مناهج الفقهاء في علم الرجال ودورها في الفقه : دراسة في مباني منهج الوثوق الصُّدوري والسَّنَدي عند الفقهاء المجلد 2

اشارة

سرشناسه:رباني، محمدحسن، 1343-

عنوان و نام پديدآور:مناهج الفقهاء في علم الرجال و دورها في الفقه: دراسه في مباني منهج الوثوق الصدوري والسندي عندالفقهاء/ تاليف محمدحسن الرباني.

مشخصات نشر:مشهد: مجمع البحوث الاسلاميه، 1439ق.= 1396 -

مشخصات ظاهري:2 ج.

شابك:370000 ريال: ج.1 978-600-06-0219-2 : ؛ ج.2 978-600-06-0220-8 :

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:ج.1 چاپ سوم: 1442 ق= 1399 (فيپا).

يادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1400 ) (فيپا) .

يادداشت:كتابنامه.

عنوان ديگر:دراسه في مباني منهج الوثوق الصدوري والسندي عندالفقهاء.

موضوع:حديث -- علم الرجال

Hadith -- *Ilm al-Rijal

شناسه افزوده:بنياد پژوهشهاي اسلامي

شناسه افزوده:Islamic Research foundation

رده بندي كنگره:BP114/ر2م8 1396

رده بندي ديويي:297/264

شماره كتابشناسي ملي:5068596

اطلاعات ركورد كتابشناسي:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

الفصل الخامس عشر فِرَق الشيعة

اشارة

ربّما يضعّف الراوي لانتمائه إلي بعض فرق الشيعة؛ كالكيسانيّة والفطحيّة والواقفيّة، كما يضعّف أحياناً دون مسألة العقيدة، كأن يكون متساهلاً في الرواية، لا يجيد إتقان النقل، إلي غير ذلك من عوامل الضعف في الجانب العملي. ولا يخفي أنّ أكثر هذه الفرق قد اضمحلّت ولم يبق منها إلّاالزيديّة، والإسماعيليّة، والشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة؛ وهي الغالبيّة العظمي. والشيعة هم الذين تمسّكوا بما أقرّ الباري عزّ وجلّ وعهد إليهم النبيّ صلي الله عليه و آله من أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، هو الخليفة والوليّ والوصيّ والإمام بعد رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فالشيعة ليست فرقة وُجدت بعد النبيّ صلي الله عليه و آله كما هي الفرق التي ظهرت في ظلّ الأبحاث الكلاميّة.

ثمّ إنّ الناس اختلفوا في الإمامة، فبعضهم عدّوها سياسيّة، والبعض قضيّة أُصوليّة، أمّا انطلاقتها الأُولي كانت ما نقل في يوم الدار، والغدير وغيرهما، وقد سمّوا شيعة لاقتدائهم بعليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وروي السيوطي في تفسير قوله تعالي: (إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ) (1) أنّ الرسول صلي الله عليه و آله قال عندما أقبل عليّ عليه السلام: «إنّ هذا

********

(1) . البيّنة/ 7.

ص: 3

وشيعته هم الفائزون يوم القيامة».

فالشيعة ليست فرقة خلقتها سياسات الزمان، والأبحاث الكلاميّة، بل وُلدت ونشأت وعُرِفت في عصر الرسول صلي الله عليه و آله، ثمّ تفرّقت الشيعة علي مرّ العصور، واشتداد الأبحاث الكلاميّة إلي فرق، والفرقة المحقّة منهم هي الإماميّة المعتقدة بإمامة الأئمّة الاثني عشر، أمّا سائر فرقهم فقد انقرضت وما بقي منها إلّااثنتان، هما: الكيسانيّة، والزيديّة، وإليك أسماء وأحوال ومعتقدات هذه الفرق:

1. الكيسانيّة:

وهم الذين يقولون بإمامة محمّد بن الحنفيّة بعد أميرالمؤمنين عليه السلام، وكان كيسان وهو مولي أميرالمؤمنين عليه السلام يدعو إليه. وذكر أبو منصور البغدادي:

والكيسانيّة ترجع إلي فرقتين:

الأُولي: تزعم أنّ محمّد بن الحنفيّة حيّ لم يمت، وهم في انتظاره، ويزعمون أنّه المهدي.

الثانية: وهم يقولون بإمامته في وقته وبعد موته، وينقلون الإمامة بعد موته إلي غيره، ويختلفون في المنقول إليه، وكان السيّد الحميري يذهب إلي مذهب الكيسانيّة قبل استبصاره.

2. الزيديّة:

وهم أتباع زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عدلوا عن إمامة الإمام الباقر عليه السلام إلي إمامة أخيه زيد، وقد حصروا الإمامة في أولاد فاطمة عليها السلام، ولم يجوّزوها لغيرهم، إلّاأنّهم جوّزوا أن يكون كلّ فاطميّ سخيّ قام بالإمامة إماماً واجب الطاعة؛ حسنيّاً كان أو حسينيّاً، وقام بها بعد زيد ابن عليّ (121 ق) يحيي بن زيد، وزيد بن عليّ قُتِل بكناسة الكوفة علي يد هشام بن عبدالملك، وأمّا يحيي بن زيد فقتل بجوزجان في خراسان.

ص: 4

والزيديّة علي ثلاثة أصناف، هي: الجاروديّة، والسليمانيّة، والصالحيّة والبُتريّة.

أ: الجاروديّة: وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر، وقد زعموا أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله نصّ علي عليّ بالوصف دون التسمية، وخالفوا إمامهم زيد بن عليّ، ووردت روايات ذامّة له في الكشّيّ، له تفسير، ووثّقه آية اللّه الخوئي لوقوعه في أسانيد تفسير القمّيّ.

ب: السليمانيّة: وهم أصحاب سليمان بن جرير، وكان يقول: إنّ الإمامة شوري فيما بين الخلق، ويصحّ أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وتصحّ في المفضول مع وجود الأفضل، والأُمّة أخطأت في البيعة لهما - الأوّل والثاني - مع وجود عليّ عليه السلام، ولكن لا يبلغ درجة الفسق، لأنّه اجتهاد وطعن في عثمان، بل كفر.

ج: الصالحيّة والبُتريّة: فالصالحيّة هم أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ، والبُتريّة أصحاب كثير، وهما متّفقان في المذهب، وقولهم في الإمام كقول السليمانيّة، إلّاأنّهم لا يقولون بكفر عثمان.

3. الناووسيّة:

وهم الذين قالوا: إنّ جعفر بن محمّد حيّ لا يموت حتّي يظهر، ويلي أُمور الناس، وإنّه المهدي، ورووا عنه: «إنْ رأيتم رأسي قد أهوي عليكم من جبل فلا تصدّقوه، فإنّي أنا صاحبكم». وسُمّيت بذلك لرئيس لهم بصريّ يقال له: فلان بن الناووس.

4. الإسماعيليّة:

هم فرقة تقول: بإنّ الإمام بعد الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل، والذي قد مات سنة 145، وقبل شهادة الإمام عليه السلام بثلاث سنين، وأنكروا موته،

ص: 5

وهم علي عدّة فِرق.

5. الفطحيّة أو الأفطحيّة:

وهم من يقول بأنّ الإمامة انتقلت من الإمام الصادق عليه السلام إلي ابنه عبداللّه الأفطح، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأُمّه، وعبداللّه ابن بكير فطحيّ وهو ثقة من أصحاب الاجماع، واعتمد عليه الأصحاب.

6. الواقفيّة:

وهم الذين قالوا بإمامة جعفر بن محمّد عليه السلام، إلّاأنّهم زعموا أنّ الإمام بعده موسي بن جعفر وهو حيّ، وأنّه المهديّ المنتظر، والكشّيّ قد أزال الستار عن كيفيّة نشوء هذه الفرقة. كان بدء الواقفيّة أنّه كان قد اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعرة(1) لزكاة أموالهم وما كان يجب عليهم فيها، فحملوها إلي وكيلَين لموسي بن جعفر عليه السلام بالكوفة، أحدهما حيّان السرّاج، والآخر كان معه، وكان موسي عليه السلام في الحبس، فاتّخذا بذلك دوراً وعقاراً، واشتريا الغلّات، فلمّا مات موسي عليه السلام وانتهي الخبر إليهما، أنكرا موته، وأذاعا في الشيعة أنّه لا يموت، لأنّه القائم، فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة، وانتشر قولهما في الناس، حتّي كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلي ورثة موسي عليه السلام، واستبان للشيعة أنّهما قالا ذلك حرصاً علي المال.

واعلم إنّ إطلاق الوقف ينصرف إلي من وقف علي الكاظم عليه السلام ولا ينصرف إلي غيرهم إلّابالقرينة، وبهذا يعلم أنّ الواقفيّة صنفان.

وهاهنا كلمة قيّمة للوحيد البهبهاني، ترشدنا إلي علّة حصول شبهة الوقف في بعض الشيعة، وهو أنّ الشيعة من فرط حبّهم دولة الأئمّة وشدّة تمنّيهم

********

(1) . بنو الأشاعرة، والأشعريّون: طائفة من شيعة قم، وهم غير الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري المقابل للمعتزلة.

ص: 6

إيّاها، وبسبب الشدائد والمحن التي كانت عليهم وعلي أئمّتهم، كانوا دائماً مشتاقين إلي دولة قائم آل محمّد عليه السلام، متوقّعين لوقوعه عن قريب، ولأجل ذلك قيل: إنّ الشيعة تربي بالأماني، ومن ذلك أنّهم كانوا كثيراً ما يسألون أئمّتهم عن قائمهم، فلربّما قال واحد منهم «فلان» الذي يجيء بعد، تسليةً لخواطرهم، وهم من فرط ميل قلوبهم وزيادة حرصهم ربّما كانوا لا يتفطّنون(1).

7. الخطّابيّة:

وكانوا يعتقدون ويتظاهرون بأُلوهيّة الإمام الصادق عليه السلام، وأنّ أبا الخطّاب محمّد بن مقلاص أبا زينب الأسدي الكوفي الأجدع البزّاز؛ نبيّ مرسل، أمر الصادق بطاعته، وأنّهم تركوا الفرائض، وقد قَتَله عيسي بن موسي.

8. المُغِيريّة:

وهم أتباع المُغيرة بن سعيد، وقد خرج بظاهر الكوفة في إمارة خالد بن عبداللّه القسري فأحرقه مع أصحابه سنة 219 ق، فقال الرضا عليه السلام: «لعن اللّه المغيرة بن سعيد، كان يكذب علي أبي». والرجل لانحرافه كان قد دسّ في كتب أصحابه، ووردت في ذمّه روايات كثيرة.

9. الغُلاة:

وهم الذين غلوا في حقّ النبيّ وآله عليهم السلام حتّي أخرجوهم عن حدود الخليقة، وهم أصناف عدّهم الشهرستاني. نعم وُصِف عدّة من الرواة بالغلوّ والمغالاة، ووقعوا في أسانيد الروايات.

فقدان الضابطة الواحدة في الغلوّ

المُراجِع إلي كلمات القدماء يجد أنّهم يرمون كثيراً من الرواة بالغلوّ، حسب ما اعتقدوا به في حقّ الأئمّة عليهم السلام، وإن لم يكن غلوّاً في الواقع. ويعجبني أن أنقل كلام الوحيد البهبهاني في هذا المقام، والتأمّل فيه يعطي أنّ كثيراً من هذه

********

(1) . كلّيّات في علم الرجال ج 1 ص 356.

ص: 7

النسب، لم يكن موجباً لضعف الراوي عندنا، وإن كان موجباً للضعف عند الناقل.

حيث قال: اعلم أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء سيّما القميّين منهم، والغضائري كانوا يعتقدون للأئمّة مكانة خاصّة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي عنها ارتفاعاً وغلوّاً حسب معتقدهم، حتّي إنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم، أو المبالغة في معجزاتهم، ونقل العجائب، أو الإغراق في شأنهم، وتنزيههم عن كثير من النقائص، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض، ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به.

وبالجملة، الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأُصوليّة أيضاً، فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً، أو كفراً، أو غلوّاً، أو تفويضاً، أو جبراً، أو تشبيهاً، أو غير ذلك، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذاك، وربّما كان منشأ جرحهم بالأُمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم، أو ادّعاء أرباب المذاهب كونهم منهم، أو روايتهم عنه، وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه.

فعلي هذا، ربّما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأُمور المذكورة. وممّا ينبّه بذلك علي ما ذكرنا ملاحظة ما ذكروه في تراجم كثيرة، مثل إبراهيم بن هاشم، وأحمد بن محمّد بن نوح، والبزنطي، وهشام بن الحكم، ومحمّد بن سنان، وسهل بن زياد، ومفضّل بن عمر، والمعلّي، ويونس بن عبدالرحمن.

ص: 8

ثمّ اعلم، أنّ ابن عيسي والغضائري ربّما ينسبان الراوي إلي الكذب ووضع الحديث، بعد ما نسباه إلي الغلوّ، وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه، ولا يخفي ما فيه، فيجب علي العالم الباحث، التحقيق في كثير من النسب المرميّ بها الأجلّة.

فعن العلّامة المامقاني: لابدّ من التأمّل في جرحهم بأمثال هذه الأُمور(1).

والذي تبيّن لنا من الرجوع إلي هذه الكلمات هو أنّ أكثر علماء الرجال، أو من كان ينقل عنهم علماء الرجال لم يكن عندهم ضابطة خاصّة لتضعيف الراوي من حيث العقيدة، بل كلّما لم تنطبق عقيدة الراوي عقيدته، رماه بالغلوّ والضعف في العقيدة.

وجملة القول في ذلك ما ذكره المامقاني حيث قال: إنّ الرمي بما يتضمّن عيباً، فضلاً عن فساد العقيدة، ممّا لا ينبغي الأخذ به بمجرّده، إذ لعلّ الرامي قد اشتبه في اجتهاده أو عوّل علي من يراه أهلاً في ذلك، وكان مخطئاً في اعتقاده، أو وجد في كتابه أخباراً تدلّ علي ذلك، وهو بريء منه ولا يقول به، أو كان جملة من الأخبار يرويها ويحدّث بها ويعترف بمضامينها ويصدّق بها من غير اتقاء من غيره من أهل زمانه، بل يتجاهر بما لا تتحمّلها أغلب العقول، فلذا رمي به، فتلخّص أنّ تضعيف الراوي من جانب العقيدة، لا يتمّ إلّابثبوت أمرين:

الأوّل: أن يثبت أنّ النظرية ممّا توجب الفسق.

الثاني: أن يثبت أنّ الراوي كان معتقداً بها.

********

(1) . بهجة الآمال ج 2 ص 38، معجم رجال الحديث ج 2 ص 98، قاموس الرجال ج 1 ص 290، الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 371 (الكلباسي)، كلّيّات في علم الرجال ص 85، الفوائد الرجاليّة (الخواجوئي) ص 275، دائرة المعارف بزرگ اسلامي ج 2 ص 361 - باللغة الفارسيّة -، سماء المقال ج 1 ص 46.

ص: 9

وأنّي لنا بإثبات الأمرين؟

أمّا الأوّل: فلوجود الخلاف في كثير من المسائل العقيديّة، حتّي مثل سهو النبيّ.

وأمّا الثاني: فإنّ إثباته في غاية الإشكال، خصوصاً إلي بعض الأعمال التي كان يقوم بها بعض الرواة في حقّ بعض، من الإخراج والتشديد بمجرّد النقل عن الضعفاء، وإن كان ثقة في نفسه.

أو لبعض الوجوه المحتملة التي ذكرها العلّامة المامقاني، وما لم يثبت الأمران، لا يعتني بهذه التضعيفات الراجعة إلي جانب العقيدة.

تضعيف الراوي من حيث العمل

قد عرفت أنّ تضعيف الراوي يرجع إلي أحد أمرين: إمّا تضعيف في العقيدة، أو تضعيف في جانب العمل، وقد وقفت علي التضعيف من الجانب الأوّل.

وأمّا الثاني علي قسمين: تارة يرجع إلي عمله الذي لا صلة له بنقله وحديثه، كارتكابه بعض الكبائر والإصرار علي الصغائر، وأُخري كون مربوطاً بالحديث، ويعرف ذلك بملاحظة الكلمات الواردة في حقّه منها: مضطرب الحديث، ومختلط الحديث، وليس بنقيّ الحديث، يعرف حديثه وينكر، غمز عليه في حديثه، وليس حديثه بذاك النقي، وهل هذه الألفاظ قادحة في العدالة أو لا؟ قال المحقّق البهبهاني: إنّ هذه الألفاظ وأمثالها ليست بظاهرة في القدح في العدالة.

ص: 10

الفصل السادس عشر دور الإجازة في الفقه

اشارة

لا شكّ بأنّ كثيراً من الرواة - خاصة المشايخ الذين وقعوا في صدر الأسانيد إن رجعنا إلي الكتب الرجاليّة - لم نجدهم موثّقين اصطلاحاً، ولا نجد عالماً من علماء الرجال وثّقهم بشكل صريح، بالمصطلحات الرجاليّة، وعلامات التعديل والتوثيق، فإنّهم علي مصطلح علماء الرجال يذكرون في المجاهيل والمهملين، وهم كثيرون: كمحمّد بن إسماعيل النيسابوري، الواقع في أوائل أسانيد كثيرة من الكافي، وهو من مشايخ ثقة الإسلام الكليني، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، وهو أيضاً من مشايخ الكليني، فهما لم يوثّقا بشكل صريح، مع أنّ الكليني يروي عنهما كثيراً، وسهل بن زياد، فإنّه لم يذكر له توثيق صريح في الكتب الرجاليّة.

وعنه قال الوحيد البهبهاني وغيره: إنّ الأمر في سهل، سهل لأنّه من مشايخ الإجازة، وكأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، أُستاذ المفيد الذي يروي عنه الشيخ أبو عبداللّه المفيد كثيراً وبواسطته، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي والذي يروي عن ثقة الإسلام الكليني.

وبعدما تقدّم نقول: إنّ في كتب الرجال مجهول ومهمل، ولذلك نري أنّ آية

ص: 11

اللّه الخوئي يتشدّد في ألفاظ الجرح والتعديل، فيقول في معجم رجال الحديث: إنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد لم يوثّق، فلذلك نعدّه مجهولاً ومهملاً، ولم يثبت عندنا وثاقته، وشيخوخة الإجازة قطّ لا يكفي في وثاقة الراوي(1).

قال آية اللّه الخوئي في نصّه الرجاليّ: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد من مشايخ المفيد قدس سره وقد صحّح العلّامة كثيراً من الروايات التي هو في طريقها، وكذلك الشيخ حسن صاحب المعالم فيما حكي عنه، بل وثّقه الشهيد الثاني في الدراية، والشيخ البهائي في حاشية الحبل المتين. وقال الميرزا في الوسيط:

ولم أرَ إلي الآن ولم أسمع من أحدٍ من يتأمّل في توثيقه، إلّاأنّه مع ذلك لا يمكننا الحكم بوثاقته، أمّا تصحيح العلّامة أو غيره للطريق فهو اجتهاد منه، ولعلّه من جهة أصالة العدالة كما استظهرنا البناء عليها من العلّامة، ممّا ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة، أو من جهة كونه من مشايخ المفيد، ولذا قال المجلسي في الوجيزة: يعدّ حديثه صحيحاً لكونه من مشايخ الإجازة، لكنّا قد ذكرنا في المدخل أنّ الشيخوخة للإجازة لا يلزمها الوثاقة، ولا الحسن.

وأمّا توثيق الشهيد الثاني، والشيخ البهائي فهو أيضاً مبنيّ علي الاجتهاد والحدس، إذ لا يحتمل أن يكون مثل هذا التوثيق منتهياً إلي الحسّ والسماع من الثقات، كما هو الحال في توثيق غيرهما من المتأخّرين لمن يكون الفصل بينه وبينهم مئات من السنين، ولاسيّما أنّه لا يوجد لأحمد هذا ذكر في كتب الرجال، حتي إنّ العلّامة قدس سره أيضاً أغفل ذكره ومن هنا قال الفاضل التفريشي: قال الشهيد

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 256.

ص: 12

الثاني في درايته: إنّه من الثقات، ولا أعرف مأخذه فتحصّل: أنّه لم يثبت وثاقة الرجل بوجه، وكيف كان فلا ينقضي تعجّبي من عدم تعرّض الشيخ لحاله في رجاله، مع أنّه من المعاريف وكثير الرواية، وقد وقع في طريقه إلي محمّد بن الحسن بن الوليد وغيره(1).

وهذا البحث يعود في الحقيقة إلي أنّ رواية الثقة، والراوي الموثّق عن راو آخر مهمل مجهول، هل يدلّ علي توثيقه أم لا؟

فقد ذكر عدّة من علماء الأُصول، وعلماء الدراية والرجال في كتبهم الرجاليّة والدرائيّة والأصوليّة: أنّ نقل الراوي الثقة كابن أبي عمير عندنا، وسعيد بن المسيّب عند الشافعيّة، دليل علي توثيق مشايخه وتعديلهم.

وهذا القانون العام الرجالي ثابت عندنا في المشايخ الثلاثة وأصحاب الإجماع، بل غيرهم من رواة المشايخ: كبني فضّال، والطاهريّين وغيرهم. وقال بعضهم: بِأنّ نقل الثقة لا يدلّ علي التوثيق والتعديل؛ وهذا ما أكَّد عليه الإمام الخميني في الطهارة، وآية اللّه الخوئي في مقدّمة معجم رجال الحديث.

والقول الثالث المنقول عن علماء آخرين: إنّه يجب أن نبحث ونتفحّص، فإنّ الراوي إذا عرف بأنّه لا يروي إلّاعن ثقة، فَنقْله عن راوٍ دليل علي أنّه ثقة؛ وإن لم يعرف بأنّ هذا هو فلان، وهذا ما قاله الشيخ أبو جعفر الطوسي في العدة في أُصول الفقه «لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة»(2).

ومن هنا ندخل في البحث ونقول: إنّ لمشايخنا الكبار - كالشيخ أبي جعفر

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 276.

(2) . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154، ذكري الشيعة ج 1 ص 45.

ص: 13

محمّد بن يعقوب الكليني ثقة الإسلام مؤلّف الكافي، وأبي جعفر رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق، والشيخ أبي جعفر الطوسي، ومنهم كذلك الشيخ الأُستاذ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد - مشايخ يوقّرون شخصهم، ويُكبرون منزلتهم حين يذكروهم، بل يكثرون من الرواية عنهم، والاهتمام بشأنهم وأعظم من ذلك، فإنّهم إذا ذكروهم بأسمائهم أمطروهم بالفضيلة والرحمة، وهذا توقير منهم لهؤلاء المشايخ الثقات ومشايخ الإجازة، وهؤلاء هم المعنيّون بالعبارة المتداولة من عصر الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي إلي زماننا هذا: «أنّ مشايخ الإجازة مستغنون عن التوثيق». ولأجل ذلك يعدّ حديثهم عند العلماء صحيحاً، وأولئك يذكرون في صنف الثقات، بل هم أعلي شأناً من الثقات، وسواء نصّ عليهم بالتوثيق أم لا.

كلامنا في الذين لم يرد فيهم توثيق خاصّ، وهم كثيرون في طبقات الرواة، في صدور الأسانيد وأوساطها، فمنهم أبو الحسين عليّ بن أحمد بن أبي جيد الذي وقع في صدر مشايخ الشيخين الرجاليّين: الشيخ الطوسي، والشيخ النجاشي وقد ذكرا في ترجمة أصبغ بن نباتة: أنّه من خاصّة أميرالمؤمنين عليه السلام، وهو الذي يروي عنه عهده المعروف: عهده إلي مالك الأشتر، والوصيّة لابنه الحسن عليه السلام.

وقد أخبرنا به: ابن الجندي، عن أبي عليّ بن همّام، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بالعهد. وأخبرنا عبد السلام بن الحسين الأديب، عن أبي بكر الدوري، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، عن جعفر بن محمّد الحسني، عن عليّ بن

ص: 14

عبدك، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بالوصيّة(1)، وهذا الكلام مشترك في الفهرست للطوسي و الفهرست للنجاشي، ولذلك قلنا فيما مضي بأنّ أمثال هذه المشتركات تدفعنا علي أن نحكم بأنّهما أخذا عن ثالث، وهو ليس إلّااستاذهما أبوالحسين ابن الغضائري صاحب الرجال الضعفاء والثقات المتوفّي سنة 411 ه ق، كما جاء في مقدّمة الفهرست لتلميذه الطوسي.

وأبو عبداللّه الحسين بن عبيداللّه الغضائري هو من مشايخ الإجازة، وإن ورد فيه توثيق، فراجع رسالة الكلباسي في سماء المقال(2)، وأبو عبداللّه أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر فهو شيخ الإجازة وهما من شيوخ الشيخ أبي جعفر الطوسي، والشيخ أبي العبّاس النجاشي رحمهما الله هذا من جانب، ومن جانب، فإنّهم مشايخ الإجازة، وشأنهم أكبر من أن يوثّقوا، بل كونهما من شيوخ الإجازة هو توثيق لهما.

وقد عدّ العلّامة الحلّي في خاتمة خلاصة الأقوال طريق الشيخ إلي محمّد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب الرضا عليه السلام، الموثّق بقول النجاشي «وولد بزيع بيت» ومحمّد بن عليّ بن محبوب، ومحمّد بن يعقوب الكليني وغيرهم، صحيحاً، وأولئك الشيوخ هم في الطريق(3) وهكذا غيرهم من الرواة، فالعلامة

********

(1) . رجال النجاشي ص 5/8، خلاصة الأقوال ص 9/24، الفهرست ص 119/37، اختيار معرفة الرجال ص 165/103، التحرير الطاووسي ص 47/77، منتهي المقال ج 2 ص 102، الوجيزة ص 224/163.

(2) . سماء المقال ج 1 ص 9، مجمع الرجال ج 1 ص 6، الفوائد الرجالية (الخواجوئي) ص 290، روضة المتّقين ج 14 ص 330، الرواشح السماويّة ص 111.

(3) . خلاصة الأقوال ص 435.

ص: 15

عدّ كثيراً من الطرق بأنّها صحيحة مع أنّهم فيها.

وهكذا في مشايخ الشيخ الطوسي، نري ابن أبي جيد أعلي سنداً من الشيخ المفيد، فهو يروي عن محمّد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة، مع أنّ المفيد يروي عنه بواسطة واحدة، وهو ابنه أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، أو أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي، أو غيرهما.

وكابن شاذان القاضي القمّي؛ أبي الحسن أحمد بن عليّ بن الحسن(1)، وابن الجندي؛ أحمد بن محمّد بن عمران موسي الجرّاح، شيخي الشيخ أبي العبّاس النجاشي، يستند إليهما، ويعظّم ذكرهما كثيراً(2)، فإنّهما لمّا كانا من مشايخ النجاشي وثقهما أيضاً آية اللّه الخوئي، وبحر العلوم وغيرهما، وعليّ بن أحمد ابن العبّاس النجاشي شيخه ووالده كما أخبر عنه في ترجمة الصدوق أبي جعفر ابن بابويه القمّي، وذكر طريقه إليه.

وكأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد كما ذكرناه آنفاً، وهو اُستاذ المفيد، وكأبي عليّ؛ أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري؛ شيخي الشيخ المفيد أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان، وشأنهما أجلّ من الافتقار إلي تزكية مزكّ، وتوثيق موثّق، وكبعض أشياخ الصدوق، ابن الصدوق عروة الإسلام أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه رضوان اللّه عليهما: الحسين بن أحمد بن إدريس أبي عبداللّه الأشعري القمّي، أحد شيوخ التلّعُكبري، ومحمّد بن علي بن ماجيلويه القمّي.

********

(1) . رجال النجاشي ص 204/84.

(2) . نفس المصدر، ص 206/85.

ص: 16

وكأبي العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، وأحمد بن عليّ بن زياد، ومحمّد بن موسي بن المتوكلّ، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار؛ أحد شيوخ التلعكبري، وجعفر بن محمّد بن مسرور، وعليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق، والمظفّر بن جعفر بن المظفّر العمري العلوي؛ أحد أشياخ التلعكبري أيضاً، ومحمّد بن محمّد بن عصام الكليني، وعليّ بن أحمد بن موسي، فهؤلاء كلّما سمّي الصدوق واحداً منهم في سند الفقيه، وفي أسانيده المعنعنة في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام، وفي كتاب عَرْض المجالس، وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة قال: رضي اللّه تعالي عنه، وكلّما ذكر اثنين منهم، أو قرن أحداً منهم بمحمّد بن الحسن بن الوليد أو بأبيه الصدوق؛ قال:

رضي اللّه تعالي عنهما، وكلّما سمّي ثلاثة منهم، أو قرن أحداً منهم بهما، أو اثنين منهم بواحدٍ منهما قال: رضي اللّه عنهم. وهنا قاعدة اُخري تعرّضنا لها سابقاً، وهي أنّ ترضّي الصدوق وترحّمه علي مشايخه هل يدلّ علي توثيق لهم منه، أم لا؟ وقد أنكره آية اللّه الخوئي وقال: إنّا نجد في مشايخ الصدوق شيوخاً ناصبيّين.

فالصدوق في كتاب الأمالي يروي عن أحمد بن محمّد بن الضبي، ثمّ يقول بعد نقل الرواية عنه: لم أرَ أنصب منه، فإنّه كلّما صلّي علي الرسول صلي الله عليه و آله يقول:

اللّهمّ صلِّ علي محمّد، ولم يذكر آل محمّد، فهو يصلّي علي الرسول صلاة بتراء، وهذا هو رأي آية اللّه الخوئي في قواعد الرجال ونصوص الرجاليّين.

ونقول: إنّ الصدوق يروي حديث سلسلة الذهب عن مشايخ أهل السنة والجماعة، كإسحاق بن راهويه، وأبي زرعة الرازي، اللذينِ هما من مشايخ أبي

ص: 17

عبداللّه البخاري صاحب الصحيح، ومسلم بن الحجّاج النيسابوري صاحب الصحيح أيضاً، وهما خاصّة أبي زرعة الرازي؛ مؤلّف الجرح والتعديل.

وفي طرق الصدوق إلي الرضا عليه السلام في حديث سلسلة الذهب وقع أحمد بن محمّد بن الضبيّ وغيره، وقد رواه في العيون بطرق أربعة، وفي التوحيد بطرق أخري، ولو لم يروه عن هؤلاء الناصبيّين لم يكن لنا اليوم علم عن حديث سلسلة الذهب، فهم ثقات ولكنّ الوثاقة غير العدالة، كما عن آية اللّه الخوئي أيضاً، فمشايخ الصدوق هم من أهل السنّة ومن أكابر مشايخهم في البلاد، وللصدوق مَشْيَخة آخرون، ليس لهم في كتب الرجال توثيق، فمنهم:

عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري الذي وقع في رواية كتاب الزكاة والصوم وغيرهما، فعن المحقق الحلّي في شرائع الإسلام: الثالثة: الكفّارة في شهر رمضان عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً مخيّراً في ذلك.

وقيل: بل هما علي الترتيب، وقيل: يجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث كفّارات، وبالمحلّ كفّارة واحدة، والأوّل أكثر.

وعن الشهيد: هذا قول الصدوق(1) استناداً إلي رواية رواها بإسناده إلي الرضا عليه السلام، دلّت علي التفصيل والرواية هي: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي رضي الله عنه. عن عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبدالسلام بن صالح الهروي، قال: قلت للرضا عليه السلام: يابن رسول اللّه، قد روي

********

(1) . من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 74.

ص: 18

عن آبائك عليهم السلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات. وروي أيضاً كفّارة واحدة، فبأي الخبرين نأخذ؟ قال: بهما جميعاً، فمتي جامع الرجل حراماً، أو أفطر علي حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم. وإن كان نكح حلالاً، أو أفطر علي حلال فعليه كفّارة واحدة(1).

وإنّما ترك المصنّف العمل بها لأنّ في سندها عبدالواحد بن عبدوس النيسابوري وهو مجهول الحال؛ مع أنّه شيخ ابن بابويه، وهو قد عمل بها، فهو في قوّة الشهادة له بالثقة، ومن البعيد أن يروي الصدوق رحمه الله عن غير الثقة بلا واسطة.

واعلم أنّ العلامة في التحرير(2) في باب الكفّارات شهد بصحّة الرواية وهو صريح في التزكية لعبد الواحد، وإن كان في غيره من الكتب أنّه لا يحضره حاله(3).

وقد ذكر سبطه السيّد محمّد الموسوي العاملي وهو ممّن تبع الشهيد الثاني؛ جدّه في جميع آثاره ورجاله، وتوثيقه وتعديله في ذيل الحديث. وقد شرح عبارة المصنّف صاحب الشرائع؛ المحقق الحلّي بعد نقل الرواية: وحكم العلّامة في التحرير بصحّه هذه الرواية وقال: إنّ عبدالواحد بن عبدوس وإن لم يوثّق صريحاً، لكنّه من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث، فلا يبعد الاعتماد علي روايته. لكن في طريق هذه الرواية عليّ بن محمّد بن

********

(1) . وسائل الشيعة ج 7 ص 35، الاستبصار ج 2 ص 97، تهذيب الأحكام ج 4 ص 204.

(2) . تحرير الأحكام ج 2 ص 110.

(3) . مختلف الشيعة ص 226.

ص: 19

قتيبة، وهو غير موثّق، بل ولا ممدوح مدحاً يعتدّ به، وعبدالسلام بن صالح الهروي وفيه كلام، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل، ولكنّ الصدوق قال في من لا يحضره الفقيه، إنّه وجد ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه(1). والظاهر اتّصال ذلك بصاحب الأمر عليه السلام فيترجّح المصير إلي ذلك(2).

وقال الشيخ يوسف بن أحمد البحراني في الحدائق الناضرة، بعد نقل كلام السيّد السند في مدارك الأحكام أقول: ما ذكره في عبدالواحد بن عبدوس من الاعتماد علي حديثه حيث إنّه من مشايخ الإجازة هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح، فإنّهم صرّحوا بأنّ مشايخ الإجازة يعدّ حديثهم صحيحاً؛ وإن لم ينقل توثيقهم في كتب الرجال، لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين علي النقل عنهم، وأخذ الأخبار منهم، والتلمذ عليهم يزيد علي قولهم في كتب الرجال: «فلان ثقة»، وقد ناقض كلامه هنا بالطعن في عبدالواحد المذكور، فقال: إنّه لم يثبت توثيقه.

وأمّا ما ذكره في عليّ بن محمّد بن قتيبة فإنّ الكلام فيه ليس كذلك، فإنّ المفهوم من الكشي في كتاب الرجال، أنّه من مشايخه الذين أكثر النقل عنهم، ولهذا كتب بعض مشايخنا المعاصرين علي كلام السيّد في هذا المقام ما صورته: صحّح العلّامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبدالرحمن طريقين

********

(1) . من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 7.

(2) . مدارك الأحكام ج 6 ص 84.

ص: 20

فيهما عليّ بن محمّد بن قتيبة، وأكثر مشايخه المعتبرين الذين أخذ الحديث عنهم، والفرق بينه وبين عبدالواحد بن عبدوس تحكّم لا يخفي، وسؤال الفرق متّجه، بل هذا أولي بالاعتماد، لإيراد العلّامة له في القسم الأوّل من الخلاصة، وتصحيحه حديثه في ترجمة يونس فتأمّل وأنصف، انتهي.

أقول: ويؤيّد ما ذكره شيخنا المذكور أنّ العلّامة في المختلف بعد ذكره حديث الإفطار علي محرّم، لم يذكر التوقّف في صحّة الحديث؛ إلّامن حيث عبدالواحد بن عبدوس وقال: إنّه كان ثقة. والحديث صحيح، وهو يدلّ علي توثيقه لعلي بن محمّد بن قتيبة، حيث إنّه مذكور معه في السند(1).

ومن مشايخ الصدوق أيضاً: الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم المؤدّب، وحمزة بن محمّد القزويني العلويّ؛ الذي يروي عن عليّ بن إبراهيم ونظرائه، والحسين بن إبراهيم بن باباية، ومحمّد بن أحمد السناني، ومن أشياخه: عليّ بن أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، وعليّ ابن عبداللّه الورّاق، وأبو محمّد الحسن بن محمّد بن حمزة بن عليّ بن عبداللّه ابن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام؛ المرعشيّ الطبريّ الأديب الفاضل، الورع الزاهد، الفقيه العارف، وهو أحد شيوخ التلّعكبري، والشيخ المفيد، وابن الغضائري، وابن عبدون، أيضاً، ذكره الشيخ في الرجال والفهرست ووقّره وعظّمه، وإن لم ينصّ عليه بالتوثيق(2).

وجعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبداللّه بن المغيرة الكوفي، ومحمّد

********

(1) . الحدائق الناضرة ج 6 ص 48.

(2) . رجال الطوسي ص 24/465، الفهرست ص 195/104.

ص: 21

ابن أحمد الشيباني، وتشهد بالنباهة والجلالة لأبي محمّد المرعشي - علي الخصوص - كتب النسب والتواريخ. ولهم - جميعاً - تضاعيف الأخبار وطبقات الأسانيد. ومَرانة(1) عروة الإسلام(2) علي الدعاء لهم بالفضيلة والرحمة.

وكأشياخ رئيس المحدّثين أبي جعفر الكليني رضي الله عنه، عليّ بن الحسين السعدآبادي؛ وهو أبوالحسن القمّي، مؤدّب شيخ العصابة ووجههم في زمنه، أبي غالب الزراري أحمد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم، والحسين ابن محمّد بن عامر الأشعري القمّي أبي عبداللّه، وعليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان؛ وهو أبوالحسن المعروف بعلّان الكليني خاله، علي ما هو المشهور في عصرنا، وابن خاله - كما هو الواقع - وغيرهم من مَشيخَته الذين يصدّر بهم الأسانيد(3).

ويوجد هناك من مشايخ المفيد والصدوق والكليني والطوسي مَن لم يجر لهم ذكر في كتب الرجال، ولا يوجد نصّ علي توثيقهم، إلّاأنّهم هم أساتذة فنّ، ولهم خبرة ومهارة في نقل الحديث، وتربية الناشئة والمبتدئين. ونحن اليوم نواجه سؤالاً مهمّاً وهو: هل يلزم وجود توثيق بالنصّ عليهم، أو تكفي شيخوخة الإجازة عن توثيقهم، وهي أعلي درجة من النصّ؟ ولهذا قيل: إذا ترضّي الصدوق والكليني والطوسي علي شخص هل هو علامة علي التوثيق؟ ولا سيّما أنّ بعض كتب الحديث من بعض الأصحاب كتب مشهورة معروفة لا حاجة في البحث عن سندها ورواتها لأنّها مشهورة، وهذا ما صرّح به الصدوق

********

(1) . المَرانة: العادة، ومَرَن علي الشيء: تعوّده واستمرّ عليه.

(2) . هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق القمّي قدس سره.

(3) . الرواشح السماويّة ص 173.

ص: 22

في مقدّمة من لا يحضره الفقيه.

ولكون أنّ هذه الكتب مشهورة ومعروفة، فهناك من يدّعي أنّ البحث عن طرق الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي هو بحث علميّ لا حاجة إليه في معرفة الحديث صحّة وسقماً، لأنّ عبارة الصدوق في أوّل كتابه نصّ علي ثبوت هذه الكتب إلي مؤلّفيها، ولم يكن هناك أيّة حاجة إلي طريق يدلّ علي النسبة، وأن ما أتي به في المشيخة من الأسماء لمجرّد اتّصال السند، فلو اكتفينا بمثل هذا التنصيص من الصدوق، لكان البحث عن صحّة طريق الصدوق وعدمها بالنسبة إلي هذه الكتب وأمثالها بحثاً زائداً غير مفيد، اللهمّ إلّافي الكتب غير المعروفة التي لم تثبت نسبتها إلي مؤلّفيها، لو نقل عنها فيه، وإلي ذلك يميل المحقّق البروجردي، كما أنّه يمكن أن يقال هذا في مشيخة الشيخ الطوسي أيضاً، فلا وجه لعدّ الحديث ضعيفاً أو حسناً لأجل ضعف طريقه أو عدم ثبوت وثاقة مشايخ إجازته إلي هذه الكتب(1).

وخلاصة البحث أنّه لو لم يثبت وثاقة الشيخ وهو شيخ إجازة، وأستاذ للحديث، ومؤدّب للتلاميذ، لما استجاز منه المفيد والصدوق والكليني والطوسي ولما رووا عنه، فنقل روايته عنهم، دليل علي أنّه أجلّ من التوثيق.

بالجملة، الفائدة العليا من ذكر الطريق في المشيخة، هو إثبات هذه الكتب إلي مؤلّفيها إثباتاً لا غبار عليه، وهذا الهدف لا يتحقّق عند المستجيز إلّابكون شيخ الإجازة، ثقة عنده، وإلّا فلو كان مجهولاً، أو ضعيفاً، أو مطعوناً بإحدي الطرق، لما كان لهذه الاستجازة فائدة، وهذا هو ما يعني به من أنّ شيخوخة

********

(1) . كليّات في علم الرجال ص 338.

ص: 23

الإجازة دليل علي وثاقة الشيخ عند المستجيز(1).

نعم إذ كان المجيز لكتاب أو لكتب غيره، وكان الكتاب أو الكتب معروفة مشهورة، فلا دلالة فيه علي التوثيق لأنّ هذه الكتب مشهورة، وذكر السند لمجرّد اتّصال الطرق، كما أنّه لو أجاز كتبه فهو كسائر الرواة؛ يحتاج في إثبات توثيقه إلي توثيق رجالي آخر، لأنّ توثيق الرجل نفسه لا ينتج ولا يدلّ علي الوثاقة، لأنّ نقل الرجل لمحاسنه ومحامده يوجب ظنّ السوء به، فعلي كلّ حالٍ، يجب إحراز وثاقة المجيز من طريق آخر، وهذا الطريق يتكفّله علم الرجال لسائر الرواة.

كانت هذه فائدة الإجازة عند المشايخ الرواة، ولذلك ألحّ القدماء علي الإجازة، وأمّا بعد تأليف الجوامع الروائيّة كالكافي وغيره فكانت الإجازة متداولة، وحتّي في عصر الغيبة الكبري، فإنّ العلّامة الحلّي قد صدّر إجازات لعلماء، كإجازته لقطب الدين الرازي صاحب الشرح علي الشمسيّة والحاشية علي شرح المطالع.

وأجازه سنة 713 ه ق في ريّ علي ظهر كتاب القواعد حين قرأه علي العلّامة، وإجازته العامّة لبني زهرة المطبوع في مجلّد واحد، وهذه السنّة الشريفة قد تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، بل أصدر العلماء فضلاً عن الإجازات الروائيّة إجازات فقهيّة، وهي تمثّل دليلاً علي الاجتهاد، ومنها إجازة فخرالدين الحلّي في بيته للشهيد الأوّل: محمّد بن مكّي العاملي، وذكر فيها طرقه أيضاً.

********

(1) . كليّات في الرجال ص 341.

ص: 24

إنّ من خصائص هذه الإجازات من قبل الفقهاء والمحدّثين لتلاميذهم أنّها تعتبر وثيقة تاريخيّة، يذكرون فيها كلمات بديعة. ومن خصائصها أيضاً؛ معرفة طبقات العلماء والفقهاء، والأساتذة والتلاميذ. وفي النهاية، فإنّها تثبت أنّ سلسلة الفقه والحديث لم تنقطع أبداً.

قد ذكرنا فيما مضي أنّ آية اللّه البروجردي ادّعي أنّ الشيخ الطوسي في الطبقة الثانية عشرة، والشهيد الثاني في الطبقة الرابعة والعشرين، ومشايخ السيّد البروجردي في الطبقة السادسة والثلاثين. ومنها: ذكر كثير من تأليفات الأصحاب، فالإجازات فهارس للأعلام كما أنّها فهارس للتأليفات، فكم من تأليف لو لم يذكر مؤلّفه في إجازته لنسي وافتقد. ومنها: أنّ فائدة الإجازة هي بيان مهارة المستجيز في فنّ الحديث، كما هي فائدة الإجازات التي صدرت من العلّامة الرجالي الخبير بالكتب وشيخ شيخ الإجازات في عصرنا، وهو العلّامة محمّد محسن الطهراني (آغا بزرگ طهراني) فله إجازات كثيرة من كثير من علماء عصره.

ثمّ إنّها تضمّ ملاحظات والتفاتات قيّمة ومهمّة، منها: بيان حذق الرجل والمستجيز في الفقه، هذا إذا كانت الإجازة صادرة في مقام بيان الاجتهاد، وهو من مواضيع الفقه المهمّة، ونذكر هنا كلمة عن العلّامة السيّد مرتضي العسكري رحمه الله يذكر فيها: أنّ السيّد الخوئي كان كثيراً ما يتعجّب من فقه السيّد الصدر وحذقه في الفقه والأصول، وهو ابن خمس عشرة، وست عشرة سنة، حتّي قال فيه: إنّ السيّد الصدر نابغة في الفقه والأصول، فقلت له: هل هو في الحقيقة عندكم من المجتهدين؟ قال: نعم، هو عندي مجتهد مسلّم، بلغ مرتبة

ص: 25

سامية من الاجتهاد المطلق.

فقلت: إن كان هو عندك مجتهد مطلق، فاكتب هذا في ورقة صغيرة حتّي يكون عندنا سنداً، قال: لا أكتب، لأنّه قليل السنّ، حدث، شابّ، والاجتهاد يحتاج إلي أشياء اُخري غير الحذق في الفقه والأصول وسائر العلوم.

وقرأت في مجلّة النور التي تصدرها مؤسّسة الإمام الخوئي في لندن: أنّ آية اللّه الخوئي لم يكتب إجازة اجتهاد مطلق لأحد إلّالاثنين مِن تلاميذه، أحدهما:

الشيخ الميرزا عليّ الفلسفي، وهو من أساتذة الحوزة العلميّة في مدينة مشهد، والثاني: السيّد عليّ السيستاني دام ظلّه.

وسمعت أيضاً: أنّه كتب إجازة اجتهاد للدكتور أبي القاسم الگرجي، ولكنّه بعد تدريسه بجامعة طهران، ندم علي كتابته، ولم يكتب بعده لأحد. هذا ما سمعناه من تلاميذه.

ولكن مع ذلك كلّه، نري أنّ بعض المراجع ومنهم آية اللّه الخوئي كتب لبعض العلماء إجازات وأوراقاً، فيها علامات تدلّ علي الاجتهاد، وهو أمر سياسيّ علي ما يظهر.

وذكر آية اللّه السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي في جلسة: أنّ كثيراً من الإجازات الصادرة في حوزة النجف، أيّام مرجعيّة الآيات العظام: السيّد أبي القاسم الخوئي (1413 ه ق)، والسيّد محمود الشاهرودي (1395 ه ق) والسيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1395 ه ق) وهم عمدة المراجع في النجف، وبعدهم السيّد عبدالأعلي السبزواري (1414 ه ق)، والسيّد حسن البجنوردي (1395 ه ق) صاحب القواعد الفقهيّة والشيخ حسين الحلّي (1395 ه ق)

ص: 26

وغيرهم؛ قد كتبوا عشرات الإجازات، وغرض الكثير منها سياسيّ، لأنّ رجل الحوزة لو كان يحمل معه توثيق اجتهاد سوف يسهل عليه التردّد بين إيران والعراق.

ولا يخفي أنّ الإجازات الصادرة من العلماء العاملين رحمهم الله هي دائرة معارف تاريخيّة ورجاليّة، ومصدر لمعرفة الكتب والمشايخ وغيرها.

وممّن تميّز في منح الإجازات هو العلّامة الكبير محمّد محسن الطهراني (آغا بزرگ طهراني)، وآية اللّه السيّد محمود المرعشي النجفي رحمه الله، فمع أنّه شيخ إجازة لكثير من العلماء، منهم: والدي الشيخ محمّد الرباني رحمه الله، وهو من تلامذة الشيخ محمّد باقر الآيتي الجازاري، صاحب الكبريت الأحمر، وقد اشتهر آية اللّه المرعشي باستجازته من كثير من علماء الإماميّة، وسائر المذاهب الاُخري من العامّة والزيديّة وغيرهم.

وهذه الإجازات وبجهود كبيرة وعزيمة صلبة قد طبعت في مجلّدين بعنوان المسلسلات. وذكر العلّامة هبة الدين الشهرستاني في صدر إجازة منه للعلّامة الاُردوبادي في بيان فوائد الإجازة.

أمّا بعد فقد كان دأب الصالحين من علمائنا السلف فيما مضي من الدهر وسلف، شدّة الرماية، والمحافظة علي اتّصال أسانيدهم وطرقهم بسلسلة أهل الذكر، وسلالة آل الوحي، واُولي الأمر، المنتمي والمنتهي إليهم كلّ فضل وفخر سلام اللّه عليهم، سماعاً وقراءةً، وإجازة واستجازة، ورأياً ورواية، وفتوي ودراية، وتأليفاً وتصنيفاً، وأخذاً وتعريفاً، وتيمّناً وتشريفاً، وشهادة وتزكية،

ص: 27

وتوثيقاً علي ما سطر وزُبِر من فوائدها في إجازتنا الاُولي(1). ومن جملتها تصحيح النقل والتعريف، ونفي الدسّ والتصريف في أبواب المرويّات والتأليف.

والعلّامة الأردوبادي هو أحد العلماء الأعلام، والاُدباء في النجف، صاحب كتاب عليّ وليد الكعبة، وهو الثاني بعد آية اللّه المرعشي في الاستجازة من العلماء، وله ستّون إجازة من علماء العراق وإيران وسوريا ولبنان والهند(2).

وهو الذي أتقن قراءة الغدير للعلّامة الأميني فلو حينها مات، لمات باقي الغدير. وله رحمه الله إجازة طويلة لآية اللّه العظمي السيّد محمّد هادي الميلاني المطبوع بخطّه في كتاب علم وجهاد حياة آية اللّه العظمي السيّد محمّد هادي الميلاني ج 1 ص 392.

وراجع أيضاً في الإجازات خاتمة مستدرك الوسائل للمحدّث الميرزا حسين النوري.

وأوّل إجازة في المسلسلات هي إجازة خال جدّتي وهو العلّامة آية اللّه العظمي الشيخ محمّد باقر الآيتي الجازاري (1353 ه ق) صاحب الكبريت الأحمر، كتبه بعد أن رحل إلي بيرجند، وبعد أن استجازه العلّامة المرعشي في النجف، وأرجو منك أيّها القارئ المحترم، أن تطالع نَصّها كي تجد وتلمس من صميم القلب، وفطنة العقل، الفوائد التي ذكرناها في الإجازات، فما من سطر إلّا وفيه قاعدة رجاليّة، أو تعريف بعالم، أو تعريف بكتاب، أو تعريف بمصطلح.

********

(1) . السيّد هبة الدين الشهرستاني ص 344.

(2) . نقباء البشر ج 4 ص 1332، شعراء الغري ج 10 ص 95.

ص: 28

آية اللّه الآيتي

بدأ دراسته الحوزويّة في المدرسة الجعفريّة في قائن، ثمّ انتقل إلي مشهد، ومنها إلي النجف، وحاز علي مرتبة الاجتهاد في أوان شبابه، فهو من أشهر تلاميذ آية اللّه الميرزا محمّد حسن الشيرازي (1305 ه ق)، وكان ممّن رافقه في الدراسة آية اللّه السيّد حسن الصدر (1353 ه ق) والشيخ هادي الهادوي من معاصريه، وهو من علماء بيرجند، وقد صاحبه إلي سامراء، وقد حضر دروس الفاضل الإيرواني، وبعض تلامذة الشيخ الأعظم الأنصاري، إلّاأنّه لم يدرك الآخوند الخراساني، لأنّه كان متواجداً في بيرجند عندما بلغ الآخوند مقامه العالي في الفقه والأصول، حيث كان رجوعه إلي بيرجند سنة 1305 ه. ق. وكان مرجعاً للعوامّ والخواصّ، لذا اشتهر في بيرجند بمفتي الفريقين، لأنّه كان مفتياً لمذهبي الإماميّة والعامّة(1).

وله حوارات علميّة ومناظرات مع علماء المذاهب المختلفة في بيرجند وكان يغلبهم بالحجج وإقامة الدليل ولذلك اشتهر بمكانته العلميّة، ورغم ذلك فهو ممّن اهتمّ بأمر الحديث كثيراً، حتّي صار يلقّب بالمحدّث البيرجندي، وكان يقول: إنّ الخدشة في أسانيد الحديث هي من قلّة المعرفة بالطبقات والرجال، فكان يفتي في أوان اجتهاده، وكانت آراؤه مخالفة للمشهور، فتفرّد بفتاوي منها: جواز فسخ النكاح بإعسار الزوجة. وكفاية مضيّ أربع سنين علي

********

(1) . أعيان الشيعة ج 9 ص 181، اختران فقاهت ص 617 - باللغة الفارسيّة -، أعيان الشيعة ج 1 ص 181، تراجم الرجال ج 2 ص 602، الذريعة ج 16 ص 161، 97 وج 22 ص 20 وج 9 ص 119، المسلسلات ج 2 ص 11، علماي معاصرين ص 167، گنجينۀ دانشمندان ج 3 ص 264 - باللغة الفارسيّة -، المسلسلات ج 2 ص 8، نقباء البشر ج 1 ص 204.

ص: 29

فقدان الزوج؛ وإن لم ترجع إلي الحاكم، فلا حاجة إلي إمهاله أربع سنين بعد رفع أمرها إلي الحاكم، وتابع في ذلك المولي الفيض الكاشاني وصاحب العروة الوثقي، والشيخ يوسف البحراني، صاحب الحدائق الناضرة ونحن كتبنا رسالة في تحرير هذه الفتاوي، وبلغت مؤلّفاته سبعين كتاباً تقريباً، في مواضيع مختلفة من الحديث، والرجال، والفقه، والأصول، والكلام وغيرها، كان أشهرها الكبريت الأحمر، وله باع في الشعر، وكان حافظاً لوسائل الشيعة - للحرّ العاملي -، فكان إذا قرأ عنوان باب من الوسائل، قرأ جميع أحاديثه، فهو فقيه محدث بحقّ، وحين كان يكتب شرحاً لإرشاد الأذهان رآه الميرزا الشيرازي فقال له: بنويس بنويس (أي اُكتب، اُكتب)، وكان أيضاً يقول: لو يُمحي الفقه لكتبته من الطهارة إلي الديات؛ باباً باباً، دلالةً وتحليلاً، هذا هو ما عندنا عن شيخ الفقهاء والمجتهدين والإجازة، وهذه رشحة من رشحات قلمه الشريف.

هذه رسالة موسومة بالإجازة الوجيزة للدُرّة الفاخرة العزيزة:

الحمد للّه ذي القدرة القاهرة الأزليّة، والعزّة الباهرة الأبديّة، مُبدع المكوّنات بغير رويّة، وموجد المبدعات من الجليّة والخفيّة، المتنزّه عن مجانسة البريّة، والمقدّس عن المعاون في القضيّة، ثمّ أفضل الصلوات الناميات، وأنمي التحيّات الزاكيات علي أكمل الذوات المقدّسة، وأفضل النفوس القُدّوسيّة، وأضوإِ شموس سماء المعارف الإلهيّة، وأسني بروق الأنباء السماويّة؛ محمّد المصطفي وعترته المرضيّة في كلّ غُدوة وعشيّة.

وبعد، فلمّا أراد اللّه سبحانه حفظ الشريعة وأحكامها، وصون الملّة الحنيفة وإحكامها، وكان ذلك منوطاً بوجود البررة من العلماء، والخِيرة من الفقهاء

ص: 30

المجتهدين في تحقيق مباحثه، وكشف معاضله، المجدّين في تنقيح مسائله وحلّ مشاكله، النافين عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين المبدعين، وتأويل الجاهلين المبعدين، ففرض كفاية علي كافّة المسلمين من الأنام، وغير أهل الزّمانة في ذوي الأحلام، تعرّف معالم الأحكام، وتعليم شرائع الإسلام، لمن كان دونهم ممّن ينزجر بالإفهام، وجعلهم قري ظاهرة، وحججاً من الحجّة باهرة، واُمناء علي الحلال والحرام؛ مبرّئين عن النقائص والآثام، والتاركين لهواهم، المطيعين لأمر مولاهم.

وكان ممّن منّ اللّه عليه بذلك الفضل العظيم والمنّ الجسيم، الأخ في اللّه، الأعزّ الأفخم زبدة الفضلاء المحققين، ونخبة الفقهاء المدقّقين، كاشف أسرار الآيات، مبدع الأفكار الأبكار، مجموعة المحامد والفواضل، جامع ما شُتت من الفضائل، افتخار السادات الفخام، والعلماء الاسناد الكرام، ومن بخل بإتيان مثله الآفاق والأعوام، صاحب القوّة القدسيّة والملكة القدوسيّة، التي يقدر بها علي استنباط الفروع الشرعيّة من القواعد والأصول الأصيلة الأصليّة، البحر الخضم الزاخر، الذي إذا ذكر العلماء الحكماء والفقهاء الكرماء به تثني الخناصر(1)، سيّدنا وسندنا السنيّ البهيّ السيّد شهاب الدين، ابن المرحوم المبرور، حجّة الإسلام، وعلم الأعلام، نسّابة العترة الطاهرة شمس الدين السيّد محمود الحكيم المرعشي، بن نورالدين عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن عبدالفتاح بن ضياء الدين محمّد بن محمّد الصادق، بن محمّد الطاهر، بن النواب السيّد عليّ

********

(1) . فلان به تُثْني الخناصِر، أي: تُحْني في أوّل من يُعَدّ ويُذكر. لسان العرب ج 14 ص 124.

ص: 31

ابن علاء الدين السيّد حسين الحسيني الموسوي، الشهير بسلطان العلماء(1)وسلطان المحققين، الحائز قصبات السبق في جودة التدقيق والتحقيق، وتحبير التحرير والتقرير مع الاختصار، عزّ السابقين واللاحقين، له حواشٍ علي كتاب من لا يحضره الفقيه جيّدة، وهي مكتوبة علي نسختي المصحّحة القديمة، وحواشٍ علي الروضة البهيّة، طبعت علي النسخ أجود ما كتبوا عليها مع اختصارها، وحاشية علي أصول المعالم كذلك، وكتبتها لنفسي مستقلّة في أوان قرائتي الكتاب المزبور

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جَمَعتنا يا جرير المجامع

وقد استجازني سلّمه اللّه تعالي وكثّر أمثاله، كتباً من النجف الأشرف، ولذلك اشتهر بالآغا النجفي.

والعبد نزيل البرجند معرّب بركند - كما في زينة المجالس - البلدة الجامعة والقصبة الفاضلة لقهستان، ومسكن أمرائهم من سابق الزّمان، زمن الصفويّة وإن كانت بلدته العظيمة في الزمن القديم، ما هي قريبة منها المعروف بالقائن، بناها القابيل المذكور في الكتب المحرّفة السَماوِيّة باسم القائن، وهي التي دخلها الناصر خسرو في سفره، ووصفها بسعتها وكثرة ساكنيها، ووصف مسجدها الجامع، وعالم وقتها منصور بن درست بكماله في علوم شتّي، خاصّةً في

********

(1) . وخليفة السلطان وبهذا الأخير وصف نفسه الشريفة بخطه الشريف علي ظهر حاشيته علي مختصر التلخيص يظهر منه مزيد تعشّقه رحمه الله بجمع الكتب ونقده للشريفي علي سبك حاشية والده المير شريف علي المطوّل حفظتها في خِزانة كتبي تيمّناً بما كتب علي ما ظهر وهذا الفحل هو الجدّ للسيّد السند المستجيز له رسائل وحواشي كثيرة قد أثني عليه السيّد في سلافة العصر في أعيان العصر مليئاً وقال توفّي رحمه الله سنة 1066 ق.

ص: 32

الحكمة والمنطق(1).

وذكروا في التواريخ أنّ المستعصم العبّاسي أتاها ووقف مدّة فيها، وكان نشأ منها جمّ غفير من العلماء الكمّلين، والفقهاء والمفسّرين والمحدّثين، وقد عدّدتهم في ذخيرة المعاد في الاجازة لأفلاذ الأكباد.

منهم: أبو الحمد السيّد مهدي بن نزار القائني، من مشايخ شيخنا الطبرسي، روي عنه في مواضع من تفسيره الموسوم بمجمع البيان، وفي تذكرة الأئمّة، وهو لمحمّد باقر بن محمّد تقي، وقد سمّي المجلسي وتلميذه الحاضر في جمع بحار الأنوار، ولذا قد يقول: أوردناه في بحار الأنوار، ومن هنا اشتبه الأمر علي كثير، كالشيخ يوسف في اللؤلؤة، والمولي النراقي في خزائنه، وسيّدنا القائني في أسرار الشهادة وغيرهم.

ومنهم: السيّد حسن أستاذ المحقّق السبزواري، صاحب الذخيرة و كفاية الأحكام.

ومنهم: جلال الدين المفسّر.

ومنهم: خليل بن فاريون.

ومنهم: الشيخ الجليل المسمّي بالخليل، المعاصر للمولي خليل القزويني شارح الكافي، رأيت شرحه الفارسي مطوّل جيد.

ومنهم: المولي محمّد بن محمّد إبراهيم القائني مؤلف كتاب السّابع في اعتقادات أهل البيت عليهم السلام كما في أمل الآمل.

ومنهم: المعروف بالحكيم النّزاري، نسبة إلي نزار بن أبي المنصور، من

********

(1) . سفرنامه ناصرخسرو ص 171 تحقيق محمّد دبير سياقي.

ص: 33

سلاطين الإسماعيليّة المصريّة، وكان يمدحه للتقيّة، وحاشاه من عقائدهم الفاسدة، لما كان من استيلائهم علي البلاد القائنيّة.

وله كتب وأشعار مليحة في التوحيد، وفي مدح الأئمّة، وفي المواعظ الحسنة، كان معاصراً للسعدي مصلح الدين، وبينهما مخالطة وصداقة. قيل:

زاره السعدي ببيرجند، - ولعلّه كان في سفر سياحة السعدي(1) - دفن في مقبرة أعلي البرجند، تحت طريق النهار جونات، وقبره معروف مخروب، ورأيت في عنفوان شبابي، عليه بناء وعمارة، قيل: أمر بعض الأمراء بتخريبه.

ومنهم: المورّخ الرُوْيُخْتي، ورويخت - بضمّ الراء وسكون الواو، ثمّ ضمّ الياء المثنّاة التحتانيّة، وسكون الخاء المعجمة، مختوماً بالتاء المثنّاة الفوقانيّة - من قري قائن قرب بيرجند. يظهر من النقول عن تاريخه أنّه كان تاريخاً مفيداً، ذهب بالحوادث.

ومنهم: المولي بلال الشاخني القائني، له كتب في علوم عديدة من المنطق وغيره، ذهبت فيما ضاعت من الكتب.

ومن العجائب، ما حدّثني بعض الثقات من العلماء، قال: رأيت في الرؤيا قبل أن أسمع من أحد ذكر المولي بلال، وأنّه كان من العلماء، ووصفه بأنّه كان كذا وكذا في شمائله، ورأيت له مجلساً كان مجمعاً لكثير من أهل العلم فقرأ هذا الشعر بالفارسيّة:

********

(1) . نسبته إلي سعد الدين بن زنگي وإلي شيراز كان أبوه ملازماً للوالي فلذا تخلّص به كما في مجالس القاضي، زنگي اسم كانوا يسمّون به.

ص: 34

اين مجلس ما مجلس عيش و طرب است در شاخن(1) و اين گونه مجالس عجب است

ورأيت في بعض الكتب أنّه نسب إليه هذا البيت:

آنچه نه قال اللّه وقال الرسول فضل نبود، فضله دان اي بوالفضول

ومنهم: الحاج المولي محمّد عليّ القائني، رأيت إجازة الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء له ووصفه عجيباً، صرّح فيها باجتهاده وهي عندي.

ومنهم: العلم العامل الزاهد المولي محمّد باقر القائني، من أجداد العبد، يذكر له كرامات وهو من علماء عهد نادرشاه، ولم أقف له علي تصنيف، ولا علي مشايخه في القراءة والإجازة، لما ذهبت كتبه الجمّة، وكانت كثيرة عجيبة نفيسة علي ما سمعت من شيوخ هذه البلاد، ويشهد به ما وصلت إلينا من بقيّة التحريق والإغارة.

ومنهم: منصور بن دُرست وقد تقدّم عن ناصر العلوي مدحه البليغ.

ومنهم: الشيخ حسين القائني من القدماء، صنّف كتاباً في اُصول أخبار آل الرسول.

ومنهم: المولي عبدالعليّ بن الحسين البرجندي شارح تذكرة الخواجة نصيرالدين الطوسي و رسالة الاسطرلاب، وله تعليق علي شرح الچغميني، وهذه الثلاثة في خزانة كتبي، وله كتاب المسالك والممالك يحكي عنه المحقّق المسمّي بالداماد في الرواشح السماويّة بالاعتماد، ويظهر من الشيخ البهائي في كشكوله أنّه لم يكن له نظير في النجوم والهيئة.

********

(1) . شاخن: قرية من قري قائن.

ص: 35

ورأيت منه كتاباً في الفقه الحنفي، ولعلّه كان اتّقاء منه، وإلّا فاسمه واسم أبيه وعلوّ مقامه ودفنه في مقتل المشهد الرضوي، علي مشرّفه آلاف السلام، شواهد علي تشيّعه، حشره اللّه مع مواليه، وكان قبل زمان البهائي بقليل.

وفرغ من تصنيف شرح التذكرة بعد التسعمائة إلي غير ذلك من أعاظم علماء قائن، ليس هنا مجال للتطويل فيهم.

فائدة: قامت الحرب علي ساق واحدة(1)، وكثر الجدال والقيل والقال حتّي ملأ قلوب الرجال بين فريقين من الإماميّة الاثني عشريّة، الطائفة المحقّة، السالكة مسلك الشريعة المحمّديّة، وانقسموا إلي قسمين: المجتهدين الأصوليّين والأخباريّين، وكثرت التصانيف من الجانبينِ علي ردّ الآخر، والأحسن سدل الحجاب وسدّ الباب، وقطع الخطاب، وكما قاله الشيخ يوسف في حدائقه الناضرة.

وهو كتاب جليل، لا يقوم بقيمته غير حدائق الجنّة، وقد حدّثني بعض أجلّاء السادات من تلاميذ شيخنا الموفّق المدقّق الذي لا مثيل له، المرتضي الأنصاري قدس سره من أهل تستر: أنّ الشيخ المذكور لم يملك كتاباً غير تصانيفه العالية، وغير الحدائق، فإنّه أجلس كاتباً كتب له كلّ مجلّداتها. والعبد كثير التأسّف علي أنّه لم يتمّ، وقيل: أتمّه بعض علماء البحرين(2)، وبمثله نادرته

********

(1) . وقوله تعالي: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أي عن شدّة كما يقال: قامتِ الحربُ علي ساقٍ. تاج العروس ج 25 ص 471 (ط الكويت).

(2) . كتاب الحدائق الناضرة من أوّل الطهارة إلي أواسط الظهار، من توابع الطلاق، وكتب تكملة له الشيخ حسين بن محمد آل منصور متّبعاً خُطي عمّه وطريقة بحثه واسماً له ب: «عيون الحقائق الناظرة في تتمّة الحدائق الناضرة» انظر: الحدائق الناضرة ج 25 ص 683.

ص: 36

درّته، درّته النجفيّة واللؤلؤة، وقد شرحناه في رسالة المُحاكمة بين الفريقين وذكر الفروق بينهما في الرسالة الموسومة: بإيضاح الطريق وفصّ العقيق.

وأفاده أيضاً الشيخ الأكبر كاشف الغطاء، في رسالة الحقّ المبين فقال: وبعد النظر في البين يظهر الرجوع لكلّ منهما إلي أحد الثقلين، فإنّ المجتهدين وإن لم يرجعوا إلي الأخبار، ولم يعوّلوا علي ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله والأئمّة الأطهار، مرقوا عن الدين، ولم يوافقوا شريعة سيّد المرسلين، والأخباريّة إن لم يجتهدوا في المقدّمات التي يتوقّف عليها فهم الأخبار والروايات، خرجوا عن طريقة الإماميّة، ولم يسلكوا مسلك الفرقة المُحقّة الجعفريّة، فمرجع الجانبين إلي ما روي عن سادات الثقلين، فالمجتهد أخباريّ عند التحقيق، والأخباريّ مجتهد بعد النظر الدقيق، فضلاء الطرفين، بلطف اللّه ناجون، واصلون إلي الحقّ، والقاصرون والجهّال المقصّرون والطاعنون علي المجتهدين المشيّدين لأركان الدين هالكون، انتهي.

وهذا الكلام يليق أن يكتب بالنور علي جباه الحور.

وأفاد المحقق القمّي الذي يعبّر عنه في كتب الكرباسي والفاضل الدربندي:

بالمحقّق الثالث في مسألة الاجتهاد والتقليد من قوانينه، أنّه لا فرق بينهما، فهل تري، أنّ العلّامة الحلّي لا يجوز تقليده لأنّه أُصوليّ؟! أو الشيخ الحرّ لا يجوز تقليده لأنّه أخباريّ؟! فكلّ محقّ تابع لما أقاده إليه الكتاب والسنّة، وليس الاختلاف بينهما في بعض المسائل، إلّاكالاختلاف بين أفراد المجتهدين، والاختلاف بين أفراد الأخباريّين كالصدوق ومعاصريه، والفيض وشاكليه.

نعم، المقتصرون علي تحقيق مباحث الأصول المعرضون عن أخبار آل

ص: 37

الرسول الذين يناسبهم قول القائل:

ألهت بني تغلب عن كلّ مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

وكوادِن الأخباريّين الحمقي - الذين يقولون: نعمل بقول عامل اللِّبن والجصّ إذا جاء من البدو وقال: حدّثني جعفر بن محمّد الصادق ولم نعرفه، كما وجدناه في كتاب لبعضهم - مخطئون غير جديرين لنكلّمهم، وهما الذين أشار إليهما كاشف الغطاء فيما تقدّم، ولكنّهما لا يوجدان في فقهائنا والحمد للّه.

فائدة: الأقرب عدم الحاجة في العمل والفتوي إلي الإجازة والقراءة، وعليه شواهد من العقل والنقل في الكافي وغيره، وقال الشيخ إبراهيم القطيفي - المعاصر للمحقّق الثاني والمعارض له - وبعض من تقدّم عليه بالاحتياج إليها تعبّداً، ومال إليه شيخنا النوري في مستدرك الوسائل. نعم، وهو الأحوط نظراً إلي اهتمام القدماء بها، والسفر في طلبها، وبسط الكلام فيه في أوّل بحار الأنوار، والمحصّل ما ذكرناه.

فصل:

فأجزت له أدام اللّه أيّام إفاداته وتوفيقاته أن يروي عنّي جميع ما صحّت لي روايته وقراءته والعمل بها، وهي جميع الكتب الرّائجة في كلّ فنّ من التفاسير والأخبار، والدراية والرجال، والعلوم الأدبيّة والآليّة، والكلام والحكمة، والطبّ والنجوم، ولعلّه لا يفوت من الكتب المأنوسة المحتاج إليها في كلّ فنّ إلّاقليل من الشاذ النادر، واللّه ولي السّرائر. والعبد وإن لم يكن لها أهلاً، بل السيّد الأجلّ الأوحد حقيق بأن يستجيز العبد منه مدّ ظلّه، ولكنّي امتثلت أمره المطاع، ورجوت بذلك دعاءه في العاجل وشفاعته في الآجل، وكذلك أجزت له -

ص: 38

سلّمه اللّه تعالي - أن يروي عنّي جميع ما رقّمه قلمي، وتفوّه به فمي، فهي كتب ورسائل عديدة تنيف علي ثلاثين.

منها: وثيقة الفقهاء، مفصّل في مجلّدين ضخمين إلي آخر الصوم.

ومنها: تعليقة علي رياض المسائل.

ومنها: العين الباصرة في شرح التبصرة.

ومنها: فصّ العقيق في إيضاح الطريق إلي الاستنباط.

ومنها: لبّ الخطاب في ردّ أهل الكتاب.

ومنها: الصمصام المهدوي في ردّ رسالة الهروي، الرضوي النسب، عمريّ المشرب.

ومنها: إكفاء المكائد في الردّ علي الصوفيّة، وخاصةً الصوفيّ المعاصر، وفيه نوادر وردّ إجمالي علي الفرقة الضالّة المستحدثة البابيّة.

ومنها: المستطرف في المعقول والمنقول.

ومنها: الفوائد الكاظميّة.

ومنها: العوائد القرويّة في شرح الفوائد الغرويّة في فنّي الرجال والدراية، وهي غير الفوائد الغرويّة التي للمولي محمّد تقيّ الهرويّ النجفي، من تلاميذ الشيخ محمّد تقيّ الأصفهاني الأيوان كيفي؛ صاحب الحاشية علي المعالم.

ومنها: نور المعرفة و بداية المعرفة؛ كلاهما في الكلام والحكمة النظريّة والعمليّة.

ومنها: الكبريت الأحمر في شرائط المنبر، وفيه اندرج مكين الأساس في أحوال أبي الفضل العبّاس عليه السلام.

ص: 39

ومنها: رسالة السير والسلوك في كيفيّة التحصيل والعمل.

ومنها: ذخيرة المعاد في الإجازة لأفلاذ الأكباد؛ مشتملة علي جميع طرقي إلي صاحبي الكتب، وبيان حال كثير منهم.

ومنها: الحواشي علي جملة من كتب الأصول، متفرّقة.

ومنها: المسائل سمّاه بعض تلاميذي: بجامع الفقه.

ومنها: رسالة في طلاق الحاكم زوجة الغائب، وافقنا فيها الوافي، و الحدائق، و العروة الوثقي.

ومنها: رسالة في إرث الزوجة، وإثبات السند الصحيح لمقطوعة عمر بن اُذينة طبقاً لما كتبه سيّدنا السند الأوحد، مالك أزمة التبحّر والتحقيق في فنون عديدة، صاحب التصانيف النافعة الرشيقة، نادرة عصره وأوانه، وعلّامة وقته وزمانه، السيّد حسن الصدر الكاظمي، بن السيّد العلّامة الواصل إلي رحمة ربّه الهادي السيّد هادي - دام علاه وزيد تقواه - والعبد كتبها قبل الاطّلاع علي رسالته الشريفة، فلمّا رأيتها وجدتها كفرسي رهان، ورضيعي لبان.

فائدة: قال في أمل الآمل نقلاً من الشيخ حسن بن الشهيد الثاني في إجازته للسيّد نجم الدين وولديه: إنّ الطرق علي كثرتها وانتشارها قد انحصر المهمّ منها في ثلاثة مواضع، فصارت ثلاث مراتب:

الأولي: مرتبة المتقدّمين علي الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله، فإنّ الرواية عنهم بعد انتشارها بسبب تكثّرهم قد عادت إلي الانحصار، من حيث أنّ أكثر الطرق المتّصلة بهم تجتمع في الرواية في الشيخ رحمه الله، ثمّ تأخذ في التفرّق عليهم.

الثانية: مرتبة من تأخّر عن الشيخ وتقدّم علي الشهيد الأوّل، فإنّ الحال في

ص: 40

انتشارها واجتماعها كالأولي.

الثالثة: مرتبة من تأخر عن الشهيد الأوّل رحمه الله إلي عهد شيخنا المبرور المقدّس الشهيد الثاني والدي زين الملّة والدين قدّس اللّه نفسه، فحالها كحال الأُوليين، ثمّ ذكر الطرق، وذكر أنّ جملة منها تتّصل عن غير المشايخ الثلاثة بمن تقدّمهم انتهي.

أقول: يظهر من هذا، اهتمام القدماء والمتأخّرين من العلماء بحفظ الأسانيد وضبط الأخبار احترازاً عن خلط الغثّ بالسمين، والصدق بالمَيْن(1) فيورث قوّة إلي قوّة ما عملوا به، وإن وجدناها مودعة في كتبهم بسند ضعيف، نعم مجرّد الرواية لا يكون دليل علي العمل، كما صرّح به الشيخ في عدّة الأصول ويشير إليه كلام شيخنا الصدوق في أوّل الفقيه.

ثمّ أقول: ولها مرتبتان مؤخّرتان، فالمرتبة الرابعة، أنّها تجتمع غالباً في العلّامة المجلسي. والخامسة، اجتماعها في شيخنا العلّامة النوري قدس سره، كما يظهر من الشجرة، إلّاأنّ للعبد طرقاً تضاف إليها كما سيظهر إن شاء اللّه.

فائدة: فنّ الحديث ودرايته بعد معرفة اللّه عزّ وجلّ واُمنائه عليهم السلام، وتفسير الكتاب الكريم أفضل ما تصرّف فيه الأحرار ويذهب عليه الليل والنهار، وفي ذلك لعبرة لأولي الأبصار، وقامت عليه الأدلّة الأربعة قال اللّه سبحانه: (فَبَشِّرْ عِبادِ * اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ اَلَّذِينَ هَداهُمُ اَللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبابِ) (2)، وقال عزّ من قائل: (أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ

********

(1) . المَيْن: الكذب، اللسان ج 13 ص 425.

(2) . الزمر/ 17-18.

ص: 41

مِنْكُمْ) (1) والإطاعة فرع معرفة أوامرهم ونواهيهم، وأكثرها يؤخذ من السنّة وكفاك من السنّة حديث الثقلين، المتواتر بين الفريقين، والمرويّ في صحيح مسلم وغيره(2) وصرّح صلي الله عليه و آله فيه بأنّ الخروج عنهما ضلالة. وقول الحجّة: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه(3).

ومن إضافة الحديث إلي لفظة «أنا» يظهر شدّة الاحتياج إلي فَنّي الدراية والرجال كما نبّه عليه في الذكري. فإنّ الأوّل يبحث عن حال السند كليّاً، كالبحث عن تمييز المشتركات، ومعاني الألفاظ الواردة في مقام المدح والقدح، ومعني الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عنه وعلاج التعارض إلي غير ذلك. وكلّ ذلك خلافيّ، ليست المسائل الخلافيّة فيها بأقلّ من المسائل الخلافيّة في الأصول.

والثاني يبحث عن ترجمة الرجال جزئيّاً، فهو كفنّ اللغة، واختلفوا كذلك فيها كثيراً، حتّي الفقيه الواحد في كتابيه، فمن يقلّد وفي أيّ كتاب، والحجّة الظنّ القويّ المستقر، فلا تكن من الكسِلين المترفين.

فقد وجدنا بعد الفحص في الأبواب المناسبة والفهارس؛ أسناد صحيحة بمصطلح المتأخّرين لروايات طرحت بضعف السند في كتب الاستدلال، بل قال التقيّ المجلسي في شرح الفقيه: ما من حديث في كتب الأخبار، إلّاوقد

********

(1) . النساء/ 59.

(2) . صحيح مسلم بشرح النووي ج 15 ص 181، صحيح مسلم ج 5 ص 26.

(3) . كمال الدين ج 2 ص 4/483، وسائل الشيعة ج 27 ص 140، البيع للإمام الخميني ج 2 ص 635، الغيبة ص 247/290.

ص: 42

وجدت له سنداً صحيحاً غير قليل، لا يبلغ عشرة.

وقال النبي صلي الله عليه و آله: «اللّهمّ ارحم خلفائي»، قيل يا رسول اللّه، ومن خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسنّتي، ويعلّمونها الناس بعدي»(1).

والكلام في الاضافة إلي الضمير كسابقه، وقالوا عليهم السلام في قوله: (فَلْيَنْظُرِ اَلْإِنْسانُ إِلي طَعامِهِ) (2) أراد تعالي علمه الذي أخذه عمّن يأخذه(3). وقالوا: «اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من روايتهم عنّا»(4).

وفي رواية الصدوق في أوّل معاني الأخبار، قال: قيمة المرء بقدر درايته للروايات(5) وقالوا: «هل الدين إلّامعرفة الرجال؟!» وله احتمال آخر، وقد بسطنا القول في شرافة فَنّي الحديث والدراية الشاملة للرجال في الفوائد الكاظميّة، وشرح الفوائد الغرويّة للسيّد الأجلّ المعاصر المتوفّي في سفر الحجّ والمدفون في كراچي قدس سره، وهو أخذهما من الكرباسي صاحب الإشارات والمنهاج وشرح الكفاية، لقب بذلك لكون والده المولي محمّد حسن الكاخكي - وكاخك جار للقائن من الجنابد - إماماً في مسجد الكرباس، بناه بعض المقدّسين بهرات من قيمة الكرباس الحلال، وتحريفه بالكلباس خطأ،

********

(1) . من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 915/302، وسائل الشيعة ج 27 ص 91، عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 94/36، معاني الأخبار ص 374، الأمالي ص 152، عوالي اللآلئ ج 4 ص 64، صحيفة الرضا ص 73/56، مستدرك الوسائل ج 17 ص 287.

(2) . عبس/ 24.

(3) . الكافي ج 1 ص 39، الاختصاص ص 4، البرهان ج 8 ص 214.

(4) . الكافي ج 1 ص 50، اختيار معرفة الرجال ص 3.

(5) . معاني الأخبار ص 1.

ص: 43

صدر حتّي من شيخنا النوري في شجرة الإجازة، وهي أوّل ما صنّفه كما ذكره للعبد.

ومن السيّد الأوحد المسمّي حجّة الإسلام الرشتي الأصفهاني، له رسائل عديدة تبلغ خمسين في الرجال، ضمّن المرحوم المولي علي الكنيّ الطهرانيّ ما وصلت إليه في كتابه إيضاح المقال، وعندي عدّة منها مثل: رسالة حال أبي بصير ورسالة من أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، و رسالة حال الأحمر(1) وغير ذلك. ونقل لي بعض العلماء الثقات أنّ الشيخ الأكبر الأنصاري قد استجازه وأراه الفرائد الأصوليّة، فأبي معتذراً بأنّ رجالك ناقص، فكتب الشيخ بعده كتاب الرجال، وهو في ستّة آلاف بيت، ومقصورة علي جمع أصول الرجال، خالٍ عن التحقيق، ولذا لم يرض مصنّفه رحمه الله بنشره، ومنه نسخة عند بعض الطلّاب ببلدة الكاظمين.

فصل

فمن طرقي: ما أخبرني لساناً وكتباً شيخي واُستاذي، الذي قرأت الفقه عليه في الغريّ، العلّامة الفهّامة فقيه العصابة آغا آخوند المولي محمّد الإيرواني الغروي الذي قال لنا: أنا أيضاً قرأت وكتبت ما يشتغلون به من تحقيق الزوائد الأصوليّة كمبحث وضع الحروف والإرادة، وتعارض أحوال الحقيقة والمجاز، وأقسام الحسن والقبح، ولكنّه لا يجوز أن يشتغل به من يريد أن يرجع إلي العجم، ويفتي في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلي الديات، طول عمره وزمان

********

(1) . هو أبان بن عثمان الأحمر، رجال النجاشي ص 8/13، الفهرست ص 62/18، منتهي المقال ج 1 ص 136.

ص: 44

إقامته؛ عن شيخه الشيخ الفقيه، الشيخ محمّد حسن بن الشيخ باقر النجفي، عن شيخه السيّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة، عن السيّد مهدي الطباطبائي بحر العلوم عن الأستاذ الوحيد الآغا محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني، عن أبيه، الذي قال الآغا في حقّه: إنّه كان أفضل أهل عصره علماً وعملاً، عن العلّامة المجلسي، عن أبيه. ومنها: ما أخبرني إجازة لفظاً وكتباً لي بسرّ من رأي، الشيخ العالم الكامل، مجلسيّ زمانه حجّة الإسلام وملاذ الأنام، المحلّي بكلّ زين، والمبرّأ عن الشين الميرزا حسين ابن الحبر الألمعي الميرزا محمّد تقي النوري الطبرسي، صاحب دلائل العباد في شرح الإرشاد عن شيخه الذي أخذ منه الدراية والرجال، الشيخ عبدالحسين الطهراني، عن المولي حسين التوسركاني، عن اُستاذه الشيخ محمّد تقي صاحب الحاشية، عن الشيخ جعفر النجفي، عن الآغا باقر البهبهاني، عن أبيه محمّد أكمل عن الآغا جمال الدين الخونساري، عن أبيه اُستاذ الكلّ الآغا حسين، عن المولي محمّد تقي المجلسي، عن الشيخ بهاء الملّة والدين، عن أبيه الحسين بن عبدالصمد الحارثي، عن الشيخ زين الدين بن علي الشامي؛ المشتهر بالشهيد الثاني، عن الشيخ عليّ بن عبدالعالي الميسي، عن الشيخ عليّ بن عبدالعالي الكركي؛ المشتهر بالمحقق الثاني، عن الشيخ عليّ بن هلال الجزائري، عن أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي، عن الشيخ عليّ بن الخازن، عن الشيخ الأجلّ محمّد بن مكّي العاملي الجزّيني - بكسر الجيم وتشديد الزّاي المعجمة - وكانوا يسمّون مَن ولد بطريق مكّة المعظمة بمكّيّ، وله رواية عن ألف عالم، وروي مصنّفات العامّة عن نحو أربعين شيخاً من علمائهم، عن السيّد عليّ بن محمّد بن زهرة،

ص: 45

عن العلّامة الحلّي حسن بن يوسف، عن جمال الدين أحمد بن طاووس، عن محمّد بن معدّ الموسوي، عن برهان الدين محمّد بن محمّد القزويني، عن الشيخ منتجب الدين عليّ بن عبيداللّه بن بابويه، عن أبيه عبيداللّه، عن أبيه الحسن، عن أبيه الحسين، عن أبيه الحسن، عن أبيه الحسين بن بابويه، عن أبيه الحسين بن عليّ بن بابويه، عن أبيه عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه والد الصدوق، عن محمّد بن يعقوب الكليني؛ بضمّ الكاف: قرية بالري يشاهد من بلدة عبدالعظيم الحسني، وبها قبر أبيه، وبجنبها قرية اُخري يقال لها: كلين كأمير، واشتبه علي الفيروزآبادي في القاموس(1).

وحدّثني شيخنا النوري نوّر اللّه مرقده - نوراً علي نور كونه بالصفّة الواقعة في جهة قبلة صحن النجف الأشرف - عن الشيخ الأكبر المحقّق المدقّق الأنصاري قدس سره بحقّ إجازته، عن السيّد صدر الدين محمّد العاملي، الذي له حواشٍ شريفة نافعة علي منتهي المقال لأبي علي الحائري، جمعها السيّد السند العلّامة السيّد حسن الصدر الكاظمي مدّ ظلّه العالي، عن أبيه السيّد صالح، عن أبيه السيّد محمّد بن زين العابدين، عن الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي صاحب الوسائل، عن العلّامة المجلسي، بأسانيده المودّعة في أوّل الأربعين حديثاً، والمجلّد الخامس والعشرين من بحار الأنوار.

ومن طرقي: ما أخبرني به إجازة شيخنا النوري المتقدّم، عن الشيخ المحقّق الأنصاري قدس سره، عن مولانا الحاج المولي أحمد بن مهدي النراقي - بكسر النون - من محالّ قاشان من بلاد أصفهان، لا قاشان ما وراء النهر، الذي منه صاحب

********

(1) . القاموس المحيط ص 1584، مؤسسة الرسالة، تاج العروس ج 36 ص 6 (ط الكويت).

ص: 46

التأويلات المولي عبدالرزاق علي الأظهر، وإن قيل: إنّه أيضاً من الاُولي، عن أبيه المولي مهدي بن أبي ذرّ، عن الآغا محمّد باقر البهبهاني، عن الشيخ يوسف البحريني صاحب الحدائق، عن الشيخ الأجلّ الأفخر الشيخ حسين الماحوزي - بالحاء المهملة والزاء المعجمة - بن الشيخ محمّد بن جعفر البحريني، عن الشيخ سليمان(1) الماحوزي، عن السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل التوبلي(2) البحريني، صاحب تفسير البرهان، و معالم الزلفي، و مدينة المعاجز، و غاية المرام، و ترتيب التهذيب مجلّدات، ذكر كلّ رواية في باب يناسبها، وهذا الذي كان بعض معاصريه من علماء البحرين يسمّيه تخريب التهذيب، وهو غير كتابه الآخر الموسوم بتنبيهات الأريب في رجال التهذيب.

وقد نبّه فيه علي أغلاط عديدة لا تكاد تحصي كثرة، ممّا وقع للشيخ رحمه الله في أسانيد أخبار الكتاب المذكورة ومتونها، وهو كتاب كبير عجيب، يجب علي المستنبط المتوسّط الرجوع إليه بل الكامل، ليسلم عن التغافل، فقد وجدنا كثيراً من ذلك في الكتب الاستدلاليّة، واحترز من التصريح بأسمائها مخافة أن يكون من الإشاعة المنهيّة، والمتدرّب تكفيه الإشارة.

وقد اطّلعنا علي هذا الكتاب الشريف في خزانة كتب سيّدنا وسندنا المحقّق الألمعي السيّد حسن الصدر للموسوي زيد علاه، وإن كان المفيد بمثله منتقي الجمان لصاحب المعالم، لكنّه غير واف في ذلك، إضافة إلي أنّه لم يخرج منه إلّا العبادات، واللّه الموفّق الرافع للدرجات، عن الشيخ فخرالدين بن طريح

********

(1) . ابن الشيخ عبداللّه السراوي.

(2) . بالتاء المثنّاة من فوق، ثمّ الباء الموحّدة، ثمّ اللام، ثمّ الياء من أصل الاسم كما ضبطه، ويقال: الكتكاني وكتكان - بفتح الكاف والتاء المثنّاة الفوقانيّة -: قرية من قري توبل، من أعمال البحرين.

ص: 47

النجفي، صاحب مجمع البحرين، جيّد إلّاأنّه غير مستوفٍ وفيه أغلاط، فذكر:

ألق الدواة في ألق، وميثم في مثم، إلي غير ذلك، عن الشيخ جعفر بن جابر، عن الأمير شرف الدين، عن الميرزا محمّد الإسترآبادي، صاحب الكتب الثلاثة في الرجال وله حواشٍ نافعة علي الوسيط، وهو عندي كالكبير، وينبغي أن يعدّ الصغير وجيزة المجلسي؛ لما لا يخفي، عن الشيخ إبراهيم بن عليّ بن عبدالعالي الميسي، عن الشيخ عليّ بن عبدالعالي الكركي، عن محمّد بن خاتون، عن أحمد بن الحاج عليّ العيناني، عن الشيخ جعفر بن الحسام، عن السيّد حسن بن أيّوب المعروف بابن يوسف نجم الدين، عن فخر المحقّقين محمّد بن الحسن العلّامة، عن الشيخ عليّ بن يوسف الحلّي أخي العلّامة، عن نجم الملّة والدين جعفر بن سعيد، المدعوّ بالمحقق، عن فخّار بن معدّ بن فخّار الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن محمّد بن أبي القاسم الطبري، صاحب بشارة المصطفي، عن أبي عليّ، الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي، عن أبيه شيخ الطائفة، عن الشيخ السديد محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد، عن الشيخ الصدوق، محمّد بن عليّ بن بابويه، عن أبيه عليّ بن موسي، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن مشايخه المودّعين في الجامع الكبير، المعروف بالكافي الذي شهد المولي خليل القزويني في شرحه أنّه عرض علي الحجّة عجّل اللّه فرجه، والقرائن الاطمئنانيّة تشهد به، كما بسطه شيخنا النوري في خاتمة مستدرك الوسائل، ونقل الحرّ في آخر هداية الاُمّة أنّ الكليني تشرّف بلقاء الحجّة المنتظر، ولا يبعد، لأنّه أدرك السفراء الأربعة، بل قليلاً من زمن الإمام العسكري.

ص: 48

وقال ابن طاووس في كتاب الوصايا: إنّه كان في زمن يتمكّن من تحصيل الواقع الصحيح، واللّه العالم. وبهذا ظهر أسناد أكثر الأخبار، خصوصاً أخبار الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار، كالشمس في رابعة النهار.

ومن طرقي، المولي لطف اللّه المازندراني، والشيخ محمّد المامقاني، والشيخ جعفر التستري جميعاً عن صاحب الجواهر بأسانيده.

ومن طرقي: عن السيّد العلّامة المتبحّر حسن بن السيّد هادي الكاظمي سلّمه اللّه تعالي، وأخي العالم العامل الأكبر الشيخ محمّد بن إبراهيم، عن الميرزا حبيب اللّه الرشتي، المدفون بالغريّ، صاحب البدائع في الأصول الذي قرأناه عليه، عن شيخه المحقّق الأنصاري بأسانيده.

ومن طرقي: عن الشيخ الفقيه الفاضل المولي، عليّ أصغر بن المولي محمّد حسن البرجندي، إمام الجمعة والجماعة، شارح المختصر النافع بحقّ إجازته لساناً وكتباً، عن المولي محمّد مهدي بن الحاج محمّد إبراهيم بن العالم محمّد حسن، إمام مسجد الكرباس بهرات، عن أبيه الحاج محمّد إبراهيم، وعن شيخه المحقّق القمقام، حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر بن السيّد محمّد تقي الرشتي الأصفهاني، المذكور في أوّل الصحيفة الكاملة زبور أهل البيت عليهم السلام جميعاً، عن صاحب الرياض عن خاله الآغا البهبهاني بأسانيده المتّصلة إلي المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين وأراني خطوطها وتصريحها باجتهاده، كالسيّد حسن المدرّس، والشيخ راضي النجفي بن الشيخ محمّد، والشيخ مهدي النجفي.

ومن طرقي: عن العالم الكامل اللّطيف محمّد رضا الشريف الحسيني

ص: 49

الكميلي النخعي بن العالم الفاضل المولي محمّد باقر بن المولي الأجلّ، عبداللّه ابن المولي محمّد رضا من ولد المولي عبداللّه التوني، صاحب الوافية التي شرحها السيّد الصدر القمي، وهما عندي في إجازته الكبيرة التي كتبها لي وسمّاها: بالدرّ المنظوم، في الإجازة لمحمّد باقر العلوم جميعاً عن فحل الفحول جامع المعقول والمنقول، ذي الأفكار الدقيقة، والأنظار العميقة، صاحب كفاية الأُصول، المولي محمّد كاظم بن محمّد حسين الهروي النجفي، عن السيّد الأجلّ الأكمل صاحب الكرامات الشريفة، ومصنّف الكتب الكثيرة اللطيفة، السيّد مهدي القزويني الحلّي، عن عمّه صاحب المقامات المشهورة، السيّد محمّدباقر القزويني الغرويّ، عن خاله السيّد مهدي بحر العلوم بأسانيده، عن مشايخه الوفيرة، منهم: المحقّق الوحيد البهبهاني، وهي مجموعة عندي منضمّة إلي فوائده الرجاليّة.

وعن الأخير منهما سلّمه اللّه تعالي عن شيخه الخبير المحقّق، سليل الأفاخم السيّد محمّد كاظم الكثنوي اليزدي، عن قبلة الأنام، السحاب الماطر، الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني (مخفّف آصف هان قول النبيّ سليمان عليه السلام)، عن شيخيه الجليلين: المحقّق الأنصاري، وخاله الشيخ حسن بن الشيخ جعفر النجفي.

وللعبد إجازة أيضاً عن العالم العامل الشيخ محمّد الإسترآبادي، عن الشيخ محمّد باقر الأصفهاني في المتقدّم.

ص: 50

فصل

فصل(1)

وأمّا كتب العامّة:

فمن طرقي إليها(2): بأسانيدنا عن التقيّ المجلسي، عن شيخه البهائي رحمه الله، عن محمّد بن محمّد بن عبداللطيف المقدسي، عن أبيه، عن شيخه كمال الدين، محمّد بن أبي شريف، عن أبي الفتح، محمّد بن أبي بكر، عن محمّد المراغي، عن محمّد بن إسماعيل القرشيدي، عن السيّد محمّد بن سيف الدين، عن قاضي القضاة، محمّد بن مسلم بن محمّد بن مالك الحسيني، عن محمّد بن عبدالواحد المقدسي، عن أبي طاهر محمّد بن عبدالواحد البزّاز، عن محمّد بن أحمد بن حمدان، عن محمّد بن التميم، عن محمّد بن يوسف العزيزي، عن محمّد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح، بصحيحه وسائر كتبه.

ح:(3) وعن محمّد بن محمّد بن عبداللطيف، عن جدّه لأُمّه تقيّ الدين القرشيدي عن أحمد بن سعيد القلانسي، عن إبراهيم بن عبدالرحمن الشافعي، عن عبداللّه بن عبدالواحد المقدسي، عن محمّد بن محمّد بن عليّ بن صدقة البحريني، عن محمّد بن المفضّل بن أحمد الصاعدي، عن عبدالغافر بن محمّد الفارسي، عن محمّد بن عيسي الجلودي، عن إبراهيم بن محمّد بن سفيان، عن مسلم بن الحجّاج النيسابوري، بصحيحه وكتبه.

********

(1) . أكثر هذه الطرق موجودة في لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث للشيخ المحدّث البحراني، وهكذا في خاتمة الوسائل ج 20 ص 49.

(2) . لؤلؤة البحرين ص 434.

(3) . ح: مخفّف حيلولة، علامة التحويل إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر، تامّان أو ناقصان، كتبوهاعند الانتقال من سند إلي آخر (وصول الأخيار ص 200) أو قل رمز التحوّل والانتقال أو الحيلولة من إسناد إلي آخر لمتن واحد (الوجيزة في الرجال ص 9).

ص: 51

ح:(1) وبالأسانيد عن العلّامة الحلّي، عن أبيه، عن السيّد صفي الدين معدّ الموسوي (بتشديد الدال)، عن الشيخ نصير الدين راشد بن إبراهيم بن إسحاق البحريني، عن السيّد فضل اللّه الراوندي، عن الشيخ أبي المظفّر عبدالواحد بن أحمد بن محمّد بن رشيدة السكري بأصفهان، في داره بمحلّة شيمكان، عن سعد بن أبي سعيد، عن محمّد بن عمر بن شبويه، عن محمّد بن يوسف بن مطر، عن محمّد بن إسماعيل البخاري الخُرتنگي، بصحيحه وكتبه.

ح: وعن العلّامة الحلّي، عن أبيه، عن السيّد رضي الدين بن طاووس، عن الشيخ تاج الدين الحسن بن الدربي، عن رشيد الدين بن شهرآشوب المازندراني بكتبه، وما صحّت له إجازته، وعن ابن شهرآشوب، عن أبي عبداللّه محمّد الفرازي، عن عبدالغفّار النيسابوري، عن أبي أحمد الجلودي، عن أبي إسحاق، إبراهيم بن محمّد بن سفيان الفقيه، عن أبي الحسين، مسلم بن الحجّاج، بصحيحه وكتبه.

ح: وعن العلّامة الحلّي، عن أبيه، عن الشيخ علي بن محمّد المنداني الواسطي، عن أبيه، عن أمين الحضرة، هبة اللّه، عن أبي عليّ بن المذهّب، عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، عن أبي عبدالرحمن، عن أبيه، أحمد بن حنبل بمسنده.

ح: وعن العلّامة، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد المنداني، عن القاضي الحسين بن إبراهيم الفارقي، عن أحمد بن ثابت الخطيب، عن القاسم بن جعفر

********

(1) . ح: في اصطلاحهم رمز التحويل إلي سند آخر إلي المنتهي إليه. وقيل رمز إلي الحيلولة، ولذا قديصرّح بها وكلاهما قرئت، وضبطها بعضهم بالخاء يعني سند آخر.

ص: 52

الهاشمي، عن أبي عليّ اللؤلؤي، عن أبي داود السجستاني، بصحيحه.

ح: وعن المنداني، عن القاضي أبي طالب الكناني، عن أبي طاهر الباقلاني، عن عبدالغفّار، عن أبي عليّ الصحّاف، عن أبي عليّ الأسدي، عن أحمد بن محمّد النسائي، عن محمّد بن الحسن الشيباني، عن مالك بن أنس الأصبحي بموطّاه - بتشديد الطاء - ويعدّ من الصحاح.

ح: وعن العلّامة، عن ابن طاووس، عن أبي زهرة، عن أبي زكريّا يحيي بن بطريق الحلّي، عن الشريف الخطيب أبي يعلي حيدرة الهاشمي، عن الحميدي - بالتصغير - بالجمع بين الصحيحين.

ح: وعن ابن بطريق، عن عبداللّه بن منصور الباقلاني، عن الحسن بن زربي والعبدريّ - منسوب إلي عبدالدار -.

ح: وبالأسانيد المتقدّمة وغيرها، عن أحمد بن حنبل رئيس المذهب، عن شيخه وكيع بن جراح(1) وهو المراد بقول الشاعر:

شكوت إلي وكيع سوء حفظي فأرشدني إلي ترك المعاصي

وعلّله بأنّ العلم نور، ونور اللّه لا يؤتي عاصياً، عن شيخه سفيان، عن شيخه منصور، عن شيخه إبراهيم، عن شيخه علقمة، عن شيخه ابن مسعود، مسفوراتهم ورواياتهم عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله.

ح: وبالأسانيد عن الشهيد الثاني، عن شيخه شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي، قراءة عليهما، وإجازة صحيح البخاري ومسلم.

ح: وبالأسانيد عن الشهيد الأوّل، عن الشيخ جمال الدين أحمد الكوفي،

********

(1) . تهذيب التهذيب ج 6 ص 78، الثقات ج 7 ص 562.

ص: 53

عن الشيخ محمّد المصري، عن الشيخ زين الدين علي المربعي، عن الشيخ عزّ الدين حسين بن قتادة المدني، عن الشيخ مكين الدين يوسف بن عبدالرزاق الأنصاري، عن ناظم الشاطبيّة، منظومته في القراءة والتجويد، الموسومة:

ب حرز الأماني واشتريتها بمكّة المعظّمة.

ح: وبالأسانيد عن العلّامة الحلّي، عن الشيخ مهذّب الدين بن الحسين بن بُردة، عن محمّد بن الحسين بن عليّ بن عبدالصمد التميمي النيشابوري، عن أبيه، عن أبي منصور بن القاسم، عن البيشكي(1)، عن أبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري بكتاب صحاح اللغة.

ح: وبالأسانيد عن الصدوق بن بابويه، عن الخليل بن أحمد الإمامي بكتاب العين؛ لابتدائه بحرف العين، وجميع كتبه ورواياته عن المعصومين واللغويّين.

ح: وبالأسانيد عن شيخنا البهائي رحمه الله، عن محمّد بن عبداللطيف، عن أبيه، عن محمّد بن أبي الخير المصري، عن الحافظ أبي الفضل محمّد بن محمّد الهاشمي المكّي، عن محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي بجميع كتبه ومصنّفاته من القاموس وتنوير الاقتباس من تفسير ابن عبّاس، وهذا أيضاً عندي، وفيه تغييرات - فلا تغفل - وغيرهما، وكان مولده في شهر ربيع السنة التاسعة والعشرين بعد السبعمائة، ومات بزَبِيد ليلة العشرين من شهر شوّال السنة السابعة عشرة بعد الثمانمائة(2).

********

(1) . والصحيح ما في بحارالأنوار ج 104 ص 86 حيث كان: عن الأديب أبي منصور بن أبي القاسم البيشكي، عن المصنّف.

(2) . في مقدّمة القاموس المحيط طبع مؤسّسة الرسالة تنوير المقباس، واشتبه أيضاً علي المصنّف

ص: 54

ح: وبالأسانيد عن الشيخ يوسف صاحب الحدائق بأسانيده المودّعة في إجازته الموسومة بلؤلؤتي البحرين كثيراً من كتب العامّة، فلتؤخذ منه أو من عمدة ابن بطريق الحلّي، أو منتخب المناقب لابن شهرآشوب، وأمّا أصل المناقب فكان كتاباً كبيراً عظيماً جدّاً مشتملاً علي تاريخ الحجّة المنتظر عجّل اللّه فرجه كما يعلم من نقول العلماء عنه.

وإفادة عبقات الأنوار للسيّد الأجلّ المتبحّر حامد حسين الهندي بن السيّد محمّد قلي النيسابوري الهندي، وأروي كتبهما بالإجازة عن شيخنا النوري قدس سره، عن الولد، وعنه، وعن والده السيّد السند، وهي عدّة كتب منها: جميع مجلّدات عبقات الأنوار - عندي منها ستّة مجلّدات - و تشييد المطاعن، و طعن الرماح، و تقليب المكايد، و استقصاء الإفحام، و برق خاطف، و الصوارم الإلهيّة، و نزهة المؤمنين كلّها ردّ علي العامّة، أكثرها في ردّ التحفة الاثني عشريّة، لنصر اللّه الكابلي الهروي وكتبنا في ردّه الصمصام المهدوي، وأمّا الضربة الحيدريّة في ردّ رسالة الشوكة العمريّة، فهو لتلميذ السيّدين المتقدّمين، السيّد محمّد(1).

ومن طرقي: أخبرني المولي المحقّق المدقّق محمّد الشرابياني المجاور بالغريّ قراءةً وإجازة، عن الحبر العلّام والمحقّق القمقام الآغا السيّد حسين الترك عن السيّد إبراهيم القزويني، صاحب الضوابط والنتائج و شرح الشرائع،

********

(2) فوته «مات في زَبِيد، ليلة الثلاثاء من شوّال سنة 817 ه. روضات الجنّات ج 8 ص 92، بغية الوعاة ج 1 ص 273، ريحانة الأدب ج 4 ص 365، الضوء اللامع ج 10 ص 79، شذرات الذهب ج 7 ص 126، أنيس الجليس ج 2 ص 123.

(1) . للاطّلاع علي ترجمة المؤلِّفَيْن ومؤلّفاتهما راجع: مقدّمة تشييد المطاعن لكشف الضغائن، والكتاب مطبوع في خمسة عشر مجلّداً.

ص: 55

مختصر غير تامّ، عندي منه نسخة، عن المولي شريف المازندراني، عن السيّد محمّد المجاهد، عن أبيه السيّد عليّ الطباطبائي، عن خاله الوحيد البهبهاني.

ومن طرقي: المولي عليّ أصغر بن محمّد حسن القائني المتقدّم، عن السيّد حسن الأصفهاني المدرّس، عن الحاج محمّد إبراهيم الكرباسي، عن مشايخه منهم: الشيخ العارف، أحمد الأحسائي، ويقال في الصحيح: اللحسائي أيضاً - بالفتح في أوّلهما - عن صاحب الرياض، وهو مع سائر المشايخ، مذكورون في باب خبر الواحد من إشارات الأصول، وهو عندي، نادر الوجود لعدم طبعه، فذكر فيهم المحقّق القمي، والشيخ جعفر النجفي، والشيخ عبدالعليّ بن محمّد البحريني.

ح: وعن المولي عليّ أصغر، عن الميرزا هاشم بن السيّد زين العابدين الخوانساري، عن أبيه العلّامة العمّالة، عن أبيه السيّد أبي القاسم الموسوي، عن أبيه المحقّق السيّد حسين، عن مولانا محمّد الصادق بن المولي محمّد التنكابني الشهير بسراب، عن أبيه، عن المحقّق السميّ السبزواري، عن السيّد حسين الكركي العاملي، عن الشيخ البهائي.

فصل

وبأسانيدنا عن الشيخ أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد البغدادي التلعكبري - بفتح التاء المثنّاة من فوق - (وعُكبر كقنفذ: اسم رجل)، وأبي عبداللّه الحسين بن أبي عبداللّه الغضائري، وأحمد بن عبدون جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن سليمان أبي غالب الزراري، عن مؤدّبه، عليّ بن الحسين السعدآبادي، أبي الحسن القمي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي بكتب

ص: 56

المحاسن، قيل: وهي مائة كتاب، وهو كذلك، مسطورة في فهرست الشيخ ورجال الميرزا محمّد، وعدّدها النجاشي أقلّ من المائة بقليل، ثمّ قال: هذا الفهرست الذي ذكره محمّد بن جعفر بن بُطّة - بضم الباء - من كتب المحاسن، وذكر بعض أصحابنا أنّ له كتب اُخر. توفّي البرقي هذا في سنة أربع وسبعين ومائتين، وقيل: سنة ثمانين ومائتين(1)، وعندي من المحاسن جملة من كتبها.

ح: والشيخ الطوسي عن شيخه المفيد وجمع آخر، عن أبي المفضّل الشيباني، عن محمّد بن جعفر بن بطّة، عن البرقي بكتبه وروايته، وعن الشيخ الطوسي قدس سره، عن عدّة من شيوخه، عن أحمد بن محمّد بن عيّاش بكتاب:

مقتضب الأثر في عدد الأئمّة الاثني عشر، وكتاب: ما نزل من القرآن في صاحب الزمان، وكتاب: الأغسال وغيرها من كتبه ورواياته، وسمع منه النجاشي، ذكره الشيخ في رجاله في باب: من لم يرو عنهم، مات في سنة إحدي وأربعمائة.

ح: وبالأسانيد عن الشهيد، عن محمّد بن جعفر المشهدي، عن الشيخ الجليل ورّام بن أبي فراس، عن الإمام سديد الدين محمود الحمصي، عن السيّد الأجلّ أبي الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسيني، وذكر المتبحّرون: أنّهم لم يقفوا علي شيخ إجازة الحمصي، وأنّ شيخ قراءته في الفقه الإمام موفّق الدين الحسين بن الفتح، ولكنّي وجدته أبا الصمصام في إجازة التقيّ المجلسي. واللّه أعلم.

ح: وبالأسانيد عن السيّد أبي الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسيني رحمه الله، عن

********

(1) . رجال النجاشي ص 76، منتهي المقال ج 1 ص 319، الفهرست ص 65/20، خلاصة الرجال ص 7/14.

ص: 57

أبي العبّاس النجاشي، عن عليّ بن أحمد القميّ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن عليّ الصيرفي، عن حمّاد بن عيسي وعثمان بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس؛ يكنّي أبا صادق بكتابه.

ح: وعن الشيخ زرارة؛ وفي سند آخر: حمّاد وعثمان بن عيسي، عن أبان بن أبي عبّاس، عن سليم، ويظهر من الكافي و الخصال أنّ لهذا الكتاب أسانيد كثيرة، يؤيّدها أنّ جش(1) قال في أوّل كتابه: وذكرت لكلّ رجل طريقاً واحداً، حتّي لا تكثر الطرق، فيخرج عن العرض.

ح: وعن المجلسي الأوّل، عن المولي عبداللّه التستري، عن الشيخ نعمة اللّه ابن أحمد بن خاتون العاملي، عن أبيه، عن أبيه، عن الشيخ جمال الدين أحمد ابن الحاج عليّ العيناني، عن الشيخ زين الدين بن جعفر، عن السيّد حسن بن نجم المدني، عن شيخنا الشهيد محمّد بن مكّي.

ح: وعن المجلسي الثاني، عن المولي محسن، محمّد بن مرتضي الكاشاني الشهير بالفيض، عن صدر الحكماء المولي صدر الشيرازي، عن ثالث المعلّمين الأمير محمّد باقر بن الداماد، عن خاله الشيخ عبدالعالي، عن والده المحقّق الثاني عليّ بن عبدالعالي الكركي، وعن الكركي شيخه عليّ بن هلال الجزائري، عن أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي، عن الشيخ أحمد بن المتوّج البحريني، عن

********

(1) . جَش مخفّف النجاشي، وح مخفّف الحيلولة، وست مخفّف الفهرست، وكش مخفّف الكشي، وجخ مخفّف رجال الشيخ الطوسي، وصه مخفّف خلاصة الأقوال، هذه رموز رجاليّة للكتب، كما أنّ لأسامي الأئمة عليهم السلام أيضاً رموز فراجع تفصيلها في مقدّمة منتهي المقال ج 1 ص 7. وهذه الرموز متلقاة بالقبول عند الحائري والتفرشي والإسترآبادي في مجاميعهم الرجاليّة.

ص: 58

فخر المحققين محمّد بن الحسن العلّامة.

ح: وعن العلّامة المجلسي السميّ، عن المولي محمّد صالح المازندراني، عن الشيخ البهائي.

ح: وعن الكليني، عن عليّ بن إبراهيم تفسيره ورواياته.

ح: وعن شيخ الطائفة، عن أحمد بن الحسين بن عبداللّه الغضائري صاحب كتابي: الرجال و الغضائر عمّال الظروف الملوّن(1)، وذكر الشهيد الثاني في إجازته: أنّ كتابي الرجال لوالده الحسين، والأظهر خلافه.

ح: وبأسانيدنا إلي أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي رحمه الله، عن محمّد بن جعفر؛ وهو العلويّ الحسنيّ المعروف بابن قيراط، يكنّي أبا الحسن، وروي عنه التلعكبري، وسمع منه سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وله منه إجازة.

ح: وعن الشيخ الطوسي، عن التلعكبري وغيره من شيوخه، كتب أحمد بن محمّد بن عقدة أبي العبّاس.

ح: وعنه، عن عمر بن عبدالعزيز الكشي صاحب الرجال، عن محمّد بن مسعود العياشي صاحب التفسير.

ح: وعن الشيخ المفيد أيضاً، عن أبي المفضّل محمّد بن عبدالمطلب الشيباني، عن العيّاشي.

ح: وعن السيّد أبي الصمصام ذي الفقار، عن أحمد النجاشي صاحب

********

(1) . القاموس المحيط ج 2 ص 106 (دار إحياء التراث العربي)، سماء المقال ح 1 ص 13، معجم الصحاح ص 776، ومفرد الغضائر الغضارة، ظرف يضع من الغضارة وهي الطين اللازب الأحقر الحرّ.

ص: 59

الرجال.

ح: وعن الشيخ الحرّ صاحب الوسائل، عن الشيخ محمّد بن صاحب المعالم، عن أبيه، عن المقدّس المحقّق الأردبيلي.

فصل

ومن طرقي: السيّد الأجلّ الأعظم، والركن الركين المعظّم، الحبر المليّ والفقيه العليّ، المنزّه عن كلّ مكروه جليّ وخفيّ، المولي الجليل النبيل، السيّد إسماعيل ابن العلّامة الفهّامة السيّد صدرالدين بن السيّد صالح العاملي قدس سره، عن أبيه، عن جماعة من شيوخه، منهم: المولي مهدي الهرندي، عن الأمير محمّد حسين الخاتون آبادي، والشيخ حسين الماحوزي، ومنهم: الشيخ محمّد مهدي ابن الشيخ بهاءالدين الفتوني العاملي النجفي، عن المولي أبي الحسن الشريف صاحب مشكاة الأنوار في التفسير وغيره، عن السيّد نعمة اللّه الجزائري، وشيخه العلّامة المجلسي بأسانيده المودّعة في أربعينه، والخامس والعشرين في البحار.

ومن طرقي: الشيخ المحقّق المتبحّر، فقيه أهل البيت، فحل الفحول في الفقه والرجال ودراية الحديث والأصول، الميرزا حسين بن الميرزا خليل الطهراني ساكن الغريّ، قرأنا عليه برهة من الزمان، عن أخيه الأجلّ الأزهد الأعبد، الحاج مولي عليّ، الرجاليّ الفقيه.

ح: وعن شيخنا النوري قدس سره، عن الحاج مولي عليّ، والسيّد مهدي القزويني الحلّي، والشيخ عبدالحسين الطهراني شيخ العراقيّين، جميعاً عن صاحب الجواهر، عن السيّد جواد العامليّ، صاحب مفتاح الكرامة، عن الآغا البهبهاني.

ص: 60

ح: وبالأسانيد، عن السيّد هاشم التوبلي البحريني، عن الشيخ فخرالدين بن طريح النجفي، عن الشيخ جعفر بن جابر، عن الأمير شرف الدين، عن الميرزا محمّد الإسترآبادي، صاحب الكتب الثلاثة في الرجال، عن الشيخ إبراهيم بن عليّ بن عبدالعالي الميسي، عن الشيخ عليّ أبيه، عن الشيخ المحقّق الكركي، عن محمّد بن خاتون، عن أحمد بن الحاج عليّ العيناني، عن الشيخ جعفر بن حسام، عن السيّد حسن بن أيّوب، المعروف بأبي يوسف نجم الدين، عن فخر المحقّقين بن العلّامة الحلّي، عن الشيخ عليّ بن يوسف الحلّي أخي العلّامة الحلّي، عن نجم الملّة والدين جعفر بن سعيد صاحب الشرائع.

ح: وعن السيّد العلّامة المحقق المتبحّر، الفقيه الرجالي الأصولي، الماهر السيّد حسن الصدر بن السيّد العلّامة الهادي الكاظمي، المتقدّم، سلّمه اللّه تعالي، له كتب كثيرة، ذكرناها في الفوائد الكاظميّة، عن شيخنا في القراءة المرحوم المبرور، حجّة الإسلام وسند الأعلام، الميرزا محمّد الحسن الشيرازي السرّمن رآئي، المدفون بالغريّ قدس سره، عن شيخه المحقّق المرتضي الأنصاري، والشيخ راضي النجفي والشيخ جواد النجفي، وجمع اُخر من شيوخه، بأسانيدهم المتّصلة إلي الأئمّة المعصومين، ولنختم الوجيزة برواية شريفة، كما هو دأب سلفنا الصالحين رحمة اللّه عليهم أجمعين، وهو ما رواه النجاشي في أقل رجاله، بسنده عن أبي رافع قال:

دخلت علي رسول اللّه وهو نائم، أو يوحي إليه، وإذا حيّة في جانب البيت فكرهت أن أقتلها، فأُوقظه، فاضطجعت بينه وبين الحية حتّي إذا كان منها سوء يكون إليّ، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا

ص: 61

اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) (1) ثمّ قال: الحمد للّه الذي أكمل لعليّ منيّته، وهنيئاً لعليّ بتفضيل اللّه إيّاه، ثمّ التفت فرآني إلي جانبه فقال: ما أضجعك هاهنا يا أبا رافع، فأخبرته خبر الحيّة، فقال: قم إليها فاقتلها فقتلتها، ثمّ أخذ رسول اللّه بيدي فقال: يا أبا رافع، كيف أنت وقوم يقاتلون عليّاً؟ هو علي الحقّ وهم علي الباطل، يكون في حقّ اللّه جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم فبقلبه، فمن لم يستطع فليس وراء ذلك شيء. فقلت: اُدع لي إن أدركتهم أن يعينني اللّه ويقوّيني علي قتالهم. فقال: «اللهمّ إن أدركهم فقوّه وأعنه» ثمّ خرج إلي الناس فقال: «يا أيّها الناس، من أحبّ أن ينظر إلي أميني علي نفسي وأهلي فهذا أبو رافع أميني علي نفسي».

قال عون بن عبداللّه بن أبي رافع: فلمّا بويع عليّ وخالفه معاوية بالشام وصار طلحة والزبير إلي البصرة، قال أبو رافع: هذا قول رسول اللّه، سيقاتل عليّاً قوم يكون حقّاً في اللّه جهادهم، فباع أرضه بخيبر وداره، ثمّ خرج مع علي وهو شيخ كبير، له خمس وثمانون سنة، وقال: الحمد للّه، لقد أصبحت لا أحد بمنزلتي لقد بايعت البيعتين: بيعة العقبة، وبيعة الرضوان، وصلّيت القبلتين، وهاجرت الهِجَرَ الثلاث.

قلت: وما الهِجَرُ الثلاث. قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلي الحبشة، وهاجرت مع رسول اللّه إلي المدينة، وهذه الهجرة مع عليّ بن أبي طالب إلي الكوفة، فلم يزل مع عليّ حتّي استشهد عليّ عليه السلام، فرجع أبو رافع إلي المدينة مع الحسن عليه السلام، ولا دار له بها ولا أرض، فقسم له الحسن دار عليّ بنصفين،

********

(1) . المائدة/ 55.

ص: 62

وأعطاه سنخ (سنح) أرض أقطعه إيّاها فباعها عبيداللّه بن أبي رافع من معاوية بمائة ألف وسبعين ألفاً(1).

أقول: ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا، ولعليّ بن أبي رافع - وكان من خيار الشيعة وله حفظ كثير - كتاب آخر في فنون الفقه(2).

وصلّي اللّه علي محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين.

العبد الحقير الفقير في شهر ذي القعدة الحرام سنة إحدي وأربعين وثلاثمائة بعد الألف 1341 حامداً مصليّاً مسلّماً داعياً للمؤمنين.

جناب مستطاب عمدة العلماء الأعلام والفقهاء الكرام آقاي سيد شهاب الدين النجفي الأصل نزيل النجف الأشرف را داعي راقع(3) ومستدعي مي باشم واگر نور چشم الحاج شيخ محمّد حسين ضياء(4) ساكن مدرسه بخارائي ها از نجف اشرف به بيرجند قائن حركت نكرده حكماً وحتماً وجزماً واگر رضاي والد را مراعات مي كند حركت كند وبيايد به بيرجند قائن إن شاء اللّه تعالي و زود هم بيايد.

كتبه الأحقر محمّد باقر بن المولي محمّد حسن المعروف بالمجتهد نزيل بلدة البيرجند في 3 محرّم الحرام 1342.

********

(1) . رجال النجاشي ص 5، منتهي المقال ج 1 ص 145، والسِنْح بالكسر من كلّ شيء: أصله والجمع أسناح، مثل: حمل وأحمال. والسِنْخ مثله، وفي الحديث: التقوي سِنْحُ الايمان، أو سِنخُ الإيمان. معجم مجمع البحرين ص 650.

وفي معجم الصحاح ص 871، أقطعته قطيعة: أي طائفة من أرض الخراج، وفي المصباح المنير ص 194. أقطع الإمام الجُندَ البلدَ: جعل لهم غلّتها رزقاً. وكذا النهاية ج 4 ص 82.

(2) . رجال النجاشي ص 6، خلاصة الرجال ص 68/102، منتهي المقال ج 4 ص 331.

(3) . من الرقعة واحدة الرقاع: التي تكتب معجم الصحاح ص 422، المصباح المنير ص 90.

(4) . راجع: ترجمة الأب والابن كتاب فرهنگ نامه أمثال وواژگان گازاري، محمّد حسن الربّاني.

ص: 63

ص: 64

الخاتمة الحركة الإفراطيّة في الجرح والتعديل

اشارة

إنّ الحركة الإفراطيّة في تضعيف الرواة، لم تكن عن دراية ورشد، كما أنّه لا تكون منهجاً في الرجال، ولا تعدّ مدرسة رجاليّة، بل هي جزر ومدّ في التضعيفات والتوثيقات، وقد حدثت في القرن الرابع ثورة عظيمة في الجرح والتعديل، ويعود انتشار هذه الحركة إلي ابن الغضائري المعروف في الرجال، فإنّه كان أُستاذ النجاشي والطوسي، وكان النجاشي من خواصّه، ولذلك يعدّ من المرجّحات لدي العلماء تقديم قول النجاشي، فإذا تعارض مثلاً قول الطوسي والنجاشي في فهرستيهما، فإنّ الفقهاء يقدّمون قول النجاشي، ويقولون: إنّه قدّمنا قوله لأنّه أضبط في علم الرجال، والدليل علي أنّه كان من خواصّ ابن الغضائري، وهو خرّيت فنّ الرجال، وكان مقتصراً عليه ولا يشتغل بسائر العلوم كالشيخ، فإنّه اشتغل بالفقه والحديث والكلام والرجال والتفسير وغيرها. ثمّ إنّ النجاشي كان قليل التأليف والمشاغل، أمّا الشيخ فكان كثير التأليف والمشاغل، ولذلك قيل واشتهر: إنّ قليل التأليف كثير التأمّل، وكثير التأليف قليل التأمّل.

وهذا فضلاً عن أنّ النجاشي لم تشغله مسألة المرجعيّة، وكلّ هذه الأمور مجتمعة قادت إلي أن يكون قوله مقدّماً علي الشيخ.

ص: 65

ثمّ لا يخفي من أنّ النجاشي ألّف فهرسته بعد فهرست الشيخ، ولذلك فإنّه طالعه وانتقده، ولكن رغم هذا الاختلاف في منهج التأليف بين فهرستيهما، فإنّهما أخذا من مصدر واحد، ورضعا من ثدي واحد، ونهلا من عين صافية، وهي عين علم الرجال التي لدي ابن الغضائري، حيث إنّه ألّف تأليفات منوّعة في الرجال، فله كتاب الثقات، وكتاب الضعفاء، كما كان المؤسّس لعلم الرجال في ذلك العصر، ومن عادة الرجاليّين أنّهم يؤلّفون كتبهم الرجاليّة علي صفة الرواة، فجمعوا الثقات في كتاب واحد وسمّوها الثقات، فقد ألّف الحافظ أبو حاتم محمّد بن حِبّان البستي الخراساني المتوفّي سنة 354 للهجرة، وهو الذي صرّح بما ناله وظفر به من زيارة قبر عليّ بن موسي الرضا عليه السلام مشيراً إلي ذلك في المجلّد الثامن، وقام بحذفه الدكتور الشيخ خليل بن مأمون شيخاً في كتاب تقريب الثقات، وهذه ليست أوّل قارورة كُسرت في الإسلام، فإنّ يد التحريف والباطل في العصر الحاضر قد سارعت إلي كلّ الكتب لحذف كلمات الحقّ والحقيقة نصرة منهم للباطل والضلال(1).

********

(1) . يقول الحافظ محمّد بن حَبّان بن أحمد بن أبي حاتم التميمي البَسْتي (359 ه ق) في شأن عليّ بن موسي الرضا عليه السلام:

وقد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر عليّ بن موسي الرضا صلوات اللّه علي جدّه وعليه، ودعوت اللّه إزالتها عنّي إلّااستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة، وهذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا اللّه علي محبّة المصطفي وأهل بيته صلّي اللّه عليه وعليهم أجمعين. الثقات ج 8 ص 457.

ولخّص الدكتور الشيخ خليل بن مأمون شيحا كتاب الثقات وحذفها منه. تقريب الثقات ص 888.

ونظير كلام البستي، ما عن شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني (852 ه ق) في تهذيب التهذيب: قال الحاكم النيسابوري: سمعت أبابكر محمّد بن المؤمّل بن الحسن عيسي يقول:

ص: 66

وكما ألّف أبو جعفر محمّد بن عمرو بن موسي بن حمّاد العقيلي المكّيّ كتابه الضعفاء الكبير، وصنّف كتاباً بعنوان الثقات.

وألّف أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفّي سنة 303 للهجرة كتابه الضعفاء والمتروكين، وكذا غيرهم من المتأخّرين، كالعلّامة شمس الدين محمّد الذهبي (م 748 ق) إمام الجرح والتعديل، فإنّه ألّف كتابه المغني في الضعفاء. وأجمع هذه الكتب هو كتاب الكامل في الضعفاء لابن عدي.

وهذا الفنّ كان أيضاً عند علماء الشيعة، فإنّ ابن الغضائري ألّف كتابين في الرجال: الثقات والضعفاء، ولكن لم يصل إلينا خبر دقيق عن كتابه الثقات، والأخبار عن كتابه الضعفاء أيضاً مخدوشة.

وهنا نقول كلمة أُخري ثمّ نعود إلي الموضوع الأصليّ: ففي عصرنا الحاضر أيضاً دقّق بعض المتفحّصين من الشباب في أمر الضعفاء فألّفوا كُتباً علي هذا المنهج، فمنهم الشيخ حسين الساعدي، فإنّه ألّف كتاباً تحت عنوان الضعفاء من رجال الحديث، وطبعه في ثلاثة مجلّدات، وبحث حول كلّ راوٍ، عن اسمه ونسبه وطبقته وأقوال العلماء فيه، وبعض رواياته في كتب الحديث، ثمّ يخلص إلي القول في الراوي، هل هو ثقة أم ضعيف، مشهور أم مجهول، وما الدليل علي ضعفه؟ فهذا كتاب جديد التأليف، قيّم، وسيع المعني، مطابق لمنهج القدماء من الرجاليّين من الإماميّة والجماعة.

********

(1) خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي عليّ الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافدون إلي زيارة قبر عليّ بن موسي الرضا بطوس، قال: فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا (تهذيب التهذيب ج 7 ص 339، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ج 13 ص 411).

ص: 67

* ابن الغضائري:

أمّا الموضوع الأصليّ فهو: إنّ ابن الغضائري خرّيت فنّ الرجال، متأثّر بمن سبقه من علماء الرجال؛ من الإماميّة والجماعة، ومصطلحاته مأخوذة من مصطلحات علماء أهل السنّة والجماعة، ولا بأس به لأنّها اصطلاحات خاصّة كسائر علوم اللغة والنحو والصرف والمنطق.

وأمّا الشيخ والنجاشي، فبما أنّهما كانا من تلاميذ ابن الغضائري فقد تأثّرا به في كتابيهما، وذلك في منهج التأليف والاصطلاحات، وأمّا في سننه في الجرح والتعديل فلا، والدليل علي أنّ الشيخ والنجاشي تأثّرا به، وحدة تآليفهما في بعض الأحيان، ووحدة عباراتهما في جميع الرواة، ففي زيد النرسي، فعبارتهما متشابهة، ونظيره في الرواة كثير، فمن قارنَ عبارة النجاشي والشيخ الموجودتان في معجم رجال الحديث فقد أدرك فهم هذا المطلب وأيّدنا علي هذا.

ومن الملاحظ أنّ الشيخ والنجاشي لم يتأثّرا بمنهج الغضائري في تضعيف الرواة، فابن الغضائري قد أحدث ثورة في الجرح والتعديل، ثورة زلزلت الرواة الثقات والمشاهير من المحدّثين، فقلّما من راوٍ سلم من جرحه وقدحه، إلّاأنّ العلماء صرّحوا: بأنّ جروح ابن الغضائري لم تكن دقيقة ومنصفة، بل كلّ من كان مخالفاً لعقيدته فهو عنده ضعيف، فلذلك اشتهر بين الأصحاب: أنّ تضعيفات ابن الغضائري لا اعتبار لها.

وكما أنّ تضعيفات القمّيّين كثيراً ما ترجع إلي هذا، فإنّ كلّ من خالف القمّيّين في عقائدهم فهو عندهم ضعيف، فإنّ هذا الموضوع مشهور ومعروف وهو أنّ أهل الجرح والتعديل متفاوتون فيما بينهم، فمنهم متشدّد في الجرح، متثبّت في

ص: 68

التعديل، يغمز الراوي بغلطتين وثلاث، ويليّن ويضعّف بذلك حديثه، فهذا إذا وثّق رجلاً فعضّ علي قوله بناجذيك وتمسّك بتوثيقه، وإذا ضعّف رجلاً فانظر هل وافقه غيره علي تضعيفه؛ فإن وافقه، ولم يوثّق ذاك أحد من الحاذقين فهو يمكن أن يكون من الضعفاء، وإن وثّقه أحد، فهذا هو الذي لا يقبل تجريحه إلّا مفسّراً ومدلّلاً، فيمكن تضعيفه أيضاً بأن يكون علي قاعدته، واستفيدت وثاقته من أدلّة أُخري كالقرائن. ومن قبيل هذا الصنف من الإماميّة ابن الغضائري، فهو متشدّد في تضعيف الرواة وتجريحهم، فكم من راوٍ جرّحه، والعلماء ردّوه وقالوا: لا اعتناء بجرحه، لأنّه يجرح علي عقيدته الخاصّة. وأمّا العامّة فيحيي بن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني.

ولأجل ذلك اشتهر بين فقهاء الإماميّة ورجالهم؛ أنّ توثيقات ابن الغضائري هي أعلي التوثيقات، وتضعيفاته لا اعتبار لها، واشتهر بين أهل السنّة والجماعة، أنّ توثيقات يحيي بن معين، وأبي حاتم، والجوزجاني هي أعلي التوثيقات.

ومقابل هؤلاء هناك صنف قد تساهلوا في أمر الرواة، كأبي عيسي الترمذي (279 ه ق) وأبي عبداللّه الحاكم النيسابوري (405 ه ق) وأبي بكر البيهقي، فعلي رأي العلّامة شمس الدين محمّد الذهبي (748 ه ق): أنّهم متساهلون في الجرح والتعديل.

كما هناك صنف منصفون منهم البخاري (256 ه ق) وأحمد بن حنبل (241 ه ق) وأبو زرعة الرازي، وابن عَدِيّ صاحب الكامل في الضعفاء، فإنّهم معتدلون منصفون، وهذا هو رأي شمس الدين الذهبي فيهم.

ولعلّ تسهيل الترمذي، والحاكم النيسابوري، والبيهقي يعود لنقلهم

ص: 69

الأحاديث المرويّة في فضائل أهل البيت عليهم السلام، نعم، يكون أبو عبداللّه البخاري عند الذهبي منصفاً لأنّه لم يرو عن الحسن والحسين عليهما السلام، مع أنّهما من صحابة رسول اللّه صلي الله عليه و آله، بل روي عن الخوارج الذين مدحوا قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ابن ملجم المرادي لعنه اللّه، فإنّ عمران الحطّان والبخاري منصف لأنّه لم يرو حديث الغدير وغيره من فضائل أهل البيت عليهم السلام، مع أنّ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك علي الصحيحين روي الكثير من فضائلهم والأحاديث المعروفة كحديث الغدير، والطير المشوي وغيرهما؛ غير أنّه لم يرو البخاري عن أبي جعفر الصادق عليه السلام لأنّ رواياته مراسيل عند البخاري. وبهذا، فعلي رأي الذهبي أنّ النيسابوريّ متساهل، والبخاري منصف. كان هذا ما عند علماء الجرح والتعديل عند العامّة.

ومن خلال ما تقدّم أنّ بعض الجارحين متشدّدون في الجرح، وقلنا: إنّ من هذا الصنف هو ابن الغضائري، وإنّ كتابه الضعفاء كان عند الشيخ والنجاشي، ولذلك كانا ينقلان عنه، وكان أيضاً عند أحمد بن طاووس الحلّيّ أُستاذ العلّامة الحلّي وتقيّ الدين حسن بن داود الحلّي (وكان حيّاً سنة 707)، وقد نقل العلّامة وابن داود عنه، ثمّ إنّ هذا الكتاب قد افتقد، وفي القرن العاشر قام المولي حسين التستري (م 1020 ق) - خرّيت فنّ الرجال في عصره وأُستاذ القهبائي والتفرشي - بجمع كلمات الغضائري، وبعد ذلك أوردها القهبائي في كتابه مجمع الرجال، ولم يحظ ابن الغضائري باهتمام العلماء لأنّ أقواله الرجاليّة لم تثبت بشكل دقيق، فهو جارح متشدّد.

وألّف العلّامة الرجالي أبو المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (1247

ص: 70

- 1315 ق) رسالة في ابن الغضائري، وتعرّض لمباحث شتّي، فبحث عن تعيين اسم ابن الغضائري، وحاله في الوثاقة، فأقام أحد عشر وجهاً لتوثيقه، ثمّ في اعتبار جرحه وتوثيقه(1).

وكما ألّف أبو الهدي الكلباسي (م 1356 ق) رسالة في ابن الغضائري وتوثيقاته وتضعيفاته(2).

وألّف أيضاً العلّامة موسي بن إسماعيل الخواجوئي (م 1172 ق) في الفوائد الرجاليّة رسالة في ابن الغضائري.

وبحث أبو الهدي مفصّلاً بالنسبة إلي بحث والده فإنّه قال: والذي يختلج بالبال أن يقال: إنّ دعوي التسارع غير بعيد نظراً إلي أُمور:

الأوّل: إنّ الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عباراته أنّه كان يري نقل بعض غرائب الأُمور من الأئمّة عليهم السلام من الغلوّ، علي حسب مذاق القمّيّين، فكان إذا رأي من أحدهم، ذكر شيء غير موافق لاعتقاده فيهم عنهم، كان يجزم بأنّه من الغلوّ، فيعتقد بكذبه وافترائه، فيحكم بضعفه وغلوّه، ولذا تكثّر حكمه بهما في غير محلّهما، ويظهر ذلك ممّا ذكره في موضع: من أنّه كان غالياً، كذّاباً، كما في سليمان الديلمي، وفي آخر: من أنّه ضعيف جدّاً لا يلتفت إليه، في مذهبه غلوّ، كما في عبدالرحمن بن أبي حمّاد، فإنّ الظاهر أنّ منشأ تضعيفه بما ذكره غلوّه، ومثله ما في خلف بن محمّد: من أنّه كان غالياً، في مذهبه ضعف لا يلتفت إليه، وما في سهل بن زياد: من أنّه كان ضعيفاً جدّاً، فاسد الرواية

********

(1) . الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 373.

(2) . سماء المقال ج 1 ص 9.

ص: 71

والمذهب. وكان أحمد بن محمّد بن عيسي أخرجه من قم. والظاهر أنّ منشأ جميعه، ما حكاه النجاشي عن أحمد المذكور، من أنّه كان يشهد عليه بالغلوّ والكذب، أخرجه عنه، وما في حسن بن ميّاح: من أنّه ضعيف غالٍ، وفي صالح ابن سهل: غالٍ، كذّاب، وضّاع للحديث لا خير فيه، ولا في سائر ما رواه، وفي صالح بن عقبة: غالٍ، كذّاب، لا يلتفت إليه، وفي عبداللّه بن بكر: مرتفع القول، ضعيف، وفي عبداللّه بن حكم: ضعيف، مرتفع القول، ونحوه في عبداللّه بن سالم، وعبداللّه بن بحر، وعبداللّه بن عبدالرحمن.

وبعد ما اختلج بالبال ما ذكر مستفيداً ممّا سطر، رأيت أنّه قد تفطّن العلّامة البهبهاني أيضاً، فقال في التعليقات: اعلم أنّ ابن الغضائري ربّما ينسب الراوي إلي الكذب، ووضع الحديث بعد ما نسبه إلي الغلوّ، وكأنّه لرواية ما يدلّ عليه ولا يخفي ما فيه، بل قد صرّح قبله: بأنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء سيّما القميّين ومنهم ابن الغضائري، كانوا يعتقدون للأئمّة عليهم السلام منزلة خاصّة من الرفعة والجلالة، وكانوا يعدّون التعدّي عنها ارتفاعاً وغلوّاً علي حسب معتقدهم، حتّي إنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً(1).

وممّن صرّح بهذا أيضاً المولي محمّد تقي المجلسي(2).

الثاني: إنّ الظاهر أنّه كان غيوراً في دينه، حامياً فيه، فكان إذا رأي مكروهاً اشتدّت عنده بشاعته، وكثرت لديه شناعته، مكثراً علي مقترفه من الطعن والتشنيع واللعن والتفضيع، ويشهد عليه أمران: أحدهما: سياق عباراته، فأنت

********

(1) . منهج المقال ص 8، الفوائد الرجاليّة (رجال الخاقاني) ص 38.

(2) . روضة المتّقين ج 1 ص 95.

ص: 72

تري أنّ غيره في مقام التضعيف، يقتصر بما فيه بيان الضعف، بخلافه، فإنّه يرخي عنان القلم في الميدان بخبث وتهالك ولعان، فيضعّف مؤكّداً، كما قال في المسمعي: إنّه ضعيف، مرتفع القول، له كتاب في الزيارات، يدلّ علي خبث عظيم، ومذهب متهافت، وكان من كذّابة أهل البصرة.

وقال في عليّ بن العبّاس: له تصنيف يدلّ علي خبثه وتهالك مذهبه، لا يلتفت إليه، ولا يعبأ بما رواه.

وقال في جعفر بن مالك: كذّاب، متروك الحديث جملة، وكان في مذهبه ارتفاع، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه.

وقال في السيّاري: ضعيف، متهالك، غالٍ منحرف.

وكلّ ذلك لعظم جهات الضعف في نظره، وقبح ارتكابها ومقترفه.

وثانيهما: اختلاف سلوكه مع غيره في مقام التضعيف، كما تري تارة، أنّه ربّما صدر تضعيف بعض من بعض، وإن وقع تحسينه ونحوه من آخر، يجري علي التضعيف مصرّاً فيه، كما وقع في: عبداللّه بن محمّد، فإنّه ذكر الشيخ: أنّه كان واعظاً فقيهاً، والنجاشي: أنّه ضعيف، ولمّا اطّلع ابن الغضائري علي شيء من أسباب الضعف فذكر: أنّه كذّاب، وضّاع للحديث، لا يلتفت إلي حديثه، ولا يعبأ به.

وأُخري، أنّه يتردّد في بعض، لما رأي فيه من الأمرين، يحكم ابن الغضائري بالضعف علي الإطلاق كما في صالح بن حمّاد، فإنّه ذكر النجاشي: أنّه كان أمره ملتبساً، يعرف وينكر، ولمّا رأي ابن الغضائري منكر الروايات، أطلق في تضعيفه.

ص: 73

وثالثهما: أنّه قد يُضعّف بعض في الرجال، فيضعّفه بأشدّ المقال، كما في البطائني فإنّه ذكر الشيخ في عدّة مواضع: أنّه واقفيّ، والعلّامة: أنّه أحد عُمُد الواقفة، وأمّا ابن الغضائري فقال كما مرّ: عليّ بن أبي حمزة، لعنه اللّه أصل الوقف، وأشدّ الخلق عداوة للوليّ من بعد أبي إبراهيم عليه السلام.

وإسحاق بن أحمد المكنّي بأبي يعقوب أخي الأشتر، قال النجاشي: معدن التخليط، وله كتب في التخليط. وقال ابن الغضائري: فاسد المذهب، كذّاب في الرواية، وضّاع للحديث، لا يلتفت إلي ما رواه، ولا يرتفع بحديثه.

والحسين بن حمدان، قال النجاشي: كان فاسد المذهب، قال ابن الغضائري: كذّاب فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة، لا يلتفت إليها.

الثالث: كثرة تضعيفه للأجلّاء والموثّقين، فضلاً عن غيرهم من المهملين والمجروحين، ومنه تضعيفه لأحمد بن مهران، كما قال في كتابه: أحمد بن مهران، روي عنه الكليني، ضعيف. مع أنّ الظاهر أنّه من مشايخ الكليني، كما يشهد عليه روايته عنه بلا واسطة في غير مورد في الكافي، إضافة إلي إرداف ذكره بالرحملة(1).

ولعلّ أوّل من صرّح بهذا الموضوع وأشار إلي أنّ تضعيفات ابن الغضائري لا اعتبار لها؛ هو المعلّم الثالث، السيّد محمّد باقر الميرداماد الإسترآبادي (م 1040 ق) في كتابه الرواشح السماويّة المقدّمة لشرحه علي الكافي، فإنّه قد صرّح في باب اعتبار الجرح والتعديل: أنّ كلام القدماء فيهما حجّة، وأمّا

********

(1) . سماء المقال ج 1 ص 48. الرحملة: قال فيه رحمه الله، إنّها مصدر صناعيّ كالاسترجاع والحوقلة والحمدلة.

ص: 74

المتأخّرون فليس بحجّة، ومن القدماء ابن الغضائري، مسارع إلي الجرح، وقال الإسترآبادي في كتابه:

الراشحة العاشرة: قول الجارح والمعدّل من الأصحاب بالجرح أو التعديل، إذا كان من باب النقل والشهادة، فكان حجّة شرعيّة عند المجتهد، وإذا كان من سبيل الاجتهاد، فلا يجوز للمجتهد التعويل عليه، وإلّا رجع الأمر إلي التقليد، بل يجب عليه أن يجتهد في ذلك ويستحصله من طرقه ويأخذه من مأخذه، وما عليه الاعتماد في هذا الباب ممّا بين أيدينا من كتب الرجال، ككتاب: أبي عمرو الكشّيّ، وكتاب الصدوق أبي جعفر بن بابويه، وكتاب الرجال للشيخ و الفهرست له، وكتاب أبي العبّاس النجاشي، وكتاب السيّد جمال الدين أحمد ابن طاووس.

وأمّا كتاب الخلاصة للعلّامة فما فيه علي سبيل الاستنباط والترجيح، ممّا رجّحه برأيه، وانساق إليه اجتهاده، فليس لمجتهد آخر أن يحتجّ به، ويتّكل عليه ويتّخذه مأخذاً ومدركاً، وما فيه علي سنّة الشهادة وسنن النقل فلا ريب أنّه في حاقّ السبيل وعليه التعويل.

وكذلك يعتمد في الردّ والقبول علي ما في كتاب الحسن بن داود من النقل والشهادة ما لم يستبن خلافه، أو التباس الأمر عليه، وما لم يعارضه فيما شهد به معارض.

وأمّا ابن الغضائري فمسارع إلي الجرح، حَرَداً، مبادر إلي التضعيف شططاً(1).

********

(1) . الرواشح السماويّة ص 100. الحَرَد، أي: القصد (عَلي حَرْدٍ قادِرِينَ) علي قصد. لسان العرب، ج 3 ص 144.

ص: 75

وقال أبو الهدي الكلباسي في سماء المقال: فإنّ الظاهر أنّ حرد بمعني الغضب، كما قال صاحب المجمع: حرد حرداً مثل غضب غضباً وزناً ومعني، والمراد الغضب في اللّه كما ورد مدحه في الأخبار المتكثّرة(1)، وأمّا احتمال أن يكون بمعني القصد كما جزم به بعض المحقّقين نظراً إلي ما ذكره في الصحاح فبعيد في الغاية.

وممّن صرّح بهذا الأمر ووجد وجداناً من أدب ابن الغضائري، المتسارع في الجرح، هو السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (م 1212 ق) في الفوائد الرجاليّة، فإنّه قال في البحث عن توثيق زيد النرسي: وأمّا الطعن علي هذا الأصل والقدح فيه بما ذكر، فإنّما الأصل فيه محمّد بن الحسن بن الوليد القمّيّ، وتبعه علي ذلك ابن بابويه، علي ما هو دأبه في الجرح والتعديل، والتضعيف والتصحيح، ولا موافق لهما فيما أعلم، وفي الاعتماد علي تضعيف القمّيّين وقدحهم في الأُصول والرجال كلام معروف، فإنّ طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقّاد وتسرّعهم إلي الطعن، بلا سبب ظاهر، ممّا يريب اللبيب الماهر، ولم يلتفت أحد من أئمّة الحديث والرجال إلي ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم تخطئتهما في ذلك المقال.

قال الشيخ ابن الغضائري: زيد الزرّاد وزيد النرسي رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام.

قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان، وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن محمّد بن أبي

********

(1) . مجمع البحرين ج 3 ص 36.

ص: 76

عمير.

وناهيك بهذه المجاهرة في الردّ من هذا الشيخ الذي بلغ الغاية في تضعيف الروايات، والطعن في الرواة، حتّي قيل: إنّ السالم من رجال الحديث من سلم منه، وإنّ الاعتماد علي كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب. ولولا أنّ هذا الأصل من الأُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، لما سلم من طعنه وغمزه - علي ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض - فإنّه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلّاء الأصحاب المعروفين بالتوثيق نحو: إبراهيم بن سليمان بن حيّان، وإبراهيم بن عمر اليماني، وإدريس بن زياد، وإسماعيل بن مهران، وحذيفة بن منصور، وأبي بصير الليث المرادي وغيرهم من أعاظم الرواة وأصحاب الحديث، واعتمد في الطعن عليهم - غالباً - أُموراً لا توجب قدحاً فيهم، بل في رواياتهم، كاعتماد المراسيل، والرواية عن المجاهيل، والخلط بين الصحيح والسقيم، وعدم المبالاة في أخذ الروايات، وكون رواياتهم ممّا تعرف تارة وتنكر أُخري، وما يقرب من ذلك. هذا كلامه في مثل هؤلاء المشاهير الأجلّة، وأمّا إذا وجد في أحد ضعفاً بيّناً أو طعناً ظاهراً - وخاصّة إذا تعلّق بصدق الحديث - فإنّه ممّا يقيم عليه النوائح، ويبلغ منه كلّ مبلغ، ويمزّقه كلّ ممزّق؛ فسكوت مثل هذا الشيخ عن حال زيد النرسي، ودفاعه عن أصله، ممّا سمعت من قوله، أعدل شاهد علي أنّه لم يجد فيه مغمزاً، ولا للقول في أصله سبيلاً(1).

إنّ ما نقلناه في بحث الجرح والتضعيف عن ابن الغضائري ففيه الكفاية، حيث إنّه متسارع في الجرح، ولم يَعُد مقبولاً عند المحقّقين، وممّن صرّح بهذا

********

(1) . الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 370.

ص: 77

آية اللّه الخوئي، فإنّه صرّح في كلّ موضع ضُعّف الراوي من ناحية ابن الغضائري أنّ تضعيفه معلوم الوجه، فلذلك لم نكن نعتمد علي تضعيفه.

وبحث الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتابه الذريعة إلي تصانيف الشيعة عن ابن الغضائري وكتابه، وادّعي أنّ الكتاب المنسوب إلي ابن الغضائري موضوع عليه، وهو من تأليفات أعداء الدين.

فتلخّص ممّا ذكرنا، أنّ البحث في ابن الغضائري وسيع؛ فقد يبحث عن نسبه، وقد يبحث تارة عن وثاقته وعدمها، ويبحث تارة أُخري عن توثيقاته وتضعيفاته ومدي دلالتهما وصدقهما، ويبحث أُخري عن نسبة الكتاب إليه، فهل كتاب الضعفاء هو من تأليفه أم لا؟ فهذه بحوث طويلة أوردها المحقّقون.

وممّن بحث أخيراً عن منزلة ابن الغضائري وكلماته، الأُستاذان المحقّقان المعاصران: الشيخ جعفر سبحاني في كتابه كليّات في علم الرجال، والشيخ عبدالهادي الفضلي في كتابه أُصول علم الرجال؛ فإذا أردت المزيد عنه فراجعهما(1).

إنّ الكتاب وإن كان موجوداً عند العلّامة الحلّي والحسن بن داود الحلّي، وأُستاذهما أحمد بن طاووس الحلّي، إلّاأنّ الاعتماد علي ابن الغضائري، وفهم مشربه في القدح والجرح هو المهمّ عندنا، ولا نريد أكثر من ذلك، فإنّا لسنا الآن بصدد الحكم من خلال ما هو موجود من كلمات ابن الغضائري بأنّها من تأليفه، أم تأليف غيره، بل نريد أن نقول: ثبت أنّ له كتاباً في الضعفاء وهذا الكتاب موجود لدي الحلّيّين الثلاثة، وجاءَ بِكلمات ابن الغضائري: أحمد بن طاووس

********

(1) . أُصول علم الرجال ص 101.

ص: 78

في كتابه: حلّ الإشكال، وابن داود في رجاله والعلّامة، ولكن البحث المهمّ هو هل لهذه التضعيفات - المنقولة قطعاً عنه - اعتبار وقيمة، أم لا؟ فهذا الذي هو نحن بصدده. فإنّ آراء ابن الغضائري صارت سبباً ليترك الكثير من الرواة؛ مع أنّ القرائن الأُخري تقوم علي توثيقهم.

ولنتناول في البحث من تَبِع ابن الغضائري في آرائه الرجاليّة، وهؤلاء هم أيضاً فقهاء رجاليّون ذو رفعة، منهم:

1. الشيخ عبدالنبيّ الجزائريّ صاحب كتاب الحاوي. فعن المحقّق الخوانساري (م 1312 ق) في روضات الجنّات: أنّ مثله في القدماء ابن الغضائري، فإنّه قد شدّد في الجرح والتضعيف، فلذلك ضعّف كثيراً من الرواة.

* أتباع ابن الغضائري:

المولي إسماعيل الخواجوئي المازندراني (م 1173 ق) صاحب التصنيفات الدقيقة، والرسائل العظيمة، وهو الذي علّق علي كثير من رسائل الشيخ العاملي البهائي (م 1030 ق)، فهو مازندرانيّ حيث ولد في منطقة مازندران بشمال إيران، ولمّا أقام لطلب العلم في أصفهان اشتهر بالأصفهاني، وقد انتقل إلي حيّ خواجو من أحياء أصفهان فاشتهر بالخواجوئي وذلك أيّام فتنة الأفاغنة، وهجوم محمود الأفغاني علي إيران وأصفهان، فقد قتل الناس وأقام علي رؤوسهم المنارات، واعتمد نادرشاه أفشار (م 1160 ق) علي الخواجوئي بعد أن هجم علي الأفاغنة وقضي عليهم.

فالمولي إسماعيل - حقّاً - من المتعمّقين في العلوم الإسلاميّة من الحديث والرجال، والفقه والأُصول، والفلسفة والتفسير، وغيرها، وكان من فرسان

ص: 79

الكلام ومن فحول أهل العلم، وكان آية عظيمة من آيات اللّه وحجّة بالغة من حججه(1).

ومن أشهر تلامذته المولي مهدي النراقي (م 1029 ق)(2) والذي أخذ من الخواجوئي فنّ الرجال، وكان ممّن نَهَج نهج ابن الغضائري، وتجمعهما معاً مشتركات، فإنّ الفاضل الخواجوئي قد تشدّد في الرجال إلي أن قال: لا اعتبار بالتوثيق والتجريح الوارد من الشيخ الطوسي لأنّه ممّن أخذ بقول ابن الغضائري، فهو بآرائه كالشيخ عبدالنبي الجزائري، كما أنّ الخواجوئي أشكل علي توثيقات الشيخ الطوسي، وله بحث حول ابن الغضائري في كتابه: الفوائد الرجاليّة(3).

والكلام الثاني نُقل عنه من رسالته في الكرّ، فعن المحقّق المتتبّع السيّد محمّد باقر الخوانساري (م 1313 ق) في كتابه روضات الجنّات في ترجمة الشيخ محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي: ثمّ إنّه قد ظهر أيضاً ممّا ذكره الشارح المتقدّم اللبيب في حقّ كتاب التهذيب صدق ما نسب إلي مصنّفه المنيف من عدم التهذيب له في أمر التأليف والتصنيف، وكثرة ما يقع له في ذلك من الغلط والتحريف، إمّا لشدّة حرصه علي محض الجمع والجباية، أو لسعة دائرته في ميدان الفتوي والرواية، مُضافاً إلي ما نُمي إليه من الإهمال في مرحلة تعريف الرجال، مع أنّ الظاهر كون علم الرجال من جملة مسلّماته، وأنّ معظم رجوع

********

(1) . ريحانة الأدب ج 2 ص 105، كشف الأستار ج 1 ص 132، أعيان الشيعة ج 3 ص 402، روضات الجنّات ج 1 ص 114، نجوم السماء ص 269، خاتمة مستدرك الوسائل ج 3 ص 396، تتميم أمل الآمل ص 76.

(2) . الكني والألقاب ج 2 ص 179، الفوائد الرجاليّة، المقدّمة.

(3) . الفوائد الرجاليّة ص 289.

ص: 80

الطائفة إلي توثيقاته.

قال مولانا إسماعيل الخواجوئي المحقّق في هذا المجال، بل في سائر السجال: لا يسوغ تقليد الشيخ في معرفة أحوال الرجال، ولا يفيد إخباره بها ظنّاً بل ولا شكّاً في حال من الأحوال، لأنّ كلامه في هذا الباب مضطرب، ومن اضطرابه أنّه يقول في موضع: أنّ الرجل ثقة، وفي آخر: أنّه ضعيف، كما في سالم بن مكرّم الجمّال، وسهل بن زياد من رجال عليّ الهادي عليه السلام. وقال في الرجال: محمّد بن عليّ بن بلال ثقة، وفي كتاب الغيبة: إنّه من المذمومين.

وفي عبداللّه بن بكير إنّه ممّن عملت الطائفة بخبره بلا خلافٍ، وكذا في العدّة، وفي الاستبصار في أواخر الباب الأوّل من أبواب الطلاق منه، صرّح بما يدلّ علي فسقه وكذبه، وأنّه يقول برأيه. وفي عمّار الساباطي: إنّه ضعيف لا يعمل بروايته وكذا في الاستبصار، وفي العدّة: إنّ الطائفة لم تزل تعمل بما يرويه، وأمثال ذلك منه كثير جدّاً، وأنا إلي الآن لم أجد أحداً من الأصحاب غير الشيخ في هذا الكتاب يوثّق عليّ بن أبي حمزة البطائني، أو يعمل بروايته، إذا انفرد بها، لأنّه خبيث واقفيّ، كذّاب مذموم، وقال سيّدنا الرضا عليه السلام بعد موته: إنّه أُقعد في قبره فسُئل عن الأئمّة عليهم السلام فأخبر بأسمائهم حتّي انتهي إليّ فوقف فضرب علي رأسه ضربة امتلأ قرنه ناراً. وقال أحمد بن الحسين بن عبيداللّه الغضائري:

عليّ بن أبي حمزة لعنه اللّه أصل الوقف، وأشدّ الناس عداوة للوليّ من بعد أبي إبراهيم عليه السلام. وقال محمّد بن مسعود: سمعت عليّ بن الحسن يقول: إنّ ابن أبي حمزة كذّاب ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة إلّاأنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً.

ص: 81

وما أحسن ما قيل: ويلٌ لمن كفّره نمرود، وعليه فَقِس من قرنه الشيخ به في كلامه المنقول عنه آنفاً، ومن اضطرابه أنّه رحمه الله تارة يشترط في قبول الرواية الإيمان والعدالة، كما قطع به في كتبه الأُصوليّة، وهذا يقتضي أن لا يعمل بالأخبار الموثّقة والحسنة، وأُخري يكتفي في العدالة بظاهر الإسلام، ولم يشترط ظهورها، ومقتضاه العمل بهما مطلقاً كالصحيح، وقع له في كتب الفروع غرائب، فتارة يعمل بالخبر الضعيف، حتّي إنّه يخصّص به أخباراً كثيرة صحيحة، حيث يعارضه بإطلاقها، وتارة يصرّح بردّ الحديث لضعفه، وأُخري يردّ الصحيح معلّلاً أنّه خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً، كما عليه المرتضي علم الهدي وأكثر المتقدّمين، ومَن هذا اضطرابه، فكيف يفيد إخباره باتّفاقهم علي العمل بخبره ظنّاً بذلك؟!

والعجب من صاحب الذخيرة أنّه كيف ظنّ بإخباره هذا اتّفاق الأصحاب علي العمل بأخبار عثمان بن عيسي، وهو معمول في عداد من لا يعملون بأخباره إلّاأن تكون محفوفة بالقرائن، فالاعتماد إذن عليها لا عليها، ولو كان إخبار هذا مفيداً للظنّ باتّفاقهم علي العمل بأخباره لكان مفيداً للظنّ، باتّفاقهم علي العمل بأخبار من قرنهم به، وقد علم أنّهم لا يعملون بأخبار ابن أبي حمزة إذا انفرد بها، وكيف يفيد ما أفاده الظنّ المذكور، وأغلب أصحابنا لا يعملون بأخبار الموثّقين من المخالفين، كالفطحيّة، والواقفيّة، والناووسيّة وغيرهم؟! كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني في دراية الحديث، فما ظنّه بعملهم بأخبار غير الموثّقين منهم كابن عيسي، وابن أبي حمزة ومن شاكلهم(1).

********

(1) . روضات الجنّات ج 6 ص 227 (دار الكتب الإسلاميّة).

ص: 82

والذي يقال: إنّ الشيخ الطوسي هو شيخ الطائفة، ومن عمالقة الفكر والعلوم الإسلاميّة، والاضطراب في بعض آرائه الرجاليّة لا يكون سبباً لإسقاط قوله عن الاعتبار في الجرح والتعديل، فكم وكم من الاضطراب في آراء العلماء من الفقهاء والرجاليّين، والمحدّثين وغيرهم، فإنّ الاختلاف في الفقه خاصّة كثير، والاختلاف هنا يُعدّ علامة وآية لارتقاء الاجتهاد، فهذا هو العلّامة الحلّي فكم له من الاضطراب في الفتوي.

وعن الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: أنّ للعلّامة خمسة كتب في الفقه، وله في المسألة الواحدة خمسة فتاوي، فهو يفتي تارة بالوجوب، وتارة بالاستحباب، وتارة بالكراهة، ورابعة بالحرمة، وخامسة بالإباحة، وهذا منه عجيب.

ومناقشة العلّامة في هذا الأمر من قبل الشهيد هو أيضاً عجيب، لأنّ الشهيد الثاني نفسه هو مبتلي بهذه البلوي، فإنّه يردّ الروايات المرسلة عن محمّد بن أبي عمير (م 217 ق) في آرائه الفقهيّة والدراية، ونجده قد عمل برواية محمّد بن أبي عمير في بحث التفصيل بين القرشيّة والغير القرشيّة، في بحث الحيض، والمرسلة هي المصدر الوحيد في هذه الفتوي، وعبّر الشهيد عنها بالصحيحة، أفليس هذا اضطراب من العلّامة والشهيد الثاني؟

وهكذا هو المحقّق الحلّي الفقيه الأعلم عند العلماء، فإنّه قد يعمل برواية وهي مرسلة محمّد بن أبي عمير، وقد يردّها في كتاب واحد وهو المعتبر في شرح المختصر.

وعن الإمام الخميني في كتابه الطهارة عند البحث في حجيّة قاعدة الإجماع:

ص: 83

أنّ أقوال المحقّق حول مرسلات محمّد بن أبي عمير مضطربة، فإنّه قد يعمل وقد لا يعمل، وفي كلماته اضطراب.

وهذا هو المحقّق الأردبيلي في كتابه مجمع الفائدة والبرهان فإنّه قد تشدّد في المجلّدات الأُولي من هذا الكتاب(1) إلّاأنّه استسلم لروايات أصحاب الإجماع في المجلّدات الأخيرة من كتابه، وأصرّ هو تبعاً للشهيد الثاني في هامش مسالك الأفهام(2) علي أن يسمّي رواية إبراهيم بن هاشم بالحسنة، ثمّ هو نفسه سمّي حسنة إبراهيم بن هاشم بالصحيحة في كتابه زبدة البيان؛ كما أنّ الشهيد الثاني عبّر عن مرسلة محمّد بن أبي عمير بالصحيحة في بحث الردّة من المسالك، وصرّح بذلك الشيخ البهائي فقال: إنّ الشيخ الشهيد الثاني سمّي الحديث المرسل الوارد في الردّة بالصحيحة، وهذا من الشهيد الثاني مع منهجه بالعجيب.

وعلي هذا المنهج من الأخباريّين، هو المحدّث الشيخ يوسف البحراني فإنّه قد هاجم مراراً الفقيهين: السيّد محمّد الموسوي العاملي والشيخ حسن العاملي متّهماً إيّاهما بأنّهما يردّا الحديث إذا لم يكن بنفعهما، وإن كان بنفعهما يتمسّكا به، وردّ عليهم أيضاً في لؤلؤة البحرين، ومع موقفه هذا فقد أورد في مقدّمة الحدائق أدلّة علي حجيّة ما في الكتب الأربعة، ثمّ في كتاب الطلاق أورد علي الفاضل السبزواري بأنّه قال في الذخيرة باعتبار مراسيل من لا يحضره الفقيه، وردّ علي الصدوق علي أنّه أورد الروايتين في بحث الرضاع أحدهما: خمسة

********

(1) . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 124.

(2) . مسالك الأفهام ج 6 ص 44.

ص: 84

عشر، والثانية «عشرة»، وكيف جمع بينهما؟

فهذه الاضطرابات من العلماء والفقهاء في كتبهم المختلفة كثيرة، ولا يصل بنا البحث إلي القول: بإنّ الشيخ اضطرب في كلماته.

وما قيل في ابن الغضائري عن العلّامة الخواجوئي: وأمّا ابن الغضائري، فكما أنّ الاعتماد علي قوله يوجب ضعف أكثر الأخبار، فكذلك عدمه يوجب عدمه، والعامل به علي خطر عظيم من دينه، لاحتمال أن يكون من قبيل المكذوب عليهم، فيكون تشريعاً وإدخالاً لما ليس من الدين.

وممّا قرّرناه، ظهر أنّ رواة جابر هذا جلّهم ضعفاء، وخاصّة عمرو بن شمر فإنّه كاد أن يكون ضعيفاً بإجماع علماء الرجال إلّاالفاضل العلّامة، حيث إنّه توقّف فيهم، كما سبقت منه الإشارة إليه، فالحديث المذكور في صدر المسألة ضعيف السند، باتّفاق النجاشي، وابن الغضائري، والكشّيّ، فإنّه قال في ترجمة جابر هذا - بعد نقل حديث من رجاله عمرو بن شمر -: هذا حديث موضوع لا شكّ في كذبه، ورواته كلّهم متّهمون بالغلوّ والتفويض، فليس عدم الاعتماد عليه بأولي من الاعتماد عليه، فالمناط إذن في الاعتماد وعدمه هو التحقيق في حاله، وبيان أحقّيّة مقاله، فنقول:

ويظهر من خطبة كتاب الفهرست للشيخ الطوسيّ قدس سره، أنّ الشيخ ابن الغضائري من أصحابنا وشيوخ طائفتنا، ومن أصحاب التصانيف، وأنّ له كتابين في ذكر المصنّفين ومن له أصل، وهذه هي عبارته: أمّا بعد، فإنّي لمّا رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنّفوه من التصانيف، ورووه من الأُصول، ولم أجد منهم أحداً استوفي

ص: 85

ذلك، ولا ذكر أكثره، بل كلّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته، وأحاطت به خزانته من الكتب، ولم يتعرّض أحد منهم لاستيفاء جميعه إلّاما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللّه رضي الله عنه، فإنّه عمل كتابين:

********

(1) . الفهرست ص 2.

(2) . رجال العلّامة ص 120 و 250 و 252 و 257.

ص: 86

* المولي إسماعيل الخواجوئي وعبد اللّه التستري

وعن مولانا عبداللّه التستري: وعنوان كتاب ابن الغضائري الموضوع لذكر الرجال المذمومين: إنّي لمّا وقفت علي كتاب السيّد ابن طاووس في الرجال فرأيته مشتملاً علي نقل ما في كتب السلف، وقد كنت رزقت المنافع منها إلّا كتاب ابن الغضائري، فإنّي ما سمعت له وجوداً في زماننا هذا، وكان كتاب السيّد مشتملاً عليه بخطّه الشريف، فحداني التبرّك به مع ظنّ الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفرداً عنه.

ثمّ قال: ولولا اعتماد السيّد السند علي جرحه وقوله وتعديله، كيف كان ينقل كتابه الموضوع لذكر المجروحين من الرجال في كتابه بخطّه الشريف. والشيخ النجاشي كثيراً ما ينقل عنه في كتابه ويسترحم له ولوالده الحسين، لأنّهما كانا من مشايخه كالشيخ المفيد، فإذا كان الرجل إماميّاً عارفاً، عالماً متتبّعاً، متقناً شيخاً في هذه الطائفة، لم يقدح فيه ولا في كتابه أحد منهم، بل كلّ تلقّوه بالقبول، فلا شبهة في أنّ قوله معتمد عليه وكتابه مرجوع إليه، والتشكيك فيه تشكيك في الأمور العادية، وما يجري مجراها من البديهيّات.

ثمّ أقول: وعلي تقدير التنزّل علي سبيل الاستظهار والقول بعدم ثبوت عدالته يمكن أن يستدلّ علي جواز الاعتماد علي قوله ونقله بطرق أخري، وهو أنّ علم الرجال كما أنّه من العلوم النقليّة كذلك علم اللغة، فكما جاز الاعتماد علي قول أهل اللغة في تفسير اللغات والرجوع إليهم - وإن لم يعلم عدالتهم كما هو الواقع، فإنّ طرق العلم إلي عدالتهم منسدّة علينا، بل الظاهر عدم عدالة جلّهم، بل كلّهم - فليَجُزِ الاعتماد علي قول أئمّة الرجال والرجوع إليه، وإلّا فما الفرق،

ص: 87

والأوّل يقع بالاتّفاق، إذ لا خلاف في جواز الرجوع في فهم معاني ألفاظ القرآن والحديث وغيرهما إلي أهل اللغة ونقلهم وإفادته الظنّ، ولذلك كان الناس يرجعون إليهم في تفاسير اللغات قديماً حديثاً، موافقاً ومخالفاً، في كلّ عصر وزمان.

إلي أن قال: وقد عرفت أنّ كلّ من تأخّر عن ابن الغضائري من علماء الرجال كالشيخ والنجاشي وابن داود والعلّامة وغيرهم، صدّقوه في قوله، وتلقّوه بالقبول، ونقلوا عنه كثيراً من غير نكير، فهذا دلّ علي أنّه ثقة معتمداً عليه في قوله ونقله.

ثمّ إنّ الفاضل التستري صرّح في شرحه علي التهذيب بأنّه لم يمكن الاعتماد علي كتاب ابن الغضائري، ولكن اعتمد عليه حتّي أفرد كتابه عن كتاب السيّد وصرّح بكونه مظنون الانتفاع به، فلو كان فيه خلل لأشار هو أو غيره ممّن تأخّر عن ابن الغضائري من علمائنا إليه، لكثرة تداوله فيهم، ودلّ ذلك علي أنّه كان معتمداً عليه مقبولاً عندهم، وترحّم النجاشي عليه في خمسة مواضع في رجاله، ونقل عنه، وكفاه فضلاً ونُبلاً أن يكون له تلميذان مثلهما، فاضلان عالمان، ثقتان عادلان، يرويان وينقلان عنه، ويعتمدان علي قوله في نقله وجرحه وتعديله.

وليت شعري، لِمَ لا يعتمد علي قوله الفاضل المجلسي؟ وقد اعتمد عليه مثل الشيخ الطوسي، والشيخ النجاشي، والفاضل الحلّي، والسيّد السند أحمد ابن طاووس الحلّي، والشيخ المحقّق زين الدين العاملي، والمولي العالم العامل عبداللّه التستري، وابن داود، والملّا ميرزا محمّد الإسترآبادي، والملّا عناية اللّه

ص: 88

القهبائي وغيرهم من أساطين الدين وأُمناء أهل الحقّ واليقين، العارفين بالرجال، الواقفين بالأحوال.

ثمّ كيف يكون من هذا شأنه وقدره ومكانه مجهولاً حاله أو شخصه؟! وأيّ رجل من أصحابنا من شيوخ طائفتنا أصحاب التصانيف أعرف منه حالاً، أو أشهر منه شخصاً، وحاله أظهر من الشمس، وشخصه أبين من أمس، ولم يتعرّض بعض لترجمته.

والأظهر أن يقال: إنّه قدس سره إنّما اغترّ بقول السيّد الداماد في الرواشح - الراشحة العاشرة -: فأمّا ابن الغضائري فمسارع إلي الجرح حرداً، مبادر إلي التضعيف شططاً. وبقوله في الراشحة الخامسة والثلاثين: أحمد بن الحسين الغضائري في الأكثر؛ مسارع إلي التضعيف بأدني سبب(1).

والحقّ أنّه لم يكن علي ما وصفه به السيّد من المسارعة والمبادرة في الجرح والتضعيف، بل كان ثقة ثبتاً مأموناً، يقول ما يقول بعد تثبّت وتأمّل وتدقيق وتحقيق، كما يظهر بملاحظة كثير من كلماته المنقولة عنه(2).

هذا كلام العلّامة الخواجوئي في ابن الغضائري وكلامه مفصّل، وكلّه يرجع إلي أنّ ابن الغضائري رجاليّ وأباه فقيه، وكان الشيخ والنجاشي يعتمدان علي قوله كغيرهم، ونحن نعتمد علي قوله أيضاً.

فلهذا كلّه عددنا العلّامة الخواجوئي(3) من أتباع ابن الغضائري، فإنّه قد صرّح في الرجال: أنّ آراء ابن الغضائري حاكمة ونافذة، وهو خبير بالرجال.

********

(1) . الرواشح السماويّة ص 59 و 113.

(2) . الفوائد الرجاليّة ص 289-308.

(3) . راجع ترجمته أيضاً: مقدّمة التعليقة علي الرسالة الصوميّة للشيخ البهائي ص 11.

ص: 89

إنّ من آراء العلّامة الخواجوئي المؤثّرة في الفقه كثيراً، هي عدم اعتباره بالشهرة، فهو في آرائه علي نهج الشهيد الثاني، وكذا في الفقه والرجال، فهو لا يعتني بالمشهور. وفي مفتاح الفلاح - بعد كلام الشيخ محمّد بن الحسين العاملي البهائي (م 1030 ق): فصل: روي ثقة الإسلام في الكافي ورئيس المحدّثين في الفقيه وشيخ الطائفة في التهذيب عن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: بينا أميرالمؤمنين عليه السلام، ثمّ نقل البهائي حديث الوضوء - قال الخواجوئي في هامش الحديث: عبدالرحمن هذا ضعيف، كان يضع الحديث. وقال الشيخ في الأربعين في الحاشية: هذه الرواية وإن كان في طريقها عبدالرحمن بن كثير وهو ضعيف إلّاأنّ ضعفها منجبر بالشهرة بين الأصحاب، وممّن قال بشهرتها: شيخنا الشهيد في الذكري، علي أنّها واردة في المستحبّات، فالضعف لا يمنع من العمل بها.

وفيه: أنّ هذه الشهرة غير مؤثّرة في جبر الضعف، فإنّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ الطوسي، والأمر ليس كذلك، فإنّ من قبله كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً كالمرتضي، والأكثر علي ما نقله جماعة، وبين جامع للأحاديث من دون التفات إلي تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّ؛ فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمنه علي وجه يجبر ضعفه غير متحقّق، ولمّا عمل هو به في كتبه الفقهيّة جاء من بعده من الفقهاء وأتبعه الأكثر تقليداً له، فجاء المتأخّرون بعد ذلك ووجدوه ومن تبعه قد عملوا به، فحسبوا أنّ العمل به مشهور، وجعلوها جابرة لضعفه، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبره، كما صرّح به بعض المحقّقين. نعم، وجوّز أكثرهم العمل به في نحو المستحبّات

ص: 90

لتساهلهم في أدلّه السنن، ولما ورد عنه صلي الله عليه و آله أنّه قال: «من بلغه عن اللّه فضيلة فأخذها، عمل بها إيماناً باللّه ورجاء ثوابه، أعطاه اللّه ذلك وإن لم يكن كذلك»(1).

وله نظائر، وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع، وقد عرفت أنّ أصحابنا قد صرّحوا بأنّ هذا الهاشمي كان يضع الحديث، وأنّ ابن أخيه عليّ بن الحسّان الراوي عنه ضعيف، غالٍ كذّاب، واقفيّ، فاحتمال هذا الحديث موضوعاً قويّ، لأنّ له طريقين، وهو بطريقيه ينتهي إلي هذا الهاشمي الواضع(2).

وكلامه هذا في الشهرة وعدم اعتبارها قول الشهيد في بحث حجيّة الخبر في كتاب الرعاية، فإنّه نقل عن الشيخ الحمصي: أنّ الشهرة لم تكن قبل الشيخ ولكن بعده قد ظهر عدّة من المقلّدين له، فتكوّنت الشهرة تبعاً له(3).

وقال أيضاً عند قول المصنّف - يعني البهائي - في الاثنتي عشرة رسالة الصوميّة، «الثاني عشر: الكذب علي اللّه تعالي أو رسوله صلي الله عليه و آله أو أحد الأئمّة عليهم السلام مفسد علي الأظهر وفاقاً للشيخين والأكثر، وضعف الروايتين منجبر»، قال:

كيف يكون منجبراً بمجرّد عمل الشيخين ومن تأخّر عنهما تقليداً لهما، ومثل هذا غير مؤثّر في جبر الضعف، وإنّما كان مؤثّراً لو كانت الشهرة والعمل بهما قبل زمنهما وليس كذلك، فإنّ من قبلهما كانا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً وبين جامع الأخبار من غير التفات إلي تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّ، فالعمل

********

(1) . كنز العمّال ج 15 ص 791.

(2) . مفتاح الفلاح ص 95.

(3) . الرعاية ص 95.

ص: 91

بمضمون الخبر الضعيف قبل زمنهما علي وجه ينجبر به ضعفه غير متحقّق(1).

فالخواجوئي مع ذلك كلّه، فإنّه قد صرّح: أنّ إبراهيم بن هاشم حديثه صحيح لا حسن، قال في هامش الرسالة الصوميّة: والرواية بإسنادها صحيحة فإنّ إسنادها في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبداللّه بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وفي التهذيب: عن أيّوب بن نوح، عن صفوان، عن سعد بن أبي خلف، عن غياث عنه عليه السلام، وأبو عليّ في الطريق الأوّل وإن كان حسناً علي المشهور إلّاأنّه صحيح علي ما تقرّر عندنا وفصّلناه في بعض رسائلنا(2).

ومراده من رسائله هي رسالة في الفوائد الرجاليّة، وهو مع توثيقه المتشدّد وتضعيفه، فقد صحّح حديث إبراهيم بن هاشم، مع أنّ الشهيد الثاني أكّد في هامش مسالك الأفهام أنّه يجب أن يعدّ حديثه من الحسن لا من الصحيح، كما عدّه العلّامة والشهيد الأوّل، وعدّه صحيحاً خروج عن الاصطلاح(3).

ومن آرائه تقديم الجرح علي التعديل وهذا معروف منه، لأنّ الجرح مبيّن والتعديل مجمل؛ فمنها قوله في ذيل قول الشيخ البهائي في الرسالة الصوميّة «لإطلاق موثّقة غياث بل صحيحته السالمة عن المعارض». والإسناد كما في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبداللّه بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وفي التهذيب هكذا: عن أيّوب بن نوح، عن

********

(1) . التعليقة علي الرسالة الصوميّة ص 82.

(2) . التعليقة علي الرسالة الصوميّة ص 42 و 146، الكافي ج 4 ص 115، تهذيب الأحكام ج 4 ص 323.

(3) . مسالك الأفهام ج 6 ص 44.

ص: 92

صفوان، عن سعد بن أبي خلف قال: حدّثني غياث، عن أبي عبداللّه عليه السلام. قال الملّا ميرزا محمّد في رجال الأوسط: غياث بن إبراهيم بتريّ، وظنّ كونهما مقلّدين للكشّيّ بعيد، والجرح مقدّم، وجهالة بعض مشايخ الكشّيّ هنا غير مضرّة، والشيخ أهمل غياثاً هذا في فهرسته فإنّه ذكره فيه من غير قدح ولا مدح سوي: أنّ له كتاباً. ثمّ بمجرّد ثبوت التوثيق وعدم ثبوت البتريّة لا يثبت كونه إماميّاً لاحتمال أن يكون واقفيّاً، أو من الفرق المخالفة، والنجاشي وإن حكم بكونه ثقة، إلّاأنّه لم يحكم بكونه إماميّاً حتّي يثبت السند صحيحاً، وظنّي أنّ الشيخ قدس سره أخذ ذلك من كلام صاحب المدارك، فإنّه بعد نقل الحديث بمثل إسناده قال: وليس في هذا السند من يتوقّف في شأنه سوي غياث بن إبراهيم فإنّ النجاشي وثّقه، ولكن قال العلّامة: إنّه بتريّ، ولا يبعد أن يكون الأصل فيه كلام الكشّيّ نقلاً عن حمدويه عن أشياخه، وذلك البعض مجهول فلا تعويل علي قوله، انتهي(1).

وهذا منه سوء ظنّ بالعلّامة ونوع من القدح فيه، فإنّه يستلزم إمّا لكونه مدلّساً أو جاهلاً بفساد ذلك، أو غافلاً عن كون ذلك الشيخ مجهولاً، وإلّا فكيف يحكم بالبتريّة محض قوله مع عدم ثبوته عنده؟! حاشاه ثمّ حاشاه، فإنّ مثل هذا بعيد ينافي فضله وعدله؛ فتأمّل.

وقال في ذيل قول المصنّف: «كما يقتضيه العيص» قال الخواجوئي: سند الحديث في الكافي و التهذيب هكذا: محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن

********

(1) . التعليقة علي الرسالة الصوميّة ص 44، الكافي ج 4 ص 115، تهذيب الأحكام ج 4 ص 323، الفهرست ص 561/355، رجال النجاشي ص 833/305، مدارك الأحكام ج 6 ص 106، خلاصة الرجال ص 245.

ص: 93

شاذان، عن صفوان بن يحيي، عن العيص بن قاسم(1)، والظاهر أنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني هو الحسن النيسابوري المعروف ب «بندفر» تلميذ الفضل بن شاذان، لأنّ الكليني في طبقة الكشّيّ، لرواية ابن قولويه عنه وعن الكليني والكشّيّ يروي عن محمّد هذا بلا واسطة، وهو عن الفضل، فيظهر منه أنّه الذي يروي عنه الكليني، عن الفضل.

ثمّ إنّ محمّداً هذا لا يوثّق ولا يمدح صريحاً في كتب الرجال، ولكنّه معتبر لاعتماد الكليني علي روايته كثيراً في الأحكام وغيرها، فالرواية غير محكوم بصحّتها علي قانون الرواية وإن كانت معتبرة؛ فحكم جماعة منهم العلّامة والشيخ البهائي، والملّا عبداللّه التستري رحمهم الله بصحّة مثلها، إذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته، ظنّاً منهم أنّ الواسطة فيها بين الكليني والفضل؛ إمّا ابن بزيع أو البرمكي الموثّقان، محلّ تأمّل، لأنّ محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي أبا جعفر المعروف صاحب الصومعة - مع كونه ضعيفاً كما صرّح به ابن الغضائري وإن وثّقه النجاشي(2) وظاهر أنّ الجرح مقدّم علي التعديل - رازيّ الأصل، كما صرّح به في الحديث الثالث من باب حدوث العالم، وغيره من الكافي هكذا: محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي الرازي، السند(3).

وكثيراً ما يذكر في طرق الكشّيّ هكذا: حمدويه، عن محمّد بن إسماعيل الرازي، كما في ترجمة صفوان بن مهران، وفي صدر الكتاب وغيرهما، وصرّح

********

(1) . الكافي ج 4 ص 97، تهذيب الأحكام ج 4 ص 270.

(2) . رجال النجاشي ص 915/341.

(3) . الكافي ج 1 ص 78.

ص: 94

في لم من جخ أنّ حمدويه سمع يعقوب بن يزيد، ويعقوب هذا من رجال الرضا والجواد عليهما السلام، فيكون البرمكي في طبقة يعقوب، فكيف كان يعاصر الكليني، وكان يروي عن الفضل الذي من رواة الهادي والعسكري عليهما السلام؟!

وفي ترجمة عبداللّه بن داهر من النجاشي، أنّ البرمكي يروي عن عبداللّه هذا وهو عن أبي عبداللّه عليه السلام، فمتي يجوز رواية الكليني عن البرمكي، وروايته عن الفضل؟ وفي ترجمة يونس بن عبدالرحمن رواية البرمكي عن عبدالعزيز بن المهتدي، وهو من أصحاب الرضا عليه السلام، ورواية الفضل عنه أيضاً، فيبعد رواية الكليني عن البرمكي، وهو عن الفضل.

وأيضاً فإنّ جعفر بن عون الأسدي هذا داخل في العدّة المذكورة في الكافي بين الكليني وسهل بن زياد، والأسدي هذا يروي عن البرمكي، فيبعد رواية الكليني عنه بلا واسطة.

ثمّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع من أشياخ الفضل، فكيف يروي عنه دائماً من غير عكس؟ علي أنّ الكليني يروي عن ابن بزيع بواسطة عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عنه، ولأنّ ابن بزيع من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، فعلي تقدير رواية الكليني عنه يلزم أن يكون من أصحاب ستّة من الأئمّة عليهم السلام، ويكون بين الكليني وبين كلّ واحد منهم عليهم السلام واسطة واحدة، وهذا مع بُعده لا يتصوّر، إلّافي حدود مائة وعشرين سنة لابن بزيع. كيف لا يروي الكليني عن أحد من الأئمّة عليهم السلام بواسطة واحدة مع حصول هذا العلوّ وقرب الإسناد المعتبر عندهم غاية الاعتبار.

فظهر أنّ الواسطة بين الكليني والفضل من جملة الرجال المسمّين بمحمّد

ص: 95

ابن إسماعيل الأربعة عشر ليس إلّاالنيسابوري، فجزم الشيخ البهائي بكونها البرمكي، ونفي الملّا عبداللّه البعد عن كونها ابن بزيع، محلّ تأمّل(1).

* الاستاذ البهبودي

الأُستاذ محمّد باقر البهبودي المعاصر، كان من الذين سعي في إحياء آثار أهل البيت عليهم السلام، وهو الذي أحيا موسوعة بحار الأنوار للعلّامة المجلسي، بعد أن طبعت بالطبع الحجري علي نفقة التاجر الوجيه في العصر القاجاري - وهو أمين الضرب - في خمسة وعشرين مجلّداً، وأمّا محمّد باقر البهبودي فإنّه قد شمّر ساعد الجدّ، وسعي سعياً حثيثاً في تصحيح هذه الموسوعة وأخرجها في مائة وعشرة مجلّدات؛ ولكنّه بعد أن وقف عمره في إحياء آثار أهل البيت عليهم السلام، نشر آراءه في ضمن كتاب معرفة الحديث وتاريخ نشره وتدوينه وثقافته عند الشيعة الإماميّة، وهذا الكتاب صار مقدّمة لنشر تلخيص للمجاميع الروائية الأربعة، فإنّه بعد أن شرح آراءه في الرجال والحديث والجرح والتعديل، والنقد والتنقيب، استخرج من المجامع الروائيّة الأحاديث التي وافقت منهجه الرجالي، فهو سار علي نهج الشيخ حسن العاملي (م 1011 ق) في كتابه منتقي الجمان، ولكن أين هو من العاملي؟ فهو كبعد الثري من الثريا، وأين موقع منتقي الجمان من خلاصة الكافي وغيرها، فهذا فقيه من فقهاء الإماميّة وذاك محقّق متتبّع للكتب اشتهر بتصحيحه للمتون. فألّف علي فكرته في الرجال وهو يحذو حذو ابن الغضائري في كثير من آرائه، بل يُعَدُّ من أتباع الحركة الغضائريّة في الرجال، فيضعّف كثيراً من الرواة، ويردّ علي كثير من

********

(1) . التعليقة علي الرسالة الصوميّة ص 53.

ص: 96

الأحاديث، فهو يغربل الأحاديث غربلة، وأنا قد رأيته في مجلس في مدينة الرضا عليه السلام في المشهد الرضوي في جلسة الأُستاذ آية اللّه السيد جعفر السيّدان، وكان النقاش يدور حول اعتبار الأحاديث، فهو كان يؤكّد علي أنّ الأحاديث الصحيحة المعتبرة هي ما أخلصناها من الكتب، وغيرها لا وجه لها، وأمّا الأُستاذ السيّدان فقد انتصر للفقهاء العظام من عصر شيخ الطائفة الطوسي إلي زماننا هذا، فمن مبادئهم في الحديث هو الأخذ بالحديث المشهور ولو كان ضعيفاً، وكما قال العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة: إنّ من أدب الفقهاء هو تقديم الحديث الضعيف المشهور علي الحديث الصحيح الشاذّ النادر. وفي النهاية، فإنّ الأُستاذ الشيخ البهبودي من أتباع الحركة الغضائريّة، ولا يمكن أن ندّعي أنّ له منهجاً وله أتباع، فهو يتبع ابن الغضائري والحركة الغضائريّة التي اتّخذت لها علي مدي الزمان منهجاً.

كما لا يمكن أن نعدّ الحركة الأخباريّة منهجاً ومدرسة في الحديث والأخبار، بل هما، أي: الحركة الغضائريّة والأمينيّة الإسترآباديّة عاصفة مدمّرة تحرق الآلاف من الأحاديث، وتقضي علي آثار العلوم الإسلاميّة كالأصول وغيرها.

إنّ من اعتقادات البهبودي هو الاعتماد التامّ علي تضعيفاته، وأنّ تضعيفاته هي الحاكمة في علم الرجال، وأنّ آراءه تعتمد توثيقاً وتضعيفاً، والثاني هو مورد الحاجة، وفي متناول اليد، فقد قال في معرفة الحديث: رجال ابن الغضائري وظنّي أنّ النسخة المتداولة بين أصحابنا الرجاليّين من عصر العلّامة الحلّي (م 726 ق) المعروفة برجال ابن الغضائري، هي النسخة التي كانت عند شيخنا النجاشي، فظفر بها العلّامة واعتمد عليها، لما رأي عليها من شواهد تحقّق

ص: 97

صحّة الانتساب إليه، وقد سبرت المواضع التي نقلها النجاشي نصّاً أو كناية فوجدتها مطابقة لما في النسخة المعروفة، ولذلك صحّ الاستشهاد بما في طيّها من المسائل التي يتعلّق بالجرح ويفيد الاتّهام. وستعرف شطراً من هذه المطابقة في عنوان الضعفاء(1).

فتراه يقول بالحرف الواحد: إنّ المناط في التضعيف هو كلمات الغضائري.

إنّ من أهمّ المعايير في الجرح عند الغضائري هو الجرح في الاعتقادات، فإنّ من كان غالياً عنده فهو مجروح لا محالة.

وقال البهبودي: ألفاظ الجرح: وأمّا ألفاظ الجرح والطعن علي قسمين: قسم يتعلّق بعقائد الرواة وأهوائهم، وقسم يتعلّق بأحاديثهم ومؤلّفاتهم.

تشهير الغلاة: فمن الأوّل قولهم فلان غالٍ، والغالي هو الذي يزعم أنّ الأديان والمذاهب إنّما تأسّست تنظيماً لمعايش العباد... إلي آخر كلامه(2). وله كلام جيّد وهو منهج العلماء في الرواة في بغداد والكوفة، وهم الذين يعدّون الراوي ثقة، لو كان في الأخبار ثقة، وإن لم يكن علي مذهب الإماميّة، لأنّ معرفة الإمامة في عصر الأئمّة عليهم السلام - خاصّة بعد عهد الإمام الصادق عليه السلام - أمر صعب.

ويقول المؤلّف: وعندي أنّ الخروج عن عقيدة الإمامة في ذاك العهد لم يكن لقلّة التقوي، وطمع في حطام الدنيا، ومسارعة إلي البدع، واقتحام في الهوي، حيث إنّ مفهوم الإمامة المتجسّد في الأئمّة الاثني عشر، بأعيانهم وأشخاصهم وعلي ما نعرفه اليوم، لم يكن مكتملاً ومتبلوراً من أوّل الأمر، وإنّما تجسّد

********

(1) . معرفة الحديث ص 65.

(2) . نفس المصدر، ص 67.

ص: 98

وتبلور واكتمل علي مراحل، فالأصحاب في عهد الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، لمّا عرفوا معني الإمامة، وقالوا بإمامته وإمامة آبائه فإنّهم كانوا يعتقدون بأنّ الأئمّة هم اثنا عشر، دون أن يكون لهم معرفة بأعيانهم، وأسمائهم، وأوصافهم، وشمائلهم عدا الأئمّة الماضين والإمام الحاضر بين أظهرهم، ولذلك نري أنّ الخواصّ منهم كانوا يفدون إلي الإمام الحاضر ويطلبون منه أن يعرّفهم الإمام من بعده، فلا يجيبهم إلّاعند الاضطرار، والأمن من الأعداء؛ خوفاً منه عليهم، ولذلك قلّت النصوص، وعميت الأنباء عليهم، ودخلت الشبهات في صدورهم، فكلّما مضي إمام من أئمّة العترة الطاهرة عليهم السلام اختلفت الشيعة في الإمام بعده، لا يدرون بمن يأتمّون، وإلي مَن يرجعون؟ مع أنّ منهم كبار الفقهاء والمتكلّمين وحفّاظ الحديث وأُمناء الدين، فلو كانت عندهم وفي متناول أيديهم هذه النصوص الكثيرة التي نرويها منذ عهد الغيبة الصغري وقبله بقليل، لما آل بهم الأمر إلي هذه الفرقة والقول بالأهواء الباطلة.

إنّ الذين شذّوا عن عقيدة الشيعة الاثني عشريّة في تلك العهود المظلمة لم يكونوا مبدعين، بل فُتنوا، فلهم أُسوة بالآخرين؛ يقبل حديثهم إذا كان جامعاً لشرائط الصحّة، حيث إنّنا لا نجد فرقاً بين الناووسيّة الذين وقفوا علي الإمام الصادق عليه السلام وبين الذين ماتوا في عهده، فكلّهم لم يقولوا بإمامة الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، وكذا لا نجد فرقاً بين الواقفة الذين وقفوا علي الإمام أبي الحسن الماضي عليه السلام وبين الذين ماتوا في عهده، فكلّهم أيضاً لم يقولوا بإمامة الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، ومثلهم الفطحيّة الذين قالوا بإمامة عبداللّه بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين خمسة وسبعين يوماً؛ من دون رؤية وسماع منه، ثمّ

ص: 99

قالوا بإمامة أخيه موسي بن جعفر، وقالوا: إنّه الإمام الثامن من دون أن يفدوا عليه ولا علي من بعده من الأئمّة حياءً، ولذلك نري زعيمهم وهو الحسن بن عليّ بن فضّال التحق بالجبل واحتجب عن الأصحاب، فكأنّهم انتهوا عند ذلك وفي عهد الإمام أبي الحسن الماضي عليه السلام فكلّهم علي الحقّ؛ لهم ما لغيرهم وعليهم ما علي غيرهم، واللّه الموفّق للصواب(1).

المضعّفون عند الشيخ البهبودي

وأمّا الرواة المعروفون الذين ضعّفهم اعتماداً علي قول ابن الغضائري، فهم عدّة من كبار رجال الحديث، منهم: أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274)، وقد نقل أوّلاً كلمات النجاشي في البرقي، فقال: أحمد بن محمّد بن خالد بن عبدالرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي أبو جعفر، أصله كوفيّ، وكان جدّه محمّد بن عليّ حبسه يوسف بن عمر بعد قتل زيد، ثمّ قتله، وكان خالد صغير السنّ، فهرب مع أبيه عبدالرحمن بن محمّد إلي برقروذ، وكان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل...(2).

وهذه العبارة موجودة في الفهرست للشيخ الطوسي بعينها، ولمّا صنّف الشيخ كتابه الفهرست قبل فهرست النجاشي، فالنجاشي شاهدها وأخذها منه، وهذا يدلّ علي أرجحيّة كتاب النجاشي علي كتاب الشيخ، كونه يكمل كتاب الشيخ، ولكن العبارة في الكتابين موجودة، فيعلم من هذا الاتّحاد في هذه العبارة وعبارات أُخري، أنّ كليهما أخذا عن ثالث، أو أخذ النجاشي عن الشيخ

********

(1) . معرفة الحديث ص 96.

(2) . رجال النجاشي ص 59.

ص: 100

والشيخ عن آخر، والثالث أو الآخر هو ابن الغضائري.

ثمّ قال البهبودي بعد نقل كلام الشيخين في الرجال: وذكره ابن الغضائري وقال: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي أبو جعفر، طعن عليه القميّون وليس الطعن فيه، إنّما الطعن فيمن يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن أخذ، علي طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها واعتذر إليه، ووجدت كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسي، وبين أحمد بن محمّد بن خالد، ولمّا توفّي مشي أحمد بن محمّد بن عيسي في تشييع جنازته حافياً حاسراً ليبرّء نفسه ممّا قذفه به.

أقول (البهبودي): هذا الذي ذكروه في وصف الرجل جرحاً وتعديلاً يفيدنا أنّه لم يكن كذّاباً يكذب علي أصحاب الأُصول والمؤلّفات، ولا مدلّساً يسمّي الضعفاء والمجروحين بغير ما اشتهروا به، ولكنّ الخطب في أخذه بالوجادة والإجازة من دون ميز بين صحيح النسخ ومدسوسها، فبعد ما نراه يروي ويحدّث عن الغلاة والزنادقة جهاراً من دون تحرّج، كيف نثق به فيما كان يروي عن الثقات الأثبات، بأنّه لم يأخذ عن كتبهم إلّابعد التحرّز التامّ عن مكائد الغلاة ودسائسهم.

وإنّي بعد ما تتبّعتُ رواياته وجدته يروي عن النسخ المجعولة الموضوعة علي الثقات الأثبات كثيراً... إلي أن قال: فعندي أنّ الرجل كان يروي عن الضعفاء كثيراً ويروي بالوجادة عن النسخ مرسلاً، من دون مناولة وسماع، ومن دون تحرّز واستيثاق بصحّة النسخة وإحراز نسبتها إلي مؤلّفها، فيكون حديثه

ص: 101

مردوداً إلّاإذا كان حديثه عن سماع، أو مناولة صحيحة(1).

ومن ضعفائه: أبو حمزة ثابت بن دينار أبي صفيّة الثمالي (م 150 ق). قال النجاشي: ثابت بن أبي صفيّة أبو حمزة الثمالي، واسم أبي صفيّة دينار، مولي كوفيّ ثقة... لقي عليّ بن الحسين، وأبا جعفر، وأبا عبداللّه، وأبا الحسن عليهم السلام وروي عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «أبو حمزة في زمانه، مثل سلمان في زمانه».

قال البهبودي بعده: أقول: إنّما وثّقه الأصحاب لاعتقادهم أنّ فسق الجوارح وخطأُ الأفعال لا يضرّ بالصدق، وعندي أنّ خبر الفاسق مردود إليه حتّي يعرف صدقه من ناحية أُخري، وهذا الرجل كان فاسقاً لشربه النبيذ علي ما ذكره الرجاليّ الأقدم عليّ بن الحسن بن فضّال، وادّعاء أبي حمزة في ترك شرب النبيذ لا يقبل، وخاصّةً عند موته، أو قبل موته، فإنّ الفاسق ما دام فاسقاً غير مؤتمن، وتوبته لا تفيد شيئاً في أخباره(2).

ومن ضعفائه: جابر بن يزيد الجعفي، وعنونه العلّامة في الخلاصة ص 35 وقال: روي الكشّيّ فيه مدحاً وبعض الذمّ، والطريقان ضعيفان ذكرناهما في الكتاب الكبير. وقال ابن الغضائري: إنّ جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكن جلّ من روي عنهم ضعفاء، فممّن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شَمِر، ومفضّل بن صالح، والسكوني، ومنخل بن جميل الأسدي، وأري الترك

********

(1) . معرفة الحديث ص 110.

(2) . نفس المصدر ص 122.

ص: 102

لما روي هؤلاء عنه، والوقف في الباقي إلّاما خرج بالشاهد(1).

ومن ضعفائه: أبو عبداللّه الحسين بن عبيداللّه السعدي القمّي المحرّر. وقال النجاشي: الحسين بن عبيداللّه السعدي أبو عبداللّه بن عبيداللّه بن سهل ممّن طُعِن فيه، ورُمِي بالغلوّ، وذكر الكشّيّ: أنّ الحسين بن عبيداللّه القمّي أُخرج من قم في وقت كانوا يخرجون منها مَن اتّهموه بالغلوّ(2).

ومن ضعفائه: أبو عبداللّه الحسين بن مهران بن أبي نصر السكوني، عنونه النجاشي في كتابه وقال: الحسين بن مِهران بن محمّد بن أبي نصر السكوني روي عن أبي الحسن موسي والرضا عليهما السلام، وكان واقفيّاً. وقال أحمد بن الحسين ابن الغضائري: الحسين بن مِهران بن محمّد بن أبي نصر أبو عبداللّه، واقفيّ ضعيف(3).

ومن ضعفائه: الحسين بن ميّاح المدائني، عنونه العلّامة في الخلاصة ص 217 بالرقم 12 وقال: قال ابن الغضائري: إنّه غالٍ ضعيف. أقول (البهبودي): أبوه ميّاح المدائني أيضاً، غالٍ كما سيأتي، بل علماء المدائن كلّهم غلاة يقولون: من عرف الإمام فليصنع ما شاء؛ وقاله النوبختي في كتاب الفِرَق(4).

ومن ضعفائه: أبو سليمان داود بن كثير الجمّال الرَقّي (م 204 ق). قال النجاشي: داود بن كثير الرَقّي وأبوه كثير، يكنّي أبا خالد، وهو يكنّي أبا سليمان،

********

(1) . معرفة الحديث ص 124.

(2) . نفس المصدر، ص 136.

(3) . نفس المصدر، ص 137، معجم رجال الحديث ج 6 ص 104.

(4) . معرفة الحديث ص 137.

ص: 103

ضعيف جدّاً، والغلاة يروون عنه. وقال البهبودي: أقول: وقال ابن الغضائري علي ما في معجم رجال الحديث ج 7 ص 125: داود بن كثير بن أبي خالد الرَقّي مولي بني أسد، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وكان فاسد المذهب، ضعيف الرواية، لا يُلتَفت إليه.

وقال البهبودي أيضاً: قد عرفت في صدر الكتاب أنّ النجاشي ومشايخه النقّاد كانوا يسبرون كتب الحديث، ويميّزون بين صحيحها وسقيمها، ثمّ يرون فيه رأيهم، ويظهر ذلك من كلام شيخه ابن عبدون هاهنا، حيث يقول: قلّما رأيت له حديثاً سديداً، فعلي هذا يقدّم جرح تلك المشايخ وفي مقدّمتهم ابن الغضائري والنجاشي علي توثيق غيرهم.

وقال أيضاً: وعنونه الكشّيّ علي ما في اختياره لشيخنا الطوسي ص 407 وقال: يذكر الغلاة أنّه من أركانهم، وقد يروي عنه المناكير من الغلوّ، وينسب إليهم، ولم أسمع أحداً من مشايخ العصابة يطعن فيه، ولا عثرت من الرواية علي شيء غير ما أُثبّته في هذا الكتاب(1).

ومن ضعفائه أيضاً: أبو خديجة سالم بن مُكْرَم الجمّال، عنونه النجاشي في فهرسته ص 142 وقال: سالم بن مكرم بن عبداللّه أبو خديجة، ويقال: أبو سلمة، الكُناسي، صاحب الغَنم، مولي بني أسد الجمّال، يقال: كنيته كانت أبا خديجة، وإنّ أبا عبداللّه كنّاه: أبا سلمة، ثقة ثقة، روي عن أبي عبداللّه، وأبي الحسن عليهما السلام - إلي أن قال: - وعنونه الطوسي في الفهرست ص 15 بالرقم 313

********

(1) . معرفة الحديث ص 142.

ص: 104

وفي الأصل 339 فقال: سالم بن مكْرَم، يكنّي أبا خديجة، ضعيف(1).

ومن ضعفائه: أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي، عنونه النجاشي في فهرسته ص 140 وقال: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه فيه، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي يشهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من قم إلي الريّ، وكان يسكنها... وذكره العلّامة في الخلاصة ص 229 وقال: قال ابن الغضائري: إنّه كان ضعيفاً جدّاً، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعري أخرجه من قم، وأظهر البراءة منه، ونهي الناس عن السماع منه، والرواية عنه، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل. وذكره الطوسي في الفهرست ص 164 بالرقم 341 وقال:

سهل بن زياد الآدمي الرازي، يكنّي أبا سعيد، ضعيف. وقال في الاستبصار ج 3 ص 261: أبو سعيد الآدمي ضعيف جدّاً عند نقّاد الأخبار، وقد استثناه أبو جعفر ابن بابويه في رجال نوادر الحكمة(2).

ومن ضعفائه أيضاً: أبو جعفر محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري القمّي، عنونه النجاشي ص 268، وقال: محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران ابن عبداللّه بن سعد بن مالك الأشعري القمّي، أبو جعفر، كان ثقة في الحديث إلّا أنّ أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء، وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن يحيي ما رواه محمّد بن موسي الهمداني، أو ما رواه

********

(1) . معرفة الحديث ص 146.

(2) . خلاصة الرجال ص 205، الفهرست ص 275، فهرست النجاشي ص 275، معجم رجال الحديث ج 8 ص 339، رجال الطوسي ص 401، معرفة الحديث ص 153.

ص: 105

عن رجل، أو يقول: بعض أصحابنا، أو عن محمّد بن يحيي المعاذي، أو عن أبي عبداللّه الرازي الجاموراني، أو عن أبي عبداللّه السيّاري، أو عن يوسف بن سخت أو عن وهب بن مُنَبّه، أو عن أبي عليّ النيسابوري، أو عن أبي يحيي الواسطي، أو عن محمّد بن عليّ بن أبي سمينة، أو يقول: وجدت في حديث أو كتاب ولم أروه، أو عن سهل بن زياد الآدمي، أو عن محمّد بن عيسي بن عبيد بإسناد منقطع، أو عن أحمد بن هلال، أو عن محمّد بن عليّ الهمداني، أو عن عبداللّه بن محمّد الشامي، أو عن عبداللّه بن أحمد الرازي، أو عن أحمد بن الحسين بن سعيد، أو عن أحمد بن بشير الرَقّي، أو عن محمّد بن هارون، أو عن معاوية بن معروف، أو عن محمّد بن عبداللّه بن مِهْران، أو ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلئي، أو ما يرويه عن جعفر بن محمّد بن مالك، أو يوسف بن الحارث، أو عبداللّه بن محمّد الدمشقي.

وقال أبوالعبّاس بن نوح: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله علي ذلك، إلّافي محمّد بن عيسي بن عُبيد. فلا أدري ما رأيه فيه لأنّه كان علي ظاهر العدالة والثقة، ولمحمّد بن أحمد بن يحيي كتب منها: نوادر الحكمة وهو كتاب حسن كبير، يعرفه القمّيّون بدبّة شبيب، قال: وشبيب فاميّ، كان بقم له دبّة ذات بيوت، يعطي منها ما يُطْلب منه من دهن، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك(1).

ومن ضعفائه: محمّد بن إسحاق بن عمّار الصيرفي، عنونه النجاشي ص 279 وقال: محمّد بن إسحاق بن عمّار بن حيّان التَغْلِبيّ الصيرفي، ثقة عين،

********

(1) . معرفة الحديث ص 189، معجم رجال الحديث ج 15 ص 31.

ص: 106

روي عن أبي الحسن موسي - إلي أن قال: - تصفّحت رواياته فوجدته كثير المناكير، راوية للشواذّ فتجنّبته(1).

ومن ضعفائه: محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة، قال النجاشي:

محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة، أبو عبد اللّه، سكن قم وليس أصله منها، ذكر ذلك أبو العبّاس بن نوح، وكان ثقة مستقيماً، وعنونه ابن الغضائري علي ما في معجم رجال الحديث ج 15 ص 106 وقال: محمّد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي، أبو جعفر المعروف بصاحب الصومعة ضعيف، وأخرج أحاديثه شيخنا الكليني في كتاب التوحيد من الكافي، وشيخنا الصدوق في كتابه التوحيد أيضاً، ووصفه الكليني في ج 1 ص 78 بالبرمكي الرازي، وذكره أبوالحسن بن بابويه في تاريخ الريّ وقال:

روي عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسي الكاظم، روي عنه أبو سعيد سهل ابن زياد الآدمي، كان من غلاة الشيعة(2).

ومن ضعفائه: أبو جعفر محمّد بن سنان الزاهري الضرير (م 220 ق) عنونه النجاشي وقال: إنّه رجل ضعيف جدّاً، لايعوّل عليه، ولا يلتفت إلي ما تفرّد به، وقد ذكره أبو عمرو في رجاله: قال أبوالحسن عليّ بن قتيبة النيسابوري: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان: لا أُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سِنان(3).

********

(1) . تهذيب الأحكام ج 6 ص 361، وج 7 ص 53، وج 3 ص 226 و 235، وج 1 ص 362 و 467، الكافي ج 5 ص 114 و 532 و 205، اختيار معرفة الرجال ص 768، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 462 و 467.

(2) . معرفة الحديث ص 192، لسان الميزان ج 5 ص 82.

(3) . اختيار معرفة الرجال ص 507.

ص: 107

وذكر أيضاً: أنّه وجد بخطّ أبي عبداللّه الشاذاني: إنّي سمعت العاصمي يقول: إنّ عبداللّه بن محمّد بن عيسي الملقّب ببنان قال: كنت مع صفوان بن يحيي بالكوفة بالمنزل، إذ دخل علينا محمّد بن سنان، فقال صفوان: إنّ هذا ابن سنان لقد همّ أن يطير غير مرّة فقصصناه حتّي ثبت معنا، وهذا يدلّ علي اضطراب كان وزال. وعنونه ابن الغضائري في الضعفاء علي ما في معجم رجال الحديث ج 16 ص 177 وقال: محمّد بن سنان أبو جعفر الهمداني مولاهم، هذا أصحّ ما ينسب إليه، ضعيف، غالٍ، يضع الحديث، لايلتفت إليه.

وعنونه الطوسي في الفهرست ص 295 بالرقم 638 وفي الأصل 620 وقال:

محمّد بن سنان له كتب، وقد طعن عليه وضعّف، وذكره الشيخ في رجاله ص 386 بالرقم 7 من أصحاب الرضا عليه السلام وقال: محمّد بن سنان ضعيف، وقال في التهذيب ج 7 ص 361 ذيل الرقم 1464: ومحمّد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدّاً، وما يستبدّ بروايته، ولا يشركه فيه غيره، لا يعتمد عليه، ومثل ذلك قال في الاستبصار ج 3 ص 224 باب تسمية المهر باختلاف يسير في اللفظ والمعني واحد.

وقال المفيد في عدديّته: ومحمّد بن سنان مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، ومن كان هذا سبيله لا يعتمد عليه في الدين(1).

وقال بعد نقل ما قاله الكشّيّ في تضعيفه: أقول: قد عرفت في صدر الكتاب أنّ طلّاب الحديث كانوا يكتبون عن المشايخ في صغرهم وأوائل طلبهم، وبعد ما يموت الشيخ، أو يرجع هؤلاء الطلّاب إلي أوطانهم، كانوا يروون لتلاميذهم

********

(1) . قاموس الرجال ج 8 ص 197.

ص: 108

أحاديث ذلك الشيخ ناقلين عن أُصولهم المكتوبة لأنفسهم، فعلي ذلك أخذ الفضل بن شاذان (م 260 ق) عن محمّد بن سنان (م 220 ق)، وهكذا أخذ عنه أيّوب بن نوح في صغره، من دون أن يعرفا محمّد بن سنان حقّ معرفته، وبعد ما علما أنّه كان يروي بالوجادة، مع أنّه كان ضريراً أعمي لم يستحلّا إسناد الرواية عنه، ولمّا كان التلاميذ يرغبون في حديث ابن سنان دفع ابن نوح أصله المأخوذ عن محمّد بن سنان إليهم، وقال: إن شئتم أن تكتبوا حديثه عن أصلي فتروون عنه وجادة فافعلوا، وإن أردتم أن تكتبوا حديثه عن أصلي حتّي أرويها لكم بعد ذلك فإنّي لا أفعل ذلك، ولا أستحلّ أن أرويها لكم بعد ذلك، فإنّي لا أفعل ذلك ولا أستحلّ أن أرويها، لأنّه كان يأخذ الحديث عن وجادة. وأمّا الفضل بن شاذان، فبما أنّه كان قد روي حديثه لتلاميذه قبل المعرفة بحقّ الرجل كان يقول: ردّوا أحاديث محمّد بن سنان، وكفي به ضعفاً شهادة هذين الرجلين من تلاميذه(1).

أقول: من عرف كذبه وأنّه كان يروي بالوجادة مع كونه أعمي أسقط رواياته، ومن لم يعرفه بذلك أدام علي الرواية عنه لحسن ظنّه به، وكفي بالفضل ناقداً وبصيراً(2).

ومن ضعفائه: أبو جعفر محمّد بن عيسي بن عُبيد اليقطيني، عنونه النجاشي في فهرسته ص 256 قال: محمّد بن عيسي بن عبيد بن يقطين بن موسي، مولي أسد بن خُزيمة، أبو جعفر، جليل في أصحابنا، ثقة عين، كثير الرواية، حسن

********

(1) . معرفة الحديث ص 208.

(2) . نفس المصدر، ص 208، وراجع: معجم رجال الحديث ج 16 ص 426.

ص: 109

التصانيف، روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة، ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد بن محمّد بن عيسي من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه، ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون: مَن مثل أبي جعفر محمّد بن عيسي؟ سكن بغداد. قال أبو عمرو الكشّيّ: كان نصر بن الصباح يقول: إنّ محمّد بن عيسي بن عُبيد بن يقطين أصغر سنّاً أن يروي عن ابن محبوب. قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان يحبّ العُبيدي، ويثني عليه ويمدحه، ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله، وبحسبك هذا الثناء من الفضل، وذكر عين هذه العبارات في فهرست الشيخ، وعدّه ضعيفاً أيضاً في رجاله، ومع ذلك كلّه قال الكشّيّ: قال عليّ بن محمّد القتيبي: كان الفضل يحبّ العُبيدي ويثني عليه ويمدحه، ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله، ولكن القتيبي هذا ضعيف(1).

ومن ضعفائه: المعلّي بن خنيس، قال النجاشي: ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه، وذكره ابن الغضائري علي ما في معجم رجال الحديث ج 18 ص 374: المعلّي ابن خنيس مولي أبي عبداللّه عليه السلام، كان أوّل أمره مُغِيريّاً، ثمّ دعا إلي محمّد بن عبداللّه وفي هذه الظِنّة أخذه داود بن عليّ فقتله، والغلاة يضيفون إليه كثيراً، ولا أري الاعتماد علي شيء من حديثه(2).

ومن ضعفائه: المفضّل بن عمر الجُعْفيّ، عنونه النجاشي ص 326 وقال:

المفضّل بن عمر أبو عبداللّه، وقيل: أبو محمّد الجعفي، كوفيّ، فاسد المذهب

********

(1) . معرفة الحديث ص 231.

(2) . نفس المصدر، ص 229.

ص: 110

مضطرب الرواية، لا يعبأ به، وقيل: إنّه كان خطّابيّاً، وقد ذكرت له مصنّفات لا يعوّل عليها - إلي أن قال: - وذكره ابن الغضائري علي ما في معجم رجال الحديث ج 18 ص 336 قال: المفضّل بن عمر الجُعفي أبو عبداللّه ضعيف متهافت، مرتفع القول، خطّابيّ، وقد زيد عليه شيء كثير، وحَمَل الغلاة في حديثه حَمْلاً عظيماً، ولا يجوز أن يكتب حديثه، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وأبي الحسن عليه السلام(1).

وادّعي أنّ الروايات الواردة في مدحه رواها الغلاة.

إلي هنا كانت نماذج من رواة ضعّفهم ابن الغضائري، وعلي خُطاه في البحث سار البهبودي في كتابه معرفة الحديث، فكلّ راوٍ ضعّفه فقد اقتفي بذلك أثر ابن الغضائري في تضعيفه، وبلا وجه صحيح ودليل قويّ.

وهنا نبدأ بمقدّمة وهي - كما أشرنا سابقاً - أنّ اتّحاد عبارات الشيخ والنجاشي يدلّ علي أنّ النجاشي أخذ عن الشيخ، لأنّه ألّف فهرسته بعد فهرست الشيخ، أو يدلّ علي أنّهما أخذا عن ثالث؛ وهو ابن الغضائري، لا محالة، إلّاأنّهما خالفاه في آرائه وأقواله؛ وشاهدنا أنّ كثيراً مّا تتّحد عبارات الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في فهرسيهما فقد اتّحدت عبارتهما في أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، كلمةً بكلمة، وحرفاً بحرف، وكذا في محمّد بن يحيي الأشعري القمّي صاحب نوادر الحكمة.

وفي بعض الأحيان تكون عبارة الشيخ الطوسي خلاصة لكلام الفهرست

********

(1) . معرفة الحديث ص 231، اختيار معرفة الرجال ص 321.

ص: 111

للنجاشي، فهذا ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي(1) وأمثاله شاهدان علي هذا المدّعي، ولذلك نقول: إنّ النجاشي والشيخ كلاهما قد أخذا عن ثالث، لا أنّ النجاشي أخذ عن الشيخ، والذي صار مرجعاً لهما، هو ابن الغضائري، غير أنّ للشيخ الطوسي والنجاشي منهجاً حرّاً في اختيار عبارات لنقده وتهذيبه، وإنّهما أيضاً فهما من نهج الغضائري وخطّته في البحث أنّه شديد علي الرواة ويؤاخذهم بلا وجل أو خوف، فهو يؤاخذهم بعقيدتهم في الأئمّة عليهم السلام غالباً، ولذلك صرّح شيخ الطائفة وهو الخبير بكلمات الأصحاب، وهو الأكثر فهماً من ابن الغضائري؛ ونحن بدورنا نعتمد علي شيخ الطائفة الحقّة، ولا نعتمد علي ابن الغضائري، فقال في كتابه العدّة في أُصول الفقه، باب حجيّة خبر الواحد: إنّ ما يرويه هؤلاء (الغلاة، الواقفة، الفطحيّة) يجوز العمل به إذا كانوا ثقات في النقل - وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد - إذا علم من اعتقادهم تمسّكهم بالدين، وتحرّجهم من الكذب ووضع الأحاديث، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمّة عليهم السلام، نحو عبداللّه بن بكير وسماعة بن مهران. ونحو بني فضّال. فالشيخ وأساتذته وأتباعه جيلاً بعد جيل يتّكلون علي وثاقة الرجال، ولا يدخلون شيئاً آخر له تأثير في اعتبار الراوي، ونحن نأخذ بما قاله الشيخ الطوسي، وهو أقرب منهما إلي كلمات الأصحاب ومناهجهم، في الفقه والحديث والرجال والتفسير، وابن الغضائري رجل غيور يردّ كلّ من خالفه في العقيدة، وهذا هو منهج القميّين أيضاً، فإنّ الذي يعدّ ملاكاً لتوثيق الرواة وتضعيفهم هو كون الرجل معهم ومعتقداً بما يعتقدون، فيصرّح شيخ القمّيّين ورئيس المحدّثين محمّد بن عليّ

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 3 ص 385.

ص: 112

ابن بابويه القمّي ولأكثر من مرّة: أنّ الذي قاله أُستاذه هو الصحيح، وما ردّه فهو غير صحيح، فهذا قوله ذيل حديث صوم يوم الغدير: نرويه من طريق محمّد بن يعقوب الكليني فقط، وما صحّحه أُستاذي محمّد بن الحسن بن الوليد فهو عندي صحيح، فالصدوق يعتمد علي أُستاذه.

وأيضاً كلام الشيخ الطوسي والنجاشي في ترجمة محمّد بن يحيي واستثنائيّاته شاهد صدق علي هذا الادّعاء، فهما يصرّحان بأنّ الصدوق وأُستاذه استثنيا الرواة من كتاب نوادر الحكمة، وهكذا في مواضع أُخري، فالقمّيّون وعلي رأسهم الصدوق يوافق أُستاذه في الجرح والتعديل، وأمّا أُستاذه بل وكلّ القمّيّون يعدّون الرجل موثّقاً إن كان موافقاً لهم في عقيدتهم، ويتّبعونهم في آرائهم العقائديّة، فهذا هو الصدوق رئيس المحدّثين يصرّح مرّتين في من لا يحضره الفقيه بأنّ من خالف هذا الرأي فهو من الغلاة المفوّضة لعنهم اللّه:

إحداهما في ذيل الروايات الدالّة علي سهو الرسول، فهو يقول: إنّ الغلاة والمفوّضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبيّ صلي الله عليه و آله يقولون: لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ... إلي أن قال: وليس سهو النبيّ صلي الله عليه و آله كسهونا، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متي سهوا.

وقال أيضاً ذيل الشهادة الثالثة من الأذان، فيقول: والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان: محمّد وآل محمّد خير البريّة مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أن: أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه؛ أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه مرّتين... ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ اللّه، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله

ص: 113

صلوات اللّه عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان.

وعلي كلّ حال فإنّه يفهم من شرعة الصدوق ومنهاج أُستاذه وسائر أتباعه في قم؛ أنّ توثيقهم وتضعيفهم يرجع إلي الاعتقادات، لا إلي الوثاقة والكذب، فهذا أحد الوجوه المهمّة بين مدرستي الكوفة وبغداد من جانب، ومدرسة قم من جانب آخر؛ فإنّ العيار عند فقهاء مدرسة الكوفة ورواتهم، بل وعلماء رجالهم، والجرح والتعديل جميعاً، يعتمدون علي وثاقة الرجل وضعفه، ولا دخل للعقيدة في التوثيق والتضعيف، فهم يوثّقون الرجل إن كان صادقاً في أخباره ومحترزاً عن الكذب في أخباره؛ وإن كان فاسداً في مذهبه. وأمّا مدرسة قم فهم يعتمدون في الجرح والتعديل علي عقيدة الراوي؛ فلو كان الراوي فاسداً منحرفاً عمّا يقولون به، فهو فاسد غير ثقة، ولو كان علي عقيدتهم ومنهجهم فهو منهم ومعهم؛ وهذه هي إحدي الميزات المهمّة والدخيلة في التوثيق والتضعيف، والجرح والتعديل عند علماء مدرسة الكوفة وعلماء مدرسة قم.

وعلي ضوء ما ذكرناه فيما مضي عن الأُستاذ البهبودي في كتابه معرفة الحديث وهو الأخذ عن ابن الغضائري، وأنّ معيار التضعيف عند ابن الغضائري وبل القمّيّين هو الأخذ بما يتناسب وينسجم مع معتقداتهم، وقياسهم في ذلك؛ هو الغلوّ، فما عدّ عندهم غلوّ فهو مردود، والقائل به فاسق فاجر لا يمكن الأخذ بقوله، ومن كان علي عقيدتهم هذه فهو صالح حسن، يمكن الاعتماد علي قوله.

والوجه المشرق في مدرسة الكوفة هو أنّ الراوي، وإن كان فاسد العقيدة

ص: 114

فخبره معتبر، إذا كان له منهج صحيح وسليم في أخباره، فهذا هو أحمد بن هلال العبرتائي، فهو فاسد جدّاً، ويميل مع كلّ ريح، غير أنّ النجاشي وثّقه وقال: إنّه ثقة، فالوثاقة تكون في أخباره، والفساد يكون في مذهبه واعتقاده، فمثله يعدّه العلماء ثقة، ويعتبرون حديثه في باب لباس المصلّي، كما صرّح به السيّد المعظّم السيّد حسين البروجردي في فقهه علي ما في نهاية التقرير، وأيضاً قال به السيّد الطباطبائي الحكيم في مستمسك العروة الوثقي، وهما قد اتّبعا الشيخ الأعظم، في طهارته، وقبلهم الشيخ الطوسي قبل ألف سنة.

قد روي الشيخ الطوسي رواياته في كتابيه التهذيب و الاستبصار، وكذا أمثاله علي أساس فساد عقيدة كلّ الرواة، من الواقفة والفطحيّة وغيرهم، فإنّ الأصحاب يأخذون بحديثهم وبعضهم يعدّ من الفقهاء ومن أصحاب الأئمّة عليهم السلام، ولا يخفي أنّ ذلك العصر، كان عصر استبداد وطغيان، ولهذا شدّد العبّاسيّون علي موسي بن جعفر عليه السلام وأتباعه.

فتري أنّ محمّد بن أبي عمير (م 217 ق) قد عذّب وعاش في السجن طيلة أربعة أعوام، حتّي إنّ الخواصّ من الأصحاب لم يعرفوا الإمام، ولم يجرؤوا علي الإفصاح عن عقيدتهم، وكان عليهم من الصعب الوصول إلي الأئمّة عليهم السلام.

لذا فإنّ كلّ تضعيفات ابن الغضائري، والقمّيّين ترجع إلي هذا، كما صرّح به العلّامة الوحيد البهبهاني، والعلّامة بحر العلوم، وآية اللّه الخوئي وغيرهم.

وبهذا، بات من الواضح عندنا أنّ التضعيف في القمّيّين له أسبابه الخاصّة، كما أنّ المنهج الذي نهجه ابن الغضائري كان يخالف منهج مدرستي بغداد والكوفة، ثمّ من خلال الممارسة في أحوال أصحاب الرجال وتضعيفاتهم

ص: 115

وتوثيقاتهم؛ تشديد القمّيّين في التضعيف، وأنّهم أخرجوا رجالاً كباراً من قمّ إلي غيرها، فأخرجوا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي من قم، وأبعدوه إلي برقرود، وصرّح بذلك النجاشي والطوسي، ومثله لغيره قد حصل أيضاً، ولذلك ذكرنا في رسالتنا في الفروق بين مدرسة الكوفة ومدرسة قم أنّ الكليني ثقة الإسلام ألّف كتابه في الريّ في عشرين سنة، وجاء به إلي بغداد وعرضه علي علماء بغداد، ولم يأت به إلي قم، ولم يعرضه علي علماء قم، فهو في كلّ كتابه سلك سلوك البغداديّين والكوفيّين، فهو يروي عن الرواة الثقات عنده من العامّة، وغيرهم من فرق الإماميّة، غير الاثني عشريّة.

فهذا إسماعيل بن أبي زياد السكوني يقع كثيراً في أسانيد الكافي، ومثله الرواة من الواقفة، وهؤلاء كذلك بنو فضّال من: عليّ بن حسن بن فضّال وغيره، كما أنّ عبداللّه بن بكير وهو من الفطحيّة، كم له رواية في الكافي؟ ثمّ إنّ أبان بن عثمان الناووسي وغيره من رواة الزيديّة الذين هم فاسدوا العقيدة غير أنّ وثاقتهم محرزة، وقد اعتمد الكليني علي حديثهم، وأتي بحديثهم في كتابه الكافي.

وأمّا القمّيّون فلم يهتمّوا بالكليني، فرئيسهم الصدوق يروي عن الكليني نحو ستّ من الروايات، ويعبّر عن الكليني بمحمّد بن يعقوب، ويردّ حديثه كما هو واضح ذيل حديث الصوم في يوم الغدير معتمداً علي أُستاذه محمّد بن الحسن ابن الوليد.

وبات من الواضح أنّ ملاك الجرح والتعديل عند القمّيّين وابن الغضائري يعود إلي الاعتقادات، وعند الكوفيّين ومدرسة بغداد علي وثاقتهم، فالكليني،

ص: 116

والمفيد، والسيّد المرتضي، والطوسي هم من أتباع مدرسة الكوفة، فنجد أنّ الكليني قد كتب أكثر رواياته عن عليّ بن إبراهيم القمّي (م 328 ق)، وهو بدوره قد أخذها عن أُستاذه ووالده إبراهيم بن هاشم القمّي. وفيه قال النجاشي: أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم هو. وله دور عظيم في روايات الكافي، وهو أكثر الرواة نقلاً، واعتمد الكليني عليه فيما يقرب من ستّة آلاف حديث في الكافي؛ وألّف كتابه علي منهج الكوفيّين، ويُعرف كتابه عند أتباع الكوفيّين وهم البغداديّون، ولم يأت بكتابه إلي قم، مع أنّ قم هي أقرب إلي الريّ من بغداد؛ فهذا كلّه يكون دليلاً علي تضعيفات القمّيّين وابن الغضائري.

ونضيف إلي ذلك كلّه كلمة أُخري، وهي أنّ التضعيفات عند الطائفتين اللتين ذكرناهما من الغضائري والقمّيّين لعلّها كانت تستند إلي روايات موجودة في ذمّهم، فكم من رواة ترد في ذمّهم روايات، فنجد أنّ زرارة وهو علي رأسهم، يورد الكشّيّ فيه طائفتين من الروايات؛ روايات مادحة، وروايات ذامّة، فلعلّ ابن الغضائري والقمّيّين اعتمدوا في تضعيفاتهم علي هذه الروايات، إلّاأنّ هذه الروايات يجب أن يُبحث عنها سنداً ودلالة، فإذا وردت رواية في ذمّ شخص لا يمكن أن نعتمد علي ظاهرها، حيث إنّ يد الأمويّين والعبّاسيّين تمتدّ سريعاً إلي جعل الأحاديث والروايات في ذمّ الأئمّة عليهم السلام وأتباعهم. فانظروا إلي روايات وضعت في الإمام الحسن عليه السلام سبط النبيّ صلي الله عليه و آله، وعدّوه مُطلِّقاً للنساء واحدة بعد واحدة ويضعون أحاديث ينسبونها إلي الإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام بحقّه، في أنّه قال: لا تزوّجوا الحسن فإنّه مطلاق، غير أنّ المحقّقين عندما بحثوا عن هذه الروايات وجدوها مخالفة لشأن الإمام عليه السلام، وقالوا: إنّها موضوعة من قِبَل

ص: 117

العبّاسيّين غرضها إسقاط الإمام الحسن عليه السلام من أعين الناس، وإذا أردت فراجع في ذلك تحريرات الأُستاذين العلمين: القرشي، والكمباني في حياة الإمام الحسن عليه السلام، و «مَن هو الحسن - بالفارسيّة -».

إنّ أصحاب الأئمّة عليهم السلام أيضاً قد ابتلوا بما ابتلوا به هم عليهم السلام، ووضعوا روايات في ذمّهم، مع أنّ للروايات الواردة الذامّة مبرّرات أُخري؛ أهمّها صدورها عن تقيّة، فزرارة بن أعين كم وردت له توثيقات، منها ما قال النجاشي: زرارة بن أعين، شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه. وقال الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام: زرارة بن أعين ثقة، وروي عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عنه، فهو ثقة علي قاعدة كلّيّة، صرّح بها في أوّل تفسيره. وقال الكشّيّ في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام: اجتمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر، وأصحاب أبي عبداللّه عليهما السلام، وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه الستّة؛ زرارة.

وقال آية اللّه الخوئي في هذا: ثمّ إنّ الكشّيّ قد ذكر عدّة روايات في مدح زرارة، وأُخري ذامّة، أمّا المادحة... عن جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أُمناء اللّه علي حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست». ومثلها روايات

ص: 118

كثيرة، فهذه عدّة من أسباب المدح، وعدد الروايات المادحة عشرون.

ثمّ قال بعد ذلك: هذه الروايات مستفيضة علي أنّ جملة منها صحاح، وأمّا الروايات الذامّة فهي علي ثلاث طوائف، الأولي: ما دلّت علي أنّ زرارة كان شاكّاً في إمامة الكاظم عليه السلام... والطائفة الثانية: الروايات الدالّة علي أنّ زرارة قد صدر منه ما ينافي إيمانه... والطائفة الثالثة: ما ورد فيها قدح زرارة من الإمام عليه السلام.

وآخر ما قاله: والجواب عن هذه الروايات: أنّه لم يثبت صدور أكثرها من المعصوم عليه السلام، من جهة ضعف إسنادها، وأمّا ما ثبت صدوره، فلابدّ من حمله علي التقيّة، وأنّه سلام اللّه عليه إنّما عاب زرارة لا لبيان أمر واقع، بل شفقة عليه واهتماماً بشأنه، وقد دلّت علي ذلك - مضافاً إلي ما عرفت من الروايات المستفيضة في مدح زرارة المطمئنّ بصدورها إجمالاً من المعصوم عليه السلام - صحيحة عبداللّه بن زرارة المتقدّمة في الروايات المادحة فإنّها قد دلّت بصراحة علي أنّ الإمام عليه السلام إنّما عاب زرارة دفاعاً منه عليه السلام عنه، وحفظاً له من أذي الأعداء، وقد قال عليه السلام: «إنّه أحبّ الناس إليه، وأحبّ أصحاب أبيه إليه حيّاً وميّتاً»(1).

كان هذا رأي أصحاب الفهم والبحث من الرجال كآية اللّه الخوئي، وسبقه بقرون، الوحيد البهبهاني، والعلّامة بحر العلوم، علماً بأنّ الروايات الذامّة كانت بمرأي الشيخ الطوسي والرجاليّين من بعده وجميعهم قالوا: إنّ الروايات الذامّة صدرت تقيّة، أو كانت ضعيفة السند، أو هي موضوعة، وهذه هي القاعدة في

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 7 ص 218-246.

ص: 119

الروايات المادحة والذامّة، وكنموذج علي ذلك ما قيل في المفضّل بن عمر وغيره، وما قاله آية اللّه الخوئي في زرارة هو الجاري في سائر الرواة.

ومن أصحاب الأئمّة أيضاً ثابت بن دينار من ضعفاء البهبودي، قال النجاشي: ثابت بن أبي صفيّة أبو حمزة الثمالي ثقة، لقي عليّ بن الحسين، وأبا جعفر، وأبا عبداللّه، وأبا الحسن عليهم السلام وروي عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال:

«أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه»، وقال الصدوق في المشيخة: أبو حمزة ثابت بن دينار وهو ثقة عدل، وروي الكشّيّ في مدحه روايات منها رواية النجاشي، ثمّ أشار إلي الرواية التي هي مدرك للبهبودي في تضعيف أبي حمزة، وهي رواية شربه الخمر.

وعن آية اللّه الخوئي: أقول: هذه الرواية مرسلة، أو موضوعة، فإنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب مات سنة 262 للهجرة، ذكره النجاشي، وهو من أصحاب الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام، ذكره الشيخ في رجاله، يروي عنه محمّد بن عليّ بن محبوب كثيراً، فكيف يمكن إدراكه عهد الصادق عليه السلام وروايته قصّة أبي حمزة؟!(1).

ونقول انطلاقاً من هذه الرواية، إنّ كثيراً من الطعون ترجع إلي أمثال هذه الروايات الضعيفة سنداً أو دلالة، ومع هذا فإنّ تضعيفات ابن الغضائري معتبرة عندنا، إذا علمنا أنّها محرزة ودقيقة، ثمّ إنّ الكتاب المنسوب إلي ابن الغضائري لا حقيقة له، ولم يثبت اعتباره، وصحّة نسبته إليه، وللعلماء في كتاب ابن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 3 ص 390.

ص: 120

الغضائري كلمات مختلفة، علي بين من الإثبات والنفي؛ فقال بعض: إنّ الكتاب منسوب إليه يقيناً، ونحن في غنًي عن التحقيق حوله، وهناك من قال: إنّ الكتاب لم يثبت انتسابه إلي ابن الغضائري، مع أنّه لم يعتمد في توثيقات الرواة وضعفهم علي الحسّ والسماع، والظاهر كان له مذاق خاصّ في تصحيح الروايات وتوثيق الرواة، فقد جعل إتقان الروايات في المضمون وعلي ما يراه هو دليلاً علي وثاقة الراوي، ولأجل ذلك صحّح روايات عدّة من القمّيّين ممّن ضعّفهم غيره، وذلك حين رأي أنّ كتبهم وأحاديثهم صحيحة، كما أنّه جعل ضعف الرواية في المضمون، ومخالفتها مع معتقده فيما يرجع إلي الأئمّة؛ دليلاً علي ضعفها، واعتبر الراوي جاعلاً للحديث، أو راوياً ممّن يضع الحديث، وعلي هذا فإنّ التوثيق والجرح المبنيّان علي إتقان المتن وموافقته مع العقيدة من أخطر الطرق في تحديد صفات الراوي من حيث الوثاقة والضعف.

ويشهد علي ما ذكرنا، أنّ الشيخ والنجاشي ضعّفا محمّد بن أورمة، لأنّه مطعون عليه بالغلوّ، وما تفرّد به لم يجز العمل به، ولكن ابن الغضائري أبرأه عنه، فنظر في كتبه ورواياته كلّها متأمّلاً فيها، فوجدها نقيّة الإسناد لا فساد فيها إلّا في أوراق أُلصقت علي الكتاب، فحمله علي أنّها موضوعة عليه، وهذا يشهد أنّ مصدر قضائه هو التتبّع في كتب الراوي، وتشخيص أفكاره وعقائده وأعماله من نفس الكتاب(1). فعلي هذا، فلو لم يكن تمام المصدر في تضعيفه للرواة، فهو بعض المصدر.

وعن الأُستاذ آية اللّه الخوئي في ترجمة محمّد بن إسماعيل البرمكي: قال

********

(1) . كليّات في علم الرجال ص 101.

ص: 121

النجاشي: كان ثقة مستقيماً، له كتب. وقال ابن الغضائري: محمّد بن إسماعيل ابن أحمد البرمكي أبو جعفر المعروف بصاحب الصومعة، ضعيف.

وعنه أيضاً: ثمّ إنّك قد عرفت غير مرّة، أنّ الكتاب المنسوب إلي ابن الغضائري لم تثبت صحّة نسبته، وعليه فتوثيق النجاشي لمحمّد بن إسماعيل هذا بلا معارض(1).

وأعجب العجائب من البهبودي، تضعيف جابر بن يزيد الجعفي، مع أنّ ابن الغضائري وثّقه، فإنّ جابر وثّقه الكثير من القدماء، وكذا من المعاصرين، منهم:

محمّد بن إدريس الحلّيّ في كتابه السرائر الحاوي للفتاوي، فقال: جابر بن يزيد: عريق الولاية لأهل البيت عليهم السلام(2).

وقال العلّامة الحلّي: قال السيّد عليّ بن أحمد العقيقي العلوي: روي عن أبي عمّار بن أبان، عن الحسين بن أبي العلاء: أنّ الصادق عليه السلام ترحّم عليه، وقال:

«إنّه كان يصدق علينا».

وقال ابن عقدة: روي أحمد بن محمّد بن البراء الصائغ، عن أحمد بن الفضل، عن حنان بن سدير، عن زياد بن أبي الحلال: أنّ الصادق عليه السلام ترحّم علي جابر وقال: «إنّه كان يصدق علينا»، ولعن المغيرة وقال: «إنّه كان يكذب علينا».

وقال ابن الغضائري: إنّ جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكن جلّ من روي عنه ضعيف، فممّن أكثر عنه من الضعفاء: عمرو بن شمر،

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 15 ص 95.

(2) . السرائر ج 3 ص 604.

ص: 122

ومفضّل بن صالح، والسكوني، ومنخل بن جميل الأسدي(1).

ووثّقه العلّامة محمّد تقيّ المجلسيّ، والشيخ الحرّ العاملي، والملّا إسماعيل الخواجوئي، والشيخ سليمان الماحوزي البحراني، والمجلسي الثاني، والميرزا حسين النوري، والشيخ عبداللّه المامقاني، والشيخ عليّ النمازي الشاهرودي، وآية اللّه الخوئي، والأُستاذ جعفر السبحاني، والشيخ مسلم الداوري، والشيخ غلام رضا عرفانيان، وغيرهم ممّن لا يسع ذكرهم من الفقهاء(2).

وعن آية اللّه الخوئي - بعد نقل الروايات المادحة والذامّة من اختيار معرفة الرجال -: أقول: الذي ينبغي أن يقال: إنّ الرجل لابدّ من عدّه من الثقات الأجلّاء لشهادة ابن قولويه، وعليّ بن إبراهيم، والشيخ المفيد في رسالته العدديّة، وشهادة ابن الغضائري، علي ما حكاه العلّامة، ولقول الصادق عليه السلام في صحيحة زياد: «أنّه كان يصدق علينا»، ولا يعارض ذلك قول النجاشي: إنّه كان مختلطاً، وإنّ الشيخ المفيد كان ينشد أشعاراً تدلّ علي الاختلاط، فإنّ فساد العقل - لو سلم ذلك في جابر، ولم يكن تجنّناً كما صرّح به فيما رواه الكليني في الكافي، الجزء 1، كتاب الحجّة 4 باب أنّ الجنّ يأتون الأئمّة سلام اللّه عليهم، فيسألونهم معالم دينهم 98 الحديث 7 - لا ينافي الوثاقة، ولزوم الأخذ برواياته، حين اعتداله وسلامته.

********

(1) . خلاصة الرجال ص 95.

(2) . روضة المتّقين ج 1 ص 94، تنقيح المقال ج 14 ص 97، الوجيزة ص 147، الفوائد الرجاليّة ص 277، خاتمة المستدرك ج 4 ص 197، مستدركات علم الرجال ج 2 ص 106، معجم رجال الحديث ج 4 ص 344، موسوعة طبقات الفقهاء ج 1 ص 308، مشايخ الثقات ص 127، أُصول علم الرجال ص 512.

ص: 123

وأمّا قول الصادق عليه السلام في موثّقة زرارة: يابن بكير، ما رأيته عند أبي إلّامرّة واحدة، وما دخل علَيّ قطّ، فلابدّ من حمله علي نحو من التورية، إذ لو كان جابر لم يكن يدخل عليه عليه السلام، وكان هو بمرأي من الناس، لكان هذا كافياً في تكذيبه وعدم تصديقه، فكيف اختلفوا في أحاديثه، حتّي احتاج زياد إلي سؤال الإمام عليه السلام عن أحاديثه، علي أنّ عدم دخوله علي الإمام عليه السلام لا ينافي صدقه في أحاديثه، لاحتمال أنّه كان يلاقي الإمام عليه السلام في غير داره، فيأخذ منه العلوم والأحكام ويرويها، إذن لا تكون الموثّقة معارضة للصحيحة الدالّة علي صدقه في الأحاديث المؤيّدة بما تقدّم من الروايات الدالّة علي جلالته ومدحه، وأنّه كان عنده من أسرار أهل البيت عليهم السلام. كما يؤيّد ذلك ما رواه الصفّار في بصائر الدرجات، في الحديث 4، من الباب 13، من الجزء 2: من أنّ الصادق عليه السلام أراه ملكوت السماوات والأرض.

ثمّ إنّ النجاشي ذكر أنّه قلّ ما يورد عنه شيء في الحلال والحرام، وهذا منه غريب، فإنّ الروايات عنه في الكتب الأربعة كثيرة، رواها المشايخ، ولعلّه قدّس اللّه نفسه، يريد بذلك أنّ أكثر رواياته لا يعتني بها، لأنّه رواها الضعفاء - كما قال:

روي عنه جماعة غمز فيهم، وضعّفوا - فيبقي ما روته عنه الثقات، وهي قليلة في أحكام الحلال والحرام(1).

أقول في ختام الكلام: إنّ بعض الأصحاب كانوا من أهل السرّ، ولعلّ جابر ومحمّد بن سنان، والمعلّي بن خنيس منهم، فجابر بن يزيد الجعفي قد تجنّن بأمر الإمام أبي جعفر عليه السلام كما جاء في بعض الروايات، وهذه معجزة الإمام عليه السلام

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 4 ص 25.

ص: 124

بأنّه أخبره أنّ حاكم الكوفة عازم علي أن يسجنه، ولهذا أمره الإمام بالتجنّي، فبقي حتّي مضي الزمان وجاء الأمير محمّد بن أبي جمهور، وهذا الأمر دليل علي أنّ الإمام عليه السلام يأمر بعض أصحابه كالبهلول، وجابر بالتجنّن، وهو لا ينافي وثاقتهم، بل يدلّ علي عظم منزلتهم عند الأئمّة عليهم السلام، ولا ينافي اعتبار رواياتهم لأنّهم يروون الروايات زمان صلاحهم، وإن صدر عن جابر أشعاراً تدلّ علي خلطه، فهي أشعار ظاهريّة، يضحك منها الصبيان، ويسلم بها من تعرّض الأمير له.

وأمّا قول النجاشي علي: أنّه قليل الرواية في الحلال والحرام؛ فجابر مثل هشام بن الحكم، فهو أيضاً قليل الرواية في الحلال والحرام، بل أكثر أو جلّ رواياته في التوحيد والإمامة، فهو متكلّم، فكما أنّ هشام بن سالم راوٍ فقيه يروي الروايات الفقهيّة؛ فهشام بن الحكم يروي الروايات الكلاميّة، فالروايات الفقهيّة يرويها هشام بن سالم، وعليه فلا يضرّ أنّ الراوي كان قليل الرواية، وهذا لا يكون منقصة له.

وأطنبنا في الكلام في ذيل كلمات المحقّق البهبودي، وإن لم نتعرّض لكلماته كلمة كلمة، إلّاأنّ تعرّضنا لكلماته إجمالاً يُظهر أنّه من أتباع المنهج الغضائري، بل هو أشدّ من الغضائري ومنتهجاً لنهجه.

ص: 125

ص: 126

رسالة أصحاب الإجماع

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي عبداللّه ورسوله سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد، وعلي آله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد؛ فقد كتب الإمام الخميني قدس سره ضمن كتابه الطهارة، رسالة في أصحاب الإجماع، وكتب الفقهاء رحمهم الله حول هذه القاعدة رسالات مستقلّة، وبحثوا في جوانبها بحثاً وافياً.

وإنّي لمّا درست علم الرجال، وبحثت كثيراً عن النصوص الرجاليّة الواردة حول أصحاب الإجماع، كتبت رسالة في القاعدة ولم أكن آخر مَن كتب، فلعلّ المحقّقين بحثوا في جوانبها وقدّموا رسالات في هذا الموضوع. ثمّ جعلت هذه الرسالة تعليقة علي رسالة الإجماع للإمام الخميني؛ لأنّي استخرجت منها مقالة بعنوان: «قاعدة الإجماع عند الإمام الخميني» ونَشَرَتْها باللغة الفارسية في مجلّة «كاوشي در فقه» 26/25، وبما أنّي أردت أن تكون هذه التعليقات بمنزلة التكملة وصلة وتذييل، لذا جمعت النصوص الرجاليّة ولخّصتها وجعلت ما حصلت عليه نكاتاً مستفادة من نصوص الرجاليّين، ثمّ ذيّلت الرسالة كشرحٍ للرسالة المنسوبة إلي الإمام الخميني قدس سره.

ص: 127

فالرسالة الأُولي: مقالة الإمام الخميني في كتاب الطهارة؛ فإنّه قدس سره بحث عن حلّيّة عصير الزبيب، والمشهور حلّيّته كما في الحدائق الناضرة(1) بل في طهارة شيخنا الأعظم الأنصاري عن جماعة دعوي الشهرة عليه(2)، بل عن السيّد عليّ الطباطبائي في رياض المسائل كادت أن تكون إجماعيّة(3).

واستناد لحرمة يعود إلي رواية زيد النرسي في أصله، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام، عن الزبيب، يدقّ ويلقي في القدر، ثمّ يصبّ عليه الماء ويوقد تحته؟ فقال: «لا تأكله حتّي يذهب الثلثان ويبقي الثلث، فإنّ النار قد أصابته». قلت:

فالزبيب كما هو في القدر، ويصبّ عليه الماء، ثمّ يطبخ ويصفّي عنه الماء؟ فقال: «كذلك هو سواء، إذا أدّت الحلاوة إلي الماء فصار حلواً بمنزلة العصير، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد»(4).

هذا هو الأصل في إثبات الحرمة، وممّن قال بحرمته أيضاً السيّد مهدي الطباطبائي في المصابيح، وتابع تصحيح سندها العلّامة المجلسي الذي أثبت استناد الأصل إلي زيد النرسي(5).

إنّ المهمّ من أدلّة الطباطبائي هو رواية محمّد بن أبي عمير (217 ق) والذي يعدّ أوّلاً من المشايخ الثلاثة، وأصحاب الإجماع ثانياً، وممّن قال فيه النجاشي:

********

(1) . الحدائق الناضرة ج 5 ص 152.

(2) . الطهارة ص 362 الطبع الحجري.

(3) . رياض المسائل ج 2 ص 291 الطبع الحجري.

(4) . أصل زيد النرسي ص 458، مستدرك الوسائل ج 17 ص 38.

(5) . بحار الأنوار ج 1 ص 43.

ص: 128

يسكن الأصحاب إلي مراسيله. وعن السيد بحرالعلوم في الفوائد الرجاليّة: أنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل، تدلّ علي صحّته واعتباره، والوثوق بمن رواه، فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال، بلوغه الغاية في الثقة والعدالة والورع، والضبط والتحرّز عن التخليط والرواية عن الضعفاء والمجاهيل، ولذا تري أنّ الأصحاب يسكنون إلي روايته، ويعتمدون علي مراسيله. وقد ذكر الشيخ الطوسي في: «العدّة» أنّه لا يروي ولا يرسل إلّاعمّن يوثق به(1)، وهذا توثيق عامّ لمن روي عنه، ولا معارض له هاهنا. ثمّ ذكر الطباطبائي: وحكي الكشّي إجماع العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه والعلم(2).

قد ورد الإمام الخميني دائرة البحث عن قاعدة الإجماع، وبحث عن جوانبها، وهذه تمثّل رسالة الإجماع المؤلّفة من قبل الإمام الخميني قدس سره، ومع أنّه يعدّ من أعاظم الفقهاء المعتمدين علي القرائن، إلّاأنّه اختار في القاعدة، عدم اعتبار مراسيلهم، وعدم دلالة رواية أصحاب الإجماع علي توثيق الراوين، نعم، إنّ ابن أبي عمير له منزلة عنده، ومراسيله معتمدة دون مسانيده، وذلك لقول النجاشي رحمه الله في رجاله حيث قال بعد ترجمته: ولذلك الأصحاب يسكنون إلي مراسيله. فهذا ملخّص ما قاله الإمام الخميني في هذه الرسالة.

والرسالة الثانية: نصوص رجاليّة حول أصحاب الإجماع، أردت أن أجمعها في مجموعة واحدة لتنفعني أكثر ممّا نفعني الغير؛ ولعلّ الفائدة للقرّاء أيضاً أكثر؛ ورجوت اللّه تعالي أن يجعله ذخيرة لمعادي ووسيلة أبلغ بها بحور الفقه التي لا

********

(1) . العدّة في أُصول الفقه ج 1 ص 144.

(2) . الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 362-367.

ص: 129

ساحلَ لها.

إنّ الإمام الخميني هو من أحيا الشريعة المحمّديّة في عصرنا الحاضر، وهو القائد للثورة الإسلاميّة في إيران، ولد قدس سره في مدينة خمين، من إحدي مدن أصفهان، وكان جدّه وأبوه من كبار علماء خمين، تلمّذ في الفقه علي المرجع الديني مؤسّس الحوزة العلميّة في قم آية اللّه العظمي الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري (1355 ق) وقد بلغ عدّة من تلامذته مرتبة الاجتهاد والمرجعيّة: منهم الإمام الخميني، آية اللّه العظمي محمّد رضا الگلپايگاني، الشيخ محمّد عليّ الأراكي.

والتحق الإمام الخميني به في قم، وحضر دروس المرجع آية اللّه العظمي البروجردي وحرّر تقريراته، وعندما قدم السيّد البروجردي إلي طهران، دعاه الإمام الخميني مع جمع من العلماء المخلصين المثابرين في حوزة قم إلي الإقامة في قم، واستجاب السيّد البروجردي لهذا الطلب، وكان في سنة 1364 ه. ق. فدخل قم وأقام بها مرجعاً، وكان الإمام الخميني حينذاك أستاذاً مُثابراً مخلصاً مقبولاً لدي الخواصّ والعوامّ، وقد اشتُهر بحاج آغا روح اللّه، ومكان تدريسه في مسجد السلماسي - علي ما حُكي - ومشغولاً بتدريس الطهارة كأحد السطوح العالية في الدراسة، وكتب بنفسه متناً طبع باسم الطهارة في ثلاث مجلّدات، ثمّ بعد ذلك نفاه طاغوت العصر محمدرضا بهلوي إلي مدينة بورسا في تركيا، وكتب هناك تحرير الوسيلة في الفقه الجعفري، الذي نُقِل عن الشهيد القاضي الطباطبائي قدس سره أنّه قال في أهميّته:

كان الكتاب الفتوائي عند فقهاء الشيعة العروة الوثقي للسيّد كاظم الطباطبائي

ص: 130

اليزدي (1337 ق) وهو ينقص من الطهارة إلي آخر الوصيّة، مع نقص كثير في أثنائه، وعدم وضعه ككتاب دراسي أو فتوائي، بل لم يجعل له في بعض المواضع فصلاً ولا عنواناً، وهذا دليل علي أنّه لم يكتمل بعد. والثاني هو الوسيلة للسيّد أبي الحسن الأصفهاني قدس سره وهو مع أنّه مرتّب ومنظّم من أوّل الفقه إلي آخر الإرث، فهو ناقص أيضاً.

ثمّ قال: سألنا من علماء النجف أن يكتبوا كتاباً كاملاً في الفقه من أوّله إلي آخره، فقالوا: لم نقدر الآن علي هذا، وبعد زمنٍ جاء من النجف كتاب: تحرير الوسيلة كاملاً، بل مع خاتمة في المسائل المستحدثة، وهذا هو منية المحقّقين.

وقام الإمام الخميني بعد وصوله النجف الدروس العالية - الدرس الخارج - وكان موضوع هذا البحث البيع، فالحمد للّه وله المنّة فقد خرج بقلمه الشريف خمسة مجلّدات في البيع والخيارات، ومجلّدان في المكاسب المحرّمة، فهكذا كان فقه الإمام في قم وفي النجف، فدرّس الطهارة في قم، ودرّس البيع في النجف.

وصار بعد رحلة الإمام السيّد البروجردي سنة 1380 ق، مرجعاً للشيعة الإماميّة، رغم أنّه كان في حصار ومراقبة.

وتوجد من أوّل الفقه إلي آخره في كتبه مسائل رجاليّة، وقواعد مهمّة في كيفيّة كتابة مواضيع الفقه، والورود إليها والخروج منها، ونحن قد كتبنا حول الآراء الرجالية للإمام الخميني كتاباً خرج إلي عالم الوجود باسم: آراء رجالي امام خميني قدس سره - بالفارسيّة -، ثمّ كتبنا بعد ذلك المنهج الفقهي للإمام الخميني قدس سره وسيصدر إن شاء اللّه مع رسالات أُخري في المنهج الفقهي للشيخ الأعظم،

ص: 131

والنراقي، والأردبيلي، والطوسي، والمفيد، والشهيد الثاني. وهذا الإصدار سيكون بعون اللّه تعالي من قبل العتبة الرضويّة.

ثمّ أردت بعد هذا أن أضمّ رسالتي في النصوص الرجاليّة إلي رسالة الإمام الخميني قدس سره لأنّها كالشرح، أو كالتذييل لها، وبما أنّ الإمام الخميني لم يتعرّض إلي نفس أصحاب الإجماع ومنزلتهم في الروايات والنصوص الرجاليّة والروايات المادحة والذامّة، وتعارض آراء الرجاليّين في بعضهم، فهذه الرسالة تسدّ هذا الخلل، وتُعرّف بِأصحاب الإجماع علي ما هم عليه في الكتب الرجاليّة.

ص: 132

الرسالة الأُولي رسالة الإمام الخميني قدس سره في قاعدة الإجماع

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع وهو الجواب عمّا تشبّث به أوّلاً

أقول: لا بأس بصرف الكلام إلي حال ما تشبّثنا به، سيّما اجماع الكشّي الذي هو العمدة في المقام، وغيره من الموارد الكثيرة المبتلي بها.

فعن الكشّيّ في فقهاء أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام:

أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة...(1) ثمّ ساق أسماءهم.

وفي فقهاء أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه...(2) ثمّ ساق أسماءهم.

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 431/238.

(2) . نفس المصدر، ص 705/375.

ص: 133

وفي فقهاء أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن عليهما السلام: أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم...(1) ثمّ ذكر أسماءهم.

ويقع الكلام تارة في المفهوم المراد من تلك العبارات، وأُخري في حول كلمات الأصحاب، وفهمهم المعني المراد منها، وحال دعوي تلقّيهم هذا الإجماع بالقبول.

المراد من تصديق أصحاب الإجماع وتصحيح ما يصحّ عنهم

أمّا الأوّل: ففيها احتمالات، أظهرها أنّ المراد تصديقهم لما أخبروا عنه، وليس إخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلّاالإخبار عن قول الواسطة وتحديثه، فإذا قال محمّد بن أبي عمير: حدّثني زيد النرسي قال: حدّثني عليّ بن مَزيَد قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام كذا. لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلّاتحديث زيد، وهذا فيما ورد في الطبقة الأُولي واضح.

وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين؛ أي الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عنهم؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة؛ لو لم نقل مطلقاً، فحينئذٍ، إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم، يكون لازمه قيام الإجماع علي صحّة مطلق إخبارهم؛ سواء كان مع الواسطة أو لا، إلّاأنّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم وتصحيح ما صحّ عنهم بالنسبة إلي الوسائط، فلابدّ من ملاحظة حالهم، ووثاقتهم وعدمها.

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 1050/556.

ص: 134

وإن كان المراد منه متن الحديث بدعوي أنّ الصحّة والضعف من صفات المتن، ولو مع لحاظ سنده، فلازمه قيام الإجماع علي تصحيح الإخبار بلا واسطة، فإن ما يصحّ عنهم من المتن هو الذي أخبروا عن نفسه، وأمّا الإخبار مع الواسطة، فليس إخبارهم عن متنه، بل عن تحديث الغير ذلك، وإن شئت قلت:

ص: 135

أوصاف متن الحديث، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند(1) - لا يخفي ما فيه من الغفلة عن أنّ ذلك من قبيل الفرار من المطر إلي الميزاب، فإنّه يلزم منه عدم قيام الإجماع علي تصديقهم في الإخبار من الواسطة؛ حتّي بالنسبة إلي تحديث الوسائط، إلّابدعوي تنقيح المناط، نعم، لازم تصديقهم؛ وثاقتهم وصداقتهم في النقل، وهو واضح.

وأمّا دعوي ركاكة دعوي الإجماع علي صرف تصديقهم، سيّما في هؤلاء العظماء، ففيها أنّه إذا قام الإجماع علي تصديق هؤلاء، فأيّة ركاكة في نقله؟ كما لا ركاكة في نقل الإجماع علي فقاهتهم والإقرار لهم بالعلم، كما نقله أيضاً(2).

ودعوي عدم اختصاص هذا الإجماع بهم - بعد تسليمها - يمكن أن لا يكون عند الكشّيّ ثابتاً في غيرهم، هذا مضافاً إلي أنّ لزوم الركاكة في ظاهر اللفظ لا يوجب جواز صرفه عن ظاهره، وحمله علي ما لا تلزم منه الركاكة كائناً ما كان.

وقوله: لو كان المراد ذلك لاكتفي بقوله: أجمعت العصابة علي تصديقهم.

فيه أوّلاً: اكتفي به في الطبقة الأُولي، ومن الطبقتين الأخيرتين ليسوا بأوثق وأورع ممّن في الأُولي، ومن ذلك يمكن أن يقال: إنّ مراده في الجميع واحد، وحيث لم يرد في الأُولي إلّاتصديقهم وتوثيقهم لم يرد في غيرها إلّاذلك، إلّاأن يقال: إنّ الطبقة الأُولي لمّا لم يكن إخبارهم مع الواسطة، لم يحتج إلي دعوي الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عنهم، وهو كذلك نوعاً. لكن دعوي الإجماع علي تصديقهم لو كانت ركيكة، كانت بالنسبة إليهم ركيكة أيضاً، بل أشدّ ركاكة.

********

(1) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 23.

(2) . اختيار معرفة الرجال ص 1050/556.

ص: 136

وثانياً: لنا أن نقول: لو كان المراد من العبارة ما ذكرتم من تصحيح الرواية مع توثيق من بعده، لكان عليه أن يقول: اجتمعت العصابة علي وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء. أو نحو ذلك من العبارات، حتّي لا يشتبه الأمر علي الناظر، وما الداعي إلي ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود؟

وربّما يقال: إنّ بناء فقهاء أصحاب الأئمّة عليهم السلام نقل فتواهم بالرواية، فكلّ ما روي أحد هؤلاء العظماء كان مضمونها فتواه، فكما صحّ من أصحاب الإجماع التحديث بالمعني الذي تقدّم، صحّ منهم الفتوي علي مضمون حديثه، ومقتضي تصديقهم وتصحيح ما صحّ عنهم، تصديق التحديث ومضمون الحديث جميعاً، فيتمّ المطلوب(1).

وفيه - بعد تسليم ذلك، وبعد الغضّ عن أنّ ذلك الإجماع لو ثبت، فإنّما قام علي تصديقهم في النقل دون الفتوي، كما هو الظاهر من معقده - أنّ ما ينتج لإتمام المطلوب إثباته أنّ كلّ ما رووا موافق لفتواهم، وهو مقطوع البطلان؛ ضرورة وجود رواية المتعارضين من شخص واحد في مرويّاتنا، ورواية ما هو خلاف المذهب أُصولاً أو فروعاً فيها، ممّا لا يمكن مطابقتها لفتواهم.

وأمّا إثبات كون فتواهم بنحو الرواية فلا ينتج المطلوب، فإذا علمنا أنّ بعض ما روي ابن أبي عمير مطابق لفتواه، لا ينتج ذلك لزوم الأخذ بجميع رواياته، وكذا لو علمنا أنّ كلّ ما أفتي به فهو بنحو الرواية. وهذا مغالطة نشأت من إيهام الانعكاس. مع أنّ في أصل الدعوي أيضاً كلاماً.

********

(1) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 60.

ص: 137

في وجه حجّيّة هذا الإجماع

ثمّ إنّهم ذكروا في وجه حجّيّة هذا الإجماع - بعد عدم كونه بالمعني المصطلح - أحد الأمرين:

الأوّل: إطّلاع العصابة علي احتفاف جميع الأخبار التي هي منقولة بتوسّطهم علي قرائن خارجيّة، يوجب الاطّلاع عليها العلم بصحّة الخبر(1).

وهذا غير ممكن عادة؛ لضرورة عدم حصر تلك الأخبار، ولعدم إمكان اطّلاع جميع العصابة علي القرائن الموجبة لكلّ ناظر في كلّ واحد من الأخبار التي لا تحصي، فهذا محمّد بن مسلم أحد الجماعة روي عن الكشّيّ، عن حَريز، عنه، أنّه قال: ما شجرني رأيٌ قطّ إلّاسألت عنه أبا جعفر عليه السلام، حتّي سألته عن ثلاثين ألف حديثٍ، وسألت أبا عبداللّه عليه السلام عن ستّة عشر ألف حديث(2).

والظاهر أنّ أحاديث زرارة لم تقصر عنها؛ لو لم تكن أزيد، ومن المُحال اطّلاع جميع الأصحاب علي جميع ما روي هؤلاء مع اطّلاعهم علي قرائن موجبة للقطع، بل من المحال عادة احتفاف جميع أخبارهم بالقرائن الكذائيّة، فهذا ليس وجه إجماعهم، ولا ذاك وجه حجّيّته.

الثاني: إطّلاعهم علي جميع مشايخ هؤلاء، ومن يروون عنهم مُسنداً ومُرسلاً، والعلم بوثاقة جميعهم، فحكموا بصحّة أحاديثهم لأجل صحّة سندها إلي المعصوم عليه السلام(3). هذا وجه إجماعهم، ومنه يظهر وجه حجّيّته.

********

(1) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 21.

(2) . اختيار معرفة الرجال ص 276/163.

(3) . انظر: خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 54 و ج 5 ص 127.

ص: 138

وهو وإن كان دون الأوّل في البطلان، لكنّه يتلوه فيه:

أمّا أوّلاً: فلأنّ اطّلاع جميع العصابة علي جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومع الواسطة، بعيد في الغاية، بل غير ممكن عادة، مع عدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار؛ بنحو يصل الكلّ إلي الكلّ، وبُعد وصول أخبار البلاد البعيدة بعضها إلي بعض. وتصوير تهيئة الأسباب جميعاً لجميعهم، محض تصوّر لا يمكن تصديقه.

وأمّا ثانياً: فلأنّ مشايخ الجماعة ومن يروون عنهم، لم يكن كلّهم ثقات، بل فيهم من كان كاذباً، وضّاعاً، ضعيفاً، لا يعتني برواياته، ولا بكتبه، هذا ابن أبي عمير - وهو أشهر الطائفة في هذه الخاصّة - يروي عن يونس بن ظبيان الذي قال النجاشي فيه - علي ما حكي عنه -: ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلي ما رواه، كلّ كتبه تخليط(1). وعن ابن الغضائري: أنّه غالٍ وضّاع للحديث(2). وعن الفضل في بعض كتبه: الكذّابون المشهورون: أبو الخطّاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ...(3) إلي آخره.

وقد ورد فيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام اللعن البليغ(4).

وعن عبداللّه بن القاسم الحضرمي، الذي قال فيه ابن الغضائري: وضّاع غال متهافت(5). وقال النجاشي: كذّاب، غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ

********

(1) . رجال النجاشي ص 1210/448.

(2) . مجمع الرجال ج 6 ص 284.

(3) . انظر: اختيار معرفة الرجال ص 1033/546.

(4) . اختيار معرفة الرجال ص 673/363.

(5) . مجمع الرجال ج 4 ص 35.

ص: 139

بروايته(1). وقريب منه بل أزيد عن «الخلاصة»(2).

وعن عليّ بن أبي حمزة البطائني، الذي قال فيه أبو الحسن عليّ بن الحسن ابن فضّال - علي المحكي -: عليّ بن أبي حمزة كذّاب، متّهم، ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلي آخره، إلّاأنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً(3).

نعم، عن صاحب المعالم أنّ ذلك في ابنه الحسن بن عليّ بن أبي حمزة(4).

وعن ابن الغضائري: أنّه - لعنه اللّه - أصل الوقف، وأشدّ الخلق عداوة للمولي. - يعني الرضا عليه السلام -(5).

ونقل عنه نفسه: قال لي أبو الحسن موسي عليه السلام: «إنّما أنت يا عليّ وأصحابك أشباه الحمير»(6).

وروي الكشّيّ روايات في ذمّه:

منها: ما رواه بسنده عن يونس بن عبدالرحمن قال: مات أبوالحسن وليس من قوّامه أحد إلّاوعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم، وكان عند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.

والاعتذار بأنّ رواية ابن أبي عمير عنه كانت قبل وقفه، غير مقبول؛ لظهور ما تقدّم وغيره في سوء حاله قبل الوقف، وأنّ الوقف لأجل حطام الدنيا، ولهذا

********

(1) . رجال النجاشي ص 594/226.

(2) . رجال العلّامة الحلّي ص 9/236.

(3) . انظر: اختيار معرفة الرجال ص 756/404.

(4) . التحرير الطاووسي ص 245/354.

(5) . مجمع الرجال ج 4 ص 157.

(6) . اختيار معرفة الرجال ص 757/404.

ص: 140

لم يستحلّ عليّ بن الحسن بن فضّال أن يروي عنه رواية واحدة، فلو كان قبل الوقف صحيح الرواية، لم يستحلّ له ترك روايته؛ بناءً علي كون ذلك حقّه كما عن ابن طاووس والعلّامة(1). وعمل الطائفة برواياته لا يوجب توثيقه، مع أنّه غير مسلّم بعد ما نقل عن المشهور عدم العمل بها(2)، وتأمّل.

وعن أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي(3)، وقال ابن الغضائري، والعلّامة: إنّه ضعيف كذّاب يضع الحديث(4).

وعن عليّ بن حديد الذي قال الشيخ في محكيّ الاستبصار: إنّه ضعيف جدّاً، لا يعوّل علي ما ينفرد بنقله(5). وضعّفه في محكي التهذيب أيضاً(6).

وعن الحسين بن أحمد المنقَري الذي ضعّفه الشيخ، والنجاشي، والعلّامة وغيرهم...(7)، إلي غير ذلك(8).

وأمّا نقله عن غير المعتمد، والمجهول، والمهمل، ومن ضعّفه المتأخّرون - من مثل: محمّد بن ميمون التميمي(9)، وهاشم بن حيّان(10) - فكثير، يظهر

********

(1) . التحرير الطاووسي ص 245/353، رجال العلّامة الحلّي ص 232-233.

(2) . تنقيح المقال ج 2 ص 262 / السطر 7 (أبواب العين).

(3) . رجال النجاشي ص 332/128.

(4) . مجمع الرجال ج 6 ص 122، رجال العلّامة الحلّي ص 358.

(5) . الاستبصار ج 3 ص 325/95.

(6) . تهذيب الأحكام ج 7 ص 435/101.

(7) . رجال الطوسي ص 8/334، رجال النجاشي ص 118/53، رجال العلّامة الحلّي ص 2/216، مجمع الرجال ج 2 ص 166.

(8) . كأبي البختري وهب الذي قال النجاشي فيه: «كان كذّاباً»، رجال النجاشي ص 1155/430، وراجع: تهذيب الأحكام ج 3 ص 325/150.

(9) . رجال ابن داود ص 487/276، رجال العلّامة الحلّي ص 255.

(10) . رجال العلّامة الحلّي ص 214، تنقيح المقال ج 3 ص 287 /السطر 26 (أبواب الهاء).

ص: 141

للمتتبّع.

وأمّا صفوان بن يحيي، فقد روي عن عليّ بن أبي حمزة، وأبي جميلة المفضّل بن صالح المتقدّمين، وعن محمّد بن سنان الذي ضعّفوه(1)، بل عن المفضّل: أنّه من الكذّابين المشهورين(2)، وعن عبداللّه بن خداش الذي قال فيه النجاشي: ضعيف جدّاً(3)... إلي غير ذلك.

وأمّا البزنطي، فروي عن أبي جميلة المتقدّم، وأحمد بن زياد الخزّاز الضعيف(4)، والحسن بن عليّ بن أبي حمزة الضعيف المطعون، فعن ابن الغضائري: أنّه واقفيّ ابن واقفي، ضعيف في نفسه، وأبوه أوثق منه. وقال الحسن بن عليّ بن فضّال: إنّي لأستحيي من اللّه أن أروي عن الحسن بن عليّ(5).

وقد مرّ أنّ ما حكي عن ابن فضّال في عليّ بن أبي حمزة، ذهب صاحب المعالم إلي أنّه في ابنه الحسن. وحكي الكشّيّ عن بعضهم: أنّ الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة كذّاب(6).

وأمّا الحسن بن محبوب، فروي عن أبي الجارود الضعيف جدّاً، الوارد فيه عن الصادق عليه السلام: أنّه كذّاب مكذّب كافر، عليه لعنة اللّه(7). وعن محمّد بن سنان

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 729/389، رجال النجاشي ص 888/328، الفهرست ص 609/143.

(2) . اختيار معرفة الرجال ص 1033/546، رجال العلّامة الحلّي ص 251.

(3) . رجال النجاشي ص 604/228.

(4) . رجال العلّامة الحلّي ص 201، تنقيح المقال ج 1 ص 62 / السطر 4.

(5) . مجمع الرجال ج 2 ص 122.

(6) . اختيار معرفة الرجال ص 1042/552.

(7) . نفس المصدر، ص 416/230.

ص: 142

أنّه قال: أبو الجارود لم يمت حتّي شرب المسكر، وتولّي الكافرين(1).

وعن صالح بن سهل الهمداني، الذي قال ابن الغضائري فيه: إنّه غالٍ، كذّاب، وضّاع للحديث، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا خير فيه، ولا في سائر ما رواه»(2) وقد روي أنّه قال بأُلوهيّة الصادق عليه السلام(3).

وعن عمرو بن شمر الذي قال فيه النجاشي: إنّه ضعيف جدّاً، وزيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي(4).

وغيرهم، كعبدالعزيز العبدي، وأبي جميلة، ومحمّد بن سنان، ومقاتل بن سليمان من الضعاف والموصوفين بالوضع(5)، فقد حكي أنّه قيل لأبي حنيفة:

قدم مقاتل بن سليمان قال: إذن يجيئك بكذب كثير(6). فويل لمن...(7).

وأمّا يونس بن عبدالرحمن، فقد روي عن صالح بن سهل، وعمرو بن جميع(8)، وأبي جميلة، ومحمّد بن سنان، ومحمّد بن مصادف(9)... إلي غير ذلك من الضعفاء.

وكذا حال غيرهم، كرواية ابن بُكير، وابن مُشكان عن محمّد بن مصادف

********

(1) . الفهرست لابن النديم ص 227، تنقيح المقال ج 1 ص 160 / السطر 1.

(2) . مجمع الرجال ج 3 ص 205.

(3) . اختيار معرفة الرجال ص 632/341.

(4) . رجال النجاشي ص 765/287.

(5) . نفس المصدر، ص 641/244 وص 332/128 وص 888/328.

(6) . تنقيح المقال ج 3 ص 244 / السطر 9 (أبواب الميم).

(7) . إشارة إلي ما يقال: ويلٌ لمن كفّره نمرود.

(8) . رجال النجاشي ص 769/288.

(9) . مجمع الرجال ج 6 ص 55.

ص: 143

وجميل، وأبان بن عثمان عن صالح بن الحكم النيلي(1)... إلي غير ذلك.

وأمّا روايتهم عن المجاهيل وغير الموثّقين فإلي ما شاء اللّه.

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوي شيخ الطائفة، قال في محكي العدّة:

إذا كان أحد الراويين مسنداً، والآخر مرسلاً، يُنظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره علي خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما رواه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر - وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به - وبين ما يسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم(2)، انتهي.

فإنّ هذا الإجماع المدّعي معلّل، ونحن إذا وجدنا ما وجدوا، أو ادّعوا؛ لا يمكننا التعويل علي إجماعهم، فضلاً عن دعواه.

وما قيل: من عدم منافاة خروج شخص، أو شخصين للظنّ بل الاطمئنان بالوثاقة(3)، مدفوعٌ؛ بأنّ الخارج كثير، سيّما مع انضمام المجهول والمهمل إلي الضعيف، ومعه كيف يمكن حصول الاطمئنان إلي ذلك؟! والظنّ لو حصل لا يغني من الحقّ شيئاً.

هذا مع عدم إحراز اتّكال أصحابنا علي دعوي إجماع الكشّيّ، ولا علي إجماع الشيخ.

********

(1) . رجال النجاشي ص 533/200.

(2) . عدّة الأُصول ج 1 ص 154.

(3) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 5 ص 124.

ص: 144

دعوي اتّكال الأصحاب علي إجماع الكَشّي وجوابها

وقد يقال: باتّكالهم علي إجماع الكشّيّ، فإنّ شيخ الطائفة قال في أوّل كتابه المختار من رجال الكشّيّ هذه العبارة: فإنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتاب «الرجال» لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّيّ، واخترت ما فيها(1)، انتهي. بدعوي ظهورها أو صراحتها في أنّ ما في الكتاب مختاره ومرضيه(2).

وأيضاً: عبارته المتقدّمة المحكيّة عن العدّة تشير إلي الإجماع المذكور.

وأيضاً: نقل الشهيد في الروضة عنه: أنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عن عبداللّه بن بكير، وأقرّوا له بالفقه والثقة(3).

وفيه: أنّ ما ذكر في أوّل الرجال لا إشعار فيه بكون ما فيه مختاره، لو لم نقل بإشعاره بخلافه، فضلاً عن الظهور أو الصراحة فيه؛ فإنّ ضمير المؤنّث في قوله: «ما فيها» يرجع إلي الأخبار المذكورة قبله، فينظر منه أنّ مختاره بعض الأخبار التي اختصرها من كتابه، وإلّا لكان عليه أن يقول: «واخترناها» أو «اخترنا ما فيه» مع أنّ الاختيار في مقام التصنيف غير الارتضاء أو الاختيار بحسب الرأي، كما هو ظاهر بعد التدبّر.

ثمّ إنّ رجال الكشّيّ - علي ما يظهر من مختاره ومختصره - مشحون بالروايات والأحاديث، وإنّما قال الشيخ: إنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتابه، وظاهره الأخبار المصطلحة، فأيّ صلة لهذا الكلام بما ذكره من اختياره لدعاوي الكشّيّ وسائر ما في الكتاب؟!

********

(1) . انظر: فرج المهموم ص 30.

(2) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 12.

(3) . الروضة البهيّة ج 6 ص 38-39.

ص: 145

مع أنّ الضرورة قائمة بعدم كون جميع ما في الكتاب الذي اختصره من «كتاب الكشّيّ» مرضيّاً له؛ فإنّ فيها روايات الطعن علي زرارة، ومحمّد بن مسلم، وأبي بصير، وبُرَيد بن معاوية من مشايخ أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام وغيرهم، وفيها الأخبار المتناقضة، فهل يمكن أن تكون تلك الأخبار مختار له؟! ولو كان كذلك لزم منه هدم إجماع الكشّي.

وأمّا عبارته المتقدّمة(1)، فمفادها غير مفاد إجماع الكشّيّ، علي ما تقدّم مفاده(2) إلّاأن يقال: إنّه اتّكل علي إجماعه؛ ونقله بالمعني، وأخطأ في فهم المراد منه. وفيه ما فيه.

بل الظاهر عدم اعتماده علي إجماع الكشّيّ، وقد طعن علي عبداللّه بن بكير بجواز وضعه الرواية والكذب علي زرارة؛ نصرةً لمذهبه، في محكيّ كتاب الطلاق من التهذيب، و الاستبصار، قال - بعد ذكر روايته عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في هدم كلّ طلاق ما قبله إذا تركت الزوجة حتّي تخرج العدّة ولو كان مائة مرّة - بهذه العبارة:

هذه الرواية في طريقها ابن بكير، وقد قدّمنا أنّه قال حين سئل عن هذه المسألة: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. ولو كان سمع ذلك لكان يقول: نعم، رواية زرارة. ويجوز أن يكون أسند إلي زرارة نصرة لمذهبه لمّا رأي أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه. وقد وقع منه من اعتقاد الفطحيّة ما هو أعظم من ذلك(3)، انتهي.

********

(1) . تقدّمت في الصفحة 744.

(2) . تقدّم في الصفحة 744.

(3) . تهذيب الأحكام ج 8 ص 35 / ذيل الحديث 107، الاستبصار ج 3 ص 276 / ذيل الحديث 982.

ص: 146

وأنت خبير بأنّ ما ذكره فيه لا يجتمع مع تصديقه إجماع الكشّيّ؛ لما عرفت(1) أنّ لازم إجماعه وثاقة الجماعة، أو مع من بعدهم علي زعم بعضهم، ولا يمكن دعوي احتفاف جميع رواياتهم بالقرائن الموجبة للاطمئنان، أو القطع بالصدور سوي هذه الرواية من ابن بكير. هذا مع ما يأتي من شواهد أُخري علي عدم اعتماد علي إجماعه.

وأمّا العبارة المحكيّة عن الروضة(2)- فمن عدم وجودها في كتب الشيخ، كما قال بعض أهل التتبّع(3)، واحتمال أن يكون النقل بالمعني من العبارة المتقدّمة؛ بزعم كونها إشارة إلي إجماع الكشّيّ، أو زعم أنّ ما في مختصر الكشّيّ مختاره ومرضيّه، ومنه دعوي الإجماع، كما زعمها غيره(4) - فلا يمكن الاتّكال عليها في نسبة تصديق الإجماع إليه، مع وجود الشواهد علي خلافه، كما مرّ ويأتي. هذا حال شيخ الطائفة.

وأمّا النجاشي - الذي هو أبو عُذرِ هذا الفنّ، وسابق حلبته، ومقدّم علي الكلّ فيه - فلم ترَ منه إشارة ما إلي هذا الإجماع، ولم يظهر منه أدني اتّكال عليه، مع شدّة حرصه علي توضيح أحوال الرجال، والفحص عن وثاقتهم، وعنايته بنقل توثيق الثقات، ولو كان هذا الإجماع صالحاً للاتكال عليه لما غفل عنه، بل لما خفي عليه إجماعهم مع تضلّعه وكثرة اطّلاعه، وتقدّمه عليه في سعة الباع والإحاطة، وقرب عهده منه، فلو ثبت عنده ما ثبت عند الكشّي، أو كان نقله

********

(1) . تقدّم في الصفحة 734.

(2) . تقدّمت في الصفحة 746.

(3) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 14.

(4) . نفس المصدر ج 7 ص 12.

ص: 147

معتمداً عنده لما صحّ منه التوقّف في أحد من الجماعة ورجالهم، فضلاً عن تضعيف بعض رجالهم.

فعدم التعرّض لهذا الإجماع، وعدم توثيق بعض أصحابه، كأبان بن عثمان وعبداللّه بن بكير(1)، وتضعيف بعض رجالهم، ورميه بالكذب والوضع كما تقدّم منه(2)، كاشف قطعيّ عن عدم ثبوت الإجماع عنده، وعدم اعتنائه بنقل الكشّيّ، لا لعدم اتكاله علي الإجماع المنقول بخبر الواحد، بل لوجدان خلافه مع قربه منه، وكان كتاب الكشّيّ موجوداً عنده.

قال في ترجمته: محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّيّ أبو عمرو: كان ثقة عيناً، وروي عن الضعفاء كثيراً - إلي أن قال -: له كتاب «الرجال» كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح وغيره، عن جعفر بن محمّد، عنه بكتابه(3)، انتهي.

سيّما مع تعرّضه في ترجمة ابن أبي عمير بسكون الأصحاب إلي مرسلاته، فلو كان إجماعه ثابتاً، أو كان متّكلاً عليه في ابن أبي عمير، لأشار إليه في سائر الرجال المشاركين له فيه، قال في ترجمة ابن أبي عمير:

وكان حبس في أيّام الرشيد - إلي أن قال -: وقيل: إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب. وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت. فحدّث من حفظه، وممّا سلف له في أيدي

********

(1) . رجال النجاشي ص 8/13 وص 581/222.

(2) . راجع ما تقدّم في الصفحة 743.

(3) . رجال النجاشي ص 1018/372.

ص: 148

الناس؛ فلهذا أصحابنا يسكنون إلي مراسيله(1)، انتهي.

وهو واضح الدلالة علي أنّ الأمر ليس كما ذكره الكشّيّ أو نسب إليه، بل هذا خاصّة ابن أبي عمير عنده.

نعم، صرف ضياع الكتب ليس موجباً لعملهم علي مراسيله؛ لو كان السكون بمعني العمل والاعتماد، وفيه كلام، بل لابدّ من علمهم أو ثقتهم بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة، وهو يدلّ علي أنّ مرسلاته فقط مورد اعتماد أصحابنا، دون غيرها.

بل المتيقّن منها ما إذا أسقط الواسطة، ورفع الحديث إلي الإمام عليه السلام لا ما ذكره بلفظ مبهم ك «رجل» أو «بعض أصحابنا» وكون المرسلة في تلك الأزمنة أعمّ غير واضح عندي عُجالةً، ولابدّ من الفحص والتحقيق.

فاتّضح بما ذكر: أنّ النجاشي لم يكن مُبالياً بإجماع الكشّيّ، وكان يري سكون الأصحاب إلي خصوص مرسلات ابن أبي عمير، دون مسنداته، ولا بمرسلات غيره ومسنداته.

وكذا لم يظهر من ابن الغضائري المعاصر لشيخ الطائفة - بل له نحو شيخوخة وتقدّم عليه - أدني اعتماد علي ذلك الإجماع، وتأمّل.

وكذا المفيد وغيره ممّن هو في عصر الكشّيّ أو قريب منه. وقد ضعّف القمّيّون يونس بن عبدالرحمن، وطعنوا فيه(2)، وبهذا تظهر المناقشة في دعوي إجماع شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة(3). هذا حال تلك الأعصار.

وأمّا العصور المتأخّرة عنها التي اشتهر هذا الإجماع فيها، وكلّما مضي الزمان

********

(1) . رجال النجاشي ص 887/326.

(2) . رجال الطوسي ص 11/346.

(3) . تقدّم في الصفحة 744.

ص: 149

قوي الاشتهار، فلا حجّيّة في شهرتهم وإجماعهم، لا في مثل المسألة، ولا في المسائل الفرعيّة؛ لعدم شيء عندهم غير ما عندنا.

ومع ذلك فإنّ المحقّق اختلفت كلماته، فربّما مال إلي حجّيّة مرسلات ابن أبي عمير، أو قال بها(1)، وربّما صرّح بعدمها، فعن موضع من المعتبر قال:

الجواب: الطعن في السند؛ لمكان الإرسال، ولو قال قائل: مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك؛ لأنّ في رجاله مَن طعن الأصحاب فيه، فإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم(2)، انتهي.

هذا بالنسبة إلي ابن أبي عمير، فما حال مرسلات غيره، كصفوان، والبَزَنطي، فضلاً عن غيرهما؟!

وعنه في زكاة المستحقّين: أنّ في أبان بن عثمان ضعفاً(3). وقريب منه عن العلّامة والفخر والمقداد والشهيد(4).

وعن الشهيد الثاني: أنّ ظاهر كلام الأصحاب قبول مرسلات ابن أبي عمير؛ لأجل إحراز أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة، ودون إثباته خرط القَتَاد، وقد نازعهم صاحب البشري في ذلك؛ ومنع تلك الدعوي(5) انتهي.

ومع كون العلّامة اتكل كثيراً علي الإجماع المذكور(6)، حكي عنه فخر الدين

********

(1) . المعتبر ج 1 ص 47.

(2) . نفس المصدر ص 165.

(3) . نفس المصدر ج 2 ص 580.

(4) . انظر: تنقيح المقال ج 1 ص 17 / السطر 17، منتهي المطلب ج 1 ص 523 / السطر 9، إيضاح الفوائد ج 4 ص 631، التنقيح الرائع ج 1 ص 324، البيان ص 315.

(5) . الرعاية في علم الدراية ص 138.

(6) . انظر: خاتمة المستدرك الوسائل ج 7 ص 16، رجال العلّامة الحلّي ص 3/21، و ص 24/107.

ص: 150

قال: سألت والدي عن أبان بن عثمان قال: الأقرب عدم قبول روايته، لقوله تعالي: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ...) الآية(1) ولا فسق أعظم من عدم الإيمان.

وردّ ابن طاوس علي رواية ابن بكير(2)، وضعّفه المحقّق، والفاضل والشهيد، وطعنوا في روايات هو في سندها لأجله(3). ويظهر من ابن طاوس تردّد في جميل بن درّاج(4). والاختلاف في الأسدي، والمرادي معروف(5).

ولم يتعرّض النجاشي لمعروف بن خَرَّبوذ، ولم يوثّقه الشيخ(6) والعلّامة وقال الثاني: روي الكشّيّ فيه مدحاً وقدحاً(7). وقال ابن داود: وثقته أصحّ(8)، وهو ظاهر أو مشعر بوجود الخلاف فيه.

وعن ابن داود في بُرَيد بن معاوية: مدحه الكشّيّ ثمّ ذمّه، ويقوي عندي أنّ ذمّه إنّما هو لإطباق العامّة علي مدحه والثناء عليه، فساء ظنّ بعد أصحابنا به(9)وهو ظاهر في أنّ الذامّ غير منحصر بالكشّيّ.

هذا حال أصحاب الإجماع.

********

(1) . الحجرات/ 6.

(2) . لم نعثر عليه.

(3) . المعتبر ج 1 ص 210، التنقيح الرائع ج 1 ص 105 وج 3 ص 320، مسالك الأفهام ج 9 ص 128.

(4) . التحرير الطاووسي ص 85/118.

(5) . اختيار معرفة الرجال ص 4312/238. رسالة في أحوال أبي بصير، الجوامع الفقهيّة ص 64.

(6) . رجال الطوسي ص 644/311.

(7) . رجال العلّامة الحلّي ص 10/170.

(8) . رجال ابن داود ص 1576/190.

(9) . نفس المصدر ص 72/233.

ص: 151

ص: 152

الرسالة الثانية رسالة في نصوص رجاليّة حول قاعدة الإجماع

قاعدة الإجماع

إنّ أوّل من أدخل هذه القاعدة في مكتوباته وتعرّض لها هو محمّد بن عمر ابن عبدالعزيز الكشّيّ، والكَشّ: بلد من بلاد ما وراء النهر، ومنها علماء وأكابر، والكَشّ بالفتح، كما صرّح به الفاضل المهندس الملّا علي البيرجندي في كتابه:

مساحة الأرض والبلدان والأقاليم، والكتاب هو ترجمة للبلدان، رأينا نسخة منه في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام بمشهد المقدّسة(1).

والكشّي هو تلميذ العيّاشي السمرقندي صاحب التفسير المعروف، وقد سافر إلي بغداد ليدرس وليتعلّمَ الحديث والرجال.

وقال أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (450 ق) في ترجمة الرجل: محمّد ابن عمر بن عبدالعزيز الكشّيّ: أبو عمرو، كان ثقة عيناً؛ وروي عن الضعفاء كثيراً؛ وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه في داره التي كان مرتعاً للشيعة

********

(1) . راجع: سماء المقال ج 1 ص 4، كليّات في علم الرجال ص 58.

ص: 153

وأهل العلم، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة(1).

وكتابه معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين ألّفه في معرفة الرواة، وجُعل في التوثيقات والتضعيفات عند العلماء ملاكاً وميزاناً للتوثيق والتضعيف، وقد فُقدَ كتابه هذا، واحتمل بعض بقاءه إلي عصر الشهيد الثاني وهو ما نعرفه، ويوجد لدينا تلخيصه المسمّي باختيار معرفة الرجال، لخّصه الشيخ أبو جعفر محمّد ابن الحسن الطوسي والشيخ رجاليّ أخصّائيّ في فنّ الرجال، فلذلك عَمَدَ إلي كتاب الكشّيّ فهذّبه وصحّحه من الأغلاط والتضعيفات، واحتمل بعض أنّ الكتاب في ترجمة أحوال الرواة من الفريقين إلّاأنّ الطوسي لخّصه وحذف العامّة وأثبت الخاصّة من الرجال، كما صرّح به المولي القهبائي في كتابه مجمع الرجال(2).

وعلي كلّ حال، ففي كيفيّة تهذيب الشيخ وتلخيصه له أبحاث كثيرة، والكتاب الموجود حالياً طُبع وصُحّح مرّتين: مرّة بإشراف كلّيّة الإلهيّات في مشهد بمناسبة الذكري الألف للشيخ الطوسي، وأخري بمساعدة مؤسّسة آل البيت مع تعليقات هامّة للفيلسوف العظيم محمّد باقر الميرداماد (1040 ق) ومرّة ثالثة بإشراف المحقّق فاضل الميبدي؛ وكان هذا خلاصة ما علينا بيانه في معرفة كتاب الكشّيّ.

********

(1) . رجال النجاشي ص 1018/272.

(2) . كلّيّات في علم الرجال ص 59، الكني والألقاب ج 3 ص 116، خاتمة مستدرك الوسائل ج 3 ص 286 (طبع مؤسّسة آل البيت)، وج 3 ص 757 الطبع الحجري، وراجع أيضاً في مقدمة رجال الكشي تحقيق فاضل الميبدي ص 25، ومقدّمة رجال الكشي تحقيق المصطفوي ص 13 عن مصفي المقال ص 375.

ص: 154

قد تمّ تناول توثيقات الرجال والرواة، دون تسميتها بالقاعدة أو قاعدة الإجماع غير أنّه قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبداللّه عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف ابن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي.

قالوا: وأفقه الستّة: زرارة، وقال بعضهم بدل «أبي بصير الأسدي»: «أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري».

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم، وهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسي، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن ميمون - أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام(1).

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام:

أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخرين، دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان «الحسن بن محبوب»: «الحسن بن

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 322.

ص: 155

عليّ بن فضّال» و «فضالة بن أيّوب»، وقال بعضهم مكان «فضالة بن أيّوب»:

«عثمان بن عيسي»، وأفقه هؤلاء: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي(1).

وجه حجّيّة الإجماع

لا شكّ أنّ الإجماع الذي نقله الكشّيّ هو الإجماع المنقول لا الإجماع المحصّل، والناقل العادل هو الكشّيّ، وهل هذا الإجماع حجّة أم لا؟ فقال العلّامة الحلّي في ذيل رواية عن أبان بن عثمان: وهو ناووسيّ من أصحاب الإجماع، وقال أيضاً في ذيل رواية أُخري عن عبداللّه بن بكير: وهو فطحيّ: «لا يقال سند الرواية ضعيف لأنّ فيها أبان وهو ناووسيّ، أو عبداللّه بن بكير وهو فطحيّ؛ لأنّا نقول: إنّهما من الذين قال الكشّيّ فيهم: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، والإجماع هذا منقول، والإجماع المنقول حجّة»(2).

وعلي هذا فإنّ الإجماع منقول، ولكن هل هو حجّة أم لا؟ قال بعض: إنّ الإجماع حجّة، لأنّ أدلّة حجّيّة خبر الواحد تشمله، وأدلّة حجّيّة خبر الواحد تشمل الخبر الحسّيّ والحدسي، فعلي هذا يكون الدليل علي حجّيّة الإجماع ثابتاً.

وقد حاول بعض الأجلّة الإجابة عنه (ولو قلنا أنّ المراد هو تصحيح روايات هؤلاء) بأنّ نقل الكشّيّ اتّفاق العصابة علي تصحيح مرويّات هؤلاء بالقرائن

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 466، معجم رجال الحديث ج 1 ص 61.

(2) . مختلف الشيعة ج 2 ص 226، خلاصة الرجال ص 21 و 106.

ص: 156

الدالّة علي صدق مفهومها، أو صدورها، وإن لم يكن كافياً في إثبات الاتّفاق الحقيقي، لكنّه كاشف عن اتّفاق مجموعة كبيرة منهم علي تصحيح مرويّات هؤلاء، ومن البعيد أن يكون مصدره ادّعاء واحد أو اثنين من علماء الطائفة، لأنّ التساهل في دعوي الإجماع وإن كان شائعاً بين المتأخّرين لكنّه بين القدماء ممنوع جدّاً، هذا من جانب.

ومن جانب آخر: إنّ اتّفاق جماعة علي صحّة روايات هؤلاء العدّة، يورث الاطمئنان بها، والقرائن التي تدلّ علي الصحّة وإن كانت علي قسمين: حسّيّ واستنباطيّ لكن لمّا كان النظر والاجتهاد في تلك الأيّام قليلاً، وكان الأساس في المسائل الفقهيّة وما يتّصل بها هو الحسّ والشهود، يمكن أن يقال: باعتمادهم علي القرائن العامّة التي تورث الاطمئنان لكلّ من قامت عنده أيضاً ككونه من كتاب عرض علي الإمام، أو وجد في أصل معتبر، أو تكرّر في الأُصول، إلي غير ذلك من القرائن المشهورة.

والحاصل؛ أنّه إذا ثبت ببركة نقل الكشّي، كون صحّة روايات هؤلاء، أمراً مشهوراً بين الطائفة، يحصل الاطمئنان بها من اتّفاق مشاهيرهم، لكونهم بعيدين عن الاعتماد علي القرائن الحدسيّة، بل كانوا يعتمدون علي المحسوسات أو الحدسيّات القريبة منها، لقلّة الاجتهاد والنظر في تلك الأعصار(1).

والقرائن المشهورة المشار إليها هي التي ذكرها الشيخ محمّد بن الحسين البهائي في مقدّمة مشرق الشمسين، والمحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق

********

(1) . كليّات في علم الرجال ص 178.

ص: 157

الناضرة، والمحدّث العاملي في خاتمة وسائل الشيعة، والشيخ الأعظم مرتضي الأنصاري في كتابه فرائد الأُصول(1).

فتلخّص علي ضوء هذا، أنّ علّة حجّيّة الإجماع المنقول هو محفوفيّته بالقرائن وهذا هو سرّ الإجماع، وهذا الوجه هو مراد الإمام الخميني حيث قال:

ثمّ إنّهم ذكروا في وجه حجّيّة هذا الإجماع بعد عدم كونه بالمعني المصطلح أحد الأمرين: الأوّل: اطّلاع العصابة علي احتفاف جميع الأخبار التي هي منقولة بتوسّطهم بقرائن خارجيّة يوجب الاطّلاع عليها، العلم بصحّة الخبر، وهذا غير ممكن عادة. والثاني: اطّلاعهم علي جميع مشايخ هؤلاء، ومن يروون منهم مسنداً ومرسلاً، والعلم بوثاقة جميعهم فحكموا بصحّة أحاديثهم لأجل صحّة سندها إلي المعصوم عليه السلام؛ هذا وجه إجماعهم(2).

المراد من القاعدة ومعناها

إنّ معني القاعدة والمراد منها هو المشكل عند الفقهاء، وقد قيل في ذلك كلمتان:

الأُولي: أنّ المراد هو تصديقهم، والإقرار بأنّهم ثقات وليسوا ضعفاء، فهم بهذا ثقات علي أيّ مسلك ومذهب كانوا، وهذا هو المعني المراد بالمصدريّ، أي أنّ الأصحاب أجمعوا علي تصحيح رواياتهم، يعني أنّهم صادقون في إخبارهم عن الثقة؛ هذا هو المعني الأوّل والشائع إلي القرن الحادي عشر.

********

(1) . وسائل الشيعة ج 20 ص 113، مشرق الشمسين ص 29، الحدائق الناضرة ج 1 ص 14، فرائد الأُصول ج 1 ص 142، هداية المحدّثين ص 475، شعب المقال ص 27.

(2) . الطهارة للإمام الخميني ج 3 ص 249.

ص: 158

الثانية: أنّ المراد هو تصحيح مرويّاتهم، يعني كلّ ما صحّ عنهم وكان السند إلي أعيانهم صحيح فلا إشكال بعد ذلك، بل الرواية صحيحة؛ وإن كانت مرسلة، أو مرفوعة، أو مقطوعة.

فهذا التعبير يتضمّن أربعة أمور: توثيقهم، واعتبار مراسيلهم، ومرافيعهم، ومقاطيعهم.

وهذا المعني أيضاً يدلّ علي أنّ كلّ راوٍ يروي عنه أصحاب الإجماع فهو ثقة، والمعني هذا قد صار شعار الفقهاء في القرون الأربعة الماضية، ولعلّ الاختلاف في معني القاعدة نشأ لأوّل مرّة في النجف، حيث الملّا عناية اللّه القهبائي ينقل عن أُستاذه الملّا عبداللّه التستري إنكار ذلك المعني وإثبات المعني الأوّل.

أقوال العلماء حول القاعدة

اشارة

1. قال المحقّق الرجالي السيّد محمّد باقر الشفتي (1260 ق) - وهو أحد تلامذة العلّامة المجدّد محمّد باقر الوحيد البهبهاني -: قد وقع الاختلاف في أنّ المراد بالموصول في قولهم: «أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه» ما هو؟ فالأكثر علي أنّ المراد منه المرويّ. حاصله أنّه إذا صحّت سلسلة السند بينهم وبين أحد هؤلاء العظام، اتّفقوا علي الحكم بصحّة ذلك الحديث وقبوله، أو إذا صحّ وظهر لهم صدور الحديث من أحدهم أطبقوا علي الحكم بصحّته، وهذا أنسب في مصطلح القدماء وهذا هو المتبادر إلي الفهم من الكلام، ولهذا بني عليه كثير من العلماء الأعلام، كالعلّامة الحلّي، والحسن بن داود، وشيخنا الشهيد، والمدقّق؛ المسمّي بالداماد، والفاضلين المجلسيّين، والفاضل

ص: 159

الخراساني.

وعن الفاضل المحدّث القاشاني في أوائل وافيه: إنّه قد فهم جماعة من المتأخّرين من قوله: «أجمعت العصابة» علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء الحكم بصحّة الحديث المنقول عنهم، ونسبته إلي أهل البيت عليهم السلام بمجرّد صحّته عنهم، من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه، حتّي لو رووا عن معروف بالفسق، أو بالوضع، فضلاً عمّا لو أرسلوا الحديث، كان ما نقلوه صحيحاً محكوماً علي نسبته إلي أهل العصمة عليهم السلام.

وأنت خبير بأنّ هذه العبارات ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه، فإنّ ما يصحّ عنهم إنّما هو الرواية لا المروي، بل كما يحتمل ذلك، يحتمل كونها كناية عن الإجماع علي عدالتهم وصدقهم، بخلاف (غيرهم) ممّن لم ينقل الإجماع علي عدالته، انتهي كلامه رفع مقامه(1).

والفرق بين المعنيين ظاهر، فإنّ متعلّق التصحيح في الأوّل الحديث، وفي الثاني الرواية بالمعني المصدري، أي قول أحدهم: أخبرني، أو: حدّثني، أو:

سمعت من فلان ونحوها، والمختار الأوّل وهو المتبادر، إذ لو كان المراد المعني الثاني اكتفي بقوله: «أجمعت العصابة علي تصديقهم» فلا افتقار إلي تصحيح ما يصحّ عنهم، بل ولا حسن لذلك، كما لا يخفي علي المتأمّل.

فالعدول عنه إلي ما ذكر دليل علي أنّ المراد صحّة المروي لظهوره فيه دون الإخبار والرواية.

والحاصل أنّ التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الأئمّة عليهم السلام من غير واسطة،

********

(1) . الوافي ج 1 ص 427، الرسائل ص 34.

ص: 160

والتصحيح فيما إذا كانت معها فلا تغفل، فالظاهر أنّ الإجماع في صحّة أحاديثهم وحجيّتها، فلو كانت الوسائط بيننا وبينهم مقبولة يكون الحديث حجّة سواء كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم مطروحة أو مذكورة، وسواء كانت معلوم الفسق أو العدالة أو مجهول الحال، وبالجملة: إنّ مسانيدهم ومراسيلهم ومقاطيعهم بأسرها مقبولة(1).

2. قال أبو عليّ الحائري (1216 ق) - وهو تلميذ آخر للسيّد الوحيد البهبهاني -: فائدة: اختلف في قولهم: «اجتمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه» فالمشهور أنّ المراد صحّة ما رواه، حيث تصحّ الرواية إليه، فلا يلاحظ ما بعده إلي المعصوم عليه السلام، وإن كان فيه ضعيف وهذا هو الظاهر من العبارة، وقيل:

لا يفهم منه إلّاكونه ثقة....

وأمّا معني الكلام المذكور فالظاهر المساق إلي الذهن، هو ما اختاره الأُستاذ العلّامة، وعزاه إلي المشهور، وصرّح أجلّاء العصر أيضاً بأنّ عليه الشهرة(2).

3. قال المحقّق الفيلسوف الميرداماد (1040 ق) بعد نقل كلام الكشّيّ وعدّ أصحاب الإجماع: وبالجملة هؤلاء علي اعتبار الأقوال المختلفة في تعيينهم أحد وعشرون، بل اثنان وعشرون رجلاً، ومراسيلهم ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلي من يسمّونه من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب رضي اللّه عنهم من الصحاح، من غير اكتراث منهم لعدم صدق حدّ الصحيح - علي ما قد علمته - عليها(3).

********

(1) . الرسائل الرجاليّة ص 440، تراثنا: 54/53.

(2) . منتهي المقال ج 1 ص 54/5.

(3) . الرواشح السماويّة ص 47.

ص: 161

4. قال المحدّث الشيخ الحرّ العامليّ في خاتمة وسائل الشيعة: وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده، قرينة قطعيّة علي ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين، مرسلاً، أو مسنداً، عن ثقة، أو ضعيف، أو مجهول، لإطلاق النصّ والإجماع، كما تري، والإجماع علي صحّة رواية جماعة لا يدلّ علي عدم صحّة روايات غيرهم، لأنّه أعمّ منه(1).

5. قال العلّامة الرجالي محمّد أمين الكاظمي صاحب هداية المحدّثين:

المراد بهذه العبارة أنّه إذا صحّ السند إلي الرجل فالحديث صحيح، ولا ينظر إلي من بعده ولا يُسأل عنه، ومن هنا صحّح العلّامة، وابن داود، والبهائي، والسيّد محمّد رواية أبان بن عثمان مع أنّه ناووسيّ، ولكنّ هذه الصحّة يراد بها ما ثبت نقله عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وإن كان الراوي غير إماميّ، انتهي(2).

6. قال العلّامة محمّد تقي المجلسي - المعروف بالمجلسي الأوّل -: اعلم أنّ الظاهر من إجماع الأصحاب علي تصحيح ما يصحّ عنه أنّهم لم يكونوا ينظرون إلي ما بعده، فإنّهم كانوا يعلمون أنّه لا يروي إلّاما كان معلوم الصدور عن الأئمّة عليهم السلام(3).

7. قال العلّامة الرجالي السيّد محسن الأعرجي في كتابه القيّم عدّة الرجال:

الفائدة الثامنة: إنّ المراد الإجماع علي الحكم بصحّة كلّ حديث جاء به وصحّ عنه وثبتت روايته له، حتّي لا ينظر فيما فوقه، وبالجملة كلّما ثبت عندهم أنّه رواه حكموا بصحّته في نفس الأمر ووروده عن المعصوم، سواء رواه عنه بلا

********

(1) . وسائل الشيعة ج 20 ص 81.

(2) . منتهي المقال ج 1 ص 54.

(3) . روضة المتّقين ج 14 ص 19.

ص: 162

واسطة، أو بواسطة، ثقة، أو غير ثقة(1).

و «التفسير الثاني» وهو توثيقهم لا أزيد منه. فهو الذي أصرّ عليه العلّامة الرجالي الملّا عبداللّه التستري الذي استخرج كلمات الغضائري من حلّ الإشكال، وأتي بها تلميذه في كتابه مجمع الرجال - وعندي أنّ القرن الحادي عشر هو القرن الذي تذاكر فيه العلماء في معني القاعدة، وأصرّ علي هذا القول المحدّث القاشاني(2) كما سمعته في كلام السيّد الشفتي، ونسب إلي السيّد عليّ الطباطبائي (1232 ق)، والذي نراه في كتابه رياض المسائل خلافه، والمحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهاني في الفصول الغرويّة، ومن المعاصرين: السيّد الإمام الخميني (1410 ق)، والسيّد الخوئي (1413 ق) فها أنا آتٍ ببعض كلماتهم حتّي تعرف حقيقة الأمر:

قال السيّد الخوئي: وكيف كان، فمن الظاهر أنّ كلام الكشّيّ لا ينظر إلي الحكم بصحّة ما رواه أحد المذكورين عن المعصومين عليهم السلام حتّي إذا كانت الرواية مرسلة، أو مرويّة عن ضعيف، أو مجهول الحال، وإنّما ينظر إلي بيان جلالة هؤلاء، وأنّ الإجماع قد انعقد علي وثاقتهم وفقههم وتصديقهم فيما يروونه، ومعني ذلك، أنّهم لا يتّهمون بالكذب في أخبارهم وروايتهم، وأين هذا من دعوي الإجماع علي الحكم بصحّة جميع ما رووه عن المعصومين عليهم السلام، وإن كانت الواسطة مجهولاً أو ضعيفاً؟!(3)

********

(1) . عدّة الرجال ج 1 ص 40.

(2) . القاشاني معرّب الكاشاني، فإنّ العرب كما قاموا بتغيير حرف الگاف إلي الجيم، كگرگان إلي الجرجان، قد غيّروا سائر الحروف أيضاً كالكاشاني بالقاشاني، وهذا سماعيّ غير خاضع لقاعدة.

(3) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 61.

ص: 163

وأنت خبير، بأنّ العبارات ليست صريحة في ذلك، ولا ظاهرة فيه، فإنّ ما يصحّ عنهم إنّما هو الرواية لا المرويّ، بل كما يحتمل ذلك، يحتمل كونها كناية عن الإجماع علي عدالتهم وصدقهم، بخلاف غيرهم، ممّن لم ينقل الإجماع علي عدالته.

ثمّ إنّا لو تنزّلنا عن ذلك، وفرضنا أنّ عبارة الكشّيّ صريحة فيما نسب إلي جماعة واختاره صاحب الوسائل، فغاية ذلك دعوي الإجماع علي حجّيّه رواية هؤلاء عن المعصومين عليهم السلام تعبّداً، وإن كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفاً، أو مجهول الحال، فترجع هذه الدعوي إلي دعوي الإجماع علي حكم شرعيّ. وقد بيّنّا في المباحث الأُصوليّة: أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة، وأدلّة حجّيّة خبر الواحد لا تشمل الأخبار الحدسيّة(1).

إنّ عمدة الدليل علي القول الثاني، وجود مشايخ ورواة ضعاف ومجاهيل ومهملين، لأنّ اطّلاع جميع العصابة علي جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومع الواسطة بعيد في الغاية، بل غير ممكن عادة، مع عدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار، بنحو يصل الكلّ إلي الكلّ وبعد وصول أخبار البلاد البعيدة بعضها إلي بعض، هذا أوّلاً.

وأمّا ثانياً: فلأنّ مشايخ الجماعة، ومن يروون عنهم، لم يكن كلّهم ثقات، بل فيهم من كان كاذباً، وضّاعاً، ضعيفاً، لا يعتني برواياته وكتبه.

فهذا محمّد بن أبي عمير (217 ق) - وهو أشهر الطائفة في هذه الخاصّة - يروي عن يونس بن ظبيان الذي قال النجاشي فيه: هو ضعيف جدّاً لا يلتفت

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 61.

ص: 164

إلي ما رواه، كلّ كتبه تخليط. وعن ابن الغضائري: أنّه غال وضّاع للحديث.

وعن الفضل في بعض كتبه: الكذّابون المشهورون: أبو الخطّاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ. وقد ورد فيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام اللعن البليغ.

2. ويروي عن عبداللّه بن القاسم الحضرمي الذي قال فيه ابن الغضائري:

ضعيف، غالٍ، متهافت، وقال النجاشي: كذّاب، غالٍ، يروي عن الغلاة لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته. وقريب منه بل أزيد عن الخلاصة.

3. ويروي عن عليّ بن أبي حمزة البطائني الذي قال فيه أبوالحسن عليّ بن الحسن بن فضّال علي المحكيّ: عليّ بن أبي حمزة كذّاب، متّهم ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتب عنه تفسير القرآن من أوّله إلي آخره، إلّاأنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً. وعن ابن الغضائري أنّه لعنه اللّه، أصل الوقف، وأشدّ الخلق عداوة للمولي - يعني الرضا عليه السلام -» ونقل هو عنه: قال لي أبوالحسن موسي عليه السلام: «إنّما أنت يا عليّ وأصحابك شبه الحمير».

وروي الكشّيّ في ذمّه روايات منها: ما رواه بإسناده عن يونس بن عبدالرحمن قال: مات أبوالحسن، وليس من قوّامه أحد إلّاوعنده المال الكثير وكان ذلك بسبب وقفهم وجحودهم، وكان عند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، وروي بإسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام حديثاً وفيه: «سمعته يقول في ابن أبي حمزة: أما استبان لكم كذبه؟».

4. ويروي عن أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي، وقال ابن الغضائري والعلّامة: إنّه ضعيف، كذّاب، يضع الحديث.

6. ويروي عن عليّ بن الحديد الذي قال الشيخ في محكيّ الاستبصار أنّه

ص: 165

ضعيف جدّاً، لا يعوّل علي ما ينفرد بنقله. وضعّفه أيضاً في محكيّ التهذيب.

7. ويروي عن الحسين بن أحمد المنقري الذي ضعّفه الشيخ النجاشي والعلّامة وغيرهم.

وأمّا نقله عن غير المعتمد، والمجهول، والمهمل، ومن ضعّفه المتأخّرون أمثال: محمّد بن ميمون التميمي، وهاشم بن حيّان، فكثير يظهر للمتتبّع.

ومن أصحاب الإجماع صفوان بن يحيي، فقد روي أيضاً عن رواة ضعاف.

فقد روي عن عليّ بن أبي حمزة، وأنّه من الكذّابين المشهورين، وعن محمّد بن سنان الذي ضعّفوه، بل عن المفضّل، وهو من الكذّابين المشهورين، وعن عبداللّه بن خداش الذي قال فيه النجاشي: ضعيف جدّاً، إلي غير ذلك.

ومن أصحاب الإجماع البزنطي (أحمد بن محمّد بن أبي نصر (221 ق) فهو أيضاً يروي عن أبي جميلة المتقدّم، وأحمد بن زياد الخزّاز الضعيف، والحسن ابن عليّ بن أبي حمزة الضعيف المطعون، ففيه عن ابن الغضائري: أنّه واقفيّ ابن واقفيّ، ضعيف في نفسه، وأباه أوثق منه.

وقال الحسن بن عليّ بن فضّال: إنّي لأستحيي من اللّه أن أروي عن الحسن ابن عليّ.

وحكي الكشّيّ عن بعضهم: إنّ الحسن بن عليّ بن أبي حمزة كذّاب.

ومن أصحاب الإجماع الحسن بن محبوب، فهو أيضاً يروي عن أبي الجارود الضعيف جدّاً، الوارد فيه عن الصادق عليه السلام أنّه كذّاب، مكذّب، كافر، عليه لعنة اللّه.

وعن محمّد بن سنان أنّه قال: أبوالجارود لم يمت حتّي شرب المسكر،

ص: 166

وتولّي الكافرين.

وعن صالح بن سهل الهمداني الذي قال ابن الغضائري فيه: إنّه غالٍ، كذّاب وضّاع للحديث، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا خير فيه، ولا في سائر ما رواه»، وقد روي أنّه قال بأُلوهيّة الصادق عليه السلام.

وعن عمرو بن شمر الذي قال النجاشي فيه: «إنّه ضعيف جدّاً، زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي» وكذا عن غيرهم كعبدالعزيز العبدي، وأبي جميلة، ومحمّد بن سنان، ومقاتل بن سليمان، وهم من الضعاف.

ومن أصحاب الإجماع يونس بن عبدالرحمن فقد روي عن صالح بن سهل وعمرو بن جميع، أبي جميلة، ومحمّد بن سنان، و محمّد بن مصادف، إلي غير ذلك من الضعفاء، وكذا حال غيرهم كرواية ابن بكير، وابن مسكان، عن محمّد ابن مصادف، وجميل، وأبان بن عثمان، عن صالح بن الحكم النيلي إلي غير ذلك، وأمّا روايتهم عن المجاهيل وغير الموثّقين فإلي ما شاء اللّه(1).

هذا هو الدليل الأوّل الذي أقاموه دليلاً علي التفسير الثاني، وردّاً علي التفسير الأوّل، فإنّا إن رجعنا إلي سلسلة الأحاديث، نري أنّ في مشايخهم رواة ضعافاً ومجاهيل ومهملين، فكيف نثق بمشايخهم وخاصّة عندما لم يذكروا، حيث يصبح من المحتمل أن يكون الراوي المحذوف هو الضعيف، وهذا الدليل يعود أصله إلي المحقّق الأوّل: نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (675 ق) فإنّه اعترض علي من اعتبر مراسيل ابن أبي عمير (217 ق) فقال: إنّ في مشايخه رواة ضعافاً، ويحتمل أن يكون المحذوف هو الضعيف.

********

(1) . انظر: الطهارة، (الإمام الخميني) ج 3 ص 250.

ص: 167

وثالثاً: أنّ الشيخ الطوسي في كتاب تهذيب الأحكام ضعّف رواية ابن بكير، وهو أحد أصحاب الإجماع.

وقد روي الشيخ الطوسي عن عبداللّه بن بكير، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: «الطلاق الذي يحبّه اللّه، والذي يطلّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين، وإرادة من القلب، ثمّ يتركها حتّي تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة، وهو آخر القروء، لأن الإقراء هي الإطهار، فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته، وحلّت له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله، وحلّت له بلا زوج، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها، ثمّ طلّقها ثلاث مرّات، يراجعها ويطلّقها، لم تحلّ له إلّابزوج(1).

وقال الشيخ في التهذيب بعد أن جاءَ بخبر ابن بكير - فهذه الرواية آكد شبهة من جميع ما تقدّم من الروايات، لأنّها لا تحمل شيئاً ممّا قلناه، لكونها مصرّحة خالية من وجوه الاحتمال، إلّاأنّ في طريقها عبداللّه بن بكير، وقد قدّمنا من الأخبار ما تضمّن أنّه قال حين سُئل عن هذه المسألة: (هذا ممّا رزق اللّه من الرأي) ومن هذه صورته فيجوز أن يكون أسند ذلك إلي رواية زرارة نصرة لمذهبه الذي كان أفتي به، وأنّه لمّا رأي أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلي من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبداللّه بن بكير معصوماً لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول، عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي اعتقاد مذهب الفطحيّة ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا الغلط

********

(1) . وسائل الشيعة ج 15 ص 355، تهذيب الأحكام ج 8 ص 25.

ص: 168

فيمن يعتقد صحّته لشبهة دخلت إلي بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام، وإذا كان الأمر علي ما قلناه، لم تعترض هذه الرواية أيضاً ما قدّمناه(1).

فكما تري أنّ الشيخ قدس سره قد ناقش الرواية بوجود عبداللّه بن بكير وهو من أصحاب الإجماع وهذا ظاهر في أنّ الشيخ ناقض ما قاله في كتاب اختيار معرفة الرجال ولكن الفقهاء ناقشوا الشيخ الطوسي، وقال العلّامة المجلسي (1111 ق) في ملاذ الأخيار: إنّ الروايات بهذا المضمون كثيرة.

وقال السيّد محمّد الموسوي العاملي (1009 ق): ولا يخفي ما فيه من القدح العظيم في عبداللّه بن بكير، مع أنّ الكشّيّ نقل إجماع الصحابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه(2). وهكذا قال نظيره الفيض الكاشاني (1091 ق) في الوافي.

رابعاً: إن كانت قاعدة الكشّيّ قاعدة صحيحة فلِمَ تركها النجاشي ولم يأت بها؟ والنجاشي أبو عُذرِ هذا الفنّ، وسابق حلبته، ومقدّم علي الكلّ فيه فلمْ تر منه أيّ إشارة إلي هذا الإجماع، ولم يظهر منه أدني اعتماد عليه، مع شدّة حرصه بتوضيح أحوال الرجال، والفحص عن وثاقتهم، وعنايته بنقل توثيق الثقات، ولو كان هذا الإجماع صالحاً للاعتماد عليه، لما غفل عنه، بل لم يخف عليه إجماعهم، مع تضلّعه، وكثرة اطّلاعه، وتقدّمه عليه في سعة الباع، والإحاطة وقرب عهده منه، فلو ثبت عنده ما ثبت عند الكشّيّ، أو كان نقله معتمداً عنده لما صحّ منه التوقّف في أحد من الجماعة ورجالهم، فضلاً عن تضعيف بعض

********

(1) . وسائل الشيعة ج 15 ص 353، الروضة البهيّة ج 6 ص 36.

(2) . نهاية المرام ج 2 ص 51.

ص: 169

رجالهم، فعدم التعرّض لهذا الإجماع، وعدم توثيق بعض أصحابه - كأبان بن عثمان - كاشف قطعيّ عن عدم ثبوت الإجماع عنده، وعدم اعتنائه بنقل الكشّيّ، لا لعدم اعتماده علي الإجماع المنقول بخبر الواحد، بل لوجدان خلافه، مع قربه منه، وكان كتاب الكشّيّ موجوداً.

فقد ذكر النجاشي في ترجمته: محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّيّ أبو عمرو: كان ثقة عيناً، وروي عن الضعفاء كثيراً - إلي أن قال -: له كتاب الرجال كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح وغيره، عن جعفر ابن محمّد، عنه بكتابه(1)، انتهي.

سيّما مع تعرّضه في ترجمة ابن أبي عمير بسكون الأصحاب إلي مرسلاته فلو كان إجماعه ثابتاً، أو كان متّكلاً عليه في ابن أبي عمير، لأشار إليه في سائر الرجال المشاركين له فيه، قال في ترجمة ابن أبي عمير: وكان حبس في أيّام الرشيد - إلي أن قال -: وقيل: إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتارها، وكونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب. وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت. فحدّث من حفظه وممّا سلف له في أيدي الناس؛ فلهذا أصحابنا يسكنون إلي مراسيله»(2)، انتهي.

وهو واضح الدلالة علي أنّ الأمر ليس كما ذكره الكشّيّ، أو نسب إليه، بل هذا خاصّة ابن أبي عمير عنده. نعم، صرف ضياع الكتب ليس موجباً لعملهم علي مراسيله؛ لو كان السكون بمعني العمل والاعتماد، وفيه كلام، بل لابدّ من علمهم

********

(1) . رجال النجاشي ص 1018/372.

(2) . نفس المصدر، ص 887/326.

ص: 170

أو ثقتهم بأنّه لا يرسل إلّاعن ثقة، وهو يدلّ علي أنّ مرسلاته فقط محلّ اعتماد أصحابنا، دون غيرها. بل المتيقّن منها ما إذا أسقط الواسطة، ورفع الحديث إلي الإمام عليه السلام لا ما ذكره بلفظ مبهم ك «رجل» أو «بعض أصحابنا» وكون المرسلة في تلك الأزمنة أعمّ، غير واضح عندي(1).

فاتّضح أنّ النجاشي لم يكن مبالياً بإجماع الكشّيّ، وكان يري سكون الأصحاب إلي مرسلات ابن أبي عمير دون مسنداته، ولا بمرسلات غيره ومسنداته، وكذا لم يظهر من ابن الغضائري المعاصر لشيخ الطائفة - بل له نحو شيخوخة وتقدّم عليه - أدني اعتماد علي ذلك الإجماع، تأمّل.

وكذا المفيد وغيره ممّن هو في عصر الكشّيّ، أو قريب منه، وقد ضعّف القمّيّون يونس بن عبدالرحمن، وطعنوا فيه. وهو من أصحاب الإجماع.

خامساً: طعن الفقهاء في أصحاب الإجماع، فلو فهموا من القاعدة ما فهمنا لما طعنوا فيها؛ فإذا حقّقنا وتتبّعنا في الكتب الفقهيّة نراهم يناقشون الأحاديث التي في أسانيدها أصحاب الإجماع.

فأوّل من ناقش أصحاب الإجماع ولم يشر إلي القاعدة هو المحقّق نجم الدين الحلّي الهذلي (675 ق)، فإنّه لم يعمل بروايات الرواة؛ من العامّة وناقش أيضاً مرسلات محمّد بن أبي عمير (217 ق) مع أنّه من أصحاب الإجماع، وقال: الثالثة: رواية محمّد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام وقال: «الكرّ ألف ومائتا رطل» وعلي هذه عمل الأصحاب، ولا طعن في هذه بطريق للإرسال، لعمل أصحاب الحديث بمراسيل ابن أبي عمير، ولو كان ذلك

********

(1) . انظر: الطهارة (الإمام الخميني) ج 3 ص 256.

ص: 171

ضعيفاً لانجبر بالعمل، فإنّي لا أعرف من الأصحاب رادّاً لها، فلهذا قلنا في أصل الكتاب علي الأشهر(1).

فكما تلاحظ فإنّ المحقّق الحلّي ناقش مرسلة محمّد بن أبي عمير، ولولا انجبارها بعمل الأصحاب لم يعمل بها.

وقال أيضاً: ولو احتجّ محتجّ بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إنّ رجلاً توضّأ وصلّي، فقال له رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أعد صلاتك ووضوءَك، ثمّ توضّأ وصلّي، فقال له: أعد وضوءك وصلاتك، ثمّ هكذا ثلاثاً، فشكي ذلك إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال: هل سمّيت حين توضّأت؟ فقال: لا، قال: فسمّ علي وضوئك، فسمّي وصلّي ثمّ أتي النبيّ صلي الله عليه و آله فلم يأمره أن يُعيد». كان الجواب الطعن في السند لمكان الإرسال، ولو قال:

مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك، لأنّ في رجاله مَن طعن الأصحاب فيه، وإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم(2). وطعن في رواية الفطحيّين كعبداللّه بن بكير، والواقفة كبني فضّال.

الجواب عن الإشكالات الخمسة

وإليك الجواب عن الإشكالات الخمسة التي ذكرناها وبيّنها الإمام الخميني قدس سره والسيّد الخوئي في كتابيهما الطهارة ومعجم رجال الحديث، فالجواب عن الأوّل: هو أنّ الرواية عن بعض الرواة الضعاف لا إشكال فيه، لأنّ

********

(1) . المعتبر ج 1 ص 47.

(2) . نفس المصدر، ج 1 ص 165.

ص: 172

الراوي المنقول عنه، وإن كان مهملاً، أو مجهولاً، فنقل أصحاب الإجماع عنه يكون توثيقاً له، ولا يحتاج إلي أكثر من ذلك، فإنّه يعدّ قرينة صريحة واضحة علي توثيقه، أمّا إذا كان الراوي المنقول عنه ضعيفاً وصرّح بذلك علماء الرجال فهنا تعارض النصوص الخاصّة مع هذه القاعدة العامّة - نقل أصحاب الإجماع عنه - فتجري لذلك قاعدة تعارض الجرح والتعديل، وعندها يمكن أن نقدّم التعديل والتوثيق العامّ، إذا كان مؤيّداً بقرائن أُخري.

وأمّا مناقشة الشيخ الطوسي لرواية عبداللّه بن بكير، ومرسلات محمّد بن أبي عمير، فقد تعرّض لها العلّامة الخواجوئي بالقول: بأنّ كلمات الشيخ الطوسي مضطربة، فقد يقول باعتبار مرسلات محمّد بن أبي عمير، وقد يقول بتضعيفها، والجواب عنه: أنّ قول الشيخ بأنّ الرواية مرسلة فيما كان الحديث ضعيفاً من جهات مختلفة، وقد حكم وبالغ في تضعيفه ثمّ قال: مع ذلك كلّه، فهي مرسلة أيضاً.

وأمّا كلام المحقّق الحلّي، فقال عنه الإمام الخميني قدس سره في كتاب الطهارة: إنّ كلمات المحقّق مضطربة. ونعتقد أنّ كلمات الحلّي ليست مضطربة، بل ما اعتقده المحقّق الحلّي هو أنّ الروايات الموثّقات كروايات عبداللّه بن بكير الفطحي وعليّ بن الحسن بن فضّال الفطحي، وسماعة الواقفي، والسكوني العاميّ ضعاف، هذا هو رأيه المعتمد لديه، أمّا إذا انجبر ضعفها بالإجماع، أو الشهرة القريبة من الإجماع، فهي عنده معتبرة، فإذن لا اضطراب في كلمات المحقّق الحلّي كما قال الإمام الخميني قدس سره.

ص: 173

أصحاب الإجماع وفقاهتهم

إنّا نعتقد ونجزم بأنّ الرواة الذين وقعوا في سلسلة أسانيد الروايات هم طائفتان: فمنهم رواة، ولا غير، فقد يروي أحدهم ما لا يفهم، فإنّه عامّيّ، إلّاأنّه يروي الحديث عن المعصوم عليه السلام ولذلك قد لا يكون ضابطاً، وعلي ضوء هذا فإنّ الفقهاء قالوا: بأنّ إسحاق بن عمّار ليس بضابط، ولا يقبلون ما تفرّد به؛ وهناك طائفة أُخري هم ليسوا رواة فحسب، بل هم فقهاء، وهذا معني الفقاهة في كلام الكشّيّ، أي أنّهم أهل فتوي واجتهاد، ورأي ونظر، وهذا هو معني الحديث الذي خاطب فيه الإمام عليه السلام يونس بن عبدالرحمن قائلاً: «أنا أُحبّ أن تجلس في المسجد وتفتي الناس»، والفتوي في الحديث، هي الاجتهاد والفقاهة.

لذا نقول: إنّ الذين ذكرناهم من أصحاب الإجماع متّصفون بالاجتهاد والفقاهة ولذلك رجع الأصحاب إليهم في أُمورهم الفقهيّة والعمليّة، وفي حلّ اختلاف الروايات وتعارضها، من حيث تشخيص ما هو الصادر تقيّة وغيرها؛ وفهم ما هي دوافع كلامهم، وهذا هو معني الفقاهة، وبهذا فأصحاب الإجماع لم يكونوا رواة فحسب بل هم فقهاء ورواة للحديث.

وهناك نماذج روائيّة ذات دلالة واضحة علي ما قدّمنا، منها ما عن الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام:

(95) 7 - الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن عليّ ابن سعيد البصري قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي نازل في بني عدي ومؤذّنهم وإمامهم، وجميع أهل المسجد عثمانيّة، يتبرّؤون منكم ومن شيعتكم، وأنا نازل

ص: 174

فيهم، فما تري في الصلاة خلف الإمام؟ قال: «صلّ خلفه». قال: قال «واحتسب بما تسمع، ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي». قال عليّ: فقدمت البصرة فأخبرت فضيلاً بما قال، فقال: هو أعلم بما قال، ولكنّي سمعته وسمعت أباه يقولان: «لا تعتدّ بالصلاة خلف الناصب، واقرأ لنفسك كأنّك وحدك»، فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبداللّه عليه السلام(1).

(96) 8 - وعنه، عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة، عن حمران قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام: إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم». قال زرارة: قلت له: هذا ما لا يكون، اتّقاك، عدوّ اللّه أقتدي به؟! قال حمران: كيف اتّقاني، وأنا لم أسأله، هو الذي ابتدأني وقال: في كتاب عليّ عليه السلام:

«إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم»، كيف يكون في هذا منه تقيّة؟ قال:

قلت: قد اتّقاك وهذا ما لا يجوز. حتّي قضي أنّا اجتمعنا عند أبي عبداللّه عليه السلام، فقال له حمران: أصلحك اللّه، حدّثت زرارة هذا الحديث الذي حدّثتني به، «أنّ في كتاب عليّ عليه السلام: إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم» فقال: هذا لا يكون، عدوّ اللّه فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به، ولا نصلّي معه. فقال أبو عبداللّه عليه السلام:

«في كتاب عليّ عليه السلام: إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم، ولا تقومنّ من مقعدك حتّي تصلّي ركعتين أُخريين». قلت: فأكون قد صلّيت أربعاً لنفسي لم أقتد به؟ فقال: «نعم»، قال: فسكتُّ وسكت صاحبي ورضينا(2).

********

(1) . تهذيب الأحكام ج 3 ص 27.

(2) . نفس المصدر، ج 3 ص 28.

ص: 175

هذا نموذج واضح ودليل بيّن علي ما ذكرنا من مقام الفقاهة لأصحاب الإجماع، فإنّهم رواة وفقهاء أيضاً، ومثل هذه الرواية كثير، فإنّ عمر بن أُذينة يعرض روايات الإرث علي زرارة ويسأله، وفي رواية أُخري: هل للنساء عفو أو قود؟ قال عليه السلام: «ليس للنساء عفو ولا قود، إنّما ذلك للعصبة». قال عليّ بن الحسن بن فضّال: هذا خلاف ما أجمع عليه أصحابنا، فكما تري ممّا قدّمنا أنّ لأصحاب الإجماع مقام الفقاهة والإفتاء، فضلاً عن أنّهم رواة، بل إنّ بعضهم - كابن أبي عمير - عالمٌ بأنساب العرب، وأدبها.

أصحاب الإجماع

قد أشار المحدّث النوري وقال: إنّه من مهمّات هذا الفنّ، إذ علي بعض التقارير تدخل آلاف من الأحاديث الخارجة عن حريم الصحّة إلي حدودها، أو يجري عليها حكمها(1).

والأصل في ذلك ما نقله الكشّيّ في رجاله في مواضع ثلاثة، وهي:

1 - تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام: اجتمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، وأصحاب أبي عبداللّه عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف ابن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي، قالوا: أفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي، «أبو

********

(1) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 8.

ص: 176

بصير المرادي، وهو ليث بن البختري(1).

2 - تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستّة الذين عدّدناهم وسمّيناهم، وهم ستّة نفرٍ: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسي، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - وهو ثعلبة بن ميمون(2) - أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام(3).

3 - تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، وأبي الحسن عليهما السلام: أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخرين، دون الستّة الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، فهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن مغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان: الحسن بن محبوب، الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب(4).

وقال بعضهم مكان: فضالة بن أيّوب، عثمان بن عيسي، وأفقه هؤلاء يونس ابن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي(5).

********

(1) . رجال الكشّيّ ص 431/238.

(2) . قال النجاشي (برقم 302): كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، نحويّاً، لغويّاً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد.

(3) . رجال الكشّيّ، الرقم 705، والمراد من الأحداث: الشبّان.

(4) . الظاهر أنّ الواو بمعني أو أي أحد هذين ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد.

(5) . رجال الكشّي، الرقم 1050.

ص: 177

وذكر النوري في حجّيّة هذا الإجماع: والتحقيق أن يقال: بناء علي كون الحجّة من الخبر هو ما وثق بصدوره، وحصل الاطمئنان بوروده، كما هو الحقّ، وعليه معظم أهل عصرنا، فلا شكّ في الوثوق بالخبر إذا كان في السند أحد من الجماعة، وصحّ الطريق إليه، مع قطع النظر عن معارض منه، أو من غيره، سواء كان مدلول العبارة وثاقته، أو مع من بعده، أوْ لا، خصوصاً إذا انضمّ إلي التصحيح التصديق والإقرار - ومن أنكر الوثوق أو تأمّل فيه فقد كابر وجدانه - ومعه يدخل الخبر في صنف الحجّة منه، وتشمله أدلّته، إذ لا فرق بين أسباب الوثوق إذا تعلّقت بالسند والصدور لا بالحكم والمضمون، وهذا واضح بحمد اللّه تعالي(1).

وسنتناول هنا ما ورد من الأحاديث في توثيق أصحاب الإجماع، فكما هو معروف أن توثيق الإمام عليه السلام - معتبر كما قال المحدّث القمي في السفينة - من كونه: إمام التوثيق، لذا فإنّا لمّا رأينا أنّ الأئمّة عليهم السلام وثّقوا البعض واعتمدوا عليهم، فهم معتمدون عند الأئمّة عليهم السلام، وصاروا أصحاب سرّهم، ومستودع فقههم وحديثهم، اكتفينا بذلك عن التوثيقات الاُخري كنصوص الرجاليّين، لأنّ النصّ الرجالي لا يُرجع إليه بعد ورود التوثيق عن الإمام عليه السلام وهذا ما ميّزهم عن سائر الرواة.

وإنّ أهمّ ما امتاز به أصحاب الإجماع وصار سبباً لتعريف الأئمّة عليهم السلام لهم عند أصحابهم، واشتهروا به عند الإماميّة هو:

1. المستوي الفقهي والفقاهتي، فبما أنّهم كانوا فقهاء، فالعبور من مرحلة

********

(1) . خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 22.

ص: 178

نقل الرواية عن المعصومين عليهم السلام إلي مرحلة المحدّث، بل إلي مرحلة الفقيه - والفقيه عندهم من كان يعرف أحكام مذهب الإماميّة، والذي يقول الإمام عليه السلام لأحدهم: «أُحبّ أن تجلس في مسجد المدينة وتفتي الناس»، فهم إذاً أهل إفتاء، والفقيه بهذه المنزلة يقدّم عندهم علي الرواة المحدّثين.

2. معرفتهم بأحاديث أهل البيت عليهم السلام، وكيفيّة صدورها؛ بتقيّة أو بغير تقيّة.

فإذا قال الراوي من أصحاب الإجماع: إنّ الحديث صدر تقيّة فقوله مقبول عند الإماميّة.

وما يدل علي ذلك ما رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام كتاب الإرث وكتاب القصاص عن أبي عبداللّه عليه السلام: هل للنساء عفو أو قود؟ قال عليه السلام: «ليس للنساء قود أو عفو»، قال عليه السلام: «لا، إنّما ذلك للعصبة».

ثمّ إنّ الشيخ ذكر في ذيل الحديث في كتاب القصاص: قال محمّد بن الحسن ابن فضّال: هذا خلاف إجماع الإماميّة، يعني أنّ الحديث شاذّ لا يعمل به، وصدر عن الإمام عليه السلام تقيّة، نعم، من لا يعبأ بالشواذّ، ولا يهتمّ بإعراض الفقهاء عنها، عمل بهذا الحديث، فهذا هو آية اللّه الخوئي في مباني تكملة المنهاج يقول: بعدم حقّ النساء في العفو عن القصاص، أو القود.

وشاهد حكم ذلك: مسألة 133: يتولّي القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج، ومن يتقرّب بالاُم، وأمّا النساء فليس لهنّ عفو ولا قود، وقال في شرحه: اختاره جماعة منهم المحقق في الشرائع، وادّعي الحلّي في السرائر عدم الخلاف، وتدلّ علي ذلك معتبرة أبي العبّاس فضل البقباق، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت: هل للنساء قود أو عفو؟ قال: «لا. وذلك للعصبة»، ويؤكّد

ص: 179

ذلك ما دلّ من الروايات علي أنّ المتقرّب بالاُمّ لا يرث من الدية، فإنّها تدلّ بالأولويّة علي عدم استحقاقه القصاص، وأمّا مسألة النساء قلناه خلافاً للمشهور، ووفاقاً للشيخ في المبسوط علي ما في المسالك، وتدلّ علي ذلك معتبرة أبي العبّاس المتقدّمة، ولكن الشهيد الثاني رماها في المسالك بالضعف سنداً، ولا نعرف له وجهاً إلّامن ناحية أنّ الشيخ رحمه الله رواها بطريقه إلي عليّ بن الحسن بن فضّال، وفي الطريق عليّ بن محمّد بن الزبير، وهو لم يُذكر بمدح ولا توثيق، ولكنّه يندفع بأنّ المخبر بكتب عليّ بن الحسن بن فضّال بالنسبة إلي الشيخ والنجاشي واحد، وهو أحمد بن عبدون، فالكتب التي كانت عند الشيخ؛ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي وبما أنّ للنجاشي إلي تلك الكتب طريقاً آخر معتبراً فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة، (بقي هنا شيء)، وهو أنّ الشيخ بعد ما روي هذه الرواية، قال: قال عليّ بن الحسن بن فضّال:

هذا خلاف ما عليه أصحابنا، ولعلّه لأجل ذلك حملها صاحب الوسائل علي التقيّة(1).

فهذا الحديث صدر تقيّة، والعارف بها عليّ بن الحسن بن فضّال، وهو أحد أصحاب الإجماع، ونظيره في كتاب التهذيب في مبحث صلاة الجماعة، الحسين بن سعيد عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة، عن حمران قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: «إنّ في كتاب علي عليه السلام: إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم». قال زرارة: قلت له: هذا ما لا يكون، اتّقاك، عدوّ اللّه أقتدي به؟! قال،

********

(1) . مباني تكملة المنهاج ج 2 ص 128، وراجع أيضاً: شرائع الإسلام ج 4 ص 1001، وسائل الشيعة ج 26 ص 87 وج 29 ص 78، كشف اللثام ج 2 ص 465، مفتاح الكرامة ج 10 ص 86، المبسوط ج 7 ص 54، فقه الثقلين ص 480.

ص: 180

قال حمران كيف اتّقاني وأنا لم أسأله، هو الذي ابتدأني، وقال: «في كتاب عليّ عليه السلام إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم» كيف يكون في هذا منه تقيّة؟! قال: قلت: قد اتّقاك وهذا ما لا يجوز حتّي قضي أنّا اجتمعنا عند ابي عبداللّه عليه السلام فقال له حمران: أصلحك اللّه، حدّثت هذا الحديث الذي حدّثني به أنّ في كتاب عليّ عليه السلام: «إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم»، فقال زرارة: هذا لا يكون، عدوّ اللّه فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به، ولا نصلّي معه، فقال أبو عبداللّه: «في كتاب عليّ عليه السلام إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم» ولا تقوم من مقعدك حتّي تصلّي ركعتين أُخريين، قلت: فأكون قد صلّيت أربعاً لنفسي لم أقتد به؟ فقال: «نعم» قال فسكت، وسكت صاحبي ورضينا(1).

3. إنّ أصحاب الإجماع كانوا بطانة الأئمّة عليهم السلام، وبطانة الأئمّة هم أصحابهم وتلاميذ أصحابهم الملازمون لهم، وهم كانوا واقفين علي فتاواهم، ويظهر من أخبار كثيرة في أبواب مختلفة اعتماد الشيعة علي أصحاب الأئمّة عليهم السلام وبطانتهم وأخذ الأحكام منهم، وإمضاء الأئمّة عليهم السلام ذلك.

والذي يجعل الرواية ممّا لا ريب فيها، ويوجب العمل والاعتماد عليها ليس محض نقلها، بل العمل بها، والاعتماد عليها من ناحية المتعبّدين بالنصوص، أي بطانة الأئمّة عليهم السلام وأصحابهم الواقفين علي فتاواهم. وقد تعرّض لهذا الموضوع آية اللّه البروجردي رحمه الله(2).

فإنّ الشيعة تركوا قول الإمام عليه السلام وأخذوا بقول أصحابه لمعرفتهم مظانّ

********

(1) . تهذيب الأحكام ج 3 ص 27.

(2) . دراسات في المكاسب ج 1 ص 98.

ص: 181

صدور الرواية، ففي وسائل الشيعة، عن ثقة الإسلام الكليني في الكافي، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن عبداللّه بن جبلة، عن عبداللّه بن بكير، عن حمزة بن حمران، عن عبدالحميد الطائي، عن عبداللّه بن محرز بيّاع القلانس قال: أوصي إليّ رجل وترك خمسمائة درهم أو ستمائة درهم، وترك الابنة، وقال: لي عصبة بالشام، فسألت أبا عبداللّه عليه السلام عن ذلك فقال: «أعط البنت النصف، والعصبة النصف الآخر» فلمّا قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا، فقالوا: اتّقاك فأعطيت الابنة النصف الآخر، ثمّ حججت فلقيت أبا عبداللّه عليه السلام فأخبرته بما قال أصحابنا، وأخبرته أنّي دفعت النصف الآخر إلي الابنة، فقال: «أحسنت، إنّما أفتيتك مخافة العصبة عليك»(1).

وبمعناه رواية اُخري(2).

4. إنّ أصحاب الإجماع هم معيار الأحاديث، وقوام صدقها، فلو صدّقوها كانت صحيحة، ولذا نري أنّ أصحاب الأئمّة عليهم السلام في تلقّي الروايات ومضمونها يرجعون إليهم، فهذا عمر بن اُذينة الذي يروي كثيراً من روايات الإرث ومع ذلك كلّه، فهو يرجع إلي زرارة في صدق فهمه ودركه.

وشاهد ذلك ما روي الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عبداللّه بن المغيرة، عن موسي بن بكر قال: قلت لزرارة:

إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والاُمّ يزادون وينقصون، لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيباً من الإخوة للأب والاُمّ لو كانوا

********

(1) . الكافي ج 7 ص 7/87، تهذيب الأحكام ج 9 ص 1008/278.

(2) . تهذيب الأحكام ج 9 ص 1010/279، الكافي ج 7 ص 87.

ص: 182

مكانهنّ» إلي أن قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحابنا، لا يختلفون فيه.

ورواه الكليني أيضاً(1) عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وعن محمّد بن عيسي، عن يونس جميعاً، عن عمر بن اُذينة، عن بكير بن أعين قال: جاء رجل إلي أبي جعفر عليه السلام فسأله عن امرأةٍ... إلي أن قال: قال عمر ابن اُذينة وسمعته من محمّد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر بكير المعني سواء، ولست أحفظه بحروفه وتفصيله إلّامعناه، فذكرته لزرارة فقال: «صدقا، هو واللّه الحقّ»(2).

وروي الكليني أيضاً عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن عبداللّه بن محرز قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام رجل ترك ابنته واُخته لأبيه واُمّه... قال ابن اذينة: فذكرت ذلك لزرارة فقال: إنّ علي ما جاء به ابن محرز لنوراً(3).

وأمثال هذه الروايات توجد بكثرة، وفي الختام نقول: إنّ أصحاب الإجماع وما أدراك ما أصحاب الإجماع.

********

(1) . الكافي ج 7 ص 104، تهذيب الأحكام ج 9 ص 1148/319، وسائل الشيعة ج 26 ص 152.

(2) . الكافي ج 7 ص 102، تهذيب الأحكام ج 9 ص 1046/291، وسائل الشيعة ج 26 ص 156.

(3) . الكافي ج 7 ص 100، وسائل الشيعة ج 26 ص 157.

ص: 183

ص: 184

نصوص رجاليّة حول قاعدة الإجماع

مقدّمة البحث

اشارة

قبل تناول نصوص الرجاليّين في أصحاب الإجماع؛ سيّما النصوص الروائيّة يجب الإشارة إلي أنّ الكشّي كان كثيراً ما يتناول رواة هم من الأكابر، - كأصحاب الإجماع - من أمثال زرارة، ثمّ ينقل عنهم روايات في مدحهم وروايات في ذمّهم، فهو أوّلاً في ذلك ناقل وراوٍ لطائفتين من الروايات، وكذا يرشدنا إلي وجود هذين الطائفتين من الروايات، وبهذا فعلي القارئ البصير أن ينظر فيهما، ويعالج التعارض الواقع بينهما.

فالكشّي في مبحث توثيق الرواة كالشيخ الطوسي في التهذيب و الاستبصار لا كما عليه الكليني الرازي في كتابه الكافي، أمّا الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه فإنّه يذكر الروايات المتعارضة، ويقوم بمعالجة حديث الاستبصار، فهذا هو دأب البغداديّين خلافاً للقميّين، فإنّهم لم يتعرّضوا للروايات المتعارضة، كما أنّهم لم يتعرّضوا لنقد الروايات سنداً ومتناً، خلافاً للبغداديّين: كالمفيد، والطوسي، والسيّد المرتضي.

وثانياً: إنّ الكشّي لم يجتهد في الروايات من حيث التقييم والترجيح، فهو ناقل للذامّة أو المادحة لا أكثر من ذلك، وليس مجتهداً، فالكشّي في القدماء

ص: 185

كتقيّ الدين بن داود الحلّي في رجاله، فهو يذكر كلّ الرواة الذين وردت فيهم الروايات المادحة والذامّة في بابين، فيذكر المفضّل بن عمر في باب: من اعتمد عليه، وهو الباب الأوّل من كتابه، وباب من لا اعتمد عليه، وهو الباب الثاني.

ونحن الآن نبحث عن الروايات ثمّ نذكر ما ورد منها في الراوي إن شاء اللّه.

1. أبو بصير الليث بن البختري

أبو بصير عند علماء الرجال
الروايات المادحة

1-1: عن الكشّيّ في أبي بصير الليث بن البختري المرادي:

285 - روي عن ابن أبي يعفور قال: خرجت إلي السواد نطلب دراهم لنحجّ ونحن جماعة، وفينا أبو بصير المرادي، قال: قلت له: يا أبا بصير، اتّقِ اللّه وحجّ بمالك، فإنّك ذو مال كثير. فقال: اسكت، فلو أنّ الدنيا وقعت لصاحبك، لاشتمل عليها بكسائه.

286 - حدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن محمّد ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: بشّر المخبتين بالجنّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير الليث بن البختري المرادي، ومحمّد بن مسلم، وزرارة؛ أربعة نجباء أُمناء اللّه علي حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست. هذه الرواية صحيحة سنداً(1).

287 - حدّثني محمّد بن قولويه، قال: حدّثني سعد بن عبداللّه القمّي، عن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 142.

ص: 186

محمّد بن عبداللّه المسمعي، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن سنان، عن داود ابن سرحان قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «إنّي لأُحدّث الرجل بالحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين اللّه، وأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأوّل حديثي علي غير تأويله، إنّي أمرتُ قوماً أن يتكلّموا ونهيت قوماً، فكلٌّ تأوّل لنفسه يريد المعصية للّه ولرسوله، فلو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه، إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً، أعني: زرارة ومحمّد بن مسلم، ومنهم الليث المرادي، وبريد العجلي، هؤلاء القوّامون بالقسط، وهؤلاء السابقون السابقون أُولئك المقرّبون».

وقال المحقّق الخوئي: هذه الرواية ضعيفة سنداً، من جهة محمّد بن عبداللّه المسمعي، ومحمّد بن سنان(1).

288 - حدّثني حمدويه قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، عن يونس ابن عبدالرحمن، عن أبي الحسن المكفوف، عن رجل، عن بكير قال: لقيت أبا بصير المرادي قلت: أين تريد؟ قال: أُريد مولاك، قلت: أنا أتّبعك، فمضي معي، فدخلنا عليه، وأحدّ النظر إليه وقال: «هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جُنُب؟!» قال: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضبك، فقال: أستغفر اللّه ولا أعود.

وروي ذلك أبو عبداللّه البرقي عن بكير. «مرسل»(2).

289 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني أحمد بن منصور، عن أحمد بن الفضل وعبداللّه بن محمّد الأسدي، عن ابن أبي عمير، عن شعيب العقرقوفي،

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 142.

(2) . نفس المصدر، ج 14 ص 147.

ص: 187

عن أبي بصير قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام، فقال لي: «حضرت علباء عند موته؟» قال: قلت: نعم، وأخبرني أنّك ضمنت له الجنّة، وسألني أن أُذكّرك ذلك. قال: «صدق». قال: فبكيت ثمّ قلت: فداك، فمالي، ألست كبير السنّ الضعيف، الضرير، البصير، المنقطع إليكم؟ فاضمنها لي. قال: «قد فعلت».

قال: قلت: اضمنها لي علي آبائك وسمّيتهم واحداً واحداً. قال: «فعلت»، قلت:

فاضمنها لي علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله. قال: «فعلت». قلت: فاضمنها لي علي اللّه تعالي. قال: فأطرق ثمّ قال: «قد فعلت». وصرّح حولها المحقّق الخوئي بالقول:

والرواية ضعيفة بأحمد بن منصور، وأحمد بن الفضل، مع أنّ أبا بصير مطلق، ولم يعلم أن المراد هو ليث المرادي(1).

الروايات الذامّة

292 - حمدان قال: حدّثنا معاوية، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة تزوّجت ولها زوج فظهر عليها، قال: «ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط، لأنّه لم يسأل». قال شعيب: فدخلت علي أبي الحسن عليه السلام فقلت له: امرأة تزوّجت ولها زوج؟ قال: «ترجم المرأة، ولا شيء علي الرجل». فلقيت أبا بصير فقلت له: إنّي سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة التي تزوّجت ولها زوج قال: «ترجم المرأة ولا شيء علي الرجل». قال:

فمسح علي صدره وقال: ما أظنّ صاحبنا تناهي حكمه بعد! إنّ الرواية مرسلة، فإنّ الكشي لا يمكن أن يروي عن حمدان(2).

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 143.

(2) . نفس المصدر، ج 14 ص 148.

ص: 188

293 - عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسن، عن صفوان، عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوّج امرأة ولها زوج، ولم يعلم، قال: «ترجم المرأة، وليس علي الرجل شيء إذا لم يعلم»، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي، قال: قال لي واللّه جعفر:

«ترجم المرأة، ويجلد الرجل الحدّ»، وقال بيده علي صدره يحكّها: أظنّ صاحبنا ما تكامل علمه. الرواية ضعيفة، فإنّ عليّ بن محمّد لم يوثّق، ومحمّد ابن أحمد مجهول، ومحمّد بن الحسن الذي يروي عن صفوان لم يوثّق(1).

294 - عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن الوليد، عن حمّاد بن عثمان قال: خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلي الحيرة، أو إلي بعض المواضع فتذاكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي: أما إنّ صاحبكم لو ظهر بها لاستأثر بها، قال: فأغفي، فجاء كلب يريد أن يشغر عليه، فذهبتُ لأطرده، فقال لي ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتّي شغر في أُذنه. هذه الرواية أيضاً ضعيفة(2).

295 - حمدويه وإبراهيم قالا: حدّثنا العبيدي، عن حمّاد بن عيسي، عن الحسين بن مختار، عن أبي بصير قال: كنت أُقرئ امرأة كنت أُعلّمها القرآن، قال: فمازحتها بشيء، قال: فقدمت علي أبي جعفر عليه السلام، قال: فقال لي: «يا أبا بصير! أيّ شيء قلت للمرأة؟» قال: قلت بيدي هكذا وغطّي وجهه، قال:

فقال لي: «لا تعودنّ إليها».

لا دلالة في الرواية علي الذمّ، إذ لم يعلم مزاحه كان علي وجه محرّم، فمن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 149.

(2) . نفس المصدر، ج 1 ص 148.

ص: 189

المحتمل أنّ الإمام عليه السلام نهاه عن ذلك حماية للحمي، لئلّا ينتهي الأمر إلي المحرّم(1).

297 - محمّد بن مسعود قال: حدّثني جبرائيل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد ابن عيسي، عن يونس، عن حمّاد الناب قال: جلس أبو بصير علي باب أبي عبداللّه عليه السلام ليطلب الإذن، فلم يؤذن له، فقال: لو كان معنا طبق لأذن، قال:

فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير، قال: أُفّ أُفّ، ما هذا؟ قال جليسه: هذا كلب شغر في وجهك.

جبرائيل بن أحمد لم يوثق، علي أنّ الظاهر المراد بأبي بصير فيها يحيي بن القاسم، فإنّه كان ضريراً، وأمّا المرادي فلم نجد ما يدلّ علي كونه ضريراً، ومجرّد التكنية بأبي بصير لا يدلّ عليه كما هو ظاهر(2).

298 - محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن محمّد القمّي، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن عليّ بن الحكم، عن مثنّي الخيّاط، عن أبي بصير، قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام قلت: تقدرون أن تحيوا الموتي وتبرئوا الأكمه والأبرص؟ فقال لي: «بإذن اللّه»، ثمّ قال: «ادن منّي» ومسح علي وجهي وعلي عيني، فأبصرت السماء والأرض والبيوت، فقال لي: «أتحبّ أن تكون كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أم تعود كما كنت ولك الجنّة الخالص؟» قلت: أعوذ كما كنت، فمسح علي عيني فعُدْتُ.

هذه الرواية ضعيفة، فإنّ علي بن محمّد (بن فيرزان) لم يوثّق، ومحمّد بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 148.

(2) . نفس المصدر، ج 14 ص 149.

ص: 190

أحمد مجهول، فإنّه محمّد، ابنُ أحمد، ابنُ الوليد علي ما يظهر، ممّا رواه قبل ذلك بثلاث روايات، وهو لم يذكر في كتب الرجال(1).

2-1: قال النجاشي:

ليث بن البختري المرادي أبو محمّد، وقيل: أبو بصير الأصغر، روي عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعة، منهم: أبو جميلة المفضّل بن صالح، أخبرنا أبو عبداللّه محمّد بن عليّ القزويني، قال: حدّثنا عليّ بن حاتم بن أبي حاتم، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن جعفر، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا ابن فضّال، عن أبي جميلة، عنه به(2).

3-1: قال الطوسي في الفهرست:

ليث المرادي، يكنّي أبا بصير، روي عن أبي عبداللّه الصادق والكاظم عليهما السلام، وله كتاب(3).

4-1: وعنه في رجاله: ليث بن البختري

- أصحاب الباقر عليه السلام باب اللّام ص 134: - ليث بن البختري المرادي، يكنّي أبا بصير، كوفيّ.

- أصحاب الصادق عليه السلام باب اللّام ص 278: الليث بن البختري المرادي - أبو يحيي، ويكنّي أبا بصير، أسند عنه.

أصحاب الكاظم عليه السلام باب اللّام ص 358: ليث المرادي، يكنّي أبا بصير.

وعن المجلسي في الوجيزة: أبو بصير يطلق غالباً علي يحيي بن أبي القاسم

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 145.

(2) . رجال النجاشي ص 876/321.

(3) . الفهرست ص 262.

ص: 191

أو الليث بن البختري(1).

ومولانا عناية اللّه لم يذكر في الكني إلّاثلاثة وقال: قد يكون المطلق مشتركاً بينهم إذا روي عن الباقرين أو أحدهما عليهما السلام، وأمّا إذا روي عن الكاظم عليه السلام فإنّه مخصوص بيحيي بن أبي القاسم(2).

فتلخّص ممّا ذكرنا:

1. أنّ الليث البختري لم يوثّق في رجال النجاشي، والشيخ قطّ.

2. أنّ الليث البختري وثّق في الحديث مرادفاً لزرارة، وهو أكبر توثيق له، ومعه يكون العجب من الشيخين كيف لم يوثّقاه - في علم الرجال -.

3. كنيته: أبو بصير، وهو يتعيّن بالقرينة، والطبقة، والإمام وغيرها.

4. أنّ كثيراً من العلماء كتبوا في أبي بصير وطرق معرفته، وتوثيقه رسالات؛ ومنها الرسالة المفصّلة للخوانساري المطبوعة في مجموعة الحديث لدار الحديث، ومنها رسالة العلّامة التستري في خاتمة قاموس الرجال.

5. صرّح آية اللّه الخوئي: أنّ الروايات الذامّة، لم يتمّ سندها، فلا يعتدّ بها.

6. أنّ روايتي شعيب العقرقوفي اللتين رواهما الطوسي في التهذيب:

(أظنّ صاحبنا ما تكامل علمه)

فعن السيّد الخوئي: فغاية الأمر، أنّهما تدلّان علي أنّه كان قاصراً في معرفته بعلم الإمام عليه السلام في ذلك الزمان، لشبهة حصلت له، وهي تخيّله أنّ حكمه عليه السلام كان مخالفاً لما وصل إليه من آبائه عليهم السلام، وهذا مع أنّه لا دليل علي بقائه واستمراره

********

(1) . منتهي المقال ج 7 ص 120.

(2) . مجمع الرجال ج 7 ص 11، وفيه بدل الباقرين: الصادقين.

ص: 192

لا يضرّ بوثاقته، إضافة إلي أنّ الظاهر أنّ المراد بأبي بصير في الرواية يحيي بن القاسم دون ليث المرادي، فإنّك ستعرف أنّه لم يثبت كون ليث من أصحاب الكاظم عليه السلام(1).

7. وعنه أيضاً: بقي هنا شيء وهو أنّ ظاهر النجاشي أنّ ليث بن البختري لم يرو عن الكاظم عليه السلام، كما إنّ ذكره الكشّي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام يقتضي ذلك، لكنّك عرفت من الشيخ عدّه في أصحاب الكاظم عليه السلام أيضاً، والظاهر أنّ ما ذكره النجاشي هو الصحيح، فإنّا لم نجد له الرواية عن الكاظم عليه السلام.

وعليه فكلّ رواية رواها أبو بصير عن الكاظم، فهي عن يحيي بن القاسم(2).

8. أبو بصير كنية ليحيي بن القاسم، وليث بن البختري، وعبداللّه بن محمّد الأسدي، ويوسف بن الحارث(3).

9. ادّعي العلّامة محمّد تقي التستري أنّ عبداللّه بن محمّد الأسدي لم يوجد، وأنّه محرّف علباء الأسدي، وعدم وجود الأخير بوصف الكنية، فعليه يحصر العنوان في الوسطين، وانصرافه إلي الثاني(4).

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 150.

(2) . نفس المصدر، ج 14 ص 150.

(3) . نقد الرجال ج 5 ص 125، قاموس الرجال ج 11 ص 225.

(4) . قاموس الرجال ج 11 ص 226.

ص: 193

2. بريد بن معاوية

اشارة

عن الكشّيّ في بريد بن معاوية(1):

الروايات المادحة

432 - حدّثنا الحسين بن الحسن بن بندار القمّي قال: حدّثني سعد بن عبداللّه بن أبي خلف القمّي، قال: حدّثني محمّد بن عبداللّه المسمعي، قال:

حدّثني عليّ بن حديد وعليّ بن أسباط، عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: محمّد بن مسلم، وبريد ابن معاوية، وليث بن البختري المرادي، وزرارة بن أعين».

433 - وبهذا الإسناد عن محمّد بن عبداللّه المسمعي، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن سنان، عن داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول:

«إنّي لأُحدّث الرجل بحديث، وأنهاه عن الجدال والمراء في دين اللّه، وأنهاه عن القياس، فيخرج من عندي فيتأوّل حديثي علي غير تأويله، إنّي أمرتُ قوماً أن يتكلّموا، ونهيت قوماً، فكلٌّ يتأوّل لنفسه يريد المعصية للّه ولرسوله، ولو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي عليه السلام أصحابه، إنّ أصحاب أبي عليه السلام كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً، أعني: زرارة، ومحمّد بن مسلم، ومنهم: ليث المرادي، وبريد العجلي، هؤلاء القوّامون بالقسط، هؤلاء القوّامون بالصدق، هؤلاء السابقون، أُولئك المقرّبون».

434 - حمدويه قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن أبي محمّد القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس البقباق، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «زرارة بن أعين،

********

(1) . رجال الكشّي ص 238-240.

ص: 194

ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، والأحول أحبّ الناس إليّ، أحياءً وأمواتاً، ولكنّ الناس يكثرون عليّ فيهم، فلا أجد بدّاً من متابعتهم». قال: فلمّا كان من قابل قال: «أنت الذي تروي علَيّ ما تروي في زرارة، وبريد، ومحمّد بن مسلم، والأحول؟ قال: قلت: نعم، فكذبت عليك؟ قال: «إنّما ذلك، إذا كانوا صالحين». قلت: هم صالحون.

438: عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي العبّاس البقباق، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «أربعة أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً: بريد العجلي، وزرارة، ومحمّد بن مسلم، والأحول».

الروايات الذامّة

435 - حدّثني محمّد بن مسعود، عن جبريل بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن أبي الصباح قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «يا أبا الصباح، هلك المترئسون(1) في أديانهم، منهم: زرارة، وبريد، ومحمّد بن مسلم، وإسماعيل الجعفي»، وذكر آخر لم أحفظه.

436: بهذا الإسناد: عن يونس، عن مسمع كردين أبي سيّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لعن اللّه بريداً، ولعن زرارة».

437: جبريل بن أحمد قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، عن يونس ابن عبدالرحمن، عن عمر بن أبان، عن عبدالرحيم القصير قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «ائت زرارة وبريداً وقل لهما: ما هذه البدعة، أما علمتم أنّ

********

(1) . المترئّسون ويخفف المتريّسون كما في معجم رجال الحديث.

ص: 195

رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم قال: كلّ بدعة ضلالة؟» فقلت له: إنّي أخاف منهما فأرسل معي ليثاً المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبداللّه عليه السلام، فقال: واللّه لقد أعطاني الاستطاعة وما شعروا بما يريد، فقال: واللّه لا أرجع عنها أبداً.

ولكن اُجيب عن هذه الروايات الذامّة بأنّها غير جديرة لمعارضة ما تقدّم، أمّا أوّلاً:

فلأنّ في سند هذه الروايات جبرئيل بن أحمد، وهو وإن كان كثير الرواية إلّا أنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح، وفي سند الحديث الثالث عبدالرحيم القصير وهو أيضاً مجهول مهمل لم يوثّق.

وثانياً: إنّ الروايات المادحة المشهورة معروفة لا ريب في أنّها صدرت من المعصوم عليه السلام ولا أقلّ من الاطمئنان بذلك، فلا يعتني بمعارضة الشاذّ النادر.

وهناك قاعدة كليّة في الروايات المتعارضة في أصحاب الأئمّة عليهم السلام، سيأتي إن شاء اللّه التعرّض لها في ذيل مبحث: زرارة، وستجد فوائد جمّة في بحثها.

وعن النجاشي في بريد بن معاوية العجلي:

أبوالقاسم العجلي، عربيّ، روي عن أبي عبداللّه وأبي جعفر عليهما السلام، ومات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام، وجه من وجوه أصحابنا، وفقيه أيضاً، له محلّ عند الأئمّة عليهم السلام، قال أحمد بن الحسين: إنّه رأي له كتاباً يرويه عنه عليّ بن عقبة بن خالد الأسدي، ورأيت بخطّ أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح. أخبرنا أحمد ابن إبراهيم الأنصاري - يعني ابن أبي رافع - قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: قال لنا عليّ بن الحسن بن فضّال: مات بريد بن معاوية سنة مائة

ص: 196

وخمسين(1).

وعن الشيخ الطوسي:

22. بريد بن معاوية العجلي يكنّي أبا القاسم(2).

59. بريد بن معاوية أبوالقاسم العجلي الكوفي(3).

وعن العلّامة الحلّي في الخلاصة: روي أنّه من حواريّ الباقر والصادق عليهما السلام، وروي عنهما، ومات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام وهو وجه(4) من وجوه أصحابنا، ثقة، فقيه، له محلّ عند الأئمّة عليهم السلام(5).

وفيه بعض الذمّ أيضاً(6) ولا يخلو سنده من شيء، ويمكن أن يكون الوجه الشفقة عليهم، والترغيب لهم في الاحتياط في الفتوي، والإخفاء عن أهل الخلاف والترهيب عن خلاف ذلك(7).

حدّثني حمدويه بن نصير قال(8):... سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «بشّر المخبتين(9) بالجنّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير الليث المرادي، ومحمّد

********

(1) . رجال النجاشي ص 112.

(2) . رجال الشيخ الطوسي ص 109، أصحاب الباقر عليه السلام.

(3) . نفس المصدر، ص 158، أصحاب الصادق عليه السلام.

(4) . منجد الطلّاب: وجه: رئيس القوم.

(5) . منتهي المقال ج 2 ص 133.

(6) . رجال الكشّيّ ص 435/239، وفيه: عن أبي عبداللّه عليه السلام: هلك المترئّسون في أديانهم، منهم: زرارة، وبريد، ومحمّد بن مسلم، وإسماعيل الجعفي.

(7) . منتهي المقال ج 2 ص 135.

(8) . نقد الرجال ج 1 ص 268.

(9) . أقرب الموارد، ج 1: أخبت القوم إلي ربّهم: أطمأنّوا إليه ومنه، هو يصلّي بخشوع وإخبات وخضوع وإنصات.

ص: 197

ابن مسلم، وزرارة؛ أربعة نجباء أُمناء اللّه علي حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست»(1).

وما ورد فيه من الذموم محمول علي التقيّة، ودفع الضرر عنه، كما سيجيء في الحاشية عند ترجمة زرارة بن أعين(2).

... عن داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول:... «إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً؛ أحياءً وأمواتاً، أعني زرارة، ومحمّد بن مسلم، ومنهم: ليث المرادي، وبريد العجلي، هؤلاء القوّامون بالقسط، هؤلاء القوّامون بالصدق، هؤلاء السابقون، أُولئك المقرّبون»(3).

وقد ذكر الكشّيّ في ذمّ بريد بن معاوية ثلاث روايات(4).

ولكنّها غير جديرة لمعارضة ما تقدّم، أمّا أوّلاً: فلأنّ في إسناد هذه الروايات جبريل بن أحمد، وهو وإن كان كثير الرواية إلّاأنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح، وفي إسناده الأخير: عبدالرحيم القصير وهو أيضاً لم يوثّق.

وثانياً: إنّ الروايات المادحة المشهورة معروفة لا ريب في أنّها صدرت عن المعصوم عليه السلام، ولا أقلّ من الاطمئنان بذلك، فلا يعتني الشاذّ النادر.

وثالثاً: إنّه قد ورد في الكشّيّ في ترجمة زرارة (62) في صحيحة عبداللّه بن زرارة: أنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال له: «إقرأ منّي.. إنّي أنا أعيبك دفاعاً منّي عنك...».

وهذه الصحيحة صريحة الدلالة علي أنّ الصادق عليه السلام إذا صدر منه عيب أو

********

(1) . رجال الكشّي ص 286/170.

(2) . نقد الرجال ج 1 ص 268.

(3) . معجم الرجال ج 3 ص 287.

(4) . نفس المصدر، ج 3 ص 288.

ص: 198

نقص بالنسبة إلي زرارة وأترابه فهو من باب التقيّة...(1).

3. زرارة بن أعيَن

الروايات المادحة

ما جاء عن الكشّيّ:

208 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن الحسن بن فضّال، قال:

حدّثني أخواي محمّد وأحمد ابنا الحسن، عن أبيهما الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «يا زرارة، إنّ اسمك في أسامي أهل الجنّة بغير ألف». قلت: نعم جعلت فداك، اسمي: عبد ربّه ولكنّي لُقِّبت بزرارة.

209 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن محمّد القمّي، قال:

حدّثني محمّد بن أحمد، عن عبداللّه بن أحمد الرازي، عن بكر بن صالح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: أسمع واللّه بالحرف من جعفر بن محمّد عليه السلام من الفتيا فأزداد به إيماناً.

210 - حدّثني جعفر بن محمّد بن معروف، قال: حدّثني محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن أبان بن تغلب، عن أبي بصير قال:

قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ أباك حدّثني أنّ الزبير، والمقداد، وسلمان الفارسي، حلّقوا رؤوسهم ليقاتلوا أبابكر، فقال لي: «لولا زرارة لظننت أنّ أحاديث أبي عليه السلام ستذهب».

********

(1) . معجم الرجال ج 3 ص 289.

ص: 199

211 - حدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب السرّاد، عن العلاء بن رزين، عن يونس بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ زرارة قد روي عن أبي جعفر عليه السلام أنّه لا يرث مع الأُمّ والأب والابن البنت أحد من الناس شيئاً إلّازوج أو زوجة. فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «أمّا ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام فلا يجوز لي ردّه، وأمّا في الكتاب في سورة النساء(1) فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (يُوصِيكُمُ اَللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا اَلنِّصْفُ وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ اَلثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ) يعني إخوة الأب، وأُمّ وإخوة الأب، والكتاب - يا يونس - قد ورّث هاهنا مع الأبناء، فلا تورث البنات إلّاالثلثين».

212 - محمّد بن مسعود، عن الخزاعي، عن محمّد بن زياد أبي عمير، عن عليّ بن عطيّة، عن زرارة قال: واللّه لو حدّثت بكلّ ما سمعته من أبي عبداللّه عليه السلام لانتفخت(2) ذكور الرجال علي الخشب.

213 - حدّثني إبراهيم بن محمّد بن العبّاس الختلي، قال: حدّثني أحمد بن إدريس القمّي، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيي، عن محمّد بن أبي الصهبان أو غيره، عن سليمان بن داود المنقري، عن ابن أبي عمير قال: قلت لجميل بن درّاج: ما أحسن محضرك، وأزين مجلسك! فقال: إي واللّه، ما كنّا

********

(1) . الآية 11.

(2) . أي علت وارتفعت.

ص: 200

حول زرارة بن أعين إلّابمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلّم.

215 - حدّثني حمدويه بن نصير، عن يعقوب بن يزيد، عن القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس الفضل بن عبدالملك قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول:

«أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً أربعة: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة، ومحمّد ابن مسلم، والأحول، وهم أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً».

216 - محمّد بن قولويه، قال: حدّثني سعد بن عبداللّه قال: حدّثني محمّد ابن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال:

سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يوماً، ودخل عليه الفيض بن المختار فذكر له آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ تأوّلها أبو عبداللّه عليه السلام، فقال له الفيض: جعلني اللّه فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ قال: «وأيّ الاختلاف يا فيض؟» فقال له الفيض: إنّي لأجلس في حِلَقِهم بالكوفة، فأكاد أشكّ في اختلافهم في حديثهم حتّي أرجع إلي المفضّل بن عمر فيوقفني من ذلك علي ما تستريح إليه نفسي ويطمئنّ إليه قلبي. فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «أجل، هو كما ذكرت يا فيض، إنّ الناس أولعوا بالكذب علينا، إنّ اللّه افترض عليهم لا يريد منهم غِرّة(1) وإنّي أُحدّث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتّي يتأوّله علي غير تأويله وذلك أنّهم لا يطلبون بحديثنا وبحبّنا ما عند اللّه، وإنّما يطلبون الدنيا وكلّ يحبّ أن يُدعي رأساً، إنّه ليس من عبد يرفع نفسه إلّاوضعه اللّه، وما من عبد وضع نفسه إلّارفعه اللّه وشرّفه، فإذا أردت بحديثنا فعليك بهذا الجالس» - وأومأ إلي

********

(1) . بالكسر فالتشديد: الغفلة، وفي تنقيح المقال للمامقاني: كان اللّه افترض عليهم ما يريد منهم غيره.

ص: 201

رجل من أصحابه - فسألت أصحابنا عنه فقالوا: زرارة بن أعين.

217 - حدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثني يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبدالحميد وغيره قالوا: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «رحم اللّه زرارة بن أعين، لولا زرارة بن أعين ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه السلام».

218 - حدّثني الحسين بن بندار القمّي، قال: حدّثني سعد بن عبداللّه بن أبي خلف القمّي، قال: حدّثنا عليّ بن سليمان بن داود الرازي، قال: حدّثني محمّد ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «زرارة، وأبو بصير، ومحمّد بن مسلم، وبريد من الذين قال اللّه تعالي: (وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ * أُولئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ) (1)».

219 - حدّثني حمدويه قال: حدّثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «ما من أحد(2) أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلّازرارة، وأبو بصير؛ ليث المرادي، ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفّاظ الدين وأُمناء أبي عليه السلام علي حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة».

220 - حدّثني محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن، قالا: حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه المسمعي، قال: حدّثني عليّ بن حديد

********

(1) . الواقعة/ 10 و 11.

(2) . ما أجد أحداً - خ.

ص: 202

المدائني، عن جميل بن درّاج قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فاستقبلني رجل خارج من عند أبي عبداللّه عليه السلام، من أهل الكوفة من أصحابنا، فلمّا دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام قال لي: «لقيت الرجل الخارج من عندي؟» فقلت: بلي، هو رجل من أصحابنا من أهل الكوفة. فقال: «لا قدّس اللّه روحه، ولا قدّس مثله، إنّه ذكر أقواماً كان أبي عليه السلام ائتمنهم علي حلال اللّه وحرامه وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم هم عندي، هم مستودع سرّي(1)، أصحاب أبي عليه السلام حقّاً، إذا أراد اللّه بأهل الأرض سوءاً صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتي أحياءً وأمواتاً، يحيون(2) ذكر أبي عليه السلام، بهم يكشف اللّه كلّ بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين، وتأوّل(3) الغالين»، ثمّ بكي، فقلت: من هم؟ فقال: «من عليهم صلوات اللّه ورحمته أحياءً وأمواتاً: بريد العجلي، وزرارة، وأبو بصير، ومحمّد ابن مسلم، أما إنّه يا جميل، سيبيّن لك أمر هذا الرجل إلي قريب».

قال جميل: فواللّه ما كان إلّاقليلاً حتّي رأيت ذلك الرجل ينسب إلي آل(4)أبي الخطّاب. قلت: اللّه يعلم حيث يجعل رسالته(5)، قال جميل: وكنّا نعرف أصحاب أبي الخطّاب ببغض هؤلاء رحمة اللّه عليهم.

221 - حدّثني حمدويه بن نصير قال: حدّثنا محمّد بن عيسي بن عبيد، قال: حدّثني يونس بن عبدالرحمن، عن عبداللّه بن زرارة، ومحمّد بن قولويه

********

(1) . إنّ أصحاب السِرّ اُخذ من هذا التعبير وأمثاله، وهو أنّ بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام لهم شأن عظيم عندهم، ويجعلون أسراهم عندهم.

(2) . يحبّون - خ.

(3) . وتأويل - خ.

(4) . في سائر النسخ: إلي أصحاب - خ.

(5) . في النسخ كلّها: رسالاته.

ص: 203

والحسين بن الحسن، قالا: حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني هارون بن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن عبداللّه بن زرارة وابنيه الحسن والحسين، عن عبداللّه بن زرارة قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: «اقرأ منّي علي والدك السلام، وقل له: إنّي إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك، فإنّ الناس والعدوّ يسارعون إلي كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه، لإدخال الأذي فيمن نحبّه ونقرّبه ويرمونه لمحبّتنا له، وقربه ودنوّه منّا، ويرون إدخال الأذي عليه وقتله، ويحمدون كلّ من عبناه نحن، وأن نحمد أمره، فإنّما أعيبك لأنّك رجل اشتهرت بنا ولميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس، غير محمود الأثر لمودّتك لنا وبميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منّا دفع شرّهم عنك، يقول اللّه جلّ وعزّ: (أَمَّا اَلسَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي اَلْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (1) هذا التنزيل من عند اللّه صالحة، لا واللّه ما عابها إلّالكي تسلم من الملك ولا تعطب علي يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ، والحمد للّه.

فافهم المثل يرحمك اللّه، فإنّك - واللّه - أحبّ الناس إليّ، وأحبّ أصحاب أبي عليه السلام حيّاً وميّتاً، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، وإنّ من ورائِك ملكاً ظلوماً غصوباً يرقب عبور كلّ سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصباً، ثمّ يغصبها وأهلها، فرحمة اللّه عليك حيّاً، ورحمته ورضوانه عليك ميّتاً، ولقد أدّي إليّ ابناك الحسن والحسين رسالتك، حاطهما اللّه وكلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين، فلا يضيقنّ صدرك من الذي أمرك

********

(1) . الكهف/ 79.

ص: 204

أبي عليه السلام وأمرتك به، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا واللّه، ما أمرناك ولا أمرناه إلّابأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به، ولكلّ ذلك عندنا تصاريف ومعانٍ توافق الحقّ، ولو أذن لنا لعلمتم أنّ الحقّ في الذي أمرناكم به، فردّوا إلينا الأمر وسلّموا لنا، واصبروا لأحكامنا وارضوا بها، والذي فرّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه اللّه خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرّق بينها لتسلم، ثمّ يجمع بينها لتأمن من فسادها وخوف عدوّها في آثار ما يأذن اللّه ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده.

عليكم بالتسليم والردّ إلينا وانتظار أمرنا وأمركم، وفرجنا وفرجكم، ولو قد قام قائمنا وتكلّم متكلّمنا، ثمّ استأنف بكم تعليم القرآن، وشرائع الدين والأحكام والفرائض، كما أنزل اللّه علي محمّد صلي الله عليه و آله لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً، ثمّ لم تستقيموا علي دين اللّه وطريقته إلّامن تحت حدّ السيف فوق رقابكم.

إنّ الناس بعد نبيّ اللّه عليه السلام ركب اللّه بهم سنّة من كان قبلكم فغيّروا وبدّلوا وحرّفوا وزادوا في دين اللّه ونقصوا منه، فما من شيء عليه الناس اليوم إلّاوهو منحرف عمّا نزل به الوحي من عند اللّه، فأجب - رحمك اللّه - من حيث تدعي إلي حيث تدعي، حتّي يأتي من يستأنف بكم دين اللّه استئنافاً.

وعليك بالصلاة الستّة والأربعين، وعليك بالحجّ، أن تهلّ بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكّة وطُفت وسعيت فسخت ما أهللت به، وقلبت الحجّ عمرة أحللت إلي يوم التروية، ثمّ استأنف الإهلال بالحجّ مفرداً إلي مني، وتشهد المنافع بعرفات والمزدلفة، فكذلك حجّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، وهكذا أمر أصحابه

ص: 205

أن يفعلوا: أن يفسخوا ما أهلّوا، ويقلبوا الحجّ عمرة، وإنّما أقام رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم علي إحرامه ليسوق الذي ساقه معه فإنّ السائق قارن، والقارن لا يحلّ حتّي يبلغ هديه محلّه، ومحلّه المنحر بمني، فإذا بلغ أحلّ، فهذا الذي أمرناك به حجّ المتمتّع، فالزم ذلك ولا يضيقنّ صدرك.

والذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدي وخمسين، والإهلال بالتمتّع بالعمرة إلي الحجّ، وما أمرنا به من أن تهلّ بالتمتّع فلذلك عندنا معانٍ وتصارف، لذلك ما يسعنا ويسعكم، ولايخالف شيء منه الحقّ ولايضادّه، والحمد للّه ربّ العالمين.

222 - حدّثني محمّد بن قولويه قال: حدّثنا سعد بن عبداللّه القمّي، عن محمّد بن عبداللّه المسمعي وأحمد بن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن زرارة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ أبي يقرأ عليك السلام ويقول لك: جعلني اللّه فداك، إنّه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران أنّك ذكرتني وقلت فيّ. فقال: «اقرأ أباك السلام، وقل له: أنا - واللّه - أُحبّ لك الخير في الدنيا، وأُحبّ لك الخير في الآخرة، وأنا واللّه عنك راضٍ، فما تبالي ما قال الناس بعد هذا»(1).

223 - حدّثني محمّد بن قولويه قال: حدّثني سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب قال: دخل زرارة علي أبي عبداللّه عليه السلام فقال: «يا زرارة، متأهّل أنت؟» قال: لا، قال: «وما يمنعك من ذلك؟» قال: لأنّي لا أعلم تطيب مناكحة هؤلاء أم لا. قال: «فكيف تصبر وأنت

********

(1) . لعلّ هذا الحديث صدر للحديث السابق وهو سبب له وسؤال، والحديث السابق جواب.

ص: 206

شابّ؟» قال: أشتري الإماء. قال: «ومن أين طالب لك نكاح الإماء؟» قال: لأنّ الأمة إن رابني من أمرها شيء بعتها. قال: «لم أسألك عن هذا، ولكن سألتك من أين طاب لك فرجها؟» قال له: فتأمرني أن أتزوّج؟ قال له: «ذلك إليك».

فقال له زرارة: هذا الكلام ينصرف علي ضربين: إمّا أن لا تبالي أن أعصي اللّه إذ لم تأمرني بذلك، والوجه الآخر أن تكون مطلقاً لي. قال: فقال: «عليك بالبلهاء(1)»، قال: فقلت: مثل التي تكون علي رأي الحكم بن عتيبة وسالم بن أبي حفصة؟ قال: «لا، التي لا تعرف ما أنتم عليه ولا تنصب، قد زوّج رسول اللّه صلي الله عليه و آله أباالعاص بن الربيع، وعثمان بن عفّان، وتزوّج عائشة وحفصة وغيرهما». فقال: لست أنا بمنزلة النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم الذي كان يجري عليهم حكمه، وما هو إلّامؤمن أو كافر، قال اللّه عزّ وجلّ: (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (2).

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام: «فأين أصحاب الأعراف؟ وأين المؤلّفة قلوبهم؟ وأين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً؟ وأين الذين لم يدخلوها وهم يطمعون؟».

قال زرارة: «أيدخل النار مؤمن؟» فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «لا يدخلها إلّاأن يشاء اللّه». قال زرارة: فيدخل الكافر الجنّة؟ فقال أبو عبداللّه: «لا». فقال زرارة:

هل يخلو أن يكون مؤمناً أو كافراً؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «قول اللّه أصدق من قولك، يا زرارة، بقول اللّه أقول، يقول اللّه تعالي: (لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ) (3)لو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنّة، ولو كانوا كافرين لدخلوا النار».

********

(1) . بالفتح: مؤنّث أبله، وجمعه: البُله بالضمّ، وهو من ضعف عقله.

(2) . التغابن/ 2.

(3) . الأعراف/ 46.

ص: 207

قال: فماذا؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «أرجهم حيث أرجأهم اللّه، أما إنّك لو بقيت لرجعت عن هذا الكلام ولحللت عندك». قال: وأصحاب زرارة يقولون:

لرجعت عن هذا الكلام وتحلّلت عنك عقد الإيمان.

قال أصحاب زرارة: فكلّ من أدرك زرارة بن أعين، فقد أدرك أبا عبداللّه عليه السلام فإنّه مات بعد أبي عبداللّه عليه السلام بشهرين، أو أقلّ، وتوفّي أبو عبداللّه عليه السلام وزرارة مريض مات في مرضه ذلك.

224 - حدّثني أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم الورّاق، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن يزيد القمّي، قال: حدّثني بنان بن محمّد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن أبي عمير قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فقال: «كيف تركت زرارة؟» قال: تركته لا يصلّي العصر حتّي تغيب الشمس. قال: «فأنت رسولي إليه، فقل له: فليصلّ في مواقيت أصحابه، فإنّي قد حرقت»(1). قال: فأبلغته ذلك، فقال: أنا واللّه أعلم أنّك لم تكذب عليه، ولكنّي أمرني بشيء فأكره أن أدعه.

225 - حدّثني محمّد بن قولويه، قال: حدّثني سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسي، وعليّ بن إسماعيل بن عيسي، عن محمّد ابن عمرو بن سعيد الزيّات، عن يحيي بن محمد بن عيسي أبي حبيب قال:

سألت الرضا عليه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العبد إلي اللّه من صلاته؟ فقال: «ستّ وأربعون ركعة فرائضه ونوافله». فقلت: هذه رواية زرارة. فقال: «أتري أنّ أحداً كان أصدع بحقّ من زرارة».

********

(1) . صرفت - خ.

ص: 208

226 - حدّثني حمدويه، قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن القاسم بن عروة، عن ابن بكير قال: دخل زرارة علي أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّكم قلتم لنا في الظهر والعصر علي ذراع وذراعين، ثمّ قلتم أبردوا بها في الصيف، فكيف الإبراد بها؟ وفتح ألواحه ليكتب ما يقول، فلم يجبه أبو عبداللّه عليه السلام بشيء، فأطبق ألواحه، فقال: إنّما علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم، وخرج.

ودخل أبو بصير علي أبي عبداللّه عليه السلام فقال: «إنّ زرارة سألني عن شيء فلم أجبه، وقد ضقت، فاذهب أنت رسولي إليه فقل: صلّ الظهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك، والعصر إذا كان مثليك»، وكان زرارة هكذا يصلّي في الصيف ولم أسمع أحداً من أصحابنا يفعل ذلك غيره، وغير ابن بكير.

227 - حمدويه قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن زرارة قال: كنت قاعداً عند أبي عبداللّه عليه السلام أنا وحمران، فقال له حمران: ما تقول فيما يقول زرارة فقد خالفته فيه؟ قال: «فما هو؟» قال: يزعم أنّ مواقيت الصلاة مفوّضة إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم وهو الذي وضعها. قال: «فما تقول أنت؟» قال: قلت: إنّ جبريل عليه السلام أتاه في اليوم الأوّل بالوقت الأوّل، وفي اليوم الثاني بالوقت الأخير، ثمّ قال جبرئيل: يا محمّد، ما بينهما وقت. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ زرارة يقول: إنّما جاء جبرئيل مشيراً علي محمّد عليه السلام، صدق زرارة، فجعل اللّه ذلك إلي محمّد عليه السلام فوضعه وأشار جبرئيل عليه».

الروايات الذامّة

228 - حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جبريل بن أحمد الفاريابي، قال:

حدّثني العبيدي محمّد بن عيسي، عن يونس بن عبدالرحمن، عن ابن مسكان

ص: 209

قال: سمعت زرارة يقول: رحم اللّه أبا جعفر، وأمّا جعفر فإنّ في قلبي عليه لفتة(1)فقلت له: وما حمل زرارة علي هذا؟ قال: حمله علي هذا لأنّ أبا عبداللّه عليه السلام أخرج مخازيه.

229 - حدّثني حمدويه وإبراهيم ابنا نصير قالا: حدّثنا العبيدي، عن هشام بن إبراهيم الختلي - وهو المشرقي - قال: قال لي أبو الحسن الخراساني عليه السلام: «كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس، يذهب فيها مذهب زرارة، ومذهب زرارة هو الخطأ؟ فقلت: لا، ولكنّه بأبي أنت وأمّي ما يقول زرارة في الاستطاعة وقول زرارة فيمن قدّر ونحن منه براء، وليس من دين آبائك، وقال الآخرون بالجبر ونحن منه براء وليس من دين آبائك. قال: «فبأيّ شيء تقولون؟» قلت: بقول أبي عبداللّه عليه السلام.

وسُئل عن قول اللّه عزّ وجلّ (وَ لِلّهِ عَلَي اَلنّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (2) ما استطاعتُه؟ قال: فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «صحّته وماله»، فنحن بقول أبي عبداللّه عليه السلام نأخذ. قال: «صدق أبو عبداللّه عليه السلام، هذا هو الحقّ».

230 - حدّثني طاهر بن عيسي الورّاق قال: حدّثني جعفر بن أحمد بن أيّوب، قال: حدّثني أبوالحسن صالح بن أبي حمّاد الرازي، عن ابن أبي نجران، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت: (اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (3)؟ قال: «أعاذنا اللّه وإيّاك من ذلك الظلم». قلت:

ما هو؟ قال: «هو واللّه ما أحدث زرارة، وأبو حنيفة، وهذا الضرب». قال:

********

(1) . بعض المصادر: لَعِنَّة. والعُنّة: الاعتراض.

(2) . آل عمران/ 97.

(3) . الأنعام/ 82.

ص: 210

قلت: الزنا معه؟ قال: «الزنا ذنب».

231 - حدّثني محمّد بن نصير قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن حفص مؤذّن عليّ بن يقطين، يكنّي: أبا محمّد، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: (اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (1)؟ قال: «أعاذنا اللّه وإيّاك يا أبا بصير من ذلك الظلم، ذلك ما ذهب فيه زرارة، وأصحابه وأبو حنيفة، وأصحابه.

232 - حدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجّاج، عن حمزة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: بلغني أنّك برئت من عمّي - يعني زرارة -؟ قال: فقال: «أنا لم أبرأ من زرارة، لكنّهم يجيئون ويذكرون ويروون عنه، فلو سكتُّ عنه ألزمونيه، فأقول: من قال هذا، فأنا إلي اللّه منه بريء».

233 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عبداللّه بن محمّد بن خالد، قال:

حدّثني الوشّاء، عن ابن خداش، عن عليّ بن إسماعيل، عن ربعي، عن الهيثم ابن حفص العطّار قال: سمعت حمزة بن حمران يقول حين قدم من اليمن:

لقيت أبا عبداللّه عليه السلام فقلت له: بلغني أنّك لعنت عمّي زرارة؟ قال: فرفع يده حتّي صكّ(2) بها صدره ثمّ قال: «لا واللّه، ما قلت، ولكنّكم تأتون عنه بأشياء فأقول: من قال هذا، فأنا منه بريء».

قال: قلت: فأحكي لك ما يقول؟ قال: نعم. قال: قلت: إنّ اللّه عزّ وجلّ

********

(1) . الأنعام/ 82.

(2) . صكّه: لطمه.

ص: 211

لم يكلّف العباد إلّاما يطيقون، وإنّهم لن يعملوا إلّاأن يشاء اللّه ويريد ويقضي.

قال: «هو واللّه الحقّ».

ودخل علينا صاحب الزطّي، فقال له: «يا ميسر، ألست علي هذا؟» قال: علي أيّ شيء أصلحك اللّه أو جعلت فداك؟ قال: فأعاد هذا القول عليه كما قلت له ثمّ قال: «هذا واللّه ديني ودين آبائي».

234 - حدّثني أبو جعفر محمّد بن قولويه قال: حدّثني محمّد بن أبي القاسم أبو عبداللّه المعروف بماجيلويه، عن زياد بن أبي الحلال قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ زرارة روي عنك في الاستطاعة شيئاً فقبلنا منه وصدّقناه، وقد أحببت أن أعرضه عليك. فقال: «هاته». قلت: فزعم أنّه سألك عن قول اللّه عزّوجلّ: (وَ لِلّهِ عَلَي اَلنّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (1) فقلت: «من ملك زاداً وراحلة». فقال: كلّ من ملك زاداً وراحلة، فهو مستطيع للحجّ، وإن لم يحجّ؟ فقلت: «نعم». فقال: «ليس هكذا سألني، ولا هكذا قلت، كذب علي اللّه واللّه كذب علَيّ واللّه، لعن اللّه زرارة، لعن اللّه زرارة، لعن اللّه زرارة، إنّما قال لي:

من كان له زاد وراحلة، فهو مستطيع للحجّ؟ قلت: وقد وجب عليه». قال:

فمستطيع هو؟ فقلت: «لا، حتّي يؤذن له». قلت: فأخبر زرارة؟» قال: «نعم»، فأخبرته بما قال أبو عبداللّه عليه السلام وسكتُّ عن لعنه، فقال: أما إنّه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم، وصاحبكم هذا ليس له بصير بكلام الرجال.

235 - قال أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّيّ: وحدّثني أبوالحسن محمّد بن بحر الكرماني الدهني النرمانشيري، قال: وكان من الغلاة

********

(1) . آل عمران/ 97.

ص: 212

الحنقين، قال: حدّثني أبو العبّاس المحاربي الجزري، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدّثنا فضالة بن أيّوب، عن فضيل الرسّان قال: قيل لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ زرارة يدّعي أنّه أخذ عنك الاستطاعة؟ قال: لهم عُفراً(1)، كيف أصنع بهم، وهذا المرادي بين يدي وقد أريته - وهو أعمي - بين السماء والأرض، فشكّ وأضمر أنّي ساحر. فقلت: اللهمّ لو لم تكن جهنّم إلّا سُكْرُجَة(2) لوسعها آل أعين بن سنسن. قيل: فحمران؟ قال: حمران ليس منهم.

عن الكشّيّ: محمّد بن بحر هذا غالٍ، وفضالة ليس من رجال يعقوب، وهذا الحديث مزاد فيه، مغيَّرٌ عن وجهه.

236 - حدّثنا محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جبريل بن أحمد، قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، قال: حدّثني يونس بن عبدالرحمن، عن عمر بن أبان، عن عبدالرحيم القصير قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: «إيت زرارة وبريداً فقل لهما: ما هذه البدعة التي ابتدعتماها؟! أما علمتما أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم قال:

كلّ بدعة ضلالة؟» قلت له: إنّي أخاف منهما، فأرسل معي ليثاً المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبداللّه عليه السلام، فقال: واللّه لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر، فأمّا بريد فقال: لا واللّه، لا أرجع عنها أبداً.

237 - حدّثني حمدويه قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن يونس، عن مسمع كردين أبي سيّار قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «لعن اللّه بُريداً، ولعن اللّه زرارة».

********

(1) . العُفْر، أي: البُعد. وفي بعض المصادر: عُقراً، غفراً.

(2) . السُكْرُجَة: الصُّحْفَة التي يوضع فيها الأكل؛ فارسيّة.

ص: 213

238 - حدّثني محمّد بن مسعود قال: حدّثني جبريل بن أحمد، عن محمّد ابن عيسي، عن يونس، عن إسماعيل بن عبدالخالق، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

ذكر عنده بنو أعين، فقال: «واللّه ما يريد بنو أعين إلّاأن يكونوا علَي غَلَب».

239 - محمّد بن مسعود قال: حدّثني جبريل بن أحمد، عن العبيدي، عن يونس، عن هارون بن خارجة قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:

(اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (1) ؟ قال: «هو ما استوجبه أبو حنيفة، وزرارة».

240 - وبهذا الإسناد: عن يونس، عن خطّاب بن مسلمة، عن ليث المرادي قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «لا يموت زرارة إلّاتائهاً».

241 - بهذا الإسناد: عن يونس، عن إبراهيم المؤمن، عن عمران الزعفراني قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول لأبي بصير: يا أبا بصير - وكنّي اثني عشر رجلاً - «ما أحدث أحد في الإسلام؛ ما أحدث زرارة من البدع، عليه لعنة اللّه»؛ هذا قول أبي عبداللّه عليه السلام.

242 - حدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن عمّار ابن المبارك، قال: حدّثني الحسن بن كليب الأسدي، عن أبيه كليب الصيداوي أنّهم كانوا جلوساً ومعهم عذافر الصيرفي، وعدّة من أصحابهم معهم أبو عبداللّه عليه السلام، قال: فابتدأ أبو عبداللّه عليه السلام من غير ذكر لزرارة، فقال: «لعن اللّه زرارة، لعن اللّه زرارة، لعن اللّه زرارة» - ثلاث مرّات -.

243 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن حريز قال:

********

(1) . الأنعام/ 82.

ص: 214

خرجت إلي فارس، وخرج معنا محمّد الحلبي إلي مكّة، فاتّفق قدومنا جميعاً إلي حين(1)، فسألت الحلبي فقلت له: أطرفنا(2) بشيء، قال: نعم، جئتك بما تكره، قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: ما تقول في الاستطاعة؟ فقال: «ليس من ديني، ولا دين آبائي». فقلت: الآن ثلج(3) عن صدري، واللّه لا أعود لهم مريضاً، ولا أُشيّع لهم جنازة، ولا أعطيهم شيئاً من زكاة مالي.

قال: فاستوي أبو عبداللّه عليه السلام جالساً وقال لي: «كيف قلت؟» فأعدت عليه الكلام، فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «كان أبي عليه السلام يقول: أُولئك قوم حرّم اللّه وجوههم علي النار».

فقلت: جعلت فداك، فكيف قلت لي: «ليس من ديني ولا دين آبائي؟» قال:

إنّما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه.

244 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جبريل بن أحمد، قال:

حدّثني موسي بن جعفر بن وهب، عن عليّ بن القصير، عن بعض رجاله قال:

استأذن زرارة بن أعين، وأبو الجارود علي أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «يا غلام أدخلهما، فإنّهما عجّلا المحيا، وعجّلا الممات».

********

(1) . في سند هذه الرواية توهّم، فأوّلاً: إنّ محمّد بن عيسي لابدّ أن يروي عن حريز بدون واسطة، وثانياً: يمكن أن يكون المراد من محمّد الحلبي هو ابن عبيداللّه بن عليّ الحلبي، أو محمّد بن عليّ أخو عبيداللّه. أمّا إنّهم خرجوا من جانب حلب وسجستان إلي فارس ومكّة، فإنّ حريزاً كان في سجستان، وثالثاً: إنّ قوله «قدومنا جميعاً إلي حين» وفي الترتيب: إلي حنين، ويمكن أن يكون: إلي حزين، وهو المكان الغليظ، وأمّا إلي حريزيّ كما في بعض النسخ فغلط مسلّم، فإنّ حريزاً هو القادم، ولا يعقل القدوم إليه.

(2) . أطرف: أتي بالحديث الجديد.

(3) . ثلج: اطمأنّ وارتاح، وفي بعض النسخ: ثلج صدري.

ص: 215

245 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جبريل بن أحمد، عن موسي ابن جعفر، عن عليّ بن أشيم، قال: حدّثني رجل، عن عمّار الساباطي قال:

نزلت منزلاً في طريق مكّة ليلة، فإذا أنا برجل قائم يصلّي صلاة، ما رأيت أحداً صلّي مثلها، ودعا بدعاء، ما رأيت أحداً دعا بمثله، فلمّا أصبحت نظرت إليه فلم أعرفه، فبينا أنا عند أبي عبداللّه عليه السلام جالساً إذ دخل الرجل، فلمّا نظر أبو عبد اللّه عليه السلام إلي الرجل قال: «ما أقبح بالرجل أن يأتمنه رجل من إخوانه علي حرمة من رحمته فيخونه فيها!» قال: فولّي الرجل، فقال لي أبو عبداللّه عليه السلام: «يا عمّار، أتعرف هذا الرجل؟» قلت: لا واللّه، إلّاأنّي نزلت ذات ليلة في بعض المنازل فرأيته يصلّي صلاة، ما رأيت أحداً صلّي مثلها، ودعا بدعاء ما رأيت أحداً دعا بمثله. فقال لي: «هذا زرارة بن أعين، هذا من الذين وصفهم اللّه عزّوجلّ في كتابه فقال: (وَ قَدِمْنا إِلي ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (1)».

246 - حدّثني حمدويه، قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن عبيداللّه الحلبي قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام وسأله إنسان قال:

إنّي كنت أُنيل التيميّة من زكاة مالي حتّي سمعتك تقول فيهم، أفأعطيهم أم أكفّ؟ قال: «لا، بل أعطهم، فإنّ اللّه حرّم أهل هذا الأمر علي النار».

247 - حدّثني حمدويه، قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن عمران، عن الوليد بن صبيح قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده، فقال لي أبو عبداللّه عليه السلام:

«يا وليد، أما تعجب من زرارة يسألني عن أعمال هؤلاء، أيّ شيء كان يريد؟

********

(1) . الفرقان/ 23.

ص: 216

أيُريد أن أقول له: لا، فيروي ذلك عنّي؟» ثمّ قال: «يا وليد، متي كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم، إنّما كانت الشيعة تقول: من أكل من طعامهم، وشرب من شرابهم، واستظلّ بظلمهم، متي كانت الشيعة تسأل عن مثل هذا».

248 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عبداللّه بن محمّد بن خالد الطيالسي، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي خداش، عن عليّ بن إسماعيل، عن أبي خالد.

وحدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن محمّد القمّي، قال:

حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيي، عن ابن الريّان، عن الحسن بن راشد، عن عليّ بن إسماعيل، عن أبي خالد، عن زرارة، قال: قال لي زيد بن عليّ عليه السلام - وأنا عند أبي عبد اللّه عليه السلام -: ما تقول يا فتي في رجل من آل محمّد استنصرك؟ فقلت: إن كان مفروض الطاعة نصرته، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل، ولي أن لا أفعل. فلمّا خرج قال أبو عبداللّه عليه السلام: «أخذته - واللّه - من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجاً».

249 - وروي عن زرارة بن أعين، قال: جئت إلي حلقة بالمدينة فيها عبداللّه ابن محمّد وربيعة الرأي، فقال عبداللّه: يا زرارة، سل ربيعة عن شيء ممّا اختلفتم؟ فقلت: إنّ الكلام يورث الضغائن. فقال لي ربيعة الرأي: سل يا زرارة.

قال: قلت: بم كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم يضرب في الخمر؟ قال: بالجريد والنعل.

فقلت: لو أنّ رجلاً أخذ اليوم شارب خمر، وقدّم إلي الحاكم، ما كان عليه؟ قال:

يضربه بالسوط، لأنّ عمر ضرب بالسوط، قال: فقال عبداللّه بن محمّد: يا سبحان اللّه! يضرب رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم بالجريد، ويضرب عمر بالسوط، فيُترك ما

ص: 217

فعل رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، ويؤخذ ما فعل عمر؟!

250 - حدّثني حمدويه، قال: حدّثني أيّوب، عن حنّان بن سدير قال: كنت أنا ومعي رجل - أُريد - أن أسأل أبا عبداللّه عليه السلام عمّا قالت اليهود والنصاري والمجوس والذين أشركوا: هو ممّا شاء اللّه أن يقولوا؟ قال: قال لي: «إنّ ذا من مسائل آل أعين، ليس من ديني ولا دين آبائي». قال: قلت: ما معي مسألة غير هذه.

251 - حدّثني محمّد بن قولويه، قال: حدّثني سعد بن عبداللّه بن أبي خلف، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن رشيد، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه أحمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: لمّا كانت وفاة أبي عبداللّه عليه السلام، قال الناس بعبداللّه بن جعفر واختلفوا، فقائل قال به، وقائل قال: بأبي الحسن عليه السلام، فدعا زرارة ابنه عبيداً فقال: يا بنيّ، الناس مختلفون في هذا الأمر، فمن قال بعبداللّه، فإنّما ذهب إلي الخير الذي جاء أنّ الإمامة في الكبير من ولد الإمام، فشدّ راحلتك، وامض إلي المدينة، حتّي تأتيني بصحّة الأمر، فشدّ راحلته ومضي إلي المدينة، واعتلّ زرارة، فلمّا حضرته الوفاة سأل عن عبيد، فقيل له: إنّه لم يقدم، فدعا بالمصحف فقال: اللهمّ إنّي مصدّق بما جاء نبيّك محمّد فيما أنزلته عليه، وبيّنته لنا علي لسانه، وإنّي مصدِّق بما أنزلته عليه في هذا الجامع، وإنّ عقيدتي وديني الذي يأتيني به عبيد ابني، وما بيّنته في كتابك، فإن أمتّني قبل هذا، فهذه شهادتي علي نفسي، وإقراري بما يأتي به عبيد ابني، وأنت الشهيد علَيّ بذلك. فمات زرارة، وقدم عبيد فقصدناه لنسلّم عليه فسألوه عن الأمر الذي قصده فأخبرهم أنّ أبا الحسن عليه السلام صاحبهم.

ص: 218

252 - حدّثني حمدويه، قال: حدّثني يعقوب بن يزيد، قال: حدّثني عليّ ابن حديد، عن جميل بن درّاج قال: ما رأيت رجلاً مثل زرارة بن أعين، إنّا كنّا نختلف إليه فما نكون حوله إلّابمنزلة الصبيان في الكتّاب حول المعلّم، فلمّا مضي أبو عبداللّه عليه السلام، وجلس عبداللّه مجلسه، بعث زرارة عبيداً ابنه زائراً عنه ليتعرّف الخبر ويأتيه بصحّته، ومرض زرارة مرضاً شديداً قبل أن يوافيه عبيد، فلمّا حضرته الوفاة دعا بالمصحف فوضعه علي صدره ثمّ قبّله. قال جميل:

حكي جماعة ممّن حضره أنّه قال: اللهمّ إنّي ألقاك يوم القيامة وإمامي من بيّنت في هذا المصحف إمامته، اللهمّ إنّي أُحلّ حلاله وأُحرّم حرامه، وأُؤْمن بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وخاصّه وعامّه، علي ذلك أحيا، وعليه أموت إن شاء اللّه.

253 - محمّد بن قولويه، قال: حدّثني سعد بن عبداللّه، عن الحسن بن عليّ ابن موسي بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن أبي يحيي الضرير، عن درست ابن أبي منصور الواسطي قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «إنّ زرارة شكّ في إمامتي، فاستوهبته من ربّي تعالي».

254 - حدّثني محمّد بن قولويه، قال: حدّثني سعد، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ومحمّد بن عبداللّه المسمعي، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن عبداللّه ابن زرارة، عن أبيه قال: بعث زرارة عبيداً ابنه يسأل عن خبر أبي الحسن عليه السلام فجاءه الموت قبل رجوع عبيد اِليه، فأخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه وقال: إنّ الإمام بعد جعفر بن محمّد من اسمه بين الدفّتين في جملة القرآن، منصوص عليه من الذين أوجب اللّه طاعتهم علي خلقه، أنا مؤمن به، فأُخبر بذلك

ص: 219

أبوالحسن الأوّل عليه السلام فقال: «واللّه كان زرارة مهاجراً إلي اللّه تعالي».

255 - حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج وغيره قال: وجّه زرارة عبيداً ابنه إلي المدينة يستخبر له أبي الحسن عليه السلام وعبداللّه بن أبي عبداللّه، فمات قبل أن يرجع إليه عبيد.

قال محمّد بن أبي عمير: حدّثني محمّد بن حكيم، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام، وذكرت له زرارة وتوجيهه ابنه عبيداً إلي المدينة، فقال أبوالحسن:

إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممّن قال اللّه تعالي: (وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَي اَللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اَللّهِ) (1).

256 - حدّثني محمّد بن مسعود قال: أخبرنا جبريل بن أحمد، قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن يونس، عن إبراهيم المؤمن، عن نصر بن شعيب، عن عمّة زرارة قالت: لمّا وقع زرارة واشتدّ به، قال: ناوليني المصحف، فناولته وفتحته فوضعته علي صدره وأخذه منّي ثمّ قال: يا عمّة، اشهدي أن ليس لي إمام غير هذا الكتاب.

257 - حدّثني محمد بن مسعود، قال حدّثني جبريل بن أحمد، قال حدّثني العبيدي، عن يونس، عن ابن مسكان، قال تدارأنا عند زرارة في شيء من أُمور الحلال و الحرام، فقال: قولا برأيه، فقلت: أبرأيك هذا، أم برواية؟ فقال: إنّي أعرف، أو ليس ربّ رأي خير من أثر.

258 - حدّثني أبو صالح خلف بن حماد بن الضحاك، قال: حدّثني أبو سعيد

********

(1) . النساء/ 100.

ص: 220

الآدمي، قال: حدّثني ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: قال لي زرارة بن أعين: لا تري علي أعوادها غير جعفر، قال: فلما توفّي أبو عبداللّه عليه السلام أتيته فقلت له: تذكر الحديث الذي حدّثتني به وذكرته له، وكنت أخاف أن يجحدنيه، فقال: إنّي واللّه ما كنت قلت ذلك إلّابرأيي.

259 - حمدويه بن نصير، قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن الوشاء، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن جوائز العمّال، فقال:

«لا بأس به». قال: ثمّ قال: إنّما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً أنّي أُحرّم أعمال السلطان.

260 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن خالد الطيالسي، قال: حدّثني الحسن بن علي الوشّاء، عن محمّد بن حمران، قال: حدّثني زرارة قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: «حدّث عن بني إسرائيل ولا حرج». قال: قلت:

جعلت فداك، واللّه إنّ في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم! قال:

«وأيّ شيء هو يا زرارة؟» قال: فاخْتُلِسَ من قلبي، فمكثت ساعة لا أذكر ممّا أُريد، قال: «لعلّك تريد الغيبة؟» قلت: نعم، قال: «فصدِّق بها فإنّها حقّ».

261 - حدّثني محمد بن مسعود، قال: حدّثني جبريل بن أحمد، قال:

حدّثني محمّد بن عيسي، عن يونس، عن ابن مسكان قال: سمعت زرارة: إنّي كنت أري جعفراً أعلم ممّا هو، وذاك أنّه يزعم أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل من أصحابنا مختفٍ من غرّامه، فقال: أصلحك اللّه، إنّ رجلاً من أصحابنا كان مختفياً من غرّامه فإن كان هذا الأمر قريباً صبر حتي يخرج مع القائم، وإن كان فيه تأخير صالح غرامه. فقال له أبو عبداللّه عليه السلام: «يكون إن شاء اللّه تعالي». فقال

ص: 221

زرارة: يكون إلي سنة؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «يكون إن شاء اللّه». فقال زرارة:

فيكون إلي سنتين؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «يكون إن شاء اللّه». فخرج زرارة فوطّن نفسه علي أن يكون إلي سنتين فلم يكن، فقال: ما كنت أري جعفراً إلّا أعلم ممّا هو.

262 - محمّد بن مسعود، قال: كتب إلينا الفضل، يذكر عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن عيسي بن أبي منصور وأبي أُسامة الشحّام ويعقوب الأحمر، قالوا: كنّا جلوساً عند أبي عبداللّه عليه السلام فدخل عليه زرارة فقال:

إنّ الحكم بن عتيبة حدّث عن أبيك، أنّه قال: صلِّ المغرب دون المزدلفة، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام: «أنا تأمّلته، ما قال أبي هذا قطّ، كذب الحكم علي أبي»، قال:

فخرج زرارة وهو يقول: ما أري الحكم كذب علي أبيه.

263 - محمّد بن يزداد، قال: حدّثني محمّد بن عليّ الحدّاد، عن مسعدة بن صدقة قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «إنّ قوماً يعارون الإيمان عارية ثمّ يسلبونه، يقال لهم يوم القيامة: المعارون، أما إنّ زرارة بن أعين منهم».

264 - حمدان بن أحمد، قال: حدّثنا معاوية بن حكيم، عن أبي داود المسترقّ قال: كنت قائد أبي بصير في بعض جنائز أصحابنا، فقلت له: هو ذا زرارة في الجنازة، قال لي: اذهب بي إليه، قال: فذهبت به إليه، قال: فقال له:

السلام عليك أبا الحسين، فردّ عليه زرارة السلام، وقال له: لو علمت أنّ هذا من رأيك لبدأتك به. قال: فقال له أبو بصير: بهذا أُمرت.

265 - يوسف، قال: حدّثني عليّ بن أحمد بن بقاح، عن عمّه، عن زرارة قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التشهّد، فقال: «أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا

ص: 222

شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله». قلت: التحيّات والصلوات؟ قال:

التحيّات والصلوات، فلمّا خرجت قلت: إن لقيته لأسألنّه غداً، فسألته من الغد عن التشهّد، فقال كمثل ذلك، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات، قلت: ألقاه بعد يوم لأسألنّه غداً، فسألته عن التشهّد، فقال كمثله، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات و الصلوات، فلمّا خرجت ضرطت في لحيته، وقلت لا يفلح أبداً.

266 - عليّ بن محمد بن قتيبة، قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن الوليد بن صبيح قال: مررت في الروضة بالمدينة فإذا إنسان قد جذبني، فالتفتُّ فإذا أنا بزرارة، فقال لي: استأذن لي علي صاحبك. قال: فخرجت من المسجد فدخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فأخبرته الخبر فضرب بيده إلي لحيته، ثم قال أبو عبداللّه عليه السلام: «لا تأذن له، لا تأذن له، لا تأذن له، فإنّ زرارة يريدني علي القدر علي كبر السنّ، وليس من ديني، ولا دين آبائي».

267 - محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن الحكم، عن بعض رجاله، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: دخلت عليه فقال: «متي عهدك بزرارة؟» قال: قلت: ما رأيته منذ أيام، قال: «لا تبالِ، وإن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته». قال: قلت: زرارة؟ - متعجّباً ممّا قال - قال: «نعم زرارة، زرارة شرٌّ من اليهود والنصاري، ومن قال: إنّ مع اللّه ثالث ثلاثة».

268 - عليّ، قال: حدّثني يوسف بن السخت، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيوب، عن ميسر قال: كنّا عند أبي عبداللّه عليه السلام فمرّت جارية في

ص: 223

جانب الدار علي عنقها قمقم قد نكسته، قال: فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «فما ذنبي، إنّ اللّه قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم».

269 - محمّد بن نصير قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن عثمان بن عيسي، عن حريز، عن محمّد الحلبي قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: كيف قلت لي: «ليس من ديني ولا دين آبائي؟» قال: «إنّما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه».

في إخوة زرارة: حمران وبكير وعبدالملك وعبدالرحمن بني أعيَن

270 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا محمّد بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، وحدّثني حمدويه بن نصير قال: حدّثنا محمّد بن عيسي بن عبيد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، قال: حدّثني المشايخ: أنّ حمران، وزرارة، وعبدالملك، وبكيراً، وعبدالرحمن، بني أعين كانوا مستقيمين، ومات منهم أربعة في زمان أبي عبداللّه عليه السلام، وكانوا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، وبقي زرارة إلي عهد أبي الحسن، فلقي ما لقي.

قال النجاشي:

زرارة بن أعين(1)

[463] زرارة بن أعين بن سنسن، مولي لبني عبداللّه بن عمرو السمين بن أسعد بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، أبوالحسن شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً. قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقاً فيما يرويه.

قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه رحمه الله: رأيت له كتاباً في

********

(1) . رجال النجاشي ص 175.

ص: 224

الاستطاعة والجبر، ثمّ قال: أخبرني أبي، ومحمّد بن الحسن، عن سعد وعبداللّه ابن جعفر، عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن زرارة، ومات زرارة سنة خمسين ومائة.

قال الشيخ الطوسي:

زرارة بن أعين(1)

295 - زرارة بن أعين، واسمه عبد ربّه، يكنّي أبا الحسن، وزرارة لقب له، وكان أعين بن سنسن عبداً روميّاً لرجل من بني شيبان، تعلّم القرآن ثمّ أعتقه فعرض عليه أن يدخل في نسبه فأبي أعين أن يفعله، وقال: أقرّني علي ولائي، وكان سنسن راهباً في بلد الروم، وزرارة يكنّي أبا عليّ أيضاً، وله عدّة أولاد، منهم: الحسن، الحسين، ورومي، وعبيد - وكان أحول - وعبداللّه، ويحيي، بنو زرارة، ولزرارة إخوة جماعة، منهم: حمران - وكان نحويّاً وله ابنان: حمزة بن حمران، ومحمد بن حمران - وبكير بن أعين - يكنّي أبا الجهم، وابنه عبداللّه بن بكير - وعبدالرحمن (عبداللّه) بن أعين، وعبدالملك بن أعين - وابنه ضريس ابن عبدالملك. [وزرارة كان أصدق أهل زمانه وأفضلهم، قال فيه الصادق عليه السلام:

«لولا زرارة لظننت أنّ أحاديث أبي ستذهب»، وروي الكشّيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتاً أربعة: بُرَيد بن معاوية - بالباء المفردة المضمومة والراء المهملة المفتوحة البجلي، وزرارة، ومحمّد بن مسلم، وأبو بصير». وقال: «فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس»، وأومأ إلي رجل من أصحابه، فسألت عنه فقيل: زرارة. ولهم روايات كثيرة وأُصول،

********

(1) . فهرست الشيخ الطوسي ص 141-143 الرقم 295.

ص: 225

وتصانيف سنذكرها في أبوابها إن شاء اللّه، ولهم أيضاً روايات عن عليّ بن الحسين، والباقر والصادق عليهم السلام نذكرهم في كتاب الرجال، ولزرارة تصنيفات منها: كتاب الاستطاعة والجبر والعهود، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن سعد بن عبداللّه، والحميري عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عنه.

قال أبو عليّ محمّد بن إسماعيل الحائري:

زرارة بن أعين

- شيخ أصحابنا في زمانه، ومتقدّمهم، وكان قارئاً، فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه (صه).

في كش: حمدويه، عن يعقوب بن يزيد... قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتاً أربعة: بريد بن معاوية، وزرارة، ومحمّد ابن مسلم، والأحول، وهم أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتاً»(1).

قال السيّد مصطفي التفرشي:... كان قارئاً، فقيهاً، شاعراً، أديباً.

وقال الشهيد الثاني: فقد ظهر اشتراك جميع الأخبار القادحة في استنادها إلي محمّد بن عيسي - وهو قرينة عظيمة - علي ميل وانحراف منه علي زرارة، مضافاً إلي ضعفه في نفسه.

وقال العلّامة في الخلاصة - بعد ذكر كلام الكشّيّ في 221/138 و 434/239 -: يظهر من هذين الحديثين: أنّ بعض الأخبار - الذي يدلّ علي ذمّ

********

(1) . منتهي المقال ج 3 ص 250.

ص: 226

زرارة - محمول علي التقيّة، ودفع الضرر عن زرارة(1).

وعن السيّد الخوئي - بعد ذكر الروايات المادحة لزرارة - أقول: هذه الروايات مستفيضة، علي أنّ جملة منها صحاح. وأمّا الروايات الذامّة فهي علي ثلاث طوائف:

الأُولي: ما دلّت علي أنّ زرارة كان شاكّاً في إمامة الكاظم عليه السلام.

أقول: هذه الروايات لا تدلّ علي وهن ومهانة في زرارة، لأنّ الواجب علي كلّ مكلّف أن يعرف إمام زمانه، ولا يجب عليه معرفة الإمام من بعده، وإذا توفّي إمام زمانه فالواجب عليه الفحص عن الإمام....

الثانية: الروايات الدالّة علي أنّ زرارة قد صدر منه ما ينافي إيمانه.

(يقول): الروايات ضعيفة.

الثالث: ما ورد فيها مدح زرارة من قبل الإمام عليه السلام.

والجواب عن هذه الروايات: أنّه لم يثبت صدور أكثرها من المعصوم عليه السلام، من جهة ضعف إسنادها. وأمّا ما ثبت صدوره، فلا بدّ من حمله علي التقيّة، وأنّه سلام اللّه عليه إنّما عاب زرارة لا لبيان أمر واقع، بل شفقة عليه، واهتماماً بشأنه(2).

وأقول: إضافة إلي ذلك، إنّ الروايات الذامّة لو صحّت؛ تعارضت مع الروايات المادحة، ولكن يجب أن ننظر، فإن وجدنا في الروايات سبباً للجمع بينهما فبها، وها نحن نجد أنّ هنا رواية مهمّة هي بمنزلة قاعدة، وهي رواية

********

(1) . نقد الرجال ج 2 ص 254-256.

(2) . معجم رجال الحديث ج 7 ص 230.

ص: 227

الإمام الصادق عليه السلام لابن زرارة، فإنّ فيها يستشهد الإمام عليه السلام بقصّة الخضر مع موسي وخرق السفينة، ووجه الانتقاص من زرارة.

وهذا الجمع إن وجد في الروايات فهو جمع مقبول، كما أنّ الشيخ الطوسي في التهذيب و الاستبصار كثيراً ما كان يجمع بين الروايات المتعارضة، برواية من المعصومين عليهم السلام، وهذه الرواية دليل علي أنّ الروايات الذامّة لو كانت معتبرة صدرت عن تقيّةٍ، وهذا هو الجواب في سبب مجيء الطائفتينِ من الروايات في أصحاب الأئمّة عليهم السلام، كمفضّل بن عمر وغيره، فقول الصادق عليه السلام في زرارة قاعدة وشاهد علي وجه الجمع بين الطوائف من الروايات المتعارضة، وخاصّة في بعضها يوجد أنّ زرارة فحص عن الإمام عليه السلام، فإنّ المسلم يجب عليه عقلاً أن يبحث عن اُصول دينه، عن توحيده، نبوّة رسوله، وإمامة وليّه، فهذه الروايات لا تدلّ علي وهن ومهانة في زرارة، لأنّ الواجب علي كلّ مكلّف أن يعرف إمام زمانه ولا يجب عليه معرفة الإمام من بعده، وإذا توفّي إمام زمانه، فالواجب عليه الفحص عن الإمام عليه السلام، فإذا مات في زمان الفحص فهو معذور في أمره، ويكفيه الالتزام بإمامة من عيّنه اللّه، وإن لم يعرفه بشخصه.

وعلي ذلك فلا حرج علي زرارة في كونه يعرف إمام زمانه وهو الصادق عليه السلام، ولم يكن يجب عليه معرفة الإمام من بعده في زمانه. فلمّا توفّي الصادق عليه السلام قام بالفحص فأدركه الموت مهاجراً إلي اللّه ورسوله. وقد ورد ذلك في الكافي أيضا(1).

وفي الختام نقول: لمّا كانت الروايات الدالّة علي وثاقة زرارة كثيرة فلا

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 7 ص 232.

ص: 228

ضرورة في البحث في إسنادها، كما لم يتعرّض المحقّق الخوئي لإسنادها، وأمّا الروايات الذامّة فقد ظهرت جهة صدورها. ولذلك لا يحتاج إلي البحث في سندها.

4. الفضيل بن يسار

4. الفضيل بن يسار(1)

عن الكشّيّ:

377 - حدّثنا حمدويه وإبراهيم قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن إبراهيم بن عبداللّه قال: كان أبو عبداللّه عليه السلام إذا رأي الفضيل بن يسار قال: «بشّر المخبتين، من أحبّ أن ينظر رجلاً من أهل الجنّة فلينظر إلي هذا».

378 - إبراهيم بن محمّد بن عبّاس قال: حدّثني أحمد بن إدريس المعلّم القمّي، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيي، قال: حدّثني الحسن بن عليّ ابن النعمان، عن العبّاس بن عامر، عن أبان بن عثمان، فضيل بن عثمان قال:

قال أبو عبداللّه عليه السلام: «إنّ الأرض لتسكن إلي الفضيل بن يسار».

379 - الحسين، عن محمّد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن هشام ابن سالم، عن فضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: ما يمنعني من لقائك إلّا أنّي ما أدري ما يوافقك من ذلك؟ قال: فقال: «خير لك».

380 - عبداللّه بن محمّد قال: حدّثني الحسن بن عليّ الوشّاء، عن خلف بن حمّاد، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أبو جعفر عليه السلام إذا دخل عليه الفضيل بن يسار يقول: «بخٍ بخٍ بشّر المخبتين، مرحباً بمن تأنس به الأرض».

********

(1) . رجال الكشّي ص 212-214.

ص: 229

حدّثني عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، ومحمّد بن مسعود قال: كتب إليّ الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن عدّة من أصحابنا قال:

كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا نظر إلي الفضيل بن يسار مقبلاً قال: «بشّر المخبتين»، وكان يقول: «إنّ فضيلاً من أصحاب أبي، وإنّي لأُحبّ الرجل أن يحبّ أصحاب أبيه».

381 - عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عليّ الهمداني، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي، قال: حدّثني ربعي بن عبداللّه، قال:

حدّثني غاسل الفضيل بن يسار قال: إنّي لأغسّل الفضيل بن يسار وإنّ يده لتسبقني إلي عورته، فخبّرت بذلك أبا عبداللّه عليه السلام فقال لي: «رحم اللّه الفضيل ابن يسار، وهو منّا أهل البيت».

382 - حمدويه وإبراهيم قالا: حدّثنا العبيدي، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل البصري، عن أبي غيلان قال: أتيت الفضيل بن يسار فأخبرته أنّ محمّداً وإبراهيم ابني عبداللّه بن الحسن قد خرجا، فقال لي: ليس أمرهما بشيء. قال: فصنعت ذلك مراراً. كلّ ذلك يردّ عليّ مثل هذا الردّ. قال: قلت:

رحمك اللّه، قد أتيتك غير مرّة أُخبرك فتقول: ليس أمرهما بشيء، أفبرأيك تقول هذا؟ قال: فقال: لا واللّه، ولكن سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «إن خرجا قُتِلا»(1).

قال النجاشي:

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 13 ص 338.

ص: 230

الفضيل بن يسار(1)

الفضيل بن يسار النهدي، أبو القاسم، عربيّ بصريّ صميم(2)، ثقة، روي عن أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام ومات في أيّامه، وقال ابن نوح: يكنّي أبا مسور، أخبرنا عليّ بن بلال، عن محمّد بن عمرو، عن عبدالعزيز بن محمّد، عن عصمة بن عبيداللّه السدوسي قال: حدّثنا الحسين(3) بن إسماعيل بن صبيح، قال: حدّثنا هارون بن عيسي، عن أبي مسور الفضيل بن يسار قال: قال لي جعفر بن محمّد عليه السلام: «رضاع اليهوديّ والنصرانيّة خير من رضاع الناصبة»(4).

له كتاب يرويه جماعة، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد ابن جعفر، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيي، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه، وعليّ بن مهزيار، عن حمّاد ابن عيسي، عن الفضيل بكتابه.

فضيل بن يسار.

أصحاب الباقر عليه السلام.

باب الفاء: «(فضيل) بن يسار بصريّ ثقة».

أصحاب الصادق عليه السلام.

باب الفاء: «15 (الفضيل) بن يسار النهدي، مولي، وأصله كوفيّ، نزل البصرة، مات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام».

********

(1) . رجال النجاشي ص 309.

(2) . الصميم من كلّ شيء: أي خالص كلّ شيء، المصباح المنير ص 133.

(3) . معجم الرجال: الحسن.

(4) . معجم الرجال: الناصبيّة.

ص: 231

الفضيل بن يسار

قال السيّد مصطفي التفرشي:

********

(1) . رجال النجاشي ص 846/309.

(2) . منتهي المقال ج 5 ص 213.

(3) . معجم رجال الحديث ج 13 ص 336.

ص: 232

أُذينة، عن الفضيل بن يسار، والطريق صحيح(1).

5. محمّد بن مسلم الطائفي الثقفي

الأخبار المادحة

قال الكشّيّ:

272 - حدّثني محمّد بن مسعود قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال يقول: كان محمّد بن مسلم الثقفي كوفيّاً، وكان أعور، طحّاناً.

273 - حدّثني محمّد بن قولويه قال: حدّثني سعد بن عبداللّه بن أبي خلف القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال، عن العلاء بن رزين، عن عبداللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّما يسألني عنه، قال: «فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي، فإنّه قد سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً».

274 - حدّثني حمدويه بن نصير قال: حدّثني محمّد بن عيسي، عن الحسن ابن عليّ بن فضّال، عن عبداللّه بن بكير، عن زرارة قال: شهد أبو كريبة الأزدي ومحمّد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة وهو قاضٍ، فنظر في وجوههما(2)مليّاً، ثمّ قال: جعفريّان فاطميّان! فبكيا، فقال لهما: ما يبكيكما؟ قالا له: نسبتنا إلي أقوام لا يرضون بأمثالنا أن يكونوا من إخوانهم، لما يرون من سُخف(3)

********

(1) . نفس المصدر، ج 13 ص 338.

(2) . في وجههما - خ.

(3) . السخيف - خ. وهو بالضمّ: ضعف العقل.

ص: 233

ورَعنا، ونسبتنا إلي رجل لا يرضي بأمثالنا أن يكونوا من شيعته، فإن تفضّل وقبلنا فله المنّ علينا والفضل، فتبسّم شريك، ثمّ قال: إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكم(1)، يا وليد، أجزهما هذه المرّة. قال: فحججنا، فخبّرنا أبا عبداللّه عليه السلام بالقصّة، فقال: «ما لشريك، شرّكه اللّه يوم القيامة بشراكين من نار».

275 - حدّثني حمدويه قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم قال: إنّي لنائم ذات ليلة علي السطح إذ طرق الباب طارق، فقلت: من هذا؟ فقال: شريك يرحمك اللّه، فأشرفت فإذا امرأة، فقالت: لي بنت «عروس» ضربها الطلق(2)، فما زالت تطلق حتّي ماتت والولد يتحرّك في بطنها ويذهب ويجيء، فما أصنع؟

فقلت: يا أمة اللّه، سُئل محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر عليه السلام عن مثل ذلك، فقال: يشقّ بطن الميّت، ويستخرج الولد، يا أمة اللّه، افعلي مثل ذلك. أنا يا أمة اللّه رجل في ستر، مَن وجهّك إليّ؟ قال: قالت لي: رحمك اللّه، جئت إلي أبي حنيفة صاحب الرأي، فقال: ما عندي فيها شيء، ولكن عليك بمحمّد بن مسلم الثقفي فإنّه يخبر، فمهما(3) أفتاك به من شيء فعودي إليّ فأعلمينيه. فقلت لها:

امضي بسلام. فلمّا كان الغد خرجت إلي المسجد، وأبو حنيفة يسأل عنها أصحابه(4) فتنحنحت، فقال: اللهمّ غفراً، دعنا نعيش.

276 - حدّثني حمدويه بن نصير قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن ياسين

********

(1) . أمثالكما - خ.

(2) . بالفتح: وجع الولادة.

(3) . فما - خ.

(4) . بعض أصحابه - خ.

ص: 234

الضرير البصري، عن حريز، عن محمّد بن مسلم قال: ما شجر في رأيي شيء قط، إلّاسألت عنه أبا جعفر عليه السلام، حتّي سألته عن ثلاثين ألف حديث، وسألت أبا عبداللّه عليه السلام عن ستّة عشر ألف حديث.

277 - حدّثنا محمّد بن قولويه قال: حدّثني سعد بن عبداللّه القمّي، قال:

حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسين بن فضّال، عن أبي كهمس قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فقال لي: «شهد محمّد بن مسلم الثقفي القصير عند ابن أبي ليلي بشهادة فردّ شهادته؟» فقلت: نعم، فقال: «إذا صرت إلي الكوفة فأتيت ابن أبي ليلي، فقل له: أسألك عن ثلاث مسائل، لا تفتيني فيها بالقياس، ولا تقول: قال أصحابنا، ثمّ سله عن الرجل يشكّ في الركعتين الأُوليين من الفريضة، وعن الرجل يصيب جسده، أو ثيابه البول، كيف يغسله، وعن الرجل يرمي الجمار بسبع حصيات، فتسقط منه واحدة، كيف يصنع؟ فإذا لم يكن عنده منها شيء، فقل له: يقول لك جعفر بن محمّد: ما حملك علي أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام اللّه منك، وأعلم بسيرة رسول اللّه صلي الله عليه و آله منك؟!»، قال أبو كهمس: فلمّا قدمت أتيت ابن أبي ليلي قبل أن أصير إلي منزلي، فقلت له: أسألك عن ثلاث مسائل لا تفتني فيها بالقياس، ولا تقول: قال أصحابنا. قال: هاتِ. قال: قلت: ما تقول في رجل شكّ في الركعتين الأُوليين من الفريضة؟ فأطرق ثمّ رفع رأسه إليّ فقال: قال أصحابنا. فقلت: هذا شرطي عليك ألّا تقول: قال أصحابنا، فقال: ما عندي فيها شيء.

فقلت له: ما تقول في الرجل يصيب جسده، أو ثيابه البول، كيف يغسله؟ فأطرق ثمّ رفع رأسه فقال: قال أصحابنا، فقلت له: هذا شرطي عليك. فقال: ما

ص: 235

عندي فيها شيء.

فقلت: رجل رمي الجمار بسبع حصيات، فسقطت منه حصاة، كيف يصنع؟ فطأطأ رأسه ثمّ رفعه فقال: قال أصحابنا، فقلت: أصلحك اللّه، هذا شرطي عليك، فقال: ليس عندي فيها شيء.

فقلت: يقول لك جعفر بن محمّد: «ما حملك أن رددت شهادة رجل أعرف منك بأحكام اللّه، وأعرف بسنّة رسول اللّه صلي الله عليه و آله منك؟» فقال لي: ومن هو؟ فقلت: محمّد بن مسلم الطائفي القصير. قال: فقال: واللّه إنّ جعفر بن محمّد قال لك هذا؟ قال: فقلت: واللّه إنّه قال لي جعفر هذا، فأرسل إلي محمّد بن مسلم فدعاه فشهد عنده بتلك الشهادة فأجاز شهادته.

278 - حدّثني محمّد بن مسعود قال: حدّثني عبداللّه بن محمّد بن خالد الطيالسي، عن أبيه قال: كان محمّد بن مسلم من أهل الكوفة يدخل علي أبي جعفر عليه السلام، فقال أبو جعفر: «بشّر المخبتين»(1)، وكان محمّد بن مسلم رجلاً موسراً جليلاً، فقال أبو جعفر عليه السلام: «تواضع» قال: فأخذ قوصرة تمر(2) مع الميزان وجلس علي باب مسجد الجامع، وجعل(3) ينادي عليه، فأتاه قومه فقالوا له: فضحتنا، فقال: إنّ مولاي أمرني بأمر فلن أُخالفه، ولم أبرح حتّي أفرغ من بيع باقي(4) هذه القوصرة. فقال له قومه: إذا أبيت إلّالتشتغل(5) ببيع وشراء،

********

(1) . أخبت إلي اللّه: تخشّع أمامه واطمأنّ إليه.

(2) . قوصرة من تمر. والقوصرة: وعاء التمر - خ.

(3) . وصار - خ.

(4) . ما في - خ.

(5) . أن تشتغل - خ.

ص: 236

فاقعد في الطحّانين، فهيّأ رحيً وجملاً وجعل يطحن، وقيل: إنّه كان من العبّاد في زمانه.

279 - حدّثني أبو الحسن عليّ بن محمّد بن قتيبة، قال: حدّثني الفضل بن شاذان، قال: حدّثنا أبي، عن غير واحد من أصحابنا، عن محمّد بن حكيم وصاحب له، قال أبو محمّد: قد كان درس(1) اسمه في كتاب أبي، قالا: رأينا شريكاً واقفاً في حائطاً من حيطان فلان، قد كان درس اسمه أيضاً في الكتاب، قال أحدنا لصاحبه: هل لك في خلوة من شريك؟ فأتيناه فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام، فقلنا: يا أبا عبداللّه، مسألة. قال: في أيّ شيء؟ فقلنا: في الصلاة.

قال: سلوا عمّا بدا لكم. فقلنا: لا نريد أن تقول: قال فلان، وقال فلان، إنّما نريد أن تسنده إلي النبيّ صلي الله عليه و آله، فقال: أليس في الصلاة؟ فقلنا: بلي، فقال: سلوا عمّا بدا لكم.

قلنا: في كم يجب التقصير؟ قال: كان ابن مسعود يقول: لا يغرّنّكم سوادنا هذا، وكان يقول فلان. قال: قلت: إنّا استثنينا عليك ألّا تحدّثنا إلّاعن نبيّ اللّه صلي الله عليه و آله. قال: واللّه، إنّه لقبيح بشيخ(2) يُسأل عن مسألة في الصلاة عن النبيّ صلي الله عليه و آله لا يكون عنده فيها شيء، واقبح من ذلك أن أكذب علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله.

قلنا: فمسألة أُخري. فقال: أليس في الصلاة؟ قلنا: بلي، قال: فسلوا عمّا بدا لكم. قلنا: علي من تجب الجمعة؟ قال: عادت المسألة جذعة(3)، ما عندي في هذا عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله شيء.

********

(1) . أي انمحي وعفا، اسم صاحب حكيم في كتاب شاذان.

(2) . لشيخ - خ.

(3) . يقال: أعدت الأمر جذعاً بفتحتين: أي جديداً كما بدأ، والجذع: الشابّ الحدث.

ص: 237

قال: فأردنا الانصراف فقال: إنّكم لم تسألوا عن هذا إلّاوعندكم منه علم، قال: قلت: نعم، أخبرنا محمّد بن مسلم الثقفي، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلي الله عليه و آله.

فقال: الثقفي الطويل اللحية؟ فقلنا: نعم، قال: أما إنّه لقد كان مأموناً علي الحديث، ولكن كانوا يقولون: إنّه خشبيّ(1)، ثمّ قال: ماذا روي؟ قلنا: روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّ التقصير يجب في بريدين، وإذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا.

280 - قال محمّد بن مسعود: حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني محمّد ابن أحمد، عن عبداللّه بن أحمد الرازي، عن بكر بن صالح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: أقام محمّد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل علي أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثمّ كان يدخل علي جعفر بن محمّد.

قال أبو أحمد(2): فسمعت عبدالرحمن بن الحجّاج، وحمّاد بن عثمان يقولان: ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمّد بن مسلم، فقال محمّد بن مسلم:

سمعت من أبي جعفر عليه السلام ثلاثين ألف حديث، ثمّ لقيت جعفراً ابنه فسمعت منه - أو قال: سألته عن - ستّة عشر ألف حديث، أو قال: مسألة.

281 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جعفر بن أحمد، قال: حدّثني العمركي بن عليّ، قال: أخبرني محمّد بن حبيب الأزدي، عن عبداللّه بن حمّاد،

********

(1) . في اللسان: ويقال لضرب من الشيعة: الخشبيّة، قيل: لأنّهم حفظوا خشبة زيد بن عليّ عليه السلام حين صلب.

(2) . أبو أحمد كنية ابن أبي عمير وهو الراوي عنهما، وفي النسخة وفي «ج» و «د» و «ه»: ابن أحمد، والظاهر أنّه اشتباه.

ص: 238

عن عبداللّه بن عبدالرحمن الأصم، عن ذريح(1)، عن محمّد بن مسلم قال:

خرجت إلي المدينة وأنا وجع ثقيل، فقيل له: محمّد بن مسلم وجع، فأرسل إليّ أبو جعفر بشراب مع الغلام مغطّي بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربه، فإنّه قد أمرني ألّا أرجع حتّي تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسك منه، وإذا شراب طيّب الطعم بارد، فلمّا شربته قال لي الغلام: يقول لك: إذا شربت فتعال، ففكّرت فيما قال لي، ولا أقدر علي النهوض قبل ذلك علي رجلي، فلمّا استقرّ الشراب في جوفي، كأنّما نُشِطت من عقال(2)، فأتيت بابه فاستأذنت عليه، فصوّت بي: صحّ الجسم، ادخل ادخل، فدخلت وأنا باكٍ، فسلّمت عليه، وقبّلت يده ورأسه، فقال لي: وما يبكيك يا محمّد؟ فقلت: جعلت فداك، أبكي(3) علي اغترابي وبُعد الشقّة(4)، وقلّة المقدرة علي المقام عندك والنظر إليك.

فقال لي: أمّا قلّة المقدرة: فكذلك جعل اللّه أولياءنا وأهل مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً، وأمّا ما ذكرت من الغربة، فلك بأبي عبداللّه أُسوة بأرض ناء عنّا بالفرات، وأمّا ما ذكرت من بُعد الشقّة، فإنّ المؤمن في هذه الدار غريب، وفي هذا الخلق المنكوس، حتّي يخرج من هذه الدار إلي رحمة اللّه، وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا، والنظر إلينا، وإنّك لا تقدر علي ذلك، فاللّه يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.

********

(1) . في النسخة وفي أغلب النسخ: مدلح، مدلخ، مدلج.

(2) . نشطت كخرج: لفظاً ومعنًي. والعقال بالكسر: حبل يشدّ به.

(3) . ألم أبك - خ.

(4) . بالضمّ: المسافة التي يشقّها السائر.

ص: 239

قال المحقّق الخوئي: والروايات في مدح محمّد بن مسلم، وجلالة شأنه وعظم مقامه متضافرة مستفيضة، تقدّمت هذه الروايات في ترجمة بريد بن معاوية، وزرارة بن أعين، وليث بن البختري، ومحمّد بن عليّ بن النعمان الأحول، وفيها الصحاح منها: صحيحة سليمان بن خالد الأقطع، قال سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «ما أجد أحداً أحيا ذكرنا، وأحاديث أبي، إلّازرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفّاظ الدين، واُمناء أبي، علي حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون في الآخرة».

ومنها: صحيحة جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة، بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء، اُمناء اللّه علي حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة، واندرست».

ومنها: صحيحة البقباق، عن أبي عبداللّه عليه السلام، أنّه قال: «أربعة أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتاً: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، ومحمّد بن مسلم، وأبو جعفر الأحول»(1).

الروايات الذامّة

282 - حدّثني محمّد بن مسعود قال: حدّثني جبريل بن أحمد، عن محمّد ابن عيسي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عامر بن عبداللّه بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 17 ص 255.

ص: 240

جذاعة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ امرأتي تقول بقول زرارة، ومحمّد بن مسلم في الاستطاعة، وتري رأيهما، فقال: «ما للنساء والرأي، والقول لها، أنّهما ليسا بشيء في ولاية»(1). قال: فجئت إلي امرأتي فحدّثتها فرجعت عن ذلك القول.

283 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جبرئيل بن أحمد، عن محمّد ابن عيسي، عن يونس، عن أبي الصباح قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «يا أبا الصباح، هلك المترئّسون في أديانهم، منهم: زرارة، وبريد، ومحمّد بن مسلم، وإسماعيل الجعفي»، وذكر آخر لم أحفظ.

284 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جبرئيل بن أحمد، عن محمّد ابن عيسي، عن يونس، عن عيسي بن سليمان وعدّة، عن مفضّل بن عمر قال:

سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «لعن اللّه محمّد بن مسلم كان يقول: إنّ اللّه لا يعلم الشيء حتّي يكون».

قال النجاشي:

882 - محمّد بن مسلم بن رباح، أبو جعفر الأوقص الطحّان، مولي ثقيف، الأعور، وجه من أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر، وأبا عبداللّه عليهما السلام وروي عنهما، وكان من أوثق الناس. له كتاب يُسمّي: الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام. أخبرنا أحمد بن عليّ قال: حدّثنا ابن سفيان، عن حميد، قال: حدّثنا حمدان القلانسي، قال: حدّثنا السندي بن محمّد، عن

********

(1) . ولايتي - خ.

ص: 241

العلاء بن رزين عنه به. ومات محمّد بن مسلم سنة خمسين ومائة(1).

وهذه الروايات ضعيفة بجبرئيل بن أحمد، ولو صحّت أسانيد هذه الروايات لم يعتدّ بها إزاء الروايات المستفيضة المتقدّمة، وقد استبقنا في ترجمة زرارة ما دلّ من الروايات أنّ المعصوم سلام اللّه عليه ربّما كان يصدر منه ذمّ أصحابه حفظاً لهم(2).

قال الشيخ الطوسي:

692 - محمّد بن مسلم بن أبي سلمة: له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عليّ بن محمّد بن سعيد القيرواني، عن محمّد بن مسلم بن أبي سلمة السجستاني(3).

وقال أيضاً:(4)

1. محمّد بن مسلم الثقفي الطحّان الطائفي (2) وكان أعور.

317 - محمّد بن مسلم بن رباح الثقفي، أبو جعفر الطحّان الأعور، أسند عنه قصير حداج، روي عنهما عليهما السلام، وأروي الناس عنه العلاء بن رزين القلّاء، مات سنة خمسين ومائة، وله نحو من سبعين سنة(5).

أصحاب الكاظم عليه السلام، باب الميم، ص 358.

1. محمّد بن مسلم الطحّان، لقي أبا عبداللّه عليه السلام.

********

(1) . رجال النجاشي ص 323 الرقم 882 محمّد بن مسلم.

(2) . معجم رجال الحديث ج 17 ص 255.

(3) . الفهرست ص 320 محمّد بن مسلم.

(4) . رجال الطوسي، أصحاب الباقر عليه السلام، باب الميم، ص 135.

(5) . رجال الشيخ، أصحاب الصادق عليه السلام، باب الميم، ص 300.

ص: 242

قال الحائري:

محمّد بن مسلم الطائفي

قال: قلت لأبي عبداللّه عليهما السلام: إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك... إلي أن قال: «فما يمنعك من محمّد بن مسلم، فإنّه قد سمع من أبي وكان عنده وجيهاً».

وفي كش(1) أيضاً ذمّه بطرق متعدّدة، أجاب طس(2) عنها بالضعف.

أقول: أجاب شه(3) عن أخبار الذمّ؛ بالضعف، وقوله سلّمه اللّه: ذكرناه من ترجمة زرارة، لا يخفي أنّي لم أذكر هناك كلامه، لأنّ جلالة أمثال هؤلاء كالنور علي الطور، وملخّص جوابه هناك يعود إلي ما أجاب به الصادق عليه السلام عن ذمّ زرارة بقوله: «إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك»(4)، وهذا هو الحقّ في الجواب.

محمّد بن مسلم بن رباح(5)... فقيه ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبداللّه عليهما السلام وروي عنهما، وكان من أوثق الناس....

وعن السيّد الإمام الخوئي: (في الإجابة عن أخبار الذمّ):... ربّما كان يصدر منه عليه السلام ذمّ أصحابه حفظاً لهم فراجع.

والطحّان صيغة نسبة، كالتمّار، والبقّال يعني: من يطحن البُرّ(6).

********

(1) . رجال الكشّي ص 282/168-284.

(2) . التحرير الطاووسي ص 357/496.

(3) . تعليقة الشهيد الثاني علي الخلاصة ص 71.

(4) . انظر: منتهي المقال ج 6 ص 200، تعليقة الوحيد البهبهاني ص 141.

(5) . رباح... كذا في ح. وفي د: معجم رجال الحديث ج 17، ص 255، الياء... إيضاح الاشتباه ص 541/261، رجال ابن داود ص 1504/184، نقد الرجال ج 4 ص 324.

(6) . معجم الصحاح ص 634.

ص: 243

والطائفي: نسبة إلي الطائف بلاد ثقيف(1).

وعن الفيومي: والطائف: بلاد الغور، وهي علي ظهر جبل غزوان، وهو أبرد مكان بالحجاز، والطائف: بلاد ثقيف(2).

وعن الجوهري: ثقيف: أبو قبيلة من هوازن، واسمه: قَسِي، والنسبة إليه ثَقَفِي(3).

وذكر الفيومي: والفاعل من ثَقِفَ ثقيف، وبه سمّي حيّ من اليَمَن والنسبة إليه ثَقَفِي.

6. معروف بن خرّبوذ

6. معروف بن خرّبوذ(4)

عن الكشّيّ في معروف بن خرّبوذ:

373 - ذكر أبوالقاسم نصر بن الصباح عن الفضل بن شاذان قال: دخلت علي محمّد بن أبي عمير وهو ساجد، فأطال السجود، فلمّا رفع رأسه وذكر له طول سجوده قال: كيف ولو رأيت جميل بن درّاج، ثمّ حدّثه أنّه دخل علي جميل بن درّاج فوجده ساجداً فأطال السجود جدّاً فلمّا رفع رأسه قال محمّد بن أبي عمير: أطلت السجود، فقال: لو رأيت معروف بن خرّبوذ.

374 - طاهر بن عيسي، قال: وجدت في بعض الكتب عن محمّد بن الحسين، عن إسماعيل بن قتيبة، عن أبي العلاء الخفّاف، عن أبي جعفر عليه السلام

********

(1) . نفس المصدر، ص 651.

(2) . المصباح المنير ص 144.

(3) . نفس المصدر، ص 144.

(4) . رجال الكشّيّ ص 211 و 212.

ص: 244

قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أنا وجه اللّه، أنا جنب اللّه، وأنا الأوّل وأنا الآخر، وأنا الظاهر وأنا الباطن، وأنا وارث الأرض، وأنا سبيل اللّه، وبه عزمت عليه».

فقال معروف بن خرّبوذ: ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلو.

375 - جعفر بن معروف قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن ابن بكير، عن محمّد بن مروان قال: كنت قاعداً عند أبي عبداللّه عليه السلام أنا ومعروف بن خرّبوذ فكان ينشدني الشعر وأنشده، ويسألني وأسأله، وأبو عبداللّه عليه السلام يسمع، فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: لئن يمتلي جوف الرجل قيحاً خير له من يمتلي شعراً». فقال معروف: إنّما يعني بذلك الذي يقول الشعر. فقال: ويلك - أو ويحك - قد قال ذلك رسول اللّه صلي الله عليه و آله.

376 - طاهر قال: حدّثني جعفر، قال: حدّثني الشجاعي، عن محمّد بن الحسين، عن سلام بن بشير الرمّاني، وعليّ بن إبراهيم التميمي، عن محمّد الأصبهاني قال: كنت قاعداً مع معروف بن خرّبوذ بمكّة ونحن جماعة، فمرّ بنا قوم علي حمير معتمرون من أهل المدينة، فقال لنا معروف: سلوهم: هل كان بها خبر؟ فسألناهم، فقالوا: مات عبداللّه بن الحسن، فأخبرناه بما قالوا، قال:

فلمّا جاوزوا مرّ بنا قوم آخرون، فقال لنا معروف: فسلوهم: هل كان بها خبر؟ فسألناهم فقالوا: كان عبداللّه بن الحسن أصابته غشية وقد أفاق، فأخبرناه بما قالوا، فقال: ما أدري ما يقول هؤلاء، وأُولئك، أخبرني ابن المكرّمة - يعني أبا عبداللّه عليه السلام - أنّ قبر عبداللّه بن الحسن بن الحسن وأهل بيته علي شاطئ الفرات.

قال: فحملهم أبو الدوانيق، فقُبِروا علي شاطئ الفرات.

قال الحائري:

ص: 245

... روي كش فيه قدحاً ومدحاً، والطرق فيها ضعيفة.

وفي تعق - تعليقة العلّامة -: طعن طس - ابن طاووس - في رواية القدح، وهي المتضمّنة لقوله عليه السلام: ويحك - أو ويلك -، بضعف الطريق، والحقّ في الجواب ما ذكرناه في زرارة.

أقول: لعلّ هذا الجواب لم يكن أقرب إلي الصواب، لأنّ معروف بن خرّبوذ ليس كزرارة، وما لم يرد فيه كالذي ورد فيه، وإن كان الظاهر أيضاً جلالته، والطعن بضعف الطريق جواب بليغ وإن كان لا يظهر من الخبر ذلك(1) الذمّ، وخبر المدح ليس فيه إلّانصر بن الصباح، ويأتي في ترجمته إن شاء اللّه جلالته(2)، وكيف كان فإنّ حكاية إجماع العصابة خالية عن المعارض، ولذا ذكره الفاضل عبدالنبي الجزائري في قسم الثقات، وقال بعد نقل الإجماع المزبور: ولم نر ما يعارض ذلك، وكأنّ العلّامة غفل عن ذلك(3).

وعن التفرشي: وقال الكشّي(4) أيضاً في موضع آخر: إنّه ممّن أجمعت العصابة علي تصديقهم من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبداللّه عليه السلام، وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: إنّهم أفقه الأوّلين(5).

وعن المحقّق الخوئي: إنّ الروايات الذامّة التي أوردها الكشي كلّها ضعاف، حكم بوثاقته لوقوعه في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي عليه السلام، وروي عنه عبداللّه

********

(1) . فاعل «لا يظهر».

(2) . فاعل «يأتي».

(3) . منتهي المقال ج 6 ص 290.

(4) . رجال الكشّي ص 431/238.

(5) . نقد الرجال ج 4 ص 394.

ص: 246

ابن سنان في تفسير القمّي ذيل قوله تعالي: (وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ...) .

ذكر بعض: أنّ عدّ الشيخ معروف بن خرّبوذ من أصحاب السجّاد عليه السلام في غير محلّه، فإنّ الكشي عدّه من فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام وهذا يدلّ علي أنّه من أصحابهما فقط، ولكن هذا غير صحيح، فإنّ كون شخص من أصحاب الصادقين عليهما السلام لا ينافي كونه من أصحاب السجّاد عليه السلام أيضاً.

فالظاهر أنّه أدرك السجّاد سلام اللّه عليه، ولكنّه لم يعد من الفقهاء، وإنّما صار فقيهاً بعد ذلك علي يد أبي جعفر عليه السلام، وممّا يؤيّد دركه زمان السجّاد عليه السلام روايته عن بشير بن تيم الصحابي، علي ما ذكره ابن الأثير الجزري في اُسد الغابة(1).

وكيف كان فطريق الصدوق إليه: أبوه رحمه الله، عن سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة الأحمسي، عن معروف بن خرّبوذ المكّي، والطريق صحيح(2).

ومع أنّه من أصحاب الإجماع وفقهاء أصحاب الأئمّة عليهم السلام ولكن رواياته تبلغ أحد عشر مورداً(3).

7. أبان بن عثمان

عن الكشّي: أبان بن عثمان

تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 19 ص 189.

(2) . نفس المصدر، ج 17 ص 230.

(3) . نفس المصدر، ج 17 ص 230.

ص: 247

705 - أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عيسي، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة ابن ميمون -: إنّ أفقه هؤلاء: جميل بن درّاج، وهم أحداث(1) أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام.

659 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير حمدويه قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: كنت أقود أبي، وقد كان كُفَّ بصره حتّي صرنا إلي حلقة فيها أبان الأحمر، فقال لي: عمّن تحدّث؟ قلت: عن أبي عبداللّه عليه السلام. فقال: ويحه! سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «أمّا إنّ منكم الكذّابين، ومن غيركم المكذّبين».

660 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن الحسن قال: كان أبان من أهل البصرة، وكان مولي بجيلة، وكان يسكن الكوفة، وكان من الناووسيّة.

قال النجاشي(2):

أبان بن عثمان الأحمر البجلي، مولاهم، أصله كوفيّ، كان يسكنها تارة والبصرة تارة، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمّر بن المثنّي، وأبو عبداللّه محمّد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيّام. روي

********

(1) . قال الفيروزآبادي: رجل حَدَثُ السنّ وحديثها بيّن الحداثة والحدوثة: فَتِيّ: القاموس المحيطص 214. قال الفيّومي في المصباح: ويقال للفتي الشابّ: حديث السنّ، فإذا حذف السنّ قلت: حَدَث بفتحتين، وجمعه: أحداث. معجم مجمع البحرين ص 268، المصباح المنير ص 48.

(2) . رجال النجاشي ص 8/13.

ص: 248

عن أبي عبداللّه وأبي الحسن موسي عليهما السلام، له كتاب حسن كبير يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردّة، أخبرنا بها أبوالحسن التميمي قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن زرارة، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بها.

وأخبرنا أحمد بن عبدالواحد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد القرشي، قال:

حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال.

وأخبرنا أبو عبداللّه بن شاذان، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، قال:

حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، قال:

حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبان بكتبه.

أقول: قال الكشي: كان أبان من أهل البصرة، وكان مولي بجيلة، وكان يسكن الكوفة، ولخّصه النجاشي فقال: البَجَلي، مولاهم، أصله كوفيّ، البَجلي نسبة إلي بجيلة، وهي حيّ من الكوفة، ومولاهم يعني متّحد معهم، وتجب عليهم حمايته، ومولي إذا أضيف إلي القبيلة فهو يدلّ علي التوافق والتصالح بينهم، وهو في حمايتهم.

وأمّا إذا قلنا: مولي، فهو أعجميّ مقابل عربيّ أصيل، أي خالص، وأمّا مولي الرضا، أو مولي السجّاد أي: مُعْتَقَهم.

قال الطوسي:(1)

أبان بن عثمان الأحمر البجلي، أبو عبداللّه، مولاهم، أصله من الكوفة وكان يسكنها تارة والبصرة أُخري، ويأخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمّر بن المثنّي

********

(1) . الفهرست ص 7-9.

ص: 249

وأبو عبداللّه محمّد بن سلام(1)، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعر والنسب والأيّام، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن موسي عليهما السلام، وما عرف من مصنّفاته إلّا كتابه الذي يجمع المبدأ والمبعث، والمغازي، والوفاة والسقيفة، والردّة.

أخبرنا بهذه الكتب - وهي كتاب واحد - الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن سعيد قراءة عليه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن زرارة، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان.

قال عليّ بن الحسن بن فضّال: وحدّثنا إسماعيل بن مهران قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن أبي نصر، ومحمّد بن سعيد بن أبي نصر جميعاً، عن أبان.

وأخبرنا أحمد بن عبدون قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الزبير، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضّال.

وأخبرنا الحسين بن عبيدة قال: قرأته علي ابن أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري، قال: حدّثنا جدّ أبي وعمّ أبي محمّد وعليّ ابنا سليمان، عن عليّ بن الحسن بن فضّال.

وأخبرنا أبوالحسن بن أبي جيد القمّي، والحسين بن عبيداللّه جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري، قال:

حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان. هذه رواية الكوفيّين وهي رواية ابن فضّال ومن شاركه فيها من القمّيّين. وهناك نسخة أُخري أنقص منها، رواها القمّيّون، أخبرنا بها الحسين ابن الحسين بن عبيد اللّه، عن أحمد بن جعفر بن سفيان قال: حدّثنا أحمد بن

********

(1) . كلاهما من أصحاب غريب القرآن والحديث.

ص: 250

إدريس، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن أبان. وأخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن المعلّي بن محمّد البصري، عن محمّد بن جمهور العمي، عن جعفر بن بشير، عن أبان بن عثمان.

وله أصل أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل محمّد بن عبيداللّه الشيباني، عن أبي جعفر، عن محمّد بن جعفر بن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محسن بن أحمد، عن أبان.

وبهذا الإسناد عن أحمد بن عيسي، عن ابن أبي نصر، عن أبان كتاب المغازي.

قال أبو عليّ الحائري:

وفي «صه»: قال الكشّي:... كان أبان بن عثمان من الناووسيّة. ثمّ قال أبو عمرو الكشّيّ:... فالأقرب عندي قبول روايته. وإن كان فاسد المذهب للإجماع المذكور.

وقال المقدّس الأردبيلي رحمه الله... غير واضح كونه ناووسيّاً، بل قيل: كان ناووسيّاً، وفي «كش» الذي عندي: قال كان قادسيّاً، أي: من القادسيّة، فكأنّه تصحيف(1).

ونقل عن فخر المحقّقين أنّه قال: سألت والدي رحمه الله عنه فقال: الأقرب عدم قبول روايته لقوله تعالي: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (2)، ولا فسق أعظم من

********

(1) . منتهي المقال ج 1 ص 137.

(2) . الحجرات/ 6.

ص: 251

عدم الإيمان(1).

وعن السيّد الخوئي: محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن الحسن قال:

كان أبان من أهل البصرة، وكان مولي بجيلة، وكان يسكن الكوفة، وكان من القادسيّة الناووسيّة. أقول: هكذا في النسخة المطبوعة وفي مجمع الرجال للشيخ عناية اللّه القهبائي: وكان من الناووسيّة. وعن بعض النسخ: وكان من القادسيّة، والظاهر أنّ الصحيح هو الأخير... كيف يمكن أن يكون من الناووسيّة وهم الذين وقفوا علي أبي عبداللّه عليه السلام وقالوا: إنّه حيّ لم يمت، وهو المهديّ الموعود(2)!

وبعد اللَّتيا واللتي فإنّ النجاشي والشيخ لم يتعرّضا لتوثيقه فهو موثّق عند المتأخّرين، عن الشهيد الثاني وابنيه، لأنّه من أصحاب الإجماع.

وعنه أيضاً: قال العلّامة في الفائدة الثامنة من خاتمة الخلاصة في بيان طريق الصدوق إلي أبي مريم الأنصاري: إنّ أبان بن عثمان فطحيّ، أقول: لم يعلم منشأ ذلك وقد أخذ ذلك عن العلّامة من تأخّر عنه؛ كالشهيد الثاني في الدراية في أوائل الباب الأوّل في أقسام الحديث ومن المطمئنّ إليه هذا سهو من العلّامة، فإنّه لم يسبقه في ذلك غيره، وهو في محكيّ المنتهي نسب إليه أنّه واقفيّ، وفي محكيّ المختلف أنّه من الناووسيّة، وكيف كان؛ فقد قال الكشي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: «أجمعت....

وهو يكفي في توثيقه، علي أنّه وقع في طريق جعفر بن عليّ بن إبراهيم بن

********

(1) . ذكر ذلك الشهيد الثاني في تعليقته علي الخلاصة ص 15، معالم الأُصول ص 200، نقد الرجال ج 1 ص 46.

(2) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 160.

ص: 252

هاشم في التفسير، وقد شهد بأنّ ما وقع فيه من الثقات(1).

8. جميل بن درّاج

عن الكشّي(2)

في جميل بن درّاج ونوح أخيه:

467 - حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا: حدّثنا أيّوب بن نوح، عن عبداللّه ابن المغيرة، قال: حدّثنا محمّد بن حسان، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يتلو هذه الآية: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (3) ثمّ أهوي بيده إلينا، ونحن جماعة فينا جميل بن درّاج وغيره، فقلنا: أجل واللّه، جعلت فداك لا نكفر بها.

468 - محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عمر بن عبدالعزيز، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال لي: «يا جميل، لا تحدّث أصحابنا بما لم يجمعوا عليه، فيكذّبوك».

قال محمّد بن مسعود: سألت أبا جعفر حمدان بن الكوفي، عن نوح بن درّاج فقال: كان من الشيعة، وكان قاضي الكوفة، فقيل له: لِمَ دخلت في أعمالهم؟ فقال: لم أدخل في أعمال هؤلاء، حتّي سألت أخي جميلاً يوماً، فقلت له: لِمَ لا تحضر المسجد؟ فقال: ليس لي إزار، وقال حمدان: مات جميل

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 161.

(2) . رجال الكشّي ص 251 و 252.

(3) . الأنعام/ 89.

ص: 253

عن مائة ألف.

وقال حمدان: كان درّاج بقّالاً، وكان نوح مخارجه من الذين يفتون في القضيّة التي تقع بين المجالس. قال: وكان يكتب الحديث. وكان أبوه يقول: لو ترك القضاء لنوح أيّ رجل كان. (كان ثقة)

469 - نصر بن الصباح، قال: حدّثني الفضل بن شاذان قال: دخلت علي محمّد بن أبي عمير وهو ساجد، فأطال السجود، فلمّا رفع رأسه ذكر له الفضل طول سجوده فقال: كيف لو رأيت جميل بن درّاج، ثمّ حدّثه أنّه دخل علي جميل بن درّاج فوجده ساجداً فأطال السجود جدّاً، فلمّا رفع رأسه قال له محمّد بن أبي عمير: أطلت السجود، فقال: لو رأيت معروف بن خرّبوذ(1).

قال آية اللّه الخوئي: هذه الروايات بأسرها ضعيفة السند(2)، ولكن لا بأس بهما، لأنّ النجاشي وثّقه وقال: وجه الطائفة. وكلمة وجه أشدّ من الثقة مع أنّ النجاشي أردفه بلفظ: الثقة.

وقال آية اللّه الزنجاني وهو من المراجع المعاصرين، إنّ الدلالة وجه في التوثيق أشدّ من كلمة الثقة.

قال النجاشي: جميل بن درّاج(3)

ودرّاج يكنّي بأبي الصبيح - بن عبداللّه أبو علي النخعي، وقال ابن فضّال: أبو محمّد شيخنا، ووجه الطائفة، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، وأخذ عن زرارة، وأخوه نوح بن درّاج القاضي، كان أيضاً من أصحابنا، وكان

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 4 ص 151.

(2) . نفس المصدر.

(3) . رجال النجاشي ص 126 و 127.

ص: 254

يخفي أمره وكان أكبر من نوح، وعمي في آخر عمره ومات في أيّام الرضا عليه السلام، له كتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه كثيرة، وأنا علي ما ذكرته في هذا الكتاب لا أذكر إلّاطريقاً أو طريقين، حتّي لا يكبر الكتاب، إذ الغرض غير ذلك.

قرأته علي الحسين بن عبيداللّه، حدّثكم أحمد بن محمّد الزراري، عن جدّه، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أيّوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن جميل.

وله كتاب اشترك هو ومحمّد بن حمران فيه، رواه الحسن بن عليّ بن بنت إلياس عنهما، أخبرنا محمّد بن نوح التميمي، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي من كتابه وأصله في رجب سنة تسع ومائتين، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن بنت إلياس عنهما به.

وله كتاب اشترك هو ومرازم بن حكيم فيه، أخبرنا الحسين بن عبيداللّه، قال:

حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن حديد عنهما.

قال الشيخ الطوسي:(1)

153 - جميل بن درّاج، ودرّاج يكنّي بأبي الصبيح بن عبداللّه أبو علي النخعي، وقال ابن فضّال: أبو محمّد شيخنا، ووجه الطائفة، ثقة، وأخوه نوح بن درّاج القاضي، كان أيضاً من أصحابنا، وكان يخفي... وهو من الستّة الذين اجتمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم ومقدّمهم وثقتهم، له أصل، وهو ثقة.

********

(1) . الفهرست ص 81.

ص: 255

أخبرنا به الحسين بن عبيداللّه، عن محمّد بن عليّ بن الحسن، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن يعقوب، عن يزيد، عن ابن أبي عمير وصفوان، عن جميل بن درّاج.

قال الحائري: جميل بن درّاج

... وقال ابن فضّال: أبو محمّد شيخنا ووجه الطائفة، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام...(1).

ثمّ قال: في تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق عليه السلام بعد عدّه مع عبداللّه بن مسكان، وابن بكير، وحمّاد بن عثمان، وأبان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن ميمون - أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج(2).

قال التفرشي: (يذكر قول أبي فضّال من رجال النجاشي)(3).

وعن السيّد الخوئي: وقال الشيخ في كتاب الغيبة في عنوان الواقفة: كان من الواقفة، ثمّ رجع، لما ظهر من المعجزات علي يد الرضا عليه السلام الدالّة علي صحّة إمامته، فالتزم الحجّة، وقال بإمامته وإمامة من بعده من ولده، وطريق الشيخ إليه صحيح.

وطريق الصدوق إليه: أبوه رضي الله عنه، عن سعد بن عبداللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، والطريق صحيح(4).

********

(1) . رجال النجاشي ص 328/126.

(2) . رجال الكشّيّ ص 705/375، وفيه زيادة: حمّاد بن عيسي ضمن المعدودين؛ منتهي المقال ج 2 ص 288-290.

(3) . نقد الرجال ج 1 ص 369.

(4) . معجم رجال الحديث ج 4 ص 151.

ص: 256

9. حمّاد بن عثمان

عن الكشّي في حمّاد الناب، وجعفر، والحسين، وأخويه(1)

694 - حمدويه قال: سمعت أشياخي يذكرون: أنّ حمّاداً وجعفراً والحسين بني عثمان بن زياد الرواسي، وحمّاد يلقّب بالناب، وكلّهم فاضلون، خيار، ثقات. حمّاد بن عثمان مولي غنيّ(2)، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة(3).

قال النجاشي:

371 - حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري، مولاهم، كوفيّ، كان يسكن عرزم فنسب إليها، وأخوه عبداللّه ثقتان، رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، وروي حمّاد عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام، ومات حمّاد بالكوفة في سنة تسعين ومائة، ذكرهما أبو العبّاس في كتابه، وروي عنه جماعة منهم أبو جعفر محمّد ابن الوليد بن خالد الخزّاز البجلي، أخبرنا أبوالحسن أحمد بن الجندي، قال:

حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همّام، قال: حدّثنا عبداللّه بن جعفر، قال: حدّثنا محمّد ابن الوليد بكتاب حمّاد بن عثمان.

حمّاد بن عثمان(4)

252 - حمّاد بن عثمان الناب (يعرف بالناب، كان يسكن عرزم(5) فنسب

********

(1) . رجال الكشّي ص 372.

(2) . وغَنِيُّ: حيّ من غطفان وسمّوا غُنَيّة وغُنَيّ كسميّة وسُمّي. القاموس المحيط ص 1701، والنسبة إليه غَنَوِيّ.

(3) . معجم رجال الحديث ج 4 ص 151.

(4) . الفهرست للشيخ الطوسي ص 115.

(5) . عَرْزَم علي وزن دَحْرَج، جبّانة بالكوفة. القاموس المحيط ص 1468. والجبّان في الأصل: الصحراء، وأهل الكوفة يُسمّون المقابر جبّانة، وبالكوفة محالّ تسمّي بهذا الاسم وتضاف إلي القبائل.

ص: 257

إليها، هو وأخوه عبداللّه ثقتان، رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام واختصّ حمّاد بروايته عن الكاظم والرضا صلوات اللّه وسلامه عليهما، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة) الكوفي، ثقة، جليل القدر. له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه، والحميري عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان.

وأخبرنا به أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، والحسن بن عليّ الوشّاء والحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن عثمان.

قال الحائري:

حمّاد بن عثمان الناب: ثقة جليل القدر، ست(1) وزاد صه: من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام... قال الكشّيّ: عن حمدويه عن أشياخه قال: حمّاد ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه(2).

وقال السيّد الخوئي:

ثمّ إنّه وقع الكلام في أنّ حمّاد بن عثمان الناب متّحد مع حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد، أو أنّه مغاير له؟ ظاهر العلّامة وابن داود تغايرهما، فإنّهما عَنْونا كلّاً منهما مستقلّاً، واختار ذلك بعض من تأخّر عنهما صريحاً، واستظهر المجلسي الأوّل اتّحادهما ذكره الوحيد في التعليقة، ولكنّه استظهر التعدّد.

********

(1) . الفهرست ص 240/60.

(2) . الخلاصة ص 3/56، منتهي المقال ج 3 ص 114.

ص: 258

أقول: يدلّ علي الاتّحاد: أنّ النجاشي ذكر أنّ حمّاد بن عثمان بن عمرو، روي عنه جماعة... ولو كانا متعدّدين لزم علي كلّ من النجاشي والشيخ أن يتعرّض لكليهما، فمن عدم تعرّض النجاشي للناب، وعدم تعرّض الشيخ لابن عثمان بن عمرو بن خالد، يستكشف الاتّحاد، إذ كيف يمكن أن لا يتعرّض النجاشي لمن تعرّض له الشيخ والكشّي، وذكر الكشّي إجماع العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، ويؤيّد ذلك بأنّ البرقي لم يتعرّض لغير الناب، كما أنّ الصدوق لم يذكر في المشيخة، ولا في طرقه إلّاحمّاد بن عثمان من دون تعيين، وبأنّ الشيخ والنجاشي ذكرا أنّ راوي كتاب حمّاد هو محمّد بن الوليد بن خالد(1).

وادّعي المحقّق المامقاني أنّ حمّاد بن عثمان بن عمرو بن الخالد الفزاري ليس بمتّحِد مع حمّاد بن عثمان ذو الناب، وإن اتّحد تاريخ وفاتها، لأنّ هذا فزاري وذاك أزديّ، وهذا لم يذكر له إلّاأخ مسمّي بعبداللّه، وذاك له أخوان:

الحسين وجعفر، وهذا جدّه عمر، وذاك زياد الرواسي، وهذا نسب إلي عرزم دون ذاك. وذاك يلقّب بالناب دون هذا، وذاك نقل إجماع العصابة عليه دون هذا، وادّعي المحقّق التستري أيضاً اتّحادهما، وأجاب عمّا ادّعي المامقاني فراجع(2).

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 6 ص 213.

(2) . قاموس الرجال ج 3 ص 648.

ص: 259

10. حمّاد بن عيسي

عن الكشّي: ما روي في حمّاد بن عيسي الجُهَني البصري ودعوة أبي الحسن عليه السلام له وكم عاش.

571 - حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن حمّاد ابن عيسي البصري، قال: سمعت أنا وعبّاد بن صهيب البصري من أبي عبداللّه عليه السلام، فحفظ عبّاد مائتي حديث، وقد كان يحدّث بها عنه عبّاد، وحفظت أنا سبعين. قال حمّاد: فلم أزل أُشكّك نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين حديثاً التي لم تدخلني فيها الشكوك.

572 - حمدويه، قال: حدّثني العبيدي، عن حمّاد بن عيسي قال: دخلت علي أبي الحسن الأوّل عليه السلام فقلت له: جعلت فداك، ادع اللّه لي أن يرزقني داراً وزوجة وولداً وخادماً والحجّ في كلّ سنة. فقال: «اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد وارزقه داراً، وزوجة، وولداً، وخادماً، والحجّ خمسين سنة». قال حمّاد:

فلمّا اشترط خمسين سنة علمت أنّي لا أحجّ أكثر من خمسين سنة. قال حمّاد:

وحججت ثمانياً وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي قد رُزِقت كلّ ذلك، فحجّ بعد هذا الكلام حجّتين تمام الخمسين، ثمّ خرج بعد الخمسين حاجّاً فزامل أبا العبّاس النوفلي القصير، فلمّا صارا في موضع الإحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرقه الماء - رحمنا اللّه وإيّاه - قبل أن يحجّ زيادة علي الخمسين، عاش إلي وقت الرضا عليه السلام، وتوفّي سنة تسع ومائتين، وكان من جهينة، وكان أصله كوفيّاً، ومسكنه البصرة وعاش نيّفاً وسبعين، ومات بوادي قناة بالمدينة وهو وادي

ص: 260

يسيل من الشجرة إلي المدينة.

قال النجاشي: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني مولي، وقيل: عربيّ، أصله من الكوفة وسكن البصرة، وقيل: إنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام عشرين حديثاً، وعن أبي الحسن والرضا عليهما السلام، ومات في حياة أبي جعفر الثاني عليه السلام، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام، ولا عن أبي جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه، صدوقاً، قال: سمعت من أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً، فلم أزل أُدخل الشكّ علي نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين. وله حديث مع أبي الحسن موسي عليه السلام في دعائه بالحجّ، وبلغ من صدقه أنّه روي عن جعفر بن محمّد، وروي عن عبداللّه بن المغيرة، وعبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام.

له كتاب الزكاة أكثره عن حريز، ويسير عن الرجال، أخبرنا به الحسين بن عبيداللّه قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفيان، قال: حدّثنا حميد بن زياد، قال:

حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن غالب، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الزعفراني، عن حمّاد به.

وكتاب الصلاة له، أخبرنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن ناجية، قال الحسن بن فضّال - ورجل يقرأ عليه كتاب حمّاد في الصلاة - قال أحمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتاباً فيه عبر ومواعظ وتنبيهات علي منافع الأعضاء من الإنسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد، وترجمته مسائل التلميذ، وتصنيفه عن جعفر بن محمّد بن عليّ، وتحت الترجمة بخطّ الحسين بن أحمد ابن شيبان القزويني: التلميذ حمّاد بن عيسي، وهذا الكتاب له وهذه المسائل

ص: 261

سأل عنها جعفراً عليه السلام وأجابه.

وذكر ابن شيبان أنّ عليّ بن حاتم أخبره بذلك عن أحمد بن إدريس، قال:

حدّثنا محمّد بن عبدالجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطائي رفعه إلي حمّاد.

وهذا القول ليس بثبت، والأوّل من سماعه من جعفر بن محمّد أثبت.

ومات حمّاد بن عيسي غريقاً بوادي قناة - وهو وادٍ يسيل من الشجرة إلي المدينة وهو غريق الجحفة - في سنة تسع ومائتين، وقيل: سنة ثمان ومائتين، وله نيّف وتسعون سنة رحمه اللّه.

قال الطوسي:

253 - حمّاد بن عيسي (أبو محمّد الجهني، أصله كوفيّ، بقي إلي زمن الرضا عليه السلام، ذهب السيل به في طريق مكّة بالجحفة، ثقة، مولي(1)، وقيل: عربيّ لم يحفظ عنه رواية عن الرضا، ولا عن أبي جعفر عليهما السلام، دعا له أبو الحسن الأوّل عليه السلام بالدار، والزوجة، والولد، والخادم، والحجّ خمسين سنة، فبلغ ذلك، فلمّا حجّ في الحادية والخمسين غرق بالوادي، حيث أراد الغسل للإحرام، عاش نيّفاً وتسعين سنة، ومات سنة تسعين ومائتين بوادي قناة، وهو وادٍ يسيل من الشجرة إلي المدينة) الجهني، غريق الجحفة رحمه اللّه تعالي، ثقة، له كتاب النوادر وكتاب الزكاة، وكتاب الصلاة، أخبرنا بها عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عن أبيه، عن حمّاد بن

********

(1) . أي عَجَميّ: راجع قصّة الزهري مع هشام بن عبدالملك، الباعث الحثيث الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح ج 2 ص 783.

ص: 262

عيسي.

ورواه ابن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، وعليّ بن حديد، عنه.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن أبي القاسم الكوفي، عن إسماعيل بن سهل، عنه(1).

قال الحائري: وفي «ست»: ابن عيسي الجهني غريق الجحفة، ثقة له كتب....

وفي «كش»: حمدويه، قال: حدّثني العبيدي، عن حمّاد بن عيسي قال:

دخلت علي أبي الحسن الأوّل فقلت له: جعلت فداك، ادع اللّه لي أن يرزقني داراً، وزوجة، وولداً، وخادماً، والحجّ في كلّ سنة. فقال: «اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، وارزقه داراً، وزوجة، وولداً، وخادماً، والحجّ خمسين سنة». فلمّا اشترط خمسين سنة علمت أنّي لا أحجّ أكثر من خمسين سنة. قال حمّاد: وحججت ثماني وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي، قد رُزِقت كلّ ذلك... فلمّا صار في موضع الإحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرقه الماء - رحمنا اللّه وإيّاه - قبل أن يحجّ زيادة علي الخمسين(2).

قال التفرشي: بقي إلي زمن الرضا عليه السلام، ذهب به السيل في طريق مكّة بالجحفة، بصريّ، ثقة، من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام.

وللمحقّق الخوئي آراء حول بعض ما ذكر، فراجع(3).

********

(1) . الفهرست ص 116.

(2) . منتهي المقال ج 3 ص 18.

(3) . معجم رجال الحديث ج 6 ص 228.

ص: 263

11. عبداللّه بن بكير

11. عبداللّه بن بكير(1)

عن الكشّي: ما روي في عبداللّه بن بكير بن أعين.

639 - قال محمّد بن مسعود: عبداللّه بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا، منهم: ابن بكير وابن فضّال - يعني الحسن بن عليّ - وعمّار الساباطي وعليّ بن أسباط، وبنو الحسن بن عليّ بن فضّال؛ عليّ وأخواه، ويونس بن يعقوب، ومعاوية بن حكيم، وعدّ عدّة من أجلّة العلماء.

قال النجاشي:

عبداللّه بن بكير بن أعين بن سنسن أبو علي الشيباني، مولاهم، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وإخوته: عبدالحميد، والجهم، وعمر، وعبدالأعلي، روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام، وولد عبدالحميد: محمّد، والحسين، وعليّ، رووا الحديث(2).

له كتاب كثير الرواة؛ أخبرناه أحمد بن عبدالواحد، عن عليّ بن حبشي، عن حميد بن أحمد بن الحسن البصري، عن عبداللّه بن جبلّة، عن عبداللّه بن بكير به....

قال الشيخ الطوسي(3):

405 - عبداللّه بن بكير فطحيّ المذهب، إلّاأنّه ثقة، له كتاب رويناه بالإسناد الأوّل عن ابن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسن بن عليّ بن فضّال عنه.

********

(1) . رجال الكشّي ص 345.

(2) . رجال النجاشي ص 222.

(3) . الفهرست ص 188.

ص: 264

قال الحائري: عبداللّه بن بكير بن أعين... روي عن أبي عبداللّه عليه السلام... إلي أن قال: له كتاب، كثير الرواة، عبداللّه بن جبلّة عنه به، جش. وفي ست: فطحيّ المذهب إلّاأنّه ثقة، له كتاب، رويناه بالإسناد الأوّل.

ونقل «صه» ما في «ست» ثمّ قال: وقال كش: قال محمّد بن مسعود: عبداللّه ابن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا... وقال في آخر: إنّ عبداللّه بن بكير ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا به بالفقه، فأنا أعتمد علي روايته، وإن كان مذهبه فاسداً(1).

قال التفرشي: وقال العلّامة في الخلاصة: وأنا أعتمد علي روايته وإن كان مذهبه فاسداً(2).

وعن السيّد الخوئي: أنّك قد عرفت توثيق عبداللّه بن بكير من الشيخ، والمفيد، وابن قولويه، وعليّ بن إبراهيم، وعدّ الكشّيّ إيّاه من أصحاب الإجماع، فلا ينبغي الإشكال في وثاقته؛ وإن كان فطحيّاً(3).

وأمّا ما ذكره الشيخ في الاستبصار فلا ينافي الحكم بوثاقته، غايته أنّ الشيخ احتمل كذب عبداللّه بن بكير في هذه الرواية بخصوصها نصرة لرأيه، ومن المعلوم أنّ احتمال الكذب لخصوصيّة في مورد خاصّ، لا ينافي وثاقة الراوي في نفسه(4).

وعبداللّه بن بكير هذا بعد عهد الشيخ الطوسي رحمه الله ضعّفه المحقّق الحلّي في

********

(1) . منتهي المقال ج 4 ص 163.

(2) . نقد الرجال ج 3 ص 90.

(3) . معجم رجال الحديث ج 10 ص 125.

(4) . معجم رجال الحديث ج 10 ص 125.

ص: 265

المعتبر، ثمّ وثّقه العلّامة في كتبه لقاعدة الإجماع المنقول وهو الحجّة، ثمّ ضعّفه أتباع العلّامة كأحمد بن فهد الحلّي والشهيد الأوّل والثاني، والعامليِّين كصاحب المدارك و المعالم و استقصاء الاعتبار، ثمّ بعد الألف عمل برواياته العلماء وعلي رأسهم: الشيخ البهائي، والميرداماد، ودليلهم أنّ الوثاقة أمر والعقيدة أمر آخر، والوثاقة لا ينفي العدالة، وهو مع أنّه من أصحاب الإجماع عند الكشّي، وأصحاب المحمول علي حديثهم عند الشيخ الطوسي في العدّة في اُصول الفقه(1).

ومع ذلك كلّه، فقد أنكر الشهيد الثاني حديثه إنكاراً شديداً، فقد قال الشهيدين في اللمعة الدمشقيّة و الروضة البهيّة: وقد قال بعض الأصحاب وهو عبداللّه بن بكير: إنّ هذا الطلاق لا يحتاج إلي محلّل بعد الثلاث، بل استيفاء العدّة الثالثة يهدم التحريم، استناداً إلي رواية أسندها إلي زرارة.

قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ الطلاق الذي يحبّه اللّه تعالي والذي يطلّق الفقيه، وهو العدل بين المرأة والرجل؛ أن يطلّقها في استقبال الطهر، بشهادة شاهدين، وإرادة من القلب، ثمّ يتركها حتّي تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة - وهو آخر القرء لأنّ الأقراء هي الأطهار - فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له، فإن فعل هذا بها مائة مرّة، هَدَم ما قبله وحلّت بلا زوج....

وإنّما كان ذلك قول عبداللّه لأنّه قال حين سئل عنه: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي ومع ذلك رواه بسند صحيح، وقد قال الشيخ: إنّ العصابة أجمعت علي

********

(1) . العدة في اُصول الفقه ج 1 ص 154.

ص: 266

تصحيح ما يصحّ عن عبداللّه بن بكير، وأقرّوا له بالفقه، والثقة.

وفيه نظر، لأنّه فطحي المذهب، ولو كان ما رواه حقّاً لما جعله رأياً له، ومع ذلك فقد اختلف سند الرواية عنه، فتارة أسندها إلي رفاعة، واُخري إلي زرارة، ومع ذلك نسبه إلي نفسه، والعجب من الشيخ - مع دعواه الإجماع المذكور - أنّه قال: إنّ إسناده إلي زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتي به، لما رأي أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه قال، وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي الفطحيّة ما هو معروف، والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فُتياً، يعتقد صحّته لشبهة دخلت عليه إلي بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام...(1).

وقال في مسالك الأفهام: وهذه الرواية مع شذوذها رواها عبداللّه بن بكير وهو فطحيّ المذهب، لا يعتمد علي روايته، خصوصاً مع مخالفتها لغيرها، بل للقرآن الكريم، ومع ذلك ففيها قادح آخر، وهو أنّ عبداللّه كان يفتي بمضمونها ورجع في آخرها، فقال: هذا ما رزق اللّه من الرأي.

وعن الشيخ: ومن هذه حالته يجوز أن يكون أسند ذلك إلي زرارة نصرة لمذهبه الذي كان أفتي به، وإنّه لمّا رأي أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلي من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبداللّه بن بكير معصوماً لايجوز عليه هذا بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي اعتقاد مذهب الفطحيّة ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فُتياً، يعتقد صحّته لشبهة إلي بعض الأئمّة عليهم السلام، وإذا كان الأمر علي ما قلناه، لم يعترض بهذه الرواية

********

(1) . الروضة البهيّة ج 5 ص 38.

ص: 267

ما ذكر في غيرها(1).

والعجب مع هذا القدح العظيم من الشيخ في عبداللّه بن بكير أنّه قال في كتاب الرجال: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه والثقة(2). وذكره غيره(3) من علماء الرجال كذلك، وهذا الخبر ممّا صحّ عن عبداللّه بن بكير، لأنّ الشيخ في التهذيب رواه عن محمّد بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عنه، عن زرارة، والجميع ثقات، وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق، لما ذكرناه من شذوذه، ومخالفته للقرآن، بل لسائر علماء الإسلام(4).

وناقش العلّامة محمّد تقي التستري في النجعة في شرح اللمعة الشهيد الثاني بقوله قلت: لم يدّع الشيخ الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عنه أصلاً، وإنّما قال في فهرسته: فطحيّ المذهب، إلّاأنّه ثقة. وأمّا ادّعاء الاجماع فإنّما هو من الكشّي قال في عنوان: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، من كتابه، والأصل في كلام الكشّي لابدّ شيخه العياشي، كما أنّ الأصل في قول العياشي قول شيخه علي بن فضال الفطحيّ، وأمّا نسبتهم إلي عدّة الشيخ أنّه قال: عملت الطائفة بما رواه فوهم، أصله المحقّق، وإنّما قال الشيخ ثمّة: إنّ الطائفة عملت بما رواه الشيعة غير الإماميّة؛ كابن بكير وغيره، فيما لم يكن له معارض من أخبار الإماميّة، ولا إعراض عن الطائفة، وأين هذا ممّا قالوا، وخبره هذا

********

(1) . تهذيب الأحكام ج 8 ص 107/368.

(2) . اختيار معرفة الرجال ص 705/375.

(3) . خلاصة الرجال ص 106.

(4) . مسالك الأفهام ج 9 ص 129.

ص: 268

معارض بأخبار الإماميّة ومطعون فيه بإعراض الطائفة(1).

وبعد هذا فإنّ الشيخ الطوسي قد وثّق بعض الرواة وحتي الأكابر في فهرسته ورجاله ثمّ قام بتضعيفهم في تهذيب الأحكام، ومنهم عبداللّه بن بكير هذا.

حتّي إنّه أشار في ذيل حديث مرسل عن محمّد بن أبي عمير: أنّ الرواية مرسلة غير أنّه صرّح في العدّة: وإذا كان أحد الراويين مسنداً، والآخر مرسلاً، نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يُعلم أنّه لا يُرسل إلّاعن ثقة موثوق به، فلا ترجّح لخبر غيره علي خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن أبي النصر البزنطي، وهذا المطلب صار سبباً لما قاله العلّامة محمّد بن إسماعيل الخواجوئي في رسالة الكرّ: إنّ كلمات الشيخ الطوسي في التوثيق والتضعيف متضاربة، ومضطربة، لا يمكن التعويل عليها وقد ذكر سهل بن زياد مثالاً من رجال الشيخ وفهرسته من أنّه وثّقه تارة في كتاب، وضعّفه تارة اُخري في كتاب آخر، وإذا كان المثال المطروح موجوداً فبماذا نجيب.

إلّاأنّا نقول: إنّ رحي البحث عند الشيخ الطوسي في التضعيف والتوثيق تدور علي محور الكتابين: الفهرست، والرجال، ولكن قد يضعّف في التهذيب في ذيل حديث عين الحديث الذي وثّقه في الكتابين، ووجه التضعيف هذا هو أنّه يقوم بنقد الحديث المقصود في التهذيب، وبذكر الأدلّة علي تضعيفه فهو يشير إلي أنّ الراوي أيضاً يحتمل الضعف، وحيث لا يخفي إنّ مراسيل ابن أبي عمير عنده معتبرة، أمّا إذا أقيمت أدلّة اُخري علي ضعف الرواية فالإرسال ولو

********

(1) . النجعة كتاب النكاح ص 250.

ص: 269

كان من ابن أبي عمير أيضاً فهو يوجب الضعف، وهكذا محمّد بن سنان عنده، فقد ضعّفه في ذيل روايات الصوم، وكمال الشهر، وسهل بن زياد أيضاً من هذا القبيل، وهذا لا يوجب الاضطراب في كلمات الشيخ الطوسي، فإنّه قوام الفقه وعماده، وأساس علم الرجال ودعاته، وهذا قد تطرقنا إليه سابقاً وبما فيه كفاية.

12. ابن مُسكان

عن الكشّيّ في ابن مسكان وحريز بن عبداللّه السجستاني:

716 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال: حدّثني محمّد ابن عيسي، عن يونس، قال: لم يسمع حريز بن عبداللّه من أبي عبداللّه عليه السلام إلّا حديثاً أو حديثين، وكذلك عبداللّه بن مسكان لم يسمع إلّاحديث: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ»، وكان من أروي أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، وكان أصحابنا يقولون: من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ، فحدّثني ابن أبي عمير، وأحسبه أنّه رواه له: من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحجّ، وزعم يونس أنّ ابن مسكان سرح بمسائل إلي أبي عبداللّه عليه السلام يسأله عنها وأجابه عليها، ومن ذلك: ما خرج إليه مع إبراهيم بن ميمون، كتب إليه يسأله عن خصيّ دلّس نفسه علي امرأة؟ قال: يفرّق بينهما ويوجع ظهره، وذلك أنّ ابن مسكان كان رجلاً موسراً، وكان يتلقّي أصحابه إذا قدموا فيأخذ ما عندهم.

وزعم أبو النضر محمّد بن مسعود أنّ ابن مسكان كان لا يدخل علي أبي عبداللّه عليه السلام شفقة ألّا يوفّيه حقّ إجلاله، فكان يسمع من أصحابه، ويأبي أن

ص: 270

يدخل عليه إجلالاً وإعظاماً له عليه السلام.

وعن النجاشي:

عبداللّه بن مسكان: أبو محمّد، مولي (عنزة)، ثقة، عين، روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام، وقيل: إنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وليس يثبت.

له كتب، منها: كتاب في الإمامة، و كتاب في الحلال والحرام وأكثره عن محمّد بن عليّ الحلبي، أخبرنا أبو عبداللّه القزويني، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا أبي عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن سنان، عنه.

وأخبرنا أحمد بن محمّد المستنشق قال: حدّثنا أبو عليّ بن همّام، قال:

حدّثنا حميد، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، عن الحسين بن هاشم، عن ابن مسكان، مات في أيّام أبي الحسن عليه السلام قبل الحادثة(1).

وعن الشيخ الطوسي:

4230 - عبد اللّه بن مسكان [أبو محمّد، فقيه، معظّم، من الستّة الذين اجتمعت العصابة علي تصديقهم وثقتهم] ثقة، له كتاب، رويناه بالإسناد عن ابن أبي عمير، وصفوان جميعاً، عنه(2).

وعن الحائري: عبداللّه بن مسكان: أبو محمّد، مولي عنزة، ثقة، عين، روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام. وفي «كش» حكاية إجماع العصابة.

وفي القاموس: مسكان - بالضم - شيخ للشيعة اسمه: عبداللّه، والصواب

********

(1) . رجال النجاشي ص 214 الرقم 559 عبداللّه بن مسكان.

(2) . الفهرست ص 196.

ص: 271

زيادة والد قبل «شيخ»(1).

وعن التفرشي: ويظهر من كتب الأخبار أنّه روي عن الصادق عليه السلام كثيراً، كما في باب الأحداث الموجبة للطهارة من التهذيب وغيره، وبعيد أن تكون مثل هذه الأخبار مرسلة.

وعن السيّد الخوئي: وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العدديّة من الفقهاء الأعلام والرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا، والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق لذمّ واحد منهم.

13. أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي

قال الكشّي: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام

1050 - أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستّة نفر آخرون دون الستّة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي البيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان «الحسن بن محبوب»: «الحسن بن عليّ بن فضّال وفضالة بن أيّوب»، وقال بعضهم كان «ابن فضّال»: «عثمان بن عيسي»، وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمن وصفوان ابن يحيي.

********

(1) . منتهي المقال ج 4 ص 236، القاموس المحيط ص 1231 (مادة مَسَكَ) وج 3 ص 319 طبع آخر، والمراد من والد قبل شيخ يعني ليس مسكان من مشايخ الشيخ، بل هو والد لشيخ من شيوخ الشيعة وهو «عبداللّه بن مسكان» فعبداللّه هو الشيخ لا والده.

ص: 272

1099 - وجدت بخطّ جبريل بن أحمد الفاريابي، حدّثني محمّد بن عبداللّه ابن مهران، قال: أخبرني أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام أنا، وصفوان بن يحيي، ومحمّد بن سنان - وأظنّه قال: عبداللّه بن المغيرة، أو عبداللّه بن جندب وهو بصريّ - قال: فجلسنا عنده ساعة ثمّ قمنا، فقال لي: «أمّا أنت يا أحمد فاجلس»، فجلست، فأقبل يحدّثني، فأسأله فيجيبني حتّي ذهب عامّة الليل، فلمّا أردت الانصراف قال لي: «يا أحمد، تنصرف أو تبيت؟» قلت: جعلت فداك، ذاك إليك، إن أمرت بالانصراف انصرفت، وإن أمرت بالقيام أقمت. قال: «أقم، فهذا الحرّ وقد هدأ الليل وناموا»، فقام وانصرف، فلمّا ظننت أنّه قد دخل خررت للّه ساجداً فقلت: الحمد للّه، حجّة اللّه، ووارث علم النبيّين أنس بي من بين إخواني وحبّبني، فأنا في سجدتي وشكري، فما علمت إلّاوقد رفسني برجله ثمّ قمت، فأخذ بيدي فغمزها ثمّ قال: «يا أحمد، إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان في مرضه، فلمّا قام من عنده قال له: يا صعصة، لا تفتخرنّ علي إخوانك بعيادتي إيّاك، واتّق اللّه»، ثمّ انصرف عنّي.

1100 - محمّد بن الحسن البراثي وعثمان بن حامد الكشّيّان، قالا: حدّثنا محمّد بن يزداد، قال: حدّثنا أبو زكريّا، عن إسماعيل بن مهران، قال محمّد بن يزداد: وحدّثنا الحسن بن عليّ بن نعمان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: كنت عند الرضا عليه السلام، قال: فأمسيت عنده، قال: فقلت: أنصرف؟ فقال لي:

«لا تنصرف فقد أمسيت». قال: فأقمت عنده. قال: فقال لجاريته: «هاتي مضربتي ووسادتي فافرشي لأحمد في ذلك البيت». قال: فلمّا صرت في البيت

ص: 273

دخلني شيء فجعل يخطر ببالي: من مثلي في بيت وليّ اللّه وعلي مهاده، فناداني: «يا أحمد، إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان، فقال: يا صعصعة، لا تجعل عيادتي إيّاك فخراً علي قومك، وتواضع للّه يرفعك اللّه».

وعن النجاشي:

180 - أحمد بن محمّد بن عمرو بن أبي نصر زيد، مولي السكون، أبو جعفر المعروف بالبزنطي، كوفيّ، لقي الرضا وأبا جعفر عليهما السلام، وكان عظيم المنزلة عندهما.

وله كتب، منها: الجامع، قرأناه علي أبي عبداللّه الحسين بن عبيداللّه رحمه الله، قال:

قرأته علي أبي غالي أحمد بن محمّد الزراري، قال: حدّثني به خال أبي؛ محمّد ابن جعفر، وعمّ أبي؛ عليّ بن سليمان، قالا: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عنه به.

وكتاب النوادر: أخبرنا به أحمد بن محمّد بن الجندي، عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد، قال: حدّثنا يحيي بن زكريّا بن شيبان، عنه به.

وكتاب نوادر آخر: أخبرنا به الحسين بن عبيد اللّه، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد أبوالقاسم، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن محمّد بن الحسن بن سهل، قال: حدّثنا أبي؛ محمّد بن الحسن، عن أبيه الحسن بن سهل، عن موسي بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن أحمد بن محمّد، به.

ومات أحمد بن محمّد سنة إحدي وعشرين ومائتين بعد وفاة الحسن بن عليّ بن فضّال بثمانية أشهر(1).

********

(1) . رجال النجاشي ص 180.

ص: 274

ذكر محمّد بن عيسي بن عبيد أنّه سمع منه سنة عشر ومائتين.

وعن الطوسي(1):

72 - أحمد بن أبي نصر زيد مولي السكوني، أبو جعفر، وقيل: أبو علي، المعروف بالبزنطي، كوفيّ، ثقة، لقي الرضا عليه السلام، وكان عظيم المنزلة عنده، وروي عنه كتاباً، وله من الكتب، كتاب الجامع، أخبرنا به عدّة من أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد، والحسين بن عبيداللّه وأحمد بن عبدون وغيرهم، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري، قال: حدّثنا به خال أبي؛ محمّد بن جعفر، وعمّ أبي؛ عليّ بن أبي سليمان، قالا:

حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمّد.

وأخبرنا به أبو الحسين بن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، ومحمّد بن عبدالحميد العطّار جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

وله كتاب النوادر، أخبرنا به أحمد بن محمّد بن موسي، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيي بن زكريّا بن شيبان، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن أبي نصر.

ومات أحمد بن محمّد سنة إحدي وعشرين ومائتين.

قال الحائري: أحمد بن محمّد بن أبي نصر

... لقي الرضا عليه السلام وأبا جعفر عليه السلام وكان عظيم المنزلة عندهما، وله كتب منها:

الجامع.

********

(1) . الفهرست ص 36.

ص: 275

و «صه» ك «ست» إلي قوله: عنده، وزاد: وهو ثقة، جليل القدر، وكان له اختصاص بأبي الحسن الرضا عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام، أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه.

وفي أوائل الذكري: إنّ الأصحاب أجمعوا علي قبول مراسيله كابن أبي عمير وصفوان بن يحيي(1).

وقال الشيخ في الرجال: ثقة، جليل القدر، من أصحاب الكاظم، والرضا، والجواد عليهم السلام(2).

وعن السيّد الخوئي: وقال الشيخ في كتاب الغيبة في عنوان الواقفة: كان واقفاً ثمّ رجع لما ظهر من المعجزات علي يد الرضا عليه السلام، الدالّة علي صحّة إمامته، فالتزم الحجّة، وقال بإمامته وإمامة من بعده من ولده(3).

قال الطوسي:

34 - أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي مولي السكوني، ثقة، جليل القدر(4).

2 - أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، ثقة، مولي السكوني، له كتاب الجامع، روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام(5).

5 - أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي من أصحاب الرضا عليه السلام(6).

********

(1) . منتهي المقال ج 1 ص 309، ذكري الشيعة ج 1 ص 45.

(2) . نقد الرجال ج 1 ص 149.

(3) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 232.

(4) . رجال الطوسي ص 344.

(5) . نفس المصدر، ص 366.

(6) . نفس المصدر، ص 397.

ص: 276

وللصدوق إليه طريقان، وللشيخ إليه طريق أيضاً، والكلّ صحيح، ولم يذكر الشيخ طريقه إليه في المشيخة، وإنّما ذكره في الفهرست(1).

14. الحسن بن محبوب

عن الكشّي:

ما روي في الحسن بن محبوب:

1094 - عليّ بن محمّد القتيبي، قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن الحسن بن محبوب نسبة جدّه الحسن بن محبوب: أنّ الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب، وكان وهب عبداً سنديّاً، مملوكاً لجرير بن عبداللّه البجلي زرّاداً فصار إلي أميرالمؤمنين عليه السلام وسأله أن يبتاعه من جرير، فكره جرير أن يخرجه من يده، فقال: الغلام حرّ قد أعتقته، فلمّا صحّ عتقه صار في خدمة أميرالمؤمنين عليه السلام. ومات الحسن بن محبوب في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة، وكان آدم شديد الأدمة، أنزع سباطاً خفيف العارضين، ربعة من الرجال، يخمع من وركه الأيمن.

1095 - أحمد بن عليّ القمّي السلولي قال: حدّثني الحسن بن خرّزاذ، عن الحسن بن عليّ بن النعمان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إنّ الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا برسالة، قال: «صدق، لا تقل: الزرّاد، بل قل: السرّاد، إنّ اللّه تعالي يقول: (وَ قَدِّرْ فِي اَلسَّرْدِ) (2)».

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 236.

(2) . سبأ/ 11.

ص: 277

قال نصر بن الصباح: ابن محبوب لم يكن يروي عن ابن فضّال، بل هو أقدم من ابن فضّال وأسنّ، وأصحابنا يتّهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة، وسمعت أصحابنا أنّ محبوباً أبا الحسن كان يعطي الحسن بكلّ حديث يكتبه عن عليّ بن رئاب درهماً واحداً.

في ترجمة جعفر بن بشير: له كتاب المشيخة، مثل كتاب الحسن بن محبوب إلّا أنّه أصغر منه.

وأيضاً في ترجمة داود بن كورة: أنّه بوّب كتاب المشيخة للحسن بن محبوب السرّاد علي معاني الفقه(1).

وعن النجاشي:

203 - الحسن بن محبوب السرّاد، ويقال له: الزرّاد(2)، يكنّي أبا عليّ، مولي بجيلة، كوفيّ، ثقة، روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام وروي عن ستّين رجلاً من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، وكان جليل القدر، يُعدّ في الأركان الأربعة في عصره [أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه، مات سنة أربع وعشرين ومائتين عن خمس وسبعين سنة] له كتب كثيرة: منها كتاب المشيخة وكتاب الحدود، وكتاب الديات، وكتاب الفرائض، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب النوادر نحو ألف ورقة. وزاد ابن النديم: كتاب التفسير، وكتاب المعتق رواهما أحمد بن محمّد بن عيسي، وأخبرنا بجميع كتبه ورواياته: عدّة

********

(1) . رجال الكشّي ص 584.

(2) . السرّاد من السَرْد وهو الخرز في الأديم. قال في مجمع البحرين: قوله تعالي (وَ قَدِّرْ فِي اَلسَّرْدِ) السرد نسج حلق الدرع، ومنه قيل لصانع الدرع: سرّاد وزرّاد علي البدليّة. مجمع البحرين ص 610.

ص: 278

من أصحابنا، عن أبي جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه، عن الهيثم بن أبي مسروق، ومعاوية بن حكيم، وأحمد بن محمّد بن عيسي، عنه.

وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد ومعاوية بن حكيم، والهيثم بن أبي مسروق، كلّهم عنه.

وأخبرنا أحمد بن محمّد بن موسي بن الصلت، عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، عن جعفر بن عبداللّه، عنه.

وأخبرنا بكتاب المشيخة، قراءة عليه، أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد ابن الزبير، عن الحسن بن عبدالملك الأودي (الأزدي) عنه.

وله كتاب المزاح، أخبرنا به أحمد بن عبدون، عن أبي طالب الأنباري، عن حميد بن زياد، عن يونس بن عليّ بن العطّار، عنه(1).

وعن الحائري:

الحسن بن محبوب

ثقة، روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، وروي عن ستّين رجلاً من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، وكان جليل القدر، يعدّ في الأركان الأربعة في عصره «ست».

قال نصر بن الصباح: ابن محبوب لم يكن يروي عن ابن أبي فضّال، بل هو أقدم من ابن فضّال وأسنّ، وأصحابنا يتّهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة، وسمعت - أنا - أصحابنا: أنّ محبوباً أبا حسن كان يعطي الحسن بكلّ

********

(1) . الفهرست ص 96 و 97.

ص: 279

حديث يكتبه عن عليّ بن رئاب درهماً واحداً(1).

وعن التفرشي: كوفيّ، ثقة، من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام. رجال الشيخ(2).

وعن السيّد الخوئي: وعدّه في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام قائلاً: مولي ثقة، وفي أصحاب الرضا عليه السلام قائلاً: مولي بجيلة، كوفيّ، ثقة(3).

15. صفوان بن يحيي

15. صفوان بن يحيي(4)

عن الكشّيّ:

ما روي في صفوان بن يحيي وإسماعيل بن الخطّاب

962 - حدّثني محمّد بن قولويه، عن سعد، عن أيّوب بن نوح، عن جعفر ابن محمّد بن إسماعيل، قال: أخبرني معمّر بن خلّاد، قال: رفعت ما خرج من غلّة إسماعيل بن الخطّاب بما أوصي به إلي صفوان بن يحيي، فقال: «رحم اللّه إسماعيل بن الخطّاب بما أوصي به إلي صفوان بن يحيي، ورحم صفوان فإنّهما من حزب آبائي عليهم السلام، ومن كان في حزبنا أدخله اللّه الجنّة».

صفوان بن يحيي مات في سنة عشر ومائتين بالمدينة، وبعث إليه أبو جعفر عليه السلام بحنوطه وكفّنه، وأمر إسماعيل بن موسي بالصلاة عليه.

ما روي في صفوان بن يحيي بيّاع السابري، ومحمّد بن سنان، وزكريّا بن آدم

********

(1) . منتهي المقال ج 2 ص 447.

(2) . نقد الرجال ج 2 ص 57.

(3) . معجم رجال الحديث ج 5 ص 89.

(4) . رجال الكشّيّ ص 502.

ص: 280

وسعد بن سعد القمّي

903 - حدّثني محمّد بن قولويه قال: حدّثني سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسي، عن رجل، عن عليّ بن الحسين بن داود القمّي قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر صفوان بن يحيي ومحمّد بن سنان بخير وقال: «رضي اللّه عنهما برضاي عنهما، فما خالفاني قطّ» هذا بعد ما جاء عنه فيها ما قد سمعته من أصحابنا.

964 - عن أبي طالب عبداللّه بن الصلت القمّي قال: دخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره، فسمعته يقول: «جزي اللّه صفوان بن يحيي، ومحمّد ابن سنان، وزكريّا بن آدم عنّي خيراً، فقد وفوا لي»، ولم يذكر سعد بن سعد.

قال: فخرجت فلقيت موفّقاً، فقلت له: إنّ مولاي ذكر صفوان، و محمّد بن سنان وزكريّا بن آدم وجزّاهم خيراً، ولم يذكر سعد بن سعد. قال: فعدت إليه فقال: «جزي اللّه صفوان بن يحيي، ومحمّد بن سنان، وزكريّا بن آدم، وسعد بن سعد عنّي خيراً، فقد وفوا لي».

965 - حدّثني محمّد بن قولويه قال: حدّثني سعد، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع: أنّ أبا جعفر عليه السلام كان لعن صفوان بن يحيي، ومحمّد بن سنان فقال: «إنّهما خالفا أمري». قال: فلمّا كان من قابل قال أبو جعفر عليه السلام لمحمّد بن سهل البحراني: «تولّ صفوان بن يحيي، ومحمّد بن سنان، فقد رضيت عنهما».

266 - وعنه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن معمّر بن خلّاد قال: قال أبوالحسن عليه السلام: «ما ذئبان ضاريان في غنم قد غاب عنها

ص: 281

رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من حبّ الرئاسة»، ثمّ قال: «لكن صفوان لا يحبّ الرئاسة».

267 - محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني أحمد بن محمّد، عن رجل، عن عليّ بن الحسين بن داود القمّي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يذكر صفوان بن يحيي، ومحمّد بن سنان بخير وقال: «رضي اللّه عنهما برضاي عنهما، فما خالفاني، وما خالفا أبي عليه السلام قطّ» بعد ما جاء فيهما ما قد سمعه غير واحد.

وعن النجاشي:

524 - صفوان بن يحيي، أبو محمّد البجلي، بيّاع السابري، كوفيّ، ثقة ثقة(1)، عين، روي أبوه عن أبي عبداللّه عليه السلام، وروي هو عن الرضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة، ذكره الكشّيّ في رجال أبي الحسن موسي عليه السلام وقد توكّل(2) للرضا وأبي جعفر عليهما السلام وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً، وكان شريكاً لعبداللّه بن جندب، وعليّ ابن النعمان.

وروي أنّهم تعاقدوا في بيت اللّه الحرام أنّه من مات منهم صلّي من بقي صلاته، وصام عنه صيامه، وزكّي عنه زكاته، فماتا وبقي صفوان، فكان يصلّي في كلّ يوم مائة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويزكّي زكاته

********

(1) . تكرار لفظ ثقة بدل علي التأكيد، وفي جمهرة اللغة لابن دريد، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ثقة نقة علي الاتباع، والنقة مصدر من النقاوة وفي الحديث: أيّ طهر أنقي من الغسل، ولكن المشهور ثقة ثقة، وهو كسائر التكرارات، نحو هيهات هيهات لما يوعدون، يفيد التأكيد.

(2) . توكّل به، ضمن القيام به. معجم البحرين ص 1399.

ص: 282

ثلاث دفعات، وكلّ ما يتبرّع به عن نفسه ممّا عدا ما ذكرناه، يتبرّع (تبرّع) عنهما مثله.

وحكي أصحابنا أنّ إنساناً كلّفه حمل دينارين إلي أهله إلي الكوفة، فقال: إنّ جمالي مكريّة، وأنا أستأذن الأُجراء.

وكان من الورع والعبادة علي ما لم يكن عليه أحد من طبقته رحمه الله.

وصنّف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا، يعرف منها الآن: كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الزكاة، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب الفرائض، كتاب الوصايا، كتاب الشراء والبيع، كتاب العتق والتدبير، كتاب البشارات، نوادر، أخبرنا عليّ بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزيّات، عن صفوان بسائر كتبه.

مات صفوان بن يحيي رحمه الله سنة عشر ومائتين(1).

وعن الطوسي:

346 - صفوان بن يحيي، مولي بجيلة، يكني أبا محمّد، بيّاع السابري [كوفيّ ثقة ن جش ثقة عين] أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث وأعبدهم، وكان يصلّي كلّ يوم خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله كلّ سنة ثلاث مرّات، وذلك أنّه اشترك هو، وعبداللّه بن جندب، وعليّ بن النعمان في بيت اللّه الحرام فتعاقدوا جميعاً: إن مات واحد منهم يصلّي من بقي بعده صلاته ويصوم عنه، ويحجّ عنه، ويزكّي عنه ما دام حيّاً، فمات صاحباه، وبقي صفوان بعدهما وكان يفي لهما بذلك، كان يصلّي عنهما، ويزكّي عنهما

********

(1) . رجال النجاشي ص 524.

ص: 283

ويصوم عنهما ويحجّ عنهما، وكلّ شيء من البرّ والصلاح يفعله لنفسه، كذلك يفعله عن صاحبيه.

وقال له بعض جيرانه من أهل الكوفة وهو بمكّة: يا أبا محمّد، احمل لي إلي المنزل دينارين، فقال له: إنّ جمالي مكراة، قف حتّي أستأمر فيه جمّالي.

وروي عن الرضا والجواد عليهما السلام، وروي عن أربعين رجلاً من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، وله كتب كثيرة مثل كتب الحسين بن سعيد، وله مسائل عن موسي ابن جعفر عليهما السلام، وروايات، أخبرنا بجميعها جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسن.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبداللّه(1)، ومحمّد بن يحيي، وأحمد بن إدريس، عن محمّد ابن الحسين، ويعقوب بن يزيد عنه.

وأخبرنا بها الحسين بن عبيداللّه، وابن أبي جيد جميعاً، عن أحمد بن محمّد ابن يحيي، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد والحسين بن سعيد، عنه.

وذكر ابن النديم من كتبه: كتاب الشراء والبيع، وكتاب العبادات غير الأوّل، وكتاب المحبّة والوظائف، وكتاب الفرائض، وكتاب الوصايا، وكتاب الآداب، وكتاب بشارات المؤمن، أخبرنا بها أحمد بن عبدون، عن ابن الزبير، عن زكريّا ابن شيبان، عنه.

وقال أيضاً: صفوان بن يحيي - أصحاب الكاظم عليه السلام - صفوان بن يحيي ص 352.

********

(1) . الفهرست ص 171.

ص: 284

صفوان بن يحيي وكيل الرضا عليه السلام، ثقة.

رجال الطوسي: أصحاب الرضا عليه السلام صفوان بن يحيي ص 378.

صفوان بن يحيي البجلي بيّاع السابري مولي ثقة وكيله عليه السلام كوفيّ.

رجال الطوسي: أصحاب الجواد عليه السلام صفوان بن يحيي ص 402.

وعن الحائري:

أبو محمّد البجلي بيّاع السابري كوفي، ثقة ثقة، عين، روي أبوه عن أبي عبداللّه وروي هو عن الرضا عليه السلام وكانت له عنده منزلة شريفة «جش».

وفي «ست»: أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث وأعبدهم(1).

وعنه أيضاً: وفي تعق: صرّح في العدّة بأنّه لا يروي إلّاعن الثقة، وعن الشهيد في أوائل الذكري: أنّ الأصحاب أجمعوا علي قبول مراسيله(2).

وعن التفرشي: وكيل للرضا عليه السلام، ثقة، من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، رجال الشيخ(3).

وعن السيّد الخوئي: أقول: لابدّ من حمل هذه الرواية علي التقيّة ونحوها كما حملنا الروايات الواردة في ذمّ زرارة عليها، أو يردّ علمها إليهم سلام اللّه عليهم، فإنّ مقام صفوان أجلّ من أن يلعنه الإمام عليه السلام، ويؤيّد ذلك ما تقدّم في مدحه من أنّه لم يخالف الإمام عليه السلام قطّ(4).

اعلم أنّ للتوثيق مراتب متعدّدة، أعلاها وأهمّها تكرار لفظ الثقة، واسم

********

(1) . منتهي المقال ج 4 ص 30.

(2) . نفس المصدر، ج 4 ص 31.

(3) . نقد الرجال ج 2 ص 423.

(4) . معجم رجال الحديث ج 9 ص 127.

ص: 285

التفضيل، فلذلك عبّر النجاشي بتكرار: الثقة، وعبّر الشيخ الطوسي بلفظ اسم تفضيل، فقال الأوّل: ثقة ثقة، وقال الثاني: أوثق أهل زمانه، وعبّر النجاشي عن الكليني أيضاً بصيغة اسم التفضيل.

وذكر المحدّث الشهير شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في شرح نخبة الفكر وشارحه الملّا عليّ القارئ الهروي (1014 ه ق) في مراتب التعديل:

ومن المهمّ أيضاً معرفة مراتب التعديل، وأرفعها الوصف بما دلّ علي المبالغة فيه، وأصرح ذلك، التعبير بأفعل؛ كأوثق الناس؛ أي: أكثرهم اعتماداً، أو ما في معناه: أعدل الناس، أو أثبت الناس؛ أي حفظاً وعدالة أو إليه المنتهي في التثبّت، ثمّ ما تأكّد بصفة من الصفات الدالّة علي التعديل، بأن تكرّر بعينه، أو صفتين متغايرتين، فمثال الأوّل كثقة ثقة بكسر المثلّثة فيهما، وحذف الواو منهما، كعِدَة ودِية من الوثوق، وهو الاعتماد والحمل للمبالغة، كرجل عَدل، أو بحذف مضاف، أي: ذو ثقة، والتكرار للتأكيد، أو ثَبْت ثَبْت.

قال السخاوي(1): بسكون الموحّدة: الثابت القلب واللسان، والكتاب والحجّة وأمّا بالفتح فما يُثبِت فيه المحدّث مسموعه مع أسماء المشاركين له فيه، لأنّه كالحجّة عند الشخص لسماعه، وسماع غيره، ومثال الثاني: أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط، أو نحو ذلك، كثقة ثَبْت، وعكسه، والحاصل: أنّ التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة علي الكلام الخالي منه، وعلي هذا، فما زاد علي مرّتين مثلاً تكون أعلي منها كقول ابن سعد(2) في شعبة:

********

(1) . فتح المغيث ج 2 ص 111.

(2) . طبقات ابن سعد ج 7 ص 280.

ص: 286

ثقة مأمون، ثبت حجة، صاحب حديث، قال السخاوي(1): وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عُيَينة: حدَّثنا عمرو بن دينار، وكان ثقة ثقة تسع مرّات وكأنّه سكت لانقطاع نَفَسه، انتهي. يعني أراد التكثير والتأكيد دون الحصر والتحديد، ولعلّ توثيقهم لابن دينار لاستشمام النصب لأهل البيت عليهم السلام من رواياته، كما ذكر بعضها العلّامة محمّد تقي التستري في قاموس الرجال، وهو شيخ ملعون، وكفاه شيخوخة لضعفه(2).

16. عبداللّه بن المغيرة

عن الكشّيّ: ما روي في عبداللّه بن المغيرة، وهو كوفيّ

1110 - وجدت(3) بخطّ أبي عبداللّه محمّد بن شاذان: قال العبيدي محمّد بن عيسي: حدّثني الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: قال عبداللّه بن المغيرة: كنت واقفاً فحججت علي تلك الحالة، فلمّا صرت بمكّة خلج في صدري شيء فتعلّقت بالملتزم، ثمّ قلت: اللهمّ قد علمتَ طلبتي وإرادتي، فأرشدني إلي خير الأديان. فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام، فأتيت المدينة فوقفت ببابه فقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب، فسمعت نداءه: أُدخل يا عبداللّه بن المغيرة، فدخلت، فلمّا نظر إليّ قال: قد أجاب اللّه دعوتك، وهداك

********

(1) . فتح المغيث (السخاوي) ج 2 ص 111، قاموس الرجال ج 8 ص 100، نقد الرجال ج 3 ص 333.

(2) . شرح شرح نخبة الفكر ص 728.

(3) . هذا النقل في طرق تحمل الحديث يسمّي الوجادة.

ص: 287

لدينك، فقلت: أشهد أنّك حجّة اللّه وأمينه علي خلقه(1).

وعن النجاشي:

561 - عبداللّه بن المغيرة، أبو محمّد البجلي، مولي جندب بن عبداللّه بن سفيان العلقي، كوفيّ ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه، روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام، قيل: إنّه صنّف ثلاثين كتاباً.

والذي رأيت أصحابنا رحمهم الله يعرفون منها: كتاب الوضوء، وكتاب الصلاة، وقد روي هذه الكتب كثير من أصحابنا، أخبرنا عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبيداللّه بن عتبة، قال: حدّثنا أيّوب بن نوح، عن عبداللّه بن المغيرة.

وله كتاب الزكاة، وكتاب الفرائض، و كتاب في أصناف الكلام؛ أخبرنا أحمد ابن عليّ بن العبّاس، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، عن جدّه قال:

حدّثنا سعد، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن عبداللّه بن المغيرة عن جدّه(2).

وعن الطوسي:

- أصحاب الكاظم عليه السلام - عبداللّه بن المغيرة - ص 355.

21 - عبداللّه بن المغيرة، مولي بني نوفل من بني هاشم، كوفيّ، خزّاز، له كتاب.

أصحاب الرضا عليه السلام - عبداللّه بن المغيرة - ص 379.

4 - عبداللّه بن المغيرة، مولي بني نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب، خزّاز،

********

(1) . رجال الكشّي ص 594.

(2) . رجال النجاشي ص 215 الرقم 561 عبداللّه بن المغيرة.

ص: 288

كوفيّ.

قال الحائري: عبداللّه بن المغيرة

... ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه، روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام، وروي عنه أيّوب بن نوح، والحسن بن عليّ بن عبداللّه بن المغيرة ابن ابنه «جش».

وفي «كش»:...(1)(,2).

ومثله في نقد الرجال(3).

فلم يثبت أنّ عبداللّه بن المغيرة كان مسبوقاً بالوقف(4).

والمغيرة بصيغة اسم الفاعل.

17. محمّد بن أبي عمير

عن الكشّيّ:

في محمّد بن أبي عمير الأزدي

1103 - قال أبو عمرو: قال محمّد بن مسعود: حدّثني عليّ بن الحسن قال:

ابن أبي عمير أفقه من يونس، وأصلح، وأفضل.

قال نصر بن الصباح: ابن أبي عمير أسنّ من يونس.

وقال نصر أيضاً: ابن أبي عمير روي عن ابن بكير.

********

(1) . الرواية المذكورة في صدر البحث.

(2) . منتهي المقال ج 4 ص 242.

(3) . منتهي المقال ج 3 ص 145.

(4) . معجم رجال الحديث ج 10 ص 329.

ص: 289

وذكر أن محمّد بن أبي عمير أُخذ وحبس وأصابه من الجهد والضيق والضرب أمر عظيم وأُخذ كل شيء كان له وصاحبه المأمون، وذلك بعد موت الرضا عليه السلام، وذهبت كتب ابن أبي عمير فلم يخلص كتب أحاديثه، فكان يحفظ أربعين جلداً فسمّاه نوادر، فلذلك يوجد أحاديث مُتَقطّعة الأسانيد.

1104 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا أبو العباس بن عبداللّه بن سهل البغدادي الواضحي، قال: حدّثنا الريّان بن الصلت، قال: حدّثنا يونس بن عبدالرحمن: أنّ ابن أبي عمير بحر طارس بالموقف والمذهب.

1105 - عليّ بن محمّد القتيبي قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان: سأل أبي رضي الله عنه محمّد بن أبي عمير فقال له: إنّك قد لقيت مشايخ العامّة، فكيف لم تسمع منهم؟ فقال: قد سمعت منهم، غير أنّي رأيت كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة، فاختلط عليهم حتّي كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة، وحديث الخاصّة عن العامّة، فكرهت أن يختلط علَيّ، فتركت ذلك، وأقبلت علي هذا.

وجدت بخطّ أبي عبداللّه الشاذاني، سمعت أبا محمّد الفضل بن شاذان يقول: سُعِي بمحمّد بن أبي عمير - واسم أبي عمير زياد - إلي السلطان أنّه يعرف أسامي عامة الشيعة بالعراق، فأمره السلطان أن يسمّيهم فامتنع، فجُرِّد وعُلِّق بين العقارين وضرب مائة سوط.

قال الفضل: فسمعت ابن أبي عمير يقول: لمّا ضربت فبلغ الضرب مائة سوط، أبلغ الضرب الآلم إليّ، فكدت أن أُسمّي، فسمعت نداء محمّد بن يونس ابن عبد الرحمن يقول: يا محمّد بن أبي عمير، اذكر موقفك بين يدي اللّه

ص: 290

تعالي، فتقوّيت بقوله، فصبرت ولم أخبر، والحمد للّه.

قال الفضل: فأضرّ به في هذا الشأن أكثر من مائة ألف درهم.

1106 - قال محمّد بن مسعود: سمعت عليّ بن الحسن بن فضّال يقول: كان محمّد بن أبي عمير أفقه من يونس، وأصلح، وأفضل.

وجدت في كتاب أبي عبداللّه الشاذاني بخطه، سمعت أبا محمّد الفضل بن شاذان يقول: دخلت العراق فرأيت واحداً يعاتب صاحبه، ويقول له: أنت رجل عليك عيال وتحتاج أن تكتسب عليهم، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك، فلما أكثر عليه، قال: أكثرت علَيّ، ويحك! لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير، ما ظنّك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر، فما رفع رأسه إلّاعند زوال الشمس.

وسمعته يقول: أخذ يوماً شيخي بيدي وذهب بي إلي ابن أبي عمير، فصعدنا إليه في غرفة وحوله مشايخ له يعظّمونه ويبجّلونه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال:

هذا ابن أبي عمير، قلت: الرجل الصالح العابد؟ قال: نعم.

وسمعته يقول: ضُرِب ابن أبي عمير مائة خشبة وعشرين خشبة أيام هارون لعنه اللّه، تولّي ضربه السندي بن شاهك علي التشيّع وحبس، فأدّي مائة وواحداً وعشرين ألفاً حتي خُلِّي عنه. فقلت: وكان متموّلاً؟ قال: نعم، كان ربّ خمسمائة ألف درهم(1).

وعن النجاشي:

محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسي أبو أحمد الأزدي

********

(1) . رجال الكشّيّ ص 589-592.

ص: 291

من موالي المهلّب بن أبي صفرة، وقيل: مولي بني أُميّة، والأوّل أصحّ.

بغداديّ الأصل والمقام، لقي أبا الحسن موسي عليه السلام، وسمع منه أحاديث، كَنّاه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، ورَوَي عن الرضا عليه السلام، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين.

والجاحظ يحكي عنه في كتبه، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانيّة والقحطانيّة، وقال في البيان والتبيين: حدّثني إبراهيم بن داحة عن ابن أبي عمير، وكان وجهاً من وجوه الرافضة. وكان حبس في أيام الرشيد فقيل:

لِيَلِيَ القضاء، وقيل: إنّه ولي بعد ذلك، وقيل: بل ليدلّ علي مواضع الشيعة وأصحاب موسي بن جعفر عليه السلام، وروي: أنّه ضُرِبَ أسواطاً بلغت منه، فكاد أن يقرّ لعظم الألم، فسمع محمّد بن يونس بن عبدالرحمن وهو يقول: اتّقِ اللّه يا محمّد بن أبي عمير، فصبر ففرّج اللّه.

وروي: أنّه حبسه المأمون حتّي ولّاه قضاء بعض البلاد.

وقيل: إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتارها، وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدّث مَن حفظه، وممّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلي مراسيله، وقد صنّف كتباً كثيرة.

وأخبرنا أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح مذاكرةً، قال: حدّثنا الحسن بن حمزة الطبري، قال: حدّثنا ابن بطّة، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد، قال:

صنف محمّد بن أبي عمير أربعة وتسعين كتاباً، منها:

المغازي؛ أخبرنا محمّد بن محمّد قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا

ص: 292

الحسين بن محمّد بن عامر، قال: حدّثنا عبداللّه بن عامر، عن ابن أبي عمير، به.

كتاب الكفر والإيمان؛ أخبرنا الحسين بن عبيداللّه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ابن الفضل بن تمّام الدهقان، قال: حدّثنا أبو عبداللّه جعفر بن محمّد بن عليّ الجرجاني، قال: حدّثنا العبّاس بن محمّد بن الحسين، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، به.

كتاب البداء، كتاب الاحتجاج في الإمامة، كتاب الحجّ، كتاب فضائل الحجّ؛ أخبرنا أحمد بن هارون قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال:

حدّثنا حميد بن زياد، قال: حدّثنا عبيداللّه بن أحمد بن نهيك، عن ابن أبي عمير بها.

كتاب المتعة، كتاب الاستطاعة، كتاب الملاحم، كتاب يوم وليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحجّ، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب الرضاع؛ أخبرنا بسائر كتبه أحمد بن علي السيرافي قال: حدّثنا الحسن بن حمزة، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير بجميع كتبه.

فأمّا نوادره فهي كثيرة، لأنّ الرواة لها كثيرة، فهي تختلف باختلافهم، فأمّا التي رواها عنه عبيداللّه بن أحمد بن نهيك، فإنّي سمعتها من القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن يقرأ عليه: حدّثكم الشريف الصالح أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيم قراءة عليه. قال: حدّثنا معلّمنا عبيداللّه بن أحمد بن نهيك، عن ابن أبي عمير بنوادره.

ص: 293

مات محمّد بن أبي عمير سنة سبع عشرة ومائتين(1).

وعن الطوسي:

591: محمّد بن أبي عمير يكنّي أبا أحمد، من موالي الأزد، واسم أبي عمير زياد، وكان من أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة، وأنسكهم نسكا، وأورعهم وأعبدهم، وقد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان علي عدنان بهذه الصفة التي وصفناه، وذكر أنّه كان واحد أهل زمانه في الأشياء كلّها، وأدرك من الأئمّة عليهم السلام ثلاثة: أبا إبراهيم موسي عليه السلام، ولم يرو عنه، وأدرك الرضا عليه السلام وروي عنه، والجواد عليه السلام، وروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسي، كتب مائة رجل من رجال الصادق عليه السلام، وله مصنّفات كثيرة، وذكر ابن بطّة أنّ له أربعة وتسعين كتاباً، منها: كتاب النوادر كبير حسن، وكتاب الاستطاعة والأفعال، و الردّ علي أهل القدر والجبر، وكتاب البداء، وكتاب الإمامة، وكتاب المتعة، ومسائله عن الرضا عليه السلام وغير ذلك، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة عن ابن بابويه، عن أبيه، ومحمّد بن الحسن، عن سعد، والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عنه.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، ومحمّد بن الحسين، وأيّوب بن نوح، وإبراهيم بن هاشم، ومحمّد بن عيسي ابن عبيد، عنه.

ورواها ابن بابويه، عن أبيه، وحمزة بن محمّد العلوي، ومحمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عنه.

وأخبرنا بالنوادر خاصّة جماعة عن أبي المفضّل، عن حميد، عن عبيداللّه بن

********

(1) . رجال النجاشي ص 326.

ص: 294

أحمد بن نهيك، عنه.

وأخبرنا بها أيضاً جماعة، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد الموسوي، عن ابن نهيك، عنه(1).

وقال الطوسي أيضاً:

26 - محمّد بن أبي عمير يكنّي أبا أحمد، واسم أبي عمير زياد، مولي الأزد، ثقة(2).

قال الحائري: محمّد بن أبي عمير

في «صه» و «جش»: لقي أباالحسن موسي عليه السلام، وسمع منه أحاديث كنّاه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروي عن الرضا عليه السلام، كان جليل القدر، عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين.

قال أبو عمرو الكشّي: قال محمّد بن مسعود: حدّثني عليّ بن الحسن بن فضّال قال: ابن أبي عمير أفقه من يونس، وأصلح وأفضل(3).

قال التفرشي: ثقة من أصحاب الرضا عليه السلام «رجال الشيخ»(4).

وتقدّم في ترجمة الفضل بن شاذان عدّه من مشايخه، كما تقدّم في ترجمة أحمد بن أبي نصر عدّه من الذين أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عنهم، وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم(5).

********

(1) . الفهرست ص 265 و 266.

(2) . رجال الطوسي ص 388.

(3) . منتهي المقال ج 5 ص 302.

(4) . نقد الرجال ج 4 ص 108.

(5) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 284.

ص: 295

وفي الختام نقول كما قاله النجاشي والشيخ في كتابيهما يعني فهرست النجاشي و فهرست الشيخ من أنّهما أخذا عن ثالث، وهو ابن الغضائري، لأنّه أستاذهما، وكلاهما تتلمذا عنده، أو أخذ النجاشي من كلام الشيخ لأنّ النجاشي ألّف فهرسته بعد الشيخ.

هناك قاعدتان مهمّتان

القاعدة الأولي:

وهي مستوحاة من حديث الكشّي

روي الكشي عن علي بن محمّد القتيبي، قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان: سأل أبي رضي الله عنه محمّد بن أبي عمير، فقال له: إنّك قد لقيت مشايخ العامّة، فكيف لم تسمع منهم؟ فقال: قد سمعت منهم، غير أنّي رأيت كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة، فاختلط عليهم حتّي كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة، وحديث الخاصّة عن العامّة، فكرهت أن يختلط عليّ، فتركت ذلك وأقبلت علي هذا(1).

فهذا الحديث يتضمّن قاعدة كليّة تمخّضت من منهج ابن أبي عمير، حيث لمّا قيل له: لِمَ لم تروَ عن المشايخ العامّة؟ قال: لأنّي خفت أن أدخل حديث أهل السنّة في حديث الشيعة، وقد حصل هذا الأمر في أحاديثها، فإنّ بعض رواتنا رووا الأحاديث عن أهل السنّة، ونسبوها إلي أئمّتنا عليهم السلام، فهذا عليّ بن إبراهيم القمّي يروي حديث هاروت وماروت ذيل آية 102 البقرة.

فعن الفيض الكاشاني في الصافي: القمّي والعيّاشي عن الباقر عليه السلام: أنّه سأله

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 282.

ص: 296

عطاء عن هاروت وماروت فقال عليه السلام...(1).

ويحتمل أن هذا الحديث روته رواة أهل السنّة كما هو موجود قبل نقل عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام، عن كعب الأحبار، فلا يبعد أن يكون هذا الحديث من الإسرائيليّات، وضعه ونقله كعب الأحبار، ثمّ بعد ذلك كلّه رأي بعض من رواة الإماميّة نسبته إلي الإمام عليه السلام، فلذلك لم يرو إلّافي الكتابين: تفسير القمّي، و تفسير العيّاشي وكلاهما يُرسلانه، وفيه أسباب ضعف كبيرة، فإنّ العلّامة البلاغي صرّح في آلاء الرحمن: أنّ راويه محمّد بن قيس وهو مشترك بين الثقة والضعيف، وغيرها من الأدلّة.

ومثله حديث القصاص عن الرسول صلي الله عليه و آله، فإنّه رواه لأوّل مرّة محمّد بن عليّ ابن شهرآشوب في المناقب مرسلاً(2).

وهو مروي في المعجم الكبير للطبراني، ولم يُرو في مصادرنا الروائيّة.

وعليه نقول:

إنّ هذا الحديث انتقل من الإسرائيليّات إلي رواياتنا، فلذلك لم يرو ابن أبي عمير عنهم، وما ورد من روايات المخالفين في كتبنا الفقهيّة الاستدلاليّة، هو من باب الإلزام لهم، ثمّ بعد ذلك أنّ العلّامة الحلّي هو أوّل من تمسّك برواياتهم في الفقه، لاختلاط فقه الشيعة مع فقهم. وتأييداً للمقدّمة الاُولي نقول: قال الإمام الخميني ذيل حديث: علي اليد ما أخذت حتّي تؤدّي، المروي عن أهل السنّة قال ويدلّ علي الضمان النبوي المشهور: «علي اليد ما أخذت حتّي تؤدّي»(3).

********

(1) . الصافي ج 1 ص 173.

(2) . المناقب ج 1 ص 292، اُسد الغابة ج 2 ص 331.

(3) . عوالي اللآلئ ج 1 ص 106/224 وج 3 ص 3/251، مستدرك الوسائل ج 14 ص 7، السنن الكبري ج 6 ص 90.

ص: 297

وقد اشتهر بين متأخّري المتأخّرين جبر سنده بعمل قدماء الأصحاب(1).

وهو مشكل، لأنّ الظاهر من السيّد علم الهدي، وشيخ الطائفة، والسيّد ابن زهرة هو إيرادهم رواية واحتجاجاً علي العامّة، لا إقراراً للحكم.

وقال السيّد في الانتصار في مسألة ضمان الصناع: وممّا يمكن أن يعارضوا به لأنّه موجود في رواياتهم وكتبهم(2) ما يروونه عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله: «علي اليد ما أخذمت حتّي تؤدّي» والظاهر منه عدم اعتماده عليه، بل أورده معارضة لا استناداً، وأورده شيخ الطائفة في مسائل الخلاف في غير مورد.

وفي المبسوط ذكرها رواية واحتجاجاً علي القوم، كما هو دأبه في كتابيه لا استناداً ففي غصب الخلاف المسألة 20 بعد عنوانها، ذكر خلاف أبي حنيفة قال:

دليلنا أنّه ثبت أنّ هذا الشيء قبل التغيير كان ملكه، فمن ادّعي أنّه زال ملكه بعد التغيير فعليه الدلالة.

وروي قتادة عن الحسن، عن سمرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «علي اليد ما أخذت حتّي تؤدّيه»(3) فإيراد الرواية لغرض الاحتجاج علي أبي حنيفة.

وأورد في أوّل غصب المبسوط عدّة روايات من طرقهم منها هذه الرواية والظاهر مِن نقل رواياتهم فيه خاصّة وفي سائر كتب المبسوط(4) مع كونها روايات معتمدة من طرقنا، هو الاحتجاج عليهم لا الاستناد إليها، كما يظهر

********

(1) . عوائد الأيّام ص 315، جواهر الكلام ج 37 ص 35.

(2) . مسند أحمد ج 5 ص 8، سنن أبي داود ج 2 ص 3561/318، سنن الترمذي ج 2 ص 1284/368.

(3) . الخلاف ج 3 ص 407 و 409، المبسوط (السرخسي) ج 11 ص 86، المغني والشرح الكبير ج 5 ص 403.

(4) . المبسوط ج 3 ص 59 وج 4 ص 132.

ص: 298

بالرجوع إليه، وهكذا في الغنية، ولم توجد هذه الرواية في كتب الصدوق الفقهيّة وغيرها، كالمقنع، والهداية، والمراسم، والوسيلة، وجواهر الفقه، بل استشكل المحقّق الأردبيلي في إسنادها، وسند قاعدة ما يضمن بصحيحه، وتمسّك بأصل البراءة(1).

نعم، وتمسّك به ابن إدريس في السرائر وجزم بنسبته إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله(2)مع عدم علمه بالخبر الواحد، ثمّ شاع الاستدلال به بين المتأخّرين من زمن العلّامة وكأنّه اختلفت حالاته من عصر قدماء أصحابنا إلي عصرنا، ففي عصر السيّد والشيخ كان خبراً مرويّاً عنهم، علي سبيل الاحتجاج به عليهم، ثمّ صار من المتمسّك به ومن المشهورات والمقبولات في العصور المتأخّرة وهذه العصور، حتّي يقال: لا ينبغي التكلّم في سنده(3).

وتتميماً لكلام الإمام قدس سره نقول: إنّ المبسوط للشيخ الطوسي كما صرّح في أوّل مقدّمته أنّه كتبه تفريعاً للفروع علي الأُصول، وجواباً عن الشبهة لدي مذهب العامّة، من أنّهم ينسبون للشيعة قلّة الفروع، لأنّهم لا يعملون بالقياس، فكتاب المبسوط في فقههم.

وثانياً: إنّ آية اللّه البروجردي قد صرّح بأنّ ابن إدريس الحلّي مِخْلَط، ولا يمكن أن يكون اعتبار رواياته مساوياً لما في الجوامع الروائيّة المتقدّمة الجامعة كالكافي وغيره.

********

(1) . مجمع الفائدة والبرهان ج 8 ص 192.

(2) . السرائر ج 2 ص 87 و 425 و 437 و 463 و 484.

(3) . الروضة البهيّة ج 7 ص 25، جامع المقاصد ج 6 ص 215، الدروس الشرعيّة ج 3 ص 109، عوائد الأيّام ص 315، القواعد الفقهيّة ج 2 ص 87 وج 4 ص 48، البيع ج 1 ص 374.

ص: 299

وإذا رجعنا إلي الكتب الرجاليّة نعرف أنّ هذا الكلام صدر لأوّل مرّة عن المتكلّم والفقيه الإماميّ سديد الدين الحمصي، فقيه الحلّة، فإنّه نسب إلي ابن إدريس الخَلْط، ولعلّ خلط هذا وأمثاله، ونقول بعد اللّتيا والتي: إنّ محمّد بن أبي عمير فقيه الإماميّة، قد أسّس قاعدة، وسار علي منهجها وهي عدم الرواية عن مصادرهم في الفقه، حتّي لا تختلط رواياتنا برواياتهم، ولعلّ كثيراً من الروايات المجعولة والموضوعة دخلت في رواياتنا من هذا الباب، ولذلك قد دقّق القميّون وضيّقوا في الحديث حين شدّدوا علي أحمد بن خالد البرقي وأخرجوه من قم إلي برقرود، لأنّه كما قال النجاشي «يعتمد المراسيل، لا يبالي عمّن أخذ ويروي عن الضعفاء».

ومن قالوا: إنّ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي يعتبر المراسيل مطلقاً، وعمّن كانت وأين كانت، فله حسن ظنّ بالحديث، ومَن كان هذا نهجه فهو عند علماء الرجال ليّن الحديث، متساهل، يأخذ الحديث عن كلّ من سمع، وأين ما سمع، ولعلّ الشيخ الصدوق كان هكذا، كما صرّح به المحقّق الخوئي، فإنّ له رغبة شديدة بنقل الحديث عن كلّ مَن سمع، فلذلك كان مشايخه تقرب مِن ثلاثمائة وسبعين ومائتين، منهم كان من العامّة، وحتّي من النواصب؛ كأحمد بن محمّد ابن الضبّي، الذي قال بحقه الصدوق لمّا ذيل الحديث عنه في الأمالي «لم أرَ أنصب منه»، لأنّه كان يقول: اللهمّ صلّ علي محمّد فرداً، كي لا يدخل فيه الآل عليهم الصلاة والسلام، ولم يكن الشيخ ثقة الإسلام الكليني بهذا النهج في الكافي، فإنّه لم يرو عن كلّ أحد، ولذلك كان إذا كتب كتابه الكافي جاء به إلي بغداد، وعرضه علي علماء بغداد، لأنّهم قد تشدّدوا في أخذ الحديث بل لهم

ص: 300

نهج عقليّ علميّ في نقد الحديث تجاه علماء قم، ولعلّ لهذا الأمر لم يرو الصدوق عن الكليني إلّاروايات معدودة بلغت ستّ روايات، وكلّها ضعاف عند الصدوق، وكون الكليني يعدّ مجدد القرآن الرابع عند العامّة؛ كابن الأثير صاحب الكامل و اُسد الغابة، وعند الإماميّة؛ كالوحيد البهبهاني وغيرهم.

فقد عبّر عنه الصدوق قائلاً: روي محمّد بن يعقوب الكليني هذا الحديث، أو يقول: لم أروه إلّامن محمّد بن يعقوب الكليني.

والكليني وما أدراك ما الكليني، فإنّه لم يرو عن كلّ رجل ممدوح الحديث، بل يروي عن المشايخ العظام، كعليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، بل يروي كثيراً من رواياته عن عدّة، لا عن شخص واحدٍ بالسماع.

القاعدة الثانية:

في مراسيل محمّد بن أبي عمير، وأصله من كلام النجاشي:

فلهذا أصحابنا يسكنون إلي مراسيله. إنّ هذا الكلام من النجاشي تلقّاه العلماء والفقهاء بالقبول، فلذلك قال الإمام الخميني قدس سره إنّا اعتبرنا مراسيل ابن أبي عمير، دون مسانيده، لأنّ مسانيده يجب أن يبحث عنها، وعن رواتها، وأمّا النجاشي قد ادّعي أنّ الأصحاب اعتمدوا علي مراسيله، ودليله هو أنّه بعد خروجه من السجن كتب الروايات عن حفظٍ، فلذا نسي الرواة، ولكن بما أنّ مشايخه محلّ ثقة واطمئنان - وهو فقيه الاُمّة - فينبغي الاعتماد علي مراسيله.

ثمّ بعد النجاشي جاء الشيخ الطوسي وادّعي أنّ مشايخنا عملوا بروايات المشايخ الثلاثة، إضافة إلي ابن أبي عمير يعمل بمراسيل صفوان بن يحيي وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وقال في كتابه العدّة في اُصول الفقه: أنّ أصحابنا يعملون بأحاديث الرواة غير الإماميّة، ثمّ قال: ومن ثمّ سوّوا بين

ص: 301

مراسيلهم ومسانيد غيرهم، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة(1).

وهذا الكلام وإن كان ظاهراً في المشايخ الثلاثة إلّاأنّ بعض المشايخ والعلماء عدّاه إلي سائر الرواة أيضاً، ولأجل الاقتصار علي كلام الشيخ فقد ادّعي الشيخ النوري أنّ كلام الشيخ الطوسي في العدّة في اُصول الفقه ناظر إلي كلام الكشّي في اختيار معرفة الرجال في أصحاب الإجماع، وأنّ المتيقّن منه هو اعتبار مراسيل هذه المشايخ الثلاثة لا غيرهم، وأنّ روايتهم عن المجهول والمهمل، دليل علي أنّهما ثقة وهم ثقات.

وكان هذا الأمر يحتلّ أهمّيّة وله وجه عند الفقهاء؛ إلي أن ظهر فقيه الحلّة المحقّق الحلّي أبوالقاسم نجم الدين جعفر بن سعيد الحلّي الهذلي، فإنّه أوّل من بحث عن مراسيل محمّد بن أبي عمير، وقد ردّه في موضع من المعتبر، وقبله في موضع آخر، وادّعي أنّ مراسيله لا يعتمد عليها، لأنّ لابن أبي عمير مشايخ كثيرة وفيهم ضعاف، كيونس بن ظبيان، وعليّ بن أبي حمزة البطائني وغيرهم، ورغم أنّهم كانوا معدودين، إلّاأنّه يُحتمل أنّ الراوي الساقط عن السند هو الضعيف، وجاء بهذا الاستدلال السيّد المحقّق الخوئي في مقدّمة معجم رجال الحديث ومدخله في الرجال، وكرّره في دراساته الفقهيّة، كما تناوله في بحث الكرّ.

ومع ما ذُكر فإنّ الإمام الخميني قدس سره يقول: إنّ كلمات المحقّق الحلّي في مراسيل محمّد بن أبي عمير مضطربة، ونحن كتبنا فيما مضي أنّ آراء المحقّق الحلّي غير مضطربة، بيد أنّ مراسيله ليس بحجّة، وبما أنّه هو رائد المنهج

********

(1) . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154، ذكري الشيعة ج 1 ص 45.

ص: 302

السندي فلا يعمل بالروايات التي تكون علي مسلك رواية مرسلة ابن أبي عمير، أو غيره من الرواة الضعفاء عنده كغير الإماميّين الثقات إلّاإذا كان هناك إجماع يشمل تلك الرواية وأتباعه كالشهيد الثاني يعملون بالإجماع، ولا يعملون بالرواية، وعلي هذا فإنّ كلام المحقّق الحلّي وهو فقيه فنّ الفقاهة، ليس بمضطرب.

وجاء بعد المحقّق الحلّي - بل عاصره - تلميذه الفاضل والبارع في كشف مرسل محمّد بن أبي عمير في بحث الكرّ، والذي عمل أحمد بن فهد الحلّي.

كما ادّعي الشهيد الأوّل رحمه الله في مقدّمة ذكري الشيعة الإجماع علي العمل بمراسيل المشايخ الثلاثة: محمّد بن أبي عمير، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وصفوان ابن يحيي، ولم يردّ بعده المراسيل إلّاالشهيد الثاني وأتباعه، كالأردبيلي، والسيّد صاحب المدارك، والشيخ حسن العاملي، والشيخ محمّد العاملي فخر المحقّقين صاحب استقصاء الاعتبار.

ثمّ بعد القرون الأربعة الأخيرة عمل العلماء كلّهم - من الشيخ البهائي والميرداماد إلي زماننا هذا - بمراسيل محمّد بن أبي عمير، بل عملوا بمسانيده، لأنّه لا يروي ولا يرسل إلّاعن ثقة، فعن الميرداماد - وهو من جيل القرن الحادي عشر -: مراسيل محمّد بن أبي عمير في حكم المسانيد، لما ذكره الكشّي: أنّه حبس بعد الرضا عليه السلام، ونُهِبَ ماله، وذهبت كتبه، وكان يحفظ أربعين مجلّداً، فلذلك أرسل أحاديثه(1).

فهو كان يروي ما يرويه بأسانيد صحيحة، فلمّا ذهبت كتبه أرسل رواياته

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 1103/589.

ص: 303

التي كانت هي من المسلّم والمعلوم عنده بسند صحيح، فمراسيله في الحقيقة مسانيد معلومة الاتّصال والإسناد إجمالاً، وإن فاتته طرق الإسناد علي التفصيل؛ لا أنّها مراسيل علي المعني المصطلح حقيقة، فالأصحاب يجرون عليها حكم المسانيد لجلالة قدر ابن أبي عمير لا علي ما يتوهّم المتوهّمون(1).

فهذا هو حال مراسيل ابن أبي عمير، ولأجل ذلك عبّروا عنها: بالمرسل كالصحيح، أو الصحيح، كما أنّ مثل هذا التعبير موجود في روايات إبراهيم بن هاشم: الحسن كالصحيح، أو الصحيح.

في أصحاب الرضا عليه السلام

18. في يونس بن عبدالرحمن أبي محمّد صاحب آل يقطين

عن الكشّيّ:

910 - حدّثني عليّ بن محمّد القتيبي، قال: حدّثني الفضل بن شاذان، قال:

حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي - وكان خير قمّيّ رأيته، وكان وكيل الرضا عليه السلام وخاصّته - قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت: إنّي لا ألقاك في كلّ وقت، فعن مَن آخذ معالم ديني؟ قال: «خذ من يونس بن عبدالرحمن».

911 - عليّ بن محمّد القتيبي، قال: حدّثني الفضل بن شاذان، قال: حدّثني محمّد بن الحسن الواسطي، وجعفر بن عيسي، ومحمّد بن يونس: أنّ الرضا عليه السلام ضمن ليونس الجنّة ثلاث مرات.

912 - عليّ بن محمّد القتيبي، عن الفضل، قال: حدّثني جعفر بن عيسي

********

(1) . الرواشح السماويّة ص 114.

ص: 304

اليقطيني، ومحمّد بن الحسن جميعاً: أنّ أبا جعفر عليه السلام ضمن ليونس بن عبدالرحمن الجنّة علي نفسه وآبائه عليهم السلام.

913 - جعفر بن معروف، قال: حدّثني سهل بن بحر، قال: حدّثني الفضل ابن شاذان، قال: حدّثني أبي الجليل الملقّب بشاذان، قال: حدّثني أحمد بن أبي خلف ظئر أبي جعفر عليه السلام، قال، كنت مريضاً فدخل علَيّ أبو جعفر عليه السلام يعودني في مرضي، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة، حتي أتي عليه من أوّله إلي آخره، وجعل يقول: «رحم اللّه يونس، رحم اللّه يونس، رحم اللّه يونس».

914 - جعفر بن معروف قال: حدّثني سهل بن بحر قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: ما نشأ في الإسلام رجل من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي، ولا نشأ رجل بعده أفقه من يونس بن عبدالرحمن رحمه الله.

915 - روي عن أبي بصير حمّاد بن عبيداللّه بن أسيد الهروي، عن داود بن القاسم، أنّ أبا جعفر الجعفري قال: أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبدالرحمن علي أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفّحه كلّه، ثمّ قال:

«هذا ديني ودين آبائي، وهو الحقّ كلّه».

916 - وحدّثني إبراهيم بن المختار بن محمّد بن العبّاس، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، مثله.

917 - وجدت بخطّ محمّد بن شاذان بن نعيم في كتابه، سمعت أبا محمّد القمّاص الحسن بن علويّة الثقة يقول: سمعت الفضل بن شاذان يقول: حجّ يونس بن عبدالرحمن أربعاً وخمسين حجّة، واعتمر أربعاً وخمسين عمرة،

ص: 305

وألّف ألف جلد ردّاً علي المخالفين، ويقال: انتهي علم الأئمّة عليهم السلام إلي أربعة نفر: أوّلهم سلمان الفارسي، والثاني جابر، والثالث السيّد، والرابع يونس بن عبدالرحمن.

918 - وقال العبيدي: سمعت يونس بن عبدالرحمن يقول: رأيت أبا عبداللّه عليه السلام يصلّي في الروضة بين القبر والمنبر، ولم يمكنني أن أسأله عن شيء، قال: وكان ليونس بن عبدالرحمن أربعون أخاً، يدور عليهم في كلّ يوم مُسلِّماً، ثم يرجع إلي منزله فيأكل ويتهيّأ للصلاة، ثم يجلس للتصنيف وتأليف الكتب، وقال يونس: صمت عشرين سنة، وسألت عشرين سنة ثم أُجِبت.

919 - وقال الفضل بن شاذان: سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السلام يقول:

«أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان في زمانه، وذلك أنه خدم أربعة منّا: عليّ ابن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وبرهة من عصر موسي بن جعفر عليهم السلام، ويونس في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه».

920 - عليّ بن محمّد القتيبي، قال: سألت الفضل بن شاذان عن الحديث الذي روي في يونس: أنه لقيط آل يقطين، فقال: كذب، ولد يونس في آخر زمان هشام بن عبدالملك، ويقطين لم يكن في ذلك الزمان، إنّما كان ولد في زمن العباس.

921 - قال محمّد بن يحيي الفارسي: حدّثني عبداللّه بن محمّد، عن أحمد ابن محمّد بن عيسي الأُموي، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «انظروا إلي ما ختم اللّه ليونس، قبضه بالمدينة مجاوراً لرسول اللّه صلي الله عليه و آله».

ص: 306

922 - حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني جعفر بن أحمد، قال: حدّثني العمركي، قال: حدّثني الحسن بن أبي قتادة، عن داود بن القاسم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في يونس؟ قال: «من يونس؟» قلت: ابن عبدالرحمن، قال: «لعلّك تريد مولي بني يقطين؟» قلت: نعم، فقال: «رحمه اللّه فإنّه كان علي ما نحبّ».

923 - محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني أبو العباس الحميري عبداللّه بن جعفر، عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن يونس، قال: «رحمه اللّه».

924 - حدّثني آدم بن محمّد قال: حدّثني عليّ بن محمّد الدقّاق النيسابوري، قال: حدّثني محمّد بن موسي السمّان، قال: حدّثنا محمّد بن عيسي بن عبيد، عن أخيه جعفر بن عيسي قال: كنّا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام وعنده يونس بن عبدالرحمن، إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة، فأومأ أبو الحسن عليه السلام إلي يونس: أُدخل البيت، فإذا بيت مسبل عليه ستر، وإيّاك أن تتحرّك حتّي يؤذن لك، فدخل البصريّون وأكثروا من الوقيعة والقول في يونس، وأبو الحسن عليه السلام مطرق، حتّي لمّا أكثروا وقاموا فودّعوا وخرجوا، فأذن ليونس بالخروج، فخرج باكياً، فقال: جعلني اللّه فداك، إنّي أُحامي عن هذه المقالة، وهذه حالي عند أصحابي، فقال له أبو الحسن عليه السلام: «يا يونس، وما عليك ممّا يقولون إذا كان إمامك عنك راضياً. يا يونس، حدِّث الناس بما يعرفون، واتركهم ممّا لا يعرفون، كأنّك تريد أن تكذب علي اللّه في عرشه. يا يونس، وما عليك أن لو كان في يدك اليمني دُرّة ثم قال الناس: بعرة، أو قال

ص: 307

الناس: دُرّة أو بعرة، فقال الناس: دُرّة، هل ينفعك ذلك شيئا؟» فقلت لا، فقال:

«هكذا أنت يا يونس، إذ كنت علي الصواب، وكان إمامك عنك راضياً لم يضرّك ما قال الناس».

925 - حدّثني عليّ بن محمّد القتيبي قال: حدّثني الفضل بن شاذان، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام عن يونس، فقال: «مَن يونس؟» فقلت: مولي عليّ بن يقطين، فقال: «لعلّك تريد يونس بن عبدالرحمن؟» فقلت: لا واللّه، لا أدري ابن من هو، قال: «بل هو ابن عبدالرحمن»، ثمّ قال: «رحم اللّه يونس، رحم اللّه يونس، نعم العبد كان للّه عزّ وجلّ».

926 - حدّثني عليّ بن محمّد القتيبي(1) قال: حدّثني الفضل بن شاذان، قال:

سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «يونس بن عبدالرحمن في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه».

قال الفضل: ولقد حجّ يونس إحدي وخمسين حجّة، آخرها عن الرضا عليه السلام.

927 - قال نصر بن الصباح: لم يرو يونس عن عبيداللّه، ومحمّد ابني الحلبي قطّ ولا رآهما، وماتا في حياة أبي عبداللّه عليه السلام.

928 - حمدويه بن نصير قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد، عن يونس ابن عبدالرحمن قال: قال العبد الصالح: يا يونس، ارفق بهم، فإنّ كلامك يدقّ عليهم. قال: قلت: إنّهم يقولون لي: زنديق. قال لي: «وما يضرّك أن يكون في

********

(1) . القتيبي نسبة إلي قتيبة، والنسبة إلي فَعَيلة فُعَيلي، والنسبة إلي فَعِيلة كبَجِيلة، فَعَلِي، فيقال: البَجَلي، نعم قد يقال: شريفي وسعيدي وشهيدي أيضاً وهذا في الأوصاف.

ص: 308

يدك لؤلؤة يقول الناس: هي حصاة، وما كان ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس: لؤلؤة».

929 - عليّ بن محمّد القتيبي قال: حدّثني أبو محمّد الفضل بن شاذان، قال:

حدّثني أبو جعفر البصري - وكان ثقة فاضلاً صالحاً - قال: دخلت مع يونس بن عبدالرحمن علي الرضا عليه السلام فشكا إليه ما يلقي من أصحابه من الوقيعة، فقال الرضا عليه السلام: «دارِهم، فإنّ عقولهم لا تبلغ».

930 - عليّ بن محمّد قال: حدّثني الفضل، قال: حدّثني عدّة من أصحابنا:

أنّ يونس بن عبدالرحمن قيل له: إنّ كثيراً من هذه العصابة يقعون فيك، ويذكرونك بغير الجميل، فقال: أُشهدكم، أنّ كلّ من له في أميرالمؤمنين عليه السلام نصيب فهو في حلّ ممّا قال.

931 - حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل الرازي، قال:

حدّثني عبد العزيز بن المهتدي، قال: كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام: ما تقول في يونس بن عبدالرحمن؟ فكتب إليّ بخطّه: «أحبّه، وترحّم عليه، وإن كان يخالفك أهل بلدك».

932 - حمدويه، قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، قال: روي أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر بن الرضا عليه السلام قال: سألته عن يونس، فقال:

«مولي آل يقطين؟» قلت: نعم، فقال لي: «رحمه اللّه، كان عبداً صالحاً».

قال حمدويه: قال محمّد بن عيسي: وكان يونس أدرك أبا عبداللّه عليه السلام ولم يسمع منه.

933 - وجدت بخطّ جبريل بن أحمد في كتابه: حدّثني أبو سعيد الآدمي،

ص: 309

قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن الربيع الأقرع، عن محمّد بن الحسن البصري، عن عثمان بن رشيد البصري. قال أحمد بن محمّد الأقرع: ثمّ لقيت محمّد بن الحسن فحدّثني بهذا الحديث، قال: كنّا في مجلس عيسي بن سليمان ببغداد، فجاء رجل إلي عيسي، فقال: أردت أن أكتب إلي أبي الحسن الأوّل عليه السلام في مسألة أسأله عنها: جعلت فداك، عندنا قوم يقولون بمقالة يونس، فأعطيهم من الزكاة شيئاً؟ قال: فكتب إليّ: «نعم، أعطهم، فإنّ يونس أوّل من يجيب عليّاً إذا دُعِيَ».

قال، كنّا جلوساً بعد ذلك، فدخل علينا رجل، فقال: قد مات أبو الحسن موسي عليه السلام، وكان يونس في المجلس، فقال يونس: يا معشر أهل المجلس، إنّه ليس بيني وبين اللّه إمام إلّاعليّ بن موسي عليه السلام، فهو إمامي عليه السلام.

934 - حمدويه وإبراهيم، قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، قال: حدّثني هشام المشرقي، أنّه دخل علي أبي الحسن الخراساني عليه السلام فقال: إنّ أهل البصرة سألوا عن الكلام، فقالوا: إنّ يونس يقول: إنّ الكلام ليس بمخلوق، فقلت لهم: صدق يونس، إنّ الكلام ليس بمخلوق، أما بلغكم قول أبي جعفر عليه السلام حين سئل عن القرآن أخالق هو، أو مخلوق؟ فقال لهم: «ليس بخالق ولا مخلوق، إنّما هو كلام الخالق»، فقويت أمر يونس.

وقالوا: إنّ يونس يقول: إنّ من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة. فقلت: صدق يونس.

935 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال: حدّثنا محمّد ابن عيسي، قال: حدّثني عبد العزيز بن المهتدي القمّي، قال محمّد بن نصير:

ص: 310

قال محمّد بن عيسي: وحدّث الحسن بن عليّ بن يقطين بذلك أيضاً، قال:

قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك، إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: «نعم».

936 - محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال: حدّثني محمّد ابن عيسي، قال: أخبرني يونس: أنّ أبا الحسن عليه السلام ضمن لي الجنّة من النار.

937 - عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: حدّثني مروك بن عبيد، عن محمّد بن عيسي القمّي، قال: توجّهت إلي أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستقبلني يونس مولي ابن يقطين، قال: فقال لي: أين تذهب؟ فقلت: أُريد أبا الحسن، قال: فقال لي: اسأله عن هذه المسألة، قل له: خلقت الجنّة بعد، فإنّي أزعم أنّها لم تخلق؟ قال: فدخلت علي أبي الحسن عليه السلام، قال: فجلست عنده وقلت له: إنّ يونس مولي ابن يقطين أودعني إليك رسالة. قال: «وما هي؟» قال: قلت: قال أخبرني عن الجنّة، خلقت بعد فإنّي أزعم أنّها لم تخلق. فقال: «كذب، فأين جنّة آدم عليه السلام؟!».

938 - جبريل بن أحمد، قال: سمعت محمّد بن عيسي، عن عبدالعزيز بن المهتدي قال: قلت للرضا عليه السلام: إنّ شقّتي بعيدة، فلست أصل إليك في كلّ وقت، فآخذ معالم ديني من يونس مولي ابن يقطين؟ قال: «نعم».

939 - حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، قال: قال ياسر الخادم: إنّ أبا الحسن الثاني عليه السلام أصبح في بعض الأيّام قال: فقال لي: «رأيت البارحة مولًي لعليّ بن يقطين وبين عينيه غرّة بيضاء!»

ص: 311

فتأوّلت ذلك علي الدين.

940 - عليّ قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن مروك ابن عبيد، عن يزيد بن حمّاد، عن ابن سنان قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ يونس يقول: إنّ الجنّة والنار لم يخلقا، قال: فقال: «ما له لعنه اللّه، فأين جنّة آدم؟!».

941 - عليّ قال: حدّثني محمّد بن يعقوب، عن الحسن بن راشد، عن محمّد بن بادية قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام في يونس، فكتب: «لعنه اللّه ولعن أصحابه»، أو «برئ اللّه منه ومن أصحابه».

942 - عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسين بن بشّار الواسطي، عن يونس بن بهمن، قال: قال لي يونس:

أُكتب إلي أبي الحسن عليه السلام، فاسأله عن آدم، هل فيه من جوهريّة اللّه شيء؟ قال:

فكتب إليه، فأجابه: «هذه المسألة مسألة رجل علي غير السنّة»، فقلت ليونس، فقال: لا يسمع ذا أصحابنا، فيبرؤون منك، قال: قلت ليونس: يبرؤون منّي، أو منك؟

943 - عليّ قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن يعقوب، عن الحسين، عن ابن راشد، قال: لمّا ارتحل أبو الحسن عليه السلام إلي خراسان، قال: قلنا ليونس: هذا أبو الحسن حمل إلي خراسان، فقال: إن دخل في هذا الأمر طائعاً، أو مكرهاً فهو طاغوت.

944 - عليّ قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن يعقوب، عن عليّ بن مهزيار، عن الحضيني أنّه قال: إن دخل في هذا الأمر طائعاً، أو مكرهاً انتقضت النبوّة من

ص: 312

لدن آدم.

945 - جعفر بن معروف قال: سمعت يعقوب بن يزيد يقع في يونس ويقول: كان يروي الأحاديث من غير سماع(1).

946 - عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن الفضل، عن يونس بن عبدالرحمن، قال:

مات أبو الحسن عليه السلام وليس من قوّامه أحد إلّاوعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، قال: فلمّا رأيت ذلك وتبيّن علَيّ الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت تكلّمت ودعوت الناس إليه، قال: فبعثا إليّ وقالا: ما تدعو إلي هذا إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا لي: كُفَّ. قال يونس: فقلت لهما: أما روينا عن الصادقين عليهم السلام أنّهم قالوا: «إذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان؟» وما كنت لأدع الجهاد وأمر اللّه علي كلّ حال، فناصباني وأظهرا لي العداوة.

947 - جعفر بن أحمد، عن يونس، قال: قلت له عليه السلام: قد عرفت انقطاعي إليك وإلي أبيك، وحلّفته بحقّ اللّه، وحقّ رسوله، وحقّ أهل بيته، وسمّيتهم حتّي انتهيت إليه أن لا يخرج ما يخبرني به إلي الناس، وإنّي أرجو أن يقول أبي حيّ، ثم سألته عن أبيه: أحيّ أو ميّت؟ فقال: «قد واللّه مات». قلت: جعلت

********

(1) . يعني يروي الأحاديث عن كلّ كتاب وجده بدون أن يسمعها عن الأساتذة، والسماع أحد أنحاء نقل الحديث بعد إملاء الاُستاذ.

ص: 313

فداك، إنّ شيعتك - أو قلت مواليك - يروون أنّ فيه شبه أربعة أنبياء. قال: «قد واللّه الذي لا إله إلا هو هلك». قال، قلت: هلاك غيبة، أو هلاك موت؟ فقال:

«هلاك موت واللّه». قلت: جعلت فداك، فلعلّك منّي في تقيّة؟ قال: فقال:

«سبحان اللّه! قد واللّه مات». قلت: (حيث كان هو في المدينة ومات أبوه في بغداد) فمن أين علمت موته؟ قال: «جاءني منه ما علمت به أنّه قد مات».

قلت: فأوصي إليك؟ قال: «نعم». قلت: فما شرك فيها أحد معك؟ قال: «لا».

قلت: فعليك من إخوانك إمام؟ فقال: «لا». قلت: فأنت إمام؟ قال: «نعم».

948 - عليّ قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن الحسن بن سيّاح، عن أبيه، قال: قلت ليونس: أخبرني أنّك قلت: لو علمت أن أبا الحسن الرضا عليه السلام لا يقدم بالكتاب الذي كتبته إليه، لوجّهت إليه بخمسمائة مامد رومي(1)، قال: نعم. قال، قلت: ويحك! فأيّ شيء أردت بذلك؟ قال:

أردت أن أُغنيَه عن دفائنكم، فقلت: أردت أن تعيّر اللّه في عرشه.

949 - عليّ بن محمّد، قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن محمّد بن عيسي، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال قال: كنت عند الرضا عليه السلام ومعه كتاب يقرؤه في بابه، حتّي ضرب به الأرض، فقال: «كتاب ولد زنا للزانية»، فكان كتاب يونس.

950 - طاهر بن عيسي، قال: حدّثني جعفر بن أحمد، قال: حدّثني الشجاعي، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسين بن بشّار، عن الحسن ابن بنت إلياس، عن يونس بن بهمن قال: قال يونس بن عبدالرحمن: كتبت إلي أبي

********

(1) . كذلك في نسخة ب، والنسخ الأُخري مختلفة غير مفهمة.

ص: 314

الحسن الرضا عليه السلام سألته عن آدم عليه السلام: هل كان فيه من جوهريّة الربّ شيء؟ قال: فكتب إليّ جواب كتابي: «ليس صاحب هذه المسألة علي شيء من السنّة، زنديق».

951 - آدم بن محمّد القلانسي البلخي، قال: حدّثني عليّ بن محمّد القمّي، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسي القمّي، عن يعقوب بن يزيد، عن أبيه يزيد بن حمّاد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: أُصلّي خلف مَن لا أعرف؟ فقال: «لا تصلّ إلّاخلف مَن تثق بدينه». فقلت له: أُصلّي خلف يونس وأصحابه؟ فقال: «يأبي ذلك عليكم عليّ بن حديد». قلت: آخذ بذلك في قوله؟ قال: «نعم».

قال: فسألت عليّ بن حديد عن ذلك، فقال: لاتصلّ خلفه، ولا خلف أصحابه.

952 - عليّ بن محمّد القتيبي قال: حدّثنا الفضل بن شاذان قال: كان أحمد ابن محمّد بن عيسي تاب واستغفر اللّه من وقيعته في يونس لرؤيا رآها، وقد كان عليّ بن حديد يظهر في الباطن الميل إلي يونس وهشام.

953 - آدم، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن يزيد القمّي، قال: حدّثني أحمد ابن محمّد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن إبراهيم الحضيني الأهوازي قال: لمّا حُمل أبو الحسن إلي خراسان، قال يونس بن عبدالرحمن:

إن دخل في هذا الأمر طائعاً أو كارهاً انتقضت النبوّة من لدن آدم.

954 - آدم بن محمّد، قال: حدّثني عليّ بن محمّد القمّي، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال، قال: كنت عند

ص: 315

أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ ورد عليه كتاب يقرؤه، فقرأه ثم ضرب به الأرض، فقال: «هذا كتاب ابن زان لزانية، هذا كتاب زنديق لغير رشدة(1)»، فنظرت إليه فإذا كتاب يونس.

955 - قال أبو عمرو: فلينظر الناظر، فيتعجّب من هذه الأخبار التي رواها القمّيّون في يونس، وليعلم أنّها لا تصحّ في العقل، وذلك أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي وعليّ بن حديد قد ذكرا الفضل من رجوعهما عن الوقيعة في يونس، ولعلّ هذه الروايات كانت مِن أحمد قبل رجوعه، ومِن عليّ مداراة لأصحابه، فأمّا يونس بن بهمن(2) فممّن كان أخذ عن يونس بن عبدالرحمن فلا يعقل أن يظهر له مثلبة فيحكيها عنه، والعقل ينفي مثل هذا، إذ ليس في طباع الناس إظهار مساوئهم بألسنتهم علي نفوسهم، وأمّا حديث الحجّال الذي رواه أحمد بن محمّد فإنّ أبا الحسن عليه السلام أجلّ خطراً وأعظم قدراً من أن يسبّ أحداً صراحاً، وكذلك آباؤه عليهم السلام من قبله، وولده من بعده، لأنّ الرواية عنهم بخلاف هذا، إذ كانوا قد نَهَوا عن مثله، وحثّوا علي غيره، ممّا فيه الزين للدين والدنيا.

وروي عليّ بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه كان يقول لبنيه: جالسوا أهل الدين والمعرفة، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم، فإن أبيتم إلّامجالسة الناس، فجالسوا أهل المروءات، فإنّهم لا يرفثون في مجالسهم.

فما حكاه هذا الرجل عن الإمام عليه السلام في باب الكتاب لا يليق به، إذ كانوا عليهم السلام

********

(1) . وهو لَرشْدَة - بكسر الراء والفتح لغة -: أي صحيح النسب، ولغير رشْدَة بخلافه (المجمع).

(2) . راجع: حديث 942.

ص: 316

منزّهين عن البذاء والرفث والسفه، وتكلّم عن الأحاديث الأُخر بما يشاكل هذا.

ما روي في يونس بن عبدالرحمن وهشام بن إبراهيم المشرقي وجعفر بن عيسي بن يقطين وموسي بن صالح وأبي الأسد خصي عليّ بن يقطين

عن الكشّي:

956 - حمدويه وإبراهيم قالا: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عيسي العبيدي، قال: سمعت هشام بن إبراهيم الجبلي، وهو المشرقيّ يقول: إستأذنت لجماعة علي أبي الحسن عليه السلام في سنة تسع وتسعين ومائة، فحضروا وحضرنا ستّة عشر رجلاً علي باب أبي الحسن الثاني عليه السلام، فخرج مسافر فقال: ليدخل آل يقطين، ويونس بن عبد الرحمن، ويدخل الباقون رجلاً رجلاً، فلمّا دخلوا وخرجوا خرج مسافر فدعاني، وموسي، وجعفر بن عيسي، ويونس، فأدخلنا جميعاً عليه، والعبّاس قائم ناحية بلا حذاء ولا رداء، وذلك في سنة أبي السرايا، فسلّمنا ثم أمرنا بالجلوس، فلمّا جلسنا، قال له جعفر بن عيسي: يا سيّدي نشكو إلي اللّه وإليك ما نحن فيه من أصحابنا. فقال: «وما أنتم فيه منهم؟» فقال جعفر: هم واللّه يا سيدي يزندقونا، ويكفّرونا ويتبرّؤون منّا، فقال: «هكذا كان أصحاب عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وأصحاب جعفر وموسي صلوات اللّه عليهم، ولقد كان أصحاب زرارة يكفّرون غيرهم، وكذلك غيرهم كانوا يكفّرونهم»، فقلت له: يا سيّدي، نستعين بك علي هذين الشيخين: يونس، وهشام، وهما حاضران، فهما أدّبانا، وعلّمانا الكلام، فإن كنّا يا سيّدي علي هدي ففزنا، وإن كنّا علي ضلال فهذان أضلّانا، فمرنا بتركه ونتوب إلي اللّه منه، يا سيّدي فادعنا إلي دين اللّه نتّبعك. فقال عليه السلام: «ما أعلمكم إلّاعلي هدي، جزاكم اللّه عن الصحبة القديمة

ص: 317

والحديثة خيراً»، فتأوّلوا القديمة عليّ بن يقطين، والحديثة خدمتنا له، واللّه أعلم.

فقال جعفر: جعلت فداك، إنّ صالحاً وأبا الأسد - خصيّ(1) عليّ بن يقطين - حكيا عنك أنّهما حكيا لك شيئاً من كلامنا، فقلتَ لهما: ما لكما، والكلام يثنيكم إلي الزندقة.

فقال عليه السلام: «ما قلت لهما ذلك، أأنا قلت ذلك؟! واللّه ما قلت لهما».

وقال يونس: جعلت فداك، إنّهم يزعمون أنّا زنادقة، وكان جالساً إلي جنب رجل، وهو يتربّع رجلاً علي رجل وهو ساعة بعد ساعة، يمرّغ وجهه وخدّيه علي باطن قدمه الأيسر، فقال له: «أرأيتك أن لو كنت زنديقاً فقال لك: هو مؤمن، ما كان ينفعك من ذلك، ولو كنت مؤمناً، فقالوا: هو زنديق، ما كان يضرّك منه؟».

وقال المشرقيّ له: واللّه ما نقول إلّاما يقول آباؤك عليهم السلام، وعندنا كتاب سمّيناه كتاب الجامع، فيه جميع ما تكلّم الناس فيه عن آبائك عليهم السلام، وإنّما نتكلّم عليه، فقال له جعفر شبيهاً بهذا الكلام.

فأقبل علي جعفر فقال: «فإذا كنتم لا تتكلّمون بكلام آبائي عليهم السلام، فبكلام أبي بكر وعمر تريدون أن تتكلّموا؟!».

وعن النجاشي:

يونس بن عبدالرحمن، مولي عليّ بن يقطين بن موسي، مولي بني أسد، أبو محمّد، كان وجهاً في أصحابنا متقدّماً، عظيم المنزلة، ولد في أيّام هشام بن

********

(1) . أي غلام.

ص: 318

عبدالملك، ورأي جعفر بن محمّد عليهما السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه. وروي عن أبي الحسن موسي والرضا عليهما السلام، وكان الرضا عليه السلام يشير إليه في العلم والفتيا.

وكان ممّن بُذِلَ له علي الوقف مال جزيل وامتنع (فامتنع) من أخذه، وثبت علي الحقّ. وقد ورد في يونس بن عبدالرحمن رحمه الله مدح وذمّ. قال أبو عمرو الكشّي فيما أخبرني به غير واحد من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد عنه: حدّثني عليّ ابن محمّد بن قتيبة، قال: حدّثني الفضل بن شاذان، قال: حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي - وكان خير قمّيّ رأيته وكان وكيل الرضا عليه السلام وخاصّته - فقال: إنّي سألته فقلت: إنّي لا أقدر علي لقائك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خذ عن يونس بن عبدالرحمن».

وهذه منزلة عظيمة، ومثله رواه الكشّيّ عن الحسن بن عليّ بن يقطين سواء.

وقال شيخنا أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب مصابيح النور:

أخبرني الشيخ الصدوق أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن بابويه، قال: حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري، قال: قال لنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري رحمه الله: عرضت علي أبي محمّد صاحب العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس، فقال لي: «تصنيف مَن هذا؟» فقلت:

تصنيف يونس مولي آل يقطين، فقال: «أعطاه اللّه بكلّ حرف نوراً يوم القيامة»، ومدائح يونس كثيرة ليس هذا موضعها، وإنّما ذكرنا هذا حتّي لا نخليه من بعض حقوقه رحمه الله.

وكانت له تصانيف كثيرة، منها: كتاب السهو، كتاب الأدب والدلالة علي الخير، كتاب الزكاة، كتاب جوامع الآثار، كتاب الشرائع، كتاب الصلاة، كتاب العلل الكبير، كتاب اختلاف الحجّ، كتاب الاحتجاج في الطلاق، كتاب علل

ص: 319

الحديث، كتاب الفرائض، كتاب الفرائض الصغير، كتاب الجامع الكبير في الفقه، كتاب التجارات، كتاب تفسير القرآن، كتاب الحدود، كتاب الآداب، كتاب المثالب، كتاب علل النكاح وتحليل المتعة، كتاب البداء، كتاب نوادر البيوع، كتاب الردّ علي الغلاة، كتاب ثواب الحجّ، كتاب النكاح، كتاب المتعة، كتاب الطلاق، كتاب المكاسب، كتاب الوضوء، كتاب البيوع والمزارعات، كتاب يوم وليلة، كتاب اللؤلؤ في الزهد، كتاب الإمامة، كتاب فضل القرآن.

أخبرنا محمّد بن عليّ أبو عبداللّه بن شاذان القزويني، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا عبداللّه بن جعفر، قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، قال: حدّثنا يونس بجميع كتبه(1).

وعن الطوسي: يونس بن عبدالرحمن

803 - يونس بن عبدالرحمن مولي آل يقطين [بن موسي، مولي بني أسد، أبو محمّد، كان وجهاً في أصحابنا، متقدّماً، عظيم المنزلة، ولد في أيّام هشام بن عبدالملك ورأي جعفر بن محمّد عليه السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه، وكان الرضا عليه السلام يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممّن بُذِل له علي الوقف مال جليل فامتنع من أخذه وثبت علي الحقّ، وهو أحد الأربعة الذين يقال فيهم: انتهي إليهم علم الأنبياء، وهم: سلمان الفارسي، وجابر، والسيّد، ويونس بن عبدالرحمن. وروي عبدالعزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا عليه السلام عمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خُذ عن يونس بن عبدالرحمن]، له كتب كثيرة نحو ثلاثين كتاباً، وقيل: إنّها مثل كتاب الحسين بن سعيد وزيادة، وله كتاب جامع الآثار،

********

(1) . رجال النجاشي ص 448-446.

ص: 320

وكتاب الشرائع، وكتاب العلل، وكتاب اختلاف الحديث، ومسائله عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام.

أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، وعن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عنه.

وأخبرنا بها أيضاً ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبداللّه والحميري، وعليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن الحسن الصفّار، كلّهم عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار (مراد) وصالح بن السندي، عنه.

ورواها أحمد بن عليّ بن الحسين، عن حمزة بن محمّد الطوسي، ومحمّد ابن عليّ ماجيلويه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن صالح، عنه.

وأخبرنا ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسي ابن عبيد، عنه.

وقال محمّد بن عليّ بن الحسين: سمعت محمّد بن الحسن بن الوليد رحمه اللّه تعالي أنّه يقول: كُتب يونس بن عبدالرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة، يعتمد عليها إلّاما ينفرد به محمّد بن عيسي بن عبيد عن يونس ولم يروه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه، ولا يفتي به(1).

وعن الطوسيّ أيضاً: يونس بن عبدالرحمن

(يونس) بن عبدالرحمن مولي عليّ بن يقطين، ضعّفه القمّيّون، وهو ثقة.

أصحاب الرضا عليه السلام، ص 394 و 395.

2 - (يونس) بن عبدالرحمن من أصحاب أبي الحسن موسي عليهما السلام، مولي

********

(1) . الفهرست ص 336.

ص: 321

عليّ بن يقطين، طعن عليه القمّيّون، وهو عندي ثقة(1).

وعن الحائري: وقد ورد في يونس بن عبدالرحمن مدح وذمّ. قال أبو عمرو الكشّيّ:... إنّي سألته عليه السلام فقلت: إنّي لا أقدر علي لقائك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خُذ عن يونس بن عبدالرحمن»، وهذه منزلة عظيمة.

... سمعت الفضل بن شاذان يقول: حجّ يونس بن عبدالرحمن أربعاً وخمسين حجّة، واعتمر أربعاً وخمسين عمرة، وألّف ألف جلدٍ ردّاً علي المخالفين ويقال: انتهي علم الأئمّة عليهم السلام إلي أربعة نفر أوّلهم: سلمان الفارسي، والثاني جابر، والثالث السيّد، والرابع يونس بن عبدالرحمن.

وفيه أيضاً أخبار كثيرة في ذمّه في آخرها: قال أبو عمرو: فلينظر الناظر وليتعجّب من هذه الأخبار التي رواها القمّيّون في يونس، وليُعلم أنّها لا تصحّ عقلاً....

وعن التفرشي: طعن عليه القمّيّون، وهو عندي ثقة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام «رجال الشيخ»(2).

وعن السيّد الخوئي: وممّا يشهد علي مكانة يونس ومقامه في الفقه أنّ محمّد بن يعقوب الكليني عقد في الكافي بابين لكلام يونس....

أقول: ما ذكره الكشّيّ متين جدّاً، ولقد أجاد فيما أفاد، ويُزاد علي ما ذكره أنّ الروايات الذامّة بأجمعها ضعيفة، فلا تصلح لمعارضة الأخبار المتقدّمة المادحة(3).

********

(1) . رجال الشيخ الطوسي، أصحاب الكاظم عليه السلام، ص 364.

(2) . نقد الرجال ج 5 ص 110.

(3) . معجم رجال الحديث ج 20 ص 208-212.

ص: 322

خاتمة وتشتمل علي فوائد

الفائدة الأُولي: الخبر الصحيح

وهو ما اتّصل إسناده إلي المعصوم، بنقل العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات؛ هذا ما قال الشيخ حسن العاملي في معالم الأُصول.

وقال الشهيد الأوّل محمّد بن المكّي العاملي في مقدّمة كتابه ذكري الشيعة:

ما اتّصلت رواته إلي المعصوم عليه السلام بعدل إمامي.

ومثله ما قال الموسويّ العامليّ، والشهيد الثاني الجبعي العامليّ، والشيخ عبدالصمد العامليّ، وولده الشيخ محمّد بن الحسين البهائي في وجيزته: فإذن، أنّ الشروط اللّازمة في تصحيح الرواية هي ذكر السند، وبذلك يخرج عن الإرسال، ورواته اثنا عشريّون، والشرط الثالث هو عدالة الرواة، فالشرط الثاني لو لم يكن صارت الرواية موثّقة، وفقدان الشرط الثالث يصيّر الحديث ضعيفاً، فإذن، إنّ الشروط ثلاثة، والراوي إن لم يوثّق - بل مدحه الرجاليّون - فالرواية حسنة، والراوي ممدوح(1).

وأمّا فقهاء الشيعة فقد يطلقون الصحيح علي روايات أُخري؛ ما جمعت

********

(1) . معالم الأُصول ص 216، ذكري الشيعة ج 1 ص 4 و 45، الرعاية ص 77، منتهي الجمان ج 1 ص 44، بداية الدراية ص 19، وصول الأخيار ص 493، مدارك الأحكام ج 8 ص 479.

ص: 323

شروط الرواية الصحيحة فيها. بل يطلقون الصحيح علي الحديث الموثّق، أو الحسن، أو المرسل المعتبر ألبتّة.

1. وهناك آراء وأقوال للعلماء والفقهاء في ذلك، منها ما عن الأردبيلي: أطلق المصنّف علي حديث الحلبي: الصحيح، مع أنّه في الواقع والحقيقة موثّق، لأنّه في إسناده إسحاق بن عمّار وهو فطحيّ، فإذن الرواية موثّق لا صحيح(1).

2. عن السيّد الموسوي العاملي: ويدلّ علي هذا القول أيضاً ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عثمان، عن عبداللّه بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس به(2). وقد وصف العلّامة في التذكرة و المختلف هذه الرواية بالصحّة وهو غير بعيد، إذ ليس في طريقها من يتوقّف في حاله؛ سوي معاوية بن حكيم. وفيه قال النجاشي: إنّه ثقة جليل في أصحاب الرضا عليه السلام. ويطعن فيه بشيء، فنقل العلّامة في الخلاصة عن الكشّي أنّه قال:

إنّه فطحيّ، وهو عدل عالم، وعلي هذا تكون روايته من قسم الموثّق لو ثبت القدح، لكنّه محلّ توقّف، وكيف كان، فهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح(3).

3. عن الشهيد الثاني في كتاب العارية من مسالك الأفهام: أنّ الشهيد الأوّل والعلّامة الحلّي، وغيرهما من الفقهاء أطلقوا علي رواية الحلبي: الصحيحة؛ مع أنّ في إسنادها إبراهيم بن هاشم، وهو ممدوح، ولم يوثّقه الرجاليّون اصطلاحاً، أي لم يورد في حقّه لفظ «ثقة» بل قال النجاشي: إبراهيم بن هاشم أوّل من نشر

********

(1) . الكافي ج 3 ص 38، مختلف الشيعة ج 3 ص 164، مجمع الفائدة والبرهان ج 3 ص 388.

(2) . تهذيب الأحكام ج 7 ص 415.

(3) . نهاية المرام ج 1 ص 58.

ص: 324

حديث الكوفيّين بقم. وعبارات الأصحاب مختلفة، فقد يسمّون حديثاً صحيحاً وقد يسمّونه حسناً(1)؛ فتري المحقّق الأردبيلي يؤكّد علي تسمية حديثه: حسناً وقال: إنّا في مقام معارضة حديثه مع غيره، نقدّم الخالي من إبراهيم بن هاشم علي غيره، وقد سمّي حديثه في زبدة البيان: صحيحاً، وانتقد الشهيد الثاني كونه سمّي حديثه: صحيحاً، مع أنّه حسن؛ فما قاله العلماء في حديث إبراهيم ابن هاشم مضطرب، فقد يعبّرون بالصحيح، وقد يعبّرون بالحسن؛ وهذا نهج من انتقد غير كالشهيد الثاني، والأردبيلي، فمن نظر إلي عدم ورود توثيق رجاليّ خاصّ فيسمّي حديثه: حسناً، ومن نظر إلي قرائن مختلفة أُقيمت علي توثيقه فيسمّيه: ثقة، وحديثه صحيح، وقد أقام العلّامة المامقاني علي توثيقه عشرة أدلّة، والسيّد الخوئي أربعة أدلّة، وذكر العلّامة التستري في قاموس الرجال: لفّق المصنّف في توثيقه أُموراً أقواها، وقوعه في سند تفسير ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي، وعلي هذا يسمّون حديثه: صحيحاً(2).

4 - قد يطلقون الصحيح علي الحديث المرسل، وذلك فيما إذا كان إرساله عن أصحاب الإجماع، فما سمّوه صحيحاً فباعتبار أنّه منقول من قِبَل أصحاب الإجماع.

********

(1) . مسالك الأفهام ج 6 ص 444، زبدة البيان ص 154، منتهي المطلب ج 2 ص 602، مختلف الشيعة ج 3 ص 383، التنقيح الرائع ج 2 ص 245، مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 190 وج 4 ص 93.

(2) . الرواشح السماويّة ص 448، الحدائق الناضرة ج 1 ص 415، منتهي المقال ج 1 ص 215، وسائل الشيعة ج 20 ص 124، تنقيح المقال ج 1 ص 37، قاموس الرجال ج 1 ص 337، معجم رجال الحديث ج 1 ص 317، روضة المتّقين ج 4 ص 23، مسالك الأفهام (فاضل جواد) ج 1 ص 325.

ص: 325

فنجد أنّ الشهيد الثاني قد أطلق - في بحث الردّة - علي الحديث المرسل عن حسن بن محبوب، عن غير واحد: صحيحاً، وعبّر عنه بصحيح حسن بن محبوب(1).

وفي استصحاب حكم الحيض قال: والمختار، التفصيل بالخمسين مطلقاً في غير القرشيّة، لصحّة روايته، وإرسالها مقبول من ابن أبي عمير(2).

5 - وأطلق السيّد الخوئي أيضاً علي مرسل محمّد بن أبي عمير، عن غير واحد في باب الخمس: الصحيح؛ وعن الشيخ البهائي قوله: إطلاق الصحيح علي الموثّق والمرسل المنقول من قِبَل أصحاب الإجماع كثير.

وقد روي ابن بابويه في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن محمّد بن مسلم قال: قلت: الرجل تكون عنده المرأة، يتزوّج أُخري، ألَه أن يفضّلها؟ قال: نعم، إن كانت بكراً فسبعة أيّام، وإن كانت ثيّباً فثلاثة أيّام(3). وهذا السند معتبر لأنّ ابن أبي عمير قد رواها عن غير واحد، عن محمّد بن مسلم، وربّما كان ذلك أقوي عن الرواية من الثقة الواحد، فيتّجه العمل بها(4).

6 - وعن المحقّق الحلّي: الثانية: إذا انتسب إلي قبيلة، فبان من غيرها، ففي رواية الحلبي تفسخ النكاح. وصرّح السيّد الموسوي العاملي: والأصل في هذه المسألة، ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال: سألته عن رجلين نكحا امرأتين، فأُوتي هذا بامرأة، وأُوتي هذا بامرأة؟ قال: تعتدّ هذه من هذا، وهذه

********

(1) . مسالك الأفهام ج 3 ص 371 وج 2 ص 358 الطبع الحجري.

(2) . نفس المصدر، ج 9 ص 237.

(3) . وسائل الشيعة ج 15 ص 81.

(4) . نهاية المرام ج 1 ص 424.

ص: 326

من هذا، ثمّ ترجع كلّ واحدة منهما إلي زوجها. قال: وفي رجل يتزوّج المرأة، فيقول لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك؟ قال: تفسخ النكاح أو ترد(1).

وهذه الرواية صحيحة السند، ولكن ردّها المتأخّرون بالإضمار حيث إنّ المسؤول فيها غير مذكور.

وعندي أنّ ذلك غير قادح، إذ من المعلوم أنّ الحلبي إنّما يروي عن الإمام عليه السلام خاصّة، والوجه في وقوع هذا الإضمار في روايات الأصحاب أنّ الحلبي وغيره من الرواة، كان إذا أورد عدّة أحاديث عن الإمام عليه السلام يصرّح أوّلاً باسم المروي عنه، ثمّ يرجع الضمير إليه فيقول: سألته عن كذا، وسألته عن كذا، إلي أن يستوفي الأحاديث التي رواها، فلمّا نقل من بعده تلك الروايات، وفرّقها ذلك الناقل علي مقتضي ما أراد، اتّفق فيها هذا الإضمار، وهو غير قادح قطعاً(2).

7 - وأطلق الفقهاء علي حديث عيص بن القاسم: الصحيح. قال الشيخ: روي العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابه قطرة من طست فيه وضوء؟ فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ثوبه، وإن كان من وضوء للصلاة فلا بأس.

وظاهر نسبة الرواية إلي العيص وجدانه في كتابه، لعدم احتمال المشافهة وطريق الشيخ إلي كتاب العيص حسن جدّاً، فالقدح في الرواية بالإرسال ضعيف في الغاية، وأضعف منه القدح فيها بالإضمار، فإنّه لا يقدح مع الاطمئنان بأنّ المسؤول هو الإمام عليه السلام، وإنّ الاستغناء عن التصريح باسمه الشريف لسبق ذكره في أوّل الرواية، فيستهجن تكراره في الكلام الواحد

********

(1) . وسائل الشيعة ج 14 ص 605.

(2) . نهاية المرام ج 1 ص 211.

ص: 327

المشتمل علي سؤالات متعدّدة والمنشأ في ذلك تقطيع الأخبار لداعي جعل الروايات مبوّبة، أو عدم تعلّق غرض الفقيه بصدر الرواية أصلاً. والشهيد في الذكري: وإن ارتكب ما ارتكب في حمل الرواية علي صورة التغيّر، لكنّه أحسن في عدم تضعيفه لسندها(1). فهذه الرواية ردّها بعض بضعفها لإرسالها وإضمارها، وقبلها آخرون ويعبّرون عنها بالمضمرة الصحيحة.

8 - تصحيح الحديث الذي في إسناده رجال معروفون، وإن لم يوثّقوه صريحاً. فعن الشيخ البهائي في كتابه مشرق الشمسين: كثيراً ما يصحّحون حديث أحمد بن محمّد بن يحيي وغيره من مشايخ الإجازة، وإن لم يوثّقوه في كتب الرجال، فهذا أحمد بن محمّد بن يحيي لم يوثّقوه في كتب الرجال، ولكن سمّي العلماء حديثه صحيحاً، فالشيخ الأنصاري والسيّد الخوئي في تقريراتهما عبّروا عن حديثه؛ وهو حديث الرفع بالصحيح، وناقشهم السيّد محمّد جعفر الجزائري في منتهي الدراية، كما ناقش السيّد جواد العاملي حديثه في مفتاح الكرامة.

وعن السيّد البروجردي حول صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور: صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور التي رواها الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب وهي العمدة في هذا الباب، أمّا الصدوق فقد روي في الفقيه بإسناده عن عبداللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّي تقبل شهادته لهم... والكلام في سند هذا الخبر، فقد حكي عن العلّامة الطباطبائي أنّه حكم بصحّة هذه الرواية، حيث قال في محكيّ ما صنّفه في

********

(1) . الطهارة (للأنصاري) ص 322.

ص: 328

مناسك الحجّ: الصحيح عندنا في الكبائر أنّها المعاصي التي أوجب اللّه تعالي عليها النار، وقد ورد تفسيرها بذلك في كثير من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم أجمعين، نحو صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور الواردة في صفة العدل، لكن في مفتاح الكرامة بعد نقل هذه العبارة قال: قلت: الظاهر أنّ الخبر غير صحيح، لا في التهذيب، ولا في الفقيه(1).

والظاهر أنّ منشأ الإشكال في الصحّة، هو اشتمال السند علي أحمد بن محمّد بن يحيي، حيث لم يقع عنه ذكر في الكتب المصنّفة في الرجال حتّي يعدّل أو يجرح، مع أنّ التحقيق يقضي بعدم الاحتياج إليه. توضيح ذلك أنّ الكتب الموضوعة في هذا الباب لا تتجاوز عن عدّة كتب ككتاب رجال الشيخ ورجال الكشّي وفهرست النجاشي، وعدم التعرّض فيها لراوٍ لا يوجب عدم الاعتناء بروايته، لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً علي جميع الرواة، لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسوّدة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً لنظمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة علي ذكر مجرّد اسمه واسم أبيه من دون تعرّض لبيان حاله، من حيث الوثاقة وغيرها، وكذا ذكر الرواة مكرّراً كما يتّفق فيه كثيراً علي ما تتبّعنا، فهذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلي حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة الكتاب وذلك كان مستنداً إلي كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة؛ من الفقه، والأُصول، وجمع

********

(1) . من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 24، تهذيب الأحكام ج 6 ص 241، الاستبصار ج 3 ص 12، مفتاح الكرامة ج 3 ص 91.

ص: 329

الأحاديث، والتفسير، والكلام وغير ذلك من العلوم، بحيث لو قسّمت مدّة حياته علي تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلّاساعات معيّنة محدودة، وكيف كان فعدم الذكر في رجال الشيخ لا يدلّ علي عدم الوثاقة.

وأمّا كتاب رجال الكشّيّ فالظاهر كما يظهر لمن راجع إليه أنّه كان غرضه منها جمع الأشخاص الذين ورد في حقّهم رواية أو روايات، مدحاً أو قدحاً، أو غيرهما.

********

(1) . نهاية التقرير ج 3 ص 232.

ص: 330

وعن هذا صرّح الشيخ حسن العاملي: هذا الإطلاق خلاف الاصطلاح(1).

وهذه الإطلاقات علي ما كان من الأحاديث مقطوعاً أو مضمراً كثيرة، فقد أطلق الشيخ الأنصاري والسيّد الخوئي وسائر علماء الأُصول: الصحيح علي مضمرة زرارة في باب الاستصحاب، فقالوا: صحيحة زرارة مع أنّه مضمر(2).

وقالوا: لا يضرّ إضمارها لأنّ زرارة لا ينقل ولا يضمر عن غير الإمام عليه السلام. وعن العلّامة الشيخ محمّد حسين الأصفهاني في الفصول الغرويّة: لأنّه في حكم الاتّصال الفحوائي(3).

********

(1) . مسند العروة الوثقي، كتاب الخمس، ص 35، مشرق الشمسين ص 3، منتهي الجمان ج 1 ص 12، الرعاية ص 80.

(2) . مصباح الأُصول ج 2 ص 400، الهداية إلي الأُصول ج 4 ص 15، حقائق الأُصول ج 2 ص 400، كفاية الأُصول ص 389، فرائد الأُصول ج 2 ص 563، قواعد الحديث ص 215.

(3) . الفصول الغرويّة ص 309.

ص: 331

الفائدة الثانية: مصادر قاعدة الإجماع

إنّ أوّل من تعرّض لهذه القاعدة هو محمّد بن عمرو الكشّيّ في كتاب رجاله الذي لخّصه وهذّبه وصحّحه الشيخ أبو جعفر الطوسي وقد اشتهر باسم اختيار معرفة الرجال، وقام الفقهاء منذ القرن الحادي عشر وإلي عصرنا هذا بتأليف رسالات حولها، كما تعرّضوا لها في كتبهم، فضلاً عن استشهادهم بها في كتبهم، ونحن هنا نذكر البعض الذين تناولوها، وكتبهم بصورة مبسّطة:

1. الملّا عناية اللّه القهبائي تلميذ آغا عبداللّه التستري، في كتابه مجمع الرجال 1:284.

2. الشيخ الحرّ العاملي، في وسائل الشيعة 20:79.

3. السيّد محسن الأعرجي الكاظمي، في عدّة الأُصول 1:189.

4. محمّد شفيع الجابلقي البروجردي، في طرائف المقال 2:345.

5. محمّد باقر الميرداماد، في الرواشح السماويّة: 45.

6. السيّد محمّد باقر الشفتي، في الرسائل الرجاليّة: 30.

7. ملّا علي علياري، في بهجة الآمال 1:210.

8. السيّد محمّد المجاهد، في مفاتيح الأُصول: 374.

9. محمّد محسن الفيض الكاشاني، في الوافي 1:26.

10. السيّد حسن الصدر، في نهاية الدراية: 404.

ص: 332

11. الميرزا حسين النوري الطبرسي، في خاتمة مستدرك الوسائل 7:7.

12. الشيخ عبداللّه المامقاني، في مقباس الهداية 2:171.

13. أبو الهدي الكلباسي، في سماء المقال 2:298.

14. إبراهيم الدنبلي الخوئي، في ملخّص المقال 1:9.

15. أبو عليّ الحائري، في منتهي المقال 1:50.

16. الميرزا موسي التبريزي، في أوثق الوسائل: 170.

17. الميرزا أبوالحسن المشكيني، في وجيزة في علم الرجال: 29.

18. الشيخ علي الخاقاني، في رجال الخاقاني: 60.

19. السيّد محسن الأمين العاملي، في البحر الزخّار 2:111.

20. الإمام السيّد روح اللّه الخميني، في الطهارة 3:242.

21. السيّد آية اللّه أبوالقاسم الخوئي، في معجم رجال الحديث 1:60.

22. الشيخ جعفر السبحاني، في كلّيّات في علم الرجال: 163.

23. الشيخ مسلم الداوري، في أُصول علم الرجال: 385.

24. السيّد كاظم الحائري، في القضاء في الفقه الإسلامي: 26.

25. السيّد محمّد صادق الروحاني، في فقه الصادق 2:112.

26. الشيخ محمّد فاضل اللنكراني، في الحدود: 447.

27. محمّد حسن الربّاني، في دانش دراية الحديث: 266، و دانش رجال الحديث أيضاً.

ص: 333

الفائدة الثالثة: توثيق الراوي ولو كان النقل مع الواسطة

وأمّا عمّن تعرّض للقاعدة وقال: إنّ القاعدة تدلّ علي توثيق أصحاب الإجماع، بل وعلي توثيق من روي عنه أصحاب الإجماع، قالوا: لا فرق بين نقل أصحاب الإجماع عن الراوي بلا واسطة، أو مع الواسطة، فالمثال الذي صرّح الشهيد الأوّل بذيله بقاعدة الإجماع قد ذكره في غاية المراد وهو: لا خلاف في أنّه يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها عاماً بلا ضميمة، لما رواه الشيخ في الحسن عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: «إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة، فلا يباعنّ حتّي تبلغ ثمرته، وإلي سنتين أو ثلاثاً فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة» وقد قال الكشّيّ: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب.

قلت: وفي هذا توثيق ما لأبي الربيع الشامي واسمه خُليد بن أوفي، ولم ينصّ الأصحاب علي توثيقه فيما علمت(1).

والمثال الثاني: ما عن المحقّق الحلّي: ولو تزوّجها في عقد بطل، وقيل:

ويتخيّر، والرواية به مقطوعة. واستدلّ عليه العلّامة الحلّي بما رواه الشيخ عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن السندي، عن ابن أبي عمير، عن

********

(1) . غاية المراد ج 2 ص 53.

ص: 334

جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام في رجل تزوّج أُختين في عقد واحد. قال: «هو بالخيار، أن يمسك أيّتهما شاء، ويخلّي سبيل الأُخري»(1).

وعن السيّد محمّد الموسوي في كتابه نهاية المرام: وجوابه أنّ الرواية مرسلة في الكافي و التهذيب فلا تنهض حجّة في إثبات هذا الحكم وجعلها المصنّف مقطوعة وهو خلاف الاصطلاح، وفي طريقها في التهذيب عليّ بن السندي وهو مجهول. واعلم أنّ الصدوق رحمه الله أورد في من لا يحضره الفقيه رواية جميل ابن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام بغير إرسال، وطريقه إليه صحيح، فينتفي الطعن فيها من حيث السند، لكن يبقي القدح فيها من حيث الدلالة بحاله، وهنا بحث وهو أنّ العلّامة رحمه الله قال في المختلف: واعلم أنّ الرواية في طريقها عليّ بن السندي، ولا يحضرني الآن حاله، غير أنّ طريق الشيخ إلي ابن أبي عمير جيّد، وهو الراوي ولا يضرّ الإرسال، لأنّ مراسيل ابن أبي عمير معمول عليها؛ هذا كلامه رحمه الله وهو غير جيّد، لأنّ جودة طريق الشيخ إلي ابن أبي عمير إنّما تنفع إذا أخبر الشيخ بكونها من رواياته، أمّا إذا رواها عنه بطريق ضعيف، فلا يعلم كونها من رواياته، ليندرج فيما رواه عنه بذلك الطريق، كما هو واضح.

وقوله: إنّ مراسيل ابن أبي عمير معمول عليها غير واضح، إذ لم يثبت توثيق من أرسل عنه، ولو ثبت ذلك لأشكل التعويل عليه، كما حقّق في دراية الحديث، وقد صرّح المصنّف في مواضع من المعتبر بردّ مراسيل ابن أبي عمير، وهو متّجه علي أنّ الإرسال هنا إنّما وقع من جميل، لا من ابن أبي

********

(1) . وسائل الشيعة ج 14 ص 367.

ص: 335

عمير(1).

فتلخّص ممّا ذكره العاملي أُمور:

1. سمّي المصنّف - أي المحقّق الحلّي - الرواية مقطوعة؛ وهذا خلاف الاصطلاح، فإنّ الرواية مرسلة، والمنقطع ما كان قائله غير معلوم، هل هو إمام، أم غيره.

2. هذه الرواية علي طريق الشيخ الكليني مرسلة، ولكن علي طريق الصدوق مسندة.

3. الرواية من مرسلات جميل بن درّاج، وهو من أصحاب الإجماع.

4. رأي العلّامة: الرواية من مرسلات محمّد بن أبي عمير (217 ق). ولكن هي من مرسلاته مع الواسطة.

5. مرسلات أصحاب الإجماع حجّة، سواء كانت بلا واسطة، أو مع الواسطة.

6. رأي العلّامة الحلّي: مراسيل محمّد بن أبي عمير معتبرة.

7. رأي السيّد العاملي: هذه ليست من مراسيل ابن أبي عمير، بل هي من مراسيل جميل بن درّاج.

********

(1) . نهاية المرام ج 1 ص 180.

ص: 336

الفائدة الرابعة: تطوّر القاعدة عبر تاريخ الفقه والرجال والحديث الإسلامي الشيعي

نتناول هنا من تناول هذه القاعدة شاهداً ومورداً، ونقدّم شرحاً وعرضاً لفقهه أو رجاله أو أُصوله:

1. محمّد بن عمر الكشّيّ: اختيار معرفة الرجال.

2. العلّامة حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (726 ق)، خلاصة الرجال:

15، مختلف الشيعة 2:224.

3. محمّد بن مكّي العاملي (776 ق)، غاية المراد 2:48.

فبين عصر الشيخ إلي عصر العلّامة الحلّي لم يتعرّض فقيه لقاعدة الإجماع، كما أنّ فخر الدين الحلّي ولد العلّامة صاحب إيضاح الفوائد والفاضل المقداد السيوري صاحب التنقيح الرائع، وأحمد بن فهد الحلّي صاحب المهذّب البارع، والسيّد عميدالدين الأعرجي الحلّي صاحب كنز الفوائد لم يتعرّضوا لقاعدة الإجماع وأصحابها، بل وجدنا في كتاب إيضاح الفوائد كلمات في تضعيف روايات عبداللّه بن بكير، كما أنّه وجدنا كلمات في تضعيف روايات أبان بن عثمان في المهذّب البارع، مع أنّا نعلم أنّهما أي: فخرالدين، وأحمد بن فهد الحلّي لم يعملا بالخبر الموثّق(1).

4. نعم، تعرّض السيّد عميدالدين الأعرجي لروايات مرسلة من ابن أبي

********

(1) . المهذّب البارع ج 5 ص 227 و 409، إيضاح الفوائد ج 3 ص 291 و 500.

ص: 337

عمير فعبّر عنها: بالصحيح، كما أنّ فخرالدين عبّر عن مرسلة محمّد بن أبي عمير بالصحيح، والسيّد عليّ بن طاووس الحلّي قال: إنّ الأصحاب عملوا بمراسيل محمّد بن أبي عمير (217 ق) قاله في كتابه كشف المحجّة(1).

5. ثمّ جاء بعد الشهيد الأوّل المحقّق الشيخ عليّ الكركي فنجده - إذا راجعنا جامع المقاصد - ضعّف رواية عبداللّه بن بكير من أصحاب الإجماع، أمّا الشيخ الميرزا حسين النوري في خاتمة مستدرك الوسائل - وكما نقل عنه الشيخ السبحاني - أنّه سمّي أحاديث أصحاب الإجماع صحيحاً.

6. قد تعرّض أيضاً الشهيد زين الدين الجبعي العاملي للقاعدة وأنكرها بالمرّة، فهو من جملة المنكرين الذين ادّعوا أنّ القاعدة ليست بصدد التوثيق والتصحيح، وقد صرّح بهذا الأمر الشهيد الثاني في الروضة، ونظيره في مسالك الأفهام و البداية(2).

إن قلت: إنّ هنا سؤالاً وهو الذي طرحه الفيض الكاشاني في الوافي في ذيل رواية عبداللّه بن بكير فقال: كيف ردّ الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب علي عبداللّه بن بكير، مع أنّه عدّه في اختيار معرفة الرجال من أصحاب الإجماع، ووثّقه في العدّة في أُصول الفقه، ووثّقه أيضاً في رجاله.

ولهذا صرّح العلّامة محمّد إسماعيل الخواجوئي في رسالته في الكرّ - علي ما نقله عنه السيّد محمّد باقر الخوانساري عند ترجمة الشيخ الطوسي في كتابه روضات الجنّات -: في كلمات الشيخ الطوسي اضطرابات، فلذلك لا يكون

********

(1) . كنز الفوائد ج 1 ص 45، إيضاح الفوائد ج 1 ص 25.

(2) . الروضة ج 6 ص 39.

ص: 338

كلامه في الرجال أي توثيق الرواة وتضعيفهم دليلاً وحجّة، فإنّه وثّق عبداللّه بن بكير في موضع، وضعّفه في موضع آخر، بل ردّ حديثه. ومثله محمّد بن أبي عمير (217 ق) الذي عدّه في اختيار معرفة الرجال من أصحاب الإجماع.

ووثّقه في العدّة في أُصول الفقه فقال: سوّت الطائفة بين مراسيله ومسانيد غيره، ووثّقه في رجاله، ثمّ ردّ حديثه في كتاب تهذيب الأحكام(1).

ومثلهما سهل بن زياد، فوثّقه في رجاله، ثمّ ضعّفه في الفهرست، ومثلهم سالم بن مكرم، فوثّقه في كتابٍ، ثمّ ضعّفه في الآخر.

ومثل هذه الاضطرابات في كلمات الشيخ الطوسي كثيرة، لكنّا نقول في جواب الشيخ الخواجوئي: إنّ الاضطراب له وجه، فإنّ الشيخ وثّق عبداللّه بن بكير، ومحمّد بن أبي عمير في اختياره ورجاله وعدّته، ولكن ضعّف روايته في تهذيبه، لأنّ الخبر كان مخالفاً لروايات كثيرة، فقال: الرواية إضافة إلي أنّه خبر الواحد لا يفيد علماً ولا عملاً فهي مرسلة، فالإرسال دليل علي الضعف، إذا كان الخبر ضعيفاً من جهات أُخري.

وأمّا الاختلاف بين الرجال و الفهرست فهو رائج دائر بين المؤلّفين، فإنّ الشخص كلّ يوم يزاد في علمه، ويصل اليوم إلي علم لم يصل إليه قبلاً، كما يصل غداً إلي علم لم يصل إليه الآن، فإنّا نري الشهيد الثاني في مسالك الأفهام انتقد العلّامة الحلّي في كتبه الخمسة وقال: أفتي في الخمسة خمس فتاوي، فالكتب: تذكرة الفقهاء، و منتهي المطلب، و مختلف الشيعة، و تحرير الأحكام ونهاية الأحكام، فإنّه أفتي في مسألة واحدة بخمس فتاوي، أفتي بالوجوب، ثمّ

********

(1) . العدّة في أُصول الفقه ج 1 ص 154.

ص: 339

بالاستحباب، ثمّ بالإباحة، ثمّ بالكراهة، ثمّ بالحرمة، ولا يكون هذا إلّاعن ممارسة، ومطالعة، ومباحثة في الأدلّة.

7. إنّ المولي أحمد الأردبيلي تعرّض - في القرن العاشر - لقاعدة الإجماع، في المجلّدات الأُولي من كتابه مجمع الفائدة والبرهان، وكثيراً ما كان يعبّر كما كان يعبّر العلّامة الحلّي، فمثلاً يقول: لا يقال في سند الرواية عبداللّه بن بكير وهو فطحيّ، أو أبان بن عثمان وهو ناووسيّ؛ لأنّا نقول: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالفقه، والعلم، فإذن الرواية معتبرة، ثمّ في المجلّدات الأخيرة اعتبر مراسيل أصحاب الإجماع كمراسيل صفوان بن يحيي (210 ق)(1).

8 و 9. قد تلقّي كلّ من الشيخ حسن العاملي والسيّد محمّد الموسوي العاملي القاعدة بالقبول، بمعناها الأوّل، وهو توثيق أصحاب الإجماع، كما تلقّاه بالقبول أُستاذهما الأردبيلي. فعن الشيخ حسن العاملي في ترجمة عبداللّه بن بكير: أنّه من أصحاب الإجماع، وأجمعت العصابة علي توثيقه، وإقرارهم له بالفقه والعلم.

نعم، قد نقل الشيخ حسن العاملي في معالم الأُصول في مبحث شروط الراوي: أنّ المشهور بين الفقهاء، هو اشتراط الإيمان، ثمّ نقل عن تعليقة الشهيد علي خلاصة الأقوال، ونقل عن فخرالدين فقال: سألت والدي عن أبان بن عثمان، هل هو ثقة يعمل برواياته؟ قال: كيف يكون ثقة واللّه تعالي يقول: (إِنْ

********

(1) . مجمع الفائدة والبرهان ج 13 ص 66 وج 7 ص 89 و 143، زبدة البيان ص 597.

ص: 340

جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) (1) ؟! أمّا نحن، فنري أنّ العلّامة الحلّي وثّق عبداللّه بن بكير، وأبان، وعمل برواياتهما في كتبه الرجاليّة والفقهيّة.

10. الملّا عناية اللّه القهبائي وأُستاذه الملّا حسين التستري ذكر مؤلّفه مجمع الرجال رأيه، ورأي أُستاذه لقاعدة الإجماع.

11. الميرزا علي الإسترآبادي تعرّض للقاعدة في كتبه الثلاثة الرجال الكبير، و الوسيط، و ملخّص المقال.

12. الشيخ محمّد بن الحسين البهائي تعرّض لتوثيق الرواة بالنسبة لما يخصّ القاعدة في مشرق الشمسين و الحبل المتين.

13. العلّامة محمّد باقر الميرداماد تعرّض للقاعدة بشكل مفصّل في كتابه الرواشح السماويّة وهو الذي أتقن معناها وشرح مضمونها.

14. العلّامة محمّد تقي المجلسي تعرّض للقاعدة في روضة المتّقين.

15. الحاج آغا حسين الخوانساري تمسّك بتوثيق الرواة في مشارق الشموس.

16. الفاضل محمّد باقر السبزواري تعرّض للقاعدة كراراً في كتابه ذخيرة المعاد.

17. الملّا محمّد محسن الفيض الكاشاني تعرّض للقاعدة في مقدّمة كتابه الوافي.

18. آغا جمال الخوانساري فإنّه قال: ومستندهم رواية الكافي والتهذيب في الحسن بن إبراهيم، عن ابن بكير، وهو ممّن اجتمعت العصابة علي تصحيح

********

(1) . الحجرات/ 6.

ص: 341

ما يصحّ عنهم، مع أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير، وهو أيضاً منهم(1).

19. بهاء الدين الأصفهاني استشهد بالقاعدة في كتابه كشف اللثام.

20. الشيخ يوسف البحراني استشهد بالقاعدة بمعنييها في كتابه الحدائق الناضرة.

21. العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني استشهد بالقاعدة علي توثيق الرواة في تعليقته علي منهج المقال.

22. العلّامة محمّد مهدي بحرالعلوم تعرّض للقاعدة في كتابه الفوائد الرجاليّة ضمن توثيق زيد النرسي.

23. السيّد محمّد العاملي استشهد بها في مفتاح الكرامة.

24. السيّد عليّ الطباطبائي، فقد نقل تلميذه أبو عليّ الحائري أنّ أُستاذه أنكر توثيق الرواة لقاعدة الإجماع، وقال: لم نر من أوّل الفقه إلي آخره عمل فقيه برواية راوٍ مجهول. ثمّ قال: إنّه نقل عنه أصحاب الإجماع.

إلّاأنا إذا رجعنا إلي رياض المسائل فنجد أنّه تعرّض للقاعدة واستشهد بها لمرّات.

25. الملّا أحمد النراقي استشهد بالقاعدة في كتابه مستند الشيعة.

26. الشيخ الميرزا أبوالقاسم النراقي شرح القاعدة في كتابه شعب المقال.

27. السيّد محمّد المجاهد شرح القاعدة في كتابه مفاتيح الأُصول، وبحث بشكل مستقلّ عن مرسلات محمّد بن أبي عمير.

28. السيّد محمّد باقر الشفتي ألّف رسالة حول القاعدة وأطنب فيها.

********

(1) . الحواشي علي الروضة ص 186.

ص: 342

29. الشيخ محمّد حسن النجفي استشهد بالقاعدة علي اعتبار مراسيلهم وتوثيق المجاهيل، فإنّه قال بعد الاستشهاد بمرسلة حمّاد بن عيسي في بحث الخمس: إنّ المرسل نقل في الجوامع الثلاثة، وراويه من أصحاب الإجماع.

30. الشيخ مرتضي الأنصاري تعرّض للقاعدة في جملة القرائن التي أُقيمت علي اعتبار خبر الواحد، كما تعرّض لها في الفقه.

31. صاحب إتقان المقال تلميذ الشيخ الأنصاري، الشيخ محمد طه نجف.

32. المحدّث المعروف الميرزا حسين النوري فإنّه تعرّض للقاعدة مفصّلاً في خاتمة مستدرك الوسائل وقال: لو عملنا بالقاعدة لصحّحنا أُلوفاً من الروايات، وفصّل في القاعدة بما لم يتعرّض أحد قبله، كما أنّه تناول تطوّر القاعدة إلي زمانه.

33. الميرزا موسي التبريزي شرح القاعدة في أوثق الوسائل.

34. الشيخ عبداللّه المامقاني تناول القاعدة بشكل مفصّل في مقباس الهداية وأشار إليها في تنقيح المقال.

35. السيّد حسن الصدر شرح القاعدة في كتابه نهاية الدراية.

36. الملّا علي العلياري شرح القاعدة في مقدّمة كتابه بهجة الآمال.

37. السيّد محسن الأعرجي تعرّض لها في كتابه عدّة الرجال.

38. الشيخ محمّد شفيع الجابلقي البروجردي، أطنب الكلام عنها في كتابه طرائف المقال.

39. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني تعرّض للقاعدة بعنوان قرائن التوثيق في كتابه الفصول الغرويّة.

ص: 343

40. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني صاحب نهاية الدراية.

41. الشيخ ضياء الدين العراقي استشهد بها في كتابه شرح تبصرة المتعلّمين.

42. الإمام الخميني فصّل في القاعدة في كتابه الطهارة.

43. آية اللّه السيّد أبوالقاسم الخوئي فصّل فيها في مقدّمة معجم رجال الحديث.

44. الدنبلي الخوئي تعرّض لها في مقدّمة كتابه ملخّص المقال.

45. الشيخ جعفر السبحاني شرحها في كتابه كليّات في علم الرجال.

46. السيّد كاظم الحائري شرحها في كتابه القضاء.

47. السيّد صادق الروحاني شرح القاعدة ذيل مرسلة يونس بن عبدالرحمن في كتاب فقه الصادق من مبحث الحيض.

48. الشيخ الميرزا أبوالحسن المشكيني شرح القاعدة في كتابه وجيزة في علم الرجال.

49. الشيخ مسلم الداوري شرحها في كتابه أُصول علم الرجال.

50. الشيخ محمّد فاضل اللنكراني تعرّض للقاعدة في كتاب الحدود بالتفصيل.

51. الشيخ علي الخاقاني شرحها في كتاب رجاله.

52. السيّد محسن الأمين العاملي شرحها في البحر الزخّار.

تعرّضنا لمصادرها تفصيلاً في مقالة بعنوان: سير تطوّر قاعدة الإجماع والتي طبعت في مجلّة «كاوشي در فقه» برقم 27-28.

53. الدكتور عبدالهادي الفضلي في كتابه اُصول علم الرجال.

ص: 344

الفائدة الخامسة أمثلة تطبيقيّة علي المعني الأوّل:

اشارة

المثال الأوّل:

قال الإمام الخميني وتلميذه آية اللّه الفاضل اللنكراني - والعبارة للثاني -: أمّا العصير العنبي التمري فالمشهور كما في الحدائق و طهارة الشيخ الحلّيّة، وذهب بعض إلي الحرمة ونسب ذلك إلي جملة من متأخّري المتأخّرين(1)، وعمدة ما لا يمكن الاستدلال به عليها، ما رواه زيد النرسي في أصله، قال: سُئل أبو عبداللّه عن الزبيب يدقّ ويلقي في القدر، ثمّ يصبّ عليه الماء، ويوقد تحته، فقال: «لا تأكله حتّي يذهب الثلثان ويبقي الثلث، فإنّ النار قد أصابته». قلت:

فالزبيب كما هو في القدر، ويصبّ عليه الماء، ثمّ يطبخ ويصفّي عنه الماء؟ فقال: «كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلي الماء فصار حلواً بمنزلة العصير، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد».

أمّا وثاقة زيد النرسي فالظاهر أنّه لم يرد في شيء من الكتب الرجاليّة والتراجم، بالإضافة إليه مدح ولا قدح، ومن أجله ربّما يقال بعدم وثاقته لأنّ الموثّق عبارة عمّن كان له توثيق في شيء من تلك الكتب، مضافاً إلي أنّ

********

(1) . الحدائق الناضرة ج 5 ص 125، كتاب الطهارة (للأنصاري) ص 316، الدرّة النجفيّة ص 53، جواهر الكلام ج 6 ص 20، مستدرك الوسائل ج 17 ص 38، بحار الأنوار ج 79 ص 177.

ص: 345

الصدوق وشيخه ابن الوليد لم ينقلا عنه أصلاً، بل ضعّفا كتابه وقالا: إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسي الهمداني(1)، ولكنّه قد حاول العلّامة الطباطبائي تصحيح سندها استناداً إلي أنّ الشيخ قال في حقّه: له أصل، وإلي أنّ محمّد بن أبي عمير قد روي عنه وعن كتابه، وهو لا يروي ولا يرسل إلّاعن ثقة، مع أنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عنهم(2) ولكن فيما قاله نظر.

وأمّا كون ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع، فلابدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف، فنقول: الأصل في دعوي الإجماع هو الكشّيّ في رجاله حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليه السلام:

أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد ابن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان «أبو بصير الأسدي»: «أبو بصير المرادي» وهو ليث بن البختري.

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام:

أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخرين، دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي بيّاع السابري،

********

(1) . الفهرست ص 130 الرقم 300.

(2) . اختيار معرفة الرجال ص 556 الرقم 1050.

ص: 346

ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب، وقال بعضهم مكان «فضالة بن أيّوب»: «عثمان بن عيسي»، وأفقه هؤلاء: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي(1).

وقد استفاد جماعة من هذه العبارات صحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء، إذا صحّ السند إليه، حتّي إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق، فضلاً عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، ومن هذه الجماعة صاحب الوسائل في الفائدة السابعة من خاتمة كتابه، قال: وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرينة قطعيّة علي ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين مرسلاً، أو مسنداً عن ثقة، أو ضعيف، أو مجهول، لإطلاق النصّ والإجماع كما تري(2).

هذا، والظاهر أنّه لا مجال لهذه الاستفادة، لأنّ مفاد العبارة الأُولي مجرّد إجماع العصابة علي تصديق الستّة المذكورين أوّلاً، والانقياد لهم بالفقه والتصديق لا يلازم الإغماض عمّن روي عنه من جهة الفسق والجهالة والإرسال، لأنّ مرجعه إلي عدم كون الستة متّهمين بالكذب في نقلهم وروايتهم، وأين هذا من الرواية التي رووها، وإن كان الواسطة بينهم وبين المعصوم غير واحد، لشرط الاعتماد والحجّيّة.

وأمّا العبارتان الأخيرتان المشتملتان علي تصحيح ما يصحّ عنهم، فالظاهر

********

(1) . اختيار معرفة الرجال ص 556 الرقم 1050.

(2) . وسائل الشيعة ج 20 ص 80.

ص: 347

عدم كون المراد بهما أمراً زائداً علي ما هو مفاد العبارة الأُولي، بحيث كان مرجعهما ظاهراً إلي ثبوت مزيّة زائدة لغير الستّة الأوّلين، مع تصريحه بوقوعهم في الدرجة العليا والمرتبة الأُولي، بل المراد منهما ما هو مفاد الأُولي خصوصاً مع إضافة التصديق بعدهما، ولا مجال للتنزّل في مقام المدح والمزيّة بذكر عدم الاتهام بالكذب، بالإضافة إلي أنفسهم بعد الحكم بتصديق من رووا عنه أيضاً، كما لا يخفي.

والإنصاف أنّه لايستفاد من عبارة معقد الإجماع إلّامجرّد كونهم صادقين في النقل، غير متّهمين بالكذب، والغرض من نقل الإجماع ثبوت الامتياز لهم بكونهم مورداً للاتفاق علي الوثاقة والاعتماد.

هذا، ولو فرض كون معقد الإجماع صحّة ما يحصل عنهم مطلقاً، ولو كانت الواسطة فاقدة لبعض الخصوصيّات المعتبرة، فنقول: هذا من مصاديق الإجماع المنقول بخبر الواحد، وقد قرّر في الأُصول عدم حجّيّته، فلا يمكن لنا الاستفادة من هذا الإجماع بوجه(1).

ومثل هذه العبارات موجودة في الطهارة بقلم أُستاذه الإمام الخميني قدس سره.

المناقشات في قاعدة الإجماع
اشارة

ناقش بعضهم أصل القاعدة وأساسها، وأنكرها من أصلها، وناقش بعضهم المعني الثاني وأثبت المعني الأوّل، فإذاً المناقشون في القاعدة طائفتان:

الطائفة الأُولي:

كالشهيد الثاني وأضرابه، فإنّهم ينكرون القاعدة ويقولون: إنّ الشيخ الكشّيّ لم يكن بصدد توثيقهم، بل هو عنوان كان في كتابه ليخبر عمّا

********

(1) . تفصيل الشريعة، كتاب الحدود ص 447.

ص: 348

يعتقده بعض العلماء، بل جميع العلماء عنده؛ لأنّ مناط الكشّيّ في كتابه علي الروايات، وهذه الجملة ليست بصدد توثيقهم، فلذلك قال الشهيد: إنّ القاعدة ليست قاعدة للتوثيق، بل هي في النهاية إخبار عن إجماع علماء الشيعة، وهذا منقول لا يكون حجّة.

الطائفة الثانية:

فإنّهم ناقشوا المعني الثاني، أي معني الإجماع بشموليّته وأثبتوا أنّ الكشّيّ بصدد توثيقهم، وليس أكثر منه مراداً؛ فأصحاب الطائفة يقولون: إنّ القاعدة توثيق عام لأصحاب الإجماع لا أكثر، ولا تدلّ علي توثيق من روي أصحاب الإجماع عنهم، ولا اعتبار مراسيلهم، ومقاطيعهم، وأدلّتهم.

وهنا مناقشات في المعني الثاني:

الأولي: إنّ لأصحاب الإجماع مشايخ من الرواة لا يكونون معروفين، بل هم مجهولون، فهم يروون عن مشايخ مجهولين ومعروفين بالضعف، فإنّ بعض مشايخهم قد ضعّفوا من قِبل علماء الرجال، بل إنّ في مشايخهم بعض من الغلاة والنواصب، وعليه كيف نعتمد علي مراسيلهم ومقاطيعهم، ولذا نقول: إذا رووا عن مجهول، أو مهمل فهو توثيق له.

وهذه المناقشة طرحها عدد من العلماء، كالمحقق الحلّي وتوسّع في تبيينها وشرحها الإمام الخميني قدس سره في كتاب الطهارة، والسيّد آية اللّه الخوئي في مقدّمة معجم رجال الحديث، وقد ذكرنا في صدر الرسالة عدّة من مناقشاتهم وما ذكره آية اللّه الفاضل اللنكراني إنّما يرجع إلي أمرين:

الأوّل: مناقشة في معني القاعدة، فهي بصدد توثيقهم لا أكثر.

الثاني: لو تنزّلنا وقلنا: إنّ معني القاعدة عامّة ولكن هذا إجماع منقول، والإجماع المنقول لا يكون عندنا حجّة.

ص: 349

الفائدة السادسة أمثلة تطبيقيّة علي المعني الثاني:

المثال الأوّل: قال النراقي: المسألة الثالثة: إذا عرفت أنّه لابدّ في القاضي من ورود الإذن في شأنه فنقول: إنّه قد ورد ذلك من سلاطين الأنام... والمعتبرة المستفيضة... وكصحيحة أبي خديجة: «انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه».

والأُخري: «اجعلوا بينكم رجلاً ممّن عرف حلالنا وحرامنا، فإنّي قد جعلته قاضياً».

ومقبولة عمر بن حنظلة: «انظروا إلي مَن كان منكم قد روي حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكماً، فإنّي جعلته عليكم حاكماً...».

وتضعيف هذه الرواية - مع انجبارها بما مرّ حتّي اشتهرت بالمقبولة - غير جيّد أيضاً؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف في شأنه سوي داود بن الحصين، ووثّقه النجاشي، فلو ثبت ما ذكره الشيخ، وابن عقدة من وقفه فالرواية موثّقة لا ضعيفة، وعمر بن حنظلة، وقد حكي عنه توثيقه.

هذا مع أنّ ما في السند قبلهما صفوان بن يحيي، وهو ممّن نقل إجماع

ص: 350

العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه(1).

المثال الثاني: مرسلة حمّاد في باب الخمس والزكاة من المراسيل المشهورة.

قال الأردبيلي: والرواية غير صحيحة، بل ضعيفة من وجوه. وقال في حاشية مجمع الفائدة والبرهان: لعلّ نظره في تضعيف السند من وجوه، ما هو بطريق الشيخ في التهذيب، وإلّا فطريقها في الكافي ليس كذلك، فإنّ سندها في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام، فإنّ السند ليس فيه نقص، إلّاكونه مرسلاً، وهو غير قادح، لكون حمّاد بن عيسي من أصحاب الإجماع(2).

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري في كتاب الخمس: هذا كلّه، مع أنّ مرسلة حمّاد صريحة في مذهب المشهور، فلا منافاة بكون ولد البنت ولداً وابناً حقيقة مع حرمانه عن الخمس بقوله عليه السلام في تلك المرسلة: «فأمّا من كانت أُمّه من بني هاشم، وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له، وليس من الخمس شيء، إنّ اللّه تعالي يقول: (اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) (3) ولا يضرّها الإرسال بعد الانجبار، وكون المرسل من أصحاب الإجماع(4).

وقال صاحب الجواهر - الشيخ النجفي في بحث اعتبار الانتساب إلي عبدالمطلب بالاُبُوّة -: بل هو صريح المرسل الطويل عن العبد الصالح، المروي

********

(1) . مسالك الأفهام ج 2 ص 352، رجال النجاشي ص 421/159، رياض الشيخ ص 348، خلاصة الرجال ص 221، رياض المسائل ج 2 ص 388، مستند الشيعة ج 17 ص 419، الكافي ج 7 ص 412، تهذيب الأحكام ج 6 ص 514/218، وسائل الشيعة ج 27 ص 136.

(2) . مجمع الفائدة والبرهان ج 4 ص 190.

(3) . الأحزاب/ 5.

(4) . وسائل الشيعة ج 5 ص 395، الإضراب ص 5، الخمس ص 305، جواهر الكلام ج 16 ص 91.

ص: 351

في كتب المحمّدين الثلاثة، الذي يكفي اتّفاقهم علي روايته جبراً لإرساله، فضلاً عن شهادة النظر في متنه، والتأمّل فيه، وفيما اشتمل عليه من الأحكام المخالفة لمن جعل اللّه الرشد في خلافهم، وعن عمل كافّة الأصحاب عداه به، وإن ذكر في بعض الكتب مستنداً غيره، الذين فيهم من لا يعمل إلّابالقطعيات، وعن اعتضاده بموافقة الاحتياط الذي جعله اللّه طريق السلامة، خصوصاً فيما اشتغلت الذمّة به بيقين(1).

وأضاف المحقق الشيخ مرتضي الحائري في كتابه «الخمس» خصوصيّات مذيّلاً بها قول صاحب الجواهر بقوله: ومنها: أنّ الناقل من أصحاب الإجماع، وله خصوصيّة مرّ شرحها. ومنها: اتّصافه المروي عنه بأنّه من أصحابنا. ومنها:

أنّ الواسطة واحد يروي عنه حماد من دون واسطة شخص آخر. ومنها: إسناد عبارة الرواية في التذكرة بنحو الجزم إلي الكاظم عليه السلام(2).

وكلامه الأخير ظاهر في أنّ بعضاً رمي الحديث بالإرسال، وادّعي أنّ العبد الصالح كناية، فالحديث مرسل، مع أنّ العبد الصالح المراد به هو الإمام موسي ابن جعفر عليهما السلام، وأطلق عليه تقيّة.

المثال الثالث: روي الشيخ الطوسي بإسناده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن بعض رجاله، عن الصادق عليه السلام....

هذه مرسلة مفصّلة طويلة في أحكام الحيض، ولكن أُورد عليها إيرادات:

تارة بأنّها مرسلة، وأُخري بكون إسماعيل بن مرار مجهولاً، وثالثة بإعراض

********

(1) . جواهر الكلام ج 16 ص 91.

(2) . الخمس ص 477 (الشيخ مرتضي الحائري).

ص: 352

المشهور عنهما. وفيها قال الإمام الخميني قدس سره في الطهارة بعد الإشكالات المذكورة: وفي الرواية اضطرابات كثيرة.

وفي قبال هؤلاء قال بعض باعتبارها.

وأمّا بالنسبة إلي إسماعيل بن مرار، فقد قال الوحيد البهبهاني في ذيل سند حديث - مثل سند حديثنا - في حواشيه علي مجمع الفائدة والبرهان: إنّ إسماعيل بن مرار مقبول الحديث عند القمّيّين، مع أنّهم كانوا يُخرجون عن قم من روي عن غير العادل، ولذا أخرجوا البرقي المذكور، لأنّه ربّما يروي في المحاسن عن غير العادل عندهم أيضاً. والسيّد الداماد حكم بعدالة إسماعيل المذكور من الجهة المذكورة، وربّما كان غيره أيضاً، ومنهم الميرزا، مع أنّ الظاهر من القدماء اتّفاقهم علي روايته، وكونها صحيحة عندهم(1).

وأمّا إرساله، فهو من يونس بن عبدالرحمن، فعن السيّد محمّد صادق الحسيني الروحاني في فقه الصادق لدفع الإيراد الأخير: أنّ المرسل إنّما هو يونس، وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، وعن الكشّيّ عدّه من الطبقة الثالثة من الطبقات الثلاث التي ذكرها، ودعوي أنّه لم يثبت كون المراد من إجماع العصابة عدم التأمّل فيمن يروون عنه، كيف وقد اشتهر الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير، مع كونه من أصحاب الإجماع مندفعة، بأنّه وإن ذكر في المراد من هذه الجملة وجوه منها: كون المراد بها صحّة الحديث من جهة، وأمّا من قبله وبعده فلا يحكم بصحّة حديث أحد منهم،

********

(1) . تعليقة منهج المقال ص 131، الرواشح السماويّة ص 49، حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 724.

ص: 353

وهو المنسوب إلي صاحب الرياض السيّد علي الطباطبائي، وصاحب الاستقصاء الشيخ محمّد العاملي واختاره المحقّق القمّي في جامع الشتات في خصوص الطبقة الأُولي، وهم: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي، إلّاأنّ الأقوي ضعف هذا الوجه، إذ مضافاً إلي عدم انحصار الإجماع علي التصحيح بهذا المعني بهؤلاء الجماعة، فإنّ جماعة آخرين كسلمان، وأبي ذرّ، ومقداد، وزكريّا بن آدم، وأبان بن تغلب، ومحمّد بن أبي عمير وغيرهم أيضاً أجمع الأصحاب علي صدقهم، لم يتحقّق الإجماع علي توثيق هؤلاء جميعاً، فإنّ وثاقة أبان بن عثمان وعثمان بن عيسي، وأبي بصير الأسدي، بل عبداللّه بن بكير، الذين هم من الطبقة الثانية، محلّ كلام، وضعّفهم جماعة، وقد نسب التخليط إلي الأسدي، هذا مضافاً إلي مخالفته لظاهر هذه الجملة، فإنّ الظاهر منها إرادة الحديث من الموصول لا الإسناد والشخص، ويؤكّده ما قيل: من أنّ التتبّع في كلماتهم يكشف عن أنّهم في مقام بيان حال أحاديث الرواة دون أسانيدها.

وبذلك يظهر أنّ المراد بها اعتبار رواية من قيل في حقّه ذلك - لو صحّت من أوّل السند إليه - من دون اعتبار الوثاقة فيمن يروي عنه، حتّي لو روي عن معروف بالفسق أو بالوضع، فضلاً عمّا لو أُرسل الحديث. وعن الوحيد في فوائده: دعوي الشهرة علي هذا القول، وكذا عن منتهي المقال. وعن المحقّق الداماد: نسبته إلي الأصحاب مؤذناً بدعوي الإجماع عليه. وعن المجلسي:

حكايته عن جماعة من المحقّقين. وبالجملة التتبّع في كلمات القوم، والتدبّر في هذه الجملة يوجبان القطع بإرادتهم هذا المعني.

ص: 354

والدليل علي حجّيّة هذا الإجماع، هو الدليل علي حجّيّة توثيقات الرجاليّين والعلماء، وتمام الكلام في ذلك، وفي عدم صحّة التفصيل بين الطبقة الأُولي فاختيار الوجه الأوّل، وبين الطبقتين الأخيرتين فالثاني الذي ذهب إليه المحقّق القمّي رحمه الله موكول إلي محلّه، كما أنّ الكلام في أنّ هذا الإجماع هل يفيد توثيق الواسطة بين أصحاب الإجماع والمعصوم عليه السلام في خصوص هذا الخبر، أو مطلقاً موكول إليه.

وأمّا الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير فلا ينفي ذلك، إذ المعروف قبولها. وعن الذكري: أنّ الأصحاب أجمعوا علي قبول مراسيله. وعن الكشّيّ:

أنّ أصحابنا يسكنون إلي مراسيله. فتحصّل أنّ الإيراد علي هذا الخبر بإرساله في غير محلّه(1).

المثال الثالث: توثيق الراوي مع الواسطة

قال الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي: لا خلاف في أنّه يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها عاماً بلا ضميمة... ولما رواه الشيخ عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «كان أبو جعفر عليه السلام يقول: إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتّي تبلغ ثمرته، فإذا بيع سنتين أو ثلاثاً فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة»، وقد قال الكشّيّ: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن الحسن ابن محبوب.

قلت: في هذا توثيق مّا لأبي الربيع الشامي، واسمه: خليد بن أوفي،

********

(1) . الاستبصار ج 3 ص 86.

ص: 355

ولم ينصّ الأصحاب علي توثيقه فيما علمت(1).

المثال الرابع: العلّامة الحلّي في إرشاد الأذهان: ولو مرّ بثمرة لم يجز التناول علي رأي، ولا أخذ شيء منها.

الشهيد الأوّل في غاية المراد: وذهب الشيخ في النهاية، وابنا بابويه، وأبو الصلاح والقاضي وابن إدريس إلي الجواز، لمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل، يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة، أيجوز له أن يأكل من غير إذن صاحبها، من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: «لا بأس»، ومراسيل ابن أبي عمير رحمه الله مقبولة(2).

وعن المولي أحمد الأردبيلي ذيل المرسلة - في شرح قول العلّامة في الإرشاد -: هذه مرسلة، إلّاأنّها مرسلة ابن أبي عمير، هي عندهم بمنزلة الصحيح، وقد عرفت ما فيه خصوصاً إذا كان مخالفة للقوانين، وظاهر الكتاب، والسنّة، والإجماع، وخصوص بعض الأخبار.

أقول: هذا ما قاله الشهيد الثاني في الروضة، وقول «قد عرفت» أراد به التفصيل الوارد في المجلّد الأوّل من مجمع الفائدة والبرهان في ردّ مراسيل

********

(1) . غاية المراد ج 2 ص 41، من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 157، تهذيب الأحكام ج 7 ص 87، الاستبصار ج 3 ص 86، اختيار معرفة الرجال ص 556، رجال النجاشي ص 153، الفهرست ص 186، رجال الطوسي ص 339.

(2) . غاية المراد ج 2 ص 53، مختلف الشيعة ج 5 ص 56 م، تهذيب الأحكام ج 7 ص 92، الاستبصار ج 3 ص 90، النهاية ص 417، المقنع ص 371، الكافي في الفقه ص 166، السرائر ج 3 ص 126، الروضة ج 3 ص 371، مسالك الأفهام ج 3 ص 371، وسائل الشيعة ج 13 ص 15 وج 18 ص 226 طبع آل البيت، المحاسن ص 528، الكافي ج 3 ص 569، إرشاد الأذهان ج 1 ص 364.

ص: 356

محمّد بن أبي عمير(1).

وعن المحقّق محمّد باقر الوحيد البهبهاني - في جواب الأردبيلي علي تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان -: وأمّا مرسلة ابن أبي عمير فهي صحيحة البتّة، وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، ومع ذلك فقد صرّح الشيخ في العدّة: بأنّه لا يروي إلّاعن الثقة، ومع جميع ما ذكر، اتّفق أهل الرجال علي أنّ مراسيله مقبولة في حكم المسانيد(2).

فتلخّص من عباراتهم:

1. أنّ المطلب في حقّ المارّ فيه قولان.

2. المشهور هو الجواز.

3. ودليله روايات، وخاصّة مرسلة محمّد بن أبي عمير.

4. أطلق علي مرسلته: صحيحة، باعتبار أنّه من أصحاب الإجماع.

5. أنّ مراسيله عند الرجاليّين والفقهاء بمنزلة مسانيده، فهما معتبران.

6. أنكر الشهيد الثاني والأردبيلي وقالا، بعدم الجواز، استناداً إلي قواعد عامّة.

********

(1) . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 125 وج 11 ص 310.

(2) . حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 724.

ص: 357

الفائدة السابعة

اشارة

الطريق في علم الرجال والدراية هو سند الرواية، ويطلق في مقابل السند، الإرسال، يعني إذا ذكر السند قبل الرواية فيقال: هذا سنده، أو يقال: سنده غير مذكور، فالإسناد هو سلسلة رواته، ويعبّر عنه بالسند، وهو لغة بمعني الاتّكاء، وسند إليه، واستند إليه؛ أي: اتّكأ عليه.

ومقابل الإسناد؛ الإرسال، يعني: عدم ذكر السند مطلقاً، أو إذا ذكر فمع إجمال، والإرسال قد يكون جليّاً، وقد يكون خفيّاً في الظاهر، وعندها لا يُعرف إلّا عن طريق معرفة طبقات الرواة. وقد ذكرنا سابقاً أنّ دأب الكليني هو ذكر السند معنعناً، وأمّا الطوسي والصدوق في كتبهما الثلاثة: تهذيب الأحكام والاستبصار و من لا يحضره الفقيه فيذكرون السند تعليقاً، أي يذكرون قبل الرواية صاحب الأصل الذي نُقل عنه، ثمّ لم يذكروا سنده إلي ذلك الأصل، فمثلاً يقولون: الحسين بن سعيد... أو محمّد بن أبي عمير....

ثمّ يذكرون في خاتمة الكتاب الرواة الذين يكونون واسطة بين الشيخ والصدوق إلي حسين بن سعيد، أو محمّد بن أبي عمير.

فيطلق علي هؤلاء الرواة المذكورين في خاتمة الكتاب الطريق، وعلي الكتاب الجامع لهذا الطريق المشيخة؛ فلكلّ من التهذيب و الاستبصار و من لا يحضره الفقيه طرق مذكورة في المشيخة.

ص: 358

ويعبّر هذا النوع في ذكر السند بالتعليق، والرواية معلّقة؛ فالتعليق مساوق للإرسال، إن لم يذكر الطريق في المشيخة، وأمّا إذا ذكر في المشيخة فالرواية مسندة، وما يرجّح التعليق هو الاجتناب عن تكرار السند، والاختصار في الإسناد.

تصحيح الطريق

قد يذكر الحديث مرسلاً، أو مع إسناد ضعيف، إلّاأنّهم يعبّرون عنه بالصحيح، وذلك لصحّة طريقه.

وهذا فيما إذا كان الحديث في التهذيب أو الفقيه مرسلاً أو إسناده ضعيفاً، وأمّا إذا ذكر الشيخ في الفهرست طريقاً آخر إلي ذلك الكتاب، ولم يكن إسناده في التهذيب مذكوراً أو مذكوراً ولكنّه ضعيف، فالحديث يصير مسنداً، أو صحيحاً.

فالمثال الأوّل علي ذلك: العهد الذي كتبه أميرالمؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر، لمّا ولّاه مصر، ووصيّته المعروفة إلي محمّد بن الحنفيّة، فهذان حديثان معروفان مذكوران في نهج البلاغة الذي جمعه السيّد الرضي وهو لم يذكر في نهج البلاغة أسانيد الروايات فجاءت مرسلات، كما أنّه اقتطفها وحذف بعضها، وقد ذكر الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي طريقاً إلي العهد والوصيّة، فبهذين الطريقين يخرج الحديثان عن الإرسال إلي الإسناد، فقال النجاشي:

الأصبغ بن نباتة المجاشعي كان من خاصّة أميرالمؤمنين عليه السلام وعمّر بعده، روي عنه عهد الأشتر ووصيّته إلي محمّد ابنه؛ أخبرنا ابن الجندي، عن عليّ بن همام، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعيد بن

ص: 359

طريف، عن الأصبغ بالعهد(1).

وقال الشيخ الطوسي بعد ما قالَ كقول النجاشي: أخبرنا بالعهد ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون بن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون بن مسلم والحسن بن طريق جميعاً، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أميرالمؤمنين عليه السلام(2).

فهذان حديثان مسندان، خرجا عن الإرسال إلي الإسناد بطريق الشيخ والنجاشي، والطريقان صحيحان لتوثيق راويهما.

وقال بعض المحقّقين في ذيل البحث عن سند عهد الإمام عليّ عليه السلام: فالسند أن يلتقيا في الحميري، وابن الجندي في سند النجاشي: هو أحمد بن عمران بن موسي، الذي قال هو فيه: أُستاذنا ألحقنا بالشيوخ في زمانه، وعليّ بن همّام مجهول لم يذكر في كتب الرجال، ومن المظنون جدّاً كونه مصحّف أبي عليّ محمّد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي الثقة، جليل القدر والحميري هو عبداللّه بن جعفر الحميري الثقة - مؤلّف قرب الإسناد - وهارون ابن مسلم.

وقال النجاشي فيه: ثقة وجه. والحسين بن علوان قال فيه النجاشي، وغيره:

عاميّ ثقة. وسعد بن طريف قال الشيخ في رجاله ويقال له: سعد الخفاف، صحيح الحديث.

********

(1) . رجال النجاشي ص 5/8.

(2) . الفهرست ص 8، معجم رجال الحديث ج 3 ص 220.

ص: 360

وقال النجاشي: يعرف وينكر. وأمّا ابن الغضائري: أنّه ضعيف، وفي الأصبغ ابن نباتة قالوا: من خاصّة أميرالمؤمنين عليه السلام، ومن أجلّاء أصحابه مشكور.

وأمّا ابن أبي جيد في سند الشيخ، فهو: عليّ بن أحمد بن محمّد بن أبي جيد من مشايخ الإجازة، ولعلّ ذلك يلحقه بالثقات. ومحمّد بن الحسن هو: ابن الوليد الثقة، جليل القدر. والحسن بن ظريف كوفيّ، ثقة، فالظاهر أنّ السند لا بأس به، وإن اختلفوا في سعد بن طريف كما مرّ، هذا(1).

ومثل هذا ما عن السيّد الموسوي العاملي في ذيل رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «هنّ من الربع»، فقال: صفوان بن يحيي: علي الاحتياط؟ قال: «نعم»(2).

واعلم أنّ العلّامة رحمه الله ومن تأخّر عنه وصفوا روايتَي أحمد بن محمّد بن أبي نصر بالصحّة، مع أنّ الشيخ رحمه الله في كتاب الأخبار أوردهما عنه مرسلتين بغير إسناد، وذكر الشيخ في الفهرست: أنّ لابن أبي نصر كتاب الجامع، وكتاب النوادر وطريقه إلي كتاب الجامع صحيح، فتصلح تصحيح إحداها قرينة للأُخري(3).

فكما رأيت، يقول السيّد العاملي: إنّ سند التهذيب وإن كان ضعيفاً ولكن تصحّح سنده بوجه آخر، وهو أنّ الشيخ ذكر في كتاب الفهرست طريقاً، وطريق الشيخ في الفهرست صحيح، فالرواية في التهذيب وإن كانت مرسلة إلّاأنّ الشيخ نقلها عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي. وله كتابان: الجامع؛ وهو

********

(1) . دراسات في ولاية الفقيه ج 4 ص 304.

(2) . وسائل الشيعة ج 14 ص 448.

(3) . نهاية المرام ج 1 ص 178.

ص: 361

المعروف بجامع البزنطي، و النوادر، وطريق الشيخ في الفهرست إليهما صحيح، والشيخ أرسل الحديثين عنه، فالحديثان وإن كانا في كتابي الأخبار مُرسلَين إلّاأنّ إرسالهما لم يضرّ، لأنّ في الفهرست إليهما طريقاً. فهذا مثال لتصحيح الطريق. فعليه تكون الروايتان صحيحتين بالنسبة إلي ما في الفهرست مرسلتين بالنسبة إلي ما في كتابي الأخبار.

والمثال الآخر: ما عن السيّد الطباطبائي في العروة الوثقي: وكما يبطل الصوم بالبقاء علي الجنابة متعمّداً، كذلك يبطل بالبقاء علي حدث الحيض والنفاس إلي طلوع الفجر. وقال السيّد الخوئي في شرحه علي العروة: بل قيل: إنّه لا خلاف فيه.

ويستدلّ له في الحيض، بما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إن طهرت بليل من حيضتها، ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّي أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم».

واستشكل عليها غير واحد، منهم الشيخ في النهاية، والمحقّق في المعتبر، والأردبيلي وصاحب المدارك بضعف السند؛ وإن كان فطحيّاً، ولأجله لم تكن الرواية صحيحة بالمعني المصطلح، إلّاأنّه يكفي في حجّيّتها مجرّد الوثاقة المتّصف بها الرجل، فالرواية معتبرة، وإن لم تكن من قسم الصحيح، بل الموثّق.

ولكن فيه، أنّ هذا إنّما ينفع لو كان منشأ الإشكال منحصراً في وجود ابن فضّال، غير أنّ الإشكال فيمن قبله، فإنّ في طريق الشيخ إليه عليّ بن محمّد بن الزبير، ولم يذكر بمدح ولا قدح، فالرواية غير موثّقة لهذه العلّة.

ص: 362

ثمّ إنّه لابدّ من العمل بكتب بني فضّال، لما اشتهر في حقّهم أنّه: «خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا»، ومع هذا، فهذه الرواية ضعيفة السند.

إنّ هذه الوجوه في تصحيح الرواية كلّها ساقطة. نعم، يمكن تصحيح الرواية بوجه آخر، تعرّضنا له في المعجم، وملخّصه أنّه لو كان هناك كتاب رواه شخصان، طريق أحدهما إليه صحيح، وطريق الآخر ضعيف، وشيخ الراويين شخص واحد، كشف ذلك عن صحّة رواية الثاني عنه أيضاً، وأنّ لشيخ الرواية إلي الكتاب طريقين: أحدهما صحيح، والآخر ضعيف، نقل أحدهما لأحد الراويين، والآخر للراوي الآخر، إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد لأحدهما مغايراً لما أخبر به الآخر، وإلّا كان ذلك منه خيانة في النقل، كما لا يخفي، وعليه فطريق الشيخ إلي كتاب عليّ بن الحسن بن فضّال؛ وإن كان ضعيفاً إلّاأنّ طريق النجاشي إليه صحيح، وبما أنّ شيخيهما شخص واحد، وهو: أحمد بن محمّد بن عبدون، وطبع الحال يقتضي أنّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما نقله للنجاشي، من غير زيادة ونقيصة، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ أيضاً(1).

المثال الآخر لتصحيح الطريق:

قال الإمام الخميني قدس سره: يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة فإنّهما لا يستحقّان قصاصاً، ومنهم من قال: لا يرث القصاص الإخوة والأخوات من الأُمّ ومن يتقرّب بهما، وقيل: ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقرّبن بالأب والأُولي أشبه.

********

(1) . مستند العروة، كتاب الصوم ج 1 ص 191.

ص: 363

وقال شارح التحرير الفاضل اللنكراني: لا شبهة في أنّ الزوج والزوجة لا يستحقّان القصاص للإجماع عليه، وأمّا غيرهما ففي المسألة أقوال ثلاثة و....

الثالث: ما نُسب إلي الشيخ في المبسوط، وكتابي الأخبار، وإن قال في الجواهر: إنّي لم أتحقّقه من أنّه ليس للنساء مطلقاً عفو ولا قود، والدليل علي القول الأخير، هو ما رواه عليّ بن الحسن بن فضّال بسنده، عن أبي العبّاس فضل البقباق أنّه قال للصادق عليه السلام: هل للنساء قود أو عفو؟ قال: «لا، وذلك للعصبة». قال الشيخ: قال عليّ بن الحسن: هذا خلاف ما عليه أصحابنا(1).

وربّما يناقش في الرواية بضعف السند، كما في المسالك ولكنّه أُجيب بأنّ طريق الشيخ إلي عليّ بن الحسن بن فضّال، وإن كان فيه عليّ بن محمّد بن الزبير وهو لم يذكر بمدح ولا قدح، إلّاأنّه حيث تكون الكتب للراوي المذكور الموجودة عند الشيخ، هي الكتب الموجودة عن النجاشي، وكان للنجاشي إلي تلك الكتب طريق معتبر، فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة(2).

وتصحيح الطريق هذا، ذكره السيّد الخوئي في كتابه مباني تكملة المنهاج وقال فيه: وإن أعرض عنه المشهور، وإعراض المشهور عند السيّد الخوئي ليس موهناً للحديث.

********

(1) . وسائل الشيعة ج 17 ص 432.

(2) . تفصيل الشريعة، كتاب القصاص، ص 292.

ص: 364

نصوص تحليليّة مختارة في معرفة عدّة الكليني

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقدّمة الأولي

اشارة

قبل تناول معرفة عدّة الكليني نقدّم أُموراً:

الأوّل: علم الرجال علم يتصدّي لمعرفة الرواة وثاقةً وضعفاً، فهذا العلم يبحث بالتفصيل عن الرواة الذين وقعوا في أسانيد الروايات، هل هم ثقات، أم ضعاف؟ وما هو دليل وثاقتهم، وما هو دليل ضعفهم؟

فعلم الرجال غير علم التراجم؛ فإنّ الثاني يتصدّي لمعرفة العلماء والأفراد دون الأخذ بنظر الاعتبار الوثاقة والضعف، بل يبيّن مولده، وأساتذته، وتلاميذه وأسفاره، وموته، وكتبه وغيرها من الأُمور، أمّا علم الرجال فهو بصدد تعيين وثاقة الراوي وضعفه.

الثاني: وثاقة الراوي تحصل من نصّ المعصوم، أو نصّ الرجاليّين (علماء الرجال) أو القرائن، فعلي هذا، فإنّ الوثاقة تحصل باُمور:

ص: 365

الأوّل: نصّ المعصوم، فإنّ الإمام إذا صرّح بأنّ زرارة أو غيره ثقة، فهذا التصريح دليل علي ثقته، ويُعدّ من أدلّ الأدلّة وأوثق التوثيقات ولأجل هذا تأسّس علم الرجال وأُلّفت كتب الرجال، وقد ألّف كتاب اختيار معرفة الرجال علي هذا الأساس، فإنّه جمع فيه ما ورد في الرواة من التوثيقات والتضعيفات، ولكن، هل جميعها، أو أكثرها أُمور وردت عن المعصوم عليه السلام؟

وليعلم أنّ الرواية تثبت وثاقة الراوي أو ضعفه إذا كانت صحيحة السند، ولم ينقلها بنفسه، فالرواية إذا كانت ضعيفة لا تثبت شيئاً، وهكذا إذا نقلها هو بنفسه، حيث يقع هو في مظنّة التهمة؛ إذ قام بتوثيق نفسه وبيان فضائله، كما أنّ الرواية إذا كانت دالّة علي ضعف الراوي، يجب أن تكون صحيحة السند.

الأمر الثاني للتوثيقات: نصّ الرجاليّين (وهو علي وجهين) والرجاليّون في طبقتين: المتقدّمين والمتأخّرين، أمّا القدماء فهم أربعة:

1. أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي فإنّه ألّف ثلاثة كتب في أُصول الرجال:

الف) اختيار معرفة الرجال وهو تلخيص معرفة الرجال للشيخ محمّد بن عمر الكشّيّ.

ب) الفهرست في بيان الطرق.

ج) الرجال.

والكتاب الرابع هو فهرست الشيخ أبي العبّاس النجاشيّ فهذه أُمّهات كتب الرجال التي يُعتمد عليها في البتّ في الوثاقة والضعف، وإذا قيل في الكتب «جوامع المتقدّمين في علم الرجال» فالمراد منه هذه الكتب الأربعة؛ كما أنّه إذا

ص: 366

قالوا: المشايخ الثلاثة فالمراد أبو عمرو محمّد بن عمر الكشّيّ، أبو العبّاس النجاشي والشيخ الطوسي.

الثالث: حجّيّة قول الرجاليّين: اعلم أنّ قول الرجاليّين حجّة، والدليل علي حجيّة قولهم ما ذكره السيّد الخوئي في خصوص ذلك: هو حجّة لأنّه ثقة، فعليه حجيّة قوله من باب حجيّة قول الثقات؛ فإنّ الآيات والروايات التي تدلّ علي حجيّة قول العدل لا تُفرّق بين الرجال والأُمور الشرعيّة وفروعها؛ فإنّ خبر الثقة حجّة، سواء أخبر عن الوضوء والطهارة والحدود والديات، أو أخبر عن وثاقة الراوي وضعفه.

وقال بعضٌ: إنّ قول الرجاليّين حجّة من جهة حجيّة قول الخبير؛ فإنّ الاستقراء في أبواب الفقه يشهد بأنّ الشارع اعتمد علي قول الخبير، كما اعتبر قول المقوّم في باب البيع.

وقال ثالث، كالشيخ حسن العاملي، والسيّد محمّد الموسوي العاملي: إنّ حجيّة القول باعتبار الشهادة، فكما أنّ الشارع اعتبر قول الشاهد، فقول الرجالي أيضاً حجّة، وهنا اشترطا عدالة الرجالي وتعدّده، يعني يلزم أن يشهدا علي وثاقة الراوي، ولذلك قال السيّد محمّد الموسوي العاملي: إنّ الحجّة من الأخبار هو الصحيح الأعلي، وهو الذي صرّح عنه الرجاليّون: بوثاقة كلّ راوٍ في إسناده.

دَلالة حجيّة قول الرجاليّين إن كان من المتقدّمين

إنّ من أهمّ الدلائل علي أنّ قول الرجاليّين حجّة، هي شهادتهم عن حسّ، حيث إنّهم عاصروا كثيراً من الرواة، أو عاصروا أساتذتهم، وهم بالتالي يعاصرونهم؛ فأمّا النجاشي وهو من أهل العراق وكان أكثر رواته كوفيّين، فهو

ص: 367

يعرفهم بالتعيين، ويعرف أُسرهم، وأولادهم وآباءَهم؛ وهكذا الحسين بن عبيداللّه الغضائري، فإنّه عاش وعاصر كثيراً من الرواة، ولأجل هذا يُعدّ قول الرجاليّين المتقدّمين حجّة، لأنّهم يشهدون عن حسّ ورؤية، وقرب وحضور، لا عن حدس وظنّ.

حجيّة قول الرجالي المتأخّر

هناك اصطلاحات، أحدهما يطلق علي المتقدّمين والآخر يطلق علي المتأخّرين، والاصطلاحان وإن لم يكونا دقيقين فمن بداية عصر الغيبة الكبري إلي زمن المحقّق الحلّي تعدّ عند الفقهاء؛ فترة المتقدّمين، ومن عصر المحقّق الحلّي إلي زمان المحقّق الأردبيلي تعدّ عندهم فترة المتأخّرين، ومن بعد هؤلاء من الفقهاء فهم متأخّرو المتأخّرين.

فنقول: إذا لم يوثّق المتقدّمون راوياً، ووثّقه المتأخّرون، فهل توثيقهم حجّة، أم لا؟ صرّح السيّد الخوئي في مقدّمة رجاله بالتفصيل فقال: عدد من المتأخّرين استندوا في توثيقاتهم علي الحسّ، فقولهم حجّة، فقال: وهنا تثبت به الوثاقة بشرط أن يكون مَن أخبر عن وثاقته معاصراً للمخبر، أو قريب العصر منه، كما يتّفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين، أو ابن شهر آشوب، فهذه التوثيقات معتبرة قطعاً.

وأمّا الذين جاؤوا بعدهم كما في توثيقات أحمد بن طاووس الحلّي والحسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي وتقيّ الدين بن داود الحلّي والذين في العصور المتأخّرة عنهم، كالشهيد الثاني والعلّامة محمّد باقر المجلسي فإنّهم أيضاً أصحاب كتبٍ في الرجال، ووثّقوا رواة كثيرين، فهل توثيقهم أيضاً، حجّة أم لا؟

ص: 368

صرّح السيّد الخوئي بأنّه لا اعتبار بتوثيقهم، لأنّها مبنيّة علي الظنّ والاجتهاد جزماً، وذلك لأنّ السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ، فأصبح عامّة الناس إلّاقليلاً منهم مقلّدين يعملون بفتاوي الشيخ ويستدلّون بها كما يستدلّ بالرواية علي ما صرّح به الحلّي في السرائر وغيره في غيره(1).

وهذا الذي قاله السيّد الخوئي هو الذي صرّح به الشهيد الثاني في الرعاية ونقله عن جدّه ورّام بن أبي فراس، فقال في مبحث الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة: فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ علي وجه يجبر ضعفه، ليس بمتحقّق، ولمّا عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهيّة جاء من بعده من الفقهاء، واتّبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له، إلّامن شذّ منهم، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث، وبحث في الأدلّة بنفسه سوي الشيخ المحقّق ابن إدريس(2)، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً، فجاء المتأخّرون بعد ذلك ووجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لأمرٍ ما رواه في ذلك، لعلّ اللّه يعذرهم فيه فحسبوا العمل به مشهوراً، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه، ولو تأمّل المنصف وحرّر المنقلب لوجد مرجع ذلك كلّه إلي الشيخ، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف.

وممّن اطّلع علي أصل هذا الذي تبيّنته وتحقّقته من غير تقليد، الشيخ الفاضل المحقّق سديد الدين محمود الحمصي(3)، والسيّد رضيّ الدين بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 43.

(2) . راجع: روضات الجنّات ج 6 ص 274.

(3) . نفس المصدر، ج 7 ص 158.

ص: 369

طاووس(1) وجماعة.

وقال السيّد رحمه الله في كتابه البهجة لثمرة المهجة: أخبرني جدّي الصالح ورّام ابن أبي فراس قدّس اللّه سرّه(2): أنّ الحمصي حدّثه: أنّه لم يبق للإماميّة مفتٍ علي التحقيق، بل كلّهم حاكٍ(3)، فعلي هذا لا يمكن الاعتماد علي التوثيقات الواردة في رجال من تأخّر عنهم، كالميرزا الإسترآبادي، والسيّد مصطفي التفرشي، والعلّامة محمّد بن عليّ الأردبيلي، والمولي عناية اللّه القهپائي، والعلّامة محمّد باقر المجلسي، والعلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني، والعلّامة حجّة الإسلام محمّد باقر الشفتي، والعلّامة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، والسيّد محمّد إسماعيل الحائري، والعلّامة محمّد إسماعيل الخواجوئي المازندراني، والشيخ العلّامة محمّد بن الحسين البهائي، والفيلسوف الرجالي السيّد محمّد باقر الميرداماد الذين كلّهم أصحاب كتب في الرجال، وهم من أعلام القرن الحادي عشر والثاني عشر، والتوثيق في الحقيقة شهادة وإن لم يكن بشروطها؛ كيف، وقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم: «لا تشهدنّ بشهادة حتّي تعرفها كما تعرف كفّك». وقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وقد سُئل عن الشهادة، قال: «هل تري الشمس، علي مثلها فاشهد، أو دع»(4).

الأمر الثالث للتوثيقات: دعوي الإجماع من قبل الأقدمين، فإنّ الأقدمين الأخيار إذا ادّعوا الإجماع علي توثيق راوٍ، فإنّ ذلك وإن كان إجماعاً منقولاً، إلّا

********

(1) . بحار الأنوار ج 1 ص 143.

(2) . راجع: روضات الجنّات ج 8 ص 177.

(3) . الرعاية ص 93.

(4) . وسائل الشيعة ج 28 ب 20.

ص: 370

أنّه لا يقصر عن توثيق مدّعي الإجماع بنفسه، منضمّاً إلي دعوي توثيقات أشخاص آخرين، بل إنّ دعوي الإجماع علي الوثاقة يُعتمد عليها حتّي إذا كانت الدعوي من المتأخّرين، كما حصل ذلك في إبراهيم بن هاشم، فقد ادّعي ابن طاووس - يعني عليّ بن طاووس الحلّي - الاتّفاق علي وثاقته، فإنّه قال في ضمن رواية فيها إبراهيم بن هاشم: إنّ رواة هذه الرواية كلّهم ثقات(1)، فإنّ هذه الدعوي تكشف عن توثيق بعض القدماء لا محالة، وهو يكفي في إثبات الوثاقة(2).

الأمر الرابع للتوثيقات: سعي المستنبط علي جمع القرائن

إنّ سعي المستنبط علي جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان علي وثاقة الراوي، أو خلافها، من أوثق الطرق وأسدّها، ولكن سلوك ذاك الطريق يتوقّف علي وجود مؤهّلات في السالك وصلاحيّات فيه ألزمها التسلّط علي طبقات الرواة والإحاطة علي خصوصيّات الراوي من حيث المشايخ والتلاميذ، وكميّة رواياته من حيث القلّة والكثرة، ومدي ضبطه إلي غير ذلك من الأُمور التي لا تندرج تحت ضابط معيّن، ولكنّها تورث الاطمئنان المتاخم للعلم، ولا شكّ في حجيّته(3).

وقد سلك هذا الطريق في إثبات وثاقة الرواة بعض الرجاليّين الذين جاؤوا بعد القرن العاشر، فإنّ أمثال الميرزا الإسترآبادي، والعلّامة المجدّد محمّد باقر الوحيد البهبهاني، والعلّامة الأوحد محمّد مهدي بحرالعلوم، وتلميذه الرجالي

********

(1) . تنقيح المقال ج 1 ص 39.

(2) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 46.

(3) . كلّيّات في علم الرجال.

ص: 371

المتتبّع محمّد إسماعيل الحائري المازندراني، والعلّامة الرجالي المعاصر الشيخ عبداللّه المامقاني وغيرهم، قد اعتمدوا كثيراً علي القرائن، لا النصوص الرجاليّة، وهذه القرائن عثروا عليها في كتب الفقه. كما ذكر الوحيد قول السبزواري في الرواة، واعتمد كثيراً علي قوله، ثمّ إنّ الروايات - الروايات التي نقلوها - هل هي موافقة للسنّة أو مخالفة؟ وتطابق الإسناد؟ وعلي معرفة بطبقته في الحديث؟ وتعرف أساتذته ومن روي عنهم؟ كما أنّه قد يحصل ممّن يروون عنه، فإنّ شيخوخة الكليني، والصدوق، والمفيد، والنجاشي، وهي من أهمّ مصادر وثاقة الراوي.

والخلاصة أنّ عمليّة جمع القرائن قد تحصل بها الوثاقة، التي هي أكثر أهمّية من الوثاقة التي حصلت من قول الرجالي. وهنا ننقل كلمات من كبار الفقهاء والرجال التي دلّت علي الاهتمام بالقرائن:

1. السيّد حسين البروجردي، وهو أحد كبار المجتهدين والعلماء في النصف الأخير من القرن الأخير، صرّح في كلام له حول صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور: صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور التي رواها الصدوق في الفقيه، والشيخ في التهذيب هي العمدة في هذا الباب. أمّا الصدوق فقد روي في الفقيه بإسناده عن عبداللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّي تقبل شهادته لهم وعليهم؟

فقال: «أن تعرفوه بالستر والعفاف، وكفّ البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة علي ذلك

ص: 372

كلّه، أن يكون ساتراً لجميع عيوبه، حتّي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ، وحفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّامن علّة، فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا: ما رأينا منه إلّاخيراً، مواظباً علي الصلوات، متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه، فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين.

وذلك أنّ الصلاة ستر، وكفّارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة علي الرجل بأنّه يصلّي، إذا كان لا يحضر مصلّاه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنّما جعل الجماعة والاجتماع إلي الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيّع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد علي آخر بصلاح، لأنّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين، فإنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله همّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جري الحكم من اللّه عزّ وجلّ، ومن رسوله صلي الله عليه و آله فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّامن علّة».

وأمّا الشيخ فقد رواها بإسناده عن أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن موسي، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن عليّ بن عقبة، عن موسي

ص: 373

ابن أكيل النميري، عن ابن أبي يعفور، مثلما روي الصدوق رحمه الله إلّاأنّه أسقط - علي ما حكاه في الوسائل - قوله: «فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه» - إلي قوله: - «ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيّع»، وأسقط قوله: «فإنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله همّ بأن يحرق - إلي قوله: - بين المسلمين».

وزاد: «وقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لا غيبة إلّالمن صلّي في بيته، ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب علي المسلمين غيبته، وسقطت بينهم عدالته، ووجب هجرانه، وإذا رفع إلي إمام المسلمين أنذره وحذّره، فإن حضر جماعة المسلمين، وإلّا أحرق عليه بيته، ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته، وثبتت عدالته بينهم»(1).

والكلام في هذا الخبر يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في سنده، قد حكي عن العلّامة الطباطبائي رحمه الله أنّه حكم بصحّة هذه الرواية، حيث قال في محكي ما صنّفه في مناسك الحجّ: الصحيح عندنا في الكبائر أنّها المعاصي التي أوجب اللّه تعالي سبحانه عليها النار، وقد ورد تفسيرها بذلك في كثير من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم أجمعين، نحو صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور الواردة في صفة العدل....

وفي مفتاح الكرامة بعد نقل هذه العبارة قال: قلت: الظاهر أنّ الخبر غير صحيح، لا في التهذيب، ولا في الفقيه(2)، انتهي.

والظاهر أنّ منشأ الإشكال في الصحّة هو اشتمال الإسناد علي أحمد بن

********

(1) . الفقيه ج 3 ص 65/24، التهذيب ج 6 ص 596/241، الاستبصار ج 3 ص 33/12، الوسائل ج 27 ص 391-392 كتاب الشهادات ب 41 ح 1 و 2.

(2) . مفتاح الكرامة ج 3 ص 91 وج 8 ص 288 طبع مؤسسة النشر الإسلامي.

ص: 374

محمّد بن يحيي، حيث لم يقع عنه ذكر في الكتب المصنّفة في الرجال، حتّي يعدّل أو يجرّح، مع أنّ التحقيق يقضي بعدم الاحتياج إليه.

وإيضاح ذلك، أنّ الكتب الموضوعة في هذا الباب لا تتجاوز عن عدّة كتب ككتاب رجال الشيخ، و رجال الكشّي، و فهرست النجاشي، وعدم التعرّض فيها لراوٍ لا يوجب عدم الاعتناء بروايته، لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً علي جميع الرواة، لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسوّدة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً، لنظمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة علي ذكر محضِ اسمه واسم أبيه، من دون تعرّض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها، وكذا ذكر بعض الرواة مكرّراً كما يتفق فيه كثيراً علي ما تتبّعنا.

فهذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلي حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة الكتاب، وذلك كان مستنداً إلي كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة من: الفقه، والأُصول، وجمع الأحاديث، والتفسير، والكلام، وغير ذلك من العلوم، بحيث لو قسّمت أيّام حياته علي تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلّاساعات معيّنة محدودة.

وكيف كان، فعدم الذكر في رجال الشيخ لا يدلّ علي عدم الوثاقة.

وأمّا كتاب رجال الكشّيّ، فالظاهر كما يظهر لمن رجع إليه أنّه كان هدفه منه جمع الأشخاص الذين ورد في حقّهم مدح أو قدح أو غيرهما.

وأمّا كتاب النجاشي فغرضه فيه إيراد المصنّفين، ومن ظهر منه تأليف أو تصنيف، وهكذا فهرست الشيخ رحمه الله.

ص: 375

فعدم تعرّضه لبعض من الرواة باعتبار عدم كونه مصنّفاً لايدلّ علي عدم كونه ثقة عنده، كما يظهر من بعض المتأخّرين في مشتركاته(1)، حيث اعتمد في عدم وثاقة الراوي علي مجرّد عدم كونه مذكوراً في تلك الكتب، مع أنّ الظاهر أنّه يمكن استكشاف وثاقة الراوي من تلاميذه الذين أخذوا الحديث عنه، فإذا كان الآخذ مثل الشيخ، أو المفيد، أو الصدوق، أو غيرهم من الأعلام خاصّة مع كثرة الرواية عنه، لا يبقي ارتياب في وثاقته أصلاً.

وحينئذٍ ينقدح صحّة ما أفاده العلّامة الطباطبائي من الحكم بصحّة هذه الرواية، وإن كان أحمد بن محمّد بن يحيي الواقع في ابتداء سند الرواية لم يقع عنه في تلك الكتب ذكر ولا تعرّض، لأنّ وثاقته تستفاد من رواية الصدوق والشيخ عنه خصوصاً مع كثرة رواياته، حيث إنّها كانت رواية كتب أبيه بإجازة منه، وإن لم يكن له كتاب، ولأجله لم يذكر في شيء من تلك الكتب، فالإنصاف أنّه لا مجال للمناقشة في مثل هذا السند أصلاً، فافهم واغتنم.

والمقام الثاني في دلالته...(2) عن الفقيه الهمداني أيضاً في الاعتماد علي القرائن: أمّا الوتيرة فذهب الأكثر إلي سقوطها أيضاً، ونقل فيه ابن إدريس الإجماع، وقال الشيخ في النهاية: يجوز فعلها(3)، وربّما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً، ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من

********

(1) . تنقيح المقال ج 1 ص 95.

(2) . نهاية التقرير ج 3 ص 232.

(3) . النهاية ص 57.

ص: 376

الفريضة ركعتين من التطوّع»(1). وقوّاه في الذكري قال: لأنّه خاصّ معلّل، وما تقدّم خالٍ منها، إلّاأن ينعقد الإجماع علي خلافه(2) وهو جيّد لو صحّ، لكن في الطريق عبدالواحد بن عبدوس(3)، وعليّ بن محمّد القتيبي(4) ولم يثبت توثيقهما، فالتمسّك بعموم الأخبار(5) المستفيضة الدالّة علي السقوط أولي، انتهي.

واعترضه بعض(6) بأنّهما من مشايخ الإجازة، وعدم توثيق المشايخ غير قادح في السند(7) لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين علي النقل عنهم، وأخذ الأخبار منهم والتتلمّذ عليهم يزيد علي قولهم في كتب الرجال: فلان ثقة، وكيف كان، فالرواية بحسب الظاهر من الروايات المعتبرة التي لا يجوز ردّها من غير معارض مكافئ إذ ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية علي اتّصافها بالصحّة المصطلحة وإلّا فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواتها علي سبيل التحقيق لولا البناء علي المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجّيّة، فالمدار علي وثاقة الراوي، أو الوثوق بصدور الرواية؛ وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من

********

(1) . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 1320/29، وسائل الشيعة ج 3 ص 70.

(2) . ذكري الشيعة ص 113 الطبع الحجري.

(3) . جامع الرواة ج 1 ص 522، بهجة الآمال ج 5 ص 317.

(4) . بهجة الآمال ج 5 ص 533.

(5) . تهذيب الأحكام ج 2 ص 13، وسائل الشيعة ج 3 ص 60، الكافي ج 3 ص 439، المحاسن ص 371.

(6) . الحدائق الناضرة ج 6 ص 47.

(7) . الرعاية ص 294، مسالك الأفهام ج 2 ص 23، مدارك الأحكام ج 6 ص 84، الحدائق الناضرة ج 6 ص 47.

ص: 377

الأُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم عنها.

ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين: بأنّ فلاناً ثقة، أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة، لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا يحصل من أخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة، ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حال الرجال، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسِنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم.

والحاصل، أنّ الرواية بحسب الظاهر لا تقصر من حيث الاعتبار عن بعض الروايات المتّصفة، لكن إعراض أكثر الأصحاب عنها(1) مع وضوح دلالتها علي سائر الأخبار أوهنها، إلّاأنّ عمل الشيخ بها(2)، وتقوية الشهيد إيّاها(3)، واعتماد جملة من المتأخّرين(4) عليها يعصمها عن السقوط عن درجة الاعتبار خصوصاً مع اعتضادها بمفهوم القيد في صحيحة محمّد بن مسلم(5) المتقدّمة(6).

فكما نري أنّ العلمين الفقيهين اعتمدا علي القرائن، وقالا: إنّ الاعتماد علي هذه القرائن لا يقصر عن قول الرجالي: بأنّ فلان ثقة، والقرائن تختلف كمّاً وكيفاً؛ فبعضها أقوي من البعض.

********

(1) . جواهر الكلام ج 7 ص 49.

(2) . النهاية ص 57.

(3) . ذكري الشيعة ص 113.

(4) . الحدائق الناضرة ج 6 ص 47، الروضة ج 1 ص 473، رياض المسائل ج 3 ص 27، مفتاح الكرامة ج 2 ص 11، كشف اللثام ج 3 ص 16.

(5) . وسائل الشيعة ج 3 ص 59.

(6) . مصباح الفقيه ج 2 ص 12.

ص: 378

وأمّا القرائن فمختلفة، ذكرها المحقّق محمّد باقر الوحيد البهبهاني في مقدّمة تعليقته علي منهج المقال للميرزا الإسترآبادي وطبعها الشيخ عليّ الخاقاني في تكملة رجال الخاقاني، ولخّصها تلميذ الوحيد في مقدّمة منتهي المقال؛ فهذه القرائن كثيرة، نشير إلي بعضها:

1. نقل أصحاب الإجماع عن راوٍ. فنقلهم عنه دليل علي أنّه ثقة، سواء أكان مهملاً أو مجهولاً، ولذلك قيل: باعتبار مراسيلهم أيضاً؛ وهذه القاعدة نقلها الكشّيّ في كتابه اختيار معرفة الرجال: «أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم».

2. نقل المشايخ الثلاثة عن راوٍ وهم: محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمّد ابن أبي نصر البزنطي وصفوان بن يحيي.

3. كون الرجل من مشايخ الإجازة. فإنّ الشهيد الثاني صرّح بأنّ مشايخ الإجازة يستغنون عن التزكية والتعديل(1)، وذلك كأحمد بن محمّد بن الحسن ابن الوليد، ومحمّد بن إسماعيل النيسابوري.

4. كونه وكيلاً لأحد الأئمّة عليهم السلام. فإنّ الوكيل إذا لم يكن عادلاً لا ينصبه الإمام عليه السلام، وذلك كإبراهيم بن موسي الهمداني الذي لم يرد فيه توثيق، ولا تضعيف، ولكن قالوا: إنّه ثقة، لكونه وكيلاً للإمام عليه السلام.

5. كون الراوي كثير الرواية. وهو دليل فقهه وكثرة اهتمامه بأخبار الأئمّة عليهم السلام، مع أنّ الراوي لو كان قليل الرواية فيفهم أنّه لم يكن من فقهاء أصحاب الأئمّة وعلمائهم، فعن آية اللّه الحاج آقا حسين البروجردي في ذيل

********

(1) . الرعاية ص 292.

ص: 379

رواية عن بشير بن ميمون: (بشير النبّال) هذا مع أنّ بشير قليل الرواية جدّاً، فيعلم من ذلك عدم كونه من فقهاء أصحاب الأئمّة عليهم السلام، فلا يقاوم نقله نقل فقهاء الأصحاب من مثل: ابن مسلم، وابن جابر، فإنّ ضبط العامّي وإن كان ورعاً جدّاً لا يقاس بضبط الفقيه المطّلع، كيف وخطأ العوامّ، وخطأهم في فهم ما يسمعونه وضبطه أكثر من أن يُحصي، وبشير بن ميمون وأخوه «شجرة» من أسري العجم ولم يكونا من أهل اللغة العربيّة العارفين بأساليبها(1).

6. كون الراوي من الطاطريّين.

7. نقل محمّد بن إسماعيل، أو جعفر بن بشير، عنه.

8. نقل بني فضّال عنهم.

9. اعتماد القمّيّين عليه، أو روايتهم عنه.

10. كونه في سند اتّفق الكلّ أو الأغلب علي صحّته.

11. إكثار الكليني أو الصدوق من رواية راوٍ.

12. أن يَذكر الفذّ شخصاً مترضّياً أو مترحّماً. كما ترحّم وترضّي الصدوق علي كثير من مشايخه.

13. أن يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي، ولم يكن مستثنًي.

14. كونه من آل أبي شعبة. قال النجاشي في ترجمة محمّد بن علي بن شعبة الحلبي: وآل أبي شعبة بيت كبير في الكوفة. وقال في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع: وولد بزيع في بيت.

15. وقوعه في سلسلة روايات تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي.

********

(1) . البدر الزاهر ص 365.

ص: 380

هذه وغيرها من الأُمور الأخري التي تحصل الوثاقة من مجموعها أو بعضها؛ وقد ذكرها العلّامة المامقاني في كتابه مقباس الهداية، فإذا توفّرت بعض هذه الأُمور في راوٍ فنكشف عن وثاقته.

وبعد هذه كلّها نقول: قال بعض المحقّقين - مذيّلين قول السيّد محمّد جواد العاملي ذيل الحديث: الظاهر أنّ الخبر غير صحيح، لا في التهذيب، ولا في الفقيه:

وطرق الشيخ في التهذيب وغيره إلي عبداللّه بن أبي يعفور كثيرة، بعضها ضعيف، وبعضها صحيح.

فمن الأوّل: ما ذكره بإسناده عن علي بن عقبة، عن موسي بن أكْيَل النُمَيري(1)، عن عبداللّه بن أبي يعفور. وما ذكره بإسناده عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عيد، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، عن عليّ بن عقبة، وذبيان بن حكيم الأودي، عن موسي بن أكْيَل، عنه، عن أخيه عبدالكريم بن أبي يعفور، عن أبي جعفر عليه السلام وكلا هذين الطريقين ضعيفان بذبيان، وأحمد بن الحسن، بناء علي اصطلاحهم في صحّة الخبر من لزوم التصريح بتوثيق الراوي من المشايخ المعروفين، أو كونه عدلاً إماميّاً، حسب الاختلاف الواقع بين القدماء والمتأخّرين في ذلك.

ومن الثاني: ما ذكره بإسناده عن سعد (الظاهر كونه ابن عبداللّه الأشعري)، عن أحمد بن محمّد (الظاهر كونه ابن عيسي)، عن عثمان بن عيسي، عن

********

(1) . جامع الرواة ج 6 ص 578.

ص: 381

عبداللّه بن مسكان، عن عبداللّه بن أبي يعفور(1).

وما ذكره بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسي، عن ابن مسكان، عن ابن أبي يعفور(2)، وبإسناده عن صفوان (ابن يحيي أو ابن مهران)، عن منصور (الظاهر كونه ابن حازم)، عن ابن أبي يعفور. وما ذكره عن فضالة (الظاهر كونه ابن أيّوب)، عن العلاء (الظاهر كونه ابن رزين)، عن ابن أبي يعفور(3).

وأمّا طريق الصدوق في من لايحضره الفقيه، فعن أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، وهذا الطريق أيضاً ضعيف بأحمد بن أبي عبداللّه حسب اصطلاحهم(4).

فعن آية اللّه الخوئي في ذيل طريق الصدوق(5): والطريق ضعيف بأحمد بن محمّد بن يحيي.

ولكن هذا مبني السندين، كآية اللّه الخوئي وغيره، فإنّ أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، كلاهما من مشايخ الإجازة(6).

وعن أبي علي الحائري في منتهي المقال، وذكره في الحاوي في خاتمة

********

(1) . وسائل الشيعة ج 4 ص 741.

(2) . نفس المصدر، ج 4 ص 953.

(3) . نفس المصدر.

(4) . مفتاح الكرامة ج 8 ص 288.

(5) . معجم رجال الحديث ج 10 ص 102.

(6) . الرعاية ص 370.

ص: 382

قسم الثقات، التي عقدها لمن لم ينصّ علي توثيقه، بل يستفاد من قرائن اُخر، حيث قال بعد نقل ما في لم: قلت: قد وصف العلّامة طريق الشيخ في التهذيب والاستبصار إلي محمّد بن عليّ بن محبوب بالصحّة(1).

وهو في الطريق ولا طريق غيره(2)، وذلك يقتضي الحكم بعدالته، وكذا وصف طريقه في التهذيب إلي عليّ بن جعفر بالصحّة(3)، وهو فيه ولا طريق سواه، وكذا وصف طريق الصدوق إلي عبدالرحمن بن الحجّاج، وهو فيه(4).

وهكذا قالوا في أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وهو لم يُنصّ علي توثيقه في الكتب الرجاليّة. قال أبو عليّ محمّد بن إسماعيل الحائري: حُكم بصحّة حديثه في المختلف(5) وكذا في طريق الشيخ إلي الحسن بن محبوب وهو فيه(6)، وفي الوجيزة: أنّه استاذ المفيد، يعدّ حديثه صحيحاً، لكونه من مشايخ الإجازة(7)، ووثّقه الشهيد الثاني(8).

وذكره الشيخ عبدالنبي الجزائري في الحاوي في خاتمة قسم الثقات التي عقدها لمن لم ينص علي توثيقه بل يستفاد من قرائن اُخر.

وقال الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل: إنّه من مشايخ المفيد ووثّقه الشهيد

********

(1) . خلاصة الرجال ص 276.

(2) . تهذيب الأحكام المشيخة ج 10 ص 72، الاستبصار ج 4 ص...، المشيخة ص 324.

(3) . تهذيب الأحكام ج 10 ص 86 المشيخة.

(4) . من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 41، منتهي المقال ج 1 ص 350.

(5) . خلاصة الرجال ص 276.

(6) . نفس المصدر.

(7) . الوجيزة ص 153.

(8) . الرعاية ص 370.

ص: 383

الثاني في الدراية، ويعدّ العلّامة وغيره من علمائنا حديثه صحيحاً، ومعلوم أنّه من مشايخ الإجازة.

وقال الميرزا محمّد علي الإسترآبادي في الرجال المتوسّط: من المشايخ المعتبرين، وقد صحّح العلّامة كثيراً من الروايات وهو في الطريق بحيث لا يحتمل الغفلة، ولم أرَ إلي الآن، ولم أسمع من أحدٍ يتأمّل في توثيقه(1).

هذا ما عند أتباع منهج الصدور، إلّاأنّ آية اللّه الخوئي قال تبعاً لصاحب المدارك، - السيّد محمّد الموسوي العاملي - بضعف كليهما(2).

فقال في أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد: من مشايخ الشيخ المفيد قدس سره وقد صحّح العلّامة كثيراً من الروايات التي هو في طريقها، وكذلك الشيخ حسن صاحب المعالم، فيما حكي عنه، بل وثقه الشهيد الثاني في الدراية، والشيخ البهائي في حاشية الحبل المتين.

وقال الميرزا في الوسيط: ولم أر إلي الآن، ولم أسمع من أحد يتأمّل في توثيقه.

إلّاأنّه مع ذلك، لا يمكننا الحكم بوثاقته. أمّا تصحيح العلّامة أو غيره للطريق فهو اجتهاد منه، ولعلّه من جهة أصالة العدالة، كما استظهرنا البناء عليها من العلّامة، ممّا ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة، أو من جهة كونه من مشايخ المفيد، ولذا قال الفاضل المجلسي في الوجيزة: يعدّ حديثه صحيحاً لكونه من مشايخ الإجازة، لكنّا قد ذكرنا في المدخل: أنّ الشيخوخة للإجازة لا

********

(1) . منتهي المقال ج 1 ص 317.

(2) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 328.

ص: 384

يلزمها الوثاقة، ولا الحسن.

وأمّا توثيق الشهيد الثاني، والشيخ البهائي، فهو أيضاً مبنيّ علي الاجتهاد والحدس، إذ لا يحتمل أن يكون مثل هذا التوثيق منتهياً إلي الحسّ والسماع من الثقات، كما هو الحال في توثيق غيرهما من المتأخّرين لمن يكون الفصل بينه وبينهم مئات من السنين، ولا سيّما أنّه لا يوجد لأحمد هذا ذكر في كتب الرجال، حتّي إنّ العلّامة قدس سره أيضاً أغفل ذكره.

ومن هنا قال الفاضل التفريشي: «قال الشهيد الثاني في درايته: إنّه من الثقات، ولا أعرف مأخذه».

فتحصّل: أنّه لم تثبت وثاقة الرجل بوجه، وكيف كان، فلا ينقضي تعجّبي من عدم تعرض الشيخ لحاله في رجاله، مع أنّه من المعاريف، وكثير الرواية، وقد وقع في طريقه إلي محمّد بن الحسن بن الوليد، وغيره(1).

وقال أيضاً في أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار القمي: وكيف كان، فقد اختلف في حال الرجل، فمنهم من اعتمد عليه ولعلّه الأشهر، ويمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الأوّل: أنّه من المشايخ، فقد روي عنه الصدوق، والتلعكبري، بل قيل: إنّه من مشايخ النجاشي.

ويردّه ما مرّ في المدخل من أنّ شيخوخة الإجازة، لا دلالة فيها علي الوثاقة، ولا علي الحسن، وتوهّم أنّه من مشايخ النجاشي، فيه ما ذكرناه في ترجمته: من أنّ أحمد بن محمّد بن يحيي، ليس من مشايخ النجاشي نفسه.

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 256.

ص: 385

الثاني: تصحيح العلّامة، في الفائدة الثامنة من الخلاصة: طريق الصدوق إلي عبدالرحمن بن الحجّاج، وكذا طريقه إلي عبداللّه بن أبي يعفور، وفيهما: أحمد ابن محمّد بن يحيي.

ويردّه - ما مرّ - من أنّ تصحيح العلّامة، مبنيّ علي بنائه علي أصالة العدالة، وعلي أنّ أحمد من مشايخ الإجازة، وكلا الأمرين، لا يمكن الاعتماد عليه.

الثالث: أنّ الشهيد الثاني، وثّقه في الدراية، وكذلك السماهيجي، والشيخ البهائي.

والجواب عن ذلك: أنّ توثيق هؤلاء، لا يحتمل أن يكون منشأه الحسّ، وإنّما هو اجتهاد، واستنباط، من كون الرجل من مشايخ الإجازة، كما صرّح بذلك الشيخ البهائي، في مشرقه، ولذلك تري أنّه ذكر في الحبل المتين، في بعض الروايات أنّها ضعيفة، لجهالة أحمد بن محمّد بن يحيي.

الرابع: أنّ أبا العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي قد كتب إلي النجاشي في تعريف طرقه إلي كتب الحسين بن سعيد الأهوازي: فأمّا ما عليه أصحابنا، والمعوّل عليه: ما رواه عنهما [الحسين والحسن ابني سعيد الأهوازي]: أحمد ابن محمّد بن عيسي. أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبداللّه الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري فيما كتب إليّ في شعبان سنة 352، قال: حدّثنا أبو عليّ الأشعري أحمد بن إدريس بن أحمد القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد بكتبه الثلاثين كتاباً، وأخبرنا أبو عليّ أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار القمّي، قال: حدّثنا أبي، وعبداللّه بن جعفر الحميري، وسعد بن عبداللّه جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسي. ذكره النجاشي في

ص: 386

ترجمة الحسين بن سعيد الأهوازي، وفي هذا الكلام دلالة ظاهرة علي اعتماد الأصحاب علي أحمد بن محمّد بن يحيي. ويردّه:

أوّلاً: ما عرفت من أنّ اعتماد القدماء علي رواية شخص لا يدلّ علي توثيقهم إيّاه، وذلك لما عرفت من بناء ذلك علي أصالة العدالة، التي لا نبني عليها.

ثانياً: أنّ ذلك إنّما يتمّ، لو كان الطريق ينحصر برواية أحمد بن محمّد بن يحيي، لكنّه ليس كذلك، بل إنّ تلك الكتب المعوّل عليها، قد ثبتت بطريق آخر صحيح، وهو الطريق الأوّل الذي ينتهي إلي أحمد بن محمّد بن عيسي: ولعلّ ذِكْر طريق آخر، إنّما هو لأجل التأييد.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الرجل مجهول كما صرّح به جمع منهم صاحب المدارك(1).

المقدّمة الثانية

اشارة

اعلم أنّ الشيخ الصدوق (ثقة الإسلام الكليني أبا جعفر محمّد بن يعقوب الكليني المعروف بأبي جعفر الأوّل)، أورد في كثير من أسانيد رواياته في كتابه الكافي عدّة، عن سهل، أو غيره، وفسّر النجاشي والعلّامة العدّة: الذين هم مشايخ الكليني، فإنّه إذا روي حديثاً عن غير واحد من مشايخه عبّر عنهم بالعدّة تسهيلاً علي القارئ، مع أنّ من دأبه ذكر جميع الأسانيد، ولا يحذف من إسناد الرواية راوٍ واحدٍ، ولذلك عدّوه من أدقّ علماء الحديث، وليس من منهجه تعليق الروايات كما صنع محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، ومحمّد بن الحسن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 328.

ص: 387

الطوسي في كتبهما «من لا يحضره الفقيه، تهذيب الأحكام والاستبصار» وقلّ ما يتّفق أن يُرسل الكليني الروايات. نعم، قد يحذف السند إذا كان مكرّراً اعتماداً علي السند السابق، فهذا ليس إرسالاً، بل هو تعليق.

العدّة ليست مرسلة

نشاهد في بعض عبارات العلماء أنّ العدّة تُصيِّر الرواية مرسلة؛ فنري الأردبيلي في كتابه مجمع الفائدة والبرهان يكرّر: أنّ الرواية مثلاً ضعيفة بعدّة عن سهل، ونفهم صريحاً من عباراته الكثيرة أنّه عدّ سهلاً ضعيفاً، وسبب ضعفه هو عدم توثيقه في كتب الرجال، ولكن وثّقه الفقهاء، كونه من مشايخ الإجازة مثلاً. فعلّق في ذيل رواية زرارة: ضعيفة بسهل بن زياد، غير أنّ الفقهاء اعتبروه ثقة.

وعن العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني في تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان عند كلام المصنّف: لا يخفي أنّ هذه الرواية صحيحة أيضاً كما حقّقنا في الرجال وجماعة من المحقّقين، علي أنّ ضعف سهلٍ سهلٌ، وأنّه من مشايخ الإجازة يذكرونه لمجرّد اتّصال السند، وأنّه مقبول الرواية البتّة، فهي كالصحيحة(1).

فنفهم من هذه العبارات أنّ سهلاً عند الأردبيلي ليس ثقة، وأمر سهل ليس عنده سهلاً، بل صعباً، فهو يعبّر: ضعيفة بالعدّة عن سهل، وهذا يشعر بأنّ سبب الضعف هو العدّة، ولذلك عدّ بعض الروايات المبتدئة بالعدّة مرسلات، وهذا الأمر غير مقبول، حيث إنّ المرسلة رواية لم تذكر أسنادها، أو ذكرت ولكن

********

(1) . حاشية الوحيد علي مجمع الفائدة ص 662.

ص: 388

أُجمل فيها، بعبارة: عن بعض، عمّن ذكره، ونظائرهما، وأمّا الروايات التي ابتُدِئت بالعدّة فهي ليست مجهولة، ولا مهملة، بل نعلم يقيناً من هو المراد، فهذه الروايات مثل المعلّقات في التهذيب و الاستبصار و من لا يحضره الفقيه، وقد صرّح الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي في الرعاية: أنّ المعلّقات إن ذكر سندها في المشيخة، وذكرت طرق المؤلّفين إلي أصحاب الأُصول، فهي مسندة، لا مرسلة، نعم، إذا نُسي الطريق فهي مرسلة، وكأنّها ذُكرت من أوّل الأمر مرسلة، فإذاً الروايات بالعدّة ليست مرسلة، بل هي مسندة، ولا يضرّ أيضاً ضعف بعض العدّة في صحّة الرواية، لأنّ رجال العدّة أكثرهم ثقات.

الرسائل المنفردة حول الموضوع

ألّف بعض العلماء المحقّقين في العدّة رسائل، وعُبّر عنها ب: رسالة عدّة الكليني، وهم ذكروها ضمن مؤلّفاتهم، ومنهم:

1. حجّة الإسلام محمّد باقر الشفتي وطبعها ضمن الرسائل الرجاليّة.

2. السيّد أمين الجبل العاملي في كتابه البحر الزخّار.

3. الميرزا حسين النوري في نهاية وسائل الشيعة.

4. محمّد إسماعيل الخواجوئي في الفوائد الحائريّة.

ص: 389

القسم الأوّل عدّة محمّد بن عيسي

محمّد بن عيسي بن عبداللّه

قال العلّامة: ابن سعد بن مالك الأشعري، أبو عليّ، شيخ القمّيّين ووجه الأشاعرة، وذو مكانة عند السلطان، ودخل علي الرضا عليه السلام وسمع منه، وروي عن أبي جعفر الثاني(1)، وزاد النجاشي: له كتاب الخطب، عنه، به ابنه أحمد(2).

وأمّا الأدلّة علي توثيقه فتفهم من قرائن كثيرة، منها:

1. تصريح النجاشي بأنّه شيخ القمّيّين، وفي هذا دلالة تامّة علي وثاقة الرجل، فإنّ طعن القمّيّين في رجل، وتوثيقهم لآخر، يعدّ من أشدّ الطعون، وأقوي التوثيقات.

2. وصفه بوجه الأشاعرة، أي كبيرهم وأميرهم في الأُمور الدينيّة.

3. قد صحّح العلّامة الحلّي طريقاً فهو فيه(3)، وهذه المسألة من القواعد العامّة التي تدلّ علي توثيق الراوي. والقاعدة: هي أنّ الراوي لو وقع في سند رواية وصحّحها الفقهاء؛ كالعلّامة الحلّي، والشهيد الأوّل.

********

(1) . خلاصة الرجال ص 83/154.

(2) . رجال النجاشي ص 905/338.

(3) . مختلف الشيعة ج 1 ص 290، تهذيب الأحكام ج 1 ص 237/90.

ص: 390

وعن العلّامة الحائري في مقدّمة منتهي المقال: منها وقوعه في سند اتّفق الكلّ أو الجلّ علي صحّته، بل أُخذ ذلك دليل الوثاقة(1).

ما معني تصحيح السند في توثيق الرواة؟

نذكر لذلك مثالاً: قد ذكر المحقّق الرجالي الشيخ سليمان البحراني في توثيق محمّد بن إسماعيل أُموراً، منها: عُدّ حديثه صحيحاً عند الكلّ(2).

وقال في ترجمة أحمد بن عبدالواحد بن عبدوس: عُدّ حديثه في الصحيح، ولعلّه كافٍ في توثيقه(3).

وقال المجلسي في الوجيزة: أحمد بن عبدالواحد البزّاز المعروف بابن عبدون، ممدوح، ويُعَدّ حديثه صحيحاً(4).

وصحّحوا حديثه يعني سمّوه صحيحاً، فهل هذه التسمية وعدّ الحديث صحيحاً، تدلّ علي وثاقة كلّ الرواة الذين وقعوا في سلسلة السند؟

فعن كثير من الفقهاء: نعم، إنّ تصحيح العلّامة وغيره دليل علي وثاقة الرواة كلّهم، فعلي سبيل المثال، صرّح العلّامة المامقاني في تنقيح المقال: أنّ إبراهيم ابن هاشم ثقة، ثمّ ذكر في وثاقة الرجل أُموراً: منها تصحيح السند الذي وقع إبراهيم بن هاشم فيه(5).

وعن الشهيد الثاني في كتاب العارية: أنّ الفقهاء كالشهيد الأوّل والعلّامة عدّا

********

(1) . منتهي المقال ج 1 ص 92.

(2) . نفس المصدر، ج 5 ص 352.

(3) . بلغة المحدّثين ص 328.

(4) . الوجيزة ص 101/150.

(5) . تنقيح المقال ج 1 ص 39.

ص: 391

حديث الحلبي صحيحاً؛ وإبراهيم بن هاشم في سنده.

وعن محمّد باقر الميرداماد في الرواشح السماويّة: ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة - هو في طريقها - بالصحّة.

فكما نشاهد أنّ تصحيح الطريق من أسباب وثاقة الراوي، وقد اعتمد العلّامة الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان علي تصحيحات العلّامة الحلّي وعليه فإنّ أحد القرائن الذي تدلّ علي وثاقة أحمد بن محمّد بن عيسي، كونه صحيح الحديث عند العلماء.

1. عليّ بن إبراهيم
اشارة

أقوال العلماء فيه:

قال الشيخ: عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي(1) [أبوالحسن ثقة في الحديث ثَبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر] له كتب، منها كتاب التفسير، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب المغازي، وكتاب الشرائع، وكتاب قرب الإسناد. وزاد ابن النديم: وكتاب المناقب، وكتاب اختيار القرآن ورواياته.

أخبرنا بجميعها جماعة، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة بن محمّد العلوي، ومحمّد بن عليّ [بن] ماجيلويه، عن عليّ بن إبراهيم، إلّاحديثاً واحداً استثناه من كتاب الشرائع في تحريم لحم العنز (العِيْر) وقال: لا أرويه لأنّه.. وروي أيضاً حديث تزويج المأمون أُمّ الفضل من أبي جعفر، محمّد بن عليّ الجواد عليهما السلام رويناه بالإسناد الأوّل.

********

(1) . الفهرست ص 209.

ص: 392

وقال النجاشي: عليّ بن إبراهيم بن هاشم(1)، أبوالحسن القمّي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنّف كتباً وأضرّ في وسط عمره، وله كتاب التفسير، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب قرب الإسناد، كتاب الشرائع، كتاب الحيض، كتاب التوحيد والشرك، كتاب فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام، كتاب المغازي، كتاب الأنبياء، رسالة في معني هشام ويونس، جوابات مسائل سأله عنها محمّد بن بلال، كتاب يعرف بالمشذّر، واللّه أعلم أنّه مضاف إليه، أخبرنا محمّد بن محمّد وغيره، عن الحسن بن حمزة ابن عليّ بن عبداللّه قال: كتب إلي عليّ بن إبراهيم بإجازة سائر حديثه وكتبه.

وقال الأردبيلي: عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، أبوالحسن، ثقة في الحديث، ثبت معتمد، صحيح المذهب، سمع وأكثر وصنّف كتباً، وأضرّ في وسط عمره [صه، جش] «مع»(2).

وهو الذي روي عنه محمّد بن يعقوب الكليني كثيراً، له كتب، روي عنه أبو محمّد الحسن بن حمزة بن محمّد العلوي، ومحمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، ومحمّد بن الحسن، وحمزة بن محمّد العلويّ، ومحمّد بن عليّ ماجيلويه في [ست] في ترجمته. الصدوق عن أبيه، عنه في مشيخة [يه]، في طريق هشام بن سالم، وطريق صفوان بن يحيي، وذريح المحاربي، وإبراهيم بن عبدالحميد وغيرهم. محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، وحمزة بن محمّد، ومحمّد بن عليّ، عنه. وفي [ست] في ترجمة عبداللّه بن يحيي الكاهلي، عنه،

********

(1) . رجال النجاشي ص 680/260.

(2) . جامع الرواة ج 1 ص 545.

ص: 393

عن أبيه وحمزة بن محمّد العلويّ، ومحمّد بن عليّ ماجيلويه، عنه. وفي ترجمة محمّد بن أبي عمير، عنه حمزة بن محمّد العلويّ في مشيخة [يه] في طريق الحسن بن فاذن (قارن خ). عنه محمّد بن الحسن الصفّار في [يب] في باب ديات الشجاج. عنه محمّد بن الحسن بن الوليد في [ست] في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع. عنه أبو محمّد الحسن بن حمزة العلويّ في [بص]. في باب مقدار ما يكون بين البئر والبالوعة، في باب الرجل يموت وهو جنب، وفي باب وقت نوافل النهار. عنه محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه في مشيخة [يه] في طريق داود الصرمي، وفي طريق الريّان بن الصلت، وفي طريق أبي ثمامة، وفي طريق إبراهيم بن هاشم، وفي طريق إسماعيل بن عيسي.

عنه محمّد (أحمد خ) بن زياد بن جعفر الهمداني، وفي طريق بلال المؤذّن وفي طريق حمدان الديواني، فعلي هذا؛ محمّد بن زياد في نسخه سهو من الناسخ واللّه أعلم. عنه الحسين بن إبراهيم رضي الله عنه في طريق الريّان بن الصلت. عنه الحسين (الحسن خ) بن إبراهيم بن نابانة (تاتانة خ) رضي الله عنه في طريق العبّاس بن هلال. عنه الحسين بن إبراهيم رضي الله عنه في طريق إدريس بن زيد. عنه أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الصفواني في مشيخة [يب] في طريق الفضل بن شاذان.

الحسين بن حمدان، عن عليّ بن إبراهيم في [ست] في ترجمة غياث بن إبراهيم. أبوالقاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عنه في [يب] في باب فضل زيارة أبي عبداللّه بن عليّ عليهما السلام. أحمد بن محمّد بن سعيد، عن الحسن (الحسين خ) بن القاسم، عن عليّ بن إبراهيم في باب علامة شهر رمضان.

ص: 394

وقال القهبائي: عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، له كتب(1) منها التفسير وكتاب في الناسخ والمنسوخ، وكتاب في المغازي، وكتاب الشرائع، وكتاب قرب الإسناد. وزاد ابن النديم: كتاب المناقب، وكتاب اختيار القرآن ورواياته، أخبرنا بجميعها جماعة عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلويّ الطبريّ، عن عليّ بن إبراهيم، وأخبرنا محمّد بن محمّد بن النعمان، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، ومحمّد بن الحسن، وحمزة بن محمّد العلويّ، ومحمّد بن عليّ ماجيلويه عن عليّ بن إبراهيم. إلّاحديثاً واحداً استثناه من كتاب الشرائع في تحريم لحم العِيْر(2)، وقال: لا أرويه، وروي أيضاً حديث تزويج المأمون أُمّ الفضل من محمّد بن عليّ عليهما السلام ورويناه بالإسناد الأوّل.

وقال العلّامة الطهراني(3): عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، أبوالحسن، صاحب التفسير، ومن أجلّ مشايخ الكليني، كان حيّاً إلي 307، حيث كتب فيها الإجازة للشريف حمزة بن محمّد بن أحمد بن السكّين، ويروي عنه غير الكليني، وهذا الشريف جمع كثير منهم محمّد بن أحمد الصفواني المتوفّي 358، وأبو محمّد الحسن بن حمزة الطبري، وأبوالحسن عليّ بن بابويه والد الصدوق، ومحمّد بن عليّ ماجيلويه، ومحمّد بن موسي المتوكّل، وعليّ بن عبداللّه الورّاق، وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، والحسين بن إبراهيم بن ناتانة، وكلّ هؤلاء العشرة من مشايخ الصدوق، وله ثلاثة بنين كلّهم من أصحاب الحديث، وهم:

********

(1) . مجمع الرجال ج 4 ص 152.

(2) . العِير: الحمار الوحشي والأهلي (مجمع البحرين).

(3) . طبقات أعلام الشيعة ص 167.

ص: 395

1. إبراهيم بن عليّ بن إبراهيم، ذكره المجلسي كذلك في أوّل البحار، قال:

ويروي عنه الحسين بن محمّد بن الحسن مؤلّف «مقصد الراغب في فضائل عليّ بن أبي طالب» القريب من الصدوق عهداً، يروي كثيراً من الأحاديث في هذا الكتاب.

2. أحمد بن عليّ بن إبراهيم من مشايخ الصدوق، وصرّح في بعض أسانيده الأمالي أنّه يروي عن أبيه عليّ بن إبراهيم بن هاشم.

3. محمّد بن عليّ بن إبراهيم أيضاً من مشايخ الصدوق.

وروي عنه في المجلس السبعين من الأمالي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، ولم يذكر بعض مشايخه الآخرين.

وممّن يروي عنهم عليّ بن إبراهيم القمّي: أبوه إبراهيم بن هاشم، ومحمّد ابن عيسي بن عبيد، وأبو هاشم الجعفري، وأحمد بن محمّد بن عيسي، وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وهارون بن مسلم، والعبّاس بن معروف، والمختار ابن محمّد بن مختار الهمداني، وموسي بن إبراهيم المحاربي، ومحمّد بن إسحاق الخفّاف، ومحمّد بن خالد الطيالسي، والحسن بن محمّد، وعليّ بن محمّد القاساني، وصالح بن السندي، والحسن بن موسي الخشّاب، ومحمّد بن الحسين، وعليّ بن حسّان، ويعقوب بن يزيد، ومحمّد بن عليّ أبو سميّة، وياسر الخادم، وعبداللّه بن الصلت، والحسين بن الحسن، وأيّوب بن نوح، ومحمّد بن الريّان بن الصلت، وعليّ بن شيرة، ويحيي بن عبدالرحمن ابن خاقان، وأحمد بن محمّد بن أبي الفضل المدائني أخوه، وإسحاق بن إبراهيم، وسلمة بن الخطّاب، وصالح بن عبداللّه، والقاسم بن محمّد البرمكي،

ص: 396

والقاسم بن الربيع، وجعفر بن سلمة الأصفهاني، وعليّ بن الريّان بن الصلت، وعبداللّه بن أحمد الموصلي، وعليّ بن إسحاق، ومحمّد بن أبي إسحاق الخفّاف. ونسخة من قضايا أميرالمؤمنين من تأليف إبراهيم بن هاشم القمّي التي رواها محمّد، عن أبيه عليّ، عن أبيه المؤلّف، كانت عتيقة ولعلّها كانت تقرب الأربعمائة، وقد استنسخ أبو النجيب نسخة عنها في عام 528 وهذه هي النسخة الموجودة عند مؤلّف أعيان الشيعة، وقد أورد جملة منها في معادن الجواهر 3:34، وجميعها في أبواب كتابه الموسوم بعجائب أحكام أميرالمؤمنين الذي طبعه في 1366 بدمشق مستقلّاً كما ذكر في الذريعة 17:

152.

المحصّلة النهائيّة

لقد عرفت ما ورد في حقّ عليّ بن إبراهيم القمّي في كتب الرجال، من فضل ومنزلة، حيث إنّه أُستاذ الكليني الذي روي عنه كثيراً من الروايات. ولنتناول ما يخصّه وما ورد بشأنه في الكتب الرجاليّة:

1. اعلم أنّه قد يعبّر في بعض الأسانيد بعليّ بن إبراهيم، وفي بعضها بعليّ بن إبراهيم بن هاشم، وبعليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، وبعليّ بن إبراهيم القمّي، والأكثر هو الأوّل، والمراد من هذه التعبيرات المختلفة رجل واحد وهو أُستاذ الكليني؛ نعم وقد يعبّر عنه بعليٍّ، عن أبيه.

2. طبقته في الحديث: وقع في إسناد كثير من الروايات في الجوامع الأربعة «الكافي، من لا يحضره الفقيه، الاستبصار، تهذيب الأحكام» وبلغت سبعة آلاف ومائة وأربعين مورداً؛ كما صرّح به السيّد آية اللّه الخوئي في معجم رجال

ص: 397

الحديث(1).

3. الراوون عنه: 1. أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، 2. الحسن بن حمزة العلويّ، 3. محمّد بن موسي بن المتوكّل، 4. محمّد بن يعقوب الكليني.

4. المرويّ عنهم - يعني الذين يروي إبراهيم بن هاشم عنهم -: 1. أبوه إبراهيم بن هاشم القمّي، وبلغت رواياته عنه ستّة آلاف ومائتين وأربع عشرة رواية، 2. أحمد بن أبي عبداللّه، 3. أحمد بن إسحاق بن سعد، 4. أحمد بن محمّد، 5. أحمد بن محمّد البرقي، 6. أحمد بن محمّد بن خالد، 7. إسحاق بن إبراهيم أخيه، 8. إسماعيل بن محمّد المكّي، 9. أيّوب بن نوح، 10. أيّوب بن نوح - أو عن بعض أصحابه، عنه، 11. الحسن بن محمّد، 12. الحسن بن موسي الخشّاب، 13. الحسين بن الحسن، 14. ريّان بن الصلت، 15. السري ابن الربيع، 16. سلمة بن الخطّاب، 17. صالح بن السندي، وبلغت رواياته عنه ثلاثاً وستّين رواية، 18. صالح بن عبداللّه، 19. العبّاس بن معروف، 20. عبداللّه ابن الصلت، 21. عبداللّه بن محمّد بن عيسي، 22. عليّ بن إسحاق، 23. عليّ ابن حسّان، 24. عليّ بن شيرة، 25. عليّ بن محمّد، 26. عليّ بن محمّد القاساني، 27. محمّد، محمّد بن إسحاق الخفّاف، 28 - أو عن أبيه، عنه، 29. محمّد بن الحسين، 30. محمّد بن خالد الطيالسي، 31. محمّد بن سالم، 32. محمّد بن عليّ، 33. محمّد بن عيسي، وبلغت رواياته عنه أربعمائة وستّة وثمانين مورداً، 34. محمّد بن عيسي بن عبيد، وبلغت رواياته عنه اثنين وثمانين مورداً، 35. المختار بن محمّد، 36. المختار بن محمّد بن المختار،

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 11 ص 194.

ص: 398

37. المختار بن محمّد بن المختار الهمداني، 38. المختار بن محمّد الهمداني ولعلّ الأربعة واحد، 39. موسي بن إبراهيم المحاربي، 40. هارون بن مسلم، وبلغت رواياته عنه ثلاثة وثمانين مورداً، 41. ياسر، 42. ياسر الخادم، 43. يعقوب بن يزيد، 44. أخوه، 45. الخشّاب(1).

قاعدة كلّيّة رجاليّة

اعلم أنّ المحدّث الكبير الشيخ الحرّ العاملي قد اعتقد أنّ التفسير المعروف لعليّ بن إبراهيم القمّي، وكلّ من وقع في سلسلة أسانيده ثقة، ودليله أنّ عليّ بن إبراهيم صرّح في مقدّمة كتابه هذا أنّ التفسير أخذه عن الثقات، ولم يورد فيه رواياتٍ ضعيفة عن الرواة الضعاف، فعلي هذا يكون كلّ راوٍ وقع في إسناده هذا ثقات، ولم يحتج في إثبات وثاقته إلي شيء آخر.

وممّن وقع في أسانيد كتاب التفسير لعليّ بن إبراهيم القمي هو أبوه إبراهيم ابن هاشم القمي، وهو أوّل من نقل حديث الكوفيّين إلي قم، كما صرّح به النجاشي، وأكثر روايات الكليني في الكافي عن ابنه عليّ بن إبراهيم، وهو ينقل عن أبيه إبراهيم بن هاشم، ويعبّر عنه الكليني في أسانيد الكافي بعنوان: عن أبيه وهو غير منصوص عليه بالتوثيق عند الرجاليّين؛ كأحمد بن محمّد بن الوليد من مشايخ المفيد المنسي عند الرجاليّين، مع أنّه من مشايخ الإجازة.

وإبراهيم بن هاشم عند علماء الفنّ في المنهج السندي ممدوح، لا موثوق به، ويعدّ حديثه عندهم حسناً لا صحيحاً، كما اعترض الشهيد الثاني في مسالك الأفهام علي الشهيد الأوّل والعلّامة الحلّي علي تسمية حديثه صحيحاً، مع أنّه

********

(1) . راجع: معجم رجال الحديث ج 11 ص 195.

ص: 399

حسن اصطلاحاً(1).

وهكذا الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان فإنّه يعدّ حديثه حسناً ويرجّح الصحيح علي الحسن، فيقول دائماً: إنّ الحديث الصحيح مقدّم علي الحسن خمساً، ولكن هو موثّق لدي المنهج الصدوري، بقرائن كثيرة ذكر خمساً منها السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث، فحديثه حسن اصطلاحاً أو حسن كالصحيح، أو صحيح كما يعبّر عنه المحدث البحراني في الحدائق الناضرة، والشيخ الأنصاري في المكاسب.

وتبع المحدّث العامليّ علي هذا، المحقّق المامقاني في كتابه تنقيح المقال، واستدلّ علي وثاقة إبراهيم بن هاشم بعشرة أدلّة؛ أحدها وقوعه في إسناد كتاب ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي، فإنّه يكون دليلاً علي وثاقته(2)، وعدّه أيضاً في كتابه مقباس الهداية أحد أسباب وثاقة الراوي، وتبعهما المحقّق محمّد تقي التستري في كتابه قاموس الرجال؛ وهذا الكتاب كتعليقة علي كتاب تنقيح المقال. فقال في إثبات وثاقة إبراهيم بن هاشم: لفّق المصنّف أُموراً في توثيقه أقواها وقوعه في تفسير ابنه عليّ بن إبراهيم بن هاشم(3).

وتبعهم علي هذا أيضاً: السيّد آية اللّه الخوئي في كتابه معجم رجال الحديث وجميع كتبه الفقهيّة، فقال في مقدّمة معجم رجال الحديث: قد عرفت فيما تقدّم، أنّ الوثاقة تثبت بإخبار ثقة، فلا يفرّق في ذلك بين أن يشهد الثقة بوثاقة شخص معيّن بخصوصه، وأن يشهد بوثاقته في ضمن جماعة، فإنّ العبرة إنّما

********

(1) . مسالك الأفهام ج 6 ص 44.

(2) . تنقيح المقال ج 1 ص 39.

(3) . قاموس الرجال ج 1 ص 333.

ص: 400

هي بالشهادة بالوثاقة، سواء أكانت الدلالة مطابقيّة أم تضمينيّة، ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ عليّ بن إبراهيم الذين روي عنهم في تفسيره، مع انتهاء السند إلي أحد المعصومين عليهم السلام فقد قال في مقدّمة تفسيره: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم...، فإنّ في هذا الكلام دلالة ظاهرة علي أنّه لا يروي في كتابه هذا إلّاعن ثقة، بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السادسة في كتابه في ذكر شهادة جمع كثير من علمائنا بصحّة الكتب المذكورة وأمثالها، وتواترها وثبوتها عن مؤلّفيها، وثبوت أحاديثها عن أهل بيت العصمة عليهم السلام؛ أنّ كلّ من وقع في إسناد روايات تفسير عليّ بن إبراهيم المنتهية إلي المعصومين عليهم السلام قد شهد عليّ بن إبراهيم بوثاقته، حيث قال: وشهد عليّ بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره، وأنّها مرويّة عن الثقات عن الأئمّة عليهم السلام.

أقول: إنّ ما استفاده قدس سره في محلّه فإنّ عليّ بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحّة تفسيره، وأنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام، وأنّها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة، وعلي ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم عليّ بن إبراهيم بلا واسطة كما زعمه بعضهم(1).

وعن السيّد الخوئي في ترجمة إبراهيم بن هاشم: قال العلّامة في الخلاصة:

لم أقف لأحد من أصحابنا علي قول في القدح فيه، ولا علي تعديل بالتخصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول روايته.

أقول: لا ينبغي الشكّ في وثاقة إبراهيم بن هاشم، ويدلّ علي ذلك عدّة

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 49.

ص: 401

أُمور:

1. إنّه روي عنه ابنه عليّ في تفسيره كثيراً وقد التزم في أوّل كتابه بأنّ ما يذكره فيه قد انتهي إليه بواسطة الثقات(1).

إنكار القاعدة

وفي مقابل قول هؤلاء فإنّ هناك من يري بأنّ التفسير لا يكون للقمّيّ، فكيف يمكن إثبات وثاقة كلّ من وقع في إسناده؟! وممّن يري ذلك هما العلمان المعاصران آية اللّه محمّد هادي معرفت وآية اللّه جعفر السبحاني. فذكر الأوّل في كتابه صيانة القرآن من التحريف عند البحث في الكتب التي لا اعتبار لها، حيث قال: إنّ هذا التفسير منسوب إليه من غير أن يكون من صنعه، وإنّما هو تلفيق من إملاءاته علي تلميذه أبي الفضل العبّاس بن محمّد العلوي، وقسط وافر من تفسير أبي الجارود؛ ضمّه إليها أبوالفضل، وأكمله بروايات من عنده كما وضع له مقدّمة، وأورد فيه مختصراً من روايات منسوبة إلي أميرالمؤمنين عليه السلام في صنوف آي من القرآن، فقد أخذ أبوالفضل العلوي عن شيخه القمّي ما رواه بإسناده إلي الإمام الصادق عليه السلام من تفسير القرآن، وضمّ إليه من تفسير أبي الجارود ما رواه عن الإمام الباقر عليه السلام، وأكمله بما رواه هو عن سائر مشايخه تتميماً للفائدة، فجاء هذا التفسير مزيجاً من روايات القمّي، وروايات أبي الجارود، وروايات غيرهما، ممّا رواه أبوالفضل نفسه؛ فهذا التفسير بهذا الشكل هو صنيع أبي الفضل العلوي، وإنّما نسبه إلي شيخه القمّي لأنّه الأصل والأكثر حظّاً من روايات هذا التفسير، ويبدأ هذا التفسير بقوله:

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 317.

ص: 402

حدّثني أبوالفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر عليه السلام قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن إبراهيم....

فَمَن القائل في قوله: حدّثني؟ ومَن هو أبوالفضل العبّاس العلوي الذي يحدّث عن شيخه القمّي؟ فهما مجهولان؛ فالأوّل مجهول شخصاً ونسباً فيُعَدّ من المهملين في علم الرجال، وأبوالفضل كان من تلامذة عليّ بن إبراهيم، فعليه الإسناد إلي هذا التفسير مقطوع، أو مجهول اصطلاحاً(1).

والعلم الآخر هو آية اللّه السبحاني حيث أنكر أن يكون مِن عليّ بن إبراهيم القمّي، وقال: إنّه مزيج ممّا أملاه عليّ بن إبراهيم علي تلميذه أبي الفضل العبّاس، وما رواه التلميذ بإسناده الخاصّ عن أبي الجارود من الإمام الباقر عليه السلام.

وأبوالجارود من الزيديّة وسمّي سروحوباً يعني شيطاناً، وقد ضعّفه النجاشي، وفصّل الكلام فيما أوجزه الشيخ محمّد هادي معرفت وقال في ختام البحث:

فكيف يمكن الاعتماد علي هذا التفسير. وعمدة إشكالهما هو أبوالجارود الذي ضعّفه النجاشي والكشّيّ بروايات، وفي مقابل هذا التضعيف لأبي الجارود فإنّ السيّد الخوئي قد أصرّ علي تضعيف روايات الكشّيّ وإثبات وثاقة أبي الجارود بوقوعه في سند تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، مع أنّ الشيخ السبحاني أضاف مسألة أُخري في ضعف القول الذي استدلّ به السيّد الخوئي، وهي أنّه لا يمكن القول بأنّ مراد القمّي من عبارته: رواه مشايخنا وثقاتنا، كلّ من وقع في سنده، إلي أن ينتهي إلي الإمام، بل الظاهر هو كون المراد مشايخه خاصّة بلا واسطة ويعرب عنه عطف: ثقاتنا، علي مشايخنا الظاهر في الأساتذة بلا واسطة، ولمّا

********

(1) . صيانة القرآن من التحريف ص 229.

ص: 403

كان النقل عن الضعيف بلا واسطة من وجوه الضعف، دون النقل عن الثقة عندما روي عن غيرها، خصّ مشايخه بالوثاقة ليدفع عن نفسه سهم النقد والاعتراض، كما ذكرنا في مشايخ ابن قولويه، وإلّا فقد ورد في إسناد القمّيّ مَن لا يصحّ الاعتماد عليه من أُمّهات المؤمنين فلاحظ(1).

هذا ما أردنا ذكره في قاعدة تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ.

قد ذكرنا أنّ عليّ بن إبراهيم القمّيّ وثّقه علماء الرجال بألفاظ ونصوص رجاليّة منها: 1. ثقة في الحديث، 2. ثبت، 3. معتمد، 4. صحيح المذهب.

هذه الصفات وردت في كتاب النجاشي و فهرست الشيخ، ولعلّ النجاشي أخذها عن الفهرست للشيخ الطوسي، لأنّ النجاشي ألّف فهرسته بعد تأليف الفهرست للشيخ الطوسي ورجاله، وإن كانا تلميذَي الشيخ المفيد وحسين بن عبيداللّه الغضائري، ولعلّ كليهما أخذا العبارة عن أستاذهما الغضائري، لأنّه خرّيت في الرجال.

وفي الفهرست والنجاشي والخلاصة هكذا: وأضرّ في آخر عمره، وفي اللغة: الضرّ الفاقة والفقر بضمّ الضاد اسم، وبفتحها مصدر، وضرّه يضرّه من باب قتل إذا فعل به مكروهاً، وأضرّ به يتعدّي بنفسه ثلاثيّاً وبالباء رباعيّاً. قال الأزهري: كلّ ما كان سوء حال وفقر وشدّة في بدن فهو ضُرّ بالضمّ، وما كان ضدّ النفع فهو بفتحها(2)، فعلي هذا: أضرّ في وسط عمره، يعني دخله المرض، وفي القرآن (مَسَّنِيَ اَلضُّرُّ) أي المرض. وخاصّة استعمل الضرر في نقص ورد علي

********

(1) . كليّات في علم الرجال ص 320.

(2) . المصباح المنير ص 36.

ص: 404

الأعيان، فعلي هذا: أضرّ في وسط عمره؛ أي: صار أعمي، ودخل المرض في عينه.

2. محمّد بن يحيي
اشارة

أقوال العلماء فيه:

قال الشيخ: محمّد بن يحيي(1) له كتاب يرويه عن غياث بن إبراهيم، رويناه بهذا الإسناد، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عنه.

وعن النجاشي: محمّد بن يحيي(2) أبو جعفر العطّار القمّي، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث، له كتب منها: كتاب مقتل الحسين عليه السلام، وكتاب النوادر، أخبرني عدّةٌ من أصحابنا، عن أبنه أحمد، عن أبيه بكتبه.

وعن الأردبيلي: محمّد بن يحيي أبو جعفر العطّار القمّي(3) شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث [صه، جش] له كتب، عن ابنه أحمد [جش] روي عنه الكليني في كثير من الروايات [لم] «مع».

ومحمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي الأشعري، عن أحمد بن محمّد في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام بمَن يشبهون ممّن مضي: أخبرني الشيخ أيّده اللّه عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، في [يب] في باب التيمّم.

محمّد بن أحمد بن داود، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيي، عن

********

(1) . الفهرست ص 325.

(2) . رجال النجاشي ص 946/353.

(3) . جامع الرواة ج 2 ص 213 و 214.

ص: 405

محمّد بن أحمد بن يحيي في باب الزيادات في كتاب المزار، فقد رويته عن أبي، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن موسي بن المتوكّل، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، ومحمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنهم، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن عليّ بن محبوب في مشيخة [يه] في طريق محمّد بن عليّ بن محبوب. فقد رويته عن أبي، ومحمّد بن الحسن رضي اللّه عنهما، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب في طريق عبداللّه بن مسكان.

ومحمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن يحيي، وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمّد بن أحمد بن يحيي في مشيخة [يب] في طريق محمّد بن أحمد بن يحيي، فقد رويته عن أبي، ومحمّد بن الحسن رضي اللّه عنهما، عن سعد بن عبداللّه، ومحمّد بن يحيي، وأحمد بن إدريس جميعاً، عن أحمد بن أبي عبداللّه في مشيخة [يه] في طريق جعفر بن القاسم.

ومحمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي في طريق معاوية بن وهب. عنه محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب في طريق إدريس بن هلال. عنه عن إبراهيم ابن هاشم في طريق بشير النبّال. عنه، عن أيّوب بن نوح في طريق الحسين بن زيد. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن أحمد بن يحيي في [بص] في باب المسنون من الصلاة. عنه عن محمّد بن أحمد بن يحيي في باب حكم المياه المضافة.

محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، عن محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن

ص: 406

الحسين بن أبي الخطّاب في مشيخة [يه] في طريق عيسي بن عبداللّه الهاشمي.

أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن أبيه، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد؛ في باب الميّت يموت في المركب. وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب في باب النهي عن تجصيص القبر. وجعفر بن محمّد ابن مالك، عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين في [يب] في باب حدّ حرم الحسين عليه السلام. أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن أبي قتادة في [ست] في ترجمة عليّ بن أسباط. محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن سعد بن عبداللّه والحميري ومحمّد بن يحيي وأحمد بن إدريس عن أحمد بن محمّد بن عيسي في ترجمة ربعي بن عبداللّه. أبوالقاسم جعفر بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن عبدالمؤمن، عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين في [يب] في باب فضل زيارة الحسين بن عليّ عليهما السلام(1).

المُحصِّلَة النهائيّة

ذكرنا ما قاله علماء الرجال في محمّد بن يحيي العطّار وهناك أُمور، منها:

1. قد يعبّر عنه في الإسناد ب: 1. محمّد بن يحيي، 2. محمّد بن يحيي العطّار، 3. محمّد بن يحيي أبو جعفر العطّار.

2. وثّقوه بعبارات منها: 1. شيخ أصحابنا في زمانه، 2. ثقة، 3. عينٌ، 4. كثير الحديث، 5. له كتب.

3. يروي عنه الصدوق بواسطة شيوخه، وهم: أبوه، ومحمّد بن الحسن بن

********

(1) . راجع أيضاً: منتهي المقال ج 6 ص 227.

ص: 407

الوليد، ومحمّد بن موسي بن المتوكّل، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، ومحمّد بن عليّ بن ماجيلويه رضي اللّه عنهم، في طريق محمّد بن عليّ بن محبوب، وغيرهم.

4. محمّد بن يحيي العطّار من مشايخ الكليني، يروي عنه كثيراً، وهو أحد العدّة.

5. للشيخ الطوسي أيضاً إليه طرق ذكرها في مشيخة التهذيب، وطرق الشيخ إلي عليّ بن إبراهيم القمّي، ومحمّد بن يحيي العطّار واحدة، ولذا نذكر طرقه إلي الكليني وعليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن يحيي العطّار. فقال في مشيخة التهذيب:

أوّلاً: فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله، عن محمّد بن يعقوب رحمه الله.

وأخبرنا به الحسن بن عبيداللّه، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، وأبي محمّد هارون بن موسي التلّعكبريّ، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، وأبي عبداللّه أحمد بن أبي رافع الصيمري، وأبي المفضّل الشيباني وغيرهم، كلّهم عن محمّد بن يعقوب الكليني، وأخبرنا به أيضاً أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبدالكريم بن عبداللّه بن نصر البزّاز بتنّيس وبغداد، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني. جميع مصنّفاته وأحاديثه سماعاً، وأجازه ببغداد بباب الكوفة بدرب السلسلة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

ص: 408

ثانياً: وما ذكرته عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، وأخبرني أيضاً برواياته الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن النعمان، والحسين بن عبيداللّه، وأحمد بن عبدون كلّهم عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلويّ الطبري، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم.

********

(1) . تهذيب الأحكام ج 10 ص 1-34 المشيخة.

(2) . جامع الرواة ج 2 ص 518.

ص: 409

إجازة.

أحمد بن إدريس بن أحمد أبو عليّ الأشعري القمّي، كان ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية، له كتاب نوادر، أخبرني عدّة من أصحابنا إجازة، عن أحمد بن جعفر بن سفيان عنه. ومات أحمد بن إدريس بالقرعاء سنة ستّ وثلاثمائة من طريق مكّة علي طريق الكوفة(1).

وعن الأردبيلي: أحمد بن إدريس أبو عليّ الأشعري القمّي، كان ثقة في أصحابنا، فقيهاً، كثير الحديث، صحيح الرواية، وله كتاب النوادر، وهو كتاب كبير كثير الحديث والفوائد، أخبرنا بسائر رواياته الحسين بن عبيداللّه، عن أحمد بن جعفر بن (سفيان) البزوفري، عن أحمد بن إدريس. ومات بالقرعاء في (بالفرغاني) طريق مكّة سنة ستّ وثلاثمائة.

وأحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبداللّه الصغير، عن محمّد بن إبراهيم الجعفري، عن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إنّ اللّه كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان، وخلق نور الأنوار الذي نوّرت منه الأنوار، وأجري فيه من نوره الذي نوّرت منه الأنوار، وهو النور الذي خلق منه محمّداً وعليّاً...»(2).

وأحمد بن إدريس أبو عليّ الأشعري كان ثقة في أصحابنا، فقيهاً، كثير الحديث صحيح الرواية، مات بالقرعاء في طريق مكّة الكوفة سنة ستّ وثلاثمائة رحمه الله، أعتمد علي روايته.

********

(1) . رجال النجاشي ص 228/93.

(2) . أُصول الكافي ج 1 ص 441 كتاب الحجّ باب مولد النبيّ صلي الله عليه و آله ووفاته الحديث 9.

ص: 410

وعنه أيضاً: أحمد بن إدريس، أبو عليّ الأشعري القمّي كان، ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية، مات بالقرعاء سنة ستّ وثلاثمائة [صه، جش] أحمد بن إدريس القمّي المعلّم، لحقه ولم يرو عنه، سمع منه التلّعكبري أحاديث يسيرة [لم] «مع». وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عنه في [يب] في باب: الأحداث الموجبة للطهارة؛ مرّتين، وأُخري في باب: آداب الأحداث الموجبة للطهارة، وفي [ست] في ترجمة سليمان بن داود المنقري، وفي ترجمة عليّ بن مهزيار، عنه ابن أبي عبيد في ترجمة صفوان بن يحيي، محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عنه في ترجمة سليمان ابن داود المنقري، وفي ترجمة عليّ بن مهزيار في مشيخة [يه] في طريق محمّد بن عليّ بن محبوب، وفي طريق عليّ بن غراب، وفي طريق عمرو بن جميع، عنه عليّ بن حاتم في [يب] في باب: فضل شهر رمضان والصلاة فيه.

عنه ابنه الحسين في مشيخة [يه] في طريق داود الرقّي، وفي [يب] في باب:

فضل زيارة أبي الحسن موسي عليه السلام، وفي مشيخة [يه] في طريق محمّد بن عليّ ابن محبوب، عنه أبو جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري في مشيخة [يب] في طريقه، وفي طريق محمّد بن أحمد بن يحيي، عنه أبو عبداللّه البزوفري في [بص] باب: شهادة المملوك، وفي باب: أنّه إذا دخل بالأُمّ حرمت عليه البنت، وفي باب: أنّه إذا مات الرجل وترك أُمّ ولد له. عنه أحمد بن جعفر ابن سفيان البزوفري في [ست] في ترجمته. أبوالقاسم جعفر بن محمّد، عن أخيه عليّ بن محمّد، عنه في [يب] في باب: فضل الكوفة. أبوالقاسم بن جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عنه في آخرباب فضل زيارة الحسين عليه السلام أبي الحسن وأبي

ص: 411

محمّد عليهما السلام. عنه محمّد بن الحسن الصفّار في [ست] في ترجمة ربيع بن عبداللّه. عنه أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي في [بص] في باب: مقدار ما يكون بين البئر والبالوعة. عنه محمّد بن يعقوب الكليني كثيراً. عنه عليّ بن إدريس في [بص] في باب: عدد التكبيرات علي الأموات. روي هذا الخبر بعينه عليّ بن الحسين عنه في [يب] في باب: الصلاة علي الأموات في آخر كتاب الصلاة [الظاهر] أنّه الصواب بقرينة روايته عنه كثيراً، أو عدم وجود عليّ بن إدريس في تلك المرتبة، واتّحاد الخبر، واللّه أعلم.

وأبو عليّ الأشعري القمّي، كان ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية، له كتاب النوادر، ومات بالقرعاء سنة ستّ وثلاثمائة من طريق مكّه علي طريق الكوفة، جش.

ونحوه «صه» و «ست» وزاد بعد كتاب النوادر: كبير كثير الفوائد، الحسين بن عبيداللّه، عن أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري، عنه.

وفي لم، كان من القوّاد، روي عنه التلّعكبري.

وفي تعق: الأشعري: أبو قبيلة باليمن. والقرعاء بالقاف والمهملتين منهل بطريق مكّة بين القادسيّة والعقبة، كذا في المعراج.

وفي مشكا: ابن إدريس الثقة أبو عليّ الأشعري، عنه أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري، التلّعكبري، ومحمّد بن يعقوب، والحسن بن حمزة العلوي، وهو عن محمّد بن عبدالجبّار، ومحمّد بن أحمد بن يحيي، ومحمّد بن الحسن ابن الوليد(1).

********

(1) . منتهي المقال في أحوال الرجال ج 1 ص 114/231.

ص: 412

وعن العلّامة الطهراني(1): أحمد بن إدريس بن أحمد أبو عليّ الأشعري القمّي المتوفّي 306 بالقرعاء في طريق مكّة، كما في رجال النجاشي، من مشايخ الكليني، ويروي عنه أيضاً ابن قولويه في كامل الزيارات، ويأتي ولديه الحسن والحسين ابني أحمد بن إدريس وهما من مشايخ الصدوق، يروي عنه أيضاً أحمد بن جعفر البزوفري كما يأتي، وأبو محمّد هارون بن موسي التلّعكبري، فقد قال: سمعت منه أحاديث يسيرة في دار ابن همّام، وليس لي منه إجازة كما في رجال الطوسي، ويروي عنه أيضاً الحسن بن حمزة العلوي، وأبو غالب الزراري، كما صرّح به في رسالته إلي ابن ابنه. وهو يروي عن جماعة منهم محمّد بن عبدالجبّار، كما يظهر من أسانيد الكافي، ويروي أيضاً عن أحمد بن محمّد بن عيسي القمّي الراوي عن الحسين بن سعيد كتاب (الصوم) له، كما في رسالة أبي غالب الزراري، ويروي أيضاً عن محمّد بن عليّ ابن محبوب كما في رجال النجاشي.

المحصّلة النهائيّة

لقد لاحظت كلمات علماء الرجال في أحمد بن إدريس، وهناك أُمور، وهي:

1. يعبّر عنه في الأحاديث بألفاظ مختلفة، مثل: أحمد بن إدريس، أحمد بن إدريس بن أحمد، أحمد بن إدريس القمّي، أبو عليّ الأشعري.

2. وثّقه الرجاليّون بعبارات: ثقة، فقيه في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية.

********

(1) . طبقات أعلام الشيعة ج 1 ص 19 و 20.

ص: 413

3. روي عن: ابن أبي الصهبان، وإبراهيم بن هاشم، وأحمد بن أبي عبداللّه، أحمد بن إسحاق، وأحمد بن محمّد بن عيسي، والحسن بن عليّ الكوفي، والحسين بن عبداللّه، والحسين بن عبيداللّه، وسلمة بن الخطّاب، وصندل، وعبداللّه بن محمّد، وعليّ بن النيسابوري، وعمران بن موسي الخشّاب، وعيسي بن محمّد بن أبي أيّوب، ومحمّد بن أبي الصبهان، ومحمّد بن أحمد، ومحمّد بن أحمد بن عبداللّه بن أحمد الزراري، ومحمّد بن أحمد بن يحيي، ومحمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري، ومحمّد بن بندار، ومحمّد بن حسّان الرازي، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ومحمّد بن حمدان الكوفي، ومحمّد بن سالم، ومحمّد بن عبدالجبّار، ومحمّد بن عبدالجبّار الشيباني، ومحمّد بن عليّ بن محبوب، ويعقوب بن يزيد.

4. الذين رووا عنه فهم: أبو عبداللّه البزوفري، وابنه الحسن، وابنه الحسين، وأحمد بن جعفر، وجعفر بن قولويه، وجعفر بن محمّد أبوالقاسم، والحسن بن حمزة العلوي أبو محمّد، وعليّ بن حاتم، وعليّ بن الحسين بن بابويه، وعليّ ابن محمّد، ومحمّد بن الحسن بن الوليد، ومحمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري، ومحمّد بن السندي، ومحمّد بن يعقوب، والبزوفري(1).

5. ذكر المحقّق الخوئي: وطريق الشيخ إلي أحمد بن إدريس ضعيف في الفهرست، ووجهه أحمد بن جعفر، وطريقه في المشيخة صحيح(2).

وعن الأردبيلي في خاتمة جامع الرواة: وطريق الشيخ إلي أحمد بن إدريس

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 39.

(2) . نفس المصدر، ص 42.

ص: 414

صحيح في المشيخة وفي الفهرست فيه: أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري(1).

4. داود بن كورة
اشارة

أقوال العلماء فيه:

قال الشيخ: داود بن كورة [أبو سليمان جش] القمّي، بوّب كتاب النوادر لأحمد بن عيسي [وكتاب المشيخة للحسن بن محبوب الرادّ علي معاني الفقه] له كتاب الرحمة [في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحجّ] مثل كتاب سعد ابن عبداللّه(2).

قال النجاشي: أبو سليمان القمّي، وهو الذي بوّب كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسي، وكتاب المشيخة للحسن بن محبوب الرادّ علي معاني الفقه.

له كتاب الرحمة في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحجّ. أخبرنا محمّد بن عليّ القزويني قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا داود(3).

أقوال العلماء فيه:

قال الأردبيلي: داود بن كورة القمّي بوّب كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسي [لم، ست] أبو سليمان بوّب كتاب المشيخة للحسن بن محبوب أيضاً له كتاب الرحمة، عنه أحمد بن محمّد بن يحيي [جش] «مع»(4).

وعن التفرشي: أبو سليمان القمّي، وهو الذي بوّب كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسي، وكتاب المشيخة للحسن بن محبوب، له كتاب، روي عنه

********

(1) . جامع الرواة ج 2 ص 476.

(2) . الفهرست ص 282/133.

(3) . رجال النجاشي ص 416/158.

(4) . جامع الرواة ج 2 ص 309.

ص: 415

أحمد بن محمّد بن يحيي. رجال النجاشي فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهم السلام رجال الشيخ(1).

المحصّلة النهائيّة

بعد ما لاحظت ما ذكرنا من أقوال الرجال في الراوي، فنقول: هو من مشايخ الكليني؛ ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن يعقوب الكليني، ولم يَرِد فيه توثيق في كتب الرجال، فلا دليل إذن بالتصريح علي وثاقته ولكن بما أنّه من مشايخ الكليني، ومشايخ الإجازة فهو في غنًي عن التوثيق الاصطلاحي، فإنّ مشيخة الإجازة من أهمّ ما يدلّ علي توثيق الراوي، وهذه القاعدة حظيت بقبول الفقهاء مُنذ عصر الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي وعصر الشهيد الثاني الذي صرّح في الرعاية و مسالك الأفهام بأنّ عبدالواحد بن عبدوس لا يحتاج إلي التوثيق، لأنّه لمن مشايخ الصدوق، ومشايخ الإجازة(2).

وقد عدّ المحقّق محمّد باقر الوحيد البهبهاني من علامات وثاقة الرجل: كون الرجل من مشايخ الإجازة(3).

كما صرّح تلميذه محمّد إسماعيل الحائري المازندراني في مقدّمة منتهي المقال بكونها من علائم وثاقة الرجل(4).

وعن العلّامة الشيخ يوسف البحراني: أنّ مشايخ الإجازة في أعلي درجات

********

(1) . نقد الرجال ج 2 ص 22/1 رقم 39/1898.

(2) . مسالك الأفهام ج 2 ص 23.

(3) . منهج المقال ص 103.

(4) . منتهي المقال ج 1 ص 85.

ص: 416

الوثاقة(1).

وصرّح أيضاً بهذه العبارة العلّامة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني في كتابه معراج الكمال(2).

وعن الشيخ محمّد العاملي: عادة المصنّفين عدم توثيق الشيوخ.

وعن الشهيد الثاني: أنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلي التنصيص علي تزكيتهم(3).

وصرّح العلّامة محمّد تقي المجلسي: لم يرد في ترجمة عليّ بن الحسين السعدآبادي مدح ولا ذمّ، ولكن كان من مشايخ الإجازة، فلا يضرّ جهالته(4).

وقال الوحيد في ترجمة داود بن كورة: الظاهر جلالته، وهو من مشايخ الكليني(5).

وعن المحقّق محمّد باقر الميرداماد في ترجمة محمّد بن إسماعيل النيسابوري: هو أحد شيوخ الكليني، وهو الذي يروي عن الفضل، ويروي عنه الكليني، وقد حقّقنا حاله وصحّة الحديث من جهته في الرواشح(6) وفي حواشينا علي الاستبصار وفي مواضع عديدة(7).

وصرّح العلّامة محمّد باقر المجلسي في ذيل رواية الكرّ: محمّد بن يعقوب،

********

(1) . الحدائق الناضرة ج 13 ص 221.

(2) . معراج الكمال ص 64.

(3) . الرعاية ص 192.

(4) . روضة المتّقين ج 14 ص 43.

(5) . تعليقة منهج المقال ص 138، رجال النجاشي ص 1026/378، منتهي المقال ج 3 ص 213.

(6) . الرواشح السماويّة ص 70.

(7) . تعليقة الداماد علي رجال الكشّيّ ج 1 ص 38.

ص: 417

عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «الكرّ ألف ومائتا رطلٍ». فقال: إنّ محمّد بن إسماعيل من مشايخ الكليني وهو في طبقة عليّ بن إبراهيم القمّي، والظاهر وثاقته لكونه من مشايخ الإجازة، فعليه لا يضرّ عدم وثاقته في كتب الرجال(1).

وعنه أيضاً في الوجيزة: محمّد بن إسماعيل مجهول، ثمّ قال: هذا هو الذي يروي الكليني بتوسّطه عن الفضل بن شاذان، واشتبه علي القوم وظنّوه ابن بزيع، ولا يضرّ جهالته، لكونه من مشايخ الإجازة(2).

وعن العلّامة البهبهاني في تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان عند قول المصنّف: ضعيفة زرارة سهل بن زياد: لا يخفي أنّ هذه الرواية صحيحة كما حقّقنا في الرجال وجماعة من المحقّقين علي أنّ ضعف سهل، سهل، وأنّه من مشايخ الإجازة، يذكرونه لمجرّد اتّصال السند، وأنّه مقبول الرواية البتّة، فهي كالصحيحة(3).

وعنه أيضاً، كدلائل في توثيق محمّد بن إسماعيل: 1. وربّما يُعَدُّ حديثه من الحسان، لعدم التوثيق، وإكثار الكليني من الرواية عنه، وكون رواياته متلقّاة بالقبول، بل يظهر كونه من مشايخ الكليني والكشّيّ، وتلميذه ابن شاذان(4).

2. الدليل الثاني لتوثيقه هو إكثار الكليني عنه، وهو يدلّ علي وثاقة الرجل.

ذكر المحقّق الرجالي الشيخ سليمان البحراني في رسالة ألّفها في وثاقة محمّد

********

(1) . مرآة العقول ج 13 ص 7.

(2) . الوجيزة ص 1575/293، منتهي المقال ج 5 ص 362.

(3) . حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 662.

(4) . تعليقة منهج المقال ص 284، منتهي المقال ج 1 ص 93.

ص: 418

ابن إسماعيل وأنّه النيشابوري: تدلّ علامات خمس ودلائل خمس علي وثاقة الرجل؛ الثالث: إكثار الكليني الرواية عنه، حتّي روي في الكافي ما يزيد علي خمسمائة حديث، مع أنّه قال في صدره ما قال(1).

وعن العلّامة محمّد مهدي بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة: قد يقال: إنّ إكثار ثقة الإسلام الكليني في الكافي من الرواية عنه (محمّد بن إسماعيل) حتّي روي عنه في كتابه المذكور ما يزيد علي مائتي حديث يدلّ علي جلالته، وعظم قدره، بل عدالته(2).

وعن صاحب هداية المحدّثين في ترجمة محمّد بن إسماعيل: وإكثار الشيخ الجليل محمّد بن يعقوب الرواية عنه كافٍ في الدلالة علي حسن حال المذكور(3).

وأشار إلي ذلك المحقّق محمّد إسماعيل الحائري في مقدّمة منتهي المقال بالقول: ومنها إكثار الكافي، أو الفقيه من الرواية عنه، ويأتي في البندقي(4).

وعن هذا الأمر صرّح السيّد أحمد الخوانساري في جامع المدارك: أنّ سهل ابن زياد الآدمي ثقة، لكثرة النقل والرواية عنه في الكافي، وهذا يدلّ علي توثيقه(5).

فتلخّص ممّا ذكرنا: أنّ داود بن كورة لم يُوثَّق في كتب الرجال بالتوثيقات

********

(1) . الكافي ج 1 ص 7، منتهي المقال ج 5 ص 361.

(2) . منتهي المقال ج 5 ص 365.

(3) . هداية المحدّثين ص 228، منتهي المقال ج 5 ص 366.

(4) . منتهي المقال ج 1 ص 93.

(5) . مدارك الأحكام ج 7 ص 279.

ص: 419

الاصطلاحيّة، غير أنّا ذكرنا: أنّ التوثيق غير منحصر في نصّ الرجالي، بل قد يفهم التوثيق من القرائن، فقد صرّح السيّد آية اللّه البروجردي: أنّ التوثيق المستفاد من القرائن أقوي من قول الرجاليّ(1). وقد صرّح في ذيل الرواية عن أحمد بن محمّد بن يحيي، وصحّحه السيّد محمّد مهدي بحرالعلوم، وناقشه السيّد محمّد جواد العاملي بأنّ الراوي في صدر الإسناد هو أحمد بن محمّد بن يحيي(2)، وهو لم يوثَّق في كتب الرجال. فعن السيّد البروجردي: أنّ عدم ذكر الراوي في كتب الرجال لا يدلّ علي ضعف الراوي، بل عَلِمنا وثاقته بالقرائن، منها: كونه من مشايخ الإجازة، ودلالة القرائن علي الوثاقة أقوي من تصريح الرجالي.

وفي الوجيزة، صرّح العلّامة المجلسي أيضاً بأنّه من مشايخ الأصحاب(3).

وذكر الفقيه الأكبر الآغا رضا الهمداني في كتابه مصباح الفقيه في ترجمة عبدالواحد بن عبدوس بأنّه: لم يرد في كتب الرجال توثيق، ولكنّه لا يضرّ لأنّ البناء علي التوثيق بالقرائن أقوي من توثيق الرجل بالنصّ الرجالي(4).

ولذلك عدّ الفقهاء رواية «رفع عن أُمّتي تسع» التي رواها الكليني عن أحمد ابن محمّد بن يحيي صحيحة، وناقشهم السيّد المروّج في منتهي الدراية بأنّ أحمد بن محمّد بن يحيي لم يوثّقه أهل الرجال فكيف تصفون روايته

********

(1) . نهاية التقرير ج 2 ص 272.

(2) . رجال الشيخ ص 36/444، خلاصة الرجال ص 276، منهج المقال ص 412، الرعاية ص 370، هداية المحدّثين ص 178.

(3) . الوجيزة ص 133/154.

(4) . مصباح الفقيه ج 2 ص 12، راجع: مشرق الشمسين ص 79، ذخيرة المعاد ص 185-510، مدارك الأحكام ج 6 ص 84، الفوائد الرجاليّة ص 192.

ص: 420

بالصحّة؟! وأُجيب: بأنّ الراوي من مشايخ الإجازة، فلا يضرّ.

5. عليّ بن موسي الكمنداني

أقوال العلماء فيه:

قال المحقّق الخوئي: هو أحد العدّة الذين يروي محمّد بن يعقوب عنهم عن أحمد بن محمّد بن عيسي، ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن يعقوب.

روي (عليّ بن موسي) عن أحمد بن محمّد، وروي عنه محمّد بن يعقوب في الكافي: الجزء 1 باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ولاة أمر اللّه الحديث 3.

أُصول الكافي ج 1 ص 192 باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ولاة أمر اللّه وخزنة علمه، الحديث الثالث.

عليّ بن موسي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقي، عن النضر بن سويد رفعه، عن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قلت له: جعلت فداك، ما أنتم؟ قال: «نحن خزّان علم اللّه، ونحن تراجمة وحي اللّه، ونحن الحجّة البالغة علي من دون السماء ومن فوق الأرض»(1).

وعن الحائري: عليّ بن موسي الكمنداني من العدّة التي روي عنهم محمّد ابن يعقوب، عن أحمد بن محمّد بن عيسي. وروي الصدوق في الفقيه عن أبيه، عنه «صح» محمّد بن يعقوب في باب: أنّ الأئمّة عليهم السلام ولاة أمر اللّه، عنه عليّ ابن الحسين في [يب] في باب: تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات، وفي [بص] في باب: تربيع الجنازة: محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ ابن موسي بن جعفر في [ست] في ترجمة حريز بن عبداللّه، عنه أحمد بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ص 8534/191.

ص: 421

أبي زاهر في باب: جهات علوم الأئمّة عليهم السلام.

وفي الختام نقول: إنّ العدّة التي يروي عنهم الكليني؛ وإن لم يصرّح بتوثيق جميعهم اصطلاحاً، وعلي نهج الوثوق السندي، إلّاأنّ هناك توثيقات لبعضهم تفوق ذلك كثيراً، فيكفي أنّه كان أحدهم موثوقاً به.

وثانياً: إنّهم موثّقون علي بناء منهج الوثوق الصدوري، والقرائن علي توثيقهم أكثر من تصريح الرجاليّين، وهي أتقن من النصوص الرجالية، وعلي رأسها كونهم من مشايخ الكليني رحمه الله.

وعليه فالإشكال من جهة العدّة التي تروي عن محمّد بن عيسي، ولذلك نري أنّ المجلسي في المرآة و الملاذ، وغيره يصف حديثهم بالصحّة. ومنهم آية اللّه الخوئي.

ص: 422

القسم الثاني عدّة سهل بن زياد

اشارة

وهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبداللّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني(1).

سهل بن زياد

أقوال العلماء فيه:

قال العلّامة: الآدمي الرازي، يكنّي أبا سعيد، من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام، اختلف قول الشيخ الطوسي رحمه الله فيه، فقال في موضع: إنّه ثقة، وقال في عدّة مواضع: إنّه ضعيف، وقال «جش»: إنّه ضعيف في الحديث، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي يشهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من قم إلي الريّ وكان يسكنها. وقد كاتب أبا محمّد العسكري عليه السلام علي يد محمّد ابن عبدالحميد العطّار للنصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين، ذكر ذلك أحمد بن عليّ بن نوح، وأحمد بن الحسين رحمهما الله، وقال «غض»: إنّه كان ضعيفاً جدّاً، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعري أخرجه من قمّ، وأظهر البراءة منه، ونهي الناس عن السماع منه

********

(1) . جامع الرواة ج 1 ص 603.

ص: 423

والرواية عنه، ويروي المراسيل، ويعتمد المجاهيل «صه»(1).

وفي «جش»: كان ضعيفاً في الحديث... إلي قوله: وأحمد بن الحسين رحمهما الله، وزاد: له كتاب التوحيد، رواه أبوالحسن العبّاس بن أحمد بن الفضل بن محمّد الهاشمي الصالحي، عن أبيه، عن أبي سعيد الآدمي، وله كتاب النوادر، عنه عليّ ابن محمّد، ورواه عنه جماعة(2).

وفي «ست»: ضعيف، له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عنه.

ورواه محمّد بن الحسن بن الوليد، عن سعد والحميري، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عنه(3).

وفي «ج»: ابن زياد الآدمي، يكنّي أبا سعيد الآدمي من أهل الريّ(4). ونحوه في «كر»(5).

وفي «دي»: ثقة(6).

وفي «كش»: قال عليّ بن محمّد القتيبي: سمعت الفضل بن شاذان... إلي أن قال: ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول: هو أحمد(7). ويأتي في صالح بن أبي حمّاد.

********

(1) . الخلاصة ص 2/228.

(2) . رجال النجاشي ص 490/185.

(3) . الفهرست ص 339/80.

(4) . رجال الشيخ ص 1/401، وفيه:... يكنّي أبا سعيد من....

(5) . نفس المصدر، ص 2/431، وفيه: ابن زياد يكنّي أبا سعيد الآدمي الرازي.

(6) . نفس المصدر، ص 4/416.

(7) . رجال الكشّي ص 1068/566.

ص: 424

وفي «تعق»: ظنّي أنّ منشأ التضعيف حكاية أحمد بن محمّد بن عيسي وإخراجه من قم، وشهادته عليه بالغلوّ والكذب، وهذا ممّا يضعف التضعيف ويقوّي التوثيق عند المنصف المتأمّل، سيّما المطّلع علي حالة أحمد، وما فعله بالبرقي(1)، وقاله في عليّ بن محمّد بن شيرة(2)، وردّ جش عليه(3).

وقال الشيخ محمّد: إنّ أهل قم كانوا يُخرجون الراوي بمجرّد توهّم الريب.

وفي ترجمة محمّد بن أُورمة ما يقوّيه، سيّما أنّه صنّف كتاباً في الردّ علي الغلاة، وورد عن الهادي عليه السلام «أنّه بريء ممّا قُذِفَ به»، ومع ذلك كانوا يرمونه بالغلوّ(4).

وممّا يؤيّد ذلك: كثرة رواية الكليني عنه(5)؛ مع كثرة احتياطه في أخذ الرواية واحترازه عن المتّهمين، إضافة إلي كونه كثير الرواية، وأكثر رواياته مقبولة مفتًي بها.

ثمّ علي أنّ قول «جش»: ضعيف في الحديث وغير معتمد في الحديث، لا يدلّ علي ضعف نفسه وجرحه، بل تشعر بالعدم، ولذا حكموا بعدم المنافاة بين قول الشيخ: ثقة، وقول «جش»: ضعيف في الحديث، كما في محمّد بن خالد البرقي؛ ويشير إليه أنّهم فرّقوا بين قولهم: فلان ثقة، وفلان صحيح الحديث.

إلّاأن يقال: أنّ هذا القول عن «جش» وإن لم يدلّ علي التضعيف، إلّاأنّه

********

(1) . راجع: الخلاصة ص 7/14.

(2) . في النسخ: شبرة.

(3) . رجال النجاشي ص 669/255.

(4) . انظر: رجال النجاشي ص 891/329، والخلاصة ص 28/252.

(5) . الكافي ج 3 ص 7/161-8، ج 4 ص 3/567، ص 3/516-4، وغيرها، روي عنه بواسطة العدّة.

ص: 425

يفهم من قول: وكان أحمد بن محمّد بن عيسي... إلخ، وفيه تأمّل، لعدم ظهوره في اعتماده عليه بعد ملاحظة تقييده الضعف بالحديث وإضافته إليه، فإنّ ديدنهم في التضعيف(1) عدم التقييد والإضافة، وممّا يؤيّد ما مرّ أنّه يروي المراسيل، ويعتمد المجاهيل، وقول الفضل بن شاذان: إنّه أحمق، فتأمّل.

وفي المعراج عن بعض معاصريه، عدّ حديثه في الصحيح، وعدّه من مشايخ الإجازة(2).

وفي الوجيزة: عندي لا يضرّ ضعفه؛ لأنّه من مشايخ الإجازة(3).

وممّا يؤيّد أنّه روي عنه أخباراً كثيرة في ذمّ الغلاة والغلوّ، وحقيّة كونهم عليهم السلام عباداً، منها ما في التوحيد في الصحيح عنه قال: كتبت إلي أبي محمّد عليه السلام:

قد اختلف يا سيّدي في أصحابنا في التوحيد فإن رأيت أن تعلِّمني من ذلك ما أقف عليه، ولا أجوزه فعلت متطوِّلاً علي عبدك. فوقّع عليه السلام بخطّه: «سألت عن التوحيد، وهذا عنكم معزول، اللّه تعالي واحد أحد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد»(4).

وممّا يؤيّد أنّ المفيد (عطّر اللّه مرقده) في رسالته في الردّ علي الصدوق ذكر حديثاً عنه مرسلاً، وردّه وطعن فيه بوجوه كثيرة، ولم يقدح فيه من جهة السند إلّا بالإرسال، ولم يتعرّض لسهل بالمرّة، وروي مُقابله حديثاً فيه محمّد بن

********

(1) . في نسخة «ش»: الضعيف.

(2) . معراج أهل الكمال.

(3) . الوجيزة ص 870/224.

(4) . التوحيد ص 14/101.

ص: 426

سنان وطعن فيه مع أنّه عنده ثقة(1).(2) وهذا يدلّ علي عدم كونه عنده ضعيفاً.

وقال جدّي رحمه الله: اعلم أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي أخرج جماعة من قمّ لروايتهم عن الضعفاء، وإيرادهم المراسيل في كتبهم، وكان اجتهاداً منه، والظاهر خطؤه، ولكن كان رئيس قم، والناس مع المشهورين إلّامن عصمه اللّه، ولو كنتَ تلاحظ ما رواه في الكافي فيه في باب النصّ علي الهادي عليه السلام(3)وإنكاره النصّ لتعصّب جاهليّ لما كنت تروي عنه شيئاً، ولكنّه تاب ونرجو أن يكون تاب اللّه عليه... إلي أن قال: وكيف يجوز طرح الخبر الذي هو فيه، سيّما إذا كان من مشايخ الإجازة للكتب المشهورة؟! مع أنّ المشايخ العظام نقلوا عنه كثقة الإسلام والصدوق والشيخ، مع أنّ الشيخ كثيراً ما يذكر ضعف الحديث بجماعة ولم يتّفق في كتبه مرّة أن يطرح الخبر بسهل بن زياد... إلي أن قال: وأمّا الكتاب المنسوب إليه ومسائله التي سألها من الهادي والعسكري عليهما السلام، فذكرها المشايخ سيّما الصدوقين(4)، وليس فيها شيء يدلّ علي ضعف في النقل، أو غلوّ في الاعتقاد(5).

أقول: في «مشكا»: ابن زياد المختلف في توثيقه، عنه عليّ بن محمّد بن إبراهيم الرازي علّان أبوالحسن الثقة خال الكليني، وأبوالحسن محمّد بن جعفر ابن عون، ومحمّد بن أحمد بن يحيي، وأحمد بن أبي عبداللّه، وأحمد بن

********

(1) . الرسالة العدديّة.

(2) . وثّقه في الإرشاد ج 2 ص 248.

(3) . الكافي ج 1 ص 2/260.

(4) . في نسخة «م»: الصدوق.

(5) . روضة المتقين ص 261/14، تعليقة الوحيد البهبهاني ص 177.

ص: 427

الفضل بن محمّد الهاشمي، لكن أحمد ذا غير مذكور في الرجال.

وهو عن أبي جعفر، وأبي الحسن، وأبي محمّد عليهم السلام، وعن محمّد بن عيسي(1).(2)

المحصّلة النهائيّة

قد لاحظت ما ذكره علماء الرجال في سهل بن زياد، واختلافهم فيه، وعلي ضوء اختلافهم وأدلّتهم اختلف الفقهاء؛ وإليك أقوالهم وما يقال فيه:

1. قال العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني في حاشية مجمع الفائدة والبرهان: لا يخفي أنّ هذه الرواية صحيحة أيضاً، كما حقّقنا في الرجال وجماعة من المحقّقين علي أنّ ضعْف سهلٍ سهل؛ وأنّه من مشايخ الإجازة، يذكرونه لمجرّد اتّصال السند، وأنّه مقبول الرواية البتّة، فهي كالصحيحة(3).

2. قال السيّد علي الطباطبائي في رياض المسائل: «كالضعيف - بسهل الذي ضعفه سهل في المشهور بل قيل بوثاقته»(4).

3. قال الشيخ الأنصاري: وليس في سنده إلّاسهل بن زياد الآدمي وأمره سهل بعد توثيق الشيخ إيّاه وإكثار المشايخ الرواية عنه، ولا يضرّ إرساله لما اشتهر من أنّ مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسندات(5).

4. قال العلّامة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة:

********

(1) . هداية المحدّثين ص 78.

(2) . منتهي المقال ج 3 ص 425-427.

(3) . حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 662.

(4) . رياض المسائل ج 2 ص 76-88.

(5) . الصلاة ج 1 ص 71.

ص: 428

1. والأصحّ توثيقه وفاقاً لجماعة من المحقّقين؛ لنصّ الشيخ علي ذلك في كتاب الرجال؛ ولاعتماد أجلّاء أصحاب الحديث كالصدوقين والكليني وغيرهم؛ وإكثارهم الرواية عنه؛ مضافاً إلي كثرة رواياته في الأُصول والفروع؛ وسلامتها من وجوه الضعف والطعن؛ خصوصاً عمّا غمز به من الارتفاع والتخليط، فإنّها خالية عنهما(1)؛ ومع ذلك كلّه لا يضرّ عدم وثاقته في كتب الرجال؛ لأنّه كما قلنا من مشايخ الإجازة.

وأضاف أيضاً: إنّ الرواية من جهته صحيحة، وإن قلنا بأنّه ليس بثقة، لكونه من مشايخ الإجازة لوقوعه في طبقتهم، فلا يقدح في صحّة السند كغيره من المشايخ الذين لم يوثّقوا في كتب الرجال، وتعدّ أخبارهم مع ذلك صحيحة مثل: محمّد بن إسماعيل البندقي، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، وأحمد ابن محمّد بن الحسن بن الوليد، وابن أبي جيد، والحسين بن الحسن بن أبان، وأضرابهم، لسهولة الخطب في أمر المشايخ، فإنّهم إنّما يذكرون في السند لمجرّد الاتّصال والتبرّك(2).

5. قال العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني: وممّا يؤيّد وثاقته: كثرة رواية الكليني عنه، مع كثرة احتياطه في أخذ الرواية، واحترز عن المتّهمين، مضافاً إلي كونه كثير الرواية، وأكثر رواياته مقبولة، مفتًي بها(3).

6. قال الشيخ سليمان البحراني في معراج أهل الكمال: عدّ حديثه في

********

(1) . الفوائد الرجاليّة ج 3 ص 23.

(2) . نفس المصدر، ج 3 ص 28.

(3) . تعليقة منهج المقال ص 177.

ص: 429

الصحيح(1).

7. وقال العلّامة محمّد باقر المجلسي: عندي لا يضرّ ضعفه، لأنّه من مشايخ الإجازة(2)، فهؤلاء الفقهاء وثّقوه، وأقاموا علي توثيقه قرائن، حتّي اشتهر بين الفقهاء: أنّ الأمر في السهل سهل، يعني تضعيفه لا يضرّ، بل هو موثوق به، وإن ضعّفه الرجاليّون، لأنّ علل تضعيفه يعلم ممّا ذكروه فإذن لا يدلّ تضعيفاتهم علي تضعيفه حقيقة.

8. وممّا يؤيّد توثيقه وعدم الجرح فيه، أنّ المفيد عطّر اللّه مرقده في رسالته في الردّ علي الصدوق ذكر حديثاً عنه مرسلاً، وردّه وطعن فيه بوجوه كثيرة ولم يقدح فيه من جهة السند إلّابالإرسال، ولم يتعرّض لسهل مطلقاً، وروي مُقابله حديثاً فيه محمّد بن سنان، وطعن فيه مع أنّه عنده ثقة(3). وهذا يدلّ علي عدم كونه عنده ضعيفاً(4).

9. وقال العلّامة محمّد تقي المجلسي: وكيف يجوز طرح الخبر الذي هو فيه سيّما إذا كان من مشايخ الإجازة للكتب المشهورة؟

10 و 11. مع أنّ المشايخ العظام نقلوا عنه؛ كثقة الإسلام، والصدوق، والشيخ مع أنّ الشيخ كثيراً مّا يذكر ضعف الحديث بجماعة، ولم يتّفق في كتبه مرّة أن يطرح الخبر بسهل بن زياد(5).

********

(1) . منتهي المقال ج 3 ص 428.

(2) . الوجيزة ص 780/224.

(3) . الرسالة العدديّة ص 20 (سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد، ج 9).

(4) . تعليقة منهج المقال ص 177.

(5) . روضة المتّقين ج 14 ص 261.

ص: 430

12. ومن الأُمور التي تدلّ علي وثاقة سهل: أنّه وقع في سلسلة أسناد تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي وأنّه صرّح في مقدّمة تفسيره: أنّ الروايات التي في تفسيره أخذها عن رواة ثقات، وهذا القول صار منشأ لقاعدة اعتمد عليها المحدّث الشيخ الحرّ العاملي، وآية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث.

13. وقع سهل في سلسلة روايات كامل الزيارات لأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه الذي قال في مقدّمة كتابه(1) الذي يرويه: هو من الرواة الثقات، ومشايخه العظام؛ فهذه الجملة أيضاً صارت منشأً لقاعدة رجاليّة وهي توثيق كلّ من وقع في سلسلة أسناده.

14. ذكر علماء الرجال: أنّ سهل بن زياد كثير الرواية؛ فقد صرّح السيّد الخوئي بأنّه وقع بعنوان سهل بن زياد في إسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين وثلاثمائة وأربعة موارد(2)؛ وكثرة رواية الراوي دليل علي توثيقه، وهذا أحد القواعد في علم الرجال، وأوضحه المحقّق المامقاني في كتابه تنقيح المقال ومقباس الهداية، ودليلها روايات أربع وردت واحدة منها في الكافي وثلاث منها في مقدّمة اختيار معرفة الرجال الكشّي؛ قال أبو عبداللّه عليه السلام: «اعرفوا منازل الرجال علي قدر روايتهم عنّا»(3).

فإنّ العلماء استفادوا من هذه الرواية علي أنّ الراوي، إن كان كثير الرواية فهو أمارة ودليل علي توثيق الراوي؛ وسهل بن زياد من هؤلاء فقد ذكروا أنّه كان كثير الرواية، وصرّح الإمام الخميني في مجلس درسه: أنّ محمّد بن سنان وسهل بن

********

(1) . كامل الزيارات ص 15.

(2) . معجم رجال الحديث ج 7 ص 342.

(3) . اختيار معرفة الرجال ص 3.

ص: 431

زياد كثيرا الرواية، بحيث لو ضعّفناهما وأخرجناهما عن إسناد الروايات لذهب شطر عظيم من الفقه؛ ولذلك اعتمد هو عليه ووثّقه.

أمّا الأدلّة علي تضعيف سهل بن زياد فهي:

1. تصريح النجاشي بتضعيفه في الحديث؛ حيث قال: إنّه ضعيف في الحديث، غير معتمد فيه.

2. تصريح الشيخ الطوسي في الفهرست فقد قال: إنّه ضعيف.

3. وعن الكشّيّ: قال عليّ بن محمّد القتيبي: سمعت الفضل بن شاذان...

ولا يرضي أبا سعيد الآدمي ويقول: هو أحمق.

4. وقول النجاشي:... وكان أحمد بن محمّد بن عيسي يشهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من قمّ إلي الري، وكان يسكنها.

5. تضعيف ابن الغضائري له.

6. تضعيف الشيخ إيّاه في الاستبصار.

وعن آية اللّه الخوئي(1) في تضعيف سهل بن زياد: ثمّ إنّ سهل بن زياد وقع الكلام في وثاقته وعدمها فذهب بعضهم إلي وثاقته، ومال إلي ذلك الوحيد واستشهد عليه بوجوه ضعيفة سمّاها أمارات التوثيق، منها: أنّ سهل بن زياد كثير الرواية. ومنها: رواية الأجلّاء عنه، ومنها: كونه شيخ إجازة.

وهذا الوجوه غير تامّة في نفسها، وعلي تقدير تسليمها، فكيف يمكن الاعتماد عليها مع شهادة أحمد بن محمّد بن عيسي عليه بالغلوّ، وشهادة ابن الوليد، وابن بابويه، وابن نوح بضعفه، واستثنائهم روايات محمّد بن أحمد بن

********

(1) . راجع: التنقيح، الطهارة ج 1 ص 183، غاية المراد ج 2 ص 650 وج 1 ص 68.

ص: 432

يحيي عنه فيما استثنوه من رجال نوادر الحكمة، وشهادة الشيخ بأنّه ضعيف، وشهادة النجاشي بأنّه ضعيف في الحديث غير معتمد عليه فيه، بل الظاهر من كلام الشيخ في الاستبصار أنّ ضعفه كان متسالماً عليه عند نقّاد الأخبار، فلم يبق إلّا شهادة الشيخ في رجاله بأنّه ثقة، ووقوعه في تفسير عليّ بن إبراهيم، ومن الظاهر أنّه لا يمكن الاعتماد عليها في قبال ما عرفت، بل المظنون قويّاً وقوع السهو في قلم الشيخ، أو أنّ التوثيق من زيادة النسّاخ.

ويدلّ علي الثاني: خلوّ نسخة ابن داود من التوثيق، وقد صرّح في غير موضع بأنّه رأي نسخة الرجال بخطّ الشيخ قدس سره، والوجه في ذلك، أنّه كيف يمكن أن يوثّقه الشيخ مع قوله: إنّ أبا سعيد الآدمي ضعيف جدّاً عند نقّاد الأخبار(1).

هذه الأدلّة التي قيلت في سهل بن زياد. إلّاأنّه قيل: إنّ الأمر في سهل بن زياد سهل؛ خلافاً لمن قال: إنّ الأمر في سهل ليس بسهل، بل أمره صعب، ولكن قول النجاشي: ضعيف في الحديث، وغير معتمد فيه.

وعن الوحيد البهبهاني: أنّه لا يدلّ علي ضعف نفسه وجرحه، بل تشعر بالعدم(2)، وعليه يمكن أن نثبت وثاقته بأُمور أُخري.

ومثل هذا أورد في محمّد بن خالد البرقي فقال النجاشي فيه: ضعيف في الحديث، أمّا الطوسي فقال: ثقة، فعليه لا يمكن أن نقول بتضعيف محمّد بن خالد البرقي، فهو في نقل الحديث ضعيف، لأنّه ينقل الضعيف والقويّ

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 8 ص 340.

(2) . منتهي المقال ج 3 ص 427، تعليقة منهج المقال ص 177.

ص: 433

والصحيح غير أنّه بنفسه ثقة، ولذا قيل: قول النجاشي ليس طعناً فيه، وأمّا قول الشيخ في الفهرست: إنّه ضعيف، فهو معارضٌ بقوله في كتاب الرجال: ثقة(1)، فالقولان متعارضان يتساقطان، ولا اعتبار لهما، لا بتضعيفه، ولا بتوثيقه.

إنّ قول النجاشي: كان أحمد بن محمّد بن عيسي يشهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من قمّ إلي الريّ وكان يسكنها. لا دليل فيه علي تضعيف الرجل؛ ولعلّ هذا هو منشأ للتضعيف عند بعضهم، فهذا لا يمكن الاعتماد عليه، لأنّ أحمد بن محمّد بن عيسي هكذا فعل بالبرقي، وأخرجه من قم.

وقال في عليّ بن محمّد بن شيرة: عليّ بن محمّد بن شيرة القاشاني أبوالحسن، كان فقيهاً مكثراً من الحديث فاضلاً، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسي، وذكر أنّه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما يدلّ علي ذلك(2).

فيفهم من سيرة أحمد بن محمّد أنّه حريص بشكل علي أمر الولاية، وحذر من غلوّ الناس في نقل فضائلهم.

وعن الشيخ محمّد العاملي في الاستقصاء: إنّ أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرّد توهّم الرَّيْب.

وهكذا قال النجاشي في محمّد بن أُورمة: سيّما أنّه صنّف كتاباً في الردّ علي الغلاة، وورد عن الهادي عليه السلام «أنّه بريءٌ ممّا قذف به» ومع ذلك يرمونه بالغلوّ(3).

وبالنظر إلي ما تقدّم يكون ظنّنا قويّاً بأنّ إخراج القميّين للرواة من قمّ ليس لآرائهم وضعف في أنفسهم، بل نفهم من ذلك أنّ كلّ راوٍ روي الأحاديث الدالّة

********

(1) . رجال الشيخ ص 4/416.

(2) . جامع الرواة ج 1 ص 599.

(3) . رجال النجاشي ص 891/329، خلاصة الرجال ص 28/252، منتهي المقال ج 3 ص 427.

ص: 434

علي فضائلهم ومناقبهم أخرجوه من قم، ونسبوه إلي الارتفاع والغلوّ، وهذا هو منشأ التضعيف في كثير من الرواة؛ لأنّ القميّين أصرّوا علي أن لا يروون أحاديث يُفهم من ظاهرها الغلوّ والارتفاع؛ يقولون بسهو النبيّ صلوات اللّه عليه وآله، كما صنّف المحدّث الكبير زعيم القميّين ورئيسهم الشيخ الصدوق رسالة في إثبات سهو النبيّ صلي الله عليه و آله؛ فهذا هو حال من ضعّفه القميّون من الرواة.

وممّا يؤيّد علي أنّ أساس قول النجاشي فيه هي هذه الأمور ما جري من إخراج أحمد بن محمّد له من قم بسبب نقله الروايات في الفضائل والمناقب حيث روي عنه أخبار كثيرة في ذمّ الغلاة والغلوّ، وحقيقة كونهم عليهم السلام عباداً؛ منها ما في التوحيد في الصحيح عنه قال: كتبت إلي أبي محمّد عليه السلام: قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد، فإن رأيتَ أن تعلِّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوِّلاً علي عبدك، فوقّع عليه السلام بخطّه: «سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول، اللّه تعالي واحد أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد»(1).

وعن العلّامة محمّد تقي المجلسي في روضة المتّقين: اعلم أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي أخرج جماعة من قم لروايتهم عن الضعفاء وإيرادهم المراسيل في كتبهم، وكان اجتهاداً منه، والظاهر خطؤه، ولكن كان رئيس قم والناس مع المشهورين إلّامن عصمه اللّه(2).

وما قاله الفضل فهو أيضاً راجع إلي روايته المراسيل والاعتماد عليها، فقال

********

(1) . التوحيد ص 14/101.

(2) . روضة المتّقين ج 14 ص 261.

ص: 435

فيه: إنّه أحمق، أي يعتمد علي المراسيل؛ وهو ليس بدليل علي ضعف فيه.

وأمّا تضعيف الشيخ إيّاه في مواضع؛ فنقول كمقدّمة: قال المحقّق الرجالي محمّد بن إسماعيل الخواجوئي في الفوائد الرجاليّة: إنّ كلمات الشيخ مضطربة، فمثلاً يعدّ عبداللّه بن بكير في كتابه اختيار معرفة الرجال من أصحاب الإجماع الذين أقرّوا لهم بالفقه والعلم، ثمّ ضعّفه أبلغ تضعيف في ذيل حديث طلاق السنّة؛ وقال: إنّه انحرف في العقيدة، وهو أشدّ من اشتباهه في الفتوي، ولذا تعجّب منه الفيض الكاشاني في الوافي من هذين القولين. وهكذا اضطرب قوله في سالم بن مكرّم فضعّفه في الفهرست، وقال في الرجال: إنّه ثقة، وهكذا في محمّد بن بندار. أمّا سهل بن زياد الآدمي فقد وثّقه، وضعّفه في الفهرست فقال: ضعيف(1). إلّاأنّ المظنون قويّاً هو وقوع السهو في قلم الشيخ، أو أنّ التوثيق من زيادة النسّاخ، ويدلّ علي الثاني خلوّ نسخة ابن داود من التوثيق، وقد صرّح في غير موضع بأنّه رأي نسخة الرجال بخطّ الشيخ قدس سره، والوجه في ذلك، أنّه كيف يمكن أن يوثّقه الشيخ مع قوله: إنّ أبا سعيد الآدمي ضعيف جدّاً عند نقّاد الأخبار؟!

وفي مقابل هذا الرأي، ذكر بعض في نقد تضعيف الشيخ أُموراً، منها: أولاً:

إنّ تضعيف الشيخ لا يعارض توثيقه فإنّ كتاب الرجال متأخّر عن كتاب الفهرست فيكون توثيقه عدولاً عن تضعيفه(2)، ولكن قال السيّد الخوئي: هذا مخدوش من وجوه: الأوّل أنّ تضعيف الشيخ في الفهرست وإن كان متقدّماً

********

(1) . الفهرست ص 339/80.

(2) . معجم رجال الحديث ج 7 ص 340.

ص: 436

علي توثيقه إلّاأنّ تضعيفه في الاستبصار غير متقدّم عليه.

ثانياً: إنّ توثيق الشيخ معارض بما ذكرناه من التضعيفات، ولاسيّما شهادة أحمد بن عيسي بكذبه(1)؛ وذلك بما ذكره السيّد الخوئي.

وأمّا الجواب عن تضعيفات ابن الغضائري فذكرنا مراراً: أنّ تضعيفات ابن الغضائري لا اعتبار لها، لأنّه يضعف الرجل غالباً إذا كان أهل ارتفاع وغلوّ، وقلنا:

إنّ الرواة الذين نقلوا فضائل الأئمّة عليهم السلام كانوا في مظنّة التهمة، واتّهموهم، ونسبوهم إلي الغلوّ، وأغلب تضعيفات ابن الغضائريّ ناشئة عن هذه الأُمور فعليه لا اعتبار بتضعيفاته، وفي بيانه إشعار بهذا المطلب، فقال ابن الغضائري:

سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفاً جدّاً، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعري أخرجه عن قمّ، وأظهر البراءة، ونهي الناس عن السماع منه، والرواية عنه، ويروي المراسيل، ويعتمد المراسيل(2).

وأمّا تضعيف الشيخ في الاستبصار فنقول: إنّ الشيخ قد يوثّق الرجل في كتبه الرجاليّة ثمّ يعود يضعّفه في كتابيه الأخباريّين، وذكرنا سابقاً: أنّه ضعّف عبداللّه ابن بكير في كتابه تهذيب الأحكام(3) ولكن وثّقه في كتابه اختيار معرفة الرجال وعدّه من أصحاب الإجماع، ونظير هذا قال في شأن محمّد بن أبي عمير، فعدّه في اختيار معرفة الرجال من أصحاب الإجماع، وأقرّ له بالفقه والعلم، وصرّح في كتابه العدّة في أُصول الفقه: أنّ مراسيل محمّد بن أبي عمير، وأحمد بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 7 ص 340.

(2) . نفس المصدر، ص 339.

(3) . تهذيب الأحكام ج 7 ص 27.

ص: 437

محمّد بن أبي نصر، وصفوان بن يحيي، ومسانيد غيرهم سيّان، ومراسيلهم معتبرة، كما أنّ مسانيد غيرهم معتبرة، ومع هذا نري أنّه يضعّف رواية في الاستبصار ويقول: إنّها مرسلة محمّد بن أبي عمير.

وقال المحقّق محمّد بن إسماعيل الخواجوئي: إنّ كلمات الشيخ مضطربة.

فنجده قد وثّق سهلاً في الرجال، وضعّفه في الاستبصار، فهو يضعّف الراوي في الفقه إذا كان الخبر ضعيفاً من غير هذه الجهة، ويقوم بطرح هذا الكلام في ذيل أخبار شاذّة مخالفة لما يرويه المشهور، وذيل الرواية التي في مقابلها أخبار كثيرة ضعيفة من وجوه؛ كضعف سندها بسهل بن زياد مثلاً؛ وأمّا إذا كان الخبر معروفاً، ولم يكن ضعيفاً من غير جهة سهل، فلم يضعّفه.

وهذا هو ما عندنا في سهل بن زياد الآدمي، الذي نقول بوثاقته بعد تلك التوثيقات والأمارات علي وثاقته.

وأمّا قول ابن الغضائري فيه: إنّه يروي المراسيل ويعتمد المجاهيل؛ فهو لا يضرّ، لأنّ هذه الصفة وردت في عدّة رواة، منهم: محمّد بن خالد البرقي، وابنه أحمد بن خالد البرقي، ومحمّد بن يحيي؛ أمّا النجاشي فقد قال في حقّه:

يعتمد المراسيل، لا يبالي عمّن أخذ، ويروي عن الضعفاء. كما أنّ الفقهاء والعلماء قالوا: إنّ رجلاً يمكن أن يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وهو ثقة، كما قال السيّد محمّد الموسوي في محمّد بن خالد البرقي. وذكر العلّامة السيّد محمّد مهدي بحرالعلوم: أنّ هذا الكلام لا يدلّ علي تضعيف البرقي.

وأمّا ما أصرّ عليه السيّد الخوئي حيث قال: كيف يمكن الاعتماد عليه (أي سهل بن زياد) مع شهادة ابن الوليد، وابن بابويه، وابن نوح بضعفه، واستثنائهم

ص: 438

روايات محمّد بن أحمد بن يحيي فيما استثنوه من رجال نوادر الحكمة؟(1)فنقول في توضيح المطلب: إنّ هناك قاعدة رجاليّة مهمّة معروفة، وهي أنّ كلّ من يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي بلا واسطة في نوادر الحكمة فهو ثقة، ومحمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري القمّي من أجلّاء الأصحاب.

وعن الأردبيلي في ترجمته - ملفِّقاً كلمات النجاشي والشيخ وغيرهما -:

محمّد بن عمران بن عبداللّه بن سعد بن مالك الأشعري القمّي، أبو جعفر، كان ثقة في الحديث، إلّاأنّ أصحابنا قالوا: إنّه كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه طعن في شيء [صه، جش] جليل القدر، كثير الرواية [ست، صه] وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيي ما رواه عن... وعن سهل بن زياد الآدمي(2). هذه أصل القاعدة وأساسها الذي صار ميداناً للبحث عند العلماء والفقهاء، واستفادوا منها أنّ الرواة الذين وقعوا في سلسلة إسناد كتاب نوادر الحكمة كلّهم ثقات.

وكتابه هذا يعني نوادر الحكمة قال النجاشي في التعريف به: وهو كتاب حسن كبير، يعرفه القميّون ب «دبّة شبيب» قال: وشبيب فامي كان بقمّ له دبّة ذات بيوت، يعطي منها ما يُطلب منه من دهن، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك.

وهو يروي عن مشايخ كثيرة منهم محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي (المتوفّي سنة 274 أو 280 ق) وهما من المشايخ الثلاثة اللذان إذا

********

(1) . معجم رجال الحديث، ج 8 ص 340.

(2) . جامع الرواة ج 2 ص 63، كليّات في علم الرجال ص 292.

ص: 439

رويا عن راوٍ كان دليلاً علي وثاقة ذلك الرجل، ومراسيلهما ومسانيدهما سيّان؛ ويروي عنه أحمد بن إدريس الأشعري (المتوفّي عام 306 ق) وسعد بن عبداللّه القمّي (المتوفّي عام 299 ق) والرجل يعني محمّد بن أحمد بن يحيي من أساتذة الحديث، وأساطين الحديث في النصف الأخير من القرن الثالث.

والقاعدة مقبولة عند كثير من العلماء، وعلي قوله هذا، وثّقوا كثيراً من الرواة وإن ناقشها بعضهم.

وهناك كلام وإيضاح، وهو أنّ أبا جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد - أُستاذ الشيخ الصدوق الذي هو نفسه من أساتذة الرجال وأساطين التوثيق والجرح - استثني من رواة كتاب نوادر الحكمة ورجالها رواةً، وهم سبعة وعشرون؛ ذكرهم النجاشي في رجاله، ومنهم: سهل بن زياد، ثمّ أيّد هذا الاستثناء تلميذه أبو جعفر الثاني محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي وتبعهما أبو العبّاس بن نوح، وقال: قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله علي ذلك، إلّافي محمّد بن عيسي بن عبيد، فلا أدري ما رأيه فيه، لأنّه كان علي ظاهر العدالة والثقة(1)؛ هذا ما قاله الثلاثة.

فاستدلّوا بأنّ في استثناء المذكورين وبالأخصّ بالنظر إلي ما ذكره ابن نوح في حقّ محمّد بن عيسي بن عبيد الذي يدلّ علي التزامهم بإحراز العدالة في الراوي، شهادة علي عدالة كلّ من روي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي ولم تستثن روايته، وباختصار قالوا باعتبار كلّ من يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي إذا لم يكن ممّن استثناه ابن الوليد من روايات محمّد بن أحمد عنه، فإنّ

********

(1) . جامع الرواة ج 2 ص 63.

ص: 440

اقتصار ابن الوليد علي ما ذكره من مواضع الاستثناء يكشف عن اعتماده علي جميع روايات محمّد بن أحمد غير الموارد المذكورة(1).

فإذا تبيَّن ما ذكرنا، نقول: إنّ استثناء ابن الوليد، وتلميذه ابن بابويه، والرجالي المُتمرِّس في فنّ الرجال أبوالعبّاس بن نوح، دليل علي تضعيف سهل بن زياد؛ فهو ضعيف، فنقول في جوابه: إنّ هذا الاستثناء لا يدلّ علي ضعف الرجل كما أنّ القاعدة العامّة لا تدلّ علي توثيق كلّ من روي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي.

وعجبنا هو من السيّد الخوئي الذي ضعّف القاعدة وأنكرها بشدّة وقال: إنّ القاعدة لا تدلّ علي وثاقة الرواة، وإنّ اعتماد ابن الوليد أو غيره من الأعلام المتقدّمين فضلاً عن المتأخّرين علي رواية شخص والحكم بصحّتها لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لاحتمال أنّ الحاكم بالصحّة يعتمد علي أصالة العدالة، ويري حجيّة كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي، أو حسنه في حجيّة خبره(2).

والعجب منه أنّه لم يعتمد علي القاعدة في توثيق الرواة، واعتمدها في جانب المستثني، دون المستثني منه، فوافقهم في المستثني، وهذا عجيب، فإذا ثبت بأدلّة أُخري وثاقة سهل بن زياد، فإنّ استثناء ابن الوليد وتلميذه الصدوق، لعلّه كان لنقله روايات الفضائل والمناقب كما ذكرنا سابقاً.

العدّة عن سهل هم:
اشارة

وبعد هذا التقديم، فإنّ العدّة عن سهلٍ هُم:

********

(1) . كليّات في علم الرجال ص 293، معجم رجال الحديث ج 1 ص 74.

(2) . معجم رجال الحديث ج 1 ص 74.

ص: 441

1. محمّد بن عقيل

أقوال العلماء فيه:

قال آية اللّه الخوئي: من العدّة الذين روي عنهم محمّد بن يعقوب، عن سهل ابن زياد، ذكره العلّامة في الفائدة الثالثة من الخاتمة من الخلاصة، روي بعنوان محمّد بن عقيل، عن الحسن بن الحسين، وروي عنه محمّد بن يعقوب، الكافي الجزء 4، كتاب الحجّ 3، باب نادر 11 (بعد باب في قوله تعالي: «فيه آيات بيّنات») 10، الحديث 1، والتهذيب الجزء 5، باب الزيادات في فقه الحجّ، الحديث 1565(1).

وقال العلّامة التستري: أحد مشايخ الكليني، وهو أحد عدّته إلي سهل الآدمي علي ما فسّرها العلّامة. روي عنه في باب النوادر قبل باب: إنّ اللّه تعالي حرّم مكّة(2).

قال القهبائي: محمّد بن عقيل الكليني سيذكر إن شاء اللّه تعالي في الفائدة السابعة من الخاتمة(3).

مجمع الرجال في الفائدة السابعة(4).

وذكر العلّامة قدس سره في «صه» هكذا: قال الشيخ الصدوق: محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: وعدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسي، والمراد بقولي: عدّة من أصحابنا: محمّد بن يحيي، وعليّ بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 16 ص 11240/286.

(2) . قاموس الرجال ج 9 ص 7007/418.

(3) . مجمع الرجال ج 5 ص 262.

(4) . نفس المصدر، ص 200.

ص: 442

موسي الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم (نقل مثل هذا القول عن «جش» في ترجمة محمّد بن يعقوب)، «ثمّ قال عنه روح اللّه» وكلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد ابن محمّد بن خالد البرقي، فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه ابن أُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن أُميّة، وعليّ بن الحسين، ثمّ قال عنه: وكلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّةٌ من أصحابنا عن سهل بن زياد، فهم: عليّ بن محمّد بن علان، ومحمّد بن أبي عبداللّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني.

(وكان العلّامة رحمه الله أخذ من بعض الفهارس المعروفة المعلومة المقروءة في زمانهم رحمهم اللّه تعالي).

أقول: وهو غير مذكور في منتهي المقال، لما كان من دأبه عدم ذكر المنصوصين بالتوثيق، فهو من المهملين والمجهولين عندهم في اصطلاحهم وشيخوخة الكليني محرزة عندهم، ولا شيء غيره يثبت به في توثيقه.

ثمّ قال العلّامة نوّر اللّه رمسه في «صه»: هكذا ذكر الشيخ قدس سره وغيره في كثير من الأخبار: سعد بن عبداللّه عن أبي جعفر، والمراد بأبي جعفر هذا هو: أحمد ابن محمّد بن عيسي.

ثمّ ذكر رحمه الله: ويرد أيضاً في بعض الأخبار: الحسن بن محبوب عن أبي القاسم والمراد به: معاوية بن عمّار.

ص: 443

2. محمّد بن أبي عبداللّه
اشارة

أقوال العلماء فيه:

قال الحلّي: محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي أبوالحسين الكوفي سكن الريّ، يقال له: محمّد بن أبي عبداللّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّاأنّه روي عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه، فأنا في حديثه من المتوقّفين، وكان أبوه وجهاً، روي عنه أحمد بن محمّد بن عيسي.

وقال النجاشي: محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي أبوالحسين الكوفي، ساكن الريّ، يقال له: محمّد بن أبي عبداللّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّاأنّه روي عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه، وكان أبوه وجهاً، روي عنه أحمد بن محمّد بن عيسي، له كتاب الجبر والاستطاعة، أخبرنا أبوالعبّاس بن نوح قال: حدّثنا الحسن بن حمزة، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر ليلة الخميس لعشر خلون من جمادي الأُولي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، وقال ابن نوح: حدّثنا أبوالحسن بن داود قال: حدّثنا أحمد بن حمدان القزويني، عنه بجميع كتبه(1).

ومحمّد بن أبي عبداللّه له كتاب، عنه إبراهيم بن سليمان (ست) لا يبعد كونه محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي كما يأتي، فيكون ثقة «مع».

وإن كان هذا محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الآتي فيكون ثقة «س». أبو إسحاق إبراهيم بن سليمان بن حيّان الخزّاز عنه في «ست» في ترجمته. عليّ بن حاتم، عن محمّد بن أبي جعفر، عن سعد في «يب» في باب: الدعاء بين

********

(1) . رجال النجاشي ص 1020/373.

ص: 444

الركعات. عنه، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن سهل بن زياد، فيه. عنه، عن سهل، عن يحيي بن المبارك، فيه، ومرّة أُخري عن سهل بن زياد، فيه. عنه، عن سعد بن عبداللّه، فيه. عنه، عن محمّد بن خالد، عن العلاء بن رزين، فيه.

عنه، عن سعد بن عبداللّه، فيه، ومرّة أُخري، فيه.

وروي محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي في «يه» في باب: نوادر الميراث، وفي باب: الوصيّة من لدن آدم عليه السلام. عليّ بن أحمد بن موسي، والحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب، قالا: حدّثنا محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي. في [يب] في باب: زيارة جامعة لسائر المشاهد علي أصحابها السلام: عليّ بن موسي الدقّاق، ومحمّد ابن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام (هاشم - خ) المكتّب رضي اللّه عنهم، قالوا: حدّثنا محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي بن سنان مكاتبة، وكذا في طريق محمّد بن إسماعيل البرمكي، إلّاأنّ فيه بدل السناني:

الشيباني أيضاً عليّ بن أحمد بن موسي رضي الله عنه، عن محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، في طريق جابر بن عبداللّه الأنصاري، عنه، عن موسي بن عمران النخعي، في طريق حديث سليمان بن داود عليهما السلام، عنه، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن أبي بشير، في طريق حفص بن غياث.

محمّد بن موسي بن المتوكّل، عن محمّد بن أبي عبداللّه الأسدي الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي، في طريق يحيي بن عباد المكّي، محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن إسماعيل، في [في] في باب: النهي عن الجسم والصورة، وفي باب: إطلاق القول بأنّه شيء، عنه، عن معاوية بن

ص: 445

حكيم في باب ما يهدم الطلاق، وفي باب: الخيار بعد باب الإيلاء. عنه، عن محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، عن معاوية بن حكيم في باب: الظهار، وفي باب: المرأة تري الصفرة، وفي باب: النفساء تطهر، وفي باب: أنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً، عنه، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان في باب: حجّ آدم عليه السلام، ومرّتين في كتاب الروضة بعد حديث نوح، عنه، عن سهل بن زياد في باب: شأن «إنّا أنزلناه».

ومحمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد ومحمّد بن أبي عبداللّه، عن إسحاق ابن محمّد النخعي في باب: ما يفصل به بين دعوي المحقّ والمبطل في أمر الإمامة، قد ظهر من رواية محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، وروايته عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن إسماعيل، والقرائن التي ذكرناها هنا من كونه كوفيّاً وأسديّاً وغيرهما، ورواية محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، علي ما في [جش] في ترجمته، ورواية محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، والقرائن التي ذكرناها في ترجمة محمّد بن إسماعيل البرمكي أنّ محمّد بن أبي عبداللّه هذا، هو محمّد بن جعفر بن عون الأسدي، فإن أردت زيادة الإيضاح فارجع إلي ترجمة محمّد بن إسماعيل البرمكي، وترجمة محمّد بن محمّد بن جعفر الأسدي، ومحمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، واللّه أعلم(1).

قال التستري: عنونه الشيخ في الفهرست مع جمع، راوياً بإسناده عن حميد،

********

(1) . جامع الرواة ص 49 و 50.

ص: 446

عن أبي إسحاق الخزّاز، عنهم، ونقل الجامع رواية الحسين بن إبراهيم بن أحمد وهشام المكتّب، عنه.

أقول: ما قاله وهمٌ بالغ! فإنّه نقل عن المشيخة في طريقه إلي محمّد بن سنان وإلي محمّد بن إسماعيل البرمكي؛ رواية الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب، عنه؟!

وقال: احتمل التفرشي وغيره كونه: محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، ويساعده قول النجاشي ثمّة: ويقال له محمّد بن أبي عبيداللّه، وقد جزم المجلسي في المرآة، والمولي صالح بكون المراد ب: محمّد بن أبي عبداللّه، في أوّل السند هو: محمّد بن جعفر، ذاك.

قلت: يظهر بعد التحقيق أنّ هذا الذي عنونه الشيخ في الفهرست متّحداً مع:

محمّد بن جعفر الأسدي، غير معلوم، لأنّ هذا روي عن حميد، عن أبي إسحاق، عنه، وذاك يروي عنه الكليني، كما يروي عن حميد. وأمّا: محمّد بن أبي عبداللّه، الذي يروي الكافي عنه فاتّحاده معه في غاية القرب، فروي عن محمّد بن أبي عبداللّه عن البرمكي في: النهي عن جسمه، وعن محمّد بن جعفر الأسدي عن البرمكي: في حدوث العالم، وروي الإكمال مسنداً عن محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي: عدد من رأي الحجّة عليه السلام، وعدّ فيهم الأسدي، وقال: أراد النجاشي هو أيضاً قال ما مرّ.

وبالجملة، فإن: محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، الذي يروي عنه الكافي - وهو أحد عدّته إلي سهل - الظاهر أنّه محمّد بن جعفر - الآتي - وأمّا هذا الذي

ص: 447

عنونه الشيخ في الفهرست مطلقاً، فلا(1).

وقال القهبائي: (جش) محمّد بن أبي عبداللّه أبوالحسين الأسدي سيذكر إن شاء اللّه تعالي ذيل عنوان محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، وفي الفائدة السابعة من الخاتمة.

وفيها: أنّ محمّداً هذا واسطة بين الكليني وبين سهل بن زياد، وداخل في العدّة المذكورة في (في) بقوله: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد - ع(2).

وقال آية اللّه الخوئي: روي عن سهل بن زياد، وروي عنه عليّ بن إبراهيم مرسلاً، تفسير القمّي سورة طه، في تفسير قوله تعالي: (اَلرَّحْمنُ عَلَي اَلْعَرْشِ اِسْتَوي) .

وقع بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات، تبلغ ثلاثة وسبعين مورداً، فقد روي عن أبي عبداللّه السناني (النسائي) وإسحاق بن محمّد الخثعمي، والحسين بن محمّد، وسعد، وسعد بن عبداللّه، وسهل بن زياد، وصالح بن أبي حمّاد، وعليّ بن أبي القاسم، ومحمّد بن أبي بشر، ومحمّد بن إسماعيل، ومحمّد بن إسماعيل البرمكي، ومحمّد بن حسّان، ومحمّد بن الحسين، ومحمّد بن خالد، ومعاوية بن حكيم، وموسي بن عمران. وروي عنه عليّ بن أحمد بن موسي، وعليّ بن حاتم(3).

اختلاف الكتب

روي الكليني عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن إسحاق،

********

(1) . قاموس الرجال ج 9 ص 6319/33.

(2) . مجمع الرجال للقهبائي ج 5 ص 116.

(3) . معجم رجال الحديث ج 14 ص 267 و 268، الطبعة الأولي، النجف.

ص: 448

عن أبيه، عن خلف بن حمّاد. الكافي الجزء 4، كتاب الزكاة 1 باب فضل الصدقة الحديث 3.

كذا في المرآة و الوسائل أيضاً، أمّا في الطبعة القديمة: أحمد بن أبي عبداللّه عن أبيه وهو الصحيح الموافق للوافي بقرينة سائر الروايات.

وروي أيضاً عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن إسماعيل بن الحسين ابن الحسن، عن بكر بن صالح. الكافي الجزء 1 كتاب التوحيد 3 باب: النهي عن الجسم والصورة 11، الحديث 6.

وكذا في هذه الطبعة، ولكن في سائر النسخ و الوافي: محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، وهو الصحيح بقرينة سائر الروايات.

ثمّ روي الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي عبداللّه، عن أبيه، عن حمّاد. الكافي الجزء 4 كتاب الحجّ 3، باب: يوم النحر ومبتدإ الرمي 173، الحديث 7.

وكذا في الطبعة القديمة و المرآة أيضاً، ولكن الظاهر أنّ الصحيح أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه بقرينة سائر الروايات، ولموافقته للوافي و الوسائل... ابن محمّد النخعي. الكافي، الجزء 7 كتاب المواريث 2، باب: علّة كيف صار للذكر سهمان، وللأُنثي سهم 12، الحديث 12.

وكذا في الطبعة القديمة و المرآة أيضاً، ولكن رواها الشيخ في التهذيب:

الجزء 9 باب: ميراث الأولاد، الحديث 992، وفيه: وعليّ بن محمّد، ومحمّد ابن أبي عبد اللّه، بالعطف وهو الصحيح، الموافق للوافي و الوسائل، فإنّ كلّاً منهما شيخ محمّد بن يعقوب الكليني.

ص: 449

وروي الشيخ بسنده عن الحسن بن عليّ بن عبداللّه، عن عمّه محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار. التهذيب: الجزء 7، باب: البيع بالنقد والنسيئة، الحديث 228.

وكذا في الطبعة القديمة أيضاً، علي نسخة أُخري: محمّد بن عبداللّه وهو الصحيح، الموافق للكافي: الجزء 5 كتاب المعيشة 2 باب: العينة 89، الحديث 10 كما يظهر من نسب الراوي أيضاً.

اختلاف النسخ

روي محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن (محمّد بن) أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد. الكافي: الجزء 4، كتاب الزكاة 1، باب: فضل الصدقة 1، الحديث 3.

كذا في المرآة و الوسائل أيضاً، ولكن في الطبعة القديمة: أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه؛ وهو الصحيح الموافق للوافي بقرينة سائر الروايات.

وروي أيضاً عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن إسماعيل بن الحسين ابن الحسن بن بكر بن صالح. الكافي: الجزء 1، كتاب التوحيد 3، باب: النهي عن الجسم والصورة، الحديث 6.

كذا في هذه الطبعة، ولكن في سائر النسخ و الوافي: محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن؛ وهو الصحيح بقرينة سائر الروايات.

ثمّ روي الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي عبداللّه، عن أبيه، عن حمّاد. الكافي: الجزء 4 كتاب الحجّ 3 باب: يوم النحر ومبتدإ الرمي 173، الحديث 7.

ص: 450

روي الشيخ بسنده عن عليّ بن حاتم، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن سهل ابن يحيي بن المبارك، التهذيب، الجزء 3، باب: الدعاء في الزيادة تمام المائة ركعة، الحديث 249.

كذا في الطبعة القديمة، أيضاً علي نسخة أُخري: سهل، عن يحيي بن المبارك، وهو الصحيح الموافق للوافي بقرينة سائر الروايات كما تقدّم.

روي الكليني، عن محمّد بن أبي عبداللّه، عن محمّد بن أبي يسر، عن داود ابن عبداللّه. الكافي الجزء 4، كتاب الحجّ 3، باب: ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة 6، الحديث 1.

كذا في الطبعة القديمة والمرآة أيضاً علي نسخة، ولكن في نسخة أُخري منهما: محمّد بن أبي نصر بدل: محمّد بن أبي يسر، وفي الوافي: محمّد بن أبي يسر، وكذلك الوسائل في موضع، وفي موضع آخر منه: محمّد بن أبي ميسرة، ونسخة: أبي يسر.

أقول: هذا هو محمّد بن أبي عبداللّه الأسدي الآتي.

المحصّلة النهائيّة

إنّ محمّد بن عبداللّه هو مهمل أيضاً في كتب الرجال، إلّاأنّ الأردبيلي احتمل أن يكون محمّد بن عبداللّه هو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، وإذا كان هو، فهو ثقة(1). وقال النجاشي: محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبوالحسين الكوفي ساكن الريّ، يقال له: محمّد بن أبي عبداللّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّاأنّه روي عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه،

********

(1) . جامع الرواة ج 2 ص 49.

ص: 451

وكان أبوه وجهاً، روي عنه أحمد بن محمّد بن عيسي(1)، فلو ثبت الاتّحاد يقيناً؛ فهو ثقة.

كما احتمله السيّد مصطفي التفرشي في كتابه نقد الرجال، وقال به أيضاً المحقّق التستري، وعليه فهو ثقة، ولكن يمكن إثبات وثاقة محمّد بن أبي عبداللّه من وجه آخر، وهو أنّه وقع في سلسلة إسناد كتاب تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، وفيه: روي عن سهل بن زياد، وروي عنه عليّ بن إبراهيم القمّي مرسلاً، فهذا دليل علي توثيقه، فإذا لم يثبت الاتّحاد يمكن توثيقه من وجهين:

أحدهما شيخوخة الكليني، الثاني: وقوعه في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، وإذا ثبت الاتّحاد فهو ثقة لا محالة، وإذا ثبت ذلك فقد ورد في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي بأنّه روي عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه، وهل هذان يدلّان علي ضعف الرجل؟ فقد يقال بدلالتهما علي الضعف، ويمكن أن يقال أيضاً بعدم دلالتهما، حيث الرواية عن الضعفاء لا تعارض وثاقة نفس الراوي، وقد أشرنا سابقاً: أنّ أحمد بن محمّد بن خالد، وأباه، ومحمّد بن يحيي وغيرهم ممّن قال النجاشي فيهم: أنّهم يروون عن الضعفاء بقولنا: إنّ الجملة لا تدلّ علي ضعف الراوي، فإنّه يمكن أن يكون الراوي ثقة في نفسه، وأنّه يروي عن الضعفاء.

وعليه لا إشكال في عدم ضعفها، وأمّا القول بالجبر والتشبيه فهذا أيضاً لا يكون دليلاً علي الضعف فهذا المقال ورد في هشام بن الحكم (179 ق) أيضاً، ونسبه بعض إلي أهل التشبيه. فعن السيّد المرتضي علم الهدي في

********

(1) . رجال النجاشي ص 1020/373، منتهي المقال ج 5 ص 398، خلاصة الرجال ص 145/160.

ص: 452

الشافي: وأمّا ما رُمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم فالظاهر من الحكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه، ولا ناقض لأصل، ولا معترض علي فرع، ولا غلط في عبارة، يرجع في إثباتها ونفيها إلي اللغة وأكثر أصحابنا يقولون: إنّه قد أورد ذلك علي سبيل المعارضة للمعتزلة، فقال لهم: إذا قلتم: إنّ اللّه تعالي شيء لا كالأشياء، فقولوا إنّه جسم لا كالأجسام، وليس كلّ من عارض بشيء وسأل عنه يكون معتقداً له ومتديّناً به، وقد يجوز أن يكون قصد به إلي استخراج جوابهم عن هذه المسألة، ومعرفة ما عندهم فيها، أو إلي أن يبيّن قصورهم عن إيراد الغرض في جوابها، إلي غير ذلك ممّا لا يتّسع ذكره، انتهي(1).

ويشهد لما ذكره قدس سره من إيراده ذلك معارضته قول الشهرستاني في الملل والنحل: الهشاميّة أصحاب هشام بن الحكم صاحب المقالة في التشبيه، كان من متكلّمي الشيعة، وجرت بينه وبين أبي الهذيل مناظرات في علم الكلام... إلي أن قال: وهشام بن الحكم هذا صاحب غور في الأُصول، لايجوز أن يغفل عن إلزاماته علي المعتزلة، فإنّ الرجل وراء ما يلزم به علي الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه، وذلك أنّه ألزم علي العلّاف فقال: إنّك تقول: البارئ تعالي عالم بعلم وعلمه ذاته، فيشارك المحدثات في أنّه عالم بعلم، ويباينها في أنّ علمه ذاته فيكون عالماً لا كالعالمين، فلم لا تقول: هو جسم لا كالأجسام، وصورة لا كالصور، وله قدر لا كالأقدار... إلي غير ذلك(2).

********

(1) . الشافي ج 1 ص 83.

(2) . الملل والنحل ج 1 ص 164، منتهي المقال ج 6 ص 429.

ص: 453

فنقول: كما أنّ هشام بن الحكم متّهم بالتجسيم، ومع ذلك فهو ثقة، وفيه عن العلّامة الحلّي: أبو محمّد مولي كندة، وكان ينزل بني شيبان بالكوفة، وانتقل إلي بغداد سنة تسع وتسعين ومائة، ويقال: إنّ في هذه السنة مات، ومولده كان بالكوفة ومنشأه واسط وتجارته بغداد، ثمّ انتقل إليها في آخر عمره ونزل قصر وضّاح، وروي عن أبي عبداللّه، وأبي الحسن موسي عليهما السلام وكان ثقة في الروايات، حسن التحقيق بهذا الأمر، ورويت له مدائح جليلة عن الإمامين، وكان ممّن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب بالنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام، حاضر الجواب(1).

فكما أنّ هشام لا يعدّ ضعيفاً لما قيل فيه، فمحمّد بن جعفر بن عون يصح عليه ذات الكلام حذو النعل بالنعل.

3. محمّد بن الحسن الصفّار
اشارة

أقوال العلماء فيه:

قال الشيخ في الفهرست: محمّد بن الحسن [بن فرّوخ ن جش] الصفّار [ن جش مولي عيسي بن موسي بن طلحة بن عبيداللّه بن السائب بن مالك بن عامر الأشعريّ، أبو جعفر الأعرج، كان وجهاً من أصحابنا القميّين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية] قمّيّ، له كتب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتبها إلي أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام. أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن

********

(1) . خلاصة الرجال ص 1/178، منتهي المقال ج 6 ص 424.

ص: 454

ابن الوليد، عنه. وأخبرنا بها أيضاً جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، عنه، عن رجاله إلّاكتاب بصائر الدرجات فإنّه لم يروه عنه محمّد بن الحسن بن الوليد، وأخبرنا به الحسين بن عبيداللّه، عن أحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عنه(1).

وعن رجال العلّامة الحلّي: محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار، مولي عيسي بن موسي بن طلحة بن عبيداللّه بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري، أبو جعفر الأعرج، كان وجهاً في أصحابنا القميّين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية، توفّي رحمه الله بقمّ سنة تسعين ومائتين(2).

وفي قاموس الرجال: محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار، قال: مرّ بعنوان:

محمّد بن الحسن الصفّار.

أقول: ذاك عنوان الشيخ في الرجال و الفهرست، وهذا عنوان النجاشي(3).

وفي رجال النجاشي: محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار، مولي عيسي بن موسي بن طلحة بن عبيداللّه بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري، أبو جعفر الأعرج، كان وجهاً في أصحابنا القميّين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية.

له كتب، منها: كتاب الصلاة، كتاب الوضوء، كتاب الجنائز والتدبير والمكاتبة، كتاب التجارات، كتاب المكاسب، كتاب الصيد والذبائح، كتاب الدعاء، كتاب المزار، كتاب الردّ علي الغلاة، كتاب الأشربة، كتاب المروءة،

********

(1) . الفهرست ص 621/288.

(2) . رجال العلّامة الحلّي ص 112/157.

(3) . قاموس الرجال ج 9 ص 6608/213.

ص: 455

كتاب الزهد، كتاب الخمس، كتاب المؤمن، كتاب الشهادات، كتاب الملاحم، كتاب التقيّة، كتاب الزكاة، كتاب الأيمان والنذور والكفّارات، كتاب المناقب، كتاب المثالب، كتاب بصائر الدرجات، كتاب ما روي في أولاد الأئمّة عليهم السلام، كتاب ما روي في شعبان، كتاب الجهاد، وكتاب فضل القرآن.

وأخبرنا بجميع كتبه - ما خلا بصائر الدرجات - أبوالحسين عليّ بن أحمد ابن محمّد بن طاهر الأشعري القمّي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد، عنه بها، وأخبرنا أبو عبداللّه بن شاذان قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عنه بجميع كتبه و ببصائر الدرجات.

وتوفّي محمّد بن الحسن الصفّار بقمّ، سنة تسعين ومائتين، رحمه الله(1).

وفي مجمع الرجال(2): محمّد بن صفّار القمّي.

ست - محمّد بن الحسن الصفّار، قمّيّ، له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتب بها إلي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهم السلام، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، وأخبرنا جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن رجاله إلّاكتاب بصائر الدرجات، فإنّه لم يروه عنه محمّد بن الوليد، وأخبرنا الحسين بن عبيداللّه عن أحمد بن محمّد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عن محمّد بن الصفّار. وسيذكر إن شاء اللّه تعالي عن «جش» بعنوان محمّد بن

********

(1) . رجال النجاشي ص 948/354.

(2) . مجمع الرجال للقهبائي ج 5 ص 189-190.

ص: 456

الحسن بن فرّوخ الصفّار(1).

وفي جامع الرواة: محمّد بن الحسن الصفّار(2)

محمّد بن الحسن الصفّار، له مثل كتب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، عنه محمّد بن يحيي [ست] يأتي عن [جش] وغيره محمّد بن الحسن بن فرّوخ «مع».

وله مسائل كتب بها إلي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام، عنه محمّد بن الحسن بن الوليد ومحمّد بن الوليد رضي الله عنه عنه في مشيخة [يه] في طريقه ابن بابويه عن محمّد بن الحسن رضي الله عنه عنه، عن يعقوب بن يزيد في طريق خالد بن أبي العلاء الخفّاف. أخبرني الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن النعمان رحمه اللّه تعالي، قال: أخبرني أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عنه. في [بص] في باب: مقدار الماء الذي لم ينجِّسه شيء. محمّد بن الحسن بن الوليد، عنه، عن أحمد بن محمّد في باب: الماء القليل يحصل فيه النجاسة. أخبرني الشيخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي في باب: التسمية علي حال الوضوء، ومرّتين في باب: النوم من أبواب ما ينقض الوضوء، وكثيراً ما أخبرني الشيخ رحمه الله عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن الصفّار، عن محمّد بن عيسي في باب: وجوب غسل الميّت، وفي باب:

المسافر يخرج فرسخاً أو فرسخين.

ومحمّد بن يعقوب الكليني، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد في

********

(1) . مجمع الرجال للقهبائي ج 5 ص 189-190.

(2) . جامع الرواة، للأردبيلي ج 2 ص 93-94.

ص: 457

باب الرعاف من أبواب: ما ينقض الوضوء، وفي [في] في باب: ما نصّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله، وفي باب: الإشارة والنصّ علي الحسين بن عليّ عليهما السلام، وفي باب: الإشارة والنصّ علي أبي جعفر عليه السلام، وفي كتاب العقل والجهل.

ومحمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن بن عبداللّه بن الحسن العلوي، في باب: أدني المعرفة، وفي باب آخر من معاني الأسماء، وفي باب: جوامع التوحيد، وفي باب: المشيئة والإرادة.

ومحمّد بن يعقوب عن محمّد بن عليّ عليهما السلام. عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن المختار بن محمّد بن المختار، ومحمّد بن الحسن، عن أبي الحسن عليه السلام في [بص] وفي باب: تحريم جلود الميتة، وفي [يب] نقل هكذا:

محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن المختار بن محمّد بن المختار، ومحمّد بن الحسن، عن عبداللّه بن الحسن العلوي جميعاً، عن فتح ابن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام قال: كتبت إليه في باب: الذبائح والأطعمة والحديث المنقول فيها واحد، الظاهر أنّ الصواب ما فيه بقرينة اتّحاد وكثرة رواية محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن المختار بن محمّد بن المختار، ومحمّد بن الحسن، عن الحسن بن عبداللّه بن الحسن العلوي جميعاً، عن فتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام، واللّه أعلم.

ومحمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن هاشم في باب: أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم. عنه، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسي بن عبيد في مولد الحسين بن عليّ عليهما السلام، وفي مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام، وفي باب: ما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول

ص: 458

اللّه صلي الله عليه و آله، وفي باب: خلق أبدان الأئمّة عليهم السلام، وعن عبّاد بن سليمان في باب نادر فيه ذكر العيب، وعن أحمد بن الحسن بن محمّد، ومحمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد في باب: أنّ الأئمّة عليهم السلام محدَّثون مفهَّمون. عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عليّ بن إسماعيل في باب: أنّ الأئمّة عليهم السلام في العلم والشجاعة والطاعة سواء. عنه، عن محمّد بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن الحسين في باب: ما يفصل به بين دعوي المحقّ والمبطل في أمر الإمامة، وعن إبراهيم بن هاشم فيه: فقد رويته عن أبي، ومحمّد بن الحسن رضي اللّه عنهما، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن عليّ بن حسّان الواسطي في مشيخة [يه] في طريق عليّ بن حسّان الواسطي. محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، ومحمّد ابن الحسن عنه في [ست] في ترجمة وهب بن وهب. سعد بن عبداللّه، عن محمّد بن الحسن، عن معاوية بن حكيم في [يب] في باب: التيمّم. عن ابن بطّة في [ست] في ترجمة معاوية بن حكيم، وفي ترجمة الهيثم بن أبي مسروق، وفي ترجمة الحسن بن موسي الخشّاب، وفي ترجمة الحسن بن عليّ بن النعمان، وفي ترجمة داود بن محمّد.

وعنه أحمد بن إدريس في ترجمة أحمد بن الحسين. محمّد بن أحمد بن داود القمّي، عن أبيه، عنه في [يب] في باب: الزيادات في كتاب المزار. عنه محمّد بن جعفر المؤدّب في باب: فضل رمضان والصلاة فيه(1).

********

(1) . جامع الرواة ج 2 ص 93.

ص: 459

وفي معجم رجال الحديث: محمّد بن الحسن الصفّار(1).

ووقع بهذا العنوان في أسانيد كثير من الروايات، تبلغ خمسمائة واثنين وسبعين مورداً، فقد روي عن أبي محمّد الحسن بن عليّ، وأبي محمّد الحسن العسكريّ، والأخير، والفقيه عليهم السلام، وعن أبي إسحاق الخفّاف، وأبي الجوزاء وإبراهيم، وإبراهيم بن هاشم (ورواياته عنه تبلغ تسعة وخمسين مورداً) وأحمد ابن أبي عبداللّه، وأحمد بن أبي عبداللّه البرقي، وأحمد بن إسحاق بن سعد، وأحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، وأحمد بن محمّد (ورواياته عنه تبلغ اثنين وخمسين مورداً) وأحمد بن محمّد بن عيسي (ورواياته عنه تبلغ أربعة وخمسين مورداً) وأحمد بن محمّد بن عيسي بن عبداللّه الأشعري، وأيّوب بن نوح، والحسن بن أحمد بن سلمة الكوفي، والحسن بن الحسين اللؤلؤي، والحسن بن عليّ، والحسن بن عليّ بن عبداللّه، والحسن بن عليّ بن عبدالملك الزيّات، والحسن بن عليّ بن نعمان، والحسن بن عليّ الكوفي، والحسن بن موسي الخشّاب، والحسين بن عليّ، وسلمة بن الخطّاب، والسندي، والسندي بن الربيع، والسندي بن محمّد، والسندي بن محمّد البزّار، وسهل بن زياد، والعبّاس بن معروف، وعبدالصمد بن محمّد، وعبداللّه بن عامر، وعبداللّه بن محمّد، وعبداللّه بن محمّد بن عيسي، وعبداللّه بن المنبّه، وعليّ بن بلال، وعليّ بن حسّان الواسطي، وعليّ بن محمّد، وعليّ بن محمّد القاساني، وعمران بن موسي، والفضل بن عامر، والفضل بن غانم، والقاسم بن أبي القاسم الصيقل، ومحمّد بن الحسين، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب،

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 15 ص 1052/257.

ص: 460

ومحمّد بن خالد البرقي، ومحمّد بن السندي، ومحمّد بن عبدالجبّار، ومحمّد ابن عبدالحميد، ومحمّد بن عبدالحميد الطائي، ومحمّد بن عيسي (ورواياته عنه تبلغ تسعاً وخمسين رواية) ومحمّد بن عيسي بن عبداللّه الأشعري، ومحمّد بن عيسي بن عبيد، ومحمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، ومعاوية بن حكيم، وموسي بن عمر، وموسي بن عمر الصيقل، والهيثم بن أبي مسروق، والهيثم بن أبي مسروق النهدي، ويعقوب، ويعقوب بن يزيد الحجّال.

وروي عنه أحمد بن داود القمّي، وأحمد بن محمّد، عن أبيه، وجعفر بن محمّد أبوالقاسم، عن أبيه، ومحمّد بن جعفر المؤدّب، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، ومحمّد بن يحيي.

اختلاف الكتب

روي الشيخ بسنده، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن عيسي، عن محمّد بن سنان(1).

وكذا في الطبعة القديمة أيضاً، ولكن رواها الكليني في الكافي(2)، وفيه: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن سنان، وهو الصحيح الموافق للوافي و الوسائل و كامل الزيارات الباب السادس والستّون:

في أنّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل حججاً، الحديث 1.

وروي أيضاً بسنده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن عبداللّه بن المنبّه، عن الحسين بن علوان(3)، إلّاأنّ فيه: عبيداللّه بن المنبّه، بدل عبداللّه بن المنبّه،

********

(1) . التهذيب، ج 6، باب فضل زيارته (أبي عبداللّه الحسين بن عليّ عليهما السلام)، الحديث 102.

(2) . التهذيب، ج 4، كتاب الحجّ 3، باب فضل زيارة أبي عبداللّه الحسين عليه السلام 233، الحديث 2.

(3) . التهذيب، ج 1، باب صفة الوضوء والفرض منه، الحديث 248، والاستبصار، ج 1، باب وجوب المسح علي الرجلين، الحديث 196.

ص: 461

والصحيح ما في التهذيب بقرينة سائر الروايات.

وروي أيضاً بسنده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني(1).

وكذا في الطبعة القديمة أيضاً، ولكن في الوافي و الوسائل: محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني وهو الصحيح الموافق للفقيه(2). فإنّ فيه رواها الصدوق بسنده عن السكوني، وفي طريقه إليه إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني.

وروي أيضاً بسنده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن سليمان(3)، إلّاأنّ فيه: محمّد بن يحيي، بدل محمّد بن عيسي، والصحيح ما في التهذيب الموافق للوافي و الوسائل وسائر الروايات.

وروي أيضاً بسنده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن مسلم(4).

كذا في الطبعة القديمة أيضاً، ولكن في الاستبصار، الجزء 2، باب إخراج القيمة، الحديث 169: محمّد بن عيسي، بدل محمّد بن مسلم، وهو الصحيح الموافق للوافي و الوسائل.

********

(1) . التهذيب، ج 1، باب ديات الشجاج وكسر العظام، الحديث 1139.

(2) . التهذيب، ج 4، باب ديات الجراحات والشجاج، الحديث 437.

(3) . التهذيب، ج 6، باب المكاسب، الحديث 985، والاستبصار، ج 3، باب من له علي غيره مال فيجحده، الحديث 173.

(4) . التهذيب، ج 4، باب مستحقّ الفطرة وأقلّ ما يعطي الفقراء منها، الحديث 256.

ص: 462

اختلاف النسخ

روي الشيخ بسنده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم(1).

كذا في الطبعة، وفي الطبعة القديمة: عليّ بن إبراهيم بن هاشم، بدل إبراهيم ابن هاشم، والصحيح ما في هذه الطبعة الموافق للوافي و الوسائل والنسخة المخطوطة.

وروي أيضاً بسنده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، وعليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد(2).

وكذا في الطبعة القديمة أيضاً علي نسخة، وفي نسخة أُخري: محمّد بن الحسن الصفّار، عن عليّ بن محمّد القاساني؛ وهو الصحيح الموافق للوافي والوسائل لعدم ثبوت رواية الصفّار، عن القاسم بن محمّد بلا واسطة، وكثرة روايته عنه بواسطة القاساني، والوافي كما في هذه الطبعة.

وروي أيضاً بسنده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن الحسن، ومحمّد بن عليّ بن محبوب، والحسن بن عليّ، ومحسن بن عليّ بن يوسف جميعاً، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن طلحة صاحب السابري، عن معاذ ابن كثير بيّاع الأكسية، عن أبي عبداللّه عليه السلام(3).

وكذا في هذه الطبعة، وفي النسخ المخطوطة: الحسن بن الحسين، بدل الحسن بن الحسن، وهو نسخة، في الطبعة القديمة أيضاً، وفيها أيضاً: محمّد ابن عليّ، بدل محمّد بن عليّ بن محبوب، وهو الموجود في الوافي والوسائل،

********

(1) . التهذيب، ج 6، النوادر، الحديث 330.

(2) . التهذيب، ج 6، باب الدعوة إلي الإسلام، الحديث 239.

(3) . التهذيب، ج 4، باب الزيادات من الأنفال، الحديث 402.

ص: 463

وفي الطبعة القديمة: الحسن بن عليّ بن يوسف نسخة، وهو الموافق لنسخة الجامع و الوسائل، إلّاأنّ في الأخير: حسن بن عليّ بن غير مذكور، وفي الجامع: حمّاد بن أبي طلحة صاحب السابري.

ولا يبعد أن يكون الصحيح هكذا: محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن الحسين (اللؤلؤئي)، عن محمّد بن عليّ (البصير في أبي سمينة)، والحسن بن عليّ (بن عبداللّه بن المغيرة)، والحسن بن عليّ بن يوسف (بن بقاح) عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري، عن معاذ... إلخ، واللّه العالم.

وروي أيضاً بسنده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن عبداللّه بن المنبّه(1).

ثمّ قال تحت حديث 209: وعنه، عن العبّاس بن معروف، ثمّ قال في ذيل حديث 210: عنه، عن عبداللّه بن المغيرة؛ وظاهر الضمير أن يرجع إلي محمّد ابن الحسن الصفّار، وقد أخذ بهذا الظهور صاحب الوافي و الوسائل فأرجعا الضمير إلي الصفّار، وبما أنّه لا يمكن أن يروي الصفّار عمّن هو من أصحاب الكاظم عليه السلام بل له روايات عن الصادق عليه السلام، فلابدّ أن يرجع الضمير إلي العبّاس ابن معروف، وإن كان علي خلاف الظاهر هذا وفي النسخة المخطوطة كلمة (عنه) غير موجودة، وعبداللّه بن المغيرة مصدَّر بالكلام، وعليه فالأمر واضح.

وروي أيضاً بسنده، عن أحمد بن عيسي، عن محمّد بن عيسي، عن عبداللّه ابن المغيرة، وعن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي

********

(1) . التهذيب، ج 6، باب فضل الجهاد وفروضه، الحديث رقم 208.

ص: 464

الخطّاب(1). كذا في الطبعة القديمة أيضاً، وفي الوافي والنسخة الخطيّة: عبداللّه ابن المغيرة، عن محمّد بن الحسن الصفّار، بلا كلمة العطف، وفي الوسائل بعد ذكر طريق الأوّل، قال: وبإسناده، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب... إلخ، وأمّا ما في النسخة المخطوطة و الوافي فبعيد غايته، فإنّ ابن المغيرة من أصحاب الكاظم عليه السلام، بل له روايات عن الصادق عليه السلام، فكيف يمكن روايته عن الصفّار المتوفّي سنة 290؟ فإن صحّ ما ذكره في الوسائل فهو، وإن لم يتمّ كما هو خلاف كلمة (عن) قبل محمّد بن الحسن الصفّار، فإنّ ظاهره إنّما يروي عنه بواسطة مَن هو مذكور في الكلام لا بإسناده عنه، فلا يبعد أن يكون الصحيح ومحمّد بن الحسن الصفّار عطفاً، علي محمّد بن عيسي.

أقول: تقدّم بعنوان محمّد بن الحسن بن فرّوخ، ويأتي له روايات كثيرة بعنوان الصفّار.

المحصّلة النهائيّة

إنّ محمّد بن الحسن بن فرّوخ (290 ق) قد ذكره علماء الرجال فوثّقوه بعبارات هي:

الف) كان وجهاً في أصحابنا القميّين.

ودلالته علي الوثاقة أوقع من لفظ: (الثقة)، ومن كلمات النجاشي التي تحتاج إلي توضيح، قوله في أحمد بن أبي زاهر. فقد قال: أحمد بن أبي زاهر، واسم أبي زاهر موسي أبو جعفر الأشعري القمي، مولي، كان وجهاً بقم، وحديثه ليس بذلك النقيّ، وكان محمّد بن يحيي العطّار أخصّ أصحابه.

********

(1) . التهذيب، ج 10، باب الحوامل والحمول، الحديث 1105.

ص: 465

وعن الشيخ أيضاً: أحمد بن أبي زاهر، واسم أبي زاهر موسي أبو جعفر الأشعريّ القميّ موسي، وكان وجهاً بقم، وحديثه ليس (بذاك) بذلك النقي وكان محمّد بن يحيي العطّار أخصّ أصحابه(1).

وقال آية اللّه الخوئي: أقول: إنّ قول النجاشي والشيخ أنّ أحمد بن أبي زاهر كان وجهاً بقم، ظاهر في أنّه كان وجهاً من جهة أنّه كان محدّثاً كما يدلّ عليه قولهما، وكان محمّد بن يحيي العطّار أخصّ أصحابه، وعليه فما ذكراه، من أنّ حديثه ليس بذلك النقيّ، لابدّ من حمله علي أنّه توجد في أحاديثه روايات منكرة، وهذا لا ينافي وثاقة الرجل(2).

ب) ثقة.

ج) عظيم القدر.

د) كان راجحاً.

ه) قليل السقط في الرواية(3).

أمّا كلمة (الثقة) فهي مصدر كالعِدة بكسر الفاء، وجمعه علي: ثقات، كالعدات لا كالقضاة والرماة والدعاة.

ووثق به: أي اعتمد عليه، والوثاقة الاعتماد. قال الفيّومي: وثق الشيء بالضمّ وثاقة: قوي وثبت، فهو وثيق ثابت محكم، وأوثقته: جعلته وثيقاً، ووثقت به أثق بكسرهما، ثقة ووثوقاً ائتمنته، وهو وهي وهم ثقة لأنّه مصدر، وقد يجمع في الذكور والإناث فيقال: ثقات، كما قيل: عِدات، والوثاق: القيد والحبل ونحوه،

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 29.

(2) . نفس المصدر.

(3) . منتهي المقال ج 6 ص 23.

ص: 466

بفتح الواو وكسرها، والموثق والميثاق العهد، وجمع الأوّل مواثق، وجمع الثاني مواثيق(1)، ومن هذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فإذا تكلّمت صرت في وثاقه؛ يعني قيده.

وقوله «راجحاً» يعني هو أعدل، وإذا كان هناك تعارض بين روايته ورواية غيره فالمرجع هو رواية محمّد بن الحسن الصفّار، وهذا هو معني قوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة المرويّة في الكافي، كتاب العلم والقضاء، و من لايحضره الفقيه و تهذيب الأحكام؛ فالرواية مرويّة في الجوامع الروائيّة الثلاثة؛ فرواها المحمّدون الثلاثة، وهي كافية في اعتبار سندها.

وأمّا قول النجاشي: قليل السقط في الرواية، يعني أنّه كان سديداً في ضبط الرواية وحفظها، فإنّ الضبط من أهمّ شرائط الراوي، فإنّ الراوي إذا لم يكن ضابطاً فلا يعتمد عليه، وهذا هو معني قولهم: ضابط، وقولهم: مضطرب الحديث. فقد قال الفقهاء في إسحاق بن عمّار: أنّه مضطرب الحديث، يعني غير ضابط، ولذلك لم يعتمدوا علي ما تفرّد به، وعدم ضبط الراوي أحد أسباب التعارض في الروايات، فمحمّد بن الحسن بن فرّوخ قليل السقط في ضبط الروايات، فهل هو يضبط الروايات بعين ألفاظها، أو ينقلها بالمعني.

وانتسب إليه كتاب بصائر الدرجات؛ قال النجاشي: أخبرنا بكتبه كلّها - ما خلا بصائر الدرجات - أبوالحسين عليّ بن أحمد بن محمّد بن طاهر الأشعري القمّي، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عنه بها؛ وأخبرنا أبو عبداللّه بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عنه، بجميع كتبه و بصائر

********

(1) . المصباح المنير ص 647.

ص: 467

الدرجات(1).

ز) يعبّر عنه في الإسناد ب:

1) محمّد بن الحسن الصفّار.

2) محمّد بن الحسن بن فرّوخ.

3) ابن الحسن.

وفي كتاب هداية المحدّثين: ابن الحسن الصفّار الثقة، عنه محمّد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عنه(2).

4) الصفّار وهو لقبه.

********

(1) . رجال النجاشي ص 948/354.

(2) . هداية المحدّثين ص 233، منتهي المقال ج 6 ص 17.

ص: 468

القسم الثالث عدّة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي

اشارة

وأحمد البرقي سبط خالد موثَّق في نفسه والوالد

نعم عن الضعيف يرويان صحّ طريق الشيخ يا إخواني

وفي بعض النسخ ورد هكذا:

طق صحّ للبرقيّ سبط خالد جش ست موثّق من الأماجد

أحمد بن محمّد بن خالد عبدالرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي، منسوب إلي برقة قم، أبو جعفر، أصله كوفيّ، ثقة، غير أنّه أكثر الرواية من الضعفاء، واعتمد المراسيل.

قال ابن الغضائري: طعن عليه القمّيّون(1) وليس الطعن فيه، وإنّما الطعن فيمن يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن أخذ علي طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها واعتذر إليه.

قال: ووجدت كتاباً فيه(2) وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسي، وأحمد بن محمّد بن خالد: لمّا توفّي مشي أحمد بن محمّد بن عيسي في جنازته حافياً

********

(1) . هذه بداية كلام المصنّف.

(2) . الظاهر أنّه من ابن الغضائري.

ص: 469

حاسراً ليبرّئ نفسه ممّا قرنه(1) به، وعندي أنّ روايته مقبولة «صه».

وفي «ست»: أحمد بن محمّد بن خالد بن عبدالرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي، أبو جعفر، أصله كوفيّ، وكان جدّه محمّد بن عليّ حبسه يوسف بن عمر والي(2) العراق بعد قتل زيد بن عليّ(3) عليه السلام، ثمّ قتله.

وكان خالد صغير السنّ، فهرب مع أبيه عبدالرحمن إلي برقة(4) قم فأقاموا بها، وكان ثقة في نفسه، غير أنّه أكثر الرواية من الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنّف كتباً كثيرة، منها المحاسن، وغيرها، وقد زيد في المحاسن ونقص.

فممّا وقع إليّ منها: كتاب الإبلاغ(5)، كتاب التراجم والتعاطف، كتاب أدب النفس، كتاب المنافع، كتاب آداب المعاشرة، كتاب المعيشة، كتاب المكاسب، كتاب الرفاهيّة، كتاب المعاريض، كتاب السفر، كتاب الأمثال(6)، كتاب الشواهد من كتاب اللّه عزّ وجلّ، كتاب النجوم، كتاب المرافق، كتاب الدواجن(7)، كتاب النوم(8)، كتاب الزينة، كتاب الأركان، كتاب الزيّ، كتاب اختلاف الحديث، كتاب الطبّ، كتاب المآكل، كتاب الماء(9)، كتاب الفهم(10)،

********

(1) . عابه واتّهمه.

(2) . في نسخة: والد محمّد الحجّاج.

(3) . زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام.

(4) . برق رود - خ ل.

(5) . كتاب التبليغ - خ ل.

(6) . كتاب الامتثال - خ ل.

(7) . الزواجر - خ ل.

(8) . الشوم - خ ل.

(9) . المشارب - خ ل.

(10) . العلم - خ ل.

ص: 470

كتاب الإخوان، كتاب الثواب، كتاب تفسير الأحاديث وأحكامه، كتاب العلل، كتاب العقل، كتاب التخويف، كتاب التحذير، كتاب التهديد(1)، كتاب التنبيه(2)، كتاب التاريخ، كتاب الغريب، كتاب المحاسن، كتاب مذامّ الأخلاق، كتاب النساء، كتاب المآثر والأنساب، كتاب الأنساب والأُمم، كتاب الشعر والشعراء، كتاب العجائب، كتاب الحقائق، كتاب المواهب والحظوظ، كتاب الحياة وهو كتاب النور والرحمة، كتاب الزهد والمواعظ، كتاب التبصرة.

كتاب التعبير، كتاب التأويل، كتاب مذامّ الأفعال، كتاب الفروق، كتاب المعاني والتخويف، كتاب العقاب، كتاب الامتحان، كتاب العقوبات، كتاب العين، كتاب الخصائص، كتاب النحو، كتاب العيافة والقيافة، كتاب الزجر والفأل، كتاب الطيرة، كتاب المراشد، كتاب الغرائب، كتاب الأفانين، كتاب الحيل، كتاب الصيانة، كتاب الفراسة، كتاب العوائص، كتاب النوادر، كتاب مكارم الأخلاق، كتاب ثواب القرآن، كتاب فضل القرآن، كتاب مصابيح الظلم، كتاب المنتخبات، كتاب الدعاء، كتاب الدعابة والمزاح، كتاب الترغيب، كتاب الصفوة، كتاب الرؤيا، كتاب المحبوبات والمكروهات، كتاب خلق السماء والأرض، كتاب بدو خلق إبليس والجنّ، كتاب الدواجن والرواجن، كتاب مغازي النبيّ صلي الله عليه و آله، كتاب بنات النبيّ صلي الله عليه و آله وأزواجه، كتاب الأجناس والحيوان، كتاب التأويل.

وزاد محمّد بن جعفر بن بطّة علي ذلك: طبقات الرجال، كتاب الأوائل،

********

(1) . التهذيب - خ ل.

(2) . التسلية - خ ل.

ص: 471

كتاب الطبّ، كتاب التبيان، كتاب الجمل، كتاب ما خاطب اللّه به خلقه، كتاب جداول الحكمة، كتاب الأشكال والقرائن، كتاب الرياضة، كتاب ذكر الكعبة، كتاب التهاني، كتاب التعازي(1)، كتاب أخبار الأُمم(2).

أخبرنا بهذه الكتب كلّها وجميع رواياته عدّة من أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان، وأبو عبداللّه الحسن بن عبيداللّه، وأحمد بن عبدون وغيرهم، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري، قال:

حدّثنا مؤدّبي عليّ بن الحسين السعدآبادي أبوالحسن القمّي قال: حدّثنا أحمد ابن أبي عبداللّه.

وأخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري، قال:

حدّثنا أحمد بن عبداللّه ابن بنت البرقي، قال: حدّثنا جدّي أحمد بن محمّد، وأخبرنا هؤلاء إلّاالشيخ أبا عبداللّه المفيد، وغيرهم عن أبي المفضّل الشيباني، عن محمّد بن جعفر بن بطّة، عن أحمد بن أبي عبداللّه، بجميع كتبه ورواياته.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن سعد بن عبداللّه بجميع كتبه ورواياته.

********

(1) . التعادي - خ ل.

(2) . ومع الأسف لقد كانت تأليفات البرقي رحمه الله كغيره مختبئة في زوايا المكتبات الخاصّة والعامّة، وفي البيوتات، معتقلة تحت التراب والغبار، بحيث كانت تهيئة لإعاشة الأُرضة عند من لا يري لجهد العلماء وسهرهم وأتعابهم للتأليف والتصنيف قيمة، فعلي هذا ضاع جلّ تأليفات ونتائج عمره إلّارجاله المطبوع في طهران سنة 1383 قمريّة، متقدّماً علي رجال نقي الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي، والمحاسن المطبوع سنة 1371 أيضاً في طهران، وجمع ما بين الدفّتين ما يوجد من تأليفاته: الأشكال والقرائن، ثواب الأعمال، وعقاب الأعمال، الصفوة والنوادر والرحمة، مصابيح الظلم، العلل، السفر، المآكل، الماء، المنافع، المرافق - المسترحمي.

ص: 472

وكذا: «جش»، إلي أن قال: يوسف بن عمر والي العراق بعد قتل زيد، ثمّ إلي أن قال: الذي نعرفه في هذا الزمان أبطح يسمّي: برق رود، وفي شطوطه آثار قديمة، وكان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنّف كتباً، منها: كتاب المحاسن زيد ونقص(1)، كتاب التبليغ والرسالة، كتاب التراحم والتعاطف، كتاب التبصرة، كتاب الرفاهيّة، كتاب الزيّ، كتاب الزينة، كتاب المرافق، كتاب المراشد، كتاب الصيانة، كتاب النجابة، كتاب الفراسة، كتاب الحقائق، كتاب الإخوان، كتاب الخصائص، كتاب المآكل، كتاب مصابيح الظلم، كتاب المحبوبات، كتاب المكروهات، كتاب العويص، كتاب الثواب، كتاب العقل، كتاب المعيشة، كتاب النساء، كتاب الطبّ، كتاب العقوبات، كتاب المشارب، كتاب السفر، كتاب أدب النفس، كتاب الطبقات، كتاب أفضل الأعمال، كتاب أخصّ الأعمال، كتاب المساجد الأربعة، كتاب الرجال، كتاب الهداية، كتاب المواعظ، كتاب التحذير، كتاب التخويف، كتاب التسلية.

وكتاب آداب المعاشرة، كتاب مكارم الأخلاق، كتاب مكارم الأفعال، كتاب مذامّ الأخلاق، كتاب مذامّ الأفعال، كتاب المواهب، كتاب الحياة، كتاب الصفوة، كتاب علل الحديث، كتاب معاني الحديث والتحريف، كتاب تفسير الحديث، كتاب الفروق والاحتجاج، كتاب الغرائب، كتاب العجائب، كتاب اللطائف، كتاب المصالح، كتاب المنافع، كتاب الدواجن والرواجن، كتاب الشعر والشعراء، كتاب النجوم، كتاب تعبير الرؤيا، كتاب الزجر والفأل، كتاب صوم الأيّام، كتاب السماء، كتاب الأرضين، كتاب البلدان والمساجد، كتاب الدعاء، كتاب ذكر الكعبة، كتاب ذكر الأجناس والحيوان، كتاب أحاديث الجنّ

********

(1) . معناه: أنّ في بعض نسخ المحاسن أكثر من بعض النسخ (المؤلّف).

ص: 473

وإبليس، كتاب فضل القرآن، كتاب الأزاهير، كتاب الأوامر والزواجر، كتاب ما خاطب اللّه به خلقه، كتاب أحكام الأنبياء والرسل، كتاب الجمل، كتاب جداول الحكمة، كتاب الأشكال والقرائن، كتاب الرياضة، كتاب الأمثال، كتاب الأوائل، كتاب التاريخ، كتاب الأنصاب، كتاب النحو، كتاب الأصفية، كتاب الأفانين، كتاب المغازي، كتاب الرواية، كتاب النوادر.

وهذا هو الفهرست الذي ذكره محمّد بن جعفر بن بطّة من كتاب المحاسن، وذكر بعض أصحابنا له كتباً أُخر، منها: كتاب التهاني، كتاب التعازي، كتاب أخبار الأُمم(1).

أخبرنا بجميع كتبه الحسين بن عبيداللّه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد أبو غالب الزراري، قال: حدّثنا مؤدّبي عليّ بن الحسين السعدآباديّ أبوالحسن القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبداللّه بها.

وقال أحمد بن الحسين رحمه الله في تاريخه: توفّي أحمد بن أبي عبداللّه البرقي سنة أربع وسبعين ومائتين.

وقال عليّ بن محمّد ماجيلويه: مات سنة ثمان ومائتين.

وفي «سا»: أورده الشيخ في أصحاب الجواد عليه السلام وقال: أحمد بن محمّد بن خالد، وفي أصحاب الهادي عليه السلام وقال: أحمد بن أبي عبداللّه البرقي.

وفي الكافي في باب: ما جاء في الاثني عشر بعد حديث طويل في النصّ عليهم: وحدّثني محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عن أبي هاشم، مثله سواء.

********

(1) . رجال النجاشي ص 182/76.

ص: 474

وقال محمّد بن يحيي: فقلت لمحمّد بن الحسن: يا أبا جعفر، وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبداللّه. قال: فقال: لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين، انتهي.

ولا يخفي أنّ هذا يقتضي أن يكون في قلب محمّد بن يحيي شيء من أحمد ابن أبي عبداللّه، فليتأمّل، ولم يورده في أصحاب مولانا الرضا عليه السلام، مع أنّه روي عنه عليه السلام أيضاً، كما في الكافي في باب: ما عند الأئمّة من سلاح رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال رحمه الله: ولا استبعاد في روايته عنه عليه السلام؛ لأنّ روايته عن والده أكثر من أن تحصي، وقد عدّه الشيخ رحمه الله في أصحاب موسي الكاظم، وعليّ الرضا، ومحمّد الجواد عليهم السلام، ولأنّ أحمد هذا مات في حياة أحمد بن محمّد بن عيسي، كما ظهر ممّا مرّ أنّه مشي في جنازته حافياً، وقد عدّه الشيخ في أصحاب الرضا عليه السلام أيضاً.

وغاية ما يمكن أن يقال: إنّ أحمد بن محمّد بن خالد مات سنة ثمانين ومائتين علي ما حكاه النجاشي عن عليّ بن محمّد ماجيلويه، وهو يكون بعد وفاة مولانا العسكري عليه السلام بعشرين سنة، وهذا ينافي روايته عن مولانا الرضا عليه السلام.

وفيه أوّلاً: أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي مات بعد أحمد البرقي، مع أنّه كان من أصحاب الرضا عليه السلام، وكما أنّه لا منافاة هنا، فكذا هناك، بل أولي.

وثانياً: أنّ شهادة مولانا الرضا عليه السلام في سنة ثلاث ومائتين، وبينها وبين وفاة أحمد البرقي سبع وسبعون سنة، فلو فرض أنّ عمره وقت شهادته عليه السلام ستّ عشرة سنة يكون عمره ثلاثاً وتسعين سنة، ولا استحالة في ذلك، وقد تبيّن أنّ وفاة ابن عيسي كان بعد البرقي، مع أنّه كان من أصحاب الرضا عليه السلام.

ص: 475

وقد يقال: إنّ أحمد البرقي لو كان حيّاً بعد مولانا العسكري عليه السلام عشرين سنة ينبغي أن يروي عنه الكليني بغير واسطة، إذ الظاهر أنّه رحمه الله كان في ذلك الوقت، مع أنّ روايته عنه إمّا بواسطة، أو بواسطتين.

فالجواب: لعلّه لم يكن مشتغلاً بالتصنيف في ذلك الوقت، بل وبالتحصيل أيضاً.

بقي هنا شيء آخر: وهو أنّه قد وجدت رواية لأحمد البرقي عن مولانا الصادق عليه السلام في المجلس الثامن والثمانين(1) من مجالس الصدوق رحمه الله والظاهر الذي يلامس القطع أنّها غير صحيحة، بل مرسلة، بل روايته عن مولانا الكاظم عليه السلام أيضاً غير ثابتة، وقد مرّ أنّه مات بعد وفاة العسكري عليه السلام بعشرين سنة، فقد أدرك بعض أيّام إمامة مولانا الرضا عليه السلام، وأيّام مولانا الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام وعشرين سنة من الغيبة الصغري، لكن روايته عن العسكري عليه السلام غير معلومة.

وإذا تبيّن ما ذكرنا، فلنتعرّض لبيان حاله أنّه(2) ثقة أم لا، والظاهر الأوّل كما صرّح به في (سا) وفاقاً لجمع منه (جش، وست، وصه) في ترجمته، وقد صحّح في آخرها طريق الصدوق إلي جماعة، وهو(3) فيه(4)، كطريقه إلي إسماعيل بن رباح، والحارث بن المغيرة، وحفص بن غياث، وحكم بن حكيم.

********

(1) . الحديث 14 من المجلس الثامن والثمانين، وسند الحديث هكذا: حدّثنا أحمد بن هارون الفامي، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبي عبداللّه الصادق عليه السلام....

(2) . أي: أحمد البرقي.

(3) . أي: أحمد البرقي.

(4) . أي طريق الصدوق رحمه الله.

ص: 476

وممّن نقل أنّه وثّقه أيضاً: ابن داود، حيث قال في القسم الثاني(1): أحمد بن محمّد بن خالد بن عبدالرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي، أبو جعفر، أصله كوفيّ، وكان جدّه محمّد بن عليّ، حبسه يوسف بن عمر بعد قتل زيد، ثمّ قتله وكان خالد صغير السنّ، فهرب مع أبيه عبدالرحمن إلي برق رود، وقيل: برقة رود (جخ، ست، جش) كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، صنّف كثيراً.

أقول: ذكرته في الضعفاء لطعن الغضائري فيه، ويقوي عندي ثقته.

ومشي أحمد بن محمّد بن عيسي في جنازته حافياً حاسراً (متنصّلاً) لما قذفه به، انتهي(2).

والحال أنّه صرّح في القسم الأوّل بتوثيقه، وقال: أقول: ذكرته في الضعفاء، إلخ. قال في النقد: وفيه نظر، لأنّ ابن الغضائري لم يطعن فيه، بل ردّ الطعن عنه وهو كذلك(3).

والشهيد الثاني في شرح الدراية عند البحث عن المتّفق والمختلف(4).

وشيخنا بهاء الدين العاملي في مشرق الشمسين(5).

والعلّامة المجلسي في الوجيزة حيث يقول: وابن محمّد بن خالد البرقي ثقة.

********

(1) . بل العبارة من القسم الأوّل.

(2) . رجال ابن داود ص 40.

(3) . خلاصة الرجال ص 14.

(4) . الرعاية ص 370، الدراية ص 128.

(5) . مشرق الشمسين ص 79، الحبل المتين ص 39 و 136، الفوائد الرجاليّة ج 1 ص 344، منتقي الجمان ج 1 ص 342، منتهي المقال ج 1 ص 317.

ص: 477

نعم، قالوا: إنّه يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل. وعن الغضائري طعن عليه القمّيّون وليس الطعن فيه، إنّما الطعن فيمن يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ علي طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن محمّد بن عيسي أبعده من قمّ، ثمّ أعاده إليها، واعتذر إليه، قال: ووجدت كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسي وأحمد بن محمّد بن خالد، لمّا توفّي مشي أحمد بن محمّد ابن عيسي في جنازته حافياً حاسراً ليبرّئ نفسه عمّا قذفه به، انتهي.

وما من موضع من المختلف إلّاأنّ فيه قولاً بالقدح، وجعل قول ابن الغضائري طعناً في الرواية.

وكذا ما عن المسالك في مبحث إرث نكاح المنقطع؛ مِن أنّه طعن في صحيحة سعد باشتمالها علي البرقي، إلي أن قال: وابنه أحمد فقد طعن عليه، كما طعن علي أبيه(1)، فالظاهر أنّ هذا الطعن هو ما نسب إليه من إكثاره مِن الرواية عن الضعفاء، واعتماده علي المراسيل، وقد عرفت أنّه ليس قدحاً، كما أنّ إخراجه عن قمّ ليس قدحاً فيه، بل في «تعق»: عن جدّه لو جعل هذا - أي إخراج أحمد بن محمّد بن عيسي إيّاه - قدحاً في ابن عيسي كان أظهر، لكن كان ورعاً فتدارَكَ ما وقع منه.

وفي «تعق» أيضاً بعد نقل ما ذكره عن المختلف والمسالك، قال: وفيما ذكر نظر ظاهر، يظهر بملاحظة ما ذكر في الفوائد، قال: وبالجملة التوثيق ثابت من العدول، والقدح غير معلوم، بل ولا ظاهر، غاية ما ثبت الطعن في طريقته، وغير خفيّ أنّ هذا قدح بالنسبة إلي رويّة بعد القدماء.

********

(1) . مسالك الأفهام ج 7 ص 467.

ص: 478

وممّا يؤيّد التوثيق ويضعّف الطعن رواية محمّد بن أحمد عنه كثيراً، ولم يستثن القمّيّون روايته مع أنّهم استثنوا ما استثنوه، وكذا إعادته إلي قمّ والاعتذار عنه(1).

وممّا يؤيّده أيضاً تلقّي الأعاظم كتابه المحاسن بالقبول، وإكثار المعتمدين من الرواية عنه، انتهي.

وأقول: قد يذكر له قدح آخر أيضاً، وهو أنّ الكليني رحمه الله روي حديثاً في باب:

ما جاء في الاثني عشر عليهم السلام، ثمّ قال: وحدّثني محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبداللّه، عن أبي هاشم، مثله سواء. قال محمّد بن يحيي: فقلت لمحمّد بن الحسن: يا أبا جعفر، وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبداللّه قال: فقال: لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين، انتهي.

قال في المنهج بعد نقل ما ذكر: لا يخفي أنّ هذا يقتضي أن يكون في قلب محمّد بن يحيي شيء من أحمد بن أبي عبداللّه.

وعن الوافي: المستفاد منه أنّه تحيّر في أمر دينه طائفة من عمره، وأنّ أخباره في تلك المدّة ليست بنقيّة، ولكن قد يجاب عنه بأنّ ما ذكر ليس ظاهراً في أنّ تحيّره كان تحيّراً قادحاً في عدالته، بل ربّما تحيّره بالقياس إلي مثل التفويض والارتفاع، والتعدّي عن القدر الذي لا يجوز التعدّي عنه؛ عند محمّد بن يحيي ومحمّد بن الحسن الصفّار وغيرهما من أهل قمّ.

********

(1) . رجال النجاشي ص 939/348، الفهرست ص 117/37، منتهي المقال ج 1 ص 345، تعليقة منهج المقال ص 47، معجم رجال الحديث ج 1 ص 74.

ص: 479

كما في (تعق)، قال: وقال جدّي رحمه الله: يمكن أن يكون تحيّره في نقل الأخبار المرسلة، أو الضعيفة، أو للإخراج من قمّ، وأن يكون بهته وخرافته في آخر سنّه(1).

وقيل: معناه قبل الغيبة، أو فوت العسكري عليه السلام، ولعلّه راجع إلي ما قد يقال فيه أنّ قوله: قبل الحيرة، لا يدلّ علي تحيّر أحمد، بل جاز أن يكون زمان الحيرة المعروف الذي تحيّرت فيه أقوام كما يفهم من الأحاديث، وقد اختار في «سا» هذا الوجه حيث قال رحمه الله: والتحقيق أنّ المراد من الحيرة هو تحيّر الناس في أمر الإمامة، وذلك وقت قبض مولانا العسكري عليه السلام، كما كانت العادة كذلك بعد كلّ إمام. وقال رحمه الله: إنّ حمل الحيرة علي التحيّر في المذهب غير صحيح، لوضوح أنّ الحديث المذكور وغيره ممّا اشتمل علي إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، ممّا يكون الراوي فيه أحمد بن محمّد؛ صريح في خلافه.

وأقول: هذا التعليل غير مباشر في نظري القاصر، كما أنّ ذكره رحمه الله بعده حيث قال: إن قيل: إنّ المنافي رواية أمثال ذلك حال التحيّر، وإنّ التحيّر الحادث بعده فلا.

قلنا: يظهر من التحيّر الحادث بعد الرواية الصادرة منه قبل، لم يكن مقروناً بالصواب والصحّة، فلم يمكن الجواب بكون الرواية قبل الحيرة حاسماً للإشكال، انتهي.

ولم أفهم استقامته أيضاً، وقد أورده بحمل الحيرة علي البهت والخرافة أيضاً بأنّ مدّة عمره لم تكن مدّة ينجرّ الأمر فيها إلي الخرافة؛ فتأمّل.

********

(1) . تعليقة منهج المقال ص 43، منتهي المقال ج 1 ص 321.

ص: 480

وبالجملة: بعد تصريح جماعة من الأجلّاء بوثاقته، وإكثار كثير منهم:

الكليني رحمه الله من الرواية عنه، وغير ذلك ممّا مرّت الإشارة إليه، لا ينبغي التأمّل فيه لِكلام لا يخلو من الإجمال، بل لو كان ظاهراً في القدح أيضاً لم يصلح للقدح، لمعارضته للكلمات الصريحة في التوثيق والمدح.

المحصّلة النهائيّة

قد رأيت ما جاء في المصادر الرجاليّة في أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فنشير بعد ذلك إلي أُمور:

1. قال العلّامة الحلّي في خلاصة الأقوال: قال ابن الغضائري: طعن عليه القمّيّون، وليس الطعن فيه، إنّما الطعن فيمن يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ علي طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن عيسي أبعده عن قمّ، ثمّ أعاده إليها، واعتذر إليه(1).

2. عن النجاشي: وكان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنّف كتباً...(2) ونحن بدورنا نسأل: هل هذه العبارات تدلّ علي تضعيفه؟ فنقول: أمّا تضعيفات ابن الغضائري لا قيمة لها، فإنّة ضعّف كثيراً من الرواة، لأنّهم يروون فضائل الأئمّة عليهم السلام، ونحن فهمنا من تضعيفاته أنّ من ضعّفه فهو وجه، وقد يعبّر عنه بالارتفاع، والارتفاع هو أن ينقل الراوي روايات فيها فضائل الأئمّة عليهم السلام، فلا قيمة إذن لتضعيفات ابن الغضائري، كما صرّح بذلك السيّد الخوئي.

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 295.

(2) . رجال النجاشي ص 182/76، منتهي المقال ج 1 ص 319.

ص: 481

ثمّ نقول بعد ذلك: أمّا ما قاله النجاشي فقد عدّه زين الدين الجبعي العاملي دليلاً علي ضعفه، فإنّ النجاشي أورد هذه الجمل في أحمد بن محمّد بن خالد، وفي محمّد بن خالد، ومحمّد بن يحيي وغيرهم، ولمّح الشهيد إلي ذلك في كتاب النكاح، في مبحث توارث المتزوّجين بالعقد المنقطع عند الكلام علي رواية سعيد بن يسار: الحديث ضعيف لوجود البرقي، والبرقي مشترك، فإنّ تضعيف الرواية للبرقي، دليل علي أنّ الجمل تدلّ علي تضعيف الراوي(1).

نعم ورجع الشهيد الثاني عن قوله هذا في كتابه الرعاية، فإنّه قال: أحمد بن محمّد مشترك بين رواة، والرواة إن اتّفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلف أشخاصهم، سواء اتّفق في ذلك اثنان منهم، أو أكثر، فهو النوع الذي يقال له: المتّفق والمفترق، أي المتّفق في الاسم والمتفرّق في الشخص، وفائدة معرفته خشية أن يظنّ الشخصان شخصاً واحداً، وذلك كرواية الشيخ ومن سبقه من المشايخ عن أحمد بن محمّد ويُطلق، فإنّ هذا الاسم مشترك بين جماعة منهم: أحمد بن محمّد بن عيسي، وأحمد بن محمّد بن خالد، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وأحمد بن محمّد بن الوليد، وجماعة أُخري من أفاضل أصحابنا في تلك الأعصار، ويتميّز عند الإطلاق بقرائن الزمان، فإنّ المروي عنه إن كان من الشيخ في أوّل السند أو ما قاربه فهو أحمد بن محمّد بن الوليد، وإن كان في آخره مقارناً للرضا فهو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وإن كان الوسط فالأغلب أن يريد به أحمد بن محمّد بن عيسي، وقد يراد غيره.

********

(1) . مسالك الأفهام ج 7 ص 467، وج 1 ص 405 الطبع الحجري.

ص: 482

الجهل لا يضرّ لأنّ جميعهم ثقات، والأمر في الاحتجاج بالرواية سهل(1).

فإنّ هذا الكلام من الشهيد دليل علي أنّه موثّق عنده، ولذلك صرّح المحقّق السيّد محمّد مهدي بحرالعلوم في كتابه الفوائد الرجاليّة: أنّ بني البرقي كلّهم ثقات(2)، وجمل النجاشي(3) لا تدلّ علي تضعيفهم، كما صرّح به أيضاً السيّد محمّد العاملي، فإنّ الرجل يمكن أن يكون نفسه ثقة وفي نفس الحال يروي عن الضعفاء.

وقال السيّد محمّد الموسوي العاملي في ذيل رواية الكرّ: نعم يمكن المناقشة فيها من حيث السند، بأنّ الشيخ رواها في التهذيب بطريقين في أحدهما عبداللّه بن سنان، وفي الآخر محمّد بن سنان، والراوي عنهما واحد وهو محمّد بن خالد البرقي(4)، مع أنّ في محمّد بن خالد أيضاً توقّفاً(5)، فإنّ النجاشي قال: إنّه كان ضعيفاً في الحديث، وإن كان الأقرب قبول قوله لنصّ الشيخ رحمه الله(6) علي تعديله، وعدم صراحة كلام النجاشي(7) في الطعن فيه.

وهذا الكلام إن كان في أبيه، إلّاأنّ الأب والابن في كلمات (النجاشي) مشتركان(8).

********

(1) . الدراية ص 128.

(2) . الفوائد الرجاليّة ج 1 ص 344.

(3) . رجال النجاشي ص 898/335.

(4) . الكافي ج 3 ص 7/3، تهذيب الأحكام ج 1 ص 115/41 و 101/37، الاستبصار ج 1 ص 13/10، وسائل الشيعة ج 1 ص 118.

(5) . معجم رجال الحديث ج 16 ص 53-58، منتقي الجمان ج 1 ص 51.

(6) . رجال الشيخ ص 386.

(7) . نفس المصدر، ص 898/335.

(8) . مدارك الأحكام ج 1 ص 49.

ص: 483

3. إنّ محمّد بن خالد البرقي وابنه أحمد يعتمدان علي المراسيل، ومن الأقوال في المراسيل، أنّه دليل علي ضعف الرواية. نعم بعض الفقهاء قالوا باعتبار بعض المراسيل، كمراسيل محمّد بن أبي عمير، وسائر مشايخ الثقات وأصحاب الإجماع، ومحمّد بن خالد، وابنه أحمد، ومحمّد بن يحيي وهناك آخرون اعتمدوا علي المراسيل مطلقاً.

4. أحمد بن محمّد مشترك في الحديث، ولذلك قال الشهيد في الدراية: إنّه يقع غالباً في أواسط الإسناد، ولكنّ المهم هو معرفته عن طريق الراوي عنه والمروي عنه، فمن روي عنهم: أبو إسحاق الخفّاف، وأبو البختري، وأبو الجوزاء، وأبو الخزرج، وأبو عليّ الواسطي، وأبوه محمّد بن خالد البرقي وروايته عنه تبلغ مائة وأربعة وثمانين مورداً، وابن أبي نجران، وابن أبي نصر، وابن بقاح، وابن بكير، وابن العزرمي، وابن فضّال، وابن محبوب، وإبراهيم بن عقبة، وإبراهيم بن محمّد الثقفي، وأحمد بن عبيد، وأحمد بن المبارك الدينوري، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وإدريس بن الحسن، وإسماعيل بن أبان، وإسماعيل بن محمّد، وإسماعيل بن مهران، وبكر بن صالح، وجعفر بن محمّد، وجعفر بن محمّد الأشعري، وجعفر بن محمّد بن حكيم، والجهم بن الحكم المدائني، والحسن بن الحسين، والحسن بن ظريف، والحسن بن عليّ ابن فضّال، والحسن بن عليّ بن يقطين، والحسن بن عليّ بن الوشّاء، والحسين بن سيف، والحسين بن يزيد، والحسين بن يوسف، والحسين بن المخارق، وحمّاد بن عيسي، وداود بن إسحاق الحذّاء، وسعد بن سعد الأشعري، والسندي بن محمّد، وشريف بن سابق، وعبدالرحمن بن أبي

ص: 484

نجران، وعبدالرحمن بن حمّاد الكوفي، وعبدالعظيم بن عبداللّه الحسني، وعبداللّه بن محمّد النهيكي، وعبداللّه بن يحيي، وعثمان بن عيسي ورواياته عنه تبلغ مائة وأربعة وخمسين مورداً، والعلاء بن رزين، وعليّ بن أحمد بن أشيم، وعليّ بن أسباط، وعليّ بن حديد، وعليّ بن حسّان الواسطي، وعليّ بن حفص العوصي الكوفي، وعليّ بن الحكم، وعليّ بن محمّد القاساني، وعمر ابن يزيد، وعمرو بن عثمان، وعيسي بن عبداللّه القمّي، وفرات بن أحنف، وقاسم بن عروة، وقاسم بن يحيي، ومحمّد بن أسلم، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمّد بن حبيب، ومحمّد بن الحسن الشمّون، ومحمّد بن سعيد، ومحمّد بن سنان، ومحمّد بن عبدالحميد، ومحمّد بن علي، ورواياته عنه تبلغ اثنين وستّين مورداً، ومحمّد بن عيسي، ومحمّد بن عيسي بن عبيد، ومحمّد ابن الفضيل، ومنصور بن العبّاس، وموسي بن القاسم، ونوح بن شعيب، ووهب بن وهب، والهيثم بن عبداللّه الهندي، ويحيي بن إبراهيم بن أبي البلاد، ويحيي بن عيسي، ويحيي بن محمّد، ويعقوب بن يزيد، والجاموراني، والحجّال، واليساري، والنوفلي، والنهيكي، والوشّاء.

وروي عنه: سعد بن عبداللّه، وسهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، وعليّ بن الحسن المؤدّب، وعليّ بن الحسين، وعليّ بن الحسين السعدآبادي، وعليّ بن الحسين المؤدّب، وعليّ بن محمّد، وعليّ بن محمّد بن بندار، وعليّ بن محمّد ابن عبداللّه، وعليّ بن ماجيلويه، ومحمّد بن أبي القاسم، ومحمّد بن أحمد بن يحيي، واليساري(1).

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 268.

ص: 485

والعدّة عن البرقي هم:
1. عليّ بن محمّد بن إبراهيم
اشارة

أقوال العلماء فيه:

قال النجاشي: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان، يكنّي أبا الحسن، ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم عليه السلام، أخبرنا محمّد قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد. وقُتِل علّان بطريق مكّة، وكان استأذن الصاحب عليه السلام في الحجّ، فخرج: «توقّف عنه في هذه السنة»، فخالف(1).

وفي رجال العلّامة الحلّي: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان - بالعين المهملة - يكنّي أبا الحسن، ثقة، عين(2).

وفي رجال الطوسي - باب الهمزة فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهم السلام -: أحمد بن إبراهيم المعروف بعلّان الكليني، خيّر، فاضل من أهل الريّ(3).

وفي باب الميم: محمّد بن إبراهيم المعروف بعلّان الكليني، خيّر(4).

وقال محشّي حاشية رجال الطوسي: هذا هو خال أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، صاحب كتاب (الكافي) المتقدّم الذكر، وأخو أحمد بن إبراهيم المعروف بعلّان الكليني المتقدّم ذكره في أوّل حرف

********

(1) . رجال النجاشي ص 682/260 مؤسّسة النشر الإسلامي.

(2) . رجال العلّامة الحلّي ص 47/100، نشر مكتبة الرضي قم 1402.

(3) . رجال الطوسي ص 438.

(4) . نفس المصدر، ص 496.

ص: 486

الهمزة من هذا الباب(1).

وفي جامع الرواة: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان، أبوالحسن، ثقة، عين [صه، جش] له كتاب أخبار القائم، وقتل علّان في طريق مكّة، وكان استأذن الصاحب عليه السلام، فخرج: «توقّف عنه هذه السنة»، فخالف [جش] «مع»(2).

وفي مجمع الرجال: عليّ بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان، يكنّي أبا الحسن، ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم عليه السلام، أخبرنا محمّد قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد. وقُتِل علّان بطريق مكّة وكان استأذن الصاحب عليه السلام في الحجّ فخرج: «توقّف عنه في هذه السنة» فخالف. وهذا قد ذكر في محمّد بن يعقوب، وفي الفائدة السابعة من الخاتمة.

وفي الهامش ذُكر أنّ عليّاً هذا داخل في العدّة التي تذكر عن سهل بن زياد، وهذا علّان خال محمّد بن يعقوب(3).

وفي قاموس الرجال للتستري: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان قال: عنونه النجاشي، قائلاً: يكنّي أبا الحسن، ثقة، له كتاب أخبار القائم - عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف، وجعلنا من كلّ مكروه فداه - أخبرنا محمّد، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد. وقُتل علّان بطريق مكّة، وكان قد استأذن الصاحب عليه السلام في الحجّ، فخرج: «توقّف عنه في هذه السنة»، فخالف.

********

(1) . نفس المصدر، تعليقة محمّد صادق آل بحر العلوم ص 496.

(2) . جامع الرواة ج 1 ص 596.

(3) . مجمع الرجال ج 4 ص 214.

ص: 487

أقول: الظاهر أنّ مخالفة هذا للحجّة عليه السلام في الخروج إلي الحجّة في تلك السنّة، لفهمه أن نهيه عليه السلام هو إرشاده إلي صلاحه الدنيوي، فلا يكون مخالفته له عليه السلام معصية حتّي ينافي قول النجاشي فيه: ثقة، عين. ثمّ الظاهر أنّ في سند النجاشي -: جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد - سقطاً، فإنّ جعفر بن قولويه إنّما يروي عن أبيه، أو أخيه، عن سعد، وقد روي عن سعد هذا في أسانيد في ذكر توقيعات الإكمال. ثمّ إنّ النجاشي جعل: علّان، وصف لهذا نفسه، ويصدِّقه ما في ذكر توقيعات الإكمال في خبر: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبداللّه، عن عليّ بن محمّد الرازي المعروف بعلّان الكليني قال:

حدّثني محمّد بن شاذان.

وفي أخبار أخري، منها: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبداللّه، عن عليّ بن محمّد الرازي المعروف بعلّان الكليني، قال: حدّثني محمّد بن جبرئيل الأهوازي. ومنها: حدّثني أبي، قال: حدّثنا سعد، علّان الكليني، ومنها أيضاً:

حدّثني أبي، عن سعد، عن علّان، وتوهّم الشيخ في رجاله كون «علّان» وصف جدّه «إبراهيم» فقال في الألف من باب من لم يرو عن الأئمّة عليهم السلام: أحمد بن إبراهيم المعروف بعلّان الكليني، وفي الميم منه: محمّد بن إبراهيم المعروف بعلّان الكليني، والظاهر أنّ الشيخ رأي سنداً بلفظ: عليّ بن محمّد بن إبراهيم المعروف بعلّان، وكان علّان وصف (عليّ) فتوهّم وصف (إبراهيم).

وأمّا قول العلّامة في آخر خلاصته في الفائدة الثالثة منه: وقال الكليني:

وكلّما ذكرته في كتابي الكافي (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد) فهم: عليّ ابن محمّد بن علّان، فالظاهر كون كلمة «بن» في «بن علّان» زائدة منه، أو من

ص: 488

النسّاخ، حتّي يكون مطابقاً لقول النجاشي وأسانيد الإكمال، وعليه فيكون هذا أُستاد الكليني وطريقه إلي سهل، كما أنّه أيضاً خاله، فقال النجاشي في عنوان الكليني: وإنّ خاله علّان الكليني الرازي. قال المصنّف: نفي الوحيد البعد عن كون (محمّد) بين (عليّ) و (إبراهيم) زائداً، علي ما يظهر ممّا مرّ في: عليّ بن إبراهيم بن محمّد الهمداني، وسيجيء في ابنه محمّد، وابن ابنه القاسم أيضاً.

قلت: إنّ ما قاله في غاية البُعد، ولايظهر ما ذكره ممّا مضي، ولا ممّا يأتي، كيف وذلك (عليّ بن إبراهيم بن محمّد الهمداني)، وهذا (عليّ بن محمّد بن إبراهيم الرازي)، وذاك روي جعفر بن قولويه، عن القاسم، عن أبيه، عن جدّه عليّ، وهذا روي عنه بلا واسطة، كما في النجاشي، أو مع واسطة أبيه عن سعد عنه - علي ما استظهرنا -(1).

المحصّلة النهائيّة

قد عرفت ما قاله فيه علماء الرجال؛ ونحن بدورنا نذكر هنا أُموراً:

1. إنّ الرازي هو نسبة إلي الري، وهذا لقب محمّد بن يعقوب الكليني أيضاً، فإنّه ينسب إلي الريّ، ويقال له: الرازي، وهكذا ينسب إلي الري فخرالدين محمّد بن عمر الرازي صاحب مفاتيح الغيب.

2. إنّ الكليني هو نسبة إلي كلين، وكلين كما قال المحدّث القمّي علي وزن قريش؛ وهي قرية من قري الريّ. لا كأمير كما صرّح به محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي في القاموس المحيط.

********

(1) . قاموس الرجال للعلّامة التستري ج 7 ص 536 و 5262/537.

ص: 489

3. قد وثّقه النجاشي(1) بقوله: «ثقة» و «عين» ومعناه الذات وجمعه أعيان؛ يعني شخص كبير ووجيه.

4. قد أكثر الكليني عنه كثيراً، وهو أحد مشايخ الكليني، وفي الوجيزة أيضاً:

ثقة(2).

5. وصفه الطوسي «خيّر فاضل»، والكلمتان من ألفاظ المدح، ولا يدلّ علي الوثاقة الاصطلاحيّة، فإنّ التوثيق أعلي من المدح، ويكون بألفاظ خاصّة مثل:

«ثقة، عين، حجّة، ثبت، صحيح»، فمن وصفه علماء الرجال بهذه الألفاظ يكون ثقة اصطلاحاً، وتعدّ روايته صحيحة، وأمّا إذا وصفه أهل الرجال بألفاظ نحو «صالح، فاضل، ضابط، مسكون إليه، صدوق، خيّر» ونظيرها فهي مدح، ويعدّ حديثه حسناً، وأمّا كلمة «خيّر» إمّا بتشديد الياء فهي علي وزن: فيعل، وإمّا بدون التشديد فهي علي وزن: فعل، إمّا مصدر، أو اسم تفضيل.

2. عليّ بن محمّد بن عبداللّه

أقوال العلماء فيه:

في معجم رجال الحديث: عليّ بن محمّد بن عبداللّه القمّي: من مشايخ الكليني، روي عن أحمد بن محمّد بن خالد(3). ثمّ إنّ الأردبيلي ذكر روايته عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الكافي: باب: أنّ المملوك يكون بين شركاء يعتق أحدهم نصيبه، وهو سهو منه قدس سره، فليس في ذلك الباب رواية عن عليّ بن

********

(1) . خلاصة الرجال ص 47/100، رجال النجاشي ص 682/260، منتهي المقال ج 5 ص 50.

(2) . الوجيزة ص 1271/263.

(3) . الكافي، ج 5، باب الإجمال في الطلب من كتاب المعيشة، الحديث 7 و 8.

ص: 490

محمّد بن عبداللّه، وذكر روايته في عدّة مواضع من الكافي و التهذيب، وهو خلط جزماً فإنّ المذكور في تلك المواضع عليّ بن محمّد بن عبداللّه بغير تقييد بالقمّي، وروايته عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه كثيرة جدّاً، ولا تنحصر بما ذكره من الأحاديث.

بقي الكلام في تعيين المترجم، وبيان أنّه مَن هو؟ فقد يتبادر في الذهن أوّلاً أنّه عليّ بن محمّد بن بندار، كما قلنا ذلك في عليّ بن محمّد بن عبداللّه الذي يروي عنه الكليني كثيراً، فإنّ محمّد بن بندار هو محمّد بن أبي القاسم عبداللّه، الذي ذكر النجاشي أنّه سيّد من أصحابنا القميّين، ولكن يبعد ذلك تعبير الكافي، فإنّه ذكر رواية عن عليّ بن محمّد، عن سهل، ثمّ ذكر رواية عليّ بن محمّد بن عبداللّه القمّي، عن أحمد بن أبي عبداللّه، ثمّ ذكر رواية عنه (أحمد بن أبي عبداللّه) عن أبي فضّال، ثمّ ذكر رواية عن عليّ بن محمّد، عن أبي جمهور، والظاهر من العبارة أنّ عليّ بن عبداللّه القمّي مُغاير لمن ذكر قبله، وبعده، واللّه العالم(1).

وفي كتاب قاموس الرجال: عليّ بن محمّد بن عبداللّه القمّي، قال: روي الكافي عنه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، وعنه، عن أبيه، عن محمّد بن عيسي، وعنه، عن أبيه عن أحمد البرقي، وإبراهيم بن إسحاق الأحمر، والسيّاري. أقول: الأصل في عنوانه الجامع، وقول المصنّف: عن أبيه، عن أحمد البرقي، وإبراهيم، والسيّاري، غلط، فليس فيها: «عن أبيه»، وموضوعها التسليم، والفيء ونوادر التيمّم، كما أنّ الأوّل: في المملوك بين شركائه،

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 12 ص 8439/152 طبع قم، منشورات مدينة العلم.

ص: 491

والثاني: في أنّ الأئمّة عليهم السلام في العلم والشجاعة والطاعة سواء، ثمّ لا يبعد كونه السابق(1).

وفي كتاب جامع الرواة قال: عليّ بن محمّد بن عبداللّه القمّي، روي محمّد ابن يعقوب عنه، عن أحمد بن محمّد بن خالد في [في] في باب: المملوك بين شركاء يعتق أحدهم نصيبه، وفي باب: الإجمال في طلب الرزق. محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه، عن أحمد بن محمّد في [يب] في باب: من الزيادات في الزكاة. عنه، عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه، عن أبيه، عن محمّد بن عيسي في [في] في باب: أنّ الأئمّة عليهم السلام في العلم والشجاعة والطاعة سواء. عنه، عن أحمد بن محمّد البرقي في باب: التسليم وفضل المسلِّمين، عنه عن السيّاري في باب: النهي عن الإشراف علي قبر النبيّ صلي الله عليه و آله، وفي باب:

الفيء والأنفال، في آخر كتاب الحجّة. عنه، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر في باب: النوادر، بعد أبواب التيمّم(2).

لم يورده صاحب منتهي المقال، وما ورد فيه توثيق ولا مدح، فعليه يبقي صرف شيخوخة الكليني.

3. أحمد بن عبداللّه

أقوال العلماء فيه:

جاء في معجم رجال الحديث: أحمد بن عبداللّه بن أُميّة = أحمد بن عبداللّه

********

(1) . قاموس الرجال ج 7 ص 5306/562، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، طبع 1415.

(2) . جامع الرواة ص 600، الطبع 1403 قم - إيران، منشورات مكتبة المرعشي.

ص: 492

ابن أحمد = أحمد بن عبداللّه ابن بنت البرقي.

هو من مشايخ الكليني، يروي عن أحمد بن محمّد بن خالد. ذكره العلّامة في الفائدة الثالثة من الخلاصة. ويحتمل أن يكون متّحداً مع أحمد بن عبداللّه ابن بنت البرقي الآتي(1).

وجاء فيه أيضاً: أحمد بن عبداللّه بن أبي عبداللّه: روي عن جدّه أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، وروي عنه ابنه عليّ، ذكره الصدوق في المشيخة في طريقه إلي محمّد بن مسلم، وإلي ما كان فيه: جاء نفر من اليهود إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله(2).

وجاء كذلك: أحمد بن عبداللّه ابن بنت البرقي، روي عن جدّه أحمد بن محمّد، وروي عنه: الحسين بن حمزة العلوي الطبري، ذكره الشيخ في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد.

أقول: يظهر من النجاشي في ترجمة محمّد بن خالد بن عبدالرحمن أنّ عبداللّه هو ابن أحمد بن أبي عبداللّه، محمّد بن خالد البرقي، وكذلك في كمال الدين للصدوق، الباب 22، الحديث 65، وكذا في المشيخة كما تقدّم، وحينئذٍ يكون أحمد حفيد البرقي لا ابن بنته، وكيف كان فلم يذكر أحمد هذا بمدح ولا بقدح(3).

وذكر العلّامة قدس سره في «صه» هكذا: قال الشيخ الصدوق محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ابن عيسي، والمراد بقولي: عدّة من أصحابنا: محمّد بن يحيي، وعليّ بن

********

(1) . معجم رجال الحديث ج 2 ص 631/137.

(2) . نفس المصدر، ص 136 رقم 628.

(3) . نفس المصدر، رقم 632.

ص: 493

موسي الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم. وتقدّم مثل هذا القول عن «جش» في ترجمة محمّد بن يعقوب.

ثمّ قال عنه روّح اللّه روحه: كلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن أُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن أُميّة، وعليّ بن الحسن.

ثمّ قال عنه: وكلّما ذكرته في كتابي....

وفي منتهي المقال(1): أحمد بن عبداللّه بن أحمد: ابن أبي عبداللّه البرقي.

في «تعق»: سيجيء في طريق الفقيه إلي محمّد بن مسلم، وتصحيح العلّامة بعض روايات ابن مسلم مع النسبة إلي الصدوق علي وجه ظاهره أنّه من الفقيه.

وقال جدّي: الظاهر أنّه ثقة عند الصدوق لاعتماده في كثير من الروايات عليه.

ويحتمل كونه ابن البنت البرقي الذي يروي عنه، بأن يكون عبداللّه، ابن بنته، فنسب إلي جدّه، أو يكون والد عبداللّه هو محمّد بن أبي القاسم. فلاحظ ترجمته. ويؤيّده تكنّي محمّد بأبي عبداللّه. لكن كون محمّد، ابن بنته ربّما يبعد روايته عنه؛ فتأمّل.

أو يكون ابن بنت البرقي لقب أحمد ويكون عبداللّه صهر البرقي، كما ذكره في عليّ بن أبي القاسم، فلاحظ.

وفي المعراج: وقد يعدّ من مشايخ الإجازات، وهو غير بعيد، بل لا يبعد أن يكون عبداللّه بن أُميّة الذي يروي عنه الكليني - وهو أحد العدّة التي يروي عن أحمد بن محمّد بن خالد بواسطتها - هو هذا الرجل، وأُميّة تصحيف: ابنته،

********

(1) . منتهي المقال في أحوال الرجال ج 1 ص 162/272.

ص: 494

ليوافق ما في ترجمة البرقي وغيرها: أنّ الراوي عنه أحمد، ابن بنته، وإلي هذا مال المحقّق الشيخ محمّد(1).

قلت: في شرح المقدّس الصالح علي الكافي: أحمد بن عبداللّه ابن بنت أحمد بن محمّد البرقي.

وفي نقد الرجال(2): أحمد بن عبد بن أحمد (أحمد بن عبداللّه بن أحمد).

الرفاء، أخونا، مات قريب السنّ رحمه الله، له كتاب الجمعة، رجال النجاشي.

وفي رجال ابن داود راوياً عن النجاشي: أحمد بن عبداللّه بن أحمد.

وفي قاموس الرجال(3): أحمد بن عبداللّه بن أحمد: يروي عن جدّه، ويروي عنه الكليني، وهو أحد عدّته في طريقه إلي أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، والظاهر أنّ ما في آخر الخلاصة في عدّة الكليني عن أحمد ذاك بلفظ «أحمد بن عبداللّه بن أبيه» محرّف «أحمد بن عبداللّه ابن ابنه» وإنّما النسّاخ أسقطوا ألف الابن بعد عبداللّه كما حرّفوا النون في «ابنه» بالياء. رجال النجاشي(4).

وفي الختام نقول: إنّه علي المنهج السندي يُعدّ من المجاهيل والمهملين وأمّا علي المنهج الصدوري فهو من الثقات، لأنّه من مشايخ الإجازة، ولذلك قال الوحيد: والظاهر كونه من مشايخ الكليني، وظاهره كونه من المعتَمَدِين، بل

********

(1) . تعليقة منهج المقال ص 37، شرح اُصول الكافي ج 2 ص 88، منتهي المقال ج 1 ص 273.

(2) . نقد الرجال ج 1 ص 130 الرقم 75/250.

(3) . قاموس الرجال ج 1 ص 403/491.

(4) . رجال النجاشي ص 205/85.

ص: 495

والثقات(1)، وهو أحمد بن عبداللّه بن أحمد، كما مرّ في معجم رجال الحديث(2).

وعن العلّامة محمّد تقي المجلسي أيضاً: هو ثقة لوقوعه في طريق الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه إلي محمّد بن مسلم، وقد صحّح العلّامة كثيراً من روايات محمّد بن مسلم مع كونه في طريقه، وهو ثقة عند الصدوق، لاعتماده عليه(3).

4. عليّ بن الحسن بن عليّ
اشارة

أقوال العلماء فيه:

في جامع الرواة: روي عن أحمد بن الحسين بن عمرو، وروي عنه محمّد ابن يحيي(4).

وروي عن عبّاد بن يعقوب، وروي عنه محمّد بن يحيي(5).

وروي عن العبّاس بن عامر، وروي عنه أحمد بن محمّد(6).

وروي عن عبدالرحمن بن أبي نجران، وروي عنه أحمد بن محمّد الكوفي(7).

********

(1) . تعليقة منهج المقال ص 37، منتهي المقال ج 1 ص 276.

(2) . منتهي المقال ج 1 ص 272.

(3) . من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 6، المشيخة، روضة المتقين ج 14 ص 74.

(4) . الكافي، ج 6، كتاب الأطعمة 6، باب الأُشنان والسُعد 134، الحديث 3.

(5) . الكافي، ج 3، كتاب الصلاة 4، باب قراءة القرآن 21، الحديث 3.

(6) . الكافي، ج 5، كتاب النكاح 3، باب الوقت الذي يكره فيه التزويج 40، الحديث 1.

(7) . الروضة، الحديث 387 و 388، جامع الرواة ج 1 ص 572.

ص: 496

وروي عن عثمان، وروي عنه محمّد بن يحيي(1).

وفي مجمع الرجال: عليّ بن الحسن: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عنه، عن أبي محمّد عليه السلام في [في] في مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام(2).

نظرة تحليليّة:

وبعد، لم نجد له توثيق ولا مدح، فهو علي الظاهر من المجاهيل، بل ولم يذكروا فيه قرائن للتوثيق، فراجع الكتب التالية من: المعجم، و مستدركات علم الرجال، و قاموس الرجال(3).

والحاصل أنّه روي عنه محمّد بن يحيي من مشايخ الكليني.

********

(1) . الكافي، ج 3، كتاب الصلاة 4، باب مسجد السهلة 103، الحديث 28.

(2) . مجمع الرجال ج 3 ص 178.

(3) . معجم رجال الحديث ج 11 ص 329، مستدركات علم الرجال ج 5 ص 332، قاموس الرجال ج 1 ص 412.

ص: 497

ص: 498

المصادر

1 - آلاء الرحمن، محمّد جواد البلاغي، تحقيق مؤسّسة البعثة، قم.

2 - إحقاق الحق، قاضي نور اللّه الشوشتري (1019 ه ق)، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم.

3 - إختيار معرفة الرجال، محمّد بن عمر الكشي، جامعة فردوسي، مشهد.

4 - إرشاد الأذهان، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (726 ه ق)، تحقيق فارس الحسّون، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

5 - إرشاد العقول إلي علم الأصول، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم.

6 - الاستبصار، محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه ق)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

7 - اُصول علم الرجال، عبدالهادي الفضلي، منشورات اُمّ القري، قم.

8 - إفاضة القدير في أحكام العصير، الشيخ فتح اللّه الشريعة، الأصفهاني.

9 - إكمال الدين، محمّد بن علي بن بابويه القمي، مكتبة الصدوق، طهران.

10 - الأربعون حديثاً، بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي (1030 ه ق) مع تعليقات هامة للعلّامة المحقّق محمّد إسماعيل المازندراني الخواجوئي (1173 ه ق)، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة عاشوراء 1426 ه ق.

11 - الأربعون حديثاً، محمّد بن الحسين العاملي (1030 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

12 - الانتصار، السيّد مرتضي علم الهدي، قم.

13 - إيضاح الاشتباه، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (726 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

14 - أصول علم الرجال، مسلم الداوري، قم.

15 - أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، دار التعارف، قم.

16 - أمالي الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه القمي (381 ه ق)، مؤسّسة الأعلمي، بيروت.

ص: 499

17 - أمل الآمل، الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1104 ه ق)، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، قم.

18 - أمل الآمل، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1104 ه ق)، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، قم.

19 - أوثق الوسائل، الميرزا موسي التبريزي، منشورات بصيرتي، قم.

20 - بازشناسي منابع اصلي رجال شيعه - بالفارسيّة -، رسول طلائيان، دار الحديث، قم.

21 - الباعث الحثيث، شرح اختصار علوم الحديث، الماتن أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشامي (701-774 ه ق)، الشارح أحمد محمّد شاكر، مؤسّسة الكتب الثقافيّة، بيروت 1408 ه ق.

22 - بحوث في الأصول، السيّد محمّد باقر الصدر (1400 ه ق)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

23 - بحوث في العروة، الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

24 - البدر الزاهر، حسين علي المنتظري، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

25 - بررسي اعتبار مراسيل - بالفارسيّة -، محمّد حسن الربّاني، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

26 - البرهان، السيّد هاشم البحراني، مؤسّسة الأعلمي، بيروت.

27 - بصائر الدرجات، محمّد بن الحسن الصفّار، قم.

28 - بهجة الآمال، المولي علي علياري، مؤسّسة كوشانپور، طهران.

29 - البيع، الإمام السيّد روح اللّه الخميني، كتاب البيع، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم.

30 - تاج العروس من جواهر القاموس، السيّد محمّد مرتضي الحسيني الزبيدي، تحقيق مصطفي الحجازي، مطبعة الكويت 1409 ه. ق.

31 - تاريخ حديث شيعه - بالفارسيّة -، مجيد معارف، مؤسّسة فرهنگي ضريح، طهران.

32 - تاريخ عموي حديث - بالفارسيّة -، مجيد معارف، انتشارات كوير، طهران 1388.

33 - تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (726 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

34 - تعليقة علي الرسالة الصومية، مولي إسماعيل خواجوئي (1172 ه ق)، تحقيق رجائي، مؤسّسة إحياء آثار العلّامة الخواجوئي، قم.

35 - تعليقة منهج المقال، محمّد باقر الوحيد البهبهاني، الطبع الحجري، طهران.

ص: 500

36 - تفسير القمّي، علي بن إبراهيم القمي، منشورات دار الكتاب الجزائري، قم.

37 - التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب، محمّد هادي معرفت، الجامعة الرضويّة، مشهد.

38 - تفصيل الشريعة، الخمس، محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار، قم.

39 - تفصيل الشريعة، كتاب الحدود، محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السلام، قم.

40 - تقريرات آية اللّه البروجردي.

41 - التنقيح الرائع، المقداد بن عبداللّه السيّوري (826 ه ق)، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم.

42 - تنقيح المقال، عبداللّه المامقاني، النجف.

43 - تهذيب الأحكام، محمّد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

44 - تهذيب التهذيب، شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني (852 ه. ق)، تحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت.

45 - الثقات، ابن حبّان البستي، دار المعرفة، بيروت.

46 - جامع الرواة، محمّد بن علي الأردبيلي (1110 ه ق)، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم.

47 - جامع المقاصد، علي بن عبد العالي الكركي (940 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

48 - جامع أحاديث الشيعة، السيد حسين البروجردي (1380 ه ق)، قم.

49 - الجامع للشرائع، يحيي بن سعيد الحلّي، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، قم.

50 - جمل العلم والعمل، السيّد مرتضي علم الهدي، جامعة فردوسي مشهد.

51 - جواهر الكلام، الشيخ محمّد حسن النجفي (1261 ه ق)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

52 - حاشية مجمع الفائدة والبرهان، محمّد باقر وحيد البهبهاني (1205 ه ق)، مؤسّسة المجدد الوحيد البهبهاني، قم.

53 - حاوي الأقوال في معرفة الرجال، الشيخ عبد النبيّ الجزائري، قم.

54 - الحبل المتين، محمّد بن الحسين البهائي العاملي، مكتبة داوري، قم.

55 - الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني (1186 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

56 - الحواشي علي الروضة، آقا جمال الخوانساري (1125 ه ق)، مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم.

ص: 501

57 - الخصال، محمّد بن علي بن بابويه القمي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

58 - خلاصة الرجال، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي، قم.

59 - الخلاف، محمّد بن الحسن الطوسي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

60 - الخمس، السيّد محمود الهاشمي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

61 - الخمس، الشيخ مرتضي الأنصاري، مهرجان الشيخ الأنصاري، قم.

62 - دائرة المعارف الإسلاميّة الشيعيّة، السيّد حسن الأمين، دار التعارف، بيروت.

63 - دانش رجال الحديث - بالفارسيّة -، محمّد حسن الربّاني، مؤسّسة به نشر، مشهد.

64 - دانشنامه قرآن - بالفارسيّة -، بهاء الدين الخرمشاهي، طهران.

65 - دراسات في الحديث والمحدّثين، هاشم معروف الحسني، بيروت.

66 - دراسات في ولاية الفقيه، حسين علي المنتظري، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

67 - دراسة حول الأصول الأربعمائة، محمّد حسين الحسيني الجلالي، مؤسّسة الأعلمي، طهران.

68 - الدراية، زين الدين الجُبَعي العاملي، النجف.

69 - الدروس الشرعيّة، محمّد بن مكّي العاملي (886 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

70 - الدفاع عن الكافي، هاشم ثامر العميدي، بيروت.

71 - ذخيرة المعاد، محمّد باقر السبزواري (1090 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

72 - الذريعة إلي تصانيف الشيعة، محمّد محسن الطهراني، مؤسّسة إسماعيليان، قم.

73 - ذكري الشيعة، محمّد بن مكّي العاملي، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

74 - رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي، جامعة طهران.

75 - رجال الخاقاني، الشيخ عليّ الخاقاني، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

76 - رجال الشيخ، محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه ق)، المطبعة الحيدريّة، النجف.

77 - رجال النجاشي، أحمد بن عليّ النجاشي (450 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

78 - الرسائل.

79 - الرعاية، زين الدين الجُبَعي العاملي، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم.

ص: 502

80 - الرواشح السماويّة، السيّد محمّد باقر الحسيني الإسترآبادي (1040 ه ق)، تحقيق نعمة اللّه الحلبي، غلام حسين قيصريه ها، دار الحديث 1422 ه ق.

81 - روضات الجنّات، السيّد محمّد باقر الخوانساري (1313 ه ق)، مؤسّسة إسماعيليان قم.

82 - روض الجنان، زين الدين الجبعي العاملي (911-965 ه ق)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

83 - الروضة البهيّة، زين الدين الجُبَعي العاملي (911-965 ه ق)، دار العالم الإسلامي، بيروت.

84 - روضة المتّقين، المولي محمّد تقي المجلسي (1070 ه ق)، مؤسّسة كوشانپور، طهران.

85 - رياض العلماء، الميرزا عبداللّه الأفندي، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم.

86 - ريحانة الأدب، محمّد علي المدرّس التبريزي، مكتبة خيّام، طهران.

87 - زاد المجتهدين، الشيخ حسين البحراني.

88 - زبدة البيان، المولي أحمد الأردبيلي (993 ه ق)، المكتبة المرتضويّة، طهران.

89 - سبك شناسي دانش رجال الحديث - بالفارسيّة -، محمّد حسن الربّاني، مركز فقه الأئمّة الأطهار، قم.

90 - السرائر الحاوي للفتاوي، محمّد بن إدريس الحلّي (597 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

91 - سفرنامه ناصر خسرو قبادياني مروزي - بالفارسيّة -، بكوشش دكتر محمّد دبير سياقي، كتابفروشي زوّار 1373 ه.

ش.

92 - سماء المقال، أبو الهدي كلباسي، دار الحديث، قم.

93 - الشذا الفيّاح من علوم ابن الصلاح، برهان الدين الأبناسي (725-802 ه ق)، تحقيق صلاح فتحي هَلَل، مكتبة الرشد، الرياض 1418 ه ق.

94 - شرح أصول الكافي، المولي صالح مازندراني (1086 ه ق)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

95 - شرح خيارات اللمعة، الشيخ عليّ كاشف الغطاء (1252 ه ق) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم 1422 ه ق.

96 - شعب المقال، النراقي، مهرجان النراقيّين، قم.

ص: 503

97 - صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري (261 ه. ق)، تحقيق موسي شاهين لاشين، أحمد عمر هاشم، مؤسّسة عزّ الدين، بيروت 1407 ه. ق.

98 - صحيح مسلم بشرح النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

99 - صحيفة الرضا عليه السلام، المنسوب إلي الإمام الرضا، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

100 - الصلاة، الشيخ مرتضي الأنصاري (1281 ه ق)، مهرجان الشيخ الأنصاري، قم.

101 - طبقات أعلام الشيعة، الشيخ محمّد محسن الطهراني، بيروت.

102 - الطهارة، الشيخ مرتضي الأنصاري، مهرجان الشيخ الأنصاري، قم.

103 - العدّة في اُصول الفقه، محمّد بن الحسن الطوسي، مطبعة ستارة، قم.

104 - العلّامة المجلسي، علي دواني، مؤسّسة أمير كبير، طهران.

105 - عوائد الأيّام، المولي أحمد النراقي (1245 ه ق)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

106 - عوالي اللآلي، ابن أبي جمهور الأحسائي، مؤسّسة سيّد الشهداء، قم.

107 - عيون أخبار الرضا عليه السلام، محمد بن عليّ بن بابويه القمّي (381 ه ق)، منشورات الرضي، قم.

108 - غاية المراد، محمّد بن المكّي العاملي (886 ه ق)، تحقيق رضا مختاري، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

109 - الغدير، الشيخ عبدالحسين الأميني، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

110 - غنائم الأيّام، الميرزا أبوالقاسم القمي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

111 - غنيمة المعاد، المولي محمّد صالح برغاني (1272 ه ق)، بنگاه كتاب، طهران.

112 - الغيبة، محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه ق)، مكتبة نينوا، طهران.

113 - فرهنگ نامه امثال و واژگان گازاري - بالفارسيّة -، محمّد حسن الربّاني، مشهد.

114 - فقه الشيعة، الشيخ مهدي الخلخالي.

115 - الفقه الإسلامي منابعه وأدواره، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، قم.

116 - الفوائد الحائريّة، محمّدباقر الوحيد البهبهاني، مجمع الفكر الإسلامي، قم.

117 - الفوائد الرجاليّة، السيّد مهدي بحر العلوم (1212 ه ق)، مكتبة الصادق، طهران.

ص: 504

118 - الفوائد الرضويّة، الشيخ عبّاس القمي (1359 ه ق)، منشورات المركزي، طهران.

119 - الفهرست، محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه ق)، المطبعة الحيدريّة، النجف.

120 - القاموس المحيط، محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسّسة الرسالة، بيروت.

121 - القضاء في الفقه الإسلامي، السيّد كاظم الحائري، مجمع الفكر الإسلامي، قم.

122 - الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني (328 ه ق)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

123 - الكافي، المقدّمة، حسين علي محفوظ، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

124 - الكليني وكتابه الكافي.

125 - الكني والألقاب، الشيخ عبّاس القمّي (1359 ه ق)، مكتبة الصدر، طهران.

126 - المحصول في علم الأصول، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، قم.

127 - المعتبر، أبوالقاسم، جعفر بن سعيد الحلّي (675 ه ق)، مؤسّسة سيّد الشهداء، قم.

128 - المعجم الكبير، أبوالقاسم سليمان بن أحمد الطبراني (260-360 ه ق)، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء الحديثة، موصل 1405 ه ق.

129 - المقنع، محمّد بن علي بن بابويه القمي، مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام، قم.

130 - الوافي، محمّد محسن الفيض الكاشاني (1091 ه ق)، مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام، أصفهان.

131 - الوجيزة، محمّد بن الحسين العاملي البهائي (1030 ه ق)، قم.

132 - فقه وفقهاي اماميه در گذر زمان - بالفارسيّة -، محمّد حسن الربّاني، نشر بين الملل، طهران.

133 - فوائد الأصول، محمّد علي كاظميني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

134 - قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، السيّد علي السيستاني، مكتب آية اللّه السيستاني، قم.

135 - قاموس الرجال، محمّد تقي الشوشتري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

136 - قواعد الحديث، السيّد الغريفي، دار الأضواء، بيروت.

137 - القواعد الفقهيّة، محمّد تقي الفقيه، دار الأضواء، بيروت.

138 - قوانين الاُصول المحكمة، الميرزا أبوالقاسم القمي (1222 ه ق)، المكتبة الإسلاميّة، طهران.

139 - كشف الرموز، حسن بن يوسف الآبي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

ص: 505

140 - كشف الظنون، حاجي خليفة، قاضي الچلبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

141 - كليّات في علم الرجال، الشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام.

142 - كمال الدين، محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

143 - كنز العرفان عن فقه القرآن، جمال الدين أبو عبداللّه مقداد بن عبداللّه السيوري (826 ه. ق)، تحقيق السيّد محمّد القاضي، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، قم 1422 ه. ق.

144 - كنز العمّال، حسام الدين المتقي الهندي، مؤسّسة الرسالة، بيروت.

145 - لؤلؤة البحرين، الشيخ يوسف البحراني (1186 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

146 - مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي (1086 ه. ق)، المكتبة المرتضويّة، طهران.

147 - مجمع الفائدة والبرهان، أحمد الأردبيلي (993 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

148 - مختلف الشيعة، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (726 ه ق)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

149 - مدارك الأحكام، السيّد محمّد الموسوي العاملي (1009 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

150 - مدارك الأحكام، السيّد محمّد الموسوي العاملي، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

151 - مرآة العقول، محمّد باقر المجلسي (1110 ه ق)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

152 - مسالك الإفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين الجُبَعي العاملي (911-965 ه. ق)، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم.

153 - مستدرك الوسائل، الميرزا حسين نوري (1320 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

154 - مستدرك وسائل الشيعة، الميرزا حسين النوري، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

155 - مستمسك العروة الوثقي، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، منشورات إسماعيليان، قم.

156 - مستند الشيعة، المولي أحمد النراقي (1245 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

157 - مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، مدينة العلم، قم.

158 - مشرق الشمسين، محمّد بن الحسن البهائي العاملي (1030 ه. ق)، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد.

159 - مصباح الأصول، السيّد أبوالقاسم الخوئي، مكتبة داوري، قم.

ص: 506

160 - مصباح الفقيه، الحاج آغا رضا الهمداني (1320 ه ق)، مكتبة الصدر، طهران.

161 - المصباح المنير، أحمد بن عليّ الفيّومي (770 ه ق)، مكتبة لبنان، بيروت.

162 - معالم الأصول، الشيخ حسن العاملي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

163 - معالم العلماء، عليّ بن شهرآشوب المازندراني، طهران.

164 - معاني الأخبار، محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، دار المعرفة، بيروت.

165 - معجم الرواة والثقات وترتيب الطبقات، الشيخ حسين النوري الهمداني، فيضيّة، قم 1393 ش.

166 - معجم الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، اعتني به جليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت.

167 - معجم رجال الحديث، السيّد أبوالقاسم الخوئي (1413 ه ق)، دار الزهراء، بيروت.

168 - معراج أهل الكمال، المولي أمين الكاظمي، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم.

169 - معرفة الحديث، الشيخ محمّد باقر البهبودي، مؤسّسة الأعلمي، طهران.

170 - مفاتيح الأصول، السيّد محمّد مجاهد (1342 ه. ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

171 - مفاخر إسلام - بالفارسيّة -، علي الدواني، مؤسّسة أمير كبير، طهران.

172 - مفتاح الفلاح، محمّد بن الحسين العاملي (1030 ه ق)، مؤسّسة حكمت، طهران.

173 - مفتاح الكرامة، السيّد محمّد جواد العاملي (1226 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

174 - مقباس الهداية، الشيخ عبداللّه المامقاني (1353 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

175 - مناقب آل أبي طالب، أبو جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني، تحقيق يوسف البقاعي، انتشارات ذي القربي، قم 1421 ه ق.

176 - مناهج الأحكام، الميرزا أبوالقاسم القمي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

177 - منتقي الجمان، الشيخ حسن العاملي (1009 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

178 - منتهي الاُصول، الميرزا محمّد حسن البجنوردي، قم.

179 - منتهي المطلب، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد.

ص: 507

180 - منتهي المطلب، المقدّمة، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد.

181 - منتهي المقال، المولي إسماعيل الحائري (1216 ه ق)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

182 - من لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن بابويه القمي (381 ه ق)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

183 - منهاج الفقاهة، السيّد صادق الروحاني، قم.

184 - موسوعة الإمام الخوئي، السيّد أبوالقاسم الخوئي، مركز الإمام الخوئي، قم.

185 - نقد الرجال، السيّد مصطفي التفرشي، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، قم.

186 - نكت النهاية، جعفر بن سعيد الحلّي (675 ه ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

187 - نهاية التقرير، محمّد فاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار، قم.

188 - نهاية الدراية، السيد حسن الصدر (1352 ه ق)، قم.

189 - نهاية المرام، السيّد محمّد الموسوي العاملي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

190 - وسائل الشيعة، محمّد بن الحسن العاملي (1104 ه ق)، المكتبة الإسلاميّة، طهران.

191 - ولايت فقيه در حكومت اسلام - بالفارسيّة -، السيّد محمّد الحسيني الطهراني، منشورات حكمت، طهران.

192 - هداية الاُمّة، الشيخ الحرّ العاملي، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد.

193 - يادنامه شيخ طوسي - بالفارسيّة -، مهرجان الشيخ الطوسي، جامعة الفردوسي، مشهد.

ص: 508

الفهرس

الفصل الخامس عشر: فِرَق الشيعة... 3

1. الكيسانيّة... 4

2. الزيديّة... 4

3. الناووسيّة... 5

4. الإسماعيليّة... 5

5. الفطحيّة أو الأفطحيّة... 6

6. الواقفيّة... 6

7. الخطّابيّة... 7

8. المُغِيريّة... 7

9. الغُلاة... 7

فقدان الضابطة الواحدة في الغلوّ... 7

تضعيف الراوي من حيث العمل... 10

الفصل السادس عشر: دور الإجازة في الفقه... 11

ص: 509

الخاتمة: الحركة الإفراطيّة في الجرح والتعديل... 65

* ابن الغضائري... 68

* أتباع ابن الغضائري... 79

* المولي إسماعيل الخواجوئي وعبد اللّه التستري... 87

* الاستاذ البهبودي... 96

المضعّفون عند الشيخ البهبودي... 100

رسالة أصحاب الإجماع... 127

الرسالة الأُولي: رسالة الإمام الخميني قدس سره... 133

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع... 133

المراد من تصديق أصحاب الإجماع وتصحيح ما يصحّ عنهم... 134

في وجه حجّيّة هذا الإجماع... 138

دعوي اتّكال الأصحاب علي إجماع الكَشّي وجوابها... 145

الرسالة الثانية: رسالة في نصوص رجاليّة حول قاعدة الإجماع... 153

قاعدة الإجماع... 153

وجه حجّيّة الإجماع... 156

المراد من القاعدة ومعناها... 158

أقوال العلماء حول القاعدة... 159

الجواب عن الإشكالات الخمسة... 172

أصحاب الإجماع وفقاهتهم... 174

أصحاب الإجماع... 176

ص: 510

نصوص رجاليّة حول قاعدة الإجماع... 185

مقدّمة البحث... 185

1. أبو بصير الليث بن البختري... 186

2. بريد بن معاوية... 194

3. زرارة بن أعيَن... 199

4. الفضيل بن يسار... 229

5. محمّد بن مسلم الطائفي الثقفي... 233

6. معروف بن خرّبوذ... 244

7. أبان بن عثمان... 247

8. جميل بن درّاج... 253

9. حمّاد بن عثمان... 257

10. حمّاد بن عيسي... 260

11. عبداللّه بن بكير... 264

12. ابن مُسكان... 270

13. أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي... 272

14. الحسن بن محبوب... 277

15. صفوان بن يحيي... 280

16. عبداللّه بن المغيرة... 287

17. محمّد بن أبي عمير... 289

هناك قاعدتان مهمّتان... 296

في أصحاب الرضا 304...7

18. في يونس بن عبدالرحمن أبي محمّد صاحب آل يقطين... 304

ص: 511

خاتمة... 323

الفائدة الأُولي: الخبر الصحيح... 323

الفائدة الثانية: مصادر قاعدة الإجماع... 332

الفائدة الثالثة: توثيق الراوي ولو كان النقل مع الواسطة... 334

الفائدة الرابعة: تطوّر القاعدة عبر تاريخ الفقه والرجال والحديث الإسلامي الشيعي... 337

الفائدة الخامسة... 345

الفائدة السادسة... 350

الفائدة السابعة... 358

نصوص تحليليّة مختارة: في معرفة عدّة الكليني... 365

المقدّمة الأولي... 365

دَلالة حجيّة قول الرجاليّين إن كان من المتقدّمين... 367

حجيّة قول الرجالي المتأخّر... 368

المقدّمة الثانية... 387

العدّة ليست مرسلة... 388

الرسائل المنفردة حول الموضوع... 389

القسم الأوّل: عدّة محمّد بن عيسي... 390

محمّد بن عيسي بن عبداللّه... 390

ما معني تصحيح السند في توثيق الرواة؟... 391

1. عليّ بن إبراهيم... 392

المحصّلة النهائيّة... 397

ص: 512

قاعدة كلّيّة رجاليّة... 399

2. محمّد بن يحيي... 405

المُحصِّلَة النهائيّة... 407

3. أحمد بن إدريس... 409

المحصّلة النهائيّة... 413

4. داود بن كورة... 415

المحصّلة النهائيّة... 416

5. عليّ بن موسي الكمنداني... 421

القسم الثاني: عدّة سهل بن زياد... 423

سهل بن زياد... 423

المحصّلة النهائيّة... 428

العدّة عن سهل هم:... 441

1. محمّد بن عقيل... 442

2. محمّد بن أبي عبداللّه... 444

اختلاف الكتب... 448

اختلاف النسخ... 450

المحصّلة النهائيّة... 451

3. محمّد بن الحسن الصفّار... 454

اختلاف الكتب... 461

اختلاف النسخ... 463

المحصّلة النهائيّة... 465

ص: 513

القسم الثالث: عدّة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي... 469

المحصّلة النهائيّة... 481

والعدّة عن البرقي هم:... 486

1. عليّ بن محمّد بن إبراهيم... 486

المحصّلة النهائيّة... 489

2. عليّ بن محمّد بن عبداللّه... 490

3. أحمد بن عبداللّه... 492

4. عليّ بن الحسن بن عليّ... 496

نظرة تحليليّة:... 497

المصادر... 499

الفهرس... 509

ص: 514

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.