الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام
نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی
ناشر: مؤسسة التاريخ العربي
مکان نشر: لبنان - بيروت
سال نشر: 2009م , 1430ق
چاپ:1
موضوع:اسلام، تاریخ
زبان :عربی
تعداد جلد: 20
کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP
ص: 1
ص: 2
الجزء الثانى
ابعاد شخصية الإمام الحسين عليه السلام
قال السيد مرتضى العسكري:قيّض اللّه الإمام الحسين عليه السّلام لكسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين بعد أن أعد له الأجواء النفسية في المجتمع الاسلامي بما أنزل في حقه ضمن ما أنزل في حق أهل البيت عامة بقرآنه الكريم،و في ما بلّغ المسلمين على لسان رسوله في أهل البيت عامة و في الإمام الحسين خاصة:فإنه لما أنزل اللّه سبحانه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
فسّر رسوله(القربى)بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين (1).
و لما أراد اللّه سبحانه أن ينزل آية التطهير،و رأى رسول اللّه أن الرحمة هابطة، دعا عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و ضمّهم إلى نفسه تحت الكساء،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اللهم إن هؤلاء هم أهل بيتي،و بقي طول حياته بعد ذلك يقف على باب دارهم يوميا خمس مرات أوقات الصلاة اليومية و يقول:السلام عليكم يا أهل البيت إنما يريد اللّه ليذهب (2).و لما نزلت الآية الكريمة: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما
ص: 3
جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (1) و لمّا أراد أن يباهل نصارى نجران دعا رسول اللّه عليا و فاطمة و الحسن و الحسين (2).
و في رواية و قد احتضن الحسين و أخذ بيد الحسن و فاطمة تمشى خلفه و علي يمشي خلفها،و قال لهم النبي:إذا دعوت فأمنوا،فلما رآهم أسقف نجران،قال:يا معشر النصارى!إني لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله،فلا تبتهلوا فتهلكوا،فصالحهم على دفع الجزية (3).
هذا بعض ما تلته أبناء الأمة في قرآنها و سمعته في تفسيره عن رسول اللّه له و شاهدته يفسّرها بعمله.
و أيضا سمعت رسول اللّه يقول:من صلى صلاة لم يصل فيها علي و لا على أهل بيتي لم تقبل منه (4).
و لما سألوه كيف يصلون عليه قال:قولوا:اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد،اللهم بارك على محمد و آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (5).ند
ص: 4
و سمعته يقول لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين:أنا حرب لمن حاربتم و سلم لمن سالمتم.
و في رواية:أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم (1).
و أخذ بيد حسن و حسين،فقال:من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة (2).
و يقول:الحسن و الحسين ريحانتاي من الدنيا (3).
و يقول:ألا أخبركم بخير الناس جدا و جدة ألا أخبركم بخير الناس عما و عمة ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟ألا أخبركم بخير الناس أبا و أما:الحسن و الحسين (4).
و يقول صلّى اللّه عليه و آله:هذان ابناي و ابنا ابنتي،اللهم إني أحبهما فأحبهما و أحب منة.
ص: 5
يحبهما (1).
و يقول صلّى اللّه عليه و آله:من أحب الحسن و الحسين فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني (2).
و يقول صلّى اللّه عليه و آله:كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فإني أنا أبوهم و أنا عصبتهم (3).
و كان يصلي صلّى اللّه عليه و آله في مسجده فإذا سجد وثب الحسن و الحسين عليه السّلام على ظهره،و إذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا (4).
و كان صلّى اللّه عليه و آله يخطب في مسجده إذ جاء الحسن و الحسين يمشيان و يعثران فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه (5).
أعدّ اللّه و رسوله الأمة في الآيات و الأحاديث الآنفة لتنظر إلى أهل البيت عامة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نظرة إجلال و إكبار و حب و ولاء،و كذلك في آيات أخرى مثل:آيةب.
ص: 6
الخمس و سورة هل أتى،و آية و آت ذا القربى حقه و في أحاديث عن النبي في تفسير تلك الآيات و غيرها (1).
و خص بالذكر من بينهم الإمام الحسين عليه السّلام في مثل اخبار اللّه نبيه باستشهاد الإمام الحسين في يوم مولده و بعده و اخبار رسوله أمته بذلك مرة بعد أخرى (2).
و كذلك في ما فعل الإمام علي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مثل روايته عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في طريقه إلى صفين و غيره باستشهاد الإمام الحسين.
و قوله عليه السّلام في بعض أيام صفين:إنني أنفس بهذين-يعني الحسن و الحسين عليه السّلام-على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).
هكذا وجّهت الأمة إلى حب الإمام الحسين و إجلال مقامه،أضف إلى ذلك ما كان عند بعض أبناء الأمة من نصوص عن الرسول في إمامة الأئمة الإثني عشر و أنهم حملة الإسلام و حفظته و أن الإمام الحسين ثالثهم.
و مهما يكن من أمر فإن الإمام الحسين كان الرجل الوحيد الذي ورث حب المسلمين لجده الرسول صلّى اللّه عليه و آله في عصره.
و لهذا رغب المسلمون يومذاك أن يبايعوه بالخلافة ليصبح بتلك البيعة الخليفة الشرعي بعد معاوية،يتبوأ عرش الخلافة بحقوقها،و لو أتيح له ذلك و أصبح خليفة المسلمين ببيعتهم إياه لما استطاع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء و غيّروها باجتهاداتهم كما لم يستطع الإمام علي أن يفعل ذلك بالنسبة إلى اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله (4)،و كان على الإمام الحسين لو بويع أن يقرفي
ص: 7
أحداث معاوية-اجتهاداته-على حالها بما فيها لعن أبيه الإمام علي عليه السّلام على جميع منابر المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين،و لما لم يقدّر للمسلمين أن يبايعوه بالخلافة أصبحت حاله لدى المسلمين حال الحرمين الشريفين،له الحرمة في نفوسهم و لكنهم انتهكوها في سبيل طاعة الخليفة و صح ما قال له الفرزدق في هذا الصدد(قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية) (1).
و روى الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال دخلت على الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم».
قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟
قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلايق بجنب الروضة الخضرا فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الاعلى».
قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي،قال:«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوى و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2)و هو في علمهم و قد علموا ذلك».
فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت.
قال:«نعم يا مفضل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة9.
ص: 8
و لكل مؤمن بها» (1).
و روي عن عبد اللّه بن أبي وقاص قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لما خلق اللّه إبراهيم الخليل كشف اللّه عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأي نورا.
فقال:إلهي و سيدي ما هذا النور؟
قال عزت الآؤه:يا إبراهيم هذا محمد صفيي.
فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبه نورا آخر؟
فقال تعالى:يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.
فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبهما نورا ثالثا.
قال سبحانه:يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها و بعلها فطمت محبيها من النار.
قال:إلهي و سيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار.
قال تعالى:يا إبراهيم هذان الحسن و الحسين يليان أباهما و جدهما و امهما.
فقال:إلهي و سيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار.
قال عزت الآؤه:يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.
فقال:إلهي و سيدي فبمن يعرفون؟
قال تعالى:يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين و محمد ولد علي و جعفر ولد محمد و موسى ولد جعفر و علي ولد موسى و محمد ولد علي و علي ولد محمد و الحسن ولد علي و محمد ولد الحسن القائم المهدي» (2).
و عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.
قال:«إن اللّه تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الاجساد بألفي عام،فجعل أعلاها5.
ص: 9
و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات اللّه عليهم.
و ساق الحديث إلى أن قال عليه السّلام:قال جبرائيل لادم و حواء:فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.
فقالا:«اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك:محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة إلاّ تبت علينا و رحمتنا».
فتاب اللّه عليهما إنه هو التواب الرحيم (1).
و عن أبي سلمى قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«...يا محمد خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين من نوري» (2).
و عن محمد بن ثابت قال:قال رسول اللّه لعلي عليهما السّلام:«يا علي ان اللّه تبارك و تعالى خلقني و إياك من نوره الأعظم» (3).
و في رواية أنهم جميعا من نور اللّه الأعظم (4).
و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إن اللّه تبارك و تعالى خلقنا من نور عظمته» (5).
و عن أبي سلمى قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«...يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من شبح نور من نوري» (6).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:في حديث جاء فيه:«لأنا كلنا واحد أولنا محمد،م.
ص: 10
و آخرنا محمد،و أوسطنا محمد و كلنا محمد،فلا تفرقوا بيننا» (1).
و عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«خلقني اللّه تبارك و تعالى و أهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام» (2).
و عن الإمام علي قال:سمعت رسول اللّه يقول:«إن اللّه تبارك و تعالى خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد» (3).
و عن عمر بن الخطاب قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:...«يا محمد إني خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من نور واحد» (4)
و رواه في بحار الأنوار عن عبد اللّه بن عمر (5).
و في حديث آخر طويل جاء فيه:«الحسين مع أبيه و أمه و أخيه الحسن في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحيون كما يحيى و يرزقون كما يرزق،فلو نبش في أيامه لوجد فأما اليوم فهو حي عند ربه ينظر الى معسكره و ينظر الى العرش حتى يؤمر ان يحمله،و إنه لعلى يمين العرش متعلق يقول:يا رب أنجز لي ما وعدتني» (6).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«إن اللّه خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام حين لا سماء مبنية،و لا أرض مدحية،و لا ظلمة و لا نور،و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار».
فقال العباس:كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟4.
ص: 11
فقال:«يا عم لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا،ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا،ثم مزج النور بالروح،فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكنا نسبحه حين لا تسبيح،و نقدسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه تعالى أن ينشىء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش،فالعرش من نوري، و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.
ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة،فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه و علي أفضل من الملائكة.ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السموات و الأرض، فالسموات و الأرض من نور ابنتي فاطمة،و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السموات و الأرض.
ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر.
ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين،فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين (1).
الى أن قال:«فتكلم اللّه بكلمة فخلق منها روحا...ثم نورا فأزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة» (2).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جاء فيه:«و تمام اسمي و اسم أخي علي و ابنتي فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين مكتوبة على سرادق العرش بالنور» (3).ي.
ص: 12
و عن الأصبغ بن نباتة قال:خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم و يده في يد إبنه الحسن عليه السّلام و هو يقول:«خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و يدي في يده هكذا و هو يقول:خير الخلق بعدي (1)و سيدهم بعد الحسن إبني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء،أما إنه و أصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة،و من بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء اللّه في أرضه و حججه على عباده،و امناؤه على وحيه،و أئمة المسلمين،و قادة المؤمنين،و سادة المتقين، تاسعهم القائم الذي يملأ اللّه عز و جل به الأرض نورا بعد ظلمتها،و عدلا بعد جورها، و علما بعد جهلها،و الذي بعث أخي محمدا بالنبوة و اختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرائيل،و لقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-و أنا عنده-عن الأئمة بعده فقال للسائل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (2)عددهم بعدد البروج، و رب الليالي و الأيام و الشهور إن عدتهم كعدة الشهور (3)فقال السائل:فمنهم يا رسول اللّه؟فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده على رأسي فقال:أولهم هذا و آخرهم المهدي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من أحبهم فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني،و من أنكرهم فقد أنكرني،و من عرفهم فقد عرفني،بهم يحفظ اللّه عز و جل دينه،و بهم يعمر بلاده،و بهم يرزق عباده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم يخرج بركات الأرض،هؤلاء أصفيائي و خلفائي و أئمة المسلمين و موالي المؤمنين» (4).ن.
ص: 13
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام:«الأئمة من ولدك تسقى بهم أمتي الغيث و بهم يستجاب دعاءهم،و بهم يصرف اللّه عنهم البلاء،و بهم تنزل الرحمة من السماء».
و أومأ الى الحسن فقال:هذا أولهم،و أومأ الى الحسين و قال:الأئمة من ولده» (1).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله في ذكر الأئمة عليهم السّلام:«...بهم يحبس اللّه العذاب عن أهل الأرض،و بهم يمسك السماء ان تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم» (2).
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«بهم يدفع الضيم،و بهم ينزل الرحمة و بهم يحيي ميتا و بهم يميت حيا» (3).
و في زيارات أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام التي رواها ابن قولويه بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام جاء فيها:«بكم يباعد اللّه الزمان الكلب،و بكم يمحو اللّه ما يشاء و بكم يثبت،و بكم تنبت الأرض أشجارها و بكم تخرج الأرض أثمارها و بكم تنزل السماء قطرها و رزقها،و بكم ينزل اللّه الغيث،إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم و تصدر من بيوتكم» (4).9.
ص: 14
في الأخبار أنّ أعرابيّا أتى رسول اللّه فقال:يا رسول اللّه لقد صدت خشفة
غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين،فقبلها و دعى له بالخير فإذا الحسن واقف عنده فرغب إليها فأعطاه إيّاها فما مضى ساعة إلاّ و الحسين عليه السّلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فأتى إلى جدّه فقال:أعطيت أخي خشفة يلعب بها و لم تعطني فجعل يكرّر القول و جدّه ساكت،فهمّ الحسين عليه السّلام أن يبكي فبينما هو كذلك إذا بصياح ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه فنطقت الغزالة و قالت:يا رسول اللّه كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصيّاد و أتى بها إليك و بقيت لي هذه الاخرى و أنا بها مسرورة و كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول:أسرعي أسرعي يا غزالة بخشفك إلى النبيّ محمّد لأنّ الحسين واقف بين يديه و قد همّ أن يبكي و الملائكة بأجمعهم رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة،و لو بكى الحسين عليه السّلام لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه و سمعت أيضا قائلا يقول:اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع إلى خدّ الحسين فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فأتيت بخشفي إليك و قطعت مسافة بعيدة،لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين على خدّه، فارتفع التكبير و التهليل من الأصحاب و دعى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للغزالة و أخذ الحسين
ص: 15
الخشفة و أتى بها إلى الزهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما (1).
و عن عروة البرقي[كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبل]الحسن و الحسين[و يقول:يا أصحابي إني أود أن أقاسمهما]حياتي لحبّي لهما،فهما ريحانتاي من الدّنيا (2).
و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ الحسن و حمل جبرائيل الحسين عليه السّلام
فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (3).
و في كتاب مناقب[آل أبي طالب]:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّى وجد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما على عاتقيه و أتى بهما النبيّ فقال:يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه
حتّى ردّ يده إلى فمه ثمّ قال للرجل إذهب فأنت طليق،و قال لحسن و حسين:قد شفّعتكما فيه فأنزل اللّه تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (4). (5).
و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوى عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أو ليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوّي عليهما (6).
و في الأمالي عن الإمامين الباقر و الصادق عليه السّلام:إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين عليه السّلام3.
ص: 16
من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره (1).
و في البحار من بعض كتب المناقب القديمة عن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان بإسناده عن ابن عباس قال:
كنت جالسا بين يدي النبي صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و بين يديه علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام إذ هبط جبرائيل و معه تفاحة،فحيّا بها النبي و حيّا بها علي بن أبي طالب فتحيا بها عليّ و قبّلها و ردها إلى رسول الله،فتحيا بها رسول الله و حيّا بها الحسن و تحيّا بها الحسن و قبّلها و ردّها إلى رسول الله فتحيّا بها رسول الله و حيّا بها الحسين و تحيّا بها الحسين و قبّلها و ردّها إلى رسول الله فتحيّا بها و حيّا بها فاطمة فتحيّت بها و قبّلتها و ردّتها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله،فتحيّا بها الرابعة و حيّا بها علي بن أبي طالب فلما همّ أن يردّها إلى رسول الله سقطت التفاحة من بين أنامله فانفلقت بنصفين فسطع منها نور حتى بلغ إلى السماء الدنيا فإذا عليها سطران مكتوبان:باسم الله الرحمن الرحيم تحية من الله إلى محمد المصطفى و علي المرتضى و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين عليهم السّلام سبطي رسول الله و أمان لمحبيهما يوم القيامة من النار (2).
و في(البحار)وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا أنه روى مرسلا من جماعة من الصحابة قالوا:
دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله دار فاطمة فقال:يا فاطمة إن أباك اليوم ضيفك،فقالت:يا أبت إن الحسن و الحسين عليهما السّلام يطالباني بشي من الزاد فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به.
ثم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل و جلس مع علي و الحسن و الحسين و فاطمة متحيرة ما1.
ص: 17
تدري كيف تصنع،ثم إن النبي صلّى اللّه عليه و آله نظر إلى السماء ساعة و إذا بجبرائيل قد نزل و قال:يا محمد العليّ الأعلى يقرئك السلام و يخصك بالتحية و الإكرام و يقول لك:
قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أي شي يشتهون من فواكه الجنة؟فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا علي و يا فاطمة و يا حسن و يا حسين إن رب العزّة علم أنكم جياع فأي شي تشتهون من فواكه الجنة؟فأمسكوا عن الكلام و لم يردوا جوابا حياء من النبي صلّى اللّه عليه و آله.
فقال الحسين عليه السّلام:عن إذنك يا أبتاه يا أمير المؤمنين عليه السّلام و عن إذنك يا أماه يا سيدة نساء العالمين و عن إذنك يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم شيئا من فواكه الجنة.
فقالوا جميعا:قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا.
فقال:يا رسول الله قل لجبرائيل:إنّا نشتهي رطبا جنيّا،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:قد علم الله ذلك.
ثم قال:يا فاطمة قومي و ادخلي البيت و احضري إلينا ما فيه،فدخلت فرأت فيه طبقا من البلور مغطى بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جنيّ في غير أوانه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا فاطمة أنى لك هذا؟
قالت:هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.
فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و تناوله و قدّمه بين أيديهم ثم قال:بسم الله الرحمن الرحيم،ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين عليه السّلام فقال:هنيئا مريئا لك يا حسين،ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن و قال:هنيئا مريئا لك يا حسن،ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء و قال:هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء،ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي و قال:هنيئا مريئا لك يا علي،ثم ناول عليّا رطبة أخرى
ص: 18
ثم رطبة أخرى و النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول له:هنيئا مريئا لك،ثم وثب النبي صلّى اللّه عليه و آله قائما ثم جلس ثم أكلوا جميعا من ذلك الرّطب.
فلما اكتفوا و شبعوا ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن الله تعالى.
فقالت فاطمة عليها السّلام:يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.
فقال:يا فاطمة أما الرّطبة الأولى التي وضعتها في فم الحسين عليه السّلام و قلت له:
هنيئا يا حسين فإني سمعت ميكائيل و إسرافيل يقولان هنيئا يا حسين فقلت أيضا موافقا لهما في القول،ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرائيل و ميكائيل يقولان:هنيئا لك يا حسن فقلت أنا موافقا لهما في القول،ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان يقلن:هنيئا لك يا فاطمة،فقلت موافقا لهن بالقول،و لما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي سمعت النداء من قبل الحق يقول:هنيئا مريئا لك يا علي،فقلت موافقا لقول الله عزّ و جلّ،ثم ناولت عليا رطبة أخرى ثم أخرى و أنا أسمع صوت الحق سبحانه يقول:هنيئا مريئا لك يا علي،فقلت موافقا لقول الله،ثم قمت إجلالا لرب العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول:يا محمد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت هنيئا مريئا بعد بلا انقطاع (1).
و روى عن سلمان الفارسي قال:أهدي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله قطف من العنب في غير أوانه فقال لي:يا سلمان ائتني بولديّ الحسن و الحسين ليأكلا معي من هذا العنب، قال سلمان الفارسي:فذهبت أطرق عليهما منزل أمهما فلم أرهما،فأتيت منزل أختهما أم كلثوم فلم أرهما.
فخبّرت النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك،فاضطرب و وثب قائما و هو يقول:و اولداه و اقرّة عيناه1.
ص: 19
من يرشدني عليهما فله على الله الجنة،فنزل جبرائيل من السماء و قال:يا محمد على من هذا الإنزعاج؟فقال:على ولديّ الحسن و الحسين فإني خائف عليهما من كيد اليهود،فقال جبرائيل:يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين،فإن كيدهم أشد من كيد اليهود،إعلم يا محمد أن ابنيك الحسن و الحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح.
فسار النبي صلّى اللّه عليه و آله من وقته و ساعته إلى الحديقة و أنا معه حتى دخلنا الحديقة و إذا هما نائمان و قد اعتنق أحدهما الآخر و ثعبان في فيه طاقة ريحان يروّح بها وجهيهما.
فلما رأى الثعبان النبي صلّى اللّه عليه و آله ألقى ما كان في فيه فقال:السلام عليك يا رسول الله، لست أنا ثعبانا و لكني ملك من ملائكة الكرّوبيين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربي و مسخني ثعبانا كما ترى و طردني من السماء إلى الأرض و لي منذ سنين كثيرة أقصد كريما إلى الله فأسأله أن يشفع لي عند ربي عسى أن يرحمني و يعيدني ملكا كما كنت أولا إنه على كل شي قدير.
قال:فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله يقبّلهما حتى استيقظا فجلسا على ركبتي النبي صلّى اللّه عليه و آله.
فقال لهما النبي صلّى اللّه عليه و آله:أنظرا يا ولديّ هذا ملك من ملائكة الله الكروبيين قد غفل عن ذكر ربه طرفة عين فجعله الله هكذا و أنا مستشفع بكما إلى الله فاشفعا له.
فوثب الحسن و الحسين عليهما السّلام فأسبغا الوضوء و صلّيا ركعتين و قالا:اللهم بحق جدّنا الجليل الحبيب محمد المصطفى،و بأبينا علي المرتضى،و بأمنا فاطمة الزهراء إلا ما رددته إلى حالته الأولى.
قال:فما استتمّ دعاؤهما فإذا بجبرائيل نزل من السماء في رهط من الملائكة و بشّر ذلك الملك برضى الله عنه و بردّه إلى سيرته الأولى ثم ارتفعوا إلى السماء و هم يسبّحون الله تعالى.
ص: 20
ثم رجع جبرائيل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو متبسم،و قال:يا رسول الله إن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات و يقول لهم:من مثلي و أنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن و الحسين عليهما السلام (1).9.
ص: 21
ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه اللّه قال:حدّثنا الحسين بن محمد ابن عامر عن المعلى بن محمد البصري بن جعفر بن سليمان عن عبد اللّه بن الحكم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن عليا وصيي و خليفتي و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي،من والاهم فقد والاني و من عاداهم فقد عاداني و من ناوأهم فقد ناوأني و من جفاهم فقد جفاني و من برّبهم فقد برّبي،وصل اللّه من وصلهم و قطع من قطعهم و نصر من اعانهم و خذل من خذلهم،اللهم من كان له من أنبيائك و رسلك ثقل و أهل بيت فعلي و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثقلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» (1).
الشيخ في أماليه عن أبي محمد الفحام قال:حدّثني عمي قال:حدّثني أبو العباس أحمد بن عبد اللّه بن علي الرأس قال:حدّثنا أبو عبد اللّه عبد الرّحمن بن عبد اللّه العمري قال:حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة قال:حدّثني أخي محمد بن المغيرة عن محمد بن سنان عن سيدنا أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام قال:قال أبي لجابر بن عبد اللّه:«لي إليك حاجة أريد أخلو بك فيها»فلما خلا به في بعض الايام قال له:« أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السّلام،قال جابر:أشهد باللّه لقد دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهنيها بولدها الحسين فإذا بيدها لوح أخضر من
ص: 22
زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس و أطيب من رائحة المسك الاذفر فقلت:ما هذا يا بنت رسول اللّه؟
فقالت:هذا لوح أهداه اللّه عز و جل إلى أبي فيه اسم أبي و اسم بعلي و اسم الأوصياء بعده من ولدي،فسألتها أن تدفعه إلي لأنسخه ففعلت،فقال له:فهل لك أن تعارضني بها؟
قال:نعم فمضى جابر إلى منزله و أتى بصحيفة من كاغذ فقال له:أنظر في صحيفتك حتى أقراها عليك فكان في صحيفته مكتوب:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم،هذا كتاب من اللّه العزيز العليم أنزله الروح الامين على محمد خاتم النبيين،يا محمد عظّم اسمائي و اشكر نعمائي و لا تجحد آلائي و لا ترج سواي و لا تخش غيري،فإن من يرجو سواي و يخشى غيري أعذبه عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين،يا محمد إني اصطفيتيك على الأنبياء،و فضلت وصيك على الأوصياء، و جعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدة أبيه،و الحسين خير أولاد الأولين و الآخرين فيه ثبتت الإمامة و منه يعقب علي زين العابدين،و محمد الباقر لعلمي و الداعي إلى سبيلي على منهاج الحق،و جعفر الصادق في القول و العمل ينشب بعده فتنة صماء،فالويل كل الويل للمكذب بعبدي و خيرتي من خلقي موسى،و علي الرضا يقتله عفريت كافر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلق اللّه، و محمد الهادي إلى سبيلي الذاب عن حريمي و القيّم في رعيته،و حسن الأعز يخرج منه ذو الإسمين علي،و الحسن الخلف محمد يخرج في آخر الزمان على رأسه غمامة بيضاء تظله من الشمس،ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلين و الخافقين هو المهدي من آل محمد يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا». (1)
الشيخ الطوسي في الغيبة عن جماعة عن أبي عبد اللّه الحسين بن علي بن سفيان3.
ص: 23
البزوفري عن علي بن سنان الموصلي العدل عن علي بن الحسين عن أحمد بن محمد[ابن] (1)الخليل عن جعفر بن محمد المصري عن عمه الحسن بن علي عن أبيه عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السّلام:«يا أبا الحسن أحضر صحيفة و دواة فأملاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال:يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما و من بعدهم اثنا عشر مهديا،و أنت يا علي أول الاثني عشر الإمام،سماك[اللّه] (2)في سمائه المرتضى و أمير المؤمنين و الصديق الأكبر و الفاروق الاعظم و المأمون المهدي،فلا تصلح هذه الاسماء لأحد غيرك،يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم و ميتهم و على نسائي فمن ثبتّها لقيتني غدا و من طلّقتها فأنا منها بريء لم ترني و لم أرها في عرصة القيامة،فأنت خليفتي على أمتي من بعدي،فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الزكي الشهيد المقتول،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد باقر العلم،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى بن جعفر الكاظم،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الرضا،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد التقي،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل،فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر اماما،ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة اساميّ اسم كاسمي و اسم كاسم أبي و هو عبد اللّه و أحمد و الاسم الثالثر.
ص: 24
المهدي،و هو أول المؤمنين» (1).
ابن بابويه في النصوص قال:حدّثنا القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي قال:حدّثنا محمد بن همام بن سهيل الكاتب قال:حدّثني محمد بن معافي السلماسي عن محمد بن عامر قال:حدّثنا عبد اللّه بن زاهر عن عبد القدوس عن الأعمش عن حبش بن المعتمر قال:قال أبو ذر الغفاري رضى اللّه عنه دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الذي توفي فيه فقال:يا أبا ذر«إيتني بابنتي فاطمة»
قال:فقمت دخلت عليها و قلت لها:يا سيدة النسوان أجيبي أباك فلبست نعليها و اتزرت و خرجت حتى دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلما رأت رسول اللّه انكبت عليه و بكت و بكى رسول اللّه لبكائها و ضمّها إليه ثم قال:«يا فاطمة لا تبكي فداك أبوك فأنت أول من يلحقني مظلومة مغصوبة،و سوف تظهر بعدي حسكة النفاق و سيمل جلباب الدين،و أنت أول من يرد عليّ الحوض».
قالت:«يا أبت أين ألقاك؟».
قال:«تلقينني عند الحوض و أنا أسقي شيعتك و محبيك و أطرد أعداءك و مبغضيك، قالت:يا رسول اللّه فإن لم ألقك عند الحوض قال:تلقينني عند الميزان».
قالت:«يا أبت فإن لم ألقك عند الميزان».
قال:«تلقينني عند الصراط،و أنا أقول:سلم سلم شيعة علي».
قال أبو ذر:فسكن قلبها ثم التفت إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«يا أبا ذر إنها بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني،ألا إنها سيّدة نساء العالمين و بعلها سيد الوصيين و ابناها الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،و انهما إمامان قاما أو قعدا و أبوهما خير منهما، و سوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة أمناء معصومون قوامون بالقسط، و منا مهدي هذه الأمة».1.
ص: 25
قلت:يا رسول اللّه فكم الأئمة بعدك؟
قال صلّى اللّه عليه و آله:«عدد نقباء بني إسرائيل» (1).
ابن بابويه في النصوص قال:حدّثنا علي بن محمد بن مقول قال:حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر القاضي الجعابي قال:حدّثني نصر بن عبد اللّه الوشا قال:حدّثني زيد ابن الحسن الانماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:كنت عند النبي صلّى اللّه عليه و آله في بيت أم سلمة فأنزل اللّه هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله بالحسن و الحسين و فاطمة و أجلسهم و دعا عليا فأجلسه خلف ظهره و قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».
قالت أم سلمة:فأنا معهم يا رسول اللّه؟
قال:«أنت على خير».
فقلت:يا رسول اللّه لقد أكرم اللّه هذه العترة الطاهرة و الذرية المباركة بذهاب الرجس عنهم قال:«يا جابر إنهم عترتي من لحمي و دمي فأخي سيد الأوصياء و ابني خير الأسباط و ابنتي سيّدة النسوان و منا المهدي»قلت:يا رسول اللّه و من المهدي؟
قال:«تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار،و التاسع يملأ الأرض قسطا و عدلا،يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل» (3).
محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة و محمد بن همام بن سهيل و عبد العزيز و عبد الواحد ابني عبد اللّه بن يونس [الموصلي] (4)عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبا بنر.
ص: 26
أبي عياش عن سليم بن قيس،و أخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد قال:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن جعفر المعلى الهمداني قال:حدّثني[أبو] (1)الحسن عمرو بن جامع عن عمرو بن حرب الكندي قال:حدّثنا عبد اللّه بن مبارك شيخ لنا كوفي ثقة قال:حدّثنا عبد الرزاق بن همام[شيخنا] (2)عن معمر عن أبان ابن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي،و ذكر أبان أنه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة، قال معمر:و ذكر أبو هارون العبدي أنه سمعه[أيضا] (3)عن عمر بن سلمة عن سليم أن معاوية لما دعا أبا الدرداء و أبا هريرة و نحن مع أمير المؤمنين عليه السّلام بصفين فحمّلهما الرسالة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و أدّيا إليه قال:«بلغتماني مما أرسلكما به معاوية فاسمعا مني و بلّغا عني[كما بلغتماني] (4)».
قالا:نعم،فأجابه عليه السّلام الجواب بطوله حتى انتهى إلى نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إياه بغدير خم بأمر اللّه عز و جل:لما أنزل عليه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (5).
فقال:الناس يا رسول اللّه أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟فأمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه و آله أن يعلمهم ولاية من أمر اللّه بولايته و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسر من صلاتهم و زكاتهم و صومهم و حجهم،قال علي عليه السّلام:«فنصبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بغدير خم و قال:إن اللّه عز و جل أرسلني برسالة ضاق بها صدري و ظننت أن الناس تكذبني فأوعدني لأبلغنّها أو ليعذبني ثم قال:قم يا عليّ ثم نادى بأعلى صوته بعد أن أمر أن ينادي بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال:أيها الناس إن اللّه مولاي و أنا مولى5.
ص: 27
المؤمنين،و أنا أولى بهم من أنفسهم و من كنت مولاه فعلي مولاه والى اللّه من والاه و عادى من عاداه،فقام إليه سلمان الفارسي فقال:يا رسول اللّه ولاة ماذا؟
فقال:من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فأنزل اللّه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1)فقال:يا رسول اللّه هؤلاء الآيات في عليّ خاصة؟
فقال:بل فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة،فقال:يا رسول اللّه سمّهم لي فقال:عليّ وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي،ولي كل مؤمن من بعدي،و أحد عشر إماما من ولدي،أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد، هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه حتى يردوا عليّ حوضي،فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا:نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول اللّه كما قلت يا أمير المؤمنين سواء لم نزد و لم ننقص،و قال بقية السبعين من البدريين الذين شهدوا مع علي صفين:حفظنا جل ما قلت و لم نحفظه كله،و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفاضلنا فقال علي عليه السّلام:صدقتم ليس كل الناس يحفظ،بعضهم أفضل من بعض،و قام من الاثني عشر أربعة:أبو الهيثم بن التيهان و أبو أيوب و عمار و خزيمة ذو الشهادتين فقالوا:نشهد أنا حفظنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال يومئذ و علي قائم إلى جنبه:يا أيها الناس إن اللّه أمرني أن أنصّب لكم إمامكم و وصيي فيكم و خليفتي في أهلي و في أمتي من بعدي:و الذي فرض اللّه طاعته على المؤمنين و أمركم فيه بولايته فقلت:يا رب خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لأبلغنّها أو ليعاقبني.
أيها الناس إن اللّه عز و جل ذكره أمركم في كتابه بالصلاة و قد بينتها لكم و سمّيتها، و الزكاة و الصوم و الحج فبيّنته و فسّرته لكم،و أمركم في كتابه بولايته،و إني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعليّ و أوصيائي من ولدي و ولده،أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم3.
ص: 28
تسعة من ولد الحسين عليه السّلام لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي حوضي.
يا أيها الناس إني قد أعلمتكم المهدي بعدي،و وليكم و إمامكم و هاديكم بعدي و هو أخي علي بن أبي طالب،و هو فيكم بمنزلتي فقلّدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علّمني جل و عز،و هو أمرني أن أعلمه إياه و أن اعلمكم إنه عنده فاسألوه و تعلّموا منه و من أوصيائه و لا تعلّموهم و لا تقدموهم و لا تخلّفوا عنهم،فإنهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلونه و لا يزايلهم».
قال علي عليه السّلام لأبي الدرداء و أبي هريرة و من حوله:«يا أيها الناس،تعلمون أن اللّه أنزل في كتابه إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا فجعلني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة و حسنا و حسينا في كساء ثم قال:اللهم هؤلاء لحمي و عترتي و ثقلي و حامتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،فقالت أم سلمة:
و أنا؟
فقال لها،و أنت إلى خير،إنما أنزلت فيّ و في أخي و في ابنتي و في ابنيّ حسن و حسين و في تسعة من ولد الحسين خاصة ليس معنا أحد غيرنا».
فقام جل القوم فقالوا:نشهد أن أم سلمة حدّثتنا بذلك،فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة.
فقال علي عليه السّلام:«تعلمون أن اللّه عز و جل أنزل في سورة الحج يا أيها الذين امنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدو ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون و جاهدوا في اللّه حق جهاده هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس».
فقام سلمان عند نزولها فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت شهيد عليهم و هم شهداء على الناس؟
قال:«الذين اختارهم اللّه و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم،قال
ص: 29
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا:أنا و أخي علي و أحد عشر من ولده».
فقالوا:اللهم نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال علي عليه السّلام:«أنشدكم اللّه أتعلمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك،فقال:أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما:كتاب اللّه عز و جل و عترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد أخبرني و عهد إليّ أنهما لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض؟»
قالوا:اللهم قد شهدنا ذلك كله من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقام اثنا عشر من الجماعة فقالوا:نشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه لكل أهل بيتك؟
فقال:«لا و لكن الأوصياء منهم علي أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي،و ولي كل مؤمن من بعدي،و هو أولهم و خيرهم ثم وصيّه ابني هذا و أشار إلى الحسن،ثم وصيه ابني هذا و أشار إلى الحسين،ثم وصيه ابني سمييّ أخي،ثم وصيه بعده سميّ ثم سبعة من ولده واحدا بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض شهداء اللّه في أرضه و حججه على خلقه،من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه».
فقام إليه السبعون البدريون و نحوهم من المهاجرين فقالوا:ذكّرتمونا ما كنّا نسيناه،نشهد أن قد كنّا سمعنا ذاك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فانطلق أبو هريرة و أبو الدرداء فحدّثا معاوية بكل ما قال علي عليه السّلام و استشهد عليه و ما ورد على الناس و شهدوا به (1).8.
ص: 30
إبراهيم بن محمد الحمويني هذا قال:روى الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه رضى اللّه عنه قال:حدثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام،حدّثنا محمد بن الفضل،حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي،حدثنا علي بن عاصم عن محمد بن علي بن موسى عن أبيه علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين ابن علي صلوات اللّه عليهم أجمعين قال:«دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عنده أبي بن كعب فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:مرحبا بك يا أبا عبد اللّه يا زين السموات و الأرض،قال أبي:
و كيف يكون يا رسول اللّه زين السموات و الأرض أحد غيرك؟
فقال:يا أبي و الذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض و إنه لمكتوب على يمين عرش اللّه مصباح هدى و سفينة نجاة و إمام غير وهن و عز و فخر و علم و ذخر،و إن اللّه عز و جل ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ما في الأصلاب أو يكون ليل أو نهار، و لقد لقن بدعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره اللّه عز و جل معه،و كان شفيعه في آخرته،و فرّج اللّه عنه كربه و قضى بها دينه و يسّر أمره و أوضح سبيله و قوّاه على عدوه و لم يهتك ستره،فقال له أبيّ بن كعب:ما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟
قال تقول إذا فرغت من صلواتك و أنت قاعد:اللهم إني أسألك بكلماتك و معاقد عرشك و سكان سماواتك و أنبيائك و رسلك أن تستجيب لي فقد رهقني من أمري
ص: 31
عسر،فأسألك أن تصلي على محمد و آل محمد و ان تجعل لي من عسري يسرا،فإن اللّه عز و جل يسهّل أمرك و يشرح صدرك و يلقنك شهادة أن لا إله إلاّ اللّه عند خروج نفسك.
قال له أبي:يا رسول اللّه فما هذه النطفة التي في صلب الحسين عليه السّلام؟
قال:مثل هذه النطفة كمثل القمر و هي نطفة تبيين و بيان يكون من اتبعه رشيدا و من ضل عنه هويّا،قال:فما اسمه؟و ما دعاؤه؟
قال:اسمه علي و دعاؤه:يا دائم يا ديّوم يا حي يا قيوم يا كاشف الغم و يا فارج الهم و يا باعث الرسل و يا صادق الوعد،من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل مع علي بن الحسين صلوات اللّه عليهما و كان قائده إلى الجنة.
قال له أبي:يا رسول اللّه فهل له من خلف و وصي؟
قال:نعم له مواريث السموات و الأرض،قال:و ما معنى مواريث السموات و الأرض يا رسول اللّه؟
قال:القضاء بالحق و الحكم بالديانة و تأويل الاحكام و بيان ما يكون،قال:اسمه محمد و أن الملائكة لتستأنس به في السماء و يقول في دعائه:اللهم إن كان لي عندك رضوان و ودّ فاغفر لي و لمن تبعني من إخواني و شيعتي و طيّب ما في صلبي،فركّب اللّه عز و جل في صلبه نطفة مباركة زكية،فأخبرني جبرئيل عليه السّلام أن اللّه تبارك و تعالى طيب هذه النطفة و سمّاها عنده جعفرا و جعله هاديا مهديا راضيا مرضيا يدعو ربه و يقول في دعائه:يا ديان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء،و لهم عندك رضا و اغفر ذنوبهم و يسّر أمورهم و اقض ديونهم و استر عوراتهم وهب لي الكبائر التي بينك و بينهم،يا من لا يخاف الضيم و لا تأخذه سنة و لا نوم اجعل لي من كل غم فرجا.
من دعى بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل أبيض الوجه مع جعفر بن محمد عليهما صلوات اللّه و سلامه إلى الجنة.
يا أبي إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في هذه النطفة نطفة زكية مباركة أنزل عليها الرحمة
ص: 32
و سمّاها عنده موسى،قال له أبي:يا رسول اللّه كلهم يتواضعون و يتناسلون و يتوارثون و يصف بعضهم بعضا،قال وصفهم لي جبرائيل عليه السّلام عن رب العالمين جل جلاله،قال:
فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه قال:نعم يقول في دعائه:يا خالق الخلق و يا باسط الرزق و فالق الحب و بارئ النسم و محيي الموتى و مميت الأحياء و دائم الثبات و مخرج النبات افعل بي ما أنت اهله من دعى بهذا الدعاء قضى اللّه له حوائجه و حشره اللّه يوم القيامة مع موسى بن جعفر عليه السّلام،و ان اللّه ركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية و سماها عنده عليا،يكون للّه في خلقه رضيا في علمه و حكمه و يجعله حجة لشيعته يحتجون به يوم القيامة و له دعاء يدعو به:اللهم صلّ على محمد و آل محمد و أعطني[الهدى] (1)و ثبتني عليه و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع،أنت أهل التقوى و أهل المغفرة،و إن اللّه عز و جل ركّب في صلبه نطفة زكية مرضية و سمّاها محمد بن علي فهو شفيع شيعته و وارث علم جده له علامة بيّنة و حجة ظاهرة إذا ولد يقول:لا اله محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
يقول في دعائه:يا من لا شبيه له و لا مثال،أنت اللّه لا إله إلاّ أنت و لا خالق إلا أنت تفني المخلوقين و تبقى أنت،حلمت عمن عصاك و في المغفرة رضاك،من دعى بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة،و إن اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية و لا طاغية مباركة طيبة طاهرة سمّاها عنده علي بن محمد فألبسه السكينة و الوقار و أودعها العلوم و كل شيء مكتوم من لقيه و في صدره شيء أنبأه و حذره من عدوه و يقول في دعائه:يا نور يا برهان يا منير يا مبين يا رب اكفني شر الشرور و آفات الدهور و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور،من دعى بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه و قائده إلى الجنة،و ان اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلبه نطفة و سماها عنده الحسن عليه السّلام و جعله نورا في بلاده و خليفة في أرضه و عزا لأمة جدّه و هاديا لشيعتهر.
ص: 33
و شفيعا لهم عند ربه و نقمة على من خالفه و حجة لمن والاه و برهانا لمن اتخذه اماما.
يقول في دعائه:يا عزيز العز في عزه و يا عزيز أعزّني بعزك و أيدني بنصرك و ابعد عني همزات الشياطين و ادفع عني بدفعك و امنع عني بمنعك و اجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد،من دعا بهذا الدعاء حشره اللّه عز و جل معه و نجّاه من النار و لو وجبت عليه،و إنّ اللّه تبارك و تعالى ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن ممن قد اخذ اللّه ميثاقه في الولاية،و يكفر به كل جاحد و هو إمام تقي نقي بار مرضي هاد مهدي،يحكم بالعدل و يأمر به،يصدق اللّه عز و جل و يصدقه اللّه في قوله،يخرج من تهامة حتى يظهر الدلائل و العلامات و له بالطالقان كنوز لا ذهب و لا فضة إلاّ خيول[مطهمة] (1)و رجال مسومة يجمع اللّه له من أقصى البلاد على عدة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،معه صحيفة مختومة فيها عدد أنصاره بأسمائهم و أنسابهم و بلدانهم و صنايعهم و طبايعهم و كلامهم و كناهم، كرارون مجدون في طاعته.
فقال أبي:و ما دلائله و علاماته يا رسول اللّه؟
قال:له علم إذا حان وقت خروجه إنتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عز و جل فناداه العلم:اخرج يا ولي اللّه،اقتل أعداء اللّه،و هما رايتان و علامتان،و له سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده و أنطقه اللّه عز و جل فناداه السيف:
أخرج يا ولي اللّه،فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه،فيخرج يقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم و يقيم حدود اللّه،و يحكم بحكم اللّه يخرج و جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن ميسرته و شعيب بن صالح على مقدمته،و سوف تذكرون ما أقول لكم و أفوّض أمري إلى اللّه عز و جل.
يا أبي طوبى لمن لقيه و طوبى لمن أحبه و طوبى لمن قال به و لو بعد حين،و ينجيهمر.
ص: 34
من الهلكة في الإقرار باللّه و برسوله و بجميع الأئمة،يفتح اللّه لهم الجنة،مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبدا،و مثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفىء نوره أبدا،قال أبي:يا رسول اللّه كيف حال بيان هؤلاء الأئمة عن اللّه عز و جل؟
قال:إن اللّه عز و جل أنزل عليّ اثني عشر خاتما و اثنتي عشرة صحيفة،إسم كل إمام على خاتمه و صفته في صحيفته» (1).
ابن بابويه قال:حدّثنا أبو الفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني رحمه اللّه قال:
حدّثنا أبو مزاحم موسى بن عبد اللّه بن يحيى بن خاقان المقرئ ببغداد قال:حدّثنا أبو بكر محمد ابن عبد اللّه بن إبراهيم الشافعي قال:حدّثنا محمد بن حماد بن هامان الدباغ أبو جعفر قال:حدّثنا عيسى بن إبراهيم قال:حدّثنا الحرث بن تيهان قال:
حدّثنا عقبة بن يقطان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأصقع بن قرضاب عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخل جندب بن جنادة بن جبير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه أخبرني عمّا ليس للّه،و عمّا ليس عند اللّه،و عمّا لا يعلمه اللّه.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أمّا ما ليس للّه فليس له شريك و أمّا ما ليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم العباد،و أمّا ما لا يعلمه اللّه فذلك قولكم يا معشر اليهود:عزير ابن اللّه،و اللّه لا يعلم له ولدا»فقال جندل:أشهد أن لا اله إلاّ اللّه و أنّك محمد رسول اللّه حقا.
ثم قال:يا رسول اللّه إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال لي:
يا جندل أسلم على يد محمد و استمسك بالأوصياء من بعده،فقد أسلمت و رزقني اللّه ذلك فأخبرني عن الاوصياء من بعدك لأتمسك بهم فقال:«يا جندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل».
فقال:يا رسول اللّه انّهم كانوا اثني عشر هكذا وجدناهم في التوراة.5.
ص: 35
قال:«نعم،الائمة بعدي اثنا عشر».
قال:يا رسول اللّه كلهم في زمن واحد قال:«لا،و لكن خلف بعد خلف و إنّك لن تدرك منهم إلاّ ثلاثة،أولهم سيّد الأوصياء أبو الائمة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،ثم ابناه الحسن و الحسين فاستمسك بهم من بعدي و لا يغرنّك جهل الجاهلين،فإذا كانت وقت ولادة ابنه عليّ بن الحسين سيّد العابدين يقضي اللّه عليك،و يكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه».
فقال:يا رسول اللّه هكذا وجدت في التوراة:إليا يقطوا شبرا و شبيرا،فلم عرف أسماءهم،فكم من الحسين عليه السّلام من الأوصياء و ما اسماؤهم؟فقال:«تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم،فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر علي ابنه و يلقّب زين العابدين،فإذا انقضت مدة عليّ قام بالأمر من بعده محمد ابنه يدعى الباقر،فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده جعفر و يدعى بالصادق،فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده موسى و يدعى بالكاظم،ثم إذا انقضت مدة موسى قام بالأمر من بعده ابنه علي و يدعى بالرضا،فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه و يدعى بالزكي،فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه و يدعى بالنقي،فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر من بعده ابنه الحسن و يدعى بالأمين،ثم يغيب عنهم إمامهم.
قال:يا رسول اللّه هو الحسن يغيب عنهم؟
قال«لا،و لكن ابنه».
قال:يا رسول اللّه فما اسمه؟قال:«لا يسمى حتى يظهر».
فقال جندل:يا رسول اللّه وجدنا ذكرهم في التوراة و قد بشرنا موسى بن عمران بك و بالأوصياء من ذرّيتك،ثم تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ص: 36
اِرْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1) .
فقال جندل:يا رسول اللّه فما خوفهم؟
قال:يا جندل في زمن كلّ واحد منهم سلطان يعتريه و يؤذيه،فإذا عجّل اللّه خروج قائمنا يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ما ملئت جورا و ظلما.ثم قال عليه السّلام:طوبى للصابرين في غيبته طوبى للمقيمين على محبتهم،أولئك من وصفهم الله في كتابه فقال اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (2)ثم قال:أولئك حزب اللّه ألا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (3).
قال ابن الأصقع:ثم عاش جندل إلى أيام الحسين بن علي ثم خرج إلى الطائف، فحدّثني نعيم ابن أبي قيس قال:دخلت عليه بالطائف و هو عليل ثم إنه دعا بشربة من لبن فشربه فقال:هكذا عهد لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن،ثم مات و دفن بالطائف بالموضع المعروف بالكورارة (4).
ابن بابويه قال:أخبرنا القاضي أبو الفجر المعافي بن زكريا البغدادي قال:حدّثنا أبو سليمان أحمد بن أبي هراسة قال:حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري قال:حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن عبد الحميد الأعرج عن عطاء قال:دخلنا على عبد اللّه بن العبّاس و هو عليل بالطائف و قد ضعف فسلّمنا عليه و جلسنا فقال لي:يا عطاء من القوم؟
فقلت:يا سيّدي شيوخ هذا البلد،منهم عبد اللّه بن سلمة بن حضرم الطائفي و عمارة بن[أي]الأجلح و ثابت بن مالك،فما زلت أذكر له واحدا بعد واحد ثمّ تقدّموا إليه و قالوا:يابن عمّ رسول اللّه إنّك رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سمعت منه ما سمعت فأخبرنا عن اختلاف هذه الأمّة،فقوم قدموا عليّا على غيره،و قوم جعلوه2.
ص: 37
بعد ثلاثة قال:فتنفّس ابن عبّاس فقال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:عليّ،مع الحقّ و الحقّ مع عليّ،و هو الإمام و الخليفة بعدي فمن تمسّك به فاز و نجا و من تخلّف عنه ضلّ و غوى،يلي تكفيني و غسلي و يقضي ديني و أبو سبطيّ الحسن و الحسين، و من صلب الحسين تخرج الأئمّة التسعة،و منّا مهدي هذه الأمّة،فقال له عبد اللّه بن سلمة الحضرمي:يابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهل كنت تعرفنا قبل؟
فقال:قدو اللّه أدّيت ما سمعت و نصحت لكم و لكن لا تحبّون الناصحين ثمّ قال:اتّقوا اللّه عباد اللّه تقيّة من اعتبر تمهيدا و أتقى في و جل و كمش في مهل،و رغب في طلب و رهب في هرب،فاعملوا لآخرتكم قبل حلول آجالكم و تمسّكوا بالعروة الوثقى من عترة نبيّكم فإنّي سمعته صلّى اللّه عليه و آله يقول:من تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين ثمّ بكى بكاء شديدا فقال له القوم:أتبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكانك؟
فقال لي:يا عطاء انّما أبكي لخصلتين طول المطّلع و فراق الأحبّة ثمّ تفرّق القوم فقال:
يا عطاء خذ بيدي و احملني إلى صحن الدار،فأخذنا بيده أنا و سعيد و حملناه إلى صحن الدار ثمّ رفع يديه إلى السماء و قال:اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد و آل محمّد، اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب،فما زال يكرّرها حتّى وقع على الأرض فصبرنا عليه ساعة ثمّ أقمناه فإذا هو ميّت رحمة اللّه عليه (1).
ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال:حدّثنا أبو الحسين زيد ابن جعفر بن محمد بن الحسين الخزّاز بالكوفة سنة سبع و سبعين و ثلاثمائة قال:حدّثنا عبّاس بن عبّاس الجوهري ببغداد في دار عمارة قال:حدّثني عفان بن مسلم قال:حدّثني حمّاد بن سلمة عن الكلبي عن أبي صالح عن شدّاد بن أويس قال:
لمّا كان يوم الجمل قلت:لا أكون مع علي و لا أكون عليه،و توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار،فلمّا كان قرب الليل ألقى اللّه في قلبي أن اقاتل مع عليّ فقاتلت معه9.
ص: 38
حتّى كان من أمره ما كان،ثمّ أتيت المدينة فدخلت على أمّ سلمة قالت:من أين أقبلت؟قلت:من البصرة،قالت:مع أيّ الفريقين؟
قلت:يا أمّ المؤمنين انّي توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار فألقى اللّه عزّ و جلّ في قلبي بأن اقاتل مع عليّ،قالت:نعم ما عملت،لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
من حارب عليّا فقد حاربني و من حاربني فقد حارب اللّه،قلت:أفترين أنّ الحقّ مع عليّ؟
قالت:إي و اللّه عليّ مع الحقّ و الحقّ معه و اللّه ما أنصف امّة محمّد نبيّهم إذ قدّموا من أخّره اللّه عزّ و جلّ و رسوله و أخّروا من قدّم اللّه و رسوله و أنّهم صانوا حلائلهم في بيوتهم و أبرزوا حليلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى القتال،و اللّه لقد سمعت رسول اللّه يقول:إنّ لامّتي فرقة و خلفة فجامعوها إذا اجتمعت و إذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط،ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحابوا و إن سالموا فسالموا،و إن زالوا فزولوا فإنّ الحقّ معهم حيث كانوا.
قلت:فمن أهل بيته؟
قالت:أهل بيته الذين امرنا بالتمسّك بهم و هم الأئمّة بعده كما قال:عدد نقباء بني إسرائيل،عليّ و سبطاه و تسعة من صلب الحسين أهل بيته هم المطهّرون و الأئمّة المعصومون،قلت:انّا للّه،هلك الناس إذا،قالت كلّ حزب بما لديهم فرحون (1).1.
ص: 39
ابن المؤيد موفق بن أحمد في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام-و هو من أعيان علماء العامة-قال:حدّثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين ابن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال:أخبرنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد (1)الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال:حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه (2)قال:حدثني جدي أحمد بن محمد،عن أبيه،عن حماد بن عيسى،عن عمرو ابن اذينة،عن أبان بن عباس (3)،عن سليم بن قيس الهلالي،عن سلمان المحمدي قال:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و إذا الحسين على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و يقول:
«أنت سيد ابن سيد أبو سادة،أنت إمام ابن إمام أبو أئمة،أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (4).
موفق بن أحمد بن أحمد هذا قال:حدثني فخر القضاة نجم الدين أبو منصور
ص: 40
محمد ابن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب الي من همدان قال:أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزينبي قال:أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد اللّه الحافظ قال:حدّثنا علي بن سنان الموصلي،عن أحمد بن محمد بن صالح،عن سليمان (1)بن محمد، عن زياد بن مسلم،عن عبد الرّحمن بن زيد،عن زيد بن جابر (2)،عن سلامة،عن أبي سلمى راعي (3)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت:
وَ الْمُؤْمِنُونَ (4) قال:صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟
قلت:خيرها.
قال:علي بن أبي طالب؟
قلت:نعم يا رب.
قال:يا محمد إني اطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من اسمائي فلا اذكر في موضع إلا ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم إطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له إسما من اسمائي فأنا الأعلى و هو علي،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من نوري (5)و عرضت ولايتكم على أهل السماوات و الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتانيه.
ص: 41
جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم،يا محمد تحب أن تراهم؟
قال:قلت:نعم يا رب فقال لي:إلتفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون و هو في وسطهم«يعني المهدي»كأنه كوكب دري.
فقال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزتي و جلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).
إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة بإسناده قال:أخبرنا أبو جعفر بن بابويه-رحمه اللّه-قال:حدّثنا محمد بن أحمد الشيباني (2)-رحمه اللّه- قال:حدّثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان قال:حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:حدّثنا الفضل (3)بن صقر العبدي قال:حدّثنا أبو (4)معاوية،عن سليمان بن مهران الأعمش،عن الصادق جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي ابن الحسين عليه السّلام قال:«نحن أئمة المسلمين،و حجج اللّه على العالمين،و سادة المؤمنين،و قادة الغر المحجلين،و موالي المؤمنين،و نحن أمان لأهل (5)الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء،و نحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه،و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها،و بنا ينزل الغيث و تنشر الرحمة و تخرج (6)بركات الأرض،و لو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها،ثم قال:و لم تخل الأرض منذج.
ص: 42
خلق اللّه آدم من حجة للّه فيها،ظاهر مشهور أو غائب مستور،و لا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة اللّه فيها،و لو لا ذلك لم يعبد اللّه».
قال سليمان:فقلت للصادق عليه السّلام:فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال:«كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب (1)» (2).
الحمويني هذا بالاسناد إلى أبي جعفر بن بابويه قال:حدّثنا أبي قال:حدّثنا سعد ابن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد بن عيسى،عن العباس بن معروف،عن عبد اللّه بن أحمد بن محمد عن عبد الرّحمن البصري (3)عن أبي المعزا (4)حميد بن المثنى (5)العجلي،عن أبي بصير،عن خيثمة الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:
«نحن جنب اللّه،و نحن صفوته (6)،و نحن حجة اللّه،و نحن أركان الإيمان،و نحن دعائم الإسلام،و نحن من رحمة اللّه على خلقه،و نحن بنا يفتح و بنا يختم (7)،و نحن أئمة الهدى،و نحن مصابيح الدجى،نحن (8)منار الهدى،و نحن السابقون،و نحن الآخرون و نحن العلم المرفوع للحق من تمسّك بنا لحق،و من تأخّر عنا غرق،و نحن الغر المحجلين (9)،و نحن خيرة اللّه،و نحن الطريق الواضح و الصراط المستقيم إلى اللّه،و نحن من نعمة اللّه عز و جل على خلقه،و نحن المنهاج،و نحن معدن النبوة،و نحن موضعن.
ص: 43
الرسالة،و نحن الذين مختلف الملائكة،و نحن السراج لمن استضاء بنا،و نحن السبيل لمن اقتدى بنا،و نحن الهداة الى الجنة،و نحن عرى الإسلام،و نحن الجسور و القناطر، من مضى عليها لم يسبق و من تخلّف عنها محق،و نحن السنام الأعظم،و نحن الذين بنا ينزل اللّه عز و جل الرحمة و بنا يسقون الغيث،و نحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا و نصرنا و عرف حقنا و أخذ بامرنا فهو منا و إلينا» (1).
قلت:و روى هذا الحديث من طريق الخاصة أبو جعفر الشيخ الطوسي في مجالسه قال:أخبرنا الحسين بن عبد اللّه (2)،عن علي بن محمد العلوي قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم قال:حدّثنا أحمد بن محمد،عن محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،عن أبي المعزا،عن أبي بصير،عن خيثمة قال:سمعت الباقر عليه السّلام يقول:«نحن جنب اللّه،و نحن صفوة اللّه،و نحن خيرة اللّه،و نحن مستودع مواريث الأنبياء،و نحن أمناء اللّه عز و جل،و نحن حجج اللّه،و نحن حبل اللّه».
و ساق الحديث إلى قوله:«منا و إلينا» (3).
الحمويني هذا قال:أخبرني مفيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي الغنايم ابن الجهم الحلّي-رحمه اللّه-إجازة قال:أنبأنا القاضي خطير الدين محمود بن محمد بن الحسين بن عبد الجبار الطوسي،عن عمه زين الدين عبد الجبار،عن أبيه، عن الصفي أبي تراب بن الداعي الحسيني (4)،عن أبي محمد جعفر بن محمد الدورستي،عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي،عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور- رضي اللّه عنه-قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر،عن المعلى بن محمدر.
ص: 44
البصري،عن جعفر بن سليمان،عن عبد اللّه بن الحكم،عن أبيه،عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي اثنا (1)عشر،أولهم أخي،و آخرهم ولدي،قيل:يا رسول اللّه و من أخوك؟
قال:علي بن أبي طالب،قيل:فمن ولدك؟
قال:المهدي الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح اللّه عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه و تشرق الأرض بنور ربها و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب» (2).
ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال:حدّثنا الحسين بن محمد ابن عامر،عن عمه عبد اللّه بن عامر،عن ابن أبي عمير،عن حمزة بن حمران،عن أبيه،عن أبي حمزة،عن علي بن الحسين،عن أبيه عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أنه جاء إليه رجل فقال له:يا أبا الحسن إنك تدعى أمير المؤمنين فمن أمّرك عليهم؟
قال:«اللّه جل جلاله أمّرني عليهم»فجاء الرجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه أيصدق عليّ فيما يقول:إن اللّه أمّره على خلقه؟فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال:«إن عليا أمير المؤمنين،بولاية من اللّه عز و جل عقدها فوق عرشه،و أشهد على ذلك ملائكته.
إنّ عليا خليفة اللّه و حجة اللّه و إنه لإمام المسلمين،طاعته مقرونة بطاعة اللّه و معصيته مقرونة بمعصية اللّه،فمن جهله فقد جهلني،و من عرفه فقد عرفني،و من أنكر إمامته فقد أنكر نبوتي،و من جحد إمرته فقد جحد رسالتي،و من دفع فضله فقد تنقصني،و من قاتله فقد قاتلني،و من سبّه فقد سبّني،لأنه خلق من طينتي،و هو زوج فاطمة إبنتي،و أبو2.
ص: 45
ولدي الحسن و الحسين،ثم قال صلّى اللّه عليه و آله:أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين حجج اللّه على خلقه،أعداؤنا أعداء اللّه و أولياؤنا أولياء اللّه» (1).
ابن بابويه قال:أخبرنا أبو المفضل الشيباني قال:حدثني أبو القاسم أحمد بن عامر،عن سليمان الطائي ببغداد قال:حدّثنا محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرّحمن بن أبي نجران،عن صفوان بن يحيى،عن إسحاق بن عمار،عن جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي، عن أخيه الحسن بن علي عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل،و حواري عيسى،من أحبهم فهو مؤمن،و من أبغضهم فهو منافق،هم حجج اللّه في خلقه و أعلامه في بريته» (2).
ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطان،و علي بن أحمد بن محمد الدقاق، و علي بن عبد اللّه الوراق،و عبد اللّه بن محمد الصائغ،و محمد بن أحمد الشيباني- رضي اللّه عنهم-قالوا،حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن زكريا القطان قال:حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال:حدّثنا تميم بن بهلول قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي الهذيل:
و سألته عن الإمامة فيمن تجب؟و ما علامات من تجب له الإمامة؟
فقال لي:إن الدليل على ذلك،و الحجة على المؤمنين،و القائم في امور المسلمين، و الناطق بالقرآن،و العالم بالأحكام،أخو نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و خليفته على أمته،و وصيه عليهم،و وليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى،المفروض الطاعة بقول اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و قال جل ذكره: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ9.
ص: 46
وَ هُمْ راكِعُونَ (1) المدعو إليه بالولاية،المثبت له بالإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه عز و جل:«ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا:بلى قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه، و انصر من نصره،و اخذل من خذله،و أعن من أعانه؛ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين،و إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و أفضل الوصيين،و خير الخلق أجمعين بعد رسول رب العالمين،و بعده الحسن،ثم الحسين سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إبنا خيرة النسوان،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم جعفر بن محمد،ثم موسى ابن جعفر،ثم علي بن موسى،ثم محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن صلوات اللّه عليهم،إلى يومنا هذا واحدا بعد واحد،إنهم عترة الرسول صلّى اللّه عليه و آله معروفون بالوصية و الإمامة في كل عصر و زمان،و كل وقت و أوان،و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى،و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و إن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق و الهدى،و إنهم المعبرون عن القرآن، و الناطقون عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالبيان،و إن من مات و لا يعرفهم مات ميتة جاهلية،و إن فيهم الورع و العفة و الصدق و الصلاح و الإجتهاد،و أداء الأمانة إلى البر و الفاجر،و طول.
السجود و قيام الليل،و اجتناب المحارم،و انتظار الفرج بالصبر و حسن الصحبة،و حسن الجواب» (2).
ثم قال تميم بن بهلول:حدثني أبو معاوية،عن الأعمش،عن جعفر بن محمد عليهما السّلام في الإمامة بمثله سواء (3).
ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن الحسن بن محمد قال:حدّثنا عتبة بن عبد اللّه1.
ص: 47
الحمصي بمكة-قراءة عليه سنة ثمانين و ثلاثمائة-قال:حدثني علي بن موسى الغطفاني قال:حدّثنا أحمد بن يوسف الحمصي قال:حدّثنا محمد بن عكاشة قال:
حدّثنا حسين بن زيد بن عبد علي قال:حدثني عبد اللّه بن الحسن بن حسن،عن أبيه عن الحسن بن علي عليهما السّلام قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما فقال بعد ما حمد اللّه و أثنى عليه:معاشر الناس كأني أدعى فاجيب،و اني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا،فتعلّموا منهم و لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم، لا تخلوا الأرض منهم،و لو خلت إذن لساخت بأهلها،ثم قال:اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد و لا ينقطع،و أنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك،ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور،لئلا تبطل حجتك،و لا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم،أولئك الأقلون عددا الأعظمون قدرا عند اللّه.
فلما نزل عن منبره قلت له:يا رسول اللّه،أما أنت الحجة على الخلق كلهم؟
قال:يا حسن إن اللّه يقول: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1)فأنا المنذر و علي الهادي قلت:يا رسول اللّه فقولك:إن الأرض لا تخلو من حجة؟
قال:نعم علي هو الإمام و الحجة بعدي،و أنت الإمام و الحجة بعده،و الحسين الإمام و الحجة و الخليفة من بعدك،و لقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له علي،سمي جده فإذا مضى الحسين قام بعده علي ابنه و هو الإمام و الحجة و يخرج اللّه من صلب علي ولدا سميّي و أشبه الناس بي،علمه علمي و حكمه حكمي، و هو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه تعالى من صلب محمد مولودا يقال له جعفر أصدق الناس قولا و فعلا،و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولودا يقال له موسى سمي موسى بن عمران أشد الناس تعبدا،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب موسى ولدا يقال له علي،معدن علم اللّه و موضع حكمه،فهو7.
ص: 48
الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له محمد،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب محمد ولدا يقال له علي،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له الحسن،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه، و يخرج اللّه من صلب الحسن الحجة القائم إمام شيعته (1)و منقذ أوليائه يغيب حتى لا يرى،و يرجع عن أمره قوم و يثبت عليه آخرون وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (2)و لو لم يكن (3)من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه عز و جل ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فلا تخلو الأرض منكم،أعطاكم اللّه علمي و فهمي،و لقد دعوت اللّه تبارك و تعالى أن يجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي و من زرعي و زرع زرعي» (4).
ابن بابويه قال:حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل-رضي اللّه عنه-قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال:حدّثنا موسى بن عمران النخعي،عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي،عن الحسن بن علي بن سالم،عن أبيه،عن أبي حمزة،عن سعيد بن جبير،عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن اللّه تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا،ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما،ثم أمرني أن أتخذه أخا و وليا و وصيا و خليفة و وزيرا،فعلي مني و أنا من علي،و هو زوج ابنتي،و أبو سبطي الحسن و الحسين ألا و إن اللّه تبارك و تعالى جعلني و إياهم حججا على عباده،و جعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري،و يحفظون وصيتي،التاسع منهم قائم أهل بيتي،و مهدي أمتي،أشبه الناس بي في شمائله و أقواله و أفعاله،يظهر من بعد غيبة طويلة و حيرة مضلة،فيعلن أمر اللّه،و يظهر دين اللّه،و يؤيدر.
ص: 49
بنصر اللّه،و ينصر بملائكة اللّه،يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (1).
ابن بابويه قال:حدّثنا أبي رضى اللّه عنه قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثنا يعقوب بن يزيد،عن حماد بن عيسى،عن عبد اللّه بن مسكان،عن أبان بن أبي عياش (2).عن سليم بن قيس الهلالي،عن سلمان الفارسي-رضي اللّه عنه-قال:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله فإذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و يقول:«أنت سيد ابن سيد،أنت إمام ابن إمام (3)أبو أئمة،أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (4).
و رواه ابن بابويه أيضا عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة،عن أبان بن أبي عياش،عن سليم ابن قيس الهلالي،و ساق الحديث.و هذا الحديث متكرر في كتب ابن بابويه و غيره.
ابن بابويه قال:حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه البرقي (5)،عن أبيه،عن جده أحمد بن أبي عبد اللّه،عن أبيه محمد بن خالد،عن محمد بن داود،عن محمد بن الجارود العبدي،عن الأصبغ بن نباتة قال:خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم و يده في يد إبنه الحسن عليه السّلام و هو يقول:«خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و يدي في يده هكذا و هو يقول:خير الخلق بعدي (6)و سيدهم بعد الحسن إبني أخوهث.
ص: 50
الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء،أما إنه و أصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة،و من بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء اللّه في أرضه و حججه على عباده،و أمناؤه على وحيه،و أئمة المسلمين،و قادة المؤمنين،و سادة المتقين، تاسعهم القائم الذي يملأ اللّه عز و جل به الأرض نورا بعد ظلمتها،و عدلا بعد جورها، و علما بعد جهلها،و الذي بعث أخي محمدا بالنبوة و اختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرائيل،و لقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-و أنا عنده-عن الأئمة بعده فقال للسائل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1)عددهم بعدد البروج، و رب الليالي و الأيام و الشهور إن عدتهم كعدة الشهور (2).
فقال السائل:فمن هم يا رسول اللّه؟
فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده على رأسي فقال:أولهم هذا و آخرهم المهدي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من أحبهم فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني،و من أنكرهم فقد أنكرني،و من عرفهم فقد عرفني،بهم يحفظ اللّه عز و جل دينه،و بهم يعمر بلاده،و بهم يرزق عباده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم يخرج بركات الأرض،هؤلاء أصفيائي و خلفائي و أئمة المسلمين و موالي المؤمنين» (3).ن.
ص: 51
روى الشيخ إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أبي الحسن بن محمد بن حمويه الجويني-و هو عن أعيان علماء العامة و عظمائهم-في كتابه المسمى ب(فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين)-و كلّما رويته فهو من كتابه هذا-قال:أخبرنا الشيخ العدل بهاء الدين محمد بن يوسف البزرالي (1)بقرائتي عليه بستمائة (2)بسفح جبل قاسون مما يلي عقبة دمّر ظاهر مدينة دمشق المحروسة قلت له:أخبرك الشيخ أحمد بن الفرج بن علي بن الفرج الأموي إجازة فأقرّ به.
ح-و أخبرني الشيخ الصالح جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد المعروف بدكويه القزويني رحمه اللّه و غيره إجازة بروايتهم عن الشيخ الإمام إمام الدين أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني إجازة قال:أنبأنا الشيخ العالم عبد القادر بن أبي صالح الجبلي قال:أنبأنا أبو البركات هبة اللّه بن موسى السقطي قال:أنبأنا القاضي أبو المظفّر هنّاد بن إبراهيم النّسفي قال:أنبأنا الحسن بن محمد بن موسى بتكريت قال:أنبأنا محمد بن الفرّخان (3)،حدّثنا محمد بن يزيد القاضي،حدّثنا الليث بن سعد (4)عن العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه،عن أبي هريرة،
ص: 52
عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«لما خلق اللّه تعالى آدم أبو البشر،و نفخ فيه من روحه،التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّدا و ركّعا قال آدم:يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟قال:لا يا آدم،قال:فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟قال:هؤلاء خمسة من ولدك،لولاهم ما خلقتك،هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة اسماء من اسمائي،لولاهم ما خلقت الجنة،و لا النار،و لا العرش،و لا الكرسي، و لا السماء و لا الأرض،و لا الملائكة،و لا الانس،و لا الجن،فأنا المحمود و هذا محمد، و انا العالي و هذا عليّ،و انا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا الاحسان و هذا الحسن،و أنا المحسن و هذا الحسين،آليت بعزتي أنه لا يأتني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلا ادخلته ناري و لا أبالي،يا آدم هؤلاء صفوتي بهم انجيهم (1)و بهم اهلكهم، فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل.فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجى و من حاد عنها هلك،فمن كان له إلى اللّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت» (2).
الحمويني قال:أنبأني أبو طالب بن الحسين الخازن (3)عن ناصر بن أبي المكارم (4)إجازة أخبرنا أبو المؤيد الموفق بن أحمد إجازة إن لم يكن سماعا.
ح-أنبأني العزيز بن محمد،عن والده أبي القاسم بن أبي الفضل بن عبد الكريم إجازة قال:أخبرنا شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي إجازة قال:أخبرنا عبدوس بن عبد اللّه (5)،حدّثنا أبو علي (6)محمد بن أحمد العطشي،حدّثنا أبو سعيد العدوي الحسين بن علي،حدّثنا أحمد بن المقدام العجلي أبو الاشعب،حدّثنا).
ص: 53
الفضيل بن عياض،عن ثور بن يزيد،عن خالد بن معدان،عن زاذان عن سلمان قال:
سمعت حبيبي المصطفى محمدا صلّى اللّه عليه و آله يقول:«كنت أنا و علي نورا بين يدي اللّه عز و جل مطيعا،يسبح اللّه ذلك النور و يقدسه قبل أن يخلق[اللّه] (1)آدم بأربعة عشر ألف سنة،فلما خلق اللّه تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم نزل (2)في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا،و جزء علي» (3).
الحمويني قال:و بهذا الاسناد إلى شهردار إجازة قال:أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني كتابة،أنبأنا الشريف (4)أبو طالب الجعفري قال:
حدّثنا ابن مردويه الحافظ،حدّثنا إسحاق بن محمد بن علي بن خالد،حدّثنا أحمد بن زكريا،حدّثنا ابن طهمان،حدّثنا محمد بن خالد الهاشمي،حدّثنا الحسن بن إسماعيل بن عباد (5)عن أبيه عن جده قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«كنت أنا و علي نورا بين يدي اللّه تعالى من قبل أن يخلق آدم اللّه بأربعة عشر ألف عام فلما خلق اللّه تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه،فلم يزل اللّه تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره صلب عبد المطّلب،ثم أخرجه من صلب عبد المطّلب فقسّمه قسمين قسما في صلب عبد اللّه،و قسما في صلب أبي طالب،فعلي مني،و أنا منه،لحمه لحمي،و دمه دمي،فمن أحبه فبحبي أحبه،و من أبغضه،فببغضي أبغضه» (6).
صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال:حدث محمد بن علي بن سعد1.
ص: 54
الجوهري (1)،عن القاسم بن الحسن،عن أبيه الحسن،عن محمد بن علي،عن أبيه، عن علي بن العباس،عن أبان عن أنس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لما خلق اللّه عز و جل آدم نظر إلى سرادق العرش فرأى مكتوبا لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه و اسماء أربعة فقال آدم عليه السّلام:يا إلهي خلقت خلقا من إنس قبلي؟فقال:لا،فقال:و ما هذه الاسماء التي أراها؟ فقال:يا آدم هؤلاء خيرتي من خلقي،و صفوتي،يا آدم لولا هؤلاء[ما خلقتك و لو لا هؤلاء]ما خلقت الجنة و لا النار،إياك أن تنظر إليهم بعين الحسد يا آدم فلما أكل آدم عليه السّلام من الشجرة و أخرج من الجنة و نال الخطيئة و أراد التوبة قال في توبته و تضرعه إلى ربه:إلهي بحق الخمسة الذين على سرادق العرش إلا غفرت لي فاوحى اللّه تعالى إليه:يا آدم قد غفرت لك فكان ذلك في سابق علمي فيك يا آدم،فقال آدم:إلهي بحق هؤلاء الخمسة و بحق المغفرة إلا عرفتني من هؤلاء؟قال تعالى يا آدم هؤلاء الخمسة من ولدك شققت لهم خمسة أسماء من اسمائي العظام،فأنا المحمود و هذا أحمد،و أنا العالي و هذا علي،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا المحسن و هذا الحسن،و أنا الاحسان و هذا حسين».
الحمويني قال:أخبرني السيّد النسّابة عبد الحميد بن فخار الموسوي-رحمه اللّه- كتابة،أخبرنا النقيب أبو طالب عبد الرّحمن بن عبد السميع الواسطي إجازة أنبأنا شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل القمي بقرائتي عليه،أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد العزيز القمي،أنبأنا الإمام حاكم الدين أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم النظيري (2)قال:أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال:أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الحافظ قال:حدّثنا أحمد بني.
ص: 55
يوسف بن خلاد النصيبي ببغداد قال:حدّثنا الحرث بن أبي اسامة (1)التميمي قال:
حدّثنا داود بن المحبر بن محمد (2)قال:حدّثنا قيس بن الربيع،عن عباد بن كثير،عن أبي عثمان النهدي (3)عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«خلقت أنا و علي بن أبي طالب من نور[اللّه] (4)عن يمين العرش نسبح اللّه و نقدسه من قبل أن يخلق اللّه تعالى آدم بأربعة عشر ألف سنة،فلما خلق اللّه آدم نقلنا إلى أصلاب الرجال و أرحام النساء الطاهرات،ثم نقلنا إلى صلب عبد المطلب و قسمنا نصفين فجعل النصف (5)في صلب أبي،عبد اللّه،و جعل النصف (6)في صلب عمي أبي طالب،فخلقت من ذلك النصف و خلق علي من النصف[الآخر] (7)و اشتق اللّه تعالى من أسمائه أسماء،فاللّه عز و جل محمود و أنا محمد،و اللّه الأعلى و أخي علي،و اللّه فاطر (8)و ابنتي فاطمة،و اللّه محسن و ابناي الحسن و الحسين،و كان اسمي في الرسالة و النبوة، و كان اسمه في الخلافة و الشجاعة،فانا رسول اللّه (9)و علي ولي اللّه» (10).5.
ص: 56
ينقل آية اللّه دستغيب هذه القصة عن السيّد الزاهد مولانا الحاج فرج اللّه البهبهاني و القصة بخط السّيد فرج اللّه نفسه و هي:
كان هناك شخص اسمه عبد اللّه يسكن بهبهان و في ليلة 28 محرم الحرام من عام 1382 ه شلّت إحدى رجليه و لم يستطع الحركة بعدها إلاّ بالاستعانة بعكازتين يضعهما تحت إبطيه و كانت تصله حقوق من أمير المؤمنين تمكنه من مواصلة العيش بكرامة.
و كان عبد اللّه قد راجع مرارا الدكتور غلامي في مدينتنا لكن الدكتور أجابه بأن حالته ميؤوس منها ثم جاء إليّ يوما يطلب العون حتى أرسله إلى مدينة أهواز فهيأت له الوسيلة و أعطيته كتاب توصية لحضرة آية اللّه البهبهاني حيث استقبله خير استقبال و أرسله إلى الدكتور فرهاد طبيب زاده..فأخذ لرجله الصور الشعاعية اللازمة و بعد تدقيقها أجابه بأن حالته لا يمكن شفاؤها حيث شوهدت غدة سرطانية في ركتبه فأرسله إلى مشفى في آبادان حيث أخذت له مرة أخرى أربع صور شعاعية و ظهر أن علاجه مستعص فأقفل راجعا إلى بهبهان و هو يائس من الشفاء على أيدي الأطباء.
و كان-عبد اللّه-يقول أنه كان يرى خلال هذه الفترة أحلاما تسره و تحفز فيه الأمل بالشفاء فيستيقظ مسرورا.
و قال عبد اللّه:و من هذه الأحلام أنني رأيت نفسي يوما و قد دخلت القسم
ص: 57
الخارجي من داركم (1)و لم تكونوا هناك و لكنني شاهدت سيدين مهيبين نورانيين قد جلسا تحت شجرة التفاح ثم رأيتكم تدخلون الباحة في هذه الأثناء و بعد التحية و السلام قدم السيدان نفسيهما إليك فكان أحدهما الإمام الحسين عليه السّلام و الثاني ولده علي الأكبر عليه السّلام.
ثم أعطاكم الإمام الحسين عليه السّلام تفاحتين و قال إحداهما لك و الأخرى لولدك حيث ستكون نتيجة ذلك بعد سنتين ستكلم الحجة بن الحسن ست كلمات.
ثم أضاف عبد اللّه:لقد طلبت من جنابكم أن تطلبوا شفائي من الإمام الحسين عليه السّلام فقال أحدهما سنعقد يوم الاثنين من جمادى الثانية لعام 84 مجلس العزاء الحسيني في منزل فلان(و ذكر اسم السيد البهبهاني)فعليك بالجلوس عند منبر الحسين و سوف تشفى إن شاء اللّه عزّ و جلّ بعد مراسم العزاء الحسيني.
ثم استيقظ عبد اللّه من النوم مسرورا و جاء إلى داري و أخبرني بالحكاية و بقي ينتظر اليوم الموعود.
و في يوم الإثنين المذكور شاهدت عبد اللّه بعكازيته و هو يدخل المجلس ثم يجلس بقرب المنبر الحسيني.
ثم يتابع عبد اللّه بقية القصة:بعد أن جلست حوالي الساعة أحسست بان رجلي المشلولة قد دبّ فيها شيء ما و ربما هو جريان الدم فمددت رجلي ثم جمعتها فإذا هي سالمة لا ألم فيها و لم يكن مجلس العزاء أثناء ذلك قد انتهى و لكن من فرحتي تحدثت مع من حولي.ثم توجه عبد اللّه إليّ و صافحني مسرورا و إذا بالحاضرين في المجلس قد علا صوتهم بالصلاة على محمّد و آل محمّد و قد شفي عبد اللّه تماما.
و بهذه المناسبة العظيمة انعقدت مجالس الفرح في مدينة بهبهان و في اليوم التالي أي 22 مهر أقيمت في منزلي مراسم الفرح باسم معاجز سيد الشهداء حيثي.
ص: 58
حضر جمع غفير من أهالي المدينة و أخذت الصور العديدة لهذه المناسبة السعيدة (1).6.
ص: 59
كان أحد المتعلمين يداوم على زيارة الحسين عليه السّلام في كل المناسبات في حرمه الشريف و في أحد الأيام سمع حديثا في حق الإمام ما معناه إنه مهما اعطى اللّه الحسين فإنه قليل في حق الحسين عليه السّلام..فحمل هذا الحديث على المبالغة و نحوه..
و هو في طريقة لزيارة الحسين على فرسه إعترضه شاب و قال له اصحبني معك قال أنت راجل و أنا راكب قال و إن أركض معك فمشيا معا.
و في أثناء الطريق قال الشاب للمتعلم:حدثنا بحديث نستفيد منه،فقال:لا أعلم شيئا.
فقال الشاب:إذا أنا أحدثك.
كان في قديم الزمان ملك يذهب إلى الصيد في كل فرصه فتوفى و خلّف ولدا في الثامنة عشر من عمره مع سفراء أربعة.
فسار الولد على مسار أبيه و في إحدى سفراته للصيد شذت فرسه عن الطريق فضاع عن الحاشية في الصحراء حتى وصل إلى كوخ فيه امرأة و عجوز فتقدما له و أنزلاه عن الفرس و ربطاه و أشعلا له الحطب لكي يتدفأ إذ كانت الأيام أيام ربيع و الوقت متأخر في المساء.و لم يكن يملك إلاّ شاة واحدة فذبحاها و أطعماه كبدها من دون علمهما بأنه الملك و قالا له في الصباح تحلّ مشكلتك..
و ما إن انفلج عمود الصباح حتى كانت الحاشية تحيط بالكوخ فقص لهم القصة و قال لهم إنه بمنزلة والدي لقد أحياني.فبما أكافيه مخاطبا سفراءه:
ص: 60
فقال الأوّل:أعطاك شاة فاعطه مئة.
و قال الثاني:أعطاك شاة فاعطه ألف.
و قال الثالث:أعطاك شاة فأعطه ملكا عظيما و قربه.
و لم يتكلم الرابع.فاعترض الملك..
فقال الرابع:رأيي لو قلته لا تعمل به.
فقال الملك:لابدّ منه.
فقال الرابع:لقد أعطاك كل ما يملك فإذا أردت أن تكون مثله فأعطه كل ما تملك، و إذا أردت أن تتفضل فكن له عبدا،إضافة إلى ملكك.
فقبل الملك و أعطاه كل ما يملك..
فقال الشاب:أعلمت معنى الحديث؟:إن العجوز قدم كبشا للملك فأعطاه كل ما يملك و لم يتفضل عليه.
فكيف بالحسين عليه السّلام الذي قدّم نفسه و طفله و عياله و أصحابه أكباشا للّه الملك القهار فهل يجزي الملك كله؟!
فتوقف المتعلم منتبها فتلفت فلم يجد الشاب فكان الحجة عليه السّلام أرواحنا له الفدى.
ص: 61
قال السيد الخامنئي:إنّ لشخصية أبي عبد الله عليه السّلام أبعادا شتى يستلزم كل واحد منها بيانا و توضيحا شاملا،من جملتها«الإخلاص»،و الإخلاص معناه الإلتزام بالواجب الإلهي و عدم إدخال المصالح الذاتية و الفئوية و الدوافع المادية فيه.
و البعد الآخر هو الثقة بالله،إذ أن ظواهر الأمور كانت تقضي بأنّ تلك الشعلة ستخفت في صحراء كربلاء،و لكن كيف يرى ذلك الفرزدق الشاعر في حين لم يكن يراه الحسين عليه السّلام؟!و يراه الناصحون القادمون من الكوفة،و لا يراه الحسين بن علي عليه السّلام الذي كان عين اللّه؟!
لقد كانت ظواهر الأمور توحي بهذا المآل،إلاّ أنّ الثقة باللّه كانت توجب عليه اليقين-رغم كل هذه الظواهر-بأن الغلبة ستكون لكلامه الصادق و لموقفه الحق.
و جوهر القضية هو أن تتحقق نيّة المرء و غايته.و الإنسان المخلص لا تهمه ذاته فيما إذا تحققت الغاية التي يرمي إليها.
رأيت ذات مرّة أحد أكابر أهل السلوك و المعرفة كتب في رسالة:إننا إذا افترضنا -على سبيل المحال-أنّ كل الأعمال التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطمح الى تحقيقها قد
ص: 62
تحقّقت،و لكن باسم شخص آخر،فهل كان ذلك يغيظ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله؟و هل كان يقف منها موقفا سلبيا مادامت باسم شخص آخر،أو أنه يقف منها موقفا إيجابيا بدون الالتفات الى الإسم الذي تتحقق على يده؟
إذن فالغاية هي المهمة،و الإنسان المخلص لا يأبه كثيرا بالشخص و بالذات و بالأنا،باعتباره انسانا مخلصا و له ثقة باللّه،و موقنا بأن الباري تعالى سيحقق هذا الهدف؛لأنه تعالى قال: وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فالكثير من الجنود الغالبين يخرّون صرعى في ميادين الجهاد،إلاّ أنه تعالى قال في الوقت ذاته: إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (1).3.
ص: 63
أما البعد الثالث فهو إدراك الموقف،و عدم الوقوع في الخطأ في اتخاذه،فقد كان الإمام الحسين متصديا لزمام المسؤولية و الإمامة مدة عشر سنوات،مارس خلالها نشاطات أخرى ليست من طراز الفعل الإستشهادي في كربلاء،و لكن بمجرد أن سنحت له الفرصة للإتيان بعمل كبير استغل تلك الفرصة و وثب و تمسّك بها،و لم يدعها تفلت من بين يديه (1).
ص: 64
قال السيد الخامنئي:تلاحظون أنّ الإمام الحسين عليه السّلام مع كونه سبط النبي صلّى اللّه عليه و آله،و ابن علي بن أبي طالب عليه السّلام،و ابن فاطمة الزهراء عليها السّلام،و هذه الأشياء عظيمة بحد ذاتها و ترفع الإنسان كثيرا،إضافة إلى أنه قد نشأ في تلك الدار و تربى في ذلك الحجر و ترعرع في تلك الأجواء المعنوية و النعيم الروحي،لكنه لم يكتف بذلك.حينما رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،كان الإمام الحسين عليه السّلام صبيا في الثامنة أو التاسعة من عمره،و عند استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام كان شابا في السابعة أو الثامنة و الثلاثين.
و في عهد أمير المؤمنين الذي كان عهد ابتلاء و جهد و عمل كان هذا الجوهر المستعد يتلقى التربية بالأعمال العظيمة و يتأهل على يد أبيه على الدوام حتى عاد قويا و مزهرا و مشرقا.
إذا كانت همة المرء كهمتنا،تراه يقول:و هذا القدر يكفيني و هو حسبي و به ألقى ربي،و هذه ليست همة حسينية.
و في حياة أخيه المباركة حيث كان الإمام الحسين عليه السّلام مأموما و أخوه الإمام الحسن عليه السّلام إماما،استمر في حركته الجبارة،و هو يسير قدما و يؤدي واجباته إلى جانب أخيه و في ظل طاعته المطلقة لإمام زمانه.تأمّلوا حياته لحظة فلحظة.
ثم أنّه واجه استشهاد أخيه.و استمرّت حياته المباركة بعد هذا الحدث،لاحظوا ما ذا كان يفعل الحسين عليه السّلام خلال هذه الفترة التي سبقت واقعة الطف.
ص: 65
إنّ إحدى الظواهر البارزة في الثقافة الإسلامية-و لها مصاديق بارزة و كثيرة في تاريخ صدر الإسلام و أقل منها على مر الفترة-هي ثقافة القتال و الجهاد.
و الجهاد طبعا لا ينحصر في نطاق القتال في ميادين الحرب؛فكل ما ينطوي على جد و اجتهاد و مجابهة مع العدو يسمّى جهادا.
التفتوا جيدا؛فلعل البعض يؤدي عملا و يتحمل فيه مشقّة كبيرة،و يدّعي الجهاد.
كلا؛فأحد شروط الجهاد أن يكون في مجابهة العدو.و لكن قد يكون تارة في ميدان الحرب فيسمّى بالجهاد الحربي،و قد يكون تارة في ميدان السياسة فيكون جهادا سياسيا،و قد يكون في الميدان الثقافي فيسمّى جهادا ثقافيا،و قد يكون في مجال البناء فيسمّى بجهاد البناء،كما أنّ له ميادين و مجالات أخرى طبعا.
و الشرط الأول فيه أن يبذل جهدا و مثابرة،و شرطه الثاني أن يكون في مواجهة العدو.
هذه ظاهرة بارزة في الثقافة الإسلامية و لها أمثلة في شتّى الميادين.
و اليوم أيضا بدأ هذا الجهاد منذ أنّ انطلق نداء مجابهة النظام البهلوي المقيت، من حنجرة الإمام الخميني رضوان اللّه عليه و أنصاره آنذاك،أي في عام 1341 (ه ش)،و قد كان حتى قبل هذا التاريخ و لكن بصورة متناثرة و نادرة و قليلة الأهمية.
منذ أن بدأت هذه المجابهة اتخذت طابعا أكثر أهمية إلى أن تكللت بانتصار هذا الجهاد الذي تجسّد بانتصار الثورة.و منذ ذلك اليوم و حتى يومنا هذا كان في هذا
ص: 66
البلد جهاد دائم.
و بما أن لنا أعداء،و أعداؤنا أقوياء في الجانب المادي،و بما أنّ الأعداء قد أحاطوا بنا من كل جانب،و هم بصدد العدوان علينا،و قضية العدوان على إيران لا يمزحون فيها؛لأنهم يستهدفون ضربها بأي نحو ممكن،إذن فكل من يقف في إيران الإسلامية بوجه هذا العدو-الذي سدّد من كل جانب سهامه السامة إلى جسد هذه الثورة و هذا البلد الإسلامي-فهو مجاهد في سبيل اللّه.و نحمد اللّه على أنّ شعلة الجهاد كانت و لا زالت و ستبقى مضيئة.
و بطبيعة الحال إن أحد أنواع هذا الجهاد هو الجهاد الفكري.أي بما أنّ العدو قد يباغتنا و يوقعنا في الأخطاء و المنزلقات،فكل من يبذل جهده على طريق توعية الناس،و يحول دون حصول أي انحراف أو سوء فهم،فعمله هذا جهاد؛إذ هو في سبيل مجابهة العدو،و لعلّه من الجهاد المهم.
بلدنا اليوم مركز الجهاد،و ليس لدينا ما يستوجب القلق في هذا المجال.الحمد للّه أنّ الشخصيات المسؤولة في البلد كلها شخصيات صالحة و مؤمنة و مجاهدة و واعية و مخلصة.عليكم أن تلتفتوا لهذه الجوانب،فرئيس الجمهورية،رجل قضى عمره في الجهاد و لا زال حتى الآن يجاهد ليلا و نهارا،و كذلك الحال بالنسبة لمسؤولي المواقع الأخرى كمجلس الشورى الإسلامي،و السلطة القضائية، و القوات المسلحة،و كذا سائر أبناء الشعب،كلهم في حالة جهاد دائم.
هذه الدولة هي دولة الجهاد في سبيل اللّه،و من هنا فإنّ ثقل جهدي في المراقبة لأرى المواضع التي تخبو فيها شعلة الجهاد فأسارع بعون اللّه و لا أدعها تنطفئ،
ص: 67
و أرى مواضع الخطأ و الزلل فأتصدى لها،و هذه هي مسؤوليتي الأساسية.
إنني لا يساورني أي قلق حول حالة الجهاد الحالية في البلد،و هذا ما يجب أن تعلموه.إلاّ أن في القرآن شيئا يرغمنا على التفكير فيه،و هو أنه أمرنا أن ننظر إلى الماضي و نأخذ العبر من التاريخ (1).
لقد انتخب الغرب ثقافة تخصّه-صحيحة أو خاطئة-لكنّه لم يقنع بذلك بل يريد فرضها على سائر الشعوب،فلو شارك أحد في إجتماع عالمي رسمي و لم يكن يلبس رباط العنق-على سبيل المثال-فهذا أمر منبوذ برأيهم فيقولون له لماذا لا تلبس هذا يا فلان؟!طبعا هو يسألهم أيضا لماذا أنتم تلبسون هذا؟
إنّ لكلّ شعب ثقافة و آداب و عادات و عقائد خاصّة به،طبعا إنّنا لا نناقش الصحيح من غير الصحيح،فإن أردنا فعل ذلك،فبديهي أنّ الثقافة النابعة من الإسلام و الوحي الإلهي و سيرة أهل البيت عليهم السّلام،أي ثقافة الشعوب الإسلامية هي الصحيحة.
إذن على كلّ شعب أن يعتمد على نفسه و ينتخب ثقافته و عقيدته و عاداته بنفسه بغضّ النظر عن كونها صحيحة أو غير صحيحة،و لا يحقّ لأيّة قوّة فرض شيء عليه.
طبعا هناك أمور قبيحة و سيّئة عند جميع الشعوب،فالظلم و التعدّي على حقوق الآخرين قبيح عند كلّ ذي عقل سليم.و لكنّ القوى الّتي تنتظر من الشعوب و الدول أن تقلّدها،هي-و للأسف-لا تراعي هذه الأمور،فتراهم يقتلون و يعتدون على
ص: 68
ثروات الشعوب و لا يطيقون الأقوال الصحيحة و المنطقيّة للشعوب.
طبعا فإنّ الثقافة-بمعنى العقيدة و الأخلاق-ليست لها هذه المنزلة في الرؤية المادية لقضايا العالم؛أي أنّ العقيدة و الأخلاق لا تحظى بهذه الأهمية التي تحظى بها عندنا بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى قضايا العالم و شؤون البشرية و أمور الحياة نظرة مادية صرفة.و لهذا فإنّ الغرب المادي يتخذ موقفا على صعيد العقائد و الأخلاق غير الموقف الذي يتخذه في مجال السلطة و المال و الذي تتجسد من خلاله المصالح المادية و الملموسة؛فحيثما يشعر الغرب بأنّ ثمّة مجالا للوصول إلى السلطة و كسب الثروة و الأرباح أو المنافسة فإنّه ينزل إلى الميدان بكل ما لديه من قوة دون أي تساهل أو تسامح أو مداراة،و هذا ما لا يفعله في مجال العقيدة و الأخلاق-أو على أقل تقدير في مقام الإدعاء-حيث يدّعي التسامح و عدم التعصب؛أي أنه لا يقيم لها وزنا؛فلكل شخص أن يختار عقيدته أو أخلاقه بالشكل الذي يريد،و إن كنّا نرى أحيانا أنّ الغربيين يبدون الكثير من العصبية في المجال الثقافي؛أي عند ما يكون الأمر متعلقا بمصالحهم السياسية أو التوسعية أو السلطوية بشكل أو بآخر،فإنهم حتى على الصعيد الثقافي يدخلون الميدان بعنف و عصبية دون إبداء شيء من المرونة أو التسامح.و لكن القاعدة العامة عندهم هي عدم إظهار الحساسية أو إتخاذ موقف ما عند ما يتعلق الأمر بقضايا العقيدة و الدين و الثقافة.
و هذه هي العلمانية؛أي الفكر المحايد و غير المبدئي في مجال العقيدة و الأخلاق و ما إلى ذلك.هذه هي الرؤية المادية الغربية.و بالطبع فإنّ الغربيين ليسوا هكذا جميعا،بل إنّ في الغرب أيضا فكرا معنويا و إلهيا و عرفانيا يعلن عن نفسه في بعض الأحيان،و لا سيما في أيامنا هذه،و لكن هذا هو مبنى الفكر المادي السائد في الغرب بصفة عامة.
ص: 69
إنّ الأمر يختلف تماما عند ما يتعلق الحديث بالإسلام،حيث إن النظرة إلى القضايا العقائدية و الأخلاقية في الإسلام ليست نظرة غير مبالية أو غير مكترثة و لا مسؤولة؛فالإسلام يعطي شطرا من نشر العدالة لقضية العقائد و الأخلاق،أي أنّ الذي يتجاهل الحيلولة دون انحراف شخص ما،مع تمكنه من ذلك،يكون قد أجحف بحقه،كما أنّ الذي يستطيع هداية شخص ما أو توعيته و إرشاده على الصعيد الأخلاقي ثم يتوانى عن ذلك،يكون قد ظلم ذلك الشخص و أجحف في حقه.
و هناك عدة روايات حول تفسير قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (1)،حيث يقول الإمام عليه السّلام:أي الذي يخلّص إنسانا من الحرق أو القتل (2).
ص: 70
و لكنه يقول في رواية أخرى:أي الذي يهدي إنسانا.ثم يعقّب قائلا:و ذلك تأويلها الأعظم.
فهداية إنسان واحد كأنها هداية للإنسانية جمعاء،و ذلك لأن الجوهر الإنساني واحد في هذا الإنسان كما في كافة البشرية؛فعند ما تقومون بمدّيد العون للجوهر الإنساني متمثلا في شخص واحد و تفيضون عليه من قبس الهداية-سواء على صعيد الدين أو في مجال الأخلاق-تكونون قد منحتم العون و المساعدة للجوهر البشري بأجمعه،و لهذا فإنّ الدرجة و القيمة واحدة في الحالتين (1).
إنّ السند الخلفي لجهاد شعوبنا الإسلامية مع الإستكبار العالمي يتمثّل بثقافتنا و هي عبارة عن أخلاقنا الإسلامية و توكّلنا على الله و إيماننا بالإسلام و حبّنا له، المرأة التي تقدّم أربعة من أبنائها شهداء تقول لقد قدّمت هؤلاء هدية للإسلام و أنا مسرورة بشهادتهم،أنا شخصيا رأيت بعض العوائل عن كثب و ذهبت الى منازلهم و تكلمت مع الآباء و الامهات،أنا لا أروي نقلا عن أحد؛لقد رأيت هذه المناظر بنفسي عن قرب،هناك عائلة فيها ولدان و قد استشهد كلاهما،و أخرى فيها ثلاثة استشهدوا جميعا،هل هذا مزاح؟أفيمكن تحمّل هكذا مصيبة؟لقد كان المفروض أن يجنّ الأب و الأم من الحزن و الغمّ و لكننا رأينا خلاف ذلك،رأينا أنّ الأم -و التي غالبا ما تكون أكثر عاطفية-تقول بكلّ حزم"سيدنا لقد قدّمنا أولادنا في سبيل الإسلام و نحن راضون".
و لقد أدرك العدو أنّ تأثير الإسلام و الإيمان بالله يظهر عند ما يقول الأب و الأم
ص: 71
و أبنهما الشاب«إنّك لم تتجاوز السادسة أو السابعة عشرة من عمرك،و لقد ذهب أخوك الى الجبهة و استشهد فابق أنت هنا أدرس و العب و امرح»و لكن ذلك الشاب يقول«لا،يجب أن أؤدي دوري في الدفاع عن الإسلام»لقد لاحظنا هذه المعنويات كثيرا من خلال قراءة الوصايا التي كان يكتبها الشهداء،و لقد سمعت مثل هذه المفاهيم شخصيا من عوائل الشهداء.
ذات يوم أصدر الإمام(ره)بيانا شرح فيه حاجة الجبهة الى الشباب و كنت خرجت يومها الى الشارع لقضاء بعض الأعمال فرأيت الشوارع ممتلئة بالشباب تماما مثل الأيام الأولى للثورة،و كانت الناس تتحرك أفواجا تلبية لما أمر به الإمام (قدس سره).
و لقد تكرّرت هذه الحالة و نظائرها لمرات عديدة طوال الحرب كلّما نودي باسم الإسلام و كلّما تكلّم الإمام(ر ض)و الذي كان ينطق بلسان الإسلام و كانت الناس تطيعه باعتبار تمثيله للإسلام.كلما كان ذلك رأيت الشعب يتميز غيظا و تحمّسا لتنفيذ أوامره.فيهجر الشباب المدن و الجامعات و الأسواق و ساحات كرة القدم و كلّ المشاغل الأخرى و يذهبون الى الجبهة،حتى يجعلوا أنفسهم عرضة للموت.
إنّ هذه قضية جدّية،و لم يكن العدو غافلا عن ذلك بل كان يتابع و يحلّل.أدرك العدو أنّ لهذه الامة سندا و ما دام هذا السند قائما فلن يكون بالإمكان إخضاع هذه الامة بالمحاصرة العسكرية و الإقتصادية و أمثالها.
يجب تحطيم ذلك السند،و يجب أن تمحى ثقافة هذه الامة و قرآنها و جهادها و إيمانها و إيثارها و اعتقادها بدينها و اعتقادها بقيادتها بالقرآن و الشهادة و الجهاد، و لهذا شرعوا بهذا العمل(الغزو الثقافي)و كانت البيئة ملائمة بعد الحرب،و ذلك لأن جبهات القتال كانت تجلب اهتمام الشباب فلم يكونوا يصغون لأراجيف الأعداء و لكن عند ما خمد لهيب الحرب تهيّأ الظرف لهم فشرعوا بعملهم على جبهة منفتحة،
ص: 72
و استعملوا مختلف الوسائل في هذا المجال.
عند ما أدقّق النظر في سعة الأساليب و الوسائل التي استعملوها أدرك مقدار الأهمية التي يولونها لهذا العمل،و أحد أعمالهم هذه هو تحقير و إهمال التراث الأدبي و الفني و الثقافي و الثوري في البلاد.
إنّ أحد المنجزات المهمة للثورة هي أنّها ربّت عدّة كوادر ثقافية و أدبية و فنية مقتدرة،نحن لدينا الكثير من هذه الكوادر-و الحمد لله-لقد ظهر شعراء و كتّاب كثيرون،و برز مؤلفون ماهرون.
و في المجال الثقافي أيضا دأب على مكافحة التحريف و نشر الأحكام الإلهية و تربية التلاميذ و الشخصيات الكبيرة،و على الصعيد السياسي أيضا كان يمارس الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
ثم تلا كلّ ذلك جهاده العظيم الذي يتعلق بدوره في الجانب السياسي.فهو مشغول بترويض نفسه على الأصعدة الثلاثة و الترقّي فيها (1).
ص: 73
قال السيد الخامنئي:الإستقامة تعني بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام العزم على عدم الانصياع ليزيد و حكمه الجائر.و من هنا انطلقت بوادر التصدّي و عدم الإستسلام لحكومة فاسدة حرّفت نهج الدين بالكامل.بهذه النيّة سار الإمام عليه السّلام من المدينة،لكنه حينما لمس بمكة وجود الناصر قرن مسيرته تلك بالعزم على الثورة.و إلاّ فالجوهر الأصلي لموقفه المعارض هو الوقوف بوجه حكومة لا يتأتّى قبولها أو تحملها وفقا للموازين الحسينية.
فالإمام الحسين عليه السلام وقف أوّل الأمر بوجه هذه الحكومة في وقت لم تكن المشاكل قد برزت بعد،ثم إنّه صار يواجه المشاكل الواحدة تلو الاخرى.
فكانت مسألة الإضطرار للخروج من مكة،ثم اندلاع المعركة في كربلاء و ما تلاها من الضغوط التي تعرّض لها في تلك الواقعة.
أحد الامور المهمة التي تعترض سبيل المرء في المواقف الكبرى هي الأعذار الشرعية.فالفروض أو التكاليف توجب على الإنسان أن يؤدّيها،و لكن حينما يستلزم مثل هذا العمل وقوع إشكال كبير-كأن يقتل فيه على سبيل المثال أشخاص كثيرون-هنا يشعر المرء أنّه لم يعد مكلّفا.
ص: 74
أنتم على معرفة بالأعذار الشرعية التي تلاحقت بوجه الإمام الحسين عليه السلام و كانت كفيلة بصرف أي إنسان سطحي الرؤية عن هذا السبيل؛فهو قد واجه أولا نكول أهل الكوفة و مقتل مسلم بن عقيل.و هنا كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام القول بأنّ العذر بات شرعيا و قد سقط التكليف،فأنا كنت عازما على عدم البيعة،و لكن تبيّن لي أنّ موقفا كهذا لا يمكن الإستمرار عليه في مثل هذه الأوضاع و الظروف،و الناس لا طاقة لهم على التحمّل.
إذن فالتكليف ساقط و أنا أبايع مكرها.
كان بميسور الإمام الحسين عليه السلام عند مواجهة ذلك الموقف أن يتصرف على شاكلة الإنسان الذي يحلّ المواقف الكبرى بمثل هذا المنطق و يقول إنّ هؤلاء النسوة و الصبية لا قبل لهم بتحمل هذه الصحراء المحرقة،و على هذا فالتكليف مرفوع،فيميل نحو الخنوع و يقبل بما لم يكن قبله حتى ذلك الحين،أو حتى بعد اندلاع القتال في اليوم العاشر و استشهاد ثلة من أصحابه فهناك تفاقمت عليه المشاكل و بات بإمكانه التذرع بأنّ القتال لم يعد ممكنا،و لا بالمقدور الإستمرار،و لا محيص من التراجع.
أو حينما تكشّف للإمام الحسين عليه السلام بأنّه سيستشهد،و من بعد استشهاده ستبقى حرم اللّه و حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام بيد الرجال الأجانب.
و هنا يعرض له موضوع الشرف و العرض.و كان له باعتباره إنسانا ذا غيرة القول بارتفاع التكليف؛لأنني إذا واصلت هذا الطريق و قتلت فإنّ النساء من آل الرسول و بنات أمير المؤمنين عليه السّلام و أطهر نساء الإسلام سيقعن سبايا بيد الأعداء من الرجال الذين لا أصل لهم و لا فصل و لا يفقهون شيئا من معاني الشرف و الغيرة إذن فالتكليف مرفوع.
ص: 75
فهذا الموقف من واقعة كربلاء ينبغي النظر إليه انطلاقا من هذه الرؤية،و هو أنّ الإمام الحسين عليه السلام لو أراد النظر إلى بعض الحوادث الشديدة الألم و المرارة كحادثة استشهاد علي الأصغر و سبي النساء و عطش الصبية و مقتل الشبان و غيرها من الحوادث الاخرى المروّعة في كربلاء،بمنظار المتشرّع العادي و يتغاضى عن عظمة دوره و رسالته،كان باستطاعته التراجع عند أية خطوة يشاء، ثم يقول أن لا تكليف عليه،و لا مناص الآن من مبايعة يزيد،«و إنّ الضرورات تبيح المحظورات» (1).
إلاّ أنّه عليه السلام لم يتصرف على هذه الشاكلة.هذه هي استقامة الإمام الحسين عليه السلام و هذا هو معنى الاستقامة.
الاستقامة لا تعني في أي موضع كان تحمّل المشاكل؛لأنّ تحمّل المشاكل بالنسبة للإنسان الفذ أيسر من تحمّل هذه الامور التي تبدو في المقاييس الشرعيّة و العرفيّة و العقليّة الساذجة خلافا للمصلحة،لأنّ تحمّلها أصعب من تحمّل المشاكل العصيبة.
قد يقال للمرء تارة:لا تسلك هذا الطريق لأنك ربّما تتعرض للتعذيب.فالإنسان القوي يقول:إني سالك هذا الطريق و لا ضير في تعرّضي للتعذيب.
أو قد يقال لآخر:لا تسلك هذا المسلك لعلك تقتل،ترى الإنسان الفذ يقول:إنّي سالكه و لا أبالي بالقتل.
و لكن تارة أخرى قد لا يقتصر الحديث على مجرد القتل و التعذيب و الحرمان،بل يقال:لا تذهب هذا المذهب،فقد يقتل على أثر موقفك هذا عدد من الناس.و هنا يعرض على بساط البحث موضوع أرواح الآخرين.فيقال له:لا تسر،فمن المحتمل أن يواجه الكثير من النساء و الرجال و الأطفال مصاعب جمّة و عنتا كبيرا من جرّاء0.
ص: 76
مسيرك هذا.
و هنا ترتعد فرائص من يهمهم القتل،أمّا الذي لا ترتعد فرائصه،فهو أوّلا:في أعلى درجة من البصيرة و على بيّنة من ضخامة العمل الذي يؤدّيه.
و ثانيا:له من قوة النفس ما لا يتسرب معها إليه الوهن.
و هاتان الميزتان تجلّتا عند الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء.لذلك كانت واقعة كربلاء كشمس سطعت في دياجي التاريخ،و هي ما انفكت ساطعة و ستبقى كذلك أبد الدهر (1).2.
ص: 77
و من الناحية التأريخية أيضا،فإنّ هذا الإسم و هذه الخصوصية و الشخصية هو مقطع تأريخي و كتاب مستقلّ،طبعا ليس تأريخا مبسّطا و سردا للأحداث،بل تفسير و بيان للتأريخ و دروس في الحقائق التأريخية.
إنّنا بالإضافة إلى استلهامنا الدروس من هذه الواقعة،فإنّنا نستخلص العبر منها،فالدروس تقول لنا ماذا يجب فعله،لكنّ العبر تقول أيّة حادثة وقعت و أيّها قد تقع..
و العبرة في قضية الإمام الحسين عليه السلام هي عند ما يتأمّل الإنسان في تأريخ المجتمع الإسلامي،ذلك المجتمع الذي كان يرأسه شخص غير عادي كرسول الله صلّى اللّه عليه و آله،هذا النبي الذي كان يتمتّع بقدرة تفوق إدراك البشر،و المرتبط بالوحي الأزلي و الحكمة الفريدة اللامتناهية،و المجتمع الذي حكمه بعد ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام،حيث أصبحت المدينة و الكوفة مركزي هذه الحكومة العظيمة،فما الذي حدث بعد ذلك؟و أيّة جرثومة دخلت بدن هذا المجتمع حتّى قتل الحسين بن علي عليه السلام في ذلك المجتمع و بين هؤلاء الناس و بتلك الصورة بعد مضي نصف قرن على وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و عشرين سنة على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام،فما الذي حدث،و كيف؟!و ما حدث ليس بحقّ ابن مجهول،بل بحقّ من كان يحتضنه النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله في الصغر،و يصعده معه على المنبر و يخطب في الناس،بحقّ من قال في حقّه رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«حسين منّي و أنا من حسين»،كذا كانت العلاقة وثيقة بين الأب و الإبن،ذلك الإبن الذي كان ركنا
ص: 78
من أركان حكومة أمير المؤمنين عليه السلام في الحرب و الصلح و السياسة،و كان كالشمس الساطعة.
إلاّ أنّ أمر ذلك المجتمع قد آل إلى أن يحاصر ابن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذلك الإنسان البارز العزيز صاحب العمل و التقوى و الشخصية المفخرة،صاحب ذلك الدرس في المدينة و الكثير الأصحاب و الأنصار و المحبّين،و شيعته كثيرون في مختلف مناطق العالم الإسلامي،ثم يقتل عطشانا بتلك الصورة الفجيعة لا لوحده فقط،بل مع جميع رجاله حتّى الطفل البالغ من العمر ستة أشهر،و تساق نساؤه و أطفاله أسارى يطاف بهم من مدينة إلى مدينة.فما القضية؟!و ما الذي حدث؟!هذه هي العبرة.
قارنوا بين مجتمعنا و ذلك المجتمع لتجدوا الفارق بينهما،فقد كان على رأس مجتمعنا الإمام العظيم الشأن و الذي كان أعظم من الناس جميعا في زماننا دون أدنى شكّ،و لكن أين إمامنا من النبي صلّى اللّه عليه و آله؟فمثل هذه القدرة العظيمة التي نشرها النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك المجتمع بحيث كانت يد النبي صلّى اللّه عليه و آله تقود المجتمع بعد عشرات السنين من وفاته.فلا تتصوّروا أنّ الفتوحات الإسلامية كانت مقطوعة عن نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله،بل كانت يد النبي صلّى اللّه عليه و آله هي التي تقود المجتمع الإسلامي،و بناءا على ذلك كان النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله حاضرا في فتوحات ذلك المجتمع و في مجتمعنا و لا زال حتّى آل الأمر إلى ما نحن عليه الآن.
و إنّني أوصي الشباب و المحصّلين و الطلبة و غيرهم أن يجهدوا في القرآن و يدقّقوا فيه،ليعرفوا ماذا حدث؟ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ (1)إنّ القرآن يعلّمنا الاعتبار من سيرة الماضين (2).6.
ص: 79
لشخصية الإمام الحسين عليه السّلام الألمعية و الباهرة،بعدان:بعد الجهاد و الشهادة و الإعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ،و سيبقى هذا الإعصار-على ما يتسم به من بركات-مدويا على مدى الدهر كما بيّنا.
أمّا البعد الآخر فهو بعد معنوي و عرفاني،و يتجلّى هذا البعد في دعاء عرفة بشكل واضح و عجيب.
و قلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة و الحرقة و الانسياق المنتظم في التوسل إلى اللّه و الإبتهال إليه بالفناء فيه،إنه حقّا دعاء عظيم.
ثمة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجادية عن نجل هذا الإمام العظيم عليهما السلام،كنت في وقت أقارن بين هذين الدعائين.فكنت أقرأ أولا دعاء الإمام الحسين،و أقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية،و قد تبادر إلى ذهني مرات عديدة أنّ دعاء الإمام السجاد عليه السّلام يبدو و كأنه شرح لدعاء يوم عرفة.
فالأول-أي دعاء الحسين عليه السّلام في يوم عرفة-هو المتن و الثاني شرح له،و ذاك أصل و هذا فرع،دعاء عرفة دعاء مذهل حقا.
و في خطابه عليه السّلام الذي ألقاه على مسامع أكابر شخصيات عصره و أكابر المسلمين التابعين في منى تجدون نفس تلك النغمة و النفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة.
ص: 80
و يبدو أن خطابه ذلك كان في تلك السنة الأخيرة،أو ربّما في سنة أخرى غيرها، لا أستحضر ذلك حاليا في ذهني لكنه مسطور في كتب التاريخ و الحديث.
إذا نظرنا إلى واقعة عاشوراء و أحداث كربلاء،فمع أنها ساحة قتال و سيف و قتل،لكنكم ترون الحسين عليه السّلام يتكلم و يتعامل بلسان الحبّ و الرضى و العرفان مع اللّه تعالى آخر المعركة حيث وضع خدّه المبارك على تراب كربلاء اللاهبة،تراه يقول:«إلهي رضى بقضائك و تسليما لأمرك لا معبود سواك» (1).
و كذا حين خروجه من مكّة يقول:«من كان باذلا فينا مهجته و موطنا على لقاء اللّه نفسه،فليرحل معنا» (2).
كل قضية كربلاء ترون فيها وجه العرفان و التضرع و الإبتهال.إقترن خروجه ذاك بالتوسل و المناجاة و أمنية لقاء اللّه،و بدأ بذلك الإندفاع المعنوي المشهور في دعاء عرفة،إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة،إلى حفرة المنحر حيث قال:
«و رضى بقضائك».
و معنى هذا أنّ واقعة عاشوراء تعد بحدّ ذاتها واقعة عرفانية.و مع أنّها امتزجت بالقتال و القتل و الشهادة و الملحمة-و ملحمة عاشوراء صفحة رائعة بشكل يفوق التصور-و لكن إن نظرتم إلى عمق نسيج هذه الواقعة الملحمية لرأيتم معالم العرفان،و المعنوية،و التضرع،و جوهرية دعاء عرفة.إذن فهذا هو البعد الآخر في شخصية الإمام الحسين عليه السّلام،و هو ما ينبغي أن يكون موضع اهتمام إلى جانب
ص: 81
البعد الأول المتمثل بالجهاد و الشهادة.
القضية التي أروم الإشارة إليها هي أنه يمكن القول قطعا أنّ هذا الاندفاع المعنوي،و العرفان،و الإبتهال إلى اللّه و الفناء فيه،و عدم رؤية الذات أمام إرادته المقدّسة،هو الذي أضفى على واقعة كربلاء هذا الجلال و العظمة و الخلود.
أو بعبارة أخرى إنّ البعد الأول؛أي بعد الجهاد و الشهادة،جاء كحصيلة و نتاج للبعد الثاني.أي نفس تلك الروح العرفانية و المعنوية التي يفتقد إليها الكثير من المؤمنين ممن يجاهدون و ينالون الشهادة بكل ما لها من كرامة،نفس تلك الروح العرفانية و المعنوية تجدها في شهادة أخرى نابعة من روح الإيمان،و منبثقة من قلب يتحرّق شوقا،و صادرة عن روح متلهفة للقاء اللّه،و مستغرقة في ذات اللّه.هذا اللون الآخر من المجاهدة له طعم و نكهة أخرى،و يضفي أثرا آخر على التكوين (1).
ص: 82
إن سلوك الإمام الحسين عليه السّلام منذ خروجه من المدينة و حتى يوم استشهاده في كربلاء كان منطويا على المعنويات و العزة و الشموخ و في نفس الوقت مغمورا بالعبودية و التسليم المطلق لأمر الله،و هكذا كان دائما و في كل المراحل.ففي ذلك اليوم الذي جاءته مئات و ربما آلاف الرسائل تحمل نداء القائلين بأنهم شيعته و أنصاره و أنهم في الكوفة و العراق بانتظار وصوله،فإنه لم يصب بالغرور.
و عندما قال:«خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة» (1)فإنه كان يتحدث عن الموت و لم يهدد الأعداء و ينذرهم بالويل و الثبور،كما أنه لم يقم بترغيب أصحابه و لم يقم بتقسيم مناصب الكوفة بينهم.
لقد كانت حركته عليه السّلام حركة إسلامية مفعمة بالعلم و المعرفة و العبودية و التواضع في ذلك اليوم الذي مد فيه الجميع إليه أيديهم و أظهروا له الود و الإخلاص.
و حتى في كربلاء عند ما حاصره ثلاثون ألفا من الأراذل و الأوباش مع أصحابه الذين لم يبلغوا المائة و هددوه و من معه من أعزائه بالموت كما هددوا نساءه و حرمه بالأسر،فإن هذا الرجل الإلهي و العبد الرباني العزيز في الإسلام لم تبد عليه ذرة من الإضطراب.
يقول ذلك الراوي الذي ينقل أحداث يوم عاشوراء التي تناقلتها الألسن و الكتب
ص: 83
«فو الله ما رأيت مكثورا أربط جأشا من الحسين» (1).
فالإنسان يلتقي الكثيرين في ميادين الحرب المختلفة و في الساحات الإجتماعية و العرصات السياسية و سواها من المجالات الأخرى التي تضم ذوي الإبتلاءات المختلفة؛و لكن الراوي يحكي عن عدم مشاهدته لأحد مثل الحسين بن علي عليه السّلام في موقفه هذا،حيث نزلت عليه شتى المصائب غير أنه واجهها بوجه مستبشر قاطع، مما يدل على قوة العزيمة و رسوخ الإرادة و التوكل على الله.فهذه هي العزة الإلهية، و هذا هو الموقف الذي خطّه الإمام الحسين عليه السّلام في سجل التاريخ،فأدرك الناس أنه ينبغي عليهم النضال في سبيل مثل هكذا حكومة و هكذا مجتمع لا تسيطر عليه الدناءة و الجهالة و الخضوع الإنساني و العنصرية.
فعلى البشر كافة أن يجاهدوا من أجل تحقيق مثل هذا المجتمع،و هو أمر ممكن و سيتحقق.
لقد كان الناس قابعين في ضباب اليأس ذات يوم،ثم جاءت الثورة الإسلامية و استقرت دعائم النظام الإسلامي ليتضح أن كل شيء ممكن.
إنّ النظام الإسلامي لم يبلغ الذروة،لكنه تغلّب على الكثير من العقبات الكبرى في سبيل الوصول إلى تلك المرحلة.
إن وجود الحكومة الطاغوتية و النظام الدكتاتوري و حكومة أولئك الذين يستأسدون على الشعب بينما هم نعامة أمام القوى العظمى و الذين يتعالون على شعوبهم كما الفراعنة بينما هم أذلاء و خاضعون للأجانب،يمثل عقبة كؤودا في طريق الشعوب،و لا سيما إذا كانت تلك الحكومة تحظى بدعم كافة القوى الدولية، و لقد أظهرت الشعوب المسلمة و في طليعتها الشعب الإيراني المسلم أن مثل هذا العمل يعدّ ممكنا و بوسعه القيام به،فأزال تلك العقبة و استمرّ في هذا الطريق.4.
ص: 84
و بلطف من اللّه و فضله فإنه تمّ اتخاذ الكثير من الخطوات في هذا الطريق،و لكننا مازلنا في منتصف الطريق أيها الأخوة و الأعزاء!فلو حافظنا على رسالة الإمام الحسين عليه السّلام حيّة و نابضة،و لو أدركنا العظمة الكامنة في اسم الإمام الحسين عليه السّلام، و لو تطلعنا لهذه النهضة و اعتبرناها حدثا إنسانيا عظيما على مدى التاريخ،لأعاننا كل ذلك على مواصلة الطريق و التقدم إلى الإمام و على ألاّ نحيد عن درب الإمام الحسين عليه السّلام و على تحقيق ما رسمناه من أهداف بلطف من الله.لقد جعل الله تعالى اسم الإمام الحسين عليه السلام مجلّلا بالعظمة و حافظ على واقعة كربلاء حيّة في التاريخ.و إن ما قلته لا يعني أننا نعمل على جعل اسم الإمام الحسين عظيما،كلاّ، فهذا الحدث أعظم من أن تغطي عليه كافة أحداث الزمان أو أن تمحو رسمه من صفحات التاريخ.
نحن شهدنا في فترة الحرب نفحات من تلك النسمة المقدسة،و لم يكن ما سمعتموه من تأكيدات سماحة الإمام الخميني على قراءة وصايا الشهداء وصايا صرفة لا يبتغي شيئا وراءها-حسب ظني-فهو نفسه كان قد قرأ تلك الوصايا، و أثرت في قلبه المبارك تلك الجمرات المتلظّية،فرغب في أن لا يحرم الآخرين من هذه الفائدة.
كما إنني و الحمد للّه كنت طوال فترة الحرب و ما بعدها و حتى يومنا هذا أستأنس بقراءة هذه الوصايا؛و لا حظت كيف أنّ بعضها نابعة من أعماق روح العرفان.
ص: 85
فالمرحلة التي يبلغها العارف و السالك على مدى ثلاثين أو أربعين سنة؛يتعبد و يرتاض،و يواصل الدراسة على يد الأساتذة،و يكثر من البكاء و التضرع و يكابد المشاق لأجلها،يستطيع أن ينالها شاب في مدّة عشرة أيام أو خمسة عشر يوما،أو عشرين يوما في الجبهة.أي منذ اللحظة التي يتوجه فيها ذلك الشاب إلى الجبهة بأي دافع كان مع وجود الدافع الديني الممتزج بحماس الشباب ثم يتحول ذلك الإندفاع لديه بالتدريج إلى عزم على التضحية و الجود بكل وجوده،و يسطر ذكرياته أو وصيّته،و هو من تلك اللحظات و حتى لحظة استشهاده يزداد تحمسا و شوقا، و يصبح سيره أسرع و قربه أدنى،إلى أن تأتي الأيام الأخيرة و تحل الساعات و اللحظات الأخيرة،فإن يكن قد بقي منه شيء حينذاك،فهو كجمرة تتلظّى،تلسع قلوب من يقرأون تلك الوصايا.
يلاحظ المرء بكل وضوح في ذكريات من استشهدوا نفحة فوّاحة من نفس تلك الروح الحسينية.إذن فلحادثة كربلاء سند معنوي متين.
هذا الإعصار الخالد على مدى التاريخ-و كانت قصور الظلم تخشاه على الدوام و تتقهقر أمامه-متى ما أطل عبر مختلف الحقب التاريخية،يأتي بفعل شبيه بفعل ذلك اليوم،كما هو الحال في ثورتنا.
و هذه الواقعة الكبرى التي كان أثرها ملموسا في كل برهة زمنية على مدى التاريخ،قضت على الكثير من سلالات الجور،و أكسبت الكثير من الناس الضعفاء العزّة و المنعة،و نفحت العزم في قلوب الكثير من الشعوب المقهورة،و جهّزت
ص: 86
الكثير من الناس بسلاح الصمود في سبيل اللّه (1).
إنّ ما من شأنه تقليل الأضرار في هذا المجال هي تلك القضايا المعنوية و الأخلاقية و الدعاء و الذكر و التوجّه إلى اللّه و تهذيب النفس و بناء الذات و تطهيرها من الرذائل،و هذا السلوك على قدر كبير من الأهمية.نعم ما أكثر الأشخاص الذين يكثرون من الدعاء و الذكر و ما شابه هذه الأعمال،لكنهم لم ينجحوا في استئصال الرذائل و الأنانية و الكبر و البخل و الحرص و الحسد و الحقد و سوء الظن و الكيد لهذا و ذاك من نفوسهم،أو إلغاء تأثيرها على سلوكهم.
و على العكس من ذلك تلك الجنّة الأخلاقية التي أرادها الإسلام للناس؛فالإسلام أراد للناس أن يتراحموا في ما بينهم،و أن يهتم كل منهم بمصير الآخر،و يحرص على مصالحه،و أن يشارك الآخرين في معاناتهم و يسعى في تصحيح أخطائهم، و أن يدعو أحدهم للآخر،و أن يتعاملوا بالمودة و الرأفة ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (2).
المحبّة بين الأخوة،و بين الأصدقاء،و بين الأخوات،و بين أفراد الأمة الإسلامية، و الإرتباط العاطفي،و حب الخير للآخرين،صفات فاضلة و نبيلة،و يجب على المرء أن يعمل للإستزادة منها.
ص: 87
إن أقبح ما في الإنسان من صفات هو أن يجعل ذاته و مصالحه المادية محورا، و يكون مستعدا لتدمير و إيذاء أناس كثيرين في سبيل إشباع رغباته الخاصّة.هذه الصفات ينبغي معالجتها و اجتثاث جذورها من قلوبنا.و هذه المعاني موجودة في تلك الأدعية.
على الرغم مما نقل إلينا من أدعية مأثورة عن جميع الأئمة(عليهم السلام)-على ما أتصوّر-إلا أنّ المثير في الأمور هو ان أكثرها و أشهرها هو المنقول عن ثلاثة أئمة كانوا قد قضوا أعمارهم في صراعات كبرى و مريرة.أولهم أمير المؤمنين عليه السّلام الذي نقل عنه دعاء كميل،و أدعية أخرى فيها معان و مفاهيم كبيرة.و من بعده الأدعية المروية عن الإمام الحسين عليه السّلام؛كدعاء عرفة الذي يزخر حقّا بمثل تثير الدهشة.ثم من بعدها الإمام السجاد عليه السّلام،ابن واقعة عاشوراء و حامل رسالتها،و المجاهد في قصر الجور قصر يزيد.
هؤلاءهم الأئمة الثلاثة الذين كان لهم الدور الأبرز في ميادين الصراع،و الأدعية المأثورة عنهم هي الأعمق،و العبر المستقاة من أدعيتهم هي الأكثر.
تأمّلوا هذه السجايا الأخلاقية الواردة في الصحيفة السجادية.
أوصيكم أيّها الأعزاء فردا فردا،أن تأنسوا جهد المستطاع بمضامين الصحيفة السجادية فهو كتاب عظيم.و إذا وصفت بأنها زبور آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فهي هكذا حقا، فهي زاخرة بالسجع المعنوي،هي دعاء و دروس؛دروس في الأخلاق،و في علم النفس،و في الشؤون الاجتماعية.تأملوا هذه الجملة الواردة فيها:«اللّهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص و سورة الغضب،و إلحاح الشهوة». (1)
إنّه يبيّن لنا-بلسان الدعاء-كل واحدة من السجايا المعنوية و الأخلاقية، و الجذور الفاسدة التي تعتمل في نفوسنا.7.
ص: 88
يجب أن تسألوا اللّه تعالى حين الدعاء و المناجاة،الخلاص و النجاة من هذه المشاكل الداخلية و النفسية.و المجتمع الذي تنشأ مجموعة كبيرة من أفراده على هذه الخصائص التربوية لا تؤثر فيه أي من تلك الأساليب المعادية.
إنّ مجتمعنا و الحمد للّه مجتمع شاب؛أي أنّ نسبة الشباب أكبر،و ستبقى هذه الظاهرة بارزة فيه حتى سنوات طويلة،ريثما يصل الدور إلى أجيال تقليل النسل، بعد سنوات عديدة.و الحالة التي عليها مجتمعنا الحاضر و حتى سنوات مديدة،هي أنه مجتمع شاب.و الشباب من مظاهر النعم الإلهية على الإنسان.لأن الشاب يتّسم بالنقاء و الاخلاص.
إلا أنّ العدو يركز في خططه على جيل الشباب بسبب بعض نقاط الضعف التي يتصفون بها.و لكن نقاط القوّة لدى الشباب أكثر بكثير من نقاط الضعف.
لو أنّ الدعاء و التوسل المقرون بالمعرفة أتّخذ في هذا المجتمع منهجا و سلوكا- بأن يكون التوسل عن معرفة و ليس بلا معرفة و لا إدراك،أي بالمعنى الصحيح للتوسل الذي أوصانا به القرآن،و الروايات المنقولة عن الأئمة،و نهج البلاغة و يمكن أن تكون الصحيفة السجادية خير معين لنا في هذا الصدد.
توجهوا إلى هذا المعنى و إلى هذا المقام المعنوي،تعارفوا مع الأدعية،و عرّفوا هذا النهج للشبّان الآخرين،و لأبنائكم.و أن يكون ذلك.في قالب كلمات الإمام السجاد عليه السّلام التي وردت في الصحيفة السجادية،و أمثال ذلك،و نهج البلاغة يتضمن طبعا نفس هذه الروح المعنوية،يكون هذا المجتمع حينذاك مجتمعا يخشاه كل عدو مستكبر،و يفقد الأمل بإمكانية احتوائه أو هضمه.
و عليه أن يعلم أنه طالما كانت روح الإسلام،و معنوية الإسلام،و التعبّد بالإسلام،و الإعتقاد بالإسلام موجودا في المجتمع،يستحيل على أي عنصر أن
ص: 89
يزيغ بهذا الشعب و هذا المجتمع عن صراط الثورة الإسلامية المستقيم (1).8.
ص: 90
كان الإمام الحسين عليه السّلام و منذ نشأته يتمتع بقدر كبير من الصراحة و الوضوح فعند ما كان عمر بن الخطاب يخطب على المنبر،قام اليه الحسين بن علي فقال:
(انزل عن منبر أبي،فقال عمر:منبر أبيك لا منبر أبي...) (1).
و تميز الإمام الحسين عليه السّلام بالصراحة في القول و السلوك فهو لم يخادع و لم يضلل،و اتسمت حركته بالوضوح و الصدق و كان صريحا مع أصحابه و مع أعدائه،و ابتعد عن سلوك المنعطفات التي يحيطها الغموض و المواربة و كان من نماذج سمو ذاته و عظمة صراحته أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل و أخبره بهلاك معاوية و طلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام فامتنع و صارحه بكل وضوح قائلا:«يا أمير إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة،بنا فتح الله و بنا ختم،و يزيد فاسق فاجر،شارب الخمر،قاتل النفس المحترمة،معلن بالفسوق و الفجور،و مثلي لا يبايع مثله...» (2).
-من مشاهد الصراحة التي تألقت في سماء كربلاء انه جمع أصحابه و خاطبهم قائلا:«...أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أو فى و لا خيرا من أصحابي،و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي،فجزاكم الله جميعا عني خيرا،ألا و إني لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا،و إني قد أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حل ليس عليكم مني ذمام،
ص: 91
هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا...
ثم تفرّقوا في البلاد في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم يطلبونني و لو أصابوني للهوا عن طلب غيري...» (1).3.
ص: 92
-كانت حلقات درس الإمام عليه السّلام في المسجد النبوي الشريف غاية في الجلالة و المهابة فلقد وصفه معاوية لرجل من قريش ذاهب إلى المدينة قائلا:إذا دخلت مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله.
-كان من عظمة هيبة الإمام الحسين و مكانته في نفوس المسلمين ما رواه البلاذري،من أنه ما اجتاز هو و أخوه الإمام الحسن عليه السّلام على ركب في حال سفرهما إلى بيت الله الحرام ماشين،إلا ترجّل ذلك الركب تعظيما و اكبارا لهما (1).
-كان الإمامان الحسن و الحسين إذا طافا بالبيت الحرام يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما رغم طغيان الأمويين و عقاب كل من يحب آل البيت الطاهرين (2).
ص: 93
ارتكب غلام له خطأ فأراد تأديبه فقال له الغلام:يا مولاي«و الكاظمين الغيظ».
قال الإمام عليه السّلام:«خلّوا عنه».
قال الغلام:«و العافين عن الناس».
فقال الإمام«قد عفوت عنك».
قال:يا مولاي«و الله يحب المحسنين».
قال عليه السّلام:أنت حر لوجه الله تعالى و أجازه بجائزة سنية (1).
ص: 94
من مزايا الإمام أبي الأحرار عليه السّلام الجود و السخاء فقد كان ملاذا للفقراء و المحرومين،و ملجأ لمن جارت عليه الأيام،و كان يثلج قلوب الوافدين إليه بهباته و عطاياه يقول كما الدين بن طلحة:
«و قد اشتهر النقل عنه أنه كان يكرم الضيف،و يمنح الطالب،و يصل الرحم، و يسعف السائل،و يكسو العاري،و يشبع الجائع،و يعطي الغارم و يشد من الضعيف،و يشفق على اليتيم،و يغني ذا الحاجة،و قلّ أن وصله مال إلا فرّقه،و هذه سجية الجواد و شنشنة الكريم،و سمة ذي السماحة،و صفة من قد حوى مكارم الأخلاق،فأفعاله المتلوة شاهدة له بصنعة الكرم،ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم..».
و يقول المؤرخون إنه كان يحمل في دجى الليل البهيم الجراب يملؤه طعاما و نقودا إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين حتى أثر ذلك في ظهره و كان يحمل إليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يهب عامته،و قد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل إليه بهدايا و ألطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات يثرب و أخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الألطاف فقال في الحسين:
«أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فإن بقي شيء نحر به الجزور و سقى به اللبن...».
و بعث رقيبا يرى ما يفعله القوم فكان كما أخبر فقال معاوية:
ص: 95
«أنا ابن هند،أنا أعلم بقريش من قريش».
و على أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الإمام و سخائه نلمّح إلى بعضها.
1-مع أسامة بن زيد:
و مرض أسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه الإمام عائدا فلما استقر به المجلس قال أسامة:
-و اغماه.
-ما غمك؟.
-ديني و هو ستون ألفا.
-هو علي.
-أخشى أن أموت قبل أن يقضى.
-لن تموت حتى أقضيها عنك.
و بادر الإمام عليه السّلام فقضاها عنه قبل موته و قد غض طرفه عن أسامة فقد كان من المتخلفين عن بيعة أبيه،فلم يجازيه بالمثل و إنما أغدق عليه بالإحسان.
2-مع جارية له:
روى أنس قال:كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها،فقال لها:أنت حرة لوجه الله تعالى،و بهر أنس فانصرف يقول:
جارية تجيئك بطاقة ريحان،فتعتقها؟!!
-كذا أدّبنا الله،قال تبارك و تعالى: إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها، و كان أحسن منها عتقها و بهذا السخاء و الخلق الرفيع ملك قلوب المسلمين و هاموا بحبه و ولائه.
3-مع غارم:
ص: 96
كان الإمام الحسين عليه السّلام جالسا في مسجد جده الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ذلك بعد وفاة أخيه الحسن عليه السّلام،و كان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية منه كما كان عتبة بن أبي سفيان جالسا في ناحية أخرى منه،فجاء أعرابي على ناقة فعقلها و دخل المسجد فوقف على عتبة بن أبي سفيان فسلّم عليه فرد عليه السلام،فقال له الأعرابي:
«إني قتلت ابن عم لي،و طولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا؟».
فرفع عتبة إليه رأسه و قال لغلامه:ادفع إليه مائة درهم،فقال له الأعرابي:
«ما أريد إلا الدية تامة».
فلم يعن به عتبة،فانصرف الأعرابي آيسا منه،فالتقى بابن الزبير فعرض عليه قصته،فأمر له بمائتي درهم فردها عليه،و أقبل نحو الإمام الحسين عليه السّلام فرفع إليه حاجته،فأمر له بعشرة آلاف درهم،و قال له:هذه لقضاء ديونك،و أمر له بعشرة آلاف درهم أخرى و قال له:هذه تلم بها شعثك و تحسن بها حالك،و تنفق بها على عيالك،فاستولت على الأعرابي موجات من السرور و اندفع يقول:
طربت و ما هاج لي معبق و لا لي مقام و لا معشق
و لكن طربت لآل الرسو ل فلّذ لي الشعر و المنطق
هم الأكرمون الأنجبون نجوم السماء بهم تشرق
سبقت الأنام إلى المكرمات و أنت الجواد فلا تلحق
أبوك الذي ساد بالمكرمات فقصر عن سبقه السبق
به فتح الله باب الرشاد و باب الفساد بكم مغلق
4-مع أعرابي:
و قصده أعرابي فسلّم عليه و سأله حاجته،و قال:سمعت جدك يقول:إذا سألتم حاجة فاسألوها من أربعة إما عربي شريف،أو مولى كريم،أو حامل القرآن،أو
ص: 97
صاحب وجه صبيح،فأما العرب فشرفت بجدك،و أما الكرم فدأبكم و سيرتكم،و أما القرآن ففي بيوتكم نزل،و أما الوجه الصبيح فإني سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن و الحسين.
فقال له الحسين عليه السّلام:ما حاجتك؟
فكتبها الأعرابي على الأرض،فقال له الحسين عليه السّلام:سمعت أبي عليا يقول:
المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أجبت عن واحدة فلك ثلث ما عندي،و إن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي و إن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي،و قد حملت إلي صرة من العراق.
الأعرابي:سل و لا حول و لا قوة إلا بالله.
الإمام الحسين:أي الأعمال أفضل؟
-الإيمان بالله.
-ما نجاة العبد من الهلكة؟
-الثقة بالله.
-ما يزين المرء؟
-علم معه حلم.
-فإن أخطأه ذلك؟
-مال معه كرم.
-فإن أخطأه ذلك.
-فقر معه صبر.
-فإن أخطأه ذلك.
-صاعقة تنزل من السماء فتحرقه.
فضحك الإمام و رمى إليه بالصرة.
ص: 98
5-مع سائل:
و وفد عليه سائل فقرع الباب و أنشأ يقول:
لم يخب اليوم من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقه
أنت ذو الجود أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقه
و كان الإمام واقفا يصلي فخفّف من صلاته،و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر الفاقة،فرجع و نادى بقنبر فلما مثل عنده قال له:ما تبقى من نفقتنا؟قال:مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك،فقال:هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم،فأخذها و دفعها إلى الأعرابي معتذرا منه و هو ينشد هذه الأبيات:
خذها فإني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا عصا تمد إذن كانت سمانا عليك مندفقة
لكن ريب المنون ذو نكد و الكف منا قليلة النفقة
فأخذها الأعرابي شاكرا و داعيا له بالخير،و انبرى مادحا له:
مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور
من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر
هذه بعض بوادر كرمه و سخائه و هي تكشف عن مدى تعاطفه و حنوه على الفقراء،و أنه لم يبغ أي مكسب سوى ابتغاء مرضاة الله و التماس الأجر في الدار الآخرة..و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعاته و صفاته التي بلغ بها ذروة الكمال المطلق،و احتل بها قلوب المسلمين فهاموا بحبه و الولاء له (1).1.
ص: 99
العدة عن سهل،و علي،عن أبيه،جميعا عن ابن محبوب،عن زياد بن عيسى، عن عامر بن السمط،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين ابن علي عليهما السّلام يمشي معه،فلقيه مولى له،فقال له الحسين:أين تذهب يا فلان؟
قال:فقال له مولاه،أفر من جنازة هذا المنافق أن اصلي عليها،فقال له الحسين عليه السّلام:انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله.
فلما أن كبر عليه وليه،قال الحسين عليه السّلام:اللّه أكبر اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة،اللهم اخز عبدك في عبادك و بلادك،و أصله حر نارك،و أذقه أشد عذابك،فإنه كان يتولى أعداءك،و يعادى أولياءك و يبغض أهل بيت نبيك (1).
العدة،عن سهل،عن ابن أبي نجران،عن مثنى الحناط،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
كان الحسين بن علي عليه السّلام جالسا فمرت عليه جنازة،فقام الناس حين طلعت الجنازة (2)فقال الحسين عليه السّلام:مرت جنازة يهودي فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على طريقها جالسا فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك (3).
علي عن أبيه،و محمد بن إسماعيل،عن الفضل،جميعا عن ابن أبي عمير و صفوان،عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الحسين ابن علي
ص: 100
صلوات اللّه عليه خرج معتمرا فمرض في الطريق،فبلغ عليا عليه السّلام ذلك و هو في المدينة،فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا (1)و هو مريض بها،فقال:يا بني ما تشتكي؟
فقال:أشتكي رأسي،فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة فلما برأ من وجعه اعتمر (2).
أبو العباس،عن محمد بن جعفر،عن محمد بن عبد الحميد،عن سيف ابن عميرة،عن أبي شيبة الأسدي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خضب الحسين عليه السّلام بالحناء و الكتم (3).
و الحناء كقثاء نبات يزرع و يكبر حتى يقارب الشجر الكبار،ورقه كورق الرمان و عيدانه كعيدانه،له زهر أبيض كالعناقيد يتخذ من ورقه الخضاب الاحمر،و الكتم بالتحريك نبت قوهى ورقه كورق الاس يخضب به مدقوقا (4).
العدة،عن البرقي،عن عدة من أصحابه،عن ابن أسباط،عن عمه يعقوب بن سالم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:قتل الحسين عليه السّلام و هو مختضب بالوسمة.
و عنه،عن أبيه،عن يونس،عن الحضرمي عنه عليه السّلام مثله (5).3.
ص: 101
قال حبر الأمة عبد الله بن عباس:«الحسين من بيت النبوة و هم ورثة العلم» (1).
قال له نافع بن الأزرق-زعيم الأزارقة من الخوارج-صف لي إلهك الذي تعبده:
فرد عليه الحسين عليه السّلام بقوله:يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس،مائلا ناكبا عن المنهاج ظاعنا بالإعوجاج،ضالا عن السبيل،قائلا غير الجميل،يابن الأزرق:أصف الهي بما وصف به نفسه،لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالناس،قريب غير ملتصق،و بعيد غير منتقص،يوحد و لا يبعض،معروف بالآيات، موصوف بالعلامات لا إله إلى هو الكبير المتعال».
فبكى ابن الأزرق و قال:يا حسين ما أحسن كلامك. (2)
يقول ابن حجر في الإصابة:حفظ الحسين عليه السّلام عن جده رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و روى عنه و أخرج له أصحاب السنن،أبو داود و الترمذي و النسائي و روى ابن ماجة و أبو يعلي عنه.
روى الإمام الحسين عليه السّلام عن أبيه و أمه و روى عنه أخوه الحسن عليه السّلام و بنوه علي زين العابدين و فاطمة و سكينة و حفيده الباقر و الشعبي و عكرمة و شيبان الدؤلي و كرز التيمي و آخرون (3).
ص: 102
قال عليه السلام عند مسيره إلى كربلاء:إن هذه الدنيا قد تغيّرت و تنكّرت،و أدبر معروفها،فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به؟و إلى الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما،إن الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون (1).
قال عليه السلام:إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة (2).
-قال لابنه علي بن الحسين عليه السّلام:أي بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله جل و عز (3).
-قال عليه السّلام لرجل من الأنصار سأله حاجة:«...لا ترفع حاجتك إلا إلى احد ثلاث:
إلى ذي دين أو مرؤة أو حسب فأما ذو الدين فيصون دينه،و أما ذو المروة فإنه يستحيي لمرؤته،و أما ذو الحسب فيعلم انك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك (4).
و من كلامه المرتجل قوله في توديع أبي ذر،و قد أخرجه عثمان بن عفان من المدينة بعد أن أخرجه معاوية من الشام«يا عماه،إن الله قادر على أن يغيّر ما قد
ص: 103
ترى،و الله كل يوم هو في شأن،و قد منعك القوم دنياهم و منعتهم دينك،و ما أغناك عما منعوك و أحوجهم إلى ما منعتهم،فأسأل الله الصبر و النصر و استعذ به من الجشع و الجزع،فإن الصبر من الدين و الكرم و أن الجشع لا يقدم رزقا و الجزع لا يؤخر أجلا» (1).5.
ص: 104
من آيات الله البينات الدالة على عصمة أهل البيت عليهم السّلام من الذنوب،و على طهارتهم من الزيغ و الآثام،آية التطهير قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).
-أجمع الرواة أنها نزلت في رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و في أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام (2).
-و يمكن الإستدلال بها على عصمة أهل البيت بأنه تعالى حصر إرادة إذهاب الرجس-أي المعاصي-بكلمة إنما هي من أقوى أدوات الحصر و بدخول اللام في الكلام الخبري و بتكرار لفظ الطهارة،و ذلك يدل-بحسب الصناعة-على الحصر و الإختصاص و من المعلوم أن إرادة الله تعالى يستحيل فيها تخلّف المراد عن الإرادة إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و بذلك يتم الإستدلال بها على عصمة أهل البيت من كل ذنب و معصية (3).
ص: 105
حرص الإمام علي عليه السّلام تمام الحرص على غرس الفضائل السامية و الخصال الشريفة في نفوس أبنائه،و خاصة الحسن و الحسين فكان يقوم بتربيتهما على الفروسية و النجدة و الشهامة و الكرم و الجود و البلاغة و الحكمة و مكارم الأخلاق و من ثم كان يستعين بهما عند كل نازلة فعندما اضطر إلى الدخول في معركة الجمل،كان الحسن على ميمنته،و الحسين على ميسرته كما صاحب الحسن و الحسين عليه السّلام أباهما في صفين و قد أحاطا به يقيه كل منهما بنفسه،فيكره الإمام عليه السّلام علي ذلك و يأبى إلا أن يتقدم عليهما ليحول بينهما و بين أهل الشام،و ذلك لأن الإمام عليا عليه السّلام رغم حرصه الشديد على تنشئة أولاده على البطولة و الفداء كان دائما يدفع الخطر عن الحسن و الحسين مخافة أن يصيبهما شر فتنقطع ذرية رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فكان يقول عليه السّلام«أملكوا عني هذين الغلامين-يعني الحسن و الحسين-لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلّى اللّه عليه و آله (1).
-حينما وقى علي عليه السّلام ولديه الحسن و الحسين بنفسه سئل محمد بن الحنفية:
لم يغرر بك أبوك في الحرب و لا يغرر بأخويك؟فأجاب:«إنهما عيناه،و أنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه» (2).
الإمام الحسين عليه السّلام في خلافة أخيه الإمام الحسن عليه السّلام:
ص: 106
-ولد الإمامان الحسن و الحسين في بيت النبوة،و عاشا معا منذ عهدهما بالحياة،يحظيان بحب جدهما المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و حنان أمهما فاطمة الزهراء عليه السّلام و رعاية أبيهما الإمام علي عليه السّلام و لما كان فارق السن بينهما قليلا لا يكاد يزيد عن العام فقد كانا متقاربين في أحوالهما يخرجان معا و يمكثان في البيت معا و يذهبان إلى مسجد جدهما معا و كانت حياتهما معا كلها تقوى و صلاح و عبودية لله سبحانه و تعالى و جهاد في سبيل الله إعلاء لكلمته (1).
-تجاوب الإمام الحسين عليه السّلام مع أخيه الإمام الحسن عليه السّلام في زمن خلافته في أمر الصلح مع معاوية بن أبي سفيان و لم يخالفه كما يزعم الآخرون في رواياتهم الموضوعة حول هذه المسالة.
بل كان موقفه كموقف أخيه الحسن عليه السّلام فكان يرى ضرورة عقد الصلح و كان يكبر أخاه و يجلّه و لا يخالف له أمرا،فقد روى حفيده الإمام الباقر عليه السّلام عن مدى إجلاله و تعظيمه له قال:«ما تكلم الإمام الحسين بين يدي الإمام الحسن إعظاما له» (2).2.
ص: 107
لما أبرم الصلح جاء عدي بن حاتم و معه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين عليه السّلام فدعا الإمام إلى إثارة الحرب قائلا:
«يا أبا عبد الله شريتم الذل بالعز،و قبلتم القليل،و تركتم الكثير،أطعنا اليوم، و اعصنا الدهر،دع الحسن،و ما رأى في هذه الصلح و اجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة و غيرها و ولّني و صاحبي هذه المقدمة،فلا يشعر ابن هند إلا و نحن نقارعه بالسيوف.
فقال الحسين عليه السّلام:«إنا قد بايعنا و عاهدنا و لا سبيل لنقض بيعتنا».
-عند وفاة الإمام الحسن عليه السّلام رفعت إلى الحسين طوائف من زعماء العراق عدة رسائل يطلبون منه إعلان الثورة على معاوية فامتنع عليهم و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فان مات معاوية نظر في ذلك (1).
زعم بعض المؤرخين أن الإمام الحسين عليه السّلام كان كارها لما فعله أخوه و أنه قال له:
«أنشدك الله أن تصدق أحدوثة معاوية و تكذب أحدوثة أبيك»فأجابه الحسن عليه السّلام:«أنا أعلم بهذا الأمر منك» (2).
ص: 108
و افتعل آخرون حكايات زائفة مفادها ان الحسين عند ما اعترض على صلح أخيه الحسن عليه السّلام مع معاوية قال له أخوه الحسن:«و الله ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه».
و هذا يتنافي و سيرة أهل البيت و الطاعة المفروضة للمعصوم.
ص: 109
بعد وفاة معاوية تسلّم يزيد قيادة الدولة الإسلامية،و أصدر أوامره المشددة إلى عامله على يثرب الوليد بن عتبة بإرغام المعارضين له على البيعة و قد كتب إليه:
«إذا أتاك كتابي هذا،فأحضر الحسين بن علي،و عبد الله بن الزبير،فخذهما بالبيعة لي،فإن امتنعا فاضرب أعناقهما و ابعث لي برأسيهما،و خذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم،و في الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير و السلام» (1).
فزع الوليد مما عهد إليه يزيد من التنكيل بالمعارضين،فقد كان على يقين من أن أخذ البيعة من هؤلاء النفر ليس بالأمر السهل و إن هؤلاء النفر لم يستطع معاوية مع ما يتمتع به من قابليات و دهاء و مكر أن يخضعهم لبيعة يزيد،فكيف يصنع الوليد أمرا عجز عنه معاوية.
و حار الوليد في أمره،فرأى انه في حاجة إلى مشورة مروان عميد الأسرة الأموية،فبعث خلفه فأقبل مروان فنعى إليه معاوية،فجزع مروان و عرض عليه ما أمره يزيد من إرغام المعارضين على البيعة له و إذا أصرّوا على الإمتناع فيضرب أعناقهم،و طلب من مروان أن يمنحه النصيحة،و يخلص له في الرأي.
أشار مروان على الوليد فقال له:«إبعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة و الدخول في طاعة يزيد فإن فعلوا قبلت ذلك منهم و إن أبوا قدّمهم و اضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية،فإنهم إن علموا ذلك،وثب كل رجل منهم
ص: 110
فأظهر الخلاف و دعا إلى نفسه،فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به، إلا عبد الله بن عمر فانه لا ينازع في هذا الأمر أحدا...مع أني أعلم ان الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد،و لا يرى له عليه طاعة،و والله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كائنا في ذلك من كان» (1).
أرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان و هو غلام حدث إلى الحسين و ابن الزبير يدعوهما،فوجدهما في المسجد و هما جالسان فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس فقال:أجيبا الأمير فقالا:
إنصرف،الآن نأتيه و قال ابن الزبير للحسين:ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟فقال الحسين:أظن أن طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذ بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر،فقال ابن الزبير:و أنا ما اظن غيره فما تريد أن تصنع؟فأجابه الحسين:أجمع فتياني في الساعة ثم أمشي إليه و أجلسهم على الباب.قال فاني أخافه عليك إذا دخلت فقال الحسين عليه السّلام:لا آتيه إلا و أنا قادر على الإمتناع (2).
جمع الإمام الحسين عليه السّلام أهل بيته و أمرهم بلبس السلاح و الخروج معه،فخفّوا محدقين به فأمرهم بالجلوس على الدار و قال لهم:«إني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا علي بأجمعكم و إلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم»،ثم دخل فسلّم و مروان عنده فقال الحسين لهما:«الصلة خير من القطيعة،و الصلح خير من الفساد و قد آن لكما أن تجتمعا،أصلح اللّه ذات بينكما»...و لم يجيباه بشىء فقد علاهما صمت رهيب و التفت الإمام الحسين عليه السّلام إلى الوليد فقال له:هل اتاك من معاوية خبر؟فإنه كان عليلا و قد طالت علته فكيف حاله الآن؟فأقرأه الوليد الكتاب5.
ص: 111
و نعى له معاوية و دعاه إلى البيعة،فاسترجع الحسين و قال:إن مثلي لا يبايع سرا، و لا يجتزئ بها مني سرا فإذا خرجت إلى الناس و دعوتهم إلى البيعة دعوتنا معهم كان الأمر واحدا،فقال له الوليد إنصرف،فقال له مروان:«لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم و بينه أحبسه فإن بايع،و إلا ضربت عنقه.فوثب عند ذلك الحسين و قال:يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟كذبت و الله و لؤمت» (1).
أقبل الحسين عليه السّلام على الوليد بن عتبة و قال:أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و محل الرحمة بنا فتح اللّه و بنا ختم،و يزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحترمة،معلن بالفسق و مثلي لا يبايع مثله و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون أينا أحق بالخلافة و البيعة» (2).
لما خرج الإمام الحسين عليه السّلام من مجلسه قال مروان للوليد:عصيتني!لا و الله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا،فقال الوليد:ويحك أشرت علي بقتل الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء،و الله ما أظن أحدا يلقى الله بقتل الحسين إلا و هو خفيف الميزان عند الله،و لا ينظر إليه و لا يزكّيه و له عذاب أليم.
و قال له مروان ساخرا:«إذا كان هذا رأيك فقد أصبت» (3).5.
ص: 112
-خطب الإمام الحسين عليه السّلام أمام الحر و أصحابه قائلا:
«أيها الناس:إن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:من رأى سلطانا جائرا،مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله،مخالفا لسنة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، فلم يغير عليه بقول و لا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله» (1).
-يقول الإمام الحسين عليه السّلام لأخيه محمد بن الحنفية في وصية له:
«اني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما،و انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي،أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر،فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق و من رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق،و هو خير الحاكمين» (2).
ص: 113
يقول الإمام الحسين عليه السّلام في رسالته التي بعثها لأهل البصرة:
«...فان السنّة قد أميتت و البدعة قد أحييت» (1).
الأمر بالمعروف:
قال الإمام الحسين عليه السّلام أمام أصحابه و أهل بيته يوم الطف:
«...ألا ترون أن الحق لا يعمل به،و أن الباطل لا يتناهى عنه،ليرغب المؤمن في لقاء الله حقا...» (2).
قال الإمام الحسين عليه السّلام للوالي الأموي الوليد بن عتبة والي المدينة مؤكدا رفضه لبيعة يزيد:«...و يزيد رجل فاسق،شارب للخمر،قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق،و مثلي لا يبايع مثله» (3).
*قال الإمام الحسين عليه السّلام في رسالته لأهل الكوفة محددا مواصفات الحاكم الذي تجب له البيعة و الطاعة:«فلعمري ما الإمام الا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط
ص: 114
و الدائن بالحق،و الحابس نفسه على ذات الله» (1).
-أعلن الإمام الحسين ثورته على الدولة الأموية و قال:«على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد و لقد سمعت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان» (2).م.
ص: 115
حاول يزيد تقويض الإسلام و محو سطوره و قلع جذوره و تكذيب رسالته و تحريف أحكامه فقد أفصح عن ذلك مترنما بابيات من الشعر:
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل (1)
خطب الحسين عليه السّلام الجيش الذي كان مع الحر قائلا:
«...ألا و ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان،و تركوا طاعة الرحمن،و أظهروا الفساد،و عطّلوا الحدود،و استأثروا بالفىء،و أحلوا حرام الله،و حرّموا حلاله» (2).
ص: 116
اسرف الأمويون إلى حد كبير في سفك دماء الشيعة و تفننوا في قتلهم و ظلمهم و نماذج ذلك:
-قتل بسر بن أرطاة-بعد التحكيم-ثلاثين ألفا عدا من أحرقهم بالنار (1).
-قتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة (2).
-إرتكب زياد بن أبيه أبشع المجازر فقطع الأيدي و الأرجل و سمل العيون (3).
-إبادة الفئة المخلصة من الشيعة كحجر بن عدي و عمرو بن الحمق الخزاعي و رشيد الهجري و غيرهم.
-صلب قادة الثورات العلوية على جذوع النخل (4).
-دفن المعارضين لسلطانهم أحياء و هدم دورهم.
-عدم قبول شهادات العلويين و حرمانهم من العطاء (5).
-قال الإمام الحسين عليه السّلام في رسالته إلى معاوية مستنكرا قتل حجر:
«ألست القاتل حجرا أخا كنده و المصلّين العابدين،الذين كانوا ينكرون الظلم،
ص: 117
و يستعظمون البدع و لا يخافون في الله لومة لائم،قتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك و بينهم و لا بإحنة(الأحقاد و الكراهية)تجدها في نفسك عليهم» (1).0.
ص: 118
لقد بايع أهل الكوفة الإمام الحسين عليه السّلام على الجهاد حيث أخذت رسلهم تترا على الإمام عليه السّلام و معهم من الكتب ما ملأ منه خرجين يدعونه«أن أقدم لعل الله يجمعنا بك على الهدى» (1).
فبعث سفيره إليهم مسلم بن عقيل لكي يتأكد من صحة دعواهم ثم جد المسير نحو العراق لإعلان الثورة هناك.
رسخ الإمام الحسين عليه السّلام بثورته معاني العزة و الكرامة و قد أعلن عليه السّلام ذلك يوم الطف بقوله:
«ألا و إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة،و هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك و رسوله،و نفوس أبيه و أنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (2).
خاطب الحسين عليه السّلام أهل بيته في يوم الطف قائلا:
ص: 119
«صبرا يا بني عمومتي،و صبرا يأهل بيتي،فو الله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا» (1).قال الحسين عليه السّلام مخاطبا أهل بيته و أصحابه:
«...فاني لا أرى الموت إلا سعادة و لا الحياة مع الظالمين إلا برما» (2).
التضحية المثلى من أجل المبدأ:
لما عزم الإمام الحسين عليه السّلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال:
«....خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء...من كان فينا باذلا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبّحا إن شاء الله تعالى» (3).
قال الإمام الحسين عليه السّلام لأخيه محمد بن الحنفية:«أتاني رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بعد ما فارقتك فقال:يا حسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا فقال له ابن الحنفية إنا لله و إنا إليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج على مثل هذه الحال؟فقال له:قال لي صلّى اللّه عليه و آله إن اللّه قد شاء أن يراهن سبايا...» (4).8.
ص: 120
أحيا الإمام الحسين عليه السّلام بنهضته الخالدة ضمائر الأمة الميتة و استعاد إرادتها المسلوبة،و يرى المفكر الإسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قده):«أن الأمة كانت مصابة بمرض الشك في زمن معاوية بن أبي سفيان و قد عالجه الإمام الحسن عليه السّلام بالصلح مع معاوية،أما في زمن يزيد فإن الأمة برئت من ذلك المرض، و كانت تعرف الحق و أهله و تعرف الباطل و أهله و لكنها أصيبت بمرض آخر هو مرض«فقدان الارادة»أو«فقدان الضمير»و هذا المرض لم يكن له من علاج لكي تبرأ الأمة منه سوى أن يقدم الإمام الحسين عليه السّلام على التضحية بنفسه و أهل بيته و أصحابه لكي يهز بها الضمائر الميتة و يبعث الشجاعة و الإرادة فيها» (1).
ص: 121
قال السيد محمد باقر القرشي:تجسدت في شخصية أبي الأحرار جميع القيم الإنسانية،و المثل العليا و التقت به عناصر النبوة و الإمامة،فكان بحكم مثله و تهذيبه فذا من أفذاذ التكامل الإنساني،و مثلا رائعا من أمثلة الرسالة الإسلامية، فهو-بحق-الأطروحة الخالدة للإسلام بجميع طاقاته و مقوماته.
إن أية صفة من صفات أبي الشهداء أو نزعة من نزعاته الكريمة لترفعه عاليا على جميع عظماء العالم،و تدفع إلى القول-بلا مغالاة-أنه نسخة لا ثاني لها في تاريخ البشرية على الإطلاق ما عدا جده و أبيه،و نعرض-بإيجاز-إلى بعض خصائصه و ذاتياته.
الإمام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت عليهم السّلام الذين استكملت فيهم الصفات الإنسانية،و بلغوا ذروة الكمال المطلق،و أقاموا منار هذا الدين، و رفعوا شعار الحق و العدل في الأرض،و تبنّوا القضايا المصيرية للإسلام،و عانوا في سبيله جميع ألوان الكوارث و الخطوب،و لاقوا كل جهد و ضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا و عباد الله خولا.
و قد نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله-و هو يوحى إليه-من خلال الأحقاب المترامية إلى الأئمة الطاهرين من أهل بيته فعرّفه بأسمائهم و صفاتهم،و دلل بنصوصه العامة
ص: 122
و الخاصة على أنهم خلفاؤه و أوصياؤه،و أنهم سفن النجاة و أمن العباد و قرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،و قد ألمحنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها،كما أنا بحثنا بصورة موضوعية و شاملة عن الإمامة و ضرورتها،و واجبات الإمام و صفاته في كتابنا(حياة الإمام الحسن)فلا حاجة لإعادة البحث هنا (1).
و لم يدان الإمام الحسين عليه السّلام أحد في فضله و علمه فقد فاق غيره بملكاته و مواهبه العلمية،و قد انتهل و هو في سنه المبكر من نمير علوم جده التي أضاءت آفاق هذا الكون،كما تتلمذ على يد أبيه الإمام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و آله و أعلم الأمة،و أفقهها بشؤون الدين،و ورد في الحديث«كان الحسن و الحسين يغران العلم غرا»و قال حبر الأمة عبد الله بن عباس:«الحسين من بيت النبوة و هم ورثة العلم».
و قال بعض من ترجمه:«كان الحسين أفضل أهل زمانه في العلم و المعرفة بالكتاب و السنة»و نعرض-بإيجاز-لبعض شؤونه العلمية (2).
ص: 123
كان الإمام الحسين عليه السّلام من مراجع الفتيا في العالم الإسلامي،و قد رجع إليه أكابر الصحابة في مسائل الدين،و كان ممن سأله عبد الله بن الزبير فقد استفتاه قائلا:
«يا أبا عبد الله ما تقول في فكاك الأسير على من هو؟».
فأجابه عليه السّلام:«على القوم الذين أعانهم أو قاتل معهم..».
و سأله ثانيا:«يا أبا عبد الله متى يجب عطاء الصبي؟».
فأجابه عليه السّلام:«إذا استهل وجب له عطاؤه و رزقه».
و سأله ثالثا عن الشرب قائما؟فدعا عليه السّلام بلقحة-أي ناقة-له فحلبت فشرب قائما،و ناوله قال ابن القيم الجوزي:«إن الباقي من الصحابة من رجال الفتيا هم أبو الدرداء و أبو عبيدة الجراح،و الحسن و الحسين»لقد كان المسلمون يرجعون إليه في مسائل الحلال و الحرام و يأخذون منه أحكام الإسلام و آداب الشريعة كما كانوا يرجعون إلى أبيه (1).
ص: 124
كان مجلسه مجلس علم و وقار قد ازدان بأهل العلم من الصحابة،و هم يأخذون عنه ما يلقيه عليهم من الأدب و الحكمة،و يسجّلون ما يروون عنه من أحاديث جده صلّى اللّه عليه و آله و يقول المؤرخون:إن الناس كانوا يجتمعون إليه و يحتفون به،و كأن على رؤوسهم الطير يسمعون منه العلم الواسع و الحديث الصادق و كان مجلسه في جامع جده رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و له حلقة خاصة به،و سأل رجل من قريش معاوية أين يجد الحسين؟
فقال له:«إذا دخلت مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله».
و يقول العلايلي:
«كان مجلسه مهوى الأفئدة،و متراوح الأملاك يشعر الجالس بين يديه أنه ليس في حضرة إنسان من عمل الدنيا،و صنيعة الدنيا،تمتد أسبابها برهبته و جلاله و روعته،بل في حضرة طفاح بالسكينة كأن الملائكة تروح فيها،و تغدو...».
لقد جذبت شخصية الإمام،و سمو مكانته الروحية قلوب المسلمين و مشاعرهم فراحوا يتهافتون على مجلسه،و يستمعون لأحاديثه،و هم في منتهى الإجلال، و الخضوع.
ص: 125
كان الإمام عليه السّلام من أعلام النهضة الفكرية و العلمية في عصره،و قد ساهم مساهمة إيجابية في نشر العلوم الإسلامية،و إشاعة المعارف و الآداب بين الناس، و قد انتهل من نمير علومه حشد كبير من الصحابة و أبنائهم و هم:ولده الإمام زين العابدين،و بنته فاطمة و سكينة و حفيده الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام و الشعبي، و عكرمة،و كرز التميمي،و سنان ابن أبي سنان الدوئلي،و عبد الله بن عمر،و ابن عثمان و الفرزدق و ابن أخيه زيد بن الحسن و طلحة العقيلي و عبيد بن حنين و أبو هريرة،و عبيد الله بن أبي يزيد،و المطلب بن عبيد الله بن حنطب،و أبو حازم الأشجعي،و شعيب بن خالد،و يوسف الصباغ،و أبو هشام و غيرهم و قد ألّف أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني كتابا في أسماء من روى عن الحسن و الحسين.
لقد اتخذ الإمام الجامع النبوي مدرسة له فكان به يلقي محاضراته في علم الفقه و التفسير،و رواية الحديث،و قواعد الأخلاق و آداب السلوك و كان المسلمون يفدون عليه من كل فج للإنتهال من نمير علومه المستمد من علوم النبي صلّى اللّه عليه و آله و معارفه (1).
ص: 126
و روى الإمام الحسين عليه السّلام مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جده الرسول صلّى اللّه عليه و آله و قد ذكر الزهري في كتاب(المغازي)أن البخاري روى عن الحسين أحاديث كثيرة، و فيها باب تحريض النبي صلّى اللّه عليه و آله على قيام الليل،كما روى عنه الترمذي في كتاب (الشمائل النبوية)أحاديث كثيرة،و قد نقلها عنه سفيان بن وكيع و نلمح إلى بعض رواياته عن جده:
1-قال عليه السّلام:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه».
2-قال عليه السّلام:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
3-قال عليه السّلام:سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:«ما من مسلم و لا مسلمة يصاب بمصيبة(أو قال تصيبه مصيبة)و إن قدم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله عنه ذلك،و أعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها».
4-قال عليه السّلام:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إن الله يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها».
5-قال عليه السّلام:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من يطع الله يرفعه،و من يعص الله يضعه و من يخلص نيته لله يزينه،و من يثق بما عند الله يغنيه،و من يتعزز على الله يذله».
6-قال عليه السّلام:كان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله إذا استقى قال:«اللّهم اسقنا سقيا واسعة وادعة عامة نافعة غير ضارة تعم بها حاضرنا و بادينا،و تزيد بها في رزقنا، و شكرنا،اللّهم اجعله رزق إيمان و عطاء إيمان،إن عطاءك لم يكن محظورا،اللّهم
ص: 127
أنزل علينا في أرضنا سكنها و أنبت فيها زينتها و مرعاها».
7-قال عليه السّلام:حدثني أبي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«المغبون لا محمود و لا مأجور».
8-روى عليه السّلام عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«رأس العقل بعد الإيمان بالله عز و جل التحبب إلى الناس».
9-روى عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع،عن عمره فيما أفناه،و عن شبابه فيما أبلاه،و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه،و عن حبنا أهل البيت» (1).1.
ص: 128
ألف هذا المسند أبو بشير محمد بن أحمد الدولابي المتوفى سنة(320 ه)و قد أدرجه في غضون كتابه(الذرية الطاهرة)،و هذه بعض بنوده:
1-روى علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه..».
2-قال الحسين عليه السّلام:وجدت في قائم سيف رسول الله صلّى اللّه عليه و آله صحيفة مربوطة و هي:«أشد الناس على الله عذابا القاتل غير قاتله،و الضارب غير ضاربه.و من جحد نعمة مواليه فقد برىء مما أنزل الله تعالى.
3-روى الحسين عليه السّلام قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي».
4-روى الحسين عن أبيه عن جده قال صلّى اللّه عليه و آله:«يكون بعدي ثلاث فرق،مرجئة، و حرورية،و قدرية،فإن مرضوا فلا تعودوهم،و إن ماتوا فلا تشهدوهم،و إن دعوا فلا تجيبوهم».
5-روى عليه السّلام عن جده صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«ما من عبد أو أمة يضن بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها في سخط الله،و ما من عبد يدع معونة أخيه المسلم، و السعي في حاجته،قضيت تلك الحاجة،أو لم تقض إلا ابتلي بمعونة من يأثم فيه، و لا يؤجر عليه،و ما من عبد و لا أمة يدع الحج و هو يجد السبيل إليه لحاجة من حوائج الدنيا إلا نظر إلى المحلقين قبل أن يقضي الله تلك الحاجة.
6-روى يحيى بن سعيد قال:كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين
ص: 129
فقال علي بن الحسين:يا أهل العراق،أحبونا حب الإسلام فإني سمعت أبي يقول:
قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:
«يا أيها الناس،لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا».
7-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها و عبد الله بن عباس أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله كان يقول:
«لا تديموا النظر إلى المجذومين،من كلّمهم منكم فليكن بينه و بينكم قيد رمح..».
8-روت فاطمة بنت الحسين عليه السّلام عن أبيها قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«إن الله يحب معالي الأخلاق و أشرافها،و يكره سفاسفها..».
9-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تديموا النظر إلى المجذومين».
10-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال:كان رأس رسول الله صلّى اللّه عليه و آله في حجر علي،و كان يوحى إليه،فلما سرى عنه-أي الوحي-قال:يا علي صليت العصر؟
قال:لا،قال:اللّهم إنك تعلم أنه كان في حاجتك و حاجة رسولك فردها عليه فردها عليه،فصلى و غابت الشمس.
11-روت فاطمة عن أبيها أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«للسائل حق و إن جاء على فرس».
12-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من أصيب بمصيبة فذكرها و إن تقادم عهدها فأحدث لها استرجاعا أحدث الله له ثواب ما وعده حين أصيب بها..».
13-روت فاطمة بنت الحسين عليه السّلام عن أبيها،قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«لما أخذ الله ميثاق العباد جعل في(الحجر)فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر».
14-روى عبد الله بن سليمان بن نافع مولى بني هاشم،عن الحسين بن علي
ص: 130
قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«يا بني هاشم أطيبوا الكلام،و أطعموا الطعام».
15-روى أبو سعيد الميثمي قال:سمعت الحسين بن علي يقول:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من لبس ثوب شهرة كساه الله ثوب نار».
هذه بعض بنود مسند الإمام الحسين عليه السّلام و هي حافلة بآداب السلوك و تهذيب الأخلاق التي لا غنى للناس عنها.
ص: 131
و روى عليه السّلام عن أمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليه السّلام من الأحاديث ما يلي:
1-روى محمد بن علي بن الحسين قال:خرجت أمشي مع جدي الحسين بن علي إلى أرضه فأدركنا النعمان بن بشير على بغلة له فنزل عنها و قال للحسين:
إركب أبا عبد الله،فأبى فلم يزل يقسم عليه،حتى قال:أما إنك قد كلّفتني ما أكره، و لكن أحدّثك حديثا حدّثتنيه أمي فاطمة أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قال:«الرجل أحق بصدر دابته و فراشه،و الصلاة في بيته إلا إماما لجمع من الناس،فاركب أنت على صدر الدابة، و سارت تدف،فقال النعمان:صدقت فاطمة..».
2-روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن فاطمة بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و آله قالت قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«لا يلومن إلا نفسه من بات و في يده غمر..» (1).
ص: 132
و روى الإمام الحسين عن أبيه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الشىء الكثير سواء أكان مما يتعلق بالسيرة النبوية أم في الأحكام الشرعية و هذه بعضها:
1-روى عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام أن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله بعث سرية فأسروا رجلا من بني سليم يقال له الأصيد بن سلمة فلما رآه رسول الله صلّى اللّه عليه و آله رق لحاله،و عرض عليه الإسلام فأسلم فبلغ ذلك أباه و كان شيخا فكتب إليه رسالة فيها هذه الأبيات:
من راكب نحو المدينة سالما حتى يبلغ ما أقول الأصيدا
إن البنين شرارهم أمثالهم من عق والده و برّ الأبعدا
أ تركت دين أبيك و الشم العلى أ ودوا و تابعت الغداة محمدا
و عرض الأصيد رسالة أبيه على النبي صلّى اللّه عليه و آله و استأذنه في جوابه فأذن له فكتب إليه:
إن الذي سمك السماء بقدرة حتى علا في ملكه فتوحدا
بعث الذي لا مثله فيما مضى يدعو لرحمته النبي محمدا
فدعا العباد لدينه فتتابعوا طوعا و كرها مقبلين على الهدى
و تخوفوا النار التي من أجلها كان الشقي الخاسر المتلددا
و اعلم بأنك ميت و محاسب فإلى من هذي الضلالة و الردى
و لما قرأ سلمة رسالة ابنه وفد على النبي صلّى اللّه عليه و آله و أسلم.
2-قال عليه السّلام سألت أبي عن سيرة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله في جلسائه فقال:كان رسول الله دائم البشر،سهل الخلق،لين الجانب،ليس بفظ،و لا غليظ،و لا صخاب و لا
ص: 133
فحاش و لا عياب و لا مشاح،يتغافل عما لا يشتهي و لا يؤيس منه،و لا يخيب فيه،قد ترك نفسه من ثلاث:المراء،و الإكبار و ما لا يعنيه،و ترك الناس من ثلاث:كان لا يذم أحدا و لا يعيبه،و لا يطلب عورته،و لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه،و إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير،فإذا سكت تكلموا،لا يتنازعون عنده الحديث و من تكلم عنده أنصتوا إليه،حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم،يضحك مما يضحكون منه،و يتعجب مما يتعجبون،و يصبر للغريب على الجفوة في منطقه و مسألته حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم،و يقول:إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه،و لا يقبل الثناء إلا من مكافى،و لا يقطع على أحد حديثه حتى يجور فيقطعه بنهي أو قيام...».
و قد امتاز النبي صلّى اللّه عليه و آله على عامة النبيين بهذه الأخلاق العالية التي ألّفت ما بين قلوب المسلمين،و وحّدت ما بين مشاعرهم و عواطفهم،و جعلتهم في عصورهم الأولى سادة الأمم و الأدلاء على مرضاة الله و طاعته.
3-روى عليه السّلام عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«من قتل دون ماله فهو شهيد».
4-روى عليه السّلام عن أبيه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء،كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار».
5-قال عليه السّلام:سمعت أبي يقول:«الإيمان معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان...».
6-روى عليه السّلام عن أبيه أنه قال:«لتأمرن بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم،ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم...».
7-روى عن أبيه أنه قال:«إن الله تبارك و تعالى أخفى أربعة في أربعة:أخفى رضاه في طاعته،فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه و أنت لا تعلم، و أخفى سخطه فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق سخطه معصيته و أنت لا تعلم،و أخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق إجابته
ص: 134
و أنت لا تعلم،و أخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله فربما يكون وليه و أنت لا تعلم».
8-روى عليه السّلام عن أبيه أنه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل،ثم بنو الحارث،ثم بنو ساعدة،و في كل دور الأنصار خير..».
9-روى عليه السّلام عن أبيه أنه قال:قال رسول الله صلّى اللّه عليه و آله:«خير الدعاء الإستغفار،و خير العبادة قول لا إله إلا الله».
و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده و أبويه (1).1.
ص: 135
للإمام عليه السّلام تراث رائع خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية و المسائل الكلامية التي منيت بالغموض و التعقيد،فأوضحها و بيّن وجهة الإسلام فيها،كما خاض في كثير من كلماته أصول الأخلاق و قواعد الآداب،و أسس الإصلاح الاجتماعي و الفردي،و نعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:
من أهم المسائل الكلامية و أعمقها مسألة القدر فقد أثير حولها الكلام منذ فجر التاريخ الإسلامي،و قد تصدى أئمة أهل البيت عليهم السّلام لبيانها و دفع الشبهات عنها، و قد سأل الحسن بن الحسن البصري الإمام الحسين عنها،فأجابه عليه السّلام برسالة هذا نصها:
«اتبع ما شرحت لك في القدر مما أفضي إلينا أهل البيت،فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره و شره كفر،و من حمل المعاصي على الله تعالى فقد افترى على الله افتراء عظيما،و إن الله لا يطاع بإكراه،و لا يعصى بغلبة،و لا يهمل العباد في الهلكة،لكنه المالك لما ملكهم،و القادر لما عليه أقدرهم،فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادرا عنها مبطئا،و إن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحول بينهم و بين ما ائتمروا به فعل فليس هو حملهم عليها قسرا،و لا كلّفهم جبرا،بل بتمكينه إياهم بعد إعذاره و إنذاره لهم و احتجاجه عليهم طوّقهم و مكّنهم و جعل لهم السبيل إلى ما أخذ
ص: 136
ما إليه دعاهم،و ترك ما عنه نهاهم عنه،جعلهم مستطيعين لأخذ ما أمرهم به من شي غير آخذ به،و لترك ما نهاهم عنه من شي غير تاركيه،و الحمد لله الذي جعل ل عباده أقوياء لما أمرهم به ينالون بتلك القوة،و ما نهاهم عنه،و جعل العذر لمن لم يجعل له السبيل حمدا متقبلا،فأنا على ذلك أذهب،و به أقول أنا و أصحابي أيضا عليه و له الحمد..».
و قد عرض هذا الكلام الشريف إلى بحوث كلامية مهمة.و التعرض لها يستدعي الإطالة و الخروج عن الموضوع.
كتب إليه جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى: اَللّهُ الصَّمَدُ فكتب عليه السّلام لهم بعد البسملة:
«أما بعد:فلا تخوضوا في القرآن،و لا تجادلوا فيه،و لا تتكلموا فيه بغير علم،فقد سمعت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يقول:من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار،و إن الله سبحانه قد فسّر الصمد فقال اَللّهُ أَحَدٌ اَللّهُ الصَّمَدُ ثم فسّره فقال:
لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لَمْ يَلِدْ لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين،و لا شيء لطيف كالنفس،و لا يتشعب منه البدوات كالسنة و النوم،و الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء،و الرغبة و السآمة و الجوع و الشبع،تعالى عن أن يخرج منه شيء،و أن يتولد منه شي كثيف أو لطيف وَ لَمْ يُولَدْ لم يتولد منه شيء،و لم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها و الدابة من الدابة،و النبات من الأرض،و الماء من الينابيع و الثمار من الأشجار،و لا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين و السمع من الأذن،و الشم من الأنف،و الذوق من
ص: 137
الفم،و الكلام من اللسان،و المعرفة و التمييز من القلب،و كالنار من الحجر،لا بل هو الله الصمد الذي لا شيء و لا في شيء،و لا على شىء،مبدع الأشياء و خالقها، و منشىء الأشياء بقدرته،يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته،و يبقى ما خلق للبناء بعلمه،فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد،عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال، و لم يكن له كفوا أحد...».
و عرض الإمام الحسين عليه السّلام في كثير من كلامه إلى توحيد الله فبين حقيقته و جوهره،و فند شبه الملحدين و أوهامهم،و نعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:
قال عليه السّلام:«أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب،بل هو الله ليس كمثله شيء و هو السميع البصير، لا تدركه الأبصار،و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير،استخلص الوحدانية و الجبروت،و أمضى المشيئة و الإرادة و القدرة و العلم بما هو كائن،لا منازع له في شىء من أمره،و لا كفو له يعادله،و لا ضدّ له ينازعه و لا سمي له يشابهه،و لا مثل له يشاركه،و لا تتداوله الأمور و لا تجري عليه الأحوال،و لا تنزل عليه الأحداث،و لا يقدر الواصفون كنه عظمته،و لا يخطر على القلوب مبلغ جبروته،لأنه ليس له في الأشياء عديل،و لا تدركه العلماء بألبابها،و لا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق، إيقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشي من صفات المخلوقين،و هو الواحد الصمد،ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه،ليس برب من طرح تحت البلاغ،و معبود من وجد في هواء أو غير هواء،هو في الأشياء كائن،لا كينونة محظور بها عليه،و من الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها،ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند،ليس عن الدهر قدمه،و لا بالناحية أممه،احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار،و عمن في
ص: 138
السماء احتجابه كمن في الأرض،قربه كرامته،و بعده إهانته،لا يحله في،و لا توقته إذ،و لا تؤامره إن،علو من غير توقل،و مجيئه من غير تنقل،يوجد المفقود،و يفقد الموجود و لا تجتمع لغيره الصفتان في وقت،يصيب الفكر منه الإيمان به موجودا و وجود الإيمان لا وجود صفة،به توصف الصفات لا بها يوصف،و به تعرف المعارف لا بها يعرف،فذلك الله لا سمي له،سبحانه ليس كمثله شىء،و هو السميع البصير..».
و حذّر الإمام عليه السّلام من تشبيه الخالق العظيم بعباده أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم،و يطاردها الفناء.
إن الإنسان مهما أوتي من طاقات فهي محدودة كما و كيفا،و يستحيل أن يصل إلى إدراك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الأكوان و خلق هذه المجرات التي تذهل العقول تصورها،و ما بنيت عليه من الأنظمة الدقيقة المذهلة..إن الإنسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت على هذه الأجهزة العميقة كجهاز البصر و السمع و الإحساس و غيرها فكيف يصل إلى إدراك خالقه؟!
و على أية حال فقد أوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيرا من شؤون التوحيد، و دللت على كيفيته،و هي من أثمن ما أثر من أئمة أهل البيت عليهم السّلام في هذا المجال.
2-يقول المؤرخون أن حبر الأمة عبد الله بن عباس كان يحدث الناس في مسجد رسول الله صلّى اللّه عليه و آله فقام إليه نافع الأزرق فقال له:تفتي الناس في النملة و القملة صف لي إلهك الذي تعبد،فأطرق إعظاما لقوله،و كان الإمام الحسين عليه السّلام جالسا فانبرى قائلا:
-إلي يابن الأزرق؟
-لست إياك.
فثار ابن عباس،و قال له:
«إنه من بيت النبوة،و هم ورثة العلم..».
ص: 139
فأقبل نافع نحو الحسين فقال عليه السّلام له:
«يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلا ناكبا عن المنهاج،ظاعنا بالإعوجاج،ضالا عن السبيل،قائلا غير الجميل أصف لك إلهي،بما وصف به نفسه،و أعرفه بما عرّف به نفسه لا يدرك بالحواس و لا يقاس بالناس قريب غير ملتصق بعيد غير منتقص يوحد و لا يبعّض معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال..».
فحار الأزرق،و لم يطق جوابا،فقد ملكت الحيرة أهابه،و سد عليه الإمام كل نافذة ينفذ منها،و بهر جميع من سمعوا مقالة الإمام،و راحوا يرددون كلام ابن عباس إن الحسين من بيت النبوة و هم ورثة العلم (1).1.
ص: 140
وجه الإمام عليه السّلام هذه الكلمة النيرة إلى الأنصار و المهاجرين،و نعى عليهم تسامحهم عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اللذين بني عليهما المجتمع الإسلامي،كما عرض إلى المظالم الاجتماعية التي منيت بها الأمة،و التي كانت ناجمة عن تقصيرها في إقامة هذا الواجب الخطير،و هذا نصها:
«اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول:
لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (1)
و قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ (2)و إنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم،و رهبة مما يحذرون،و الله يقول: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (3)
و قال: وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا
ص: 141
كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (1)
فبدأ الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت و أقيمت استقامت الفرائض كلها هينها و صعبها،و ذلك أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم و مخالفة الظالم و قسمة الفىء و الغنائم و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقها...ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة و بالخير مذكورة و بالنصيحة معروفة و بالله في أنفس الناس مهابة.يهابكم الشريف،و يكرمكم الضعيف،و يؤثركم من لا فضل لكم عليه،و لا يد لكم عنده،تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها،و تمشون في الطريق بهيبة الملوك و كرامة الأكابر،أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله،و إن كنتم عن أكثر حقه تقصّرون،فاستخففتم بحق الأئمة،فأما حق الضعفاء فضيّعتم،و أما حقكم بزعمكم فطلبتم،فلا مالا بذلتموه و لا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها،و لا عشيرة عاديتموها في ذات الله،أنتم تتمنون على الله جنته،و مجاورة رسله،و أمانا من عذابه،لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها،و من يعرف بالله لا تكرمون،و أنتم بالله في عباده تكرمون و قد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، و أنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون،و ذمة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله محقورة،و العمى و البكم و الزمن في المدائن مهملة لا ترحمون،و لا في منزلتكم تعملون،و لا من عمل فيها تعينون،و بالأدهان و المصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم الله به من النهي و التناهي و أنتم عنه غافلون،و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون ذلك بأن مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله و حرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة و ما سلبتم1.
ص: 142
ذلك إلا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة و لو صبرتم على الأذى،و تحملتم المؤونة في ذات الله،كانت أمور الله عليكم ترد،و عنكم تصدر،و إليكم ترجع،و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم،و استسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات و يسيرون في الشهوات،سلّطهم على ذلك فراركم من الموت و إعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم،فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور،و بين مستضعف على معيشته،مغلوب يتقلبون في الملك بآرائهم، و يستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداءا بالأشرار،و جرأة على الجبار،في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع،فالأرض لهم شاغرة و أيديهم فيها مبسوطة، و الناس لهم خول،لا يدفعون يد لامس،فمن بين جبار عنيد،و ذي سطوة على الضعفة شديد،مطاع لا يعرف المبدىء و المعيد،فيا عجبا!و مالي لا أعجب و الأرض من غاش غشوم،و متصدّق ظلوم،و عامل على المؤمنين بهم غير رحيم،فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا،القاضي بحكمه فيما شجر بيننا..».
و حفلت هذه الوثيقة السياسية بذكر الأسباب التي أدت إلى تردي الأخلاق و شيوع المنكر في البلاد الناجمة من عدم قيام المهاجرين و الأنصار بمسؤولياتهم و واجباتهم الدينية و الإجتماعية،فقد كانت لهم المكانة المرموقة في المجتمع الإسلامي لأنهم صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله و حضنة الإسلام و يمكنهم أن يقولوا كلمة الحق،و يناهضوا الباطل إلا أنهم تقاعسوا عن واجباتهم مما أدى إلى أن تتحكم في رقاب المسلمين الطغمة الحاكمة من بني أمية الذين اتخذوا عباد الله خولا،و مال الله دولا (1).1.
ص: 143
و سئل الإمام أبو عبد الله عليه السّلام عن الجهاد هل هو سنّة أو فريضة فأجاب عليه السّلام:
«الجهاد على أربعة أوجه:فجهادان فرض،و جهاد سنّة لا يقام إلا مع فرض، و جهاد سنة،فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي اللّه،و هو من أعظم الجهاد،و مجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض،و أما الجهاد الذي هو سنّة لا يقام إلا مع فرض فإن مجاهدة العدو فرض على جميع الأمة لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب،و هذا هو من عذاب الأمة،و هو سنّة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم،و أما الجهاد الذي هو سنّة فكل سنّة أقامها الرجل و جاهد في إقامتها، و بلوغها و إحيائها فالعمل و السعي فيها من أفضل الأعمال لأنها إحياء سنّة،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من سنّ سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا..».
سئل الإمام الحسين عليه السّلام عن الحكمة في تشريع الصوم على العباد فقال عليه السّلام:
«ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين».
ص: 144
و تحدث عليه السّلام عن أنواع العبادة فقال:«إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد،و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار،و هي أفضل العبادة».
و تحدث عليه السّلام عمن عبد الله حق عبادته فقال:«من عبد الله حق عبادته أتاه الله فوق أمانيه و كفايته» (1).
و حث الإمام الحسين على مودة أهل البيت عليهم السّلام يقول أبو سعيد:سمعت الحسين يقول:
«من أحبنا نفعه الله بحبنا،و إن كان أسيرا في الديلم،و إن حبنا ليساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق..».
قال عليه السّلام:«إلزموا مودتنا أهل البيت فإن من لقي الله و هو يودنا دخل في شفاعتنا».
روى بشير بن غالب أن الإمام الحسين عليه السّلام قال:«من أحبنا لله وردنا نحن و هو على نبينا صلّى اللّه عليه و آله هكذا-و ضم إصبعيه-و من أحبنا للدنيا فإن الدنيا تسع البر و الفاجر».
ص: 145
و حدّث عليه السّلام عما يكتسبه من أتى إليهم من الفوائد قال:«من أتانا لم يعدم خصلة من أربع:آية محكمة،و قضية عادلة،و أخا مستفادا،و مجالسة العلماء..».
ص: 146
و رسم الإمام عليه السّلام لأهل بيته و أصحابه مكارم الأخلاق،و محاسن الصفات و أمرهم بالتحلي بها ليكونوا قدوة لغيرهم،و فيما يلي بعضها:
1-قال عليه السّلام:«الحلم زينة،و الوفاء مروءة،و الصلة نعمة،و الاستكثار صلف،و العجلة سفه،و السفه ضعف،و الغلو ورطة،و مجالسة أهل الدناءة شر،و مجالسة أهل الفسوق ريبة..».
2-قال عليه السّلام:«الصدق عز،و الكذب عجز،و السر أمانة،و الجوار قرابة،و المعونة صدقة،و العمل تجربة،و الخلق الحسن عبادة،و الصمت زين،و الشح فقر،و السخاء غنى،و الرفق لب..».
3-قال عليه السّلام:«أيها الناس،من جاد ساد،و من بخل رذل و إن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه..».
4-قال عليه السّلام:«من جاد ساد،و من بخل رذل،و من تعجّل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا..».
5-قال عليه السّلام:«اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله تعالى عليكم،فلا تملوا النعم فتعود النقم..».
6-رأى الإمام عليه السّلام رجلا قد دعي إلى طعام فامتنع من الإجابة فقال عليه السّلام له:«قم فليس في الدعوة عفو،و إن كنت مفطرا فكل،و إن كنت صائما فبارك..».
7-قال عليه السّلام:«صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك،فأكرم وجهك عن رده..».
8-كان عليه السّلام دوما ينشد هذه الأبيات الداعية إلى حسن الخلق،و عدم العناء في
ص: 147
طلب الدنيا،و يزعم بعض الرواة أنها من نظمه و هي:
لئن كانت الأفعال يوما لأهلها كمالا فحسن الخلق أبهى و أكمل
و إن كانت الأرزاق رزقا مقدرا فقلة جهد المرء في الكسب أجمل
و إن كانت الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله أعلى و أنبل
و إن كانت الأبدان للموت أنشأت فقتل امرء بالسيف في الله أفضل
و إن كانت الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل
و ألمت هذه الأبيات برغبة الإمام بالشهادة في سبيل الله،كما حكت عن طبيعة كرمه و سخائه.
9-قال عليه السّلام:«لا تتكلف ما لا تطيق،و لا تتعرض لما لا تدرك،و لا تعد بما لا تقدر عليه،و لا تنفق إلا بقدر ما تستفيد،و لا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت،و لا تفرح إلا بما نلت من طاعة الله و لا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلا له..».
10-قال عليه السّلام لا بن عباس:«لا تتكلمن فيما لا يعنيك فإني أخاف عليك الوزر،و لا تتكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب،و لا تمارين حليما و لا سفيها،فإن الحليم يقلبك،و السفيه يؤذيك،و لا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه،و اعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالإجرام مجزي بالإحسان..».
و هذه الكلمات الذهبية هي بعض ما أثر عنه في مكارم الأخلاق،و محاسن الصفات التي يكسب بها الإنسان المنهج السليم،و حسن السلوك و سلامة الدارين (1).1.
ص: 148
و زعم بعض المعاصرين للإمام أن الذي شرع الأذان عبد اللّه بن زيد لرؤيا رآها، فأخبر بها النبي صلّى اللّه عليه و آله فأمر صلّى اللّه عليه و آله به،فأنكر الإمام عليه السّلام ذلك و قال:
«الوحي يتنزل على نبيكم،و تزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد اللّه بن زيد و الأذان وجه دينكم..».
ص: 149
قال عليه السّلام:«الإخوان أربعة:فأخ لك و له،و أخ عليك،و أخ لا لك و لا له..».
و أوضح عليه السّلام ذلك بقوله:
«الأخ الذي هو لك و له فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء و لا يطلب بإخائه موت الإخاء فهذا لك و له،لأنه إذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعا،و إذا دخل الإخاء في حال التناقض بطلا جميعا،و الأخ الذي لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء فهو موفور عليك بكليته،و الأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر،و يغشى السرائر، و يكذب عليك بين العشائر،و ينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد،و الأخ الذي لك و لا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقا فتراه يؤثر نفسه عليك، و يطلب شح ما لديك..».
ص: 150
قال عليه السّلام:«دراسة العلم لقاح المعرفة،و طول التجارب زيادة في العقل،و الشرف و التقوى و القنوع راحة الأبدان،و من أحبك نهاك،و من أبغضك أغراك..».
و تصدّق رجل من بني أمية بأموال كثيرة،و لم تكن تلك الأموال من حلال،و إنما كانت من حرام،فقال الإمام عليه السّلام:
«مثله مثل الذي سرق الحاج،و تصدّق بما سرق،إنما الصدقة صدقة من عرق فيها جبينه،و اغبر فيها وجهه..» (1).
ص: 151
و عني الإمام الحسين عليه السّلام بوعظ الناس و إرشادهم كما عني أبوه من قبله، مستهدفين من ذلك تنمية القوى الخيرة في النفوس،و توجيه الناس نحو الحق و الخير و إبعادهم عن نزعات الشر من الإعتداء و الغرور و الطيش و غير ذلك، و نعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:
1-قال عليه السّلام:«أوصيكم بتقوى الله،و أحذركم أيامه،و أرفع لكم أعلامه،فكأن المخوف قد أفل بمهول و روده،و نكير حلوله،و بشع مذاقه،فاغتلق مهجكم،و حال بين العمل و بينكم،فبادروا بصحة الأجسام و مدة الأعمار،كأنكم نبعات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها،و من علوها إلى سفلها،و من أنسها إلى وحشتها،و من روحها وضوئها إلى ظلمتها،و من سعتها إلى ضيقها حيث لا يزار حميم،و لا يعاد سقيم،و لا يجاب صريخ،أعاننا الله و إياكم على أهوال ذلك اليوم، و نجانا و إياكم من عقابه و أوجب لنا و لكم الجزيل من ثوابه.
عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم،و مدى مضعنكم،كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه،و يذهله عن دنياه،و يكثر نصبه لطلب الخلاص منه،فكيف و هو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه،لا وزير له يمنعه،و لا ظهير عنه يدفعه و يومئذ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (1).
عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم،و مدى مضعنكم،كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه،و يذهله عن دنياه،و يكثر نصبه لطلب الخلاص منه،فكيف و هو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه،لا وزير له يمنعه،و لا ظهير عنه يدفعه و يومئذ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ (1).
أوصيكم بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب، و يرزقه من حيث لا يحتسب،فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد بذنوبهم، و يأمن العقوبة من ذنبه،فإن الله تبارك و تعالى لا يخدع عن جنته،و لا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله».
و حفل هذا الكلام بما يقرب الناس إلى الله،و بما يبعدهم عن معاصيه و يجنبهم عن دواعي الهوى و نزعات الشرور.
2-كتب إليه رجل يطلب منه أن يعظه بحرفين أي يوجز القول فكتب عليه السّلام له:«من حاول أمرا بمعصية الله تعالى كان أفوت لما يرجو و أسرع لمجي ما يحذر..».
3-قال عليه السّلام:«عباد الله اتقوا الله،و كونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكانت للأنبياء أحق بالبقاء،و أولى بالرضاء،و أرضى بالقضاء،غير أن الله خلق الدنيا للبلاء و خلق أهلها للفناء،فجديدها بال،و نعيمها مضمحل،و سرورها مكفهر و المنزل بلغة،و الدار قلعة،فتزودوا فإن خير الزاد التقوى..».
4-كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا و الآخرة فأجابه عليه السّلام:«أما بعد:فإن من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس،و من طلب رضى الناس بسخط الله، و كله الله إلى الناس و السلام».
5-قال عليه السّلام:«إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها،بحرها و برها،سهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفي الظلال..».
و أضاف يقول:
«ألا حر يدع هذه اللماظة-يعني الدنيا-لأهلها،ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا
ص: 152
تبيعوها بغيرها،فإنه من رضي الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس..».
6-قال له رجل:كيف أصبحت يابن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله؟فقال عليه السّلام:«أصبحت ولي رب فوقي،و النار أمامي،و الموت يطلبني و الحساب محدق بي،و أنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحب،و لا أدفع ما أكره،و الأمور بيد غيري،فإن شاء عذبني و إن شاء عفا عني،فأي فقير أفقر مني؟».
7-قال عليه السّلام:«يابن آدم تفكر،و قل:أين ملوك الدنيا و أربابها الذين عمّروا خرابها و احتفروا أنهارها،و غرسوا أشجارها،و مدّنوا مدائنها،فارقوها و هم كارهون، و ورثها قوم آخرون،و نحن بهم عما قليل لاحقون.
يابن آدم أذكر مصرعك،و في قبرك مضجعك بين يدي الله،تشهد جوارحك عليك يوم تزول فيه الأقدام،و تبلغ القلوب الحناجر،و تبيض وجوه،و تبدو السرائر، و يوضع الميزان القسط.
يابن آدم أذكر مصارع آبائك،و أبنائك،كيف كانوا،و حيث حلوا،و كأنك عن قليل قد حللت محلهم،و صرت عبرة المعتبر..ثم أنشد هذه الأبيات:
أين الملوك التي عن حفظها غفلت حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
تلك المدائن في الآفاق خالية عادت خرابا و ذاق الموت بانيها
أموالنا لذوي الوراث نجمعها و دورنا لخراب الدهر نبنيها
هذه بعض ما أثر عنه من المواعظ الهادفة إلى إصلاح النفوس و تهذيبها و أبعادها عن نزعات الهوى و الشرور (1).1.
ص: 153
و للإمام عليه السّلام مجموعة كبيرة من الخطب الرائعة التي تجسدت فيها صلابة الحق،و قوة العزم،و روعة التصميم على الجهاد في سبيل الله،و قد ألقاها الإمام في وقت كان الجو ملبدا بالمشاكل السياسة،و قد شجب فيها سياسة الحكم الأموي و دعا المسلمين إلى الانتفاضة عليه،و سنذكر جملة منها في مواضعها الخاصة، و نذكر هنا خطبة واحدة منها:
صعد عليه السّلام المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم صلى على النبي صلّى اللّه عليه و آله فسمع رجلا يقول:من هذا الذي يخطب؟فأجابه عليه السّلام:
«نحن حزب الله الغالبون،و عترة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله الأقربون،و أهل بيته الطيبون و أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله ثاني كتاب الله تبارك و تعالى،الذي فيه تفصيل كل شي لا يأتيه الباطل من بين يديه،و لا من خلفه،و المعول علينا في تفسيره،و لا يبطئنا تأويله،بل نتبع حقائقه،فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله و رسوله مقرونة،قال الله تعالى: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ و قال: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً (1).
و أحذركم الإصغاء إلى هتاف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين،فتكونوا
ص: 154
كأوليائه الذين قال لهم: وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ (1)و قال: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ فتلقون للسيوف ضربا، و للرماح وردا،و للعمد حطما،و للسهام غرضا،ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا...».
و حفل هذا الخطاب بالدعوة إلى التمسك بعترة رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و لزوم طاعتهم و الإنقياد لهم،و حذرهم من الدعايات المضللة التي تبثها أجهزة الإعلام الأموي الداعية إلى إبعاد الناس عن أهل البيت عليهم السّلام الذين هم مصدر الوعي و النور في الأرض (2).1.
ص: 155
و منح الله الإمام الحسين أعنة الحكمة،و فصل الخطاب فكانت تتدفق على لسانه سيول من الموعظة و الآداب،و الأمثال السائرة،و فيما يلي بعض حكمه القصار:
1-قال عليه السّلام:«العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه،و لا يسأل من يخاف منعه،و لا يثق بمن يخاف غدره،و لا يرجو من لا يوثق برجائه...».
2-قال عليه السّلام لابنه علي بن الحسين:«أي بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله تعالى...».
3-قال عليه السّلام:«ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته،و لا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته...».
4-قال عليه السّلام:«إياك و ما تعتذر منه،فإن المؤمن لا يسيء،و لا يعتذر،و المنافق كل يوم يسي و يعتذر...».
5-قال عليه السّلام:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك،فإن الكذب ريبة،و الصدق طمأنينة...».
6-قال عليه السّلام:«اللّهم لا تستدرجني بالإحسان،و لا تؤدبني بالبلاء...».
7-قال عليه السّلام:«خمس من لم تكن فيه،لم يكن فيه كثير مستمتع،العقل،و الدين و الأدب،و الحياء،و حسن الخلق...».
8-قال عليه السّلام:«البخيل من بخل بالسلام».
9-قال عليه السّلام:«من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو و أسرع لما يحذر...».
10-قال عليه السّلام:«من دلائل علامات القبول:الجلوس إلى أهل العقول،و من علامات أسباب الجهل:المماراة لغير أهل الكفر،و من دلائل العالم انتقاده لحديثه،و علمه بحقائق فنون النظر..».
ص: 156
11-قال عليه السّلام:«إن المؤمن اتخذ الله عصمته،و قوله مرآته فمرة ينظر في نعت المؤمنين،و تارة ينظر في وصف المتجبرين،فهو منه في لطائف و من نفسه في تعارف، و من فطنته في يقين،و من قدسه على تمكين...».
12-قال:«إذا سمعت أحدا يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك...».
13-قال عليه السّلام لرجل اغتاب عنده رجلا«يا هذا كف عن الغيبة فإنها أدام كلاب النار...».
14-تكلم رجل عنده فقال:إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع فقال عليه السّلام:
«ليس كذلك،و لكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر و الفاجر...».
15-سأله رجل عن تفسير قوله تعالى:
وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (1) !قال عليه السّلام:«أمره أن يحدّث بما أنعم الله به عليه في دينه».
16-قال عليه السّلام:«موت في عز خير من حياة في ذل».
17-قال عليه السّلام:«البكاء من خشية الله نجاة من النار».
18-قال عليه السّلام:«من أحجم عن الرأي،و أعيت له الحيل كان الرفق مفتاحه».
19-قال عليه السّلام:«من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم».
20-قال عليه السّلام:«إذا كان يوم القيامة نادى مناد،أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم،فلا يقوم إلا أهل المعروف..».
21-قال عليه السّلام:«ما من أعمال هذه الأمة من صباح إلا و يعرض على الله تعالى».
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من روائع الحكم،و المواعظ و الآداب،و لم نحلل مضامينها إيثارا للإيجاز،و ابتعادا عن الإطالة.1.
ص: 157
و عرضت مصادر التاريخ و الأدب العربي إلى بعض ما نظمه الإمام الحسين عليه السّلام من الشعر و ما استشهد به في بعض المناسبات،و إن كان بعضها- فيما نحسب-لا يخلو من الانتحال،و هذه بعضها:
1-دخل أعرابي مسجد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله فوقف على الحسن بن علي و حوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه،فقيل له إنه الحسن بن علي،فقال:إياه أردت بلغني أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم،و إني قطعت بوادي،و قفارا،و أودية، و جبالا،و جئت لأطارحه الكلام و أسأله عن عويص العربية،فقال له أحد جلساء الإمام:إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب،و أومأ إلى الحسين،فبادر إليه،و وقف فسلّم عليه فرد الإمام عليه السّلام،فقال له:
-ما حاجتك؟
-جئتك من الهرقل و الجعلل و الأينم،و الهمهم.
فتبسم الإمام الحسين،و قال له:يا أعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله إلا العالمون، فقال الأعرابي،و أقول:أكثر من هذا،فهل أنت مجيبي على قدر كلامي؟
فقال له الحسين:
-قل ما شئت فإني مجيبك.
-إني بدوي،و أكثر مقالي الشعر،و هو ديوان العرب.
-قل ما شئت فإني مجيبك.
ص: 158
و أنشأ الاعرابي يقول:
هفا قلبي إلى اللهو و قد ودع شرخيه
و قد كان أنيقا عص ر تجراري ذيليه
عيالات و لذات فيا سقيا لعصريه
فلما عمم الشيب من الرأس نطاقيه
و أمسى قد عناني منه تجديد خضابيه
تسليت عن اللهو و ألقيت قناعيه
و في الدهر أعاجيب لمن يلبس حاليه
فلو يعمل ذو رأي أصيل فيه رأييه
لألفى عبرة منه له في كر عصريه
فأجابه الإمام الحسين عليه السّلام ارتجالا:
فما رسم شجاني قد محت آيات رسميه
سفور درجت ذيلين في بوغاء قاعيه
هتوف حرجف تترى على تلبيد ثوبيه
و ولاج من المزن دنا نوء سماكيه
أتى مثغنجر الورق بجود من خلاليه
و قد أحمد برقاه فلا ذم لبرقيه
و قد جلل رعداه فلا ذم لرعديه
ثجيج الرعد ثجاج إذا أرخى نطاقيه
فأضحى دارسا قفرا لبينونة أهليه
فلما سمع الأعرابي ذلك بهر و انطلق يقول:ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما و أذرب لسانا،و لا أفصح منه نطقا،فقال له الإمام الحسن عليه السّلام يا أعرابي:
غلام كرم الرحمن بالتطهير جديه
ص: 159
كساه القمر القمقام من نور سنائيه
و قد أرصنت من شعري و قومت عروضيه
فلما سمع الأعرابي قول الإمام الحسن عليه السّلام انبرى يقول:بارك الله عليكما، مثلكما تجلّهما الرجال فجزاكما الله خيرا و انصرف و دلّت هذه البادرة على مدى ما يتمتع به الإمام عليه السّلام من قوة العارضة في الشعر،و مقدرته الفائقة في الارتجال و الإبداع،إلا أن بعض فصول هذه القصة-فيما نحسب-لا يخلو من الانتحال،و هو مجىء الأعرابي من بلد نائي قد تحمّل عناء السفر و شدّته من أجل اختبار الإمام و معرفة مقدراته الأدبية.
2-نسبت له هذه الأبيات الحكمية:
إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى الخلق
و لا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق
فلو عشت و طوفت من الغرب إلى الشرق
لما صادفت من يقد رأن يسعد أو يشقى
و حث هذا الشعر على القناعة و إباء النفس،و عدم الخنوع للغير،و أهاب بالإنسان أن لا يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الأحداث.
3-قال عليه السّلام:
اغن عن المخلوق بالخالق تغن عن الكاذب و الصادق
و استرزق الرحمن من فضله فليس غير الله من رازق
من ظن أن الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثق
أو ظن أن المال من كسبه زلت به النعلان من حالق
و في هذه الأبيات دعوة إلى الإلتجاء إلى الله خالق الكون و واهب الحياة،
ص: 160
و الإستغناء عمن سواه فإن من ركن لغيره فقد خاب سعيه و حاد عن الصواب.
4-زار الإمام الحسين عليه السّلام مقابر الشهداء بالبقيع فانبرى يقول:
ناديت سكان القبور فاسكتوا فأجابني عن صمتهن ترب الحشا
قالت:أتدري ما صنعت بساكني مزقت لحمهم و خرقت الكسا
و حشوت أعينهم ترابا بعد ما كانت تأذى باليسير من القذا
أما العظام فإنني مزقتها حتى تباينت المفاصل و الشوى
قطعت ذا من ذا و من هذا كذا فتركتها مما يطول بها البلى
و حفلت هذه الأبيات بالدعوة إلى الإعتبار و العظة بمصير الإنسان و أنه حينما يودع في بطن الأرض لم يلبث أن يتلاشى و تذهب نضارته و يعود بعد قليل كتلة من التراب المهين.
5-و نسب الأعشى هذه الأبيات للإمام الحسين عليه السّلام:
كلما زيد صاحب المال مالا زيد في همه و في الاشتغال
قد عرفناك يا منغصة العيش و يا دار كل فان و بال
ليس يصفو لزاهد طلب الزهد إذا كان مثقلا بالعيال.
و تحدث الإمام بهذه الأبيات عن ظاهرة خاصة من ظواهر الحياة و هي أن الإنسان كلما اتسع نطاقه المادي ازدادت آلامه و همومه،و ازداد جهدا و عناءا في تصريف شؤون أمواله،و زيادة أرباحها،كما تحدث الإمام عمن يرغب في الزهد في الحياة فإنه لا يجد سبيلا إلى ذلك مادام مثقلا بالعيال فإن شغله بذلك يمنعه عن الزهد في الدنيا.
6-روى الأربلي أن الإمام قال هذه الأبيات في ذم البغي:
ص: 161
ذهب الذين أحبهم و بقيت فيمن لا أحبه
في من أراه يسبني ظهر المغيب و لا أسبه
يبغي فسادي ما استطا ع و أمره مما أر به
حنقا يدب لي الضرا ء و ذاك مما لا أدبه
و يرى ذباب الشر من حولي يطن و لا يذ به
و إذا خبا و غر الصدو ر فلا يزال به يشبه
أفلا يعج بعقله أفلا يثوب إليه لبه
أفلا يرى من فعله ما قد يسور إليه غبه
حسبي بربي كافيا ما أختشي و البغي حسبه
و لقل من يبغى عليه فما كفاه الله ربه
و تحدث الإمام عليه السّلام بهذه الأبيات عن إحدى النزعات الشريرة في الإنسان و هي البغي فإن من يتلوث به يسعى دوما إلى سب أخيه و الإعتداء عليه و إفساد أمره، و إنه إذا سكن و غر الصدور فإنه يسعى لإثارتها انطلاقا منه في البغي و الإعتداء، و قد وجّه عليه السّلام إليه النصح فإنه إذا رجع إلى عقله و فكر في أمره فإن غيه على حيه يرجع إليه،و تلحقه أضراره و آثامه و من الطبيعي أنه إذا أطال التفكير في ذلك فإنه يقلع عن نفسه هذه الصفة الشريرة حسب ما نص عليه علماء الأخلاق.
7-و زعم أبو الفرج الأصبهاني إن الإمام الحسين عليه السّلام قال هذين البيتين في بنته سكينة و أمها الرباب:
لعمرك أنني لأحب دارا تكون بها سكينة و الرباب
أحبهما و أبذل جل مالي و ليس لعاتب عندي عتاب
و زاد غيره هذا البيت:
فلست لهم و إن غابوا مضيعا حياتي أو يغيبني التراب
ص: 162
و هذه الآيات فيما نحسب من المنتحلات و الموضوعات فإن الإمام الحسين عليه السّلام أجل شأنا و أرفع قدرا من أن يذيع حبه لزوجته و ابنته بين الناس،فليس هذا من خلقه،و لا يليق به،إن ذلك-من دون شك-من المفتريات التي تعمّد وضعها للحط من شأن أهل البيت عليهم السّلام.
8-و مما قاله:
الله يعلم أن ما بيدي يزيد لغيره
و بأنه لم يكتسب ه بخيره و بميره
لو أنصف النفس الخؤو ن لقصرت من سيره
و لكان ذلك منه أد نى شره من خيره
و بهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض مثل الإمام الحسين عليه السّلام و نزعاته التي كان بها فذا من أفذاذ العقل الإنساني و مثلا رائعا من أمثلة الرسالة الإسلامية بجميع قيمها و مكوناتها (1).0.
ص: 163
أبعاد شخصية الحسين عليه السلام
أهم أبعاد شخصية الإمام الحسين عليه السلام 3
شخصية الحسين مدخرة من قبل اللّه 3
عظمة الحسين عليه السلام على اللّه 15
في أن الحسين وصي رسول اللّه عليهما السلام 22
أن الأئمة من صلب الحسين عليهم السلام 31
في أن الحسين و الأئمة عليهم السلام حجج اللّه على خلقه 40
لولا الحسين و الأئمة عليهم السلام ما خلق اللّه تعالى الخلق 52
عظمة الإمام الحسين عليه السلام و بركاته 57
قيمة تضحية الحسين عليه السلام 60
الإخلاص عند الإمام الحسين عليه السلام 62
الثقة باللّه تعالى عند الإمام الحسين عليه السلام 62
صواب الموقف عند الإمام الحسين عليه السلام 64
عمل و جهاد الإمام الحسين عليه السلام 65
ثقافة الجهاد 66
الجهاد الفكري 67
الثقافة في الرؤية المادية 68
ص: 164
الثقافة في الرؤية الإسلامية 70
الثقافة سند للجهاد 71
العمل الثقافي و السياسي للإمام الحسين عليه السلام 73
الإستقامة عند الإمام الحسين عليه السلام 74
الأعذار الشرعيّة التي واجهت الحسين عليه السلام 74
الحقائق التأريخية في شخصية الحسين عليه السلام 78
البعد المعنوي و العرفاني في شخصية الإمام الحسين عليه السلام 80
واقعة عاشوراء واقعة عرفانية 81
جهاد فعرفان 82
سلوك الحسين عليه السلام المعنوي و العبودي 83
وصايا الشهداء العرفانيّة 85
سرعة العرفان عند المجاهد 86
أثر ثورة الإمام الحسين على الأخلاق 87
وضوح المواقف عند الإمام الحسين عليه السلام 91
هيبة الإمام الحسين عليه السلام و وقاره 93
عفو الإمام الحسين عليه السلام عن المسيء 94
الجود و السخاء عند الإمام الحسين عليه السلام 95
إلتزام الإمام الحسين عليه السلام بتعاليم الإسلام 100
لمحات من حياته العملية 102
من حكمه و مواعظه 103
عصمة الإمام الحسين عليه السلام 105
الإمام الحسين في خلافة أبيه عليهما السلام 106
موقفه من الصلح مع معاوية 108
ص: 165
موقفه من بيعة يزيد بن معاوية 110
المسؤولية الدينية عند الإمام الحسين عليه السلام 113
طلب الإصلاح في الأمة 113
إماتة الإمام عليه السلام للبدع 114
صيانة الخلافة الإسلامية من الطغيان 114
حماية الإم عليه السلام للإسلام من الخطر 116
الإضطهاد و القمع الأمويان 117
دعوة الناس إليه و مبايعته 119
العزة و الكرامة 119
إحياء الضمائر و استعادة الإرادة 121
لمحات من مثل الإمام الحسين عليه السلام 122
إمامته 122
مواهبه العلمية 123
الرجوع إلى الإمام عليه السلام في الفتيا 124
مجلس الإمام عليه السلام 125
من روى عن الإمام عليه السلام 126
روايات الإمام عليه السلام عن جده 127
مسند الإمام الحسين عليه السلام 129
روايات الإمام الحسين عليه السلام عن أمه فاطمة 3 132
رواياته الإمام عليه السلام عن أبيه 133
من تراثه الرائع 136
القدر 136
الصمد 137
ص: 166
التوحيد 138
الأمر بالمعروف 141
أنواع الجهاد 144
تشريع الصوم 144
أنواع العبادة 145
مودة أهل البيت 145
مكارم الأخلاق 146
تشريع الأذان 149
الإخوان 150
العلم و التجارب 151
حقيقة الصدقة 151
الوعظ و الإرشاد 152
من خطب الإمام الحسين عليه السلام 155
جوامع الكلم 157
في حلبات الشعر 159
ص: 167