مناهج الفقهاء في علم الرجال ودورها في الفقه : دراسة في مباني منهج الوثوق الصُّدوري والسَّنَدي عند الفقهاء المجلد 1

اشارة

سرشناسه:رباني، محمدحسن، 1343-

عنوان و نام پديدآور:مناهج الفقهاء في علم الرجال و دورها في الفقه: دراسه في مباني منهج الوثوق الصدوري والسندي عندالفقهاء/ تاليف محمدحسن الرباني.

مشخصات نشر:مشهد: مجمع البحوث الاسلاميه، 1439ق.= 1396 -

مشخصات ظاهري:2 ج.

شابك:370000 ريال: ج.1 978-600-06-0219-2 : ؛ ج.2 978-600-06-0220-8 :

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:ج.1 چاپ سوم: 1442 ق= 1399 (فيپا).

يادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1400 ) (فيپا) .

يادداشت:كتابنامه.

عنوان ديگر:دراسه في مباني منهج الوثوق الصدوري والسندي عندالفقهاء.

موضوع:حديث -- علم الرجال

Hadith -- *Ilm al-Rijal

شناسه افزوده:بنياد پژوهشهاي اسلامي

شناسه افزوده:Islamic Research foundation

رده بندي كنگره:BP114/ر2م8 1396

رده بندي ديويي:297/264

شماره كتابشناسي ملي:5068596

اطلاعات ركورد كتابشناسي:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

كلمة الناشر

عن عبد السّلام الهرويّ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، قال: «رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا»، فقلت له: و كيف يحيي أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا و يعلّمها النّاس، فإنّ النّاس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا»(1).

نحمد اللّه العظيم العليم، حمدا لا حصرله و لاحدّ، إذ جعل غاية خلق الإنسان معرفة صفاته، و عبادة ذاته، فقال جلّ و عزّ: وَ ما خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (2)، و نصلّي علي الأنبياء أجمعين، و لا سيّما خاتم الأنبياء و المرسلين محمّد المصطفي صلّي اللّه عليه و آله، إذ مهّدوا الطريق لهذا الهدف السّامي بالتزكيّة و تعليم الكتاب و الحكمة، و نسلّم علي الأئمّة المعصومين، و نخصّ بالسّلام منهم عالم آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله، الإمام عليّ بن موسي الرّضا عليه السّلام، كوكب سماء المعرفة و العبوديّة السّاطعة، و دليل الخلق إلي صراط العلم و العبوديّة المستقيمة، و نحيّي العلماء و الباحثين الّذين عكفوا علي إحياء أمر إمامة المسلمين و ولاية أمير المؤمنين من خلال نشر العلوم و المعارف الإسلامية طول التّاريخ، و أطلعوا النّاس علي محاسن

ص: 3


1- - عيون أخبار الرّضا 307:1.
2- - الذّاريات/ 56.

ثقافة أهل البيت الأصيلة.

لقد تأسّس مجمع البحوث الإسلاميّة التّابع للعتبة الرّضويّة المقدّسة سنة 1363 ه - ش (1984 م) حسب الأمر الصادر عن السّادن الأعظم للعتبة و أمينها، و استلهاما ممّا كان ينشده قائد الثّورة الإسلاميّة الكبير سماحة الإمام الخمينيّ قدّس سرّه، و استمدادا من النّظرة الحكيمة لخلفه الصّالح، مرشد الثّورة الإسلاميّة سماحة آية اللّه العظمي السّيّد الخامنئيّ مدّ ظلّه الوارف، و استأنف المجمع عمله في التّحقيق و نشر العلوم الإسلاميّة و المعارف النّبويّة و سيرة أهل البيت عليهم السّلام في مجال تأمين ما يحتاج إليه المجتمع و النّظام الإسلاميّ و جيل الشّباب و زائر و الرّحاب الشّريف للإمام الرضا عليه السّلام، بعد تكوين أقسام تحقيقيّة و استثمار كفاءة أساتذة الحوزات العلميّة و الجامعات الإسلاميّة، فحاز - و الحمد للّه - نجاها باهرا في هذا الميدان.

انّ هذا الكتاب هو من تأليف أحد أساتذة و فضلاء حوزة مشهد العلميّة، سماحة حجّة الاسلام و المسلمين محمّد حسن الربّاني.

فقد قام المؤلّف بتقديم دراسة مفصّلة عن المناهج الرجاليّة للفقهاء، منطلقا بدراسته من المنهجين: الصدوريّ و السنديّ. راجين العليّ القدير أن ينتفع بهذا الكتاب القيّم طلاّب العلم و المعرفة.

مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضوية المقدّسة

ص: 4

بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ

الحمد للّه الّذي تواترت نعماؤه و تسلسلت و استفاضت آلاؤه و الصلاة و السلام علي خاتم رسله و المعصومين الاطايب من عترته.

اما بعد:

فقد استجاز منّي العلاّمة الحجة محمد حسن الرباني البيرجندي - دامت بركاته -.

فاجزته ان يروي عنّي ما صحت لي روايته عن مشايخي العظام من الشيعة و السنة، و لكثرتها و تشتّتها نقتصر بذكر طريق واحد و هو من اعالي الاسانيد و اقواها و اقدمها:

اروي عن شيخي و ملاذي الشيخ آغا بزرگ الطهراني (1293-1389 ه) و هو يروي عن شيخه العلاّمة الحاج الميرزا حسين النوري المتوفي (1320 ه) و هو يروي عن العلاّمة المرتضي الأنصاري التستري المدفون بباب القبلة من الصحن الغروي في (1281 ه)، و هو يروي عن أجلّ مشايخه آية اللّه السيّد محمّد مهدي بحر العلوم الطباطباني البروجردي النجفي المسكن و المدفن، في مقبرته الخاصّة الشهيرة في (1212 ه)، و هو يروي عن الشيخ الفقيه المحدّث الشيخ يوسف صاحب الحدائق المتوفّي و المدفون بالحائر الشريف الحسيني (1186 ه)، و هو يروي عن العلاّمة المدرّس المعمّر البالغ إلي مائة سنة المجاور للمشهد الرضوي حيّا و ميّتا توفّي بها (بعد سنة 1150 ه) أعني المولي محمّد رفيع بن فرج الجيلاني، و هو يروي عن شيخه العلاّمة المجلسي مؤلّف بحار الأنوار مولانا محمّد باقر المتوفّي في (1111 ه)، و هو يروي عن والده العلاّمة المولي محمّد تقي المجلسي المتوفّي في (1070 ه)، و هو يروي عن شيخه و شيخ الإسلام الشيخ بهاء الدين محمّد العاملي الاصفهاني المدفون بالمشهد الرضوي في (1030 ه)، و هو يروي عن والده الشيخ عزّ الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الجبعي المتوفّي في البحرين في (984 ه)، و هو يروي عن الشيخ السعيد زين الدين العاملي الشهيد في (966 ه)، و هو يروي عن الشيخ الفقيه علي بن عبد العالي الميسي المجاز من سميّه: الكركي، و هو يروي عن الشيخ محمّد بن محمّد بن محمّد بن داود المؤذّن الجزيني - ابن عمّ الشهيد - و هو يروي عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشيخ الشهيد قدّس سرّه و هو يروي عن والده الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي

ص: 5

العاملي الجزيني الشهيد ظلما في (786 ه)، و هو يروي عن فخر المحقّقين الشيخ أبي طالب محمد بن الحسن الحلّي المتوفّي (771 ه)، و هو يروي عن والده آية اللّه العلاّمة الحلّي الشيخ جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر المتوفّي (726 ه)، و هو يروي عن خاله و أستاذه الشيخ أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الحلّي المتوفّي (676 ه)، و هو يروي عن الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي، و هو يروي عن الشيخ رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المتوفّي عن ما يقرب مائة سنة (558 ه)، و هو يروي عن السيّد عماد الدين أبي الصمصام ذي الفقار بن محمّد بن معبد الحسيني، و هو يروي عن السيّد الشريف المرتضي علم الهدي المتوفّي (436 ه) و عن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفيّ (460 ه) و عن الشيخ أبي العباس المتوفّي (450 ه)، و كلّهم يروون عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمّي المتوفّي (368 ه)، و هو يروي عن الشيخ ثقة الإسلام الكليني محمّد بن يعقوب المتوفّي (328 ه) أو (329 ه)، و هو يروي كثيرا في كتابه الكافي عن الشيخ الجليل علي بن إبراهيم ابن هاشم القمّي المتوفّي بعد سنة (307 ه) كما يظهر من إجازته لجمع ممّن يروون عنه غير الكليني في هذا التاريخ، و أكثر روايات علي بن إبراهيم عن والده إبراهيم بن هاشم القمّي، و بقية الإسناد إلي الأئمّة المعصومين عليهم السّلام مذكورة في الكتب الأربعة.

فليرو دامت بركاته عنّي بهذا الإسناد لمن شاء و أحبّ، و الرجاء من مكارمه أن يذكرني بالدعاء في خلواته و أعقاب صلواته، و أن يلازم الإحتياط في سائر الحالات فإنّه طريق النجاة.

جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق قم المقدسة

9 /ربيع الأوّل من شهور سنة 1439 ه

ص: 6

المقدّمة

اشارة

الحمد للّه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنقص خزائنه، ولا تنفد نوائله، والصلاة والسلام علي خيرته في خلقه، وحافظ سرّه، ومبلّغ رسالاته، وخاتم أنبيائه ورسله أبي القاسم المصطفي محمّد، وعلي أهل بيته الطاهرين المعصومين، مصابيح الدجي، وسادة الوري، وأُسوة الورع والتقوي، سيّما بقيّته الثاني عشر، الموعود المنتظر.

بداية أقول: قد نشأ بعد الغيبة الصغري للإمام المنتظر (عجّل اللّه فرجه) منهجان لتوثيق الروايات؛ هما: المنهج الصدوري «وهو الاطمئنان لِصدور الرواية» والمنهج السندي «وهو الاطمئنان لِصحّة السند» والأوّلُ يهتمّ بالقرائن، والثاني بالسند.

وتصدّي المنهج الصدوري إلي غربلة الروايات، فكان من آثاره: وسائل الشيعة العامليّة، وجامع الأحاديث البروجرديّة، وآثار الثاني: التضعيفات الغضائريّة، ومنتقي الجمان العامليّة، وتهذيب الكافي، والجوامع الاُخري البهبوديّة، ولكي نخلص إلي نتائج ذات فائدة؛ يمكن الاعتماد عليها؛ علينا أن نقوّم بادئَ ذي بدء قواعد وأُصول المنهج الصدوري، لأنّا بذلك نطمئنّ إلي طرفي الإثبات والنفي وذلك كوننا ندّعي أنّ المنهج السندي ينفع في الفقه لكثرة رواياته، ولا ينفع في غيره مِن المواضيع، بل ربّما يضرّ.

ص: 7

إنّ أتباع منهج الوثوق الصدوري، وهم أكثر أتباع الفقه الذين رشفوا من عين صافية، وهو مسلك أكابر فقهاء الإماميّة، فالرجوع إلي أحوال الرجال هو خير سبيل لمعرفة صدور الحديث عن المعصوم عليه السلام، ويُعدُّ علم الرجال والكتب الرجاليّة أحد المصادر التي ذُكرت فيها القرائن، فكم من نصّ رجاليّ، وبإزائه قرائن أُخري هي ليست من النصوص الرجاليّة ولكن تعتبر من القرائن التي استخرجها الفقهاء من كتب الرجال.

لا شكّ أنّا إذا تشدّدنا في توثيق الرواة علي منهج أصحاب السند من الفقهاء كالشهيد الثاني، فسوف نضطَرُّ إلي حذف أصل ظريف بن ناصح(1) لأنّ في طريقه محمّد بن قيس وهو مشترك بين الثقة والضعيف، ثمّ إنّ الشهيد في دراساته المتقدّمة يردّ روايات محمّد بن قيس البجلي مطلقاً(2)، ولكنّه لمّا كتب فوائد القواعد ترَدَّدَ فيه، وبعد ذلك كتب الرعاية و كان يقول بوثاقة محمّد بن قيس البجلي إن كان راويه عاصم بن حميد أو ابن مسكان، كما صرّح بذلك أبو العبّاس أحمد النجاشي في فهارسه الرجاليّة، فالشهيد عِندما كتب مسالك الأفهام والروضة البهيّة تشدّد فيهما في محمّد بن قيس، وردّ جميع رواياته، ومنها: أصل ظريف بن ناصح المنقول بعشرة طرق في الجوامع الروائيّة الأربعة، وبطرقه الأُخري في الفهرست، وغيره التي تصل إلي عشرة طرق.

وناقشها الشهيد أيضاً لوجود عليّ بن الحسن بن فضّال فيها، وكان واقفيّاً، فهذه هي ثمرة جهود الشهيد الثاني، غير أنّ أصحاب منهج الوثوق الصدوري قد7.

ص: 8


1- . معجم رجال الحديث ج 9 ص 173.
2- . الروضة البهيّة ج 9 ص 109 وج 10 ص 143 و 168، غاية المراد ج 1 ص 286 و 338، آلاء الرحمن ج 1 ص 222، نكت النهاية ص 470، مسالك الأفهام ج 10 ص 134، كشف الرموز ج 2 ص 543، مختلف الشيعة ج 1 ص 17، المهذّب البارع ج 6 ص 30، الدراية ص 130، فوائد القواعد ص 247.

وضعوا العراقيل أمام هذا الأمر، إلّاأنّ الشهيد الثاني، في أواخر حياته قد أوجد له حلّاً وهذه هي الصحيفة السجاديّة، والجامع المعروف بأمين اللّه، إذا ناقشنا في رواتهما ففيهما رواة مهملون، أمّا نحن فنستنبط من قرائن أُخري بصدور هذين المصدرَيْن عن أحَد الأئمّة المعصومين عليهم السلام ومنها: إتقان متنهما وقُوّة بلاغتهما.

ونحن إذا أصغينا إلي آرائهم؛ أي المتشدّدين من الرجاليّين، كابن الغضائري، والشيخ عبدالنبيّ الجزائري، والشيخ البهبودي وغيرهم، ينبغي أن نردّ حديث سلسلة الذهب المروي عن الرضا عليه السلام لأنّه روي بطرق فيها أبناء السنّة(1)، وتوجد هناك أمثلة اُخري علي ذلك، فإذن مع إعمال القواعد الرجاليّة الصعبة في الحديث ينتج ما كتبه البهبودي في كتابه: الصحيح من الكافي وغيره، والبرقعي من المقتفين لآثارهم، وإن كان القياس بينهما باطل، حيث أمثال الدكتور محمّد الصادقي صاحب تفسير الفرقان(2)، والشيخ محمّد باقر البهبودي، والشيخ آصف المحسني لا يقاسون بالبرقعي، فهو وأتباعه من المخالفين لضرورات مذهب الإماميّة، أمّا هؤلاء الثلاثة فهم من المعاصرين المشهورين عند علماء الإماميّة، إلّاأنّ منهجهم صعب لا يقاس بمنهج الفقهاء، ولا يبني عليه الفقه.

وأمّا أتباع المنهج السندي والذين اتّخذوا منهجاً خاصّاً، فلا تعتبر عندهم الرواية إلّاإذا كانت ذات سندٍ معتبر، وعندهم القرائن وإن كثرت فلا تُفيد إفادة السند، ولا تضفي علي الرواية اعتباراً وبدون السند مهما بلغت تلك الرواية،ة.

ص: 9


1- . عيون أخبار الرضا ج 2 ص 3.
2- . فقه گويا - باللغة الفارسيّة -، المقدّمة.

وسيأتي كلام آية اللّه الخوئي في ذلك في بحث الاجتهاد والتقليد في مبحث مبادئ الاجتهاد.

وبات من الواضح أنّ ما يتوقّف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللغة العربيّة وقواعدها عِلمان، أحدهما: علم الأُصول، والثاني: علم الرجال.

شكر وتقدير

وفي الختام أتقدّم بخالص الشكر والتقدير إلي مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة لِسعيه الحثيث وجهوده المخلصة في طبع عددٍ من مؤلّفاتي، فأنا لفضله شاكر، ولطول بقائه داعٍ.

واُواصل شكري وامتناني إلي الاُستاذ عبدالحسين الأنصاريّ علي تقويمه وتصحيحه وتنقيحه العلمي والأدبي لجميع نصوص الكتاب وإظهاره بلغة مفهمة تنسجم مع موضوعه وهدفه.

وكذا الشكر موصول إلي الأخ علاء بصيري مهر علي مراجعاته الدقيقة والقيِّمة؛ متناً وهامشاً، والتي كان لها دور كبير في تتبّع الأخطاء وإصلاحها، ورفع النواقص، وإزالة الإبهام عن نصوص الكتاب، كما أُعبّر عن جزيل شكري لسماحة الشيخ مجتبي الإلهي الخراساني علي ملاحظاته في تبويب الكتاب، وخطّة البحث، وكذلك من دافع عرفان الجميل، أن أشكر جهود فضيلة الدكتور أمير سلماني رحيمي لما قام به من انتقاء لنصوص منقولة عَنِ العلماء والرجاليّين، وأقول أخيراً: إنّ بضاعتي هذه مُزجاة، وعلي اللّه التكلان والعاقبة للمتّقين.

المؤلّف

شعبان المعظّم، سنة 1435 ق.

ص: 10

الفصل الأوّل موقف مدرسة الصحابة والمدخل إلي علم الرجال

اشارة

المصدر الأمّ للأحكام هو القرآن الكريم، والآيات الواردة فيه حَول الأحكام خمسمائة آية(1) كما اشتهر ذلك بين الإماميّة. وقد ألّف الشيخ المحقّق عبداللّه المتوج البحراني(2) المعاصر للفاضل السيوري كتاباً في تفسير آيات الأحكام سمّاه: النهاية في تفسير الخمسمائة آية.

وذكر المحقّق الفاضل المقداد السيوري في بداية آيات الأحكام أنّه: اشتهر بين القوم أنّ الآيات المبحوث عنها نحو من خمسمائة آية وذلك إنّما هو بالمتكرّر والمتداخل وإلّا فهي لا تبلغ ذلك، فلا يظنّ من يقف علي كتابنا هذا - ويضبط عدد ما فيه - إنّا تركنا شيئاً من الآيات فيسيء الظنّ به، ولم يعلم أنّ المعيار عند ذوي البصائر والأبصار إنّما هو التحقيق والاعتبار لا الكثرة والاشتهار(3).

وعلماء مدرسة الصحابة ذكروا عددَ الآيات في الأحكام أكثر من ذلك،

ص: 11


1- . كنز العرفان ج 1 ص 5، المكتبة المرتضويّة ج 1 ص 13 مجمع التقريب.
2- . روضات الجنّات ج 1 ص 68، كنز العرفان ج 1 ص 143.
3- . كنز العرفان ج 1 ص 49، كشف الظنون ج 1 ص 20، التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب ج 2 ص 819، دانشنامه قرآن ج 1 ص 647 - باللغة الفارسيّة -.

وفسّروا القرآن من أوّله إلي آخره، وقالوا بأنّه في كلّ آية أحكام، ادّعوا استنباطها منها، وبُنِيَ علي هذا الرأي أحكام القرآن للجصّاص الحنفي، وابن العربي المالكي والكياهراسي الشافعي، فليس كلّ حكم بيِّن في القرآن نحتاج إلي السنّة في تفسيره. أمّا السُنَّة عند الإماميّة فتشمل سنّة الرسول والأئمّة عليهم السلام. وهي ما تحكي عن قولهم، وفعلهم، وتقريرهم عليهم السلام(1). فالسنّة في مدرسة الإمامية أكثرها منقولة بخبر الواحد وأقلّها بالخبر المتواتر، فلذلك نحتاج إلي علم يبتّ لنا بخبر الواحد ووثاقته، لا من حيث الحجّيّة، بل من حيث إحراز صدوره، وهذا هو علم الرجال عند بعض علماء الأصول. وهناك فئة أخري من الفقهاء وهم الأخباريّون القُدامي والمتأخّرون منهم، وقلّة من الاُصوليّين، قالوا: لا نحتاج إلي علم الرجال ونحن في غِنًي عنه، ومن المعاصرين من هؤلاء: الفقيه آقا رضا الهمداني(2)، والشيخ حسين الحلّي(3)، المعاصر لآية اللّه الخوئي استاذ أساتذتنا، فشعاره: وأمّا علم الرجال فلا حاجة إليه. وإذا سأله تلميذ عن راوٍ، أو سند، أو بحث رجالي قال، إنّا لا نحتاج إلي الرجال ولا نبحثه، ومن أراد ذلك فليطلبه من مسجد الطوسي؛ ومراده مِدرس آية اللّه الخوئي.

وقال تلميذه السيّد محمّد حسين الحسيني الطهراني في كتابه: ولاية الفقيه في حكومة الإسلام: وأمّا علم الرجال؛ فلا جدوي فيه في زماننا هذا، لأنّه بعد كون المدار في حجّيّة الروايات هو الوثوق بالرواية؛ قلّت فائدة الإحاطة-.

ص: 12


1- . نهاية الدراية ص 85، مفاتيح الأصول ص 279، مجمع البحرين ج 6 ص 268، مشرق الشمسين ص 24.
2- . مصباح الفقيه ج 2 ص 12.
3- . ولايت فقيه در حكومت اسلام ج 1 ص 252 - باللغة الفارسيّة -.

بالأسانيد، وذلك لأنّا إذا رأينا أنّ المشهورين قد عملوا علي طبق رواية وضبطوها في كتبهم، واستشهدوا بها في مقام الاستدلال، يحصل لنا الوثوق بصحّتها، وكونها مرويّة عن الإمام عليه السلام، وإذا أعرضوا عن رواية فأهملوها لا نثق بها؛ وإن كان سندها صحيحاً، نعم في سالف الزمان لمّا كانت الروايات متشتّتة غير مضبوطة في الكتب، لم يكن سبيل لتمييز الصحيح عن السقيم، إلّامراجعة أحوال الرواة.

وأمّا بعد الكتب الأربعة وسائر الجوامع الروائيّة، وملاحظة الكتب الفقهيّة فلا مجال لادّعاء الاحتياج إلي الأسانيد، وهذا واضح علي ما بنينا عليه، ولابدّ أن يبني عليه في حجيّة خبر الواحد؛ من حجيّة الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة وعدم حجيّة الخبر الصحيح المُعرض عنه الأصحاب ولذلك تري أنّه لا يُمكِن لأحدٍ ردّ مقبولة عمر بن حنظلة، ولم يستشكل عليها أحد في السند، مع أنّ عمر ابن حنظلة(1) لم يوثّق في كتب الأصحاب، ومن ادّعي عدم حجيّة المقبولة وما ضاهاها من روايات كتبها المشايخ الثلاث أو بعضهم، فلابدّ وأن يخرج من زمرة أهل العلم، لعدم شمّه من الفقه والفقاهة شيئاً(2).

هذا ما عند مدرسة المستغنين عن علم الرجال الذين نسمّيهم: أصحاب منهج الوثوق الصدوري الذين اعتمدوا علي الكتب المشهورة وعلي رأسهم رئيس المحدّثين الشيخ أبو جعفر الصدوق ابن بابويه القمي فإنّه قال في مقدّمة-.

ص: 13


1- . معجم رجال الحديث ج 7 ص 271، دانش رجال الحديث ص 163 - باللغة الفارسيّة -، سماءالمقال ج 2 ص 149، منتقي الجمان ج 1 ص 39، دراسات في المكاسب ج 1 ص 99، الرعاية ص 131، بحوث في الأصول ج 7 ص 369.
2- . ولايت فقيه در حكومت اسلام ج 1 ص 252 - باللغة الفارسيّة -.

كتابه: من لا يحضره الفقيه - بعد ذكره سبب تأليف للكتاب وهو إجابة لطلب السيّد نعمة اللّه: - فأجبته أدام اللّه توفيقه إلي ذلك، لأنّي وجدته أهلاً له، وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلّا يكثر طرقه وإن كثرت فوائده، ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلي إيراد ما اُفتي به، وأحْكُم بصحّته؛ أي بصحّة صدوره عن المعصوم سواء كان السند صحيحاً أو لا.

وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع مثل كتاب: حريز بن عبد اللّه السجستاني، وكتاب: عبيد اللّه بن علي الحلبي، وكتب:

عليّ بن مهزيار الأهوازي، وكتب: الحسين بن سعيد، ونوادر: أحمد بن محمّد ابن عيسي، وكتاب: نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري، وكتاب: الرحمة لسعد بن عبداللّه، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه، ونوادر محمّد بن أبي عمير، وكتاب: المحاسن لأحمد ابن أبي عبداللّه البرقي، ورسالة أبي رضي الله عنه إليّ وغيرها من الأصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رَوَيتها عن مشايخي وأسلافي رضي اللّه عنهم، وبالغت في ذلك جُهدي، مستعيناً باللّه(1).

فمسلك الصدوق المولود بدعاء صاحب الأمر عليه السلام(2) هو الاطمئنان إلي صدور الرواية عن المعصوم، وأحد أبرز مصاديق صدور الرواية عن المعصوم هو وجودها في الكتب المشهورة الواصلة إلي الصدوق بالطرق المعتبرة عنده،6.

ص: 14


1- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3، كلّيات في علم الرجال ص 395.
2- . رجال النجاشي ج 2 ص 682/89، الغيبة ص 201، إكمال الدين ص 276.

فلذلك اعتقد أنّ ما فيه حجّة بينه وبين اللّه حكم بصحّته، وأفتي به.

وهذا هو مراد آية اللّه البروجردي حيث قال: إنّ عدم ذكر الصدوق الطرق في آخر كتابه لم يكن عن نسيان وغفلة، بل كان متعمّداً.

قال الأستاذ السبحاني عن أُستاذه آية اللّه البروجردي: والذي عند سيّد المحقّقين البروجردي قدّس اللّه سرّه من الإجابة عن هذا السؤال هو أنّ الكتب التي نقل عنها الصدوق في هذا الكتاب كانت كتباً مشهورة، وكان الأصحاب يعوّلون عليها ويرجعون إليها ولم يكن ذكر الطريق إلي هذه الكتب إلّاتبرّعاً وتبرّكاً، أي لإخراج الكتب عن صورة المرسل إلي صورة المسند، وإن كان جميعها مسانيد لشهرة انتساب هذه الكتب إلي مؤلّفيها، وبذلك كانت تستغني عن ذكر الطريق. والذي يدلّ علي ذلك قوله في ديباجة الكتاب: وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب: حريز بن عبداللّه السجستاني وكتاب: عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، وكتب عليّ بن مهزيار الأهوازي... إلي آخر كلامه(1).

وهذا هو المعيار عند الفقيه الهمداني فإنّ القرائن عنده أعظم شأناً من التصريح الرجالي، وهو المصرّح به عند السيّد البروجردي.

قال الفقيه الهمداني بعد مناقشة رواية عبدالواحد بن عبدوس، وعليّ بن محمّد القتيبي واعتبار روايتهما مع أنّهما من مشايخ الإجازة وإن لم يرد فيهما أيّ توثيق ونصّ رجالي: ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين بأنّ فلاناً ثقة أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا1.

ص: 15


1- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3، كلّيات في علم الرجال ص 401.

يحصل من أخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة، ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حال الرجال، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم(1).

وقال نظيره أيضاً آية اللّه البروجردي في ذيل مناقشة رواية أحمد بن محمّد ابن الحسن بن الوليد وهو الأستاذ، وشيخ إجازة الشيخ المفيد: إنّ التوثيق الحاصل من تجميع القرائن لا يقصر عن نصّ رجاليّ (2).

وأمّا آية اللّه الخوئي وهو أحد أتباع منهج الوثوق السندي فقد سار علي نهج المحقّق الحلّي، والسيّد ابن طاووس، والشهيد الثاني وأتباعهم، وهو القائل في مبادي الاجتهاد: والعمدة فيما يتوقّف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللغة العربيّة وقواعدها علمان أحدهما علم الأُصول....

إلي أن قال: وثانيهما: علم الرجال، وذلك أنّ عدداً من الأحكام الشرعيّة وإن كانت تستفاد من الكتاب إلّاأنّه أقلّ قليل، وغالبها يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، وعلي ذلك فإن قلنا: إنّ الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة مقطوعة الصدور، أو إنّها ممّا نطمئنّ بصدورها لأنّ الأصحاب عملوا بِها ولم يناقشوا في أسنادها وهذا يفيد الاطمئنان بالصدور؛ فقد تَخلَّصنا من علم الرجال لعدم مساس الحاجة إلي معرفة أحوال الرواة، كما سلك ذلك المحقّق الهمداني قدس سره حيث قال:2.

ص: 16


1- . مصباح الفقيه ج 2 ص 12.
2- . نهاية التقرير ج 2 ص 172.

ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية علي اتّصافها بالصحّة المطلوبة، وإلّا فلا يكاد توجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها علي سبيل التحقيق لولا البناء علي المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجيّة. بل المدار علي وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية، وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من الاُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم عنها، إلي أن قال: ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حالهم، انتهي.

وإنّما اللازم حينئذٍ مراجعة أنّ الرواية هل هي معمول بها عندهم، لتكون حجّة، أو أنّها معرض عنها لتسقط عن الاعتبار. ومعه، لا تمسّ الحاجة إلي علم الرجال إلّافي بعض الموارد، كما إذا لم يظهر لنا عمل الأصحاب علي طبق الرواية، أو إعراضهم عنها.

وأمّا إذا بنينا علي ما هو الصحيح عندنا، من أنّ عمل الأصحاب والمشايخ (قدّس اللّه أسرارهم) علي طبق رواية، لا يكون جابراً مُستدركاً لضعف دلالتها، إذ المتبّع حسب سيرة العقلاء هو الظهور، ومن الظاهر أنّ عملهم علي طبق رواية لا يجعلها ظاهرة في المعني المراد كما لا ينجبر بعملهم ضعف سندها، فإنّ السيرة العقلائيّة التي هي العمدة في حجيّة الخبر، وكذا الأخبار التي ادّعينا تواترها إجمالاً، وبعض الآيات المذكورة في محلّها إنّما تدلّ علي اعتبار الخبر الموثوق أو الممدوح رواته، أو الرواية التي يطمأن إلي صدورها عنهم - لو اتّفق في مورد - وأمّا الخبر الضعيف فلم يدلّنا دليل علي اعتباره؛ إذا عمل المشهور علي طبقه. فلا محالة تزداد الحاجة إلي علم الرجال، فإنّ به يعرف الثقة عن

ص: 17

الضعيف، وبه يتميّز الغثّ من السمين، ومعه لا مناص من الرجوع إليه للتفتيش عن أحوال الرواة الواقعين في سلسلة السند واحداً بعد واحد، ليظهر أنّه موثوق به ليؤخذ بخبره، أو أنّه ضعيف لئلّا يعتمد علي إخباره؛ حتّي الرواة الواقعين في السند بعد ابن أبي عمير وزرارة وأضرابهما ممّن ادّعوا الاجماع علي تصحيح ما يصحّ عنهم في الرجال، وذلك لأنّ هذا الإجماع ليس بأزيد من الإجماعات المنقولة التي لا نعتمد عليها في الأحكام، علي أنّه غير معلوم المراد، وهل اُريد به أنّ السند إذا كان معتبراً إلي تلك الجماعة لم ينظر إلي من وقع بعدهم في سلسلة السند من الرواة، بل يحكم باعتبارها ولو كان الراوي الواقع بعدهم غير معلوم الحال عندنا ليكون ذلك توثيقاً إجمالياً لهؤلاء الرواة، أو أنّ المراد به توثيق أصحاب الإجماع في أنفسهم ليكون معناه أنّ الجماعة المذكورين ثقات أو عدول؛ وإن كان بعضهم واقفيّاً، أو فطحيّاً أو غيرهما من الفرق، ولم يرد توثيق لبعضهم مع قطع النظر عن هذا الإجماع، فالسند إذا تمّ من غير ناحيتهم فهو تامّ من جهتهم أيضاً لأنّهم ثقات أو عدول، وأمّا من وقع في السند بعدهم فلا يكاد يستفاد توثيقه من الإجماع بوجه. وبما أنّ كُلّاً من الأمرين محتمل الإرادة في نفسه، فيصبح معقد الإجماع مجملاً، ولا يمكننا الاعتماد عليه إلّافي المقدار المتيقّن منه وهو الأخير.

والمتحصّل: أنّ علم الرجال من أهمّ ما يتوقّف عليه رحي الاستنباط والاجتهاد. وأمّا غير ما ذكرناه من العلوم فهو فضل لا توقّف للاجتهاد عليه(1).5.

ص: 18


1- . موسوعة الإمام الخوئي ج 1 ص 13-15.

أهميّة منهج الوثوق الصدوري

«كشف القرائن»

إنّ الذين ينظرون إلي الروايات من منظر الوثوق الصدوري، يتابعون ويترصّدون لِيظفروا بقرينة معتبرة تزيد من اعتبار الرواية عندهم، ولا يخفي من أنّ بعض القرائن لم تُكتشف عند القدماء وكشف عن نقابها المتأخّرون، ثمّ إنّ هناك قرائن تختصّ بعصر الأئمّة عليهم السلام ولا فائدة منها في عصرنا، فلو نظرنا إلي القرائن بل القواعد التوثيقيّة نجد أنّ لكلّ منها دوراً عند الفقهاء فإذا أخذ بها فقيه تبعه علي ذلك غيره من الفقهاء، ومثل ذلك قاعدة شيخوخة الإجازة والتي تدلّ علي الوثاقة، فأوّل من طرحها هو الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي الجزيني الذي استشهد بتوثيق عددٍ من الرواة بأنّه من شيوخ الإجازة، وشيخ الإجازة لا يحتاج إلي التوثيق بل هو أعظم شأناً من التوثيق، ثمّ من بعده اعتني بها الفقهاء حتّي صار في عصر الشهيد الثاني والمحقّق الأردبيلي أن يقال: إنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلي التوثيق. ومستغنون عن التوثيق(1).

فمنذ عصر الشهيد الأوّل إلي زماننا هذا استشهد به الفقهاء(2)، فهذا هو أحمد

ص: 19


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 61، الفوائد الرجاليّة ج 1 ص 58.
2- . الرعاية ص 292، مسالك الأفهام ج 2 ص 23، مدارك الأحكام ج 6 ص 84، روضة المتّقين ج 14 ص 28، ذخيرة المعاد ص 185 و 510، وسائل الشيعة ج 20 ص 317، مرآة العقول ج 13 ص 7، معراج أهل الكمال ص 126، الحواشي علي الروضة ص 149، مشرق الشمسين ص 79، الرواشح السماويّة ص 104، الحدائق الناضرة ج 3 ص 221، حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 662، الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 25، منتهي المقال ج 1 ص 85، مفتاح الكرامة ج 17 ص 222 تحقيق علي أصغر مرواريد، مفاتيح الأصول ص 374، مستند الشيعة ج 1 ص 62، غنيمة المعاد ج 7 ص 197، الصلاة ج 6 ص 71 (الأنصاري)، مصباح الفقيه ج 2 ص 12، بهجة الآمال ج 6 ص 287، مقباس الهداية ج 2 ص 218، تنقيح المقال ج 2 ص 81، سماء المقال ج 1 ص 17، نهاية التقرير ج 1 ص 409 وج 2 ص 272، الطهارة (الإمام الخميني) ج 3 ص 114.

ابن محمّد بن الحسن بن الوليد، لم يوثّقه الرجاليّون، بل أهملوه، ولكن هو شيخ المفيد، وأستاذه ومن أجاز تلاميذه في التوثيق، والتضعيف، والجرح والتعديل بل ونقل الحديث، فبما أنّه راوٍ غير موثّق في كتب الرجال، ومهمل عندهم فهو غير موثّق ضعيف، وقد طرح روايته آية اللّه الخوئي.

ولكونه شيخ الإجازة، وهو أعلي من التوثيق الرجالي فهو موثّق وحديثه صحيح، وإنّ المتقدّمين من العلماء والمتأخّرين كالعلّامة عدّوا حديثه صحيحاً لهذا الأمر فالعلّامة وغيره يتّكلون علي هذه القرائن ولم يصرّحوا بذلك علناً(1).

فعن السيد الخوئي بهذا الصدد: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد أبوالحسن: من مشايخ الشيخ المفيد، وقد صحّح العلّامة كثيراً من الروايات التي هو في طريقها، وكذلك الشيخ حسن صاحب المعالم، فيما حكي عنه، بل وثّقه الشهيد الثاني في الدراية، والشيخ البهائي في حاشية الحبل المتين.

وقال الميرزا في الوسيط: ولم أر إلي الآن، ولم أسمع من أحد يتأمّل في توثيقه إلّاأنّه مع ذلك لا يمكننا الحكم بوثاقته. أمّا تصحيح العلّامة، أو غيره للطريق، فهو اجتهاد منه، ولعلّه من جهة أصالة العدالة، كما استظهرنا البناء عليها من العلّامة ممّا ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة، أو من جهة كونه من مشايخ المفيد، ولذا قال الفاضل المجلسي في الوجيزة: يعدّ حديثه صحيحاً7.

ص: 20


1- . الرعاية ص 370، مسالك الأفهام ج 7 ص 467.

لكونه من مشايخ الإجازة(1). لكنّا قد ذكرنا في المدخل: أنّ الشيخوخة للإجازة لا يلزمها الوثاقة، ولا الحسن. وأمّا توثيق الشهيد الثاني(2) والشيخ البهائي فهو أيضاً مبنيّ علي الاجتهاد والحدس، إذ لا يحتمل أن يكون مثل هذا التوثيق منتهياً إلي الحسّ والسماع من الثقات، كما هو الحال في توثيق غيرهما من المتأخّرين لمن يكون الفصل بينه وبينهم مئات من السنين، ولا سيّما أنّه لا يوجد لأحمد هذا ذكر في كتب الرجال، حتّي إنّ العلّامة قدس سره أيضاً أغفل ذكره.

ومن هنا قال الفاضل التفريشي، قال الشهيد الثاني في درايته: إنّه من الثقات ولا أعرف مأخذه، فتحصّل أنّه لم تثبت وثاقة الرجل بوجه، وكيف كان فلا ينقضي تعجبي من عدم تعرّض الشيخ لحاله في رجاله، مع أنّه من المعاريف وكثير الرواية، وقد وقع في طريقه محمّد بن الحسن بن الوليد وغيره(3).

ومِن هنا يلاحظ علي التفريشي والسيّد الخوئي وغيرهما أنّ وجه التوثيق في أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد واضح، وهو لِكونه من مشايخ الإجازة، وهذا عند أتباع المنهج الصدوري أعلي منزلة من قول النجاشي: إنّه ثقة.

وأمّا عدم تعرّضهم له فلأنّه ليس صاحب تصنيف وتأليف، ولسبب ذاته لم يتعرّض النجاشي والشيخ له، والعلّامة إذ صحّح حديثه فَعلي هذا المبني، فمن كان هو أستاذ المفيد في الحديث فهو أرفع شأناً من الراوي الذي لقي الصادق عليه السلام في حجّه مرّة واحدة، فانظر إلي رجلين من أصحاب الأئمّة عليهم السلام أحدهما شيخ، والآخر راوٍ، وإن كان صاحب كتاب؛ فهل مقامهما ومنزلتهما6.

ص: 21


1- . الوجيزة ص 120/153.
2- . الرعاية ص 370، أمل الآمل ج 2 ص 63/24، منتهي المقال ج 1 ص 317.
3- . معجم رجال الحديث ج 2 ص 256.

واحدة؟

فهذا أستاذ، وذاك راوٍ، فهل لا يوجد فرق بين الراوي والأستاذ؟! والعجب من موقف أتباع المنهج السندي، وهو أنّ الراوي ثقة، لأنّه قال النجاشي: ثقة.

وأستاذُ المفيد وغيره ضعيف لأنّ النجاشي والشيخ أهملاه، فكما أنّ آية اللّه البروجردي صرّح بأنّه لم يكن المؤلّفون في علم الرجال بصدد تأليف موسوعة رجاليّة شاملة لتمام الرواة، بل كلّ يعمل علي حسب قدرته وإمكانيّاته.

فالنجاشي بصدد فهرسته للمصنّفات والشيخ بصدد فهرسته للطرق(1)، فتوثيق الشهيد والشيخ الحرّ العاملي له رغم أنّهما أكثر تقيّداً من آية اللّه الخوئي، إلّا أنّهما وثّقاه، ودليل التوثيق عندهم هو كونه من مشايخ الإجازة، واُستاذ المفيد، وليس البناء عند العلّامة توثيق كلّ مجهول علي أنّه أصل العدالة؛ وإن ادّعاه بعض، بل في مواضع.

إنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وعبد اللّه بن بكير، وأمثالهما، موثّقون لِقرينة تامّة، فهذا العلّامة الحلّي أوّل من تعرّض بعد الشيخ الطوسي لقاعدة الإجماع(2)، رغم أنّ الشيخ لم يصرّح بأنّ هذه هي قاعدة الإجماع، فهذا التعبير لأوّل مرّة تعرّض له العلّامة الحلّي فذكره كثيراً في سند رواية عبداللّه بن بكير فيقول عنه: وهو فطحيّ، ولكنّه لا إشكال فيه، لأنّه من أصحاب الإجماع، والإجماع منقول، وهو حجّة، فالمتعرّض الأوّل لدلالة القاعدة المسمّاة بالإجماع هو العلّامة الحلّي، فالقاعدة عنده تدلّ علي وثاقة أصحاب الإجماع6.

ص: 22


1- . نهاية التقرير ج 2 ص 272.
2- . مختلف الشيعة ج 3 ص 269 و 306 و 420 وج 2 ص 224 و 379 وج 4 ص 63 وج 1 ص 113، خلاصة الرجال ص 106.

أنفسهم، ثمّ بعد العلّامة فإنّ أوّل من تطرّق لها علي أنّ نقل أصحاب الإجماع عن راوٍ مهمل ومجهول تدلّ علي وثاقته؛ فهو تلميذ العلّامة بواسطة واحدة، فقد تتلمذ الشهيد الأوّل علي فخر الدين الحلّي ولد العلّامة، وكان تلميذ العلّامة.

قال الشهيد الأوّل فإنّ في نقل الحسن بن محبوب عن أبي الربيع دليل علي توثيقه(1)، فهذا أوّل خبر نجده في كتب الفقه معتمداً هذه القاعدة في معناها الواسع، فقاعدة الإجماع هذه كما أنّها تدلّ علي وثاقة أصحاب الإجماع فهي تدلّ أيضاً علي توثيق الرواة الذين يروي عنهم أصحاب الإجماع.

إنَّ الذي نحن بصدد بيانه هو أنّ أصحاب المنهج الصدوري في سعة إذا أرادوا أن يتفحّصوا ويبحثوا عن قرائن جديدة ليعملوها في توثيق الحديث وتصحيحه وهذه هي قاعدة بني فضّال، والشيخ الأنصاري هو أوّل من تطرّق لهذه القاعدة في مكاسبه في مبحث الاحتكار، ثمّ في الصلاة والطهارة(2) وبعد أن عثر علي هذه القرينة، استشهد بها أكثر العلماء من بعده، فنري في كلّ فترة يُعثر علي قاعدة وقرينة كاملة دالّة علي توثيق الرواة.

وعلي هذا فكيف يمكننا القول: إنّ الراوي إن لم يُصرّح به في كتب الرجال فهو ضعيف، ثمّ إنّه أوّل من اعتبر مراسيل المشايخ الثلاث(3) والذين هم: محمّد5.

ص: 23


1- . غاية المراد ج 2 ص 41، دانش رجال الحديث ص 240.
2- . المكاسب المحرمة ج 1 ص 238، فرائد الأصول ج 1 ص 238 (مؤسّسة النشر الإسلامي)، الصلاة ج 6 ص 36 و 82، الغيبة ص 239، المكاسب ج 4 ص 366، دانش رجال الحديث ص 328 - باللغة الفارسية -.
3- . كليّات في علم الرجال ص 216، ذكري الشيعة ج 1 ص 45.

ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وهذا الشيخ الطوسي، قد قال في: العدّة في أصول الفقه: إنّ أصحابنا سوّوا بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة(1).

وعلي أثره اقتفي العلماء والفقهاء فأخذ به جيل بعد جيل، وفقيه بعد فقيه، وإلي زماننا هذا، فنحن أتباع مدرسة المنهج الوثوق الصدوري في كلّ عصر قادرون علي اكتشاف قاعدة جديدة، حيث علم الرجال كالفقه، بابه مفتوح غير مسدود.

ومثال آخر علي معني القاعدة المسمّاة، بالإجماع، فلو فسّرناها بأنّها تدلّ علي توثيق من روي عنهم أصحاب الإجماع أو علي المراسيل، والمرافيع المنقولة عنهم، فهذا المعني فقد وجدنا أوّل أثر له، في كلام الشهيد الأوّل(2)، ثمّ بعد ذلك فإنّ أوّل من فسّره وأوضحه وشرحه هو الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي ومعاصره العلّامة السيّد محمّد باقر الإسترآبادي فهما قاما بتوضيح القاعدة في آثارهم كالحبل المتين، ومشرق الشمسين، والرواشح خاصّة(3)، وتبعهما علي ذلك سائر العلماء في القرون الأربعة الأخيرة.

إنّ من القواعد التي أوضحها العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم(4)؛ قاعدة توثيق مشايخ النجاشي فإنّه قام بنقل عمّا يقرب من أربعين مِن شيوخ الرواية، وقد عبّر6.

ص: 24


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.
2- . غاية المراد ج 2 ص 42.
3- . الرواشح السماويّة ص 55، مشرق الشمسين ص 384 و 450.
4- . الفوائد الرجاليّة ج 4 ص 146، دانش رجال الحديث ص 368 - باللغة الفارسية -، معجم رجال الحديث ج 2 ص 156.

عنهم بألفاظ متعدّدة، منها: شيخنا الثقة، مشايخنا الثقات، وصرّح أحياناً بالقول:

إنّا لم نأخذ عن فلان الحديث لأنّه لم يكن عندنا بثقة، وهذا هو دليل علي أنّ مشايخه ثقات، إلّاأنّ الذي قام بتوضيحها والتمهيد لها هو العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم في كتابه: الفوائد الرجاليّة، وتبعه علي ذلك آية اللّه الخوئي وتبعه غيره، فهذه القاعدة ظهرت في القرن الثالث عشر، ومن القواعد التي أبان عنها الشيخ الحرّ العامليّ هي توثيق الرواة في تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ، فهو وإن تطرّق لها في كتابه: خاتمة وسائل الشيعة بقوله: إنّ تفسير القميّ كتاب فيه رواة ادّعي القميّ أنّهم ثقات، إلّاأنّ آية اللّه الخوئي، والمحدّث النوري وغيرهما قاموا بإيضاح ذلك.

وعلي ضوء ما تقدّم فهل يحقّ لنا أن نقول: إنّ الوثاقة والانحراف عن الإمامة نقيضان لا يجتمعان؟ كما قال ذلك العلّامة الحلّي في جواب فخر الدين الحلّي حين سأل أباه عن عبداللّه بن بكير، فقال: وأيّ ذنب أعظم من انحرافه عن الإمامة! وصرّح به أيضاً الشهيد الثاني في الطلاق في كتاب: الروضة(1).

وعليه فكيف نقول: إنّ أحمد بن الحسين بن عبيد الضبيّ غير ثقة لأنّه ناصبيّ كما صرّح به آية اللّه الخوئي في معجم رجاله، وهذا التصريح نقض لقاعدة رجاليّة تقول: إنّ مشايخ الصدوق ثقات، وقال كيف نقول: إنّهم ثقات مع أنّ في مشايخه من هو ناصبي كما صرّح بذلك الشيخ أبو جعفر الصدوق في أماليه، فإنّه بعد نقل حديث سلسلة الذهب عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: ما لقيت أحداً أنصب منه، ومع هذا، لو تأمّلنا في حديث سلسلة الذهب، المنقول عن0.

ص: 25


1- . الروضة ج 6 ص 39، معالم الأُصول ص 200.

الرضا عليه السلام في نيسابور، فمَن هُم رواة هذا الحديث؟ فَهَل يوجَد أحد غير إسحاق بن راهويه، وأبي زرعة الرازي، فهما قالا للرضا عليه السلام يابن رسول اللّه، أترحَلُ عَنّا ولا تُحَدِّثنا بحديث! ونقله الصدوق عن رواة نيسابور في العيون والتوحيد(1).

فَفي العيون:

1 - حدّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكِّر النيسابوري بنيسابور، قال حدّثني أبو عليّ الحسن بن عليّ الخزرجي الأنصاري السعدي(2)، قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: كنت مع عليّ بن موسي الرضا عليه السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فإذا محمّد بن رافع، وأحمد بن الحارث، ويحيي بن يحيي، وإسحاق بن راهويه، وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المَرْبَعَة، فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمّاريَّة وعليه مِطْرف(3) خزٍّ ذو وجهين، وقال: حدّثنا أبي، العبد الصالح موسي بن جعفر قال:

حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي أبو جعفر بن عليّ باقر علوم الأنبياء قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيّد العابدين، قال: حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال:

سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله، يقول: سمعت جبرئيل يقول: قال اللّه جلّ جلاله: «إنّي أنا اللّهم.

ص: 26


1- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 3.
2- . الخزرج: قبيلة من الأنصار وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الأوس والخزرج القوم الذين هم آووافأُعطوا فوق ما وهبوا.
3- . المِطرف: رداء من خزّ ذو أعلام.

لا إله إلّاأنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّااللّه بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي».

2 - حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه المرورودي، في منزله بمرورود قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن العامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عليّ بن موسي الرضا عليه السلام، قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: يقول اللّه عزّ وجلّ: «لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخله أمن من عذابي».

3 - حدّثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبّي، قال: حدّثنا أبو القاسم محمّد بن عبيد اللّه بن بابويه الرجل الصالح، قال: حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر أبو السيّد المحجوب إمام عصره بمكّة، قال: حدّثني أبي عليّ بن محمّد النقي قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ التقي، قال: حدّثني أبي عليّ بن موسي الرضا قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر الكاظم، قال:

حدّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين السجّاد زين العابدين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ سيّد شباب أهل الجنّة، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب سيّد الأوصياء قال: حدّثني محمّد بن عبداللّه سيّد الأنبياء صلي الله عليه و آله قال: حدّثني جبرئيل سيّد الملائكة، قال: قال اللّه سيّد السادات عزّ وجلّ: «إنّي أنا اللّه لا إله إلّا

ص: 27

أنا، فمن أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي».

4 - حدّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد ابن جعفر الأسدي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الصولي، قال: حدّثنا يوسف ابن عقيل عن إسحاق بن راهويه، قال: لمّا وافي أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يخرج منها إلي المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له: يابن رسول اللّه، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ - وكان قد قعد في العمّاريّة فأطلع رأسه وقال -: سمعت أبي موسي بن جعفر، يقول: سمعت أبي جعفر بن محمّد، يقول: سمعت أبي محمّد بن عليّ، يقول: سمعت أبي عليّ ابن الحسين، يقول: سمعت أبي الحسين بن عليّ، يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام يقول: سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله يقول: سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: «لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي»، قال:

فلمّا مرّت الراحلة نادانا: «بشروطها وأنا من شروطها».

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله: من شروطها الإقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قِبل اللّه عزّ وجلّ علي العباد، مفترض الطاعة عليهم ويقال: إنّ الرضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور نزل في محلّة يقال لها: القزويني، فيها حمام وهو الحمام المعروف [اليوم] بحمّام الرضا عليه السلام، وكانت هناك عين قد قلّ ماؤها، فأقام عليها من أخرج ماءها حتّي توفّر وكثر واتّخذ من خارج الدرب حوضاً ينزل إليه بالمراقي(1) إلي هذه العين، فدخله الرضا عليه السلام واغتسل فيه، ثمّ خرج منه وصلّي علي ظهره، والناس يتناوبون ذلك الحوض ويغتسلون فيه ويشربون منه التماساً للبركة،ة.

ص: 28


1- . المراقي جمع المرقاة: الدرجة.

ويصلّون علي ظهره، ويدعون اللّه عزّ وجلّ في حوائجهم فتقضي لهم، وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلي يومنا هذا.

وفي التوحيد:

21 - حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه بمرو الروذ، قال:

حدّثنا أبوبكر محمّد بن عبداللّه النيسابوري، قال: حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن أحمد بن عبّاس الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي في سنة ستّين ومائتين، قال:

حدّثني عليّ بن موسي الرضا عليه السلام سنة أربع وتسعين ومائة قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: يقول اللّه جلّ جلاله: «لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخله أمن من عذابي».

22 - حدّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكّر النيسابوري بنيسابور، قال: حدّثني أبو عليّ الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعدي قال: حدّثنا عبدالسلام بن صالح أبوالصلت الهروي، قال:

كنت مع عليّ بن موسي الرضا عليه السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، فإذا محمّد بن رافع، وأحمد بن حرب، ويحيي بن يحيي، وإسحاق بن راهويه، وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المَرْبَعة فقالوا: بحقّ آبائك المطهّرين، حدّثنا بحديث قد سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمّاريّة وعليه مِطرف خزّ ذو وجهين، وقال: حدّثني أبي العبد الصالح موسي ابن جعفر، قال: حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي أبو

ص: 29

جعفر محمّد بن عليّ باقر علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيّد العابدين، قال: حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله يقول: قال اللّه جلّ جلاله: «إنّي أنا اللّه لا إله إلّاأنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّااللّه بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي».

23 - حدّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد ابن جعفر الأسدي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الصوفي، قال: حدّثنا يوسف ابن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: لمّا وافي أبو الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلي المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يابن رسول اللّه، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمّاريّة، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسي بن جعفر، يقول: سمعت أبي جعفر بن محمّد، يقول: سمعت أبي محمّد بن عليّ، يقول: سمعت أبي عليّ ابن الحسين، يقول: سمعت أبي الحسين بن عليّ بن أبي طالب، يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يقول: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله، يقول:

سمعت جبرئيل يقول: سمعت اللّه جلّ جلاله يقول: «لا إله إلّااللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»،

قال: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: «بشروطها وأنا من شروطها».

قال مصنّف هذا الكتاب: من شروطها الإقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قِبَلِ اللّه عزّ وجلّ علي العباد، مفترض الطاعة عليهم.

وهذا الحديث الشريف لم يروه ثقة الإسلام الكليني في الكافي، لأنّه لم

ص: 30

يسافر إلي خراسان ونيسابور، ولم يروه الشيخ الطوسي في كتابيه لأنّه لم يكن في موضوع كتابه وهو الفقه، ولكن رواه الصدوق بثلاثة طرق مشتركة في التوحيد وعيون أخبار الرضا، ورواه بسند آخر في العيون، فهذا الحديث مرويّ في العيون بأربعة أسانيد، وفي التوحيد بثلاثة أسانيد، وعليه فهو مرويّ في الكتابين بأربعة أسانيد(1).

وفي طريق أحدهما أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد بن الضبّي وهو ناصبيّ (2)، ومع ذلك ففي هذا الإسناد صفات للأئمّة لم توجد في غيره، كصفة السجّاد لزين العابدين، وسيّدي شباب أهل الجنّة للحسن والحسين عليهما السلام، فنستنبط من الأسانيد أنّ هذه الصفات صرّح بها الإمام عليه السلام، أو هناك قلّة من الرواة مَن أضاف ذلك، ومع ذلك فقد رواها هذا الناصبي، وبناء علي هذا كيف ندين بما دان به المنهج الوثوق السندي والصدوري؛ وهو أنّ الإيمان شرط في العمل برواية الراوي، وهذه أحاديث الغدير، وفضائل أهل البيت عليهم السلام كلّها منقولة عن الذين لم يعتقدوا بالإمامة؛ سواء كانوا من الصحابة أو غيرهم، وثمّ إنّ الفضائل والمناقب المعتبرة قد نقلت عنهم.

وممّا له صلة بهذه النقولات فقد صرّح آية اللّه البروجردي قائلاً: إنّ الأصل الأساسي والأوّلي في الفضائل والمناقب وفضائل البلدان هو البطلان، فقيل له:

فكيف تروون الفضائل والمناقب للأئمّة عليهم السلام؟ فقال: إنّا نرويها من مخالفينا ونقلهم لها دليل علي أنّ صدورها من الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله قطعيّ، وهذه تعتبر2.

ص: 31


1- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 143 و 147.
2- . معجم رجال الحديث ج 2 ص 92.

قرينة علي صدور الرواية مع أنّ رواتها لم يكونوا مؤمنين بالمعني المتعارف، هذا إضافة إلي أنّه كيف نفرّق بين روايات الفروع والأصول والمناقب والفضائل، ألا سمعت قول الخليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي العروضي يقول: عجبت من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فإنّ أحبّاءه يكتمون فضائله خوفاً من أعدائه، وأعداءه يكتمون فضائله حقداً وحسداً له، ومع ذلك ملأ اللّه الخافِقَين من مناقبه.

نعرف ممّا تقدّم أنّ المناط في اعتبار الرواية ليس إيمان الراوي وحدَهُ، بل هو وثاقة الراوي، وبهذا يستقيم لنا أن تكون أحاديث الفضائل والمناقب وغيرها معتبرة، فنحن مثلاً نعتمد علي رواية، وإن كان رواتها، غير متّصفين بالإيمان، لأنّ نقل الرواية بأسانيد متعدّدة، وفي كتب متعدّدة يكون قرينة علي اعتبار الرواية كما صرّح بذلك الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي في مشرق الشمسين، وعدّه من القرائن عند القدماء، ويعدّ الحديث المتعدّد الأسناد حديثاً مشهوراً معروفاً إزاءَ الشاذّ، وقد أُمرنا الأخذ بالمشهور للقول: خذ بما اشتهر، ودع الشاذّ النادر(1).

والمروي في حديث مقبولة عمر بن حنظلة، وفسّره الشيخ الأنصاري في فرائده: والمراد بالشاذّ ما لا يعرفه إلّاالقليل(2). وأضف إلي ذلك: فإنّا نواجه الأحاديث الكثيرة المرسلة ولكن الإرسال وقع بلفظ: «عن غير واحدٍ» أو: «عن5.

ص: 32


1- . الكافي ج 1 ص 57.
2- . دانش دراية الحديث ص 144 - باللغة الفارسيّة -، الرعاية ص 115، نهاية الدراية ص 220، مقدّمة ابن الصلاح ص 61، الرسائل ج 2 ص 781، وصول الأخيار ص 108، الرواشح السماوية ص 163، مقباس الهداية ج 1 ص 255.

عدّة نفر» فهذا هو آية اللّه الخوئي رفضه في موضع وقَبِلَه في موضع آخر، ومثال ذلك: رواية عبداللّه بن المغيرة، وقد وردت بسند الصدوق التامّ عن عبداللّه بن المغيرة، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: أمّا الذي قال: هما بيني وبينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له، وأنّه لصاحبه ويقسّم الآخر بينهما.

ورواه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عبداللّه ابن المغيرة، عن بعض أصحابنا. وروي نحو الحديث أيضاً عن محمّد بن أبي حمزة - بسند تامّ - عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام، والسند الأوّل والثاني وإن كانا ساقطين بالإرسال ولكن بالإمكان تتميم السند الأوّل بأن يقال: إنّ التعبير ب (غير واحد من أصحابنا) الذي قد يؤدّي معني ما يزيد علي الاثنين - علي الأقلّ - حينما صدر من مثل عبداللّه بن المغيرة الذي قيل عنه: «أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه» يورث الاطمئنان بحساب الاحتمالات بأنّ أحدهم - علي الأقلّ - كان ثقة أو أن نقلهم جميعاً لعبد اللّه بن المغيرة كان يوجب الاطمئنان بالصدور(1).

وقال الشيخ البهائي في مقدّمة مشرق الشمسين: إنّ الشهيد قد صحّح حديث الردّة مع أنّه مرسل، ولكن نحن إن راجعنا مسالك الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام نَعرِف أنّ رواية الردّة هي مرسلة عن غير واحدٍ، وعلي هذا لعلّ أحد هذه الرواة كان ثقة.4.

ص: 33


1- . القضاء في الفقه الإسلامي ص 634.

وعبّر آية اللّه الخوئي عن مثل هذه الرواية بالصحيحة، وقال في مبحث خمس الكنز: ونحوها صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحدٍ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز، والمعادن(1).

وهذه الرواية معتبرة، فإنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني هو شيخ الصدوق، وقد وثّقه صريحاً، فقال: ثقد فاضل ديّن، وإن لم يتعرّض له في كتب الرجال(2).

وقال بعض تلامذة الشهيد الصدر وقد أخذه عن بعض أبحاثه، ومنها:

صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد، عن أبي عبداللّه عليه السلام، الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز، والمعادن(3) وهي تامّة سنداً، لأنّ الصدوق ينقلها في الخصال عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، وهو شيخ الصدوق، ثقة، كما أنّ إرسال ابن أبي عمير لا يضرّ بالسند لأنّه يرسله عن غير واحد، الظاهر في الجمع الذي أقلّه ثلاثة وقد تقدّم غير مرّة أنّ احتمال كونهم جميعاً غير ثقات، احتمال ضعيف بدرجة يطمئنّ إلي خلافه علي قانون الاحتمالات، لأنّ مجموع مشايخ ابن أبي عمير حوالي أربعمائة راوٍ، ومن هو ثابت الضعف منهم بدليل معتبر لا يزيدون علي خمسة، فيكون احتمال أن يكون المرسل عنه إن كان واحداً مِن الخمسة 1/80 وإن كانوا ثلاثة 1/52000 وهذا احتمال ضعيف جدّاً إزاء القطع أو الاطمئنان كما أفاده الأستاذ في بعض أبحاثه هذه، مضافاً إلي إمكان دعوي ظهور نفس التعبير بقوله: عن غير واحدٍ في كون الرواية مقطوعة الصدور2.

ص: 34


1- . وسائل الشيعة ج 9 ص 494 (مؤسسة آل البيت عليهم السلام).
2- . موسوعة الإمام الخوئي ج 25 ص 84.
3- . وسائل الشيعة ج 6 ص 342.

عنده عن المعصوم فتكون شهادته بصدورها حجّة، فالرواية تامّة السند(1).

وهذه الصورة في سند الروايات كثيرة، نظيرها في كتاب الحدود، روي الشيخ الحرّ العاملي عن الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي بإسناده عن الحسن ابن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام في حديث: والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت ورجعت وإلّا خلّدت في السجن، وضيّق عليها في حبسها(2).

فإنّ هذا الحديث صحّحه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام وتبعه علي ذلك المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان(3)، مع أنّهما قد تشدّدا في ردّ الرواية المرسلة وإن كانت عن ابن أبي عمير أو أحد أصحاب الإجماع. وهنا كلام يجب أن نذكره وهو إنّا إن بحثنا وجدنا أنّ الأردبيلي في أوائل كتابه قد شدّد علي عدم اعتبار الروايات المرسلة، فراجع مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 124، تجد ما نحن بصدده، ولكن في المجلّدات الأخيرة من كتابه فقد عمل بمرسلات أصحاب الإجماع كابن أبي عمير والحسن بن محبوب وغيرهما.

ومن الذين تبع الشهيد الثاني علي هذا السيّد صاحب المدارك، فإنّه قال في كتاب نهاية المرام: وقد روي ابن بابويه في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحدٍ، عن محمّد بن مسلم قال: قلتُ: الرجل تكون عنده المرأة يتزوّج اُخري، أله أن يفصلها؟ قال: نعم، إن كانت بكراً سبعة أيّام، وإن كانت ثيّباً فثلاثة أيّام(4).1.

ص: 35


1- . الخمس ج 2 ص 211 (السيّد محمود الهاشمي).
2- . وسائل الشيعة ج 18 ص 550.
3- . مسالك الأفهام ج 3 ص 358، مجمع الفائدة والبرهان ج 13 ص 336.
4- . وسائل الشيعة ج 15 ص 81.

وهذا الإسناد معتبر لأنّ ابن أبي عمير قد رواها عن غير واحد؛ عن محمّد بن مسلم، وربّما كان ذلك أقوي من الرواية عن ثقةٍ فيتّجهُ العمل بها(1).

وسار علي هذا آية اللّه الخوئي وهو أحد أتباع منهج الوثوق السندي، فقال في ذيل فتوي صاحب العروة الوثقي، السيّد كاظم الطباطبائي اليزدي: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر علي الأقوي. أمّا بالنسبة إلي حرمة النظر إلي عورة الكافر ففيه كلام وخلاف، وقد ورد جوازه في روايتين - وإن كان يحتمل اتّحادهما - إحداهما حسنة ابن أبي عمير عن غير واحدٍ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «النظر إلي عورة مَن ليس بمسلم مثل نظرك إلي عورة الحمار»(2).

وثانيتهما مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّما كره النظر إلي عورة المسلم، فأمّا النظر إلي عورة مَن ليس بمسلم كالنظر إلي عورة الحمار»(3). وهما صريحتان في الجواز كما رأيت، ولعلّ الوجه فيه أنّ غير المسلم قد أُنزلَ عن الإنسانيّة مرتبةً فسقطت حرمته، فحاله حال الحيوان، لأنّه كالأنعام بل هو أضلّ، وهذا، أعني القول بالجواز هو المحكي عن جماعة وهو ظاهر الوسائل بل الصدوق أيضاً(4)، لأنّ ورود الرواية في كتابه يكشف عن عمله بها.

وما ذهبوا إليه لا يخلو عن قوّة، لصراحة الحسنة في الجواز، واعتبارها بحسب السند هذا، وقد يناقش في الاستدلال بها من وجهَينِ:3.

ص: 36


1- . نهاية المرام ج 1 ص 424.
2- . وسائل الشيعة ج 2 ص 35 طبعة آل البيت عليهم السلام.
3- . نفس المصدر.
4- . الحدائق الناضرة ج 2 ص 5، وسائل الشيعة ج 2 ص 35، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 63.

أحدهما: أنّها ضعيفة الإسناد بالإرسال، لأنّ ابن أبي عمير قد نقلها عن غير واحد، عن أبي عبداللّه عليه السلام وفي الحدائق وصفها بالإرسال وإن كان قد عمل بها.

وهذه المناقشة ساقطة، لا لأنّ مراسيل ابن أبي عمير كمسانيد، - وقد مرّ أكثر من مرّة من أنّ المراسيل ساقطة عن الحجيّة مطلقاً سواء كان مرسلها ابن أبي عمير ونظراءه أم غيرهم - بل لأنّ قوله: عن غير واحد، معناه أنّ الرواية وصلت إليه عن جماعة من الرواة، وهذا غير فيما إن رواها واحد أو اثنان، مع أنّ تلك الجماعة نطمئنّ إلي وثاقة بعضهم علي الأقلّ، لأنّه من البعيد أن يكون كلّهم غير موثّقين.

ثانيهما: أنّ الرواية مهجورة لإعراض الأصحاب عن العمل بها، كما يظهر من إطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلي عورة الغير.

وللردّ علي هذه المناقشة نقول:

أوّلاً: إنّ إعراضهم عن الرواية لم يثبت بوجه، لأنّه من المحتمل أن يستندوا في الحكم بحرمة النظر مطلقاً إلي ترجيح الأدلّة المعارضة وتقديمها علي رواية الجواز، وربّما يظهر ذلك من كلام شيخنا الأنصاري قدس سره(1) فترك العمل بها لمخالفة الرواية لإطلاق الآية والروايات، والإعراض عن الرواية إنّما يسقطها عن الحجيّة فيما إذا كشف عن ضعفها، دونما كان مستنداً إلي علّة أُخري كما في المقام. ثمّ إنّ أمثال الشيخ الصدوق وغيره ممّن ذهبوا إلي الجواز قد عملوا بها فصغري الإعراض غير ثابتة.

ثانياً: إنّ كبري سقوط الرواية عن الحجيّة بإعراضهم عنها لا يمكن الالتزام بها2.

ص: 37


1- . كتاب الطهارة ج 1 ص 422.

بوجه، كما قدّمناه في محلّه(1) وعلي ذلك لا إشكال في الرواية إسناداً، كما لا كلام في دلالتها علي الجواز(2).

وقد صحّح آية اللّه الخوئي مراراً حديث الخمس المروي عن ابن أبي عمير، وقد أشرنا إليه سابقاً(3).

وذكر في كتاب الطهارة في مبحث عمّا ورد في عدم ناقضيّة المذي الذي خرج بشهوة، وذلك كصحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «ليس في المذي من الشهوة، ولا من الإنعاظ، ولا من القبلة، ولا من مسّ الفرج، ولا من المضاجعة وضوء، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد»(4).

والوجه في عدم إلحاقها بالمراسيل، ما ذكرناه غير مرّة من أنّ التعبير بغير واحدٍ إنّما يصحّ فيما إن كانت الواسطة جماعة من الرواة، ولا نحتمل أن يكون الجميع غير موثّقين، بل لابُدَّ من أن يوجد فيهم ثقات لو لم يكن جلّهم كذلك بل التعبير بذلك ظاهر في كون الرواية مسلّمة عنده، ومن هنا أرسلها إرسال المسلّمات، وهذا هو الحال في تعبيراتنا اليوم(5).

وكلام السيّد الخوئي مأخوذ عن كلام السيّد السند في المدارك، مجيباً عن3.

ص: 38


1- . مصباح الاُصول ج 2 ص 203.
2- . موسوعة الإمام الخوئي ج 4 ص 322.
3- . المقنع ص 53، الخصال ص 29/53، مستند وسائل الشيعة ج 9 ص 494، العروة الوثقي، كتاب الخمس ص 73 و 86 و 125.
4- . الاستبصار ج 1 ص 93/10 وج 1 ص 174، وسائل الشيعة ج 1 ص 270، تهذيب الأحكام ج 1 ص 47/19، وج 1 ص 734/253.
5- . موسوعة الإمام الخوئي ج 4 ص 453.

فتوي ابن الجنيد حول الناقض للوضوء في المذي والودي، وأُجيب عنه بأنّها معارضة بما رواه ابن أبي عمير في الصحيح، عن غير واحد من أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «ليس في المذي من شهوة، ولا من الإنعاظ، ولا من القبلة، ولا من مسّ الفرج، ولا من المضاجعة وضوء»(1).

ولا يضرّ إرسالها لأنّ في قوله عن غير واحد من أصحابه إشعاراً باستفاضة ذلك عنده(2).

ولا يخفي أنّ الاعتبار عندهم في روايات ابن أبي عمير عن غير واحدٍ هو وجود القرينة، فعلي ضوء اعتبار هذه المراسيل والقرينة تكون هذه الروايات مستفيضة، كما صرّح بذلك السيّد السند، فضلاً عن كونها منقولة عن أفراد مختلفين يستبعد أن ينعدم فيهم الثقات، كما صرّح به السيّد.

ثمّ إنّه قد اجتمعت فيها قرائن أُخري؛ كنقل الصدوق مثلاً بلفظ: قال، وإسناده القطعي إلي المعصوم عليه السلام في بعضها، كما صرّح بذلك الشيخ مرتضي الحائري في كتابه: الخلل، وهذا ما أفتي به الصدوق في مقدّمة كتابه، وصرّح السيّد الخوئي به أيضاً(3). وتعدّ هذه كلّها قرائن لحصول الاطمئنان علي صدور الرواية عن المعصوم عليه السلام.

نعم قد ردّ أحد تلامذة السيّد الخوئي في قم علي أُستاذه حول رواية زرارة عن غير واحدٍ، وفيها قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في المسح علي الخفّين تقيّة؟ قال: «لا يُتّقي في ثلاث، - قلنا وما هنّ؟ قال -: شرب الخمر - أو قال: شرب-.

ص: 39


1- . تهذيب الأحكام ج 1 ص 19، الاستبصار ج 1 ص 93، وسائل الشيعة ج 1 ص 191.
2- . مدارك الأحكام ج 1 ص 152.
3- . بررسي اعتبار مراسيل ص 65 - باللغة الفارسيّة -.

المسكر - والمسح علي الخفّين، ومتعة الحج»(1).

فقال بردّه: وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال، فإنّ النقل عن غير واحد لا يخرج الحديث عن كونه حديثاً واحداً مرسلاً، ولا يدخله في المتواتر، فإنّ عنوان غير واحدٍ يصدق علي ثلاثة أشخاص مثلاً(2).

ومن القواعد الجديدة التي اكتشفها السيّد محمّد باقر الصدر والتي تعتبر دليلاً علي توثيق كثير من الرواة، وذلك إذا وضّحناها وقبلناها، وتعرف هذه القاعدة بقاعدة تعويض السند، وقد عدّها إلي المعاهد العلميّة المحقّق الشهيد السيّد محمّد الصدر الذي استشهِدَ علي يد صنيعة الاستكبار (صدّام حسين) في العراق عام 1400 ه ق، وها نحن ننقلها بخطّ تلميذه الأستاذ السيّد كاظم الحائري، أحد المفكّرين المعاصرين الناشرين لآراء السيّد الصدر.1.

ص: 40


1- . مباني منهاج الصالحين ج 2 ص 430.
2- . جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 222/21.

سند عهد الإمام للأشتر:

أمّا من حيث السند: فعهد الإمام إلي مالك الأشتر قد ذكر له سند(1) غير تامّ عن طريق النجاشيّ رحمه الله ولا نبحثه، وسند آخر عن طريق الشيخ قدس سره وهو الجدير بالبحث، وهو ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون ابن مسلم والحسن بن طريف جميعاً عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد ابن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

والإشكال في هذا السند يقع من عدّة وجوه:

الوجه الأوّل - عدم ورود توثيق لابن أبي جيد، وابن أبي جيد ثقة عند السيّد الخوئي باعتباره من مشايخ النجاشي، ولكنّنا لا نقبل بهذا المبني، إذن هو غير ثابت الوثاقة عندنا، ولكن يمكن التخلّص عنه في المقام علي أساس نظريّة التعويض في السند، باعتبار أنّ الشيخ له سند تامّ إلي محمّد بن الحسن بن الوليد، وكذلك إلي عبداللّه بن جعفر الحميري الواقعين في هذا الإسناد قبل ابن أبي جيد.

ص: 41


1- . وهو هكذا: أخبرنا ابن الجندي عن عليّ بن همام، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بالعهد. والعيب الخاصّ بهذا السند دون سند الشيخ هو: أوّلاً - ابن الجندي وهو من مشايخ النجاشي. وثانياً - عليّ بن همام، فإنّه لم يعرف إلّاإذا صحّ حدس الشيخ محمّد تقي التستري حيث قال في قاموس الرجال: «الظاهر كونه محرّفاً عن أبي عليّ بن همام، وهو محمّد بن همام». فإن صحّ ذلك فهو ثقة، وممّا يشهد لكون الصحيح هو أبو عليّ بن همام رواية ابن الجندي عنه، وكذلك عدم وجود اسم عليّ بن همام في كتب الرجال إطلاقاً.

نظريّة التعويض في السند:

وبما أنّ نظريّة التعويض تنفعنا في كثير من الموارد ممّا يمكن رفع نقص السند بها، لا بأس ببيانها في المقام، وأصلها من أُستاذنا الشهيد رحمه الله(1).

فنقول: إنّ تعويض السند الضعيف بسند تامّ يمكن أن يتمّ علي عدّة أشكال:

الشكل الأوّل للتعويض: هو الاعتماد علي مثل ما جاء كثيراً في كلام الشيخ الطوسي رحمه الله في ترجمته للرجال في فهرسته من عبارة: (أخبرني بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان).

فإذا وجدنا عن الشيخ رحمه الله رواية وكان في سندها رجل ضعيف، أو غير ثابت التوثيق، وكان قبل ذاك الرجل من الطرف الذي يقرب مِن الإمام ثقة، وكان الشيخ قد ذكر في فهرسته بشأن ذاك الثقة عبارة: (أخبرني بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان)، وكان السند الوارد في هذه العبارة تامّاً، فمن حقّنا أن نبدّل القطعة الأُولي من السند الواقعة بين الشيخ وذاك الثقة والتي فيها ذاك الإنسان غير ثابت التوثيق بالسند الذي ذكره الشيخ في تلك العبارة في الفهرست.

ومدي تماميّة هذا الذي ذكرناه أو عدمها يرتبط بما نفهمه من معني قوله:

«أخبرنا بجميع كتبه ورواياته» ففي ذاك عدّة احتمالات:

الأوّل - أن يكون المقصود بذلك كلّ ما لذاك الثقة من كتب وروايات في علم اللّه، وعندئذٍ يتمّ هذا الوجه الذي شرحناه للتعويض؛ إذ لو لم يكن قد وصل هذا

ص: 42


1- . نظرية التعويض مطروحة في آثار الفقهاء، ولكن ما كتبه سماحة آية اللّه السيّد كاظم الحسيني الحائري كان بشكل مفصّل، فأوردناه بتفصيله لأنّها دُرَرٌ كانت متروكة في أوراق الفقه، فكم من بحوث دقيقة رجاليّة في الكتب الفقهية؟ القضاء في الفقه الاسلامي ص 50 وراجع دراسات في ولاية الفقيه ج 4 ص 303.

الحديث إلي الشيخ عن الطريق الذي ذكره في الفهرست بقوله: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان» لكان يعلم الشيخ بكذب هذا الحديث؛ إذ لو كان صادراً عنه حقّاً لكان قد وصله بهذا الطريق، حسب ما تدلّ عليه تلك العبارة، ولو كان يعلم الشيخ بكذبه لما رواه.

إلّاأنّ هذا الاحتمال في ذاته واضح البطلان؛ إذ لا سبيل للشيخ عادةً إلي الإحاطة بكلّ روايات هذا الشخص، بنحو يقطع بأنّه لا رواية له غير هذه الروايات التي وصلته عن طريق هذا السند.

الثاني - أن يكون المقصود بذلك كلّ ما نُسبت إلي ذاك الثقة من كتب وروايات، وهذا أيضاً في البطلان كالأوّل، فلا سبيل للشيخ عادةً إلي الإحاطة بكلّ ما نسبت إلي ذاك الثقة من كتب وروايات بحيث ينفي أن يكون قد نسبت إليه رواية عن غير ذاك الطريق.

ولو تمّ هذا الوجه ثبت المقصود؛ لأنّ الرواية التي نحن بصدد تصحيح سندها قد نسبت إليه قطعاً، فهي داخلة في هذا العموم.

الثالث - أن يكون المقصود بذلك جميع ما رواه الشيخ عنه من كتب وروايات، وهذا احتمال معقول، وبناءً علي هذا الاحتمال يثبت المقصود أيضاً؛ لأنّ هذه الرواية ممّا رواها الشيخ حسب الفرض.

الرابع - أن يكون المقصود بذلك جميع ما وصل إلي الشيخ عنه من كتب وروايات، وهذا الاحتمال كسابقه في المعقوليّة، وفي ثبوت المقصود بناءً عليه؛ لأنّ هذه الرواية قد وصلت إلي الشيخ حسب الفرض؛ إلّاأنّه يختلف عن سابقه في أنّنا لو وجدنا كتاباً في مكتبة الشيخ لهذا الثقة بحيث عرّفنا أنّه واصل إلي

ص: 43

الشيخ، ولكن لم نعرف أنّه رواه عنه، أمكن تصحيح سند هذا الكتاب بهذا الوجه، بخلافه علي الاحتمال الثالث. وعلي أيّ حال، فهذه الثمرة في زماننا غير متحقّقة علي أيّ حال، فالاحتمالان عملاً متساويان في النتيجة.

الخامس - أن يكون المقصود بذلك جميع ما اعتقد الشيخ وجداناً أو تعبّداً، أنّه صادر عن هذا الثقة من كتاب أو رواية، وبناءً علي هذا الاحتمال، لا يثبت المقصود في المقام؛ إذ اعتقاد الشيخ وجداناً أو تعبّداً بأنّ الرواية المبحوث عنها صادرة عنه أوّل الكلام، فيصبح التمسّك بقوله: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...» تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة.

إلّاأنّ هذا الاحتمال في ذاته خلاف الظاهر، كما ذكره أُستاذنا الشهيد رحمه الله؛ لأنّ ظاهر قوله: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...» هو أنّه يتكلّم بما هو راوٍ ومتحدّث لا بما هو مجتهد في الأحاديث، يحكم بثبوت هذا الحديث عنه وجداناً أو تعبّداً، ولأنّ كان هدف الشيخ رحمه الله من هذه العبارة تزويدنا بسند إلي تلك الكتب والروايات، بينما لو كان المقصود هو أنّ هذا سند لكلّ ما يعتقد هو أنّه لفلان ففي الحقيقة لم يزوّدنا بسند إطلاقاً؛ إذ ما يدرينا أنّ الرواية الفلانيّة، داخلة في ما يعتقد الشيخ بصدوره عن فلان أوْ لا؟!

وأُستاذنا الشهيد رحمه الله لم يتعرّض للاحتمال الثالث، وباستبعاد الاحتمال الخامس عيّن الاحتمال الرابع. وعلي أيّ حال فقد عرفت أنّه لا ثمرة عمليّة فعلاً بين الاحتمال الثالث والرابع، وما دمنا قد استبعدنا الاحتمال الخامس، فالمقصود ثابت علي أيّ حال.

يبقي الكلام في أنّ الشيخ ينقل كثيراً ما ينقل في كتابيه روايةً عن كتاب مُسقطاً

ص: 44

ما لديه من سند إلي صاحب ذاك الكتاب، وتعرّض في آخر الكتابين إلي ذكر السند لغالب ما حذف أسانيده إليه، وحينئذٍ قد يفترض أنّ الرجل غير ثابت التوثيق، وقع ضمن ذاك السند، والرجل ثابت التوثيق - الذي كان للشيخ في فهرسته سند تامّ إلي جميع كتبه ورواياته - عبارة عن نفس صاحب الكتاب أو عن شخص آخر أقرب إلي الشيخ من صاحب الكتاب، وهنا لا إشكال في التعويض، وأُخري يفترض أنّ الرجل الثقة - الذي كان للشيخ سند تامّ إلي جميع كتبه ورواياته - وقع قبل صاحب الكتاب - أي كان أقرب إلي الإمام سواء كان الشخص غير ثابت التوثيق، قبل صاحب الكتاب أو بعده - فهنا هل نطبّق عليه نظريّة التعويض أوْ لا؟ قد يقال بعدم الفرق بين الفرضيّتين تمسّكاً بإطلاق قوله:

«أخبرنا بكتبه ورواياته».

ولكنّ الظاهر عندي هو التفصيل بين الفرضيّتين، فنحن إنّما نقبل نظرية التعويض هذه، حينما يكون ذاك الثقة - الذي كان للشيخ إلي جميع رواياته سند تامّ - عبارة عن نفس صاحب الكتاب الذي روي الشيخ الحديث عن كتابه، أو من كان واقعاً في السند الذي يصل الشيخ بذلك الكتاب. أمّا إن كان بين الإمام وصاحب الكتاب فلا نطبّق عليه هذا القانون، وهذا الكلام ينشأ من فهمنا لكلمة (رواياته) في قوله: «أخبرنا بكتبه ورواياته»، أو قوله: «أخبرنا برواياته».

توضيح ذلك: أنّه يحتمل في كلمة (رواياته) أمران:

الأوّل - أن يشمل الروايات الشفهيّة، فكأنّه حينما قال: «أخبرنا بكتبه ورواياته» قصد بذلك أنّه أخبرنا بما رواه في كتبه، وبما رواه في كتب وكتابات الآخرين وبما رواه من روايات شفهيّة، فلان عن فلان، وبناءً علي هذا الاحتمال

ص: 45

يتمّ ما مضي من بطلان الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الخمسة، وهو إرادة واقع الكتب والروايات؛ لما قلنا من أنّه لا سبيل للشيخ إلي الإحاطة بكلّ رواياته بنحو يقطع أنّه لم يروِ أيّ رواية أُخري إلي غير ذاك السند، ويتمّ أيضاً ما ذكرناه من التمسّك بإطلاق جملة (أخبرنا بكتبه ورواياته)، أو جملة (أخبرنا برواياته) لإثبات عدم الفرق بين ما لو وقع الثقة - الذي للشيخ إليه سند تامّ - بين الشيخ وصاحب الكتاب، أو بين الإمام وصاحب الكتاب. إلّاأنّ هذا الاحتمال بعيد غاية البعد، فإنّ الشيخ رحمه الله قد تكرّرت منه كثيراً هذه الجملة، وبشأن كثيرين ممّن يكون الفاصل بينه وبين الشيخ متعدداً، ورواياته الشفهيّة كثيرة ومتناثرة وواصلة إلي الشيخ ضمن كتب المتأخّرين عنه، وعادةً لا يمكن للشيخ الشهادة بوصول كلّ رواياته - الواقعيّة أو الواصلة إلي الشيخ، أو التي يرويها الشيخ - بالسند الذي يذكره، وإنّما الشيء المعقول هو الاحتمال الثاني.

الثاني - أن يكون المقصود بروايته، رواياته لكُتب وكتابات الآخرين، أو لكتبه هو والآخرين دون رواياته(1) الشفهيّة، وهذا ممّا يمكن الإحاطة به، فكان من المتعارف وقتئذٍ إخبار شيخ الإجازة لمن يروي عنه بجميع ما يرويه من كتب مؤلّفة لنفسه أو لغيره، قراءةً عليه، أو سماع منه، أو إجازة.

وبناءً علي هذا الاحتمال قد يبطل ما ذكرناه في إبطال الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الخمسة، من أنّ الشيخ لا يستطيع أن يحصر كلّ روايات هذا الثقة، في علم اللّه فيما وصله بهذا السند؛ إذ هذا الحصر بالنسبة للكتب والمؤلّفاتة.

ص: 46


1- . أو يشمل طائفة من رواياته، الشفهيّة، وهي التي أعطاها بالسند الفلاني الوارد في الفهرست، لا مطلق رواياته الشفهيّة.

المرويّة أمر معقول، إلّاأنّ الصحيح مع ذلك أنّ التتبّع في فهرست الشيخ ورجال النجاشي، يشرف المتتبّع علي القطع ببطلان الاحتمال الأوّل؛ إذ كثيراً ما يذكر أحدهما راوياً ذا كتب كثيرة، ويعدّد منها ما هو أقلّ من عدد الكتب ممّا يوحي أنّه لم يصله بما لديه من سند كلّ الكتب، ومع ذلك يقول بالأخير: «أخبرنا بكتبه - أو بجميع كتبه - فلان عن فلان»، وتوجد أحياناً بعض القرائن الواضحة علي عدم وصول كلّ الكتب إليه، كقول النجاشي في عليّ بن الحسن بن فضّال: «وقد صنّف كتباً كثيرة منها ما وقع إلينا: كتاب الوضوء، كتاب الحيض...»، وكقول الشيخ بشأن يونس بن عبدالرحمن: «له كتب كثيرة أكثر من ثلاثين كتاباً، وقيل:

إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة» ثمّ يعدّد بعضها ثمّ يقول: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...»، ومن الواضح أنّه لو كان وصله كلّ الكتب لما قال:

«قيل: إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة»، وكقول الشيخ بشأن علي بن الحسن بن فضّال: «قيل: إنّها - يعني كتبه - ثلاثون كتاباً: منها كتاب الطبّ، كتاب فضل الكوفة...».

وعلي أيّة حال، فبناءً علي هذا الاحتمال - وهو الذي نستظهره - يتّضح الفصل بين ما لو كان ذاك الثقة - الذي كان للشيخ إلي كتبه ورواياته سند تامّ - واقعاً بين الشيخ والكتاب الذي روي الحديث عنه، أو بين الكتاب والإمام، ففي الأوّل يمكن تطبيق نظريّة التعويض، وفي الثاني لا يمكن ذلك، إذ لم يثبت لنا أنّ هذا الحديث وارد في كتاب من الكتب التي يرويها هذا الثقة، فلعلّه كانت رواية شفهيّة.

هذا، ولا أقلّ من الإجمال، وهو يكفينا لعدم تسرية قاعدة التعويض إلي ما إذا

ص: 47

كان ذاك الثقة بين الكتاب والإمام، ولا إلي ما إن كان الخبر بكلّ تسلسله شفهيّاً.

ومن هنا يظهر أنّ تطبيق هذه النظريّة علي عهد الإمام إلي مالك الأشتر، في ما لو فرضنا أو احتملنا أنّ الرواة الواقعين في سند الشيخ من ابن أبي جيد إلي الحميري، إنّما تناقلوه شفةً عن شفة غير صحيح، نعم بناءً علي دعوي الاطمئنان بأنّ العهد كان مكتوباً وموروثاً علي شكل الكتاب وكان فيما نقله - من الكتب والكتابات - الحميري إلي ابن الوليد، أو ابن الوليد إلي ابن أبي جيد، صحّ التعويض في المقام.

وقبل أن ننتقل إلي الشكل الثاني من أشكال التعويض ينبغي أن نذكر أمرين:

أحدهما - أنّ الشيخ رحمه الله عبّر عن بعض الرواة بقوله: «أخبرني بكتبه ورواياته فلان عن فلان»، وبشأن بعض الرواة بقوله: «أخبرني برواياته فلان عن فلان» كما هو الحال في ما نحن فيه علي بعض النسخ، حيث عبّر فيه بشأن ابن الوليد بالتعبير الثاني، وكذلك بشأن الحميري في نسخة القهبائي، وبشأن بعض الرواة بقوله: «أخبرني بكتبه» من دون عطف كلمة (رواياته)، ولا إشكال في صحّة تطبيق نظريّة التعويض في التعبير الأوّل والثاني، ولكن قد يناقش في التعبير الثالث، باحتمال كون المقصود من الإخبار بكتبه، الإخبار بعناوين الكتب وأسمائها مثلاً، لا بواقعها. نعم لو كان قد عطف كلمة (رواياته) علي كلمة (كتبه) لأمكن أن يقال بمقتضي وحدة السياق: إنّ الكتب بالمعني الذي يعطف عليه الروايات، إنّما هو واقع الكتب لا عناوينها، ولكن المفروض عدم العطف. إلّاأنّ الرجوع إلي فهرست الشيخ وتتبّع مواضع استعمال الشيخ رحمه الله لهذه الجملة، لاتدع مجالاً للشكّ في أنّ مقصود الشيخ رحمه الله من الكتب هو واقع الكتب، وأنّ

ص: 48

هدفه هو تقديم سند للكتب، لا مجرّد تثبيت الأسماء والعناوين. هذا مضافاً إلي أنّ تحويل الشيخ في المشيختين علي فهارس الأصحاب، وفي إحداهما علي فهرسته هو - علي ما سيأتي - دليل علي أنّهم في الفهارس كانوا يقصدون ذكر السند دون تعديد الكتب فحسب، وإذن فلا بأس بتطبيق نظريّة التعويض في المورد، نعم لا يمكن عندئذٍ تطبيق النظريّة إلّاحينما يكون سند الشيخ في فهرسته إلي نفس الكتاب الذي روي عنه الرواية. أمّا لو كان إسناده إلي ثقة آخر، بين الضعيف وصاحب الكتاب مثلاً فلا يمكن التعويض؛ لأنّ المفروض أنّ سند الشيخ في فهرسته إنّما هو سند إلي كتبه فقط لا إلي كتبه ورواياته، والمفروض أنّ هذه الرواية غير مأخوذة من كتاب هذا الثقة.

الثاني - أنّ هذا الشكل من التعويض كما يمكن تطبيقه علي القطعة الأُولي من السند، من زمن الشيخ - كما شرحناه - يمكن تطبيقه علي القطعة الثانية من السند، وذلك في ما لو وقع بعد ذاك الضعيف - أي أقرب إلي الشيخ مثلاً - ثقة، وفرض أنّ ذاك الثقة كان له كتاب فيه فهرس لمشايخه وإجازاته، ويكون له طريق إلي جميع كتب وروايات ثقة، وقع بعد ذاك الضعيف، أو إلي الإمام رأساً؛ بأن يكون له طريق صحيح لجميع ما وصل إليه من الإمام مثلاً. وهذه فرضيّة ذكرها أُستاذنا الشهيد رحمه الله في المقام، وهي صحيحة بحدّ ذاتها وإن كان المظنون، عدم العثور علي مورد له معروفٍ لدينا.

الشكل الثاني للتعويض - هو عبارة عن تعويض سند الشيخ مثلاً إلي صاحب كتاب، في رواية ينقلها عن ذاك الكتاب، بسند النجاشي مثلاً إلي ذاك الكتاب، ضمن شروط ثلاثة. ونوضّح ذلك عبر مثال، فنقول:

ص: 49

مثاله: أنّنا نفترض أنّ الشيخ روي حديثاً عن عليّ بن الحسن بن فضّال، وسند الشيخ إلي عليّ بن الحسن بن فضّال فيه ضعف، وللنجاشي سند تامّ إلي عليّ بن الحسن بن فضّال، فنعوّض سند الشيخ بسند النجاشي ضمن شروط:

الشرط الأوّل - أن يكون الراوي المباشر للشيخ، ثقة.

والشرط الثاني - أن يكون النجاشي مالكاً أيضاً لنفس السند الذي ملكه الشيخ وهو السند الضعيف، ويمتلك إضافة إلي ذلك سنداً صحيحاً.

والشرط الثالث - أن يكون النجاشي والشيخ لم يكتفيا بالقول، بنحو الإجمال: «أخبرنا بجميع كتبه فلان عن فلان»، بل صرّحا باسم الكتب، ورأينا أنّ الكتب التي سمّاها الشيخ، قد سمّاها النجاشي أيضاً. فعند استكمال هذه الشروط يصحّ الاستبدال، وذلك لأنّ ظاهر كلام النجاشي الذي ذكر طريقين إلي كتب عليّ بن الحسن بن فضّال، أنّ تلك الكتب نقلت له بالطريقين بنقلين متماثلين في النسخة، وإنّما الفرق بينهما في السند لا في المتن، ولا يحتمل عقلائيّاً أنّ النسخة التي نقلت له بالطريق الضعيف تختلف عن النسخة التي وصلت إلي الشيخ بعين ذاك الطريق، فإنّ المفروض، أنّ من وقع بعد الشيخ مباشرةً ثقة، فلا يحتمل أنّه أعطي نسخة إلي أحدهما وأعطي كذباً نسخة أُخري إلي الآخر، كما لا يحتمل عقلائيّاً أنّ ذاك الثقة كانت لديه نسختان مختلفتان من ذلك الكتاب، لا يدري أيّهما صحيح، وغفل ولم ينبّه الشيخ ولا النجاشي إلي اختلاف النسختين، أو لم ينتبه هو إلي ذلك رغم ما كان متعارفاً عندهم من التدقيق في متون الأخبار.

هذا، والشرط الثاني من الشروط الثلاثة قد يمكن التنازل عنه والاكتفاء بأن

ص: 50

يكون للنجاشي إضافة إلي السند التامّ سند آخر يبتدئ بذلك الثقة المباشر للشيخ، أو أن يكون الشخص المباشر للنجاشي في سنده التامّ هو نفس الثقة المباشر للشيخ بلا حاجة أصلاً إلي أن يكون للنجاشي سندان، وذلك علي أساس استبعاد عدم إشارة هذا الثقة - علي أيّ حال - إلي وجود نسختين مختلفتين لو كان.

وهذا الفرض الأخير - أعني وجود سند صحيح للنجاشي يبتدئ بالثقة المباشر للشيخ - يرجع أيضاً إلي ما ذكرناه أخيراً في الشكل الأوّل للتعويض من تطبيقه علي القطعة الثانية من السند.

ثمّ المثال الذي ذكرناه هو مثال واقعي إلي حدّ، وليس مثالاً خياليّاً بحتاً، فإنّ سند الشيخ رحمه الله إلي عليّ بن الحسن بن فضّال ضعيف لوقوع ابن الزبير، فإنّ سنده إليه عبارة عن: أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال. وللنجاشي إليه إضافةً إلي هذا السند، سند آخر وهو: (محمّد ابن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن).

ومحمّد بن جعفر، وإن لم يكن ثابت التوثيق إلّابناءً علي وثاقة كلّ مشايخ النجاشي ولا نقول به، ولكن لا يبعد أن يقال: إنّ كونه شيخاً للنجاشي منضماً إلي أنّه ليس الناقل الوحيد، بل نقل في آخرين - علي حدّ تعبير النجاشي - يكفي في إيجاد الوثوق والاطمئنان، فإنّ الراوي في الحقيقة عبارة عن عدّة من مشايخ النجاشي، ولا نحتمل عادة كذبهم جميعاً.

نعم قد توجد عدّة نقاط ضعف في هذا المثال:

الأُولي - تخلّف الشرط الثالث في كتاب واحد، فإنّ الكتب التي ذكرها

ص: 51

الشيخ رحمه الله ذكرها جميعاً النجاشي ولو بفرقٍ ما، نادراً في الاسم، كتعبير الشيخ باسم (كتاب أخبار بني إسرائيل)، وتعبير النجاشي باسم (كتاب عجائب بني إسرائيل) ما عدا كتاب واحد وهو: (كتاب صفات النبيّ صلي الله عليه و آله)، حيث لم يأتِ هذا الاسم في الكتب التي عدّها النجاشي، ولكن النجاشي عدّ كتباً عديدة ممّا لم يعدّه الشيخ رحمه الله، ومنها: (كتاب وفاة النبيّ صلي الله عليه و آله)، فيأتي احتمال، أنّ هذا هو عين كتاب (صفات النبيّ صلي الله عليه و آله)، وإنّما وقع خطأ عند أحدهما، فبدّلت كلمة الوفاة بكلمة الصفات، أو بالعكس، واحتمال أنّ ذاك الكتاب مشتمل علي صفات النبيّ صلي الله عليه و آله ووفاته معاً فسمّي هنا باسم (وفاة النبيّ صلي الله عليه و آله)، وهناك باسم صفات النبيّ صلي الله عليه و آله، وعلي أيّ حال فيمكن التغاضي عن هذه النقطة من الضعف في المقام، لأنّ الشرط لم يتخلّف إلّافي كتاب واحد من كتب كثيرة، والتخلّف أيضاً احتمالي، وليس جزميّاً كما عرفت، وعندئذٍ يصبح احتمال كون الحديث الذي نريد تصحيح سنده، قد أخذه الشيخ من كتاب غير مشمول لسند النجاشي، ضعيفاً إلي حدّ يطمأنّ بعدمه، خاصّة حينما لا تكون الرواية واردة بشأن صفات النبيّ صلي الله عليه و آله.

الثانية - أنّ النجاشي ذكر سندَيْه إلي كتب عليّ بن الحسن بن فضّال بهذا التعبير:

«قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة، والزكاة، ومناسك الحجّ، والصيام، والطلاق، والنكاح، والزهد، والجنائز، والمواعظ، والوصايا، والفرائض، والمتعة، والرجال علي أحمد بن عبدالواحد في مدّة سمعتها معه، وقرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العقيقة عن ابن الزبير، عن عليّ بن الحسن.

ص: 52

وأخبرنا بسائر كتب ابن فضّال بهذا الطريق.

وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن بكتبه».

ويحتمل في قوله: «أخبرنا بسائر كتب ابن فضّال...» احتمالان:

أحدهما - كون هذا إجازة في النقل، وذلك في مقابل عدد من الكتب التي ينقلها قراءةً علي الشيخ، أو سماعاً لقراءة أحمد بن الحسين علي الشيخ.

والثاني - كون هذا بمعني الإخبار بمجرّد أسماء الكتب في مقابل عدد من الكتب التي لم يكن وصولها إليه بمعني مجرّد وصول الأسماء. وقد يدّعي مدّعٍ علي أثر التتبّع في كتاب النجاشي أنّ هدفه من مثل هذه العبارة إعطاء السند لا مجرّد سرد أسماء الكتب، كما ادّعينا ذلك بالنسبة لفهرست الشيخ، إلّاأنّ هذه الدعوي بالنسبة لفهرست الشيخ أوضح صحّة منها بالنسبة لرجال النجاشي كما يظهر للمتتبّع فيها.

وعلي أيّ حال، فما أشرنا إليه من إرجاع الشيخ في المشيختين إلي فهارس الأصحاب يؤيّد أيضاً كون مقصود النجاشي ذكر السند لا مجرّد سرد أسماء الكتب، فإنّ كتاب النجاشي داخل في عنوان الفهرست، بل ذكر الشيخ اليوسفي حفظه اللّه، في ما كتبه كمقدّمة لنسخة من رجال النجاشي طبعت أخيراً ما مفاده:

أنّ النجاشي سمّي كتابه في ظهر النسخة بالفهرست حيث كتب علي ظهر النسخة: (الجزء الأوّل من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة وما أدركنا من مصنّفاتهم...)، وكذلك كتب علي ظهر الجزء الثاني أيضاً.

الثالثة - أنّ النجاشي ذكر في ما ذكر في المقام قوله: «ورأيت جماعة يذكرون

ص: 53

الكتاب المنسوب إلي عليّ بن الحسن بن فضّال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين عليه السلام، ويقولون: إنّه موضوع عليه لا أصل له واللّه أعلم، قالوا:

وهذا الكتاب ألصق روايةً إلي أبي العبّاس ابن عقدة وابن الزبير، ولم نر أحداً ممّن روي عن هذين الرجلين، يقول: قرأته علي الشيخ غير أنّه يضاف إلي كلّ رجل منهما بالإجازة حسب»(1).

فإن كان جماعة من الأصحاب يشهدون بوضع كتاب الأصفياء أفلا تسقط هذه الشهادة خبر المخبر بهذا الكتاب علي أساس التعارض؟! وإن سقط ذلك أفلا نحتمل بنحو الإجمال في أيّة رواية يرويها الشيخ عن عليّ بن الحسن بن فضّال (أن تكون مأخوذة من هذا الكتاب، واسم هذا الكتاب موجود في القائمة التي عدّدها الشيخ رحمه الله إلّاأن يدّعي في الرواية التي نراها في التهذيب أو الاستبصار - وهي واردة في الأحكام لا في شأن أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام الاطمئنان بأنّها ليست مأخوذة من كتاب أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام.

الرابعة - أنّ الشرط الأوّل منتفٍ في المقام؛ لأنّ الراوي المباشر للشيخ هو أحمد بن عبدون ولم يرد توثيق بشأنه.

وهذا الإشكال يمكن تذليله علي مبني السيّد الخوئي الذي قال بوثاقة مشايخ النجاشي(2)، ولكنّنا لا نقول بهذا المبني.).

ص: 54


1- . رجال النجاشي ص 676/258، منتهي المقال ج 4 ص 379.
2- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 157، مستدرك الوسائل ج 3 ص 504، كليات في علم الرجال ص 285، سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 72 - باللغة الفارسيّة -، دانش رجال الحديث ص 366 - باللغة الفارسيّة -، الفوائد الرجالية ج 3 ص 205، منتهي المقال ج 5 ص 314، بحوث في علم الرجال ص 41 (المحسني، الطبعة الثانية).

الشكل الثالث للتعويض - وهو أوسع مشرباً من الوجوه الماضية، وحاصله:

أنّنا إذا وجدنا طريقاً ضعيفاً للشيخ إلي أحمد بن محمّد بن عيسي مثلاً، ولكن كان طريق الصدوق رحمه الله إليه في مشيخة الفقيه صحيحاً، حكمنا بصحّة ذاك الحديث سواء كان الصدوق داخلاً في طريق الشيخ أو لا، وذلك باعتبار أنّ طريق الشيخ إلي الصدوق صحيح، فيتلفّق من طريق الشيخ إلي الصدوق، والصدوق إلي أحمد بن محمّد بن عيسي، طريق صحيح.

ويرد بدواً إلي الذهن الإشكال بأنّ المفروض، أنّ هذه الرواية غير موجودة في الفقيه، وإلّا لتمسّكنا بها ابتداءً، ومشيخة الفقيه طريق للروايات التي أوردها في الفقيه، فكيف نصحّح بذلك رواية واردة في التهذيب أو الاستبصار؟!

ويمكن الجواب علي هذا الإشكال بالتمسّك بما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله من الحوالة في آخر المشيختين علي فهارس الشيوخ، فقد قال في آخر مشيخته في التهذيب: (قد أوردت جملاً من الطرق إلي هذه المصنّفات والأُصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، وهو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم الله من أراده أخذه من هناك إن شاء اللّه، وقد ذكرنا نحن مستوفًي في كتاب: فهرست الشيعة).

وقال في آخر مشيخته في الاستبصار: (قد أوردت جملاً من الطرق إلي هذه المصنّفات والأُصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، هو مذكور في الفهارس للشيوخ، فمن أراده وقف عليه من هناك إن شاء اللّه تعالي).

والاستدلال بهذا التعبير الوارد عن الشيخ في المشيختين يتوقّف علي افتراض أنّ مقصود الشيخ ليس هو الحوالة علي خصوص فهارس الشيوخ التي

ص: 55

يذكر فيها طرقهم إلي أصحاب الكتب والأُصول، بل هو إشارة بنحو القضيّة الخارجيّة إلي ما يكون من أجلي مصاديقه مشيخة الصدوق، وإن كانت بحسب مدلولها اللفظي مشيخة في خصوص الروايات المذكورة في الفقيه، فإطلاق كلام الشيخ شامل لذلك.

وتقريب ذلك: أنّه لم تكن لدي الأصحاب فهارس موسّعة كي يكون كلام الشيخ إشارة إليها فحسب، ويشهد لذلك أنّ الشيخ أشار في أوّل فهرسته في مقام بيان ما دعاه إلي وضع فهرسته إلي: (عدم سعة فهارس الأصحاب عدا فهرستين لابن الغضائري الحسين بن عبيداللّه: أحدهما فهرست للمصنّفات، والآخر فهرست للاُصول، ولكنّهما تعرّضا للتلف)(1). وأمّا (رجال النجاشي) الذي هو فِهْرِسْت من فهارس الأصحاب فهو متأخّر في التأليف عن التهذيب والاستبصار بدليل أنّه ذكرهما في كتابه عند ترجمة الشيخ؛ إذن في ظرف من هذا القبيل تعتبر مشيخة الصدوق المفصّلة نسبيّاً من أجلي مصاديق ما يمكن أن تشير إليه إحالة الشيخ في المشيختين إلي فهارس الأصحاب رغم أنّ مشيخة الصدوق ليست فهرستاً بالمعني المصطلح، فإن لم نجزم بظهور من هذا القبيل لم يتمّ هذا الوجه. والإنصاف أنّ الجزم بهذا الظهور في غير محلّه.

وقد يقال: إنّ هذا الإطلاق حتّي لو تمّ فهو معارض بقوله: «وقد ذكرنا نحن مستوفًي في كتاب فهرست الشيعة»، فإنّ ظاهر هذا التعبير أنّه ذكر جميع طرقه في فهرسته، فالحديث الضعيف في مشيخته، إن وجدنا سنداً صحيحاً له في فهرسته، فلا حاجة إلي مراجعة مشيخة الصدوق، وإلّا فمقتضي إخباره باستيفاء3.

ص: 56


1- . الفهرست ص 3.

طرقه في الفهرست أنّه لا يملك طريقاً صحيحاً إليه.

قلت: أوّلاً - إنّ هذا الظهور لكلمة (مستوفًي) غير معلوم، ولعلّه يعني بذلك:

أنّنا ذكرنا ذلك مفصّلاً في الفهرست من دون أن يعطي معني الاستيعاب الكامل.

وثانياً - لو فرض تعارض من هذا القبيل في داخل كلامه في مشيخة التهذيب، فهذا يوجب إجمال العبارة في تلك المشيخة، ونرجع إلي عبارته في مشيخة الاستبصار، لأنّها غير مشتملة علي مقطع من هذا القبيل، فلا إجمال فيها.

وثالثاً - إنّ الشيخ ذكر في فهرسته طريقه إلي الصدوق، وهذا كافٍ لرفع التهافت بين الظهورين، فإنّ ذلك ذكر إجماليّ لجميع طرق الصدوق الموجودة في مشيخته، بعد حملها - بقرينة تحويل الشيخ إليها بالإطلاق - علي أنّها طرق إلي جميع كتب الرواة المذكورين في الفقيه، وإن كان كلامه في مشيخته لا يدلّ - من باب ضيق التعبير - علي أزيد من كونها طرقاً إلي خصوص الروايات المذكورة في الفقيه.

وعلي أيّ حال فالإنصاف أنّ هذا الشكل الأخير من التعويض غير صحيح؛ لما قلنا من أنّ مشيخة الفقيه ليست فهرستاً، ولا معني لفرض شمول إطلاق إرجاع الشيخ إلي الفهارس لها. هذا تمام الكلام في نظريّة التعويض.

الوجه الثاني - من وجوه الإشكال في سند عهد الإمام عليّ عليه السلام إلي مالك الأشتر: هو وقوع الحسين بن علوان الكلبي في هذا السند، ولا دليل علي وثاقته عدا ما ورد عن النجاشي من قوله: الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفيّ عامّي، وأخوه الحسن يكنّي أبا محمّد ثقة رَويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، وليس

ص: 57

للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولي....

فبناءً علي ما قد يتبادر إلي الذهن بدواً من أنّ قوله: (ثقة) يرجع إلي الحسن لا يبقي لدينا دليل علي وثاقة الحسين. أمّا لو استظهرنا رجوع هذه الكلمة إلي الحسين، إمّا بقرينة ورود العبارة في ترجمة الحسين، أو بقرينة أنّه بيّن حال الحسن بعد ذلك بقوله: (أخصّ بنا وأولي) ارتفع الإشكال، وإلّا فلا.

الوجه الثالث - سعد بن طريف(1) أو سعد بن ظريف: حيث اختلف تقييم الشيخ له عن تقييم النجاشي، فذكر الشيخ عنه أنّه صحيح الحديث، وذكر النجاشي عنه أنّه يُعرف وينكر. ومع التعارض لا يبقي دليل علي وثاقته، إلّاإذا تبنّينا تفسير السيّد الخوئي لعبارة النجاشي من أنّ المقصود أنّ حديثه أحياناً يأتي حديثاً معروفاً، وأُخري يأتي حديثاً غريباً أي لا تقبله العقول العادية المتعارفة، وهذا لا ينافي الوثاقة. إلّاأنّ هذا التفسير محلّ للتأمّل، وبالإمكان أيضاً أن يفسّر ذلك بتفسير آخر وهو أنّ هذا الإنسان يعرفه البعض بالوثاقة ومجهول عند البعض الآخر. وعلي أيّ حال، فلو فرض إجمال في كلام النجاشي أو شكّ في معناه بقيت شهادة الشيخ بصحّة حديثه حجّة.

الوجه الرابع - كون الراوي للعهد هو الأصبغ بن نباتة: حيث لم يرد التصريح بوثاقته(2)، ووروده في كامل الزيارات يفيد علي مبني السيّد الخوئي، وليس علي مبنانا، ورواية الشيخ الحرّ في الفائدة السابعة من خاتمة الوسائل (ص 89)2.

ص: 58


1- . رجال النجاشي ص 468/178، خلاصة الرجال ص 226، رجال الشيخ ص 17/92، الفهرست ص 321/76، منتهي المقال ج 3 ص 321.
2- . رجال النجاشي ص 5/8، خلاصة الأقوال ص 24، الفهرست ص 119/37، رجال الشيخ ص 34، منتهي المقال ج 2 ص 102.

توثيقه عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تفيد، لعدم تماميّة سند الرواية. نعم الظاهر أنّ قولهم: إنّ الأصبغ من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام كافٍ لوثاقته.

الوجه الخامس - أنّ الشيخ لم ينقل لنا نصّ عهد الإمام إلي مالك الأشتر، فلا يفيدنا ما ذكره من السند، فإنّ هذا السند لن يثبت لمتن أخذناه من نهج البلاغة - مثلاً - إلّاأن يقال: إنّ قول الشيخ: «أخبرنا بالعهد فلان عن فلان...» إشارة إلي نفس هذا العهد الذي لم يعرف إلّابالنسخ المألوفة، فيثبت ما اتّفقت عليه النسخ(1).4.

ص: 59


1- . القضاء في الفقه الإسلامي ص 29 إلي ص 44.

ص: 60

الفصل الثاني المناهج الرجاليّة عند الفقهاء

الأوّل: المنهج السَنَدي والصدوري

اشارة

ذكرنا أنّ نشأة علم الرجال كانت في عصر الأئمّة عليهم السلام، سيّما علم الجرح والتعديل فقد كانت نشأتها من المسلّمات في زمانهم، والجرح والتعديل في الرواة كان شائعاً في مدرسة الكوفة لا في مدرسة قم والريّ، فإنّ الكوفة كانت مركزاً للأحاديث الموضوعة، وميداناً للوضّاعين، فلذلك كان أهل الحديث في الكوفة بحاجة إلي الجرح والتعديل، أمّا هذه الضرورة لم تكن في قم والريّ لعدم وجود أرضيّة للوضع والجعل.

إنّ قدماءَنا اعتمدوا لا محالة علي القرائن في معرفة الأحاديث الصحاح من الضعاف، وكان الحديث عندهم ثنائيّاً، فإنّهم قسّموا الحديث إلي صحيح وضعيف، والصحيح عندهم ما كان محفوفاً بالقرائن، والضعيف ما لم يكن محفوفاً بها، والإسناد عندهم أحد القرائن، وليس بمفرده طريقاً لإحراز الصحّة.

وهذا المنهج يظهر من شيخ الطائفة في مقدّمة كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، فقد صرّح بأنّ الروايات الإماميّة إمّا متواترة أو خبر آحاد، والخبر الواحد إمّا محفوف بالقرينة أو غير محفوف، والقرائن إمّا القرآن، أو السنّة، أو

ص: 61

العقل، أو الإجماع. وهكذا قال في كتابه العدّة في علم الأُصول، ثمّ سار علي إثره أتباعه من الفقهاء، وهم الذين يُعرفون بالمقلّدة.

فقد قال سديد الدين الحمصي: لم يظهر من الإماميّة بعد الشيخ إلّاعدّة من المقلّدة، حتّي وصل علم الرجال إلي القرن الثامن، وهذا قرن قُسّم علم الرجال فيه، فالعلّامة الحلّي تبع أُستاذه السيّد ابن طاووس (أحمد بن طاووس الحلّي)(1) فقسّم علم الرجال اجتهاداً منه إلي المُعتَمَدين وغير المُعتَمَدين.

وفي ذلك العصر، صارت الحلّة مدرسة للفقه الإماميّ، وظهر فيها فقهاء كبار لم يَرَ الدهر مثلهم، وعلي رأسهم محمّد بن إدريس الحلّي المنتقد للشيخ الطوسي في آرائه الفقهيّة، وبعده ظهر أبوالقاسم نجم الدين جعفر بن سعيد الحلّي الهُذلي المعروف عند فقهاء الإماميّة بالمحقّق (علي الإطلاق) أو المحقّق الأوّل، وهو الذي تبنّي في الفقه خطّة تعتمد علي قواعد خاصّة في الرجال وعلي رأس قواعدها، الاعتماد والاعتناء بالسند لا غير، والسند عنده هو ملاك اعتبار الرواية، ولا قرينة تعادله، فالرواية إن كانت معتبرة سنداً فهي مقبولة، ويجدر الإفتاء بها، وأمّا إذا كان سندها ضعيفاً فلا يمكن إصلاحه وجبرانه، فما اشتهر من أنّه يمكن جبرانه بالشهرة فلا خير فيه، ولا أصل ولا أساس له.

فالمحقّق الحلّي اعتمد علي السند، فلذلك نراه يقف في قبال الشيخ الطوسي، شيخ الطائفة الحقّة المحقة، فالشيخ كان من أعلام القرن الخامس وقد أرسي دعائم منهج الوثوق الصدوري بعد أن كان موجوداً منذ عصر الأئمّة عليهم السلام).

ص: 62


1- . السيّد ابن طاووس اسم للأَخَوَين، فإذا قيل في الرجال والفقه: السيّد ابن طاووس فهو أحمد بن طاووس الحلّي (م 673 ق) وإذا قيل في الحديث: السيّد ابن طاووس فهو عليّ بن طاووس الحلّي (م 664 ق).

وقد أخذ به كوفيّهم، وبغداديّهم، وقمّيهم؛ فمدرسة الكوفة وبغداد وقم اهتمّوا بالقرائن، وجعلوها مقوّمة ومصحّحة للروايات.

مؤسّس المنهج السندي

في النصف الثاني من القرن السابع ظهر المحقق الحلّي في الحلّة، وهو علي رأس فقهاء مدرسة الحلّة وكذا نظيره أحمد بن طاووس الحلّي فهما معاً أسّسا المنهج السندي وتشدّدا علي أصحاب القرائن، وأنكرا عليهم الاعتماد علي الوجوه الخارجة عن السند، وادّعا أنّ المعتبر في الروايات هو السند لا غير، وفي قبالهما الشيخ الطوسي حيث يعتمد علي أصحاب الإجماع، ويصرّح في كتابه العدّة في أصول الفقه بالعمل بروايات المشايخ الثلاثة، مراسيلهم ومسانيدهم، بل ونقلهم عن الرواة المهملين ويعتبرها قرينة علي أنّهم ثقات، وأنّه يعمل بروايات الرواة الغير إماميّة. فهو من أركان المنهج الصدوري ويعمل أتباعه بروايات إسماعيل بن أبي زياد، وبني فضّال، وعبداللّه بن بكير، وأبّان بن عثمان وغيرهم، كما أنّه يعمل بروايات الرواة المشتركين لمحمّد بن قيس، وابن سنان، ويعمل كذلك بالروايات المرسلة المؤيَّدة بالشهرة العمليّة عند الإماميّة، وأيضاً يعمل بما رواه مشايخ الإجازة وإن لم يوثّقوا اصطلاحاً فيعمل بروايات أستاذ الإجازة للمفيد؛ يعني أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد مع أنّه لم يرد فيه أيّ نصّ من التوثيق والجرح، فهو عنده ثقة بل أوثق من الغير، لأنّه من مشايخ الإجازة، وبيده الوثاقة.

هذا بعض ما ذكر كقرينة للاعتماد علي الرواة عند أتباع المنهج الصدوري وعلي رأسهم الشيخ الطوسي. وأمّا مؤسّس المنهج السندي وهو المحقق الحلّي

ص: 63

وقرينه أحمد بن طاووس الحلّي المتشدّدان في سند روايات الرواة حيث لمنهجهما أُسس تتباين تبايناً كليّاً مع المنهج الصدوري، فهما وأتباعهما كالشهيد الثاني وأولاده وأسباطه لا يعملون بالقاعدة المسمّاة الإجماعيّة، بل لا يعدّونها قرينة علي التوثيق واعتبار الرواة، ولا علي اعتبار الرواية.

فالمحقّق الثاني لا يشير أصلاً إلي قاعدة الإجماع، وقد ردّه الشهيد الثاني في الروضة والمسالك. فقال في الروضة:

وقد قال بعض الأصحاب وهو عبداللّه بن بكير: (إنّ هذا الطلاق لا يحتاج إلي محلّل بعد الثلاث)، بل استيفاء العدّة الثالثة يهدم التحريم استناداً إلي رواية أسندها إلي زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «الطلاق الذي يحبّه اللّه تعالي والذي يطلِّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب، ثمّ يتركها حتّي تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة وهو آخر القرء - لأنّ الأقراء هي الأطهار - فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هَدَم ما قبله وحلّت بلا زوج» الحديث.

وإنّما كان ذلك قول عبداللّه، لأنّه قال حين سئل عنه: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. ومع ذلك رواه بسند صحيح، وقد قال الشيخ: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عن عبداللّه بن بكير، وأقرّوا له بالفقه والثقة.

وفيه نظر، لأنّه فطحيّ المذهب، ولو كان ما رواه حقّاً لما جعله رأياً له، ومع ذلك فقد اختلف سند الرواية عنه فتارة أسندها إلي رفاعة، وأُخري إلي زرارة، ومع ذلك نسبه إلي نفسه. والعجب من الشيخ - مع دعواه الإجماع المذكور - أنّه

ص: 64

قال: إنّ إسناده إلي زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتي به لما رأي أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه. قال: وقد وقع منه من العُدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي الفطحيّة ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فُتياً يعتقد صحّتها لشبهة دخلت عليه إلي بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام.

وقال في المسالك بعد ذكر الرواية:

وهذه الرواية - مع شذوذها - رواها عبداللّه بن بكير، وهو فطحيّ المذهب لا يعتمد علي روايته، خصوصاً مع مخالفتها لغيرها(1) بل للقرآن الكريم(2). ومع ذلك ففيها قادح آخر، وهو أنّ عبداللّه كان يفتي بمضمونها وحين سئل عن هذه المسألة قال: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. قال الشيخ: ومن هذه صورته فيجوز أن يكون أسند ذلك إلي رواية زرارة نصرة لمذهبه الذي كان أفتي به، وأنّه لمّا أن رأي أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلي من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبداللّه بن بكير معصوماً لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي اعتقاد مذهب الفطحيّة ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فتيا يعتقد صحّتها لشبهة إلي بعض أصحاب الأئمّة. وإذا كان الأمر علي ما قلناه لم تعترض هذه الرواية ما قدّمناه(3).

والعجب مع هذا القدح العظيم من الشيخ في عبداللّه بن بكير أنّه قال في كتاب الرجال: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه7.

ص: 65


1- . لاحظ: الوسائل ج 15 ص 350 ب «3» من أبواب أقسام الطلاق.
2- . البقرة/ 230.
3- . التهذيب ج 8 ص 36 ذيل ح 107.

والثقة(1)، وذكره غيره(2) من علماء الرجال كذلك. وهذا الخبر ممّا صحّ عن عبداللّه بن بكير، لأنّ الشيخ في التهذيب(3) رواه عن محمّد بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عنه، عن زرارة، والجميع ثقات.

وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق، لما ذكرناه من شذوذه ومخالفته للقرآن بل لسائر علماء الإسلام.

وهكذا سائر الأمور، أمّا المحقّق الحلّي وعلي إثره الشهيد الثاني لا يعملان بمراسيل المشايخ الثلاثة كابن أبي عمير وغيره، وسار علي نهج الشهيد الأردبيلي وتلميذه السيّد محمّد العاملي في مجمع الفائدة والبرهان، ومدارك الأحكام(4).

فالمحقّق يردّ علي مرسلة محمّد بن أبي عمير في الوضوء، والشهيد الثاني في حق المارّ في الروضة والمسالك، وهم لا يعملون بروايات رواتها غير إماميّة؛ لأيّ كان، فإنّ العدول عن الولاية عندهم أكبر نقص وعيب للراوي ومعه لا يمكن الوثاقة فيه.

والشهيد الثاني يردّ أصل ظريف بن ناصح في كتاب الديات، لما كان في إسناده، حسن بن علي بن فضّال، وهو من الواقفيّة، كما أنّهم لا يعملون مطلقاً بروايات العنوان المشترك، كما سمعته مفصّلاً، ولا يعتنون بالشهرة فإنّ الشهرة عندهم ليست بشيء.

والحديث المنجبر بالشهرة سواسيّة مع غيره، وأنّهم لا يأبون علي ردّ4.

ص: 66


1- . اختيار معرفة الرجال ص 375 رقم 705.
2- . رجال العلّامة الحلّي ص 106-107.
3- . التهذيب ج 8 ص 35 ح 107.
4- . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 124.

المشايخ الكبار ولو كانوا مشايخ إجازة إذا لم يرد في حقّهم التوثيق الاصطلاحي فإنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد شيخ الإجازة للمفيد ولكنّه ضعيف عند آية اللّه الخوئي، وهو من أتباع المنهج السندي، بل علي نهج المحقق الحلّي، وثمّ إنّ الشهيد والمحقق الحلّي لا يعملان بالمضمرات ولو كان المضمر ثقة معروفاً ووجهاً من وجوه أصحابنا حيث إنّ أصحاب المنهج الصدوري لا يعدّون الإضمار عاملاً للتضعيف، هذا بعض ما عندنا ممّا قوّمه الشيخ الطوسي وتبعه علي ذلك أكثر الفقهاء.

قوام المنهج السندي عند الشهيد الثاني

إنّ ما قام به المحقّق الحلّي وتبعه علي ذلك الشهيد وأبناؤه كان خطوة رائدة لدعم المنهج السندي، وحينما ظهر الشهيد الثاني يعني زين الدين الجُبعي العاملي فقد أسّس منهجاً خاصّاً في الرجال، بل أسّس مدرسة خاصّة في الرجال، حيث شدّد علي الفقهاء وأرسي دعائم علم الرجال، وأخذ بقاعدة اعتماد الفقه علي الرجال بشكل أساسي، وأسّس منهجه علي مقدّمات:

الأُولي: وجوب الاهتمام بالروايات بالاعتماد علي أسانيدها.

الثانية: وجوب الاهتمام بالروايات الصحيحة المعتمدة لدي المتأخّرين.

الثالثة: عدم حجّيّة الروايات الحسنة أو الموثّقة - وتمّ التشديد علي الروايات الواقع في طريقها إبراهيم بن هاشم، ولم يعدّها صحيحة -(1).

الرابعة: يستدلّ علي وثاقة الراوي من خلال نصوص رجاليّة لا غير، وإذا لم يكن مذكوراً عند الرجاليّين فهو ضعيف قطعاً، وإن أُقيمت قرائن علي وثاقته.

ص: 67


1- . مسالك الأفهام، ج 6 ص 44.

الخامسة: لا يعدّ كلّ لفظ ونصّ رجاليّينِ أنّهما مفيدانِ للتوثيق، بل التوثيق كما ذكره في الرعاية يُفهم إذا ورد للراوي ألفاظ هي: «ثقة، حجّة، ثبت، عين، صحيح» لا غير.

ونظراً لهذه المقدّمات فقد ادّعي الشهيد الثاني إنّنا بحاجة إلي علم الرجال ونصّ رجالي، وإنّنا بحاجة إلي نصّ خاصّ لا إلي كلّ نصّ، ولا تفيدنا القرائن علماً ولا ظنّاً، فهذه هي أُسس المنهج الرجالي عند المحقق الأوّل والشهيد الثاني، والمنهج الرجالي الذي أسّسه الشهيد وانتهجه أتباعه من أُسرته وغيرها؛ فمن أُسرته، ابنه الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم، فإنّه تبع والده ونقد الأحاديث وبحثها بحثاً دقيقاً حتّي ألّف مُنتقي الجُمان في الأحاديث الصحاح والحسان، وتبعه سبطه السيّد محمّد الموسوي صاحب المدارك ونهاية المرام، وقد تشدّدا في سند الرواية وقالا باعتبار الصحيح الأعلي، وادّعيا أنّ التوثيق الرجالي حجّة من باب الشهادة، ولذا يلزم أن يوثّق كلّ راوٍ من قِبل الرجاليّين، ولا يكفي توثيق الرجالي الواحد، فهما عملا بالصحيح الأعلي.

وألّف الشيخ حسن، منتقي الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، وذكر فيه الأحاديث الصحيحة العُليا، ورمز لها بقوله: «صحي»، والأحاديث الصحيحة ورمز لها بقوله: «صحر»، والأحاديث الحسنة. ثمّ اقتفي أثرهما وأثر جدّه الشيخ محمّد العاملي سبط الشهيد الثاني، وولده الشيخ حسن العاملي المعروف بفخر الدين الثاني فإنّه شرح كتاب الاستبصار بعنوان استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، وأعمل فيه ما صوّبه جدّه وأبوه وخاله؛ فراجع تصدِّق.

وهكذا أبناؤهم، وأُسرة الشهيد الثاني تضمّ ستّ طبقات من العلماء

ص: 68

المشهورين، ويعدّ أجداده منهم، وهذا المنهج الرصين القويم أهمله الفقهاء وأخذوا بالمنهج الآخر، وهو منهج القدماء، الذي يعتمد علي القرائن.

وممّن أخذ بالمنهج الرجالي المدوّن والمعدّ من قبل الشهيد، السيّد أبوالقاسم الخوئي الفقيه الرجالي والأُصولي المعاصر، فقد أخذ بالمنهج الرجالي، وقام بإحياء علم الرجال في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، فإنّه وإن كان في بداية نبوغه العلمي أخذ بالمنهج المتعارف عند الفقهاء واعتمد القرائن، فيقول مثلاً عند البحث في قاعدة لا ضرر: إنّا كنّا سابقاً نقول باعتبار مراسيل الصدوق في من لا يحضره الفقيه، ولكن الآن لا نقول باعتبارها، وعدلنا عمّا كنّا عليه فيما سبق.

تراجع آية اللّه الخوئي عن المنهج الصدوري إلي السندي

وهنا كلام هو: ما هو الداعي وما هو الدافع لتراجع آية اللّه الخوئي عن منهج العلماء والفقهاء السابقين وقبول منهج الشهيد وأتباعه؟ هاهنا كلام كثير، فكلّ يدّعي شيئاً.

وفي هذا الموضوع صرّح آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني في مقال نقلته إذاعة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بمناسبة الذكري السنويّة لوفاة السيّد الخوئي: إنّا كنّا عدداً من فضلاء قم ذهبنا إلي النجف الأشرف وحَضَرنا دروسها، ومنها درس السيّد آية اللّه الخوئي، وكان بحثه في الفقه حول مرسلة، وأراد إتقان سندها بجبران ضعفها بالشهرة والقرائن التي أقامها في الدرس، وحصيلة البحث أنّ السيّد الخوئي قد أتعب نفسه في إثبات الحكم علي مبني مرسلة ضعيفة.

وعند انتهاء الدرس ذهبنا إليه، وقلنا: ما الداعي علي إتعاب نفسك لإثبات

ص: 69

رواية ضعيفة مرسلة لغرض إتقان سندها ليترتّب الحكم والفتوي عليها؛ ونحن في قم نعتمد منهج الأستاذ آية اللّه السيّد البروجردي، فإنّه قد اهتمّ بعلم الرجال، فإذا لم يوجد الراوي في علم الرجال موثّقاً نردّ علي الرواية، وكلّ إسناد فيه راوٍ مهمل أو مجهول فالرواية ضعيفة وإن كان لها سند، فضلاً عمّا إذا لم يكن للرواية أيّ سند وكانت الرواية مرسلة كهذه الرواية المبحوث عنها.

فَفَكَّر السيّد الخوئي في المسألة وما أجابنا بشيءٍ، ثمّ أعرض بعد ذلك عمّا كان سابقاً عليه وأخذ يعتمد علي السند والرواة. هذا ما نقله العلّامة الشيخ جعفر السبحاني.

وأمّا ما سمعناه عن بعض أساتذتنا الذين هم كانوا من طلّاب السيّد آية اللّه السيستاني دام عزّه، فإنّه قال: إنّ هذا التحوّل من آية اللّه الخوئي في منهجه الرجالي نشأ بعد مناقشات واستدلالات وأُطروحات استغرقت وقتاً طويلاً مع السيّد السيستاني الذي ناقش الأستاذ مراراً في إسناد الروايات قائلاً له: ما الدليل علي إصراركم بإنقاذ الروايات الضعيفة، مع أنّ الرواة تمّ تدوينهم في كتب الرجال، وعلي مدي سنوات من البحث والنقاش توصّل السيّد الخوئي إلي هذا المنهج وأعرض عن المنهج المشهور المتداول بعد الشهيد الثاني وابنه وسبطيه أعني الشيخ حسن العاملي والسيّد محمّد الموسوي العاملي والشيخ محمّد العاملي، وولده الشيخ حسن صاحب الاستقصاء، ولم يكن هناك فقيه في أربع قرون تمنهج علي هذا المنهج، ولمّا أعرب السيّد الخوئي عن صحّة هذا المنهج، أقبل الفضلاء علي درسه، في الفقه خاصة لأنّه انتهج منهجاً جديداً في الفقه كان أحد أركانه الرجال، بعد أن ظلّ منسيّاً سيّما في المدارس الفقهيّة، كما

ص: 70

صرّح بذلك الشيخ محمّد طه نجف تلميذ الشيخ الأعظم الأنصاري في خاتمة إتقان المقال، فقال:

فلعمري هو أولي ممّا ابتلي به أبناء العصر من بذل العمر في تطويل غريب في الأُصول عارٍ عن المحصول وإطناب زائد علي مقدار الحاجة، طويل لا يثمر سوي التعطيل(1).

ولكنّي أيقنت بعد مطالعتي لآثار السيّد الخوئي أنّه كان حريصاً علي مطالعة مدارك الأحكام للسيّد محمّد الموسوي العاملي سبط الشهيد، وأحد أتباعه، وعلي مدي الزمان تأثّر بفقه السيّد العاملي، وأخذ بمنهجه، وعدل عن منهج الفقهاء المعروفين، فلذا بني فقهه علي دعامتين: الأولي: الأخذ بعلم الرجال، والثانية: عدم الأخذ بالشهرة وعدم اعتبارها.

ثمّ بعد إعلان هذا المنهج من قبل السيّد الخوئي، تبعه علي ذلك عدد مِن تلاميذه وخاصّة الذين تتلمذوا في الآونة الأخيرة علي يده، كالسيّد نقي القمّي شارح منهاج الصالحين باسم مباني منهاج الصالحين، حيث إنّ من مبانيه ردّ المراسيل ولو كانت عن غير واحدٍ.

أتباع الشهيد الثاني

وممّن سار علي هذا المنهج الرجالي المحكم والمتقن المحقّق الأردبيلي، مولي أحمد، أُستاذ الشيخ حسن العاملي والسيّد محمّد الموسوي العاملي، صاحب مجمع الفائدة والبرهان، فإنّه أخذ بما قال الشهيد الثاني وطرح ما ادّعاه المشهور، فلذلك تشدّد علي العلماء، وتفرّد في فتاوي كثيرة، وطرح الشهرة،

ص: 71


1- . إتقان المقال في أحوال الرجال ص 3.

وأخذ بالروايات الصحيحة إسناداً، وإن كان مطروحاً عند المشهور، فراجع مجمع الفائدة والبرهان في مسألة كفاية الأغسال عن الوضوء فإنّه قد أخذ بصحيحة محمّد بن مسلم وحكم بن حكيم وإن كانا مطروحين لدي المشهور، وطرح مرسلة محمّد بن أبي عمير «في كلّ غسل وضوء إلّاغسل الجنابة» المحكم عليها بالصحيح عند المشهور، - وحيث مراسيله عندهم مسانيد - إضافة إلي الشهرة العمليّة عليها، غير أنّ الأردبيلي رغم ذلك صرّح بأنّها مرسلة ولا تنجبر بالشهرة(1).

وممّن تبع الشهيد في القرن الحادي عشر المولي حسين التستري العالم الرجالي الذي جمع آراء ابن الغضائري، وكلّ من الأساتذة القهبائي والتفرشي صاحبَي مجمع الرجال ونقد الرجال.

وتبعه كذلك الشيخ عبدالنبيّ الجزائري صاحب الحاوي، الذي ألّف رجاله علي مبني تنويع الحديث، ويقول في مقدّمة كتابه: الصحيح: ويراد به في الأكثر متّصل الإسناد إلي المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات، وما اعتراه شذوذ.

الحَسَن: ويراد به في الأكثر أيضاً متّصل الإسناد إلي المعصوم بإمامِيٍّ ممدوح من غير نصّ علي عدالته مع وجود ذلك في جميع مراتبه أو في بعضٍ مع كون الباقين بصفة رجال الصحيح.

الموثّق: ويراد به في الأكثر ما دخل في طريقه مَن ليس بإماميّ لكنّه منصوص علي توثيقه بين الأصحاب، ولم يشتمل باقي الطريق علي ضعف من جهة4.

ص: 72


1- . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 124.

أُخري، ويسمّي القويّ أيضاً.

الضعيف: وهو ما لم يحتج فيه شروط أحد الثلاثة بأن يشتمل طريقه علي مجروح بغير فساد المذهب أو مجهول. هذا الاصطلاح هو المستعمل عند جميع أرباب الحديث والأُصول من المتأخّرين، وقد ذكرنا أنّه لم يكن مذكوراً عند أصحابنا المتقدّمين وأنّ الصحيح عندهم ما وجب العمل بمضمونه(1).

ولا يخفي فإنّ الشيخ عبدالنبيّ الجزائري في المتأخّرين كابن الغضائري في المتقدّمين، فقد اعتني بكلماته وتشدّد علي الرواة؛ فكلّ راوٍ لم يكن عند ابن الغضائري والجزائري من المجروحين فهو من أوثق الثقات، ولذلك ذكر المحقّق ميرداماد بأنّ ابن الغضائري لو لم يجرح راوياً كانت قرينة تعيننا في إثبات وثاقته.

وعن الشيخ أحمد البحراني في كتابه: زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدّثين: من جملة أدلّه وثاقة إبراهيم بن يوسف الطحّان الكندي هو أنّه لم يرد فيه قدح من ناحية ابن الغضائري، كما أنّه لم يجرحه، ولم يقدح فيه الشيخ عبدالنبيّ الجزائري في الحاوي مع أنّ سيرته في المتأخّرين كحسين بن عبيداللّه الغضائري في المتقدّمين(2).

وتناول أبو عليّ الحائري لمرّات في منتهي المقال الجزائري، وذكر كتابه بقوله: وقد قسّم كتابه إلي أربعة أقسام: للثقات، والموثّقين، والحسان، والضعاف، ولم يذكر المجاهيل، وهو كتاب جليل يشتمل علي نوادر جمّة إلّا1.

ص: 73


1- . حاوي الأقوال في معرفة الرجال، ص 105.
2- . زاد المجتهدين ج 2 ص 196، الحاوي ج 1 ص 31، روضات الجنّات ج 4 ص 271، دائرة المعارف الإسلاميّة الشيعيّة ج 3 ص 681.

أنّه أدرج كثيراً من الحسان في قسم الضعاف. والعلماء يعبّرون عنه في كلماتهم ب «سلطان المحققين والمدققين»(1).

ونقل السيّد محمّد تقي المدرّسي في كتابه (مقدّمة في فقه الشيعة الإماميّة) أنّ الفقهاء الإماميّة في القرن الحادي عشر ادّعوا أنّه لم يظهر بعد العلّامة الحلّي فقيه ومجتهد للإماميّة، بل كلّهم حاكون ومقلّدون للعلّامة.

الثاني: المنهج الصدوري

اشارة

وهو منهج قدمائنا، فإنّهم لا يعتمدون علي السند وحده، واعتبار الأحاديث عندهم منوط بالقرائن الداخليّة والخارجيّة، السنديّة وغيرها، وأخذوا بكلّ ما يستعين الفقيه علي اعتبار الرواية كقدمائنا، وأوّل من انتهج هذا المنهج بعد الشيخ الطوسي وأحياه، الفقيه الأُصولي الرجالي الشيخ محمّد بن الحسين بن عبدالصمد العاملي صاحب مشرق الشمسين، فقد كتب مقدّمة لهذا الكتاب ونقد وبحث الآراء الرجاليّة للشيخ حسن العاملي معاصره وابن بلده، وتناول فيها دراسة جدّيّة وهي أنّ الروايات معتبرة إذا كانت معها قرائن، ثمّ شرع في عدّ القرائن، وقال: لا يمكن أن نكتفي بالروايات المعتبرة سنداً، فإنّ هذا إسقاط لجمّ كثير من الروايات.

والقرائن إمّا في السند، أو في النصّ، أو غيرهما؛ مقاليّة أو حاليّة، فلذلك قال باعتبار مراسيل محمّد بن أبي عمير، ومراسيل المشايخ الثلاثة، ومراسيل أصحاب الإجماع.

وكتب في مقدّمة الحبل المتين إنّ الروايات المرسلة في من لا يحضره الفقيه

ص: 74


1- . بحار الأنوار ج 107 ص 136.

لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير(1).

وكتب أيضاً: أنّ كلّاً من ابن أبي عمير، أو المشايخ الثلاثة بل الأصحاب المسمّين بأصحاب الإجماع إذا رووا عن راوٍ مهمل، أو مجهول فهو يكشف عن كونه ثقة عندهم.

وبهذا فقد اعتبر الشيخ البهائي بأنّ هناك عدّة من القرائن التي تقوّينا بها علي إحراز صدور الرواية(2).

وقد أخذ بمنهجه العلّامة والأديب الفيلسوف المعاصر له السيّد محمّد باقر الإسترآبادي الميرداماد، وكذا الرجالي الخبير الميرزا محمّد عليّ الإسترآبادي صاحب الكتب الثلاثة في الرجال، فإنّهم من مشاهير مدرسة الاهتمام بالقرائن، وهم أعلام المنهج الذي نسمّيه الوثوق الصدوري، مقابل المنهج الأوّل الذي نسمّيه الوثوق السندي.

وتبعهم علي ضرورة الاهتمام بالقرائن، الشيخ الحرّ العاملي في خاتمة وسائل الشيعة، فعقد باباً للقرائن التي تدلّ علي صدور الروايات(3)، والشيخ الفقيه المحدّث البحراني وقد عقد مقدّمة مفصّلة في مقدّمة كتابه الحدائق الناضرة(4)، ثمّ تبعهم علي ذلك الفقهاء من بعدهم وفي مقدّمتهم العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني المعاصر للبحراني، والمفنّد للحركة الأخباريّة، فإنّه كتب تعليقة علي منهج المقال للإسترآبادي معتمداً علي جمع القرائن في اعتبار4.

ص: 75


1- . الحبل المتين ص 11.
2- . مشرق الشمسين ص 29.
3- . وسائل الشيعة ج 20 ص 60.
4- . الحدائق الناضرة ج 1 ص 14.

الرواة وتوثيقهم، وانتهج المنهج نفسه في تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان، وكثيراً ما ناقش المحقّق الأردبيلي، والسيّد محمّد الموسوي العاملي في تعليقته علي مدارك الأحكام، فهو عَلَمٌ ومنار في جمع القرائن.

وقد قام بجمع القرائن في توثيق الرواة في تعليقته علي منهج المقال (الرجال الكبير) للميرزا محمّد الإسترآبادي وتبعه علي ذلك تلاميذه كالميرزا أبي القاسم القمّي في غنائم الأيّام، والسيّد عليّ الطباطبائي في رياض المسائل، والمحقّق ملّا أحمد النراقي في مستند الشيعة، ثمّ جاء بعدهم الفقيه المعروف الشيخ محمّد حسن النجفي في الجواهر، وتلميذه الشيخ الأعظم مرتضي الأنصاري في الآثار الفقهيّة، وسار علي أثرهم الفقيه النجفي الحاج آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه(1)، ثمّ بعد هؤلاء من المعاصرين السيّد حسين البروجردي والإمام الخميني.

وممّا يمكن أن يقال: إنّ المقتفين والمنتهجين لهذا المنهج، هم كبار الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين.

وقد تقدّم أنّ منهج الوثوق بالسند أسّسه المحقق الحلّي والشهيد الثاني وتبعهما عدّة من العلماء منهم السيّد الخوئي وهو من المعاصرين.

إنّ الفرق الأساسي من بين بقيّة الفروق بين المدرستين والمنهجين هو اعتماد القرائن في توثيق الرواة، وعدم الاكتفاء بالنصوص الرجاليّة، والمدار في اعتبار الرواية يدور علي إحراز صدورها من المعصوم لا الاكتفاء بالسند، فإن أحرز صدورها فهي معتبرة وإن لم يكن لها سند.2.

ص: 76


1- . مصباح الفقيه ج 2 ص 12.

كلام السيّد البروجردي في الاعتماد علي القرائن

«الجوامع الرجاليّة المتقدّمة مصنّفات لا موسوعات»

ولنذكر هنا كلاماً للسيّد المحقّق البروجردي حول الغاية من تأليف هذه الكتب الأربعة، وأنّها ليست هي موسوعة رجاليّة مشتملة علي جميع الرواة، بحيث إذا لم يذكر الراوي فيها فنحكم بأنّه ضعيف، بل من الممكن أن يكون الراوي ثقة؛ لا من جهة النصّ الرجالي بل من جهة وجود القرائن المجتمعة عند الفقيه، وتعرّض السيّد البروجردي لصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور الواردة في الإمامة فقال: والكلام في هذا الخبر يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في سنده، وقد حكي عن العلّامة الطباطبائي(1) أنّه حكم بصحّة هذه الرواية حيث قال في محكيّ ما صنّفه في مناسك الحجّ: الصحيح عندنا في الكبائر أنّها المعاصي التي أوجب اللّه تعالي سبحانه عليها النار، وقد ورد تفسيرها بذلك في كثير من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليهم صلوات اللّه أجمعين، نحو صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور الواردة في صفة العدل....

أمّا في مفتاح الكرامة بعد نقل هذه العبارة قال: قلت: الظاهر أنّ الخبر غير صحيح لا في التهذيب ولا في الفقيه(2)، انتهي.

والظاهر أنّ منشأ الإشكال في الصحّة هو اشتمال الإسناد علي أحمد بن محمّد بن يحيي حيث لم يرد عنه في كتب الرجال حتّي يعدّل أو يجرّح، مع أنّ التحقيق يقتضي عدم الاحتياج إليه. توضيح ذلك: إنّ الكتب الموضوعة في هذا

ص: 77


1- . كلّما قيل في الفقه العلّامة الطباطبائي فهو الفقيه السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (م 1212 ق) صاحب المصابيح، وكلّما قيل في التفسير العلّامة الطباطبائي فهو صاحب الميزان.
2- . مفتاح الكرامة ج 3 ص 91.

الباب لا تتجاوز عن عدّة لكتاب رجال الشيخ، وفهرسته، ورجال الكشّيّ، وفهرست النجاشي، وعدم التعرّض فيها لراوٍ لا يوجب عدم الاعتناء بروايته لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً علي جميع الرواة، لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسوّدة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة علي ذكر مجرّد اسمه واسم أبيه من دون تعرّض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها، وكذا ذكر بعض الرواة مكرّراً كما يتّفق فيه كثيراً علي ما تتبّعنا، هذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلي حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة نهائيّة، وذلك يستند إلي كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة من الفقه والأُصول، وجمع الأحاديث والتفسير والكلام، وغير ذلك من العلوم بحيث لو قسّمت مدّة حياته علي تأليفاته لما اتّسع لكتابه هذا إلّاساعات معيّنة محدودة.

فعدم الذكر (للراوي) في رجال الشيخ لا يدلّ علي عدم الوثاقة.

وأمّا رجال الكشّيّ: فالظاهر كما يظهر لمن راجعه أنّ غرضه منها جمع أسماء الذين وردت في حقّهم رواية أو روايات، مدحاً أو قدحاً أو غيرهما.

وأمّا كتاب النجاشي: فغرضه فيه إيراد المصنّفين، ومن برز منه تأليف أو تصنيف، وهكذا فهرست الشيخ، فعدم تعرّضه لبعض من الرواة، - باعتبار عدم كونه مصنّفاً - لا يدلّ علي عدم كونه ثقة عنده، كما يظهر من بعض المتأخّرين في مشتركاته(1)، حيث حكم بعدم وثاقة الراوي لمجرّد عدم كونه مذكوراً في5.

ص: 78


1- . تنقيح المقال ج 1 ص 95.

تلك الكتب، الظاهر أنّه يمكن استكشاف وثاقة الراوي من تلاميذه الذي أخذوا الحديث عنه، فإذا كان الآخذ مثل الشيخ أو المفيد أو الصدوق أو غيرهم من الأعلام - خصوصاً مع كثرة الرواية عنه - لا يبقي ارتياب في وثاقته أصلاً، وحينئذٍ ينقدح صحّة ما أفاده العلّامة الطباطبائي من الحكم بصحّة هذه الرواية وإن كان أحمد بن محمّد بن يحيي الواقع في ابتداء سند الرواية لم يرد عنه في تلك الكتب ذكر ولا تعرّض، لأنّ وثاقته تستفاد من رواية الصدوق والشيخ عنه خصوصاً مع كثرة رواياته حيث إنّه كان رواية كتب أبيه بإجازة منه وإن لم يكن له كتاب، ولأجله لم يذكر في شيء من تلك الكتب، فالإنصاف أنّه لا مجال للمناقشة في مثل هذا السند أصلاً(1).

فعلي هذا المبني الذي ذكره السيّد البروجردي، فعدم ذكر الراوي في الكتب المتداولة الرجاليّة لا يكون دليلاً علي عدم توثيقه، ولا يمكننا أن نحكم علي محض عدم ذكر الراوي في النجاشي أو الشيخ أو الكشّيّ بضعفه، فلعلّ هذا الراوي الذي نعدّه مهملاً، يستكشف الفقيه وثاقته من ناحية أُخري غير النصوص الرجاليّة، والناحية الأُخري هي القرائن التي يتتبّعهما الفقيه من مظانّها، وهذا المبني والمنهج الرجالي مخالف للمنهج الرجالي الثابت عند الشهيد الثاني وأتباعه، فإنّهم قد حكموا بضعف الراوي إذا لم يذكر الراوي في الكتب الرجاليّة، أو لم يذكر له ألفاظ التوثيق، فلذلك قالوا بضعف كثير من الرواة المهملين أو المجهولين.8.

ص: 79


1- . نهاية التقرير ج 3 ص 230، كليات في علم الرجال ص 358.

إدّعاء الحائري في المهملين

وعلي ضوء هذا ادّعي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني صاحب منتهي المقال أنّه لم يحرز ضرورة إلي ذكر الرواة المهملين والمجهولين، فلذلك لم يذكرهم في كتابه منتهي المقال(1)، وردّه المحقّقون قائلين بضرورة ذكرهم، وذلك أنّ الفقيه الآخر ربّما حصل علي قرائن تدلّ علي وثاقة الراوي فأخرجه من المهملين إلي الموثّقين.

فوائد ذكر المهملين

قال العلّامة السيّد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان الشيعة عند ترجمته لِمحمّد إسماعيل الحائري: فإنّ النكتة المهمّة أنّ المؤلّف رحمه الله قد أهمل ذكر المجهولين في كتابه معلِّلاً ذلك بقوله: ولم أذكر المجاهيل لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم، بينما نري أنّ الكتب المؤلّفة قبله وبعده جُلّها قد ذكرت جميع الرواة بما فيهم المجاهيل، ولم يسبقه في ذلك أحد إلّاالمحقّق عبدالنبيّ الجزائري في كتابه: حاوي الأقوال فقد أهمل ذكر المجاهيل، وكذلك المولي خداوردي أفشار(2).

وليتهم لم يسقطوهم لأنّهم لم ينصّ عليهم بالجهالة من قِبَل علماء الرجال مع أنّ الفوائد في تناولهم كثيرة، ولذلك أوردهم علماء الرجال منذ أوّل يوم أُلّفت فيه كتب الرجال إلي عصره، وكذا بعده وإلي هذا اليوم، فمن فوائد ذكرهم:

أوّلاً: أنّه ربّما تظهر للمتتبّع أمارة الوثوق بالمجهول فيعمل بخبره، فلو

ص: 80


1- . منتهي المقال ج 1 ص 5، الذريعة إلي تصانيف الشيعة ج 23 ص 13.
2- . الذريعة ج 23، ص 13.

لم يذكر هذا تنتفي الفائدة والبحث عنه غالباً.

ثانياً: أنّه ربّما كان الاسم مشتركاً بين المجهول وغيره، فمع عدم ذكره لا يعلم الاشتراك.

ثالثاً: أنّ الفائدة من ذكرهم هي نفس الفائدة في ذكر الموثّق والممدوح والمقدوح وغيرهم، فلو لم يذكروا لم يعلم حالهم لمن يريد البحث عن إسناد الرواية كما أنّه لا تعلم صفة غيره لو لم يذكرا(1)، ولكن المنهج السديد ما أشار إليه المحقّق الداماد في الرواشح، في الراشحة الثالثة عشرة حيث قال: المجهول اصطلاحيّ وهو من حكم أئمّة الرجال عليه بالجهالة كإسماعيل بن قتيبة من أصحاب الرضا عليه السلام، وبشير المستنير الجعفي من أصحاب الباقر عليه السلام(2).

ولغويّ وهو ليس بمعلوم الحال، لكونه غير مذكور في كتب الرجال ولا من المعهود أمره المعروف حاله من حال من يروي عنه من دون حاجة إلي ذكره، والأوّل متعيّن بأنّه يحكم بحسبه ومن جهته علي الحديث بالضعف، ولا يعلّق الأمر علي الاجتهاد فيه واستبانة حاله، علي خلاف الأمر في الثاني إذ ليس يصحّ ولا يجوز بحسبه ومن جهته أن يحكم علي الرواية بالضعف ولا بالصحّة ولا بشيء من مقابلاتهما أصلاً ما لم يستبن حاله ولم يتّضح سبيل الاجتهاد في شأنه. أليس للصحيح والحسن والموثّق والقوي أقسام معيّنة لا تتصحّح إلّا بألفاظ مخصوصة معيّنة من تلقاء أئمّة الحديث والرجال؟

ثمّ قال: وبالجملة، جهالة الرجال علي معني عدم تعرّف حاله من حيث عدم8.

ص: 81


1- . أعيان الشيعة ج 9 ص 124.
2- . رجال الشيخ ص 11/108.

الظفر بذكره أو بمدحه وذمّه في الكتب الرجاليّة ليس ممّا يسوّغ الحكم بضعف السند أو الطعن فيه كما ليس يسوّغ تصحيحه أو تحسينه وتوثيقه، إنّما تكون الجهالة والإهمال من أسباب الطعن، بمعني حكم أئمّة الرجال علي الرجل بأنّه مجهول أو مهمل، فمهما وجد شيء من ألفاظ الجرح انصرم التكليف بالفحص والتفتيش وساغ الطعن في الطريق.

فأمّا المجهول والمهمل لا بالمعني المصطلح عليه عند أرباب هذا الفنّ بالعرف العاميّ أعني المسكوت عن ذكره رأساً، أو عن مدحه وذمّه؛ فعلي المجتهد أن يتتبّع مظانّ استعلام حاله من طبقات الأسانيد والمشيخات والإجازات والأحاديث والسيَر والتواريخ وكتب الأنساب وما يجري مجراها، فإن وقع إليه ما يصلح للتعويل عليه فذاك، وإلّا وجب تسريح الأمر إلي بقعة التوقّف، وتسريح القول فيه إلي موقف السكوت عنه... إلي آخر كلامه(1).

فعلي هذا ففي ذكر المهمل والمجهول أيضاً فوائد، ويمكن للفقيه المتضلّع أن يظفر بوثاقتهما.

الأمثلة الفقهيّة التطبيقيّة علي القواعد الرجاليّة عند المنهَجَيْن

1. مثال التسليم
الف: أقوال أتباع المنهج الصدوري

1. العلّامة الحلّي وهو رائد التقسيم الرباعي للحديث، وأوّل من قسّم الحديث إلي الرباعي، ولكن مع ذلك اعتني بالقرائن، فإذا أحرز صدور رواية

ص: 82


1- . الرواشح السماويّة ص 60.

عمل بها ولو كانت ضعيفة سنداً، فقال في مسألة التسليم في الصلاة: اختلف أصحابنا في وجوبه في الصلاة، فقال علم الهدي وابن أبي عقيل وأبو الصلاح(1)إنّه واجب تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً لا سهواً - إلي أن قال: - ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ وابن بابويه وعلم الهدي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(2).

لا يقال: إنّه خبر مرسل من طرقكم فلا يعمل به.

لأنّا نقول: لا نسلّم أنّه مرسل فإنّ الأُمّة تلقّته بالقبول، ونقله الخاصّ والعامّ، ومثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد تحذف رواته اعتماداً علي شهرته، علي أنّ الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني رواه مسنداً عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن القدّاح، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله... الحديث، إلّاأنّه قال: مفتاح الصلاة الوضوء(3).

ولو سلّم فهؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحّته لما أرسلوه وحكموا بأنّه من قوله عليه السلام(4).

2. قال الميرزا أبوالقاسم القمّي في كتابيه مناهج الأحكام وغنائم الأيّام:0.

ص: 83


1- . الانتصار، ص 47؛ المعتبر، ج 2، ص 233؛ الكافي، ص 119.
2- . الخلاف ج 1 ص 132، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 23، الكافي ج 3 ص 69، تهذيب الأحكام ج 2 ص 317، وسائل الشيعة ج 4 ص 1004.
3- . الكافي ج 3 ص 69، وسائل الشيعة ج 4 ص 715.
4- . منتهي المطلب ج 5 ص 200.

الدليل الثالث الدالّ علي وجوب التسليم ما رواه المشايخ الثلاثة - الصدوق والشيخ مرسلاً والكليني مسنداً - عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مفتاح الصلاة الطهور، تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». ولا وجه للقدح في السند بالإرسال سيّما مع وروده في الفقيه والكافي، بل في الإرسال إشارة إلي كمال الاعتماد علي الصحّة مع أنّ السيّد المرتضي ينقل هذه الرواية معتمداً عليها وهو لا يعمل بخبر الواحد، إلي غير ذلك من المؤيّدات(1).

ب: أقوال أتباع المنهج السندي

1. قال الشهيد الثاني في روض الجنان: وأمّا حديث: تحليلها التسليم، فقد أُجيب عنه بأنّ الأصحاب لم يرووه مسنداً وإن كان من المشاهير، فإنّ المراسيل لا تنهض دليلاً، وبمعارضته بما هو أقوي سنداً ودلالة(2).

2. قال السيّد محمّد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: الثالث: ما رواه الشيخ والمرتضي وابن بابويه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مفتاح الصلاة الطهور، تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». وقد رواه الكليني مسنداً عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن القدّاح، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله...

الحديث.

وجه الاستدلال: لأنّ التسليم وقع خبراً عن التحليل فيكون مساوياً أو أعمّ

ص: 84


1- . مناهج الأحكام ص 383، غنائم الأيّام ج 3 ص 62. توضيح: إنّ مناهج الأحكام كتابه ألّفه الميرزا أبوالقاسم القمّي أوّلاً، ثمّ كتب غنائم الأيّام وأدخل المناهج ضمن الغنائم، فالمناهج إذاً هو الجلد الثالث من كتاب الغنائم، فلاحظ.
2- . روض الجنان ج 2 ص 742.

من المبتدإ، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعمّ من الخبر.

ولأنّ الظاهر إرادة حصر التحليل فيه لأنّه مصدر مضاف إلي الصلاة فيتناول كلّ تحليل يضاف إليها.

ولأنّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ بمعني أنّ الذي صدق عليه أنّه تحليل للصلاة صدق عليه التسليم، كذا قرّره في المعتبر(1).

وجوابه: أوّلاً: بضعف هذا الحديث، وما قيل مِن أنّ هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحّته لما أرسلوه(2) فظاهر الفساد(3).

وثانياً: إنّ ما قرّر في إفادة الحصر غير تامّ، لأنّ مبناه علي دعوي كون الإضافة للعموم، وهو ممنوع فإنّ الإضافة كما تكون للاستغراق تكون للجنس والعهد الذهني والخارجي.

2. مثال كفاية الأغسال عن الوضوء

المثال الثاني يرجع إلي مرسلة محمّد بن أبي عمير في كفاية الأغسال عن الوضوء.

1. قال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: وأمّا دليل وجوبه في سائر الأغسال فهو أنّ الإنسان مأخوذ عليه أن لا يدخل في الصلاة إلّابالوضوء لظاهر الآية والإجماع أيضاً، وخرج غسل الجنابة لما مرّ، فبقي الباقي. وقوله عليه السلام فيما رواه ابن أبي عمير صحيحاً عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «كلّ غسل قبله وضوء إلّاغسل الجنابة»، وما رواه أيضاً في الصحيح ابن أبي عمير عن حمّاد أو

ص: 85


1- . المعتبر ج 2 ص 233.
2- . منتهي المطلب ج 5 ص 104.
3- . مدارك الأحكام ج 3 ص 432.

غيره عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «في كلّ غسل وضوء إلّاالجنابة»(1)... والروايتان مرسلتان مع الاشتراك في محمّد بن أحمد، ومحمّد بن يحيي في الأُولي، وإن قيل بالصحّة لكونه هو محمّد بن أحمد بن يحيي الأشعري ومحمّد بن يحيي هو العطّار وإنّهما ثقتان، ولكن غيرهما من الأخبار التي ليست في طريقها الاشتراك أولي منهما.

وأيضاً في قبول المرسل بحث كما ذكر في محلّه. نعم لو علم أنّه لم يرسل إلّا عن عدل، وعلم ذلك العدل فهو مقبول.

واعتُرض عليه بأنّه خارج عن الإرسال ولا يضرّ ذلك، لأنّ الكلام فيما هو مرسل بحسب الظاهر، ولو علم أنّه عدل لا بعينه ففي قبول مثله بحث في كتب أُصول الحديث فإنّهم قالوا: لم يقبل قوله لو صرّح وقال: أروي عن عدل ولم يسمّه لأنّه قد يكون عدلاً عنده فاسقاً عندنا، فلو أظهر اسمه لجرحناه، وهذا مذكور في الكتب من غير ردّ، فحينئذٍ لا يزيد حال مرسلة ابن أبي عمير عن قوله «أروي هذا الخبر عن عدلٍ» مع أنّ الظاهر ليس كذلك، بل الذي يفهم أنّهم أخذوا بالتتبّع وببعض القرائن، لهذا أري أنّهم يقولون: أظنّه حمّاداً أو غيره، ويقولون: إنّ كتب ابن أبي عمير حرقت فكان يروي عن حفظه، وكان يعرف أنّ المروي عنه عدل ولكن نسي اسمه، علي أنّ قوله عن رجل مرّة، وعن حمّاد أو غيره أُخري يدلّ علي اضطراب، بزعم الشيخ، وأيضاً في نقله تارة قبله وتارة «في كلّ غسل» اضطراب.

وبالجملة، أن ليس هنا دليل يصلح إلّارواية واحدة عن ابن أبي عمير إلّاأنّ 5.

ص: 86


1- . الكافي ج 3 ص 45، تهذيب الأحكام ج 1 ص 139، وسائل الشيعة ج 1 ص 515.

الطريق إليه اثنان، وكون الإرسال أيضاً عنه غير ظاهر، بل يحتمل أنّه أسنده وأرسل الراوي عنه لنسيانه السند إليه، وعلي تقدير التسليم فمقبولته مرسلة وإن قاله الأصحاب غيرظاهر، لما علمت من الاحتمال وإن كان مقبولاً عندهم لعلمهم بذلك من غير اشتباه، فليس لنا العمل به مع الاشتباه في مثل هذه المسألة(1).

2. وقال تلميذه السيّد محمّد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: أجمع علماؤنا علي أنّ غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء، واختلف في غيره من الأغسال، فالمشهور أنّه لا يكفي، بل يجب معه للصلاة سواء كان فرضاً أو سنّة... احتجّ للأوّل بما رواه ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

«كلّ غسل قبله وضوء إلّاغسل الجنابة»(2). والموجود في التهذيب رواية ابن أبي عمير بطريقين: أحدهما عن رجل، والآخر عن حمّاد بن عثمان أو غيره، فهي في الحقيقة رواية واحدة مرسلة فلا ينبغي عدّها روايتين، ولا جعل الثانية من الحسن(3). وأُجيب عنه بأنّ الرواية قاصرة السند بالإرسال وإن كان المرسل لها ابن أبي عمير كما صرّح المصنّف في المعتبر، وجدّي قدس سره في الدراية(4).

3. مثال في موانع الإرث، وهو أنّ القاتل لا يرث المقتول مطلقاً؛ سواء قتله عمداً أو خطأً، وأمّا عمده فمجمع عليه، وأمّا خطأه ففيه طائفتان من الروايات، وهناك فقهاء قدّموا روايات المنع؛ ويدلّ عليه رواية العلاء بن الفضيل.

ص: 87


1- . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 126.
2- . الكافي ج 3 ص 45، تهذيب الأحكام ج 1 ص 139.
3- . مدارك الأحكام ج 1 ص 358.
4- . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 126، المعتبر ج 1 ص 165، الدراية ص 49.

فعن السيّد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة: قال الأردبيلي في خاتمة جامع الرواة: وإلي يونس بن عبدالرحمن مجهول، وإليه طريق آخر حسن كالصحيح، وطريق آخر فيه أبوالمفضّل، عن محمّد بن جعفر الرزّاز في مشيخة الاستبصار، وكذا في مشيخة التهذيب(1)، فهذا الشيخ وثقة الإسلام رويا عن العلاء بن الفضيل بن يسار عن أبي عبداللّه عليه السلام: أنّ الرجل لا يرث إذا قتله وإن كان خطأً بطرق معتبرة، أمّا ثقة الإسلام(2) فقد رواه عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن الفضيل، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ الرجل... الحديث، وإنّه لصحيح لأنّ العبيدي وثّقه النجاشي(3)، ونقل عن الأصحاب إنكار ما رواه به أبو جعفر بن بابويه وأنّهم يقولون: مَن مثل العبيدي.

وأمّا محمّد بن سنان فإنّه ثقة علي الصحيح، وإنّه من أصحاب الأسرار، كما لا يخفي علي من اطّلع علي حاله من كتب الرجال(4). وأمّا الشيخ فقد رواه بإسناده عن يونس(5).

ومن المعلوم أن له إلي يونس ثلاث طرق(6) فيها: الصحيح، وهو ما كان فيه الحسن بن حمزة العلوي لأنه ورد فيه من المدح ما يزيد علي التوثيق بمراتب ، سلمنا ولكنه شيخ أجازه كأحمد بن يحيي العطار. وفيها: الحسن بإسماعيل بن

ص: 88


1- . جامع الرواة ج 8 ص 426، الاستبصار ج 4 ص 336، تهذيب الأحكام ج 10 ص 82.
2- . الكافي ج 7 ص 5/298.
3- . رجال النجاشي ص 896/333.
4- . قاموس الرجال ج 9 ص 306-317.
5- . تهذيب الأحكام ج 10 ص 946/237.
6- جامع الرواة ج 2 ص 525، خلاصة الرجال ص 275، الاستبصار ج4 ص 336.

مرار وصالح بن السندي المتعاطفين، وإسماعيل ورد فيه مدح إضافةً إلي كثرة روايته وعدم استثنائه من كتاب النوادر وقبوله عند أهل قم، ومثله صالح بن السندي، فكانت هذه الرواية مرويّة عن الفضيل وابنه بطرق عديدة(1) في كتابي أخبار الكافي والتهذيب(2). والثالث هو: أنّ مرسل يونس دليل علي قول الحسن بن أبي عقيل العماني، أنّه قال بالمنع بالإرث مطلقاً، سواء كان القتل خطأ أو عمداً؛ وحديث العلاء بن الفضيل رواه في الكافي مرّتين، وفي التهذيب أيضاً مرّتين؛ مع أنّ للشيخ إلي يونس ثلاث طرق(3)، فلذلك قال الموسوي العاملي بتقوية إسناده وهو صحيح في بعض الطرق، حسن في بعض الطرق، ومع ضعفه أيضاً له شهرة روائيّةً وإن قيل بضعفه(4).7.

ص: 89


1- . مفتاح الكرامة ج 24 ص 140 (طبع مؤسسة النشر الإسلامي).
2- . الكافي ج 7 ص 8/141، وج 7 ص 5/298، تهذيب الأحكام ج 9 ص 1359/379 وج 10 ص 946/237، مفتاح الكرامة ج 24 ص 141، وسائل الشيعة ج 26 ص 35.
3- . جامع الرواة ج 8 ص 426، الفهرست ص 809/181.
4- . رياض المسائل ج 12 ص 463، كشف اللثام ج 9 ص 361، مفتاح الكرامة ج 24 ص 140، مسالك الأفهام ج 13 ص 39، مختلف الشيعة ج 9 ص 67.

ص: 90

الفصل الثالث مناط اعتبار الحديث عند أصحاب المنهج الصدوري

الأوّل: إحراز الصدور

إنّ المناط والقاعدة عند أصحاب المنهج الصدوري، إحراز صدور الرواية متناً، وإن كان إسنادها ضعيفاً، بل ولو كان في سندها رواة متّهمون بالوضع والجعل، فإنّ الاعتبار هو إحراز صدور الرواية، ويبقي السند أحد المناطات، فإذا أحرزنا صدور الرواية من غير إسناد، أو كان السند مشتملاً علي عدّة من الوضّاعين فإنّ الرواية معتبرة، حيث المناط الأوّل والقاعدة الأوّليّة عند فقهاء هذا المنهج هو إحراز الصدور وعدمه، فإذا أُحرز الصدور دون الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الراوي من الوضّاعين أو الجعّالين أو المدلّسين فهي معتبرة، أمّا إذا كان صدورها غير محرزٍ بل كان متنها مخالفاً للقواعد العامّة من القرآن والسيرة النبويّة والعقل والإجماع وغيرها من الأدلّة العامّة، فهي غير معتبرة ولو كانت صحيحة سنداً.

فلذلك عبّر علماء الرجال عن الراوي بأنّه متقن، فالإتقان صفة للرواية لا للراوي، وبما أنّ الراوي يروي روايات متقنة، فعلي ضوء هذا ظهر أنّ من إتقان الراوي لرواياته أنّه ثقة، وهذا ما نقل عن الوحيد البهبهاني والعلّامة بحر العلوم

ص: 91

في إسماعيل بن أبي زياد السكوني، فإنّه وإن كان عاميّاً ضعّفه كثيرٌ من الفقهاء المتأخّرين إلي عصر الشيخ البهائي وهؤلاء جميعاً اتّبعوا في ذلك المحقّق الحلّي في المعتبر ونكت النهاية، فإنّه ردّ رواياته، وتبعه علي ذلك كلّ من العلّامة وابنه فخر الدين، والشهيدان الأوّل والثاني، والفاضل المقداد السيوري، وأحمد بن فهد الحلّي، والكركي، والأردبيلي، والعامليّان صاحب المعالم والمدارك في كتبهم الفقهيّة أمثال: مختلف الشيعة، وإيضاح الفوائد، وغاية المراد، ومسالك الأفهام، وجامع المقاصد، ومجمع الفائدة والبرهان، ومعالم الدين، ومدارك الأحكام، غير أنّ الفقهاء في عصر الشيخ البهائي قالوا باعتبار رواياته، وكذلك الشيخ أبو جعفر الطوسي في: العدّة في أُصول الفقه.

فالسكوني وإن كان قاضياً للعامّة في الموصل، ولم يرد فيه أيّ توثيق، إلّارأي الفقيهين المشار إليهما هو فيه أنّ رواياته متقنة متناً، فإذا ثبت عندهما أنّ الرواية صادرة عن المعصوم كان كافياً ولا حاجة إلي أكثر من ذلك مع أنّه عند أهل الجرح والتعديل ليس كذلك(1).

الثاني: الشهرة العمليّة

اشارة

والنموذج الأوّل لهذا البحث، روايات أحمد بن هلال، المرميّ بالغلوّ والنصب وغيرهما من التُّهم.

قال الشيخ الأعظم الأنصاري: والماء المستعمل في الغسل المقصود به رفع الحدث الأكبر طاهر إجماعاً وإن لم يستقلّ بالرفع، بناء علي أنّ الحدث الأكبر فيما عدا الجنابة يرتفع بمجموع الغسل والوضوء، وهل يرفع به الحدث

ص: 92


1- . منهاج الفقاهة ج 1 ص 372، معجم رجال الحديث ج 3 ص 104.

المستعمل فيه باستعماله في موضع صبّ لغسل غيره؟ فيه تردّد... فإنّ صريح المقنعة والمبسوط... العدم، لرواية عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال:

«لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل»، وقال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضّا منه وأشباهه، والماء الذي يتوضّأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في إناء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّا به». وليس في سند الرواية إلّاأحمد بن هلال المرميّ بالغلوّ تارة وبالنصب أُخري(1)، وبُعد ما بين المذهبين لعلّه يشهد بأنّه لم يكن له مذهب رأساً، لكن التأمّل في القرائن يكاد يلحق الرواية بالصحاح:

منها: أنّ الراوي عنه الحسن بن فضّال، وبنو فضّال ممّن ورد في شأنهم في الحسن - كالصحيح - عن العسكري عليه السلام «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» مع أنّ هذه الحسنة ممّا يمكن أن يستدلّ بها علي جواز العمل بروايات مثل ابن هلال ممّا روي حال الاستقامة، ولذا استدلّ بها الشيخ الجليل أبوالقاسم بن روح قدس سره حين أفتي أصحابه بجواز العمل بكتب الشلمغاني، فقال بعد السؤال عن كتبه، أقول فيها ما قاله العسكري، لمّا سُئل عن كتب بني فضّال «خذوا ما رووا...

الخ»(2).

ومنها: أنّ الراوي عن ابن فضّال - هنا - سعد بن عبداللّه الأشعري، وهو ممّن طعن علي ابن هلال حتّي قال: ما سمعنا بمتشيّع يرجع من التشيّع إلي النصب9.

ص: 93


1- . اختيار معرفة الرجال ص 1010/535، منتهي المقال ج 1 ص 363، الفهرست ص 50، تهذيب الأحكام ج 9 ص 204، قاموس الرجال ج 1 ص 671، خلاصة الرجال ص 202.
2- . وسائل الشيعة ج 18 ص 103، الغيبة ص 239.

إلّا أحمد بن هلال(1) وهو في شدّة اهتمامه بترك روايات المخالفين بحيث حكي عنه أنّه قال: لقي إبر اهيم بن عبدالحميد أبا الحسن الرضا عليه السلام فلم يرو عنه فتركت روايته لأجل ذلك(2). وكيفَ أن يُسمع من ابن فضّال الفطحي ما يرويه عن ابن هلال الناصبي، إلّاأن تكون الرواية في كتاب معتبر مقطوع الانتساب إلي مصنّفه بحيث لا يحتاج إلي ملاحظة حال الواسطة، أو محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها.

ومنها: أنّ ابن هلال روي هذه الرواية عن ابن محبوب، والظاهر قراءته عليه في كتاب ابن محبوب المسمّي بالمشيخة الذي هو أحد الأُصول الموصوفة في أوّل الفقيه(3) بالصحّة واعتماد الطائفة إليها، وحكي عن ابن الغضائري الطاعن كثيراً في من لا يطعن فيه غيره أنّ الأصحاب لم يعتمدوا علي روايات ابن هلال إلّا ما يرويه عن مشيخة ابن محبوب، ونوادر ابن أبي عمير. وحكي عن السيّد الداماد إلحاق ما يرويه ابن هلال عن الكتابين بالصحاح(4).

ومنها: اعتماد القمّيّين علي الرواية كالصدوقين وابن الوليد وسعد بن عبداللّه، وقد عدّوا ذلك من أمارات صحّة الرواية باصطلاح القدماء، فالإنصاف أنّ الوثوق الحاصل من تزكية الراوي خصوصاً من واحد، ليس زيد ممّا يفيده هذه القرائن، فالطعن فيها بضعف السند كما في المعتبر(5) والمنتهي مع عدم0.

ص: 94


1- . كمال الدين ج 1 ص 76.
2- . خلاصة الرجال ص 197.
3- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.
4- . الرواشح السماويّة ص 109.
5- . المعتبر ج 1 ص 90.

دورانهم مدار تزكية الراوي محلّ نظر(1).

رأي السيّد الطباطبائي

وممّن تبع الشيخ الأعظم علي هذا المسلك والمدّعي، آية اللّه السيّد محسن الطباطبائي الحكيم في مستمسكه حيث قال بعد الاستشهاد بالحديث: والطعن في السند باشتماله علي أحمد بن هلال العبرتائي الذي رجع عن التشيّع إلي النصب - كما عن سعد بن عبداللّه الأشعري - والملعون المذموم - كما عن الكشّيّ - والغالي المتّهم في دينه - كما عن الفهرست - والذي لا يعمل بما يختصّ بروايته - كما عن التهذيب - وروايته غير مقبولة - كما عن الخلاصة - مدفوع: بأنّ اعتماد المشايخ الثلاثة وغيرهم علي روايته كافٍ في جبر ضعفه ولاسيّما بملاحظة أنّ الراوي عنه بواسطة الحسن بن عليّ، سعد بن عبداللّه، وهو أحد الطاعنين عليه، وأنّ رواية أحمد للخبر كانت عن الحسن بن محبوب والظاهر أنّها عن كتابه، وعن ابن الغضائري: أنّه لم يتوقّف في روايته عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب، لأنّه سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث، واعتمدوه فيهما(2).

رأي السيّد البروجردي

ومثل هذا عن السيّد البروجردي أيضاً، فإنّه صرّح في مبحث لباس المصلّي عند ذكر أحمد بن هلال، فقال: والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله علي أحمد بن هلال، الذي ورد في مذمّته التوقيع عن العسكري عليه السلام المتضمّن

ص: 95


1- . الطهارة (للشيخ الأنصاري) ج 1 ص 356.
2- . مستمسك العروة الوثقي ج 1 ص 220.

لقوله «احذروا الصوفيّ المتصنّع» علي ما رواه الكشيّ؛ مندفعة بما حكي عن ابن الغضائري - مع كونه مسارعاً في التضعيف - مِن أنّه لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب لأنّه قد سمع كتابيهما جُلّ أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما(1). هذا ولا يخفي أنّ ما حكي عن ابن الغضائري لا يفيد - بالنسبة إلينا - حيث لا يحضرنا كتاباهما، فالمناقشة لا تندفع بهذا الوجه بل إنّما هي مندفعة مضافاً إلي عدم حجيّة ما نقله الكشّيّ في مذمّته بعد كونه ذا روايات كثيرة في أبواب الفقه خصوصاً بعد نقل الأجلّاء من أصحاب الحديث عنه كموسي بن الحسن الذي نقل عنه في هذه الرواية - باعتماد الطرفين عليها - لأنّ القائل بالمنع يرجّح دليله عليها، لا أن يقول بعدم حجيّتها. وبعبارةٍ أُخري: لا تكون حجّة عنده في مقام المعارضة لا بدونهما. هذا مضافاً إلي انجبار ضعفها علي تقديره بشهرة القول بالجواز بين القدماء كالمفيد والشيخ وغيرهما؛ فالمناقشة في الرواية من حيث السند غير مقبولة(2).

والنموذج الثاني. ما عن الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح: فصلٌ: روي ثقة الإسلام في الكافي ورئيس المحدّثين في الفقيه وشيخ الطائفة في التهذيب عن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «بينا أميرالمؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع ولده محمّد بن الحنفيّة رضي الله عنه إذ قال له: يا محمّد، ائتني بإناء من ماء أتوضّا للصلاة، فأتاه محمّد بالماء فأكفأه بيده اليمني علي يده اليسري ثمّ قال... الحديث»(3) قال المحقّق الرجالي العلّامة محمّد إسماعيل الخواجوي4.

ص: 96


1- . اختيار معرفة الرجال ص 1020/535.
2- . نهاية التقرير ج 1 ص 378.
3- . تهذيب الأحكام ج 1 ص 364.

المازندراني في تعليقته علي مفتاح الفلاح: قوله: «عن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي»(1) عبدالرحمن هذا ضعيف، كان يضع الحديث. وعن الشيخ في الأربعين بهامشه: هذه الرواية وإن كان في طريقها عبدالرحمن بن كثير وهو ضعيف إلّاأنّ ضعفها منجبر بالشهرة بين الأصحاب، وممّن قال بشهرتها شيخنا الشهيد في الذكري، علي أنّها واردة في المستحبّات؛ فالضعف لا يمنع من العمل بها(2).

وفيه: أنّا نمنع من كون الشهرة مؤثّرة في جبر الضعف، فإنّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ الطوسي والأمر ليس كذلك، فإنّ من قبله كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً كالمرتضي والأكثر علي ما نقله جماعة، وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلي تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّ، فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ علي وجه يجبر ضعفه غير بمتحقّق.

ولمّا عمل الشيخ في كتبه الفقهيّة، جاء من بعده من العلماء واتّبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له إلّامن شذّ منهم، فجاء المتأخّرون بعد ذلك ووجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لأمر ما رأوه في ذلك، لعلّ اللّه يعذرهم فيه، فحسبوا العمل به مشهوراً، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف(3)... كما صرّح به عددٌ مِن المحقّقين. نعم، جوّز العمل به في المستحبّات لتساهلهم في أدلّه السنن، ولما ورد عنه صلي الله عليه و آله أنّه قال: «من بلغه عن اللّه فضلة فأخذها وعمل بها إيماناً باللّه3.

ص: 97


1- . معجم رجال الحديث ج 9 ص 343.
2- . الأربعون ص 56.
3- . قواعد الحديث باب 36 ص 3.

ورجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك وإن لم يكن كذلك»(1)، وله نظائر، وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع.

وقد عرفت أنّ أصحابنا قد صرّحوا بأنّ هذا الهاشمي كان يضع الحديث، وأنّ ابن أخيه عليّ بن حسّان الراوي عنه ضعيف غال كذّاب واقفيّ، فاحتمال كون هذا الحديث موضوعاً قويّ، لأنّ له طريقين وهو بطريقيه ينتهي إلي هذا الهاشمي الواضع(2).

قول الخواجوي

هذا ما عند الذين يعتمدون علي السند، ولا يكتفون بالقرائن، ومحمّد بن إسماعيل الخواجوي هو أحد الرجاليّين المتشدّدين في سند الروايات، قال:

لا يمكن أن نأخذ بالرواية حتّي في المستحبّات إذا كان في سندها راوٍ وضّاع جعّال مدلّس، مع أنّ الفقهاء من أصحاب المنهج الصدوري قالوا باعتبار الرواية إذا كانت منجبرة بالشهرة خصوصاً إذا كانت في المستحبّات، فيكتفي فيها بأخبار من بلغ، واستند إليه السيّد العاملي في المدارك ورواه عن الصدوق(3).

الثالث: عدم إعراض الأصحاب

اشارة

إنّ من المشهور بين الفقهاء أنّ الشهرة العمليّة والإعراض عن الرواية متلازمان؛ يعني كما أنّ بالشهرة ينجبر ضعف الرواية، هكذا إعراض الأصحاب عن الرواية موجب لضعفها ووهنها، بل اشتهر علي ألسنة الفقهاء أنّ الرواية كلّما ازدادت صحّة، ازدادت بإعراض المشهور وهناً، فالرواية ولو كانت صحيحة

ص: 98


1- . كنز العمّال ج 15 ص 791.
2- . مفتاح الفلاح ص 94 المطبوع.
3- . مدارك الأحكام ج 1 ص 248.

فإن أعرض عنها الأصحاب فهي غير معتبرة، وليست بحجّة. والرواية، وإن كانت ضعيفة سنداً ولكن لو حظيت بالشهرة، فهي حجّة ومعتبرة؛ فعمل المشهور بالخبر كاشفاً عن إحاطته بقرائن قد اطّلعوا عليها ممّا توجب الوثوق به، كما أنّ إعراضهم عن الخبر الصحيح يوجب وهنه وسقوطه، ومن هنا اشتهر أنّ الخبر كلّما ازداد صحّة ازداد بإعراض المشهور وهناً.

إنّ الشهرة بشكل خاصّ إذا كانت من القدماء وكذلك الإعراض عن خبر توجب بشكل واضح كون الخبر معتبراً عندهم أو غير معتبر، وممّن اعتني بهذه القاعدة - يعني الشهرة عند القدماء خاصّةً وعدم إعراض الأصحاب عن رواية - السيّد البروجردي قدس سره فإنّه رحمه الله كان مُصرّاً علي الاعتناء بشهرة القدماء من أصحابنا في المسائل الأصليّة المتلقّاة عن الأئمّة عليهم السلام يداً بيد قِبال المسائل الفرعيّة المستنبطة عنها بالاجتهاد، وكان يقول:

إنّ بناء الأصحاب كان علي أخذ الفقه من الفحول والأساتذة يداً بيدٍ، وإنّ سلسلة فقهنا لم تنقطع في عصر من الأعصار، بل كان أصحاب الأئمّة معتنين بفتاوي الأئمّة عليهم السلام، مهتمّين بها، ناقلين إيّاها لتلاميذهم، وكان الخلف يأخذها عن السلف إلي عصر الصدوقين والمفيد والمرتضي والشيخ وأقرانه، وكانوا يذكرونها في كتبهم بألفاظها حتّي اتّهمهم العامّة بأنّهم يقلّدون الأوائل وليسوا من أهل الاجتهاد والاستنباط، كما ذكر ذلك الشيخ في أوّل المبسوط، وكانت الشيعة في عصر الأئمّة عليهم السلام يعتنون عملاً بفتاوي بطانة الأئمّة عليهم السلام، وبما اشتهر بينهم، ويأخذون بها في العمل، حتّي إنّهم ربّما تركوا ما سمعوا من شخص الإمام بعد إشارة البطانة إلي خلافه، وهذا يكشف عن شدّة اعتمادهم علي

ص: 99

فتاوي البطانة، فراجع خبر عبداللّه بن محرز في باب الميراث(1).

ومخالفة ابن الجنيد والعمّاني في أغلب المسائل ناشئة من عدم كونهما في المعاهد العلميّة ولم يتلقّيا الفقه من الأساتذة بل من الكتب التي كانت عندهما.

كتب الفقه عند السيّد البروجردي

وكان السيّد البروجردي يقول أيضاً: إنّ من تتبّع كتب الأخبار ووقف علي اختلاف راوِيَين - مثلاً - في نقل مضمون واحدٍ عن إمام واحدٍ، أو اختلاف المصنّفين في ألفاظ رواية واحدة، بل مصنّف واحد في موضعين من كتابه، واختلاف نسخ كثيرة يظهر له أنّ الاعتماد علي رواية واحدة - مثلاً - في مقام الإفتاء مشكل، وإن فرض كون جميع رواته ثقات إلّاإذا أفتي بمضمونها الأعلام. بل لو فرض وجود روايات مستفيضة في مسألة يظهر لنا بذلك صدور المضمون المشترك بينهما عن الأئمّة عليهم السلام إجمالاً، ولكنّ الحكم بخصوصيّات كلّ واحدة مشكل.

وبالجملة، فهو قدس سره كان يقسّم المسائل الفقهيّة إلي قسمين: مسائل أصليّة مأثورة متلقّاة عن الأئمّة المعصومين، ومسائل تفريعيّة استنبطها الفقهاء من المسائل الأصليّة، وكان يقول: إنّ كتب القدماء من أصحابنا كالمقنع والهداية للصدوق، والمقنعة للمفيد، والنهاية للشيخ، والمراسم لسلّار، والكافي لأبي الصلاح الحلبي، والمهذّب لابن البرّاج وأمثالها كانت تحتوي علي مسائل أصليّة فقط، والشيخ ألّف المبسوط لذكر التفريعات، وكان الحدّ الفاصل بين الصنفين محفوظاً إلي عصر المحقّق، فهو في الشرائع يذكر في كلّ باب أوّلاً

ص: 100


1- . وسائل الشيعة ج 17 ص 445.

المسائل الأصليّة المأثورة ثمّ يعقّبها بالتفريعات بعنوان «مسائل» أو «فروع»، وإنّما وقع التخليط بين الصنفين في عصر الشهيدين ومن بعدهما، ففي الصنف الأوّل من المسائل تكون الشهرة حجّة فضلاً عن الإجماع، وفي الصنف الثاني لا يفيد الإجماع أيضاً فضلاً عن الشهرة، لأنّ وزانها وزان المسائل العقليّة التي لا مجال للتمسّك بالإجماع والشهرة(1).

وأمّا ما ذكره الأُستاذ قدس سره فلأنّ الشهرة بين القدماء، إن أوجبت الوثوق والاطمئنان إلي تلقّيهم المسألة عن الأئمّة عليهم السلام يداً بيدٍ، أو اطّلاعهم علي ما لو وصلت إلينا، كانت حجّة قطعاً - كما هو المدّعي - صحّ الاعتماد عليها، ومن المحتمل كونها في أكثر المسائل علي أساس الروايات الموجودة بين أيدينا بل هو المظنون غالباً، ومجرّد الاحتمال كافٍ في منع الاعتماد عليها نظير الإجماعات المبتنية - ولو احتمالاً - علي الأخبار والمدارك الموجودة عندنا، فليسا دليلين مستقلّين.

ألا تري أنّ اشتهار تنجّس البئر في كتب القدماء من أصحابنا شهرة قاطعة كيف انهدم أساسها بسبب صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع الحاكية بأنّ ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّاأن يتغيّر ريحه أو طعمه(2)، والأُستاذ أيضاً أفتي بعدم تنجّسها علي عذر أنّ القول بالتنجّس كان مستنداً إلي الأخبار بأيدينا، فنحملها علي التنزيه. نعم لو فرض اشتهار الفتوي بين القدماء من أصحابنا في مسألة من دون أن يكون له دليل ظاهر فيما بأيدينا من الأخبار، ولم يساعده5.

ص: 101


1- . البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر ص 8.
2- . وسائل الشيعة ج 1 ص 105.

أيضاً إطلاق دليل أو اعتبار عقليّ، كشفت الشهرة - لا محالة - عن تلقّي المسألة عن الأئمّة عليهم السلام يداً بيدٍ، أو وصول دليل معتبر إليهم، غير واصل إلينا نظير الإفتاء بإتمام الصلاة، وإفطار الصيام في سفر الصيد للتجارة وازدياد المال مع عدم وجود رواية فيما بأيدينا، وإنّ مقتضي القواعد والإطلاقات هو التلازم بين الصلاة والصيام في القصر والإتمام.

كما أنّ الإنصاف أنّ إعراض المشهور من القدماء عن الروايات الصحيحة مع ظهورها وعدم تطرّق التأويل إليها يوجب وهنها، وعدم الوثوق بإرادة ظواهرها فيشكل الإفتاء بها، فتُطرَح أو يُحتاط في المسألة(1).

وممّن اعتني بالقرائن واكتفي بإحراز صدور الرواية عن المعصوم واعتبار الشهرة وعدم إعراض الأصحاب، الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه، فإنّه صرّح بأنّا في غنًي عن تتبّع الأسناد واكتفي بما فعله قدماؤنا فإنّهم تفحّصوا عن الأخبار وأوردوا روايات معتبرة في كتبهم المتداولة.

وعنه في مصباح الفقيه: وأمّا الوتيرة، فذهب الأكثر إلي سقوطها أيضاً، ونقل فيه ابن إدريس الإجماع، وقال الشيخ في النهاية: يجوز فعلها، وربّما كان مستنده، ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما صارت العشاء مقصورة وليس تُترك ركعتاها لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع»(2)، وقوّاه في0.

ص: 102


1- . دراسات في المكاسب ج 1 ص 92، فقه وفقهاي اماميّه در گذر زمان ص 337 - باللغة الفارسيّة -، البدر الزاهر ص 8-10، إرشاد العقول إلي علم الأصول ج 3 ص 194، المحصول في علم الأُصول ج 3 ص 212.
2- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 29، وسائل الشيعة ج 3 ص 70.

الذكري(1)، قال: لأنّه خاصّ معلّل وما تقدّم خالٍ منهما، إلّاأن ينعقد الإجماع علي خلافه، وهو جيّد لو صحّ السند، لكن في الطريق عبدالواحد بن عبدوس، وعليّ بن محمّد القتيبي(2) ولم يثبت توثيقهما(3)؛ فالتمسّك بعموم الأخبار(4)المستفيضة الدالّة علي السقوط أولي، انتهي.

واعترضه بعض(5) بأنّهما من مشايخ الإجازة وعدم توثيق المشايخ غير قادح في السند(6)؛ لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين علي النقل عنهم، وأخذ الأخبار عنهم، والتلمّذ عليهم يزيد علي قولهم في كتب الرجال: فلان ثقة. وكيف كان فالرواية بحسب الظاهر من الروايات المعتبرة التي لا يجوز ردّها من غير معارض مكافئ، إذ ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية علي اتّصافها بالصحّة المصطلح عليها؛ وإلّا فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواته علي سبيل التحقيق، لولا البناء علي المسامحة في طريقه، والعمل بظنون غير ثابتة الحجيّة، بل المدار علي وثاقة الراوي، أو الوثوق بصدور الرواية، وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها: مدوّنة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من الأُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها، وعدم إعراضهم عنها.7.

ص: 103


1- . ذكري الشيعة ص 113 (الطبع الحجري).
2- . بهجة الآمال ج 5 ص 533، الحاوي ج 3 ص 22.
3- . جامع الرواة ج 1 ص 522، بهجة الآمال ج 5 ص 317.
4- . تهذيب الأحكام ج 2 ص 13، الاستبصار ج 1 ص 220، وسائل الشيعة ج 3 ص 60، الكافي ج 6 ص 47.
5- . الحدائق الناضرة ج 6 ص 47.
6- . الرعاية ص 294، مسالك الأفهام ج 2 ص 23، مدارك الأحكام ج 6 ص 84، الحدائق الناضرة ج 6 ص 47.

ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين: بأنّ فلاناً ثقة أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة، لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا يحصل من إخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة، ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي علي ترك الفحص عن حال الرجال والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم.

والحاصل أنّ الرواية بحسب الظاهر، لا تقصر من حيث الاعتبار عن بعض الروايات المتّصفة بالصحّة، لكنّ إعراض الأصحاب عنها(1) مع وضوح دلالتها وحكومتها علي سائر الأخبار أوهنها، إلّاأنّ عمل الشيخ بها، وتقوية الشهيد إيّاها، واعتماد جملة من المتأخّرين عليها يعصمها عن السقوط عن درجة الاعتبار خصوصاً مع اعتضادها بمفهوم القيد في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(2).

وممّن اعتمد أيضاً علي القرائن، وهو أفقه الفقهاء بل زعيمهم في العصر الأخير، الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر، فقد تعرّض لبحث مرسلة حمّاد الطويلة في مبحثَي الخمس والزكاة، وهذه المرسلة هي المصدر الوحيد لبعض أحكام الخمس، ومنها خاصّةً مسألة شرط الانتساب إلي عبدالمطّلب بالأُبوّة، حيث لا يكفي الانتساب بالأُمومة خاصّة، فإنّهم لا يُعطَوا1.

ص: 104


1- . جواهر الكلام ج 7 ص 49.
2- . مصباح الفقيه ج 2 ص 12، السرائر ج 1 ص 194، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 29، وسائل الشيعة ج 3 ص 70، ذكري الشيعة ص 112، الحدائق الناضرة ج 6 ص 47، جواهر الكلام ج 7 ص 49، دانش رجال الحديث ص 181.

شيئاً من الخمس، وفي مقابل هذه المسألة فقد صرّح الفقهاء في كتاب الزكاة إنّه يجوز للمنتسبين للأُمّ، أخذ الزكاة، وهذه المرسلة مثار للبحث في كتابَيِ الزكاة والخمس، وهذان الفرعان لم يذكرا في أيّ مصدر غيرها.

قد أفتي مشهور الفقهاء - ومنهم صاحب الجواهر - باعتبار المرسل، من اشتراط الانتساب بالأُبوّة إلي عبدالمطّلب، ولا يكفي انتساب الأُمّ وحده، وإذا نوقش في سندها قيل في مقام الدفاع عنها: إنّ المرسل(1) معتبر بالقرائن.

وجاء عن صاحب الجواهر في كتاب الخمس: لكن قد عرفت أنّهم هنا لم ينسبوا الخلاف إلّاللمرتضي وكأنّه لأنّ مبناه في المقام ليس صدق اسم الولد حقيقة وعدمه، حتّي إنّه يلزم مدّعي الصدق في غيره، موافقة المرتضي هنا كما استفاده هذا المحدّث (البحراني) وجعل مدار المسألة ذلك وجوداً وعدماً، حتّي إنّه نسبه لبعض من عرفت من هذه الجهة، بل هو صريح المرسل الطويل عن العبد الصالح المروي في كتب المحمّدين الثلاثة، الّذي يكفي اتّفاقهم علي روايته جبراً لإرساله فضلاً عن شهادة النظر في متنه والتأمّل فيه، وفيما اشتمل عليه من الأحكام المخالفة لمن جعل اللّه الرشد في خلافهم وعن عمل كافّة الأصحاب عداه به، وإن ذكره في بعض الكتب مستنداً غيره الذين فيهم من لا يعمل إلّابالقطعيّات، وعن اعتضاده بموافقة الاحتياط الذي جعله اللّه طريق السلامة خصوصاً فيما اشتغلت الذمّة به بيقين(2).1.

ص: 105


1- . وسائل الشيعة ج 6 ص 358.
2- . جواهر الكلام ج 16 ص 91.

قول المحقّق الحائري

ذكر المحقّق المعاصر الشيخ مرتضي الحائري وهو ابن المؤسّس للحوزة العلميّة بقم، فضيلة الشيخ عبدالكريم الحائري في كتابه الخمس بعد ما تناول قول صاحب الجواهر، أقول: ومنها: أنّ الناقل من أصحاب الإجماع، وله خصوصيّه مرّ شرحها. ومنها: اتّصافه المرويّ عنه بأنّه من أصحابنا. ومنها: أنّ الواسطة واحد يروي عنه حمّاد من دون واسطة شخص آخر، ومنها إسناد عبارة الرواية في التذكرة بنحو الجزم إلي الكاظم عليه السلام(1).

وعن الشيخ الأنصاري تلميذ صاحب الجواهر بعد الاستدلال بالمرسل: ولا يضرّها الإرسال بعد الانجبار بما عرفت، وكون المرسل من أصحاب الإجماع(2).

قول المحقّق القميّ

قال المحقّق الميرزا أبوالقاسم القمّي، في غنائم الأيّام - المطلب الرابع - المشهور أنّ الإمام عليه السلام يقسّم الخمس علي الأصناف، علي قدر كفايتهم، مقتصداً، فإن أعوز أتمّه من نصيبه، وإن فضل كان له، بل تظهر من المعتبر دعوي الاجماع عليه، وتدلّ عليه مرسلة حمّاد، ورواية أحمد بن محمّد، ولا وجه للقدح في سندهما، لأنّ الأوّل حَسَن لإبراهيم بن هاشم إلي حمّاد؛ وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه، مع ورودها في الكافي والتهذيب، واشتمالها علي أحكام كثيرة إجماعيّة ومشهورة، وتلقّي الأصحاب

ص: 106


1- . الخمس ص 477.
2- . الخمس (للأنصاري) ص 305.

إيّاهما والعمل بهما يجبر ضعفهما لو كان(1).

وقال أيضاً في مبحث آخر: - المقام السابع - إذا اختلط الحلال بالحرام، ولم يتميّز مقدار أحدهما من الآخر ولامستحقّه فالمشهور بين الأصحاب، سيّما المتأخّرين وجوب إخراج الخمس(2).

إلي أن قال: حجّة المشهور ما رواه الشيخ عن الحسن بن زياد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: أنّ رجلاً أتي أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه. فقال عليه السلام له: «أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم»(3).

وبمعناه روي الكليني عن السكوني في الكافي عن أبي عبداللّه عليه السلام(4).

وأيضاً رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه مرسلاً(5)، فلهذه الروايات الثلاث قصّة واحدة. قال الميرزا أبوالقاسم القمّي في ذيلها: ولا ينبغي القدح في سندها مع ورودها في الأُصول المعتمدة سيّما الكافي والفقيه، وعمل بها كثير من الأصحاب بل أكثرهم، مع الإجماع المنقول(6).

وعن صاحب الجواهر: ولا ريب في أنّه أحوط إن لم يكن أقوي لمرسل ابن أبي عمير عن سفيان بن السمط عن الصادق عليه السلام «تسجد سجدتي السهو في كلّ 9.

ص: 107


1- . المعتبر ج 2 ص 639، الكافي ج 1 ص 539، تهذيب الأحكام ج 4 ص 126 و 128، وسائل الشيعة ج 6 ص 363 و 364، غنائم الأيّام ج 4 ص 367.
2- . مسالك الأفهام ج 1 ص 467، الجامع للشرائع ص 148، التنقيح الرائع ج 1 ص 337.
3- . وسائل الشيعة ج 6 ص 352، تهذيب الأحكام ج 4 ص 124.
4- . الكافي ج 5 ص 125، وسائل الشيعة ج 6 ص 353.
5- . من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 22، وسائل الشيعة ج 6 ص 353.
6- . غنائم الأيّام ج 4 ص 339.

زيادة تدخل عليك أو نقصان»، وهو وإن كان مرسلاً إلّاأنّ المرسل ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، فهو صحيح بناء علي إرادة عدم قدح جهالة من بعده من هذه العبارة، وأيضاً مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد، لأنّه ممّن لا يروي إلّاعن الثقة، فسفيان بن السمط حينئذ ثقة عنده وعند غيره من العصابة وإن كان مجهولاً عندنا الآن(1).

كان هذا ما جاء عن أتباع المنهج الصدوري، ونلاحظ الآن كلمات المحقّقين من أتباع المنهج السندي:

رأي آية اللّه الخوئي - ذيل الحديث المرسل في كتاب الزكاة: الأمر الثاني -:

المعروف المتسالم عليه بينهم أنّ المناط في صدق عنوان الهاشمي هو الانتساب إلي هاشم من ناحية الأب دون الأُمّ... ويؤيّده ما رواه الكليني عن العبد عليه السلام - في حديث طويل - قال: «ومن كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له، وليس له من الخمس شيء فإنّ اللّه يقول: «اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ»»(2) فإنّها صريحة الدلالة غير أنّ سندها ضعيف بالإرسال، فلا تصلح للاستدلال(3).

ومن أتباع هذه المدرسة المولي أحمد الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان، فقد قال: الرواية غير صحيحة بل ضعيفة من وجوه(4). ولم يبيّن لنا وجوه ضعفها، نعم؛ يظهر لنا أنّ الإرسال عنده دليل ضعفٍ.9.

ص: 108


1- . جواهر الكلام ج 12 ص 435.
2- . الأحزاب/ 5.
3- . موسوعة الإمام الخوئي ج 24 (الخمس) ص 196.
4- . مجمع الفائدة والبرهان ج 4 ص 189.

وعن المحقّق المصحّح العراقي في هامش العبارة: لعلّ نظره في تضعيف السند من وجوه ما هو بطريق الشيخ في التهذيب وإلّا فطريقها في الكافي ليس كذلك، فإنّ سندها في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام، فإنّ السند ليس فيه نقص إلّا كونه مرسلاً، وهو غير قادح لكون حمّاد بن عيسي من أصحاب الإجماع(1).

ونحن نقول: - علماً أنّا قد عرفنا منهج الأردبيلي في الرجال، وسمّيناه في كتابنا: منهج الأردبيلي في الفقه - إنّ فيها الإرسال أوّلاً، وكون الإمام عليه السلام غير مذكور ثانياً، والرواية عن إبراهيم بن هاشم - وهو ممدوح وحديثه حسن - ثالثاً، ويعدّ من وجوه الضعف عنده، كان هذا ما لدي المنهج السندي.

دور المنهج الصدوري في توثيق الرواة

ذكر الشهيد الأوّل في غاية المراد - بعد نقل رواية عن أبي الربيع الشامي في مبحث البيع، مع أنّ أبا الربيع غير مذكور بجرح ولا تعديل، والرجاليّون ساكتون عنه فهو مهمل علي اصطلاحهم -: فإنّ في نقل الحسن بن محبوب عن أبي الربيع الشامي توثيقاً ما لأبي الربيع(2).

هذا أوّل ما رأيناه في التمسّك بقاعدة الإجماع علي معناه الشمولي، يعني إذا نقل أصحاب الإجماع عن راوٍ، فهو دليل علي أنّه ثقة، لأنّهم لا يروون إلّاعن ثقة، ولم يكن هذا المعني قبل الشهيد، بل أخذ العلّامة الحلّي بقاعدة الإجماع علي توثيق أصحاب الإجماع أنفُسهم كعبداللّه بن بكير، وأبان بن عثمان.

ص: 109


1- . مجمع الفائدة والبرهان ج 4 ص 190.
2- . غاية المراد ج 2 ص 44.

وعن آية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث - بعد نقل نصّ النجاشي الساكت عن توثيقه وجرحه - أقول: الرجل لم يرد فيه قدح ولا مدح في كتب الرجال ولكنّه مع ذلك ذهب جماعة منهم صاحب الوسائل في أمل الآمل (79) إلي حسنه بل وثاقته، حيث قال: خليد بن أوفي أبو الربيع العاملي الشامي من أصحاب الصادق عليه السلام مذكور في كتب الرجال، خالٍ من الذمّ، بل هو ممدوح كثير الرواية والحديث، له كتب، وذكره الصدوق في آخر الفقيه وذكر طريقه إليه، وروي عنه كثيراً واعتمد عليه، وهو مدح له، لما علم من أوّل كتابه. وروي عنه سائر علمائنا ومحدّثينا واحتجّوا برواياته وعملوا بها.

وذكر الشيخ والنجاشي أنّ له كتاباً وذكرا طريقهما إليه، وهو نوع مدح حيث إنّه ظهر أنّه من مؤلفي الشيعة، وذكره الشيخ في أصحاب الباقر عليه السلام وقد استدلّ الشهيد في شرح الإرشاد علي صحّة رواياته برواية الحسن بن محبوب عنه كثيراً مع الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب، وروي عنه ابن مسكان أيضاً، وهو من أصحاب الإجماع وجملة منهم رووا عنه كثيراً.

وذكر النجاشي أنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام ولو قيل بتوثيقه وتوثيق أصحاب الصادق عليه السلام، إلّامن ثبت ضعفه لم يكن بعيداً لأنّ المفيد في الإرشاد وابن شهرآشوب في معالم العلماء والطبرسي في إعلام الوري قد وثّقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام.

ويأتي في عبدالرحيم القصير عن المشيخة والبرقي، ورجال الشيخ كلام، وهو مثال ثانٍ للبحث فإنّ الوحيد استدلّ علي اعتبار عبدالرحيم بن روح بوجوه:

ص: 110

الأوّل، أنّه حسّنه المجلسي، لأنّ للصدوق إليه طريقاً! والجواب عنه تقدّم غير مرّة، أنّ الصدوق التزم بأن يروي عن الكتب المعتبرة، ولا يلزم أن يكون من له طريق إليه صاحب كتاب حتّي يلتزم باعتبار كتابه.

الثاني، أنّ الإمام عليه السلام ترحّم عليه كما في روايتين في الكافي وهو دليل علي الحسن.

والجواب عنه أولاً، أنّ إحدي الروايتين في عبدالرحيم بن عتيك. والثانية، بعنوان عبدالرحيم القصير، والمظنون أنّه ابن عتيك أيضاً كما يأتي.

وثانياً: أنّ الراوي لذلك هو عبدالرحيم نفسه فلا يعتدّ به.

وثالثاً: أنّ الترحّم لا يلازم الحسن؛ فكيف وقد ترحّم الإمام عليه السلام علي كلّ من زار الحسين عليه السلام.

الثالث: أنّ الإمام عليه السلام قال له ولسدير: أصبتما الرخصة، واتّبعتما السنّة بعد ما تعرّض لأبي حمزة الثمالي حين أحرم من الربذة(1).

والجواب عنه ظاهر: فإنّ أصابته من جهة إحرامه من المواقيت. وهذا لا يدلّ علي شيء من الوثاقة أو الحسن، علي أنّه لا تصريح في الرواية بأنّ المراد بعبد الرحيم القصير هو ابن روح.

الرابع: كثرة رواياته ورواية حمّاد عنه والجواب عنه ظاهر.

والمتحصّل: أنّه لم تثبت وثاقة عبدالرحيم بن روح ولا حسنه.

هذه هي خطّة البحث في توثيق الرواة عند أصحاب منهج الوثوق الصدوري، فإنّهم يعتمدون أوّلاً علي القرائن في توثيق الرواة، والمرحلة الثانية8.

ص: 111


1- . التهذيب ج 5 ص 52 باب المواقيت، الحديث 158.

توثيق الرواة أنفسهم، وعن هذا الطريق يثبت لهم صدور الرواية عن المعصوم، فيحرزون صدورها عنه، فالفقيه عليه أن يبحث ويتفحّص عن كلّ ما يمكن أن يكون قرينة لتوثيق الراوي، والقرينة قد توجد في الكتب الرجاليّة، وقد توجد في الكتب الفقهيّة، كَفِعل الفقهاء بروايته، وقد توجد في كتب الحديث كإتقان رواياته، وكثرة أحاديثه، وعظمة مشايخه وتلاميذه، وقد توجد في الكتب التاريخيّة، كنقل بعض الوقائع التاريخيّة التي أظهرت عظمته وكشفت عن منزلته عند الأئمّة عليهم السلام، وإلي غير ذلك من القرائن، ولبعض الفقهاء دور مهمّ وممارسة متواصلة في كشف القرائن من المآخذ المتنوّعة، ومن هؤلاء: الفاضل السبزواري في كتابه الفقهي ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، والمولي المحقّق المجدّد الوحيد البهبهاني في تعليقته علي منهج المقال، وتعليقاته علي مجمع الفائدة والبرهان ومدارك الأحكام، فالوحيد رحمه الله قد انتهج في هذه الكتب الثلاثة منهج إحراز صدور الرواية عن المعصوم، وإحراز توثيق الرواة من القرائن، وهذا دأب أكثر علماء الرجال خاصّةً المامقاني في تنقيح المقال.

فإنّ مثل إبراهيم بن هاشم لم يوثّق بالتصريح عند علماء الرجال؛ وقد كان جفاء في حقّه، فهو مع أنّه ينقل حديث الكوفيّين إلي قم، وناشر أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأكثر روايات الكافي المرويّة عن عليّ بن إبراهيم عنه، فمع ذلك لا يوجد له توثيق صريح عند النجاشي والشيخ، مع أنّ هناك بعض الرواة نقلوا روايات معدودة إلّاأنّهم ذكروا في الثقات، وصرّح النجاشي والشيخ بتوثيقهم وهذا رغم القرائن الكثيرة علي توثيق إبراهيم بن هاشم، حتّي عند آية اللّه الخوئي، وهو قطب التحقيق في المنهج السندي حيث يقول: إنّ العلّامة في

ص: 112

الخلاصة قال: ولم أقف لأحد من أصحابنا علي قول في القدح فيه، ولا علي تعديل بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة والأرجح قبول روايته. أقول: لا ينبغي الشكّ في وثاقة إبراهيم بن هاشم ويدلّ علي ذلك أُمور:

1. أنّه روي عنه ابنه عليّ في تفسيره كثيراً، وقد التزم في أوّل كتابه بأن ما يذكره فيه، قد انتهي إليه بواسطة الثقات.

2. إنّ السيّد ابن طاووس ادّعي الاتّفاق علي وثاقته، حيث قال - عند ذكره رواية عن أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم -: ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق(1).

3. أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم، والقمّيّون قد اعتمدوا علي رواياته وفيهم من هو شديد في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم علي أخذ الرواية عنه، وقبول قوله.

4. أنّه قد وقع في إسناد كامل الزيارات وقد مرّت شهادة ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في إسناد كتابه المنتهية روايتهم إلي المعصوم عليه السلام(2).

وقال المحقّق التستري في قاموس الرجال: إنّ المصنّف (المامقاني) قد لفّق في توثيقه أُموراً أحسنها قول ابنه (عليّ بن إبراهيم القمّي) في أوّل تفسيره المعروف: ونحن ذاكرون ومخبرون بما انتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم(3).3.

ص: 113


1- . فلاح السائل ص 158.
2- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 317.
3- . قاموس الرجال ج 1 ص 333.

موقف المنهج السندي من الشهرة والإعراض

إنّ أتباع المكتب السندي لم يعتبروا الشهرة، فإنّ الشهرة العمليّة بين الفقهاء لرواية لا يصير دليلاً علي اعتبارها، كما أنّ إعراضهم عن الرواية ليس موجباً لوهنها، فشعارهم أنّ عمل مجتهد ليس حجّة علي مجتهد آخر، كما أنّ شعارهم الآخر: نحن أبناء الدليل حيث كان، كنّا.

إنّ من أسّس وأكّد علي هذا المسلك والمبني هو الشهيد الثاني وهو صاحب المنهج السندي، فإنّه تناول ذلك في الرعاية بقوله تحت عنوان: الحقل الرابع:

في العمل بالخبر الضعيف: وأمّا الضعيف فذهب الأكثر إلي منع العمل به مطلقاً، للأمر بالتثبّت عند إخبار الفاسق الموجب لردّه، وأجازه آخرون - وهم جماعة كثيرة منهم من ذكرناه - مع اعتضاده بالشهرة روايةً، بأن يكثر تدوينها وروايتها بلفظ واحدٍ، وألفاظ متغايرة متقاربة المعني، أو فتوي بمضمونها في كتب الفقه، لقوّة الظنّ بصدق الراوي في جانبها؛ أي جانب الشهرة وإن ضعُف الطريق، فإنّ الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه كما تعلم مذاهب الفرق الإسلاميّة كقول أبي حنيفة والشافعيّ ومالك وأحمد بإخبار أهلها - مع الحكم بضعفهم عندنا - وإن لم يبلغوا حدّ التواتر، وبهذا اعتذر للشيخ رحمه الله في عمله بالخبر الضعيف، وهذه حجّة من عمل بالموثّق أيضاً بطريق أولي، وفيه نظر يخرج تحريره عن وضع الرسالة فإنّها مبنيّة علي الاختصار.

ووجهه علي وجه الإيجاز: إنّا نمنع من كون هذه الشهرة التي ادّعوها مؤثّرة في جبر الخبر الضعيف، فإنّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ رحمه الله، والأمر ليس كذلك، فإنّ من كان قبله من العلماء كانوا بين مانع من

ص: 114

خبر الواحد مطلقاً كالمرتضي، والأكثر علي ما نقله جماعة، وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلي تصحيح ما يصحّ وردّ ما يردّ، وكان البحث عن الفتوي مجرّدة - لغير الفريقين - قليلاً جدّاً كما لا يخفي علي من اطّلع علي حالهم.

فالعمل بمضمون الخبر الضعيف، قبل زمن الشيخ، علي وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقّق، ولمّا عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهيّة جاء من بعده من الفقهاء، من اتّبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له إلّامن شذّ منهم، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث ويُنقّب عن الأدلّة بنفسه، سوي الشيخ المحقّق ابن إدريس، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً، فجاء المتأخّرون بعد ذلك فوجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف، لأمرٍ مّا رأوه في ذلك، لعلّ اللّه تعالي يعذرهم فيه، فحسبوا العمل به مشهوراً، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه، ولو تأمّل المنصف وحرّر المنقّب لوجد مرجع ذلك كلّه إلي الشيخ، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف.

ومن هذا يظهر الفرق بينه وبين فتوي المخالفين بأخبار أصحابهم، فإنّهم كانوا منتشرين في أقطار الأرض من أوّل زمانهم، ولم يزالوا في ازديادٍ.

وممّن اطّلع علي أصل هذه القاعدة التي بيّنتها وتحقّقتها من غير تقليد:

الشيخ الفاضل المحقّق، سديد الدين محمود الحمصي(1)، والسيّد رضي الدين ابن طاووس(2)، وجماعة.2.

ص: 115


1- . روضات الجنّات ج 7 ص 158.
2- . بحار الأنوار ج 1 ص 142.

قال السيّد رحمه الله في كتابه البهجة لثمرة المهجة: أخبرني جدّي الصالح ورّام بن أبي فراس قدّس اللّه سرّه(1) أنّ الحمصيّ حدّثه أنّه لم يبق للإماميّة مفتٍ علي التحقيق بل كلّهم حاكٍ. وقال السيّد عقيبه: والآن فقد ظهر أنّ الذي يفتي به ويجاب عنه، علي سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدّمين، وقد كشف لك بذلك بعض الحال، وبقي الحال في الخيال، وإنّما يتنبّه لهذا المقال من عرف الرجال بالحقّ، وينكره من عرف الحقّ بالرجال(2).

وممّن أنكر الشهرة العمليّة من المعاصرين وقال بشكل مكرّر: إنّا قلنا إنّ الشهرة ليست حجّة؛ لا صغري ولا كبري، هو آية اللّه الخوئي في آثاره الفقهيّة.

نعم، تبع الشهيدَ المحقّقُ الأردبيلي وتلميذاه أعني السيّد محمّد الموسوي العاملي، والشيخ حسن العاملي، وقد بحث العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهاني في كتابه الفوائد الحائريّة(3) فائدة 31 (حجيّة خبر الواحد الضعيف)، وهكذا ناقش الأُستاذ العلّامة محمّد تقي الفقيه(4) في قاعدة 18 و 19.

إعراض الأصحاب عن الحديث

إنّ إعراض الأصحاب دليل علي عدم إحراز صدوره عن المعصوم، أو صدوره لجهة، غير العمل؛ مثل التقيّة، وهنا نذكر كلاماً للوحيد البهبهاني في حجيّة الخبر المشهور، وهكذا نواصل البحث عن المقصود، فإنّه قال: اتّفق المتقدّمون والمتأخّرون من القائلين بحجيّة خبر الواحد علي أنّ الخبر الضعيف

ص: 116


1- . روضات الجنّات ج 8 ص 177.
2- . الرعاية ص 94.
3- . الفوائد الحائريّة ص 488.
4- . قواعد الفقيه ص 51.

المنجبر بالشهرة وأمثالها حجّة، بل استنادهم إلي الضعاف أضعاف استنادهم إلي الصحاح، بل الضعيف المنجبر صحيح عند القدماء، من دون تفاوت بينه وبين الصحيح، ولا مشاحّة في الاصطلاح، إلّاأنّ اصطلاح المتأخّرين أكثر فائدة، إذ يظهر من ثماره قواعد:

وهي أنّ كلّ خبر العدل حجّة إلّاأن يمنع مانع، وخبر غير العدول بخلافه وعكسه، وخبر الموثّقين عند من يقول بأنّه الصحاح مثل الصحاح، وعند من يقول بأنّه الضعاف مثل الضعاف، وكذا الحال في الحسان، ولكنّهم اتّفقوا علي كون المنجبر حجّة، بل معظم الفقه من الأخبار الغير الصحيحة بلا شبهة، بل الطريقة فيه أنّه عند معارضة الضعيف المنجبر مع الصحيح الغير المنجبر، يرجّح الضعيف علي ذلك الصحيح، والمحقّق في المعتبر بالغ التشنيع علي من اقتصر علي الصحيح، والعلّامة في الخلاصة بني علي حجيّة الخبر الغير الصحيح، وبني خلاصته علي القسمين في القسم الأوّل من أوّله إلي آخره، وكلّ ما ألّفه جميع الفقهاء، مبنيّة علي ذلك، بل ضعافهم أضعاف الصحاح إلّاالنادر من المتأخّرين، بل النادر أيضاً في كثير من المواضع، عمل بالمنجبر مصرّحاً بأنّه وإن كان ضعيفاً إلّاأنّه عمل به الأصحاب مثل حكم من أدرك ركعة من وقت الصلاة وغيره.

والحاصل أنّ معاصري الأئمّة عليهم السلام وقريبي العهد منهم كان عملهم علي أخبار الثقات مطلقاً وغيرهم بالقرائن، وكانوا يردّون بعض الأخبار أيضاً لما ثَبَتَت بالتواتر من أنّ الكذّابة كانوا يكذبون عليهم....

وظهر ممّا ذكر فساد ما ذكره صاحب المدارك من أنّ الشهرة، إن بلغت حدّ

ص: 117

الإجماع فهو الحجّة لا الخبر، وإلّا فأيّ فائدة فيها؟....

وممّا ذكر، ظهر أيضاً أنّه إذا وقع التعارض بين الضعيف المنجبر بالشهرة، والصحيح الغير المنجبر، يكون الضعيف مقدّماً عليه كما هو منهج القدماء وأكثر المتأخّرين(1). هذا في أحد طرفي القضيّة وهو العمل بالخبر المشهور أوّلاً، ثمّ ترجيحه علي الخبر الصحيح ثانياً.

وأمّا البحث والكلام في الطرف الآخر من القضيّة وهو إعراض الأصحاب عن الخبر الصحيح وهو أيضاً يوجب وهن الخبر.

فعن السيّد محمّد تقي الفقيه، وهو أحد تلامذة آية اللّه الخوئي يقول في كتابه قواعد الفقيه: لا ينبغي الريب في وهن الخبر الصحيح الصريح إن كان مهجوراً عند جمهور الأصحاب، هو المعروف عند عظماء المحقّقين، والمراد بالأصحاب ما يقابل الواحد والاثنين والثلاثة من القدماء والمتأخّرين، وأمّا متأخّرو المتأخّرين فلا عبرة بموافقتهم ولا بمخالفتهم، ولا أعرف في ذلك متردّداً إلّاصاحب المدارك وشيخه الأردبيلي(2) وتلميذه السبزواري، وأظنّ أنّه كان يظهر ذلك من الشهيد في المسالك، وجزم المعاصر السيّد الخوئي بحجيّته وأفتي بمضمونه جازماً بذلك، ثمّ أصبح في طبعات رسائل يعدل إلي الاحتياط تارة ويحاول موافقة المشهور أُخري. أمّا الأردبيلي وتابعيه فالذي يظهر لي من تواتر المحكي عنهم في مسائل كثيرة أنّهم عند ابتلائهم به يتورّعون عن-.

ص: 118


1- . الفوائد الحائريّة ص 488.
2- . ريحانة الأدب ج 5 ص 349، مستدرك الوسائل ج 3 ص 395، جامع الرواة ج 1 ص 61، الذريعة ج 2 ص 35، معجم رجال الحديث ج 2 ص 229، المرجعيّة الدينيّة ص 78، فقه و فقهاي اماميه در گذر زمان ص 205 - باللغة الفارسيّة -.

مخالفته، لا لأنّهم يجزمون بالعمل به بل لأنّهم يقولون في تلك المواضع بعد ذكر مضمونه (وهو الأقوي أو الأوجه أو المتعيّن): لولا إعراض الأصحاب عنه، أو إن لم ينعقد إجماع علي خلافه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذهب إليه المشهور هو مقتضي الأُصول والقواعد لأنّ أخبار الآحاد كلّها ظنيّة والظنّ عندنا حجّة بالضرورة، خرج منها ما عمل به معظم الأصحاب لقيام الدليل القطعيّ علي حجيّته، وبقي ما عداه من الأخبار، ومنها الأخبار الصحيحة السند، الظاهرة الدلالة، المهجورة عندهم لعدم قيام دليل علي حجيّتها بالخصوص، ولقصور الأدلّة علي حجيّة الأخبار المعمول بها عن شمول هذا الصنف(1).

وقال في مبحث آخر: واعلم أنّنا لو ألّفنا كتاباً في الفقه والفتيا بمضمون كلّ خبر صحيح وإن أعرض عنه المشهور، كان هذا الكتاب أشبه بفقه جديد بالنسبة لما بين أيدينا من فتاوي علمائنا العظماء، وبشاعة هذا لا تقلّ عن بشاعة فقه المخالفين بالنسبة لفقهنا(2).

وإيضاح لما قاله العَلَمان المذكوران: إنّ هذا المبني وهو العمل بالخبر الضعيف والاعتناء بالشهرة بين الأصحاب وبإزائه عدم الإفتاء بما أعرض عنه المشهور، هذا المبني هو المشهور عند فقهائنا، حتّي قال الإمام الخميني: إنّ المشهور حجّة في قبال الغير المشهور، وهو ليس بحجّة أصلاً. يعني إذا تعارض الخبران وأحدهما مشهور والآخر غير مشهور، ولو كان الأوّل ضعيفاً5.

ص: 119


1- . قواعد الفقيه ص 38.
2- . نفس المصدر، ص 45.

والثاني صحيحاً، فإنّ المشهور في الحقيقة هو الحجّة، والمعرض عنه ليس بحجّة.

نعم، هناك عدّة من الفقهاء لم يقبلوا هذا المبني وفي مقدّمتهم الشهيد الثاني، الذي رأيته كيف هدم الشهرة، واستأصلها، وأفتي بمضمون الخبر الصحيح وإن كان الأصحاب معرضين عنه. نعم، إذا كان الإجماع علي مطابقة خبر ضعيف، فهو في الحقيقة عمل بالإجماع بالخبر. وممّن تبعه علي ذلك الفقيه المحقّق مولي أحمد الأردبيلي في كتابه مجمع الفائدة والبرهان، وتلميذاه؛ صاحبا المعالم والمدارك، ولقد تبع الأردبيلي من متأخّري المتأخّرين الفقيه باقر السبزواري والفيض الكاشاني صاحب كفاية الأحكام ومفاتيح الشرائع(1)، وإنّ هؤلاء الفقهاء من أمثال: الأردبيلي والسبزواري والكاشاني انفردوا بفتاوي كثيرة، وعلّة ذلك هو العدول عن طريقة السلف، والقصور علي الأدلّة الصحيحة علي ما يزعمون(2).

العمل بالروايات المعرض عنها دليل للتفرّد

قال العلّامة السيّد محمّد باقر الخوانساري في كتابه روضات الجنّات في العلماء والسادات: إنّ الفاضل السبزواري في المتأخّرين كالعمّاني من القدماء(3)، فإنّ القديمَين العمّاني وابن جنيد الإسكافي كانا يخالفانِ المشهور، وتعود أسباب مخالفتهم إلي: الابتعاد عن المراكز العلميّة، وعدم أخذهم الفقه

ص: 120


1- . مفاتيح الشرائع ج 1 المقدّمة، ريحانة الأدب ج 2 ص 121، لؤلؤة البحرين ص 121، روضات الجنّات ج 6 ص 81، علّامه مجلسي ص 101 - باللغة الفارسيّة -، الكني والألقاب ج 3 ص 34.
2- . فقه و فقهاي اماميه در گذر زمان ص 244 - باللغة الفارسيّة -، رياض العلماء ج 5 ص 180.
3- . روضات الجنات ج 2 ص 76.

عن الأساتذة والفقهاء، ومن أفواه الرجال، واكتفائهم بالكتب، وكان نتيجة هذا هو الأخذ بالقياس، وإنّ ابن إدريس في القدماء نفي خبر الواحد نفياً قاطعاً فلذلك تفرّد بالفتاوي.

ومن المتأخّرين الذين ذكرناهم، وعلّة تفرّدهم في الفتوي هو نفي الشهرة، والأخذ بالروايات الصحيحة، ولو كان مُعرَض عنها من قِبَل الأصحاب، وقد أُقيم مهرجان للفاضل الأردبيلي ثمّ للفاضل الكاشاني، وقد أُلّفت رسالات مختلفة في البحث عن فتاواهم النادرة، فالكاشاني والسبزواري يفتيان بحليّة الغناء مطلقاً، وبحرمة ما يحيط به من اختلاط الرجال والنساء. وقال الفيض بطهارة الجلد المدبوغ من الميتة، فإنّه وإن وردت روايات صحيحة عن الرسول الأعظم وأولاده في طهارة الجلد المدبوغ (فإنّ طهارته دباغه) وأعرض الأصحاب عنها إعراضاً تامّاً(1)، فإنّ المثلّث الفقهي الأردبيلي والسبزواري(2)والكاشاني، مشهور في مخالفة المشهور.

وممّن سار علي أثرهم ولكن بأدني مستوي، هو آية اللّه الخوئي، وإن كان يختلف عنهم من ناحية أُخري فهو تبعهم في مخالفة المشهور والعمل بالحديث الصحيح المعرض عنه الأصحاب، وهذا علي مستوي البحث في المدرسة والدرس، أمّا علي مستوي الفتوي فإنّه يوافق المشهور.

قد ذكر أحد تلامذته وهو الشيخ محمّد هادي معرفت صاحب الفتاوي-.

ص: 121


1- . مفاتيح الشرائع ج 1 ص 68، كنز العرفان ج 1 ص 38 (المكتبة المرتضويّة).
2- . الكني والألقاب ج 3 ص 159، روضات الجنّات ج 2 ص 68، الفوائد الرضويّة ج 2 ص 425، علّامه مجلسي ص 239 - باللغة الفارسيّة -، فقه و فقهاي اماميه در گذر زمان ص 243 - باللغة الفارسيّة -.

النادرة أيضاً: إنّ أُستاذنا السيّد الخوئي يخالف في الدرس المشهور ولكن مع ذلك يفتي بما يوافق المشهور، وكثيراً ما نقول له علي هذا فيقول: نعم نغيّر في الرسالة، ولكن مات ولم يغيّر ما في الرسالة، وبقي علي ما وافق المشهور.

ونقل عنه أيضاً تلميذه الآخر آية اللّه الدكتور الصادقي مؤلف الفرقان في تفسير القرآن بقوله: إنّ آية اللّه الخوئي قال بطهارة الخمر، ولكن لم يظهره للناس، ووافق المشهور في الفتوي.

ومثاله في الفقه، هو بحث كفاية غسل الجنابة عن الوضوء، فإنّ القول المشهور هو كفاية غسل الجنابة عن الوضوء لا غيره من الأغسال المستحبّة، ودليلهم، مرسلة محمّد بن أبي عمير: في كلّ غسل وضوء إلّاغسل الجنابة(1)، وهذا الحديث معتبر لأمرين: إمّا مرسل ضعيف ولكن تقوّيه الشهرة وينجبر ضعفه بها، وإمّا مرسل كالصحيح؛ لأنّ مراسيل محمّد بن أبي عمير كمسانيده، ومراسيله معتبرة، وفي قبال المشهور، قال الأردبيلي: إنّ الحديث مرسل، فيجب أن نعمل بصحيح محمّد بن مسلم، وحكم بن حكيم وإن أعرض المشهور عنهما؛ لأنّهما صحيحان معتبران، وفيها قال الإمام عليه السلام: (وأيّ وضوء أنقي من الغسل) هذا هو المثال الأوّل(2).

وأمّا المثال الثاني فجواز حقّ المارّ، فالمشهور قال بجوازه، لِمرسل محمّد ابن أبي عمير، ولكنّ الشهيد قال: هذا الحديث مرسل يجب أن نعمل بالقواعد العامّة، وهو عدم جواز أكل مال المسلم إلّابرضاه، ونظيره في الفقه كثير.6.

ص: 122


1- . الكافي ج 3 ص 45، تهذيب الأحكام ج 1 ص 139، وسائل الشيعة ج 1 ص 515.
2- . مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 136، وسائل الشيعة ج 1 ص 516.

وفي مسالك الأفهام: الأصل في هذه المسألة ما رواه ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمر فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: (لا بأس(1)...).

وبذلك عمل أكثر الأصحاب، ونقل الخلاف فيه الإجماع لكن قد ورد ما يخالف ذلك وهو صحيحة الحسن بن يقطين(2)....

وبه أخذ جماعة من المتأخّرين لاعتضادها بالقرآن الكريم المتضمّن للنهي عن أكل المال بغير تراض(3)، ولقبح التصرّف في مال الغير، وباشتمالها علي الحظر وهو مقدّم علي ما تضمّن الإباحة عند التعارض، لأنّ دفع الضرر أولي من جلب النفع(4).

وعن الروضة البهيّة: أمّا أصل الجواز فعليه الأكثر، ورواه ابن أبي عمير مرسلاً عن الصادق عليه السلام ورواه غيره،... وتركه بالكليّة أولي للخلاف فيه، ولما روي من المنع منه مع اعتضاده بنصّ الكتاب الدالّ علي النهي عن أكل أموال الناس بالباطل وبغير تراض، ولقبح التصرّف في مال الغير، وباشتمال أخبار النهي علي الحظر؛ وهو مقدّم علي ما تضمّن الإباحة والرخصة، ولمنع كثير من العمل بخبر الواحد فيما وافق الأصل فكيف فيما خالفه(5).3.

ص: 123


1- . الاستبصار ج 3 ص 306/90، تهذيب الأحكام ج 7 ص 393/93، وسائل الشيعة ج 13 ص 14.
2- . تهذيب الأحكام ج 7 ص 380/89، الاستبصار ج 3 ص 305/90، وسائل الشيعة ج 13 ص 14.
3- . النساء/ 29.
4- . مسالك الأفهام ج 3 ص 372.
5- . الروضة البهيّة ج 3 ص 73.

هذا ما عند الشهيد الثاني المخطّط للمنهج السندي، والمحقّق الأردبيلي تبع الشهيد الثاني أيضاً فقال في كتاب الصيد وما تبعه في أحكام المحرّمات: الرابع أكل المارّ علي ثمرة أو زرع ممّا يمرّ عليه علي رأي المصنّف هنا وجماعة، وفي المسألة خلاف، سببه اختلاف الروايات، ونشير بالإجمال إلي الروايات، فأمّا رواية الحلّ فهي رواية محمّد بن مروان...(1).

وفيها أبو داود، محمّد بن مروان، والإرسال فإنّ أبا داود نقل عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان، ومرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام...(2).

هذه مرسلة إلّاأنّها مرسلة أبي عمير هي عندهم بمنزلة الصحيح، وقد عرفت ما فيه خصوصاً إذا كانت مخالفة للقوانين، وظاهر الكتاب، والسنّة، والإجماع، وخصوص بعض الأخبار؛ وإن كانت مؤيّدة بفتوي الأكثر(3).

هذا كلّه عند أتباع المنهج السندي، وأمّا المنهج الصدوري، فعن العلّامة الوحيد البهبهاني في تعليقته علي كتاب مجمع الفائدة والبرهان بعد نقل رواية صحيحة عن المحاسن والتي رواها أيضاً الكليني بسنده عن إسماعيل بن مرّار، (سند البرقي: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبدالرحمن، عن عبداللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام...(4).

وسند الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس6.

ص: 124


1- . وسائل الشيعة ج 13 ص 14.
2- . وسائل الشيعة ج 13 ص 14.
3- . مجمع الفائدة والبرهان ج 11 ص 210.
4- . المحاسن، ج 2 ص 2155/336.

ابن عبدالرحمن، عن عبداللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام... الحديث)(1).

وواضح اتّحاد الروايتين مع أنّ الكليني قال في أوّل كتابه ما قال. مع أنّ إسماعيل بن مرّار مقبول الحديث عند القمّيّين(2) ومع أنّهم كانوا يُخرجون من قم من روي عن غير العادل، ولذا أخرجوا البرقي المذكور لأنّه ربّما يروي في المحاسن عن غير العادل عندهم أيضاً، والسيّد الداماد قد حَكَمَ بعدالة إسماعيل المذكور من الجهة المذكورة(3).

وربّما كان غيره أيضاً، ومنهم الميرزا(4) مع أنّ الظاهر من القدماء اتّفاقهم علي روايته وكونها صحيحة عندهم. وأيضاً نقل في وسائل الشيعة شيخنا الحرّ عن كتاب علي بن جعفر، عن أخيه موسي عليه السلام عن رجل يمرّ علي ثمرة فيأكل منها؟ قال: نعم، قد نهي رسول اللّه صلي الله عليه و آله أن تستر الحيطان - أي البساتين -(5) ومعلوم أنّ علي بن جعفر في غاية الوثاقة والجلالة، وكتابه معروف مقبول، فالحديث في غاية الصحّة وعلوّ الإسناد، وأيّ حديث صحيح يكون مثله؟!

وأمّا مرسلة ابن أبي عمير فهي صحيحة البتة، وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم(6)، ومع ذلك فهو ممّن صرّح الشيخ في العدّة بأنّه لا يروي إلّاعن الثقة(7)، ومع جميع ما ذكر، اتّفق أهل الرجال علي أنّ مراسيله4.

ص: 125


1- . الكافي ج 3 ص 569.
2- . التعليقة علي منهج المقال ص 131.
3- . الرواشح السماويّة ص 49.
4- . منهج المقال ص 61 و 131.
5- . وسائل الشيعة ج 18 ص 23553/226.
6- . اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 830.
7- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.

مقبولة في حكم المسانيد(1). وذكروا وجهه، وهو في غاية الجلالة والعظم والزهد والتقوي، سيّما في ضبط الحديث كما لا يخفي علي المطّلع، ومع جميع ما ذكر انجبرت بالشهرة بين الأصحاب، والخبر المنجبر وإن كان ضعيفاً كما هو الحقّ المحقّق في محلّه، والمسلّم عند الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين إلّا نادر من متأخّري المتأخّرين لشبهة ضعيفة، ولهذا تري الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين في المسائل الفقهيّة بنوا علي ذلك(2)، مثل: حدّ السعي لطلب الماء في التيمّم عملوا برواية السكوني(3)، وتركوا ما في صحيحة زرارة «فليطلب مادام في الوقت»(4) إلي غير ذلك من الأحكام الفقهيّة، بل قلّ ما يكون مستنده حديثاً صحيحاً، لا سيّما الصحيح السالم عن المعارض، ولعلّه لا يكاد يوجد علي الصحيح المذكور فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون في موت الفقه، ألا تري أنّ الشارح لا تكاد توجد مسألة فقهيّة خالية عن الاضطراب عنده. والحاصل أنّ المرسلة مع انجبارها بالجوابر الكثيرة منجبرة أيضاً بأخبار قويّة كثيرة في غاية الكثرة، بل ربّما وصلت التواتر(5).5.

ص: 126


1- . ذكري الشيعة ج 1 ص 45.
2- . الفوائد الحائريّة ص 487.
3- . تهذيب الأحكام ج 1 ص 586/202، وسائل الشيعة ج 3 ص 341.
4- . الكافي ج 3 ص 63، وسائل الشيعة ج 3 ص 341.
5- . تعليقة الوحيد البهبهاني علي مجمع الفائدة والبرهان ص 725.

الفصل الرابع تطبيقات لِمنهج النُّقّاد علي القرائن

اشارة

نقول: إنّ أتباع المنهج السندي يخالفون القرائن ويركنون إلي السند، وكلّ قرينة تقوّي الحديث وتقرّبنا مِن إحراز الصدور، فهي مردودة عندهم، فلا يكفي عندهم كون المرسل من ابن أبي عمير أو أصحاب الإجماع، أو محفوفاً بالقرائن، كما أنّ الشهرة لا تعتبر عندهم، وفي مقدّمتهم في هذا العصر، آية اللّه الخوئي.

نقد السيّد الخوئي لكلام الشيخ الأنصاري

ومثال نقد القرائن عند القائلين بمكتب الوثوق السندي ما تناوله آية اللّه الخوئي في مبحث الطهارة بقوله: إنّما الكلام في صحّة الغسل أو الوضوء ثانياً من الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر وأنّه هل يتحمّل القذارة المعنويّة بحيث لا يصلح لرفع الحدث ثانياً، أو أنّه باقٍ علي نظافته؟ وقد وقع هذا محلّاً للخلاف بين الأعلام، والمشهور جواز استعماله في رفع الحدث ثانياً وثالثاً، وعن الصدوقين والمفيد والشيخ الطوسي وغيرهم عدم الجواز، وقد استدلّ عليه بعدّة روايات أظهرها رواية عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: (لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل، فقال: الماء الذي يغسل به الثوب، أو

ص: 127

يغتسل به الرجل عن الجنابة لا يجوز أن يُتوضّا منه وأشباهه، وأمّا [الماء] الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف، فلا بأس أن يأخذ غيره ويتوضّأ به)(1). وهي قد دلّت علي عدم جواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل في رفع الحدث مطلقاً؛ كان الحدث جنابة أو حيضاً أو غيرهما بناء علي أنّ قوله «وأشباهه» معطوف علي الضمير المجرور، ولذا ذكرنا أنّها أظهر من غيرها، فإنّ غيرها من الروايات علي تقدير تماميّتها تختصّ بالمستعمل في غسل الجنابة.

والكلام في هذه الروايات يقع في موضعين:

أحدهما: في سندها.

والثاني: في دلالتها.

أمّا الموضع الأوّل: فقد نوقش فيه بضعف الرواية لأنّ في سندها أحمد بن هلال العبرتائي(2) وقد طعن فيه من ليس من دأبه الخدشة في السند، حيث إنّ الرجل نسب إلي الغلوّ تارة، وإلي النصب أُخري. وقال شيخنا الأنصاري: وبُعد ما بين المذهبين، لعلّه يشهد بأنّه لم يكن له مذهب رأساً. وقد صدر عن العسكري عليه السلام اللعن في حقّه(3) فهو ملعون زنديق؛ فالرواية ساقطة عن الاعتبار.9.

ص: 128


1- . الوسائل ج 1 ص 215 (مؤسسة آل البيت عليهم السلام) وص 155 (ط الإسلاميّة)، الاستبصار ج 1 ص 27، تهذيب الأحكام ج 1 ص 221.
2- . رجال النجاشي ص 199/83، خلاصة الرجال ص 202، معجم رجال الحديث ج 2 ص 252، منتهي المقال ج 1 ص 362.
3- . عن الكشّيّ فيما نقله عن القاسم بن العلاء أنّه خرج إليه: «قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنّع ابن هلال لا رحمه اللّه بما قد علمت، لم يزل لا غفر اللّه له ذنبه ولا أقاله عثرته، يداخل في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضًي، يستبدّ برأيه فيتحامي من ذنوب، لا يمضي من أمرنا إيّاه إلّابما يهواه ويريد، أرداه اللّه بذلك في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّي بتر اللّه بدعوتنا عمره، وكنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا في أيّامه، لا رحمه اللّه، وأمرناهم بإلقاء ذلك إلي الخاصّ من موالينا، ونحن نبرأ إلي اللّه من ابن هلال، لا رحمه اللّه ومن لا يبرأ منه، وأعلم الإسحاقي سلّمه اللّه وأهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر». تنقيح المقال ج 1 ص 99.

هذا وقد تصدّي شيخنا الأنصاري قدس سره لإبداء القرائن علي أنّ الرواية موثّقة؛ وإن كان أحمد بن هلال ملعوناً لا مذهب له:

القرينة الأُولي: إنّ الراوي عن أحمد بن هلال هو الحسن بن عليّ وهو من بني فضّال، وقد ورد عن العسكري عليه السلام الأمر بأخذ رواياتهم فيجب الأخذ برواية حسن بن عليّ الواردة في باب توقيت الصلاة الدالّة علي اختصاص أوّل الوقت بالظهر وآخره بالعصر، حيث وثّقها بأنّ الرواية وإن كانت ضعيفة في نفسها إلّاأنّ أحد رواتها من بني فضّال وقد أُمرنا بالأخذ برواياتهم.

هذا ثمّ أضاف علي ما ذكره في المقام، أنّه يمكن أن يوثّق الرواية بوجه آخر، وهو أنّ حسين بن روح قد استدلّ علي اعتبار كتب الشلمغاني بما ورد عن العسكري عليه السلام في حقّ بني فضّال، فقال: أقول في حقّ الشلمغاني ما قاله العسكري عليه السلام في بني فضّال من قوله: «خذوا ما رووه وذروا ما رأوه»(1) فكما أنّه طبّق كلامه عليه السلام علي الشلمغاني مع أنّه خارج عن مورد النصّ، فكذلك نحن لا بأس بنا بأن نطبّق كلامه عليه السلام علي أحمد بن هلال؛ فإنّ تعدّي حسين بن روح عن مورد النصّ يكشف عن عدم خصوصيّة في ذلك لبني فضّال. وعلي الجملة، أنّ الرجل ممّن ينطبق عليه كلام العسكري عليه السلام كما كان ينطبق علي الشلمغاني. وللمناقشة في ما أفاده مجال واسع وذلك:

أمّا أوّلاً: فلأنّ الحسن بن عليّ الواقع في سند الرواية لم يُعلم أنّه من بني2.

ص: 129


1- . الغيبة ص 239، بحار الأنوار ج 2 ص 252، الرسائل ج 1 ص 142.

فضّال، بل ربّما يستظهر عدم كونه منهم لاختلاف الطبقة؛ فراجع.

وأمّا ثانياً: فلأجل أنّ المستفاد ممّا ذكره عليه السلام في بني فضّال، أنّ الخروج علي الاستقامة إلي الاعوجاج غير قادح في صحّة الرواية، إذا كانت روايته حال الاستقامة، فحالهم فيما رووه حال سائر الرواة الموثّقين كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما ممّن تقبل رواياتهم، إذاً فلا يدلّ ذلك إلّاعلي وثاقتهم في أنفسهم لأنّهم لا يروون إلّاعن الثقات، فكما أنّ زرارة ومحمّد بن مسلم وأمثالهما إذا رووا عن غير الثقة لا يعتمد علي رواياتهم، فكذلك بنو فضّال، وليس معني ما صدر عنه عليه السلام أنّ الخروج عن الاستقامة والدين إلي الانحراف والزندقة يزيدان في الأهميّة والاعتبار، ويستلزمان قبول روايته ولو كانت عن ضعيف ليكون بنو فضّال وأضرابهم أشرف وأوثق من زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما، وحيث إنّ الحسن بن عليّ روي هذه الرواية عن أحمد بن هلال وهو فاسد العقيدة كما مرّ؛ فلا يعتمد علي روايته ولا تتّصف بالحجيّة والاعتبار.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ أحمد بن هلال لم تثبت وثاقته في زمان حتّي يكون انحرافه بعد استقامته، ومعه كيف يحكم بقبول رواياته بمناط قبول روايات بني فضّال؛ فهذه القرينة ساقطة.

القرينة الثانية: أنّ سعد بن عبداللّه الأشعري روي هذه الرواية عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن هلال، وهو الذي طعن في الرجل بالنصب قائلاً: إنّي لم أر من رجع من التشيّع إلي النصب إلّاهذا الرجل، وهو لا يروي عن غير الشيعة حسب تعهّده، ومن هنا لم يرو عمّن لقي الإمام ولم يرو عنه - كما حكي - وعلي هذا، فروايته عن الرجل في المقام يكشف عن أنّ الرواية إنّما كانت في كتاب

ص: 130

معتبر مقطوع الانتساب إلي مصنّفه بحيث لا يحتاج إلي ملاحظة حال الواسطة أو أنّها كانت محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها، إذن فتكون معتبرة لا محالة.

ويدفعه أمران: أحدهما: أنّ عدم روايته عن غير الشيعة ولو مرّة، طيلة حياته أمر لم يثبت، فإنّ غاية ما هناك أنّا لم نجدها ولم نقف عليها في سبيل لنا إلي نفي وجودها رأساً.

وثانيهما: هب أنّه لا يروي عن غير الشيعة، لشدّة تعصّبه في حقّهم عليهم السلام إلّاأنّ غاية ذلك أن يثبت أنّ أحمد بن هلال كان شيعيّاً حينذاك. ومن الظاهر أنّ مجرّد كون الرجل شيعيّاً لا يلازم وثاقته ليعتمد علي روايته، فرواية سعد عن الرجل لا تكون قرينة علي اعتبار روايته.

القرينة الثالثة: أنّ أحمد بن هلال إنّما نقل الرواية عن ابن محبوب والظاهر أنّه نقلها قراءة عليه عن كتابه الموسوم بالمشيخة، وهو كتاب معتبر عند الأصحاب وقد ذكر الغضائري - وهو الذي يقدح في السند كثيراً - أنّ روايات أحمد بن هلال ساقطة عن الاعتبار إلّاما رواه عن كتاب المشيخة لابن محبوب ونوادر ابن أبي عمير، فإنّه معتمد عليه عندهم(1)، وعن السيّد الداماد قدس سره أنّ ما نقله أحمد عن المشيخة وابن أبي عمير معتمد عليه عند الأصحاب، وملحق بالصحاح(2).

والجواب عن ذلك: أنّا لو سلّمنا أنّ اعتماد الأصحاب علي رواية ضعيفة يوجب الانجبار، وأنّ ما رواه أحمد عن كتاب المشيخة معتمد عليه عندهم،9.

ص: 131


1- . الخلاصة (للعلّامة) ص 202.
2- . الرواشح السماويّة ص 109.

فإثبات صغري ذلك في المقام في نهاية الإعضال، إذ لا علم لنا أنّ أحمد روي هذه الرواية بالقرائن عن كتاب المشيخة، ولعلّه رواها عنه بنفسه لا من كتابه المسمّي بالمشيخة، إذن يتوقّف اعتبارها علي وثاقة الرواة وقد فرضنا عدمها، واستظهار أنّه رواها عن كتاب المشيخة بالقراءة كما في كلام شيخنا الأنصاري قدس سره(1) ممّا لم يظهر وجهه.

القرينة الرابعة: أنّ المشايخ الثلاثة اعتمدوا علي رواية أحمد، ونقلوها في الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه، وكذا القمّيّون كالصدوقين(2) وابن الوليد، وسعد بن عبداللّه الأشعري وغيرهم يعتمدون علي روايته، ومن الظاهر أنّ اعتماد علي نقل أحد لا يقصر عن توثيق أهل الرجال، ومن هنا عدّوا عمل هؤلاء الأكابر علي أيّة رواية، من أمارات الصحّة حسب اصطلاح الأقدمين، وبذلك تكون الرواية معتبرة.

والجواب عن ذلك أوّلاً: فالمراد باعتماد المشايخ والقميّين، إن كان هو نقلهم للرواية في كتبهم، فمن الظاهر، أنّ مجرّد نقل رواية لا يوجب الاعتماد عليها، ومن هنا لا نعتمد علي جميع ما نقلوه في كتبهم من الأخبار، لأنّها ليست بأجمعها صحاحاً وموثّقات، بل فيها من الضعاف ما لا يحصي، فلا يستكشف من مجرّد نقل هؤلاء اعتمادهم علي الرواية. وإن أُريد بالاعتماد عمل القميّين والمشايخ علي طبقها، فالمقدار الثابت إنّما هو عمل الصدوقين والشيخين بها، ولم يثبت عمل غيرهم بالرواية حتّي إنّ سعد بن عبداللّه راوي هذا الحديث، لم0.

ص: 132


1- . كتاب الطهارة ص 57 السطر 19، الصلاة ج 6 ص 36 و 82، فرائد الأصول ج 1 ص 142.
2- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 10.

يظهر منه العمل بها وإنّما اكتفي بنقلها، وعمل هؤلاء الأربعة لا يوجب الانجبار في قبال غيرهم من الأصحاب من قدمائهم ومتأخّريهم، حيث إنّهم ذهبوا إلي خلافها. ونسب العلّامة قدس سره إلي مشهور المتقدّمين والمتأخّرين القول بجواز الاغتسال من الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر(1) وفيهم السيّد المرتضي(2)، والشهيدان(3)، والمحقّق(4)، والعلّامة نفسه(5) وغيرهم من أجلّاء الأصحاب ومحقّقيهم، فماذا يفيد عمل أربعة من الأصحاب إزاء عمل هؤلاء الأكابر؟ وفي الجملة، أنّ المقام ليس من صغريات كبري انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور، علي تقدير صحّة الكبري في نفسها.

وثانياً: فلأنّه لم يعلم أنّ عمل الصدوقين بالرواية لأجل توثيقهما لأحمد بن هلال، لأنّا نحتمل لو لم نظنّ، أن يكون ذلك ناشئاً من بنائهما علي حجيّة كلّ رواية رواها إماميّ لم يظهر منه فسق، أعني العمل بأصالة العدالة في كلّ مسلم إماميّ وقد اعتقدا أنّ الرجل إماميّ، لأنّ سعد بن عبداللّه لا يروي عن غير الإمامي، وهذا هو الذي احتملناه فيما ذكره الصدوق قدس سره في صدر كتابه من لا يحضره الفقيه، من: أنّي إنّما أُورد في هذا الكتاب ما هو حجّة بيني وبين ربّي(6).

وفسّرناه بأنّه التزم أن يورد في كتابه ما رواه كلّ إماميّ لم يظهر منه فسق، لأنّه الحجّة علي عقيدته. والمتحصّل أن الرواية ضعيفة جدّاً ولم يمكن أن يعتمد3.

ص: 133


1- . المنتهي ج 1 ص 133.
2- . جمل العلم والعمل ص 22.
3- . الذكري ص 12 السطر 5، البيان ص 102، الروض ص 158 السطر 7.
4- . المعتبر ج 1 ص 89.
5- . المختلف ج 1 ص 233، التذكرة ج 1 ص 35.
6- . الفقيه ج 1 ص 3.

عليها بوجه؛ هذا كلّه في الموضع الأوّل.

وها نحن علي ضوء المنهجين، نذكر مثالاً آخر يكشف عمّا نحن بصدده، وهو حديث الأربعمائة، المروي عن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، وقد استند إليه الفقهاء والأصوليّون، في كتبهم، فعن الشيخ الأعظم الأنصاري في فرائده في بحث حجيّة الاستصحاب، ومنها: ما عن الخصال بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه: (من كان علي يقين فشكّ فليمض علي يقينه، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين)(1).

وعنه قال: هذا، لكنّ سند الرواية ضعيف ب «القاسم بن يحيي» لتضعيف العلّامة له في الخلاصة، وإن ضعّف ذلك بعض باستناده إلي تضعيف ابن الغضائري - المعروف عدم قدحه - فتأمّل(2).

وأشار في هامش الفرائد بالقول: هو الوحيد البهبهاني في الحاشية علي منهج المقال ص 264(3). وعن آية اللّه الخوئي زعيم السنديّين، بعد الاستشهاد بالرواية والمناقشة في مفادها قوله: ولكنّ الذي يسهّل الأمر أنّ الرواية ضعيفة غير قابلة للاستدلال بها لكون قاسم بن يحيي في سندها، وعدم توثيق الرجاليين إيّاه، بل ضعّفه العلّامة، ورواية الثقات عنه لا تدلّ علي التوثيق، علي ما هو مذكور في محلّه(4).

هذا ما في تقريراته التي كتبها السيّد سرور البهبودي، ولكن في تقريراته7.

ص: 134


1- . الخصال ص 619، وسائل الشيعة ج 1 ص 175.
2- . فرائد الأصول ج 3 ص 71.
3- . نفس المصدر.
4- . موسوعة الإمام الخوئي ج 48 ص 79 (مصباح الأصول)، مصباح الأصول ج 3 ص 97.

الاُخري التي كتبها الشيخ حسن الصافي الإصفهاني هكذا: «فلا إشكال في دلالتهما أيضاً علي المطلوب إلّاأنّهما ليستا بصحيحتين ولا بموثّقتين، إذ في سندهما قاسم بن يحيي، وقد ضعّفه العلّامة(1) وابن الغضائري(2) وإن كان تضعيف ابن الغضائري لا اعتبار به، لكونه كثير التشكيك، وإنّما المعتني به مدحه. ورواية الموثّقين عنه لا تجعله موثقاً ما لم يعلم أنّهم ممّن لا يروي إلّاعن ثقة، كابن أبي عمير، أو لم يعلم أنّهم من مشايخ الإجازة، كعبدالواحد بن عبدوس راوي نافلة العشاء، فإنّه من مشايخ إجازة الصدوق(3)، وقريب ممّا في مصباح الأصول هو ما في دراسات في الأصول(4) ولكنّ السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث بحث في يحيي بن القاسم وأثبت وثاقته(5).

وحديث الأربعمائة، نقل لأوّل مرّة في تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، المعاصر لوالد الصدوق، ولكنّه نقله بلا سند، كما صرّح في مقدّمة كتابه، حيث قال: حذفت الإسناد للاختصار، ثمّ بعد ذلك أورده الصدوق في رسالة مستقلّة أوّلاً، ثمّ في الخصال ثانياً. والرسالة المستقلّة طبعت في مجموعة ميراث ماندگار - باللغة الفارسيّة -، بإشراف الدكتور السيّد محمود المرعشي النجفي(6)فجاء السند في الرسالة هكذا: حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه بن أبي-.

ص: 135


1- . خلاصة الرجال ص 1563/389.
2- . تنقيح المقال ج 2 ص 26.
3- . الهداية في الأصول ج 4 ص 61.
4- . دراسات في الأصول ج 4 ص 38.
5- . معجم رجال الحديث ج 15 ص 67.
6- . ميراث ماندگار ج 1 ص 279 - باللغة الفارسيّة -.

الخلف قال: حدّثني أحمد بن أبي عبداللّه البرقي ومحمّد بن عيسي اليقطيني، عن القاسم بن يحيي.

وحدّث أيضاً عن أبيه ومحمّد الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن القاسم بن يحيي بن الحسن بن راشد، عن جدّه، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه وأبي جعفر عليهما السلام قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه عليهم السلام: أنّ أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه وآله، علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه.

وأمّا سنده في الخصال كالتالي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيي، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، والسندان نقيّان، لا غبار عليهما إلّاأنّه كما رأيت نوقش في محمّد ابن عيسي العبيدي، والقاسم بن يحيي.

والأوّل ضعّفه ابن الوليد استاذ الصدوق، واستثناه مع عدّة تبلغ 27 نفراً من رجال كتاب «محمّد بن أحمد بن يحيي الأشعري» ولكن ردّ عليه من جاء بعده فقد ذكر النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيي عن شيخه أبي العبّاس ابن نوح قوله: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه علي ذلك إلّافي محمّد بن عيسي بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه لأنّه كان علي ظاهر العدالة والثقة(1).8.

ص: 136


1- . رجال النجاشي ص 939/348.

وقال النجاشي في حقّه: جليل في أصحابنا، ثقة، عين(1).

وقال الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل، ونقل الكشّي عن الفضل أنّه كان يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله، وهذا فوق التوثيق، وهو يبطل نسبة الغلوّ إليه. والعلّامة نقل الجميع ثمّ قال: والأقوي عندي قبول روايته(2).

وقد أشار السيّد الخوئي إلي وثاقة الرجل عن النجاشي، والكشّي، والفضل ابن شاذان حيث ذكر في ترجمة الأخير عن قول بُورق: خرجت حاجّاً فأتيت محمّد بن عيسي العبيدي، فرأيته شيخاً فاضلاً. وفي ترجمة محمّد بن سنان من قول الكشّي وقد روي عنه الفضل وأبوه، ويونس، ومحمّد بن عيسي العبيدي...

وغيرهم من العدول، والثقات، وأهل العلم، وقد أشار السيّد الخوئي إلي مسألة مهمّة، ردّ بها علي تضعيف الشيخ الطوسي إيّاه وخلاصتها: والوجه في ذلك أنّ تضعيف الشيخ كما هو صريح كلامه هنا (الاستبصار ذيل الحديث 568 - باب أنّه لا يجوز العقد علي امرأة عقد بها الأب والابن - وفي فهرسته) مبنيّ علي استثناء الصدوق وابن الوليد إيّاه، من جملة الرجال الذين روي عنهم صاحب نوادر الحكمة، والذي ظهر لنا من كلامهما أنّهما لم يناقشا في محمّد بن عيسي ابن عبيد نفسه، فإنّما ناقشا في قسمين من رواياته وهما: فيما يروي صاحب نوادر الحكمة عنه بإسناد منقطع... أو فيما ينفرد بروايته محمّد بن عيسي عن يونس، وأمّا في غير ذلك فلم يظهر من ابن الوليد ولا من الصدوق ترك العمل1.

ص: 137


1- . رجال النجاشي ص 896/333.
2- . وسائل الشيعة ج 30 ص 481.

برواياته.

والذي يكشف عن ذلك أنّ الصدوق تبع شيخه ابن الوليد في الاستثناء المزبور، فلم يرو في الفقيه ولا رواية واحدة عن محمّد عن عيسي، عن يونس وقد روي فيه عن محمّد بن عيسي، عن غير يونس، في الكتاب نفسه في المشيخة في نيّف وثلاثين موضعاً غير ما ذكره في طريقه إليه، وهذا أقوي شاهد علي أنّ الاستثناء غير مبتن علي تضعيف محمّد بن عيسي بن عبيد نفسه، وإنّما هو لأمر يختصّ برواياته عن يونس، وهذا الوجه مبنيّ علي اجتهاد ابن الوليد ورأيه، ووجهه عندنا غير ظاهر... وقد روي ابن الوليد نفسه عن الصفار، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن غير يونس... إلّاأنّ الشيخ قد غفل عن خصوصيّة كلام ابن الوليد، وتخيّل أنّ ترك ابن الوليد رواية ما يرويه محمّد بن عيسي بن عبيد، عن يونس بإسناد منقطع، أو ما ينفرد بروايته عنه مبتن علي ضعف محمّد بن عيسي، فحكم بضعفه تبعاً له، ولكنّ الأمر ليس كما تخيّل.

وأمّا الصدوق فقد صرّح بأنّه يتبع شيخه فلا يروي عمّن ترك شيخه الرواية عنه، فقد قال في ذيل الحديث 241 من الجزء 2 في باب صوم التطوّع من الفقيه: وأمّا خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه فإنّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه كان لا يصحّحه، وكلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحّته من الأخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح. فالمتلخّص: أنّ ابن الوليد، والصدوق لم يضعّفا الرجل، وأمّا الشيخ فلا يرجح تضعيفه إيّاه إلي أساس صحيح، فلا معارض للتوثيقات المذكورة(1).-.

ص: 138


1- . معجم رجال الحديث ج 17 ص 117، ميراث ماندگار ج 1 ص 474 - باللغة الفارسيّة -.

وأمّا قاسم بن يحيي، فضعّفه ابن الغضائري، وقد ردّ عليه البهبهاني قائلاً:

ولا وثوق بتضعيفه وروايات الأجلّة عنه مثل: أحمد بن محمّد بن عيسي تشير إلي الاعتماد عليه، بل الوثاقة وكثرة رواياته والإفتاء بمضمونها يؤيّده، ويؤيّد فساد كلام ابن الغضائري في المقام عدم تضعيف شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال، وعدم طعن أحد ممّن ذكره في ترجمته وترجمة جدّه وغيرهما(1).

وعن آية اللّه الخوئي: أنّه لا يبعد القول بوثاقة القاسم بن يحيي لحكم الصدوق بصحّة ما رواه في زيارة الحسين عليه السلام عن الحسن بن راشد، وفي طريقه إليه القاسم بن يحيي، بل ذكر أنّ هذه الزيارة أصحّ الزيارات عنده رواية(2). ولا يعارضه تضعيف ابن الغضائري لما عرفت من عدم ثبوت نسبة الكتاب إليه.

وعنه أيضاً في كامل الزيارات: الباب 1، في ثواب زيارة رسول اللّه صلي الله عليه و آله الحديث 1: وطريق الصدوق إليه: أبوه، ومحمّد بن الحسن... عن القاسم بن يحيي، كطريق الشيخ إليه صحيح. فهذا سند الرواية المرويّة في التحف والخصال والنسخة، فحصيلة البحث أنّ سند الحديث لا غبار عليه، ورجاله كلّهم ثقات علي الأقوي، وأمّا الدلالة فالحديث تعلو منه آثار الصدوق وقد ورد هذا الحديث في أبواب متفرّقة من الكافي، وذكر أكثر أجزائه.

قال العلّامة المجلسي بعد نقل الحديث: اعلم أنّ هذا الخبر في غاية الوثاقة6.

ص: 139


1- . تنقيح المقال ج 2 ص 26.
2- . معجم رجال الحديث ج 14 ص 66.

والاعتبار علي طريقة القدماء، واعتمد عليه الكليني وذكر أكثر اجزائه متفرّقة في أبواب الكافي، وكذا غيره من أكابر المحدّثين(1).

المباني المعتمدة عند أصحاب المنهج السندي

هناك سؤال نطرحه ثمّ نجيب عنه: هل الذين يقولون بوثوق السند، لهم مبنًي واحد ومناط واحد في اعتبار الرواية، أو يختلف هذا عندهم؟

اعتمادهم علي السند

نقول: إنّ جميع هؤلاء؛ من المحقّق الحلّي والشهيد الثاني وأتباعهما وكذلك آية اللّه الخوئي يتّفقون علي شيء، ويختلفون في أشياء؛ فأمّا الشيء الذي يتّفق عليه هؤلاء؛ هو أنّهم يتكلّمون علي السند ولا يعتمدون علي الرواية صدوراً، أي يأخذون بصدور الرواية إذا اطمأنّوا إلي أنّ الرواية معتمدة علي السند، وسندها صحيح معتبر.

وأمّا ما اختلفوا فيه فهو وجه اعتبار السند، أي: الرواة؛ فإنّ المحقّق الحلّي والشهيد الثاني وأتباعهما قالوا باعتبار الرواة من جهة عدالتهم وإيمانهم فلذلك اشترط الشهيد في الراوي أن يكون مؤمناً، أي عادلاً يعني: قائلاً بإمامة الأئمّة الاثني عشر، وأمّا غيرهم من الذين وقفوا علي ولد الإمام زين العابدين كالزيديّة وفرقهم من الكيسانيّة، أو الذين وقفوا علي ولد الصادق عليه السلام كالفطحيّة الذين قالوا بإمامة عبداللّه الأفطح، أو الذين وقفوا علي إمامة موسي بن جعفر، وهم المعروفون عند الرجاليّين بالواقفة أو الواقفيّة، وغيرهم من المذاهب الأُخري كالناووسيّة وغيرهم، فالشهيد الثاني وأتباعه يقولون بأنّ هؤلاء فاسدو المذهب،

ص: 140


1- . بحار الأنوار ج 10 ص 117، ميراث ماندگار ج 1 ص 475 - باللغة الفارسيّة -.

وأيّ ذنب وأيّ خطأ أعظم من العدول عن الإمامة، وبهذا فإنّهم اكتفوا في الراوي بعدالته يعني القول بالإمامة(1).

فعن الشهيد الثاني في الرعاية في شرائط الراوي: والرابع وهو المشهور بين أصحابنا، اشتراط إيمانه مع ذلك المذكور من الشروط، بمعني كونه إماميّاً، قطعوا به في كتب الأُصول الفقهيّة وغيرها لأنّ من عداه عندهم فاسق، وإن تأوّل كما تقدّم فيتناوله الدليل، هذا مع علمهم بأخبار ضعيفة بسبب فساد عقيدة الراوي، أو موثّقة، مع فساد عقيدته أيضاً في كثير من أبواب الفقه، معتذرين عن ذلك العمل المخالف لما أفتوا به في أُصولهم: من عدم قبول رواية المخالف بانجبار الضعف الحاصل للراوي، بفساد عقيدته ونحوه بالشهرة، أي شهرة الخبر والعمل بمضمونه بين الأصحاب، فيمكن إثبات المذهب به، وإن ضعف طريقه كما يثبت مذهب أهل الخلاف بالطريق الضعيف من أصحابهم، ونحوها - أي الشهرة - من الأسباب الباعثة لهم علي قبول رواية المخالف في بعض الأبواب، كقبول ما دلّت القرائن علي صحّته مع ذلك علي ما ذهب إليه المحقّق في المعتبر(2)، وكيف كان فإطلاق اشتراط الإيمان مع استثناء من ذكر ليس بجيّد.

رأي ابن الشهيد الثاني

ذكر الشيخ حسن العاملي في معالم الأُصول: الثالث: الإيمان واشتراطه هو المشهور بين الأصحاب، وحجّتهم قوله تعالي: «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(3) ، وحكي المحقّق عن الشيخ: أنّه أجاز العمل بخبر الفطحيّة ومن

ص: 141


1- . الروضة البهيّة ج 6 ص 39، نهاية الدراية ص 264.
2- . المعتبر ج 1 ص 29.
3- . الحجرات / 6، معالم الأصول ص 200.

ضارعهم؛ بشرط أن لا يكون متّهماً بالكذب، محتجّاً بأنّ الطائفة قد عملت بخبر عبداللّه بن بكير، وسماعة، وعليّ بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسي، وبما رواه بنو فضّال والطاطريّون(1). وأجاب المحقّق رضي الله عنه: بأنّا لم نعلم إلي الآن بأنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء، والعلّامة مع تصريحه بالاشتراط في التهذيب أكثر في الخلاصة من ترجيح قبول روايات فاسدي المذاهب، وحكي والدي في فوائده علي الخلاصة، عن فخر المحقّقين أنّه قال: سألت والدي عن أبان بن عثمان؟ فقال: الأقرب عندي عدم قبول روايته لقوله تعالي: «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(2) الآية، ولا فسق أعظم من عدم الإيمان، وأشار بذلك إلي ما رواه الكشّيّ من أنّ أباناً كان من الناووسيّة؛ هذا والاعتماد عندي علي المشهور(3).

فعلي هذا، ظهر ممّا صرّح به الشهيد الثاني وابنه وغيرهما أنّ المناط عندهم هو إيمان الراوي أي كونه إماميّاً، ولم يكف أنّه كان ثقة. هذا ما عند المحقّق الأوّل والشهيد الثاني وأتباعهما، فلذلك ردّ روايات الفطحيّة والواقفيّة وغيرهم، ومثاله في الفقه ما عن الشهيد بعد نقل رواية عبداللّه بن بكير: وهذه الرواية - مع شذوذها - رواها عبداللّه بن بكير، وهو فطحيّ المذهب، لا يُعتَمَد علي روايته، خصوصاً مع مخالفتها لغيرها بل للقرآن الكريم، ومع ذلك ففيها قادح آخر، وهو أنّ عبداللّه كان يفتي بمضمونها وروجع في أمرها فقال: هذا ممّا رزق اللّه من الرأي. قال الشيخ: ومَن هذه حالته يجوز أن يكون أسند ذلك إلي زرارة، نصرة لمذهبه الذي كان أفتي به، وإنّه لمّا رأي أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه، أسنده0.

ص: 142


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.
2- . الحجرات/ 6.
3- . معالم الدين ص 200.

إلي من رواه عن أبي جعفر عليه السلام، وليس عبداللّه بن بكير معصوماً لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول، عن اعتقاد مذهب الحقّ إلي اعتقاد مذهب الفطحيّة، ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا يعتقد صحّتها، لشبهة كانت عند بعض أصحاب الأئمّة، وإذا كان الأمر علي ما قلناه ولم يعترض بهذه الرواية، ما ذكر في غيرها(1).

والعجب مع هذا القدح العظيم من الشيخ في عبداللّه بن بكير أنّه قال في كتاب الرجال: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه والثقة(2). وذكره غيره(3) من علماء الرجال كذلك، وهذا الخبر ممّا صحّ من عبداللّه بن بكير، لأنّ الشيخ في التهذيب(4) رواه عن محمّد بن محبوب، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عنه، عن زرارة، والجميع ثقات، وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق(5).

فعلي هذا، ظهر أنّ المناط عند المحقّق الأوّل والشهيد الثاني وولده الشيخ حسن العاملي، وسبطه السيّد محمّد الموسوي العاملي، وولد ولده، الشيخ محمّد العاملي صاحب استقصاء الاعتبار، هو إن كان الراوي من الإماميّة، وصرّح الرجاليّون بأنّه ثقة، فرواية هذا الراوي معتبرة، مع أنّ الشيخ حسن اعتبر التوثيق والتعديل من باب الشهادة، فلذلك اعتبر توثيق الرجاليّين للراوي، ولم9.

ص: 143


1- . تهذيب الأحكام ج 8 ص 36، ح 107.
2- . اختيار معرفة الرجال ص 705/375.
3- . خلاصة الرجال ص 106.
4- . تهذيب الأحكام ج 8 ص 35 ح 107.
5- . مسالك الأفهام ج 9 ص 128، الروضة البهيّة ج 6 ص 39.

يكف عنده توثيق الواحد، فالشهيد وابنه وسبطه يعتمدون السند، وكلاهما صرّحا بشرطيّة توثيق الراوي كونه إماميّاً، ثمّ اختلفا في كون التوثيق من باب الشهادة كما قال الشيخ حسن وسبط الشهيد، أو من باب إخبار الثقة. وعن الشهيد: فيكفي علي الثاني بإخبار الرجاليّ الواحد، هذا ما عندهم.

رأي آية اللّه الخوئي

اشارة

هناك رأي آخر من أتباع المنهج السندي وهو مع أنّه يعتقد باعتبار الرواية، من جهة السند، أما إنّه لم يعتقد في الرواة كونهم إماميّين، ولم يعتقد تعديلهم بهذا المعني، بل يعتقد أنّ الوثاقة في الراوي كافية، ولا نحتاج إلي أكثر من هذا، وعليه، فإذا ثبتت وثاقة الراوي فالرواية معتبرة.

والأمر هكذا؛ فعلي ضوء منهج المحقّق الأوّل والشهيد الثاني وأتباعهما، إن كان الراوي ثقة غير إماميّ فهو ضعيف، وأمّا علي منهج السيّد الخوئي إن كان الراوي ثقة وإن كان غير إماميّ فروايته معتبرة، وهذا هو مبني الشيخ الطوسي، فإنّه صرّح في كتاب العدّة في الأُصول بأنّ الأصحاب يعملون بروايات بني فضّال، والفطحيّة، والواقفيّة، إذ كانوا ثقات(1)، وتبنّي هذا المبني أتباع الشيخ، إلي أن ظهر الفقيه الفذّ، والعلم البارع لدي الإماميّة يعني: نجم الدين جعفر بن سعيد الحلّي صاحب الشرائع والمعتبر، فإنّه ضعّف روايات الغير الإمامي من الرواة(2)، وتبعه علي هذا العلّامة الحلّي إلّافي عبداللّه بن بكير، وأبان بن عثمان لأنّهما من أصحاب الإجماع، وإجماع المنقول عنده حجّة كما صرّح به مراراً،

ص: 144


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.
2- . المعتبر ج 1 ص 393، الحواشي علي الروضة ص 141، مجمع الفائدة والبرهان ج 2 ص 213 وج 7 ص 492، الروضة البهيّة ج 8 ص 186 و 223، مدارك الأحكام ج 2 ص 179.

وأمّا غيرهما فضعفهم يأتي كونهم من الواقفيّة والفطحيّة وغيرهم، كما صرّح به في المنتهي والمختلف وتبعهما ولد العلّامة فخر الدين في إيضاح الفوائد وتلميذه محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) في غاية المراد، ثمّ ظهر المحقّق الكركي وقد تبع العلّامة (الماتن) في شرحه علي القواعد، وكلّ هؤلاء من أتباع مدرسة العلّامة، ثمّ هناك فقيهان آخران وهما: الفاضل المقداد وأحمد ابن فهد الحلّي وهما أيضاً قد تبعا العلّامة، وضعّفا الروايات الموثّقات، أمّا إذا وصل الأمر إلي الشهيد، فإنّه ينهج منهجاً خاصّاً ويصرّح بمنهجه وقواعده، وتبعه علي ذلك أمثال: الأردبيلي وأولاد الشهيد. وكلّ هؤلاء في مدرسة الحلّة وأتباعهم قاموا بردّ روايات موثّقات.

وآية اللّه الخوئي مع أنّه نهج منهج المحقّق الأول والشهيد الثاني، حيث قال في بحث حجيّة خبر الواحد من مصباح الأُصول: إنّا نقول بحجيّة الأقسام الثلاثة من الصحيح والحسن والموثّق، وذلك لأنّه يشملها كلّها أدلّة الحجيّة لخبر الواحد(1).

فلذلك صرّح قائلاً: نحن نقول بسواسية الأقسام الثلاثة في الحجيّة؛ وعند التعارض، قد يقدّم الخبر الموثّق علي الصحيح.

نجاسة العصير العنبي علي ضوء العمل بالقرائن

مثال آخر للعمل بالقرائن: وهو فرع فقهيّ قد أصبح ميداناً لمجاولة الآراء، ويدور حول نجاسة العصير العنبي، فقد اختلف الفقهاء في طهارته؛ وأمّا حرمته قبل ذهاب الثلثين وبعد الغليان فمشهور بل إجماعيّ، وحكم العصير العنبي في

ص: 145


1- . مصباح الأصول ج 2 ص 200.

كتاب الأطعمة والأشربة، محرّم بالإجماع.

ويشكّل البحث في طهارته ونجاسته في كتاب الطهارة صراعاً للآراء، ثمّ إنّ كتاب الحدود متوقّف علي كتاب الطهارة.

وقد ذكر الإمام الخميني في كتاب الحدود: لا إشكال في حرمة العصير العنبي سواءً غلا بنفسه أو بالبخار أو بالشمس إلّاإذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً، ولكنّه لم يثبت إسكاره، وفي إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحدّ ولو لم يكن مسكراً إشكال، بل منع سيّما إذا غلي بالنار أو بالشمس، والعصير الزبيبي والتمري لا يلحق بالمسكر حرمةً ولا حدّاً؛ هذا في كتاب الحدود.

وفي كتاب الطهارة والنجاسة فمصدره الوحيد للبحث والنقد، هو رواية زيد النرسي، رواها عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبداللّه عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ويقول: طبخ علي الثلث، وأنا أعلم أنّه يشربه علي النصف، فأشربه بقوله، وهو يشربه علي النصف؟ فقال عليه السلام: (لا تشربه).

قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه، يشربه علي الثلث ولا يستحلّه علي النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجاً علي الثلث قد ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، نشرب منه؟ قال: (نعم)(1).

هذه رواية قد وقعت محل خلاف ونزاع بين الفقهاء؛ فطائفة استندوا إليها وقالوا باعتبار سندها أوّلاً، ودلالتها ثانياً(2) كالعلّامة الطباطبائي صاحب المصابيح، وردّ الآخرون وهم أتباع منهج الوثوق السندي وقالوا بضعف السند0.

ص: 146


1- . الكافي ج 6 ص 421، تهذيب الأحكام ج 9 ص 122، الوافي ج 3 جزء 17 ص 88 الطبع الحجري، وسائل الشيعة ج 17 ص 234.
2- . إرشاد الطالب ج 1 ص 47، منهاج الفقاهة ج 1 ص 570.

أوّلاً، وضعف دلالتها ثانياً، لاختلافها في النسخ؛ ففي نسخة التهذيب «خمر لا تشربه»، ونسخة الكليني في الكافي «لا تشربه»، أي بلا لفظ «خمر».

وأمّا دلالتها فليست هي محلّ البحث عندنا، وإنّما بحثنا عن سندها علي ضوء المنهجين، فالعلّامة الطباطبائي ادّعي أنّ سندها معتبر لأنّه منقول عن أصل زيد النرسي، وهو ثقة، فعلي هذا ثبت نجاسته أوّلاً، ثمّ حرمته ثانياً، ثمّ ثبوت الحدّ ثالثاً. ولهذا وردّاً علي أتباعه، ردّ بعض الفقهاء من أتباع المنهج السندي، وبل بعض من أتباع المنهج الصدوري، وناقشوا العلّامة الطباطبائي في القرائن، وحكموا بالنتيجة بضعف الرواية، وقبل ذلك العلّامة الطباطبائي، أمّا العلّامة الوحيد البهبهاني في حاشية مجمع الفائدة في توثيق زيد النرسي وأصله، ولعلّ بحر العلوم أخذ ما قالَه من الوحيد.

وقال الوحيد البهبهاني - في تعليقة مجمع الفائدة، للأردبيلي الذي هو من أعلام أتباع المنهج السندي، وردّ الحديث من زيد النرسي وضعّفه، وقال بضعف الحديث، بطهارة العصير العنبي، إذا غلا وإن لم يذهب ثلثاه:

والاعتراض علي رواية النرسي بأنّ أصله لم يروه الصدوق وابن الوليد وكان يقول: وضعها محمّد بن موسي، ومن ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة، ولا أُسند إليها في كتب الاستدلال، انتهي(1). فيه: أنّ أصل ترك الرواية من ابن الوليد والصدوق قلّده لحسن ظنّه به، علي ما صرّح به في الفقيه(2)، وقد حقّقنا في تعليقتنا علي رجال الميرزا، ضعف تضعيفات القمّيّين(3) فإنّهم كانوا8.

ص: 147


1- . الحدائق الناضرة ج 5 ص 146.
2- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 5.
3- . تعليقة منهج المقال، ص 8.

يعتقدون - بسبب اجتهادهم - اعتقادات؛ مَن تعدّي عنها نسبوه إلي الغلوّ، مثل نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله أو إلي التفويض، مثل تفويض بعض الأحكام إليه أو إلي عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدني شيء كانوا يتّهمون - كما نري الآن من كثير من الفضلاء والمتديّنين - وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه...(1) وغير ذلك. وأمّا غيرهم فكانوا يعملون بأحاديث هؤلاء ولا يلتفتون إلي قول القمّيّين أصلاً، كالكليني والشيخ وغيرهما من المشايخ، فإنّهم رووا عن سهل بن زياد والبرقي وأمثالهما ما لا يحصي عدداً، واعتمدوا عليها، وأفتوا بها، ومنها حديث غدير خمّ (2)، فقد قال الصدوق ما قال، وبعده إلي الآن لم يتأمّل أحدٌ فيه.

علي أنّهم رووا عن زيد النرسي أكثر من أن يحصي، معتمدين عليها كما لا يخفي، مضافاً إلي ما ذكروه بالنسبة إلي الأُصول الأربعمائة، ممّا لا يخفي علي المطّلع، ولا تأمّل في أنّ كتاب زيد من جملة الأُصول، وصرّحوا به(3).

ومع ذلك، ابن الغضائري - مع إفراطه في القدح، حتّي بالنسبة إلي الأعاظم - ما قدح عليه، بل بعد ما نقل عن الصدوق أنّ كتابه وكتاب الزرّاد موضوعان، قال: وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من ابن أبي عمير(4)، وناهيك بهذا تخطئة له، واعتماداً علي كتبهما.

مضافاً إلي أنّ الشيخ في «الفهرست» - بعد ما نقل عن ابن الوليد عدم الرواية3.

ص: 148


1- . تعليقة منهج المقال ص 43.
2- . الكافي ج 1 ص 3/293.
3- . لاحظ: جامع الرواة ج 1 ص 343.
4- . نقله عنه: جامع الرواة ج 1 ص 343.

والوضع - قال: وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه(1)، وفيه - بعد التخطئة وإظهار الاعتماد - إشارة منه إلي توثيق زيد؛ لأنّه ذكر في «عدّته» أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّاعن ثقة(2).

ويؤيّد الاعتماد، بل والتوثيق أيضاً، ما ذكر في ترجمته الذاتية وكتبه ونوادره، بل ومرسلاته وأنّه ممّن أجمعت العصابة(3)، ويستفاد من كلام الشيخ وغيره أنّ عدم الرواية من خصائص ابن الوليد والصدوق، فلا يصحّ ما ذكره أنّه: مِن ثمّ لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة.

وأمّا النجاشي، فلم يتعرّض لذكر عدم روايتهما وحكمهما بالوضع، ولم يعيّن بذلك أصلاً، بل قال: النرسي روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، له كتاب يرويه عنه جماعة، أخبرنا - إلي أن قال: - ابن أبي عمير عنه بكتابه(4).

وفيه - إضافةً إلي ما ذكرنا - شهادة واضحة علي شهرة كتابه وشهرته، وأنّ جماعة من الأصحاب رووا كتابه هذا، من دون اختصاص بابن أبي عمير، والاتّفاق واقع من المحقّقين علي أنّ النجاشي أضبط وأعرف من الكلّ في الرجال، سيّما ووافقه الشيخ والغضائري، إضافةً إلي ما ذكرنا.

وما ذكر من عدم الذكر في الأربعة، فيه أنّه كم من خبر ذكر في غيرها وعُمِلوا به، بل وحكموا بصحّته. ولا دليل علي وجوب كون الخبر في الأربعة، وأنّه لو لم يكن، لم يكن حجّة؛ إذ أدلّة الحجيّة عامّة والمخصّص غير موجود قطعاً، بل4.

ص: 149


1- . الفهرست للطوسي ص 289/71-290.
2- . عدّة الأُصول ج 1 ص 386.
3- . رجال الكشّيّ ج 2 ص 1050/830.
4- . رجال النجاشي ص 460/174.

المدار علي ظنّ المجتهد واعتماده.

وبعد ما أشرنا إليه، لم يبق للمتأمّل مجال في الظنّ والاعتماد، وقد حقّقنا في التعليقة عدم اشتراط أكثر من هذا(1)، بل لم نجد أحداً اقتصر علي أخبار من نصّ علي توثيقه ولم يتعدّ، مع أنّا قد أشرنا إلي إفادة توثيق زيد.

علي أنّا نقول: ما ورد في الأربعة شاهد لهذا الخبر، بحسب السند، وهو شاهد له بحسب الدلالة، ويكفي هذا القدر من القرينة، إذ لا يجب أن تكون قطعيّة، ولا أن تكون بحيث يدلّ علي اعتبارها إجماع أو سنّة أو كتاب، ومنشأُ عدم الذكر في كتب الاستدلال، عدم العثور؛ إذ لا شكّ في أنّه خير من القياس الذي حرمته من ضروريّات المذهب، بل وهو فاسد، والعمل بمثله حرام عند أهل السنّة أيضاً.

وكم من روايات في الأربعة تركوها في مقام الاستدلال، بل وربّما كانت صحيحة في اصطلاحهم، ذكرت قدراً منها في حواشينا علي المدارك، والذخيرة وغيرهما(2).

هذا ما قاله الوحيد البهبهاني في تعليقته علي مجمع الفائدة والبرهان، وصرّح بأنّ القرائن دلّت علي وثاقة زيد النرسي، وفي النهاية اعتبر الحديث وأفتي بنجاسة العصير العنبي خلافاً للأردبيلي وأتباعه.ر.

ص: 150


1- . تعليقة علي منهج المقال ص 4.
2- . حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 702. وراجع أيضاً: مستمسك العروة الوثقي ج 1 ص 407، التنقيح، كتاب الطهارة ج 2 ص 105، الطهارة ج 3 ص 205 (الإمام الخميني)، بحوث في العروة ج 4 ص 444 (الصدر)، إفاضة القدير في أحكام العصير ص 101 (شيخ الشريعة الأصفهاني، فتح) المطبوع مع قاعدة لا ضرر.

وأمّا العلّامة الطباطبائي فقد قال في الفوائد الرجاليّة: زيد النرسي أحد أصحاب الأُصول، كوفيّ، صحيح المذهب، وقال الشيخ النجاشي: إنّ زيد النرسي من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، له كتاب يرويه عنه جماعة، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني، قال:

حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي بكتابه، وقد نصّ شيخ الطائفة في الفهرست علي رواية ابن أبي عمير كتاب زيد النرسي كما ذكره النجاشي.

وقال الطباطبائي أيضاً: وإنّما أوردنا هذه الطرق تنبيهاً علي اشتهار الأصل المذكور فيما بين الأصحاب واعتباره عندهم كغيره من الأُصول المعتمدة المعوّل عليها، فإنّ بعضاً حاول إسقاط اعتبار هذا الأصل، والطعن فيمن رواه، واعترض أوّلاً: بجهالة زيد النرسي، إذ لم ينصّ عليه علماء الرجال بمدح ولا قدح.

وثانياً: بأنّ الكتاب المنسوب إليه مطعون فيه، فإنّ الشيخ حكي في الفهرست عن ابن بابويه أنّه لم يرو أصل زيد النرسي ولا أصل زيد الزرّاد، وأنّه حكي في فهرسته عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد: أنّه لم يرو هذين الأصلين بل كان يقول: هما موضوعان، وكذلك كتاب خالد بن عبداللّه بن سدير، وإنّ واضع هذه الأُصول محمّد بن موسي الهمداني المعروف بالسمّان.

والجواب عن ذلك: إنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ علي صحّته واعتباره، والوثوق بمن رواه، فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال، بلوغ الغاية في الثقة، والعدالة، والورع، والضبط، والتحرّز عن التخليط،

ص: 151

والرواية عن الضعفاء والمجاهيل، ولذا تري أنّ الأصحاب يسكنون إلي روايته، ويعتمدون علي مراسيله، وقد ذكر الشيخ في العدّة: أنّه لا يروي، ولا يرسل إلّا عمّن يوثق به(1)، وهذا توثيق عامّ لمن روي عنه، ولا معارض له هاهنا، وحكي الكشّيّ في رجاله إجماع العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه والعلم،(2) ومقتضي ذلك صحّة الأصل المذكور، لكونه ممّا قد صحّ عنه، بل توثيق راويه أيضاً لكونه العلّة في التصحيح غالباً، والاستناد إلي القرائن وإن كان ممكناً إلّاأنّه بعيد في جميع روايات الأصل، وعدّ النرسي من أصحاب الأُصول، وتسمية كتابه أصلاً، ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعني الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، وليس بمعني مطلق الكتاب، فإنّه قد يجعل مقابلاً له فيقال: له كتاب، وله أصل.

وقد ذكر ابن شهر آشوب في معالم العلماء نقلاً عن المفيد، طاب ثراه أنّ الإماميّة صنّفت من عهد أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه إلي عهد أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تُسمّي: الأُصول، قال: وهذا معني قولهم «له أصل»(3).

ومن الواضح أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد علي ذلك بكثير6.

ص: 152


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.
2- . اختيار معرفة الرجال ص 322 و 206، مقباس الهداية ج 2 ص 203، مستدرك الوسائل ج 3 ص 757، كليّات في علم الرجال ص 163.
3- . معالم العلماء ص 2، مستدرك الوسائل ج 3 ص 770، دراسة حول الأصول الأربعمائة ص 27، الذريعة إلي تصانيف الشيعة ج 2 ص 129، وسائل الشيعة ج 20 ص 96.

كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل إذاً أخصّ من الكتاب، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر، وإن لم يكن معتمداً، فإنّه يؤخذ في كلام الأصحاب مدحاً لصاحبه، ووجهاً للاعتماد علي ما تضمّنه، وربّما ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في الأُصول، كما اتّفق للمفيد والشيخ وغيرهما؛ فالاعتماد مأخوذ في الأصل بمعني كون ذلك هو الأصل فيه إلي أن يظهر خلافه، والوصف به في قولهم: له أصل معتمد للإيضاح والبيان، أو لبيان الزيادة علي مطلق الاعتماد المشترك فيما بين الأُصول، فلا ينافي ما ذكرناه، علي أنّ تصنيف الحديث - أصلاً كان المصنّف أم كتاباً - لا ينفكّ غالباً عن كثرة الرواية، والدلالة علي شدّة الانقطاع إلي الأئمّة عليهم السلام وقد قالوا: «اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنّا»(1)، وورد عنهم عليهم السلام في شأن الرواية للحديث ما ورد.

وأمّا الطعن علي هذا الأصل والقدح فيه بما ذكر، فإنّما الأصل فيه محمّد بن الحسن بن الوليد القمّي وتبعه علي ذلك ابن بابويه علي ما هو دأبه في الجرح والتعديل، والتضعيف، والتصحيح، ولا موافق لهما فيما أعلم، وفي الاعتماد علي تضعيف القميّين وقدحهم في الأُصول والرجال كلام معروف، فإنّ طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقّاد، وتسرّعهم إلي الطعن بلا سبب ظاهر، ممّا يريب اللبيب الماهر، ولم يلتفت أحد من أئمّة الحديث والرجال إلي ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم تخطئتهما في ذلك المقال.

قال الشيخ ابن الغضائري: زيد الزرّاد وزيد النرسي رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام.3.

ص: 153


1- . اختيار معرفة الرجال ص 3، الكافي ج 1 ص 50، الرسائل ج 1 ص 143.

قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان.

وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن محمّد بن أبي عمير(1).

وناهيك بهذه المجاهرة في الردّ من هذا الشيخ، الذي بلغ الغاية في تضعيف الروايات، والطعن في الرواة، حتّي قيل: إنّ السالم من رجال الحديث من سلم منه، وإنّ الاعتماد علي كتابه في الجرح، طرح لما سواه من الكتب. ولولا أنّ هذا الأصل من الأُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، لما سلم من طعنه وغمزه، علي ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض، فإنّه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلّاء الأصحاب المعروفين بالتوثيق، نحو: إبراهيم بن سليمان بن حيّان، وإبراهيم بن عمر اليماني، وإدريس بن زياد، وإسماعيل بن مهران، وحذيفة بن منصور، وأبي بصير ليث المرادي، وغيرهم من أعاظم الرواة وأصحاب الحديث، واعتمد في الطعن عليهم غالباً بأُمور لا توجب قدحاً فيهم، بل في رواياتهم، كاعتماد المراسيل، والرواية عن المجاهيل، والخلط بين الصحيح والسقيم، وعدم المبالاة في أخذ الروايات، وكون رواياتهم ممّا تعرّف تارة وتنكّر أُخري وما يقرب من ذلك.

هذا كلامه في مثل هؤلاء المشاهير الأجلّة، وأمّا إذا وجد في أحد ضعفاً بيّناً أو طعناً ظاهراً - وخاصّةً إذا تعلّق بصدق الحديث - فإنّه يقيم عليه النوائح، ويبلغ منه كلّ مبلغ، ويمزّقه كلّ ممزّق، فسكوت مثل هذا الشيخ عن حال زيد النرسي، ومدافعته عن أصله بما سمعت من قوله، أعدل شاهد علي أنّه لم يجد2.

ص: 154


1- . دراسة حول الأصول الأربعمائة ص 32.

فيه مغمزاً ولا للقول في أصله سبيلاً.

وقال الشيخ في الفهرست: زيد النرسي وزيد الزرّاد لهما أصلان، لم يروهما محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه. وقال في فهرسته: لم يروهما محمّد بن الحسن بن الوليد، وكان يقول: هما موضوعان، وكذلك كتاب خالد بن عبداللّه ابن سدير، وكان يقول: وضع هذه الأُصول محمّد بن موسي الهمداني، قال الشيخ: وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه(1).

وفي هذا الكلام تخطئة ظاهرة للصدوق وشيخه في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي من موضوعات محمّد بن موسي الهمداني، فإنّه متي صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن صاحبه، امتنع إسناد وضعه إلي الهمداني المتأخّر العصر عن زمن الراوي والمروي عنه.

وأمّا النجاشي - وهو أبو عذرة(2) هذا الأمر وسابق حلبته كما يعلم من كتابه الذي لا نظير له في فنّ الرجال - فقد عرفت ممّا نقلناه عنه روايته لهذا الأصل - في الحسن كالصحيح، بل الصحيح علي الأصحّ - عن ابن أبي عمير عن صاحب الأصل.

وقد روي أصل زيد الزرّاد عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه وعليّ بن بابويه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن زيد الزرّاد(3) ورجال هذا الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم، وليس فيهن.

ص: 155


1- . فهرست الشيخ ص 301/97-302 طبع النجف الأشرف.
2- . العُذْر - بالضمّ فالسكون -: افتضاض الجارية ومفتضّها أبو عُذْرها (القاموس)
3- . رجال النجاشي ص 132 ط ايران.

من توقّف في شأنه سوي العبيدي، والصحيح توثيقه(1).

وقد اكتفي النجاشي بذكر هذين الطريقين، ولم يتعرّض لحكاية الوضع في شيء من الأصلين، بل أعرض عنها صفحاً، وطوي عنها كشحاً، تنبيهاً علي غاية فسادها، مع دلالة الإسناد الصحيح المتّصل علي بطلانها.

وفي كلامه السابق دلالة علي أنّ أصل زيد النرسي من جملة الأُصول المشهورة، المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، حيث أسند روايته عنه أوّلاً إلي جماعة من الأصحاب، ولم يخصّه بابن أبي عمير، ثمّ عدّه في طريقه إليه من مرويّات المشايخ الأجلّة، وهم: أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي، ومحمّد بن أحمد بن عبداللّه الصفواني، وعليّ بن إبراهيم القمّي، وأبوه إبراهيم بن هاشم(2) وقد قال في السيرافي: إنّه كان ثقة في حديثه، متقناً لما يرويه، فقيهاً بصيراً بالحديث والرواية. وفي الصفواني: إنّه شيخ، ثقة، فقيه، فاضل. وفي القمّي: إنّه ثقة في الحديث، ثبت، معتمد. وفي أبيه: إنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم.

ولا ريب أنّ رواية مثل هؤلاء الفضلاء الأجلّاء يقتضي اشتهار الأصل في زمانهم، وانتشار أخباره فيما بينهم، وقد علم ممّا سبق أنّه من مرويّات الشيخ المفيد وشيخه أبي القاسم جعفر بن قولويه، والشيخ الجليل الذي انتهت إليهن.

ص: 156


1- . قال النجاشي - كما في رجاله ص 256 ط إيران -: «... جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة. ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسي من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه. ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون: من مثل أبي جعفر؟...». وقال الكشّيّ - كما في رجاله ص 450 برقم 415 ط النجف -: «... عليّ بن محمّد القتيبي قال: كان الفضل يحبّ العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه مثله».
2- . راجع: رجال النجاشي ص 132 طبع إيران.

رواية جميع الأُصول والمصنّفات، أبي محمّد هارون بن موسي التلّعكبري، وأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الحافظ المشهور، وأبي عبداللّه جعفر بن عبداللّه رأس المذري الذي قالوا فيه: إنّه أوثق الناس في حديثه.

وهؤلاء هم مشايخ الطائفة، ونقدة الأحاديث، وأساطين الجرح والتعديل، وكلّهم ثقات أثبات، ومنهم المعاصر لابن الوليد، والمتقدّم عليه، والمتأخّر عنه الواقف علي دعواه، فلو كان الأصل المذكور موضوعاً معروف الواضع - كما ادّعاه - لما خفي علي هؤلاء الجهابذة النقّاد، بمقتضي العادة في مثل ذلك.

وقد أخرج ثقة الإسلام الكليني لزيد النرسي في جامعه الكافي، الذي ذكر أنّه قد جمع فيه الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام روايتين: إحداهما في باب التقبيل من كتاب الإيمان والكفر: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن عليّ بن مزيد صاحب السابري، قال: دخلت علي أبي عبداللّه عليه السلام فتناولت يده فقبّلتها، فقال: «أما إنّها لا تصلح إلّالنبيّ أو وصيّ نبيّ»(1). والثانية في كتاب الصوم، في صوم عاشوراء: عن الحسن بن عليّ الهاشميّ، عن محمّد بن عيسي، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «من صامه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وابن زياد - قلت: وما حظّهم من ذلك اليوم؟ قال -: النار»(2).

والشيخ في كتاب الأخبار أورد هذه الرواية بإسناده عن محمّد بن يعقوب(3)7.

ص: 157


1- . راجع: الكافي ج 2 ص 185، ح 3.
2- . نفس المصدر، ج 4 ص 147، ح 6.
3- . التهذيب ج 4 ص 301، ح 18، الاستبصار ج 2 ص 135، ح 7.

وأخرج لزيد النرسي في كتاب الوصايا من التهذيب في باب وصيّة الإنسان لعبده - حديثاً آخر: عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن معاوية بن حكيم ويعقوب الكاتب، عن ابن أبي عمير عنه.

المعيار في جرح القميّين

هذا كلام العلّامة الطباطبائي في إثبات وثاقة زيد النرسي علي ضوء القرائن، وقد أشار في خاتمة كلامه - كما أنّ هذا المضمون كان في كلام الوحيد البهبهاني -: أنّ القميّين كانوا في الجرح والتضعيف أشخاصاً مُسرعين في التضعيف، فبمحض الاطّلاع علي الراوي، والتدقيق في آرائه، والكشف بأنّه كان مخالفاً لعقائدهم، ردّوه واتّهموه بالوضع والجرح والضعف؛ فهؤلاء قاموا بردّ روايات أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، بل أخرجوه من قم إلي برقرود - من توابع قم - كما ذكره النجاشي، واتّهموا الرواة بالتساهل في نقل الحديث، أمّا إذا بحثنا وتقصّينا الرواة الذين اتّهموهم، فهمنا أنّ ملاك الضعف عندهم هو القول بعدم سهو النبيّ وآله، فإنّ من قال بعدم السهو، وقال بعصمة الرسول وآل بيته عليهم السلام فهم عند الصدوق وأُستاذه ابن الوليد غلاة، وفي الدين متساهلون.

وصرّح العلّامة الوحيد البهبهاني تنبيهاً علي هذا: أنّ الصدوق تابع في الجرح والتعديل، لأُستاذه محمّد بن الحسن بن الوليد، والصدوق يتبع أُستاذه فيهما.

وقال: قد حقّقنا في تعليقتنا علي رجال الميرزا تضعيفات القمّيّين، فإنّهم كانوا يرون بحسب اجتهادهم - اعتقادات من تعدّي عنها، نسبوه إلي الغلوّ، مثل نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله أو إلي التفويض، مثل تفويض بعض الأحكام إليه، أو إلي عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدني شيء كانوا يتّهمون - كما نري الآن من

ص: 158

كثير من الفضلاء والمتديّنين - وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه وغير ذلك(1).

ثمّ إنّ بحر العلوم كان يصرّح بأنّ ابن الغضائري قال: زيد الزرّاد وزيد النرسي رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام. قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان، وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن ابن أبي عمير(2).

ونضيف إلي كلام الطباطبائي: أنّ الصدوق بل جميع القمّيّين لم يكن لهم رأي حسن وإيجابيّ في رواة الكوفة وبغداد، بل ولم يكن لهم حسن ظنّ بهم، لأنّهم كانوا يعتقدون بنفي السهو عن النبيّ وآله، وهو أوّل مراتب الغلوّ عند الصدوق، فكيف يمكن أن يوثّقهم أو يعتمدهم. فالصدوق هذا، هو رئيس المحدّثين في قم، وقد هاجر بدعوة رئيس البويهيّين ووزيرهم - صاحب بن عبّاد - إلي الريّ وأقام فيها، وسافر من الريّ إلي مناطق مختلفة لأخذ الحديث، وكان الصدوق في حماية الوزير البويهي، يعني صاحب بن عبّاد، وهو الذي هيّأ له أسباب السفر آنذاك، حتّي سافر إلي إسترآباد وإيلاق وبلخ ونيسابور، والمدينة ومكّة وبغداد والكوفة، فهو يتحرّك تحت راية صاحب بن عبّاد، وألّف كتابين وأهداهما إليه وهما: عيون أخبار الرضا عليه السلام وإكمال الدين.

والصدوق هو أحد العلماء الفطاحل في الريّ، وقبله في الريّ، كان الشيخ الكليني الذي صنّف الكافي في عشرين سنة، واشتهر بثقة الإسلام الكليني، واشتهر عند المتأخّرين من الفقهاء بأنّه أضبط المحمّدين الثلاثة، واشتهر كتابه8.

ص: 159


1- . حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 700، تعليقة منهج المقال ص 4 و 43.
2- . الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 368.

بأنّه أضبط الأُصول(1)، ومع هذا فإنّ الصدوق يُعتبر من أهالي قم والكليني من أهالي الريّ، مع أنّه لم يرو الصدوق عن الكليني في كتابه: من لا يحضره الفقيه إلّا ستّة روايات، ولم يعتقد بها بل رواها وقام بتضعيفها، وعبّر عن الكليني مع عظمته ورفعة مقامه: روي محمّد بن يعقوب الكليني. وأظنّ أنّ الصدوق لم يكن حسن الرأي في الكليني، لأنّ الكليني وإن كان مقيماً في الريّ إلّاأنّه في الحديث يعدّ من مدرسة الكوفة وبغداد، ولذلك روي الأحاديث معنعنة، وروي عن الرواة في الكوفة وبغداد وعلي رأسهم أُستاذه عليّ بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير المعروف، وهو يروي أكثر روايات الكافي عن أبيه - أي إبراهيم ابن هاشم -. وقال النجاشي في حقّه: «أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقمّ هو»(2)هذا منهج الكليني ودأبه في الحديث.

فالصدوق وبما أنّه لم يكن له هذا المشرب والمنهج الثقافي في الحديث؛ فلم يعتمد علي الكليني، كما اعتمد علي أُستاذه محمّد بن الحسن بن الوليد، فهو تبعه وقلّده لمّا ردّ حديث صوم الغدير، حيث الحديث رواه الكوفيّون وأفتي به البغداديّون، وهو مشهور إلي الحدّ الذي دفع المفيد إلي تناوله في8.

ص: 160


1- . مرآة العقول ج 1 ص 3، روضات الجنّات ج 6 ص 114، مجالس المؤمنين ج 1 ص 453، موسوعة طبقات الفقهاء ج 4 ص 478، مفاخر اسلام ج 3 ص 30 - باللغة الفارسيّة -، الكليني البغدادي وكتابه الكافي ص 152، الكافي ج 1 المقدّمة، حسين علي محفوظ، كليّات في علم الرجال ص 366، دراسات في الحديث والمحدّثين ص 125، الفوائد الرجاليّة ج 3 ص 330، الدفاع عن الكافي ج 1 ص 33، وسائل الشيعة ج 20 ص 33، الوافي ج 1 ص 31.
2- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 316، قاموس الرجال ج 1 ص 333، تنقيح المقال ج 1 ص 42، مسالك الأفهام ج 6 ص 44، رجال النجاشي ص 18/16، نقد الرجال ج 1 ص 95، خلاصة الرجال ص 4، فلاح السائل ص 158.

المقنعة، فالمفيد من الفقهاء الذين أفتوا علي الرأي المشهور، ولم يكن له فتوي تخالف ما رواه الأصحاب مشهوراً، فهو يأخذ في كلّ فتاواه بما اشتهر بين أصحابه وأعرض عن الشاذّ النادر وتركه، فإنّه أخذ برواية عمر بن حنظلة، والقاعدة المستفادة منه وهي: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر(1).

مع أنّ تلميذه السيّد المرتضي علم الهدي أفتي بفتاوي نادرة وشاذّة خلافاً للمشهور، وأشدّ منه الصدوق في قم، فإنّه لم يأخذ بنظر الاعتبار المشهور من الفتاوي في الفقه ولذلك نراه وقع في مواضع كثيرة بمخالفة المشهور رغم كونه ولد بدعاء الإمام صاحب العصر والزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف(2)، وأفتي فتاوي لو أفتاها مراجعنا في عصرنا هذا، لكفّروهم وأخرجوهم من قم، بل ومن إيران.

فإنّه قد يفتي بجواز صحّة الوضوء بالجُلّاب - ماء الورد - في أوائل صفحات من لا يحضره الفقيه(3)، وهو كتاب أُلّف لفتاوي عامّة الناس، كما صرّح به في مقدّمته جواباً للسيّد نعمة اللّه(4)، ولا يكون من لا يحضره الفقيه كتاباً للمدرسة والمكتبات والأساتذة بل هو كتاب لعموم الناس فضلاً عن العلماء، وهو الذي أصرّ علي أنّ الشهادة الثالثة - يعني أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه - ليس من الأذان، ومن يقول برفعها الآن فيُتّهم بالوهابيّة عند الإماميّة كما اتّهموا العلّامة آية اللّه السيّد3.

ص: 161


1- . الكافي ج 1 ص 57.
2- . رجال النجاشي ص 1049/389، رجال الشيخ ص 25/495، منتهي المقال ج 6 ص 118، الرواشح السماويّة ص 174.
3- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 6، الهداية ص 56، الطهارة (الأنصاري) ج 1 ص 295.
4- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.

محمّد حسين كاشف الغطاء في باكستان، لمّا حذّر المؤذّن من تطويل الأذان وإيراد الكلمات والجملات الزائدة بين فصول الأذان خصوصاً بعد: «أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه».

ونقل هذا الخبر الأستاذ السيّد عبّاس الصالحي عن المرجع النجفي الشيخ بشير النجفي الباكستاني وذلك لمّا ورد كاشف الغطاء أوان شبابه إلي باكستان للتقريب بين المذاهب الاسلاميّة.

كما أنّ الصدوق يفتي بأنّ الصلوات لم تكن جزءاً من التشهّد، فلو اطّلع الأخباريّون اليوم الذين تمسّكوا بمنهج الصدوق لكفّروه، ولأخرجوه من قم إلي برقرود، بل إلي خارج ايران.

وله فتاوي نادرة لم يفتِ ولو بواحدة منها أيّ فقيه من فقهائنا(1)، فلذلك كلّه نقول: إنّ الصدوق لم يكن يمتلك نظراً إيجابيّاً تجاه الكليني، لأنّه كان محدّثاً علي مدرسة الكوفة وبغداد ولهذا ذهب إلي بغداد وعرض كتابه الكافي علي العلماء في بغداد لا في قم، وكان من أثر هذا أن روي الصدوق في من لا يحضره الفقيه ستّ روايات عن الكليني، وعبّر عنه بقوله: محمّد بن يعقوب، والروايات المنقولة عنه مردودة عنده. ولعلّ هذا كان هو الداعي والسرّ في أنّ العلماء المحقّقين في القرن الحادي عشر كالمولي حسين التستري، والشيخ عبدالنبيّ الجزائري صاحب الحاوي وغيرهم شكّكوا في توثيق الصدوق وتشدّدوا في أمره(2). وهذا كلّه يعود لهذه المباني المتشدّدة من قبل الصدوق وغيره منة.

ص: 162


1- . فقه وفقهاي اماميّه در گذر زمان ص 76 - باللغة الفارسيّة -.
2- . مقدمه اي بر فقه شيعه - باللغة الفارسيّة -، المقدّمة.

القمّيّين في الروايات التي لم يأخذ بها ابن الغضائري والشيخ عبدالنبيّ الجزائري مع أنّ الخوانساري في الروضات يصرّح بأنّ الشيخ عبدالنبيّ الجزائري في المتأخّرين كابن الغضائري في المتقدّمين.

وكان هذا هو السرّ والدافع الأساس عند الوحيد البهبهاني وتلميذه بحر العلوم في عدم الاكتراث بتضعيفات القمّيّين.

تذييل علي كلام السيّد الطباطبائي

قال بحر العلوم: ويشهد لذلك أيضاً - يعني عدم اعتبار تضعيف الصدوق وأُستاذه - أنّ محمّد بن موسي الهمداني وهو الذي ادّعي عليه وضع هذه الأُصول لم يتّضح ضعفه بعد، فضلاً عن كونه وضّاعاً للحديث، فإنّه من رجال نوادر الحكمة، والرواية عنه في كتب الأحاديث متكرّرة، ومن جملة رواياته الحديث الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير(1) وهو حديث مشهور، أشار إليه المفيد في المقنعة وفي مسارّ الشيعة، ورواه الشيخ في التهذيب، وأفتي به الأصحاب وعوّلوا عليه، ولا رادّ له سوي الصدوق وابن الوليد علي أصلهما فيه، والنجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه ولم يضعّفه، بل نسب إلي القمّيّين تضعيفه بالغلوّ، ثمّ ذكر له كتباً منها كتاب: الردّ علي الغلاة، وذكر طريقه إلي تلك الكتب.

ثمّ قال بحر العلوم في آخر كلامه: فعلي هذا، لا يمكن الحكم بتضعيف محمّد بن موسي الهمداني.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الطباطبائي رحمه الله قال بتوثيق زيد النرسي، ونسب الأصل إليه بالاعتماد علي القرائن، وفي النهاية فهو يفتي بنجاسة العصير العنبي وحرمته

ص: 163


1- . من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 241/55، معجم رجال الحديث ج 17 ص 283.

وثبوت الحدّ. أمّا غيره كالإمام الخميني، ففي كتابه الطهارة قد بحث عن هذا الموضوع بالتفصيل وصنّف رسالة مختصرة في معني الأصل، وقاعدة الإجماع(1) وردّ الأُمور الأربعة المدّعاة من الطباطبائي ولم يثبت عنده الأصل للنرسي، ولا توثيقه، فَلم يُفتِ بنجاسة العصير العنبي، وتبعه علي ذلك تلميذه آية اللّه محمّد الفاضل اللنكراني في كتابه: تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة فإنّه رحمه الله بحث الموضوع في كتاب الطهارة والحدود مرّتين، وهكذا تناول كلّ من طرح موضوع العصير العنبي وحكمها كشارحي العروة الوثقي منهم: السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه: بحوث في العروة(2)، والشيخ محمّد تقي الآملي في شرحه الآخر علي العروة وهو مصباح الهدي، والإمام الخميني في كتاب الطهارة هذا فضلاً عن بحثه في تفصيل الشريعة - الطهارة والحدود - وقد انقسم هؤلاء إلي طائفتين: فمنهم من ردّ علي القرائن كآية اللّه الخوئي، والإمام، وتلميذه، ومنهم من قَبِلَها.

فعن الفاضل اللنكراني: أمّا وثاقة زيد النرسي(3) فالظاهر أنّه لم يرد في شيء من الكتب الرجاليّة والتراجم بالإضافة إليه مدح ولا قدح، ومن أجله ربّما يقال بعدم وثاقته، لأنّ الموثّق عبارة عمّن كان له توثيق في شيء من تلك الكتب مضافاً إلي أنّ الصدوق وشيخه ابن الوليد لم ينقلا عنه أصلاً، بل ضعّفا كتابه وقالا: إنّه موضوع، وضعه محمّد بن موسي الهمداني.3.

ص: 164


1- . الطهارة ج 3 ص 242.
2- . بحوث في العروة ج 4 ص 444 وراجع: مستمسك العروة الوثقي ج 1 ص 407، إفاضة القدير ج 1 ص 101، إرشاد الطالب ج 1 ص 47، منهاج الفقاهة ج 1 ص 570.
3- . بحار الأنوار ج 1 ص 23.

ولكنّه قد حاول العلّامة الطباطبائي قدس سره تصحيح سندها، استناداً إلي أنّ الشيخ قال في حقّه: له أصل. وقال النجاشي: له كتاب. قال: إنّ تسمية كتابه أصلاً ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعني الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، وليس بمعني مطلق الكتاب، ولهذا نقل عن المفيد قدس سره أنّه قال: صنّفت الإماميّة من عهد أميرالمؤمنين عليه السلام إلي عهد أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تُسمّي «الأُصول»(1)، ومعلوم أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد علي ذلك بكثير، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل أخصّ من الكتاب، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر، بل لابدّ أن يكون معتمداً.

وقال أيضاً: إنّ «الأصل» يؤخذ في كلمات الأصحاب مدحاً لصاحبه ووجهاً للاعتماد علي ما تضمّنه، وربّما يضعّفون بعض الروايات لعدم وجدان متنها في شيء من الأُصول - إلي أن قال: - إنّ سكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه مع طعنه في جملة من المشايخ يدلّ علي وثاقته، حتّي قيل: السالم من رجال الحديث من سلم من طعنه. ومع ذلك لم يطعن فيه بل قال: إنّ زيد النرسي وزيد الزرّاد قد رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام. وقال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان، وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن محمّد بن أبي عمير، انتهي.

ويؤيّده أنّ ابن أبي عمير قد روي عنه وعن كتابه، وهو لا يروي ولا يرسل إلّا2.

ص: 165


1- . معالم العلماء ص 2، الذريعة إلي تصانيف الشيعة ج 2 ص 126، مستدرك وسائل الشيعة ج 3 ص 770، الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 367، إعلام الوري، ج 1 المقدّمة، الدراية ص 17، المعتبر، ج 1 المقدّمة، الفهرست ص 2.

عن ثقة، مع أنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، مُضافاً إلي وقوعه في سند رواية كامل الزيارات الذي ذكر في ديباجته: أنّه لا يروي فيه إلّاعن ثقات الأصحاب، وإلي أنّ الصدوق مع تضعيفه كتابه وإنكاره كونه له كما عرفت، قد روي في الفقيه رواية عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي مع التزامه في ديباجته أن لا يورد فيه إلّاما كان حجّة بينه وبين اللّه تعالي.

وهذا ممّا يوجب الشكّ في نسبة التضعيف والإنكار عليه، خصوصاً مع ملاحظة أنّ من جملة الأشخاص الذين وَقعوا في سند رواية كامل الزيارات المنتهية إلي زيد النرسي، هو عليّ بن بابويه والد الصدوق، وشيخ القمّيّين الذي خاطبه الإمام العسكري عليه السلام في توقيعه بقوله: يا شيخي ومعتمدي، فإنّه كيف يمكن الجمع بين رواية الوالد عنه، وبين اعتقاد الولد كونه موضوعاً.

ويمكن المناقشة في جميع ما ذكر، فإنّ ثبوت الأصل له لا يستفاد منه الوثاقة بوجه، لعدم ظهور هذا العنوان في المعني المذكور، ويحتمل قويّاً - تبعاً للماتن دام ظلّه - أن يكون الأصل قسماً من الكتاب وقسيماً للمصنّف، نظراً إلي أنّ الأصل عبارة عن الكتاب الموضوع لنقل الحديث، سواء كان مسموعاً عن الإمام عليه السلام بلا واسطة أو معها، وسواء كان مأخوذاً من كتاب وأصل آخر أم لا، وسواء كان معتمداً أم لا(1)، وأمّا المصنّف فهو عبارة عن كتاب موضوع لغير نقل الحديث كالتاريخ والتفسير والرجال والكلام وغيرها، والشاهد عليه مقابلةي.

ص: 166


1- . راجع: تاريخ الأصول الأربعمائة: تاريخ حديث شيعة ص 200 - باللغة الفارسيّة -، تاريخ عمومي حديث ص 241 - باللغة الفارسيّة -، (مجيد معارف) الأصول الأربعمائة، الجلالي.

المصنّف بالأُصول في كثير من العبارات وجعل كليهما قسمين من الكتاب في بعضها، وقول بعضهم في عدّة من الموارد: له أصل معتمد، وبالجملة لم يظهر كون المراد بالأصل ما ذكر.

المراد من قاعدة الإجماع

بما أنّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع فلابدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف فنقول: الأصل في دعوي الإجماع هو الكشّيّ في رجاله حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام: أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائي، قالوا:

وأفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم بدل أبي بصير الأسدي، أبا بصير المرادي وهو ليث بن البختري(1).

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من دون أُولئك الستّة الذين عدّدناهم وسمّيناهم، ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسي، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون: أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام(2).

ص: 167


1- . اختيار معرفة الرجال ص 206.
2- . نفس المصدر، ص 322.

وقال فيه أيضاً من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: «أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستّة نفر أُخر، دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم، مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب، وقال بعضهم، مكان فضالة بن أيّوب عثمان بن عيسي، وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي»(1).

وقد استفاد جماعة من هذه العبارات صحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء، إن صحّ الإسناد إليه، حتّي إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق، فضلاً عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، ومن هذه الجماعة صاحب الوسائل، في الفائدة السابعة من خاتمة كتابه، قال: وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرينة قطعيّة علي ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين مرسلاً أو مسنداً، عن ثقة، أو ضعيف، أو مجهول لإطلاق النصّ والإجماع كما تري.

هذا والظاهر أنّه لا مجال لهذه الاستفادة، لأنّ مفاد العبارة الأُولي مجرّد إجماع العصابة علي تصديق الستّة المذكورين أوّلاً، والانقياد لهم بالفقه والتصديق لا يلازم الإغماض عمّن روي عنه، من جهة الفسق والجهالة والإرسال، لأنّ 0.

ص: 168


1- . اختيار معرفة الرجال ص 461، مفاتيح الأصول ص 374، سماء المقال ج 2 ص 298، أوثق الوسائل ص 170.

مرجعه إلي عدم كون الستّة متّهمين بالكذب في نقلهم وروايتهم، وأين هذا من صحّة الرواية التي رووها، وإن كان الواسطة بينهم وبين المعصوم غير واجد لشرط الاعتماد والحجيّة.

وأمّا العبارتان الأخيرتان المشتملتان علي تصحيح ما يصحّ عنهم، فالظاهر عدم كون المراد بهما أمراً زائداً علي ما هو مفاد العبارة الأُولي، بحيث كان مرجعهما ظاهراً في ثبوت مزيّة زائدة لغير الستّة الأوّلين، مع تصريحه بوقوعهم في الدرجة العليا والمرتبة الأُولي، بل المراد منهما ما هو مفاد الأُولي خصوصاً مع إضافة التصديق بعدهما، ولا مجال للتنزّل في مقام المدح والمزيّة بذكر عدم الاتّهام بالكذب بالإضافة إلي أنفسهم، بعد الحكم بتصديق من رووا عنه أيضاً، كما لا يخفي، والإنصاف أنّه لا يستفاد من عبارة معقد الإجماع إلّامجرّد كونهم صادقين في النقل غير متّهمين بالكذب، والغرض من نقل الإجماع، ثبوت الامتياز لهم بكونهم مورداً للاتّفاق علي الوثاقة والاعتماد.

هذا ولو فرض كون معقد الإجماع صحّة ما يصحّ عنهم مطلقاً، ولو كانت الواسطة فاقدة لبعض الخصوصيّات المعتبرة، فنقول هذا من مصاديق الإجماع المنقول بخبر الواحد، وقد قرّر في الأُصول عدم حجيّته، فلا يمكن لنا الاستفادة من هذا الإجماع بوجه. هذا كلّه فيما يتعلّق بمحمّد بن أبي عمير من جهة كونه من أصحاب الإجماع.

وأمّا من جهة أنّه لا يروي ولا يرسل إلّاعن ثقة فنقول: الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب العدّة في البحث عن حجيّة خبر الواحد(1)،4.

ص: 169


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.

قال: وإذا كان أحد الراويين مُسنِداً والآخر مُرسِلاً نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره علي خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيي وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم(1).

وفصّل آية اللّه الإمام الخميني قدس سره في كتابه الطهارة لمّا تعرّض إلي نقد هذه القرائن، وهما - يعني الأُستاذ وتلميذه - ممّن اهتمّا بالقرائن، إلّاأنّهما لم يعدّا القرائن المذكورة معتبرة، بل نقداها. كما أنّ آية اللّه الخوئي وهو من أتباع المنهج السندي كان ممّن لا يري اعتبارها.

وقد قام بنقد بحر العلوم، كما قام نقد القرائن الأربع للأخذ بالحديث آية اللّه الإمام الخميني وتلميذه الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني.

وكان كلام آية اللّه الخوئي بالإجمال: وكيف كان، فقد استدلّ بها علي حرمة العصير الزبيبي عند غليانه قبل أن يذهب ثلثاه، والصحيح أنّ الرواية غير صالحة للاستدلال بها علي هذا المدّعي، ولا لأن يؤتي بها مؤيّدة للتفصيل المتقدّم نقله وذلك لضعف سندها، فإنّ زيداً النرسي لم يوثّقه أرباب الرجال، ولم ينصّوا في حقّه بقدح ولا بمدح، علي أنّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا علي جواز الاعتماد علي روايته، نظراً إلي أنّ الراوي عن زيد النرسي هو ابن أبي عمير وهو ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، فأيضاً لا يمكننا الاعتماد علي روايته هذه، إذ لم تثبت صحّة أصله وكتابه الذي أسندوا الرواية إليه، لأنّ 4.

ص: 170


1- . تفصيل الشريعة، كتاب الحدود ص 356، العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.

الصدوق وشيخه - محمّد بن الحسن بن الوليد - قد ضعّفا هذا الكتاب وقالا: إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسي الهمداني(1).

الكلام في توثيق عمر بن حنظلة علي أساس القرائن

ومن الرواة الموثوق بهم (الموثّقين) علي أساس القرائن، عمر بن حنظلة، فإنّه لم يرد له توثيق خاصّ في كتب الرجال، فهو علي طرفي نقيض بين التوثيق والتضعيف، فوثّقه بعض وضعّفه بعض، ولم يذكره النجاشي في رجاله أبداً، وذكره الشيخ ولم يوثّقه، وعدّه في رجاله تارة في أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً: عمر يكنّي أبا صخر، وعليّ ابنا حنظلة كوفيّان عجليّان، وأُخري في أصحاب الصادق عليه السلام عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي.

وعدّه البرقي أيضاً تارة من أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً: عمر بن حنظلة، وأُخري من أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً: عمر وعلي ابنا حنظلة العجليّان، عربيّان كوفيّان، وكنية عمر أبو صخر(2).

هذا ما ورد في كتاب الرجال للشيخ الطوسي، ولم يردّ عليه العلّامة وابن داود من المتأخّرين، فهو عند القدماء من المجاهيل والمهملين.

وأوّل من تكلّم في عمر بن حنظلة في كتب الرجال هو الشهيد الثاني رحمة اللّه عليه صاحب المنهج السندي، والمشدّد في توثيق الرجاليّين، فقال في كتاب الدراية: والمقبول كحديث عمر بن حنظلة في حال المتخاصمين من أصحابنا، وأمرهما بالرجوع إلي رجل قد روي حديثهم، وعرف أحكامهم(3). وإنّما

ص: 171


1- . موسوعة الإمام الخوئي ج 3 ص 119، الفهرست ص 71.
2- . معجم رجال الحديث ج 13 ص 27.
3- . شرح البداية في علم الدراية ص 133.

وسموه بالقبول لأنّ في طريقه محمّد بن عيسي وداود بن الحصين وهما ضعيفان، وعمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل، لكن أمره عندي سهل لأنّي حقّقت توثيقه من محلّ آخر وإن كانوا قد أهملوه، ومع ما تري في هذا الإسناد قد قبل الأصحاب نصّه وعملوا بمضمونه، بل جعلوه عمدة التفقّه واستنبطوا منه شروطه كلّها وسمّوه مقبولاً، ومثله في تضاعيف الفقه كثير(1).

وقال الحسن ابن المصنّف رحمهما الله في منتقي الجمان: ومن عجيب ما اتّفق لوالدي رحمه الله في هذا الباب أنّه قال في شرح بداية الدراية: إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بتعديل ولا جرح، ولكن حقّق توثيقه من محلّ آخر، ووجدت بخطّه رحمه الله في بعض مفردات فوائده ما صورته: عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا تعديل ولكن الأقوي عندي أنّه ثقة لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت: «إذاً لا يكذب علينا» والحال أنّ الحديث الذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلّقه به في هذا الحكم مع ما علم من انفراده به غريب، ولولا الوقوف علي الكلام الأخير لم يخطر ببالي أنّ الاعتماد في ذلك علي هذه الحجّة(2).

وكلّ من اعتمد علي القرائن فقد صرّح بوثاقة عمر بن حنظلة، منهم: الشيخ عبداللّه المامقاني، والوحيد البهبهاني، والميرزا محمّد علي الإسترآبادي في الرجال الكبير وتعليقته، والمولي علي العلياري، ومن الفقهاء: الشهيد الثاني كما4.

ص: 172


1- . الرعاية ص 91، مسالك الأفهام ج 2 ص 284 وج 7 ص 444.
2- . منتقي الجمان ج 1 ص 19، مقباس الهداية ج 1 ص 280، أصول الحديث ص 89 (السبحاني)، مصباح الأصول ج 3 ص 409، نهاية المرام ج 1 ص 235، مدارك الأحكام ج 3 ص 34.

ذكرنا سابقاً، والمولي أحمد الأردبيلي(1).

ومن الفقهاء المعاصرين الذين تعرّضوا لتوثيقه، هو آية اللّه السيّد محمّد باقر الصدر، الذي استُشهد سنة 1400 ق، فقد قال ذيل المقبولة: وأمّا المقبولة فقد يقال بسقوط سندها عن الحجيّة أيضاً باعتبار عدم ورود توثيق بشأن عمر بن حنظلة، وإن كان الأصحاب قد عملوا بمفادها، فسمّيت بالمقبولة غير أنّ الصحيح - بناءً علي القاعدة المختارة لنا في الرجال من توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة - صحّة سندها، وذلك باعتبار ما ورد في رواية ليزيد بن خليفة أنّه قال للإمام عليه السلام: جاءنا عمر بن حنظلة بوقت عنك، فأجاب عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا». والظاهر أنّ عمر بن حنظلة كان ثقة بطبعه عند الإمام عليه السلام إلّاأنّ يزيد بن الخليفة هو ممّن لا توجد له شهادة بتوثيقه، وإنّما يمكن توثيقه بالقاعدة المذكورة حيث قد روي عنه صفوان بن يحيي - وهو أحد الثلاثة - بسند معتبر في باب كفّارة الصوم من الكافي(2)؛ فثبت بذلك وثاقته، وبروايته نثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيضاً، فالمقبولة صحيحة سنداً(3).

هذا هو المنحي الرجاليّ عند الشهيد الصدر القائم علي عدم اعتبار قاعدة الإجماع، بل انتهج منهج الشيخ الطوسي في عدّة الرجال حيث قال: ومن ثمّ سوّوا بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة(4).

والمراد منهم المشايخ الثلاثة، أي: محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيي،4.

ص: 173


1- . مجمع الفائدة والبرهان ج 12 ص 10.
2- . الكافي ج 4 ص 144.
3- . بحوث في الأُصول ج 7 ص 370.
4- . العدّة في أُصول الفقه، ج 1، ص 154.

وأحمد بن أبي نصر البزنطي، فإنّهم علي هذا إن أرسلوا عن رجل؛ فالمرسل عندهم بمنزلة المسند المعتبر، وهذه القاعدة من قِبَل الشيخ الطوسي معتبرة عند الفقهاء بعده وجماعة الرجاليّين، إلّامن اعتقد بالمنهج السندي كالشهيد الثاني وابنيه: الشيخ حسن العاملي، والشيخ محمّد العاملي في استقصاء الاعتبار، ومن المعاصرين آية اللّه الخوئي، كما سنذكره قريباً إن شاء اللّه.

رأي آية اللّه السيستاني حول المشايخ الثقات

إنّ آية اللّه الصدر وآية اللّه السيّد عليّ السيستاني وهما من المراجع المعاصرين، قد صرّحا بأنّ القاعدة تدلّ علي اعتبار مراسيلهم وتوثيق مشايخهم(1)، فكلّ شيخ يذكر في الأسناد وكتب الرجال فهو موثّق عندنا، لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة؛ فمشايخ محمّد بن أبي عمير ثقات، ومشايخ صفوان أيضاً ثقات، ومشايخ أحمد بن أبي نصر البزنطي ثقات، كما عدّهم من الثقات المحقّق الرجاليّ غلام رضا عرفانيّان في كتابه: مشايخ الثقات.

والمحقّقان المعاصران الصدر والسيستاني لم يقولا بمضمون قاعدة أصحاب الإجماع، المنقولة عن الكشّيّ، ولكن قالا بمضمون قاعدة المشايخ الثلاثة ودلالتها علي توثيق الرواة.

فعلي هذا كلّه، أنّ عمر بن حنظلة لم يرد فيه توثيق خاصّ من الرجاليّين ولكن وردت الرواية في توثيقه، وهذا هو دليل توثيقه عند الرجاليّين، والكلام عن عمر بن حنظلة عند الفقهاء في ذيل مقبولته المرويّة في الكافي في الأُصول

ص: 174


1- . قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 96، بحوث في الأصول ج 7 ص 370.

والفروع(1).

ورواها الشيخ الطوسي أيضاً في التهذيب في موضعين(2).

ورواها الصدوق رئيس المحدّثين أيضاً في من لا يحضره الفقيه، والسند في الكافي بالعنعنة: عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسي، عن صفوان بن يحيي، عن رجلين من أصحابنا، إلي آخر الرواية.

ورواها الشيخ الطوسي بالتعليق فقال في موضع: محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن محمّد بن عيسي، عن صفوان بن يحيي، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة....

وفي الآخر: محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسي، عن صفوان ابن يحيي، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة....

فهذه الرواية مرويّة عن عمر بن حنظلة في الجوامع الثلاثة بالأسانيد الخمسة، وقد تلقّي الأصحاب الرواية بالقبول حتّي اشتهرت بالمقبولة، وصفوان بن يحيي من أصحاب الإجماع، وعن الشيخ في العدّة: أنّه لا يروي إلّا عن ثقة(3).

ومن تعليقات أحد المعاصرين في ذيل المقبولة: وبالجملة الظاهر أنّه لا بأس بالخبر من جهة السند وإن وقع بعض المناقشات في محمّد بن عيسي، وداود ابن الحصين، وعمر بن حنظلة، أمّا محمّد بن عيسي اليقطيني ففي تنقيح المقال أنّ فيه قولين: الأوّل: أنّه ضعيف، صرّح به جماعة منهم الشيخ في فهرسته،4.

ص: 175


1- . الكافي ج 1 ص 67 و ج 7 ص 412.
2- . تهذيب الأحكام ج 6 ص 218 و 301، ح 514، 545.
3- . عدّة الأُصول ج 1 ص 154.

وفي موضعين من رجاله. قال في الفهرست: محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني ضعيف، واستثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال: لا أروي ما يختصّ بروايته، وقيل: إنّه يذهب مذهب الغلاة. الثاني: إنّه ثقة، صرّح به النجاشي فقال: إنّه جليل في أصحابنا ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روي عن أبي جعفر الثاني مكاتبة ومشافهة. وقال الكشّيّ: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويمدحه، ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله(1).

أقول: أمّا استثناء ابن بابويه فالمستثني عنده هو ما رواه محمّد بن عيسي عن يونس، فلعلّه لم يكن هذا لاعتقاد ضعف فيه، بل للإشكال في سنّه ودركه زمنَ يونس، وأمّا الرمي بالغلوّ فلا يخفي أنّه كان شائعاً في تلك الأعصار، ورمي بعض الأصحاب الأجلّاء أيضاً بالغلوّ، لاعتقادهم بثبوت المقامات العالية للأئمّة عليهم السلام مثل ما تري في أعصارنا من رمي بعض العرفاء والفلاسفة بالكفر والزندقة، فلعلّ المقام كان من هذا القبيل؛ فتأمّل(2).

وأمّا داود بن الحصين الأسدي (بضمّ الحاء) ففي تنقيح المقال: أنّ الشيخ عدّه في رجاله من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وقال: إنّه واقفيّ، وقالن.

ص: 176


1- . تنقيح المقال ج 3 ص 167.
2- . أقول: إنّ تضعيف ابن بابويه للرواة لم يكن عن اجتهاد ورأي بل هو صرف تقليد لأُستاذه محمّد ابن الحسن بن الوليد، فالشيخ الصدوق صرّح في ذيل حديث صوم الغدير أنّه ضعّفه لأنّ أُستاذه محمّد بن الحسن بن الوليد قال: إنّه ضعيف ولم يروه إلّاعن طريق الكليني، وهكذا في موارد أُخري، وتضعيف الصدوق وأُستاذه كثيراً ما ينشأ من مخالفة الرواة لاعتقاداتهم، وهذه المخالفة في قاعدة السهو، فعندهم أنّ كلّ من قال بعدم السهو بالنسبة للرسول وأولاده المعصومين فهو من الغلاة ويستحقّ اللعن.

النجاشيّ: إنّه كوفيّ، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، كان يصحب أبا العبّاس البقباق، له كتاب(1).

هذا ولا يخفي عدم التهافت بين الكلامين لإمكان كونه واقفيّاً ثقة.

وأمّا عمر بن حنظلة ففي تنقيح المقال: عدّه الشيخ تارة من أصحاب الباقر وأُخري من أصحاب الصادق عليهما السلام، وترجمته أنّه لم ينصّ علي الرجل في كتب الرجال بشيء، ولكن روي في الكافي(2) في باب وقت الصلاة عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبداللّه عليه السلام: إذاً لا يكذب علينا.

وفي التهذيب، في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن عمر بن حنظلة قال:

قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: القنوت يوم الجمعة؟ فقال: أنت رسولي إليهم في هذا إذا صلّيتم في جماعة... الحديث. ويفهم من هذين الحديثين توثيقه(3).

أقول: ويرد علي التمسّك بالخبرين أنّ في سند الأوّل يزيد بن خليفة وهو واقفيّ، علي ما صرّح به الشيخ، ولم يثبت وثاقته، والخبر الثاني، راويه عمر بن حنظلة نفسه فكيف يثبت به وثاقته؟ نعم، يمكن أن يجعل كثرة روايته عن الأئمّة عليهم السلام نحو شاهد علي وثاقته، كما قيل. وكيف كان، فالأصحاب تلقّوا الخبر2.

ص: 177


1- . تنقيح المقال ج 1 ص 408.
2- . الكافي ج 3 ص 275.
3- . تنقيح المقال ج 2 ص 342.

بالقبول حتّي أطلقوا عليه مقبولة ابن حنظلة(1).

فإلي هنا، ظهر أنّ القائلين بتوثيق عمر بن حنظلة تمسّكوا بروايات، أوّلها حديث الوقت، وثانيها، حديث رواه عمر بن حنظلة نفسه، والثالثة رواية عنه كذلك، والدليل الرابع علي توثيقه، قاعدة كثرة نقل الرواة عنه، وإن لم تكن قاعدة فهي قرينة علي توثيق الراوي، كما صرّح به الوحيد تبعاً للمحقّق الحلّي في ترجمة إسماعيل بن أبي زياد السكوني، والحديث في كثرة نقل الرواة كما في الكافي واختيار معرفة الرجال: «اعرفوا منازل الرجال علي قدر روايتهم عنّا»(2). والكشّي روي الروايتين، فتكون ثلاث روايات دلّت علي كثرة رواية الرجل عنهم عليهم السلام وأظهرت قربه منهم ومنزلته عندهم، وكونه باحثاً في أحكام دينه؛ ممّا يدلّ علي قوّة عقيدته(3).

كان هذا ما عند الباحثين والمعتمدين علي القرائن، حيث وثّقوا عمر بن حنظلة لكونه من مشايخ صفوان، وكثير الرواية، ومصدّقاً عند الإمام عليه السلام بشكل خاصّ، وهناك من ردّ أصحاب منهج الوثوق السندي المعتمدين علي نصوص الرجاليّين، منهم: آية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث؛ فقد قال: إنّ الرجل لم ينصّ علي توثيقه، ومع ذلك ذهب جماعة منهم الشهيد الثاني إلي وثاقته واستدلّ علي ذلك بوجوه:

الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمر بن8.

ص: 178


1- . دراسات في ولاية الفقيه ج 1 ص 428.
2- . وسائل الشيعة ج 18 ص 109، مقباس الهداية ج 2 ص 268، اختيار معرفة الرجال ص 3.
3- . مقباس الهداية ج 2 ص 268.

حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا»(1).

والجواب: أنّ الرواية ضعيفة السند، فإنّ يزيد بن خليفة واقفيّ لم يوثّق فلا يصحّ الاستدلال بها علي شيء.

الثاني: ما رواه الصفّار، عن الحسن بن عليّ بن عبداللّه، عن الحسين بن عليّ ابن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة فقال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال: «أجل».

والجواب عنه ظاهر، فإنّ الرواية عن نفس عمر بن حنظلة، علي أنّها ضعيفة ولا أقلّ من جهة الإرسال، مضافاً إلي أنّها لا تدلّ علي الوثاقة.

الثالث: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «يا عمر، لا تحملوا علي شيعتنا، وارفقوا بهم، فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون».

والجواب: أنّ ذلك شهادة من عمر بن حنظلة لنفسه، وهي غير مسموعة.

الرابع: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن عليّ بن حنظلة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «اعرفوا منازل الناس علي قدر روايتهم عنّا»(2). فالرواية تدلّ علي أنّ كثرة رواية شخص عن المعصومين عليهم السلام تدلّ علي عظمة مكانته، ومن الظاهر أنّ عمر بن حنظلة كان كثير الرواية.

والجواب: أنّ الرواية ضعيفة بسهل بن زياد وبابن سنان، فإنّه محمّد بن سنان3.

ص: 179


1- . الكافي ج 3 ص 275، الرسائل ج 1 ص 297، منتهي الدراية ج 1 ص 499، عناية الأصول ج 3 ص 237، نهاية الأفكار ج 2 ص 132.
2- . الكافي ج 1 ص 50، اختيار معرفة الرجال ص 3، الرسائل ج 1 ص 143.

بقرينة رواية سهل بن زياد عنه. ومحمّد بن مروان العجلي مجهول، هذا مع أنّ كثرة الرواية إذا لم يعلم صدق الراوي لا تكشف عن عظمة الشخص بالضرورة.

الخامس: أنّ المشهور عملوا برواياته، ومن هنا سمّوا روايته في الترجيح عند تعارض الخبرين بالمقبولة.

والجواب أنّ الصغري غير متحقّقة، وتسمية رواية واحدة من رواياته بالمقبولة لا تكشف عن صحّة جميع رواياته، وعلي تقدير تسليم الصغري فالكبري غير مسلّمة، فإنّ عمل المشهور لا يكشف عن وثاقة الراوي، فلعلّه من جهة البناء علي أصالة العدالة من جمع وتبعهم الآخرون.

السادس: أنّ الأجلّاء كزرارة وعبداللّه بن مسكان، وصفوان بن يحيي وأضرابهم قد رووا عنه.

والجواب عن ذلك: أنّ رواية الأجلّاء لا تدلّ علي الوثاقة كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم(1).

وهذا حاصل ما ذكرنا من المنهجين: الوثوق الصدوري والسندي، ومنهج القرينة ومنهج النقد، فإنّ عمر بن حنظلة في كتب الرجال مجهول، وأوّل من صرّح بوثاقته هو الشهيد الثاني، ثمّ بعد ذلك أخذ بعض يضعّفه وبعض يوثّقه، وهم الأكثر فيما إذا اعتمدنا علي القرائن والرواية.

وممّا جاء عن آية اللّه البروجردي: أنّ التوثيق الحاصل من القرائن أعلي من التوثيق الحاصل من النصّ الرجالي.9.

ص: 180


1- . معجم رجال الحديث ج 13 ص 29.

الفصل الخامس المناهج الرجاليّة ودورها في الفقه

علم الرجال بين القائلين بدوره، وبين المنكرين لهذا الدور

أدلّة مثبتي الحاجة إلي علم الرجال:

1. حجيّة خبر الثقة

2. الأمر بالرجوع إلي صفات الراوي في الأخبار العلاجيّة

3. وجود الوضّاعين والمدلّسين في الرواة

4. وجود العامّي في أسانيد الروايات

5. إجماع العلماء

أدلّة نفاة الحاجة إلي علم الرجال:

1. القول بحجّيّة روايات الكتب الأربعة

2. عمل المشهور جابر لضعف السند

3. لا طريق إلي إثبات عدالة الرواة

4. الخلاف في معني العدالة والفسق

5. تفضيح الناس بهذا العلم

6. وجوب اعتماد الحسّ لا الحدس في قول الرجالي

ص: 181

7. التوثيق الإجمالي

8. شهادة المشايخ

مدخل إلي علم الرجال ودوره

اشارة

لمّا كان علم الرجال متعلّقاً بالإسناد، وأسانيد الروايات هي مناط الاعتماد عليها، اهتمّ المحدّثون بنقل الروايات مع أسانيدها، تمسّكاً بما قاله أميرالمؤمنين عليه السلام: «إذا حدّثتم فأسندوه إلي قائله»(1). ولضرورة معرفة الأسانيد، أسّس المسلمون علم معرفة الإسناد وهو علم الرجال، الذي يهتمّ بالرواة؛ من دون استقصاء ومتابعة لحياة الراوي، من حيث مولده وولادته ومسكنه، ومعاصريه وتأليفاته، ومهنته. أمّا ما يسمّي بعلم التراجم، فهو علم سبق علم الرجال، ولم يكن مقتصراً علي المسلمين بل يشمل الجميع فيتناول أعلامهم العلميّة والفنيّة، وعلم الرجال يختصّ بالمسلمين، ويهتمّ بجوانب خاصّة للرواة، لا ترجمتهم مطلقاً.

ولذلك عرّفوا علم الرجال بتعاريف خاصّة، منها: أنّه علم وُضِعَ لتشخيص رواة الحديث ذاتاً ووصفاً، ومدحاً وقدحاً، بل قيل: إنّه علم يبحث عن أحوال الرواة من حيث اتّصافهم بشروط قبول أخبارهم وعدمه(2). والمطلوب من علم الرجال هو التعرّف علي أحوال الرواة من حيث كونهم عدولاً أو غير عدول، موثّقين أو غير موثّقين، ممدوحين أو مذمومين، مهملين أو مجهولين، وهذا ممّا يعين الفقيه علي معرفة صنف ودرجة اعتبار الحديث لِكَي يفتي علي

ص: 182


1- . بحارالأنوار ج 2 ص 161.
2- . بهجة الآمال ج 1 ص 4، تنقيح المقال ج 1 ص 20، الذريعة ج 10 ص 80، كليّات في علم الرجال ص 11، أصول علم الرجال ص 10، توضيح المقال ص 29، الفوائد الرجاليّة ص 35 (كجوري).

ضوئه، فلذلك اعتُبر علم الرجال من مقدّمات الاجتهاد، واهتمّ به الفقهاء العظام جيلاً بعد جيلٍ (1).

ومع ذلك كلّه نري من الفقهاء كالأخباريّين وعدد من الأُصوليّين كالشيخ حسين الحلّي والفقيه حاج آقا رضا الهمداني في موسوعته مصباح الفقيه قد صرّحا بأنّا في غنًي عن علم الرجال، ولا نحتاج إليه في سبيل الاستنباط؛ لأنّ الأحاديث التي نحتاج إليها، عمل بها المشهور، وإذا كان المشهور عاملاً بالحديث فلسنا في حاجة لعلم الرجال وتضييع العمر في معرفة إسناد الروايات(2).

والمشهور بين الفقهاء من القديم، هو الاهتمام بعلم الرجال، فإنّ مشاهير الفقهاء كشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي والعلّامة الحلّي والشهيد الثاني وغيرهم، وإلي زماننا هذا كانوا من أساطين المؤلّفين في علم الرجال، ونهجوا منهجين في علم الرجال؛ فمنهم من سلك منهج الوثوق الصدوري وهم الأكثر، فهؤلاء يقولون: نحن نكتفي بإحراز صدور الرواية عن المعصوم، وهذا يحصل إمّا بالسند أو بغيره من القرائن، فإذا أحرزنا صدور الرواية من المعصوم، وصلنا إلي المقصود؛ وهناك الكثير من الفقهاء كالشهيد الثاني، وولده الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم، وسبطه السيّد محمّد الموسوي العاملي، وابنه الشيخ محمّد العاملي المعروف بفخر الدين الثاني صاحب استقصاء الاعتبار، ومن المعاصرين السيّد أبوالقاسم الخوئي قد-.

ص: 183


1- . كليّات في علم الرجال ص 14، أُصول علم الرجال ص 9.
2- . مصباح الفقيه ج 2 ص 12، الطبع الحجري، ولايت فقيه در حكومت اسلام ج 1 ص 252 - باللغة الفارسيّة -.

سلكوا منهجاً آخر غير منهج السلف، وهو منهج الوثوق السندي، أي أنّ معيار وثاقة الحديث هو اعتبار السند لا غير، فقالوا: إنّ القرائن لا عبرة بها في اعتبار الرواية، كما ادّعوا أنّ توثيق الرواة يحصل بنصّ من الرجاليّ الواحد أو الاثنين، علي ما هو في اعتبار شهادة الشهود، كما صرّح به الشيخ حسن العاملي في مُنتقي الجمان، هذا هو منهج الفقهاء في علم الرجال، وقد اتّفقوا علي فحص وتدقيق سند الروايات إلّاالقليل منهم.

ص: 184

وموجوداً في الحضارات التي سبقت الإسلام.

الفرق بين عِلم الرجال والدراية

الفرق بين علمي الرجال والدراية، مع أنّهما يتّحدان في الهدف والغاية، وهو الخدمة للحديث سنداً ونصّاً، غير أنّ الرجال يبحث عن سند الحديث، والدراية عن متنها، أو قل: إنّ موضوع الأوّل، هو المحدّث، وغايته التعرّف علي وثاقته وضعفه ومدي ضبطه، وموضوع الثاني، هو الحديث، وغايته التعرّف علي أقسامها(1).

بيان أدلّة مثبتي الحاجة إلي علم الرجال

اشارة

بيان أدلّة مثبتي الحاجة إلي علم الرجال(2) استدلّ العلماء علي الحاجة إلي علم الرجال بوجوه أهمّها:

الأوّل: حجّيّة قول الثقة

لا شكّ أنّ الأدلّة الأربعة التي دلّت علي حرمة العمل بغير العلم، منها: قوله تعالي: «إِنَّ اَلظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ اَلْحَقِّ شَيْئاً»(3) .

والروايات المتواترة (راجع كتاب القضاء من وسائل الشيعة). نعم بعض الظنون كالظواهر وخبر الواحد مستثناة أثبتها الأُصوليّون في كتبهم.

والعقل والإجماع. وهما واضحان.

وليس مطلق الخبر حجّة بل هو:

ص: 185


1- . كلّيّات في علم الرجال ص 18.
2- . راجع: معجم رجال الحديث ج 1 ص 19، قوانين الأصول ص 474، كلّيّات في علم الرجال ص 20، تنقيح المقال ج 1 ص 175، مفاتيح الأصول ص 331، شعب المقال ص 17، الوافية ص 260.
3- . يونس/ 36.

أ: إمّا خصوص خبر العدل.

ب: أو خبر الثقة. ومن المعلوم أنّ إحراز الصغري أعني كون الراوي عدلاً أو ثقة يحتاج إلي الرجوع إلي علم الرجال المتكفّل ببيان أحوال الرواة من الوثاقة والعدالة.

ج: إنّ الخبر الخارج عن تحت الظنون المنهيّة، وهو الخبر الموثوق بصدوره وإن لم تحرز وثاقة الراوي، ومن المعلوم أنّ إحراز الوصف للخبر يتوقّف علي جمع أمارات وقرائن تثبت كون الخبر ممّا يوثق بصدوره، ومنها العلم بأحوال الرواة الواقعة في أسناد الأخبار.

د: الخبر عن تحت الظنون المنهيّة، وهو قول الثقة المفيد للاطمئنان المعتمد عند العقلاء في أُمورهم ومعايشهم، ولا شبهة أنّ إحراز هذين الوصفين (وثاقة الراوي، وإفادة الخبر للاطمئنان) لا يحصل إلّابملاحظة أُمورٍ، منها: الوقوف علي أحوال الرواة الواقعة في طريق الخبر، ولأجل ذلك يمكن أن يقال: إنّه لا منتدح لأيّ فقيه بصير، من الرجوع إلي علم الرجال والوقوف علي أحوال الرواة وخصوصيّاتهم، إلي غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع في ذلك العلم، وإنّما ذهب هذا القائل إلي الجمع بين الوصفين في الراوي والمروي (أي وثاقة الراوي وكون المروي مفيداً للاطمئنان).

ولا يتحقّق إلّاإذا كان الراوي ضابطاً للحديث، ناقلاً إيّاه حسب ما ألقاه الإمام وهذا لا يعرف إلّابالمراجعة إلي أحوال الراوي، ومن المعلوم أنّ عدم ضابطيّة بعض الرواة مع كونهم ثقات أوجد اضطراباً في الأحاديث وتعارضاً في الروايات، حيث حذفوا بعض الكلم والجمل الدخيلة في فهم الحديث، أو

ص: 186

نقلوه بالمعني، من غير أن يكون اللفظ كافياً في إفادة مراد الإمام عليه السلام وبذلك يعلم بطلان دليل نافي الحاجة إلي الرجال، حيث قال: إنّ مصير الأكثر إلي اعتبار الموثّق، بل الحسن، بل الضعيف المنجبر، ينفي الحاجة إلي علم الرجال؛ لأنّ عملهم يكشف عن عدم الحاجة إلي التعديل.

وفيه: أنّ ما ذكره إنّما يرد علي القول بانحصار الحجّيّة في خبر العدل، وأنّ الرجوع إلي كتب الرجال لأجل إحراز الوثاقة بمعني العدالة، وأمّا علي القول بحجيّة الأعم، من خبر العدل، وقول الثقة، أو الخبر الموثوق بصدوره أو المجتمع منهما، فالرجوع إلي الرجال لأجل تحصيل الوثوق بالصدق أو وثاقة الراوي.

ثمّ إنّ المحقّق التستري استظهر أنّ مسلك ابن داود ومسلك القدماء هو العمل بالممدوحين والمهملين الذين لم يرد فيهم تضعيف من الأصحاب، ولأجل ذلك خصّ ابن داود القسم الأوّل من كتابه بالممدوحين، ومن لم يضعّفهم الأصحاب بخلاف العلّامة، فإنّه خصّ القسم الأوّل من كتابه بالممدوحين، ثمّ قال: وهو الحقّ الحقيق بالاتّباع وعليه عمل الأصحاب، فتري القدماء كما يعملون بالخبر الذي رواته ممدوحون، يعملون بالخبر الذي رواته غير مجروحين، وإنّما يردّون المطعونين، فاستثني ابن الوليد وابن بابويه من كتاب نوادر الحكمة عدّة أشخاص، واستثني المفيد من شرائع عليّ بن إبراهيم حديثاً واحداً في تحريم لحم البعير، وهذا ممّا يدلّ علي أنّ الكتب التي لم يطعنوا في طرقها ولم يستثنوا منها شيئاً كانت معتبرة عندهم ورواتها مقبولو الرواية، إن لم يكونوا مطعونين من أئمّة الرجال ولا قرينة، وإلّا فلا تقبل مع

ص: 187

الطعن.

وعلي فرض صحّة ما استنتج، فالحاجة إلي علم الرجال في معرفة الممدوحين والمهملين والمطعونين قائمة بحالها.

ونجد الشيخ الأعظم الأنصاري يقول في المكاسب، في مبحث خيار الحيوان: وعن سيّدنا المرتضي وابن طاووس، ثبوته للبائع أيضاً. وحكي عن الانتصار دعوي الإجماع عليه(1)، لإصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس، ولصحيحة محمّد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان وفيما سوي ذلك من بيع حتّي يفترقا»(2) وهي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكيّة عن قرب الإسناد. وقد صرّحوا بترجيح رواية مثل محمّد بن مسلم وزرارة وأضرابهما علي غيرهم من الثقات مضافاً إلي ورودها في الكتب الأربعة المرجّحة علي مثل قرب الإسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها(3).

وأمّا الصحاح الأُخر المكافئة سنداً لصحيحة ابن مسلم، فالإنصاف أنّ دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة(4).

فكما تري الشيخ الأنصاري يرجّح حديث محمّد بن مسلم لكونه أوثق وأعدل وأعلم من ابن رئاب - علي بن رئاب - الذي لم يوثّقه النجاشي، في حين أنّ الشيخ الطوسي قال: عليّ بن رئاب له أصل كبير، وهو ثقة جليل القدر. فمن1.

ص: 188


1- . الانتصار ص 433/245.
2- . وسائل الشيعة ج 12 ص 349.
3- . المكاسب ج 5 ص 88.
4- . رجال النجاشي ص 657/250، الفهرست ص 376/87، نقد الرجال ج 3 ص 261.

أين نفهم أن محمّد بن مسلم الذي هو أعلم وأوثق وأورع وأحفظ وأضبط من ابن رئاب، وأنّ الأوّل موثّق بنصّ المعصوم والرجاليّين، والثاني موثق بنصّ الرجاليّ الواحد وهو الشيخ الطوسي في الفهرست، هذا هو الذي نفهمه من علم الرجال، في ترجيح الأخبار عند التعارض.

الثاني: الرجوع إلي صفات الراوي في الأخبار العلاجيّة

إنّ الأخبار العلاجيّة تأمر بالرجوع إلي صفات الراوي؛ من الأعدليّة والأفقهيّة، حتّي يرتفع التعارض بين الخبرين بترجيح أحدهما علي الآخر في ضوء هذه الصفات، ومن المعلوم أنّ هذه الصفات في الرواة لا يحصل إلّابالمراجعة إلي علم الرجال. قال أبو عبداللّه عليه السلام في الجواب عن سؤال عمر بن حنظلة عن اختلاف القضاة في الحكم مع استناد اختلافهما إلي الاختلاف في الحديث:

«الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما» فإنّ الحديث(1) وإن كان وارداً في صفات القاضي، غير أنّ القضاة في ذلك الوقت كانوا رواة أيضاً، وبما أنّ الاجتهاد كان في ذلك الزمن قليل المؤونة، بسيط الحقيقة، لم يكن هناك فرق بين الاستنباط ونقل الحديث إلّاقليلاً، ولأجل ذلك تعدّي الفقهاء من صفات القاضي إلي صفات الراوي، أضف إلي ذلك أنّ الروايات العلاجيّة غير منحصرة بمقبولة عمر بن حنظلة الواردة في القُضاة.

وبعد هذا نستخلص أنّ معرفة الثقة لا طريق إليها إلّاالمصنّفات الرجاليّة وقول الرجاليّين، ونذكر لهذا مثالاً، ففي موضوع نصب الغنم: أنّ النصب كونها

ص: 189


1- . الكافي ج 1 ص 57، وج 7 ص 412، وسائل الشيعة ج 18 ص 98، تهذيب الأحكام ج 6 ص 218 و 301، دراسات في ولاية الفقيه ج 1 ص 427.

خمسة وخامسها الأربعمائة فيؤخذ فيها من كلّ مائة، شاة، كما عليه الأكثر، أو أربعة ورابعها الثلاثمائة وواحدة، ويؤخذ فيها من كلّ مائة، شاة، كما عليه جماعة كثيرة(1) قولان... وكيف كان؟ فمنشأ القولين اختلاف الروايتين الدالّة إحداهما علي المشهور، كحسنة الفضلاء بل صحيحة الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام...(2).

واُخراهما الدالّة علي القول الآخر، وهو خبر محمّد بن قيس، واُجيب عنه تارة بضعف السند، لكون محمّد بن قيس الراوي مشتركاً بين جماعة بعضهم، ضعيف، فيحتمل كونه هو الضعيف(3) وردّ بأنّ المشترك بين الثقة والضعيف هو الذي يروي عن الباقر عليه السلام، وأمّا الراوي عن الصادق عليه السلام فهو غير محتمل للضعيف، نعم يحتمل كونه ممدوحاً خاصّة وموثقاً فيحتمل الخبر من جهته كونه من الحسن أو من الصحيح هكذا نقل عن ثاني الشهيدين في فوائد القواعد، والسرّ في الاحتمالين كون الراوي عن الصادق عليه السلام مشتركاً بين محمّد ابن قيس الأسدي، ومحمّد بن قيس البجلي، والأوّل ممدوح، والثاني ثقة.

وفي المدارك وأقول: إنّ المستفاد من كلام النجاشي وغيره: أنّ محمّد بن قيس هذا هو البجلي الثقة، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، فتكون الرواية صحيحة. وقد ذكر نحوه صاحب الذخيرة إلّاأنّه جعل القرينة رواية عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عنه(4) فكما تري، أنّ 5.

ص: 190


1- . رسائل المرتضي ج 3 ص 77، السرائر ج 1 ص 426، الحدائق الناضرة ج 12 ص 58.
2- . تهذيب الأحكام ج 4 ص 2/25، الاستبصار ج 2 ص 22، وسائل الشيعة ج 9 ص 116.
3- . مختلف الشيعة ج 3 ص 180.
4- . ينابيع الأحكام ج 4 ص 192، فوائد القواعد ص 246، مدارك الأحكام ج 5 ص 62، ذخيرة المعادص 435.

صحيحة الفضلاء تقدّم علي رواية محمّد بن قيس، ورواية محمّد بن قيس هي أيضاً مشهورة لدي علم الرجال، وبذلك يقدر الفقيه علي معرفة الروايات ومحلّها.

الثالث: وجود الوضّاعين والمدلّسين في الرواة

عن الصادق عليه السلام: «أنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي؛ فاتّقوا اللّه ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا محمّد صلي الله عليه و آله».

وعن الرضا عليه السلام: «أنّ أبا الخطّاب كذب علي أبي عبداللّه عليه السلام، لعن اللّه أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلي يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»(1).

إنّ الاستدلال بها يتمّ وإن لم يثبت تواترها أو استفاضتها، بل يكفي كونها أخبار آحاد مردّدة بين كونها صحيحة أو مكذوبة، فلو كانت صحيحة لصارت حجّة علي المقصود وهو موجود، والروايات مفتعلة علي لسان النبيّ الأعظم وآله الأكرمين، وإن كانت مكذوبة وباطلة، فيثبت المدّعي أيضاً بنفس وجود تلك الروايات الموضوعة، في الكتب الروائيّة، ولأجل هذا التخليط من المدلّسين أمر الأئمّة عليهم السلام بعرض الأحاديث علي الكتاب والسنّة، وأنّ كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه ولا سنّة نبيّه يضرب به عرض الجدار، وقد تواترت الروايات في ترجيح ما وافق الكتاب والسنّة، وقد صرّح أبو جعفر الطوسي

ص: 191


1- . رجال الخاقاني ص 209، اختيار معرفة الرجال ص 195 و 224، منتهي المقال ج 6 ص 206.

بوجود مدلّسين في الرواة، ومع وجود وضّاعين ومدلّسين وكذّابين فكيف يمكن أن نقول بحجيّة كلّ ما كان في الكتب الأربعة؟!

وما قد يقال: إنّهم جمعوها من الأُصول والجوامع الأوليّة بعد تهذيبها عن هؤلاء الأشخاص، فهذا، صحيح أمّا قصاري جهدهم قد انصبّت علي الظفر بالقرائن التي توجب الاطمئنان بصدور الروايات من الأئمّة عليهم السلام، إلّاأنّه من أين نعرف أنّ القرائن هي عندنا معتبرة وموجبة للاطمئنان.

إضافة إلي ذلك أنّهم رووا ما يقطع ببطلانه، وأنّ الاطمئنان والوثوق بصدور عامّة الروايات حتّي المتعارضة منها أمر لا يقبله الذوق السليم.

فعن الشيخ الأعظم الأنصاري في الطهارة، في بحث مستثنيات الميتة: وأمّا اللبن فالأقوي أيضاً طهارته، وفاقاً للمحكي عن الكليني والصدوق والشيخين(1) و... ويدلّ عليه صحيحة زرارة المرويّة عن الفقيه والتهذيب....

ونحوهما مرسلة الفقيه المسندة في الخصال إلي ابن أبي عمير المرفوعة منه إلي الصادق عليه السلام(2).

خلافاً للمحكيّ عن سلّار والحلّي والمحقّق والمصنّف في كثير من كتبه، وأبي العبّاس والفاضل المقداد... ولهم علي ذلك(3) مضافاً إلي القاعدة المجمع عليها: رواية وهب بن وهب، أنّ عليّاً عليه السلام سُئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟3.

ص: 192


1- . الكافي ج 6 ص 258، المقنعة ص 583، النهاية ص 585، الهداية ص 309.
2- . من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 342، تهذيب الأحكام ج 9 ص 324/76، وسائل الشيعة ج 16 ص 366.
3- . مختلف الشيعة ج 8 ص 316، التنقيح الرائع ج 4 ص 214، السرائر ج 3 ص 112، شرائع الإسلام ج 3 ص 223.

فقال عليه السلام «ذلك حرام محضاً» والرواية وإن كانت ضعيفة السند بمن هو من أكذب البريّة، موافقة لمذهب العامّة، كما عن الشيخ إلّاأنّها منجبرة بالقاعدة، كما أنّ روايات الطهارة وإن كانت صحيحة، إلّاأنّها مخالفة للقاعدة وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأصول المذهب غير عزيز، إلّاأن تعضد بفتوي الأصحاب كما في الإنفحة، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف وما نحن فيه كذلك(1).

وقال الفقيه المحقّق الحاج آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه: وربّما يستدلّ لهم (أي المانعين) أيضاً بخبر وهب بن وهب، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال: «ذلك الحرام محضاً»(2).

لكنّ الرواية ضعيفة السند حتّي قيل في وهب: إنّه من أكذب البريّة(3) فلا يلتفت إلي روايته، وأمّا القاعدة فهي لا تصلح معارضة للأخبار المعتبرة المعمول بها، فإنّها ليست من القواعد العقليّة الغير القابلة للتخصيص، وقد تخصّصت في ماء الاستنجاء بل في مطلق الغسالة علي قول، فالقول بالنجاسة ضعيف(4).

وله كلام جيّد في تقدّم الحديث علي القواعد فراجع، هذا هو المدلّس والكذّاب في الرواة، فكيف نعرفهم، ومن أين نميّزهم.

الرابع: وجود العامّي في أسانيد الروايات

إنّ من سبر روايات الكتب الأربعة وغيرها يقف علي وجود العامّي في

ص: 193


1- . كتاب الطهارة الشيخ الأنصاري ج 5 ص 69-71.
2- . تهذيب الأحكام ج 9 ص 325/76.
3- . اختيار معرفة الرجال ص 558/309، الاستبصار ج 4 ص 340/89.
4- . مصباح الفقيه ج 7 ص 99.

أسانيد الروايات، وكثير منهم وقعوا في ذيل السند، وكان الأئمّة يفتون لهم بما هو معروف بين أئمّتهم، وقد روي أئمّة الحديث تلك الأسئلة والأجوبة ولم يُشيروا إلي كون الراوي عامّيّاً، وأنّ الفتوي صدرت عن الإمام تقيّة؛ وعندئذٍ فالرجوع إلي أحوال الرواة يوجب تمييز الخبر الصادر تقيّة عن غيره.

إعلم أنّا في القرن الخامس عشر، من الهجرة النبويّة، ونحن أكثر حاجةً من السلف إلي معرفة الرواة المخالفين لأهل البيت عليهم السلام وهذه المعرفة تمثّل فقه الحديث، والجانب الرجالي والمباني الفقهيّة، أمّا الأوّل فذلك كما أشرنا، أنّ العامّيّ إذا حضر لدي الأئمّة عليهم السلام، أو روي عنهم عليهم السلام فلعلّ الإمام عليه السلام يري ما لا نراه، ويضطرّ ربّما إلي أن يحكم بما يوافق فتاوي فقهائهم والإفتاء بما يفتون، حيث إنّهم كثيراً ما كانوا يحرجون الأئمّة، بل شيعتهم، والتقيّة لم تكن لحفظ أنفسهم فقط، بل لحفظ شيعتهم أيضاً، وهذا أحد الأسباب التي تدفعنا إلي معرفة الرواة حتّي ننظر من خلالها إلي أسلوب وكيفيّة تكلّم المعصوم عليه السلام، وهذا لا يختصّ بالراوي العامّيّ، فإنّ معرفة الرواة المخالفين والغلاة وغيرهم لها دور مهمّ في فهم معني الروايات. فالعلامة المجلسي قدس سره ينقل في بحار الأنوار عن المتأخّرين إلي القرن الحادي عشر، وهم لم يعملوا برواية العامّيّ ولا الواقفي ولا غيرهم، ويعدّونهم من أتباع العقيدة الفاسدة، ثمّ نحن إذا بحثنا عن مبانيهم الفقهيّة والرجاليّة والأصوليّة؛ علينا أن نعرف رواة العامّة أو الواقفيّة كي نقف علي مدي دلالة ومبني فتاويهم. وهذا بحث يتكفّله الرجال حيث يعيننا علي معرفة مباني العلماء والفقهاء، وهذا هو السبب الثاني الذي يدفعنا إلي معرفة الرواة.

ص: 194

وأمّا السبب الثالث لمعرفة الرواة المخالفين، سواء كانوا من العامّة أو الواقفيّة أو الفطحيّة أو غيرهم، هو أنّ كثيراً من الفقهاء خاصّة بعد الشيخ الطوسي لم يعملوا برواية الموثّق، فنجد فخر الدين الحلّي يسأل أباه عن العمل برواية عبداللّه بن بكير، وهو يجيب: أيّ ذنب أعظم من انحرافه عن الأئمّة عليهم السلام فهو فاسق، والقرآن يمنع العمل برواية الفاسق أشدّ المنع، وهذا الموضوع جاء في المعالم(1).

وكان هذا منهج العلّامة الحلّي وخطّه في معرفة الرواة، وقاعدة في العمل بالروايات، وقد تبعه علي ذلك الفقهاء جيلاً بعد جيل إلي أن ظهر الشيخ البهائي والسيّد المحقّق الميرداماد وهما علمان أثبتا صحّة العمل برواية الموثّق، كما عملا برواية الصحيح، وقالا: إنّ الحديث في الحجيّة سواء، صحيحاً كان، أو حسناً، أو موثّقاً، وبعد ذلك انقلبت المعايير وعمل الفقهاء قاطبة برواية الموثّق، فها نحن، والفقهاء من عصر العلّامة الحلّي وهو علي رأس المتأخّرين في القرن الثامن، وهم يعملون بروايات عبداللّه بن بكير، وأبان بن عثمان علي أنّهما من أصحاب الإجماع؛ وإن كانا فاسدي العقيدة، أمّا العلّامة فلم يعمل بروايات الرواة الموثّقين تبعاً لشيخه واستاذه المحقّق الحلّي وهو خاتمة المتأخّرين، فإنّه قد ردّ كثيراً روايات الرواة الموثّقين، من العامّة والفطحيّة والواقفيّة الذين قد عمل برواياتهم الشيخ الطوسي ومن تبعه بعد الشيخ، كما صرّح به في كتاب العدّة في أصول الفقه(2).4.

ص: 195


1- . معالم الدين ص 200.
2- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.

ثمّ تبع المحقّق الحلّي كلّ من جاء بعده أمثال: العلّامة، وولده فخر الدين الحلّي، والشهيد الأوّل، والشهيد الثاني، وأحمد بن فهد الحلّي صاحب المهذّب البارع، والفاضل المقداد السيوري صاحب التنقيح الرائع، وسار علي نهجهم بعد ذلك المحقّق الكركي، والمحقّق الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان، وتلميذه الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم، والسيّد محمّد الموسوي العاملي صاحب المدارك، وابن الشيخ حسن؛ أي الشيخ محمّد العاملي صاحب استقصاء الاعتبار المعروف بفخر الدين الثاني.

وبمراجعة مقدّمة استقصاء الاعتبار تجد ما فيه من منهجه وأقواله، بعد اُسلوبه الحادّ في نقد روايات الموثّقين، فقد أحيا الشيخ العاملي والميرداماد مسلكاً جديداً ومنهجاً متقناً للعمل بروايات الموثّقين وادّعيا أنّ الأدلّة لحجيّة خبر الواحد تشمل الأقسام الثلاثة للخبر من الصحيح، والحسن والموثّق، وقد سار الخلف علي إثرهم ومنهجهم جيل بعد جيل وإلي زماننا هذا، ونحن إذا أردنا أن نبحث في منهج كلّ من الفقهاء المتأخّرين من المحقّق الحلّي إلي الشيخ البهائي فينبغي أن نبحث عن مسلكهم ومنهجهم في نقد الروايات وعلّة جنوحهم إلي ردّ الروايات الموثّقة، ولا يخفي أنّ معرفة الرواة الموثّقين، لا مرجع له إلّاعلم الرجال.

الخامس: إجماع العلماء

أجمع علماء الإماميّة، بل علماء الإسلام علي العناية بتأليف هذا العلم وتدوينه من عصر الأئمّة عليهم السلام إلي يومنا هذا، فالحاصل أنّ التزام الفقهاء والمجتهدين والمحدّثين في عامّة العصور، بنقل أسانيد الروايات والبحث عن

ص: 196

أوصاف الرواة من حيث العدالة والوثاقة، والدقّة والضبط، يدلّ علي أنّ معرفة رجال الروايات من دعائم الاجتهاد.

أدلّة نفاة الحاجة إلي علم الرجال

الأوّل: القول بحجيّة روايات الكتب الأربعة

أدلّة نفاة الحاجة إلي علم الرجال(1)

ذهبت الأخباريّة إلي القول بقطعيّة روايات الكتب الأربعة، وأنّ أحاديثها مقطوعة الصدور عن المعصومين، فالبحث عن حال الراوي من حيث الوثاقة وعدمها لأجل الاطمئنان بالصدور، والمفروض أنّها مقطوعة الصدور(2).

وهذه دعوي بلا دليل إذ كيف ادّعاء القطعيّة؛ مع أنّ مؤلّفيها لم يدّعوا ذلك، وأقصي ما يمكن أن يُنسَب إليهم صحّة الأخبار المودعة في كتبهم، وهي غير كونها متواترة أو قطعيّة، والمراد من الصحّة، اقترانها بقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها عن المعصوم هذا أوّلاً. وثانياً: أنّ الأحكام الشرعيّة لا تختصّ بالكتب الأربعة، ولأجل ذلك يجب البحث عن أحوال الرواة، فلأجل ذلك قام المحدّث النوري بتأليف مستدرك الوسائل وفيه من الأحاديث ما لا غني عنها للمستنبط.

الثاني: عمل المشهور جابر لضعف السند

ذهب بعضهم بل بعض الأُصوليّين إلي أنّ كلّ خبر عَمِل به المشهور فهو حجّة، سواء كان الراوي ثقة أو لا. وكلّ خبر لم يعمل به المشهور ليس بحجّة وإن كان رواته ثقاتاً.

ص: 197


1- . الحدائق الناضرة ج 1 ص 19، هداية الاُمّة ج 8 ص 564، تنقيح المقال ج 1 ص 175، قوانين الأصول ص 474، كليّات في علم الرجال ص 35، شعب المقال ص 17، الوافية ص 260، مفاتيح الأصول ص 331 و 507.
2- . كلّيّات في علم الرجال ج 1 ص 20.

وهذا الدليل وما قبله لا يختصّ بالأخباريّين فحسب بل هناك من الأُصوليّين رجالٌ وفقهاء كبار يقولون إنّا في غنًي عن علم الرجال، ومن معاصريهم هو آية اللّه الشيخ حسين الحلّي كما نقلنا كلامه سابقاً(1).

وفيه: أنّ معرفة المشهور في كلّ المسائل أمر مشكل لأنّ بعض المسائل غير معنونة في كتبهم، وجملة أُخري منها لا شهرة فيها، وقسم منها يعدّ من الأشهر والمشهور، ولأجل ذلك لا مناص من القول بحجيّة قول الثقات وحده وإن لم يكن مشهوراً(2).

الثالث: لا طريق إلي إثبات عدالة الرواة

إنّ عدالة الرواة لا طريق إليها إلّابالرجوع إلي كتب أهل الرجال الذين أخذوا عدالة الراوي من كتب غيرهم، وغيرهم عن غيرهم، ولا يثبت بذلك، التعديل المعتبر؛ لعدم عبرة القرطاس.

وفيه: أنّ الاعتماد علي الكتب الرجاليّة لأجل ثبوت نسبتها إلي مؤلّفيها لقراءتهم علي تلاميذهم، وقراءة هؤلاء علي غيرهم، أو بقراءة التلاميذ عليهم، أو بإجازة من المؤلّف، علي نقل ما في الكتاب وعلي ذلك يكون الكتاب مسموعاً علي المستنبط أو ثابتة نسبته إلي المؤلّف والحاصل؛ أنّ الكتب إذا ثبتت نسبتها إلي كاتبها عن طريق التواتر أو الاستفاضة، أو الاطمئنان العقلاني؛ الذي يعدّ علماً عرفيّاً أو الحجّة الشرعيّة؛ يصحّ الاعتماد عليه، ولأجل ذلك تقبل الأقارير والوصايا المرقومة بخطوط المقرّ والموصي، أو بخطّ غيرهم إذا دلّت

ص: 198


1- . ولايت فقيه در حكومت اسلام ج 1 ص 252 - باللغة الفارسيّة -.
2- . منتهي الأصول ج 1 ص 111.

القرائن صحّتها، ومن يرفض الكتابة فإنّما يرفضها في المشكوك، لا في المعلوم والمطمئنّ منها.

أضف إلي ذلك أنّ تشريع اعتبار العدالة في الراوي، يجب أن يكون علي وجه يسهل تحصيلها، ولو كان متعسّراً أو متعذّراً يكون الاعتبار لغواً والتشريع بلا فائدة، وعلي هذا فلو كانت العدالة المعتبرة في رواة الأحاديث ممكنة التحصيل بالطريق الميسور وهو قول الرجاليّين، فهو، وإلّا فلو لم يكن قولهم حجّة، يكون اعتبارها فيهم أمراً لغواً لتعسّر تحصيلها بغير هذا الطريق.

وللعلّامة المامقاني جواب آخر، وهو: أنّ التزكية ليست شهادة حتّي يعتبر فيها ما يعتبر في ذلك، من الأصالة والمشافهة وغيرها، وإلّا لما جاز أخذ الأخبار من الأُصول مع أنّها مأخوذة الأصول الأربعمائة، بل المقصود من الرجوع إلي علم الرجال هو التثبّت وتحصيل الظنّ الاطمئناني.

الرابع: الاختلاف في معني العدالة والفسق

إنّ الخلاف العظيم في معني العدالة والفسق يمنع من الأخذ بتعديل علماء الرجال بعد عدم معلوميّة مختار المعدِّل في معني العدالة ومخالفته معنا في المبني، فإنّ مختار الشيخ فيها ظهور الإسلام، بل ظاهره دعوي كونه مشهوراً، فكيف يعتمد علي تعديله من يقول بكون العدالة هي الملكة.

وأجاب عنه العلّامة المامقاني بقوله: إنّ عدالة مثل الشيخ والتفاته إلي الخلاف في معني العدالة تقتضيان إرادته بالعدالة فيمن أثبت عدالته من الرواة، العدالة المتّفق عليها، فإنّ التأليف والتصنيف إذا كان لغيره خصوصاً للعمل به مدي الدهر... فلا يبني علي مذهب خاصّ إلّابالتنبيه عليه. وتوضيحه؛ أنّ

ص: 199

المؤلّف لو صرّح بمذهبه في مجال الجرح والتعديل يؤخذ به، وإن ترك التصريح به، فالظاهر أنّه يقتفي أثر المشهور في ذاك المجال، وطرق ثبوتهما وغير ذلك ممّا يتعلّق بهما، إذ لو كان له مذهب خاصّ، وراء مذهب المشهور لوجب عليه أن ينبّه به، حتّي لا يكون غارّاً... فلابدّ أن يكون متّفق الاصطلاح مع المشهور، وإلّا وجب التصريح بالخلاف.

ويقول المحقّق القمّي في هذا الصدد: والظاهر أنّ المصنّف لمثل هذه الكتب لا يريد اختصاص مجتهدي عصر، حتّي يقال إنّه صنّفه للعارفين بطريقته...

فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر، وانتفاع من سيجيء بعدهم منهم، فإذا لوحظ هذا المعني... يظهر أنّهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعني الذي هو مسلّم الكلّ حتّي ينتفع الكلّ.

قال المامقاني: إنّ هناك قرائن علي أنّهم أرادوا بالعدالة معني الملكة، وهو أنّا وجدنا علماء الرجال قد ذكروا في جملة من الرواة ما يزيد علي ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق، بل علي حسن الظاهر بمراتب ومع ذلك لم يصرّحوا فيهم بالتعديل والتوثيق. ألاتري أنّهم ذكروا في إبراهيم بن هاشم أنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم. ذكر النجاشي فيه: أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم، وهذا يدلّ علي أنّه أقوي من حسن الظاهر، لأنّ أهل قم لا يعتنون بمن يروي عن الضعفاء ولذلك أخرجوا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي من قم لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد علي المراسيل ولا يبالي بمن أخذ، فكيف يمكن الاعتماد علي من كان فاسقاً(1).4.

ص: 200


1- . تنقيح المقال ج 1 ص 175، كليّات في علم الرجال ص 39، الحدائق الناضرة ج 1 ص 34، رجال الخاقاني ص 86، قوانين الأصول المحكمة ج 1 ص 474.

الخامس: تفضيح الناس بهذا العلم

إنّ علم الرجال منهيّ عنه لأنّ فيه تفضيحاً للناس وقد نُهِينا عن التجسّس عن معايبهم.

وفيه: أوّلاً: ننقضه بباب المرافعات حيث إنّ للمنكر جرح شاهد المدّعي وتكذيبه، وبالأمر بذكر المعايب في مورد الاستشارة.

وثانياً: إنّ الأحكام الإلهيّة أولي بالتحفّظ من الحقوق التي أشير إليها.

وثالثاً: لو كان التفحّص عن الرواة أمراً مرغوباً عنه فلماذا أمر اللّه تعالي بالتثبّت والتبيّن عند سماع الخبر، إذ قال سبحانه «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(1) وإن كان صدرها في الفاسق ولكن ذيلها قاعدة عامّة تشمل المجهول، فهو تعليل، والعلّة تعمّم، «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ»(2) .

السادس: وجوب اعتماد الحسّ لا الحدس في قول الرجالي

لو قلنا باعتبار قول الرجالي من باب الشهادة يجب ان يجتمع شرائطها فيه، ومنها الاعتماد إلي الحسّ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشرط، لعدم تعاصر المعدِّل والمعدَّل.

والجواب: أنّه يشترط في الشهادة أن يكون المشهود به أمراً حسيّاً، أو يكون مبادئه قريبة من الحسّ؛ وإن لم يكن بنفسه حسيّاً، فالعدالة والشجاعة ليستا حسيّتين، ولكن مبادئهما حسيّة من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة، وقرع الأبطال في ميادين الحرب

ص: 201


1- . الحجرات/ 6.
2- . الحجرات/ 6.

والإقدام بالأُمور الخطيرة بلا تريّث واكتراث في الشجاعة. وعلي ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصرين بالمعاشرة وقيام القرائن فكذلك يمكن إحراز عدالة غير المعاصر بالقرائن أو شهرته وشياعه بين الناس، والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر، المفيدة للاطمئنان، ولا شكّ في أنّ المشايخ الثلاثة لمدارستهم المحدّثين والعلماء كانوا واقفين علي أحوال الرواة وخصوصيّاتهم.

فلأجل تلك القرائن الواصلة إليهم من مشايخهم إلي أن تنتهي إلي عصر الرواة شهدوا بوثاقتهم أو فسقهم(1).

وبعبارةٍ أُخري: إنّ شهادتهم في حقّ الرواة لم تكن ارتجاليّةً بل كانت مستندة إلي القرائن المتواترة، والشواهد القطعيّة، والسماع من شيوخهم، ثمّ إنّهم راجعوا الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة عليهم فإنّ قسماً مهمّاً من مضامين الأُصول الخمسة الرجاليّة وليدة تلك الكتب، فتبيّن أنّ تصريحاتهم بالوثاقة والفسق مبنيّة علي الحسّ دون الحدس لوجوه ثلاثة: 1. الكتب المعتبرة عندهم.

2. السماع من كابر عن كابر. 3. الاعتماد علي الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب، وهذا من أحسن الطرق وأمتنها. وما يدلّ علي استنادهم إلي الحسّ في التوثيق. ما عن الشيخ: من إنّا وجدنا... والوجدان هو الحسّ. تأييداً لما ذكرنا أنّ توثيقات القدماء كان حسيّاً، نذكر في المقام أسامي ثُلّة من القدماء قد ألّفوا في هذا المضمار منهم:

1. الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي له كتاب.

2. الشيخ أبو عبداللّه أحمد بن عبدالواحد البزّاز «ابن عُبْدون» كما في8.

ص: 202


1- . الحدائق الناضرة ج 1 ص 24، كليّات في علم الرجال ص 41، رجال الخاقاني ص 88.

رجال النجاشي و «ابن الحاشر» كما في رجال الشيخ (211)، له كتاب «الفهرس» وهو من مشايخ الطوسي والنجاشي.

3. الشيخ أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد (ابن عُقدة) له كتاب «الرجال» جمع فيه أسماء من روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وله كتاب آخر في أسماء الرواة عمّن تقدّم علي الإمام الصادق عليه السلام من الأئمّة عليهم السلام.

4. أحمد بن عليّ العلويّ العقيقي له «تاريخ الرجال».

5. أحمد بن محمّد الجوهري ومن تصانيفه «الاشتمال في معرفة الرجال».

6. الشيخ أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن نوح، له كتاب «الرجال الذين رووا عن أبي عبداللّه عليه السلام».

7. أحمد بن محمّد القمّي له كتاب «الطبقات».

8. أحمد بن محمّد الكوفي، له كتاب «الممدوحين والمذمومين».

9. الحسن بن محبوب السرّاد أو الزرّاد له كتاب «المشيخة» وكتاب «معرفة رواة الأخبار».

10. الفضل بن شاذان، وهو من أئمّة علم الرجال له كتب في الرجال كما صرّح به العلّامة في ترجمة محمّد بن سنان. إلي غير ذلك، فراجع تفصيلها في «مصفّي المقال في مصنّفي علم الرجال» للشيخ آغا بزرگ الطهراني صاحب «الذريعة إلي تصانيف الشيعة»(1).

والحاصل أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين يشرف الإنسان علي الإذعان واليقين بأنّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة).

ص: 203


1- . أصول علم الرجال ص 31 (الفضلي).

وغيرها كانت عن حسّ، ووجدان في الكتاب الثابت نسبته إلي مؤلّفه.

السابع: التوثيق الإجمالي

اشارة

إنّ الغاية المتوخّاة من علم الرجال، تمييز الثقة عن غيره، فتوثيق مؤلّفي الكتب الأربعة لرجال أحاديثهم، توثيق إجماليّ.

ويقول المحقّق الكاشاني: إنّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا علي صحّة الروايات الواردة فيها، وعبارة الصدوق أوضحها(1).

والجواب: أنّ هذه التصريحات أجنبيّة عمّا نحن بصدده أعني وثاقة رواة الكتب الأربعة فإنّهم قد شهدوا بصحّة رواياتهم لوثاقة رواتهم.

القرائن التي توجب إحراز صدور الرواية

وتصحيح الروايات يمكن أن يكون مستنداً إلي قرائن وأمارات أُخري كما صرّح الكاشاني والبهائي(2)، فإنّ تنويع الحديث انتشر بعد العلّامة ولم يكن القدماء يعتمدون عليه، بل المتعارف بينهم هو إطلاق الصحيح علي كلّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به:

1. وجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة.

2. تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.

3. وجوده في أصل معروف الانتساب إلي أحد الجماعة الذين أجمعوا علي تصديقهم، أو علي تصحيح ما يصحّ عنهم، أو العمل برواياتهم.

ص: 204


1- . الوافي ج 1 المقدّمة، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.
2- . مشرق الشمسين ص 26.

4. اندراجه في أحد الكتب التي عرضت علي أحد الأئمّة عليهم السلام فأثنوا علي مؤلّفيها.

5. أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها؛ من الإماميّة أو غير الإماميّة.

سلّمنا أنّ منشأ حكمهم بصحّتها هو الحكم بوثاقة رواتها، لكن من أين نعلم أنّهم استندوا في توثيقهم إلي الحسّ، بل من المحتمل قويّاً أنّهم استندوا إلي القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها، ولو نفترض كونهم مستندين في توثيق الرواة إلي الحسّ، ولكن الأخذ بقولهم إنّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم فإنّ كثرتها تسقط قول المخبر عن الحجيّة في الإخبار عن حسّ أيضاً فكيف في الإخبار عن حدس، فإنّ النجاشي والشيخ ضعّفا رجالاً من الكافي، والشيخ ضعّف رجالاً من التهذيبين، فكيف يمكن أن يعتمد علي ذلك التصحيح؟

فظهر أنّه لا مناص عن القول بالحاجة إلي علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات، وأنّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مقام توثيق رواة تلك الكتب(1).

الثامن: شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة علي صحّة روايات كتبهم، وأنّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليها المحقّق الفيض، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد علي خبر العدل أم لا؟

الجواب: أنّ خبر العدل وشهادته إنّما يكون حجّة إذا أخبر عن الشيء عن

ص: 205


1- . مشرق الشمسين ص 26، الحدائق الناضرة ج 1 ص 23، وسائل الشيعة ج 20 ص 93، هداية الاُمّة ج 8 ص 577، رجال الخاقاني ص 86.

حسّ لا عن حدس، والإخبار عنه بالحدس لا يكون حجّة إلّاعلي نفس المخبر.

توضيح ذلك؛ أنّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين:

الأوّل: التعمّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني: احتمال الخطإ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلاني، وهو مختصّ بماذا أخبر بالشيء عن حسّ. واحتمال الخطإ في الأبصار والسمع مرتفع بالأصل، وأمّا احتمال الخطإ في الحدس فلا أصل يرفعه، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجّة إلّالنفسه، والمقام من هذا القبيل، فإنّ مشايخ الكتب الأربعة لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم عن الأئمّة وإنّما اعتمدوا علي قرائن وشواهد جرّتهم إلي الاطمئنان بالصدور، وهو إخبار عن الشيء بالحدس، ولا يكون حجّة في حقّ الغير.

وإن شئت قلت: ليس الانتقال من تلك القرائن إلي صحّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع، بل هو أمر تختلف فيه الآراء بكثير، فربّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً ولا تورث الآخر إلّاالظنّ الضعيف بالصحة والصدور فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب الناس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألفاً.

فإن قلت: فلو كان إخبارهم عن صحّة كتبهم حجّة لأنفسهم دون غيرهم، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت: إنّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلي تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد، لعلّه يقف أيضاً علي مثل

ص: 206

ما وقف عليه المؤلّف، ويشهد بذلك أنّهم مع ذلك التصديق نقلوا الروايات بأسانيدها حتّي يتدبّر الآخرون فيما ينقلونه ويعملوا بما صحّ لديهم، ولو كانت شهادتهم حجّة علي الكلّ لما كان وجه لتحمّل ذاك العبأ الثقيل، أعني نقل الروايات بأسانيدها، كلّ ذلك يعرب عن أنّ المرمي الوحيد في نقل تلك التصحيحات، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها(1).6.

ص: 207


1- . كلّيّات في علم الرجال ج 1 ص 22-46.

ص: 208

الفصل السادس المنهج الرجالي عند القدماء

اشارة

وهو منهج الفهرست

1. الكشّي ومنهجه في اختيار معرفة الرجال.

2. النجاشي ومنهجه في فهرسته.

3. الشيخ الطوسي ومنهجه في كتابيه.

4. ابن الغضائري ومنهجه الرجالي.

الأُصول الرجاليّة المتقدّمة

اشارة

الأُصول الرجاليّة المتقدّمة(1)

اهتمّ علماء الشيعة بعلم الرجال من عصر التابعين وإلي يومنا هذا، وأوّل تأليف ظهر لهم هو كتاب عبيداللّه بن أبي رافع كاتب أميرالمؤمنين عليه السلام، حيث دوّن أسماء الصحابة الذين شايعوا عليّاً عليه السلام وحضروا حروبه وقاتلوا معه، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع أيضاً.

وألّف عبداللّه بن جبلة الكناني، وحسن بن عليّ بن فضّال، وحسن بن محبوب في القرن الثاني، والموجود عندنا اليوم ويعد من أُصول الكتب الرجاليّة ما دوّن في القرن الرابع والخامس.

ص: 209


1- . كليّات في علم الرجال ص 59، قاموس الرجال ج 1 المقدّمة، الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 197، اُصول علم الرجال ص 31، سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 49 - باللغة الفارسيّة -.

1. الكشّي ومنهجه في اختيار معرفة الرجال

اشارة

رجال الكشّي: تأليف محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي(1)، والكَشّ بلد معروف قرب سمرقند، والنجاشي ضبط الكاف بالضمّ، ولكن المهندس البيرجندي في كتاب مساحة الأرض والبلدان والأقاليم ضبطها بالفتح(2).

قال النجاشي: أبو عمرو، كان ثقة عيناً، روي كثيراً عن الضعفاء، وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه، له كتاب الرجال، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة(3).

وقال الشيخ في رجاله: ثقة، بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب... له كتب تتجاوز علي مائتين(4)، وسمّي الكشّي كتابه معرفة الرجال، أو أسماه:

معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين، أو معرفة الناقلين، وكان هذا الكتاب موجوداً عند أحمد بن طاووس الحلّي لأنّه تصدّي بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمّه إلي كتب اُخري من الكتب الرجاليّة، وأسماه: حلّ الإشكال في معرفة الرجال وكان موجوداً عند الشهيد الثاني، والموجود منه الآن هو الذي اختصره الشيخ مُسقِطاً منه الزوائد، وأسماه اختيار الرجال، وطبعه الأُستاذ حسن المصطفوي مُحَقّقاً مُفهرساً.

ص: 210


1- . الكني والألقاب ج 3 ص 115، منتهي المقال ج 6 ص 144، تأسيس الشيعة ص 264، أعيان الشيعة ج 10 ص 27، موسوعة طبقات الفقهاء ج 3 ص 443، سماء المقال ج 1 ص 70، قاموس الرجال ج 8 ص 320، بهجة الآمال ج 6 ص 536، طبقات أعلام الشيعة ج 1 ص 295.
2- . سماء المقال ج 1 ص 70، معجم البلدان ج 4 ص 460، مستدرك الوسائل ج 3 ص 530، رجال الكشي (الميرداماد) ج 1 ص 5، الرواشح السماويّة ص 76 الراشحة العشرون.
3- . رجال النجاشي ص 372/1018 (الزنجاني) وج 2 ص 282/1019 (النائيني).
4- . الفهرست ص 614/141، خلاصة الرجال ص 146، منتهي المقال ج 6 ص 144، رجال الشيخ ص 38/497.
كيفيّة تهذيب رجال الكشّي

قال القهبائي: إنّ الأصل كان في رجال العامّة والخاصّة فاختار منه الشيخ الخاصّة، والظاهر عدم تماميّته لأنّه ذكر فيه جمعاً من العامّة رووا عن أئمّتنا، والظاهر أنّ تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه، والخصوصيّة التي تُميِّز هذا الكتاب هو التركيز علي نقل الروايات التي يقدر القارئ بالإمعان فيها علي تمييز الثقة عن الضعيف، وقد رتّبه مبتدئاً بأصحاب الرسول إلي أن يصل إلي الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام.

آراء حول الكشّي ومنهجه في تأليفاته الرجاليّة

1. الاعتماد علي الروايات في التوثيق والتضعيف، نعم، كان قلّما يتعرّض للتحسين والتجريح الرجاليّ من أئمّة الجرح والتعديل، كتناوله للفضل بن شاذان.

2. كان غالباً ما يذكر الروايات مع أسانيدها.

3. من منهجه في ترجمة الراوي تناول كلّ الروايات الواردة في الراوي مدحاً وذمّاً، قدحاً وجرحاً، فهو ينقل الروايات وكثيراً ما ينقل في الراوي طائفتين من الروايات؛ في التحسين والتجريح، فهو مثل ابن داود في المتأخّرين، فكم حصل أن يذكر الراوي في القسمين؛ الأوّل والثاني من كتابه، يعني يذكر الراوي في المعتمدين ويذكره أيضاً في غير المعتمدين، وهذا دليل علي أنّه ورد في الراوي طائفتان من الروايات طائفة في المدح والأخري في الذمّ. وكذا الكشّي كان قد نهج هذا النهج.

4. إنّه لم يكن مجتهداً في الجرح والتعديل، فلذلك كان ينقل الطائفتين من

ص: 211

الروايات؛ المادحة والجارحة، ولم يتعرّض لمدلولهما أو سندهما، أو غيرهما من جهات التصريح، فهو مثل ابن داود لا مثل العلّامة.

5. إنّه لم يكن مستقصياً في سرد الروايات، حيث توجد روايات مادحة أو ذامّة في الراوي في المصادر الأُخري، نعم، إنّ الكشّي بالنسبة إلي أحوال رواة أصحاب الأئمّة عليهم السلام هو مصدر معتمد لا يستغني عنه، وبما أنّ هناك روايات دالّة علي مدح الرواة أو ذمّهم فقد استقصاها المامقاني في تنقيح المقال، والمامقاني عالم محقّق متتبّع في هذا الفنّ فإنّه يذكر كلّ قرينة تدلّ علي وثاقة الراوي، وعن النجاشي: الكشّيّ أبو عمرو كان ثقة عيناً وروي عن الضعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه في داره التي كان مرتعاً للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة(1).

6. هو متّهم عند علماء الفنّ كونه يعتمد الروايات الضعاف، وينقل عن رواة ضعاف، وأوّل من بحث عن الكشّيّ هو أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي، الخرّيت في الرجال فقال فيه: محمّد بن عمر بن عبدالعزيز صاحب الفهرست:

ثقة بصير بالأخبار والرجال، حسن الاعتقاد، له كتاب الرجال، ونسبه إلي الرواية عن الضعفاء كثير(2).

7. كان من غلمان العيّاشي، واصطلاح «غلمان» في الرجال يعني من تلاميذه ومصاحبيه، ومخالطيه، وكثيراً ما ينقل الروايات عن العيّاشي أُستاذِه وشيخه في الروايات، والجرح والتعديل.4.

ص: 212


1- . رجال النجاشي ج 2 ص 282، الرقم 1019 طبعة النائيني.
2- . الفهرست ص 217، الرقم 614.

فعن النجاشي في العيّاشي: وأمّا أُستاذه أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي، فهو ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة... قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر علي العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار، و كانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل، أو قارئٍ أو معلِّق، مملوءة من الناس(1).

8. إنّ آية اللّه الخوئي أورد روايات الكشّي كلّها في موسوعته الرجاليّة، معجم رجال الحديث، وتناولها سنداً ودلالة، فهي أوّل موسوعة ومصدر علميّ لهذه الروايات، يبحث فيها من جهتين، ويدقّق في دلالتها وسندها، فيقول: أوّلاً أنّ الرواية تكون دليلاً علي توثيق الراوي بل (توثيق الإمام كونه إمام التوثيق)، وهنا كلام في غاية الروعة عن الشيخ عبّاس القمّي صاحب سفينة البحار، حيث يقول: فإنّ الإمام إذا وثّق رجلاً أو ضعّفه فهما أعلا مراتب التوثيق والجرح.

9. وثانياً: يستفاد من كلمات الإمام الخوئي في المعجم أنّ الرواية تكون دليلاً علي التوثيق أو الجرح، إذا كانت الرواية صحيحة سنداً وصريحة دلالة، وثالثاً: لم تصدر في مقام التقيّة، كما صدرت الروايات الذامّة لزرارة، وهو إخبار الإمام الصادق عليه السلام للحسين بن زرارة من أنّ ما صدر عن الإمام في ذمّ زرارة إنّما حفاظاً علي زرارة من الخلفاء وأتباعهم، وكونه تقيّة، وإسقاطاً لزرارة في أعين المخالفين(2).

ورابعاً: أنّ الرواية لم يكن لها معارض، فإذا تعارض الجرح والتعديل كما6.

ص: 213


1- . رجال النجاشي ج 2 ص 247 الرقم 645.
2- . اختيار معرفة الرجال ص 232/146، منتهي المقال ج 3 ص 254، جامع الرواة ج 3 ص 117، معجم رجال الحديث ج 7 ص 226.

تعارض في كثير من الرواة كزرارة ومفضّل بن عمر وغيرهما، فهنا مقام إعمال المرجّحات وحلّ التعارض.

وخامساً: لم ينقل الراوي الرواية نفسه، فإنّه إن نقل راوٍ رواية في مدح نفسه و توثيقها فسوف يتّهم.

قال الإمام الخميني قدس سره: إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس الراوي فإنّ ذلك يثير سوء الظنّ به، حيث قام بنقل مدائحه وفضائله في الملإ الإسلامي(1).

10. إنّ المحقّق والعلّامة الشيخ عبداللّه المامقاني قام أيضاً بجمع الروايات المادحة والذامّة في كتابه تنقيح المقال، إلّاأنّه لم يحرّرها ولم يقوّمها فجمع الآثار دون أن ينقدها.

11. إنّ كتاب الكشّي المعروف باسم معرفة الناقلين، قد ذكر فيه رواة من الخاصة والعامّة، فهو ليس كتاباً خاصّاً برواة إماميّين كما قاله المولي عناية اللّه القهبائي.

12. إنّ قاعدة الإجماع التي اشتهرت بهذا الاسم، في القرون الأخيرة عن الكشّي، علي لسان العلّامة الحلّي في خلاصة الرجال ومختلف الشيعة، فإنّ أوّل من قال بها وبحث فيها هو الكشّي في كتابه معرفة الناقلين وقال النوري وغيره إنّ كلام الشيخ الطوسي في العُدّة في أُصول الفقه(2) ناظر إلي قول الكشّي.

13. شَرَحَ اختيار معرفة الرجال العلّامة المعلّم الثالث، السيّد محمّد باقر الإسترآبادي (الميرداماد) وطبع في مجلّدين.4.

ص: 214


1- . كليّات في علم الرجال ص 152، سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 178 - باللغة الفارسيّة -.
2- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.
عَن الكشّي في عليّ بن مهزيار

عَن الكشّي في عليّ بن مهزيار(1)

(1038). محمّد بن مسعود قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن السخت البصريّ، قال: كان عليّ بن مهزيار نصرانيّاً فهداه اللّه، وكان من أهل هند، وكان في قرية(2) من قري فارس، ثمّ سكن الأهواز فأقام بها، قال: كان إذا طلعت الشمس سجد، وكان لا يرفع رأسه حتّي يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه، وكان علي جبهته سجّادة مثل ركبة البعير.

قال حمدويه بن نصير: لمّا مات عبداللّه بن جندب قام عليّ بن مهزيار مقامه، ولعليّ بن مهزيار مصنّفات كثيرة، تزيد علي ثلاثين كتاباً.

(1039). محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثني أحمد ابن محمّد، عن عليّ بن مهزيار، قال: بينا أنا بالقرعاء، سنة ستّ وعشرين ومائتين، منصرفي عن الكوفة وقد خرجت في آخر الليل أتوضّأ أنا وأستاك، وقد انفردت من رحلي ومن الناس، فإذا أنا بنار في أسفل مسواكي، يلتهب لها شعاع مثل شعاع الشمس أو غير ذلك، فلم أفزع منها وبقيت أتعجّب، ومسستها فلم أجد لها حرارة، فقلت: «اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ اَلشَّجَرِ اَلْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ

ص: 215


1- . قال النجاشي: عليّ بن مهزيار الأهوازي، أبوالحسن، دورقيّ الأصل، مولي، كان أبوه نصرانيّاً، فأسلم، وقد قيل: إنّ عليّاً أيضاً أسلم وهو صغير، ومَنّ اللّه عليه بمعرفة هذا الأمر، وتفقّه، وروي عن الرضا وأبي جعفر عليهما السلام، واختصّ بأبي جعفر الثاني عليه السلام، وتوكّل له وعظم محلّه منه، وكذلك أبوالحسن الثالث عليه السلام، وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلي الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير، وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده. وصنّف الكتب المشهورة... (ودورق بفتح الدال المهملة وسكون الواو والراء المهملة والقاف، بلد بخوزستان، وهي قصبة كورة يقال لها: دورق الفرس وبها الكبريت الأصفر، قاله في المراصد).
2- . في نسخة ج: كان في قرية، وفي منتهي المقال: من أهل هندوان قرية، ويمكن أن يكون الأصل هندوجان ثمّ حرّف إلي هندوكان (م).

تُوقِدُونَ»(1) فبقيت أتفكّر في مثل هذا، وأطالت النار المكث(2) طويلاً، حتّي رجعت إلي أهلي، وقد كانت السماء رشّت(3) وكان غلماني يطلبون ناراً، و معي رجل بصريّ في الرحل.

فلمّا أقبلت قال الغلمان: قد جاء أبوالحسن ومعه نار، وقال البصريّ مثل ذلك، حتّي دنوت، فلمس البصري النار فلم يجد لها حرارة ولا غلماني، ثمّ طفيت بعد طول، ثمّ التهبت فلبثت قليلاً ثمّ طفيت، ثمّ التهبت ثمّ طفيت الثالثة فلم تعد، فنظرنا إلي السواك فإذا ليس فيه أثر نار ولا حرّ ولا شعث(4) ولا سواد ولا شيء يدلّ علي أنّه حرق، فأخذت السواك فخبّأته(5)، وعُدت به إلي الهادي عليه السلام قابلاً(6)، وكشفت له أسفله وباقيه مغطّي وحدّثته بالحديث، فأخذ السواك من يدي وكشفه كلّه وتأمّله ونظر إليه. ثمّ قال: هذا نور، فقلت له: نور جعلت فداك؟ فقال: بميلك إلي أهل هذا البيت، وبطاعتك لي ولأبي ولآبائي، أو بطاعتك لي ولآبائي أراكه اللّه.

(1040). عليّ قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن مهزيار، مثله.

وفي كتاب لأبي جعفر عليه السلام إليه ببغداد: قد وصل إليّ كتابك، وقد فهمت ما ذكرت فيه، وملأتني سروراً، فسرّك اللّه، وأنا أرجو من الكافي الدافع أن يكفيم)

ص: 216


1- . يس/ 80.
2- . مكثاً - خ. (م)
3- . رشّت السماء الماء: فرّقته وجادت بالرشّ وهو المطر القليل (م).
4- . الشعث: التفرّق. (م)
5- . الخبأ: السرّ والإخفاء. (م)
6- . كذلك في ب، وفي النسخ الأُخري عبارات لا محصّل لها. (م)

كيد كلّ كائد إن شاء اللّه تعالي.

وفي كتاب آخر: وقد فهمت ما ذكرت من أمر القمّيّين، خلّصهم اللّه وفرّج عنهم! وسررتني بما ذكرت من ذلك، ولم تزل تفعل، سرّك اللّه بالجنّة ورضي عنك برضائي عنك! وأنا أرجو اللّه حسن العون والرأفة! وأقول حسبنا اللّه ونعم الوكيل.

وفي كتاب آخر بالمدينة: فأشخص إلي منزلك، صيّرك اللّه إلي خير منزل في دنياك وآخرتك.

وفي كتاب آخر: وأسأل اللّه أن يحفظك من بين يديك، ومن خلفك، وفي كلّ حالاتك، فأبشر فإنّي أرجو أن يدفع اللّه عنك، وأسأل اللّه أن يجعل لك الخيرة فيما عزم لك به عليه من الشخوص في يوم الأحد، فأخّر ذلك إلي يوم الإثنين إن شاء اللّه، صحبك اللّه في سفرك، وخلفك في أهلك، وأدّي غيبتك، وسلّمت بقدرته.

وكتبت إليه أسأله التوسّع علَيّ والتحليل لما في يدي، فكتب: وسّع اللّه عليك، ولمن سألت به التوسعة في أهلك، ولأهل بيتك، ولك يا عليّ عندي من أكثر التوسعة، وأنا أسأل أن يصحبك بالعافية، ويقدمك علي العافية، ويسترك بالعافية، إنّه سميع الدعاء.

وسألته الدعاء، فكتب إليّ: وأمّا سألت من الدعاء فإنّك بعد لست تدري كيف جعلك اللّه عندي، وربّما سمّيتك باسمك ونسبك، مع كثرة عنايتي بك ومحبّتي لك ومعرفتي بما أنت إليه، فأدام اللّه أفضل ما رزقك من ذلك، ورضي عنك برضائي عنك، وبلّغك أفضل نيّتك، وأنزلك الفردوس الأعلي برحمته،

ص: 217

إنّه سميع الدعاء، حفظك اللّه وتولّاك ودفع الشرّ عنك برحمته، وكتبت بخطّي(1).

في الحسن والحسين الأهوازيّين

في الحسن والحسين الأهوازيّين(2)

(1041). الحسن والحسين ابنا سعيد بن حمّاد، موالي(3) عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، وكان الحسن بن سعيد هو الذي أوصل إسحاق بن إبراهيم الحضينيّ وعليّ بن الريّان بعد إسحاق إلي الرضا عليه السلام، وكان سبب معرفتهم لهذا الأمر، ومنه سمعوا الحديث وبه عرفوا، وكذلك فعل بعبداللّه بن محمّد الحضينيّ، وغيرهم، حتّي جرت الخدمة علي أيديهم، وصنّفا الكتب الكثيرة، ويقال: إنّ الحسن صنّف خمسين تصنيفاً. وسعيد كان يعرف بدندان.

ما روي في الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ

(1042). قال محمّد بن مسعود: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه

ص: 218


1- . معجم رجال الحديث ج 12 ص 192.
2- . عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام قائلاً: كوفيّ، أهوازيّ، هو الذي أوصل عليّ بن مهزيار وإسحاق بن إبراهيم الحضيني إلي الرضا عليه السلام حتّي جرت الخدمة علي أيديهما. وقال ابن النديم: الحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيّان من أهل الكوفة من موالي عليّ بن الحسين، من أصحاب الرضا عليه السلام، أوسع أهل زمانهما علماً بالفقه والآثار والمناقب وغير ذلك من علوم الشيعة، وصحبا أيضاً أبا جعفر ابن الرضا عليهما السلام (227). وقال النجاشي: الحسن بن سعيد بن حمّاد بن مهران، مولي عليّ بن الحسين عليهما السلام، أبو محمّد الأهوازي، شارك أخاه الحسين في الكتب الثلاثين المصنّفة، وإنّما كثر اشتهار الحسين أخيه بها وكان الحسين بن يزيد السورائيّ يقول: الحسن شريك أخيه الحسين في جميع رجاله إلّافي زرعة بن محمّد الحضرميّ و....
3- . في تنقيح المقال للمامقانيّ: ابنا سعيد بن حمّاد مولي، وفي بعض كتب الرجال: ابن حمّاد بن مهران مولي عليّ بن الحسين. (م)

أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلي آخره، إلّاأنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً.

وحكي لي أبوالحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه أنّه قال: الحسن ابن عليّ بن أبي حمزة رجل سوء(1).

2. النجاشي ومنهجه في فهرسته

2. النجاشي ومنهجه في فهرسته(2)

ألّفه الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي. وجدّه، عبداللّه الذي ولي الأهواز وكتب إليه أبو عبداللّه الصادق عليه السلام رسالة معروفة، ولم يُرَ لأبي عبداللّه عليه السلام مصنّف غيره(3).

قال في مقدّمة كتابه إلي السبب الذي دعاه للتأليف والغاية التي يرومها من وراء ذلك بقوله: إنّي وقفت علي ما ذكره السيّد الشريف - ومراده علم الهدي السيد المرتضي - أطال اللّه بقاءه وأدام توفيقه؛ من تعيير قوم من مخالفينا أنّه لا سلف لكم ولا مصنّف، وهذا قول من لا علم له بالناس، ولا وقف علي أخبارهم، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحداً فيعرف منه، ولا حجّة علينا لمن لم يعلم ولا عرف، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته لعدم أكثر الكتب، وإنّما ذكرت عذراً إلي من وقع إليه كتاب لم أذكره... علي أنّ لأصحابنا رحمهم الله في بعض هذا الفنّ كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم، وأرجو أن يأتي في ذلك علي ما رسم وحدّ إن شاء اللّه، وذكرت لكلّ رجل طريقاً واحداً حتّي لا تكثر الطرق فيخرج علي الغرض.

ص: 219


1- . سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 49 - باللغة الفارسيّة -.
2- . الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 697، بازشناسي منابع اصلي رجال شيعه ص 15 - باللغة الفارسيّة -.
3- . معجم رجال الحديث ج 2 ص 156.

وقد اعتمد عليه العلّامة فقال: ثقة معتمد عليه.

وقال المحقّق الحلّي: ابن جمهور ضعيف، ذكره النجاشي، فهو أبو عُذرة هذا الفنّ.

ولكتابه هذا امتيازات نشير إليها:

1. اختصاصه برجال الشيعة ولا يذكر من غير الشيعي إلّاإذا كان عامّيّاً روي عنّا، أو صنّف لنا فيذكره مع التنبيه عليه، كالمدائني والطبري، وكذا في شيعيّ غير إماميّ فيصرّح كثيراً، وقد يسكت.

2. تعرّضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً، استقلالاً أو استطراداً؛ وربّ رجل وثّقه في ضمن ترجمة الغير، وسكت عن توثيق وجرح بعضهم، وربّما يقال:

كلّ من أهمل فيه القول فذلك آية أنّ الرجل عنده سالم عن كلّ مغمز ومطعن ولكنّه غير ثابت، لأنّ كتابه فهرس للمصنّفين من الشيعة دون الممدوحين والمذمومين، فسكوته ليس دليلاً علي المدح ولا علي كونه شيعيّاً إماميّاً، وفي الأخير تأمّل لأنّ الكتاب وضعه لبيان تأليف الأصحاب ومصنّفاتهم.

3. تثبّته في مقالاته وتأمّله في إفاداته. والمعروف أنّه أثبت علماء الرجال وأضبطهم وأضبط من الشيخ والعلّامة؛ لأنّ البناء علي كثرة التأليف يقتضي قلّة التأمّل.

4. سعة معرفته بهذا الفنّ، وكثرة اطّلاعه بالأشخاص، وما يتعلّق بهم من الأوصاف والأنساب، ومن تتبّع كلامه عند ذكر الأشخاص يقف علي نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدّة إحاطته بما يتعلّق بهذا المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم، وقد حصل له ذاك الاطّلاع الواسع بصحبته كثيراً من

ص: 220

العارفين بالرجال كأحمد بن الحسين الغضائري، وأحمد بن عليّ بن عبّاس بن نوح السيرافي، وأحمد بن محمّد - ابن الجندي -، وأبي الفرج محمّد بن عليّ ابن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرّة الكاتب.

5. أنّه ألّف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي وكان قد رأي فهرس الشيخ، وكان المحقّق البروجردي يعتقد أنّ فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.

ثمّ إنّ النجاشي قد ترجم عدّة من الرواة ووثّقهم في غير تراجمهم، فراجع الأرقام التالية تجد توثيقاً استطراديّاً: 3132، 1099، 503، 1340، 133، 93، 151، 414، 30، 131، 483، 8832، 116، 572، 280، 758، 1131، 2802، 447، 348، 7202، 6122، 2452، 62، 8852، 955، 371، 565، 635، 927، 93، 780، 779، 46، 151، 62، 772، 447، 512.

من أهمّ ما تميّز به وتناوله النجاشي في فهرسته في أحوال الراوي، هو:

1. الاسم والنسب، بذكر آبائه وأجداده.

2. محلّ الولادة، بلده وقريته.

3. مسكنه وموطنه الأصلي؛ كالكوفة والمدينة وغيرهما، وكون بلد الراوي له تأثير تامّ في فهم الأحاديث، فإنّ الراوي قد يؤثّر في كلام الإمام، يعني إنّ الإمام عليه السلام يلقي كلامه وفق معايير وظروف ومواقف خاصّة، فإنّه قد كلّم رواة كوفيّين وعراقيّين بشكل، وكلّم راوياً مدنياً بشكل آخر، فهذا هو المقصود في فهرست النجاشي، في تراجم الرواة، حين يقول: كوفيّ، مدنيّ، عراقيّ.

وهذا ما تناوله الشيخ الفقيه الميرزا أبوالقاسم القمّي حين قال: الثاني في تحديد الكرّ؛ أمّا بالوزن، فهو ألف ومائتا رطل بلا خلاف ظاهر بيننا. قال في

ص: 221

المعتبر بعد نقل الرواية الدالّة عليه وادّعي عليه في الجملة الإجماع في الانتصار وكذلك جعله الصدوق في الأمالي من دين الإماميّة ولكنّهما فسّراه بالمدنيّ والأكثرون بالعراقيّ، وهو ثلثا المدني ونصف المكّي وهو أقوي، والأصل في هذا التحديد هو صحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام حيث قال: «الكرّ من الماء الذي لا ينجّسه شيء ألف ومائتا رطل»(1).

وخير دليل علي صحيحة محمّد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء، والكرّ ستّمائة رطل»(2).

فإنّه لا يجوز حمل الرطل هاهنا إلّاعلي المكّي وهو ضعف العراقي، فينطبق علي المدّعي. واحتجّ من فسّره بالمدنيّ بأنّهم عليهم السلام من أصل المدينة، فينبغي الحمل علي عرفهم. وفيه: أنّهم عارفون بكلّ الاصطلاحات والنِسَب والمقادير، وذلك لِملاحظة حال المخاطب، ولعلّه كان عراقيّاً، بل الظاهر أنّه عراقيّ لأنّ المرسل هو ابن أبي عمير، وقيل: إنّ مشايخه كانوا عراقيّين(3). وقال بمعناه المحقّق الخوئي.

4. بيان صلة الراوي بالمعروفين والمشهورين من الأعلام، فعلي سبيل المثال، جاء في ترجمة الكشّي أنّه من غلمان العيّاشي، والغلام في كتب الرجال تستعمل في التلميذ، والذي له صلة وثيقة متواصلة بالأُستاذ، ومعاشرة.

5. التطرّق إلي تأثّر رجال الحديث آنذاك صلة بالمراكز العلميّة والثقافيّة في العراق والمدينة وغيرهما، فإنّ الرواة الذين يسكنون في العراق والكوفة لهم3.

ص: 222


1- . الكافي ج 3 ص 3.
2- . تهذيب الأحكام ج 1 ص 43، الاستبصار ج 1 ص 11، وسائل الشيعة ج 1 ص 158.
3- . غنائم الأيّام ج 1 ص 513.

شمّ فكريّ في تنقيح الروايات، وأمّا الذين سكنوا قمّ والريّ فلهم رغبة بقبول الروايات، فإنّ أجواء العراق أجواء جعل ودسّ في الحديث، وهذا ممّا كان له دور مهمّ في دسّ الأحاديث، والقمّيّون لهم نظرة خالية من الجعل والتزوير، فإنّ البرقي جاء بروايات مرسلة ومرويّة عن الضعفاء والتي لا يعرف لها وجه؛ فأخرجه الأشعريّ القمّي من قم وأبعده إلي برقرود من نواحي قم.

6. التطرّق - إضافة إلي ترجمة الأعلام - إلي أقربائه وارتباطهم بالمراكز العلميّة والمجامع الثقافيّة.

7. الإشارة إلي معتقداته المذهبيّة كثبوته علي الولاية أو توقّفه أو اضطرابه أو غلوّه ولذلك كان يقول في رواةٍ: ليس بمتحقّق عندنا.

8. الإشارة إلي مستويات الأفراد العلمية وتألّقها في فنّ أو عدّة فنون، وتبحّرها في علم أو علوم مختلفة.

9. بيان دوره في نقل الإرث المكتوب، وتعليم الطلاب.

10. بيان مكانة الراوي عند الآخرين.

11. ذكر أسماء الكتب والمؤلّفات ومصنّفيها، ولهذا سمّي كتابه الفهرست في أسماء مصنّفي الإماميّة، وذكر لبعض المؤلّفين كمحمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، ومحمّد بن أبي عمير، والفضل بن شاذان، ومحمّد بن خالد البرقي، والمفيد وغيرهم من المؤلّفين ما يقرب من مائتي كتابٍ، مع أنّ توثيقه لهم كان بنصف خطّ أو كلمة.

12. تسميته لكتابه أو كتبه وبيان موضوعها وميزاتها.

13. ذكر الألقاب والعناوين التي عرّف الراوي بها.

ص: 223

14. إقبال الأصحاب علي كتابه.

15. بيان كون الراوي من أصحاب إمام واحد أو أكثر، فيذكر هذا بقوله «روي عن أبي عبداللّه عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام» ولهذا دور مهمّ في بيان طبقة الراوي، وبيان الإرسال الخفي في الروايات.

16. بيان التُّهَم الموجّهة إلي الراوي في عصره.

17. ذكر الآراء المختلفة حول الراوي، يبيّنها بقوله: ذكر فلان أنّه كذا، و....

18. بيان دور المشايخ في نقل الرواية، وانتفاؤها عن آخرين لأنّهم كانوا متّهمين، أو لم يكونوا في عُمر تعتبر روايتهم.

19. تطرّقه إلي مكانة الراوي، وموقع هذه المكانة العائليّة عند الأصحاب.

فقال - مثلاً - في ترجمة بكر بن محمّد بن عبدالرحمن أبي محمّد: وجدّه في هذه الطائفة من بيت جليل بالكوفة من آل الغامديّين، عمومته شديدة.

وعبدالسلام وابن عمّه موسي بن عبدالسلام وهم بيت كبير، وعمّته غنيمة، روت عن الصادق والكاظم عليهما السلام(1).

وقال في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع: ثقة ثقة... وولد بزيع بيت.

وقال في ترجمة محمّد بن أبي شعبة الحلبي: وآل أبي شعبة بيت كبير في الكوفة.

وقال في ترجمة إسحاق بن عمّار: شيخ من أصحابنا، ثقة، وإخوته يونس ويوسف وقيس وإسماعيل، وهو بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه عليّ بن6.

ص: 224


1- . رجال النجاشي ص 118، نقد الرجال ج 1 ص 296.

إسماعيل وبشير بن إسماعيل كانا من وجوه من روي الحديث(1).

20. الاهتمام ببيان مرتبة الكتب أكثر من بيان مرتبة الرواة، فيتعرّض لاختلاف نسخ الكتاب بالاعتماد علي تعدّد الروايات، كما يفهم منه أنّ الكتاب الواحد قد ينقل بواسطة عدّة رواة.

21. إظهار مكانة الراوي عند الأئمّة عليهم السلام، وهذا يعدّ من وجوه التوثيق.

22. ذكر الرواة الذين هم في طبقة واحدة مع العنوان، ومن خلال هذا يعرف الطبقة التي فيها الراوي.

23. التطرّق أحياناً إلي زمن السماع للكتب وطرقها، أو مكانها، أي في أيّ يوم، وفي أيّ بلد.

24. إبداء الآراء في الروايات الموضوعة عند تناول الفهرست وذكر مصنّفات الأصحاب.

25. تقويم الحديث من حيث الإملاء والسماع، والقراءة وغيرها.

26. بيان صلة الراوي بطبقة من الرواة، كما جاء في ترجمة ابن فضّال وصلته بالفضل بن شاذان، وابن أبي عمير.

27. بيان الطعون، والمنازعات بين الأصحاب وتعرّضهم البعض للبعض الآخر كما حصل للبرقي من قبل القميّين، فإنّهم قد أوقعوه في مشاكل وصعوبات.

28. الإشارة إلي القوّة أو الضعف في كتابه.

29. رواية أو عدم رواية الكتب التي لها طريق.1.

ص: 225


1- . معجم الرجال ج 3 ص 61.

30. ذكر عوامل الضعف أو الذمّ، وكذلك عوامل التوثيق.

31. مدي تأثير بعض الأشخاص علي الرواة واستبصارهم.

32. بيان الطرق للكتب أو الرواة، كما جاء في ترجمة الأصبغ بن نُباتة.

33. التصريح بالأخذ عن مشايخه طبقات الرواة، وهذه هي القاعدة عند البعض كالسيّد مهدي بحر العلوم، والسيّد آية اللّه الخوئي في توثيق مشايخ النجاشي كلّهم.

34. وجود بعض العبارات المبهمة، أو ما يحتاج إلي الإيضاح منها:

1 - قوله عن ابن الغضائري في ترجمة الحسن بن عليّ. قال النجاشي:

الحسن بن عليّ بن أبي حمزة - واسمه سالم - البطائني، ورأيت شيوخنا رحمهم الله يذكرون أنّه كان من وجوه الواقفة، وقال ابن الغضائري: مولي الأنصار، أبو محمّد، واقف ابن واقف، ضعيف في نفسه، وأبوه أوثق منه(1).

فإنّ الرجل إن كان ضعيفاً فكيف يكون أبوه أوثق منه؟! فإنّ لفظ الأوثق اسم تفضيل يقتضي المشاركة في أصل الوثاقة.

2 - قوله في ترجمة عددٍ من الرواة؛ كعليّ بن ريّان بن الصلت الأشعري وغيره: له عن أبي الحسن الثالث نسخة(2). والمراد بالنسخة، هو الكتاب.

3 - قوله في ترجمة الحسن بن أبي عقيل العمّاني: وقرأت كتابه المسمّي:

الكرّ والفرّ علي شيخنا أبي عبداللّه، وهو كتاب في الإمامة، مليح الوضع؛ مسألة وقلبها وعكسها(3).2.

ص: 226


1- . معجم رجال الحديث ج 5 ص 14.
2- . نفس المصدر، ج 12 ص 27.
3- . نفس المصدر، ج 5 ص 22.

4 - تعبيره في فهرسته بكلمة: «عمّر»، فإنّ النجاشي والطوسي قالا في الأصبغ بن نُباتة: من خاصّة أميرالمؤمنين عليه السلام، وعمّر بعده. وقال في حنان بن سَدير: عمّر طويلاً(1). ورأيت في كلمات آية اللّه الخوئي أنّه قال: عمّر: أي زاد عمره علي المائة.

5 - عبارة: «أمره مُظلم» يعبّر بها عن بعض الرواة، والمراد بها أي لا نعرف هل كان إماميّاً أو غير إماميّ، ويعبّر بإزائه: «عامّيّ» أي كان من أتباع أهل السنّة والجماعة، أو كان يعبّر في ترجمة بعض الرواة: «مستقيم المذهب» يعني كان إماميّاً، وممّن كان أمره مبهماً، أحمد بن هلال العبرتائي، فهو يميل مع كلّ ريح ويسمع إلي كلّ ناعق.

6 - عبارة: «مختلط الأمر في الحديث» وقد تناول آية اللّه الخوئي هذا اللفظ في كتابه معجم رجال الحديث ودروس فقهه، فقال: يعني يخلط بين الحديث الصحيح والضعيف، فهو لا يعرف الصحيح من السقيم.

7 - عبارة: «تخليط كلّه». يعني كتابه فيه تخليط بين الصحيح والسقيم.

8 - عبارة: «ليس بالمتحقّق بنا» يعني لم يكن من أصحابنا، ولا يثبت أنّه منّا.

9 - عبارة: «قارئاً». هذا اللفظ ليس معناه أنّه معلّم الصبيان ويعلّمهم القرآن، بل إنّ القارئ في الكتب الرجاليّة يعني كان مفسّراً، صاحب آراء في التفسير.

10 - عبارة: «متهوّم»: من باب التفعّل من مادّة «هوم»: أي متساهل في نقل الروايات.

11 - عبارة: «مجفوّ الرواية»: اسم مفعول من مادّة جفا، يعني رواياته ليست2.

ص: 227


1- . معجم رجال الحديث ج 6 ص 302.

صحيحة، فهو يجفو علي الروايات بإدخال الصحيح والسقيم في أصله.

12 - عبارة: «منتحل الحديث».

13 - عبارة: «الإسناد إليه مدخول» يعني هذا الكتاب سنده غير سليم، أو رواة هذا الطريق غير ثقة.

قال الشهيد الثاني في الروضة والمسالك في كتاب الأطعمة: «والطريق إليه مدخول» أي في طريق الرواية ضعف.

14 - عبارة: «مضطرب الحديث والمذهب». فعند الشهيد يدلّ علي ضعف الراوي، وقال آية اللّه الخوئي: يعني أنّ رواياته مختلفة، مشكلة الأخذ بمضمونها، فالاضطراب هو في النقل والحكاية فلا ينافي وثاقة الراوي.

15 - عبارة: «يروي عن الضعفاء لا يبالي عمّن أخذه، يعتمد المراسيل»، قالها في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي.

قال الشهيد الثاني في الرعاية: تدلّ علي ضعف الراوي، فلذلك ضعّف حديث البرقي في نكاح المتعة. ولكنّ الفقهاء قالوا: إنّ هذا اللفظ لا ينافي وثاقة الراوي، لأنّه ورد في أحمد بن خالد البرقي: «ثقة في نفسه» فهو ثقة، فلذلك قال السيّد محمّد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام: إنّ هذه الألفاظ لا تنافي وثاقة الراوي(1). وكما صرّح بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة: أنّ وثاقة الراوي شيء، ونقله عن الضعاف شيء آخر، لا صلة لأحدهما بالآخر.

16 - عبارة: «غالٍ، في مذهبه ارتفاع، مرتفع القول، كان من الطيّارة».

عدّ الشهيد وأتباعه هذه الألفاظ من ألفاظ الجرح، والفقهاء قالوا: إنّ هذه9.

ص: 228


1- . مدارك الأحكام ج 1 ص 49.

الألفاظ لا تدلّ علي ضعف الراوي، خاصّةً إذا وجدت في ألفاظ ابن الغضائري، فإنّه يتّهم كلّ من ينقل فضيلة من فضائل الأئمّة عليهم السلام بالغلوّ(1).

وقد توجد في رجال النجاشي عبارات فيها تهافت ولغز وبل إيهام، فإنّه لا يفهم صريحاً ما المراد من كلمته التي استعملها، فمنها ما في ترجمة محمّد بن عبدالحميد وأبيه عبدالحميد.

قال آية اللّه الخوئي: عبد الحميد بن سالم العطّار روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام وكان ثقة. ذكره النجاشي في ترجمة ابنه محمّد بن عبدالحميد، حيث قال: محمّد بن عبدالحميد بن سالم العطّار أبو جعفر، روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام وكان ثقة، من أصحابنا الكوفيّين، له كتاب النوادر، إلي آخر ما ذكره.

وتوهّم البعض رجوع التوثيق إلي محمّد عبدالحميد بن سالم، ولكنّه وهم فإنّه لا يلتئم مع العطف بالواو، إذ لم يذكر جملة تامّة قبل ذلك إلّاجملة: روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام فلا بدّ وأن تكون تلك الجملة المعطوف عليه تلك الجملة(2).

وقال في ترجمة ولده محمّد: بقي هنا اُمور، الأوّل: إنّ من المتأخّرين قد وثّقوا محمّد بن عبدالحميد، نظراً إلي أنّ التوثيق في كلام النجاشي يرجع إليه لا إلي أبيه عبدالحميد، ولكنّا ذكرنا في ترجمة عبدالحميد أنّ التوثيق راجع إليه لا إلي ابنه محمّد. وعليه فالعمدة في الحكم بتوثيق الرجل إنّما هو وقوعه في إسناد4.

ص: 229


1- . راجع: ترجمة النجاشي، الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 23، أمل الآمل ج 2 ص 15، معجم رجال الحديث ج 2 ص 156، قاموس الرجال ج 1 ص 444، كلّيّات في علم الرجال ص 55، الفوائد الرضويّة ص 19، تنقيح المقال ج 1 ص 69، روضات الجنات ج 1 ص 60.
2- . معجم رجال الحديث ج 9 ص 274.

كامل الزيارات وإلّا فلا طريق إلي توثيقه.

وقد يقال: يكفي في وثاقته ما ذكره النجاشي، في ترجمة سهل بن زياد الآدمي من أنّه كاتب أبا محمّد العسكري عليه السلام علي محمّد بن عبدالحميد العطّار، فإنّه يدلّ علي وكالته وسفارته فيكون ثقة لا محالة، وهذا واضح الفساد، فإنّه لا دلالة في هذا الكلام علي الوكالة، فضلاً عن السفارة بل المستفاد منه أنّ محمّد ابن عبدالحميد كان واسطة في إيصال الكتاب وحده، وأين هذا من الوكالة، علي أنّا قد بيّنا غير مرّة أنّ الوكالة لا تستلزم العدالة ولا الوثاقة(1).

وهذا البحث سري إلي الفقه وصار مصدراً لنزاع الفقهاء، فرواية محمّد بن عبدالحميد هذه صارت معتركاً للآراء عند الفقهاء، وهي المسند في كفاية القراءة بالحمد في الصلوات المكتوبة.

وعن المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة: وأمّا الأدلّة التي استدلّوا بها علي الوجوب، فمنها الآية أعني قوله عزّ وجلّ: «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ اَلْقُرْآنِ» فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب، ومنها صحيحة منصور بن حازم قال، قال أبو عبداللّه عليه السلام: «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر»(2).

وأجاب في المدارك عن الآية بقوله: فلا دلالة لها علي المدّعي بوجه، لأنّ موردها التهجّد ليلاً، كما يدلّ عليه السياق، ولأنّ الظاهر أنّ «ما» ليست اسماً موصولاً بل نكرة تامّة، فلا تفيد العموم، بل يكون حاصل المعني: اقرؤوا مقدار ما أردتم وأحببتم. وأمّا الرواية فلا تخلو من ضعف في السند أو قصور في9.

ص: 230


1- . معجم رجال الحديث ج 16، ص 209.
2- . وسائل الشيعة ج 6 ص 43، الحدائق الناضرة ج 8 ص 119.

الدلالة لأنّ في طريقها محمّد بن عبدالحميد، وهو غير موثّق، مع أنّ النهي فيها وقع عن قراءة الأقلّ من سورة والأكثر، وهو في الأكثر محمول علي الكراهة علي ما سنبيّنه، فيكون في الأقلّ كذلك حذراً من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه. انتهي(1).

أقول: إنّ ما ذكره من معنًي للآية وإن كان قابلاً للنقاش بما يطول به الكلام، إلّا أنّ الظاهر أنّها لا تصلح هنا للاستدلال، لما هي عليه من التشابه والاحتمال.

وأمّا ما ذكره من جواب عن صحيحة منصور من الطعن في السند والدلالة فهو مردود، أمّا الطعن من جهة السند ففيه أنّ منعه من توثيق محمّد بن عبدالحميد ممنوع، والظاهر أنّه اعتمد في ذلك علي العلّامة في الخلاصة وما كتبه جدّه (قدّس اللّه أرواحهم) في حواشيها، حيث قال العلّامة في الخلاصة:

محمّد بن عبدالحميد بن سالم العطّار أبو جعفر، روي عبدالحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام وكان ثقة من أصحابنا الكوفيّين. انتهي. فكتب شيخنا الشهيد الثاني في الحاشية: هذه عبارة النجاشي، وظاهرها أنّ الموثّق الأب لا الابن، انتهي(2).

وأنت تعلم أنّ ما ذكره في المدارك، وإن يمكن حملُه علي عبارة العلّامة في الخلاصة إلّاأنّه لا يتمّ في عبارة النجاشي التي أخذ منها العلّامة هذه العبارة، فإنّ هذه العبارة بعينها في كتاب النجاشي وبعدها بلا فصل: له كتاب النوادر... إلي آخره. وحينئذ فمرجع ضمير «له»، هو مرجع ضمير «كان»، كما لا يخفي علي العارف بأُسلوب الكلام من الأعيان، ولا معني لِعَود الضمير الأوّل إلي الأب7.

ص: 231


1- . مدارك الأحكام ج 3 ص 350.
2- . خلاصة الرجال ص 882/257.

والثاني إلي الابن، لاستلزام التفكيك في الضمائر، وهو معيب في كلام الفصحاء بل من قبيل التعمية والألغاز. ويؤيّده أيضاً أنّ محمّد صاحب الترجمة؛ فجميع ما يذكر فيها يرجع إليه إلّامع قرينة خلافه، ولهذا عدّ العلّامة في الخلاصة طريق الصدوق إلي منصور بن حازم من الصحيح، مع كون محمّد المشار إليه في الطريق، وجزم بتوثيقه كثير من علمائنا الأعلام، منهم الميرزا محمّد صاحب كتاب الرجال، وشيخنا المجلسي في الوجيزة، وشيخنا أبوالحسن في البلغة وغيرهم.

ومن مواضع الخطإ في مثل ذلك، ما ذكره النجاشي في ترجمة الحسن بن عليّ بن النعمان، حيث قال: الحسن بن عليّ بن النعمان، مولي بني هاشم، أبوه عليّ بن النعمان ثقة ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد... الخ.

والسيّد السند صاحب المدارك كتب في حواشيه علي الخلاصة في هذا الموضع، حيث نقل العلّامة فيها هذه العبارة، ما صورته: استفاد منه بعض مشايخنا توثيقه، وعندي في ذلك توقف والمصنّف قدس سره جعل حديثه في الصحيح في المنتهي، في بحث التخيير في المواضع الأربعة وكأنّه ظهر توثيقه له ولا يبعد استفادته من هذه العبارة، انتهي.

أقول: والذي وقفت عليه في كلام أصحابنا (رضوان اللّه عليهم) من علماء الرجال وغيرهم، هو توثيق الحسن بن عليّ بن النعمان المذكور، ولم يتوقّف أحد منهم في ذلك، وهو بناء منهم علي أنّه إذا كانت الترجمة لرجل فجميع ما يذكر فيها إنّما يعود إليه كما هو في كتب الرجال المعوّل عليها، إلّامع قرينة لِخلافه، كما أشرنا إليه آنفاً، وحينئذ فما توهّمه (قدّس سرّه) في هذا المقام،

ص: 232

ظاهر الفساد عند علمائنا الأعلام(1).

3. الشيخ الطوسي ومنهجه في كتابيه

اشارة

أ - كتاب الرجال ومنهجه فيه: ألّف محمّد بن الحسن الطوسي كتاب الرجال وجمع فيه أصحاب النبيّ والأئمّة عليهم السلام، كلّ حسب عصره.

فعن المحقّق التستري: أراد الشيخ في رجاله استقصاء أصحابهم ومن روي عنهم؛ مؤمناً كان أو منافقاً، إماميّاً كان أو عاميّاً، فعدّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص، وعدّ زياد بن أبيه وابنه عبيداللّه بن زياد، وعدّ منصوراً الدوانيقي من أصحاب الصادق عليه السلام، فالاستناد إليه، ما لم يحرز إماميّة رجل، غير جائز حتّي في أصحاب غير النبيّ وأميرالمؤمنين، فكيف في أصحابهما.

وعن السيّد البروجردي: أنّ كتاب الرجال كانت مذكّرات له، ولم يوفّق لإكماله ولأجل ذلك فإنّه يذكر عدّة أسماء ولا يقول فيهم شيئاً من الوثاقة والضعف، انتهي.

نعم إنّ الكتاب أُلِّف للتعريف برواة الأئمّة، فالظاهر كون الراوي إماميّاً، ما لم يصرّح بخلافه.

والشيخ الطوسي(2) صنّف الكتاب علي طريقة الطبقات، وهو كما ذكره المحقّق البروجردي، مسوّداته التي كان بصدد إكمالها، ولكن أعمالُه الكثيرة حالت بينه وبين إكماله، والشيخ صنّف الكتاب في عصره، وكان بين رسول اللّه صلي الله عليه و آله وبينه اثنتا عشرة طبقة، علي ما ذكره المحقّق البروجردي، ثمّ بينه وبين

ص: 233


1- . موسوعة الإمام الخوئي ج 14 ص 267-269، معجم رجال الحديث ج 18 ص 345.
2- . البداية والنهاية ج 12 ص 97، لسان الميزان ج 5 ص 135، الكامل ج 10 ص 24، المنتظم ج 8 ص 173، النهاية، المقدّمة.

آية اللّه البروجردي ستّ وثلاثون طبقة، والتي سنتطرّق إليها أخذناها من مقدّمة ترتيب أسانيد الكافي وغيرها، وأشرنا إليها في نهاية كتابنا: سبك شناسي دانش رجال الحديث(1).

طبقات الرواة والعلماء إلي عصرنا هذا

الطبقة الأُولي: سلمان، وأبوذرّ، والمقداد.

الطبقة الثانية: أبو الطفيل عامر بن وائلة، سهل بن حنيف، محمّد بن أبي بكر، الأصبغ بن نُباتة، كميل بن زياد، وعلي رأسهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

الطبقة الثالثة: أبو حمزة الثمالي، زرّ بن حبيش، سلمة بن كهيل، سعيد بن المسيّب، قاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو خالد الكابلي.

الطبقة الرابعة: زرارة بن أعين، محمّد بن مسلم الطائفي، أبو بصير، بريد بن معاوية العجلي، الفضيل بن يسار، معروف بن خرّبوذ، أبو بصير الأسدي، أبو بصير المرادي، أبان بن تغلب، عبداللّه بن أبي يعفور؛ وهم من أصحاب الإمامين الهُمامين الباقر والصادق عليهما السلام، فمنهم معروف بالفقه والعلم، ومنهم يعدّ من أصحاب الإجماع.

الطبقة الخامسة: جميل بن درّاج، عبداللّه بن مسكان، عبداللّه بن بكير، أبان ابن عثمان، حمّاد بن عثمان، حمّاد بن عيسي، معاوية بن عمّار، إسحاق بن عمّار، حريز بن عبداللّه السجستاني، سماعة بن مهران، عبداللّه بن سنان، صفوان الجمّال، حفص بن غياث، منصور بن حازم، هشام بن الحكم، هشام

ص: 234


1- . سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 349 - باللغة الفارسيّة -، حياة سيد الطائفة آية اللّه العظمي السيد آغا حسين الطباطبائي البروجردي (محمود درياب النجفي).

ابن سالم؛ وبعض هؤلاء من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام.

الطبقة السادسة: يونس بن عبدالرحمن، الحسن بن محبوب، محمّد بن أبي عمير، صفوان بن يحيي، أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي صاحب الجامع، عبداللّه بن المغيرة، الحسن بن عليّ بن فضّال، فضالة بن أيّوب، الحسن بن عليّ الوشّاء، الحسن بن الجهم، الحسين بن يزيد النوفلي، زكريّا بن آدم، محمّد بن سنان، محمّد بن يحيي الخزّاز، النضر بن سويد، إبراهيم بن هلال الثقفي صاحب الغارات.

الطبقة السابعة: عبدالعظيم الحسني، الفضل بن شاذان، إبراهيم بن هاشم، أيّوب بن نوح، سهل بن زياد، عليّ بن الحسن الطاطري، عليّ بن مهزيار الأهوازي، أحمد بن إسحاق القمّي، أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، أحمد ابن محمّد بن خالد البرقي. «بنو فضّال وبنو البرقي اُسر عريقة في الكوفة وقم»، وأحمد بن محمّد بن عيسي القمّي.

الطبقة الثامنة: عليّ بن إبراهيم القمّي، أُستاذ (الشيخ) الكليني، محمّد بن يحيي العطّار القمّي، أحمد بن إدريس الأشعري، سعد بن عبداللّه الأشعري، محمّد بن الحسن الصفّار صاحب بصائر الدرجات، عبداللّه بن جعفر الحميري صاحب قرب الإسناد. وأكثر هذه الطبقة من مشاهير المحدّثين في مدرسة قم.

الطبقة التاسعة: الحسين بن روح النوبختي، عليّ بن محمّد السمري، محمّد ابن يعقوب الكليني، أحمد بن عليّ بن إبراهيم القمّي، أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، الحسين بن أحمد بن إدريس، عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (أبو الصدوق)، محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، محمّد بن عمرو الكشّي (صاحب الرجال)، محمّد بن مسعود العيّاشي صاحب التفسير، الحسن بن أبي

ص: 235

عقيل العمّاني، أحد القدماء في تعبير الفقهاء.

الطبقة العاشرة: محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق المتوفّي سنة 381 ق)، جعفر بن محمّد بن قولويه صاحب كامل الزيارات، محمّد بن إبراهيم النعماني صاحب الغيبة، محمّد بن أحمد بن جنيد الإسكافي، ابن النديم صاحب الفهرست.

الطبقة الحادية عشرة: محمّد بن محمّد بن النعمان (الشيخ المفيد المتوفّي سنة 413 ق)، محمّد بن الحسين الموسوي السيّد الرضي، صاحب نهج البلاغة، أخوه عليّ بن الحسين الموسوي علم الهدي السيّد المرتضي، الحسين ابن عبيداللّه الغضائري صاحب الرجال.

الطبقة الثانية عشرة: محمّد بن الحسن الطوسي، أحمد بن عليّ النجاشي صاحب الرجال، أبوالفتح محمّد بن عليّ الكراجكي صاحب كنز الفوائد، سلّار ابن عبدالعزيز الديلمي، أبو الصلاح الحلبي صاحب الكافي في الفقه.

الطبقة الثالثة عشرة: الشيخ أبو علي، ابن الطوسي المعروف بالمفيد الثاني، عبدالعزيز بن البرّاج صاحب المهذّب، محمّد بن الحسن الفتّال النيشابوري صاحب روضة الواعظين.

الطبقة الرابعة عشرة: قطب الدين الراوندي صاحب فقه القرآن، السيّد فضل اللّه الراوندي، أبو المكارم السيّد ابن زهرة الحلبي صاحب غنية النزوع، محمّد ابن عليّ الطوسي ابن حمزة صاحب الوسيلة، عماد الدين الطبري صاحب بشارة المصطفي، الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان، عليّ بن شهر آشوب المازندراني صاحب المناقب.

ص: 236

الطبقة الخامسة عشرة: محمّد بن إدريس الحلّي، يحيي بن الحسن الحلّي (ابن بطريق)، سديد الدين الحِمْصي صاحب المصادر، الحسن بن الفضل بن حسن الطبرسي صاحب مكارم الأخلاق، ورّام بن أبي فراس الهمداني صاحب تنبيه الخواطر، محمّد بن جعفر المشهدي صاحب المزار، الشيخ منتجب الدين الرازي صاحب الفهرست.

الطبقة السادسة عشرة: نجيب الدين محمّد بن جعفر بن نما الحلّي.

الطبقه السابعة عشرة: أبوالقاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي (المحقّق الحلّي المتوفّي سنة 675 ق)، يحيي بن سعيد الحلّي صاحب الجامع للشرائع، يوسف بن مطهّر الحلّي (أبو العلّامة)، زين الدين اليوسفي الآبي (الفاضل الآبي) صاحب كشف الرموز المعروف بكاشف الرموز، رضي الدين السيّد عليّ بن طاووس الحلّي صاحب الإقبال، جمال الدين أحمد بن طاووس الحلّي صاحب الرجال، كمال الدين بن ميثم البحراني صاحب شرح نهج البلاغة، عليّ ابن عيسي الإربليّ صاحب كشف الغمّة.

الطبقة الثامنة عشرة: جمال الدين الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي المتوفّي سنة 726 ق)، الحسن بن داود الحلّي صاحب الرجال (وكان حيّاً سنة 707 ق).

الطبقة التاسعة عشرة: ابن العلّامة فخر الدين محمّد بن الحسن الحلّي صاحب إيضاح الفوائد.

الطبقة العشرون: شمس الدين محمّد بن جمال الدين المكّي الجزيني (الشهيد الأوّل).

ص: 237

الطبقة الحادية والعشرون: المقداد بن عبداللّه السيوري (الفاضل المقداد المتوفّي سنة 826 ق)، الحسن بن محمّد الديلمي صاحب إرشاد القلوب.

الطبقة الثانية والعشرون: أحمد بن فهد الحلّي صاحب المهذّب البارع.

الطبقة الثالثة والعشرون: الشيخ عليّ بن عبدالعالي الكركي (المحقّق الثاني) صاحب جامع المقاصد، أحمد بن أبي جمهور الإحسائي صاحب عوالي اللآلئ.

الطبقة الرابعة والعشرون: الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسي صاحب الميسيّة، الشيخ عليّ المنشار، والشيخ عبد النبيّ الجزائري صاحب الحاوي.

الطبقة الخامسة والعشرون: زين الدين بن عليّ العاملي الجبعي (الشهيد الثاني).

الطبقة السادسة والعشرون: الحسين بن عبدالصمد العاملي صاحب العقد الطهماسبي، والد الشيخ البهائي، الملّا أحمد الأردبيلي المعروف بالمقدّس الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان.

الطبقة السابعة والعشرون: الشيخ حسن بن زين الدين العاملي صاحب المعالم، السيّد محمّد الموسوي العاملي صاحب المدارك، الملّا عبداللّه التستري صاحب جامع الفوائد، الملّا عناية اللّه القهبائي صاحب مجمع الرجال، الشيخ محمّد العاملي سبط الشهيد الثاني صاحب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار المعروف بفخر الدين الثاني، الميرزا محمّد الإسترآبادي صاحب الرجال الثلاثة: منهج المقال، وملخّص المقال، والرجال الوجيز، الملّا محمّد أمين الإسترآبادي صاحب الفوائد المدنيّة، محمّد بن الحسين

ص: 238

العاملي (الشيخ البهائي المتوفّي سنة 1030 ق)، محمّد باقر الإسترآبادي الميرداماد، جواد بن سعيد الكاظمي المعروف بالفاضل الجواد (كان حيّاً سنة 1040 ق).

الطبقة الثامنة والعشرون: محمّد تقي المجلسي، المولي محسن الفيض الكاشاني صاحب الوافي، الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي الأخباري المتعصّب الرادّ علي السبزواري، صاحب هداية الأبرار، المولي محمّد باقر السبزواري (المحقّق السبزواري) صاحب ذخيرة المعاد، الحاج آغا حسين الخوانساري (أُستاذ الأساتذة المتوفّي سنة 1098 ق)، الملّا عبد اللّه التوني صاحب الوافية، السيّد نور الموسوي العاملي صاحب الشواهد المكّيّة، أخو صاحب المدارك، السيّد حسين بن رفيع الدين المرعشي المازندراني (سلطان العلماء) صاحب الحاشية علي المعالم، الميرزا محمّد الشيرواني صاحب هداية المسترشدين، فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين، المولي صالح المازندراني صاحب شرح الكافي، عبدالعلي بن جمعة العروسي الحويزي صاحب نور الثقلين.

الطبعة التاسعة والعشرون: المولي محمّد باقر المجلسي، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، السيّد هاشم البحراني صاحب البرهان، السيّد نعمة اللّه الجزائري، الآغا جمال الخوانساري.

الطبقة الثلاثون: الآغا محمّد الأكمل الأصفهاني والد الوحيد البهبهاني، بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصبهاني، الفاضل الهندي كاشف اللثام صاحب كشف اللثام، عبداللّه بن صالح البحراني السماهيجي الأخباري، الميرزا عبداللّه

ص: 239

الأفندي صاحب رياض العلماء، المولي عبداللّه البحراني صاحب العوالم، السيّد محمّد حسين الخاتون آبادي، المولي إسماعيل الخواجويّ المازندراني الأصبهاني.

الطبقة الحادية والثلاثون: محمّد باقر الوحيد البهبهاني، الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق، المولي مهدي النراقي، السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري صاحب منتهي المقال.

الطبقة الثانية والثلاثون: الميرزا أبوالقاسم القمّي صاحب القوانين، الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء صاحب كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، السيّد عليّ الطباطبائي، السيّد محسن كاظم الأعرجي صاحب المحصول، السيّد محمّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة، أسد اللّه التستري صاحب المقابيس.

الطبقة الثالثة والثلاثون: المولي أحمد النراقي صاحب مستند الشيعة، الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر، السيّد محمّد الطباطبائي المجاهد، محمّد شريف المازندراني شريف العلماء، السيّد عبداللّه شبّر، الشيخ محمّد حسين الأصبهاني صاحب هداية المسترشدين، المولي محمّد تقي البرغاني (الشهيد الثالث)، المولي محمّد صالح البرغاني صاحب غنيمة المعاد، السيّد محمّد باقر الشفتي (حجّة الإسلام المتوفّي سنة 1260 ق)، محمّد إبراهيم الكلباسي.

الطبقة الرابعة والثلاثون: الشيخ مرتضي الأنصاري، الشيخ جعفر التستري.

الطبقة الخامسة والثلاثون: الميرزا محمّد حسن الشيرازي، الميرزا حبيب اللّه

ص: 240

الرشتي، الميرزا حسن الطهراني (النجم آبادي)، الميرزا محمّد حسن الآشتياني، الميرزا أبوالقاسم كلانتر الطهراني.

الطبقة السادسة والثلاثون: محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية، السيّد كاظم الطباطبائي اليزدي، السيّد محمّد الفشاركي، الحاج آقا رضا الهمداني، الميرزا محمّد تقي الشيرازي، الشيخ محمّد حسن المامقاني، الميرزا حسين النوري، صاحب مستدرك الوسائل. إلي هنا ما ذكره السيد البروجردي.

الطبقة السابعة والثلاثون: الشيخ عبدالكريم الحائري، السيّد أبوالحسن أصفهاني، الحاج آقا حسين القمّي، الميرزا محمّد حسين النائيني، الشيخ آغا ضياء العراقي، الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني، الشيخ عبداللّه المامقاني، الشيخ عبّاس قمّي، الشيخ محمّد محسن الطهراني، الشيخ محمّد باقر الآيتي الجازاري، السيّد حسن الصدر، صاحب تأسيس الشيعة.

الطبقة الثامنة والثلاثون: السيّد حسين البروجردي، السيّد محمود الشاهرودي، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، الميرزا محمّد حسن البجنوردي، الشيخ حسين الحلّي، السيّد محمّد هادي الميلاني، الشيخ مرتضي الحائري، السيّد عبدالأعلي السبزواري، السيّد أبوالقاسم الخوئي، الإمام الخميني، السيّد شهاب الدين المرعشي، السيّد محمّد رضا الگلپايگاني، من أعاظم المراجع المعاصرين رحمهم الله.

ص: 241

4. الفهرست للشيخ ومنهجه فيه

4. الفهرست للشيخ ومنهجه فيه(1)

قد ذكر فيه أسماء الذين لهم أصل أو تصنيف، والفهرس وُضع لذكر الأُصول والمصنّفات، وذكر الطريق إليها، وهو مفيد من جهتين:

الأُولي: أنّه يبيّن الطرق إلي نفس هذه الأُصول والمصنّفات.

الثانية: أنّ الشيخ نقل في التهذيبين أعني تهذيب الأحكام والاستبصار، روايات عن هذه الأُصول والمصنّفات، ولم يذكر طريقه إلي تلك الأُصول والمصنّفات، لا فيهما ولا في خاتمتهما، إلّاأنّه ذكره في الفهرست. وربّما كان طريق الشيخ في التهذيبين ضعيفاً ولكنّه صحيح في الفهرست، فيصحّ وصفه بالصحّة للطريق الموجودة في الفهرست. وعلي كلّ فالفهرست وُضع للتعريف بِمؤلّفي الشيعة إماميّاً كان أو غير إمامي.

وعدّ الشيخ في مقدّمته أنّه ذكر كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأُصول وجرحه وتعديله، والاعتماد علي روايته، وموافقته للحقّ، لكنّه لم يف بما وعد لأنّه لم يذكر فساد مذهب البعض.

5. الغضائري ومنهجه الرجالي

الرجال لابن الغضائري:
اشارة

وهو من أُمّهات كتب الرجال إلّاأنّه من الضعفاء، لذا ينبغي الوقوف علي أُمور منها:

أ - ترجمة الغضائري:

قال النجاشي: الحسين بن عبيداللّه الغضائري،

ص: 242


1- . قاموس الرجال ج 1 ص 28 المقدّمة، سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 94 - باللغة الفارسيّة -، مأخذ شناسي رجال شيعه ص 56 - باللغة الفارسيّة -، الذريعة ج 5 ص 145، الفوائد الرجاليّة ج 4 ص 95.

شيخنا رحمه الله. له أربعة عشر كتاباً، أجازنا في جميعها، وروايته عن شيوخه، ولم يذكر له رجالاً. وذكر مثله الشيخ، ويكفي في وثاقته شيخوخته لهما، فإنّ مشايخ النجاشي كلّهم ثقات(1).

ب - ابن الغضائري هو أحمد بن الحسين،

ذكره الشيخ في مقدّمة الفهرست أنّ له كتابين في الأُصول والمصنّفات، غير أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو رحمه الله، وعمِد بعض ورثته إلي إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب، وقد اشترك كلّ من النجاشي وابن الغضائري في الأخذ عن الغضائري، ومن العجيب أنّ النجاشي لم يتناوله بشكل مستقلّ.

ج - أوّل من وجده أحمد بن طاووس

الحلّي فأدرجه في حلّ الإشكال في معرفة الرجال (المؤلَّف سنة 644 ق)، وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجاليّة، وقال في أوّله: ولي بالجميع روايات متّصلة سوي كتاب الغضائري؛ فوجده منسوباً إليه ولم يجد كتاباً آخر للممدوحين حتّي أدرجه. ثمّ تبعه تلميذه العلّامة الحلّي وابن داود فأدرجاه في كتابيهما، والمتأخّرون عنهما ينقلون عنهما، ولولا ما أدرجه السيّد لما بقي من كتاب الغضائري أثر، وكان عند الشهيد الثاني كتاب حلّ الإشكال وابنه الشيخ حسن العاملي فاستخرج منه التحرير الطاووسي وكان عند المولي حسين التستري فاستخرج من حلّ الإشكال عبارات الضعفاء مرتّبةً علي حروف المعجم، ثمّ أورده تلميذه عناية اللّه القهبائي في كتابه مجمع الرجال وصرّح بهذا في مقدّمته.

ص: 243


1- . رجال النجاشي ص 69، مجمع الرجال ج 1 ص 108، جامع الرواة ج 1 ص 48، الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 371، أعيان الشيعة ج 2 ص 565، مستدركات علم الرجال ج 1 ص 296، طبقات أعلام الشيعة ج 2 ص 15، معجم رجال الحديث ج 2 ص 98، رياض العلماء ج 1 ص 34، خلاصة الرجال ج 1 ص 6.
د - هل الغضائري مؤلّف الكتاب أم ابنه؟

د - هل الغضائري مؤلّف الكتاب أم ابنه؟(1)

هناك قولان: الأوّل: قد ذهب الشهيد إلي أنّه للأوّل، واعتمد علي الخلاصة في ترجمة سهل بن زياد الآدمي: وقد كاتب أبا محمّد العسكري عليه السلام وذكر ذلك أحمد بن عليّ بن نوح وأحمد بن الحسين. وقال ابن الغضائري: إنّه كان ضعيفاً. فالعطف يدلّ علي المغايرة.

ولا يخفي أنّ العبارة الأُولي للنجاشي، والجملة الأخيرة لابن الغضائري، لفّقهما العلّامة فحصل الخطأ للشهيد.

وقد شكّ آية اللّه الخوئي صاحب معجم رجال الحديث، حيث استدلّ علي عدم ثبوت الكتاب للأوّل من أنّ النجاشي لم يتعرّض له، مع أنّه كان بصدد بيان الكتب التي صنّفها الإماميّة، حتّي إنّه يذكر ما لم يره من الكتب، وإنّما سمعه من غيره أو رآه في كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيداللّه أو ابنه، وقد تعرض لترجمة الحسين بن عبيداللّه وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، انتهي.

والنجاشي ينقل عنه كثيراً، وعن البرقي: أنّ له كتاب التاريخ ولعلّه هو الرجال.

الثاني: أنّه من تأليف ابن الغضائري (أحمد)، ويدلّ علي ذلك أُمور عدّة، منها:

أ - ذكر الشيخ في مقدّمة الفهرست أنّه كان لأحمد بن الحسين كتابان في

ص: 244


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 102 وج 6 ص 19، كلّيّات في علم الرجال ص 85، الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 371.

الأُصول والمصنّفات، ولم يذكر للوالد كتاباً في الرجال.

ب - أوّل من وقف عليه السيّد أحمد بن طاووس الحلّي وهو ينسبه إلي أحمد لا إلي والده.

ج - من يتابع الخلاصة يتيقّن أنّ العلّامة يراه لأحمد.

د - ما ينقله النجاشي في الفهرست عن أحمد بن الحسين، فهو يوافق ما في الكتاب، ثمّ هناك قرائن أُخري جمعها الكلباسي.

ه: إنّ كتاب الضعفاء رابع كتبه. فابن الغضائري ألّف كتاب الضعفاء وهو رابع كتبه، وقد أشار الشيخ إلي الأوّل والثاني في مقدّمة الفهرست، والثالث هو كتاب الممدوحين ينقل عنه العلّامة في الخلاصة، والرابع هو كتاب الضعفاء.

ويستفاد من خلاصة الرجال أنّه كان لأحمد بن الحسين كتابان: الضعفاء والمذمومين، والآخر الممدوحين والموثّقين، وهما غير ما ذكره الشيخ في أوّل الفهرست.

كتاب الضعفاء ومنزلته العلميّة عند العلماء

كتاب الضعفاء ومنزلته العلميّة عند العلماء(1)

وهنا ينبغي الإشارة إلي ملاحظات، منها:

أ) إنّ الكتاب وضعه المعاندون للشيعة، أرادوا به الوقيعة في أكابرهم وهو ما أصرّ عليه الطهراني في ذريعته، ويمكن تأييد ذلك بأنّ النجاشي والشيخ وأحمد كانوا يدرسون عند أبيه، فكيف لم يطّلعا علي أسرار صديقهما والنجاشي ينقل عنه في بضعة وعشرين موضعاً؟!

ص: 245


1- . الفوائد الرجاليّة (الخواجوئي) ص 275، دائرة المعارف الإسلاميّة ج 2 ص 361، رياض العلماء ج 2 ص 135.

ب) يُعلم مِن كلام الشيخ أنّ مؤلّفات ابن الغضائري قد ضاعت بعد اخترامه.

ج) إنّ لفظ «اخترم» ظاهر في أنّه مات قبل الأربعين، وفي تلك السنين كانوا زملاء في الدراسة، ومن المستبعد أن يصل الكتاب إلي النجاشي ولم يصل إلي الشيخ، مع أنّهما كانا زميلين وتلميذين لأساتذة معروفين؛ والنجاشي توفّي سنة 450 وتوفّي الشيخ سنة 460.

وأبعد ما يمكن أن يقال: إنّ ما بقي عن ابن الغضائري مسوّداته، ثمّ زاد عليه المعاندون أشياء بالدسّ والتزوير، والسيّد الداماد قال: قلّ أن يسلم رجل من جرحه، أو ينجو ثقة من قدحه.

ولا يخفي ضعف هذا الرأي لأسباب منها:

أوّلاً: أنّه يكفي في صحّة انتساب الكتاب إلي ابن الغضائري موافقة ما نقله النجاشي مع الموجود منه.

ثانياً: أنّ كتاب الضعفاء غير الذي ذكره الشيخ أنّه من تأليفيه، وهما موضوعان دون الضعفاء.

ثالثاً: لعلّ الشيخ لم يطّلع علي بقيّة كتب ابن الغضائري لأنّه كان منفتحاً وباحثاً في أكثر العلوم الإسلاميّة والاجتماعيّة، وهذا غير النجاشي الذي كان زميلاً ومشاركاً لدروس أبيه، والغفلة من مثله بعيدة ولا تصحّ، وما ذكره صاحب معجم رجال الحديث من نفي نسبة الكتاب إلي مؤلّفه غير تامّ، لأنّ هذه القرائن تكفي في إثبات ذلك.

د) إنّ الظاهر من قول العلّامة، هو ثبوت نسبة الكتاب إلي ابن الغضائري ثبوتاً قطعيّاً، ولأجل ذلك توقّف في كثير من الرواة لأجل تضعيف الغضائري لهم،

ص: 246

وإنّما خالف في موارد بسبب توثيق النجاشي والشيخ، وترجيح توثيقهما.

ه) لم يُرَ مثل هذا الكتاب في الدقّة، وحسبنا اعتماد النجاشي عليه، وهو أدقّ أهل الرجال ومع ذلك فهذا إفراط، فلو كان هذا الكتاب يحتلّ هذه المنزلة فَلِمَ لم يستند النجاشي في عموم المواضع وأنّه قد ضعّف كثيراً من المشايخ التي وثاقتهم عندنا كالشمس في رائعة النهار، فعدم العبرة بطعونه، لا لأجل تسرّعه إلي الجرح بل لأنّه لم يستند إلي الحسّ، بل إلي اجتهادات شخصيّة.

و) إنّ تضعيفاته لم تكن مستندةً إلي الحسّ، وفي هذا الجانب قال الوحيد البهبهاني: إنّ القميّين والغضائري كانوا يعتقدون أنّ للأئمّة منزلة خاصّة من العصمة، ويعدّون التعدّي علوّاً وغلوّاً، وجعلوا نفي السهو عنهم غلوّاً، واعتبروا المبالغة في معجزاتهم، وتصرّفهم بأحوال السماء والأرض غلوّاً حيث إنّ الغلاة كانوا مندسّين في الشيعة، متعايشين معهم، مدلّسين، وكان هناك من القبيح عند بعضهم كفراً، أو غلوّاً، أو تفويضاً، أو جبراً، أو تشبيهاً، وربّما كان مبرّر جرحهم بالأُمور المذكورة هو وجود الرواية الظاهرة فيها عندهم، فعلي هذا يأتي التأمّل في جرحهم، وأحمد بن محمّد بن عيسي والغضائري ربّما ينسبان الراوي إلي الكذب و وضع الحديث بعد ما نسباه إلي الغلوّ، وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه.

وأجاب التستري عن هذه الرأي فقال: كثيراً ما يرد علي المتأخّرين طعن القدماء في رجل بالغلوّ بأنّهم رموه لنقله معجزاتهم، وهو غير صحيح، فإنّ كونهم ذوي معجزات من ضروريّات مذهب الإماميّة، وهل معجزاتهم وصلت إلينا إلّابنقلهم؟ فقد روي أحمد بن الحسين الغضائري عن الحسن بن محمّد ابن بندار قال: سمعت مشايخي يقولون: إنّ محمّد بن أُورمة لمّا طُعِنَ عليه

ص: 247

بالغلوّ بعث إليه الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلّي الليل من أوّله إلي آخره ليالٍ عدّة؛ فتوقّفوا عن اعتقادهم(1).

أقول: إنّ ما ذكره من الغلاة بأنّهم كانوا يُمتحنون في أوقات الصلاة فهو صحيح في الجملة، ويدلّ عليه إضافةً إلي ما ذكر روايات، ومع هذا الاعتراف، فإنّ هذه الروايات لا تؤيّد ما قالَه؛ وهو أنّ الغلوّ كان له معنًي واحد في جميع العصور ولازمه ترك الفرائض، ومع أنّ ذلك المعني كان مقبولاً عند الكلّ، من عصر الإمام الصادق عليه السلام إلي عصر الغضائري إلّاأنّ فيه:

أوّلاً: أنّ محمّد بن بشير كان مِن أكابر الغلاة وأتباعه كانوا يؤدّون بعض الفرائض ويتركون البعض؛ كالزكاة والحجّ وغيرهما، وعلي هذا فامتحان الغلاة في وقت الصلاة يرجع إلي فئةٍ خاصّة.

وثانياً: أنّ الظاهر من القدماء عدم الاتّفاق علي معني الغلوّ؛ فعن المفيد: قال ابن الوليد: أوّل درجة في الغلوّ، نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله، وقد وجدنا جماعة من قمّ يقصّرون تقصيراً ظاهراً، يُنزِلون الأئمّة عن مراتبهم، ويزعمون أنّهم لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينيّة، انتهي.

فإذا كان هذا حالهم فإنّهم إذا وجدوا رواية علي خلاف معتقدهم، وصفوها بالضعف وقالوا في راويها بالدسّ، فعلي هذا لا يبعد أن تكون تضعيفات ابن الغضائري راجعة إلي هذا، أي أنّهم إذا وجدوا رواية لا توافق معتقدهم وصفوها بالجعل والتزوير، والظاهر أنّ ابن الغضائري كان له مشرب خاصّ، فقد جعل إتقان الرواية دليلاً علي وثاقة الراوي، فلذلك صحّح عدّة روايات من القميّين0.

ص: 248


1- . قاموس الرجال ج 1 ص 290.

ممّن ضعّفهم غيره، كما أنّه جعل ضعف الراوي دليلاً علي ضعف الرواية، ويشهد علي ما ذكرنا أنّ الشيخ والنجاشي ضعّفا محمّد بن أُورمة، لأنّه كان مطعوناً فيه بالغلوّ، وما انفرد به لا يُعمَل به، وقد وثّقه ابن الغضائري لمّا نظر في كتابه فوجده سالماً، إلّافي أوراق أُلصقت علي الكتاب وهي موضوعة، وهذا يظهر أنّ منطلق حكمه هو التتبّع والتدقيق في كتب الراوي.

وما جاء عن الكلباسي: أنّ دعوي التسارع غير بعيد، نظراً إلي أُمور:

الأوّل: أنّ الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره، أنّه كان يري نقل بعض غرائب الأمور من الأئمّة من الغلوّ علي حسب مذاق القميّين، فكان إذا رأي من أحدهم، ذكر شيءٍ غير موافق لاعتقاده... فيعتقد بكذبه.

الثاني: أنّ الظاهر أنّه كان غيوراً في دينه، فكان إذا رأي مكروهاً اشتدّت عنده بشاعته، مكثراً علي مقترفه من الطعن، ويشهد عليه أمران: أحدهما: سياق عباراته، فأنت تري أنّ غيره في مقام التضعيف يقتصر بما فيه بيان الضعف، بخلافه، فإنّه يرخي عنان القلم في الميدان، بلعان وخبث، وتهالك. وثانيهما:

اختلاف سلوكه مع غيره في مقام التضعيف... فيقول: كذّاب، وضّاع للحديث، لا يلتفت إلي حديثه، ولا يُعبأ به. الثالث: كثرة تضعيفه للأجلّاء والموثّقين، ومنه تضعيفه لأحمد بن مهران، ولأجل ذلك لا يمكن الاعتقاد علي تضعيفاته فضلاً عن معارضته بتوثيق النجاشي، وقد عرفت من المحقّق الداماد أنّه قلّ من يسلم عن جرحه.

ز) ربّما يقال بعدم اعتبار تضعيفات ابن الغضائري لأنّه كان جرّاحاً، كثير الردّ علي الرواة وقليل التعديل، وهذا خرقٌ للعادة، فيقبل تعديله لا تضعيفه.

ص: 249

وفيه: أنّ كتاب الممدوحين لم يصل إلينا ولعلّهم أكثر من الضعفاء، ولأجل ذلك نجد أنّ النسبة بين ما ضعّفه الشيخ والنجاشي أو وثّقاه، وما ضعّفه ابن الغضائري أو وثّقه؛ عموم من وجه؛ فربّ ضعيف عندهما كان ثقة عنده وبالعكس، وعلي ذلك فلا يصحّ ردّ تضعيفاته بحجّة أنّه كان جرّاحاً للرواة خارجاً عن الحدّ المتعارف، في محالّ الجرح، بل الحقّ في عدم قبوله من أنّ توثيقاته وتضعيفاته لم تكن مستندة إلي الحسّ والشهود والسماع عن المشايخ والثقات(1).6.

ص: 250


1- . الرسائل الرجاليّة ج 2 ص 371، مجمع الفائدة والبرهان ج 8 ص 455، سماء المقال ج 1 ص 46.

الفصل السابع منهج المتأخّرين في علم الرجال

اشارة

منهج المتأخّرين في علم الرجال هو منهج التقسيم والاجتهاد

1. منهج ابن داود في رجاله

رجال ابن داود

رجال ابن داود(1)

من تأليف تقيّ الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي تلميذ السيّد جمال الدين أحمد بن طاووس الحلّي (صاحب البُشري والملاذ في الفقه)(2)، قال فيه: أكثر فوائد هذا الكتاب من إشاراته وتحقيقاته، ربّاني وعلَّمني وأحسن إليّ. كما قرأ علي الإمام نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيي الحلّي وقال فيه مثل ما قال في ابن طاووس(3).

مميّزات رجاله

1. إنّه سلك فيه مسلكاً لم يسبقه أحدٌ، رتّبه علي الحروف، الأوّل فالأوّل، من الأسماء وأسماء الآباء والأجداد، وجمع ما وصل إليه من كتب الرجال، فنقل

ص: 251


1- . الغدير ج 6 ص 3، رياض العلماء ج 4 ص 134، روضات الجنّات ج 4 ص 224، نقد الرجال ج 2 ص 43، أعيان الشيعة ج 5 ص 190.
2- . رجال ابن داود رقم 137، روضات الجنّات ج 7 ص 66، الكني والألقاب ج 1 ص 340، موسوعة طبقات الفقهاء ج 2 ص 313 المقدّمة.
3- . كلّيّات في علم الرجال ص 117.

ما في فهرس الشيخ، والنجاشي، ورجال الكشّي، والشيخ، وابن الغضائري، والبرقي، والعقيقي، وابن عقدة، والفضل بن شاذان، وابن عبدون.

2. قد جعل لكلّ كتاب علامة، واعتبر نفسه رائد هذا الفنّ، وتبعه علي هذا المنحي كثير من علماء الرجال، الذين جاؤوا بعده، سيّما في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، فممّن تبعه علي العلامات: المولي عناية اللّه القهبائي في مجمع الرجال، والسيّد مصطفي التفرشي في نقد الرجال، والشيخ عبدالنبيّ الجزائري في حاوي الأقوال، والميرزا محمّد علي الإسترآبادي في كتبه الرجاليّة الثلاثة، والعلّامة محمّد بن علي الأردبيلي في جامع الرواة، وأبي عليّ محمّد ابن إسماعيل الحائري في منتهي المقال.

وقد صرّح العلماء بأنّ هذه العلامات قد توقع في الخطإ فالأولي تركها، وأوّل من صرّح بوجود الخطأ في هذا المنهج هو المولي أحمد الأردبيلي(1) في كتابه الفقهي مجمع الفائدة والبرهان.

3. قسّم كتابه إلي جزءَين: الأوّل يختصّ بذكر الموثّقين والمهملين، والثاني بالمجروحين والمجهولين.

4. ذكر في آخر القسم الأوّل تحت عنوان خاصّ: جماعة وصفهم النجاشي بقوله: «ثقة، ثقة» وهم أربعة وثلاثون رجلاً، مرتّبين علي حروف الهجاء، ثمّ أضاف بأنّ الغضائري جاء في كتابه خمسة رجال زيادة علي ما ذكره النجاشي.-.

ص: 252


1- . رياض العلماء ج 1 ص 56، الفقه الإسلامي منابعه وأدواره ص 364، ريحانة الأدب ج 5 ص 349، جامع الرواة ج 1 ص 61، الذريعة ج 2 ص 35، معجم رجال الحديث ج 2 ص 229، فقه وفقهاي اماميه در گذر زمان ص 205 - باللغة الفارسيّة -.

نصوص من كتاب رجال ابن داود

الجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين، ومن لم يُضعّفهم الأصحاب فيما علمته.

(باب الهمزة)

1. آدم بن إسحاق بن آدم بن عبداللّه الأشعري - لم [جش] قمّيّ ثقة.

2. آدم بن الحسين النخّاس(1) ق [جش، جخ] كوفيّ ثقةٌ. روي عنه(2)إسماعيل بن مهران. ومن أصحابنا مَن(3) أثبته في كتاب له «النجاشيّ» وهو غلط.

3. آدم بن المتوكّل أبو الحسين بيّاع اللؤلؤ ق [جش] كوفيّ مهملٌ.

4. أبان بن تَغْلِب، بنقطتين فوق فمعجمة(4)، ابن رباح، بنقطةٍ تحت الباء، أبو سعيد البكريّ الجُريري، بالجيم المضمومة والمهملتين، مولي بني جُرَيْر، ين، قر، ق [كش(5)] ثقة جليل القدر، سيّدُ عصره وفقيهُه وعمدة الأئمّة، روي(6) عن الصادق عليه السلام ثلاثين ألف حديثٍ.

قال له أبو جعفر عليه السلام: «اجلس في مسجد الكوفة وأفت الناس، إنّي أُحبّ أن يُري في شيعتي مثلك».

وكان إذا دخل علي أبي عبداللّه عليه السلام ثنّي له الوسادة وصافحه، وكان إذا قدم

ص: 253


1- . الف، النحّاس، بإهمال الحاء.
2- . ب: «روي عن» وما أثبتناه عن ألف موافق لما ذكره النجاشي.
3- . هو العلّامة في القسم الأوّل من الخلاصة.
4- . ب: ومعجمة.
5- . أظنّ أنّ «كش» مصحّف عن «جش» ففيه أنّه من أصحابهم عليهم السلام.
6- . ذكره النجاشي.

المدينة تفوّضت إليه الحلق(1) وأُخلِيت له سارية(2) النبيّ صلي الله عليه و آله.

قال أبو عبداللّه عليه السلام لسُلَيم(3) بن أبي حبّة لمّا ودّعه: «ائت أبانَ بن تَغْلِب فإنّه سمع منّي حديثاً كثيراً، فما روي لك عنّي فاروه عنّي».

مات سنة إحدي وأربعين ومائة، وترحّم عليه أبو عبداللّه عليه السلام وقال:

«لقد أوجع قلبي موتُ أبان» وكان قد أخبره بموته مُوقّتاً(4).

5. أبان بن عبدالملك ق [كش(5)] شيخٌ من أصحابنا.

6. أبان بن عثمان الأحمر لم(6) [كش(7)] من الستّة الذين أجمعت(8) العصابة علي تصديقهم، وهم: جميل بن درّاج، عبداللّه بن مسكان، عبداللّه بن بُكير، حمّاد بن عيسي، حمّاد بن عثمان، أبان بن عثمان، وجميل بن درّاج أفقههم(9)وقد ذكر أصحابنا أنّه كان ناووسيّاً(10) فهو بالضعفاء أجدر، لكن ذكرتُه هنا(11) لثناء الكشّيّ (12) [عليه] وإحالته علي الإجماع المذكور.م.

ص: 254


1- . تقوّضت الحلق والصفوف: تفرّقت، ألف: تقوّصت، ب: الخلق.
2- . الأُسطوانة التي كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يعتمد عليها.
3- . الكشّي: مسلم بن أبي حبّة، النجاشي: سليم بن أبي حيّة.
4- . ب: موقناً.
5- . هكذا ذكره «جش»، فالرمز مصحّف.
6- . روي عن الصادق والكاظم عليهما السلام فذكر «لم» سهو، وليس هذا السهو بعزيز.
7- . الكشّي ص 225.
8- . ب: من آل الذين اجتمعت.
9- . ب: أفقهم (بهاء واحدة).
10- . هم فرقة تعتقد بحياة الصادق عليه السلام.
11- . الف: هاهنا.
12- . ص 239 في عنوان: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام.

7. أبان [بن] المحاربي [جخ(1)] روي حديثاً واحداً علي قول البغويّ.

8. أبان بن عُمَر الأسديّ، خَتَنُ آل ميثم بن يحيي التمّار لم(2) [جش] شيخٌ من أصحابنا ثِقةٌ، لم يرو عنه إلّاعبيس بن هشام الناشري.

9. إبراهيم بن أبي البِلاد، بالباء المفردة تحت ق، م، ضا [جخ] كوفيّ ثِقةٌ، ويكنّي أبو البلاد أبا إسماعيل. واسم أبي البِلاد يحيي بن سليم.

10. إبراهيم بن أبي حفص الكاتب، أبو إسحاق كر [ست(3)] ثقةٌ وجيه.

11. إبراهيم بن أبي الكَرّام الجعفريّ ضا، ذكره بعض أصحابنا(4) أنّه كان خيّراً.

12. إبراهيم أبو رافع ل، ي [جخ] عتيق رسول اللّه صلي الله عليه و آله صاحب أمير المؤمنين عليه السلام بعده، ثِقة.

13. إبراهيم بن أبي محمود الخراسانيّ ضا [جخ] ثِقةٌ.

14. إبراهيم الحارثي ق [كش(5)] ممدوح.

15. إبراهيم بن الحكم بن ظُهَيْر [بالضمّ] الفزاريّ، أبو إسحاق، صاحب التفسير عن السدّي(6)، لم [جخ] يصنّف كتباً.

16. إبراهيم بن حمّاد [ست(7)] له كتابٌ.0.

ص: 255


1- . «جخ» زيادة من الف. وفي النسبة وكذا في إثبات «بن» وإسقاطه خلاف.
2- . روي عن الصادق عليه السلام فلفظة «لم» سهو، نبّه عليه الميرزا.
3- . الفهرست الرقم 10.
4- . العلّامة والنجاشي.
5- . لم أظفر به فيه، نعم ذكر في ص 263 إبراهيم المحاربي فلعلّه هو.
6- . الف: السندي، ب: السكري، وما أثبتناه عن الفهرست الرقم 4.
7- . الفهرست الرقم 30.

17. إبراهيم بن خالد العطّار [ست(1)] له كتاب.

18. إبراهيم بن رجا الجَحْدريّ، بالجيم المفتوحة والحاء والدال المهملتين لم [جخ] ثِقةٌ بصريٌّ، له مجلسٌ كان يصف(2) فيه أبا محمّد العسكري عليه السلام.

19. إبراهيم بن زياد أبو أيّوب الخرّاز، بالخاء المعجمة والراء المهملة والزاي، وقيل: بن عيسي وقيل(3): بن عثمان ق، م [كش(4)، جش] ثقةٌ ممدوح.

20. إبراهيم بن سلام ضا [جخ] نيشابوريّ وكيل [الرضا(5)]، ومن أصحابنا من ذكر أنّه سلامة(6).

رجال ابن داود، القسم الثاني

(باب الخاء)

165. خالد الخواتيمي [كش(7)] غال.

166. خالد بن طهَمان أبو العلاء الخفّاف السلولي [جش] عامّيّ.

167. خالد بن عبداللّه بن سدير [ست(8)] له كتاب، ذكر أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد أنّه قال: لا أرويه لأنّه موضوع،».

ص: 256


1- . الفهرست الرقم 25.
2- . ب: يصنف.
3- . كذا ذكره ابن شهر آشوب.
4- . الكشّي ص 233، وليس فيه ولا في كتاب النجاشي «إبراهيم بن زياد الخرّاز» ثمّ إنّ ضبط الخرّاز أيضاً محلٌّ للتأمّل. وانظر تفصيل الكلام في تنقيح المقال (ج 1 ص 203) في الفائدة السادسة عشرة.
5- . بين المعقوفين عن ب، وفي كونه وكيلاً للرضا عليه السلام خلاف.
6- . هو العلّامة وذكر أنّه من أصحاب الكاظم عليه السلام.
7- . وفي الخلاصة عن الكشّي أنّ في مذهبه ارتفاعاً ولم أظفر به في كتاب الكشّي.
8- . الفهرست الرقم 259 وتقدّم في المعتمدين بحذف «عبداللّه».

وضعه محمّد بن موسي الهمداني.

168. خلف بن خلف م [جخ] مجهول(1).

169. خيبري(2) بن عليّ الطحّان [جش] كوفيّ ضعيف في مذهبه، يقال في مذهبه ارتفاع، روي عنه محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

(باب الدال المهملة)

170. دارم بن قبيصة - بفتح القاف والباء المفردة والياء المثنّاة تحت والصاد المهملة - بن نهشل أبو الحسن السائح ضا [غض] لا يؤنس بحديثه ولا يوثق به(3).

171. داود بن الحُصين ق، م [جخ] واقفي [جش] ثقة(4).

172. داود بن عطاء أبو سليمان المدني [قد] ليس بشيء.

173. داود بن كثير الرقّي ق، م [غض] فاسد المذهب [جخ] ثقة [جش] ضعيف جدّاً، والغلاة تروي عنه. قال أحمد بن عبدالواحد: قلَّما رأيت له حديثاً سديداً(5).

174. درست، بالضمّتين، بن أبي منصور ق، م [كش(6)، جخ] واقفيّ.4.

ص: 257


1- . سبق ذكرهم في المعتمدين.
2- . ب: خيري، وكذا في الخلاصة.
3- . سبق ذكرهم في المعتمدين.
4- . سبق ذكرهم في المعتمدين.
5- . سبق ذكرهم في المعتمدين.
6- . الكشّي ص 344.

* الدهقان [كش(1)] ملعون.

(باب الراء)

175. ربيع(2) بن زكريّا الورّاق كوفيّ [جش] طعن عليه بالغلوّ، له كتاب فيه تخليط، ذكره أبو العبّاس بن نوح [غض] ضعيف.

176. ربيعة بن عبدالرحمن المعروف بربيعة الرأي المدنيّ الفقيه قر [جخ] عامّيّ.

177، 178. رزين الأبزاري ورزين الأنماطيّ قر [جخ] مجهولان.

(باب الزاي المعجمة)

179. زافر بن عبداللّه الأنباريّ (3)، ق عامّيّ.

180. زُرعة بن محمّد الحضرميّ ق، م [جخ، ست(4)] واقفيّ.

181. زفر بن الهذيل [أبو الهذيل] التميميّ العنبريّ الكوفيّ ق، م [قي(5)] عامّيّ.

182. زكريّا بن محمّد أبو عبداللّه المؤمن ق، م [كش(6)] لقي الرضا وحكي عنه ما يدلّ علي الوقف، مختلط الأمر في حديثه.

183. زكريّا أبو يحيي كوكب الدم [غض] ضعيف وقد وثّقه الكشّيّ (7)ه.

ص: 258


1- . الكشّي ص 332، 353، وهو عروة بن يحيي النخّاس الآتي.
2- . الف، ج: ربيعة.
3- . قال الميرزا: والصحيح الأيادي.
4- . الفهرست الرقم 303.
5- . رجال البرقي ص 42.
6- . مصحّف عن «جش».
7- . الكشّي ص 372 وتقدّم ترجمته.

وغيره.

184. زياد بن الأسود النجّار قر [جخ] مجهول.

185. زياد بن مروان القندي، بالقاف والنون، أبو الفضل ق، م [جخ] واقفيّ.

186. زياد بن(1) المنذر أبو الجارود الهمدانيّ - بالمهملة - الكوفيّ الحوفي - بالحاء المهملة والفاء - ومن أصحابنا من أثبته «الخارقيّ» بالخاء المعجمة والراء والقاف [ومنهم من قال: الحرقيّ بالحاء المهملة والراء والقاف] والأوّل المعتمد وهو خيرة الشيخ أبي جعفر رحمه الله، تابعيّ قر، ق [جخ] زيديّ أعمي.

2. منهج العلّامة في رجاله

اشارة

2. منهج العلّامة(2) في رجاله

واسم كتابه: «خلاصة الأقوال في علم الرجال»، ويتكوّن من قسمين: القسم الأوّل، فيمن اعتمد عليه، والقسم الثاني، يختصّ بالضعفاء ويحتوي كلّ قسم علي سبعة وعشرين فصلاً، ولها خاتمة تشمل فوائد.

وكتابه هذا هو خلاصة لما في فهرس الشيخ والنجاشي. وعنه قال المحقّق التستري: إنّ المتّفقات من الخلاصة مع مصادرها لا يفيد، مع ذكر المصادر، وإنّما يفيد فيما لم نقف علي مستند، كما ينقل عن العقيقي، وابن عقدة، وثقات ابن الغضائري والمذمومين عنده، وفيما ينقله عن النجاشي، فيما لم يكن في نسختنا فإنّ نسخته كانت أكمل.

ص: 259


1- . تقدّم زياد بن أبي رجاء في المعتمدين.
2- . روضات الجنّات ج 2 ص 269، تنقيح المقال ج 1 ص 314، الدرر الكامنة ج 2 ص 49، لسان الميزان ج 2 ص 317، مرآة الجنان ج 4 ص 276، مصفّي المقال ص 131، رياض العلماء ج 1 ص 358، أمل الآمل ج 1 ص 81، الفوائد الرجاليّة ج 1 ص 257، إحقاق الحقّ ج 1 المقدّمة، إرشاد الأذهان ج 1 المقدّمة، منتهي المطلب ج 1 المقدّمة.

ورجال العلّامة وابن داود متماثلان في كيفيّة التأليف، وبما أنّهما من تلامذة أحمد بن طاووس الحلّي فلا يبعد أنّهما اقتفيا ما خطّه أُستاذهما. لأنّهما جعلا كتابيهما في قسمين وفي بابين: الباب الأوّل، فيمن اعتمدا عليه والباب الثاني فيمن لا يعتمدان عليه.

وأمّا الفروق بينهما فهي:

1. إنّ العلّامة ذكر في القسم الأوّل من يُعمل بروايته، ولذلك كان يذكر في الأوّل الممدوح للعمل بروايته، وكذلك فاسد المذهب، إن عمل بروايته، كابني بكير وفضّال، والموثّقين، وأمّا الذين ليسوا كذلك فتناولهم في القسم الثاني، لعدم العمل بروايتهم.

أمّا الجزء الأوّل من رجال ابن داود فكان فيمن ورد فيه أدني مدح وإن جاء فيه ذمّ كثير ولم يعمل بروايته، والجزء الثاني فيمن ورد فيه أدني ذمّ وإن كان من أوثق الثقات وعمل بخبره، ولذلك جري ذكر بريد العجلي وهشام بن الحكم في البابين.

2. إنّ العلّامة لا يُعَنْوِن المُخْتَلف فيه في القسمين، بل إن رجّح المدح يذكره في الأوّل، وإن رجح الذمّ أو توقّف، يذكره في الثاني. وأمّا ابن داود فيذكر المُخْتَلف فيه في الأوّل باعتبار مدحه، وفي الثاني باعتبار جرحه.

3. كلّما أخذ العلّامة عن المصادر الخمسة، لا يذكر المرجع، بل يذكر قولهم، نعم إذا نقل عن الغيبة، أو ابن عقدة، أو العقيقي، صرّح بالسند، كما إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل، فإنّه يصرّح بأسمائهم، فإن قال شيئاً وسكت عن سنده، فيظهر منه أنّه مذكور في الكتب الخمسة، ولو لم

ص: 260

نقف عليه في نسختنا، وأمّا ابن داود فيلتزم بذكر جميع مَن أخذ عنه، فلو لم يذكر السند، علم أنّه سقط من نسختنا رمزه، إلّاما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

4. إنّ العلّامة اقتصر في القسم الأوّل علي الممدوحين، أمّا ابن داود فقد ذكر المهملين إلي جانبهم، وهم الذين لم يضعّفهم الأصحاب. والمجهول في اصطلاح العلّامة وابن داود هو من صرّحوا بمجهوليّته (مجهول)، والمهمل من لم يذكروا فيه شيئاً إلّاأنّ المتأخّرين كالشهيد، والمجلسي، والمامقاني استعملوا المجهول في الأعمّ.

وفي الختام نقول: إنّ العلّامة الحلّي هو عالم مجتهد في علم الرجال، علميّ التناول، ناقد، جرّاح، معدِّل بعلميّة. وابن داود رجل ناقل، ينقل أقوال العلماء في علم الرجال، ويترك الحكم للقارئ، أي أنّه ما كان مجتهداً في علم الرجال، ومعدِّلاً جرّاحاً، والشاهد علي هذا هو أنّ الرواة الذين اختلف المصنّفون والرجاليّون فيهم، فبعضهم جرّح، وبعضهم عدّل، أو الرجال الذين ورد فيهم المدح والذمّ كمفضّل بن عمر، ومحمّد بن سنان وغيرهم، الذين وردت فيهم روايات مادحة وروايات تذمّهم، فالعلّامة الحلّي كان يختار من الجرح والتعديل ما قام عليه الدليل، فهو يتّبع الدليل، سواء كان جرحاً أو تعديلاً، فإن قام الدليل علي الجرح فيقدّم الجرح، وإن قام علي التعديل فيقدّم التعديل، فيذكر الراوي معدّلاً في القسم الأوّل، ويذكر الراوي مجروحاً في القسم الثاني.

وأمّا ابن داود فهو قد نظر إلي الروايات والأدلّة والأقوال الواردة في الجرح والتعديل، فإن كان معدّلاً بأدلّة التعديل يذكره في القسم الأوّل من كتابه، وإن كان مجروحاً بأدلّة الجرح، يذكره في القسم الثاني من كتابه، ولم يرجّح أحداً من الصنفين، وهذا هو السرّ الجوهري في الفرق بين رجال العلّامة ورجال ابن

ص: 261

داود، مع أنّ كليهما تأثّرا بأُستاذهما وهو السيّد ابن طاووس الحلّي (أحمد بن طاووس الحلّي المتوفّي سنة 673 ق) الخرّيت الرجاليّ.

نصوص من كتاب خلاصة الأقوال

القسم الأوّل:

19. إسماعيل بن عليّ العمي - بالعين غير المعجمة المفتوحة والميم المخفّفة(1) - أبو عليّ البصريّ أحد شيوخنا البصريّين. ثقة(2). (ثق)

20. إسماعيل بن عمّار أخو إسحاق.

روي الكشّيّ حديثاً في طريقه ضعف أنّ الصادق عليه السلام كان إذا رآهما قال:

«وقد يجمعهما (إليه)(3) لأقوام» - يعني الدنيا والآخرة(4) -.

وقد ذكرنا سند الحديث في الكتاب الكبير، والأقوي عندي التوقّف في روايته حتّي تثبت عدالته. (ضع)

21. إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبيّ: واقفيّ، روي أبوه عن أبي عبداللّه، وأبي الحسن عليهما السلام، وروي هو عن أبيه(5). (ضع)

22. إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبداللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب: من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام ثقة، من أهل البصرة(6). روي: أنّ الصادق عليه السلام قال: «هو كهلٌ من كهولنا، وسيّد من

ص: 262


1- . إيضاح الاشتباه ص 33/91، عوائد الأيّام ص 847.
2- . الفهرست ص 111/59، وانظر: رجال النجاشي ص 63/30.
3- . ليس في أ، ب، د، ورجال الكشّي.
4- . رجال الكشّي ص 752/402.
5- . رجال النجاشي ص 55/28.
6- . رجال الطوسيّ ص 17/104، وانظر: رجال الكشّي ص 393/218.

ساداتنا»(1) وكفاه بهذا شرفاً مع صحّة الرواية. (ثق)

23. إسماعيل بن قتيبة - بضمّ القاف وفتح التاء بعده المنقّطة فوقها نقطتين، ثمّ الياء المنقّطة تحتها نقطتين الساكنتين، ثمّ الباء المنقّطة تحتها نقطة واحدة المفتوحة(2) - مجهول من أصحاب الرضا عليه السلام(3). (ضع)

24. إسماعيل القصير بن إبراهيم بن بزّة(4): كوفيّ، ثقة(5). (ثق)

25. إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام، ثقة، روي عن جدّه إسحاق بن جعفر، وعن عمّ أبيه عليّ بن جعفر(6). (ثق)

26. إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن هلال المخزومي، أبو محمّد، وجه أصحابنا المكّيّين، كان ثقة فيما يرويه، قدم العراق وسمع أصحابنا منه، مثل:

أيّوب بن نوح، والحسن بن معاوية، ومحمّد بن الحسين، وعليّ بن الحسن بن فضّال(7). (ثق)

27. إسماعيل بن محمّد الحميري(8) - بالحاء المهملة المكسورة والميم الساكنة والياء المنقّطة تحتها نقطتين بعدها راء(9) - ثقة، جليل القدر، عظيم الشأن5.

ص: 263


1- . انظر: هامش رجال الطوسي ص 104.
2- . عوائد الأيّام ص 870.
3- . رجال الطوسي ص 36/369.
4- . د: برّة.
5- . رجال النجاشي ص 61/30، وانظره: في رجال الطوسي ص 96/147.
6- . رجال النجاشي ص 60/29.
7- . الفهرست ص 115/60.
8- . رجال الطوسي ص 108/148.
9- . عوائد الأيّام ص 885.

والمنزلة رحمه اللّه تعالي. (ثق)

28. إسماعيل بن مهران - بكسر الميم وسكون الهاء بعدها راء، ثمّ ألف، ثمّ نون(1) - (بن محمّد)(2) بن أبي نصر(3) السكوني، واسم أبي نصر زيد، مولي، كوفيّ، يكنّي أبا يعقوب، ثقة، معتمد عليه(4). وروي عن جماعة من أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام، ذكره أبو عمرو(5) في أصحاب الرضا عليه السلام(6).

القسم الثاني من الخلاصة

الباب الأوّل: هارون

وفيه تسمية رجالٍ وهم:

1. هارون الجبليّ (7)، من أصحاب الباقر عليه السلام، مجهول(8). (ضع)

2. هارون بن الجهم بن ثوير(9) بن أبي فاختة سعيد بن جهمان، مولي أُمّ هاني بنت أبي طالب، وأبو الجهم(10) روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، كوفيّ ثقة(11).

(ثق)8.

ص: 264


1- . عوائد الأيّام ص 872.
2- . ليس في رجال النجاشيّ.
3- . نصر - بالنون والصاد المهملة والراء - إيضاح الاشتباه ص 26/89.
4- . د: نعتمد عليه.
5- . ب: أبو عمرو الكشّي.
6- . الفهرست ص 117/61، رجال النجاشي ص 49/26.
7- . ب: الحبلي، وفي ه: الجيلي.
8- . رجال الطوسي ص 5/139.
9- . ثوير - بالثاء المنقّطة فوقها ثلاث نقط - بن أبي فاختة - بالخاء المعجمة والتاء المنقّطة فوقهانقطتين - إيضاح الاشتباه ص 751/314.
10- . رجال النجاشي: وابن الجهم.
11- . نفس المصدر، ص 1178/438.

3. هارون بن الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب البجليّ، مولي حارث(1) بن عبداللّه، ثقة، صدوق، روي عن أبيه، وعن الرجال(2). (ثق)

4. هارون بن حمزة الغنوي - بالغين المعجمة والنون - الصيرفي، كوفيّ، ثقة، عين، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام(3). (ثق)

5. هارون بن خارجة - بالخاء المعجمة أوّلاً، والجيم بعد الراء - كوفيّ، ثقة(4). (ثق)

6. هارون بن سعد، زيديّ (5). (ضع)

7. هارون بن عبدالعزيز، أبو عليّ الأراجنيّ (6) الكاتب، مصريّ، كان وجهاً في زمانه، مدحه المتنبّي، وله ابن اسمه عليّ، وكان حسن التخصيص بمذهبنا(7). (ثق)

8. هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، السرّمن رآئي، كان ينزلها، وأصله الأنبار(8)، يكنّي أبا القاسم، ثقة، وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقي أبا محمّد وأبا الحسن عليهما السلام(9). (ثق)8.

ص: 265


1- . د، ورجال النجاشي: جرير.
2- . رجال النجاشي ص 1181/438.
3- . نفس المصدر، ص 1177/437.
4- . نفس المصدر، ص 1176/437.
5- . رجال الكشّي ص 318/231.
6- . الأراجنيّ - بفتح الهمزة والراء والألف والجيم والنون - إيضاح الاشتباه ص 752/314.
7- . رجال النجاشي ص 1183/439.
8- . وأصله كان الأنبار، وفي ه: وأصله من الأنبار.
9- . رجال النجاشي ص 1180/438.

9. هارون بن موسي بن أحمد بن سعيد (بن سعيد)(1) من بني شيبان التّلّعكبريّ (2)، يكنّي أبا محمّد، جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير(3) (ثقة)(4) وجه أصحابنا، معتمد عليه، لا يطعن عليه في شيء، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة رحمه الله(5). (ثق)

10. هاشم بن أبي هاشم، مجهولٌ؛ قاله الشيخ رحمه الله(6).

وروي الكشّي عن محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار قالا:

حدّثنا سعد بن عبداللّه، قال: حدّثني إبراهيم بن مهزيار ومحمّد بن عيسي بن عبيد، عن عليّ بن مهزيار، عن أبي جعفر عليه السلام(7): إنّ هاشم بن أبي هاشم ملعون(8)، وهذا طريق واضح يدلّ علي ضعف المشار إليه. (ضع)

3. منهج القهبائي في رجاله

اشارة

واسم كتابه «مجمع الرجال»، والمؤلّف - أي عناية اللّه القهبائي - من تلاميذ الأردبيلي والمولي حسين التستري والشيخ البهائي(9).

وقد جمع المؤلّف في كتابه جميع ما في الأُصول الأربعة، وما في رجال ابن

ص: 266


1- . ليس في ج، ه.
2- . رجال النجاشي ص 1184/439.
3- . رجال الطوسي ص 1/516.
4- . ليس في ب.
5- . رجال الطوسي ص 1/516.
6- . نفس المصدر، ص 4/139.
7- . رجال الكشّي زيادة: قال.
8- . رجال الكشّي ص 1012/528.
9- . قاموس الرجال ج 1 ص 31، كلّيّات في علم الرجال ص 127، منتهي المقال ج 1 ص 30، فائق المقال ص 34.

الغضائري، فرتّب أوّلاً الرواة علي ترتيب حروف الهجاء من الألف إلي الياء، ثمّ قام بتذييل عنوان كلّ راوٍ حسب ما ذكره الكشّيّ، ثمّ النجاشي، ثمّ ما ذكره الشيخ في الفهرست والرجال، والأُصول الأربعة، ثمّ ابن الغضائري.

وثانياً: تناول ما جمعه أُستاذه المولي حسين التستري من كلمات ابن الغضائري. وهو أوّل من جمع كلمات الغضائري بعد ضياعها في عصر أحمد ابن طاووس الحلّي، فكتاب ابن الغضائري كان بلا شكّ موجوداً في ذلك الزمان، لأنّ العلّامة وأُستاذه أحمد بن طاووس ينقلان عنه، ولكن حلّ الإشكال تأليف الحلّي (أحمد بن طاووس) ليس بين أيدينا الآن، بل ما وجد منه هو التحرير الطاووسي، الذي حرّره الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم.

وثالثاً: اجتنب أن يورد في المواضيع الرجاليّة نفياً أو إثباتاً، نقداً أو إيراداً، بل اقتصر علي ما ذكره القدماء دون أيّ نقاشٍ ونقدٍ.

ورابعاً: تطرّق في الحواشي إلي ما يفيد أنّه رجاليّ بحت، فيذكر مثلاً في هامش ترجمته لإسحاق الصيرفي والساباطي، هل هما شخص واحد أو اثنان، هل هما عنوان لمعنون واحد أو لمعنونين، فهو يري أنّ الصيرفي غير الساباطي، وآية اللّه الخوئي يري أنّهما شخص واحد.

نصوص من كتاب مجمع الرجال

(كش) في حريز بن عبداللّه السجستاني.

حمدويه ومحمّد قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن صفوان، عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: استأذن فضل البقباق لحريز علي أبي عبداللّه عليه السلام فلم يأذن له، فعاوده فلم يأذن له، فقال له: أيّ شيء للرجل أن يبلغ من عقوبة

ص: 267

غلامه؟ فقال: «علي قدر جريرته». فقال: قد عاقبت واللّه حريزاً بأعظم ممّا صنع! فقال: «ويحك! أنّي فعلت ذلك؟ إنّ حريزاً جرّد السيف». قال: ثمّ قال:

«لو كان حذيفة ما عاودني فيه بعد أن قلت له: لا».

محمّد بن نصير قال: حدّثني محمّد بن عيسي، قال: حدّثني يونس بن عبدالرحمن قال: قلت لحريز يوماً: يا أبا عبداللّه، كم يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوء الصلاة؟ قال: بقدر ثلاث أصابع - وأومأ بالسبّابة والوسطي والثالثة - وكان يونس يذكر عنه فقهاً كثيراً.

محمّد بن مسعود قال: حدّثني جعفر بن أحمد بن أيّوب، قال: حدّثني العمركي، قال: حدّثني أحمد بن شيبة، عن يحيي بن المثنّي، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن حريز قال: دخلت علي أبي حنيفة وعنده كتب كادت تحول فيما بيننا وبينه، فقال لي: هذه الكتب كلّها في الطلاق، و أنتم ما عندكم؟ - وأقبل يقلّب بيده -. قال: قلت: نحن نجمع هذا كلّه في حرف. قال: وما هو؟ قلت: قوله تعالي: «يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ اَلنِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا اَلْعِدَّةَ»(1) .

فقال لي: وأنت لا تعلم شيئاً إلّابرواية؟ قلت: أجل. فقال لي: ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف درهم، فأدّي تسعمائة وتسعة وتسعين درهماً ثمّ أحدث - يعني الزنا - كيف نحدّه؟ فقلت: عندي بعينها حديث: حدّثني محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام كان يضرب بالسوط، ويثلّثه، وينصّفه ويبعّضه بقدر أدائه.1.

ص: 268


1- . الطلاق/ 1.

فقال لي: أمّا إنّي أسألك عن مسألة لا يكون فيها شيء، فما تقول في جمل أُخرج من البحر؟ فقلت: إن شاء فليكن جملاً وإن شاء فليكن بقرة؛ إن كان عليه فلوس أكلناه وإلّا فلا.

حمدويه وإبراهيم قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن يونس قال: قلت لحريز يوماً: يا أبا عبداللّه، كم يجزيك أن تمسح علي شعر رأسك في وضوء الصلاة؟ قال: بقدر ثلاث أصابع - وأومأ بالسبابة والوسطي والثالثة - وزعم حريز أنّ ذلك برواية، وكان يونس يذكر عنه فقهاً كثيراً.

حريز بن عبداللّه الأزري عربيّ، كوفيّ، انتقل إلي سجستان فقُتِل بها رحمه الله، وتقدّم في حذيفة بن منصور، وسيذكر إن شاء اللّه تعالي في زرارة وفي عبداللّه ابن مسكان.

ق - حريز بن عبداللّه السجستاني مولي الأزد، وسيذكر إن شاء اللّه تعالي عن (لم) في عليّ بن داود الحدّاد.

ست - حريز بن عبداللّه السجستاني، ثقة، كوفيّ، سكن سجستان، له كتب منها كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب النوادر، تعدّ كلّها في الأُصول. أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان، عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد العلوي الموسوي، عن ابن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز.

وأخبرنا عدّةٌ من أصحابنا، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه وعبداللّه بن جعفر، ومحمّد بن يحيي، وأحمد بن إدريس وعليّ ابن موسي بن جعفر كلّهم، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، وعليّ

ص: 269

ابن حديد، وعبدالرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسي الجهني، عن حريز.

وأخبرنا الحسين بن عبيداللّه، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن حريز.

جش - حريز بن عبداللّه السجستاني، أبو محمّد الأزدي، من أهل الكوفة أكثر السفر والتجارة إلي سجستان فعرف بها، وكانت تجارته في السمن والزيت.

قيل: روي عن أبي عبداللّه عليه السلام. وقال يونس: لم يسمع من أبي عبداللّه عليه السلام إلّا حديثين. وقيل: روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام ولم يثبت ذلك، وكان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبداللّه، وروي أنّه جفاه، وحجبه عنه. له كتاب الصلاة كبير، وآخر ألطف منه، وله كتاب النوادر؛ فأمّا الكبير فقرأناه علي القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان قال: قرأته علي أبي القاسم جعفر بن محمّد بن عبيداللّه الموسوي، قال: قرأت علي مؤدّبي أبي العبّاس عبيداللّه بن أحمد بن نهيك، قال: قرأت علي ابن أبي عمير، قال: قرأت علي حمّاد بن عيسي، قال: قرأت علي حريز.

وأخبرنا الحسين بن عبيداللّه قال: حدّثنا أبوالحسين محمّد بن الفضل بن تمّام من كتابه وأصله، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن يحيي الأنصاري المعروف بابن أخي رواد، من كتابه في جمادي الأُولي سنة تسع وثلثمائة، قال: حدّثنا عليّ بن مهزيار أبوالحسن في المحرّم سنة تسع وعشرين ومأتين وكان نازلاً في خان عمرو، عن حمّاد، عن حريز بالنوادر، وسيذكر إن شاء اللّه تعالي في حمّاد بن عيسي.

ص: 270

الفصل الثامن منهج المعتمدين علي القرائن

1. منهج الإسترآبادي في منهج المقال

منهج المقال هو من تأليف الميرزا محمّد علي الإسترآبادي، وإسترآباد هي التي اشتهرت بجرجان (گرگان)، وله رجال وسيط وهو ملخّص المقال، ورجال وجيز، كما أنّ الأوّل معروف بالرجال الكبير(1). والإسترآبادي هو أوّل من أسّس مبدأ توثيق الرواة اعتماداً علي القرائن، فلذلك اهتمّ في كتابه هذا بجمع القرائن من الكتب الرجاليّة والحديثيّة والفقهيّة والتاريخيّة وغيرها. وهناك طرق لتوثيق الرواة، منها: نصّ الإمام عليه السلام وهو أعلي مراتب التوثيق، وتوثيق الإمام - كونه إمام التوثيق - ونصّ الرجاليّ من المتقدّمين أو المتأخّرين أو كليهما، والقرائن.

وعن هذا يقول آية اللّه البروجردي: إنّ التوثيق الحاصل من القرائن أعلي من النصّ الرجالي؛ فهذا إبراهيم بن هاشم القمّي ذُكر في الكتب الرجاليّة ولم يوثّقوه، وقال النجاشي: أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم هو، وقال الشهيد

ص: 271


1- . معراج أهل الكمال ص 287، لؤلؤة البحرين ص 45، نقد الرجال ج 4 ص 581، رياض العلماءج 5 ص 115، أمل الآمل ج 2 ص 835، بحار الأنوار ج 107 ص 41، الكني والألقاب ج 3 ص 183.

الثاني: هو ممدوح، فلذلك عُدَّ حديثه حسناً، وانتقد من قِبل العلّامة الحلّي والشهيد الأوّل اللَّذَين عَدّا حديثه من الصحيح(1)، وأمّا عدّ حديثه صحيحاً بملاحظة أنّه لم يوثّق اصطلاحاً، ولم ترد فيه ألفاظ التوثيق (ثقة، حجّة، صحيح، ثبت، ونظيرها).

وأمّا من قال إنّه ثقة وعدّ حديثه صحيحاً فقد اعتمد علي القرائن. فعن النجاشي فيه: إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمّي، أصله كوفيّ، انتقل إلي قم، قال أبو عمرو الكشّي: تلميذ يونس بن عبدالرحمن، من أصحاب الرضا عليه السلام، وقول الكشّي، هذا فيه نظر، وأصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم هو. وذكر نظيره الشيخ الطوسي في الفهرست. وذكر العلّامة الحلّي في خلاصة الرجال: لم أقف لأحد من أصحابنا علي قول في القدح فيه، ولا علي تعديل بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول روايته، ولكن لا ينبغي الشكّ في وثاقة إبراهيم بن هاشم، ويدلّ علي ذلك أُمور:

1. أنّه روي عنه ابنه عليّ في تفسيره كثيراً، وقد التزم في أوّل كتابه بأنّ ما يذكره فيه قد انتهي إليه بواسطة الثقات(2).

2. أنّ السيّد ابن طاووس وهو عليّ بن طاووس الحلّي خرّيت الحديث، ادّعي الاتفاق علي وثاقته حيث قال عند ذكره رواية عن أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم: ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق. قال هذا في ذيل رواية3.

ص: 272


1- . مسالك الأفهام ج 6 ص 44، تنقيح المقال ج 1 ص 37، قاموس الرجال ج 1 ص 300، الدروس الشرعيّة ج 2 ص 314، الحدائق الناضرة ج 12 ص 24، مختلف الشيعة ج 3 ص 383، زبدة البيان ص 242، منتهي المطلب ج 2 ص 602، جامع المقاصد ج 9 ص 158، التنقيح الرائع ج 2 ص 345، مشرق الشمسين ص 259.
2- . تفسير القمّي ج 1 ص 30، قاموس الرجال ج 1 ص 333.

في فلاح السائل(1).

3. إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم(2)، والقميّون قد اعتمدوا علي رواياته، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم عن أخذ الرواية عنه، وقبول قوله.

4. إنّه وقع في أسناد كامل الزيارات، وقد شهد أبوالقاسم جعفر بن محمّد ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في سند كتابه المنتهية روايتهم إلي المعصوم عليه السلام(3).

5. إنّه قد عَدّ حديثه العلّامة الحلّي والشهيد الأوّل صحيحاً، وعدّا الطرق التي وقع فيها صحيحة.

6. إنّه كثير الرواية، فقد روي ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي عنه روايات تبلغ 6214 حديثاً في الكافي، وروي عنه الكليني بواسطة ابنه، فهو أكثر رواية في الكافي. قال آية اللّه الخوئي: وقع إبراهيم بن هاشم في إسناد كثير من الروايات، تبلغ ستّة آلاف وأربعمائة وأربعة عشر حديثاً، ولا يوجد مثله في كثرة الرواية، فإنّ من الرجاليّين استندوا إلي هذه القرينة برواية رُويت عن الصادق عليه السلام «اعرفوا منازل الرواة عندنا علي قدر روايتهم عنّا»(4)، وبل اعتمد بعض الرجاليّين علي هذا بعنوان القاعدة للتوثيق(5).6.

ص: 273


1- . فلاح السائل ص 158.
2- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 316، قاموس الرجال ج 1 ص 333.
3- . كامل الزيارات ص 15.
4- . اختيار معرفة الرجال ص 3، الكافي ج 1 ص 50، فرائد الأصول ج 1 ص 143.
5- . تنقيح المقال ج 1 ص 437، معجم رجال الحديث ج 1 ص 316.

وهذا عمر بن حنظلة، لم يرد فيه أيّ توثيق؛ وهو مجهول عند القدماء، وصرّح الشهيد الثاني في كتابه الدراية: أنّي فهمت توثيقه واستشكل عليه ابنه الشيخ حسن العاملي في مقدّمة منتقي الجُمان بقوله: لا أدري من أيّ وجه استدلّ أبي علي توثيقه وكيف كان. وقد استدلّ علي توثيقه بوجوه:

الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت. فقال أبو عبداللّه عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا»(1).

الثاني: ما رواه الصفّار عن الحسن بن عليّ بن عبداللّه، عن الحسين بن عليّ ابن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال: «أجل»(2).

الثالث: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «يا عمر، لا تحمِّلوا علي شيعتنا وارفقوا بهم؛ فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون»(3).

الرابع: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن عليّ بن حنظلة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «اعرفوا منازل الناس علي قدر روايتهم عنّا»(4).3.

ص: 274


1- . الكافي ج 3 ص 275.
2- . بصائر الدرجات ص 230، معجم رجال الحديث ج 13 ص 28.
3- . الكافي ج 8 ص 334 و 522.
4- . اختيار معرفة الرجال ص 3، الكافي ج 1 ص 50، فرائد الأصول ج 1 ص 143.

دلّت الرواية علي أنّ كثرة رواية شخص عن المعصومين عليهم السلام تدلّ علي عظمة مكانته، ومن الظاهر أنّ عمر بن حنظلة كثير الرواية.

الخامس: أنّ المشهور عملوا برواياته، ومِن هُنا سمّوا روايته في الترجيح عند تعارض الخبرين بالمقبولة.

السادس: أنّ الأجلّاء كزرارة، وعبداللّه بن مسكان، وصفوان بن يحيي وأضرابهم قد رووا عنه.

هذه بعض الوجوه التي استدلّوا بها علي توثيق عمر بن حنظلة، وقد أجاب عنها السيّد الخوئي:

فالأوّل: أنّ الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ يزيد بن خليفة واقفيّ لم يوثَّق، فلا يصحّ الاستدلال بها علي شيء.

والثاني: والجواب عنه ظاهر؛ فإنّ الرواية عن نفس عمر بن حنظلة، علي أنّها ضعيفة، ولا أقلّ من جهة الإرسال، مضافاً إلي أنّها لا تدلّ علي الوثاقة.

والثالث: والجواب أنّ ذلك شهادة عن عمر بن حنظلة لنفسه، وهي غير مسموعة.

والرابع: والجواب أنّ الرواية ضعيفة بسهل بن زياد وبابن سنان؛ فإنّه محمّد ابن سنان بقرينة سهل بن زياد عنه، ومحمّد بن مروان العجلي مجهول، هذا، مع أنّ كثرة الرواية، إذا لم يعلم صدق الراوي لا تكشف عن عظمة الشخص بالضرورة.

والخامس: والجواب أنّ الصغري غير متحقّقة، وتسمية واحدة من رواياته بالمقبولة لا تكشف عن قبول جميع رواياته، وعلي تقدير تسليم الصغري

ص: 275

فالكبري غير مسلّمة؛ فإنّ عمل المشهور لا يكشف عن وثاقة الراوي، فلعلّه من جهة البناء علي أصالة العدالة من جمع وتبعهم الآخرون.

والجواب عن السادس - أنّ الأجلّاء كزرارة، وعبداللّه بن مسكان، وصفوان ابن يحيي وأضرابهم قد رووا عنه -: أنّ رواية الأجلّاء لا تدلّ علي الوثاقة(1).

هذه هي ملاحظات السيّد الخوئي علي الأدلّة، وأصحاب القرائن يقولون: إنّ هذه الأُمور، وإن لم تدلّ كلّ منها علي توثيقه، ولكن يحصل من جميعها التوثيق فهي قرائن، ولا يعتبر كلّ منها قاعدة، إضافة إلي أنّ هذه الأُمور عند أصحاب القرائن مقبولة، فإنّ نقل الأجلّة عن الراوي، قاعدة مهمّة عندهم، وهكذا عمل الأصحاب بروايته، فإنّ السيّد الخوئي قال في الأُصول (مصباح الأُصول): إنّه لم يرد علي توثيقه دليل، ولكنّهم عملوا بروايته المقبولة قديماً وحديثاً.

وقال العلّامة المولي أحمد الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: فيها فروع أفتي الفقهاء بها، ولم يرد في أيّ رواية، فهي مصدر وحيد للفتاوي.

وعن هذا قال السيّد محمّد باقر الصدر - أحد تلامذة السيّد الخوئي - في ذيل البحث عن المقبولة: أمّا المقبولة فقد يقال بسقوط سندها عن الحجيّة أيضاً، باعتبار عدم ورود توثيق بشأن عمر بن حنظلة، وإن كان الأصحاب قد عملوا بمفادها فسُمّيت بالمقبولة؛ غير أنّ الصحيح - بناء علي القاعدة المختارة لنا في الرجال من توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة - صحّة سندها، وذلك باعتبار ما ورد في رواية ليزيد بن خليفة أنّه قال للإمام عليه السلام: «جاءنا عمر بن حنظلة بوقت7.

ص: 276


1- . معجم رجال الحديث ج 13 ص 27.

عنك»، فأجاب عليه السلام: «إذاً لا يكذب علينا»(1) وهو ظاهر في أنّ عمر بن حنظلة كان ثقة عند الإمام عليه السلام، إلّاأنّ يزيد بن الخليفة هذا ممّن لا توجد شهادة بتوثيقه وإنّما يمكن توثيقه بالقاعدة المذكورة، حيث قد روي عنه صفوان بن يحيي - وهو أحد الثلاثة - بسند معتبر في باب كفّارة الصوم من الكافي(2).

فثبت بذلك وثاقته، وبروايته تثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيضاً؛ فالمقبولة صحيحة سنداً.

2. منهج المامقاني في تنقيح المقال

يعدّ تنقيح المقال أكبر موسوعة رجاليّة لدي الشيعة الإماميّة، حيث جمع فيه المصنّف العلّامة الرجالي الشيخ عبداللّه المامقاني(3) كلّ ما ورد في الرواة، وتميّز كتابه هذا بخصائص، منها:

1. إنّه ضبط أسماء الأعلام الرجاليّة، وهو من بين كتب الإماميّة التي لا نجد لها نظير من حيث ضبط إعراب حروف الرجال، نعم، قد ضبط العلّامة الحلّي بعض الأسماء في إيضاح الاشتباه.

وهذا جزء من البحث الذي يتناوله علم الدراية، والمعروف بالمؤتلف والمختلف، فعن العلّامة شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في شرح النخبة: وإن اتّفقت الأسماء خطّاً واختلفت نطقاً؛ سواء كان مرجع الاختلاف النَقْط أو الشَكْل فهو المؤتلف والمختلف، ومعرفته من مهمّات هذا الفنّ، حتّي قال عليّ بن المديني: أشدّ التصحيف ما يقع في الأسماء، ووجّهه بعضهم بأنّه

ص: 277


1- . الكافي ج 3 ص 275.
2- . بحوث في الأُصول ج 7 ص 370.
3- . تنقيح المقال ج 2 ص 208.

شيء لا يدخله القياس، ولا قبله شيء يدلّ عليه ولا بعده.

وقد صنّف فيه أبو أحمد العسكري وأضافه إلي كتاب التصحيف له، ثمّ أفرده بالتأليف عبد الغني بن سعيد فجمع فيه كتابين: كتاب في مُشْتَبِه الأسماء، وكتاب في مشتَبِه النسبة.

وجمع شيخه الدارقطني في ذلك كتاباً حافلاً، ثمّ جمع الخطيب ذيلاً، ثمّ جمع الجميع أبو نصر بن ماكولا في كتابه الإكمال، واستدرك عليهم في كتاب آخر فجمع فيه أوهامهم وبيّنها، وكتابه من أجمع ما جُمع في ذلك وهو عمدة كلّ محدّث بعده، وقد استدرك عليه أبوبكر بن نقطة ما فاته، أو تجدد بعده في مجلّد ضخم ثمّ ذيّل عليه منصور بن سَليم - بفتح السين - في مجلّد لطيف، وكذلك أبو حامد ابن الصابوني، وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جدّاً اعتمد فيه علي الضبط بالقلم، فكَثُر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب، وقد يسّر اللّه تعالي بتوضيحه بكتاب سمّيته ب «تبصير المُنْتَبه بتحرير المشتبه» وهو مجلّد واحد وضبطته بالحروف علي الطريقة المرضيّة، وزدت عليه شيئاً كثيراً مهمّاً أهمله، أو لم يقف عليه، وللّه الحمد علي ذلك(1).

أقول: ما قاله ابن حجر مطبوع عندنا، فالكتاب هذا تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، طُبع في أربعة أجزاء في مصر. بتحقيق محمّد علي النجّار، وعليّ محمّد البجاوي، ولكتاب الذهبي شرح آخر موجود عندنا وهو توضيح المشتبه، ألّفه الحافظ شمس الدين أبوعبداللّه محمّد بن عبداللّه بن محمّد بن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن ناصر الدين،0.

ص: 278


1- . شرح شرح نخبة الفكر ص 700.

المتوفّي سنة 842 ه وطبع في ثلاثة مجلّدات.

وأمّا الإكمال لابن ماكولا، فاسمه الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف، فهذا الكتاب ليس بصدد التوثيق والتضعيف بل هو بصدد ضبط الأسماء، طبع في سبع مجلّدات، وله تكملة طبعت باسم «تكملة الإكمال» للحافظ أبي بكر محمّد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة وطبع في ستّ مجلّدات، وعن الشهيد الثاني في الرعاية مع الأمثلة:

[6] (وإن اتّفقت الأسماء خَطّاً واختلفت نطقاً) سواءٌ كان مَرجِعُ الاختلاف إلي النُقَطِ أم الشكل (فهو) النوع الذي يقال له: (المُؤتلف والمُختلف).

ومعرفتُه من مهمّات هذا الفنّ، بما أنّ أشدَّ التصحيف ما يقع في الأسماء؛ لأنّه شيء لا يدخله القياس، ولا قبلَه شيءٌ يدلّ عليه ولا بعدَه، بخلاف التصحيف الواقع في النصّ.

وهذا النوعُ شائع جدّاً، لا يضبط تفصيلاً إلّابالحفظ.

مثاله: جَرير، وحَريز، الأوّل بالجيم والراء، والثاني بالحاء والزاي.

فالأوّل جَرير بن عبداللّه البجلي صحابيّ. والثاني: حريز بن عبداللّه السجستاني، يروي عن الصادق عليه السلام. فاسم أبويهما واحد، واسمَيهما مؤتلف، والمائز بينهما الطبقة، كما ذكرناه.

ومثل: بُرَيْد، ويَزيد. الأوّل بالباء والراء. والثاني بالياء المثنّاة والزاي. وكلٌّ منهما يُطلق علي جماعةٍ.

والمائز قد يكون من جهة الآباء؛ فإنّ «بُريد» بالباء الموحّدة ابن معاوية العجلي، وهو يروي عن الباقر والصادق عليهما السلام، وأكثر الإطلاقات محمولةٌ عليه.

ص: 279

و «بُريد» أيضاً بالباء، الأسلمي، صحابي، فيتميّز عن الأوّل بالطبقة.

وأمّا «يَزيد» بالمثناة تحته، فمنه يزيد بن إسحاق شَعر، وما رأيتَه مطلقاً فالأب واللقب مميّزان. ويزيد أبو خالد القمّاط يتميّز بالكنية وإن شارك الأوّل في الرواية عن الصادق عليه السلام. وهؤلاء كلُّهم ثقاتٌ.

وليس لنا «بُريد» بالموحّدة في باب الضعفاء، ولنا فيه «يزيد» متعدّداً، ولكن يتميّز بالطبقة والأب وغيرهما مثل: يزيد بن خليفة، ويزيد بن سليط، وكلاهما من أصحاب الكاظم عليه السلام.

ومثل: بُنان وبَيان. الأوّل بالنون بعد الباء، والثاني بالياء المثنّاة بعدها.

فالأوّلُ: غيرُ منسوبٍ، ولكنّه بضمّ الباء ضعيفٌ، لعنه الصادق عليه السلام.

والثاني بفتحها: الجزري كان خيّراً فاضلاً. فبالاشتباه توقف الرواية.

ومثل: حَنَان وحيّان. الأوّل بالنون، والثاني بالياء.

فالأوّل: حنّان بن سدير، من أصحاب الكاظم عليه السلام، واقفيّ.

والثاني: حيّان السرّاج، كيساني، غيرُ منسوب إلي أبٍ، وحيّان العنزي، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ثقةٌ.

ومثل: بَشّار، ويَسَار. بالباء الموحّدة والشين المعجمة المشدّدة، أو بالياء المثنّاة من تحت والسين المهملة المخفّفة.

الأوّل: بَشّار بن يَسار الضُبيعي، أخو سعيد بن يسار. والثاني: أبوهما.

ومثل: خُثَيْم وخَيْثَم. كلاهما بالخاء المعجمة، إلّاأنّ أحدَهما بضمّها وتقديم الثاء المثلّثة ثمّ الياء المثنّاة من تحتٍ، والآخر بفتحها ثمّ المثنّاة ثمّ المثلّثة.

فالأوّل: أبو الربيع بن خُثيم، أحدُ الزهّاد الثمانية. والثاني: أبو سعيد بن خيثم

ص: 280

الهلالي التابعي، وهو ضعيف.

ومثل: أحمد بن ميثم، بالياء المثنّاة، ثمّ الثاء المثلّثة، أو التاء المثنّاة.

الأوّل: ابن الفضيل بن دُكَين. والثاني مطلق. ذكره العلّامة في الإيضاح.

وأمثال ذلك كثيرةٌ.

وقد يحصل الائتلاف والاختلاف في النسبة والصنعة وغيرهما، كالهَمْداني، والهَمَذاني. الأوّل بسكون الميم والدال المهملة: نسبةٌ إلي هَمْدان، وهَمْدان قبيلةٌ. والثاني بفتح الميم والذال المعجمة: اسمُ بلد.

فمن الأوّل: محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ومحمّد بن الأصبغ، وسندي بن عيسي، ومحفوظ بن نصر، وخلقٌ كثيرٌ؛ بل هم أكثر المنسوبين من الرواة إلي هذا الاسم، لأنّها قبيلةٌ صالحة تختصّ بنا من عهد أميرالمؤمنين عليه السلام، ومنها الحارث الهَمْداني صاحبُه.

ومن الثاني: محمّد بن عليّ الهَمَذاني، ومحمّد بن موسي، ومحمّد بن عليّ ابن إبراهيم، وكيل الناحية، وابنه القاسم، وأبو عليّ، وجدّه إبراهيم، وإبراهيم بن محمّد، وعليّ بن المسيّب، وعليّ بن الحسين الهَمَذاني، كلّهم بالذال المعجمة.

ومثل: الخرّاز والخزّاز. الأوّل براء مهملة وزاي، والثاني بزايين معجمتين.

فالأوّل لجماعة: منهم: إبراهيم بن عيسي أبو أيّوب، وإبراهيم بن زياد علي ما ذكره ابن داود.

ومن الثاني: محمّد بن يحيي، ومحمّد بن الوليد، وعليّ بن فَضَيْل وإبراهيم ابن سليمان، وأحمد بن النضر، وعمرو بن عثمان، وعبدالكريم بن هليل الجعفي.

ص: 281

ومثل: الحنّاط والخَيّاط. الأوّل بالحاء المهملة والنون، والثاني بالمعجمة والياء المثنّاة من تحت.

والأوّل يُطلق علي جماعةٍ، منهم: أبو وَلّاد الثقة الجليل، ومحمّدُ بنُ مروان، والحسنُ بن عطيّة، وعمرُ بن خالدٍ.

ومن الثاني: عليّ بن أبي صالح بُزُرْج - بالباء الموحّدة المضمونة والزاي المضمومة والراء الساكنة والجيم - علي ما ذكره بعضُهم. والأصحّ أنّه بالحاء والنون كالأوّل.

2. إنّه جمع جميع المرويّات والنصوص الرجاليّة من المتقدّمين والمتأخّرين، وكلّ ما وجد في النصوص الرجاليّة.

3. كان منطلقه توثيق الرواة، ولذلك وظّف جهوده لجمع القرائن من الروايات الضعيفة، وعمل الأصحاب بها، وكلمات الفقهاء وغيرها، فلو كانت هناك قرينة لها دخل في توثيق الراوي كان يذكرها.

4. إنّه لم يطرق باب النقد والبحث، فقد اقتصر علي جمع المطالب المختلفة عن الراوي، ولهذا قام ولده العلّامة محيي الدين المامقاني بتصحيح الكتاب والتعليق عليه، وذكر في تعليقه، نتائج البحث ورأيه في الراوي، هل هو ثقة أم لا.

5. إنّه لم يكتف بنصوص الإماميّة من القدماء والمتأخّرين، بل ذكر كلمات علماء أهل السنّة في الراوي.

6. قد ذكر فضلاً عن رواة الإماميّة، الصحابة أيضاً، فهذه الموسوعة من هذه الجهة هي الوحيدة في ذكر الصحابة، فهو يذكر كلام ابن عبدالبرّ في الاستيعاب،

ص: 282

وكلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في كتبه الرجاليّة الإصابة في تمييز الصحابة وغيرها، وكلام ابن الأثير الجزري في اُسْد الغابة المصنّفات الثلاثة في الصحابة، وغيرها من الكتب المصنّفة عند العامّة.

3. منهج الحائري في منتهي المقال

اشارة

3. منهج الحائري في منتهي المقال(1)

يمثّل منتهي المقال موسوعة معجميّة في التعريف برجال الإماميّة، لمؤلّفه أبي عليّ محمّد بن إسماعيل الحائري من تلامذة الوحيد البهبهاني، والعلّامة محمّد مهدي بحر العلوم.

ومن خصائص هذا الكتاب:

1. التلفيق لموضوعاته من كتابَي: منهج المقال - للميرزا محمّد الإسترآبادي وهو المعروف بالرجال الكبير - وتعليقة منهج المقال - للمولي الوحيد البهبهاني - فهو تلخيص للكتابين وتحرير جديد، وقد أضاف في مواضع، وهذّب بعضاً آخر.

2. إنّه أهمل ذكر المجهولين في كتابه، معلّلاً ذلك بقوله: ولم أذكر المجاهيل لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم، بينما نري أنّ الكتب المؤلّفة قبله وبعده جُلّها قد ذكرت جميع الرواة؛ بما فيهم المجاهيل، ولم يسبقه في ذلك إلّاالمحقّق عبدالنبيّ الجزائري في كتابه: حاوي الأقوال، فإنّه قد أهمل ذكر المجاهيل(2).

ص: 283


1- . مستدرك الوسائل ج 3 ص 402، منتهي المقال ج 7 ص 213، الوحيد البهبهاني ص 239، الذريعة ج 13 ص 23، منتهي المقال ج 1 المقدّمة، الكني والألقاب ج 1 ص 119، الفوائد الرضويّة ج 2 ص 394، تنقيح المقال ج 3 ص 28، ريحانة الأدب ج 7 ص 210، معجم رجال الحديث ج 15 ص 106.
2- . الذريعة ج 23 ص 13، أعيان الشيعة ج 9 ص 124، الفوائد الرضويّة ج 2 ص 394.

وليتهم لم يسقطوهم؛ لأنّهم غير منصوصين بالجهالة من علماء الرجال، بِما في ذكرهم من فوائد كثيرة ولذلك ذكرهم علماء الرجال من أوّل يوم أُلّفت فيه كتب الرجال وإلي عصره وكذا بعد زمانه وإلي هذا اليوم، فمن فوائد ذكرهم:

أوّلاً: أنّه ربّما تظهر للناظر أمارة الوثوق بالمجهول فيعمل بخبره، فلو لم يذكر تنتفي الفائدة والفحص عنه غالباً.

ثانياً: أنّه ربّما كان الأمر مشتركاً بين المجهول وغيره، فمِن عدم الذكر لا يعلم الاشتراك.

ثالثاً: أنّ الفائدة من ذكرهم هي الفائدة في ذكر الموثّق والممدوح والمقدوح وغيرهم، فلو لم يذكر لم تعلم حاله، لمن يريد البحث عن سند الرواية، كما أنّه لا تعلم صفة غيره لو لم يذكر(1).

وكما قالوا: إنّ المنهج السداد، ما أشار إليه المحقّق الداماد في الرواشح السماويّة، في الراشحة الثالثة عشرة حيث قال: المجهول اصطلاحيّ: وهو من حكم أئمّة الرجال عليه بالجهالة؛ كإسماعيل بن قتيبة من أصحاب الرضا عليه السلام، وبشير المستنير الجعفي من أصحاب الباقر عليه السلام.

ولغويٌّ: وهو ليس بمعلوم الحال، لكونه غير مذكور في كتب الرجال، ولا هو من المعهود أمره، المعروف حاله من حال من يروي عنه، من دون حاجة إلي ذكره؛ والأُولي متعيّن بأنّه يحكم بحسبه ومن جهته علي الحديث بالضعف ولا يعلّق الأمر علي الاجتهاد فيه واستبانة حاله علي خلاف الأمر في الثاني؛ إذ ليس يصحّ ولا يجوز بحسبه ومن جهته أن يحكم علي الرواية بالضعف ولا4.

ص: 284


1- . أعيان الشيعة ج 9 ص 124.

بالصحّة ولا بشيء من مقابلاتها أصلاً ما لم يستبن حاله ولم يتّضح سبيل الاجتهاد في شأنه.

وبالجملة: جهالة الرجل علي معني عدم تعرّف حاله من حيث عدم الظفر بذكره أو بمدحه وذمّه في الكتب الرجاليّة، ليس ممّا يسوغ الحكم بضعف السند أو الطعن فيه، كما ليس يسوغ تصحيحه أو تحسينه وتوثيقه، إنّما تكون الجهالة والإهمال من أسباب الطعن، بمعني حكم أئمّة الرجال علي الرجل بأنّه مجهول أو مهمل، فمهما وجد شيء من ألفاظ الجرح انصرم التكليف بالفحص والتفتيش، وساغ الطعن في الطريق.

فأمّا المجهول والمهمل، لا بالمعني المصطلح عليه عند أرباب هذا الفنّ بالعرف العامي - أعني المسكوت عن ذكره رأساً، أو عن عدم مدحه وذمّه - فعلي المجتهد أن يتتبّع مظانّ استعلام حاله من الطبقات والأسانيد والمشيخات والإجازات والأحاديث والتواريخ وكتب الأنساب وما يجري مجراها، فإن وقع إليه ما يصحّ التعويل عليه فذاك، وإلّا وجب تسريح الأمر إلي بقعة التوقّف(1).

3. أنّه حذف بعض نصوص النجاشي والشيخ من فهرستيهما، ثمّ إنّه أهمل ذكر مؤلّفات الأصحاب والرواة من الأُصول والكتب والنوادر وغيرها، والدافع الأساس في ذلك هو الاختصار، ومراعاة الإيجاز، كما أنّه سلك هذا المسلك كثيرٌ من المصنّفين في علم الرجال، وليعلم أنّ أساس فهرست النجاشي علي ذكر المصنّفات والأُصول، ومنها يمكن متابعة شخصيّة الراوي وعظمته.

4. قد اشتمل علي تعليقة أُستاذه الوحيد البهبهاني كاملة، وبها صار معروفاً0.

ص: 285


1- . منتهي المقال ج 1 ص 50، الرواشح السماويّة ص 60.

عند العلماء، لولا ذلك النقصان.

5. اشتمل علي بحوث دقيقة في تحقيق الرواة، وحلّ التعارض عند الجرح والتعديل، وذكر بعض القرائن علي توثيق الرواة؛ وهذه من الميزات الثلاث في هذا الكتاب(1).

6. رتّب علي طريقة الرمز، وتبع فيه معاصريه والسابقين، بل ابن داود رائد هذا الفنّ، وفي منتهي المقال طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام تمّ استخراج المصادر وإيرادها في التعليقات.

7. إنّه ضمّ فوائد تتعلّق بالرجال، ذكر فيها مسائل مفيدة يحتاج كلّ رجاليّ إليها، كمعرفة أسباب التوثيق، وهي في الحقيقة، مقدّمة أُستاذه الوحيد البهبهاني علي تعليقة منهج المقال، والمعروف بالفوائد، وهذه هي المقدّمة الخامسة من الكتاب، وتعدّ المقدّمات، والمقدّمات الأُخري ذُكِرَت بعضها في خاتمة جامع الرواة أيضاً.

8. تمّت فيه الإشارة إلي طبقة الراوي؛ أي مشايخه وتلامذته من كتاب هداية المحدّثين، وهذا الفنّ له دور في معرفة الراوي المشترك.

كما أنّ للكتاب كمالات وميزات أُخري.

وممّا جاء في كتاب منتهي المقال

والعاص بن سعيد قتله عليّ عليه السلام ببدر، ل(2).

وفي تعق: في المجالس: إنّه وأخويه خالداً وعمراً أبوا بيعة أبي بكر، وتابعوا

ص: 286


1- . تنقيح المقال ج 3 ص 28، معجم رجال الحديث ج 15 ص 106، روضات الجنّات ج 4 ص 404، الكني والألقاب ج 1 ص 124.
2- . رجال الشيخ ص 38/5، وفيه: عمر.

أهل البيت عليهم السلام، (وقالوا لهم: إنّكم لطوال الشجر، طيّبوا الثمر، ونحن تبع لكم)(1) وبعدما بايع أهل البيت كُرهاً(2)، بايعوا(3).

13 - أبان بن عبدالرحمن: أبو عبداللّه البصري، أسند عنه، ق (ره).

14 - أبان بن عبدالملك الثقفي: شيخ من أصحابنا، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام كتاب الحجّ، جشن(4).

15 - أبان بن عبدالملك الثقفي: الكوفي، أسند عنه، ق(5).

وربّما يحتمل أن يكون هذا والثقفي واحداً.

16 - أبان بن عثمان الأحمر: البجلي، أبو عبداللّه، مولاهم، أصله الكوفة، وكان يسكنها تارة والبصرة أُخري، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمّر بن المثنّي، وأبو عبداللّه محمّد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء، والنسب، والأيّام.

وروي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن(6) عليهما السلام، ست(7)، جشن، إلّاالكنية(8).

وزاد الأوّل: أخبرنا الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن النعمان رضي الله عنه والحسين بن عبيداللّه، عن محمّد بن عمر بن يحيي العلوي الحسيني، قال: حدّثنا أحمد بن3.

ص: 287


1- . ما بين القوسين لا يوجد في المصدر.
2- . لم ترد في المصدر: كرهاً.
3- . مجالس المؤمنين ص 224/1، تعليقة الوحيد البهبهاني ص 17.
4- . رجال الشيخ ص 183/151.
5- . رجال النجاشي ص 183/151.
6- . في رجال النجاشي والفهرست زيادة: موسي.
7- . الفهرست ص 62/18.
8- . رجال النجاشي ص 8/13.

محمّد بن سعيد قراءة عليه.

وأخبرنا أحمد بن محمّد بن موسي، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن زرارة، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان.

وفي صه: قال الكشّي: قال محمّد بن مسعود: حدّثني عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: كان أبان بن عثمان من الناووسيّة.

ثمّ قال أبو عمرو الكشّي: إنّ العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصحّ عن أبان ابن عثمان، والإقرار له بالفقه؛ والأقرب عندي قبول روايته - وإن كان فاسد المذهب - للإجماع المذكور(1).

وفي الكشّي ما ذكره(2).

ولا يخفي أنّ كونه من الناووسيّة، لا يثبت بمجرّد قول عليّ بن الحسن بن فضّال الفطحي، سيّما وقد عارضه الإجماع المنقول بقول الكشّي الثقة، ويؤيّده كونه من أصحاب الكاظم عليه السلام، وكثرة روايته عنه عليه السلام، وأنّه لم يفرّق أحدٌ بينها وبين روايته عن الصادق عليه السلام.

وفي تعق: ترحّم عليه في موضعين من «ست»، وهو يُعطي عدم كونه ناووسيّاً عنده(3)، كما هو الصواب، ويؤيّده روايته أنّ الأئمّة اثنا عشر(4)، وكثرة روايته عن الكاظم عليه السلام.8.

ص: 288


1- . الخلاصة ص 3/21.
2- . رجال الكشّي ص 375/352، ص 705/66.
3- . ذكر الترحّم القهبائي في مجمع الرجال ص 25/1 نقلاً عن الفهرست.
4- . الخصال ص 44/478.

وعن المقدّس الأردبيلي رحمه الله في كتاب: الكفالة من شرح الإرشاد: غير واضح كونه ناووسيّاً، بل قيل: كان ناووسيّاً. وفي «كش» الذي عندي: قيل: كان قادسيّاً أي: من القادسيّة، فكأنّه تصحيف(1)، انتهي.

وفي حاشية الوسيط من المصنّف في بعض النسخ: أنّه من القادسيّة، فلعلّ من قال بكونه ناووسيّاً، رأي كلمة: قادسيّاً، فظنّ: ناووسيّاً، أو كانت في نسخته محرّفة.

وفي المعالم: ما جرح به لم يثبت، لأنّ الأصل فيه عليّ بن الحسن بن فضّال، المتقرّر في كلام الأصحاب أنّه من الفطحيّة، فلو قبل طعنه في أبان لم يتّجه المنع من قبول رواية أبان، إذ الجرح ليس إلّالفساد المذهب، وهو مشترك بين الجارح والمجروح، انتهي.

وفي المعراج: قول عليّ بن الحسن بن فضّال لا يوجب جرحه لمثل هذا الثقة الجليل(2)، انتهي.

قلت: إلي الآن لم أطّلع علي توثيقه، وحكاية إجماع العصابة، ليست التوثيق ولا مستلزمة له، وهو رحمه الله معترف به، نعم يمكن استفادة التوثيق بالمعني الأعمّ، كما مرّ في الفوائد، فلا خلاف بينه وبين كلام عليّ بن الحسن بن فضّال، وسنشير إلي ما يشير إلي التوثيق بالمعني الأخصّ أيضاً.

قال(3): روي الصدوق في المجلس الثاني من أماليه، في الصحيح عن ابن أبي عمير، قال: حدّثني جماعة من مشايخنا، منهم أبان بن عثمان، وهشام بن».

ص: 289


1- . مجمع الفائدة والبرهان ص 323/9.
2- . معراج أهل الكمال ص 20.
3- . «قال» لم ترد في نسخة «ش».

سالم، ومحمّد بن حمران(1)؛ فتدبّر.

وأكثر ابن أبي عمير من الرواية عنه، واعتمد علي روايته الأجلّة.

وصحّح في الخلاصة طريق الصدوق إلي العلاء بن سَيَابة(2)؛ وهو فيه؛ وكذا إلي أبي مريم الأنصاري(3)، وهو فيه، لكنّه قال فيه: إنّه فطحيّ، وهو سهو من قلمه رحمه الله.

وعن المنتهي: أنّه واقفيّ (ره) وهو كسابقه، وإن صحّ إطلاق الواقفيّ علي من يقف علي الصادق عليه السلام، ولكن لم يُعْهَد.

وقال شيخنا البهائي رحمه الله: قد يطلق المتأخّرون - كالعلّامة - علي خبر أبان ونحوه، اسم الصحيح، ولا بأس به(4)، انتهي.

ومنه يظهر الجواب عمّا اعترض علي خَالَي العلّامة رحمه الله بأنّه يُعدّ حديثه صحيحاً، بناءً علي الإجماع المذكور، مع قوله فيه بأنّه موثّق(5).

مع أنّ اختلاف رأي المجتهد، فبابه مفتوح، وتصحيح حديثه غير معلوم كونه في زمان حكمه بالموثّقيّة.

هذا، ويروي عنه: ابن أبي نصر، وجعفر بن بشير، والأوّل لا يروي إلّاعن ثقة، والثاني روي عن ثقات، ورووا عنه. ويروي عنه أيضاً: الوشّاء كثيراً، وكذا فضالة.0.

ص: 290


1- . أمالي الصدوق ص 2/15.
2- . الخلاصة ص 280.
3- . نفس المصدر، ص 277.
4- . منتهي المطلب ص 763/2.
5- . مشرق الشمسين ص 270.

وفي كلّ ذلك شهادة علي صحّة الإجماع المُدّعي، لا سيّما بعد ملاحظة الإكثار من الرواية عنه، وكون كثير من رواياته مُفتي بها، وإنّ كثيراً منها ظهر أو علم صدقه من الخارج.

وفي ترجمة الحسن بن عليّ بن زياد، ما يظهر منه قوّة كتابه، وصحّته(1).(2)

أقول: ذكره الفاضل الشيخ عبدالنبيّ الجزائريّ في قسم الثقات، ثمّ في قسم الموثّقين، مع إدراجه كثيراً من الممدوحين، بل والموثّقين في قسم الضعاف.

وقال عند ذكره أوّلاً: وممّا يرجع الاعتماد عليه أيضاً: إجازة الصادق عليه السلام له الرواية عنه بواسطة أبان بن تغلب، كما في عبارة الفقيه(3).

ثمّ قال: وبالجملة، روايته لا تقصر عن الصحيح(4).

وقال عند ذكره في القسم الآخر: وذكرناه هنا، لما قيل: إنّه ناووسيّ، كما اعتمده جماعة من المتأخّرين رحمهم الله، انتهي.

ويظهر منه أنّ من سوي جماعة من المتأخّرين يقول بوثاقته، وعدم ناووسيّته، كما صرّح به قُبَيل كلامه هذا حيث قال - بعد نقل ما اشتهر نقله من سؤال فخر المحقّقين والده العلّامة، أجزل اللّه إكرامه وإكرامه عن أبان، وقوله:2.

ص: 291


1- . رجال النجاشي ص 80/39، وفيه: طلب أحمد بن محمّد بن عيسي من الوشّاء إجازة كتاب أبان بن عثمان.
2- . تعليقة الوحيد البهبهاني ص 17.
3- . في نسخة «ش» زيادة: حيث قال: قال عليه السلام - أي الصادق عليه السلام - لأبان بن عثمان: ائت أبان بن تغلب، قد روي عنّي رواية كثيرة، فما رواه لك عنّي فاروه عنّي، انتهي، فتأمّل. الفقيه - المشيخة - ص 23/4.
4- . حاوي الأقوال ص 97/32.

الأقرب عدم قبول روايته، لقوله تعالي «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ»(1) الآية، ولا فسق أعظم من عدم الإيمان - ما لفظه:

الظاهر أنّ حكمه بعدم إيمانه لقول ابن فضّال، وأنت خبير بحال ابن فضّال هذا، فلا يعارض قوله الإجماع المذكور الثابت بنقل الكشّيّ، علي أنّ مَن قَبِل كلام ابن فضّال، يلزمه قبول قول أبان، لاشتراكهما في عدم الإيمان، وتصريح الأصحاب بتوثيقهما(2)، انتهي.

وما سبق في «تعق» من قوله: حكاية إجماع العصابة إلي آخره، ومن العجيب بعد ذكره آنفاً في معني هذا الإجماع عن بعض: الإجماع علي توثيق الجماعة، وهو الذي اختاره جماعة، فيكون أبان ثقة عند كلّ مَن فسّر العبارة المذكورة بالمعني المذكور، بل وعند من فسّرها بالمعني المشهور أيضاً، لما سيعترف به دام فضله في ترجمة السكوني مِن أنّ الأصحاب رحمهم الله لا يجمعون علي العمل برواية غير الثقة، وأنّ من ادّعي الإجماع علي العمل بروايته، ثقة عند أهل الإجماع؛ فتدبّر.

وفي «مشكا»: ابن عثمان الناووسي المجمع علي تصحيح ما يصحّ عنه، عنه:

عبّاس بن عامر، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وسنديّ بن محمّد البزّاز، وبكر ابن محمّد الأزدي، ومحمّد بن سعيد بن أبي نصر، والحجّال، وجعفر بن بشير، وأيّوب بن الحرّ - لم أجد روايته عنه - لكن شيخنا ذكرها، وهي تحتمل، لأنّهما في طبقة واحدة لرواية ابن الحُرّ(3)، ومحسن بن محمّد(4)، والحسن بن عليّ ي.

ص: 292


1- . الحجرات/ 6.
2- . حاوي الأقوال ص 97/32.
3- . «لرواية ابن الحُرّ» لم ترد في المصدر.
4- . في المصدر: محسن بن أحمد، وبكر بن محمّد الأزدي.

الوشّاء عنه، وعنه فضالة بن أيّوب، والقاسم بن محمّد الجوهري، وعليّ بن الحكم الكوفي، وظريف بن ناصح، وصفوان بن يحيي، وعبداللّه بن المغيرة، ومحمّد بن أبي عمير، وعبيس بن هشام.

وفي التهذيب، رواية أحمد بن حمزة والقاسم بن محمّد، عن أبان بن عثمان(1).

وهو سهو؛ لأنّ المعهود المتكرّر توسّط فضالة بن أيّوب بينهما.

ووقع فيهما رواية موسي بن القاسم، عن أبان بن عثمان رحمه الله أيضاً في مواضع.

وهو سهو أيضاً.

ويظهر بالتصفّح أنّ الواسطة المحذوفة بينهما: عبّاس بن عامر، فإنّه واقع بينهما كثيراً.

وفي التهذيب في كتاب الحجّ، سند هذه صورته: محمّد بن القاسم، عن أبان، عن عبدالرحمن، عن الصادق عليه السلام(2).

قال في المنتقي: ومحلّ التصحيف فيه هو قوله(3): محمّد بن القاسم، فإنّ كونه تصحيفاً لموسي بن القاسم، ممّا لا ريب فيه. وفي الطريق خلل آخر مرّت له نظائر وهو ترك الواسطة بين موسي وأبان، والممارسة تقضي بثبوتها، وقد بينّا فيما سلف أنّ المستفاد من القرائن الكثيرة في مثله كون الواسطة بينهما: عبّاسه.

ص: 293


1- . التهذيب ج 1 ص 190/75.
2- . نفس المصدر، ج 5 ص 1426/41.
3- . في هداية المحدّثين: قوله.

ابن عامر(1)، انتهي.

ويعرف أيضاً بروايته عن أبي بصير - كأبان بن تغلب - وعن أبي مريم عبدالغفّار، وعن الحارث بن المغيرة، وبريد بن معاوية بن عمّار(2)، ومحمّد الحلبي، وزرارة، وإسماعيل بن الفضل، وعبدالرحمن بن أبي عبداللّه، والفضيل ابن يسار، وأبي العبّاس الفضل بن عبدالملك، وعن ميسر(3)، انتهي(4).

4. منهج العلياري في بهجة الآمال

اشارة

4. منهج العلياري(5) في بهجة الآمال

تأليف المولي عليّ العلياري، ألّفه في خمسة مجلّدات كبار (بسبعة أجزاء)، ثلاثة منها شرح بسيط لزبدة المقال، واثنان شرح لمنتهي المقال، وهي منظومة للشارح تَتِمّ بها منظومة البروجردي، والكتاب مشتمل علي مقدّمة، ويضمّ أحد عشر فصلاً، والفصل الحادي عشر في أصحاب الإجماع.

وأمّا منهجه فهو منهج الإسترآبادي والوحيد، ولم يزد عليهما في منهجه شيئاً.

فمن خصائص كتابه والملاحظات عليه:

1. إعتماده علي نصوص الأئمّة عليهم السلام في التوثيق والتضعيف، ثمّ علي نصوص الرجاليّين كالنجاشي والطوسي والعلّامة.

2. إعتبار توثيقات المتقدّمين والمتأخّرين.

ص: 294


1- . منتقي الجمان ص 478/3.
2- . في المصدر: أو معاوية بن عمّار.
3- . هداية المحدّثين ص 7.
4- . منتهي المقال ج 1 ص 137-143.
5- . راجع: ترجمة بهجة الآمال ج 1 المقدّمة بقلم المرحوم آية اللّه العظمي السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي.

3. إنّه قام بتجميع القرائن، واستخراج الموثوق منها.

4. إنّه مملوء بالرموز.

5. قد استعان مؤلّفه بجميع المؤلّفات الرجاليّة، من القدماء إلي المتأخّرين، فهو بهذا موسوعة رجاليّة.

6. لم يكتف مؤلّفه بذكر الأقوال وحدها بل اجتهد ببيان آرائه في الرجال، فمن جملة ما قام و صرّح وبتّ به:

الف: تعيين الأقوي من الأقوال عند تعارض الجرح والتعديل.

ب: تعيين الراوي المشترك من القرائن كالإسناد، والمشايخ، والطبقات ومتون الروايات.

ج: بيان وشرح كلّ عبارة مشكلة مغلقة في كتب الرجال.

د: السعي والاجتهاد في إخراج المهملين والمجهولين من حالة الإهمال والجهالة إلي حالة التوثيق، كما هو إنجاز المحقّق الرجالي، وبهذا فهو مخالف لما قام به الحائري في كتابه من عدم ذكر المجهولين والمهملين، فهو لم يكتف بذكر أسمائهم فقط، بل قام بذكر أسباب التوثيق والتعديل لهم، بقدر المستطاع.

7. ضبط الأسماء من الرجال والبلاد وغيرها بالحركات، وتوضيح إذا كان هناك من اللغات وأسماء البلاد يحتاج إلي توضيح.

8. الإشارة إلي اختلاف النسخ، وبيان الأصحّ فيها، وخروج العبارات من الغموض والإبهام.

9. الاعتماد في جمع القرائن علي الكتب الحديثيّة والفقهيّة والرجاليّة والتأريخيّة، وتناول كلّ ما يساعد علي الوصول إلي المقصود.

ص: 295

نصٌّ نموذجيّ من كتاب بهجة الآمال

الفصل المتمّم للعشرين: في حمّاد، وفيه سبعة رجال.

ابن أبي طلحة حمّاد ثقة ثمّ الكشّي مدح السمندي حقّقه

حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابريّ، كوفيّ، ثقة، له كتاب يروي عنه جماعة منهم: أحمد بن أبي بشر، أخبرنا أحمد بن محمّد بن هارون، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا محمّد بن سالم بن عبدالرحمن، قال: حدّثنا أحمد بن أبي بشر، عن حمّاد «جش»(1).

وفي «صه»: حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري، كوفيّ، ثقة، انتهي(2).

وفي «ق»: حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري.

وفي «د»: حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري، كوفيّ، ثقة ثقة، انتهي(3).

وفي الوجيزة: حمّاد بن أبي طلحة، ثقة(4).

وفي «مشكا»: ابن أبي طلحة الثقة، عنه أحمد بن أبي بشر، وهو عن زرارة.

وفي «تعق»: لا يبعد اتّحاد كثير ممّن سمّي بالحمّاد بالآخر ممّا نقل عن «جخ» لما مرّ في آدم بن المتوكّل وإبراهيم بن صالح وغيرهما، انتهي.

حمّاد السمندي: قال الشيخ في الرجال: حمّاد بن عبدالعزيز السمندي الكوفيّ «ق».

وقال النجاشي عند ذكر الفضل بن أبي قرّة: إنّ السمند بلد في آذربايجان.

ص: 296


1- . رجال النجاشي ص 104.
2- . خلاصة الأقوال ص 57 طبع النجف، 29 طبع طهران.
3- . رجال ابن داود ص 130.
4- . الوجيزة ص 11.

وفي «صه»: حمّاد السمندي (بالسين غير المعجمة والنون بعد الميم والدال المهملة): روي الكشّيّ حديثاً عن الصادق عليه السلام في طريقه شريف بن سابق التفليسي وقد ضعّفه ابن الغضائري أنّه كان يذكر أمر أهل البيت عليهم السلام ببلاد الشرك ولا يذكر ببلاد الإسلام، حشر أُمّة وحده، وسعي نوره بين يديه، وهذا الحديث من المرجّحات لأنّه من الدلائل علي التعديل، انتهي(1).

وعليها بخطّ الشهيد الثاني في كتاب شيخ السمندلي، وسمّاه أبا عبدالعزيز، انتهي.

وفي الوسيط: كان كوفيّاً، وكان متجره بسمند الخزر.

وفي «د»: حمّاد السمندري «ق، كش» ممدوح، ولم أر في رجال الصادق عليه السلام إلّاحمّاد بن عبدالعزيز السمندلي (باللّام) بخطّ الشيخ رحمه الله، انتهي(2).

وفي «كش»: حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن النهدي الكوفي، عن معاوية بن حكيم الدهني، عن شريف بن سابق التفليسي، عن حمّاد السمندري قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي أدخل إلي بلاد الشرك وأنّ مَن عندنا يقولون: إن مِتَّ ثمّ حشرت معهم. فقال لي: يا حمّاد، إذا كنت ثمّ تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قلت: بلي. قال: فإذا كنت في هذه المدن مدن الإسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قلت: لا، قال فقال لي: إنّك إن مُتّ ثمّ حشرت أُمّة وحدك، وسعي نورك بين يديك، انتهي(3).3.

ص: 297


1- . الخلاصة ص 29 طبع طهران، 57 طبع النجف، وفيهما: حمّاد السمندري، اختيار معرفة الرجال ص 635/343، منتهي المقال ج 3 ص 112.
2- . رجال ابن داود ص 131.
3- . رجال الكشّي ص 635/343.

وفي منتهي المقال: أقول: في نسختين عندي من «جخ»: السمندلي، إلّاأنّ في الاختيار: السمندري، وكذا في «طس».

وفي الوجيزة: وابن عبدالعزيز السمندي(1) بلا راء ولام، وكيف كان فهما واحد كما يفهم من: د، و: ز، أي من زين الدين، فإنّه كتب علي «صه» بخطّه رحمه الله، كما سبق، انتهي. فهو يذكر نصوص الرجاليّين أوّلاً، ويضبط اسم الراوي ثانياً ووثاقته ثالثاً؛ اعتماداً علي النصوص، ويستقصي الأقوال رابعاً، ويبحث عن العناوين المختلفة، واتّحاد معنوناتها خامساً، وبهذا فهو موسوعة في آراء العلماء في الراوي.

وابن شعيب بن نمير صدّقه أمّا ابن ضخمة ففي «جخ» وثّقه

حمّاد بن شعيب أبو شعيب الحمّاني الكوفي أسند عنه «ق، جخ».

وفي «صه»: حمّاد بن شعيب أبو شعيب الحمّاني (بالحاء المهملة والميم المشدّدة والنون بعد الألف) الكوفي، قال ابن عقدة عن محمّد بن عبداللّه بن أبي حكيمة، عن ابن نمير، إنّه صدوق، وهذه الرواية من المرجّحات أيضاً، انتهي(2).

وفي «تعق» فيه ما مرّ من الفائدة الثالثة، وفي «دق، جخ» ممدوح، انتهي.

وكان المدح ليس من المنقول عمّا دلّ عليه العلّامة، كذا في منهج المقال.

حمّاد بن ضخمة الكوفي، روي عنه وهب بن حفص وكان ثقة «ق».

وفي «صه»: حمّاد بن ضخمة (بالضاد المعجمة المفتوحة، والخاء المعجمةن.

ص: 298


1- . الوجيزة ص 11.
2- . الخلاصة ص 57 طبع طهران.

ثمّ الميم) الكوفي، روي عنه وهيب بن حفص، وكان ثقة، انتهي(1).

وفي «د»: ابن صمحة (بالمهملة وتسكين الميم والحاء المهملة) الكوفي، كذا رأيته بخطّ بعض مشايخنا، وبعض أصحابنا ضبطه بالمعجمتين «ق، جخ».

وعلي «صه» بخطّ الشهيد الثاني: لم يذكر المصنّف وهيب بن حفص في الكتاب، وقد ذكره النجاشي وقال: إنّه روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام ووقف عليه وكان ثقة، وكيف كان، فذكر المصنّف هنا رواية وهيب بن حفص عن حمّاد، لا يظهر له فائدة بجهالة حال المذكور أو ضعفه بالوقف، انتهي.

ولا يخفي أنّ ذلك عبارة الشيخ في كتاب الرجال، والظاهر أنّه نقله كما هو لاحتمال أن يكون المراد توثيق وهيب بن حفص لا حمّاد؛ فتأمّل. علي أنّه ربّما يظهر له فائدة فإنّه يصلح قرينة علي التعيين في بعض الأوقات.

وفي «تعق» قوله: «لاحتمال أن يكون إلخ» لا يقال، فما الوجه في ذكره في القسم الأوّل؛ لأنّ الظاهر، كونه توثيق حمّاد لذكره في عنوانه، وهو يكفي لما مرّ في الفائدة الأُولي، انتهي.

وفي «مشكا»: ابن ضخمة الثقة، عنه وهيب بن حفص.

وفي الوجيزة: وابن ضخمة ثقة(2). فإنّه قد ذكر أوّلاً أنّ حمّاد بن شعيب ممدوح لا موثّق، فحديثه حسن، لا صحيح، ثمّ ذكر ثانياً أنّ لقبه الحمّاني وذكر ضبطه، وثالثاً ظهر من خلال تطوّر كتب علم الرجال أنّه غير مذكور في جوامع المتقدّمين إلّارجال الشيخ، ورابعاً أنّه قد ذكر في كتب المتأخّرين، ومدحهة.

ص: 299


1- . خلاصة الأقوال ص 28 طبع طهران، 55 طبع النجف.
2- . الوجيزة.

منقول عن ابن عقدة لا عن اجتهاد العلّامة.

ثمّ ابن عثمان حمّاد «ق و ضا» «جش» سبط عمرو ثقة ومرتضي

وفي بعض النسخ بدل البيت هكذا:

أمّا ابن ضخمة ففي «جخ» وثقه ظم ضا ابن عثمان بن عمرو جش ثقه

سبط زياد وهو بالناب اشتهر «جش» ثقة، كش ست وطق صح معتبر

وفي بعض النسخ بدل البيت هكذا:

سبط زياد كش ست الناب ثقه قد أجمعوا صحّة طق محقّقه

حمّاد بن عثمان الناب، ثقة جليل القدر، له كتاب، أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه، والحميري عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان. وأخبرنا ابن ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، والحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن عثمان.

وفي «صه»: حمّاد بن عثمان الناب، ثقة، جليل القدر، من أصحاب الرضا، ومن أصحاب الكاظم عليهما السلام، والحسين أخوه وجعفر أولاد عثمان بن زياد الرواسي فاضلون، خيار، ثقات، قاله الكشّيّ عن حمدويه عن أشياخه، قال:

وحمّاد ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه،

ص: 300

انتهي(1).

وفي «ق»: حمّاد بن عثمان ذوالناب، مولي غني، كوفيّ.

وفي «ظم»: ابن عثمان لقبه الناب، مولي الأزد كوفيّ، له كتاب.

وفي «ضا»: ابن عثمان من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، انتهي.

وفي «كش»: حمدويه قال: سمعت أشياخي يذكرون أنّ حمّاداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي، وحمّاد يُلقَّب بالناب، كلّهم ثقات خيار فاضلون، حمّاد بن عثمان مولي غني، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة، انتهي.

وأمّا عبارته في نقل الإجماع فقد سبقت في جميل وأبان.

وفي «د»: حمّاد بن عثمان الناب «ق، ظم، ضا، جخ، ست» يعرف بالناب، كان يسكن عرزم، يُنسب إليها، هو وأخوه عبداللّه ثقتان، رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، واختصّ حمّاد بروايته عن «ظم و ضا»، مات سنة تسعين ومائة بالكوفة، وحسين أخوه خيّر فاضل، وحمّاد ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، انتهي.

وفي الوجيزة: وابن عثمان الناب ثقة أجمعت العصابة.

وفي «تعق»: حمّاد بن عثمان الناب، وفي «كش» إلي قوله: حمّاد بن عثمان مولي غني إلخ. الظاهر من العبارة كونه غير الناب، ولا يبعد كونه الفزاري بقرينة موته في الكوفة في السنة المذكورة في كليهما. وفي حاشية التحرير بخطّه:

وفي نسخة معتبرة للكشّيّ عليها خطّ للسيّد جعل حمّاد الثاني يعني مولي غني بصورة العنوان علي وجه يقتضي المغايرة بينه وبين الأوّل، انتهي. وعبارة السيّدب.

ص: 301


1- . خلاصة الأقوال ص 56 طبع طهران، وفيه وفي طبع النجف: حمّاد بن عثمان الباب.

المذكورة في التحرير أظهر من عبارة «كش» في التعدّد، انتهي.

حمّاد بن عثمان بن عمرو (بفتح العين) بن خالد الفزاري العرزمي (بفتح العين المهملة وإسكان الراء وفتح الزاي) كان يسكن عند عرزم فنسب إليها، كذا في إيضاح الاشتباه.

وفي «جش»: حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم، كوفيّ، كان يسكن عرزم فنسب إليها، هو وأخوه عبداللّه ثقتان رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام، وروي حمّاد عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام، ومات حمّاد بالكوفة سنة تسعين بعد المائة، ذكرهما أبو العبّاس في كتابه، وروي عنه جماعة منهم أبو جعفر بن الوليد بن خالد الخزّاز البجلي، أخبرنا أبوالحسن أحمد بن محمّد الجندي، قال:

حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثنا عبداللّه بن جعفر، قال: حدّثنا محمّد ابن الوليد بكتاب حمّاد بن عثمان، انتهي.

وعن شيخنا البهائي رحمه الله في حاشية «جش»: الظاهر أنّ حمّاد هو حمّاد الناب وأنّ ما ظنّه العلّامة في الخلاصة من تعدّدهما وَهْم، كما يظهر من تتبّع كتب الرجال، وقد تبع ابن داود العلّامة في أنّهما اثنان، انتهي.

وفي «صه»: حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم، كوفيّ، كان يسكن عرزم فنُسب إليها، وأخوه عبداللّه ثقتان، رويا عن أبي عبداللّه عليه السلام وروي حمّاد عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام ومات حمّاد بالكوفة رحمه اللّه تعالي سنة تسعين بعد المائة، ذكرهما أبوالعبّاس في كتابه، انتهي.

وفي الوجيزة: وابن عثمان الفزاريّ ثقة.

وفي «تعق» قوله «ذكرهما أبوالعبّاس» يحتمل إرادة نفس ذكرهما، وكون

ص: 302

باقي ما ذكره منه نفسه، ويحتمل إرادة الجميع، ربّما يتأمّل في ثبوت التوثيق بمثل هذا الاحتمال كون أبي العبّاس بن عقدة، ومرّ الجواب عنه في ترجمة حفص بن البختري وغيره. وقال جدّي: والذي يظهر أنّه واحد، يعني اتّحاد ابن عثمان بن عمرو مع الناب الآتي. ثمّ قال: لتاريخ الموت ولعدم ذكر «جش» والشيخ إلّاواحداً.

أقول: الظهور لعلّه محلّ تأمّل، بل ربّما يظهر التعدّد كما هو عند أصحاب الرجال، واعترف هو لمغايرة الجدّ فيها، وكذا اللقب والنسبة والأخ، فإنّ الظاهر من «جش» أنّ عبداللّه هو أخوه المشهور الثقة، فكيف لم يتعرّض له «كش»، والظاهر منه انحصار الأخ المشهور المعتدّ به في جعفر والحسين ولم يتعرّض لواحد منهما «جش» ولم يُعلم اتّحاد مولي الغني مع الناب، وإن كان هذا هو الظاهر من «ق» لأنّ الظاهر من «كش» تغايرهما وكذا من السيّد، كما سنشير إليه، ويحتمل أن يكون التوهّم من الشيخ، أو كان ذلك تأييداً للمحتمل في بداية الأمر، كما أشرنا إليه في إبراهيم بن صالح علي أنّه علي تقدير اتّحادهما فالحكم بالاتّحاد هو حاصل، ذلك بعد ملاحظة ما ذكرنا، لعلّه لا يخلو عن شيء؛ فتدبّر.

نعم، لا يبعد اتحاده مع مولي غني بقرينة الموت في الكوفة في السنة المذكورة في كليهما، إلي آخر ما مرّ؛ فتأمّل.

وذكر «جش» والشيخ الوحيد من التعدّد وعدم تعرّضهما لما تعرّض له الآخر من الكثرة بمكان؛ فتأمّل.

ولعلّ الفائدة تظهر من حكاية التوثيق وكيفيّته عند من يتأمّل في مثل المقام كما أشرنا إليه، وكذا في حكاية إجماع العصابة؛ فتأمّل، انتهي.

ص: 303

وفي منتهي المقال: أقول: في نسختي من الاختيار: حمّاد الثاني مكتوب بالحمرة وكذا في «طس»، ويؤيّد اتّحاد مولي غني مع الفزاري أنّ غني حيّ من غطفان، وفزارة أبو قبيلة من غطفان، صرّح بهما في القاموس.

وفي «مشكا»: ابن حمّاد الناب الثقة عنه ابن أبي عمير، والحسن بن عليّ الوشّاء، وابن عليّ بن فضّال، والحجّال، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وروت جماعة كثيرة غير هؤلاء المذكورين عنهما كفضالة بن أيّوب، وجعفر بن بشير، وثعلبة بن ميمون، وجعفر بن محمّد بن يونس؛ تركتهم لعدم الحاجة إلي ذكرهم؛ فتدبّر، ويروي عن الصادق والرضا عليهما السلام أيضاً لأنّه معدود من رواتهم، ويفرق بينه وبين السابق بالقرينة.

وكرّر في الكافي: إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عثمان، وصوابه: ابن أبي عمير عن حمّاد كما هو الشائع المعهود، وفيه في باب النفر من مني: معاوية بن عمّار، عن حمّاد، عن الحلبي، وفي المنتقي: صوابه: وعن حمّاد.

وبالجملة؛ الطريق علي ما قاله الناظم رحمه الله إلي حمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عمرو، صحيح، ولا يخفي علي المتأمّل أنّ الطريق إلي حمّاد بن عمرو في وصيّة النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام ضعيف.

وصيّة النبي صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام:

وخلاصة ما ذكره المؤلّف أوّلاً: أنّه استقصي أقوال الرجاليّين في حمّاد من القدماء إلي المتأخّرين، وهذا موضوع لم يوجد حتّي في مثل تنقيح المقال، فقد بحث المؤلّف أكثر ممّا يتوقّع من رجاليّ، وكأنّه عزم علي ذكر الأقوال مستقصياً من الأوائل إلي الأواخر.

ص: 304

ثانياً: أشار إلي اختلاف نسخ المتن عند الشارح.

ثالثاً: أشار إلي الاختلاف في كلمات الرجاليّين.

رابعاً: أشار إلي طبقة الراوي وكونه من أصحاب أيّ إمام عليه السلام.

خامساً: ذكر أقوال الرجاليّين ممّن كان قريب من عصره كأبي علي الحائري (1216 ه ق) في منتهي المقال.

سادساً: استعان بكتب الرجال في اختلاف نسخ جوامع المتقدّمين.

سابعاً: استعان من بحوثهم في شرح بعض عبارات المتقدّمين كشرح اللغات والأحياء.

ثامناً: صرّح بأنّ بعض طرق الحديث فيها إرسال خفيّ لمّا أشار إلي طبقة الراوي، والاهتمام بطبقة الراوي يُعين الفقيه علي معرفة الإرسال الخفيّ.

تاسعاً: قام بتصحيح الطرق وتضعيفها.

حمّاد الوجه ابن عيسي وثقا قد أجمعوا «كش» بدعا ظم رزقا

وفي بعض النسخ، بدل البيت هكذا:

ثمّ حمّاد ابن عيسي وثقا في «جش» و «ست، كش» بدعا ظم رزقا

طق صحّ للشيخ عليه أجمعوا فصحّحوا جميع ما قد سمعوا

حمّاد بن عيسي الجهني، غريق الجحفة رحمه الله ثقة، له كتاب النوادر، وله كتاب الزكاة، وكتاب الصلاة.

أخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي

ص: 305

عبداللّه، عن أبيه، عن حمّاد، ورواه ابن بطّة عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عبدالرحمن بن أبي نجران وعليّ بن حديد بن عيسي.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن أبي القاسم الكوفي، عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد «ست».

وفي «جش»: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني مولي، وقيل: عربيّ أصله من الكوفة وسكن البصرة، وقيل: إنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام عشرين حديثاً وعن أبي الحسن الرضا عليهما السلام ومات في حياة أبي جعفر الثاني عليه السلام، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه صدوقاً، قال: سمعت عن أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل أُدخل الشكّ علي نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين، وله حديث مع أبي الحسن موسي عليه السلام في دعائه بالحجّ. وبلغ من صدقه، أنّه روي عن جعفر بن محمّد، وروي عن عبداللّه ابن المغيرة وعبداللّه بن سنان، وعبداللّه بن المغيرة عن أبي عبداللّه عليه السلام، له كتاب الزكاة أكثره عن حريز وبشير عن الرجال، أخبرنا به الحسين بن عبيداللّه، قال:

حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفيان، قال: حدّثنا حميد بن زياد، قال: حدّثنا محمّد ابن عبداللّه بن غالب، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الزعفراني، عن حمّاد به.

وكتاب الصلاة له، أخبرنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال:

حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن ناجية، قال الحسن بن فضّال - ورجل يقرأ عليه كتاب حمّاد في الصلاة -: قال أحمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتاباً فيه عبر ومواعظ وتنبيهات علي منافع الأعضاء من الإنسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد، وترجمته: مسائل التلميذ

ص: 306

وتصنيفه، عن جعفر بن محمّد بن عليّ، وتحت الترجمة بخطّ الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، تلميذ حمّاد بن عيسي، وهذا الكتاب له، وهذه المسائل مسائل سأل عنها جعفراً عليه السلام وأجاب عنه.

وذكر ابن شيبان أنّ عليّ بن حاتم أخبره بذلك عن أحمد بن إدريس، قال:

حدّثنا محمّد بن عبدالجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الطائي رفعه إلي حمّاد، وهذا القول ليس بثبت، والأوّل من سماعة من جعفر أثبت، ومات حمّاد ابن عيسي غريقاً بوادي قناة وهو واد يسيل من الشجرة إلي المدينة، وهو غريق الجحفة في سنة تسع ومائتين، وقيل: سنة ثمان ومائتين، وله نيّف وتسعون سنة رحمه الله، انتهي.

وفي «صه»: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني البصري، مولي، وقيل:

عربيّ، أصله من الكوفة، سكن البصرة، كان متحرّزاً في الحديث، روي عن أبي عبداللّه عشرين حديثاً، وعن أبي الحسن الرضا عليهما السلام، ومات في حياة أبي جعفر الثاني، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام، ولا عن أبي جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه صدوقاً، قال: سمعت عن أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل أُدخل الشكّ علي نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين، دعا له أبو عبداللّه عليه السلام بأن يحجّ خمسين حجّة فحجّها وغرق بعد ذلك وهو في سنة تسع ومائتين، وكان من جهينة، ومات بوادي قناة بالمدينة، وهو واد يسيل من الشجرة إلي المدينة، وهو غريق الجحفة، وله نيّف وتسعون سنة رحمه الله. قال الكشّيّ: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، وأقرّوا له بالفقه في الآخرين، انتهي.

ص: 307

وفي «د»: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني «ق، ظم، ضا»، أصله كوفيّ، بقي إلي زمن الرضا عليه السلام، ذهب السيل به في طريق مكّة بالجحفة، ثقة مولي، وقيل: عربيّ «جش»، لم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام، دعا له أبو الحسن الأوّل بالدار والزوجة والولد والخادم والحجّ خمسين سنة فبلغ ذلك، فلمّا حجّ في الحادية والخمسين غرق في الوادي، حيث أراد غسل الإحرام، عاش نيّفاً وتسعين سنة، ومات سنة تسع ومائتين بوادي قناة بالمدينة وهو وادٍ يسيل من الشجرة إلي المدينة، انتهي.

وبالجملة له كتاب روي عنه محمّد بن إسماعيل الزعفراني، وعبداللّه بن محمّد بن ناجية، وروي هو عن جعفر بن محمّد، وعبداللّه بن سنان، وعبداللّه ابن المغيرة عن «ق، جش»، وعن «جخ»، بقي إلي زمان الرضا عليه السلام، ذهب به السيل في طريق مكّة بالجحفة، بصريّ، ثقة «ق، ظم».

وعن حمدويه، عن العبيدي، عن حمّاد بن عيسي قال: دخلت علي أبي الحسن الأوّل - يعني الكاظم عليه السلام - فقلت له: جعلت فداك، اُدع اللّه لي أن يرزقني داراً وزوجة وولداً وخادماً والحجّ في كلّ سنة. فقال: اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد وارزقه داراً وولداً وزوجة وخادماً والحجّ خمسين سنة. قال حمّاد: فلمّا شرط خمسين سنة علمت أنّي لا أحجّ أكثر من خمسين سنة، قد رُزِقت كلّ ذلك وحججت ثمان وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي قد رزقت كلّ ذلك، فحجّ بعد هذا الكلام حجّتين تمام الخمسين، ثمّ خرج بعد الخمسين حاجّاً فزامل(1) أباس.

ص: 308


1- . المزاملة المعادلة علي البعير، والزميل الرديف - س.

العبّاس النوفلي القصير، فلمّا صار في موضع الإحرام دخل ليغتسل فجاء الوادي فحمله فغرّقه الماء قبل أن يحجّ زيادة علي الخمسين رحمه الله، «كش».

وروي عنه الحسين بن سعيد وإبراهيم بن هاشم، وروي عن معاوية بن عمّار كما يظهر من التهذيب وغيره.

وفي «تعق»: في كشف الغمّة عن أُميّه بن عليّ القيسي قال: دخلت أنا وحمّاد ابن عيسي علي أبي جعفر عليه السلام بالمدينة لنودّعه، فقال لنا: لا تخرجا اليوم وأقيما إلي غد. فلمّا خرجنا من عنده، قال لي حمّاد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي (لأنّهم لم يفهموا منه الوجوب بل كونه لمصلحة لهم). فقلت: أمّا أنا فأُقيم، فخرج حمّاد فجري الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيالة، انتهي.

وأشرنا في الحسين بن خالد، عدم ضرر أمثال ذلك بالنسبة إلي الثقات وغيرهم، ويظهر ممّا ذكرنا هنا أنّه غريق بالمدينة، كما هو المشهور والمذكور عن الكشّيّ، انتهي كلام «تعق».

أقول: لعلّ الظاهر بدل «كش»، «جخ» كما هو الظاهر.

وفي القاموس: سيالة كسحالة، موضع بقرب المدينة علي مرحلة.

وفي «مشكا»: ابن عيسي عنه محمّد بن إسماعيل الزعفراني، والحسين بن سعيد، وإبراهيم بن هاشم، وعبدالرحمن بن أبي نجران، وعليّ بن حديد.

وفي «يب» في الأذان إبدال عبدالرحمن بعبداللّه ولا ريب أنّه سهو، وعنه إسماعيل بن سهل، ومحمّد بن عيسي، وعليّ بن السندي وهو عن حريز وربعي بن عبداللّه، وأحمد بن محمّد بن عيسي، ويونس بن عبدالرحمن، ومعاوية بن عمّار.

ص: 309

الرضا عليه السلام ليس في محلّه.

ومنها: ما صدر عن العلّامة رحمه اللّه تعالي حيث قال في «صه» دعا له أبو عبداللّه عليه السلام أن يحجّ خمسين حجّة، ووافقه السيّد ابن طاووس أيضاً، وقد عرفت من «كش» و «جش» أنّ الدعاء المذكور هو من مولانا أبي الحسن الأوّل عليه السلام.

ومنها: ما صدر عن ابن داود فإنّه قال: حمّاد بن عيسي أبو محمّد الجهني «ق، م، ضا» أصله كوفيّ، بقي إلي زمن الرضا عليه السلام، ذهب السيل به في طريق مكّة بالجحفة، مولي، وقيل عربيّ «جش» لم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام «كش» حيث غرّاني إلي «كش» ما في «جش» وبالعكس.

وثانيهما: توضيح ما ذكره «كش» في ترجمة حمّاد، فنقول: إنّه قال بعد ما مرّ نقله: وله حديث مع أبي الحسن عليه السلام في دعائه بالحجّ وبلغ من صدقه أنّه روي عن جعفر بن محمّد، وروي عن عبداللّه بن المغيرة، وعبداللّه بن سنان، وعبداللّه ابن المغيرة، عن أبي عبداللّه عليه السلام كتاب الزكاة أكثره عن حريز وبشير عن الرجال أخبرنا به عبيداللّه قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفيان، قال: حدّثنا حميد بن زياد، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن غالب، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الزعفراني، عن حمّاد به.

وكتاب الصلاة له: أخبرنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن ناجية، قال الحسن بن فضّال ورجل يقرأ عليه كتاب حمّاد في الصلاة، قال أحمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتاباً فيه عبر ومواعظ وتنبيهات علي منافع الأعضاء من

ص: 310

الإنسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد، وترجمته: مسائل التلميذ، وتصنيفه عن جعفر بن محمّد بن عليّ، وتحت الترجمة بخطّ الحسين بن أحمد ابن سفيان القزويني تلميذ حمّاد بن عيسي، وهذا الكتاب له، وهذه المسائل مسائل سأل عنها جعفراً عليه السلام وأجاب عنه.

وذكر ابن شيبان أنّ عليّ بن حاتم أخبره بذلك عن أحمد بن إدريس، قال:

حدّثنا محمّد بن الحسين الطائي رفعه إلي حمّاد، وهذا القول ليس بثبت، والأوّل من سماعة من جعفر أثبت، انتهي.

ونحن نتصدّي أوّلاً لتوضيح قوله: «له كتاب الزكاة إلخ» ثمّ نعود إلي قوله «وبلغ إلخ» فنقول: لفظة «بشير» في بعض النسخ (بالباء الموحّدة والشين المعجمة ثمّ المثنّاة التحتانيّة) وهو غير صحيح ولا معني له، والظاهر أنّه «يسير» - بالمثنّاة التحتانيّة والسين المهملة ثمّ المثنّاة التحتانيّة - بمعني قليل، ويكون عطفاً علي أكثره، أي: روي أكثر كتاب الزكاة عن حريز، وأقلّه عن غيره من الرجال.

وقوله: «كتاب الصلاة» كما كان له كتاب الزكاة وإنّ له إليه طريقاً مشتمل علي خمس ولم يحضرني الآن حال الأوّل منهم، ويظهر من «جش» تعويله عليه والثاني هو المعروف بابن عقدة، والثالث وثّقه «كش» و «جش» والشيخ وغيرهم إلّا أنّهم حكموا بفطحيّته، والرابع وهو عبداللّه بن ناجية لم يحضرني حاله أيضاً، ومقصوده أنّ عليّ بن الحسن أنّه حكي عن عبداللّه أنّه حكي عن الحسن بن عليّ بن فضّال ورجل يقرأ عليه أنّهما أشارا إلي كتاب فقالا: إنّه كتاب حمّاد في الصلاة، فقوله: «ورجل» عطف علي الحسن.

وقوله: «كتاب حمّاد»، خبر مبتدأ محذوف وظاهر «جش» أنّه لم يعثر علي

ص: 311

هذا الكتاب بخلاف كتاب الزكاة حيث قال في الأوّل: أخبرنا به، وقال عن حمّاد به بخلاف الثاني.

وقوله: «قال أحمد بن الحسين» هو ابن الغضائري، وقد استقصينا حاله في المجلّد الثالث من مطالع الأنوار عند البحث عن درك المأموم الركعة فيما إذا أدرك الإمام راكعاً.

وقوله: «فيه عبر (بالعين المكسورة والباء الموحّدة المفتوحة)» جمع العبرة بمعني التعجّب، والمعني أنّ الكتاب المذكور مشتمل علي أُمور غريبة ومواعظ.

وقوله: «وفصول الظاهر» أنّه بالصاد المهملة، والمراد أنّ عدّة فصول من ذلك الكتاب في التوحيد، والضمير في قوله «ترجمته» عائد إلي ذلك الكتاب، وفي تصنيفه إلي التلميذ، والظاهر أنّ المراد من الترجمة ما يكتب في أوّل الكتاب أو آخره من اسم الكتاب ومصنّفه، فالمراد أنّ المكتوب في أوّل ذلك الكتاب أو آخره هذا المسائل التلميذ وتصنيفه أخذها عن جعفر بن محمّد عليهما السلام.

ثمّ أشار إلي أنّ التلميذ من هو، وإلي أنّ هذه المسائل سأل عنها جعفراً عليه السلام هو بقوله «وتحت الترجمة إلخ».

وقوله: «وذكر ابن شيبان»، بيان طريق العلم لابن شيبان في هذه الأخبار، وهذا القول ليس بثبت من كلام «جش» وغرضه أنّ كون هذا الكتاب المشتمل علي عبر ومواعظ وغيرها من حمّاد علي النحو المسطور بأن سأل تلك المسائل بأسرها عن مولانا الصادق عليه السلام وكونه من تلميذه عليه السلام غير ثابت، وإنّما الثابت كونه راوياً عنه عليه السلام، وأشار بقوله: «والأوّل من سماعه إلخ» فعليه كلمة «من» بيان للأوّل والضمير لحمّاد.

ص: 312

والحاصل أنّ ما حكي أوّلاً عن حمّاد من قوله: «حفظت عن أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل إلخ» اقتضي حصر سماعه عنه عليه السلام، في العشرين، وهو يناقض كون الكتاب المذكور بأسره من مسموعه.

وإذا علمت ذلك فلنشر إلي قوله: «وبلغ من صدقه إلخ» فنقول: إنّه يحتمل وجوهاً:

الأوّل: أن يكون «إنّه» اسماً مضافاً إلي ضمير الحجّ، ويكون قوله: «روي» منفصلاً عمّا قبله ويكون «من»، في «من صدقه» التعليل، والمعني: له حديث مع أبي الحسن عليه السلام في دعائه بالحجّ، وبلغ إلي الحجّ في وقته لصدقه في إخباره بأنّه عليه السلام دعا له؛ فالبلوغ إلي الحجّ في أوّل ذلك العام وهكذا إلي الخمسين متوالياً، دليل علي صدقه في إخباره المذكور.

والثاني: أن يكون «إنّه» من الأحرف المشبّهة بالفعل ومنفصلاً عمّا قبله، وكلمة «من» كما مرّ، والمعني: وبلغ إلي الحجّ خمسين سنة لصدقه. قال ابن داود: دعا له أبوالحسن الأوّل عليه السلام بالدار والزوجة والولد والخادم والحجّ خمسين سنة فبلغ ذلك.

والثالث: أن يكون بلغ بمعني بالغ، وإنّه روي فاعلاً له، و «من» بمعني «في» والمعني: بالغ في صدقه روايته عنه عليه السلام أنّه سمع سبعين حديثاً وما زال يشكّك حتّي اقتصر علي العشرين، وهذا يدلّ علي كمال صدقه واحتياطه.

والرابع: أن يكون بلغ ماضياً من التبليغ وإنّه روي فاعلاً أيضاً، و «من» بمعني «إلي» والمعني: بلغ وأوصل إلي صدقه روايته عن جعفر بن محمّد عليه السلام لما علمت، وقوله: «وروي عن عبداللّه بن المغيرة إلخ» لعلّ المقصود منه التنبيه علي

ص: 313

أنّ رواية حمّاد عن الصادق عليه السلام تكون بلا واسطة وبواسطتين وبواسطة واحدة، أشار إلي الأوّل بقوله: روي عن جعفر بن محمّد، وإلي الثاني بقوله: روي عن عبداللّه بن المغيرة وعبداللّه بن سنان، أي: عن عبداللّه بن سنان، وإلي الثالث بقوله: وعبداللّه بن المغيرة إلخ. وعليه: فقول «عن أبي عبداللّه» قبلهما، ولعلّ الداعي لاختيار عبداللّه بن المغيرة في المقام توهّم بعد رواية حمّاد عنه، لكون حمّاد علي ما ذكره «كش» من الطبقة الثانية من أصحاب الإجماع، وعبداللّه بن المغيرة من الطبقة الثالثة.

وأمّا الداعي لاختيار عبداللّه بن سنان في الواسطة الثانية، في جملة الرواة التي كانت كذلك فلعلّه اجتماعه مع عبداللّه بن المغيرة في الأسانيد، كما في كتاب الحجّ من التهذيب في شرح، وأمّا عقد الإحرام بعد الصلاة، وفي باب عدد النساء من طلاق التهذيب، وفي باب تحريم المدينة وفضلها من مزاره، وفي باب القضايا من دياته، وفي باب الذبح من حجّه، فإنّ فيها جميعاً عن حمّاد، عن عبداللّه بن المغيرة، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام.

لا يقال: إنّ عبداللّه بن المغيرة علي ما ذكر، يكون من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام أيضاً ولم يعدّ من ذلك.

لأنّا نقول: إنّ الشيخ رحمه الله وإن لم يعدّه من أصحابه عليه السلام إلّاأنّ تصريح «جش» في قوله «وعبداللّه بن المغيرة عن أبي عبداللّه عليه السلام» كافٍ لذلك إضافةً إلي ثبوت روايته عنه.

ففي الفقيه، في أواخر كتاب الصلاة في رواية عبداللّه بن المغيرة عن الصادق عليه السلام قال: اقرأ في صلاة جعفر، الحديث. وحمل العبارة علي المعني

ص: 314

المذكور متينٌ، ولا استبعادَ فيه إلّاأنّ المناسب تبديل الواو ب «عن» بأن يقال:

روي عبداللّه بن المغيرة، عن عبداللّه بن سنان.

ويمكن حمل الواو علي ظاهره بأن يكون المراد رواية حمّاد عن عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام كما في باب اشتراك الأحرار والعبيد والنساء في القتل من زيادات التهذيب.

وفي باب المرأة تكون زوجة العبد من نكاح الكافي، ويتوجّه حينئذٍ أنّ التكرار في عبداللّه بن المغيرة، لم يظهر له وجه لاختصاص عبداللّه بن سنان بين الأشخاص الذين روي عنهم حمّاد بخلافه، فيما إذا جعل الواو بمعني «عن».

وهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما أيضاً:

الأوّل: قد علمت أنّ رواية حمّاد عن مولانا الصادق عليه السلام علي ثلاثة أقسام:

الأوّل: الرواية بلا واسطة، وأنّها كانت سبعين، وباعتبار التشكيك اقتصر علي عشرين، وأنا أُورد ما حضرني من ذلك:

(فمنها) ما في باب فرض الصلاة من الكافي، قال: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: للصلاة أربعة آلاف حدّ.

أقول: قد استوفي رحمه الله عشرين موضعاً من هذا القبيل ثمّ قال رحمه الله: وجدنا في كتب الأخبار غير ما ذكر أيضاً، وذكر جملة أُخري من ذلك القبيل أيضاً، ومن المواضع العشرين التي ذكرناها، موضع ينبغي لنا ذكره وذكر ما أفاده رحمه الله فيه، فنقول: قال ملخّصه:

(ومنها) ما في باب الذبح من حجّ التهذيب قال: وعنه - أي عن موسي بن القاسم - عن صفوان، وابن أبي عمير، وجميل بن درّاج، وحمّاد بن عيسي،

ص: 315

وجماعة ممّن روينا عنهم من أصحابنا عن أبي جعفر، وعن أبي عبداللّه عليهما السلام أنّهما قالا: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله... الحديث.

ولا يخفي أنّ هذا الإسناد يشتمل علي خلاف ما هو المعهود من وجوه، منها:

رواية حمّاد عن مولانا الباقر عليه السلام وما اعتُبر من أصحابه.

ورواية جميل عنه عليه السلام وقد عدّه «كش» في الطبقة الثانية من أصحاب الإجماع، والشيخ في «ق» و «ظم».

ورواية صفوان عن مولانا الصادق عليه السلام، بل عن الباقر عليه السلام، مع أنّ الظاهر من الإسناد المتقدّم علي الإسناد المذكور، أنّ صفوان فيه؛ هو صفوان بن يحيي، وقد عدّه الشيخ في «ظم» و «ضا» و «د».

ورواية ابن أبي عمير عنهما عليهما السلام مع أنّ الشيخ قال في «ست» في ترجمته، إنّه أدرك من الأئمّة عليهم السلام ثلاثة: أبا إبراهيم عليه السلام ولم يرو عنه، وروي عن أبي الحسن الرضا، وعن الجواد عليهما السلام.

وهذا الكلام وإن يفيد عدم روايته عن مولانا الصادق عليه السلام، لكنّا وجدنا روايته عنه عليه السلام في مواضع منها:

ما عرفت.

وما في باب وقت صلاة الجمعة من الكافي.

وما في صلاة النوافل منه.

وما في باب تطهير الثياب وغيرها من «ب».

وما في أواخر كتاب الحجّ عنه.

ص: 316

وما في أواخر باب ديات الأعضاء، ولا استبعاد في روايته عنه عليه السلام؛ لأنّ وفاة مولانا الصادق عليه السلام - علي ما في الكافي وغيره - كان في سنة ثمان وأربعين ومائة، وقد صرّح «جش» أنّ ابن أبي عمير مات سنة سبع عشرة ومأتين، فما بين هذينِ الزمنينِ تسع وستّون سنة، فلو فرض أن يكون عمره أربعاً وثمانين سنة يكون عمره حين وفاته عليه السلام خمس عشرة سنة.

والحاصل أنّ روايته عنه عليه السلام موجودة ولا داعي لحملها علي الغلط، وهناك في الأسانيد المذكورة ما ينبغي التنبيه عليه وهو أنّه روي في بعضها حمّاد بن عثمان عن ابن أبي عمير، وفي بعضها القاسم بن عروة عن ابن أبي عمير، وفي بعضها عبداللّه بن مسكان عنه، مع أنّه وجد رواية ابن أبي عمير عمّن كان من الثلاثة.

وأمّا روايته عن حمّاد بن عثمان فكثيرة، كما في نكاح الكافي، وفي طلاق التهذيب، وفي باب كيفيّة الصلاة من زيادات التهذيب.

وأمّا روايته عن القاسم بن عروة، فكما في باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه من نكاح الكافي.

وأمّا روايته عن عبداللّه بن مسكان، فكما في باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان من زيادات التهذيب.

وإنّ «كش» جعل ابن أبي عمير من الطبقة الثالثة من أصحاب الإجماع وكلّاً من عبداللّه بن مسكان، وحمّاد بن عثمان من الطبقة الثانية أيضاً، فرواية أصحاب الإمام السابق من أصحاب الإمام المتأخّر؛ ولا يخفي لِما فيها.

ويمكن الجواب عن الأوّل: بأنّه لا استحالة في رواية المشاركين في الطبقة،

ص: 317

كلّ منهم عن الآخر، كما هو ظاهر.

وعن الثاني: بأنّ ذلك إنّما هو علي ما قاله «كش» ولا يلزم أن يطابق الواقع علي أنّه يمكن أن يكون ذلك باعتبار الأكثريّة، ومن أراد انكشاف الحال فعليه ممّا أبرزناه في تحقيق أصحاب الإجماع.

الثاني: روايته عنه عليه السلام بواسطة واحدة كما في أواخر باب التجارات من متاجر «يب» وفي موضع آخر منه أيضاً، وفي باب التسليم علي النساء من نكاح الكافي.

الثالث: روايته عنه بواسطتين وهي كثيرة:

ومنها: ما في الباب المذكور من تجارة «يب».

ومنها: ما في باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد من نكاح الكافي.

ومنها: ما في باب السهو في السجود من صلاة الكافي.

وهاهنا قسم رابع وهو روايته عنه عليه السلام بثلاث وسائط، والذي يحضرني الآن في باب التطوّع في يوم الجمعة من صلاة «في»، ففيه عن حمّاد بن عيسي، عن الحسين بن المختار، عن عليّ بن عبدالعزيز، عن مراد بن خارجة قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام.

الثاني: أنّ المستفاد ممّا ذكر من علماء الرجال أنّ حمّاداً توفّي سنة تسع ومائتين وأنّه عاش نيّفاً وتسعين سنة، وأنّه عاش بعد أن دعا له مولانا الكاظم عليه السلام خمسين سنة، وما روي عن حمّاد في الصحيحة المشهورة المرويّة في الكافي الشاملة علي أمر الصادق عليه السلام له بالصلاة، ثمّ قوله عليه السلام له بعد أن صلّي بين يديه:

ص: 318

«ما أقبح الرجل منكم يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة» ثمّ تعليمه عليه السلام الصلاة له ينافي ذلك إذ كان وفاة مولانا الصادق عليه السلام سنة ثمان وأربعين ومائة، وبينه وبين وفاة حمّاد - أي تسع ومائتين - إحدي وستّون سنة، فلو فرض كون التعليم المذكور في آخر أيّام إمامته عليه السلام ويكون عمر حمّاد في ذلك الوقت ستّين سنة، لزم أن يكون عمره مائة وإحدي وعشرين سنة، مع ما سمعت من أنّه عاش نيّفاً وتسعين.

وعندئذٍ فلا بدّ من المصير إلي وقوع الخطأ إمّا في تاريخ وفاته، أو في مدّة عمره بأن يقال: كان عمره مائة وإحدي وعشرين سنة، أو حمل الستّين والسبعين في كلامه علي التمثيل وهو الأولي، ويؤيّده ذكر العددين، ولو أُريد خصوص حمّاد لاقتصر علي واحد منها، فعلي هذا يكون عمر حمّاد في ذلك الوقت نيّفاً وثلاثين سنة، فإلي ما بين الوفاتين - أي إحدي وستّين - يبلغ نيّفاً وتسعين.

ويؤيّده أنّه لو كان عمر حمّاد في آخر أيّام إمامة مولانا الصادق عليه السلام ستّين، وقد أدرك أيّام مولانا الباقر عليه السلام، أو زمن إمامة مولانا الصادق عليه السلام أربعاً وثلاثون سنة، فعندما انتقلت الإمامة إليه عليه السلام يكون عمره أكثر من ستّ وعشرين سنة، ويكون قد روي عن مولانا الباقر عليه السلام؛ فتأمّل.

أقول: لا يخفي أنّه لا حاجة إلي لفظة أكثر. ثمّ في الأصل بعد قوله رحمه الله «أكثر من ستّ وعشرين» هكذا: فلو كان الأمر كذلك لا يصحّ الحكم بأن يكون عمره نيّفاً وتسعين سنة، ويكون قد روي إلخ. ولم أعرف له وجهاً مباشراً في بادئ ذي بدئ فتركته.

ص: 319

وفي «مشكا» في باب حمّاد: فهو يتراوح بين الثقة وغيره، ويمكن أن يُعلم أنّه ابن أبي طلحة ثقة برواية وهب بن حفص، وأنّه ابن عيسي، ثقة برواية محمّد ابن إسماعيل الزعفراني عنه، والحسين بن سعيد عنه، وأحمد بن محمّد بن عيسي وإبراهيم بن هاشم عنه، ورواية عبدالرحمن بن أبي نجران عنه، وعليّ ابن الحديد عنه، ورواية إسماعيل بن سهل عنه، ورواية محمّد بن عيسي بن عبيد عنه، وعليّ بن السندي ويونس بن عبدالرحمن عنه، وبرواية عليّ بن أبي راشد، وموسي بن القاسم، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، ومختار بن يزيد، ومحمّد بن خالد البرقي، والعبّاس بن معروف، وعليّ بن مهزيار، والحسن بن ظريف، وعليّ بن إسماعيل، ومحمّد بن عيسي، والفضل بن شاذان، ويعقوب ابن يزيد، وبروايته هو عن حريز، وربعي بن عبداللّه بن الجارود، ومعاوية بن عمّار.

وأورد المحقّق في المعتبر في باب نجاسة البئر بالملاقاة، رواية حمّاد، عن معاوية عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: والجواب: أنّ الراوي عن معاوية المذكور لا نعرفه، ولعلّه غير ثقة، وفي الرواة عدّة بهذا الاسم منهم ثقة ومنهم غير ثقة، انتهي؛ فتدبّر.

ويُعرَف حمّاد بروايته عن عبداللّه بن المغيرة، وعبداللّه بن عبدالرحمن بن أبي عبداللّه، وقد تري رواية سعد بن عبداللّه، عن حمّاد بن عيسي، أو عن جميل، والظاهر الإرسال؛ لأنّ المعهود رواية سعد عن حمّاد، وجميل بالواسطة.

واعلم أنّه وقع في التهذيب رواية عليّ بن الحديد وعبدالرحمن بن أبي

ص: 320

نجران، عن حريز، وهو سهو؛ لأنّهما لا يرويان عنه بواسطة حمّاد بن عيسي ووقع في الكافي والتهذيب رواية إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عثمان، وهو سهو أيضاً؛ لأنّه لم يلق ابن عثمان علي ما ذكره أصحابنا في الرجال.

ووقع في التهذيب إسناد صورته هذه: عن عليّ بن إبراهيم، عن حريز، وهو من الأغلاط الواضحة.

وفي الكافي في باب صوم الصبيان.

وفي كتاب الحجّ أيضاً إسناد صورته هذه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحلبي وهذا من الأغلاط الواضحة؛ لأنّ الراوي عن الحلبي، حمّاد ابن عثمان، والحلبي هو عبيداللّه بن عليّ، والصواب فيه «عن ابن أبي عمير عن حمّاد» كما هو الشائع.

ووقع أيضاً فيه إسناد صورته هذه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسي، وهو سهو أيضاً؛ لأنّ إبراهيم روي عن حمّاد بن عيسي بغير واسطة. ف «عن» وقعت موضع الواو، وإبدال الواو ب «عن» وعكسه وقع كثيراً في الأسانيد خصوصاً في كتابي الشيخ رحمه الله.

وفي الاستبصار، في كتاب الحجّ إسناد هذه صورته: عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام إلخ. وهو خلاف الظاهر؛ لأنّ حمّاداً، إن كان ابن عثمان فالحسين لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً، وإن كان ابن عيسي فهو لا يروي عن عبيداللّه الحلبي عند إطلاق لفظ الحلبي أن يكون هو، وإن أُطلق علي محمّد بقلّة، والحال في رواية ابن عيسي كما في عبيداللّه، انتهي

ص: 321

كلام «مشكا»(1).

أقول: وإذا نظرنا إلي ما كتبه العلّامة العلياري حول حمّاد بن عيسي سنجد أوّلاً: تناول شخصيّة المؤلّف لأهميّتها من جوانب عدّة وبالتفصيل. ثانياً: ضبط بعض الأسماء، ولم يكن إلي عصر العلياري رجاليّ ضبط الأسماء، نعم نري بعده العلّامة المامقاني قام بضبط الأسماء كلّها، وهذا هو علم المؤتلف والمختلف. ثالثاً: دقّق وبحث في أبعاد الروايات في حمّاد عن عيسي ومدي دلالتها علي الوثاقة. رابعاً: عمد إلي عبارات العلماء كالنجاشي، وبحث في غموضها وجمودها. خامساً: تتبّع الإسناد، وأظهر الإرسال الخفيّ في بعض الأسانيد. سادساً: استقصي ما في كتب الرجال وبيّن خطأها، فالمؤلّف لم يكن ناقلاً فحسب، بل هو يبحث عن جوانب شتّي. سابعاً: اهتمّ كثيراً في الطبقات، وأظهر الخلل في بعض الإسناد من التصحيف، والتحريف، والتقديم والتأخير، لكونه كثيراً في تهذيب الأحكام، وفي الختام نقول: إنّ كثيراً من مباحث كتاب معجم رجال الحديث لمؤلّفه المعاصر آية اللّه الخوئي أُخذ من كتاب بهجة الآمال، ونهج المحقّق الخوئي منهجه.8.

ص: 322


1- . بهجة الآمال ج 3 ص 355-378.

الفصل التاسع موقف النُقّاد من الرجاليّين ومنهجهم

1. التفرشي ونقد الرجال

اشارة

1. التفرشي ونقد الرجال(1)

كتاب نقد الرجال للرجاليّ المحقّق السيّد مصطفي بن الحسين التفرشي من أعلام القرن الحادي عشر. كان التفرشي من تلامذة المولي عبداللّه التستري الفقيه والرجاليّ المعروف، أشار في ترجمة أُستاذه إلي أنّ كلّ ما كان في هذا الكتاب من دقّة فهو ممّا أفاده أُستاذه.

والقرن الحادي عشر، قرن أعلامُ النقد في الفقه والحديث والرجال، فمنهم المولي عبداللّه التستري، وقد كان فقيهاً رجاليّاً ناقداً للعلوم؛ وكان من أعلام العصر الحاضر، وأيضاً الشيخ عبدالنبيّ الجزائريّ، مؤلّف كتاب الحاوي، فالتستري وتلميذه التفرشي والشيخ عبدالنبيّ الجزائري كانوا من أعلام المحقّقين ونقّاد العلوم، والذي علي رأس هؤلاء ويعدّ أُستاذ الجميع المولي أحمد الأردبيلي مؤلّف كتاب مجمع الفائدة والبرهان، والذي لم يكتب سطر

ص: 323


1- . جامع الرواة ج 2 ص 233، الذريعة ج 2 ص 23، رياض العلماء ج 5 ص 212، روضات الجنّات ج 7 ص 167، أمل الآمل ج 2 ص 322، الفوائد الرضويّة ص 665، ريحانة الأدب ج 2 ص 448، الأعلام ج 7 ص 232، معجم المؤلّفين ج 2 ص 247، نقد الرجال ج 1 المقدّمة.

منه إلّاوفيه قاعدة رجاليّة، فهؤلاء قاموا بانتقاد الفقهاء الذين سبقوهم علي أنّهم من أتباع العلّامة الحلّي، وقالوا: لم يظهر بعد العلّامة الحلّي مجتهد، وكان كلّ من ظهر بعد العلّامة مقلّداً له، وهذا الكلام مثل ما رواه الشهيد الثاني في الرعاية عن جدّه، ورّام بن أبي فراس الهمداني، أنّه روي عن شيخه سديد الدين الحمصي أنّه قال: لم يظهر بعد الشيخ الطوسي إلّاعدّة من المقلّدة(1).

فالقرن الحادي عشر هو قرن الاجتهاد والاستقصاء والبحث في العلوم الإسلاميّة كلّها، ومنها الرجال، فإنّ المولي عبداللّه التستري وعبدالنبيّ الحائري التفرشي كانا من أعلام النقد، ولقد أنهي كتابه علي فوائد ستّة: في بيان كني الأئمّة وتاريخ وفاتهم وغيرها، وذكر عدّة الكليني وبعض الطرق، ومصادر الطوسي وذكر طرقه إلي المشايخ. وأهمّ ما يمتاز به الطريق الذي نهجه المؤلّف فهو:

1. عدم اكتراثه بذكر توثيق الرجاليّين وتضعيفاتهم وبما قالوه، بل تعدّي إلي الاستناد والاستشهاد بتوثيقات الفقهاء في كُتبهم الفقهيّة وتضعيفاتهم بحثاً عن النتيجة المطلوبة، فهو لم يكتف بالنصوص الرجاليّة بل اهتمّ بالقرائن.

2. ذكره لتلامذة الراوي ومشايخه لدوره في معرفة الإرسال الخفيّ في الأسانيد.

3. الدقّة المتناهية في اختلاف نسخ الأُصول الرجاليّة وضبط مفرداتها.

4. مقابلته لنسخ الأُصول الموجودة عنده مع ما ينقل عنها بواسطة العلّامة وابن داود وغيرهم.2.

ص: 324


1- . الرعاية ص 92.

5. عدم التقليد لآراء العلّامة وابن داود والاقتصار عليها، بل أخذ بالمناقشة والبحث في آرائه التي يطرحها، وقام بالتنبيه علي الأغلاط الموجودة في خلاصة الرجال للعلّامة.

6. إبداء آرائه الخاصّة حول اتّحاد بعض المفردات والمشتركات أو تعدّدها.

7. شمول كتابه علي نصوص للكشّيّ، والأُصول الرجاليّة الأُخري، غير الموجودة ما بأيدينا الآن.

8. تنبيهه علي تراجم لمفردات الأُصول الرجاليّة ترجمت تحت عناوين أُخري، وذلك لغرض ذكرها تباعاً أو إرفاقاً معها.

9. تنبيهه علي تعدّد الغضائري الابن مع الأب مع ترجيحه إلي أنّ صاحب التوثيقات والطعون هو الابن، مع أنّه نقل عن رجال الغضائري نصوصاً ليست متوفّرة في الخلاصة ورجال ابن داود.

10. اقتصارهُ علي ذكر عبارة عن النجاشي والشيخ، ولم يتعرض لذكر كلّ ما قالاه، وقال في التعريف بكتابه: نظرت في كتب الرجال فرأيت بعضها لم يرتّب ترتيباً يسهل فهم المراد، ومع هذا لا يخلو من تكرار وسهو، وإن كان حسن الترتيب، إلّاأنّ فيه أغلاطاً كثيرة، مع أنّ كلّ واحد منها لا يشتمل علي جميع أسماء الرجال، فأردت أن أكتب كتاباً يخلو من تكرار وغلط، وينطوي علي حسن ترتيب، ويحتوي علي جميع أقوال القوم قدّس اللّه أرواحهم من المدح والذمّ، إلّاشاذّاً شديد الشذوذ... ورتّبته علي ترتيب الحروف في الأسماء في الأوائل والثواني وكذا الآباء، وضمّنته رموزاً تُغني عن التطويل والتكثير، كما جعل بعض المصنّفين وفرغ من كتابه في سنة (م 1015 ق).

ص: 325

نصوص من كتاب نقد الرجال

17/1876. داود بن الزبرقان البصري(1).

من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(2).

18/1877. داود بن زيد الهمداني.

الكوفيّ، من أصحاب الباقر عليه السلام، رجال الشيخ(3).

19/1878. داود بن سرحان العطّار.

كوفيّ (4)، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، ذكره ابن نوح، روي عنه هذا الكتاب جماعات من أصحابنا رحمهم الله، روي عنه: محمّد بن أبي حمزة، رجال النجاشي(5).

له كتاب(6)، روي عنه: أحمد بن محمّد بن أبي نصر وابن أبي نجران وابن نهيك، الفهرست(7).

20/1879. داود بن سعيد.

أبو عبداللّه الكوفيّ، الأبزاريّ (8)، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(9).

ص: 326


1- . أسند عنه، جح، (م ت).
2- . رجال الشيخ ص 16/202.
3- . نفس المصدر، ص 2/134.
4- . مولي، ق جخ، (م ت) رجال الشيخ، ص 13/202.
5- . رجال النجاشي ص 420/159.
6- . أخبرنا به: ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الحسن بن المتيّل، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن البزنطي وابن أبي نجران، عنه. ورواه حميد، عن ابن نهيك، عنه. ست، (م ت).
7- . الفهرست ص 286/68.
8- . في نسختي «م» و «ت»: الأنباري، وفي هامشيهما: الأبزاري (خ ل).
9- . رجال الشيخ ص 11/202.

21/1880. داود بن سليمان.

أبو سليمان الحمّار، كوفيّ (1) ثقة، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ذكره ابن نوح. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا، منهم: الحسن بن محبوب، رجال النجاشي(2).

له كتاب روي عنه أحمد بن ميثم، الفهرست(3).

22/1881. داود بن سليمان.

أبو عمارة البكريّ، الكوفيّ، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(4).

23/1882. داود بن سليمان بن جعفر.

أبو أحمد(5) القزويني، ذكره ابن نوح في رجاله. له كتاب عن الرضا عليه السلام روي(6) عنه: أبو حمزة بن سليمان، رجال النجاشي(7).

ويحتمل أن يكون هذا هو الذي ذكره المفيد رحمه الله في إرشاده، حيث قال: داود ابن سليمان، من خاصّة الكاظم عليه السلام وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممّن روي النصّ علي الرضا عليه السلام(8). وفي رجال ابن داود: داود بن سليمان، أبو(9) جعفر أبو أحمد ولم أجده في كتب الرجال، خاصّة في رجالخ.

ص: 327


1- . ق جخ، (م ت). رجال الشيخ ص 15/202.
2- . رجال النجاشي ص 423/160.
3- . الفهرست ص 278/69، وفيه: داود الحمّار.
4- . رجال الشيخ ص 27/202.
5- . أبو أحمد، داود بن سليمان الفرّاء، روي عن الرضا عليه السلام، (م ت).
6- . في نسخة «م»: وروي.
7- . رجال النجاشي ص 426/161.
8- . الإرشاد ج 2 ص 248.
9- . كذا في النسخ.

الشيخ(1).

13/1872. داود بن حصين(2) الأسدي.

مولاهم، كوفيّ، ثقة، روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، وهو زوج خالة عليّ بن الحسن بن فضّال. له كتاب(3)، روي عنه: العبّاس بن عامر، رجال النجاشي(4).

واقفيّ، من أصحاب الصادق(5) والكاظم(6) عليهما السلام، رجال الشيخ.

وذكره ابن داود في البابين(7).(8)

14/1873. داود بن دينار.

ذكرنا بعنوان: داود بن أبي هند(9).

15/1874. داود بن راشد الكوفي.4.

ص: 328


1- . ورد في نسخنا من رجال الشيخ في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام هكذا: داود بن الحسين بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام المدني. انظر: رجال الشيخ ص 2/201.
2- . له كتاب، أخبرنا به: ابن أبي جيد، عن أبي الوليد، عن الصفّار، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر، عنه. ورواه حميد، عن القاسم بن إسماعيل القرشي، عنه، ست، (م ت). الفهرست ص 278/68.
3- . يرويه عنه عدّة من أصحابنا، منهم: العبّاس بن عامر، قال: أخبرنا عليّ بن أحمد، عن محمّد بن الحسن، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر، عنه، جش، (م ت).
4- . رجال النجاشي ص 421/159.
5- . رجال الشيخ ص 14/202.
6- . نفس المصدر، ص 5/336.
7- . رجال ابن داود ص 584/90 و 177/245.
8- . داود الحمّار: له كتاب، أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن حميد، عن أحمد بن ميثم، عنه، ست، (م ت). الفهرست ص 78/69. داود الدجاجيّ الكوفيّ، قر جخ، (م ت). رجال الشيخ ص 6/134.
9- . تقدّم برقم: 5/1864.

الأبزاري، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ(1).(2)

16/1875. داود بن زربي.

أبو سليمان، الخندقي البندار، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ذكره ابن عقدة. له كتاب، روي عنه عليّ بن خالد العاقولي، رجال النجاشي(3).

له أصل(4)، روي عنه ابن أبي عمير، الفهرست(5).

من أصحاب الصادق(6) والكاظم(7) عليهما السلام، رجال الشيخ.

وقال المفيد رحمه الله في إرشاده: إنّه من خاصّة الكاظم عليه السلام وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممّن روي النصّ علي الرضا عليه السلام(8).

وذكر الكشّيّ ما يشهد بسلامة عقيدته(9).

ونقل العامّة وابن داود توثيقه من النجاشي(10)، ولم أجد توثيقه فيه وأربع نسخ منه عندي(11).2.

ص: 329


1- . رجال الشيخ ص 22/202.
2- . داود الرقّي سيجيء بعنوان: داود بن كثير، (م ت). سيأتي برقم: 38/1897.
3- . رجال النجاشي ص 160-424، وفيه بعد روي عن أبي عبداللّه عليه السلام زيادة: ثقة.
4- . أخبرنا به: عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عنه، ست، (م ت).
5- . الفهرست ص 281/68.
6- . رجال الشيخ ص 21/202.
7- . نفس المصدر، 4/336.
8- . الإرشاد ج 2 ص 248.
9- . رجال الكشّي ص 564/312.
10- . الخلاصة ص 5/68، رجال ابن داود ص 585/90.
11- . لدينا ثلاث نسخ مطبوعة من رجال النجاشي، ففي نسخة «جماعة المدرّسين» ذكر التوثيق، إلّاأنّ في النسخ الأُخري لم يرد فيها ذكر التوثيق. نقد الرجال ج 2 ص 212.

2. التستري وقاموس الرجال

اشارة

مؤلّف هذا الكتاب، هو العلّامة محمّد تقي التستري(1) صاحب التأليفات القيّمة، منها شرحه علي نهج البلاغة الذي طبع باسم بهج الصباغة. وأمّا كتابه قاموس الرجال فهو يمتاز بخصائص منها:

أوّلاً: أنّه تعليقة نقديّة علي كتاب تنقيح المقال للعلّامة المامقاني، فكلّما قال:

«المصنّف» عني به المامقاني، كقوله في إبراهيم بن هاشم: «ولفّق المصنّف أُموراً في توثيقه أقواها وقوعه في تفسير ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي»(2).

ثانياً: أنّه كتاب نقدٍ، عكس ما في تنقيح المقال، حيث نجده كتاباً جامعاً للقرائن.

ثالثاً: بما أنّ المصنّف كان قد اطّلع علي مصادر تاريخيّة وأدبيّة وغيرها، ممّا لم يرو عنها غيره، فقد استطاع أن يناقش بعض آراء المامقاني.

رابعاً: فيه تصريح من قبل المؤلّف: وإن وثق القدماء كالنجاشي والطوسي راوياً، فلا ضرورة في ذكر توثيقات المتأخّرين ونقل آرائهم وأقوالهم.

خامساً: أنّ التستري انتقد فيه المامقاني وقال: إنّ جميع الكلمات والأسماء لا تحتاج إلي ضبط حروفها كإبراهيم، نعم هناك أعلام تحتاج إلي الضبط كسمرة.

سادساً: أعلن المؤلّف أنّ المامقاني لم يفرّق بين رجال النجاشي وابن النديم، مع أنّ ابن النديم ليس رجاليّاً معدّلاً جارحاً، بل كان ورّاقاً.

سابعاً: سجّل المؤلّف علي المامقاني بأنّه قد خلط بين الإهمال والجرح،

ص: 330


1- . قاموس الرجال ج 1 ص 6.
2- . نفس المصدر، ج 1 ص 330.

وخلط في ضبط الأعلام والكلمات كقوله في ابن الأثير. وبهذا فإنّ التستري عَلَم في التحقيق والبحث، فهو محقّق حقّاً، مع أنّ المامقاني مصنّف جامع، وله في مقدّمة كتابه تعريف بالكتب الرجاليّة. والمقدّمة هذه صارت قسماً لكتاب كليّات في علم الرجال للعلّامة السبحاني كما أنّه أخذ القسم الثاني من كتابه من مقدّمة معجم رجال الحديث لآية اللّه الخوئي.

نصوص من كتاب قاموس الرجال

عبداللّه بن القاسم.

قال: عنونه النجاشي قائلاً: «الحارثيّ، ضعيف غالٍ، كان صحب معاوية بن عمّار ثمّ خلط وفارقه - إلي أن قال - عن محمّد بن خالد البرقي عنه به».

والشيخ في الفهرست قائلاً: «صاحب معاوية بن عمّار الدهني».

وابن الغضائري قائلاً: «البَطل، الحارثيّ، كذّاب، والكذب بيّن في وجه حديثه».

أقول: ما نسبه إلي ابن الغضائري من قوله: «والكذب بيّن في وجه حديثه» خلط من المصنّف، وابن الغضائري لم يذكره في هذا بل في عمارة بن زيد الذي عنونه قبل هذا، وإنّما قال في هذا: بصريّ كذّاب غالٍ، ضعيف متروك الحديث، معدول عن ذكره.

قال: قال الوحيد: رواية جمع كتابه تشهد بالاعتماد عليه.

قلت: هو غلط، فليس طريق الفهرست والنجاشي إليه إلّامحمّد البرقي الذي طعنوا فيه بروايته عن الضعفاء؛ مع أنّ أصله شطط، فصرّحوا في كثير من الضعفاء برواية جمع كتبهم - كما عرفت في المقدّمة - ومنها الآتي.

ص: 331

عبداللّه بن القاسم الحضرمي.

قال: عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام قائلاً: «واقفيّ».

وعنونه ابن الغضائري، قائلاً: «كوفيّ ضعيف، أيضاً غالٍ متهافت، لا ارتفاع به».

والنجاشي قائلاً: «المعروف بالبطل، كذّاب غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته، له كتاب يرويه عنه جماعة - إلي أن قال - محمّد بن الحسن بن شمّون قال: حدّثنا عبداللّه بن عبدالرحمن عنه بكتابه».

ويقول الشيخ في الفهرست: له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن أبي الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسن، عنه.

جعل ابن الغضائري «البطل» وصف الحارثي، وجعله النجاشي وصف الحضرمي هذا، ويبعّد الاتّحاد ذكر الفهرست والنجاشي وابن الغضائري لكلّ منهما.

أقول: بل التحقيق اتّحادهما واتّحاد المطلق الذي في الكشّي، لأنّ رجال الشيخ المبنيّ علي الاستقصاء لم يذكر غير واحد، وكذا المشيخة لم يذكر غير واحد وأطلقه، وطريقه إليه: «عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن خشنام الأصبهاني» وفي نسخة: «عبداللّه بن أحمد، عن محمّد»، ولإطلاقه في كثير من الأخبار، كما في صدق الكافي وأداء أمانته(1)، وأئمّته عليهم السلام ورثوا علمه صلي الله عليه و آله، وخلفائه(2)، وأنواره(3)، وما فرض5.

ص: 332


1- . الكافي ج 2 ص 104.
2- . نفس المصدر، ج 1 ص 193.
3- . نفس المصدر، ج 1 ص 195.

اللّه من الكون معهم(1)، وترتيل قرآنه(2)، ونسبة إسلامه(3)، وغيبته(4)، ووقت صلاة سفره(5)، ومولد أميرالمؤمنين عليه السلام(6)، ومولد صادقه عليه السلام وولادة التهذيب(7)، وديونه(8)، وصلاة غريقه(9)، وصلاة تسبيحه(10)، ونوادر آخر الفقيه(11)، وطريق الفهرست إلي سليمان بن صالح.

ولم يقيّد بالحارثي في خبر، وإنّما روي الاختصاص خبراً عن عبداللّه بن القاسم بن الحارث(12)، وقُيِّد بالبطل في الكافي، في الأئمّة عليهم السلام يعلمون متي يموتون(13) وبعد حديث قوم صالح الروضة(14)، وهو واحد بالضبط، لما عرفت من اختلاف ابن الغضائري والنجاشي في موصوفه. وقيّد بالحضرمي في خبر رواه صاحب الغيبة(15) ومضمونه «لأيّ شيء سمّي القاسم؟ لأنّه يقوم بعد ما يموت» ولعلّ الطعن فيه لروايته مثل هذا الخبر، وكذا قُيِّد به في أخبار أربعة0.

ص: 333


1- . الكافي ج 1 ص 209.
2- . نفس المصدر، ج 2 ص 615.
3- . نفس المصدر، ج 2 ص 46.
4- . نفس المصدر، ج 1 ص 343.
5- . نفس المصدر، ج 3 ص 431.
6- . نفس المصدر، ج 1 ص 456.
7- . التهذيب ج 4 ص 441.
8- . نفس المصدر، ج 6 ص 192.
9- . نفس المصدر، ج 3 ص 176.
10- . نفس المصدر، ج 3 ص 187.
11- . الفقيه ج 4 ص 399.
12- . الاختصاص ص 316.
13- . الكافي ج 1 ص 258.
14- . روضة الكافي ص 206.
15- . الغيبة، للطوسي ص 260.

رواها صاحب الاختصاص(1) ولأنّه لا تنافي بين كونه صاحب معاوية بن عمّار كما عنونه الفهرست، وبين الحارثي، لجمع النجاشي بينهما.

ويشهد للاتّحاد أيضاً اتّفاق الكشّيّ وابن الغضائري والنجاشي علي ذكر الغلوّ في المطلق، وفي الحارثي، وفي الحضرمي.

هذا، ولم يذكروا ما يفيد التناقض بين أقوال الثلاثة بالغلوّ، وقول الشيخ في الرجال بالوقف، والوقف وإن كان قسماً من الغلوّ إلّاأنّ الغلوّ غير الوقف اصطلاحاً.

والظاهر صحّة قول الأوّلَيْنِ بغلوّه لتعدّدهم، وعدم الوقوف علي شاهد لقول الشيخ بوقفه.

كما أنّ الظاهر سقوط عبداللّه بن عبدالرحمن من طريق الفهرست كما في النجاشي، لتصديق خبر الروضة له(2).6.

ص: 334


1- . الاختصاص ص 6، 217، 300، 318.
2- . قاموس الرجال ج 6 ص 553-556.

الفصل العاشر الرجال والفوائد

منهج الفوائد الرجاليّة

اشارة

منهج الفوائد الرجاليّة(1)

الفوائد جمع الفائدة؛ ولا يخفي من أنّ المتقدّمين من الرجاليّين ذكروا في تراجم الرواة نكات، قد تعدّ قاعدة رجاليّة، فقد قال النجاشي مثلاً: وآل أبي شعبة بيت كبير في الكوفة(2)، أو قال: ولد بزيع ثلاثة، أو قال: قاله مشايخنا الثقات، أو قال الشيخ الطوسي في الفهرست في ترجمة جعفر بن بشير: روي عن الثقات ورووا عنه؛ فهذه ملاحظات ذكرها علماء الرجال ضمن تراجم أصحاب الإسناد.

ومن أقدم المعاجم الرجاليّة التي تناولت آراء وكلّيّات رجاليّة، هو كتاب خلاصة الأقوال للعلّامة الحلّي، فإنّه كما قلنا في ما مضي، مجتهد في علم الرجال، ويؤسّس من كلّ ترجمة منه، قاعدة كليّة في علم الرجال، فمثلاً يقول في ترجمة إبراهيم بن سليمان بن عبداللّه بن حيّان: قال الشيخ: إنّه كان ثقة في الحديث... وضعّفه ابن الغضائري، قال: إنّه يروي عن الضعفاء وفي مذهبه

ص: 335


1- . أُصول علم الرجال ص 76.
2- . رجال النجاشي ص 885/325.

ضعف، والنجاشي وثّقه أيضاً كالشيخ، فحينئذٍ يقوي عندي العمل بما يرويه، فهو بهذا التعبير يضع قاعدة رجاليّة خلاصتها: إذا تعارض توثيق الشيخ والنجاشي من جانب وتضعيف ابن الغضائري من جانب آخر، يُقدَّم توثيق الشيخين الرجاليّين؛ فالعلّامة الحلّي بما أنّه رجاليّ مجتهد يستخرج قواعد رجاليّة من نصوص رجاليّة، فإنّه يعطينا في هذا، قاعدة رجاليّة وهي لا اعتبار بتضعيفات ابن الغضائري إن كان التوثيق موجوداً من المشايخ، وإن لم يبيّن ما حكمته.

ومن هذا المبدأ صار المؤلّفون من الرجاليّين يدرجون الآراء الرجاليّة التي ذكرها العلّامة الحلّي في غضون تراجم الرواة من كتاب الخلاصة، والتي بمثابة قواعد عامّة؛ في مقدّمات معاجمهم الرجاليّة، ويعنونوها غالباً بعنوان الفوائد الرجاليّة، وأوّل من قام بهذا هو الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم في مقدّمة كتابه منتقي الجُمان في الأحاديث الصحاح والحسان وكانت اثنتي عشرة فائدة وهي المقدّمات الاثنتا عشريّة التي نقد بعضها معاصره محمّد بن الحسين بن عبدالصمد العاملي البهائي في مقدّمة كتاب مشرق الشمسين، وهذا يُظهر منقبة علميّة للشيخ حسن العاملي فإنّه وإن تأخّر مولداً وتقدّم موتاً علي البهائي، ولكن البهائي اعتني بكتابه مُنتقي الجمان وأورد مقدّماته في كتابه مشرق الشمسين ونقد ودقّق بعضها؛ فراجع وقايس فإنّه إذا قال المعاصر فهو المراد، ومن هنا اشتهر كتاب الفوائد.

وممّن كتب فوائد في الرجال، هو الشيخ البهائي، وقد أدرجها المامقاني في كتابه تنقيح المقال.

ص: 336

وممّن ألّف في الفوائد الرجاليّة، هو الشيخ الحرّ العاملي في نهاية وسائل الشيعة، وبعضها هي فوائد المنتقي، وفي عصره محمّد بن عليّ الأردبيلي في نهاية جامع الرواة.

وممّن كتب أيضاً في الفوائد الرجاليّة كلّ من السيّد مصطفي التفرشي في نهاية نقد الرجال، والمولي عناية اللّه القهبائي في نهاية مجمع الرجال، وبعدهما بقرن كتب المولي الوحيد البهبهاني، فقد كتب مقدّمة علي كتابه تعليقة منهج المقال، وجعلها فوائد ولذلك اشتهر بفوائد الوحيد، وطبع مع رجال الخاقاني، وكذلك العلّامة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم فكتب كتاباً بعنوان الفوائد الرجاليّة، وأورد تلميذه أبو عليّ الحائري فوائد مهمّة في مقدّمة كتابه منتهي المقال.

وممّن صنّف فيها، المولي محمّد إسماعيل الخواجوئي الخرّيت الرجالي، وكتابه مطبوع بعنوان الفوائد الرجاليّة.

ومن المعاصرين أيضاً آية اللّه الخوئي فقد صنّف مقدّمة رجاليّة وهي تتضمّن البحث عن مدي حجيّة أخبار الكتب الأربعة، ثمّ البحث عن القواعد العامّة الرجاليّة.

وممّن ألّف كذلك في الفوائد الرجاليّة آية اللّه العظمي الشيخ محمّد باقر الآيتي البيرجندي الجازاري وهو من أشهر تلامذة الميرزا محمّد حسن الشيرازي الكبير، ثمّ الشيخ المحدّث الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل، فقد ألّف رسالة بعنوان الفوائد الرجاليّة، واستنسخها تلميذه آية اللّه السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي، وطبعها المتتبّع الفاضل الصدر

ص: 337

الخواجوئي في مجموعة ميراث حديث شيعة.

والمؤلّف رحمه الله هو من العلماء المتتبّعين والباحثين الخلّص في الآثار المرويّة عن الرسول الأعظم وأهل بيته عليهم السلام، وأنّه كان مفتي الفريقين في الفقه، فهو أوّل من صحّح الوسائل في النجف، وطبع علي الطبع الحجري وكان يقول: اقرؤوا عنوان الباب من الوسائل حتّي أقرأ جميع أحاديث الباب عن حفظٍ، وكان يقول: إنّ الخدشة في إسناد الروايات، كثيراً ما نشأت من عدم الاطّلاع والممارسة لعلم الرجال، فمن تمعّن ودقّق في علم الرجال خاصّةً في معرفة الطبقات يستكشف اعتبار الروايات، وصدورها عن المعصومين عليهم السلام، وله باع طويل في الخطابة والوعظ، فهو صاحب الكبريت الأحمر في شرائط المنبر وبهذا يعرف كثيراً مع أنّه أستاذ آية اللّه المرعشي، وكان إذا سمّاه علي كرسيّ الدرس قام احتراماً له وقال: صلوات اللّه عليه.

وهو الذي ألّف الإجازة الطويلة المسمّاة بعنوان الدرّة الفاخرة في قصبة بيرجند، وأرسلها إلي السيّد شهاب الدين المرعشي في النجف، وعدّد فيها مشايخه، وأجاز للسيّد النجفي جميع تأليفاته والآثار الإماميّة المجازة فيها.

فهذه الإجازة أطول إجازة طبعت مع إجازات السيّد المرعشي في كتابه المسلسلات، فالرسالة بحقّ، كانت نعمة في معرفة الرجال والمشايخ والكتب، ثمّ إنّه لمّا ألّف كتاباً قيّماً في علم الرجال، اطّلع السيّد الأعظم البروجردي عليه وقال: ومع هذا الكتاب لا نحتاج إلي تأليف في الطبقات إلّاأنّ الكتاب مع الأسف ضاع وفقد، وليست هذه أوّل قارورة كسرت في الإسلام، فإنّ نجله آية اللّه الشيخ محمّد حسين الآيتي، مؤلف بهارستان فقد قال: جاء أحد المعمّمين

ص: 338

إليّ وقال أعطني كتاب أبيك الرجالي لاُطالعه في أيّام المحرّم، ولمّا انصرم شهرا المحرّم والصفر أردنا أن نستردّ الكتاب، غير أنّنا نسينا أنّ الكتاب في يد أيّ رجل أو شخص كان، وكلّما أعلمنا ودعونا الناس والعلماء والطلّاب فلم يجيبونا، وبهذا افتقدنا الكتاب.

فهو من الفقهاء العاملين المجتهدين ومن أصحاب الفتاوي النادرة، وعنه قال العلّامة السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة بأنّه كان ممّن يري وجوب صلاة الجمعة وجوباً عينيّاً. وكون العسر أحد موجبات الفسخ في النكاح. وجواز طلاق زوجة الغائب بعد مضيّ الأربع سنين؛ ولو قبل الرجوع إلي الحاكم. وكتبنا في هذا الموضوع رسالة مفصّلة طبع بعضها في مهرجان السيّد الطباطبائي صاحب العروة الوثقي: وعدم الفرق بين العقار وغيره في إرث الزوجة، ووجوب البقاء علي تقليد الميّت، إن كان أعلم(1).

وممّن ألّف كذلك في الفوائد الرجاليّة كلّ من الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي، وطبع الكتاب علي نفقة محمّد كاظم رحمان ستايش.

والشيخ محمّد آصف المحسني، وهو من أبرز تلامذة آية اللّه الخوئي، وصنّف كتاباً سمّاه الفوائد الرجاليّة، وأورد فيه إشكالاً علي أُستاذه السيّد الخوئي، وقال أثناء درسه: إنّ الأُستاذ قبل الإشكال وأراد أن يجيب ولكن لم يجب، وهو: إنّكم كما قلتم: إنّ التوثيقات الواردة عن العلّامة وابن داود ظنيّة لا حسيّة بما أنّهما من المتأخّرين، وكذا توثيقات أُستاذهما أحمد بن طاووس-.

ص: 339


1- . أعيان الشيعة ج 9 ص 181، ريحانة الأدب ج 1 ص 304، فقه وفقهاي اماميّه در گذر زمان ص 310 - باللغة الفارسيّة -.

الحلّي، فهكذا نحن نقول في توثيقات النجاشي والشيخ، نعم، توثيقاتهما بالنسبة إلي معاصريهما حسّيّة وهم الرواة في طبقة من لم يرو عنهم، وهكذا طبقة أساتذتهما؛ كابن الغضائري، والمفيد، والسيّد المرتضي وغيرهم، وأمّا الأساتذة وبشكل تصاعدي بعدهما فبما أنّهما ما رأياهما ولا لقياهما فليس التوثيق بالنسبة إليهم عن حسّ مشاهدة، بل كان التوثيق عن حدس، فإذاً ما هو الفرق بين التوثيقات من الحلّي بالنسبة إلي الرواة في عصر الأئمّة عليهم السلام، وبين التوثيقات من ناحية النجاشي والشيخ بالنسبة إليهم؟ وهذا إشكال. ثمّ قال:

أوردناه علي الأُستاذ، وقبله ولم يجب عنه، غير ما كتبه في مقدّمة كتابه معجم رجال الحديث فإنّه كان يؤكّد علي قبول قول النجاشي والشيخ وعدم اعتبار توثيق العلّامة ومن عاصره.

فوائدٌ ر جاليّةٌ

الفائدة الأُولي:

روي أصحابنا في كتب الأخبار عن رجال يذكرون تارة كناهم أو ألقابهم، وأُخري ما اشتهروا به، وثالثة أسماءهم غير المعروفة، عند الأكثر فيعسر الحصول علي أسمائهم ومعرفة أحوالهم، فإنّ الغالب في كتب الفهرس والرجال سرد الرواة بأسمائهم المشهورة، وعدم الاكتراث بما وقع في إسناد الروايات، ولا يخفي أنّ كلّ من له كنية أو لقب لا يصحّ التعبير عنه بكنيته أو لقبه إلّاإذا كان مشتهراً بواحد، فيأتي عنوانه في الكني صحيحاً كأبي جميلة وأبي المعزاء، وقد جمع العلّامة وغيره من علماء الرجال المشهورين بالكني والألقاب في أواخر كتبهم، علماً بأنّ الغالب في كتب الرجال الأسماء، إلّاإذا كان اللقب والكنية مشهورَين كالحلبي وأبي حمزة الثمالي، ولهذا فإنّ لكتب الرجال

ص: 340

ثلاثة أقسام مرتّبة في التأليف: القسم الأوّل الأسماء، ثمّ الكني، ثمّ الألقاب، وكلّها علي حروف الهجاء.

الفائدة الثانية:

توجد في كثير من طرق الكافي لا سيّما في أوائلها عبارة «عدّة من أصحابنا»، بعنوان مطلق، مع ذكر بعضهم أحياناً، فوقع البحث لدي المحدّثين والرجاليّين في تعيين المراد منهم، كما بحثوا في أنّ الطريق ليس مرسلاً أو ضعيفاً من هذه الجهة، كما أفرد بعضٌ رسائل فيها.

قال النجاشي في ترجمة الكليني: قال الكليني كلّ ما كان في كتابي «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسي» فهم: محمّد بن يحيي (العطّار)، وعليّ ابن موسي الكميداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم ابن هاشم. وزاد العلّامة: قال الكليني وكلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي» فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ ابن محمّد بن عبداللّه بن أُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن أُميّة، وعليّ بن الحسن.

وقال: كلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه «عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد» فهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبداللّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني(1)، ولكنّه لم يتبيّن كثيراً منهم، مثل:

1. عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

2. عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسي بن يزيد.

3. عدّة من أصحابنا عن جعفر بن محمّد عن ابن فضّال.

ص: 341


1- . الكافي ج 1 ص 48، الرسائل الرجاليّة (الشفتي) ص 493، البحر الزخّار ج 2 ص 118، وسائل الشيعة ج 20 ص 33، منتقي الجمان ج 1 ص 43، جامع الرواة ج 2 ص 465.

4. عدّة من أصحابنا عن سعد بن عبداللّه.

واستوفي النوري والكلباسي البحث، وقال صاحب المنتهي: إنّ محمّد بن أحمد بن يحيي العطّار، أحد العدّة مطلقاً، واستنتج أنّ الطريق صحيح من جهة العدّة مطلقاً؛ لأنّ هذا الرجل كان شيخ أصحابه في زمانه، وكان ثقة عيناً كثير الحديث، فعُنِيَ به أنّه بعد تصريح الكليني بأسماء العدّة عن أحمد بن محمّد بن خالد (إذ لم يذكر فيه محمّد بن يحيي) لا سبيل إلي هذا الاحتمال.

قال الكلباسي: أشبه شيء بالاجتهاد إزاء النصّ، نعم يمكن استظهار بما ذكره العاملي بأنّه يوجد في بعض نسخ الكافي: محمّد بن يحيي في عدّة البرقي، قلنا: أوّلاً: أنّ وروده في طريق رواية واحدة لا يدلّ علي كونه داخلاً في عدّة البرقي في جميع المواضع. وبعبارة أُخري: أنّ السبب في ذكر أسماء أشخاص العدّة في هذا الطريق، هو التنبيه علي أنّ المراد من العدّة هنا غير المراد من العدّة في غيرها من الروايات.

ثانياً: أنّ ما نقله النوري عن بعض نسخ الكافي، والذي يسهّل الخطب، أنّ المذكورين بعنوان العدّة في طرق الكليني، هم مشايخ إجازاته، من أصحاب المصنّفات والكتب، وقد يعبّر الكليني بجماعة من أصحابنا أو غير واحد، والمراد هو المراد من العدّة.

الفائدة الثالثة:

قد يحذف الكليني صدر السند في خبر بناءً علي الخبر الذي قبله، وهذا ما يعبّر عنه بالتعليق. يقول في الخبر الأوّل: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه...، ويقول في الثاني: ابن أبي عمير، عن ابن رئاب...، وفي الثالث منه: ابن أبي عمير... أو يقول في الخبر الأوّل: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن

ص: 342

عيسي، وأحمد بن محمّد بن خالد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب... وفي الثاني: ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة...

وفي الخبر الثالث: ابن محبوب عن أبي جعفر....

ومن المعلوم أن أمثال هذه الأخبار مسندة لا مرسلة، كما صرح به المجلسي الأول والجزائري.

قال العاملي : اعلم أنه اتفق لبعض الأصحاب توهم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي ، لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها علي طرق سابقة، وهي

طريقة معروفة بين القدماء ، والعجب أن الشيخ ربما غفل عن مراعاتها، فأورد الإسناد من الكافي بصورته، ووصله بطرقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة ، فيصير الإسناد في رواية الشيخ له منقطعة، ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله . ومنشأ التوهم الذي أشرنا إليه فقد الممارسة المطلعة علي التزام تلك الطريقة(1)

وتعجب الكلباسي من الشيخ حيث ادعي إرسال رواية في التهذيب مع أنها في الكافي من باب التعليق.

الفائدة الرابعة : قد صدر الكليني جملة من الأسانيد بعلي بن محمد ، وقد اضطربوا في تعيينه بين كونه علي بن محمد بن إبراهيم علان، وعلي بن محمد بن أذينة ، وعلي بن محمد بن بندار، و توقف آخرون كالمامقاني ، والأول مختار المولي صالح، والثاني اختيار المجلسي الثاني ، والثالث اختيار صاحب المعجم، والذي ظهر لنا بعد النظر في عبارات المحققين ، أن علي بن محمد

ص: 343


1- منتهي الجمان ج 1 ص 23.

المصدّر في أوائل أسانيد الكافي كثيراً، ليس بمجهول قطعاً، بل هو إمّا عليّ بن محمّد بن إبراهيم المعروف بعلّان، وإمّا عليّ بن محمّد بن بندار المعروف أبوه بماجيلويه، وكلاهما ثقتان، فما ادّعاه صاحب التنقيح أقرب إلي ما في القاموس والمعجم. وقال المامقاني: إنّه مردّد بين ثلاثة، وهم: عليّ بن محمّد بن عبداللّه ابن أُذينة، وعلّان، والمعروف بماجيلويه. وكلّ منهم شيخ الكليني، وحمله علي أحدهم دون الآخَرَيْن تحكّم.

وادّعي التستري تعيّن علّان؛ لأنّه كلّما ورد «عليّ بن محمّد» عن سهل، وقد فسّر الكليني «عدّة سهل» بجمع منهم «علّان»، وابن أُذينة محرّف «ابن لابنته»، وكونه غير ماجيلويه غير تامّ، لأنّه وقع في الكافي رواية عليّ بن محمّد، عن عليّ بن الحسن، وابن جمهور، والفضل بن محمّد، ومحمّد بن موسي وغيرهم من الرجال، وإن كانت روايته عن سهل كثيرة، فإطلاق كلامه ليس في محلّه، كما أنّ ما ذكره صاحب المعجم بعدم الوجدان في الكافي علي رواية الكليني عن علّان غريب، فقال في الموضوع: وعليّ بن محمّد من مشايخ الكليني، وقد أكثر الرواية عنه في الكافي في جميع أجزائه وأطلق ومِن ثَمّ قد يقال بجهالته، ولكن الظاهر أنّه عليّ بن محمّد بن بندار الذي روي عنه كثيراً، وبهذا يتعيّن أنّ المراد بعليّ بن محمّد في غيره من المواضع هو ابن بندار.

الخامسة:

قال الإسترآبادي وغيره أنّ محمّد بن الحسن الذي يروي عنه الكليني هو محمّد بن الحسن الصفّار، وذكر النوري وجوهاً ثمّ زيّفها، واستدلّ علي خلافه بوجوه سبعة، وأمّا احتمال كونه هو ابن الوليد فبعيد، لأنّه من مشايخ الكليني ومات سنة 343 ق، أي بعد أربع عشرة سنة من موت الكليني.

ص: 344

السادسة:

قال صاحب المنتقي: يأتي في أوائل أسانيد الكافي: محمّد بن إسماعيل، وهو مشترك بين سبعة رجال، ثمّ استدلّ علي نفي كونه أحدهم، بل يقرب من محمّد بن إسماعيل البندقي النيشابوري وهو مجهول، ولعلّ الإكثار من الكليني في الرواية عنه، شهادة بحسن حاله، واختاره الكلباسي والتستري، خلافاً للبهائي، ويرجَّح أنّه برمكي، وابن داود اختار بأنّه ابن بزيع، وعلي قوله، ينسب إلي الكليني، التدليس في الأسانيد، لأنّ الكليني لم يلق ابن بزيع الذي من أصحاب الرضا عليه السلام(1).

وعلي كونه هو النيسابوري، فهل يحكم بصحّة حديثه لكونه ثقة، أو بحسنه أو ضعفه لكونه مجهول الحال؟ قال العاملي بإدخاله في الحسن، وذكر الكلباسي أنّه ثقة، إمامي، جليل، وعالم نبيل، لكثرة نقل الكليني عنه زيادة علي خمسمائة حديث، وكونه من مشايخ إجازته فيُعَدّ حديثه صحيحاً كما عن الميرداماد والبحراني، خلافاً للمجلسي الثاني والسيّد العاملي والتفرشي.

السابعة:

ذكر العلّامة وابن داود أنّه قد يغلط جماعة في الإسناد من إبراهيم ابن هاشم إلي حمّاد بن عيسي فيتوهّمونه حمّاد بن عثمان، وهو غلط، فإنّ إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان، بل حمّاد بن عيسي، والأوّل توفّي سنة 190، والثاني 209، فتحصّل أنّه إذا وجد في رواية إبراهيم بن هاشم عن حمّاد، فالمراد ابن عيسي لا ابن عثمان، حتّي يحكم بإرسال السند أو تصحيفه، بناء علي عدم لقاء إبراهيم لابن عثمان.

ص: 345


1- . منتقي الجمان ج 1 ص 43، سماء المقال ج 1 ص 476، مشرق الشمسين ص 72، الرواشح السماويّة ص 74، منهج المقال ص 283، غنيمة المعاد في شرح الإرشاد ج 7 ص 182، منتهي المقال ج 5 ص 351، بهجة الآمال ج 6 ص 287.
الثامنة:

إذا وردت رواية يروي فيها موسي بن القاسم عن حمّاد فلا تتوهّمها مرسلة؛ لكون حمّاد من رجال الصادق عليه السلام؛ ولأنّ حمّاداً إمّا ابن عثمان وقد بقي إلي زمن الرضا عليه السلام وروي عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام، وإمّا ابن عيسي، فقد لقي الإمام الصادق عليه السلام وبقي إلي زمن أبي جعفر الثاني.

التاسعة:

وقع عنوان أبي بصير في 2275 حديثاً واختلف في المراد منه وعدد مَن يطلق عليه، وصنّف البعض رسالة خاصّة في تحقيق عنوان أبي بصير، فالمشهور أربعة، أي أبو بصير يُطلَق علي أربعة: 1. ليث بن البختري 2. يحيي ابن أبي القاسم 3. يوسف بن الحارث البتري 4. عبداللّه بن محمّد الأسدي.

وليسوا كلّهم ثقات، بل يشترك بين الثقة وغيره، ولأجل ذلك تسقط الروايات الكثيرة عن الحجيّة، ولكن الحقّ، أنّ المراد منه يحيي بن أبي القاسم الأسدي، الثقة أحد فقهاء الطبقة الأُولي من أصحاب الإجماع، ولو تنزّلنا عن هذا لقلنا:

بإنّه مردّد بين شخصين ثقتين: يحيي والليث(1).

وفي معجم رجال الحديث: إنّ أبا بصير عندما أُطلق، فالمراد به هو يحيي ابن أبي القاسم، وعلي تقدير الإغماض، فالأمر يتردّد بينه وبين ليث بن البختري الثقة، وأمّا غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية، بل لم يوجد مورد يطلق فيه أبو بصير ويراد به غير هذين. وهاهنا نكات جديرة بالذكر:

أ: يظهر من مطاوي كلمات أئمّة الرجال وعلماء الحديث أنّ ليث بن البختري المرادي، كان من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، ويمكن ادّعاء إطباق الكلّ علي أنّ الرجل كان يكنّي بأبي بصير، ولا ريب في وثاقته وإن

ص: 346


1- . سماء المقال ج 1 ص 378.

لم يصرّح بها في كتب القدماء، والدليل عليه روايات، منها: ما ورد بسند صحيح عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «بَشّر المُخبتين بالجنّة:

بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمّد بن مسلم، وزرارة؛ أربعة نجباء أُمناء اللّه علي حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست»، فإنّ المدح المستفاد من هذه الأخبار ليس فوقه مدح، ويدلّ علي أنّ ليث في مستوي عالٍ من الوثاقة، إضافة إلي توثيقه علي قول غير واحد من المتأخّرين كالعلّامة والشهيد الثاني، والمجلسي، بل الغضائري من القدماء، وأمّا الروايات الواردة في قدحهم فإنّها إمّا مرسلة أو ضعيفة أو صدرت عن التقيّة، كما صدرت في غيرهم من الأجلّاء كزرارة، ومحمّد بن مسلم، وهشام بن الحكم.

ب: إنّ يحيي بن أبي القاسم الأسدي (م 150 ق) كان من أصحاب الأئمّة الثلاثة الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، وكان مكفوفاً رأي الدنيا مرّة أو مرّتين، ولم يدرك الرضا عليه السلام، وهو مكنّي بأبي بصير وأبي محمّد، ولا مجال في وثاقته ومكانته، لما صرّح به النجاشي، والكشّي، والشيخ، وابن الغضائري، ووردت روايات في مدحه، ونسبة الوقف إليه نَشَأ من زعم اتّحاد أبي بصير هذا ويحيي ابن القاسم الحذّاء الواقفي، فإنّه قد مات سنة (150 ق) والوقف رأيناه بعد شهادة الكاظم عليه السلام، ونسبة الغلوّ إليه أنكره ابن فضّال، وإن نسبه إلي التخليط ولكنّه مردود للأدلّة القطعيّة علي جلالته(1).4.

ص: 347


1- . سماء المقال ج 1 ص 385، رسالة في أحوال أبي بصير ميراث حديث شيعة دفتر سيزدهم، ص 468 - باللغة الفارسيّة -، قاموس الرجال ج 1 ص 14.

ج: هناك في ما يرويه كلّ من المرادي والأسدي شواهد، وكلّ منهما ثقة فلا فائدة في التمييز إلّاعند التعارض، والمشهور ترجيح المرادي علي الأسدي، واختيار السيّد الداماد والمحقّق الخوانساري فبالعكس، والغالب معرفة الراوي المشترك بالراوي والمروي عنه، فإنّ عليّ بن أبي حمزة روي عن الأسدي كثيراً وكان أستاذه، والظاهر أنّه لم يرو عن المرادي أبداً، كما أنّ رواية شعيب العقرقوفي، وعبداللّه بن وضّاح، والحسين بن أبي العلاء، وجعفر بن عثمان قرائن علي كون المراد من أبي بصير هو الأسدي، وإذا كان الراوي عن أبي بصير عبداللّه بن مسكان، أو أبا جميلة مفضّل بن صالح، أو أبان بن عثمان فالمراد به ليث المرادي.

قال المحقّق التستري: إنّ أبا بصير لا يطلق إلّاعلي يحيي، أمّا ليث فإمّا يعبّر عنه بالاسم وهو الغالب، وإمّا بالكنية مع التقييد بالمرادي، بخلاف يحيي، فلم نقف في الكتب الأربعة وغيرها علي التعبير عنه بالاسم إلّافي سبعة مواضع بلفظ يحيي، وتقييد كنيته بالأسدي، أو المكفوف، أو المكنّي بأبي محمّد يسير أيضاً، والتعبير عنه بالكنية المجرّدة كثير، وهو دليل الانصراف، ويدلّ علي ما قلنا أُمور:

منها: قول الصدوق في المشيخة «وما كان فيه عن أبي بصير فقد رويته عن محمّد بن عليّ ماجيلويه - إلي أن قال - عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير»، وكذا قوله: «ما كان فيه عن عبدالكريم بن عقبة فقد رويته عن أبي رضي الله عنه - إلي أن قال - عن ليث المرادي، عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي» فالصدوق لم يعبّر عن يحيي بغير كنية مجرّدة، ولم يعبّر عن الليث بغير اسمه، كما أنّه قد روي في

ص: 348

الفقيه في مواضع مختلفة عن ليث مصرّحاً تارة باسمه، وأخري بكنيته مقيّداً بالمرادي.

ومنها: قول العيّاشيّ في سؤاله عن ابن فضّال، عن أبي بصير، فلولا الانصراف، لقال: سألته عن أبي بصير الأسدي، ولأجابه ابن فضّال: أنّ أبا بصير يطلق علي شخصين، أحدهما: يحيي. والآخر: ليث؛ ولم يجبه كذلك.

ومنها: إنّ النجاشي لم يذكر التكنية بأبي بصير لغير يحيي.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ أبا بصير المذكور في أسانيد الأخبار: إمّا يحيي جزماً، وإمّا مردّد بين يحيي وليث، وحيث إنّ كلا الرجلين في ذروة من الجلالة والوثاقة فلا يوجب الاشتراك جهالة أو ضعفاً في السند.

العاشرة:

الإضمار في الروايات: قد يتّفق في بعض الأحاديث، عدم التصريح باسم الإمام الذي يروي عنه الحديث، بل يشار إليه بالضمير، وظنّ جمع من الأصحاب أنّ مثله قطع ينافي الصحّة، وليس ذلك علي إطلاقه بصحيح، إذ القرائن في أكثر تلك المواضع تشهد بعود الضمير إلي المعصوم بنحو من التوجيه الذي ذكرناه في إطلاق الأسماء، وحاصله أنّ كثيراً من قدماء رواة حديثنا ومصنّفي كتبه، كانوا يروون عن الأئمّة مشافهة، ويوردون ما يروونه في كتبهم جملة، وإن كانت الأحكام التي في الروايات مختلفة، فيقول أحدهم في أوّل الكلام: سألت فلاناً، ويسمّي الإمام، الإمام الذي يروي عنه، ثمّ يكتفي في الباقي بالضمير، فيقول: وسألته.... ولمّا أن نقلت تلك الأخبار إلي كتاب آخر، صار لها ما صار في إطلاق الأسماء بعينها، ولكن الممارسة تُطلع علي أنّه لا فرق

ص: 349

في التعبير بين الظاهر والضمير(1).

هذا ما قاله الشيخ حسن العاملي في مقدّمة منتقي الجمان، أمّا الشيخ الأعظم الأنصاري فقد قال في كتابه الطهارة في مبحث الماء المضاف: الثالث: بعض الأخبار مثل ما في الخلاف: من أنّه روي العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابه قطرة من طستٍ فيه وضوء؟

فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ثوبه، وإن كان من وضوء للصلاة فلا بأس(2).

وظاهر نسبة الرواية إلي العيص وجدانه في كتابه لعدم احتمال المشافهة وطريق الشيخ إلي كتاب العيص حسن جدّاً، فالقدح في الرواية بالإرسال ضعيف في الغاية، وأضعف منه القدح فيها بالإضمار، فإنّه لا يقدح مع الاطمئنان إلي أنّ المسؤول هو الإمام عليه السلام وإنّ الاستغناء عن التصريح باسمه الشريف، لسبق ذكره في أوّل الرواية فيستهجن تكراره في الكلام الواحد المشتمل علي سؤالات متعدّدة والمنشأ في ذلك، تقطيع الأخبار لداعي جعل الروايات مبوّبة، أو عدم تعلّق غرض الفقيه بصدر الرواية أصلاً(3).

وليس سبب الإضمار التقطيع فقط، بل هناك علل أُخري. فقال بعض المحقّقين المعاصرين: علّل العلماء وقوع الإضمار بعوامل استخلصوها عن2.

ص: 350


1- . منتقي الجمان ج 1 ص 39، نهاية المرام ج 1 ص 211، 133، 176، فقه الشيعة ج 2 ص 147 وجذ ص 90، التنقيح، كتاب الطهارة، ج 2 ص 288، الحدائق الناضرة ج 1 ص 479 وج 23 ص 625، الطهارة، الأنصاري ج 1 ص 322، غنيمة المعاد ج 7 ص 61.
2- . الخلاف ج 1 ص 179، وسائل الشيعة ج 1 ص 156.
3- . الطهارة ج 1 ص 322.

تتبّعهم لواقع الأحاديث المرويّة والمدوّنة في المجاميع الروائيّة، وهي:

أوّلاً، التقيّة، وذلك أنّ بعض الرواة كان لا يستطيع التصريح باسم الإمام لظروف سيّاسة قاسية كان يعيشون تحت سطوة القمع والإرهاب الاُموي أو العبّاسي فيستعمل الكناية (الضمير). وهو أمر معروف تاريخيّاً لا يحتاج إلي التدليل والتمثيل.

وثانياً، تقطيع الأخبار من الأصول، وكان يحدث هذا في موضعين:

أ: الكتب: وذلك أن تأتي مرويّات المؤلّف في كتابه كلّه عن إمام فيذكر اسمه في أوّل الكتاب، ثمّ يكتفي بذكر ضميره، اعتماداً علي تصريحه بالاسم في أوّل الكتاب اختصاراً ومراعاة لقواعد البلاغة الملزمة بالابتعاد عن التكرار الذي لا حاجة مهمّة إليه.

ب: الحديث الطويل، وذلك قد يروي الراوي حديثاً طويلاً يضمّ مجموعة كبيرة من الأسئلة وأجوبتها، فيذكر اسم الإمام عليه السلام في أوّل الحديث ثمّ يقول:

وسألته عن كذا، فقال كذا... وهكذا.

وحينما جمعت الجوامع الكبري، عمد مؤلّفوها إلي تفريق الأحاديث التي في الكتاب، أو الفقرات التي في الحديث الطويل علي أبواب الفقه ومواضيعه، ولم يسمحوا لأنفسهم بأن يذكروا اسم الإمام في موضع الضمير، لئلّا يعدّ هذا منهم تصرّفاً في الحديث غير جائز. وأُشير إلي هذا، في الوسائل بما نصّه «أنّ كثيراً من قدماء رواة حديثنا ومصنّفي كتبه كانوا يروون عن الأئمّة مشافهة، ويوردون ما يروونه في كتبهم جملة، وإن كانت الأحكام التي في الروايات مختلفة، فيقول: «يعني الراوي المؤلف» في أوّل الكتاب: سألت فلاناً، ويسمّي

ص: 351

الإمام الذي يروي عنه، ثمّ يكتفي في الباقي بالضمير، فيقول: (وسألته) أو نحو هذا، إلي أن تنتهي الأخبار التي رواها عنه. ولا ريب أنّ رعاية البلاغة تقتضي ذلك، فإنّ إعادة الاسم الظاهر في جميع تلك المواضع تنافيها في الغالب قطعاً.

ولمّا نقلت تلك الأخبار إلي كتاب آخر صار لها ما صار في إطلاق الاسم بعينه فلم يبق للضمير مرجع(1).

وثالثاً: إتّكال الراوي علي القرينة المصاحبة للحديث عند روايته له عن المعصوم، التي اعتمد عليها في معرفة مرجع الضمير، ثمّ وبسبب الطوارئ للتراث اختفت القرينة(2).

وأمّا حجيّة الحديث المضمر فقد ردّها الشهيد الثاني في الروضة ومسالك الأفهام وفصله الآخرون، قال بعض من محشّي الروضة تعليقاً علي قول الشهيد الثاني في حقّ مضمرة محمّد بن مسلم: «والرواية مجهولة المسؤول» ونصّه:

قوله: والرواية مجهولة المسؤول هذا، ليس طعناً في الرواية، لأنّ من عادة أصحاب الأئمّة عليهم السلام أنّهم كانوا يذكرون المسؤول في أوّل الرواية، ثمّ كانوا يقولون: وسألته عن كذا، بإيراد ضمير المسؤول، ولمّا جمع المحدّثون الروايات، وجعلوها أبواباً أوردوها علي ما وجدوها في كتب القدماء فصارت مقطوعة.

وقال آخرونَ من محشّيها، في شرح قول الشهيد، مقطوعة محمّد بن مسلم:

المقطوعة: هي الرواية التي لم يعلم فيها أنّ المروي عنه المعصوم أم لا، مثل2.

ص: 352


1- . أصول علم الحديث ص 102، مقياس الهداية ج 1 ص 334، الروضة البهيّة، الطبع الحجري ج 1 ص 141.
2- . قواعد الحديث ص 222.

قوله: وسألته، ويقال لها: المضمرة، فإن كان الراوي فيها من الأجلّة والأعيان، مثل زرارة، ومحمّد بن مسلم فالأظهر عند الأكثر حجيّتها، لأنّ الظاهر أنّ مثلهما لا يسأل إلّاعن المعصوم، وإلّا فلا. أي: وإن لم يكن الراوي من الأجلّة والأعيان فلا يقال بحجيّة مقطوعته. وكلّ من استدلّ من الأصوليّين في باب حجيّة الاستصحاب بمضمرة زرارة، قال بحجيّة المضمر.

وقال الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول بعد نقلها مضمرة، ولا يضرّها الإضمار، وعن الآخوند الخراساني في كفاية الأصول: وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلّاأنّ إضمارها لا يضرّ باعتبارها، حيث كان مضمرها زرارة وهو ممّن لا يكاد يستفتي عن غير الإمام عليه السلام لا سيّما مع هذا الاهتمام المستفاد من تكرير السؤال.

وقال آية اللّه الخوئي علي ما في تقريراته ذيل الحديث: والكلام فيها تارة من حيث السند، واُخري من حيث المتن، أمّا من حيث السند فشيخنا الأنصاري وإن نقلها بعنوان المضمرة(1)، وذكر أنّ إضمارها لا يضرّ بعد كون الراوي زرارة الذي لا يروي إلّاعن الإمام عليه السلام؛ إلّاأنّ الظاهر كونها صحيحة، فإنّ رجالها كلّهم ثقات عدول، من زرارة ومن بعده، وأمّا الإضمار فمدفوع، وذلك:

أوّلاً: يندفع بأنّ جمعاً من الأعلام نقلوها مسندة عن الباقر عليه السلام كالسيّد بحر العلوم في فوائده، ولا يبعد عثوره علي أصل زرارة ونقله عن كتابه، والفاضل النراقي علي ما حكاه الشيخ في تنبيهات الاستصحاب.

وثانياً تطمئن النفس بأنّ زرارة لا ينقل الحكم الشرعي عن غير الإمام عليه السلامن.

ص: 353


1- . فرائد الأصول ج 2 ص 563 طبعة جامعة المدرّسين.

مضمراً من غير نصب قرينة، بل يعدّ ذلك من مثله خيانة، فالظاهر أنّ الإضمار حدث من التقطيع، لأنّ دأب الرواة في أصولهم علي ذكر الإمام الذي يروي عنه في الحديث الأوّل، وبعد ذلك، ينقلون الأحاديث الاُخر المرويّة عنه بعنوان الإضمار وإرجاع الضمير إليه، والمقطّعون نقلوا تلك الأحاديث في الأبواب المتفرّقة مضمرة، فلم يعلم المنقول عنه، وكان الأولي أن يثبتوا ذلك كما هو ديدن المتأخّرين فعلاً(1).

الحادية عشرة:

يوجد في كثير من الأسانيد أسماء مطلقة مع اشتراكها بين الثقة وغيرها وهو مناف للصحّة في ظاهر الحال، والسبب في ذلك أنّ مصنّفي كتب أخبارنا القديمة، كانوا يوردون فيها الأخبار المتعدّدة في المعاني المختلفة من طريق واحد، فيذكرون السند في أوّل حديث مفصّلاً، ثمّ يجملون في الباقي، اعتماداً علي التفصيل. ولمّا طرأ علي تلك الأخبار التحويل إلي كتاب آخر يخالف في الترتيب الكتاب الأوّل، تقطّعت تلك الأخبار بحسب اختلاف مضامينها، وإذا بعد العهد وقع الالتباس والإشكال.

ولكنّ الطريق إلي معرفة المراد فيه، تتبّع الأسانيد في تضاعيف أبواب المجاميع الروائيّة، ومراجعة كتب الرجال المتضمّنة لذكر الطرق، وللتضلّع من معرفة الطبقات في ذلك أثر عظيم.

الثانية عشرة:
اشارة

إنّ من المصطلحات الرائجة في ألسن أئمّة الرجال والتراجم والمحدّثين والفقهاء ألفاظ أربعة وهي: الكتاب، الأصل، التصنيف (أو المصنّف) والنوادر. وربّما يظهر من بعضهم أن كون الرجل ذا أصل، أو ذا كتاب

ص: 354


1- . دراسات في علم الأصول ج 4 ص 16.

وتصنيف من أسباب الحسن والوثاقة، فيجب علينا أن نعرف المراد من هذه الألفاظ والفرق بينها، هذا أوّلاً، والمعرفة الإجماليّة بالأُصول المدوّنة للأصحاب في عهد الأئمّة عليهم السلام ثانياً، ووجه العناية بهذه الأصول ومدي دلالتها علي وثاقة المؤلّف ثالثاً، فنقول: يقع البحث في مقامات.

الأوّل: في الألفاظ الأربعة

1. الكتاب: إنّ الكتاب مستعمل في كلمات العلماء بمعناه المتعارف وهو أعمّ من الأصل والنوادر وكذا من التصنيف علي المشهور، ولا تقابل بينه وبينهما، بل يطلق علي كلّ منهما الكتاب. فمثلاً يقول الشيخ في رجاله: في ترجمة أحمد بن ميثم: «روي عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم وكتاب الدلالة وغير ذلك من الأُصول». وقال في أسباط بن سالم: «له كتاب أصل». ومثله ما قاله النجاشي في ترجمة الحسن بن أيّوب: «له كتاب أصل»، ويؤيّد ذلك أنّ كثيراً ممّا سمّاه الطوسيّ أصلاً سمّاه النجاشيّ كتاباً وبالعكس يعبّر هو كثيراً عمّا سمّاه النجاشيّ النوادر بعنوان الكتاب، وقليلاً ما يتفق عكس ذلك(1).

2. الأصل: عرف الأصل بأنّه الكتاب الذي يمتاز عن غيره بأن جمع فيه مصنّفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي عنه، وبيّن العلّامة الطهراني سبب هذه التسمية بقوله: إنّ كتاب الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعاً من مؤلّفه عن الإمام عليه السلام، أو سماعاً منه عمّن سمع عن الإمام عليه السلام فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلّفها وجود أصليّ بدويّ ارتجاليّ

ص: 355


1- . تدوين الحديث عند الشيعة الإماميّة ص 341، الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 367، تنقيح المقال ج 1 ص 464، مجمع الرجال ج 1 ص 9.

غير متفرّغ من وجود آخر، كما أنّ أصل كلّ كتاب هو المكتوب الأوّلي منه الذي كتبه المؤلف فيطلق عليه النسخة الأصيلة أو الأصل لذلك.

3. التصنيف: ظاهر كلام الشيخ دالّ علي أنّ التصنيف مقابل للأصل(1)، قال:

إنّ أحمد بن الحسين بن عبداللّه الغضائري عمل كتابين: أحدهما ذكر فيه المصنّفات، والآخر ذكر فيه الأُصول. وقال في هارون بن موسي: «روي جميع الأُصول والمصنّفات». وقال في حيدر بن محمّد: «يروي جميع مصنّفات الشيعة وأُصولهم». ومن هنا جزم العلّامة التستري مؤلّف قاموس الرجال أنّ بين الأصل والتصنيف تقابلاً، وأنّ الكتاب أعمّ منهما. أمّا الوحيد البهبهاني فيظهر منه أنّ المصنّف أعمّ من الأُصول والنوادر، لأنّه لا يطلق عليها. قال الشيخ الطوسي في أحمد بن ميثم: «له مصنّفات منها كتاب الدلائل، كتاب المتعة، كتاب النوادر..»(2) ولا يبعد صحّة هذا القول كما يظهر من المحقّق والشهيد الثاني والبهائي، والذي يظهر منذ أوّل وهلة هو أنّ الكتاب والمصنّف مصطلحان مترادفان، والمراد منهما كلّ ما دوّنه الأصحاب، والأصل قسم خاصّ من الكتاب أو المصنّف، وذِكْرُهُ إزاء التصنيف لا يدلّ علي كونهما متقابلين، بل الغرض منه بيان اختصاص بعض مصنّفات الرجل بكونه أصلاً، كما أنّ ذكر الأصل إزاء الكتاب لا يدلّ علي التقابل أيضاً(3).5.

ص: 356


1- . رجال الشيخ ص 31/442، 21/440، منتهي المقال ج 1 ص 67، رجال النجاشي ص 23.
2- . قاموس الرجال ج 1 ص 64، تعليقة منهج المقال ص 49، خلاصة الرجال ص 178، التحريرالطاووسي ص 593، منتهي المقال ج 6 ص 425، رجال النجاشي ص 433، الفهرست ص 174، دانش رجال الحديث ص 343.
3- . راجع شرح هذه الألفاظ: قاموس الرجال ج 1 ص 60، الطهارة، الإمام الخميني ج 3 ص 242، عوائد الأيّام ص 593، الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 360، أوثق الوسائل ص 166، رجال الخاقاني ص 324، منتهي المقال ج 1 ص 65، بهجة الآمال ج 1 ص 184، أصول علم الرجال ص 260 (الداوري)، كليّات في علم الرجال ص 457، الذريعة إلي تصانيف الشيعة ج 2 ص 125.

4. النوادر: ذكر النجاشي عند عدّ كثير من الأصحاب أنّ لهم كتاب: «النوادر» فمثلاً يقول: الحسين بن عبيداللّه.. له كتب منها: التوحيد... النوادر. أو يقول:

الحسن بن الحسين... له كتاب مجموع، نوادر. وكذا يقول: الحسين بن عبيداللّه: شيخنا، له كتب منها كتاب كشف التمويه... كتاب النوادر في الفقه.

والتأمّل في الموارد التي ذكرها هو تبلغ خمسين ومائة مورد يُرشدنا إلي أنّ النوادر اسم للكتب المدوّنة التي ليس لمطالبها موضوع معيّن، أو ليست لرواياتها شهرة متحقّقة، سواء كانت الأحاديث الواردة فيها عن إمام واحد أو أكثر، أو كان موضوع الكتاب واحداً مع تفرّق مضامين رواياته بحيث لا يمكن تبويبها.

ومن الكتب المشهورة في هذا المضمار، نوادر محمّد بن أحمد بن يحيي المشهور ب «دبّة شبيب». قال النجاشي: ولمحمّد بن أحمد بن يحيي كتب منها كتاب نوادر الحكمة وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميّون ب «دبّة شبيب». قال:

وشبيب فامي كان بقم له دبّة ذات بيوت، يعطي منها ما طلب منه من دهن فشبّهوا هذا الكتاب بذلك.

وملخّص القول أنّ الكتاب أعمّ من الأصل والنوادر، وكذا التصنيف أعمّ منها علي ما اخترنا، والنسبة بين الأصل والنوادر التباين ظاهراً، وإن لم يكن احتمال نسبة العموم والخصوص من وجه بينهما بعيداً، بمعني جواز كون المؤلَّف أصلاً من جهة ونوادر من جهة أُخري، كما قال النجاشي في مروك بن عبيد: قال

ص: 357

أصحابنا القمّيّون «نوادره أصل».

الثاني: الأُصول المدوّنة في عصر أئمّتنا عليهم السلام

إنّ أصحاب الأئمّة عليهم السلام صنّفوا أُصولاً وأدرجوا فيها ما سمعوا عن كلّ من مواليهم عليهم السلام لئلّا يعرض لهم نسيان أو خلط، أو يقع فيه دسّ وتصحيف؛ صرّح بذلك ابن طاووس والبهائي والميرداماد. ومن المؤسف أنّه لم يثبت لنا عدد هذه الأُصول وتاريخ تأليفها ووفيات مصنّفيها، ويظهر من كلام الطوسي أنّ عدم ضبط عدد تصانيف الأصحاب وأُصولهم نشأ من كثرة الأصحاب وانتشارهم في البلاد، ويظهر من كلام المتأخّرين كالمحقّق والشهيد وغيرهما أنّ الأُصول ومؤلّفيها لم تكن أقلّ من أربعمائة، وأنّ أكثرها من وضع أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام، كما أنّ عبارة المفيد تدلّ علي أنّها لا تختصّ بأصحابهما بل تشمل غيرهما، قال: وصنّف الإماميّة من عهد أميرالمؤمنين عليه السلام إلي عصر أبي محمّد العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تسمّي الأُصول.

وقال الطهراني: إنّ تاريخ تأليف أكثرها في عصر أصحاب الإمام الصادق عليه السلام وهو عصر ضعف الدولتين، وهو من أواخر ملك بني أُميّة إلي أوائل أيّام هارون الرشيد، أي من سنة 95 ق، عام هلاك الحجّاج بن يوسف إلي عام 170 ق، الذي ولي فيه هارون الرشيد.

ولمّا لم يكن للأُصول ترتيب خاصّ، عمد أصحاب الجوامع إلي نقل رواياتها مرتّبة مبوّبة، ولأجله قلّت الرغبة في استنساخها، وكان قسم من تلك الأُصول باقياً بالصورة الأوليّة إلي عهد ابن إدريس الحلّي وقد استخرج من جملة منها ما جعله مستطرفات السرائر، وحصلت جملة منها عند السيّد رضي

ص: 358

الدين ابن طاووس كما ذكرها في كشف المحجّة(1).

الثالث: وجه العناية بالأُصول ومدي دلالتها علي الوثاقة

إنّ من الواضح، أنّ احتمال الخطإ والغلط والسهو والنسيان وغيرها في الأصل المسموع شفاهاً عن الإمام، أو عمّن سمع منه أقلّ منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر، لتطرّق احتمالات زائدة في النقل عن الكتاب؛ فالاطمئنان بصدور عين الألفاظ المندرجة في الأُصول أكثر، والوثوق به آكد. ولذا كان الأخذ من الأُصول المصحّحة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية(2).

قال البهائي والميرداماد: من القرائن التي توجب الوثوق بالحديث والركون إليه، وجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة، أو تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة، أو وجوده في أصل معروف الانتساب إلي أحد الجماعة الذين أجمعوا علي تصديقهم، أمّا دلالة كون الرجل ذا تصنيف أو ذا أصل علي وثاقته ومدحه فغير معلوم، لأنّ كثيراً من مصنّفي الأُصول مالوا إلي المذاهب الفاسدة كالواقفيّة والفطحيّة، وإن كانت كتبهم معتمدة، وذلك لأنّ مصطلح الصحيح عند القدماء غيره عند المتأخّرين، ولايستتبع صحّة حديث رجل عند القدماء وثاقته عندهم.

قال الوحيد في فوائده: ثمّ اعلم أنّه عند خالي بل وجدّي أيضاً علي ما هو ببالي أنّ كون الرجل ذا أصل من أسباب الحُسن، وعندي، فيه تأمّل؛ لأنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأُصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن

ص: 359


1- . الطهارة ج 3 ص 242، الذريعة إلي تصانيف الشيعة ج 2 ص 125.
2- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 31.

كانت كتبهم معتمدة، وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب من أسباب الحسن، ولكن الظاهر، أنّ كون الرجل صاحب أصل يفيد حسناً لا الحسن الاصطلاحي. وكذا كونه كثير التصنيف وكذا جيّد التصنيف.

فما ذكره الطهراني من أنّ قول أئمّة الرجال في ترجمة أحدهم أنّ له أصلاً يعدّ من ألفاظ المدح، يجب حمله علي ما أفاده الوحيد بمعني أنّه يكشف عن وجود مزايا شخصيّة فيه من الضبط والحفظ والتحرّز عن بواعث النسيان والتحفّظ عن موجبات الغلط والسهو، لا بمعني وثاقته وعدالته وصحّة مذهبه(1).

الثالثة عشرة:

عرفت أسباب الحاجة إلي علم الرجال، في التمسّك بالروايات المرويّة عن النبيّ وعترته الطاهرين، وأمّا ما يرويه أهل السنّة عن النبيّ الأكرم أو الصحابة والتابعين، فالحاجة إلي علم الرجال فيه أشدّ وألزم، وذلك لوجوه:

الأوّل: أنّ الغايات السياسيّة غلبت علي الأهداف الدينيّة فمنعت الخلفاء من كتابة حديث الرسول صلي الله عليه و آله وتدوينه بعد لحوقه بالرفيق الأعلي، ودام هذا النهي قرابة قرن من الزمن إلي أن آل الأمر إلي الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز فأحسّ بضرورة كتابة الحديث، فكتب إلي بكر بن حزم في المدينة: أُنظر ما كان من حديث رسول اللّه فاكتبه فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلّا أحاديث النبيّ صلي الله عليه و آله، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتّي يعلم من لا يعلم، فإنّ العلم لا يملك حتّي يكون سرّاً.

ص: 360


1- . الذريعة ج 2 ص 125، رجال الخاقاني ص 325، الفوائد الرجاليّة ص 35، منتهي المقال ج 1 ص 65، مرآة العقول ج 10 ص 124 وج 1 ص 108.

ومع هذا الإصرار المؤكّد من الخليفة، لم تكتب إلّاصحائف غير منتظمة ولا مرتّبة، إلي أن زالت دولة الأمويّين، وقامت دولة العبّاسيّين، وأخذ أبو جعفر المنصور بمقاليد الحكم، فقام المحدّثون في سنة 143 ق بتدوين الحديث.

كانت للحيلولة من كتابة الحديث آثار سلبيّة جدّاً؛ لأنّ الفراغ الذي خلّفه المنع أوجد أرضيّة مناسبة لظهور الدجّالين والأبالسة من الأحبار والرهبان من كهنة اليهود والنصاري، فافتعلوا أحاديث كثيرة نسبوها إلي الأنبياء عامّة، وإلي لسان النبيّ الأكرم خاصّة.

الثاني: إنّ وضع الحديث والكذب علي النبيّ الأعظم وعلي الثقات من صحابته والتابعين لهم بإحسان كان شعار الصالحين يتقرّبون به إلي اللّه، كلّ ذلك لأهداف دينيّة، ومن أراد الوقوف علي عمل الوضّاعين فليرجع إلي الموضوعات الكبري لأبي الفرج عبدالرحمن بن عليّ المعروف بابن الجوزي واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة لجلال الدين السيوطي، ووضع الحديث عند الكرّاميّة والصوفيّة.

الثالث: إنّ السلطة الأمويّة كانت تدعم وضع الحديث بشدّة وحماس لما في تلك الأحاديث المزوّرة من تحكيم عرش الخلافة، خصوصاً إذا كان الوضع في مجال مناقب الخلفاء وفضائلهم، وهذا معاوية ابن آكلة الأكباد كتب إلي عمّاله في الآفاق: «لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة، وانظروا من قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته». وقد كان لهذا المنشور أثر بارز في إكثار الفضائل

ص: 361

لعثمان وخلقها له لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات، فكثر ذلك في كلّ مصر، وهذا ممّا يُظهر أنّ الأهواء الشخصيّة والأغراض المذهبيّة كان لها أثر جليّ في وضع الحديث علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله(1).

الرابعة عشرة:

ربما كان السند في الكتب الحديثيّة هكذا: عن جعفر، عن آبائه عن عليّ عليه السلام، عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فالراوي لهذا الحديث هو غير إمامي عاميّ كروايات السكوني (إسماعيل بن أبي زياد السكوني العاصي قاضي الموصل) ورواياته عند فقهائنا مقبولة، لإتقان نصوص رواياته، وموافقتها لِرواياتنا وهو المطرود عند علماء السنّة كالعلّامة شمس الدين محمّد الذهبي في ميزان الاعتدال(2).

مثال ذلك: أحمد بن محمّد البرقي في المحاسن، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله...(3). و رواية الاحتكار(4)، وروايته الأخري في الخصال(5).

الخامسة عشرة:

كلّما ذكر الأئمّة عليهم السلام بشكل متسلسل فهو دليل علي أنّ المستمع لهم من العامّة، وخير دليل علي ذلك هو حديث سلسلة الذهب الذي يقول فيه الإمام الرضا عليه السلام: سمعت أبي موسي بن جعفر قال: سمعت أبي جعفر ابن محمّد قال: سمعت أبي محمّد بن عليّ قال: سمعت أبي زين العابدين قال:

ص: 362


1- . شرح ابن أبي الحديد ج 1 ص 178 وج 11 ص 44، مقباس الهداية ج 1 ص 406، نهاية الدراية ص 310، الرعاية ص 155، علوم الحديث ومصطلحه ص 266، تدريب الراوي ج 1 ص 406.
2- . ميزان الاعتدال ج 1 ص 247.
3- . وسائل الشيعة ج 25 ص 20.
4- . نفس المصدر، ج 12 ص 419 (الإسلاميّة).
5- . الخصال ص 329، وسائل الشيعة ج 12 ص 314.

سمعت أبي الحسين بن عليّ قال: سمعت أبي عليّ بن أبي طالب قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: سمعت جبرائيل يقول: سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: «كلمة لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي بشروطها وأنا من شروطها».

ص: 363

ص: 364

الفصل الحادي عشر منهج معرفة المشتركات

اشارة

إنّ إحدي المشاكل المهمّة في الأسانيد، وجود الرواة المشتركين خاصّة إن كان العنوان مشتركاً بين الثقة والضعيف. والمراد من العنوان هو اسم الراوي أو كنيته أو لقبه، فهذا يطلق علي أفراد عديدة قد يكون كلّهم ثقات، وقد يكون كلّهم ضعاف، ولكنّ العنوان قد يشترك بين الثقة والضعيف(1).

فهذا محمّد بن قيس مشترك بين محمّد بن قيس البجلي، راوي قضايا أميرالمؤمنين عليه السلام وهو ثقة، وغيره غير ثقة؛ فروايات محمّد بن قيس مثار اختلاف الآراء.

وهذا ابن سنان يطلق علي عبداللّه بن سنان الثقة عند الكلّ من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام تارةً، ويطلق علي محمّد بن سنان من أصحاب موسي بن جعفر عليهما السلام الثقة تارة أخري عند بعض؛ كالشيخ المفيد والطوسي، والضعيف عند بعض آخرين خاصّةً إلي القرن الحادي عشر، فأوّل من قام بتوثيقه الملّا محمّد تقي المجلسي وتبعه آخرون، وبعضهم ضعّفه كآية اللّه الخوئي من المعاصرين؛ فابن سنان يمثّل معركة الآراء، فيجب أن نعرف من هو، وهكذا غيره من الرواة.

ص: 365


1- . مقباس الهداية ج 1 ص 288، الرعاية ص 370، دانش دراية الحديث ص 158 - باللغة الفارسيّة -.

وعلي هذا العنوان الذي يطلق علي أفراد متعدّدة يقال: العنوان المشترك، وعلي الحديث الموجود فيه الراوي يقال الحديث المشترك، وعلماء الرجال تكفّلوا لمعرفة الرواة المشتركين، بل ودوّنوا لمعرفة العنوان المشترك قرائن منها:

1. معرفة الإمام عليه السلام، فإذا ثبت أنّ الإمام من هو، فيُعلَم أنّ الراوي مَن هو. مثلاً إن صرّح باسم الإمام وجاء العنوان المشترك راوياً عن الإمام، نعرف أنّ الراوي مَن هو. كابن سنان الراوي عن أبي عبداللّه عليه السلام فهو عبداللّه بن سنان ثقة، لكونه من أصحاب الصادق عليه السلام ومحمّد بن سنان من أصحاب موسي بن جعفر عليهما السلام.

2. طبقة الراوي بمعرفة الراوي والمروي عنه، وهي من أفضل طرق معرفة العنوان المشترك، فإنّ علماء الرجال من زمن النجاشي والشيخ الطوسي بيّنوا في كتبهم الرجاليّة أنّ الراوي عمّن يروي، ومن هو الراوي عنه، وهذا معروف بطبقة الراوي، فإنّ الطبقة في الاصطلاح: هي عبارة عن جماعة اشتركوا في السنّ ولقاء المشايخ، فهم طبقة، ثمّ بعدهم طبقة أُخري وهكذا(1).

فإنّ معرفة الراوي عن الراوي المشترك والمروي عنه يُساعدنا علي معرفة عنوان المشترك، وممّن اهتمّ في هذا الفنّ، هو المرحوم آية اللّه الخوئي في موسوعته الرجاليّة، فإنّه ذكر في نهاية كلّ راوٍ عنواناً، سمّاه: «طبقته في الحديث»، ويذكر فيه مشايخ الراوي وتلامذته، ومعرفة المشايخ وتلامذته يُساعدنا علي تعيين الراوي، والقرائن الأُخري كمقايسة الأسانيد وغيرها.9.

ص: 366


1- . الرعاية ص 388، جامع المقال ص 176، نهاية الدراية ص 343، مقباس الهداية ج 3 ص 48 و 319.

والمهمّ منها هو معرفة المشايخ والتلاميذ.

وممّن ألّف كتاباً في معرفة المشتركات، كلّ من العلّامة فخر الدين الطريحي وكتابه جامع المقال، وأسد اللّه الكاظمي وكتابه هداية المحدّثين، وسمّي في كلّ عنوان المروي عنه والراوي عنه، وهذا يعدّ من الطرق المهمّة في معرفة الرواة المشتركين، وأدرج هذا الكتاب - يعني هداية المحدّثين - الشيخ أبو عليّ الحائري ضمن كتابه منتهي المقال، وذكر ذيل كلّ راوٍ أساتذته وتلامذته.

قد يكون العنوان المشترك أحياناً هو الإمام عليه السلام، فإنّ أبا الحسن مشترك بين الإمام موسي بن جعفر والإمام الرضا والإمام الهادي عليهم السلام. نعم، وهذه هي كنية الإمام عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام ولكنّه يسمّي بأميرالمؤمنين ولم يسمّ بأبي الحسن تعظيماً لشأنه عليه السلام، وهي نفسها كنية الإمام زين العابدين عليه السلام إلّاأنّه يسمّي بزين العابدين أو السجّاد عليه السلام، فهذه الكنية تعود لثلاثة أئمّة، ومَن يُذكر بالأوّل، فهو موسي بن جعفر عليهما السلام وكذلك إذا أُطلق فالمراد هو عليه السلام أيضاً، وبالثاني فيقال:

أبوالحسن الثاني فالمراد هو الإمام الرضا عليه السلام، وبالثالث فيقال: عن أبي الحسن الثالث فالمراد هو الإمام الهادي عليه السلام.

ومثاله: روي الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار ومحمّد بن الحسن، عن عبداللّه بن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام في رجل دخل علي دار آخر للتلصّص أو الفجور فقتله صاحب الدار، أيُقتل به أم لا؟ فقال: اعلم، أنّ مَن دخل دار غيره فقد أهدر دمه ولا يجب عليه شيء(1). فإنّ كلمة «أبي الحسن» كنية للإمام موسي4.

ص: 367


1- . الكافي ج 7 ص 294.

ابن جعفر، ثمّ الإمام الرضا، ثمّ الإمام الهادي عليهم السلام، ولكن قد يتعيّن ذلك بالقرينة، وذلك بأن يقترن أبوالحسن بالأوّل فيقال: عن أبي الحسن الأوّل، أو بالثاني فيقال: عن أبي الحسن الثاني، فالأوّل هو الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، والثاني هو الرضا عليه السلام كما أنّ علماء الحديث قد ذكروا، أنّ أبا الحسن يطلق علي الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، وفي هذا الحديث، جاء لفظ أبي الحسن مطلقاً وينصرف إلي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام، وإذا رجعنا إلي كتب الرجال سوف نعرف أنّ الفتح بن يزيد الجرجاني هو من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام، كما صرّح به العلّامة المامقاني في موسوعته الرجاليّة تنقيح المقال. فعلي هذا، فمن خلال معرفة طبقة الراوي نكتشف أنّ الإمام أبا الحسن هو الإمام الهادي عليه السلام.

ومثاله الآخر: روي الكليني في الكافي عن الحميري، عن أحمد بن إسحاق قال: سألت أبا الحسن عليه السلام وقلت له: مَن أُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال عليه السلام له: العمري ثقتي، فما أدّي إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال عنّي فعنّي يقول؛ فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون(1). فأبو الحسن في هذا الحديث يحتمل بالدرجة الأُولي، أن يكون الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، وعندما نرجع إلي كتب الرجال نعرف أنّ العمري يكون من رجال الإمام الهادي عليه السلام.

وفيه قال التفرشي في نقد الرجال: العمري اسمه عثمان بن سعيد وفي رجال الشيخ الطوسي، أيضاً(2): عثمان بن سعيد السمري الزيّات، ويقال له:

السمّان يكنّي أبا عمرو، جليل القدر ثقة، من أصحاب الهادي والعسكريّ عليهما السلام1.

ص: 368


1- . الكافي ج 1 ص 330.
2- . نقد الرجال ج 5 ص 292، رجال الشيخ ص 36/389 و ص 22/401.

ووكيله عليه السلام(1).

وهذا أيضاً مثال آخر عن الكافي: الحسين بن محمّد، عن أحمد بن محمّد السيّاري، عن أبي يعقوب البغدادي قال: قال ابن السكّيت لأبي الحسن عليه السلام:

لماذا بعث اللّه موسي بن عمران عليه السلام بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر؟...

الحديث(2).

وأمّا ابن السكّيت فهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي الأهوازي الشيعي، أحد أئمّة اللغة والأدب، ذكره كثير من المؤرخين وأثنوا عليه، وكان ثقة جليلاً من عظماء الشيعة، ويعدّ من خواصّ الإمامين التقيّين عليهما السلام، وكان حامل لواء العربيّة والأدب والشعر واللغة والنحو، له تصانيف كثيرة مفيدة منها كتاب تهذيب الألفاظ، وكتاب إصلاح المنطق.

وقتله المتوكّل في خامس شهر رجب، سنة 244 ه وسببه أنّ المتوكّل قال له يوماً: أيّهما أحبّ إليك، ابناي هذان - أي المعتزّ والمؤيّد - أم الحسن والحسين عليهما السلام؟

فقال ابن السكّيت: واللّه إنّ قنبراً خادم عليّ بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكّل للأتراك: سلّوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات(3).

وقال العلّامة محمّد محسن الفيض الكاشاني في الوافي قيل: يعني بأبي الحسن الهادي عليه السلام، وفي الاحتجاج صرّح بأنّه الرضا عليه السلام بتقييده به (عليه2.

ص: 369


1- . نقد الرجال ج 3 ص 194.
2- . الكافي ج 1 ص 24.
3- . نفس المصدر، ج 1 ص 24، مجمع الرجال ج 6 ص 272.

السلام) وكذلك فعله في العيون(1).

وقال العلّامة الميرزا أبوالحسن الشعراني في هامش شرح أصول الكافي للمولي صالح المازندراني، ذكرنا في حواشي كتاب الوافي (صفحة 33 وما بعده): إنّ المسؤول هو أبوالحسن الثالث، أعني الهادي عليه السلام وذكرنا هنا وجهه، ومن الناس من نسب الحديث إلي الرضا عليه السلام وهو خطأ، ورأيت بعد ذلك من نسبه إلي الكاظم وهو أخطأ، لعدم معرفة قائله بالرجال وعدم تدبّره(2).

نعم، وفي عيون أخبار الرضا المترجَم قال: عن أبي الحسن الرضا عليه السلام(3)، ولعلّه سهو. كانت هذه فائدة معرفة الطبقات، حيث معرفة الراوي وطبقته تُساعدنا علي معرفة الراوي، مَن هو، والإمام عليه السلام أيُّهم. وتناول العنوان (منهج معرفة المشتركات)، علماء الدراية تحت اسم: المتّفق والمفترق.

أقوال الفقهاء حول المشتركات

1. قال الشهيد الثاني: وفائدة معرفته، خشية أن يظنّ الشخصان شخصاً واحداً، وذلك كرواية الشيخ ومن سبقه من المشايخ عن أحمد بن محمّد، فإنّه مشترك بين جماعة منهم: أحمد بن محمّد بن عيسي، وأحمد بن محمّد بن خالد، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وأحمد بن محمّد بن الوليد، وجماعة آخرون من أفاضل أصحابنا في تلك الأعصار، ويتميّز - عند - الإطلاق بقرائن الزمان، فإنّ المرويّ عنه، إن كان من الشيخ في أوّل السند أو ما قاربه فهو أحمد ابن محمّد بن الوليد، وإن كان في آخره - مقارناً للرضا عليه السلام - فهو أحمد بن

ص: 370


1- . الوافي ج 1 ص 112.
2- . شرح أصول الكافي ج 1 ص 295.
3- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 85 (منشورات الشريف الرضي) والمترجم ج 2 ص 148.

محمّد بن أبي نصر البزنطي، وإن كان في الوسط، فالأغلب أن يراد به أحمد بن محمّد بن عيسي، وقد يراد غيره، ويحتاج في ذلك إلي فضل قوّة وتمييز واطّلاع علي الرجال ومراتبهم، ولكنّه مع الجهل لا يضرّ، لأنّ جميعهم ثقات، فالأمر في الاحتجاج بالرواية سهل.

وكروايتهم عن محمّد بن يحيي مطلقاً، فإنّه مشترك بين جماعة منهم: محمّد ابن يحيي العطّار القمّي، ومحمّد بن يحيي الخزّاز - بالخاء المعجمة والزاي قبل الألف وبعدها - ومحمّد بن يحيي بن سليمان الخثعمي الكوفي، وهؤلاء الثلاثة ثقات، وتميّزهم بالطبقة، فإنّ محمّد بن يحيي العطّار في طبقة مشايخ أبي جعفر الكليني، فهو المراد عند إطلاقه في أوّل السند و «محمّد بن يحيي» والآخران رويا عن الصادق فيُعرفان بذلك.

وكإطلاقهم الرواية عن محمّد بن قيس، فإنّه مشترك بين أربعة: اثنان ثقتان وهما: محمّد بن قيس الأسدي أبو نصر، ومحمّد بن قيس البجلي أبو عبداللّه، وكلاهما رويا عن الباقر والصادق عليهما السلام، وواحد ممدوح، من غير توثيق، وهو محمّد بن قيس الأسدي مولي بني نصر، ولم يذكروا عمّن روي، وواحد ضعيف وهو محمّد بن قيس أبو أحمد، روي عن الباقر خاصّة، وأمر الحجيّة بما يطلق فيه هذا الاسم مشكل، والمشهور بين أصحابنا ردّ روايته، حيث يطلق مطلقاً، نظراً إلي احتمال كونه الضعيف، ولكنّ الشيخ أبا جعفر الطوسي كثيراً ما يعمل بالرواية من غير التفات إلي ذلك، وهو سهل علي ما علم من حاله، وقد يوافقه علي بعض الروايات، بعض الأصحاب، بزعم الشهرة.

والتحقيق في ذلك، أنّ الرواية إن كانت عن الباقر عليه السلام فهي مردودة لاشتراكه

ص: 371

بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف، واحتمال كونه الرابع لم يذكروا طبقته. وإن كانت الرواية عن الصادق عليه السلام فالضعف منتفٍ عنها، لأنّ الضعيف لم يرو عن الصادق عليه السلام كما عرفت، ولكنّها محتملة، لأن تكون من الصحيح إن كان هو أحد الثقتين، وهو الظاهر، لأنّهما وجهان من وجوه الرواة، ولكلّ منهما أصل في الحديث، بخلاف الممدوح خاصّة، ويحتمل علي بُعد أن يكون هو الممدوح فتكون الرواية من الحسن، فتبني علي قبول الحسن في ذلك المقام وعدمه؛ فتنبّه لذلك فإنّه ممّا غفل عنه الجميع وردّوا بسبب الغفلة عنه روايات وجعلوها ضعيفة، والأمر ليس فيها كذلك.

وكروايتهم عن محمّد بن سليمان، فإنّه مشترك بين محمّد بن سليمان بن الحسن الجهم الثقة العين، ومحمّد بن سليمان الأصفهاني وهو ثقة أيضاً، ومحمّد بن سليمان الديلمي وهو ضعيف جدّاً، ولكنّ الأوّل متأخّر عن عهد الأئمّة عليهم السلام، والثاني روي عن الصادق عليه السلام فيتميّزان بذلك، والثالث، لم أقف علي تقرير طبقته، فتردّ الرواية عند الإطلاق لذلك، وبالجملة، فهذا باب واسع ونوع جليل كثير النفع في باب الرواية ويحتاج إلي فضل تكلّف(1).

2. قال الشيخ حسن العاملي في مقدّمة مُنتقي الجُمان: سيرد عليك في كثير من الأسانيد أسماء مطلقة مع اشتراكها بين الثقة وغيره، وهو منافٍ للصحّة في ظاهر الحال، ولكن لمعرفة المراد منها وتمييزه طريق نذكره بعد تقرير مقدّمة يتّضح بها حقيقته وهي:

أنّ مصنّفي كتب أخبارنا القديمة كانوا يوردون فيها الأخبار المتعدّدة في4.

ص: 372


1- . الرعاية ص 384.

المعاني المختلفة من طريق واحد، فيذكرون السند في أوّل حديث مفصّلاً، ثمّ يجملون في الباقي اعتماداً علي التفصيل أوّلاً، ولمّا طرأ علي تلك الأخبار التحويل إلي كتاب آخر يخالف في الترتيب الكتاب الأوّل، تقطّعت تلك الأخبار بحسب اختلاف مضامينها، وتفرّقت علي الأبواب أو المسائل التي بني الترتيب الأخير عليها، وغفل الناقل عنها من تلك المواضع عن احتمال وقوع الالتباس فيها إذا بعد العهد، لزوال الارتباط الذي حسن بسببه الإطلاق وانقطاعها عن التفصيل الذي ساغ باعتباره الإجمال، وقد كان الصواب حينئذٍ مراعاة محلّ التفصيل وإيراد الأسانيد في كلّ من تلك الأخبار المتفرّقة مفصّلاً.

وقد وقع علي جماعة من المتأخّرين الإشكال في هذا الباب، والطريق إلي معرفة المراد فيه تتبّع تلك الأسانيد في تضاعيف الأبواب، فإنّها لا محالة توجد مفصّلة في عدّة مواضع يكون الناقل لها قد أخذها فيها بالصورة التي كانت عليها في الكتاب الأوّل، وتعرّف حال بعض أسانيد حديثنا من بعض في هذا الباب وغيره هو يقتضي الممارسة التامّة له، إذ يُعرف بها أنّ أكثر الطرق متّحدة في الأصل، وأنّ التعدّد طارئٌ عليها، فيستعان ببعضها علي بعض في مواضع الشكّ ومحالّ اللبس، وممّا يعين علي ذلك أيضاً، في كثير من المواضع، مراجعة كتب الرجال المتضمّنة لذكر الطرق، كالفهرست، وكتاب النجاشي، وتعاهد ما ذكره الصدوق رحمه الله من الطرق إلي رواية ما أورده في كتاب من لا يحضره الفقيه، وللتضلّع من معرفه الطبقات في ذلك أثر عظيم.

والعجب من غفلة الجماعة عن هذا مع وضوحه، وليت شعري كيف جوّزوا علي أُولئك الأجلّاء الثقات، والفضلاء الأثبات أن يكونوا تعمّدوا ذلك الإطلاق،

ص: 373

لا لغرض مع ما فيه من التعمية والتعرّض للالتباس، وأيّ غرض تتصوّر هناك سوي ما ذكرناه.

إذا تقرّر هذا، فاعلم أنّ ممّا وقع عليهم فيه الاشتباه وليس محلّاً له عند الماهر، رواية الحسين بن سعيد، عن حمّاد، ورواية محمّد بن عليّ بن محبوب، عن العبّاس، والمراد فيها حمّاد بن عيسي، والعبّاس بن معروف، بلا إشكال.

ومن ذلك، ما يتكرّر في الطرق من رواية العلاء، عن محمّد، وهما ابن رزين، وابن مسلم بغير شكّ. ومنه ما يتكرّر أيضاً من الرواية عن أبي مسكان وابن سنان، ولا ريب أنّ الأوّل عبداللّه الثقة، وأمّا الثاني، فالقرينة تبيّن غالباً بأوضح دلالة أنّه الثقة، وهو عبداللّه، أو المضعّف وهو محمّد، فلا يكون هناك اشتباه. فمن المواضع التي يعلم فيها أنّه عبداللّه، رواية فضالة بن أيّوب، أو النضر بن سويد عنه، وهو كثير، ومن المواضع التي يعلم فيها أنّه محمّد، رواية الحسين بن سعيد، أو أحمد بن محمّد بن عيسي عنه.

ومن عجيب ما اتّفق هنا، أنّ المحقّق رحمه الله حكم بضعف إسناد يروي فيه الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، معلّلاً له بأنّ محمّد بن سنان ضعيف، فناقشه الشهيد في الذكري بأنّ الذي في التهذيب عن ابن سنان، قال: ولعلّه عبداللّه الثقة، وربّما كان عذره ما ستراه في كتاب الصلاة إن شاء اللّه، من رواية الشيخ في إسناد عن الحسين بن سعيد، عن عبداللّه بن سنان، والتصفّح والاعتبار يشهدان بأنّه من جملة الأغلاط التي نبّهنا عليها في الفائدة الثالثة.

ووقع في بعض الطرق ما يعطي اجتماع الرواية، عن عبداللّه ومحمّد لبعض

ص: 374

الرجال، وإشكال التمييز حينئذٍ عند الإطلاق، وستري في أبواب المياه من ذلك موضعاً يروي فيه محمّد بن خالد البرقي، عن محمّد بن سنان من طريق، وعن عبداللّه من طريق آخر، والممارسة ترشد إلي أنّ الصحيح في هذا هو روايته عن المضعّف، وأنّ إبداله بالثقة توهّم فاحش، فلا إشكال فيه.

وفي بعض الأسانيد بقلّة وندور، رواية للحسن بن محبوب، عن محمّد بن سنان، وهو يروي كثيراً عن عبداللّه، والظاهر عند الإطلاق هنا أنّ المراد عبداللّه، إذ لا يعقل إرادة محمّد منه مع شدّة ندور الرواية عنه. نعم ذكر الكشّيّ أنّ يونس ابن عبدالرحمن ممّن روي عن محمّد بن سنان، ويوجد في بعض الطرق رواية ليونس عنه بالتصريح، ويونس من طبقة من يروي عن عبداللّه بن سنان، وفي كثير من الأسانيد تصريح بروايته عنه أيضاً، فيحتاج التمييز بينهما مع الإطلاق في روايته عنهما، حيث يقع إلي جهة أُخري من القرائن، غير ما ذكرناه من رواية الراوي عنهما، إلّاأنّ وقوعه في الطرق الصحيحة، لولاه، نادر جدّاً.

ومن المواضع التي وقع فيها الاشتباه أيضاً رواية موسي بن القاسم، عن عبدالرحمن، وهي كثيرة في كتاب الحجّ، واتّفق فيه تفسيره في عدّه أسانيد بابن أبي نجران، وفي إسناد بابن سيَابة، فقوي بذلك الإشكال، ورعاية الطبقات قاضية بأنّ تفسيره بابن سيَابة غلط، وأنّ إرادة ابن أبي نجران في الكلّ متعيّنة(1).

3. قال الشيخ بهاء الملّة والدين في مقدّمة مشرق الشمسين: واعلم أنّه قد يعبّر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب الالتباس علي بعض الناس، ولكنّ كثرة الممارسة تكشف في الأغلب عن حقيقة الحال، فمن ذلك العبّاس الذي5.

ص: 375


1- . منتقي الجمان ج 1 ص 35.

يروي عنه محمّد بن عليّ بن محبوب، فإنّه كثيراً ما يقع مطلقاً غير مقرون بفصل مميّز، ولكنّه ابن معروف الثقة القمّي.

ومن ذلك حمّاد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد فإنّه ابن عيسي الثقة.

ومن ذلك العلاء الذي يروي عن محمّد بن مسلم، وقد يقال: العلاء عن محمّد، من غير تقييد بابن مسلم، والمراد به ابن رزين الثقة، ومحمّد الذي يروي عنه هو ابن مسلم.

ومن ذلك أحمد بن محمّد فإنّه مشترك بين جماعة يزيدون علي ثلاثين، ولكنّ أكثرهم إطلاقاً وتكراراً في الأسانيد أربعة ثقات وهم: ابن الوليد القمّي وابن عيسي الأشعري، وابن خالد البرقي، وابن أبي نصر البزنطي؛ فالأوّل يذكر في أوائل السند، والأوسطان في أواسطه، والأخير في أواخره، وأكثر ما يقع الاشتباه، بين الأوسطين، ولكن حيث إنّهما معاً ثقتان، لم يكن في البحث عن تعيينه فائدة يعتدّ بها، وأمّا البواقي فأغلب ما يذكرون مع قيد مميّز، والنظر فيمن روي عنهم ورووا عنه، ربّما يُساعد الممارس علي استكشاف الحال.

ومن ذلك ابن سنان فإنّه يُذكر كثيراً من غير فصل مميّز، يعلم به أنّه عبداللّه الثقة أو محمّد الضعيف، ويمكن استعلام كونه عبداللّه بوجوه:

منها: أنّه روي عن الصادق عليه السلام بغير واسطة، فإنّ محمّداً يروي عنه عليه السلام بواسطة.

ومنها: أن يروي عنه عليه السلام بواسطة عمر بن يزيد، أو بأبي حمزة، أو بحفص الأعور، فإنّ محمّداً لا يروي عنه عليه السلام بواسطة أحد هؤلاء.

ومنها: أنّ ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن سويد، أو عبداللّه بن المغيرة،

ص: 376

أو عبدالرحمن بن أبي نجران، أو أحمد بن محمّد بن أبي نصر، أو فضالة، أو عبداللّه بن جبلة؛ فهو عبداللّه لا محمّد، وابن سنان الذي يروي عنه أيّوب بن نوح، أو موسي بن القاسم، أو أحمد بن محمّد بن عيسي، أو عليّ بن الحكم؛ فهو محمّد لا عبداللّه(1).

طرق معرفة المشتركات

1. طريق المعصوم عليه السلام:

وهو طريق يضمن لنا معرفة المعصوم عليه السلام، فمثلاً إنّ ابن سنان إذا روي عن الإمام الصادق عليه السلام نعرف أنّه عبداللّه بن سنان الثقة.

ومن مصاديق هذا الطريق ما عن السيّد السند في نهاية المرام في كتاب النكاح: الثانية، أنّها لا يقع بها لعان، أمّا لنفي الولد فظاهر، لأنّه ينتفي بغير لعان.

قال جدّي قدس سره: وهو موضع وفاق. وأمّا مع القذف، فهو قول الأكثر، ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:

لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع بها. وفي الصحيح عن ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: لا يلاعن الحرّ الأمة ولا الذمّيّة، ولا التي يتمتّع بها. وناقش جدّي قدس سره في المسالك في صحّة هذه الرواية بأنّ ابن سنان مشترك بين عبداللّه وهو ثقة، ومحمّد وهو ضعيف، والاشتراك يمنع الوصف بالصحّة. وهو مدفوع بأنّ ابن سنان الذي يروي عن أبي عبداللّه عليه السلام، هو عبداللّه الثقة الجليل قطعاً، لأنّ محمّداً لم يرو عن الصادق عليه السلام أصلاً، وإنّما يروي عن أصحابه، وقد يروي محمّد عن عبداللّه وذلك معلوم من كتاب الرجال(2).

ص: 377


1- . مشرق الشمسين ص 84.
2- . نهاية المرام ج 1 ص 250.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني ضعّف كلّ حديث وقع في سنده ابن سنان، إلّاالأحاديث التي وقع ابن سنان فيها راوياً عن الإمام عليه السلام؛ فالشهيد الثاني يري أنّ ابن سنان ضعيف، كما ضعّفه الشيخ الطوسي في التهذيب، ثمّ ضعّفه الشيخ حسن ابنه، والسيّد محمّد الموسوي العاملي(1).

2. طريق الراوي عنه:

فإذا عرفنا من خلال هذا الطريق أنّ الراوي عنه مَن هو، ومَن هو أُستاذه، ظفرنا بالراوي المشترك من هو، ويعتمد هذا الطريق علي معرفة طبقات الراوي ومراتبهم، وهي مِن المسائل المهمّة في معرفة الطبقات.

ذكرنا في ما مضي أنّ ابن سنان يُعرَف من المرويّ عنه، وهكذا يعرف من ملاحظة الطبقات، وابن سنان هذا هو معركة الآراء في رواية الكرّ. فقد روي الشيخ في التهذيب عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن عبداللّه بن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجّسه شيء؟ قال: كرّ. قال: وما الكرّ؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار.

وعن الشيخ بهاء الدين العاملي في مشرق الشمسين في شرح الحديث:

روي شيخ الطائفة في التهذيب هذا الحديث بسند آخر ضعيف، أورده قبل هذا بثلاثة عشر حديثاً هكذا: الثلاثة، عن سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: سألت، إلي آخره(2)، وضعفه ظاهر.

ص: 378


1- . نهاية المرام ج 1 ص 250.
2- . تهذيب الأحكام ج 1 ص 37، ح 40.

وأمّا هذا الإسناد فقد أطبق علماؤُنا من زمن العلّامة طاب ثراه إلي زماننا هذا علي صحّته، ولم يطعن فيه أحد حتّي انتهت النوبة إلي بعض الفضلاء الذين عاصرناهم، قدّس اللّه أرواحهم، فحكموا بخطإ العلّامة وأتباعه في قولهم بصحّته، وزعموا أنّ طبقات الرواة في التقدّم والتأخّر تقتضي أن يكون ابن سنان المتوسّط بين البرقي وإسماعيل بن جابر محمّد لا عبداللّه، وأنّ تبديل شيخ الطائفة له بعبداللّه في سند هذا الحديث توهّم فاحش؛ لأنّ البرقي ومحمّد بن سنان في طبقة واحدة، فإنّهما من أصحاب الرضا عليه السلام، وأمّا عبداللّه بن سنان فليس من طبقة البرقي، لأنّه من أصحاب الصادق عليه السلام؛ فرواية البرقي عنه بغير واسطة مستنكرة.

وأيضاً فوجود الواسطة في هذه الرواية بين ابن سنان وبين الصادق عليه السلام يدلّ علي أنّه محمّد لا عبداللّه، لأنّ زمان محمّد متأخّر عن زمانه عليه السلام بكثير، فهو لا يروي عنه بالمشافهة، بل لابدّ من تخلّل الواسطة. وأمّا عبداللّه بن سنان فهو من أصحاب الصادق عليه السلام، والظاهر أنّه يأخذ عنه بالمشافهة لا بالواسطة.

هذا حاصل كلامهم وظنّي أنّ الخطأ في هذا المقام إنّما هو منهم لا من العلّامة وأتباعه، قدّس اللّه أرواحهم، ولا من شيخ الطائفة، نوّر اللّه مرقده، فإنّ البرقي وإن لم يدرك زمان الصادق عليه السلام لكنّه أدرك بعض أصحابه ونقل عنهم بلا واسطة. ألا تري إلي روايته عن داود بن أبي يزيد العطّار، حديث من قتل أسداً في الحرم، وعن ثعلبة بن ميمون وروايته حديث الاستمناء باليد، وعن زرعة حديث صلاة الأسير في باب صلاة الخوف، وهؤلاء كلّهم من أصحاب الصادق عليه السلام فكيف لا تنكر روايته عنهم بلا واسطة، وتنكر عن عبداللّه بن سنان.

ص: 379

وأيضاً فالشيخ قد عدّ البرقي في أصحاب الكاظم عليه السلام، وأمّا تخلّل الواسطة بين ابن سنان وبين الصادق عليه السلام فإنّما يدلّ علي أنّه محمّد، لو لم توجد بين عبداللّه أيضاً وبينه عليه السلام واسطة في شيء من الأسانيد، لكنّه قد توجد بينهما كتوسّط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب، وتوسّط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح، وقد يتوسّط شخص واحد بعينه بين كلّ منهما وبين الصادق عليه السلام كإسحاق بن عمّار فإنّه متوسّط بين محمّد وبينه عليه السلام في سجدة الشكر، وهو بعينه متوسّط أيضاً بين عبداللّه وبينه عليه السلام في طواف الوداع، وتوسّط إسماعيل بن جابر في سند الحديثين اللَّذَين نحن فيهما من هذا القبيل، واللّه الهادي إلي سواء السبيل.

والعجب من هؤلاء الأقوام المعترضين علي أُولئك الأعلام يستنكرون لقاء البرقي لعبداللّه بن سنان، ولا يستنكرون لقاء محمّد بن سنان لإسماعيل بن جابر، مع أنّ ما ظنّوه علّة لعدم اللقاء؛ مشترك، والإنصاف أنّ لقاء البرقي لعبداللّه ابن سنان ممّا لا يستنكر بعد ملاحظة ما قرّرناه.

وأيضاً فإنّه كان خازناً للرشيد، والبرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام، وقد ذكر المسعودي رحمه الله أنّ ما بين وفاته عليه السلام ووفاة الرشيد عشر سنين؛ فرواية البرقي عنه لا مانع له بالنظر إلي طبقات الرواة، كما روي عن داود وثعلبة وزرعة، وإذا جازت رواية الحسين بن سعيد، مع أنّه ممّن لقي الهادي عليه السلام عنه بلا واسطة حديث قنوت الوتر وغيره، فلِمَ لا يجوز رواية من هو من أصحاب الكاظم عليه السلام عنه كذلك؟

وبما تلونا عليك يظهر أنّ شيخ الطائفة والعلّامة وأتباعهم لا طعن عليهم فيما

ص: 380

ذكروه(1).

وهذه عبارة الشيخ حسن العامليّ في شرح الحديث في منتقي الجمان:

وهذا الحديث نصّ جمهور المتأخّرين من الأصحاب علي صحّته وليس بصحيح، لأنّ الشيخ رواه في موضع من التهذيب وفي الاستبصار كما نقلناه، ورواه في موضع آخر من التهذيب عن الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، فأبدل عبداللّه بمحمّد والراويان قبل وبعد متّحدان كما تري؛ فاحتمال روايتهما معاً له منتفٍ قطعاً، لاختلافهما في الطبقة، وقد ذكرنا في فوائد المقدّمة أنّ الذي يقتضيه حكم الممارسة تعيّن كونه محمّد، وفي الكافي رواه عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن ابن سنان، والظاهر أنّ هذه صورة ما وقع في رواية البرقي له، والتعيين من تصرّف الراوين عنه، فأخطأ فيه المخطئ، وأصاب المصيب(2).1.

ص: 381


1- . مشرق الشمسين ص 387.
2- . منتقي الجمان ج 1 ص 51.

ص: 382

الفصل الثاني عشر منهج معرفة الطبقات

اشارة

هناك منهج يختصّ بعلم الرجال نسمّيه ويسمّونه منهج الطبقات، يقوم علي معرفة طبقات الرواة، ولعلّ هذا أوّل منهج في علم الرجال، ويعدّ ابن سعد من قدماء هذا الفنّ، فقد ألّف كتابه: الطبقات علي هذا المنهج وسمّاه: الطبقات.

وسلك كذلك أصحاب الرجال هذا المسلك وألّفوا علي هذا المنهج، فقد قسّموا الرواة إلي طبقات، ثمّ وضعوا كلّ طبقة منهم في فصل خاصّ من كتبهم، وأوّل من ألّف علي ضوء هذا المنهج من علماء الشيعة، هو شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي فإنّه قد ألّف أحد كتبه الرجاليّة علي منهج الطبقات ووضع أصحاب الرواية والرواة والمحدّثين في اثنتي عشرة طبقة:

الطبقة الأُولي: هم صحابة الرسول صلي الله عليه و آله، وهم الذين وفّقهم اللّه في رؤية رسول اللّه صلي الله عليه و آله، وأمّا البحث عن الصحابي مَن هو؟ وما هي شروط كونه صحابيّاً؟ فهو بحث آخر ناقشناه في الدراية وغيرها.

والطبقة الثانية: وهم الرواة الذين رأوا الصحابة ولم يروا الرسول صلي الله عليه و آله، وهم المعروفون بالتابعين؛ فإنّ التابعين، نسبة إلي التابع، وهو الذي رأي الصحابة ولم يَرَ الرسول صلي الله عليه و آله.

ص: 383

والطبقة الثالثة: هم تابعوا التابعين، وهم الذين رأوا الطبقة الثانية.

وعنون الشيخ الباب الأوّل من كتاب الرجال: باب من روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله من الصحابة، ثمّ وضع كلّ ما في الباب علي ترتيب حروف الهجاء، وتلاه باب من روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام وهو ما جاء علي لسان علماء الرجال، من أهل السنّة، وهم المعروفون بتابعي التابعين، ثمّ أصحاب الحسين بن عليّ عليه السلام، ثمّ أصحاب عليّ بن الحسين عليه السلام، ثمّ أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام إلي من هو آخرهم عليهم السلام، واختصّ الباب الأخير، وهو بعد باب أصحاب الإمام العسكري عليه السلام، بمن لم يرو عن واحد عن الأئمّة، وهم الذين لم يدركوا الأئمّة عليهم السلام بل وقعوا في سلسلة الأسانيد. هذا هو منهج الشيخ الطوسي في هذا الكتاب، وكذلك منهج عدد من العلماء بعد القرن الحادي عشر باعتبار أنّ هذا المنهج هو المنهج الأساس والمهمّ في علم الرجال، وغيره من المناهج فيه نقاط ضعف ونقاط قوّة، وباعتبار أنّ هذا المنهج قد استدرك نقاط الضعيف، وساهم في تقوية علم الرجال، وأنّه لم يكتف بنصوص علماء الرجال في توثيق الرواة وتضعيفهم.

وعن العلّامة المعاصر الأُستاذ الشيخ جعفر السبحاني في أهميّة هذا المنهج:

إنّ الجوامع المذكورة مع أهمّيّتها وعظمتها، فاقد لبعض ما يهمّ المستنبط في تحصيل حجّيّة الخبر وعدمها، فإنّها وإن كانت توقفنا علي وثاقة الراوي وضعفه إجمالاً، غير أنّها لا تفي ببعض ما يجب علي المستنبط تحصيله، وإليك بيانه:

إنّ هذه الخطّة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخّرون، مع أهميّتها وجلالتها، لا تخرج عن إطار التقليد لأئمّة علم الرجال في التعرّف علي وثاقة الراوي

ص: 384

وضعفه، وقليل من سائر أحواله، ممّا ترجع إلي شخصيّته الحديثيّة، وليس طريقاً مباشريّاً للمؤلّف الرجالي، فضلاً عمّن يرجع إليه ويطالعه للتعرّف علي أحوال الراوي بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة علي كلّ ما يرجع إلي الراوي من حيث الطبقة والعصر أوّلاً، ومدي الضبط والإتقان ثانياً، وكميّة رواياته كثرة وقلّة ثالثاً، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً، وهذا بخلاف ما رسمه الأساتذة المتأخّرون وخطّطوه.

وإن شئت قلت: إنّ الكتب المؤلّفة حول الرجال تستمدّ من قول أئمّة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخّر عنهم هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف. ولا ريب أنّ هذا طريق صحيح، لكنّه ليس طريقاً مباشريّاً إلي أحوال الرواة.

وثانياً: لا شكّ أنّ التحريف والتصحيف تطرّق إلي كثير من أسناد الأحاديث المرويّة في الكتب الأربعة وغيرها، وربّما سقط الراوي أو أكثر من السند، دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه، وعلي ذلك يجب أن تكون الكتب الرجاليّة بصورة توقفنا علي طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ، حتّي يقف الباحث ببركة التعرّف علي الطبقات، علي نقصان السند وكماله، والحال أنّ هذه الكتب المؤلّفة كتبت علي حسب حروف المعجم مبتدأة بالألف ومنتهية بالياء، لا يعرف الإنسان عصر الراوي وطبقته في الحديث، ولا أساتذته ولا تلامذته، وكتاب الشيخ علي هذا النمط من التأليف، ومن خلال معرفة هذا المنهج تعرف مقدار التصحيف في الأسانيد، والتقديم والتأخير، والسُقَط الواقعة فيها.

وثالثاً: أنّ أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدة أشخاص؛ بين ثقة يركن

ص: 385

إليه، وضعيف تُردّ روايته، وعندما يلاحظ المستنبط الأسماء المشتركة في الأسناد لا يقدر علي تعيين المراد(1)، ولأجل ذلك عمد الرجاليّون إلي تأسيس فرع آخر لعلم الرجال أسموه: «تمييز المشتركات».

فوائد معرفة الطبقات

هناك عدّة فوائد من معرفة طبقات الرواة منها:

1 - معرفة الخلل الواقع في السند مِن الإرسال الخفيّ وغير الظاهر، فإنّ الفقيه إن عرف الطبقات للرواة، ومَن هو أُستاذ الراوي ومَن هو تلميذه، فسوف يعرف بالحال أنّ الرواية في سندها سقط، سواء كان هذا السقط واحداً من رجالها أو أكثر، وهذا هو الذي سمّاه علماء الدراية والحديث بالإرسال الخفي، فإنّ الإرسال علي قسمين: إرسال جليّ وإرسال خفيّ. والإرسال الجليّ: هو أن يحذف أحد الرواة أو أكثر من الإسناد، وقد أُشير إلي المحذوف، كما قال: روي محمّد بن أبي عمير عن رجل، أو عن نفر، أو عن بعض أصحابنا، أو عمّن ذكره، أو لم يذكر السند بالمرّة كما في روايات تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، ونهج البلاغة للسيّد رضيّ الدين الموسوي، وتفسير العيّاشي السمرقندي، ودعائم الإسلام للقاضي أبي حنيفة النعمان المغربي وغيرها من الكتب التي جاءت بروايات خالية من الإسناد، أو كان في سندها إجمال، كما في مراسيل محمّد بن أبي عمير في باب غسل الجنابة، فقد نقل الشيخ: عن ابن أبي عمير، عن حمّاد أو غيره، فهذا السند أيضاً مرسل، وهذه كلّها إرسال جليّ.

وأمّا الإرسال الخفيّ فهو المنقطع أو المعضل في مصطلح علماء الدراية،

ص: 386


1- . كليّات في علم الرجال ص 143.

والمعضل عندهم هو الحديث الذي حُذف من سنده اثنان فأكثر، فلو حذف أقلّ من الاثنين لم يكن من المعضل، وإن كان من أوّله، كان من أقسام المعلّق، وإن كان من آخره كان من أقسام المرسل(1).

والمعلّق أيضاً من أنواع المرسل؛ ولو لم يذكر المؤلّف طريقه إلي صاحب الأصل في المشيخة. وقال الشهيد: لو ذكر الطريق في المشيخة فهو مسند، ولو لم يذكر المؤلّف طريقه في المشيخة فهو مرسل(2) كما أنّه لم يذكر الصدوق أكثر طرقه في المشيخة، فهي كلّها مرسلات. وهذه كلّها مرسلات جليّة.

وعلي هذا فإنّ المنقطع مرسل خفيّ.

2 - معرفة التصحيف والتحريف، والتقديم والتأخير. قال المحدّث البحراني: قلّما اتّفق سند في التهذيب أن لا يكون فيه تصحيف أو تحريف، أو تقديم أو تأخير. وجاء كلامه هذا في الحدائق الناضرة، وهو محلّ نقد واعتراض، وقبول واعتماد.

فعن آية اللّه الخوئي في مقدّمة معجم رجال الحديث: فإنّ كلام المحدّث المذكور وإن كان فيه مبالغة ولكنّه صحيح، والإسناد في التهذيب غالباً لا يخلو من إحدي هذه النقائص.

وكتب المحقّق عبدالحسين البقّال في تعليقته علي الرعاية للشهيد: إنّ البحراني جفا بالشيخ الطوسي ولا يكون التهذيب هكذا.

وقال آخرون: إنّ البحراني أخطأ في قوله.6.

ص: 387


1- . مقباس الهداية ج 1 336، تدريب الراوي ج 1 ص 211.
2- . الرعاية ص 101، أصول الحديث ص 105، السبحاني، مقباس الهداية ج 1 ص 215، نهاية الدراية ص 187، قوانين الأصول ص 486.

ولكنّ الشهيد الثاني قال في الدراية: واعلم أنّ هذه العلّة توجد في كتاب التهذيب متناً وإسناداً بكثرة(1).

فعلي هذا، فإنّ من كان علي معرفة بالطبقات فسوف يعرف الإرسال الخفيّ.

3 - معرفة اشتراك الرواة والعناوين التي تصدق علي الثقة والضعيف، وليس هذه الثلاث فوائد تخصّ معرفة الطبقات وملاحظة الراوي في أبواب مختلفة، بل إنّ في هذا الطريق إمكان التعرّف علي ميزان علم الراوي وفقهه وضبطه ووثاقته في النقل، إذ بالرجوع إلي متون أحاديث الراوي المبعثرة علي الأبواب وملاحظتها لفظاً ومعني وكمّاً وكيفاً تُعرف أُمور:

1. يُفهم من رواياته، مدي تضلّع الراوي في الفقه والكلام والتاريخ والتفسير وغيرها من المعارف، كما يعرف عدم مهارته وحذاقته في شيء منها، إذا قيست رواياته بعضها ببعض، وبما رواه آخرون في معناها.

2. يعرف مقدار رواياته قلّة وكثرة، وأنّه هل هو ضابط فيما يروي أو مخلّط أو مدلّس.

3. تعرف طبقات الرواة، مشايخهم وتلاميذهم.

4. يحصل التعرّف علي وضع الأسناد من حيث الكمال والسقط، فربما تكون الرواية في الكتب الأربعة مسندة إلي الإمام، ولكن الواقف علي طبقات الرجال يعرف الحلقة المفقودة أثناء السند.

ويقول الأُستاذ محمّد واعظ زاده الخراساني - في رسالة نشرت بمناسبة الذكري الألفية للشيخ الطوسي قدس سره -: إنّ الرجاليّين كانوا وما يزالون يتعبّدون في7.

ص: 388


1- . الرعاية ص 97.

الأكثر بقول أئمّة هذا الفنّ ويقلّدونهم في جرح الرواة وتعديلهم، إلّاأنّ الأمر لا ينحصر فيه، فهناك إزاء ذاك، باب مفتوح إلي معرفة الرواة ولمس حالهم بالمباشرة، وهذا يحصل بالرجوع إلي أمرين:

1. الرجوع إلي أسناد الروايات المتكرّرة في الكتب الحديثيّة المشتملة علي اسم الراوي، وبذلك يظهر الخلل في كثير من الأسانيد، وينكشف الإرسال فيها بسقوط بعض الوسائط وعدم اتصال السلسلة، ويمكننا معرفة الحلقة المفقودة في سلسلة حديث، باستقراء الأشباه والنظائر، إذا توفّرت وكثرت القرائن وقامت الشواهد في الأسانيد المتكثّرة.

2. الرجوع إلي متون أحاديث الراوي المبعثرة علي الأبواب واعتبارها لفظاً ومعني وكمّاً وكيفاً، فيفهم منها أنّ الراوي، هل كان متضلّعاً في علم الفقه أو التفسير أو غيرهما من المعارف، أو لم يكن له مهارة وحذاقة في شيء منها؟ يفهم ذلك كلّه إذا قيست رواياته بعضها ببعض، وبما رواه الآخرون في معناها، ويلاحظ أنّه قليل الرواية أو كثيرها، وأنّه ثبت ضابط فيما يرويه أو مخلّط مدلّس، وإذا انضمّ إليه أمر ثالث ينكشف حال الراوي أتمّ الانكشاف وهو مراجعة الأحاديث التي وردت في حال الرواة، وقد جمع معظمها أبو عمرو الكشّيّ في رجاله، فهي تعطينا بصيرة بحال رواة الحديث من ناحية أُخري وهي موقف الرواة من الأئمّة الهداة، ودرجات قرب الرجال وبُعدهم عنهم.

وفي الجملة، فمعرفة الرواة وطبقاتهم عن طريق أحاديثهم وملاحظتها متناً وسنداً، تكاد تكون معرفة بالمباشرة والنظر لا بالتقليد والأثر(1).-.

ص: 389


1- . كليّات في علم الرجال ص 143، يادنامه شيخ طوسي ص 683 - باللغة الفارسيّة -.

وهذه الفوائد ترجع إلي المنهج المبنيّ علي معرفة الطبقات، وأمّا من الذين سعوا في مسايرة هذا المنهج، ويعدّ أوّل رجاليّ بعد الشيخ الطوسي، وبل هو الأوّل لملاحظته للأسانيد ونصوص الروايات كلّها، هو العلّامة الرجاليّ محمّد ابن عليّ الأردبيلي المعاصر للعلّامة المجلسي حيث ألّف كتابه جامع الرواة في النجف في عشرين سنة، كما أنّ ثقة الإسلام الكليني ألّف كتابه في الريّ في عشرين سنة، ثمّ جاء به إلي أصفهان وعرضه علي علمائها، منهم العلّامة المجلسي شيخ الإسلام ورئيس الملّة والدين، ودعا العلماء أن يحضروا في مدرسة وطلب منهم أن يكتبوا مقدّمة لكتابه، وكتب كلّ منهم عبارة، فكتب العلّامة المجلسي «بسم اللّه الرحمن الرحيم»، والآغا جمال الخوانساري الحمد للّه، وهكذا، ووقف الشاه عبّاس أملاكاً عليه لِكي ينسخ منه نسخاً كثيرة، وهو في الحقيقة تلخيص المقال للميرزا محمّد علي الإسترآبادي صاحب الكتب الثلاثة في الرجال، إلّاأنّ الشيخ الأردبيلي حرّر الكتاب بقلم جديد فهو يعتبر كالذيل لكتاب تلخيص المقال وهو رجاله الأوسط.

وصرّح آية اللّه الحاج آغا حسين البروجردي في مقدّمة جامع الرواة: وأمّا كتابه هذا، جامع الرواة فهو كالذيل لكتاب تلخيص المقال للسيّد الجليل الميرزا محمّد الإسترآبادي، وهو رجاله الأوسط، وذكر ديباجة التلخيص بعينها ثمّ ذكر تراجمه بعين عبارته وترتيبه، فمن لم يجد له منهم فائدة زائدة في كتاب نقد الرجال للسيّد الجليل التفرشي، ولا رواية له في الكتب الأربعة، اقتصر في ترجمته، علي ما في التلخيص، ورمز له في آخره «مح»، ومن وجد له فائدة في النقد أردفه بذكرها ورمز له في آخرها «س» ومن وجد له رواية أو روايات في

ص: 390

الكتب الأربعة أعقبه بذكر ما له من الرواية فيها مع تعيين موضعها منها، من الكتاب والباب وغيرهما، ومع ذكر مَن روي صاحب الترجمة عنه، ومن رواها عن صاحب الترجمة، ومن وجد له الرواية في الكتب الأربعة وأهمل ذكره في تلخيص المقال، استدركه بذكره مع الإشارة إلي روايته علي نحو ما ذكر، وزاد أيضاً علي التراجم المذكورة في تلخيص المقال تراجم المذكورين في فهرست الشيخ منتجب الدين ولم يظهر لي وجه لهذه الزيادة، إذ لم يقع أحد منهم في أسانيد الكتب الأربعة، ولا لذكرهم مدخل في تصحيحها أو اعتبارها. فعلي ما ذكرنا تكون بعض تراجم هذا الكتاب عين ما في تلخيص المقال بلا زيادة، وبعضها كالشرح له، وبعضها استدراكاً عليه، وبعضها زيادة عليه من غير موجب. وبعد فراغه من التراجم ذكر خاتمة تلخيص المقال بما فيها من الفوائد العشر، وخاتمة نقد الرجال، مع خمس ممّا فيها من الفوائد الستّ بعين عبارتهما(1).

فهذا الكتاب هو أوّل ما أُلِّف في هذا الفنّ، وفي خاتمة ترجمة كلّ راوٍ جاء بمواضع وروده في الأسانيد حتّي تعرف رواياته وأساتذته وتلاميذه وغيرها من التقديم والتأخير في الأسانيد، بل التصحيف والتحريف، لما فيه من مقايسة للأسناد.

وممّن ألّف وسار علي هذا المنهج، السيّد محمّد شفيع الموسوي التفريشي، فألّف كتابه طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، فجعل مرتبة مشايخه الطبقة الأُولي، ومشايخ مشايخه الطبقة الثانية إلي أن انتهي بها إلي عصرة.

ص: 391


1- . جامع الرواة ج 1 المقدّمة.

النبيّ صلي الله عليه و آله، فبلغت اثنتان وثلاثون طبقة.

وممّن ألّف أيضاً واشتهر بمعرفة الطبقات وآثارها هو آية اللّه السيّد حسين البروجردي رحمه الله(1).

ثمّ قام أخيراً السيّد أبوالقاسم الخوئي صاحب الموسوعة الرجاليّة معجم رجال الحديث بوضع باب خاصّ لرواة الكتب الأربعة في آخر كلّ مجلّد من كتابه، فيذكر الراوي مع مشايخه وتلاميذه في كلّ باب، وهذا ممّا يمكّن المجتهد لمعرفة مواضع ورود الراوي في الأسناد فضلاً عمّا بيّن به طبقة كلّ راوٍ، أي: طبقته في الحديث، وعيّن كذلك المشايخ والتلاميذ، ولهذه أثر كبير في معرفة العناوين المشتركة والإرسال الخفي في الأسانيد، والتقديم والتأخير في أسماء الرواة.

وعن السيّد البروجردي في ذيل الحديث: أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة؟ فقال: «وما الملاحة؟» فقال: أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً. فقال: «هذا المعدن فيه الخمس». فقلت: الكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال: فقال: «هذا وأشباهه فيه الخمس(2)».

وقد أفاد الأُستاذ العلّامة دام ظلّه أنّ الصحيح في سند الرواية كون الراوي عن محمّد بن مسلم، هو أبو أيّوب ولا حسن بن محبوب؛ وذلك لأنّ محمّد بن مسلم في الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها وتوفّي سنة 124، كما في2.

ص: 392


1- . نهاية التقرير ج 1 المقدّمة، نقباء البشر ج 2 ص 602، مجلّة الحوزة ش 43-44، المنهج الرجالي السيّد محمّدرضا الجلالي.
2- . تهذيب الأحكام ج 4 ص 122، من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 21، وسائل الشيعة ج 9 ص 492.

رجال الشيخ(1)، وحسن بن محبوب في الطبقة السادسة من تلك الطبقات وتوفّي سنة 224، مع أنّه كان عمره خمساً وسبعين سنة، كما ذكره الكشّيّ (2)، وعليه فلا يمكن له النقل عن محمّد بن مسلم من دون واسطة، كما هو واضح؛ فالظاهر ثبوت الواسطة وأنّه هو أبو أيّوب الذي هو من الطبقة الخامسة كما في النسخ الصحيحة من الوسائل(3).(4)

نموذج لمعرفة العنوان المشترك مع أخذ الطبقات بنظر الاعتبار

إنّ محمّد بن قيس، هو من الرواة الذين وقع في حلبة الصراع، فالأكثر لم يقبلوا أيّ حديث كان في سنده محمّد بن قيس، وقد حقّق أرباب النظر في أمره فقالوا: ليس جميع روايات محمّد بن قيس ضعيفة، بل علينا أن نفصّل ونعرف أنّ محمّد بن قيس مَن هو، هل هو ثقة، أو ضعيف، أو مشترك بين الثقة والضعيف.

فنجد أنّ شيخ الطائفة وهو من القدماء قد عمل بروايات محمّد بن قيس، وأورده في تهذيب الأحكام والاستبصار ولم يتعرّض لضعفه، ولا لاشتراكه كعامل في الضعف، غير أنّك تري المحقّق الحلّي ثمّ العلّامة الحلّي يحكمان بضعف روايات محمد بن قيس كما في المختصر ونكت النهاية والشرائع

ص: 393


1- . رجال الشيخ ص 4392/294.
2- . رجال الكشّيّ ص 1094/584.
3- . قالت لجنة التحقيق: ما نقل المؤلّف دام ظلّه عن أُستاذه رحمه اللّه تعالي مبنيّ علي ما روي في الوسائل 60/2 من الطبع الحجري سنة 1324 ق، ولكن في التهذيب وجامع أحاديث الشيعة، والوسائل الطبعة الإسلاميّة وأيضاً طبعة آل البيت كلّها الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم.
4- . تفصيل الشريعة، الخمس ص 355.

ومختلف الشيعة(1)، ثمّ إنّ الشهيد الأوّل(2) ثمّ الشهيد الثاني يضعّف روايات محمّد بن قيس في كتابه: مسالك الأفهام والروضة(3)، وادّعي أنّ محمّد بن قيس مشترك بين الثقة والضعيف، وله في كتاب فوائد القواعد عبارة لطيفة في ذيل قول العلّامة: «ثمّ ثلاثمائة وواحدة ففيه أربع علي رأي...»: منشأ القولين اختلاف الروايتين، ففي حسنة الفضلاء - زرارة، ومحمّد بن مسلم وبريد والفضيل، وأبي بصير - عنهما عليهما السلام ما اختاره المصنّف من عدم انقطاع النصب بالرابع، ووجوب أربع في ثلاثمائة وواحدة، ووجوب شاة لكلّ مائة، وعمل بكلّ روايةٍ جماعةٌ من الأصحاب، والظاهر أنّ العمل بالأوّل أولي، لكثرة الراوي وفضله وكونها عن الباقر والصادق عليهما السلام، وأمّا الثانية(4) فقد ظنّ كثير من علمائنا كونها مردودة بسبب اشتراك محمّد بن قيس بين الثقة الضعيف(5)، وإن كان طريقها إليه صحيحاً، والحقّ أنّ محمّد بن قيس الذي يروي عن الصادق عليه السلام غير محتمل للضعيف، وإنّما المشترك بينهما من يروي عن الباقر عليه السلام. نعم، يحتمل كونه ممدوحاً خاصّة وموثّقاً، فيحتمل حينئذٍ كونها من الحسن ومن الصحيح، أمّا الضعف فلا، وكيف كان فتلك أرجح(6).7.

ص: 394


1- . المختصر النافع ص 304، نكت النهاية (الجوامع الفقهيّة) ص 470، مختلف الشيعة ج 3 ص 54، خلاصة الأقوال ص 150 و 254، المهذّب البارع ج 5 ص 30، كشف الرموز ج 2 ص 543.
2- . غاية المراد ج 2 ص 543.
3- . مسالك الأفهام ج 10 ص 104، الروضة البهيّة ج 9 ص 109 و ج 10 ص 143 و 168.
4- . تهذيب الأحكام ج 4 ص 25 ح 59، الاستبصار ج 2 ص 22 ح 62.
5- . رجال النجاشي ص 880/323، خلاصة الأقوال ص 150، معجم رجال الحديث ج 17 ص 168، منتهي المقال ج 6 ص 169، مفتاح الكرامة ج 3 ص 66.
6- . فوائد القواعد ص 247.

نعم، وهذه الرواية مطعون فيها من جهة النصّ لأنّ نصّها موافق لرأي العامّة.

فعن السيّد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة مُشيراً إلي قول الشهيد الثاني:

وقد طعن فيها في المختلف باشتراك محمّد بن قيس، وأجاب الشهيد الثاني بأنّ الراوي عن الصادق عليه السلام غير مشترك، وإنّما المشترك من روي عن الباقر عليه السلام، نعم يحتمل كونه ممدوحاً وثقة. واعترض بأنّ من روي عن الباقر عليه السلام أيضاً مشترك، لكنّ المستفاد من النجاشي أنّ هذا هو الثقة، بقرينة رواية عبدالرحمن ابن الحجّاج عن عاصم بن حميد عنه، وقد طعن جماعة فيها بأنّها موافقة للمذاهب الأربعة أو أكثرها، ومعارضها رواه الفضلاء المخبتين النجباء الأُمناء(1).

وبعد التي واللُّتَيّا، فهل هناك روايتان صحيحتان أو معتبرتان، إحداهما حسنة الفضلاء، والثانية صحيحة محمّد بن قيس؟! ولأجل ذلك تعارضت الروايتان، ثمّ إنّ كثيراً من الفقهاء كالعلّامة في المختلف ردّ حديث محمّد بن قيس بالاشتراك، وعليه لا يبقي مجال للتعارض، وقد طعن المحدّث البحراني بوجود التعارض إلّاأنّه يجب تقديم صحيحة الفضلاء أو حسنتهم؛ لأنّ صحيحة محمّد بن قيس موافقة للمذاهب الأربعة للعامّة، فيجب حملها علي التقيّة ولا بحث بعدها(2).

أمّا الشهيد المضعّف لروايات محمّد بن قيس في كتابيه الفقهيّين، فقد قال0.

ص: 395


1- . مفتاح الكرامة ج 11 ص 220 طبع مؤسّسة النشر الإسلامي، رجال النجاشي ص 881/323، زبدة البيان ص 455، مجمع الفائدة والبرهان ج 7 ص 30 و 79 وج 9 ص 65 و 137، مدارك الأحكام ج 6 ص 174، نهاية المرام ج 1 ص 403، جواهر الكلام ج 43 ص 153، الحدائق الناضرة ج 22 ص 396، رياض المسائل ج 2 ص 53 (الحجري)، مباني تكملة منهاج الصالحين ج 2 ص 164، مستند العروة الوثقي، كتاب النكاح ج 1 ص 338.
2- . الحدائق الناضرة ج 12 ص 60.

في كتاب الرعاية بتوثيق محمّد بن قيس، فإنّه تعرّض لهذا في: المسألة السادسة في رواية المتّفق والمفترق، وتفصيل البحث في فروع:

الأوّل في: التعريف: الرواة إن اتّفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم، سواء اتّفق في ذلك اثنان منهم، أو أكثر، فهو النوع الذي يقال له: المتّفق والمفترق، أي المتّفق في الاسم، المفترق في الشخص - إلي أن قال: - وكإطلاقهم الرواية عن محمّد بن قيس، فإنّه مشترك بين أربعة؛ اثنان ثقتان وهما: محمّد بن قيس الأسدي أبو نصر، ومحمّد بن قيس البجلي أبو عبداللّه، وكلاهما رويا عن الصادق عليه السلام، وواحد ممدوح من غير توثيق وهو محمّد بن قيس الأسدي مولي بني نصر، ولم يذكروا عمّن روي، وواحد ضعيف: محمّد بن قيس أبو أحمد، روي عن الباقر عليه السلام خاصّة، وأمر الحجيّة بما يطلق فيه هذا الاسم مشكل، والمشهور بين أصحابنا ردّ علي روايته، حيث يطلق مطلقاً، نظراً إلي احتمال كونه الضعيف، ولكن الشيخ أبو جعفر الطوسي كثيراً ما يعمل بالرواية من غير التفات إلي ذلك، وهو سهل علي ما علم من حاله، وقد يوافقه بعض الأصحاب علي بعض الروايات بزعم الشهرة.

والتحقيق في ذلك: أنّ الرواية إن كانت عن الباقر عليه السلام فهي مردودة لاشتراكه حينئذٍ بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف، واحتمال كونه الرابع، حيث لم يذكروا طبقته. وإن كانت الرواية عن الصادق عليه السلام فالضعف مُنتفٍ عنها، لأنّ الضعيف لم يرو عن الصادق عليه السلام كما عرفت. ولكنّها محتملة لأن تكون من الصحيح؛ وإن كان هو أحد الثقتين وهو الظاهر، لأنّهما وجهان من وجوه الرواة، ولكلّ منهما أصل في الحديث بخلاف الممدوح خاصّة. ويحتمل علي بُعد أن

ص: 396

يكون هو الممدوح، فتكون الرواية من الحسن، فتبني علي قبول الحسن في ذلك المقام وعدمه؛ فتنبّه لذلك، فإنّه ممّا غفل عنه الجميع، وردّوا بسبب الغفلة عنه روايات وجعلوها ضعيفة، وليس الأمر فيها كذلك(1).

كان هذا كلام الشهيد في كتابه الرعاية في علم الدراية، إلّاأنّه في كتاب مسالك الأفهام(2) ردّ أحاديث محمّد بن قيس مطلقاً، سواء كان الراوي عنه عاصم بن حميد أو غيره، ولعلّ هذا الكتاب كتبه بعد مسالك الأفهام والروضة(3)، ثمّ رجع عن رأيه المعروف فيهما، فإنّ الرأي الثابت عنه هو ردّ الرواية محضَ اشتراك الراوي بين الثقة والضعيف، ولم يكن بِصدد معرفة الراوي بالقرائن، فهو من الذين قال في حقّهم «فتنبّه لذلك فإنّه ممّن غفل عنه الجميع وردّوا بسبب الغفلة عنه روايات وجعلوها ضعيفة، والأمر فيها ليس كذلك»(4).

وبعد عهد الشهيد الثاني فصّلوا بين روايات محمّد بن قيس، فإن كان الراوي عنه عاصم، أو عاصم بن حميد فهو البجلي الثقة.

وفي معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي:

11622. محمّد بن قيس: عدّه الشيخ المفيد في رسالته العدديّة من الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلي ذمّ واحد منهم، روي عن أبي جعفر عليه السلام، وروي عنه عليّ 3.

ص: 397


1- . الرعاية ص 372.
2- . مسالك الأفهام ج 10 ص 104.
3- . الروضة البهيّة ج 9 ص 109 وج 10 ص 143 و 168.
4- . الرعاية ص 373.

ابن رئاب تفسير القمّي لِسورة البقرة ذيل قوله تعالي: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ»(1) .

مع أنّ آية اللّه الخوئي اعتمد في توثيق محمّد بن قيس علي نقل القمّي، لما أشار إليه في أوّل معجم رجال الحديث: مِن أنّ كلّ راوٍ وقع في سلسلة تفسير القمّي فهو ثقة لأنّه قد صرّح في مقدّمته أنّ الروايات مأخوذة من الثقات(2)، كما صرّح به الشيخ الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل(3)، ومع هذا، فقد صرّح أُستاذ آية اللّه الخوئي العلّامة البلاغي في تفسير آلاء الرحمن في ذيل آية 102 من سورة البقرة، فقال: روي القمّي في تفسيره: أنّ الباقر عليه السلام سأله عطاء بمكّة عن هاروت وماروت فذكر من أمرهما في المعصية نحو ما يذكر الجمهور عن ابن عبّاس، وابن عمر، وكعب الأحبار كما تراه مجموعاً في الدرّ المنثور، وفيما ذكرنا روايته عن الرضا عليه السلام معارضة لما روي عن الباقر عليه السلام، وراويه عن الباقر محمّد بن قيس، وهو مشترك بين الضعيف وغيره(4).

وعن آية اللّه الخوئي ذيل عنوان «11629»: محمّد بن قيس أبو عبداللّه البجلي، قال النجاشي: محمّد بن قيس أبو عبداللّه البجلي ثقة عين كوفيّ، روي عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام، له كتاب القضايا المعروف، روي عنه عاصم ابن حميد الحنّاط، ويوسف بن عقيل، وعبيد ابنه.2.

ص: 398


1- . معجم رجال الحديث ج 17 ص 168.
2- . تفسير القمّي ج 1 ص 4، معجم رجال الحديث ج 1 ص 49، قاموس الرجال ج 1 ص 333، تنقيح المقال ج 1 ص 37.
3- . وسائل الشيعة ج 20 ص 68.
4- . آلاء الرحمن ج 1 ص 222.

ثمّ قال في ذيل عنوان محمّد بن قيس الأنصاري: بقي هنا شيء وهو أنّ محمّد بن قيس ورد في أسناد عدّة من الروايات، وقد روي عن الباقر أو الصادق عليهما السلام، وذكر بعضهم أنّه مردّد بين الثقة وغير الثقة، والذي ينبغي أن يقال:

إنّ محمّد بن قيس الذي روي عن أحدهما عليهما السلام أحد أشخاص: محمّد بن قيس أبو أحمد الأسدي، وهو ضعيف، ومحمّد بن قيس أبو عبداللّه الأسدي، وهو ممدوح، ومحمّد بن قيس أبو عبداللّه البجلي، وهو ثقة، ومحمّد بن قيس أبو قدامة الأسدي، وهو مهمل، ومحمّد بن قيس أبو نصر الأسدي، وهو ثقة، ومحمّد بن قيس الأنصاري، وهو مهمل.

لكنّ الرجلين منهم، وهما محمّد بن قيس البجلي ومحمّد بن قيس أبو نصر الأسدي، معروفان مشهوران، ولهما كتاب القضايا، ولا شكّ في انصراف محمّد بن قيس عند الإطلاق إلي أحدهما دون الآخرين غير المعروفين، وبما أنّ عاصم بن حميد هو الراوي لكتاب محمّد بن قيس البجلي، فكلّ من كان راويه عاصماً فهو البجليّ...، ومن كان راويه يوسف بن عقيل وعبيداً ابنه...، ومن كان راويه ثعلبة بن ميمون فالظاهر الأنصاري، لأنّه كان مولاه، ومن كان راويه غير من ذكر مثل ابن رئاب، وابن أبي عمير، ومحمّد بن أبي حمزة... فهو وإن كان مشتركاً إلّاأنّ الظاهر انصرافه إلي أحد المعروفين، وهما: البجلي والأسدي كما تقدّم(1).

فهذا هو منهج العلماء بعد عصرالشهيد، ولعلّ أوّل من غربل أحاديث محمّد ابن قيس وأشار إلي هذه القاعدة - أي: تمييز العنوان المشترك - هو الشهيد الثاني6.

ص: 399


1- . معجم رجال الحديث ج 17 ص 176.

في فوائد القواعد(1)، ثمّ تناولها في كتاب الرعاية، وإلّا فإنّه ممّن ردّ لمرّات العناوين المشتركة، كما ردّها أيضاً العلّامة الحلّي، وقبله المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام، فإنّه وبعد الشيخ الطوسي هو أوّل فقيه ردّ روايات محمّد بن قيس، وتبعه علي ذلك كثير من الفقهاء إلي عصر الشهيد الثاني، غير أنّ مبني المتأخّرين بعد الشهيد هو تمييز العنوان المشترك. وللتمييز علامات وقرائن، منها الإمام المرويّ عنه، ومنها الراوي عن العنوان المشترك أو قرائن أُخري الموجودة في نصّ الرواية، أو مقارنة الأسناد.

وتطرّق إلي هذا المحقّق المامقاني في مقباس الهداية: نعم، ليس للفقيه ردّ الرواية بمجرّد الاتّفاق في الاسم، مع الاشتراك بين ثقة وغيره، بل يلزمه الفحص والتمييز والتوقّف عند العجز، وقد اتّفق لجمع من الأكابر منهم: ثاني الشهيدين قدس سره في المسالك ردّ جملة من الروايات بالاشتراك في بعض رجالها مع إمكان التمييز فيها. ومن عجيب ما وقع له ردّه في المسالك لبعض روايات محمّد بن قيس عن الصادق عليه السلام بالاشتراك بين ثقة وغيره، مع تحقيقه في البداية كون الراوي عن الصادق عليه السلام هو الثقة، حيث قال: إنّ محمّد بن قيس مشترك بين أربعة... والأمر فيها ليس كذلك، بل زاد عليه بعض المحقّقين أنّ محمّد بن قيس، إن كان راوياً عن أبي جعفر عليه السلام، فإن كان الراوي عنه: عاصم بن حميد، أو يوسف بن عقيل، أو عبيداً ابنه، فالظاهر أنّه الثقة، لما ذكره النجاشي من أنّ هؤلاء يروون عنه كتاب القضايا، بل لا يبعد كونه الثقة، متي كان راوياً عن أبي جعفر عليه السلام عن عليّ عليه السلام، لأنّ كلّاً من البجلي والأسدي صنّف كتاب القضايا7.

ص: 400


1- . فوائد القواعد ص 247.

لأميرالمؤمنين عليه السلام كما ذكره النجاشي وهما ثقتان؛ فتدبّر(1).

وأورد بعض المحقّقين في المجلّد الثامن عشر من المسالك فهرست مواضع ذكر عنوان محمّد بن قيس في مسالك الأفهام، فقال: محمّد بن قيس، مشترك بين الثقة والضعيف وغيرهما ج 6 ص 128 و 222، وج 10 ص 532، وج 12 ص 71، وج 15 ص 357، وج 8 ص 85 و 475، وج 9 ص 302، وج 10 ص 103 و 332، وج 12 ص 522، وج 14 ص 345 و 368 و 483، وج 15 ص 389 وج 8 ص 312، وج 10 ص 462، وج 15 ص 502. وقد ذكر أنّ أوّل من ناقش أحاديث محمّد بن قيس هو المحقّق الحلّي، ثمّ من تبعه من تلامذته كالفاضل الآبي، والعلّامة الحلّي، ثمّ من بعدهم الشهيد الأوّل في غاية المراد، ثمّ أحمد بن فهد الحلّي في المهذّب البارع، والفاضل المقداد في كنز العرفان والتنقيح الرائع، ثمّ الشهيد الثاني(2).

هنا مسائل مهمّة ينبغي التعرّض لها، منها:

معرفة الإمام عليه السلام هي من أولويّات معرفة الطبقات

تأتي أهمّيّة هذه المعرفة من كونها تكشف وتفصح عن الإمام مَن هو، فمثل أبي الحسن فإنّه يُطلق علي إمامين بل أكثر، فهي كنية أبي جعفر، حيث تطلق علي أبي جعفر الباقر عليه السلام، وعلي أبي جعفر الجواد عليه السلام وقد يصاحب الثاني قول: الثاني: فيقال: عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، وأبو جعفر المطلق هو الأوّل يعني الباقر عليه السلام.

ص: 401


1- . مقباس الهداية ج 1 ص 290، تكملة الرجال ج 2 ص 473، تنقيح المقال ج 3 ص 177، رجال النجاشي ص 247.
2- . كنز العرفان ج 2 ص 72 (مجمع التقريب).

ومن الروايات التي هي محلّ النزاع، رواية أبي جعفر في بحث الرضاع وهي: محمّد بن يعقوب عن علي بن محمّد عن صالح بن أبي حمّاد عن علي ابن مهزيار رواه عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قيل له: إنّ رجلاً تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته، ثمّ أرضعتها امرأة له اُخري، فقال ابن شبرمة حرمت عليه الجارية وامرأتاه.

فقال أبو جعفر عليه السلام: «أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولاً، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه كأنّها أرضعت ابنتها(1) (وفي التهذيب: لأنّها، بدل كأنّها) وعن الشهيد الثاني: وهذه الرواية نصّ في الباب لكنّها ضعيفة السند، لأنّ في طريقها صالح بن أبي حمّاد وهو ضعيف(2).

ومع ذلك فهي مرسلة لأنّه المراد بأبي جعفر حيث يطلق؛ الباقر عليه السلام، وبقرينة قول ابن شبرمة في مقابله، لأنّه كان في زمنه؛ وابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه السلام، ولو اُريد بأبي جعفر، الثاني وهو الجواد عليه السلام بقرينة أنّه أدركه وأخذ عنه فليس فيه أنّه سمع منه ذلك بل قال: قيل له، وجاز أن يكون سمع ذلك بواسطة فالإرسال متحقّق علي التقديرين، مع أنّ الثاني بعيد، لأنّ إطلاق أبي جعفر لا يحمل علي الجواد عليه السلام(3).

وقد منعه صاحب الجواهر في كتاب النكاح من الجواهر فقال: ومنع الإرسال علي تقدير إرادة الجواد عليه السلام من أبي جعفر عليه السلام، وكثرة إطلاقه علي الباقر عليه السلام لا ينافي حمله علي الجواد خاصّة بالقرينة.9.

ص: 402


1- . الكافي ج 5 ص 446، تهذيب الأحكام ج 7 ص 1232/293، وسائل الشيعة ج 14 ص 305.
2- . رجال ابن داود ج 2 ص 233/25، خلاصة الأقوال ص 230.
3- . مسالك الأفهام ج 7 ص 269.

وتناولها السيّد عليّ الطباطبائي في رياض المسائل بالقول: ليس في سندها من يتوقّف فيه، عدا صالح بن أبي حمّاد، وهو وإن ضعّف في المشهور، إلّاأنّ القرائن علي مدحه كثيرة، وتوهّم الإرسال فيه ضعيف(1).

تعدّد العنوان والمعنون أو تعدّد العنوان ووحدة المعنون

من البحوث المهمّة في فنّ الرجال هي معرفة العناوين المتعدّدة. والذي عليه يدور مدار البحث، هو أنّ تعدّد العنوان هل يقتضي تعدّد المعنون، أو هل يمكن أن يكون العنوان متعدّداً والمعنون واحداً؟ هذه هي أحد مواضيع علم الرجال المهمّة، وممّن ورد في هذا الميدان السيّد الخوئي رحمه الله فإنّه عنون في كتابه معجم رجال الحديث العناوين المتعدّدة، ثمّ بحث عن اتّحاد معنونهم أو تعدّده، فمثلاً إذا قال: 8817 - عمر بن يزيد \عمر بن محمّد بن يزيد \عمر بن يزيد بيّاع السابريّ (2). فمراده أنّ في أسناد الروايات ثلاثة عناوين، بل وهنا عنوان آخر وهو عمر بن محمّد.

قال: 8817. عمر بن يزيد، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وروي عنه منصور بن يونس تفسير القمّي سورة آل عمران في تفسير قوله تعالي: «إِنَّ أَوْلَي اَلنّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ» . هذا أحد العناوين وهو عنده ثقة، لوقوعه في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، وإن لم يرد في ذيل هذا العنوان توثيق من الرجاليّين.

ثمّ قال: 8819. عمر بن يزيد، قال النجاشي: عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل أبو موسي، مولي بني نهد، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، له كتاب....

ص: 403


1- . رياض المسائل ج 6 ص 456.
2- . السابريّ: نوع ثياب رقيقة.

نعم، قال في ذيل عنوان «عمر بن يزيد»: 8817. عمر بن يزيد هذا هو عمر ابن محمّد بن يزيد.

فإذن هنا عنوانان مهمّان:

الأوّل: عمر بن محمّد، الثاني: عمر بن يزيد.

فهل هما واحد، أم متعدّد؟

قال: 8791. عمر بن محمّد، قال النجاشي: عمر بن محمّد بن يزيد أبو الأسود، بيّاع السابري، مولي ثقيف، كوفيّ، ثقة جليل، أحد من كان يفد في كلّ سنة،... وقال الشيخ أيضاً: ثقة له كتاب.. وذكر في آخر البحث ثلاثة طرق للصدوق إليه وهي صحيحة عند آية اللّه الخوئي.

ثمّ قال في آخر البحث: بقي هنا أُمور:

الأوّل: أنّ النجاشي ذكر عمر بن محمّد بن يزيد، وذكر الباقون عمر بن يزيد ولا شكّ في الاتّحاد، ولاسيّما بقرينة ما ذكره البرقي من أنّ كنيته أبو الأسود، وهو بيّاع السابري مولي ثقيف، فإنّ النجاشي ذكر جميع ذلك في عمر بن محمّد ابن يزيد.

الثاني: أنّ طريق الشيخ إليه وإن كان ضعيفاً في الفهرست، فإنّ محمّد بن عمر ابن يزيد لم يرد فيه توثيق، إلّاأنّه لا مناص من الحكم بصحّة طريقه أيضاً، فإنّ الشيخ روي كتاب عمر بن يزيد عن طريق الصدوق بواسطة شيخه أبي عبداللّه المفيد، والمفروض أنّ طريق الصدوق إلي عمر بن يزيد صحيح؛ فيكون طريق الشيخ إليه أيضاً صحيحاً.

الثالث: أنّ الشيخ روي في التهذيب والاستبصار عن عمر بن يزيد كثيراً

ص: 404

والمراد به عمر بن يزيد الذي ذكره في الفهرست، ووثّقه، وقال: له كتاب، وقد قلنا: إنّه بيّاع السابريّ، فهو المعروف الذي عبّر عنه بعمر بن يزيد بلا تقييد بشيء، وأمّا عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، فلم يذكر الشيخ له كتاباً، فإنّه لم يره فلا يصحّ أن يعبّر بعمر بن يزيد؛ ويريد به ابن ذبيان بلا قرينة. ومن هنا يظهر أنّه لا وجه لذكر الأردبيلي في جامعه عدّة من الروايات التي وقع عمر بن يزيد في إسنادها في ذيل ترجمة عمر بن يزيد بن ذبيان، فإنّ المراد بعمر بن يزيد فيها هو بيّاع السابري(1)، واللّه العالم.

وقال ذيل عنوان (8819 - عمر بن يزيد) بعد أن أورد كلام النجاشي والشيخ الخالي من التوثيق، نعم وثّقه من المتأخّرين ابن داود، فإنّه نقل عن النجاشي توثيقه.

قال ابن داود (1119) من القسم الأوّل: عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل أبو موسي مولي بني نهد ق (جخ) (جش) ثقة.

وقال آية اللّه الخوئي بعد جميع ما تقدّم: أقول: نسخ النجاشي خالية عن التوثيق فلعلّ نسخة ابن داود كانت مشتملة عليه. بقي الكلام في اتّحاد الرجل المترجم مع عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابريّ المتقدّم وتغايرهما، فنقول:

مقتضي تعدّد العنوان في كلام النجاشي وفي كلام الشيخ في رجاله، وتكنية الأوّل بأبي الأسود، وتكنية هذا بأبي موسي، وكون الأوّل مولي ثقيف، وكون هذا مولي نهد هو التغاير، ويؤيّد التغاير أنّ النجاشي ذكر في الأوّل: أنّه روي عن أبي عبداللّه وأبي الحسن عليهما السلام، وذكر في هذا: أنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام،5.

ص: 405


1- . معجم رجال الحديث ج 13 ص 55.

ولكن قد يقال بالاتّحاد نظراً إلي ما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين، فقال فيه: أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل أبو جعفر، كوفيّ، ثقة، من أصحابنا، جدّه عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام... إلخ، فإنّه يستظهر من ذلك أنّ عمر بن يزيد الصيقل هو بيّاع السابريّ.

والجواب عنه: أنّ الظاهر من العبارة أنّ الصيقل صفة لأحمد، فإنّه المترجم، لا لعمر بن يزيد، كما أنّ الصيقل هنا صفة للمترجم، لا ليزيد بن ذبيان. ويشهد علي أنّ الصيقل صفة لأحمد أنّه لو كان صفة لعمر بن يزيد، لقال: وجدّه عمر ابن يزيد الصيقل روي... إلخ.

والمتلخّص ممّا ذكرنا: أنّ عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، غير عمر بن يزيد بن ذبيان، والأوّل ثقة كما مرّ، والثاني لم تثبت وثاقته. ومن هنا قد يتوهّم الاشتراك فيما وقع في إسناد الروايات، من كلمة عمر بن يزيد من دون توصيف بالصيقل أو ببيّاع السابري، ولكن هذا التوهّم يندفع بما ذكرناه في ترجمة عمر بن محمّد ابن يزيد من أنّ المشهور المعروف هو بيّاع السابريّ، فينصرف اللفظ إليه من دون قرينة؛ فالاشتراك لا أثر له(1).

أمّا السيّد محمود الشاهرودي فقد قال في بحث الخمس:

أمّا البحث عن سنده فقد وقع فيه شخصان لابدّ من إثبات وثاقتهما:

أحدهما: عمر بن يزيد.

الثاني: مسمع بن عبدالملك.3.

ص: 406


1- . معجم رجال الحديث ج 13 ص 63.

أمّا عمر بن يزيد، فالمذكور في رجال النجاشي(1) «عمر بن محمّد بن يزيد» أبو الأسود، بيّاع السابري، مولي ثقيف، كوفيّ، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كلّ سنة، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام، ذكر ذلك أصحاب كتب الرجال، له كتاب في مناسك الحجّ وفرائضه وما هو مسنون من ذلك، سمعه كلّه عن أبي عبداللّه عليه السلام.

أخبرنا أبو عبداللّه القزويني، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيي، قال:

حدّثنا سعد، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد ابن عذافر، عنه، به.

وأخبرنا ابن نوح، عن أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، قال:

حدّثنا محمّد بن عبدالجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالحميد عنه، بكتابه.

وأخبرنا أبو عبداللّه النحوي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عنه، به.

وقال الشيخ في الفهرست: عمر بن يزيد ثقة، له كتاب أخبرنا به الشيخ المفيد رحمه الله عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن سعد والحميري، عن محمّد بن عبدالحميد، عن محمّد بن عمر ابن يزيد، عن الحسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه(2).

وعدّه في رجاله مِن أصحاب الصادق عليه السلام مرّتين، فقال: عمر بن يزيد بيّاعر.

ص: 407


1- . رجال النجاشي ص 751/283.
2- . الفهرست ص 143 باب عمر.

السابريّ، كوفيّ، وقال: عمر بن يزيد الثقفيّ، مولاهم، البزّاز، الكوفيّ (1).

وعدّه في أصحاب الكاظم عليه السلام أيضاً، وقال: عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، ثقة، له كتاب. ومنه يُعرف أنّ المعنون في الفهرست هو بيّاع السابريّ، وأنّه كان يلقَّب به.

وعدّه البرقي في أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً: عمر بن يزيد بيّاع السابريّ وكنيته أبو الأسود، مولي ثقيف. وفي أصحاب الكاظم عليه السلام الذين هم من أصحاب أبي عبداللّه قائلاً: عمر بن يزيد.

وقال الكشّيّ (2): عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، مولي ثقيف: حدّثني جعفر بن معروف، قال: حدّثني يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن عذافر، عن عمر بن يزيد، قال: قال لي أبو عبداللّه: يابن يزيد، أنت واللّه منّا أهل البيت، قلت له:

جعلت فداك، من آل محمّد؟ قال: إي واللّه، من أنفسهم. يا عمر، أما تقرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ: «إِنَّ أَوْلَي اَلنّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ»(3) . ورواه الشيخ أيضاً بإسناده إلي جعفر بن معروف.

وللصدوق في مشيخته ثلاثة طرق إلي عمر بن يزيد، تقدّم أحدها عن الشيخ في الفهرست عن الصدوق، والآخران هما:

1. أبوه ابن بابويه عن محمّد بن يحيي العطّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيي، عن عمر بن يزيد.

2. أبوه ابن بابويه، عن عبداللّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عبدالجبّار8.

ص: 408


1- . رجال الطوسي ص 450/251 و 457.
2- . اختيار معرفة الرجال ص 623.
3- . آل عمران/ 68.

عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن عبّاس، عن عمر بن يزيد(1).

وهذان الطريقان صحيحان بخلاف الأوّل لأنّ فيه محمّد بن عمر بن يزيد، وهو لم يثبت توثيقه، ولهذا يمكن التعويض عن السند الذي ينقله الشيخ في الفهرست بأحد هذين السندين الصحيحين فيما ينقله في التهذيبين عن كتاب عمر بن يزيد.

وإلي هنا ثبت أنّ عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، الثقفيّ، الكوفيّ ثقة، إلّاأنّ في كلام النجاشي يوجد موضوعان لابدّ من تحقيقهما:

الأوّل: أنّه عنون الرجل بعنوان (عمر بن محمّد بن يزيد) وهذا لم يرد في شيء من كلمات الآخرين.

الثاني: أنّه ينقل في طريقه الثاني إلي كتابه عن محمّد بن عبدالحميد عنه بكتابه، وهذا خلاف ما صرّح به الشيخ في الفهرست، والصدوق في المشيخة عن أنّ محمّد بن عبدالحميد يرويه عن محمّد بن عمر بن يزيد، عن الحسين ابن عمر بن يزيد عن أبيه، وهو الصحيح؛ فإنّ محمّد بن عبدالحميد لا يمكن له أن يروي مباشرة عمّن هو من أصحاب الصادق عليه السلام، فهنا سقط في نقل النجاشي.

ويقول صاحب قاموس الرجال(2): إنّ هذا السقط هو منشأ الأمر الأوّل أيضاً، حيث إنّه رأي محمّد بن عبدالحميد، عن محمّد بن عمر بن يزيد فتوهّم أو كانت النسخة غلطاً عن عمر بن محمّد بن يزيد فتصوّر أنّ عمر بن يزيد أصله3.

ص: 409


1- . من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 425.
2- . قاموس الرجال ج 7 ص 223.

عمر بن محمّد بن يزيد فعنونه بعنوان: عمر بن محمّد بن يزيد، مع أنّ هذا العنوان لا وجود له في الأسانيد، بل لم يرد في كلام الرجاليّين قبل النجاشي كالبرقي، والكشّي، والشيخ المعاصر معه عنوان عمر بن محمّد بن يزيد، وإنّما الموجود عنوان عمر بن يزيد، وهو لم يرد في عناوين النجاشي، فهذا يؤكّد وقوع السهو المذكور.

وممّا يشهد علي ذلك أيضاً أنّه بنفسه عنون الرجل بعنوان حفيده أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد وقال: جدّه عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، ممّا يعني أنّ العنوان المشهور هو (عمر بن يزيد) لا (عمر بن محمّد بن يزيد).

ثمّ إنّه جاء في رجال النجاشي والشيخ معاً عنوان آخر بعد هذا العنوان وهو:

عمر بن يزيد الصيقل.

ففي رجال النجاشي(1): عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل أبو موسي، مولي بني فهد، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام، له كتاب، أخبرنا الحسين بن عبيداللّه، عن أحمد ابن جعفر، قال: حدّثنا حميد بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن غالب، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، قال: حدّثا محمّد بن زياد، عن عمر، بكتابه.

وفي رجال الشيخ عدّه من أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً: عمر بن يزيد الصيقل الكوفيّ.

وقال ابن داود: عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل أبو موسي، مولي بني فهد (ق) (جخ) (جش)، ثقة.

ومن الواضح أنّه لا توثيق تحت هذا العنوان في رجال الشيخ، ولا في رجال6.

ص: 410


1- . رجال النجاشي ص 763/286.

النجاشي، فلعلّه استظهر الوحدة فذكر ذلك فهو اجتهاد منه دون نقل، ويشهد له تأخيره للتوثيق عن علامة (جخ) و (جش).

وعلي هذا الأساس، قيل باحتمال تعدّد عمر بن يزيد الواقع في الأسانيد وتردّده بين بيّاع السابريّ الثقة، والصيقل الذي لا شهادة في توثيقه، ولا ينفع معه نقل أحد الثلاثة عن عنوان عمر بن يزيد، إذ لعلّه ينقل عن بيّاع السابريّ الثقة والواقع في السند هو الصيقل، نعم، لو وقع نقله عنه في نفس هذه الرواية، ثمّ أسندها، بناءً علي كبري توثيق من يسند عنه أحد الثلاثة، إلّاأنّ الأمر ليس كذلك في رواية مسمع بن عبدالملك.

وقد استدلّ علي التعدّد بأُمور، منها:

1 - تعدّد العنوان في كلام النجاشي، وكلام الشيخ في رجاله.

2 - تكنية الأوّل بأبي الأسود، والثاني بأبي موسي في كلام النجاشي.

3 - ذكر النجاشي في الأوّل: أنّه مولي ثقيف، وفي الثاني: أنّه مولي بني فهد.

4 - عدّ الشيخ الأوّل في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، وكذا النجاشي وأنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام، بينما اقتصرا في الثاني علي أنّه من أصحاب الصادق عليه السلام، وأنّه روي عن أبي عبداللّه عليه السلام(1).

والإنصاف: أنّ هذه القرائن لا توجب الظنّ بالتعدّد فضلاً عن العلم، لأنّ تعدّد العناوين لرجل واحد في رجال الشيخ ليس بعزيز، ولهذا ذكر بيّاع السابريّ في أصحاب الصادق عليه السلام مرّتين كما تقدّم، فكأنّ مقصوده مجرّد ذكر العناوين الواردة في كتب الرجال، أو كتب الحديث، الأعمّ من كونها متعدّدة أم متّحدة في3.

ص: 411


1- . معجم رجال الحديث ج 13 ص 63.

بعض الأحيان. وأمّا في رجال النجاشي، فقد عرفت وقوع خطإ وسهو في عنوان عمر بن يزيد، وتصوّر أنّه عمر بن محمّد بن يزيد الذي لا وجود له، فلعلّه لذلك السهو تصوّر واحتمل النجاشي التعدّد، بل تعدّد العنوان عند النجاشي مع وحدة الرجل أيضاً واقع، فلقد ذكر في المقام عنوان: عمر أبو حفص الرماني/ 757 وعمر أبو حفص الزباني/ 760، مع أنّ الثابت وحدتهما، لوحدة الاسم والكنية، وأنّ لكلّ واحد منهما كتاباً عن أبي عبداللّه عليه السلام، يرويه جماعة الراوي والراوي عن الراوي، عنه، بحيث ينتفي احتمال التعدّد، خاصّة مع اقتصار الشيخ علي عنوان واحد.

وأيّاً كان فتعدّد العنوان في كتب الرجال لا ينبغي جعله قرينة علي التعدّد، كما أنّ تعدّد الكنية واللقب ليس قرينة عليه، كما يظهر لمن يراجع كتب الرجال، سيّما مع ملاحظة أنّ لقب الصيقل أيضاً يأتي للثياب المصقولة الرقيقة، فهو قريب من بيّاع السابريّ، فلا يوجد فيما ذكر ما يدلّ علي التعدّد أصلاً.

وفي الواقع أنّه يمكن رفع هذا الإشكال بأحد الطرق الثلاثة التالية:

الأوّل: إثبات وثاقة العنوان الثاني أي: الصيقل باعتبار نقل ابن أبي عمير عنه في طريق النجاشي إلي كتابه، والسند إليه صحيح إلّامن ناحية أحمد بن جعفر، وهو ابن سفيان البزوفري شيخ التلّعكبري، والذي سمع منه وله منه إجازة، والظاهر أنّه كان من المشاهير وشيوخ الإجازة، والذي لا يحتمل عادة عدم وثاقته، هذا لو لم يقبل ما ذكره الميرزا في رجاله من قوّة احتمال كونه متّحداً مع أحمد بن محمّد بن جعفر الصوفي الموثّق، لأنّهما معاً يكنّيان بأبي عليّ، وكلاهما: أحمد بن محمّد بن جعفر كما يظهر من مراجعة ترجمة الشيخ لأبي

ص: 412

عليّ الأشعري أحمد بن إدريس، فإنّه يقول: أحمد بن محمّد بن جعفر بن سفيان البزوفري، من مشايخ الشيخ المفيد وابن الغضائري.

الثاني: إحالة دعوي انصراف عنوان عمر بن يزيد الذي يقع في الروايات مطلقاً وبلا لقب إلي الثقة؛ وهو السابريّ لا الصيقل؛ إلي إحدي الاحتمالات التالية:

الأوّل: كونه المشهور المعروف الموثّق بين الرجاليّين، فينصرف اللفظ إليه بلا قرينة.

الثاني: أنّه هو المعنيّ من هذا العنوان، حيث جاءت رواية بأنّ له كتاباً وذلك في كتابي التهذيب أو الاستبصار، فالشيخ قدس سره تقدّم منه أن ذكر عنواناً واحداً في فهرسته ووثّقه، وقد عرفنا بقرينة ما في رجاله أنّه بيّاع السابريّ، لأنّه ذكر في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، ثقة، له كتاب.

الثالث: أنّ ما نقله الشيخ في كتابيه عن كتاب عمر بن يزيد لابدّ وأن يراد به بيّاع السابري، لأنّه الذي له طريق في الفهرست إلي كتابه، بل قد عرفت أنّ في الطريق ابنه الحسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه، وقد تقدّم عن النجاشي في ترجمة الحفيد أحمد بن الحسين بن عمر أنّه ابن بيّاع السابري، فيكون كلّ ما ينقله من الروايات عن كتابه، بل كلّ ما ينقل عنه من الروايات في التهذيب والاستبصار والفقيه، فالمراد به بيّاع السابريّ، لكونها منقولة بهذا السند مع سندين آخرين من الصدوق، ومن خلال كلام النجاشي في الحفيد وكلام الشيخ في رجاله يفهم، أنّه بيّاع السابريّ.

الثالث: إثبات وحدة العنوانين، فإنّه بعد عدم تماميّة ما تقدّم لإثبات التعدّد،

ص: 413

يمكن إثبات الوحدة بأُمور:

الأوّل: استبعاد وجود رجلين وأبواهما يحملان اسماً واحداً، ومن طبقة واحدة، وينقلان عن أبي عبداللّه عليه السلام. ثمّ إنّ لكلّ واحد منهما كتاباً يرويه عنهما معاً، ابن أبي عمير، كما تقدّم في كلام النجاشي وطريقه إلي كتاب الصيقل، حيث ينتهي بعليّ بن الحسن، والمظنون أنّه الطاطريّ، أو ابن فضّال - عن محمّد بن زياد عنه بكتابه، ومحمّد بن زياد هذا هو ابن أبي عمير الواقع في أحد طرق الصدوق إلي بيّاع السابريّ، كما قلنا في الطريق الأوّل. وبعض طرق النجاشي إلي كتاب عمر ابن يزيد بيّاع السابري أيضاً يقع فيه الحسن بن عليّ، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عنه، بكتابه، فهذا التشابه والتقارن في الطبقة والناقل أو الناقل عن الناقل، وغيرها من الخصوصيّات لم تكن تعتمد علي حساب الاحتمالات عادة، إلّامع فرض وحدة الرجلين.

الثاني: اقتصار الشيخ في الفهرست علي ذكر شخص واحد، وكذلك الصدوق في الفقيه، والكشّيّ أيضاً، فلو كان هناك شخصان، لكلّ واحد منهما كتاب عن الصادق عليه السلام لظهر ذلك التعدّد في كلمات غير النجاشي أيضاً، مع أنّا لا نجد ذلك في غير رجال النجاشي والشيخ، المظنون أخذه عن رجال النجاشي والذي قد عرفت عدم دلالتهما علي التعدّد.

الثالث: ما جاء في عبارة النجاشي في ترجمة الحفيد: أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل أبو جعفر، كوفيّ، ثقة، وجدّه عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام...، بناءً علي إرجاع اللقب (الصيقل) إلي عمر بن يزيد دون أحمد، وإرادة الجدّ من أبيه بقوله: وجدّه عمر بن يزيد بيّاع السابريّ، ولا

ص: 414

يبعد صحّة كلا الاستظهارين، أمّا الثاني فلأنّ إرادة الجدّ الأُمّيّ خلاف الظاهر، وأمّا الأوّل فلأنّ الصيقل لو كان لقباً لأحمد كان الأنسب أن يؤخّره عن الكنية فيقول: أبو جعفر الصيقل، كوفيّ، ثقة.

الرابع: لو كان هناك رجلان لكلّ منهما كتاب عن الصادق عليه السلام لوجد آثار ذلك في الروايات بتقييد عمر بن يزيد تارة بالسابريّ، وأُخري بالصيقل، أو بأحد اللقبين علي الأوّل، بينما لا نجد لذلك عيناً ولا أثراً في روايات عمر بن يزيد في الفقه، فجميعها ترد بعنوان عمر بن يزيد المطلق.

فكلّ هذه القرائن قد تفيد الاطمئنان إلي وحدة العنوانين، وأنّ التعدّد في التناول من قِبل النجاشي هو لمجرّد تعدّد العنوان، وهذا دأب الرجاليّين، أو لوقوع السهو الذي أشرنا إليه، وعلي ضوء ما تقدّم فإنّ التعدّد الحقيقي قد بدأ من النجاشي قدس سره، ولهذا وقع السهو في رجاله، وإلّا فقبل النجاشي لم يكن هناك احتمال لتعدّد عمر بن يزيد.

وهكذا يمكن إثبات وثاقة عمر بن يزيد الواقع في أسناد الروايات بأحد هذه الطرق الثلاثة.

خاتمة الفصل

في بيان مشجرة رجاليّة اخترتها من رسالة الشيخ البهائي، فرجال جميع هذه الطبقات لو اشتركوا في سند رواية واحدة، فالسند صحيح، يعني إذا كان كلّ واحدٍ من كلّ طبقةٍ في سند إحدي الروايات، فهو صحيح. ولكن معرفة الطبقات معركة الآراء، فيمكن أن ننظر إلي راوٍ واحدٍ عدّه بعض، من طبقةٍ وآخر من طبقة أُخري، والسؤال الأساسيّ باقٍ، وهو ما هو الملاك والقانون في معرفة

ص: 415

الطبقات بشكل دقيق، كما أنّ الطبقات عند الشيخ البهائيّ من الطوسيّ إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله، وعند السيّد البروجردي تبعاً للشيخ الطوسيّ من رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي الطوسيّ، كما أنّ للسيد بحرالعلوم منهجاً آخر في الطبقات(1).

طبقات الموثّقين عند الشيخ البهائي

اشارة

إنّ الشيخ البهائي هو واحد من عظماء الاُمّة الإسلاميّة، وأحد الذين امتدّت علومه لتشمل شتّي العلوم الإسلاميّة والإنسانيّة، فهو بحقّ علّامة ذو فنون، وهو القائل: غلبت كلّ ذي فنون، وغلبني ذو فنّ، فالبهائيّ فقيه في ميدان تكليف العباد، وفيلسوف في مجالات المعرفة، ومتكلّم في البرهان، وأديب في الكلام، وشاعر في الشعر، ومهندس في الهندسة، ورياضيّ في الرياضيات، ومرتاض في الارتياض، ومتبحّر في غرائب العلوم، ورجاليّ في الرجال، ومحدّث في الحديث، واُصوليّ في الأصول، وعابد من العبّاد.

وبهذا فهو رجل يفوق كلّ رجل، وهو عالم بل علّامة، وله في علم الرجال بحوث جذّابة وأنيقة في: الحبل المتين ومشرق الشمسين، وخاصّةً الرسائل الخاصّة في الرجال، كحاشيته علي رجال النجاشي وخلاصة الأقوال، وفهرستي الشيخ منتجب الدين، وعليّ بن شهرآشوب المازندراني صاحب:

معالم العلماء.

ويُعدّ أوّل من ألّف في الفوائد الرجاليّة، وله مشجرة في الرجال الثقات، وإلي هذه الرسالة أشار العلّامة الطهراني في الذريعة، والعلّامة الأميني في

ص: 416


1- . معجم الرواة الثقات وترتيب الطبقات ص 974.

الغدير(1).

ولها نسخ مخطوطة في المكتبات الخاصّة والمرموقة، وفيها عُقَد وتعمية وألغاز ورموز في بعض الحواشي.

وقبل أن نذكر هذه الطبقات نقول:

1. إنّ الشيخ البهائي استخرج طبقات الرجال من عهد الشيخ الطوسي إلي الإمامين الهمامين الصادق والباقر عليهما السلام علي خلاف الشيخ الطوسي في رجاله، فقد استخرج الطبقات، وكتبها من عصر الرسول صلي الله عليه و آله إلي عصره، والشيخ البهائي بدأ من عصر الشيخ إلي الإمامين الهمامين.

2. إنّ الشيخ البهائي اعتمد في استخراج هذه المشجّرة علي تهذيب الأحكام، كونه موسوعة الأحكام الفقهيّة عند الإماميّة، وعليه دارت رحي الفقه والشريعة إلي عصر الشيخ البهائي وإلي قرنٍ بعده، حتّي ألف الشيخ الحرّ العاملي كتابه وسائل الشيعة إلي تفصيل الشريعة، وقد حظي باهتمام الفقهاء إليه بعد أن كان اهتمامهم، طيلة ستّة قرون إلي التهذيب.

وعن هذا فإنّ فخر الدين الحلّي ابن العلّامة الحلّي يقول: قرأت عند أبي تهذيب الأحكام مرّتين، وقد كان كتاباً دراسيّاً آنذاك، حتّي صار تدريس الفقه بالمستوي العالي لا يعتمد علي المتون، كما هو اليوم، وهذا أيضاً تلميذ الشيخ البهائي يقول: إنّا قرأنا كتب الحديث كالكافي ومن لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحكام والاستبصار عند أستاذنا البهائي رحمه الله، فكانت المتون الدراسية هي متون-.

ص: 417


1- . الذريعة إلي تصانيف الشيعة ج 15 ص 149، الغدير ج 11 ص 346، كتابشناسي شيخ بهائي ص 521 - باللغة الفارسيّة -.

الحديث، وخاصّة تهذيب الأحكام.

3. إنّ الشيخ البهائيّ استخرج طبقات الرواة من أساتذة الشيخ الطوسي، حتّي أوصلها إلي الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وهم عنده عشر طبقات.

4. عندما نطبّق هذه الطبقات علي سند حديث نعرف انّ الرواة ثقات، وعلي ضوء ذلك يُحكم بصحّة الحديث.

5. عندما نذكر الطبقات نعرف أنّ السند الذي ذكر طبقاً لهذه الطبقات هو متّصل بالإمام عليه السلام، ولم ينقطع، ولم يكن فيه إرسال خفيّ.

6. إنّ هذا الأثر يلفت نظرنا إلي أهميّة طبقات الرواة، وكيفيّة ورودها في سند الرواية.

7. عندما نراجع كلّ راوٍ من هذه الطبقات في الكتب الرجاليّة - خاصة معجم رجال الحديث للسيّد أبي القاسم الخوئي - سوف نقف علي زمان الراوي وطبقته.

8. كتبها الشيخ البهائي وعرضها سنة 1005 ق، وقضي في تأليفها فترة من الزمن(1).

نموذج للدراسة والبحث:

اشارة

من أجل الوقوف علي دور معرفة الطبقات نقدّم نموذجاً ليتّضح من خلاله المطلوب، وهو معرفة محمّد بن إسماعيل الذي وقع في صدر أسانيد الكافي، فإنّ كثيراً من أسانيد الكافي مصدّر بمحمّد بن إسماعيل، واختلف في تعيينه؛

ص: 418


1- . قد أعرضنا عن إيراد مشجّرته للرجال الثقات، داعين من أراد مراجعتها الاستعانة بكتاب: كتاب شناسي شيخ بهائي ص 521 ففيها المراد.

هل هو محمّد بن إسماعيل بن بزيع صاحب الرضا عليه السلام، أو محمّد بن إسماعيل البرمكي الواقع في وسط الإسناد غالباً، أو هو محمّد بن إسماعيل النيسابوري الذي يروي عن الفضل بن شاذان ويقع في صدر أسانيد الكافي، وقد يذكر أحياناً معطوفاً علي مشايخ الكليني، فأصبحت معرفة هذا معركة للآراء بين المحقّقين، فبينا يصرّ تقي الدين بن داود الحلّي علي أنّه ابن بزيع، وادّعي أنّ في أسانيد الكافي سقطاً، لأنّ الكليني لا يمكنه أن يلاقي ابن بزيع زماناً والذي هو من أصحاب الرضا عليه السلام.

وقد رأيت في بعض المكتوبات: أنّ العلّامة السيّد حسن الصدر صاحب تأسيس الشيعة أصرّ علي هذا، أمّا كونه البرمكي فقد أصرّ علي ذلك كلّ من الشيخ البهائي والأردبيلي صاحب جامع الرواة، أو أنّه النيشابوري فهو ما اتّفق عليه العلماء بعد البهائي والأردبيلي في القرون الأخيرة. وحرّرت لتعيين محمّد ابن إسماعيل والدفاع عن الكليني رسالات مختلفة، وتناول بعضهم هذا مفصّلاً في الكتب الفقهيّة، وممّن تناول هذا البحث وكتب رسالة مستقلة تحمل تحقيقات جذّابة، هو العلّامة الفقيه، والمفسّر المولي محمّد صالح البرغاني صاحب الموسوعة البرغانيّة المسمّاة: غنيمة المعاد وهي شرح لإرشاد الأذهان للعلّامة الحلّي، ومع الأسف أنّه لم تطبع منها إلّاسبعة مجلّدات في: الطهارة والصلاة. وقد تناول البحث ذيل حديث عن محمّد بن إسماعيل في الكافي فقال:

السابع عشر: ما رواه في الباب المتقدّم في الصحيح علي الصحيح، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟

ص: 419

قال: «أن تقول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلّااللّه، واللّه أكبر، وتكبّر وتركع» واشتمال السند علي محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان غير ضارّ، وردّ الرواية وعدم العمل بها به غير وجيه، وإن أحببت تفصيل الكلام في ذلك فاستمع لما يتلي عليك بعد تمهيد.

مقدّمة: وهي أنّه إذا رأينا محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسي، عن حريز، عن زرارة، في الكافي فالظاهر عدم سقوط الواسطة بين الكافي وبين محمّد بن إسماعيل، وعدم الإرسال وهذا يرجع، إمّا لأنّ دأب الكليني رحمه الله في الكافي هو الإتيان في كلّ حديث بجميع سلسلة السند التي بينه وبين المعصوم، دون حذف أحد من أوّلها، وعليه فالظاهر أنّ هذه العبارة تكون جارية علي عادته المستمرّة، ويستظهر من خلالها أنّه أدرك محمّد ابن إسماعيل.

أو لأنّه ذكره معنعناً، وعادة أصحابنا فيه عدم سقوط الواسطة كما يقتضيه ظاهر اللفظ، ومنع الظهور كما توهّمه بعض. قيل: ولعلّه من العامّة تمسّكاً بأن يقال: روي فلان عن النبيّ صلي الله عليه و آله، والحال أنّه لم يدركه، لا ينبغي أن يلتفت إليه.

أو لمكان عطف عليّ بن إبراهيم علي محمّد بن إسماعيل، حيث ذكر محمّد ابن اسماعيل، عن الفضل، عن صفوان، عن معاوية، وعليّ بن إبراهيم، عن ابيه، عن حمّاد، عن معاوية، وبهذا فإنّه كما أنّ علياً من مشايخه ويروي عنه بلا واسطة، فكذا محمّد بن إسماعيل، وهو ما ينادي به قول الشيخ في مشيخة الاستبصار، ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان ما رويته بهذا الإسناد:

عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن

ص: 420

الفضل بن شاذان، فإنّ محمّد بن إسماعيل عطف علي عليّ بن إبراهيم، فلو كان بين الكليني وبين محمّد واسطة لكان يذكرها.

أو لما عن المعراج، أنّ الصدوق في كتاب التوحيد روي هكذا: حدّثنا عليّ ابن أحمد الدقّاق، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، عن الفضل، وهذا علي ما ذكره بعضهم، يدلّ دلالة قاطعة علي سماع الكليني عن محمّد، ولقائه إيّاه.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ الذي وصل إلينا أنّ سبعة عشر أو ستّة عشر رجلاً - والترديد لمكان ابن موسي عليه السلام - مشتركون في التسمية بمحمّد بن إسماعيل، وهم النيسابوري الذي يدعي بندفر، وابن إبراهيم بن موسي بن جعفر، وابن موسي بن جعفر، والبرمكي المعروف بصاحب الصومعة، والأزدي، وابن بزيع، والبلخي، وابن جعفر، والجعفري، والكناني، والزبيدي الكوفي، والبجلي، والضيمري، والجعفي، والمخزومي، والزعفراني، والهمداني، وقد اختلف أصحابنا، من أنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكافي بلا واسطة - وهو عن الفضل كذلك - هل هو ابن بزيع، أو البرمكي، أو النيسابوري؟ بعد اتّفاقهم علي الظاهر علي عدم كونه غير هؤلاء الثلاثة، علي أقوال ثلاثة.

الأوّل: أنّه الأوّل؛ الذي صرّح بتوثيقه الشيخ والنجاشي وغيرهما، وهو المحكيّ عن الفاضل التستري، والشيخ عبد النبيّ الجزائريّ، وعن بعض أنّه يفهم من كلام جماعة، ولعلّه الظاهر من ابن داود أيضاً، حيث قال في آخر رجاله: إذا وردت رواية عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن إسماعيل بلا واسطة، ففي صحّتها قول، لأنّ في لقائه له إشكال، فتقف الرواية لجهالة

ص: 421

الواسطة بينهما، وإن كانا مرضيّين معظمين.

وجه الظهور: أنّ الإشكال إنّما يتوجّه علي تقدير كونه ابن بزيع، لا الأخيرين، وهذا الكلام لعلّه مشعر بأنّ كون الرجل هو ابن بزيع مشهوراً بينهم.

الثاني: أنّه الثاني؛ المعروف بصاحب الصومعة، الذي حكم بتوثيقه النجاشي والمصنّف، كما عن ابن داود وغيره، بل عن كثير من فقهائنا، وتضعيف ابن الغضائري ممّا لا يلتفت إليه، وكذا الشيخ البهائي.

الثالث: أنّه الثالث، وهو الأكثر علي ما نسب، وعن ظاهر بعضٍ التوقّف في التعيين للأوّل، وله وجهان:

الأوّل: أنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع، والفضل متقاربان بحسب الزمان، لأنّ إبراهيم بن هاشم يروي عنهما بلا واسطة، وأنّ العلّامة والنجاشي حكيا عن الكشي أنّه قال: كان محمّد بن إسماعيل من رجال أبي الحسن موسي عليه السلام، وأدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام، وقالا: إنّ الفضل بن شاذان روي عن أبي جعفر الثاني، وقيل: الرضا عليه السلام أيضاً، وأنّ النجاشي حكي عن العبّاس بن سعيد أنّه قال: إنّ ابن بزيع سمع منصور بن يونس، وحمّاد بن عيسي، ويونس بن عبدالرحمن، والفضل أيضاً من جملة هذه الطبقة.

وعليه فالظاهر أن يكون هو الراوي عن الفضل، لأنّ من عدا ابن بزيع لم يعلم بقربه للفضل زماناً، بل الظاهر عدمه في بعض، كالجعفريّ العلوي فإنّ الشيخ ذكره في أصحاب الباقر عليه السلام، وذكر الزبيدي، والجعفي، والمخزومي، والهمداني، والأزدي، والبجلي في أصحاب الصادق عليه السلام، وهذا هو قول البعض. أمّا الزبيدي والبلخي والضيمري، فذكرهم في أصحاب الهادي عليه السلام.

ص: 422

الثاني: جاء في كتاب الروضة(1) هكذا: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن فضّال، عن حفص المؤذّن، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وعليه تحمل باقي الإطلاقات علي عليّ بن بزيع، للتصريح به. ولهذا الوجه تصوّرات:

الأوّل: أنّه رازيّ كالكليني.

الثاني: أنّه والكليني متقاربان زماناً. وذلك إمّا كون النجاشي يروي عن الكليني بواسطتين، حيث قال: وروينا كتبه كلّها عن جماعة شيوخنا: محمّد بن محمّد، والحسين بن عبيداللّه، وأحمد بن عليّ بن نوح، عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد بن قولويه، عنه، وعن البرمكي بثلاث وسائط، حيث قال: له كتب منها كتاب التوحيد، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح، قال: حدّثنا الحسن بن حمزة قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن إسماعيل بكتابه.

وإمّا كون الكشي المعاصر للكليني يروي عن البرمكي بواسطة وبدونها، أو كون الصدوق يروي عن الكليني بواسطة، وعن البرمكي بواسطتين، أو لأنّ محمّد ابن جعفر الأسدي المعروف بمحمّد بن أبي عبداللّه الذي كان معاصراً للبرمكي توفّي قبل وفاة الكليني بحوالَي ستّ عشرة سنة.

وأمّا رواية الكليني عنه في بعض الأوقات بتوسّط الأسدي فغير قادحة في المعاصرة، فإنّ الرواية عن الشيخ تارة بواسطة، وأخري بدونها أمر شائع متعارف لا غرابة فيه، وعليه فالظاهر أنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنهي.

ص: 423


1- . في الكافي.

الكافي هوذا، ولا تتوهّم أنّه ينافي ذلك رواية البرمكي عن عبداللّه بن داهر، الذي يظهر من رجال النجاشي أنّه من أصحاب الصادق عليه السلام، حيث قال عبداللّه ابن داهر: له كتاب يرويه عن الصادق عليه السلام، لما أشار إليه بعضهم بأنّ شهادة هذه العبارة بأنّ الرجل من أصحابه عليه السلام، غير ظاهرة، فإنّ الكتاب إذ انتهت روايته إلي المعصوم عليه السلام يصدق أنّه مروي عنه، وإن كان هناك واسطة أو وسائط، كما يصدق علي الكافي مثلاً، أنّه مروي عن المعصومين عليهم السلام، وأيضاً فعبداللّه بن داهر يروي عن الصادق عليه السلام بثلاث وسائط، كما في سند الحديث الأوّل في باب المؤمن وصفاته من الكافي، وممّا يوضح، عدم كون هذا الرّجل من أصحاب الصادق عليه السلام، أنّ علماء الرجال الذين وصلت إلينا كتبهم، ممّن تقدّم علي النجاشي أو تأخّر عنه كشيخ الطائفة في الفهرست وغيره، والعلّامة في الروضة، وابن داود في كتابه، لم يذكر أحد منهم هذا الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام بالمرّة، ولو فهم ابن داود والعلّامة من تلك العبارة ما ذكر لم يهملا معاً التنبيه عليه، فإنّ اهتمامهم بالتنبيه علي أصحاب الأئمّة عليهم السلام شديد، كما لا يخفي علي من عرف كلامهم.

الثالث: إنّ علماءنا المتأخّرين قد حكموا علي تصحيح ما يرويه الكافي عنه، ولم يتردّد في ذلك إلّاابن داود دون غيره، وإطباقهم قرينة علي أنّه ليس هناك أحد من أولئك الذين لم يوثّقهم أحد من علماء الرجال، فيبقي الأمر دائراً بين الزعفراني والبرمكي، فإنّهما ثقتان من أصحابنا، ولكنّ الزعفراني ممّن لقي الصادق عليه السلام - كما نصّ عليه رجال النجاشي - فبعيد بقاؤه إلي عصر الكليني، فيقوي الظنّ نحو البرمكي، وإلّا رجح عندي القول الثالث، والقولان الآخران

ص: 424

مدفوعان.

أمّا القول الأوّل: فحيث ابن بزيع من أصحاب أبي الحسن الرضا عليه السلام وأبي جعفر الجواد، وقد أدرك عصر الكاظم عليه السلام. وروي عنه - كما عن علماء الرجال - فبقاؤه إلي زمن الكافي مستبعد. وإن كان حصول ذلك ممكناً - بناءً علي ما قيل -: إنّ بين وفاة الكاظم عليه السلام ووفاة الكليني مائة وخمس وأربعون سنة، فوفاته عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومائة، ووفاة الكليني سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وعلي هذا، فغاية مايلزم أن يكون ابن بزيع قد عمّر حوالي مائة سنة، وعدم امتناعه ووقوعه بديهيّ. أو الأخذ بأقوال علماء الرجال من أنّ ابن بزيع أدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام، وأنّه لم يدرك من بعده من الأئمّة عليهم السلام، وهذه العبارة إنّما يذكرونها في آخر إمام أدركه الراوي، كما لا يخفي علي من له معرفة بكلامهم، والقول بلعلّ المراد من ترك العبارة هو الإدراك والرواية، لا إدراك الزمان فقط، فلا غرو بعده في بقائه إلي زمن الكليني؛ لا يرفع الظهور الذي ادّعيناه، أو أنّه لو كان باقياً إلي زمن الكافي لكان قد عاصر ستّة من الأئمّة عليهم السلام وأنّ هذه مزيّة عظيمة لم يظفر بها أحد من أصحابهم عليهم السلام، علي ما صرّح به بعضهم؛ فكان ينبغي لعلماء الرجال ذكرها وعدّها من مزاياه رضي الله عنه، وحيث إنّ أحداً منهم لم يذكر ذلك، فظنّ أنّه غير واقع، وكذلك لا يرفعه ما يقال: بأنّ المزيّة العظمي رؤية الأئمّة عليهم السلام والرواية عنهم بلا واسطة(1)، لا مجرّد المعاصرة لهم من دون رؤية ولا رواية.

وعليه فيجوز أن يكون ابن بزيع عاصر باقي الأئمّة عليهم السلام ولكنّه لم يرهم، أو لأنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني؛ يروي عن الفضل بن شاذان،).

ص: 425


1- . وممّا يوهنه أنّ معاصرة مثله لهم عليهم السلام يقتضي الرؤية والرواية (منه).

وابن بزيع كان من مشايخ الفضل بن شاذان، كما قال الكشّي، حيث قال: إنّ الفضل بن شاذان كان يروي عن جماعة، وعدّ منهم ابن بزيع، وعليه فالظاهر عدم كونه ابن بزيع، وإن احتمل، بناء علي إمكان رواية كلّ عن الآخر.

أو لما ذكره بعضهم بأنّه اشتهر علي الألسن من أنّ وفاة ابن بزيع كانت في حياة الجواد عليه السلام.

أقول: إنّ صاحب المعالم صرّح في المنتقي بأنّه توفّي في عهد الجواد عليه السلام، وعليه فتمتنع ملاقاة الكليني إيّاه، بناء علي ما صرّح بأنّه لم يدرك أحداً من الأئمّة عليهم السلام، بل كان في زمن الغيبة الصغري، أو لقول بعضهم(1): بأنّا استقرأنا جميع أحاديث الكليني المرويّة عن محمّد بن إسماعيل، فوجدناه كلّما قيّده بابن بزيع، فإنّما يذكره في أواسط السند، ويروي عنه بواسطتين هكذا: محمّد ابن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، وأمّا محمّد ابن إسماعيل الذي يذكره في أوّل السّند، فلم نظفر بعد الاستقراء التامّ والتتبّع بتقييده مرّة من المرّات بابن بزيع أبداً، ويبعد أن يكون هذا من قبيل الصدفة.

ثمّ إنّه لا ينافيه الدليل الثاني - من الدليلين - للقول الأوّل، إذ الظاهر عطف محمّد بن إسماعيل علي ابن فضّال كما استقرأ به بعضهم، أو لأنّ ابن بزيع من أصحاب الأئمّة الثلاثة، أعني: الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، وقد سمع عنهم أحاديث كثيرة بالمشافهة، فلو لقيه الكليني لكان ينقل عنه شيئاً منها، لتكون الواسطة بينه وبين كلٍّ من الأئمّة الثلاثة عليهم السلام واحدة، فقلّة الوسائط شيء مطلوب، وكثرة اهتمام المحدّثين بعلوّ الإسناد أمر معلوم، وعدم كون رواية ابني.

ص: 426


1- . وهو الشيخ البهائي.

إسماعيل المذكور في أوّل السند بدون واسطة أمر واضح ومشهود، بل كون الوسائط العديدة بينه وبين المعصوم أمر مسجّل.

أو لما هو مذكور في الرجال عن كتاب محمّد بن الحسن بن بندار القمي بخطّه: حدّثني محمّد بن يحيي العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيي، قال:

كنت بفيد(1) فقال لي محمّد بن عليّ بن بلال: مُرّ بنا إلي قبر محمّد بن إسماعيل ابن بزيع لنزوره، فلمّا أتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة والقبر أمامه، ثمّ قال:

أخبرني صاحب هذا القبر - يعني محمّد بن إسماعيل - أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره، واستقبل القبلة، ووضع يده علي القبر، وقرأ: إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرّات، أمن من الفزع الأكبر.

وهذا الحديث كما تري يصرّح بأنّ ابن إسماعيل الذي في أوّل السند ليس ابن بزيع، لمكان محمّد بن يحيي العطّار الذي هو شيخ الكليني.

وأمّا القول الثاني: فلعدم نهوض ما تمسّك به علي إثبات ما ادّعاه، أمّا دليله الأوّل: فهو معارض بمثله، لأنّ البندفر - وقد يقال بدله: البندقي - وسيظهر بأنّ النيسابوري هو كالفضل، وهذا أقوي، لأنّ دأب الكليني علي ما يقال: هو السير في البلاد لأخذ الحديث.

وأمّا دليله الثاني: فلما أشار إليه بعضهم(2) مستدلّاً علي ما ادّعاه من عدم كون الرجل هو البرمكي، وهذا لفظه: ولرواية محمّد بن جعفر الأسدي الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسي، ولرواية الكليني عن البرمكي في باب حدوث).

ص: 427


1- . اسم مكان.
2- . وهو التقيّ المجلسي رحمه الله (منه).

العالم بواسطة الأسدي، فروايته عنه بغير واسطة، بعيد، وقال بعض المحقّقين:

وربّما توهّم كون البرمكي، ولا يخفي ما فيه أيضاً، لأنّ الكليني يروي عنه بواسطة محمّد بن جعفر الأسدي، والكشّي الذي في طبقة الكليني يروي عنه بواسطة حمدويه وإبراهيم، ويعبّر عنه بمحمّد بن إسماعيل الرازي، وجاء عن الكليني في باب إثبات المحدث: حدّثني محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد ابن إسماعيل البرمكي الرازي.

وأمّا دليله الثالث: فسوف يتّضح إن شاء اللّه، ولتوثيق ما اخترناه نستعرض وجوهاً:

الأوّل: ما ذكره الكشّي في ترجمة الفضل بن شاذان، حيث قال: ذكر أبوالحسن محمّد بن إسماعيل البندقي النيسابوري، أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل نفاه عبداللّه بن طاهر عن نيسابور، بعد أن دعا به، واستعلم كتبه وأمره أن يكتبها، قال: فكتب تحته: الإسلام الشهادتان وما يتلوهما، فذكر: أنّه يجب أن يقف علي قوله في السلف، فقال أبو محمّد: أتولّي أبابكر، وأتبرّأ من عمر، فقال له: ولِمَ تتبرّأ من عمر؟ فقال: لإخراجه العبّاس من الشوري، فتخلّص منه بذلك. فيظهر من هذا الخبر أن الرجل كان في عصر الفضل، وفي بلده، ومطّلعاً علي أحواله ومعاشراً له، ولهذا، فالظاهر أنّه الراوي عنه.

الثاني: أنّ ما ذكره بعضهم هو كغيره؛ من كون النيسابوري تلميذاً للفضل.

الثالث: هو أنّ الأكثر ذهبوا إلي ما اخترناه، كما نصّ عليه بعضهم، فقد قال الميرزا محمّد في منهج المقال: إنّ الرجل ليس هو ابن بزيع قطعاً، والظاهر أنّه محمّد بن إسماعيل النيسابوري، وقال صاحب المعالم: احتمال إرادة ابن بزيع

ص: 428

أوضح في الانتفاء من أن يبيّن.

وعن السيّد نعمة اللّه الجزائري: والإنصاف أن يكون ابن بزيع في غاية البعد، ولكن إكثار الرواية عنه وكونه من مشايخ الكليني شاهد عدل علي حسن حاله، وصحّة روايته، فروايته عندي من الصحاح.

وجاء في الوجيزة في ترجمة البندقي: هذا هو الذي يروي الكليني عن الفضل بن شاذان بتوسّطه، واشتبه علي القوم فظنوه ابن بزيع، ولا يضرّ جهالته، لكونه من مشايخ الإجازة.

وذكر المحدّث الكاشاني في الوافي: محمّد بن إسماعيل المذكور في صدر السند من كتاب الوافي، الذي يروي عن الفضل بن شاذان النيسابوري، هو محمّد بن إسماعيل النيسابوري، الذي يروي عنه أبو عمرو الكشّي، ويصدّر به السند، وهو أبوالحسن المتكلّم الفاضل، المتقدّم البارع، تلميذ الفضل بن شاذان الخصّيص به، يقال له: بندفر، وتوهّم كونه محمّد بن إسماعيل بن بزيع، أو محمّد بن إسماعيل البرمكي، صاحب الصومعة؛ بعيد جدّاً.

وقال مؤلّف الفوائد المدنيّة: ومن جملة أغلاط جمع منهم، أنّ بعضهم زعم أنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني هو ابن بزيع، وزعم أنّ كلّ حديث في طريقه الكليني عن محمّد بن إسماعيل مرسل، ويلزم من ذلك أن يكون ثقة الإسلام مدلّسا في هذا الباب، وإنّ بعضهم يزعم أنّ محمّد بن إسماعيل هذا هو البرمكي صاحب الصومعة، مع ما أنّ في كتاب الكشّي عبارات ناطقة بأنّه النيسابوري، انتهي.

وصرّح بعض المحقّقين: الذي استقرّ عليه رأي الكلّ في أمثال زماننا، أنّ

ص: 429

النيسابوري الواسطة بين الكليني والفضل، وأيضاً الكشّي كثيراً ما يروي عنه(1)بغير واسطة، وهو عن الفضل كالكليني، ومرتبتهما واحدة، ويروي عنه مصرّحاً بنيسابوريّته، ويومئ إليه كونه نيسابوريّاً، وقيل: إنّه تلميذه(2). وبالجملة، فالظاهر أنّه النيسابوري.

وعن محمّد تقي المجلسي رحمه الله: أمّا محمّد بن إسماعيل فقد توهّم أوساط فقهائنا رحمهم الله أنّه محمّد بن إسماعيل بن بزيع الثقة، وعدّوا حديثه من الصحاح، وتفطّن متأخروهم بأنّ رواية الكليني عن ابن بزيع بعيد جدّاً، بل ممتنع عادة، إلي أن قال: والأصوب أنّه محمّد بن إسماعيل البندقي النيسابوري المجهول، لأنّه من بلد الفضل، إلي آخر ما ذكره.

وذكر المحقّق الداماد في الرواشح: أنّ رئيس المحدّثين كثيراً ما يروي عن الفضل بن شاذان، من طريق محمّد بن إسماعيل، فيجعل صدر السند في كافيه هذا محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأنّ أصحاب هذا العصر من المتعاطين لهذا العلم، والآخذين فيه صارت هذه متيهة لآدائهم، تاهت فيها فطنهم، وضلّت أذهانهم، ونحن نعرّفك حقيقة أمر الرجل، فنقول: فاعلمن، أنّ محمّد بن إسماعيل هذا هو الذي يروي عنه أبو عمرو الكشّي عن الفضل بن شاذان ويصدّر به السند - إلي أن قال -: وهو محمّد بن إسماعيل أبوالحسين، ويقال: أبوالحسن النيسابوري المتكلّم، الفاضل المتقدّم، البارع المحدّث، تلميذ الفضل بن شاذان، الخصّيص به، كان يقال له بند فرّ، البند بفتح باء).

ص: 430


1- . وهذا الكلام أيضاً من المعاضدات، تقريره أن يقال: إنّ الكشي كثيراً ما يروي عنه عن الفضل بلا واسطة، وهو معاصر للكليني فيكون هو أيضاً كذلك (منه).
2- . الضمير راجع إلي الفضل (منه).

الموحّدة، وتسكين النون والدالّ المهملة أخيراً: العلم الكبير، جمعه: بنود، وهو فرّ القوم، بفتح الفاء وتشديد الراء، وفرّتهم بضمّ الفاء، وعلي قول صاحب القاموس: كلاهما بالضمّ، والحقّ الأوّل، أي من خيارهم ووجههم الذي يفترون عنه، أي يتحادثون ويتشافهون، ويستكثرون من كشف أسنانهم بالحديث عنه، والبحث عن أموره، ويقال له أيضاً، بندويه، وربّما يقال: ابن بندويه، بانضمام ويه إلي بند؛ كبابويه ونفطويه(1).

فهذا الرجل شيخ كبير فاضل جليل القدر، معروف الأمر، دائر الذكر بين أصحابنا الأقدمين رحمهم الله في طبقاتهم، وإجازاتهم وأسانيدهم.

والشيخ رحمه الله ذكره في كتاب الرجال في باب الميم، فقال: محمّد بن إسماعيل يكنّي أبا الحسن (أبا الحسين كلاهما صحيحان، فعند بعضهم كنيته أبو الحسين وعند بعضهم أبو الحسن النيسابوري)، يدعي بندفر. - إلي أن قال في الرواشح -: وبالجملة طريق أبي جعفر الكليني وأبي عمرو الكشّي وغيرهما من رؤساء الأصحاب وقدمائهم إلي أبي محمّد الفضل بن شاذان النيسابوري، من النيسابوريَّينِ الفاضلَيْنِ، تلميذَيْه وصاحبَيْه: أبي الحسين(2) محمّد بن إسماعيل بندفر، وأبي الحسن عليّ بن محمّد القتيبي، وحالهما وجلالة أمرهما عند المتمهّر الماهر في هذا الفنّ، أعرف من أن يوضّح، وأجلّ من أن يبيّن، إلّاأنّ أبال.

ص: 431


1- . قال في الصحاح: إذا تعجّبت من طيب الشيء قلت: واهاً له ما أطيبه! وإذا أغريته بالشيء قلت: ويهاً يا فلان! وويه كلمة تقال في الاستحثاث. وأمّا سيبويه ونحوه من الأسماء فهو اسم بُنِي مع صوت فجعلا اسماً واحداً، وتثنيته: سيبويهان، وجمعه: سيبويهون. وقال في القاموس: البند العلم الكبير، ومحمّد بن بندويه من المحدّثين.
2- . الحسن خ ل.

الحسن علي بن محمّد بن قتيبة كما يكثر الرواية عن شيخه الفضل بن شاذان، فكثيراً ما تكون روايته عن عدّة من الثقات غيره أيضاً، وأمّا أبو الحسين محمّد ابن إسماعيل فقلّما توجد له رواية عن غير أبي محمّد الفضل بن شاذان النيسابوري، وربّما يبلغني من بعض(1) أهل العصر أنّه يذكر أبا الحسين، فيقول:

محمّد بن إسماعيل البندقي النيسابوري، وآخرون أيضاً يحتذون مثاله.

وإنّي لست أراه(2) مأخوذاً عن دليل معوّل عليه، ولا أري له وجهاً إلي سبيل مركون إليه، فإنّ بندقة بالنون الساكنة بين الباء الموحّدة والدالّ المهملة المضمومتين قبل القاف، أبو قبيلة من اليمن، ولم يقع إليّ في كلام أحد من الصدر السالف من أصحاب الفنّ، أنّ محمّد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة، غير أنّي وجدت في نسخة وقعت في يدي من كتاب الكشّي في ترجمة الفضل بن شاذان، حكاية عنه بهذه الألفاظ: ذكر أبوالحسين محمّد بن إسماعيل البندقي النيسابوري: أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل، نفاه عبداللّه بن طاهر عن نيسابور، بعد أن دعا به - إلي أن قال -: وظنّي أنّ في الكتاب: البندفرّ بالفاء، والراء المشدّدة، كما في كتاب الرجال للشيخ، وسائر الكتب، والقاف والياء تصحيف وتحريف من عمل قلم الناسخ، فمن أخذ في هذه الصناعة علي غير حذاقة وتمهر، بني علي هذا التصحيف والتحريف - إلي أن قال -: ومن التصحيفات المعنويّة ما قد وقع للحسن بن داود في هذا المقام، إذ نظر في باب الميم من كتاب الرجال، وما نقلنا عنه من قول الشيخ، فغفل عن الواو بعد قوله:ل.

ص: 432


1- . رأيت في نسخة أنّه كتب فيها تحت بعض أهل العصر الشيخ حسن صاحب المعالم (منه).
2- . في هامش الرواشح السماويّة ص 120-122: بصيغة المجهول.

ويدعي بندَفَرّ، فظنّ مكّي بن عليّ بن سختويه فاضل ترجمة أخري، منفصلة عن ترجمة محمّد بن إسماعيل، وفاضل متعلّق بمكّي بن عليّ، لا بمحمّد بن إسماعيل، وله فيه تصحيف لفظي أيضاً، إذ بدّل السين المهملة بالشين المعجمة، فتبعه علي تصحيفه القاصرون من بعده، ثمّ ليعلم أنّ طريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري هذا صحيح، لا حسن، كما وقع في بعض الظنون، ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب، أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحّة وكذا شقيقه عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري أيضاً صحيح، لا حسن.

وللأوهام التائهة - الذاهبة هناك إلي محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة، أو محمّد بن إسماعيل بن بزيع، أو غيرهما، من المحمّدين بني إسماعيل، باشتراك الاسم، وهم اثنا عشر رجلاً - احتجاجات عجيبة، ومحاجّات غريبة، لولا خوف إضاعة الوقت وإشاعة اللغو لاشتغلنا بنقلها، وتوهينها، انتهي كلامه رفع في الخلد مقامه.

أقول: قد ظهر بما أشرنا إليه من الأدلّة والأمارات الكثيرة، وما نقل من كلام عدد من أعاظم الطائفة، أنّ الرجل هو النيسابوري، لا ابن بزيع، ولا البرمكي، وعليه فهل يحكم علي الرواية المشتملة عليه بالصحّة، أم لا؟ والأوّل أرجح، كما هو المشهور بين الطائفة، بل ادّعي بعض الأجلّة كغيره إطباق الأصحاب علي الحكم بصحّة حديثه، إلّاابن داود، وذلك إمّا لذلك، ومنهم المصنّف رحمه الله والمحقّق الداماد، وغيرهم من الأعاظم والأجلّة، أو لكونه من مشايخ الإجازة، وهم علي ما نصّ عليه بعضهم ينبغي أن لا يرتاب في عدالتهم، قال: وهذا طريق

ص: 433

كثير من المتأخّرين، وقال آخر: إنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلي التنصيص، لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم(1) وورعهم، قال بعضهم، ولنعم ما قال: لا أري فرقاً بين روايته ورواية أحمد بن محمّد بن الحسن الوليد ونظائره، إذ مشيخة الإجازة وتصحيح العلّامة مشتركان بينه وبينهم، فلا وجه للتفرقة، أو لما أشار إليه محمّد تقيّ المجلسي، من أنّ رواية الكليني عنه في أكثر الأخبار التي أوردها في الكافي، واعتماده عليه يدلّ علي ثقته وعدالته وفضله، واستدلّ آخر علي صحّة حديثه بإكثار الكليني من الرواية عنه، حتّي إنّه روي في الكافي ما يزيد علي خمسمائة، مع أنّه قال في صدره ما قال، أو لما أشار إليه الجماعة، وعن المدارك: الظاهر أنّ كتب الفضل كانت موجودة بعينها في زمن الكليني، وأنّ محمّد بن إسماعيل هذا إنّما ذكر لمجرّد اتّصال السند، فلا يبعد القول بصحّة رواياته كما قطع به العلّامة وأكثر المتأخّرين.

وعن محمّد تقيّ المجلسي رحمه الله أنّ الفضل لقرب عهده بالكليني، واشتهاره بين المحدّثين، لم يكن الكليني يحتاج إلي واسطة قويّة بينه، فلذا اقتنع به في كثير من الأخبار.

وعن الأمين الإسترآبادي: عدم تصريح الكافي بما يتميّز به مع كثرة الرواية عنه، وتصريحه في كثير من مواضع نقله عن البرمكي وابن بزيع، بما يتميّزان به، يدلّ علي قلّه اعتنائه بتميّز هذا الرجل، وهذا إمّا لأنّه لم يكن بذاك الثقة، وإمّا لعدم توقّف صحّة أحاديثه علي حسن حاله، لأخذها من كتاب الفضل المتواتر).

ص: 434


1- . ويظهر من مشيخة الاستبصار حيث قال: وما رويته عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان المحقّق كونه من مشايخ الرواية أيضاً لمكان مقابلته مع أشياخ الرواية (منه).

نسبته إليه، انتهي.

والحاصل أنّ الرواية عندي من الصحاح، لأنّ محمّد بن إسماعيل هذا لم يكن هو النيسابوري، كما هو الأرجح، والأمر في ذلك ظاهر لما مرّ، و كونه ليس هو البرمكي، أظهر، ثمّ إنّ ابن بزيع كالبرمكي، كما أنّه يلزم سقوط الواسطة علي تقدير كونه ابن بزيع، وعليه فعدم جواز اعتبارها من الصحاح لجهالة الواسطة، غير ضارّ، لأنّا علي التقدير المذكور ندّعي وصول خبره إلي الكافي بطريق قطعي، وهذا يكفي في الصحّة، أو نجعل شهرة القول بالصحّة دليلاً علي وثاقة الواسطة، وهذا ما قاله بعض الأجلّة.

وبالجملة قد ظهر بما قدّمناه بين يديك أنّ التوقّف في الرواية المشتملة علي محمّد بن إسماعيل عن الفضل، ممّا لا وجه له، وأن الظنّ بكون الرجل هو ابن بزيع، فهو من الظنون التي لا تغني من الحقّ شيئاً، وهي تحصل لمن ليس له في الرجال أدني اطلاع وتتبّع ودربة، وحيث كونه البرمكي ممّا تنافيه الأمارات الظنيّة، وعليه، فهو النيسابوري، الذي يدّعي بندفر، الذي تكون الرواية عنه صحيحة، وحيث ظهر لك صحّة الرواية، فلنرجع إلي ما كنّا فيه فنقول:...(1).

1. جامع الرواة
اشارة

كتاب جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد، تأليف العلّامة محمّد بن عليّ الأردبيلي(2) فهو معاصر للمجلسي الثاني، وألّف كتابه هذا في النجف، في عشرين سنة كما ألّف الكليني كتابه الكافي في عشرين سنة، وجاء

ص: 435


1- . موسوعة البرغاني في فقه الشيعة ج 7 ص 186.
2- . هديّة الأحباب ص 192، جامع الرواة ج 1 ص 3، سبك شناسي دانش رجال الحديث ص 228 - باللغة الفارسيّة -.

به من النجف إلي أصفهان وعرضه علي العلّامة المجلسي شيخ الإسلام في أصفهان، وكتابه هذا تكملة لكتاب الميرزا محمّد عليّ الإسترآبادي في الرجال، فإنّ الإسترآبادي صنّف ثلاثة كتب في الرجال هي: البسيط وهو المسمّي بمنهج المقال، والوسيط وهو ملخّص المقال، والوجيز وهو المعروف بالصغير.

إنّ الأردبيلي ألّف كتابه علي منهج تلخيص المقال (ملخّص المقال) وطريقته تتلخّص بما يلي:

أوّلاً: أنّه يذكر عبارة الإسترآبادي في ملخّص المقال، وعبارته هي مأخوذة من النجاشي والفهرست والخلاصة، فيذكر أوّلاً، عبارة هذه الثلاثة ثمّ يذكر عبارة الاثنين، ثمّ يذكر العبارة الأُخري.

ثانياً: يقوم بشرح وتوضيح كلام الإسترآبادي إذا كان موجزاً في الراوي.

ثالثاً: يذكر الرواة التي لم تذكر في تلخيص المقال، فيشرح كلامه تارة ويستدرك تارة أُخري.

رابعاً: كتبه علي أساس الرموز، وتبع في ذلك المعاصرين، ولاسيّما تقيّ الدين الحسن بن داود الحلّي.

خامساً: أضاف إلي تلخيص المقال مواضيع أُخري من تحقيقات نقد الرجال للسيّد مصطفي التفرشي، والفهرست للشيخ منتجب الدين وغيرهما وجعل علامة كتاب ميرزا محمّد «مح»، والسيّد التفرشي «س»، وفهرست الشيخ منتجب الدين «جب»، والتهذيب «يب»، والاستبصار «بص»، ومن لا يحضره الفقيه «يه»، والكافي «في».

سادساً: قام بعد ذكر الراوي بذكر بعض مشايخه والرواة عنه.

ص: 436

سابعاً: ذكر في خاتمة البحث بعض الإسناد التي عثر الراوي عليهما في الكتب الأربعة.

ثامناً: إهتمّ برواة الكتب الأربعة، أي: الكافي والتهذيبين والفقيه، ولم يتعرّض لسائر الرواة كالسيّد الخوئي في كتاب معجم رجال الحديث.

تاسعاً: تعرّض لذكر بعض العلماء المعاصرين وبهذا يعدّ خير مرجع في هذا الموضوع.

عاشراً: تطرّق إلي بعض التصحيفات والتحريفات، والتقديم والتأخير في الأسانيد، والذي يعرف من مقارنة الأسانيد ومعرفة الطبقات، أي مشايخ الراوي وتلامذته، فهو في الحقيقة يعتبر أوّل من صنّف في الطبقات، والتفت إلي مدي أهميّة هذا الفنّ، حيث من خلاله يتمّ العثور علي السقط الواقع في الأسانيد، والتي تعرف بالإرسال الخفي.

وقد سار علي منهجه هذا آية اللّه البروجردي، وأكمله السيّد الخوئي في المعجم.

نصوص من كتاب جامع الرواة

3790. عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز المعروف بابن البرّاج، أبوالقاسم، من غلمان المرتضي رضي الله عنه، له كتاب في الأُصول والفروع (ابن شهر آشوب).

فقيه الشيعة الملقّب بالقاضي، وكان قاضياً بطرابلس «س».

عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز بن البرّاج القاضي سعد الدين عزّ المؤمنين أبوالقاسم، وجه الأصحاب وفقيههم، وكان قاضياً بطرابلس، وله مصنّفات منها: المهذّب، والمعتمد، والروضة، والجواهر، والمعرب، وعماد

ص: 437

المحتاج في مناسك الحاج، أخبرنا بها الوالد عن والده عنه (جب).

3971. عبدالعزيز بن يحيي بن أحمد بن عيسي الجلّودي، كان شيخ البصرة وأخباريّها، وكان عيسي الجلّودي من أصحاب أبي جعفر عليه السلام (صه، جش) الأزدي (جش) أبو أحمد البصري ثقة (صه، لم) إماميّ المذهب (صه، ست) له كتب كثيرة «مح».

عنه جعفر بن محمّد «جش» «س».

عنه أبو بشير أحمد بن إبراهيم في «ست» في ترجمة إسماعيل بن عليّ القمّي.

3792. عبدالعظيم بن الحسين بن عليّ أبو الشرف الحسني، نقيب السادة بقزوين، وادّعي فيه أهل جيلان الإمامة، وكان بها صاحب الجيش، ففرّ منها السيّد عماد الدين، فاضل، فقيه، صالح (جب).

3793. عبدالعظيم بن عبداللّه الحسني (ست) بن عبداللّه بن عليّ بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (ج، ي، جش، صه) كان عابداً ورعاً، له حكاية تدلّ علي حسن حاله. قال محمّد بن بابويه: إنّه كان مرضيّاً (صه).

حدّثني عليّ بن أحمد، عن حمزة بن القاسم العلوي رحمه الله، عن محمّد بن يحيي العطّار، عمّن دخل علي أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام من أهل الريّ قال: دخلت علي أبي الحسن العسكريّ عليه السلام فقال: أين كنت؟ قلت: زرت الحسين عليه السلام. قال: أما إنّك لو زرت قبر عبدالعظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (يه).

ص: 438

أبوالقاسم له كتاب خطب أميرالمؤمنين عليه السلام (صه، جش).

الحسين بن عبيداللّه، عن حفص بن أحمد (محمّد - خ) أبي القاسم، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي قال: كان عبدالعظيم ورد الريّ هارباً من السلطان، وسكن سَرَباً في دار رجل من الشيعة في سكّة الموالي، وكان يعبد اللّه في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله، وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول: هو قبر رجل من ولد موسي عليه السلام. فلم يزل يأوي إلي ذلك السرب ويقع خبره إلي الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد عليهم السلام حتّي عرفه أكثرهم، فرأي رجل من الشيعة في المنام رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال له: إنّ رجلاً من ولدي يحمل من سكّة الموالي ويُدفن عند شجرة التفّاح في باغ عبدالجبّار بن عبدالوهّاب، وأشار إلي المكان الذي دفن فيه، فذهب الرجل ليشتري الشجرة والمكان من صاحبها، فقال: لأيّ شيء تطلب الشجرة ومكانها؟ فأخبره الرؤيا، فذكر صاحب الشجرة أنّه كان رأي مثل هذه الرؤيا، وأنّه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفاً علي الشريف والشيعة يدفنون فيه. فمرض عبدالعظيم ومات رحمه الله، فلمّا جُرِّد ليغسل وُجِد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه. عنه أبو تراب عبيداللّه بن موسي الروياني بجميع رواياته (جش).

أحمد بن أبي عبداللّه بكتابه (ست).

عنه، سهل بن زياد الآدمي، وأبو تراب عبيداللّه الحارثي (لم) «مح».

عنه، أحمد بن مهران عشر مرّات في «في» في باب فيه نكت ونتف من التنزيل، عنه، أحمد بن أبي عبداللّه البرقي في مشيخة «يه» في طريقه وفي «في»

ص: 439

في ترجمته، وفي «في» في باب الكبائر، وفي باب من تحلّ له الزكاة فيمتنع من أخذها. عنه، سهل بن جمهور في باب صفة التيمّم، وفي باب من عرف إمامه، وفي باب بناء المساجد وما يؤخذ منها، وفي «يب» في باب التيمّم. عنه، ابن جمهور في باب فضل المساجد.

أحمد بن محمّد بن خالد، عن النوفلي، عنه في «في» في باب الجلوس في كتاب العشرة.

3794. عبدالعظيم بن محمّد بن عبدالعظيم الحسني الأبهري نزيل قوهدة العليا، السيّد كمال الدين، فقيه صالح (جب).

3795. عبدالغفّار الجازي (ست، لم) بن حبيب الطائي الجازي من أهل الجازية قرية بالنهرين، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام ثقة (صه، جش) له كتاب، روي عنه جماعة منهم: النضر بن شعيب (جش). القاسم بن إسماعيل عنه (ست) والذي في (ق) وقال (د، خ) إنّه رآه بخطّ الشيخ عبدالغفّار بن حبيب الحارثي «مح».

حميد، عن إبراهيم بن سليمان الخزّاز عنه (ست) «س».

النضر بن سويد عنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام في «يب» في باب الكفّارة عن خطإ المحرم، وفي باب الديون، وفي «بص» في باب من اضطرّ إلي أكل الميتة والصيد.

الحسن بن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن عبدالغفّار الطائي في «يب» في باب من أحلّ اللّه نكاحه.

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن النضر بن سويد، عن شعيب، عن

ص: 440

عبدالغفّار الجازي (الحارثي - خ) في باب حكم الجناية. روي هذا الخبر بعينه محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن النضر، عن شعيب، عن عبدالغفّار الحارثي في «بص» في باب الجنب والحائض يقرآن القرآن، الظاهر أنّه الصواب بقرينة اتّحاد الخبر، ورواية النضر عن شعيب عن عبدالغفّار الجازي أو الحارثي، واللّه أعلم.

3796. عبدالغفّار بن عبداللّه بن السري الحضيني المقرئ، يُكنّي أبا الطيّب روي عنه التلّعكبري (لم) «مح».

3797. عبدالغفّار بن القاسم بن قيس بن قيس بن فهد (البقّال - خ) الأنصاري (ق، جش) (صه) أبو مريم (بن، قر، ق) الكوفي، وأخوه عبدالمؤمن أيضاً (ق) وعبدالواحد (بن). روي عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام، ثقة (صه، جش)، له كتاب، عنه الحسن بن محبوب (جش، ست)، ومحمّد بن موسي خوراء (ست) «مح».

عنه صالح بن عقبة في «يب» في باب الأذان والإقامة من أبواب الزيادات.

موسي بن بكر وعليّ بن الحسن بن رباط، عن أبي مريم الأنصاري في باب القود بين الرجال والنساء. عنه، عليّ بن الحسن بن رباط في باب ميراث أهل الملل. عنه، عليّ بن الحسن بن رباط وموسي بن بكر في «بص» في باب المرأة قتلت رجلاً.

أبو ولّاد، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في «يب» في باب القود بين الرجال والنساء، وفي «في» في باب الرجل يقتل المرأة.

أبان بن عثمان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في باب الأحداث الموجبة

ص: 441

للطهارة.

أبان بن عثمان، عن أبي مريم، عن أبي عبداللّه عليه السلام في «في» في باب أبواب الدوابّ. عنه أبان بن عثمان في «بص» في باب أبواب الدوابّ.

أبان بن عثمان، عن أبي مريم في باب حكم من مات في شهر رمضان.

فضالة، عن أبان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في «يب» في باب القود بين الرجال والنساء. عنه، هشام بن سالم في باب الاشتراك في الجنايات. وفي «يه» في باب ما جاء في رجلين اجتمعا علي قطع يد رجل. وفي «في» في باب الجماعة يجتمعون علي قتل واحد. عنه، عليّ بن النعمان في «يب» في باب تلقين المحتضرين، وفي باب الصيد والذكاة. وفي «في» في مولد النبيّ صلي الله عليه و آله.

وفي «بص» في باب أنّه لا يؤكل من صيد الفهد والبازي.

عثمان بن عيسي، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في «يب» في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها من أبواب الزيادات في الجزء الأوّل. وفي «في» في باب تهيئة الإمام للجمعة.

عبداللّه بن المغيرة، عن أبي مريم، عن جعفر عليه السلام في «يب» في باب العمل في ليلة الجمعة.

عبداللّه بن المغيرة، عن أبي مريم، عن جعفر عليه السلام في «يب» في باب تطهير المياه.

العبّاس، عن عبداللّه، عن أبي مريم، عن جعفر عليه السلام في باب المياه من أبواب الزيادات.

ثعلبة بن ميمون، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في «في» في باب أنّه ليس

ص: 442

شيء من الحقّ في أيدي الناس إلّاخرج من عند الأئمّة عليهم السلام.

يونس بن يعقوب، عن أبي مريم في «يب» في باب الزيادات في كتاب الوصيّة. عنه، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في باب حدود الزنا، وفي باب الحدّ في الفرية والسبّ، وفي باب البيّنات علي القتل. وفي «في» في باب ما يجب به التعزير في جميع الحدود. وفي «يه» في باب ما يجب به التعزير والحدّ. وفي «في» في باب الرجل يقرض الدراهم. عنه، القاسم بن سليمان في «يب» في باب الحدّ في الفرية والسبّ. وفي «في» في باب حدّ القاذف.

عبدالرحمن بن حمّاد الكوفي، عن بشير، عنه في «يب» في باب المياه من أبواب الزيادات. وفي «بص» في باب البئر يقع فيها العذرة اليابسة. عنه، محمّد ابن أبي حمزة في «يب» في باب من يحرم نكاحهنّ بالأسباب. وفي «بص» في باب تحريم نكاح الكوافر.

محمّد بن عيسي، عن الأنصاري في «في» في باب من أخاف مؤمناً.

سيف، عن عبدالغفّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في «يب» في باب ما يجب علي المحرم اجتنابه.

العبّاس بن معروف، عن أبي مريم، عن جعفر عليه السلام في «بص» في باب البئر يقع فيها الكلب.

فضالة، عن أبي مريم، عن أبي عبداللّه عليه السلام في باب ما تجوز فيه شهادة الواحد مع يمين المدّعي.

إبراهيم بن سنان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في «في» في باب الطواف واستلام الأركان.

ص: 443

ظريف بن ناصح، عن أبي مريم، عن أبي عبداللّه عليه السلام في «بص» في باب حكم من مات في شهر رمضان. عنه، عبداللّه بن حمّاد في «في» في باب التهنئة بالولد في كتاب العقيقة، وفي باب الحمّام في كتاب الزيّ والتجمّل.

أحمد بن عمر، عن أبيه، عن أبي مريم، عن أبي عبداللّه عليه السلام في باب صدقات النبيّ صلي الله عليه و آله في كتاب الوصيّة.

جميل بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام في كتاب الروضة بعد حديث البحر مع الشمس.

الحسن بن السريّ، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام بعد حديث الناس يوم القيامة.

3798. عبدالغنيّ بن عبدربّه (ق) «مح».

3799. عبدالغنيّ بن موسي الليثي الكوفي (ق) «مح».

3800. عبدالقاهر بن أحمد بن أبي عليّ القمّي الطبيعيّ، الأديب، فخر الدين فاضل (جب).

3801. عبدالقاهر الذي روي عن جابر (ق) «مح».

3802. عبدالقاهر بن محمّد بن قيس الأسدي الكوفي (ق) «مح».

3803. عبدك بن الحسن الإسترآبادي، الشيخ معين الدين، صالح، عفيف مجاور بمدينة الرسول عليه وآله السلام (جب).

3804. عبدالكريم بن أبي يعفور. عبداللّه بن أبي يعفور، عن أخيه عبدالكريم بن أبي يعفور، عن أبي جعفر عليه السلام في «يب» في باب البيّنات في «بص» في باب العدالة المعتبرة في الشهادة.

ص: 444

3805. عبدالكريم بن أحمد بن موسي بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد الطاووس العلويّ الحسنيّ سيّدنا الإمام المعظّم غياث الدين الفقيه النسّابة النحويّ العروضيّ الزاهد، العابد، أبو المظفّر قدّس اللّه روحه، انتهت رئاسة السادات وذوي النواميس إليه، وكان أوحد زمانه، حائريّ المولد، حلّيّ المنشأ، بغداديّ التحصيل، كاظميّ الخاتمة. ولد في شعبان سنة ثمان وأربعين وستّمائة، وتوفّي في شوّال سنة ثلاث وتسعين وستّمائة، فكان عمره خمساً وأربعين سنة وشهرين وأيّاماً، كنت قرينه، طفلين إلي أن توفّي قدّس اللّه روحه، ما رأيت قبله ولا بعده لخلقه، وجميل قاعدته، وحلو معاشرته ثانياً، ولا لذكائه وقوّة حافظته مماثلاً، ما دخل في ذهنه شيء فكاد ينساه، حفظ القرآن في مدّة يسيرة وله إحدي عشرة سنة. استقلّ بالكتابة واستغني عن المعلّم في أربعين يوماً وعمره إذ ذلك أربع سنين، ولا تحصي مناقبه وفضائله، له كتب منها: كتاب الشمل المنظوم في مصنّفي العلوم، ما لأصحابنا مثله، ومنها: كتاب فرحة الغري بصرحة الغري وغير ذلك (د) «مح».

3806. عبدالكريم بن حسّان النبطي (ق) «مح».

3807. عبدالكريم بن حمّاد الكوفي (ق) «مح».

3808. عبدالكريم بن سعد، أبو العلاء الجعفي (ق) «مح».

3809. عبدالكريم بن صالح، أشعث بن محمّد البارقي، عنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام في «في» في باب الحمام في كتاب الدواجن.

3810. عبدالكريم بن عبدالرحمن البجلي البزّاز الكوفي، أسند عنه (ق) «مح».

ص: 445

3811. عبدالكريم بن عتبة القرشي اللهبي (ق) بن عتبة الهاشمي، من أصحاب الكاظم عليه السلام، ثقة (صه، ظم) روي عن أبي عبداللّه عليه السلام (ظم) «مح».

عنه، زرارة في «يب» في باب من الزيادات في الزكاة، وفي باب كيفيّة قسمة الغنائم، وفي «في» في باب الزكاة تبعث من بلد إلي بلد، وفي باب دخول عمرو ابن عبيد والمعتزلة علي أبي عبداللّه عليه السلام في كتاب الجهاد. عنه، الليث المرادي في مشيخة «يه» في طريقه. الليث المرادي أبو بصير في «يب» في باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة. وفي «في» في باب من قال: «لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له» في كتاب الدعاء.

ابن مسكان، عن أبي بصير، عنه في باب الرجل يُدخل يده الإناء قبل أن يغسلها.

وهذا الكتاب صحّحه وحقّقه أخيراً سماحة الأستاذ محمّد باقر ملكيان، وطبع في ثمانية مجلّدات، وتناول المحقّق إضافة إلي المتن؛ تحقيقات السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث، والعلّامة التستري في قاموس الرجال والسيّد البروجردي والمامقاني في تنقيح المقال وغيرها، خاصّة السماعيّات من السيّد الشبيري الزنجاني.

2. معجم رجال الحديث
اشارة

تأليف السيّد أبي القاسم الخوئي(1)، وقد ذكر في مقدّمته الحاجة إلي علم الرجال والأدلّة العامّة للتوثيق، وناقشها. نعم، فهو أقبل علي تحقيق ثلاث

ص: 446


1- . سيماي فرزانگان، جعفر سبحاني ج 1 ص 645 - باللغة الفارسيّة -، موسوعة الإمام الخوئي ج 1 المقدّمة، فقه وفقهاي إماميّه در گذر زمان ص 352 - باللغة الفارسيّة -.

قواعد؛ منها توثيق جميع مشايخ النجاشي، حيث صرّح بأنّه لا يأخذ إلّاعن مشايخه الثقات، وقاعدة توثيق جميع الرواة الواقعة في تفسير القمّي، فقد ذكر في بداية كتابه بأنّه لا يروي إلّاعن الثقات، وهكذا أبوالقاسم جعفر بن محمّد قولويه صاحب كامل الزيارات، فكلّ من وقع في مشايخ النجاشي، أو وقع في طريق أحد هذين الكتابين فهو ثقة عند السيّد الخوئي. إلّاأنّه تراجع أخيراً عن قوله في توثيق جميع مشايخ ابن قولويه، فقال بتوثيق مشايخه بلا واسطة لا غيرهم، وطريقته في هذا الكتاب هي علي الشكل التالي:

1. يعنون الرواة بعناوينهم المتعدّدة بشكل متسلسل، وعلي الترتيب الألفبائي حتّي في الحرف الأوّل والثاني؛ كالمنجد في اللغة.

2. إذا كان للراوي عناوين متعدّدة فيذكر العنوان ذيل العدد، ويشير إلي العناوين الأُخري بهذه الطريقة.

آدم أبوالحسين اللؤلؤي \آدم بن المتوكّل \آدم بيّاع اللؤلؤ.

فمثل هذا الراوي يوجد في الأسناد بعناوين ثلاثة، مع أنّ سائر الرجاليّين يعنونون الراوي بعنوان واحد، ولا يتعرّضون للعناوين الأُخري.

3. إنّه يذكر نصّ العبارة للنجاشي أوّلاً، ثمّ يذكر نصّ العبارة للشيخ في الرجال والفهرست، فإذا كان في عبارة النجاشي، أو الشيخ تصريح بالوثاقة أو التضعيف لا يتعرّض لشيء منها، فيعدّ عبارتهما صريحة في الوثاقة أو الضعف.

4. يتناول بعد عبارات النجاشي والشيخ الطوسي في الرجال والفهرست الروايات الواردة في اختيار معرفة الرجال، فإن ورد في الراوي طائفتان من الروايات: المادحة، والذامّة فيتعرّض لكلٍّ منهما، ثمّ يقوم بإبداء آرائه من تأييد

ص: 447

لها، أو نقد، وسواء من ناحية السند أو الدلالة.

5. إذا كان هناك بعد إيراد عبارات النجاشي والشيخ نصّ للعلّامة الحلّي فهو يذكره قبل التطرّق للروايات.

6. إذا لم يكن للراوي نصّ في الكتب الرجاليّة المتقدّمة فإنّه يتعرّض لمجيئه في سلسلة النصوص في تفسير القمّي، وكامل الزيارات، ويصرّح أنّه وقع في تفسير القمّي آية كذا، أو وقع في إسناد كامل الزيارت، مثلاً قال في أبان بن تغلب - بعد ذكر نصوص النجاشي والشيخ -: روي عن أبي عبداللّه عليه السلام وروي عنه أبوالفرج (كامل الزيارات، باب الدلالة علي قبر أميرالمؤمنين عليه السلام 29 الحديث 5) وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام، وروي عنه جميل بن صالح تفسير القمّي (أوائل تفسير سورة طه)(1). فهذا كلّه يدلّ علي وثاقة الراوي عنده.

7. قد يذكر بعد ذلك طريق الصدوق والشيخ إلي الراوي، ويصرّح بصحّته أو ضعفه، فهو علي هذا في هذا الجانب يسلك منهج القدماء، فإن كان الطريق معتبراً فيعدّه صحيحاً، وإن كان غير معتبر فيعدّه ضعيفاً، ولم يصرّح بصحّته علي نهج المتأخّرين أو حسنه، أو كونه موثّقاً، وقد يذكر أخطاء الأردبيلي في تصحيحه، أو تضعيفه، فراجع ج 1 ص 161 (طريقة أبان).

8. يتناول عنوان: «طبقته في الحديث» - والمراد من الطبقة كلّ من روي في عصر واحد عن أساتذة معيّنين - فقد يذكر في هذا العنوان مشايخ الراوي من الأئمّة والرواة، وتلامذته الذين يروون عنه، ويصرّح بعدد رواياته عن بعض الرواة، وبذلك يحصل التمييز بين المشتركات غالباً.0.

ص: 448


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 150.

9. يبحث في ذيل هذا العنوان: اختلاف الكتب، عن الراوي في الأسناد، فمثلاً يذكر سنداً ويقول: هذا السند في الكافي هكذا، وفي التهذيب هكذا، وفي سائر الكتب هكذا، والصحيح من هذه الكتب السند المذكور في الكافي.

10. يشير بعد هذا العنوان: اختلاف النسخ إلي السند الواحد المتكرّر في كتاب واحد، وإلي نسخه، فمثلاً يذكر هكذا: في الكافي المطبوع والمكتوب والمطبوع مع المرآة هكذا، والصحيح هو نسخة المرآة، أو غيرها إذا وجدت.

11. يبحث في ذيل هذا العنوان: اختلاف الكتب عن الراوي في الأسانيد، فمثلاً يذكر سنداً ويقول: هذا السند في الكافي هكذا، وفي التهذيب هكذا، وفي سائر الكتب هكذا، والصحيح من هذا الراوي.

12. قد يبحث في ذيل عنوان الراوي أُموراً منها:

* قد يصرّح بأنّ الراوي لم يرد فيه نصّ توثيق، أو تضعيف، ولكن قيل:

بتوثيقه لأُمور، أو قيل: بتضعيفه لأُمور.

* ويبحث عن أُمور أُخري، مثلاً قيل: بوقوعه، مع أنّا لم نثبته، ولم نتحقّقه.

* وعن التعارض بين أقوال الرجاليّين، فيصرّح: بأنّ النجاشي وثّقه والشيخ ضعّفه.

* وعن مدي دلالة ألفاظ النجاشي والشيخ علي التوثيق، أو التضعيف.

* وعن اختلال النسخ في كتاب النجاشي والشيخ وغيرهما، فهذه بحوث تحليليّة قيّمة في معجم رجال الحديث.

* وعن تعدّد العناوين أو اتّحادها.

ص: 449

نموذج في البحث عن اختلاف النسخ

قد ذكر في ترجمة أبان بن عثمان: محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن الحسن قال: كان أبان من أهل البصرة، وكان مولي بجيلة، وكان يسكن الكوفة، وكان من القادسيّة الناووسيّة.

أقول: هكذا في النسخة المطبوعة، وفي مجمع الرجال للشيخ عناية اللّه القهبائي: وكان من الناووسيّة، وعن بعض النسخ: وكان من القادسيّة. والظاهر أنّ الصحيح هو الأخير، وقد حُرِّف وكتب: وكان من الناووسيّة، وزيد في التحريف فجمع بين الأمرين في النسخة المطبوعة من الاختيار، ويدلّ علي ما ذكرناه شهادة النجاشي والشيخ علي أنّ أبان روي عن أبي الحسن عليه السلام، ومعه كيف يمكن أن يكون من الناووسيّة؟! وهم الذين وقفوا علي أبي عبداللّه عليه السلام وقالوا إنّه حيّ لم يمت، وهو المهديّ الموعود.

قال العلّامة في الفائدة الثامنة من خاتمة الخلاصة في بيان طريق الصدوق إلي أبي مريم الأنصاري: إنّ أبان بن عثمان فطحيّ.

أقول: لم يعلم منشأ ذلك، وقد أخذ ذلك عن العلّامة من تأخّر عنه؛ كالشهيد الثاني في الدراية في أوائل الباب الأوّل في أقسام الحديث، ومن المطمأنّ به أنّ هذا سهو من العلّامة، فإنّه لم يسبقه في ذلك غيره، وهو قدس سره في محكي المنتهي نسب إليه: أنّه واقفيّ، وفي محكي المختلف: أنّه من الناووسيّة، وكيف كان فقد قال الكشّي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من دون أولئك الستّة الذين عدّدناهم وسمّيناهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه

ص: 450

ابن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسي، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - وهو ثعلبة بن ميمون - أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام.

وهو يكفي في توثيقه، علي أنّه وقع في طريق جعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات، وقد شهد بأنّ ما وقع فيه من الثقات(1).

نموذج نقد المصنّف لألفاظ التوثيق

إبراهيم بن سلام: من أصحاب الرضا عليه السلام، نيشابوريّ، وكيل. رجال الشيخ (37).

قال العلّامة: وكيل، من أصحاب الكاظم عليه السلام، لم يقل الشيخ فيه غير ذلك والأقوي عندي قبول روايته.

وقال أبو عليّ في رجاله: لا يخفي أنّ قول العلّامة إنّه من رجال الكاظم وهمٌ، إذ لم ينقله الشيخ في رجال الكاظم ولا أحد غيره من أصحاب الأُصول، وكيف كان، فقد اختلف في حال الرجل؛ منهم من اعتبره حجّة، ومنهم من لم يعتبره.

واستدلّ من قال باعتباره بمقدّمتين:

الأُولي: أنّه كان وكيلاً عن الرضا عليه السلام.

الثانية: أنّهم سلام اللّه عليهم لا يوكّلون الفاسق، كما حكاه الوحيد في تعليقته علي المنهج عن الشيخ البهائي.

ويمكن المناقشة في كلتا المقدّمتين:

ص: 451


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 161.

أمّا في الأُولي، فلعدم ثبوت أنّ وكالته كانت من قِبَل الرضا عليه السلام، وإخبار الشيخ بأنّه كان وكيلاً لا يدلّ علي أنّ الوكالة كانت من قِبَل الرضا عليه السلام.

وأمّا ما عن الشيخ البهائي قدس سره: مِن أنّ هذا اصطلاح مقرّر بين علماء الرجال من أصحابنا، وأنّهم إذا قالوا: فلان وكيل، يريدون أنّه وكيل أحدهم عليهم السلام، وهذا ممّا لا يرتاب فيه من مارس كلامهم وعرف لسانهم؛ فهو اجتهاد منه، ولذلك لم ينقل هذا عن أحدٍ من علماء الرجال. ومن هنا قال الميرزا في الوسيط عند ترجمة الرجل: لا يخفي أنّ كون الرجل وكيلاً لهم عليهم السلام غير واضح، فالاعتماد عليه بمجرّد ذلك غير لائق.

هذا وقد يقال: إنّ ذلك هو المتفاهم في المحاورات العرفيّة، فإنّه إذا عُدّ شخص من أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام، ثمّ قيل: إنّه وكيل، يُفهم منه عُرفاً أنّه وكيله عليه السلام، ولو أُريد أنّه وكيل غيره لقُيِّد.

أقول: هذا غير واضح، إذ من المحتمل أنّه كان يتوكّل في الدعاوي، أو كان وكيلاً عن المتصدّين للزعامة، وولاية الأُمور.

وأمّا في الثانية: فلما تقدّم في المدخل - من أنّ الوكالة لا تستلزم العدالة(1).

نموذج في البحث عن تعدّد العنوان

إبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي \إبراهيم بن صالح.

قال النجاشي: إبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي: ثقة، روي عن أبي الحسن عليه السلام ووقف، له كتاب يرويه عدّة، أخبرنا محمّد قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد، قال: حدّثنا عبيداللّه بن أحمد، قال: حدّثني إبراهيم بن صالح

ص: 452


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 227.

وذكره.

أقول: هذا هو إبراهيم بن صالح المتقدّم، الذي ذكره الشيخ في الفهرست، وعدّه في رجاله من أصحاب الرضا عليه السلام، وهو غير الأنماطي الأوّل، والذي يدلّ علي التعدّد؛ أنّ المستفاد من كلام الشيخ هو أنّ إبراهيم بن صالح الأنماطي كان له كتب قد انقرضت، ولم يبق منها إلّاكتاب واحد، وهو كتاب الغيبة، وأمّا إبراهيم بن صالح فقد كان له كتاب، وكذلك يستفاد من كلام النجاشي، غير أنّ النجاشي زاد: أنّ الثاني أنماطيّ أسدي، ومجرّد أنّ الراوي عنهما ابن نهيك لا يدلّ علي الاتّحاد كما هو ظاهر.

وممّا يؤكّد التعدّد؛ أنّ النجاشي - حين ذكر الأوّل - لم يتعرّض لمذهبه، وظاهره أنّه كان صحيح المذهب. وذكر في الثاني: أنّه واقفيّ، وأنّ الشيخ ذكر إبراهيم بن صالح ولم يوثّقه، وذكر الأنماطيّ ووثّقه.

فالمتحصّل: أنّ المسمّي بإبراهيم بن صالح الأنماطي ثلاثة أشخاص: أحدهم من أصحاب الباقر عليه السلام، والاثنان يروي عنهما عبيداللّه بن نهيك.

ثمّ إنّ صريح النجاشي؛ أنّ الأسدي كان من أصحاب أبي الحسن موسي عليه السلام، روي عنه ووقف، وهو ينفي ما ذكره الشيخ في رجاله أنّه من أصحاب الرضا عليه السلام.

ويؤيّد كلام النجاشي عدّ البرقي إيّاه من أصحاب أبي الحسن موسي عليه السلام، واللّه العالم بواقع الأمر، وكيف كان، فلم نقف علي رواية إبراهيم بن صالح، لا عن أبي الحسن موسي، ولا عن الرضا عليهما السلام(1).9.

ص: 453


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 239.
نموذج في البحث عن اتّحاد الراوي وتعدّده

1158. إسحاق بن عمّار بن حيّان \إسحاق بن عمّار \إسحاق بن عمّار الساباطي.

قال النجاشي: إسحاق بن عمّار بن حيّان: مولي بني تغلب، أبو يعقوب الصيرفي، شيخٌ من أصحابنا، ثقة، وإخوته: يونس، ويوسف، وقيس، وإسماعيل وهو في بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه: عليّ بن إسماعيل، وبشير ابن إسماعيل كانا من وجوه من روي الحديث.

1159. إسحاق بن عمّار الساباطي \إسحاق بن عمّار بن حيّان \إسحاق بن عمّار الصيرفي.

قال الشيخ (52): إسحاق بن عمّار الساباطي: له أصل، وكان فطحيّاً إلّاأنّه ثقة وأصله معتمد عليه، أخبرنا به الشيخ أبو عبداللّه المفيد رضي الله عنه، والحسن بن عبيداللّه، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق، هذا. وعدّه في رجاله من غير توصيف في أصحاب الكاظم عليه السلام وقال: ثقة له كتاب، يكنّي أبا هاشم كما في التهذيب الجزء 3، باب أحكام الجماعة، وأقلّ الجماعة في ضمن الحديث 132.

ثمّ الظاهر، اتّحاد إسحاق بن عمّار الساباطي مع سابقه، وذلك لبُعد أن يكون هناك شخصان معروفان في طبقة واحدة كان لكلّ منهما كتاب، يتعرّض النجاشي لأحدهما، ويتعرّض الشيخ للآخر، ويؤكّد ذلك؛ أنّ الشيخ في رجاله

ص: 454

والصدوق في المشيخة، ذكروا إسحاق بن عمّار من غير توصيف، فلو كان المسمّي بهذا الاسم رجلين، لزمهم تعيينه، وأنّه ابن حيّان، أو الساباطي، وكذلك الحال في الروايات الكثيرة، فإنّ المذكور فيها: إسحاق بن عمّار من غير توصيف، ويؤيّد الاتّحاد؛ اقتصار البرقي أيضاً علي ذكر إسحاق بن عمّار الصيرفي(1).

نموذج في البحث عن تعارض الجرح والتعديل

228. إبراهيم بن عمر اليماني \إبراهيم بن عمر.

قال النجاشي: إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني: شيخ من أصحابنا، ثقة، روي عن أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام، ذكر ذلك أبوالعبّاس وغيره، له كتاب يرويه عنه حمّاد بن عيسي وغيره.... روي إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر عليه السلام، وروي عنه حمّاد بن عيسي. تفسير القمّي: قوله تعالي: «وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمي»(2) .

وقال ابن الغضائري: إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني: يكنّي أبا إسحاق، ضعيف جدّاً، روي عن أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام، وله كتاب. وعدّه البرقي من أصحاب الباقر والكاظم عليهما السلام.

أقول: الرجل يعتمد علي روايته لتوثيق النجاشي له، ولوقوعه في أسناد تفسير القمّي، ولا يعارضه التضعيف عن ابن الغضائري، لما عرفت في المدخل من عدم ثبوت نسبة الكتاب إليه(3).

ص: 455


1- . معجم رجال الحديث ج 3 ص 62.
2- . الإسراء/ 72.
3- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 264.
نموذج في البحث في كلمات الرجاليّين ومدي دلالتها

8559. عليّ بن نعيم الصحّاف الكوفيّ وأخواه: حسين ومحمّد، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ (331).

قال النجاشي: الحسين بن نعيم الصحّاف: مولي بني أسد، ثقة، وأخواه:

عليّ ومحمّد، رووا عن أبي عبداللّه عليه السلام، انتهي.

والظاهر من كلامه أنّ التوثيق يرجع إلي الحسين نفسه، وجملة: وأخواه:

عليّ ومحمّد، جملة مستقلّة، ذكرها مقدّمة لقوله: رووا عن أبي عبداللّه عليه السلام.

لكن العلّامة في (70) من الباب 1 من حرف العين من القسم الأوّل، وابن داود في (1076) من القسم الأوّل كأنّهما فهما من العبارة التوثيق إلي الحسين وأخويه، فكأنّ النجاشي قال: ثقة هو وأخوه عليّ ومحمّد، ولذلك حكما بتوثيق عليّ بن نعيم هذا، ولو كان التوثيق من العلّامة وابن داود غير مبنيّ علي فهم ذلك من عبارة النجاشي فهو اجتهاد منهما، ولا يعتدّ به.

فتلخّص ممّا ذكرناه؛ أنّ الرجل لم تثبت وثاقته(1).

وقال أيضاً في ترجمةٍ أُخري:

11916. محمّد بن نعيم الصحّاف الكوفيّ، وأخواه: الحسين وعليّ، من أصحاب الصادق عليه السلام، رجال الشيخ (354).

قال النجاشي: الحسين بن نعيم الصحّاف: مولي بني أسد، ثقة، وأخواه:

عليّ ومحمّد، رووا عن أبي عبداللّه عليه السلام.

وقد وقع الكلام في أنّ التوثيق راجع إلي الحسين فقط، أو إليه وإلي أخويه

ص: 456


1- . معجم رجال الحديث ج 12 ص 216.

عليّ ومحمّد، وقد ذكرنا في ترجمة عليّ بن نعيم الصحّاف أنّ التوثيق راجع إلي الحسين دون أخويه، ومن الغريب أنّ المجلسيّ قدس سره نقل عن العلّامة توثيق عليّ ابن نعيم الصحّاف وقال: وفيه نظر، ومع ذلك فقد وثّق محمّد بن نعيم الصحّاف، ولا يعلم له وجه صحيح.

واستظهر بعضهم؛ أنّ منشأ توثيقه هو أنّ محمّد بن أبي عمير أوصي إليه، وترك امرأة لم يترك وارثاً غيرها، فكتب إلي عبد صالح، فكتب إليه: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا، فإنّ محمّد بن أبي عمير لا يوصي إلّاإلي ثقة أمين، وهذا أيضاً من الغرائب، فإنّ محمّد بن أبي عمير هذا، غير محمّد بن أبي عمير الثقة المعروف؛ فإنّ هذا من أصحاب الصادق عليه السلام، وتوفّي في زمان الكاظم عليه السلام علي ما تقدّم في ترجمته. علي أنّ الوصاية إلي شخص، لا تدلّ علي وثاقته في الرواية، غاية الأمر أن تدلّ علي أمانته في الأموال.

وعلي ما ذكرنا، فمحمّد بن نعيم الصحّاف مجهول الحال(1).

وقال في ترجمة محمّد بن موسي بن عيسي:

11847. محمّد بن موسي بن عيسي:

قال النجاشي: محمّد بن موسي بن عيسي: أبو جعفر الهمداني السمّان، ضعّفه القمّيّون بالغلوّ، وكان ابن الوليد يقول: إنّه يضع الحديث، واللّه أعلم. له كتاب: ما روي في أيّام الأُسبوع، وكتاب الردّ علي الغلاة، أخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عنه بكتبه.

وقال ابن الغضائري: محمّد بن موسي بن عيسي السمّان، أبو جعفر الهمداني4.

ص: 457


1- . معجم رجال الحديث ج 17 ص 304.

ضعيف، يروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرج شاهداً، تكلّم القمّيّون فيه بالردّ واستثنوا من نوادر الحكمة ما رواه.

قال الصدوق: وأمّا خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه، فإنّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه كان لا يصحّحه ويقول: إنّه من طريق محمّد بن موسي الهمداني، وكان غير ثقة (كذّاباً)، الفقيه، الجزء 2، باب صوم التطوّع وثوابه من الأيّام، ذيل الحديث 241.

وتقدّم في ترجمة سعد بن عبداللّه بن أبي خلف: أنّ الصدوق قدس سره لم يرو من كتاب المنتخبات، ما رواه محمّد بن موسي الهمداني، وإنّما روي عنه الكتاب، ممّا عرف طريقه من الرجال الثقات.

وتقدّم في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيي: أنّ ابن الوليد استثني من رواياته ما يرويه محمّد بن موسي الهمداني.

وتقدّم في ترجمة زيد النرسي، وزيد الزرّاد: أنّ ابن الوليد قال: إنّ كتابيهما من وضع محمّد بن موسي الهمداني.

بقي هنا أُمور:

الأوّل: أنّ ظاهر كلام النجاشي التوقّف في ضعف محمّد بن موسي بن عيسي، ووضعه الحديث، حيث نسب ذلك إلي القمّيّين وابن الوليد، ثمّ عقّبه بقوله: واللّه أعلم. ولكنّه قد مرّ في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيي حكايته عن ابن الوليد استثناؤه ما يرويه عن محمّد بن موسي الهمداني، وظاهر كلامه أنّه ارتضاه، ولا يخلو الكلامان من تهافت.

الأمر الثاني: الذي يظهر من جميع هذه الكلمات، أنّ الأساس في تضعيف

ص: 458

الرجل هو ابن الوليد، وقد تبعه علي ذلك الصدوق، وابن نوح وغيرهما، وهذا وإن كان يكفي في الحكم بضعفه، إلّاأنّه معارض بتوثيق ابن قولويه، حيث وقع الرجل في إسناد كامل الزيارات علي ما يأتي، ونتيجة ذلك، عدم الاعتداد برواية محمّد بن موسي الهمداني، فإنّه بعد تعارض التضعيف والتوثيق؛ يصبح مجهول الحال(1).2.

ص: 459


1- . معجم رجال الحديث ج 17 ص 282.

ص: 460

الفصل الثالث عشر التوثيق وقواعده

اشارة

يوجد هناك توثيقان: أحدهما التوثيق الخاصّ، والثاني: التوثيق العامّ.

والتوثيق الخاصّ (1) هو التوثيق الوارد في حقّ شخص، دون أن تكون هناك ضابطة خاصّة في البين. ويقابله التوثيق العامّ: وهو توثيق جماعة تحت ضابطة خاصّة وعنوان معيّن، والخاصّ يُثبَت بأُمور، هي:

الأوّل: نصّ أحد المعصومين عليهم السلام علي وثاقة الرجل،

فإنّ ذلك يثبت وثاقته قطعاً، ولكن يتوقّف علي ثبوته بالعلم الوجداني، وبرواية معتبرة، والأوّل غير متحقّق في زماننا.

فمثلاً: روي الكشّيّ بسند صحيح عن عليّ بن المسيّب قال: قلت للرضا عليه السلام: شقّتي بعيدة، ولستُ أصل إليك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال عليه السلام: «من زكريّا بن آدم القمّي، المأمون علي الدين والدنيا».

نعم، يجب أن يصل التوثيق بسند صحيح، ويترتّب عليه أمران:

ص: 461


1- . كلّيّات في علم الرجال ص 152، معجم رجال الحديث ج 1 ص 43، رجال الخاقاني، الخاتمة، دانش رجال الحديث ص 161 - باللغة الفارسيّة -، تنقيح المقال ج 1 ص 182، وجيزة في علم الرجال ص 25، بحوث في علم الرجال ص 22، الرعاية ص 204، نهاية الدراية ص 386، أصول علم الرجال ص 83، منتهي المقال ج 1 ص 50، أُصول الحديث ص 153.

الأوّل: لا يمكن الاستدلال علي وثاقة الراوي، برواية نفسه عن الإمام عليه السلام، وكان الإمام الخميني قدس سره يقول: إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس الراوي، فإنّ ذلك يثير سوء الظنّ به، حيث قام بنقل مدائحه وفضائله في الملإ الإسلامي.

الثاني: لا يمكن إثبات وثاقة الرجل بالرواية الضعيفة، فإنّ الرواية إذا لم تكن قابلة للاعتماد، كيف تثبت بها وثاقة الراوي؟!

وربّما يستدلّ علي صحّة الاستدلال بالخبر الضعيف، لإثبات وثاقة الراوي إذا تضمّن وثاقته، بادّعاء انسداد باب العلم في علم الرجال، فينتهي الأمر إلي العمل بالظنّ لا محالة، علي تقدير انسداد باب العلم إجماعاً، لكنّه مردود بوجهين:

الأوّل: باب العلم والعلميّ بالتوثيقات غير منسدّ لما ورد من التوثيقات الكثيرة من طرق الأعلام المتقدّمين، بل المتأخّرين، لو قلنا بكفاية توثيقاتهم، وفيها غنًي وكفاية للمستنبط، خصوصاً إذا قمنا بجمع القرائن والشواهد علي وثاقة الراوي، فإنّ كثرة القرائن توجب الاطمئنان العقلائي. الثاني: انسداد باب العلم والعلميّ في خصوص الأحكام الشرعيّة، هو المناط لحجيّة كلّ ظنّ (ومنه الظنّ الرجالي) وقع طريقاً إلي الأحكام الشرعيّة، أمّا إذا فرضنا باب العلم والعلميّ مفتوحاً في باب الأحكام، فلا يكون الظنّ الرجالي حجّة، وإن كان باب العلم والعلميّ فيه منسدّاً.

الثاني: نصّ أحد أعلام المتقدّمين:

إذا نصّ أحد أعلام المتقدّمين كالبرقي، والكشّيّ، وابن قولويه، والصدوق، والمفيد، والنجاشي، والشيخ، وأمثالهم علي وثاقة الرجل، يثبت به حال الرجل بلا كلام، ولكن، هل يكتفي بتوثيق واحد منهم أو يحتاج إلي توثيقين؟ وتحقيق المسألة موكول إلي محلّها في

ص: 462

الفقه، وخلاصة الكلام هو أنّ حجيّة خبر الثقة، هل يختصّ بالأحكام الشرعيّة، أو تعمّ الموضوعات أيضاً؟ فعلي القول الأوّل لا يصحّ الاعتماد علي توثيق واحد، بل يحتاج إلي ضمّ توثيق آخر. وعلي الثاني، يكتفي بالتوثيق الواحد، ويكون خبر الثقة حجّة في الأحكام والموضوعات. والمشهور هو الأوّل، والأقوي هو الثاني.

الثالث: نصّ أحد أعلام المتأخّرين عن الشيخ،

وذلك علي قسمين: قسم منه مستند إلي الحسّ، وقسم مستند إلي الحدس.

فالأوّل: كما في توثيقات الشيخ منتجب الدين، وابن شهر آشوب وغيرهما، فإنّهم لأجل قرب عصرهم لعصور الرواة، ووجود الكتب الرجاليّة المؤلّفة في العصور المتقدّمة بينهم، كانوا يعتمدون في التوثيقات والتضعيفات إلي السماع، أو الوجدان في الكتاب المعروف أو إلي الاستفاضة والاشتهار، ودونهما في الاعتماد ما ينقله ابن داود في رجاله والعلّامة في خلاصته، عن بعض علماء الرجال.

والثاني: كالتوثيقات الواردة في رجال من تأخّر عنهم، كالميرزا الإسترآبادي، والسيّد التفريشي، والأردبيلي، والقهبائي، والمجلسي، والبهبهاني وأضرابهم، فإنّ توثيقاتهم مبنيّة علي الحدس والاجتهاد، كما تفصح عنه كتبهم.

فلو قلنا بأنّ حجّيّة قول الرجالي من باب الشهادة، فلا تعتبر توثيقات المتأخّرين، لأنّ الشهادة تجب أن تكون مستندة إلي الحسّ، وأمّا إذا قلنا بأنّ الرجوع إليهم من باب الرجوع إلي أهل الخبرة، فإجمال الكلام فيه أنّه لا يشترط في الاعتماد علي قول أهل الخبرة أن يكون نظره مستنداً إلي الحسّ فإنّ قول

ص: 463

المقوّم حجّة في الخسارات وغيرها. وعلي ذلك فلو كان الرجوع إلي علماء الرجال من ذاك الباب، فالرجوع إلي أعلام المتأخّرين المتخصّصين في تمييز الثقة عن غيره بالطرق المفيدة للاطمئنان ممّا لا بأس به.

وهنا وجه ثالث في توثيقات المتأخّرين، وهو أنّ الحجّة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم عليه السلام لا خصوص خبر الثقة، وبينهما فرق واضح، إذ لو قلنا بأنّ الحجّة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل، وإن لم يكن نفس الخبر موثوقاً بالصدور، ولا ملازمة بين وثاقة الراوي، وكون الخبر موثوقاً بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة، ولكن القرائن والأمارات تشهد علي عدم صدور الخبر من الإمام عليه السلام، وأنّ الثقة قد التبس عليه الأمر، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأنّ المناط هو كون الخبر موثوق الصدور، إذ عندئذ تكون وثاقة الراوي من إحدي الأمارات علي كون الخبر موثوق الصدور، ولا تنحصر الحجيّة بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقة الراوي، ودلّت القرائن علي صدق الخبر وصحّته يجوز الأخذ به، وهذا القول غير بعيد بالنظر إلي سيرة العقلاء، فقد جرت سيرتهم علي الأخذ بالخبر الموثوق الصدور، وإن لم تحرز وثاقة المخبر، وعلي ذلك فيجوز الأخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه، ويوضّح هذا مفاد آية النبأ، فلاحظ قوله سبحانه: «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(1) فإنّ ظاهره أنّ المناط هو تبيّن الحال، وإن كان الراوي غير ثقة؛ وعلي هذا (أي حجّيّة الخبر الموثوق الصدور) يجوز الركون إلي توثيقات المتأخّرين المتخصّصين الماهرين في هذا الفنّ، خصوصاً إن انضمّ إليها ما يستخرجه المستنبط من6.

ص: 464


1- . الحجرات/ 6.

قرائن.

الرابع: دعوي الإجماع من قبل الأقدمين وممّا تثبت به الوثاقة،

أو حسن حال الراوي، أن يدّعي أحد من الأقدمين، الإجماع علي وثاقة الراوي إجماعاً منقولاً، وعلي ذلك يمكن الاعتماد علي الإجماع المنقول في حقّ إبراهيم بن هاشم، فقد ادّعي عليّ بن طاووس الحلّي الاتفاق علي وثاقته، فهذه تكشف عن توثيق بعض القدماء لا محالة، بل يمكن الاعتماد علي مثل تلك الإجماعات المنقولة حتّي إذا كانت في كلمات المتأخّرين.

الخامس: المدح الكاشف عن حسن الظاهر.

إنّ كثيراً من المدائح الواردة في لسان الرجاليّين يكشف عن حسن الظاهر؛ الكاشف عن ملكة العدالة، فإنّ استكشاف عدالة الراوي لا يختصّ بقولهم «ثقة أو عدل».

السادس: سعي المستنبط علي جمع القرائن.

إنّ سعي المستنبط علي جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان علي وثاقة الراوي أو خلافها، من أوثق الطرق وأسدّها، ولكن سلوك ذاك الطريق يتوقّف علي وجود قابليّات في السالك وصلاحيّات فيه، ألزمها التسلّط علي طبقاة الرواة، والإحاطة علي خصوصيّات الراوي، من حيث المشايخ والتلاميذ وكميّة رواياته من حيث القلّة والكثرة، ومدي ضبطه إلي غير ذلك من الأُمور التي لا تندرج تحت ضابط معيّن، ولكنّها تورث الاطمئنان(1).

وهنا مسألة وهي: هل يكفي تزكية العدل الواحد؟ فإنّ كثيراً من العلماء

ص: 465


1- . الفصول الغرويّة ص 303، قوانين الأصول المحكمة ص 485، مقباس الهداية ج 2 ص 140، بهجة الآمال ج 1 ص 151، الفوائد الرجاليّة ص 22، منتهي المقال ج 1 ص 50.

يعتبرون قول الرجالي من باب الشهادة، وعندئذ اختلفوا، في أنّه هل يكتفي في تزكية الراوي بشهادة العدل الواحد أو لا؟ علي قولين، الأوّل؛ هو المشهور بين أصحابنا المتأخّرين. والثاني قول جماعة من الأُصوليّين، منهم: المحقّق الحلّي والشيخ حسن العاملي؛ فقد استدلّ الثاني للقول الثاني في مقدّمة المنتقي: بأنّ اشتراط العدالة في الراوي يقتضي اعتبار العلم بها، وظاهر أنّ تزكية الواحد لا يفيده بمجرّدها، والاكتفاء بالعدلين مع عدم إفادتهما العلم، إنّما هو لقيامهما مقامه شرعاً، فلا يقاس تزكية الواحد عليه.

واستدلّ المتأخّرون بوجوهٍ، منها: أنّ التزكية شرط لقبول الرواية، فلا تزيد علي شروطها، وقد اكتفي في أصل الرواية بالواحد.

ولا يخفي أن الاستدلال أشبه شيء بالقياس، إذ من الممكن أن يكتفي في أصل الرواية بالواحد، ولا يكتفي في إحراز شرطها به.

منها: أنّ العلم بالعدالة متعذّر غالباً فلا يُناط التكليف به.

وفيه: أنّه ادّعاء محض مع كفاية العدلين عنه.

ولا يخفي أنّ استدلال صاحب المنتقي متين لو لم يكن هناك إطلاق في حجيّة الخبر الواحد في الموضوعات والأحكام، والظاهر وجود الإطلاق في حجيّة قول العادل، أو حجيّة خبر الثقة في الموارد كلّها؛ حكماً كان أو موضوعاً، من غير فرق بينهما إلّافي التسمية؛ حيث إنّ الأوّل يسمّي بالرواية، والثاني بالشهادة، فظاهر الروايات أنّ قول العدل أو الثقة، حجّة إلّافي مورد خرج بالدليل.

ويدلّ علي ما ذكرنا، أعني: حجيّة قول الشاهد الواحد في الموضوعات،

ص: 466

السيرة العقلانيّة القطعيّة، لأنّهم يعتمدون علي أخبار الآحاد فيما يرجع إلي معاشهم ومعادهم، وحيث لم يردع عنها في الشريعة المقدّسة، تكون ممضاة من قبل الشارع في الموضوعات والأحكام. نعم، لا يعتبر الشاهد الواحد في المرافعات، بل يجب تعدّده بضرورة الفقه، والنصوص الصحيحة. ويدلّ علي حجيّة قول الشاهد الواحد في الموضوعات، مضافاً إلي السيرة العقلائيّة التي هي أتقن الأدلّة، عدّة من الروايات، وهذه الروايات مع السيرة الرائجة بين العقلاء تشرف بالفقيه إلي الإذعان بحجيّة قول الثقة في الموضوعات، كحجيّته في الأحكام، إلّاما خرج بالدليل(1).

التوثيق العامّ

اشارة

إنّ من أهمّ أدواته التي يعتمد عليها هي مسألة أصحاب الإجماع، والبحث عن أصحاب الإجماع من أهمّ أبحاث علم الرجال والذي أشار إليه المحدّث النوري بقوله: إنّه من مهمّات هذا الفنّ، إذ علي بعض التقادير تدخل آلاف من الأحاديث الخارجة عن حريم الصحّة إلي حدودها، أو يجري عليها حكمها.

1. أصحاب الإجماع

اشارة

والأصل في ذلك ما نقله الكشّيّ في رجاله في مواضع ثلاثة:

1 - تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام: اجتمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، وأصحاب أبي عبداللّه عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن

ص: 467


1- . قوانين الأصول المحكمة ص 464، معالم الأصول ص 203، منتقي الجمان ج 1 ص 16، معجم رجال الحديث ج 1 ص 40، مشرق الشمسين ص 39.

خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي، وقالوا: أفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي، أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري.

2 - تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام: أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم، وهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسي وأبان بن عثمان، وقالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - وهو ثعلبة بن ميمون - أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام.

3 - تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، وأبي الحسن عليهما السلام: أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب. وقال بعضهم مكان فضالة بن أيّوب، عثمان بن عيسي.

وأفقه هؤلاء: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيي.

وعنوان أصحاب الإجماع اصطلاح جديد عنونه المتأخّرون، وقد لاحظت عبارة الكشّيّ بأنّ عددهم ثمانية عشر: ستّة من أصحاب أبي جعفر، وستّة من

ص: 468

أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه، وستّة من أصحاب أبي إبراهيم والرضا عليهم السلام(1).

من أصحابنا الإماميّة المتلقّين هذا الإجماع

1. أبو عمرو الكشّيّ، وهو في عهد الكليني، وتلميذ العيّاشي(2).

2. أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في اختيار معرفة الرجال وهو ظاهر كلامه في المقدّمة ويؤيّد هذا كلامه في العدّة التي ستأتي.

3. رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهر آشوب فقد أتي ما ذكره الكشّيّ في أحوال الطبقة الأُولي والثانية، وترك الثالثة.

4. العلّامة الحلّيّ، فقد أتي بعبارة الكشّيّ في خلاصة الرجال والمختلف(3).

5. ابن داود الحلّي - زميل العلّامة الحلّي - في رجاله فقد ذكر القاعدة بتمامها.

6. الشهيد الأوّل وقد استشهد بالقاعدة علي وثاقة الرواة في غاية المراد(4).

نعم، لم نجد لهذا الإجماع أثراً عند علماء القرن السابع، كالحسن بن أبي زهرة، ونجيب الدين ابن نما، وأحمد بن داود الحلّي، والمحقّق الحلّي، ويحيي ابن سعيد، وأحمد بن فهد الحلّي. وقد نقل هذا الشهيد الثاني في الدراية، ثمّ ردّه في الروضة البهيّة ومسالك الأفهام(5).

ص: 469


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 60، الطهارة للإمام الخميني ج 3 ص 242، كليّات في علم الرجال ص 163، وسائل الشيعة ج 20 ص 79، بهجة الآمال ج 1 ص 210، مفاتيح الأصول ص 374، أصول علم الرجال (داوري) ص 385، أوثق الوسائل ص 370، سماء المقال ج 2 ص 298.
2- . اختيار معرفة الرجال ص 206 و 322 و 461، دانش دراية الحديث ص 264 - باللغة الفارسيّة -، دانش رجال الحديث ص 221 - باللغة الفارسيّة -.
3- . مختلف الشيعة ج 2 ص 226، 562 و 564، خلاصة الرجال ص 106، المناقب ج 4 ص 211 وص 280، رجال ابن داود ص 209.
4- . غاية المراد ج 2 ص 41، البحر الزخّار ج 2 ص 114.
5- . الروضة البهيّة ج 6 ص 39.

وأمّا في القرون التي تلت هذا القرن فقد تلقّاه بالقبول عدّة من علماء القرن العاشر، والحادي عشر كالمحقّق الأردبيلي، والميرزا محمّد عليّ الإسترآبادي، والشيخ البهائي، والمحقّق الداماد، والمجلسيّ الأوّل، والطريحي، والسبزواري، والفيض الكاشاني.

وكما تلقّاه بالقبول الكثير من علماء القرن الثاني عشر منهم: العلّامة المجلسي الثاني، والأردبيلي.

إنّ هذا التلقّي بالقبول لا يزيد شيئاً. حيث إنّهم اعتمدوا علي الكشّيّ، ثمّ إنّ الشيخ والنجاشي لم يذكراه، ولو أنّ ذكر الشيخ لا يدلّ علي اختياره له(1).

الوجه في حجيّة الإجماع

إنّ ما نقله الكشّيّ إجماع منقول، وذهب بعض إلي حجّيّته بادّعاء شمول أدلّة حجيّة خبر الواحد له، واختار المحقّقون عدم حجيّتها وعلي رأسهم الشيخ الأعظم قائلاً: بإنّ أدلّة حجّيّة خبر الواحد تختصّ بما إذا نقل قول المعصوم عن حسّ لا عن حدسٍ، وناقل الإجماع ينقله حدساً لا حسّاً، وذلك من ناحيتين:

الأُولي: من ناحية السبب، وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الإمام عليه السلام ووجه كونه حدسيّاً لا حسيّاً، أنّ الجلّ لولا الكلّ يكتفون في إحراز السبب، باتفاق عدّة من الفقهاء، لا اتّفاق الكلّ، وينتقلون من اتفاق عدّة منهم إلي اتفاق الجميع.

الثانية: من ناحية المسبّب، وهو قول الإمام عليه السلام، فإنّهم يجعلون اتّفاق العلماء

ص: 470


1- . غاية المراد ج 2 ص 41، مجمع الرجال ج 1 ص 284، فرائد الأصول ج 1 ص 159، الطهارة ج 1 ص 83، خاتمة مستدرك الوسائل ج 7 ص 7، ملخّص المقال ج 1 ص 9، الرواشح السماويّة ص 55، وسائل الشيعة ج 20 ص 80، مستند الشيعة ج 1 ص 56، مشارق الشموس ص 231، الحواشي علي الروضة ص 148، مطالع الأنوار ج 1 ص 159، نهاية الدراية ج 6 ص 316.

دليلاً علي موافقة قولهم لقول الإمام عليه السلام حدساً لا حسّاً، مع أنّ الملازمة بين ذاك الاتّفاق، وقول الإمام غير موجودة، وعلي ذلك، فناقل الإجماع ينقل السبب (اتّفاق الكلّ) والمسبّب (قول الإمام) حدساً لا حسّاً، وهو خارج عن مورد أدلّة الحجّيّة.

وهناك إشكال آخر وهو أنّ الإجماع المنقول، لو قلنا بحجيّته، إنّما هو في الحكم الشرعي، لا علي الموضوع، ومتعلّق الإجماع علي موضوع ولوكان محصّلاً، ليس بحجّة، فضلاً عن المنقول.

والجواب عن الإشكال الأوّل مبنيّ علي تعيين المفاد من عبارة الكشّيّ في حقّ هؤلاء الثمانية عشر، فلو قلنا: بأنّ المراد منها هو تصديق هؤلاء الأعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم، كما هو المختار، فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلي اتّفاق الكلّ، حتّي يقال: إنّه أمر حدسيّ، بل يكفي توثيق شخص، أو شخصين، أو ثلاثة، وقف الكشّيّ عليه عن حسّ، وليس الاطّلاع علي هذا القدر أمراً عسيراً، حتّي يرمي الكشّي فيه إلي الحدس، بل من المقطوع أنّه وقف عليه، وعلي أزيد منه.

نعم، لو كان المراد من عبارة الكشّي هو اتّفاق العصابة علي صحّة رواية هؤلاء، بالمعني المصطلح عند القدماء اعتماداً علي القرائن الخارجيّة، فالإشكال باق بحاله، لأنّ العلم بالصحّة ليس أمراً محسوساً، حتّي تعمّه أدلّة حجيّة خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحّة، كلّها من قبيل الأُمور الحسيّة، وأنّ المسبّب - أي صحّة روايات هؤلاء - وإن كان حدسيّاً، ولكنّ أسبابه حسيّة، ولا يلزم في حجّيّة قول العادل كون المخبر به أمراً حسيّاً،

ص: 471

بل يكفي كون مقدّماته حسيّة، وذلك لأنّ القرائن المفيدة لصحّة أخبار هؤلاء ليست حسّيّة دائماً، وإنّما هي علي قسمين: محسوس، وغير محسوس، والغالب عليها هو الثاني. وقد حاول بعض الإجابة عنه بأنّ نقل الكشّيّ اتّفاق العصابة علي تصحيح مرويّات هؤلاء بالقرائن الدالّة علي صدق مفهومها أو صدورها، وإن لم يكن كافياً في إثبات الاتّفاق الحقيقي، لكنّه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم علي تصحيح مرويّات هؤلاء، ومن البعيد أن يكون مصدره ادّعاء واحدٍ أو اثنان من علماء الطائفة، لأنّ التساهل في دعوي الإجماع بين القدماء ممنوع جدّاً، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، إنّ اتّفاق جماعة علي صحّة روايات هؤلاء العدّة يورث الاطمئنان بها، والقرائن التي تدلّ علي الصحّة وإن كانت قسمين: حسيّ، واستنباطيّ، لكن لمّا كان النظر والاجتهاد في تلك الأيّام قليل، وكان الأساس في المسائل الفقهيّة، وما يتصل بها، هو الحسّ والمشهود، يمكن أن يقال:

باعتمادهم علي القرائن العامّة التي تورث الاطمئنان لكلّ من قامت عنده أيضاً، ككونه من كتاب عُرِض علي الإمام، أو وُجِدَ في أصل معتبر، أو تكرّر في الأُصول.

والحاصل؛ أنّه إذا ثبت ببركة نقل الكشّيّ، كون صحّة روايات هؤلاء أمراً مشهوراً بين الطائفة، يحصل الاطمئنان بها من اتّفاق مشاهيرهم، لكونهم بُعداء عن الاعتماد علي القرائن الحدسيّة، بل كانوا يعتمدون علي المحسوسات، أو الحدسيّات القريبة منها، لقلّة الاجتهاد في تلك الأعصار.

أقول: لو صحّت تلك المحاولة، لصحّت في ما ادّعاه الكليني من صحّة

ص: 472

رواياته، ومثله الصدوق، والشيخ، والاعتماد علي هذه التصحيحات، بحجّة أنّ النظر كان يوم ذاك قليلاً، مشكل جدّاً.

وأمّا الإشكال الثاني؛ فالإجابة عنه واضحة، لأنّه يكفي في شمول الأدلّة، كون المخبر ممّا يترتّب علي ثبوته أمر شرعيّ، ولا يجب أن يكون دائماً نفس الحكم الشرعي، فلو ثبت بإخبار الكشّيّ، اتّفاق الصحابة علي وثاقتهم، أو صحّة أخبارهم، لكفي ذلك في شمول أدلّة الحجيّة(1).

ما هو مفاد تصحيح ما يصحّ عنهم

إنّ الخلاف مبنيّ علي المراد من الموصول «ما» في «ما يصحّ» ما هو؟ فهل المراد الرواية والحكاية بالمعني المصدري، أو أنّ المراد المروي ونفس الحديث؟ وخلاصة المعنيينِ في جملتين: 1. المراد تصديق حكاياتهم، 2.

المراد تصديق مرويّاتهم. وبعبارة أُخري: هل تعلّق الإجماع علي تصحيح نفس الحكاية وأنّ ابن أبي عمير صادق في قوله، بأنّه حدّثه ابن أُذينة أو عبداللّه بن مسكان، أو تعلّق بتصحيح نفس الحديث والمروي، وأنّ الرواية صدرت عنهم عليهم السلام. وبعبارة أُخري: هل تعلّق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه ابن أُذينة، أو تعلّق بما يرويه مع الواسطة، أي نفس الحديث الذي يرويه عن الإمام بواسطة أُستاذه؛ والمعني الأوّل يلازم توثيق هؤلاء، ويدلّ عليه بالدلالة الالتزاميّة، فإنّ اتّفاق العصابة علي تصديق هؤلاء في حكاياتهم وتحدّثهم ملازم لكونهم ثقات، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء، لأجل تصديق العصابة حكاياتهم، ونقولهم عن مشايخهم.

ص: 473


1- . كليّات في علم الرجال ص 172، مفاتيح الأصول ص 497، فرائد الأصول ج 1 ص 142.

وأمّا المعني الثاني فله احتمالات:

1. صحّة نفس الحديث والرواية، وإن كانت مرسلة، أو مرويّة عن مجهول، أو ضعيف، لأجل كونها محفوفة بالقرائن.

2. صحّتها لأجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة، فتكون الصحّة نسبيّة لا مطلقة، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه، فيتّحد مع المعني الأوّل.

3. صحّتها لأجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم، حتّي يصل إلي الإمام عليه السلام، فعلي الاحتمال الثالث، تنسلّ مجموعة كبيرة من الرواة، ممّن لم يوثّقوا خصوصاً، في عداد الثقات، فإنّ لمحمّد بن أبي عمير مثلاً 645 حديثاً يرويها عن مشايخ عديدة.

ويظهر من رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه، والفيض الكاشاني، وأُستاذ الفنّ الملّا حسين التستري اختيار المعني الأوّل، وهو المختار عند بعضٍ، لوجوه:

1. إنّ الكشّيّ اكتفي في تسمية الطبقة الأُولي، بقوله: اجتمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأوّلين، من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبداللّه عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة، ولم يذكر في حقّهم غير تلك الجمل، فلو كان المراد من قوله «تصحيح ما يصحّ عن جماعة» إجماعهم علي تصديق مرويّاتهم (دون حكاياتهم)، كان عليه أن يذكر تلك العبارة في الستّة الأُولي، لأنّهم في الدرجة العالية بالنسبة إلي الطبقتين وهذا يعرب عن كون المقصود من التصحيح هو الحكم بصدقهم، وتصويب نفس نقلهم، وبالدلالة الالتزاميّة يدلّ علي وثاقتهم.

ص: 474

2. فهم عدّة من الأعلام؛ كابن شهر آشوب وابن داود ذلك المعني من العبارة.

3. إمعان النظر في ما يتبادر إلي الذهن من قوله «ما يصحّ عن هؤلاء»، فإذا قال الكليني: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا ابن أبي عمير، قال: حدّثنا ابن أُذينة، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام. فلو فرضنا وثاقة الأوّلين من السند كما هو كذلك، فإنّه يقال: صحّ عن ابن أبي عمير كذا، فيجب تصحيح نفس هذا لا غير، وبعبارة أُخري: يجب علينا إمعان النظر في أنّه ما هو الذي صحّ عن ابن أبي عمير، حتّي يتعلّق به التصحيح فهل هو حكاية كلّ واحد عن آخر؟ أو هو نفس الحديث ومتنه؟ لا سبيل إلي الثاني، لأنّ من صدّر به السند لا ينقل إلّاحكاية الثاني ولا ينقل نفس الحديث، وإنّما يكون ناقلاً لو نقله من الإمام بلا واسطة، ومثله من وقع في السند بعده، فإنّه لا ينقل إلّاحكاية الثالث له، فعندئذٍ ما صحّ عن ابن أبي عمير ليس نفس الحديث بل حكاية الأستاذ لتلميذه، وعليه يكون هذا بنفسه متعلّقاً للتصحيح، وأنّ ابن أبي عمير مصدّق في حكايته عن ابن أُذينة، وهو صادق في نقله عنه، وأمّا ثبوت نفس الحديث، فهو يحتاج إلي كون الناقل لابن أبي عمير صادقاً وثقة، وإلّا فلا يثبت.

واختاره السيّد الأُستاذ في الطهارة غير أنّ المحدّث النوري أورد عليه وجوهاً نذكر منها:

أ: إنّ هذا التفسير ركيك خصوصاً بالنسبة إلي هؤلاء الأعلام.

ب: إنّ أئمّة فنّ الحديث والدراية صرّحوا بأنّ الصحّة والضعف، والقوّة والحسن وغيرها من أوصاف متن الحديث، تعرضه باعتبار اختلاف حالات

ص: 475

السند، وقد يطلق علي السند مسامحة، فيقولون: في الصحيح عن ابن أبي عمير، وهو خروج عن الاصطلاح، فالمراد بالموصول في «ما يصحّ عنه» هو متن الحديث، لأنّه الذي يتّصف بالصحّة والضعف، ولكن الكلّ غير واضح:

أمّا الأوّل، فأيّ ركاكة في هذا القول: بأنّ العصابة اتّفقت علي وثاقة هؤلاء؟ ولو كان ركيكاً، فلِمَ ارتكبها نفس الكشّيّ في الطبقة الأُولي.

وأمّا الثاني فإنّ كلمة «تصديقهم» عطف تفسيري.

وأمّا الثالث فلأنّ الصحّة، سواء فسّرت بمعني التماميّة، أم بمعني الثبوت، يقع وصفاً للسند والمتن إذا كان في كلّ ملاك للتوصيف به، وليس للصحّة مصطلح خاصّ حتّي نخصّه بالمتن دون السند.

وأمّا تخصيص هؤلاء الثمانية عشر بالذكر دون غيرهم، مع أنّ هناك رواة اتّفقت كلمتهم علي وثاقتهم، فلأجل كونهم مراجع الفقه ومصادر علوم الأئمّة عليهم السلام، ولذلك أضاف علي قوله بتصديقهم، قوله: وانقادوا لهم بالفقه، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، فلم ينعقد الاتّفاق علي مجرّد وثاقتهم، بل علي فقاهتهم من بين تلاميذ الأئمّة عليهم السلام، علي أنّ الكشّيّ لم يعنونهم باسم: أصحاب الإجماع بل عنونهم ب: تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرين عليهما السلام... فالسؤال ساقط من رأسه.

وأمّا التخصيص بالستّة في كلّ طبقة فلأجل فقاهتهم اللّامعة التي لم تتحقّق في غيرهم. إلي هنا تبيّن صحّة المعني الأوّل وأنّه المتعيّن.

وأمّا المعني الثاني، فإنّ لها احتمالات ثلاثة: فالاحتمال الأوّل: هو الحكم بصحّة رواياتهم لأجل القرائن الداخليّة أو الخارجيّة، وبعبارة أُخري؛

ص: 476

المراد من: «تصحيح ما يصح» هو الحكم بصحّة روايات هؤلاء بالمعني المعروف عند القدماء، وهو الاطمئنان بصدق رواياتهم، من دون توثيق لمشايخهم، وهذا مبنيّ علي أنّ المراد من «الموصول» هو نفس المروي والحديث، فإذا صحّ المروي إلي هؤلاء فيحكم بصحّته، وإن كان السند مرسلاً، أو مشتملاً علي مجهول، أو ضعيف فيعمل به.

توضيح ذلك: أنّ الصحيح عند المتأخّرين من عصر العلّامة، أو عصر شيخه أحمد بن طاووس الحلّي وهو ما كان سنده متصلاً إلي المعصوم، بنقل الإمامي العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات، ولكن مصطلح القدماء فيه عبارة:

عمّا احتفّت به القرائن الداخليّة أو الخارجيّة الدالّة علي صدقه وإن اشتمل سنده علي ضعف.

وبعبارةٍ أُخري: أنّ الحديث في مصطلح القدماء كان ينقسم إلي قسمين:

صحيح، وغير صحيح، بخلافه في مصطلح المتأخّرين، فإنّه علي أقسام أربعة:

الصحيح، والموثّق، والحسن، والضعيف. نعم، إنّ من القرائن الدالّة علي صدق الخبر هو كون رواته ثُقاتٍ بالمعني الأعمّ، أي صادقين في النقل، ولكنّه إحدي القرائن لا القرينة المنحصرة، ثمّ لمّا اندرست تلك القرائن الخارجيّة عمد المأخّرون في تمييز المعتبر عن غيره إلي القرائن الداخلية، من المراجعة إلي أسناد الروايات، وعلي هذا، فمعني اتفاق العصابة علي تصحيح أحاديث هؤلاء، أنّهم وقفوا علي رواياتهم محفوفة بالقرائن الداخليّة، أو الخارجيّه الدالّة علي صدق الخبر وثبوته، وقد اختار هذا المعني المحقّق الداماد في رواشحه فقال:

ص: 477

أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم، والإقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة، وإن كانت روايتهم بإرسال، أو رفع، أو عمّن يسمّونه وهو ليس بمعروف الحال، ولمّة منهم في أنفسهم فاسدو العقيدة، غير مستقيمي المذهب - إلي أن قال: مراسيل هؤلاء ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلي من يسمّونه من غير المعروفين؛ معدودة عند الأصحاب من الصحاح، من غير اكتراث منهم لعدم صدق حدّ الصحيح علي ما قد علمته (من المتأخّرين) عليها، واختاره البهبهاني.

وأورد عليه المحدّث النوري: بأنّ ذاك التفسير مبنيّ علي تغاير الاصطلاحين في لفظ الصحيح، وأنّه في مصطلحهم الخبر المؤيّد بالقرائن الدالّة علي صدقه، وفي مصطلح المتأخّرين كون الراوي إماميّاً عدلاً ضابطاً، وهذا غير ثابت، بل الصحيح عند القدماء هو عند المتأخّرين، عدا كون الراوي إماميّاً، فيكفي كونه ثقة بالمعني الأعمّ، وما ذكره شيخنا البهائي في فاتحة مشرق الشمسين، أو صاحب المعالم في منتقي الجمان من أنّ المدار في توصيف الرواية بالصحّة هو الوثوق بالصدور؛ ولو من جهة القرائن، غير ثابتة، بل لنا أن نسألهما عن مأخذ هذه النسبة، فإنّا لم نجد ما يدلّ علي ذلك، بل هي علي خلاف ما نسباهما ومن تبعهما، بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالباً علي رواية الثقة، وإن كان غير إماميّ.

والحاصل أنّ الصحيح عند القدماء، نفسه عند المتأخّرين من كون الراوي ثقة، ولو كان هناك فرق بين المصطلحين، فإنّما هو في شرطيّة المذهب، فالمتأخّرون علي شرطيّته، ولزوم كون الراوي إماميّاً في اتّصاف الحديث

ص: 478

بالصحّة، والقدماء علي كفاية الوثاقة فقط.

أقول: الظاهر أنّ توصيف الخبر بالصحّة لأجل القرائن الداخليّة أو الخارجيّة أمر ثابت، أمّا الداخليّة كوثاقة رواته، فعليه المتأخّرون كلّهم، وأمّا القرائن الخارجيّة كموافقته لأدلّة العقل وما اقتضاه، ومطابقته لنصّ الكتاب، وموافقته للسنّة المقطوع بها من جهة التواتر، وموافقته لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة، وهذا نصّ من الشيخ الطوسي في العدّة في أُصول الفقه، علي أنّ الخبر يوصف بالصحّة من حيث المضمون، كما يتّصف بها ببعض القرائن الأُخري من حيث الصدور.

أمّا الاحتمالان: الثاني والثالث: الحكم بصحّة رواياتهم استناداً إلي وثاقتهم ووثاقة مشايخهم، فإنّهما يتشعّبان من المعني الثاني، وهو القول بأنّ المراد من الموصول «ما يصحّ» هو نفس الحديث ومتنه لكنّ الحكم بصحّة الحديث ليس لاقترانه بالقرائن الخارجيّة الدالّة علي صدق نفس الحديث، بل لوثاقة هذه الجماعة، ومن بعدهم، إلي أن ينتهي إلي المعصوم، وهذا الاحتمال يفترق عن المعني الأوّل، لأنّه يهدف إلي تصديقهم بالدلالة المطابقيّة، وإلي وثاقتهم بالدلالة الالتزاميّة، كما يفترق عن الاحتمال الأوّل للمعني الثاني، لأنّه يهدف إلي صحّة أحاديثهم - وإن اشتمل السند علي ضعف من بعدهم - لأجل القرائن، ولا تترتّب عليها ثمرة رجاليّة حتّي علي المعني الأوّل، لأنّ وثاقة هؤلاء التي دلّت العبارة عليها بالدلالة الالتزاميّة؛ ثابتة من غير طريق اتّفاق العصابة.

وأمّا علي هذا الاحتمال (الاحتمال الثاني للمعني الثاني) فيترتّب علي ثبوته ثمرة رجاليّة، وهو التعديل الخاصّ لمشايخ هؤلاء، إلي أن ينتهي إلي الإمام،

ص: 479

فتدخل في عداد الثقات مجموعة كبيرة من المجاهيل والضعاف، فإنّ الستّة الأُول وإن كانوا يروون عن الصادقين عليهما السلام بلا واسطة غالباً، لكنّهم يروون عن غيرهما معاً بكثير أيضاً، كما أنّ الطبقتين ترويان عنهما مع الواسطة بكثير، فلاحظ طبقات المشايخ، تجد لهم مشايخ كثيرة.

وهذا الاحتمال هو مختار المحدّث النوري بعد الإذعان بأنّ المراد من الموصول هو الحديث والمروي، لا الحكاية والرواية، وأنّ الصحّة وصف لمتن الحديث لا لسنده. واستدلّ علي مختاره بوجوه ثلاثة:

الأوّل: إنّ إحراز صحّة الأحاديث عن طريق القرائن الخارجيّة، أمر محال عادة، فلا بدّ أن يستند ذلك الإحراز إلي القرائن الداخليّة، وليست هي إلّاوثاقة هؤلاء، ووثاقة من يروون عنه، لأنّ القرائن التي تشهد علي صدق الخبر إمّا داخليّة كوثاقة الرواة، أو خارجيّة كوجود الخبر في كتاب عرض علي الإمام، أو في أصل معتبر، ولكن التصحيح في المقام يجب أن يكون مستنداً إلي الجهة الأولي لا الثانية، لأنّ العلم بوثاقة هؤلاء، وأنّهم لا يروون إلّاعن ثقة أمر سهل، وأمّا الحكم بصحّة رواياتهم من جهة القرائن الخارجيّة فأمر قريب من المحال، لأنّ العصابة حكموا بصحّة كلّ ما صحّ عن هؤلاء، من غير تخصيص بكتاب، أو أصل، أو أحاديث معيّنة. وبالجملة حكموا بتصحيح الكلّ.

وبعبارة أُخري: إنّه يمكن إحراز ديدن جماعة خاصّة والتزامهم بعدم الرواية، إلّا عن ثقة، فإذا صحّ الخبر إلي هؤلاء، يمكن الحكم بالصحّة، لوثاقة من يروون عنه، لأجل الالتزام المحرز. وأمّا إحراز كون عامّة أخبارهم مقرونة بالقرائن، حتّي يصحّ الحكم بصحّة أخبارهم من هذه الجهة، فإحراز تلك القرائن مع كثرة

ص: 480

رواياتهم وتشتّتها في مختلف الأبواب والكتب، محال عادة.

ولا يخفي ما فيه:

أمّا أوّلاً: فلأنّ معناه؛ أنّ هؤلاء كانوا ملزمين بنقل الروايات التي روتها الثقات لهم، وكان يحترزون عن نقل الروايات إذا روتها الضعاف.

وعلي هذا يجب أن يتحرّزوا عن نقل الروايات المتواترة أو المستفيضة، إذا رواتها ضعافاً، وهذا ممّا لا يمكن المساعدة معه، إذ لا وجه لترك الرواية المتواترة أو المستفيضة، وإن كان رواتها ضعافاً أو مجاهيل، إذ لا تشترط الوثاقة فيهما فبطل القول بأنّهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات التي ترويها الثقات فقط، وعلي هذا فكيف يمكن الحكم بوثاقة عامّة مشايخهم، بمجرّد الرواية عنهم، من أنّهم رووا عن الضعاف فيما إذا كانت الرواية متواترة أو مستفيضة، ولا يمكن تفكيك المتواتر والمستفيض في أيّامنا هذه حتّي يقال: إنّ الكلام في أخبار الآحاد التي نقولها لا غير، فإنّ الكلّ يتجلّي بشكل واحد.

وثانياً: كما أنّ حصر وجه الصحّة بالقرائن الخارجيّة بعيد، كذلك حصر وجهها بالقرائن الداخليّة التي منها وثاقة الراوي بعيد مثله، والقول المتوسّط هو الأدقّ، وهو أنّهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات الصحيحة الثابت صدورها عن الإمام، إمّا من جهة القرائن الداخليّة أو الخارجيّة، وعندئذٍ لا يمكن الحكم بوثاقة مشايخهم، أعني الذين رووا عنهم إلي أن ينتهي إلي الإمام، لعدم التزامهم بخصوص وثاقة الراوي، بل كانوا يستندون إلي الأعمّ منها، ومن القرائن المورثة للاطمئنان بالصدور، واستبعاد النوري إنّما يتّجه لو قلنا باقتصارهم بما دلّت القرائن الخارجيّة علي صحّتها.

ص: 481

وثالثاً: لو كان المراد هو توثيقهم، وتوثيق من بعدهم، لكان عليه أن يقول:

أجمعت العصابة علي وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء، أو نحو ذلك من العبارات حتّي لا يشتبه المراد، فما الداعي إلي ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود.

ورابعاً: فإنّ اطّلاع العصابة علي جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومعها بعيد في الغاية، لعدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار بنحو يصل الكلّ إلي الكلّ.

الوجه الثاني: قال الشيخ في العدّة: وإذا كان أحد الراويين مسنداً، والآخر مرسلاً، نُظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره علي خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاممّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم(1)، فإنّ مراده من الثقات الذين... إلخ أصحاب الإجماع المعهودون، إذ ليس في جميع الثقات جماعة معروفون بصفة خاصّة، مشتركون فيها، ممتازون بها عن غيرهم، غير هؤلاء، ومنه يظهر أن ما اشتهر من أنّ الشيخ ادّعي الإجماع علي أنّ ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي خاصّة لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة، وشاع في الكتب، حتّي صار من مناقب الثلاثة، وعُدّ من فضائلهم؛ خطأ محض، منشؤه عدم الرجوع إلي العدّة الصريحة في أنّ هذا من فضائل جماعة،4.

ص: 482


1- . العدّة في أُصول الفقه ج 1 ص 154.

وذكر الثلاثة من باب المثال.

أقول: إنّ الاستدلال بعبارة العدّة علي أنّ المراد من عبارة الكشّي هو توثيق رجال السند بعد أصحاب الإجماع، غير تامّ، إذ المراد، ظاهراً من قوله:

«وغيرهم»، هو الجماعة المعروفة بين الأصحاب بأنّهم لا يروون إلّاعن ثقة، وهم: أحمد بن محمّد بن عيسي، جعفر بن بشير البجلي، محمّد بن إسماعيل ابن ميمون الزعفراني، عليّ بن الحسن الطاطري، بنو فضّال كلّهم «علي قول» ولا نظر لها إلي الفقهاء المعروفين من أصحاب الأئمّة الأربعة.

ص: 483

مهملاً، بحجّة أنّه من مشايخ أصحاب الإجماع، ممّا لا دليل عليه.

تفصيل العلّامة الشفتي(1): قد عرفت أنّ الكشيّ ذكر اتّفاق العصابة علي هؤلاء في مواطن ثلاثة، وعرفت المحتملات المختلفة حول عبارته المردّدة بين كون المراد: 1. تصديق هؤلاء فيما ينقلون. 2. تصحيح صدور رواياتهم من المعصوم لأجل القرائن الداخلية أو الخارجيّة. 3. أو توثيق مشايخهم إلي أن ينتهي السند، وعلي كلّ تقدير، المراد من العبارة في المواضع الثلاثة واحد.

ولكنّ يظهر من المحقّق الشفتي بين العبارات فقال: المراد من الأُولي، هو تصحيح الحديث، ومن الأخيرتين توثيقهم وتوثيق مشايخهم إلي آخر السند، ولذلك اكتفي في أُولي العبارات بذكر التصديق من دون إضافة قول «تصحيح ما يصحّ» دون الأخيرتين، وإنّما فعل ذلك لأنّ الطبقة الأُولي يروون عن الإمام بلا واسطة، وهذا خلاف الواقعين في الثانية والثالثة، فهم يروون بلا واسطة ومعها.

والحاصل؛ أنّ التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الأئمّة عليهم السلام من غير واسطة، والتصحيح إذا كانت معها، ولا يخفي أنّه تفسير ذوقيّ لا يعتمد علي دليل، بل الدليل علي خلافه، وفيه:

أوّلاً: أنّ ما ذكره من أنّ رواية الطبقة الأُولي كانت عن الإمام بلا واسطة غالباً غير تامّ، يُعرَف بعد الوقوف علي مشايخهم في الحديث من أصحاب الأئمّة المتقدّمين، كالسجّاد ومن قبله، وهذا زرارة يروي عمّا يقرب من أربعة عشر شيخاً، ومحمّد بن مسلم يروي عن ستّة مشايخ، وبريد بن معاوية يروي عنة.

ص: 484


1- . السيّد محمّد باقر الشفتي المتوفّي سنة 1260 ق، الفقيه الرجالي شيخ الإسلام في أصفهان، والمعروف بحجّة الإسلام، صاحب مطالع الأنوار شرح شرائع الإسلام، والرجالي الخرّيت وله رسائل رجاليّة.

شيخ واحد، والفضيل بن يسار، ومعروف بن خرّبوذ يرويان عن شيخين.

وثانياً: لو كان المراد ما ذكره، لوجب التصريح بذلك، فإنّه ليس أمراً ظاهراً متبادراً من العبارة، والظاهر في الجميع تصديقهم فيما يقولون ويحكون.

الوجه الثالث: إنّ جماعة من الرواة وُصفوا في كتب الرجال بصحّة الحديث، كإبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي «ثقة صحيح الحديث» وأبو عبداللّه أحمد ابن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار وغيرهم، من الجماعة الذين اشتهروا في كتب الرجال بصحّة الحديث، ولا يمكن الحكم بصحّة حديث راوٍ علي الإطلاق، إلّامن جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلي المعصوم، واحتمال كونه من جهة القرائن فاسد، ولا فرق بينهم وبين أصحاب الإجماع، إلّامن جهة الإجماع في هؤلاء دونهم.

أقول: أمّا دلالة لفظة «صحيح الحديث» علي وثاقة نفس هؤلاء فممّا لا ريب فيه، أضِف إلي ذلك أنّه غير محتاج إليه، لوجود لفظ «ثقة» في ترجمتهم، إنّما الكلام في دلالته علي وثاقة مشايخهم، سواء كانت بلا واسطة أو معها. وقد اختار المحدّث النوري دلالتها علي وثاقة المشايخ عامّة، ولكن إنّما يتمّ ما استظهره من قولهم: «صحيح الحديث» إذا لم تكن قرينة علي كون المراد صحّة أحاديث كتبه، لا وثاقة مشايخه، كما ورد في الحسين بن عبيداللّه السعدي: له كتب صحيحة الحديث»، فلابدّ من الحمل علي الموجود في الكتاب ومثله إذا قال: كان ثقة الحديث إلّاأنّه يروي عن الضعفاء، كما ورد في أبي الحسن الأسدي، إضافة إلي ذلك. ولا يخفي أنّه لو ثبت ما يدّعيه ذلك المحدّث، لزم تعديل كثير من المهملين والمجهولين، فتبلغ عدد المعدّلين بهذه الطريقة إلي

ص: 485

مبلغ كبير، والاعتماد علي ذلك مشكل جدّاً، أمّا أوّلاً:

فلأنّ صحّة الحديث كما تحرز عن طريق وثاقة الراوي، تحرز عن طريق القرائن الخارجيّة، فالقول: بأنّ إحراز صحّة أحاديث هؤلاء كانت مستندة إلي وثاقة مشايخهم فقط، ليس له وجه، كالقول بأن إحرازها كان مستنداً إلي القرائن.

وثانياً: إنّ أقصي ما يمكن أن يقال ما أفاده بعض الأجلّة من التفصيل بين الإكثار عن شيخ وعدمه، فإذا كثر نقل الثقة عن رجل، ووصف أحاديث ذلك بالصحّة، يستكشف كون الإحراز مستنداً إلي وثاقة الشيخ.

وهذا كلّه لو قلنا: بأنّ الصحّة من أوصاف المتن والمضمون، وإلّا فمن الممكن القول: بأنّها من أوصاف نفس النقل والتحدّث والحكاية، وأنّ المقصود منها أنّه صدوق في النقل، وصادق في الحكاية في كلّ ما يحكيه.

ثمّ إنّ الذي يدفع الاحتمال الثاني للمعني الثاني، رواية أصحاب الإجماع عن الضعفاء المطعونين، ومعها كيف يمكن القول: بأنّهم لا يروون إلّاعن الثقة، وسيوافيك بعض القول في ذلك عند الكلام في أنّ ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة(1).

2. مشايخ الثقات

اشارة

من التوثيق العامّ ما اشتهر بين الأصحاب، مثل أنّ محمّد بن أبي عمير

ص: 486


1- . الرسائل الرجاليّة (شفتي) ص 30، الرواشح السماويّة ص 45، طرائف المقال ج 2 ص 345، كليّات في علم الرجال ص 163، عدّه الرجال ج 1 ص 189، الفوائد الرجاليّة (حسيني صدر) ص 50، الرسائل الرجاليّة (كلباسي) ج 2 ص 12.

وصفوان بن يحيي وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، فيترتّب علي ذلك أمران:

1. إنّ كلّ من روي عنه هؤلاء فهو محكوم بالوثاقة.

2. إنّه يؤخذ بمراسيلهم كما يؤخذ بمسانيدهم؛ وإن كانت الواسطة مجهولة، أو مهملة، أو محذوفة.

والأوّل تترتّب عليه نتيجة رجاليّة، والثاني أُصوليّة، والأصل في ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي في العُدّة حيث قال: وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً، نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره علي خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عُرِفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم، فأمّا إذا لم يكن كذلك ويكون ممّن يرسل عن ثقة، وعن غير ثقة؛ فإنّه يقدّم خبر غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقّف في خبره إلي أن يدلّ دليل علي وجوب العمل به، غير أن تحقيق الحال يتوقّف علي البحث عن هذه الشخصيّات الثلاث واحداً بعد واحدٍ، وإليك البيان(1).

1. محمّد بن أبي عمير
اشارة

وتارة يعبّر عنه بابن أبي عمير، وهو كما قال النجاشي: لقي أبا الحسن موسي عليه السلام وسمع عنه أحاديث، وروي عن الرضا عليه السلام، جليل القدر، عظيم

ص: 487


1- . العدة في أصول الفقه ج 2 ص 154، ذكري الشيعة ج 1 ص 45.

المنزلة فينا وعند المخالفين، وكان حبس في أيّام الرشيد، فقيل: ليَلِي القضاء، وقيل: إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتاره، وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر، فهلكت، فحدّث من حفظ، وممّا كان سلف له في أيدي الناس، ولهذا أصحابنا يسكنون إلي مراسيله(1).

2. إنّ شهادة الشيخ علي التسوية لا تقصر عن شهادة الكشّيّ علي إجماع العصابة، علي تصحيح ما يصحّ عن جماعة، فلو كانت الشهادة الثانية مأخوذاً بها، فالأولي مثلها في الحجّية، وليس التزام هؤلاء بالنقل أمراً غريباً إذ لهم نظراء بين الأصحاب الذين اشتهروا بعدم النقل إلّاعن الثقة، وأمّا اطّلاع الشيخ علي هذه التسوية، فلأنّه كان رجلاً بصيراً بأحوال الرواة وحالات المشايخ، ويدلّ عليه قوله في العُدّة: إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، فوثّقت الثقات منهم، وضعّفوا الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد علي حديثه، ومن لا يعتمد علي خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم، وقالوا:

فلان متّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مخلط، وفلان واقفيّ، وفلان فطحيّ.

وهذه العبارة ونظائرها، تعرب عن تبحّر الشيخ في معرفة الرواة، وسعة اطّلاعه في ذلك المضمار، فلا غرو في أن يتفرّد بمثل هذه التسوية. وعلي هذا فقد اطّلع الشيخ علي نظريّة مجموعة كبيرة من علماء الطائفة وفقهائهم في مورد هؤلاء الثلاثة، وأنّهم كانوا يسوّون بين مسانيدهم ومراسيلهم، وهذا يكفي في).

ص: 488


1- . رجال النجاشي ص 887/326، الطهارة ج 3 ص 249 (الإمام الخميني).

الحجيّة، ومفادها توثيق جميع مشايخ هؤلاء، نعم نجد التصريح بالتسوية من علماء القرن السابع إلي هذه الأعصار.

فعن السيّد عليّ بن طاووس الحلّي في فلاح السائل بعد نقل حديثٍ عن أمالي الصدوق، بسند ينتهي إلي محمّد بن أبي عمير، عمّن سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «ما أحبّ اللّه من عصاه...»: رواة الحديث ثقات بالاتّفاق، ومراسيل محمّد بن أبي عمير كالمسانيد عند أهل الوفاق(1).

وهناك ثلّة من العلماء لم يأخذوا بهذه التسوية، ولم يقولوا بحجيّة مراسيله، منهم: الشيخ الطوسي، فقال بعد حديث: مرسل غير مسند. ولكن ما ذكره في العدّة هو الذي ركن إليه في أُخريات حياته وكأنّه عدل عمّا ذكره في التهذيب والاستبصار.

ومنهم المحقّق الحلّي في المعتبر، والسيّد أحمد بن طاووس الحلّي والشهيد الثاني وولده الشيخ حسن العاملي صاحب المعالم وسبطه السيّد محمّد الموسوي صاحب المدارك وسبطه الآخر الشيخ محمّد العاملي صاحب استقصاء الاعتبار(2).

3. هل المراد من قوله: فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة موثوق به9.

ص: 489


1- . فلاح السائل ص 284، مختلف الشيعة ج 2 ص 379، وج 4 ص 64 وج 3 ص 269، كلّيات في علم الرجال ص 211، مشرق الشمسين ص 449، مشارق الشموس ص 48، مسالك الأفهام (فاضل جواد) ج 1 ص 162، مرآة العقول ج 14 ص 34، وسائل الشيعة ج 20 ص 88، منهج المقال ص 25.
2- . المهذّب البارع ج 1 ص 81، كشف الرموز ج 1 ص 48، المعتبر ج 1 ص 47 و 165، مجمع الفائدة والبرهان ج 1 ص 124، زبدة البيان ص 595، إيضاح الفوائد ج 4 ص 435، الرعاية ص 95 (طبع مكتب الإعلام الإسلامي)، الروضة البهيّة ج 5 ص 383 و 384، مسالك الأفهام ج 9 ص 236، نهاية المرام ج 1 ص 424 وج 2 ص 93، جامع المقاصد ج 13 ص 269.

فلا ترجيح لخبر غيره علي خبره، هو الإنسان الموثوق به، سواء كان إماميّاً أم غيره؟ أو خصوص العدل الإمامي، توضيحه؛ أنّه قد تطلق الثقة ويراد منها الصدوق لساناً، وإن كان عاصياً بالجوارح، وهذا هو الظاهر عند التوصيف بأنّه ثقة في الحديث، وقد تطلق ويراد منها المتحرّز عن المعاصي كلّها، ومنها:

الكذب، سواء كان إماميّاً أم غيره، والوثاقة بهذا المعني في الراوي، توجب كون خبره موثّقاً لا صحيحاً.

وقد طلق ويراد ذاك المعني بإضافة كونه صحيح المذهب، أي كونه إماميّاً.

واستظهر بعض الأجلّة أنّ مراد الشيخ هو المعني الأخير، وعلي ذلك فهؤلاء الأقطاب الثلاثة كانوا ملتزمين بأن لا يروون إلّاعن الثقة بالمعني الأخص، فلو وجدنا مورداً من مسانيد هؤلاء رووا فيه عن ضعيف في الحديث أو صدوق ولكن مخالف في المذهب، تكون القاعدة منقوضة، ولا يخفي أنّ ما استنبطه من كلام الشيخ مبنيّ علي ثبوت أحد أمرين:

أ - أن يكون الثقة في مصطلح القدماء من يكون صدوقاً إماميّاً، أو عدلاً إماميّاً، بحيث يكون للاعتقاد بالمذهب الحقّ دخالة في مفهومها حتّي يحمل عليه قوله: لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به.

ب - أن يكون مذهبه في حجيّة خبر الواحد هو نفس مذهب القدماء، بأن يكون المقتضي في خبر المخالف ناقصاً غير تامّ، وفي ثبوت كلا الأمرين نظر:

أمّا الأوّل: فلا ريب في إفادتها المدح التامّ، وكون المتّصف بها معتمداً ضابطاً، وأمّا دلالتها علي كونه إماميّاً فغير ظاهر، إلّاإذا اقترنت بالقرائن، كما إذا كان بناء المؤلّف علي ترجمة أهل الحقّ من الرواة، وذكر غيره علي وجه

ص: 490

الاستطراد، كما هو الحال في رجال النجاشي. وأمّا دلالتها علي كون الراوي إماميّاً علي وجه الإطلاق، فهي غير ثابتة، إذ ليس للثقة إلّامعنًي واحداً، وهو مَن يوثق به في العمل الذي نريده منه، وعلي ذلك يصير هذا ولم يعلم كون الثقة في كلام القدماء الذين يحكي عنهم الشيخ قوله: سوّت الطائفة... فإنّ تفسير: عمّن يوثق به؛ بالإمامي الصدوق، أو الإمامي العادل يحتاج إلي قرينة دالّة عليه.

وأمّا الثاني: فإنّ ما أفاده الشيخ من التفصيل في أخبار غير الإماميّ إنّما هو مختار نفسه، لا خيرة الأصحاب جميعاً، فلا تطمئنّ النفس بأنّ ما اختاره هو نفس مختار قدماء الأصحاب. وعلي ذلك فلا يكون مختاره في حجيّة خبر الواحد، قرينة علي أنّ المراد من الثقة في قولهم: لأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة؛ هو الثقة بالمعني الأخصّ، إلّاإذا ثبت أنّ خيرته وخيرة الأصحاب في حجيّة خبر الواحد سواسية، وعلي ذلك فينحصر النقض بما إذا ثبت رواية هؤلاء عن الضعيف في الرواية، لا في المذهب والاعتقاد، ولا أقلّ يكون ذلك هو المتيقّن من التسوية الواردة في كلام الأصحاب، وبذلك يسقط النقض بكثير ممّن روي عنه ابن أبي عمير، وقد رموا بالناووسيّة، أو الوقف، أو الفطحيّة والعامّيّة. وفي الجملة فروايته عن هؤلاء لأجل كونهم من الواقفة والفطحيّة، أو العامّة لا تعدّ نقضاً إذا كانوا ثقات في الروايات، وإنّما تعدّ نقضاً إن كانوا ضعافاً في نقل الحديث.

4. قد ناقش الشهيد الثاني(1) هذه التسوية وقد صبّ صاحب معجم الرجال3.

ص: 491


1- . الرعاية ص 95، مسالك الأفهام ج 9 ص 236، الروضة البهيّة ج 5 ص 383، معجم رجال الحديث ج 1 المقدّمة، نهاية المرام ج 1 ص 424 وج 2 ص 93.

ما ذكره الشهيد، وما أضاف إليه، في قوالب خاصّة، فقال: إنّ هذه التسوية لا تتمّ بوجوه:

أوّلاً: لو كانت التسوية صحيحة، لذكرت في كلام أحد من القدماء، فمن المطمئنّ به أنّ منشأ هذه الدعوي هو دعوي الكشّيّ الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وقد مرّ أنّ مفاده ليس توثيق مشايخهم، ويؤكّد ما ذكرناه أنّ الشيخ لم يخصّ ما ذكره بالثلاثة المذكورين، بل عمّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون إلّاعمّن يوثق به، وقد ردّ الشيخ مرسلات ابن أبي عمير، وهو دليل علي أنّ نسبة التسوية إلي الأصحاب مبتنية علي اجتهاده.

وفيه: إنّ قوله: لو كانت أمراً متسالماً عليه لذكرت في كلام أحد من القدماء، وإن كان صحيحاً، إلّاأنّ ما رتّب عليه من قوله: وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر، غير ثابت، لأنّه إنّما تصحّ تلك الدعوي لو وصل إلينا شيء من كتبهم الرجاليّة، والمفروض أنّه لم يصل إلينا سوي كتاب الكشّيّ الذي هو أيضاً ليس أصل الكتاب، وعندئذٍ كيف يصحّ لنا أن نقول: وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر؟

من الممكن أن الشيخ استنبطها من الكتب الفقهيّة غير الواصلة إلينا لأنّهم عاملوا مراسيلهم معاملة المسانيد عند عدم التعارض ومعاملة المعارض مقابل الخبر المخالف، وما ذكره من «أنّ الشيخ لم يخصّه بالثلاثة المذكورين بل عمّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون إلّاعمّن يوثق به» ومن المعلوم أنّه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوي الكشّيّ الإجماع علي التصحيح غير تامّ أيضاً، فإنّ الظاهر أنّ مراده من «وغيرهم من الثقات» هم المعروفون بأنّهم لا

ص: 492

يروون إلّاعنهم، والمتتبّع في المعاجم الرجاليّة يقف علي عدّة كان ديدنهم عدم النقل إلّاعن الثقات، ولأجل ذلك كانوا يعدّون النقل عن الضعفاء ضعفاً في الراوي ويقولون: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ثقة، إلّاأنّه يروي عن الضعفاء. وهذا يكشف عن تجنّب عدّة من الأعاظم عن هذا، ومعه كيف يصحّ أن يدّعي: لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوي الكشّيّ.

وأمّا مخالفة الشيخ نفسه في موارد من التهذيب والاستبصار فإنّه ألّف جامعيه في أوائل شبابه، ولم يكن عند ذاك واقفاً علي سيرة الأصحاب في مراسيل هؤلاء، فلذلك ردّ مراسيلهم بحجة الإرسال، وألّف العدّة في أيّام السيّد المرتضي وهو في تلك الأيّام يتجاوز الخمسين سنّة، وقد خالط الفقه والرجال لحمه ودمه.

وثانياً: لو فرضنا أنّ التسوية ثابتة، لكن من المظنون قويّاً أنّ منشأ ذلك هو بناء العامل علي حجيّة خبر كلّ إماميّ لم يظهر منه فسق، وعدم اعتبار الوثاقة فيه، كما نسب إلي القدماء، واختاره العلّامة علي ما سيأتي في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبداللّه، وعليه فلا أثر لهذه التسوية بالنسبة إلي من يعتبر الوثاقة.

وفيه: أنّ نسبة العمل بخبر كلّ إماميّ لم يظهر منه فسق إلي قدماء الإماميّة تخالف ما ذكره عنهم الشيخ في العدّة، وهو أبصر بآرائهم حيث قال في ضمن استدلاله علي حجّيّة الأخبار التي رواها الأصحاب في تصانيفهم: إنّ واحداً منهم إذا أفتي بشيء لا يعرفونه سألوه: من أين قلت هذا، فإذا أحالهم علي كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا، وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله وهذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبيّ صلي الله عليه و آله ومن بعده من

ص: 493

الأئمّة عليهم السلام.

تري أنّه يقيّد عملهم وقبولهم الرواية يكون راويه ثقة والقول بحجيّة كلّ خبر يرويه إماميّ لم يظهر فسقه، أشبه بقول الحشويّة، ولو كان ذلك مذهب القدامي من الإماميّة لما صحّ للمرتضي ادّعاء الاتفاق علي عدم حجّيّة خبر الواحد، ولو كان بناء القدماء علي أصالة العدالة في كلّ من لم يعلم حاله فلا معني لتقسيم الرواة إلي الثقة والضعيف، والمجهول، بل كان عليهم أن يوثّقوا كلّ من لم يثبت ضعفه، وأمّا ما نقل عن العلّامة في حقّ أحمد بن إسماعيل، فالأقوي قبول روايته، مع سلامتها من المعارض. فيحتمل أن يكون اعتماده عليه لأجل ما قاله النجاشي: له عدّة كتب لم يصنّف مثلها...، وما قاله الشيخ: كان من أهل الفضل... وهذه الجمل تعرب عن أنّه كان من مشاهير علماء الشيعة الإماميّة.

وثالثاً: إنّ إثبات أنّ هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة، دونه خرط القتاد، فإنّ الطريق إليه إمّا تصريح نفس الراوي بأنّه لا يروي ولا يرسل إلّاعنه، أو التتبّع في مسانيدهم ومشايخهم وعدم العثور علي رواية هؤلاء عن ضعف.

أمّا الأول؛ فلم ينسب إلي أحد من هؤلاء إخباره وتصريحه بذلك. وأمّا الثاني؛ فغايته عدم الوجدان، وهو لا يدلّ علي عدم الوجود، علي أنّه لو تمّ فإنّما يتمّ في المسانيد دون المراسيل، فإنّ ابن أبي عمير غاب عنه أسماء من روي عنهم فكيف يمكن للغير أن يطّلع عليهم ويعرف وثاقتهم.

وفيه: إنّا نختار الشقّ الأوّل لأنّهم صرّحوا بذلك، ووقف عليه تلاميذهم والرواة عنهم، ووقف النجاشي والشيخ عن طريقهم عليه، وعدم وقوفنا عليه بعد ضياع كثير من كتب الأصحاب أشبه بالاستدلال بعدم الوجدان علي عدم

ص: 494

الوجود، كما أنّ من الممكن أن يقف عليه الشيخ من خلال الكتب الفتوائِيّة من معاملة الأصحاب مع مراسيلهم معاملة المسانيد وعدم التفريق بينهما قيد شعرة.

ولنا أن نختار الشقّ الثاني؛ وهو التتبّع في المسانيد، لأنّا إذا تتبّعنا مسانيد هؤلاء ولم نجد لهم شيخاً ضعيفاً في الحديث، نطمئنّ بأنّ ذلك ليس إلّامن جهة التزامهم بعدم الرواية إلّاعن ثقة، ولو ثبت ذلك لما كان هناك فرق بين المراسيل والمسانيد، واحتمال وجود الضعيف في المراسيل دون المسانيد احتمال ضعيف، فعلي هذا لا تتمّ الإشكالات الثلاثة علي القاعدة.

نقض القاعدة بالنقل عن الضعاف

ذكر صاحب المعجم السيّد الخوئي، والإمام الخميني(1) من مشايخه الضعاف أربعة، وهم: عليّ بن أبي حمزة البطائني، يونس بن ظبيان، عليّ بن حديد، والحسين بن أحمد المنقري.

إنّ عليّ بن أبي حمزة البطائني

إنّ عليّ بن أبي حمزة البطائني(2)

من الواقفة وهو ضعيف المذهب، وليس ضعيفاً في الحديث علي الأقوي، وهو مطعون لأجل وقفه في موسي بن جعفر عليه السلام، وعدم اعتقاده بإمامة الرضا عليه السلام، وليس مطعوناً من جانب النقل والرواية، وقد عرفت أنّ المراد من: عمّن يوثق به في عبارة الكشّيّ، هو الموثوق في الحديث، فيكفي في ذلك أن يكون مسلماً، متحرّزاً عن الكذب في الرواية، وأمّا كونه إماميّاً فلا يظهر من عبارة العدّة، وعلي ذلك فالنقض غير

ص: 495


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 66، الطهارة ج 3 ص 249.
2- . رجال النجاشي ص 249، اختيار معرفة الرجال ص 755/403، منتهي المقال ج 4 ص 327، الفوائد الرجاليّة (الخواجوئي) ص 274، سماء المقال ج 1 ص 395، رجال الشيخ ص 353، الفهرست ص 96.

تامّ. وأمّا ما نقل من العيّاشي في حقّ ابن أبي حمزة من أنّه ملعون كذّاب، فهو راجع إلي ابنه، أي: الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني؛ لا إلي نفسه، كما استظهره صاحب المعالم.

وابن أبي حمزة مشترك في الإطلاق بين الوالد والولد، والشاهد علي ذلك أمران:

الأوّل: إنّ الكشّيّ نقله أيضاً في ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ. قال العيّاشيّ: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة فلا يصحّ القول جزماً بأنّه راجع إلي الوالد. فالظاهر من النجاشي أنّ الطعن راجع إلي الابن حيث نقل طعن ابن فضّال في ترجمة الحسن.

الثاني: إنّ الأب توفّي قبل أن يولد عليّ بن الحسن بن فضّال بسنين، فكيف يمكن أن يكتب منه أحاديث، وتفسير القرآن من أوّله إلي آخره، وإنّما حصل الخطأ من نقله الكشّيّ تارة في ترجمة الوالد وأخري في ترجمة الولد، ومن جانب آخر مات الوالد (الحسن بن فضّال) سنة أربع وعشرين ومائتين.

وكان الولد يتجنّب الرواية عن الوالد وهو ابن ثمان عشرة سنة يقول: كنت أُقابله (الوالد) وعمري ثماني عشرة سنة، بكتبه ولا أفهم إذ ذاك الروايات، ولا أستحلّ أن أرويها عنه. فإذا كان سنّه عند موت الوالد ثماني عشرة فعليه يكون من مواليد سنة 206 ق، فمعه كيف يمكن أن يروي عن عليّ بن أبي حمزة الذي توفّي في حياة الرضا عليه السلام.

وعلي كلّ تقدير، فقد روي ابن أبي عمير كتاب عليّ بن أبي حمزة عنه، كما

ص: 496

نصّ به النجاشي، أقول: إنّ من المحتمل في هذا المورد وسائر الموارد، أنّ ابن أبي عمير نقل عنه الحديث في حالة استقامته، لأنّ الأُستاذ والتلميذ أدركا عصر الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام، فقد كان ابن أبي حمزة ثقة عنده، وأخذ عنه الحديث عند ما كان مستقيم المذهب صحيح العقيدة، فحدّثه بعد انحرافه.

أضف إلي ذلك أنّ عليّ بن أبي حمزة لم يثبت كونه من الواقفة، وما أُقيم من الأدلّة فهي معارضة بمثلها، أو بأحسن منها.

وأمّا يونس بن ظبيان

وأمّا يونس بن ظبيان(1)؛

فقد روي الشيخ عن موسي بن القاسم، عن صفوان وابن أبي عمير، عن بريد أو يونس بن ظبيان قالا: سألنا أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يحرم... ويونس بن ظبيان، قال النجاشي: ضعيف جدّاً لا يلتفت إلي ما رواه، كلّ كتبه تخليط.

والجواب عنه بوجوه:

الأوّل: الظاهر أنّ محمّد بن أبي عمير لا يروي عن غير الثقة، إذا انفرد هو بالنقل، ولهذا لم يرو عن يونس بن ظبيان، إلّاحديثاً واحداً. وبعبارةٍ أُخري: لا يروي عن الضعيف، إذا كان في طول الثقة لا في عرضه. وأمّا المقام فقد روي عن بريد ويونس بن ظبيان معاً.

الثاني: احتمال وجود الإرسال في الرواية؛ بمعني وجود الواسطة بين ابن أبي عمير ويونس، وقد سقطت عند النقل لأنّ يونس قد توفّي في حياة الإمام الصادق عليه السلام (م 148 ق) ومن البعيد أن يروي ابن أبي عمير المتوفّي عام 217 ق

ص: 497


1- . رجال النجاشي ص 1210/448، اختيار معرفة الرجال ص 672/363، تعليقة منهج المقال ص 377، منتهي المقال ج 7 ص 88، معجم رجال الحديث ج 20 ص 192، بهجة الآمال ج 2 ص 356، جامع الرواة ج 2 ص 355.

عن مثله، إلّاأن يكون معمّراً لأخذ الحديث عن تلاميذ الإمام الذين توفّوا في حياته، وهو غير ثابت.

الثالث: إنّه لم يثبت ضعف يونس، لا لما رواه الكشّي عن هشام بن سالم، قال سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن يونس بن ظبيان، فقال: «كان واللّه مأموناً في الحديث» وذلك لأنّ في سنده ضعفاً، وقد نقله ابن إدريس في مستطرفاته، وما في المعجم من أنّ طريق ابن إدريس إلي جامع البزنطي مجهول، فالرواية بكلا طريقيهما ضعيفة، غير تامّ، لأنّ جامعه كسائر الجوامع كان من الكتب المشهورة التي كان انتسابها إلي مؤلّفيها أمراً قطعيّاً، ولأجل هذه الوجوه الثلاثة لا تصلح الرواية لنقض القاعدة.

وأمّا عليّ بن حديد

وأمّا عليّ بن حديد(1):

فقد ضعّفه الشيخ في موضعين من الاستبصار، والجواب بوجهين:

الأوّل: لم يثبت ضعف عليّ بن حديد، بل الظاهر عمّا رواه الكشّيّ وثاقته، وربّما يؤيّد وثاقته كونه من رجال كامل الزيارات، ومن رجال تفسير القمّي المصرّح في مقدّمتهما أنّهما لا يرويان إلّاعن الثقات، غير أنّ تضعيف الشيخ مقدّم علي ما نقله الكشّيّ، لأنّ في سند روايته ضعفاً، فلم يبق إلّاكونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمّيّ، والظاهر تقديم جرح الشيخ علي التوثيق العامّ الذي مبناه كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمّي، وأنّ هذا التوثيق المستفاد من مقدّمة الكتابين علي فرض صحّته حجّة ما لم يعارض بحجّة صريحة أُخري، إضافةً إلي ما في نفس هذا التوثيق العمومي من الضعف.

ص: 498


1- . منتهي المقال ج 4 ص 368.

الثاني: وجود التصحيف في سند الرواية. والظاهر أنّ اللفظة: عن عليّ بن حديد؛ مصحّف: وعليّ بن حديد، ويدلّ عليه أُمور:

1. وحدة الطبقة؛ لأنّ الرجلين في طبقة واحدة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام.

2. لم يوجد لابن أبي عمير أيّ رواية عن عليّ بن حديد في الكتب الأربعة غير هذا المورد.

وأمّا الحسين بن أحمد المنقري

وأمّا الحسين بن أحمد المنقري(1):

فقد روي عن ابن عمير، عدداً من الروايات جاء في بعضها لفظ المنقري دون الآخر، والقرائن تشهد علي وحدتهما.

قال النجاشي: الحسين بن أحمد المنقري، روي عن أبي عبداللّه عليه السلام رواية شاذّة لم تثبت، وكان ضعيفاً، ويتّضح ممّا قالوا فيه؛ أنّ الطعن فيه لم يكن لأجل كونه غير ثقة في نقل الحديث، بل الطعن لوجود الارتفاع في العقيدة، بقرينة إكثار النقل عن داود الرقّي، المتّهم بالارتفاع في العقيدة، ونقل الغلاة عنه، والكلّ غير منافٍ للوثاقة في مقام النقل الذي كان ابن أبي عمير ملتزماً فيه بعدم النقل إلّا عن الثقة. هذه هي النقوض التي ذكرها صاحب المعجم وقد عرفت مقدار صحّتها.

وزاد صاحب مشايخ الثقات في مشايخ ابن أبي عمير اثنين هما: أبو البختري وهب بن وهب، وعمرو بن جميع.

أ: أبو البختري: قال النجاشي: روي عن أبي عبداللّه عليه السلام وكان كذّاباً وليس

ص: 499


1- . منتهي المقال ج 3 ص 16، الوجيزة ص 542/193.

لابن أبي عمير في الكتب الأربعة رواية عنه، إلّاما ورد في الاستسقاء.

ويمكن التخلّص عن النقص بوجهين:

الأوّل: كون الرجل ثقة عند ابن أبي عمير، وقت تحمّل الحديث، وهذا كافٍ في العمل بالالتزام.

الثاني: إنّ أبا البختري كان عاميّاً. ومن المحتمل أن يكون التزام المشايخ راجعاً إلي أبواب العقائد والأحكام الشرعيّة، وأمّا ما يرجع إلي أدب المصلّي في صلاة الاستسقاء، فلم يكن من موارد الالتزام، ولم يكن في نقل مثل الاستسقاء أيّ خطر أو إشكال.

ب: عمرو بن جميع الزيدي البتري: قال النجاشي: ضعيف، أقول: وليس لابن أبي عمير عنه في الكتب الأربعة، بل روي الصدوق عنه روايتين في معاني الأخبار، وإنّ عمرو مع كونه ضعيفاً كان زيديّاً بتريّاً.

ومن استظهر من عبارة العدّة(1) بأنّ المشايخ التزموا أن لا يروون إلّاعن إماميّ ثقة، يكون النقض هنا وفيما تقدّم، من جهتين:

من جهة المذهب: لأنّ أبا البختري عاميّ، وعمرو بن جميع بتريّ.

ومن جهة الوثاقة: لكون الرجلين ضعيفين.

وعلي المختار يكون النقض من جهة واحدة.

وعلي كلّ تقدير، فإحدي الروايتين لا صلة لها بالأحكام الشرعيّة، نعم، الرواية الأخري تتضمّن حكماً شرعيّاً، ولعلّ ابن أبي عمير كان يعتقد بوثاقته عند التحمّل والنقل.4.

ص: 500


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.

وأضاف السيّد الأُستاذ إلي مشايخ ابن أبي عمير من الضعاف: أبا جميلة(1)وعبداللّه بن قاسم الحضرمي(2)، وسيأتي الكلام في أبي جميلة، وأمّا عبداللّه بن قاسم الحضرمي، فقال النجاشي: كذّاب غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته، وقريب منه قول ابن الغضائري فيه، ولكن يلاحظ عليه:

أوّلاً: من المحتمل، اعتماد النجاشي في تضعيفه إلي تضعيف ابن الغضائري، يعرب عن تقارب العبارتين، وقد عرفت قيمة تضعيفاته.

وثانياً: إنّ ابن أبي عمير لم يرو عنه إلّارواية واحدة، ولا صلة لمضمونها بالأحكام، ولعلّه كان ملتزماً بأن لا يروي إلّاعن ثقة فيما يمتّ بالحكم الشرعي بصلة، لا في الموضوعات الأخلاقيّة.

ثالثاً: إنّه لم يرد في الفقيه توصيفه بالحضرمي فيحتمل كونه: عبداللّه بن القاسم الحارثي، وهو وإن كان ضعيفاً حيث يصفه النجاشي بالضعف والغلوّ، لكنّه أين هو من قوله في الحضرمي: كذّاب، عندئذٍ يقوي أن يكون ضعفه لغلوّه في العقيدة، وقد عرفت أنّ التضعيف بين القدماء لأجل العقيدة لا يوجب سلب الوثوق عن الراوي، لأنّ أكثر ما رآه القدماء غلوّاً أصبح في زماننا من الضروريّات في دين الإماميّة، هذا بعض الكلام حول أسانيد ابن أبي عمير، وحال النقوض التي جاءت في المعجم، ومشايخ الثقات وغيرهما.

2. صفوان بن يحيي: بيّاع السابري (م 210 ق)
اشارة

وهو أحد الثلاثة الذين التزموا بعدم الرواية والإرسال إلّاعن ثقة. قال

ص: 501


1- . خلاصة الرجال ص 216.
2- . رجال النجاشي ص 226، منتهي المقال ج 4 ص 218، تعليقة منهج المقال ص 208، خلاصة الرجال ص 236.

النجاشي: كوفيّ ثقة، ثقة، عين، روي عن الرضا وكانت له عنده منزلة شريفة.

وقال الشيخ: أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث. أنهي صاحب المعجم مشايخه إلي 140، ومؤلّف مشايخ الثقات إلي 213، والثقات منهم 109 مشايخ، والباقي إمّا مهملٌ، أو مجهول، وقيل منهم مضعّف، ومع ذلك فقد ادّعي صاحب المعجم وجود ضعاف في مشايخه:

منهم: يونس بن ظبيان،

وقد مرّ الحديث عنه.

ومنهم: عليّ بن أبي حمزة البطائني؛

ليس لصفوان بن يحيي رواية عن عليّ ابن أبي حمزة في الكتب الأربعة إلّاواحدة. والجواب من وجهين:

الأوّل: ابتلاء عليّ بن أبي حمزة بالطعن، ليس وجهه إلّاالانتماء إلي غير مذهب الحقّ، وهو لا يمنع من قبول روايته إذا كان ثقة في الرواية، والنجاشي والشيخ وإن صرّحا بوقف الرجل وأنّه من عمده، لكنّه لا يضرّ باعتبار قوله إذا كان متجنّباً عن الكذب.

الثاني: أنّ الكشّيّ روي مرسلاً ومسنداً ما يناهز خمس روايات تدلّ علي انحراف عقيدته، إلّاأنّ هناك روايات أُخري تدلّ علي كونه باقياً علي مذهب الإماميّة، أو أنّه رجع عن الوقف واستبصر، والقضاء الصحيح في حقّ الرواة، خصوصاً المشايخ منهم، لا يتمّ بصرف المراجعة إلي كلمات الرجاليّين، ومن تتبّع الكتب الفقهيّة يري أنّ الأصحاب يأخذون برواياته ويعملون بها.

ومنهم: أحمد بن محمّد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي (م 221 ق)،

قال النجاشي: كوفيّ، لقي الرضا وأبا جعفر عليهما السلام، وكان عظيم المنزلة عندهما، والبزنطي أحد الفقهاء الثلاثة الذين ادّعي الشيخ أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا

ص: 502

عن ثقة، وقد جاء في الكتب الأربعة في أسناد روايات تبلغ زهاء 788 مورداً، ومشايخه في الكتب الأربعة وغيرها 115 شيخاً، والثقات منهم 53 شيخاً.

لا يخفي أنّه قد توفّي مؤلّف النوادر حوالي سنة 290 ق، وتوفّي أحمد بن محمّد بن عيسي بعد سنة 274 ق، أو بعد سنة 280 ق، وتوفّي البزنطي سنة 221 ق، فكيف يمكن أن يروي صاحب نوادر الحكمة عن شيخ البزنطي وهو عبداللّه بن محمّد الشامي، ومنشأ هذا الخطأ اتّحاد الراويين في الاسم والنسبة، ولأجل أن يقف القارئ علي تعدّدهما ذاتاً وطبقة، فليلاحظ ما رواه الصدوق في العيون، قال: حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، ومحمّد بن عليّ ماجيليويه، عنهم، قالوا: حدّثنا محمّد ابن يحيي العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري (صاحب نوادر الحكمة)، عن عبداللّه بن محمّد الشامي، عن الحسن بن موسي الخشّاب، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين مولي أبي عبداللّه... وتري فيه أنّ عبداللّه بن محمّد الشامي يروي عن عليّ بن أسباط بواسطة، وكان عليّ بن أسباط معاصراً لعليّ بن مهزيار، وقد دارت بينهما رسائل، وعليّ بن مهزيار متأخّر عن البزنطي، وليسا في طبقة واحدة، فكيف يمكن أن يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر، شيخاً للبزنطي؟! ولأجل ذلك يحكم بتعدّد الراويين.

ومنهم: عبدالرحمن بن سالم،
اشارة

يروي عنه البزنطي، وابن أبي عمير، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام، ولم يوثّقه النجاشي، وضعّفه ابن الغضائري «ضعيف»، ومن المعلوم أنّ تضعيفاته غير موثق بها.

ص: 503

وحصيلة البحث أنّه قد تعرفت علي النقوض المتوجّهة إلي الضابطة من جانب صاحب المعجم، ومشايخ الثقات وأنّ شيئاً منها لا يصلح لأن يكون نقضاً للقاعدة، وذلك لجهات شتّي منها:

1. إنّ كثيراً من هؤلاء الضعاف، لم يكونوا مشايخ للثقات، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم، وإنّما توهّمت الرواية عنهم بسبب وجود «عن» مكان الواو، فتصحيف العاطف بحرف الجرّ، صار سبباً لأوهام كثيرة، وقد نبّه علي هذه القاعدة صاحب المنتقي.

2. إنّ كثيراً ممّن اتّهم بالضعف، مضعّفون من حيث المذهب والعقيدة، لا من حيث الرواية، وهذا لا ينافي وثاقتهم وصدقهم في الحديث، ومراد الشيخ من الثقات هم الموثوق بهم من حيث الرواية والحديث، لا المذهب.

3. إنّ بعض من اتّهم بالضعف، لم يثبت ضعفهم أوّلاً، ومعارض بتعديل الآخرين ثانياً.

وعلي ضوء ما تقدّم، تقدر علي الإجابة عن كثير من النقوض المتوجّهة إلي الضابطة، والتي ربّما تبلغ خمسة وأربعين نقضاً.

محاولة للإجابة عن النقوض
اشارة

إنّ هنا محاولة للإجابة عن هذه النقوض وهي: إنّ شهادة الشيخ في المقام لا تقصر عن شهادة ابن قولويه، وعليّ بن إبراهيم في أوّل كتابيهما بأنّهما لا يرويان فيهما إلّاعن ثقة، فكما أنّه يجب الأخذ بشهادتهما مطلقاً، إلّاإذا عارضها تنصيص آخر، وعند التعارض، إمّا يتوقّف، أو يؤخذ بالثاني لو ثبت رجحانه، فهكذا المقام يؤخذ بهذه الشهادة، إلّاإذا ثبت خلافها، أو تعارضت مع نصّ

ص: 504

آخر.

ووجه ذلك أنّ الشهادة الإجماليّة في هذه المقامات، تنحلّ إلي شهادات حسب عدد الرواة، فالتعارض أو ثبوت الخلاف في مواضع خاصّة، يوجب عدم الأخذ بما في المواضع التي ثبت خلافها دون ما لم يثبت، وقد أُورد علي هذه المحاولة بوجهين:

الوجه الأوّل:

أنّ هذا الجواب إنّما يتمّ، لو كانت الشهادة منتهية إلي نفس هؤلاء الثلاثة، بأن كانوا مصرّحين بأنّهم: لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة، فعند ذلك تؤخذ بشهادتهم، إلّاعند التعارض، أو ثبوت الخلاف، وأمّا إذا كانت الشهادة مستندة إلي نفس الشيخ؛ بأن يشهد هو بأنّ هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة، فعندئذٍ يكون الوقوف علي مشايخ لهم مضعّفين بنفس الشيخ، موجباً لسقوط هذه الشهادة عن الاعتبار، فلا يبقي لها وثوق.

والفرق بين كون الشهادة منتهية إلي نفس الأقطاب الثلاثة، وكونها منتهية إلي الشيخ واضح، إذ لو كانت الشهادة منتهية إلي نفس المشايخ، يكون معناه أنّهم شهدوا علي أنّهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة عندهم. فإذا تبيّن الخلاف، أو تعارضه مع تنصيص آخر، يحمل علي أنّه صدر من هؤلاء في هذه الموارد المتبيّنة فحسبوا غير الثقة ثقة فرووا عنه، وهذا لا يضرّ بالأخذ بها في غير تلك المواضع، وكم له من نظائر في عالم الشهادات.

وأمّا إذا كانت الشهادة منتهية إلي الشيخ نفسه، وكانت شهادته علي أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة، مبنيّة علي استقرائه في مشايخهم، فلا تعتدّ بها إذا تبيّن الخلاف، وعلم أنّهم يروون عن غير الثقة أيضاً، إذ عندئذٍ يتبيّن أنّ

ص: 505

استقراء الشيخ كان استقراء ناقصاً غير مفيد، لإمكان انتزاع الضابطة الكليّة، فلا يصحّ الأخذ بها لبطلان أساسها.

هذا ما قصده مؤلّف معجم رجال الحديث؛ وإن كانت العبارة غير وافية بهذا التقرير، ولكن الإجابة عن هذا الإشكال ممكنة بعد الدقّة في عبارة العدّة، لأنّ الظاهر من عبارة الشيخ هو استكشاف الطائفة بالتزامهم بأنّهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلّاعن ثقة، علي وجه كانت القضيّة مشهورة في الأوساط العلميّة قبل زمن الشيخ، إلي أن انتهت إليه، فعند ذاك يكون الشيخ حاكياً لهذا الاستكشاف، لا أنّه هو الذي كشف ذلك، وادّعي الإجماع عليه.

ألا تري أنّه يقول: سوّت الطائفة بين ما يرويه هؤلاء وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به(1)، فالطائفة التي سوّت بين ما يرويه هؤلاء، هي التي كشفت هذا الالتزام عنها وعرّفها الشيخ وبذلك يسقط الإشكال عن الصلاحيّة، لأنّه كان مبنيّاً علي أنّ الشيخ هو الذي كشف الضابطة عن طريق الاستقراء، وبالعثور علي مشايخ ضعّفهم الشيخ نفسه في كتبه، يكون ذلك دليلاً علي نقصان الاستقراء، ولكنّك عرفت أنّ احتمال كون الشيخ هو المستكشف - فضلاً عن استكشافه مبنيّاً علي الاستقراء - أمر لا توافقه عبارة العدّة، وعلي ذلك يؤخذ بهذه الشهادة، ويحكم بوثاقة مشايخهم عامّة؛ وإن لم يذكروا في الكتب الرجاليّة بشيء من الوثاقة والمدح.

الوجه الثاني:

ربما يُقال: إنّ هذه المحاولة إنّما تنتج في المسانيد، فيحكم بوثاقة كلّ من جاء فيها، إلّامن ثبت ضعفه، وأمّا المراسيل فلا تجري فيها، إذ من

ص: 506


1- . العدّة في أصول الفقه ج 1 ص 154.

المحتمل أن تكون الواسطة هي من ثبت ضعفه، فعندئذٍ لا يمكن الأخذ بها، لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

وأجاب عنه السيّد الشهيد الصدر علي أساس حساب الاحتمالات، وحاصله: إنّ الوسيط المجهول إذا افترضنا أنّه مردّد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير، وكان مجموع من روي عنه أربعمائة شخص، وكان ثابت الضعف منهم بشهادة أُخري لا يزيدون علي خمسة، أو حوالي ذلك، فعندئذٍ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد الخمسة المضعّفة 180، وإذا افترضنا أنّ ثابت الضعف من الأربعمائة هم عشرة، يكون احتمال كون الوسيط المحذوف منهم 140، ومثل هذا الاحتمال لا يضرّ بالاطمئنان الشخصي، وليس العقلاء ملتزمين علي العمل والاتّباع، إذا صاروا مطمئنّين مائة بالمائة.

ثمّ إنّه قدس سره أورد علي ما أجاب به إشكالاً هذا حاصله: إنّ هذا الجواب إنّما يتمّ إذا كانت الاحتمالات الأربعمائة في الوسيط المجهول، متساوية في قيمتها الاحتماليّة، إذ حينئذٍ يصحّ أن يقال: احتمال كونه أحد الخمسة المضعّفين قيمة 180، وإذا فرضنا أنّ ثابت الضعف عشرة في أربعمائة، كان احتمال كون الوسيط أحدهم 140، وأمّا إذا لم تكن الاحتمالات متساوية، وكانت هناك أمارة احتماليّة تزيد من قيمة أن يكون الوسيط المجهول أحد الخمسة، فسوف يختلّ الحساب المذكور، ويمكن أن ندّعي وجود عامل احتماليّ، يزيد من قيمة هذا الاحتمال وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل، أو عن بعض أصحابه، ونحو ذلك من التعبيرات التي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء وعدم الوثوق بالرواية، يناسب أن يكون المروي عنه أحد أُولئك الخمسة، وإلّا

ص: 507

لما كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه، وعندئذٍ يختلّ الحساب المذكور، ويكون المظنون كون المروي هو أحد الخمسة، لا أحد الباقين، فتنقلب المحاسبة المذكورة(1).

ولايخفي أنّ الجواب المذكور غير وافٍ لدفع الإشكال، وعلي فرض الصحّة فالذي أُورد عليه غير تامّ؛ أمّا الأوّل؛ فلأنّ العقلاء في الأُمور المهمّة يحتاطون بأكثر من ذلك، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة 180. نعم الأُمور الحقيرة التي لا يهتمّ العقلاء بأضرارها، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه، حتّي بأقلّ من النسبة المذكورة، والشريعة الإلهيّة من الأُمور المهمّة فلا يصحّ التساهل فيها، مثلما يتساهل في الأُمور غير المهمّة.

وأمّا الثاني: وهو أنّ الإشكال غير وارد علي فرض صحّة الجواب، فلأنّ النجاشي يصرّح بأنّ وجه إرساله الروايات، هو أنّ اُخته دفنت كتبه في حال استتاره، وكونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدّث من حفظه، وممّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلي مراسيله.

نعم هاهنا محاولة لحجيّة مراسيله، لو صحّت لاطمأنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة كانت من الثقات، لا من الخمسة الضعاف، وحاصلها؛ أنّ التتبّع يقضي بأنّ عدد رواياته عن الضعاف قليل جدّاً، بالنسبة إلي عدد رواياته عن الثقات. فإذا كانت رواياته من الثقات أكثر بكثير من رواياته عن الضعاف، يطمئنّ الإنسان بأنّ المحذوفة هي من الثقات، لا من الضعاف، ولعلّ هذا6.

ص: 508


1- . القضاء في الفقه الإسلامي ص 26.

القدر كافٍ في رفع الإشكال.

قاعدة العصابة المشهورة
اشارة

وهو أنّهم لا يروون إلّاعن الثقات. ثمّ إنّ هنا عدّة من أجلّاء الأصحاب قيل في حقّهم: إنّهم لا يروون إلّاعن ثقة:

أ. أحمد بن محمّد بن عيسي القمّي:

وثّقه النجاشي والشيخ، وقالا: نُفي أحمد ابن محمّد بن خالد البرقي من قم لأنّه كان يروي عن الضعفاء لكنّه أعاده إليها، معتذراً إليه، ولمّا توفّي مشي أحمد بن محمّد بن عيسي في جنازته حافياً حاسراً، ليبرّئ نفسه ممّا قذفه به، وهذا يدلّ علي أنّه ما كان يروي عن الضعاف، وإلّا لما أخرج سميّه ومعاصره من قم، فيعدّ هذا دليلاً علي أنّه لا يروي إلّاعن الثقة.

والظاهر بطلان هذا الاستنتاج، لأنّه لم يخرج البرقي من قم لأجل روايته عن ضعيف أو ضعيفين أو ضعفاء، بل لأجل أنّه كان يكثر الرواية عن الضعاف ويعتمد عليهم، وقد عبّر كلّ من الشيخ والعلّامة في ترجمته: «كثير الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل» مع أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي بنفسه روي عن عدّة من الضعفاء كمحمّد بن سنان، وعليّ بن حديد، وإسماعيل بن سهل، وبكر بن صالح، وهم الذين ضعّفهم النجاشي والعلّامة.

ب. بنو فضّال:

قد استدلّ علي وثاقة كلّ من روي عنه بنو فضّال بالحديث التالي. روي الشيخ في كتاب الغيبة عن أبي محمّد المحمّدي قال: وقال أبوالحسن بن تمّام: حدّثني عبداللّه الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه قال: سُئل الشيخ - يعني أبا القاسم رضي الله عنه - عن كتب ابن أبي العذاقر بعد ما ذُمَّ

ص: 509

وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: كيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملأي؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام؛ وقد سُئل عن كتب بني فضّال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأي؟ فقال صلوات اللّه عليه: «خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا»(1).

وهذه الرواية ممّا استند إليه الشيخ الأنصاري في كتاب صلاته، غير أنّ الاستدلال بهذا الحديث علي فرض صحّة سنده قاصر، لأنّ المقصود من الجملة الواردة في حقّ بني فضّال هو أنّ فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضرّ بحجّيّة الرواية المتقدّمة علي الفساد، لا أنّه يؤخذ بكلّ رواياتهم ومسانيدهم ومراسيلهم من غير أن يتفحّص عمّن يروون عنه، بل المراد أنّه يجري علي بني فضّال الحكم الذي كان يجري علي سائر الرواة، فكما أنّه يجب التفتيش عنهم حتّي تتبيّن الثقة منهم عن غيرها، فهكذا بنو فضّال(2).

ومن الجدير بالذكر فإنّ أوّل من ابتكر هذه القاعدة هو الشيخ الأعظم الأنصاري فقد قام بدراستها والإحاطة بها، فذكر في المكاسب في مبحث تحريم الاحتكار: ويؤيّد التحريم ما عن المجالس (الأمالي للطوسي) بسنده عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «أيّما رجل اشتري طعاماً فحبسه أربعين صباحاً يريد به الغلاء للمسلمين، ثمّ باعه وتصدّق بثمنه، لم يكن كفّارة لما صنع»(3).

ثمّ قال: وفي السند بعض بني فضال، والظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم4.

ص: 510


1- . الغيبة ص 239.
2- . المكاسب المحرّمة ج 1 ص 238، فرائد الأصول ج 1 ص 142، الصلاة ج 6 ص 36 و 82.
3- . أمالي الطوسي ص 676، وسائل الشيعة ج 12 ص 314.

التي قال العسكري عليه السلام عند سؤاله عنها: «خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا»(1) ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم، فيستغني بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند، وقد ذكرنا أنّ هذا الحديث أولي بالدلالة علي عدم وجوب الفحص عمّا قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادّعاه الكشي(2) علي تصحيح ما يصح عن جماعة(3).

ووجه الأولويّة هي أنّ هذه قول الإمام عليه السلام، وذاك فحص الكشّي، وقال في كتاب الصلاة: لنا ما رواه الشيخ عن داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الظهر...»(4).

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلّاأنّ سندها إلي الحسن بن فضّال صحيح وبنو فضال ممّن أُمرنا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم(5).

وقال في ذيلها أيضاً: وإرسالها غير قادح بعد وجود ابن فضّال الذي ورد الأمر - في بعض الأخبار المعتبرة - بالأخذ بكتبه ورواياته، وكذا كتب أولاده أحمد ومحمّد وعلي ورواياتهم(6).

ثمّ جيل بعد جيل تبع الشيخ علي إعمال هذه القاعدة كقرينه كافية علي صدور الرواية عن المعصوم عليه السلام، نعم، وناقشها آية اللّه الخوئي.

ج. جعفر بن بشير (م 208 ق):

قال النجاشي: ثقة، روي عن الثقات ورووا عنه.

وقد استدلّ النوري في مستدركه علي وثاقة كلّ من روي عنهم، ومن رووا

ص: 511


1- . وسائل الشيعة ج 18 ص 103، الغيبة ص 239.
2- . اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 705/673 وص 1050/830.
3- . المكاسب ج 4 ص 366.
4- . تهذيب الأحكام ج 2 ص 25، وسائل الشيعة ج 3 ص 92.
5- . الصلاة ج 1 ص 36.
6- . الصلاة ج 1 ص 82.

عنه، ولكن الظاهر أنّ المراد أنّه يروي عن الثقات، كما تروي الثقات عنه، وأمّا أنّه لا يروي عنه إلّاالثقات وهو لا يروي إلّاعنهم، فلا تفيد العبارة، إضافةً إلي أنّه يروي عن الضعيف صالح بن الحكم.

د. محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني:

قال النجاشي فيه ما قال في جعفر، والجواب هو نفس الجواب.

ه. عليّ بن الحسن الطاطري:

قال الشيخ: كان واقفيّاً شديد العناد في مذهبه، صعب العصبيّة علي من خالفه من الإماميّة، وله كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم.

استُدُلَّ بذيل كلام الشيخ من أنّ كلّ من روي عنه فهو ثقة، ولكن غاية ما يستفاد من هذه العبارة أنّه لا يروي في كتبه إلّاعن ثقة، وأمّا إنّه لا يروي مطلقاً إلّا عن ثقة فلا يدلّ عليه، وعلي ذلك كلّما بدأ الشيخ سند الحديث باسم الطاطري فهو دليل علي أنّ الرواية مأخوذة من كتبه الفقهيّة، فعندئذٍ فالسند صحيح إلي آخره، وهذا غير القول بأنّه لا يروي إلّاعن ثقة، حتّي يحكم بصحّة كلّ سند وقع فيه الطاطري، إلي أن ينتهي إلي المعصوم. علي أنّ من المحتمل أن يكون كلام الشيخ محمولاً علي الغالب.

نعم، هذه التوثيقات فيهم هي قرائن ظنيّة علي وثاقة كلّ من يروون عنه، ولو انضمّت إليها القرائن الأُخري ربما حصل الاطمئنان علي وثاقة المروي عنه.

و. أحمد بن عليّ النجاشي صاحب الفهرس:
اشارة

يظهر من الشيخ النجاشي أنّ كلّ مشايخه ثقات، بل يظهر جلالة قدرهم، وعلوّ رتبهم، فضلاً عن دخولهم في زمرة الثقات، وهذا ظاهر لمن لاحظ كلماته في أحوال بعض مشايخه. قال في

ص: 512

جعفر بن محمّد بن مالك كوفيّ، كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث... ولا أدري كيف روي عنه شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن هشام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري. وقال في ترجمة محمّد ابن أحمد بن جنيد الإسكافي (381 ه ق) وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه:

إنّه كان يقول بالقياس، وأخبرونا جميعاً بالإجازة لهم بجميع كتبه ومصنّفاته(1).

وهذه الكلمات من الشيخ النجاشي يعرّفنا بطريقته، وأنّه كان ملتزماً بأن لا يروي إلّاعن ثقة، ولذلك يمكن أن يقال، بل يجب أن يقال: إنّ عامّة مشايخه ثقات إلّامن صرّح بضعفه، وقد استخرج المحدّث النوري مشايخه في المستدرك، ونقله العلّامة المامقاني في خاتمة التنقيح وصاحب المعجم فبلغوا اثنين وثلاثين(2).

فنجد أنّ أحمد بن محمّد بن أبي جيد لم يرد فيه أيّ توثيق(3) ولكن وثّقه العلماء والفقهاء اعتماداً علي أنّه من رجال الشيخين، أعني: النجاشي، والطوسي.

ما وقع في أسانيد كتاب نوادر الحكمة

ما وقع في أسانيد كتاب نوادر الحكمة(4)

كلّ من يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي بلا واسطة في كتاب نوادر الحكمة كان ثقة في الحديث، إلّاأنّ أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء،

ص: 513


1- . رجال النجاشي ص 1047/385، منتهي المقال ج 5 ص 314.
2- . الفوائد الرجاليّة ج 4 ص 146، معجم رجال الحديث ج 2 ص 156.
3- . منتهي المقال ج 7 ص 292، رجال النجاشي ص 354، خلاصة الرجال ص 275، تهذيب الأحكام، المشيخة ج 10 ص 34، الرواشح السماويّة ص 105، الوجيزة ص 358.
4- . جامع الرواة ج 2 ص 63، منتهي المقال ج 5 ص 341، خلاصة الرجال ص 146، رجال النجاشي ص 348، الفهرست ص 144، هداية المحدّثين ص 227.

ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء، وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيي ما رواه عنه:

1. محمّد بن موسي الهمداني.

2. أو ما رواه عن رجل.

3. أو يقول بعض أصحابنا.

4. أو عن محمّد بن يحيي المعاذي.

5. أبو عبداللّه الرازي الجاموراني.

6. أبو عبداللّه السيّاري.

7. يوسف بن سخت.

8. وهب بن منبّه.

9. أبو عليّ النيسابوري.

10. أبو يحيي الواسطي.

11. محمّد بن عليّ أبو سمينة.

12. يقول في حديث أو كتاب أروه.

13. سهل بن زياد الآدمي.

14. محمّد بن عيسي بن عبيد بإسناد منقطع.

15. أحمد بن هلال.

16. محمّد بن عليّ الهمداني.

17. عبداللّه بن محمّد الشامي.

ص: 514

18. عبداللّه بن أحمد الرازي.

19. أحمد بن الحسين بن سعيد.

20. أحمد بن بشير الرقّي.

21. محمّد بن هارون.

22. معاوية بن معروف.

23. محمّد بن عبداللّه بن مهران.

24. ممّا ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي.

25. ما يرويه عن جعفر بن محمّد بن مالك.

26. يوسف بن الحارث.

27. عبداللّه بن محمّد الدمشقي.

ويروي عن ابن أبي عمير، والبزنطي، وأحمد بن خالد وغيرهم، ويروي عنه أحمد بن إدريس (م 306 ق)، وسعد بن عبداللّه القمّي، غير أنّ العبّاس بن نوح قال: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر بن بابويه علي ذلك، إلّافي محمّد بن عيسي بن عبيد، فلا أدري ما رأيه فيه، لأنّه كان علي ظاهر العدالة والثقة، فقالوا باعتبار كلّ من يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي إذا لم يكن ممّن استثناه ابن الوليد من روايات محمّد ابن أحمد عنه، فإنّ اقتصار ابن الوليد علي ما ذكره موارد الاستثناء، يكشف عن اعتماده علي جميع روايات محمّد بن أحمد، والتصحيح والاستثناء راجعان إلي مشايخه بلا واسطة، فعلي هذا، فكلّ المشايخ عند هؤلاء الثلاثة، أي: أبناء الوليد، ونوح، وبابويه ثقات، وتوثيقاتهم حجّة ما لم تعارض بتضعيف آخر.

ص: 515

وربّما يورد أنّ تصحيح ابن الوليد وغيره لا يكشف عن وثاقتهم، لأنّه من الممكن أن يعتمد علي حجيّة كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق.

ولا يخفي أنّ ما ذكره صاحب المعجم لا يوافق عبارة النجاشي عن قول ابن نوح من الاعتراض علي ابن الوليد في استثناء محمّد بن عيسي بن عبيد، إضافة إلي أنّ الصدوق قال: كان شيخنا محمّد بن الحسن لا يصحّح خبر محمّد بن موسي الهمداني لأنّه كان كذّاباً، وكلّ ما لم يصحّحه ولم يحكم بصحّته من الأخبار، فهو عندنا متروك، غير صحيح(1).

وقال أيضاً: كان شيخنا محمّد بن الحسن(2) سيّئ الرأي في محمّد بن عبداللّه المسمعي... فإنّ هذه التعابير تُعرب عن أنّ توصيف الباقين بالوثاقة، كوصف المستثنين بالضعف؛ كان بالإحراز لا بالاعتماد علي أصالة العدالة في كلّ راوٍ، أو علي القول بحجيّة قول كلّ من لم يظهر منه فسق. أضف إليه أنه لو كان المناط في صحّة الرواية هذين الأصلين، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلي توثيق أو تضعيف شيخه ابن الوليد، وعلي كلّ تقدير فكون الراوي من مشايخ مؤلّف نوادر الحكمة يورث الظنّ أو الاطمئنان بوثاقته، إن لم يكن أحد هؤلاء المستثنين(3).1.

ص: 516


1- . من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 50.
2- . رجال النجاشي ص 383، رجال ابن داود ص 168، مجمع الرجال ج 7 ص 168، الفهرست ص 156.
3- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 74، كلّيات في علم الرجال ص 291.
ما وقع في أسانيد كتاب كامل الزيارات

ما وقع في أسانيد كتاب كامل الزيارات(1)

مؤلّفه أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (367-269 ق) وقال قدس سره في مقدّمته: ولم أُخرِّج فيه حديثاً روي عن غيرهم، إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات اللّه عليهم، كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعني، ولا في غيره، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية، المشهورين بالحديث والعلم.

وربّما يستظهر من هذه العبارة أنّ جميع الرواة المذكورين في أسناد ذلك الكتاب، ممّن روي عنهم إلي أن يصل إلي الأمام من الثقات عند المؤلّف، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في الموضوعات يُعد كلّ من جاء في أسناد هذا الكتاب من الثقات، بشهادة الثقة العدل ابن قولويه، وقد أشار إليه الحرّ العاملي، وذهب إليه صاحب المعجم السيّد الخوئي.

والحقّ ما استظهره المحدّث النوري، فقد استظهر منه أنّه نصّ علي توثيق كلّ من صدر بهم سند أحاديث كتابه، لا كلّ من ورد في أسناد الروايات، وبالجملة يدلّ علي توثيق كلّ مشايخه، لا توثيق كلّ من ورد في أسناد هذا الكتاب، وعلي كلّ تقدير، فيدل علي المختار أُمور:

1. إنّه استرحم لجميع مشايخه، ومع ذلك نري أنّه روي فيه عمّن لا يستحقّ الاسترحام، فقد روي عن الواقفيّة والفطحيّة.

ص: 517


1- . وسائل الشيعة ج 2 ص 68، كامل الزيارات ص 15، معجم رجال الحديث ج 1 ص 51.

2. إنّه روي عن الضعفاء؛ كالليث بن أبي سليم العاميّ، وعليّ بن أبي حمزة البطائني، وعمر بن سعد.

3. القدماء من المشايخ كانوا ملتزمين بأن لا يأخذوا إلّاممّن صلحت حاله وثبتت وثاقته، والعناية بحال الشيخ كانت أكثر من عنايتهم بمن يروي عنه الشيخ، وقد عرفت التزام النجاشي بأن لا يروي إلّاعن شيخ ثقة، لا أن يكون جميع من ورد في سند الرواية ثقات، ولأجل ذلك كانت الرواية بلا واسطة عن المجاهيل والضعفاء عيباً.

هذا هو الرأي الأخير عند السيّد الخوئي، حيث إنّه رجع عن رأيه الأوّل الذي ذكرناه في كتاب دانش دراية الحديث، ودانش رجال الحديث.

وهذا الكتاب يرويه عن أبيه محمّد بن جعفر، وهو من أصحاب سعد بن عبداللّه الأشعري، ومشايخه كما عدّهم النوري لا تتجاوز 32 شيخاً، ذكرهم الميرزا النوري، والأُستاذ السبحاني(1).

ما وقع في أسانيد كتاب تفسير القمّي

قال عليّ بن إبراهيم القمّي في مقدّمات تفسيره: نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم، وأوجب ولايتهم، ولا يقبل عمل إلّابهم(2).

وإلي ذلك ذهب الحرّ العاملي(3)، وصاحب المعجم(4)، والذي يستفاد منه أنّ

ص: 518


1- . كليّات في علم الرجال ص 324، خاتمة مستدرك الوسائل ج 3 ص 252.
2- . تفسير القمي ج 1 ص 4.
3- . وسائل الشيعة ج 20 ص 43.
4- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 50، تنقيح المقال ج 1 ص 39، قاموس الرجال ج 1 ص 333.

جميع الرواة في التفسير ثقات، والقمّي أحد مشايخ الشيعة في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع، وهو من مشايخ الكليني، وقد أكثر في الكافي من الرواية عنه حتّي بلغت 7068 مورداً، ومشايخه إبراهيم بن هاشم أبوه، وصالح بن السندي، ومحمّد بن عيسي، وهارون بن مسلم وغيرهم، وكان في عصر أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام، وبقي إلي سنة 307، وتفسيره هذا روائيّ، جاء في أوّله بروايات عن الإمام الصادق، عن جدّه أميرالمؤمنين عليهما السلام في بيان أنواع علوم القرآن.

والراوي للتفسير، أو من أملي عليه عليّ بن إبراهيم، تلميذه أبوالفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر عليه السلام.

وليس للعبّاس بن محمّد ذكر في الرجال، نعم أُشير إلي ترجمة والده وجدّه في رجال الطوسي والكشّيّ، والعبّاس هذا ترجمه النسّابون فقد ذكروا أنّه من أعقاب موسي بن جعفر عليه السلام، والتفسير المتداول المطبوع كراراً، ليس لعليّ بن إبراهيم وحده، وإنّما هو ملفّق ممّا أملاه عليّ بن إبراهيم علي تلميذه أبي الفضل العبّاس، وما رواه التلميذ بسنده الخاصّ عن أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام.

وأبو الجارود قال النجاشي فيه: زياد بن المنذر أبو الجارود... كان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام وتغيّر عندما خرج زيد رضي الله عنه.

والظاهر أنّ الرجل كان إماميّاً، لكنّه رجع عندما خرج زيد بن عليّ، فمال إليه وصار زيديّاً.

ونقل الكشّيّ روايات في ذمّه، أمّا تفسيره فقد ذكره الشيخ والنجاشي، وذكرا سندهما إليه.

ص: 519

وقال النجاشي: له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر عليه السلام، أخبرنا عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا جعفر بن عبداللّه المحمّدي، قال: حدّثنا أبو سهل كثير بن عيّاش القطّان، قال: حدّثنا أبو الجارود بالتفسير؛ فالنجاشي يروي التفسير بواسطة عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة، وهو أيضاً زيديّ، والشيخ يروي التفسير عن ابن عقدة بواسطتين.

فعلي هذا فأبوالفضل يروي التفسير عن ابن عقدة عن عدّة من مشايخه وهم:

1. عليّ بن إبراهيم: فقد خصّ سورة الفاتحة والبقرة وشطراً قليلاً من سورة آل عمران بما رواه عن عليّ بن إبراهيم عن مشايخه، قال قبل الشروع في تفسير الفاتحة: حدّثنا أبوالفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر عليه السلام، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثني أبي رحمه الله، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام وساق الكلام بهذا الوصف إلي الآية 45 من سورة آل عمران، وقال بعد ذكر الآية: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدّثنا جعفر بن عبداللّه، قال: حدّثنا كثير بن عيّاش، عن زياد بن المنذر أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، وهذا السند بنفسه نفس السند الذي يروي به النجاشي والشيخ تفسير أبي الجارود، وبهذا تبيّن أنّ التفسير ملفّق من تفسير عليّ بن إبراهيم، وتفسير أبي الجارود، ولكلّ من التفسيرين سند خاصّ، يعرفه كلّ من راجع هذا التفسير، وبعد هذا التلفيق كيف يمكن الاعتماد علي ما ذكر في ديباجة الكتاب؟ فعلي

ص: 520

ذلك فلو أخذنا بهذا التوثيق الجماعي يجب أن يفرّق بين ما روي الجامع عن نفس عليّ بن إبراهيم، وما روي عن غيره من مشايخه، فإنّ شهادة القمّي تكون حجّة فيما يرويه نفسه، دون ما يرويه تلميذه من مشايخه؛ ثمّ إنّ الاعتماد علي هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جدّاً مع ما فيه من الشذوذ في المتون.

2. ثمّ إنّ مؤلّف التفسير كما روي عن عليّ بن إبراهيم، روي عن عدّة مشايخ أخر؛ كمحمّد بن جعفر الرزّاز، وأبي عبداللّه الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري، وأبي عليّ محمّد بن أبي بكر همّام بن سهيل، وعلي هذا لا يمكن الاعتماد علي الملفّق ممّا رواه جامع التفسير، عن عليّ بن إبراهيم عن مشايخه إلي المعصومين عليهم السلام، وممّا رواه عن عدّة من مشايخه، عن مشايخهم إلي المعصومين عليهم السلام.

أضف إلي ذلك، أنّه لا يمكن القول بأنّ مراد القمّي من عبارته: رواة مشايخنا وثقاتنا كلّ من وقع في سنده إلي أن ينتهي إلي الإمام، بل الظاهر كون المراد خصوص مشايخه بلا واسطة، ويعرف عنه عطف «وثقاتنا» علي «مشايخنا» الظاهر في الأساتذة بلا واسطة، ولمّا كان النقل عن الضعيف بلا واسطة من وجوه الضعف، دون النقل عن الثقة إذا روي عن غيرها، خصّ مشايخه بالوثاقة ليدفع عن نفسه سهم النقد والاعتراض، وإلّا ورد في أسناد القمّي من لا يصحّ الاعتماد عليه من أُمّهات المؤمنين(1).

أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ

قيل: إنّ جميع من ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات.

ص: 521


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 51، تفسير القميّ ج 1 ص 30، قاموس الرجال ج 1 ص 333.

وقد استدلّ عليه بما ذكره المفيد في إرشاده، عند ذكر الصادق عليه السلام: أنّه نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبداللّه عليه السلام، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات علي اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل. ونقله ابن شهر آشوب، ومحمّد بن عليّ بن الفتّال، وهؤلاء الثلاثة وصفوا تلك الصفوة بالثقات، وإن لم نجد في كلام الشيخ والنجاشي ذلك الوصف، وقد ضبط ابن عقدة أصحاب الصادق عليه السلام، فقال النجاشي: له كتاب الرجال، وهو كتاب من روي عن جعفر بن محمّد عليه السلام، ومثله في فهرس الشيخ، ولكن لم يصفا رجاله بالوثاقة.

وعلي كلّ تقدير، فما ذكره المفيد لو كان ناظراً إلي ما جمعه ابن عقدة من أصحاب الصادق عليه السلام، يكون ما ذكره نفسه ومن تبعه، شهادة علي وثاقة أربعة آلاف رجل من أصحاب الصادق عليه السلام. هذا من جانب، ومن جانب آخر أنّ الشيخ قد أخرج أسماء هؤلاء الرواة في رجاله مع غيرهم، فبملاحظة هذين الأمرين، فما ذكره الشيخ ثقات، حسب توثيق المفيد وغيره. والطبرسي في إعلام الوري، نعم، واكتفي المتأخّرون بذكر عدد أصحاب الصادق عليه السلام ولم يصفوهم بالتوثيق، كالفاضلين، والشهيد، والحسين بن عبدالصمد، والمجلسي الثاني. وأمّا نظرنا في الموضوع:

1. إنّ أقصي ما يمكن أن يقال: إنّه صدر توثيق من الشيخ المفيد في حقّ أربعة آلاف رجل من أصحاب الصادق عليه السلام، وأمّا إنّ مراده هو نفس ما ورده في

ص: 522

رجال ابن عقدة، فأمر مظنون أو محتمل إذ لم يكن التأليف في الرجال في هذه العصور مختصّاً بابن عقدة، والدليل علي أنّ المقصود من أصحاب الحديث ليس خصوص ابن عقدة، أنّ الشيخ التزم في مقدّمة رجاله أن يأتي بكلّ ما ذكره ابن عقدة في رجاله مع زيادات لم يذكرها ابن عقدة، ومع ذلك لم يبلغ عدد أصحاب الصادق عليه السلام في رجال الشيخ أربعة آلاف، فلو كان مقصود المفيد من أصحاب الحديث هو خصوص ما ذكره ابن عقدة، يجب أن يبلغ عدد أصحاب الصادق عليه السلام في رجال الشيخ أيضاً إلي أربعة آلاف، لما التزم به الشيخ في مقدّمته، مع أنّ المذكور في رجاله لا يتجاوز عن ثلاثة آلاف وخمسين رجلاً.

نعم اعتذر عنه النوري بأنّ ما أسقطه الشيخ في باب أصحاب الصادق عليه السلام أثبته في باب أصحاب الكاظم والباقر عليهما السلام، لأنّ بعضهم قد أدرك عصرهما أيضاً، والاعتذار غير موجّه، لأنّ ابن عقدة أفرد لأصحاب كلّ إمام قبل الصادق عليه السلام كتاباً خاصّاً، كما صرّح به الشيخ، ومع هذا لا يصحّ إلّاالاعتذار.

2. إنّ النوري صرّح بأنّ ابن عقدة وثّقهم، مع أنّ العبارات ليس فيها إشارة إلي توثيقه، نعم، وصرّح الشيخ والنجاشي أنّهما جمعا أسماء الرواة عنه، وبذلك يسقط البحث من أنّ توثيق ابن عقدة حجّة، ويبقي هل أنّه زيديّ، أم لا. ولا يخفي من أن بحث النوري مفيد في سائر توثيقاته الخاصّة.

3. المصدر الأساسي لهذا الادّعاء هو قول المفيد، وغيره قد اقتفي أثره، نعم أسنده الحرّ العاملي إلي ابن عقدة.

4. الاعتماد علي هذا التوثيق العامّ، وإن صدر من مفيد الأُمّة وأيّدته جماعة من الأصحاب، صعب جدّاً، لأنّه إن أراد بذلك أنّ أصحاب الصادق عليه السلام كانوا

ص: 523

أربعة آلاف وكلّهم ثقات، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أنّ أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله كانوا عدولاً كلّهم، وإن أراد أنّ أصحابه عليه السلام كثيراً والثقات منهم أربعة آلاف فهذا أمر يمكن التسالم عليه، لكنّه غير مفيد إذ ليس لنا طريق إلي معرفة الثقات منهم، وليس لنا دليل علي أنّ ما ذكره الشيخ في رجاله كلّهم من الثقات.

5. أضف إلي ذلك، أنّ الشيخ قد ضعّف عدّة من أصحاب الصادق عليه السلام. نعم أصرّ النوري علي أنّ التضعيف لا ينافي الوثاقة، لأنّ المراد من «ضعيف الحديث» هو الاعتماد علي المراسيل، أو الوجادة، أو الرواية عن الضعفاء عنه.

لكنّه ضعيف، لأنّ الضعف ظاهر فيهم، فإنّه قال في بعضهم: ملعون غالٍ.

فقد خرجنا بهذه النتيجة: أنّه لم يثبت التوثيق العمومي لأصحاب الإمام الصادق عليه السلام الموجودة في رجال الشيخ.

وممّن وثّقوه علي هذه القاعدة العامّة، عليّ بن أبي حمزة البطائني. قال النجاشي: عليّ بن أبي حمزة - واسم أبي حمزة سالم - البطائني أبوالحسن مولي الأنصار كوفيّ، وكان قائد أبي بصير يحيي بن القاسم، وله أخ يسمّي جعفر بن أبي حمزة، روي عن أبي الحسن موسي، وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام، ثمّ وقف وهو مِن عُمُد الواقفة، وصرّح الشيخ الطوسي أيضاً بوقوفه، في رجاله وفهرسته.

وقيل: إنّه ثقة، واستدلّ علي ذلك بوجوه:

الأوّل: ما تقدّم عن الشيخ في فهرسته من أنّ له أصلاً، وفي رجاله من أنّ له كتاباً.

الثاني: أنّ للصدوق إليه طريقاً وطريقه صحيح.

ص: 524

الثالث: أنّ الأجلّاء كصفوان، وابن أبي عمير، وجعفر بن بشير، والبزنطي قد رووا عنه.

الرابع: ما تقدّم عن ابن الغضائري، في ترجمة ابنه الحسن؛ من أنّ أباه أوثق منه.

الخامس: أنّ الشيخ الطوسي وثّقه في كتاب العدّة وقال: ولذلك عملت الطائفة بأخباره.

السادس: وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، وقد شهد ابن قولويه علي أن لا يروي في هذا الكتاب إلّاعن الثقات. وروي عن أبي بصير، وروي عنه ابنه الحسن.

السابع: وقوعه في تفسير علي بن إبراهيم القمّي.

وقد شهد القمي في مقدّمة تفسيره بأنّه أخذ تفسيره عن ثقات أصحابنا، فقد روي عن أبي بصير، وروي عنه القاسم بن محمّد، تفسير القمّي سورة طه في تفسير قوله تعالي: «طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقي»(1) .

الثامن: استدلّ بعض من المعاصرين إضافة إلي ما قلنا بأنّه من أصحاب الصادق عليه السلام، كما صرّح به الشيخ في رجاله وادّعي المفيد أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان في الإرشاد: أنّ أصحاب الصادق عليه السلام ثقات، وصدّقه علي هذا البحراني في مقدّمة الحدائق الناضرة(2).

هذه غاية ما قاله البعض في توثيقه بعد أن وردت فيه روايات تدلّ علي-.

ص: 525


1- . معجم رجال الحديث ج 11 ص 225.
2- . مجلّة فقه رقم 9، محسن حرم پناهي، مسائل مستحدثة ج 1 ص 76 (مكتب الإعلام الإسلامي) - باللغة الفارسيّة -.

تضعيفه، وأكثرها ضعيفة، ولذلك قال أكثر الفقهاء بوثاقته، مع أنّه واقفيّ.

ولكن ممّن ناقش هذه القرائن الدالّة علي وثاقته هو آية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث حيث أجاب عن الأوّل: بأنّ الكتاب والأصل لا يدلّان علي توثيق الرواة، كما أنّ وجود طريق للصدوق إلي رجل لا يدلّ علي حسنه فضلاً عن توثيقه، والوجهان الأخيران وإن كانا صحيحين، إلّاأنّهما معارضان بما تقدّم عن ابن فضال من قوله: إنّ عليّ بن أبي حمزة كذّاب متّهم، فلا يمكن الحكم بوثاقته، وبالنتيجة فنحن نتعامل معه معاملة الضعيف(1).

هل شيخوخة الإجازة دليل الوثاقة عند المستجيز؟

إنّ قسماً من مشايخ الإجازة الذين يجيزون رواية أصل، أو كتاباً لغيرهم، غير موصوفين في كتب الرجال بالوثاقة، فهل استجازة الثقة عن واحد منهم آية كونه ثقة أو لا؟(2)

فنقول: إنّ الإجازة علي أقسام:

1. أن يجيز الشيخ كتاب نفسه، فيشترط في الشيخ المجيز ما يشترط في سائر الرواة من الوثاقة والضبط، وحكم شيخ الإجازة في هذا المجال حكم سائر الرواة الواقعين في سند الحديث فيشترط فيه ما يشترط فيهم، ولا يدلّ استجازة الثقة علي كونه ثقة حتّي عنده، إذ لا تزيد الاستجازة علي رواية الثقة عنه، فكما أنّها لا تدلّ علي وثاقة المروي عنه، فهكذا الاستجازة، فيجب إحراز وثاقة المجيز من طريق آخر.

ص: 526


1- . معجم رجال الحديث ج 11 ص 226.
2- . نفس المصدر، ج 1 ص 76، بهجة الآمال ج 1 ص 170، مقباس الهداية ج 2 ص 218، منتهي المقال ج 1 ص 85، مشرق الشمسين ص 79.

2. إذا أجاز كتاب غيره، وكان انتساب الكتاب إلي مصنّفه مشهوراً، فالإجازة لأجل مجرّد اتّصال السند، لا لتحصيل العلم بالنسبة إلي مصنّفه، والإجازات الرائجة بالنسبة إلي الكتب الأربعة وغيرها من المؤلّفات الحديثيّة المشهورة كلّها من هذا القبيل، وفي هذه الصورة لا يحرز وثاقة الشيخ بالاستجازة أيضاً لأنّ نسبة الكتب إلي أربابها ثابتة.

ثمّ إنّ الظاهر من الصدوق بالنسبة إلي الكتب التي أخذ منها الحديث في الفقيه أنّها كتب مشهورة، وذكره ما ذكره في المشيخة في آخر الكتب، لأجل تحصيل اتصال السند، لا لتصحيح نسبة الكتاب إلي مؤلّفه، فلا تدلّ استجازته علي وثاقة من روي عنهم في هذه الكتب.

وتوضيحه: أنّ الشيخ الكليني ذكر تمام السند في كتاب الكافي، فبدأ الحديث باسم شيخ الإجازة عن شيخه، إلي أن ينتهي إلي الشيخ الذي أخذ الحديث عن كتابه، حتّي يصل إلي الإمام؛ وهذه سيرته في غالب الروايات إلّاما شذّ.

ولكن الصدوق والطوسي قد بنيا علي حذف أوائل السند، والاكتفاء باسم من أخذ الحديث من أصله ومصنّفه، حتّي يصل السند إلي الإمام، ثمّ وضع في آخر الكتاب «مشيخة» ذكر فيها طريقه إلي من أخذا الحديث من كتابه، فهي المرجع في اتّصال السند في أخبار كتابهما، وربّما أخلّا به، وهذا هو دأبهما.

والظاهر من مقدّمة الفقيه: أنّ الكتب التي أخذ الصدوق الأحاديث منها، وبدأ السند بأسامي مؤلّفيها كتب مشهورة معروفة غير محتاجة إلي إثبات النسبة، فوجود السند إلي هذه الكتب وعدمه سواسية، وعبارة مقدّمة الفقيه صريحة في

ص: 527

هذا، وإلي ذلك كان يميل السيّد المحقّق البروجردي عندما أفاض البحث في المشيخة: وبذلك يعلم وجه ما أفاده الشيخ الطوسي من تقديم رواية السامع علي رواية المستجيز، إلّافيما إذا روي المستجيز بإجازته أصلاً معروفاً، أو مصنّفاً مشهوراً فيسقط الترجيح، وبذلك يمكن أن يقال: إنّ البحث عن طرق الشيخ الطوسي أيضاً إلي أصحاب الكتب المعروفة الثابتة نسبتها إلي مؤلّفيها، بحث زائد، فلا وجه لعدّ الحديث ضعيفاً، أو حسناً لأجل ضعف طريقه، أو عدم ثبوت وثاقة مشايخ إجازته إلي هذه الكتب.

والحاصل، أنّه لو كانت نسبة الكتب التي أُخذ منها الحديث إلي مؤلّفيها مثل نسبة كتاب الكافي إلي مؤلّفه، أو أدني منه، لما دلّت الاستجازة علي وثاقة مجيزها، وأيضاً لما ضرّ عدم وثاقة شيخ الإجازة فضلاً عن كونه مشكوك الوثاقة بالنقل عن هذه الكتب، لما عرفت أنّ نسبة الكتب التي أخذ الصدوق عنها الحديث إلي مؤلّفيها كمثل نسبة الكافي إلي مؤلّفه أو أقلّ منها بقليل، وقد عرفت أنّ البحث عن طرق الصدوق إلي الكتب غير مفيدة، ووافقنا علي ذلك المحقّق التستري، حيث قال: بل يمكن أن يقال بعدم الاحتياج إلي ما فعل في طرق الصدوق، حيث إنّه صرّح في الفقيه بمعروفيّة طرقه إلي الكتب، وإنّ الكتب في نفسها مشهورة.

وأمّا التهذيبان فلو كنّا متمكّنين من تشخيص الكتب الثابتة نسبتها إلي مؤلّفيها عن غيرها، لاستغنينا عن كثير من المباحث التي تدور حول مشيخة الشيخ الطوسي، حتّي صارت سبباً لتقسيم أحاديثهما حسب اختلاف حال المشايخ إلي: الصحيح، والموثّق، والحسن، والضعيف؛ لأنّ جميع الوسائل بينه وبين

ص: 528

صاحب الكتاب، أو صاحب الأصل، في الحقيقة مشايخ إجازة لكتاب الغير وأصله، ولكنّه أمنيّة لا تحصل إلّابالسعي الجماعي في ذاك المجال، وقيام لجنة بالتحقيق في المكتبات.

3. إذا جاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلي مؤلّفه إلّابواسطة الشيخ المجيز، ولا شكّ أنّه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند المستجيز، إذ لولاه لما ثبت نسبته إلي المؤلّف، وبدونها لا يثبت الكتاب، ولا ما احتواه من السند والمتن، وعادت الإجازة أمراً لغواً، فلو كان توثيق المستجيز، أو ثبوت وثاقة المجيز عند المستجيز كافياً، لنا أن نأخذ بالرواية.

4. وبالجملة، الفائدة العليا من ذكر الطريق في المشيخة، هو إثبات نسبة هذه الكتب إلي مؤلّفيها إثباتاً لا غبار عليه، وهذا الهدف لا يتحقّق عند المستجيز؛ إلّا أن يكون شيخ الإجازة ثقة عنده، وإلّا فلو كان مجهولاً، أو ضعيفاً، أو مطعوناً بإحدي الطرق لما كان لهذه الاستجازة فائدة، وهذا هو ما يعني به؛ من أنّ شيخوخة الإجازة دليل علي وثاقة الشيخ عند المستجيز.

وربما يقال: بأنّ النجاشي قال في الحسن بن محمّد بن يحيي: «روي عن المجاهيل أحاديث منكرة، رأيت أصحابنا يضعّفونه» مع أنّه من مشايخ الإجازة للتلّعكبريّ. قال الشيخ: روي عنه التلّعكبري، وله منه إجازة، ولكنّه لا ينافي ما ذكرنا، لإمكان ثبوت وثاقته عند المستجيز كما لا يخفي، فلو كان ثبوت وثاقته عند المستجيز كافياً لنا، ما لم يدلّ دليل علي خلافه، نأخذ بالحديث إذا وقع في السند، وإلّا فلا.

مثال لشيخوخة الكليني والصدوق:

ومن أمثلة البحث هو الاشكال في طريق

ص: 529

الصدوق إلي محمّد بن مسلم، وطريق الصدوق إلي محمّد بن مسلم كما ذكره في المشيخة هكذا: علي بن أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن أبي عبداللّه، عن أبيه، عن جدّه أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد البرقي، عن العلاء بن رزين عنه(1).

«عليّ» من مشايخه، وهو أبوه غير مذكورين، فالسند ضعيف علي المشهور، إلّا أنّه يمكن الحكم بصحّة طريقه إلي محمّد بن مسلم من وجوه:

الأوّل: أنّ طريقه إلي أحمد البرقي صحيح، كما مرّ بل، وله إليه طرق كثيرة كما يظهر من مطاوي أسانيده وأظنّه رحمه الله يتفنّن بذكر مشايخه.

الثاني: أنّ له طرقاً صحيحة كثيرة إلي العلاء، كما مرّ، فلا يضرّ ضعفه بهذا السند.

الثالث: أنّ الشيخ وإن لم يذكر محمّد بن مسلم في الفهرست والمشيخة، إلّا أنّه يظهر من التهذيب في مواضع منها: في باب كيفيّة الصلاة، أنّ طريقه إليه بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزاز، عنه. وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عنه. وعن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عنه. وبإسناده عن سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين - يعني ابن سعيد - عن صفوان، عن حريز، عنه. وهذه الطرق كلّها صحيحة، فلا مجال للتشكيك في صحّة السند(2).5.

ص: 530


1- . من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 6-7 المشيخة.
2- . تهذيب الأحكام ج 2 ص 354/95، وص 520/134 و 242/66 وص 247/68، وخاتمة مستدرك الوسائل ج 5 ص 205.

هذا الذي ذكره الشيخ المحدّث النوري في خاتمة المستدرك وهو الذي سمّاه السيّد الشهيد الصدر بتبديل السند، فإنّ أحد الطرق لو كان ضعيفاً فللصدوق إلي محمّد بن مسلم ولرجاله طرق اُخري صحيحة، مع أنّ الرجلين المهملين هما من مشايخ الكليني والصدوق، وهما إحدي القرائن في توثيق الرواة.

وقد قال أحد تلامذة السيّد الشهيد الصدر في كتابه الخمس: رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: «إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة، أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا، لتطيب ولادتهم، ولتزكوا أولادهم»(1).

وقد رواه الكليني، والصدوق، والشيخ، والشيخ المفيد في المقنعة، إلّاأنّ في طريق الشيخ والكليني يقع محمّد بن سنان، والصدوق ينقله بإسناده عن محمّد بن مسلم، وطريق الصدوق إلي محمّد بن مسلم فيه إشكال معروف، حيث إنّ فيه علي بن أحمد بن عبداللّه البرقي، عن أبيه أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي، عن جدّه أحمد بن أبي عبداللّه البرقي (محمّد بن خالد البرقي) والأوّلان لم يذكرا بمدح في كتب الرجال، ومن هنا توقّف جَمْع في سند الشيخ الصدوق إلي محمّد بن مسلم، ولكن الصحيح إمكان توثيق الرجلين، فأمّا الأوّل: فكونه شيخ الصدوق المباشر، والذي يطمئنّ بوثاقته خصوصاً عند ما ينقل عنه في الفقيه. والثاني: فممّا يطمئنّ إليه أنّه أحمد بن عبداللّه بن أحمد، شيخ الكليني والذي يروي عنه الكليني كثيراً، وكلّ مرويّاته2.

ص: 531


1- . وسائل الشيعة ج 6 ص 382.

عنه، هي عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي الذي هو جدّه الحقيقي، وقد عبّر عنه الكليني في بعض المواضع (أحمد بن عبداللّه، عن جدّه)(1).

وعلي هذا فيصحّ السند المذكور، فإنّ أحد الرجلين شيخ الصدوق، والآخر شيخ الكليني، فيطمئن إلي أنّهما علي كلّ حال من أجلّاء الأصحاب، وممّا يعزّز صحّة هذه الرواية سنداً نقلها من قبل المشايخ جميعاً، كما هو واضح(2).

شيخوخة الإجازة هي محطّ أنظار العلماء والفقهاء

اشارة

وفي مكانة مشايخ الإجازة الرفيعة قال محمّد بن الحسين الشيخ البهائي في مقدّمة مشرق الشمسين: قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح، غير أنّ أعاظم علمائنا المتقدّمين قدّس اللّه أسرارهم قد اعتنوا بشأنه، وأكثروا الرواية عنه، وأعيان مشايخنا المتأخّرين طاب ثراهم، قد حكموا بصحّة روايات هو في سندها، والظاهر أنّ هذا القدر كافٍ في حصول الظنّ بعدالته، وذلك مثل أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، فإنّ المذكور في كتب الرجال توثيق أبيه، وأمّا هو فغير مذكور بجرح ولا تعديل، وهو من مشايخ المفيد، والواسطة بينه وبين أبيه، والرواية عنه كثيرة، ومثل أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، فإنّ الصدوق يروي عنه كثيراً، وهو من مشايخه والواسطة بينه وبين سعد بن عبداللّه.

ومثل الحسين بن الحسن بن أبان، فإنّ الرواية عنه كثيرة، وهو من مشايخ

ص: 532


1- . الكافي ج 4 ص 3.
2- . الخمس ج 2 ص 50 (السيّد محمود الهاشمي).

محمّد بن الحسن بن الوليد، والواسطة بينه وبين الحسين بن سعيد، والشيخ عدّه في كتاب الرجال تارة في أصحاب العسكري عليه السلام(1)، وتارة فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام(2)، ولم ينصّ عليه بشيء، ولم نقف علي توثيقه إلّافي غير بابه في ترجمة محمّد بن اُورمة، والحقّ أنّ عبارة الشيخ هناك ليست صريحة في توثيقه كما لا يخفي علي المتأمّل.

ومثل أبي الحسين علي بن أبي جيد، فإنّ الشيخ رحمه الله يكثر الرواية عنه، سيّما في الاستبصار، وسنده أعلي من سند المفيد، لأنّه يروي عن محمّد بن الحسن ابن الوليد بغير واسطة، وهو من مشايخ النجاشي أيضاً، فهؤلاء وأمثالهم من مشايخ الأصحاب لنا ظنّ بحسن حالهم وعدالتهم، وقد عددت حديثهم في الحبل المتين، وفي هذا الكتاب في الصحيح، جرياً علي منوال مشايخنا المتأخّرين، ونرجو من اللّه سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقاً للواقع وهو وليّ الإعانة والتوفيق(3).

وقال المحقّق العلّامة محمّد إسماعيل الخواجوي في هامش مشرق الشمسين: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمّد بن يحيي العطّار كانا في طبقة واحدة، ويظهر من طرق متعدّدة أنّ ابن الوليد كان ممّن يروي عنه المفيد، وأنّ ابن العطّار يروي عنه الحسين بن عبيداللّه الغضائري، وغير المفيد من مشيخة الشيخ، وكيف ما كان؛ فالأوّل غير موجود في كتب الأصحاب بجرح ولا تعديل، والثاني مذكور مهملاً، ولعلّ جهالتهما غير ضائرة،9.

ص: 533


1- . رجال الشيخ ص 430.
2- . نفس المصدر، ص 469.
3- . مشرق الشمسين ص 79.

نظراً إلي أنّهما من مشايخ الإجازة، ومن المصنّفين، أو الحافظين للأخبار، وأنّهما إنّما يذكران في الأسناد لمجرّد الاتّصال، وعدم قطع الأسناد، ولهذا يوصف الطريق الذي فيه أحمد بالصحّة؛ إن كان باقي السند معتبراً، لا لثقته علي ما توهّم(1).

وقال آية اللّه الخوئي عند ترجمة الحسين بن الحسن بن أبان: أقول: ذكروا لإثبات وثاقة الرجل وجوهاً، منها: اعتماد ابن الوليد عليه وهو نقّاد الرجال.

ومنها: أنّ ابن داود، وثّقه في ترجمة محمّد بن أورمة. ومنها: أنّ العلامة صحّح طريق الصدوق إلي الحسين بن سعيد، وفيه الحسين بن الحسن بن أبان، ومنها غير ذلك، ولكن قد مرّ أنّه لا اعتداد بشيء من ذلك، فالعمدة في وثاقته وقوعه في أسانيد كامل الزيارات لشهادة جعفر بن قولويه بوثاقة جميع من وقع في أسانيده(2).

فعلي هذا، لمّا لم تكن شيخوخة الإجازة عند السيّد الخوئي من أسباب التوثيق، فإنّه اعتمد علي وقوعه في كامل الزيارات وهو مشربه في المعجم؛ قبل رجوعه عنه.

وقال العلّامة الخواجوي: واعلم، أنّهم وإن لم يصرّحوا بتوثيق ابن أبان، إلّا أنّ العلّامة والشهيد الأوّل صحّحا رواية هو في رجالها، وذكره الشيخ في كتابيه ولكن بما لا يدلّ علي مدحه ولا قدحه.

وقال النجاشي: إنّه ممّن أدرك العسكري عليه السلام، ولم أعلم أنّه روي عنه، وذكر2.

ص: 534


1- . مشرق الشمسين ص 87.
2- . معجم رجال الحديث ج 5 ص 212.

ابن قولويه: أنّه قرابة الصفّار، وسعد بن عبداللّه القمّي الأشعري، وهو أقدم منهما، لأنّه روي عن الحسين بن سعيد كتبه كلّها، وهما لم يرويا عنه. فدلّ هذا علي اعتباره وجلالته. وروي جماعة منهم: محمّد بن الحسن بن الوليد، وسعد ابن عبداللّه المذكور.

وقال ابن الوليد: إنّه أخرج إليّ خط الحسين بن سعيد، وذكر أنّه جاء إلي قمّ ونزل عند أبيه الحسن بن أبان، وهو ضيفه، فظهر حيث إنّه نزل عندهم وإنّهم المعتبرون في العلم والدين والدنيا. وقال بعض أصحابنا: من المدح أن يكون الرجل ممّن تردد في جمع الروايات والأصول في دفتر، وجعلهما أصلاً محفوظاً عن الاندراس، أو يكون ممّن روي عنه علمائنا، مثل: ابن الزبير، والحسين بن الحسن بن أبان، وإسماعيل بن مرّار، وبالجملة؛ رواياته إمّا صحاح، أو حسان كالصحاح، ولا بأس بالاحتجاج برواياته؛ إن لم يكن في الطريق مانع من غير جهته(1).

وأمّا أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار القمّي، الذي عنونه آية اللّه الخوئي بعناوين متعددة، قال أخيراً: وكيف كان، فقد اختلف في حال الرجل، فمنهم من اعتمد عليه، ولعلّه الأشهر ويمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الأوّل: أنّه من المشايخ، فقد روي عنه الصدوق، والتلعكبري، بل قيل: إنّه من مشايخ النجاشي. ويردّه ما مرّ في المدخل، من أنّ شيخوخة الإجازة، لا دلالة فيها علي الوثاقة، ولا علي الحسن، وتوهّم أنّه من مشايخ النجاشي، فيه ما ذكرناه في ترجمته: من أنّ أحمد بن محمّد بن يحيي ليس من مشايخ النجاشي2.

ص: 535


1- . مشرق الشمسين ص 82.

نفسه.

الثاني: تصحيح العلّامة، في الفائدة الثامنة من الخلاصة: طريق الصدوق إلي عبدالرحمن بن الحجّاج، وكذا طريقه إلي عبداللّه بن أبي يعفور، وفيهما: أحمد ابن محمّد بن يحيي، ويردّه؛ من أن تصحيح العلّامة، مبنيّ علي بنائه علي أصالة العدالة، وعلي أنّ أحمد من مشايخ الإجازة، وكلا الأمرين لا يمكن الاعتماد عليه.

الثالث: أنّ الشهيد الثاني وثّقه في الدراية، وكذلك السماهيجي والشيخ البهائي، والجواب عن ذلك:

أنّ توثيق هؤلاء، لا يحتمل أن يكون منشأه الحسّ وإنّما هو اجتهاد واستنباط من كون الرجل من مشايخ الاجازة، كما صرّح بذلك الشيخ البهائي في مشرقه، ولذلك تري أنّه ذكر في الحبل المتين في بعض الروايات أنّها ضعيفة، لجهالة أحمد بن محمّد بن يحيي.

الرابع: أنّ أبا العبّاس أحمد بن علي بن نوح السيرافي قد كتب إلي النجاشي في تعريف طرقه إلي كتب الحسين بن سعيد الأهوازي:

فأمّا ما عليه أصحابنا والمعوّل عليه؛ ما رواه عنهما (الحسن والحسين ابني سعيد الأهوازيان) أحمد بن محمّد بن عيسي.

أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبداللّه الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري فيما كتب إليّ في شعبان سنة 352، قال: حدّثنا أبو عليّ الأشعري أحمد بن إدريس ابن أحمد القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد بكتبه الثلاثين كتاباً، وأخبرنا أبو عليّ أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار القمّي،

ص: 536

قال: حدّثنا أبي، وعبداللّه بن جعفر الحميري، وسعد بن عبداللّه، جميعاً عن أحمد بن محمّد بن عيسي. ذكره النجاشي في ترجمة الحسين بن سعيد الأهوازي. وفي هذا الكلام دلالة ظاهرة علي اعتماد الأصحاب علي أحمد بن محمّد بن يحيي، ويردّه:

أوّلاً: ما عرفت من أنّ اعتماد القدماء علي رواية شخص لا يدلّ علي توثيقهم إيّاه، وذلك لما عرفت من بناء ذلك علي أصالة العدالة، التي لا نبني عليها.

وثانياً: أنّ ذلك إنّما يتمّ، لو كان الطريق منحصراً برواية أحمد بن محمّد بن يحيي، ولكنّه ليس كذلك، بل إنّ تلك الكتب المعوّل عليها، قد ثبتت بطريق آخر صحيح، وهو الطريق الأوّل الذي ينتهي إلي أحمد بن محمّد بن عيسي.

ولعلّ ذكر طريق آخر إنّما هو لأجل التأييد.

فالمتحصل ممّا ذكرناه: أنّ الرجل مجهول، كما صرّح به جمع، منهم:

صاحب المدارك(1)، كان هذا ما عند المنهجين: الوثوق الصدوري، والسندي.

فإنّ مشايخ الإجازة عند المتقدّمين لا يحتاجون إلي التزكية، وعند المتأخّرين يحتاجون إليها. وقال المحقّق الخوئي عند ترجمة أحمد بن محمّد بن الحسن ابن الوليد - وقد عنون بعناوين أربعة: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، أحمد بن محمّد بن الحسن، أحمد بن محمّد بن الحسن أبوالحسن، أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد أبوالحسن.

من مشايخ الشيخ المفيد قدس سره، وقد صحّح العلّامة كثيراً من الروايات التي هو في طريقها، وكذلك الشيخ حسن صاحب المعالم، فيما حكي عنه، بل وثّقه8.

ص: 537


1- . معجم رجال الحديث ج 2 ص 328.

الشهيد الثاني في الدراية، والشيخ البهائي في حاشية الحبل المتين.

وقال الميرزا في الوسيط: ولم أر إلي الآن، ولم أسمع من أحدٍ يتأمّل في توثيقه، إلّاأنّه مع ذلك لا يمكننا الحكم بوثاقته، إمّا تصحيح العلّامة، أو غيره للطريق، فهو اجتهاد منه، ولعلّه من جهة أصالة العدالة، كما استظهرنا البناء عليها من العلّامة، ممّا ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة، أو من جهة كونه من مشايخ المفيد، ولذا قال الفاضل المجلسي في الوجيزة: يعدّ حديثه صحيحاً لكونه من مشايخ الإجازة. لكنّنا ذكرنا في المدخل: أنّ الشيخوخة للإجازة لا يلزمها الوثاقة، ولا الحسن.

وأمّا توثيق الشهيد الثاني، والشيخ البهائي فهو كذلك مبنيّ علي الاجتهاد والحدس، إذ لا يحتمل أن يكون مثل هذا التوثيق منتهياً إلي الحسّ والسماع من الثقات، كما هو الحال في توثيق غيرهما من المتأخّرين، لمن يكون الفصل بينه وبينهم مئات من السنين، ولاسيّما أنّه لا يوجد لأحمد هذا ذكر في كتب الرجال، حتّي إنّ العلّامة قدس سره أيضاً أغفل ذكره. ومن هنا قال الفاضل التفريشي: قال الشهيد الثاني في درايته: إنّه من الثقات، ولا أعرف مأخذه، فتحصّل: أنّه لم تثبت وثاقة الرجل بوجه، وكيف كان، فلا ينقضي تعجّبي من عدم تعرّض الشيخ لحاله في رجاله، مع أنّه من المعاريف وكثير الرواية وقد وقع في طريقه إلي محمّد بن الحسن بن الوليد، وغيره(1).

هذا ما عند السيّد وقرينه السيّد التفريشي، وهما من أعلام نقد الرجال، إلّاأنّا نقول: فكما اعتمد السيّد الخوئي علي قول النجاشي في أصحاب الإمام6.

ص: 538


1- . معجم رجال الحديث ج 2 ص 256.

الصادق عليه السلام وكذلك الإمام الباقر عليه السلام، وبما أنّ النجاشي مات سنة 450 ه. ق وهو لم يكن علي هذا في عهد الإمامين الهمامين فنجده مع ذلك قد وثّق أصحابهما، وقد اعتمد السيّد الخوئي عليه، وتوثيقه علي ظنّه، حسّيّ، فكذلك نحن أتباع المنهج الصدوري، نقول: إن كان ظنّ النجاشي يعتمد علي القرائن، فكذلك كان ظنّ البهائي والشهيد الثاني وأمثالهما يعتمد علي القرائن، وإنّ من أهمّ هذه القرائن المعتمدة، هي:

كون الراوي هو الشيخ المفيد، وإذا كان كذلك فكيف تكون شيخوخة النجاشي دليلاً علي توثيق الرواة، ولا تكون شيخوخة المفيد دليلاً علي ذلك؛ مع أنّ المفيد كان أستاذ النجاشي، والمفيد فقيه، متكلّم، عارف بالأخبار، عالم بالتاريخ، فهو مفيد جامع حقّاً، والنجاشي رجاليّ بحت، ولذلك اعتمدنا علي شيخوخة الإجازة، فإنّ مقام مشايخ الإجازة أكبر من أن يحتاجوا إلي نصّ رجاليّ بكلمة: «ثقة» لذا تري أنّ الوحيد البهبهاني قد علّق علي قول المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان بالنسبة إلي رواية زرارة: ضعيفة زرارة بسهل بن زياد(1)، فقال: لا يخفي أنّ هذه الرواية صحيحة أيضاً، كما حقّقنا في الرجال، وجماعة من المحققين علي أنّ ضعف سهل سهل، وأنّه من مشايخ الإجازة، ويذكرونه لمجرّد اتّصال السند، وأنّه مقبول الرواية البتّة، فهي كالصحيحة عندهم. ومثله أحمد بن محمّد بن أبي جيد، فإنّه من مشايخ الإجازة عموماً، ومشايخ النجاشي والشيخ خاصةً، ولذلك وثّقه العلماء(2)، وأمّا السيّد8.

ص: 539


1- . حاشية مجمع الفائدة والبرهان ص 664.
2- . منتهي المقال ج 7 ص 292 وج 4 ص 346، رجال النجاشي ص 948/354، خلاصة الرجال ص 275، الرواشح السماويّة ص 105، الوجيزة ص 358.

الخوئي فقد وثّقه للثاني؛ أي: لكونه من مشايخ النجاشي والشيخ(1).

الوكالة عن الإمام عليه السلام

الوكالة عن الإمام عليه السلام(2)

ربّما تعدّ الوكالة من الإمام، طريقاً إلي وثاقة الراوي، لكنّه لا ملازمة بينهما.

نعم لو كان وكيلاً في الأُمور الماليّة، تكون أمارة علي أمانته فيها، وأين هو من كونه عادلاً، ثقة ضابطاً؟ وربّما يستدلّ عليها بما رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عبدالحميد قال: شككت في أمر «حاجز» فجمعت شيئاً ثمّ صرت إلي العسكر، فخرج إليّ: «ليس فينا شكّ، ولا في مَن يقوم مقامنا بأمرنا، رُدّ ما معك إلي حاجز بن يزيد».

والرواية أخصّ من المدّعي؛ فإنّ الظاهر أنّ المراد الوكلاء المعروفون الذين قاموا مقام الأئمّة بأمرهم، وهذا غير كون الرجل وكيلاً للإمام في أمر ضيعته، أو أمر من الأُمور(3).

كثرة تخريج الثقة عن شخص

إنّ نقل الثقة عن شخص، لا يدلّ علي كون المرويّ عنه ثقة، لشيوع نقل الثقات عن غيره. نعم، كان كثرة النقل عن الضعاف أمراً مرغوباً عنه بين المشايخ، ولأجل هذا أخرج أحمد بن محمّد بن عيسي القمّي، زميله أحمد بن محمّد بن خالد عن قم، لكثرة النقل عن الضعفاء، وعلي ضوء هذا يمكن أن

ص: 540


1- . معجم رجال الحديث ج 2 ص 253 و 259.
2- . كلّيّات في علم الرجال ص 343، أصول علم الرجال ص 484، معجم رجال الحديث ج 1 ص 75، مستند العروة الوثقي، كتاب النكاح، ج 2 ص 411، بهجة الآمال ج 1 ص 171.
3- . منتهي المقال ج 1 ص 86، قوانين الأصول المحكمة ص 485، تنقيح المقال ج 1 ص 23، مستمسك العروة الوثقي ج 14 ص 579، نهاية المرام ج 2 ص 34، أصول علم الرجال (الفضلي) ص 123.

يقال: إنّ كثرة تخريج الثقات عن شخص، دليل علي وثاقته، لكون كثرة النقل عن الضعاف من أسباب الضعف، وكون كثرة النقل عن شخص، آية كون المروي عنه ثقة، وإلّا عاد النقل عنه لغواً ومرغوباً عنه، وهذا بخلاف قلّة النقل، ففيه غايات أُخري.

هذه نهاية الدراسة حول التوثيقات العامّة، فقد عرفت من خلالها الصحيح من السقيم.

ص: 541

ص: 542

الفصل الرابع عشر دراسة حول الكتب الأربعة

تقييم أحاديث الكافي

اشارة

الكلام في الكافي علي وجهين:

الوجه الأوّل: هل كلّ من ورد في أسانيد الكافي ثقة أم لا؟

الوجه الثاني: هل هناك قرائن تدلّ علي أنّ كلّ ما ورد فيه من الروايات صحيح معتبر، ويصحّ العمل به أوْ لا؟

وهذا هو المقصود في البحث، ولنقدّم بكلمة في المؤلّف وكتابه، فإنّ كتاب الكافي هو أحد الجوامع الأربعة، وأرفع الكتب الروائيّة شأناً، وأكثرها فائدة، ووصفه العلماء بأوصاف حسنة. صنّفه مؤلّفه في عشرين سنة، ونقل البحراني عن مشايخه جميع أحاديثه التي جُمِعَت في ستّة عشر ألف ومائة وتسعة وتسعين (16199) حديثاً؛ الصحيح منها علي مصطلح المتأخّرين: خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثاً، والحسن: مائة وأربعة وأربعون حديثاً، والموثّق:

ألف ومائة وثمانية عشر حديثاً، والقويّ منها: اثنان وثلاثمائة، والضعيف منها:

تسعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثمانون (9485) حديثاً.

ص: 543

الصحيح عند القدماء والمتأخّرين

تقسيم الحديث إلي الأقسام الأربعة المشهورة، تقسيم جديد حدث من زمن الرجالي السيّد أحمد بن طاووس الحلّي، أُستاذ العلّامة وابن داود، بعدما كان التقسيم بين القدماء ثنائيّاً، غير خارج عن كون الحديث معتبراً أو غير معتبر؛ فما أيّدته القرائن الداخليّة السنديّة: كوثاقة الراوي، أو الداخليّة المتنيّة: كموافقته للقرآن أو السنّة القطعيّة، أو الاجماع، أو العقل، علي ما صرّح به الشيخ الطوسي في العدّة في أصول الفقه(1) ومقدّمة الاستبصار(2)، أو الخارجيّة كوجوده في أصل معتبر، فهو صحيح، أي معتبر يجوز الاستناد إليه، والفاقد لكلا القرينتين غير صحيح، وهناك مصطلحان للحديث: الصحيح، والغير صحيح، وأصرّ النوري بأنّ أحاديث الكافي صحاح كلّها، لوجود القرائن علي اعتبارها، واستند إلي وجوه أربعة، مرّ واحد منها وفيما يلي الثلاثة الأُخر:

1. الوجه الأوّل: المدائح الواردة في حقّ الكتاب بأنّه أجلّ الكتب، وأنفعها، بل أضبطها، لم يعمل ولم يصنّف في الإماميّة كتاب مثله. وهذه المدائح ليست لكثرة أحاديثها بل لأجل إتقانه، وضبطه، وتثبّته.

أقول: وما يستفاد من هذه المدائح هو اعتبار الكتاب، وأمّا استغناء المستنبط عن ملاحظة رجاله، وأنّ كلّ ما فيه معتبر فلا، ومرادهم من أجلّ الكتب؛ تفوّقه علي سائر الكتب من جهة أُسلوب التبويب، والجامعيّة، والضَّبْط.

الوجه الثاني: المدائح الواردة في حقّ المؤلّف. ذهب المحدّث النوري إلي

ص: 544


1- . العدّه في أصول الفقه ج 1 ص 154.
2- . الاستبصار ج 1 المقدّمة.

أنّ المدائح الواردة في الكليني تستلزم صحّة روايات كتابه، واعتبارها، وعدم لزوم المراجعة إلي أسناد رواياتها.

قال النجاشي: إنّ الكليني أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. وهذا القول من مثل النجاشي، لا يقع موقعه، إلّاأن يكون الكليني واجداً لكلّ ما مدح به الرواة والمؤلّفون، ممّا يتعلّق بسند الحديث، واعتبار الخبر، ومن أجلّ المدائح وأشرف الخصال المتعلّقة بالمقام، الرواية عن الثقات، ونقل الأخبار الموثوق بها، وهذا مثل ما صرّح به الشيخ في الطاطري: له كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم. وفي جعفر بن بشير: كثير العلم ثقة، روي عن الثقات ورووا عنه، وقوله في العدّة: سوّت الطائفة بين ما يرويه ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّاعمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم.

وصرّح العلّامة في المختلف: بأنّ ابن أبي عقيل شيخ من علمائنا، تقبل مراسيله لعدالته ومعرفته. فإذا كان أبو جعفر الكليني أوثقهم وأثبتهم في الحديث، فلابدّ وأن يكون جامعاً لكلّ مادح به آحادهم من جهة الرواية، فلو روي عن مجهول، أو ضعيف ممّن يترك روايته، أو خبراً يحتاج إلي النظر في سنده، لم يكن أوثقهم وأثبتهم، فإنّ كلّ ما قيل في حقّ الجماعة من المدائح والأوصاف المتعلّقة بالسند يرجع إليهما، فإن قيساً مع البزنطي وأضرابه، وجعفر ابن بشير، لابدّ وأن يحكم بوثاقة مشايخه، وإن قيساً مع الطاطري وأصحاب الإجماع، فلا مناص من الحكم بصحّة حديثه، وإنّه لم يودع في كتابه إلّاما تلقّاه

ص: 545

من الموثوقين بهم وبرواياتهم. ثمّ إنّ النجاشي قال بعد توصيفه بالأوثقيّة: إنّه ألّف الكافي في عشرين سنة، وظاهراً أنّ ذكره لمدّة تأليفه لبيان أثبتيّته، وأنّه لم يكن غرضه مجرّد جمع شتات الأخبار فإنّه لا يحتاج إلي هذه المدّة الطويلة.

ويظهر من أوثقيّته وأثبتيّته أيضاً، أنّه مبرّأ عن كلّ ما قدح به الرواة، وضعّفوا به من حيث الرواية، كالرواية عن الضعفاء والمجاهيل، وعمّن لم يلقه، وسوء الضبط واضطراب ألفاظ الحديث، والاعتماد علي المراسيل، وأمثال ذلك ممّا لا يجتمع مع التثبّت والوثاقة، ولكن نتيجة النوري التي استنبطها غير صحيحة لوجوه:

أوّلاً: إنّ الأوثقيّة صفة تفضيل من الوثاقة، والمراد منه التحرّز عن الكذب لأجل العدالة والورع، كما أنّ الأثبتيّة وصف تفضيل من التثبّت، والمراد منه قلّة الزلّة والخطأ وندرة الاشتباه، وعليه يكون معني: الأوثق، هو الواقع في الدرجة العليا من التحرّز عن الكذب، كما يكون معني الأثبت هو المصون عن الزلّة بوجه ممتاز، وعلي ذلك فلا يدلّ اللفظان ما رامه المحدّث النوري، وبالجملة؛ لا يستفاد من اللفظين، أنّ كلّ ما يوصف به معدود من الرواة في الفضائل، فهو حاصل فيه علي الوجه الأتمّ والأشدّ، بل المراد تنزيهه من جهة التحرّز عن الكذب، وتوصيفه من جهة الصيانة عن الخطأ والزلّة، وأين هو من صحّة عامّة رواياته لأجل وثاقة رواتها؟

ثانياً: اتّصاف جماعة من أصحابنا بعدم الرواية، أو الإرسال إلّاعن ثقة - علي فرض ثبوته - فضيلة لهم ليست لها دخالة في اتّصافهم بالوثاقة، بحيث لو لم يكن الكليني مثلهم لا يكون أوثق الناس وأثبتهم، لما عرفت من أنّ المادّة

ص: 546

والهيئة لا ترميان إلّاإلي التحرّز عن الكذب و السداد عن الزلّة.

ثالثاً: إنّ الرواية عن الضعفاء مع عدم التصريح بأسمائهم يخالف الوثاقة، وأمّا الرواية عنهم مع التصريح فلا يخالفها أبداً. نعم إكثار الرواية عن الضعفاء كان أمراً مذموماً، وأمّا النقل عنهم علي الوجه المتعارف مع التسمية فلا ينافي الوثاقة والتثبّت، فلا مانع من أن يروي الكليني مع ذكر أسمائهم، ومع ذلك يكون من أوثق الناس وأثبتهم.

رابعاً: إنّ المتحرّزين في النقل عن الضعفاء، إنّما يتحرّزون في النقل عنهم بلا واسطة، وأمّا النقل عنهم بواسطة الثقات، فقد كان رائجاً، فهذا هو النجاشي لا يروي إلّاعن ثقة بلا واسطة، وأمّا معها فيروي عنها وعن غيرها، وعلي ذلك فأقصي ما يمكن أن يقال: إنّ الكليني لا يروي في كتابه بلا واسطة إلّاعن الثقات، وأمّا معها فيروي عن الثقة وغيرها، وأمّا الالتزام بالنقل عن الثقات في جميع السلسلة، فلم يثبت في حقّ أحد، إلّاالمعروفين بهذا الوصف.

خامساً: إنّ تأليف الكافي في عشرين سنة، لم يكن لأجل تمييز الصحيح عن غيره، وجمع الروايات الموثوق بها فقط، بل كان هذا أحد الأهداف، ولكن كان هناك أسباب أُخري لطول المدّة، وهو السعي في العثور علي النسخ الصحيحة المقروءة علي المشايخ، أو المسموعة عنهم، وانتخاب الصحيح عن الغلط، والأصح من الصحيح، والدقّة في مضامين الروايات، ولم يكن التأليف يومذاك أمراً سهلاً، ولم يكن هدفه المحض هو جمع روايات بلا دقّة في مضمونها.

الوجه الثالث: كون المؤلّف في عصر الغيبة الصغري، لأنّ الكليني كان حيّاً في عصر وكلاء المهدي عليه السلام وهم: عثمان بن سعيد العمري، وولده أبو جعفر

ص: 547

محمّد، وأبو القاسم الحسين بن روح، وعليّ بن محمّد السمري رحمهم الله، وتوفّي محمّد بن يعقوب قبل وفاة عليّ بن محمّد السمري، لأنّ عليّ بن محمّد السمري توفّي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، والكليني توفّي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، فتصانيف الكليني ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين، أي في وقت كان يجد طريقاً إلي تحقيق منقولاته وتصديق مصنّفاته، وكان قد عرض الكتاب علي النوّاب مرسوماً، كما اتّفق ذلك بالنسبة إلي كتب الشلمغاني وبني فضّال، فمن البعيد غاية البعد أنّ أحداً منهم (النوّاب) لم يطلب من الكليني هذا الكتاب الذي عمل لكافّة الشيعة، أو لم يره عنده ولم ينظر إليه.

أقول: ما ذكره مبنيّ علي أمرين غير ثابتين بل الثابت خلافه:

الأوّل: كون الكليني مقيماً ببغداد، وقام بتأليفه بمرأي ومسمع من النوّاب، وكان بينه وبينهم مخالطة ومعاشرة.

والثاني: إنّ الجهة الباعثة إلي عرض كتاب (التكليف للشلمغاني) علي أبي القاسم بن روح كانت موجودة في الكافي كذلك، وإليك بيان الأمرين:

أمّا الأوّل: فيه أوّلاً: أنّ صريح قول النجاشي في ترجمته: شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، أنّه كان مقيماً بالريّ مؤلّفاً فيها ثمّ انتقل إلي بغداد، ومن البعيد أن لا يستنسخ منه في موطنه عدّة نسخ بواسطة تلاميذه قبل الانتقال إلي بغداد، ولا ينتشر في الأقطار الإسلاميّة، ولو صحّ ذلك فلا فائدة في العرض بعد النشر.

وثانياً: أنّه لم تكن بينهما مخالطة ومعاشرة بشهادة أنّه لم يرو عن أحد من

ص: 548

النوّاب في أبواب الكافي، حتّي ما يرجع إلي الإمام الحجّة عليه السلام، ومع هذا كيف يدّعي أنّه عرض كتابه عليهم واستظهر منهم الحال.

وثالثاً: أنّه لو عرض هو نفسه أو أحد تلاميذه، كتابه عليهم، لذكره في ديباجة الكتاب، وقد كتبها بعد تأليف الكتاب.

وأمّا الثاني: فلأنّ الداعي إلي عرض كتب الشلمغاني هو احتمال أنّه أدخل فيه لأجل انحرافه ما لم يصدر عنهم عليه السلام، وكان كتاب التكليف الرسالة العمليّة، ينظر فيه كلّ عاكف وباد وعمل بما فيه، وأين هو من كتاب الكافي الذي ألّفه الثقة الثبت الورع، الذي نقطع بعدم كذبه علي الأئمّة عليهم السلام، فلا حاجة للعرض، وإلّا لوجب عرض غيره من الجوامع، فقياس كتاب الكافي بكتاب التكليف قياس مع الفارق.

وعن العلّامة المجلسي: وأمّا جزم بعض الجازمين بكون جميع الكافي معروضاً علي القائم، لكونه في بلد السفراء، فلا يخفي ما فيه، وممّا يدلّ علي أنّه لم تكن جميع روايات الكتاب صحيحة عند المؤلّف نفسه؛ أنّه عنون في مقدّمة الكافي الخبرين المتعارضين وكيفيّة علاجهما، بأنّ من المتعارضين ما أمر الإمام بترجيحه بموافقة الكتاب، ومخالفته العامّة، وكونه موافقاً للمجمع عليه، وفيما لا يوجدا المرجّحات المذكورة، يجوز الأخذ بأحدهما من باب التسليم.

ومع ذلك، كيف يمكن القول بأنّ كلّ ما ورد في الكافي كان صحيحاً عند الكليني، ومقدّمة الكتاب ظاهرة في أنّه غير معتقد بصدور روايات كتابه عن المعصوم جزماً، أضف إلي ذلك أنّه لو كان كلّ ما في الكافي صحيحاً عند

ص: 549

الكليني لنقل منه إلي غيره بعبارة واضحة، ولكان الصدوق نقل ذلك القول في أحد كتبه، بل عدّ جميع روايات الكافي صحيحة، إذ ليس الكليني بأقلّ من شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد، فقد نري أنّه يقول في حقّه في فقيهه؛ - في خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه - وكلّ ما لا يصحّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح(1).

نعم، ربّما استدلّ علي عدم صحّة روايات الكافي، بأنّ الصدوق إنّما كتب كتاب من لا يحضره الفقيه إجابة لطلب أبي عبداللّه المعروف بنعمة(2)، فلو كانت روايات الكافي صحيحة عند الصدوق، فضلاً عن أن تكون قطعيّة الصدور، لم تكن حاجة إلي كتابة كتاب الفقيه، بل كان علي الصدوق الإرجاع إليه، ولا يخفي أنّ السيّد نعمة طلب رسالة عمليّة، وكتاب الكافي ليس بهذا الصدد.

نعم، وربّما يورد علي المستدلّ بقطعيّة أحاديث الكافي، فإنّ الكليني نقل روايات عن غير أهل البيت عليهم السلام.

ولا يخفي أنّ نقل هذه الكلمات مع التصريح بأسماء المروي عنهم لا يضرّ المستدلّ، فإنّ نقل هذه الكلمات عن أصحابها مع كونهم غير معصومين؛ كنقل معاني اللغة عن أصحابها، ولا ينافي كون مجموع الكتاب مرويّاً عن الصادقين عليهم السلام.

إلي هنا تبيّن أنّ كتاب الكافي، كتاب جدير بالعناية، ويعدّ أكبر المراجع وأوسعها للمجتهدين، وليست رواياته قطعيّة الصدور فضلاً عن كونها متواترة،3.

ص: 550


1- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 40.
2- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.

أو مستفيضة، بل هو كتاب شامل للصحيح والسقيم، فيجب علي المجتهد المستنبط تمييز الصحيح عن الضعيف فيه، ولأجل إيقاف القارئ علي بعض ما لا يمكن القول بصحّته نقلاً وعقلاً، نشير إلي هذه الرواية: فقد روي عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالي: «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ»(1) فرسول اللّه الذكر، وأهل بيته المسؤولون وهم الذكر. ولو كان المراد من الذكر هو النبيّ، فمن المخاطب في قوله «لك» وهو سبحانه يقول: «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ» أي لك أيّها النبيّ (2).

التعليق في أسانيد الكافي

كان لكلّ من الأعلام المتقدّمين طريقه الخاصّ في نقل الحديث، فإنّ منهج ثقة الإسلام الكليني غير منهجي الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي، ونقول بالإجمال: إنّ ذكر الإسناد للروايات يمكن أن يكون بإحدي هذه الطرق، فالسند إمّا مسلسل، أو معنعن، أو معلّق.

فعن الشهيد الثاني: المسلسل: هو ما تتابع فيه رجال الأسناد علي صفة كالتشبيك بالأصابع، أو حالة كالقيام في الراوي للحديث، سواء كانت تلك الصفة، أو الحالة قولاً، كقوله: سمعت فلاناً يقول، إلي المنتهي - أي: منتهي الإسناد - أو أخبرنا فلان واللّه، قال: أخبرنا فلان واللّه، إلي آخر الإسناد(3).

وقال أحمد بن حجر العسقلاني في شرح نخبة الفكر: وإن اتّفق الرواة من إسناد من الأسانيد في صيغ الأداء؛ كسمعت فلاناً قال: سمعت فلاناً، أو حدّثنا

ص: 551


1- . الزخرف/ 44.
2- . معجم رجال الحديث ج 1 ص 101.
3- . الرعاية ص 117.

فلان قال: حدّثنا فلان، وغير ذلك من الصيغ، أو غيرها من الحالات القوليّة كسمعت فلاناً يقول: أشهد باللّه، لقد حدّثني فلان إلي آخره، أو الفعليّة، كقوله:

دخلنا علي فلان فأطعمنا تمراً؛ إلي آخره، أو القوليّة والفعليّة معاً، كقوله: حدّثني فلان؛ وهو آخذ بلحيته(1)، والمعنعن: هو ما يقال في سنده: فلان عن فلان، من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع، وبذلك يظهر وجه تسميته معنعناً، وقد اختلفوا في حكم الإسناد المعنعن فقيل: هو كالمرسل، وكالمنقطع حتّي يتبيّن اتّصاله بغيره، لأنّ العنعنة أعمّ من الاتّصال لغة، والصحيح الذي عليه جمهور المحدّثين بل يكاد يكون إجماعاً، أنّه متّصل؛ إن أمكن اللقاء، أي: ملاقاة الراوي بالعنعنة لمن رواه عنه مع البراءة - أي براءته - من التدليس، بأن لا يكون معروفاً به(2).

والعنعنة في اللغة مصدر صناعي؛ كالحوقلة، والحمدلة، والبسملة. قال العلّامة الملّا علي الهروي القارئ في شرح شرح نخبة الفكر، اعلم أنّ العنعنة مصدر مصنوع؛ كالبسملة، والحمدلة، من عنعنت الحديث: إذا رويته بلفظِ عن(3).

والعنعنة محمولة علي السماع والاتّصال، كما صرّح به ثاني المحدّثين عند أهل السنّة، وهو مسلم بن الحجاج النيسابوري في خطبة كتابه الصحيح(4).6.

ص: 552


1- . شرح شرح نخبة الفكر ص 657، الباعث الحثيث ص 163، فتح المغيث (عراقي) ص 326، فتح المغيث (سخاوي) ج 4 ص 37، تدريب الراوي ج 2 ص 187.
2- . الرعاية ص 99.
3- . شرح شرح نخبة الفكر ص 675.
4- . فتح المغيث (السخاوي) ج 1 ص 192، شرح شرح نخبة الفكر ص 676.

والمعلّق وهو: ما حذف من مبدأ أسانيده واحد أو أكثر، كقول الشيخ رحمه الله:

محمّد بن أحمد إلي آخر، أو محمّد بن يعقوب، أو روي زرارة عن الباقر عليه السلام، أو الصادق، أو قال النبيّ صلي الله عليه و آله، مأخوذ من تعليق الجدار أو الطلاق، لاشتراكهما في قطع الاتّصال، ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده أو آخره، لتسميتها المنقطع والمرسل، ولا يخرج المعلّق عن الصحيح إذا عرف المحذوف من جهة ثقة خصوصاً إذا كان العلم من جهة الراوي، كقول الشيخ في كتابيه، والصدوق في الفقيه: محمّد بن يعقوب، أو أحمد بن محمّد، أو غيرهما ممّن لم يدركه، ثمّ يذكر في آخر الكتاب طريقه إلي كلّ واحد ممّن ذكر في أوّل الإسناد، وهو حينئذ - أي حين يعلم المحذوف - في قوّة المذكور، لأنّ الحذف إنّما هو من الكتابة، أو اللفظ حيث تكون الرواية به، والقصد ما ذكر، وإلّا يعلم المحذوف من جهة ثقة، خرج المعلّق عن الصحيح إلي الإرسال، وما في حكمه(1).

وقال الملّا عليّ الهروي القارئ في شرح شرح نخبة الفكر: الحديث المعلّق ما يكون الحذف من مبتدإ السند، ويُعزي الحديث إلي من فوقه (المعلّق، سواء كان الساقط واحداً أم أكثر) والأكثر أعمّ من أن يكون كلّ السند، أو بعضه، كقول البخاري، وقال يحيي بن كثير، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان، عن أبي هريرة، قال: إذا قاء فلا يفطر. قال ابن الصلاح: ولم أجد لفظ التعليق مستعملاً فيما سقط منه بعض رجال الإسناد من وسطه، ولا من آخره، ولا فيما ليس فيه جزم ك: يروي، ويذكر. قال: كأنّ التعليق مأخوذ من تعليق الجدار، وتعليق الطلاق2.

ص: 553


1- . الرعاية ص 102.

ونحوهما، لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتّصال(1).

فهذه ثلاثة مناهج في نقل الحديث، ومنهج التسلسل هو منهج أبي عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري في كتابه الصحيح، فإنّ غالبه مسلسل، وإن كان فيه روايات معلّقة أيضاً كما ذكرنا، ومن علماء الإماميّة الذين حدّثوا علي منهج التسلسل هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي في كثير من كتبه:

كالعيون والأمالي والعلل، فهو من خاصّة المتقدّمين، ويروي عن مشايخ أهل السنّة في أسفاره، وكان الحديث المعتبر والمشهور عندهم آنذاك علي طريق التسلسل، فيقول في كتبه: حدّثنا فلان قال.. كما أنّ الإمام الرضا عليه السلام إذا حدّث في نيسابور حدّثهم الحديث مع إسناده، وهو علي منهج التسلسل، فإنّ نيسابور كانت آنذاك تعجّ بمشايخ أهل السنّة والجماعة، وعلي رأسهم إسحاق بن راهويه، وأبو زرعة الرازي، وإسحاق بن راهويه هو أستاذ البخاري ومسلم بن الحجّاج النيسابوري، وهو الذي حثّ البخاري علي تأليف كتابه الصحيح فقال لتلامذته يوماً: لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن النبيّ صلي الله عليه و آله، وعلي دعوته هذه عزم البخاري علي جمع الروايات وتأليف كتابه، وإن عارضه إسحاق بن راهويه بعد تأليف كتاب البخاري، وكذلك رغّب النيسابوري في جمع روايات الرسول في كتاب، وقد جمع كتابه الصحيح ليلحق بالصحيح للبخاري، والبخاري شدّد في شروط الحديث، فكان يري أنّ الحديث الصحيح يجب أن يكون إسناده متّصلاً بالقائل، ورواته ثقات، ولم يكن فيه أيّ شذوذ ولا علّة، ومع هذه الشروط الأربعة اشترط شرطاً خامساً وهو أن تكون الرواية عن رؤية أستاذ لا عن الوجادة1.

ص: 554


1- . شرح شرح نخبة الفكر ص 391.

وغيره، أمّا مسلم فقد سهّل الأمر حين قال: إنّ رواية الحديث يصحّ علي العنعنة أيضاً ولا يُعاب عليه، كما صرّح به في مقدّمة كتابه، فعندما طلب إسحاق بن راهويه وأبو زرعة الرازي، حديثاً من الإمام عليه السلام حدّثه عليه السلام الحديث من علي هودجه، فقال عليه السلام: «سمعت أبي موسي بن جعفر عليهما السلام، قال: سمعت أبي جعفر ابن محمّد عليهما السلام، قال: سمعت أبي محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: سمعت أبي عليّ ابن الحسين عليهما السلام، قال: سمعت أبي الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال: سمعت أبي أميرالمؤمنين عليّاً عليه السلام، قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله، قال: سمعت جبرائيل عليه السلام قال: سمعت اللّه تعالي يقول: «كلمة لا إله إلّااللّه حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي»، ولمّا كتب الكتّاب والمحدّثون وهم مائة وعشرون ألفاً أخرج رأسه من الهودج وقال عليه السلام: «بشروطها، وأنا من شروطها».

فهذا الحديث من الكنوز في نيسابور ولولا سفر أبي جعفر الصدوق رئيس المحدّثين إلي نيسابور، لما وصل إلينا هذا الحديث، لأنّه لم ينقله ثقة الإسلام الكليني في كافيه، ولا الشيخ الطوسي في تهذيبه ولا في استبصاره.

نعم رواه في أماليه، ولكنّ الصدوق رحمه الله شمّر عن ساعده وذكره في عيون أخبار الرضا عليه السلام بثلاث طرق، وذكره أيضاً في التوحيد بطرق اُخري، وللمحدّثين إليه ستّ طرق، ورواه مشايخ من أهل السنّة وهم من النواصب، معاندون لأهل البيت عليهم السلام، كأحمد بن محمّد الضَّبِّيّ، وهو شيخ من مشايخ الصدوق، وقال في أماليه: أخذت الحديث عنه في نيسابور، وما لقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول: اللهمّ صلّ علي محمّدٍ فرداً، ويمتنع من الصلاة علي آله. فهو يصلّي الصلاة البتراء، وهذا هو دأب رئيس المحدّثين

ص: 555

الصدوق في كتابيه، بل وفي أكثر كتبه.

وقد شاع بعد البخاري كتابة الحديث علي منهج العنعنة، وكتب مسلم بن الحجّاج النيسابوري كتابه الصحيح الذي هو عند المغاربة أرفع منزلة من كتاب البخاري، ويروي فيه أحاديث في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام مع أنّ البخاري لم يروها أبداً، كما أنّه لم يرو عن الحسنين، مع أنّهما كانا من صحابة رسول اللّه صلي الله عليه و آله، ولم يرو أيضاً عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، مع أنّه كان من رواة الرسول صلي الله عليه و آله، وأمّا وجه عدم نقله عن الصادق عليه السلام فكما قيل: إنّه كان في عهد العبّاسيين وفي بلاطهم، ولم يرد أن يكون لتأليفه ما يساهم في منع الحكومة له، فهو لم يحدّث عن الذين كانوا معارضين للحكومة كالصادق، والإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، ولعلّ السبب هو تدليس الشيخ البخاري له، فقد قال: لا تروِ عن جعفر بن محمّد، فإنّه يروي عن رسول اللّه مرسلاً، ولا سند له، ولهم دعوي قول رسول اللّه صلي الله عليه و آله: خذوا العلم من أفواه الرجال ولا يُغرَّنّكم الصَّحفيّون. ولعلّ العلّة الأصليّة هي هذه، مع أنّ الأئمّة عليهم السلام إذا كان سائلهم سنيّاً يذكرون السند، وإن راجعت وسائل الشيعة - من أوّله إلي آخره - تجد السند هكذا:

... عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب، عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله... فسوف تري أنّ هذا السند راويه يكون سنيّاً، وكم لنا في رواتنا راوياً سنيّاً، فهذا هو إسماعيل بن أبي زياد السكوني قاضي الموصل الذي يروي عن الصادق عليه السلام كثيراً، وهو ثقة عند علمائنا، وإن لم يرد فيه توثيق خاصّ، ولكنّ الأصحاب عملوا برواياته وكانت رواياته متقنة نصّاً، موافقة لرواياتنا من حيث

ص: 556

المضمون، وأمّا ثقة الإسلام الكليني، فإنّ دأبه هو الإتيان بالأسانيد مع العنعنة، ولكن هل روي روايات بالسماع عن الأساتذة - كما هو الظاهر - أو رواها بطريق الوجادة كما يُحتمل؟ فالكليني يذكر قبل كلّ رواية سنده إتقاناً لعمله، وهذا دأب مسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه وغيرهما من المحدّثين.

أمّا في عهد الصدوق فقد وجدت طريقة اُخري في نقل الروايات وهي طريقة التعليق، والتعليق - كما ذكره الشهيد الثاني وأحمد بن حجر العسقلاني -:

هو حذف صدر السند. وذكرها في المشيخة؛ وهي كتاب يجمع الطرق. كما أنّ الفهرست للشيخ الطوسي اُلّف علي هذا المنهج؛ فكلّ ما روي الطوسي (460 ه ق) عن محمّد بن يعقوب (328 ه ق) أو عن محمّد بن أبي عمير (217 ه ق)، أو عن زرارة (148 ه ق) فلا يذكر السند، والطريق هو من سنة 148 إلي 460 بل كان يحذفها، ثمّ يذكر في المشيخة هذا الطريق، ويقول هناك: كلّ ما رويته عن محمّد بن يعقوب فأرويه عن المفيد، عن شيخه أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، وهكذا الصدوق.

وقلّما يذكران السند، ولكن يحذفان صدر الإسناد كثيراً. وفي من لا يحضره الفقيه، 2050 رواية مرسلة؛ كما صرّح بذلك الشيخ البهائي والصدوق نفسه، وقد ذكر السند بتمامه بنحو قليل، وقد يحذف أحياناً صدر السند، ويذكر الطريق في المشيخة، وقد لا يذكر الطريق في المشيخة قطّ، وهذا هو محلّ النزاع، هل هو مرسل أو مسند، لأنّ رواياته مأخوذة من الكتب المشهورة، وقد يرسل الرواية بقوله: قال.. وقد يرسل بقوله: روي، وأمّا إذا كان يذكر هكذا: «روي زرارة» فهل هذا مرسل، أو هو معلّق كما قال: زرارة ابتداء.

ص: 557

قد أكّد استاذي آية اللّه المرتضوي - وهو من كبار أساتذة البحث الخارج في الحوزة العلميّة بمشهد -: بأنّ هناك فرقاً بين «زرارة، قال الصادق» وبين «روي زرارة»، ففي الصورة الأولي نقول: إنّ سند الحديث معلّق، وأمّا في الصورة الثانية فهي مرسلة، لا معلّقة، ولكنّ العلماء لم يفرّقوا بين الموضعين، وقالوا: إنّ طريق الصدوق إلي زرارة يشمل كلا الموضعين، وعليه، لمّا ذكر الصدوق طريقه إلي زرارة في المشيخة، والطريق صحيح، فالرواية صحيحة، وأصرّ الأستاذ أنّ الرواية غير معتبرة، لأنّ الصدوق رواها مرسلة معلّقة فعلينا إذن أن نفرّق بين ما إذا قال الصدوق: زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام، وبين ما قال: روي زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام.

ونرجع بعد هذا كلّه إلي الكافي لثقة الإسلام الكليني، كما ذكرنا أخيراً أنّ دأبه ذكر تمام السند معنعناً، وقد يحذف صدر السند، فقد توهّم كثير من العلماء، ومنهم: الشيخ الطوسي وهو من المتقدّمين، وآية اللّه الخوئي وهو من المتأخّرين المعاصرين، وظنّوا أنّ هذه الروايات مرسلة، وفي الحقيقة، أنّ هذه الروايات مسندة معلّقة، وممّن انتبه إلي هذا وأعاره أهميّة هو الشيخ حسن العاملي - ابن الشهيد الثاني - فإنّه صرّح في منتقي الجمان: بأنّ الروايات في الكافي معلّقة، وظنّها البعض أنّها مرسلة، مع أنّ سند الرواية معتمد علي الإسناد الأوّل.

وممّن أولي عناية لهذا الأمر هو الشيخ المحدّث محمّد بن الحسن العاملي في وسائل الشيعة، فإنّه بعد أن يذكر الحديث من الكافي، إن كان قد رواه الشيخ الطوسي فيقول: «ورواه الشيخ بإسناده»، هذا هو تعبير الشيخ الحرّ العاملي، في

ص: 558

ذكر رواية ذكرها الطوسي، إضافة إلي الكليني، وإن روي حديثاً مسنداً معنعناً عن الكليني، ثمّ روي حديثاً ثانياً عن الكليني يقول: والحديث في الكافي كان معلّقاً.

وقال الشيخ الحرّ العاملي: وروي بالإسناد، أي يعرّف كلمة الإسناد بأل العهد الذهني، أي هذا الحديث أيضاً مسند، معنعن، كما كان الحديث السابق هكذا؛ فنذكر أمثلة كثيرة في هذا الباب، مثل: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسي، عن حريز، عن زرارة وأبي بصير قالا: قلنا له...(1).

ومثل: حماد عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام، فالحديث الثاني معلّق علي الحديث السابق وليس مرسلاً، فالسند في الأصل هكذا، عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام.

وأيضاً: محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام(2).

ومثل هذا الإسناد في الكافي كثير، سيّما في المجلّدات الأخيرة، فهذا كتاب الأطعمة والأشربة والذباح، وفيه: قال الشهيد الأوّل في ذيل الحديث التالي أنّه مسند: «محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيي، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام قال: لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور؛ وهو ينظر إليه».ر.

ص: 559


1- . الكافي ج 3 ص 358.
2- . نفس المصدر.

ومحمّد بن يحيي رفعه قال، قال أبوالحسن الرضا عليه السلام «إذا ذبحت الشاة وسلخت، أو سلخ منها شيء قبل أن تموت لم يحلّ أكلها»(1).

وقال الشهيد الأوّل: الحديث الأخير مسند. وهو معلّق يعتمد علي الحديث الأوّل، وعارضه المحقّق الأردبيلي وغيره من الفقهاء: بأنّ الحديث مرسل، ودع هذا لِنرجع إلي ما هو المشهور والمعروف في الكافي: محمّد بن يحيي بن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان بن سدير، عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام \وعنه، عن حَنان قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ الحسن بن المنذر(2).

وأمّا الشيخ الحرّ العاملي فقد ذكر في وسائل الشيعة هكذا:

1. محمّد بن يعقوب....

2. وعن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان بن سدير، عن الحسين بن المنذر....

3. وبالإسناد عن حَنان...(3).

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين الأحمسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام... \ابن أبي عمير، عن الحسين الأحمسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام(4).

4. محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن0.

ص: 560


1- . الكافي ج 6 ص 230.
2- . نفس المصدر، ج 6 ص 239.
3- . وسائل الشيعة ج 24 ص 49.
4- . الكافي ج 6 ص 240.

الحسين الأحمسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام....

5. وبالإسناد عن حسين الأحمسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام(1).

وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبداللّه بن طلحة، قال ابن سنان، وقال إسماعيل ابن جابر، قال أبو عبداللّه عليه السلام..

\عنه عن ابن سنان، عن قتيبة الأعشي، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام...(2).

6. وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام. ورواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد....

7. وعنهم، عن سهل، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبداللّه بن طلحة، قال ابن سنان، قال إسماعيل بن جابر، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام....

8. وبالإسناد عن ابن سنان، عن قتيبة الأعشي، قال: سألت(3)....

ومثل هذه الروايات في الكافي كثير، فإنّها ليست من المراسيل كما ظنّوا، بل من المسانيد، والمعلّقات علي الأسانيد السابقة، وأعمل الشيخ الحرّ الأسانيد جميع الوسائل.

وقال الشيخ حسن العاملي في مقدّمة منتقي الجمان: فاعلم، أنّه اتّفق لبعض الأصحاب توهّم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي، لغفلتهم عن ملاحظة4.

ص: 561


1- . وسائل الشيعة ج 24 ص 52.
2- . الكافي ج 6 ص 240.
3- . وسائل الشيعة ج 24 ص 54.

بنائه لكثير منها علي طرق سابقه، وهي طريقة معروفة بين القدماء، والعجب أنّ الشيخ رحمه الله ربّما غفل عن مراعاتها، فأورد الإسناد عن الكافي بصورته، ووصله بطريقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة، فيصير الإسناد في رواية الشيخ له منقطعاً، ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله، ومنشؤ التوهّم الذي أشرنا إليه فقد الممارسة المطّلعة علي التزام تلك الطريقة، فيتوقّف عن القطع بالبناء المذكور ليتحقّق به الاتصال وينتفي معه احتمال الانقطاع، وسيرد عليك في تضاعيف الطرق أغلاط كثيرة نشأت من إغفال هذا الاعتبار عند انتزاع الأخبار من كتب السلف وإيرادها في الكتب المتأخّرة، فكان أحدهم يأتي بأوّل الإسناد صحيحاً لتقرّره عنده ووضوحه، وينتهي فيه إلي مصنّف الكتاب الذي يريد الأخذ منه، ثمّ يصل الإسناد الموجود في ذلك الكتاب بما أثبته هو أوّلاً، فإذا كان إسناد الكتاب مبيناً علي إسناد سابق، ولم يراعه عند انتزاعه حصل الانقطاع في أثناء السند، وما رأيت من أصحابنا تنبّه لهذا، بل شأنهم الأخذ بصورة السند المذكور في الكتب، ولكن كثيرة الممارسة والعرفان بطبقات الرجال تطلع علي هذا الخلل وتكشفه، وأكثر مواقعه في انتزاع الشيخ رحمه الله، وخاصة روايته عن موسي بن القاسم في كتاب الحجّ (1).

وصول الكتب الأربعة إلينا بالإجازة

إنّ كتاب الكافي والتهذيبين ومن لا يحضره الفقيه، وصلت إلينا عن طريق الإجازة، أي إجازة الأساتذة لتلاميذهم، فإنّ الأساتذة يقرؤون الكتب علي تلامذتهم، ويعلمونهم أنّ هذه الكتب هي الكتب الواصلة إلينا يداً بيد ونسلاً بعد

ص: 562


1- . منتقي الجمان ج 1 ص 34.

نسل، عن أستاذ إلي تلميذ، وعن تلميذ إلي آخر، فإنّ لكثير من علمائنا إلي نقل رواية الكافي والجوامع الروائيّة الأُخري طرقاً، تصل كلّها إلي العلّامة الحلّي ومنه إلي المشايخ الثلاثة، ونسخها كانت مشهورة بين الفقهاء، وقد يقرأ التلاميذ الكتب، ويسمع الأساتذة ويقرّونهم علي ذلك، ويصحّحون الكتب.

وفي هذا يقول الأستاذ العلّامة كاظم مدير شانه چي، وهو مِن أساتذة هذا الفنّ في معرفة المخطوطات: إنّ هناك كتباً إذا قرأها الأستاذ علي تلامذته ختموها بختم البلاغ، كالكافي للكليني فقد قرأ المجلسي علي تلامذته وصحّحه، وهذا هو ختم البلاغ، ولكن بعض الكتب ليست هكذا، ولم يكن هذا عند علمائنا معروفاً ومشهوراً؛ حتّي وصلت إليهم من أيدي الأساتذة وإقرارهم.

وعن آية اللّه البروجردي في ذيل حديث نقله عن البحار والمستدرك نقلاً من كتاب محمّد بن المثنّي الحضرمي، عن جعفر بن محمّد بن شريح، عن ذريح المحاربي، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إن خرج الرجل وقد دخل وقت الصلاة كم يصلّي؟ قال: «أربعاً»، قال: قلت: وإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر؟ قال: «يصلّي ركعتين قبل أن يدخل أهله، فإن دخل المِصر فليصلّ أربعاً»(1).

قال: إنّه لا يجوز الاعتماد علي مثل هذه الروايات في إثبات الأحكام الشرعيّة، فإنّ محمّد بن المثنّي من الطبقة السادسة، ولم يكن كتابه معروفاً شائعاً بين الأصحاب إلي أن عثر عليه المجلسي بعد ألف سنة تقريباً، وكان اعتماده1.

ص: 563


1- . بحار الأنوار ج 86 ص 55 (بيروت)، ج 89 ص 55 (إيران)، مستدرك الوسائل ج 6 ص 541.

عليه لا محالة من جهة أنّه أوتي له بكتاب مكتوباً عليه مثلاً: كتاب محمّد بن المثنّي، وبمثل هذه الروايات الموجودة في أمثال هذه الكتب غير المقروءة علي المشايخ لا يمكن إثبات الأحكام الشرعيّة، ثمّ بمثلها كيف يرفع اليد عن الروايات الصحيحة الصريحة المودعة في الجوامع المقروءة علي الشيوخ في جميع الأعصار، المكتوب عليها إجازاتهم في نقلها وروايتها؟!(1)

وقال أيضاً في ذيل رواية عن مستطرفات السرائر لمحمّد بن إدريس الحلّي:

والذي يسهّل الخطب؛ أنّ ابن إدريس كان في القرن السادس، والفصل بينه وبين جميل كثير جدّاً، ولم يكن هو كغيره من الفقهاء من أهل الاستجازة والإجازة في نقل الأحاديث، ولم يكن ممّن يعمل بخبر الواحد أصلاً، وإنّما نقل في آخر السرائر بعض الأخبار تطفّلاً من الكتب المنسوبة إلي بعض الأصحاب، وقد وقع منه اشتباهات كثيرة في أسانيدها، عثرنا عليها بالتتبّع، فلا يقاوم نقله نقل المشايخ العظام من الكتب المعتبرة المقروءة في جميع الأعصار علي شيوخ الإجازة(2).

من لا يحضره الفقيه

إنّه من تأليفات الشيخ أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، وكتبه إجابة لطلب السيّد نعمة، وقد طَلَب منه أن يكتب كتاباً كمن لا يحضره الطبيب، وقال فيه: لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلي إيراد ما أُفتي به، وأحكم بصحّته، وأعتقد أنّه حجّة فيما بيني وربّي، وجميع ما فيه

ص: 564


1- . البدر الزاهر ص 366.
2- . نفس المصدر، ص 367.

مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل، والمرجع. وقد سلك في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الكليني، فإنّه كان يذكر جميع السند غالباً، وأمّا الصدوق فإنّه بني من أوّل الأمر علي اختصار الأسانيد، حذف أوائل السند، ووضع مشيخة في آخر الكتاب يعرف بها طريقه إلي من روي عنه، فهي المرجع في اتّصال أسناده في أخبار هذا الكتاب وربّما أخلّ بذكر الطريق إلي بعض، فيكون السند باعتباره معلّقاً.

ثمّ إنّ العلماء أطالوا البحث عن أحوال المذكورين في المشيخة، وأوّل من دخل هذا الباب العلّامة في الخلاصة، وتبعه ابن داود، ثمّ أرباب المجاميع الرجاليّة، وشرّاح الفقيه كالتفريشي، والمجلسي الأوّل، وبعدهم النوري، ولا يخفي أنّ البحث في تقييم الكتاب، يقع في عدّة نقاط:

الأُولي: إنّه استدلّ علي أنّ روايات كتاب الفقيه كلّها صحيحة، بمعني كون مَن جاء في أسانيده من الرواة ثقات، لما في مقدّمته «بل قصدت إلي إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته» والمراد من الصحّة هو بعدالة الراوي أو وثاقته، فتكون هذه العبارة تنصيصاً علي أنّ مَن ورد في أسناد ذلك الكتاب كلّهم عدول أو ثقات، وذلك صعب لأسباب:

أوّلاً: فلأنّ الصحيح في مصطلح القدماء ومنهم الصدوق يختلف عمّا عند المتأخّرين، إذ هو عند المتأخّرين هو: كون الراوي عدلاً إماميّاً، ولكنّ الصحيح عند القدماء ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق، والركون إليه وأسبابه مختلفة:

منها: وجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة، أو وجوده في أصل معروف

ص: 565

الانتساب لمن اجتمعت العصابة علي تصديقهم، كزرارة، ومحمّد بن مسلم وأضرابهما.

ومنها: اندراجه في إحدي الكتب التي عرضت علي الأئمّة صلوات اللّه عليهم، فأثنوا علي مصنّفيها، ككتاب: عبيداللّه الحلبي الذي عرض علي الصادق عليه السلام، وكتاب: يونس بن عبدالرحمن، والفضل بن شاذان المعروضَيْنِ علي الإمام العسكري عليه السلام.

ومنها: كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع الوثوق بها عند السلف، والاعتماد عليها. قال البهبهاني: إنّ الصحيح عند القدماء ما وثقوا بكونه من المعصوم، أعمّ من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات، أو بأمارات أُخر، ويكونوا قطعوا بصدوره عنهم أو يظنّون. وعلي ذلك فبين صحيح المتأخّرين والقدماء العموم والخصوص المطلق؛ فحكم الصدوق بصحّة أحاديثه لا يستلزم صحّتها باصطلاح المتأخّرين، من كون الرواة في الأسانيد كلّهم ثقات، لاحتمال كون المنشأ في الجميع، أو بعضها هو القرائن الخارجيّة.

وثانياً: سلّمنا أنّ الصدوق بصدد الحكم بوثاقة أو عدالة كلّ من وقع في أسناد كتابه، ولكنّه مخدوش من جانب آخر، لأنّه تبع شيخه ابن الوليد في التصحيح والتضعيف، ولا ينظر إلي حال الراوي نفسه، وأنّه ثقة أو غير ثقة، ومعه كيف يمكن أن يكون قوله هذا شهادة حسيّة علي عدالة أو وثاقة كلّ من ذكر في أسناد كتابه؟!

وثالثاً: إنّ المتبادر من العبارة التالية، أنّه يعتمد في تصحيح الرواية علي وجود الرواية في كتب المشايخ العظام غالباً. قال: كان شيخنا محمّد بن الحسن

ص: 566

ابن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيّئ الرأي في محمّد بن عبداللّه المسمعي راوي هذا الحديث، وإنّي أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لأنّه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه، فلم ينكره ورواه لي، وهذا يعرب عن أنّه ما كان يتفحّص عن أحوال الراوي عند الرواية.

الثانية: إنّ أحاديث الفقيه لا تتجاوز عن 5963 حديثاً؛ منها ألفان وخمسون مرسلاً، كما نقل عن الشيخ البهائي العاملي في تعليقته علي الفقيه. فعليه كيف يمكن الركون علي هذا الكتاب بلا تحقيق عن أسناده مع أنّ الأحاديث المسندة 3913، والمراسيل 2050، ومرادهم من المرسل ما لم يذكر فيه اسم الراوي بأن قال: روي، أو قال: قال الصادق عليه السلام، أو ذكر الراوي وصاحب الكتاب، ونسي أن يذكر طريقه إليه في المشيخة، وهم يربون علي مائة وعشرين رجلاً.

الثالثة: في اعتبار مراسيل الفقيه وعدمه:

ذهب بعض الأجلّة إلي القول باعتبار مراسيله. قال التفريشي في شرحه علي الفقيه: الاعتماد علي مراسيله ينبغي أن لا يقصر في الاعتماد علي مسانيده، حيث حكم بصحّة الكلّ، وقد قيل في وجه ترجيح المرسل: إنّ قول العدل: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله يُشعر بإذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال: حدّثني فلان.

وقال بحر العلوم: إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجّيّة والاعتبار، وإنّ هذه المزيّة من خصائص هذا الكتاب، لا توجد في غيره من كتب الأصحاب.

وقال البهائي: ينبغي أن لا يقصر الاعتماد علي المراسيل من الاعتماد علي مسانيده، من حيث تشريكه بين النوعين في كونه ممّا يفتي به ويحكم بصحّته،

ص: 567

ويعتقد أنّه حجّة بينه وبين ربّه، بل ذهب جماعة من الأُصوليّين إلي ترجيح مرسل العدل علي مسانيده. وقد جعل أصحابنا مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها، لما علموا من عادته أنّه لا يرسل إلّاعن ثقة. ولا يخفي أنّ غاية ما يقتضيه الإسناد جازماً، هو جزم الصدوق أو اطمئنانه إلي صدور الرواية من الإمام عليه السلام، وهذا لا يقتضي أن يكون منشأ جزمه هو عدالة الراوي أو وثاقته، فيمكن أن يكون منشأ جزمه هو القرائن الحافّة علي الخبر التي تفيد القطع، أو الاطمئنان بصدور الخبر، ولو كان اطمئنانه حجّة للغير يصحّ للغير الركون إليه وإلّا فلا.

الرابعة: قد عرفت أنّ الصدوق كثيراً ما ذكر الراوي ونسي أن يذكر طريقه إليه في المشيخة، أو ذكر طريقه، ولكن لم يكن صحيحاً عندنا، فهل هناك طريق يعالج هذه المشكلة؟ والذي عند المحقّق البروجردي من الإجابة عن هذا السؤال: هو أنّ الكتب التي نقل عنها الصدوق في هذا الكتاب كانت كتباً مشهورة، وكان الأصحاب يعوّلون عليها ويرجعون إليها، ولم يكن ذكر الطريق إلي هذه الكتب إلّاتبرّعاً وتبركّاً، أي لإخراج الكتب عن صورة المرسل إلي صورة المسند، وإن كان جميعها مسانيد، لشهرة انتساب هذه الكتب إلي مؤلّفيها.

والذي يدلّ علي ذلك، قوله في ديباجة الكتاب: وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، وبعد هذه العبارة لا يبقي شكّ للإنسان، أنّ ذكر الطريق إلي هذه الكتب في المشيخة، لم يكن إلّاعملاً تبرّعياً غير إلزامي، أو ذكر طريقاً فيه ضعف لعدم المبالاة بصحّة الطريق وعدمها، وبعد

ص: 568

ذلك نري أنّ البحث عن طرق الصدوق إلي أصحاب الكتب أمر لا طائل تحته، فاللّازم البحث عن مؤلّف الكتاب وطريقه إلي الإمام عليه السلام.

وعلي ذلك، عندما عرفنا أنّ الشيخ الصدوق أخذ الحديث من الكتب المعروفة فالبحث عن الطريق أمر غير ضروريّ. وأمّا إذا لم نجزم بذلك، وكان من المحتمل أنّ الحديث وصل إليه بالطريق المذكور في المشيخة، فالبحث عن صحّة الطريق يعدّ أمراً ضروريّاً، ونقول مثل ذلك في طرق الكافي.

ملاحظات مهمّة حول من لا يحضره الفقيه

1. إعلم أنّ الصدوق رحمه الله قد يضيف في ذيل بعض رواياته كلمات وجملات ليست هي من الرواية، ولذلك لا تجد تلك الجمل في الكافي والتهذيب، إذا كان الحديث منقولاً فيهما سيّما الكافي.

وعن آية اللّه السيستاني في قاعدة لا ضرر ولا ضرار، حول حديث الشفعة.

وحديث الشفعة في قاعدة لا ضرر رواه المشايخ الثلاثة هكذا: قضي رسول اللّه صلي الله عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضيين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار.

وقال: «إذا رُفَّت الأُرَف، وحُدَّتِ الحدود فلا شُفعة»(1) ورواه هكذا الشيخ الطوسي في التهذيب.

قال: ورواه الصدوق بإسناده عن عقبة بن خالد كما نقله الكليني، ولكنّه أسند الجملة الثالثة من الحديث إلي الإمام الصادق عليه السلام قال: وقال الصادق عليه السلام: «إذا رُفَّت الأُرَف».

وقال صاحب الوسائل بعد نقل الحديث عن الكافي والتهذيب: ورواه

ص: 569


1- . الكافي ج 5 ص 280، تهذيب الأحكام ج 7 ص 727/164، من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 154/45.

الصدوق بإسناده عن عقبة بن خالد وزاد: ولا شفعة إلّالشريك غير مقاسم، ولكن الظاهر، أنّ هذه الجملة من كلام الصدوق نفسه، وليست زيادة في الرواية علي نقله، ولذا لم ينقلها في الوافي(1) عن الفقيه، ومن نظر إلي الفقيه يجد أنّ دأب الصدوق علي تعقيب بعض الروايات بكلامه دون فصل مشعر بالتغاير، كما أنّ الأمر في التهذيب كذلك، ومن هنا قد يشتبه الأمر علي الناظر فيعدّ كلامه جزءاً من الرواية(2).

2. إعلم أنّ نقل الصدوق للروايات في كتاب من لا يحضره الفقيه علي وجوه:

الأوّل: قد ينقل تمام الإسناد من أوّله إلي آخره، أي منه إلي قائله؛ وهو رسول اللّه صلي الله عليه و آله كما هو دأبه في سائر كتبه خاصّة المرويّات عن العامّة في كتابه الأمالي وعيون أخبار الرضا، فإنّه يذكر الأسناد مسلسلة لا معلّقة ولا مرسلة، وأمّا في من لا يحضره الفقيه قد يتّفق نقل الروايات مسندةً معنعنةً كاملةً.

الثاني: قد يذكر الروايات معلّقة، ويذكر طرقه إلي ذلك في المشيخة.

الثالث: قد يذكر الروايات مرسلة، وهي كما صرّح به الشيخ البهائي 2050 رواية ومراسيله مختلفة، وتكون علي أقسام منها:

الأوّل: إنّه قد يرسل بطريق قطعيّ، يسنده إلي المعصوم كما قال: قال الصادق عليه السلام: «الماء يُطَهِّر ولا يُطَهَّر».

الثاني: إنّه قد يرسل بطريق غير جزميّ، فيقول: وروي، كما قال: وروي عن

ص: 570


1- . الوافي، مجلد 3 جز 10 ص 103.
2- . قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 26.

رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «اضربوها بالعثار، ولا تضربوها بالنفار».

الثالث: إنّه قد يرسل الحديث ويقول: روي زرارة، وهل هذا أيضاً معلّق أو مرسل؟ فقد ادّعي الأستاذ آية اللّه المرتضوي من أساتذة الحوزة العلميّة بمشهد، ومن تلامذة السيّد الخوئي، والإمام الخميني، والشيخ حسن الحلّي، أنّ هذا مرسل، ولا تشمله الطرق، فإنّ الطرق تشمل إذا كان صورة الحديث هكذا:

زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام، لا إذا كانت صورة الحديث: روي زرارة، فإنّ هذا مرسل، لا معلّق.

وعن آية اللّه الخوئي في ذيل قول صاحب العروة الوثقي: يجب علي وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم قال: استدلّ عليه برواية الفقيه، وهي ما رواه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قلت له: رجل مات وعليه صوم، يُصام عنه أو يتصدّق؟ قال: «يتصدّق عنه، فإنّه أفضل؟»(1).

وقد غفل صاحب الوسائل عن هذه الرواية، فلم يذكرها في الباب المناسب أي باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، ولا في غيره، وإنّما تعرّض لها في الحدائق بعد أن وصفها بالصحّة(2).

وكيفما كان، فيمكن الخدش في الاستدلال بها سنداً تارةً، ودلالةً أُخري:

أمّا السند: فبمناقشة كبرويّة غير مختصّة بالمقام، وهي أنّ الشيخ الصدوق قدس سره ذكر في مشيخة الفقيه طريقه إلي جملة ممّن روي عنه في كتابه، منهم: ابن بزيع المذكور، فقال: وما كان فيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع فقد رويته عن

ص: 571


1- . من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 1119/236.
2- . الحدائق الناضرة ج 13 ص 320.

محمّد بن الحسن رضي الله عنه، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع(1)، وطريقه إليه صحيح.

إنّما الكلام في أنّ هذه الطرق التي يذكرها إلي هؤلاء الرجال، هل تختصّ بمن يروي هو بنفسه عنهم؟ - مثل أن يقول: روي محمّد بن إسماعيل بن بزيع، أو روي عبداللّه بن سنان - أو أنّها تعمّ مطلق الرواية عنهم؟ وإن لم يُسند تلك الرواية إلي الراوي، بل أسندها إلي راوٍ مجهول عنده، كأن يقول: روي بعض أصحابنا، عن عبداللّه بن سنان، أو روي عن ابن سنان، ونحو ذلك ممّا لم يتضمّن إسناده هو إلي ذلك الراوي؟

والمتيقّن إرادته من تلك الطرق، هو الأوّل.

وأمّا شموله للثاني - بحيث يعمّ ما لو عثر علي رواية في كتاب عن شخص مجهول فعبّر بقوله: روي بعض أصحابنا عن فلان، أو روي عن فلان - صعب جدّاً، بل لايبعد الجزم بالعدم، إذ لا يكاد يساعده التعبير في المشيخة بقوله: فقد رويته عن فلان كما لا يخفي، فهو ملحق بالمرسل.

وحيث إنّ روايتنا هذه مذكورة في الفقيه بصيغة المجهول حيث قال قدس سره:

وروي عن محمّد بن إسماعيل، فهي غير شاملة للطريق المذكور في المشيخة عنه، بل هي مرسلة تسقط عن درجة الاعتبار، وإن عبّر عنها صاحب الحدائق بالصحيحة، حسبما عرفت(2).

وعن آية اللّه السيستاني - وهو تلميذ آية اللّه الخوئي - في ذيل مراسيل

ص: 572


1- . الفقيه (المشيخة) ج 4 ص 45.
2- . موسوعة الإمام الخوئي ج 22 ص 206، مستند العروة، كتاب الصوم ج 2 ص 203.

الصدوق قال: إنّه لو كان تصحيح الصدوق للخبر وجزمه به حجّة علي ثبوته، فلا وجه لتخصيص ذلك بمراسيله التي جاءت بصيغة جزم، بل ينبغي أن نقول بحجيّة جميع مراسيله؛ بل جميع ما ابتدأ فيه باسم شخص لم يذكر طريقه إليه في المشيخة، لأنّه هو ومن يروي عنه من الوسائط - إن وجدت - من الثقات، والوجه في ذلك أنّه قدس سره قد شهد في مقدّمة كتابه بصحّة جميع ما رواه فيه حيث قال: (ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلي إيراد ما اُفتي به، وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي، تقدّس ذكره وتعالت قدرته(1). وعلي ضوء هذا، فتفريقه بين الروايات في التعبير، حيث يعبّر تارة بالرواية وأُخري بالقول، وثالثة بالسؤال، أو باستخدامه صيغة المبنيّ للمعلوم تارةً، وصيغة المبنيّ للمجهول أُخري.. إلخ ليس إلّاضرباً من التفنّن في التعبير، حذراً من التكرار المملّ، كما يشهد له اختلاف تعبيره في موضع واحد، ممّن أُسند إليه في المشيخة، وبهذا يظهر بطلان كلّ مبنًي يستند إلي التفريق بين هذه التعابير، كأن يقال مثلاً: إنّ أسانيد المشيخة لا تشمل الروايات التي وردت في الفقيه بصيغة المبنيّ للمجهول، أي: رُوي، أو يُقال؛ إنّها لا تشمل ما عبّر فيه بصيغة السؤال، لأنّ الأسانيد إنّما هي إلي روايات الرجال، وليست إلي أسئلتهم، أو غير ذلك، إضافة إلي بطلان أمثال هذه التفاصيل بوجوه اُخري(2).

3. إنّ الرؤية والمقارنة بين الروايات في من لا يحضره الفقيه والمصادر

ص: 573


1- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.
2- . قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 87.

الحديثيّة من أهل السنّة، يوصلنا إلي أن ندّعي أنّ الصدوق أخذ روايات من لا يحضره الفقيه عن مصادر أهل السنّة؛ لأنّا نشاهد أنّ حديث كذا لم يرد في أيّ مصدر من مصادرنا، ولكنّه موجود قبل الصدوق في مصادر العامّة.

وعن آية اللّه السيستاني في قاعدة: لا ضرر ولا ضرار: أنّ في من لا يحضره الفقيه وردت «في الإسلام» في ذيل حديث لا ضرر ولا ضرار، وهذا التركيب لم يرد في المصادر الاُخري.

وقال: أمّا في مصادرنا فيوجد الحديث مع زيادة في كتابين: أحدهما الفقيه، وثانيهما عوالي اللآلئ، لابن أبي جمهور الأحسائي الذي نقل الحديث عن الشهيد الأوّل في بعض مصنّفاته، عن أبي سعيد الخدري، وهو أحد رواة العامّة ممّا يظهر أنّه نقل الحديث من مصادرهم، ولا يبعد أن يكون الصدوق أيضاً قد أخذه من مصادرهم، كما أنّه ذكر الحديث في مقام الاحتجاج علي العامّة، مقترناً بعدّة أحاديث اُخري مرويّة عن طرقهم(1).

وذكر بعض الأصحاب لإثباته وجوهاً:

الوجه الأوّل: أن يقال: إنّ هذا الخبر مع هذه الزيادة وإن كان ضعيفاً من حيث السند، إلّاأنّه منجبر ضعفه بعمل الأصحاب به واعتمادهم عليه، كالصدوق في الفقيه، والشيخ في الخلاف، والعلّامة في التذكرة وغيرهم.

ويمكن أن يناقش فيه - بعد التسليم -.

أوّلاً: بأنّ هذا المقدار لا يكفي في جبر الخبر الضعيف، فإنّ الجبر عند القائل به إنّما يتمّ في موضع العمل المشهور، لا محض عمل البعض، كما هو الحال

ص: 574


1- . قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 83.

في المقام.

وثانياً: إنّه لم يظهر اعتماد هذا البعض أيضاً علي حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)، لأنّ ما يستدلّ به علماؤنا في المسائل الخلافيّة من الروايات المرويّة بطرق العامّة، ليس من باب الاعتماد عليها، وإنّما هو من باب الاحتجاج علي الخصم بما يعترف بحجيّته، ونقل الرواية في الخلاف والتذكرة إنّما هو من هذا النوع.

وبل الأمر كذلك في نقل الفقيه أيضاً، لأنّ هذا الكتاب وإن لم يكن قد وضعه شيخنا الصدوق قدس سره للمحاجّة مع العامّة في الفروع، إلّاأنّه قد تعرّض لردّ كلامهم في عدّة مسائل خلافيّة، وقد كان منهجه في هذه المسائل نقل أخبار العامّة التي تؤيّد رأي الإماميّة، وتقوم حجّة عليهم.

وكانت من تلكم المسائل مسألة إرث المسلم من الكافر، وهي التي ذكر فيها حديث (لا ضرر ولا ضرار؛ مع زيادة في الإسلام) فقد ذهب أكثر العامة إلي أن المسلم لا يرث الكافر، وذهب الإمامية إلي أنه يرثه ، ولكن الكافر لا يرث من المسلم، وقد وافقهم في ذلك كثير من العامة أيضا، ونسبوا ذلك إلي معاذ ، ومعاوية، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين، ومسروق، وعبدالله بن معقل ، والشعبي، والنخعي ، ويحيي بن معمر، وإسحاق، وهو رواية عن عمر(1) ، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار في شرح قوله

: (لا يتوارث أهل ملتين) إنه لا يرث أهل مكة كفرية ، من أهل مكة كفرية أخري، وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد، والهادوية، وحمله الجمهور علي أن المراد بإحدي الملتين

ص: 575


1- المغني ج 7 ص197.

الإسلام وبالأخري الكفر، ولا يخفي بعد ذلك(1).

وفيما يلي عبارة الصدوق في هذه المسألة مع تعقيبها بشيء من الشرح لكي يتّضح ما ذكرناه. قال(2) قدس سره: باب ميراث أهل الملل: لا يتوارث أهل ملّتين، والمسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم.

ويلاحظ: أنّ تعقيب الجملة الأُولي التي هي محلّ استدلال العامّة بالجملة الثانية، بيان للجواب عن هذا الاستدلال، بأنّ المراد هو نفي التوارث من الطرفين، آخذاً ذلك من بعض الأخبار التي نقلها بعد ذلك، وهو خبر عبدالرحمن بن أعين، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم ولا يرثونا»؛ ونفي التوارث، لا يستلزم نفي الإرث من أحد الطرفين للآخر.

ثمّ قال قدس سره: وذلك أنّ أصل الحكم في أموال المشركين أنّها فيء للمسلمين وأنّ المسلمين أحقّ بها من المشركين(3). والمقصود من هذه العبارة؛ بيان أنّ رجوع أموالهم إلي المسلمين أمر علي وفق القاعدة، إلّاأنّ الذمّة منعت عن استحلال أموالهم من قبل المسلمين، وهذا نوع استحسان ذكره، احتجاجاً علي العامّة.

ثمّ قال قدس سره: وإنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما حرّم علي الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم، كما حرّم علي القاتل عقوبة لقتله(4). وهذا مثل استنباط العلّة للحكم -

ص: 576


1- . نيل الأوطار ج 6 ص 194.
2- . الفقيه ج 4 ص 782/244.
3- . نفس المصدر، ج 4 ص 243.
4- . نفس المصدر.

بملاحظة ما يشترك معه في ذلك - لمنع تعميمه لميراث المسلم من الكافر، وهو كالقياس.

ثمّ قال قدس سره: فأمّا المسلم فلأيّ ذنب أو عقوبة يحرم الميراث. وهذا أيضاً مبنيّ علي استنباط أنّ موانع الإرث إنّما هي من قبيل العقاب علي فعل قبيح - لا محالة - كالقتل والكفر، فلا معني لحرمان المسلم من الميراث، وهذا نوع من الاجتهاد بالرأي، ذكر احتجاجاً علي العامّة.

ثمّ ذكر قدس سره: وكيف صار الإسلام يزيده شرّاً؟ وهذا الاستبعاد إذا كان استبعاداً للموضوع في نفسه - كما يظهر من كلامه - مع غضّ النظر عن توجيهه بملاحظة الأخبار التي نقلها بعد ذلك - فهو أيضاً نوع من الاجتهاد بالرأي.

ثمّ قال رحمه الله: ومع قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «الإسلام يزيد ولا ينقص». وهذا أحد أدلّة من قال بقولنا من العامّة، وهو جزء من رواية أبي الأسود التي نقلها قدس سره بعد ذلك، وهي مرويّة في كثير من كتبهم كما سيجيء، وقد أجاب عنه ابن حجر في فتح الباري بأنّه محمول علي أنّه يفضل عن غيره من الأديان، ولا تعلّق له بالإرث.

ثمّ ذكر قدس سره ومع قوله صلي الله عليه و آله: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». وقد مضي تخريج هذا الحديث بهذا اللفظ من مصادرهم. ويلاحظ أيضاً أنّه لم يحتجّ بهذا الحديث علي مذهب الإماميّة في هذه المسألة السيّد المرتضي في الانتصار، والشيخ الطوسي في الخلاف، ولعلّ منشأه أنّ مبني الاستدلال به هنا علي حمل كلمة (الإسلام) علي الاعتقاد بالدين، وجعل كلمة (في) للتعليل ليكون المعني:

لا ضرر ولا ضرار علي المرء بإسلامه. وهذا مخالف لظاهر الحديث من كون الإسلام بمعني الدين، وكون (في) للظرفيّة كما سيجيء توضيحه إن شاء اللّه تعالي.

ص: 577

ثمّ ذكر قدس سره: فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شرّاً. وهذا استنتاج من الخبرين، فهو من كلام الصدوق نفسه، وليس في الروايات كما تَوَهّم صاحب الوسائل رحمه الله.

ثمّ قال قدس سره: ومع قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه». وهذا الحديث مرويّ أيضاً من طرق أهل السنّة رواه البخاري في صحيحه(1). وقد استدلّ به في نيل الأوطار(2) علي هذا القول.

ثمّ ذكر رحمه الله: والكفّار بمنزلة الموتي لا يحجبون ولا يرثون. وهذا تقريب من الموضوع.

ثمّ قال قدس سره: وروي عن أبي الأسود الدؤلي: أنّ معاذ بن جبل كان باليمن فاجتمعوا إليه، وقالوا: يهوديّ مات وترك أخاً مسلماً، فقال معاذ: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: «الإسلام يزيد ولا ينقص»، فورث المسلم من أخيه اليهوديّ.

وهذه الرواية مذكورة في مسند أحمد(3)، والمستدرك للحاكم(4)، ونقلت عن سنن أبي داود والبيهقي(5)، وقد أوردها السيّد المرتضي في الانتصار(6)، وقال:

علي أنّ هذه الأخبار معارضة بما يرويه مخالفونا. وقال: حدّثني أبو الأسود الدؤلي: أنّ رجلاً حدّثه: أنّ معاذاً قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: «الإسلام يزيد ولا ينقص» فورث المسلم. ومنه يظهر أنّ نقل أبي الأسود عن معاذ مرسل،

ص: 578


1- . صحيح البخاري ج 2 ص 17 (فيه ابن عبّاس وبإسقاط قوله عليه عن آخره).
2- . نيل الأوطار ج 6 ص 193.
3- . مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 230.
4- . المستدرك علي الصحيحين ج 4 ص 345.
5- . سنن أبي داود ج 3 ص 2913/126.
6- . الانتصار ص 304.

ولا إشكال في أنّ الصدوق قدس سره إنّما نقل هذا الحديث من مصادر العامّة، أو من كتب بعض قدمائنا؛ ممّن ألّف في الردّ عليهم، كالفضل بن شاذان وغيره.

فظهر ممّا تقدّم أنّ الصدوق قدس سره إنّما نقل حديث «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» من كتب أهل السنّة، وأورده احتجاجاً به عليهم، وذلك لقرينتين:

الأُولي: إنّه نقل هذا الخبر في مقام الاحتجاج علي العامّة في مسألة خلافيّة بيننا وبينهم.

الثانية: إنّ غيرها من الروايات التي نقلها في هذا المقطع من كلامه، إنّما نقلها عن العامّة، ولا توجد في شيء من كتبنا، بل إنّ سائر الأدلّة التي ذكرها إنّما هي كالاجتهاد بالرأي؛ من القياس، والاستحسان ونحوهما ممّا لا حجيّة له عند الإماميّة، وقد استعملها في مقام الإلزام، فهذا يكشف عن أنّ منهجه الاستدلالي في هذا الموضع، إنّما كان علي البحث مع العامّة وفق مبادئهم وأُسسهم، ولا ينفع في هذا السياق ذكر خبر مرويّ من طرق الإماميّة، كما هو واضح.

فبهاتين القرينتين يحصل الوثوق بأنّ الصدوق قدس سره قد أورد خبر: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» من طرق العامّة، وإنّما احتجّ به عليهم في مسألة خلافيّة، كما فعل من بعده الشيخ الطوسي في الخلاف، والعلّامة في التذكرة.

وبذلك يظهر عدم تماميّة دعوي انجبار الحديث مع الزيادة بعمل الأصحاب، فلا دليل علي ثبوت هذه الزيادة واعتبارها.

4. إنّ الصدوق رحمه الله اعتمد في تضعيفاته، وتصحيحاته، وتوثيقاته علي ما قاله الأستاذ: محمّد بن الحسن بن الوليد، وهذا ممّا لا شبهة فيه، لأنّه صرّح في ذيل حديث صوم الغدير: إنّما رويت هذا الخبر عن طريق محمّد بن يعقوب الكليني

ص: 579

وضعفه أُستاذي محمّد بن الحسن بن الوليد، وكلّ ما صحّحه أُستاذي فهو عندي صحيح، وكلّ ما ضعّفه فهو عندي ضعيف، فلذلك قد لا يعتني العلماء بتضعيفات الصدوق وأستاذه، لأنّهما اعتمدا علي ما عندهما من انتساب الرواة إلي الغلوّ، واتّهما الرواة.

وذكر المحقّق البحراني في حاشية البلغة: ولم أقف علي أحدٍ من الأصحاب يتوقّف في روايات الفقيه إن صحّ طريقها، بل رأيت جمعاً من أصحابنا يصفون مراسيله بالصحّة، ويقولون: إنّها لا تقصر عن مراسيل ابن أبي عمير، منهم العلّامة في المختلف(1)، والشهيد في شرح الارشاد، والسيّد المحقّق الداماد(2)فعلي هذا قد حكموا بتصحيح جميع روايات من لا يحضره الفقيه، كالمولي تقيّ المجلسي، وذلك لما قاله في أوّل كتابه: إنّي أوردت في هذا الكتاب ما كان صحيحاً، وعن الكتب المشهورة، وأُفتي بها، وكان بيني وبين اللّه حجّة(3).

وقال المولي إسماعيل الحائري: بل وثّقه جميع الأصحاب، لما حكموا بصحّة أخبار كتابه(4)، فهم طائفة من فقهاء الإماميّة حكموا: أنّ كلّ رواية ذكرت في من لا يحضره الفقيه فهي صحيحة، وهم ليسوا أخباريّين فحسب، بل من الأُصوليّين، كالمولي محمّد باقر الفاضل السبزواري في كتابه ذخيرة المعاد، فإنّه قد صرّح باعتبار روايات من لا يحضره الفقيه.

وهذا هو أحد الأقوال في هذا الكتاب ورواياته، نعم، قسم عظيم من روايات

ص: 580


1- . مختلف الشيعة ج 2 ص 135.
2- . الرواشح السماويّة ص 174، منتهي المقال ج 6 ص 120.
3- . من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.
4- . منتهي المقال ج 6 ص 120.

هذا الكتاب مراسيل، وذكرنا أنّ مراسيله عند بعضهم كمسانيد غيره، ومعتبرة، ولكنّ المراسيل علي قسمين: قسم منها نقل بنقل قطع، كقوله: قال الصادق عليه السلام. وقسم منه نقل بصيغة: رُوِي، وممّن فصل بين هذين القسمين الإمام الخميني قدس سره فعنه في كتاب البيع، في مبحث ولاية الفقيه، منها: ما أرسله في الفقيه.

فقال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: اللّهم ارحم خلفائي، قيل:

يا رسول اللّه، ومَن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، يروون عنّي حديثي وسنّتي».

ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام بطرق ثلاثة، ورجال كلّ طريق غير رجال الآخر، كما وأنّ مواضع نقل الحديث متفرّقة، فذكر من خلالها حوالي مائتي حديث، وزاد في آخره: فيعلّمونها الناس من بعدي.

وعن معاني الأخبار بسند رابع غيرها، نحوه، وعن المجالس بسند مشترك مع الرابع في أواخره، وفي آخره: ثمّ يعلمونها، وعن صحيفة الرضا عليه السلام بإسناده عن آبائه، نحوه، وعن عوالي اللآلئ نحوه، وفي آخره: اُولئك رفقائي في الجنّة وقريب منه، عن الراوندي وغيره(1).

وهذه هي رواية معتمدة لكثرة طرقها، بل لو كانت مرسلة لكانت من مراسيل الصدوق التي لا تقصر عن مراسيل مثل ابن أبي عمير، فإنّ مرسلات الصدوق

ص: 581


1- . من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 915/302، وسائل الشيعة ج 27 ص 91، عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 94/36، وسائل الشيعة ج 27 ص 92، معاني الأخبار ص 374، الأمالي ص 152 / مجلس 34، صحيفة الرضا عليه السلام ص 56، مستدرك الوسائل ج 17 ص 287 وص 300، عوالي اللآلئ ج 4 ص 64، منية المريد ص 101 وص 371، بحار الأنوار ج 2 ص 25.

علي قسمين: أحدهما: ما أرسله ونسبه إلي المعصوم جزماً، كقوله: قال أميرالمؤمنين عليه السلام كذا، وثانيهما: ما قال: روي عنه مثلاً....

والقسم الأوّل من المراسيل، هي المعتمدة المقبولة(1).

5. إنّ الصدوق قد يرسل الحديث في من لا يحضره الفقيه ويسنده في الخصال أو غيره، ولكنّه في سند الخصال قد يوجد رواة ضعاف، أو راوي مهمل فهل يسري الضعف من المسند إلي المرسل؟ أو يكون الإرسال دليلاً علي اعتبار الرواية، بل وتوثيق ذلك الراوي المهمل، هذا ما ادّعاه بعض.

قال الميرزا أبوالقاسم القمي في غنائم الأيّام: في مبحث التسليم في ذكر الأدلّة علي وجوب التسليم:

الثالث: ما رواه المشايخ الثلاثة: الصدوق، والشيخ مرسلاً، والكليني مسنداً:

عن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام أنّه قال: قال: رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم(2).

ولا وجه للقدح في السند بالإرسال، وذلك بأنّها لم ترد من طريق الخاصّة لا سيّما مع ورودها في الفقيه والكافي، بل في الإرسال إشارة إلي كمال الاعتماد علي الصحّة، مع أنّ السيّد المرتضي نقل هذه الرواية معتمداً عليها، وهو لا يعمل بخبر الواحد إلي غير ذلك من المؤيّدات(3).

ص: 582


1- . البيع ج 2 ص 627.
2- . الكافي ج 3 ص 69، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 8/23، الخلاف ج 1 ص 376، وسائل الشيعة ج 4 ص 1003.
3- . غنائم الأيّام ج 3 ص 62.

أولويّة المراسيل علي المسانيد

قال العلّامة السيّد محمّد باقر الشفتي في بحث الاهتمام بمرسلات الصدوق:

والحديث في الفقيه وإن كان مرسلاً، لكنّ الظاهر التفصيل في المراسيل بأنّها إن كانت من قبيل: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله، أو أحد من الأئمّة عليهم السلام، وكان المرسل عدلاً، ولم يعلم من عادته التعويل علي السماع، فالظاهر القبول؛ لأنّ الظاهر من هذه النسبة ظهور صحّة الرواية عنه، حتّي كأنّه سمع قائله، فلو لم يكن الأمر في نفس الأمر كذلك؛ كان ذلك كذباً، والعدالة تمنع ذلك، لا يقال: إنّ الظاهر من النسبة المذكورة وإن كان ما ذكر، لكن إرادة الظاهر إنّما تلزم عند انتفاء القرينة علي عدم إرادته.

والقرينة في أمثال المقام متحقّقة، وهي العلم بعدم إدراك العدل للقائل، لأنّا نقول: إنّ ذلك إنّما يصلح للقرينة إذا كان طريق العلم والقطع منحصراً في السماع منه، وهو بديهي الفساد، لجواز أن يكون ذلك من كثرة الواسطة، أو من القرائن الخارجة كالخبر المتواتر، والواحد المحفوف بالقرينة، إذا علمت ذلك نقول: إنّه قد اختلفت عادة الصدوق في ذكر المراسيل، لأنّه يرسل تارة بلفظ: روي عن الصادق عليه السلام مثلاً، واُخري بلفظ قال: الصادق عليه السلام، والظاهر منه حصول العلم له في الثاني دون الأوّل، فلو لم يكن الأمر كذلك، لما جاز له ذلك، سيّما مع الاختلاف في الإرسال، بل ربّما يمكن دعوي أولويّة مراسيله إذا كانت علي الطريقة الثانية من مسانيده، حيث إنّه استند في الأوّل إلي القائل؛ لحصول العلم له بأنّه قوله بخلاف الثاني، ولهذا أسنده إلي الراوي، والمقصود من هذا الكلام تشخيص أحوال المراسيل المرويّة في الفقيه وغيره من المحدّثين المعتمدين

ص: 583

علي سبيل الإطلاق، إذا كانت علي الوجه الثاني(1).

التهذيب والاستبصار

اشارة

كتاب تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد، تأليف أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، وقد بدأ في تأليفه لمّا بلغ ستّاً وعشرين سنة، ويظهر من أوائله أنّه ألّفه في حياة أُستاذه، لأنّه قال: قال الشيخ أيّده اللّه.

وقدم الشيخ إلي العراق سنة 408 ق، وتوفّي المفيد سنة 413 ق، وطرق الشيخ في الكتب مختلفة، فقد يذكر في التهذيب جميع السند كما في الكافي، وقد يقتصر علي البعض بحذف صدر السند كما في الفقيه، لكنّه استدرك المتروك في آخر الكتابين - التهذيب والاستبصار - فوضع له مشيخته المعروفة، وهي فيهما واحدة، وزاد في التهذيب الإرجاع إلي كتاب الفهرست الذي صنّفه في هذا المعني.

أقول: قد عرفت دأب السيّد البروجردي أنّه كان يذهب تبعاً للمجلسي الأوّل إلي أنّ المشيخة للصدوق وللشيخ لم تكن إلّالمجرّد إظهار الأحاديث بصور المسندات، لا لأجل تحصيل العلم بنسبة الكتب إلي مؤلّفيها، فإنّ نسبة هذه الكتب إلي أصحابها كانت ثابتة غير محتاجة إلي تحصيل السند، والشيخ يقول في مشيخة التهذيب: لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل، وتلحق بباب المسندات. وبذلك يعرف أنّ البحث عن طرق الشيخ ممّا لا طائل تحته، وليس علي الفقيه إلّاالتفتيش عن أحوال أصحاب الكتب ومن يروون عنهم.

ص: 584


1- . مطالع الأنوار ج 1 ص 23.

تصحيح أسانيد الشيخ

ثمّ إنّه لمّا كان كثير من طرق الشيخ الواردة في مشيخة التهذيب معلولة بضعف، أو إرسال، أو جهالة، أو بدأ الحديث بأُناس لم يُذكر لهم طريق في المشيخة، حاول بعض المحقّقين لرفع هذه النقيصة من كتاب التهذيب بالرجوع إلي فهرس الشيخ أوّلاً، وطرق مَن تقدّمه عصراً ثانياً، أو عاصره ثالثاً.

أمّا الأوّل: فلأنّ للشيخ في الفهرس طرقاً إلي أرباب الكتب والأُصول الذين أهمل ذكر السند إلي كتبهم في التهذيب، فبالرجوع إلي ذلك الكتاب يعلم طريق الشيخ إلي أرباب الكتب التي لم يذكر سنده إليها في التهذيب.

وأمّا الثاني: فبالرجوع إلي مشيخة الفقيه، ورسالة أبي غالب الزراري، إذا كان لهما سند إلي الكتب التي لم يذكر سنده إليها في التهذيب، لكن إذا أوصلنا سند الشيخ إلي هؤلاء، وبالنتيجة يحصل السند إلي أصحاب هذه الكتب.

وأمّا الثالث: فبالرجوع إلي طريق النجاشي، فإنّه كان معاصراً للشيخ، مشاركاً له في أكثر المشايخ.

وقد حاول مؤلّف جامع الرواة في كتابه تصحيح الأسانيد، فقال: إنّ العلّامة والإسترآبادي والتفريشي - في خاتمة كتبهم: خلاصة الرجال، وتلخيص المقال، ونقد الرجال - عمدوا إلي ذكر الشيوخ الذين أُخذت أحاديث التهذيب والاستبصار من أُصولهم وكتبهم، وابتدأ الشيخ في معظم أسانيدها بذكرهم اختصاراً، مع أنّه لم يدرك زمانهم، ولكن ذكر طريقه إليهم في آخر الكتابين، وهم تسعة وثلاثون شيخاً، وقد اعتبر العلّامة والإسترآبادي من هؤلاء المشيخة خمسة وعشرين، وتركا الباقين، والتفريشي زاد علي مشيخة الشيخ في

ص: 585

التهذيبين واحداً وثلاثين شيخاً، الذين لم يذكر الشيخ سنده إليهم في خاتمة الكتابين، وقام هو باستخراج سنده إليهم من الفهرس، فبلغت المشايخ علي حسب عدّه سبعين شيخاً، ولكن المعتبر عنده من مجموع الطرق ثلاثون طريقاً، حيث صار ذلك سبباً لعدم اعتبار أحاديث أربعين شيخاً من سبعين ممّن صدّر الحديث بأسمائهم، ولذلك حاول المحقّق محمّد بن عليّ الأردبيلي صاحب جامع الرواة لتصحيح أسانيد الكتابين بشكل آخر.

وحاصله: إنّ ما ذكره علماء الرجال من طرق الشيخ قليل في الغاية، ولا يكون مفيداً في ما هو المطلوب، والشيخ لمّا أراد إخراج الروايات التي لم يذكر طريقها إلي أرباب الكتب في نفس التهذيب والاستبصار من الإرسال، ذكر في المشيخة والفهرس طريقاً، أو طريقين، أو أكثر إلي كلّ واحدٍ من أرباب الكتب والأُصول، فمن كان قصده الاطّلاع علي أحوال الأحاديث، ينبغي له أن ينظر إلي المشيخة، ويرجع إلي الفهرس.

ثمّ قال: إنّي لمّا راجعت إليهما، رأيت أنّ كثيراً من الطرق الواردة فيها معلول علي المشهور، بضعف، أو إرسال، أو جهالة، وأيضاً: رأيت أنّ الشيخ رحمه الله ربّما بدأ أسانيد الروايات بأُناس لم يذكر لهم طريقاً أبداً، لا في المشيخة، ولا في الفهرس، فلذلك رأيت من اللّازم تحصيل طرق الشيخ إلي أرباب الأُصول والكتب، غير الطرق المذكورة في المشيخة والفهرس، حتّي تصير تلك الروايات معتبرة، فلمّا طال تفكّري في ذلك أُلقي في روعي أن أنظر في أسانيد روايات التهذيبين، فلمّا نظرت فيها وجدت فيها طرقاً كثيرة إليهم، غير ما هو مذكور في المشيخة والفهرس، أكثرها موصوف بالصحّة والاعتبار، فصنّفت

ص: 586

هذه الرسالة، وذكرت فيها جميع الشيوخ المذكورين في المشيخة والفهرس، وذيّلت ما فيهما من الطرق الضعيفة، أو المجهولة بالإشارة إلي ما وجدته من الطرق الصحيحة، أو المعتبرة مع تعيين موضعها، وأضفت إليهم من وجدت له طريقاً معتبراً، ولم يُذكر طريقه فيها.

وللتوضيح أكثر نقول: قد روي الشيخ في التهذيب روايات عن عليّ بن الحسن الطاطري بدأ بذكر اسمه في أسانيده هكذا: عليّ بن الحسن الطاطري قال: حدّثني عبداللّه بن وضّاح، عن سماعة بن مهران قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام.

وقال في المشيخة: وما ذكرته عن عليّ بن الحسن الطاطري فقد أخبرني به أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن أبي الملك أحمد بن عمر ابن كيسبة، عن عليّ بن الحسن الطاطري.

وهذا الطريق ضعيف بجهالة اثنين، منهم: ابن الزبير وابن كيسبة، ومقتضاه عدم اعتبار تلك الروايات التي يبلغ عددها إلي ثلاثين حديثاً في التهذيب.

وأمّا المحاولة، فهي إنّا إذا رأينا أنّ الشيخ روي في باب الطواف أربع روايات بهذا السند: موسي بن القاسم، عن عليّ بن الحسن الطاطري، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان، ثمّ وقفنا علي أمرين:

1. إنّ موسي بن القاسم ثقة.

2. طريق الشيخ إليه صحيح.

فعند ذلك يحصل للشيخ طريق صحيح إلي الطاطري، لكن لا عن طريقه إليه في المشيخة، ولا في الفهرس، بل عن طريقه في المشيخة إلي موسي بن القاسم.

ص: 587

ولذلك يقول الأردبيلي في مختصر تصحيح الأسانيد: وإلي عليّ بن الحسن الطاطري، فيه عن عليّ بن محمّد بن الزبير في المشيخة والفهرس. وإلي الطاطري صحيح في التهذيب في باب الطواف، وهذا يُعطي أنّ موسي بن القاسم ليس راوياً لهذه الروايات الأربع فقط، بل راوٍ لجميع كتاب الطاطري عنه، فيعلم من ذلك أنّ الشيخ روي كتاب الطاطري تارة بسند ضعيف، وأُخري بسند معتبر، وبذلك يحكم بصحّة كلّ حديث بدأ الشيخ في سنده بالطاطري.

وقد نقده المحقّق البروجردي بوجوه:

الأوّل: إنّ ما صحّ طرقه إلي المشايخ وإن كان قليلاً، ولكن الروايات التي رواها الشيخ بهذه الطرق القليلة عن هؤلاء المشايخ في غاية الكثرة، مثلاً: إنّ ما رواه بطرقه عن أحمد بن محمّد بن عيسي يقرب من 1200 حديث، وعن الحسين بن سعيد يقرب من 2500 حديث، وعن سعد بن عبداللّه يقرب من 600 حديث، وعن محمّد بن أحمد بن يحيي يقرب من 950 حديث، وعن محمّد بن عليّ بن محبوب يقرب من 700 حديث، هذا وإنّ نقله عن سائر المشايخ الذين صحّت طرقه إليهم أيضاً كثير جدّاً، فكيف لا يكون مفيداً فيما هو المطلوب من إخراج معظم روايات الكتاب عن الإرسال.

الثاني: إذا روي موسي بن القاسم عن الحسن الطاطري، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان، فهو يحتمل من جهة النقل من كتب المشايخ وجوهاً:

1. يحتمل أنّ موسي بن القاسم أخذ الحديث عن كتاب الطاطري وحينئذٍ روي موسي هذا الحديث وجميع كتاب الطاطري، وبذلك يحصل للشيخ طريق صحيح إلي كتاب الطاطري، وهذا هو الذي يتوخّاه المحقّق الأردبيلي.

ص: 588

2. يحتمل أنّ موسي بن القاسم أخذ الحديث عن كتاب درست بن أبي منصور، وروي هذا الكتاب عنه بواسطة الطاطري.

3. يحتمل أنّ موسي أخذ الحديث عن كتاب ابن مسكان، وروي هذا الكتاب عنه بواسطة شخصين: الطاطري، ودرست بن أبي منصور، وعلي الاحتمالين الأخيرين يحصل للشيخ الطوسي طريق صحيح إلي كتاب درست ابن أبي منصور، وكتاب ابن مسكان، ولا يحصل طريق صحيح إلي نفس كتاب الطاطري الذي هو الغاية المتوخّاة.

والحاصل أنّه إذا كان طريق الشيخ إلي أحد المشايخ الذين صدر الحديث بأسمائهم، وأُخذ الحديث من كتبهم ضعيفاً، فلا يمكن إصلاحه بما إذا وقع ذلك الشيخ في أثناء السند، وكان طريقه إليه طريقاً صحيحاً؛ لأنّ توسّط الشيخ (الطاطري) في ثنايا السند، لا يدلّ علي أخذ الحديث عن كتابه، بل من الممكن كون الحديث مأخوذاً عن كتاب شيخه، أعني درست بن أبي منصور، أو شيخه، أعني ابن مسكان، وهذا الاحتمال قائم في جميع ما استنبطه في أسانيد التهذيبين.

الثالث: إنّ هدف الشيخ الطوسي من تصنيف الفهرس، وذكر الطرق إلي من ذكر فيه، أنّ له كتاباً أو أصلاً، ليس إخراج التهذيبين من الإرسال، ولم يبدأ الشيخ في أسانيدهما بهؤلاء المذكورين في الفهرس سوي قليل منهم، وهم المشيخة المذكورون في آخر الكتابين.

دأب الشيخ الطوسي في النقل عن الكافي

قال آية اللّه السيستاني في البحث عن قاعدة لا ضرر: إنّ الشيخ قد ينقل

ص: 589

الحديث عن الكافي، وقد ينقل الحديث عن البرقي، أو غيره، في حين أنّه قد نقله عن الكافي أيضاً، فلذلك لم يعدّه حديثين، ولم يكن حديث الكليني في الكافي والحديث في التهذيب حديثين، بل هما حديث واحد نُقل من مصدر واحد، وإن كان صورة نقلهما مختلفة.

فقال دام عزّه: الصورة الأُولي: ما نقله الكليني في باب الضرار من كتاب المعيشة عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبداللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار - وكان منزل الأنصاري بباب البستان - وكان يمرّ به إلي نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبي سمرة، فلمّا تأبّي، جاء الأنصاري إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فشكا إليه وخبّره الخبر، فأرسل رسول اللّه صلي الله عليه و آله وخبّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال: «إن أردت الدخول فاستأذن»، فأبي. فلمّا أبي ساومه حتّي بلغ به من الثمن ما شاء اللّه، فأبي أن يبيع، فقال صلي الله عليه و آله: «لك بها عذق يمدّ لك في الجنّة» فأبي أن يقبل، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله للأنصاري «اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار»(1).

وهذه الرواية معتبرة سنداً، وقد أوردها الشيخ في التهذيب(2) مبتدئاً فيها باسم: أحمد بن محمّد بن خالد، والظاهر أنّه قد أخذها عن الكافي، فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلّاً لها، وذلك لما أوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من أنّ دأب الشيخ قدس سره علي الابتداء باسم البرقي بعنوان: أحمد بن أبي عبداللّه، حينما

ص: 590


1- . الكافي ج 5 ص 292.
2- . التهذيب ج 7 ص 146-147 ح 651.

ينقل الرواية عن كتاب البرقي، والابتداء باسمه بعنوان: أحمد بن محمّد بن خالد. حينما ينقل الرواية عن الكافي دون كتابه، وقال مصحّحه أيضاً في توضيح كلامه:

توضيحاً لما أشار إليه مدّ ظلّه لا بأس بذكر أمرين مستفادين ممّا ذكره دام ظلّه في شرح مشيخة التهذيبين:

الأوّل: إنّه ربما يتصوّر - ولعلّه هو التصوّر السائد - أنّ جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة إنّما يروي الأحاديث المبدوءة بأسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة، - ولعلّ الأصل في هذا التصور هو عبارة الشيخ نفسه في مقدّمة المشيخة - ولكن هذا غير صحيح، بل التحقيق أنّ رجال المشيخة علي ثلاثة أقسام:

الأوّل: من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة، وهم أكثر رجال المشيخة؛ كمحمّد بن الحسن الصفّار، ومحمّد بن الحسن الوليد، وعليّ ابن الحسن بن فضّال وغيرهم.

الثاني: من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة، وهو بعض مشايخ الكليني، ومشايخ مشايخه؛ كالحسين بن محمّد الأشعري، وسهل ابن زياد، فهؤلاء إنّما ينقل الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي.

الثالث: من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة، وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة، وهم جماعة منهم خمسة رجالٍ ذكرهم الشيخ تارة وحدهم بصيغة: (وما ذكرته عن فلان...)، وأُخري تبعاً في ذيل ذكر أسانيده إلي آخرين بصيغة: (ومن جملة ما ذكرته عن فلان...) وهؤلاء هم: الحسن بن

ص: 591

محبوب، والحسين بن سعيد، وأحمد بن محمّد بن عيسي، والفضل بن شاذان، وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فإنّ هؤلاء وإن نقل الشيخ من كتبهم بلا واسطة، ولكن نقل عنها أيضاً بتوسّط غيرهم، ممّن ذكرهم بعد إيراد أسانيده إليهم، فالبرقي - مثلاً - قد ذكره الشيخ مرّتين: تارة بعد ذكر أسانيده إلي الكليني بقوله: ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن خالد ما رويته بهذه الأسانيد:

عن محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد...

وذكره مرّة أُخري وحده بقوله: وأمّا ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي فقد أخبرني... فهذا اقتضي أنّه قدس سره قد اعتمد في نقل روايات البرقي علي كتابه تارة - وإليه ينتهي إسناده الأخير - وعلي الكافي تارة أُخري - وإليه ينتهي إسناده الأوّل -.

وعلي هذا فلا يمكن لنا محض ابتداء الشيخ باسم البرقي وأضرابه أن نستكشف أنّ الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة.

الثاني: إنّ في القسم الثالث، حيث ينقل الشيخ روايات الرجل من كتبه بصورتين: مباشرة تارة، ومع واسطة أُخري، هل يمكن تمييز أحد الشكلين عن الآخر أم لا؟ ذكر مدّ ظلّه أنّ ذلك ممكن في بعض هؤلاء، ومنهم البرقي، فإنّه متي ابتدأ به بعنوان: (أحمد بن محمّد بن خالد) فالحديث مأخوذ من الكافي، ومتي ابتدأ به بعنوان: (أحمد بن أبي عبداللّه) فالحديث مأخوذ من كتبه مباشرة، وهذا إضافة إلي أنّه مقتضي ظاهر عبارة المشيخة، حيث فرّق بين القسمين في التعبير كما تقدّم فهو مقرون ببعض الشواهد الخارجيّة، منها:

إنّ الملاحظ، أنّ كل رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشيخ بعنوان: أحمد بن

ص: 592

محمّد بن خالد موجودة في الكافي - كما تتبّعتُه - لاحظ ج 3 ح 910 وج 6 ح 352، 358، 366، 369، 372، 608، 697، 850، 886، 1158، وج 7 ح 28، 35، 36، 44، 45، 56، 651، 709، وج 9 ح 383، 413، 415، 465، 467، 470، وج 10 ح 67، 115، 208، 262، 452، 803، 805، 872، 901، 903، 931، 937، وليس كذلك ما ابتدأ فيه بعنوان: أحمد بن أبي عبداللّه، فإنّه قد توجد في الكافي وقد لا توجد فيه، كما في ج 1 ح 1056، 1144 وج 2 ح 415 وج 3 ح 295، 486، 711 وج 6 ح 258، 329، 878، 1060.

وبهذا يتجلّي صحّة ما ذكرناه من أنّه كلّما ابتدأ الشيخ بعنوان: (أحمد بن محمّد بن خالد) فإنّه يكون قد أخذ الحديث من كتاب الكافي، فلا يمكن اعتباره مصدراً وحده إزاءه.

وقال أيضاً في ذيل حديث لا ضرر في باب الشفعة:

وقد رواه المشايخ الثلاثة منهم: الكليني عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد عبداللّه بن حلال، عن عقبة بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام.

قال: قضي رسول اللّه صلي الله عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: «لا ضرر ولا ضرار» وقال: «إذا رفّت الاُرف، وحدّت الحدود فلا شفعة»(1).

ورواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمّد بن يحيي، والظاهر أنّه أخرجه عن الكافي، لما أوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من أنّه كما ابتدأ الشيخ باسم بعض مشايخ الكليني؛ كمحمّد بن يحيي، وعليّ بن إبراهيم ونظرائهما

ص: 593


1- . الكافي ج 5 ص 280.

فإنّه قد أخذ الحديث من الكافي لا من كتبهم، إلّامع التصريح بخلاف ذلك، وإن كان ظاهر كلامه في أوّل المشيخة يوهم أنّه لم يبتدأ إلّاباسم من أخذ الحديث من كتابه أو أصله، ولكنّ هذا، وإن كان هو الغالب علي أحاديث التهذيبين، إلّاأنّه ليس بتمامه له، كما تدلّ عليه القرائن الكثيرة.

وعلي هذا فلا يمكن اعتبار التهذيب في المقام مصدراً لهذا الحديث.

وقال مقرّره: أقام مدّ ظلّه العالي قرائن عديدة علي هذا المدّعي من المشيخة وغيرها، وممّا يختصّ منها بالمقام، إنّ المراجع لرجال الشيخ وفهرسته يجد أنّه قدس سره لم يذكر محمّد بن يحيي العطّار في الفهرست، وإنّما ذكره في الرجال قائلاً: روي الكليني عنه قمي روايات كثيرة، ولكن النجاشي عنونه وقال: له كتب منها: كتاب مقتل الحسين عليه السلام، وكتاب النوادر، فيستظهر من ذلك أنّ كتب محمّد بن يحيي لم تصل إلي الشيخ قدس سره لينقل منها مباشرة، وإلّا فكيف لم يذكرها في الفهرست مع أنّ غايته فيه الاستيفاء، قدر الإمكان كما يعلم من مقدّمته(1).

أضبطيّة الكافي

إنّ الأضبطيّة وصف يحسن لكلّ موصوف أن يتّصف به، والأضبطيّة ممدوحة بالنسبة إلي الرواة، فيقال: إنّ فلان ضابط، مع أنّ فلان ليس بضابط، ومن ثمّ إذا كان الراوي غير ضابط فيوجد في رواياته اضطراب وتعارض.

وعن الشهيد الصدر في تحت عنوان معرفة الرواة والنقل بالمعني عاملاً راجعاً لأسباب التعارض:

فكلّما كان الراوي أعلم بدقائق اللغة، وأعرف بظروف صدور النص وبيئته؛

ص: 594


1- . قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 26.

كان احتمال التغيير فيما ينقله إلينا أضعف درجة وأقل خطورة، وممّا يشهد علي وجود هذا العامل في الروايات ما نجده في أحاديث بعض الرواة خاصّة من أصحاب الأئمّة عليهم السلام من غلبة وقوع التشويش فيها، حتّي اشتهرت روايات عمّار الساباطي مثلاً بين الفقهاء بهذا المعني، لكثرة ما لوحظ فيها من الارتباك والإجمال في الدلالة أو الاضطراب والتهافت في النصّ في أكثر الأحيان.

وقد اعتذر العلماء في الدفاع عن صحّة ما يصحّ عن طريقه، وعدم قدح اضطراب نصّه في اعتباره بأنّه من عمّار الساباطي، الذي لم يكن يجيد النقل والتصرّف في النصوص لقصور ثقافته اللغويّة(1).

وعن العلّامة المولي محمّد تقي المجلسي: الذي يظهر من أخباره أنّه كان ينقل بالمعني، مجتهداً في معناه، وكلّ ما وقع في خبره فكان من فهمه الناقص(2).

فهو مطعون لضعفه أوّلاً، ولكونه غير ضابط ثانياً، فلذلك قال الشيخ الطوسي في الاستبصار: إنّ عمّار الساباطي ضعيف، فاسد المذهب، لا يعمل علي ما يختصّ بروايته(3).

وفي مقابل عمّار الساباطي الغير الضابط، فهذا إسماعيل بن أبي زياد السكوني كنموذج، فإنّ العلّامة بحر العلوم ادّعي أنّ السكوني ثقة، لأنّه كان أكثر رواياته موافقة لروايات أصحابنا، وكونه متقن النصّ، فإنّ صفة الإتقان تذكر في الرواة كثيراً، وهي أنّ الراوي ضابط دقيق في نقل الحديث، وهكذا نجد

ص: 595


1- . بحوث في الأُصول ج 7 ص 33.
2- . روضة المتّقين ج 14 ص 203، منتهي المقال ج 5 ص 93.
3- . الاستبصار ج 1 ص 1413/372.

الأضبطيّة في أسباب ترجيح الرواية، فإنّ الفقهاء يقدّمون الروايات من الرواة الضابطين علي غيرهم.

ونجد أنّ الرجاليين والفقهاء يذكرون الأضبطيّة صفة للنجاشي، وإذا دار الأمر بين النجاشي والشيخ الطوسي يقولون: إنّ قول النجاشي أرجح، لأنّه كان أتقن كما صرّح به العلّامة بحر العلوم في فوائده: أنّ النجاشي أتقن من الشيخ في الرجال، وأدقّ منه.

وثالثاً: نري أنّهم - أي الفقهاء خاصّة - يقولون: إنّ الشيخ ثقة الإسلام الكليني أكثر إتقاناً من الشيخ الطوسي(1)، بل ومن الصدوق، وقلّ من نراه أنّه لا يرجّح قول الكليني ونقله؛ علي قول الشيخ الطوسي، ونحن أشرنا إلي ذلك بشكل مفصّل في كتابنا: كافي شناسي.

أمّا المحقّق الكركي في جامع المقاصد(2) فقد قدّم قول الطوسي؛ بأنّه أعرف بالأخبار من الكليني، وجميع الفقهاء رجّحوا قول الكليني ونقلَه، فإذا كان هناك تعارض بين الكافي والتهذيب، فإنّ الكافي أضبط(3)، وصرّح بذلك جميع الفقهاء، وبشكل خاصّ من عصر المحقّق الكركي وما بعده.

وعن المحدّث البحراني: كم من حديث في التهذيب يوجد إلّاومعه تصحيف، أو تحريف، أو تقديم، أو تأخير(4).

وذكر الشهيد: أنّ الحديث المعلّل في التهذيب يوجد بشكل كثير ونقل

ص: 596


1- . اُصول وقواعد فقه الحديث ص 93.
2- . جامع المقاصد ج 1 ص 284.
3- . الفوائد الرجاليّة ج 3 ص 330، مرآة العقول ج 1 ص 3.
4- . الحدائق الناضرة ج 3 ص 157 وج 5 ص 123 و 255.

المحقق الخوئي هذا الكلام من المحدّث البحراني وإن كان فيه مبالغة، إلّاأنّه حقّ، ففي التهذيب يوجد هكذا، كما أنّ في أسانيده نقاط ضعف، نذكر منها مثالاً واحداً من مستند العروة الوثقي، كتاب الصوم، والأولي نقل رواية وهي:

محمّد ين يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسي بن بكر، عن الفضيل، عن أبي عبداللّه عليه السلام(1)....

ورواه الصدوق أيضاً بإسناده عن موسي بن بكر، وأمّا الطوسي فرواه في موضعين من التهذيب: أحدهما: بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني، إلّاأنّه ترك ذكر الفضيل. وثانياً: بإسناده عن سعد، عن أبي جعفر، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن موسي بن بكر، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام نحوه(2).

أمّا آية اللّه الخوئي فقد قال في ذيل البحث عن صوم الكفّارة، نعم: هناك رواية واحدة، إلّاأنّها لا تنطبق علي ما ذكروه، وهي ما رواه الكليني والصدوق بسندهما عن موسي بن بكر... ورواها الشيخ أيضاً بإسناده عن الكليني، ولكن بإسقاط الفضيل، والظاهر أنّه سقط من قلمه الشريف، إذ هو قدس سره لم يروها بنفسه مستقلّاً كي يمكن أن يقال: إنّه رواها موسي بن بكر تارة مع الواسطة، واُخري بدونها، بل رواها عن الكليني كما عرفت، والمفروض أنّ الكافي لم يروها إلّا مع الواسطة(3).

ص: 597


1- . الكافي ج 4 ص 139.
2- . من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 436/97، تهذيب الأحكام ج 4 ص 863/285 وج 4 ص 864/285، وسائل الشيعة ج 10 ص 376.
3- . موسوعة الإمام الخوئي ج 22 ص 264.

فمن هنا يعلم أنّ الواسطة سقطت من السند، لأنّ الكليني رواها بواسطة الفضيل، والشيخ أسقط الفضيل من السند سهواً، فهنا نقول: إنّ الكليني أتقن في الإسناد، كما أنّه أتقن في المتون.

مراسيل الشيخ الطوسي

إنّ ممّن اعتمد من الفقهاء علي مراسيله، هو شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، والمعتمد وهو الفقيه المتكلّم المقداد بن عبداللّه السيوريّ المعروف: بالفاضل المقداد، المعروف بصاحب كنز العرفان، فيقول في كتابه التنقيح الرائع: قال الشيخ في المبسوط: وروي جواز بيع قلب الماشية والحائط ومثله لا يرسل إلّاعن ثقة(1).

وعن العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة: أمّا النقل الذي ادّعاه الشيخ فلم يصل إلينا، وعن السيّد فيض اللّه في حاشية المختلف ما لفظه: فإن قلت: إنّ الشيخ رحمه الله ثقة ثبت لا يرسل إلّاعن ثقة، وقد علم دلالة صدرها علي موضع النزاع قلت: فيه نظر.

أمّا أوّلاً: فلجواز أن يفيد صدر الحديث ذلك علي رأيه، ولا يفيد علي رأي غيره.

وأمّا ثانياً: فلأنّه تقليد في اجتهاد وهو غير جائز وهذا هو الصواب لمن تدبّر طريقته وسيرته في كتابي الأخبار، وأمعن النظر في الديباجة(2).

واعتبار المرسل خاصّة مع انجباره هو ظاهر، الشيخ الأعظم في المكاسب

ص: 598


1- . التنقيح الرائع ج 2 ص 7.
2- . مقباس الهداية ج 1 ص 361.

المحرّمة حيث قال: الثالث كلب الماشية والأشهر بين القدماء المنع، نعم المشهور بين الشيخ ومن تأخّر عنه الجواز، وذهب قليل إلي المنع... وهو الأوفق بالعمومات المتقدّمة المانعة، إذ لم نجد مخصّصاً لها سوي ما أرسله في المبسوط من أنّه روي ذلك، يعني جواز البيع في كلب الماشية والحائط، المنجبر قصور سنده ودلالته - لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها ولا ترجمتها - باشتهاره بين المتأخّرين، بل ظهور الاتّفاق المستفاد من قول الشيخ في كتاب الإجارة(1).

ومثل هذا موجود في الفقه والروايات، فإنّ مراسيل الشيخ الطوسي علي وجوه ثلاث:

الأوّل: هي منقولة بلفظ الحديث؛ وإن كان النقل عن الإمام بمعناه، كما قال الشيخ: وروي عن الصادق عليه السلام كذا وكذا.

الثاني: يروي مضمون الحديث لا لفظه المروي بمعناه، ولكن قد يقال: روي ذلك، أو قال: في موضع آخر، ويدلّ علي ذلك روايات أصحابنا، كمبحث الكلب، ومبحث التصرية في البيع.

فعن الشيخ عليّ، نجل كاشف الغطاء في حواشيه علي خيارات اللمعة:

والتصرية حرام إجماعاً، ثمّ ذكر روايات وقال: والظاهر أنّها مأخوذة من طريق العامّة، ولذلك اعترف بعدم الوقوف علي نصّ من ذلك من طرق الخاصّة في السرائر والتحرير وغاية المراد والمسالك وغيرها، ومن هنا يضعّف الاستناد

ص: 599


1- . المكاسب ج 1 ص 55، المبسوط ج 2 ص 166.

إلي ما أرسله الشيخ في الخلاف من أخبار الفرقة(1) وأنّ ما يحكيه كما يرويه...(2).

فكما نشاهد في مسألة التصرية(3) أيضاً فقد صرّح: بأنّه يدلّ علي المطلب أخبار الفرقة، إلّاأنّ أخبار الفرقة غير مذكورة، فهذه المراسيل مع أنّه لم يُذكر لها لفظ ولا معني؛ لا يمكن الاعتماد عليها بعنوان أنّها مراسيل الشيخ الطوسي، أو مراسيل الصدوق.

نعم، ويجب في المرسل أن يُذكر نصّ الرواية، وبلا سند، فحينئذٍ يقال: إنّ الرواية مرسلة، وهل يمكن جعلها معتبرة، وإحراز اعتبارها بالشهرة الجائزة، أو الإجماع المنقول، أو وجودها في كتب المتقدّمين المعتبرين، وغير ذلك من أسباب اعتبار المراسيل؟ فإذا لم يوجد شيء من هذا القبيل فماذا نفعل؟ فهناك يصحّ أن يقال للفاضل المقداد، وغيره ممّن اعتبروا مراسيل الشيخ الطوسي؟ - ولو لم يكن هناك رواية في البين -: ثبّت العرش ثمّ انقش.

التصحيف في أسانيد التهذيب

قال الشهيد الثاني في ذيل البحث عن الحديث المعلّل: إنّه يجب علي من أراد أن يبحث عن الحديث المعلّل أن يرجع إلي تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، فإنّه يوجد فيه الأحاديث المعلّلة في السند كثيراً كما في النصّ أيضاً، هذا كلام الشهيد باختصار.

ص: 600


1- . الخلاف ج 3 ص 102.
2- . شرح خيارات اللمعة ص 190-191.
3- . صرّيت الشاة تصرية، إذا لم تحلُبْها أيّاماً حتّي يجتمع اللبن في ضرعها، والشاة مصرّاة. معجم الصحاح ص 589، المصباح المنير ص 129.

أمّا المحدّث البحراني - يعني الشيخ يوسف مؤلّف الحدائق الناضرة - مع مهارته في معرفة الأحاديث سنداً ومتناً، فقد قال: إنّه ما من حديث في التهذيب إلّا وفيه تصحيف أو تحريف أو تقديم أو تأخير. وهذا الكلام يوجد في الحدائق الناضرة في مواضع متعدّدة، وكلام البحراني صار محلّ انتقاد من قبل الآخرين. فعن آية اللّه الخوئي: قال البحراني، وإن كان فيه مبالغة... وأقوي منه ما قاله محشّي الرعاية ومصحّحه الأُستاذ عبدالحسين البقّال: فإنّ البحرانيّ قد جفا علي الشيخ في قوله: ما من حديث يوجد في التهذيب إلّاوفيه تصحيف، أو تحريف، أو تقديم، أو تأخير.

قد ذكرنا آنفاً: أنّ الكافي أكثر اتقاناً من التهذيب، أمّا الآن فنذكر: أنّ لبعض المحقّقين خطوات صعبة في تشخيص الإرسال الخفيّ، والتقديم والتأخير، حيث ذلك لا يعرف إلّابملاحظة الطبقات من الرواة، والإحاطة بطبقات الرجال، فمن كان له حظّ في معرفة الطبقات فيعرف جيداً الإرسال الخفيّ، والتقديم، والتأخير ومن هؤلاء: محمّد بن عليّ الأردبيلي في جامع الرواة، وآية اللّه البروجردي، وهو أوّل من طرق هذا الباب، وألّف موسوعته الرجاليّة علي محور الطبقات، فلذلك له إلمام كامل عن الرواة، والطبقات؛ مشايخهم، وأساتذتهم، وتلاميذهم، وعصرهم. وممّن له سعي في هذا الطريق: آية اللّه الخوئي في معجم رجال الحديث وفقهه، فإنّه قد بَيَّن كثيراً من التصحيفات والتقديمات والتأخيرات، فهو قد أتقن ودقّق في الأسانيد، وبحث عن الإرسال الخفيّ والجليّ، وتناول في آثاره الفقهيّة التقديم والتأخير، والإرسال الخفيّ وكان هذا خاصّة في أسانيد التهذيب.

ص: 601

فممّا روي الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن عليّ بن إسماعيل، عن أحمد بن النضر، عن الحصين بن عمرو (عن يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب): أنّ معاوية لعنه اللّه كتب إلي أبي موسي الأشعري: أنّ ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امرأته فقتله، وقد أشكل عليّ القضاء، فسل لي عليّاً عن هذا الأمر.

قال أبو موسي: فلقيت عليّاً عليه السلام، قال: فقال عليّ عليه السلام: واللّه ما هذا في هذه البلاد - يعني الكوفة - ولا هذا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا؟ قلت: كتب إليّ معاوية لعنه اللّه: أنّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلاً فقتله، وقد أشكل عليه القضاء فيه، فرأيك في هذا. فقال: أنا أبو الحسن، إن جاء بأربعة يشهدون علي ما شهد، وإلّا دفع برمّته(1).

فعن آية اللّه الخوئي في ذيل مسألة 89 من مباني تكملة المنهاج قال:

المشهور علي أنّ من رأي زوجته يزني بها رجل، وهي مطاوعة، جاز له قتلها، وهو لا يخلو عن إشكال، بل منع. ثمّ ذكر الرواية وقال في ذيلها: إنّ الرواية الأُولي وإن كانت تامّة دلالة، إلّاأنّها ضعيفة سنداً من عدّة جهات، فإنّ في سندها الحصين بن عمرو، وهو مجهول، وكذا يحيي بن سعيد، علي أنّ طبقة أحمد بن النضر متأخّرة عن الحصين بن عمرو، فلا يمكن روايته عنه، فالرواية مرسلة من هذه الجهة، فلا يمكن الاعتماد عليها(2).

وأمّا في التقدّم والتأخّر، فما جاء عنه في الرواية في كتاب الحجّ؛ فيمن لم

ص: 602


1- . تهذيب الأحكام ج 10 ص 1168/314، من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 447/127، وسائل الشيعة ج 29 ص 135.
2- . مباني تكملة المنهاج ج 2 ص 85.

يجد الهدي، وأراد الصوم، سند هذه صورته: عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد وعليّ بن النعمان، عن ابن مسكان(1).

وتطرّق إليها الحسن بن زين الدين العاملي صاحب المعالم في المنتقي بقوله: وقد وقع في هذا نقصان ظاهر، فإنّ قوله فيه: وعليّ بن النعمان معطوف علي النضر بطريق التحويل من إسناد إلي آخر، والحسين بن سعيد يروي بكليهما عن سليمان بن خالد، فكان يجب إعادة ذكره بعد ابن مسكان، والعجب من التباس الأمر علي الشيخ والعلّامة هنا، فجعلا راوي الحديث عن أبي عبداللّه بن مسكان، أمّا الشيخ فإنّه في الاستبصار أراد أن يجمع بينه وبين خبرين آخرين فقال: لا تنافي بين هذين الخبرين والخبر الذي قدّمناه عن ابن مسكان، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وأمّا العلّامة فذكر في المنتهي: أنّ من الحجّة علي وجوب التفريق في الصوم بين الثلاثة والسبعة، ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام....

وهذا كما تري يدلّ علي توهّم كون عليّ بن النعمان معطوفاً علي سليمان بن خالد، فيصير سليمان راوياً عن ابن مسكان، وهو ضدّ الواقع ومقتضٍ لتوسّط النضر، وهشام بين الحسين بن سعيد، وعليّ بن النعمان، مع أنّه من رجاله وأهل عصره بغير ارتياب (وأصل السند لو رتّب هكذا: الحسين بن سعيد، عن النضر بن هشام، عن سليمان، عن ابن مسكان، وأيضاً: الحسين بن سعيد، عن عليّ بن النعمان، عن سليمان بن خالد، عن ابن مسكان لصحّ) ومع ذلك كلّه

ص: 603


1- . تهذيب الأحكام ج 5 ص 775/229.

فقد أخّر ابن مسكان وقدّم سليمان بن خالد، مع أنّ ابن سنان يروي عن سليمان ابن خالد؛ لا العكس.

ثمّ أكمل الشيخ حسن كلامه قائلاً: ثمّ العجب من الشيخ رحمه الله أنّه في التهذيب بعد ورقة وفي الاستبصار بزيادة أورد هذا الحديث بنوع مخالف في الطريق والمتن علي وفق الصواب، صورته: سعد بن عبداللّه، عن الحسين، عن النضر ابن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد وعليّ بن النعمان، عن عبداللّه بن مسكان، عن سليمان بن خالد.

وقال أيضاً حول السند الأوّل المحرّف(1) المذكور فيه ابن مسكان: يقوي عندي، أن يكون ابن سنان؛ لا ابن مسكان، فإنّ المعهود التكرير برواية ابن أبي نجران عنه(2). ووقع في التهذيب النضر بن سويد، عن ابن مسكان. وصوابه:

عن ابن سنان، وإبدال ابن سنان بابن مسكان واقع في كتابي الشيخ رحمه الله بكثرة(3).

ص: 604


1- . تهذيب الأحكام ج 5 ص 775/229، الاستبصار ج 2 ص 984/277، منتقي الجمان ج 3 ص 395.
2- . منتقي الجمان ج 3 ص 251.
3- . تهذيب الأحكام ج 1 ص 282/108، منتقي الجمان ج 3 ص 251، منتهي المقال ج 4 ص 240.

الفهرس

كلمة الناشر... 3

إجازة آية اللّه العظمي السبحانيّ للمؤلّف... 5

المقدّمة... 7

شكر وتقدير... 10

الفصل الأوّل: موقف مدرسة الصحابة والمدخل إلي علم الرجال... 11

أهميّة منهج الوثوق الصدوري... 19

«كشف القرائن»... 19

سند عهد الإمام للأشتر:... 41

نظريّة التعويض في السند:... 42

الفصل الثاني: المناهج الرجاليّة عند الفقهاء... 61

الأوّل: المنهج السَنَدي والصدوري... 61

مؤسّس المنهج السندي... 63

قوام المنهج السندي عند الشهيد الثاني... 67

تراجع آية اللّه الخوئي عن المنهج الصدوري إلي السندي... 69

أتباع الشهيد الثاني... 71

ص: 605

الثاني: المنهج الصدوري... 74

كلام السيّد البروجردي في الاعتماد علي القرائن... 77

«الجوامع الرجاليّة المتقدّمة مصنّفات لا موسوعات»... 77

إدّعاء الحائري في المهملين... 80

فوائد ذكر المهملين... 80

الأمثلة الفقهيّة التطبيقيّة علي القواعد الرجاليّة عند المنهَجَيْن... 82

1. مثال التسليم... 82

الف: أقوال أتباع المنهج الصدوري... 82

ب: أقوال أتباع المنهج السندي... 84

2. مثال كفاية الأغسال عن الوضوء... 85

الفصل الثالث: مناط اعتبار الحديث عند أصحاب المنهج الصدوري... 91

الأوّل: إحراز الصدور... 91

الثاني: الشهرة العمليّة... 92

رأي السيّد الطباطبائي... 95

رأي السيّد البروجردي... 95

قول الخواجوي... 98

الثالث: عدم إعراض الأصحاب... 98

كتب الفقه عند السيّد البروجردي... 100

قول المحقّق الحائري... 106

قول المحقّق القميّ... 106

دور المنهج الصدوري في توثيق الرواة... 109

موقف المنهج السندي من الشهرة والإعراض... 114

ص: 606

إعراض الأصحاب عن الحديث... 116

العمل بالروايات المعرض عنها دليل للتفرّد... 120

الفصل الرابع: تطبيقات لِمنهج النُّقّاد علي القرائن... 127

نقد السيّد الخوئي لكلام الشيخ الأنصاري... 127

المباني المعتمدة عند أصحاب المنهج السندي... 140

اعتمادهم علي السند... 140

رأي ابن الشهيد الثاني... 141

رأي آية اللّه الخوئي... 144

نجاسة العصير العنبي علي ضوء العمل بالقرائن... 145

المعيار في جرح القميّين... 158

تذييل علي كلام السيّد الطباطبائي... 163

المراد من قاعدة الإجماع... 167

الكلام في توثيق عمر بن حنظلة علي أساس القرائن... 171

رأي آية اللّه السيستاني حول المشايخ الثقات... 174

الفصل الخامس: المناهج الرجاليّة ودورها في الفقه... 181

علم الرجال بين القائلين بدوره، وبين المنكرين لهذا الدور... 181

أدلّة مثبتي الحاجة إلي علم الرجال:... 181

أدلّة نفاة الحاجة إلي علم الرجال:... 181

مدخل إلي علم الرجال ودوره... 182

الفرق بين علم الرجال و علم التراجم... 184

الفرق بين عِلم الرجال والدراية... 185

ص: 607

بيان أدلّة مثبتي الحاجة إلي علم الرجال... 185

الأوّل: حجّيّة قول الثقة... 185

الثاني: الرجوع إلي صفات الراوي في الأخبار العلاجيّة... 189

الثالث: وجود الوضّاعين والمدلّسين في الرواة... 191

الرابع: وجود العامّي في أسانيد الروايات... 193

الخامس: إجماع العلماء... 196

أدلّة نفاة الحاجة إلي علم الرجال... 197

الأوّل: القول بحجيّة روايات الكتب الأربعة... 197

الثاني: عمل المشهور جابر لضعف السند... 197

الثالث: لا طريق إلي إثبات عدالة الرواة... 198

الرابع: الاختلاف في معني العدالة والفسق... 199

الخامس: تفضيح الناس بهذا العلم... 201

السادس: وجوب اعتماد الحسّ لا الحدس في قول الرجالي... 201

السابع: التوثيق الإجمالي... 204

القرائن التي توجب إحراز صدور الرواية... 204

الثامن: شهادة المشايخ الثلاثة... 205

الفصل السادس: المنهج الرجالي عند القدماء... 209

الأُصول الرجاليّة المتقدّمة... 209

1. الكشّي ومنهجه في اختيار معرفة الرجال... 210

كيفيّة تهذيب رجال الكشّي... 211

آراء حول الكشّي ومنهجه في تأليفاته الرجاليّة... 211

عَن الكشّي في عليّ بن مهزيار... 215

ص: 608

في الحسن والحسين الأهوازيّين... 218

ما روي في الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ... 218

2. النجاشي ومنهجه في فهرسته... 219

3. الشيخ الطوسي ومنهجه في كتابيه... 233

طبقات الرواة والعلماء إلي عصرنا هذا... 234

4. الفهرست للشيخ ومنهجه فيه... 242

5. الغضائري ومنهجه الرجالي... 242

الرجال لابن الغضائري... 242

أ - ترجمة الغضائري... 242

ب - ابن الغضائري هو أحمد بن الحسين... 243

ج - أوّل من وجده أحمد بن طاووس الحلّي... 243

د - هل الغضائري مؤلّف الكتاب أم ابنه؟... 244

كتاب الضعفاء ومنزلته العلميّة عند العلماء... 245

الفصل السابع: منهج المتأخّرين في علم الرجال... 251

1. منهج ابن داود في رجاله... 251

رجال ابن داود... 251

مميّزات رجاله... 251

نصوص من كتاب رجال ابن داود... 253

2. منهج العلّامة في رجاله... 259

نصوص من كتاب خلاصة الأقوال... 262

3. منهج القهبائي في رجاله... 266

نصوص من كتاب مجمع الرجال... 267

ص: 609

الفصل الثامن: منهج المعتمدين علي القرائن... 271

1. منهج الإسترآبادي في منهج المقال... 271

2. منهج المامقاني في تنقيح المقال... 277

3. منهج الحائري في منتهي المقال... 283

وممّا جاء في كتاب منتهي المقال... 286

4. منهج العلياري في بهجة الآمال... 294

نصٌّ نموذجيّ من كتاب بهجة الآمال... 296

الفصل التاسع: موقف النُقّاد من الرجاليّين ومنهجهم... 323

1. التفرشي ونقد الرجال... 323

نصوص من كتاب نقد الرجال... 326

2. التستري وقاموس الرجال... 330

نصوص من كتاب قاموس الرجال... 331

الفصل العاشر: الرجال والفوائد... 335

منهج الفوائد الرجاليّة... 335

فوائدٌ ر جاليّةٌ... 340

الفائدة الأُولي... 340

الفائدة الثانية... 341

الفائدة الثالثة... 342

الفائدة الرابعة... 343

الخامسة... 344

السادسة... 345

ص: 610

السابعة... 345

الثامنة... 346

التاسعة... 346

العاشرة... 349

الحادية عشرة... 354

الثانية عشرة... 354

الأوّل: في الألفاظ الأربعة... 355

الثاني: الأُصول المدوّنة في عصر أئمّتنا:... 358

الثالث: وجه العناية بالأُصول ومدي دلالتها علي الوثاقة... 359

الثالثة عشرة... 360

الرابعة عشرة... 362

الخامسة عشرة... 362

الفصل الحادي عشر: منهج معرفة المشتركات... 365

أقوال الفقهاء حول المشتركات... 370

طرق معرفة المشتركات... 377

1. طريق المعصوم عليه السلام... 377

2. طريق الراوي عنه... 378

الفصل الثاني عشر: منهج معرفة الطبقات... 383

فوائد معرفة الطبقات... 386

نموذج لمعرفة العنوان المشترك مع أخذ الطبقات بنظر الاعتبار... 393

معرفة الإمام عليه السلام هي من أولويّات معرفة الطبقات... 401

ص: 611

تعدّد العنوان والمعنون أو تعدّد العنوان ووحدة المعنون... 403

خاتمة الفصل... 415

طبقات الموثّقين عند الشيخ البهائي... 416

نموذج للدراسة والبحث:... 418

1. جامع الرواة... 435

نصوص من كتاب جامع الرواة... 437

2. معجم رجال الحديث... 446

نموذج في البحث عن اختلاف النسخ... 450

نموذج نقد المصنّف لألفاظ التوثيق... 451

نموذج في البحث عن تعدّد العنوان... 452

نموذج في البحث عن اتّحاد الراوي وتعدّده... 454

نموذج في البحث عن تعارض الجرح والتعديل... 455

نموذج في البحث في كلمات الرجاليّين ومدي دلالتها... 456

الفصل الثالث عشر: التوثيق وقواعده... 461

الأوّل: نصّ أحد المعصومين: علي وثاقة الرجل... 461

الثاني: نصّ أحد أعلام المتقدّمين... 462

الثالث: نصّ أحد أعلام المتأخّرين عن الشيخ... 463

الرابع: دعوي الإجماع من قبل الأقدمين... 465

الخامس: المدح الكاشف عن حسن الظاهر... 465

السادس: سعي المستنبط علي جمع القرائن... 465

التوثيق العامّ... 467

1. أصحاب الإجماع... 467

ص: 612

من أصحابنا الإماميّة المتلقّين هذا الإجماع... 469

الوجه في حجيّة الإجماع... 470

ما هو مفاد تصحيح ما يصحّ عنهم... 473

2. مشايخ الثقات... 486

1. محمّد بن أبي عمير... 487

نقض القاعدة بالنقل عن الضعاف... 495

2. صفوان بن يحيي: بيّاع السابري (م 210 ق)... 501

محاولة للإجابة عن النقوض... 504

قاعدة العصابة المشهورة... 509

أ. أحمد بن محمّد بن عيسي القمّي... 509

ب. بنو فضّال... 509

ج. جعفر بن بشير (م 208 ق)... 511

د. محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني... 512

ه. عليّ بن الحسن الطاطري... 512

و. أحمد بن عليّ النجاشي صاحب الفهرس... 512

ما وقع في أسانيد كتاب نوادر الحكمة... 513

ما وقع في أسانيد كتاب كامل الزيارات... 517

ما وقع في أسانيد كتاب تفسير القمّي... 518

أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ... 521

هل شيخوخة الإجازة دليل الوثاقة عند المستجيز؟... 526

مثال لشيخوخة الكليني والصدوق... 529

شيخوخة الإجازة هي محطّ أنظار العلماء والفقهاء... 532

الوكالة عن الإمام عليه السلام... 540

ص: 613

كثرة تخريج الثقة عن شخص... 540

الفصل الرابع عشر: دراسة حول الكتب الأربعة... 543

تقييم أحاديث الكافي... 543

الصحيح عند القدماء والمتأخّرين... 544

التعليق في أسانيد الكافي... 551

وصول الكتب الأربعة إلينا بالإجازة... 562

من لا يحضره الفقيه... 564

ملاحظات مهمّة حول من لا يحضره الفقيه... 569

أولويّة المراسيل علي المسانيد... 583

التهذيب والاستبصار... 584

تصحيح أسانيد الشيخ... 585

دأب الشيخ الطوسي في النقل عن الكافي... 589

أضبطيّة الكافي... 594

مراسيل الشيخ الطوسي... 598

التصحيف في أسانيد التهذيب... 600

الفهرس... 605

ص: 614

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.