. قال الشيخ ابن نما:فجعل يلتقى السهام بجبهته و صدره فلم يصل إلى الحسين عليه السّلام سوء حتى اثخن بالجراح،فالتفت إلى الحسين عليه السّلام فقال:اوفيت يا بن رسول اللّه؟ قال:نعم أنت امامي في الجنة،فاقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم السلام و اعلمه إني في الاثر.فخر رضوان اللّه عليه.قرظة:بالحركات الثلاث على القاف و الراء المهملة و الظاء المعجمة،و يمضى في بعض الكتب قرطة بالطاء المهملة و هو تصحيف،إبصار العين في أنصار الحسين"ص 92 ط النجف الاشرف"

حسين و هو يقول:

قد علمت كتيبة الأنصار إني سأحمى حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شارى دون حسين مهجتي و داري

قال أبو مخنف:عن ثابت بن هبيرة فقتل عمرو بن قرظة بن كعب و كان مع الحسين و كان علي أخوه مع عمر بن سعد،فنادى على بن قرظة:يا حسين يا كذاب ابن الكذاب أضللت أخي و غررته حتى قتلته قال:إن اللّه لم يضل أخاك،و لكنه هدى أخاك و أضلك،قال:قتلني اللّه إن لم أقتلك أو أموت دونك،فحمل عليه فاعترضه نافع ابن هلال المرادى فطعنه فصرعه،فحمله أصحابه فاستنقذوه فدووى بعد فبرأ.

قال أبو مخنف:حدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسي أن الحر بن زيد لما لحق بحسين قال رجل من بني تميم من بني شقرة و هم بنو الحارث ابن تميم يقال له:يزيد بن سفيان:أما و اللّه لو إني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لاتبعته السنان، قال:فبينا الناس يتجاولون و يقتلون و الحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما و يتمثل قول عنترة:ما زلت أرميهم بثغرة نحره و لبانه حتى تسربل بالدم قال:و إن فرسه لمضروب على اذنيه و حاجبه،و إن دماءه لتسيل،فقال الحصين بن تميم و كان على شرطة عبيد اللّه فبعثه إلى الحسين و كان مع عمر بن سعد فولاه عمر مع الشرطة المجففة ليزيد بن سفيان:هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى.

قال:نعم،فخرج إليه فقال له:هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟ف"

ص: 137

قال:نعم قد شئت،فبرز له،قال:و إنا سمعت الحصين بن تميم يقول و اللّه لبرز له فكانما كانت نفسه في يده فما لبثه الحر حين خرج إليه أن قتله.

قال هشام بن محمد،عن أبي مخنف قال:حدثني يحيى بن هاني بن عروة أن نافع بن (1)هلال كان يقاتل يومئذ و هو يقول:

أنا الجملي أنا على دين علي

قال:فخرج إليه رجل يقال له:مزاحم بن حريث فقال:انا على دين عثمان،فقال له:

أنت على دين شيطان،ثم حمل عليه فقتله فصاح عمرو بن الحجاج بالناس:يا حمقى أتدرون من تقاتلون؟فرسان المصر قوما مستميتين لا يبرزن لهم منكم أحد،).

ص: 138


1- هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي،كان نافع سيدا شريفا،سريا شجاعا،و كان قارئا كاتبا من حملة الحديث و من أصحاب أمير المؤمنين(ع)و حضر معه حروبه الثلث في العراق،و خرج إلى الحسين(ع)فلقيه في الطريق،و كان ذلك قبل مقتل مسلم. و كان أوصى أن يتبع بفرسه المسمى بالكامل،فاتبع مع عمرو بن خالد و أصحابه الذين ذكرناهم. قال ابن شهرآشوب:لما ضيق الحر على الحسين(ع)خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها:أما بعد فقد نزل من الأمر ما قد ترون،و ان الدنيا قد تنكرت و أدبرت.الخ قام إليه زهير فقال:قد سمعنا هداك اللّه مقالتك الخ ثم قام نافع فقال:يا بن رسول اللّه أنت تعلم ان جدك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يقدر أن يشرب الناس محبته،و لا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب،و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر، و يضمرون له الغدر،يلقونه بأحلى من العسل،و يخلفونه بأمر من الحنظل،حتى قبض اللّه إليه،و ان أباك عليا قد كان في مثل ذلك،فقوم قد أجمعوا على نصره،و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين،و قوم خالفوه حتى أتاه أجله،و مضى إلى رحمة اللّه و رضوانه.و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة،فمن نكث عهده،و خلع نيته،فلن يضر إلا نفسه،و اللّه مغن عنه فسربنا راشدا معافى، مشرقا إن شئت،و ان شئت مغربا،فو اللّه ما أشفقنا من قدر اللّه،و لا كرهنا لقاء ربنا،فانا على نياتنا و بصائرنا نوالى من والاك،و نعادي من عاداك.الضبط:ربما يجرى على بعض الالسن و يمضى في بعض الكتب هلال بن نافع و هو غلط على ضبط القدماء."الجملى"منسوب إلى جمل بطن من مذحج.و يمضي على الالسن و في الكتب البجلى و هو غلط واضح.ابصار العين في أنصار الحسين (ص 86 ط النجف).

فإنهم قليل و قل ما يبقون و اللّه لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد:صدقت،الرأي ما رأيت.و أرسل إلى الناس يعزم عليهم إلا يبازر رجل منكم رجلا منهم.

قال أبو مخنف:حدثني الحسين بن عقبة المرادي قال الزبيدي انه سمع عمرو ابن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول:يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الإمام،فقال له الحسين:يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرض الناس انحن مرقنا و أنتم ثبتم عليه؟أما و اللّه لتعلمن لو قد قبضت ارواحكم و متم على اعمالكم ابنا مرق من الدين و من هو أولى بصلى النار؟

قال:ثم إن عمرو بن الحجاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات فاضربوا ساعة فصرع (1)مسلم بن عوسجة الاسدي أول أصحاب الحسين.

ثم انصرف عمرو بن الحجاج و أصحابه و ارتفعت الغبرة فاذا هم به صريع فمشى إليه الحسين فإذا به رمق فقال رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال:عز على مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة،فقال له مسلم قولا ضعيفا:بشرك اللّه بخير،).

ص: 139


1- هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دردان بن اسد بن خزيمة أبو حجل الأسدي السعدي كان رجلا شريفا سريا عابدا متنسكا. قال ابن سعد في طبقاته:و كان صحابيا ممن رآى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و روى عنه الشعبي و كان فارسا شجاعا،له ذكر في المغازي و الفتوح الاسلامية و سيأتي قول شبث فيه. و قال أهل السير:انه ممن كاتب الحسين عليه السّلام من الكوفة و وفى له و ممن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة.قالوا:و لما دخل عبيد اللّه بن زياد الكوفة و سمع به مسلم خرج إليه ليحاربه،فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج و اسد،و لأبي ثمامة على ربع تميم و همدان الخ. و في مسلم بن عوسجة يقول الكميت بن زيد الاسدي:و إن أبا حجل قتيل محجل،إبصار العين في أنصار الحسين(ص 61 ط النجف).

فقال له حبيب:لو لا إني أعلم إني في إثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة و الدين قال:بل أنا أوصيك بهذا رحمك اللّه و اهوى بيده إلى الحسين أن تموت دونه،قال:

أفعل و رب الكعبة،قال:فما كان بأسرع من أن مات في أيديهم.

و صاحت جارية له فقالت:يا بن عوسجتاه يا سيداه.فتنادى أصحاب عمرو بن الحجاج قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.

فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه:ثكلتكم امهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بايديكم و تذللون أنفسكم لغيركم،تفرحون ان يقتل مثل مسلم بن عوسجة،أما و الذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم،لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين،أفيقتل منكم مثله و تفرحون؟

قال:و كان الذي قتل مسلم بن عوسجة مسلم بن عبد اللّه الضبابي و عبد الرحمن ابن أبي خشكارة البجلي،قال:و حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه و أصحابه.و حمل على حسين و أصحابه من كل جانب، فقتل الكلبي (1)و قد قتل رجلين بعد الرجلين الاولين و قاتل قتالا شديدا،فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التميمي من تيم اللّه بن ثعلبة فقتلاه،و كان القتيل الثاني من أصحاب الحسين عليه السّلام.

و قاتلهم أصحاب الحسين عليه السّلام قتالا شديدا و أخذت خيلهم تحمل و إنما هم اثنان و ثلاثون فارسا و أخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته،فلماف"

ص: 140


1- هو عبد اللّه بن عمير بن عباس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي أبو وهب.كان عبد اللّه بن عمير بطلا شجاعا شريفا،نزل الكوفة و اتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا فنزلها و معه زوجته أم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط،إبصار العين في أنصار الحسين"ص 106 ط النجف"

رأى ذلك عزرة بن قيس و هو على خيل أهل الكوفة ان خيله تنكشف من كل جانب بعث إلى عمر بن سعد عبد الرحمن بن حصن فقال:أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة؟ابعث إليهم الرجال و الرماة،فقال لشبث بن ربعي إلا تقدم إليهم؟

فقال:سبحان اللّه أتعمد إلى شيخ مصر و أهل مصر عامة تبعثه في الرماة لم تجد من تندب لهذا و يجزى عنك غيري؟

قال:و ما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله،قال:و قال أبو زهير العبسي:فأنا سمعته في امارة مصعب يقول:لا يعطى اللّه أهل هذا المصر خيرا أبدا،و لا يسددهم لرشد.ألا تعجبون أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب و مع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين،ثم عدونا على ابنه و هو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية و ابن سمية الزانية ضلال يالك من ضلال،قال:و دعا عمر بن الحصين بن تميم فبعث معه المجففة و خمسمئة من المرامية فاقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين و أصحابه رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم و صاروا رجالة كلهم (1).

قال أبو مخنف:حدثني نمير بن و علة أن ايوب بن مشرح الخيواني كان يقول:أنا و اللّه عقرت بالحر بن يزيد فرسه حشأته (2)سهما فما لبث ان ارعد الفرس و اضطرب و كبا فوثب عنه الحر كانه ليث و السيف في يده و هو يقول:إن تعقروا بي فأنا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر قال:فما رأيت أحدا قط يفرى فريه (3).

قال:فقال له أشياخ من الحي أنت قتلته؟

قال:لا و اللّه ما انا قتلته و لكن قتله غيري و ما أحب إني قتلته،فقال له أبو الوداك:ة.

ص: 141


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:139.
2- حشأته سهما:اصبت احشائه بالسهم.
3- يفرى فربه:يفعل فعله في الضرب و المجالدة.

و لم؟

قال:انه كان زعموا من الصالحين،فو اللّه لئن كان ذلك أثما لأن ألقى اللّه باثم الجراحة و الموقف أحب إلى من أن ألقاه باثم قتل أحد منهم،فقال له أبو الوداك:ما أراك إلا ستلقى اللّه باثم قتلهم اجمعين ارأيت لو أنك رميت ذا فعقرت ذا و رميت آخر و وقف موقفا و كررت عليهم و حرضت أصحابك و كثرت أصحابك و حمل عليك و كرهت أن تفرو فعل آخر من أصحابك كفعلك و آخر و آخر كان هذا و أصحابه يقتلون أنتم شركاء كلكم في دمائهم.

فقال له:يا أبا الوداك إنك لتقنطنا من رحمة اللّه ان كنت ولي حسابنا يوم القيامة فلا غفر اللّه لك إن غفرت لنا،قال:هو ما أقول لك،قال:و قاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه اللّه و أخذوا لا يقدرون على ان يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض،قال:فلما روى ذلك عمر بن سعد ارسل رجالا يقوضونها عن ايمانهم و عن شمائلهم ليحيطوا بهم،قال:فأخذ الثلاثة و الاربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل و هو يقوض و ينتهب فيقتلونه و يرمونه من قريب و يعقرونه،فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال:

أحرقوها بالنار و لا تدخلوا بيتا و لا تقوضوه،فجاءوا بالنار فأخذوا يحرقون.

فقال الحسين عليه السّلام:دعوهم فليحرقوها فإنهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها و كان ذلك كذلك.و أخذوا لا يقاتلونهم إلا وجه واحد.

قال:و خرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب و تقول:هنيئا لك الجنة،فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم:

اضرب رأسها بالعمود،فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.

قال:و حمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه و نادى على بالنار حتى احرق هذا البيت على أهله،قال:فصاح النساء و خرجن من الفسطاط،قال:و صاح به الحسين يا بن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي

ص: 142

على اهلي حرقك اللّه بالنار.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:قلت لشمر ابن ذي الجوشن:سبحان اللّه ان هذا لا يصلح لك،اتريد ان تجمع على نفسك خصلتين:تعذب بعذاب اللّه و تقتل الولدان و النساء،و اللّه إن في قتلك الرجال لما ترضى به أميرك.

قال:فقال:من أنت؟

قال:قلت لا أخبرك من انا،قال:و خشيت و اللّه ان لو عرفتني ان يضرني عند السلطان،قال:فجاءه رجل كان اطوع له مني شبث بن ربعي فقال:ما رأيت مقالا أسوء من قولك و لا موقفا اقبح من موقفك أمر عبا للنساء صرت؟

قال:فاشهد انه استحيا فذهب لينصرف،و حمل عليه زهير بن القين (1)في رجال من أصحابه عشرة فشد على شمر بن ذي الجوشن و أصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه،فكان من أصحاب شمر.

و تعطف الناس عليهم فكثروهم فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل منهم الرجل و الرجلان تبين فيهم و أولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.

قال:فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد اللّه الصائدي قال للحسين:يا أبا عبد اللّه نفسي لك الفداء،إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك و لا و اللّه لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء اللّه،و احب ان ألقى ربي و قد صليت هذه الصلاة التي قددنا وقتها،قال:فرفع الحسين رأسه ثم قال:ذكرت الصلاة جعلك اللّه من المصلين الذاكرين،نعم هذا أول وقتها،ثم قال:سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلى،فقال لهم الحصين بن تميم:انها لا).

ص: 143


1- زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي.كان رجلا شريفا في قومه،نازلا فيهم بالكوفة،شجاعا، له في المغازي مواقف مشهورة و مواطن مشهودة،و كان اولا عثمانيا،فحج سنة ستين في أهله،إبصار العين في أنصار الحسين(ص 95 ط النجف).

تقبل.

فقال له حبيب بن مظاهر (1):لا تقبل،زعمت أن الصلوة من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا تقبل و تقبل منك يا حمار،قال:فحمل عليهم حصين بن تميم،و خرج إليه حبيب بن مظاهر وجه بالسيف فشب و وقع عنه و حمله أصحابه فاستنقذوه و أخذ حبيب بقول:

اقسم لو كنا لكم اعدادا او شطركم و ليتم اكتادا

يا شر قوم حسبا و آدا

قال:و جعل يقول يومئذ:

انا حبيب و أبي مظاهر فارس هيجاء و حرب تسعر

أنتم اعد عدة و أكثر و نحن اوفى منكم و اصبر

و نحن أعلى حجة و اظهر حقا و اتقى منكم و اعذر

و قاتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه بالسيف على راسه فقتله.

و كان يقال له:بديل بنصريم من بني عقفان.و حمل عليه آخر من بني تميم فطعنه فوقع،فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع، و نزل إليه التميمي فاحتز رأسه.

فقال له الحصين:إني لشريكك في قتله،فقال الآخر:و اللّه ما قتله غيري،فقال الحصين:اعطنيه اعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس و يعلموا إني شركت في قتله.

ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيد اللّه بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه علىد.

ص: 144


1- هو حبيب بن مظاهر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان ابن اسد.

قتلك إياه.

قال:فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه ثم دفعه بعد ذلك إليه فلما رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه،ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر،فبصر به ابنه القاسم بن حبيب،و هو يومئذ قد راهق،فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه،و إذا خرج خرج معه،فارتاب به فقال:مالك يا بني تتبعني،قال:لا شيء،قال:بلى يا بني أخبرني؟

قال له:إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه،قال:يا بني لا يرضى الأميران يدفن و إنا أريد ان يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا،قال له الغلام:

لكن اللّه لا يثيبك على ذلك إلا اسوء الثواب أما و اللّه لقد قتلته خيرا منك و بكى.فمكث الغلام حتى إذا ادرك لم يكن له همة إلا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بابيه.

فلما كان زمانا مصعب بن الزبير و غزا مصعب باجميرا (1)دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه،فأقبل يختلف في طلبه و التماس غرته فدخل عليه و هو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد.

قال أبو مخنف:حدثني محمد بن قيس قال:لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك حسينا و قال عند ذلك:احتسب نفسي و حماة أصحابي،قال:و أخذ الحرير تجز و يقول:

آليت لا أقتل حتى اقتلا و لن اصاب اليوم إلا مقبلا

اضربهم بالسيف ضربا مقصلا لانا كلا عنهم و لا مهللا

و أخذ يقول أيضا:ض.

ص: 145


1- باجميرا بالباء المفردة و الجيم المضمومة و الميم المفتوحه و الياء الساكنة و الراء المهملة و الالف المقصورة موضع من أرض.

اضرب في اعراضهم بالسيف عن خير من حل مني و الخيف

فقاتل هو و زهير بن القين قتالا شديدا،فكان إذا شد احدهما فإن استلحم شد الآخر حتى يخلصه،ففعلا ذلك ساعة.

ثم إن رجالة شدت على الحر بن يزيد فقتل،و قتل أبو ثمامة الصائدي (1)ابن عم له كان عدوا له،ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسين صلوة الخوف،ثم اقتتلوا بعد الظهر فاشتد قتالهم،و وصل إلى الحسين عليه السّلام فاستقدم الحنفي (2)امامه فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا و شمالا قائما بين يديه فما زال يرمى حتى سقط.و قاتل زهير بن القين قتالا شديدا و أخذ يقول:أنا زهير و إنا ابن القين أذودهم بالسيف عن حسين قال:و أخذ يضرب على منكب حسين و يقول:

أقدم هديت هاديا مهديا فاليوم تلقى جدك النبيا

و حسنا و المرتضى عليا و ذا الجناحين الفتى الكميا..

ص: 146


1- كاتب الحسين"ع"و لما جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قام معه،و صار يقبض الاموال من الشيعة بأمر مسلم،فيشترى بها السلاح،و كان بصيرا بذلك،و لما دخل عبيد اللّه الكوفة و ثار الشيعة بوجهه وجهه مسلم فيمن وجهه،و عقد له على ربع تميم و همدان كما قدمناه،فحصروا عبيد اللّه في قصره،و لما تفرق عن مسلم الناس بالتخذيل اختفى أبو ثمامة،فاشتد طلب ابن زياد له،فخرج إلى الحسين"ع"و معه نافع بن هلال الجملي فلقياه في الطريق و اتيا معه،إبصار العين في أنصار الحسين (ص 69 ط النجف).
2- هو سعيد بن عبد اللّه الحنفي،كان من وجوه الشيعة بالكوفة و ذوي الشجاعة و العبادة فيهم،قال أهل السير:لما ورد نعى معاوية إلى الكوفة اجتمعت الشيعة فكتبوا إلى الحسين عليه السّلام اولا مع عبد اللّه بن وال و عبد اللّه بن سبع،و ثانيا مع قيس بن مسهر و عبد الرحمن بن عبد اللّه و ثالثا مع سعيد بن عبد اللّه الحنفي و هاني بن هاني.و كان كتاب سعيد بن شبث بن ربعي و حجار بن ابجر و يزيد بن الحرث و يزيد بن رويم و عزرة بن قيس و عمرو بن الحجاج و محمد بن عمير و صورة الكتاب(بسم اللّه الرحمن الرحيم)أما بعد فقد اخضر الجناب،و أينعت الثمار،و طمت الجمام،فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند.فاعاد الحسين عليه السّلام سعيدا و هانيا من مكة و كتب إلى الذين ذكرنا كتابا...

و أسد اللّه الشهيد الحيا قال:فشد عليه كثير بن عبد اللّه الشعبي و مهاجر بن أوس فقتلاه.

قال:و كان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله،فجعل يرمي بها مسمومة و هو يقول:

أنا الجملي أنا على دين علي

فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح،قال:فضرب حتى كسرت عضداه و أخذ أسيرا،قال:فأخذه شمر بن ذي الجوشن و معه أصحاب له يسوقون نافعا حتى اوتى به عمر بن سعد،فقال له عمر بن سعد:ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك،قال:إن ربي يعلم ما أردت،قال:و الدماء تسيل على لحيته و هو يقول:و اللّه لقد قتلت منكم اثنا عشر سوى من جرحت،و ما الوم نفسي على الجهد و لو بقيت لي عضد و ساعد ما أسرتموني،فقال له شمر:اقتله أصلحك اللّه،قال:أنت جئت به فإن شئت فاقتله.

قال:فانتضى شمر سيفه،فقال له نافع:أما و اللّه ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا،فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه فقتله.

قال:ثم أقبل شمر يحمل عليهم و هو يقول:

خلو عداة اللّه خلوا عن شمر يضربهم بسيفه و لا يفر

و هو لكم صاب و سم و مقر

قال:فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا و أنهم لا يقدرون على ان يمنعوا حسينا و لا أنفسهم تنافسوا في ان يقتلوا بين يديه فجاء عبد اللّه (1)و عبد الرحمن ابنا).

ص: 147


1- عبد اللّه بن عروة بن حراق الغفاري و أخوه عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري.كان عبد اللّه و عبد الرحمن الغفاريان من أشراف الكوفة و من شجعانهم و ذوي المولاة منهم،و كان جدهما حراق من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام و ممن حارب معه في حروبه الثلث،و جاء عبد اللّه و عبد الرحمن إلى الحسين عليه السّلام بالطف.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 104 ط النجف).

عزرة (1)الغفاريان فقالا:يا أبا عبد اللّه عليك السلام،حازنا العدو إليك فأحببنا ان نقتل بين يديك نمنعك و ندفع عنك،قال:مرحبا بكما،ادنوا مني،فدنوا منه،فجعلا يقاتلان قريبا منه واحدهما يقول:

قد علمت حقا بنو غفار و خندف بعد بني نزار

لنضربن معشر الفجار بكل عضب صارم بتار

يا قوم ذو دوا عن بني الاحرار بالمشرفي و القنا الخطار

قال:و جاء الفتيان الجابريان (2)سيف بن الحارث بن سريع و مالك بن عبد بن سريع و هما ابنا عم و اخوان لأم،فأتيا حسينا فدنوا منه و هما يبكيان،فقال:أي ابني أخي ما يبكيكما؟فو اللّه إني لأرجو ان تكونا عن ساعة قريرى عين،قالا:جعلنا اللّه فداك،لا و اللّه ما على أنفسنا نبكي،و لكنا نبكي عليك نراك قد احيط بك و لا نقدر على أن نمنعك،فقال:جزاكما اللّه يا ابني أخي بوجدكما من ذلك و مواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

قال:و جاء حنظلة بن اسعد الشبامي (3)فقام بين يدي حسين فأخذ ينادي:يا قوم

ص: 148


1- في الكامل لابن اثير الجزرى:ابنا عروة.
2- سيف بن الحارث بن سريع بن جابر الهمداني الجابرى و مالك بن عبد اللّه بن سريع بن جابر الهمداني الجابري و بنو جابر بطن من همدان كان سيف و مالك الجابريان ابني عم و أخوين لام جاعا إلى الحسين عليه السّلام و معهما شبيب مولاهما فدخلا في عسكره و انضما إليه،فلما رأيا الحسين في اليوم العاشر بتلك الحال استقدما يتسابقان إلى القوم و يلتفتان إلى الحسين عليه السّلام فيقولان:السلام عليك يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يقول الحسين عليه السّلام:و عليكما السلام و رحمة اللّه و بركاته ثم جعلا يقاتلان جميعا و إن أحدهما ليحمى ظهر صاحبه حتى قتلا.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 78 ط النجف الاشرف).
3- هو حنظلة بن اسعد بن شبام بن عبد اللّه بن اسعد بن حاشد بن همدان الهمداني الشبامي و بنو شبام بطن من همدان.كان حنظلة بن اسعد الشبامى وجها من وجوه الشيعة ذالسن و فصاحة، شجاعا قارئا،و كان له ولد يدعى عليا له ذكر في التاريخ.الشبامى:بالشين المعجمة و الباء المفردة و الالف و الميم و الياء منسوب إلى شبام على زنة كتاب و يمضى في بعض الكتب الشامي نسبة إلى الشام و هو غلط فاضح.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 77 ط النجف).

إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب؟مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم،و ما اللّه يريد ظلما للعباد،و يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد،يوم تولون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصم،و من يضلل اللّه فما له من هاد،يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب،و قد خاب من افترى.

فقال له حسين:يا ابن أسعد رحمك اللّه أنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق،و نهضوا إليك ليستبيحوك و أصحابك،فكيف بهم الآن و قد قتلوا اخوانك الصالحين،قال:صدقت جعلت فداك،أنت أفقه مني و أحق بذلك،افلا نروح إلى الآخرة و نلحق باخواننا؟

فقال:رح إلى خير من الدنيا و ما فيها و إلى ملك لا يبلى،فقال:السلام عليك يا أبا عبد اللّه،صلى اللّه عليك و على أهل بيتك،و عرف بيننا و بينك في جنته.

فقال:آمين آمين.فاستقدم فقاتل حتى قتل.

قال:ثم استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين و يقولان:السلام عليك يا ابن رسول اللّه،فقال:عليكما السلام و رحمة اللّه،فقاتلا حتى قتلا.

قال:و جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري (1)و معه شوذب (2)مولى شاكر،فقالمن

ص: 149


1- هو عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكر،و بنو شاكر بطن من همدان.كان عابس من رجال الشيعة رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا متهجدا و كانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أمير المؤمنين عليه السّلام،و فيهم يقول عليه السّلام يوم صفين:لو تمت عدتهم الفا لعبد اللّه حق عبادته،و كانوا من شجعان العرب و حماتهم،و كانوا يلقبون فتيان الصباح،فنزلوا في بني وادعة من همدان،فقيل لها فتيان الصباح،و قيل لعابس: الشاكري و الوادعى.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 74 ط النجف).
2- شوذب بن عبد اللّه الهمداني الشاكري مولى لهم.كان شوذب من رجال الشيعة و وجوهها و من الفرسان المعدودين و كان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنين عليه السّلام. قال صاحب الحدائق الوردية:و كان شوذب يجلس للشيعة فياتونه للحديث و كان وجها فيهم.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 76 ط النجف).

يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟

قال:ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حتى أقتل،قال:ذلك الظن بك أما لا (1)فتقدم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه،و حتى احتسبك انا،فإنه لو كان معي الساعة أحدانا اولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه،فإن هذا يوم ينبغي لنا ان نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه،فإنه لا عمل بعد اليوم و إنما هو الحساب.

قال:فتقدم فسلم على الحسين،ثم مضى فقاتل حتى قتل.

قال:ثم قال عابس بن أبي شبيب:يا أبا عبد اللّه أما و اللّه ما أمسى على ظهر الأرض قريب و لا بعيد اعز علي و لا أحب إلى منك،و لو قدرت على ان ادفع عنك الضيم و القتل بشيء اعز علي من نفسي و دمي لفعلته،السلام عليك يا أبا عبد اللّه اشهد اللّه إني على هديك و هدى ابيك،ثم مشى بالسيف مصلتا نحوهم و به ضربة على جبينه.

قال أبو مخنف:حدثني نمير بن وعلة عن رجل من بني عبد من همدان يقال له:

ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم قال:لما رأيته مقبلا عرفته و قد شاهدته في المغازى و كان أشجع الناس،فقلت:أيها الناس هذا أسد الاسود،هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم،فأخذ ينادى الارجل لرجل.

فقال عمر بن سعد:ارضخوه بالحجارة،قال:فرمى بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه و مغفره،ثم شد على الناس فو اللّه لرأيته يكرد أكثر من مئتين من الناس،ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل.ن.

ص: 150


1- في إبصار العين و بعض سائر المقاتل أما الآن.

قال:فرايت رأسه في ايدي رجال ذوي عدة هذا يقول:انا قتلته،و هذا يقول:انا قتلته فاتوا عمر بن سعد فقال:لا تختصموا هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم بهذا القول.

قال أبو مخنف:حدثني عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال:

لما رأيت أصحاب الحسين قد اصيبوا و قد خلص إليه و إلى أهل بيته و لم يبق معه غير سويد (1)بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي و بشير بن (2)عمرو الحضرمي قلت له:يا بن رسول اللّه قد علمت ما كان بيني و بينك.

قلت لك:أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا،فإذا لم ار مقاتلا فانا في حل من الانصراف، فقلت لي:نعم،قال:فقال صدقت و كيف لك بالنجاء ان قدرت على ذلك فأنت في حل، قال:فاقبلت إلى فرسي و قد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر اقبلت بها حتى).

ص: 151


1- هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الأنمارى الخثعمي،كان شيخا شريفا عابدا كثير الصلوة،و كان شجاعا،مجربا في الحروب كما ذكره الطبري و الداودي. و قال أهل السير:ان سويدا بعد ان قتل بشر الحضرمي تقدم و قاتل حتى اثخن بالجراح و سقط على وجهه،فظن بانه قتل فلما قتل الحسين عليه السّلام و سمعهم يقولون:قتل الحسين عليه السّلام وجد به افاقة،و كانت معه سكين خباها،و كان قد أخذ سيفه منه فقاتلهم بسكينه ساعة،ثم انهم تعطفوا عليه،فقتله عروة بن بكار التغلبى و زيد بن ورقاء الجهني.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 101 ط النجف).
2- هو بشير(بشر)بن عمرو بن الاحدوث الحضرمي الكندي كان من حضرموت و عداده في كندة، و كان تابعيا و له اولاد معروفون بالمغازى.و كان بشر ممن جاء إلى الحسين عليه السّلام أيام المهادنة. و قال السيد الداودي:لما كان اليوم العاشر من المحرم و وقع القتال،قيل لبشر و هو في تلك الحال ان ابنك عمرا قد أسر في ثغرى الرى،فقال:عند اللّه احتسبه و نفسي،ما كنت أحب أن يؤسر و إن ابقى بعده.فسمع الحسين عليه السّلام مقالته فقال له:رحمك اللّه أنت في حل من بيعتي،فاذهب و اعمل في فكاك ابنك،فقال له:اكلتنى السباع حيا ان انا فارقتك يا أبا عبد اللّه،فقال له:فاعط ابنك محمدا-و كان معه -هذه الاثواب البر و ديستعين بها في فكاك اخيه،و اعطاه خمسة اثواب قيمتها ألف دينار قال السروى:انه قتل في الحملة الاولى. إبصار العين في أنصار الحسين(ص 103 ط النجف).

ادخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت.و أقبلت أقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين و قطعت يد آخر و قال لي الحسين يومئذ مرارا:لا تشلل،لا يقطع اللّه يدك جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيك صلّى اللّه عليه و اله،فلما اذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثم استويت على متنها،ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم،فأفرجوا لي و اتبعنى منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية قرية قريبة من شاطئ الفرات،فلما لحقوني عطفت عليهم،فعرفنى كثير بن عبد اللّه الشعبي و ايوب بن مشرح الخيواني و قيس بن عبد اللّه الصائدى فقالوا:هذا الضحاك بن عبد اللّه المشرقي،هذا ابن عمنا،ننشدكم اللّه لما كففتم عنه.

فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم،بلى و اللّه لنجيبن إخواننا و أهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.

قال:فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون قال:فنجاني اللّه.

قال أبو مخنف:حدثني فضيل بن خديج الكندي ان يزيد (1)بن زياد و هو أبو الشعثاء الكندي من بني بهدلة (2)جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمأة سهم ما سقط منها خمسة اسهم و كان راميا و كان كلما رمى قال:أنا ابن بهدلة فرسان العرجلة (3)،و يقول الحسين عليه السّلام:اللهم سدد رميته،و اجعل ثوابه الجنة،فلما رمى بها قام فقال:ما سقط منها إلا خمسة اسهم.و لقد تبين لي إني قد قتلت خمسة نفر و كان في أول من قتل و كان رجزه يومئذ:ة.

ص: 152


1- هو يزيد بن زياد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي،كان رجلا شريفا،شجاعا فاتكا،خرج إلى الحسين عليه السّلام من الكوفة من قبل ان يتصل به الحر على ما نقله في إبصار العين(ص 102).و أما على ما نقله أبو مخنف في مقتله كما في المتن هو ممن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قتل.
2- بهدلة حي من كندة منهم يزيد هذا.
3- العرجلة بفتح العين و سكون الراء و فتح الجيم:القطعة من الخيل و جماعة المشاة.

أنا يزيد و ابي مهاصر (1) اشجع من ليث بغيل خادر

يا رب إني للحسين ناصر و لابن سعد تارك و هاجر

و كان يزيد بن زياد بن المهاصر ممن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين،فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قتل.فأما الصيداوي (2)عمرو ابن خالد،و جابر بن الحارث السلماني،و سعد مولى عمرو بن خالد،و مجمع (3)بن عبد اللّه العائذى،فإنهم قاتلوا في أول القتال فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلما و غلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم و قطعوهم من أصحابهم غير بعيد،فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم،فجاءوا قد جرحوا،فلما دنا منهم عدوهم شدوا بأسيافهم فقاتلوا في أول الأمر حتى قتلوا في مكان واحد.

قال أبو مخنف:حدثني زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي قال:كان آخر من بقى مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي،قال:و كانك.

ص: 153


1- مهاصر:جد يزيد بن زياد و هو بالصاد المهملة على زنة مهاجر و أما ما في بعض النسخ مهاجر فهو من غلط النساخ.
2- هو عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي أبو خالد،كان شريفا في الكوفة مخلص الولاء لأهل البيت،قام مع مسلم حتى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء فلما سمع بقتل قيس بن مسهر و انه أخبر ان الحسين صار بالحاجر،خرج إليه و معه مولاه سعد،و مجمع العائذى و ابنه و جنادة بن حرث السلماني و اتبعهم غلام لنافع البجلى بفرسه المدعو بالكامل فجنبوه و أخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي و كان جاء إلى الكوفة يمتار لاهله طعاما فخرج بهم على طريق متنكبة،و سار سيرا عنيفا من الخوف لانهم علموا ان الطريق مرصود حتى إذا قاربوا الحسين عليه السّلام،إبصار العين(ص 66 ط.النجف).
3- هو مجمع بن عبد اللّه بن مجمع بن مالك بن اياس بن عبد مناة بن عبد اللّه بن سعد العشيرة المذحجى العائذى.كان عبد اللّه بن مجمع العائذى صحابيا،و كان ولده مجمع تابعيا من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام ذكرهما أهل الانساب و الطبقات،و كان مجمع و ابنه جاء مع عمرو بن خالد الصيداوي إلى الحسين عليه السّلام فمانعهم الحر و أخذهم الحسين عليه السّلام كما تقدم ذلك.

أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الاكبر ابن الحسين بن علي و أمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي و ذلك انه أخذ يشد على الناس و هو يقول:

أنا علي بن حسين بن علي نحن و رب البيت أولى بالنبي

تاللّه لا يحكم فينا ابن الدعي.

قال:ففعل ذلك مرارا،فبصربه مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي فقال:

على آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه،فمر يشد على الناس بسيفه،فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع و احتووا له الناس فقطعوهم بأسيافهم.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الازرى قال:

سماع اذنى يومئذ من الحسين يقول:قتل اللّه قوما قتلوك،يا بني ما اجرأهم على الرحمن،و على انتهاك حرمة الرسول،على الدنيا بعدك العفا،قال:و كاني انظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى:يا أخياه و يا ابن أخاه فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول اللّه ص،فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط.و أقبل الحسين إلى ابنه و أقبل فتيانه إليه فقال:احملوا أخاكم،فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

قال:ثم إن عمرو بن صبيح الصدائي رمى عبد اللّه (1)بن مسلم بن عقيل بسهمح

ص: 154


1- هو عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان اللّه عليهم أمه رقيه بنت أمير المؤمنين و امها الصهباء أم حبيب بنت عباد بن ربيعة ابن يحيى بن العبد بن علقمة التغلبية.قيل بيعت لأمير المؤمنين من سبي اليمامة.و قيل.من سبى عين التمر،فاولدها علي عليه السّلام عمر الاطرف و رقية. قال السروي:تقدم عبد اللّه بن مسلم الحرب فحمل على القوم و هو يقول:اليوم ألقى مسلما و هو أبي و عصبة بادوا على دين النبي حتى قتل ثمانية و تسعين رجلا بثلاث حملات:ثم رماه عمرو بن صبيح الصدائي بسهم. قال حميد بن مسلم:رمى عمرو عبد اللّه بسهم و هو مقبل عليه،فاراد جبهته،فوضع عبد اللّه يده على جبهته يتقى بها السهم.فسمر السهم يده على جبهته،فاراد تحريكها فلم يستطع،ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه،فوقع صريعا،و كانت قتلته بعد علي بن الحسين فيما ذكره أبو مخنف و المدائني و أبو الفرج دون غيرهم.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 50 ط النجف).

فوضع كفه على جبهته فأخذ لا يستطيع أن يحرك كفيه ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه،فاعتورهم الناس من كل جانب فحمل عبد اللّه بن قطبة الطائي ثم النبهاني على عون بن عبد اللّه (1)بن جعفر بن أبي طالب فقتله و حمل عامر بن نهشل التيمي على

ص: 155


1- هو عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليهم السّلام أمه زينب العقيلة الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السّلام،و امها فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. قال أهل السير:انه لما خرج الحسين عليه السّلام من مكة كتب إليه عبد اللّه بن جعفر كتابا يسأله فيه الرجوع عن عزمه،و ارسل إليه ابنيه عونا و محمدا،فاتياه بوادي العقيق قبل أن يصل إلى مسامنة المدينة،ثم ذهب عبد اللّه إلى عمرو بن سعيد بن العاص عامل المدينة فساله امانا للحسين،فكتب و ارسله إليه مع اخيه يحيى و خرج معه عبد اللّه فلقيا الحسين عليه السّلام بذات عرق،فأقرآه الكتاب فأبى عليهما و قال:إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامى،فامرني بالمسير و إني منته إلى ما أمرني به،و كتب جواب الكتاب إلى عمرو بن سعيد،ففارقاه و رجعا،و قد أوصى عبد اللّه و لديه بالحسين و اعتذر منه،قالوا:و لما ورد نعى الحسين و نعيهما إلى المدينة كان عبد اللّه جالسا في بيته،فدخل الناس يعزونه،فقال غلامه أبو السلاس:هذا ما لقينا و دخل علينا من الحسين،فحذفه عبد اللّه بنعله و قال:يا بن اللخناء أللحسين تقول هذا،و اللّه لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه،و اللّه انهما لمما يسخ بالنفس عنهما و يهون على المصاب بهما،انهما اصيبا مع أخي و ابن عمى مواسين له صابرين معه،ثم أقبل على الجلساء فقال: الحمد للّه اعزز على بمصرع الحسين ان لا أكن نسيت حسينا بيدى فقد آسيته بولدى. قال السروي:يرزعون بن عبد اللّه بن جعفر إلى القوم و هو يقول: ان تنكرونى فانا بن جعفر شهيد صدق في الجنان ازهر يطير فيها بجناح أخضر كفى بهذا شرفا في المحشر فضرب فيهم بسيفه حتى قتل منهم ثلاثة فوارس و ثمانية عشر راجلا ثم ضربه عبد اللّه بن قطنة الطائي النبهاني بسيفه فقتله.و فيه يقول سليمان ابن قتة التيمى من قصيدته التي يرثى بها الحسين عليه السّلام عيني جودى بعبرة و عويل و اندبي ان بكيت آل الرسول ستة كلهم لصلب علي قد اصيبوا و سبعة لعقيل و اندبي ان ندبت عونا اخاهم ليس فيما ينوبهم بخذول فلعمري لقد اصيب ذوو القر بى فبكى على المصاب الطويل أبو اللسلاس:باللام المفتوحة و السين المهملة ثم لام و سين بينهما ألف و يمضى في بعض الكتب أبو السلاسل و هو تصحيف.قطنة:بالقاف المضمومة و النون بينهما طاء النبهانى بالنون و الباء المفردة منسوب إلى نبهان بطن من بطون طي. أبصار العين في أنصار الحسين(ص 39 ط النجف).

محمد بن (1)عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فقتله.

قال:وشد عثمان بن خالد بن أسير الجهني و بشر بن سوط الهمداني ثم القابضى على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (2)فقتلاه.و رمى عبد اللّه بن عزرة).

ص: 156


1- هو محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.و امها هند بنت سالم بن عبد العزيز بن محروم ابن سنان بن مولة بن عامر بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة،و امها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصين بن عكاية بن صعب بن علي. قال السروى:نقدم محمد قبل عون إلى الحرب فبرز إليهم و هو يقول:اشكو إلى اللّه من العدوان فعال قوم في الردى عميان قد بدلوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان فقتل عشرة أنفس،ثم تعاطفوا عليه،فقتله عامر بن نهشل التميمي و فيه يقول سليمان بن قتة من القصيدة المتقدمة على الولاء.و سمى النبي غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كل مسيل إبصار العين في أنصار الحسين(ص 40 ط النجف)
2- هو عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه أم ولده قال ابن شهرآشوب:تقدم في حملة آل أبي طالب بعد الأنصار و هو يقول:أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني فقاتل حتى قتل سبعة عشر فارسا،ثم احتوشوه فتولى قتله عثمان ابن خالد بن أشيم الجهني و بشر بن حوط الهمداني ثم القابضى بطن منهم.إبصار العين في أنصار الحسين (ص 51 ط النجف).

الخثعمي جعفر بن (1)فقتله.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:خرج إلينا غلام كان وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص و ازار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما،ما أنسى أنها اليسرى.

فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي و اللّه لأشدن عليه،فقلت له:سبحان اللّه و ما تريد إلى ذلك،يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم(قد احتوشوه)قال:

فقال:و اللّه لأشدن عليه فشد عليه فما ولي حتى ضرب رأسه بالسيف،فوقع الغلام لوجهه،فقال:يا عماه قال:فجلى الحسين كما يجلى الصقر،ثم شد شدة ليث أغضب،فضرب عمرا(عمروا)بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها (2)من لدن المرفق، فصاح ثم تنحى عنه،و حملت خيل لاهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين، فاستقبلت عمرا،بصدورها فحركت حوافرها و جالت الخيل بفرسانها عليهت.

ص: 157


1- هو جعفر بن عقيل بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه الحوصاء بنت عمرو المعروف بالثغر ابن عامر بن الهصان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن عقيل بن أبي طالب كلاب العامري،و امها اودة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر المذكور،و امها ريطة بنت عبد بن أبي بكر المذكور،و امها أم البنين بنت معوية بن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة،و امها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عتبة بن عامر. قال السروي:تقدم إلى القتال فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما و هو يقول:انا الغلام الابطحي الطالبي من معشر في هاشم من غالب و نحن حقا سادة الذوائب فقتل خمسة عشر رجلا،ثم قتله بشر بن حوط قاتل اخيه عبد الرحمن.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 51 ط النجف).
2- فاطنها:أي فقطعها حتى سمع لها طنين و هو الصوت.

فتوطأته حتى مات،و انجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام و الغلام يفحص برجليه و حسين يقول:

بعدا لقوم قتلوك و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك.

ثم قال:عزّ و اللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت، و اللّه كثر و اتره و قل ناصره،ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلى الغلام يخطان في الأرض،و قد وضع حسين صدره على صدره قال:فقلت في نفسي:ما يصنع به؟ فجاء به حتى ألقاه مع ابنه على بن الحسين و قتلى قد قتلت حوله من أهل بيته.

فسألت عن الغلام،فقيل:هو القاسم (1)بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

قال:و مكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه و كره أن يتولى قتله و عظيم اثمه عليه،قال:و إن رجلا من كندة يقال له:مالك بن النسير من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه،فأدمى رأسه فامتلا البرنس دما،فقال له الحسين:لا أكلت بها و لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين،قال:فألقى ذلك البرنس ثم دعا بقلنسوة فلبسها و اعتم و قد أعيا و بلد و جاء الكندي حتى أخذ البرنس و كان من خز،فلما قدم).

ص: 158


1- هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،أمه أم أبي بكر يقال اسمها رملة.روى أبو الفرج عن حميد بن مسلم،قال خرج إلينا غلام كان وجهه شقة قمر و في يده السيف و عليه قميص و ازار و في رجليه نعلان،فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع إحدى نعليه و لا أنسى أنها كانت السيرى ثم ساق الحديث كما أوردناه في المتن عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم مع اختلاف يسير في بعض العبارات. و قال غيره:انه لما رأى وحدة عمه استأذنه في القتال فلم يأذن له لصغره،فما زال به حتى اذن له، فبرز كان وجهه شقة فمر و ساق الحديث إلى آخره كما تقدم.اتراه حين اقام يصلح نعله بين العدى كيلا يروه بمحتفى غلبت عليه شآمة حسنية أم كان بالاعداء ليس بمحتفى الضبط:لم يرم:أي لم يبرح من رام يريم،قال الشاعر:أيا ابتا لا تزل عندنا فانا بخير إذا لم ترم إبصار العين في أنصار الحسين(ص 36 ط النجف).

به بعد ذلك على امرأته أم عبد اللّه ابنة الحر أخت حسين بن الحر البدي أقبل يغسل البرنس من الدم،فقالت له امرأته:أسلب ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تدخل بيتي أخرجه عني،فذكر أصحابه انه لم لم يزل فقيرا بشر حتى مات.

قال:و لما قعد الحسين أتى بصبي له فأجلسه في حجره زعموا أنه عبد اللّه (1)بن

ص: 159


1- هو عبد اللّه بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،ولد في المدينة.و قيل:في الطف و لم يصح و أمه الرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن اوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب و امها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب المذكور.و امها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم و امها الرباب بنت أوس بن حارثة ابن لام الطائي و هي التي يقول فيها أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام.لعمرك اننى لأحب دارا تحل بها سكينة و الرباب احبهما و ابذل جل مالي و ليس لعاتب عندي عتاب و كان امرء القيس زوج ثلاث بناته في المدينة من أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و قصته مشهورة فكانت الرباب عند الحسين عليه السّلام،و ولدت له سكينة و عبد اللّه هذا. قال المسعودي و الاصبهاني و الطبري و غيرهم:ان الحسين لما آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلا له ليودعه،فجاءته به اخته زينب،فتناوله من يدها و وضعه في حجره،فبينا هو ينظر إليه اذ إتاه سهم فوقع في نحره فذبحه. قالوا:فأخذ دمه الحسين عليه السّلام بكفه و رمى به إلى السماء و قال:اللهم لا يكن أهون عليك من دم فصيل، اللهم ان حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا،و انتقم لنا من هؤلاء الظالمين، فلقد هون ما بي انه بعينك يا ارحم الراحمين. قالوا:فروى عن الباقر عليه السّلام انه لم تقع من ذلك الدم قطرة إلى الأرض. ثم إن الحسين عليه السّلام حفر له عند الفسطاط حفيرة في جفن سيفه فدفنه فيها بدمائه و رجع إلى موقفه. و روى أنه أخذ الطفل من يدي اخته زينب فأومى إليه ليقبله،فاتته نشابة فذبحته،فأعطاه إلى اخته و قال:خذيه إليك،ثم فعل ما فعل بدمائه،و قال ما قال بدعائه.و روى أبو مخنف ان الذي رماه بالسهم حرملة بن الكاهن الأسدي و روى غيره ان الذي رماه عقبة بن بشر الغنوى،و الأول هو المروي عن أبي جعفر محمد الباقر عليهما السلام. بالرضيع إتاه سهم ردى حيث أبوه كالقوس من شفقه قد خضبت جسمه الدماء فقل بدر سماء قد اكتسى شفقه الحجر هو بتثليث الحاء المهملة و بعدها الجيم الساكنة حضن الانسان.الكاهن بالنون و يجرى على بعض الالسن و يمضي في بعض الكتب باللام،و المضبوط خلافه.الشفقه الاولى الحذر من جهة المحبة و الثانية هي شفق مضاف إلى ضمير البدر،و الشفق هو الحمرة الشديدة عند أول الليل بين المغرب و العشاء.انظر إبصار العين في أنصار الحسين(ص 24 ط النجف).

الحسين (1).

قال أبو مخنف:قال عقبة بن بشير الأسدي:قال لي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين:إن لنا فيكم يا بني أسد دما،قال:قلت:فما ذنبي أنا في ذلك رحمك اللّه يا أبا جعفر و ما ذلك؟

قال:أتى الحسين بصبى له فهو في حجره اذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه،فتلقى الحسين دمه،فلما ملأ كفيه صبه في الأرض،ثم قال:رب ان تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير و انتقم لنا من هؤلاء الظالمين.

قال:و رمى عبد اللّه بن عقبة الغنوى أبا بكر بن (2)الحسن ابن علي بسهم فقتله، فلذلك يقول الشاعر و هو ابن أبي عقب.و عند غنى قطرة من دمائنا.

و في أسد أخرى تعد و تذكر قال:و زعموا أن العباس بن علي قال لاخوته من أمه عبد اللّه و جعفر و عثمان:يا بني امي تقدموا حتى أرثكم فأنه لا ولد لكم ففعلوا فقتلوا.

و شدّ هاني بن ثبيت الحضرمى على عبد اللّه (3)بن علي بن أبي طالب فقتله ثم شدو-

ص: 160


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:171.
2- هو أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.أمه أم ولده روى أبو الفرج ان عبد اللّه بن عقبة الغنوى قتله.و روى ان عقبة الغنوى هو الذي قتله،و إياه عني سليمان ابن قتة بقوله: و عند غنى قطرة من دمائنا سنجزيهم يوما بها حيث حلت إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها و تقتلنا قيس إذا النعل زلت.
3- و هو عبد اللّه بن علي بن أبيطالب بن عبد المطلب عليهم الصلوة و السلام.ولد بعد أخيه بنحو ثمان سنين و أمه فاطمة أم البنين،و بقى مع أبيه ست سنين و مع أخيه الحسن ست عشرة سنة،و مع أخيه الحسين خمسا و عشرين سنة و ذلك مدة عمره. قال أهل السير:انه لما قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و جملة من أهل بيته دعا العباس اخوته:الاكبر فالاكبر و قال لهم:تقدموا،فاول من دعاه عبد اللّه أخوه لابيه و أمه،فقال:تقدم يا أخي حتى أراك قتيلا و أحتسبك فإنه لا ولد لك فتقدم بين يديه و جعل يضرب بسيفه قدما و يجول فيهم و هو يقول:أنا ابن ذي النجدة و الافضال ذاك على الخير في الافعال سيف رسول اللّه ذو النكال في كل يوم ظاهر الاهو الفشد عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه على رأسه فقتله.إبصار العين في أنصار الحسين(ص 34 ط النجف).

على جعفر (1)بن علي فقتله،و جاء براسه.

و رمى خولى بن يزيد الأصبحى (2)عثمان ابن علي بن أبي طالب بسهم ثم شدر-

ص: 161


1- هو جعفر بن علي بن أبيطالب بن عبد المطلب عليهم السّلام ولد بعد أخيه عثمان بنحو سنتين و أمه فاطمة أم البنين،و بقى مع أبيه نحو سنتين و مع أخيه الحسن نحو اثنتى عشرة سنة و مع أخيه الحسين نحو إحدى و عشرين سنة و ذلك مدة عمره.و روى أن أمير المؤمنين عليه السّلام سماه باسم أخيه جعفر لحبه إياه. قال أهل السير:لما قتل اخوا العباس لابيه و أمه:عبد اللّه و عثمان دعا جعفرا فقال له:تقدم إلى الحرب حتى أراك قتيلا كاخويك فاحتسبك كما احتسبتهما فإنه لا ولد لكم فتقدم،و شد على الاعداء يضرب فيهم بسيفه و هو يقول:إني أنا جعفر ذو المعالي ابن علي الخير ذي الافضال قال أبو الفرج:فشد عليه خولى بن يزيد الاصبحي فقتله. إبصار العين(ص 35 ط النجف).
2- هو عثمان بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليهم السّلام ولد بعد أخيه عبد اللّه بنحو سنتين،و أمه فاطمة أم البنين،و بقى مع أبيه نحو أربع سنين و مع أخيه الحسن عليه السّلام نحو أربع عشرة سنة،و مع أخيه الحسين عليه السّلام ثلاثا و عشرين سنة و ذلك مدة عمره. و روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:إنما سميته عثمان بعثمان بن مظعون أخي. قال أهل السير:لما قتل عبد اللّه بن علي دعا العباس عثمان و قال له تقدم يا أخي كما قال لعبد اللّه فتقدم إلى الحرب يضرب بسيفه و يقول:إني أنا عثمان ذو المفاخر شيخي على ذو الفعال الطاهر فرماه خولى بن يزيد الاصبحي بسهم فأوهطه حتى سقط لجنبه فجائه رجل من بني أبان بن دارم فقتله و احتز رأسه.الضبط:مما وقع في هذه الترجمة:عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى،أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا،و هاجر الهجرتين و شهد بدرا و كان أول رجل مات بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة و كان ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية،و ممن أراد الاختصاء في الإسلام فنهاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم و قال:عليك بالصيام فإنه مجفرة أي قاطع للجماع.و لما مات جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى بيته و قال:رحمك اللّه أبا السائب،ثم انحنى عليه فقبله،و رؤى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لما رفع رأسه أثر البكاء،ثم صلى عليه و دفنه في بقيع الغرقد و وضع حجرا على قبره و جعل يزوره. ثم لما مات إبراهيم ولده بعده قال:الحق يا بني بفرطنا عثمان بن مظعون.و لما ماتت زينب ابنته قال: الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون،أوهطه:أضعفه و اثخنه بالجراحة و صرعه صرعة لا يقوم منها (إبصار العين(ص 34 ط النجف).

عليه رجل من بني ابان بن دارم فقتله و جاء برأسه و رمى رجل من بني أبان بن دارم (1)محمد بن علي بن أبي طالب فقتله و جاء برأسه.

قال هشام:حدثني أبو الهذيل (2)رجل من السكون عن هاني بن ثبيت الحضرمي

ص: 162


1- هو أبو بكر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليهم السّلام.اسمه:محمد الاصغر أو عبد اللّه.و أمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.و امها عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر بن عبيد بن الحرث و هو مقاعس،و امها عتاق بنت عصام بن سنان بن خالد بن منقر و امها بنت عبد بن أسعد بن منقر،و امها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.و في سلمى جده قال الشاعر:يسود اقوام و ليسوا بسادة بل السيد الميمون سلمى بن جندل قيل:قتله زجر بن بدر النخعى،و قيل:بل عقبة الغنوى.و قيل:بل رجل من همدان،و قيل:وجد في ساقيه مقتولا لا يدري من قتله.و ذكر بعض الرواة:أنه تقدم إلى الحرب و قاتل و هو يقول:شيخي على ذو الفخار الاطول من هاشم و هاشم لم تعدل و لم يزل يقاتل حتى اشترك في قتله جماعة:منهم عقبة الغنوى.إبصار العين(ص 36 ط النجف).
2- غالب بن الهذيل الاودى أبو الهذيل الكوفي.روى عن أنس و سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي و كليب الاودى و ابن رزين.روى عنه الثورى و أسرائيل و شريك و علي بن صالح بن حي. قال ابن أبي حاتم عن أبيه لا بأس به.

قال:رأيته جالسا في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد اللّه و هو شيخ كبير قال:فسمعته و هو يقول:كنت ممن شهد قتل الحسين قال:فو اللّه إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل الأعلى فرس و قد جالت الخيل و تصعصعت إذ خرج غلام من آل الحسين و هو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار و قميص و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا،فكأني أنظر إلى درتين في اذنيه تذبذبان كلما التفت،إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام،فلما عتب عليه كنى عن نفسه.

قال هشام:حدثني (1)عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال:عطش الحسين حتى اشتد عليه العطش فدنا ليشرب من الماء،فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه،فجعل يتلقى الدم من فمه و يرمى به إلى السماء،ثم حمد اللّه و اثنى عليه ثم جمع يديه فقال:اللهم احصهم عددا،و اقتلهم بددا،و لا تذر على الأرض منهم أحدا.).

ص: 163


1- عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد اللّه،عن جعفر بن محمد،و جابر الجعفي و الاعمش. قال البخاري:حدثنا حامد بن داود،حدثنا اسيد بن زيد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل، عن علي و عمارة قالا:كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يقنت في الفجر و يكبر يوم عرفة من صلوة الغداة،و يقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق.و عده الشيخ ره تارة بعنوان عمرو بن شمر من أصحاب الباقر عليه السّلام و أخرى من أصحاب الصادق عليه السّلام له كتاب،عنه إبراهيم بن سليمان الخزاز أبو إسحاق في(ست)في ترجمته. عنه أحمد بن النضر الخزاز في مشيخه(يه)في طريقه،عنه أحمد بن النصر في(يه)في باب ثواب من ختم له بالخير.عنه أحمد بن لنضر في(يب)و في(في)باب الصبر.عنه محمد بن خالد الطيالسي في(يب)عنه أبو محمد الأنصاري في(يب)و في(بص)و في(في).عنه عثمان بن عيسى في(يب). و في(في).و عنه الحسين بن المختار في(يب)و في(في)و عنه حماد بن عيسى في(يب)و في(في) و عدة كثيرة جامع الرواة(ج 1 ص 623)تنقيح المقال(ج 2 ص 332)ميزان الاعتدال(ج 3 ص 268).

قال هشام:عن أبيه محمد بن السائب عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة قال:

حدثني من شهد الحسين في عسكره:إن حسينا حين غلب على عسكره ركب المسناة يريد الفرات،قال:فقال رجل من بني أبان بن دارم:ويلكم حولوا بينه و بين الماء لا تتأم إليه شيعته،قال:و ضرب فرسه و اتبعه الناس حتى حالوا بينه و بين الفرات.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اظمه،قال:و ينتزع الاباني بسهم فاثبته في حنك الحسين، قال:فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلاءتا دما.

ثم قال الحسين:اللهم إني اشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك قال:فو اللّه ان مكث الرجل إلا يسيرا حتى صب اللّه عليه الظماء،فجعل لا يروى،قال القاسم ابن الاصبغ:

لقد رأيتني فيمن يروح عنه و الماء يبرد له فيه السكر و عساس فيها اللبن و قلال فيها الماء،و إنه ليقول:ويلكم اسقوني.قتلني الظماء فيعطى القلة أو العس كان مرويا أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول ويلكم اسقوني قتلني الظماء،قال:فو اللّه ما لبث إلا يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.

قال أبو مخنف في حديثه:ثم إن شمر بن ذو الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله و عياله فمشى نحوه،فحالوا بينه و بين رحله فقال الحسين عليه السّلام:ويلكم ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا في أمر دنياكم احرارا،ذوى احساب،امنعوا رحلي و اهلي من طغامكم و جهالكم.

فقال ابن ذي الجوشن:ذلك لك يا بن فاطمة قال:و اقدم عليه بالرجالة منهم:

أبو الجنوب،و اسمه عبد الرحمن الجعفي و القشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي، و صالح بن وهب اليزنى،و سنان بن أنس النخعي و خولى بن يزيد الاصبحي، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرضهم،فمر بابي الجنوب و هو شاك في السلاح، فقال له:اقدم عليه،قال:و ما يمنعك ان تقدم عليه أنت؟

ص: 164

فقال له شمر:إلى تقول ذا؟

قال:و أنت لي تقول ذا؟فاستبا فقال له أبو الجنوب و كان شجاعا و اللّه لهممت أن اخضخض السنان في عينك،قال:فانصرف عنه شمر و قال:و اللّه لئن قدرت على أن أضرك لاضرنك.

قال:ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجالة نحو الحسين فأخذ الحسين يشد عليهم،فينكشفون عنه،ثم إنهم أحاطوا به احاطة،و أقبل إلى الحسين (1)غلام من أهله فأخذته اخته زينب ابنة علي لتحبسه،فقال لها الحسين:احبسيه،فأبى).

ص: 165


1- هو عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام أمه بنت الشليل بن عبد اللّه البجلي و الشليل اخو جرير بن عبد اللّه كانت لهما صحبة. قال الشيخ المفيد:لما ضرب مالك بن النسر الكندى بسيفه الحسين على رأسه بعد ان شتمه القى الحسين عليه السّلام قلنسوته و دعا بخرقة و قلنسوة،فشد رأسه بالخرقة و لبس القلنسوة و اعتم عليها:رجع عنه شمر و من معه إلى مواضعهم فمكث هنيئة ثم عاد و عادوا إليه و احاطوا به،فخرج عبد اللّه بن الحسن من عند النساء و هو غلام لم يراهق،فشد حتى وقف إلى جنب عمه الحسين عليه السّلام فلحقته زينب لتحبسه فأبى،فقال لها الحسين احبسيه يا اخية،فامتنع امتناعا شديدا و قال:و اللّه لا افارق عمى.و اهوى بحر بن كعب إلى الحسين بالسيف،فقال له الغلام ويلك يا بن الخبيثة اتقتل عمي؟ فضربه بحر بالسيف،فاتقاه الغلام بيده،فاطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة.فنادى الغلام:يا اماه،فأخذه الحسين عليه السّلام و ضمه إليه و قال:يا بن أخي:اصبر على ما نزل بك،و احتسب في ذلك الخير فإن اللّه يلحقك بابائك الصالحين. ثم رفع الحسين عليه السّلام يديه إلى السماء و قال:اللهم امسك عليهم قطر السماء و امنعهم بركات الأرض، اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم بددا و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترضى الولاة عنهم أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا.روى أبو الفرج:ان الذي قتله حرملة بن كاهن الأسدي:القلنسوة:بفتح القاف و اللام و تسكين النون و ضم السين قبل الوا و لباس في الرأس معروف(لم يراهق)أي لم يقارب (بددا)لتفريقا(قددا)أي طرائق متفرقة بحر:بالباء المفردة و الحاء المهملة و الراء مثلها ابن كعب بن عبيد اللّه من بني تميم بن ثعلبة بن عكابة.و يمضى في بعض الكتب و يجرى على بعض الالسن ابحر بن كعب و هو غلط و تصحيف إبصار العين في أنصار الحسين(ص 38 ط النجف).

الغلام و جاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه.

قال:و قد أهوى بحر بن كعب ابن عبيد اللّه من بني تيم اللّه بن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف،فقال الغلام:يا بن الخبيثة أتقتل عمي؟فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلا الجلدة فإذا يده معلقة،فنادى الغلام يا امتاه،فأخذه الحسين فضمه إلى صدره و قال:يا بن أخي اصبر على ما نزل بك،و احتسب في ذلك الخير، فإن اللّه يلحقك بآبائك الصالحين برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي بن أبي طالب و حمزة و جعفر و الحسن بن علي صلى اللّه عليهم أجمعين.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:سمعت الحسين يومئذ و هو يقول:أللهم أمسك عنهم قطر السماء.و امنعهم بركات الأرض، أللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا،و اجعلهم طرائق قددا،و لا ترض عنهم الولاة أبدا،فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا.

قال:و ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه قال:و لما بقى الحسين في ثلاثة رهط أو اربعة دعا بسراويل محققة يلمع فيها البصر يمانى محقق ففزره و نكثه لكيلا يسلبه،فقال له بعض أصحابه:لو لبست تحته تبانا،قال:ذلك ثوب مذلة و لا ينبغي لي أن ألبسه.

قال:فلما قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجردا.

قال أبو مخنف:فحدثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن أن يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء و في الصيف يييبسان كانهما عود.

قال أبو مخنف:عن الحجاج بن عبد اللّه ابن عمار بن عبد يغوث البارقي:و عتب على عبد اللّه بن عمار بعد ذلك مشهده قتل الحسين فقال عبد اللّه بن عمار:إن لي عند بني هاشم ليدا،قلنا:له و ما يدك عندهم؟

قال:حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه،فو اللّه لو شئت لطعنته ثم انصرفت عنه غير بعيد و قلت:ما أصنع بأن أتولى قتله يقتله غيري،قال:فشد عليه رجالة ممن

ص: 166

عن يمينه و شماله،فحمل على من عن يمينه حتى ابذعروا،و على من عن شماله حتى ابذعروا،و عليه قميص له من خز و هو معتم،قال:فو اللّه:ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا،و لا أمضى جنانا منه،و لا أجرأ مقدما،و اللّه ما رأيت قبله و لا بعده مثله،إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب،قال:فو اللّه إنه لكذلك،إذ خرجت زينب ابنة فاطمة عليهما السّلام أخته و كأني أنظر إلى قرطها يجول بين اذنيها و عاتقها و هي تقول:

ليت السماء تطابقت على الأرض،و قددنا عمر بن سعد من حسين،فقالت:يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد اللّه و أنت تنظر إليه؟

قال:فكاني أنظر إلى دموع عمرو هي تسيل على خديه و لحيته قال:و صرف بوجهه عنها.

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن حميد بن مسلم قال:كانت عليه جبة من خزو كان معتما و كان مخضوبا بالوسمة،قال:و سمعته يقول قبل أن يقتل و هو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع،يتقى الرمية،و يفترص العورة،و يشد على الخيل،و هو يقول أعلى قتلى تحاثون؟أما و اللّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللّه أسخط عليكم لقتله مني،و أيم اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهو إنكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون،أما و اللّه أن لو قد قتلتموني لقد ألقى اللّه باسكم بينكم و سفك دمائكم ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الاليم.

قال:و لقد مكث طويلا من النهار و لو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا،و لكنهم كان يتقي بعضهم ببعض،و يحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء،قال:فنادى شمر في الناس:

و يحكم ماذا تنظرون بالرجل؟اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم،قال:فحمل عليه من كل جانب،فضربت كفه اليسرى ضربة ضربها زرعة بن شريك التميمي،و ضرب على عاتقه،ثم انصرفوا و هو ينوء و يكبو،قال:و حمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعى فطعنه بالرمح فوقع،ثم قال لخولى بن يزيد الأصبحى:احتز

ص: 167

رأسه فأراد أن يفعل فضعف و أرعد،فقال له سنان بن أنس:فت اللّه عضديك و أبان يديك،فنزل إليه فذبحه و احتز رأسه،ثم دفع إلى خولي بن يزيد،و قد ضرب قبل ذلك بالسيوف (1).

قال أبو مخنف:عن جعفر بن محمد بن علي قال:وجد بالحسين عليه السّلام حين قتل ثلاث و ثلاثون طعنة،و أربع و ثلاثون ضربة،قال:و جعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين الاشد عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتى أخذ رأس الحسين فدفعه إلى خولى،قال:و سلب الحسين ما كان عليه،فأخذ سراويله بحرين كعب،أخذ قيس ابن الأشعث قطيفته و كانت من خز و كان يسمى بعد قيس قطيفة،و أخذ نعليه رجل من بني أود يقال له:الاسود،و أخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل،قال:و مال الناس على الورس و الحلل و الابل و انتهبوها، قال:و مال الناس على نساء الحسين و ثقله و متاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها.

قال أبو مخنف:حدثني زهير بن عبد الرحمان الخثعمي ان سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فاثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون:قتل الحسين.فوجد فاقة فإذا معه سكين و قد أخذ سيفه،فقاتلهم بسكينه ساعة،ثم إنه قتل:قتله عروة بن بطار التغلبي،و زيد بن.رقاد الجنبي و كان آخر قتيل.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي الاصغر و هو منبسط على فراش له و هو مريض،و إذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون:إلا نقتل هذا.

قال:فقلت:سبحان اللّه أنقتل الصبيان إنما هذا صبي؟

قال:فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال:ألا لا0.

ص: 168


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:200.

يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد،و لا يعرضن لهذا الغلام المريض،و من أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم،قال:فو اللّه ما رد أحد شيئا قال:فقال علي بن الحسين:

جزيت من رجل خيرا فو اللّه لقد دفع اللّه عني بمقالتك شرا.

قال:فقال الناس لسنان بن أنس:قتلت حسين بن علي و ابن فاطمة ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،قتلت أعظم العرب خطرا جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم،فأت أمراءك،فاطلب ثوابهم،و أنهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا، فأقبل على فرسه و كان شجاعا شاعرا و كانت به لوثة فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد.

ثم نادى بأعلى صوته:

أوقر ركابي فضة و ذهبا انا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد:أشهد أنك لمجنون،ما صحوت قط،ادخلوه على فلما ادخل حذفه بالقضيب ثم قال:يا مجنون اتتكلم بهذا الكلام؟أما و اللّه لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

قال:و أخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان و كان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية و هي أم سكينة بنت الحسين فقال له:ما أنت؟

قال:انا عبد مملوك،فخلى سبيله فلم ينج منهم أحد غيره إلا أن المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله و جثى على ركبتيه فقاتل،فجاءه نفر من قومه فقالوا له أنت آمن أخرج إلينا،فخرج إليهم.فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد و أخبره خبره سيره إلى الزارة.

قال:ثم إن عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين و يوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حيوة الحضرمي و هو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد،و أحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمى فأتوا فداسوا

ص: 169

الحسين بخيولهم حترضوا ظهره و صدره،فبلغني أن أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب و هو واقف في قتال ففلق قلبه فمات،قال:فقتل من أصحاب الحسين عليه السّلام اثنان و سبعون رجلا،و دفن الحسين و أصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم،و قتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية و ثمانون رجلا سوى الجرحى،فصلى عليهم عمر بن سعد و دفنهم.

قال:و ما هو إلا أن قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولى بن يزيد و حميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد اللّه بن زياد،فأقبل به خولى فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا،فأتى منزله فوضعه تحت أجانة في منزله و له امرأتان:امرأة من بني أسد،و الأخرى من الحضرميين يقال له:النوار ابنة مالك بن عقرب،و كانت تلك الليلة ليلة الحضرمية.

قال هشام:فحدثني أبي عن النوار بنت مالك قالت:أقبل خولى برأس الحسين فوضعه تحت اجانة في الدار ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له:ما الخبر ما عندك؟

قال:جئتك بغنى الدهر،هذا رأس الحسين معك في الدار،قالت:فقلت ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة و جئت برأس ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،لا و اللّه لا يجمع رأسي و رأسك بيت أبدا،قالت:فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار،فدعا الاسدية فأدخلها إليه،و جلست انظر قالت فو اللّه ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الاجانة،و رامت طيرا بيضا ترفرف حولها،قال:فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد اللّه بن زياد،و اقام عمر بن سعد يومه ذلك و الغد،ثم أمر حميد بن بكير الأحمرى، فاذن في الناس بالرحيل إلى الكوفة،و حمل معه بنات الحسين و اخواته و من كان معه من الصبيان و علي بن الحسين مريض.

قال أبو مخنف:فحدثني أبو زهير العبسى عن قرة بن قيس التميمي قال:نظرت إلى تلك النسوة لما مررت بحسين و أهله و ولده صحن و لطمن وجوههن،قال:

ص: 170

فاعترضتهن على فرس فما رأيت منظرا من نسوة قط كان أحسن من منظر رأيته منهن ذلك،و اللّه لهن أحسن من مهى يبرين قال:فما نسيت من الاشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرت باخيها الحسين صريعا و هي تقول:

يا محمداه،يا محمداه،صلى عليك ملائكة السماء،هذا الحسين بالعرا،مرمل بالدماء،مقطع الأعضاء،يا محمداه و بناتك سبايا،و ذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا قال:فابكت و اللّه كل عدو و صديق،قال:و قطف رؤس الباقين فسرح باثنين و سبعين رأسا مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمر بن الحجاج و عزرة بن قيس فاقبلوا حتى قدموا بها على عبيد اللّه بن زياد.

قال أبو مخنف:حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال:دعاني عمر ابن سعد فسرحني إلى أهله لابشرهم بفتح اللّه عليه و بعافيته فاقبلت حتى أتيت أهله فاعلمتهم ذلك،ثم اقبلت حتى ادخل،فاجد ابن زياد قد جلس للناس واجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم و اذن للناس فدخلت فيمن دخل،فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه،و إذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة.فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له:اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين،فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على هاتين الشفتين يقبلهما،ثم أنفضح الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد:أبكى اللّه عينيك فو اللّه لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك،قال:فنهض فخرج فلما خرج سمعت الناس يقولون:و اللّه لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله.

قال:فقلت:ما قال؟

قالوا:مر بنا و هو يقول:ملك عبد عبدا،فاتخذهم تلدا،أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم،قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانة،فهو يقتل خياركم،و يستعبد شراركم،فرضيتم بالذل،فبعدا لمن رضى بالذل،قال:فلما دخل برأس الحسين (حسين)و صبيانه و أخواته و نسائه على عبيد اللّه بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة

ص: 171

ارذل ثيابها،و تنكرت و حف بها اماءها.فلما دخلت جلست،فقال عبيد اللّه بن زياد:

من هذه الجالسة؟فلم تكلمه،فقال ذلك ثلاثا كل ذلك لا تكلمه،فقال بعض امائها:

هذه زينب ابنة فاطمة،قال:فقال لها عبيد اللّه:الحمد الذي فضحكم،و قتلكم،و أكذب أحدوثتكم،فقالت:الحمد للّه الذي اكرمنا بمحمد صلّى اللّه عليه و اله و طهرنا تطهيرا لا كما تقول أنت،إنما يفتضح الفاسق،و يكذب الفاجر،قال:فكيف رأيت صنع اللّه باهل بيتك، قالت:كتب عليهم القتل،فبرزوا إلى مضاجعهم،فسيجمع اللّه بينك و بينهم، فتحاجون إليه و تخاصمون عنده.

قال:فغضب ابن زياد و استشاط،قال:فقال له عمرو بن حريث أصلح اللّه الأمير إنما هي امرأة و هل تؤأخذ المرأة بشيء من منطقها؟إنها لا توأخذ بقول،و لا تلام على خطل،فقال لها ابن زياد:قد اشفى اللّه نفسي من طاغتيك،و العصاة المردة من أهل بيتك.

قال:فبكت ثم قالت عليها السّلام:لعمري لقد قتلت كهلي،و ابرت أهلي،و قطعت فرعي، و اجثثت اصلي،فإن يشفك هذا فقد اشتفيت،فقال لها عبيد اللّه:هذه شجاعة،قد لعمري(قد)كان أبوك شاعرا شجاعا،قالت:ما للمرأة و الشجاعة،ان لي عن الشجاعة لشغلا،و لكني نفثى ما أقول.

قال أبو مخنف عن مجالد بن سعيد:إن عبيد اللّه بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين قال لشرطي:انظر هل ادرك هذا ما يدرك الرجال؟فكشط ازاره عنه فقال:

نعم،قال:انطلقوا به فاضربوا عنقه فقال له على إن كان بينك و بين هولاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلا يحافظ عليهن،فقال له ابن زياد:تعال أنت فبعثه معهن.

قال أبو مخنف:و أما سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن مسلم قال:إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له:ما اسمك؟

قال:انا علي بن الحسين،قال:اولم يقتل اللّه علي بن الحسين؟فسكت،فقال له ابن زياد:مالك لا تتكلم قال:قد كان لي اخ يقال له:أيضا على فقتله الناس،قال:إن اللّه

ص: 172

قد قتله،قال:فسكت على،فقال له:مالك لا تتكلم؟

قال:اللّه يتوفى الانفس حين موتها،و ما كان لنفس ان تموت إلا باذن اللّه.

قال:أنت و اللّه منهم،ويحك انظروا هل ادرك؟و اللّه إني لاحسبه رجلا،قال:

فكشف عنه مرى بن معاذ الاحمري فقال:نعم قد ادرك،فقال:اقتله،فقال علي بن الحسين،من يتوكل بهؤلاء النسوة؟و تعلقت به زينب عمته فقالت:يا بن زياد حسبك منا ما رويت من دمائنا؟و هل أبقيت منا أحدا؟

قال:فاعتنقته فقالت أسالك باللّه إن كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلتني معه،قال:

و ناداه علي فقال:يا بن زياد إن كانت بينك و بينهم قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الإسلام،قال:فنظر إليها ساعة،ثم نظر إلى القوم فقال:عجبا للرحم،و اللّه إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه،دعوا الغلام،انطلق مع نسائك.

قال حميد بن مسلم:لما دخل عبيد اللّه القصر و دخل الناس نودى الصلاة جامعة،فاجتمع الناس في المسجد الأعظم،فصعد المنبر ابن زياد فقال:الحمد للّه الذي اظهر الحق و أهله،و نصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية و حزبه،و قتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي و شيعته،فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي،ثم الغامدي،ثم أحد بني و البة.و كان من شيعة على كرم اللّه وجهه،و كانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي،فلما كان يوم صفين ضرب على راسه ضربة و أخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى،فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف.

قال:فلما سمع مقالة ابن زياد قال:يابن مرجانة ان الكذاب أنت و أبوك،و الذي ولاك و أبوه،يابن مرجانة:اتقتلون ابناء النبيين و تكلمون بكلام الصديقين،فقال ابن زياد:على به،قال:فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال:فنادى بشعار الأزد يا مبرور قال:و عبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس فقال:ويح غيرك أهلكت نفسك

ص: 173

و أهلكت قومك،قال:و حاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمئة مقاتل،قال:فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فاتوا به أهله،فأرسل إليه من أتاه به فقتله و أمر بصلبه في السبخة فصلب هنالك (1).

ص: 174


1- قال في مثير الاحزان للشيخ الجليل نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّه بن نما الحلي المتوفى سنة 645 ما لفظه:و رويت أن أنس بن مالك قال:شهدت عبيد اللّه بن زياد و هو ينكت بقضيب على لسان الحسين.يقول:انه كان حسن الثغر،فقلت:أم و اللّه لأسوءنّك لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقبل موضع قضيبك من فيه. و عن سعيد بن معاذ و عمر بن سهل أنهما حضرا عبيد اللّه يضرب يقضيبه انف الحسين و عينيه و يطعن في فمه،فقال له زيد بن أرقم:ارفع قضيبك إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله واضعا شفتيه على موضع قضيبك ثم انتحب باكيا،فقال له:أبكى اللّه عينيك يا عدو اللّه لولا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك،فقال زيد:لأحدثنك حديثا هو اغلظ عليك من هذا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اقعد حسنا على فخذه اليمنى،و حسينا على فخذه اليسرى فوضع يده على يافوخ كل واحد منهما:و قال:إني استودعكما و صالح المؤمنين،فكيف كانت وديعتك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. ثم قام عبيد اللّه خطيبا و قال:الحمد للّه الذي أظهر الحق و أهله و نصر أمير المؤمنين و حزبه الخ. فقام إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي و كانت إحدى عينيه ذهبت يوم الجمل و الأخرى يوم صفين مع علي عليه السّلام و قال:يا بن مرجانة إن الكذاب أنت و أبوك و الذي ولاك،اتقتلون اولاد النبيين و تتكلمون بكلام الصديقين فأمر به ابن زياد،فمنعه الأزد و انتزعوه من أيدي الجلاوزة،فأتى منزله فقال ابن زياد: اذهبوا إلى أعمى الأزد أعمى اللّه قلبه،فأتوني به،فلما بلغ الأزد ذلك اجتمعوا،و قبائل اليمن معهم، فبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر و ضمهم إلى ابن الأشعث و امره بالقتال،فاقتتلوا و قتل بينهم جماعة و وصل أصحاب عبيد اللّه إلى دار عبد اللّه بن عفيف.فكسروا الباب و اقتحموا عليه،فصاحت ابنته:اتاك القوم من حيث تحذر،فقال:لا عليك،ناوليني سيفي،فناولته فجعل يذب به نفسه و يقول: انا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي و ابن أم عامر كم دارع من جمعكم و حاسر. فقالت ابنتة:يا ليتني كنت رجلا اخاصم بين يديك هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة،و القوم محدقون كلما جاءوه من جهة اشعرته و هو يذب عن نفسه و يقول: أقسم لو فرج لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري فتكاثروا عليه فأخذوه،فقالت ابنته:و اذلاه،يحاط بأبي و ليس له ناصر،و أدخلوه على عبيد اللّه فقال: الحمد للّه الذي اخزاك فقال:يا عدو اللّه فماذا أخزاني و اللّه لو فرج لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري. قال:يا عدو اللّه ما تقول في عثمان؟ فقال:يا عبد بني علاج،يا بن مرجانة ما أنت و عثمان،أساء أم أحسن،فقد لقى ربه و هو ولي خلقه يقضي بينهم بالعدل،و لكن سلني عن أبيك و عن يزيد و أبيه،فقال له:و اللّه سألتك عن شيء حتى تذوق الموت عطشا. فقال:الحمد للّه رب العالمين،أما إني كنت أسئل اللّه ربي أن يرزقني الشهادة قبل ان تدرك وسيلته ان يجعلها على يدي ألعن خلقه و أبغضهم إليه،فلما كف بصري يئست من الشهادة و الآن فالحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها،فامر ابن زياد،فضرب عنقه و صلب في السبخة. ثم دعا بجندب بن عبد اللّه الأزدي و كان شيخا فقال:يا عدو اللّه ألست صاحب أبي تراب؟ قال:بلى لا اعتذر منه،قال:ما أراني إلا متقربا إلى اللّه بدمك،قال:اذن لا يقربك اللّه منه بل يباعدك قال: شيخ قد ذهب عقله،و خلى سبيله.

قال أبو مخنف:ثم إن عبيد اللّه بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة،فجعل يدار به من الكوفة.

ثم دعا زحر بن قيس فسرح معه برأس الحسين و رؤس أصحابه إلى يزيد بن معاوية،و كان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي،و طارق بن أبي ظبيان الأزدي، فخرجوا حتى قدموا بها الشام على يزيد بن معاوية.

قال هشام فحدثني عبد اللّه بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي عن أبيه عن الغاز ابن ربيعة الجرشي من حمير قال:و اللّه إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد:ويلك ما وراءك و ما عندك؟

فقال:أبشر يا أمير المؤمنين بفتح اللّه و نصره،ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم ان يستسلمواه.

ص: 175

و ينزلوا على حكم الأمير عبيد اللّه بن زياد أو القتال،فاختاروا القتال على الاستسلام،فعدونا عليهم مع شروق الشمس،فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم،يهربون إلى غير وزر و يلوذون (1)منا بالأكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمائم من صقر،فو اللّه يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل،حتى أتينا على آخرهم،فهاتيك أجسادهم مجردة، و ثيابهم مرملة،و خدودهم معفرة.تصهرهم الشمس و تسفى عليهم الريح،زوارهم العقبان و الرخم (2)بقي سبسب.

قال:فدمعت عين يزيد و قال:قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن اللّه ابن سمية،أما و اللّه لو أني صاحبه لعفوت عنه،فرحم اللّه الحسين و لم يصله بشيء (3).

ص: 176


1- و في هامش(الكامل)للمورخ الكبير الشيخ عبد الوهاب النجار المدرس بقسم التخصص في الازهر في(ج 3 ص 298 ط المنيرية لصاحبها و مديرها محمد منير الدمشقي)ما لفظه:هذا هو الفخر المزيف و الكذب الصريح،فإن كل المورخين يذكرون لمن كان مع الحسين و له-ثباتا-لا يضارعه ثبات،و اباء و شما قل أن يريا لمكثور قل ناصره و كثر واتروه. و قال:في ظهر الصحيفة المذكورة ما لفظه:هذا النصر في نظري و نظر كل عاقل صحيح العقل شر من الخذلان و الهزيمة،اذ ما فخر للآلاف الكثيرة تجتمع على اثنين و سبعين رجلا قد نزلوا على غير ماء، إنما يعتبر النصر شرفا و فخرا إذا كانت العدة متكافئة و العدد قريبا،فحق ابن زياد و من كان على شاكلته أن يندبوا على أنفسهم بالخيبة و الخسران و إن يطأطئوا رؤوسهم ذلا و عارا حينما وقف هؤلاء النسوة الاشراف على رأسهن السيدة زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هي بهذه الحالة،لعن اللّه الفسق و الفساق،لقد سودوا صحائف التاريخ،و سجلوا على أنفسهم الجرائم الكبرى التي لا تغتفر و لا تنسى مدى الدهر فانا للّه و إنا إليه راجعون،و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
2- في الكامل لابن أثير الجزري(ج 3 ص 298 ط المنيرية)بقاع سبب بدل بقى سبسب و هو غلط.
3- و في الكامل(ج 3 ص 298)ما لظه:و قيل:ان آل الحسين لما وصلوا إلى الكوفة حبسهم ابن زياد و أرسل إلى يزيد بالخبر،فبينما هم في الحبس اذ سقط عليهم حجر فيه كتاب مربوط،و فيه أن البريد سار بأمركم إلى يزيد،فيصل يوم كذا و يعود يوم كذا،فإن سمعتم التكبير فايقنوا بالقتل،و إن لم تسمعوا تكبيرا فهو الامان(ان شاء اللّه)،فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد القى و فيه كتاب يقول فيه:أو صوا و اعهدوا فقد قارب وصول البريد ثم جاء البريد بأمر يزيد بارسالهم إليه فدعا ابن زياد محفز بن ثعلبة شمر بن ذي الجوشن و سيرهما بالثقل و الرأس،فلما وصلوا إلى دمشق نادى محفز بن ثعلبة على باب يزيد:جئنا برأس أحمق الناس و الامهم،فقال يزيد:ما ولدت أم محفز الام و أحمق منه،و لكنه قاطع ظالم. ثم دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه و حدثوه،فسمعت الحديث هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز-و كانت تحت يزيد-فتقنعت بثوبها و خرجت فقالت:يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ قال:نعم،فأعولي عليه،و حدّي على ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و صريحة قريش،عجل عليه ابن زياد فقتله،قتله اللّه. ثم أذن للناس فدخلوا عليه و الرأس بين يديه و معه قضيب و هو ينكت به ثغره ثم قال:ان هذا و ايانا كما قال الحصين بن الحمام: أبا قومنا أن ينصفونا فانصفت قواضب في ايماننا تقطر الدما يلقلقن هاما من رجال اعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما.

قال:ثم إن عبيد اللّه أمر بنساء الحسين و صبيانه فجهزن،و أمر بعلي بن الحسين فغلّ بغلّ إلى عنقه،ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش،و مع شمر ابن ذي الجوشن فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد،فلم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا منهما في الطريق كلمة حتى بلغوا.فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز بن ثعلبة صوته فقال:هذا محفز بن ثعلبة،أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة.

قال:فأجابه يزيد بن معاوية:ما ولدت أم محفز شر و ألأم.

قال أبو مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد ابن معاوية قال:لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد رأس الحسين و اهل بيته و أصحابه قال يزيد:

يفلقن هاما من رجال اعزة علينا و هم كانوا اعق و اظلماا.

ص: 177

أما و اللّه يا حسين لو انا صاحبك ما قتلتك.

قال أبو مخنف:حدثني أبو جعفر العبسى عن أبي عمارة العبسى قال:فقال يحيى ابن الحكم:اخو مروان بن الحكم:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سمية أمسى نسلها عدد الحصى و ليس لال المصطفى اليوم من نسل

قال:فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم و قال:اسكت،قال:و لما جلس يزيد بن معاوية دعا أشراف أهل الشام فاجلسهم حوله،ثم دعا بعلي بن الحسين و صبيان الحسين و نساءه فادخلوا عليه و الناس ينظرون،فقال يزيد لعلي:

يا علي أبوك الذي قطع رحمي و جهل حقي،و نازعني سلطاني،فصنع اللّه به ما قد رأيت،قال:فقال علي:ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها.

فقال يزيد لابنه خالد:اردد عليه.

قال:فما درى خالد ما يرد عليه،فقال له يزيد:قل ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير ثم سكت عنه قال:ثم دعا بالنساء و الصبيان فاجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال:قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم هكذا.

قال أبو مخنف عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت على قالت لما اجلسنا بين يدي يزيد ابن معاوية رق لنا،و أمر لنا بشيء و الطفنا قالت:ثم إن رجلا من أهل الشام احمر قام إلى يزيد فقال:يا أمير المؤمنين:هب لي هذه يعنيني،و كنت جارية و ضيئة فارعدت و فرقت و ظننت أن ذلك جائز لهم و أخذت بثياب أختي زينب،قالت:و كانت أختي زينب أكبر مني و أعقل،و كانت تعلم أن ذلك لا يكون فقالت عليها السّلام:كذبت و اللّه و لو مت ما ذلك لك و له.

فغضب يزيد فقال:كذبت و اللّه ان ذلك لي و لو شئت ان افعله لفعلت،قالت:كلا

ص: 178

و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا و تدين بغير ديننا،قالت:فغضب يزيد و استطار ثم قال:إياي تستقبلين بهذا،إنما خرج من الدين أبوك و أخوك.

فقالت زينب عليها السّلام:بدين اللّه و دين أبي و دين أخي و جدى اهتديت أنت و أبوك و جدك.

قال:كذبت يا عدوة اللّه.

قالت:أنت أمير مسلط تشتم ظالما و تقهر بسلطانك،قالت:فو اللّه لكانه استحيا فسكت.

ثم عاد الشامي فقال:يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية،قال:اعزب،وهب اللّه لك حتفا قاضيا.

قالت:ثم قال يزيد بن معاوية:يا نعمان بن بشير جهزهم بما يصلحهم،و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا،و ابعث معه خيلا و أعوانا فيسير بهم إلى المدينة،ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة،معهن ما يصلحهن،و أخوهن معهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها.

قال:فخرجن حتى دخلن دار يزيد،فلم تبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي و تنوح على الحسين،فاقاموا عليه المناحة ثلاثا،و كان يزيد لا يتغدى و لا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين إليه.

قال:فدعاه ذات يوم و دعا عمرو بن الحسن بن علي و هو غلام صغير فقال لعمرو بن الحسن:اتقاتل هذا الفتى؟يعني خالدا ابنه،قال:لا و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم أقاتله،فقال له يزيد،و أخذه و ضمه إليه ثم قال:شنشنة أعرفها من أخزم،هل تلد الحية إلا حية.

قال:و لما أرادوا ان يخرجوا دعا يزيد علي بن الحسين ثم قال:لعن اللّه ابن مرجانة،أما و اللّه لو إني صاحبه ما سالني خصلة أبدا إلا أعطيتها إياه،و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدى و لكن اللّه قضى ما رأيت،

ص: 179

كاتبني و انه كل حاجة تكون لك،قال:و كساهم و أوصى بهم ذلك الرسول.

قال:فخرج بهم و كان يسايرهم بالليل،فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم،و ينزل منهم بحيث إذا أراد انسان منهم وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم،فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا و يسألهم عن حوائجهم و يلطفهم حتى دخلوا المدينة.

و قال الحارث بن كعب:فقالت لي فاطمة بنت علي:قلت لأختي زينب:يا أخية لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لك ان نصله؟

فقالت:و اللّه ما معنا شيء نصله به إلا حلينا،قالت لها:فنعطيه حلينا،قالت:فأخذت سواري و دملجي،و أخذت أختي سوارها و دملجها،فبعثنا بذلك إليه و اعتذرنا إليه، و قلنا له:هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل،قال:فقال:لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حليكن ما يرضيني و دونه،و لكن و اللّه ما فعلته إلا للّه و لقرابتكم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

قال هشام:و أما عوانة بن الحكم الكلبي فإنه قال:لما قتل الحسين و جيئ بالاثقال و الاسارى حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد اللّه فبينا القوم محتبسون إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط و في الكتاب:خرج البريد بأمركم في يوم كذا و كذا إلى يزيد بن معاوية،و هو سائر كذا و كذا يوما و راجع في كذا و كذا،فإن سمعتم التكبير فايقنوا بالقتل و إن لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان إن شاء اللّه،قال:فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد ألقى في السجن و معه كتاب مربوط و موسى و في الكتاب:أوصوا و اعهدوا،فإنما ينتظر البريد يوم كذا و كذا فجاء البريد و لم يسمع التكبير و جاء كتاب بأن سرّح الاسارى إلى.

قال:فدعا عبيد اللّه بن زياد محفز بن ثعلبة،و شمر بن ذي الجوشن فقال:انطلقوا بالثقل و الرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية،قال:فخرجوا حتى قدموا على يزيد،فقام محفز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته:جئنا برأس احمق الناس و ألأمهم،

ص: 180

فقال يزيد:ما ولدت أم محفز ألأم و أحمق و لكنه قاطع ظالم.

قال:فلما نظر يزيد إلى رأس الحسين قال:

يفلقن هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما

ثم قال:اتدرون من أين أتى هذا؟

قال:أبي علي خير من أبيه،و امي فاطمة خير من أمه،و جدى رسول اللّه خير من جده،و إنا خير منه و أحق بهذا الأمر منه،فأما قوله:أبوه خير من أبي فقد حاج أبي أباه،و علم الناس أيهما حكم له،و أما قوله،أمي خير من أمه،فلعمرى فاطمة ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله خير من أمي،و أما قوله جدى خير من جده:فلعمرى ما أحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر يرى لرسول اللّه فينا عدلا و لا ندا،و لكنه إنما أتى من قبل فقهه،و لم يقرأ:قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.

ثم ادخل نساء الحسين على يزيد،فصاح نساء آل يزيد و بنات معاوية و أهله و ولولن ثم إنهن أدخلن على يزيد،فقالت فاطمة بنت الحسين و كانت أكبر من سكينة:أبنات رسول اللّه سبايا يا يزيد؟

فقال يزيد:يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره،قالت:و اللّه ما ترك لنا خرص،قال:يا ابنة أخي ما أتى إليك أعظم مما أخذ منك ثم اخرجن فادخلن دار يزيد بن معاوية،فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا اتتهن و اقمن المآتم.و أرسل يزيد إلى كل امرأة ماذا أخذ لك،و ليس منهن امرأة تدعى شيئا بالغا ما بلغ إلا قد أضعفه لها،فكانت سكينة تقول ما رأيت رجلا كافرا باللّه خيرا من يزيد بن معاوية.

ثم ادخل الأسارى إليه و فيهم علي بن الحسين فقال له يزيد:إيه يا علي،فقال علي: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ

ص: 181

فقال يزيد: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ثم جهزه و أعطاه مالا و سرحه إلى المدينة.

قال هشام عن أبي مخنف قال:حدثني أبو حمزة الثمالي (1)عن عبد اللّه الثمالي عن القاسم بن بخيت قال:لما أقبل وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق، فقال لهم مروان بن الحكم:كيف صنعتم؟

قالوا:ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فاتينا و اللّه على آخرهم،و هذه الرؤوس و السبايا،فوثب مروان فانصرف،و اتاهم اخوه يحيى بن الحكم فقال:ما صنعتم؟ فأعادوا عليه الكلام،فقال:حجبتم عن محمد يوم القيامة،لن أجامعكم على أمر أبدا:

ثم قام فانصرف،و دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه و حدثوه الحديث، قال:فسمعت دور الحديث هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز و كانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت بثوبها و خرجت فقالت:يا أمير المؤمنين أرأس الحسين ابن فاطمة).

ص: 182


1- ثابت بن أبي صفية دينار و قيل سعيد أبو حمزة الثمالي الأزدي الكوفي مولى المهلب بن أبي صفرة.روى عن أنس و الشعبي و أبي إسحاق و زاذان أبي عمر و سالم بن أبى الجعد و أبي جعفر الباقر عليه السّلام و غيرهم.و عنه الثورى و شريك و حفص بن غياث و أبو اسامة و عبد الملك بن أبي سليمان و أبو نعيم و وكيع و عبيد اللّه بن موسى و عدة. قال ابن:سعد توفى في خلافة أبي جعفر و قال يزيد بن هارون:كان يؤمن بالرجعة.سعدان بن يحيى، حدثنا أبو حمزة الثمالي،عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث،عن علي-مرفوعا:من زار أخاه في اللّه لا لغيره التماس موعود اللّه وكل اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه:طبت و طابت لك الجنة.كان من خيار أصحابنا(شيعة آل الرسول)و ثقاتهم و معتمديهم في الرواية و الحديث،لفى علي بن الحسين و أبا جعفر و أبا عبد اللّه و أبا الحسن عليهم السّلام و روى عنهم. و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه. قال الفضل بن شاذان:سمعت الثقة يقول:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:أبو جعفر الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه و ذلك أنه خدم أربعة منا:علي بن الحسين،و محمد بن علي،و جعفر بن محمد،و برهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السّلام.مات سنة خمسين و مأة.تهذيب التهذيب(ج 2 ص 7)ميزان الاعتدال (ج 1 ص 363)جامع الرواة(ج 1 ص 134).

بنت رسول اللّه؟

قال:نعم فأعولي عليه،و حدّي على ابن بنت رسول صلّى اللّه عليه و اله و صريحة قريش،عجل عليه ابن زياد فقتله قتله اللّه.

ثم أذن للناس فدخلوا و الرأس بين يديه و مع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره ثم قال:إن هذا و إيانا كما قال الحصين بن الحمام المري:

يفلقن هاما من رجال احبة إلينا و هم كانوا أعق و أظلما.

قال:فقال رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقال له:أبو بزرة الاسلمى:أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يرشفه،أما إنك يا يزيد تجيئ يوم القيامة و ابن زياد شفيعك و يجيئ هذا يوم القيامة و محمد صلّى اللّه عليه و اله شفيعه ثم قام فولى.

قال هشام:حدثني عوانة بن الحكم قال:لما قتل عبيد اللّه بن زياد الحسين بن علي و جئ برأسه إليه دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال:انطلق حتى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص فبشره بقتل الحسين و كان عمرو بن سعيد ابن العاص أمير المدينة يومئذ،قال:فذهب ليعتل له فزجره،و كان عبيد اللّه لا يصطلى بناره،فقال:انطلق حتى تأتي المدينة و لا يسبقك الخبر،و أعطاه دنانير و قال:لا تعتل و ان قامت بك راحلتك فاشتر راحلة،قال عبد الملك:فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش فقال:ما الخبر؟

فقلت:الخبر عند الأمير.

فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون،قتل الحسين بن علي،قال:فدخلت على عمرو بن سعيد فقال:ما ورائك؟

فقلت:ما سر الأمير،قتل الحسين بن علي عليه السّلام،فقال:نادى بقتله فناديت بقتله،فلم أسمع و اللّه واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين،فقال عمرو بن سعيد وضحك:

ص: 183

عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الارنب

و الأرنب:وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان،و هذا البيت لعمرو بن معد يكرب.

ثم قال عمرو:هذه واعية بواعية عثمان بن عفان،ثم صعد المنبر فاعلم الناس فتله.

قال هشام عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمان بن عبيد أبي الكنود قال:لما بلغ عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مو إليه و الناس يعزونه،قال:و لا أظن مولاه ذلك إلا أبا اللسلاس،فقال:

هذا ما لقينا و دخل علينا من الحسين،قال:فحذفه عبد اللّه بن جعفر بنعله.

ثم قال:يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟و اللّه لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتي أقتل معه،و اللّه إنه لمما يسخي بنفسي عنهما و يهون على المصاب بهما،أنهما أصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم أقبل على جلسائه فقال:

الحمد للّه عز و جل على بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي،قال:و لما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب و معها نساءها و هي حاسرة تلوى بثوبها و هي تقول:

ماذا تقولون ان قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم

بعترتى و بأهلى بعد مفتقدي منهم اسارى و منهم ضرجوا بدم

قال هشام عن عوانة قال:قال عبيد اللّه بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين:

يا عمر أين الكتاب الذي كتبت به إليك في قتل الحسين،قال مضيت لأمرك و ضاع الكتاب،قال:لتجيئن به.

قال:ضاع.

قال:و اللّه لتجيئن به،قال:ترك و اللّه يقرأ على عجائز قريش اعتذارا إليهن بالمدينة أما و اللّه لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي

ص: 184

وقاص كنت قد أديت حقه.

قال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه:صدق و اللّه،لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة و أن حسينا لم يقتل،قال:فو اللّه ما أنكر ذلك عليه عبيد اللّه.

قال هشام:حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن أبي المقدام قال:حدثني عمرو بن عكرمة قال:أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يحدثنا قال:

سمعت البارحة مناديا ينادى و هو يقول:

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و ملك و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داو دو موسى و حامل الانجيل

قال هشام:حدثني عمر بن حيزوم الكلبي عن أبيه قال:سمعت هذا الصوت (1).1.

ص: 185


1- مقتل الحسين لأبي مخنف:231.

الفهرس

مقتل أهل البيت عليهم السلام

مقتل عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله 3

أول شهيد من عترة رسول اللّه 3

مقتل آل أبي طالب 6

عبد اللّه بن مسلم بن عقيل 6

ذكر شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما 9

نجلا السبط الأكبر 13

مقتل إخوة الحسين 15

أبو بكر بن علي عليه السلام 15

عثمان بن علي عليه السلام 16

جعفر بن علي عليه السلام 16

عبد اللّه بن علي عليه السلام 16

مقتل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام 18

فضيلة شهادة العباس عليه السلام 21

بصيرة العباس 22

شأن و منزلة أبي الفضل العباس 23

مقتل أطفال آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله 24

ص: 186

قتل الطفل الرضيع 24

مقتل طفل آخر للحسين عليه السلام 25

معركة في طريق الفرات 25

مقتل طفل مذعور 26

مقتل طفل الإمام الحسن عليه السلام 26

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول اللّه 28

آخر قتال الحسين عليه السلام 29

صرخة زينب 29

مقتل سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله 30

جيش الخلافة تسلب ذراري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تنهب 31

آخر شهيد 31

نجاة عقبة بن سمعان و أسر المرقع 32

توطئوا بالخيل جسد الحسين عليه السلام 33

روايات أخرى لمقتل أهل البيت عليهم السلام 34

1-علي الأكبر 34

فضيلة مقتل علي الأكبر عليه السلام 40

مصرع آل عقيل 43

عبد الله بن مسلم 43

جعفر بن عقيل 44

عبد الرحمن بن عقيل 45

محمد بن عقيل 45

عبد الله الأكبر 46

محمد بن أبي سعيد بن عقيل 46

ص: 187

محمد بن مسلم 46

علي بن عقيل 46

أبناء الإمام الحسن عليه السلام 47

عبد الله بن الحسن 47

القاسم بن الحسن 47

فضيلة مقتل القاسم بن الحسين عليه السلام 50

الحسن ابن الإمام الحسن 52

عبد الله بن الحسن 52

أبناء عبد الله بن جعفر 53

1-عون بن عبد الله 53

2-محمد بن عبد الله 54

3-عبيد الله بن جعفر 55

شهادة أخوة الحسين عليه السلام 56

العباس مع اخوته 56

قول رخيص 56

مصرع عبد الله ابن أمير المؤمنين 57

مصرع جعفر 58

مصرع عثمان 58

مصرع العباس 58

محمد الأصغر 64

أبو بكر 64

العباس الأصغر 65

مصرع الإمام العظيم 66

ص: 188

استغاثة الإمام 67

مصرع الرضيع 68

صمود الإمام 69

موقف المكرهين 70

فزع ابن سعد 71

استيلاء الإمام على الماء 71

الهجوم على خيم الحسين 72

خطابه الأخير 73

الإمام يطلب ثوبا خلقا 73

الإمام مع ابن رباح 84

مناجاة الإمام للّه تعالى 85

الهجوم على الإمام 86

خروج العقيلة زينب 87

الفاجعة الكبرى 88

مقتل الحسين عليه السلام على لسان الصادق عليه السّلام 90

من هو قاتل الإمام؟99

عمر الإمام و سنة شهادته 101

مقتل الإمام الحسين و أصحابه و أهله برواية أبو مخنف 102

الفهرس 186

ص: 189

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.