الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام المجلد 1

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان :عربی

تعداد جلد: 20

کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الاول

شمائل الامام الحسين عليه السلام

مقدمة

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبد (1).

هناك ما يشدّ الإنسان المؤمن-بل كل إنسان لا يقبل بالذل و يحب العدل و الانصاف-الى شخصية الإمام الحسين عليه السّلام و الى حب التعرف على تلك المواقف التي كانت تعترض حياته الشريفة،أو المحطات التي كانت تمر عليه السّلام..

و هذا الوازع يبرز على صعيدين:

1-صعيد عاطفي يتمثل في مظلومية الإمام الحسين عليه السّلام و سلب حقه و هتك قدسيته صلوات اللّه عليه،إضافة الى قتل الأطفال و سبي النساء،مما يستدعي من المؤمنين إظهار الحزن عليه عليه السّلام و نشر تلك المظلومية في كل عصر و مصر و بشتى الأساليب و الطرق التي لا تشوه تلك الثورة المباركة.

2-صعيد عقلي و منطقي و يتمثل في أطروحة الإمام الحسين عليه السّلام و دعوته لإقامة العدل و إزالة الظلم و إعادة الإسلام الى واقعيته التي أرادها النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله أن تكون له.الأمر الذي يستدعي من العلماء و المفكرين دراسة علل و معطيات كربلاء و آثارها على كل صعيد.

و مهما كتب حول حياة الإمام الحسين عليه السّلام و تاريخه فهو قليل،لا لعدم أهمية ما كتب بل لأهمية ثورة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و آثارها و انعكاسها على عالمنا المعاصر.

ص: 3


1- مستدرك الوسائل:318/10.

عملنا في الموسوعة

و من هنا كانت محاولة بسيطة لجمع نصوص ما كتب حول حياة و تاريخ الإمام الحسين عليه السّلام و ثورته المباركة«عاشوراء»عن جملة من الكتاب و المحققين و أصحاب التواريخ و تبويبها بما يتناسب مع مواضيعها،و ذلك للتسهيل على القارىء لتحصيل أكبر عدد ممكن من المواضيع و الآراء حول ما يريد معرفته أو بحثه.

و قد ركزنا على عدد كبير من الكتب التي تعرضت لحياة الإمام الحسين عليه السّلام نحو:

1-حياة الإمام الحسين عليه السّلام للقرشي

2-غاية المرام للمحدث البحراني

3-السيد مرتضى العسكري

4-تاريخ دمشق لابن عساكر

5-ثورة عاشوراء للسيد الخامنئي

6-نهضة عاشوراء للإمام الخميني

7-مقتل الإمام الحسين عليه السّلام لأبي مخنف

8-مقتل الإمام الحسين عليه السّلام للخوارزمي

و غيرها من المصادر المهمة.

هذا:و الحمد للّه رب العالمين

علي عاشور

ص: 4

اسم الحسين عليه السلام و نسبه و كنيته

معنى الإسم الشريف

قال السيد الخامنئي:إنّ اسم الحسين بن علي عليه السلام لإسم عجيب،فلو ألقيتم نظرة عاطفية لوجدتم أنّ ميزة إسم ذلك الإمام بين المسلمين العارفين هي جذب القلوب إليه كما يعمل المغناطيس و الكهرباء.

بالطبع هناك من المسلمين من لا يتمتّع بهذه الحالة،و في الحقيقة هو محروم من معرفة الإمام الحسين عليه السلام،و من جهة ثانية هناك الكثير من غير شيعة آل البيت عليهم السلام تذرف دموعهم و تتقلّب قلوبهم بذكر اسم الحسين عليه السلام،فقد جعل الباري تعالى في إسم الإمام الحسين عليه السلام تأثيرا بحيث لو ذكر اسمه لسيطرت حالة من المعنوية على أفئدة و أرواح أبناء الشيعة،و هذا هو المعنى العاطفي لذلك الوجود و تلك الذات المقدّسة،مثلما كانت هكذا عند أهل البصيرة منذ البداية،فقد كانت لهذا الوجود العزيز خصوصية منفردة و كان موضع حبّ و عشق في بيت النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السلام كما يفهم من الروايات و السير و الأخبار و التأريخ،و اليوم هو كذلك (1).

ص: 5


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:8.

غرس الرّسالة

اشارة

قال السيد القرشي:ألابورك هذا الغرس الذي امتدّ على هامة الزمن وعيا و إشراقا و هو يضىء للناس حياتهم الفكرية و الإجتماعية،و يهديهم إلى سواء السبيل.

الأم:

إنه الغرس الطيب من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليه السّلام التي طهّرها الله بفضله،و جعلها تهدي من ضلال،و تجمع من فرقة...إنها فاطمة الزهراء التي تحمل قبسا من روح أبيها و فيضا من نوره،و أشعة من هديه،فكانت موضع عنايته و اهتمامه،و قد أحاطها بهالة من الإكبار و التقدير،ففرض و لاءها على المسلمين ليكون ذلك جزءا من عقيدتهم و دينهم،و قد أذاع فضلها و عظيم مكانتها في الإسلام لتكون قدوة لنساء أمته،لقد أشاد صلّى اللّه عليه و اله بقيمها و مثلها في منتدياته العامة و الخاصة، و على منبره ليحفظه المسلمون فقد قال فيما أجمع عليه رواة الإسلام:

1-«إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك...».

2-«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها،و ينصبني ما أنصبها...».

3-«فاطمة سيدة نساء العالمين...».

إلى غير ذلك من الأخبار التي تحدثت عن معالم شخصية الزهراء عليه السّلام و أنها قدوة الإسلام،و المثل الأعلى لنساء هذه الأمة التي تضىء لهن الطريق في حسن

ص: 6

السلوك و العفة و إنجاب أجيال مهذبة...فما أعظم بركتها و أكثر عائدتها على الإسلام،و يكفي في عظيم شأنها أنه سمّيت على اسمها الدولة الفاطمية العظيمة، كما أن الجامع الأزهر اشتق من اسمها.بل يكفي في عظمة الدولة الفاطمية أن تبركت باسم الزهراء.

و على أي حال فإن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله استشف من وراء الغيب أن بضعته الطاهرة هي التي تتفرع منها الثمرة الطيبة من أئمة أهل البيت عليهم السّلام خلفاء الرسول، و دعاة الحق في الأرض الذين يتحملون أعباء رسالة الإسلام،و يعانون في سبيل الإصلاح الإجتماعي كل جهد و ضيق فلذا أولاها النبي اهتمامه،و جعل ذريتها موضع رعايته و عنايته.

الأب:

إنه ثمرة علي رائد الحق و العدالة في الأرض،أخو النبي صلّى اللّه عليه و اله و باب مدينة علمه، و من كان منه بمنزلة هارون من موسى،و أول من آمن بالله و صدّق رسوله، و القائد الأعلى في مركز القيادة الإسلامية بعد الرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله تحمّل أعباء الجهاد المقدس منذ فجر الدعوة الإسلامية،فخاض الأهوال،و التحم التحاما رهيبا مع قوى الشرك و الإلحاد حتى قام هذا الدين و هو عبل الذراع بجهاده و جهوده،قد حباه الله بكل مكرمة و خصّه بكل فضيلة،و أنه أبو الأئمة الطاهرين الذين فجّروا ينابيع الحكمة و النور في الأرض.

الوليد الأول

و أفرعت دوحة النبوة و شجرة الإمامة الذرية الطاهرة التي تشكل الإمتداد الرسالي بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله فكان الوليد الأول أبا محمد الزكي،و قد امتلأت نفس

ص: 7

النبي صلّى اللّه عليه و اله سرورا به،فأخذ يتعاهده،و يغذيه بمثله و مكرمات نفسه التي طبق شذاها العالم بأسره.

و لم تمض إلا أيام يسيرة حددها بعض المؤرخين باثنين و خمسين يوما حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سائر المسلمين بفارغ الصبر،و كلهم رجاء و أمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيئا في سماء الأمة الإسلامية،و يكونا امتدادا لحياة المنقذ العظيم.

رؤيا أم الفضل

و رأت السيدة أم الفضل بنت الحارث في منامها رؤيا غريبة لم تهتدي إلى تأويلها،فهرعت إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قائلة له:«إني رأيت حلما منكرا كأن قطعة من جسدك قطعت،و وضعت في حجري؟...».

فأزاح النبي صلّى اللّه عليه و اله مخاوفها،و بشّرها بخير قائلا:

«خيرا رأيت،تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك..»و مضت الأيام سريعة فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل،كما أخبر النبي صلّى اللّه عليه و اله.

و ظل الرسول صلّى اللّه عليه و اله يترقب بزوغ نجم الوليد الجديد الذي تزدهر به حياة بضعته التي هي أعز الباقين و الباقيات عنده من أبنائه و بناته (1).

ص: 8


1- انظر الإمام الحسين للقرشي:19/1.

ولادة الإمام الحسين عليه السلام و مدة خلافته

اشارة

وضعت سيدة نساء العالمين وليدها العظيم الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة،و لا فيما بعده،أعظم بركة و لا أكثر عائدة على الإنسانية منه،فلم يكن أطيب،و لا أزكى و لا أنور منه.

لقد أشرقت الدنيا به،و سعدت به الإنسانية في جميع أجيالها،و اعتز به المسلمون،و عمدوا إلى إحياء هذه الذكرى،افتخارا بها في كل عام،فتقيم وزارة الأوقاف في مصر احتفالا رسميا داخل المسجد الحسيني اعتزازا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الإسلامي.

و تردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين و سائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء،و هن يهنئنها بمولودها الجديد، و يشاركنها في أفراحها و مسراتها (1).

و روي أنه ولد عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (2)و كانت والدته الطهر البتول فاطمة عليها السّلام علقت به بعد أن ولدت أخاه الحسن بخمسين ليلة (3)،و لما ولد و اعلم النبي(ص)به أخذه و أذّن في اذنه اليمنى

ص: 9


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:19/1.
2- تاريخ الطبرى 2:555،الارشاد 2:27،مقاتل الطالبيين:78،الاستيعاب 1:378،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 21:12،مناقب ابن شهر آشوب 4:84،تاريخ بغداد 1:141.
3- ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من طبقات ابن سعد الغير مطبوع:17،الاستيعاب 1:378،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 37:31،كفاية الطالب:416.

و أقام في اذنه اليسرى (1).

و قيل:ولد الحسين بن عليّ عليهم السّلام في سنة ثلاث و قبض عليه السّلام في شهر المحرّم من سنة إحدى و ستّين من الهجرة و له سبع و خمسون سنة و أشهر.قتله عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه في خلافة يزيد بن معاوية لعنه اللّه و هو على الكوفة و كان على الخيل التي حاربته و قتلته عمر بن سعد لعنه اللّه بكربلاء يوم الاثنين،لعشر خلون من المحرّم و امّه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (2).

و قيل ولدت فاطمة حسينا بعد حسن بسنة و عشرة أشهر،فمولده لست سنين و خمسة أشهر و نصف من التاريخ،و قتل يوم الجمعة يوم عاشوراء لعشر مضين من المحرم سنة إحدى و ستين،و هو ابن أربع و خمسين سنة و ستة أشهر و نصف.

و قال المجلسي:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلثا لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنه لم يكن بينه و بين أخيه إلا الحمل،و الحمل ستة أشهر.

عاش مع جده ستة سنين و أشهرا و قد كمل عمره خمسين،و يقال:كان عمره سبعا و خمسين سنة و خمسة أشهر و يقال:ستة و خمسون سنة،و خمسة أشهر، و يقال:ثمان و خمسون.

و مدة خلافته خمس سنين و أشهر في آخر ملك معاوية و أول ملك يزيد.

قتله عمر بن سعد بن أبي و قاص و خولي بن يزيد الاصبحي و اجتز رأسه سنان ابن أنس النخعي و شمر بن ذي الجوشن،و سلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حيوة الحضرمي و أمير الجيش عبيد اللّه بن زياد،وجه به يزيد بن معاوية.1.

ص: 10


1- و هذه من المتواترات و قد نقلها جلّ كتب التراجم و السير و بها جرت السنّة إلى اليوم.
2- الكافي:463/1.

و مضى قتيلا يوم عاشورا،و هو يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال، و يقال:يوم الجمعة بعد صلاة الظهر،و قيل:يوم الاثنين بطف كربلا،بين نينوى و الغاضرية من قرى النهرين بالعراق،سنة ستين من الهجرة،و يقال:سنة إحدى و ستين و دفن بكربلا من غربي الفرات.

قال الشيخ المفيد:فأما أصحاب الحسين عليه السّلام فإنهم مدفونون حوله،و لسنا نحصل لهم أجداثا و الحائر محيط بهم.

و ذكر المرتضى في بعض مسائله:أن رأس الحسين عليه السّلام رد إلى بدنه بكربلا من الشام و ضم إليه،و قال الطوسي:و منه زيارة الاربعين.

و روى الكليني (1)في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام أنه مدفون بجنب أمير المؤمنين،و الاخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق عليه السّلام أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

و من أصحابه عبد اللّه بن يقطر رضيعه،و كان رسوله رمي به من فوق القصر بالكوفة،و أنس بن الحارث الكاهلي،و أسعد الشامي،عمرو بن ضبيعة،رميث بن عمرو زيد بن معقل،عبد اللّه بن عبد ربه الخزرجي،سيف بن مالك،شبيب بن عبد اللّه النهشلي،ضرغامة بن مالك،عقبة بن سمعان،عبد اللّه بن سليمان،المنهال ابن عمر و الأسدي،الحجاج بن مالك،بشر بن غالب،عمران بن عبد اللّه الخزاعي (3).

قال أبو الفرج في المقاتل:كان مولده عليه السّلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم،سنة إحدى و ستين،و له ست و خمسون سنة و شهور،و قيل:قتل يوم السبت.روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين و الذي ذكرناه أولا أصح.8.

ص: 11


1- في بعض المصادر:و روى الكلبى،و هو تصحيف.
2- ترى الحديثين في الكافي:ج 4 ص 571 و 572 باب موضع رأس الحسين.
3- بحار الأنوار:197/40-205 ح 15،و مناقب آل أبي طالب:ج 4 ص 77 و 78.

فأما ما تقوله العامة من أنه قتل يوم الاثنين فباطل،هو شيء قالوه بلا رواية و كان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الاربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات،و إذا كان ذلك كذلك،فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين.

قال أبو الفرج:و هذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية.

و روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عليه السّلام:أن الحسين بن علي عليهما السّلام قتل و له ثمان و خمسون سنة (1).

ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الثلاثا،و قيل:يوم الخمسين لثلاث خلون من شعبان، و قيل:لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة،و قيل:ولد آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة،و عاش سبعا و خمسين سنة و خمسة أشهر،كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سبع سنين،و مع أمير المؤمنين عليه السّلام سبعا و ثلاثين سنة،و مع أخيه الحسن عليه السّلام سبعا و أربعين سنة،و كانت مدة خلافته عشر سنين و أشهرا (2).

قال كمال الدين ابن طلحة:ولد عليه السّلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،علقت البتول عليها السّلام به بعد أن ولدت أخاه الحسن عليه السّلام بخمسين ليلة، و كذلك قال الحافظ الجنابذي (3).

و قال كمال الدين:كان انتقاله إلى دار الآخرة في سنة إحدى و ستين من الهجرة، فتكون مدة عمره ستا و خمسين سنة و أشهرا،كان منها مع جده رسول اللّه صلى اللّه عليه آله ست سنين و شهورا،و كان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ...بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و اله،و كان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليهم السلام عشر سنين،و بقي بعد وفاة أخيه الحسن عليه السّلام إلى وقت مقتله عشر سنين 200.ف.

ص: 12


1- بحار الأنوار:197/40-205 ح 16،و مقاتل الطالبيين:ص 54.
2- بحار الأنوار:197/40-205 ح 18.
3- كشف الغمة:ج 2 ص 170 مع اختلاف.

و قال ابن الخشاب:حدثنا حرب باسناده عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:مضى أبو عبد اللّه الحسين بن علي امه فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين و هو ابن سبع و خمسين سنة،في عام الستين من الهجرة،في يوم عاشورا،كان مقامه مع جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سبع سنين إلا ما كان بينه و بين أبي محمد.و هو سبعة أشهر و عشرة أيام،و أقام مع أبيه عليه السّلام ثلاثين سنة،و أقام مع أبي محمد عشر سنين و أقام بعد مضي أخيه الحسن عليه السّلام عشر سنين،فكان عمره سبعا و خمسين سنة إلا ما كان بينه و بين أخيه من الحمل،و قبض في يوم عاشورا في يوم الجمعة في سنة إحدى و ستين،و يقال:في يوم عاشورا يوم الاثنين،و كان بقاؤه بعد أخيه الحسن عليه السّلام أحد عشر سنة.

و قال الحافظ عبد العزيز:الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام و امه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قتل بالطف يوم عاشورا سنة إحدى و ستين،و هو ابن خمس و خمسين سنة و ستة

أشهر (1).

أقول:الاشهر في ولادته صلوات اللّه عليه،أنه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح:أنه خرج إلى القاسم بن العلا الهمداني وكيل أبي محمد عليه السّلام أن مولانا الحسين عليه السّلام ولد يوم الخميس،لثلاث خلون من شعبان فصم و ادع فيه بهذا الدعاء و ذكر الدعاء.

ثم قال رحمه اللّه بعد الدعاء الثاني المروي عن الحسين:قال ابن عياش:سمعت الحسين بن علي بن سفيان البزوفري يقول:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يدعو به في هذا اليوم و قال:هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان و هو مولد الحسين عليه السّلام.و قيل:

إنه عليه السّلام ولد لخمس ليال خلون من شعبان،لما رواه الشيخ أيضا في المصباح عن7.

ص: 13


1- بعض المصادر:ج 2 ص 216 و 217.

الحسين بن زيد،عن جعفر بن محمد عليهما السّلام أنه قال:ولد الحسين بن علي عليهما السّلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع خلون من الهجرة.

و قال رحمه اللّه في التهذيب:ولد عليه السّلام آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.

و قال الكليني قدس اللّه روحه:ولد عليه السّلام سنة ثلاث.

و قال الشهيد رحمه اللّه في الدروس:ولد عليه السّلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة،و قيل:يوم الخميس ثلاث عشر شهر رمضان.

و قال المفيد:لخمس خلون من شعبان سنة أربع.

و قال الشيخ ابن نما في مثير الاحزان:ولد عليه السّلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قيل الثالث منه،و قيل:أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث و قيل:

لخمس خلون من جمادى الاولى سنة أربع من الهجرة،و كانت مدة حمله ستة أشهر،و لم يولد لستة سواه و عيسى و قيل يحيى عليهم السلام.

و أقول:إنما اختار الشيخ رحمه اللّه كون ولادته عليه السّلام في آخر شهر ربيع الأول مع مخالفته لما رواه من الروايتين السالفتين اللتين تدلان على الثالث و الرواية الاخرى التي تدل على الخامس من شعبان،ليوافق ما ثبت عنده،و اشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن عليه السّلام في منتصف شهر رمضان،و ما مر في الرواية الصحيحة في باب ولادتهما عليهما السّلام من أن بين ولادتيهما لم يكن إلا ستة أشهر و عشرا،لكن مع ورود هذه الأخبار،يمكن عدم القول بكون ولادة الحسن عليه السّلام في شهر رمضان، لعدم استناده إلى خبر على ما عثرنا عليه،و اللّه يعلم (1).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:إنّ الحسين لمّا ولد أمر اللّه عزّ و جلّ جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول اللّه من اللّه و من جبرائيل،فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له قطرس كان من الحملة بعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه0.

ص: 14


1- بحار الأنوار:205/40.

فكسر جناحه و ألقاه في تلك الجزيرة،فعبد اللّه تعالى في الجزيرة سبعمائة عام فقال لجبرائيل:احملني معك لعلّ محمّدا يدعو لي فحمله فلمّا دخل جبرائيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هنّأه و أخبره بحال قطرس فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:قل له تمسّح بهذا المولود وعد إلى مكانك فتمسّح بالحسين عليه السّلام و ارتفع فقال:يا رسول اللّه أما إنّ امّتك ستقتله و له علي مكافأة لا يزوره زائر إلاّ أبلغه عنه و لا يسلّم عليه مسلم إلاّ أبلغه سلامه و لا يصلّ عليه مصلّ إلاّ أبلّغه صلاته ثمّ ارتفع.

و في حديث آخر أنّه لمّا ارتفع قال:من مثلي و أنا عتاقة الحسين،يعني أنّه أعتقني من عذاب ذلك الذنب (1).

و في كتاب الإحتجاج عن عبد الرحمن بن المثنّى الهاشمي قال:قلت لأبي عبد اللّه:

جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن و هما مثلان؟

فقال:إنّ جبرائيل نزل على محمّد فقال:يولد لك غلام تقتله امّتك من بعدك فقال:

يا جبرائيل لا حاجة لي فيه خاطبه ثلاثا ثمّ دعا عليّا فقال:إنّ جبرائيل أخبرني أنّه يولد لك غلام تقتله امّتي قال:لا حاجة لي فيه ثلاثا ثمّ قال:إنّه يكون فيه و في ولده الإمامة و الوراثة و الخزانة،و كذلك قال لفاطمة بعد قولها:لا حاجة لي فيه،فقالت:

رضيت عن اللّه عزّ و جلّ،فحملت بالحسين ستّة أشهر و لم يعش مولود قطّ ستّة أشهر غيره و غير عيسى ابن مريم فكفلته امّ سلمة،و كان صلّى اللّه عليه و اله يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فمه فيمصّه حتّى يروى فأنبت اللّه لحمه من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لم يرضع من فاطمة و لا من غيرها لبنا (2).

و في الكتاب عن برة الخزاعي قال:لمّا حملت فاطمة بالحسن خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في بعض وجوهه فقال لها:إنّك ستلدين غلاما فلا ترضعيه حتّى أصير إليك،فلمّا1.

ص: 15


1- البحار:244/43.
2- علل الشرائع:206/1.

وضعته بقي ثلاثة أيّام ما أرضعته فأدركتها رقّة الامّهات فأرضعته.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أبى اللّه عزّ و جلّ إلاّ ما أراد،فلمّا حملت بالحسين قال:إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرائيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليك و لو أقمت شهرا و خرج في بعض وجوهه فولدت الحسين عليه السّلام،فما أرضعته حتّى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأخذه فجعل يمصّ إبهامه و فيه غذاؤه،و يقال:بل كان يدخل لسانه في فيه فيزقّه كما يزقّ الطير فرخه و قال:إيها حسين إيها حسين أبي اللّه إلاّ ما يريد بل هي فيك يعني الإمامة (1).

و في عيون المعجزات للمرتضى:روى أنّ فاطمة ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.و روى أنّ مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن و حديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار و في كتب كثيرة (2).

و في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنّه لم يكن بينهما إلاّ الحمل و هو ستّة أشهر عاش مع جدّه ستّ سنين و أشهرا و كمل عمره خمسين سنة و خمسة أشهر و قيل:ستّ و خمسون سنة و خمسة أشهر،و يقال:ثمان و خمسون (3).

و قال في بحار الأنوار:الأشهر في ولادته عليه السّلام إنّه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح و قيل:ولد لخمس ليال خلون من شعبان و رواه الشيخ أيضا (4).7.

ص: 16


1- رسائل المرتضى:92/2.
2- عيون المعجزات:51.
3- دلائل الامامة:177.
4- انظر العوالم:7.

و قال في التهذيب:ولد آخر شهر ربيع الأوّل و قيل فيه غير هذا (1).

و مدّة خلافته خمس سنين و أشهرا في آخر ملك معاوية و أوّل ملك يزيد.

و كان منها مع جده رسول اللّه(ص)ست سنين و شهورا،و كان مع أبيه أمير المؤمنين علي عليه السّلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي(ص)،و كان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عشر سنين،و بقى بعد وفاة أخيه إلى مقتله عشر سنين.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان بين الحسن و الحسين عليه السّلام طهر و كان بينهما في الميلاد ستّة أشهر و عشرا (2)(3).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ جبرائيل عليه السّلام نزل على محمد صلّى اللّه عليه و اله فقال له:يا محمد إنّ اللّه يبشّرك بمولود يولد من فاطمة،تقتله أمّتك من بعدك فقال:يا جبرائيل و على ربّي السّلام،لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمّتي من بعدي،فعرج ثمّ هبط عليه السّلام فقال له مثل ذلك،فقال:يا جبرائيل و على ربّي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمّتي من بعدي فعرج جبرائيل عليه السّلام إلى السماء ثمّ هبط فقال:يا محمد إنّ ربّك يقرئك السّلام و بيشّرك بأنّه جاعل في ذرّيّته الإمامة و الولاية و الوصيّة،فقال:قد رضيت ثمّ أرسل إلى فاطمة أنّ اللّه يبشّرني بمولود يولد لك،تقتله أمّتي من بعدي فأرسلت إليه لا حاجة في مولود[منّي]تقتله أمّتك من بعدك،فأرسل إليها أنّ اللّه قد جعل في ذرّيّته الإمامة و الولاية و الوصيّة،فأرسلت إليه إنّي قد رضيت ف حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فلولا أنّه قال:

أصلح لي في ذرّيّتي لكانت ذرّيته كلّهم أئمّة و لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السّلام و لا من1.

ص: 17


1- تهذيب الاحكام:42/6.
2- أي أقل زمان الطهر و هو عشرة أيام و كان مدة الحمل ستة أشهر فكان بينهما في الميلاد ستة أشهر و عشرة أيام،و المولد الموضع و الوقت،و الميلاد الوقت لا غير.
3- الكافي 464/1.

أنثى،كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث، فنبت لحم الحسين عليه السّلام من لحم رسول اللّه و دمه صلّى اللّه عليه و اله و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسى بن مريم عليه السّلام و الحسين بن عليّ عليهم السّلام (1).و في رواية أخرى،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام:

إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان يؤتى بالحسين فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزىء به و لم يرتضع من أنثى (2).

و عن أم الفضل بنت الحارث:أنها رأت فيما يرى النائم أن عضوا من أعضاء النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في بيتها[قالت:]فقصصتها على النبي صلى اللّه عليه و سلّم فقال:«خيرا رأيت،تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم»قالت:فولدت فاطمة غلاما فسمّاه النبي صلى اللّه عليه و سلّم حسينا و دفعه إلى أم الفضل،و كانت ترضعه بلبن قثم (3).

و قال السيد القرشي:و استقبل سبط النبي صلّى اللّه عليه و اله دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة و قيل في السنة الثالثة و اختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الأكثر إلى أنه ولد في شعبان،و أنه في اليوم الخامس منه و لم يحدد بعضهم اليوم، و إنما قال:ولد لليال خلون من شعبان و أهمل بعض المؤرخين ذلك مكتفيا بالقول أنه ولد في شعبان و ذهب بعض الأعلام إلى أنه ولد في آخر ربيع الأول إلا أنه خلاف المشهور فلا يعنى به (4).

وجوم النبي و بكاؤه

و لما بشر الرسول الأعظم بسبطه المبارك خفّ مسرعا إلى بيت بضعته

ص: 18


1- الكافي:465/1
2- الكافي:465/1.
3- سنن ابن ماجة 289/2 أبواب تعبير الرؤيا و منتخب كنز العمال 111/5.
4- حياة الإمام الحسين للقرشي:20/1.

فاطمة عليه السّلام و هو مثقل الخطا قد ساد عليه الوجوم و الحزن،فنادى بصوت خافت حزين النبرات:

«يا أسماء هلمي ابني».

فناولته أسماء،فاحتضنه النبي،و جعل يوسعه تقبيلا،و قد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء،و انبرت تقول:

«فداك أبي و أمي مم بكاؤك؟!!».

فأجابها النبي صلّى اللّه عليه و اله و قد غامت عيناه بالدموع:

«من ابني هذا».

و ملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة و مغزاها فانطلقت تقول:

«إنه ولد الساعة».

فأجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنا و أسى قائلا:

«تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي..».

ثم نهض و هو مثقل بالهمّ و أسرّ إلى أسماء قائلا:

«لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادة...».

و انصرف النبي صلّى اللّه عليه و اله و هو غارق بالأسى و الشجون،فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات و الخطوب التي تذهل كل كائن حي (1).

مراسيم ولادته

اشارة

و أجرى النبي صلّى اللّه عليه و اله بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك،فقام صلّى اللّه عليه و اله بما يلي:

ص: 19


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:19/1.

أولا:

الأذان و الإقامة

و احتضن النبي وليده العظيم فأذّن في أذنه اليمنى،و أقام في اليسرى و جاء في الخبر«أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم».

إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي هو أول من أناب إلى الله،و دعى إليه،و أنشودة ذلك الصوت:

«الله أكبر لا إله إلا الله..».

لقد غرس النبي صلّى اللّه عليه و اله هذه الكلمات التي تحمل جوهر الإيمان و واقع الإسلام في نفس وليده،و غذاه بها فكانت من عناصره و مقوماته،و قد هام بها في جميع مراحل حياته،فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيا بكل شي في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الأرض،و تسود قوى الخير و السلام و تتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على إطفاء نور الله.

ثانيا:

اشارة

التسمية

و سمّاه النبي صلّى اللّه عليه و اله حسينا كما سمّى أخاه حسنا و يقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الإسمين حتى تسمّي أبناءها بهما،و إنما سمّاهما النبي صلّى اللّه عليه و اله بهما بوحي من السماء.

و قد صار هذا الإسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجّرت الوعي و الإيمان في الأرض،و استوعب ذكرها جميع لغات العالم،و هام الناس بحبها حتى

ص: 20

صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا،و شعارا لكل تضحية تقوم على الحق و العدل.

أقوال شاذة:

و حفلت بعض مصادر التاريخ و الأخبار بصور مختلفة لتسمية الإمام الحسين عليه السّلام لا تخلو من التكلف و الإنتحال و هي:

1-ما رواه هانىء بن هانىء عن علي عليه السّلام قال:لما ولد الحسن جاء رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقال:أروني ابني ما سميتموه؟قلت:سميته حربا،قال:بل هو حسن،فلما ولد الحسين قال:أروني ابني ما سميتموه؟

قلت:سميته حربا،قال:بل هو حسين،فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللّه عليه و اله فقال:

أروني ابني ما سميتموه؟قلت:حربا،فقال:بل هو محسن.

و هذه الرواية-فيما نحسب-لا نصيب لها من الصحة و ذلك:

أ-أن سيرة أهل البيت عليهم السّلام قامت على الالتزام بحرفية الإسلام و عدم الشذوذ عن أي بند من أحكامه،و قد كره الإسلام تسمية الأبناء بأسماء الجاهلية التي هي رمز للتأخر و الانحطاط الفكري،مضافا إلى أن هذا الإسم علم لجد الأسرة الأموية التي تمثل القوى الحاقدة على الإسلام و الباغية عليه،فكيف يسمّي الإمام أبناءه به؟!!

ب-إن إعراض النبي صلّى اللّه عليه و اله عن تسمية سبطه الأول به مما يوجب ردع الإمام عن تسمية بقية أبنائه به.

ج-إن المحسن باتفاق المؤرخين لم يولد في حياة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و إنما ولد بعد حياته بقليل،و هذا مما يؤكد انتحال الرواية و عدم صحتها.

2-روى أحمد بن حنبل بسنده عن الإمام علي عليه السّلام قال:لما ولد لي الحسن سميته باسم عمي حمزة،و لما ولد الحسين سميته باسم أخي جعفر فدعاني

ص: 21

رسول الله صلّى اللّه عليه و اله فقال:«إن الله قد أمرني أن أغير اسم هذين فسمّاهما حسنا،و حسينا».

و هذه الرواية كسابقتها في الضعف فإن تسمية السبطين بهذين الإسمين وقعت عقيب ولادتهما حسب ما ذهب إليه المشهور و لم يذهب أحد إلى ما ذكره أحمد.

3-روى الطبراني بسنده عن الإمام علي عليه السّلام أنه قال:لما ولد الحسين سميته باسم أخي جعفر فدعاني رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و أمرني أن أسميه حسينا،و هذه الرواية تضارع الروايتين في ضعفها فإن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لم يسبق رسول الله صلّى اللّه عليه و اله في تسمية سبطه و ريحانته و هو الذي أسماه بذلك حسب ما ذهب إليه المشهور و أجمعت عليه روايات أهل البيت عليهم السّلام.

ثالثا:

العقيقة

و بعد ما انطوت سبعة أيام من ولادة السبط أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله أن يعق عنه بكبش، و يوزع لحمه على الفقراء كما أمر أن تعطى القابلة فخذا منها،و كان ذلك من جملة ما شرعه الإسلام في ميادين البر و الإحسان إلى الفقراء.

رابعا:

حلق الرأس

و أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله أن يحلق رأس وليده،و يتصدق بزنته فضة على الفقراء فكان وزنه-كما في الحديث-درهما و نصفا و طلى رأسه بالخلوق و نهى عما كان يفعله أهل الجاهلية من إطلاء رأس الوليد بالدم.

ص: 22

خامسا:

الختان

و أوعز النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى أهل بيته بإجراء الختان على وليده في اليوم السابع من ولادته،و قد حث النبي صلّى اللّه عليه و اله على ختان الطفل في هذا الوقت المبكر لأنه أطيب له و أطهر.

تعويذ النبي للحسنين

و بلغ من رعاية النبي صلّى اللّه عليه و اله لسبطيه،و حرصه على وقايتهما من كل سوء و شر أنه كان كثيرا ما كان يعوذهما فقد روى ابن عباس قال:«كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يعوذ الحسن و الحسين قائلا:«أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة،و من كل عين لامة»و يقول:هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل و إسحاق.و يقول عبد الرحمن بن عوف:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«يا عبد الرحمن:ألا أعلّمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها ابنيه إسماعيل و إسحاق،و أنا أعوذ بها ابني الحسن و الحسين..كفى بالله واعيا لمن دعا،و لا مرمى وراء أمر الله لمن رمى..».

و دل ذلك على مدى الحنان،و العطف الذي يكنه صلّى اللّه عليه و اله لهما،و أنه كان يخشى عليهما من أن تصيبهما عيون الحساد فيقيهما منها بهذا الدعاء.

ص: 23

ملامح الحسين عليه السلام

و بدت في ملامح الإمام الحسين عليه السّلام ملامح جده الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله فكان يحاكيه في أوصافه،كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين،و وصفه محمد بن الضحاك فقال:«كان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلّى اللّه عليه و اله»،و قيل:إنه كان يشبه النبي صلّى اللّه عليه و اله ما بين سرته إلى قدميه و قال الإمام علي عليه السّلام:

«من سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله ما بين عنقه و ثغره فلينظر إلى الحسن،و من سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله ما بين عنقه إلى كعبه خلقا و لونا فلينظر إلى الحسين بن علي..».

لقد بدت على وجهه الشريف أسارير الإمامة فكان من أشرق الناس وجها،فكان كما يقول أبو كبير الهذلي:

و إذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل.

و وصفه بعض المترجمين له بقوله:«كان أبيض اللون،فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يهتدى إليه لبياض حسنه و نحره»و يقول آخر:«كان له جمال عظيم،و نور يتلألأ في جبينه و خده،يضىء حواليه في الليلة الظلماء و كان أشبه الناس برسول الله صلّى اللّه عليه و اله»، و وصفه بعض الشهداء من أصحابه في رجز كان نشيدا له في يوم الطف يقول:

له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير

ص: 24

هيبة الحسين

و كانت عليه سيماء الأنبياء،فكان في هيبته يحكي هيبة جده التي تعنو لها الجباه،و وصف عظيم هيبته بعض الجلادين من شرطة ابن زياد بقوله:

«لقد شغلنا نور وجهه،و جمال هيبته عن الفكرة في قتله».

و لم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف،و لا طعنات الرماح،فكان كالبدر في بهائه و نضارته و في ذلك يقول الكعبي:

و مجرح ما غيّرت منه القنا حسنا و لا أخلقن منه جديدا

قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى مذ ألبسته يد الدماء برودا

و لما جيء برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بهر بنور وجهه فانطلق يقول:

«ما رأيت مثل هذا حسنا!!».

فانبرى إليه أنس بن مالك منكرا عليه قائلا:

«أما أنه كان أشبههم برسول الله؟».

و حينما عرض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذهل من جمال هيبته و طفق يقول:

«ما رأيت وجها قط أحسن منه!!».

فقال له بعض من حضر:

«إنه كان يشبه رسول الله صلّى اللّه عليه و اله».

لقد أجمع الرواة أنه كان يحاكي جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله في أوصافه و ملامحه و أنه كان يضارعه في مثله و صفاته،و لما تشرّف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته

ص: 25

امتلأت نفسه إكبارا و إجلالا له و راح يقول:

«ما رأيت أحدا قط أحسن،و لا أملأ للعين من الحسين..».

لقد بدت على ملامحه سيماء الأنبياء و بهاء المتقين،فكان يملأ عيون الناظرين إليه،و تنحني الجباه خضوعا و إكبارا له.

ص: 26

ألقاب الحسين

أما ألقابه فتدل على سمو ذاته،و ما يتمتع به من الصفات الرفيعة و هي:

1-الشهيد.

2-الطيب.

3-سيد شباب أهل الجنة.

4-السبط لقوله صلّى اللّه عليه و اله:«حسين سبط من الأسباط».

5-الرشيد.

6-الوفي.

7-المبارك.

8-التابع لمرضاة الله.

9-الدليل على ذات الله.

10-المطهر.

11-البر.

12-أحد الكاظمين.

كنيته

كان يكنى بأبي عبد الله و ذكر غير واحد من المؤرخين أنه لا كنية له غيرها، و قيل:إنه يكنى بأبي علي و كنّاه الناس من بعد شهادته بأبي الشهداء و أبي الأحرار.

ص: 27

نقش خاتمه

كان له خاتمان أحدهما من عقيق،و قد نقش عليه«إن الله بالغ أمره»الثاني و هو الذي سلب منه يوم قتل،و قد كتب عليه«لا إله إلا الله عدد (1)لقاء الله»،و قد ورد:أن من يتختم بمثله كان له حرز من الشيطان.

استعماله الطيب

و كان الطيب محببا إليه فكان المسك لا يفارقه في حله و ترحاله،كما كان بخور العود في مجلسه.

دار سكناه

و أول دار سكنها مع أبويه كانت الدار المجاورة لبيت عائشة و لها باب من المسجد،و تعرف بدار فاطمة (2).

ص: 28


1- في دلائل الإمامة(181):عدة.
2- انظر حياة الإمام الحسين للقرشي:20/1.

ثلاثة مراحل من حياة الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد الخامنئي:يجب أولا و قبل كل شيء إدراك مدى فداحة تلك الواقعة حتى نتحرك و نتتبع أسبابها،و لا يقصر نظر أحد على أنّ واقعة عاشوراء كانت-في النهاية-مذبحة قتل فيها مجموعة.كلا،بل إنها و كما نقرأ في زيارة عاشوراء:«لقد عظمت الرزية و جلّت و عظمت المصيبة».

و لأجل أن يتضح مدى عظم تلك الفاجعة،أستعرض بصورة إجمالية ثلاثة مراحل قصيرة من حياة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام،لنرى شخصية الإمام الحسين عليه السّلام في هذه المراحل الثلاثة،هل من الممكن أن يحتمل أحد أنه ينتهي بها المآل يوم عاشوراء إلى أن تحاصره حشود من أمّة جدّه و تقتله أشنع قتلة هو و أصحابه و أهل بيته و تسبي عياله؟

تتلخص تلك المراحل الثلاثة في:

أولا:مرحلة الطفولة و تبدأ منذ نعومة أظفاره إلى تاريخ وفاة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله.

ثانيا:مرحلة شبابه..أي خمس و عشرون سنة،من وفاة جده إلى خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثالثا:المرحلة التي استمرت عشرين سنة من بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام إلى واقعة كربلاء.

ص: 29

مرحلة الطفولة عند الحسين عليه السلام

اشارة

ففي المرحلة الأولى؛أي في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان الحسين عليه السّلام طفلا مدللا و محبوبا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.فقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنت،و كان المسلمون يعلمون جميعا آنذاك أنه صلّى اللّه عليه و اله قال:«إني لأغضب لغضب فاطمة و أرضى لرضاها» (1).

فانظروا عظيم منزلة هذه البنت بحيث إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يبجّلها بهذه الكلمة و أمثالها في محضر المسلمين و الملأ العام.و ليس هذا بالأمر العادي.

و زوّجها الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و اله لشخص كان ذروة في المآثر،زوّجها علي بن أبي طالب عليه السّلام الذي كان شابا شجاعا شريفا و من أكثر الناس إيمانا و أسبقهم إلى

ص: 30


1- و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يا فاطمة إن اللّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك»أخرجه الطبراني في المعجم الكبير:108/1 ح 182 ذيل ترجمة علي و بالهامش:«في هامش الاصل:هذا حديث صحيح الاسناد و روي من طرق عن علي رواه الحارث عن علي و روي مرسلا،و هذا الحديث أحسن شيء رأيته و أصح إسناد قرأته»و 401/22 ترجمة فاطمة-مناقبها،و جواهر العقدين:350 الباب الحادي عشر، قال السمهودي بعد إيراده هذا الحديث:(فمن آذى شخصا من أولاد فاطمة أو أبغضه فقد جعل نفسه عرضة لهذا الخطر العظيم،و بضده من تعرض لمرضاتها في حبهم و إكرامهم كما يؤخذ مما تقدم) جواهر العقدين:351 الباب 11. *و قال السهيلي:(هذا الحديث يدل على أن من سبّها كفر و من صلّى عليها فقد صلّى على أبيها) المواهب اللدنية:533/2 الفصل الثاني من المقصد السابع. و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني»المصنف لابن أبي شيبة:/6 391 ح 32259 كتاب الفضائل-فضائل فاطمة.و الفردوس بمأثور الخطاب:232/1 ح 887 ط. دار الكتب العلمية،و 282 ح 886 ط.دار الكتاب العربي.و صحيح البخاري:83/5 ح 232 كتاب الفضائل-مناقب قرابة الرسول و 73/7 كتاب النكاح باب(110)ذب الرجل عن ابنته في الغيرة و الانصاف ح 159،و صحيح مسلم:221/16 ح 6257 كتاب الفضائل-فضائل الصحابة-فاطمة.

الإسلام،و أكثرهم مشاركة في كل ميادينه،عليّ..من قام الإسلام بسيفه..من كان يقدم حيثما يحجم الآخرون و يحل المستعصي من العقد..هذا الصهر العزيز المحبوب الذي لم تكن محبته منطلقة من وازع القرابة و ما شاكلها من الوشائج، و إنما كانت انطلاقا من عظمة شخصيته،و لهذه الأسباب زوّجه ابنته،فكان من نسلهم الحسين،و هذا الكلام يصدق كله أيضا على الإمام الحسن عليه السّلام.إلا أنّ كلامي هنا يدور حول الإمام الحسين عليه السّلام..

بين الحسين و النبي عليهما السلام

أعز عزيز عند الرسول الأعظم الذي كان زعيم العالم الإسلامي و حاكم المسلمين و محبوب كل القلوب يضمه بين ذراعيه و يصطحبه إلى المسجد.

و المسلمون كانوا يعلمون أنّ هذا الطفل هو محبوب قلب الرسول الذي تذوب القلوب جميعا في محبته.فحينما كان الرسول يلقي خطبة من فوق المنبر علقت رجل هذا الطفل بعائق فسقط على الأرض،فنزل الرسول صلّى اللّه عليه و اله من فوق المنبر و احتضنه و لاطفه.لاحظوا،هكذا كانت محبة الحسين عليه السّلام عند الرسول الأعظم.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما آنذاك في السابعة و السادسة من عمريهما:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنّة» (1).

قال فيهما هذا القول و هما لازالا طفلين.أي أنهما حتى و إن كانا في تلك السن إلا أنهما يفهمان و يدركان و يعملان كمن هو في سن الشباب،و يفوح الأدب و الشرف من جنبيهما.

و لو قال قائل حينذاك أنّ هذا الطفل سيقتل على يد أمّة هذا الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله

ص: 31


1- ترجمة الإمام الحسين:50.

بلا جرم أو جريرة،ما كان ليصدّقه أحد.مثلما صرّح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نفسه بتلك الحقيقة المرّة و بكى لها.

و تعجب في وقتها الجميع،مستنكرين إمكانية حدوث عمل كهذا.

ص: 32

مرحلة شباب الحسين عليه السلام

المرحلة الثانية:هي الفترة التي استمرت خمسا و عشرين سنة من وفاة الرسول إلى خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام.إذ كان عليه السّلام شابا متوثّبا و عالما و شجاعا،شارك في الحروب و خاض شدائد الأمور.كان معروفا عند الجميع بالعظمة،و عند ما يأتي ذكر الكرام تشخص إليه الأبصار و تحوم حوله الأذهان.و إسمه يسطع بين جميع مسلمي مكة و المدينة و حيثما امتد الإسلام،بكل فضيلة و مكرمة.و الكل ينظر إليه و إلى أخيه عليه السّلام باحترام و تكريم.

و حتى خلفاء ذلك العصر كانوا يبدون لهما التعظيم و الإجلال.و كان مثالا و مقتدى لشباب ذلك العهد.و هكذا لو أنّ شخصا قال آنذاك إنّ هذا الشاب سيقتل على يد هذه الأمّة،لما صدّقه أحد.

ص: 33

مرحلة الشهادة

المرحلة الثالثة:هي تلك المرحلة التي حلّت من بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام و كان دور غربة أهل البيت.فكان الإمامان الحسن و الحسين عليهما السلام يقيمان خلال تلك المدّة في مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و اله.بعد مقتل أمير المؤمنين بعشرين سنة، انحصرت الإمامة في الحسين على جميع المسلمين-و إن لم تكن الخلافة في يده- و بدا مفتيا كبيرا،و زاد احترامه عند الجميع،و أضحى عروة يتمسك بها كل من يريد التمسّك بأهل البيت عليهم السّلام.فكان ذا شخصية محبوبة و رجلا شريفا نجيبا أصيلا عالما.

حتى إنه بعث في ذلك الوقت بكتاب إلى معاوية،لو كان غيره كتبه لأي حاكم لكان جزاؤه القتل.إلا أنّ معاوية حينما وصله الكتاب تلقّاه بكل تكريم و قرأه متغاضيا عما جاء فيه.

ثم لو أن أحدا كان يقول في ذلك الوقت أنّ هذا الرجل الشريف الكريم العزيز النجيب الذي يجسّد الإسلام و القرآن في نظر كل ناظر،سيقتل عمّا قريب على يد أمة الإسلام و القرآن قتلة شنيعة،لم يكن أحد ليتصور صحّة ذلك.إلاّ أنّ هذه الواقعة العجيبة البعيدة عن التصور،قد حصلت فعلا!

و لكن من الذين فعلوا ذلك؟فعله أولئك الذين كانوا يترددون عليه و يوالونه و يعربون له عن محبتهم و إخلاصهم!فما معنى هذا؟معناه أنّ المجتمع الإسلامي أفرغ طوال هذه الخمسين سنة من قيمه المعنوية و جرّد من حقيقة الإسلام،فكان ظاهره إسلاميا و باطنه خاويا.و هنا هو مكمن الخطر.

ص: 34

فالصلوات تقام و صلاة الجماعة موجودة،و الأمة توصف بالأمة المسلمة، و حتى أنّ البعض منها يوالي أهل البيت عليهم السّلام!

و معنى هذا أن أهل البيت عليهم السّلام يحظون بالاحترام و القبول لدى جميع المسلمين، و كانوا في ذلك العصر يلقون غاية التكريم و المحبة.و لكن في الوقت ذاته حينما يصبح المجتمع خاويا تقع مثل تلك الحادثة(حادثة كربلاء).

و لكن أين العبرة من هذا؟تكمن العبرة في ما ينبغي عمله لكي لا ينزلق المجتمع إلى مثل ذلك المآل.و هذا ما يوجب علينا فهم الظروف التي ساقت المجتمع إلى تلك النهاية.

و هذا هو البحث المطوّل الذي أريد أن أقّدم لكم موجزه (1).1.

ص: 35


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:47-51.

المكونات التربوية للإمام الحسين عليه السلام

اشارة

قال السيد القرشي:و توفّرت في سبط الرسول صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته الإمام الحسين عليه السّلام،جميع العناصر التربوية الفذة التي لم يظفر بها غيره،فأخذ بجوهرها و لبابها و قد أعدّته لقيادة الأمة،و تحمّل رسالة الإسلام بجميع أبعادها و مكوناتها، كما أمدته بقوى روحية لاحد لها من الإيمان العميق بالله،و الخلود إلى الصبر على ما انتابه من المحن و الخطوب التي لا يطيقها أي كائن حي من بني الإنسان.

أما الطاقات التربوية التي ظفر بها،و عملت على تقويمه و تزويده بأضخم الثروات الفكرية و الإصلاحية فهي:

الوراثة

حددت الوراثة بأنها مشابهة الفرع لأصله،و لا تقتصر على المشابهة في المظاهر الشكلية و إنما تشمل الخواص الذاتية،و المقومات الطبيعية،كما نص على ذلك علماء الوراثة و قالوا:إن ذلك أمر بيّن في جميع الكائنات الحية فبذور القطن تخرج القطن،و بذور الزهرة تخرج الزهرة،و هكذا غيرها،فالفرع يحاكي أصله و يساويه في خواصه،و أدق صفاته،يقول(مندل):

«إن كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغير من أحد الأصلين أو منهما إلى الفرع..».

و أكد هذه الظاهرة«هكسلي»بقوله:

ص: 36

«إنه ما أثر أو خاصة لكائن عضوي إلا و يرجع إلى الوراثة أو إلى البيئة فالتكوين الوراثي يضع الحدود لما هو محتمل،و البيئة تقرر أن هذا الإحتمال سيتحقق، فالتكوين الوراثي إذن ليس إلا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص..».

و معنى ذلك أن جميع الآثار و الخواص التي تبدو في الأجهزة الحساسة من جسم الإنسان ترجع إلى العوامل الوراثية و قوانينها،و البيئة تقرر وقوع تلك المميزات و ظهورها في الخارج،فإذن ليست البيئة إلا عاملا مساعدا للوراثة،حسب البحوث التجريبية التي قام بها الإختصاصيون في بحوث الوراثة.

و على أي حال فقد أكد علماء الوراثة بدون تردد أن الأبناء و الأحفاد يرثون معظم صفات آبائهم و أجدادهم النفسية و الجسمية،و هي تنتقل إليهم بغير إرادة و لا اختيار،و قد جاء هذا المعنى صريحا فيما كتبه الدكتور«الكسيس كارل»عن الوراثة بقوله:

«يمتد الزمن مثلما يمتد في الفرع إلى ما وراء حدوده الجسمية..و حدوده الزمنية ليست أكثر دقة و لا ثباتا من حدوده الاتساعية،فهو مرتبط بالماضي و المستقبل، على الرغم من أن ذاته لا تمتد خارج الحاضر..و تأتي فرديتنا كما نعلم إلى الوجود حينما يدخل الحويمن في البويضة.و لكن عناصر الذات تكون موجودة قبل هذه اللحظة و مبعثرة في أنسجة أبوينا و أجدادنا و أسلافنا البعيدين جدا لأنا مصنوعون من مواد آبائنا و أمهاتنا الخلوية.و تتوقف في الماضي على حالة عضوية لا تتحلل...و تحمل في أنفسنا قطعا ضيئلة لأعداد من أجسام أسلافنا،و ما صفاتنا و نقائصنا إلا امتداد لنقائصهم و صفاتهم..».

و قد اكتشف الإسلام-قبل غيره-هذالظاهرة،و دلل على فعالياتها،في التكوين النفسي و التربوي للفرد،و قد حث بإصرار بالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على أساس وثيق من الإختبار و الفحص عن سلوك الزوجين،و سلامتهما النفسية و الخلقية من العيوب و النقص،ففي الحديث«تخيّروا لنطفتكم فإن العرق دساس»

ص: 37

و أشار القرآن الكريم إلى ما تنقله الوراثة من أدق الصفات قال تعالى حكاية عن نبيه نوح: وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً (1)فالآية دلت بوضوح على انتقال الكفر و الإلحاد بالوراثة من الآباء إلى الأبناء،و قد حفلت موسوعات الحديث بكوكبة كبيرة من الأخبار التي أثرت عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام و هي تدلل على واقع الوراثة و قوانينها و مالها من الأهمية البالغة في سلوك الإنسان،و تقويم كيانه.

على ضوء هذه الظاهرة التي لا تشذ في عطائها نجزم بأن سبط الرسول صلى الله عليه و آله قد ورث من جده الرسول و آله صفاته الخلقية و النفسية،و مكوناته الروحية التي امتاز بها على سائر النبيين،و قد حدد كثير من الروايات مدى ما ورثه هو و أخوه الإمام الحسن من الصفات الجسمية من جدهما النبي فقد جاء عن علي عليه السّلام أنه قال:«من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله و آله ما بين عنقه و شعره فلينظر إلى الحسن،و من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله و آله ما بين عنقه إلى كعبه خلقا و لونا فلينظر إلى الحسين»و في رواية أنه كان أشبه النبي ما بين سرته إلى قدمه و كما ورث هذه الظاهرة من جده فقد ورث منه مثله و سائر نزعاته و صفاته.

الأسرة

الأسرة من العوامل المهمة في إيجاد عملية التطبيع الاجتماعي،و تشكيل شخصية الطفل،و إكسابه العادات التي تبقى ملازمة له طوال حياته،فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي،و السلوك الاجتماعي،و هي أكثر فعالية في إيجاد التوازن في سلوك الشخص من سائر العوامل التربوية الأخرى،فمنها يتعلم الطفل

ص: 38


1- سورة نوح:26-27.

اللغة،و يكتسب القيم و التقاليد الاجتماعية.

و الأسرة إنما ينشأ أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان و البعد عن الشذوذ و الانحراف فيما إذا شاع في البيت الاستقرار و المودة و الطمأنينة و ابتعدت عن ألوان العنف و الكراهية،و إذا لم ترع ذلك فإن أطفالها تصاب بعقد نفسية خطيرة تسبب لهم كثيرا من المشاكل و المصاعب،و قد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة،و أكثرها تمهيدا للاضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه.

كما أن من أهم وظائف الأسرة الإشراف على تربية الأطفال فإنها مسؤولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة و قواعدها في صورة تؤهله في مستقبل حياته من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع.

و أهم وظائف الأسرة عند علماء التربية هي ما يلي:

أ-إعداد الأطفال بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية و الاجتماعية.

ب-إعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع و التعرف على قيمه و عاداته.

ج-توفير الاستقرار و الأمن و الحماية لهم.

د-إمدادهم بالوسائل التي تهيء لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.

ه-تربيتهم بالتربية الأخلاقية و الوجدانية و الدينية.

و على ضوء هذه البحوث التربوية الحديثة عن الأسرة و مدى أهميتها في تكوين الطفل،و تقويم سلوكه بحزم بأن الإمام الحسين عليه السّلام كان وحيدا في خصائصه و مقوماته التي استمدها من أسرته فقد نشأ في أسرة تنتهي إليها كل مكرمة و فضيلة في الإسلام،فما أظلت قبة السماء أسرة أسمى و لا أزكى من أسرة آل الرسول صلّى اللّه عليه و اله...لقد نشأ الإمام الحسين عليه السّلام في ظل هذه الأسرة و تغذى بطباعها و أخلاقها،و نعرض-بإيجاز-لبعض النقاط المضيئة النابضة بالتربية الفذة التي

ص: 39

ظفر بها الحسين عليه السّلام في ظل الأسرة النبوية.

التربية النبوية

اشارة

و قام الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله بدوره بتربية سبطه و ريحانته فأفاض عليه بمكرماته و مثله و غذّاه بقيمه و مكوناته ليكون صورة عنه،و يقول الرواة:إنه كان كثير الاهتمام و الاعتناء بشأنه،فكان يصحبه معه في أكثر أوقاته فيشمه عرفه و طيبه،و يرسم له محاسن أفعاله،و مكارم أخلاقه،و قد علّمه و هو في غضون الصبا سورة التوحيد،و وردت إليه من تمر الصدقة فتناول منها الحسين تمرة و جعلها في فيه،فنزعها منه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و قال له:لا تحل لنا الصدقة،و قد عوّده و هو في سنه المبكر بذلك على الإباء،و عدم تناول ما لا يحل له،و من الطبيعي أن إبعاد الطفل عن تناول الأغذية المشتبه فيها أو المحرّمة لها أثرها الذاتي في سلوك الطفل و تنمية مداركه حسب ما دللت عليه البحوث الطبية الحديثة،فإن تناول الطفل للأغذية المحرّمة مما يوقف فعالياته السلوكية،و يغرس في نفسه النزعات الشريرة كالقسوة،و الإعتداء و الهجوم المتطرف على الغير،و قد راعى الإسلام باهتمام بالغ هذه الجوانب فألزم بإبعاد الطفل عن تناول الغذاء المحرّم و كان إبعاد النبي صلّى اللّه عليه و اله لسبطه الحسين عن تناول تمر الصدقة التي لا تحل لأهل البيت عليهم السّلام تطبيقا لهذا المنهج التربوي الفذ...و سنذكر المزيد من ألوان تربيته له عند عرض ما أثر عنه عليه السّلام في حقه عليه السّلام.

رعاية النبي الأعظم للحسين

اشارة

و تولّى النبي صلّى اللّه عليه و اله بنفسه رعاية الحسين،و اهتم به اهتماما بالغا فمزج روحه بروحه،و مزج عواطفه بعواطفه،و كان-فيما يقول المؤرخون-يضع إبهامه في

ص: 40

فيه،و أنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريق النبوة و هو يقول له:

«إيها حسين،إيها حسين،أبى الله إلا ما يريد هو-يعني الإمامة-فيك و في ولدك...».

و في ذلك يقول السيد الطباطبائي:

ذادوا عن الماء ظمآنا مراضعه من جده المصطفى الساقي أصابعه

يعطيه إبهامه آنا و آونة لسانه فاستوت منه طبائعه

غرس سقاه رسول الله من يده و طاب من بعد طيب الأصل فارعه

لقد سكب الرسول صلّى اللّه عليه و اله في نفس وليده مثله و مكرماته ليكون صورة عنه، و امتدادا لحياته،و ممثلا له في نشر أهدافه و حماية مبادئه (1).

في أن الحسين ابن النبي
اشارة

ابن بابويه قال:حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال:حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر،عن عمه عبد اللّه بن عامر قال:حدّثنا أبو أحمد محمد بن زياد الازدي،عن أبان بن عثمان الأحمر،عن أبان بن تغلب،عن عكرمة،عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعلي بن أبي طالب ذات يوم-و هو في مسجد قبا و الأنصار مجتمعون-«يا علي أنت أخي و أنا أخوك،يا علي أنت وصيي و خليفتي و إمام أمتي بعدي والى اللّه من والاك،و عادى اللّه من عاداك،و أبغض اللّه من أبغضك،و نصر اللّه من نصرك،و خذل اللّه من خذلك.

يا علي أنت زوج ابنتي و أبو ولدي،يا علي إنه لمّا عرج بي إلى السماء عهد إلي ربي فيك ثلاث كلمات فقال:يا محمد!قلت:لبيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت فقال:إن

ص: 41


1- حياة الحسين للقرشي:26/1.

عليا إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و يعسوب المسلمين» (1).

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال:حدّثنا جعفر بن سلمة الأهوازي قال:حدّثنا إبراهيم بن محمد الثقفي،عن إبراهيم بن موسى ابن اخت الواقدي قال:حدّثنا أبو قتادة الحراني،عن عبد الرّحمن بن العلاء الحضرمي،عن سعيد بن المسيب،عن ابن عباس قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان جالسا يوما و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال:

«اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي و اكرم الناس عليّ فأحب من أحبهم،و أبغض من أبغضهم و وال من والاهم،و عاد من عاداهم (2)و اجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب،و أيدهم بروح القدس» (3).

ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:«يا علي أنت إمام أمتي،و خليفتي عليها بعدي،و أنت قائد المؤمنين إلى الجنة،و كأني أنظر الى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور،عن يمينها سبعون ألف ملك،و عن يسارها سبعون ألف ملك،و بين يديها سبعون ألف ملك، و من خلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة،فأيما إمرأة صلّت في اليوم و الليلة خمس صلوات،و صامت شهر رمضان،و حجّت بيت اللّه،و زكّت مالها،و أطاعت زوجها،و والت عليا بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة،و أنها لسيدة نساء العالمين».

فقيل له:يا رسول اللّه أهي سيدة نساء عالمها؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«تلك مريم بنت عمران،و أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين،و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون:يا فاطمة إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِك.

ص: 42


1- في بعض المصادر:و يعسوب المؤمنين.و الحديث ذكره الصدوق في أماليه ص 314-315.
2- في بعض المصادر:و أعن من أعانهم.
3- في بعض المصادر:بروح القدس منك.

وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (1) ».

ثم التفت الى علي عليه السّلام فقال:«يا علي إن فاطمة بضعة مني،و هي نور عيني،و ثمرة فؤادي،يسوؤني ما ساءها،و يسرني ما سرها،و إنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن اليها بعدي،و أما الحسن و الحسين فهما ابناي،و ريحانتاي،و هما سيدا شباب أهل الجنة،فليكونا عليك كسمعك و بصرك»،ثم رفع صلّى اللّه عليه و اله يده الى السماء فقال:«اللهم إني اشهدك أني محبّ لمن أحبهم،و مبغض لمن أبغضهم،و سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم،و عدوّ لمن عاداهم،و وليّ لمن والاهم» (2).

قصة و عبرة

دخل الأديب الشعبي إلى الحجاج يوم عيد الأضحى.قال لي:بما يتقرب الناس بمثل هذا اليوم قلت:يتقربون بالأضحية.قال ما رأيك بان أضحي برجل يوالي عليا و فاطمة.فسكت.

فجاء برجل كبير و هو يحيى بن معمر-فقيه إمامي-فقال له الحجاج هلا تزال على غيك بقولك أن الحسن و الحسين ولدا رسول اللّه.

قال يحيى:لست أنا الذي على غيّ أفتجعل القرآن على غيّ-القرآن يقول.

قال الحجاج:ما دليك و لكن لا تأتني بآية المباهلة.

فقال الشعبي:أطرقت و قلت في نفسي من أين ياتي له بآية تدل على أن الحسن و الحسين إبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله..

فقال يحيى:و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون

ص: 43


1- آل عمران:42.
2- أمالي الصدوق ص 436-437.

و كذلك نجزي المحسنين.و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس و كل من الصالحين (1).

فمن ذرية إبراهيم النبي عيسى الذي ولد من دون أب بل عن طريق الأم فلماذا اعتبر ابن إبراهيم الخليل.

قال الحجاج:لأنه داخل في صلبه عن طريق مريم.

قال:بين إبراهيم و مريم دهور كثيرة،و لكن بين الحسن و الحسين و الرسول فاطمة فقط أفلا تعتبرهما إبناه.

فقال الحجاج:إدفع له عشرة آلاف درهم رغما عن أنفي.

فطلع إلى المسجد و وزّعها و هو يقول هذا من بركات الحسن و الحسين عليهما السلام.

شعر في المناسبة

يقول عبد اللّه بن المعتز:

لكم رحم يا بني بنته و لكن بنو العم أولى بها

قتلنا أمية في غابها فنحن أحق بأسلابها

و نحن ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها

فرد عليه الصفي الحلي قائلا:

ألا قل لشر عبيد الإله و طاغى قريش و كذابها

و باغي العباد و باغي العناد و حاجى الكرام و مغتابها

أأنت تفاخر آل النبي و تجحدها قبل أحسابها

بكم بأهل المصطفى أمر بهم فرد العداة بأوصالها

ص: 44


1- الأنعام:85-84.

أعنكم نفرج أم عنهم لطهر النفوس و أنباذها

و قلت ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها

و عندك لا ترث الأنبياء فكيف حضيتم بأثوابها

فناقضت نفسك بالحالتين و لم تعرف الشهد من حابها

أجدّك يرضى بما قلته و ما كان يوما بمرتابها

و كان بصفين من حزبهم لحرب الطغاة و أحزابها

و أقبل يدعو إلى حيدر بأرابها و بأرغابها

و قد شمر الموت عن ساقه و كشرت الحرب عن نابها

فهلاّ تقمصها جدكم إذا كان آنذاك أولى بها

و إذ جعل الأمر شورى لهم فهل كان من بعض أربابها

أخامسهم كان أم سادس و قد جليت بين خطابها

و قولك أنتم بنو بنته و لكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمه و ذلك أدنى لأنسابها

و قولك أنكم القاتلون أسود أمية في غابها

كذبت و أسرفت فيما اّدعيت و أن تنهي نفسك عن عابها

ص: 45

تربية الإمام علي للحسين عليهما السلام

قال السيد القرشي:أما الإمام علي عليه السّلام فهو المربي الأول الذي وضع أصول التربية،و مناهج السلوك،و قواعد الآداب،و قد ربى ولده الإمام الحسين عليه السّلام بتربيته المشرقة فغذاه بالحكمة،و غذاه بالعفة و النزاهة،و رسم له مكارم الأخلاق و الآداب، و غرس في نفسه معنوياته المتدفقة فجعله يتطلع إلى الفضائل حتى جعل اتجاهه السليم نحو الخير و الحق،و قد زوده بعدة وصايا حافلة بالقيم الكريمة و المثل الإنسانية و منها هذه الوصية القيمة الحافلة بالمواعظ و الآداب الاجتماعية و ما يحتاج إليه الناس في سلوكهم،و هي من أروع ما جاء في الإسلام من الأسس التربوية التي تبعث على التوازن،و الاستقامة في السلوك قال عليه السّلام:

«يا بني أوصيك بتقوى الله تعالى في الغيب و الشهادة،و كلمة الحق في الرضى و القصد في الغنى و الفقر،و العدل في الصديق و العدو و العمل في النشاط و الكسل، و الرضى عن الله تعالى في الشدة و الرخاء.

يا بني ما شر بعده الجنة بشر،و لا خير بعده النار بخير،و كل نعيم دون الجنة محقور،و كل بلاء دون النار عافية...إعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره،و من رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته،و من سل سيف البغي قتل به،و من حفر بئرا وقع فيها،و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته،و من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره،و من كابد الأمور عطب،و من اقتحم البحر غرق،و من أعجب برأيه ضل و من استغنى بعقله زل،و من تكبّر على الناس ذل، و من سفه عليهم شتم،و من دخل مداخل السوء اتهم،و من خالط الأنذال حقر،و من

ص: 46

جالس العلماء و قر،و من مزح استخف به،و من اعتزل سلم،و من ترك الشهوات كان حرا،و من ترك الحسد كان له المحبة من الناس.

يا بني عز المؤمن غناه عن الناس،و القناعة مال لا ينفذ و من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير،و من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، العجب ممن خاف العقاب و رجا الثواب فلم يعمل،الذكر نور و الغفلة ظلمة،و الجهالة ضلالة،و السعيد من وعظ بغيره،و الأدب خير ميراث،و حسن الخلق خير قرين.

يا بني ليس مع قطيعة الرحم نماء،و لا مع الفجور غنى،...يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله،و واحدة في ترك مجالسة السفهاء،و من تزين بمعاصي الله تعالى في المجالس ورّثه ذلا،من طلب العلم علم.

يا بني رأس العلم الرفق و آفته الخرق،و من كنوز الإيمان الصبر على المصائب، العفاف زينة الفقر،و الشكر زينة الغنى،و من أكثر من شىء عرف به،و من كثر كلامه كثر خطأه،و من كثر خطأه قل حياؤه،و من قل حياؤه قل ورعه،و من قل ورعه مات قلبه،و من مات قلبه دخل النار.

يا بني لا تؤيسن مذنبا فكم من عاكف على ذنبه ختم له بالخير،و من مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صار إلى النار،من تحرّى القصد خفّت عليه الأمور.

يا بني كثرة الزيارة تورث الملالة،يا بني الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

يا بني كم من نظرة جلبت حسرة،و كم من كلمة جلبت نعمة،لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعلى من التقوى،و لا معقل أحرز من الورع،و لا شفيع أنجح من التوبة،و لا لباس أجمل من العافية،و لا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت،و من اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الراحة،و تبوّأ حفظ الدعة،الحرص مفتاح التعب، و مطية النصب وداع إلى التقحم في الذنوب،و الشر جامع لمساوى العيوب،و كفى أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك لأخيك مثل الذي عليك لك،و من تورّط في الأمور

ص: 47

من غير نظر في الصواب فقد تعرّض لمفاجأة النوائب،التدبير قبل العمل يؤمنك الندم،من استقبل وجوه العمل و الآراء عرف مواقع الخطأ،الصبر جنة من الفاقة، في خلاف النفس رشدها،الساعات تنقص الأعمار،ربك للباغين من أحكم الحاكمين،و عالم بضمير المضمرين،بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد،في كل جرعة شرق،و في كل أكلة غصص،لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى،ما أقرب الراحة من التعب،و البؤس من النعيم،و الموت من الحياة فطوبى لمن أخلص لله تعالى علمه و عمله و حبه و بغضه و أخذه و تركه،و كلامه و صمته،و بخ بخ لعالم علم فكف،و عمل فجد و خاف التباب فأعدّ و استعد،إن سئل أفصح،و إن ترك سكت، كلامه صواب،و صمته من غير عي عن الجواب،و الويل كل الويل لمن بلي بحرمان و خذلان و عصيان و استحسن لنفسه ما يكرهه لغيره،من لانت كلمته وجبت محبته،من لم يكن له حياء و لا سخاء فالموت أولى به من الحياة،لا تتم مروءة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس،و لا أي طعاميه أكل».

و حفلت هذه الوصية بآداب السلوك و تهذيب الأخلاق،و الدعوة إلى تقوى الله التي هي القاعدة الأولى في وقاية النفس من الإنحراف و الآثام و توجيهها الوجهة الصالحة التي تتسم بالهدى و الرشاد.

ص: 48

تربية فاطمة الزهراء للحسين

و عنت سيدة النساء عليها السّلام بتربية وليدها الحسين،فغمرته بالحنان و العطف لتكون له بذلك شخصيته الاستقلالية،و الشعور بذاتياته،كما غذّته بالآداب الإسلامية،و عودته على الاستقامة،و الاتجاه المطلق نحو الخير يقول العلايلي:

«و الذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين أن أمه عنيت ببث المثل الإسلامية الاعتقادية لتشيع في نفسه فكرة الفضيلة على أتم معانيها،و أصح أوضاعها،و لا بدع فإن النبي صلّى اللّه عليه و اله أشرف على توجيهه أيضا في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالاستقلال.

فالسيدة فاطمة أنمت في نفسه فكرة الخير،و الحب المطلق و الواجب و مدّدت في جوانحه و خوالجه أفكار الفضائل العليا بأن وجهت المبادىء الأدبية في طبيعته الوليدة،من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع.

و بذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المبادىء الأدبية على شخص والدته،و قصرها عليها و ما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن،و رسمت له والدته دائرة غير متناهية حين جعلت فكرة الله نقطة الارتكاز، ثم أدارت المبادىء الأدبية و الفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل و تستغرق العالم بعواطفها المهذبة،و تأخذه بالمثل الأعلى للخير و الجمال....

لقد نشأ الإمام الحسين عليه السّلام في جو تلك الأسرة العظيمة التي ما عرف التاريخ الإنساني لها نظيرا في إيمانها و هديها،و قد صار عليه السّلام بحكم نشأته فيها من أفذاذ الفكر الإنساني و من أبرز أئمة المسلمين.

ص: 49

البيئة

و أجمع المعنيون في البحوث التربوية و النفسية على أن البيئة من أهم العوامل التي تعتمد عليها التربية في تشكيل شخصية الطفل و إكسابه الغرائز و العادات، و هي مسؤولة عن أي انحطاط أو تأخر للقيم التربوية،كما أن استقرارها،و عدم اضطراب الأسرة لهما دخل كبير في استقامة سلوك النشىء و وداعته،و قد بحثت مؤسسة اليونسكو في هيئة الأمم المتحدة عن المؤثرات الخارجة عن الطبيعة في نفس الطفل،و بعد دراسة مستفيضة قام بها الاختصاصيون قدّموا هذا التقرير:

«مما لا شك فيه أن البيئة المستقرة سيكولوجيا،و الأسرة الموحدة التي يعيش أعضاؤها في جو من العطف المتبادل هي أول أساس يرتكز عليه تكيف الطفل من الناحية العاطفية،و على هذا الأساس يستند الطفل فيما بعد في تركيز علاقاته الاجتماعية بصورة مرضية،أما إذا شوّهت شخصية الطفل بسوء معاملة الوالدين فقد يعجز عن الاندماج في المجتمع...».

إن استقرار البيئة و عدم اضطرابها من أهم الأسباب الوثيقة في تماسك شخصية الطفل و ازدهار حياته،و مناعته من القلق،و قد ذهب علماء النفس إلى أن اضطراب البيئة و ما تحويه من تعقيدات،و ما تشتمل عليه من أنواع الحرمان كل هذا يجعل الطفل يشعر بأنه يعيش في عالم متناقض ملىء بالغش و الخداع و الخيانة و الحسد و أنه مخلوق ضعيف لا حول له و لا قوة تجاه هذا العالم العنيف.و قد عني الإسلام بصورة إيجابية في شؤون البيئة فأرصد لإصلاحها و تطورها جميع أجهزته و طاقاته،و كان يهدف قبل كل شي أن تسود فيها القيم العليا من الحق و العدل و المساواة،و أن تتلاشى فيها عوامل الانحطاط و التأخر من الجور و الظلم و الغبن،و أن تكون آمنة مستقرة خالية من الفتن و الاضطراب حتى تمد الأمة بخيرة الرجال و أكثرهم كفاءة،و انطلاقا في ميادين البر و الخير و الإصلاح.

ص: 50

و قد أنتجت البيئة الإسلامية العظماء و الأفذاذ و العباقرة المصلحين الذين هم من خيرة ما أنتجته الإنسانية في جميع مراحل تاريخها كسيدنا الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و عمار بن ياسر،و أبي ذر و أمثالهم من بناة العدل الاجتماعي في الإسلام.

لقد نشأ الإمام الحسين عليه السّلام في جو تلك البيئة الإسلامية الواعية التي فجرّت النور و صنعت حضارة الإنسان،و قادت شعوب الأرض لتحقيق قضاياها المصيرية،و أبادت القوى التي تعمل على تأخير الإنسان و انحطاطه،تلك البيئة العظيمة التي هبت إلى ينابيع العدل تعب منها فتروي و تروى الأجيال الظامئة.

و قد شاهد الإمام الحسين و هو في غضون الصبا ما حققته البيئة الإسلامية من الانتصارات الرائعة في إقامة دولة الإسلام،و تركيز أسسها،و أهدافها و بث مبادئها الهادفة إلى نشر المودة و الدعة و الأمن بين الناس.

هذه بعض المكونات التربوية التي توفرت للإمام الحسين عليه السّلام و قد أعدّته ليكون الممثل الأعلى لجده الرسول صلّى اللّه عليه و اله في الدعوة إلى الحق،و الصلابة في العدل (1).4.

ص: 51


1- انظر الإمام الحسين للقرشي:32/1-34.

معرفة الإمام الحسين و ذريته

ابن بابويه قال:حدّثنا الحسن بن علي قال:حدّثنا هارون بن موسى قال:أخبرنا محمد بن الحسن الصفار،عن يعقوب بن يزيد،عن محمد بن أبي عمير،عن هشام (1)قال:كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبد الملك بن أعين،فقال له معاوية بن وهب:يابن رسول اللّه ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رأى ربه،على أي صورة رآه؟و عن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة؟على أي صورة يرونه؟

فتبسم عليه السّلام ثم قال:«يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك اللّه و يأكل من نعمة اللّه (2).ثم لا يعرف اللّه حق معرفته!».

ثم قال عليه السّلام:«يا معاوية إن محمدا صلّى اللّه عليه و اله لم ير الرب تبارك و تعالى بمشاهدة العيان، و إن الرؤية على وجهين رؤية القلب و رؤية البصر،فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، و من عنى برؤية البصر فقد كفر و كذب باللّه و آياته،لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من شبه اللّه بخلقه فقد كفر.و لقد حدّثني أبي،عن أبيه،عن الحسين بن علي قال:سئل أمير المؤمنين عليه السّلام فقيل (3):يا أخا رسول اللّه هل رأيت ربك؟فقال:كيف أعبد من لم أره،لم تره العيون بمشاهدة العيان،و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» (4).

ص: 52


1- في البحار:عن هشام بن سالم.
2- في الانصاف:و يأكل من نعمه.
3- في الانصاف و البحار:فقيل له.
4- راجع لفظ الحديث في اصول الكافي:95/1،التوحيد ص 109 و 309،البحار:27/4 و304.

و إذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر و الرؤية فهو مخلوق،و لا بد للمخلوق من خالق،فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا و من شبّهه بخلقه فقد اتخذ مع اللّه شريكا،ويلهم (1)ألم يسمعوا قول اللّه تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (2)و قوله لموسى: لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا و إنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض و ضعضعت الجبال وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً أي ميتا،فلما أفاق ورد عليه روحه قال:

سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من قول من زعم أنك ترى و رجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (3)و أول المقرين بأنك ترى و لا ترى و أنت بالمنظر الأعلى.

ثم قال عليه السّلام:«إن أفضل الفرائض و أوجبها على الانسان معرفة الرب و الاقرار له بالعبودية،و حدّ المعرفة (4)أن يعرف أن لا إله غيره و لا شبيه له و لا نظير له،و أن يعرف إنه قديم مثبت،موجود غير فقيد موصوف من غير شبيه له و لا نظير له و لا مثيل،ليس كمثله شيء و هو السميع البصير؛و بعده معرفة الرسول و الشهادة له بالنبوة،و أدنى معرفة الرسول الاقرار بنبوته،و أن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن اللّه عز و جل؛و بعده معرفة الإمام الذي قام بنعته (5)و صفته و اسمه في حال اليسر و العسر، و أدنى معرفة الإمام أنه عدل (6)النبي إلا درجة النبوة و وارثه،و أن طاعته طاعة اللّه و طاعةل.

ص: 53


1- في الانصاف:ويل لهم،و في البحار:ويلهم أو لم يسمعوا.
2- الانعام 103/3.
3- الاعراف:143.
4- في الانصاف:أن يقر.
5- في البحار:الإمام الذي به يأتم بنعته.
6- العدل:النظير و المثل.

رسول اللّه،و التسليم له في كل أمر،و الردّ إليه،و الأخذ بقوله،و يعلم أن الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله علي بن أبي طالب،و بعده الحسن،ثم الحسين،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم أنا،ثم بعدي موسى ابني،ثم بعده علي إبنه،و بعد علي محمد ابنه،و بعد محمد علي إبنه،و بعد علي الحسن إبنه،و الحجة من ولد الحسن.

ثم قال:يا معاوية جعلت لك في هذا أصلا فاعمل عليه،فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال،فلا يغرنك قول من زعم أن اللّه يرى بالبصر،و قد قالوا أعجب من هذا،أ و لم ينسبوا أبي آدم إلى المكروه،أو لم ينسبوا إبراهيم إلى ما نسبوه؟ أو لم ينسبوا داود عليه السّلام إلى ما نسبوه من حديث الطير؟أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا؟أو لم ينسبوا موسى عليه السّلام إلى ما نسبوه من القتل؟أو لم ينسبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى ما نسبوه من حديث زيد؟أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب إلى ما نسبوه من حديث القطيفة؟إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم،أعمى اللّه أبصارهم،كما أعمى قلوبهم،تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا» (1).8.

ص: 54


1- الانصاف ص 313-316 عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن قولويه،كفاية الاثر للخزاز ص 35،البحار:54/4-55،و ج 406/36-408.

وجوب معرفة حقيقة آل محمد

أجمعت الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها على وجوب معرفة أهل البيت عليهم السّلام، كما برهن عليه مفصلا السيد المرتضى في رسائله (1).

و في الروايات الشريفة إشارة واضحة لذلك فعن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:

«لا يدخل الجنة إلاّ من عرفهم و عرفوه» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لا يقبل اللّه أعمال العباد إلاّ بمعرفته(الإمام) (3).

و ليس المراد بمعرفتهم معرفة أسمائهم و أسماء آبائهم،كما لا يخفى على المتأمل،خاصة عندما تحدثنا الروايات ان بمعرفتهم نعرف اللّه تعالى،كما قال سيد الموحدين:«أنا باب حطة من عرفني و عرف حقي فقد عرف ربه» (4).

فمعرفة اسم الإمام يؤدي الى معرفة اللّه تعالى.

بل نجد ان أمير المؤمنين يصرح بأن المراد بمعرفتهم المعرفة الباطنية قال عليه السّلام:

«يا سلمان:إنه لا يستكمل أحد الايمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية...الى أن يقول:

يا سلمان:أولنا محمد و أوسطنا محمد و آخرنا محمد،فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم.

ص: 55


1- -رسائل المرتضى:252/2.
2- -نهج البلاغة:212 الخطبة 152،و الكافي:184/1 ح 9.
3- -أصول الكافي:203/1 كتاب الحجة باب نادر جامع في فضل الإمامة ح 2.
4- -بحار الأنوار:258/26 باب جوامع مناقبهم من كتاب الإمامة.

يا سلمان:كنت أنا و محمد نورا واحدا من نور اللّه...»الى آخر الحديث (1).

و يشير الى ذلك أيضا ما ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام:فعن المفضل قال:دخلت على الإمام الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل هل عرفت محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام كنه معرفتهم»؟

قلت:يا سيدي ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى».

قال:قلت:عرفني ذلك يا سيدي؟

قال:«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه،و أنهم كلمة التقوى و خزان السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و علموا كم في السماء من نجم و ملك و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها،و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين،و هو في علمهم و قد علموا ذلك» (2).

فكل هذه الأمور تتوقف على معرفة الإمام و هذا يدل على أهمية و وجوب معرفة علم أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

و إياك و الشك في ذلك فقد روى لنا سلمان عن أمير المؤمنين عليه السّلام قوله:

«يا سلمان إنّ الشاك في أمورنا و علومنا كالممتري في معرفتنا و حقوقنا» (3).

و عن الإمام الرضا عليه السّلام:«فو اللّه لا وصل الى حقيقة معرفتنا إلاّ من منّ اللّه بها عليه و ارتضيناه لنا وليا» (4).1.

ص: 56


1- -بحار الأنوار:1/26-3 باب نادر في معرفتهم ح 1.
2- -بحار الأنوار:116/26 ح 21 باب أنهم لا يحجب عنهم علم السماء و الأرض.
3- -ارشاد القلوب:416/2 فضائل الأئمة.
4- -الهداية الكبرى:299 باب 11.

ضرورة معرفة أهل البيت عليهم السّلام

و هناك آثار معنوية و مادية لمعرفة أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و اله،معرفة واقعية صحيحة،و قد جمعها الإمام الصادق عليه السّلام في إحدى خطبه جاء منها:

«فمن عرف من أمة محمد صلّى اللّه عليه و اله واجب حق إمامه،وجد طعم حلاوة ايمانه،و علم فضل طلاوة اسلامه،لأن اللّه نصب الإمام علما لخلقه،و جعله حجة على أهل مواده و عالمه و ألبسه تاج الوقار،و غشاه من نور الجبار،يمد بسبب الى السماء-الى أن قال:حجج اللّه و دعاته و رعاته على خلقه يدين بهديهم العباد و تستهل بنورهم البلاد و ينمو ببركتهم التلاد.

فليس يجهل حق هذا العالم إلاّ شقي و لا يجهده إلاّ غوي،و لا يصد عنه إلاّ جريّ على اللّه جل و علا» (1).

و في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:«يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم و اقتدى بهم فهو و اللّه منا،يرد حيث نرد و يسكن حيث نسكن...» (2).

و قريب منه عن أبي جعفر عليه السّلام (3).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:قال اللّه تعالى لموسى:«محمد و عترته فمن عرفهم و عرف حقهم جعلت[ه]عند الجهل علما،و عند الظلمة نورا،و أعطيته بعد السؤال واجبته قبل الدعاء (4).

«أين باب اللّه الذى منه يؤتي»«أين وجه اللّه الذي إليه يتوجه الأولياء» (5).

ص: 57


1- -أصول الكافي:203/1-205 كتاب الحجة باب نادر في فضل الإمام ح 2.
2- -إلزام الناصب:333/2 آيات الرجعة.
3- -بصائر الدرجات:63 الجزء الثاني ح 10.
4- -مشارق أنوار اليقين:149.
5- -من دعاء الندبة للإمام المهدي(عج)و الروايات في مضمون هذا الدعاء كثيرة راجع بصائر الدرجات:61 باب في الأئمة أنهم حجة اللّه.

فكيف نريد أن نتقرب بوجوه لا نعرفها و أبواب لا نعرفها و أبواب لا نهتدي إليها!!

و بذلك صرح الإمام الصادق عليه السّلام:«و بعبادتنا عبد اللّه و لولانا ما عبد اللّه» (1).

«نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل اللّه عملا إلاّ بمعرفتنا» (2).

و قال الإمام الباقر عليه السّلام: أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ نحن السبيل فمن ابى فهذه السبل» (3).

و من الآثار التي تكشف ضرورة معرفة أهل البيت عليهم السّلام و معرفة كنه علومهم ما ورد من توقف العبادة عليهم لما يأتي أنهم الوسائط بيننا و بين اللّه تعالى كحديث:

«نحن فيما بينكم و بين اللّه» (4).

و حديث:«واسطة على سبيل هداة لا يهتدي هاد إلاّ بهداهم» (5).

فلا يستطيع الإنسان أن يتقرب إلاّ بعد معرفة الأسباب و الوسائط.

و ورد:بالباء ظهر الوجود،و بالنقطة تميز العابد عن المعبود» (6).

و ورد عن بعض العارفين:«ما رأيت شيئا إلاّ و رأيت الباء عليه مكتوبة» (7).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا النقطة تحت الباء» (8).

و من المهم تفصيل هذه الآثار كما جاءت في الروايات.7.

ص: 58


1- -الكافي:193/1،و بحار الأنوار:20/2،و بصائر الدرجات:61 و 64.
2- -الكافي:144/1.
3- -بحار الأنوار:13/24.
4- -أصول الكافي:265/1 ح 1،و الوسائل:91/18 ح 33375.
5- أصول الكافي:198/1.
6- -شرح دعاء السحر:64،و جامع الاسراء:563 ح 1163 و نسبه لابن عربي.
7- -جامع الاسراء:701.
8- -شرح دعاء السحر:64،و جامع الاسراء:563 و 411 ح 1163-823،و الأنوار النعمانية:/1 47.

آثار معرفة أهل البيت عليهم السلام

1-عدم الظلم للنفس:

عن سالم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ قال:«السابق بالخيرات الإمام و المقتصد العارف للإمام و الظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام» (1).

و عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ فقال:«الظالم يحوم (2)حوم نفسه و المقتصد يحوم حرم قلبه و السابق يحوم حوم ربه عز و جل» (3).

و عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه عزّ و جل ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ فقال:«الظالم منا من لا يعرف حق الإمام و المقتصد العارف بحق الإمام سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ هو الإمام جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يعني المقتصد و السابق» (4).

ص: 59


1- -الكافي:214/1 ح 1.
2- -حام الطائر حول الماء حوما فإذا دار به طلبه(المصباح المنير)هامش المخطوط.
3- -معاني الأخبار:1/104.
4- -معاني الأخبار:2/104.

2-المرور على الصراط:

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسيني قال:حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن زياد العرزمي قال:حدّثنا علي بن حاتم المنقري عن المفضل ابن عمر قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصراط قال:«هو الطريق إلى معرفة اللّه عزّ و جل و هما صراطان:صراط في الدنيا،و صراط في الآخرة،فأما الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن صراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم» (1).

3-أصبح من أهل البيت:

عن أبي المعزا عن أبي بصير عن أبي خيثمه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:

«نحن جنب اللّه و صفوته و نحن خيرته و نحن مستودع مواريث الأنبياء،و نحن امناء اللّه و نحن حجة اللّه و نحن أركان الإيمان و نحن دعائم الإسلام و نحن من رحمة اللّه على خلقه،و نحن الذين بنا يفتح[اللّه]و بنا يختم،و نحن أئمة الهدى و نحن مصابيح الدجى، و نحن منار الهدى و نحن السّباقون و نحن الآخرون،و نحن العلم المرفوع للخلق من تمسّك بنا لحق و من تخلف عنها غرق،و نحن قادة الغر المحجلين و نحن خيرة اللّه و نحن الطريق و الصراط المستقيم إلى اللّه،و نحن نعمة اللّه على خلقه و نحن المنهاج و نحن معدن النبوة و نحن موضع الرسالة و نحن الذين إلينا مختلف الملائكة و نحن السراج لمن استضاء بنا،و نحن السبيل لمن اقتدى بنا و نحن الهداة إلى الجنة و نحن عز

ص: 60


1- -معاني الأخبار:/32ح 1.

الإسلام و نحن المحسودون و نحن القناطر من مضى عليها لم يسبق و من تخلف عنها محق،و نحن السنام الأعظم و نحن الذين بنا تنزل الرحمة و بنا تسقون الغيث و نحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب،فمن عرفنا و نصرنا و عرف حقّنا و أخذ بأمرنا فهو منّا و إلينا» (1).

4-كان معهم في السنام الاعلى:

الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال دخلت على الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم»قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلايق بجنب الروضة الخضرا فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الاعلى»قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي،قال:

«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوى و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2)و هو في علمهم و قد علموا ذلك»فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت قال:«نعم يا مفضل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة و لكل مؤمن بها» (3).

ص: 61


1- -فرائد السمطين:/253/2ب /48ح 523.
2- -الأنعام:59.
3- -مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.

أثر معرفة أهل البيت عند الموت

تهوين سكرات الموت:

الحديث الخامس:ابن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حماد ابن عثمان عن عيسى بن السّري قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أخذت بها زكى عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده؟فقال:«شهاده أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الإقرار بما جاء به من عند اللّه،و حق في الأموال من الزكاة،و الولاية التي أمر اللّه بها ولاية آل محمد صلىّ اللّه عليه و اله فإن رسول اللّه قال:من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،قال اللّه عزّ و جل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فكان علي عليه السّلام ثم صار من بعده حسن ثم حسين ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر،إن الأرض لا تصلح إلا بإمام،و من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،و أحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه ههنا-و أهوى بيده إلى صدره-يقول حينئذ:لقد كنت على أمر حسن» (1).

ص: 62


1- -اصول الكافي 21/2 ح 9 باب دعائم الإسلام.

آثار عدم معرفة أهل البيت

1-الشقاء:

عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة عليهم السّلام و صفاتهم:«إن اللّه عزّ و جل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه و أبلج بهم عن سبيل منهاجه،و منح بهم-في نسخة:و فتح بهم-عن باطن ينابيع علمه،فمن عرف من امة محمد صلّى اللّه عليه و اله و أحب حق إمامته وجد طعم حلاوة إيمانه....الى أن قال:

رضي اللّه به إماما لهم استودعه سره و استحفظه علمه و استخبأه حكمته و استرعاه لدينه و انتدبه لعظيم أمره و أحيا به مناهج سبيله و فرائضه و حدوده،فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل و تحيير أهل الجدل،بالنور الساطع و الشفاء النافع بالحق الأبلج و البيان اللائح من كل مخرج على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم السّلام فليس يجهل حق هذا العالم إلاّ شقي،و لا يجحده إلاّ غوي،و لا يصد عنه إلاّ جري على اللّه جلّ و علا» (1).

2-زلّة قدمه عن الصراط:

ابن بابويه قال:حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال:حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسيني قال:حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي قال:حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن زياد العرزمي قال:حدّثنا علي بن حاتم المنقري عن

ص: 63


1- -الكافي:205/1-203 ح 2.

المفضل ابن عمر قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصراط قال:«هو الطريق إلى معرفة اللّه عزّ و جل و هما صراطان:صراط في الدنيا،و صراط في الآخرة،فأما الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن صراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم» (1).

3-عدم معرفة اللّه تعالى:

عن سليمان بن مهران عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أنت أخي و وارثي و وصي و خليفتي في أهلي و امتي في حياتي و بعد مماتي محبّك محبي و مبغضك مبغضي،يا علي أنا و أنت أبوا هذه الأمة،يا علي أنا و أنت و الأئمة من ولدك سادات في الدنيا و ملوك في الآخرة من عرفنا فقد عرف اللّه،و من أنكرنا فقد أنكر اللّه عزّ و جل» (2).

و عن ابن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين في خطبة:أنا الهادي و أنا المهتدي و أنا أبو اليتامى و المساكين و زوج الأرامل،و أنا ملجأ كل ضعيف و مأمن كل خائف،و أنا قائد المؤمنين إلى الجنة و أنا حبل اللّه المتين،و أنا عروة اللّه الوثقى و كلمة اللّه التقوى،و أنا عين اللّه و لسانه الصادق و يده،و أنا جنب اللّه أن الذي يقول(أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه)،و أنا يد اللّه المبسوطة على عباده بالرحمة و المغفرة،و أنا باب حطة من عرفني و عرف حقي فقد عرف ربّه لأني وصي نبيّه في أرضه و حجته على خلقه لا ينكر هذا إلاّ رادّ على اللّه و على و رسوله.

ص: 64


1- -معاني الأخبار:/32ح 1.
2- -أمالي الصدوق:/754مجلس /94ح 6.

قال ابن بابويه عقيب هذا الحديث:الجنب الطاعة في لغة العرب يقال:هذا صغير في جنب اللّه أي في طاعة اللّه عزّ و جل قال اللّه عزّ و جل: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ (1)أي في طاعة اللّه عزّ و جل (2)

4-مات ميتة جاهلية:

تميم بن بهلول قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي الهذيل:و سألته عن الإمامة فيمن تجب؟و ما علامات من تجب له الإمامة؟فقال لي:إن الدليل على ذلك،و الحجة على المؤمنين،و القائم في أمور المسلمين،و الناطق بالقرآن،و العالم بالأحكام،أخو نبي اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و خليفته على أمته،و وصيه عليهم،و وليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى،المفروض الطاعة بقول اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)و قال جل ذكره: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (4)المدعو إليه بالولاية،المثبت له بالإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلّى اللّه عليه و اله عن اللّه عز و جل:«ألست أولى بكم من أنفسكم؟قالوا:بلى قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله،واعن من أعانه؛ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين،و إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و أفضل الوصيين،و خير الخلق أجمعين بعد رسول رب العالمين،و بعده الحسن،ثم الحسين سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إبنا خيرة النسوان،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم جعفر بن محمد،ثم موسى بن جعفر،ثم علي بن موسى،ثم محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن

ص: 65


1- -الزمر:56.
2- -معاني الأخبار:/17ح 14.
3- -النساء:59.
4- -المائدة:55.

علي،ثم محمد بن الحسن صلوات اللّه عليهم،إلى يومنا هذا واحدا بعد واحد،إنهم عترة الرسول صلّى اللّه عليه و اله معروفون بالوصية و الإمامة في كل عصر و زمان،و كل وقت و أوان، و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى،و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها،و إن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق و الهدى،و إنهم المعبرون عن القرآن،و الناطقون عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله بالبيان،و إن من مات و لا يعرفهم مات ميتة جاهلية،و إن فيهم الورع و العفة و الصدق و الصلاح و الاجتهاد،و أداء الأمانة إلى البر و الفاجر،و طول السجود و قيام الليل،و اجتناب المحارم،و انتظار الفرج بالصبر و حسن الصحبة،و حسن الجواب» (1).1.

ص: 66


1- -كمال الدين:336/2-337،عيون أخبار الرضا:44/1.

نور الحسين بن علي عليهما السلام

قال السيد الخامنئي:إنّ التشبّه بالأكابر و الانتساب إلى الأولياء من عمل أذكياء العالم.كل امرء يبحث عن أسوة له.لكن التوفيق لا يحالف الجميع في انتهاج منهج الصواب عند البحث عن الأسوة.

لو سألت بعض الأشخاص في هذا العالم عن الشخصية التي أثارت انتباهه و اجتذبته إليها،تجده يقتفي أثر أناس وضيعين و تافهين أمضوا أعمارهم في عبودية هوى النفس و لا يتقنون سوى ما يغتر به المغفّلون و هو لا يتعدي إلهاء بعض السذّج و الغافلين فتصبح أمثال هذه الشخصيات قدوات للناس العاديين في هذا العالم.

البعض يقتدي بشخصيات سياسية و تاريخية و ما شابه ذلك و يتخذها أسوة له.

لكن أذكى الناس من يتخذ أولياء اللّه أسوة و قدوة له؛لأنّ من أبرز الخصائص التي يتسم بها أولياء اللّه إنهم على درجة من الشجاعة و القوة و الاقتدار بحيث يصبحون أسيادا على نفوسهم لا عبيد أذلاء لها.

ينسب إلى أحد الفلاسفة و الحكماء القدماء أنه قال للإسكندر المقدوني:أنت عبد عبدي.

فتعجب الإسكندر من قوله و غضب عليه.قال له:لا تغضب؛فأنت عبد شهوتك و غضبك؛إذا طلبت شيئا أو غضبت،اضطربت و لم تصبر،و هذه عبودية للشهوة و الغضب،أما أنا فسخّرتهما حتى صارا عبدين لي.

قد تكون هذه القصة حقيقية،و قد لا تكون كذلك.إلاّ أنّها صحيحة بالنسبة

ص: 67

لأولياء اللّه و الأنبياء عليهم السّلام،و معالم طريق الهداية الإلهية للبشرية،و من الأمثلة عليها يوسف،و ابراهيم،و موسى عليهم السّلام.

و هناك أمثلة متعددة لذلك في حياة أولياء اللّه،و أذكى الناس هو من يتخذ هؤلاء الأكابر و هذه الشخصيات الشجاعة المقتدرة أسوة،و يكسبون لأنفسهم عن هذا الطريق أسباب الاقتدار و العظمة باطنيا و معنويا.

و توجد بين هؤلاء الأولياء و الأكابر شخصيات مميزة.

و لا شكّ أنّ أبا عبد اللّه الحسين عليه الصلاة و السلام من أبرز هذه الشخصيات.

حقا يجب القول أنّ نور الحسين بن علي عليه السّلام يسطع كالشمس لا علينا نحن الناس الترابيين الصغار فحسب بل و على كل عوالم الوجود و أرواح الأولياء و الأكابر، و الملائكة المقربين عليه السّلام،و على جميع عوالم الوجود المتداخلة في بعضها، المعروفة أو المجهولة بالنسبة لنا.

و من مشى في هدي نور هذه الشمس فقد جاء بعمل كبير سام (1).

عن ابن خالويه يرفعه إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن اللّه عزّ و جلّ خلقني،و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد،فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا،و قدّسنا فقدّسوا و هلّلنا فهلّلوا،و مجّدنا فمجّدوا،و وحّدنا فوحّدوا،ثمّ خلق اللّه السماوات و الأرض و خلق الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا و لا تقديسا،فسبّحنا فسبّحت شيعتنا، فسبّحت الملائكة-و كذا في البواقي-فنحن الموحّدون حيث لا موحّد غيرنا،و حقيق على اللّه عزّ و جلّ كما اختصّنا و شيعتنا أن يزلفنا و شيعتنا في أعلى علّيين،إن اللّه اصطفانا و اصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساما،فد عانا فأجبناه،فغفر لنا و لشيعتنا من قبل أن8.

ص: 68


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:8.

نستغفر اللّه» (1).

هذه رواية من مجموعة روايات تثبت نور الإمام الحسين عليه السلام و وجوده في عالم الأنوار و عبادته لله في ذلك العالم،فينبغي تقديم بيان يمهد لذلك ثم نعرض بقية الروايات،فنقول:

تمهيد:

آيات عالم الأنوار

اشارة

*الآية الاولى قوله تعالى: لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ،وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ... ...وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ (2).

و قد سأل المفضل الإمام الصادق عليه السّلام عن دليل وجودهم في عالم الأظلة فقرأ الإمام الصادق عليه السّلام هذه الآيات: لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ،وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ .

و قال عليه السّلام:«و يحك يا مفضل،ألستم تعلمون أنّ من في السماوات هم الملائكة، و من في الأرض هم الجان و البشر و كل ذي حركة.

فمن الذين فيهم و من عنده تعالى الذين قد خرجوا من جملة الملائكة!!».

قال المفضل:من تقول يا مولاي؟

ص: 69


1- -المحتضر:127،بحار الأنوار:10/15،شرح الزيارة الجامعة للسيّد عبد اللّه شبر:42.
2- -الأنبياء:19-28-29.

قال الإمام عليه السلام:«يا مفضل و من؟نحن الذين كنا و لا كون قبلنا،و لا حدوث سماء و لا أرض و لا ملك و لا نبي و لا رسول» (1).

*أقول:الروايات متواترة في وجودهم و عبادتهم في عالم الأظلة-تقدمت و تأتي-بل الكتاب هذا معدّ لذكرها،انما ما جئنا به هنا لتفسير الآية فقط.

*الآية الثانية قوله تعالى:

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (2) .

و تأتي أحاديث أن محمدا و آل محمد عليهم السّلام أول من عبدوا اللّه تعالى على بسيط الحقيقة،و أنهم هم الذين علّموا الملائكة التسبيح و التقديس.

كالمروي عن الامام الباقر عليه السّلام قال:«يا جابر ان اللّه أول ما خلق خلق محمدا و عترته الهداة المهتدين،فكانوا أشباح نور بين يدي اللّه تعالى.

قلت:و ما الاشباح؟

قال عليه السّلام:ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح،و كان مؤيدا بروح واحدة،و هي روح القدس،فبه كان يعبد اللّه،و عترته،و لذلك خلقهم حلماء..» (3).

*الآية الثالثة قوله تعالى:

وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ (4) .

و جاء في تفسيرها أنه كان ينتقل نوره من ساجد الى ساجد (5).

ص: 70


1- -الهداية الكبرى:433 ذيل الكتاب.
2- -الزخرف:81.
3- -اصول الكافي:442/1 مولد النبي من ابواب التاريخ ح 10.
4- -الشعراء:219.
5- -الطبقات الكبرى:22/1،و الشفا:15/1،و تاريخ الخميس:234/1.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لم أزل انقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات» (1).

*الآية الرابعة قوله تعالى:

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (2) .

قال جابر الجعفي:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن تأويلها فقال:يا جابر أما السنة فهي جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و شهورها اثنى عشر شهرا،فهو أمير المؤمنين و اليّ و إلى ابني جعفر و ابنه موسى و ابنه علي و ابنه محمد و ابنه علي،و إلى ابنه الحسن،و إلى ابنه محمد الهادي المهدي،إثنا عشر إماما حجج اللّه في خلقه و امناؤه على وحيه و علمه.

و الاربعة الحرم الذين هم الدين القيم،أربعة منهم يخرجون باسم واحد:علي أمير المؤمنين و أبي علي بن الحسين و علي بن موسى و علي بن محمد،فالاقرار بهؤلاء هو الدين القيم و لا تظلموا فيهن أنفسكم،أي قولوا بهم جميعا تهتدوا» (3).

*و في رواية الامام الصادق عليه السّلام قال:يا داود أتدري متى كتب هذا؟

قلت:اللّه و رسوله و أنتم أعلم.

قال:قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام.

و نحوه عن الامام الكاظم عليه السّلام (4).

ص: 71


1- -المواهب اللدنية:91/1-92 ذكر رضاعه.
2- -التوبة:36.
3- -غيبة الشيخ:96،و الزام الناصب:65/1،و تفسير نور الثقلين:215/2 ح 140،و الهداية الكبرى:377.
4- -عوالم العلوم:274/15 و 285،و مناقب آل أبي طالب:307/1 فصل في النكت و الاشارات،و غيبة النعماني:87 ح 18،و البحار:243/24 ح 14 و 410/36.

*الآية الخامسة قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (1) .

فروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام في الآية:«البرهان محمد صلّى اللّه عليه و اله و النور علي عليه السّلام» (2).

*الآية السادسة قوله تعالى:

وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ (3) .

قال الامام الصادق عليه السّلام في الآية:«النور في هذا الموضع أمير المؤمنين و الائمة عليهم السّلام» (4).

و قريب منه عن الامام الباقر عليه السّلام قال:«النور علي عليه السّلام» (5).

*الآية السابعة قوله تعالى:

فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا (6) .

فعن الامام الباقر عليه السّلام:«النور و اللّه الائمة من آل محمد صلّى اللّه عليه و اله الى يوم القيامة هم و اللّه نور اللّه الذي أنزل،هم و اللّه نور اللّه في السموات و الارض» (7).

ص: 72


1- -المائدة:174.
2- -تفسير نور الثقلين:579/1 ح 700.
3- -الاعراف:157.
4- تفسير نور الثقلين:83/2 ح 300.
5- -تفسير نور الثقلين:85/2 ح 304.
6- -التغابن:8.
7- -تفسير نور الثقلين:341/5 ح 14 و 15.

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«و الامامة هي النور و ذلك قوله عز و جل فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا قال:النور هو الامام» (1).6.

ص: 73


1- -تفسير نور الثقلين:341/5 ح 16.

روايات عالم الأنوار

تحدثنا الأخبار المستفيضة أن أهل بيت محمد صلوات اللّه عليهم كانوا أنوارا حول عرش اللّه قبل أن يخلق الخلق جميعا حتى الملائكة،و اليك بعضها:سئل الإمام الصادق عليه السّلام ما كنتم قبل ان يخلق اللّه السموات و الأرض؟

قال عليه السّلام:«كنا أنوارا حول عرش اللّه نسبّح اللّه و نقدّسه حتى خلق اللّه الملائكة فقال لهم:سبّحوا،فقالوا:يا ربنا لا علم لنا.فقال لنا:سبّحوا،فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا،إلاّ أنّ خلقنا من نور اللّه» (1).

و في الزيارة الجامعة المشهورة:«خلقكم اللّه أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتى منّ علينا بكم،فجعلكم في بيوت أذن اللّه ان ترفع و يذكر فيها اسمه...».

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام صلوات اللّه عليه:«لما أراد اللّه أن ينشيء المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة قبل دحو الأرض و رفع السموات،ثم أفاض نورا من نور عزّه فلمع قبسا من ضيائه و سطع،ثم اجتمع في تلك الصورة و فيها هيئة نبينا صلّى اللّه عليه و اله فقال له تعالى:أنت المختار و عندك مستودع الأنوار،و أنت المصطفى المنتخب الرضاء المنتجب المرتضى،من أجلك أضع البطحاء،و أرفع السماء،و أجري الماء،و أجعل الثواب و العقاب،و الجنة و النار،و أنصب أهل بيتك علما للهداية،و أودع أسرارهم من سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق،و لا يغيب عنهم

ص: 74


1- -اثبات الوصية:153،و بحار الأنوار:21/25 ح 34 باب بدء خلقهم،و الفردوس بمأثور الخطاب:283/3 ح 4851 مختصرا.

خفي،و أجعلهم حجتي على بريتي،و المنبهين على قدري،و المطّلعين على أسرار خزائني(و أسكن قلوبهم أنوار عزتي،و أطلعهم على معادن جواهر خزائني).

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية،و الإقرار بالوحدانية،و أن الإمامة فيهم،و النور معهم.(الى أن قال بعد ذكر بقية الخلق):

ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور،و مكنون ذلك السّر،فلما حانت أيامه أودعه شيئا، و لم يزل ينقل من الأصلاب الفاخرة الى الأرحام الطاهرة،الى أن وصل الى عبد المطلب،ثم الى عبد اللّه،ثم الى نبيه صلّى اللّه عليه و اله،فدعا الناس ظاهرا و باطنا و ندبهم سرا و علانية،و استدعى الفهوم الى قيام بحقوق ذلك السر اللطيف،و ندب العقول الى الاجابة لذلك المعنى المودع في الذّر قبل النسل.

فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور و اهتدى الى السرّ،و انتهى الى العهد المودع في باطن الامر و غامض العلم،و من غمرته الغفلة و شغلته المحنة استحق البعد،ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا و يتشعشع في غرائزنا،فنحن أنوار السموات و الأرض،و سفن النجاة،و فينا مكنون العلم،و إلينا مصير الأمور،و بمهدينا تقطع الحجج؛فهو خاتم الأئمة،و منقذ الامة،و منتهى النور،و غامض السر،فليهن من استمسك بعروتنا و حشر على محبتنا» (1).

و روى شعبة(و سعد بن الحجاج)عن هشام بن يزيد و الشيخ المفيد يرفعه اليه:

قال:«كنت أنا و أبو ذر و سلمان و زيد ابن أرقم عند النبي صلّى اللّه عليه و اله و ساق الحديث:

الى أن قال صلىّ اللّه عليه و اله:«خلقني اللّه تبارك و تعالى و أهل بيتي من نور واحد قبل ان يخلق آدم بسبعة آلاف عام،ثم نقلنا إلى صلب آدم ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.ة.

ص: 75


1- -تذكرة الخواص:121-122 الباب السادس-خطبة في مدح النبي و الائمة،و مروج االذهب: 17/1-18 ط.مصر و 43-44 ط.بيروت-باب ذكر المبدأ و شأن الخليقة.

فقلت:يا رسول اللّه فأين كنت و على أي مثال كنتم؟

قال صلّى اللّه عليه و اله:كنا أشباحا من نور تحت العرش نسبّح اللّه تعالى و نحمده.

ثم قال صلّى اللّه عليه و اله:لما عرج بي إلى السماء،و بلغت سدرة المنتهى و دعني جبرائيل عليه السّلام،فقلت:حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني.

فقال يا محمد:إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي.

ثم زجّ بي في النور ما شاء اللّه،فأوحى اللّه اليّ:يا محمد اني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا،ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك و وارث علمك و الإمام بعدك،و أخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة و الأئمة المعصومين خزّان علمي،فلولاكم ما خلقت الدنيا و لا الآخرة و لا الجنة و لا النار، يا محمد أتحب أن تراهم؟قلت:نعم يا رب؟

فنوديت يا محمد إرفع رأسك،فرفعت رأسي فأذا أنا بأنوار علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري.

فقلت:يا رب من هؤلاء و من هذا؟

قال عزّت الاؤه:يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك،و هو الحجة الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا و يشفي صدور قوم مؤمنين.

قلنا:بآبائنا و امهاتنا أنت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لقد قلت عجبا.

فقال صلّى اللّه عليه و اله:و أعجب من هذا إن قوما يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد اذ هداهم اللّه و يؤذوني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي» (1).ه.

ص: 76


1- -كفاية الاثر:70-71-73،و بحار الأنوار:301/36 و 302 و 303،و ارشاد القلوب:/2 415-417 في فضل محمد و أوصيائه.

و بالاسناد الى أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:لما عرج بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوبا:لا اله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه،أيدته بعلي و نصرته، و رأيت اثني عشر إسما بالنور فيهم علي بن أبي طالب و سبطي و بعدهما تسعة اسماء عليا عليا ثلاث مرات،و محمد محمد مرتين،و جعفر و موسى و الحسن و الحجة يتلألأ من بينهم.

فقلت:يا رب أسامي من هؤلاء؟

فناداني ربي جلّ جلاله:هم الاوصياء من ذريتك بهم اثيب و أعاقب» (1).

و روي عن عبد اللّه بن أبي و قاص قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«لما خلق اللّه ابراهيم الخليل كشف اللّه عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأى نورا.

فقال:إلهي و سيدي ما هذا النور؟

قال عزّت الآؤه:يا إبراهيم هذا محمد صفيي.

فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبه نورا آخر؟

فقال تعالى:يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.

فقال:إلهي و سيدي أرى إلى جانبهما نورا ثالثا.

قال سبحانه:يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها و بعلها فطمت محبيها من النار.

قال:الهي و سيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار.

قال تعالى:يا إبراهيم هذان الحسن و الحسين يليان أباهما وجدهما و أمهما.

فقال:إلهي و سيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار.

قال عزت الآؤه:يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.

فقال:إلهي و سيدي فبمن يعرفون؟

قال تعالى:يا ابراهيم أولهم علي بن الحسين و محمد ولد علي و جعفر ولد محمد6.

ص: 77


1- -كفاية الاثر:74،و رواه في البحار:310/36.

و موسى ولد جعفر و علي ولد موسى و محمد ولد علي و علي ولد محمد و الحسن ولد علي و محمد ولد الحسن القائم المهدي» (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة اللؤلؤة:

قال:و لقد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا فيه مكتوب:لا اله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أيدته بعلي و نصرته بعلي،و رأيت اثنى عشر نورا.

فقلت:يا رب من هذه؟

فنوديت:يا محمد هذه أنوار الأئمة من ذريتك.

قلت:يا رسول اللّه أفلا تسميهم لي؟

قال صلّى اللّه عليه و اله:نعم،انت الإمام و الخليفة بعدي تقضي ديني و تنجز عداتي،و بعدك ابناك الحسن و الحسين،بعد الحسين ابنه علي زين العابدين،و بعده ابنه محمد يدعى بالباقر،و بعد محمد ابنه جعفر يدعى بالصادق،و بعد جعفر ابنه موسى يدعى بالكاظم و بعد موسى ابنه علي يدعى بالرضا و بعد علي ابنه محمد يدعى بالزكي و بعد محمد ابنه علي يدعى بالنقي و بعد علي ابنه الحسن يدعى بالأمين و القائم من ولد الحسن سميي و أشبه الناس بي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

هذه جملة من روايات كون أهل البيت نورا بين يدي اللّه،و هناك روايات أخرى كثيرة تفيد نفس المعنى و المضمون أغمضنا عن ذكرها بغية الاختصار (3).

ص: 78


1- -الفضائل لابن شاذان:158،و بحار الأنوار:213/36 و المتن من بحار الأنوار لأصحيته،و إلزام الناصب:86/1،و عوالم العلوم:75/15.
2- -كفاية الاثر:217 و 218،و بحار الأنوار:355/36 و 356 ح 225 و 329/41 ح 50.
3- -يراجع بحار الأنوار:1/25 الى 33 فقد ذكر قريب الاربعين حديثا،و الطرائف:15/1،و أصول الكافي:439/1 باب مولد النبي،و بصائر الدرجات:73-84،و مختصر بصائر الدرجات:116 و تفسير فرات الكوفي:207،و معاني الاخبار:396،و ميزان الحكمة:229/10،و كشف الغطاء: 7،و الهداية الكبرى:100.

و عن المفضل في حديث طويل مع الإمام الصادق عليه السّلام جاء فيه:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له:الحمد للّه مدهر الدهور و قاضي الامور و مالك يوم النشور، الذي كنا بكينونيته قبل الحلول في التمكين،ناسبين غير متناسبين،أزليين لا موجودين و لا محدودين،منه بدونا و اليه نعود،لان الدهر فينا قسمت حدوده و لنا أخذت عهوده، و الينا ترد شهوده.الى أن قال عليه السّلام:

نحن القدرة و نحن الجانب و نحن العروة الوثقى،محمد العرش عرش اللّه على الخلائق،و نحن الكرسي و أصول العلم...أنا باب المقام و حجة الخصام و دابة الأرض و فصل القضا و صاحب العصا و سدرة المنتهى و سفينة النجاة».

فقال الإمام الصادق عليه السّلام للمفضل شارحا لهذه الخطبة:«نعم،يا مفضل الذي كنا بكينونته في القدم و الازل هو المكون و نحن المكان،و هو المنشيء و نحن الشيء،هو الخالق و نحن المخلوقون،هو الرب و نحن المربوبون،هو المعنى و نحن أسماؤه المعاني،هو المحتجب و نحن حجبه قبل الحلول في التمكين....الى أن قال عليه السّلام:

«لا متناسلين ذوات أجسام و لا صور و لا مثال إلاّ أنوار نسمع اللّه ربنا و نطيع، يسبح نفسه فنسبحه،و يهللها فنهلله،و يكبرها فنكبره و يقدسها فنقدسه، و يمجدها فنمجده في ستة أكوان منها ما شاء اللّه من المدة.و قوله أزليين لا موجودين،و كنا أزليين قبل الخلق لا موجودين أجسام و لا صور» (1).

و تؤيد هذه الطائفة بما روي أن من أجلهم خلق اللّه الخلق.

فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:يا علي لولا نحن ما خلق اللّه لا آدم و لا حواء و لا الجنة و لاب.

ص: 79


1- -الهداية الكبرى:433-435 ذيل الكتاب.

النار و لا السماء و لا الأرض» (1).

و الروايات في ذلك كثيرة فلتراجع (2).و هو اعتقاد الامامية (3).

*و كذلك يؤيد هذه الطائفة ما ورد من توسل الأنبياء بهم عليهم السّلام و اليك بعضها:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في ذكر توسل قس بن ساعده:

«اللهم رب السموات(السبعة)الارفعة و الأرضين الممرعة،بحق محمد و الثلاثة المحاميد معه،و العليين الأربعة،و فاطم و الحسنين الأبرعة،و جعفر و موسى التبعة، سمي الكليم الصرعة(و الحسن ذي الرفعة)،أولئك النقباء الشفعة و الطريق المهيعة، راسة(درسة)الأناجيل(و حفظة التنزيل)،و حماة الأضاليل،و نفاة الأباطيل، الصادقون في القيل،عدد نقباء بني اسرائيل،فهم أول البداية،و عليهم تقوم الساعة، و بهم تنال الشفاعة،و لهم من اللّه فرض الطاعة،اسقنا غيثا مغيثا» (4).

و من ذلك ما روي عن معمّر عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:«أتى يهودي النبي صلّى اللّه عليه و اله فقام بين يديه يحد النظر،فقال:يا يهودي ما حاجتك؟

قال:أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه اللّه و أنزل عليه التوراة و العصا و فلق له البحر و أظلّه بالغمام؟.

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و اله:إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه،و لكني أقول:

إن آدم عليه السّلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:«اللهم إني أسألك بحقن.

ص: 80


1- -كمال الدين:254 باب نص الرسول على القائم.
2- -كفاية الاثر:72-296،و كمال الدين:254/1 باب 23،و ينابيع المودة:582/2،و فضائل ابن شاذان:128،و بحار الأنوار:12/26-267-273-297 و:302/36،و مناقب الخوارزمي: 318،و عيون الاخبار:205-239،و روضة الواعظين:84،و ارشاد القلوب:414/2،و فرائد السمطين:37/1.
3- -يراجع الاعتقادات للصدوق:93/5 باب 35.
4- -مناقب آل أبي طالب:287/1،و كنز الفوائد:257 رسالة البرهان في طول عمر صاحب الزمان.

محمد و آل محمد لما غفرت لي»فغفر اللّه له.

و أن نوحا عليه السّلام لما ركب في السفينة و خاف الغرق قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني من الغرق»فنجاه اللّه عنه.

و إن ابراهيم عليه السّلام لما القي في النار قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما نجيتني منها»فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.

و ان موسى عليه السّلام لما ألقى عصاه و أوجس في نفسه خيفة قال:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما آمنتني»فقال اللّه جل جلاله:«لا تخف إنك أنت الاعلى، يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي و بنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا.يا يهودي و من ذريتي المهدي اذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته و قدّمه و صلى خلفه» (1).

و عن الرضا عليه السّلام:«لما أشرف نوح على الغرق دعى اللّه بحقنا فدفع اللّه عنه الغرق،و لما رمي ابراهيم في النار دعى اللّه بحقنا فجعل اللّه النار عليه بردا و سلاما.

و ان موسى لما ضرب طريقا في البحر دعى اللّه بحقنا فجعلها يبسا.

و ان عيسى لما أراد اليهود قتله دعى اللّه بحقنا فنجّي من القتل فرفعه اليه» (2).

و منها ما روي عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الاجساد بألفي عام،فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات اللّه عليهم.-و ساق الحديث إلى أن قال عليه السّلام:قال جبرائيل لآدم و حواء:فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا:«اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك:محمد و علي و فاطمة و الحسن16

ص: 81


1- -روضة الواعظين:272 مجلس في مناقب آل محمد.
2- -بحار الأنوار:325/26 و:366/16

و الحسين و الأئمة إلاّ تبت علينا و رحمتنا».

فتاب اللّه عليهما إنه هو التواب الرحيم (1).6.

ص: 82


1- -معاني الأخبار:110 باب معنى الامانة،و بحار الأنوار:172/11-174 و 322/26.

كيفية خلق نور الحسين و آله

اشارة

قال أمير الموحدين علي بن أبي طالب عليه السّلام:«إن اللّه تبارك و تعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته،ثم تكلم بكلمة فصارت نورا،ثم خلق من ذلك النور محمدا صلّى اللّه عليه و اله و خلقني و ذريتي،ثم تكلم بكلمة فصارت روحا؛فأسكنه اللّه في ذلك النور و أسكنه في أبداننا،فنحن روح اللّه و كلماته،و بنا احتجب عن خلقه.

فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس و لا قمر،و لا ليل و لا نهار،و لا عين تطرف؛ نعبده و نقدسه و نسبّحه قبل أن يخلق خلقه،و أخذ ميثاق الأنبياء بالايمان و النصرة لنا» (1).

و في رواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جاء فيها«اعلموا رحمكم اللّه،أن اللّه تقدست أسماؤه و جل ثناؤه كان و لا مكان و لا كون معه،و لا سواه أحد في فردانيتة،صمد في أزليته،مشيءّ لا شيء معه،فلما شاء أن يخلق خلقني بمشيئته و إرادته لي نورا ،و قال لي:«كن»،فكنت نورا شعشعانيا أسمع و أبصر و أنطق،بلا جسم و لا كيفية،ثم خلق مني أخي عليا،ثم خلق منا فاطمة،ثم خلق مني و من علي و فاطمة الحسن، و خلق منا الحسين،و منه ابنه علي،و خلق منه ابنه محمدا،و خلق منه ابنه جعفرا، و خلق منه ابنه موسى،و خلق منه ابنه عليا،و خلق منه ابنه محمدا،و خلق منه ابنه عليا،و خلق منه ابنه الحسن،و خلق منه ابنه سميّي و كنيّي و مهدي أمتي و محيي سنتي و معدن ملتي،و من وعدني أن يظهرني به على الدين كله و يحق به الحق

ص: 83


1- -بحار الأنوار:291/26 ح 51 من باب تفضيلهم على الأنبياء،و الأنوار النعمانية:99/2.

و يزهق به الباطل إن الباطل كان زهوقا،و يكون الدين كله واصبا.

فكنا أنوارا بأرواح و أسماع و أبصار و نطق و حسّ و عقل،و كان اللّه الخالق و نحن المخلوقون،و اللّه المكون و نحن المكونون،و اللّه الباريء و نحن البرية،موصولون لا مفصولون،فهلل نفسه فهللناه،و كبر نفسه فكبرناه،و سبح نفسه فسبحناه، و قدّس نفسه فقدسناه،و حمد نفسه فحمدناه،و لم يغيبنا و أنوارنا تتناجى و تتعارف مسمين متناسبين أزليين لا موجودين (1)،منه بدأنا و اليه نعود،نور من نور بمشيئته و قدرته،لا ننسى تسبيحه و لا نستكبر عن عبادته،ثم شاء فمد الأظلة و خلق الخلق؛ خلقا أطوارا ملائكة،و خلق الماء و الجان و عرّش عرشه على الأظلة،يبصرون و يسمعون و يعقلون فأخذ عليهم العهد و الميثاق ليؤمنن به...» (2).

و عن أبي سلمى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في حديث قدسي:«يا محمد إني خلقتك و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نور من نوري (3).

*أقول:هذا الروايات تنص أنهم كانوا أنوارا و أرواحا و أبدانا،يسمعون و يعقلون،و ما تقدم كان يشير الى وجود الروح و النور و الاشباح،فهل يراد بالأشباح الأبدان؟أم أن الأشباح جسم شفاف دون الأبدان؟!تأمل فيما يأتي.7.

ص: 84


1- -في قبال وجود اللّه تعالى.
2- -الهداية الكبرى:379-380.
3- -مائة منقبة:65 المنقبة 17.

نور الحسين عليه السلام يتألق

عن ابن خالويه يرفعه إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«إن اللّه عزّ و جلّ خلقني،و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد،فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا،و قدّسنا فقدّسوا و هلّلنا فهلّلوا،و مجّدنا فمجّدوا،و وحّدنا فوحّدوا،ثمّ خلق اللّه السماوات و الأرض و خلق الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا و لا تقديسا،فسبّحنا فسبّحت شيعتنا، فسبّحت الملائكة-و كذا في البواقي-فنحن الموحّدون حيث لا موحّد غيرنا،و حقيق على اللّه عزّ و جلّ كما اختصّنا و شيعتنا أن يزلفنا و شيعتنا في أعلى علّيين،إن اللّه اصطفانا و اصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساما،فدعانا فأجبناه،فغفر لنا و لشيعتنا من قبل أن نستغفر اللّه» (1).

و روى الصدوق رحمه اللّه بإسناده عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:

قال:رسول اللّه؛أنا سيّد من خلق اللّه عزّ و جل،و أنا خير من جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل و حملة العرش و جميع ملائكة اللّه المقرّبين و أنبياء اللّه المرسلين،و أنا صاحب الشفاعة و الحوض الشريف،و أنا و علي أبوا هذه الأمّة،من عرفنا فقد عرف اللّه، و من أنكرنا فقد أنكر اللّه،و من عليّ سبطا أمّتي،و سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن و الحسين،و من ولد الحسين أئمّة تسعة طاعتهم طاعتي،و معصيتهم معصيتي،تاسعهم

ص: 85


1- -المحتضر:127،بحار الأنوار:10/15،شرح الزيارة الجامعة للسيّد عبد اللّه شبر:42.

قائمهم و مهديهم» (1).

و في رواية أخرى:«و الفضل لك بعدي يا عليّ و للأئمّة من بعدك،و إن الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا-ثمّ قال بعد كلام-إنّ اللّه خلق آدم،و أودعنا في صلبه،و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما،و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبوديّة،و لآدم إكراما و طاعة،لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة،و قد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون» (2).

و عن سلمان الفارسي:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«يا سلمان خلقني اللّه من صفوة نوره و دعاني فأطعته،و خلق من نوري نور علي عليه السّلام فدعاه الى طاعته فأطاعه، و خلق من نوري و نور علي فاطمة عليه السّلام فدعاها فأطاعته،و خلق مني و من علي و فاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه،فسمانا اللّه بخمسة أسماء من أسمائه.

فاللّه المحمود و أنا محمد،و اللّه العلي و هذا علي،و اللّه فاطر و هذه فاطمة،و اللّه الإحسان و هذا الحسن،و اللّه المحسن و هذا الحسين،ثم خلق منا و من نور الحسين عليه السّلام تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية أو ارضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا،و كنا بعلمه أنوارا نسبّحه و نسمع له و نطيع» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله:«إنّ اللّه خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام حين لا سماء مبنية،و لا أرض مدحية،و لا ظلمة و لا نور،و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار».

فقال العباس:كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟ن.

ص: 86


1- -كمال الدين:261 ح 8 و البحار:364/16.
2- -عيون أخبار الرضا عليه السّلام:237/2.
3- -الزام الناصب:332/2-33 الفرع الثاني الآيات المشعرة بالرجعة عن المقتضب و تفسير البرهان.

فقال:«يا عم لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا،ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا،ثم مزج النور بالروح،فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكنا نسبّحه حين لا تسبيح،و نقدّسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه تعالى أن ينشىء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش،فالعرش من نوري، و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة،فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه و علي أفضل من الملائكة.ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السموات و الأرض، فالسموات و الأرض من نور ابنتي فاطمة،و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السموات و الأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين،فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين (1).

الى أن قال:«فتكلم اللّه بكلمة فخلق منها روحا...ثم نورا فأزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة» (2).

و عن سلامة عن أبي سلمى راعي إبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:«ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلاله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ.

قلت:و المؤمنون،قال صدقت يا محمد،ثم قال:من خلّفت في أمتك؟ود

ص: 87


1- -بحار الأنوار:10/15-11 باب بدء خلق النبي ح 11.
2- -الأنوار النعمانية:17/1-18 مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس بيسير رواه عن ابن مسعود

قلت:خيرها.

قال:عليّ بن أبي طالب؟

قلت:نعم يا رب قال:يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها و شققت لك اسما من أسمائي،فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له اسما من اسمائي فأنا الاعلى و هو عليّ،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نوري،و عرضت ولايتكم على أهل السموات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى يتقطع أو يصير كالشن البالي،ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم،يا محمد تحبّ أن تراهم؟قلت:نعم يا رب فقال لي:التفت عن يمين العرش،فالتفتّ فإذا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و المهدي،في ضحضاح من نور قياما يصلون و هو في وسطهم-يعني المهدي-كأنّه كوكب درّي و قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزّتي و جلالي إنّه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).

و عن الإمام أبو محمد العسكري عليه السّلام:قال علي بن الحسين:حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلّى اللّه عليه و اله قال:يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان اللّه تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره،رأى النور و لم يتبين الأشباح فقال:يا رب ما هذه الأنوار؟قال:أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك،و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت و عاء لتلك الأشباح،فقال آدم:يا رب لو بيّنتها ليّ،1.

ص: 88


1- فرائد السمطين 320/2 ح 571.

فقال الله عزّ و جلّ:أنظر يا آدم إلى ذروة العرش،فنظر آدم عليه السّلام فوقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش،فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فراى أشباحنا فقال:ما هذه الأشباح يا رب؟قال الله تعالى:يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي و بريّاتي هذا محمد و أنا المحمود الحميد في أفعالي،شققت له اسما من إسمي،و هذا علي و أنا العلي العظيم شققت له اسما من إسمي،و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض،فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي،و فاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها اسما من إسمي،و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل شققت اسميهما من إسمي.

هؤلاء خيار خلقي،و كرام بريتي،بهم آخذ و بهم أعطي،و بهم أعاقب و بهم أثيب، فتوسل إليّ بهم يا آدم،و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيّب بهم آملا،و لا أردّ بهم سائلا،فذلك حين زلّت منه الخطيئة و دعى الله عزّ و جلّ فتاب عليه و غفر له. (1)2.

ص: 89


1- تفسير الإمام العسكري 219-/220ح 102.

أولاد الحسين عليه السلام

كان له من الأولاد ذكور و إناث عشرة:ستة ذكور و أربع إناث،فالذكور:علي الأكبر،علي الأوسط و هو سيد العابدين و سيأتي ذكره في بابه إن شاء اللّه،و علي الأصغر،و محمد،و عبد اللّه،و جعفر.

فأمّا علي الأكبر فإنه قاتل بين يديّ أبيه حتى قتل شهيدا.

و أمّا علي الأصغر جاءه سهم و هو طفل فقتله،و قد تقدّم ذكره عند ذكر الأبيات لمّا قتل.

و قيل:إنّ عبد اللّه أيضا قتل مع أبيه شهيدا (1).

و أمّا البنات:فزينب،و سكينة،و فاطمة (2).

هذا هو المشهور و قيل:بل كان له أربع بنين و بنتان (3)و الأول أشهر،و كان الذكر المخلّد و الثناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد.

و في كتاب بشائر المصطفى كان للحسين عليه السّلام ستّة أولاد عليّ بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمّد امّه شهر بانو بنت كسرى يزدجر و عليّ بن الحسين الأصغر

ص: 90


1- -تاريخ ابن الخشاب:177،الإرشاد 2:125.
2- -تاريخ ابن الخشاب:177،مناقب ابن شهر آشوب 4:85،لا يخفى على القاريء الكريم أن المصنف ذكر عدد أولاد الإمام الحسين عليه السّلام عشرة و عدد تسعة كما في المصادر المذكورة.
3- -ترجمة الحسين بن علي من الطبقات الكبرى:17،عمدة الطالب:192،سر السلسلة العلوية:30.

قتل مع أبيه بالطفّ و امّه ليلى الثقفية و جعفر بن الحسين لا بقيّة له توفّي في زمن أبيه و عبد اللّه قتل صغيرا مع أبيه في حجره و سكينة بنت الحسين و امّها الرباب و هي امّ عبد اللّه بن الحسن و فاطمة بنت الحسين امّها بنت طلحة التميميّة.

و ذكر صاحب كتاب البدع و صاحب شرح الأخبار أنّ عقب الحسين عليه السّلام من الأكبر و أنّه هو الباقي بعد أبيه و أنّ المقتول هو الأصغر منهما،قال:و عليه نعول فإنّ عليّ بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة و أنّ ابنه محمّد بن عليّ الباقر كان يومئذ من أبناء خمسة عشر سنة و كان لعليّ الأصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة (1).9.

ص: 91


1- العوالم:639.

شمائل و صفات الإمام الحسين عليه السلام

شجاعة الحسين عليه السلام

و بطولاته في كربلاء تكفي لإثبات ذلك كما شهد به الأعداء،إضافة للبطولات التي سطرها في حياة جده صلّى اللّه عليه و اله و أبيه عليه السّلام أو عهد الخلفاء الثلاثة،حيث كان عليه السلام يشارك مع أخيه في كثير من تلك الحروب التي قامت للدفاع عن الإسلام أو نشره.

و قد قيل في شجاعته عليه السّلام:إعلم وفقك اللّه على حقائق المعاني و وفقك لإدراكها أنّ الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس،و الصفات المضافة إليها فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر و لا يمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها،إذ ليست أجساما كثيفة بل طريق معرفتها و العلم بها بمشاهدة آثارها،فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة،فطريقه أن ينظر إلى ما يصدر منه إذا أحدقت الرجال و صدقت الآجال،و حقت الأوجال و تضايق المجال،و حاق القتال،فإن كان مجزاعا مهلاعا مزواعا مفزاعا فتراه يستركب الهزيمة و يستبقها،و يستصوب الدنية و يتطوقها،و يستعذب المفرة و يتفوقها،و يستصحب الذلة و يتعلقها،مبادرا إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار،مشيحا عن الفخار باقتحام الأخطار في مقر القراع لكل خطار،فذلك مهبول الأم،مخبول الفهم،مفلول الجمع،معزول عن السمع، ضرب بينه و بين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه و بين الشهامة بابراء في كتاب،لا تعرف نفسه سرفا،و لا تجد عن الخساسة و الدناءة منصرفا.

ص: 92

و إن كان محزرا (1)،مجزارا،كرارا،صبارا،يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزامر (2)المطربة،و يسرع إلى مصاف التصادم مسارعته إلى مواصلة النواظر المعجبة،خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة و عزيمة مطنبة،يعد مصافحة الصفاح غنيمة بادرة (3)و مرامحة الرماح فائدة عائدة،و مكافحة الكتائب مكرمة زائدة،و مناوحة المناقب (4)منقبة شاهدة،يعتقد القتل ملحفة طلل الحياة الأبدية،و يسعفه جلل المحامد السرمدية،و يزلفه من منازل الفخار العالية المغرة للشهداء الأحدية،جانحا إلى ابتياع العز بمهجته و يراها ثمنا قليلا جامحا عن ارتكاب الدنايا و إن غادرت جماحه قتيلا:

يرى الموت أحلى من ركوب دنية و لا يعتدى للناقصين عديلا

و يستعذب التعذيب فيما يفيده نزاهته عن أن يكون ذليلا

فهذا مالك زمام الشجاعة و حائزها،و له من قداحها معلاها و فائزها،قد تفوق بها لبان الشرف و اغتذاه،و تطوّق در سحابه المستحلى و تحلاه،و عبق نشر أرجه المنتشر مما أتاه،و نطق فعله بمدحه و إن لم يفض فاه،و صدق و اللّه و اصفه بالشجاعة التي يحبها اللّه،و إذا ظهرت دلالة الآثار على مؤثرها،و أسفرت عن تحقق مثيرها و مثمرها (5).

فقد صرح النقلة في صحائف السير بما رأوه و جزموا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أنّ الحسين عليه السّلام لمّا قصد العراق و شارف الكوفة،سرّب إليه أميرها يومئذ عبيد اللّه بن زياد الجنود لمقاتلته أحزابا،و حزّب عليه الجيوش2.

ص: 93


1- -في كشف الغمة:مجسارا.
2- -في نسخة:المزاهر.
3- -في كشف الغمة:باردة.
4- -في نسخة:المقانب.
5- -كشف الغمة:227/2.

لمقاتلته أسرابا،و جهز من العساكر عشرين ألف فارس و راجل يتتابعون كتائبا و أطلابا،فلما حصروه و أحدقوا به شاكين في العدة و العديد،ملتمسين منه نزوله على حكم بن زياد أو بيعته ليزيد،فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين و حبل الوريد،و يصعد الأرواح إلى المحل الأعلى و يصرع الأشباح على الصعيد،فتبعت نفسه الأبيّة جدها و أباها،و عزفت عن إلتزام الدنية فأباها،و نادته النخوة الهاشمية فلبّاها،و منحها الإجابة إلى مجانبة الذلة و حباها،فاختار مجالدة الجنود و مضاربة ضباها،و مصادمة صوارمها و شيم شباها،و لا يذعن لوصمة تسم بالصغار من شرفه خدودا و جباها،و قد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه و كاتبوه و طاوعوه و بايعوه و سألوه القدوم عليهم ليبايعوه،فلما جاءهم كذّبوه ما وعدوه، و أنكروه و جحدوه و مالوا إلى السحت العاجل فعبدوه،و خرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه،فنصب عليه السّلام نفسه و إخوته و أهله و كانوا نيفا و ثمانين لمحاربتهم و اختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم ليزيد و مبايعته،فأعلقتهم الفجرة الطغاة،و أرهقتهم المردة اللئام،و رشقتهم النبال و السهام،و أوثقتهم من شبا شفارهم الكلام.

هذا و الحسين عليه السّلام ثابت لا تخف حصاة شجاعته،و لا تخف عزيمة شهامته، و قدمه في المعترك أرسى من الجبال،و قلبه لا يضطرب لهول القتال،و لا لقتل الرجال،و قد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما،و أذاقوهم من الحمية الهاشمية رهقا و كلما،و لم يقتل من العصابة الهاشمية قتيل حتى أثخن في قاصديه و قتل و أغمد ظبة في أبشارهم و جدل فحينئذ تكالبت طغام الأجناد على الجلاد، و تناشبت الأجلاد في المنازلة بالحداد،و وثبت كثرة الألوف منهم على قلة الآحاد، و تقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة على العباد،فاستبقت الأملاك البررة إلى الأرواح و باء الفجرة بالآثام في الأجساد،فسقطت أشلاؤهم المتلاشية على الأرض صرعى تصافح منها صعيدا،و نطقت حالهم بأنّ لقتلهم يوما تودلو أنّ

ص: 94

بينها و بين قتلهم أمدا بعيدا،و تحققت النفوس المطمئنة باللّه كون الظالم و المظلوم شقيا و سعيدا،و ضاقت الأرض بما رحبت على حرم الحسين عليه السّلام و أطفاله إذ بقي وحيدا،فلمّا رأى عليه السّلام وحدته،و رزء اسرته و فقد نصرته،تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم و قال لهم:يا أهل الكوفة قبحا لكم و تعسا حين إستصرختمونا و لهين فأتيناكم موجفين،فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا و حششتم علينا نارا نحن أضرمناها على أعدائكم و أعدائنا فأصبحتم ألبا على أوليائكم و يدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم و لا ذنب كان منا إليكم فلكم الويلات هلاّ إذ(كرهتموها تركتموها) (1)و السيف ماشيم و الجاش ماطاش و الرأي لما يستحصد و لكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الدبا و تهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها و ضلّة و فتكا لطواغيت الامة و بقية الأحزاب و نبذة الكتاب ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا و تقتلونا ألا لعنة اللّه على الظالمين(الذين يصدون عن سبيل اللّه).

ثم حرّك فرسه إليهم و السيف مصلت في يده و هو آيس من نفسه عازم على الموت و قال هذه الأبيات:

أنا ابن علي الخير من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

و جدي رسول اللّه أكرم من مشى و نحن بسراج اللّه في الخلق يزهر

و فاطمة امي سلالة أحمد و عمي يدعى ذا الجناحين جعفر

و فينا كتاب اللّه أنزل صادقا و فينا الهدى و الوحي و الخير يذكر

و نحن ولاة الأرض نسقي و لاتنا بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

و شيعتنا في الناس أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر

ثم عاد الناس إلى البراز فلم يزل يقاتل و يقتل كل من برز إليه منهم من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة كبيرة فتقدم إليه شمر بن ذي الجوشن(لعنه اللّه)فيا.

ص: 95


1- -في كشف الغمة:تركتمونا.

جمعه و سيأتي تفصيل ما جرى بعد ذلك في فصل مصرعه عليه السّلام (1).

هذا هو كالليث المغضب لا يحمل على أحد منهم إلاّ نفحه بسيفه فألحقه بالحضيض،فيكفي ذلك في تحقيق شجاعته و كرم نفسه شاهدا صادقا فلا حاجة معه إلى إزياد في الإستشهاد (2).

و قال السيد القرشي:و لم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع،و لا أربط جأشا،و لا أقوى جنانا من الإمام الحسين عليه السّلام فقد وقف يوم الطف موقفا حيّر فيه الألباب،و أذهل فيه العقول،و أخذت الأجيال تتحدث بإعجاب و إكبار عن بسالته، و صلابة عزمه،و قدّم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الأرض.

و قد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه،فإنه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه،و كان يزداد انطلاقا و بشرا كلما ازداد الموقف بلاء و محنة، فإنه بعدما فقد أصحابه و أهل بيته زحف عليه الجيش بأسره و كان عدده-فيما يقول الرواة-ثلاثين ألفا،فحمل عليهم وحده و قد ملك الخوف و الرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى إذا شد عليها الذئب-على حد تعبير الرواة-و بقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب،و لم يوه له ركن،و إنما مضى في أمره استبسالا و استخفافا بالمنية يقول السيد حيدر:

فتلقى الجموع فردا و لكن كل عضو في الروع منه جموع

رمحه من بنانه و كأن من عزمه حد سيفه مطبوع

زوج السيف بالنفوس و لكن مهرها الموت و الخضاب النجيع

و يقول في رائعة أخرى:2.

ص: 96


1- -الفتوح 5:133-134،مناقب ابن شهر آشوب 4:88.
2- كشف الغمة:229/2.

ركين و للأرض تحت الكماة رجيف يزلزل ثهلانها

أقر على الأرض من ظهرها إذا ململ الرعب أقرانها

تزيد الطلاقة في وجهه إذا غيّر الخوف ألوانها

و لما سقط أبي الضيم على الأرض جريحا و قد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعبا و خوفا منه،يقول السيد حيدر:

عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبن شجعانها

و تغذى أهل بيته و أصحابه بهذه الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق و إخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب و لا خوف،و قد شهد لهم عدوهم بالبسالة و رباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد:و يحك أقتلتم ذرية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟،فاندفع قائلا:

«عضضت بالجندل،إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا،ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية،تحطم الفرسان يمينا و شمالا،و تلقي أنفسها على الموت،لا تقبل الأمان،و لا ترغب في المال،و لا يحول حائل بينها و بين الورود على حياض المنية،و الاستيلاء على الملك،فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيره،فما كنا فاعلين لا أم لك...».

و وصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله:

و ما أروع قول السيد حيدر:

فلو وقفت صم الجبال مكانهم لمادت على سهل و دكت على و عر

فمن قائم يستعرض النبل وجهه و من مقدم يرمي الأسنة بالصدر

دكوا رباها ثم قالوا لها و قد جثوا نحن مكان الربا

لقد تحدى أبو الأحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت و هزأ

ص: 97

من الحياة،و قد قال لأصحابه حينما مطرت عليه سهام الأعداء:

«قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه،فإن هذه السهام رسل القوم إليكم..».

لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة،و لقد كانت لذيذة عنده حقا،لأنه هو ينازل الباطل و يرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه (1).1.

ص: 98


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:83/1.

علم الحسين عليه السلام

اشارة

المعارف في شخصيّة الحسين عليه السلام

قال السيد الخامنئي:و من ناحية المعارف أيضا،فقد كانت تلك الشخصية و كان ذلك الإسم الشريف مشيرا إلى ذلك المسمّى العظيم الشأن هكذا،فإنّ أهمّ و أسمى المعارف كامنة في أقوال هذا الإمام،فلو نظرتم في دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة،ستجدون أنّه كزبور أهل البيت(عليهم السلام)و هو مليء بالنغمات البليغة و العشق و الإخلاص للمعارف،و عندما ينظر الإنسان إلى بعض أدعية الإمام السجّاد عليه السلام و يقارنها بأدعية الإمام الحسين عليه السّلام، يرى و كأنّ أدعية الإبن شرح و توضيح و بيان لدعاء الأب،أي أنّ دعاء الأب هو الأصل و دعاء الإبن فرعه،فدعاء عرفة العجيب و الشريف و خطب الإمام يوم عاشوراء و في غير عاشوراء تحتوي على معنى و روح عجيبة،و هي بحر زاخر من المعارف السامية و الرفيعة و الحقائق الملكوتية التي قلّ نظيرها في آثار أهل البيت (عليهم السلام) (1).

عن مجاهد،قال:جاء رجل إلى الحسن و الحسين فسألهما فقالا:إن المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة:[لحاجة]مجحفة،أو لحمالة (2)مثقلة،أو دين فادح فأعطياه.

ص: 99


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:25.
2- الحمالة:بفتح الحاء ما يتحمله الرجل عن قوم من الدية و الغرامة مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل رجل بينهم فيتحمل ديّات القتلى ليصلح بينهم(عن هامش الترجمة المطبوعة).

ثم أتى ابن عمر فأعطاه و لم يسأله فقال له الرجل:أتيت ابنيّ عمك فسألاني و أنت لم تسألني فقال ابن عمر:إبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنهما كانا يغرّان (1)بالعلم غرّا (2).

و عن الأصبغ بن نباته قال:قال علي عليه السّلام للحسن عليه السّلام:«يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش بعدي فيقولون:إن الحسن لا يحسن شيئا،قال الحسن:يا أبة كيف أصعد و أتكلم و أنت في الناس تسمع و ترى؟

قال له:بأبي و امّي أواري نفسي عنك و أسمع و أرى و لا تراني».

فصعد عليه السّلام المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة و صلى على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و آله صلاة موجزة ثمّ قال:«أيها الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:أنا مدينة العلم و علي بابها و هل تدخل المدينة إلاّ من بابها؟»

ثمّ نزل فوثب إليه علي عليه السّلام فحمله و ضمه إلى صدره ثمّ قال للحسين عليه السّلام:«يا بني قم فاصعد و تكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون:إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا،و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك».

فصعد المنبر عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه و صلى على نبيه صلاة واحدة موجزة ثمّ قال:«معاشر الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:إن عليّا مدينة هدى فمن دخلها نجا و من تخلف عنها هلك».

فوثب إليه على عليه السّلام و ضمه إلى صدره فقبّله ثمّ قال:«معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و وديعته التي استودعنيها أستودعكموها معاشر الناس،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله سائلكم عنهما» (3).

و من كتاب التوحيد للصّدوق بسنده عن وهب بن وهب القرشي قال:حدثني2.

ص: 100


1- أي كانا يلقمان العلم و يزقان كما تزق الأفراخ.
2- المعجم الصغير للطبراني:184/1،في ترجم طي بن إسماعيل.
3- الاختصاص:238،نور البراهين:155/2.

الصادق جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه:أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين ابن علي عليه السّلام يسألونه عن الصمد،فكتب إليهم:

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلّموا فيه بغير علم،فقد سمعت جدي رسول الله صلّى اللّه عليه و اله يقول:من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده في النار،و أنه سبحانه قد فسّر الصمد فقال:الله أحد الله الصمد،ثم فسّره فقال:لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شيء لطيف كالنفس و لا ينشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الهمّ و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و الشامة و الجوع و الشبع تعالى أن يخرج منه شي و أن يتولد منه شي كثيف،أو لطيف،و لم يولد لم يتولد من شيء و لم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشىء من الشىء و الدابة من الدابة،و النبات من الأرض، و الماء من الينابيع،و الثمار من الأشجار،و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين،و السمع من الأذن،و الشم من الأنف،و الذوق من الفم،و الكلام من اللسان،و المعرفة و التميز من القلب،و كالنار من الحجر،لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا علم شيء،مبدع الأشياء و خالقها و منشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه،فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال،و لم يكن له كفوا أحد (1).

و عن الحكم بن عتيبة قال:لقي رجل الحسين بن علي عليه السّلام بالثعلبية و هو يريد كربلاء فدخل عليه فسلّم فقال له الحسين عليه السّلام:من أي البلاد أنت؟

قال:من أهل الكوفة.

قال:أما و الله يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبريل من دارنا0.

ص: 101


1- مستدرك سفيند البحار:432/10.

و نزوله بالوحي على جدي،يا أخا أهل الكوفة أفمستقى الناس العلم من عندنا فعلموا و جهلنا؟هذا ما لا يكون (1).2.

ص: 102


1- الكافي:399/1 ح 2.

الحسين عليه السلام و علم الغيب

و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام قال:إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض اموره قال لهم:لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم،فخالفوه مرّة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتّصل الخبر إلى الحسين عليه السّلام فدخل على الوالي فقال:بلغني قتل غلمانك؟

قال الحسين عليه السّلام:أنا أدلّك على من قتلهم و هذا منهم أشار إلى رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل:و من أين تعرف إنّي منهم؟

فقال:إن أنا صدقتك تصدقني؟

قال:نعم و اللّه قال:خرجت و معك فلان و فلان فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقي من حبشانها.

فقال الرجل:و اللّه ما كذب الحسين و كأنّه كان معنا،فجمعهم الوالي فأقرّوا فضرب أعناقهم (1).

و عن الأصبغ بن نباتة قال:سألت الحسين عليه السّلام سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن و أنّه من سرّ اللّه.

فقال:يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأبي دون يعني أبا بكر يوم مسجد قبا؟

قال:هذا الذي أردت.

ص: 103


1- الخرائج و الجرائح:247/1.

قال:قم،فإذا أنا و هو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إلي بصري فتبسّم في وجهي ثمّ قال:يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان.

فقلت:صدقت يا ابن رسول اللّه فقال لي:أدخل،فدخلت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السّلام قابض على تلابيب الأعسر-يعني أبا بكر-فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعضّ على الأنامل و هو يقول:بئس الخلف خلفتني أنت و أصحابك عليكم لعنة اللّه و لعنتي (1).

و عن ابن الزبير قال:قلت للحسين عليه السّلام:إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك و خذلوا أخاك فقال:لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكّة (2).

و عنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السّلام فقال:إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لا يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.

و قال محمّد بن الحنفيّة:و أنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم.

و في كتاب دلائل الإمامة عن حذيفة قال:سمعت الحسين عليه السّلام يقول:و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني اميّة يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه؟

قال:لا،فأتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فأخبرته فقال:علمي علمه و علمه علمي لأنّنا نعلم بالكائن قبل كينونته (3).

و قال عمر بن سعد يوما للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك،قال الحسين عليه السّلام:إنّهم ليسوا سفهاء و لكنّهم حلماء أما انّه يقرّ عيني أنّك1.

ص: 104


1- مناقب آل أبي طالب:211/3.
2- مدينة المعاجز:503/3 ح 1017.
3- دلائل الامامة:184 ح 101.

لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا (1).

و عن حذيفة قال:سمعت الحسين بن علي عليه السّلام يقول:«و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني امية و يقدمهم عمر بن سعد،و ذلك في حياة النبي صلّى اللّه عليه و اله».

فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟

قال عليه السّلام:«لا».

قال:فأتيت النبي فأخبرته.

فقال صلّى اللّه عليه و اله:«علمي علمه و علمه علمي،لأنّا نعلم الكائن قبل كينونته» (2).

و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء و شكايتهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما حلّ بهم قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفضّة:«يا فضّة لقد عرفه رسول اللّه و عرف الحسين اليوم بهذا الفعل(ضرب فاطمة و إسقاط المحسن عليه السّلام)و نحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين عليه السّلام إلى فاطمة ابنته فدفعته إلى علي بن الحسين قلت:فما فيه يرحمك اللّه؟

قال عليه السّلام:«ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى» (4).

و كان الإمام الحسين عليه السّلام يعلم متى يموت و بأي أرض يموت و من يستشهد معه (5).

و من ذلك أنه لمّا أراد الخروج إلى العراق قالت له أمّ سلمة:يا بني لا تحزنّي بخروجك فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:يقتل ولدي الحسين بالعراق،فقال لها5.

ص: 105


1- بحار الانوار:263/44 ح 20.
2- -بحار الانوار:186/44.
3- -الهداية الكبرى:408 باب 14.
4- -البحار:54/26 ح 109 باب جهات علومهم.
5- -مشارق انوار اليقين:88،و الهداية الكبرى:203-204 باب 5.

الحسين عليه السّلام:يا أمّاه إنّي مقتول لا محالة و ليس من الأمر المحتوم بد و إنّي لأعرف اليوم الذي اقتل فيه و الحفرة التي أدفن فيها،و من يقتل معي من أهل بيتي و من شيعتي، و إن أردت أريتك مضجعي و مكاني،ثم أشار بيده فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مكانه (1).

و من ذلك من كتاب الراوندي أن رجلا جاء إلى الحسين عليه السّلام فقال:أمّي توفيت و لم توص بشيء غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتى أعلمك يا مولاي، فجاء الحسين عليه السّلام و أصحابه فرآها ميتة فدعى اللّه ليحييها فإذا المرأة تتكلّم،و قالت:

ادخل يا مولاي و مرني بأمرك،فدخل و جلس و قال لها:أوصي يرحمك اللّه،فقالت:يا سيدي،إنّ لي من المال كذا و كذا و قد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت،و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك،و إن كان مخالفا فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين،ثم سألته أن يتولّى أمرها و أن يصلّي عليها،ثم صارت ميّتة كما كانت (2).7.

ص: 106


1- بحار الأنوار عن الكافي:330/44 ح 2.
2- الخرائج و الجرائح:245 باب 4،و فرج المهموم:227.

قدرة الحسين عليه السلام

في كتاب المناقب:عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال:

سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمى فعاده الحسين عليه السّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له:الحمى تهرب منكم.

فقال له الحسين عليه السّلام:و اللّه ما خلق شيئا إلاّ و قد أمره بالطّاعة لنا.

قال:فناداها يا حمى فإذا نحن نسمع الصوت و لا نرى الشخص يقول:لبّيك.

قال:أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا،و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟ (1)

و في كتاب الخرائج عن يحيى بن امّ الطويل قال:كنّا عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي قال:إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألاّ أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها.

فقال الحسين عليه السّلام:قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف على البيت و دعى اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها، فأحياها اللّه تعالى فجلست و هي تتشهّد،ثمّ نظرت إلى الحسين عليه السّلام فقالت:أدخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على فخذه ثمّ قال لها:أوصي يرحمك اللّه.

فقالت:يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه

ص: 107


1- وسائل الشيعة:237/20 ح 683.

إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت (1).

عن صفوان بن مهران قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السّلام في امرأة و ولدها فقال:هذا لي،و قال الأخر:هذا لي فأمر بهما الحسين عليه السّلام فقال أحدهما:إنّ الإمرأة لي.

و قال الآخر:إن الولد لي.

فقال عليه السّلام للمدّعي الأوّل:أقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين:يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك.

فقالت:هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا.

فقال عليه السّلام:يا غلام ما تقول هذه؟أنطق بإذن اللّه تعالى.

فقال له:ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلاّ راعي لآل فلان.

فأمر عليه السّلام برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها (2).3.

ص: 108


1- الخرائج و الجرائح:246/1 ح 1.
2- مناقب آل أبي طالب:210/3.

حكمة الإمام الحسين عليه السلام

قال السيد مرتضى العسكري:عارض الإمام في المدينة بيعة خليفة اكتسب شرعية حكمه لدى المسلمين ببيعتهم إياه،و قاوم عصبة الخلافة في المدينة حتى انتشر خبره ثم توجه إلى مكة و التزم الطريق الأعظم و لم يتنكبه مثل ابن الزبير و ورد مكة و التجأ إلى بيت اللّه الحرام فاشرأبت إليه أعناق المعتمرين و تحلّقوا حوله،يستمعون إلى سبط نبيهم و هو يحدثهم عن سيرة جده و يشرح لهم انحراف الخليفة عن تلك السيرة!.

ثم أعلن دعوته و كاتب البلاد و دعا الأمة إلى القيام المسلح في وجه الخلافة، و تغيير ما هم عليه،و طلب منهم البيعة على ذلك،و ليس على أن يعينوه ليلي الخلافة،و لم يمن الإمام أحدا بذلك بتاتا و لم يذكره في خطاب و لم يكتبه في كتاب، بل كان كلما نزل منزلا أو ارتحل ضرب بيحيى بن زكريا مثلا لنفسه،و حق له ذلك فإن كلا منهما أنكر على طاغوت زمانه الطغيان و الفساد،و قاومه حتى قتل،و حمل رأسه إلى الطاغية!فعل ذلك يحيى بمفرده،و الحسين مع أعوانه و أنصاره و أهل بيته،و لا يفعل ذلك من يريد أن يجمع الناس حوله و يستظهر بهم ليلي الخلافة بل يمنيهم بالنصر و الاستيلاء على الحكم و لا يذكر للناس ما يؤدي إلى الوهن و الفشل.

بقي الإمام أربعة أشهر في مكة بما فيهن أشهر الحج و اجتمع به المعتمرون أولا ثم الوافدون لحج بيت اللّه الحرام من كل فج عميق و هو يروي لهم عن جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله عن اللّه ما يخوفهم معصيته،و يحذرهم عذابه في يوم القيامة، و يدعوهم إلى تقوى اللّه،و طلب مراضيه،و ينبههم إلى خطر الخلافة القائمة على

ص: 109

الإسلام،فيسمعون منه ما لم يسمعوه من غيره في ذلك العصر و بقي هكذا حتى أقبل يوم التروية،و أحرم الحاج للحج،و اتجهوا إلى عرفات ملبين.

في هذا الوقت خالف الإمام الحجيج و أحل من إحرامه و خرج من الحرم قائلا أخشى أن تغتالني عصبة الخلافة لأني لم أبايع فتهتك بي حرمة الحرم،و لأن أقتل خارجا منه بشبر أحب إلي من أن أقتل داخلا بشبر إن الإمام لم يقل عندئذ أذهب إلى العراق لألي الحكم بل قال:أذهب لأقتل خارجا من الحرم بشبر.

و يعود الحجيج إلى مواطنهم و يبلغ معهم خبر الإمام الحسين إلى منتهى الخف و الحافر،يبلغ خبره إلى أي صقع من أصقاع الأرض يمر به ركب الحجيج الذي يحمل معه إلى المسلمين في كل مكان النبأ العظيم،نبأ خروج سبط نبيهم على الخلافة القائمة و دعوته المسلمين إلى القيام المسلح ضد الخلافة لأنه يرى الخليفة قد انحرف عن الإسلام و يرى الخطر محدقا بالإسلام مع استمرار هذا الحكم، فيتعطش المسلمون في كل مكان لمعرفة مآل هذه المعركة،معركة أهل بيت الرسول مع عصبة الخلافة و يتنسمون أخبارها فيبلغهم أن الحسين عليه السّلام خرج لا يلويه شئ و لا يثني عزمه تحذير المحذرين و لا تخذيل المخذلين،لا يلويه قول عبد اللّه بن عمر:أستودعك اللّه من قتيل،و لا قول الفرزدق:قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية،و لا كتاب عمرة و حديثها عن عائشة عن رسول اللّه أنه يقتل بأرض بابل،هكذا تبلغهم أخبار الإمام خبر بعد خبر و يمضي الحسين عليه السّلام متريثا متمهلا لا يخفى من أمره شئ بل يبادر إلى كل فعل يشهر مخالفته للخليفة يزيد،فيأخذ ما أرسله و الي اليمن إلى الخليفة من تحف و عطور و يعلن بفعله هذا عدم شرعية تصرف الخليفة و كذلك يفعل كل ما يتم به الحجة على من اجتمع به أو بلغه خبره، و يبالغ في ذلك و أخيرا يستقبل بالماء جيش عدوه و قد أجهده العطش في صحراء لا ماء فيه يرويهم و يروي مراكبهم،و لا يقبل أن يباغت هذا الجيش بالحرب،بل يتركهم ليكونوا هم الذين يبدأوه بالحرب ثم إنه أتم الحجة على هذا الجيش

ص: 110

و خاطبهم بعد أن أمهم بالصلاة و قال:معذرة إلى اللّه عزّ و جلّ و اليكم،إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم،و قدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل اللّه يجمعنا بك على الهدى،فإن كنتم على ذلك،فقد جئتكم،فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم،و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين، أنصرف عنكم.

و قال في خطبته الثانية:إن تتقوا و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه و نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان.

و أتم الحجة أيضا على أصحابه و خطب فيهم و قال:ألا ترون الحق لا يعمل به و أن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقا فإني لا أرى الموت إلاّ شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.

فقال له أصحابه:و اللّه لو كانت الدنيا باقية و كنا فيها مخلدين إلاّ أن فراقها في نصرك و مواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.

و قال في جواب اقتراح الطرماح أن يذهب إلى جبلي طيء فيدافع عنه عشرون ألف طائي:إنه قد كان بيننا و بين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الإنصراف.

إنه قد كان بين الحسين عليه السّلام و بين أهل العراق عهد أن يذهب إليهم و لا يقدر أن ينصرف عنهم حتى يتم الحجة عليهم.

أتم الحسين عليه السّلام الحجة على المسلمين في بلادهم و حواضرهم و عواصمهم مدة خمسة أشهر سواء من كان منهم في الحرمين أو العراقين-البصرة و الكوفة- و كذلك من كان منهم في الشام حين أسمعهم حججه في خطبه و كتبه و على لسان رسله و أبلغهم نبأه.

و باشر القيام المسلح بأخذه البيعة ممن بايعه على ذلك،ثم في قتال سفيره مسلم ثم في توجهه إلى العراق متريثا و كان بامكان جماهير الحجيج أن يلتحقوا

ص: 111

بعد الحج بركبه المتمهل في السير و كان بإمكان أهل الحرمين و العراقين و سائر البلاد الإسلامية أن يلبّوا دعوته حين استنصرهم فإنه لم يؤخذ على حين غرة ليكونوا معذورين لأنه لم تؤاتهم الفرصة لنصرته،بل إنه تنقل من بلد إلى بلد يداور عصبة الخلافة و يحاور بمنظر من المسلمين و مخبر،إذن فقد اشترك الجميع في تخذيله و إن تفرد أهل الكوفة بحمل العار في دعوته،و تلبية دعوته ثم قتالهم إياه!.

أتم الإمام الحسين عليه السّلام الحجة على المسلمين عامة بما قال و فعل من قبل أن يصل إلى عرصات كربلاء،و لما انتهى إليها و قلب له أهل العراق ظهر المجن، و ازدلف إليه هناك عشرات الألوف منهم،يتقربون إلى عصبة الخلافة بدمه،عند ذاك أتم عليهم و على عصبة الخلافة خاصة الحجة بما قال و فعل:فقد اقترح على عصبة الخلافة أولا أن يتركوه فيلقي السلاح و يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، و بذلك لا يبقى أي خطر منه على حكمهم كما كان شأن سعد بن أبي و قاص و عبد اللّه بن عمر و أسامة بن زيد مع أبيه الإمام علي عليه السّلام حين لم يبايعوه،فلما أبى عليه جيش الخلافة إلاّ أن يبايع و ينزل على حكم ابن زياد،أبى ذلك و استعد للقاء اللّه، لإتمام الحجة على جيش الخلافة من أهل العراق،و لاتمام الحجة على أصحابه خاصة،طلب منهم عصر التاسع من محرم أن يمهلوه ليلة واحدة ليصلّي لربه و يتضرع و يتلو كتابه فانه يحب ذلك،و بعد لأي لبّوا طلبه فجمع أصحابه ليلة العاشر من محرم و خطب فيهم و قال في خطبته:ألا و اني أظن أن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل،ليس عليكم مني ذمام و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا و ليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعا خيرا و تفرّقوا في سوادكم و مدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني و لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.

فقال له الهاشميون:لم نفعل ذلك؟!لنبقى بعدك؟!لا أرانا اللّه ذلك أبدا!و التفت إلى

ص: 112

بني عقيل و قال:حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم!فقالوا:..لا و اللّه لا نفعل،و لكن نفديك بأنفسنا،و أموالنا و أهلينا،نقاتل معك حتى نرد موردك،فقبّح اللّه العيش بعدك!.

ثم تكلم أنصاره فقال مسلم بن عوسجة:أنحن نخلي عنك و بماذا نعتذر إلى اللّه في أداء حقك؟أما و اللّه لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي،و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك!و قال سعيد بن الحنفي و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك!أما و اللّه لو علمت إني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي،فكيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا،و تكلم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه و بعد هذه الخطبة تهيأ و اللقاء ربهم و أحيوا الليل بالعبادة،قال الراوي:فلما أمسى الحسين و أصحابه قاموا الليل كله يصلّون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون.

و استعدوا كذلك للقاء خصومهم و إتمام الحجة عليهم في يوم غد فأمر الإمام بمكان منخفض من وراء الخيم كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل و أمر فأتي بحطب و قصب فألقي فيه،فلما أصبحوا استقبلوا القوم بوجوههم و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بذلك الحطب و القصب من وراء البيوت فأحرقت بالنار كي لا يؤتوهم من ورائهم،و بذلك منعهم الإمام من الحملة عليه بغتة و قتله قبل إتمامه الحجة عليهم بل ألقى عليهم هو و أصحابه الخطبة تلو الخطبة حين تقابل الجيشان في يوم عاشوراء و استعدا للقتال بدأهم الإمام الحسين فركب ناقته و استقبلهم و استنصتهم ثم قال في خطبته:أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتى أعظكم.

آمنتم بالرسول محمد صلّى اللّه عليه و اله ثم إنكم زحفتم إلى ذريته و عترته تريدون قتلهم.

أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها و انظروا هل يحل

ص: 113

قتلي و انتهاك حرمتي؟!ألست ابن بنت نبيكم...أولم يبلغكم قول رسول اللّه لي و لأخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة،فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم،و يحكم!تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟!و نادى:يا شبث بن ربعي!و يا حجار بن أبجر!و يا قيس بن الأشعث!و يا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثمار و اخضر الجناب،و إنما تقدم على جند لك مجند.

و قال:أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم!فقال له قيس بن الأشعث:أ و لا تنزل على حكم بني عمك؟.

و قال:ألا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة.

و قال:أما و اللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى.

عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول اللّه.

ثم رفع يديه إلى السماء و قال:اللهم احبس عنهم قطر السماء.

و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة.

اذن فإن جيش الخلافة من أمة محمد صلّى اللّه عليه و اله يقاتلون ابن بنت نبيهم من أجل أن يبايع يزيد و ينزل على حكم ابن زياد،و يتقبل الإمام الحسين و جيشه قتل رجالهم و سبي نسائهم و لا يفعلون ذلك.

جيش الخلافة يقتل ابن بنت نبيه و يسبي عترته من أجل كسب رضى الخليفة، و واليه،و كسب حطام الدنيا منهما.

و الإمام و جيشه يستشهدون من أجل كسب رضى اللّه و تحصيل ثوابه في يوم القيامة.

ص: 114

يدل على ذلك بالإضافة إلى ما سبق ذكره،جميع أفعال الجيشين و أقوالهما في ذلك اليوم.... (1)3.

ص: 115


1- معالم المدرستين:308/3-313.

عبادة الحسين عليه السلام

اشارة

جسّد الإمام الحسين عليه السّلام من خلال سلوكه و تفكيره أسمى معاني العبودية الصادقة،و قد عمل كل ما يقرّبه إلى الله فكان كثير الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و أفعال الخير.

قال ولده علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام:كان(الحسين)عليه السّلام يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة (1).

كان الإمام الحسين عليه السّلام كثير الحج،و قد حج خمسا و عشرين حجة ماشيا، و كانت نجائبه تقاد معه (2).

و عن الرافعي عن أبيه عن جدّه قال:رأيت الحسن و الحسين عليهما السلام يمشيان إلى الحجّ فلم يمرا براكب إلاّ نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم،فقالوا لسعد بن أبي وقّاص:قد ثقل علينا المشي و لا نستحسن أن نركب و هذان السيّدان يمشيان فقال سعد للحسن:يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك و الناس إذا رأو كما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما.

فقال الحسن عليه السّلام:لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام على أقدامنا و لكنّا نتنكّب الطريق فأخذا جانبا من الناس (3).

ص: 116


1- تاريخ اليعقوبي 247/2،دار صادر،بيروت-لبنان،ط 6،1415 ه-1995 م،و تاريخ ابن خلدون 30/3،دار الفكر،بيروت-لبنان،1415 ه-1995 م.
2- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 129/7،تاريخ ابن خلدون 30/3.
3- الارشاد:129/2.

و عن شعيب الخزاعي قال:[كان]على ظهر الحسين عليه السّلام يوم الطفّ أثر،فسألوا زين العابدين عليه السّلام فقال:هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و الأيتام و المساكين.

و في عيون المحاسن أنّه عليه السّلام ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثمّ قال:

إذهب عنّي فاستخفيت عنه،فلمّا طال و قوفه في الصلاة سمعته يقول شعرا:

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه فارحم عبيدا أنت ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما أرقا يشكو إلى ذي الجلال بلواه

و ما به علّة و لا سقم أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه و غصّته أجابه اللّه ثمّ لبّاه

فنودي شعرا:

لبّيك لبّيك أنت في كنفي و كلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك منّي يحول في حجب فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح من جوانبه خرّ صريعا لمّا تغشّاه

سلني بلا رغبة و لا رهب و لا حساب إنّي أنا اللّه

و عن خليفة بن خيّاط،قال في تسمية الأمراء يوم الجمل قال:قال أبو عبيدة:

و على الميسرة الحسين بن علي عليهما السلام (1).

و روى أبو مخنف«عن عبد الله بن قيس قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام يوم صفّين و قد أخذ أبو الأعور السّلمي الماء على النّاس و لم يقدر عليه أحد،فبعث إليه الحسين عليه السّلام في خمسمائة فارس فكشفه عن الماء،فلمّا رأى ذلك أمير المؤمنين4.

ص: 117


1- تاريخ خليفة بن خياط:184.

قال:ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا،و ينفر فرسه و يحمحم و يقول في حمحمته:

الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها (1).

و هم يقرأون القرآن الذي جاء به إليهم،ثمّ إنّ أمير المؤمنين أنشأ يقول:

أرى الحسين قتيلا قبل مصرعه علما يقينا بأن يبلى بأشرار

و كلّ ذي نفس أو غير ذي نفس يجري إلى أجل يأتي بأقدار

و قال السيد القرشي:و اتجه الإمام الحسين عليه السّلام بعواطفه و مشاعره نحو الله فقد تفاعلت جميع ذاتياته بحب الله و الخوف منه،و يقول المؤرخون:إنه عمل كل ما يقرّبه إلى الله فكان كثير الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و أفعال الخير.و نعرض لبعض ما أثر عنه من عبادته و اتجاهه نحو الله.

أ-خوفه من الله:

كان الإمام الحسين عليه السّلام في طليعة العارفين بالله،و كان عظيم الخوف منه شديد الحذر من مخالفته حتى قال له بعض أصحابه:

«ما أعظم خوفك من ربك؟!!».

فقال عليه السّلام:«لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا..»و كانت هذه سيرة المتقين الذين أضاءوا الطريق،و فتحوا آفاق المعرفة،و دللوا على خالق الكون و واهب الحياة.

ص: 118


1- مدينة المعاجز:140/3.

ب-كثرة صلاته و صومه:

كان الإمام الحسين عليه السّلام أكثر أوقاته مشغولا بالصلاة و الصوم،و كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة-كما حدث بذلك ولده زين العابدين-و كان يختم القرآن الكريم في شهر رمضان و تحدث ابن الزبير عن عبادة الإمام فقال:«أما و الله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه كثيرا في النهار صومه».

ج-حجه:

كان الإمام عليه السّلام كثير الحج و قد حج خمسا و عشرين حجة ماشيا على قدميه و كانت نجائبه تقاد بين يديه و كان يمسك الركن الأسود يناجي الله و يدعو قائلا:

«إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكرا،و ابتليتني فلم تجدني صابرا،فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر،و لا أدمت الشدة بترك الصبر،إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم...».

و خرج عليه السّلام معتمرا لبيت الله فمرض في الطريق فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين عليه السّلام و كان في يثرب فخرج في طلبه فأدركه في(السقيا)و هو مريض فقال له:

«يا بني ما تشتكي؟».

«أشتكي رأسي».

فدعا أمير المؤمنين ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة،فلما أبل من مرضه قفل راجعا إلى مكة و اعتمر.

هذا بعض ما أثر من طاعته و عبادته.

ص: 119

د-صدقاته:

كان الإمام الحسين عليه السّلام كثير البر و الصدقة،و قد ورث أرضا و أشياء فتصدّق بها قبل أن يقبضها و كان يحمل الطعام في غلس الليل إلى مساكين أهل المدينة لم يبتغ بذلك إلا الأجر من الله،و التقرّب إليه و قد ألمعنا-فيما سبق-إلى كثير من ألوان بره و إحسانه (1).

و قال السيد الخامنئي:كانت العبادة و التضرع و التوسل و الاعتكاف في حرم الرسول،و الرياضة المعنوية و الروحية أحد أطراف القضية،و طرف آخر سعيه الحثيث في نشر العلم و المعرفة و مجابهة التحريف.كان التحريف آنذاك أكبر تحدّ معنوي يهدد الإسلام،و يجري كالسيل الجارف من الفساد و الماء الآسن فيركد في أذهان أبناء المجتمع الإسلامي.

و هو عصر ساد فيه التأكيد على الولايات و البلدان و الشعوب الإسلامية بلعن أعظم شخصية في تاريخ الإسلام!و ملاحقة من يتهم بموالاة أمير المؤمنين و يقول بإمامته؛حيث ساد آنذاك«القتل بالظنّ و الأخذ بالتهمة»في مثل هذه الظروف وقف الإمام عليه السّلام كالطود الشامخ و خرق حجب التحريف.

أقواله و كلامه الذي يخاطب فيه العلماء-و الذي يحتفظ التاريخ بشيء منه-ينم عمّا كان يأتي به من فعل عظيم في هذا المضمار.

و تضمنت القضية طرفا آخر و هو النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف في أرفع أشكاله،و الذي جاء في كتابه إلى معاوية،و هذا الكتاب حسبما أتذكر نقله المؤرخون من أبناء العامة و لا أظن الشيعة قد نقلوه-أي إني لم أعثر عليه من طرق

ص: 120


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:95.

الشيعة-و حتى إن كانوا قد ذكروه فإنّما قد نقلوه عنهم.

و استمر أسلوب الكتاب المذكور و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى خروجه من المدينة أبان حكومة يزيد،و هذا يدخل أيضا في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛حيث قال:«أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر».

تلاحظون هذا الإنسان يأتي بتلك الحركة العظيمة في مجال تهذيب نفسه و ترويضها (1).1.

ص: 121


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:95/1.

أدعية الإمام الحسين

اشارة

قال السيد القرشي:و حفلت الأدعية التي أثرت عن الحسين عليه السّلام بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صروح العقيدة و الإيمان بالله،و تنمية الخوف و الرهبة من الله في أعماق نفوس الناس لتصدهم عن الإعتداء و تمنعهم عن الظلم و الطغيان، و قد كان اهتمام أهل البيت عليهم السّلام بهذه الجهة اهتماما بالغا...و لم يؤثر عن أحد من أئمة المسلمين و خيارهم من الأدعية مثل ما أثر عنهم،و أنها لتعد من أروع الثروات الفكرية،و الأدبية في الإسلام،فقد حوت أصول الأخلاق،و قواعد السلوك و الآداب، كما ألمّت بفلسفة التوحيد و معالم السياسة العادلة،و غير ذلك،و نلمع لبعض أدعيته عليه السّلام:

1-دعاؤه من وقاية الأعداء:

كان الإمام الحسين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء يستجير بالله من شرور أعدائه،و هذا نصه:«اللّهم يا عدتي عند شدتي،و يا غوثي عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بركنك الذي لا يرام،و ارحمني بقدرتك عليّ،فلا أهلك و أنت رجائي،اللّهم إنك أكبر و أجلّ و أقدر مما أخاف و أحذر،اللّهم بك أدرأ في نحره،و أستعيذ من شره،إنك على كل شي قدير..».

و دعى بهذا الدعاء الشريف الإمام الصادق عليه السّلام حينما أمر الطاغية المنصور بإحضاره مخفورا لينكل به،فأنقذه الله من شره،و فرّج عنه،فسئل عن سبب ذلك،

ص: 122

فقال إنه دعى بدعاء جده الحسين عليه السّلام.

2-دعاؤه للاستسقاء:

كان الإمام الحسين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء إذا خرج للاستسقاء:«اللّهم اسقنا سقيا،واسعة و ادعة،عامة،نافعة،غير ضارة،تعم بها حاضرنا و بادينا و تزيد بها في رزقنا و شكرنا،اللّهم اجعله رزق إيمان،و عطاء إيمان،إن عطاءك لم يكن محظورا،اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها،و أنبت فيها زيتها و مرعاها...».

3-دعاؤه يوم عرفة:

و هو من أجل أدعية أئمة أهل البيت عليهم السّلام و أكثرها استيعابا لألطاف الله و نعمه على عباده و قد روى هذا الدعاء الشريف بشر و بشير الأسديان قالا:كنا مع الحسين بن علي عليه السّلام عشية عرفة،فخرج عليه السّلام من فسطاطه متذللا خاشعا،فجعل يمشي هونا هونا حتى وقف هو و جماعة من أهل بيته و ولده و مواليه،في مسيرة الجبل مستقبل البيت،ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين،و قال:

«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع،و لا لعطائه مانع،و لا كصنعه صانع،و هو الجواد الواسع،فطر أجناس البدائع،و أتقن بحكمته الصنائع لا تخفى عليه الطلائع، و لا تضيع عنده الودائع،و رايش كل قانع،و راحم كل ضارع،منزل المنافع،و الكتاب الجامع بالنور الساطع،و هو للدعوات سامع،و للكربات دافع،و للدرجات رافع، و للجبابرة قامع،فلا إله غيره،و لا شي يعدله،و ليس كمثله شي،و هو السميع البصير،اللطيف الخبير،و هو على كل شي قدير.

اللّهم إني أرغب إليك،و أشهد بالربوبية لك،مقرا بأنك ربي و إليك مردي،

ص: 123

ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا،و خلقتني من التراب،ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون،و اختلاف الدهور و السنين،فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم،في تقادم من الأيام الماضية و القرون الخالية،لم تخرجني لرأفتك بي و لطفك لي(أو بي)و إحسانك إلي في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك،و كذبوا رسلك،لكنك أخرجتني رأفة منك و تحننا-علي خ ل-للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني،و فيه أنشأتني و من قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك،و سوابغ نعمك، فابتدعت خلقي من مني يمنى و أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم و دم و جلد،لم تشهدني خلقي (1)و لم تجعل إلي شيئا من أمري،لم ترض لي يا إلهي نعمة دون أخرى و رزقتني من أنواع المعاش و صنوف الرياش بمنك العظيم الأعظم علي،و إحسانك القديم إلي حتى إذا أتممت علي جميع النعم،و صرفت عني كل النقم لم يمنعك جهلي و جرأتي عليك أن دللتني إلى(على-خ ل-)ما يقرّبني إليك،و وفقتني لما يزلفني لديك فإن دعوتك أجبتني،و إن أطعتك شكرتني،و إن شكرتك زدتني كل ذلك لأنعمك علي،و إحسانك إلي فسبحانك سبحانك من مبدىء معيد حميد مجيد تقدّست أسماؤك و عظمت آلاؤك فأي نعمك أحصي عددا ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى الدنيا تاما سويا و حفظتني في المهد طفلا صبيا،و رزقتني من الغذاء لبنا مريا و عطفت علي قلوب الحواضن الأمهات و كفّلتني الأمهات الرواحم(الرحائم-خ ل-)،و كلأتني من طوارق الجان،و سلّمتني من الزيادة و النقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمن حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت علي سوابغ الإنعام و ربيتني زائدا في كل عام،حتى إذا اكتملت فطرتي و اعتدلت مرتي أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك و روّعتني بعجائب حكمتك و أيقظتني لما ذرأت في سمائك و أرضك من بدائع خلقك،و نبّهتني لشكرك و ذكرك و أوجبت علي طاعتك و عبادتكي.

ص: 124


1- في نسخة:لم تشهرني بخلقي.

و فهّمتني ما جاءت به رسلك،و يسرت لي تقبل مرضاتك و مننت علي-في جميع ذلك-بعونك و لطفك،ثم إذ خلقتني من خير الثرى يا إلهي فأي نعمك أحصي عددا و ذكرا،أم أي عطاياك أقوم بها شكرا و هي يا رب أكثر من أن يحصيها العادون،أو يبلغ علما بها الحافظون،ثم ما صرفت و درأت عني اللّهم-من الضر و الضراء-أكثر مما ظهر لي من العافية و السراء و أنا أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني و عقد عزمات يقيني و خالص صريح توحيدي،و باطن مكنون ضميري و علائق مجاري نور بصري و أسارير صفحة جبيني و خرق مسارب نفسي و خذاريف مارن عرنيني و مسارب سماخ (1)سمعي و ما ضمّت و أطبقت عليه شفتاي،و حركات لفظ لساني، و مغرز حنك فمي و فكي و منابت أضراسي و مساغ مطعمي و مشربي و حمالة أم رأسي و بلوغ فارغ حبائل(و بلوغ حبائل)عنقي و ما اشتمل عليه تامور صدري و حمائل حبل و تيني و نياط حجاب قلبي و أفلاذ حواشي كبدي و ما حوته شراسيف أضلاعي و حقاق مفاصلي و قبض عواملي،و أطراف أناملي و لحمي و دمي و شعري و بشري و عصبي و قصبي و عظامي و مخي و عروقي و جميع جوارحي، و ما انتسج على ذلك أيام رضاعي،و ما أقلّت الأرض مني و نومي و يقظتي و سكوني،و حركات ركوعي و سجودي-أن لو حاولت و اجتهدت-مدى الأعصار و الأحقاب لو عمّرتها-أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك،ما استطعت ذلك إلا بمنك الموجب علي به شكرك أبدا جديدا،و ثناء طارفا عتيدا،أجل..و لو حرصت أنا و العادون من أنامك أن نحصي مدى أنعامك سالفه(لفة-خ ل-)و آنفه ما حصرناه عددا،و لا أحصيناه أمدا،هيهات أنى ذلك!!!و أنت المخبر في كتابك الناطق،و النبأ الصادق وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌخ.

ص: 125


1- في نسخة:صماخ.

كَفّارٌ (1) صدق كتابك اللّهم و أنباؤك و بلّغت أنبياؤك و رسلك ما أنزلت عليهم من وحيك،و شرعت لهم و بهم من دينك،غير أني-يا إلهي-أشهد بجهدي و جدي، و مبلغ طاعتي و وسعي،و أقول مؤمنا موقنا:الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون موروثا،و لم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع و لا ولي من الذل فيرفده فيما صنع فسبحانه سبحانه لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا و تفطرتا سبحان الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،الحمد لله حمدا يعادل حمد ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين،و صلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين الطيبين الطاهرين المخلصين و سلّم».

و أخذ الحسين عليه السّلام يدعو الله و قد جرت دموع عينيه على سحنات وجهه الشريف و هو يقول:

«اللّهم اجعلني أخشاك،كأني أراك،و أسعدني بتقواك،و لا تشقني بمعصيتك و خرلي في قضائك و بارك لي في قدرك،حتى لا أحب تعجيل ما أخّرت و لا تأخير ما عجّلت،اللّهم اجعل غناي في نفسي،و اليقين في قلبي،و الإخلاص في عملي،و النور في بصري،و البصيرة في ديني،و متعني بجوارحي،و اجعل سمعي و بصري الوارثين مني،و انصرني على من ظلمني،و أرني فيه ثأري و مآربي و أقر بذلك عيني اللهم اكشف كربتي و استر عورتي،و اغفر لي خطيئتي،و اخسأ شيطاني و فك رهاني،و اجعل لي-يا إلهي-الدرجة العليا في الآخرة و الأولى،اللّهم لك الحمد كما خلقتني،فجعلتني سميعا بصيرا و لك الحمد كما خلقتني،فجعلتني خلقا (2)سويا رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنيا،رب بما برأتني فعدّلت فطرتي رب بما أنشأتني فأحسنت صورتي،رب بما أحسنت إلي و في نفسي عافيتني،رب بما كلأتنيا.

ص: 126


1- إبراهيم:34.
2- في نسخة:حيا.

و وفقتني رب بما أنعمت علي فهديتني،رب بما أوليتني و من كل خير أعطيتني،رب بما أطعمتني و سقيتني،رب بما أغنيتني و أقنيتني،رب بما أعنتني و أعززتني،رب بما ألبستني من سترك الصافي و يسرت لي من صنعك الكافي،صل على محمد و آل محمد و أعني على بوائق الدهور و صروف الليالي و الأيام،و نجنا من أهوال الدنيا و كربات الآخرة،و اكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض،اللّهم ما أخاف فاكفني،و ما أحذر فقني و في نفسي و ديني فاحرسني،و في سفري فاحفظني،و في أهلي و مالي فاخلفني و فيما رزقتني فبارك لي،و في نفسي فذللني،و في أعين الناس فعظّمني و من شر الجن و الإنس فسلّمني،و بذنوبي فلا تفضحني،و بسريرتي فلا تخزني و بعملي فلا تبتلني،و نعمك فلا تسلبني،و إلى غيرك فلا تكلني إلهي إلى من تكلني؟إلى قريب فيقطعني أم إلى بعيد فيتجهمني أم إلى المستضعفين لي و أنت ربي و مليك أمري أشكو إليك غربتي،و بعد داري،و هواني على من ملّكته أمري إلهي،فلا تحلل علي غضبك فإن لم تكن غضبت علي فلا أبالي سواك،سبحانك غير أن عافيتك أوسع لي،فأسألك يا رب بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض و السماوات،و كشفت به الظلمات و صلح به أمر الأولين و الآخرين أن لا تميتني على غضبك،و لا تنزل بي سخطك،لك العتبى حتى ترضى قبل ذلك،لا إله إلا أنت رب البلد الحرام،و المشعر الحرام،و البيت العتيق الذي أحللته البركة و جعلته للناس أمنا،يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه،يا من أسبغ النعماء بفضله يا من أعطى الجزيل بكرمه،يا عدتي في شدتي يا صاحبي في وحدتي يا غياثي في كربتي،يا وليي في نعمتي،يا إلهي و إله آبائي إبراهيم،و إسماعيل و إسحاق و يعقوب،و رب جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل،و رب محمد خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و اله المنتجبين منزل التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان،و منزل كهيعص و طه و يس و القرآن الكريم، أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها و تضيق بي الأرض برحبها و لولا رحمتك لكنت من الهالكين و أنت مقيل عثرتي و لولا سترك إياي لكنت من

ص: 127

المفضوحين،و أنت مؤيدي بالنصر على أعدائي و لولا نصرك إياي(لي-خ ل-) لكنت من المغلوبين،يا من خص نفسه بالسمو و الرفعة،فأولياؤه بعزه يعتزون،يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و غيب ما تأتي به الأزمنة و الدهور،يا من لا يعلم كيف هو إلا هو،يا من لا يعلم ما هو إلا هو،يا من لا يعلمه إلا هو (1)يا من كبس الأرض على الماء و سد الهواء بالسماء،يا من له أكرم الأسماء،يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر و مخرجه من الجب و جاعله بعد العبودية ملكا،يا راده على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم يا كاشف الضر و البلوى عن أيوب و ممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه و فناء عمره،يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى،و لم يدعه فردا وحيدا،يا من أخرج يونس من بطن الحوت،يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم و جعل فرعون و جنوده من المغرقين،يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته،يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه،يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود،و قد غدوا في نعمته يأكلون رزقه،و يعبدون غيره و قد حادوه و نادوه و كذبوا رسله،يا الله يا الله يا بديء يا بديع لا ندلك،يا دائما لا نفاد لك يا حيا حين لا حي يا محيي الموتى،يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت،يا من قل له شكري فلم يحرمني،و عظمت خطيئتي فلم يفضحني،و رآني على المعاصي فلم يشهرني،يا من حفظني في صغري،يا من رزقني في كبري،يا من أياديه عندي لا تحصى و نعمه لا تجازى،يا من عارضني بالخير و الإحسان و عارضته بالإساءة و العصيان،يا من هداني للإيمان من قبل أن أعرف شكر الامتنان،يا من دعوته مريضا فشفاني،و عريانا فكساني،و جائعا فأشبعني و عطشانا فأرواني و ذليلا فأعزني،و جاهلا فعرفني،و.

ص: 128


1- في نسخة:يا من لا يعلم ما يعلمه إلا هو.

و وحيدا فكثرني،و غائبا فردني،و مقلا فأغناني،و منتصرا فنصرني،و غنيا فلم يسلبني،و أمسكت عن جميع ذلك فابتدأني فلك الحمد و الشكر،يا من أقال عثرتي و نفّس كربتي،و أجاب دعوتي،و ستر عورتي،و غفر ذنوبي،و بلغني طلبتي، و نصرني على عدوي،و إن أعد نعمك و مننك و كرائم منحك لا أحصيها،يا مولاي أنت الذي مننت،أنت الذي أنعمت،أنت الذي أحسنت،أنت الذي أجملت،أنت الذي أفضلت،أنت الذي أكملت،أنت الذي رزقت،أنت الذي وفّقت،أنت الذي أعطيت،أنت الذي أغنيت،أنت الذي آويت،أنت الذي كفيت،أنت الذي هديت،أنت الذي عصمت أنت الذي سترت،أنت الذي غفرت،أنت الذي أقلت،أنت الذي مكّنت، أنت الذي أعززت،أنت الذي أعنت،أنت الذي عضدت أنت الذي أيدت،أنت الذي نصرت،أنت الذي شفيت،أنت الذي عافيت،أنت الذي أكرمت،تباركت و تعاليت فلك الحمد دائما،و لك الشكر و اصبا أبدا ثم أنا-يا إلهي-المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أسأت،أنا الذي أخطأت،أنا الذي هممت،أنا الذي جهلت،أنا الذي غفلت،أنا الذي سهوت،أنا الذي اعتمدت،أنا الذي تعمدت،أنا الذي وعدت،أنا الذي أخلفت أنا الذي نكثت،أنا الذي أقررت أنا الذي اعترفت بنعمتك علي و عندي،و أبوء بذنوبي فاغفرها لي يا من لا تضره ذنوب عباده و هو الغني عن طاعتهم،و الموفق من عمل صالحا منهم بمعونته و رحمته،فلك الحمد إلهي و سيدي،إلهي أمرتني فعصيتك و نهيتني فارتكبت نهيك،فأصبحت لا ذا براءة(لي-خ ل-)فأعتذر و لا ذا قوة فأنتصر فبأي شي أستقبلك (1)يا مولاي أبسمعي أم ببصري أم بلساني أم بيدي أم برجلي،أليس كلها نعمك عندي و بكلها عصيتك؟يا مولاي فلك الحجة و السبيل علي يا من سترني من الآباء و الأمهات أن يزجروني،و من العشائر و الإخوان أن يعيروني و من السلاطين أن يعاقبوني،و لو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليهك.

ص: 129


1- في نسخة:أستقيلك.

مني إذا ما أنظروني،و لرفضوني و قطعوني،فها أنا ذا يا إلهي بين يديك يا سيدي خاضع ذليل حسير حقير،لا ذو براءة فأعتذر و لا ذو قوة فأنتصر،و لا حجة فأحتج بها،و لا قائل لم أجترح و لم أعمل سوء،و ما عسى الجحود و لو جحدت يا مولاي ينفعني،كيف و أنى ذلك،و جوارحي كلها شاهدة علي بما قد عملت و علمت يقينا غير ذي شك أنك سائلي من عظائم الأمور و أنك الحكم العدل الذي لا تجور،و عدلك مهلكي،و من كل عدلك مهربي فإن تعذبني-يا إلهي-فبذنوبي بعد حجتك علي،و إن تعف عني فبحلمك و جودك و كرمك،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الخائفين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراغبين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المهللين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من السائلين،لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المكبرين،لا إله إلا أنت سبحانك ربي و رب آبائي الأولين،اللّهم هذا ثنائي عليك ممجدا و إخلاصي لذكرك موحدا،و إقراري بآلائك معددا و إن كنت مقرا أني لم أحصها لكثرتها و سبوغها و تظاهرها و تقادمها إلى حادث ما لم تزل تتعهدني به معها منذ خلقتني و برأتني من أول العمر من الإغناء بعد الفقر،و كشف الضر، و تسبيب اليسر،و دفع العمر،و تفريج الكرب،و العافية في البدن و السلامة في الدين و لو رفدني على قدر ذكر نعمتك جميع العالمين من الأولين و الآخرين ما قدرت و لا هم على ذلك تقدست و تعاليت من رب كريم عظيم رحيم لا تحصى آلاؤك،و لا يبلغ ثناؤك،و لا تكافى نعماؤك،صل على محمد و آل محمد و أتمم علينا نعمك و أسعدنا بطاعتك،سبحانك لا إله إلا أنت،اللّهم إنك تجيب المضطر و تكشف السوء،و تغيث المكروب،و تشفي السقيم و تغني الفقير،و تجبر الكسير،و ترحم الصغير،و تعين الكبير،و ليس دونك ظهير،و لا فوقك قدير،و أنت العلي الكبير يا مطلق المكبل

ص: 130

الأسير يا رازق الطفل الصغير،يا عصمة الخائف المستجير،يا من لا شريك له و لا وزير صل على محمد و آل محمد،و أعطني في هذه العشية أفضل ما أعطيت و أنلت أحدا من عبادك،و من نعمة توليها،و آلاء تجددها،و بلية تصرفها،و كربة تكشفها، و دعوة تسمعها،و حسنة تتقبلها،و سيئة تتغمدها،إنك لطيف بما تشاء خبير،و على كل شي قدير،اللّهم إنك أقرب من دعي و أسرع من أجاب و أكرم من عفا و أوسع من أعطى،و أسمع من سئل،يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما،ليس كمثلك مسؤول، و لا سواك مأمول دعوتك فأجبتني،و سألتك فأعطيتني،و رغبت إليك فرحمتني، و وثقت بك فنجيتني،و فزعت إليك فكفيتني اللّهم فصل على محمد عبدك و رسولك و نبيك و على آله الطيبين الطاهرين أجمعين و تمم لنا نعماءك و هنئنا عطاءك و اكتبنا لك شاكرين و لآلائك ذاكرين آمين آمين رب العالمين اللّهم يا من ملك فقدر،و قدر فقهر و عصي فستر،و استغفر فغفر يا غاية الطالبين الراغبين،و منتهى أمل الراجين،يا من أحاط بكل شي علما،و وسع المستقيلين رأفة و رحمة و حلما،اللّهم إنا نتوجه إليك في هذه العشية التي شرفتها و عظمتها،بمحمد نبيك و رسولك، و خيرتك من خلقك،و أمينك على وحيك البشير النذير،السراج المنير الذي أنعمت به على المسلمين،و جعلته رحمة للعالمين،اللّهم فصل على محمد و آل محمد،كما محمد أهل لذلك منك يا عظيم،فصل عليه و على آله المنتجبين الطيبين الطاهرين أجمعين،و تغمدنا بعفوك عنا،فإليك عجّت الأصوات بصنوف اللغات فاجعل لنا اللّهم في هذه العشية نصيبا من كل خير تقسمه بين عبادك و نورا تهدي به،و رحمة تنشرها و بركة تنزلها،و عافية تجللها و رزقا تبسطه يا أرحم الراحمين،اللّه اقبلنا في هذا الوقت منجحين مفلحين،مبرورين غانمين و لا تجعلنا من القانطين و لا تخلنا من رحمتك،و لا تحرمنا ما نؤمله من فضلك،و لا تجعلنا من رحمتك محرومين و لا لفضل ما نؤمله من عطائك قانطين و لا تردنا خائبين،و لا من بابك مطرودين،يا أجود الأجودين،و أكرم الأكرمين،إليك أقبلنا موقنين،و لبيتك الحرام

ص: 131

آمّين قاصدين فأعنا على مناسكنا،و أكمل لنا حجنا،و اعف عنا،و عافنا فقد مددنا إليك أيدينا،فهي بذلة الاعتراف موسومة،اللّهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك و اكفنا ما استكفيناك،فلا كافي لنا سواك،و لا رب لنا غيرك،نافذ فينا حكمك محيط بنا علمك،عدل فينا قضاؤك،اقض لنا الخير،و اجعلنا من أهل الخير،اللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر،و كريم الذخر،و دوام اليسر،و اغفر لنا ذنوبنا أجمعين،و لا تهلكنا مع الهالكين و لا تصرف عنا رأفتك و رحمتك يا أرحم الراحمين،اللّهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته و شكرك فزدته،و تاب إليك فقبلته و تنصل إليك من ذنوبه كلها فغفرتها له يا ذا الجلال و الإكرام،اللّهم نقنا(و فقنا-خ ل-)و سددنا (و اعصمنا-خ ل-)و اقبل تضرعنا،يا خير من سئل،و يا أرحم من استرحم،يا من لا يخفى عليه إغماض الجفون و لا لحظ العيون،و لا ما استقر في المكنون و لا ما انطوت عليه مضمرات القلوب،ألا كل ذلك قد أحصاه علمك و وسعه حلمك، سبحانك و تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا،تسبح لك السماوات السبع، و الأرضون و من فيهن،و إن من شي إلا يسبح بحمدك،فلك الحمد و المجد،و علو الجد،يا ذا الجلال و الإكرام و الفضل و الإنعام،و الأيادي الجسام،و أنت الجواد الكريم،الرؤوف الرحيم،اللّهم أوسع علي من رزقك الحلال،و عافني في بدني و ديني،و آمن خوفي و اعتق رقبتي من النار،اللّهم لا تمكر بي و لا تستدرجني و لا تخدعني،و ادرأ عني شر فسقة الجن و الإنس(ثم رفع بصره إلى السماء و قال برفيع صوته):يا أسمع السامعين،يا أبصر الناظرين و يا أسرع الحاسبين،و يا أرحم الراحمين،صل على محمد و آل محمد السادة الميامين و أسألك اللّهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني،و إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني،أسألك فكاك رقبتي من النار لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك و لك الحمد،و أنت على كل شيء قدير يا رب يا رب».

و أثّر هذا الدعاء تأثيرا عظيما في نفوس من كان مع الإمام،فاتجهوا بقلوبهم

ص: 132

و عواطفهم نحوه يستمعون دعاءه،و علت أصواتهم بالبكاء معه،و ذهلوا عن الدعاء لأنفسهم في ذلك المكان الذي يستحب فيه الدعاء،و يقول الرواة:إن الإمام استمر يدعو حتى غربت الشمس،فأفاض إلى(المزدلفة)و فاض الناس معه (1).1.

ص: 133


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:118/1.

دعاء الإمام الحسين عليه السلام المستجاب

اشارة

و في التهذيب مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّ امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فوضع يده على ذراعها فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف،و أرسل إلى الأمير فاجتمع الناس و أرسلوا إلى الفقهاء فقالوا:إقطع يده فأرسل إلى الحسين عليه السّلام فدعى اللّه تعالى و خلّص يده من يدها فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (1).

روى أبو جعفر الطبري في تاريخه و غيره من نقلة الأخبار و الآثار أن عمر بن سعد أمّر عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس،فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقى منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال:

و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا.

قال:قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر،ثم يقي ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه (2).

ص: 134


1- وسائل الشيعة:228/13.
2- تاريخ الطبري:312/4.

و روى أيضا في تاريخه:أن رجلا من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حوزة،جاء حتى وقف أمام الحسين فقال:يا حسين يا حسين.

فقال الحسين عليه السّلام:ما تشاء؟

قال:أبشر بالنار.

قال:كلا إني أقدم على رب رحيم و شفيع و مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة.

قال عليه السّلام:رب حزه إلى النار.

قال:فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض،و نفر الفرس،فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتى مات. (1).

روى أيضا في تاريخه:و مكث الحسين عليه السّلام طويلا من النهار الى أن انتهى إليه رجل من كندة يقال له:مالك بن النسر من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما،فقال له الحسين عليه السّلام:لا أكلت بها لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين-إلى أن قال-فذكر أصحاب الكندي أنه لم يزل فقيرا بشر حتى مات (2).

السيد الرضي في عيون المعجزات:عن جعفر بن محمد بن عمارة،عن أبيه،عن الإمام الصادق عليه السّلام،عن أبيه،عن جده عليهم السلام،قال:جاء أهل الكوفة إلى علي عليه السّلام،فشكوا إليه إمساك المطر،و قالوا له استق لنا.

فقال للحسين عليه السّلام:قم و استسق،فقام و حمد اللّه و أثنى عليه،و صلى على النبي صلّى اللّه عليه و اله،و قال:اللهم معطي الخيرات،و منزل البركات،أرسل الماء علينا مدرارا،3.

ص: 135


1- عيون المعجزات:57.
2- مناقب آل أبي طالب:215/3.

و أسقنا غيثا مغزارا واسعا غدقا مجللا سحا سفوحا ثجاجا،تنفس به الضعف من عبادك،و تحيي به الميت من بلادك آمين رب العالمين.

فما فرغ عليه السّلام من دعائه،حتى غاث اللّه غيثا ببركته عليه السّلام.

و أقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة،فقال:تركت الأودية و الأكام يموج بعضها في بعض (1).

إستجابة دعاء الحسين على ابن جويرية

السيد الرضي:قال:حدث جعفر بن محمد بن عمارة،عن أبيه،عن عطاء بن السائب،عن أخيه قال:شهدت يوم الحسين عليه السّلام فأقبل رجل من تميم يقال له عبد اللّه بن جويرية فقال:يا حسين،فقال عليه السّلام:ما تشاء؟فقال:أبشر بالنار.

فقال عليه السّلام:كلا إني اقدم على رب غفور و شفيع مطاع،و أنا من خير و إلى خير، من أنت؟

قال:أنا ابن جويرية،فرفع يده الحسين عليه السّلام حتى رأينا بياض إبطيه،و قال:

اللهم جره إلى النار،فغضب بن جويرية،فحمل عليه،فاضطرب به فرسه في جدول،و تعلق رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض،و نفر الفرس فأخذ يعدو به و يضرب رأسه بكل حجر و شجر،و انقطعت قدمه و ساقه و فخذه،و بقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب،فصار لعنه اللّه إلى نار الجحيم (2).

ص: 136


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:474/3،و عيون المعجزات:64 و عنه البحار:/44 187 ح 16،و العوالم:51/17 ح 1.
2- عيون المعجزات:65 و عنه البحار:18744 ذ ح 16 و العوالم:17 52 ح 1.

إستجابة دعاء الحسين على ابن أبي جويرية المزني

ابن بابويه في أماليه:بإسناده عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث مقتله عليه السلام:إن الحسين عليه السّلام قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكون آخر زادكم، و توضأوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم.ثم صلى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب،و أمر بحفيرته التي حول عسكره،فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد،و أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد لعنه اللّه على فرس له يقال له:ابن أبي جويرية المزني.فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده،و نادى:يا حسين و أصحاب الحسين،أبشروا بالنار،فقد تعجلتموها في الدنيا.

فقال الحسين عليه السّلام:من الرجل؟

فقيل:ابن أبي جويرية المزني.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا.فنفر به فرسه،فألقاه في تلك النار فاحترق (1).

إستجابة دعاء الحسين على تميم بن حصين

ابن بابويه في أماليه:بإسناده عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث المقتل:ثم خرج رجل آخر يقال له:تميم بن الحصين الفزاري،فنادى:يا حسين و يا أصحاب الحسين،أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات و اللّه لا ذقتم منه قطرة واحدة حتى تذوقوا الموت جرعا.فقال الحسين عليه السّلام:من الرجل؟فقيل:تميم بن

ص: 137


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:474/3.

الحصين.

فقال الحسين عليه السّلام:هذا و أبوه من أهل النار.اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم.

قال:فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه،فوطأته الخيل بسنابكها فمات (1).

إستجابة دعاء الحسين على محمد بن الأشعث

ابن بابويه:بإسناده،عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث المقتل:ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة يقال له،محمد بن الأشعث بن قيس الكندي،فقال:

يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟فتلا الحسين عليه السّلام هذه الآية: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ الآية (2).ثم قال:و اللّه إن محمدا لمن آل إبراهيم،و إن العترة الهادية لمن آل محمد،من الرجل؟فقيل:محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.

فرفع الحسين عليه السّلام رأسه إلى السماء و قال:اللهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا،فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز،فسلط اللّه عليه عقربا،فلدغته،فمات بادي العورة (3).

ابن شهر آشوب:روي أن الحسين عليه السّلام دعا و قال:اللهم إنا أهل(بيت)نبيك و ذريته(و قرابته)فاقصم من ظلمنا و غصبنا حقنا،إنك سميع قريب.

فقال محمد بن الأشعث:و أي قرابة بينك و بين محمد صلّى اللّه عليه و اله؟فقرأ الحسين: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، ثم قال:اللهم أره في هذا اليوم ذلا عاجلا.

ص: 138


1- أمالي الصدوق:134،و عنه البحار:317/44.
2- سورة آل عمران:33-34.
3- أمالي الصدوق:134 و عنه البحار:317/44.

فبرز ابن الأشعث للحاجة فلسعته عقرب على ذكره(فسقط)و هو يستغيث و يتقلب على حدثه (1).

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على رجل من بني أبان

ثاقب المناقب:عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال:حدثني من شهد عسكر الحسين صلوات اللّه عليه إن الحسين عليه السّلام لما غلب على عسكره العطش،ركب المسناة (2)يريد الفرات،فقال رجل من بني ابان بن دارم:حولوا بينه و بين الماء، و رمى بسهم فاثبته في حنكه.فقال عليه السّلام:اللهم اظمئه،اللهم اظمئه،فو اللّه ما لبث الرجل إلا يسيرا حتى صبّ اللّه عليه الظمأ.

قال القاسم بن أصبغ:لقد رأيته و بين يديه قلال فيها الماء و أنه يقول:ويلكم اسقوني قتلني الظمأ،فيعطى القلة (3)أو العس (4)الذي أن أحدهما يروي أهل بيت، فيشربه ثم يقول:ويلكم اسقوني قتلني الظمأ.

قال:فو اللّه ما لبث إلاّ يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.

و في رواية أخرى:النار توقد من خلفه و الثلج موضوع من قدامه،و هو يقول:

إسقوني إلى آخر الكلام (5).

ابن شهر آشوب:عن فضائل العشرة،عن أبي السعادات:بالإسناد في خبر، أنه لما رماه الرامي بسهم فأصاب حنكه و جعل يلقي الدم ثم يقول:هكذا إلى السماء

ص: 139


1- مناقب آل أبي طالب:57/4،و عنه البحار:302/45.
2- المسناة:سد يبنى لحجز ماء السيل.لسان العرب.
3- القلة:إناء من الفخار يشرب منها.المعجم الوسيط.
4- و العس:القدح الكبير.
5- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:478/3،و الثاقب في المناقب:341 ح 287.

فكان هذا الدارمي يصيح من الحر(في)بطنه و البرد في ظهره بين يديه المراوح و الثلج و خلفه الكانون و النار و هو يقول:إسقوني فيشرب العس ثم يقول اسقوني أهلكني العطش،قال:فانقد بطنه. (1)

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على ابن جوزة

ابن شهر آشوب:عن ابن بطة في الإبانة،و ابن جرير في التاريخ:إنه نادى الحسين عليه السّلام ابن جوزة فقال:يا حسين أبشر فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة.

قال:ويحك أنا؟

قال:نعم.

قال:ولي رب رحيم و شفاعة نبي مطاع كريم،اللهم إن كان عندك كاذبا فجره إلى النار.

قال:فما هو إلاّ أن ثنى عنان فرسه فوثب(به)فرمى به و بقيت رجله في الركاب و نفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر و شجر حتى مات.و في رواية غيرهما:

اللهم جره إلى النار،و أذقه حرها في الدنيا قبل مصيره إلى الاخرة،فسقط عن فرسه في الخندق،و كان فيه نار فسجد الحسين عليه السّلام (2).

ص: 140


1- مناقب آل أبي طالب:56/4،و عنه البحار:301/45.
2- البحار:301/45.

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على عبد اللّه بن الحصين

ابن شهر آشوب:عن ابن بابويه و تاريخ الطبري:قال أبو القاسم الواعظ:نادى رجل:يا حسين إنّك لن تذوق من الفرات قطرة حتى تموت أو تنزل على حكم الأمير.

فقال الحسين عليه السّلام:اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا،فغلب عليه العطش فكان يعب المياه و يقول:و اعطشاه حتى تقطع.

و في تاريخ الطبري أنه كان هذا المنادي عبد اللّه بن الحصين الأزدي،رواه حميد ابن مسلم و في رواية:كان رجلا من دارم. (1)

إستجابة دعائه عليه السّلام على رجل

ابن شهر آشوب:من أمالي أبي سهل القطان:يرويه عن ابن عيينة قال:أدركت من قتلة الحسين رجلين،أما أحدهما فإنه طال ذكره حتى كان يلفه.و في رواية كان يحمله على عاتقه.و أما الآخر فإنه كان يستقبل الراوية فيشربها إلى آخرها و لا يروى،و ذلك إنه نظر إلى الحسين،و قد أهوى إلى فيه بماء و هو يشرب فرماه بسهم.

فقال الحسين عليه السّلام:لا أرواك اللّه من الماء في دنياك و لا في آخرتك (2).

ابن شهر آشوب:قال في رواية:إن رجلا من كلب رماه بسهم فشك شدقه.

ص: 141


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.

فقال الحسين عليه السّلام لا أرواك اللّه،فعطش الرجل حتى رمى نفسه في الفرات و شرب حتى مات (1).

ابن شهر آشوب:من تاريخ الطبري أن رجلا من كندة،يقال له مالك بن اليسر، أتى الحسين عليه السّلام بعد ما ضعف من كثرة الجرحات فضربه على رأسه بالسيف، و عليه برنس من خز.

فقال عليه السّلام:لا أكلت بها و لا شربت،و حشرك مع الظالمين،فألقى ذلك البرنس من رأسه فأخذه الكندي فأتى به أهله.فقالت امرأته:أسلب الحسين تدخله في بيتي؟ أخرج فو اللّه لا تدخل بيتي أبدا،فلم يزل فقيرا حتى هلك (2).3.

ص: 142


1- المصدر السابق.
2- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:481/3.

إستجابة دعائه عليه السّلام على عمر بن سعد

روي أن الحسين عليه السّلام لما راى اشتداد الأمر عليه،و كثرة العساكر عاكفة عليه كل منهم يريد قتله،أرسل إلى عمر بن سعد لعنه اللّه(يستمهله)و يقول أريد أن ألقاك فأخلو معك ساعة.

فخرج عمر بن سعد من الخيمة،و جلس مع الحسين عليه السّلام ناحية من الناس، فتناجيا طويلا.

فقال له الحسين عليه السّلام:ويحك يا بن سعد!أما تتقي اللّه الذي إليه معادك أراك تقاتلني و تريد قتلي،و أنا ابن(عم)من قد علمت دون هؤلاء القوم،و اتركهم و كن معي،فإنه أقرب لك إلى اللّه تعالى.

فقال له:يا حسين إني أخاف أن تهدم داري بالكوفة،و تنهب أموالي.

فقال له الحسين عليه السّلام:أنا أبني لك خيرا من دارك.

فقال:أخشى أن تؤخذ ضياعي بالسواد.فقال له الحسين:أنا أعطيك من مالي البغيبغة و هي عين عظيمة بأرض الحجاز،و كان معاوية أعطاني في ثمنها ألف ألف دينار من الذهب فلم أبعه إياها،فلم يقبل عمر بن سعد لعنه اللّه شيئا من ذلك.

فانصرف عنه الحسين عليه السّلام و هو غضبان عليه و هو يقول:ذبحك اللّه يا بن سعد على فراشك عاجلا،و لا غفر لك يوم حشرك و نشرك،فو اللّه إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلاّ يسيرا.

فقال له عمر بن سعد مستهزءا:يا حسين إن في الشعير عوضا عن البر،ثم رجع

ص: 143

إلى عسكره (1).

استجابة دعاء الحسين في فك ذراع عن ذراع

روى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب بإسناده عن محمد ابن الحسين عن الحكم بن مسكين عن أيوب بن أعين عن أبي عبد اللّه قال عليه السّلام:إن امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها،فمال بيده حتى وضعها على ذراعها فأثبت اللّه يده في ذراعها حتى قطع الطواف و أرسل إلى الأمير، و اجتمع الناس،و أرسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون:اقطع يده فهو الذي جنى الجناية،فقال:ها هنا أحد من ولد محمد صلّى اللّه عليه و اله؟

فقالوا:نعم،الحسين بن علي عليه السّلام قدم الليلة فأرسل إليه فدعاه،فقال:أنظر ما لقيا ذان،فاستقبل القبلة و رفع يديه فمكث طويلا يدعو،ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها،فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (2).

ص: 144


1- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني:481/3.
2- التهذيب:470/5 ح 1647.

عجز الحسين عليه السلام عن شكر اللّه

قال السيد الخامنئي:من الطبيعي أنّ إحصاء النعم الإلهية لا يتاح لأي كان.و حتى في دعاء عرفة-الذي آمل أنكم قد وفّقتم لقراءته،و سيحالفكم الحظ في كل سنة إن شاء اللّه في أيام عرفة لقراءته و التدبّر في معانيه-تلاحظون أنّ الإمام الحسين بن علي عليه السّلام يقول في أوائله:«أنا أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني و عقد عزمات يقيني و خالص صريح توحيدي و باطن مكنون ضميري...أن لو حاولت و اجتهدت..أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلا بمنّك..» (1).

فالحسين بن علي عليه السّلام-هذا الجندي المضحّي الذي لا مثيل له في تاريخ الإسلام و القيم المعنوية-يذكر مجموعة من النعم الإلهية مفصّلا جزئياتها في ما يقارب صفحة واحدة،ليقول إنّني غير قادر و بكل ما أوتيت من قوّة على أن أشكر نعمة واحدة من نعمك.

و إذا وفقت لشكر نعمة،فهذا التوفيق على الشكر يعد بحد ذاته نعمة من اللّه.

فليس كل أحد يكتب له التوفيق و لا كل أحد يرى جمال الحقيقة و المعنوية ليثني عليه،و لا كل أحد يدرك عظمة الفضل الإلهي،و وجود النعمة الإلهية.فالغفلة و الأنانية و الغرور لا تتيح لنا أن ننتبه إلى أننا في محضر زاخر بالألطاف الإلهية،أو أن نلتفت إلى ماهية هذه الألطاف و النعم.

فإذا ما كتب التوفيق لأحد لكي يتغلب في دوافعه و نواياه الذاتية و المادية على

ص: 145


1- العدد القوية:374.

الغرور و الهوى و قصور النظر،و تمكّن من مشاهدة الجمال المعنوي،و وقف أمامه موقف إجلال و تعظيم و خشع له قلبه،فهذا بحد ذاته نعمة إلهية كبرى تستلزم الشكر،و الإنسان غير قادر مطلقا على شكر النعم الإلهية حق قدرها (1).0.

ص: 146


1- ثورة الحسين شمس الشهادة:30.

أخلاق الحسين عليه السلام

عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال:مر الحسين بمساكين يأكلون في الصفة،فقالوا:الغذاء،فنزل،و قال:إنّ اللّه لا يحب المتكبرين فتغدّى[معهم]ثم قال لهم:قد أجبتكم فأجيبوني،قالوا:نعم،فمضى بهم إلى منزله فقال للرباب:أخرجي ما كنت تدّخرين.

و روى العيّاشي قال:مرّ الحسين عليه السّلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا إليه كسرا،فقالوا:هلمّ يا بن رسول اللّه فثنى و ركه و أكل معهم ثمّ تلا:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،ثمّ قال:أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه حتّى أتوا منزله فقال للجارية:

اخرجي ما كنت تدّخرين (1).

و حدّث الصولي عن الصادق عليه السّلام إنّه جرى بين الحسين عليه السّلام و بين محمّد بن الحنفية كلام فكتب إلى الحسين عليه السّلام:أمّا بعد فإنّ أبي و أباك عليّ لا تفضلني و لا أفضلك فيه و امّك فاطمة بنت رسول اللّه و لو كان ملء الأرض ذهبا ملك امّي ما وفت بامّك،فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضاني فإنّك أحقّ بالفضل منّي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،ففعل الحسين عليه السّلام ذلك فلم يجر بعذ ذلك بينهما شيء (2).

و في عيون المحاسن عن الزوياني أنّ الحسن و الحسين عليهما السلام مرّا على

ص: 147


1- البحار:189/44.
2- مناقب آل أبي طالب:222/3،و البحار:191/44.

شيخ يتوضّأ و لا يحسن،فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما:أنت لا تحسن الوضوء فقالا:أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا:أيّنا أحسن؟

قال:كلاكما تحسنان الوضوء و لكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، و قد تعلّم الآن منكما و تاب على أيديكما ببركتكما و شفقتكما على امّة جدّكما (1).

و إشتهر النقل عن الحسين عليه السّلام أنّه كان يكرم الضيف،و يمنح الطالب،و يصل الرحم،و ينيل الفقير،و يسعف السائل،و يكسو العاري،و يشبع الجائع،و يعطي الغارم،و يشد من الضعيف،و يشفق على اليتيم،و يعين ذا الحاجة،و قلّ أن وصله مال إلاّ فرّقه.

و نقل أنّ معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير،و ثياب وافرة،و كسوات وافية، فرد الجميع عليه و لم يقبله منه (2).

و هذه سجية الجواد،و شنشنة الكريم،و سمة ذا السماحة،و صفة من قد حوى مكارم الأخلاق،فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم،ناطقة بأنه متّصف بمحاسن الشيم.

و قد كان في العبادة مقتديا بمن تقدّم حتى نقل عنه عليه السّلام أنّه حج خمسا و عشرين حجة إلى الحرم و نجائبه تقاد معه و هو ماش على القدم (3).

و عن الذيال بن حرملة،قال:خرج سائل يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الحسين بن علي فقرع الباب و أنشأ يقول:

من لم يخف اليوم من رجاك و من حرّك من خلف بابك الحلقة3.

ص: 148


1- البحار:319/43.
2- -انظر:الفتوح 4:343.
3- -انظر الاستيعاب 1:382،ترجمة الامام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 215:194-197، صفة الصفوة 1:763.

و أنت جود و أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة

قال:و كان الحسين بن علي واقفا يصلّي فخفف من صلاته،و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضرّ و فاقة،فرجع و نادى بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال:

ما تبقّى معك من نفقتنا؟قال:مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك،قال:فهاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم،فأخذها و خرج يدفعها إلى الأعرابي و أنشأ يقول:

خذها و إني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا عصا تمدادا كانت سمانا عليك مندفقة

لكن ريب المنون ذو نكد و الكفّ منّا قليلة النفقة

قال فأخذها الأعرابي و ولّى و هو يقول:

مطهّرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر

نظمها متقارب.

و روى أخطب خوارزم:أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين عليه السّلام فقال:يا بن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائها فقلت:أسأل أكرم الناس،و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت الإثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ.

فقال الأعرابي:يا بن رسول اللّه أمثلك يسأل من مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف.

فقال الحسين عليه السّلام:بلى،سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:المعروف بقدر المعرفة.

ص: 149

فقال الأعرابي:سل عمّا بدالك فإن أجبت و إلاّ تعلّمت منك و لا قوّة إلاّ باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:أي الأعمال أفضل؟

فقال الأعرابي:الإيمان باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما النجاة من المهلكة؟

فقال الأعرابي:الثقة باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:فما يزيّن الرّجل؟

فقال الأعرابي:علم معه حلم.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:مال معه مروة.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:فقر معه صبر.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال الأعرابي:فصاعقة من السماء تنزل و تحرقه فإنّه أهل لذلك.

فضحك الحسين عليه السّلام و رمى إليه بصرّة فيها ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فصّ قيمته مائتا درهم،و قال:يا أعرابي أعط الذهب لغرمائك و اصرف الخاتم في نفقتك.

فأخذ الأعرابي و قال:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (1).

و روي عن الحسين عليه السّلام إنّه قال:صحّ عندي قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه،فإنّي رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك فقال:يا بن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره لأنّ صاحبي يهوديّ اريد افارقه فأتى الحسين عليه السّلام إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له.

فقال اليهودي:الغلام فداء لخطاك،و هذا البستان له و رددت عليك المال قال:

قبلت المال و وهبته للغلام فقال الحسين عليه السّلام:أعتقت الغلام و وهبته له جميعا،4.

ص: 150


1- بحار الانوار:197/44.

فقالت امرأته:قد أسلمت و وهبت زوجي مهري فقال اليهودي:و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار (1).

و في كتاب أنس المجاس:أنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السّلام لمّا أخرجه مروان من المدينة فأعطاه أربعمائة دينار فقيل له شاعر فاسق فقال عليه السّلام:خير مالك ما وقيت به عرضك،و قال صلّى اللّه عليه و اله في عبّاس بن مرداس:اقطعوا لسانه عنّي.

وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدلّ على الحسين عليه السّلام فدخل المسجد فوجده مصلّيا فوقف بإزائه و أنشأ شعر:

لا يخب الآن من رجاك و من حرّك من بابك الحلقة

أنت جواد و أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الحسين عليه السّلام و قال:يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

قال:أربعة آلاف دينار قال:هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا،ثمّ نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي و أنشأ شعرا:

خذها و إنّي إليك معتذر و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غبرة و الكفّ منّي قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي و بكى فقال له:لعلّك استقللت ما أعطيناك؟

قال:لا،و لكن كيف يأكل التراب جودك.

أقول:العصا كناية عن الملك و بسط اليد فإنّ الوالي راع على الامّة،و المراد من السّما هنا كثرة الجود و الكرم (2).4.

ص: 151


1- كلمات الامام الحسين:626.
2- البحار:190/44.

و قيل:إنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين عليه السّلام الحمد،فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلّة و حشا فاه درّا،فقيل له في ذلك،فقال:و أين يقع هذا من تعليمه،و أنشد عليه السّلام شعرا:

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها على الناس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت و لا البخل يبقيها إذا ما تولت (1)3.

ص: 152


1- مناقب آل أبي طالب:222/3.

قوة الإرادة عند الحسين عليه السلام

من النزعات الذاتية لأبي الشهداء عليه السّلام قوة الإرادة،و صلابة العزم و التصميم، و قد ورث هذه الظاهرة الكريمة من جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي غيّر مجرى التاريخ، و قلب مفاهيم الحياة،و وقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبّت لتمنعه من أن يقول كلمة اللّه،فلم يعن بها و راح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش:

«و الله لو وضعوا الشمس بيميني و القمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله...».

بهذه الإرادة الجبارة قابل قوى الشرك،و استطاع أن يتغلب على مجريات الأحداث،و كذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الأموي فأعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد،و انطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق،و يدحض كلمة الباطل،و قد حشدت عليه الدولة الأموية جيوشها الهائلة،فلم يحفل بها،و أعلن عن عزمه و تصميمه بكلمته الخالدة قائلا:

«لا أرى الموت إلا سعادة،و الحياة مع الظالمين إلا برما..».و انطلق مع الأسرة الكريمة من أهل بيته و أصحابه إلى ميدان الشرف و المجد ليرفع راية الإسلام، و يحقق للأمة الإسلامية أعظم الانتصارات و الفتح حتى استشهد سلام الله عليه، و هو من أقوى الناس إرادة،و أمضاهم عزيمة و تصميما.غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول و تحير الألباب (1).

ص: 153


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:80/1.

الإباء عن الضيم عند الإمام الحسين عليه السلام

و الصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين عليه السّلام الإباء عن الضيم حتى لقب(بأبي الضيم)و هي من أعظم ألقابه ذيوعا و انتشارا بين الناس فقد كان المثل الأعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الإنسانية و رسم طريق الشرف و العزة،فلم يخنع،و لم يخضع لقرود بني أمية،و آثر الموت تحت ظلال الأسنة،يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي:

و الحسين الذي رأى الموت في الع ز حياة و العيش في الذل قتلا

و وصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة يقول ابن أبي الحديد:

«سيد أهل الإباء الذي علّم الناس الحمية،و الموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عرض عليه الأمان هو و أصحابه فأنف من الذل،و خاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله، فاختار الموت على ذلك.و سمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول:كأن أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين:

و قد كان فوت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر و الخلق الوعر

و نفس تعاف الضيم حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله و قال لها:من دون أخصمك الحشر

تردّى ثياب الموت حمرا فما بدا لها الليل إلا و هي من سندس خضر

لقد علّم أبو الأحرار الناس نبل الإباء و نبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير:

«و اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة»ثم تمثل:

ص: 154

و إن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنّوا للكرام التآسيا

و قد كانت كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة و المنعة و الاعتداد بالنفس يقول:«ألا و إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة،و هيهات منا الذلة،يأبى الله ذلك و رسوله و المؤمنون،و حجور طابت و طهرت،و أنوف حمية،و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...».

و وقف يوم الطف كالجبل الأشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الأموية،و قد ألقى عليهم و على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة و عزة النفس و شرف الإباء قائلا:

«و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل،و لا أفر فرار العبيد إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون...».

و ألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي لا حد لأبعادها،و التي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد.

و تسابق شعراء أهل البيت عليهم السّلام إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دوّنته مصادر الأدب العربي و قد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول:

طمعت أن يسومه القوم ضيما و أبى الله و الحسام الصنيع

كيف يلوي على الدنية جيدا لسوى الله ما لواه الخضوع

و لديه جأش أرد من الدرع لظمأى القنا و هن شروع

و به يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الأرض و هي فيه تضيع

فأبى أن يعيش إلا عزيزا أو تجلّى الكفاح و هو صريع

و لم تصور منعة النفس و إباؤها بمثل هذا التصوير الرائع،فقد عرض حيدر إلى

ص: 155

ما صمّمت عليه الدولة الأموية من إرغام الإمام الحسين عليه السّلام على الذل و الهوان، و إخضاعه لجورهم و استبدادهم،و لكن يأبى له الله ذلك و تأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم،فإنه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لأي أحد إلا لله،فكيف يخضع لأقزام بني أمية؟!و كيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الظامئة،و ما أروع قوله:

و به يرجع الحفاظ لصدر ضاقت الأرض و هي فيه تضيع

و هل هناك أبلغ أو أدق وصفا لإباء الإمام الحسين و عزته من هذا الوصف،فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ و الذمام لصدر الإمام عليه السّلام التي ضاقت الأرض من صلابة عزمه و تصميمه،بل أنها على سعتها تضيع فيه و من الحق أنه قد حلّق في وصفه لإباء الإمام،و يضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع.

و انظر إلى هذه الأبيات من رائعته الأخرى التي يصف بها إباء الحسين يقول:

لقد مات لكن ميتة هاشمية لهم عرفت تحت القنا المتقصد

كريم أبي شم الدنية أنفه فأشممه شوك الوشيج المسدد

و قال:قفي يا نفس وقفة وارد حياض الردى لا وقفة المتردد

رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى برجل و لا يعطي المقادة عن يد

لا أكاد أعرف شعرا أدق،و لا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الإمام العظيم و عزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الأسنة على العيش الرغيد بذل و خنوع،ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال،و اندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية و الفداء لينعموا بالكرامة و العزة.

و مضى حيدر في تصويره لإباء الإمام الشهيد فوصفه بأنه أبي شم الدنية و الضيم،و عمد إلى شم الرماح و السيوف لأن بها طعم الإباء و طعم الشرف

ص: 156

و المجد...و على هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الإمام،تلك المنعة التي ملكت مشاعره و عواطفه كما ملكت عواطف غيره،و من المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك،و لا منتحلا و إنما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلّف فيه.

و يقول حيدر في رائعة أخرى يصف بها إباء الإمام و سمو ذاته،و لعلها من أجمل ما رثى به الإمام عليه السّلام يقول:

و سامته يركب إحدى اثنتين و قد صرّت الحرب أسنانها

فإما يرى مذعنا أو تموت نفس أبى العز إذعانها

فقال لها:اعتصمي بالإباء فنفس الأبي و ما زانها

إذا لم تجد غير لبس الهوان فبالموت تنزع جثمانها

رأى القتل صبرا شعار الكرام و فخرا يزين لها شأنها

فشمر للحرب في معرك به عرك الموت فرسانها

إن مراثي حيدر للإمام تعد-بحق-طغراء مشرقا في تراث الأمة العربية،فقد فكر فيها تفكيرا جادا و رتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة،و كان-فيما يقول معاصروه-ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الإمام عليه السّلام و يعكف طيلة عامه على إصلاحها،و يمعن إمعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة و الإبداع (1).1.

ص: 157


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:80/1.

الصراحة عند الإمام الحسين عليه السلام

من صفات أبي الأحرار الصراحة في القول،و الصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب و لم يخادع،و لم يسلك طريقا فيه أي التواء،و إنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي،و ابتعد عن المنعطفات التي لا يقرّها دينه و خلقه،و كان من ألوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل،و أحاطه علما بهلاك معاوية،و طلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام،فامتنع عليه السّلام و صارحه بالواقع قائلا:

«يا أمير إنا أهل بيت النبوة،و معدن الرسالة،بنا فتح الله و بنا ختم،و يزيد فاسق فاجر، شارب الخمر،قاتل النفس المحرمة،معلن بالفسق و الفجور،و مثلي لا يبايع مثله..».

و كشفت هذه الكلمات عن مدى صراحته،و سمو ذاته،و قوة المعارضة عنده في سبيل الحق.

و من ألوان تلك الصراحة التي اعتادها و صارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق و افاه النبأ المؤلم و هو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم بن عقيل، و خذلان أهل الكوفة له،فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق:

«قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف،ليس عليه ذمام...».

فتفرّق عنه ذو و الأطماع،و بقي مع الصفوة من أهل بيته و أصحابه لقد تجنب عليه السّلام في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الإغراء و الخداع مؤمنا أن ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها و المؤمنة بعدالة قضيتها.

ص: 158

و من ألوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته و أصحابه في ليلة العاشر من المحرم،فأحاطهم علما بأنه يقتل في غد،و يقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة و بينة من أمرهم،و أمرهم بالتفرق في سواد ذلك الليل،فأبت تلك الأسرة العظيمة مفارقته،و أصرت على الشهادة بين يديه.

تدول الدول،و تزول الممالك،و هذه الأخلاق الرفيعة أحق بالبقاء و أجدر بالخلود من كل كائن حي لأنها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للإنسان بدونها (1).1.

ص: 159


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:85/1.

الصلابة في الحق عند الإمام الحسين عليه السلام

أما الصلابة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء و من أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لإقامة الحق،و دك حصون الباطل،و تدمير خلايا الجور.

لقد تبنى الإمام عليه السّلام الحق بجميع رحابه و مفاهيمه،و اندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الإسلامي،و ينقذ الأمة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل،و خلايا للظلم،و أوكارا للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذه الحياة.

رأى الإمام عليه السّلام الأمة قد غمرتها الأباطيل و الأضاليل،و لم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق،فانبرى عليه السّلام إلى ميادين التضحية و الفداء ليرفع راية الحق،و قد أعلن عليه السّلام هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلا:

«ألا ترون إلى الحق لا يعمل به،و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله...».

لقد كان الحق من العناصر الوضاءة في شخصية أبي الأحرار،و قد استشف النبي صلّى اللّه عليه و اله فيه هذه الظاهرة الكريمة فكان-فيما يقول المؤرخون-يرشف دوما ثغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله و فجر ينابيع العدل و الحق في الأرض (1).

ص: 160


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:86/1.

الصبر عند الإمام الحسين عليه السلام

من النزعات الفذة التي تفرّد بها سيد الشهداء الصبر على نوائب الدنيا و محن الأيام،فقد تجرّع مرارة الصبر منذ أن كان طفلا،فرزىء بجده و أمه،و شاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه،و ما عاناه من المحن و الخطوب،و تجرّع مرارة الصبر في عهد أخيه،و هو ينظر إلى خذلان جيشه له،و غدرهم به،حتى أرغم على الصلح،و بقي معه يشاركه في محنه و آلامه،حتى اغتاله معاوية بالسم،و رام أن يواري جثمانه بجوار جده فمنعته بنو أمية فكان ذلك من أشق المحن عليه.

و من أعظم الرزايا التي صبر عليها أنه كان يرى انتقاض مبادىء الإسلام،و ما يوضع على لسان جده من الأحاديث المنكرة التي تغير و تبدل شريعة الله،و من الدواهي التي عاناها أنه كان يسمع سب أبيه و انتقاصه على المنابر،و قيام الطاغية زياد بإبادة شيعتهم و استئصال محبيهم،فصبر على كل هذه الرزايا و المصائب.

و تواكبت عليه المحن الشاقة التي تميد بالصبر في يوم العاشر من المحرم فلم يكد ينتهي من محنة حتى تطوف به مجموعة من الرزايا و الآلام،فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه و أهل بيته،و قد تناهبت السيوف و الرماح أشلاءهم فيخاطبهم بكل طمأنينة و ثبات:

«صبرا يا أهل بيتي،صبرا يا بني عمومتي،لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم».

و قد بصر شقيقته عقيلة بني هاشم،و قد ذهلها الخطب،و مزق الأسى قلبها، فسارع إليها،و أمرها بالخلود إلى الصبر و الرضى بما قسم الله.

و من أهوال تلك الكوارث التي صبر الإمام عليها أنه كان يرى أطفاله و عياله،

ص: 161

و هم يضجون من ألم الظمأ القاتل،و يستغيثون به من أليم العطش فكان يأمرهم بالصبر و الاستقامة،و يخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤول إليها أمرهم بعد هذه المحن الحازبة.

و قد صبر على ملاقاة الأعداء الذين ملأت الأرض جموعهم المتدفقة،و هو وحده يتلقّى الضرب و الطعن من جميع الجهات،قد تفتت كبده من العطش و هو غير حافل بذلك كله.

لقد كان صبره و موقفه الصلب يوم الطف من أندر ما عرفته الإنسانية يقول الأربلي:«شجاعة الحسين يضرب بها المثل،و صبره في الحرب أعجز الأوائل و الأواخر».

إن أي واحدة من رزاياه لو ابتلي بها أي إنسان مهما تدرع بالصبر و العزم و قوة النفس لأوهنت قواه و استسلم للضعف النفسي،و لكنه عليه السّلام لم يعن بما ابتلي به في سبيل الغاية الشريفة التي سمت بروحه أن تستسلم للجزع أو تضرع للخطوب، يقول المؤرخون:إنه تفرد بهذه الظاهرة،فلم توه عزمه الأحداث مهما كانت،و قد توفي له ولد في حياته فلم ير عليه أثر للكآبة فقيل له في ذلك فقال عليه السّلام:

«إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا،فإذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا».

لقد رضي بقضاء الله و استسلم لأمره،و هذا هو جوهر الإسلام و منتهى الإيمان (1).1.

ص: 162


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:87/1.

الحلم عند الإمام الحسين عليه السلام

أما الحلم فهو من أسمى صفات أبي الشهداء عليه السّلام و من أبرز خصائصه فقد كان- فيما أجمع عليه الرواة-لا يقابل مسيئا بإساءته،و لا مذنبا بذنبه،و إنما كان يغدق عليهم ببره و معروفه شأنه في ذلك شأن جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي وسع الناس جميعا بأخلاقه و فضائله،و قد عرف بهذه الظاهرة و شاعت عنه،و قد استغلها بعض مواليه فكان يعمد إلى اقتراف الإساءة إليه لينعم بصلته و إحسانه،و يقول المؤرخون:إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب فأمر عليه السّلام بتأديبه، فانبرى العبد قائلا:

«يا مولاي،إن الله تعالى يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ

فقابله الإمام ببسماته الفياضة و قال له:

«خلّوا عنه،قد كظمت غيظي».

و سارع العبد قائلا: وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ

«قد عفوت عنك..».

و انبرى العبد يطلب المزيد من الإحسان قائلا: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

«أنت حر لوجه الله...».ثم أمر له بجائزة سنية تغنيه عن الحاجة و مسألة الناس.

لقد كان هذا الخلق العظيم من مقوماته التي لم تنفك عنه،و ظلت ملازمة له طوال حياته (1).

ص: 163


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:88/1.

التواضع عند الإمام الحسين عليه السلام

و جبل الإمام الحسين عليه السّلام على التواضع و مجافاة الأنانية و الكبرياء،و قد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول صلّى اللّه عليه و اله الذي أقام أصول الفضائل و معالي الأخلاق في الأرض،و قد نقل الرواة بوادر كثيرة من سمو أخلاقه و تواضعه نلمع إلى بعضها:

1-إنه اجتاز على مساكين يأكلون في(الصفة)فدعوه إلى الغذاء فنزل عن راحلته،و تغذى معهم،ثم قال لهم:قد أجبتكم فأجيبوني،فلبّوا كلامه و خفّوا معه إلى منزله،فقال عليه السّلام لزوجه الرباب:أخرجي ما كنت تتدخرين،فأخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم.

2-مر على فقراء يأكلون كسرا من أموال الصدقة،فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم،فجلس معهم،و قال:لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ثم دعاهم إلى منزله، فأطعمهم،و كساهم،و أمر لهم بدراهم.

لقد اقتدى عليه السّلام في ذلك بجده الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سار على هديه فقد كان-فيما يقول المؤرخون-يخالط الفقراء و يجالسهم،و يفيض عليهم ببره و إحسانه،حتى لا يتبيغ بالفقير فقره،و لا يبطر الغني ثراؤه.

3-و جرت مشادة بين الحسين و أخيه محمد بن الحنفية،فانصرف محمد إلى داره و كتب إليه رسالة جاء فيها«أما بعد:فإن لك شرفا لا أبلغه،و فضلا لا أدركه، أبونا علي لا أفضلك فيه و لا تفضلني،و أمي امرأة من بني حنيفة،و أمك فاطمة بنت رسول الله صلّى اللّه عليه و اله و لو كان ملء الأرض مثل أمي ما و فين بأمك،فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك و نعليك و سر إلي،و ترضيني،و إياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي

ص: 164

أنت أولى به مني..».

و لما قرأ الحسين رسالة أخيه سارع إليه و ترضّاه و كان ذلك من معالي أخلاقه و سمو ذاته (1).1.

ص: 165


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:89/1.

الرأفة و العطف عند الإمام الحسين عليه السلام

و من صفات أبي الأحرار أنه كان شديد الرأفة بالناس يمد يده لكل ذي حاجة، و يسعف كل ذي لهفة،و يجير كل من استجار به،و قد فزع مروان إليه و إلى أخيه و هو من ألد أعدائهم،بعد فشل واقعة الجمل،و طلب منهما أن يشفعا له عند أبيهما، فخفّا إليه و كلّماه في شأنه و قالا له:

«يبايعك يا أمير المؤمنين».

فقال عليه السّلام:«أو لم يبايعني قبل قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية،لو بايعني بيده لغدر بسبابته،أما أن له إمرة كلعقة الكلب أنفه،و هو أبو الأكبش الأربعة، و ستلقى الأمة من ولده يوما أحمر».

و ما زالا يلطفان به حتى عفا عنه،إلا أن هذا الوغد قد تنكر لهذا المعروف و قابل السبطين بكل ما يملك من وسائل الشر و المكروه،فهو الذي منع جنازة الإمام الحسن أن تدفن بجوار جده،و هو الذي أشار على الوليد بقتل الإمام الحسين إن امتنع من البيعة ليزيد،كما أظهر السرور و الفرح بمقتل الإمام عليه السّلام و حسب مروان أنه من تلك الشجرة التي لم تثمر إلا الخبيث الدنس و ما يضر الناس.

و من ألوان تلك الصور الخالدة لعطف الإمام و رأفته بالناس أنه لما استقبله الحر بجيشه البالغ ألف فارس،و كان قد أرسل لمناجزته و قتاله فرآه الإمام و قد أشرف على الهلاك من شدة العطش فلم تدعه أريحيته و لا سمو ذاته أن لا يقوم بإنقاذهم، فأمر عليه السّلام غلمانه و أهل بيته أن يسقوا القوم عن آخرهم،و يسقوا خيولهم فسقوهم عن آخرهم،و كان فيهم علي بن الطعان المحاربي الذي اشتد به العطش فلم يدر

ص: 166

كيف يشرب فقام عليه السّلام بنفسه فسقاه،و كانت هذه البادرة من أروع ما سجّل في قاموس الإنسانية من الشرف و النبل (1).1.

ص: 167


1- حياة الإمام الحسين للقرشي:90/1.

ص: 168

الفهرس

شمائل الإمام الحسين عليه السّلام مقدمة 3

عملنا في الموسوعة 4

اسم الحسين و نسبه و كنيته 5

معنى الإسم الشريف 5

غرس الرّسالة 6

الأم:6

الأب:7

الوليد الأول 7

رؤيا أم الفضل 8

ولادة الإمام الحسين عليه السلام و مدة خلافته 9

و جوم النبي و بكاؤه 18

مراسيم ولادته 19

أولا:20

الأذان و الإقامة 20

ثانيا:20

التسمية 20

أقوال شاذة:21

ص: 169

ثالثا:22

العقيقة 22

رابعا:22

حلق الرأس 22

خامسا:23

الختان 23

تعويذ النبي للحسنين 23

ملامح الحسين عليه السلام 24

هيبة الحسين 25

ألقاب الحسين 27

كنيته 27

نقش خاتمه 28

استعماله الطيب 28

دار سكناه 28

ثلاثة مراحل من حياة الحسين عليه السلام 29

مرحلة الطفولة عند الحسين عليه السلام 30

بين الحسين و النبي عليهما السلام 31

مرحلة شباب الحسين عليه السلام 33

مرحلة الشهادة 34

المكونات التربوية للإمام الحسين عليه السلام 36

الوراثة 36

الأسرة 38

التربية النبوية 40

ص: 170

رعاية النبي الأعظم للحسين 40

في أن الحسين ابن النبي 41

قصة و عبرة 43

شعر في المناسبة 44

تربية الإمام علي للحسين عليهما السلام 46

تربية فاطمة الزهراء للحسين 49

البيئة 50

معرفة الإمام الحسين و ذريته 52

وجوب معرفة حقيقة آل محمد 55

ضرورة معرفة أهل البيت عليهم السّلام 57

آثار معرفة أهل البيت عليهم السلام 1-عدم الظلم للنفس:59

2-المرور على الصراط:60

3-أصبح من أهل البيت:60

4-كان معهم في السنام الاعلى:61

أثر معرفة أهل البيت عند الموت 62

تهوين سكرات الموت:62

آثار عدم معرفة أهل البيت 63

5-الشقاء:63

6-زلّة قدمه عن الصراط:63

7-عدم معرفة اللّه تعالى:64

8-مات ميتة جاهلية:65

ص: 171

نور الحسين بن علي عليهما السلام 67

تمهيد:69

آيات عالم الأنوار 69

روايات عالم الأنوار 74

كيفية خلق نور الحسين و آله 83

نور الحسين عليه السلام يتألق 85

أولاد الحسين عليه السلام 90

شمائل و صفات الإمام الحسين عليه السلام 92

شجاعة الحسين عليه السلام 92

علم الحسين عليه السلام 99

المعارف في شخصيّة الحسين عليه السلام 99

الحسين عليه السلام و علم الغيب 103

قدرة الحسين عليه السلام 107

حكمة الإمام الحسين عليه السلام 109

عبادة الحسين عليه السلام 116

أ-خوفه من الله:118

ب-كثرة صلاته و صومه:119

ج-حجه:119

د-صدقاته:120

أدعية الإمام الحسين 1-دعاؤه من وقاية الأعداء:122

2-دعاؤه للاستسقاء:123

ص: 172

3-دعاؤه يوم عرفة:123

دعاء الإمام الحسين عليه السلام المستجاب 134

إستجابة دعاء الحسين على ابن جويرية 136

إستجابة دعاء الحسين على ابن أبي جويرية المزني 137

إستجابة دعاء الحسين على تميم بن حصين 137

إستجابة دعاء الحسين على محمد بن الأشعث 138

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على رجل من بني أبان 139

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على ابن جوزة 140

إستجابة دعاء الحسين عليه السّلام على عبد اللّه بن الحصين 141

إستجابة دعائه عليه السّلام على رجل 141

إستجابة دعائه عليه السّلام على عمر بن سعد 143

استجابة دعاء الحسين في فك ذراع عن ذراع 144

عجز الحسين عليه السلام عن شكر اللّه 145

أخلاق الحسين عليه السلام 147

قوة الإرادة عند الحسين عليه السلام 153

الإباء عن الضيم عند الإمام الحسين عليه السلام 154

الصراحة عند الإمام الحسين عليه السلام 158

الصلابة في الحق عند الإمام الحسين عليه السلام 160

الصبر عند الإمام الحسين عليه السلام 161

الحلم عند الإمام الحسين عليه السلام 163

التواضع عند الإمام الحسين عليه السلام 164

الرأفة و العطف عند الإمام الحسين عليه السلام 166

ص: 173

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.