الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام المجلد 12

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان :عربی

تعداد جلد: 20

کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

[الجزء الثانى عشر] الإمام الحسين قبل المسير من الكوفة

عزم الإمام الحسين عليه السلام على المسير إلى العراق

اشارة

قال السيد مرتضى العسكري:استعد الإمام الحسين بعد تسلمه كتاب سفيره مسلم للتوجه إلى العراق و لما علم ابن الزبير بقصده قال له:أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها،ثم خشي أن يتهمه فقال:أما انك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ههنا ما خولف عليك إن شاء اللّه و لما خرج من عند الإمام الحسين قال الإمام:إن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق و قد علم أنه ليس له من الأمر معي شيء و ان الناس لم يعدلوه بي فودّ أني خرجت منها لتخلو له (1).

و في يوم التروية التقيا بين الحجر و الباب فقال له ابن الزبير:إن شئت أقمت فوليت هذا الأمر آزرناك و ساعدناك و نصحناك و بايعناك فقال له الحسين:إن أبي حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش فقال له ابن الزبير:فأقم ان شئت و توليني أنا الأمر فتطاع و لا تعصى فقال:و ما أريد هذا ثم إنهما أخفيا كلامهما (2).

و فى رواية:فسار ابن الزبير الحسين فالتفت إلينا الحسين،فقال:يقول ابن

ص: 3


1- الطبري 216/6.
2- الطبري 317/6،و راجع أنساب الأشراف ص 164.

الزبير:أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس،ثم قال:و اللّه لئن أقتل خارجا منها أحب إلى من أن أقتل داخلا منها بشبر،و أيم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم و و اللّه ليعتدن على كما اعتدت اليهود في السبت (1).

و في تاريخ ابن عساكر و ابن كثير:لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلى من أن تستحل بي يعني مكة (2).

ثم طاف الحسين بالبيت و بين الصفا و المروة و قص من شعره و أحل من احرامه و جعلها عمرة (3).

خطبة الإمام عليه السلام

و قال:و في مثير الأحزان بعد المحاورة السابقة:ثم قام خطيبا فقال:الحمد للّه و ما شاء اللّه،و لا قوة إلاّ باللّه،خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف،و خير لي مصرع انا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا،فيملأن مني أكراشا جوفا و أحوية سغبا،لا محيص عن يوم خط بالقلم،رضا اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين،لن تشذ عن رسول اللّه لحمته، و هي مجموعة له في حظيرة القدس،تقر بهم عينه و ينجز بهم وعده،من كان باذلا فينا مهجته،و موطنا على لقاء اللّه نفسه،فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء

ص: 4


1- الطبري 217/6،ابن الأثير 16/4،و قوله"ليعتدن على"في طبقات ابن سعد ح-278، و تاريخ ابن عساكر ح-664،و ابن كثير 166/8.
2- تاريخ ابن عساكر ح-648،و ابن كثير 166/8.
3- إرشاد المفيد ص 201،و تاريخ ابن كثير 166/8.

اللّه (1).

لفت نظر

لم نتوخ في ايراد هذه المحاورات تسجيلها حسب تسلسلها الزماني أو المكاني كي نبحث عنها كذلك ثم نرتب تدوينها حسبما يؤدى إليه البحث لأنا استهدفنا في هذا البحث اعطاء صورة عن رؤية الإمام الحسين و رؤية معاصريه لواقعة استشهاده لنتمكن من معرفة حكمة استشهاده و آثارها،و كان يكفينا في هذا المقام ايراد المحاورات و الحوادث حسبما أدى إليه ظننا و هكذا فعلنا.

أوامر الخليفة يزيد

و لما بلغ نبأ مسير الإمام إلى يزيد كتب إلى ابن زياد:إنه قد بلغني ان حسينا قد سار إلى الكوفة و قد ابتلى به زمانك من بين الأزمان،و بلدك من بين البلدان، و ابتليت به أنت من بين العمال،و عندها تعتق أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد (2).

لعل يزيد يشير في كتابه إلى أن زيادا والد عبيد ابن زياد،ولد من أبوين عبدين و هما عبيد و سمية،و بعد ان الحقه معاوية بأبيه أبي سفيان،أصبح أمويا (3)و من

ص: 5


1- مثير الأحزان ص 29،و في اللهوف ص 23 انه خطب بها في مكة لما عزم على الخروج و فى لفظه"أجربة سغبا".
2- تاريخ ابن عساكر ح-657،و فى ح-656 امره بمحاربته،و فى تهذيبه 332/4،و معجم الطبراني ح-80،و أنساب الأشراف للبلاذري بترجمة الحسين ح 180 ص 160،و تاريخ الإسلام للذهبي 344/2،و تاريخ ابن كثير 165/8.
3- راجع كتاب عبد اللّه بن سبأ ج 1 فصل استلحاق زياد.

الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي،و ان يزيد يهدد ابنه ابن زياد:إنه ان لم يقم بواجبه في القضاء على الحسين فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان فيعود عبدا.

و في رواية:إن عمرو بن سعيد أيضا كتب إلى ابن زياد نظير هذا الكتاب (1)(2).

الحسين مع ابن عباس

و في تاريخ الطبري و غيره،لما عزم على الخروج أتاه ابن عباس و قال له في ما قال:أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم و عدوهم،ثم أقدم عليهم فإن أبيت إلاّ أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصونا و شعابا و هي أرض عريضة طويلة و لابيك بها شيعة و أنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك.

فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب.

فقال له الحسين:يا ابن عم اني و اللّه و أعلم أنك ناصح مشفق و قد أزمعت و أجمعت المسير،فقال له ابن عباس:فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك، فإني خائف أن تقتل كما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون إليه،و في الاخبار الطوال بعده قال الحسين:يابن عم ما أرى الخروج إلا بالأهل و الولد (3).

و في رواية:فقال الحسين:لئن اقتل بمكان كذا و كذا أحب إلى من أن أقتل بمكة

ص: 6


1- تاريخ ابن عساكر ح-653،و تهذيبه 326/4،و تاريخ ابن كثير 165/8،و تاريخ الإسلام للذهبي 343/2.
2- معالم المدرستين للعسكري:62/3.
3- الطبري 216/6-217،و ابن الأثير 16/4،و الاخبار الطوال ص 244.

و تستحل بي،فبكى ابن عباس (1).

و في رواية فقال:فذلك الذي سلا بنفسي عنه (2).

كتابه إلى بني هاشم

في كامل الزيارة قال:كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي و من قبله من بني هاشم،أما بعد:فإن من لحق بي استشهد و من تخلف لم يدرك الفتح و السلام (3).

قال ابن عساكر:و بعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب.و تبعهم محمد بن الحنفية بمكة.

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية

في اللهوف:سار محمد بن الحنفية إلى الحسين عليه السّلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة،فقال:يا أخي ان أهل الكوفة من عرفت غدرهم بأبيك و أخيك و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضى،فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم و أمنعه،فقال:يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم،فأكون

ص: 7


1- تاريخ ابن عساكر بترجمة الإمام الحسين الحديث 642-644،و ابن كثير 165/8،و ذخائر العقبى ص 151،و مقتل الخوارزمي 219/1.
2- معجم الطبراني ح-93،و مجمع الزوائد 192/9.
3- كامل الزيارة ص 75 باب 75،و فى اللهوف عن الكليني:إن هذا الكتاب كتبه إليهم لما فصل من مكة و لفظه من الحسين بن علي إلى بني هاشم اما بعد،فإنه من لحق بي منكم استشهد و من تخلف عنى لم يبلغ الفتح،اللهوف ص 25 و مثير الأحزان ص 27.

الذي يستباح به حرمة هذا البيت (1).

وصية الحسين عليه السلام

وصية الحسين عليه السلام(2)

بسم اللّه الرحمن الرحيم-هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله،جاء بالحق من عند الحق،و أن الجنة و النار حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أن اللّه يبعث من في القبور،و إني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلّى اللّه عليه و اله،أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر،و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق و من رد على هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين و هذه وصيتي يا أخي إليك و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و اليه أنيب.ثم طوى الحسين الكتاب و ختمه بخاتمه و دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه و خرج في جوف الليل (3).

ص: 8


1- في فتوح أعثم 34/5،مقتل الخوارزمي 188/1 و بعد سيرة جدي و أبي،أضافت يد التحريف «و سيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي اللّه عنهم»و ان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الأموية و لم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك و يقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول اللّه متواليا من ضمنهم الإمام علي،فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الإمام،كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.
2- اخترنا لفظ محمد بن أبي طالب الموسوي حسب رواية المجلسى في البحار:329/44.
3- في فتوح أعثم 34/5،مقتل الخوارزمي 188/1 و بعد سيرة جدي و أبي،أضافت يد التحريف «و سيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي اللّه عنهم»و ان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الأموية و لم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك و يقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول اللّه متواليا من ضمنهم الإمام علي،فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الإمام،كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.

مع عبد اللّه بن جعفر و كتاب الوالي

فكتب إليه عبد اللّه بن جعفر مع ابنيه عون و محمد:أما بعد،فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك،و إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض،فإنك علم المهتدين،و رجاء المؤمنين،فلا تعجل بالسير،فإني في أثر الكتاب و السلام.

و طلب من عمرو بن سعيد أن يكتب له أمانا و يمنيه البر و الصلة و يبعثه إليه، فكتب:أما بعد،فإني أسأل اللّه ان يصرفك عما يوبقك،و ان يهديك لما يرشدك، بلغني أنك توجهت إلى العراق،و اني أعيذك باللّه من الشقاق،فإني أخاف عليك فيه الهلاك،و قد بعث إليك عبد اللّه بن جعفر،و يحيى بن سعيد-أخا الوالي-فأقبل إلي معهما،فإن لك عندي الأمان،و الصلة و البر و حسن الجوار..فذهبا بالكتاب و لحقا الإمام الحسين،و اقرأه يحيى الكتاب فجهدا به و كان مما اعتذر به أن قال:إني رأيت رؤيا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمرت فيها بأمر انا ماض له على كان أولي،فقالا:فما تلك الرؤيا؟

قال:ما حدثت بها أحدا و ما انا محدث بها حتى القى ربي (1).

و كتب الإمام الحسين في جواب عمرو بن سعيد:اما بعد فإنه لم يشاقق اللّه و رسوله من دعا إلى اللّه عزّ و جلّ و قال:إنني من المسلمين،و قد دعوت إلى الأمان و البر و الصلة،فخير الأمان أمان اللّه،و لن يؤمن اللّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا،فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة فإن كنت نويت

ص: 9


1- الطبري 219/6-220،و ابن الأثير 17/3،و ابن كثير 167/8،و في 163 منه بإيجاز و ارشاد المفيد ص 202،و تاريخ الإسلام للذهبي 343/2.

بالكتاب صلتي و بري،فجزيت خيرا (1).

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن

و في تاريخ ابن عساكر:كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريدان يصنع،و تأمره بالطاعة و لزوم الجماعة،و تخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، و تقول:اشهد لحدثتني عائشة انها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:يقتل حسين بأرض بابل،فلما قرأ كتابها،قال:فلا بد لي إذا من مصرعي،و مضى (2).

مع ابن عمر

و فيه أيضا:إن عبد اللّه بن عمر كان بمال له فبلغه ان الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال و نهاه عن المسير إلى العراق فأبى الحسين،فاعتنقه ابن عمر،و قال:استودعك اللّه من قتيل (3).

و في فتوح أعثم و مقتل الخوارزمي و مثير الأحزان و غيرها و اللفظ للأخير:إن ابن عمر لما بلغه توجه الحسين إلى العراق لحقه و أشار عليه بالطاعة و الانقياد، فقال له الحسين:يا عبد اللّه أما علمت أن من هوان الدنيا على اللّه أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل-إلى قوله-فلم يعجل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر،ثم قال:اتق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدعن

ص: 10


1- في الطبري و ابن الأثير و ابن كثير تتمة للخبر السابق.
2- تاريخ ابن عساكر بعد الحديث 653. و عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة و انظر تقريب التهذيب 607/2.
3- تاريخ ابن عساكر:645 و 646،و تهذيبه 329/4،و قد أوردنا موجزا من الحديث،و أنساب الأشراف ح 21 ص 163.

نصرتي (1). (2).3.

ص: 11


1- فتوح أعثم 42/5-43،و المقتل 192/1-193،و مثير الأحزان 29،و اللهوف ص 93، و يبدو ان ابن عمر حاور الحسين في هذا الأمر مرتين أولا هما عند توجهه إلى مكة و الثانية بعد خروجه منها متوجها إلى العراق.
2- معالم المدرستين للعسكري:60/3.

بدء المسير

مسير الإمام الحسين عليه السلام إلى مكة المكرمة

خرج الإمام الحسين من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة (1)فاعترضه رسل الوالي من قبل يزيد عمرو بن سعيد،و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط،و امتنع الحسين و أصحابه منهم امتناعا قويا،و مضى فنادوه:يا حسين ألا تتقي اللّه تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الأمة فتأول حسين قول اللّه عزّ و جلّ:

لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ.

و روى الطبري و المفيد:أن الوليد أرسل إلى ابن الزبير بعد خروج الحسين فطاوله حتى خرج في جوف الليل إلى مكة و تنكب الطريق فلما أصبحوا سرح في طلبه الرجال فلم يدركوه فرجعوا و تشاغلوا به عن الحسين عليه السّلام فلما أمسوا،أرسل إلى الحسين فقال لهم:أصبحوا ثم ترون و نرى،فكفوا عنه فسار من ليلته إلى مكة و هو يتلو فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ:رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ و أبى أن يتنكب الطريق الأعظم مثل ابن الزبير (2).

و في تاريخ الطبري و غيره،أن عبد اللّه بن عمر التقى بالحسين و ابن الزبير في

ص: 12


1- الطبري 211/6.
2- تاريخ الطبري 190/6،و ارشاد المفيد ص 184.

الطريق فقال لها:اتقيا اللّه و لا تفرقا جماعة المسلمين (1).

و لقى الحسين عليه السّلام-أيضا-عبد اللّه بن مطيع،فقال له:جعلت فداك أين تريد؟ قال:أما الآن فمكة و أما بعد فإني أستخير اللّه.

قال:خار اللّه لك و جعلنا فداءك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه.

الزم الحرم فإنك سيد العرب لا تعدل بك أهل الحجاز أحدا و يتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمى و خالي فو اللّه لئن هلكت لنسترقن بعدك، و سار الحسين حتى دخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان و هو يقرأ:" و لما توجه تلقاء مدين،قال:عسى ربي أن يهديني سواء السبيل،"و دخل ابن الزبير مكة و لزم الكعبة،يصلي عندها عامة النهار،و يطوف و يأتي حسينا في من يأتيه، و يشير عليه بالرأي،و هو أثقل خلق اللّه على ابن الزبير،قد عرف ان أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام الحسين بالبلد و أنه أعظم في أعينهم و أنفسهم منه و أطوع في الناس منه (2).

فأقبل أهلها يختلفون إليه و يأتيه المعتمرون و أهل الآفاق (3).

و في هذه السنة عزل يزيد الوليد و ولى على الحرمين عمرو بن سعيد (4)و بلغ أهل الكوفة موت معاوية و امتناع الحسين و ابن الزبير و ابن عمر عن البيعة فاجتمعوا و كتبوا إليه كتابا واحدا:أما بعد فالحمد للّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزل على هذه الأمة فابتزها أمرها و تآمر عليها بغير رضى منها فبعدا له كما بعدت ثمود إنه ليس علينا امام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الحق6.

ص: 13


1- تاريخ الطبري 191/6.
2- تاريخ الطبري 196/6-197.
3- الطبري 196/6.
4- الطبري 191/6.

و النعمان بن بشير-الوالي-في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا عيد و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى نلحقه بالشام و بعثوا بالكتاب مع رجلين فأغذا السير حتى قدما على الإمام الحسين لعشر مضين من شهر رمضان.

ثم مكثوا يومين و سرحوا إليه ثلاثة رجال معهم نحوا من ثلاث و خمسين صحيفة من الرجال و الاثنين و الأربعة ثم لبثوا يومين آخرين و أرسلوا رسولين و كتبوا معهما إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين و المسلمين،أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك و لا رأى لهم في غيرك فالعجل العجل و السّلام عليك.

و كتب إليه رؤوس من رؤساء الكوفة كتابا ورد فيه:فاقدم على جند لك مجندة و السّلام عليك (1).

و في رواية الطبري:كتب إليه أهل الكوفة"أنه معك مائة ألف (2)

الخروج من مكة

اشارة

انطلق الحسين عليه السّلام من مكة المكرمة يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجة عام 60 ه-متوجها إلى العراق بعد ان كتب إليه مسلم بن عقيل و طلب منه القدوم (3).

خيم الأسى على أهل مكة فلم يبق أحد إلا حزن لخروجه (4).

كان الإمام الحسين عليه السّلام حريصا أشد الحرص على حرمة بيت الله،و قد علم ان بني أمية لا يرون له حرمة فخشي على انتهاكه،فقد عهد يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق ان يناجز الإمام الحسين عليه السّلام الحرب و ان عجز عن ذلك اغتاله،و قدم الأشدق

ص: 14


1- الطبري 197/6،و راجع أنساب الأشراف ص 157-158.
2- الطبري 221/6،و مثير الأحزان ص 16.
3- تاريخ الطبري 293/3.
4- الصواعق المحرقة 118.

في جند مكثف إلى مكة،فلما علم الإمام الحسين عليه السّلام خرج منها فلم يعتصم بالبيت الحرام الذي من دخله كان آمنا حفاظا على قداسته يقول عليه السّلام:و الله لئن أقتل خارجا منها-أي مكة-بشبر أحب إلى من أن أقتل فيها،و لئن أقتل خارجا منها بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجا منها بشبر،و ايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني (1).

و بلغ والي يزيد على الحجاز عمرو بن سعيد بن العاص نبأ خروج الحسين عليه السّلام من مكة،فأرسل بعضا من رجاله ليعترضوا مسير الحسين عليه السّلام و تضارب الفريقان بالسياط و امتنع الحسين و أصحابه (2).

الحسين عليه السّلام في منطقة التنعيم

سار الحسين عليه السّلام و مر ب«التنعيم»موضع بمكة فرأى بها عيرا قد أقبلت من اليمن تحمل هدايا من الورس و الحلل ارسلها والي يزيد على اليمن(بحير بن يسار الحميري)،فأخذها الحسين و قال لأصحاب الإبل:من أحب منكم أين يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه و احسنا صحبته،و من أحب ان يفارقنا من مكاننا اعطيناه نصيبه من الكراء،فمن فارق منهم اعطاه حقه،و من سار معه اعطاه كراءه و كساه (3).

ص: 15


1- الكامل في التاريخ 38/4.
2- الكامل في التاريخ 39/4.
3- الكامل في التاريخ 40/4.

الحسين عليه السلام في منطقة الصفاح

لما انتهى موكب الإمام الحسين عليه السّلام إلى موضع يسمى الصفاح لقيه الشاعر الفرزدق فسأله عن خبر الناس خلفه فقال الفرزدق:قلوبهم معك و سيوفهم مع بني أمية،فقال الحسين عليه السّلام صدقت،لله الأمر يفعل من يشاء و كل يوم ربنا في شأن،إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه،و هو المستعان على اداء الشكر،و ان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته و التقوى سريرته» (1).

الحسين عليه السلام في وادي العقيق

مضى الإمام في مسيره حتى بلغ«وادي العقيق»و في هذا الموضع جاء عون و محمد ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يحملان رسالة أبيهما التي يطلب فيها من الحسين عليه السّلام الرجوع إلى مكة و عدم التوجه إلى العراق،و قد انضم عون و محمد إلى أنصار الحسين عليه السّلام و مضيا حيث مضى الإمام الحسين عليه السّلام.

الحسين عليه السّلام في منطقة الحاجر

ساروا جميعا حتى دخلوا«الحاجر»و هو واد معروف بطريق مكة كان منزلا لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة و فيه تجتمع أهل الكوفة و البصرة و كتب الإمام الحسين عليه السّلام كتابا لأهل الكوفة جوابا على كتاب مسلم بن عقيل يخبره بقدومه

ص: 16


1- تأريخ الطبري 296/3.

و بعث الكتاب مع(قيس بن مسهر الصيداوي) (1).

الحسين عليه السّلام في منطقة الخزيمية

واصل الإمام الحسين عليه السّلام و صحبه طريقهم حتى وصلوا«الخزيمية»و هي احدى منازل الحج فأقام فيها يوما و ليلة ليستريح من جهد الطريق و عناء السفر فلما أصبح أقبلت إليه اخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السّلام فقالت:يا أخي!إلا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟

فقال الحسين عليه السّلام و ما ذاك؟

فقالت بنبرات مشفوعة بالبكاء:إني سمعت هاتفا يقول:

الا يا عين فاحتفلي بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلى انجاز وعدي

فقال الحسين عليه السّلام:يا اختاه كل الذي قضى فهو كائن.

الحسين عليه السّلام في منطقة زرود

انتهت قافلة الحسين عليه السّلام إلى«زرود»فأقام فيها بعض الوقت و قد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي،و قد أبلغ بالنبأ المفجع بمقتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة.

ص: 17


1- البداية و النهاية 168/8.

الحسين عليه السّلام في منطقة زبالة

لما انتهى الإمام الحسين عليه السّلام إلى«زبالة»وافاه نبأ مقتل رسوله و أخيه بالرضاعة عبد اللّه بن يقطر الحميري و كان الإمام قد أوفده للقيا مسلم بن عقيل فالقت عليه الشرطة القبض في القادسية و بعث إلى ابن زياد فلما مثل عنده صاح به الخبيث:

اصعد المنبر و العن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى رأيي فيك...»

و اعتلى عبد الله بن يقطر المنبر و رفع صوته الهادر قائلا:

«أيها الناس أنا رسول الحسين عليه السّلام بن فاطمة لتنصروه و تؤازروه على ابن مرجانة الدعي ابن الدعي لعنه الله» (1).

أخذ يلعن ابن زياد و يذكر مساوي بني أمية و يدعو إلى نصرة ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فاستشاط ابن زياد غضبا و أمر ان يلقى من فوق القصر كما فعل بقيس بن مسهر الصيداوي،فرمته الشرطة من أعلى القصر فتكسرت عظامه،و بقي به رمق من الحياة فأسرع إليه الوغد الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرب إلى سيده ابن مرجانة،و قد عاب الناس عليه ذلك فاعتذر لهم أنه أراد ان يريحه (2).

الحسين عليه السّلام في منطقة بطن العقبة

تحرك الإمام الحسين عليه السّلام من زبالة حتى نزل«بطن العقبة»و خفق الإمام الحسين عليه السّلام وقت الظهيرة فرأى رؤيا مفزعة فانتبه مذهولا فأقبل عليه ولده علي

ص: 18


1- وقعة الطف،لابي مخنف 163.
2- الكامل في التاريخ 42/4-43.

الأكبر فقال له:مالي أراك فزعا؟

قال:رأيت رؤيا اهالتني فقال علي الأكبر:خيرا رأيت؟

فقال الحسين عليه السّلام:رأيت فارسا وقف علي و هو يقول:

أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلى الجنة،فعلمت ان أنفسنا نعيت إلينا.

فقال علي الأكبر:ألسنا على الحق؟

قال أبوه:بلى،و الذي إليه مرجع أمر العباد.

فقال لأبيه:يا أبة لا نبالي بالموت،فشكره الحسين عليه السّلام على ذلك قائلا:«جزاك الله يا بني خير ما جزى به ولد عن والده...» (1).

الحسين عليه السلام في منطقة شراف

سار الإمام الحسين عليه السّلام حتى نزل«شراف»و فيها عين للماء فأمر الإمام فتيانه أن يستسقوا من الماء و يكثروا منه،ففعلوا ذلك،ثم سار فلما انتصف النهار جاءتهم خيل أهل الكوفة و هم زهاء ألف فارس،بقيادة الحر بن يزيد الرياحي و قد وقفوا قبال الإمام في وقت الظهيرة و كان الوقت شديد الحر،و رآهم الإمام الحسين عليه السّلام و قد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ،فأمر اصحابه ان يسقوهم و يرشفوا خيولهم،و قام أصحاب الحسين فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل و سقيت جميعها،فأمر الحسين عليه السّلام مؤذنه بالاذان فأذن،و خرج الحسين عليه السّلام إليهم فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:أيها الناس إنها معذرة إلى الله عز و جل و إليكم...أني لم آتكم حتى أتتني كتبكم،و قدمت بها علي رسلكم ان أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام و لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى،فان كنتم على ذلك فقد جئتكم،فاعطوني ما اطمئن به من

ص: 19


1- الفتوح،لابن الأعثم 79/5.

عهودكم و مواثيقكم،و ان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم (1).و بعد فراغه قال الإمام الحسين للحر:أ تريد ان تصلي بأصحابك؟

فقال:بل نصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين عليه السّلام و انصرفوا و لما حضر وقت صلاة العصر جاء الحر مع قومه فاقتدوا بالحسين عليه السّلام في صلاة العصر ثم استقبلهم بوجهه فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:«اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن ارضى لله،و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان،فان أنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا و كان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم.

و انبرى إليه الحر و هو لا يعلم بشأن الكتب،و قال:ما هذه الكتب التي تذكرها؟ فأمر الحسين عليه السّلام عقبة ابن سمعان باحضارها فأخرج خرجين مملوءين صحفا نثرها بين يدي الحر فبهر الحر قائلا:

«لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك».

و وقعت مشادة عنيفة بين الإمام عليه السّلام و الحر كادت ان تنذر باندلاع نار الحرب إلا ان الحر ثاب إلى الهدوء فقال للإمام:

«اني لم أومر بقتالك،و إنما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة حتى اكتب إلى ابن زياد و تكتب انت إلى يزيد أو إلى ابن زياد فلعل الله ان يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك فتياسر الإمام عن طريق العذيب و القادسية و الحر يسايره.4.

ص: 20


1- الكامل في التاريخ 47/4.

الحسين عليه السّلام في منطقة البيضة

لما انتهى موكب الإمام إلى«البيضة»ألقى عليه السّلام خطابا على الحر و أصحابه و دعاهم إلى نصرته و قد قال بعد حمد الله و الثناء عليه:

«أيها الناس ان رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان،فلم يغير ما عليه بفعل و لا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله»،إلا أن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن،و اظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفي و احلوا حرام الله و حرموا حلاله و انا احق ممن غير،و قد اتتني كتبكم، و قدمت على رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني،و لا تخذلوني،فان أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم و انا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله نفسي مع انفسكم و أهلي مع أهليكم و لكم في أسوة،و ان لم تفعلوا و نقضتم عهدكم، و خلعتم بيعتي،فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم فالمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم،و نصيبكم ضيعتم،و من نكث فإنما ينكث على نفسه،و سيغني الله عنكم و السلام (1).

لما سمع الحر خطابه أقبل عليه فقال له:إني أذكرك الله في نفسك،فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن،فقال له الحسين عليه السّلام:أ بالموت تخوفني؟و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني،و ما أدري ما أقول لك؟و لكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله:أين تذهب؟فإنك مقتول فقال له:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما

ص: 21


1- الكامل في التاريخ 48/4.

و واسى رجالا صالحين بنفسه و خالف مثبورا و فارق مجرما

فان عشت لم أندم و ان مت لم ألم كفى بك ذلا ان تعيش و ترغما (1)

و لما سمع الحر ذلك تنحى عنه.

الحسين عليه السلام في منطقة عذيب الهجانات

و لما وصل الإمام إلى منطقة«عذيب الهجانات»و افاه أربعة رجال من الكوفة جاءوا إلى نصرته،و قد أقبلوا على رواحلهم يخبئون فرسا لنافع بن هلال و لم يخرج أحد لاستقبال الحسين عليه السّلام من أهل الكوفة سواهم و هم:

1-نافع بن هلال المرادي

2-عمرو بن خالد الصيداوي

3-سعد مولى عمرو بن خالد

4-مجمع بن عبد الله العابدي من مذحج

و أراد الحر منعهم من الالتحاق بالحسين عليه السّلام فصاح به الإمام الحسين عليه السّلام:

«إذا أمنعهم بما أمنع فيه نفسي،إنما هؤلاء أنصاري،و أعواني و قد جعلت لي أن لا تعرض بي حتى يأتيك كتاب ابن زياد»

و كف الحر عنهم،فالتحقوا بالإمام الحسين فرحب بهم،و سألهم عن أهل الكوفة فقالوا له:

«أما الأشراف فقد عظمت رشوتهم،و ملئت غرائرهم ليستمال و دهم،و تستنزف نصايحهم،فهم عليك إلبا واحدا،و ما كتبوا إليك إلا ليجعلوك سوقا و مكسبا و أما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك (2).

ص: 22


1- الكامل في التاريخ 48/4-49.
2- الكامل في التاريخ 49/4.

-التحق الطرماح بالإمام الحسين عليه السّلام في اثناء الطريق و قد صحبه بعض الوقت و قد أقبل الإمام على أصحابه فقال لهم:

هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟

فانبرى إليه الطرماح بن عدي الطائي فقال له:

أنا أخبر الطريق فقال له:سر بين أيدينا،و سار الطرماح يتقدم موكب العترة الطاهرة.

قال الطرماح للإمام الحسين عليه السّلام:

«و الله إني لأنظر فما أرى معك أحدا،و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازمين لك مع الحر لكان ذلك بلاء فكيف و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة مملوءا رجالا فسألت عنهم فقيل ليوجهوا إلى الحسين عليه السّلام،فنا شدتك الله ان لا تقدم إليهم شبرا إلا فعلت (1).

الحسين عليه السّلام في قصر بني مقاتل

مضى الحسين عليه السّلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فرأى فسطاطا مضروبا و رمحا مركوزا و فرسا واقفا فسأل عنه فقيل هو لعبيد الله بن الحر الجعفي،فأوفد للقياه الحجاج بن مسروق الجعفي،فحف إليه فبادره عبيد الله قائلا:ما وراءك؟ فأجابه ابن مسروق:هدية إليك و كرامة ان قبلتها...هذا الحسين يدعوك إلى نصرته،فان قاتلت بين يديه أجرت،و ان مت فقد استشهدت.

فقال عبيد الله بن الحر:و الله ما خرجت من الكوفة إلا مخافة ان يدخلها الحسين و انا فيها،و الله ما أريد ان أراه و لا يراني فأتاه الرسول فأخبره فقال الحسين عليه السّلام:

ص: 23


1- الكامل في التاريخ 50/4.

فو الله لا يسمع و اعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك (1).

الحسين عليه السّلام في قرية نينوى

و هكذا واصل الركب الحسيني مسيره حتى وصل إلى قرية من أرض العراق تدعى«نينوى»و التقى في هذا المكان رسول عبيد الله بن زياد،والي يزيد بن معاوية على الكوفة،بالحر بن يزيد الرياحي و ناوله رسالة من ابن زياد جاء فيها:

«اما بعد....فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي،و يقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء و قد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري و السلام».

عندئذ قال الحسين عليه السّلام للحر بن يزيد الرياحي:إذا دعنا ننزل نينوى أو الغاضريات أو شفية...فمنعهم الحر و قال:لا استطيع.

و انبرى زهير بن القين فقال للإمام الحسين عليه السّلام:

«انه لا يكون بعد ما ترون إلا ما هو أشد منه...يابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم،مما لا قبل لنا به».

فقال الحسين عليه السّلام:ما كنت لأبدأهم بقتال.

و تابع زهير حديثه قائلا:

«سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة-و هي على شاطئ الفرات- فان منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجي بعدهم»

و سأل الإمام عن اسم تلك الأرض؟

ص: 24


1- تاريخ الطبري 308/3-309.

فقالوا له:انها تسمى العقر،فتشأم منها وراح يقول:اللهم إني أعوذ بك من العقر (1).

و أصر الحر على الإمام الحسين ان ينزل في ذلك المكان و لا يتجاوزه،و لم يجد الإمام بدا من النزول في ذلك المكان و القى ببصره عليه و التفت إلى أصحابه فقال لهم:ما اسم هذا المكان؟.

قالوا:كربلاء.

و دمعت عيناه و راح يقول:

«اللهم اني أعوذ بك من الكرب و البلاء».

ثم حدث أصحابه قائلا:

«هذا موضع كرب و بلاء،ههنا مناخ ركابنا،و محط رحالنا و سفك دمائنا» (2).

الاقامة في كربلاء:

-اقام الحسين عليه السّلام و صحبه البررة في كربلاء يوم الخميس في الثاني من المحرم سنة 61 ه- (3).

-لما كان من الغد قدم عليه عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف (4).

-لما نزل القوم بالحسين عليه السّلام و أيقن أنهم قاتلوه،قام في أصحابه خطيبا فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:

«أما بعد:فقد نزل ما قد ترون و أن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها،و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل،إلا ترون إلى الحق لا يعمل0.

ص: 25


1- الكامل في التأريخ 52/4.
2- الفتوح،لابن الأعثم 94/5.
3- الفتوح،لابن الأعثم 94/5.
4- وقعة الطف،لابي مخنف 180.

به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله،فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما» (1).

لما انهى خطابه تقدم إليه أصحابه معلنين له الولاء المطلق و استعدادهم التام على الشهادة،و هم يضربون أروع الأمثلة للتضحية و الفداء من أجل العدل و الحق و كان أول من تكلم من اصحابه زهير بن القين فقد قال:«سمعنا يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مقالتك،و لو كانت الدنيا لنا باقية،و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها (2).

-انبرى رجل آخر من الأصحاب و هو برير فخاطب الإمام قائلا:

«يابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا ان نقاتل بين يديك و تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة (3).

و قال نافع بن هلال و هو من أنصار الحسين و أصحابه:

«...فو اللّه ما اشفقنا من قدر الله،و لا كرهنا لقاء ربنا،و انا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك» (4).

لما اشتد العطش من الحسين عليه السّلام و اصحابه،و كادوا أن يموتوا عطشا دعا أخاه العباس بن أبي طالب،فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معهم عشرين قربة فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات فقال عمرو ابن الحجاج:من هذا؟

فقالوا:رجال من أصحاب الحسين عليه السّلام يريدون الماء،فاقتتلوا على الماء قتالا عظيما،فكان قوم يقتتلون و قوم يملؤون القرب حتى ملؤوها فقتل من أصحابق.

ص: 26


1- حلية الأولياء 39/2.
2- اللهوف في قتلى الطفوف،لابن طاووس 34.
3- اللهوف في قتلى الطفوف،لابن طاووس 34-35.
4- المصدر السابق.

عمر بن سعد جماعة و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد ثم رجع القوم إلى معسكرهم و شرب الحسين من القرب و من كان معه (1).

ارسل الحسين عليه السّلام إلى عمر بن سعد أني أريد ان أكلمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك،فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارسا و أقبل الحسين في مثل ذلك،فلما التقيا أمر الحسين عليه السّلام أصحابه فتنحوا عنه و بقي معه أخوه العباس و ابنه علي الأكبر و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك ففاوضه الحسين عليه السّلام طويلا،و اقنعه بأن يمسك الطرفان عن القتال و يرجع الحسين عليه السّلام من حيث أتى أو يذهب الى حيث يريد من بلاد الله،و كتب عمر ابن سعد بذلك إلى عبيد اللّه بن زياد فأبى ابن زياد ذلك و كتب إليه:

«أما بعد فإني لم ابعثك إلى الحسين عليه السّلام لتكف عنه و لا لتطاوله،و لا لتمنحه السلامة و البقاء و لا لتعقد له عندي شافعا،و انظر فإن نزل الحسين و أصحابه على الحكم،و استسلموا فابعث بهم إلي سلما،و ان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره (2).4.

ص: 27


1- الفتوح لابن الأعثم 102/5،وقعة الطف،لابي مخنف 191-192.
2- تاريخ الطبري 31/3،الكامل في التاريخ 55/4.

الخروج من مكة برواية أبي مخنف

قال هشام عن أبي مخنف:حدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومي،قال:لما قدمت كتب أهل العراق إلى الحسين و تهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه و هو بمكة،فحمدت اللّه و اثنيت عليه ثم قلت:

أما بعد فإني أتيتك يابن عم لحاجة أريد ذكرها لك نصيحة،فإن كنت ترى أنك تستنصحني و إلاّ كففت عما أريد ان أقول،فقال:قل،فو اللّه ما اظنك بسيئ الرأي و لا هو القبيح من الأمر و الفعل،قال:قلت له:انه قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق و إني مشفق عليك من مسيرك،إنك تأتي بلدا فيه عما له و امراءه و معهم بيوت الأموال،و إنما الناس عبيد لهذا الدرهم و الدينار،و لا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره و من أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه،فقال الحسين:جزاك اللّه خيرا يا ابن عم، فقد و اللّه علمت إنك مشيت بنصح و تكلمت بعقل،و مهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير و أنصح ناصح،قال:فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني هل لقيت حسينا؟

فقلت له:نعم،قال:فما قال لك و ما قلت له؟

قال،فقلت له:قلت كذا و كذا و قال:كذا و كذا،فقال نصحته و رب المروة الشهباء أما و رب البنية ان الرأي لما رأيته قبله أو تركه ثم قال:رب مستنصح يغش و يردى و ظنين بالغيب يلفى نصيحا.

قال أبو مخنف:و حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عتبة بن سمعان ان حسينا لما اجمع المسير إلى الكوفة إتاه عبد اللّه بن عباس فقال:يا بن عم إنك قد ارجف

ص: 28

الناس،إنك سائر إلى العراق،فبين لي ما أنت صانع؟

قال:إني قد اجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء اللّه تعالى.

فقال له ابن عباس:فإني اعيذك باللّه من ذلك،أخبرني رحمك اللّه اتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم و ضبطوا بلادهم و نفوا عدوهم؟فإن كانوا قد فعلوا ذلك،فسر إليهم،و إن كانوا إنما دعوك إليهم و أميرهم عليهم قاهر لهم،و عماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك إلى الحرب و القتال و لا آمن عليك ان يغروك و يكذبوك و يخالفوك و يخذلوك و إن يستنفروا إليك فيكونوا اشد الناس عليك.

فقال له حسين:و إني استخير اللّه و انظر ما يكون؟

قال:فخرج ابن عباس من عنده و إتاه ابن الزبير فحدثه ساعة،ثم قال:ما ادرى ما تركنا هؤلاء القوم و كفنا عنهم و نحن ابناء المهاجرين و ولاة هذا الأمر دونهم خبرني ما تريد ان تصنع؟

فقال الحسين عليه السّلام:و اللّه لقد حدثت نفسي باتيان الكوفة و لقد كتب إلى شيعتي بها و أشراف اهلها و استخير اللّه.

فقال له ابن الزبير:أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها.

قال:ثم إنه خشي ان يتهمه فقال:أما انك لو اقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر هيهنا ما خولف عليك إن شاء اللّه،ثم قام فخرج من عنده.

فقال الحسين:ها أن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق،و قد علم ان ليس له من الأمر معي شيء و إن الناس لم يعدلوه بي، فود أني خرجت منها لتخلو له.

قال:فلما كان من العشى أو من الغد أتى الحسين عبد اللّه بن العباس فقال:يابن عم إني اتصبر و لا اصبر،إني اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال،ان أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم،اقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز،فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم،فإن ابيت إلا

ص: 29

أن تخرج فسر إلى اليمن،فإن بها حصونا و شعابا و هي أرض عريضة طويلة، و لابيك بها شيعة،و أنت عن الناس في عزلة،فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك،فإني أرجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية فقال له الحسين:يابن عم إني و اللّه لأعلم أنك ناصح مشفق،و لكني قد ازمعت و اجمعت على المسير،فقال له ابن عباس:فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك،فو اللّه إني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان و نساءه و ولده ينظرون إليه.

ثم قال ابن عباس:لقد اقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه و الحجاز و الخروج منها و هو يوم لا ينظر إليه أحد معك،و اللّه الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك و ناصيتك حتى يجتمع علي و عليك الناس اطعتني لفعلت ذلك،قال:ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد اللّه بن الزبير فقال:قرت عينك يابن الزبير ثم قال:

يا لك من قنبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضّي و اسفري

و انقرى ما شئت ان تنقري

هذا حسين يخرج إلى العراق و عليك بالحجاز (1).

قال أبو مخنف:قال أبو جناب يحيى بن أبي حية عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد اللّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة،فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين و عبد اللّه بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر و الباب،قالا:فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين:إن شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الأمر،فآزرناك و ساعدناك و نصحنا لك و بايعناك.ت.

ص: 30


1- في الكامل ذكر بعد هذا:و كان الحسين يقول:و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي،فإذا فعلوا سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرام المرأة،قال:و(الفرام)خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت.

فقال له الحسين:إن أبي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب ان أكون انا ذلك الكبش،فقال له ابن الزبير:فاقم إن شئت و توليني انا الأمر فتطاع و لا تعصى، فقال:و ما أريد هذا أيضا.

قالا:ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى مني عند الظهر،قالا:فطاف الحسين بالبيت و بين الصفا و المروة و قص من شعره و حل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة و توجهنا نحو الناس إلى منى.

قال أبو مخنف عن أبي سعيد عقيصي عن بعض أصحابه قال:سمعت الحسين بن علي و هو بمكة و هو واقف مع عبد اللّه بن الزبير إلي يا بن فاطمة فأصغى إليه فساره،قال:ثم التفت إلينا الحسين فقال:أ تدرون ما يقول ابن الزبير؟فقلنا:لا ندري جعلنا اللّه فداك،فقال:قال:أقم في هذا المسجد اجمع لك الناس،ثم قال الحسين:و اللّه لان أقتل خارجا منها بشبر أحب إلى من ان أقتل داخلا منها بشبر،و ايم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم،و و اللّه ليعتدن على كما اعتدت اليهود في السبت.

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان قال:لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له:انصرف ابن تذهب،فأبى عليهم و مضى،و تدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ثم إن الحسين و أصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا.

و مضى الحسين عليه السّلام على وجهه فنادوه يا حسين:إلا تتقي اللّه تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الأمة؟فتأول حسين قول اللّه عز و جل(لي عملى و لكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل و أنا برىء مما تعملون).

قال:ثم إن الحسين أقبل حتى مر بالتنعيم فلقي بها عيرا قد أقبل بها من اليمن بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية،و كان عامله على اليمن

ص: 31

و على العير الورس و الحلل ينطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين،فانطلق بهم قال لأصحاب الإبل:لا أكرهكم من أحب أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه و أحسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض،قال:فمن فارقه منهم حوسب فأوفي حقه و من مضى منهم معه أعطاه كراءه و كساه.

قال أبو مخنف:عن أبي جناب عن عدي بن حرملة عن عبد اللّه بن سليم و المذري قالا:اقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر فواقف حسينا فقال له:اعطاك اللّه سؤلك و املك فيما تحب فقال له الحسين:بين لنا نبأ الناس خلفك فقال له الفرزدق:من الخبير سألت قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية و القضاء ينزل من السماء و اللّه يفعل ما يشاء فقال له الحسين:صدقت للّه الأمر و اللّه يفعل ما يشاء و كل يوم ربنا في شأن ان نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه و هو المستعان على اداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته و التقوى سريرته ثم حرك الحسين راحلته فقال:السلام عليك ثم افترقا.

قال أبو مخنف:حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،قال:لما خرجنا من مكة كتب عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن علي مع ابنيه عون و محمد أما بعد:فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له ان يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك ان هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين و رجاء المؤمنين،فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب و السلام.

قال:و قام عبد اللّه بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه و قال:اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان و تمنيه فيه البر و الصلة و توثق له في كتابك و تسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع فقال عمرو بن سعيد:اكتب ما شئت و أتني به حتى اختمه فكتب عبد اللّه بن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال

ص: 32

له:اختمه و ابعث به مع اخيك يحيى بن سعيد فإنه احرى أن تطمئن نفسه إليه و يعلم انه الجد منك ففعل.و كان عمرو بن سعيد عامل يزيد بن معاوية على مكة،قال:

فلحقه يحيى و عبد اللّه بن جعفر ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب فقالا:اقرأناه الكتاب و جهدنا به،و كان مما اعتذر به إلينا أن قال:إني رأيت رؤيا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و امرت فيها بأمر انا ماض له على كان اولى فقالا له:فما تلك الرؤيا؟

قال:ما حدثت أحدا بها و ما انا محدث بها حتى ألقى ربي قال:و كان كتاب عمرو ابن سعيد إلى الحسين بن علي.

بسم اللّه الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي أما بعد فإني اسأل اللّه ان يصرفك عما يوبقك و إن يهديك لما يرشدك بلغني أنك قد توجهت إلى العراق و إني اعيذك باللّه من الشقاق فإني أخاف عليك فيه الهلاك،و قد بعثت إليك عبد اللّه بن جعفر و يحيى بن سعيد فأقبل إلي معهما فإن لك عندي الأمان و الصلة و البر و حسن الجوار لك اللّه على بذلك شهيد و كفيل و مراع و وكيل و السلام عليك.

قال:و كتب إليه الحسين:أما بعد فإنه لم يشاقق اللّه و رسوله من دعا إلى اللّه عز و جل و عمل صالحا و قال:انني من المسلمين،و قد دعوت إلى الأمان و البر و الصلة فخير الأمان امان اللّه و لن يؤمن اللّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب لنا امانة يوم القيامة فإن كنت نويت بالكتاب صلتي و بري فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة و السلام.

قال أبو مخنف:عن هشام بن الوليد عمن شهد ذلك قال:أقبل الحسين بن علي باهله من مكة و محمد بن الحنفية بالمدينة قال:فبلغه خبره و هو يتوضأ في طست، فبكى حتى سمعت و كف دموعه في الطست.

قال أبو مخنف:حدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال:و لما بلغ عبيد اللّه اقبال الحسين من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل

ص: 33

القادسية و نظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان،و ما بين القادسية إلى القطقطانة و إلى لعلع و قال الناس:هذا الحسين يريد العراق.

قال أبو مخنف:و حدثني محمد بن قيس ان الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة و كتب معه إليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى اخوانه من المؤمنين و المسلمين،سلام عليكم فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو،أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت اللّه ان يحسن لنا الصنع و إن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر،و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم و جدوا،فأتى قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء اللّه و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.و كان مسلم بن عقيل قد كان كتب إلى الحسين قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة:أما بعد فأن الرائد لا يكذب أهله،ان جمع أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي و السّلام عليك.

قال:فأقبل الحسين بالصبيان و النساء معه لا يلوى على شيء،و أقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد اللّه بن زياد،فقال له عبيد اللّه:اصعد إلى القصر فسب الكذاب بن الكذاب،فصعد ثم قال:أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق اللّه ابن فاطمة بنت رسول اللّه و إنا رسوله إليكم و قد فارقته بالحاجر فأجيبوه.

لعن عبيد اللّه بن زياد و أباه و استغفر لعلي بن أبي طالب،قال:فأمر به عبيد اللّه بن زياد أن يرمي به من فوق القصر فرمى به فتقطع فمات.

ثم أقبل الحسين سيرا إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب،فإذا عليه عبد اللّه بن مطيع العدوي و هو نازل هيهنا،فلما رأى الحسين قام إليه فقال:بأبي أنت و امي يابن رسول اللّه،ما اقدمك؟و احتمله فانزله.

ص: 34

فقال له الحسين:كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم،فقال له عبد اللّه بن مطيع:اذكرك اللّه يابن رسول اللّه و حرمة الإسلام ان تنتهك،انشدك اللّه في حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،أنشدك اللّه في حرمة العرب، فو اللّه لئن طلبت ما في ايدي بني أمية ليقتلنك،و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا، و اللّه و انها لحرمة الإسلام تنتهك،و حرمة قريش و حرمة العرب،فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض لبني أمية.

قال:فأبى إلا أن يمضي،قال:فأقبل الحسين حتى إذا كان بالماء فوق زرود.

قال أبو مخنف:فحدثني السدى عن رجل من بني فزارة قال:لما كان زمن الحجاج ابن يوسف كنا في دار الحارث بن أبي ربيعة التي في التمارين التي أقطعت بعد زهير بن القين من بني عمرو بن يشكر من بجيلة و كان أهل الشام لا يدخلونها فكنا محتبين فيها،قال:فقلت للفزاري حدثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن علي قال:كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيء ابغض إلينا من ان نسايره في منزل،فإذا سار الحسين تخلف زهير بن القين،و إذا نزل الحسين تقدم زهير حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بدا من ان ننازله فيه، فنزل الحسين من جانب و نزلنا في جانب،فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين حتى سلم ثم دخل فقال:يا زهير بن القين ان أبا عبد اللّه الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه،قال:فطرح كل انسان ما في يده حتى كائنا على رؤوسنا الطير.

قال أبو مخنف:فحدثني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت:فقلت له:

أ يبعث إليك ابن رسول اللّه ثم لا تأتيه سبحان اللّه لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت،قالت:فاتاه زهير بن القين فما لبث ان جاء مستبشرا قد اسفر وجهه، قالت:فأمر بفسطاطه و ثقله و متاعه فقدم و حمل إلى الحسين،ثم قال لامرأته:أنت طالق،الحقى بأهلك فإني لا أحب ان يصيبك من سببي الاخير ثم قال لأصحابه:من

ص: 35

أحب منكم أن يتبعني و إلاّ فإنه آخر العهد،إني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح اللّه علينا و اصبنا غنائم،فقال لنا سلمان الباهلي:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم و أصبتم من المغانم؟فقلنا نعم فقال لنا:إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا اشد فرحا بقتالكم معهم بما اصبتم من الغنائم فأما انا فإني استودعكم اللّه،قال:ثم و اللّه ما زال في أول القوم حتى قتل.

قال أبو مخنف:حدثني أبو جناب الكلبي عن عدى بن حرملة الأسدي عن عبد اللّه ابن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:لما قضينا حجنا لم يكن لناهمة إلا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره و شأنه،فأقبلنا ترفل بنانا قتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين.

قالا:فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه و مضى و مضينا نحوه،فقال أحدنا لصاحبه:اذهب بنا إلى هذا فلنسأله فإن كان عنده خبر الكوفة علمناه،فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا:السلام عليك.

قال:و عليكم السلام و رحمة اللّه.

ثم قلنا:فمن الرجل؟

قال:أسدي.فقلنا:فنحن أسديان فمن أنت؟

قال انا بكير بن المثعبة،فانتسبنا له ثم قلنا:أخبرنا عن الناس وراءك قال:نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة فرأيتهما يجران بارجلهما في السوق،قالا فاقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا فقلنا له:يرحمك اللّه ان عندنا خبرا فإن شئت حدثنا علانية و إن شئت سرا قال:فنظر إلى أصحابه و قال:ما دون هؤلاء سر،فقلنا له:ا رأيت الراكب الذي استقبلك غشاء امس؟

قال:نعم و قد أردت مسألته،فقلنا:قد استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته،و هو

ص: 36

ابن امرئ من أسد منا ذو رأي و صدق و فضل و عقل و انه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و حتى رآهما يجران في السوق بارجلهما،فقال:إنا للّه و إنا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما،فردد ذلك مرارا،فقلنا:

ننشدك اللّه في نفسك و اهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف ان تكون عليك قال:فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب.

قال أبو مخنف:حدثني عمر بن خالد عن زيد بن علي بن حسين و عن داود بن علي بن عبد اللّه بن عباس ان بني عقيل قالوا:لا و اللّه لا نبرح حتى ندرك ثارنا أو تذوق ما ذاق أخونا.

قال أبو مخنف:عن أبي جناب الكلبي عن عدي بن حرملة عن عبد اللّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا:فنظر إلينا الحسين فقال:لا خير في العيش بعد هؤلاء قالا:فعلمنا انه قد عزم له رأيه على المسير قالا:فقلنا:خار اللّه لك،قالا:

فقال:رحمكما اللّه قالا:فقال له بعض أصحابه:إنك و اللّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع،قال الاسديان:ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه و غلمانه:أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا ثم ارتحلوا و ساروا حتى انتهوا إلى زبالة.

قال أبو مخنف:حدثني أبو علي الأنصاري عن بكر بن مصعب المزني قال:كان الحسين لا يمر باهل ماء إلا اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل اخيه من الرضاعة مقتل عبد اللّه بن بقطر و كان سرحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق و هو لا يدري أنه قد اصيب فتلقاه خيل الحصين بن نمير بالقادسية فسرح به إلى عبيد اللّه بن زياد،فقال:اصعد فوق القصر فالعن الكذاب بن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي قال:فصعد فلما اشرف على الناس قال:أيها الناس إني رسول الحسين ابن فاطمة ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلم لتنصروه و توازروه على ابن مرجانة ابن

ص: 37

سمية الدعي،فأمر به عبيد اللّه فالقى من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظامه و بقي به رمق،فأتاه رجل يقال له:عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه،فلما عيب ذلك عليه قال،إنما أردت ان أريحه قال هشام:حدثنا أبو بكر بن عياش عمن أخبره قال:

و اللّه ما هو عبد الملك بن عمير الذي قام إليه فذبحه و لكنه قام إليه رجل جعد طوال يشبه عبد الملك بن عمير قال:فأتى ذلك الخبر حسينا و هو بزبالة،فاخرج للناس كتابا فقرأ عليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و عبد اللّه بن بقطر و قد خزلتنا شيعتنا،فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام.

قال:فتفرق الناس عنه تفرقا،فأخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤا معه من المدينة،و إنما فعل ذلك لانه ظن إنما اتبعه الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره ان يسيروا معه إلا و هم يعلمون علام يقدمون، و قد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته و الموت معه.

قال:فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء و أكثروا ثم سار حتى مر بطن العقبة فنزل بها.

قال أبو مخنف:فحدثني لوذان أحد بني عكرمة:إن أحد عمومته سأل الحسين عليه السّلام أين تريد؟فحدثه،فقال له:إني انشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه لا تقدم إلا على إلا سنة وحد السيوف،فإن هولاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال و وطئوا لك الاشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا.فأما على هذه الحال التي تذكرها فإني لا أرى لك ان تفعل،قال:فقال له يا عبد اللّه انه ليس يخفى على الرأي ما رأيت و لكن اللّه لا يغلب على أمره ثم ارتحل منها (1).0.

ص: 38


1- انظر مقتل الحسين لأبي مخنف:63-80.

اختيار الإمام الهجرة إلى العراق و سبب ذلك

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:و اختار الإمام الحسين عليه السّلام الهجرة إلى العراق دون غيره من أقاليم العالم الإسلامي،و هو على علم بما مني به أهل العراق من التذبذب و الاضطراب في سلوكهم،و لعل سبب اختياره له دون غيره يعود لما يلي:

أولا-إن العراق في ذلك العصر كان قلب الدولة الإسلامية و موطن المال و الرجال،و قد أنشأت فيه الكوفة حامية الجيوش الإسلامية و قد لعبت دورا خطيرا في حركة الفتح الإسلامي،فقد شاركت في فتح رامهرمز و السوس و تستر و نهاوند،و كان عمر بن الخطاب يستنجد بها،فقد كتب إلى واليه سعد بن أبي وقاص:«ان ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن»و كثيرا ما تمر في أخبار الفتوح الإسلامية هذه العبارة«و أمدهم عمر بأهل الكوفة»و كان عمر يثني عليهم و يقول:«جزى اللّه أهل الكوفة خيرا يكفون حوزتهم،و يمدون أهل الأمصار» و قال فيهم رجل من أهل الشام:«إنكم كنز الإسلام ان استمدكم أهل البصرة أمددتموهم،و إن استمدكم أهل الشام أمددتموهم».

و مضافا إلى أن العراق كان قاعدة حربية فإنه قد اشتهر منذ القدم بثرائه«فهو قلب الأرض،و خزانة الملك الأعظم،و ما قد خص اللّه جل و علا به أهل الكوفة من عمل الوشي و الخز،و غير ذلك من أنواع الفواكه و التمور»ان الأمويون قد اتخذوه موردا مهما لبيت المال في دمشق إذ بلغت جباية معاوية للكوفة و سوادها خمسين ألف ألف درهم.

و بلغ خراج البطائح خمسة آلاف ألف درهم.

لقد كان العراق قلب الدولة الإسلامية النابض و قد بزّ سائر الأمصار في ميادين

ص: 39

السياسة و الاقتصاد و الاجتماع،و قد تهافت عليه جميع الثائرين ليتخذوه منطلقا لأهدافهم السياسية...إن الكوفة كانت البلد الوحيد في الأقطار الإسلامية التي تفقه قيم الأحداث و مغزى التيارات السياسية فقد ساد فيها الوعي الاجتماعي إلى حد كبير و قد كان الكوفيون يفرضون آراءهم على حكامهم،و إذا لم يحققوا رغباتهم سلوا في وجوههم السيوف و ثاروا عليهم.

و على أي حال فقد اختار الإمام الهجرة إلى الكوفة باعتبارها مركز القوة في العالم الإسلامي،يقول عبد المتعال الصعيدي:

«و لم يخطىء الإمام الحسين حينما أزمع على الهجرة إلى العراق لأنه المركز الصالح لقيام حكم عام يجمع أمر المسلمين،و لهذا اختاره من قبله و قد حققت الأيام للعراق هذا الحكم فقامت به الدولة العباسية التي حكمت المسلمين نحو خمسمائة سنة».

ثانيا-إن الكوفة كانت مهدا للشيعة و موطنا من مواطن العلويين و قد أعلنت اخلاصها لأهل البيت في كثير من المواقف،فقد اندفعت جموع الثائرين تحت قيادة مالك الأشتر النخعي أحد أعلام الشيعة،إلى يثرب فحاصروا عثمان و أجهزوا عليه، و قاموا بترشيح الإمام للخلافة،و قد غرست بذرة التشيع في الكوفة منذ خلافة عمر،فقد كان من ولاتها عمار بن ياسر و عبد اللّه بن مسعود،فأخذا يشيعان في أوساطها مآثر الإمام و فضائله،و ما أثر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله في حقه حتى تغدو على حبه و الولاء له،و قد خاض الكوفيون حرب الجمل و صفين مع الإمام و كانوا يقولون له:

«سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت فنحن حزبك و أنصارك نعادي من عاداك، و نشايع من أناب إليك و أطاعك»و كان الإمام أمير المؤمنين يثني عليهم ثناء عاطرا فيرى أنهم أنصاره و أعوانه المخلصون له يقول لهم:«يا أهل الكوفة أنتم اخواني و أنصاري و أعواني على الحق و مجيبي إلى جهاد المحلين،بكم أضرب المدبر، و أرجو إتمام طاعة المقبل»و يقول عليه السّلام:«الكوفة كنز الإيمان،و جمجمة الإسلام،

ص: 40

و سيف اللّه و رمحه يضعه حيث يشاء».

و قد خاض العراق أعنف المعارك و أشدها ضراوة من أجل أهل البيت فانتقم من قتلتهم و أخذ بثأرهم على يد الثائر العظيم المختار بن أبي عبيدة الثقفي،لقد كان اختيار الإمام للهجرة إلى الكوفة ناشئا عما عرف به أهل هذه المدينة من الولاء العميق لأهل البيت.

ثالثا-إن الكوفة كانت المقر الرئيسي لمعارضة الحكم الأموي،فقد كان الكوفيون طوال فترة حكم الأمويين لم يكفوا عن معارضتهم،و يتمنون زوال دولتهم،و يعزو فلهوزن سبب بغض الكوفيين للأمويين إلى أن الخلافة قد انتقلت من الكوفة إلى دمشق،و انهم-بعد أن كانوا أصحاب الدولة-أصبحت مدينتهم مجرد ولاية في الدولة الجديدة و ان دخلهم من خراج الأرض التي فتحوها فقد فقدوه،و لم يعد أمامهم إلا أن يقنعوا بالفتات الذي يتساقط عليهم من موائد سادتهم الأمويين،و لكنهم-مع الأسف-لم يشعروا بهذه المرارة إلا بعد فوات الأوان،و من هنا لم يكن من الغريب أن يروا في حكم أهل الشام نيرا ثقيلا على رقابهم يتربصون به الفرصة الملائمة ليتخلصوا منه،و يلقوه بعيدا عنهم».

و مما زاد في نقمة الكوفيين على الأمويين أن معاوية ولى عليهم شذاذ الآفاق كالمغيرة بن شعبة و زياد ابن أبيه فأشاعوا فيهم الظلم و الجور،و أخرجوهم من الدعة و الاستقرار،و بالغوا في حرمانهم الاقتصادي،و اتبعوا فيهم سياسة التجويع و الحرمان...و ظلت الكوفة مركزا للمؤامرات على حكم الأمويين،و لم يثنهم عن ذلك ما عانوه من التعذيب و القتل و البطش على أيدي الولاة.

لقد كانت هجرة الإمام إلى الكوفة و اختيارها مقرا للثورة باعتبارها البلد الوحيد المعادي للأمويين،و قد وصل الحماس فيها ضد الأمويين ذروته بعد هلاك معاوية.

رابعا-إن الإمام الحسين إنما اختار الهجرة للعراق للدعوات الملحة و الإصرار

ص: 41

البالغ من الأغلبية الساحقة من أهل الكوفة للقدوم حتى في زمن معاوية،فقد توافدت عليه كتبهم،و هي تحثه على المسير إليهم،و تحمله المسؤولية أمام الله و الأمة إن تأخر عن إجابتهم لا سيما بعد أن كتب إليه سفيره مسلم بن عقيل يخبره باجتماع الناس على بيعته و تطلعهم إلى قدومه و يحثه على السفر إليهم فلم ير عليه السّلام بدا من إجابتهم يقول الدكتور محمد حلمي:«إنه لم يخرج الحسين من الحجاز في اتجاه الكوفة استجابة للدعوات التي وصلته من أهلها طالبة إليه القدوم عليهم ليتزعم ثورتهم على خلافة يزيد...لم يخرج الحسين إلا بعد أن اختبر استعداد الكوفيين للقيام بهذه الثورة و ذلك بإرسال ممثل له،ليتعرف على مدى هذا الاستعداد و ذهب مسلم بن عقيل بن أبي طالب في هذه المهمة،و نجح في فترة قصيرة في قيادة اثني عشر ألفا في ثورة عارمة بايعت الحسين،و نزعت بيعة يزيد، و كتب مسلم بهذا إلى الحسين الذي قرر الخروج لقيادة الحركة بنفسه،و بهذا لم يكن الحسين متسرعا في خروجه،و لا مندفعا،فقد أتته الكتب،و أراد أن يطمئن على مدى جديتها،فاطمأن بخروج هؤلاء الآلاف في الفترة القصيرة التي نشط فيها ممثله».

خامسا-إن الإمام الحسين لو نزح إلى قطر آخر غير الكوفة فإن الجيش الأموي لا بد أن يلاحقه،و لا بد أن يستشهد فيتجه له اللوم و التقريع و يقال له:لماذا لم تتجه إلى العراق البلد الذي يضم أنصارك و شيعتك،و قد بعث إليك أهله آلاف الرسائل تحثك على القدوم إليهم،فماذا يكون حينئذ جوابه لو سار إلى قطر آخر و لا حقته جيوش الأمويين؟

هذه بعض الأسباب التي حفزت الإمام إلى اختيار الهجرة إلى الكوفة ليجعلها مقرا لثورته (1).3.

ص: 42


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:8/3.

أثناء المسير إلى العراق

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:أف لهذه الدنيا،و بعدا لهذه الحياة مثل ابن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته تضيق عليه الدنيا،و تتقاذفه أمواج من الهموم فلا يدري إلى أين مسراه و مولجه،فقد وافته الأنباء أن الطاغية يزيد قد عهد إلى شرطته باغتياله،و لو كان متعلقا بأستار الكعبة.

لقد أيقن سبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يزيد لا يتركه و شأنه،و لا بد أن يسفك دمه و ينتهك حرمته و قد أدلى بذلك في كثير من المواطن،و كان منها:

1-ما رواه جعفر بن سليمان الضبعي أنه عليه السّلام قال:«و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة-و أشار إلى قلبه الشريف-من جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة..».

2-قال عليه السّلام لأخيه محمد ابن الحنفية:«لو دخلت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني».

3-ما رواه معاوية بن قرة قال:قال الحسين:«و اللّه ليعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت».

و استولت الحيرة على الإمام و أحاطت به موجات من الأسى و الشجون و تلبد أمامه الجو بالمشاكل الرهيبة و الأحداث المفزعة فهو إن بقي في مكة يخش من الاغتيال و ان ذهب إلى العراق فإنه غير مطمئن من أهل الكوفة و انهم سيغدرون به، و قد أدلى بذلك لبعض من شاهده في الطريق حسبما يرويه عنه يزيد الرشك يقول:

حدثني من شافه الحسين قال:إني رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض فقلت:

ص: 43

«لمن هذه؟».

«هذه للحسين».

فأتيته،فإذا شيخ يقرأ القرآن،و الدموع تسيل على خديه و لحيته قلت له:بأبي و أمي يا بن بنت رسول اللّه ما أنزلك هذه البلاد و الفلاة التي ليس بها أحد؟

فقال:هذه كتب أهل الكوفة إلي،و لا أراهم إلا قاتلي،فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها،فيسلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

لقد كان متشائما من أهل الكوفة فهو يعلم غدرهم و عدم وفائهم،و أنهم سيكونون إلبا عليه،و يدا لأعدائه.

و على أي حال فإنا نعرض لبعض الأحداث التي جرت على الإمام في مكة قبل سفره منها،و نتبين دوافع هجرته إلى العراق و ما جرى له في أثناء سفره (1).

لماذا الإعراض عن الحجاز؟

بقي هنا شيء و هو ان الإمام لماذا لم يبق بالحجاز يتخذه منطلقا للثورة،و لعل السبب في رفضه لذلك يعود إلى ما يلي:

أ-إن البيئة الحجازية كانت تتصف بقلة الموارد الاقتصادية فقد أشاع معاوية فيها الفقر و البؤس،و من الطبيعي أن الثورة تحتاج إلى دعم مالي كبير،و مع انعدام المال في الحجاز كيف يفجر الإمام ثورته فيه.

ب-انعدام الوعي السياسي في الحجاز فقد انصرفت الأكثرية الساحقة فيه عن الشؤون السياسية في حين أن العراق كان مشعل الوعي السياسي في البلاد العربية.

ص: 44


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:46/3.

ج-إن الحجاز كان لا يصلح لأن يكون مركزا للثورة فقد أصبح مهددا بالغزو من الجيوش الأموية،فقد بعث يزيد بجيش مكثف لقتال ابن الزبير بقيادة أخيه عمرو بن الزبير.

د-إن الحجاز لم تكن فيه حامية عسكرية حتى يلجأ إليها الإمام لتقوم بالذب و الدفاع عنه.

ه-إن الأغلبية الساحقة في الحجاز كانت تحقد على أهل البيت عليهم السّلام،و كانت ميولها مع بني أمية،يقول أبو جعفر الاسكافي:

«أما أهل مكة فكلهم كانوا يبغضون عليا،و كانت قريش كلها على خلافه،و كان الجمهور مع بني أمية»و يقول الإمام علي بن الحسين عليه السّلام:«ما بمكة و المدينة عشرون رجلا يحبنا»و مع شيوع الكراهية في الحجاز لأهل البيت عليهم السّلام كيف يتخذه الإمام مقرا له؟..لقد نزح الإمام من الحجاز بمرأى و مسمع من جميع الحجازيين فلم يخفوا معه،و لم يتبعه أحد منهم سوى أهل بيته،للقيام بنصرته و الذب عنه.

الإعراض عن مصر

و أعرض الإمام عن مصر،و لم يراسل أحدا منهم،و ذلك لأن أهلها كانوا طيلة عهد الخلفاء و طيلة الحكم الأموي ميالين إلى الدعة و السلام،و البعد عن التيارات السياسية على أنه لم ترد منهم أية رسالة للإمام يدعونه فيها للقدوم إليهم،فكيف يهاجر إليهم الإمام،و مضافا إلى ذلك فإن في مصر نزعة عثمانية،و قد كان واليه عمرو بن العاص،فأشاع فيها البغض و الكراهية لأهل البيت عليهم السّلام و غرس فيها الولاء لبني أمية،فكيف يقصدها الإمام.

ص: 45

الاعراض عن اليمن

و أشار ابن الحنفية و غيره على الإمام أن يهاجر إلى اليمن لأن فيها شيعة له و لأبيه،و لم يستجب الإمام إلى هذا الرأي،و فيما نحسب أن أسباب إعراضه عنه تعود إلى ما يلي:

1-إنه لم تكن في اليمن حامية عسكرية حتى تتمكن من حمايته و الذب عنه إذا داهمته جيوش بني أمية،فقد كان اليمانيون عزلا من السلاح و العتاد،و لا قابلية لهم على الخوض في عمليات الحروب.

2-إن جماهير اليمن لم تقم بحماية بلادهم حينما دهمتهم جيوش معاوية بقيادة الباغي بسر بن أبي ارطأة فأشاع فيهم القتل،و سبى نساءهم و باعها في الأسواق فمن كانت أعظم ساقا بيعت بثمن أكثر،و لم يثأروا للدفاع عن أعراضهم، و إنما استسلموا للعدوان الأموي الذي أصاب من دمائهم و أموالهم حسب ما شاء و مع هذا الحال كيف يهاجر الإمام إليها؟.

3-إن اليمن قد منيت بالفقر و البؤس فكانت الحياة الاقتصادية فيها مشلولة،و لا قدرة لأهلها على مد الثورة بما تحتاج إليه من المال و السلاح،و قد نزح الكثيرون منها إلى الكوفة طلبا للرزق و الرفاهية.

4-ان الإمام لو ذهب إلى اليمن لما تركه يزيد و أرسل إليه جيوشه لمناجزته و تسفك بذلك الدماء،و يتهم الامام بإثارة الفتنة و شق عصا الطاعة و تضيع بذلك عدالة قضيته حسب ما يقول الدكتور أحمد محمود صبحي و بما ذكرناه من هذا التحقيق يتضح و هن ما ذهب إليه الدكتور على حسين الخربوطلي من تخطئة الامام على عدم ذهابه لليمن و تخليه عن الحجاز لأن بها أنصاره الحقيقيين و شيعة أبيه المخلصين،و ان اليمن كانت تمتاز ببعدها عن مركز الخلافة،و مناعة حصونها

ص: 46

و كثرة شعابها و هذا الرأي لا يحمل أي طابع من التحقيق فإن الإمام لم يكن عنده أنصار حقيقيون في الحجاز،و لو كانوا لخفوا معه حينما أعلن الذهاب إلى العراق، و ما تركوه وحده فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة،و أما اليمن فقد ذكرنا أنها غير صالحة استراتيجيا لأن يتخذها الإمام مقرا لثورته.

الإعراض عن فارس

و أعرض الإمام عن فارس لأنه لم يكن له فيها أي رصيد،و لم تتبلور فيها الدعوة لأهل البيت عليهم السّلام و انما كانت مركزا لدعوة العلويين بعد ردح من الزمن حينما نزحت إليها المجموعة الكبيرة من الشيعة التي نفاها زياد إليها فقد أخذت تعمل على نشر التشيع هناك،و قد استغل دعاة بني العباس تلك الثمرة التي أوجدتها دعاة الشيعة في فارس فاتخذوها مقرا لهم،و منها انطلقت الثورة على بني أمية فأطاحت بعرشهم،و سلطانهم.

الإعراض عن البصرة

و أعرض الامام عن البصرة لأنها كانت عثمانية الهوى،و كان الكثيرون من أبنائها شيعة للزبير و طلحة،يقول أبو جعفر الاسكافي:«كان أهل البصرة كلهم يبغضون عليا»و سبب ذلك حرب الجمل التي حصدت رؤوس الكثيرين من أبنائها فأترعت نفوسهم بالكراهية للامام و أبنائه نعم فيها بعض الشيعة و قد كاتبهم الامام عندما أراد التوجه إلى الكوفة.

و على أي حال فإن الكوفة كانت أصلح مركز لإعلان الثورة على الأمويين فقد تزعمت هذه المدينة الثائرة الحركة المعارضة لبني أمية،كما كانت أهم موقع

ص: 47

استراتيجي في العالم الاسلامي،و قد تهيأت تهيّؤا تاما بعد هلاك معاوية لدعوة الإمام كما كانت الوطن الأم لشيعته،فقد كانت قلوب أهلها تفيض بالحب و الولاء له.

لقد كان اختيار الامام عليه السّلام الهجرة إلى الكوفة دون غيرها مبنيا على دراسته الوثيقة لواقع الأقطار الإسلامية و إحاطته باتجاهات المواطنين فيها سواء في الميادين السياسية أو العقائدية،و مدى قدرتهم الاقتصادية و العسكرية،فقد خبر الإمام كل ذلك و وقف عليه،فلم ير هناك قطرا تتوفر فيه الاستراتيجية الكاملة لحماية الثورة و ضمان نجاحها سوى الكوفة التي كانت تضم القوى المؤيدة له، و المنحرفة عن الحكم الأموي،فكان الاتجاه إليها ضرورة ملحة لا غنى له عنها.

مشفقون و منددون

اشارة

و لما أذيع تصميم الحسين عليه السّلام و عزمه على مغادرة الحجاز و التوجه إلى الكوفة أشفق عليه جماعة من أهل بيته و شيعته كما أظهر له الاخلاص رياء بعض ذوي الأطماع السياسية كعبد اللّه بن الزبير،و الأشدق الذي أشفق عليه بالخروج خوفا على انهيار الحكم الأموي و قد حذروا الامام و خافوا عليه من انقلاب أهل الكوفة و غدرهم به كما غدروا بأخيه الامام الحسن من قبل،و قد أشاروا عليه بأن لا يتوجه لهذا القطر و لا يقرب منه،كما ندد بخروجه جماعة من عملاء السلطة و أذنابها خوفا على تصدع الحكم الأموي و انهياره،و قال بمثل مقالتهم جماعة من المنحرفين عن أهل البيت في كثير من العصور،و فيما يلي آراء كلا الفريقين.

ص: 48

المشفقون

اشارة

أما المشفقون من شيعة الإمام الحسين و أهل بيته فكانت قلوبهم تذوب أسى و حزنا على مغادرة الامام للحجاز،و كانوا يتكلمون بلغة العاطفة و يفكرون في شيء لم يكن الإمام يفكر به،فكانوا يشيرون عليه بمهادنة السلطة و البيعة ليزيد ليكون بمأمن من شروره و اعتدائه،و كان عليه السّلام يرى دين جده صلّى اللّه عليه و اله قد صار ألعوبة بيد حفيد أبي سفيان،فلا بد أن يثأر لكرامة هذا الدين و يضحي بكل شيء لحمايته،فهذا هو مغزاه الذي كان لا يثنيه عنه شي..و لنستمع إلى حديث المشفقين عليه، و العاذلين له.

1-المسور بن مخرمة

و ذعر المسور بن مخرمة حينما سمع بعزم الامام على مغادرة الحجاز و التوجه إلى العراق فكتب إليه هذه الرسالة:

«إياك أن تغتر بكتب أهل العراق،و يقول لك ابن الزبير:الحق بهم فإنهم ناصروك،إياك أن تبرح الحرم،فإنهم-أي أهل العراق-إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك،فتخرج إليهم في قوة و عدة».

و لما قرأ الامام رسالته أثنى على عواطفه،و قال لرسوله:«استخير اللّه في ذلك».

ص: 49

2-عبد اللّه بن جعفر

و خاف عبد اللّه بن جعفر على ابن عمه حينما علم بعزمه على التوجه إلى العراق، فأحاطت به موجات من الأسى،فبعث إليه بابنيه عون و محمد،و كتب معهما هذه الرسالة:

«أما بعد:فإني أسألك الله لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا فإني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك،إن هلكت اليوم أطفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين و رجاء المؤمنين،فلا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي و السلام».

و أسرع ابن جعفر و هو خائر القوى ذاهل اللب إلى عمرو بن سعيد حاكم مكة فأخذ منه كتابا فيه أمان للحسين،و جاء مسرعا إليه و كان معه يحيى بن سعيد بن العاص،فعرض عليه الإقامة في مكة و عدم النزوح إلى العراق فلم يستجب الامام له، و أخذ يتضرع إليه عبد اللّه و يتوسل في أن ينصرف عن نيته،فقال الإمام:

«إني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامي،و أمرني بأمر لا بد أن أنتهي إليه...».

فسأله ابن جعفر عن الرؤيا،فأبى أن يحدثه بها و قال له:«ما حدثت بها أحدا»و ما أنا بمحدث بها حتى ألقى اللّه تعالى»و انصرف ابن جعفر و هو غارق بالأسى و الشجون و أيقن بنزول الرزء القاصم و قد أمر ابنيه بمصاحبة خالهما الحسين.

3-عبد اللّه بن عباس

و أسرع عبد اللّه بن عباس و هو حزين كئيب إلى الامام،فقال له:«إن الناس أرجفوا بأنك سائر إلى العراق،فهل عزمت على شيء من ذلك؟».

«نعم قد أجمعت على المسير في أحد يومي هذين إلى الكوفة أريد اللحاق بابن عمي مسلم إن شاء اللّه تعالى».

ص: 50

و فزع ابن عباس فقال للإمام:

«اني أعيذك بالله من ذلك،أخبرني أتسير إلى قوم قتلوا أميرهم و ضبطوا بلادهم،فإن كان قد فعلوا فسر إليهم و ان كانوا إنما دعوك و أميرهم عليهم قاهر لهم،و عمالهم تجبي بلادهم و تأخذ خراجهم فإنما دعوك إلى الحرب،و لا آمن عليك أن يغروك،و يكذبوك،و يخذلوك و يبيعوك فيكونوا أشد الناس عليك».

و لم تخف شيء من هذه النقاط الحساسة على الإمام،فقد كان على بصيرة من أمره فقال لابن عباس:

«إني استخير الله.و أنظر ماذا يكون؟».

و أحاطت بابن عباس موجات من القلق و الاضطراب،فلم يتمكن أن يهدئ أعصابه،فراجع الامام،و قال له:

«إني أتصبر و لا أصبر،إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال...

ان أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم،أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز،فإن كان أهل العراق يريدوك-كما زعموا-فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم و عدوهم،ثم اقدم عليهم،فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصونا،و شعابا و هي أرض عريضة طويلة،و لأبيك بها شيعة،و أنت عن الناس في عزلة،فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية...».

و أخبره الإمام عن تصميمه على السفر،و أنه قد بتّ به،فقال له ابن عباس:«إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك،فإني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون إليه...لقد أقررت عين ابن الزبير بخروجك من الحجاز، و هو اليوم لا ينظر إليه أحد معك».

و فقد ابن عباس اهابه،و اندفع بثورة عارمة،فقال حسبما يروي المؤرخون:

«و اللّه الذي لا إله إلا هو لو أعلم اني إن أخذت بشعرك و ناصيتك حتى يجتمع علينا الناس أطعتني فأقمت لفعلت»و لم يخف على الإمام كل ما قاله ابن عباس فقد

ص: 51

كان مصمما على غايته التي بها انتصار الإسلام.

و خرج ابن عباس و هو يتعثر في خطاه،قد نخر الحزن قلبه فاتجه نحو ابن الزبير فقال له:

«لقد قرت عينك يا بن الزبير،ثم أنشد:

يا لك من قنبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي و اصفري

و نقري ما شئت أن تنقري

هذا الحسين يخرج إلى العراق و يخليك و الحجاز...».

إن الإمام لو كان يروم الملك و السلطان لاستجاب لرأي ابن عباس و لكنه عليه السّلام كان يبغي الاصلاح،و إعادة الحياة الإسلامية إلى واقعها المشرق،و أيقن أن ذلك لا يتحقق إلا بالتضحية الحمراء فهي وحدها التي تحقق ما يصبو إليه.

4-أبو بكر المخزومي

و هرع أبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي إلى الإمام فقال له:«إن الرحم يظأرني عليك و لا أدري كيف أنا في النصيحة؟كان أبوك أشد بأسا،و الناس له أرجى،و منه اسمع،و عليه أجمع فسار إلى معاوية،و الناس مجتمعون عليه إلا أهل الشام-و هو أعز منه-فخذلوه و تثاقلوا عنه حرصا على الدنيا و ضنا بها فجرعوه الغيظ، و خالفوه حتى صار إلى ما صار إليه من كرامة اللّه و رضوانه...ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا-و قد شهدت ذلك كله و رأيته-ثم أنت تسير إلى الذين عدوا على أبيك و أخيك تقاتل بهم أهل الشام و أهل العراق،و من هو أعد منك،و أقوى،و الناس منه أخوف،و له أرجى،فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطعموا الناس بالأموال-و هم عبيد الدنيا-فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك،و يخذلك من أنت أحب إليه من ينصره،فاذكر اللّه في نفسك...».

ص: 52

و شكر له الإمام نصيحته و عواطفه،و عرفه أنه مصمم على ما عزم عليه،و يئس أبو بكر فانطلق و هو يقول:

«عند اللّه نحتسب أبا عبد الله».

و أقبل أبو بكر على والي مكة و هو يقول:

كم ترى ناصحا يقول فيعصى و ظنين المغيب يلقى نصيحا

«ما ذاك يا أبا بكر؟

فأخبره بما قال للحسين:فقال له،نصحت له و رب الكعبة».

5-عبد اللّه بن جعدة

و أشفق عبد اللّه بن جعدة بن هبيرة على الإمام فألحقه بولده عون و بعث إليه رسالة يسأله فيها الرجوع،و يذكر فيها تخوفه في مسيره إلى العراق،فلم يعجب الإمام ذلك.

6-جابر بن عبد الله

و خفّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى الامام و طلب منه أن لا يخرج فأبى عليه السّلام.

7-عبد اللّه بن مطيع

و التقى الإمام بعبد الله بن مطيع،و كان في طريقه إلى العراق،و عرف عبد الله قصد الامام فقال له:

«يا بن رسول اللّه أذكرك اللّه في حرمة الإسلام أن تنتهك،أنشدك اللّه في حرمة

ص: 53

قريش و ذمة العرب،و اللّه لئن طلبت ما في يد بني أمية ليقتلوك،و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا...و اللّه إنها لحرمة الإسلام و حرمة قريش،و حرمة العرب، فالله اللّه لا تفعل و لا تأت الكوفة،و لا تعرض نفسك لبني أمية».

8-عمرو بن سعيد

و أرسل عمرو بن سعيد الأشدق رسالة للإمام يتعهد فيها له بالأمان و عدم التعرض له بمكروه،و قد جاء فيها:

«إني اسأل الله أن يلهمك رشدك،و ان يعرفك عما يراد بك،بلغني أنك قد عزمت على الشخوص إلى العراق،فإني أعيذك بالله من الشقاق،فإن كنت خائفا فأقبل إلي فلك عندي الأمان و الصلة».

و كيف يخضع أبي الضيم للأشدق،و يطلب منه الأمان،لقد أراد الأشدق أن يكون الإمام تحت قبضته حتى لا يملك من أمره شيئا و لم يخف على الإمام ذلك فأجابه:

«إن كنت أردت بكتابك صلتي فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة..و انه لم يشاقق من دعا إلى اللّه و عمل صالحا و قال:إنني من المسلمين،و خير الأمان أمان الله،و لم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا،فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب أمان الآخرة عنده».

9-محمد ابن الحنفية

و كان محمد ابن الحنفية في يثرب،فلما علم بعزم أخيه على الخروج إلى العراق توجه إلى مكة،و قد وصل إليها في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها إلى العراق، و قصده فور وصوله فبادره قائلا:

ص: 54

«يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك،و قد خفت أن يكون حالك حال من مضى،فإن أردت أن تقيم في الحرم فإنك أعز من بالحرم،و أمنعهم».

و شكر له الإمام عواطفه و نصيحته و قال له:

«خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية،فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت».

فقال محمد:«فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك أمنع الناس به،و لا يقدر عليك أحد».

قال الحسين:«انظر فيما قلت».

و لما كان وقت السحر بلغه شخوصه إلى العراق و كان يتوضأ فبكى حتى سمع وقع دموعه في الطست و أسرع محمد إلى أخيه،فأخذ بزمام ناقته،و قال له:

«يا أخي ألم تعدني فيما سألتك؟».

«بلى و لكن أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد ما فارقتك،و قال لي يا حسين اخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلا».

و ذعر محمد،و سرت الرعدة بأوصاله،و دموعه تتبلور على خديه و هو يقول:

«فما معنى حمل هؤلاء النساء و الأطفال،و أنت خارج على مثل هذا الحال».

فأجابه الإمام بعزم و طمأنينة قائلا:

«قد شاء اللّه أن يراهن سبايا».

10-السيدة أم سلمة

و فزعت أم المؤمنين السيدة أم سلمة حينما علمت أن الإمام قد عزم على الخروج إلى العراق،و كان في ذلك الوقت في يثرب قبل أن يتوجه إلى مكة فهرعت إليه قائله بصوت حزين النبرات:

«يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإني سمعت جدك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:

ص: 55

يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء،و عندي تربتك في قارورة دفعها إلي النبي».

فأجابها الإمام بعزم و رباطة جأش قائلا:

«يا أماه،و أنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما و عدوانا،و قد شاء تعالى أن يرى حرمي و رهطي مشردين،و أطفالي مذبوحين،مأسورين مقيدين،و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا..».

فالتاعت أم سلمة و رفعت صوتها قائلة:

«وا عجبا فأين تذهب و أنت مقتول؟!!».

فأجابها الإمام و هو ساخر من الموت و هازىء من الحياة قائلا:

«يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا،و إن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد،و ما من الموت بد،و إني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و الساعة التي أقتل فيها،و الحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك،و انظر إليها كما أنظر إليك».

11-عبد اللّه بن الزبير

و لما عزم الإمام على مغادرة مكة خفّ إليه عبد اللّه بن الزبير من باب المجاملة قال البلاذري:و إنما أراد ابن الزبير بذلك لئلا يتهمه و أن يعذر في القول فأظهر له الحنان و الولاء قائلا:

«أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك،و طعنوا أخاك؟».

فقال عليه السّلام:

«لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أن تستحل بي-يعني مكة-

و أصر الإمام على فكرته،و لم يصده عنها عذل العاذلين،و إشفاق المشفقين عليه فقد أيقن أنه لا يمكن بأي حال أن تنتصر القضية الإسلامية و تعلو كلمة اللّه في

ص: 56

الأرض إلا بالتضحية و الفداء يقول الأستاذ خالد محمد خالد:

«إن القضية التي خرج البطل حاملا لواءها لم تكن قضية شخصية تتعلق بحق له في الخلافة..أو ترجع إلى عداوة شخصية يضمرها ليزيد كما أنها لم تكن قضية طموح يستحوذ على صاحبه،و يدفعه إلى المغامرة التي يستوي فيها احتمال الربح و الخسران.

كانت القضية أجل و أسمى و أعظم.

كانت قضية الإسلام و مصيره و المسلمين و مصيرهم.

و إذا صمت المسلمون جميعهم تجاه هذا الباطل الذي أنكره البعض بلسانه، و أنكره الجميع بقلوبهم فمعنى ذلك أن الإسلام قد كفّ عن إنجاب الرجال.

معناه أن المسلمين قد فقدوا أهلية الانتماء لهذا الدين العظيم...و معناه أيضا أن مصير الإسلام و المسلمين معا قد أمسى معلقا بالقوة الباطشة فمن غلب ركب،و لم يعد للقرآن و لا للحقيقة سلطان..

تلك هي القضية في روع الحسين.

بهذا المنطق أصر على الخروج.

لقد رغب إليه المشفقون أن لا يجيب دعاة الكوفة،و يقبع في بيته مسالما ليزيد، و لكن أبي الضيم كان يرى ما لا يرونه،كان يرى أن الحياة الإسلامية قد امتحنت بفقر الدم امتحانا أدى بها إلى الهلكة و الدمار و انه لا بد أن يرويها من دمه الزاكي لتعود للمسلمين لهم الحياة نشطة تتدفق بها الحيوية من دمه الذي هو دم جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 57

منددون

اشارة

قال القرشي:و ندد جماعة بخروج الإمام،و شجبوا إعلانه للجهاد لأن فيه تصديعا للحكم الأموي الذي كانوا ينعمون بخيراته و صلاته،و قد قال بمثل مقالتهم بعض المتأخرين من الكتّاب الذين اندلعت أقلامهم تحمل شررا من نار لنقد الإمام على خروجه على حكومة يزيد التي لا تحمل أي طابع شرعي،و هذه آراؤهم.

1-عبد اللّه بن عمر

و ندد عبد اللّه بن عمر بخروج الإمام،و نعى عليه الدخول في المعترك السياسي فقال:«غلبنا الحسين بن علي بالخروج و لعمري لقد رأى في أبيه و أخيه عبرة،و رأى من الفتنة و خذلان الناس لهم،ما كان ينبغي أن يتحرك ما عاش،و أن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإن الجماعة خير».

2-سعيد بن المسيب

و شجب سعيد بن المسيب خروج الإمام،و قال:لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

ص: 58

3-أبو واقد الليثي

و كان أبو واقد الليثي من صنائع بني أمية،فأقبل على الإمام و جعل يناشده الله أن لا يخرج على يزيد و لم يكن بذلك مدفوعا بدافع الحب للإمام و إنما خوفا على ملك بني أمية،فلم يعن به الإمام و أعرض عنه.

4-أبو سلمة

و من الشاجبين لخروج الإمام على يزيد أبو سلمة بن عبد الرحمن قال:«كان لحسين أن يعرف أهل العراق،و لا يخرج إليهم،و لكن شجعه ابن الزبير».

5-أبو سعيد

و ندد أبو سعيد بخروج الإمام و قال:«غلبني الحسين على الخروج و قد قلت له:

اتق اللّه و الزم بيتك،و لا تخرج على امامك».

6-عمرة بنت عبد الرحمن

و كانت عمرة بنت عبد الرحمن تدين بالولاء لبني أمية،و تخشى على سلطانهم، و قد رفعت إلى الإمام رسالة استعظمت فيها خروجه على يزيد،و حثته على الطاعة و لزوم الجماعة و حذرته من الخروج و انه سوف يساق إلى مصرعه،و ذكرت في رسالتها أنها سمعت عائشة تروي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله انه قال:يقتل ولدي الحسين،و لما

ص: 59

قرأ الإمام رسالتها،و ما جاء فيها من أخبار النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتله قال:لا بد إذا من مصرعي».

هؤلاء بعض المنددين بخروج الحسين من معاصريه،و لم ينظروا إلى خروجه من زاوية الحكم الشرعي،و إنما نظروا إليه بعين المنفعة المادية فقد كان الحكم الأموي يغدق عليهم بالأموال،فخافوا عليه من الانهيار و الدمار.

ص: 60

المستحدثون

اشارة

و ندد جماعة من المتأخرين بخروج الإمام على يزيد و اعتبروه خروجا على إرادة الأمة.

1-الشيخ محمد الخضري

و تنكر الشيخ الخضري شيخ الأزهر في بحوثه التاريخية و الإسلامية لأهل البيت عليهم السّلام الذين أمر اللّه بمودتهم و الإخلاص إليهم فقال في الحسين«إن الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جرّ للأمة و بال الفرقة و الاختلاف:و زعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا».

إن الإمام قد أصاب كل الصواب و أحسن إلى الأمة في خروجه فله الفضل على كل مسلم فإنه لولا تضحيته لما بقي للإسلام اسم و لا رسم فقد قضى عليه السّلام،على المخططات الأموية الهادفة إلى محو الإسلام و إزالة جميع أرصدته،و قد فدى الحسين بتضحيته دين الإسلام و كلمة التوحيد.

2-محمد النجار

يقول محمد النجار:«أما أحقية الحسين بالخلافة فهي فكرة تنطوي عليها قلوب الغالبية من الناس،و لكن ما قيمة هذه القلوب إذا لم تؤيدها السيوف و هي مع ذلك لا

ص: 61

تقتضي الخروج،فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل جائزة،و قد كان علي بن أبي طالب يعتقد أحقيته بالخلافة و لم يخرج على أحد».

و يرى النجار أن خلافة يزيد كانت شرعية،و انها من إمامة المفضول التي هي سائغة عندهم...أما إمامة المفضول مع وجود الأفضل فقد توفرت الأدلة العلمية على بطلانها،و قد أقام المتكلمون من الشيعة الأدلة الحاسمة على زيفها،و ذكروا أن الالتزام بذلك خروج على المنطق و خروج على هدي الإسلام الذي يتبع في تشريعاته سنن الحياة،و ما تمليه المصلحة العامة،و ليس من المنطق في شيء تسويغ تقديم المفضول على الفاضل فإن فيه هدما للكفاءات و خروجا على صالح الأمة،و قد أنكر القرآن الكريم المساواة بينهما قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و لو سلمنا-كما يقول الأصوليون-بهذه القاعدة فإنها لا تنطبق على خلافة يزيد فقد كان-بإجماع المسلمين-لا فضل فيه،و إنما كان إنسانا ممسوخا قد تمرس في الجرائم و هام في المنكرات فكان الخروج عليه واجبا شرعيا.

3-محمد الغزالي

و ندد الشيخ محمد الغزالي بنهضة الإمام الحسين،و وصفها بأنها مجازفة لا أثر فيها لحسن السياسة و قد كان المتعين على الحسين حسب ما يراه الغزالي أن يبايع ليزيد،و يخضع لقيادة هذا الخليع الماجن الذي لا يملك أية كفاءة لقيادة الأمة،و هذا مما يأباه الحسين و تأباه مثله العليا و هو المسؤول بالدرجة الأولى عن صيانة الإسلام و الحفاظ على مقدساته و قيمه.

ص: 62

4-أحمد شبلي

و أحمد شبلي من المسعورين في الدفاع عن يزيد و الإنكار على الإمام في خروجه عليه قال:«نجيء إلى الحسين لنقر-مع الأسف-ان تصرفاته كانت في بعض نواحي هذه المشكلة غير مقبولة فهو-أولا-لم يقبل نصح الناصحين و خاصة عبد اللّه بن عباس،و استبد برأيه و-ثانيا-نسي أو تجاهل خلق أهل الكوفة و ما فعلوه مع أبيه و أخيه و هو-ثالثا-يخرج بنسائه و أطفاله كأنه ذاهب إلى نزهة خلوية أو زيارة قريب و يعرف في الطريق غدر أهل الكوفة و مع هذا يواصل السير إليهم و ينقاد لرأي بني عقيل و يذهب بجماعة من الأطفال و النساء و قليل من الرجال ليأخذ بثأر مسلم يا لله قد تكون ولاية يزيد العهد عملا خاطئا،و لكن هل هذا هو الطريق لمحاربة الخطأ و العودة إلى الصواب؟».

و لم ينظر شبلي بعمق و دراسة إلى واقع الحياة الإسلامية في عهد يزيد و إنما نظر إليها حسب ميوله التقليدية و العاطفية،فراح يشذ و يسلك في المنعطفات فيما كتبه،لقد كان الإسلام مهددا بالخطر و الدمار في عهد يزيد و ان خروج الإمام كان من أجل إعادة الحياة إلى شرايين الأمة الإسلامية و قد أعلن عليه السّلام أنه لم يخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و إنما خرج ليأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يحطم معالم الحياة الجاهلية التي تبناها الحكم الأموي،و قد ألمعنا في الجزء الثاني إلى أسباب نهضة الإمام بما يوضح القصد و ينفي الشبهات.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن المنددين بخروج الإمام على حكومة يزيد (1).

ص: 63


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:11/3-35.

رسالة الإمام لبني هاشم من مكة

اشارة

قال السيد محمد باقر القرشي:لما صمم الإمام على مغادرة مكة إلى العراق كتب هذه الرسالة لبني هاشم،و قد جاء فيها بعد البسملة:

«من الحسين بن علي إلى أخيه محمد،و من قبله من بني هاشم،أما بعد:فإنه من لحق بي منكم استشهد،و من لم يلحق بي لم يدرك الفتح و السلام...».

لقد أخبر عليه السّلام الأسرة النبوية بأن من لحقه منهم سوف يظفر بالشهادة و من لم يلحق به فإنه لا ينال الفتح فأي فتح هذا الذي عناه الإمام؟

إنه الفتح الذي لم يحرزه غيره من قادة العالم و أبطال التأريخ،فقد انتصرت مبادئه،و انتصرت قيمه و تألقت الدنيا بتضحيته،و أصبح اسمه رمزا للحق و العدل، و أصبحت شخصيته العظيمة ليست ملكا لأمة دون أمة و لا لطائفة دون أخرى، و إنما هي ملك للإنسانية الفذة في كل زمان و مكان فأي فتح أعظم من هذا الفتح، و أي نصر أسمى من هذا النصر؟

التحاق بني هاشم به

و لما وردت رسالة الإمام إلى بني هاشم في يثرب بادرت طائفة منهم إلى الالتحاق به ليفوزوا بالفتح و الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان فيهم أبناء عمومته و أخوته كما سافر معهم محمد ابن الحنفية ليصد الإمام عن السفر إلى العراق إلا انه لم يستجب له،و قد ذكرنا حديثه في البحوث السابقة.

ص: 64

أسباب الهجرة من مكة

اشارة

أما بواعث هجرة الإمام من مكة،و خروجه إلى العراق بهذه السرعة فهي-فيما نحسب-تعود إلى ما يلي:

1-الحفاظ على الحرم

و خاف الإمام على انتهاك بيت اللّه الحرام الذي من دخله كان آمنا فإن بني أمية كانوا لا يرون له حرمة فقد عهد يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق أن يناجز الإمام الحرب،و ان عجز عن ذلك اغتاله،و قدم الأشدق في جند مكثف إلى مكة،فلما علم الإمام خرج منها فلم يعتصم بالبيت الحرام حفظا على قداسته يقول عليه السّلام:«لأن أقتل خارجا منها-أي من مكة-بشبر أحب إلي»و يقول عليه السّلام لابن الزبير:«لئن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أن تستحل-يعني مكة-»و قد كشفت الأيام عدم تقديس الأمويين لهذا البيت العظيم،فقد قذفوه بالمنجنيق و أشعلوا فيه النار عند ما حاربوا ابن الزبير،كما استباحوا المدينة قبل ذلك..لقد تحرج الإمام كأشد ما يكون التحرج على قداسة بيت اللّه من أن تنتهك حرمته،فنزح عنه لئلا تسفك فيه الدماء.

2-الخوف من الاغتيال

و خاف الإمام من الاغتيال في مكة أو يقع غنيمة باردة بأيدي الأمويين فقد دس

ص: 65

إليه يزيد شرطته لاغتياله،يقول عبد اللّه بن عباس في رسالته ليزيد:«و ما أنس من الأشياء فلست بناس اطرادك الحسين بن علي من حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى حرم الله و دسك إليه الرجال تغتاله فأشخصته من حرم اللّه إلى الكوفة فخرج منها خائفا يترقب و قد كان أعز أهل البطحاء بالبطحاء قديما و أعز أهلها بها حديثا،و اطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ بها مقاما و استحل بها قتالا».

3-رسالة مسلم

و مما دعا الإمام إلى الخروج من مكة رسالة سفيره مسلم بن عقيل التي تحثه على السفر إلى العراق،و قد جاء فيها:إن جميع أهل الكوفة معه و ان عدد المبايعين له يربو على ثمانية عشر ألفا...هذه بعض الأسباب التي حفزت الإمام على الخروج إلى العراق،و ان من أوهى الأقوال القول بأن خروجه من مكة كان راجعا إلى وجود ابن الزبير فيها،فإن ابن الزبير لم تكن له أية أهمية حتى يخرج الإمام منها،و إنما الأسباب التي ألمعنا إليها فقد أصبحت مكة لا تصلح لأن تكون مركزا للحركات السياسية بعد أن أصبحت مهددة بغزو الجيوش الأموية لها.

ص: 66

خطاب الإمام عليه السّلام في مكة

و لما عزم الإمام على مغادرة الحجاز و التوجه إلى العراق أمر بجمع الناس ليلقي عليهم خطابه التاريخي،و قد اجتمع إليه خلق كثير في المسجد الحرام من الحجاج و أهالي مكة فقام فيهم خطيبا فاستهل خطابه بقوله:

«الحمد لله و ما شاء الله،و لا قوة إلا بالله،و صلّى اللّه على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة،و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف،و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس و كربلاء،فيملأن مني اكراشا جوفا،و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم،رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه،و يوفينا أجور الصابرين،لن تشذ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لحمته،بل هي مجموعة له في حضيرة القدس،تقر بهم عينه،و ينجز بهم وعده،ألا و من كان فينا باذلا مهجته،موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى».

لا أعرف خطابا أبلغ و لا أروع من هذا الخطاب فقد حفل بالدعوة إلى الحق و الاستهانة بالحياة في سبيل الله،و قد جاء فيه هذه النقاط:

1-إنه نعى نفسه،و رحب بالموت،و اعتبره زينة للإنسان كالقلادة التي تتزين بها جيد الفتاة،و هذا التشبيه من أروع و أبدع ما جاء في الكلام العربي.و من الطبيعي أن الموت الذي يتحلى به الإنسان إنما هو الموت في سبيل اللّه و الحق.

2-إنه أعرب عن شوقه البالغ إلى أسلافه الطيبين الذين استشهدوا في سبيل الله،و قد كان شوقه إليهم كاشتياق يعقوب إلى يوسف حسب ما يقول:

3-إنه أخبر أن اللّه تعالى قد اختار له الشهادة الكريمة،و الميتة المشرفة دفاعا

ص: 67

عن الحق وذودا عن الإسلام.

4-إنه أعلن عن البقعة الطيبة التي يسفك على صعيدها دمه الزاكي و هي ما بين النواويس و كربلاء،فبها تتقطع أوصاله،و تتناهب الرماح جسمه الشريف.

5-إنه أخبر أن الذئاب الكاسرة من وحوش بني أمية و أذنابهم لا يقر لهم قرار حتى تمتلى اكراشهم من لحمه و دمه،و هو كناية عن تسلطهم على الأمة بعد قتله، فيمعنون في نهب ثروات الأمة و خيراتها.

6-و أخبر عليه السّلام أن ما يجري عليه من الخطوب و الأهوال أمر لا محيص عنه،فقد خط عليه بالقلم و جرى في علم الله،و ليس من الممكن بأي حال من الأحوال تبديل أو تغيير ما كتبه اللّه عليه.

7-أعلن أن اللّه تعالى قد قرن رضاه برضا أهل البيت،و قرن طاعته بطاعتهم، و حقا أن يكون ذلك فهم دعاة دين اللّه و الادلاء على مرضاته و تحملوا من الأهوال التي لا توصف في سبيله.

8-إنه تحدث عن نزعة كريمة من نزعات أهل البيت عليهم السّلام و هي الخلود إلى الصبر، و التسليم لأمر اللّه على ما يجري عليهم من عظيم المحن و الخطوب،و ان اللّه تعالى قد أجزل لهم الثواب و وفاهم بذلك أجور الصابرين.

9-و أخبر عليه السّلام أن الواقع المشرق لأهل البيت إنما هو امتداد ذاتي لواقع الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله فهم لحمته و فرعه و الفرع لا يختلف عن أصله،و سوف تقر عين النبي صلّى اللّه عليه و اله في حضيرة القدس بعترته التي سهرت على أداء رسالته و جاهدت كأعظم ما يكون الجهاد في الذود عن دينه.

10-إنه دعا المسلمين إلى الخوض معه في ساحات الجهاد،و ان من ينطلق معه فقد بذل مهجته و وطّن نفسه على لقاء الله.

و هذه النقاط المشرقة في خطابه دلت على أنه آيس من الحياة و عازم على الموت،و مصمم على التضحية و لو كان يروم الملك لما عرض لذلك و كان عليه أن

ص: 68

يقدم الوعود المعسولة،و الآمال البراقة لمن يسير معه.

و لم يستجب لنداء الإمام أحد من أهالي مكة،و لا أحد من الحجاج الذين سمعوا خطابه سوى نفر يسير من المؤمنين.و هذا مما يكشف عن قلة الوعي الديني، و تخدير المجتمع،و انحرافه عن الحق.

إتمام العمرة

و لما عزم الإمام على مغادرة مكة أحرم للعمرة المفردة فطاف بالبيت و سعى و قصر و طاف طواف النساء،و أحل من عمرته،و ذكر الشيخ المفيد أن الإمام الحسين لما أراد التوجه إلى العراق طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل من احرامه و جعلها عمرة لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ به إلى يزيد و هذا لا يخلو من تأمل فإن المصدود عن الحج يكون احلاله بالهدي حسبما نص عليه الفقهاء لا بقلب إحرام الحج إلى عمرة فإن هذا لا يوجب الاحلال من احرام الحج،أما ما ذكرناه فتدعمه روايتان ذكرهما الشيخ الحر بالعاملي في وسائل الشيعة في كتاب الحج في«باب أنه يجوز أن يعتمر في أشهر الحج عمرة مفردة،و يذهب حيث شاء».

أما الروايتان فهما:

1-رواها إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج إلى بلاده قال:لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم،و ان الحسين بن علي عليه السّلام خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا.

2-رواها معاوية بن عمار قال:قلت لأبي عبد الله:من أين افترق المتمتع و المعتمر؟

فقال عليه السّلام:إن المتمتع مرتبط بالحج،و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء،و قد

ص: 69

اعتمر الحسين عليه السّلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية في العراق،و الناس يروحون إلى منى،و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج و هذه الرواية نص فيما ذكرناه.

الخروج قبل الحج

و الشي الذي يدعو إلى التساؤل هو أن الإمام عليه السّلام قد غادر مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة و هو اليوم الذي يتأهب فيه الحجاج للخروج إلى عرفة فلماذا لم يتم حجه؟و فيما أحسب أن هناك عدة عوامل دعته إلى الخروج من مكة بهذه السرعة و هي:

1-أن السلطة قد ضايقته مضايقة شديدة حتى اطمأنّ أنها ستفتح معه باب الحرب أو تغتاله و هو مشغول في أداء مناسك الحج،و تستحل بذلك حرمة الحج، كما تضيع أهدافه المقدسة التي منها تحرير الأمة تحريرا كاملا من الذل و العبودية.

2-إنه إذا لم تناجزه السلطة أيام مناسك الحج،فإنها حتما ستناجزه الحرب بعدها فيصبح في مكة أما مقاتلا أو مقتولا و في كلا الأمرين سفك للدماء في البيت الحرام و في الشهر الحرام فغادر مكة حفاظا على المقدسات الإسلامية.

3-إن خروجه في ذلك الوقت الحساس كان من أهم الوسائل الإعلامية ضد السلطة في ذلك العصر فإن حجاج بيت اللّه الحرام قد حملوا إلى أقطارهم نبأ خروج الإمام في هذا الوقت من مكة و هو غضبان على الحكم الأموي،و إنه قد أعلن الثورة على يزيد،و لم يبق في مكة صيانة للبيت الحرام من أن ينتهك على أيدي الأمويين..

هذه بعض الأسباب التي حفّزت الإمام على الخروج قبل إتمام حجه.

ص: 70

مع ابن الزبير

و لما علم ابن الزبير بمغادرة الإمام إلى العراق خفّ إليه يسأله عن مسألة لم يهتد إليها فقال له:

«يابن رسول اللّه لعلنا لا نلتقي بعد اليوم،فأخبرني متى يرث المولود و يورث؟ و عن جوائز السلطان هل تحل أم لا؟».

فأجابه عليه السّلام«أما المولود فإذا استهل صارخا..و أما جوائز السلطان فحلال ما لم يغصب الأموال».

و لم تكن عند ابن الزبير أية بضاعة فقهية فراح يستفتي الإمام في مثل هذه الأمور الواضحة،و الغريب انه مع هذا الحال كيف يتصدى لإمامة المسلمين و خلافتهم؟!!

السفر إلى العراق

و قبل أن يغادر الإمام مكة انطلق إلى البيت الحرام فأدى له التحية بطوافه و صلاته،و كان ذلك هو الوداع الأخير له و أدى فيه فريضة صلاة الظهر ثم خرج مودعا له لقد انطلق الحسين مودعا الكعبة حاملا روحها بين جنبيه و شعلتها بكلتا يديه.

تواكبه الملائك و تباركه و تطيف به كأنها حذرة عليه...

فإنه البقية من إرث السماء على الأرض.

لقد نزح عن مكة خائفا من حفيد أبي سفيان،كما نزح عنها جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله خوفا من المشركين بزعامة أبي سفيان،و قد صحبه اثنان و ثمانون رجلا من أهل بيته و خاصته و مواليه كما صحب معه السيدات من مخدرات الرسالة و عقائل

ص: 71

النبوة..لقد خرج الإمام و هو يحمل معه التحرير الكامل للأمة الإسلامية يريد أن يقيم في ربوعها حكم القرآن،و عدالة السماء و يرد عنها كيد المعتدين.

و كان خروجه فيما يقوله أكثر المؤرخين في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين من الهجرة و قد خيّم الأسى على أهل مكة فلم يبق أحد إلا حزن لخروجه..

و انفصل الركب عن مكة،فلم ينزل الإمام منزلا إلا حدث أهل بيته عن مقتل يحيى ابن زكريا متنبئا بما سيجري عليه من القتل كما جرى على يحيى.

ملاحقة السلطة له

و لم يبعد الإمام كثيرا عن مكة حتى لا حقته مفرزة من الشرطة بقيادة يحيى بن سعيد،فقد بعثها والي مكة عمرو بن سعيد لصد الإمام عن السفر إلى العراق، و جرت بينهما مناوشات،و قد عجزت الشرطة عن المقاومة و كان ذلك الإجراء فيما نحسب صوريا،فقد خرج الإمام في وضح النهار من دون أية مقاومة تذكر...لقد كان الغرض من إرسال هذه المفرزة العسكرية إبعاد الإمام عن مكة،و التحجير عليه في الصحراء حتى يسهل القضاء عليه بسهولة،و أكد ذلك الدكتور عبد المنعم ماجد بقوله:«و يبدو لنا أن عامل يزيد على الحجاز لم يبذل محاولة جدية لمنع الحسين من الخروج من مكة إلى الكوفة بسبب وجود كثير من شيعته في عمله.بل لعله قدر سهولة القضاء عليه في الصحراء بعيدا عن أنصاره،بحيث إن بني هاشم فيما بعد اتهموا يزيد بأنه هو الذي دس إليه الرجال حتى يخرج».

ص: 72

اتصال دمشق بالكوفة

و كانت دمشق على اتصال دائم بالكوفة،كما كانت على علم بجميع تحركات الإمام،و قد اضطربت من فشل المؤامرة التي دبرتها لاغتياله في مكة و نزوحه إلى العراق ليتولى بنفسه قيادة الثورة التي عهد بشؤونها إلى سفيره مسلم بن عقيل...

و قد صدرت من يزيد عدة رسائل إلى حاكم الكوفة الطاغية ابن زياد،و هي تضع له المخططات الرهيبة التي يسلكها و تأمره بالحزم أمام الأحداث التي تعترض طريقه، و من بين هذه الرسائل:

1-كتب يزيد هذه الرسالة إلى ابن زياد بعد ما خرج الإمام من مكة و قد جاء فيها «أما بعد عليك بالحسين بن علي لا يفوت بادره قبل أن يصل إلى العراق».

و منطق هذه الرسالة إلزام السلطة بالكوفة المبادرة التامة لقتال الحسين في الصحراء قبل أن يصل إلى العراق،و عدم التماهل في ذلك.

2-و قد جاء فيها«أما بعد:فقد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة و قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان و بلدك من بين البلدان،و ابتليت به أنت من بين العمال، و عندها تعتق أو تعود عبدا كما يعتق العبيد».

و تحمل هذه الرسالة طابعا من القسوة و الشدة،فقد أنذر فيها يزيد عامله ابن زياد فيما إذا قصر في مهمته،و لم يخلص في حربه للحسين أن يفصم التحاقه ببني أمية،و يعود إلى جده عبيد الرومي فيكون عبدا كسائر العبيد يباع و يعتق...و قد أعلن ابن زياد-فور وصول هذه الرسالة إليه-الأحكام العرفية،و أغلق جميع الحدود العراقية فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام،و إلى طريق البصرة،فلم يدع أحدا

ص: 73

يلج إلى صحراء العراق و لا أحدا يخرج منه.كما شكل قطعات من الجيش تجوب في العراق للتفتيش عن الإمام الحسين،و من بينها الكتيبة العسكرية التي تضم زهاء ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد الرياحي،و هي التي أرغمت الإمام على النزول في كربلاء،و صرفته من التوجه إلى بلد آخر.

3-و عهد يزيد إلى ابن زياد أن يجزل بالعطاء إلى الزعماء و الوجوه و غيرهم حتى يستميل ودهم،و هذا نص رسالته.

«أما بعد:فزد أهل الكوفة أهل السمع و الطاعة في أعطياتهم مائة مائة»و أغدق ابن زياد الأموال على الأعيان و الوجوه فاستمالهم لحرب ابن رسول الله.

ص: 74

موقف الأمويين

اشارة

أما موقف الأمويين إزاء تحرك الإمام،و مغادرته الحجاز إلى العراق فقد كان مضطربا فطائفة منهم كانت تحب العافية و تخاف عواقب الأمور و تخشى على الإمام أن يناله ابن زياد بمكروه فيكون ذلك سببا لزوال ملكهم،و طائفة كانت تخاف على العرش الأموي و تحذر من ذهاب الملك منهم و ترى ضرورة البطش بالإمام و مقابلته ليسلم لهم الملك و السلطان.أما الطائفة الأولى فيمثلها الوليد بن عتبة،و أما الثانية فيمثلها عمرو بن سعيد الأشدق،و قد كتب كل منهما رسالة لابن زياد تمثل رأيه و اتجاهه.

ص: 75

1-رسالة الوليد بن عتبة

اشارة

و ليس في بني أمية مثل الوليد بن عتبة في أصالة رأيه و عمق تفكيره فقد فزع حينما علم بمغادرة الإمام للحجاز و توجهه إلى الكوفة،و هو يعلم بغرور يزيد و طيش ابن زياد،فرفع رسالة إلى ابن زياد يحذره فيها من أن ينال الإمام بمكروه فإن ذلك يعود بالأضرار البالغة على بني أمية،و هذا نص رسالته:

«من الوليد بن عتبة إلى عبيد الله بن زياد،أما بعد:فإن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق،و هو ابن فاطمة،و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فاحذر يا بن زياد من أن تبعث إليه رسولا فتفتح على نفسك ما لا تختار من الخاص و العام و السلام...».

و لم يعن به ابن زياد،و إنما مضى سادرا في غيه و طيشه مطبقا لما عهدت إليه حكومة دمشق.

اشتباه ابن كثير

و اشتبه ابن كثير فزعم أن مروان كتب لابن زياد ينصحه بعدم التعرض للحسين،و يحذره مغبة الأمر،و رسالته التي بعثها إليه تضارع رسالة الوليد السابقة مع بعض الزيادة عليها و هذا نصها:

«أما بعد:فإن الحسين بن علي قد توجه إليك،و هو الحسين ابن فاطمة.و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تالله ما أحد يسلمه اللّه أحب إلينا من الحسين،فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شي،و لا تنساه العامة،و لا تدع ذكره آخر الدهر و السلام».

ص: 76

إن من المقطوع به أن هذه الرسالة ليست من مروان فإنه لم يفكر بأي خير يعود للأمة،و لم يفعل في حياته أي مصلحة للمسلمين،يضاف إلى ذلك مواقفه العدائية للعترة الطاهرة و بالأخص للإمام الحسين فهو الذي أشار على حاكم المدينة بقتله، و حينما بلغه مقتل الإمام أظهر الفرح و السرور فكيف يوصي ابن زياد برعايته و الحفاظ عليه؟

2-رسالة الأشدق

و أرسل إلى ابن زياد عمرو بن سعيد الأشدق رسالة يأمره فيها بأن يتخذ مع الإمام جميع الاجراءات الصارمة،و قد جاء فيها:

«أما بعد:فقد توجه إليك الحسين،و في مثلها تعتق أو تكون عبدا تسترق كما تسترق العبيد» (1).

ص: 77


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:39/3.

حوادث على الطريق الى العراق

مصادرة أموال ليزيد

و لم يبعد الإمام كثيرا عن مكة حتى اجتازت عليه و هو في«التنعيم»قافلة من العير تحمل ورسا و حللا كثيرة أرسلها والي اليمن بجير بن يسار إلى الطاغية يزيد فأمر الإمام بمصادرتها،و قال لأصحاب الإبل من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أو فينا كراءه و أحسنا صحبته،و من أحب المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض،ففارقه بعضهم بعد أن استوفى كراءه،و مضى في صحبته من أحب منهم و قد أنقذ الإمام هذه الأموال من أن تنفق على موائد الخمور،و تدعيم الظلم،و الإساءة إلى الناس،و قد تقدم أن الإمام قام بنفس هذه العملية أيام معاوية، و قد ذهب آية اللّه المغفور له السيد مهدي آل بحر العلوم إلى عدم صحة ذلك،فإن مقام الإمام أسمى و أرفع من الإقدام على مثل هذه الأمور و الذي نراه أنه لا مانع من ذلك إطلاقا فإن الإمام كان يرى الحكم القائم في أيام معاوية و يزيد غير شرعي، و يرى أن أموال المسلمين تنفق على فساد الأخلاق و نشر العبث و المجون فكان من الضروري انقاذها لتنفق على الفقراء و المحتاجين و أي مانع شرعي أو اجتماعي من ذلك؟

ص: 78

مع الفرزدق

و لما انتهى موكب الإمام إلى موضع يسمى ب«الصفاح» (1)التقى الشاعر الكبير الفرزدق همام بن غالب بالإمام،فسلم عليه و حياه،و قال له:

«بأبي أنت و أمي يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما أعجلك عن الحج».

«لو لم أعجل لأخذت».

و بادره الإمام قائلا:

-من أين أقبلت يا أبا فراس؟

-من الكوفة.

-بيّن لي خبر الناس.

-على الخبير سقطت،قلوب الناس معك،و سيوفهم مع بني أمية و القضاء ينزل من السماء،و اللّه يفعل ما يشاء...و ربنا كل يوم هو في شأن.

و استصوب الإمام حديث الفرزدق فقال له:

«صدقت لله الأمر من قبل و من بعد،يفعل اللّه ما يشاء،و كل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه.و هو المستعان على أداء الشكر، و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته و التقوى سريرته..».

ثم حرك الحسين راحلته فقال:السلام عليك (2).

ص: 79


1- الصفاح بين حنين و انصاب الحرم يسرة الداخل إلى مكة.
2- الطبري 218/6،و ابن الأثير 16/4،و ارشاد المفيد ص 201،و ابن كثير 168/8،و أنساب الأشراف ص 165-166.

و أنشأ الإمام يقول:

لئن كانت الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب اللّه أعلى و أنبل

و إن كانت الأبدان للموت أنشئت فقتل امرى بالسيف في اللّه أفضل

و ان كانت الأرزاق شيئا مقدرا فقلة سعي المرء في الرزق أجمل

و ان كانت الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل

و سأله الفرزدق عن بعض المسائل الشرعية فأجابه عنها،ثم سلم عليه و انصرف عنه..و يعطينا هذا الالتقاء صورة عن خنوع الناس،و عدم اندفاعهم لنصرة الحق،فالفرزدق الذي كان يملك و عيا اجتماعيا و وعيا ثقافيا مع علمه بأن الإمام سيقتل لم يندفع إلى نصرته و الالتحاق بموكبه ليذب عنه،فإذا كان هذا حال الفرزدق،فكيف بغيره من سواد الناس و جهالهم.

و على أي حال فقد واصل الإمام مسيرته بعزم و ثبات،و لم يثنه عن نيته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه،و تجاوبهم مع بني أمية،و لو كان الإمام يروم الملك لصده قول الفرزدق عن التوجه إلى العراق».6.

ص: 80

كتاب الحسين لأهل الكوفة

و لما وافى الإمام الحسين الحاجر من بطن ذي الرمة،و هو أحد منازل الحج من طريق البادية كتب كتابا لشيعته من أهل الكوفة يعلمهم بالقدوم إليهم.و قد جاء فيه بعد البسملة:

«من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين و المسلمين،سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد،فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا،و الطلب بحقنا،فنسأل الله أن يحسن لنا الصنيع،و أن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية،فإذا قدم عليكم رسولي فاكتموا أمركم، وجدوا فإني قادم عليكم من أيامي هذه إن شاء الله و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته» (1).

و دفع الكتاب بيد البطل الفذ قيس بن مسهر الصيداوي فأخذ يجد في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى القادسية فاستولت عليه مفرزة من الشرطة أقيمت هناك تفتش كل من يدخل للعراق و يخرج منه تفتيشا دقيقا،و أسرع قيس إلى الكتاب فخرقه لئلا تطلع الشرطة على ما فيه و أرسلته الشرطة مخفورا و معه القطع

ص: 81


1- الطبري 223/6-224،الاخبار الطوال للدينوري ص 245،و كان الحاجر ببطن الرمة و يجتمع فيه أهل الكوفة و البصرة بطريق مكة-مادة الحاجر و بطن الرمة بمعجم البلدان و راجع أنساب الأشراف ص 166.

المخرقة من الكتاب إلى الطاغية ابن زياد فلما مثل عنده قال له:

-من أنت؟

-رجل من شيعة أمير المؤمنين الحسين بن علي.

-لم خرقت الكتاب الذي كان معك؟

-خوفا من أن تعلم ما فيه.

-ممن الكتاب و إلى من؟

-من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.

و غضب الطاغية و فقد إهابه و صاح به:

«و اللّه لا تفارقني أبدا،أو تدلني على هؤلاء القوم الذين كتب إليهم هذا الكتاب،أو تصعد المنبر فتسب الحسين و أباه و أخاه،فتنجو من يدي أو لأقطعنك».

فقال له قيس:

«أما هؤلاء القوم فلا أعرفهم،و أما اللعن فأفعل».

و ظن ابن زياد أنه من قبيل أو غاد أهل الكوفة الذين تغريهم المادة و يرهبهم الموت و ما عرف أنه من أفذاذ الأحرار الذين يصنعون تأريخ الأمم و الشعوب، و ترتفع بهم كلمة الحق و العدل في الأرض..و أمر ابن مرجانة بجمع الناس في المسجد الأعظم ليريهم من لعن قيس لأهل البيت-كما توهم-أمثلة لنكث العهد حتى يعلمهم عليها و يجعلها من أخلاقهم و ذاتياتهم.

و انبرى البطل العظيم و هو هازىء من الموت و ساخر من الحياة ليؤدي رسالة الله بأمانة و إخلاص،فاعتلى منصة المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و أكثر من الترحم على علي و ولده ثم لعن عبيد اللّه و لعن أباه و عتاة بني أمية عن آخرهم،و رفع صوته الهادر الذي هو صوت الحق و الإسلام قائلا:

«أيها الناس...ان الحسين بن علي خير خلق اللّه ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنا

ص: 82

رسوله إليكم،و قد فارقته بالحاجر فأجيبوه..».

و أسرعت الجلاوزة إلى ابن زياد فأخبرته بشأنه فتميز غيظا،و أمر أن يصعد به من أعلى القصر فيرمى منه و هو حي،و أمسكته الشرطة و ألقت به من أعلى القصر فتقطعت أوصاله و تهشمت عظامه،و مات ميتة الأبطال في سبيل مبدئه و عقيدته..

و لما بلغ مقتله الحسين بلغ به الحزن أقصاه،و استعبر باكيا و اندفع يقول:

«اللّهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما عندك،و اجمع بيننا و إياهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيء قدير» (1).

مع أبي هرة

و لما انتهى الإمام إلى ذات عرق خف إليه أبو هرة فقال له:يابن رسول اللّه ما الذي أخرجك عن حرم الله،و حرم جدك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و تأثر الإمام،فقال له:

«ويحك يا أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت،و شتموا عرضي فصبرت،و طلبوا دمي فهربت و ايم اللّه لتقتلني الفئة الباغية،و ليلبسهم اللّه ذلا شاملا،و سيفا قاطعا، و ليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم و دمائهم حتى أذلتهم».

و انصرف الإمام،و هو ملتاع حزين من هؤلاء الناس الذين لا يملكون وعيا لنصرة الحق قد آثروا العافية و كرهوا الجهاد في سبيل الله.

ص: 83


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:42/3.

مع بعض مشايخ العرب

و لما انتهت قافلة الإمام إلى(بطن العقبة)بادر إليه بعض مشايخ العرب المقيمين هناك فقال له:

«أنشدك اللّه إلا ما انصرفت،ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف و ان هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال،و وطؤوا لك الأمور فقدمت على غير حرب كان ذلك رأيا و أما على هذا الحال الذي ترى فلا أرى لك ذلك».

فقال عليه السّلام:«لا يخفى علي شيء مما ذكرت،و لكني صابر و محتسب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا».

فزع السيدة زينب

و سارت قافلة الإمام حتى انتهت إلى(الخزيمية)و هي إحدى منازل الحج فأقام فيها الإمام يوما و ليلة ليستريح من جهد الطريق و عناء السفر،و قد خفت إليه أخته الحوراء عقيلة بني هاشم،و هي تجر ذيلها و قلبها الزاكي يتقطع من الأسى و الحزن، و هي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء إني سمعت هاتفا يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلى إنجاز وعدي

فقال لها أبي الضيم:

«يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن».

لقد أراد من شقيقته أن تخلد إلى الصبر،و أن تقابل الخطوب و الرزايا برباطة جأش و عزم حتى تقوى على أداء رسالته.

ص: 84

مع زهير بن القين

و انتهت قافلة الإمام إلى«زرود»فأقام الإمام فيها بعض الوقت و قد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي،و كان عثماني الهوى،و قد حج بيت اللّه في تلك السنة، و كان يساير الإمام في طريقه،و لا يحب أن ينزل معه مخافة الاجتماع به إلا أنه اضطر إلى النزول قريبا منه،فبعث إليه رسولا يدعوه إليه،و كان زهير مع جماعته يتناولون طعاما صنع لهم فأبلغه الرسول مقالة الحسين فذعر القوم و طرحوا ما في أيديهم من طعام كأن على رؤوسهم الطير،و أنكرت زوجة زهير عليه ذلك و قالت له:

«سبحان الله!!أيبعث إليك ابن بنت رسول اللّه ثم لا تأتيه لو أتيته فسمعت كلامه!!»و انطلق زهير على كره منه إلى الإمام فلم يلبث أن عاد مسرعا و قد تهلل وجهه و امتلأ غبطة و سرورا ثم أمر بفسطاطه و ما كان عنده من ثقل و متاع فحوله إلى الإمام الحسين عليه السّلام و قال لزوجته:«أنت طالق».

ماذا أسر إليه ريحانة رسول اللّه حتى جعله يتغير هذا التغيير؟هل وعده بمال أو مغنم،و لو وعده بذلك لما طلق زوجته،و لا ودع أصحابه الوداع الأخير...لقد بشّره بالشهادة و الفوز بالجنة،و ذكرّه بحديث طالت عليه الأيام فنساه...و قد حدث به أصحابه قائلا:

«سأحدثكم حديثا غزونا(بلنجر)ففتح اللّه علينا،و أصبنا غنائم ففرحنا،و كان معنا سلمان الفارسي،فقال لنا:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم و أصبتم من الغنائم؟ فقلنا نعم:فقال إذا أدركتم سيد شباب آل محمد صلّى اللّه عليه و اله فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم».

ص: 85

و روى إبراهيم بن سعيد و كان قد صحب زهيرا حينما مضى إلى الإمام أنه عليه السّلام قال له:إنه يقتل في كربلاء،و إن رأسه الشريف يحمله زجر بن قيس إلى يزيد يرجو نواله فلا يعطيه شيئا.

لقد ساعد التوفيق زهيرا فالتحق بموكب العترة الطاهرة،و صار من أصلب المدافعين عنها،و من ألمع أصحاب الإمام،ففداه بروحه و استشهد في سبيل قضيته العادلة (1).3.

ص: 86


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:44/3.

النبأ المفجع بمقتل مسلم

اشارة

أما النبأ المفجع بمقتل مسلم فقد حمله إلى الإمام عبد اللّه بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان،و كانا-فيما يقول المؤرخون-قد انتهيا من أداء مناسك الحج، و كانت لهما رغبة ملحة في الاتصال بالإمام و التعرف على شؤونه فأخذا يجذان في السير حتى التحقا به في زرود،و بينما هما معه و إذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة فلما رأى الحسين عدل عن الطريق،و قد وقف الحسين يريد مسألته فلما رآه قد مال عنه سار في طريقه،و لما عرف الأسديان رغبة الإمام في سؤاله تبعاه حتى أدركاه فسلما عليه و سألاه عن أسرته فأخبرهما أنه أسدي فانتسبا له ثم سألاه عن خبر الكوفة،فقال لهما:انه لم يخرج منها حتى قتل مسلم بن عقيل و هانىء بن عروة، و رآهما يجران بأرجلهما في الأسواق،و ودعاه،و أقبلا مسرعين حتى لحقا بالإمام، فلما نزل الإمام بالثعلبية قالا له:

«رحمك اللّه إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية،و إن شئت سرا»...

و تأمل في أصحابه فقال عليه السّلام:

«ما دون هؤلاء سر».

«أرأيت الراكب الذي استقبلته عشاء أمس؟».

«نعم و أردت مسألته»

«و اللّه استبرأنا لك خبره،و كفيناك مسألته،و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل،و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانىء و رآهما يجران في السوق بأرجلهما».

ص: 87

و كان النبأ المؤلم كالصاعقة على العلويين فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتى ارتج الموضع بالبكاء و سالت الدموع كل مسيل و استبان للإمام غدر أهل الكوفة،و أيقن أنه مع الصفوة من أهل بيته و أصحابه سيلاقون نفس المصير الذي لاقاه مسلم،و انبرى إلى الإمام بعض أصحابه فقال له:«ننشدك الله إلا رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك».

و التفت الإمام إلى بني عقيل فقال لهم:

«ما ترون فقد قتل مسلم؟».

و وثبت الفتية و هي تعلن استهانتها بالموت قائلين:

«لا و اللّه لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم».

و راح الإمام يقول بمقالتهم:

«لا خير في العيش بعد هؤلاء».

و قال عليه السّلام متمثلا:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى اذا ما نوى حقا و جاهد مسلما فإن مت لم أندم و إن عشت لم آلكفى بك عارا أن تذل و ترغما

لقد مضى الإمام قدما،و هو مرفوع الجبين و قد أيقن أنه يسير إلى الفتح الذي ليس مثله فتح،لقد مضى ليؤدي رسالة اللّه بأمانة و إخلاص كما أداها جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله من قبل (1).

وصول النبأ بمصرع عبد الله

و لما انتهت قافلة الإمام إلى«زبالة»و افاه النبأ الفظيع بقتل رسوله عبد اللّه بن يقطر،و كان الإمام قد أوفده للقيا مسلم بن عقيل فألقت عليه الشرطة القبض في

ص: 88


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:51/3.

القادسية،و بعثته مخفورا إلى ابن مرجانة فلما مثل عنده صاح به الخبيث:

«اصعد المنبر،و العن الكذاب ابن الكذاب،ثم انزل حتى أرى رأيي فيك..».

و ظن ابن مرجانة أنه يفعل ذلك،و ما درى أنه من أفذاذ الأحرار الذين ترتفع بهم كلمة اللّه في الأرض و اعتلى البطل العظيم المنبر،و رفع صوته الهادر قائلا:

«أيها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة،لتنصروه و تؤازروه على ابن مرجانة الدعي ابن الدعي لعنه الله».

و أخذ يلعن ابن زياد،و يذكر مساوى بني أمية،و يدعو إلى نصرة ريحانة الرسول صلّى اللّه عليه و اله فاستشاط ابن زياد غضبا،و أمر أن يلقى من فوق القصر كما فعل بقيس بن مصهر الصيداوي،فرمته الشرطة من أعلى القصر فتكسرت عظامه، و بقي به رمق من الحياة فأسرع إليه الوغد الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرب إلى سيده ابن مرجانة،و قد عاب الناس عليه ذلك فاعتذر لهم أنه أراد أن يريحه.

و لما انتهى خبره إلى الإمام عليه السّلام شق عليه ذلك،و يئس من الحياة و أمر بجمع أصحابه،و الذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق فقال لهم:

«أما بعد:فقد خذلنا شيعتنا،فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام».

و تفرق عنه ذباب المجتمع من أرباب المطامع الذين تبعوه لأجل الغنيمة، و خلص إليه الصفوة من أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة و لو كان الحسين يروم الملك و السلطان لما صارح الذين اتبعوه بالأوضاع الراهنة التي تحيط به،فقد أعلمهم أن من يلتحق به لا ينال منصبا أو مالا و إنما يقدم إلى ساحات الجهاد فيفوز بالشهادة و لو كان من عشاق الملك لما أدلى بذلك في تلك الساعات الحرجة الذي هو في أمس الحاجة إلى الناصر و الصديق الذي يذب عنه.

لقد نصح الإمام أصحابه و أهل بيته مرارا في التخلي عنه،و ما ذلك إلا ليحاربوا على بصيرة و بينة من أمرهم..و فعلا فقد تبعه خيرة الرجال و أصلبهم في الدفاع

ص: 89

عن الحق،تبعوه و نفوسهم مليئة بالإيمان بالله،و الإخلاص إلى الجهاد في سبيله.

رؤيا الإمام الحسين عليه السلام

و خفق الإمام الحسين وقت الظهيرة فرأى رؤيا أفزعته،فانتبه مذهولا فأقبل عليه ولده البار علي الأكبر فقال له:

-ما لي أراك فزعا؟

-رأيت رؤيا أهالتني.

-خيرا رأيت؟

و فاجأه أبوه بالرؤيا المفجعة قائلا:

«رأيت فارسا وقف علي،و هو يقول:أنتم تسرعون،و المنايا تسرع بكم إلى الجنة،فعلمت أن أنفسنا قد نعيت إلينا».

و أسرع الولد البار قائلا:

«ألسنا على الحق؟».

«بلى و الذي إليه مرجع أمر العباد».

و طفق فخر هاشم يلقي على الأجيال أروع صور الإيمان و التضحية في سبيل الله قائلا لأبيه:

«يا أبة لا نبالي بالموت..».

و وجد الحسين في ولده خير عون له على أداء رسالته الكبرى،فشكره على ذلك قائلا:

«جزاك اللّه يا بني خير ما جزي به ولد عن والده..» (1).

ص: 90


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:48/3.

الالتقاء بالحر

اشارة

و انتهى موكب الإمام إلى شراف،و فيها عين للماء فأمر الإمام فتيانه أن يستقوا من الماء،و يكثروا منه،ففعلوا ذلك،ثم سارت القافلة تطوي البيداء،و بادر بعض أصحاب الإمام فكبر،فاستغرب الإمام و قال له:

-لم كبرت؟

-رأيت النخل.

و أنكر عليه رجل من أصحاب الإمام ممن خبر الطريق و عرفه فقال له:

«ليس ههنا نخل،و لكنها أسنة الرماح و آذان الخيل».

و تأملها الإمام فطفق يقول:و أنا أرى ذلك،و عرف الإمام أنها طلائع جيش العدو جاءت لمناهضته،فقال لأصحابه:

«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا،و نستقبل القوم من وجه واحد؟».

و كان بعض أصحابه ممن يعرف سنن الطريق فقال له:

«بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد».

و مال موكب الإمام إليه إلا أنه لم يبعد كثيرا حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحر بن يزيد الرياحي كان ابن زياد قد عهد إليه أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام،و إلقاء القبض عليه و كان عدد الجيش زهاء ألف فارس،و وقفوا قبال الإمام في وقت الظهيرة،و كان الوقت شديد الحر،و رآهم الإمام و قد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ فرق عليهم،و غض نظره من أنهم جاؤوا لقتاله و سفك دمه،فأمر أصحابه أن يسقوهم،و يرشفوا خيولهم،و قام أصحاب الإمام فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملأون القصاص و الطساس فإذا عب فيها

ص: 91

ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت و سقي الآخر حتى سقوا الخيل عن آخرها لقد كان الإمام على استعداد كامل في سفره،فقد كانت الأواني وحدها تسع لسقاية ألف فارس مع خيولهم،فضلا عن سائر الأثاث و الأمتعة الأخرى.

و على أي حال فقد تكرم الإمام بإنقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه و يقول المؤرخون إنه كان من بين هذا الجيش علي بن الطعان المحاربي،و قد تحدث عن سجاحة طبع الإمام و عظيم أخلاقه،يقول:كنت ممن أضر بي العطش،فأمرني الحسين بأن أنخ الرواية فلم أفقه كلامه لأن الرواية بلغة الحجاز هي الجمل،و لما عرف أني لم أفهم كلامه قال لي:«انخ الجمل»فأنخته و لما أردت أن أشرب جعل الماء يسيل من السقاء،فقال لي اخنث السقاء،فلم أدر ما أصنع فقام أبي الضيم فخنث السقاء حتى ارتويت أنا و فرسي.

و لم تهز هذه الأريحية و لا هذا النبل نفس هذا الجيش،و ما تأثر أحد منهم بهذا الخلق الرفيع إلا الحر فقد تأثر ضميره اليقظ الحساس بهذا المعروف و الإحسان، فاندفع بوحي من ضميره حتى التحق بالإمام و استشهد بين يديه.

خطاب الإمام

و استقبل الإمام قطعات ذلك الجيش فخطب فيهم خطابا بليغا أوضح لهم في أنه لم يأتهم محاربا،و إنما قدمت عليه رسلهم و كتبهم تحثه بالقدوم إليهم،فاستجاب لهم،و قد قال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:

«أيها الناس إنها معذرة إلى اللّه تعالى و إليكم..إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، و قدمت بها على رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام،و لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى،فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم،فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم و مواثيقكم،

ص: 92

و ان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم».

و أحجموا عن الجواب لأن أكثرهم كانوا ممن كاتبوه بالقدوم إليهم و بايعوه على يد سفيره مسلم بن عقيل..و حضر وقت الصلاة فأمر الإمام مؤذنه الحجاج بن مسروق أن يؤذن و يقيم لصلاة الظهر،و بعد فراغه قال الإمام للحر:

-أتريد أن تصلي بأصحابك؟

-بل نصلي بصلاتك.

و ائتموا بالإمام في صلاة الظهر،و بعد الفراغ منها انصرفوا إلى أخبيتهم و لما حضر وقت صلاة العصر جاء الحر مع قومه فاقتدوا بالإمام في صلاة العصر.

خطبة الإمام

و بعد ما فرغ الإمام من صلاة العصر انبرى بعزم وثيق فخطب في ذلك الجيش خطابا رائعا،فقال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:

«أيها الناس،إنكم إن تتقوا الله،و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله،و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم،و السائرين فيكم بالجور و العدوان،فإن أنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا و كان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم».

و دعاهم بهذا الخطاب إلى طاعة الله،و التمسك بدعاة الحق و أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السّلام فهم أولى بهذا الأمر من بني أمية الذين أشاعوا فيهم الجور و الظلم، و عرض لهم أنه ينصرف عنهم إذا تبدل رأيهم،و نقضوا بيعتهم...و انبرى إليه الحر و هو لا يعلم بشأن الكتب،فقد كان-فيما يبدو-في تلك الفترة بمعزل عن الحركات السياسية في الكوفة،فقال له:

«ما هذه الكتب التي تذكرها؟».

ص: 93

فأمر الإمام عقبة بن سمعان بإحضارها،فأخرج خرجين مملوءين صحفا نثرها بين يدي الحر،فبهر الحر،و تأملها و قال:

«لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك» (1).3.

ص: 94


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:50/3.

المشادة بين الحسين و الحر

اشارة

و وقعت مشادة عنيفة بين الإمام و الحر،فقد قال الحر للإمام:قد أمرت أن لا أفارقك إذا لقيتك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد.و لذعت الإمام هذه الكلمات القاسية فثار في وجه الحر و صاح به:

«الموت أدنى إليك من ذلك».

لقد ترفع أبي الضيم من مبايعة يزيد،فكيف يخضع لابن مرجانة الدعي ابن الدعي؟و كيف ينقاد أسيرا إليه؟فالموت أدنى للحر من الوصول إلى هذه الغاية الرخيصة..و أمر الحسين أصحابه بالركوب،فلما استووا على رواحلهم أمرهم بالتوجه إلى يثرب،فحال بينهم و بين ذلك،فاندفع الحسين فصاح به.

«ثكلتك أمك ما تريد منا؟».

و اطرق الحر برأسه إلى الأرض،و تأمل ثم رفع رأسه فخاطب الإمام بأدب فقال له:

«أما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها لي ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان، و لكني و اللّه ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه..».

و سكن غضب الإمام فقال له:

-ما تريد منا؟

-أريد أن انطلق بك إلى ابن زياد.

-و ثار الإمام فصاح به:

-و اللّه لا اتبعك.

ص: 95

-إذن و اللّه لا أدعك.

و كاد الوضع أن ينفجر باندلاع نار الحرب إلا أن الحر ثاب إلى الهدوء فقال للإمام:

«إنني لم أؤمر بقتالك،و إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة،فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة،حتى اكتب إلى ابن زياد،و تكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد فلعل اللّه أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي من أمرك».

و اتفقا على هذا،فتياسر الإمام عن طريق العذيب و القادسية و أخذت قافلته تطوي البيداء،و كان الحر يتابعه عن كثب،و يراقبه كأشد ما تكون المراقبة.

قول شاذ

من الأقوال الشاذة التي لا مدرك لها ما ذكره البستاني،و هذا نصه:«لما قرب الحسين من الكوفة لقيه الحر بن يزيد الرياحي،و معه ألف فارس من أصحاب ابن زياد،و قال له:أرسلني عبيد اللّه عينا عليك،و قال لي ان ظفرت به لا تفارقه أو تجئ به،و أنا كاره أن يبتلني اللّه بشيء من أمرك فخذ غير هذا الطريق،و اذهب إلى حيث شئت،و أنا أقول لابن زياد إنك خالفتني في الطريق،و انشدك اللّه في نفسك،و فيمن معك،فسلك الحسين عليه السّلام طريقا غير الجادة،و رجع قاصدا إلى الحجاز،و سار هو و أصحابه ليلتهم،فلما أصبحوا لقوا الحر،فقال له الحسين:ما جاء بك؟

قال:سعي بي إلى ابن زياد أني اطلقتك بعد ما ظفرت بك،فكتب إلي أن أدركك،و لا أفارقك حتى تأتي مع الجيوش..».

و هذا القول من الأساطير فإن التقاء الإمام بالحر لم يكن قريبا من الكوفة.و إنما كان في أثناء الطريق على مرحلة قريبة من(شراف)،و مضافا إلى ذلك فإن الحر لم

ص: 96

يعرض على الإمام أن يسير حيثما شاء،و إنما صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن زياد أن يلقي عليه القبض،و يأتي به إلى الكوفة حسبما ذكرناه،و هو مما أجمع عليه المؤرخون و أرباب المقاتل.

خطأ ابن عنبة

من الأخطاء الفاحشة ما ذكره النسابة ابن عنبة من أن الحر أراد إرغام الإمام على الدخول إلى الكوفة فامتنع،و عدل نحو الشام قاصدا إلى يزيد بن معاوية،فلما صار إلى كربلاء منعوه عن المسير،و أرسلوا إليه ثلاثين ألفا عليهم عمر بن سعد، و أرادوا دخوله إلى الكوفة و النزول على حكم عبيد اللّه بن زياد فامتنع عليهم، و اختار المضي نحو يزيد فمنعوه و ناجزوه الحرب و لم يذهب لهذا القول أحد من المؤرخين،فقد أجمعوا على أن الإمام بقي مصمما على رفض البيعة ليزيد،و لو أنه أراد أن يبايع ليزيد لما فتحوا معه باب الحرب،و ما شهروا في وجهه السيوف (1).

ص: 97


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:53/3.

رواية أخرى في المقام

اشارة

و قيل أنّ الحسين عليه السّلام سار على مرحلتين من الكوفة،فوافاه إنسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي و معه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح،فقال للحسين عليه السّلام:إنّ الأمير عبيد اللّه بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه و أنا و اللّه كاره أن يبتليني اللّه بشيء من أمرك،غير أنّي قد أخذت بيعة القوم.

فقال له الحسين عليه السلام:(إنّي لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله و قدمت عليّ رسلهم يطلبونني و أنتم من أهل الكوفة فإن دمتم على بيعتكم و قولكم فيّ و كتبكم دخلت مصركم و إلاّ انصرفت من حيث أتيت).

فقال له الحر:و اللّه ما أعلم هذه الكتب،و لا الرسل و أنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا،فخذ طريقا غير هذا و ارجع فيه حيث شئت،لأكتب إلى ابن زياد أنّ الحسين خالفني فلم أقدر عليه،و أنشدك اللّه في نفسك.

فسلك الحسين طريقا آخر راجعا إلى جهة الحجاز غير الجادة،و سار و أصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين عليه السّلام و إذا قد ظهر الحر و جيشه فقال له الحسين عليه السّلام:(ما وراءك يا بن يزيد؟).

فقال:و افإني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك و قد سيّر من هو معي،و هو عين عليّ و لا سبيل إلى مفارقتك أو نقدم بك عليه.و طال الكلام بينهما فرحل الحسين عليه السّلام و أهله و أصحابه و نزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم.

فقال عليه السّلام:(هذه كربلاء موضع كرب و بلاء،هذا مناخ ركابنا،و محط رحالنا،

ص: 98

و مقتل رجالنا).

فنزل القوم و حطوا الأثقال،و نزل الحر بجيشه قبالة الحسين عليه السّلام،ثم كتب إلى عبيد اللّه بنزول الحسين بأرض كربلاء،فكتب عبيد اللّه كتابا إلى الحسين عليه السّلام:

أما بعد،فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء و قد كتب إليّ يزيد بن معاوية أن لا أتوسد الوثير،و لا أشبع من الخمير،حتى ألحقك باللطيف الخبير،أو ترجع إلى حكمي و حكم يزيد بن معاوية و السلام.

فلمّا ورد الكتاب على الحسين عليه السّلام و قرأه ألقاه من يده،و قال للرسول:(ما له عندي جواب).

فرجع الرسول فأخبر ابن زياد فاشتد غضبه،و جمع الناس و جهّز العساكر و سيّر مقدمها عمر بن سعد-و كان قد ولاّه الري و أعمالها و كتب له بها-فاستعفى من خروجه معه إلى قتال الحسين.

فقال له ابن زياد:إمّا أن تخرج و إمّا تعيد إلينا كتابنا بتوليتك الري و أعمالها و تقعد في بيتك.فاختار ولاية الري،و طلع إلى قتال الحسين عليه السّلام بالعسكر،فما زال عبيد اللّه يجهّز مقدما و معه طائفة من الناس إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد إثنان و عشرون ألفا ما بين فارس و راجل.

و أول من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في أربعة آلاف فارس،ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتى نزلوا شاطىء الفرات،و حالوا بين الماء و بين الحسين و أصحابه،ثم كتب عبيد اللّه كتابا إلى عمر بن سعد يحثه على مناجزة الحسين عليه السّلام،فعندها ضيّق الأمر عليهم،و إشتدّ بهم العطش،فقال إنسان من أصحاب الحسين عليه السّلام يقال له يزيد بن حصين الهمداني-و كان زاهدا- للحسين عليه السّلام:إئذن لي يا بن رسول اللّه لآتي إلى ابن سعد فأكلمه في أمر الماء عساه يرتدع.

فقال له عليه السلام:(ذلك إليك).

ص: 99

فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فدخل عليه و لم يسلّم.

قال:يا أخا همدان ما منعك من السّلام عليّ،أ لست مسلما أعرف اللّه و رسوله!

فقال له الهمداني:لو كنت مسلما كما تقول لمّا خرجت إلى عترة رسول اللّه تريد قتلهم،و بعد فهذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد و خنازيرها و هذا الحسين بن علي و إخوته و نساؤه و أهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم و بين ماء الفرات أن يشربوه،و تزعم أنّك تعرف اللّه و رسوله.

فأطرق عمر بن سعد ثم قال:و اللّه يا أخا همدان إني لأعلم حرمة أذاهم و لكن:

دعاني عبيد اللّه من دون قومه إلى خطة فيها خرجت لحين

فو اللّه ما أدري و إنّي لواقف على خطر لا أرتضيه و مين

أ أترك (1)ملك الري و الري رغبتي أم أرجع مطلوبا بقتل (2)حسين

و في قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عين

يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري.

فرجع يزيد بن حصين الهمداني فقال للحسين عليه السّلام:يا بن رسول اللّه إنّ عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بولاية الري.فلمّا تيقّن الحسين أنّ القوم مقاتلوه،أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق و جعلوها جهة واحدة يكون القتال منها، و ركب عسكر بن سعد و أحدقوا بالحسين و اقتتلوا (3)و لم يزل يقتل من أهل الحسين و أصحابه واحدا واحدا إلى أن قتل من أهله و أصحابه ما ينيف على خمسين رجلا فعند ذلك ضرب الحسين بيده الخيمة (4)و صاح:(أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه).ه.

ص: 100


1- في رواية:أ أخذ.
2- -في نسخة:بدم.
3- -في نسخة:و قتلوا.
4- في نسخة:إلى لحيته.

و إذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل على فرسه إليه و قال:يا بن رسول اللّه إنّي كنت أول من خرج عليك و أنا الآن في حزبك،فمرني لأكون أول مقتول في نصرتك،لعلّي أنال شفاعة جدك غدا.

ثم كرّ على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل و التحم القتال حتى قتل أصحاب الحسين عليه السّلام بأسرهم،و ولده و اخوته و بنو عمه و بقي وحده و بارز بنفسه إلى أن أثخنته الجراحات،و السهام تأخذه من كل جانب و الشمر في قبيلة عظيمة يقاتله.

ثم حال بينه عليه السّلام و بين رحله و حرمه فصاح الحسين عليه السّلام(ويلكم يا شيعة الشيطان (1)إن لم يكن لكم دين و لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا و ارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون،أنا الذي أقاتلكم فكفوا سفهاءكم و جهّالكم عن التعرض لحرمي،فإنّ النساء لم تقاتلكم).

فقال الشمر لأصحابه:كفوا عن النساء و حرم الرجل و اقصدوه في نفسه،ثم صاح الشمر بأصحابه و قال:ويلكم ما تنتظرون بالرجل و قد أثخنته السهام و توالت عليه الرماح و السهام.

فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد و قال لأصحابه:إنزلوا و حزوا رأسه.

فنزل إليه نصر بن خرشبه الضبابي(لعنه اللّه)ثم جعل يضرب بسيفه في مذبح الحسين،فغضب عليه عمر بن سعد و قال لرجل عن يمينه:ويحك إنزل إلى الحسين فأرحه.

فنزل إليه خولي بن يزيد(في النار خلده اللّه) (2)فاحتز رأسه،ثم سلبوه و دخلواه.

ص: 101


1- في بعض المصادر:آل سفيان.
2- في بعض المصادر:لعنه اللّه.

على حرمه فاستلبوا بزتهن ثم إنّ عمر بن سعد أرسل بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك (1)،فلما وضع الرأس بين يدي عبيد اللّه قال:

إملأ ركابي فضة و ذهبا فقد قتلت الملك المحجبا

و من يصلي القبلتين في الصبا و خيرهم إذ يذكرون النسبا

قتلت خير الناس أما و أبا

فغضب عبيد اللّه بن زياد من قوله ثم قال (2):إذا علمت أنّه كذلك فلم قتلته؟و اللّه لا نلت منّي خيرا و لألحقنك به،ثم قدّمه و ضرب عنقه.

ثمّ إنّ القوم إستاقوا الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون و يبكون و ينوحون،و كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام و قد أنهكه المرض فجعل يقول:(ألا إنّ هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟)

و كان اليوم الذي قتل فيه عليه السّلام قيل (3):يوم الجمعة،و هو يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى و ستين للهجرة (4)و دفن بالطف بأرض كربلاء من العراق، و مشهده عليه السّلام به معروف يزار من الجهات و الآفاق.

و هذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح (5)،فهي مضافة إليه و عهدتها لمن أراد أن يتبعها عند مطالعتها عليه.فهذا تلخيص ما تلقّته الأذهان و العقول،مما أهداه إليها المروي و المنقول،و قد ألبس العقول (6)ثوب حداد ما لصبغة سواده فصول،ب.

ص: 102


1- -إختلفت المصادر في تسميته فيذكرونه مرة ببكر بن مالك و اخرى بسنان بن أنس و اختلفوا في الأخير بأنه أنشدها عند باب عمر بن سعد،و أخرى بين يدي إبن زياد فضرب عنقه.
2- -في نسخة زيادة:له.
3- -في نسخة:قتل.
4- تاريخ ابن الخشاب:176،مقاتل الطالبيين:78،الاستيعاب 1:378،صفة الصفوة 1:763.
5- -الفتوح لابن أعثم 5:85-139،و كذا الأخبار الطوال 249-256.
6- -في كشف الغمة:القلوب.

و على الجملة فأقول:

ألا أيّها العادون إنّ إمامكم

مقام سؤال و الرسول سؤول

و موقف حكم و الخصوم محمد

و فاطمة الزهراء و هي ثكول

و إن عليّا في الخصام مؤيد

له الحق فيما يدّعي و يقول

فماذا تردون الجواب عليهم

و ليس إلى ترك الجواب سبيل

و قد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم

و وزر الذي أحدثتموه ثقيل

و لا يرتجى في ذلك اليوم شافع

سوى خصمكم و الشرح فيه يطول

و من كان في الحشر الرسول خصيمه

فإنّ له نار الجحيم مقيل

و كان عليكم واجبا في إعتمادكم

رعايتهم إن تحسنوا و تنيلوا

فإنّهم آل النبي و أهله

و نهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرة

لها غرر مجلوة و حجول

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها

نمتها فروع قد زكت و أصول

ص: 103

مناقب من خلق النبي و خلقه

ظهرن فما يغتالهن أفول (1)

و لمّا وصل القلم في ميدان البيان إلى هذا المقام،أبدت الأيام من المام الآلام ما منع من إتمام المرام على أتم الأقسام،و لم ير حزم نظام الكلام دون موقف الإختتام،فاختصر مضمون الأبواب و اقتصر منه على اللباب،و قصر من إطناب الأطناب،و قصر إسهاب الإستهاب،فجاء محصول فصوله ملخصا (2)من تطويل مبانيه إقتصارا يتسغنى بمحصله عن النهاية فيه،و إرشادا يكتفي بمختصره عن بسيطه و حاويه (3).

و روي أيضا أنه لما سار الحسين و نزل شراف كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا.

و سار الحسين من شراف فلما انتصف النهار،كبر رجل من أصحابه فقال له مما كبرت؟

قال:رأيت النخل.

فقال رجلان من بني أسد ما بهذه الأرض نخلة قط فقال الحسين فما هو؟

فقالا:لا نراه إلاّ هوادى الخيل فقال و أنا أيضا أراه ذلك و قال لهما أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد فقالا:بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد فمال إليه فما كان بأسرع من أن طلعت الخيل و عدلوا إليهم فسبقهم الحسين إلى الجبل فنزل و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي فوقفوا مقابل الحسين2.

ص: 104


1- -انظر الغدير 5:417.
2- -في كشف الغمة:في معانيه و مدلول اصوله مخلصا.
3- كشف الغمة:264/2.

و أصحابه في نحر الظهيرة فقال الحسين لأصحابه و فتيانه:اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا و سقوا القوم من الماء حتى ارووهم و اقبلوا يملؤون القصاع و الاتوار و الطساس من الماء،ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها،قال علي بن الطعان المحاربي:كنت آخر من جاء من أصحاب الحر فلما رأى الحسين ما بي و بفرسي من العطش قال:أنخ الرواية و الرواية عندي السقاء،ثم قال:يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته،فقال:اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء،فقال الحسين أخنث السقاء أي اعطفه.

قال:فجعلت لا أدري كيف أفعل،قال:فقام الحسين فخنثه فشربت و سقيت فرسي.

قال المؤلف:الاّ يجد الباحث في أمر الإمام بارواء ألف فارس و فرسه في هذا اليوم تعليلا لما أمر به فتيانه في سحر هذا اليوم ان يستقوا و انهم استقوا و أكثروا؟ الاّ يجوز أن يكون الإمام الحسين قد سمع من جده الرسول في هذا الشأن خاصة أنباء تلقاه الرسول عن علام الغيوب؟

قال الطبري و غيره:و كان مجيء الحر من القادسية،أرسله الحصين بن نمير في هذه الألف و ذلك أن عبيد اللّه بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين التميمي و كان على شرطه فأمره ان ينزل القادسية و يضع المسالح ما بين القطقطانة إلى خفان فأرسل الحصين الحر ليستقبل الحسين.

فلم يزل موافقا الحسين حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين مؤذنه بالاذان فأذن فخرج الحسين إليهم،فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس انها معذرة إلى اللّه عزّ و جلّ و إليكم أنى لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ان أقدم علينا فإنه ليس لنا امام لعل اللّه يجمعنا بك على الهدى فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فإن تعطوني ما اطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم و ان لم

ص: 105

تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين،انصرف عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم قال فسكتوا عنه و قالوا للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال الحسين عليه السّلام للحر:أتريد أن تصلي بأصحابك.قال:لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك قال:فصلى بهم الحسين ثم إنه دخل و اجتمع إليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه و عاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إلى القوم بوجهه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان و ان أنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا و كان رأيكم غير ما أتتني كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر بن يزيد انا و اللّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر؟

فقال الحسين يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلى فأخرج خرجين مملؤين صحفا فنثرها بين أيديهم.

فقال الحر:فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد اللّه ابن زياد فقال له الحسين:الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه:قوموا فاركبوا فركبوا و انتظروا حتى ركبت نساؤهم فقال لأصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال الحسين للحر:ثكلتك أمك،ما تريد؟

قال اما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل ان أقوله كائنا من كان و لكن و اللّه ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه،فقال له الحسين فما تريد؟

ص: 106

قال الحر:أريد و اللّه أن انطلق بك إلى عبيد اللّه بن زياد قال له الحسين:اذن و اللّه لا أتبعك.

فقال له الحر:اذن و اللّه لا أدعك،فترادا القول ثلاث مرات و لما كثر الكلام بينهما قال له الحر إني لم أومر بقتلك و إنما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة و لا تردك إلى المدينة تكون بيني و بينك نصفا حتى اكتب إلى ابن زياد و تكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد اللّه بن زياد إن شئت فلعل اللّه إلى ذاك ان يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك قال:فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و بينه و بين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا ثم إن الحسين سار في أصحابه و الحر يسايره.

و خطب الحسين أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد اللّه بالاثم و العدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله،ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفىء و أحلوا حرام اللّه و حرموا حلاله و أنا أحق من غير و قد اتتني كتبكم و قدمت على رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني و لا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم فلكم في أسوة و ان لم تفعلوا و نقضتم عهدكم و خلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر،لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم و المغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم و نصيبكم ضيعتم و من نكث فإنما ينكث على نفسه و سيغني اللّه عنكم و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

و خطب بذي حسم فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت جذاء فلم يبق منها

ص: 107

إلاّ صبابة كصبابة الاناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون ان الحق لا يعمل به و ان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإني لا أرى الموت إلا شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.

فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه:تكلمون أم أتكلم؟

قالوا:لا بل تكلم فحمد اللّه فأثنى عليه،ثم قال:قد سمعنا هداك اللّه يابن رسول اللّه مقالتك،و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين إلاّ ان فراقها في نصرك و مواساتك،لاثرنا الخروج معك على الإقامة فيها فدعا له الحسين ثم قال له خيرا، و أقبل الحر يسايره و هو يقول له يا حسين انى أذكرك اللّه في نفسك فإني اشهد لئن قاتلت لتقتلن و لئن قوتلت لتهلكن فيما أرى.

فقال له الحسين:أفبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني،ما أدري ما أقول لك و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و لقيه و هو يريد نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال له:أين تذهب فإنك مقتول!فقال:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما

و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا يغش و يرغما

فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه و كان يسير بأصحابه في ناحية و حسين في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات و كان بها هجائن النعمان ترعي هنالك فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل و معهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه و هو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري و شمري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر حتى تحلي بكريم النجر

الماجد الرح رحيب الصدر اتى به اللّه لخير أمر

ثمت أبقاه بقاء الدهر

قال:فلما انتهوا إلى الحسين انشدوه هذه الأبيات فقال اما و اللّه إني لأرجو أن

ص: 108

يكون خيرا ما أراد اللّه بنا قتلنا أم ظفرنا (1).

و أقبل إليهم الحر بن يزيد فقال إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك و انا حابسهم أو رادهم فقال له الحسين:لأمنعنهم مما امنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد كنت أعطيتني ان لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد فقال:أجل لكن لم يأتوا معك قال:هم أصحابي و هم بمنزلة من جاء معي فإن أتممت على ما كان بيني و بينك و إلا ناجزتك،فكف عنهم الحر،ثم قال لهم الحسين:أخبروني خير الناس وراءكم؟

فقال له مجمع بن عبد اللّه العائذي،و هو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه:اما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم،يستميل ودهم،و يستخلص به نصيحتهم،فهم ألب واحد عليك،و اما سائر الناس بعد فإن أفئدتهم تهوى إليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك،قال:أخبروني فهل لكم برسولي إليكم.

قالوا:من هو؟

قال:قيس بن مصهر الصيداوي،فقالوا:نعم اخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد ان يلعنك و يلعن أباك فصلى عليك و على أبيك و لعن ابن زياد و أباه و دعا إلى نصرتك،و أخبرهم بقدومك،فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر،فترقرقت عينا الحسين عليه السّلام و لم يملك دمعه ثم قال:منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا،اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا،و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب مذخور ثوابك.

ثم دنا الطرماح بن عدي من الحسين فقال له و اللّه إني لأنظر فما أرى معك أحدا و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة و فيه من الناس ما لم تر عيني في صعيد واحد4.

ص: 109


1- انظر كامل الزيارات:194.

جمعا أكثر منه فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين فأنشدك اللّه إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك اللّه به حتى ترى من رأيك و يستبين لك ما أنت صانع،فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أجأ امتنعنا و اللّه به من ملوك غسان و حمير و من النعمان بن المنذر و من الأسود و الأحمر،و اللّه ان دخل علينا ذل قط،فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ و سلمى من طيئ فو اللّه لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيئ رجالا و ركبانا ثم أقم فينا ما بدا لك فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم و اللّه لا يوصل إليك أبدا و منهم عين تطرف فقال له جزاك اللّه و قومك خيرا انه قد كان بيننا و بين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف و لا ندري على ما تنصرف بنا و بهم الأمور في عاقبة و مضى الحسين حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب فقال لمن هذا الفسطاط فقيل:لعبيد اللّه بن الحر الجعفي،قال:ادعوه لي و بعث إليه فلما إتاه الرسول.

قال:هذا الحسين بن علي يدعوك،فقال عبيد اللّه بن الحر إنا للّه و إنا إليه راجعون،و اللّه ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة ان يدخلها الحسين و انا بها،و اللّه ما أريد ان أراه و لا يراني،فأتاه الرسول فأخبره،فأخذ الحسين نعليه فانتعل،ثم قام فجاءه حتى دخل عليه،فسلم و جلس،ثم دعاه إلى الخروج معه،فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة فقال:فإلا تنصرنا فاتق اللّه أن تكون ممن يقاتلنا فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك،قال:اما هذا فلا يكون ذلك ابدا إن شاء اللّه،ثم قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.

قال المؤلف:لعل الباحث يجد بادئ ذي بدء تناقضا بين موقف الإمام ممن تجمع عليه في منزل زبالة يفرقهم من حوله،بين موقف الإمام هنا مع ابن الحر و قبله مع ابن القين و كذلك مع غيرهما حيث كان يدعوهم فرادى و جماعات إلى

ص: 110

نصرته،و لكنه إذا تدبر خطب الإمام و كلامه في كل مكان و مع أي إنسان كان، أدرك ان الإمام كان يبحث عن أنصار ينضمون تحت لوائه و يبايعونه على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و استنكار بيعة أئمة الضلالة أمثال يزيد على الحكم، أنصارا و اعين لأهداف قيامه،يقاومون الاغراء بالدنيا،يصارعون الحكم الغاشم حتى يقتلوا في سبيل ذلك!

إستقاء مرة أخرى

روى الطبري و غيره و اللفظ للطبري (1)عن عقبة بن سمعان،قال:لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثم أمرنا بالرحيل ففعلنا قال:فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل و سرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه و هو يقول:

إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،و الحمد للّه رب العالمين.

قال:ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.

قال:فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له،فقال:يا أبت جعلت فداك مم حمدت اللّه و استرجعت،قال:يا بني،إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس،فقال:القوم يسيرون و المنايا تسرى إليهم،فعلمت انها أنفسنا نعيت إلينا قال له:يا أبت،لا أراك اللّه سوء السنا على الحق؟

قال:بلى و الذي إليه مرجع العباد.

قال:يا أبت:إذا لا نبالي،نموت محقين،فقال له:جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده (2).

ص: 111


1- المصادر لا تزال هي التي ذكرناه في أول فصل"لقاء الإمام الحسين مع الحر".
2- معالم المدرستين للعسكري:61/3-75.

خطبة الإمام في البيضة

قال السيد محمد باقر القرشي:و لما انتهى موكب الإمام إلى«البيضة»ألقى عليه السّلام خطابا على الحر و أصحابه،و قد أدلى بدوافعه في الثورة على يزيد،و دعا القوم إلى نصرته و قد قال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:

«أيها الناس إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله،مخالفا لسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان،فلم يغير ما عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله».

إلا أن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن،و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود،و استأثروا بالفي،و أحلوا حرام الله،و حرموا حلاله،و أنا أحق ممن غيّر،و قد أتتني كتبكم،و قدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني،و لا تخذلوني،فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم و أنا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم،و لكم في أسوة،و ان لم تفعلوا،و نقضتم عهدكم،و خلعتم بيعتي،فلعمري ما هي لكم بنكر،لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم،فالمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم،و نصيبكم ضيعتم و من نكث فإنما ينكث على نفسه،و سيغني اللّه عنكم و السلام».

و حفل هذا الخطاب المشرق بكثير من النقاط المهمة،و هي:

أولا-إنه إنما أعلن الثورة على حكومة يزيد استجابة للواجب الديني الذي كان يقضي عليه،فإن الإسلام لا يقر السلطان الجائر،و يلزم بمناهضته،و من لم يستجب للجهاد يكون مشاركا لما يقترفه من الجور و الظلم.

ص: 112

ثانيا-إنه ندد بالأمويين،و شجب سياستهم القائمة على طاعة الشيطان، و معصية الرحمن،و إظهار الفساد،و تعطيل حدود الله،و الاستئثار بالفي،و تحليل الحرام،و تحريم الحلال.

ثالثا-إن الإمام أحق و أولى من غيره بالقيام بتغيير الأوضاع الراهنة التي تنذر بالخطر على الإسلام،فإنه عليه السّلام المسؤول الأول عن القيام بأعباء هذه المهمة.

رابعا-إنه عليه السّلام عرض لهم أنه إذا تقلد شؤون الحكم،فسيجعل نفسه مع أنفسهم، و أهله مع أهاليهم.من دون أن يكون له أي امتياز عليهم.

خامسا-إنهم إذا نكثوا بيعتهم،و نقضوا عهودهم التي أعطوها له فإنه ليس بغريب عليهم فقد غدروا من قبل بأبيه و أخيه و ابن عمه،و قد أخطؤوا بذلك حظهم، و حرموا نفوسهم السعادة.

لقد وضع الإمام بهذا الخطاب النقاط على الحروف.و فتح لهم منافذ النور، و دعاهم إلى الإصلاح الشامل الذي ينعمون في ظلاله.

و لما سمع الحر خطابه أقبل عليه فقال له:«إني أذكرك اللّه في نفسك،فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن»و انبرى الإمام قائلا له:

«أ بالموت تخوفني،و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني،و ما أدري ما أقول لك؟!! و لكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول اللّه أين تذهب فإنك مقتول؟

فقال له:

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيرا و جاهد مسلما و آسى الرجال الصالحين بنفسه و خالف مثبورا و فارق مجرما فإن عشت لم أندم و إن مت لم آلكفى بك ذلا أن تعيش و ترغما

و لما سمع الحر ذلك تنحى عنه و عرف أنه مصمم على الموت،و عازم على

ص: 113

التضحية في سبيل غايته الهادفة إلى الإصلاح الشامل (1).

التحاق جماعة من الكوفة بالامام

و لما انتهى الإمام إلى عذيب الهجانات و افاه أربعة أشخاص من أهل الكوفة جاؤوا إلى نصرته،و قد أقبلوا على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال،و لم يخرج أحد لاستقبال الحسين من أهل الكوفة سواهم و هم:

1-نافع بن هلال المرادي.

2-عمرو بن خالد الصيداوي.

3-سعد مولى عمرو بن خالد.

4-مجمع بن عبد اللّه العابدي من مذحج.

و أراد الحر منعهم من الالتحاق بالحسين،فصاح به الإمام:

«إذا أمنعهم بما أمنع فيه نفسي،إنما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد جعلت لي أن لا تعرض بي حتى يأتيك كتاب ابن زياد».

و كفّ الحر عنهم.فالتحقوا بالإمام فرحب بهم،و سألهم عن أهل الكوفة فقالوا له:

«أما الأشراف فقد عظمت رشوتهم،و ملئت غرائرهم ليستمال و دهم، و تستنزف نصايحهم،فهم عليك إلبا واحدا،و ما كتبوا إليك إلا ليجعلوك سوقا و مكسبا..و أما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك،و سيوفهم غدا مشهورة عليك».

و كشف هذا الحديث عن نقاط بالغة الأهمية و هي:

1-إن السلطة قد اشترت ضمائر الوجوه و الاشراف من أهل الكوفة بالأموال

ص: 114


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:54/3.

و أغرتهم بالجاه و النفوذ فصاروا إلبا واحدا مجمعين و متفقين على حرب الامام، و قد مهر الأمويون في هذه السياسة الماكرة فكانوا يستميلون الوجوه بكل الوسائل الممكنة.و أما الرعاع فيلهبون ظهورهم بالسياط.

2-إن أشراف أهل الكوفة انما كاتبوا الحسين بالقدوم إليهم لا إيمانا منهم بعدالة قضيته و باطل الأمويين و إنما كتبوا إليه ليكون سوقا و مسكبا للظفر بأموال بني أمية،فكانوا يعلنون لهم أنكم إن لم تغدقوا علينا بالأموال فسنكون من أنصار الحسين،فكانت كتبهم إليه وسيلة من وسائل الكسب.

3-إن سواد الناس كانت قلوبهم مع الحسين،و لكنهم منقادون لزعمائهم من دون أن تكون لهم أية إرادة أو اختيار على متابعة ما يؤمنون به،فكانوا جنود السلطة و أداتها الضاربة.

هذه بعض النقاط المهمة التي حفل بها كلام هؤلاء القوم،و قد دلت على دراستهم الوثيقة لشؤون مجتمعهم (1).3.

ص: 115


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:55/3.

مع الطرماح

و التحق الطرماح بالإمام في أثناء الطريق،و قد صحبه بعض الوقت و قد أقبل الإمام على أصحابه،فقال لهم:

«هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟».

فانبرى إليه الطرماح بن عدي الطائي فقال له:

«أنا أخبر الطريق»

«سر بين أيدينا»

و سار الطرماح يتقدم موكب العترة الطاهرة،و قد ساورته الهموم فجعل يحدو بالإبل بصوت حزين و هو يرتجز:

يا ناقتي لا تذعري من زجري و امضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان و خير سفر آل رسول اللّه أهل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر حتى تحلى بكريم النجر

بما جد الجد رحيب الصدر أتى به اللّه لخير أمر

عمره اللّه بقاء الدهر يا مالك النفع معا و الضر

امدد حسينا سيدي بالنصر على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر يزيد لا زال حليف الخمر

و العود و الصنج معا و الزمر و ابن زياد العهر و ابن العهر

و أسرعت الإبل في سيرها على نغمات هذا الشعر الحزين،و قد فاضت عيون

ص: 116

أصحاب الحسين و أهل بيته من الدموع،و هم يؤمنون على دعاء الطرماح للحسين بالنصر و التأييد،و حلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله:«و الرجز هنا- و لعله أول شعر كوفي يظهر فيه الحديث عن الحسين-يعتمد على البساطة في عرض الفكرة،فهو لا يعدو أن يكون صورة من تحية البدو و ترحيبهم بضيف عزيز قادم إليهم،و هم خارجون لاستقباله.فالراجز يحث ناقته على السير السريع لتحل برحاب هذا الضيف الذي يضفي عليه صفات المدح المألوفة عند البدو،و يخلع عليه ما يتمثله البدوي في الرجل من مثل و فضائل فهو عنده كريم الأصل،ماجد حر واسع الصدر...لأن هذا الضيف ليس شخصا عاديا،و إنما هو حفيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و مبعوث العناية الإلهية إليهم لأمر هو خير الأمور،ثم يختم هذه التحية البدوية بدعاء فطري ساذج،و لكنه معبر عما يحمله له في نفسه من محبة صادقة و إخلاص أكيد فيدعو أن يبقيه اللّه بقاء الدهر».

و قال الطرماح للإمام:«و اللّه إني لأنظر فما أرى معك أحدا،و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازمين لك مع الحر لكان ذلك بلاء فكيف و قد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة مملوءا رجالا فسألت عنهم فقيل ليوجهوا إلى الحسين،فناشدتك اللّه أن لا تقدم إليهم شبرا إلا فعلت».

و إلى أي مكان يرجع الإمام؟و أين يذهب؟و الأرض كلها تحت قبضة الأمويين، فلم يكن له بد من الاستمرار في سفره إلى العراق،و عرض له الطرماح أن يسير معه إلى جبل بني طي،و تعهد له بعشرين ألف طائي يقاتلون بين يديه،و لم يستجب الإمام لهذا الوعد الذي هو غير مضمون،و استأذن الطرماح من الإمام أن يمضي لأهله ليوصل إليهم الميرة و يعود إلى نصرته،فأذن له و انصرف إلى أهله،فمكث أياما ثم قفل راجعا إلى الإمام فلما وصل إلى عذيب الهجانات بلغه مقتل الإمام، فأخذ يبكي على ما فاته من شرف الشهادة مع ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

ص: 117

مع عبيد اللّه بن الحر

و اجتازت قافلة الإمام على قصر بني مقاتل،فنزل الإمام فيه و كان بالقرب منه بيت مضروب،و أمامه رمح قد غرس في الأرض يدل على بسالة صاحبه و شجاعته،و قباله فرس،فسأل الإمام عن صاحب البيت،فقيل له انه عبيد اللّه بن الحر،فأوفد للقياه الحجاج بن مسروق الجعفي فخف إليه،فبادره عبيد اللّه قائلا:

-ما وراؤك؟

-قد أهدى اللّه إليك كرامة.

-ما هي؟

-هذا الحسين بن علي يدعوك إلى نصرته،فإن قاتلت بين يديه أجرت،و ان مت فقد استشهدت.

-ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين و أنا فيها فلا أنصره لأنه ليس له فيها شيعة و لا أنصار إلا و قد مالوا إلى الدنيا إلا من عصم الله!!

و قفل الحجاج راجعا فأدى مقالته إلى الامام،و رأى عليه السّلام أن يقيم عليه الحجة و يجعله على بينة من أمره فانطلق إليه مع الصفوة الطيبة من أهل بيته و أصحابه، و استقبله عبيد اللّه استقبالا كريما،و احتفى به احتفاء بالغا،و قد غمرته هيبة الإمام، فراح يحدث عنها بعد ذلك يقول:

«ما رأيت قط أحسن من الحسين،و لا املأ للعين،و لا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي و الصبيان من حوله،و نظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب،فقلت له:أسواد أم خضاب؟

قال!يا بن الحر عجل علي الشيب فعرفت أنه خضاب».

ص: 118

و تعاطى الإمام معه الشؤون السياسية العامة،و الأوضاع الراهنة،ثم دعاه إلى نصرته قال له:

«يابن الحر إن أهل مصركم كتبوا إليّ أنهم مجتمعون على نصرتي و سألوني القدوم عليهم فقدمت،و ليس رأي القوم على ما زعموا فإنهم أعانوا على قتل ابن عمي مسلم و شيعته،و أجمعوا على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد...يابن الحر اعلم أن اللّه تعالى مؤاخذك بما كسبت من الذنوب في الأيام الخالية،و أنا أدعوك إلى توبة تغسل بها ما عليك من ذنوب..أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت».

و ألقى ابن الحر معاذيره الواهية فحرم نفسه السعادة و الفوز بنصرة سبط الرسول،قائلا:

«و اللّه إني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة،و لكن ما عسى أن أغني عنك،و لم أخلف لك بالكوفة ناصرا فأنشدك اللّه أن تحملني على هذه الخطة،فإن نفسي لا تسمح الموت،و لكن فرسي هذه«الملحقة»و اللّه ما طلبت عليها شيئا إلا لحقته،و لا طلبني أحد و أنا عليها إلا سبقته فهي لك».

و ما قيمة فرسه عند الإمام فرد عليه قائلا:

«ما جئناك لفرسك و سيفك؟إنما أتيناك لنسألك النصرة،فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك،و لم أكن بالذي أتخذ المضلين عضدا و إني أنصحك إن استطعت أن لا تسمع صراخنا و لا تشهد وقعتنا فافعل،فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد و لا ينصرنا إلا أكبه اللّه في نار جهنم».

فأطرق ابن الحر برأسه إلى الأرض و قال بصوت خافت حياء من الإمام.

«أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء اللّه تعالى».

و ما كان مثل ابن الحر و هو الذي اقترف الكثير من الجرائم ان يوفق إلى نصرة الإمام و يفوز بالشهادة بين يديه.

و قد ندم ابن الحر كأشد ما يكون الندم على ما فرط في أمر نفسه من ترك

ص: 119

نصرة ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أخذت تعاوده خلجات حادة من و خز الضمير، و نظم ذوب حشاه بأبيات سنذكرها عند البحث عن النادمين عن نصرة الحسين عليه السّلام.

مع عمرو بن قيس

و التقى الإمام في قصر بني مقاتل بعمرو بن قيس المشرفي،و كان معه ابن عم له،فسلم على الإمام و قال له:

«يا أبا عبد اللّه هذا الذي أرى خضابا؟

قال عليه السّلام:«خضاب،و الشيب إلينا بني هاشم أسرع و اعجل»و التفت عليه السّلام لهما فقال:

«جئتما لنصرتي؟».

«لا.إنا كثيرو العيال»و في أيدينا بضائع للناس،و لم ندر ما ذا يكون؟و نكره أن نضيع الأمانة».

و نصحهما الإمام فقال لهما:

«انطلقا فلا تسمعا لي واعية،و لا تريا لي سوادا فإنه من سمع و اعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا أو يغثنا كان حقا على اللّه تعالى أن يكبه على منخريه في النار».

و ارتحل الإمام من قصر بني مقاتل،و أخذت قافلته تقطع الصحارى الملتهبة، و تجتاز أغوارها في جهد و عناء،و تعاني لفحها الضارب كريح السموم (1).

ص: 120


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:60/3.

رسالة ابن زياد للحر

و تابعت قافلة الإمام عليه السّلام سيرها في البيداء،و هي تارة تتيامن و أخرى تتياسر، و جنود الحر يذودون الركب عن البادية،و يدفعونه تجاه الكوفة و الركب يمتنع عليهم،و إذا براكب يجذ في سيره و يطوي الرمال فلبثوا هنيئة ينتظرونه،و إذا هو رسول من ابن زياد إلى الحر،فسلم الخبيث على الحر،و لم يسلم على الحسين، و ناول الحر رسالة من ابن زياد جاء فيها:

«أما بعد:فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي،و يقدم عليك رسولي،فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء،و قد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام».

و استثنى ابن مرجانة ما عهد به إلى الحر من إلقاء القبض على الإمام و إرساله مخفورا إلى الكوفة،و لعله خاف من تطور الأحداث و انقلاب الأوضاع عليه،فرأى التحجير عليه في الصحراء بعيدا عن المدن لئلا يتجاوب أهلها إلى نصرته ليتم القضاء عليه بسهولة،و تلا الحر الكتاب على الإمام الحسين فأراد الإمام أن يستأنف سيره متجها صوب قرية أو ماء،فمنعهم الحر،و قال:لا أستطيع،فقد كانت نظرات الرقيب الوافد من ابن زياد تتابع الحر،و كان يسجل كل بادرة يخالف بها الحر أوامر ابن زياد...و انبرى زهير بن القين فقال للإمام:

«إنه لا يكون بعد ما ترون إلا ما هو أشد منه...يا بن رسول اللّه إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم،مما لا قبل لنا به».

ص: 121

فقال الحسين عليه السّلام:ما كنت لأبدأهم بقتال.

و تابع زهير حديثه قائلا:

«سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة-و هي على شاطى الفرات- فإن منعونا قاتلناهم،فقتالهم أهون علينا من قتال من يجي بعدهم».

و سأل الإمام عن اسم تلك الأرض؟

فقالوا له:إنها تسمى العقر،فتشاءم منها،و راح يقول:اللّهم إني أعوذ بك من العقر،و أصر الحر على الامام أن ينزل في ذلك المكان و لا يتجاوزه،و لم يجد الإمام بدا من النزول في ذلك المكان و ألقى ببصره عليه،و التفت إلى أصحابه فقال لهم:ما اسم هذا المكان؟

قالوا:كربلاء.

و دمعت عيناه و راح يقول:

«اللّهم إني أعوذ بك من الكرب و البلاء».

و طفق يحدث أصحابه و قد أيقن بنزول الرزء القاصم قائلا:

«هذا موضع كرب و بلاءها هنا مناخ ركابنا،و محط رحالنا و سفك دمائنا..».

و طافت به الذكريات،و قد مثل أمامه ذلك اليوم الذي تحدث فيه أبوه أمير المؤمنين و هو في هذه البقعة،و كان في طريقه إلى صفين،فقال:ههنا محط رحالهم،و مهراق دمائهم..

فسئل عن ذلك فقال عليه السّلام:نفر من آل محمد ينزلون ههنا و ذابت الدنيا في عين الإمام،و انقطع كل أمل له في الحياة،و أيقن أن أوصاله سوف تتقطع على صعيد هذه الأرض إلا أنه خلد إلى الصبر،و استسلم لقضاء اللّه و قدره.

و نهض الإمام بقوة و عزم مع أصحابه و أهل بيته إلى توطيد مخدرات الرسالة و عقائل الوحي،فنصبوا لهن الخيام و كانت خيم الأصحاب،و خيم أهل البيت، محيطة بها عن اليمين و الشمال،و أسرع فتيان بني هاشم فأنزلوا السيدات من

ص: 122

المحامل،و جاؤوا بهن إلى خيامهن،و قد استولى عليهن الرعب و الذعر،فقد أحسسن بالأخطار الهائلة التي ستجري عليهن في هذه الأرض (1).3.

ص: 123


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:61/3.

مع عبد اللّه بن مطيع

اشارة

مع عبد اللّه بن مطيع(1)

و في بعض المياه التقى بعبد اللّه بن مطيع العدوي فقال له:بأبي أنت و أمي يا ابن رسول اللّه ما أقدمك؟فأخبره الحسين بخبره فقال ابن مطيع:أذكرك اللّه يا ابن رسول اللّه و حرمة الإسلام ان تنتهك،أنشدك اللّه في حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،أنشدك اللّه في حرمة العرب،فو اللّه لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك:و لئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا ابدا،و اللّه انها لحرمة الإسلام تنتهك و حرمة قريش و حرمة العرب،فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض لبني أمية،فأبى إلاّ أن يمضي (2).

و في رواية،فقال الحسين:لن يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا،ثم ودعه و مضى (3). (4)

من رأى أن الحسين عليه السّلام لا يجوز فيه السلاح

خلافا لمن سبق ذكر رأيه كان عبد اللّه بن عمرو بن العاص من عصبة الخلافة من الصحابة يأمر الناس باتباع الإمام الحسين،قال الفرزدق بعد ذكره لقاءه للإمام

ص: 124


1- عبد اللّه بن مطيع بن الأسود العدوي المدني،له رؤية،و كان رأس قريش يوم الحرة و أمره ابن الزبير على الكوفة ثم قتل معه سنة ثلاث و سبعين اخرج حديثه البخاري و مسلم.تقريب التهذيب /2 452.
2- الطبري 224/6،و ارشاد المفيد ص 203،و أنساب الأشراف ص 155.
3- الاخبار الطوال للدينوري 246.
4- معالم المدرستين للعسكري:63/3.

الحسين:ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم و هيئته حسنة فاتيته فإذا هو لعبد اللّه بن عمرو بن العاص فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي،فقال لي:

ويلك فهلا اتبعته:فو اللّه سيملكن و لا تجوز السلاح فيه و لا في أصحابه.

قال:فهممت و اللّه أن ألحق به و وقع في قلبي مقالته ثم ذكرت الأنبياء و قتلهم فصدني ذلك عن اللحاق بهم.الحديث (1).

مع زهير بن القين

سار الإمام الحسين حتى نزل زرود فالتقى فيها بزهير بن القين-و كان عثمانيا (2)قال الراوي الذي كان مع زهير:اقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل فإذا سار الحسين تخلف زهير و إذا نزل تقدم،حتى نزلنا منزلا لم نجد بدا من أن ننازله فيه،فنزل الحسين في جانب و نزلنا في جانب،فبينا نحن جلوس نتغذى إذ أقبل رسول الحسين فسلم،و قال:يا زهير بن القين ان أبا عبد اللّه الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه،قال:فطرح كل إنسان ما في يده حتى كأننا على رؤوسنا الطير.

فقالت له زوجته:أيبعث إليك ابن رسول اللّه ثم لا تأتيه؟سبحان اللّه لو أتيته فسمعت من كلامه!فأتاه زهير بن القين،فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه و متاعه فحمل إلى الحسين،ثم قال لامرأته:أنت طالق!الحقي بأهلك،فإني لا أحب ان يصيبك من سببي إلاّ خير،ثم قال لأصحابه:من أحب منكم

ص: 125


1- الطبري 218/6-219.
2- في أنساب الأشراف ط.الأولى،1397 ص 168 و ص 167 و تاريخ ابن الأثير 17/4 انه كان عثمانيا و زرود في وسط رمال عالج كان منزلا للحاج العراقي.

أن يتبعني و الا فإنه آخر العهد.

و في رواية:من أحب منكم الشهادة فليقم و من كرهها فليتقدم إني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح اللّه علينا و أصبنا غنائم،فقال لنا سلمان الباهلي:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم و أصبتم من المغانم؟فقلنا:نعم.

فقال لنا:إذا أدركتم شباب آل محمد-و في رواية:سيد شباب أهل محمد (1)فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم فاما أنا فأستودعكم اللّه (2)فقالت له زوجته:خار اللّه لك و أسألك ان تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين عليه السّلام (3).8.

ص: 126


1- ابن الأثير 17/4.
2- نقلنا الرواية من الطبري 224/6-225،و سلمان المذكور في الخبر هو ابن ربيعة الباهلي أرسله الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان ففتح كورها صلحا و حربا و قتل خلف نهر بلنجر،فتوح البلدان ص 240-241،و راجع أسد الغابة ترجمته 225/2.
3- الأخبار الطوال ص 246-247،و أنساب الأشراف ص 168.

وصول خبر قتل مسلم و هانئ

اشارة

لما وصل الإمام إلى الثعلبية (1)أخبره أسديان عن صاحبهم أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و رآهما يجران في الأسواق بأرجلهما.

فقال الإمام:إنا للّه و إنا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما و ردد ذلك مرارا،فقالا:

ننشدك اللّه في نفسك و أهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن تكون عليك،فوثب عند ذلك بنو عقيل،و قالوا:لا و اللّه لا نبرح حتى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا.

فنظر الحسين إلى الأسديين و قال:لا خير في العيش بعد هؤلاء.

قالا:فعلمنا انه عزم له رأيه على المسير،فقلنا:خار اللّه لك،فقال:رحمكما اللّه (2).

رسولا ابن الأشعث و ابن سعد إلى الحسين عليه السلام

في تاريخ الإسلام للذهبي:ارسل ابن سعد رجلا على ناقة إلى الحسين يخبره

ص: 127


1- الثعلبية من منازل طريق الحاج من العراق مثير الأحزان ص 33،و اللهوف ص 27.
2- تاريخ الطبري 225/6،و ابن الأثير 17/4،و الدينوري ص 247 باختصار،و ابن كثير /8 168.

بقتل مسلم بن عقيل.

و في الاخبار الطوال:لما وافى زبالة و افاه بها رسول محمد بن الأشعث،و عمر بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره و خذلان أهل الكوفة إياه بعد ان بايعوه و قد كان مسلم سأل محمد بن الأشعث ذلك فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة الخبر (1).

و روى الطبري:إن محمد بن الأشعث ارسل اياس بن العثل الطائي،و قال له:

الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب و كتب فيه الذي أمره مسلم بن عقيل فاستقبله بزبالة و أخبره الخبر و بلغه الرسالة،فقال حسين:كل ما حم نازل و عند اللّه نحتسب أنفسنا و فساد أمتنا (2).6.

ص: 128


1- الدينوري في الاخبار الطوال ص 248 تاريخ الإسلام للذهبي 270/2 و 344،و زبالة منزل مشهور كان به حصن و جامع لبني أسد.
2- الطبري 211/6.

الإمام يخبر الناس بقتل مسلم و يحلهم عن بيعته

قال الطبري و غيره:كان الحسين لا يمر بأهل ماء إلاّ اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة و فيها جاءه خبر قتل ابن زياد،عبد اللّه بن يقطر و كان سرحه إلى أهل الكوفة فاخرج للناس كتابا فقرأه عليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد،فإنه قد أتانا خير فظيع قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و عبد اللّه بن يقطر و قد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام،فتفرق الناس عنه يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة و إنما فعل ذلك لأنه ظن إنما اتبعه الاعراب لأنهم ظنوا انه يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلاّ و هم يعلمون على ما يقدمون و قد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلاّ من يريد مواساته.

رجل من بني عكرمة

قال الراوي:فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء و أكثروا ثم سار حتى نزل ببطن العقبة (1).

و في هذا المكان لقيه رجل من بني عكرمة فسأله:أين تريد؟فحدثه الحسين

ص: 129


1- الطبري 226/6،و أنساب الأشراف ص 168 ابن كثير 168/8-169 و قد تخيرت لفظ الطبري في هذا الخبر و ما قبله إلاّ ما ذكرت مصدره و العقبة أيضا من منازل الطريق.

فقال له:إني أنشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه لا تقدم إلا على الأسنة و حد السيوف فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال و وطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذه الحال التي تذكرها فإني لا أرى لك ان تفعل،فقال له:يا عبد اللّه،انه ليس يخفى على،الرأي ما رأيت و لكن اللّه لا يغلب على أمره (1).

و في الاخبار الطوال:و أخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له-و في لفظه-فلا تتكلن على الذين كتبوا لك فإن أولئك أول الناس مبادرة إلى حربك-الحديث (2).

و في رواية ثم قال:و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي.

فإذا فعلوا سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم (3).

نذير آخر

و في تاريخ ابن عساكر و ابن كثير قال الراوي:رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض،فقلت:لمن هذه؟

قالوا:هذه لحسين قال:فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن و الدموع تسيل على خديه و لحيته،قلت:بأبي و أمي يا ابن رسول اللّه ما أنزلك هذه البلاد و الفلاة التي ليس بها أحد،فقال:هذه كتب أهل الكوفة إلى و لا أراهم إلاّ قاتلي،فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا للّه

ص: 130


1- الطبري 226/6،و ابن الأثير 17/3-18،و ابن كثير 168/8 و 171.
2- الاخبار الطوال ص 248.
3- ارشاد المفيد ص 206،و قد روى كلام الحسين هذا أيضا غيره و لم يذكروا أين خطب،مثل الطبري في 223/6،و ابن الأثير 16/3،و ابن كثير 169/8 و فى لفظهما"حتى يكونوا أذل من فرام الأمة"أو فرمة الأمة. و قال ابن الأثير بعده"و الفرام خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت"و طبقات ابن سعد ح-268.

حرمة إلاّ انتهكوها،فيسلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قدم الأمة- يعني مقنعتها (1).

و يبدو من مقارنة الروايات بعضها ببعض ان الإمام كان قد أخبر بأنهم سيقتلونه و يذلهم اللّه و يسلط عليهم،في محاورته مع ثلاثة اشخاص و في ثلاثة أماكن.

و كذلك كان يكرر التصريح بأمثال هذه الأقوال قال علي بن الحسين:خرجنا مع الحسين عليه السّلام فما نزل منزلا و لا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا و مقتله،و قال يوما:و من هوان الدنيا على اللّه ان رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل (2). (3)3.

ص: 131


1- تاريخ ابن عساكر ح-665،و تاريخ الإسلام للذهبي 345/2،تاريخ ابن كثير 169/8.
2- ارشاد المفيد ص 236،و إعلام الورى ص 218.
3- معالم المدرستين للعسكري:68/3.

انتهاء المسير و الوصول الى كربلاء

نزول ركب آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله أرض كربلاء

قال السيد مرتضى العسكري:قال:فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد ان يعرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده،فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين.

قال:فإذا راكب على نجيب له و عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر بن يزيد و أصحابه و لم يسلم على الحسين عليه السّلام و أصحابه فدفع إلى الحر كتابا من عبيد اللّه بن زياد فإذا فيه اما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي و يقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء و قد أمرت رسولي ان يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك امرى و السلام.

قال:فلما قرأ الكتاب،قال لهم الحر:هذا كتاب الأمير عبيد اللّه بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه،و هذا رسوله،و قد امره أن لا يفارقني حتى انفذ رأيه و أمره،فنظر إلى رسول عبيد اللّه،يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثم الهندي فعن له فقال:أمالك بن النسير البدي؟

قال:نعم،و كان أحد كندة،فقال له يزيد بن زياد:ثكلتك أمك!ماذا جئت فيه

ص: 132

قال:و ما جئت فيه أطعت امامي و وفيت ببيعتي،فقال له أبو الشعثاء:عصيت ربك و أطعت امامك في هلاك نفسك،كسبت العار و النار،قال اللّه عزّ و جلّ:"و جعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون"فهو إمامك.

قال:و اخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء و لا في قرية فقالوا دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية.يعنون الغاضرية أو هذه الأخرى يعنون شفية فقال لا و اللّه ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلى عينا فقال له زهير بن القين يابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به،فقال له الحسين ما كنت لأبدأهم بالقتال.

و في الأخبار الطوال بعده:فقال له زهير:فههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات،و هي في عاقول (1)حصينة،الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.

قال الحسين عليه السّلام:و ما اسم تلك القرية؟

قال:العقر.

قال الحسين عليه السّلام:نعوذ باللّه من العقر (2).

فقال الحسين للحر:سر بنا قليلا،ثم ننزل.

فسار معه حتى أتوا كربلاء،فوقف الحر و أصحابه أمام الحسين و منعوهم من المسير،و قال:انزل بهذا المكان،فالفرات منك قريب.

قال الحسين:و ما اسم هذا المكان (3)؟

قالوا له:كربلاء.9.

ص: 133


1- عاقول الوادي ما أعوج منه،و الأرض العاقول التي لا يهتدى إليها.
2- مكان قرب كربلاء من نواحي الكوفة.
3- روى هذه المحاورة الدينوري في الاخبار الطوال ص 252-253،و تاريخ الخميس 297/2، و مجمع الزوائد 192/9.

قال:ذات كرب و بلاء،و لقد مر أبى بهذا المكان عند مسيره إلى صفين،و أنا معه،فوقف،فسأل عنه،فأخبر باسمه،فقال:ههنا محط ركابهم،و هاهنا مهراق دمائهم"،فسئل عن ذلك،فقال:"ثقل لآل بيت محمد،ينزلون ههنا" (1).

و قبض قبضة منها فشمها و قال هذه و اللّه هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللّه انني أقتل فيها،أخبرتني أم سلمة،قالت:كان جبرئيل عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنت معي فبكيت.

فقال رسول اللّه دعى ابني،فتركتك فأخذك و وضعك في حجره.

فقال جبرئيل:أتحبه؟

قال:نعم،قال:فإن أمتك ستقتله،و ان شئت أريتك تربة أرضه التي يقتل فيها، قال:نعم فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء فأراه إياها (2).

و في رواية:لما أحيط بالحسين بن علي،قال:ما اسم هذه الأرض؟قيل:

كربلاء.

فقال:صدق النبي صلّى اللّه عليه و اله انها أرض كرب و بلاء (3).

قال المؤرخون:ثم أمر بأثقاله فحطت بذلك المكان يوم الأربعاء غرة محرم سنة 61 ه (4).

أو يوم الخميس الثاني من المحرم (5).0.

ص: 134


1- المصدر السابق.
2- أوردتها بلفظ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة 142.
3- ترجمة الحسين بمعجم الطبراني ح-46،و كنز العمال 26-266،و مجمع الزوائد 192/9 ذيل الرواية التي أوردناها آنفا بلفظ سبط ابن الجوزي.
4- الدينوري في الاخبار الطوال ص 253.
5- الطبري 232/6،و ابن كثير 174/8،و أنساب الأشراف للبلاذري ص 176،و ارشاد المفيد ص 210.

و لما نزل كربلاء كتب إلى ابن الحنفية و جماعة من بني هاشم:اما بعد:فكأن الدنيا لم تكن،و كأن الآخرة لم تزل (1). (2).3.

ص: 135


1- كامل الزيارة لابن قولويه ص 75 باب 23. و قد استفاد بعد الإمام الحسين الحسن البصري منه و كتب به إلى عمر بن عبد العزيز كما يبدو،و راجع الأغاني ط.ساسى 105/8.
2- معالم المدرستين للعسكري:78/3.

قدوم عمر بن سعد على الحسين عليه السلام

قال الطبري و غيره و اللفظ للطبري (1):

فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف،قال و كان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السّلام ان عبيد اللّه ابن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبي و كانت الديلم قد خرجوا إليها و غلبوا عليها فكتب إليه ابن زياد عهده على الري و أمره بالخروج فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين فلما كان من أمر الحسين ما كان و أقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا و بينه سرت إلى عملك فقال له عمر بن سعد:إن رأيت رحمك اللّه ان تعفيني فافعل،فقال له عبيد اللّه:نعم،على أن ترد لنا عهدنا فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد:امهلني اليوم حتى انظر فانصرف عمر يستشير نصحاءه،فلم يكن يستشير أحدا إلاّ نهاه و جاء حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن أخته،فقال:أنشدك اللّه يا خال ان تسير إلى الحسين

ص: 136


1- رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل"لقاء الإمام الحسين مع الحر"و ما كان من غيرها،صرحنا به في الهامش،و هي تاريخ الطبري 232/6-270،و ابن الأثير 19-38،و ابن كثير 172/8-198،و الدينوري في الاخبار الطوال ص 253-261،و هو يوجز الاخبار و أنساب الأشراف للبلاذري ص 176-227،و سياقه غير سياق الطبري،و ارشاد المفيد 210-236، و إعلام الورى 231-250. و ما تفرد به أحدهم صرحنا به و كذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.

فتأثم بربك،و تقطع رحمك،فو اللّه لان تخرج من دنياك و مالك و سلطان الأرض كلها لو كان ذلك خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين،فقال له عمر بن سعد:فإني افعل إن شاء اللّه.

و روى عن عبد اللّه بن يسار الجهني قال:دخلت على عمر بن سعد و قد أمر بالمسير إلى الحسين فقال لي:إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين،فأبيت ذلك عليه فقلت له:أصاب اللّه بك،أرشدك اللّه،أجل فلا تفعل،و لا تسر إليه،قال:

فخرجت من عنده فأتاني آت و قال:هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين، قال:فأتيته فإذا هو جالس،فلما رآني اعرض بوجهه،فعرفت انه قد عزم على المسير إليه،فخرجت من عنده.

و روى الطبري و قال:فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد،فقال:أصلحك اللّه انك وليتني هذا العمل و كتبت لي العهد و سمع به الناس فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل، و ابعث إلى الحسين في هذا الجيش من اشراف الكوفة من لست بأغنى و لا أجزأ عنك في الحرب منه،فسمى له أناسا فقال له ابن زياد:لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة،و لست أستأمرك فيمن أريد ان ابعث،ان سرت بجندنا و الا فابعث إلينا بعهدنا،فلما رآه قد لج،قال:فإني سائر،قال:فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى (1).3.

ص: 137


1- معالم المدرستين للعسكري:80/3.

بين ابن سعد و الحسين عليه السلام

قال:فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام عزرة بن قيس الأحمسي،فقال:ائته فسله ما الذي جاء به،و ما ذا يريد،و كان عزرة ممن كتب إلى الحسين،فاستحيا منه ان يأتيه،قال:فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى و كرهه،قال:

و قام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي،و كان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شيء، فقال:انا اذهب إليه،و اللّه لان شئت لأفتكن به،فقال له عمر بن سعد:ما أريد ان يفتك به،و لكن ائته فسله ما الذي جاء به،فأقبل إليه فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين:أصلحك اللّه أبا عبد اللّه قد جاءك شر أهل الأرض و أجرأه على دم و أفتكه، فقام إليه،فقال:ضع سيفك:قال:لا و اللّه و لا كرامة،إنما انا رسول فإن سمعتم مني أبلغتكم ما أرسلت به إليكم،و إن أبيتم انصرفت عنكم،فقال له:فإني آخذ بقائم سيفك،ثم تكلم بحاجتك،قال:لا و اللّه لا تمسه!فقال له:أخبرني ما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك تدنو منه،فإنك فاجر!قال:فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر:فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له:ويحك يا قرة!الق حسينا،فسله ما جاء به،و ماذا يريد.

قال:فأتاه قرة بن قيس فلما رآه الحسين مقبلا،قال:أ تعرفون هذا؟

فقال حبيب بن مظاهر:نعم!هذا رجل من حنظلة تميمي و هو ابن أختنا،و لقد كنت اعرفه بحسن الرأي،و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد!قال:فجاء حتى سلم على الحسين،و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه،فقال له الحسين:كتب إلي أهل مصركم هذا ان أقدم فأما إذ كرهوني فأنا انصرف عنهم.

ص: 138

قال:ثم قال له حبيب بن مظاهر:ويحك!يا قرة بن قيس،أنى ترجع إلى القوم الظالمين!انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك اللّه بالكرامة و إيانا معك!فقال له قرة:

ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي،قال:فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر،فقال له عمر بن سعد:انى لأرجو ان يعافيني اللّه من حربه و قتاله.

ص: 139

مكاتبة ابن سعد و ابن زياد

قال:كتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:بسم اللّه الرحمان الرحيم،اما بعد،فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما اقامه و ماذا يطلب و يسأل،فقال:كتب إلى أهل هذه البلاد و اتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال:

ألآن إذ عقلت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص

و كتب إلى عمر بن سعد:بسم اللّه الرحمان الرحيم،اما بعد،فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين ان يبايع ليزيد بن معاوية هو و جميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا و السلام.

قال فلما اتى عمر بن سعد الكتاب،قال:قد حسبت ان لا يقبل ابن زياد العافية.

ص: 140

ابن زياد يأمر بالنفير العام

اشارة

و روى البلاذري في أنساب الأشراف و قال:لما سرح ابن زياد عمر بن سعد، أمر الناس فعسكروا بالنخيلة،و أمر أن لا يتخلف أحد منهم،و صعد المنبر فقرض معاوية و ذكر إحسانه و ادراره الأعطيات و عنايته بأهل الثغور،و ذكر اجتماع الألفة به و على يده،و قال:إن يزيد ابنه المتقيل له (1)السالك لمناهجه المحتذي لمثاله،و قد زادكم مائة مائة في أعطيتكم،فلا يبقين رجل من العرفاء و المناكب و التجار و السكان إلاّ خرج فعسكر معي،فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة.

ثم خرج ابن زياد فعسكر و بعث إلى الحصين بن تميم و كان بالقادسية في أربعة آلاف،فقدم النخيلة في جميع من معه.

ثم دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي و محمد بن الأشعث بن قيس و القعقاع ابن سويد بن عبد الرحمان المنقري و أسماء بن خارجة الفزاري و قال:طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة و الاستقامة،و خوفوهم عواقب الأمور و الفتنة و المعصية، و حثوهم على العسكرة[كذا]فخرجوا فعزروا و داروا بالكوفة.

ثم لحقوا به غير كثير بن شهاب،فإنه كان مبالغا يدور بالكوفة يأمر الناس بالجماعة،و يحذرهم الفتنة و الفرقة و يخذل عن الحسين!!!و سرح ابن زياد أيضا حصين بن تميم في الأربعة الآلاف الذين كانوا معه إلى الحسين بعد شخوص عمر

ص: 141


1- أي المشبه له المتخلق بأخلاقه و سجيته.

ابن سعد بيوم أو يومين.

و وجه أيضا إلى الحسين حجار بن أبجر العجلي في ألف.

و تمارض شبث بن ربعي فبعث إليه فدعاه و عزم عليه أن يشخص إلى الحسين في ألف ففعل.

و كان الرجل يبعث في ألف فلا يصل إلا في ثلاث مئة و أربع مئة و أقل من ذلك كراهة منهم لهذا الوجه.

و وجه أيضا يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم في ألف أو أقل.

ثم إن ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث،و أمر القعقاع بن سويد بن عبد الرحمان بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلا من همدان قد قدم يطلب ميراثا له بالكوفة،فأتى به ابن زياد فقتله،فلم يبق بالكوفة محتلم إلاّ خرج إلى العسكر بالنخيلة.

ثم جعل ابن زياد يرسل العشرين و الثلاثين و الخمسين إلى المئة،غدوة و ضحوة و نصف النهار و عشية من النخيلة يمد بهم عمر بن سعد.

ذكر ابن نما في مثير الأحزان:إن عددهم بلغ لست خلون من المحرم عشرين ألفا (1).

و روى البلاذري في أنساب الأشراف و قال:و وضع ابن زياد المناظر على الكوفة (2)لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لان يلحق الحسين مغيثا له،و رتبء.

ص: 142


1- المناظر:جمع المنظرة:القوم يصعدون إلى أعلى الأماكن ينظرون و يراقبون ما ارتفع من الأرض أو البناء.
2- المناظر:جمع المنظرة:القوم يصعدون إلى أعلى الأماكن ينظرون و يراقبون ما ارتفع من الأرض أو البناء.

المسالح حولها (1)و جعل على حرس الكوفة زحر بن قيس الجعفي.

و رتب بينه و بين عسكر عمر بن سعد خيلا مضمرة مقدحة (2)فكان خبر ما قبله يأتيه في كل وقت (3). (4).

منع الماء عن عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله

روى الطبري عن حميد بن مسلم الأزدي قال جاء من عبيد اللّه بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد:اما بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان.

قال:فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال:و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين!ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء!و اللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا،فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا!

قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر ثم يقىء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه.

ص: 143


1- المسالح:جمع المسلحة:المرقب أو قوم ذوو السلاح يحرسون و يراقبون.
2- مقدحة من قولهم:"قدح الفرس":ضمره. أي صيره هزالا خفيف اللحم كي يكون عند الجري سريعا يسبق أقرانه إلى الهدف.
3- الرواية الأولى و الثانية في أنساب الأشراف ح-33 بترجمة الحسين.
4- معالم المدرستين للعسكري:83/3.

معركة على الماء

قال:و لما اشتد على الحسين و أصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معهم بعشرين قربة فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا و استقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي،فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي:من الرجل؟فجئ ما جاء بك قال:جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه،قال:فاشرب هنيئا،قال:لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان و من ترى من أصحابه،فطلعوا عليه،فقال:لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء،فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله:

املؤوا قربكم فشد الرجالة فملأوا قربهم و ثار إليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي و نافع بن هلال فكفوهم،ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا:امضوا و وقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه و اطردوا قليلا،ثم إن رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج،طعنه نافع بن هلال فظن أنها ليست بشيء ثم إنها انتفضت بعد ذلك،فمات منها و جاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه.

ص: 144

اعذار الإمام قبل القتال

و روي عن هانئ بن ثبيت الحضرمي و كان قد شهد قتل الحسين،قال:بعث الحسين عليه السّلام إلى عمر بن سعد عمرو بن قرضة بن كعب الأنصاري ان القني الليل بين عسكري و عسكرك قال:فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا و أقبل حسين في مثل ذلك فلما التقوا أمر حسين أصحابه ان يتنحوا عنه و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك،قال:فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما،و لا كلامهما،فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع،ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه،و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه أن حسينا قال لعمر بن سعد:اخرج معي إلى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين قال عمر:إذن تهدم داري قال:أنا أبنيها لك.قال:اذن تؤخذ ضياعي،قال:اذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز قال:فتكرّه ذلك عمر،قال:فتحدث الناس بذلك و شاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه.

و روى عن عقبة بن سمعان قال:صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة و من مكة إلى العراق و لم أفارقه حتى قتل و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها،ألا و اللّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية و لا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين و لكنه قال:دعوني لأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.

و روى عن أبي مخنف عن رجاله:أنهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا حسين

ص: 145

و عمر بن سعد قال:فكتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فإن اللّه قد اطفأ النائرة،و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة،هذا حسين قد أعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن نسيره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو ان يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه،و في هذا لكم رضى و للأمة صلاح،قال:فلما قرأ عبيد اللّه الكتاب قال:هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه نعم قد قبلت قال:فقام إليه شمر بن ذي الجوشن،فقال:أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك إلى جنبك،و اللّه لئن رحل من بلدك،و لم يضع يده في يدك،ليكونن أولى بالقوة و العز، و لتكونن أولى بالضعف و العجز،فلا تعطه هذه المنزلة،فإنها من الوهن،و لكن لينزل على حكمك،هو و أصحابه،فإن عاقبت فأنت ولى العقوبة و ان غفرت كان ذلك لك،و اللّه لقد بلغني أن حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل.

فقال له ابن زياد:نعم ما رأيت،الرأي رأيك (1).3.

ص: 146


1- معالم المدرستين للعسكري:86/3.

ابن زياد يمنع الإمام من الرجوع

قال:ثم إن عبيد اللّه بن زياد دعا شمر بن ذي الجوش فقال له:اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد،فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما،و ان هم أبوا فليقاتلهم،فإن فعل فاسمع له و أطع،و ان هو أبى فقاتلهم،فأنت أمير الناس و ثب عليه فاضرب عنقه،و ابعث إلى برأسه.

قال:ثم كتب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد:اما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء،و لا لتقعد له عندي شافعا، انظر،فإن نزل حسين و أصحابه على الحكم،و استسلموا،فابعث بهم إلي سلما و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم،و تمثل بهم،فإنهم لذلك مستحقون،فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره،فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم،و ليس دهري في هذا ان يضر بعد الموت شيئا و لكن علي قول:لو قد قتلته فعلت هذا به!إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع،و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر،فإنا قد أمرناه بأمرنا و السلام.

ص: 147

أمان ابن زياد للعباس و اخوته

قال:لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب،قام هو و عبد اللّه بن أبي المحل، و كانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السّلام فولدت له العباس و عبد اللّه و جعفرا و عثمان،فقال عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب:أصلح اللّه الأمير ان بني أختنا مع الحسين، فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا،فعلت.

قال:نعم،و نعمة عين،فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا فبعث به عبد اللّه بن أبي المحل مع مولى له يقال له:كزمان،فلما قدم عليهم دعاهم فقال:هذا أمان بعث به خالكم.

فقال له الفتية:أقرئ خالنا الإسلام،و قل له:إن لا حاجة لنا في أمانكم،أمان اللّه خير من أمان بن سمية.

قال:فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد، فلما قدم به عليه،فقرأه،قال له عمر،مالك!ويلك لا قرب اللّه دارك،و قبح اللّه ما قدمت به علي،و اللّه إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه،أفسدت علينا أمرا كنا رجونا أن يصلح،لا يستسلم و اللّه حسين،إن نفسا أبية لبين جنبيه،فقال له شمر:أخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك و تقتل عدوه؟و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر قال:لا!و لا كرامة لك،و انا أتولى ذلك،قال:فدونك و كن أنت على الرجال.

قال:و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال أين بنو أختنا؟فخرج

ص: 148

إليه العباس و جعفر و عثمان بنو علي فقالوا له:مالك و ما تريد؟

قال:أنتم يا بني أختي آمنون،قال له الفتية:لعنك اللّه و لعن أمانك،لئن كنت خالنا أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له (1).7.

ص: 149


1- معالم المدرستين للعسكري:76/3-87.

موضع الخيام

قال القرشي:و نصبت خيام أهل البيت عليهم السّلام في البقعة الطاهرة التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم يقول السيد هبة الدين الشهرستاني:«و أقام الإمام في بقعة بعيدة عن الماء تحيط بها سلسلة ممدودة،و ربوات تبدأ من الشمال الشرقي متصلة بموضع باب السدرة في الشمال،و هكذا إلى موضع الباب الزينبي إلى جهة الغرب،ثم تنزل إلى موضع الباب القبلي من جهة الجنوب و كانت هذه التلال المتقاربة تشكل للناظرين نصف دائرة،و في هذه الدائرة الهلالية حوصر ريحانة الرسول صلّى اللّه عليه و اله».

و نفى صديقنا الاستاذ السيد محمد حسن الكليدار أن يكون الموضع المعروف بمخيم الحسين هو الموضع الذي حط فيه الإمام اثقاله،و إنما يقع المخيم بمكان ناء بالقرب من المستشفى الحسيني،مستندا في ذلك إلى أن التخطيط العسكري المتبع في تلك العصور يقضي بالفصل بين القوى المتحاربة بما يقرب من ميلين،و ذلك لما تحتاجه العمليات الحربية من جولان الخيل و غيرها من مسافة،كما أن نصب الخيام لا بد أن يكون بعيدا عن رمي السهام و النبال المتبادلة بين المحاربين و استند أيضا إلى بعض الشواهد التأريخية التي تؤيد ما ذهب إليه.

و أكبر الظن ان المخيم إنما هو في موضعه الحالي،أو يبعد عنه بقليل و ذلك لأن الجيش الأموي المكثف الذي زحف لحرب الإمام لم يكن قباله إلا معسكر صغير عبر عنه الحسين بالأسرة،فلم تكن القوى العسكرية متكافئة في العدد حتى يفصل بينها بميلين أو أكثر..

ص: 150

لقد أحاط الجيش الأموي بمعسكر الإمام حتى إنه لما أطلق ابن سعد السهم الذي أنذر به بداية القتال،و أطلق الرماة من جيشه سهامهم لم يبق أحد من معسكر الإمام إلا أصابه سهم حتى اخترقت السهام بعض أزر النساء،و لو كانت المسافة بعيدة لما أصيبت نساء أهل البيت بسهامهم.و مما يدعم ما ذكرناه أن الإمام الحسين عليه السّلام لما خطب في الجيش الأموي سمعت نساؤه خطابه فارتفعت أصواتهن بالبكاء،و لو كانت المسافة بعيدة لما انتهى خطابه إليهن،و هناك كثير من البوادر التي تدل على أن المخيم في وضعه الحالي.

ص: 151

في كربلاء

و أقام موكب العترة الطاهرة في كربلاء يوم الخميس المصادف اليوم الثاني من المحرم سنة(61 ه)و قد خيم الرعب على أهل البيت،و أيقنوا بنزول الرزء القاصم،و علم الإمام مغبة الأمر،و تجلت له الخطوب المفزعة،و الأحداث الرهيبة التي سيعانيها على صعيد كربلاء،و يقول المؤرخون:إنه جمع أهل بيته و أصحابه فألقى عليهم نظرة حنان و عطف و أيقن أنهم عن قريب سوف تنقطع أوصالهم، فأغرق في البكاء.و رفع يديه بالدعاء يناجي ربه،و يشكو إليه ما ألمّ به من عظيم الرزايا و الخطوب قائلا:

«اللّهم:انا عترة نبيك محمد صلّى اللّه عليه و اله قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا،و تعدت بنو أمية علينا اللّهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا على القوم الظالمين».

ثم أقبل على أولئك الأبطال فقال لهم:

«الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء،قلّ الديانون».

يا لها من كلمات مشرفة حكت واقع الناس في جميع مراحل التأريخ فهم عبيد الدنيا في كل زمان و مكان،و اما الدين فلا ظل له في أعماق نفوسهم،فإذا دهمتهم عاصفة من البلاء تنكروا له و ابتعدوا منه...نعم ان الدين بجوهره إنما هو عند الإمام الحسين و عند الصفوة من أهل بيته و أصحابه قد امتزج بمشاعرهم،و تفاعل مع عواطفهم فانبروا إلى ساحات الموت ليرفعوا شأنه،و قد أعطوا بتضحيتهم دروسا لأجيال الدنيا في الولاء الباهر للدين.

ص: 152

و بعد حمد اللّه و الثناء عليه خاطب أصحابه قائلا:

«أما بعد:فقد نزل بنا ما قد ترون...و ان الدنيا قد تغيرت،و تنكرت و أدبر معروفها، و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء،و خسيس عيش كالمرعى الوبيل.ألا ترون إلى الحق لا يعمل به،و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله،فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما».

لقد أدلى بهذا الخطاب عما نزل به من المحن و البلوى،و أعلمهم أن الظروف مهما تلبدت بالمشاكل و الخطوب فإنه لا ينثني عن عزمه الجبار لإقامة الحق الذي خلص له.و قد وجه عليه السّلام هذا الخطاب لأصحابه لا ليستدر عواطفهم،و لا ليستجلب نصرهم،فماذا يغنون عنه بعد ما أحاطت به القوى المكثفة التي ملأت البيداء،و انما قال ذلك ليشاركونه المسؤولية في إقامة الحق الذي آمن به و اختاره قاعدة صلبة لنهضته الخالدة و قد جعل الموت في هذا السبيل هو الأمل الباسم في حياته الذي لا يضارعه أي أمل آخر.

و لما أنهى خطابه هبّ أصحابه جميعا،و هم يضربون أروع الأمثلة للتضحية و الفداء من أجل العدل و الحق...و كان أول من تكلم من أصحابه زهير بن القين و هو من أفذاذ الدنيا فقد قال:

«سمعنا يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مقالتك،و لو كانت الدنيا لنا باقية،و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها».

و مثلت هذه الكلمات شرف الإنسان و انطلاقه في سبيل الخير،و بلغ كلام زهير في نفوس الأنصار أقصى الرضا،و حكى ما صمموا عليه من الولاء للإمام و التفاني في سبيله..و انبرى بطل آخر من أصحاب الإمام و هو برير الذي ارخص حياته في سبيل اللّه فخاطب الامام:

«يابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك،و تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة».

ص: 153

لقد أيقن برير أن نصرته للإمام فضل من الله عليه،ليفوز بشفاعة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله..و قام نافع و هو يقرر نفس المصير الذي اختاره الأبطال من إخوانه قائلا:

«أنت تعلم أن جدك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يقدر أن يشرب الناس محبته،و لا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب،و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر،و يضمرون له الغدر يلقونه بأحلى من العسل،و يخلفونه بأمر من الحنظل،حتى قبضه اللّه إليه، و إن أباك عليا كان في مثل ذلك فقوم قد أجمعوا على نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة اللّه و رضوانه.و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة،فمن نكث عهده،و خلع بيعته فلن يضر إلا نفسه و اللّه مغن عنه فسر بنا راشدا معافى،مشرقا إن شئت أو مغربا،فو اللّه ما أشفقنا من قدر الله، و لا كرهنا لقاء ربنا،و إنا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك».

و تكلم أكثر أصحاب الإمام بمثل هذا الكلام،و قد شكرهم الإمام على هذا الإخلاص و التفاني في سبيل الله (1).3.

ص: 154


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:65/3.

انتظار الأسدي للإمام

و التحق بالإمام فور قدومه إلى كربلاء رجل من بني أسد أهمل المؤرخون اسمه،و قد حكى قصته العريان بن الهيثم قال:كان أبي ينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه واقعة الطف،و كنا لا نجتاز في ذلك المكان إلا وجدنا رجلا من بني أسد مقيما هناك،فقال له أبي:إني أراك ملازما هذا المكان؟

فقال له:بلغني أن حسينا يقتل ههنا،فإنما أخرج لعلي أصادفه فأقتل معه،و لما قتل الحسين قال أبي:انطلق معي لننظر إلى الأسدي هل قتل؟فأتينا المعركة و طفنا في القتلى فرأينا الأسدي معهم لقد فاز بالشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و نال أسمى المراتب،فكان في أعلى عليين مع النبيين و الصديقين و الشهداء و حسن أولئك رفيقا.

رسالة الإمام لابن الحنفية

و رفع الإمام عليه السّلام رسالة من كربلاء إلى أخيه محمد ابن الحنفية و سائر ابن هاشم،نعى فيها نفسه،و اعرب عن دنو الأجل المحتوم منه هذا نصها:«أما بعد:

فكأن الدنيا لم تكن و كأن الآخرة لم تزل و السلام»و هذه أوجز رسالة تكتب في مثل هذه المحن الشاقة التي تعصف بالصبر.

ص: 155

مع هرثمة بن سلمى

و التحق هرثمة بن سلمى بمعسكر ابن زياد،و لما انتهى إلى كربلاء تذكر حديثا مضت عليه حفنة من السنين فنساه فقد كان مع الإمام أمير المؤمنين في غزوة له، و قد مر على كربلاء فنزل إلى شجرة،و صلّى تحت ظلالها،فلما فرغ من صلاته أخذ قبضة من تلك الأرض و شمها و أخذ يقول:

«واها لك من تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب!!»

و مضى هرثمة إلى الحسين مسرعا فحدثه بما سمعه من أبيه،فقال عليه السّلام له:

«معنا أو علينا؟»

«لا معك و لا عليك،تركت عيالا».

و ساق له الإمام نصيحته فأمره بمغادرة كربلاء لئلا يشهد واعية أهل البيت قائلا له:

«ولّ في الأرض فو الذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم».

و انهزم هرثمة من كربلاء حتى وافته الأنباء بمقتل الإمام و قد حرم من الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

التحاق أنس بن الحرث بالإمام

و التحق الصحابي الجليل أنس بن الحرث بالإمام،و قد حدث الإمام بما سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله انه قال:«إن ابني هذا-يعني الحسين-يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهده منكم فلينصره»،و ظل أنس ملازما للإمام حتى رزق الشهادة بين يديه.

ص: 156

رسالة ابن زياد للحسين

و لما علم ابن مرجانة أن الحر قد حاصر الحسين في كربلاء،بعث إليه رسالة دلت على مدى طيشه و غروره،و هذا نصها:

«أما بعد:يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء،و قد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير و لا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو تنزل على حكمي و حكم يزيد..».

أنت يا بن مرجانة و سيدك يزيد خليقان بأن لا تشبعا من الخمر و خليقان بأن تقترفا كل منكر في الإسلام.

و لما قرأ الإمام رسالة ابن مرجانة رماها من يده استهانة به و احتقارا لهذا الإنسان الممسوخ و راح يقول:

«لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق».

و طالبه الرسول بجواب يرجع به إلى ابن زياد فقال عليه السّلام:

«ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب».

و قفل الرسول راجعا فأخبر ابن مرجانة بمقالة الإمام فاستشاط غضبا و أخذ يتهيأ للحرب و يزج بجميع ما لديه من القوى العسكرية لحرب ريحانة رسول الله صلّى اللّه عليه و اله (1).

ص: 157


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:62/3-67.

يوم عاشوراء

اشارة

الحسين عليه السّلام يوم العاشر

روي عن عليّ بن الحسين زين العابدين أنّه قال:لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين رفع يديه و قال:اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب،و أنت رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة،كم من همّ يضعف فيه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت فيه العدوّ أنزلته بك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته عنّي و كشفته فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة (1).

و قال أبو جعفر الطبري في التاريخ:قال أبو مخنف:حدّثني عبد اللّه بن عاصم قال:حدّثني الضحّاك المشرقي،لمّا دنا منه-يعني من أبي عبد اللّه أحد سيّدي شباب أهل الجنة الحسين بن عليّ في واقعة الطف-القوم دعا براحلته فركبها ثمّ نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جلّ النّاس:

أيّها النّاس اسمعوا قولي و لا تعجلوني حتى أعظكم بما لحقّ لكم عليّ و حتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري و صدّقتم قولي و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد،و لم يكن لكم عليّ سبيل،و إن لم تقبلوا منّي العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم

ص: 158


1- مستدرك الوسائل:112/11 ح 12558.

إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ (1) .

قال:فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن و بكين و بكى بناته فارتفعت أصواتهنّ فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن عليّ و عليّا ابنه،و قال لهما:اسكتاهنّ فلعمري ليكثرنّ بكاءهنّ.

قال:فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ قال:لا يبعد ابن عبّاس،قال:فظنّنا أنّه إنما قالها حين سمع بكاؤهنّ لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ،فلمّا سكتن حمد اللّه و أثنى عليه و ذكر الله بما هو أهله و صلّى على محمد و على ملائكته و أنبيائه و ذكر من ذلك ما اللّه أعلم و ما لا يحصى ذكره،قال:فو اللّه ما سمعت متكلّما قطّ قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه،ثمّ قال:

أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟

ألست ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أوّل المؤمنين بالله و المصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟أو ليس حمزة سيّد الشّهداء عمّ أبي؟أو ليس جعفر الشّهيد الطّيار ذو الجناحين عمّي؟أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أنّ رسول الله قال لي و لأخي:هذان سيّدا شباب أهل الجنّة فإن صدّقتموني بما أقول و هو الحقّ، و اللّه ما تعمّدت كذبا مذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه و يضرّ به من اختلقه؛فإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم،سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري،أو أبا سعيد الخدري،أو سهل بن سعد الساعدي،أو زيد بن أرقم،أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه لي و لأخي،أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي.الخبر (2).ن.

ص: 159


1- الاعراف:196.
2- تاريخ الطبري:328/7 من طبع ليدن.

و قال السيد مرتضى العسكري:قال:فلما صلّى عمر بن سعد الغداة يوم الجمعة،و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس،قال:و عبأ الحسين أصحابه و صلّى بهم صلاة الغداة،و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا،فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه،و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطى رايته العباس بن علي أخاه.

و جعلوا البيوت في ظهورهم،و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت تحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

قال:و كان الحسين عليه السّلام أتي بقصب و حطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل،فجعلوه كالخندق،ثم ألقوا فيه ذلك الحطب و القصب،و قالوا:إذا غدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا، و قاتلونا من وجه واحد،ففعلوا،و كان لهم نافعا.

قال:لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد اللّه ابن زهير بن سليم الأزدي،و على ربع مذحج و أسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي و على ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث بن قيس،و على ربع تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي،فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين و قتل معه،و جعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي،و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية و هو الضباب ابن كلاب،و على الخيل عزرة بن قيس الأحمسي،و على الرجال شبث بن ربعي اليربوعي و أعطى الراية ذويدا مولاه.

استبشارهم بالشهادة

و روى عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري،قال:كنت مع مولاي فلما حضر الناس و أقبلوا إلى الحسين،أمر الحسين بفسطاط فضرب،ثم أمر بمسك

ص: 160

فميث في جفنة عظيمة أو صحفة.

قال:ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة،قال:و مولاي عبد الرحمن ابن عبد ربه،و برير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط،تحتك منا كهما،فازدحما أيهما يطلى على أثره،فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن:دعنا فو اللّه ما هذه بساعة باطل،فقال له برير:و اللّه لقد علم قومي إني ما أحببت الباطل شابا و لا كهلا،و لكن و اللّه انى لمستبشر بما نحن لاقون،و اللّه إن بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم،و لوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم.

قال:فلما فرغ الحسين دخلنا فأطلينا.

قال:ثم إن الحسين ركب دابته و دعا بمصحف فوضعه امامه (1)قال:فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا،فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت و تركتهم.ه.

ص: 161


1- في تذكرة خواص الأمة أنه نشره على رأسه و خاطبهم كما يأتي إن شاء اللّه.

دعاء الحسين يوم عاشورا

و روى الطبري،و قال:لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه،فقال:

اللهم أنت ثقتي في كل كرب و رجائي في كل شدة و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة،كم من هم يضعف فيه الفؤاد،و تقل فيه الحيلة،و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدو،أنزلته بك،و شكوته إليك،رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته و كشفته،فأنت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة (1).

و روى عن الضحاك المشرقي قال:لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا،إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلمنا حتى مرّ على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه،فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته:يا حسين!استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟!

فقال الحسين عليه السّلام:من هذا؟كأنه شمر بن ذي الجوشن!

فقالوا:نعم أصلحك اللّه هو هو.

فقال:يا ابن راعية المعزى!أنت أولى بها صليا.

فقال له مسلم بن عوسجة:يا ابن رسول اللّه!جعلت فداك.

ص: 162


1- و رواه بالإضافة إلى الطبري و من ذكرنا ابن عساكر ح-667،و تهذيبه 333/4 و فى لفظه" منتهى كل غاية".

ألا ارميه بسهم،فإنه قد أمكنني و ليس يسقط سهم،فالفاسق من أعظم الجبارين.

فقال له الحسين عليه السّلام:لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم،و كان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علي بن الحسين (1).3.

ص: 163


1- معالم المدرستين للعسكري:96/3.

خطبة الحسين الأولى

قال:فلما دنا منه القوم دعا براحلته،فركبها،ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس:أيها الناس!اسمعوا قولي،و لا تعجلوني حتى أعظكم بما الحق لكم علي،و حتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم،فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد،و لم يكن لكم على سبيل،و ان لم تقبلوا مني العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم،فأجمعوا أمركم و شركاءكم،ثم لا يكن أمركم عليكم غمة،ثم اقضوا إلي و لا تنظرون،ان وليي اللّه الذي نزل الكتاب، و هو يتولى الصالحين (1).

قال:فلما سمع أخواته كلامه هذا،صحن و بكين و بكت بناته،فارتفعت أصواتهن،فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي،و عليا ابنه،و قال عليه السّلام لهما:أسكتاهن فعمري ليكثرن بكاؤهن فلما سكتن،حمد اللّه و أثنى عليه و ذكر اللّه بما هو أهله و صلى على محمد صلّى اللّه عليه و على ملائكته و أنبيائه فذكر من ذلك ما اللّه اعلم، و ما لا يحصى ذكره،قال:فو اللّه ما سمعت متكلما قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه،ثم قال:أما بعد فانسبوني فانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلّى اللّه عليه و اله:و ابن وصيه؟ و ابن عمه؟و أول المؤمنين باللّه و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟أ و ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟أو لم

ص: 164


1- رواها ابن نما في مثير الأحزان في اليوم السادس من المحرم.

يبلغكم قول مستفيض فيكم:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لي و لأخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة.فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق،و اللّه ما تعمدت كذبا مذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله،و يضربه من اختلقه!و ان كذبتموني فإن فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم،سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري!أو أبا سعيد الخدري!أو سهل بن سعد الساعدي!أو زيد بن أرقم!أو أنس بن مالك!يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لي و لأخي أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟

فقال له شمر بن ذي الجوشن:هو يعبد اللّه على حرف،إن كان يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر:و اللّه إني لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفا،و أنا اشهد انك صادق ما تدري ما يقول،قد طبع اللّه على قلبك!ثم قال لهم الحسين:فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما إني ابن بنت نبيكم فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم انا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته!أو مال لكم استهلكته؟!أو بقصاص من جراحة؟

قال:فأخذوا لا يكلمونه،قال:فنادى:يا شبث بن ربعي!و يا حجار بن أبجر! و يا قيس بن الأشعث!و يا يزيد بن الحارث!ألم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار، و أخضر الجناب و طمت الجمام،و إنما تقدم على جند لك مجندة،فأقبل!قالوا له:لم نفعل!فقال:سبحان اللّه!بلى و اللّه لقد فعلتم!

ثم قال:أيها الناس!إذ كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض،قال:فقال له قيس بن الأشعث:أولا تنزل على حكم بني عمك،فإنهم لن يروك إلاّ ما تحب،و لن يصل إليك منهم مكروه،فقال له الحسين:أنت أخو أخيك، أ تريد ان يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل!لا و اللّه لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل و لا أقر اقرار العبيد.

عباد اللّه!إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا

ص: 165

يؤمن بيوم الحساب،قال:ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها،و اقبلوا يزحفون نحوه (1).3.

ص: 166


1- معالم المدرستين للعسكري:97/3.

خطبة زهير بن القين

و روى عن كثير بن عبد اللّه الشعبي،قال:لما زحفنا قبل الحسين،خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال:يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار!ان حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم،و نحن حتى الآن اخوة، و على دين واحد،و ملة واحدة،ما لم يقع بيننا و بينكم السيف،و أنتم للنصيحة منا أهل،فإذا وقع السيف انقطعت العصمة و كنا أمة،و أنتم أمة،ان اللّه قد ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد صلّى اللّه عليه و اله،لينظر ما نحن و أنتم عاملون،انا ندعوكم إلى نصرهم، و خذلان الطاغية عبيد اللّه بن زياد،فإنكم لا تدركون منهما إلاّ بسوء عمر سلطانهما كله!ليسملان أعينكم!و يقطعان أيديكم و أرجلكم!و يمثلان بكم!و يرفعانكم على جذوع النخل!و يقتلان أماثلكم و قراءكم أمثال حجر بن عدي و أصحابه و هانئ بن عروة و أشباهه.

قال:فسبوه و أثنوا على عبيد اللّه بن زياد و دعوا له و قالوا:و اللّه لا نبرح حتى نقتل صاحبك و من معه!أو نبعث به و بأصحابه إلى الأمير عبيد اللّه سلما!فقال لهم:

عباد اللّه!ان ولد فاطمة رضوان اللّه عليها أحق بالود و النصر من ابن سمية!فإن لم تنصروهم فأعيذكم باللّه ان تقتلوهم فخلوا بين هذا الرجل و بين ابن عمه يزيد بن معاوية فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

قال فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم!و قال:اسكت اسكت اللّه نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك!فقال له زهير:يا ابن البوال على عقبه ما إياك أخاطب،إنما أنت بهيمة، و اللّه ما أظنك تحكم من كتاب اللّه آيتين،فأبشر بالخزي يوم القيامة و العذاب الأليم!

ص: 167

فقال له شمر:إن اللّه قاتلك و صاحبك عن ساعة،قال أفبالموت تخوفني؟فو اللّه الموت معه أحب إلي من الخلد معكم،قال:ثم اقبل على الناس رافعا صوته،فقال عباد اللّه:لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي و أشباهه فو اللّه لا تنال شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و اله قوما هرقوا دماء ذريته و أهل بيته و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم.

قال فناداه رجل فقال له ان أبا عبد اللّه يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الابلاغ (1).3.

ص: 168


1- معالم المدرستين للعسكري:98/3.

توبة الحر

اشارة

و روي عن عدي بن حرملة قال:إن الحر بن يزيد لما زحف عمر بن سعد قال له أصلحك اللّه مقاتل أنت هذا الرجل؟!قال:إي و اللّه!قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس و تطيح الأيدي!قال:أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟!

قال عمر بن سعد:اما و اللّه لو كان الأمر إلي لفعلت!و لكن أميرك قد أبى ذلك، قال:فأقبل حتى وقف من الناس موقفا،معه رجل من قومه يقال له:قرة ابن قيس، فقال:يا قرة!هل سقيت فرسك اليوم؟!

قال:لا،قال:أفما تريد ان تسقيه؟

قال:فظننت و اللّه انه يريد ان يتنحى،فلا يشهد القتال،و كره ان أراه حين يصنع ذلك،فيخاف أن أرفعه عليه،فقلت له:لم اسقه،و انا منطلق فساقيه،قال:

فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه،قال:فو اللّه لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.

قال:فأخذ يدنو من حسين،قليلا قليلا،فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس:ما تريد يابن يزيد؟أتريد ان تحمل؟فسكت و أخذه مثل العرواء،فقال له:

يابن يزيد!و اللّه ان امرك لمريب!و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن!و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا؟ما عدوتك!فما هذا الذي أرى منك.

قال:إني و اللّه أخير نفسي بين الجنة و النار و و اللّه لا اختار على الجنة شيئا،و لو قطعت و حرقت،ثم ضرب فرسه فلحق بحسين عليه السّلام فقال له:جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق،و جعجعت بك في هذا المكان،و اللّه الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت

ص: 169

عليهم أبدا!و لا يبلغون منك هذا المنزلة!فقلت في نفسي:لا أبالي ان أطيع القوم في بعض أمرهم و لا يرون إني خرجت من طاعتهم،و اما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم،و و اللّه لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، و اني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي و مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك افترى ذلك لي توبة،قال:نعم يتوب اللّه عليك،و يغفر لك،ما اسمك؟

قال:انا الحر بن يزيد!قال عليه السّلام:أنت الحر،كما سمتك أمك،أنت الحر إن شاء اللّه في الدنيا و الآخرة،انزل.

قال:انالك فارسا،خير مني راجلا،أقاتلهم على فرسي ساعة و الى النزول ما يصير آخر أمري،قال الحسين:فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك.

موعظة الحر لأهل الكوفة

فاستقدم امام أصحابه ثم قال:أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم اللّه من حربه و قتاله؟

قالوا:هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه فكلمه بمثل ما كلمه به قبل،و بمثل ما كلم به أصحابه،قال عمر:قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت،فقال:يا أهل الكوفة!لامكم الهبل و العبر إذ دعوتموه حتى إذا اتاكم أسلمتموه،و زعمتم إنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه،أمسكتم بنفسه و أخذتم بكظمه و أحطتم به من كل جانب،فمنعتموه التوجه في بلاد اللّه العريضة حتى يأمن و يأمن أهل بيته،و أصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع ضرا،و حلأتموه و نساءه و أصبيته و أصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي و المجوسي و النصراني،و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه،و ها هم قد صرعهم العطش،بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم اللّه يوم الظماء،ان لم تتوبوا

ص: 170

و تنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا،في ساعته هذه،فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل،فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السّلام (1).3.

ص: 171


1- معالم المدرستين للعسكري:100/3.

خطبة الحسين عليه السّلام الثانية

قال سبط ابن الجوزي:ثم إن الحسين عليه السّلام ركب فرسه،و قال عليه السّلام:إن بيني و بينكم كتاب اللّه و سنة جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1).

و قال الخوارزمي:لما عبأ ابن سعد أصحابه،فأحاطوا بالحسين،من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة خرج الحسين من أصحابه،فأتاهم، فاستنصتهم،فأبوا ان ينصتوا فقال لهم:ويلكم!ما عليكم ان تنصتوا إلى فتسمعوا قولي!و إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد!فتلاوم أصحاب عمر بن سعد،و قالوا:

أنصتوا له،فقال:تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا!أحين استصرختمونا و الهين، فأصرخناكم موجفين،سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم،و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا و عدوكم،فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم،بغير عدل أفشوه فيكم،و لا أمل أصبح لكم فيهم،فهلا لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن،و الرأي لما يستحصف،و لكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، و تداعيتم عليها كتهافت الفراش،ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمة!و شذاذ الأحزاب،و نبذة الكتاب،و محرفي الكلم،و عصبة الآثم و نفثة الشيطان،و مطفئي السنن،ويحكم!أ هؤلاء تعضدون،و عنا تتخاذلون أجل و اللّه غدر فيكم قديم، و شجت عليه أصولكم،تأزرت فروعكم،فكنتم أخبث ثمر،شجى للناظر و أكلة للغاصب!ألا و إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا

ص: 172


1- تذكرة الخواص ص 252.

الذلة يأبى اللّه لنا ذلك،و رسوله و المؤمنون،و حجور طابت و طهرت،و أنوف حمية،و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام،على مصارع الكرام،إلاّ و إني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد و خذلان الناصر،ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي (1):

فإن نهزم فهزامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا

و ما إن طبنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس بكلكله أناخ بآخرينا

أما و اللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس،حتى تدور بكم دور الرحى، و تقلق بكم قلق المحور،عهد عهده إلى أبي عن جدي رسول اللّه"فاجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي و لا تنظرون،إني توكلت على اللّه ربى و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم" (2).

ثم رفع يديه نحو السماء و قال:اللهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و اليك المصير (3).

و اللّه لا يدع أحدا منهم إلا انتقم لي منه قتلة بقتلة و ضربة بضربة و إنه لينتصر لي و لأهل بيتي و اشياعي (4).3.

ص: 173


1- قال ابن حجر في الإصابة ج 3 ص 205:في ترجمة فروة بن مسيك:وفد على النبي صلّى اللّه عليه و اله سنة تسع مع مذحج و استعمله النبي على مراد و مذحج و زبيد،و فى الاستيعاب سكن الكوفة أيام عمر.
2- تاريخ ابن عساكر ح 670،و تهذيبه ج 2 ص 334،و المقتل للخوارزمي ج 2 ص 7 و قد ذكرا البيتين الأول و الثاني و لم ينسباهما إلى أحد.
3- اللهوف ص 56 ط صيدا و المقتل للخوارزمي ج 2 ص 7.
4- معالم المدرستين للعسكري:101/3.

استجابة دعاء الحسين على ابن حوزة

و روى الطبري،قال:إن رجلا من بني تميم يقال له:عبد اللّه بن حوزة،جاء حتى وقف أمام الحسين فقال:يا حسين!يا حسين!فقال حسين:ما تشاء؟

قال عليه السّلام:أبشر بالنار!قال:كلا!إني أقدم على رب رحيم،و شفيع مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة قال:رب حزه إلى النار،قال:فاضطرب به فرسه في جدول،فوقع فيه،و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض و نفر الفرس فأخذه،يمر به،فيضرب برأسه كل حجر،و كل شجرة،حتى مات.

و في رواية ان عبد اللّه بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب و ارتفعت اليمنى فطارت و عدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر واصل شجرة حتى مات.

و روى عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل قال:كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين فقلت:أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين،فأصيب به منزلة عند عبيد اللّه بن زياد،قال:فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة فقال أفيكم حسين؟

قال:فسكت حسين،فقالها ثانية فأسكت حتى إذا كانت الثالثة،قال:قولوا له نعم،هذا حسين،فما حاجتك؟

قال:يا حسين!ابشر بالنار،قال:كذبت بل أقدم على رب غفور،و شفيع مطاع، فمن أنت؟

قال:ابن حوزة.

قال:فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال عليه السّلام:

ص: 174

اللهم حزه إلى النار.

قال:فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس،و بينه و بينه نهر،قال:فعلقت قدمه بالركاب و جالت به الفرس فسقط عنها،قال:فانقطعت قدمه و ساقه و فخذه و بقي جانبه الآخر متعلقا بالركاب،قال:فرجع مسروق،و ترك الخيل من ورائه، قال:فسألته،فقال:لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا قال:و نشب القتال (1). (2).1.

ص: 175


1- في أمالي الشجري ص 160،و في تاريخ ابن عساكر ح 716 بإيجاز.
2- معالم المدرستين للعسكري:94/3-101.

ص: 176

الفهرس

بداية المسير إلى كربلاء

الإمام الحسين قبل المسير من الكوفة

عزم الإمام الحسين عليه السّلام على المسير إلى العراق 3

خطبة الإمام عليه السّلام 4

لفت نظر 5

أوامر الخليفة يزيد 5

الحسين مع ابن عباس 6

كتابه إلى بني هاشم 7

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية 7

وصية الحسين عليه السّلام 8

مع عبد اللّه بن جعفر و كتاب الوالي 9

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن 10

مع ابن عمر 10

بدء المسير 12

مسير الإمام الحسين عليه السّلام إلى مكة المكرمة 12

الخروج من مكة 14

ص: 177

الحسين عليه السّلام في منطقة التنعيم 15

الحسين عليه السّلام في منطقة الصفاح 16

الحسين عليه السّلام في وادي العقيق 16

الحسين عليه السّلام في منطقة الحاجر 16

الحسين عليه السّلام في منطقة الخزيمية 17

الحسين عليه السّلام في منطقة زرود 17

الحسين عليه السّلام في منطقة زبالة 18

الحسين عليه السّلام في منطقة بطن العقبة 18

الحسين عليه السّلام في منطقة شراف 19

الحسين عليه السّلام في منطقة البيضة 21

الحسين عليه السّلام في منطقة عذيب الهجانات 22

الحسين عليه السّلام في قصر بني مقاتل 23

الحسين عليه السّلام في قرية نينوى 24

الخروج من مكة برواية أبي مخنف 28

اختيار الإمام الهجرة إلى العراق و سبب ذلك 39

أثناء المسير إلى العراق 43

لماذا الإعراض عن الحجاز؟44

الإعراض عن مصر 45

الاعراض عن اليمن 46

الإعراض عن فارس 47

الإعراض عن البصرة 47

مشفقون و منددون 48

المشفقون 49

ص: 178

1-المسور بن مخرمة 49

2-عبد الله بن جعفر 50

3-عبد الله بن عباس 50

4-أبو بكر المخزومي 52

5-عبد الله بن جعدة 53

6-جابر بن عبد الله 53

7-عبد الله بن مطيع 53

8-عمرو بن سعيد 54

9-محمد ابن الحنفية 54

10-السيدة أم سلمة 55

11-عبد الله بن الزبير 56

منددون 58

1-عبد الله بن عمر 58

2-سعيد بن المسيب 58

3-أبو واقد الليثي 59

4-أبو سلمة 59

5-أبو سعيد 59

6-عمرة بنت عبد الرحمن 59

المستحدثون 61

1-الشيخ محمد الخضري 61

2-محمد النجار 61

3-محمد الغزالي 62

4-أحمد شبلي 63

ص: 179

رسالة الإمام لبني هاشم من مكة 64

التحاق بني هاشم به 64

أسباب الهجرة من مكة 65

1-الحفاظ على الحرم 65

2-الخوف من الاغتيال 65

3-رسالة مسلم 66

خطاب الإمام عليه السلام في مكة 67

إتمام العمرة 69

الخروج قبل الحج 70

مع ابن الزبير 71

السفر إلى العراق 71

ملاحقة السلطة له 72

اتصال دمشق بالكوفة 73

موقف الأمويين 75

1-رسالة الوليد بن عتبة 76

اشتباه ابن كثير 76

2-رسالة الأشدق 77

حوادث على الطريق الى العراق 78

مصادرة أموال ليزيد 78

مع الفرزدق 79

كتاب الحسين لأهل الكوفة 81

مع أبي هرة 83

مع بعض مشايخ العرب 84

ص: 180

فزع السيدة زينب 84

مع زهير بن القين 85

النبأ المفجع بمقتل مسلم 87

وصول النبأ بمصرع عبد الله 88

رؤيا الإمام الحسين عليه السلام 90

الالتقاء بالحر 91

خطاب الإمام 92

خطبة الإمام 93

المشادة بين الحسين و الحر 95

قول شاذ 96

خطأ ابن عنبة 97

رواية أخرى في المقام 98

إستقاء مرة أخرى 111

خطبة الإمام في البيضة 112

التحاق جماعة من الكوفة بالامام 114

مع الطرماح 116

مع عبيد الله بن الحر 118

مع عمرو بن قيس 120

رسالة ابن زياد للحر 121

مع عبد اللّه بن مطيع 124

من رأى أن الحسين عليه السلام لا يجوز فيه السلاح 124

مع زهير بن القين 125

وصول خبر قتل مسلم و هانئ 127

ص: 181

رسولا ابن الأشعث و ابن سعد إلى الحسين عليه السلام 127

الإمام يخبر الناس بقتل مسلم و يحلهم عن بيعته 129

رجل من بني عكرمة 129

نذير آخر 130

انتهاء المسير و الوصول الى كربلاء 132

نزول ركب آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله أرض كربلاء 132

قدوم عمر بن سعد على الحسين عليه السلام 136

بين ابن سعد و الحسين عليه السلام 138

مكاتبة ابن سعد و ابن زياد 140

ابن زياد يأمر بالنفير العام 141

منع الماء عن عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله 143

معركة على الماء 144

اعذار الإمام قبل القتال 145

ابن زياد يمنع الإمام من الرجوع 147

أمان ابن زياد للعباس و اخوته 148

موضع الخيام 150

في كربلاء 152

انتظار الأسدي للإمام 155

رسالة الإمام لابن الحنفية 155

مع هرثمة بن سلمى 156

التحاق أنس بن الحرث بالإمام 156

رسالة ابن زياد للحسين 157

ص: 182

يوم عاشوراء

الحسين عليه السلام يوم العاشر 158

استبشارهم بالشهادة 160

دعاء الحسين يوم عاشورا 162

خطبة الحسين الأولى 164

خطبة زهير بن القين 167

توبة الحر 169

موعظة الحر لأهل الكوفة 170

خطبة الحسين عليه السلام الثانية 172

استجابة دعاء الحسين على ابن حوزة 174

ص: 183

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.