موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 17

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء السابع عشر

مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهم السّلام

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و في ولد عليه السّلام للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة و مائتين.و روي أنّه ولد في رجب سنة أربع عشرة و مائتين.و مضي لأربع بقين (1)من جمادي الآخرة سنة أربع و خمسين و مائتين.روي أنّه قبض عليه السّلام في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له أحد و أربعون سنة و ستّة أشهر،و أربعون سنة علي المولد الآخر الذي روي،و كان المتوكّل أشخصه مع يحيي بن هرثمة بن أعين من المدينة إلي سرّ من رأي،فتوفّي عليه السّلام بها و دفن في داره،و أمّه أمّ ولد يقال لها سمانة (2).

و قيل ولد في(صريا) (3)من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة إثنتي عشرة و مائتين (4)،و قيل يوم الجمعة ثاني رجب (5)،و قيل خامسه من تلك السنة (6)

و قيل يوم الثلاثاء الخامس من رجب سنة أربع عشرة.

و في مناقب ابن شهر آشوب،إعلام الوري،روضة الواعظين،الدروس:ولد بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة.

و في مصباح الكفعمي:ولد يوم الجمعة ثاني رجب،و قيل خامسه سنة 212 في أيام المأمون (7).

و قيل في رجب من سنة مائتين و أربع عشرة سنة للهجرة (8).

و قيل منتصف شهر ذي الحجة الحرام (9).

ص: 5


1- قوله«لأربع بقين»قال اليعقوبي:لثلاث بقين،و يمكن الجمع بينهما و حققنا ذلك في كل تاريخ يختلف بيوم في موضع آخر(ش).
2- الكافي:498/1.
3- صريا:قرية أسسها موسي بن جعفر عليهما السلام،و هي علي ثلاثة أميال من المدينة(انظر المناقب لابن شهر آشوب:382/4).
4- الكافي:1 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام ص 497،و روضة الواعظين:246.
5- مصباح الكفعمي:523،و عنه البحار:50 117 ح 9.
6- المناقب لابن شهر آشوب:401/4،و إعلام الوري:339،و بحار الأنوار:117/50 ح 9.
7- البحار:117/50.
8- تاريخ ابن الخشاب:197،تاريخ بغداد 12:57،مناقب آل أبيطالب 4:433.
9- وفيات الأعيات:351.

عمر الإمام علي الهادي عليه السّلام

مات عليه السّلام في جمادي الآخر لخمس ليال بقين منه من سنة أربع و خمسين و مائتين للهجرة (1)في خلافة المعتز،و تقدم ذكر ولادته في سنة أربع عشرة و مائتين فيكون عمره أربعين سنة غير أيام (2)، كان مقامه مع أبيه محمد ست سنين و خمسة أشهر،و بقي بعد وفاة أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة و شهرا، و قبره بسر من رأي (3).

صفته و أسماؤه و كنيته عليه السّلام

كان عليه السّلام أسمر اللون.

و كان يسمّي العسكري نسبة للمحلة،ففي معاني الأخبار سمعت مشايخنا رضي اللّه عنهم يقولون:إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد و الحسن بن عليّ عليهم السّلام بسرّ من رأي تسمّي عسكر فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكري.

و في القاموس إنّ بلدة سرّ من رأي تسمّي بالعسكر فنسب إليها العسكريان.

و كانت كنيته:أبا الحسن (4).

و في كتاب المناقب إسمه عليّ و كنيته أبو الحسن لا غيرهما.

ألقاب الإمام الهادي عليه السّلام

قيل ألقابه:الناصح،و المتوكل،و الفتاح،و النقي،و المرتضي (5)،و أشهرها المتوكل،و كان يخفي ذلك و يأمر أصحابه أن يعرضوا عن ذكره؛لكونه كان لقب الخليفة أمير المؤمنين المتوكل يومئذ (6).

و قيل بل أكثر و عددّها البعض:

1-النجيب.

2-المرتضي.

3-الهادي.

4-النقي.

5-العالم.

ص: 6


1- تاريخ ابن الخشاب:197،تاريخ بغداد 12:57،المنتظم 12:1562/74.
2- مناقب آل أبي طالب 4:433.
3- مناقب آل أبي طالب 4:433.
4- تاريخ ابن الخشاب:198،وفيات الأعيان:272/3،مناقب آل أبي طالب 4:432.
5- تاريخ ابن الخشاب:198.
6- البحار:114/50.

6-الفقيه.

7-الأمين.

8-المؤتمن.

9-الطيّب.

10-المتوكّل.

11-العسكري.

نقش خاتم الإمام الهادي عليه السّلام

الله ربي و هو عصمتي من خلقه (1).

قيل كان له أيضا خاتم نقشه:حفظ العهود من أخلاق المعبود (2).

و قيل نقش خاتمه:اللّه ربي و هو عصمتي من خلقه (3).

***

ترجمة الإمام الهادي عليه السّلام

فهو علي بن محمد النقي،العالم،الفقيه،الأمين،المؤتمن،الطيب،المتوكل و نسبه (العسكري)نسبة إلي المحل الذي سكنه بسر من رأي حتي قبضه اللّه إليه و كذلك ابنه عليه السّلام،و كان أطيب الناس بهجة،و أصدقهم لهجة،و أمنحهم من قريب،و أكملهم من بعيد،إذا صمت كان له هيبة الوقار،و إذا تكلم بزغ منه سيماء البهاء و الفخار (4).

كان أطيب الناس مهجة و أصدقهم لهجة و أملحهم من قريب و أكلمهم من بعيد إذا صمت عليه هيبة الوقار و إذا تكلّم عليه سيماء البهاء و هو من بيت الرسالة و الإمامة و مقرّ الوصية و الخلافة شعبة من دوحة النبوّة منتضاة مرتضاة و ثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة.

و قال في المكيال:و أما أبو الحسن علي بن محمد الهادي عليه السّلام،فكان له هيبة لم يكن لأحد مثلها،بحيث كان أعداؤه يخصّونه باحترامات و إكرامات لا يخصّون بها أحدا،و هذا كان يقع منهم إجلالا له و هيبة منه،لا ودا و محبة و كذا القائم عليه السّلام فإن له هيبة خاصة في قلوب الأعداء و رعبا.

و قد مرّ ما يدل عليه في شباهته بذي القرنين عليه السّلام (5).

ص: 7


1- الفصول المهمة:278،و عنه البحار:116/50 ح 8.
2- مصباح الكفعمي:523،و عنه بحار الأنوار:117/50 ح 9.
3- الأنوار البهية:274.
4- وفيات الأئمة:349.
5- مكيال المكارم:212/1.

أمّ الإمام الهادي عليه السّلام

أمه المعظمة الجليلة سمانة المغربية (1).

و هي أمّ ولد تسمي سمانة المغربية (2)،و قيل:غير ذلك (3).

و في الدر النظيم هي تعرف بالسيدة،و تكنّي أم الفضل،قال:قال محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبد اللّه بن جعفر:دعاني أبو جعفر الجواد عليه السّلام،فأعلمني أن قافلة قد قدمت فيها نخاس معه جواري،و دفع إلي ستين دينارا،و أمرني بابتياع جارية وصفها،فمضيت فعملت ما أمرني به، فكانت تلك الجارية أم أبي الحسن الهادي عليه السّلام (4).

و روي محمد بن الفرج و علي بن مهزيار عن السيد عليه السّلام أنه قال:أمي عارفة بحقي و هي من أهل الجنة،لا يقربها شيطان مارد،و لا ينالها كيد جبار عنيد،و هي مكلوءة بعين اللّه التي لا تنام، و لا تختلف عن أمهات الصديقين و الصالحين.انتهي (5).

و روي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده عن محمد بن الفرج بن عبد اللّه قال:دعاني أبو جعفر محمد بن علي الجواد و أعلمني أن قافلة قدمت و فيها نخاس معهم جوار،و دفع لي سبعين دينارا و أمرني بابتياع جارية وصفها لي،فمضيت فعملت بما أمرني و كانت الجارية أم أبي الحسن الهادي.

و في رواية أخري عن محمد بن الفرج و علي بن مهزيار عن السيد أنه قال:أمة عارفة بحقي، لا يقربها شيطان مارد،و لا ينالها كيد جبار عنيد،و هي كانت بعين اللّه تعالي التي لا تنام،و لا تختلف عن أمهات الصديقين و الصالحين؟ (6).

***

علم الإمام الهادي عليه السّلام بالغيب

اشارة

ثاقب المناقب:عن الحسن بن محمد بن علي قال:جاء رجل إلي علي بن محمد بن علي بن موسي عليهم السلام و هو يبكي و ترتعد فرائصه،فقال:يابن رسول اللّه إن فلانا-يعني الوالي-أخذ

ص: 8


1- المناقب لابن شهر آشوب:401/4.
2- تاريخ ابن الخشاب:198،سر السلسلة العلوية:39،مناقب آل أبي طالب 4:433.
3- مناقب آل أبي طالب 4:433.
4- الأنوار البهية:273،عن الدر النظيم:الباب الثاني عشر فصل في ذكر مولده عليه السلام و بعض صفاته (مخطوطة).
5- الأنوار البهية:273.
6- وفيات الأئمة:349.

إبني و اتهمه بموالاتك،فسلمه إلي حاجب من حجابه،و أمره أن يذهب به إلي موضع كذا فيرميه من أعلي جبل هناك،ثم يدفنه في أصل الجبل.

فقال عليه السّلام:(فما تشاء)فقال:ما يشاء الوالد الشفيق لولده،

فقال:(إذهب فان ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت و يخبرك بالعجب من أمره)فانصرف الرجل فرحا،فلما كان عند ساعة من آخر النهار غدا إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة،فسره و قال:ما خبرك يا بني؟

فقال:يا أبت إن فلانا-يعني الحاجب-صار بي إلي أصل ذلك الجبل،فأمسي عنده إلي هذا الوقت يريد أن يبيت هناك،ثم يصعدني من غداة إلي أعلي الجبل و يدهدهني لبئر حفر لي قبرا في هذه الساعة،فجعلت أبكي و قوم موكلون بي يحفظونني،فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوها و أنظف منهم ثيابا و أطيب منهم روائحا،و الموكلون بي لا يرونهم،فقالوا لي:ما هذا البكاء و الجزع و التطاول و التضرع؟

فقلت:ألا ترون قبرا محفورا و جبلا شاهقا،و موكلون لا يرحمون يريدون أن يدهدهوني منه و يدفنوني فيه؟

قالوا:بلي أرايت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل و دفناه في القبر،أتحترز بنفسك فتكون خادما لقبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم؟

قلت:بلي و الله،فمضوا إلي الحاجب فتناولوه و جرّوه و هو يستغيث و لا يسمعون به أصحابه و لا يشعرون به،ثم صعدوا به إلي الجبل و دهدهوه منه،فلم يصل إلي الأرض حتي تقطعت أوصاله، فجاء أصحابه و ضجوا عليه بالبكاء و اشتغلوا عني،فقمت و تناولني العشرة فطاروا بي إليك في هذه الساعة،و هم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلي قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لاكون خادما،و مضي.و جاء الرجل إلي علي بن محمد عليه السّلام فأخبره،ثم لم يلبث إلا قليلا حتي جاء الخبر بأن قوما أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل و دفنه أصحابه في ذلك القبر،و هرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر،فجعل علي بن محمد عليه السّلام يقول للرجل:(إنهم لا يعلمون ما نعلم و يضحك).

و رواه ابن شهرآشوب في المناقب ببعض التغيير في الألفاظ (1).

و عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي قال:و حدثني سعيد أيضا قال:اجتمعنا أيضا في وليمة لبعض أهل سر من رأي،و أبو الحسن عليه السّلام معنا،فجعل رجل يعبث و يمزح و لا يري له4.

ص: 9


1- الثاقب في المناقب:543 ح 3،و مناقب آل أبي طالب:416/4،و أخرجه في البحار:174/50 ذح 54.

جلالة،فاقبل علي جعفر فقال:أما إنه لا يأكل من هذا الطعام،و سوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عليه عيشه،قال:فقدمت المائدة.

قال جعفر:ليس بعد هذا خبر قد بطل قوله،فو الله لقد غسل الرجل يده و أهوي إلي الطعام، فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي،و قال له:إلحق أمك فقد وقعت من فوق البيت و هي بالموت.

قال جعفر:فقلت:و اللّه لا وقفت بعد هذا و قطعت عليه (1).

و من ذلك ما رواه محمد بن داود القمي،و محمد الطلحي قال:حملنا مالا من خمس و نذور، و هدايا و جواهر،إجتمعت في قم و بلادها،و خرجنا نريد بها سيّدنا أبا الحسن الهادي عليه السّلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول إلينا،فرجعنا إلي قم و أحرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيّام أن قد أنفذنا إليكم إبلا غبراء فاحملوا عليها ما عندكم،و خلوا سبيلها فحمّلناها و أودعناها اللّه،فلما كان من قابل قدمنا عليه،قال:انظروا إلي ما حملتم إلينا،فنظرنا فإذا المنايح كما هي (2).

و عن فارس بن حاتم بن ماهويه قال:بعث يوما المتوكل إلي سيدنا أبي الحسن عليه السّلام أن اركب و اخرج(معنا)إلي الصيد لنتبرك بك،فقال للرسول:قل له:إني راكب،فلما خرج الرسول قال لنا:

كذب،ما يريد إلا غير ما قال،قالا:قلنا:يا مولانا فما الذي يريد؟

قال:يظهر هذا القول فان أصابه خير نسبه إلي ما يريد بنا ما يبعده من اللّه و إن أصابه شر نسبه إلينا،و هو يركب في هذا اليوم و يخرج إلي الصيد فيرد هو و جيشه علي قنطرة علي نهر،فيعبر سائر الجيش و لا تعبر دابته،فيرجع و يسقط من فرسه فتزل رجله و تتوهن يداه و يمرض شهرا.

قال فارس:فركب سيدنا و سرنا في المركب معه و المتوكل يقول:أين ابن عمي المدني؟

فيقول له:سائر يا أمير المؤمنين في الجيش،(فيقول:ألحقوه بنا،و وردنا النهر و القنطرة، فعبر سائر الجيش)و تشعثت القنطرة و تهدمت،و نحن نسير في أواخر الناس مع سيدنا،و رسل المتوكل تحته،فلما وردنا النهر و القنطرة امتنعت دابته أن تعبر،و عبر سائر الجيش و دوابنا، فاجتهدت رسل المتوكل عبور دابته فلم تعبر،و عثر المتوكل فلحقوا به،و رجع سيدنا،فلم يمض من النهار إلا ساعات حتي جاءنا الخبر أن المتوكل سقط عن دابته و زلّت رجله و توهنت يداه،و بقي عليلا شهرا و عتب علي أبي الحسن عليه السّلام.

قال أبو الحسن عليه السّلام:إنما رجع(عنا)لئلا تصيبنا هذه السقطة فنشأم به،فقال أبو2.

ص: 10


1- إعلام الوري 347 و عنه إثبات الهداة:371/3 ح 36 و عن كشف الغمة:398/2 نقلا من إعلام الوري، و في البحار:182/50-183 ذح 57.
2- بحار الأنوار:185/50 ح 62.

الحسن عليه السّلام:صدق الملعون و أبدي ما كان في نفسه (1).

و عن أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن عياش قال:حدثني أبو طالب عبد اللّه بن أحمد بن يعقوب قال:حدثنا الحسين بن أحمد المالكي الأسدي قال:أخبرني أبو هاشم الجعفري قال:كنت بالمدينة حين مر بها(بغا)أيام الواثق في طلب الأعراب،فقال أبو الحسن عليه السّلام:أخرجوا بنا حتي ننظر إلي تعبئة هذا التركي،فخرجنا فوقفنا،فمرت بنا تعبئته،فمر بنا تركي،فكلمه أبو الحسن عليه السّلام بالتركية،فنزل عن فرسه،فقبل حافر دابته.

قال:فحلفت التركي و قلت له:ما قال لك الرجل؟

قال:هذا نبي؟

قلت:ليس هذا بنبي،قال:دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك،ما علمه أحد إلي الساعة (2).

السيد المرتضي في(عيون المعجزات):عن الحسن بن إسماعيل شيخ من أهل النهرين قال:

خرجت أنا و رجل من أهل قريتي إلي أبي الحسن عليه السّلام بشيء كان معنا،و كان بعض أهل القرية قد حملنا رسالة و دفع إلينا ما أوصلناه،و قال:تقرئونه مني السلام و تسألونه عن بيض الطائر الفلاني من طيور الآجام هل يجوز أكلها أم لا؟فسلمنا ما كان معنا إلي جارية،و أتاه رسول السلطان فنهض ليركب و خرجنا من عنده و لم نسأله عن شيء،فلما صرنا في الشارع لحقنا عليه السّلام و قال لرفيقي بالنبطية:أقرئه مني السلام و قل له:بيض الطائر الفلاني لا تأكله فإنه من المسوخ (3).

السيد المرتضي في(عيون المعجزات):قال:روي عن جماعة من أصحاب أبي الحسن عليه السّلام أنهم قالوا:ولد لأبي الحسن عليه السّلام ابنه جعفر،فجئنا لنهنئه فلم نر به سرورا،فقلنا له في ذلك، فقال:هونوا عليكم أمره،فإنه سيضل خلقا كثيرا،و كان كما قال عليه السّلام (4).

و روي المعلي بن محمد،عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه،عن علي بن محمد النوفلي قال:

قال علي بن محمد عليه السّلام لما بدا الموسوم بالمتوكل بعمارة سر من رأي و الحفرية قال:يا علي إن هذا الطاغية يبتلي ببناء مدينة لا تتم (5)،و يكون حتفه فيها قبل تمامها علي يد فرعون من فراعنة الأتراك،م.

ص: 11


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:532/7،و الهداية الكبري للحضيني:63.
2- إعلام الوري:343 و عنه إثبات الهداة:369/3 ح 29 و عن الخرائج:674/2 ح 4 و كشف الغمة:/2 397 نقلا من إعلام الوري،و في البحار:124/50 ح 1 عن إعلام الوري و مناقب آل أبي طالب:208/4 مختصرا.
3- عيون المعجزات:132 و عنه البحار:185/50-186.
4- عيون المعجزات:132.
5- في نسخة:هذا الطاغية يقتل بهذا البناء قبل أن يتم.

(ثم قال:)يا علي إن اللّه عزّ و جلّ اصطفي محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلم بالنبوة و البرهان و اصطفانا بالمحبة و البيان، و جعل كرامة الصفوة لمن تري يعني نفسه.

قال:و سمعته عليه السّلام يقول:اسم اللّه الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا،و إنما كان عند آصف منه حرف واحد،فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبا،فتناول عرش بلقيس حتي صيره إلي سليمان عليه السّلام،ثم بسطت الأرض في أقل من طرفة عين،و عندنا منه إثنان و سبعون حرفا،(و حرف عند اللّه عزّ و جلّ)استاثر به في علم الغيب (1).

ابن شهر آشوب:قال:وجه المتوكل عتاب بن أبي عتاب إلي المدينة يحمل علي بن محمد عليه السّلام إلي سر من رأي،و كانت الشيعة يتحدثون أنه يعلم الغيب،فكان في نفس عتاب من هذا شيء،فلما فصل من المدينة رآه و قد لبس لبادة و السماء صاحية،فما كان باسرع من أن تغيمت و أمطرت،فقال عتاب هذا واحد.ثم لما وافي شط القاطول (2)رآه مقلق القلب،فقال له:مالك يا أبا أحمد؟

فقال:قلبي مقلق بحوائج التمستها من أمير المؤمنين،قال له:فإن حوائجك قد قضيت،فما كان باسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه،فقال:الناس يقولون:إنك تعلم الغيب و قد تبينت من ذلك خلتين (3).

ابن شهر اشوب:قال:في(كتاب البرهان):عن الدهني أنه لما ورد به عليه السّلام سر من رأي كان المتوكل برا به و وجه إليه يوما بسلة فيها تين،فأصاب الرسول المطر،فدخل إلي المسجد ثم شرهت نفسه إلي التين،ففتح السلة و أكل منها،فدخل و هو قائم يصلي،فقال له بعض خدمه:ما قصتك؟ فعرفه القصة،قال له:أو ما علمت أنه قد عرف خبرك و ما أكلت من هذا التين؟

فقامت علي الرسول القيامة،و مضي مبادرا إلي منزله حتي إذا سمع صوت البريد ارتاع هو و من في منزله بذلك الخبر (4).

و عن أبي محمد الفحام قال:حدثني المنصوري قال:حدثني عم أبي قال:دخلت يوما علي المتوكل و هو يشرب،فدعاني(للشرب)،فقلت:يا سيدي ما شربته قط،قال:أنت تشرب مع علي بن محمد.

قال:فقلت له:ليس تعرف من في يدك،إنما يضرك و لا يضره و لم أعد ذلك عليه.

قال:فلما كان يوما من الأيام قال لي الفتح بن خاقان:قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال4.

ص: 12


1- دلائل الإمامة:218-219 و صدره في اثبات الهداة:385/3 ح 78.
2- القاطول موضع علي دجلة أو هو إسم لتمام النهر المشقوق الفرعي من الدجلة إلي النهراوات.
3- مناقب آل أبي طالب:413/4 و عنه البحار:173/50 صدر ح 53.
4- مناقب آل أبي طالب:415/4 و عنه البحار:174/50 ح 54.

يجيء من قم،و قد أمرني أن أرصده لأخبره عنه،فقل لي من أي طريق يجيء حتي أجتنبه،فجئت إلي الإمام علي بن محمد-عليهما السّلام-،فصادفت عنده من أحتشمه،فتبسّم و قال لي:لا يكون إلا خيرا،يا أبا موسي لم لم تنفذ الرسالة الاولي؟

فقلت:أجللتك يا سيدي.

فقال لي:المال يجي الليلة و ليس يصلون إليه،فبت عندي.

فلما كان من الليل و قام إلي ورده قطع الركوع بالسلام و قال لي:قد جاء الرجل و معه المال، و قد منعه الخادم من الوصول إليّ،فاخرج و خذ ما معه،فخرجت فإذا معه زنفيلجة (1)فيها المال، فأخذته و دخلت به إليه،فقال:قل له:هات المخنقة (2)التي قالت له القمية:إنها ذخيرة جدتها، فخرجت إليه فأعطانيها،فدخلت بها إليه،فقال لي:قل له:الجبة التي أبدلتها بها ردها إلينا، فخرجت إليه فقلت له ذلك،فقال:نعم كانت إبنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة و أنا أمضي فأجي بها،فقال:أخرج،فقل له:إن اللّه تعالي يحفظ لنا و علينا هاتها من كتفك،فخرجت إلي الرجل فأخرجتها من كتفه،فغشي عليه،فخرج إليه عليه السّلام فقال له:قد كنت شاكا فتيقنت (3).

و روي عن أحمد بن داوود بن محمد بن عبد اللّه الطلحي قال:حملنا مالا من خمس و نذر من عين و ورق و دنانير و حلي و جواهر و ثياب من قم و ما يليها فخرجنا نريد أبا الحسن عليه السّلام فلما صرنا إلي دسكرة الملك تلقانا رجل راكب علي جمل و نحن في قافلة عظيمة فقصدنا و نحن سائرون في جملة الناس و هو يعارضنا بحمله،فقال:يا أحمد بن داوود و محمد بن إسحاق معي رسالة إليكما فقلنا:ممن؟

فقال:من سيدكما أبي الحسن الهادي عليه السّلام يقول لكما:إني راحل إلي اللّه تعالي في هذه الليلة فأقيما مكانكما حتي يأتيكما أمر من أبي محمد الحسن عليه السّلام.

فخشعت قلوبنا و بكت عيوننا و أخفينا ذلك و لم نظهره،و نزلنا دسكرة الملك و استأجرنا منزلا و أحرزنا ما كان معنا فيه،و أصبحنا و الخبر شائع في الدسكرة بوفاة إمامنا عليه السّلام لا إله إلا اللّه أتري أن الرسول الذي جاء برسالته أشاع الخبر في الناس؟

فلما تعالي النهار رأينا قوما من شيعة علي أشد قلقا مما نحن فيه،و أخفينا أمر الرسالة و لم نظهره،فلما جن الليل جلسنا بلا ضوء و لا سراج حزنا علي الهادي عليه السّلام نبكي و نشكوا إلي اللّه تعالي4.

ص: 13


1- الزنفيجلة بكسر الزاء و فتح اللام،و هكذا الزنفليجة-كقسطبيلة-وعاء أدوات الراعي،فارسي معرب زنبيلة.
2- المخنقة:القلادة،و في البحار:الجبة.
3- أمالي الطوسي:282-283 و عنه البحار:124/50 و عن مناقب آل أبي طالب:413/4.

فقده،و إذا نحن بيد داخلة علينا من الباب فأضاءت بنا كما يضي المصباح و قائلا يقول:يا أحمد يا محمد هذا التوقيع،فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسن المستكين لرب العالمين إلي شيعته المساكين أما بعد:فالحمد للّه علي ما نزل بنا منه و نشكره إليكم علي جميل الصبر إليه،و هو حسبنا في أنفسنا و فيكم و نعم الوكيل (1).

و روي السيد ابن طاووس في أمان الأخطار عن أبي محمد القاسم بن العلاء.

قال:حدثنا خادم لعلي بن محمد عليهما السّلام،قال:استأذنته في الزيارة الي طوس فقال لي:يكون معك خاتم فصه عقيق أصفر عليه:(ما شاء اللّه،لا قوة إلا باللّه،استغفر اللّه)،و علي الجانب الآخر:(محمد و علي)،فإنه أمان من القطع،و أتم للسلامة،و أصون لدينك.

قال:فخرجت و أخذت خاتما علي الصفة التي أمرني بها،ثم رجعت إليه لوداعه،فودعته و انصرفت،فلما بعدت عنه أمر بردي،فرجعت إليه،فقال:يا صافي.

قلت:لبيك يا سيدي،قال:ليكن معك خاتم آخر فيروزج،فإنه يلقاك في طريقك أسد بين طوس و نيسابور،فيمنع القافلة من المسير،فتقدم إليه و أره الخاتم،و قل له:مولاي يقول لك تنح عن الطريق،ثم قال:ليكن نقشه:(اللّه الملك)،و علي الجانب الاخر:(الملك للّه الواحد القهار)،فإنّ خاتم أمير المؤمنين علي عليه السّلام كان عليه:(اللّه الملك)،فلما ولي الخلافة نقش علي خاتمه:(الملك للّه الواحد القهار)،و كان فصه فيروزج،و هو أمان من السباع-خاصة-،و ظفر في الحروب.

قال الخادم:فخرجت في سفري ذلك فلقيني-و اللّه-السبع،ففعلت ما أمرت،و رجعت و حدثته،فقال عليه السّلام لي:بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها،إن شئت حدثتك بها،فقلت:يا سيدي لعلي نسيتها،فقال:نعم،بت ليلة بطوس عند القبر،فصار إلي القبر قوم من الجن لزيارته،فنظروا الي الفص في يدك فقرأوا نقشه،فأخذوه من يدك و صاروا به الي عليل لهم،و غسلوا الخاتم بالماء و سقوه ذلك الماء فبرئ،وردوا الخاتم إليك،و كان في يدك اليمني فصيروه في يدك اليسري،فكثر تعجبك من ذلك،و لم تعرف السبب فيه،و وجدت عند رأسك حجرا ياقوتا فأخذته،و هو معك فاحمله الي السوق،فإنك ستبيعه بثمانين دينارا-و هي هدية القوم إليك-،فحملته الي السوق و بعته بثمانين دينارا،كما قال سيدي عليه السّلام (2).

و روي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري(ره)عن هارون بن الفضل،عن رجل كان رضيع أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال:بينما أبو الحسن عليه السّلام مع مؤدبه إذ بكي بكاء شديدا،فقال له المؤدب:مما بكاؤك؟8.

ص: 14


1- مدينة المعاجز:663/7.
2- الأمان من أخطار الأسفار و الازمان:48.

فلم يجبه،ثم قال له:إئذن لي بالدخول في هذه الدار فأذن له،فارتفع الصياح من داره بالبكاء فخرج عليه السّلام إلينا فسألناه عن السبب في بكائه فقال عليه السّلام:إن أبا جعفر توفي الساعة،فقلت له:من أعلمك؟

فقال عليه السّلام:دخلني من جلال اللّه شيء لم أكن أعرفه فعلمت أن أبي قد مضي.

قال:فكتبنا ذلك اليوم و الشهر إلي أن ورد خبره فإذا هو في ذلك الوقت بعينه.

قال:و كان سيدنا أبو الحسن عليه السّلام يومئذ ابن ثمان سنين (1).

و في رواية اخري عن هارون بن الفضل قال:رأيت أبا الحسن-يعني صاحب العسكر-في اليوم الذي توفي فيه أبوه يقول:إنا للّه و إنا إليه راجعون مضي أبو جعفر،فقلت له:كيف تعلم و هو ببغداد و أنت بالمدينة فقال عليه السّلام:لأنه لحقني من ذلك ذلة و استكانة للّه عزّ و جلّ و لم أكن أعرفها، فعلمت أنه مضي (2).

و روي في الخرائج عن ابن أرومة قال:خرجت أيام المتوكل إلي سر من رأي،فدخلت علي سعيد الحاجب و قد دفع المتوكل إليه علي الهادي عليه السّلام ليقتله،فلما دخلت عليه قال:أتحب أن تنظر إلي إلآهك؟

فقلت:سبحان اللّه لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (3)قال:هذا الذي تزعمون أنه إمامكم.

قلت:ما أكره ذلك،قال:إني أمرت بقتله و أنا فاعل ذلك غدا،و عنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه،فلم يلبث أن خرج،فقال لي:ادخل فدخلت الدار التي هو فيها محبوسا فإذا بحياله قبر قد حفر،فدخلت و سلّمت عليه و بكيت بكاء شديدا فقال لي عليه السّلام:ما يبكيك؟

فقلت:لما أري فقال:لا تبك فلا يتم لهم ذلك،فسكن ما كان بي فقال عليه السّلام:إنه لا يلبث أكثر من يومين حتي يسفك اللّه دمه و دم صاحبه الذي رأيته،قال:فو الله ما مضي غير يومين حتي قتلا.

فقلت لأبي الحسن عليه السّلام:أخبرني عن حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لا تعادوا الأيام فتعاديكم؟

فقال عليه السّلام:نعم إنه لحديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم تأويله:فأما السبت فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و أما الأحد فأمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة،و الاثنين الحسن و الحسين عليه السّلام،و الثلاثاء علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد عليه السّلام،و الاربعاء موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و أنا علي بن3.

ص: 15


1- وفيات الأئمة:353.
2- وفيات الأئمة:353،و الكافي:381/1 ح 5 و عنه البحار:14/50 ح 15،و دلائل الإمامة:219.
3- سورة الأنعام،الآية:103.

محمد عليه السّلام،و الخميس ابني الحسن عليه السّلام،و الجمعة القائم عجل اللّه فرجه منا أهل البيت عليه السّلام (1).

و روي بلفظ آخر عن الصقر الكرخي قال:سألت الحسن العسكري عليه السّلام فقلت:يا سيّدي حديث يروي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لا أعرف معناه،قال:و ما هو؟

قال:قلت:قوله:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم،فقال:نعم الأيّام نحن ما قامت السماوات و الأرض فالسبت اسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و الأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السّلام و الإثنين الحسن و الحسين و الثلاثاء عليّ بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و الأربعاء موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمّد بن علي و أنا و الخميس إبني الحسن بن علي و الجمعة ابن ابني و إليه تجتمع عصابة الحقّ و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا فهذا معني الأيّام فلا تعادوهم في الدّنيا فيعادوكم في الآخرة (2).

قال السيد الجزائري في الرياض:هذا الحديث روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و الناس لا يفهمون إلاّ ظاهره حتّي فسّره العسكري عليه السّلام و هذا ينافي ما تقرّر في الاصول و برهن عليه من أنّ الحكيم لا يجوز أن يخاطب بما لا يفهم و لا يراد ظاهره إلاّ بالقريبة المفهمة لمعناه.و ثبت أيضا أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز أيضا و قد تضمّن حكما شرعيا و هو النهي عن المعاداة فكيف جاز تأخيره من أعصار النبوّة إلي آخر أعصار الإمامة،و من هذا الباب كثير من الأخبار.

و بعض أهل الحديث لمّا نظر إلي ما قلناه طعن في الحديث و قال:إنّه من الموضوعات...

و جعل من هذا الباب كثيرا من الأحاديث و أيّد هذا بما روي في يوم الاثنين من أنّه عيد بني أميّة و في الأربعاء لا تدور إلي غير ذلك ممّا يجوز معاداة الأيّام فيكون معارضة لحديث لا تعادوا الأيّام فتعاديكم و الأولي عندي في هذا المقام هو أن نقول:إنّه ورد في الأخبار أنّ كلام النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم مثل القرآن له ظاهر و باطن و محكم و متشابه و عام و خاصّ و مطلق و مقيّد و ناسخ و منسوخ و مجمل و مبيّن إلي غير ذلك من الوجوه المحتملة،فقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم و أمثاله لا نحكم عليه بالوضع،لأنّ فتح هذا الباب يؤدّي إلي طرح كثير من الأخبار بل نقول:إنّ الحديث له ظاهر و له باطن فالظاهر هو المفهوم المراد من ظاهر اللفظ و يكون معناه أنّ معاداة الأيّام كما يفعله أهل النجوم و مقلّدوهم يصير باعثا علي التضرّر و وقوعه في ذلك الأيّام و ذلك أنّ القوّة الوهمية إذا قدمت علي أمر تخافه و يتوهّم منه الضرر جريا علي أمور العادات من تأثّر النفوس من الامور التي يتوهّم منها كما يشاهد فيمن توهّم من فعل شيء و القمر في العقرب مثلا و فعله فإنّ في الغالب أنّه يتضرّر به،و أمّا من قويت نفسه في التوكّل الإلهي فإنّه لا يتأذّي بأمر من تلك الامور و حينئذ فما ذكره أبو6.

ص: 16


1- الخرائج:412/1 ح 17،و البحار:195/50 ح 7 و حليه الأبرار:465/2(ط ق)،و في إثبات الهداة: 377/3 ح 45 عنه و عن جمال الأسبوع:36-37 و كشف الغمة:394/2.
2- الخصال:396.

الحسن عليه السّلام من معني الحديث هو تأويله و باطنه و يرشد إليه أنّ صاحب كتاب الخرائج رواه عن ابن أورمة هكذا قلت لأبي الحسن عليه السّلام حديث رسول اللّه:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم؟

قال:نعم إنّ لحديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم تأويلا،أمّا السبت فرسول اللّه إلي آخره،فقوله:تأويلا يعني باطنا فكأنّه هذا و هو لا ينافي إرادة الظاهر كما هو الجاري في آيات القرآن فاجعل هذا قانونا لك و اعمل عليه في كلّ ما يرد عليك من أشباهه.

الخرائج،روي أبو سعيد سهل بن زياد قال:حدّثنا أبو العبّاس فضل بن أحمد الكاتب و نحن في داره بسامراء فجري ذكر أبي الحسن فقال:يا أبا سعيد إنّي أحدّثك بشيء حدّثني به أبي قال:كنّا مع المعتزّ و كان أبي كاتبه فدخلنا الدار فإذا المتوكّل علي سريره قاعد،فسلّم المعتزّ و وقف و وقفت خلفه و كان عهدي به إذا دخل رحّب به و يأمره بالقعود فأطال القيام و هو لا يأذن له بالقعود و نظرت إلي وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة و يقبل علي الفتح بن خاقان و يقول هذا الذي يقول فيه ما تقول و يردّد القول و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب عليه يا أمير المؤمنين و هو يتلظّي و يقول:و اللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق و هو يدّعي الكذب و يطعن في دولتي.

ثمّ قال:جئني بأربعة من الخزر فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن و يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه و هو يقول:و اللّه لأحرقنّه بعد القتل، فدخل أبو الحسن و بادر الناس قدّامه و قالوا:قد جاء فنظرت فإذا شفتاه يتحرّكان و هو غير مكروب و لا جازع فلمّا بصر به المتوكّل رمي بنفسه عن السرير إليه و انكبّ عليه يقبل بين عينيه و يده و سيفه بيده و هو يقول:يا سيّدي يابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يابن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن و أبو الحسن يقول:أعيذك يا أمير المؤمنين باللّه من هذا،فقال:ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟

قال:جاءني رسولك قال:كذب ابن الفاعلة إرجع يا سيّدي يا فتح يا عبيد اللّه يا معتزّ شيّعوا سيّدكم و سيّدي،فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّدا مذعنين فلمّا خرج دعاهم المتوكّل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون،ثمّ قال لهم:لم لم تفعلوا ما أمرتم؟قالوا:هيبة منه رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأمّلهم فمنعنا ذلك عمّا أمرت به و امتلأت قلوبنا من ذلك،فقال المتوكّل:يا فتح هذا صاحبك و ضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه و قال:الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أنا رجحته (1).

و روي هبة اللّه الموصلي أنّه كان بدار ربيعة كاتب نصراني يسمّي يوسف بن يعقوب من أهل كفر توثا (2)فوافي منزل والدي لصداقة بينهما فقال له ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟

ص: 17


1- رياض الأبرار،مخطوط.
2- كفر توثا:بضم التاء المثناة من فوق،و سكون الواو،و ثاء مثلثة،قرية كبيرة من أعمال الجزيرة بينها و بين دارا خمسة فراسخ،و هي بين دارا و رأس عين ينسب إليها قوم من أهل العلم،و هي أيضا من قري فلسطين، و كان حصنا قديما فاتخذها ولد أبي رمثة منزلا فمدنوها و حصنوها.(انظر معجم البلدان:87/24).

قال:دعيت إلي حضرة المتوكّل و لا أدري ما يراد منّي إلاّ أنّي إشتريت نفسي من اللّه بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن الرضا.

فقال له والدي:قد وفّقت في هذا،و خرج إلي حضرة المتوكّل و انصرف إلينا بعد أيام مستبشرا.

فقال له والدي:حدّثني حديثك؟.

قال سرت إلي سرّ من رأي و ما دخلتها قط،فنزلت في دار و قلت أحب أن أوصل المائة إلي ابن الرضا قبل مسيري إلي باب المتوكّل،فعرفت أنّ المتوكّل قد منعه من الركوب فقلت:كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا فخفت ففكّرت فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه من حيث يذهب لعليّ أقف علي داره من غير أن أسأل أحدا فجعلت الدنانير في كاغذة (1)في كمي و ركبت فكان الحمار يتخرّق الشوارع و الأسواق إلي أن صرت إلي باب دار فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل فقلت للغلام:سل لمن هذه الدار؟

فقيل:هذه دار ابن الرضا.

فقلت:اللّه أكبر دلالة و اللّه مقنعة.

قال:و إذا خادم أسود فقال:أنت يوسف بن يعقوب؟

قلت:نعم.

قال:إنزل فأقعدني في الدهليز فدخل فقلت:هذا دلالة أخري من أين عرف هذا الغلام إسمي.

ثمّ خرج الخادم فقال:المائة دينار التي في كمّك في الكاغذ هاتها،فناولته إيّاها،قلت:

و هذه ثالثة.

ثمّ رجع إليّ و قال:أدخل فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده.

قال عليه السّلام:يوسف ما آن لك؟

فقلت:يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية.

فقال:هيهات أنّك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا.

يا يوسف إنّ أقواما يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم كذبوا و اللّه إنّها تنفع أمثالك،إمض فيما وافيت له فإنّك ستري ما تحبّ.س.

ص: 18


1- أي في ورقة أو كيس.

قال:فمضيت إلي باب المتوكّل فقلت:كلّما أردت فانصرفت.

قال هبة:فلقيت ابنه بعد موت والده و اللّه و هو مسلم حسن التشيّع فأخبرني أنّ أباه مات علي النصرانية و أنّه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول:أنا بشارة مولاي عليه السّلام (1).

و في ذلك الكتاب أيضا عن يحيي بن هرثمة قال:دعاني المتوكّل و قال:اختر ثلاثمائة رجل ممّن تريد و اخرجوا علي طريق المدينة فأحضروا علي بن محمد بن الرضا إلي عندي مكرما معظّما.

ففعلت فخرجنا و كان في أصحابنا قائد من الشراة (2)أي الخوارج و كان لي كاتب يتشيّع و أنا علي مذهب الحشويّة (3)و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب في الطريق قال الشاري للكاتب أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب أنّه ليس من الأرض بقعة إلاّ و هي قبر أو ستكون قبرا،فانظر إلي هذه التربة أين من يموت فيها حتّي تمتلئ قبورا،و تضاحكنا ساعة إذا انخذل الكاتب في أيدينا و سرنا حتّي دخلنا المدينة فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد الرضا فقرأ كتاب المتوكّل،فقال إنزلوا و ليس من جهتي خلاف،فلمّا صرت إليه من الغد و كنّا في تمّوز أشد ما يكون من الحرّ،فإذا بين يديه خيّاط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه ثمّ قال للخيّاط:أجمع عليها جماعة من الخيّاطين و اعمد إلي الفراغ منها يومك هذا و بكّر بها إليّ في هذا الوقت ثمّ نظر إليّ و قال:

يا يحيي أقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم و الرحيل غدا.

فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الحقائق و أقول في نفسي نحن في تمّوز و الحجاز و إنّما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب؟

ثمّ قلت في نفسي:هذا رجل لم يسافر و هو يقدّر أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلي مثل هذه الثياب و العجب من الرافضة حيث يقولون بإمامته هذا مع فهمه هذا،فعدت عليه في الغد،فإذا الثياب قد أحضرت.

فقال لغلمانه:أدخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس.

ثمّ قال الرجل يا يحيي،فقلت في نفسي هذا أعجب من الأوّل أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتّي أخذ معه اللبابيد و البرانس فخرجت و أنا استصغر فهمه،فعبرنا حتّي وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور و ارتفعت سحابة و اسودّت و أرعدت و أبرقت حتّي إذا صارت).

ص: 19


1- البحار:114/50.
2- الشراة جمع شار:و هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام،إنما لزمهم هذا اللقب لانهم زعموا أنهم شروا دنياهم بالاخرة أي باعوا(مجمع البحرين).
3- الحشوية:طائفة من أصحاب الحديث تمسكوا بالظاهر،لقبوا بهذا اللقب لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث المتناقضة(معجم الفرق الإسلامية).

علي رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور و قد شدّ علي نفسه و علي غلمانه الخفاتين و لبسوا اللبابيد و البرانس.

فقال لغلمانه:إدفعوا إلي يحيي لبّادة و إلي الكاتب برنسا.و تجمّعنا و البرد يأخذنا حتّي قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت و رجع الحرّ كما كان.

فقال لي يا يحيي إنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك،فهكذا يملأ اللّه البريّة قبورا.

فرميت نفسي عن دابتي وعدت إليه فقبّلت ركابه و رجله و قلت:أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله و أنّكم خلفاء اللّه في أرضه و قد كنت كافرا و إنّي الآن قد أسلمت علي يديك يا مولاي.

قال يحيي:و تشيّعت و لزمت خدمته إلي أن مضي (1).

و روي أنّ رجلا من أهل المدائن كتب إليه يسأله عمّا بقي من ملك المتوكّل فكتب عليه السّلام قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ ،فقتل في أوّل الخامس عشر (2).

و روي أبو الطيّب المثنّي يعقوب بن ياسر (3)قال:كان المتوكّل يقول:و يحكم قد أعياني أمر ابن الرّضا،أبي أن يشرب معي أو يناد مني أو أجد منه فرصة في هذا.

فقالوا له:فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسي قصّاف عزّاف يأكل و يشرب و يتعشّق،قال:إبعثوا إليه فجيئوا به حتّي نموّه به علي النّاس و نقول:ابن الرّضا،فكتب إليه و أشخص مكرّما و تلقّاه جميع بني هاشم و القوّاد و الناس علي أنّه إذا وافي أقطعه قطيعة و بني له فيها و حوّل الخمّارين و القيان إليه و وصله و برّه و جعل له منزلا سرّيّا حتّي يزوره هو فيه،فلمّا وافي موسي تلقّاه أبو الحسن في قنطرة وصيف و هو موضع يتلقّي فيه القادمون،فسلّم عليه و وفّاه حقّه.

ثمّ قال له:إنّ هذا الرّجل قد أحضرك ليهتكك و يضع منك فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذا قطّ.

فقال له موسي:فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ع.

ص: 20


1- الخرائج و الجرائح:395/1 ح 2.
2- الخرائج و الجرائح:396/1 ح 3،و عنه البحار:144/5 ح 28. الثاقب في المناقب:553 ح 13،الخرائج:369/1 ح 3،و إثبات الهداة:373/3 ح 39،و كشف الغمة:392/2-393.
3- يعقوب بن ياسر كأنه من عمال الحكومة نقل عنه الكليني قدس سره لأنّ قوله حجة في أمثال هذه الوقائع بالنسبة إلي تنزيه الإمام عليه السّلام و إن لم تكن حجة بالنسبة إلي تنقيص موسي المبرقع.

قال:فلا تضع من قدرك و لا تفعل فإنّما أراد هتكك.

فأبي عليه فكرّر عليه،فلمّا رأي أنّه لا يجيب قال:أما إنّ هذا مجلس لا تجمع أنت و هو عليه أبدا.

فأقام ثلاث سنين،يبكّر كلّ يوم فيقال له:قد تشاغل اليوم فرح،فيروح فيقال:قد سكر فبكّره،فيبكر فيقال:شرب دواء،فما زال علي هذا ثلاث سنين حتّي قتل المتوكّل و لم يجتمع معه عليه (1).

و عن أبي محمد الفحام قال:حدثني المنصوري،عن عم أبيه.و حدثني عمي،عن كافور الخادم بهذا الحديث،قال:كان في الموضع مجاور الإمام من أهل الصنائع صنوف من الناس، و كان الموضع كالقرية،و كان يونس النقاش يغشي سيدنا الإمام و يخدمه،فجاءه يوما يرعد،فقال له:يا سيدي أوصيك بأهلي خيرا،قال:و ما الخبر؟

قال:عزمت علي الرحيل.

قال:و لم يا يونس؟و هو عليه السّلام يتبسم.

قال:قال يونس:ابن بغا وجه إلي بفص ليس له قيمة،أقبلت أنقشه فكسرته باثنين و موعده غدا-و هو موسي بن بغا-إما ألف سوط أو القتل.

قال:إمض إلي منزلك،إلي غد(فرج)،فما يكون إلا خيرا،فلما كان من الغد وافي بكرة يرعد،فقال:قد جاء الرسول يلتمس الفص.

قال:إمض إليه فما تري إلا خيرا.

قال:و ما أقول له يا سيدي؟

قال:فتبسم و قال عليه السّلام:إمض إليه و اسمع ما يخبرك به،فلن يكون إلا خيرا.

قال:فمضي و عاد يضحك.

قال:قال لي:يا سيدي الجواري اختصمن،فيمكنك أن تجعله فصّين حتي نغنيك؟

فقال سيدنا الإمام عليه السّلام:اللهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقا،فايش قلت له؟

قال:قلت له:أمهلني حتّي أتأمّل أمره كيف أعمله.

فقال عليه السّلام:أصبت (2).3.

ص: 21


1- الكافي:502/1 ح 8 و عنه البحار:158/50 ح 49،و في إثبات الهداة:362/3 ح 13 عنه و عن إعلام الوري:345-346-عن محمد بن يعقوب-و إرشاد المفيد:331-332-باسناده عن الكليني-و كشف الغمة:381/2.
2- أمالي الطوسي:294/1-295 و عنه البحار:125/50 ح 3.

و عن خيران الأسباطي قال:قدمت علي أبي الحسن عليه السّلام المدينة فقال لي:ما خبر الواثق عندك؟

قلت:جعلت فداك خلّفته في عافية،أنا من أقرب النّاس عهدا به،عهدي به منذ عشرة أيّام، قال:فقال لي:إنّ أهل المدينة يقولون:إنّه مات،فلمّا أن قال لي:«الناس»علمت أنّه هو،ثمّ قال لي:ما فعل جعفر؟

قلت:تركته أسوأ النّاس حالا في السجن قال:فقال:أما إنّه صاحب الأمر،ما فعل ابن الزّيّات؟

قلت:جعلت فداك الناس معه و الأمر أمره.

قال:فقال:أما إنّه شؤم عليه.

قال:ثمّ سكت و قال لي:لابدّ أن تجري مقادير اللّه تعالي و أحكامه،يا خيران مات الواثق (1)و قد قعد المتوكّل جعفر (2)و قد قتل ابن الزّيّات (3).

فقلت:متي جعلت فداك؟

قال:بعد خروجك بستّة أيّام (4).

و عن عليّ بن محمّد النوفلي،قال:قال لي محمد بن الفرج:إنّ أبا الحسن عليه السّلام كتب إليه:يا محمّد،أجمع أمرك و خذ حذرك،قال:فأنا في جمع أمري[و]ليس أدري ما كتب إليّ حتّي ورد عليّ رسول حملني من مصر مقيّدا و ضرب علي كلّ ما أملك و كنت في السجن ثمان سنين،ثمّ ورد عليّ منه في السجن كتاب فيه:يا محمّد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي،فقرأت الكتاب فقلت:

يكتب إليّ بهذا و أنا في السجن إنّ هذا لعجب،فما مكثت أن خلّي عنّي و الحمد للّه.

قال:و كتب إليه محمّد بن الفرج يسأله عن ضياعه،فكتب إليه:سوف تردّ عليك و ما يضرّك أن لا تردّ عليك.4.

ص: 22


1- هو الواثق باللّه هارون بن المعتصم بن هارون الرشيد استخلف بعد أبيه المعتصم،و المعتصم بعد أخيه المأمون و مات الواثق سنة اثنتي و ثلاثين و مائتين و له ستة و ثلاثون سنة،و قيل:سبعة و ثلاثون،و مدة ملكه خمس سنين و أربعة أشهر،و قيل:خمس سنين و تسعة أشهر و ثلاثة عشر يوما.
2- هو جعفر بن المعتصم أخو الواثق،و الناس جعلوه خليفة بعد الواثق،و لقبوه بالمتوكل علي اللّه،و تركوا محمد بن الواثق لصغر سنه،و قالوا لا نجعل من لا يمكن الصلاة خلفه بعد خليفة.
3- هو محمد بن عبد الملك الزيات كان وزير الواثق و وزير أبيه المعتصم،و صاحب تدبير في ملكهما.
4- الكافي:498/1 ح 1 و عنه اثبات الهداة:360/3 ح 4 و عن الخرائج:407/1 ح 14 و إرشاد المفيد: 329-باسناده عن الكليني-و إعلام الوري:341-عن محمد بن يعقوب-و كشف الغمة:378/2 نقلا من الإرشاد.و أخرجه في البحار:151/50 ح 37 عن الخرائج و في ص 158 ح 48 عن إعلام الوري و الإرشاد،و أورده في الفصول المهمة:279 و مناقب آل أبي طالب:410/4.

فلمّا شخص محمّد بن الفرج إلي العسكر كتب إليه بردّ ضياعه و مات قبل ذلك.

قال:و كتب أحمد بن الخضيب إلي محمّد بن الفرج يسأله الخروج إلي العسكر،فكتب إلي أبي الحسن عليه السّلام يشاوره،فكتب إليه:أخرج فإنّ فيه فرجك إن شاء اللّه تعالي،فخرج فلم يلبث إلاّ يسيرا حتّي مات (1).

و لله در من قال:

هم الغوث إن لمّت ملمات دهرنا و قد علموا حقا بما كان في العيب

و ذلك من علم الإله مفوض عليهم بلا شك لدي و لا ريب

و ذلك برهان من اللّه ثابت إمامتهم في مبتدا السن و الشيب

فهم عصم قد أثبتت عصمة لهم مسددة قد طهرتهم من العيب

فوا عجبا كيف استطالت عليهم طغاة بني حرب بقتل و تسليب

و قد أركبوا تلك الفواطم جهرة بسبيهم ظهر العجاف من النيب

فقلبي لهم لا يألف البشر و الهنا و دمع عيوني مستديم بتصويب

فعيشي من بعد المصاب منغص علي و لو وليت ملك مآريب

و لم يألف القلب المعذب بعدهم سرورا و قد أمسوا بكرب و تعذيب

فذلك داء لا يزال مخلد بجسمي و لم يجد لذلك تطبيبي (2)

و عن أحمد بن محمّد قال:أخبرني أبو يعقوب قال،رأيته-يعني محمّدا-قبل موته بالعسكر في عشيّة و قد استقبل أبا الحسن عليه السّلام فنظر إليه و اعتلّ من غد،فدخلت إليه عائدا بعد أيّام من علّته و قد ثقل،فأخبرني أنّه بعث إليه بثوب فأخذه و أدرجه و وضعه تحت رأسه،قال:فكفّن فيه (3).

و قال أحمد:قال أبو يعقوب:رأيت أبا الحسن عليه السّلام مع ابن الخضيب فقال له ابن الخضيب:

سر جعلت فداك.ي.

ص: 23


1- الكافي:500/1 ح 5 و عنه إثبات الهداة:361/3 ح 7 و صدر ح 8 و عن إعلام الوري:341-342-عن محمد بن يعقوب-و إرشاد المفيد:330-331-باسناده عن الكليني-و كشف الغمة:380/2 نقلا من الإرشاد.و أخرجه في البحار:140/50 ح 25 عن الخرائج:679/2 ح 9 و الإرشاد و إعلام الوري.و رواه في إثبات الوصية:196 و الثاقب في المناقب:534 ح 2 و مناقب آل أبي طالب:414/4.
2- وفيات الأئمة:367.
3- الكافي:500/1 ح 6 و عنه إثبات الهداة:361/3 ح 10 و عن إرشاد المفيد:331-باسناده عن الكليني- و إعلام الوري:342-عن محمد بن يعقوب-و كشف الغمة:380/2 نقلا من الإرشاد.و أخرجه في البحار:140/50 ح 24 عن مناقب آل أبي طالب:414/4 و إعلام الوري.

فقال له:أنت المقدّم فما لبث إلاّ أربعة أيّام حتّي وضع الدّهق (1)علي ساق ابن الخضيب ثمّ نعي.

قال:و روي عنه حين ألحّ عليه ابن الخضيب في الدّار التي يطلبها منه،بعث إليه:لأقعدّن بك من اللّه عزّ و جلّ مقعدا لا يبقي لك باقية.

فأخذه اللّه عزّ و جلّ في تلك الأيّام (2).

و عن زرارة حاجب المتوكّل قال:أراد المتوكّل أن يمشي علي بن محمّد الرضا عليه السّلام فقال له وزيره:إنّ في هذا شناعة عليك فلا تفعل قال:لابدّ من هذا.

قال:فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد و الأشراف كلّهم حتّي لا يظنّ الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره.ففعل و مشي عليه السّلام و كان الصيف فوافي الدهليز و قد عرق فأجلسته و مسحت وجهه بمنديل و قلت:ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تغضب عليه.

فقال:إيها عنك أي اسكت و كفّ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (3).

قال زرارة:و كان عندي معلّم يتشيّع و كنت كثيرا أمازحه بالرافضي فانصرفت إلي منزلي وقت العشاء و قلت:تعال يا رافضي حتّي أحدّثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم.

قال لي:و ما سمعت؟

فأخبرته بما قال.

فقال:أقول لك فاقبل نصيحتي.قلت:هاتها.

قال:إن كان علي بن محمّد قال بما قلت فاحترز و اخزن كلّ ما تملكه فإنّ المتوكّل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيّام.

فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يديّ فخرج فلمّا خلوت بنفسي تفكّرت و قلت:ما يضرّني أن آخذ بالحزم،فركبت إلي دار المتوكّل فأخرجت كلّ ما كان لي فيها و فرّقت كلّما كان في داري إلي عند أقوام أثق بهم و لم أترك في داري سوي حصير أقعد عليه فلمّا كانت الليلة الرابعة قتل5.

ص: 24


1- الدهق:ضرب من العذاب(الصحاح).
2- الكافي:501/1 ذ ح 6 و عنه إثبات الهداة:361/3-362 ح 11 و 12 و عن الخرائج:681/2 ح 11 و إعلام الوري:342-عن محمد بن يعقوب-و إرشاد المفيد:331-باسناده عن الكليني-و كشف الغمة: 380/2 نقلا من الإرشاد.و أخرجه في البحار:139/50 ح 23 عن الخرائج و الإرشاد و إعلام الوري. و أورده في مناقب آل أبي طالب:407/4-408 و صدره في الثاقب في المناقب:535 ح 3.
3- هود:65.

المتوكّل و سلمت أنا و مالي و تشيّعت عند ذلك فصرت إليه و لزمت خدمته و سألته أن يدعو لي و توليته حقّ الولاية (1).

***

علم الإمام الهادي عليه السّلام بما في الضمائر

اشارة

الشيخ الصدوق عن أبي هاشم الجعفري،قال:أصابتني ضيقة شديدة،فصرت الي أبي الحسن علي بن محمد عليهم السّلام فأذن لي،فلما جلست قال:يا أبا هاشم أي نعم اللّه عزّ و جلّ عليك تريد أن تؤدي شكرها؟

قال أبو هاشم:فوجمت فلم أدر ما أقول له.فابتدأ عليه السّلام،فقال:رزقك الإيمان فحرم به بدنك علي النار،و رزقك العافية فأعانتك علي الطاعة،و رزقك القنوع فصانك عن التبذل،يا أبا هاشم إنما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو إلي من فعل بك هذا،و قد أمرت لك بمائة دينار فخذها (2).

و روي في كتاب المعتمد عن علي بن مهزيار قال:وردت العسكر و أنا شاكّ في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلي الصعيد في يوم من أيام الربيع إلا أنه يوم صائف و الناس عليهم ثياب الصيف،و علي أبي الحسن عليه السّلام لباد و علي فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرسة و الناس يتعجبون و يقولون:ألا ترون أبا الحسن عليه السّلام و ما فعل بنفسه؟

فقلت في نفسي:لو كان هذا إماما ما فعل هذا،فلما خرج الناس إلي الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة و هطلت،فلم يبق أحد إلا غرق و ابتلّ بالمطر،و عاد عليه السّلام و هو سالم من جميعه،فقلت في نفسي:يوشك أن يكون هذا إماما ثم قلت:أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب و قلت في نفسي:إن كشف وجهه فهو الإمام فلما قرب مني كشف عليه السّلام وجهه و قال:إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام فلا تجوز الصلاة فيه،و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس،فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (3).

و عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي الحسن عليه السّلام بعد ما مضي إبوه أبو جعفر،و إني لأفكر في نفسي أريد أن أقول:كأنهما-أعني أبا جعفر و أبا محمد-في هذا الوقت كأبي الحسن موسي و إسماعيل إبني جعفر بن محمد عليه السّلام و إن قصتهما كقصتهما،إذ كان أبو محمد عليه السّلام المرجي

ص: 25


1- الخرائج و الجرائح:401/1 ح 8،و عنه البحار:147/50 ح 32.
2- الأمالي للصدوق:336 ح 11،و عنه البحار:129/50 ح 7.
3- مناقب آل أبي طالب:413/4-414 و عنه البحار:173/50-174 ذح 53 و ج 117/80 ح 5،و في إثبات الهداة:387/3 ح 90.

بعد أبي جعفر عليه السّلام،فأقبل عليّ أبو الحسن قبل أن أنطق.

فقال:نعم يا أبا هشام بدا للّه في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له،كما بدا له في موسي بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله،و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون،و أبو محمد إبني الخلف من بعدي،عنده علم ما يحتاج إليه،و معه آلة الإمامة (1).

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:قال:أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون قال:حدثني أبي-رحمة اللّه-قال:حدثنا أبو علي محمد بن همام قال:حدثنا جعفر بن محمد قال:حدثنا محمد بن جعفر،عن أبي نعيم،عن محمد بن القاسم العلوي قال:دخلنا جماعة من العلوية علي حكيمة بنت محمد بن علي بن موسي عليهم السلام،فقالت:جئتم تسألوني عن ميلاد ولي اللّه؟

قلنا:بلي و الله،قالت:كان عندي البارحة و أخبرني بذلك،و إنه كانت عندي صبية يقال لها:

نرجس،و كنت أربيها من بين الجواري،و لا يلي تربيتها غيري،إذ دخل أبو محمد عليه السّلام علي ذات يوم،فبقي يلح النظر إليها،فقلت:يا سيدي هل لك فيها من حاجة؟

فقال:إنا معاشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة،و لكنا ننظر تعجبا أن المولود الكريم علي اللّه يكون منها.

قالت:قلت:يا سيدي فاروح بها إليك؟

قال:إستاذني أبي في ذلك،فصرت إلي أخي عليه السّلام،فلما دخلت عليه تبسم ضاحكا و قال:يا حكيمة جئت تستأذنيني في أمر الصبية،إبعثي بها إلي أبي محمد،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحب أن يشركك في هذا الاجر فزينتها و بعثت بها إلي أبي محمد عليه السّلام (2).

ابن شهراشوب:قال:قال أبو جعفر الطوسي في(المصباح)و(الأمالي):قال أبو إسحاق بن عبد اللّه العلوي العريضي:اختلف أبي و عمومتي في الأربعة أيام التي تصام في السنة،فركبوا إلي مولانا أبي الحسن علي بن محمد-عليهم السّلام-و هو مقيم بصريا (3)قبل مسيره إلي(سر من رأي)،فقالوا:

جئناك يا سيدنا لأمر اختلفنا فيه،فقال:جئتم تسألونني عن الأيام التي تصام في السنة،و ذكر أنها مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم و يوم بعثه و يوم دحيت الأرض من تحت الكعبة و يوم الغدير،و ذكر فضائلها (4).

ص: 26


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:522/7،و الكافي:327/1 ح 10،و أخرجه في كشف الغمة: 406/2 عن الإرشاد باسناده عن الكليني،و في البحار:241/50 ح 7 عن الإرشاد و غيبة الطوسي:82 ح 84 و ص 200 ح 167.
2- دلائل الإمامة:269،و عنه حلية الأبرار:534/2(ط ق).
3- قال ابن شهراشوب في المناقب:382/4 انها مدينة أسسها موسي بن جعفر عليه السلام علي ثلاثة أميال من المدينة.
4- مناقب آل أبي طالب:417/4 و عنه البحار:157/50 ح 47 و عن مصباح المتهجد:754-755 و الخرائج:759/2 ح 78.و أخرجه في البحار:266/96 ح 13 عن الخرائج،و في الوسائل:335/7 ح 3 عنه و عن المصباح،و في إثبات الهداة:363/3 ح 15.

و عن أبي عبد اللّه بن عياش قال:حدثني أحمد بن زياد الهمداني و علي بن محمد التستري قالا:حدثنا محمد بن الليث المكي قال:حدثني أبو إسحاق بن عبد اللّه العلوي العريضي قال:

وحك (1)في صدري ما الأيام التي تصام؟فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد-عليهما السّلام-و هو بصريا،و لم أبد ذلك لأحد من خلق اللّه،فدخلت عليه فلما بصر بي عليه السّلام قال:يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن؟و هي أربعة:أولهن يوم السابع و العشرين من رجب،يوم بعث اللّه تعالي محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي خلقه رحمة للعالمين،و يوم مولده صلّي اللّه عليه و آله و سلم و هو السابع عشر من شهر ربيع الأول،و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة،و يوم الغدير فيه أقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أخاه عليا عليه السّلام علما للناس و إماما من بعده.

قلت:صدقت جعلت فداك،لذلك قصدت،أشهد أنك حجة اللّه علي خلقه (2).

و روي في ثاقب المناقب:عن شاهويه بن عبد اللّه الجلاب قال:كنت رويت عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في أبي جعفر عليه السّلام روايات تدل عليه،فلما مضي أبو جعفر عليه السّلام قلقت لذلك،و بقيت متحيرا لا أتقدم و لا أتأخر،و خفت أن أكتب إليه في ذلك،و لا أدري ما يكون،فكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرج اللّه عنا في أسباب من قبل السلطان كنا نغتم بها من غلماننا،فرجع الجواب بالدعاء،ورد علينا الغلمان.و كتب في آخر الكتاب:أردت أن تسال عن الخلف بعد مضي أبي جعفر عليه السّلام و قلقت لذلك، وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّي يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ (3)صاحبك بعدي أبو محمد إبني،عنده ما تحتاجون إليه يقدم اللّه ما يشاء و يوخر ما يشاء ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها (4)،قد كتبت بما فيه بيان و قناع لذي عقل يقظان (5).

ثاقب المناقب:عن موسي بن جعفر البغدادي قال:كانت لي حاجة أحببت أن أكتب بها إلي العسكري عليه السّلام فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه حاجتي،فإني كتبت إليه كتابا و لم أذكر فيه حاجتي،بل بيّضت موضعها،فورد الكتاب في حاجتي مفسّرا في كتابة محمد بن إبراهيم الحمصي (6).

و روي صاحب(ثاقب المناقب)و الراوندي:قالا:قال:أبو هاشم الجعفري:أنه ظهر برجل7.

ص: 27


1- حك:تخالج.
2- التهذيب:305/4 ح 4 و عنه الوسائل:324/7 ح 3 و إثبات الهداة:25/2 ح 101.
3- سورة التوبة،الآية:115.
4- سورة البقرة،الآية:106.
5- الثاقب في المناقب:548 ح 8،و أخرجه في البحار:242/50 ح 11 عن غيبة الطوسي:200 ح 168.
6- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:502/7.

من أهل سر من رأي برص،فتنغص عليه عيشه،فجلس يوما إلي أبي علي الفهري،فشكي إليه حاله،فقال له:لو تعرضت يوما لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك هذا.

قال:فتعرض له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكل،فلما رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك،فقال له:تنح عافاك اللّه و أشار إليه بيده تنح عافاك اللّه و أشار إليه بيده تنح عافاك اللّه-ثلاث مرات-فرجع الرجل و لم يجسر أن يدنو منه و انصرف فلقي الفهري فعرفه الحال و ما قال،فقال (له):قد دعا لك قبل أن تسأله،فامض فإنك ستعافي،فانصرف الرجل إلي بيته،فبات تلك الليلة، فلما أصبح لم ير علي بدنه شيئا من ذلك (1).

و عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه قال:كتب محمد بن الحسين بن مصعب إلي أبي الحسن يسأله عن السجود علي الزجاج،قال:فلما نفد الكتاب قلت في نفسي:إنه مما تنبت الأرض و انهم قالوا:لا باس بالسجود علي ما أنبتت الأرض.

قال:فجاء الجواب لا تسجد،و إن حدثتك نفسك أنه مما تنبت الأرض،فإنه من الرمل و الملح،و الملح سبخ و السبخ بلد ممسوخ (2).

و عن عبد اللّه بن عامر الطائي قال:حدثنا جماعة ممن حضر العسكر بسر من رأي،قالوا:

شهدنا هذا الحديث،قال أبو طالب:و هو ما حدثني به مقبل الديلمي كان رجل بالكوفة يقول بإمامة عبد اللّه بن جعفر بن محمد-عليهما السّلام-،فقال له صاحب له:كان يميل إلي ناحيتنا و يقول بأمرنا:لا تقل بامامة عبد اللّه فانها باطل،و قل بالحق.

قال:و ما الحق حتي أتبعه؟

قال:إمامة موسي بن جعفر عليه السّلام و من بعده،قال له الفطحي:و من الإمام اليوم منهم؟

قال:علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام،قال:فهل من دليل أستدل به علي ما قلت؟

قال:نعم،قال:و ما هو؟

قال:أضمر في نفسك ما شئت و الق عليا بسر من رأي،فإنه يخبرك به،قال:نعم،فخرجا إلي العسكر و قصدا شارع أبي أحمد فأخبرا أن أبا الحسن علي بن محمد مولانا عليه السّلام ركب إلي دار المتوكل،فجلسا ينتظران عودته،فقال الفطحي لصاحبه:إن كان صاحبك هذا إماما فإنه حين يرجع8.

ص: 28


1- الثاقب في المناقب:554 ح 14،الخرائج:399/1 ح 5.و أخرجه في البحار:145/50 ح 29 عن الخرائج،و في إثبات الهداة:374/3 ح 40 عن الخرائج و كشف الغمة:393/2 نقلا من الخرائج.
2- دلائل الإمامة:218.

و يراني يعلم ما قصدته،فيخبرني به من غير أن أساله،فوقف إلي أن عاد أبو الحسن عليه السّلام من موكب المتوكل،و بين يديه الشاكرية و من ورائه الركبة يشيّعونه إلي داره.

قال:فلما بلغ الموضع الذي فيه الرجلان التفت إلي الرجل الفطحي فتفل بشيء من فيه في صدر الفطحي كأنه غرقي البيض،فالتصق بصدر الرجل كمثل دارة الدرهم،و فيه مكتوب بخضرة ما كان عبد اللّه هناك و لا هو بذلك،فقرأه الناس و قالوا له:ما هذا؟فأخبرهم و صاحبه بقصتهما، فأخذ التراب من الأرض فوضعه علي رأسه،و قال:تبا لما كنت عليه قبل يومي هذا،و الحمد للّه الذي هداني.و قال:بإمامة أبي الحسن عليه السّلام (1).

و عن مقبل الديلمي قال:كنت جالسا علي بابنا بسر من رأي و مولانا أبو الحسن عليه السّلام راكب لدار المتوكل الخليفة،فجاء فتح القلانسي:و كانت له خدمة لأبي الحسن عليه السّلام،فجلس إلي جانبي و قال:إن لي علي مولانا أربعمائة درهم،فلو أعطانيها لانتفعت بها،قال:قلت له:ما كنت صانعا بها؟

قال:كنت أشتري بمائتي درهم خرقا تكون في يدي أعمل منها قلانس،و مائتي درهم أشتري بها تمرا فأنبذه نبيذا.

قال:فلما قال لي ذلك عرضت بوجهي عنه،فلم أكلمه لما ذكر لي و سكت،و أقبل أبو الحسن عليه السّلام علي أثر هذا الكلام و لم يسمع هذا الكلام أحد و لا حضره،فلما بصرت به قمت قائما،فأقبل حتي نزل بدابته في دار الدواب و هو مقطب الوجه أعرف القطب في وجهه،فحين نزل عن دابته قال لي:يا مقبل أدخل و أخرج أربعمائة درهم و ادفعها إلي فتح الملعون،و قل له هذا حقك فخذه فاشتر منه خرقا بمائتي درهم،و اتق اللّه فيما أردت أن تفعله بالمائتي درهم الباقية،فأخرجت الأربعمائة درهم فدفعتها إليه،و حدثته القصة،فبكي و قال:و اللّه لا شربت نبيذا و لا مسكرا أبدا، و صاحبك يعلم (2).

و عن ابن عياش قال:حدثني أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهفكي الكاتب بسر من رأي سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة قال:حدثني أبي قال:كنت بسر من رأي أسير في درب الحصي،فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع،و هو منصرف من دار موسي بن بغا،فسايرني و أفضي بنا الحديث إلي أن قال لي:أتري هذا الجدار؟تدري من صاحبه؟

قلت:و من صاحبه؟0.

ص: 29


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:447/7،و دلائل الإمامة:219-220 و قطعة منه في اثبات الهداة:385/3 ح 79.
2- دلائل الإمامة:220-221 و قطعة منه في إثبات الهداة:385/3 ح 80.

قال:هذا الفتي العلوي الحجازي يعني علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام،و كنا نسير في فناء داره.قلت:ليزداد:نعم فما شأنه؟

قال:إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو،قلت:و كيف ذلك؟

قال:أخبرك عنه بأعجوبة لم تسمع بمثلها أبدا و لا غيرك من الناس،و لكن لي اللّه عليك كفيل و راع إنك لا تحدث عني أحدا،فإني رجل طبيب و لي معيشة أرعاها عند هذا السلطان،و بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس،فيخرج هذا الأمر عنهم:يعني بني العباس،قلت:لك علي ذلك فحدثني به،و ليس عليك بأس،إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم.

قال:نعم إني احدثك أني لقيته منذ أيام و هو علي فرس أدهم،و عليه ثياب سود و عمامة سوداء،و هو أسود اللون،فلما بصرت به وقفت إعظاما له و قلت في نفسي:-لا و حق المسيح ما خرجت من فمي إلي أحد من الناس-و قلت في نفسي:ثياب سود و دابة سوداء و رجل أسود،سواد في سواد في سواد،فلما بلغ إلي نظر إلي و أحد النظر و قال:قلبك أسود مما تري عيناك من سواد في سواد في سواد.

قال أبي-رحمه اللّه-:قلت له:أجل فلا تحدث به أحدا مما صنعت و ما قلت له،قال:

أسقط في يدي فلم أجد جوابا،قلت له:فما ابيضّ قلبك لما شاهدت؟

قال:اللّه أعلم.

قال أبي:فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده فقال:إن قلبي قد ابيضّ بعد سواده،فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه و أن علي بن محمد حجّة اللّه علي خلقه و ناموسه الأعظم،ثم مات في مرضه ذلك،و حضرت الصلاة عليه-رحمه اللّه- (1).

خبر الفرس

أحمد بن هارون قال:كنت جالسا أعلّم غلاما من غلمانه في فازة داره-فيها بستان-إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السّلام راكبا علي فرس له،فقمنا إليه فسبقنا،فنزل قبل أن ندنو منه،و أخذ عنان فرسه بيده،فعلّقه في طنب من أطناب الفازة،ثم دخل و جلس معنا،فأقبل علي و قال:متي رأيك أن تنصرف إلي المدينة؟

فقلت:اللية،قال:فأكتب إذا كتابا معك توصله إلي فلان التاجر؟

ص: 30


1- دلائل الإمامة:221-222 و قطعة منه في إثبات الهداة:385/3 ح 81،و أخرجه في البحار 161/50 ح 50 عن فرج المهموم:233-234 نقلا من دلائل الإمامة.

قلت:نعم.

قال:يا غلام هات الدواة و القرطاس،فخرج الغلام ليأتي بهما من دار أخري.فلما غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه،فقال له-بالفارسية-:ما هذا القلق؟فصهل الثانية و ضرب بذنبه،فقال له-بالفارسية-:لي حاجة أريد أن أكتب كتابا إلي المدينة،فاصبر حتي أفرغ،فصهل الثالثة و ضرب بذنبه،فقال له-بالفارسية-:إقلع و إمض إلي ناحية البستان و بل هناك ورث و ارجع، وقف هناك مكانك،فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه،ثم مضي إلي ناحية البستان حتي لا نراه في ظهر المفازة،فبال وراث و عاد إلي مكانه.فدخلني من ذلك ما اللّه به عليم،و وسوس الشيطان في قلبي فأقبل إلي فقال:يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت،إن ما أعطي اللّه محمدا و آل محمد أكثر مما أعطي داود و آل داود.

قلت:صدق ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فما قال لك؟

و ما قلت له؟فما فهمته.

فقال:قال لي الفرس:قم فاركب إلي البيت حتي تفرغ عني،قلت:ما هذا القلق؟

قال:قد تعبت.

قلت:لي حاجه أريد أن أكتب كتابا إلي المدينة فإذا فرغت ركبتك.

قال:إني أريد أن أروث و أبول،و أكره أن أفعل ذلك بين يديك،فقلت له:إذهب إلي ناحية البستان فافعل ما أردت،ثم عد إلي مكانك،ففعل الذي رأيت.

ثم أقبل الغلام بالدواة و القرطاس-و قد غابت الشمس-فوضعها بين يديه فاخذ في الكتابة حتي أظلم الليل فيما بيني و بينه،فلم أر الكتاب و ظننت أنه أصابه الذي أصابني،فقلت للغلام:قم فهات شمعة من الدار حتي يبصر مولاك كيف يكتب،فهم الغلام ليمضي،فقال للغلام:ليس لي إلي ذلك حاجة.

ثم كتب كتابا طويلا إلي أن غاب الشفق،ثم قطعه فقال للغلام:أصلحه،فأخذ الغلام الكتاب و خرج من المفازة ليصلحه،ثم عاد إليه و ناوله ليختمه،فختمه من غير أن ينظر في ختمه هل الخاتم مقلوب أو غير مقلوب،فناولني الكتاب فأخذته،فقمت لأذهب فعرض في قلبي-قبل أن أخرج من المفازة-أصلي قبل أن آتي المدينة،قال:يا أحمد صل المغرب و العشاء الآخرة في مسجد رسول اللّه-صلي اللّه عليه و آله-ثم اطلب الرجل في الروضة،فإنك توافيه إن شاء اللّه.

قال:فخرجت مبادرا فأتيت المسجد و قد نودي للعشاء الآخرة،فصليت المغرب ثم مصلّيت معهم العتمة و طلبت الرجل حيث أمرني فوجدته،فأعطيته الكتاب فأخذه و فضه ليقرأه،فلم يستبن

ص: 31

قراءته في ذلك الوقت،فدعي بسراج فأخذته فقرأته عليه في السراج في المسجد،فإذا خط مستو ليس حرف ملتصقا بحرف،و إذا الخاتم مستو ليس بمقلوب.

فقال لي الرجل:عد إلي غدا حتي أكتب جواب الكتاب،فغدوت فكتب الجواب فجئت به إليه،فقال:أليس قد وجدت الرجل حيث قلت لك؟

فقلت:نعم.

قال:أحسنت (1)

***

علم و تكلم الإمام الهادي عليه السّلام بكل لغة

و عن أحمد بن هارون قال:كنت جالسا أعلّم غلاما من غلمانه في مفازة داره إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السّلام راكبا علي فرس له فقمنا إليه فسبقنا فنزل قبل أن ندنو منه فأخذ عنان فرسه بيده فعلّقه في طنب من أطناب الخيمة و أقبل يسألني عن انصرافي إلي المدينة متي يكون و أنّه أراد أن يكتب معي كتابا إلي بعض التجّار فأرسل غلاما يأتيه بالدواة و القرطاس،فلمّا غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه فقال له بالفارسية:ما هذا القلق؟فصهل الثانية فضرب بيده فقال له بالفارسية:

إقلع فامض إلي ناحية البستان و بل هناك ورث و ارجع وقف مكانك فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه ثمّ مضي إلي ناحية البستان حتّي لا نراه في ظهر الخيمة فبال وراث و عاد إلي مكانه فدخلني من ذلك ما اللّه به عليم و وسوس الشيطان في قلبي.

فقال عليه السّلام:يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت أنّ ما أعطي اللّه محمّدا و آل محمّد أكثر ممّا أعطي داود و آل داود.

قلت:صدق ابن رسول اللّه فما قال لك و ما قلت له فقد فهمته.

فقال:قال لي الفرس:قم فاركب إلي البيت حتّي تفرغ عنّي.

قلت:ما هذا القلق.

قال:قد تعبت.

قلت:لي حاجة أريد أن أكتب كتابا إلي المدينة فإذا فرغت ركبتك.

قال:إنّي أريد أن أروث و أبول و أكره أن أفعل ذلك بين يديك.

ص: 32


1- الخرائج و الجرائح:408/1 ح 14 و عنه إثبات الهداة:376/3 ح 44 و البحار:153/50 ح 40،و في الصراط المستقيم:204/2 ح 12 عنه.

فقلت:إذهب إلي ناحية البستان فافعل ما أردت ثمّ عد إلي مكانك ففعل الذي رأيت، الحديث (1).

و عن أبي هاشم الجعفري قال:دخلت علي أبي الحسن عليه السّلام فكلّمني بالهندية فلم أحسن أن أردّ عليه و كان بين يديه حصي فتناول حصاة و وضعها في فيه و مصّها مليّا ثمّ رمي بها إليّ فوضعتها في فمي فو الله ما برحت من عنده حتّي تكلّمت بثلاثة و سبعين لسانا أوّلها الهندية (2).

و عنه أيضا قال:كنت عند أبي الحسن عليه السّلام و هو مجدر فقلت للمتطّيب:آب گرفت ثمّ التفت إليّ و تبسّم و قال:تظنّ أن لا يحسن الفارسية غيرك؟

فقال له المتطيّب:جعلت فداك تحسنها؟

فقال:أمّا فارسية هذا فنعم قال لك:احتمل الجدري ماء (3).

و روي ابن شهراشوب:عن علي بن مهزيار قال:أرسلت إلي أبي الحسن الثالث عليه السّلام غلامي- و كان صقلبيا-فرجع الغلام إلي متعجبا،فقلت له:مالك يا بني؟

فقال:و كيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالصقلبية كأنه واحد منا!و إنما أراد بهذا الكتمان عن القوم (4).

***

معاجز الإمام الهادي عليه السّلام

اشارة

ثاقب المناقب:عن يحيي بن هرثمة قال:أنا أشخصت أبا الحسن عليه السّلام من المدينة إلي سر من رأي في خلافة المتوكل،فلما صرنا ببعض الطريق عطشنا عطشا شديدا،فتكلمنا و تكلم الناس في ذلك،فقال أبو الحسن عليه السّلام:أما بعد فانا نصير إلي ماء عذب نشربه،فما سرنا إلا قليلا حتي سرنا إلي تحت شجرة(عظيمة)ينبع منها ماء عذب بارد،فنزلنا عليه(و ارتوينا و حملنا معنا و ارتحلنا، و كنت علقت سيفي علي الشجرة فنسيته).

فلما صرت غير بعيد في بعض الطريق ذكرته،فقلت لغلامي:إرجع حتي تأتيني بالسيف،فمر

ص: 33


1- الخرائج و الجرائح:408/1 ح 14 و عنه إثبات الهداة:376/3 ح 44 و البحار:153/50 ح 40،و في الصراط المستقيم:204/2 ح 12 عنه.
2- الخرائج و الجرائح:673/2،و المناقب لابن شهرآشوب:408/4،و إعلام الوري:343،و عنهما البحار:136/50 ح 17.
3- البحار:137/50.
4- مناقب آل أبي طالب:408/4 و عنه البحار:130/50 ح 11 و عن بصائر الدرجات:333 ح 3 و كشف الغمة:389/2،و أخرجه في إثبات الهداة:382/3 ح 61.

الغلام ركضا فوجد السيف و حمله و رجع(دهشا)متحيرا،فسألته عن ذلك فقال لي:إني رجعت إلي الشجرة فوجدت السيف معلقا عليها إذ لا عين و لا ماء و لا شجر،فعرفت الخبر،فصرت إلي أبي الحسن عليه السّلام فأخبرته بذلك،فقال:(إحلف أن لا تذكر ذلك لأحد).

فقلت:نعم (1).

ثاقب المناقب:عن أبي هاشم قال:حججت سنة حج فيها بغا،فلما صرت إلي المدينة (صرت)إلي باب أبي الحسن عليه السّلام،فوجدته راكبا في إستقبال بغا،فسلّمت عليه فقال:(إمض بنا إذا شئت)،فمضيت معه حتي خرجنا من المدينة،فلما أصحرنا التفت إلي غلامه و قال:(إذهب فانظر في أوائل العسكر)،ثم قال:إنزل بنا يا أبا هاشم.

قال:فنزلت و في نفسي أن أسأله شيئا و أنا أستحي منه و أقدّم و أؤخر،قال:فعمل بسوطه في الأرض خاتما سليما،فنظرت فإذا في آخر الأحرف مكتوب:(خذ)و في الآخر اكتم و في الآخر (اعذر)،ثم اقتلعه بسوطه و ناولنيه،فنظرت فإذا نقرة (2)صافية فيها أربعمائة مثقال.

فقلت:بأبي أنت و أمي لقد كنت شديد الحاجة إليها و أردت كلامك و أقدم و أوخر،و اللّه أعلم حيث يجعل رسالته ثم ركبنا (3).

ابن شهرآشوب:عن داود بن القاسم الجعفري قال:دخلت عليه بسر من رأي و أنا أريد الحج لاودعه،فخرج معي،فلما انتهي إلي آخر الحاجز نزل و نزلت معه،فخطّ بيده الأرض خطة شبيهة بالدائرة،ثم قال لي:يا أبا هاشم خذ ما في هذه تكون في نفقتك و تستعين به علي حجك،فضربت بيدي فإذا سبيكة ذهب فكان فيها مائتا مثقال (4).

و عن أبي هاشم الجعفري قال:دخلت علي أبي الحسن عليه السّلام فكلّمني بالهندية فلم أحسن أن أردّ عليه و كان بين يديه حصي فتناول حصاة و وضعها في فيه و مصّها مليّا ثمّ رمي بها إليّ فوضعتها في فمي فو الله ما برحت من عنده حتّي تكلّمت بثلاثة و سبعين لسانا أوّلها الهندية (5).

و روي أنّ أبا هاشم الجعفري كان منقطعا إلي أبي الحسن عليه السّلام بعد أبيه أبي جعفر و جدّه الرضا عليهم السّلام فشكي إلي أبي الحسن عليه السّلام ما يلقي من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلي بغداد.3.

ص: 34


1- الثاقب في المناقب:531 ح 1،و مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:497/7.
2- النقرة:القطعة المذابة،و قيل:السبيكة(لسان العرب).
3- الثاقب في المناقب:532 ح 2.
4- مناقب آل أبي طالب:409/4 و عنه البحار:172/50 ح 52 و إثبات الهداة:386/3 ح 87.
5- الخرائج و الجرائح:673/2،و المناقب لابن شهرآشوب:408/4،و إعلام الوري:343،و عنهما البحار:136/50 ح 17،و اثبات الهداة:369/3 ح 30،و كشف الغمة:397/2 نقلا من إعلام الوري، و مناقب آل أبي طالب:408/4.و أورده في الثاقب في المناقب:533 ح 3.

ثمّ قال:يا سيّدي أدع اللّه لي فربّما لم أستطع ركوب الماء فسرت إليك علي الظهر و ما لي مركوب سوي برذوني هذا علي ضعفه فادع اللّه أن يقوّيني علي زيارتك.

فقال:قوّاك اللّه يا أبا هاشم و قوّي برذونك (1).

قال الراوي:كان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد و يسير علي ذلك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرّ من رأي و يعود من يومه إلي بغداد إذ شاء علي ذلك البرذون فكان هذا من عجيب الدلائل التي شوهدت (2).

و في الخرائج عن أبي هاشم الجعفري قال:خرجت مع أبي الحسن عليه السّلام إلي ظاهر سرّ من رأي فطرح لأبي الحسن عليه السّلام غاشية السرج فجلس عليها و نزلت عن دابّتي فجلست بين يديه فشكوت إليه ضيق حالي فمدّ يده إلي رمل كان جالسا عليه فناولني منه كفّا و قال:إتسع بهذا يا أبا هاشم و اكتم ما رأيت.

فخبأته معي و رجعنا فأبصرته فإذا هو يتّقد كالنيران ذهبا أحمر فدعوت صائغا إلي منزلي و قلت له:أسبك لي هذه السبيكة فسبكها و قال:ما رأيت ذهبا أجود من هذا و هو كهيئة الرمل فمن أين لك هذا؟

قلت:كان عندي قديما (3).

و روي أبو القاسم البغدادي عن زرارة حاجب المتوكّل أنّه قال:وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلي المتوكّل يلعب بلعب الحقّ (4)لم ير مثله و كان المتوكّل لعّابا فأراد أن يخجل محمد بن علي بن الرضا فقال لذلك الرجل:إن أنت أخجلته أعطيك ألف دينار.

قال:تقدّم بأن تخبز رقاقا خفافا و اجعلها علي المائدة،و أقعدني إلي جنبه ففعل و أحضر علي بن محمّد عليه السّلام و كانت له مسورة عن يساره كان عليها صورة أسد و جلس اللاّعب إلي جنب المسورة فمدّ علي بن محمّد عليه السّلام يده إلي رقاقة فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلي أخري فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلي أخري فطيّرها فتضاحك الناس فضرب علي ابن محمّد عليه السّلام علي تلك الصورة فقال:

خذه فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل و عادت في المسورة كما كانت.

فتحيّر الجميع و نهض علي بن محمّد عليه السّلام فقال له المتوكّل:سألتك ألا جلست ورددته.ي.

ص: 35


1- البرذون:الدابة(انظر لسان العرب:مادة(برذن)ج 370/1).
2- إعلام الوري:344،و عنه البحار:05 ص 138 ح 21.
3- إعلام الوري:343 و عنه إثبات الهداة:369/3 ح 31 و عن الخرائج:673/2 ح 3 و كشف الغمة:/2 397-398 نقلا من إعلام الوري،و في البحار:138/50 ح 22 عن أعلام الوري و الخرائج.و أورده في الثاقب في المناقب:532 ح 1 مثله و في مناقب آل أبي طالب:409/4.
4- الحق:-بالضم-وعاء من الخشب،يجعل فيها المشعبذين شيئا بعيان الناس ثم يفتحونها و ليس فيها شي.

فقال:و اللّه لا يري بعدها،أتسلّط أعداء اللّه علي أولياء اللّه و خرج من عنده فلم ير الرجل بعد (1).

و عن صالح بن سعيد قال:دخلت علي أبي الحسن عليه السّلام فقلت له:جعلت فداك في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك،حتّي أنزلوك هذا الخان الأشنع،خان الصعاليك؟

فقال:ههنا أنت يا ابن سعيد؟

ثمّ أو مأبيده و قال:أنظر،فنظرت،فإذا أنا بروضات آنقات و روضات باسرات (2)،فيهنّ خيرات عطرات (3)و ولدان كأنّهنّ اللؤلؤ المكنون و أطيار و ظباء و أنهار تفور،فحار بصري و حسرت عيني.

فقال عليه السّلام:حيث كنّا فهذا لنا عتيد،لسنا في خان الصعاليك (4).

و لله در من قال من الرجال:

فيا لك نور قد تبلّج بالعلا و أبهر خلق اللّه طهرا و أظهرا

فضائل لا تحصي و إن قام عدّها من العالم العلوي فيا لك مفخرا

لحا اللّه أقواما غدوا في عقائد بها أظلمت كل المدائن و القري

فشنّوا الغارات علي آل أحمد و كم قتلوا منهم إماما غضنفرا

و لا سيما تلك الطغاة التي عدوا لعمهم العباس نسلا بلا مترا

لقد بالغوا في أن يبيدوهم علي أتم بلاء قاصم منهم العري

فمن بين مقتول بسم و بين من أبادوه مدفونا و من بين مؤسرا

و من بين مذبوح بسيف من القفا أقام ثلاثا في التراب معفرا (5)9.

ص: 36


1- الخرائج و الجرائح:400/1 ح 6،و عنه البحار:146/50 ح 30.
2- أي طريات أو ذوات أنهار جاريات،و البسر بالضم الماء البارد و الغض من كل شيء أو ذوات أثمار جديدة و عتيقة من البسر بالفتح.و هو خلط البسر بالتمر كما ذكره في الفائق.
3- أي معطرات مطيبات،و العطر الطيب،يقال هي عطرة و متعطرة أي متطيبة،و الخيرات جمع خيرة بتشديد الياء أو سكونها علي التخفيف لأنّ الخير بمعني التفضيل لا يجمع.و كونهن خيرات باعتبار الخلق و الخلق، و رشاقة القد،و صباحة الخد،و الخلو من الطمث،و غيره مما يوجب النقص،و لعل علمه بتعطرهن باعتبار إشمام رايحتهن.
4- الكافي:498/1 ح 2،بصائر الدرجات:406 ح 7 و 407 ح 11،الاختصاص:324.و أخرجه في إثبات الهداة:360/3 ح 5 عن الكافي و الخرائج:680/2 ح 10 و إرشاد المفيد:334-باسناده عن الكليني-و إعلام الوري:348-عن محمد بن يعقوب-و كشف الغمة:383/2 نقلا من الإرشاد.و في البحار:132/50 ح 15 عن البصائر و أعلام الوري و في ص 202-203 عن الإرشاد.
5- وفيات الأئمة:359.

و عن محمّد بن الفرج قال:قال لي عليّ بن محمّد عليه السّلام:إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك و دعه ساعة ثمّ أخرجه و انظر قال:ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا فيه (1).

و في كتاب الوسائل للكليني عمّن سمّاه قال:كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام أنّ الرجل يجب أن يفضي إلي إمامه ما يجب أن يفضي إلي ربّه.

قال:فكتب إن كان لك حاجة فحرّك شفتيك فإنّ الجواب يأتيك (2).

و في الخرائج،روي أنّ المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر و هم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأي أن يملأ كلّ واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر و يجعلوا بعضه علي بعض في وسط برية واسعة هناك ففعلوا فلمّا صار مثل الجبل العظيم و اسمه تلّ المخالي صعد فوقه و استدعي أبا الحسن عليه السّلام و استصعده و قال:استحضرتك لنظارة خيولي و قد كان أمرهم أن يلبسوا التخافيف (3)و يحملوا الأسلحة و قد عرضوا بأحسن زينة و أتمّ عدّة و أعظم هيبة و كان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه و كان خوفه من أبي الحسن عليه السّلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج علي الخليفة.

فقال له أبو الحسن عليه السّلام و هل أعرض عليك عسكري؟

قال:نعم.

فدعي اللّه سبحانه فإذا بين السماء و الأرض من المشرق و المغرب ملائكة لا بسون الصلاح فغشي علي الخليفة فلمّا أفاق قال له أبو الحسن عليه السّلام:نحن لا نناقشكم (4)في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظنّ (5).

إخراج الدنانير من الجراب الخالي

روي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:قال:حدثنا سفيان،عن أبيه قال:رأيت علي بن محمد عليه السّلام و معه جراب ليس فيه شيء فقلت له:أتراك ما تصنع بهذا؟

فقال لي:أدخل يدك،فأدخلت يدي و ليس فيه شيء،ثم قال لي:عد فعدت،فإذا هو مملوء دنانير (6).

ص: 37


1- الخرائج و الجرائح:419/1 ح 22.
2- البحار:155/50.
3- في البحار:أن يلبسوا الخفافيف و كملوا،و في بعض النسخ:التجافيف،و التجفاف:آلة للحرب يلبسه الفرس و الانسان ليقيه في الرب(انظر لسان العرب:مادة(جفف):308/2).
4- في غير البحار:لا ننافسكم.
5- إثبات الهداة:377/3 ح 46،الخرائج و الجرائح:414/1 ح 19،و البحار،ج 155/50 ح 44 الثاقب في المناقب:557 ح 17،و كشف الغمة:395/2.
6- دلائل الإمامة:217 و عنه إثبات الهداة:385/3 ح 75.

إخراج الرمان و التمر و العنب و الموز من الاسطوانة

روي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:قال:حدثنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن محمد البلوي قال:حدثنا عمارة بن زيد قال:قلت لعلي بن محمد الرضا عليهم السّلام:هل تستطيع أن تخرج لنا من هذه الإسطوانة رمانة؟

قال:نعم و تمرا و عنبا و موزا،ففعل ذلك و أكلنا و حملنا (1).

إرتفاعه في الهواء و الطير الذي أتي به

و عن عمارة بن زيد قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام أتقدر أن تصعد إلي السماء حتي تأتي بشيء ليس في الأرض لنعلم ذلك؟فارتفع في الهواء و أنا أنظر إليه حتي غاب،ثم رجع و معه طير من ذهب في أذنيه أشنقة من ذهب،و في منقاره درة و هو يقول:لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه، قال:هذا طير من طيور الجنة ثم سيبه فرجع (2).

البر و الدقيق الذي من الأرض

و عن محمد بن يزيد قال:كنت عند علي بن محمد عليه السّلام إذ دخل عليه قوم يشكون الجوع، فضرب يده إلي الأرض و كال لهم برا و دقيقا (3).

خبر إسحاق الجلاب

عن علي بن محمد،عن إسحاق الجلاب قال:إشتريت لأبي الحسن عليه السّلام غنما كثيرة،فدعاني فأدخلني من إصطبل داره إلي موضع واسع لا أعرفه،فجعلت أفرّق تلك الغنم فيمن أمرني به فبعثت إلي أبي جعفر عليه السّلام و إلي والدته و غيرهما ممن أمرني،ثم استأذنته في الإنصراف إلي بغداد إلي والدي،و كان ذلك يوم التروية،فكتب إليّ تقيم غدا عندنا ثم تنصرف.

قال:فأقمت،فلما كان يوم عرفة أقمت عنده و بت ليلة الأضحي في رواق له،فلما كان في السحر أتاني فقال لي يا إسحاق قم.

(قال:)فقمت ففتحت عيني فإذا أنا علي بابي ببغداد،قال:فدخلت علي والدي و أنا (4)في أصحابي،فقلت لهم:عرّفت بالعسكر و خرجت ببغداد إلي العيد.

و رواه المفيد في(الإختصاص)عن المعلي بن محمد البصري،عن أحمد بن محمد بن عبد

ص: 38


1- دلائل الإمامة:217-218 و عنه إثبات الهداة:358/3 ح 75.
2- دلائل الإمامة:218 و عنه إثبات الهداة:385/3 ح 76.
3- دلائل الإمامة:218 و عنه إثبات الهداة:385/3 ح 77.
4- في البحار و الاختصاص:و أتاني أصحابي.

اللّه،عن علي بن محمد،عن إسحاق الجلاب قال:إشتريت لأبي الحسن عليه السّلام غنما كثيرة،فدعاني و أدخلني من إصطبل داره إلي موضع واسع لا أعرفه.و ساق الحديث إلي آخره (1).

شفاء المرضي

قال أحمد بن علي:دعانا عيسي بن أحمد القمي لي و لأبي-و كان أعرجا-فقال لنا:أدخلني ابن عمي أحمد بن إسحاق علي أبي الحسن،فرأيته و كلمه بكلام لم أفهمه،فقال له:جعلني اللّه فداك هذا ابن عمي عيسي بن أحمد،و به بياض في ذراعه و شيء قد تكتل كأمثال الجوز،قال:فقال لي:تقدم يا عيسي،فتقدمت،فقال لي:اخرج ذراعك،فأخرجت ذراعي،فمسح عليها و تكلم بكلام خفي طول فيه،ثم قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم التفت إلي أحمد بن اسحاق فقال:يا أحمد بن إسحاق كان علي بن موسي يقول:بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلي الإسم الأعظم من بياض العين إلي سوادها،ثم قال:يا عيسي.

قلت:لبيك.

قال:أدخل يدك في كمك ثم أخرجها فأدخلها ثم أخرجها،و ليس في يده قليل و لا كثير (2).

خبر الطيور

قال أبو هاشم الجعفري:أنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه،قد جعل فيها الطيور التي تصوت،فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس فلا يسمع ما يقال له و لا يسمع ما يقول من اختلاف أصوات تلك الطيور،فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام سكتت(تلك)الطيور فلا يسمع منها صوت واحد إلي أن يخرج من عنده،فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها.

قال:و كان عنده عدة من القوابج (3)في الحيطان،و كان يجلس في مجلس له عال،و يرسل تلك القوابج تقتتل و هو ينظر إليها و يضحك منها،فإذا وافي علي بن محمد-عليهم السّلام-إليه في ذلك المجلس لصقت تلك القوابج بالحيطان،و كانت لا تتحرك من مواضعها حتي ينصرف،فإذا انصرف عادت في القتال (4).

ص: 39


1- الكافي:498/1 ح 3،الاختصاص:325،و أخرجه في إثبات الهداة:360/3 ح 6 و البحار:132/50 ح 14 عن الكافي و بصائر الدرجات:406 ح 6.و أورده ابن شهراشوب في المناقب:411/4.
2- دلائل الإمامة:222 و قطعة منه في إثبات الهداة:385/3 ح 82،و مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:450/7.
3- القبج:بفتح القاف و سكون الباء الموحدة و بالجيم في آخره،واحدة قبجة الحجل،و القبجة اسم جنس يقع علي الذكر و الانثي.
4- الخرائج:404/1 ح 10 و عنه البحار:148/50 ح 34 و الصراط المستقيم:204/2.

تسخير الهواء للإمام الهادي عليه السّلام

خبر إشالة الستور

قال أبو محمد الفحام:حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن بطة قال:حدثني خير الكاتب قال:حدثني سليمة الكاتب-و كان قد علم أخبار سر من رأي-قال:كان المتوكل يركب إلي الجامع،و معه عدد ممن يصلح للخطابة،و كان فيهم رجل من ولد العباس بن محمد يلقب بهريسة، و كان المتوكل يحقّره،فتقدم إليه أن يخطب يوما فخطب و أحسن،فتقدم المتوكل يصلي،فسابقه من قبل أن ينزل من المنبر،فجاء فجذب منطقته من ورائه و قال:يا أمير المؤمنين من خطب يصلي، فقال المتوكل:أردنا أن نخجله فأخجلنا و كان أحد الأشرار.

فقال يوما للمتوكل:ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد،فلا يبقي في الدار إلا من يخدمه،و لا يتبعونه بشيل ستر و لا فتح باب و لا شيء،و هذا إذا علمه الناس قالوا:لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا،دعه إذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه و يمشي كما يمشي غيره،فتمسّه بعض الجفوة،فتقدم ألا يخدم و لا يشال بين يديه ستر،و كان المتوكل ما رأي (1)أحدا ممن يهتم بالخبر مثله.

قال:فكتب صاحب الخبر إليه أن علي بن محمد دخل الدار،فلم يخدم و لم يشل أحد بين يديه سترا،فهب هواء رفع الستر له،فدخل فقال:اعرفوا خبر خروجه،فذكر صاحب الخبر أن هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتي خرج،فقال:ليس نريد هواء يشيل الستر،شيلوا الستر بين يديه (2).

***

معجزة كمعجزة مريم عليها السّلام

و روي أبو محمّد البصري عن ابن العبّاس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمّد قال:كنّا أجرينا ذكر أبي الحسن عليه السّلام فقال لي:يا أبا محمّد لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب علي أخي و علي أهل هذا القول بالذمّ و الشتم إلي أن كنت بالوفد الذين أوفد المتوكّل إلي المدينة في إحضار أبي الحسن فلمّا خرج و صرنا في بعض الطريق طوينا المنزل و كان منزلا صائفا شديد الحرّ فسألناه أن ينزل فقال:لا،فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب فلمّا اشتدّ الحرّ و الجوع و العطش و نحن إذ ذاك في

ص: 40


1- في البحار:ما رئي.
2- أمالي الطوسي:292/1 و عنه البحار:128/50 ح 6،و أورده ابن شهرآشوب في المناقب:406/4- 407 مختصرا.

ملساء لا نري شيئا و لا ظلاّ و لا ماء فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه قال عليه السّلام:ما لكم أحسبكم جياعا و قد عطشتم؟

فقلنا:إي و اللّه يا سيّدي قد عيينا.

قال:انزلوا و كلوا و اشربوا فتعجّبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نري فيها شيئا نستريح إليه و لا نري ماء و لا ظلاّ فقال:ما لكم إنزلوا فابتدرت إلي القطار لأنيخ فإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظلّ تحتهما عالم من الناس و إنّي لأعرف موضعهما أنّه أرض براح قفر و إذا بعين تسيح علي وجه الأرض أعذب ماء و أبرده فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا و أنّ فينا من سلك ذلك الطريق مرارا فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب و جعلت أحدّ النظر إليه و إذا نظرت إليه تبسّم و زوي وجهه عنّي.

فقلت في نفسي:و اللّه لأعرفنّ هذا كيف هو؟فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي و وضعت عليه حجرين و تغوّطت في ذلك الموضع و تهيّأت للصلاة.

فقال أبو الحسن:استرحتم؟

قلنا:نعم.

قال:فارتحلوا علي اسم اللّه فارتحلنا فلمّا أن سرنا ساعة رجعت علي الأثر فرأيت الموضع فوجدت الأثر و السيف كما وضعت و العلامة و كأنّ اللّه لم يخلق ثمّ شجرة و لا ماء و لا ظلالا و لا بللا فتعجّبت من ذلك و رفعت يدي إلي السماء فسألت اللّه الثبات علي المحبّة و الإيمان به و المعرفة منه و أخذت الأثر فلحقت القوم فالتفت إلي أبو الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا العبّاس فعلتها؟

قلت:نعم يا سيّدي لقد كنت شاكّا و أصبحت أنا عند نفسي من أغني الناس في الدّنيا و الآخرة.

قال عليه السّلام:هو كذلك هم معدودون معلومون لا يزيد رجل و لا ينقص (1).

***

إحياء الإمام الهادي عليه السّلام للأموات

ثاقب المناقب:عن محمد بن حمدان،عن إبراهيم بن بلطون،عن أبيه قال:كنت أحجب المتوكل،فأهدي له خمسون غلاما من الخزر و أمرني أن أتسلّمهم و أحسن إليهم،فلما تمت سنة كاملة كنت واقفا بين يديه،إذ دخل عليه أبو الحسن علي بن محمد النقي-عليهما السّلام-،فلما أخذ مجلسه أمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم،فأخرجتهم،فلما بصروا بأبي الحسن عليه السّلام سجدوا له بأجمعهم،

ص: 41


1- الخرائج:415/1 ح 20 و عنه إثبات الهداة:378/3 ح 47 و البحار:156/50 ح 45،و في الصراط المستقيم:205/2 ح 16.

فلم يتمالك المتوكل أن قام يجر رجليه حتي تواري خلف الستر،ثم نهض أبو الحسن عليه السّلام.فلما علم المتوكل بذلك خرج إلي و قال:ويلك يا بلطون ما هذا الذي فعل هولاء الغلمان؟

فقلت:لا و اللّه ما أدري،قال:سلهم.

فسألتهم عما فعلوه،فقالوا:هذا رجل ياتينا كل سنة فيعرض علينا الدين،و يقيم عندنا عشرة أيام،و هو وصي نبي المسلمين،فأمرني بذبحهم فذبحتهم عن آخرهم.فلما كان وقت العتمة صرت إلي أبي الحسن عليه السّلام،فإذا خادم علي الباب،فنظر إليّ فقال لمّا بصر بي:أدخل فدخلت فإذا هو عليه السّلام جالس،فقال:(يا بلطون ما صنع القوم؟).

فقلت:يابن رسول اللّه ذبحوا و اللّه عن آخرهم،فقال لي:(كلّهم؟).

فقلت:أي و اللّه،فقال عليه السّلام:(أتحب أن تراهم؟)قلت:نعم يابن رسول اللّه،فأومي بيده أن ادخل الستر،فدخلت فإذا أنا بالقوم قعود و بين أيديهم فاكهة يأكلون (1).

و في عيون المعجزات عن أبي جعفر بن جرير الطبري عن عبد اللّه بن محمّد البلوي عن هاشم بن زيد قال:رأيت علي بن محمّد صاحب العسكر و قد أتي بأكمه فأبرأه و رأيته يهيّيء من الطين كهيئة الطير و ينفخ فيه فيطير فقلت له:لا فرق بينك و بين عيسي عليه السّلام فقال:أنا منه و هو منّي (2).

و عن محمّد بن سنان الرامزي رفع اللّه درجته قال:كان أبو الحسن علي بن محمّد عليه السّلام حاجّا و لمّا كان في انصرافه إلي المدينة وجد رجلا خراسانيا واقفا علي حمار له ميّت يبكي و يقول:علي ماذا أحمل رحلي فاجتاز به عليه السّلام فقيل له:هذا الرجل الخراساني ممّن يتولاّكم أهل البيت فدنا عليه السّلام من الحمار الميّت فقال:لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم علي اللّه تعالي منّي و قد ضربوا ببعضها الميّت فعاش ثمّ ركزه برجله اليمني و قال:قم بإذن اللّه فتحرّك الحمار ثمّ قام فوضع الخراساني رحله عليه و أتي به المدينة و كلّما مرّ عليه السّلام أشاروا إليه بإصبعهم و قالوا:هذا الذي أحيي حمار الخراساني (3).

***

علمه عليه السّلام بالآجال

النجاشي في(كتاب الرجال):قال:أخبرنا محمد بن جعفر المؤدب قال:حدثنا أحمد بن محمد قال:حدثني أبو جعفر أحمد بن يحيي الأودي قال:دخلت مسجد الجامع لأصلي الظهر، فلما صلّيت رايت حرب بن الحسن الطحان و جماعة من أصحابنا جلوسا،فملت إليهم فسلمت

ص: 42


1- الثاقب في المناقب:529 ح 1،و مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:493/7.
2- عيون المعجزات:131 و عنه البحار:185/50 صدر ح 63.
3- عيون المعجزات:131-132 و عنه البحار:185/50.

عليهم و جلست،و كان فيهم الحسن بن سماعة،فذكروا أمر الحسن بن علي-عليهما السّلام-و ما جري عليه،ثم من بعد زيد بن علي و ما جري عليه،و معنا رجل غريب لا نعرفه،فقال:يا قوم عندنا رجل علوي بسر من رأي من أهل المدينة ما هو إلا ساحر أو كاهن،فقال له الحسن بن سماعة:بمن يعرف؟

قال:علي بن محمد بن الرضا.

فقال له الجماعة:و كيف تبينت ذلك منه؟

قال:كنا جلوسا معه علي باب داره و هو جارنا بسر من رأي نجلس إليه في كل عشية نتحدث معه،إذ مر بنا قائد من دار السلطان معه خلع و معه جمع كثير من القواد و الرجالة و الشاكرية و غيرهم،فلما رآه علي بن محمد وثب إليه و سلم عليه و أكرمه،فلما أن مضي قال لنا:هو فرح بما هو فيه،و غدا يدفن قبل الصلاة.فتعجبنا (1)من ذلك و قمنا من عنده و قلنا هذا علم الغيب،فتعاهدنا ثلاثة إن لم يكن ما قال أن نقتله و نستريح منه،فإني في منزلي و قد صلّيت الفجر،إذ سمعت جلبة فقمت إلي الباب،فإذا خلق كثير من الجند و غيرهم و هم يقولون مات فلان القائد البارحة،سكر و عبر من موضع إلي موضع فوقع و اندقت عنقه،فقلت:أشهد أن لا إله إلا اللّه و خرجت أحضره، و إذا الرجل كما قال أبو الحسن عليه السّلام ميت،فما برحت حتي دفنته و رجعت،فتعجبنا جميعا من هذه الحال (2).

و عن الحسن بن محمد بن جمهور أيضا في(كتاب الواحدة):قال:و حدثني أبو الحسين سعيد بن سهل البصري-و كان يلقب بالملاح-قال:و كان يقول بالوقف:جعفر بن القاسم الهاشمي البصري،و كنت معه بسر من رأي،إذ رآه أبو الحسن عليه السّلام في بعض الطرق،فقال له:إلي كم هذه النومة؟أما آن لك أن تنتبه منها؟

فقال لي جعفر:سمعت ما قال لي علي بن محمد؟قد و اللّه قدح في قلبي شيئا.

فلما كان بعد أيام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها،و دعا أبا الحسن معنا، فدخلنا،فلما رأوه أنصتوا إجلالا له،و جعل شاب في المجلس لا يوقّره،و جعل يلفظ و يضحك، فأقبل عليه فقال له:يا هذا أتضحك ملء فيك و تذهل عن ذكر اللّه و أنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور؟

قال:فقلنا هذا دليل حتي ننظر ما يكون.

قال:فأمسك الفتي و كف عما هو عليه،و طعمنا و خرجنا،فلما كان بعد يوم اعتل الفتي و مات4.

ص: 43


1- في البحار:فعجبنا،فقمنا عنده فقلنا.
2- رجال النجاشي:41 و عنه البحار:186/50 ح 64.

في اليوم الثالث من أول النهار و دفن في آخره (1).

و عن المعلي بن محمد قال:قال أبو الحسن علي بن محمد-عليهما السّلام-:إن هذا الطاغية يبني مدينة بسر من رأي يكون حتفه فيها علي يد إبنه المسمي بالمنتصر،و أعوانه عليه الترك.

قال:و سمعته يقول:اسم اللّه علي ثلاثة و سبعين حرفا،و إنما كان عند آصف بن برخيا حرف واحد،فتكلم به فخرقت له الأرض فيما بينه و بين مدينة سبا،فتناول عرش بلقيس فأحضره سليمان عليه السّلام قبل أن يرتدّ إليه طرفه،ثم بسطت الأرض في أقل من طرفة عين،و عندنا منه إثنان و سبعون حرفا،و فيها الحرف الذي كان عند آصف بن برخيا و كتب إليه رجل من شيعته من المدائن يساله عن سني المتوكل،فكتب إليه: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ (2)،فقتل بعد خمسة عشر سنة.

ثم كان من أمر بناء المتوكل الجعفري و ما أمر به بني هاشم و غيرهم من الابنية هناك ما تحدّث به،و وجّه إلي أبي الحسن عليه السّلام بثلاثين ألف درهم و أمره أن يستعين بها علي بناء دار،و ركب المتوكل يطوف علي الابنية،فنظر إلي دار أبي الحسن عليه السّلام لم ترتفع إلا قليلا،فأنكر ذلك و قال لعبيد اللّه بن يحيي بن خاقان عليّ يمينا-و أكدها-لئن ركبت و لم ترتفع دار أبي الحسن عليه السّلام لأضربن عنقه.

قال له عبيد اللّه:يا أمير المؤمنين لعله في ضائقة،فأمر له بعشرين ألف درهم وجه بها إليه مع أحمد إبنه و قال له:تحدثه بما جري،فصار إليه و أخبره بما جري،فقال:إن ركب فليفعل ذلك.

و رجع أحمد إلي أبيه عبيد الله فعرفه ذلك،فقال عبيد اللّه:ليس و اللّه يركب،فلما كان في يوم الفطر من السنة التي قتل(فيها)أمر بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه،و إنما أراد بذلك أبا الحسن عليه السّلام، فترجل بنو هاشم و ترجل أبو الحسن عليه السّلام،فاتكي علي رجل من مواليه،فاقبل عليه الهاشميون فقالوا:يا سيدنا ما في هذا العالم أحد يدعو اللّه فيكفينا مؤنته؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:في هذا العالم من قلامة ظفره أعظم عند اللّه من ناقة صالح،لما عقرت و ضجّ الفصيل إلي اللّه،فقال اللّه عز من قائل:(تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)،فقتل في اليوم الثالث خلق كثير من بني هاشم.و روي أنه قال-و قد أجهده المشي-:

(اللهم إنه قطع رحمي قطع اللّه أجله).و مضي المتوكل في اليوم الرابع من شوال سنة سبع و أربعين9.

ص: 44


1- إعلام الوري:346-347 و عنه إثبات الهداة:370/3 ح 35 و عن كشف الغمة:398/2،و البحار: 181/50 ح 57.
2- سورة يوسف،الآية:47-49.

و مائتين في سنة سبع و عشرين من إمامة أبي الحسن عليه السّلام،و بويع لابنه محمد بن جعفر المنتصر، فكان من حديثه مع أبي الحسن عليه السّلام،و مع جعفر بن محمود ما رواه الناس (1).

***

علمه بموت أبيه عليهما السّلام من البعد

روي محمد بن جعفر الملقب بسسجادة،عن الحسن بن علي الوشاء قال:حدّثتني أم محمد مولاة أبي الحسن الرضا عليه السّلام بالحيرة و هي مع الحسن بن موسي،قالت:دنا أبو الحسن علي بن محمد من الباب و هو يرعد،فدخل و جلس في حجر أم أيمن بنت موسي،فقالت له فديتك مالك؟

قال لها:مات أبي و اللّه الساعة،قال فكتبنا ذلك اليوم،فجاءت وفاة أبي جعفر عليه السّلام و أنه توفي في ذلك اليوم الذي أخبر (2).

أقول:هذا لا ينافي ما روي أن الإمام لا يصلي عليه إلا إمام،فكيف لم يصل عليه و هو بعيد عنه؟إذ لعله أخبر عن وفاة أبيه ثم توجه إليه للصلاة عليه،و من معاجزهم طي الأرض لهم.

***

علمه عليه السّلام بما تحت الأرض

ثاقب المناقب:عن المنتصر بن المتوكل قال:زرع والدي الآس في بستان و أكثر منه،فلما استوي الآس كله و حسن أمر الفراشين أن يفرشوا له علي دكان في وسط البستان،و أنا قائم علي رأسه،فرفع رأسه إلي و قال:يا رافضي سل ربك الأسود عن هذا الأصل الاصفر ما له من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفر؟فإنك تزعم أنه يعلم الغيب،فقلت:يا أمير المؤمنين إنه ليس يعلم الغيب.

فأصبحت و غدوت إلي أبي الحسن عليه السّلام من الغد و أخبرته بالأمر،فقال:(يا بني إمض أنت و احفر الأصل الأصفر،فإن تحته جمجمة نخرة و اصفراره لبخارها و نتنها).

قال:ففعلت ذلك فوجدته كما قال عليه السّلام،ثم قال عليه السّلام لي:(يا بني لا تخبرن أحدا بهذا الأمر إلا لمن يحدّثك بمثله) (3).

***

ص: 45


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:533/7.
2- دلائل الإمامة:414 ح 375.
3- الثاقب في المناقب:538 ح 1،مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:497/7.

علمه عليه السّلام بما يكون

ثاقب المناقب:عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي قال:سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال:دخلت علي سعيد بن صالح الحاجب فقلت:يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك- و كان سعيد يتشيع-فقال:هيهات،قلت:بلي و اللّه فقال:و كيف ذلك؟

قلت:بعثني المتوكل و أمرني أن أكبس علي علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام و أنظر ما يفعل،ففعلت ذلك فوجدته يصلي،فبقيت قائما حتي فرغ،فلما انفصل من صلاته أقبل علي و قال:

(يا سعيد لا يكف عني جعفر-أي المتوكل الملعون-حتي يقطّع إربا إربا إذهب و أعزب)،و أشار بيده الشريفة،فخرجت إلي المتوكل فسمعت الصيحة و الواعية،فسألت عنه فقيل:قتل المتوكل فرجعت و قلت بها (1).

ثاقب المناقب:عن عبد اللّه بن طاره قال:خرجت إلي سر من رأي لأمر من الامور فأحضرني المتوكل،فاقمت سنة ثم ودّعت و عزمت علي الانحدار إلي بغداد،فكتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام أستأذنه في ذلك و أودعه،فكتب لي:

فإنك بعد ثلاث يحتاج إليك و سيحدث أمران،فانحدرت و استحسنته،فخرجت إلي الصيد و أنسيت ما أشار إلي أبو الحسن عليه السّلام،فعدلت إلي المطيرة و قد صرت إلي مصري و أنا جالس مع خاصتي،إذا بمائة فارس يقولون:أجب أمير المؤمنين المنتصر،فقلت:ما الخبر؟

قالوا:قتل المتوكل و جلس المنتصر و استوزر أحمد بن الخضيب،فقمت من فوري راجعا (2).

و حدّث أبو الفتح غازي بن محمد الطرائفي بدمشق سلخ شعبان سنة تسع و تسعين و ثلاثمائة قال:حدثنا أبو الحسن علي بن عبد اللّه الميموني قال:حدثني أبو الحسين محمد بن علي بن معمر قال:حدثني علي بن يقطين بن موسي الأهوازي قال:كنت رجلا أذهب مذاهب المعتزلة،و كان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد عليه السّلام ما أستهزئ به و لا أقبله،فدعتني الحال إلي دخولي بسر من رأي للقاء السلطان فدخلتها،فلما كان يوم وعد السلطان للناس أن يركبوا الميدان،فلما كان من الغد ركب الناس في غلائل القصب بأيديهم المراوح،و ركب أبو الحسن-صلوات اللّه عليه -علي زي الشتاء و عليه لبادة و برنس،و علي سرجه بخناق طويل،و قد عقد ذنب دابته،و الناس يهزؤون به و هو يقول: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.

فلما توسطوا الصحراء و صاروا بين الحائطين إرتفعت سحابة و أرخت السماء عزاليها، و خاضت الدواب إلي ركبها في الطين و لوثتهم أذنابها،فرجعوا في أقبح زي و رجع أبو الحسن-

ص: 46


1- الثاقب في المناقب:539 ح 3.
2- الثاقب في المناقب:539 ح 4.

صلوات اللّه عليه-في أحسن زي،و لم يصبه شيء مما أصابهم.

فقلت:إن كان اللّه عزّ و جلّ اطلعه علي هذا السر فهو حجة،(و جعلت في نفسي أن أساله عن عرق الجنب و قلت:إن هو أخذ البرنس عن رأسه و جعله علي قربوس سرجه ثلاثا فهو حجة).

ثم إنه لحي إلي بعض الشعاب،فلما قرب نحّي البرنس و جعله علي قربوس سرجه ثلاث مرات،ثم التفت إلي و قال:إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال،و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام،فصدقته و قلت بفضله و لزمته عليه السّلام،فلما أردت الإنصراف جئت لوداعه، فقلت:زودني بدعوات،فدفع إلي هذا الدعاء و أوله(اللهم إني أسألك وجلا من انتقامك حذرا من عقابك)و الدعاء طويل (1).

و عن محمد بن عبد الحميد البزاز و أبي الحسن محمد بن يحيي و محمد بن ميمون الخراساني و الحسين بن مسعود الفزاري قالوا جميعا:و قد سألتهم في مشهد سيدنا أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام بكربلاء عن جعفر الكذاب و ما جري في أمره قبل غيبة سيدنا أبي الحسن و أبي محمد-عليهما السّلام- صاحبيّ العسكر،و بعد غيبة سيدنا أبي محمد عليه السّلام،و ما ادعاه جعفر و ما ادّعي له،فحدثوني من جملة أخباره:أن سيدنا أبا الحسن علي بن محمد الهادي-عليهما السّلام-كان يقول لهم:تجنّبوا إبني جعفرا،فإنه مني بمنزلة نمرود من نوح الذي قال اللّه عزّ و جلّ فيه فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي الآية قال اللّه يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (2)(3).

و عن محمد بن عبد اللّه القمي قال:لما حملت ألطافا من قم إلي سيدي أبي الحسن عليه السّلام إلي سر من رأي،فوردتها و استأجرت بها منزلا،و جعلت أروم الوصول إليه أو من يوصل إليه تلك الألطاف التي حملتها،فتعذّر علي ذلك،فكلفت عجوزا كانت معي في الدار أن تلتمس لي إمرأة أتمتع بها،فخرجت العجوز في طلب حاجتي،فإذا أنا بطارق قد طرق بابي و قرعه،فخرجت إليه فإذا أنا بصبي منحول،فقلت له:ما حاجتك؟

فقال لي:سيدي و مولاي أبو الحسن عليه السّلام يقول لك:قد شكرنا برك و ألطافك التي حملتها تريدنا بها،فاخرج إلي بلدك و اردد ألطافك معك،و احذر الحذر كله أن تقيم بسر من رأي أكثر من ساعة،فإنك إن خالفت و أقمت عوقبت فانظر لنفسك.

فقلت:إني و اللّه أخرج و لا أقيم،فجاءت العجوز و معها المتيعة،فتمتعت بها و بت ليلتي و قلت:في غد أخرج،فلما تولّي الليل طرق باب دارنا ناس و قرعوه قرعا شديدا،فخرجت العجوز إليهم،فإذا أنا بالطائف و الحارس و شرطة معهما و مشعل و شمع،فقالوا لها:أخرجي إلينا الرجل5.

ص: 47


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:500/7.
2- سورة هود،الآية:45-46.
3- الهداية الكبري للحضيني:73 و 94-95.

و المرأة من دارك،فجحدتهم،فهجموا علي الدار فأخذوني و المرأة و نهبوا كلما كان معي من الألطاف و غيرها،فرفعت و أقمت في الحبس بسر من رأي ستة أشهر.ثم جاءني بعض مواليه فقال لي:حلّت بك العقوبة التي حذّرتك منها،فاليوم تخرج من حبسك،فصر إلي بلدك،فأخرجت في ذلك اليوم و خرجت هائما حتي وردت قم،فعلمت أن بخلافي لأمره نالتني تلك العقوبة (1).

ابن شهراشوب:قال:قال أبو جنيد:أمرني أبو الحسن العسكري بقتل فارس بن حاتم القزويني،فناولني دراهم و قال:إشتر بها سلاحا و أعرضه عليّ،فذهبت فاشتريت سيفا فعرضته عليه،فقال:رد هذا و خذ غيره،قال:فرددته و أخذت مكانه ساطورا فعرضته عليه،فقال:هذا نعم، فجئت إلي فارس و قد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب و العشاء الآخرة،فضربته علي رأسه فسقط ميتا و رميت الساطور،و اجتمع الناس و أخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري،فلم يروا معي سلاحا و لا سكينا و لا أثر الساطور،و لم يروا بعد ذلك فخليت (2).

***

علمه عليه السّلام بما يكون من نزول المطر

ثاقب المناقب:عن الطبيب بن محمد بن الحسن بن شمون قال:ركب المتوكل ذات يوم و خلفه الناس و ركب أبو الحسن عليه السّلام و آل أبي طالب ليركبوا بركوبه،فخرج في يوم صائف شديد الحر،و السماء صافية ما فيها غيم،و هو عليه السّلام معقود ذنب الدابة بسرج جلود طويل،و عليه ممطر و برنس،فقال زيد بن موسي بن جعفر لجماعة آل أبي طالب:أنظروا إلي هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء.

قال:فساروا جميعا،فما جاوزوا الجسر و لا خرجوا عنه حتي تغيمت السماء و أرخت عزاليها كافواه القرب،و ابتلت ثياب الناس،فدنا منه زيد بن موسي بن جعفر و قال:يا سيدي أنت قد علمت أن السماء قد تمطر فهلاّ أعلمتنا فقد هلكنا و عطبنا (3).

***

إخباره عليه السّلام بالقائم و غيبته عليه السّلام

إعلام الوري:قال:و في(كتاب)أبي عبد اللّه بن عياش:حدّثني أحمد بن محمد بن يحيي قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:حدّثني محمد بن أحمد بن محمد العلوي العريض قال:حدّثني

ص: 48


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:532/7،و الهداية الكبري للحضيني:63.
2- مناقب آل أبي طالب:417/4 و عنه البحار:205/50 ح 14.
3- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:502/7.

أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السّلام يقول:الخلف من بعدي إبني الحسن،فكيف لكم بالخلف بعد الخلف،قلت:و لم جعلت فداك؟

قال:لأنكم لا ترون شخصه و لا يحل لكم تسميته و لا ذكره باسمه،قلت-كيف نذكره؟

قال:قولوا:الحجّة من آل محمد صلّي اللّه عليه و آله (1).

و عن محمد بن عبد اللّه الطهوي،عن حكيمة بنت محمد الجواد عليه السّلام قال:قلت:يا سيدتي حدّثيني بولادة مولاي و غيبته عليه السّلام،قالت:نعم كانت لي جارية يقال لها:(نرجس)فزارني ابن أخي عليه السّلام و أقبل يحدّ النظر إليها،فقلت له:يا سيدي لعلك هويتها؟فارسلها إليك؟

فقال:لا يا عمة و لكني أتعجب منها،فقلت:و ما أعجبك؟

فقال عليه السّلام:سيخرج منها ولد كريم علي اللّه عزّ و جلّ الذي يملأ اللّه به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما،فقلت:أرسلها إليك يا سيدي؟

فقال:إستأذني في ذلك أبي عليه السّلام.قالت:فلبست ثيابي و أتيت منزل أبي الحسن عليه السّلام، فسلّمت و جلست،فبدأني عليه السّلام و قال:يا حكيمة إبعثي نرجس إلي إبني أبي محمد قالت:فقلت:يا سيدي علي هذا قصدتك علي أن أستأذنك في ذلك،فقال لي:يا مباركة إن اللّه تبارك و تعالي أحب أن يشركك في الأجر و يجعل لك في الخير نصيبا (2).

***

علمه عليه السّلام بأجله

ابن بابويه في(معاني الأخبار)قال:حدّثنا محمد بن موسي بن المتوكل قال:حدّثنا علي بن إبراهيم،عن عبد اللّه بن أحمد الموصلي،عن الصقر بن أبي دلف قال:لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن عليه السّلام جئت أسأل عن خبره.

قال:فنظر إلي الزراقي و كان حاجبا للمتوكل،فأومي إلي أن أدخل عليه،فدخلت إليه،فقال:

يا صقر ما شأنك؟

فقلت:خيرا أيها الأستاذ،فقال:أقعد،فأخذني ما تقدّم و ما تأخّر و قلت:أخطأت في المجيء.

قال:فأخّر الناس عنه ثم قال لي:ما شأنك و فيم جئت؟

قلت:لخير ما،فقال:لعلك جئت تسأل عن خبر مولاك؟

ص: 49


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:510/7.
2- كمال الدين:426 ح 4.

فقلت له:و من مولاي؟مولاي أمير المؤمنين،فقال:أسكت!مولاك هو الحق فلا تحتشمني، فإني علي مذهبك،فقلت:الحمد لله،فقال:أتحب أن تراه؟

قال:فجلست.

فلما خرج(من عنده)قال لغلامه:خذ بيد الصقر فأدخله إلي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس،و خل بينه و بينه،قال:فأدخلني الحجرة و أومي إلي بيت فدخلت،قال:فإذا هو عليه السّلام جالس علي صدر حصير و بحذاه قبر محفور،قال:فسلّمت عليه فرد،ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي:يا صقر ما أتي بك؟

قلت:يا سيدي جئت أتعرف خبرك،قال:ثم نظرت إلي القبر فبكيت،فنظر إلي فقال:يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء.

فقلت:الحمد لله.

ثم قلت:يا سيدي حديث يروي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله لا أعرف معناه،فقال:و ما هو؟

قلت:قوله:(لا تعادوا الأيام فتعاديكم)ما معناه؟

فقال:نعم الأيام نحن ما قامت السموات و الأرض،فالسبت إسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و الأحد أمير المؤمنين،و الإثنين الحسن و الحسين،و الثلاثاء علي بن الحسين و محمد الباقر و جعفر الصادق،و الاربعاء موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن عليوأنا،و الخميس إبني الحسن، و الجمعة ابن ابني و إليه تجتمع عصابة الحق،و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فهذا معني الأيام،فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة،ثم قال:ودع و اخرج،فلا آمن عليك (1).

و عن أحمد بن داود القمي و محمد بن عبد اللّه الطلحي قالا:حملنا مالا إجتمع من خمس و نذر و عين و ورق و جوهر و حلي و ثياب من قم و ما يليها،فخرجنا نريد سيدنا أبا الحسن علي بن محمد-عليهما السّلام-،فلما صرنا إلي دسكرة الملك تلقّانا رجل راكب علي جمل و نحن في قافلة عظيمة، فقصدنا و نحن سائرون في جملة الناس و هو يعارضنا بجمله،حتي وصل إلينا و قال:يا أحمد بن داود و محمد بن عبد اللّه الطلحي معي رسالة إليكما،فقلنا ممن يرحمك اللّه؟

قال:من سيدكما أبي الحسن علي بن محمد-عليهما السّلام-يقول لكما:أنا راحل إلي اللّه في هذه الليلة،فأقيما مكانكما حتي يأتيكما أمر ابني أبي محمد الحسن عليه السّلام فخشعت قلوبنا و بكت عيوننا و3.

ص: 50


1- معاني الأخبار:123 ح 1 و عنه البحار:194/50 ح 6 و عن الخصال:394 ح 102 و كمال الدين: 382 ح 9،و في إثبات الهداة:491/3 ح 177 عنها و عن كفاية الأثر:285-287 باختلاف.و أورده في إعلام الوري:410-411 عن الكمال،و أخرجه في البحار:413/36 ح 3.

أخفينا ذلك و لم نظهره،و نزلنا بدسكرة الملك و استأجرنا منزلا و أحرزنا ما حملناه فيه،و أصبحنا و الخبر شائع في الدسكرة بوفاة مولانا أبي الحسن عليه السّلام،فقلنا:لا إله إلا اللّه أتري(الرسول)الذي جاء برسالته أشاع الخبر في الناس،فلما أن تعالي النهار رأينا قوما من الشيعة علي أشد قلق مما نحن فيه،فأخفينا أثر الرسالة و لم نظهره (1).

***

خبر أم القائم عليه السّلام و ما فيه من المعجزات

ابن بابويه باسناده و غيره:عن محمد بن بحر الشيباني قال:وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين،قال:وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،ثم انكفأت إلي مدينة السلام متوجها إلي مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر و توقدت السمائم،فلما وصلت منها إلي مشهد الكاظم عليه السّلام و استنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة و زفرات متتابعة،و قد حجب الدمع طرفي عن النظر.فلما رقأت العبرة و انقطع النحيب و فتحت بصري و إذا أنا بشيخ قد انحني صلبه و تقوس منكباه،و ثفنت جبهته و راحتاه و هو يقول لاخر معه عند القبر:يابن أخي لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان،و قد أشرف عمك علي استكمال المدة و انقضاء العمر،و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسره.

قلت:يا نفس لا يزال العناء و المشقة ينالان منك بإتعابي الخف و الحافر في طلب العلم،و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل علي علم جسيم و أمر عظيم،فقلت:أيها الشيخ و من السيدان؟

قال النجمان المغيبان في الثري بسر من رأي،فقلت:إني أقسم بالموالاة و شرف محل هذين السيدين من الإمامة و الوراثة إني خاطب علمهما و طالب آثارهما،و باذل من نفسي الإيمان المؤكدة علي حفظ أسرارهما.

قال:إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم،فلما فتش الكتب و تصفح الروايات منها قال:صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الانصاري أخدم موالي أبا الحسن و أبا محمد-عليهما السّلام-و جارهما بسر من رأي.

قلت:فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما،قال:كان مولاي أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السّلام فقهني في علم الرقيق،فكنت لا أبتاع و لا أبيع إلا بإذنه،فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي كملت معرفتي فيه،فاحسنت الفرق فيما بين الحلال و الحرام.

ص: 51


1- الهداية الكبري للحضيني:68.

فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأي و قد مضي هوي من الليل،إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا،فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد-عليهما السّلام-يدعوني إليه،فلبست ثيابي و دخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد عليه السّلام و أخته حكيمة من وراء الستر،فلما جلست قال:يا بشر إنك من ولد الأنصار،و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف،و أنتم ثقاتنا أهل البيت،و إني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بهما بسر أطلعك عليه و أنفذك في ابتياع أمة،فكتب كتابا ملصقا بخط رومي و لغة رومية،و طبع عليه بخاتمه،و أخرج شنسقة (1)صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا.

فقال:خذها و توجه بها إلي بغداد،و احضر معبر الفرات ضحوة كذا،فإذا وصلت إلي جانبك زوارق السبايا و برزن الجواري منها فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شراذم من فتيان العراق،فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا،لابسة حريرتين صفيقتين،تمتنع من السفور و لمس المعترض و الإنقياد لمن يحاول لمسها و يشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخاس،فتصرخ صرخة رومية،فاعلم أنها تقول:و اهتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين:عليّ بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة،فتقول بالعربية:لو برزت في زي سليمان و علي مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة،فاشفق علي مالك،فيقول النخاس:فما الحيلة و لا بد من بيعك،فتقول الجارية:و ما العجلة و لا بد من إختيار مبتاع يسكن قلبي إليه إلي أمانته و ديانته،فعند ذلك قم إلي عمر بن يزيد النخاس و قل له:إن معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خط رومي و وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه،فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه،فان مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخاس:فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن عليه السّلام في أمر الجارية،فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا،و قالت لعمر بن يزيد النخاس:بعني من صاحب هذا الكتاب،و حلفت بالمحرجة المغلظة (2)إنه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها،فما زلت اشاحه في ثمنها حتي استقر الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السّلام من الدنانير في الشنسقة الصفراء،فاستوفاه مني و تسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة،و انصرفت بها إلي حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد،فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولاها عليه السّلام من جيبها و هي تلثمه و تضعه علي خدها و تطبقه علي جفنها و تمسحه علي بدنها.فقلت تعجبا منها:أتلثمين كتابا و لا تعرفين صاحبه؟ه.

ص: 52


1- في بعض المصادر:شستقة و البحار:شقة،علي أي حال المراد الصرة التي يجعل فيه الدنانير.
2- المغلظة:الموكدة من اليمين،و المحرجة:اليمين التي تضيق مجال الحالف بحيث لا يبقي له مندوحة عن بر قسمه.

قالت:أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الانبياء أعرني سمعك و فرغ لي قلبك،أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم،و أمي من ولد الحواريين تنسب إلي وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب،إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلاث عشرة سنة،فجمع في قصره من نسل الحواريين و من القسيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل،و من ذوي الأخطار سبعمائة رجل،و جمع من أمراء الأجناد و قواد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف،و أبرز هو من بهو ملكه عرشا مصنوعا من أنواع الجواهر إلي صحن القصر،فرفعه فوق أربعين مرقاة،فلما صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكفا و نشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي،فلصقت بالارض،و تقوضت الأعمدة فانهارت إلي القرار، و خر الصاعد من العرش مغشيا عليه،فتغيرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدي:أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علي زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني،فتطيّر جدّي من ذلك تطيرا شديدا،و قال للأساقفة:أقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا الصلبان و أحضروا أخا هذا المدبر العاشر المنكوس جده لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده،فلما فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأول،و تفرق الناس و قام جدي قيصر مغتما فدخل قصره و أرخيت الستور.

فأريت في تلك الليلة كأن المسيح و شمعون و عدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي و نصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه،فدخل عليهم محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم مع فتية و عدة من بنيه،فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول له:يا روح اللّه إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا،و أومأ بيده إلي أبي محمد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلي شمعون فقال له:قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،قال:قد فعلت،فصعد ذلك المنبر و خطب محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و زوجني(من إبنه)و شهد المسيح عليه السّلام و شهد بنو محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و الحواريون،فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا علي أبي وجدي مخافة القتل،و كنت أسرها في نفسي و لا أبديها لهم،و ضرب بصدري بمحبة أبي محمد عليه السّلام حتي امتنعت من الطعام و الشراب،و ضعفت نفسي و دق شخصي و مرضت مرضا شديدا،فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي و سأله عن دوائي.

فلما برح به اليأس قال:يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في الدنيا؟

فقلت:يا جدي أري أبواب الفرج علي مغلقة،فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أساري المسلمين و فككت عنهم الأغلال و تصدقت عليهم و منيتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح و أمه لي عافية و شفاء،فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني و تناولت يسيرا من الطعام،فسر بذلك جدي و أقبل علي إكرام الأساري و إعزازهم،فأريت أيضا بعد أربع ليال

ص: 53

كأن سيدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف و صيفة من و صائف الجنان،فتقول لي مريم:هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد عليه السّلام،فاتعلق بها و أبكي و أشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي.

فقالت لي سيدة النساء-عليها السلام-:إن ابني أبا محمد لا يزورك و أنت مشركة باللّه جل ذكره و علي مذهب النصاري،و هذه أختي مريم تبرأ إلي اللّه عزّ و جلّ من دينك،فإن ملت إلي رضا اللّه عزّ و جلّ و رضا المسيح و مريم عنك و زيارة أبي محمد إياك فتقولي:أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه،فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلي صدرها و طيبت لي نفسي، و قالت:الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك فإني منفدته إليك،فانتبهت و أنا أقول:و اشوقاه إلي لقاء أبي محمد،(فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد عليه السّلام في منامي فرأيته)كأني أقول له:جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك.

قال:ما كان تأخيري عنك إلا لشركك،و إذ قد أسلمت فأنا زائرك في كل ليلة إلي أن يجمع اللّه شملنا في العيان،فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية.

قال بشر:فقلت لها:و كيف وقعت في الأساري؟

فقالت:أخبرني أبو محمد عليه السّلام ليلة من الليالي أن جدك سيسير جيوشا إلي قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم،فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت،فوقعت علينا طلائع المسلمين حتي كان من أمري ما رايت و ما شاهدت،و ما شعر أحد بأني إبنة ملك الروم إلي هذه الغاية سواك،و ذلك بإطلاعي إياك عليه،و لقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن إسمي فأنكرته و قلت:نرجس،فقال:إسم الجواري.

فقلت:العجب إنك رومية و لسانك عربي؟

قالت:بلغ من ولوع جدي و حمله إياي علي تعلم الآداب أن أو عز إلي إمراة ترجمان له في الإختلاف إلي،فكانت تقصدني صباحا و مساء و تفيدني العربية حتي استمر عليها لساني و استقام.

قال بشر:فلما انكفات بها إلي سر من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السّلام، فقال لها:كيف أراك اللّه عز الاسلام و ذل النصرانية و شرف أهل بيت محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم؟

قالت:كيف أصف لك يابن رسول اللّه ما أنت أعلم به مني؟

قال:فإني أحب أن اكرمك،فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشري لك فيها شرف الأبد؟

قالت:بل البشري،قال عليه السّلام:فابشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،قالت:ممن؟

ص: 54

قال عليه السّلام:ممن خطبك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قالت:من المسيح و وصيه؟

قال:ممن زوجك المسيح و وصيه،قالت:من إبنك أبي محمد؟

قال:فهل تعرفينه؟

قالت:و هل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيدة النساء أمه.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:يا كافور أدع لي أختي حكيمة،فلما دخلت عليه قال عليه السّلام لها:ها هيه،فاعتنقتها طويلا و سرت بها كثيرا،فقال لها مولانا:يا بنت رسول اللّه أخرجيها إلي منزلك و علميها الفرائض و السنن،فإنها زوجة أبي محمد و أم القائم عليه السّلام.و رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في(كتابه):قال:حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني سنة خمس و ثمانين و ثلاثمأة قال:حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر الرهني الشيباني قال:وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين و زرت قبر غريب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و ساق الخبر إلي آخره (1).

***

طي الأرض للإمام الهادي عليه السّلام

عن عليّ بن محمّد،عن إسحاق الجلاّب قال:إشتريت لأبي الحسن عليه السّلام غنما كثيرة،فدعاني فأدخلني من اصطبل داره إلي موضع واسع لا أعرفه،فجعلت أفرّق تلك الغنم فيمن أمرني به،فبعث إلي أبي جعفر (2)و إلي والدته و غيرهما ممّن أمرني،ثمّ استأذنته في الإنصراف إلي بغداد إلي والدي و كان ذلك يوم التروية،فكتب إليّ تقيم غدا عندنا ثمّ تنصرف قال:فأقمت فلمّا كان يوم عرفة أقمت عنده و بتّ ليلة الأضحي في رواق له،فلمّا كان السحر أتاني فقال:يا إسحاق قم.

قال:فقمت ففتحت عيني فإذا أنا علي بابي ببغداد

قال:فدخلت علي والدي و أنا في أصحابي،فقلت لهم:عرّفت بالعسكر و خرجت في بغداد إلي العيد (3).

***

ص: 55


1- كمال الدين:417 ح 1،دلائل الإمامة:262-267.و أخرجه في البحار:6/51-11 ح 12 و 13 عن الكمال و غيبة الطوسي:208 ح 178 باختلاف،و في إثبات الهداة:363/3 ح 17،و في منتخب الأنوار المضيئة:51-50 عن إبن بابويه.و أورده في روضة الواعظين:252-255.
2- محمد بن علي بن إبراهيم بن موسي بن جعفر عليه السلام.
3- الكافي:498/1 ح 3.

بركة الإمام الهادي عليه السّلام

عن إبراهيم بن محمّد الطاهري قال:مرض المتوكّل من خراج (1)خرج به و أشرف منه علي الهلاك،فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة،فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلي أبي الحسن عليّ بن محمّد مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان:لو بعثت إلي هذا الرجل فسألته فإنّه لا يخلو أن يكون عنده صفة يفرّج بها عنك.

فبعث إليه و وصف له علّته،فردّ إليه الرّسول بأن يؤخذ كسب (2)الشاة فيداف بماء ورد فيوضع عليه،فلمّا رجع الرّسول و أخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله فقال له الفتح:هو و اللّه أعلم بما قال و أحضر الكسب و عمل كما قال و وضع عليه فغلبه النوم و سكن،ثمّ انفتح و خرج منه ما كان فيه و بشّرت أمّه بعافيته،فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها،ثمّ استقلّ من علّته،فسعي إليه البطحاوي العلويّ (3)بأنّ أموالا تحمل إليه و سلاحا.

فقال لسعيد الحاجب:إهجم عليه بالليل و خذ ما تجد عنده من الأموال و السلاح و احمله إليّ.

قال إبراهيم بن محمد:فقال لي سعيد الحاجب:صرت إلي داره بالليل و معي سلّم فصعدت السطح،فلمّا نزلت علي بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل إلي الدّار،فناداني:يا سعيد مكانك حتّي يأتوك بشمعة.

فلم ألبث أن أتوني بشمعة،فنزلت فوجدته عليه جبّة صوف و قلنسوة منها و سجّادة علي حصير بين يديه،فلم أشكّ أنّه كان يصلّي.

فقال لي:دونك البيوت.

فدخلتها و فتّشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أمّ المتوكّل و كيسا مختوما و قال لي:دونك المصلّي.

فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبّس،فأخذت ذلك و صرت إليه:فلمّا نظر إلي خاتم أمّه علي البدرة بعث إليها فخرجت إليه،فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت له:كنت قد نذرت في علّتك لمّا آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي علي الكيس و فتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فضمّ إلي البدرة بدرة أخري و أمرني بحمل

ص: 56


1- الخراج بالضم البثر الواحد خراجة و بثرة،و قيل هو كل ما يخرج علي الجسد من القروح و الدمل و نحوهما.
2- الكسب بالضم عصارة الدهن و الدوف الخلط.يقال دفت الدواء و غيره أي بللته بماء أو بغيره.
3- قوله«البطحاوي العلوي»محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن عليه السّلام و في عمدة الطالب منسوبا إلي البطحاء أو إلي البطحان واد بالمدينة قال و كان فقيها و امه نفيسة.و قال:كان الحسن بن زيد أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي...

ذلك إليه فحملته ورددت السيف و الكيسين و قلت له:يا سيّدي عزّ عليّ.

فقال لي: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

و في ذلك قال بعض الشعراء هذه الابيات:

صالت أمية في السادات من مضر و ساعدتها بنو العباس في الأثر

لكنهم فعلوا أضعاف ما فعلت أمية فأبادوا صفوة البشر

جاروا و ما عدلوا و استأصلوا حسدا آل النبي جزاهم في لظي سقر

سقوهم السم سرا في شرابهم و أوردوهم حياض الموت في الضرر

فكم بنوا فوقهم عالي البناء و كم قد وسدوهم و هم أحياء في الحفر

نفسي الفداء لهم في كل فادحة و قل ذي بدلا في وقع ذي الضرر

كأنهم لم يكونوا نسل فاطمة و لم يجيء مدحهم في محكم السور

و الله لا نسيت نفسي مصابهم و كيف أنسي و هم لي علة القدر

لولاهم لم يكن خلق و لا بشر و لا نعيم و لا كون إلي الزمر

لكنهم ندموا إن لم يكن لهم في قتل سبط رسول اللّه من أثر

فيا فؤادي لا تنسي لمصرعهم و يا عيوني صبي صب منهمر

فليس حظك من بعد المصاب بهم إلا دموعا غزارا و لظي السهر (1)

***

الملائكة تخدم الإمام الهادي عليه السّلام

و روي الشيخ عن كافور الخادم،قال:قال لي الإمام علي بن محمد عليهما السّلام:أترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهر منه للصلاة،و أنفذني في حاجة،و قال:إذا عدت فافعل ذلك ليكون معدا إذا تأهبت للصلاة.

و استلقي عليه السّلام لينام،نسيت ما قال لي،و كانت ليلة باردة فأحسست به و قد قام الي الصلاة، و ذكرت أنني لم أترك السطل.فبعدت عن الموضع خوفا من لومه،و تأملت (2)له حيث يشقي بطلب الإناء فناداني نداء مغضب.

فقلت:إنا للّه أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا،و لم أجد بدا من إجابته.فجئت مرعوبا.

ص: 57


1- وفيات الأئمة:367.
2- في البحار:و تألمت له حيث يشقي.

فقال لي:يا ويلك أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد،فسخنت لي ماء و تركته في السطل.

قلت:و اللّه يا سيدي ما تركت السطل و لا الماء.

قال:الحمد للّه و اللّه لا تركنا رخصة و لا رددنا منحة،الحمد للّه الذي جعلنا من أهل طاعته، و وفقنا للعون علي عبادته،إن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم يقول:(إن اللّه يغضب علي من لا يقبل رخصة) (1).

***

عظمة الإمام الهادي عليه السّلام علي اللّه و هيبته

الطبرسي عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي،قال:كنت مع أبي علي باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي الي عباسي و جعفري،و نحن وقوف إذ جاء أبو الحسن عليه السّلام فترجّل الناس كلهم حتي دخل.

فقال بعضهم لبعض:لم نترجل لهذا الغلام؟و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا و لا بأسننا،و اللّه لا ترجلنا له.

فقال أبو هاشم الجعفري:و اللّه لتترجلن له صغرة إذا رأيتموه،فما هو إلا أن أقبل،و بصروا به حتي ترجل له الناس كلهم.

فقال لهم أبو هاشم الجعفري:أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟

فقالوا له:و اللّه ما ملكنا أنفسنا حتي ترجلنا (2).

و قال أبو محمد الفحام:حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن بطة قال:حدثني خير الكاتب قال:حدثني سليمة الكاتب-و كان قد عمل أخبار سر من رأي-قال:كان المتوكل يركب إلي الجامع،و معه عدد ممن يصلح للخطابة،و كان فيهم رجل من ولد العباس بن محمد يلقب بهريسة، و كان المتوكل يحقره،فتقدم إليه أن يخطب يوما فخطب و أحسن،فتقدم المتوكل يصلي،فسابقه من قبل أن ينزل من المنبر،فجاء فجذب منطقته من ورائه و قال:يا أمير المؤمنين من خطب يصلي، فقال المتوكل:أردنا أن نخجله فأخجلنا و كان أحد الاشرار.

فقال يوما للمتوكل:ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد،فلا يبقي في

ص: 58


1- الأنوار البهية،الشيخ عباس القمي:275،و الأمالي للطوسي:304،و عنه البحار:126/50 ح 4، و البحار:126/50 ح 4.
2- إعلام الوري:343،و عنه البحار:137/50 ح 20،و إثبات الهداة:369/3 ح 32 و عن الخرائج:/2 675 ح 7 و كشف الغمة:398/2،و مناقب آل أبي طالب:407/4 و الثاقب في المناقب:542 ح.2.

الدار إلا من يخدمه،و لا يتبعونه بشيل ستر و لا فتح باب و لا شيء،و هذا إذا علمه الناس قالوا:لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا،دعه إذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه و يمشي كما يمشي غيره،فتمسه بعض الجفوة،فتقدم ألا يخدم و لا يشال بين يديه ستر،و كان المتوكل ما رأي (1)أحدا ممن يهتم بالخبر مثله.

قال:فكتب صاحب الخبر إليه أن علي بن محمد دخل الدار،فلم يخدم و لم يشل أحد بين يديه سترا،فهب هواء رفع الستر له،فدخل فقال:اعرفوا خبر خروجه،فذكر صاحب الخبر أن هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتي خرج،فقال:ليس نريد هواء يشيل الستر،شيلوا الستر بين يديه.

قال:و دخل يوما علي المتوكل فقال:يا أبا الحسن من أشعر الناس؟-و قد كان سال قبله ابن الجهم-فذكر شعراء الجاهلية و شعراء الإسلام،فلما سئل الإمام عليه السّلام قال:فلان ابن فلان العلوي- قال ابن الفحام:و أحسبه الجماني (2)-.

قال:حيث يقول شعرا:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة بمطّ خدود و امتداد أصابع

فلمّا تنازعنا المقال (3)قضي لنا شهيد بما نهوي نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا عليهم جهير الصوت في كلّ جامع

فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا و نحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال:و ما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟

قال:أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه جدّي أم جدّك (4)؟فضحك المتوكل ثم قال:هو جدك لا ندفعك عنه (5).

و قال في إثبات الوصية:حدث أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الحلبي القاضي،قال:حدثني الخضر بن محمد البزاز،و كان شيخا مستورا ثقة يقبله القضاة و الناس،قال:رأيت في المنام كأني علي شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر،و الناس مجتمعون خلقا كثيرا يزحم بعضهم بعضا، و هم يقولون:قد أقبل بيت اللّه الحرام،فبينا نحن كذلك إذ رأيت البيت بما عليه من الستائر و الديباج و القباطي قد أقبل مارا علي الأرض يسير حتي عبر الجسر من الجانب الغربي الي الجانب الشرقي،ا.

ص: 59


1- في البحار:ما رئي.
2- في البحار:و أخوه الحماني.
3- في نسخة:القضاء.
4- في البحار:جدكم.
5- أمالي الطوسي:292/1 و عنه البحار:128/50 ح 6،و أورده ابن شهرآشوب في المناقب:406/4- 407 مختصرا.

و الناس يطوفون به و بين يديه حتي دخل دار خزيمة (1)...

الي أن قال:فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة حتي انتهيت الي الجسر،فرأيت الناس مجتمعين،و هم يقولون:قد قدم ابن الرضا عليه السّلام من المدينة،فرأيته قد عبر من الجسر علي شهري (2)تحته كبير،يسير عليه سيرا رفيقا،و الناس بين يديه و خلفه،و جاء حتي دخل دار خزيمة بن حازم، فعلمت أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها،ثم خرج الي سر من رأي،انتهي (3).

***

الظلم الذي وقع علي الإمام الهادي عليه السّلام

عن إبراهيم بن محمّد الطاهري قال:مرض المتوكّل من خراج (4)خرج به و أشرف منه علي الهلاك،فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة،فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلي أبي الحسن عليّ بن محمّد مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان:لو بعثت إلي هذا الرجل فسألته فإنّه لا يخلو أن يكون عنده صفة يفرّج بها عنك.

فبعث إليه و وصف له علّته،فردّ إليه الرّسول بأن يؤخذ كسب (5)الشاة فيداف بماء ورد فيوضع عليه،فلمّا رجع الرّسول و أخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله فقال له الفتح:هو و اللّه أعلم بما قال و أحضر الكسب و عمل كما قال و وضع عليه فغلبه النوم و سكن،ثمّ انفتح و خرج منه ما كان فيه و بشّرت أمّه بعافيته،فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها،ثمّ استقلّ من علّته،فسعي إليه البطحاوي العلويّ (6)بأنّ أموالا تحمل إليه و سلاحا.

فقال لسعيد الحاجب:إهجم عليه بالليل و خذ ما تجد عنده من الأموال و السلاح و احمله إليّ.

قال إبراهيم بن محمد:فقال لي سعيد الحاجب:صرت إلي داره بالليل و معي سلّم فصعدت السطح،فلمّا نزلت علي بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل إلي الدّار،فناداني:يا سعيد مكانك حتّي يأتوك بشمعة،فلم ألبث أن أتوني بشمعة،فنزلت فوجدته عليه جبّة صوف و قلنسوة منها

ص: 60


1- و هي التي آخر من ملكها بعد عبيد اللّه بن عبد الله بن طاهر،و أبو بكر الفتي ابن اخت إسماعيل ابن بلبل بدر الكبير الطولوي المعروف بالحمامي فإنه أقطعها.
2- الشهري:و هي ما بين البرذون و الفرس،و قيل البرذون:نوع من الخيول التركية الضخمة.
3- إثبات الوصية:200.
4- الخراج بالضم البثر الواحد خراجة و بثرة،و قيل هو كل ما يخرج علي الجسد من القروح و الدمل و نحوهما.
5- الكسب بالضم عصارة الدهن و الدوف الخلط.يقال دفت الدواء و غيره أي بللته بماء أو بغيره.
6- قوله«البطحاوي العلوي»محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن عليه السّلام و في عمدة الطالب منسوبا إلي البطحاء أو إلي البطحان واد بالمدينة قال و كان فقيها و أمه نفيسة.و قال:كان الحسن بن زيد أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي.

و سجّادة علي حصير بين يديه،فلم أشكّ أنّه كان يصلّي،فقال لي:دونك البيوت.

فدخلتها و فتّشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أمّ المتوكّل و كيسا مختوما و قال لي:دونك المصلّي،فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبّس،فأخذت ذلك و صرت إليه:فلمّا نظر إلي خاتم أمّه علي البدرة بعث إليها فخرجت إليه،فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت له:كنت قد نذرت في علّتك لمّا آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي علي الكيس و فتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فضمّ إلي البدرة بدرة أخري و أمرني بحمل ذلك إليه فحملته ورددت السيف و الكيسين و قلت له:يا سيّدي عزّ عليّ.

فقال لي: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (1)(2).

و عن زرارة حاجب المتوكّل قال:أراد المتوكّل أن يمشي علي بن محمّد الرضا عليه السّلام فقال له وزيره:إنّ في هذا شناعة عليك فلا تفعل قال:لابدّ من هذا.

قال:فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد و الأشراف كلّهم حتّي لا يظنّ الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره.ففعل و مشي عليه السّلام و كان الصيف فوافي الدهليز و قد عرق فأجلسته و مسحت وجهه بمنديل و قلت:ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تغضب عليه.

فقال:إيها عنك أي اسكت و كفّ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (3)(4).

***

في أسرار أبي الحسن الهادي عليه السّلام

فمن ذلك ما رواه محمد بن الحسن الحضيني (5)قال:حضر مجلس المتوكل مشعبذ (6)هندي فلعب عنده بالحقق فأعجبه،فقال له المتوكل:يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله.

ص: 61


1- الكافي:500/1 ح 4.
2- الكافي:499/1 ح 6،و أخرجه في البحار:198/50 ح 10 عن أعلام الوري:344-345-عن محمد بن يعقوب-و إرشاد المفيد:329-330-باسناده عن الكليني-و الخرائج:676/2 ح 8 و دعوات الراوندي:202 ح 555.و أورده في مناقب آل أبي طالب:415/4-416 ملخصا،و مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني 426/7.
3- سورة هود،الآية:65.
4- الخرائج و الجرائح:401/1 ح 8،و عنه البحار:147/50 ح 32.
5- في نسخة خطية:الحمصي.
6- كذا في الأصل يريد مشعوذ.

قال:فلما حضر أبو الحسن المجلس لعب الهندي فلم يلتفت إليه،فقال له:يا شريف أما يعجبك لعبي،كأنك جائع؟ثم أشار إلي صورة مدوّرة في البساط علي شكل الرغيف و قال:يا رغيف مرّ إلي هذا الشريف،فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن يده علي صورة سبع في البساط و قال:قم فخذ هذا.

فصارت الصورة سبعا،فابتلع الهندي و عاد إلي مكانه في البساط،فسقط المتوكل لوجهه، و هرب من كان قائما (1).

***

دعاء الإمام الهادي عليه السّلام المستجاب

قال أبو محمد الفحام:حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد قال:حدثني عم أبي قال:قصدت الإمام عليه السّلام يوما،فقلت:يا سيدي إن هذا الرجل قد أطرحني و قطع رزقي و مللني،و ما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك،فإذا سألته شيئا منه يلزمه القبول منك،فينبغي أن تتفضل علي بمسألته.

فقال:تكفي إن شاء اللّه.فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل،رسول يتلو رسولا،فجئت و الفتح علي الباب القائم،فقال:يا رجل ما تأوي في منزلك بالليل؟كدّني هذا الرجل مما يطلبك، فدخلت و إذا المتوكل جالس في فراشه،فقال:يا أبا موسي نشغل عنك و تنسينا نفسك،أي شيء لك عندي؟

فقلت:الصلة الفلانية و الرزق الفلاني،و ذكرت أشياء،فأمر لي بها و بضعفها.

فقلت للفتح:وافي علي بن محمد إلي هاهنا؟

فقال:لا.

فقلت:كتب رقعة؟

فقال:لا،فوليت منصرفا،فتبعني فقال لي:لست أشك أنك سألته دعاء لك،فالتمس لي منه دعاء،فلما دخلت إليه عليه السّلام قال لي:يا أبا موسي هذا وجه الرضا!

فقلت:ببركتك يا سيدي،و لكن قالوا لي:إنك ما مضيت إليه و لا سألته.

فقال:إن اللّه تعالي علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه و لا نتوكل في الملمات إلا عليه، و عودنا إذا سألناه الإجابة،و نخاف أن نعدل فيعدل بنا.

ص: 62


1- بحار الأنوار:211/50 ح 25،مشارق أنوار اليقين:99 و عنه البحار:211/50 ح 24 و حلية الأبرار: 474/2(ط ق).

قلت:إن الفتح قال لي:كيت و كيت.

قال:إنه يوالينا بظاهره و يجانبنا بباطنه،الدعاء لمن يدعو به إذا أخلصت في طاعة اللّه، و اعترفت برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و بحقنا أهل البيت،و سألت اللّه تبارك و تعالي شيئا لم يحرمك.

قلت:يا سيدي فتعلمني دعاء أختص به من الادعية.

قال:هذا الدعاء كثيرا ما أدعو اللّه به،و قد سألت اللّه أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي و هو:يا عدتي عند العدد و يا رجائي و المعتمد و يا كهفي و السند و يا واحد يا أحد و يا قل هو اللّه أحد،أسالك اللهم بحق من خلقتهم من خلقك و لم تجعل في خلقك مثلهم أحدا،أن تصلي عليهم و تفعل بي كيت و كيت (1).

و روي صاحب(ثاقب المناقب)و الراوندي:قالا:قال:أبو هاشم الجعفري:أنه ظهر برجل من أهل سر من رأي برص،فتنغص عليه عيشه،فجلس يوما إلي أبي علي الفهري،فشكي إليه حاله،فقال له:لو تعرضت يوما لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك هذا.

قال:فتعرض له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكل،فلما رأه قام ليدنو منه فيسأله ذلك،فقال له:تنح عافاك اللّه و أشار إليه بيده تنح عافاك اللّه و أشار إليه بيده تنح عافاك اللّه-ثلاث مرات-فرجع الرجل و لم يجسر أن يدنو منه و انصرف فلقي الفهري فعرفه الحال و ما قال،فقال (له):قد دعا لك قبل أن تسأله،فامض فإنك ستعافي،فانصرف الرجل إلي بيته،فبات تلك اللّيلة، فلما أصبح لم ير علي بدنه شيئا من ذلك (2).

و عن محمّد بن علوية قال:كان باصفهان رجل يتشيّع يقال له عبد الرحمن فقيل له:ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقي دون غيره من أهل الزمان؟

قال:شاهدت ما أوجب عليّ ذلك و ذلك أنّي كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلي باب المتوكّل متظلّمين فكنّا بباب المتوكّل يوما إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا فقلت لبعض من حضر:من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟

فقيل:هذا رجل علوي يقول الرافضة بإمامته ثمّ قيل:إنّ المتوكّل يحضره للقتل.ج.

ص: 63


1- أمالي الطوسي:291/1-292 و عنه البحار:127/50 ح 5،و أورده في مناقب آل أبي طالب:410/4- 411.
2- الثاقب في المناقب:554 ح 14،الخرائج:399/1 ح 5.و أخرجه في البحار:145/50 ح 29 عن الخرائج،و في إثبات الهداة:374/3 ح 40 عن الخرائج و كشف الغمة:393/2 نقلا من الخرائج.

فأقبل راكبا علي فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفّين ينظرون إليه فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شرّ المتوكّل،فأقبل يسير بين الناس لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا دائم الدعاء فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه و قال:استجاب اللّه دعاك و طوّل عمرك و كثّر مالك و ولدك.

فارتعدت و وقعت بين أصحابي فسألوني ما شأنك؟فلم أخبر بذلك فانصرفنا إلي أصفهان ففتح اللّه عليّ وجوها من المال حتّي أنا اليوم أغلق بابي علي ما قيمته ألف ألف درهم سوي ما لي خارج داري و رزقت عشرة من الأولاد و قد بلغت الآن من عمري نيفا و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة الرجل علي الذي علم ما في قلبي و استجاب اللّه دعاؤه فيّ ولي (1).

و في إثبات الوصية:روي أنه عليه السّلام دخل دار المتوكل فقام يصلي،فأتاه بعض المخالفين فوقف حياله،فقال له:الي كم هذا الرياء؟فأسرع في الصلاة و سلم،ثم التفت إليه،فقال:إن كنت كاذبا سحتك اللّه،فوقع الرجل ميتا،فصار حديثا في الدار (2).

و فيه أيضا عن أبي العباس بن محمد بن إسرائيل الكاتب أنه جري ذكر أبي الحسن عليه السّلام فقال:

يا أبا سعيد إني أحدثك بشيء حدثني به أبي قال:كنا مع المعتز و كان أبي كاتبا له فدخلنا الدار و إذا المتوكل علي سريره قاعدا،فسلم المعتز عليه و وقفت خلفه،و كان عهدي به إذا دخل رحب به و أمره بالقعود،فأطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع أخري و هو لا يأذن له بالجلوس،و نظرت إلي وجهه يتغير ساعة بعد ساعة و يقبل علي الفتح بن خاقان هذا الذي تقول فيه ما تقول و يردد القول،و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب عليه يا أمير المؤمنين،و هو يقول:و اللّه لأقتلن هذا المرائي الزنديق و هو يدعي الكذب و يطعن في دولتي،ثم قال:جئني بأربعة من الخزرج فجي بهم و دفع إليهم أربعة أسياف،و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن عليه السّلام،و يقبلوا عليه بأسيافهم و يخبطوه و هو يقول:و اللّه لأحرقنه بعد القتل،و أنا منتصب قائم خلف المعتز وراء الستر،فما شعرت إلا أبي الحسن عليه السّلام قد دخل،فبادر الناس أمامه و قالوا:قد جي به،فالتفتّ له عليه السّلام و إذا أنا به و شفتاه يتحركان و هو غير مكروب و لا جازع،فلما بصر به المتوكل رمي بنفسه عن السرير إليه و هو سبقه و انكب عليه و قبل ما بين عينيه و يديه و سيفه بيده،و هو يقول:يا سيدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يا ابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن،و أبو الحسن عليه السّلام يقول:أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين من هذا.2.

ص: 64


1- الخرائج و الجرائح:392/1 ح 1،و البحار:141/50 ح 26،و فيه(ولي)بدل(أمري)،الثاقب في المناقب:549 ح 11،و إثبات الهداة:371/3 ح 37،و كشف الغمة:389/2-390.
2- إثبات الوصية:202.

فقال:ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟

قال:جاءني رسولك فقال المتوكل:قد كذب ابن الفاعلة،إرجع يا سيدي من حيث جئت،يا فتح،يا عبد اللّه،يا معتز شيعوا سيدكم و سيدي،فلما بصر به الخزرج خروا سجدا،فلما خرج عليه السّلام دعاهم المتوكل ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون،فقال لهم:لم لا فعلتم ما أمرتكم به فقالوا:

هيبة منه و قد رأينا حوله أكثر من مائة ألف سيف لم نقدر أن نتأملها فمنعنا ذلك عما أمرتنا،و امتلأت قلوبنا رعبا من ذلك.

فقال المتوكل:يا فتح هذا صاحبك و ضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه،و قال:

الحمد للّه الذي بيض وجهه و أنا حجته،فيا لله من هذه النفوس الملعونة التي قدمت علي مخالفة ربها و لم تبال بمقارفة ذنبها،فسحقا لها و تبا فلقد باءت بالخسران و أطاعت الشيطان و قطعت الارحام، و نصرت العدوان (1).

و في مهج الدعوات بإسناده عن زرافة صاحب المتوكل و كان شيعيا أنه قال:كان المتوكل يحضر الفتح بن خاقان عنده و يقربه منه دون ولده و أهله،فأراد أن يبين فضله و موضعه عنده،فأمر جميع مملكته من الأشراف و من سائر الجند و غيرهم و الوزراء و الأمراء و القواد و سائر العسكر و وجوه الناس أن يزينوا بأحسن زينة،و يظهروا في أفخر عددهم و ذخائرهم،و يخرجوا مشاة بين يديه،و أن لا يركب أحد إلا هو و الفتح بن خاقان خاصة بسر من رأي.و مشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة،و كان يوما قائضا شديد الحر،فأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن عليه السّلام،فشق عليه ما لقيه من الحر قال زرافة:فأقبلت إليه و قلت:يا سيدي يعز علي ما تلقي من هؤلاء الطغاة،و ما قد تكلفته من المشقة.

فقال عليه السّلام:يا زرافة،ما ناقة صالح عند اللّه بأكرم مني.و لم أزل أسائله و أستفيد منه و أحادثه إلي أن نزل المتوكل من الركوب و أمر الناس بالإنصراف،فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلي منازلهم و قدمت بغلة له عليه السّلام فركبها و ركبت معه إلي داره عليه السّلام،فنزل فودعته و انصرفت إلي داري.

و كان لولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم و الفضل،و كانت لي عادة بإحضاره عند الطعام، فحضر ذلك اليوم و تجاريت معه الحديث و ما جري من ركوب المتوكل و الفتح و مشي الأشراف و ذوي الأقدار بين أيديهما،و ذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن الهادي عليه السّلام و ما سمعته من قوله عليه السّلام:ما ناقة صالح بأعظم عند اللّه قدرا مني،و كان المؤدب يأكل معي فرفع يده و قال:باللّه إنك سمعته يقول بهذا اللفظ؟

فقلت له:و اللّه إني سمعته يقول ذلك،فقال:إعلم أن المتوكل لا يبقي في مملكته أكثر من1.

ص: 65


1- الخرائج و الجرائح:417/1 ح 21.

ثلاثة أيام و يهلك،فانظر في أمرك و احرز ما تريد إحرازه،و تأهب كيلا يفجأكم أمره ثم جعل يجري في كلامه،فقلت له:من أين لك هذا العلم؟

فقال:أما قرأت القرآن في قصة الناقة في قوله تعالي: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ (1)الآية؟و لا يجوز أن يبطل قول الإمام عليه السّلام.

قال زرافة:فما جاء اليوم الثالث حتي جاء المنتصر و معه بغا و وصيف و الأتراك علي المتوكل، فقتلوه هو و الفتح بن خاقان و قطعوهم قطعا قطعا حتي لا يعرف أحدهما من الآخر،و أزال اللّه نعمته و مملكته،فلقيت الإمام أبا الحسن عليه السّلام و عرفته ما جري من المؤدب و ما قاله فقال:صدق إنه لما بلغ بي الجهد من المسير رجعت إلي كنوز عندنا كنا نتوارثها من آبائنا،و هي أعز من الحصون و أمنع من السلاح و الجنن،و هو دعاء المظلوم علي الظالم.

فقلت:يا سيدي تعلّمنيه فعلّمنيه:

أيا متوكل الأرجاس فابشر بخزي في الحياة و في القيامة

أتهدم من رسول اللّه صرحا علا في المكرمات و في الدعامة

عمدت إلي الذي ساد البرايا و من جمع الشجاعة و الحزامة

زعمت بأن تبيد الدين جورا فأولاك الخسارة و الندامة

أتعلو فوق من خضعت إليه ملائك قدسها و أولوا الكرامة

كأنك قد عمدت لخير نور لتطفيه فيا لك من ذمامة

فكيف تظن أنك بالغ ما أردت له و تظفر بالسلامة (2)

***

قدرة الإمام الهادي عليه السّلام

اشارة

و في ذلك الكتاب أيضا عن أبي القاسم بن القاسم عن خادم علي بن محمّد عليه السّلام قال:كان المتوكّل يمنع الناس من الدخول إلي علي بن محمّد فخرجت يوما و هو في دار المتوكّل فإذا جماعة من الشيعة جلوس خلف الدار فقلت:ما شأنكم؟

قالوا:ننتظر مولانا لنسلّم عليه.

فقلت لهم:إذا رأيتموه تعرفونه؟

ص: 66


1- سورة هود،الآية:65.
2- وفيات الأئمة:383.

قالوا:كلّنا نعرفه،فلمّا وافي قاموا و سلّموا عليه و نزل فدخل داره و أرادوا الإنصراف فقلت:

أليس قد رأيتم مولاكم؟

قالوا:نعم.

قلت:فصفوه.

فقال واحد:هو شيخ أبيض الرأس أبيض مشرب بحمرة و قال آخر:لا تكذب ما هو إلاّ أسود أسمر اللحية و قال الآخر:لا لعمري ما هو كذلك هو كهل ما بين البياض و السمرة فقلت:أليس زعمتم أنّكم تعرفونه إنصرفوا في حفظ اللّه.

قال السيد نعمة اللّه الجزائري في الرياض:هذا يوضح ما تقدّم غير مرّة في هذا الكتاب من أنّهم صلوات اللّه عليهم يظهرون علي الناس بالصور المختلفة بما يناسب أحوال الناس و تحتمله عقولهم لحكم و مصالح لا تبلغها عقولنا (1).

و لا بد من التعرض لقدرة آل محمد و ولايتهم التكوينية فنقول باللّه المستعان:

***

معني الولاية التكوينية

اشارة

الأمور إما اعتبارية و إما حقيقية تكوينية،و الإعتبارية هي التي يطلقها الآمر،و منها الولاية التشريعية نحو قوله تعالي: أَقِيمُوا الصَّلاةَ (2).

أما الحقيقية فهي التي تعتمد علي وجود اللّه فقط،و الولاية التكوينية كذلك فأمرها بيد المولي نحو قوله عزّ من قائل: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (3).

فهذا خطاب حقيقي ليس متفرعا علي وجود مخاطب،بل هو بنفسه يخلق المخاطب و يوجده بعد الإعدام.

قال آية اللّه حسن زاده آملي في الفرق بين الأمرين:يجب معرفة الفرق بين الأمر التكويني و بين الأمر التكليفي،فإن الأول أمر بلا واسطة و الثاني أمر بالواسطة،و الواسطة السفراء الإلهية،و ما كان بالواسطة فقد تقع المخالفة فيه؛لذلك آمن الناس بالأنبياء و كفر بعض،و ممن آمن أتي بجميع أوامرهم بعضهم و لم يأت بعضهم.

و ما لا واسطة فيه-أي الأمر التكويني-فلا يمكن المخالفة فيه كقوله تعالي: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (4).

ص: 67


1- رياض الأبرار،مخطوط.
2- سورة البقرة،الآية:43.
3- سورة يس،الآية:82.
4- عيون مسائل النفس:698.

فالحقيقي يشمل كل الموجودات التي لا يكون عمل الإنسان الإختياري دخيلا في وجودها و عدمها.لذا عرّفت الولاية التكوينية بأنها:

«ولاية التصرف في الأمور التكوينية تبديلا من حقيقة الي أخري،أو من صورة الي غيرها، بغير أسباب طبيعية متعارفة،مع علم المتصرف بكل تفاصيل المتصرف و أسبابه،من غير تحدي و نبوة،بحيث تكون اختياراتها بيد المتصرف فيها من هذه الجهات».

***

ولاية اللّه التكوينية

فالولي الأول و الأساس علي الأمور الكونية هو اللّه وحده لا شريك له،بيده الملك و هو علي كل شيء قدير،فهو الذي يدير الكون بإعمال الولاية و يعمل ربوبيته باستمرار كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (1).

و أبرز اللّه ولايته التكوينية لنا بقوله تعالي: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ - وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ (2).

و قال: وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ (3).

و قال: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالي عَمّا يُشْرِكُونَ (4).

*و ولاية اللّه علي نحوين ولاية عامة و ولاية خاصة (5):

1-أمّا الولاية العامة:فهي الشاملة لكل المخلوقات،المؤمنة منهم و الكافرة علي حد سواء، قال تعالي: كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (6).

2-أمّا الولاية الخاصة:فهي المختصة بالمؤمنين،و تكون عبارة عن التوفيق لسلوك طريق الحق تعالي.

ص: 68


1- سورة الرحمن،الآية:29.
2- سورة الشوري،الآية:9-و سورة الأنفال،الآية:24.
3- سورة الروم،الآية:24،25،26.
4- سورة الزمر،الآية:67.
5- العموم و الخصوص باعتبار المتولي عليه لا باعتبار الله عزت ألاؤه.
6- سورة الإسراء،الآية:20.

قال تعالي: اَللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (1).

و هذه الولاية لها مراتب حسب السالكين الي اللّه،فحسب التوجه من قبل العبد يتوجه اليه المولي تعالي وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (2)حتي يصل العبد الي الفناء في اللّه تعالي،بغير إعدام كما كانت حالة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام فيما يصفها صادقهم عليه السّلام:«العارف شخصه مع الخلق و قلبه مع اللّه،لو سها قلبه عن اللّه طرفة عين لمات شوقا اليه...و لا مؤنس له سوي اللّه و لا نطق و لا إشارة و لا نفس إلاّ باللّه،للّه من اللّه مع اللّه،فهو في رياض قدسه متردد و من لطائف فضله اليه متزود» (3).

و حقيقة الولاية التكوينية انها غير متقومة بشيء،لا بالزمان و لا بالمكان.

قال الحكيم السبزواري:و الإبتداع:إخراج الشيء من الليس الي الآيس دفعة واحدة سرمدية لا دهرية فضلا عن الزمانية و الآنية: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و ليس ذلك القول منه تعالي قولا تدريجيا زمانيا كما قال الإمام علي عليه السّلام:إنما يقول لما أراد كونه:كن،فيكون لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع انما كلامه سبحانه فعله» (4).

و أخرج الكافي بسند صحيح عن صفوان قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام أخبرني عن الإرادة من اللّه و من الخلق؟

فقال عليه السّلام:«الإرادة من الخلق الضمير،و ما يبدو بعد ذلك لهم من الفعل.

و أمّا من اللّه تعالي فإرادته إحداثه لا غير،ذلك لأنه لا يروّي (5)و لا يهم و لا يتفكر،و هذه الصفات منفية عنه و هي صفات الخلق.

فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون،بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همّة و لا تفكر و لا كيف لذلك،كما إنه لا كيف له» (6).

و عن الإمام الرضا عليه السّلام إنّ للّه تعالي إرادتين:«إرادة حتم و إرادة عزم ينهي و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء» (7).ه.

ص: 69


1- سورة البقرة،الآية:257.
2- سورة البقرة،الآية:148.
3- بحار الأنوار:14/3 باب ثواب الموحدين ح 35،و السير الي الله:77-80-194،و مصباح الشريعة: 191 باب 91.
4- شرح دعاء الصباح:213 و الحديث في نهج البلاغة الخطبة:186.
5- رويت في الأمر:نظرت و فكرت-و الاسم الروية.
6- أصول الكافي:109/1 ح 3 باب الإرادة،و التوحيد للصدوق:157.
7- التوحيد:64 ح 15 باب التوحيد و نفي التشبيه.

هل ولاية اللّه التكوينية قابلة للتفويض؟

قدرة اللّه شاملة لتفويض الإرادة و هو ممكن عقلا،و يدل علي الإمكان الحديث القدسي المروي في صفة أهل الجنة:«من الحي القيوم الذي لا يموت الي الحي القيوم الذي لا يموت،أما بعد فإني أقول للشيء كن فيكون قد جعلتك اليوم تقول للشيء كن فيكون» (1).

نعم إنما الكلام في الوقوع و هو الهدف من هذه الدراسة المختصرة.

و بدوا نجد أنّ القرآن الكريم يحدثنا عن عدة وقائع تثبت إعطاء اللّه التصرّف الكوني لبعض عباده:قال تعالي لعيسي عليه السّلام:

إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي (2) .

فهذا نص صريح في خلق النبي عيسي عليه السّلام للطيور،و هو إيجاد بعد عدم،و تصرف في الكون غير متعارف فهو تفويض في أمر تكويني.

و قال تعالي: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ... قالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا،وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ قالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ (3).

***

معني الإذن الإلهي

يتصرّف أولياء اللّه بإذنه تعالي تصرفا موافقا لإرادته،لأنهم لا يريدون إلاّ ما أراد اللّه،بعد أن أصبحوا قاب قوسين أو أدني من جلال اللّه و عظمته بسبب قربهم من اللّه تعالي.

و كلما كان العبد قريبا من الحق تعالي كانت إرادته أقرب لإرادة اللّه تعالي،و موافقة لها،و كان تصرفه في الكون أشمل و أوسع و كانت مظهريته لولاية اللّه أظهر و أقوي.

و الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة تؤكد هذا المعني،و إن التصرفات التي كانت تصدر عن الأولياء اصحاب القرب من اللّه كانت تصرفات عن إذن اللّه تعالي و تحت سلطانه و قدرته قال تعالي:

وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمي.

و قال امامنا الصادق عليه السّلام:«لا جبر و لا تفويض بل أمر بين أمرين»ففي حين أنّ الرسول الأعظم يرمي نسب سبحانه الرمي إليه.

ص: 70


1- بحار الأنوار:376/93،و شرح دعاء الصباح:159،و الانسان الكامل:62.
2- سورة المائدة،الآية:110.
3- سورة المائدة،الآية:112-115.

أما تحديد الإذن:فهل يراد أن الولي قبل كل فعل يستأذن اللّه في ذلك الفعل،فإذا أذن حصل.

أم أن المراد أنه يستأذن للفعل مع علمه أن اللّه يأذن فيحصل الفعل بمجرد إرادة الولي له،إنما الإذن هو الإعتراف بالنعمة و العبودية؟

أم المراد أن اللّه أذن لأوليائه في عالم الذر أو عالم الأنوار الآتي،أذن لهم إذنا يتناسب مع قرب الولي حتي يصل الي الإذن المطلق في اقرب الأولياء،من كانوا قاب قوسين أو أدني.

أم أنه لا يحتاج الي إذن بل يكفي علمه به.

ثم ما المراد بإرادة الولي في الإذن هذا،هل إن التصرف و الفعل لا يحصل إلاّ بعد إرادة الولي فمتي أراد؛أراد اللّه،فيحصل الفعل؟

أم إن الفعل يحصل بمجرد ميل النفس الي الفعل،بل حتي قبل ذلك و لا اعتبار للإرادة في تحقق الفعل،وجوه و احتمالات:

أما بالنسبة للإرادة فإذا قلنا أنّ انتظار الولي للإرادة و توقف الفعل عليها،يعني خلو الولي قبل الإرادة من التصرف و سلب العلم بتحقق الفعل و عدمه،إذا كان يلزم ذلك،فإن القول بأنهم«إذا أرادوا أن يفعلوا فعلوا»ممنوع للزوم النقص و تنافيه مع قرب الولي من اللّه تعالي.

و إذا ورد ما يدل علي ذلك فلابد من تأويله.

و إن قلنا أن التعبير بالإرادة كان لميل النفس،أو إنه لا يحصل النقص عند وجود الإرادة،فإنّ المتعين عندها كون الفعل يحصل للولي بلا توسط شيء فقدرته و تصرفه لا يحدّه حدود و لا يمنع من حصوله مانع بعد إذن اللّه و إجازته.

و يمكن القول:إن إرادته عين فعله فمتي أراد فعل و متي فعل أراد.

هذا بغض النظر عن الإذن الالهي الآتي.

و سوف يأتي في الكتاب-علم آل محمد-تأويل أحاديث توقف علمهم علي الإرادة و المشيئة «إذا أراد أن يعلم علم»أنه هناك علم لا يغيب عن الإمام عليه السّلام،و هو العلم المرتبط باللّه تعالي.و علم يتوقف علي إرادته،و هو ما يرتبط بالخلافة و الرئاسة العامة و تصريف الامور،و يكون خلو الإمام عن هذا العلم أو توقفه علي إرادته من أجل انشغاله بالعلوم الإلهية،و التي هي أشرف،فالإمام قلبه مع اللّه لو سهي طرفة عين عنه لمات شوقا إليه.فلا يلزم النقص عليه.

نعم،إرادة الإمام موافقة لإرادة اللّه ففعله يكون موافقا لإرادة اللّه عزّ و جلّ،فمتي أراد الإمام فعل،و متي فعل أراد اللّه؛و متي أراد اللّه أراد الإمام و فعل عليه السّلام.

و هل الإمام يريد ما لا يحبه اللّه أو لا يرضي بفعله أو لا يريده؟!

ص: 71

و علي فرض ذلك هل يقع الفعل؟!

من المسلم به أن الإمام لا يريد إلاّ ما أراد اللّه و أحبه و ارتضاه،و إلاّ للزم ابتعاده عن القرب الإلهي،و هو خلف كونه الإمام المفترض الطاعة.

و لو فرض المحال و هو ليس بمحال،إن الإمام يريد ما لا يحبه اللّه أو لا يريده فهل يقع الفعل أم لا؟

أما بالنسبة لما لا يريده اللّه فيستحيل أن يقع إذا كانت إرادته تكوينية.

أما بالنسبة لما لا يحبه اللّه فقد يقع نظير عدم حب اللّه لقتل الطفل فقد يقع من آحاد الناس.

نعم بالنسبة للإمام عليه السّلام فإذا أراد ما لا يحبه اللّه(فرضا محالا)فإما أنه يقدر علي الفعل أو لا يقدر؟فإذا كان لا يقدر علي الفعل فلا يقع الفعل.

و إن كان يقدر علي الفعل فهل يقدر بقدرة اللّه أم بغيرها؟فعلي الثاني يلزم الشريك للّه و هو محال،و علي الأول يلزم إعطاء اللّه القدرة للإمام لما لا يحبه،و هو خلاف عصمة النبي و الإمام عليهم صلوات المصلين و خلاف حكمه اللّه تعالي.

فحتي علي هذا الفرض المحال لا يستقيم إرادة الإمام لما لا يريده و لا يحبه اللّه تعالي.

و سوف يأتي قول الإمام علي عليه السّلام لمن سأله عن معاوية:لو أقسمت علي اللّه أن آتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا و من قبل أن يرتد الي أحدكم طرفه لفعلت،و لكنّا كما وصف اللّه عز من قائل:

عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون» (1).

أما الإذن الإلهي:فقلنا فيه أربع تفسيرات و احتمالات:

1-الإذن الخاص لكل مصداق مصداق.

2-الإذن مع العلم بالإذن المسبق.

3-الإذن المسبق لحدود ولايته التكوينية.

4-كفاية العلم برضي المولي بالفعل بلا حاجة الي الإذن،و يكون العلم به بمرتبة الإذن.

أما الإحتمال الثاني فلغو،لأن الإذن مع فرض العلم بالاذن تحصيل للحاصل و الإمام منزه عن طلب الحاصل،و اللّه أجلّ من أن يرضي لوليه ذلك.

*اما الإحتمال الثالث ففيه احتمالات:

أ-فإما أن الإذن المسبق يعني أن اللّه أذن لأوليائه عندما أوجدهم في عالم الميثاق إذنا مطلقا (كل في حدود ولايته)و تخلي عنهم،فهم يفعلون بالاستقلال.

ص: 72


1- الهداية الكبري:125.

ب-و إما أنه أذن لهم عند إيجادهم و لكن عند صدور الفعل يجدد الإذن.

ج-و إما أنه أذن لهم عند إيجادهم و استمر هذا الإذن الي أوان صدور الفعل من باب أنّ الممكن يحتاج في كل آن آن الي فيض دائمي من واجب الوجود وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً.

و قال تعالي:«يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء،و بإرادتي كنت أنت الذي تريد» (1).

فدائما إرادة اللّه مساوقة و ملازمة لكل فعل.

و الإحتمال الأول باطل لأنه تفويض يؤدي للغلو و يأتي نفيه.

و الثاني لغو،لكفاية الإذن الأول عن الثاني؛إذ المراد هو تصحيح عمل الولي في التصرف، و الإذن المستتبع و المستلزم للفعل يكفي في رفع الاشكال.

اما الإحتمال الثالث فهو احتمال وجيه؛إذ أنه بعيد عن التفويض المنهي عنه.كما أنه لا لغوية لعدم تعدد الاذن؛إذ لا إذن سابق و لا حق،بل هو إذن واحد مستمر من إله واحد لا يصدر منه إلاّ واحد.

و لكن يمكن ارجاعه الي الإحتمال الرابع الآتي أو عدم الحاجة إليه مع صحة و تمامية الإحتمال الرابع.

و بعبارة أخري:هذا الاذن يرجع الي العلم بالفعل،فالولي يعلم أنّ اللّه قد أذن له مسبقا،و أن إذنه مستمر الي أوان الفعل،فعلم الولي متقدم علي إذن المولي بالتصرف.

نعم علم الولي متأخر عن إذن المولي بعلمه،أي أن إعطاء المولي و منحه تعالي العلم للولي متقدم علي حلول العلم في الولي،و إعطاء المولي و منحه هو إذن منه تعالي؛فتقدم الإذن علي علم الولي.

فرجع العلم الي الإذن،و لكن ليس الي إذن الفعل بالتصرف،بل الي إذن العلم برضي المولي بالفعل.

-و إن شئت قلت:هناك إذن بالفعل الجزئي و هناك إذن عام بمطلق الفعل،و يدور الأمر بين الاذنين و كلاهما من اللّه تعالي،و مما لا شك فيه تقديم الإذن بمطلق الفعل لتناسبه مع كرم اللّه سبحانه مع الأولياء المطيعين،و كون الإمام لا يريد إلاّ ما أراد اللّه تعالي.

و عليه فثبت أنه إذن في علم المولي و هو يكفي لتصحيح صدور الفعل من الولي و يستغني عن الاذن للفعل بالعلم برضي المولي بالفعل،و هذا رجوع للاحتمال الرابع،كما سوف تعرف فلا تغفل.4.

ص: 73


1- بحار الأنوار:48/5-56-57 كتاب العدل و المعاد ح 99-104.

أما الإحتمال الأول:فاتضح مما تقدم لغويته،لأنه أولا:ينفي الإذن المسبق المطلق.

إن قيل:كيف؟.

قلنا:إذا اجتمع الاذنين رجعنا الي الإحتمال الثالث،و مع نفيه للإذن المسبق يلزم نفي علم الولي به لتوقفه علي الاذن و هو باطل.

ثانيا:قلنا أنّ اللّه منزّه عن الأمور الجزئية و شأنه اعطاء الإذن بمطلق الفعل،مع إمكان العلم المطلق بعد الإذن به.

ثالثا:عدم الحاجة إليه مع فرض وجود علم للإمام بإذن اللّه تعالي كما أشرنا إليه و يأتي في الإحتمال الرابع.

أما الإحتمال الرابع فهو الصحيح،و ذلك بتوضيح زيادة عما قلناه في الإحتمال الثالث:

فاعلم أن معني الإذن هو معرفة الولي أن اللّه تعالي يرضي بذلك الفعل أو يحبه أو يريده،فإذا قلنا أن الولي يعلم مسبقا برضي المولي أو إرادته،فلا حاجة للإذن،بل يكون من باب تحصيل الحاصل،و هو لغو.

و إن شئت قلت:علمه برضي مولاه إذن من مولاه،لأن علم الإمام برضي اللّه بأفعاله، و المفروض ان الإمام لا يفعل إلاّ عن إرادة و حكمة،و إرادته موافقه لإرادة اللّه تعالي؛و لا تصدر إلاّ عن اللّه و لا يريد إلاّ ما أراده كما في الأحاديث:

(لا يشاؤون إلاّ ما يشاء اللّه)(نحن إذا شئنا شاء اللّه و اذا كرهنا كره اللّه).(فإذا شاء شئنا) (1).

و الإمام عليه السّلام أيضا لا يفعل إلاّ ما يحب اللّه أن يفعله؛فيكون فعل الإمام الصادر منه مرادا للّه و محبوبا له و هو معني الاذن.

فهنا طريقان:

1-أنّ إرادة الولي و الإمام لا تتخلف عن إرادة المولي و الله،و أنه لا يريد إلاّ ما أراد و لا يفعل إلاّ ما أحب،و هذا بنفسه إذن و يكفي لتصحيح العمل و الفعل،و هو المطلوب.

2-أن نقول أنّ العلم من الإمام برضي مولاه يكفي،فعلمه بمرتبة الإذن المسبق،و إن كان في الواقع غير مسبق بل مقارنا للفعل كمقارنة الإرادة للفعل في الافعال التكوينية.

لأن إرادة اللّه في-كن-مقارنة لقوله،و فعله مقارن لإرادته،و هما مقارنان لتحقق الفعل الخارجي،و كلهم مقارنون لعلم اللّه،فالامام-و الذي إرادته موافقة لإرادة اللّه-إرادته مقارنة لفعله في الامور الكونية،بمعني عدم احتياجه في فعله هذا الي قول و نية و ما شابه ذلك،إذ يكفي في الأمر التكويني الميل نحو الفعل لكي يتحقق.9.

ص: 74


1- بحار الأنوار:305/24،و:7/26 باب نادر في معرفتهم،و الهداية الكبري:359.

في أن الولاية فعلية لا إنشائية

و من هنا يتضح ضعف ما يتفوه به البعض من لم يطلع علي حقيقة الولاية؛ليقول أننا إذا سلمنا بالولاية التكوينية لآل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فإننا نسلمها علي أساس أنها انشائية،بمعني أنها لا تكون فعلية إلاّ عند حاجة أهل البيت عليهم السّلام إليها،و هذا معناه عدم قدرتهم علي شيء من الكونيات،خاصة مع ملاحظة كونهم غير محتاجين لأي شيء في هذا الكون سوي اللّه تعالي.نعم الكون بأجمعه بحاجة إليهم.

علي أن هذا القول يؤدي الي النقص في من أذهب اللّه عنهم كل نقص.

فمن خلال ما تقدم يتضح كون ولايتهم فعلية مساوقة لإرادتهم عليهم السلام المساوقة لإرادة اللّه تعالي،و سوف يأتي في الأدلة ما يوضح ذلك،و أن الولاية غير مرتبطة بالحاجة،نعم هي مرتبطة بغاية معينة تكمن في الافعال الصادرة،المختلفة من فعل لآخر.

***

فرق الولاية عن المعجزة و الدعاء

تقدم تعريف الولاية أنها تصرف تكويني،إبداعا أو تبديلا في الامور بغير أسباب متعارفة،مع علم و اختيار الولي بأسباب و تفاصيل المورد،من غير تحدي و اثبات نبوة.

و بذلك تفترق عن المعجزة لأنها مشروطة بالتحدي و اثبات النبوة،كما أنّ المعجزة مختصة بالانبياء،أما الولاية فهي تشمل الأنبياء و الأوصياء و الأولياء.

علي أنّ الولاية تصرف مباشري من الولي و استعمال للسلطنة و القدرة الكونية المستمدة من اللّه تعالي.

أما المعجزة فليست بالتصرف المباشر من قبل الأنبياء،و لا اظهارا لقدرة و سلطنة النبي،إنما هي لمجرد إثبات النبوة المأخوذة علي عاتق كل نبي عليه السّلام،و أن ما جاء به هو من عند اللّه تعالي، فالمعجزة إنما هي لتصديق الناس أنّ ما جاء به حق و إنه صادق.

نعم يشتركان أنهما معا بأسباب غير متعارفة.

فتكون المعجزة فقط لإثبات النبوة و صدق النبي عليه السّلام.

أما التصرف الكوني فله أهداف أخري تأتي قريبا.

و قد تجتمع المعجزة مع التصرف كما حصل لعيسي عليه السّلام:حيث كانت معجزته علي نبوته إحياء الموتي و إشفاء المرضي،و كان تصرفه التكويني بإنزال المائدة علي الحواريين كما فصلناه في كتابنا:

آل محمد بني قوسي النزول و الصعود.

ص: 75

أما فرقها عن الدعاء:

فالدعاء عبادة قربية في الإسلام له شرائط مخصوصة،كالكون علي الطهارة و استقبال القبلة و التوجّه و حسن المكان و فضله و ما الي ذلك من الشرائط،حتي إذا استجمعت و طلب الإنسان من ربه و إلتمس منه فعل شيء استجاب له،إذا كان من أصحاب الدعوة المجابة،و لم يكن فيه ضرر علي الغير،و هذا كله لا يشترط فيه العلم بالاستجابة و أسباب الأمور،و لا بالتحقق و عدمه.

و بذلك يفترق عن الولاية،لأن الولاية ليست عبادة مخصوصة،إنما هي حق طبيعي و تصرف كوني يمنحه اللّه لمن يشاء من عباده علي حسب قربهم و طاعتهم.

و في الولاية يعلم الولي بأسباب الفعل و تفاصيله و ما ينتج عنه و ما يصدر منه،و يعلم بتحقق فعله و تمني أمره،بل لا يصدر منه التصرف و لو كان قلبيا-إلاّ بعد قطعه بالتحقق و حصوله خارجا، بل إرادة الإمام في الولاية مقارنة لتحقق الفعل.

و أيضا في الدعاء الداعي لا يتصرف بل يطلب من اللّه التصرف و تحقيق الفعل.

أما في الولاية فالولي بنفسه يحقق الفعل و يتصرف بإذن اللّه تعالي.

علي أنه لا يشترط في الدعاء الاستجابة عكس الولاية،فلابد أن ينفذ الأمر التكويني،فإنه لا يتخلف البتة-كن فيكن-و إلاّ لما كان أمرا تكوينيا.

لذا جاء في الحديث القدسي لموسي عليه السّلام:محمد و عترته فمن عرفهم و عرف حقهم جعلته عند الجهل علما،و أعطيته قبل السؤال،و أجبته قبل الدعاء (1).

فاجابة اللّه له قبل أن يدعو دليل علي أنّ مجرد رغبة العبد بالشيء قبل أن يتوجه الي اللّه تعالي بالدعاء تحقّقه.

نعم أدعية آل بيت محمد عليهم السّلام مستجابة،كما دلت عليه الروايات المستفيضة-فيما يأتي-فعند دعاء الإمام بالشيء يحصل بلا توقف،لأن الإمام لا يطلب من اللّه إلاّ ما يريده اللّه و يحبه.

و هل هناك فرق بين ولاية آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم التكوينية و دعائهم؟!

أمّا بالنسبة للنتيجة فواحدة و هي حصول الفعل و تحققه مباشرة و كونه موافقا لطلب اللّه و إرادته و حبه.

نعم قد يفرق من الناحية التحليلية،أنّ الدعاء طلب من اللّه بحصول الفعل و ليس هو تحقيق للفعل من قبل الإمام بالمباشرة،أمّا التصرف التكويني فهو أعمال لقدرة الإمام و تحقيق للفعل من نفس الإمام بالمباشرة.

ص: 76


1- مشارق انوار اليقين:149.

و إن كانا معا بإذن اللّه و تحت سلطانه.

و يكون الدعاء من آل محمد عليهم السّلام لإبراز ارتباطهم باللّه تعالي و تعويد الناس علي الطلب من اللّه تعالي لا من غيره،و أيضا لربط الناس باللّه مباشرة.

إضافة الي إبراز العطف علي الشيعة من قبل الإمام عند رفعه يديه بالدعاء.

و يكون التصرف التكويني منهم عليهم السّلام لإبراز قدرتهم التي منحها اللّه لهم،و لإظهار عظمة و سلطان و قدرة اللّه من خلال فعلهم المظهر لقدرة اللّه و أفعاله و صفاته.

و ما سوف يأتي من روايات من باب التصرف التكويني،أما أدعية الرسول و آل البيت عليهم السّلام فمحلها غير هذه الرسالة،نعم سوف نتعرض باختصار الي استجابة دعائهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

***

في أن الولاية التكوينية ولاية مظهرية

لا طولية و لا عرضية

بعد الفراغ عن إمكان و وقوع الولاية علي الأمور الكونية و التصرف فيها،لابد أن يعلم أنّ هذه الولاية ليست في عرض ولاية اللّه التكوينية و قدرته،و لا حتي في طولها.

أما إنها ليست في عرضها فلوضوح سلب كل الولايات عن كل شيء لغير اللّه،فلا ولاية بالأصالة و الإستقلال إلاّ للّه الواحد القهار،و كل من قال بوجود ولاية في عرض ولاية اللّه و قدرته فقد قال بالغلو و التفويض المحرم-كما يأتي-لأنه مساوق للقول بألوهية صاحب الولاية العرضية، و كونه شريكا للّه في التصرف بالخلق و الرزق و ما شابه من الامور الكونية.

أما إنها ليست في طول ولاية اللّه؛فلأن معني الطولية أنّ للّه ولاية و قدرة فإذا انتهت بدأت ولاية و قدرة الغير،نظير ولاية ولي العهد عند انتهاء ولاية والده مثلا فتبدأ ولاية الإبن.

و هذا المعني لا يصح في حق اللّه تعالي،لأنه أحد صمد،و ولايته لا تتحدد في مقطع خاص أبدا حتي يصل الدور الي ما سوي هذا المقطع لولاية الآخرين.

و بعبارة أخري لا رتبة أولي لولاية اللّه حتي يقال هناك رتبة ثانية للآخرين.

و عليه:فإذا لم تكن الولاية التكوينية لا عرضية و لا طولية،فالمتعين كونها«مظهرية»أو«إذنية» فولاية الولي للّه هي مظهر لولاية اللّه عزّ و جلّ،فالولي هو الذي يظهر و يجليّ ولاية اللّه،و ولاية اللّه تكون متجلية فيه.

قال الحافظ البرسي:و لهذه الأسماء مظاهر فمظهر ركن الحياة إسرافيل،و مظهر ركن العلم

ص: 77

جبرائيل،و مظهر ركن الإرادة ميكائيل،و مظهر ركن القدرة عزرائيل (1).

و الي ذلك أشار مولي الموحدين علي عليه السّلام:«الحمد للّه المتجلي لخلقه بخلقه» (2).

و يضرب لذلك مثالا المرآة،فإنها عندما تعكس صورة الشخص فليس الصورة المعكوسة في عرض الشخص و لا في طوله؛إنما هي بالدقة تدل علي الشخص،و آية عليه و علامة،فليس لها شيء ذاتي مستقل و لا عرضي من نفسها،إنما كل الصورة هو من الشخص؛فهي مظهر و متجلي لصاحبها.

فكذلك الولي الحقيقي للّه تعالي،فعند تصرفه بالأمر التكويني فهو يعكس قدرة الحق تعالي و يظهر عظمته و قدرته،و يجلّي أمره التكويني.

قال تعالي مخاطبا نبيه الأعظم: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ (3).

فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم هو الحاكم،و لكن ليس بالإستقلال و لا بطول حاكمية اللّه تعالي،بل حكمه مظهر لحكم اللّه تعالي،و من خلال حكمه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بين الناس يتجلي حكم اللّه،و تتجلّي حاكمية اللّه من خلال إعمال حاكمية النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم.

و في الحديث:«من الحي القيوم الذي لا يموت الي الحي القيوم الذي لا يموت».

فحياة الإنسان مظهر لحياة اللّه تعالي.

قال الحكيم السبزواري:ثم المراد من الحي بحياة الأول و القيوم بقيوميته،لا الذي لا يكون شيئا بحيال نفسه إذ لا تشريك في أمر اللّه الواحد القهار (4).

و قال:كذلك فعل زيد مع كونه فعله فعل اللّه (5).

و مراده تبيين الأمر بين أمرين،و نفي الجبر و التفويض،فحقيقة الأمر بين أمرين هي نسبة الفعل للانسان في عين نسبته للحق تعالي: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمي ففي حين أنه رمي نفي عنه اللّه الرمي و أثبته اللّه تعالي لنفسه،فالمعني أن رميك ليس رميا حقيقيا إنما هو رمي ظلي، و الرامي الحقيقي هو اللّه تعالي،و هذا ما يستفاد من الحديث القدسي المروي عن عبد اللّه بن عمر و الإمام الرضا و أبي الحسن عليهما السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:قال اللّه تعالي:«يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء،و بإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد» (6).

و قال الإمام الخميني(قدس سره)في الآية:قوة العبد ظهور قوة الحق وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمي فجميع الذوات و الصفات و المشيئات و الإرادات و الآثار و الحركات من شؤون ذاته،د.

ص: 78


1- مشارق أنوار اليقين:32.
2- نهج البلاغة:155 الخطبة 108.
3- سورة النساء،الآية:105.
4- شرح دعاء الصباح:159-160.
5- شرح دعاء الصباح:183.
6- بحار الأنوار:49/5-65-75 ح 97.99-104 من كتاب العدل و المعاد.

و ظل صفة مشيئته و إرادته،و بروز نوره و تجلّيه و كل جنوده،و درجات قدرته،و الحق حق و الخلق خلق،و هو تعالي ظاهر فيها و هي مرتبة ظهوره:

ظهور تو بمن است و وجود من از تو (1) و لست تظهر لولاي لم أكن لولاك (2)

و قال قدس سره:إن سلسلة الوجود و منازل الغيب و مراحل الشهود من تجليات قدرته تعالي و درجات بسط سلطنته و مالكيته،و لا ظهور لمقدرة إلاّ مقدرته،و لا إرادة إلاّ إرادته،بل لا وجود إلاّ وجوده،فالعالم كما إنه ظلّ وجوده و مرشحة جوده،ظلّ كمال وجوده (3).

و في الحديث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:

«عن اللّه أروي حديثي أن اللّه يقول:يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء،و بإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد (4).

و قد ورد:«إذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه ما نريد» (5).

و لعل هذا الحديث أصرح من الآية حيث لم ينف الإرادة من العبد كما فعل في الرمي بقوله تعالي: وَ ما رَمَيْتَ إنّما علّق إرادة العبد علي إرادته،و أن العبد له أن يريد و يستطيع عليه،و لكن كله بإرادة اللّه تعالي،و هذا هو الأمر بين أمرين.

نعم مسألة فعل الشرور من الإنسان لا تنسب الي اللّه،و لذا قال الكليني بأن الإرادة ليست من صفات الذات للزوم محذور نسبة الشرور للّه تعالي،حيث أنه لا يريد شرا و لا ظلما و لا كفرا و لا شيئا من القبيح.

نعم،فصل العلماء بين إرادتين فقالوا بوجود إرادة للّه هي عين ذاته،و إرادة في مقام الفعل باعتبار التعينات حادثة زائلة (6).

و عليه فما يأتي من إثبات الولاية التكوينية لآل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم يكون في الواقع إثباتا لمظهريتهم لولاية اللّه تعالي.

و تعبير«التفويض»يراد منه هذا المعني،و إنما أبقينا علي هذا المصطلح لوقوعه في الروايات الشريفة.

***2.

ص: 79


1- ظهورك بي و وجودي منك.
2- شرح دعاء السحر:114.
3- شرح دعاء السحر:123-122.
4- التوحيد للصدوق:344 باب 55 ح 13 باب المشيئة و الإرادة.
5- مشارق أنوار اليقين:181.
6- راجع شرح دعاء السحر للإمام الخميني:115-116،و شرح دعاء الصباح للسبزواري:151-152.

وقوع الولاية التكوينية للأنبياء عليهم السّلام

تقدم قوله تعالي: إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ.

فكانت ولاية تكوينية للنبي عيسي عليه السّلام.

-و قال تعالي: وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلي مُوسي أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً.

و قال: فَأَوْحَيْنا إِلي مُوسي أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (1).

و هذه ولاية تكوينية لموسي عليه السّلام.

-و قال تعالي: قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً (2).

و هذا نص آخر صريح في اعطاء النبي ابراهيم عليه السّلام التصرف في خلق الطير من أجزاء ميتة.

-و قال: وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنّا فاعِلِينَ.

و قال: وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ (3).

و هذه أيضا ولاية تكوينية للنبي داود عليه السّلام.

-و قال عزّ من قائل: وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ.

و قال: وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.

و قال: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (4).

و هذه ولاية سليمان التكوينية و هي أكبر الولايات.

-و عن الإمام الرضا عليه السّلام في حديثه مع الجاثليق:«فإن إليسع قد صنع مثل ما صنع عيسي مشي علي الماء و أحيي الموتي و أبرأ الأكمه و الأبرص،فلم تتخذه أمته ربا و لم يعبده أحد من دون اللّه، و لقد صنع حزقيل النبي عليه السّلام مثل ما صنع عيسي عليه السّلام فأحيا خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة...» (5).

ص: 80


1- سورة طه،الآية:77-و سورة الشعراء،الآية:63.
2- سورة البقرة،الآية:260.
3- سورة الأنبياء،الآية:79-و سورة سبأ،الآية:10.
4- سورة الأنبياء،الآية:81،و سورة النمل،الآية:15-18،و سورة ص،الآية:34-39.
5- التوحيد للصدوق:422 ح 1 باب 65 باب ذكر مجلس الرضا عليه السّلام،و الهداية الكبري:420.

وقوع الولاية التكوينية لغير الأنبياء عليهم السّلام

1-قال تعالي: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنّي لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (1).

فهذه مريم عليها السلام أملكها اللّه ايجاد الطعام من غير أسبابه المتعارفة.

2-قال تعالي: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (2).

فهذا تصرف من قبل آصف بن برخيا بحمل عرش بلقيس بزمان قليل من مكان الي مكان،و هو من التصرفات الكونية العجيبة غير المتعارفة.

3-قال تعالي حكاية عن ذي القرنين: إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتّي إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ... (3).

قال أمير المؤمنين عليه السّلام لمن سأله عن كيفية بلوغ ذي القرنين المشرق و المغرب:«سخر له السحاب و مدّت له الأسباب و بسط له في النور،و قال أزيدك؟.

قال:فسكت الرجل.و سكت علي رضي اللّه عنه» (4).

4-و قال تعالي في بلعم بن باعوراء وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (5).

فروي أنه كان يري العرش (6).

5-و قال تعالي في قدرة الجن: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ (7).

6-و قال تعالي في قدرة جبرائيل عليه السّلام: وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ (8).

7-و عن الإمام الباقر عليه السّلام قال:«كانت أمي أم عبد اللّه بنت الحسين عليه السّلام جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت بيدها لا و حق المصطفي ما أذن لك اللّه في السقوط حتي أقوم،فبقي معلقا حتي قامت و بعدت،ثم سقط،فتصدّق علي بن الحسين عليهما السّلام بمائة دينار» (9).

***

ص: 81


1- سورة آل عمران،الآية:37.
2- سورة النحل،الآية:40.
3- سورة الكهف،الآية:84-85.
4- تاريخ دمشق:333/17 ترجمة ذي القرنين رقم 2106.
5- سورة الأعراف،الآية:175.
6- بحار الأنوار:373/13 ح 19.
7- سورة النمل،الآية:39.
8- سورة البقرة،الآية:63.
9- الهداية الكبري:241 باب 7.

وقوع الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السّلام

اشارة

و قبل سرد جملة من الأدلة و النماذج لولاية أهل البيت عليهم السّلام التكوينية لابد من تمهيد مقدمات:

في جواز التصرف بالأمور الكونية

قال العلاّمة الشيخ أحمد الحموي الحنفي في(نفحات القرب و الإتصال بإثبات التصرف لأولياء اللّه و الكرامة بعد الإنتقال)...و أما ما يتعلق بالتصرف فاعلم أن تصرف الأولياء حال حياتهم من جملة كراماتهم،و هو كثير في كل زمان لا شك فيه و لا ينكره إلا معاند.و أما بعد مماتهم إنما هو بإذن اللّه و إرادته لا شريك له في ذلك خلقا و ايجادا،أكرمهم اللّه به و أجراه علي أيديهم و بسببهم،خرقا للعادة؛تارة بإلهام،و تارة بدعائهم،و تارة بفعلهم و اختيارهم،و تارة بغير اختيارهم و لا قصد و لا شعور منهم،و تارة بالتوسل إلي اللّه في حياتهم و بعد مماتهم مما هو ممكن في القدرة الإلهية-(إلي أن قال)و كيف يحكم بالكفر علي من اعتقد ثبوت التصرف لهم في حياتهم و بعد مماتهم حيث كان مرجع ذلك إلي قدرة اللّه خلقا و ايجادا كيف و كتب جمهور المسلمين طافحة به و إنه جائز و واقع لا مرية فيه البتة،حتي كاد أن يلحق بالضرورات،بل البديهات..» (1)

و يقول الاستاذ محمد بخيث المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق:«أن ما يظهر من التصرفات علي يد الأولياء لا يخالف صريح القرآن،لأن هذا التصرف الذي ينسب للأولياء،هو نوع من الكرامات و هو فعل للّه و خلقه،و يظهره اللّه إكراما لهم تارة بإلهام،و تارة بمنام،و تارة بدعائهم، و تارة بفعلهم و اختيارهم،و تارة بغير اختيار و لا قصد و لا شعور منهم.بل قد يحصل من الصبي المميز،و تارة بالتوسل الي اللّه بهم في حياتهم و بعد مماتهم مما هو ممكن في القدرة الإلهية.و لا يقصد الناس بسؤالهم ذلك قبل الموت و بعده نسبتهم الي الخلق و الإيجاد و الإستقلال بالأفعال،فإن هذا لا يقصده مسلم و لا يخطر ببال أحد من العوام فضلا عن غيرهم.

و هذا لا فرق فيه بين الحي و الميت،لما تقدم من أن الفاعل هو اللّه،بل إنه بعد الموت أقرب منه حال الحياة الدنيوية لأن الروح بعد الممات غير مشغولة بتدبير شؤون البدن (2).

-و قال الشيخ الشعراني:«سألت علي الخواص هل يعطي أحد من الأولياء التصرف بكن في هذه الدار فقال:نعم بحكم الإرث لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فإنه تصرف بها في عدّة مواطن منها قوله في غزوة تبوك:كن أبا ذر،فكان أبا ذر» (3).

و قال ابن العربي:و لم يرد نص عن اللّه و لا عن رسوله في مخلوق أنه أعطي«كن»سوي

ص: 82


1- صلح الأخوان:94-95.
2- أهل البيت للشرقاوي:181.
3- الجواهر و الدرر للشعراني بهامش كتاب الأبريز:123.

الإنسان خاصة (1)،فظهر ذلك في وقت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم في غزوة تبوك فقال:«كن أبا ذر»،فكان هو أبا ذر (2).

استمرارية التصرف التكويني

و بمقتضي الأدلة الآتية يستمر التصرف التكويني للولي بحسب مرتبته و قربه من اللّه تعالي،حتي تصل ذروتها في النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام.

قال الاسفرائيني:نبينا حيّ بجسده و روحه يتصرف و يسير حيث يشاء في أقطار العالم (3).

حدود الولاية التكوينية و سعتها

ما تقدم من نصوص قرآنية يثبت أن للأنبياء و بعض الأولياء و الأوصياء ولاية تكوينية،و تصرف ببعض أمور الكون،و لا يثبت أكثر من النموذج المذكور في الآيات كإحياء طير أو ميت أو إيجاد طعام و نقل عرش و نحو ذلك.

و بعبارة أخري:أثبتنا لهم ولاية تكوينية،و لكن لم نثبت لهم حدود هذه الولاية،هل علي كل الامور الكونية أم علي بعضها.

و ما هو نص الآية هو إثبات بعضها،فلابد أن يتوقف عليه.و ما هو المهم في البحث هو البحث عن حدود ولاية أهل البيت التكوينية،هل تشمل الكونيات جميعا أم لا؟

و هذا البحث يرتبط بالادلة الآتية و مفادها،فمنه يعرف سعة هذه الولاية.

و بدوا من قوله تعالي: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ الذي أثبت لآصف الولاية التكوينية،مع أنه كان عنده علم قليل من الكتاب-كما يأتي-منه يعلم أن أهل البيت الذين يمتلكون علم الكتاب كله،لابد أن تكون ولايتهم التكوينية أوسع بكثير من هذه الولايات المذكورة سابقا.

و قال الإمام الخميني(قده):(فإن للامام عليه السّلام)مقاما محمودا و درجة سامية و خلافة تكوينية تخضع لولايتها و سيطرتها جميع ذرات هذا الكون،و أن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل) (4).

شرائط منح الولاية التكوينية

الولاية التكوينية قدرة يمنحها اللّه لخاصة أوليائه الذين يتقربون من اللّه تعالي تقربا يصبح سبحانه و تعالي سمعهم و أبصارهم و ايديهم.

ص: 83


1- مراده به النبي الأعظم.
2- الإنسان الكامل:62 عن الفتوحات المكية الباب 361.
3- لوامع أنوار الكوكب الدري:204/1.
4- الحكومة الإسلامية:52.

كما في حديث التقرب بالنوافل المستفيض:

(لا يزال العبد يتقرّب إلي بالنوافل حتي أحبه،فإذا أحببته كنت سمعه و بصره و لسانه و يده و رجله؛ففيّ يسمع،و بي يبصر،و بي ينطق،و بي يبطش،و بي يمشي) (1).

و له ألفاظ أخري (2).

قال الشيخ حسن زاده آملي:بل إن هذا الشخص،و لأن الحق يكون عينه التي يري و أذنه التي بها يسمع،و عين جوارحه و قواه الروحية و الجسمية؛فإن تصرفه الفعلي أيضا يكون كالحدس و الجذبة الروحية،حتي يصير قوله و فعله واحدا،و لا يحتاج الي الإمتداد الزماني في حركاته و انتقالاته،بل يصير محلا لمشيئة اللّه و مظهرا ل إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ حيث يتحد عندها القول و الفعل (3).

و قال الخواجة نصير الدين الطوسي:العارف إذا انقطع عن نفسه و اتصل بالحق رأي كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات،و كل علم مستغرق في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات،و كل إرادة مستغرقة في إرادته التي يمتنع ان يتأتي عليها شيء من الممكنات.

بل كل وجود فهو صادر عنه فائض عن لدنه فصار الحق حينئذ بصره الذي به يبصر و سمعه الذي به يسمع و قدرته التي بها يفعل و علمه الذي به يعلم و وجوده الذي به يوجد،فصار العارف حينئذ متخلّقا بأخلاق اللّه في الحقيقة (4).

إذا هناك شروط لابد أن تتوفر في صاحب الولاية قبل أن يضفي اللّه عليه ولايته التكوينية، و بحسب استعدادات ذلك الولي و فنائه في اللّه يوسّع له اللّه تعالي في حدود ولايته،فمنهم من يستطيع أن ينقل عرش بلقيس،و منهم من يعطيه احياء طير،و منهم من يعطيه ايجاد الطعام.

و سوف يأتي أن منهم من يمنحه طي الأرض،و التي هي أقل من نقل عرش بلقيس لأنه إضافة الي طي الأرض منحه اللّه جمع الأمكنة و نقل بعضها.

و بعضهم يمنحه اللّه تعالي إحياء الأموات و تحويل التراب الي ذهب و هكذا.

و عليه فلابد من البحث عن استعدادات أهل البيت عليهم السّلام لتلقي ولاية اللّه التكوينية،و مدي تعلّقهم باللّه تعالي.9.

ص: 84


1- جامع الأسرار:204 ح 393.
2- المعجم الكبير:206/8،و المعجم الأوسط:163/10 ح 9348،و كنز العمال:770/7 ح 21327، و نور الأبصار:75،و صفة الصفوة:9/1 ط.مصر،و أصول الكافي:352/2 ح 7،و علل الشرائع:/1 227 باب 162.
3- الإنسان الكامل:173.
4- شرح الإشارات و التنبيهات:389/3 عنه السير إلي الله:79.

قال الإمام الخميني(قدس سره):فالسالك إذا تجلي له ربه بكل اسم اسم،و تحقق بمقام كل إسم خاص؛صار قلبه قابلا للتجلّي بالإسم الجامع الذي فيه كل الشؤونات و تمام الجبروت و السلطان بالوحدة الجمعية و الكثرة في الوحدة أولا،و بالكثرة التفصيلية و البقاء بعد الفناء و الوحدة في الكثرة ثانيا.

و لم يتفق لأحد من أهل السلوك و أصحاب المعرفة بحقيقته إلاّ لنبينا الأكرم و الرسول المكرم و لاوليائه عليهم السّلام الذين اقتبسوا العلم و المعرفة من مشكاته و السلوك و الطريقة من مصباح ذاته و صفاته (1).

و قال الحكيم السبزواري:إعلم أن جميع الأنبياء و الرسل من آدم الي عيسي عليهم السّلام مظهر من مظاهر خاتم الأنبياء محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و جميع الأوصياء و الأولياء مظهر من مظاهر سيد الأولياء علي عليه السّلام، لقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«بعث علي مع كل نبي سرا و بعث معي جهرا» (2).

استعدادات أهل البيت لتلقّي الولاية

كنا فيما سبق نقول أن سبب منح اللّه للأولياء و الأنبياء الولاية التكوينية هو الإستعدادات التي يحصّلها الإنسان من جراء تقربه الي اللّه بالعبادة و فنائه في الحق فناء لا يري لنفسه وجودا في قبال الوهية الحق تعالي.

و هذا الكلام إنما يجري في غير أهل البيت المطهر عليهم السّلام،ذلك للفرق بينهم و بين بقية الأولياء بل و الأنبياء،فإذا كان يعقل أن اللّه بعد أن اتخذ عيسي نبيا أو مريم صديقة طاهرة و أصبحا يعبدان اللّه و يطيعانه في كل أوامره،و يدعوان الي عبادته فاقتربا من الحق تعالي حتي منحهما جانبا من ولايته الكونية؛فإن ذلك إذا كان يعقل في حقيهما،فإنه لا يعقل في حق العترة الطاهرة المطهرة؛ لأن الاصطفاء المطلق لهم و منحهم إرادته التكوينية كان قبل عالم التكليف و العبادة،أعني في عالم الملكوت و أنوار اللاهوت و قدرة الجبروت،ذلك الوقت الذي كان آدم و نوح و يوسف و عيسي عليهم السلام يتوسلون بأنوارهم لما رأوا من عظمتهم و امتلاكهم المنزلة و القرب من اللّه تعالي.و بناء عليه فإن الكلام عن استعدادات أهل البيت لتلقي الولاية لابد و أن يتجه اتجاها مغايرا،اتجاها يكشف لنا عن حالهم و أحوالهم منذ ذلك العالم،لنري الي أي حدّ يمكن أن نقول بولايتهم علي التصرف و الإيجاد.

قال الإمام الخميني(قده):(فإن للإمام عليه السّلام مقاما محمودا و درجة سامية و خلافة تكوينية تخضع لولايتها و سيطرتها جميع ذرات هذا الكون،و أن من ضروريات مذهبنا أن لائمتنا مقاما لا

ص: 85


1- شرح دعاء السحر:160.
2- شرح دعاء الجوشن:104،و جامع الأسرار:382-401 ح 763-804،و المراقبات:259.

يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل،و بموجب ما لدينا من الروايات و الأحاديث فان الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السّلام كانوا قبل هذا العالم أنوارا؛فجعلهم اللّه بعرشه محدقين و جعل لهم من المنزلة و الزلفي ما لا يعلمه إلاّ اللّه...) (1).

و تقدم في أبحاث أهل البيت عالم أنوار آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و عبادتهم فيه.

***

عرض ولاية آل محمد عليهم السّلام علي الأنبياء في عالم الذر

قال الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالي: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ الآية،قال:«كان الميثاق مأخوذا عليهم للّه بالربوبية،و لرسوله بالنبوة،و لأمير المؤمنين و الأئمة بالامامة» (2).

و في حديث قدسي:«و علي ذلك أخذت ميثاق الخلائق و مواثيق انبيائي و رسلي؛اخذت مواثيقهم لي بالربوبية،و لك يا محمد بالنبوة،و لعلي بن أبي طالب بالولاية» (3).

و عنه عليه السّلام:في قول اللّه عزّ و جلّ: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها قال:«التوحيد،و محمد رسول اللّه و علي أمير المؤمنين عليه السّلام» (4).

و عن أبي الحسن قال:«ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء،و لم يبعث اللّه نبيا إلاّ بنبوة محمد و وصيه علي صلوات اللّه عليهما» (5).

و عن أبي سعيد قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«يا علي ما بعث اللّه نبيا إلاّ و قد دعاه الي ولايتك» (6).

و عن حذيفة قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتي عرضت عليه ولايتي و ولاية أهل بيتي و مثلوا له فأقروا بطاعتهم و ولايتهم» (7).

و قال الإمام الباقر عليه السّلام:«ولايتنا ولاية اللّه التي لم يبعث نبيا قط إلاّ بها» (8).

و نحوه عن الصادق (9).

ص: 86


1- الحكومة الإسلامية:52.
2- بحار الأنوار:268/26 ح 2.
3- بحار الأنوار:272/26 ح 11.
4- بحار الأنوار:277/26 ح 18.
5- بحار الأنوار:280/26 ح 24،و بصائر الدرجات:72 باب 8.
6- بحار الأنوار:280/26 ح 25.
7- بحار الأنوار:281/26،و بصائر الدرجات:73 و 75 ح 7.
8- بحار الأنوار:281/26،و بصائر الدرجات:73 و 75 ح 7.
9- بصائر الدرجات:75 ح 9.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل و اللّه ما استوجب آدم أن يخلقه اللّه بيده و ينفخ فيه من روحه إلاّ بولاية علي عليه السّلام و ما كلم اللّه موسي تكليما إلاّ بولاية علي عليه السّلام و لا أقام اللّه عيسي ابن مريم آية للعالمين إلاّ بالخضوع لعلي عليه السّلام،ثم قال:«أجمل الأمر ما استأهل خلق من اللّه النظر اليه إلاّ بالعبودية لنا» (1).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث الإسراء:«يا محمد سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علي ما بعثوا.

فقلت:معاشر الرسل و النبيين علي ما بعثكم اللّه قبلي؟

قالوا:علي ولايتك يا محمد و ولاية علي بن أبي طالب» (2).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أمرني اللّه أن أوصي،فقلت:الي من يا رب؟

قال:أوصي يا محمد الي ابن عمك علي بن أبي طالب فإني قد أثبته في الكتب السابقة، و كتبت فيها أنه وصيك،و علي هذا أخذت ميثاق الخلائق و مواثيق انبيائي و رسلي،أخذت مواثيقهم بالربوبية و لك يا محمد بالنبوة و لعلي بن أبي طالب بالوصية» (3).

و عن سليم عن المقداد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ما تنبأ نبي إلاّ بمعرفته(علي)و الإقرار لنا بالولاية،و لا استأهل خلق من اللّه النظر إليه إلاّ بالعبودية له و الإقرار بعدي» (4).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«لم يبعث اللّه نبيا من آدم فمن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمد؛ لئن بعث و هو حي ليؤمنن به و لينصرنه» (5).

و عن الإمام الحسين عليه السّلام:إن الأصبغ بن نباتة قرأ علي علي عليه السّلام: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ... الآية-قال فبكي علي عليه السّلام و قال:«إني لأذكر الوقت الذي أخذ اللّه تعالي علي فيه الميثاق» (6).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«فأخذ الميثاق منهم[من السموات و الأرض و كل خلق]له بالربوبية و لمحمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم بالنبوة و لعلي بالولاية...» (7).

و عن أبي سلمي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث قدسي:«يا محمد إني خلقتك و عليا و فاطمةر.

ص: 87


1- بحار الأنوار:294/26 ح 56 عن الاختصاص:250.
2- بحار الأنوار:307/26 ح 70،و كشف اليقين:25 ح 4،و مناقب الخوارزمي:221 فصل 9.
3- بشارة المصطفي:39 ح 66،و الأنوار النعمانية:277/1-282.
4- كتاب سليم بن قيس:248.
5- الأنوار المحمدية:11.
6- مناقب ابن المغازلي:175 ط.الحياة،و ط.طهران:272 ح 319.
7- الاختصاص:129/12 حديث جابر.

و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نور من نوري،و عرضت ولايتكم علي أهل السموات و أهل الارضين،فمن قبلها كان عندي من المؤمنين،و من جحدها كان عندي من الكافرين» (1).

و قال صادق أهل البيت عليهم السّلام:«إن ولايتنا ولاية اللّه التي لم يبعث نبي قط إلاّ بها،إن اللّه عز اسمه عرض ولايتنا علي السموات و الأرض و الجبال و الأمصار» (2).

و عن الإمام زين العابدين عليه السّلام في كلام حوت يونس معه:«يا سيدي إن اللّه لم يبعث نبيا من آدم الي ان صار جدك محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلاّ و قد عرض عليه ولايتكم أهل البيت عليهم السّلام» (3).

و من هذا الباب أخذ ولايتهم في الميثاق علي سائر الخلق:

فعن الإمام الباقر عليه السّلام:«إن اللّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا و هم ذر يوم أخذ الميثاق علي الذر و الاقرار له بالربوبية و لمحمد بالنبوة،و عرض اللّه علي محمد أمته في الطين و هم اظلة،و خلقهم من الطينة التي خلق منها آدم،و خلق اللّه أرواح شيعتنا قبل أبدانهم،بألفي عام و عرضهم عليه و عرفهم رسول اللّه و عرفهم عليا،و نحن نعرفهم في لحن القول» (4).

و عن زيد بن علي عن أبيه عليه السّلام أنه قال:«إن اللّه تعالي أخذ ميثاق من يحبنا و هم في أصلاب آبائهم،فلا يقدرون علي ترك ولايتنا؛لأن اللّه عزّ و جلّ جبلهم علي ذلك».أخرجه الجعابي (5).

و نحو هذه الروايات كثير (6).

***

هكذا أهل البيت عليهم السّلام

و علي هذا يحمل حديث النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«بعث علي مع كل نبي سرا و بعث معي جهرا» (7).

و روته العامة بلفظ:«يا علي ان اللّه تعالي قال لي:يا محمد بعثت عليا مع الأنبياء باطنا و معك ظاهرا»،ثم قال صاحب كتاب القدسيات:و صرح بهذا المعني في قوله:أنت مني بمنزلة هارون من

ص: 88


1- مائة منقبة:65 المنقبة 17.
2- أمالي المفيد:142/13 ح 9 من المجلس 17.
3- الأنوار النعمانية:25/1.
4- بصائر الدرجات:89 باب إنهم يعرفون ما رأوا في الميثاق.
5- جواهر العقدين:335 الباب العاشر.
6- بصائر الدرجات:89 باب انهم يعرفون ما رأوا في الميثاق.
7- شرح دعاء الجوشن:104،و جامع الأسرار:382-401 ح 763-804،و المراقبات:259.

موسي و لكن لا نبي بعدي؛ليعلموا أن باب النبوة قد ختم و باب الولاية قد فتح (1).

أقول:يوجه كلام صاحب كتاب القدسيات:أنّ باب الولاية كان موجودا مع كل نبي سرا،إلاّ إنه لم يفتح ظاهرا،فكان الأنبياء جميعا يستفيدون من هذا السرّ الولائي الي أن وصل الي النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم فظهر هذا السرّ الي العلن.

*و يؤيد ذلك:

1-ما يأتي في الكتاب من توسل جميع الأنبياء بمحمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام، و قد قدمنا نموذجا منه.

2-و ما روي عن أبي محمد العسكري عليه السّلام قال:«فنحن السنام الأعظم و فينا النبوة و الولاية و الكرم،و نحن منار الهدي و العروة الوثقي،و الأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا و يقتفون آثارنا» (2).

فهذا صريح في أن أنوار محمد و آل محمد عليهم السّلام كانت مع كل نبي سرّا،و الكون ليس لمجرده بل ليستفيدوا منه،و يقتفون آثاره و آثار آل محمد التي لا يعرف تفسيرها إلا هم،و إلاّ كيف يكون للنور السرّي مع كل نبي أثرا يقتفي و يهتدي به؟!

3-و ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام لمن سأله عن فضله علي الأنبياء الذين أعطوا من الفضل الواسع و العناية الالهية قال:«و الله قد كنت مع إبراهيم في النار؛و أنا الذي جعلتها بردا و سلاما، و كنت مع نوح في السفينة فأنجيته من الغرق،و كنت مع موسي فعلّمته التوراة،و أنطقت عيسي في المهد و علمته الإنجيل،و كنت مع يوسف في الجبّ فأنجيته من كيد إخوته،و كنت مع سليمان علي البساط و سخّرت له الرياح» (3).

4-و روي ابن الجوزي و القاضي عياض قول العباس يمدح النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم:

وردت نار الخليل مكتتما تجول فيها و لست تحترق (4)

يا برد نار الخليل يا سببا لعصمة النار و هي تحترق (5)

5-و قال القسطلاني في المواهب:

سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد هذا النعيم هو المقيم الي الابد

روح الوجود حياة من هو واجد لولاه ماتم الوجود لمن وجدث.

ص: 89


1- الأنوار النعمانية:30/1.
2- بحار الأنوار:264/26 باب جوامع مناقبهم ح 49،و مشارق أنوار اليقين:49.
3- الأنوار النعمانية:31/1.
4- الوفا بأحوال المصطفي:28 الباب الثاني-ح 9،و ينابيع المودة:13-14.
5- الشفا بتعريف حقوق المصطفي:167/1-168 الباب الثالث.

عيسي و آدم و الصدور جميعهم هم اعين هو نورها لما ورد

لو ابصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد

أو لو رأي النمرود نور جماله عبد الجليل مع الخليل و لا عند

لكن جمال اللّه جل فلا يري الا بتخصيص من اللّه الصمد (1)

6-و قال الشيخ محمد حسين الأصفهاني:

طأطأ كل الأنبياء لطاها ذلك عزّ عزّ أن يضاهي

تقبلت توبة آدم الصفي بيمنه اكرم به من خلف

و سجدة الاملاك لا لغرته بل نور ياسين بدا في غرته

به نجا نوح من الطوفان بمرسلات اللطف و الإحسان (2)

7-و قال الصفوري:لما ألقي إبراهيم في النار كان نور محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم في جنبه،و عند الذبح كان النور قد انتقل الي إسماعيل (3).

8-ما روي أن الإمام الصادق عليه السّلام هو الذي أبطل سحر موسي عليه السّلام (4).

9-ما عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:«قد صعدنا ذري الحقائق بأقدام النبوة و الولاية، و نورنا سبع طبقات أعلام الوري بالهداية،فنحن ليوث الوغي و غيوث الندي و طعناء العدي فينا السيف و القلم في العاجل،و لواء الحمد و العلم في الآجل...،فالكليم لبس حلّة الإصطفاء لما شاهدنا منه الوفاء،و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة...و هذا الكتاب ذرة من جبل الرحمة و قطرة من بحر الحكمة» (5).

10-ما روي في معني قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم«اللّه المعطي و أنا القاسم»:جميع ما يخرج من الخزائن الإلهية دنيا و آخرة إنما يخرج علي يديه (6).

11-و حديث أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا آدم الأول أنا نوح الأول» (7).

12-و روي صاحب بستان الكرامة أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان جالسا و عنده جبرائيل فدخل علي عليه السّلام فقام له جبرائيل عليه السّلام،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم:أتقوم لهذا الفتي!

فقال له عليه السّلام:نعم إنّه له عليّ حق التعليم.8.

ص: 90


1- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية:44/1.
2- الأنوار القدسية:20.
3- نزهة المجالس:245/2.
4- الاختصاص:247.
5- المراقبات:245.
6- شرح الشمائل:246/2.
7- الإنسان الكامل:168.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم:كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟

فقال:لمّا خلقني اللّه تعالي سألني من أنت و ما اسمك و من أنا و ما إسمي؟فتحيّرت في الجواب و بقيت ساكتا،ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار و علّمني الجواب،فقال:قل أنت ربّي الجليل و إسمك الجليل،و أنا العبد الذليل و إسمي جبرائيل.و لهذا قمت له و عظمته» (1).

13-و روي الصفوري قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«سلوني قبل أن تفقدوني عن علم لا يعرفه جبرائيل و ميكائيل» (2).

14-و قال الشعراوي قلت:«و بذلك قال سيدي علي الخواص سمعته يقول:إن نوحا عليه السّلام أبقي من السفينة لوحا علي إسم علي بن أبي طالب رفع عليه الي السماء فلم يزل محفوظا من الغرق حتي رفع عليه» (3).

15-و قال رسول البشرية صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أنا محمد النبي الأمي لا نبي بعدي،أوتيت جوامع الكلم و خواتمه،و علّمت خزنة النار و حملة العرش» (4).

***

أدلة الولاية التكوينية لآل محمد عليهم السّلام

اشارة

تنبيه:قبل الخوض في سرد الأدلة لابد من التنبه لأمر قد يخفي علي البعض،ألا و هو أن ما يأتي من أدلة ليس فيه هذا المصطلح«ولاية تكوينية»حيث إنه لم يكن مستعملا في زمن النبي الأعظم و الأئمة الأطهار صلوات المصلين عليهم.

إنما كان المستعمل و الدارج هو لفظة:القدرة أو التصرف بالأشياء و نحو ذلك.

و أيضا ينبغي التنبه علي أن زمن الرسول و الأئمة عليهم السّلام لم يكن زمنا يستطيعون التصريح به في كل ما يعتقدون،أو يمتلكون من تصرف و قدرة.

أمّا زمن النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلقرب عهدهم بالجاهلية و وجود المنافقين و أهل الكتاب.

و أمّا زمن الأئمة عليهم السّلام فهو اما زمن تقية،و إمّا زمن لا يستطيعون التصريح به لعدم تحمل شيعتهم ذلك،و إمّا لكي لا يجعلونهم أربابا من دون اللّه،و هم مع إنهم لم يصرحوا بحقيقة أمرهم

ص: 91


1- الأنوار النعمانية:15/1.
2- نزهة المجالس:129/2 ط.التقدم العلمية بمصر 1330 ه،و 144/2 ط.بيروت المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الازهرية 1346 ه.
3- الفتوحات الأحمدية لسليمان الجمل:93.
4- الشفا بتعريف حقوق المصطفي:170/1 الباب الثالث-الفصل الأول.

و علمهم و قدرتهم و ولايتهم لأكثر الناس،مع ذلك كله ادعوا لهم الربوبية،و قالوا فيهم ما لا يجوز عليهم،و الذين منهم فرقة الغلاة،و سوف يأتي شرح هذا الإجمال في كثير من المطالب الآتية فارتقبه.

***

دليل الآيات القرآنية
اشارة

تقدم بعض الآيات الصريحة المحكمة في إثبات الولاية التكوينية للأنبياء و لغير الأنبياء،فليس من العجيب بوجود آيات تدل علي ولاية النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم التكوينية و الذي يعتبر أفضل الأنبياء علي الاطلاق.

و يمكن تصنيف الآيات الي طوائف:

إعطاؤهم الروح الأمرية

قال تعالي: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا (1).

و العمدة في هذه الآية تفسير«الروح الأمرية»التي منحها اللّه تعالي لنبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلم.

و قد ذكر تعالي الروح و الأمر في عدة آيات منها: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (2).

ثم ذكر نماذج لهذا الأمر: وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (3).

وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ (4) .

ثم حدد ذلك الأمر بقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ (5).

و خلاصة هذه الآيات:أن اللّه أفاض علي نبيه روحا من أمره،هذا الأمر الذي لا يخضع للامور الزمانية و المكانية،بل هو واحد،و قد سخّر اللّه لأمره كل شيء:الشمس و القمر و النجوم و الفلك و الملكوت،بل كل ما له قابلية أن يقال له:«كن»،و لا محال سوف يكون.

و بذلك تكون الآية الأولي ظاهرة في إعطاء النبي الأعظم روحا من الأمر،أو أمرا في الروح،

ص: 92


1- سورة الشوري،الآية:52.
2- سورة الإسراء،الآية:85.
3- سورة القمر،الآية:50.
4- سورة الأعراف،الآية:54-و سورة الروم،الآية:46.
5- سورة يس،الآية:84.

يملك من خلاله التصرف بالامور الكونية،أو لا أقل بالأمثلة المذكورة في الآيات؛و هو المدعي من إثبات الولاية و التصرف التكويني للنبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم.

هذا كله بعيدا عن الروايات.

أما إذا جئنا الي الروايات التي فسرت لنا هذه الآية،فانها تزيد المطمئن اطمئنانا،و تزيل الشكوك من قلب الشاك.

فعن جابر الجعفي في حديث طويل مع الإمام الباقر عليه السّلام جاء فيه:قلت:يا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و من المقصر؟

قال عليه السّلام:«الذين قصروا في معرفة الأئمة و عن معرفة ما فرض اللّه عليهم من أمره و روحه».

قلت:يا سيدي و ما معرفة روحه؟

قال عليه السّلام:«أن يعرف كل من خصّه اللّه بالروح فقد فوض اليه أمره:يخلق بإذنه و يحيي بإذنه، و يعلم الغير ما في الضمائر،و يعلم ما كان و ما يكون الي يوم القيامة،و ذلك ان هذا الروح من أمر اللّه تعالي،فمن خصه اللّه تعالي بهذا الروح فهو كامل غير ناقص،يفعل ما يشاء بإذن اللّه،يسير من المشرق الي المغرب في لحظة واحدة،يعرج به الي السماء و ينزل به الي الأرض،و يفعل ما شاء و أراد» (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا قال:«منذ أنزل اللّه ذلك الروح علي نبيه ما صعد الي السماء و إنه لفينا» (2).

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:«و روح القدس ثابت يري به ما في شرق الأرض و غربها و برها و بحرها».

قلت:جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده؟

قال:«نعم،و ما دون العرش» (3).

و في حديث:«إنما الروح خلق من خلقه،نصر و تأييد و قوة،يجعله اللّه في قلوب الرسل و المؤمنين» (4).

و عن مولي الموحدين و امام المتصرفين علي عليه السّلام في قوله تعالي: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلي).

ص: 93


1- بحار الأنوار:14/26-15 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 2،و الزام الناصب:42/1،و الهداية الكبري:431.
2- بصائر الدرجات:457 ح 13 باب الروح التي من أمر الله.
3- بصائر الدرجات:454 ح 13 باب إن روح القدس يتلقاهم.
4- التوحيد:171 باب معني قوله تعالي:و نفخت فيه من روحي)ح 2(باب 27).

مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال:«و هو روح اللّه لا يعطيه و لا يلقي هذا الروح إلاّ علي ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتخب،فمن اعطاه اللّه هذا الروح فقد أبانه من الناس،و فوض اليه القدرة و احيا الموتي،و علم بما كان و ما يكون،و سار من المشرق الي المغرب (1)و في حديث آخر فيه:«و لا يعطي هذا الروح إلاّ من فوض اليه الأمر و القدرة،و انا احيي الموتي،و اعلم ما في السموات و الأرض» (2).

و قال عليه السّلام:«أنا أمر اللّه و الروح» (3).

*أقول:سوف يأتي زيادة توضيح عن الروح الأمرية في النحو الثاني من أدلة الولاية التكوينية في الطائفة الرابعة.

فلسنا هنا في صدد ذكر كل الروايات،إنما أردنا أن نأتي ببعضها لتقوية النفس بما تضمنته الآية الشريفة.

كما و يأتي أن هذه الروايات لا تؤدي للقول بالغلو بآل محمد عليهم السّلام،فكن من ذلك علي ذكر.

***

قدرة النبي الأعظم عليه السّلام

قال تعالي: سُبْحانَ الَّذِي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي ... إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (4).

و قال عزّ من قائل: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني (5).

و قال عزت الآؤه: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا (6).

في هذا الآيات الشريفة،و بعد الغض عن مضامينها العالية؛فيوضات ربانية علي الحقيقة المحمدية،فقد اعطاه اللّه قدرة خرق الامور المادية،كسقف داره عند الاسراء و المعراج،كما في الروايات (7)،و خرق الامور المعنوية كحجب النور التي خرقها دون جبرائيل،حتي كان قاب قوسين أو ادني،بل هو ادني.

أعطاه الباري عز و جل قدرة العروج الي الملكوت،و خوض السحاب و التنقل في مدارج

ص: 94


1- بحار الأنوار:5/26 باب نادر في معرفتهم بالنورانية من كتاب الإمامة ح 1،و إلزام الناصب:34/1.
2- مشارق أنوار اليقين:161.
3- مشارق أنوار اليقين:170.
4- سورة الإسراء،الآية:1.
5- سورة النجم،الآية:10.
6- سورة الزخرف،الآية:45.
7- راجع الشفا:180/1-185-191 فصل في الاسراء.

السموات السبع،و رؤية الأنبياء في عالم الآخرة،و التكلم معهم،ذلك العالم البعيد عن الزمان و المنزه عن المكان (1).

اعطاه الحق طي المسافات،سواء منها الأرضية أم السماوية،حتي أسري به الي المسجد الأقصي في أقل من البرهة (2)،و عرج به الي ملكوت السموات و عرش الرحمن،حتي سمع منه ما سمع،و رأي ما رأي،فوصفه الباري عزت آلاؤه: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اصبحت الحقيقة المحمدية بعد هذا العروج تتصف بأنها سميعة بصيرة.

و لعل الشيطان يأتيك عزيزي القاريء ليصرف فطرتك و فهمك لآيات اللّه ليقول:إن الآيات أجنبية عن الولاية التكوينية و غايتها إثبات العروج لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم الي السماء.

و لكنك إذا تأملت أن الاسراء كان من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي بأقل من الزمن، أدركت أنّه طيّ للارض،و هو تصرف تكويني بشيء خارق للعادة.

و اذا تأملت العروج من البيت المحمدي الي البيت الرباني أدركت أنه طيّ للسماوات السبع، و خرق للسقف و الحجب و كل طبقات السماء،و هو أيضا تصرف في أمور تكوينية غير متعارفة لدي الناس (3).

كيف؟و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن فضل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي سليمان عليه السّلام الذي سخر له الريح فقال:«إن سليمان كان يقطع الشهرين بيوم واحد،و أما جدي فقد قطع مسير خمسين ألف سنة بساعة واحدة» (4).

و عن علي بن الحسين عليه السّلام في حديث جاء فيه: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّي فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني قال:«ذاك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم دنا من حجب النور فرأي ملكوت السماوات،ثم تدلي فنظر من تحته الي ملكوت الأرض،حتي ظن أنه في القرب من الأرض،كقاب قوسين أو أدني» (5).

و قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام في الآية:«انقطعت الكيفية عن الدنو:ألا تري كيف حجب جبرائيل عن دنوه،و دنا محمد الي ما أودع قلبه من المعرفة و الإيمان،فتدلي بسكون1.

ص: 95


1- و المشركون إنما أنكروا الإسراء لاستحالة قطع هذه المسافة بزمن قليل،راجع تاريخ الخميس:315/1 ذكر قصة المعراج.
2- حتي قيل أن الاسراء و المعراج كله استمر ثلاث ساعات،راجع تاريخ الخميس:315/1 ذكر قصة المعراج.
3- و روي أن جبرائيل تخلف عند السدرة كما يأتي،بل حتي البراق فارقه قبل العرش راجع تاريخ الخميس: 311/1 ذكر قصة المعراج.
4- الأنوار النعمانية:214/1.
5- تفسير الميزان:19/13-20-سورة الإسراء،الآية:1.

قلبه الي ما أدناه،و زال عن قلبه الشك و الإرتياب» (1).

*أقول:سوف يأتي ما ورد في الآية من روايات في أدلّة العلم اللدني في هذا الكتاب.

***

كونهم عليهم السلام الأسماء الحسني

قال تعالي: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها (2).

قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«نحن و اللّه الأسماء الحسني التي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا».

رواه الكليني بسند حسن (3).

و قريب منه عن الإمام الباقر عليه السّلام (4).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض،نحن الإسم المخزون المكنون و نحن الأسماء الحسني التي إذا سئل اللّه عزّ و جلّ بها أجاب،نحن الأسماء المكتوبة علي العرش و لأجلنا خلق اللّه عزّ و جلّ السماء و الأرض و العرش و الكرسي،و الجنّة و النار، و منّا تعلّمت الملائكة التسبيح و التقديس و التوحيد و التهليل و التكبير» (5).

و قال عليه السّلام:«أنا الأسماء الحسني» (6).

و أخرج المفيد عن الإمام الرضا عليه السّلام قوله:«إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا علي اللّه عزّ و جلّ و هو قوله وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها (7).

-و في عيون الأخبار أن أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ في طريق فسايره خيبري فمرا بواد قد سال، فركب الخيبري مرطه و عبر علي الماء،ثم نادي أمير المؤمنين عليه السّلام:يا هذا لو عرفت كما عرفت لجريت كما جريت.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:«مكانك»،ثم أومأ الي الماء فجمد و مر عليه.

ص: 96


1- الشفا بتعريف حقوق المصطفي:205/1 فصل في قوله:فأوحي الي عبده.
2- سورة الأعراف،الآية:180.
3- أصول الكافي:143/1 باب النوادر من كتاب التوحيد ح 4،و تفسير العياشي:42/2 ح 119،و البرهان: 52/2.
4- البحار:4/25 ح 7.
5- البحار:38/27 ح 5.
6- شرح دعاء الجوشن:576،و الأنوار النعمانية:100/2.
7- الاختصاص:252.

فلما رأي الخيبري ذلك أكب علي قدميه و قال:يا فتي ما قلت حتي حولت الماء حجرا.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«فما قلت أنت حتي عبرت علي الماء؟».

فقال الخيبري:أنا دعوت اللّه باسمه الأعظم.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و ما هو؟».

قال:سألته باسم وصي محمد.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا وصي محمد».

فقال الخيبري:إنه الحق.ثم أسلم (1).

و قريب منه قصة جرت مع أمير المؤمنين عليه السّلام و عمار في تحويل الحجر الي ذهب حتي قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أدع اللّه بي حتي تلين،فإنه إسمي ألان اللّه الحديد لداود» (2).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و باسمي تكوّنت الأشياء» (3).

و يؤيّد ذلك كونهم قدرة اللّه،كما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام (4).

و روي الكفعمي في دعاء النجاح:«اللهم و أسألك باسمك الأعظم الذي به تقوم السماء و الأرض و تحيي الموتي و ترزق الأحياء» (5).

و في المصباح عن الإمام الصادق عليه السّلام:«اللّهم إني أسألك باسمك الذي به ابتدعت عجائب الخلق في غامض العلم بجود جمال وجهك...و أسألك باسمك الذي تجلّيت به للكليم علي الجبل العظيم فلما بدا شعاع نور الحجب من حجاب العظمة أثبت معرفتك في قلوب العارفين بمعرفة توحيدك (6).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«و أسألك باسمك الذي نتقت به الجبل فوقهم كأنه ظلّة» (7).

و روي في أدعية الأيّام:«اللّهم انّي أسألك باسمك الذي تمشي به المقادير،و به يمشي علي ظلل الماء كما يمشي به علي جدد الأرض،و أسألك باسمك الذي تهتز به أقدام ملائكتك» (8).

أقول:هناك روايات مستفيضة في قدرة الأسماء الحسني مذكورة في كتب الأدعية (9).1.

ص: 97


1- مشارق أنوار اليقين:172-173.
2- مشارق أنوار اليقين:173.
3- مشارق أنوار اليقين:159.
4- الهداية الكبري:434.
5- البلد الأمين:18،و البحار:75/86 ح 10.
6- مصباح المتهجد:301.
7- الدروع الواقية لابن طاووس:238،و البحار:218/97.
8- العدد القوية للحلي:305،و البحار:283/97.
9- راجع بحار الأنوار:234/89 و 75/86-59 و 392/52،و مهج الدعوات:61-68،و مصباح المتهجد:258-231-301.
الطاعة المطلقة

و قال تعالي: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

-ففي موثقة محمد بن عبد الجبار عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إن اللّه خلق محمدا عبدا فأدّبه حتي إذا بلغ أربعين سنة أوحي إليه،و فوض إليه الأشياء فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1).

و في رواية عنه عليه السّلام:«و إن اللّه فوض الي محمد نبيه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

فقال رجل:إنما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم مفوّضا إليه في الزرع و الضرع.

فلوي الإمام الصادق عليه السّلام عنه عنقه مغضبا و قال عليه السّلام:

في كل شيء و اللّه في كل شيء (2).

-و عن زيد الشحام قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في قوله: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ قال:«أعطي سليمان ملكا عظيما،ثم جرت هذه الآية في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فكان له أن يعطي ما شاء و يمنع ما شاء،و أعطاه أفضل مما أعطي سليمان لقوله: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (3).

*أقول:يفهم من هذه الرواية أن اللّه أعطي الولاية التكوينية لسليمان و للنبي الأعظم،و أنه اختص رسول اللّه و آله الاطهار عليهم السّلام بالولاية التشريعية،كما في ذيل الرواية.

و يؤيد ذلك ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا و اللّه ما فوض اللّه الي أحد من خلقه إلاّ الي الرسول و الي الأئمة فقال: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ و هي جارية في الأوصياء» (4).

فهذه صريحة في نفي الولاية التشريعية و التفويض في أمر الدين لأيّ كان،سوي أهل البيت عليهم السّلام،نعم التفويض في بعض الأمور الكونية ثابت كما تقدم لغير أهل البيت عليهم السّلام.

و في رواية:سألته عن الإمام فوض اللّه اليه كما فوض الي سليمان.

ص: 98


1- بحار الأنوار:331/25 باب نفي الغلو ح 6،و بصائر الدرجات:378 باب التفويض الي الرسول.
2- بصائر الدرجات:380 باب التفويض الي الرسول ح 9،و بحار الأنوار:9/17 ح 61 باب وجوب طاعته صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
3- أصول الكافي:268/1 باب التفويض إليهم ح 10.
4- بحار الأنوار:334/25 ح 11،و بصائر الدرجات:386 ح 12.

قال عليه السّلام:«نعم» (1).

و عليه فلا تكون آية ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ مختصة بالولاية التشريعة.

و عنه أيضا عليه السّلام:«إن اللّه أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ، ثم فوض إليه أمر الدين و الأمة ليسوس عباده...» (2).

فتفويض أمر الدين يشير الي الولاية التشريعية الآتية،أما أمر الأمة فهو أعم من الأمور الدينية،بل لعله إشارة فقط الي الأمور التي تتعلق بالأمة من ناحية الكون و الكونيات،سواء منها العطاء و الرزق أم غيرها من الأمور التي تأتي في القسم الأول من الأدلة (3).

و في رواية اخري قال عليه السّلام:«ثم فوض اليه فقال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و ان نبي اللّه فوض الي علي و ائمته فسلمتم و جحد الناس،فو الله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا و ان تصمتوا إذا صمتنا،و نحن فيما بينكم و بين اللّه عزّ و جلّ ما جعل اللّه لأحد خيرا في خلاف امرنا» (4).

فقوله:«نحن فيما بينكم و بين اللّه»يشير الي توسّطهم في الفيض و العطاء و هذا في غير الأمور الشرعية كما سوف يأتي في أدلة الروايات.

و عنه أيضا في حديث موثق:«إن اللّه فوض الي نبيه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم...» (5).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام في حديث طويل بعد قدرته علي هزّ الأرض و خوف الناس قال لجابر:

«إختارنا اللّه من نور ذاته،و فوض إلينا أمر عباده،فنحن نفعل باذنه ما نشاء،و نحن لا نشاء إلاّ ما شاء اللّه،و اذا أردنا أراد اللّه،فمن أنكر من ذلك شيئا وردّه فقد ردّ علي اللّه» (6).

*أقول:الروايات كثيرة في إثبات التفويض المطلق لأهل البيت عليهم السّلام تقدمت في الأبحاث السابقة (7).

***8.

ص: 99


1- بصائر الدرجات:387 ح 13.
2- أصول الكافي:266 ح 4،و بحار الأنوار:4/17 ح 3.
3- أصول الكافي:266 ح 4،و بحار الأنوار:4/17 ح 3.
4- أصول الكافي:265/1 ح 1-2،و الاختصاص:330/12 في أنهم محدثون،و بحار الأنوار:25 335 ح 13،و الوسائل:91/18 ح 33375.
5- بحار الأنوار:332/25 باب نفي الغلو ح 7،و بصائر الدرجات:380 ح 10.
6- الهداية الكبري:229-230 باب 6.
7- يراجع بحار الأنوار:330/25 الي 340 باب نفي الغلو من كتاب الإمامة،و بصائر الدرجات:378 الي 387 باب التفويض إلي الرسول و آله،و أصول الكافي:265/1-441-193:و بحار الأنوار:1/17 الي 14 باب وجوب طاعة النبي و التفويض اليه من تاريخ النبي،و الوسائل:50/18 ح 33218.
دليل الروايات علي الولاية التكوينية
اشارة

و الأدلة الروائية علي نحوين:

قسم يثبت بعض مصاديق التصرف الكوني لأهل البيت عليهم السّلام،نعم من مجموع المصاديق نثبت أن ولايتهم علي أمور كثيرة من الكونيات.

و قسم يثبت الولاية و مطلق التصرف بغض النظر عن المصاديق و السعة،إنما يستفاد منها الإذن الإلهي بالتصرف لآل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم بمطلق التصرفات مما يستفاد قدرتهم علي التصرف بكل ذرات الكون كما تقدم عن الإمام الخميني قدس سره الشريف.

***

قدرة آل محمد علي تسخير

السحاب و البرق و الرعد و الريح

-فعن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:سأله رجل عن الإمام فوض اللّه إليه كما فوض الي سلمان عليه السّلام.

فقال عليه السّلام:«نعم،و ذلك انه...» (1).

-و في رواية:«كان سليمان عنده إسم اللّه الأكبر الذي إذا سأله أعطي،و إذا دعا به أجاب، و لو كان اليوم لاحتاج إلينا» (2).

و قد فوض اللّه لسليمان الريح و عين القطر،بل و آتاه من كل شيء قال تعالي: وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ -و قال: يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (3).

فكل ما ثبت لسليمان بهذه الآية يثبت لآل محمد عليهم السّلام.

-و عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال:«ما أعطي اللّه نبيا شيئا قط إلاّ أعطاه محمدا،و أعطاه ما لم يكن عندهم،و كل ما كان عند رسول اللّه فقد اعطاه أمير المؤمنين عليه السّلام» (4).

و قريب منه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).

ص: 100


1- أصول الكافي:438/1 باب في معرفتهم أوليائهم ح 3،و بحار الأنوار:329/25 باب نفي الغلو.
2- بصائر الدرجات:211 باب انهم اعطوا الاسم الأعظم.
3- سورة سبأ،الآية:12،و سورة النمل،الآية:16.
4- بصائر الدرجات:270 باب انهم يحيون الموتي.
5- بصائر الدرجات:382 باب التفويض إلي الرسول.

-و عن الإمام علي عليه السّلام عن رسول اللّه في وصف القائم(عج):«لأملكنّه مشارق الأرض و مغاربها،و لأسخرن له الرياح،و لأذللن له السحاب الصعاب،و لأرقينه في الأسباب» (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إن الريح كما كانت مسخرة لسليمان فقد سخّر لمحمد و آله» (2).

-و في كرامات الإمام الرضا عليه السّلام قال بعض بني العباس:يا قوم هذا رجل له عند اللّه منزلة، و لله به عناية،ألم تروا أنكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل اللّه الريح و سخرها لرفع الستر كما سخرها لسليمان (3).

و في الباب عن علي بن الحسين عليه السّلام و تسخير الريح لحمله (4).

و عن القائم المنتظر و تسخير الريح له (5).

و هو المشهور عن أمير المؤمنين في قصة أصحاب الكهف (6).

-و عن الصادق عليه السّلام قال:«إن اللّه تبارك و تعالي خير ذا القرنين السحابتين الذلول و الصعب فاختار الذلول،و هو ما ليس فيه برق و لا رعد،و لو اختار الصعب لم يكن له ذلك،لأن اللّه ادخره للقائم» (7).

-و قريب منه عن الإمام الكاظم عليه السّلام (8).

و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليهما السّلام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه اضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن و مؤمنة» (9).

قال تعالي في ذي القرنين: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً... (10).

فما ثبت لذي القرنين ثابت لآل محمد عليهم السّلام.

-و عنه قال عليه السّلام:«أما أنه ما كان من هذا الرعد و من هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم».

قلت:من صاحبنا؟6.

ص: 101


1- عيون أخبار الرضا:206/1 باب 25 ح 22.
2- الخرايج و الحرايج:256 باب 6.
3- كشف الغمة:50/3 ذكر الإمام الرضا،و جامع كرامات الأولياء:257/2،و الأنوار النعمانية:85/4.
4- دلائل الإمامة:81 معاجزه.
5- الأنوار النعمانية:93/2.
6- الهداية الكبري:112.
7- الاختصاص:326/12 غرائب احوالهم،و بصائر الدرجات:409.
8- بصائر الدرجات:408 باب في ركوب أمير المؤمنين السحاب،و الهداية الكبري:270.
9- الهداية الكبري:270.
10- سورة الكهف،الآية:84-96.

قال:أمير المؤمنين عليه السّلام» (1).

-و عن أمير المؤمنين في خبر طويل جاء فيه:«لقد فتحت لي السبل و أجري لي السحاب» (2).

*أقول:و في ذلك روايات كثيرة (3).

***

قدرتهم عليهم السلام علي الخلق و الرزق

قال الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام:«من خصه اللّه بالروح فقد فوض إليه أمره أن يخلق بإذنه» (4).

-و عن الفتح الجرجاني قال:قلت للرضا عليه السّلام:جعلت فداك و غير الخالق الجليل خالق؟

قال:إن اللّه تعالي يقول: فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسي ابن مريم،خلق من الطين كهيئة الطير بإذن اللّه،فنفخ فيه فصار طائرا بإذن اللّه» (5).

و في زيارات أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام التي رواها ابن قولويه بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام جاء فيها:«بكم يباعد اللّه الزمان الكلب،و بكم يمحو اللّه ما يشاء و بكم يثبت،و بكم تنبت الأرض أشجارها و بكم تخرج الأرض اثمارها و بكم تنزل السماء قطرها و رزقها،و بكم ينزل اللّه الغيث،إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم و تصدر من بيوتكم» (6).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر طويل جاء فيه:«و صرت أنا صاحب أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال اللّه:

يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلي مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ و هو روح اللّه لا يعطيه و لا يلقي هذا الروح إلاّ علي ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب،فمن اعطاه اللّه هذا الروح فقد أبانه من الناس،و فوض إليه القدرة و احيا الموتي» (7).

و قال عليه السّلام:قال تعالي يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلي مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ و لا يعطي هذا الروح

ص: 102


1- الاختصاص:327/12.
2- بصائر الدرجات:201 باب إنهم جري لهم ما جري للرسول.
3- بصائر الدرجات:408 باب في ركوب أمير المؤمنين السحاب،و الهداية الكبري:270،و الأنوار النعمانية:214/1،و 100/2-101.
4- الهداية الكبري:230 الباب السادس.
5- التوحيد للصدوق:63 باب 2 باب التوحيد ح 18.
6- كامل الزيارات:200 الباب 79.
7- بحار الأنوار:5/26 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 1.

إلاّ من فوّض إليه الأمر و القدر،و أنا أحيي الموتي» (1).

و عن جابر الجعفي في حديث طويل مع الإمام الباقر عليه السّلام جاء فيه:

قلت:يا سيدي و ما معرفة روحه؟

قال عليه السّلام:«أن يعرف كل من خصه اللّه تعالي بالروح فقد فوض إليه أمره؛يخلق بإذنه و يحيي باذنه...فمن خصه اللّه تعالي بهذا الروح فهذا كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن اللّه» (2).

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام في حديث طويل في وصف الإمام:«و غشّاه من نور الجبار يمد بسبب الي السماء،لا ينقطع عن مواده و لا ينال ما عند اللّه إلاّ بجهة أسبابه...تستهل بنورهم البلاد و ينمو ببركتهم التلاد،جعلهم اللّه حياة للأنام و مصابيح للظلام» (3).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث طويل جاء فيه:«نحن مصابيح الحكمة،و نحن مفاتيح الرحمة،و نحن ينابيع النعمة...و نحن الوسيلة الي اللّه و الوصلة» (4).

و في الزيارة الجامعة:«بكم فتح اللّه و بكم يختم و بكم ينزل الغيث» (5).

و في دعاء الندبة:«أين السبب المتصل بين الأرض و السماء» (6).

و عن أبي جعفر عليه السّلام في وصف آل محمد:«نحن الذين بنا تنزل الرحمة و بنا تسقون الغيث» (7).

و قريب منه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و بهم يمسك السماء أن تقع علي الأرض و بهم يسقي خلقه الغيث» (8).

و عن علي بن الحسين عليه السّلام:«إن اللّه يقسم في ذلك الوقت(النوم قبل طلوع الشمس)أرزاق العباد و علي أيدينا يجريها» (9).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه اخرج مائدة مستوي عليها كل حار و بارد (10).7.

ص: 103


1- مشارق أنوار اليقين:161.
2- بحار الأنوار:14/26-15 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 2.
3- أصول الكافي:203/1 باب نادر في فضل الإمام ح 2.
4- بحار الأنوار:22/25.
5- بحار الأنوار:144/102.
6- البحار:104/102.
7- بحار الأنوار:249/26،و بصائر الدرجات:63 باب انهم حجة الله و بابه.
8- الاختصاص:224/12.
9- بحار الأنوار:24/46 باب معجزات السجاد ح 5.
10- دلائل الإمامة:95 معاجزه و 97.

و اخرج عليه السّلام أيضا الماء من الصخر (1).

و عن الإمام الهادي عليه السّلام أنه ضرب الأرض فاخرجت البر و الدقيق (2).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام في قصة المرأة التي ماتت فأحياها فقال لملك الموت:«ألست أمرت بالسمع و الطاعة لنا».

قال:بلي.

قال:«فإني آمرك أن تؤخر أمرها عشرين سنة».

قال:السمع و الطاعة (3).

و في الحديث المستفيض عن قدرة الصديقة فاطمة عليها السّلام،و هي قصة إنزال مائدة من السماء:

قال المحب الطبري بعد ذكر قصة الدينار و تصدق علي عليه السّلام به:...فوضع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم كفه المباركة بين كتفي علي ثم هزّها و قال:يا علي هذا ثواب الدينار و هذا جزاء الدينار،هذا من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب،ثم استعبر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم باكيا و قال:الحمد للّه كما لم يخرجكما من الدنيا،حتي يجريك في المجري الذي أجري فيه زكريا،و يجريك يا فاطمة في المجري الذي أجري فيه مريم كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنّي لَكِ هذا. خرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال (4).

أقول:قصة إنزال مائدة رواها الفريقان بعدة ألفاظ متقاربة (5).

***

كونهم وسائط الفيض و أسباب العطاء

و أبواب اللّه و يده و لسانه

فعن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالي: قُلْ كَفي بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ فقال:«أنا هو الذي عنده علم الكتاب،و قد صدقه اللّه و أعطاه الوسيلة في الوصية،و لا

ص: 104


1- دلائل الإمامة:95 معاجزه و 97.
2- دلائل الإمامة:218 معاجزه.
3- الخرايج و الجرايح:263 الباب السابع.
4- ذخائر العقبي:46-47 ذكر ما ظهر لها من الكرامة.
5- كشف الغمة:96/2 فضائل فاطمة،و المطالب العالية 73/4-74 ح 4001،و فرائد السمطين:52/2، و أهل البيت:122،و الفضائل الخمسة:178/3-179،و قصص الأنبياء:372 مجلس في قصة زكريا و مريم-باب مولد مريم ط.دار الرائد العربي بيروت المصورة عن ط.مصر الحلبي 1374 الرابعة،و تفسير الزمخشري مورد الآية.

تخلي أمة من وسيلته اليه و إلي اللّه فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (1).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث طويل:«نحن يمين اللّه و نحن أمناء اللّه...من آمن بنا آمن باللّه،و من ردّ علينا ردّ علي اللّه،و من شك فينا شك في اللّه،و من عرفنا عرف اللّه،و من أطاعنا اطاع اللّه،و نحن الوسيلة الي اللّه و الوصلة الي رضوان اللّه،و لنا العصمة و الخلافة و الهداية» (2).

و جاء في دعاء الندبة:«أين باب اللّه الذي منه يؤتي،أين السبب المتصل بين الأرض و السماء» (3).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«نحن السبب بينكم و بين اللّه تعالي» (4).

و عنه عليه السّلام في حديث يصف به آل محمد:«نحن علة الوجود و حجة المعبود لا يقبل اللّه عمل عامل جهل حقنا» (5).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«نحن حجة اللّه،و نحن باب اللّه،و نحن لسان اللّه،و نحن وجه اللّه، و نحن عين اللّه في خلقه،و نحن ولاة أمر اللّه في عباده.

ثم قال:يا أسود بن سعيد إن بيننا و بين كل أرض ترّا مثل ترّ البناء،فإذا أمرنا في أمرنا جذبنا ذلك التر فأقبلت إلينا الأرض بقلبها و أسواقها و دورها حتي ننفذ فيها ما نؤمر فيها من أمر اللّه تعالي» (6).

قال ابن أبي الحديد:

تقبلت افعال الربوبية التي عذرت بها من شك أنك مربوب

و يا علة الدنيا و من بدأ خلقها إليه سيتلو البدأ في الحشر تعقيب (7)

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«إن اللّه انتجبنا لنفسه،فجعلنا صفوته من خلقه و لسانه الناطق بإذنه و امناؤه علي ما نزل من عذر و نذر و حجة» (8).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«أنا علم اللّه و أنا قلب اللّه الواعي و لسان اللّه الناطق و عين اللّه الناظر،و أنا جنب اللّه و أنا يد اللّه» (9).9.

ص: 105


1- بصائر الدرجات:216 باب ما عندهم من الاسم الأعظم ح 21.
2- بحار الأنوار:22/25-23 باب بدء خلقهم ح 83.
3- بحار الأنوار:104/102.
4- بشارة المصطفي:90.
5- بحار الأنوار:259/26 ح 36.
6- بحار الأنوار:384/25 باب غرائب أفعالهم ح 40،و بصائر الدرجات:61 مختصرا.
7- مشارق أنوار اليقين:44.
8- بصائر الدرجات:62 باب انهم حجة اللّه و بابه ح 7.
9- بصائر الدرجات:64 ح 13،و التوحيد:164 ح 1 باب 22،و المراقبات:259.

و في رواية:«أنا عين اللّه و لسانه الصادق و يده،و أنا يد اللّه المبسوطة علي عباده بالرحمة و المغفرة» (1).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إن للّه عزّ و جلّ خلقا خلقهم من نوره و رحمته،من رحمته لرحمته،فهم عين اللّه الناظرة و اذنه السامعة و لسانه الناطقة في خلقه باذنه،و أمناؤه علي ما أنزل من عذر أو نذر او حجة فبهم يمحو السيئات و بهم يدفع الضيم،و بهم ينزل الرحمة و بهم يحيي ميتا و بهم يميت حيا،و بهم يبتلي خلقه و بهم يقضي في خلقه قضيته».

قلت:جعلت فداك من هؤلاء؟قال:«الاوصياء عليهم السّلام» (2).

*أقول:الأحاديث في كونهم وجه اللّه و عينه و يده و جنبه كثيرة (3).

***

إعطاؤهم عليهم السّلام الإسم الأعظم

فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«أنا أحيي و أميت بإذن ربي...و الأئمة من أولادي عليهم السّلام...لقد أعطانا اللّه ربنا ما هو أجلّ و أعظم و أعلي و أكبر من هذا كله،...لقد أعطانا ربنا عزّ و جلّ علمنا للاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات و الأرض و الجنة و النار،و نعرج به الي السماء و نهبط به الأرض و نغرّب و نشرق،و ننتهي به الي العرش فنجلس عليه بين يدي اللّه عزّ و جلّ،و يطيعنا كل شيء حتي السماوات و الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب و البحار و الجنة و النار.

أعطانا اللّه ذلك كله بالإسم الأعظم الذي علّمنا و خصّنا به،و مع هذا كله نأكل و نشرب و نمشي في الأسواق و نعمل هذه الأشياء بأمر ربنا،و نحن عباد اللّه المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون و جعلنا معصومين مطهّرين و فضّلنا علي كثير من عباده المؤمنين...» (4).

و قال ابن عباس:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«إن من وراء قاف عالم لا يصل اليه أحد غيري، و أنا المحيط بما وراءه،و العلم به كعلمي بدنياكم هذه،و أنا الحفيظ الشهيد عليها،و لو أردت أن

ص: 106


1- التوحيد للصدوق:165 باب 22 ح 2.
2- التوحيد للصدوق:167 باب 24 ح 1.
3- كمال الدين:231/1 باب 22 ح 34،و التوحيد:150-165-117 ح 4-21،و الكافي:143/1 ح 3 و بحار الأنوار:159/7،و نور الثقلين:495/4،و بصائر الدرجات:26،و أمالي الشيخ:666 المجلس 34 ح 4،و إثبات الوصية:151.
4- بحار الأنوار:6/26-7 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 1.

أجوب الدنيا بأسرها و السموات السبع كالأرضين في أقل من طرفة عين لفعلت؛لما عندي من الإسم الأعظم» (1).

و عن أبي جعفر و الإمام الهادي عليهما السّلام:«إن اسم اللّه الأعظم علي ثلاثة و سبعين حرفا،و إنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض ما بينه و بين سرير بلقيس حتي تناول السرير بيده،ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين،و نحن عندنا من الإسم الأعظم اثنان و سبعون حرفا،و حرف واحد عند اللّه تعالي استأثر به في علم الغيب عنده،و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم» (2).

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«إن عيسي ابن مريم عليه السّلام أعطي حرفين كان يعمل بهما، و أعطي موسي أربعة أحرف،و أعطي إبراهيم ثمانية أحرف،و أعطي نوح خمسة عشر حرفا،و أعطي آدم خمسة و عشرين حرفا،و إن اللّه تعالي جمع ذلك كله لمحمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و إن اسم اللّه الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا أعطي محمدا إثنين و سبعين حرفا،و حجب عنه حرف واحد (3).

و في رواية زاد:«و أعطي منها عيسي حرفين،و كان يحيي الموتي و يبرئ بهما الأكمه و الأبرص» (4).

أقول:الروايات كثيرة في إعطائهم الإسم الأعظم و كم حرف هو و بعضها صحيح السند (5).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قصة إرجاع الشمس بعد غروبها قال:«يا جوير إن اللّه يقول فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ »فإني سألت اللّه باسمه العظيم فرد علي الشمس» (6).

و عن الإمام الصادق في حديث صحيح:«كان سليمان عنده إسم اللّه الأكبر الذي إذا سأله أعطي،و إذا دعا به أجاب،و لو كان اليوم لاحتاج إلينا» (7).

***2.

ص: 107


1- مشارق الأنوار اليقين:43،و بحار الأنوار:336/57 ح 26.
2- أصول الكافي:230/1 باب ما أعطوا من الإسم الأعظم ح 1،و دلائل الإمامة:219 معاجز الهادي.
3- أصول الكافي:230/1 ح 2.
4- بصائر الدرجات:208-209 باب إنهم أعطوا الاسم الأعظم ح 3.
5- يراجع الكافي:230/1،و بصائر الدرجات:208 الي 212-229 ج 4 باب 12 ح 4،و كشف الغمة: 403/2 معاجز الصادق،و بحار الأنوار:235/46 ح 4 باب معجزات الباقر.
6- بصائر الدرجات:217 باب أن الإمام عنده الاسم الأعظم ح 1 و 4.
7- بصائر الدرجات:231 ج 4 باب نادر من باب 12 ح 2.
كونهم عليهم السّلام الأسماء الحسني و الإسم الأعظم
اشارة

و هنا مطلبان:

الأول في ذكر ما ورد أنهم الأسماء الحسني.

الثاني في ذكر قدرة هذه الأسماء علي التصرف.

المطلب الأوّل:

آل محمّد هم الأسماء الحسني و الإسم الأعظم

فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها قال:«نحن و اللّه الأسماء الحسني التي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا».

رواه الكليني بسند حسن (1).

و في حديث قريب رواه العياشي:«نحن و اللّه الأسماء الحسني الذي لا يقبل من أحد إلاّ بمعرفتنا.

قال عليه السّلام:فادعوه بها» (2).

و قريب منه عن الإمام الباقر عليه السّلام (3).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض،نحن الإسم المخزون المكنون و نحن الأسماء الحسني التي إذا سئل اللّه عزّ و جلّ بها أجاب،نحن الأسماء المكتوبة علي العرش و لأجلنا خلق اللّه عزّ و جلّ السماء و الأرض و العرش و الكرسي،و الجنّة و النار، و منّا تعلّمت الملائكة التسبيح و التقديس و التوحيد و التهليل و التكبير،و نحن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه» (4).

و قال عليه السلام:«أنا الأسماء الحسني» (5).

و أخرج المفيد عن الإمام الرضا عليه السّلام قوله:«إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا علي اللّه عزّ و جلّ و هو قوله وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها (6).

-و في عيون الأخبار ان أمير المؤمنين عليه السّلام مر في طريق فسايره خيبري فمرا بواد قد سال،

ص: 108


1- أصول الكافي:143/1 باب النوادر من كتاب التوحيد ح 4.
2- تفسير العياشي:42/2 ح 119،و البرهان:52/2.
3- البحار:4/25 ح 7.
4- البحار:38/27 ح 5.
5- شرح دعاء الجوشن:576.
6- الاختصاص:252.

فركب الخيبري مرطه و عبر علي الماء،ثم نادي أمير المؤمنين عليه السّلام:يا هذا لو عرفت كما عرفت لجريت كما جريت.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:«مكانك»،ثم أومأ الي الماء فجمد و مر عليه.

فلما رأي الخيبري ذلك أكب علي قدميه و قال:يا فتي ما قلت حتي حولت الماء حجرا.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«فما قلت أنت حتي عبرت علي الماء؟»

فقال الخيبري:أنا دعوت اللّه باسمه الأعظم.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و ما هو؟»

قال:سألته باسم وصي محمد.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا وصي محمد».

فقال الخيبري:أنه الحق.ثم أسلم (1).

و قريب منه قصة جرت مع أمير المؤمنين عليه السّلام و عمار في تحويل الحجر الي ذهب حتي قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أدع اللّه بي حتي تلين،فإنه اسمي ألان اللّه الحديد لداود» (2).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و بإسمي تكوّنت الأشياء» (3).

و يؤيّد ذلك كونهم قدرة اللّه،كما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام (4).

المطلب الثاني:

قدرة الأسماء الحسني و الإسم الأعظم

أمّا قدرة الإسم الأعظم و أثره فتقدّم في الطائفة السابقة و يأتي بعضها هنا،لأن الإسم الأعظم من الأسماء الحسني في الجملة بل هو أفضلها.

و أمّا قدرة الأسماء الحسني:

فعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال:«اللّهم اني...أسألك باسمك الذي تعلم به ما في السماوات و ما في الأرض...و باسمك القادر به علي كل شيء...».

«و أسألك باسمك الذي تقول به للشيء كن فيكون بقدرتك يا اللّه...

و أسألك باسمك الذي هو علي كل شيء و فوق كل شيء و قبل كل شيء.

و أسألك باسمك الذي تنزل به قطر السماء...

ص: 109


1- مشارق أنوار اليقين:72(1)173.
2- مشارق أنوار اليقين:173.
3- مشارق أنوار:159.
4- الهداية الكبري:434.

و أسألك باسمك الذي تنفتح به أبواب السماوات.

و أسألك باسمك الذي خلقت به الشمس و القمر و النجوم المسخرات بأمرك.

و أسألك باسمك الذي خلقت و أحييت به جميع خلقك،بعد أن كانوا أمواتا بذلك الإسم» (1).

و روي الكفعمي في دعاء النجاح:«اللهم و أسألك باسمك الأعظم الذي به تقوم السماء و الأرض و تحيي الموتي و ترزق الأحياء» (2).

و في المصباح عن الإمام الصادق عليه السّلام:«اللّهم اني أسألك باسمك الذي به ابتدعت عجائب الخلق في غامض العلم بجود جمال وجهك...و أسألك باسمك الذي تجلّيت به للكليم علي الجبل العظيم فلما بدا شعاع نور الحجب من حجاب العظمة أثبت معرفتك في قلوب العارفين بمعرفة توحيدك (3).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«و أسألك باسمك الذي نتقت به الجبل فوقهم كأنه ظلّة» (4).

و روي في أدعية الأيّام:«اللّهم إنّي أسألك باسمك الذي تمشي به المقادير،و به يمشي علي ظلل الماء كما يمشي به علي جدد الأرض،و أسألك باسمك الذي تهتز به أقدام ملائكتك» (5).

أقول:هناك روايات مستفيضة في قدرة الأسماء الحسني مذكورة في كتب الأدعية (6).

-قال الشيخ حسن زاده آملي:إن الإسم الذي يكون موجبا لارتقاء و اعتلاء الجوهر الإنساني و الذي بارتقائه درجة درجة يصل إلي منزلة يكون قادرا فيها علي التصرّف بمادّة الكائنات هو الإسم العيني،حيث إن الإنسان و بحسب الوجود و العين إذا اتصف بأي إسم من الأسماء الإلهية،و التي هي كلمات«كن»الباري،فإن سلطان ذلك الإسم و خواصه العينية تظهر فيه،فيصبح هو الإسم، و عندها يمكنه أن يفعل ما كان يفعله المسيح عليه السّلام (7).

*أما صحة مضامين هذه الطائفة،فقد رويناها من عدة طرق و من مجموعها يحصل للإنسان استفاضة هذا المضمون و اذا لاحظنا الطوائف الأخري المتقدمة و الآتية فإنا نصل الي حد القطع9.

ص: 110


1- بحار الأنوار:254/93 إلي 261 باب أسماء الله الحسني من كتاب الذكر.
2- البلد الأمين:18،و البحار:75/86 ح 10.
3- مصباح المتهجد:301.
4- الدروع الواقية لابن طاووس:238،و البحار:218/97.
5- العدد القوية للحلي:305،و البحار:283/97.
6- راجع بحار الأنوار:234/89 و 75/86-59 و 392/52،و مهج الدعوات:61-68،و مصباح المتهجد:258-231-301.
7- الإنسان الكامل:99.

بصدق المضامين و عندها يصح القول بتواتر ثبوت الولاية التكوينية لآل محمد عليهم السّلام،خاصة مع ما تقدم من آيات تدل عليه.

هذا ما أحببنا التذكير به في أمر ولايتهم التكوينية و قدرتهم الملكوتية التي كانت بارزة في حياة الإمام الهادي عليه السّلام،و سوف نعود الي ما كنّا فيه من سيرة الإمام علي بن محمد الهادي عليه السّلام.

***

شفاء المتوكل بنذر الإمام الهادي عليه السّلام

و من معاجز إمامنا علي بن محمد الهادي عليه السّلام ما روي في كتاب المناقب قال أبو عبد اللّه الزيادي:لمّا سمّ المتوكّل نذر للّه إن رزقه العافية أن يتصدّق بمال كثير فلمّا عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك؟

قال:عشرة آلاف درهم و إلاّ ضربتك مائة مقرعة قال:قد رضيت فأتي أبا الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك فقال:قل له يتصدّق بثمانين درهما،فأخبر المتوكّل فسأله ما العلّة؟فأتاه فسأله قال:إنّ اللّه تعالي قال لنبيّه: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (1)فعددنا مواطن رسول اللّه فبلغت ثمانين موطنا فرجع إليه فأخبره ففرح و أعطاه عشرة آلاف درهم (2).

***

شفاء الناس بدواء الإمام الهادي عليه السّلام

عن زيد بن عليّ بن الحسن بن زيد قال:مرضت فدخل الطبيب عليّ ليلا فوصف لي دواء بليل (3)آخذه كذا و كذا يوما فلم يمكنّي،فلم يخرج الطبيب من الباب حتّي ورد عليّ نصر بقارورة فيها ذلك الدّواء بعينه فقال لي:أبو الحسن يقرئك السلام و يقول لك:خذ هذا الدواء كذا و كذا يوما فأخذته فشربته فبرئت.

ص: 111


1- سورة براءة،الآية:25.
2- مناقب آل أبي طالب:507/3،و البحار:163/50.
3- البليل و البليلة ريح تحدث من بلة و رطوبة توجب استرخاء الأعضاء و تحركها،و هو الذي يسمونه بالفالج و هو داء معروف يرخي بعض البدن. و قيل:الباء في بليل جارة و الليل بمعناه المعروف و الدواء الذي يشرب ليلا و ينام عليه يسمّي في عرف الأطباء بالشبيار.

قال محمّد بن عليّ:قال لي زيد بن عليّ:يأبي الطاعن أين الغلاة (1)عن هذا الحديث (2).

و رواه الحضيني بلفظ آخر:باسناده،عن زيد بن علي بن زيد قال:مرضت مرضا شديدا، فدخل علي الطبيب و قد اشتدت بي العلة،فاصلح دواء في الليل لم يعلم به أحد،فقال:خذ هذا الدواء في كل يوم مرة عشرة أيام فإنك تعافي إن شاء اللّه تعالي،و خرج من عندي و ترك الدواء في نصف الليل،فلم يبعد حتي وافي نصر غلام أبي الحسن علي بن محمد-عليهما السّلام-،فاستأذن علي، فدخل و معه إناء فيه مثل ذلك الدواء الذي أصلحه الطبيب في تلك الساعة،فقال لي:مولاي يقول:

قال الطبيب لك:استعمل هذا الدواء عشرة أيام فإنك تعافي،و قد بعثنا إليك من الدواء الذي أصلحه لك،فخذ منه الساعة مرة واحدة،فإنك تعافي من ساعتك.

قال زيد:فعلمت و اللّه إن قوله الحق،فاخذت ذلك الدواء من الهاون مرة واحدة فعوفيت من ساعتي،و رددت دواء الطبيب عليه-و كان نصرانيا-،فسألني و قد رآني في صبيحة يومي معافي من علتي ما كان السبب في العافية و لم رددت الدواء علي؟فحدّثته بحديثي و لم أكتمه،فمضي إلي أبي الحسن عليه السّلام فأسلم علي يده و قال:يا سيدي هذا علم المسيح عليه السّلام و ليس يعلمه إلا من كان مثله (3).

***

شفاء الإمام الهادي عليه السّلام للمرضي

عيون المعجزات عن أبي جعفر بن حرير الطبري عن عبد اللّه بن محمّد البلوي عن هاشم بن زيد قال:رأيت علي بن محمّد صاحب العسكر و قد أتي بأكمه فأبرأه و رأيته يهيّيء من الطين كهيئة الطير و ينفخ فيه فيطير فقلت له:لا فرق بينك و بين عيسي عليه السّلام فقال:أنا منه و هو منّي (4).

و عن محمّد بن سنان الرامزي رفع اللّه درجته قال:كان أبو الحسن علي بن محمّد عليه السّلام حاجّا

ص: 112


1- قيل أن مقصود الراوي تأييد صحة الحديث و رفع ما يمكن أن يناقش به في كونه خرق العادة من كل جهة فذكر أن الطبيب دخل عليه ليلا و خرج ثم دخل خادم الإمام عليه السلام و اسمه نصر بعد خروج الطبيب بلا مهلة و أحضر قارورة الدواء،و مقصوده دفع احتمال أن يكون الطبيب لما خرج من الدار لقيه أحد معارف الراوي و علم من خروج الطبيب مرضه فسأل الطبيب عن المريض و الدواء الذي وصفه و علم أن تحصيل هذا الدواء ليلا غير ممكن و كان الرجل من أصحاب الإمام عليه السلام و خدمه بحيث كان يسهل عليه ذكر حال المريض و الدواء له عليه السلام فذهب إليه و ذكر له و أرسل الإمام ذلك الشبيار إليه فورا،فدفع الراوي هذا الاحتمال بأن ذلك كان ليلا لا يحتمل أن يكون الطبيب لقي أحدا من أصحاب الإمام في الطريق و كانت المدّة بين خروج الطبيب و ورود الدواء قليلة لا تحتمل هذه الأمور،و أما احتمال جعل الغلاة فمدفوعة بأنه لا واسطة في الإسناد.(ش).
2- الكافي:502/1 ح 9.
3- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:529/7،و الهداية الكبري للحضيني:63(ط ق).
4- عيون المعجزات:131 و عنه البحار:185/50 صدر ح 63.

و لمّا كان في انصرافه إلي المدينة وجد رجلا خراسانيا واقفا علي حمار له ميّت يبكي و يقول:علي ماذا أحمل رحلي،فاجتاز به عليه السّلام فقيل له:هذا الرجل الخراساني ممّن يتولاّكم أهل البيت فدنا عليه السّلام من الحمار الميّت فقال:لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم علي اللّه تعالي منّي و قد ضربوا ببعضها الميّت فعاش ثمّ ركزه برجله اليمني و قال:قم بإذن اللّه فتحرّك الحمار ثمّ قام فوضع الخراساني رحله عليه و أتي به المدينة و كلّما مرّ عليه السّلام أشاروا إليه بإصبعهم و قالوا:هذا الذي أحيي حمار الخراساني (1).

***

كرم الإمام الهادي عليه السّلام

ابن شهرآشوب:قال:دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد و أحمد بن إسحاق الأشعري و علي بن جعفر الهمداني علي أبي الحسن العسكري عليه السّلام فشكي إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه فقال:يا أبا عمرو-و كان وكيله-ادفع إليه ثلاثين ألف دينار و إلي علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار و خذ أنت ثلاثين ألف دينار.

ثم قال ابن شهراشوب عقيب ذلك:فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك،و ما سمعنا بمثل هذا العطاء (2).

و قال محمّد بن طلحة:روي أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان يوما قد خرج من سرّ من رأي إلي قرية لمهم عرض له،فجاء رجل من الأعراب يطلبه فقيل له:قد ذهب إلي الموضع الفلاني فقصده،فلمّا وصل إليه قال له عليه السّلام:(ما حاجتك)؟.

قال:أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بجدك علي بن أبي طالب،و قد ركبني دين فادح أثقلني حمله،و لم أر من أقصده لقضائه غيرك.

فقال له أبو الحسن:(طب نفسا و قرّ عينا)ثم أنزله فلمّا أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن عليه السّلام:(أريد منك حاجة اللّه الله أن تخالفني فيها).

فقال له الاعرابي:لا أخالفك فيها.

فكتب أبو الحسن ورقة بخطه،معترفا فيها أنّ للأعرابي مالا عيّنه فيها يرجح علي دينه و قال:

(خذ هذا الخط،فإذا وصلت إلي سر من رأي فأحضر إليّ و عندي جماعة فطالبني به،و أغلظ القول عليّ في ترك إيفائك إيّاه،و اللّه اللّه في مخالفتي).

ص: 113


1- عيون المعجزات:131-132 و عنه البحار:185/50.
2- مناقب آل أبي طالب:409/4 و عنه البحار:173/50 ذح 52 و حلية الأبرار:459/2(ط ق).

فقال:أفعل.

و أخذ الخط،فلمّا وصل أبو الحسن إلي سر من رأي و حضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر (1)ذلك الرجل و أخرج الخط،و طالبه و قال كما أوصاه،فألان له أبو الحسن القول و رققه له،و جعل يعتذر إليه،و وعده بوفائه،و طيبة نفسه.

فنقل ذلك إلي الخليفة المتوكل،فأمر أن يحمل إلي أبي الحسن ثلاثون ألف درهم،فلمّا حملت إليه تركها إلي أن جاء الاعرابي فقال عليه السّلام:(خذ هذا المال إقض منه دينك،و أنفق الباقي علي عيالك و أهلك،و اعذرنا).

فقال له الاعرابي:يابن رسول اللّه،و اللّه إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا،و لكن اللّه أعلم حيث يجعل رسالته فأخذ المال و انصرف (2).

و يشبه هذا ما روي عن الديلمي في كتاب أعلام الدين عن أبي أمامه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال ذات يوم لأصحابه:ألا أحدثكم عن الخضر؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه،قال:بينا هو يمشي في سوق من أسواق بني إسرائيل،إذ بصر به مسكين،فقال:تصدق علي بارك اللّه فيك،قال الخضر:آمنت باللّه،ما يقضي اللّه يكون،ما عندي من شيء أعطيكه،قال المسكين:بوجه اللّه،لما تصدقت علي،إني رأيت الخير في وجهك، و رجوت الخير عندك.

قال الخضر عليه السّلام:آمنت باللّه،إنك سألتني بأمر عظيم،ما عندي من شيء اعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني،قال المسكين:و هل يستقيم هذا؟

قال:الحق أقول لك،إنك سألتني بأمر عظيم،سألتني بوجه ربي عزّ و جلّ،أما إني لا أخيبك في مسألتي بوجه ربي،فبعني.فقدمه إلي السوق فباعه بأربعمائة درهم،فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء،فقال الخضر عليه السّلام:إنما ابتعتني التماس خدمتي،فمرني بعمل.

قال:إني أكره أن أشق عليك،إنك شيخ كبير،قال:لست تشق علي،قال:فقم فانقل هذه الحجارة،قال:و كان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم.فقام فنقل الحجارة في ساعته،فقال له:

أحسنت و أجملت،و أطلقت ما لم يطقه أحد،قال:ثم عرض للرجل سفر،فقال:إني أحسبك أمينا،فاخلفني في أهلي خلافة حسنة،و إني أكره أن أشق عليك،قال:لست تشق علي،قال:

فاضرب من اللبن شيئا حتي أرجع إليك.5.

ص: 114


1- في نسخة:خرج.
2- الفصول المهمة:278،و كشف الغمة 2:374،و البحار:175/50 ح 55.

قال:فخرج الرجل لسفره و رجع و قد شيد بناءه،فقال له الرجل:أسألك بوجه اللّه،ما حسبك و ما أمرك؟

قال:إنك سألتني بأمر عظيم،بوجه اللّه عزّ و جلّ،و وجه اللّه أوقعني في العبودية،و سأخبرك من أنا،أنا الخضر الذي سمعت به،سألني مسكين صدقة،و لم يكن عندي شيء أعطيه،فسألني بوجه اللّه عزّ و جلّ،فأمكنته من رقبتي فباعني،فأخبرك:أنه من سأل بوجه اللّه عزّ و جلّ فرد سائله و هو قادر علي ذلك،وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد و لا لحم و لا دم إلا عظم يتقعقع.

قال الرجل:شققت عليك و لم أعرفك،قال:لا بأس أبقيت و أحسنت.

قال:بأبي أنت و أمي،أحكم في أهلي و مالي بما أراك اللّه عزّ و جلّ،أم أخيرك فأخلي سبيلك،فقال:أحب إلي أن تخلي سبيلي فأعبد اللّه علي سبيله،قال الخضر:الحمد للّه الذي أوقعني في العبودية فأنجاني منها (1).

***

بعض أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام

أبو هاشم الجعفري:

و هو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السّلام البغدادي،الثقة الجليل الذي أدرك الرضا و الجواد و الهادي و العسكري و صاحب الأمر عليهم السلام.

و كان عظيم المنزلة عندهم عليهم السلام،و قد روي عنهم كلهم،و له أخبار و مسائل،و له شعر جيد فيهم،و من شعره في أبي الحسن الهادي عليه السّلام و قد اعتل عليه السّلام:

مادت الأرض بي و أدت فؤادي و اعترتني موارد العرواء

حين قيل الإمام نضو عليل قلت نفسي فدته كل الفداء

مرض الدين لاعتلالك و اعتل و غارت له نجوم السماء

عجبا أن منيت بالداء و السقم و أنت الإمام حسم الداء

أنت آسي الأدواء في الدين و الدنيا و محيي الأموات و الأحياء (2)

***

ص: 115


1- الأنوار البهية،الشيخ عباس القمي:286،و أعلام الدين:باب عدد أسماء الله تعالي ص 350 ح 5، و عنه البحار:321/13 ح 55.
2- الأنوار البهية-الشيخ عباس القمي:278،و إعلام الوري:348.

أولاد الإمام الهادي عليه السّلام

اشارة

روي أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي ثمّ المخزومي الشريف الكبير في كتابه الموسوم ب«صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار»في ترجمة أبي الحسن الهادي ما لفظه:كان له خمسة أولاد:الإمام الحسن العسكري و الحسين و محمّد و جعفر و عائشة،فأمّا الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر،ولي اللّه الإمام محمد المهدي،و أمّا محمد فلم يذكر له ذيل.إلي آخر ما قال.

و قيل خلف من الولد:الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام،و الحسين،و محمد،و جعفر، و ابنته علية (1).

***

أحوال جعفر و سائر أولاده

الاحتجاج للكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه اللّه أن يوصل إليه عليه السّلام كتابا سألته فيه عن مسائل أشكلت عليّ،فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام:أمّا ما سألت عنه ثبّتك اللّه و أرشدك من أمر المنكرين من أهل بيتنا و بني عمّنا فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ و جلّ و بين أحد قرابة و من أنكرني فليس منّي و سبيله سبيل ابن نوح،و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده فسبيل أخوة يوسف عليه السّلام (2).

و عن أبي خالد الكابلي قال:سألت عليّ بن الحسين عليه السّلام:من الحجّة و الإمام بعدك؟

فقال:إبني محمّد و اسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا هو الحجّة و الإمام بعدي و من بعد محمّد إبنه جعفر و اسمه عند أهل السماء الصادق فقلت له:يا سيّدي كيف صار إسمه الصادق و كلّكم صادقون فقال:حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء علي اللّه و كذبا عليه فهو عند اللّه جعفر الكذّاب المفتري علي اللّه المدّعي لما ليس له بأهل، المخالف عليه أبيه و الحاسد لأخيه ذلك الذي يكشف سرّ اللّه عند غيبتة وليّ اللّه،ثمّ بكي عليّ بن الحسين بكاء شديدا.

ثمّ قال:كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه علي تفتيش أمر وليّ اللّه و المغيّب في

ص: 116


1- رياض الأبرار:مخطوط،و انظر مناقب آل أبي طالب:506/3،و البحار:231/50.
2- كمال الدين:484،و كتاب الغيبة:290.

حفظ اللّه و التوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته و حرصا علي قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتّي يأخذه بغير حقّه،الحديث (1).

و عن الشيخ الصدوق عن أحمد بن إسحاق الأشعري رحمة اللّه عليه أنّه جاء بعض أصحابنا يعلمه بأنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه و يعلمه أنّه القيّم بعد أخيه و أنّ عنده من علم الحلال و الحرام ما يحتاج إليه و غير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن إسحاق فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلي صاحب الزمان عليه السّلام و صيّرت كتاب جعفر في درجه فخرج إليّ الجواب في ذلك:بسم اللّه الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك اللّه و الكتاب الذي في درجه و أحاطت معرفتي بما تضمّنه علي اختلاف ألفاظه و تكرّر الخطأ فيه و لو تدبّرته لوقفت علي ما بعض ما وقفت عليه منه و الحمد للّه ربّ العالمين حمدا لا شريك له علي إحسانه إلينا و فضّله علينا أبي اللّه عزّ و جلّ للحقّ إلاّ تماما و للباطل إلاّ زهوقا و هو شاهد عليّ بما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا بيوم لا ريب فيه و سألنا عمّا نحن فيه مختلفون و أنّه لم نجعل لصاحب الكتاب علي المكتوب إليه و لا عليك و لا علي أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة و لا طاعة و لا ذمّة و سأبيّن لكم جملة يكتفون بها إن شاء اللّه يا هذا يرحمك اللّه إنّ اللّه تعالي لم يخلق الخلق عبثا و لا أمهلهم سدي بل خلقهم بقدرته و جعل لهم أسماعا و أبصارا و قلوبا و ألبابا ثمّ بعث إليهم النبيّين عليهم السّلام مبشّرين و منذرين يأمرونهم بطاعته و ينهونهم عن معصيته و يعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم و دينهم،و أنزل عليهم كتابا و بعث إليهم ملائكة و باين بينهم و بين من بعثهم إليه بالفضل الذي لهم عليه و ما آتاهم من الدلائل الظاهرة و البراهين الباهرة و الآيات الغالبة فمنهم من جعل عليه النار بردا و سلاما و اتّخذه خليلا و منهم من كلّمه تكليما و جعل عصاه ثعبانا مبينا و منهم من أحيي الموتي بإذن اللّه،و منهم من علّمه منطق الطير و أوتي من كلّ شيء،ثمّ بعث محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلم رحمة للعالمين و تمّم به نعمته و ختم به أنبياءه و أرسله إلي الناس و أظهر من صدقه ما ظهر و بيّن من آياته و علاماته ما بيّن ثمّ قبضه حميدا سعيدا و جعل الأمر من بعده إلي أخيه و ابن عمّه و وصيّه و وارثه علي بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ إلي الأوصياء من ولده واحد بعد واحد أحيي بهم دينه و أتمّ بهم نوره و جعل بينهم و بين إخوتهم و بني عمّهم و الأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا تعرف به الحجّة من المحجوج و الإمام من المأموم بأن عصمهم من الذنوب و برأهم من العيوب و طهّرهم من الدنس و نزّههم من اللبس و جعلهم خزّان علمه و مستودع حكمته و موضع سرّه و أيّدهم بالدلائل و لو لا ذلك لكان الناس علي سواء و لادّعي أمر اللّه عزّ و جلّ كلّ واحد و لما عرف الحقّ من الباطل و لا العلم من الجهل و قد ادّعي هذا المبطل المدّعي علي اللّه الكذب بما ادّعاه فلا أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه أبفقه في دين اللّه،فو الله ما يعرف حلالا من حرام و لا يفرّق بين خطأ و صواب.0.

ص: 117


1- كمال الدين:320.

أم بعلم فما يعلم حقا من باطل و لا محكما من متشابه و لا يعرف حدّ الصلاة و وقتها أم بورع فاللّه شهيد علي تركه لصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعبذة و لعلّ خبره تأدّي إليكم و هاتيك ظروف مسكره منصوبة و آثار عصيانه للّه عزّ و جلّ مشهورة قائمة،أم بآية فليأت بها أم بحجّة فليقمها أم بدلالة فليذكرها،قال اللّه عزّوجّ في كتابه العزيز: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّي وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَ إِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (1).

فالتمس تولّي اللّه توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت له و امتحنه و اسأله آية من كتاب اللّه يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها و ما يجب فيها لتعلم حاله و مقداره و يظهر لك عواره و نقصانه و اللّه حسبه حفظ اللّه الحقّ علي أهله و أقرّه في مستقرّه و قد أبي اللّه عزّ و جلّ أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام و إذا أذن اللّه لنا في القول ظهر الحقّ و اضمحل الباطل و انحسر عنكم،و إلي اللّه أرغب في الكفاية و جميل الصنع و الولاية و حسبنا اللّه و نعم الوكيل (2).

***

النص علي الإمام أبي الحسن الثالث علي الهادي عليه السّلام

اشارة

و ذلك من طرق:

الطريق الأول:أنه صلوات اللّه عليه كان أفضل خلق اللّه بعد أبيه

*الطريق الأول:أنه صلوات اللّه عليه كان أفضل خلق اللّه بعد أبيه و أعلم أهل زمانه و أورعهم و أعبدهم و أشجعهم (3).

و قد ثبت بدلالة العقول تقديم الأفضل علي المفضول و العالم علي الجاهل...

قال أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان:قال لي أبي:يا بني...لو رأيت أباه-يعني أبا الحسن العسكري-رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا (4).

و قال الجنيدي:...هذا و اللّه خير أهل الأرض و أفضل من خلق اللّه (5).

ص: 118


1- سورة الأحقاف،الآية:1-6.
2- كتاب الغيبة:289.
3- راجع نهج الحق:258،و الصواعق:206 ط.مصر و ط.بيروت 312،و أخبار الدول:116،و روضة الواعضين:244،و الفصول المهمة:265.
4- الإرشاد:323/2.
5- إثبات الوصية:195.

و مناظراته مع ابن السكيت و غيره تكشف عن فضله و غزارة علمه (1).

و وصفه ابن عربي بصلواته قائلا:

([صلوات اللّه]علي الداعي الي الحق أمين اللّه علي الخلق،لسان الصدق و باب السلم،أصل المعارف و منبت العلم،...إنسان عين الإبداع،أنموذج أصول الإختراع،نهجة الكونين،و محجة الثقلين،مفتاح خزائن الوجوب حافظ مكان الغيوب طيّار جو الأزل و الأبد،علي بن محمد عليه صلوات اللّه الملك الأحد) (2).

الطريق الثاني:دلالة العقل و النقل علي عدم خلو الأرض من الحجة

*الطريق الثاني:دلالة العقل و النقل علي عدم خلو الأرض من الحجة،و لقوله تعالي إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (3).

و دعوي الإمامة لغيره مقطوعة العدم و ثبوتها له مقطوعة التحقق لا دعائه عليه السّلام إياها و لعصمته بآية التطهير.

الطريق الثالث:النص عليه من أبيه عليهما السّلام:

قال اسماعيل بن مهران:لما أخرج ابو جعفر عليه السّلام:من المدينة الي بغداد في الدفعة الأولية من خرجتيه،قلت له عند خروجه:

جعلت فداك،إني أخاف عليك من هذا الوجه،فإلي من الأمر من بعدك؟

قال:فكرّ بوجهه اليّ ضاحكا و قال عليه السّلام:«ليس حيث ظننت في هذه السنة».

فلما استدعي به الي المعتصم صرت إليه فقلت له:

جعلت فداك أنت خارج فالي من هذا الأمر من بعدك؟

فبكي حتي إخضلت لحيته ثم التفت إلي فقال:«عند هذه يخاف علي،الأمر من بعدي الي ابني علي عليه السّلام» (4).

و في رواية الصقر بن أبي دلف قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«الإمام بعدي ابني علي أمره أمري و قوله قولي و طاعته طاعتي» (5).

و في كتاب كمال الدين عن الصقر بن دلف قال:سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا عليه السّلام يقول:إنّ الإمام بعدي إبني عليّ أمره أمري و قوله قولي و طاعته طاعتي و الإمامة بعده في ابنه الحسن (6).

ص: 119


1- راجع المناقب:403/4-405،و الاحتجاج:449/2.
2- وسيلة الخادم إلي المخدوم:297.
3- سورة الرعد،الآية:7.
4- الإرشاد:298/2،و المناقب:408/4،و الفصول المهمة:277 مع تفاوت،و أعلام الوري:339.
5- كفاية الأثر:276.
6- كمال الدين:378.

و عن إسماعيل بن مهزيار أنه قال:لما خرج أبو جعفر عليه السّلام من المدينة إلي بغداد في الدفعة الأولي من خروجه،قلت له:جعلت فداك إني خائف عليك من هذا الوجه فإلي من الأمر من بعدك؟ فكر بوجهه عليه السّلام إلي ضاحكا و قال:ليس الأمر حيث ظننت في هذه السنة فلما استدعي به المعتصم صرت إليه فقلت له:جعلت فداك ها أنت خارج فإلي من الأمر من بعدك،فبكي عليه السّلام حتي اخضلت لحيته بالدموع،ثم التفت إلي فقال:عند هذه يخاف علي،فالأمر من بعدي إلي ابني علي،فإن أمره أمري،و قوله قولي،و طاعته طاعتي،و الإمامة بعده في ابنه الحسن (1).

و في الكافي عن أحمد بن أبي خالد مولي أبي محمد بن علي بن موسي بن جعفر أشهده أنه أوصي إلي ابنه علي لنفسه و إخوانه،و جعل أمر موسي إذا بلغ إليه،و جعل عبد اللّه بن المساور قائما علي تركته من الضياع و الأموال و النفقات و الدقيق و غير ذلك،إلي أن يبلغ علي بن محمد صير عبد اللّه بن المساور ذلك اليوم إليه يقوم بأمر نفسه و إخوانه،و يصير أمر موسي إليه يقوم به علي شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها،و ذلك يوم الأحد لثلاث خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين،و كتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه،و شهد الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن علي بن الحسين عليه السّلام و هو الجواني علي مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب، و كتب شهادته بيده و شهد نصر الخادم و كتب شهادته بيده (2).

و في كتاب العيون للسيد المرتضي عن محمد بن عيسي الاشعري أن أبا جعفر لما أراد الخروج من المدينة إلي العراق و معاودتها،أجلس أبا الحسن في حجره بعد النص عليه،و قال له:ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف فقال عليه السّلام:سيفا كأنه شعلة نار،ثم التفت إلي موسي ابنه و قال له:

ما الذي تحب أنت؟

فقال:فرسا.

فقال عليه السّلام:أشبهني أبو الحسن و أشبه هذا أمه.

و لله در من قال:

فلله مولود علا في سمائه فأظهر سيما السن من صغر السن

و لا غرو منه فهو نور مؤلق من العالم العلوي أولاه ذو المن

و صيره في عالم القدس حجة لأملاكه مع عالم الإنس و الجن

لقد حسدته ولد أعمامه الأولي أبادوهم بالقتل و الأسر و السجن

و قد أقفرت تلك الربوع عقيبهم من العلم و المعروف و الجود و المن0.

ص: 120


1- كفاية الأثر:2836.
2- وفيات الأئمة:350.

و من عجب كيف الوري يحسدونهم و هم حجج الباري علي الحر و القن (1)

و نحو ذلك من النصوص (2).

***

مدة إمامة الإمام الهادي عليه السّلام

و كانت مدة إمامة الهادي عليه السّلام بعد أبيه عليه السّلام ثلاثة و ثلاثون سنة،و كانت إمامته في بقية ملك المعتصم،و ملك الواثق خمس سنين و تسعة أشهر ثم هلك،و ملك المتوكل أربعة عشر سنة،ثم بقي عليه السّلام بقية تلك المدة في خلافة المنتصر و المستعين و المعتز،و في ملك المعتمد استشهد عليه السّلام (3).

***

شهادة أبي الحسن الهادي عليه السّلام

قبض أبو الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السّلام مسموما بسر من رأي في يوم الإثنين ثالث رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له-يومئذ-إحدي و أربعون سنة و أشهر،و كانت مدة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة و أشهرا،و كان أيام إمامته بقية ملك المعتصم،ثم ملك الواثق،ثم ملك المتوكل،ثم ملك المنتصر،ثم ملك المستعين،ثم ملك المعتز،و دفن في داره بسر من رأي (4).

و قيل يوم الإثنين لثلاث ليال بقين من جمادي الآخرة نصف النهار و له يومئذ أربعون سنة، و قيل:أحد و أربعون و سبعة أشهر.

قال الصدوق-رحمه اللّه-قتله المتوكل لعنه اللّه بالسم.

و قيل هذا غير صحيح لأنّ المتوكل قتل في اليوم الثالث من شوال سنة 247 قتله الأتراك و مضي أبو الحسن الثالث عليه السّلام سنة 254 أعني سبع سنين بعد المتوكل في أيام المعتز،و قال اليعقوبي:بعث المعتز بأخيه أبي أحمد بن المتوكل فصلي عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد فلما كثر الناس و اجتمعوا كثر بكاؤهم و ضجتهم فرد النعش إلي داره فدفن فيها (5).

ص: 121


1- وفيات الأئمة:350.
2- و الروايات في النص عليه من أبيه كثيرة راجع كفاية الأثر:280،و إثبات الوصية:192-193،و غيبة النعماني:123،و الفصول المهمة:265 ط.بيروت و 277 ط.النجف و طهران،و روضة الواعظين: 244،و الكافي:323/1.
3- دلائل الإمامة:409،و وفيات الأئمة:354-386.
4- المناقب لابن شهر آشوب:401/4،و روضة الواعظين:246،و تاج المواليد للطبرسي:55 و 56.
5- شرح أصول الكافي:296/7.

و في كتاب المصباح عن أبي هاشم القمّي قال:توفّي أبو الحسن علي بن محمّد صاحب العسكر عليه السّلام يوم الإثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له إحدي و أربعون سنة.

و في الكافي:مضي لأربع بقين من جمادي الآخرة سنة 254،و له إحدي و أربعون سنة و ستة أشهر،و كان المتوكل أشخصه مع يحيي بن هرثمة بن أعين من المدينة إلي سر من رأي،فتوفي بها، و دفن في داره.و قيل:إنه مات مسموما (1).

و قيل:لما انتقل الإمام علي الهادي عليه السّلام إلي روح اللّه و رضوانه و قد سمّه المعتمد في رمان و قيل في ماء،فلما فاضت روحه المقدسة علا الصياح في داره،و قامت الواعية في الهاشميين و العلويين و الطالبيين يلطمون الخدود و يخدشون الوجوه،و ينادون و اضيعتاه،و اوحدتاه،من لليتامي و المساكين،و من للفقراء و المنقطعين،ثم غسله ابنه الحسن العسكري عليه السّلام و حنطه و أدرجه في أكفانه و صلي عليه،و خرج في جنازته حافي الاقدام،و قد شق قميصه حزنا علي مصاب أبيه،فكتب إليه الأبرش في ذلك و أعاب عليه في شقه قميصه فقال عليه السّلام:يا أحمق ما أنت و ذاك و قد شق موسي عليه السّلام قميصه علي أخيه هارون عليه السّلام.

و كانت وفاته علي ما رواه إبراهيم بن هاشم القمي قال:توفي أبو الحسن عليه السّلام يوم الإثنين لثلاث خلون من رجب سنة 254 أربع و خمسين و مائتين،و توفي عليه السّلام و له يومئذ إحدي و أربعين سنة و مثله ما رواه ابن عياش.

و كانت مدة إقامته بسر من رأي و دفن في داره بها في آخر ملك المعتمد،و قد استشهد عليه السّلام علي يده مسموما.

و في رواية ابن بابويه في أدعية شهر رمضان أنه سمه المعتمد،و في بعضها أنه المتوكل (2).

فيا قلبي المضنا أدم في صبابة إلي أن تقوم الناس في الحشر و النشر

فإن عليا خير من وطأ الثري وصي رسول اللّه في العلم و السر

قضي و هو مسموما فوا لهفتي له و يا طول حزني ما بقيت من الدهر

لقد أصبح الدين الحنيفي ثاويا علي الأرض ملحودا و قد ضم في القبر

علي الدار من بعد الوصي عليها سلام مدي الأيام في منتهي العمر

أيقتل مسموما علي غير جرمة و تهتك أستار الشرائع و الأمر (3)

و روي أن أبا محمد عليه السّلام خرج في جنازته،و قميصه مشقوق و صلي عليه و دفنه (4).4.

ص: 122


1- الكافي:498/1.
2- وفيات الأئمة:386.
3- وفيات الأئمة:386.
4- الكشي:572 ح 1084.

و قال المسعودي:و كانت وفاة أبي الحسن عليه السّلام في خلافة المعتز باللّه،و ذلك في يوم الإثنين لأربع بقين من جمادي الآخرة سنة أربع و خمسين و مائتين،و هو ابن أربعين سنة،و قيل:ابن اثنتين و أربعين،و قيل:أكثر من ذلك،و سمع في جنازته جارية تقول:ماذا لقينا في يوم الإثنين قديما و حديثا؟و صلي عليه أحمد بن المتوكل علي اللّه في شارع أبي أحمد في داره بسامراء،و دفن هناك، انتهي (1).

قيل:أشارت الجارية بهذه الكلمة الي يوم وفاة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و خلافة المنافقين الطغام،و البيعة التي عمّ شؤمها الإسلام،و أخذت الجارية هذه عن عقيلة الهاشميين زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام، في ندبتها علي الحسين عليه السّلام:بأبي من أضحي عسكره يوم الإثنين نهبا (2).

و قال في إثبات الوصية:حدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي،أنه دخل الدار-أي دار أبي الحسن عليه السّلام يوم وفاته-و قد اجتمع فيها جل بني هاشم من الطالبيين و العباسيين،و اجتمع خلق من الشيعة و لم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمد عليه السّلام،و لا عرف خبره إلا الثقاة الذين نص أبو الحسن عليه السلام عندهم عليه،فحكوا أنهم كانوا في مصيبة و حيرة،فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر:يا رياش خذ هذه الرقعة و امض بها الي دار أمير المؤمنين و ادفعها الي فلان،و قل له:هذه رقعة الحسن بن علي،فاستشرف الناس لذلك،ثم فتح من صدر الرواق باب،و خرج خادم أسود،ثم خرج بعده أبو محمد عليه السّلام حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب، و عليه مبطنة ملحم بيضاء،و كان وجهه وجه أبيه عليه السّلام لا يخطئ منه شيئا،و كان في الدار أولاد المتوكل،و بعضهم ولاة العهد فلم يبق أحد إلا قام علي رجله،و وثب إليه أبو أحمد الموفق،فقصده أبو محمد عليه السّلام فعانقه،ثم قال له:مرحبا بابن العم،و جلس بين بابي الرواق و الناس كلهم بين يديه،و كانت الدار كالسوق بالاحاديث.فلما خرج و جلس أمسك الناس فما كنا نسمع شيئا إلا العطسة و السعلة،و خرجت جارية تندب أبا الحسن عليه السّلام.

فقال أبو محمد عليه السّلام ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد فنهض صلي اللّه عليه،و اخرجت الجنازة،و خرج يمشي حتي أخرج بها إلي الشارع الذي بإزاء دار موسي بن بغا،و قد كان أبو محمد عليه السّلام،صلي عليه قبل أن يخرج الي الناس،و صلي عليه لما أخرج المعتمد.

ثم دفن صلي اللّه عليه في دار من دوره-الي أن قال:-و تكلمت الشيعة في شق ثيابه عليه السّلام، و قال بعضهم:رأيتم أحدا من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا الحال؟فوقع إلي من قال ذلك:يا أحمق8.

ص: 123


1- مروج الذهب:84/4،و عنه البحار:207/50 ح 22.
2- الأنوار البهية،الشيخ عباس القمي:298،و اللهوف في قتلي الطفوف:58.

ما يدريك ما هذا،قد شق موسي علي هارون عليهما السّلام،انتهي (1).

و روي عنه عليه السّلام قال:هذا الدعاء كثيرا ما أدعو اللّه به،و قد سألت اللّه عزّ و جلّ أن لا يخيب من دعي به في مشهدي بعدي و هو:(يا عدتي عند العدد،و يا رجائي و المعتمد،و يا كهفي و السند، و يا واحد يا أحد،و يا قل هو اللّه أحد،أسألك اللهم بحق من خلقتهم من خلقك،و لم تجعل في خلقك مثلهم أحدا،صل علي جماعتهم و افعل بي كذا و كذا) (2).

***

فضل زيارة الإمام علي الهادي عليه السّلام

الكليني،عن أبي علي الأشعري،عن عبد اللّه بن موسي،عن الحسن بن علي الوشاء قال:

سمعت الرضا عليه السّلام يقول:إنّ لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إنّ من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة (3).

الكليني،عن محمد بن يحيي،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن صالح بن عقبة،عن زيد الشحام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار أحدا منكم؟

قال:كمن زار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (4).

الشيخ،عن محمّد بن همام،عن الحسن بن محمّد بن جمهور،عن الحسين بن روح،عن محمّد بن زياد،عن أبي هاشم الجعفري قال:قال لي أبو محمّد الحسن بن علي عليه السّلام:قبري بسر من رأي أمان لأهل الجانبين (5).

***

بعض زوار الإمام الهادي عليه السّلام

الأمالي الفحّام قال:كان أبو الطيّب أحمد بن محمّد بن بوطير رجلا من أصحابنا و كان جدّه غلام الإمام أبي الحسن علي بن محمّد و هو سمّاه بهذا الإسم و كان ممّن لا يدخل المشهد و يزوره من وراء الشبّاك و يقول:للدار صاحب حتّي أذن له و كان متأدّبا يحضر الديوان و كان إذا طلب من الإنسان حاجة فإن أنجزها شكر و سرّ و إن وعده عاد إليه ثانية فإن أنجزها و إلاّ عاد الثالثة فإن أنجزها

ص: 124


1- إثبات الوصية:205.
2- الأمالي للطوسي:286/1.
3- الكافي:567/4 ح 2.
4- الكافي:579/4 ح 1.
5- التهذيب:93/6 ح 3.

و إلاّ قام في مجلسه إن كان ممّن له مجلس أو جمع الناس فأنشد شعرا:

أعلي الصراط تريد رعية ذمّتي أم في المعاد تجود بالإنعام

إنّي لدنيائي أريدك فانتبه يا سيّدي من رقدة النوّام (1)

***

رثاء الإمام الهادي عليه السّلام

قال بعضهم:

يا راكب الشدنية الوجناء عرّج علي قبر بسامراء قبر

تضمن بضعة من أحمد و حشاشة للبضعة الزهراء قبر

تضمّن من سلالة حيدر بدرا يشق حنادس الظلماء

قبر سما شرفا علي هام السها و علا بساكنه علي الجوزاء

يا ابن النبي المصطفي و وصيه و ابن الهداة السادة الامناء

اناؤك بغيا عن مرابع طيبة و قلوبهم ملأي من الشحناء

كم معجز لك قد رواه و لم يكن يخفي علي الأبصار نور ذكاء

إن يجحدوه فطالما شمس الضحي حفيت علي ذي مقلة عمياء

برا و تعظيما أروك و في الخفا يسعون في التحقير و الايذاء

كم حاولوا إنقاص قدرك فاعتلي رغما لا علي قنة العلياء

فقضيت بينهم غريبا نائيا بأبي فديتك من غريب نائي

قاسيت ما قاسيت فيهم صابرا لعظيم داهية و طول بلاء

فلأبكينك ما تطاول بي المدي و لأمزجن مدامعي بدمائي (2)

و قال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني من قصيدة:

لقد مني الهادي علي ظلم جعفر بمعتمد في ظلمه و الجرائم

أتاحت له غدرا يدا متوكل و معتمد في الجور غاش و غاشم

و أشخص رغما عن مدينة جده إلي الرجس أشخاص المعادي المخاصم

ص: 125


1- الأمالي للطوسي:299 ح 590.
2- وفيات الإمامة:373.

و لاقي كما لاقي من القوم أهله جفاء و غدرا و انتهاك محارم

و عاش بسامراء عشرين حجة يجرع من أعداء سم الأراقم

بنفسي مسجونا غريبا مشاهدا ضريحا له شقّته أيدي الغواشم

بنفسي موتورا عن الوتر مغضيا يسالم أعداء له لم تسالم

بنفسي مسموما قضي و هو نازح عن الأهل و الأوطان جم المهاضم

بنفسي من تخفي علي القرب و النوي مواليه من ذكر اسمه في المواسم

فهل علم الهادي إلي الدين و الهدي بما لقي الهادي ابنه من مظالم

و هل علم المولي علي قضي ابنه علي بسم بعد هتك المحارم

و هل علمت بنت النبي محمد رمتها الاعادي في ابنها بالقواصم

سقي أرض سامراء منهمر الحيا و حيا مغانيها هبوب النسائم

معالم قد ضمن أعلام حكمة بنور هداها يهتدي كل عالم

لئن أظلمت حزنا لكم فلقر بما تضي هنا منكم بأكرم تائم

و منتدب للّه لم يثنه الردي و في اللّه لم تأخذه لومة لائم

و يملأ رحب الأرض بالعدل بعد ما قد امتلأت أقطارها بالمظالم

إمام هدي تجلو كواكب عدله من الجور داجي غيه المتراكم

به تدرك الأوتار من كل واتر و ينصف المظلوم من كل ظالم (1)

و قال علي بن عيسي الأربلي في مدح الإمام علي الهادي عليه السّلام:

يا أيها الرائح الغادي عرّج علي سيدنا الهادي

و اخلع إذا شارفت ذاك الثري فعل كليم اللّه في الوادي

و قبل الأرض وسف تربة فيها العلي و الشرف العادي

و قل سلام اللّه وقف علي مستخرج من طلب أجواد

مؤيد الأفعال ذو نائل في المحل يروي غلة الصادي

يعفو عن الجاني و يعطي المني في حالتي وعد و إيعاد

مبارك الطلعة ميمونها و ماجد من نسل أمجاد3.

ص: 126


1- وفيات الأئمة:373.

و لاهم من خير ما نلته و خير ما قدمت من زاد (1)

و قال أبو الغوث المنجي أسلم بن مهوز شاعر آل محمد،و كان معاصرا للبحتري فالبحتري يمدح الملوك،و هو يمدح آل محمد عليهم السّلام و كان البحتري ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث:

و لهف إلي رؤياكم و له الصادي يذاد عن الورد الروي بذواد

محلي عن الورد اللذيذ مساغه إذا طاف وراد به بعد وراد

فأعليت فيكم كل هوجاء جسرة ذمول السري تقتاد في كل مقتاد

أجوب بها بيد الفلا و تجوب إليك و مالي غير ذكرك من زاد

فلما تراءت من رأي تجشمت إليك تعوم الماء في مفعم الوادي

إذا ما بلغت الصادقين بني الرضا فحبسك من هاد يشير إلي هادي

مقاويل إن قالوا بها ليل إن دعوا وفاة بميعاد كفناة لمرتاد

إذا أوعدوا أعفوا و إن وعدوا وفوا فهم أهل فضل عند وعد و إيعاد

كرام إذا ما أنفقوا المال أنفدوا و ليس لعلم أنفقوه من إنفاد

ينابيع علم اللّه أطواد دينه فهل من نفاد إن علمت لأطواد

نجوم متي نجم خبا مثله بدا فصلي علي الخابي المهيمن و البادي

عباد لمولاهم موالي عباده شهود عليهم يوم حشر و اشهاد

هم حجج اللّه إثنتا عشرة متي عدد فثاني عشرهم خلف الهادي

بميلاده الانباء جاءت شهيرة فأعظم بمولود و أكرم بميلاد (2)

قال شاعر آل البيت المقبول الشيخ علي البازي:

إن جئت سامرا فحيي الوادي بعد التحية للإمام الهادي

اخلع نعالك قبل لثم ترابه عند الدخول لمرقد الأمجاد

و قل السلام علي الرسول و آله فخر الوري من حاضر أو باد

من أوجب اللّه العظيم ولاءهم مذ خصهم بشفاعة الميعاد

و حباهمم من فضله بفضائل جلت عن التصوير و التعداد

الواهبين لدي الجهاد جهودهم لله في التبليغ و الإرشاد5.

ص: 127


1- كشف الغمة:195/3.
2- وفيات الأئمة:375.

و الباذلين حياتهم لحياة من ضلوا ليقفوا علة الإيجاد

و المؤثرين علي النفوس فقيرهم و يتيمهم و أسيرهم بالزاد

آل العبا في عبء أوزار الملا قاموا و زاحوا غيهب الإلحاد

ورثوا الشجاعة و الندي عن تالد قرم و أفصح ناطق بالضاد

بدعائهم للعالمين تطوعوا بعد الرسول بحكمة و سداد

فرقانه السامي و نص حديثه عنهم أخذناه بلا إجحاد

ما قادمتهم في الأنام عصابة إلا و كان مآلها لبداد

هذي مآثرهم و تلك قبورهم و علومهم تتلي علي الأعواد

حكموا بحكم اللّه بين عباده فهم الأئمة زينة العباد

كم حملوا العدوان من أعدائه و تجرعوا غصصا من الأوغاد

فتفرقوا شيعا و جلّ ديارهم أودي بها صرف الزمان العادي

و تتبعت آثارهم خصماؤهم في كل حي آهل و بلاد

فكأنما المختار قد أوصاهم أن لا يشيدوا للهدي بعماد

قطعوا الصلات لرحمهم مذ قطعوا أرحامهم لا وفقوا لرشاد

ما واصلوا بسوي القطيعة و الأذي و الظلم و التنكيل و الاجهاد

لم يصفحوا عنهم كصفح محمد عن جدهم في بدر كالمعتاد

قتلا و صلبا قد أبادوا جمعهم طمعا بأخذ الثار بالأحقاد

ملأوا السجون بهم بدون جناية و السم بعد السجن و الابعاد

كابن الجواد علي الهادي قضي بالسم إذ لما يجد من فاد

غدروا به يا لهف نفسي غيلة و احر قلبي للسيد الهادي

قد شيعوه و خلفه أيتامه تدعوه ياري الفؤاد الصادي

من للعلوم و للعبادة و التقي و الجود و الارشاد و الوفاد

من مبلغ عني النبي و حيدرا و الطهر فاطم كعبة المرتاد

أن الإمام سليلها هادي الوري عصفت به للنائبات عوادي

و اسأل بيوم الطف عن سبط الهدي و رجاله الاعلام و الاسياد

منعوهم ماء الفرات ببغيهم و عداوة الآباء و الاجداد

ص: 128

جزروا الرجال علي ظما و رضيعهم جزر الاضاحي يا اهيل ودادي

و نساؤهم سقيت علي عجف المطي أسري لشر مذمم بفساد

أخذوا البقية منهم لطليقهم مضني يعاني الغل بالاصفاد

و علي الرماح رؤوسهم قد أهديت للشام و الاعداء بالمرصاد

أبدي الشماتة و الجفا و قد اشتفي فيهم يزيد كما اشتفي ابن زياد

هذي المصائب لا مصائب مثلها توهي القوي و تفت بالاعضاد

ما ذنب أبناء النبي و آله تجزي جزاء المجرم المتمادي (1)

قال محمد بن إسماعيل بن صالح الضميري رحمه اللّه:

الأرض خوفا زلزلت زلزالها و أخرجت من جزع أثقالها

إلي أن قال:

عشر نجوم أفلت في فلكها و يطلع اللّه لنا أمثالها

بالحسن الهادي أبي محمد تدرك أشياع الهدي إمامها

و بعده من يرتجي طلوعه يظل جواب الفلا جزالها

ذو الغيبتين طول الحق التي لا يقبل اللّه من استطالها

يا حجج الرحمان إحدي عشرة آلت بثاني عشرها مآلها

و قال أيضا عند مرض الإمام عليه السّلام:

مادت الأرض بي و آذت و فؤادي و اعترتني موارد العرواء

حين قيل الإمام نضو عليل قلت نفسي فدته كل الفداء

مرض الدين لاعتلالك و اعتل و غارت له نجوم السماء

عجبا إن منيت بالداء و السقم و أنت الإمام حسم الداء

و أنت أسي الأدواء في الدين و الدنيا و محيي الأموات و الأحياء (2)

***6.

ص: 129


1- كشف الغمة:195/3.
2- وفيات الأئمة:373-376.

قنوت مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد الهادي عليه السّلام

قال عليه السّلام:«يا من تفرد بالربوبية و توحد بالوحدانية،يا من أضاء باسمه النهار،و اشرقت به الأنوار،و اظلم بأمره حندس الليل و هطل بغيثه و ابل السيل،يا من دعاه المضطرون فأجابهم و لجأ إليه الخائفون فآمنهم و عبده الطائعون فشكرهم،و حمده الشاكرون فأثابهم،ما أجلّ شأنك و أعلي سلطانك،و أنفذ احكامك.

أنت الخالق بغير تكلف و القاضي بغير تحيف،حجتك البالغة،و كلمتك الدامغة،بك اعتصمت و تعوذت من نفثات العندة،و رصدات الملحدة،الذين ألحدوا في أسمائك و رصدوا المكاره لأوليائك و أعانوا علي قتل أنبيائك و أصفيائك و قصدوا لإطفاء نورك بإذاعة سرك،و كذبوا رسلك،و صدوا عن آياتك،و اتخذوا من دونك و دون رسولك و دون المؤمنين وليجة رغبة عنك و عبدوا طواغيتهم و جوابيتهم بدلا منك،فمننت علي أوليائك بعظيم نعمائك وجدت عليهم بكريم آلائك و أتممت لهم ما أوليتهم بحسن جزائك حفظا لهم من معاندة الرسل،و ضلال السبل و صدقت لهم بالعهود ألسنة الإجابة،و خشعت لك بالعقود قلوب الإنابة.

أسألك اللّهمّ باسمك الذي خشعت له السماوات و الأرض،و أحييت به موات الأشياء و أمتّ به جميع الأحياء و جمعت به كل متفرق،و فرقت به كل مجتمع،و أتممت به الكلمات،و أريت به كبري الآيات،و تبت به علي التوابين و أخسرت به عمل المفسدين فجعلت عملهم هباء منثورا، و تبرتهم تتبيرا أن تصلي علي محمد و آل محمد و أن تجعل شيعتي من الذين حملوا فصدقوا، و استنطقوا فنطقوا آمنين مأمونين.

اللّهمّ إني أسألك لهم توفيق أهل الهدي،و أعمال أهل اليقين،و مناصحة أهل التوبة،و عزم أهل الصبر،و تقية أهل الورع،و كتمان الصديقين حتّي يخافوك اللّهمّ مخافة تحجزهم عن معاصيك، و حتّي يعملوا بطاعتك لينالوا كرامتك و حتّي يناصحوا لك و فيك خوفا منك،و حتّي يخلصوا لك النصيحة في التوبة حبا لك،فتوجب لهم محبتك التي أوجبتها للتوابين و حتّي يتوكلوا عليك في أمورهم كلها حسن ظن بك،و حتّي يفوضوا إليك أمورهم ثقة بك.

اللّهمّ لا تنال طاعتك إلاّ بتوفيقك،و لا تنال درجة من درجات الخير إلا بك،اللّهمّ يا مالك يوم الدين،العالم بخفايا صدور العالمين طهّر الأرض من نجس أهل الشرك،و أخرس الخراصين عن تقولهم علي رسولك الإفك،اللّهمّ اقصم الجبارين،و أبر المغيرين،و أبد الافاكين الذين إذا تتلي عليهم آيات الرّحمن قالوا أساطير الأولين،و أنجز لي وعدك إنّك لا تخلف الميعاد،و عجل فرج كل طالب مرتاد بك إنّك لبالمرصاد للعباد.

و أعوذ بك من كل لبس ملبوس،و من كل قلب عن معرفتك محبوس و من كلّ نفس تكفر إذا

ص: 130

أصابها بؤس و من واصف عدل عمله عن العدل معكوس،و من طالب للحق و هو عن صفات الحق منكوس،و من مكتسب إثم بإثمه مركوس (1)و من وجه عند تتابع النعم عليه عبوس أعوذ بك من ذلك كله و من نظيره،و أشكاله،و أشباهه،و أمثاله إنّك عليّ عليم حكيم (2).

***

حرز الإمام الهادي عليه السّلام

و في مهج الدعوات:حرز لعلي بن محمد النقي عليه السّلام:بسم اللّه الرحمن الرحيم يا عزيز العز في عزه،ما أعز عزيز العز في عزه،يا عزيز أعزني بعزك،و أيدني بنصرك و ادفع عني همزات الشياطين،و ادفع عني بدفعك و امنع عني بصنعك،و اجعلني من خيار خلقك،يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد (3).

و الأحراز قد تختلف من إمام لإمام أو من رواية لأخري،و يراد بها أن الإنسان مخير بينها كل علي حسب حاجته أو وقته.

و الأحراز عموما لدفع الخوف أو القتل أو الأذية.

***

قصة إسلام هرثمة علي يديه عليه السّلام

عن يحيي بن هرثمة قال:دعاني المتوكّل قال:إختر ثلاثمائة رجل من تريد و اخرجوا علي طريق المدينة فأحضروا علي بن محمد بن الرضا إلي عندي مكرما معظّما.

ففعلت فخرجنا و كان في أصحابنا قائد من الشراة (4)أي الخوارج و كان لي كاتب يتشيّع و أنا علي مذهب الحشويّة (5)و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب في الطريق قال الشاري للكاتب أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب أنّه ليس من الأرض بقعة إلاّ و هي قبر أو ستكون قبرا،فانظر

ص: 131


1- من الركس و هو:رد الشيء مقلوبا.ذكره في المجمع(محمد الموسوي).
2- مهج الدعوات:61.
3- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:361/19،و مهج الدعوات:53.
4- الشراة جمع شار:و هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام،إنما لزمهم هذا اللقب لانهم زعموا أنهم شروا دنياهم بالآخرة أي باعوا(مجمع البحرين).
5- الحشوية:طائفة من أصحاب الحديث تمسكوا بالظاهر،لقبوا بهذا اللقب لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث المتناقضة(معجم الفرق الإسلامية).

إلي هذه التربة أين من يموت فيها حتّي تمتلئ قبورا،و تضاحكنا ساعة إذ اتّخذ الكاتب في أيدينا و سرنا حتّي دخلنا المدينة فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد الرضا فقرأ كتاب المتوكّل،فقال إنزلوا و ليس من جهتي خلاف،فلمّا صرت إليه من الغد و كنّا في تمّوز أشد ما يكون من الحرّ،فإذا بين يديه خيّاط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه ثمّ قال للخيّاط:إجمع عليها جماعة من الخيّاطين و اعمد إلي الفراغ منها يومك هذا و بكّر بها إليّ في هذا الوقت ثمّ نظر إليّ و قال:

يا يحيي أقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم و الرحيل غدا.

فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الحقائق و أقول في نفسي نحن في تمّوز و الحجاز و إنّما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب؟

ثمّ قلت في نفسي:هذا رجل لم يسافر و هو يقدّر أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلي مثل هذه الثياب و العجب من الرافضة حيث يقولون بإمامته هذا مع فهمه هذا،فعدت عليه في الغد،فإذا الثياب قد أحضرت.

فقال لغلمانه:ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس.

ثمّ قال الرجل يا يحيي،فقلت في نفسي هذا أعجب من الأوّل أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتّي أخذ معه اللبابيد و البرانس فخرجت و أنا استصغر فهمه،فعبرنا حتّي وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور و ارتفعت سحابة و إسودّت و أرعدت و أبرقت حتّي إذا صارت علي رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور و قد شدّ علي نفسه و علي غلمانه الخفاتين و لبسوا اللبابيد و البرانس.

فقال لغلمانه:ادفعوا إلي يحيي لبّادة و إلي الكاتب برنسا و يجمعنا و البرد يأخذنا حتّي قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت و رجع الحرّ كما كان.

فقال لي:يا يحيي أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك،فهكذا يملأ اللّه البريّة قبورا.

فرميت نفسي عن دابتي وعدت إليه فقبّلت ركابه و رجله و قلت:أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله و أنّكم خلفاء اللّه في أرضه و قد كنت كافرا و إنّي الآن قد أسلمت علي يديك يا مولاي.

قال يحيي:و تشيّعت و لزمت خدمته إلي أن مضي (1).

***7.

ص: 132


1- مدينة المعاجز:469/7.

قصة إسلام ابن يوسف النصراني

علي يدي الإمام الهادي عليه السّلام

و روي هبة اللّه الموصلي أنّه كان بدار ربيعة كاتب نصراني يسمّي يوسف بن يعقوب فوافي منزل والدي لصداقة بينهما فقال له:ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟

قال:دعيت إلي حضرة المتوكّل و لا أدري ما يراد منّي إلاّ أنّي إشتريت نفسي من اللّه بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن الرضا.

فقال له والدي:قد وفّقت في هذا،و خرج إلي حضرة المتوكّل و إنصرف إلينا بعد أيام مستبشرا.

فقال له والدي:حدّثني حديثك؟.

قال سرت إلي سرّ من رأي و ما دخلتها قط،فنزلت في دار و قلت أحب أن أوصل المائة إلي ابن الرضا قبل مسيري إلي باب المتوكّل،فعرفت أنّ المتوكّل قد منعه من الركوب فقلت:كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا فخفت ففكّرت فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه من حيث يذهب لعليّ أقف علي داره من غير أن أسأل أحدا فجعلت الدنانير في كاغذة (1)في كمي و ركبت فكان الحمار يتخرّق الشوارع و الأسواق إلي أن صرت إلي باب دار فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل فقلت للغلام:سل لمن هذه الدار؟

فقيل:هذه دار ابن الرضا.

فقلت:اللّه أكبر دلالة و اللّه مقنعة.

قال:و إذا خادم أسود فقال:أنت يوسف بن يعقوب؟

قلت:نعم.

قال:انزل فأقعدني في الدهليز فدخل فقلت:هذا دلالة أخري من أين عرف هذا الغلام إسمي.

ثمّ خرج الخادم فقال:المائة دينار التي في كمّك في الكاغذ هاتها،فناولته إيّاها،قلت؛ و هذه ثالثة.

ثمّ رجع إليّ و قال:أدخل فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده.

قال عليه السّلام:يوسف ما آن لك؟

ص: 133


1- أي في ورقة أو كيس.

فقلت:يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية.

فقال:هيهات أنّك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا.

يا يوسف إنّ أقواما يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم كذبوا و اللّه إنّها تنفع أمثالك،امض فيما وافيت له فإنّك ستري ما تحبّ.

قال:فمضيت إلي باب المتوكّل فقلت:كلّما أردت فانصرفت.

قال هبة:فلقيت ابنه بعد موت والده و اللّه و هو مسلم حسن التشيّع فأخبرني أنّ أباه مات علي النصرانية و أنّه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول:أنا بشارة مولاي عليه السّلام (1).

***

عقاب من يهين الأئمة عليهم السلام

و روي أبو القاسم البغدادي عن زرارة حاجب المتوكّل أنّه قال:وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلي المتوكّل يلعب بلعب الحقّ (2)لم ير مثله و كان المتوكّل لعّابا فأراد أن يخجل محمد بن علي بن الرضا فقال لذلك الرجل:إن أنت أخجلته أعطيك ألف دينار.

قال:تقدّم بأن تخبز رقاقا خفافا و اجعلها علي المائدة،و أقعدني إلي جنبه ففعل و أحضر علي بن محمّد عليه السّلام و كانت له مسورة عن يساره كان عليها صورة أسد و جلس اللاّعب إلي جنب المسورة فمدّ علي بن محمّد عليه السّلام يده إلي رقاقة فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلي أخري فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلي أخري فطيّرها فتضاحك الناس،فضرب علي ابن محمّد عليه السّلام علي تلك الصورة فقال:

خذه فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل و عادت في المسورة كما كانت.

فتحيّر الجميع و نهض علي بن محمّد عليه السّلام فقال له المتوكّل:سألتك ألا جلست و رددته.

فقال:و اللّه لا يري بعدها،أتسلّط أعداء اللّه علي أولياء اللّه و خرج من عنده فلم ير الرجل بعد (3).

و لله در القائل:

حسدوهم مع علمهم أنهم خير البرايا سيدا و مسود

لم يراعوا قرب النبي فزادوا في شقاهم علي فعال ثمود

ص: 134


1- الخرائج و الجرائح:396/1 ح 3،و عنه البحار:144/5 ح 28. الثاقب في المناقب:553 ح 13،و إثبات الهداة:373/3 ح 39،و كشف الغمة:392/2-393.
2- الحق:-بالضم-وعاء من الخشب،يجعل فيها المشعبذين شيئا بعيان الناس ثم يفتحونها و ليس فيها شيء.
3- الخرائج و الجرائح:400/1 ح 6،و عنه البحار:146/50 ح 30.

كلما أظهروا لما قد تعلوا من مقام تعنتوا بالجحود

ويلك من قرابة حسدتهم و رمتهم بالحرب كالمطرود

بلّغت فيهم بقتل و أسر و عناء فيا لها من حسود

قطعت رحمها و ولت عداها فلها الويل قائد و مقود

فمصابي لما أصيبوا عظيم و فؤادي قد صار حر و قيود

كيف أنساهم و ما قد أصيبوا من رزايا مفطرات الكبود

قد حرمت الهنا ما دمت حيا و لبست الضنا زمان وجودي

و يك يا عين اسكبي الدمع حزنا ويك لا تبخلي عليهم وجودي (1)

***

بعض كلام الإمام الهادي عليه السّلام

قال عليه السّلام:من رضي عن نفسه،كثر الساخطون عليه (2).

و قال عليه السّلام:راكب الحرون (3)أسير نفسه،و الجاهل أسير لسانه (4).

و قال عليه السّلام:الناس في الدنيا بالأموال،و في الآخرة بالأعمال (5).

و قال عليه السّلام:المصيبة للصابر واحدة،و للجازع اثنتان (6).

و قال عليه السّلام:الهزل فكاهة السفهاء،و صناعة الجهال (7).

و قال عليه السّلام:السهر ألذّ للمنام،و الجوع يزيد في طيب الطعام-يريد به الحث علي قيام الليل و صيام النهار- (8).

و قال عليه السّلام:أذكر مصرعك بين يدي أهلك،فلا طبيب يمنعك،و لا حبيب ينفعك (9).

و قال عليه السّلام:المقادير تريك ما لا يخطر ببالك (10).

و قال عليه السّلام:لرجل (11)و قد أكثر من إفراط الثناء عليه:أقبل علي ما شأنك،فإن كثرة الملق

ص: 135


1- وفيات الأئمة:362.
2- أعلام الدين:311.
3- فرس حرون:لا ينقاد،و إذا أشتد به الجري وقف(انظر الصحاح:مادة(حرن)ج 2097/5).
4- أعلام الدين:311.
5- المصدر السابق.
6- المصدر السابق.
7- أعلام الدين:311.
8- المصدر السابق.
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- في البحار:(لشخص)بدل(لرجل).

يهجم علي الظنة،و إذا حللت من أخيك في محل الثقة فأعدل عن الملق الي حسن النية (1).

و قال عليه السّلام:الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة (2).

و قال عليه السّلام:إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجود،فحرام أن تظن بأحد سوءا حتي تعلم ذلك منه،و إذا كان زمان الجور فيه أغلب من العدل،فليس لأحد أن يظن بأحد خيرا حتي يري ذلك منه (3).

عن سهل بن زياد،قال:كتب إليه بعض أصحابنا يسأله أن يعلمه دعوة جامعة للدنيا و الآخرة، فكتب إليه:أكثر من الإستغفار و الحمد،فإنك تدرك بذلك الخير كله (4).

و قال عليه السّلام للمتوكل في جواب كلام دار بينهما:لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه،و لا الوفاء ممن غدرت به،و لا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه،فإنما قلب غيرك لك كقلبك له (5).

و من أراد أن يقف علي الكلمات الصادرة عن جنابه بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عنه سلام اللّه عليه،فإنها كما قال العلامة المجلسي:أصح الزيارات سندا،و أعمها موردا،و أفصحها لفظا، و أبلغها معني،و أعلاها شانا (6).

و روي عن علي بن محمد الهادي عليه السّلام أنه قال:لو لا من يبقي بعد غيبة قائمكم عليه السّلام من العلماء الداعين إليه،و الدالين عليه،و الذابين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس و مردته،و من فخاخ النواصب،لما بقي أحد إلا ارتد عن دين اللّه،و لكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها،أولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ و جلّ (7).

***

بعض أحاديث الإمام الهادي عليه السّلام

و عن محمّد بن عيسي بن عبيد قال:أقرأني داود بن فرقد كتابه إلي أبي الحسن الثالث عليه السّلام أعرفه بخطّه،يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك عليهم السّلام و أحاديث قد اختلفوا علينا فيها،فكيف

ص: 136


1- بحار الأنوار:75 ص 369 ح 3.
2- أعلام الدين:311.
3- أعلام الدين:312،و عنه البحار:75 ص 370 ح 4.
4- الدر النظيم:الباب الثاني عشر فصل في ذكر شي من كلام الهادي عليه السلام(مخطوطة).
5- أعلام الدين:312،و عنه البحار:75 ص 370 ح 4.
6- بحار الأنوار:144/99 باب الزيارات الجامعة.
7- الاحتجاج،الشيخ الطبرسي:259/2.

العمل بها علي اختلافها و الردّ إليك و قد اختلفوا فيه؟فكتب إليه و قرأته:ما علمتم أنّه قولنا فالزموه، و ما لم تعلموا أنّه قولنا فردّوه إلينا (1).

و عن أحمد بن محمّد السياري قال:حدّثني غير واحد من أصحابنا،عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام قال:إن اللّه-تبارك و تعالي-جعل قلوب الأئمّة عليهم السّلام موردا لإرادته،و إذا شاء شيئا شاؤوه،و هو قول اللّه تعالي: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (2)(3).

و روي محمّد بن إسماعيل البرمكي (4)قال:حدّثنا موسي بن عبد اللّه النخعي قال:قلت لعليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام:

علّمني يا ابن رسول اللّه قولا(أقول به)بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم.

فقال:قل،و ذكر الزيارة بتمامها،و ذكر في أثنائها ما يدلّ علي رجعتهم عليهم السّلام فمنها:«فأنا مقرّ بفضلكم،محتمل لعلمكم،محتجب بذمّتكم (5)،معترف بكم،مؤمن بإيابكم،مصدّق برجعتكم، منتظر لأمركم،مرتقب لدولتكم».

و منها:«و نصرتي لكم معدّة،حتّي يحيي اللّه دينه بكم،و يردّكم في أيّامه،و يظهركم لعدله، و يمكّنكم في أرضه».

و منها:«و يحشر في زمرتكم،و يكرّ في رجعتكم،و يملّك في دولتكم،و يشرّف في عافيتكم، و يمكّن في أيّامكم،و تقرّ عينه غدا برؤيتكم».

و منها:«و مكّنني في دولتكم،و أحياني في رجعتكم،و ملّكني في أيّامكم» (6).

و قال السيد المرتضي رضي اللّه عنه:أخبرني الشيخ أدام اللّه عزه مرسلا عن محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني،عن سعيد بن جناح،عن سليمان بن جعفر قال:قال لي أبو الحسن العسكري عليه السّلام:نمت و أنا افكر في بيت ابن أبي حفصة:ن.

ص: 137


1- أخرجه في البحار:241/2 ح 33 و العوالم:572/3 ح 71 عن بصائر الدرجات:524 ح 26.
2- سورة التكوير،الآية:29.
3- عنه البرهان:435/4 ح 3 و 5 و ينابيع المعاجز:04(1)105 ح 7 و 8 و عن تفسير القمّي:409/2. و أخرجه في البحار:372/25 ح 23 عن بصائر الدرجات:517 ح 47،و في ج 114/5 ح 44 و ج /24 305 ح 4 عن القمّي.
4- قال النجاشي:محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي،المعروف بصاحب الصومعة،أبو عبد الله، سكن قم،و ليس أصله منها،و كان ثقة،مستقيما.
5- أي مستتر أو داخل في الداخلين تحت أمانكم،و الذمّة:العهد و الأمان و الحقّ و الحرمة.
6- من لا يحضره الفقيه:609/2 ح 3213،و عنه الرجعة:184 ح 104،و في الإيقاظ من الهجعة:234 ح 1 و ص 302 ح 4 عنه و عن العيون:272/2 ح 1 و التهذيب:95/6 ح 1 بإسناده عن ابن بابويه. و أخرجه في البحار:127/102 ح 4 عن العيون.

أني يكون و ليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام

فإذا إنسان يقول لي:

قد كان إذ نزل القرآن بفضله و مضي القضاء به من الحكام (1)

إن ابن فاطمة المنوه باسمه (2) حاز الوراثة عن بني الأعمام

و بقي ابن نثلة (3)واقفا متحيرا يبكي و يسعده ذوو الأرحام (4)

قال المجلسي:بيان:نثلة اسم ام العباس،و يقال:نثيلة.و لعل المراد بابن فاطمة أمير المؤمنين عليه السّلام،و يحتمل أن يكون المراد بفاطمة البتول عليها السّلام و بابنها جنس الإبن،أو القائم عليه السّلام، و الأول أظهر (5).

و في الدمعة عن الحسن بن مسعود و محمد بن خليل قالا:دخلنا علي سيّدنا أبي الحسن علي بن محمد عليه السّلام بسامراء و عنده جماعة من شيعته،فسألناه عن الأيام سعدها و نحسها فقال عليه السّلام:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم.و سألناه عن معني الحديث فقال عليه السّلام:له معنيان:ظاهر و باطن،فالظاهر أن السبت لنا و الأحد لشيعتنا و الاثنين لبني أمية و الثلاثاء لشيعتهم و الأربعاء لبني العبّاس و الخميس لشيعتهم و الجمعة للمسلمين عيد.و الباطن:السبت جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و الأحد أمير المؤمنين عليه السّلام،و الاثنين الحسن و الحسين،و الثلاثاء علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد عليهم السّلام،و الأربعاء موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و أنا،و الخميس ابني الحسن،و الجمعة ابنه الذي به يجمع الكلم و يتمّ النعم و يحق اللّه الحق و يزهق الباطل،و هو مهديكم المنتظر،ثمّ قرأ: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قال:هو و اللّه بقية اللّه (6).

و عن عبد العظيم الحسني ابن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام:دخلت علي سيدي علي بن محمد قال:فبصر بي و قال:مرحبا بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّا.

قال:فقلت له:يا ابن رسول اللّه إنّي أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا أثبت عليه7.

ص: 138


1- في بعض المصادر:قد كان إذ نزل الكتاب بفضله*و مضي القضاء به من الاحكام.
2- نوه بالحديث أي أشاد به و أظهره.نوه باسمه:دعاه أيضا.
3- هكذا في النسخ،و الصحيح كما في المصدر بالتاء،و هو نتلة أو نتيلة بنت خباب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر.
4- الفصول المختارة:65/1.
5- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:391/10.
6- الهداية الكبري:363 و من لا يحضره الفقيه:425/1 ح 1257.

حتّي ألقي اللّه عزّ و جلّ.فقال:هات يا أبا القاسم.فقلت:إنّي أقول:إنّ اللّه تبارك و تعالي واحد ليس كمثله شيء خارج عن الحدّين حدّ التشبيه و حدّ الإبطال،و إنّه ليس بجسم و لا صورة و لا عرض و لا جوهر،بل هو مجسّم الأجسام و مصوّر الصور و خالق الأعراض و الجواهر و ربّ كلّ شيء و مالكه و جاعله و محدثه،و إنّ محمّدا عبده و رسوله خاتم النبيّين فلا نبي بعده إلي يوم القيامة،و إنّ شريعته خاتم الشرائع فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة.

و أقول إنّ الإمام و الخليفة و ولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسي بن جعفر ثمّ علي بن موسي ثمّ محمّد بن علي ثمّ أنت يا مولاي.فقال عليه السّلام:و من بعدي الحسن إبني،فكيف للناس بالخلف بعده؟قال:فقلت:و كيف ذلك يا مولاي؟قال:لأنّه لا يري شخصه و لا يحلّ ذكره باسمه حتّي يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.قال:فقلت:أقررت.و أقول:بأنّ وليّهم ولي اللّه و عدوّهم عدوّ اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه عزّ و جلّ.الحديث،إلي هنا محلّ الحاجة (1).

و قال علي بن محمد عليه السّلام:إن من إعظام جلال اللّه إيثار قرابة أبوي دينك محمد و علي علي قرابة أبوي نسبك و إنّ من التهاون بجلال اللّه إيثار قرابة أبوي نسبك علي قرابة أبوي دينك محمد و علي عليهما السّلام (2).

***

خراب سرّ من رأي و تدارك عمارتها

عن الفحّام عن النصوري عن عمّ أبيه قال:قال يوما الإمام عليّ بن محمّد عليه السّلام:يا موسي أخرجت إلي سرّ من رأي كرها و لو أخرجت عنها أخرجت كرها.

قال:قلت:و لم يا سيّدي؟

قال:لطيب هوائها و عذوبة مائها و قلّة دائها.

ثمّ قال:تخرب سرّ من رأي حتّي يكون فيها خان و يقال للمارة و علامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهد من بعدي (3).

قال السيد الجزائري في الرياض:سرّ من رأي هي خراب و ما فيها سوي سور المشهد و هو

ص: 139


1- أمالي الصدوق:419 ح 557.
2- البحار:263/23.
3- مناقب آل أبي طالب:417/4،و أخرجه في البحار:129/50 ح 8 و إثبات الهداة:366/3 ح 21 عن أمالي الطوسي:287/1.

خراب أيضا و مدارس الخلفاء و قبل تاريخ كتابة هذه الكلمات بعامين إحترق الضريح المقدّس و المحجّر و الصندوق و لم يبق في القبّة الشريفة شيء من آثار القبور.

و في هذه الأوقات أمر السلطان العادل شاه سلطان حسين شيّد اللّه قواعد ملكه و سلطانه و أفاض علي الأنام بحار جوده و إحسانه أن يصنع المحجّر و الصندوق و أن يعمّر الضريح المقدّس و يتبعه إن شاء اللّه تعالي تعمير القبّة و المشهد و لعلّه يكون إن شاء اللّه تعالي من علامات ظهور المهدوية أو استيلاء سلطان الشيعة المذكور علي بغداد و ما والاها و قد كان تاريخ كتابة هذه الكلمات أوائل العام التاسع بعد المائة و الألف الهجرية.

***

رسالة الإمام الهادي عليه السّلام

الصدوق،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني قال:كتب علي بن محمّد بن علي بن موسي الرضا عليه السّلام إلي بعض شيعته ببغداد:بسم اللّه الرحمن الرحيم، عصمنا اللّه و إيّاك من الفتنة فإن يفعل فأعظم بها نعمة و إلاّ يفعل فهي الهلكة نحن نري أنّ الجدال في القرآن بدعة إشترك فيها السائل و المجيب فتعاطي السائل ما ليس له و تكلّف المجيب ما ليس عليه، و ليس الخالق إلاّ اللّه و ما سواه مخلوق و القرآن كلام اللّه،لا تجعل له إسما من عندك فتكون من الضالين،جعلنا اللّه و إيّاك من الذين يخشون ربّهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون (1).

***

رسالة الإمام في الجبر و التفويض

و مما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السّلام في رسالته إلي أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال:إجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك:أنّ القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها،فهم في حالة الإجماع عليه مصيبون،و علي تصديق ما أنزل اللّه مهتدون،و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم:(لا تجتمع أمتي علي ضلالة)فأخبر عليه السّلام أن ما اجتمعت عليه الأمة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحق،فهذا معني الحديث لا ما تأوله الجاهلون،و لا ما قاله المعاندون و من ابطال حكم الكتاب و اتباع حكم الاحاديث المزورة و الروايات المزخرفة،اتّباع الاهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب،و تحقيق الآيات الواضحات النيرات.

و نحن نسأل اللّه أن يوفقنا للصواب،و يهدينا إلي الرشاد.

ص: 140


1- أمالي الصدوق:المجلس الحادي و الثمانون 14 الرقم 639/864.

ثم قال عليه السّلام:فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الأمة،و عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة،فصارت بإنكارها و دفعها الكتاب كفارا ضلالا،و أصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم حيث قال:(إني مستخلف فيكم خليفتين:كتاب اللّه و عترتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي،و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض)و اللفظة الأخري عنه في هذا المعني بعينه قوله عليه السّلام:(إني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،و إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا)فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب اللّه مثل قوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لامير المؤمنين عليه السّلام:

أنه تصدق بخاتمه و هو راكع فشكر اللّه ذلك له و أنزل الاية فيه،ثم وجدنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة:(من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم و آل من والاه،و عاد من عاداه)و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم:

(عليّ يقضي ديني و ينجز موعدي و هو خليفتي عليكم بعدي)و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم حيث استخلفه علي المدينة فقال:يا رسول اللّه أتخلفني علي النساء و الصبيان؟

فقال:(أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي).

فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار،و تحقيق هذه الشواهد،فلزم الأمة الاقرار بها إذا كانت هذه الأخبار وافقت القرآن،و وافق القرآن هذه الاخبار فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب اللّه، و وجدنا كتاب اللّه لهذه الأخبار موافقا،و عليها دليلا،كان الإقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا اهل العناد و الفساد.

ثم قال عليه السّلام:و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما و إنّما قدمنا ما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب و الخبر إذا اتفقا دليلا لما أردناه،و قوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء اللّه.

(فقال):الجبر و التفويض يقول الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام،عند ما سئل عن ذلك فقال:لا جبر و لا تفويض،بل أمر بين الأمرين.قيل:فماذا يابن رسول اللّه؟

فقال:صحة العقل،و تخلية السرب،و المهلة في الوقت،و الزاد قبل الراحلة و السبب المهيج للفاعل علي فعله،فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه،و أنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هي:الجبر،و التفويض،و المنزلة بين المنزلتين،مثلا يقرّب المعني للطالب،و يسهّل له البحث من شرحه،و يشهد به القرآن بمحكم آياته،و يحقق تصديقه عند ذوي الألباب،و بالله العصمة و التوفيق.

ثم قال عليه السّلام:فاما الجبر.فهو:قول من زعم إن اللّه عزّ و جلّ جبر العباد علي المعاصي

ص: 141

و عاقبهم عليها،و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و كذبه،ورد عليه قوله: وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (1)و قوله جل ذكره: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (2)مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم أنه مجبور علي المعاصي فقد احال بذنبه علي اللّه و ظلمه في عقوبته له،و من ظلم ربه فقد كذب كتابه،و من كذّب كتابه لزمه(الكفر)بإجماع الامة،فالمثل المضروب في ذلك:مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلا نفسه،و لا يملك عرضا من عروض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره-علي علم منه بالمسير-إلي السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملكه ثمن ما يأتيه به،و علم المالك ان علي الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في اخذها منه إلا بما يرضي به من الثمن،و قد وصف به مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و إظهار الحكمة و نفي الجور،فأوعد عبده إن لم يأته بالحاجة يعاقبه، فلما صار العبد إلي السوق،و حاول أخذ الحاجة التي بعثه بها،وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن و لا يملك العبد ثمنها،فانصرف إلي مولاه خائبا بغير قضاء حاجة،فاغتاظ مولاه لذلك و عاقبه علي ذلك،فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته،و إن لم يعاقبه كذّب نفسه،أليس يجب أن لا يعاقبه و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة،تعالي اللّه عما يقول المجبرة علوا كبيرا.

ثم قال العالم عليه السّلام:-بعد كلام طويل-:فاما التفويض الذي ابطله الصادق عليه السّلام و خطّأ من دان به،فهو:قول القائل:(إن اللّه عزّ و جلّ فوض إلي العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم).

و هذا الكلام دقيق لم يذهب إلي غوره و دقته إلا الأئمة المهدية عليهم السلام من عترة آل الرسول صلوات اللّه عليهم فإنهم قالوا:(لو فوض اللّه أمره إليهم علي جهة الاهمال لكان لازما له رضي ما اختاروه و استوجبوا به الثواب،و لم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب إذ كان الإهمال واقعا،و تنصرف هذه المقالة علي معنيين:أما أن تكون العباد تظاهروا عليه فالزموه اختيارهم بآرائهم -ضرورة-كره ذلك أم أحب فقد لزمه الوهن،أو يكون جل و تقدس عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي عن إرادته ففوض أمره و نهيه إليهم،و أجراهما علي محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي علي إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر و الإيمان،و مثل ذلك:مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته،و يقف عند امره و نهيه و ادعي مالك العبد:انه قاهر قادر عزيز حكيم،فأمر عبده و نهاه،و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب و اوعده علي معصيته أليم العقاب،فخالف العبد إرادة مالكه،و لم يقف عند أمره و نهيه،فأي أمر أمره به أو نهاه عنه لم يأتمر علي إرادة المولي،بل كان العبد يتبع إرادة نفسه،و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا علي مولاه و قصد إرادة نفسه و اتبع هواه،فلما رجع إلي مولاه نظر إلي ما أتاه فإذا هو خلاف أمره فقال العبد:اتكلت علي تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي و إرادتي لان المفوض إليه غير0.

ص: 142


1- سورة الكهف،الآية:50.
2- سورة الحج،الآية:10.

محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض و التحظير.ثم قال عليه السّلام:فمن زعم أنّ اللّه فوض قبول أمره و نهيه إلي عباده فقد اثبت عليه العجز،و اوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر،و أبطل أمر اللّه و نهيه.

ثم قال:إن اللّه خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر و النهي،و قبل منهم اتباع امره و نهيه و رضي بذلك لهم،و نهاهم عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها،و لله الخيرة في الأمر و النهي يختار ما يريده و يأمر به،و ينهي عما يكره و يثبت و يعاقب بالإستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصيه لأنه العدل و منه النصفة و الحكومة،بالغ الحجة بالإعذار و الإنذار،و إليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده،اصطفي محمدا صلوات اللّه عليه و آله و بعثه بالرسالة إلي خلقه و لو فوض اختيار أموره إلي عباده لأجاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت و أبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم لما قالوا: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلي رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (1)يعنونهما بذلك فهذا هو:(القول بين القولين)ليس بجبر و لا تفويض،بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السّلام حين سأله عتابة بن ربعي الأسدي عن الإستطاعة.

فقال أمير المؤمنين:تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟فسكت عتابة بن ربعي.

فقال له:قل يا عتابة!قال:و ما أقول؟

قال:إن قلت تملكها مع اللّه قتلتك،و ان قلت تملكها من دون اللّه قتلتك.

قال:و ما أقول يا أمير المؤمنين؟

قال:تقول تملكها باللّه الذي يملكها من دونك،فإن ملككها كان ذلك من عطائه،و إن سلبكها كان ذلك من بلائه،و هو المالك لما ملكك،و المالك لما عليه أقدرك،أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون:(لا حول و لا قوة إلا باللّه).

فقال الرجل:و ما تأويلها يا أمير المؤمنين؟

قال:لا حول لنا عن معاصي اللّه إلا بعصمة اللّه،و لا قوة لنا علي طاعة اللّه إلا بعون اللّه.

قال:فوثب الرجل و قبل يديه و رجليه.

ثم قال عليه السّلام في قوله تعالي: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّي نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (2)و في قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (3)و في قوله: أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ (4)و قوله: وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ (5)و قوله: فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ4.

ص: 143


1- سورة الزخرف،الآية:21.
2- سورة محمد،الآية:31.
3- سورة الأعراف،الآية:181.
4- سورة العنكبوت،الآية:2.
5- سورة ص،الآية:34.

اَلسّامِرِيُّ (1) و قول موسي عليه السّلام: إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ (2)و قوله: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ (3)و قوله:

ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ (4) و قوله: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ (5)و قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (6).

و قوله: وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (7).

و قوله: وَ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ (8)إن جميعها جاءت في القرآن بمعني الاختيار.

ثم قال عليه السّلام:فإن قالوا ما الحجّة في قول اللّه تعالي: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و يضل من يشاء (9)و ما أشبه ذلك؟قلنا:فعلي مجاز هذه الآية يقتضي معنيين:أحدهما عن كونه تعالي قادرا علي هداية من يشاء و ضلالة من يشاء،و لو أجبرهم علي أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب،علي ما شرحناه.

و المعني الآخر:ان الهداية منه(التعريف)كقوله تعالي: وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمي عَلَي الْهُدي (10)و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجة علي حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها و تقليدها،و هي قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ (11)الاية.

و قال: فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (12)وفقنا اللّه و إياكم لما يحب و يرضي،و يقرب لنا و لكم الكرامة و الزلفي،و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقي،إنه الفعال لما يريد،الحكيم المجيد.

عن أبي عبد اللّه الزيادي قال:لما سم المتوكل،نذر للّه إن رزقه اللّه العافية أن يتصدّق بمال كثير،فلما سلم و عوفي سأل الفقهاء،عن حدّ(المال الكثير)كم يكون؟فاختلفوا.

فقال بعضهم:(ألف درهم)و قال بعضهم:(عشرة آلاف)و قال بعضهم:(مائة ألف)فاشتبه عليه هذا.8.

ص: 144


1- سورة طه،الآية:85.
2- سورة الأعراف،الآية:154.
3- سورة المائدة،الآية:51.
4- سورة آل عمران،الآية:152.
5- سورة القلم،الآية:17.
6- سورة هود،الآية:7.
7- سورة البقرة،الآية:142.
8- سورة محمد،الآية:4.
9- سورة إبراهيم،الآية:4.
10- سورة حم-السجدة،الآية:17.
11- سورة آل عمران،الآية:7.
12- سورة الزمر،الآية:18.

فقال له الحسن حاجبه:إن أتيتك يا أمير المؤمنين من هذا أخبرك بالحق و الصواب فمالي عندك؟

فقال المتوكل:إن أتيت بالحق فلك عشرة آلاف درهم،و إلا اضربك مائة مقرعة.

فقال:قد رضيت.

فأتي أبا الحسن العسكري عليه السّلام فسأله عن ذلك.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:قل له:يتصدق بثمانين درهما.فرجع إلي المتوكل فأخبره.

فقال:سله ما العلة في ذلك؟فسأله فقال:إن اللّه عزّ و جلّ قال لنبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلم: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (1)فعددنا مواطن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فبلغت ثمانين موطنا.فرجع إليه فاخبره ففرح، و أعطاه عشرة آلاف درهم.

و عن جعفر بن رزق اللّه قال:قدم إلي المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة،فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم.

فقال يحيي بن أكثم:قد هدم إيمانه شركه و فعله،و قال بعضهم:يضرب ثلاثة حدود،و قال بعضهم:يفعل به كذا و كذا.فأمر المتوكل بالكتاب إلي أبي الحسن العسكري و سؤاله عن ذلك.

فلما قرأ الكتاب كتب عليه السّلام:يضرب حتي يموت،فأنكر يحيي و أنكر فقهاء العسكر ذلك، فقالوا:يا أمير المؤمنين سله عن ذلك فإنه شيء لم ينطق به كتاب،و لم يجيء به سنة.فكتب إليه:إن الفقهاء قد أنكروا هذا،و قالوا:لم يجيء به سنة و لم ينطق به كتاب،فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتي يموت؟

فكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا (2)الآية فأمر به المتوكل فضرب حتي مات.سأل يحيي بن اكثم أبا الحسن العالم عليه السّلام عن قوله تعالي: سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ (3)ما هي؟

فقال:هي:(عين الكبريت)و(عين اليمن)و(عين البرهوت)و(عين الطبرية)و(جمة ما سيدان) و جمة(إفريقا)و(عين ما جروان)و نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا و لا تستقصي (4).

و روي عن الحسن العسكري عليه السّلام:أنه إتصل بأبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه السّلام:إن رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فافهمه بحجته حتي أبان عن فضيحته،فدخل إلي علي بن محمد عليه السّلام و في صدر مجلسه دست عظيم منصوب و هو قاعد خارج الدست،و بحضرته خلق من2.

ص: 145


1- سورة التوبة،الآية:26.
2- سورة المؤمن،الآية:84 و 85.
3- سورة لقمان،الآية:27.
4- الاحتجاج،الشيخ الطبرسي:258/2.

العلويين و بني هاشم،فما زال يرفعه حتي أجلسه في ذلك الدست،و أقبل عليه فاشتد ذلك علي أولئك الأشراف،فأما العلوية فاجلوه عن العتاب،و أمّا الهاشميون فقال له شيخهم:يابن رسول اللّه هكذا تؤثر عاميا علي سادات بني هاشم من الطالبيين و العباسيين؟!فقال عليه السّلام إياكم و أن تكونوا من الذين قال اللّه تعالي فيهم: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلي كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّي فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (1)أترضون بكتاب اللّه حكما؟

قالوا:بلي.

قال:أليس اللّه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ إلي قوله يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ (2)فلم يرض للعالم المؤمن إلا ان يرفع علي المؤمن غير العالم،كما لم يرض للمؤمن إلا أن يرفع علي من ليس بمؤمن، اخبروني عنه قال: يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ؟أو قال:يرفع الذين اوتوا شرف النسب درجات)؟أ و ليس قال اللّه: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (3)فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه؟!إنّ كسر هذا(لفلان)الناصب بحجج اللّه التي علمه إياها، لأفضل له من كل شرف في النسب.

فقال العباسي:يابن رسول اللّه قد اشرفت علينا هو ذا تقصير بنا عمن ليس له نسب كنسبنا، و ما زال منذ أول الاسلام يقدم الافضل في الشرف علي من دونه فيه.

فقال عليه السّلام:سبحان اللّه أليس عباس بايع أبا بكر و هو(تيمي)و العباس(هاشمي)؟أو ليس عبد اللّه بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب و هو(هاشمي)أبو الخلفاء و عمر(عدوي)؟!و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشوري و لم يدخل العباس؟فإن كان رفعنا لمن ليس بهاشمي علي هاشمي منكرا فأنكروا علي عباس بيعته لأبي بكر،و علي عبد اللّه بن عباس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن كان ذلك جائزا فهذا جائزا،فكأنما ألقم الهاشمي حجرا (4).

***

احتجاج الإمام العسكري عليه السّلام في شيء من التوحيد

سئل أبو الحسن عليه السّلام عن التوحيد فقيل له:لم يزل اللّه وحده لا شيء معه ثم خلق الأشياء بديعا و اختار لنفسه الاسماء،و لم تزل الاسماء و الحروف له معه قديمة؟فكتب:لم يزل اللّه موجودا ثم كون ما أراد،لا راد لقضائه،و لا معقب لحكمه،تاهت اوهام المتوهمين،و قصر طرف

ص: 146


1- سورة النساء،الآية:6.
2- سورة المجادلة،الآية:11.
3- سورة الزمر،الآية:9.
4- الاحتجاج،الشيخ الطبرسي:258/2.

الطارفين،و تلاشت اوصاف الواصفين و اضمحلت اقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه،أو الوقوع بالبلوغ علي علو مكانه،فهو بالموضع الذي لا يتناهي،و بالمكان الذي لم يقع عليه عيون باشارة و لا عبارة،هيهات هيهات!! (1)

و حدثنا أحمد بن اسحاق قال كتبت إلي أبي الحسن علي بن محمد العسكري أسأله عن الرؤية و ما فيه الخلق فكتب:لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر،فمتي انقطع الهواء و عدم الضياء لم تصح الرؤية،و في جواب اتصال الضيائين الرائي و المرئي وجوب الاشتباه، و اللّه تعالي منزه عن الاشتباه،فنثبت انه لا يجوز عليه سبحانه الرؤية بالابصار،لأن الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات (2).

و عن العباس بن هلال قال:سألت أبا الحسن علي بن محمد عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:(اللّه نور السماوات و الأرض) (3).

فقال عليه السّلام:يعني هادي من في السماوات و من في الأرض (4).

***

الملوك الذين عاشرهم الإمام علي بن محمد الهادي عليه السّلام

اشارة

و كانت مدة إمامته عليه السّلام بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق،ثم ملك المتوكل،ثم ملك المنتصر،ثم ملك المستعين،ثم ملك المعتز،ثم ملك المعتمد أخ المتوكل ثمان سنين و ستة أشهر، في آخر ملكه استشهد ولي اللّه الهادي عليه السّلام،و هكذا في رواية المناقب،و دفن في داره بسر من رأي و كان مقامه عليه السّلام بها إلي أن توفي عشرين سنة.

و قيل:في آخر ملك المعتزّ استشهد مسموما سمّه المعتزّ لعنه اللّه (5).

***

كتاب المتوكل للإمام الهادي عليه السّلام

عن محمّد بن يحيي،عن بعض أصحابنا قال:أخذت نسخة كتاب المتوكلّ إلي أبي الحسن الثالث عليه السّلام من يحيي بن هرثمة6في سنة ثلاث و أربعين و مائتين و هذه نسخته:بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين عارف بقدرك،راع لقرابتك،موجب لحقّك،يقدّر من الأمور فيك

ص: 147


1- الاحتجاج:250/2.
2- الكافي:97/1.
3- سورة النور،الآية:35.
4- الاحتجاج:251/2.
5- دلائل الإمامة:157،و وفيات الأئمة:387.

و في أهل بيتك ما أصلح اللّه به حالك و حالهم و ثبّت به عزّك و عزّهم و أدخل اليمن و الأمن عليك و عليهم،يبتغي بذلك رضي ربّه و أداء ما افترض عليه فيك و فيهم و قد رأي أمير المؤمنين صرف عبد اللّه بن محمّد عمّا كان يتولاّه من الحرب و الصلاة بمدينة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقّك و استخفافه بقدرك و عند ما قرفك به و نسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه و صدق نيّتك في ترك محاولته و أنّك لم تؤهّل نفسك له و قد ولّي أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّد بن الفضل و أمره بإكرامك و تبجيلك و الإنتهاء إلي أمرك و رأيك و التقرّب إلي اللّه و إلي أمير المؤمنين بذلك.

و أمير المؤمنين مشتاق إليك يحبّ إحداث العهد بك و النظر إليك،فإن نشطت لزيارته و المقام قبله ما رأيت شخصت و من أحببت من أهل بيتك و مواليك و حشمك علي مهلة و طمأنينة،ترحل إذا شئت و تنزل إذا شئت تسير كيف شئت و إن أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أمير المؤمنين و من معه من الجند مشيّعين لك،يرحلون برحيلك و يسيرون بسيرك و الأمر في ذلك إليك حتّي توافي أمير المؤمنين فما أحد من إخوته و ولده و أهل بيته و خاصّته ألطف منه منزلة و لا أحمد له أثرة،و لا هو لهم أنظر و عليهم أشفق و بهم أبرّ و إليهم أسكن منه إليك إن شاء اللّه تعالي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته؛و كتب إبراهيم بن العبّاس و صلّي اللّه علي محمّد و آله و سلّم (1).

و في رواية:...و إن أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة بن أعين مولي أمير المؤمنين في خدمتك هو و من معه من الجند،يرحلون برحيلك،و ينزلون بنزولك،و الأمر إليك في ذلك،و قد كتبت إليه في طاعتك بجميع ما تحب،فاستخر اللّه تعالي فما عند أمير المؤمنين من أهل بيته و ولده و خاصته ألطف منزلة،و لا أثر و لا انظر إليهم و أبر بهم و أشفق عليهم و أسكن إليهم منك إليه، و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.و كتب إبراهيم بن العباس في سنة ثلاث و أربعين و مائتين من الهجرة.

فلما وصل الكتاب إلي أبي الحسن عليه السّلام تجهز للرحيل،و أزمع علي الإنتقال و التحويل،و خرج معه يحيي بن هرثمة مولي المتوكل و من معه من الجند حافين به.ك.

ص: 148


1- روي أنه كان من الحشوية ثم تشيع فروي أن الإمام عليه السّلام لما تهيأ للخروج أمر الخياطين أن يهيئوا له و لخدمه و من معه لبابيد و ألبسة شتوية و كان زمان الصيف فتعجب يحيي من عمله و أن الشيعة كيف يعتقدون فيه ما يعتقدون مع أن هذا عمله حتي إذا خرجوا اتفق في بعض المنازل هبوب رياح و نزول أمطار و احتاجوا إلي تلك اللبابيد فهلك من أصحاب يحيي جماعة من البرد فدفنوا في تلك البقعة و قيل:إن بعض أصحابه كان خارجيا و كاتبه شيعيا و كانا قبل ذلك ينازعان في صحة ما رووا عن أمير المؤمنين عليه السّلام:إن كل بلد لا بد أن يدفن فيه أحد و أن تلك البقعة بعيدة عن العمران و عن المارة فكيف يمكن أن يدفن فيها أحد حتي وصلوا إلي المدينة و رجعوا فلما وافوا تلك البقعة اتفق الطوفان و هلك من هلك و دفن فيها.فتشيع يحيي بن هرثمة لما رأي ذلك.

لقد خدعوه بالمكاتيب إذ رأوا مناقبه تستوجب الشرف العالي

ليس ببدع منهم لو تبوأوا مقامات نصب من عدولهم قالي

و يودون أن يفنوهم عن جديدها و قد بذلوا فيه خزائن أموال

فقبحا لهم،ما جني سيد الوري بآل بني العباس من سوء أفعال

أتسجن أبناء الكرام عداوة و تشهر هاتيك النساء فوق اجمال

كأن لم يكونوا للنبي قرابة و لم يعرفوا بين الخلائق بالآل

فيا ضيعة الإسلام من بعد فقدهم و يا ذلة الإيمان إذ فقد الوالي

فيا عبرتي صبي و يا فرحتي اذهبي و يا قلب فالبث في عناء و أهوال (1)

قال الراوي:و كان أبو العباس في الوفد الذين أرسلهم المتوكل في إشخاص أبي الحسن عليه السّلام، و كان يعيب علي من يقول بإمامة الهادي عليه السّلام قبل ذلك،و لم يكن في شيء من أمره عليه السّلام و صار معه وقت خروجه من المدينة رادا من ولايته و ما زال عنه الشك و أقر بإمامته و دان بطاعته و زادت عقيدته.

و قد روي عن أبي البصري عن ابن العباس قال:كنا قد تذاكرنا أبا الحسن فقال:يا أبا محمد إني كنت ليس في شيء من هذا الأمر،و كنت أعيب علي أخي و علي أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم و الشتم،إلي أن كنت في الوفد الذين بعثهم المتوكل إلي المدينة في إحضار أبي الحسن عليه السّلام، فخرجنا من المدينة و صرنا في بعض الطريق فطوينا المنزل و كان يوما صائفا شديد الحر،فسألناه أن ينزل بنا فقال:لا،فخرجنا و لم نطعم شيئا و لم نشرب،فلما اشتد الحر و الجوع و العطش بنا و نحن في تلك الحال في أرض ملساء لا نري فيها شيئا من الظل و الماء،فجعلنا نشخص إليه بأبصارنا فقال عليه السّلام:ما لكم أظنكم جياعا و قد عطشتم؟

قلنا له:أي و اللّه يا سيدنا قد جعنا و عطشنا.

فقال عليه السّلام:عرسوا،فابتدرت إلي الفضاء لأنيخ ناقتي،ثم التفت و إذا أنا بشجرتين يستظل تحتهما عالم كثير من الناس،و كنت أعرف موضعهما و هي أرض قراح قفراء،و إذا أنا بعين تسيح علي وجه الأرض أعذب ماء و أبرد ذوق،فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا،و إن فينا من سلك تلك الطريق مرارا فما رأي فيه شيئا فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب و جعلت أحد النظر فيه و أتأمله عليه السّلام فتبسم و طوي وجهه عني فقلت في نفسي و اللّه لأعرفن هذا كيف هو؟

فأتيت من وراء شجرة و دفنت سيفي و جعلت عليه حجرين و تغوطت عليها في ذلك الموضع و تهيأت للصلاة.1.

ص: 149


1- الكافي:501/1.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:إسترحتم؟

قلنا:نعم،قال:فارتحلوا علي إسم اللّه تعالي،فارتحلنا فلما سرنا ساعة رجعت علي الأثر، فأتيت الموضع و وجدت الأثر و السيف كما وضعته و العلامة و كأن اللّه لم يخلق هناك شجرة و لا ماء و لا ظلا،فتعجبت و رفعت يدي إلي السماء،و سألت اللّه تعالي الثبات علي المحبة و الإيمان، و أخذت الأثر فلحقت القوم فالتفت إلي أبو الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا العباس فعلتها؟

قلت:نعم يا سيدي لقد كنت شاكا فأصبحت و أنا عند نفسي من أغني الناس بك في الدنيا و الآخرة.

فقال عليه السّلام:هو ذلك أنتم معدودون معلومون لا يزيد رجل و لا ينقص رجل.

قال الراوي:فلما وصل عليه السّلام سر من رأي،أنفذ المتوكل أن يحجب عنه،فعزلوه بخان يعرف بخان الصعاليك (1).

و قيل في سبب مساهلة المتوكل مع الإمام عليه السّلام علي ما كان فيه من عداوة أمير المؤمنين عليه السّلام و ما فعل بقبر الحسين عليه السّلام و منع من زيارته حتي إن علماء أهل السنة أيضا و صفوه بالنصب.

قال في فوات الوفيات:تنفر المسلمون جميعا من عمله ثم إنه استقدم الهادي عليه السّلام و لم يتعرض له بحبس و قتل بل كان في عز ظاهر و حشمة نازلا في بعض دور الخلافة مع خدمه و ذويه مدة أربع سنين في حياة المتوكل و ست سنين أو أكثر بعده و لم يتفق لأحد من الأئمة عليهم السلام ذلك المقام الطويل في الحضرة معظما مكرما و ذلك لأنّ مذهب الشيعة قد رسخت أركانه و ثبتت أصوله و تمكن في القلوب قواعده و انتشر في أقطار الأرض دعوته و كثر في النواحي اتباعه في زمان الهادي عليه السّلام و أن الخلفاء علموا بطول المعاشرة أن الأئمة عليهم السلام لن يخرجوا عليهم طلبا للملك و لن يتوثبوا علي سلطانهم و لن يستعجلوا للحصول علي الإمارة كدعاة الزيدية من شرفاء بني الحسن و غيرهم و أول من تنبه لذلك المأمون و تبعه المعتصم و الواثق بعد أن كان هارون و من قبله يخافون من خروجهم كالزيدية و يزعمون أنه يمكن معارضة الحق بالسيف و اطفاء نور اللّه بالقهر فلما سافر الرضا عليه السّلام إلي خراسان و ظهر أمره و تبين طريقته و عاشره أصحاب الحكومة و عمال الخلافة تبين لهم خطؤهم في ظنونهم و أباح المأمون بعد قتل الرضا عليه السّلام البحث و النظر في الإمامة و فروعها إذ علم أن ظهور الشيعة الإمامية لا يوهن سلطانه.

و روي الخطيب في تاريخ بغداد عن بعضهم قال:كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة فدخلنا عليه و هو يستاك و يقول و هو مغتاظ:متعتان كانتا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و علي عهد أبي بكر و أنا أنهي عنهما.و من أنت يا أحول حتي تنهي عما فعله النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أبو بكر،6.

ص: 150


1- وفيات الأئمة:356.

ثم ذكر كلام يحيي بن أكثم و صرفه عن ذلك بما لا حاجة لنا إليه.

و قال اليعقوبي:صار المأمون إلي دمشق سنة 218 و امتحن الناس في العدل و التوحيد و كتب في إشخاص الفقهاء من العراق و غيرها فامتحنهم في خلق القرآن و كفر من امتنع أن يقول:القرآن غير مخلوق،و كتب أن لا تقبل شهادته فقال كل بذلك إلاّ نفر يسير.انتهي.

و قال أيضا لفقيه مالكي أفتي بحكم ظاهر الفساد:أنت تيس و مالك أتيس منك بدل أن يقول:

أنت كيس و مالك أكيس منك،نقله اليعقوبي.

و بالجملة كان موقع الشيعة بعد الرضا عليه السّلام في قلوب الموافقين و المخالفين غير ما كان قبله (1).

***

حال المتوكل مع الإمام الهادي عليه السّلام

كان المتوكل أشدهم عداوة إليه فلا زال يضمر له الغوائل،و ينصب لبغضه الحبائل،و كان دار ملكه لعنه اللّه سر من رأي،و مولانا الهادي عليه السّلام مقيم بها بعد إشخاصه من المدينة بأمر المتوكل، و إنما فعل ذلك به ليصرف وجه الناس عنه لما رأي من زهده عليه السّلام و مجده و فضله.

و ما أعطاه اللّه من المهابة و الجلالة و الكرامة و النبالة و الإحاطة بجميع أحكام الدين،و بما في الكتاب المستبين المكنون و ما كان و ما يكون،فخرج هذا الأمر عنه إلي بني العباس.

و روي عن يحيي بن زكريا كما في كشف الغمة و غيره قال:دعاني المتوكل و قال:اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا إلي الكوفة و خلفوا أثقالكم فيها،و اخرجوا علي طريق البادية إلي المدينة و احضروا علي بن محمد الهادي إلي عندي مكرما معظما (2).

***

رؤيا المتوكل و إخباره عليه السّلام بما رأي المتوكل

عن علي بن عبيد اللّه الحسيني قال:ركبنا مع سيدنا أبي الحسن عليه السّلام إلي دار المتوكل في يوم السلام،فسلم سيدنا أبو الحسن عليه السّلام و أراد أن ينهض،فقال له المتوكل:إجلس يا أبا الحسن إني أريد أن أسالك،فقال له عليه السّلام:سل.

ص: 151


1- وفيات الأئمة:356.
2- شرح أصول الكافي:307/7.

فقال له:ما في الآخرة شيء غير الجنة أو النار يحلون فيه الناس؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:ما يعلمه إلا اللّه،فقال له:فعن علم اللّه أسالك،فقال له عليه السّلام:و من علم اللّه اخبرك،قال:يا أبا الحسن ما رواه الناس أن أبا طالب يوقف إذا حوسب الخلائق بين الجنة و النار،و في رجله نعلان من نار يغلي منهما دماغه،لا يدخل الجنة لكفره و لا يدخل النار لكفالته رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و صده قريشا عنه،و السر علي يده حتي ظهر أمره؟

قال له أبو الحسن عليه السّلام:ويحك لو وضع إيمان أبي طالب في كفة و وضع إيمان الخلائق في الكفة الأخري لرجح إيمان أبي طالب علي إيمانهم جميعا،قال له المتوكل:و متي كان مؤمنا؟

قال له:دع ما لا تعلم و اسمع ما لا ترده المسلمون جميعا و لا يكذبون به،إعلم أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم حج حجة الوداع،فنزل بالأبطح بعد فتح مكة،فلما جن عليه الليل أتي القبور قبور بني هاشم،و قد ذكر أباه و أمه و عمه أبا طالب،فداخله حزن عظيم عليهم ورقة،فأوحي اللّه إليه أن الجنة محرمة علي من أشرك بي و إني أعطيك يا محمد ما لم اعطه أحدا غيرك،فادع أباك و امك و عمك فانهم يجيبونك و يخرجون من قبورهم أحياء لم يمسهم عذابي لكرامتك عليّ،فادعهم إلي الإيمان باللّه و إلي رسالتك و إلي موالاة أخيك علي و الأوصياء منه إلي يوم القيامة،فيجيبونك و يؤمنون بك.

فأهب لك كل ما سألت و أجعلهم ملوك الجنة كرامة لك يا محمد،فرجع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:قم يا أبا الحسن فقد أعطاني ربي هذه الليلة ما لم يعطه أحدا من خلقه في أبي و أمي و أبيك عمي،و حدثه بما أوحي اللّه إليه و خاطبه به،و أخذ بيده و صار إلي قبورهم، فدعاهم إلي الإيمان باللّه و به و بآله عليهم السلام،و الإقرار بولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام و الاوصياء منه،فامنوا باللّه و برسوله و أمير المؤمنين و الأئمة منه واحدا بعد واحد إلي يوم القيامة.

فقال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:عودوا إلي اللّه ربكم و إلي الجنة،فقد جعلكم اللّه ملوكها،فعادوا إلي قبورهم،فكان و اللّه أمير المؤمنين عليه السّلام يحج عن أبيه و أمه و عن أب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أمه،حتي مضي و وصّي الحسن و الحسين-عليهما السّلام-بمثل ذلك،و كل إمام منا يفعل ذلك إلي أن يظهر اللّه أمره، فقال له المتوكل:قد سمعت هذا الحديث:أن أبا طالب في ضحضاح من نار،أفتقدر يا أبا الحسن أن تريني أبا طالب بصفته حتي أقول له و يقول لي؟

قال أبو الحسن عليه السّلام:إن اللّه سيريك أبا طالب في منامك الليلة و تقول له و يقول لك،قال له المتوكل:سيظهر صدق ما تقول،فإن كان حقا صدقتك في كل ما تقول،قال له أبو الحسن عليه السّلام:

ما أقول لك إلا حقا و لا تسمع مني إلا صدقا.

قال له المتوكل:أليس في هذه الليلة في منامي؟

ص: 152

قال له:بلي،قال:فلما أقبل الليل قال المتوكل أريد أن لا أري أبا طالب الليلة في منامي، فأقتل علي بن محمد بادعائه الغيب و كذبه،فماذا أصنع؟فما لي إلا أن أشرب الخمر،و آتي الذكور من الرجال و الحرام من النساء فلعل أبا طالب لا يأتيني،ففعل ذلك كله و بات في جنابات،فرأي أبا طالب في النوم فقال له:يا عم حدثني كيف كان إيمانك باللّه و برسوله بعد موتك.

قال:ما حدثك به إبني علي بن محمد في يوم كذا و كذا،فقال:يا عم تشرحه لي،فقال له أبو طالب:فإن لم أشرحه لك تقتل عليا و اللّه قاتلك،فحدثه فاصبح.فأخر أبا الحسن عليه السّلام ثلاثا لا يطلبه و لا يسأله،فحدثنا أبو الحسن عليه السّلام بما رأه المتوكل في منامه و ما فعله من القبائح لئلا يري أبا طالب في نومه،فلما كان بعد ثلاثة أيام أحضره فقال له:يا أبا الحسن قد حلّ لي دمك.

قال له:و لم؟

قال:في إدعائك الغيب و كذبك علي اللّه،أليس قلت لي:إني أري أبا طالب في منامي تلك الليلة فأقول له و يقول لي؟فتطهّرت و تصدّقت و صلّيت و عقبت لكي أري أبا طالب في منامي فأسأله، فلم أره في ليلتي،و عملت هذه الاعمال الصالحة في الليلة الثانية و الثالثة فلم أره،فقد حل لي قتلك و سفك دمك.

فقال له أبو الحسن عليه السّلام:يا سبحان اللّه ويحك ما أجراك علي اللّه؟ويحك سولت لك نفسك اللوامة حتي أتيت الذكور من الغلامان و المحرمات من النساء و شربت الخمر لئلا تري أبا طالب في منامك فتقتلني،فأتاك و قال لك و قلت له،و قص عليه ما كان بينه و بين أبي طالب في منامه،حتي لم يغادر منه حرفا،فأطرق المتوكل ثم قال:كلنا بنو هاشم و سحركم يا آل أبي طالب من دوننا عظيم، فنهض عنه أبو الحسن-عليه السّلام (1).

***

بين الإمام الهادي عليه السّلام و المتوكل و الفقهاء

و روي أنه قدم إلي المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة،فأراد أن يقيم الحد عليه فأسلم فقال يحيي بن أكثم:قد هدم إيمانه شركه و فعله،و قال بعضهم:يضرب ثلاثة حدود و قال:بعضهم:

يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكل بالكتاب إلي أبي الحسن العسكري و سؤاله عن ذلك.فلمّا قرأ الكتاب كتب:يضرب حتّي يموت.

فأنكر يحيي و أنكر فقهاء العسكر ذلك،فقالوا:يا أمير المؤمنين سل عن هذا فإنّه شيء لم ينطق به كتاب و لم تجي به سنة.

ص: 153


1- مدينة المعاجز-السيد هاشم البحراني:536/7،و حلية الأبرار:460/2-462.

فكتب إليه:إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا،و قالوا:لم تجي به سنة و لم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضرب حتّي يموت؟

فكتب:بسم اللّه الرحمن الرّحيم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ (1)فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا (2)الآية.

فأمر به المتوكل فضرب حتّي مات (3).

***

بين الإمام الهادي عليه السّلام و المتوكل

روي في كتاب الإستدراك:قال:نادي المتوكل يوما كاتبا نصرانيا:أبا نوح،فأنكروا كني الكتابيين،فاستفتي فاختلف عليه،فبعث إلي أبي الحسن فوقع عليه السّلام:

بسم اللّه الرحمن الرحيم:(تبت يدا أبي لهب)فعلم المتوكل أنه يحل ذلك لأن اللّه قد كني الكافر (4).

و عن أبي العباس بن محمد بن إسرائيل الكاتب أنه جري ذكر أبي الحسن عليه السّلام فقال:يا أبا سعيد إني أحدثك بشيء حدثني به أبي قال:كنا مع المعتز و كان أبي كاتبا له فدخلنا الدار و إذا المتوكل علي سريره قاعدا،فسلم المعتز عليه و وقفت خلفه،و كان عهدي به إذا دخل رحب به و أمره بالقعود،فأطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع أخري و هو لا يأذن له بالجلوس،و نظرت إلي وجهه يتغير ساعة بعد ساعة و يقبل علي الفتح بن خاقان هذا الذي تقول فيه ما تقول و يردد القول،و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب عليه يا أمير المؤمنين،و هو يقول:و اللّه لأقتلن هذا المرائي الزنديق و هو يدعي الكذب و يطعن في دولتي،ثم قال:جئني بأربعة من الخزرج فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف،و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن عليه السّلام،و يقبلوا عليه بأسيافهم و يخبطوه و هو يقول:و اللّه لأحرقنه بعد القتل،و أنا منتصب قائم خلف المعتز وراء الستر،فما شعرت إلا بأبي الحسن عليه السّلام قد دخل،فبادر الناس أمامه و قالوا:قد جيء به،فالتفت له عليه السّلام و إذا أنا به و شفتاه يتحركان و هو غير مكروب و لا جازع،فلما بصر به المتوكل رمي بنفسه عن السرير إليه و هو سبقه و انكب عليه و قبّل ما بين عينيه و يديه و سيفه بيده،و هو يقول:يا سيدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يا بن عمي يا مولاي يا أبا الحسن،و أبو الحسن عليه السّلام يقول:أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين من هذا.

ص: 154


1- سورة المؤمنون،الآية:84.
2- سورة المؤمنون،الآية:85.
3- الاحتجاج:258/2.
4- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:391/10.

فقال:ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟

قال:جاءني رسولك فقال المتوكل:قد كذب ابن الفاعلة،ارجع يا سيدي من حيث جئت،يا فتح،يا عبد اللّه،يا معتز شيعوا سيدكم و سيدي،فلما بصر به الخزرج خروا سجدا،فلما خرج عليه السّلام دعاهم المتوكل ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون،فقال لهم:لم لا فعلتم ما أمرتكم به فقالوا:

هيبة منه و قد رأينا حوله أكثر من مائة ألف سيف لم نقدر أن نتأملها فمنعنا ذلك عما أمرتنا،و امتلأت قلوبنا رعبا من ذلك.

فقال المتوكل:يا فتح هذا صاحبك و ضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه،و قال:

الحمد للّه الذي بيض وجهه و أنا حجته،فيالله من هذه النفوس الملعونة التي أقدمت علي مخالفة ربها و لم تبال بمقارفة ذنبها،فسحقا لها و تبا فلقد باءت بالخسران و أطاعت الشيطان و قطعت الارحام،و نصرت العدوان (1).

و لله در من قال:

شلّت عروشك يا بني العباس مذ صرت أعداء لخير الناس

عمدت يداك لهدم كل مشيد في الدين قد زادت علي الأرجاس

من آل سفيان و آل أمية أهل الشقاق نتيجة الخنّاس

و هم و إن قتلوا الحسين عداوة لكنهم عفوا عن الأرماس

صيرتم حفرا لهم و مبانيا سكنوا بها فالحزن أصبح راسي

فلأنثرن مدامعي بمجامعي و أدير كأس الحزن في جلاسي

تالله لا أنسي الحزين مصابه فلحزنكم و اللّه لست بناسي

هيهات أسلوا حزنكم و مصابكم فمصابكم أدهي لطود رواسي (2)

و عن ابن المتوكّل قيل له:إنّ أبا الحسن يعني علي بن محمّد بن علي الرضا يفسّر قول اللّه تعالي: يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلي يَدَيْهِ الآيتين في الأوّل و الثاني،قال:فكيف الوجه في أمره؟

قالوا:تجمع له الناس و تسأله بحضرتهم فإن فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره و إن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه،قال:فوجّه إلي القضاة و بني هاشم و الأولياء و سئل عليه السّلام فقال:

هذان رجلان كنّي اللّه عنهما و منّ بالستر عليهما أفيحبّ أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره الله؟0.

ص: 155


1- الخرائج و الجرائح:ج 1 ص 417 ح 21،و الثاقب في المناقب:556 ح 16،و البحار:196/50 ح 8 و حلية الأبرار:475/2(ط ق)عن الخرائج،و في إثبات الهداة:3 379 ح 48 عن الخرائج و كشف الغمة:395/2-396.
2- وفيات الأئمة:380.

فقال:لا أحبّ (1).

و روي أن الإمام عليه السّلام دخل يوما علي المتوكل فقال:يا أبا الحسن من أشعر الناس؟-و قد كان سأل قبله ابن الجهم-فذكر شعراء الجاهلية و شعراء الاسلام،فلما سئل الإمام عليه السّلام قال:فلان ابن فلان العلوي-قال ابن الفحام:و أحسبه الجماني (2)-.

قال:حيث يقول شعرا:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة بمطّ خدود و امتداد أصابع

فلمّا تنازعنا المقال (3)قضي لنا شهيد بما نهوي نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا عليهم جهير الصوت في كلّ جامع

فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا و نحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال:و ما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟

قال أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه جدي أم جدك (4)؟فضحك المتوكل ثم قال:هو جدك لا ندفعك عنه (5).

و روي المسعودي عن محمد بن عرفه النحوي عن المبرد،قال:قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام:ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟

قال:و ما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل افترض اللّه طاعة نبيه علي خلقه،و افترض طاعته علي نبيه،فأمر له بمائة ألف درهم،و إنما أراد أبو الحسن عليه السّلام طاعة اللّه علي نبيه فعرض- فظن المتوكل أنه عليه السّلام أراد من طاعته علي نبيه طاعة عمه العباس،و إنما أراد عليه السّلام طاعة اللّه تعالي لا طاعة عمه- (6).

***0.

ص: 156


1- البحار:214/50.
2- في البحار:و أخوه الحماني.
3- في نسخة:القضاء.
4- في البحار:جدكم.
5- أمالي الطوسي:292/1 و عنه البحار:128/50 ح 6،و أورده ابن شهراشوب في المناقب:406/4- 407 مختصرا.
6- مروج الذهب:ج 4 ص 10.

موعظة الإمام الهادي عليه السّلام للمتوكل

قال ابن خلّكان في تاريخه في ترجمته و المسعودي في مروج الذهب في ذكر خلافة المتوكل، بإسناده إلي محمّد بن يزيد المبرد قالا:و قد كان سعي به إلي المتوكل،و قيل إنّ في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته و أوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه،فوجّه إليه بعدة من الأتراك ليلا فهجموا عليه في منزله علي غفلة،فوجدوه وحده في بيت مغلق و عليه مدرعة من شعر،و علي رأسه ملحفة من صوف،و هو مستقبل القبلة يترنّم بآيات من القرآن الكريم في الوعد و الوعيد،و ليس بينه و بين الأرض بساط إلاّ الرمل و الحصا،فأخذ علي الصورة التي وجد عليها،و حمل إلي المتوكل في جوف الليل، فمثّل بين يديه و المتوكل يستعمل الشراب و في يده كأس،فلما رآه أعظمه و أجلسه إلي جانبه،و لم يكن في منزله شيء مما قيل عنه و لا حجة يتعلّل عليه بها،فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده فقال:يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي و دمي قط فاعفني منه فأعفاه.

و قال:أنشدني شعرا أستحسنه فقال:إنّي لقليل الرواية في الشعر.

فقال:لا بدّ أن تنشدني شيئا فأنشده:

باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل

و استنزلوا بعد عز من منازلهم فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا أين الأسرة و التيجان و الحلل؟

أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار و الكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود تنتقل (1)

قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

و طالما عمّروا دورا لتحصنهم ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا

و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا فخلفوها علي الأعداء و ارتحلوا

أضحت منازلهم قفرا معطّلة و ساكنوها إلي الأجداث قد رحلوا

قال:فأشفق من حضر علي عليّ و ظنوا أن بادرة تبدر منه إليه قال:و اللّه لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتّي بلت دموعه لحيته،و بكي من حضره ثمّ أمر برفع الشراب ثمّ قال له:يا أبا الحسن أعليك دين؟

قال:نعم،أربعة آلاف دينار فأمر بدفعها إليه،وردّه إلي منزله من ساعته مكرما (2).

ص: 157


1- في نسخة:تقتتل.
2- الأنوار البهية:296.

و رواها المفيد بلفظ آخر قال:أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد،عن محمّد بن يعقوب،عن علي بن إبراهيم،عن بن النعيم بن محمّد الطاهري قال:مرض المتوكل من خراج خرج به،فأشرف منه علي الموت،فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة،فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلي أبي الحسن عليّ بن محمّد مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان:لو بعثت إلي هذا الرّجل يعني أبا الحسن فسألته فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرج اللّه به عنك فقال:ابعثوا إليه فمضي الرسول و رجع فقال:خذوا كسب الغنم فديفوه بماء الورد وضعوه علي الخراج فإنّه نافع بإذن اللّه،فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله،فقال لهم الفتح:و ما يضرّ من تجربة ما قال فو الله إنّي لأرجو الصلاح به،فأحضر الكسب و ديف بماء الورد و وضع علي الخراج فانفتح و خرج ما كان فيه و بشّرت أمّ المتوكل بعافيتة فحملت إلي أبي الحسن عشرة آلاف دينار تحت ختمها و استقل (1)المتوكل.

فلمّا كان بعد أيام سعي البطحائي بأبي الحسن إلي المتوكل و قال:عنده أموال و سلاح،فتقدم المتوكل إلي سعيد الحاجب،أن يهجم عليه ليلا،و يأخذ ما يجده عنده من الأموال،و السلاح و يحمل إليه.

قال إبراهيم بن محمّد:قال لي سعيد الحاجب:صرت إلي دار أبي الحسن بالليل و معي سلّم، فصعدت منه إلي السطح و نزلت من الدرجة إلي بعضها في الظلمة،فلم أدر كيف أصل إلي الدار فناداني أبو الحسن من الدار يا سعيد مكانك حتّي يأتوك بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة،فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف و قلنسوة منها و سجادته علي حصير بين يديه،و هو مقبل علي القبلة فقال لي:دونك البيوت فدخلتها و فتّشتها،فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكل و كيسا مختوما معها.

فقال لي أبو الحسن:دونك المصلّي فرفعته فوجدت سيفا في جفن ملبوس فأخذت ذلك و صرت إليه،فلمّا نظر إلي خاتم أمّه علي البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة،فأخبر بعض خدم الخاصّة أنها قالت:كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي علي الكيس ما حرّكه و فتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فأمر أن يضم إلي البدرة بدرة أخري.

و قال لي:إحمل ذلك إلي أبي الحسن واردد عليه السيف و الكيس بما فيه،فحملت ذلك إليه و استحييت منه فقال له:يا سيدي عزّ عليّ دخولي دارك بغير إذنك،و لكنّي مأمور.

فقال لي:و سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (2)(3).9.

ص: 158


1- في بعض الهوامش:الصحيح(استبل)،قولهم:الرجل من مرضه،إذا برأ(انظر الصحاح مادة(بلل):/4 1639).
2- سورة الشعراء،الآية:227.
3- الإرشاد:ص 329.

بعض أحوال المتوكل

كان المتوكل خليعا سكيرا و أكثر المؤخرون من ذكر لهوه و خلاعته و فساده و ذكر بعضهم أنه قتل و هو سكران لا يستطيع أن يقوم من سكره فوضعوا فيه السيف فقطعوه و الخمر تدب في عروقه.

و قال اليعقوبي:و نهي المتوكل عن الكلام في القرآن و أطلق من كان في السجون من أهل البلدان و من أخذ في خلافة الواثق فخلاهم جميعا و كساهم جميعا و كتب إلي الافاق كتبا ينهي عن المناظرة و الجدل و أمسك الناس انتهي،أقول:و أكثر المجددين من علماء مصر و غيرها من البلاد إعترفوا بأن أعظم جناية وقعت علي الإسلام منع الناس عن النظر و الإجتهاد و الجمود علي ما أثر من السلف،و كان أعظم مسألة في تلك الأزمان مسألة القرآن،و أنه حادث أو قديم،و بعده التكلم في الصفات،و كان رأي العوام و رؤسائهم فيها خرافيا صرفا يلتزمون بأمور غير معقولة مثل أن هذا المصحف المكتوب بأيدي الكتاب المدون بين الدفتين الذي صنعه الوراقون قديم بقدم اللّه تعالي و أن القول بحدوثه تنقيص له،و بعض من تدبر منهم ورآه دليلا علي سفاهة قائله ذهب إلي أن كلامه تعالي الذي صدر منه قديم لا هذا المكتوب المدون و هو أيضا غير معقول لأنّ الكلام حروف مرتبة يتبع بعضها بعضا و لا يتعقل كونها قديمة لأنه يوجب عدم الترتب في الحروف و لذلك التزم العقلاء بكون القرآن مخلوقا بأي معني فرض و هو غير العلم و أن هذا لا يوجب توهينا له و تنقيصا كما أن النبي عليه السّلام و هو أفضل من القرآن مخلوق و لا يوجب نسبة ذلك إليه توهينا و كان المأمون و بعده المعتصم و الواثق قائلين بخلق القرآن دفعوا الحجر عن القول به و ربما امتحنوا المشاغبين و الغوغاء من العامة و نهوا القضاة عن قبول الشهادة إلا من أهل التوحيد و العدل.

قال المسعودي:في سنة 219 ضرب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانية و ثلاثين سوطا ليقول بخلق القرآن،و زاد اليعقوبي احتجاج إسحق بن إبراهيم عليه إلي أن قال أحمد:فإني أقول بقول أمير المؤمنين،قال:في خلق القرآن؟قال:في خلق القرآن.

قال:فأشهد عليه و خلع عليه و اطلقه إلي منزله انتهي.أقول:فاستعمل أحمد التقية أو قال بخلق القرآن خلافا لما عليه الجماعة.و قال اليعقوبي أيضا:صار المأمون إلي دمشق سنة 218 و امتحن الناس في العدل و التوحيد علي ما سبق و قال:و امتحن الواثق الناس في خلق القرآن فكتب إلي القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر البلدان و أن لا يجيزوا إلاّ شهادة من قال بالتوحيد فحبس بهذا السبب عالما كثيرا انتهي.

فتبين من ذلك أن مرادهم وصف المتوكل بمحو البدعة و إقامة السنّة ليس ما يتبادر إلي الذهن من ظاهره بل منعه من البحث و النظر و إبقاء خطأ من أخطأ من السلف علي ما هو عليه و إن خالف السنة و الكتاب أيضا فاختاروا لفظا حسنا لمعني قبيح و قال يحيي بن أكثم علي ما في تاريخ بغداد:

ص: 159

القرآن كلام اللّه فمن قال مخلوق يستتاب فإن تاب و إلاّ ضربت عنقه انتهي.و هذا منتهي عقلهم و علمهم و لم نر بعد البحث الشديد حديثا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أمر بقتل من قال بخلق القرآن فكيف يكون القائل به سنيا و لكنهم بنوا السنية علي أربع أصول:الأول إنكار الحسن و القبح،و الثاني الجبر،الثالث عدم خلق القرآن،الرابع رؤية اللّه تعالي مع عدم كونه جسما و متحيزا.

و السني عندنا من التزم باتباع سنة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أما الأصول الأربعة فيخالف السنة و الكتاب و العقل و لا ينبغي إلاّ لمثل المتوكل أن يكون مؤسسا لها و يتنزه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و كل نبي بل كل عاقل أن تكون تلك الخرافات سنة له يجبر الناس علي قبولها فإن أبي ضربت عنقه و لم يكن بناء أبي بكر و عمر أيضا علي ذلك علي ما يستفاد من سيرتهما و اللّه العالم (1).

***

بين المتوكل و ولد محمد ابن الحنفية

كتاب الإستدراك عن البختري قال:كنت بحضرة المتوكّل إذ دخل عليه رجل من أولاد محمّد ابن الحنفية حلو العينين حسن الثياب فوقف بين يديه و المتوكّل مقبل علي الفتح يحدّثه فلمّا طال وقوف الفتي بين يديه و هو لا ينظر إليه قال له:يا أمير المؤمنين إن كان أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب و إن كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا.

فقال له المتوكّل:و اللّه يا حنفي لو لا ما يثنيني عليك من أوصال الرحم و يعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك بيدي و لفرّقت بين رأسك و جسدك،و لو كان بمكانك محمّد أبوك ثمّ التفت إلي الفتح فقال:أما تري ما نلقاه من آل أبي طالب،إمّا حسني يجذب إلي نفسه تاج عزّ نقله اللّه إلينا أو حسينيّ يسعي في بعض ما أنزله اللّه إلينا أو حنفي يدلّ بجهله أسيافنا علي سفك دمه.فقال له الفتي:و أي حلم تركته لك الخمور و إدمانها أم العيدان و فتيانها و متي عطفك الرحم علي أهلي و قد ابتززتهم فدكا إرثهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فورثها أبو حرملة،و أمّا ذكرك محمّد أبي فقد طفقت تضع من عزّ رفع اللّه و رسوله و تطاول شرفا تقصر عنه و لا تطوله فأنت كما قال الشاعر،شعر:

فغض الطرف إنّك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا

ثمّ ها أنت تشكو إلي ملجئك هذا ما تلقاه من الحسنيّ و الحسينيّ و الحنفيّ فلبئس المولي و لبئس العشير ثمّ مدّ رجله و قال:هاتان رجلاي لقيدك و هذه عنقي لسيفك فبوء بظلمي و تحمل ظلمي فليس هذا أوّل مكروه أوقعته أنت و سلفك بهم،يقول اللّه تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي فو الله ما أجبت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم عن مسألته و لقد عطفت بالمودّة علي غير قرابته

ص: 160


1- شرح أصول الكافي للمازندراني:309/7.

فعمّا قليل ترد الحوض فيذودك أبي و يمنعك جدّي صلوات اللّه عليهما،فبكي المتوكّل ثمّ قام فدخل إلي قصر جواريه،فلمّا كان من الغد أحضره و أحسن جائزته و خلّي سبيله (1).

***

خبر زينب الكذابة

عن علي بن مهزيار قال:ظهرت امرأة في زمان المتوكل تدعي أنها زينب بنت علي و بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فقال لها المتوكل أنت امرأة شابة و قد مضي من وقت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم ما مضي من السنين،فقالت إن رسول اللّه مسح علي رأسي و سأل اللّه عزّ و جلّ أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة مرة،و لم أظهر إلي الناس لهذه الغاية فلحقتني الحاجة فصرت إليكم.

فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب عليه السّلام و ولد العباس فعرفهم حالها فروي منهم جماعة وفاة زينب عليه السّلام بنت فاطمة عليه السّلام في سنة كذا،فقال لها:ما تقولين في هذه الرواية؟

فقالت هي كذب و زور،فإن أمري مستور عن الناس فلا لي موت و لا حياة،فقال لهم المتوكل:هل عندكم حجة علي هذه المرأة غير هذه الرواية؟

فقالوا:لا،فقال:هو بري من العباس إن تركها عما ادعت إلا بحجة،فقالوا احضر علي بن محمد الهادي عليه السّلام فلعل عنده شيء من الحجة غير ما عندنا،فبعث إليه فحضر عليه السّلام فأخبره بخبر المرأة فقال عليه السّلام:كذبت فإن زينب عليه السّلام:توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا،فقال المتوكل:فإن هؤلاء قد رووا مثل ذلك،و قد حلفت أن لا أتركها عما ادعت إلا بحجة تلزمها، فقال عليه السّلام:هاهنا حجة تلزمها و تلزم غيرها،قال:و ما هي؟

قال:عليه السّلام إن لحوم بني فاطمة عليه السّلام محرمة علي السباع،فأنزلها إلي السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرها.فقال لها:ما تقولين؟

قالت:إنما يريد هذا قتلي،فقال عليه السّلام:هاهنا جماعة من ولد الحسن عليه السّلام و الحسين عليه السّلام، فأنزل من شئت منهم قال:فو الله لقد تغيرت وجوه الجميع،فقال بعض المبغضين له:هو يحيل علي غيره فلم لا يكون هو؟فمال المتوكل إلي ذلك،و رجا أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال:يا أبا الحسن لم لا تكون أنت؟

فقال عليه السّلام:ذلك إليك،فقال له:إفعل،فقال عليه السّلام:أفعل إن شاء اللّه تعالي.

فأوتي بسلم و فتح عن باب السباع و كانت ستة من الاسود،فنزل الإمام عليه السّلام إليها،فلما

ص: 161


1- البحار:214/50.

وصل عليه السّلام و جلس صارت إليه و رمت بنفسها بين يديه،فجعل يمسح بيده علي كل واحد منهم ثم يشير له بالاعتزال فيعتزل ناحية حتي اعتزلت كلها و وقفت بإزائه فقال له الوزير ما هذا صوابا،فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره فقال له يا أبا الحسن ما أردنا بك سوءا،و إنما أردنا أن نكون علي يقين مما قلت،فأحب أن تصعد فقام عليه السّلام و صار إلي السلم و هم حوله يتمسحون بثيابه،فلما وضع رجله علي أول مرقاة انتقل إليها بوجهه و أشار لها بيده أن ترجع فرجعت،و صعد عليه السّلام ثم قال كل من يزعم أنه من ولد فاطمة عليه السّلام فليجلس في ذلك المجلس.

فقال المتوكل للمرأة:انزلي فقالت الله الله فيّ،فقد ادعيت الباطل،و أنا بنت فلان حملني الضر علي ما قلت.

فقال المتوكل:القوها إلي السباع فاستوهبتها منه أمه.

و زاد في كتاب المناقب فيها قال علي بن الجهم:لو جربت قوله علي نفسه يا أمير المؤمنين فصرفت حقيقة قوله،فقال:افعل فتقدم إلي قوام السباع فأمرهم أن يجوعوهم ثلاثة أيام و يحضروهم القصر،فترسل في صحنه،و قعد في المنظر و أغلق أبواب الدرجة،و بعث إلي أبي الحسن عليه السّلام و أمره أن يدخل من باب القصر،فدخل عليه السّلام فلما صار في الصحن أمر أن يغلق الباب،و خلّي بينه و بين السباع في الصحن.

قال علي بن يحيي:و أنا كنت في الجماعة و ابن حمدون،فلما مشي في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع،و قد سكنت من زئيرها و لم يسمع لها حس،حتي تمسحت به و دارت حوله، و هو عليه السّلام يمسح رؤوسها بكمه ثم ضربت بصدرها الأرض فما مشت و لا دارت حتي صعد الدرجة، و قام المتوكل و دخل فارتفع أبو الحسن عليه السّلام و قعد طويلا،ثم قام عليه السّلام فانحدر ففعلت السباع كفعلها به الأول،و فعل عليه السّلام بها كفعله الأول فلم تزل رابضة حتي خرج من الباب الذي دخل منه،و ركب فانصرف و أتبعه المتوكل بمال جزيل وصله به.

قال إبراهيم بن الجهم:فقلت يا أمير المؤمنين:أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمك.

فقال و اللّه لئن بلغني عنك أحد من الناس بذلك لأضربن عنقك و عنق هذه العصابة كلهم، فو الله ما تحدثنا بذلك حتي مات لا رحمه اللّه تعالي و بلغ إلي ما يستحق من العذاب.

و لله در من قال:

سعوا ويلهم جهرا لإطفاء نورهم و كيف ينال العبد إطفاء نوره

تعالي قديما أن ينالوا مرادهم من الحجة القصوي و من هدهم

سور فإنهم نور الاله الذي بدا من العلم العلوي حال ظهوره

فما زادهم تلك العداوة مطلبا و ما بلغوا إلا ضلالة زوره

ص: 162

و كيف ينالوا ما أهموا به و ما عليه انطووا من سره و ستوره

ألا لعن اللّه العبابسة التي بغت و طغت في غيها في نشوره

ستصلي جحيما لا يزال مخلدا عليهم و ما زالوا إذا في شروره

لقد هدموا بيت الرسالة عنوة و هدّوا من الأطواد رافع طهوره

فلا غرو ان ناحت عليهم محاجري و فارق قلبي مستقر سروره

و أصبح أمواه البسيطة ناضبا عليهم و حل الخف وسط بدوره (1)

***

بين الإمام الهادي عليه السّلام و ابن أكثم

قال موسي بن محمد بن الرضا:لقيت يحيي بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل فجئت إلي أخي علي بن محمد فدار بيني و بينه من المواعظ ما حملني و بصرني طاعته،فقلت له:جعلت فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها،فضحك ثم قال:فهل أفتيته؟

قلت:لا.

قال:و لم؟

قلت:لم أعرفها.

قال:و ما هي؟

قلت:كتب يسألني عن قول اللّه: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (2)نبي اللّه كان محتاجا إلي علم آصف؟

و عن قوله تعالي: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَي الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً (3)أسجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟

و عن قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ (4)من المخاطب بالآية؟فإن كان المخاطب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقد شك و إن كان المخاطب غيره فعلي من إذا أنزل الكتاب؟

و عن قوله تعالي: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ (5)ما هذه الابحر؟و أين هي؟

ص: 163


1- وفيات الأئمة:364.
2- سورة النمل،الآية:40.
3- سورة يوسف،الآية:100.
4- سورة يونس،الآية:26.
5- سورة لقمان،الآية:26.

و عن قوله تعالي: فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ (1)فاشتهت نفس آدم أكل البر فأكل و أطعم فكيف عوقب؟

و عن قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً (2)يزوج اللّه عباده الذكران فقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟!.

و عن شهادة المرأة جازت وحدها و قد قال اللّه: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (3).

و عن الخنثي و قول علي:(يورث من المبال)فمن ينظر إذا بال إليه مع أنه عسي أن يكون امرأة و قد نظر إليها الرجال،أو عسي أن يكون رجلا و قد نظرت إليه النساء و هذا ما لا يحل.و شهادة الجار إلي نفسه لا تقبل.

و عن رجل أتي إلي قطيع غنم فرأي الراعي ينزو علي شاة منها،فلما بصر بصاحبها خلي سبيلها فدخلت بين الغنم،كيف تذبح؟و هل يجوز أكلها أم لا؟

و عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار،و إنما يجهر في صلاة الليل.

و عن قول علي عليه السّلام لابن جرموز:(بشر قاتل ابن صفية بالنار)فلم لم يقتله و هو إمام؟ (4).

و أخبرني عن علي عليه السّلام لم قتل أهل صفين و أمر بذلك مقبلين و مدبرين،و أجاز علي الجرحي، و كان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا،و لم يجز علي جريح،و لم يأمر بذلك،و قال:(من دخل داره فهو آمن،و من ألقي سلاحه فهو آمن)لم فعل ذلك؟فإن كان الحكم الأول صوابا فالثاني خطاء.

و أخبرني عن رجل أقر باللواط علي نفسه أيحد أم يدرأ عنه الحد؟.

قال عليه السّلام:أكتب إليه.

قلت:و ما أكتب؟

قال عليه السّلام:أكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم،و أنت فألهمك اللّه الرشد أتاني كتابك و ما امتحنتنا به من تعنتك لتجد إلي الطعن سبيلا إن قصرنا فيها،و اللّه يكافئك علي نيتك،و قد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك،و ذلل لها فهمك،و اشغل بها قلبك،فقد لزمتك الحجة،و السلام.

سألت عن قول اللّه جل و عز: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فهو آصف بن برخيا،و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف،لكنه صلوات اللّه عليه أحب أن يعرف امته من الجن و الانس أنه الحجة من بعده،و ذلك من علم سليمان عليه السّلام أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلك لئلا؟.

ص: 164


1- سورة الزخرف،الآية:71.
2- سورة الشوري،الآية:49.
3- سورة الطلاق،الآية:3.
4- في نسخة:فلم لا يقتله و هو إمام؟.

يختلف عليه في إمامته و دلالته،كما فهم سليمان في حياة داود عليهما السّلام لتعرف نبوته و إمامته من بعده لتأكد الحجة علي الخلق.

و أما سجود يعقوب و ولده كان طاعة للّه و محبة ليوسف،كما أن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم و إنما كان ذلك طاعة للّه و محبة منهم لآدم،فسجد يعقوب عليه السّلام و ولده و يوسف معهم شكرا للّه (1)باجتماع شملهم،ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت:(رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الاحاديث)إلي آخر الآية.

و أما قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ فإن المخاطب به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و لم يكن في شك مما انزل إليه،و لكن قالت الجهلة:كيف لم يبعث اللّه نبيا من الملائكة إذ لم يفرق بين نبيه و بيننا في الاستغناء عن المآكل و المشارب و المشي في الاسواق؟ فأوحي اللّه تعالي إلي نبيه: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ بمحضر الجهلة هل بعث اللّه رسولا قبلك إلا و هو يأكل الطعام،و يمشي في الاسواق،و لك بهم أسوة،و إنما قال: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ و لم يكن و لكن للنصفة،كما قال تعالي: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ و لو قال:عليكم لم يجيبوا إلي المباهلة، و قد علم اللّه أن نبيه يؤدي عنه رسالاته و ما هو من الكاذبين،فكذلك عرف النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنه صادق فيما يقول،و لكن أحب أن ينصف من نفسه.

و أما قوله: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ فهو كذلك،لو أن أشجار الدنيا أقلام و البحر يمده سبعة أبحر و انفجرت الأرض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات اللّه،و هي:عين الكبريت،و عين النمر (2)،و عين البرهوت (3)و عين طبرية،و حمة ما سبذان (4)،و حمة إفريقية يدعي لسان،و عين بحرون.

و نحن كلمات اللّه التي لا تنفد و لا تدرك فضائلنا.

و أما الجنة فإن فيها من المآكل و المشارب و الملاهي ما تشتهي الأنفس و تلذ الاعين،و أباح اللّه ذلك كله لآدم،و الشجرة التي نهي اللّه عنها آدم و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد،عهد إليهما أن لا ينظرا الي من فضل اللّه علي خلائقه بعين الحسد،فنسي و نظر بعين الحسد و لم نجد له عزما.

و أما قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً أي يولد له ذكور،و يولد له إناث،يقال لكل اثنينء.

ص: 165


1- فسجد يعقوب و ولده يوسف معهم شكرا لله.و في بعض المصادر:فسجود يعقوب و ولده و يوسف معهم كان شكرا لله.
2- في الاحتجاج و المناقب:و عين اليمن.
3- البرهوت كحلزون:واد أو بئر بحضرموت.
4- في نسخة و في الاحتجاج و المناقب:(ما سيدان)و في المصدر:(و ما سبندان)و الحمة بفتح الحاء ففتح الميم المشدد:العين الحارة الماء يستشفي بها الاعلاء.

مقرنين:زوجان،كل واحد منهما زوج،و معاذ اللّه أن يكون عني الجليل ما لبست به علي نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم،و من يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا إن لم يتب.

و أما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضي،فإن لم يكن رضي فلا أقل من المرأتين،تقوم المرأة بدل الرجل للضرورة،لان الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.

و أما قول علي عليه السّلام في الخنثي فهي كما قال:ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة و يقوم الخنثي خلفهم عريانة و ينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه.

و أما الرجل الناظر إلي الراعي و قد نزا علي شاة فإن عرفها ذبحها و أحرقها،و إن لم يعرفها قسم الغنم نصفين و ساهم بينهما فإذا وقع علي أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر،ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتي تبقي شاتان فيقرع بينهما فأيها وقع السهم بها ذبحت و احرقت و نجا سائر الغنم.و أما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة،لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان يغلس بها فقراءتها من الليل.

و أما قول علي عليه السّلام:(بشر قاتل ابن صفية بالنار)فهو لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و كان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.

و أما قولك:إن عليا قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين،و أجاز علي جريحهم و أنه يوم الجمل لم يتبع موليا و لم يجز علي جريح،و من ألقي سلاحه آمنه،و من دخل داره آمنه،فإن أهل الجمل قاتلوا إمامهم،و لم تكن لهم فئة يرجعون إليها،و إنما رجع القوم إلي منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين،رضوا بالكف عنهم،فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم و الكف عن أذاهم،إذ لم يطلبوا عليه أعوانا،و أهل صفين كانوا يرجعون إلي فئة مستعدة،و إمام يجمع لهم السلاح و الدروع و الرماح و السيوف،و يسني لهم العطاء،و يهي لهم الإنزال،و يعود مريضهم و يجبر كسيرهم و يداوي جريحهم،و يحمل راجلهم،و يكسو حاسرهم،و يردهم فيرجعون إلي محاربتهم و قتالهم،فلم يساوبين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم (1)في قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض علي السيف أو يتوب من ذلك.

و أما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة،و إنما تطوع بالاقدار من نفسه،و إذا كان للإمام الذي من اللّه أن يعاقب عن اللّه كان له أن يمن عن اللّه،أما سمعت قول اللّه:(هذا عطاؤنا)الآية قد أنبأناك بجميع ما سألتناه فاعلم ذلك (2).0.

ص: 166


1- في المناقب:و لو لا أمير المؤمنين عليه السّلام و حكمه في أهل صفين و الجمل لما عرف الحكم.
2- تحف العقول:476-481،و بحار الأنوار،العلامة المجلسي:389/10-390.

بين الإمام الهادي عليه السّلام و الفتح بن يزيد الجرجاني

و في كتاب الدلائل قال:قال الفتح بن يزيد الجرجاني قال:ضمني أنا و أبا الحسن الطريق عند منصرفي من مكة إلي خراسان و هو صائر إلي العراق،فسمعته عليه السّلام و هو يقول:من اتقي اللّه يتقي من أطاع اللّه يطاع،قال:فتلطفت في الوصول إليه و سلمت عليه،فرد علي السلام و أمرني بالجلوس، فأول ما ابتدأني به أن قال:يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق،و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق،و أن الخالق لا يوصف إلا ما وصف به نفسه،و أني يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه،و الاوهام أن تناله،و الخطرات أن تحده،و الأبصار عن الاحاطة به جل عما يصفه به الواصفون،و تعالي عما ينعته به الناعتون علوا كبيرا،تأني في قربه و قرب في نأيه فهو في نأيه قريب و في قربه بعيد،كيف الكيف فلا يقال فيه كيف،و أين الاين فلا يقال فيه أين،إذ هو منقطع الكيفية و الإينية،هو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،فجل جلاله بلا كيف يوصف بكنهه،و رسوله محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و قد قرنه الجليل باسمه، و شركه في إعطائه،و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته،إذ يقول تعالي: وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (1)و قال تعالي يحكي عمن ترك طاعته و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها يا ليتنا أطعنا الرسول،أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعته و طاعة رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم حيث قال تعالي: وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2)

و قال تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (3)و قال تعالي فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (4)يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله،و الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و الخليل عليه السّلام يعني علي عليه السّلام،و ولد البتول،فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا،فنبينا أفضل الانبياء، و خليلنا أفضل الأخلاّء،و أكرم الاوصياء،و أسمهما أفضل الاسماء،و كنيتهما أفضل الكني،لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد،و لو لم يزوجنا إلا كفو أحد،أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما و أنداهم كفا و أمنعهم كنفا،ورث عنهما أوصياؤهما علمهما فاردد إليهما الأمر و سلم إليهم،أماتك اللّه مماتهم و أحياك حياتهم إذا شئت رحمك اللّه.

قال الفتح:فخرجت فلما كان من الغد تلطفت في الوصول إليه و سلمت عليه السّلام فقلت:يا بن رسول اللّه أتأذن لي في مسألة اختلجت في صدري ليلتي هذه؟

قال:اسأل و إن شرحتها فلي،و إن أمسكتها فلي فصحح نظرك،و اثبت في مسألتك،و اصغ

ص: 167


1- سورة التوبة،الآية:74.
2- سورة النساء،الآية:59.
3- سورة النساء،الآية:58.
4- سورة النحل،الآية:43،و سورة الأنبياء،الآية:7.

في جوابها سمعك،و لا تسأل مسألة تعنت و اعتن بما تعتني به،فإن العالم و المتعلم شريكان في الرشد مأموران بالنصيحة منهيان عن الغش،فالذي اختلج في صدرك إن شاء العالم أنبأك به،إن اللّه لم يظهر علي غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول،فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم،و كل ما اطلع عليه الرسول اطّلع عليه العالم،كي لا تخلو أرضه من حجة يكون له علم علي صدق مقالته و جواز عدالته،يا فتح عسي الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك،و شككت في بعض ما أنبأتك حتي أراد إزالتك عن طريق اللّه الذي فرضه اللّه و الصراط المستقيم،فقلت:متي أيقنت أنهم كذا فهم أرباب،معاذ اللّه فهم مخلوقون مربوبون مطيعون للّه داخرون راغبون،فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك،فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت له:جعلت فداك فرجت عني و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك،فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.

قال:فسجد أبو الحسن عليه السّلام و هو يقول في سجوده:راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا، قال:فلم يزل كذلك حتي ذهب الليل.

ثم قال:يا فتح كدت أن تهلك و تهلك و ما ضر عيسي ابن مريم عليه السّلام إذ هلك من هلك، انصرف إذا شئت يرحمك اللّه تعالي قال:فخرجت و أنا فرح بما كشف اللّه عني من التلبس بأنهم هم،و حمدت اللّه علي ما قدرت عليه،فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكئ و بين يديه حنطة مقلية و هو يبعث بها،و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا إذا كان ذا آفة و الإمام غير ذي آفة.

فقال:اجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة،يأكلون و يشربون و يمشون في الأسواق و كل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرزاق تعالي لأنه جسّم الأجسام و لم يجسّم و لم يتزايد و لم يتناقص،الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،منشي الأشياء مجسم الاجسام، و هو السميع،العليم،اللطيف،الخبير،الرؤوف،الرحيم،تبارك و تعالي عما يصفه الظالمون علوا كبيرا،لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربوب،و لا الخالق من المخلوق،و لا المنشي من المنشأ،و لكنه فرق بينه و بين من جسمه و شاء الأشياء إذا كان لا يشبهه شيء و لا يشبه شيئا (1).

و في هذا المعني قيل:

علي هو الهادي إلي منهج الهدي فأكرم به هاد كما قاله اللّه به

طلعت شمس الرشاد و لم يكن له شبه في خلقه يوم صفاه

فويل لمن عاداه بغيا و قد عتي عتوا عظيما في جهنم مثواه1.

ص: 168


1- وفيات الأئمة:371.

لقد هدموا الإسلام إذ قتلوه و لم يرقبوا فيه هنالك مولاه

أيقتل مسموما و لم يك جرمه إليه سوي أن المهيمن زكاه

و أودعه تلك المعاجز في الوري و أعطاه أعلي المكرمات و ولاه

فيا معشر الأرجاس أنتم قرابة إليه و لا ترعوا هنالك تقواه (1)

***

بين الإمام الهادي عليه السّلام و ابن السكيت

قال المتوكّل لابن السكيت:سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي.

فسأله فقال:لم بعث اللّه موسي بالعصا و اليد البيضاء و بعث عيسي بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتي و بعث محمّدا بالقرآن و السيف؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام؛بعث اللّه موسي بالعصا و اليد البيضاء في زمان الغالب علي أهله السحر فأتاهم من ذلك ما قهرهم و بهرهم و أثبت الحجّة عليهم،و بعث عيسي بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتي بإذن اللّه في زمان الغالب علي أهله الطبّ فأتاهم من إبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتي بإذن اللّه فقهرهم و بهرهم،و بعث محمّدا بالقرآن و السيف في زمان الغالب علي أهله السيف و الشعر فأتاهم من القرآن الزاهر و السيف القاهر ما بهر به شعرهم و بهر سيفهم و أثبت الحجّة به عليهم.

قال ابن السكيت:فما الحجّة الآن؟

قال:العقل يعرف به الكاذب علي اللّه فيكذب.

فقال يحيي بن أكثم:ما لابن السكيت و مناظرته و إنّما هو صاحب نحو و شعر و لغة (2).

***

بين الإمام الهادي عليه السّلام و يحيي بن هرثمة

روي المسعودي عن يحيي بن هرثمة،قال:وجهني المتوكل الي المدينة لإشخاص علي بن محمد بن موسي بن جعفر عليهم السلام لشيء بلغه عنه،فلما صرت إليها ضج أهلها،و عجوا ضجيجا ما سمعت مثله،فجعلت أسكنهم و أحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه،و فتشت بيته فلم اصب فيه إلا مصحفا (3)و دعاء و ما أشبه ذلك،فأشخصته و توليت خدمته و أحسنت عشرته،فبينا أنا

ص: 169


1- وفيات الأئمة:373.
2- مناقب آل أبي طالب:507/3.
3- في تذكرة السبط:ص 260،و فيه:(فلم أجد فيه إلا مصاحف و أدعية،و كتب العلم،فعظم في عيني و توليت خدمته بنفسي...الخ).

في يوم من الأيام،و السماء صاحية،و الشمس طالعة،إذ ركب و عليه ممطر (1)،و قد عقد ذنب دابته، فعجبت من فعله،فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتي جاءت سحابة فأرخت عزاليها (2)،و نالنا من المطر أمر عظيم جدا،فالتفت الي،و قال:أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت،و توهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه،و ليس ذلك كما ظننت،و لكني نشأت بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر،فلما اصبحت هبت ريح لا تخلف،و شممت منها رائحة المطر،فتأهبت لذلك.

فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاطري-و كان علي بغداد-فقال لي:يا يحيي إن هذا الرجل قد ولده رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و المتوكل من تعلم،و إن حرضته علي قتله كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم خصمك،فقلت:و اللّه ما وقفت منه إلا علي كل أمر جميل.

فصرت الي سامراء،فبدأت بوصيف التركي،و كنت من أصحابه،فقال:و اللّه لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري،فعجبت من قولهما،و عرفت المتوكل ما وقفت عليه،و ما سمعته من الثناء عليه،فأحسن جائزته و أظهر بره و تكرمته،انتهي (3).

***

بين الإمام الهادي عليه السّلام و الواثق

الدر النظيم،قال محمد بن يحيي:قال يحيي بن أكثم:في مجلس الواثق و الفقهاء بحضرته، من حلق رأس آدم عليه السّلام حين حج؟فتعايا القوم عن الجواب،فقال الواثق:أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر،فبعث الي علي بن محمد الهادي عليهما السّلام فأحضره،فقال له:يا أبا الحسن من حلق رأس آدم حين حج؟

فقال:سألتك باللّه يا أمير المؤمنين إلا أعفيتني،قال:أقسمت لتقولن،قال:أما إذا أبيت فأن أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:(أمر جبرائيل أن ينزل بياقوتة من الجنة،فهبط بها،فمسح بها رأس آدم عليه السّلام فتناثر الشعر منه،فحيث بلغ نورها صار حرما) (4).

***

ص: 170


1- الممطر:ما يلبس في المطر يتوقي به(انظر الصحاح:مادة(مطر)ج 2 ص 818).
2- عز إليها:كثر مطرها(انظر لسان العرب:مادة(عزل)ج 9 ص 192).
3- مروج الذهب:ج 4 ص 84،و مناقب آل أبي طالب:413/4-414 و عنه البحار:173/50-174 ذح 53 و ج 117/80 ح 5،و في إثبات الهداة:387/3 ح 90.
4- الدر النظيم:الباب الثاني عشر فصل في ذكر شي من مناقب الهادي عليه السلام(مخطوطة).و ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه:ج 12 ص 56 رقم 6440.

بين الإمام الهادي عليه السّلام و أبي النواس

الأمالي عن سهل بن يعقوب الملقّب بأبي نواس المؤدّب بسرّ من رأي لأنّه كان يتخالع و يتطيّب مع الناس و يظهر التشيّع علي الطيبة فيأمن علي نفسه،قال:فلمّا سمع الإمام عليه السّلام لقبي بأبي نواس قال:يا أبا السّري أنت أبو نواس الحقّ و من تقدّمك أبو نواس الباطل.

قال:فقلت له ذات يوم:يا سيّدي قد وقع إليّ اختيارات الأيّام عن سيّدنا الصادق عليه السّلام في كلّ شهر فأعرضه عليك فقال لي:افعل فلمّا عرضته عليه و صحّحته قلت:يا سيّدي في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من التحذير و المخاوف فتدلّني عن الاحتراز عن المخاوف فيها فإنّما تدعوني الضرورة إلي التوجّه في الحوائج فيها فقال لي:يا سهل إنّ لشيعتنا بولايتنا العصمة لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة و سباسب البيد الغائرة بين سباع و ذئاب و أعادي الجنّ و الإنس لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا فثق باللّه عزّ و جلّ و اخلص في الولاء لأئمّتك الطاهرين فتوجّه حيث شئت (1).

ص: 171


1- البحار:216/50.

ص: 172

المحتويات

مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السّلام 5

عمر الإمام علي الهادي عليه السّلام 6

صفته و أسماؤه و كنيته عليه السّلام 6

ألقاب الإمام الهادي عليه السّلام 6

نقش خاتم الإمام الهادي عليه السّلام 7

ترجمة الإمام الهادي عليه السّلام 7

أمّ الإمام الهادي عليه السّلام 8

علم الإمام الهادي عليه السّلام بالغيب 8

علم الإمام الهادي عليه السّلام بما في الضمائر 25

خبر الفرس 30

علم و تكلم الإمام الهادي عليه السّلام بكل لغة 32

معاجز الإمام الهادي عليه السّلام 33

إخراج الدنانير من الجراب الخالي 37

إخراج الرمان و التمر و العنب و الموز من الاسطوانة 38

إرتفاعه في الهواء و الطير الذي أتي به 38

البر و الدقيق الذي من الأرض 38

خبر إسحاق الجلاب 38

شفاء المرضي 39

خبر الطيور 39

تسخير الهواء للإمام الهادي عليه السّلام 40

خبر إشالة الستور 40

معجزة كمعجزة مريم عليها السّلام 40

إحياء الإمام الهادي عليه السّلام للأموات 41

علمه عليه السّلام بالآجال 42

علمه بموت أبيه عليهما السّلام من البعد 45

ص: 173

علمه عليه السّلام بما تحت الأرض 45

علمه عليه السّلام بما يكون 46

علمه عليه السّلام بما يكون من نزول المطر 48

إخباره عليه السّلام بالقائم و غيبته عليه السّلام 48

علمه عليه السّلام بأجله 49

خبر أم القائم عليه السّلام و ما فيه من المعجزات 51

طي الأرض للإمام الهادي عليه السّلام 55

بركة الإمام الهادي عليه السّلام 56

الملائكة تخدم الإمام الهادي عليه السّلام 57

عظمة الإمام الهادي عليه السّلام علي اللّه و هيبته 58

الظلم الذي وقع علي الإمام الهادي عليه السّلام 60

في أسرار أبي الحسن الهادي عليه السّلام 61

دعاء الإمام الهادي عليه السّلام المستجاب 62

قدرة الإمام الهادي عليه السّلام 66

معني الولاية التكوينية 67

ولاية اللّه التكوينية 68

هل ولاية اللّه التكوينية قابلة للتفويض؟70

معني الإذن الإلهي 70

في أن الولاية فعلية لا إنشائية 75

فرق الولاية عن المعجزة و الدعاء 75

في أن الولاية التكوينية ولاية مظهرية لا طولية و لا عرضية 77

وقوع الولاية التكوينية للأنبياء عليهم السّلام 80

وقوع الولاية التكوينية لغير الأنبياء عليهم السّلام 81

وقوع الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السّلام 82

في جواز التصرف بالأمور الكونية 82

استمرارية التصرف التكويني 83

حدود الولاية التكوينية وسعتها 83

شرائط منح الولاية التكوينية 83

استعدادات أهل البيت لتلقّي الولاية 85

ص: 174

عرض ولاية آل محمد عليهم السّلام علي الأنبياء في عالم الذر 86

هكذا أهل البيت عليهم السّلام 88

أدلة الولاية التكوينية لآل محمد عليهم السّلام 91

دليل الآيات القرآنية 92

إعطاؤهم الروح الأمرية 92

قدرة النبي الأعظم عليه السّلام 94

كونهم عليهم السلام الأسماء الحسني 96

الطاعة المطلقة 98

دليل الروايات علي الولاية التكوينية 100

قدرة آل محمد علي تسخير السحاب و البرق و الرعد و الريح 100

قدرتهم عليهم السلام علي الخلق و الرزق 102

كونهم وسائط الفيض و أسباب العطاء و أبواب اللّه و يده و لسانه 104

إعطاؤهم عليهم السّلام الإسم الأعظم 106

كونهم عليهم السّلام الأسماء الحسني و الإسم الأعظم 108

آل محمّد هم الأسماء الحسني و الإسم الأعظم 108

قدرة الأسماء الحسني و الإسم الأعظم 109

شفاء المتوكل بنذر الإمام الهادي عليه السّلام 111

شفاء الناس بدواء الإمام الهادي عليه السّلام 111

شفاء الإمام الهادي عليه السّلام للمرضي 112

كرم الإمام الهادي عليه السّلام 113

بعض أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام 115

أولاد الإمام الهادي عليه السّلام 116

أحوال جعفر و سائر أولاده 116

النص علي الإمام أبي الحسن الثالث علي الهادي عليه السّلام 118

مدة إمامة الإمام الهادي عليه السّلام 121

شهادة أبي الحسن الهادي عليه السّلام 121

فضل زيارة الإمام علي الهادي عليه السّلام 124

بعض زوار الإمام الهادي عليه السّلام 124

رثاء الإمام الهادي عليه السّلام 125

ص: 175

قنوت مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد الهادي عليه السّلام 130

حرز الإمام الهادي عليه السّلام 131

قصة إسلام هرثمة علي يديه عليه السّلام 131

قصة إسلام ابن يوسف النصراني علي يدي الإمام الهادي عليه السّلام 133

عقاب من يهين الأئمة عليهم السّلام 134

بعض كلام الإمام الهادي عليه السّلام 135

بعض أحاديث الإمام الهادي عليه السّلام 136

خراب سرّ من رأي و تدارك عمارتها 139

رسالة الإمام الهادي عليه السّلام 140

رسالة الإمام في الجبر و التفويض 140

احتجاج الإمام العسكري عليه السّلام في شيء من التوحيد 146

الملوك الذين عاشرهم الإمام علي بن محمد الهادي عليه السّلام 147

كتاب المتوكل للإمام الهادي عليه السّلام 147

حال المتوكل مع الإمام الهادي عليه السّلام 151

رؤيا المتوكل و إخباره عليه السّلام بما رأي المتوكل 151

بين الإمام الهادي عليه السّلام و المتوكل و الفقهاء 153

بين الإمام الهادي عليه السّلام و المتوكل 154

موعظة الإمام الهادي عليه السّلام للمتوكل 157

بعض أحوال المتوكل 159

بين المتوكل و ولد محمد ابن الحنفية 160

خبر زينب الكذابة 161

بين الإمام الهادي عليه السّلام و ابن أكثم 163

بين الإمام الهادي عليه السّلام و الفتح بن يزيد الجرجاني 167

بين الإمام الهادي عليه السّلام و ابن السكيت 169

بين الإمام الهادي عليه السّلام و يحيي بن هرثمة 169

بين الإمام الهادي عليه السّلام و الواثق 170

بين الإمام الهادي عليه السّلام و أبي النواس 171

ص: 176

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.