موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 16

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء السادس عشر

ترجمة أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليه السّلام

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

قال ابن خلّكان في ترجمته:و كان يروي مسندا عن آبائه إلي عليّ بن أبي طالب أنّه قال:بعثني رسول الله إلي اليمن.

فقال لي و هو يوصيني:يا عليّ ما خاب من استخار،و لا ندم من استشار.يا عليّ عليك بالدّلجة فإنّ الأرض تطوي باللّيل ما لا تطوي بالنهار،يا عليّ أغد باسم الله فإنّ الله بارك لأمّتي في بكورها.

و كان يقول:من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنّة.

و قال جعفر بن محمّد بن مزيد:كنت ببغداد فقال لي محمّد بن منده بن مهر يزد:هل لك أدخلك علي محمّد بن عليّ الرضا؟

فقلت:نعم.

قال:فأدخلني عليه فسلّمنا و جلسنا فقال:حديث رسول الله إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيّتها علي النّار.

قال:ذلك خاص بالحسن و الحسين و له حكايات و أخبار كثيرة.

إنتهي ما أردنا من نقل كلام ابن خلّكان (1).

***

البشارة بولادة الإمام الجواد عليه السّلام

البشارة بولادته عن النبي عليهما السّلام:

عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام قال:دخلت علي رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال:...و إنّ اللّه عزّ و جلّ ركب في صلبه أي في صلب أبي الحسن الرضا عليه السّلام نطفة مباركة،طيبة،زكية،رضية مرضية.و سمّاها محمد بن علي،فهو شفيع شيعته،و وارث علم جده، له علامة بينة و حجة ظاهرة (2).

ص: 5


1- الإرشاد:281/2،و مناقب آل أبي طالب:489/3.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام:59/1،ح 29.

البشارة بولادته عن جده موسي بن جعفر عليهما السّلام:

عن يزيد بن سليط الزيدي قال:لقيت أبا إبراهيم عليه السّلام و نحن نريد العمرة...

قال لي:يا يزيد!و إذا مررت بهذا الموضع و لقيته أي علي بن موسي الرضا عليهما السّلام و ستلقاه، فبشّره:أنه سيولد له غلام،أمين،مأمون،مبارك... (1).

البشارة بولادته عن أبيه الرضا عليهما السّلام:

عن عبد الرحمن بن أبي نجران...فقال الرضا عليه السّلام إني أشهد الّله أنه لا تمضي الايام و الليالي حتي يرزقني الله ولدا مني.

قال عبد الرحمن بن أبي نجران:فعددنا الشهور من الوقت الذي قال،فوهب الله له أبا جعفر عليه السّلام في أقل من سنة... (2).

***

مولد أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليه السّلام

ولد عليه السّلام في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة و قبض عليه السّلام سنة عشرين و مائتين في آخر ذي القعدة و هو ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما و دفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسي عليه السّلام و قد كان المعتصم أشخصه إلي بغداد في أوّل هذه السنة التي توفّي فيها عليه السّلام.و امّه أمّ ولد يقال لها:سبيكة نوبيّة و قيل أيضا:إنّ اسمها كان خيزران و روي أنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و عن محمد بن هارون:ملك الخلافة بعد أخيه المأمون و أشخص محمّد بن علي عليهما السّلام من المدينة إلي بغداد في السنة المذكورة و قتله بالسم فيها،و مات المعتصم عليه اللعنة سنة سبع و عشرين و مائتين،فعاش بعده عليه السّلام سبع سنين (4).

قال الصدوق:قتله المعتصم بالسم،و قال بعض أهل السير:ذهب بعض علماء الشيعة و أهل السّنة إلي أنّ المعتصم قتله بالسم،و ذهب طائفة إلي أنه مات بأجله (5).

و في الكافي،ولد عليه السّلام في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة،و قبض عليه السّلام سنة عشرين

ص: 6


1- الكافي:313/1،ح 14.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام:209/2،ح 13.
3- شرح أصول الكافي:284/7،و البحار:1/50 ح 1.
4- شرح أصول الكافي:284/7.
5- شرح أصول الكافي:284/7.

و مائتين في آخر ذي القعدة و هو ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما،و دفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسي عليه السّلام (1).

و في كتاب الروضة ولد عليه السّلام بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، و يقال:للنصف من شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة (2).

و ذكر ابن عيّاش أنّه كان يوم العاشر من رجب مولد أبي جعفر الثاني عليه السّلام.

و ذكر الكفعمي في حواشي البلد الأمين بعد ذكر كلام الشيخ و بعض أصحابنا كأنّهم لم يقفوا علي هذه الرواية فأوردوا هنا سؤالا و أجابوا عنه وصفتهما ان قلت:إنّ الجواد و الهادي عليهما السّلام لم يولدا في شهر رجب فكيف يقوم الإمام الحجّة عليه السّلام في رجب؟ (3).

قيل:ما ذكروه غير صحيح أمّا أوّلا فلأنّه إنّما يتأتّي قولهم علي بطلان رواية ابن عيّاش و قد ذكرها الشيخ،و أمّا ثانيا فلأنّ تخصيص التوسّل بهما في رجب ترجيح من غير مرجّح لولا الولادة (4).

و أمّا ثالثا فلأنّه لو كان كما ذكره لقال عليه السّلام الإمامين و لم يقل المولودين،انتهي ملخّص كلامه (رحمه الله) (5).

و قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري الثاني عليه السّلام:ولد أبو جعفر الجواد عليه السّلام بالمدينة، ليلة الجمعة،النصف من شهر رمضان،سنة مائة و خمس و تسعين من الهجرة (6).

و خرج من الناحية المقدسة علي يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح،رضي الله عنه،هذا الدعاء في أيام رجب:«اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب:محمد بن علي الثاني،و ابنه علي ابن محمد المنتجب...»(الدعاء) (7).

و قال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:ولد أبو جعفر محمد الجواد عليه السّلام في شهر رمضان،من سنة خمس و تسعين و مائة (8).

و قال الشيخ الطوسي رحمه الله:و ذكر ابن عياش:أنه كان يوم العاشر(من رجب)مولد أبي جعفر الثاني عليه السّلام (9).5.

ص: 7


1- الكافي:492/1 ح 11.
2- البحار:2/50.
3- البحار:14/50 ح 14.
4- البحار:14/50 ح 14.
5- البحار:14/50 ح 14.
6- دلائل الإمامة:ص 383.
7- مصباح الكفعمي:ص 703.مصباح المتهجد:ص 804،ح 867.
8- الكافي:492/1.
9- مصباح المتهجد:805.

و قال الشيخ المفيد رحمه الله:و كان مولده عليه السّلام في شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة بالمدينة (1).

و قال الشيخ المفيد رحمه الله:...و في يوم النصف منه أي شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة،ولد سيدنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام.

و قال ابن شهر آشوب رحمه الله:...ولد عليه السّلام بالمدينة ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان،و يقال:للنصف منه.

و قال ابن عياش:يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمس و تسعين و مائة (2).

و قال الأربلي رحمه الله:قال محمد بن طلحة:فأمّا ولادته عليه السّلام:ففي ليلة الجمعة،تاسع عشر رمضان،سنة مائة و خمس و تسعين للهجرة.

و قيل:عاشر رجب منها.و قال الحافظ عبد العزيز:ولد سنة خمس و تسعين و مائة.

و قال محمد بن سعيد:مولده عليه السّلام سنة خمس و تسعين و مائة،فيكون عمره خمسا و عشرين سنة.و يقال:ولد بالمدينة في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة.و قال ابن الخشاب:ولد في رمضان،ليلة الجمعة،لتسع عشرة ليلة خلت منه،سنة خمس و تسعين و مائة (3).

و قال الخطيب البغدادي:أخبرني علي بن أبي علي،حدّثنا الحسن بن الحسين الثعالبي، أخبرني أحمد بن عبد الله الذارع،حدّثنا حرب بن محمد المؤدب،حدّثنا الحسن بن محمد العمي البصري،حدّثني أبي،حدّثنا محمد بن الحسين،عن محمد بن سنان.

قال:و كان مولده سنة مائة و خمس و تسعين من الهجرة (4).

و قال المسعودي رحمه الله:ولد عليه السّلام ليلة الجمعة لإحدي عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، سنة خمس و تسعين و مائة (5).

و قال ابن خلكان:و كانت ولادته(أي الجواد)عليه السّلام يوم الثلاثاء،خامس شهر رمضان.

و قيل:منتصفه،سنة خمس و تسعين و مائة (6).

***4.

ص: 8


1- الأرشاد:ص 316.
2- المناقب لابن شهر آشوب:379/4،و البحار:7/50 ح 8.
3- كشف الغمة:343/2.
4- تاريخ بغداد:55/3.
5- إثبات الوصية:ص 216.
6- وفيات الأعيان:175/4.

كيفية ولادة الإمام الجواد عليه السّلام

قال ابن شهر آشوب رحمه الله:قالت حكيمة بنت أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام:لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر عليه السّلام،دعاني الرضا عليه السّلام.فقال لي:يا حكيمة!أحضري ولادتها!و ادخلي و إياها و القابلة بيتا!

و وضع لنا مصباحا،و أغلق الباب علينا،فلما أخذها الطلق طفئ المصباح و بين يديها طست، فاغتممت بطفئ المصباح،فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السّلام في الطست،و إذا عليه شي رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضاء البيت،فأبصرناه،فأخذته،فوضعته في حجري،و نزعت عنه ذلك الغشاء.فجاء الرضا عليه السّلام ففتح الباب،و قد فرغنا من أمره،فأخذه،فوضعه في المهد،و قال لي:يا حكيمة!ألزمي مهده.

قالت:فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلي السماء ثم نظر يمينه و يساره،ثم قال:أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله.فقمت ذعرة فزعة،فأتيت أبا الحسن عليه السّلام فقلت له:

لقد سمعت من هذا الصبي عجبا؟

فقال:و ما ذاك؟فأخبرته الخبر.

فقال:يا حكيمة!ما ترون من عجائبه أكثر (1).

و عن أبي عمرو الكشي رحمه الله:...أحمد بن محمد بن عيسي القمي قال:بعث إلي أبو جعفر عليه السّلام غلامه و معه كتابه،فأمرني أن أصير إليه،فأتيته...فقال لي أبو جعفر عليه السّلام ابتداء منه:

ذهبت الشبهة،ما لأبي ولد غيري.

فقلت:صدقت جعلت فداك! (2)

و عن المسعودي:...عن حنان بن سدير،فقال الرضا عليه السّلام لي:أما أنه لا يولد لي إلاّ واحد،إنما أرزق ولدا واحدا و هو يرثني...قال المسعودي رحمه الله:و روي:أنه أي أبا جعفر الجواد عليه السّلام كان يتكلم في المهد (3).

و عن صفوان،عن حكيمة بنت أبي الحسن موسي عليه السّلام.قالت:كتبت لما علقت أم أبي جعفر عليه السّلام به:خادمتك قد علقت.فكتب إلي:أنها علقت ساعة كذا،من يوم كذا،من شهر كذا، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيام قالت:فلما ولدته.قال:أشهد أن لا إله إلا الله.فلما كان اليوم

ص: 9


1- المناقب لابن شهر آشوب:394/4،و البحار:316/48.
2- رجال الكشي:596،ح 1115.
3- إثبات الوصية:217.

الثالث،عطس،فقال:الحمد لله،و صلي الله علي محمد و علي الأئمة الراشدين (1).

و عن كلثم بن عمران قال:...و كان الرضا عليه السّلام طول ليله يناغيه أي الجواد عليه السّلام في مهده (2).

***

نسب الإمام الجواد عليه السّلام

عن زكريا بن يحيي بن النعمان الصيرفي قال:سمعت علي بن جعفر،يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين،فقال:و الله!لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السّلام.

فقال له الحسن:إي و الله!جعلت فداك!لقد بغي عليه إخوته.

فقال علي بن جعفر:إي و الله!و نحن عمومته بغينا عليه.

فقال له الحسن:جعلت فداك!كيف صنعتم،فإني لم أحضركم؟

قال:قال له إخوته و نحن أيضا:ما كان فينا إمام قط حائل اللون.

فقال لهم الرضا عليه السّلام:هو ابني.

قالوا:فإنّ رسول اللّه صلي الّله عليه و آله و سلم قد قضي بالقافة (3)،فبيننا و بينك القافة.

قال:ابعثوا أنتم إليهم،فأما أنا فلا،و لا تعلموهم لما دعوتموهم و لتكونوا في بيوتكم.فلما جاؤوا أقعدونا في البستان،و اصطفّ عمومته و إخوته و أخواته و أخذوا الرضا عليه السّلام و ألبسوه جبة صوف و قلنسوة منها،و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له:أدخل البستان كأنك تعمل فيه.ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السّلام،فقالوا:ألحقوا هذا الغلام بأبيه.

فقالوا:ليس له هاهنا أب،و لكن هذا عم أبيه،و هذا عم أبيه،و هذا عمه،و هذه عمته،و إن يكن له هاهنا أب فهو صاحب البستان،فإنّ قدميه و قدميه واحدة.فلما رجع أبو الحسن عليه السّلام، قالوا:هذا أبوه!قال علي بن جعفر:فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السّلام،ثم قلت له:أشهد أنك إمامي عند الّله.فبكي الرّضا عليه السّلام،ثم قال:يا عم!ألم تسمع أبي و هو يقول:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

بأبي ابن خيرة الأماء،ابن النوبية،الطيبة الفم،المنتجبة الرحم،و يلهم لعن الله الأعيبس و ذريته،

ص: 10


1- دلائل الإمامة:383،ح 341.و حلية الأبرار:527/4،ح 6،و مدينة المعاجز:259/7،ح 2309.
2- عيون المعجزات:121.
3- القافة،جمع القائف:الذي يتتبع الآثار و يعرفها،و يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه:لسان العرب:293/9، (قوف).

صاحب الفتنة،و يقتلهم سنين و شهورا و أياما،يسومهم خسفا،و يسقيهم كأسا مصبرة.و هو الطريد الشريد الموتور،بأبيه و جده صاحب الغيبة.يقال:مات أو هلك،أي واد سلك؟!أفيكون هذا يا عم إلا منّي؟

فقلت:صدقت جعلت فداك! (1)

و عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السّلام قال:كان أبو جعفر عليه السّلام...يقول:...أنا محمد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السّلام و ابن فاطمة الزهراء عليها السّلام و ابن محمد المصطفي صلي الله عليه و آله و سلّم... (2).

***

اسم الإمام الجواد عليه السّلام في التوراة

قال ابن عمر:سمّاهم كعب الأحبار بأسمائهم في التوراة:ينبوذ،قيدورا،أوبايل،ميسورا، مشموع،دموه،سوه،حيدور،وتيمو،بطور،بوقيش،قيدمه.

قال أبو عامر هشام الدستواني:سألت عنها يهوديا عالما،فقال:هذه نعوت أقوام بالعبرانية، صحيحة نجدها في التوراة....

قلت:فانعت لي هذه النعوت لأعلمها.

قال:نعم!...تيمو،القصير العمر،الطويل الأثر... (3).

قد ورد أسماء النبي و الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم في التوراة بلسان العبرانية.

و قد نقل عنها بهذه العبارة:ميذميذ محمد المصطفي...تيمورا محمد التقي... (4).

***

كنية الإمام الجواد عليه السّلام

قال أبو نضرة:لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام عند الوفاة...دعا بجابر بن عبد الله فقال له:يا جابر!حدّثنا بما عاينت من الصحيفة...قالت:فيها أسماء الأئمة من

ص: 11


1- الكافي:322/1،ح 14.و حلية الأبرار:31/4 ح 1،و مدينة المعاجز:261/7،ح 2311.
2- الفصول المهمة لابن الصباغ:266.
3- الصراط المستقيم:141/2.
4- هامش عيون أخبار الرضا عليه السّلام:164/1.

ولدي.و ذكرهم الي أن قال:...أبو جعفر محمد بن علي الزكي... (1).

قال الطبرسي رحمه الله:و كنيته:أبو جعفر.و ربما يقال له:أبو جعفر الثاني عليه السّلام (2).

و قال الطبرسي رحمه الله:و كان هو أي أبو محمد العسكري عليه السّلام و أبوه وجده أي محمد الجواد عليه السّلام يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا عليه السّلام (3).

و قال:و لقبه أي الجواد عليه السّلام:التقي،و المنتجب،و المرتضي (4)

و قال سبط ابن الجوزي:و كنيته:أبو عبد الله،و قيل:أبو جعفر عليه السّلام.

و قال بعض قدمائنا المحدّثين و المؤرخين رحمهم الله:هو أبو جعفر الثاني عليه السّلام و يكنّي في الخاص،أبا علي (5)

و قال الشّيخ الصدوق رحمه الله:و كان للرضا عليه السّلام من الولد،محمد الإمام عليه السّلام،و كان يقول له الرضا عليه السّلام:الصادق،و الصابر،و الفاضل،و قرة أعين المؤمنين،و غيظ الملحدين (6).

و قال ابن شهر آشوب رحمه الله:و ألقابه عليه السّلام:المختار،المرضي،و المتوكّل،و المتّقي، و الزكي،و التقي،و المنتجب،و المرتضي،و القانع،و الجواد،و العالم الرباني.ظاهر المعاني،قليل التواني،المعروف بأبي جعفر الثاني،المنتجب المرتضي،المتوشح بالرضا،المستسلم للقضاء،له من الله أكثر،الرضا ابن الرضا،توارث الشرف كابرا عن كابر.و شهد له بذا الصوامع،إستسقي عروقه من منبع النبوة،و رضعت شجرته ثدي الرسالة،و تهدّلت أغصانه ثمر الأمامة و حساب الجمل، و حساب الهند و طبقات الأسطرلاب:تسعة،تسعة،و محمد بن علي تاسع الأئمة (7).

و عن بعض قدمائنا المحدّثين و المؤرخين رحمهم اللّه:سمّاه الله تعالي في اللوح:بالتقي، و كان ينعت بالمرتضي،و المنتجب،و الهادي.و كان الناس يقولون فيه:أعجوبة أهل البيت،و نادرة الدهر،و بديع الزمان،و عيسي الثاني،و ذو الكرامات،و المؤيد بالمعجزات،و سلالة رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،مواده و إلهامه من الله،صاحب الخضرة،الفائق علي المشائخ في الصغر،من خاتم الإمامة علي كتفه،لمبرّز علي كافة ذوي أهل الفضل،أفضل أهل الدنيا في الصبي،و الكامل في السؤدد و الهدي و الحكمة و العلم،هادي القضاة،سيد الهداة،نور المهتدين،سراج المتعبّدين، مصباح المتهجّدين (8).6.

ص: 12


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:41/1.
2- أعيان الشيعة:32/2.
3- إعلام الوري:131/2.
4- تاج المواليد،ضمن المجموعة النفيسة:ص 128.
5- كتاب ألقاب الرسول و عترته عليهم السلام،ضمن المجموعة النفيسة:226.
6- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:245/2.
7- المناقب لابن شهر آشوب:379/4،و البحار:16/50 ح 24.
8- كتاب ألقاب الرسول و عترته عليهم السلام،ضمن المجموعة النفيسة:ص 226.

و في معاني الأخبار،سمّي محمّد بن علي الثاني عليه السّلام التقيّ لأنّه اتّقي الله عزّ و جلّ فوقاه شرّ المأمون لمّا دخل عليه بالليل سكرانا فضربه بسيفه حتّي ظنّ أنّه قد قتله فوقاه الله شرّه.

و قال الشيخ الصدوق:سمّي محمد بن علي الثاني عليهما السّلام:التّقي،لأنه اتّقي الله عزّ و جلّ فوقاه شر المأمون،لما دخل عليه بالليل سكرانا،فضربه بسيفه،حتي ظن أنه قد قتله،فوقاه الله شره (1).

و عن الحضيني رحمه الله:و لقبه عليه السّلام:المختار،و المرتضي،و التقي،و المتوكل (2).

الذهبي:كان يلقّب:بالجواد،و القانع،و بالمرتضي عليه السّلام (3).

و قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:و لقبه عليه السّلام:الزكي،المرتضي،التقي،القانع،الرضي، المختار،المتوكل،الجواد (4).

فأشهر ألقابه عليه السّلام:

1-المتنجب

2-الزكي

3-المرتضي

4-التقي

5-القانع

6-الرضي

7-المختار

8-المتوكل

9-الجواد

10-الهادي

11-أعجوبة أهل البيت

12-نادرة الدهر

13-بديع الزمان

14-عيسي الثاني6.

ص: 13


1- معاني الأخبار:65،و موسوعة الامام الجواد:26/1.
2- الهداية الكبري:295.
3- تاريخ الأسلام:385/15.
4- انظر دلائل الإمامة:396.

15-ذو الكرامات

16-المؤيد بالمعجزات

17-صاحب الخضرة

18-هادي القضاة

19-سيد الهداة

20-نور المهتدين

21-سراج المتعبدين

22-مصباح المتهجدين.

***

أحوال امّ الإمام الجواد عليه السّلام

امّ ولد يقال لها سبيكة نوبية و قيل إنّ اسمها كان خيزران،و روي أنّها كانت من أهل بيت مارية امّ إبراهيم بن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (1).

و قيل سكينة المريسية،و قيل:الخيزران (2).

قال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:و أمه أي أبي جعفر الثاني عليه السّلام أم ولد،يقال لها:

سبيكة نوبية.و قيل أيضا:أن اسمها كان خيزران.و روي:أنها كانت من أهل بيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و قال الشيخ الصدوق رحمه الله:...عن أبي نضرة قال:لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السّلام عند الوفاة،...ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له:يا جابر!حدثنا بما عاينت من الصحيفة.

فقال له جابر:نعم يا أبا جعفر!دخلت علي مولاتي فاطمة...

فقلت لها:يا سيدة النساء!ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟

قالت:فيها أسماء الأئمة من ولدي،...أبو جعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية إسمها خيزران... (4).

ص: 14


1- البحار:11/50 ح 11،و كشف الغمة:135/3.
2- مناقب آل أبي طالب 4:394،و في بعض المصادر حربان و في بعضها سبيكه،و يقال انّ علي بن موسي الرضا هو الذي أطلق عليها لقب الخيزران.
3- الكافي:492/1.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:41/1.

و قال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:...عن زكريا بن يحيي بن نعمان الصيرفي قال:...قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:بأبي ابن خيرة الأماء،إبن النوبية،الطيبة الفم،المنتجبة الرحم (1).

و عن كلثم بن عمران:قال الرضا عليه السّلام لأصحابه:...و شبيه عيسي بن مريم عليهما السّلام،قدّست أم ولدته أي الجواد عليه السّلام فلما ولدته طاهرة مطهرة... (2).

و قال ابن شهر آشوب رحمه الله:و أمه أي أبي جعفر الجواد عليه السّلام أم ولد،تدعي:درة، و كانت مريسية،ثم سمّاها الرضا عليه السّلام:خيزران.و كانت من أهل بيت مارية القبطية.

و يقال:إنها سبيكة،و كانت نوبية.و يقال:ريحانة،و تكنّي:أم الحسن (3).

و قال المسعودي:روي أنه كان اسم أم أبي جعفر عليه السّلام،سبيكة.و أنها كانت أفضل نساء زمانها (4).

و قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:و أمه أي أبي جعفر الجواد عليه السّلام أم ولد،تسمي ريحانة، و تكنّي أم الحسن.و يقال:إن اسمها،سكينة.و يقال لها:خيزران المريسية (5).

و قال الشيخ المفيد رحمه الله:و أمه أي أبي جعفر الجواد عليه السّلام أم ولد،يقال لها:سبيكة، و كانت نوبية (6).

و قال البغدادي:أم محمد بن علي عليه السّلام سكينة،مربية،أم ولد،و يقال:خورنال (7).

و قال المحدّث القمي رحمه الله:أمه أم ولد،يقال لها:سبيكة،و سمّاها الرضا عليه السّلام:

الخيزران.و كانت نوبية،من أهل بيت مارية القبطية،أم إبراهيم ابن الرسول صلّي الله عليه و آله و سلم.و كانت من أفضل نساء زمانها و أشار إليها النبي صلّي الله عليه و آله و سلم بقوله:بأبي ابن خيرة الإماء،النوبية،الطيبة (8).

***

مهر زوجة الإمام الجواد عليه السّلام

في مهج الدعوات،عن النوفلي و كان خادما للرضا عليه السّلام قال:لمّا زوّج المأمون أبا جعفر محمّد بن الرضا عليه السّلام ابنته كتب إليه:إنّ لكلّ زوجة صداقا من مال زوجها و قد جعل الله أموالنا في

ص: 15


1- الكافي:322/1،ح 14.
2- عيون المعجزات:121.
3- المناقب لابن شهر آشوب:379/4.
4- إثبات الوصية:216.
5- دلائل الإمامة:ص 396.
6- الإرشاد:ص 316.
7- تاريخ الأئمة عليهم السلام ضمن المجموعة النفيسة:25.
8- الإرشاد:327،و أعيان الشيعة:33/2.

الآخرة مؤجّلة مذخورة هناك كما جعل أموالكم معجّلة في الدّنيا و كنزها هاهنا و قد أمهرت ابنتك الوسائل إلي المسائل و هي مناجاة دفعها إليّ أبي قال:دفعها إليّ أبي موسي قال:دفعها إليّ أبي جعفر قال:دفعها إليّ محمّد أبي قال:دفعها إليّ عليّ بن الحسين قال:دفعها إليّ الحسين أبي قال:

دفعها إليّ الحسن أخي قال:دفعها إليّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:دفعها إليّ رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:دفعها إليّ جبرئيل عليه السّلام قال:يا محمّد ربّ العزّة يقرئك السلام و يقول لك:هذه مفاتيح كنوز الدّنيا و الآخرة فاجعلها في وسائلك إلي مسائلك تصل إلي بغيتك و تنجح في طلبتك فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظّ من آخرتك و هي عشر وسائل تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح و تطلب بها الحاجات فتنجح و هذه نسختها ثمّ ذكر الأدعية.. (1).

و سوف تأتي هنا.

***

خطبة الزواج و ما جري فيها

روي عن محمد بن عون النصيبي قال:لما أراد المأمون أن يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام ابنته ام الفضل اجتمع عليه أهل بيته الأدنين منه فقالوا:يا أمير المؤمنين ننشدك الله أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه،و تنزع عنا عزا قد ألبسنا الله،فقد عرفت الأمر الذي بيننا و بين آل علي عليه السّلام قديما و حديثا.

فقال المأمون:أسكتوا فو الله لا قبلت من أحد منكم في أمره.

فقالوا:يا أمير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله،و لا يعرف فريضة من سنّة،و لا يميّز بين الحق و الباطل؟-و لأبي جعفر عليه السّلام يومئذ عشر سنين،أو إحدي عشرة سنة-فلو صبرت عليه حتي يتأدب و يقرأ القرآن و يعرف فرضا من سنّة.

فقال لهم المأمون:و الله إنه أفقه منكم،و أعلم بالله و برسوله و فرائضه و سننه و أحكامه،و أقرأ لكتاب الله،و أعلم بمحكمه و متشابهه و خاصه و عامه و ناسخه و منسوخه و تنزيله و تأويله منكم، فاسألوه فإنّ كان الأمر كما قلتم قبلت منكم في أمره،و إن كان كما قلت علمتم أنّ الرجل خير منكم.

فخرجوا من عنده و بعثوا إلي يحيي بن أكثم و أطمعوه في هدايا أن يحتال علي أبي جعفر عليه السّلام بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج.

ص: 16


1- بحار الأنوار:74/50 ح 2،و موسوعة الإمام الجواد:476/2.

فلما حضروا و حضر أبو جعفر عليه السّلام قالوا:يا أمير المؤمنين هذا يحيي بن أكثم إن أذنت له سأل أبا جعفر عليه السّلام عن مسألة.

فقال المأمون:يا يحيي سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه......

فقال يحيي:يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:قتله في حل أو في حرم؟عالما أو جاهلا؟عمدا أو خطأ؟عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا مبدئا أو معيدا؟من ذوات الطير أو من غيرها؟من صغار الصيد أو من كبارها؟مصرا عليها أو نادما؟بالليل في وكرها (1)أو بالنهار عيانا؟محرما للحج أو للعمرة؟

قال:فانقطع يحيي بن أكثم انقطاعا لم يخف علي أهل المجلس،و كثر الناس تعجبا من جوابه،و نشط المأمون،فقال:تخطب يا أبا جعفر؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم يا أمير المؤمنين.

فقال المأمون:الحمد لله إقرارا بنعمته،و لا إله إلا الله إخلاصا لعظمته،و صلّي الله علي محمد عند ذكره،و قد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال:

وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (2)

ثم إن محمد بن علي ذكر ام الفضل بنت عبد الله،و بذل لها من الصداق خمس مائة درهم، و قد زوّجت،فهل قبلت يا أبا جعفر؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم يا أمير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق،ثم أولم عليه المأمون،و جاء الناس علي مراتبهم في الخاص و العام.

قال فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاو باتهم،فإذا نحن بالخدم يجرّون سفينة من فضة فيها نسائج من أبريسم مكان القلوس،و السفينة مملوءة غالية فضمّخوا لحي أهل الخاص بها (3)ثم مدوها إلي دار العامة فطيبوهم.

قال:ثم أمر المأمون أن ينثر علي أبي جعفر عليه السّلام ثلاثة أطباق رقاع زعفران و مسك معجون بماء الورد،و جوفها رقاع،علي طبق رقاع عمالات،و الثاني ضياع طعمة لمن أخذها،و الثالث فيه بدر،فأمر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات علي بني هاشم خاصة،و الذي عليه ضياع طعمة علية.

ص: 17


1- الوكر:عش الطائر و موضعه.
2- سورة النور:32.
3- ضمخ و ضمخ جسده بالطيب:لطخه به حتي كانه يقطر.و في نسخة:فخضبوا اهل الخاص يها ثم مروا بها إلي دار العامة.

الوزراء،و الذي عليه البدر علي القواد،و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السّلام أيام حياته حتي كان يؤثره علي ولده (1).

ثمّ نهض القوم،فلمّا كان من الغد حضر النّاس،و حضر أبو جعفر و صار القّواد و الحجاب و الخاصّة و العامّة لتهنئة المأمون و أبي جعفر،فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنيّة و أقطاعات،فأمر المأمون بنثرها علي القوم في خاصّته،فكان كلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه،فأطلق له و وضعت البدر فنثر ما فيها علي القّواد و غيرهم،و انصرف النّاس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا،و تقدّم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين،و لم يزل مكرما لأبي جعفر معظّما لقدره مدّة حياته يؤثره علي ولده و جماعة أهل بيته (2).

***

أولاد الإمام الجواد عليه السّلام

أسماء أولاده عليه السّلام:

قال الشيخ المفيد رحمه الله:و خلف أبو جعفر الثاني عليه السّلام بعده من الولد عليا عليه السّلام ابنه الإمام من بعده،و موسي و فاطمة و أمامة ابنتيه.و لم يخلف ذكرا غير من سميناه.

و قال أبو علي الطبرسي رحمه الله:و خلف أبو جعفر الثاني عليه السّلام من الولد:ابنه عليا عليه السّلام الإمام،و موسي.(و يقال:و:)فاطمة،و أمامة ابنتيه،و لم يخلف غيرهم (3).

و قيل:عليّ الإمام و موسي و حكيمة و خديجة و امّ كلثوم،و قد كان زوّجه المأمون و لم يكن له منها ولد (4).

و قال حسن بن محمد بن حسن القمي رحمه الله:أولاد الجواد عليه السّلام:علي العسكري عليه السّلام، و موسي،جد السادة الرضوية بقم.و خديجة،و حكيمة،و أم كلثوم،و أمهم أم ولد (5).

ص: 18


1- تفسير القمي:169-172،و بحار الأنوار،العلامة المجلسي:384/10،و تحف العقول:451- 453،إلا أن فيه:و لأبي جعفر عليه السّلام تسع سنين.و فيه:ثم إن محمد بن علي خطب أم الفضل.و فيه:و أجاز الناس علي مراتبهم أهل الخاصة و اهل العامة و الاشراف و العمال و أوصلا لكل طبقة برا علي ما يستحقه. و لم يذكر قصة السفينة.و فيه:و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ.و فيه:و كذلك إذا أصاب ارنبا أو ثعلبا فعليه شاة،و يتصدّق بمثل ثمن شاة،و إن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به و درهم يشتري به علفا لحمام الحرم.إلي غير ذلك من الاختلاف.
2- الإرشاد:288/2،و مدينة المعاجز:356/7،و تحف العقول:454.
3- إعلام الوري:106/2.
4- البحار:8/50 ح 8.
5- تاريخ قم:201.

و قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:ذكر ولده أي أبي جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام أبو الحسن علي بن محمد العسكري الإمام عليه السّلام،و موسي.و من البنات:خديجة و حكيمة و أم كلثوم (1).

في البحار:و من البنات:حكيمة،خديجة،و أم كلثوم (2).

و قال فخر الرازي رحمه الله:و أما أبو جعفر التقي عليه السّلام،فله من الأبناء ثلاثة:أبو الحسن علي النقي عليه السّلام الإمام،و موسي،و يحيي،و ولده بقم.و له من البنات خمسه:فاطمة،و بهجت، و بريهة،و حكيمة،و خديجة.لا عقب للبنات و لا ليحيي (3).

و قال الطبرسي رحمه الله:و كان لأبي جعفر عليه السّلام من الأولاد:علي الإمام عليه السّلام،و موسي، و لم يخلف ذكرا غيرهما.و من البنات:حكيمة،و خديجة،و أم كلثوم.و يقال:إن له من البنات غير من ذكرناه،فاطمة،و أمامة (4).

و قال القندوزي الحنفي:و العقب من ولده أي أبي جعفر الثاني عليه السّلام في رجلين:علي الهادي عليه السّلام،و موسي المبرقع،و أولاد موسي بالري و قم و ما قاربهما.

و سائر أولاده:الحسن و حكيمة و أمامة و فاطمة رضي الله عنهم (5).

***

نقش خاتم الإمام الجواد عليه السّلام

عن محمد بن عيسي قال:سمعت الموفق يقول:أقدمني أبي جعفر الثاني عليه السّلام،و أراني خاتما في إصبعه،فقال لي:أتعرف هذا الخاتم؟

فقلت له:نعم!أعرف نقشه،فأما صورته،فلا!و كان خاتم فضة كله و حلقته فضة و فص مدور،و كان عليه مكتوبا:(حسبي الله)،و فوقه هلال،و أسفله وردة.

فقلت له:خاتم من هذا؟

فقال:خاتم أبي الحسن عليه السّلام.

فقلت له:و كيف صار في يدك؟

قال:لما حضرته الوفاة دفعه إلي.

ص: 19


1- دلائل الإمامة:397.
2- البحار:13/50.
3- الشجرة المباركة:78.
4- تاج المواليد،ضمن المجموعة النفيسة:130.
5- ينابيع المودة:169/3.

ثم قال لي:لا تخرج من يدك إلا إلي علي ابني (1).

و عن الحسين بن خالد...:و نقش خاتم أبي جعفر الثاني عليه السّلام:(حسبي الله حافظي)هكذا كان علي خاتم أبي جعفر عليه السّلام (2).

قال السيد بن طاووس رحمه الله:حدثنا محمد بن جعفر البزاز،عن علي بن الحسن بن فضال،عن محمد بن أورمة القمي،عن الحسين بن موسي بن جعفر قال:رأيت في يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السّلام خاتم فضة ناحل فقلت:مثلك يلبس مثل هذا؟!

قال عليه السّلام:هذا خاتم سليمان بن داود عليهما السّلام

و قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:و كان له أي لأبي جعفر الجواد عليه السّلام خاتم،نقش فصه:

(العزة لله)مثل نقش خاتم أبيه عليه السّلام (3).

و روي عن ابن الصباغ:أنّ نقش خاتمه-أي أبي جعفر محمد الجواد عليه السّلام-:نعم القادر الله (4).

***

شمائل الإمام الجواد عليه السّلام

لونه عليه السّلام

قال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:...الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين قال:

قال له إخوته و نحن أيضا:ما كان فينا إمام قط حائل اللون أي الجواد عليه السّلام (5).

الحضيني رحمه الله:...و كان الجواد عليه السّلام شديد الأدمة... (6)

و قال ابن الصباغ:...صفته أي الجواد عليه السّلام أبيض معتدل (7).

شعره و حسن وجهه عليه السّلام

قال الشيخ الصدوق رحمه الله:...عن أبي الصلت الهروي قال:...دخل علي شاب حسن الوجه،قطط الشعر أشبه بالرضا عليه السّلام...

ص: 20


1- مكارم الأخلاق:ص 86.
2- مكارم الأخلاق:ص 85.
3- الكافي:370/3،ح 13.الاستبصار:443/1،ح 1708.
4- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام،السيد الحسيني القزويني:397/1.
5- الكافي:322/1،ح 14.
6- الهداية الكبري:295،و أعيان الشيعة:33/2.
7- الفصول المهمة:266،و أعيان الشيعة:33/2،نور الأبصار:326.

فقلت له:و من أنت؟

فقال لي:أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت!أنا محمد بن علي!... (1).

و قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:...حدثنا إبراهيم بن سعد.

قال:رأيت محمد بن علي الرضا عليهما السّلام و له شعرة أو قال:وفرة مثل حلك الغراب... (2).

***

تجهيزه أباه بعد شهادته عليهما السّلام

عن أبي الصلت الهروي:...ثم مضي أبو جعفر عليه السّلام نحو أبيه عليه السّلام فدخل و أمرني بالدخول معه.فلما نظر إليه الرضا عليه السّلام و ثب إليه،فعانقه،و ضمه إلي صدره،و قبل ما بين عينيه،ثم سحبه سحبا إلي فراشه و أكب عليه محمد بن علي عليهما السّلام يقبله و يساره بشي لم أفهمه....

فقال أبو جعفر عليه السّلام:قم يا أبا الصلت!ايتني بالمغتسل و الماء من الخزانة.

فقلت:ما في الخزانة مغتسل و لا ماء.و قال لي:إنته إلي ما آمرك به.

فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل و ماء،فأخرجته و شمرت ثيابي لا غسله.

فقال لي:تنح يا أبا الصلت!فإنّ لي من يعينني غيرك،فغسله.ثم قال لي:أدخل الخزانة، فأخرج إلي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه.فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط، فحملته إليه.فكفنه و صلي عليه،ثم قال لي:ايتني بالتابوت!فقلت:أمضي إلي النجار حتي يصلح التابوت؟

قال:قم!فإّن في الخزانة تابوتا.فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط،فأتيته به.فأخذ الرضا عليه السّلام بعد ما صلّي عليه فوضعه في التابوت،و صفّ قدميه،و صلي ركعتين لم يفرغ منهما حتي علا التابوت،و انشق السقف،فخرج منه التابوت و مضي عليه السّلام... (3).

***

ص: 21


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:242/2.
2- دلائل الإمامة:397 ح 346.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:242/2،ح 1.

النص علي الإمام أبي جعفر الثاني محمد الجواد عليه السّلام

و ذلك من طرق:

الطريق الأول:أنه صلوات الله عليه كان أفضل خلق الله بعد أبيه

و أعلم أهل زمانه و أورعهم و أعبدهم و أشجعهم (1).

و قد ثبت بدلالة العقول تقديم الأفضل علي المفضول و العالم علي الجاهل.

قال المأمون:و اّما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنّه (2).

و قال:و الله إنه لأفقه منكم و أعلم بالله و رسوله و سنّته و فرائضه و حلاله و حرامه منكم و أقرأ لكتاب الله و أعلم بمحكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه (3).

و مناظراته العلمية تكشف سعة علمه بأحكام الدين و الشريعة (4).

و وصفه ابن عربي بصلواته قائلا:

(صلوات الله...علي باب الله المفتوح و كتاب الله المشروح...ظل الله الممدود المنطبع في مرات العرفان و المنقطع من نيله حبل الوجدان،غوّاص بحر القدم،محيط الفضل و الكرم حامل سر الرسول مهندس الأرواح و العقول...فهرس الكاف و النون غاية الظهور و الإيجاد محمد بن علي الجواد عليه السّلام) (5).

الطريق الثاني:دلالة العقل و النقل علي عدم خلو الأرض من الحجّة

و لقوله تعالي إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (6).

و دعوي الإمامة لغيره مقطوعة العدم،و له مقطوعة التحقق لثبوت عصمته بنص آية التطهير علي ما تقدّم.

ص: 22


1- راجع الصواعق المحرقة:205 ط.مصر و ط.بيروت 311،و الفصول المهمة:253،و نهج الحق:258، و اخبار الدول:115 الباب الثاني،و روضة الواعظين:237.
2- الارشاد:282/2،و اعلام الوري:335،و المناقب:381/4 مع تفاوت،و الفصول المهمة:255 ط. الاضواء و 268 ط.النجف و طهران.
3- الاختصاص:98 حديث تزويج الجواد.
4- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب:334 ترجمته،و المناقب:381/4-383-388،و الارشاد:/2 282،و اعلام الوري:335،و الاحتجاج:441/2،و اثبات الوصية:189،و الفصول المهمة:256 ط. بيروت و 268 ط.النجف و طهران،و الاختصاص:98،و نور الابصار:177 ط.الهند و 327 ط.قم- مناقب الجواد،و اخبار الدول:116 الباب الثاني الفصل الرابع.
5- وسيلة الخادم الي المخدوم:296.
6- الرعد:7.

الطريق الثالث:النص عليه من أبيه عليهما السّلام:

قال صفوان بن يحيي:قلت للرضا عليه السّلام قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول:يهب الله لي غلاما.

فقد وهب الله لك و قرّ عيوننا به،فلا أرانا الله يومك،فإنّ كان كون فالي من؟

فأشار بيده الي أبي جعفر و هو قائم بين يديه.

فقلت له:جعلت فداك و هذا ابن ثلاث سنين؟!

قال:«و ما يضر من ذلك قد قام عيسي بالحجة و هو ابن أقلّ من ثلاث» (1).

و في دلائل الامامة عن محمد المحمودي عن أبيه قال:كنت واقفا علي رأس الرضا عليه السّلام بطوس،فقال له بعض أصحابه:إن حدث حادث فالي من؟

قال عليه السّلام:«إلي ابني أبي جعفر عليه السّلام» (2).

و عن الحسن بن الجهم قال:كنت مع الرضا عليه السّلام جالسا فدعا بابنه و هو صغير فأجلسه في حجري و قال لي:جرّده و انزع قميصه فنزعته فقال لي:أنظر بين كتفيه فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم.

ثمّ قال لي:أتري هذا مثله في هذا الموضع كان من أبي عليه السّلام (3).

و نحو ذلك من النصوص (4).

***

معاجز الإمام الجواد عليه السّلام

عن بعض كتب السير أنه عليه السّلام بعد ما تزوج أم الفضل بنت المأمون توجه مع أهله و خدمه إلي المدينة و بلغ الكوفة فدخل لصلاة المغرب في مسجد في صحنه شجرة سدرة لم تثمر بعد فطلب ماء فتوضأ تحتها و صلي فلما فرغوا من الصلاة رأوا أن الشجرة أورقت و حملت فوثبوا إليها و أكلوا من ثمرها تبركا ما شاؤوا (5).

ص: 23


1- الارشاد:276/2،و اثبات الوصية:185،و اعلام الوري:331،و كفاية الاثر:275،و نقله في البحار:21/50،و الفصول المهمة:253 ط.الاضواء 265 ط.النجف و طهران.
2- دلائل الامامة:204،و الارشاد:279/2 مع تفاوت يسير،و اثبات الوصية:186 ط.النجف،و نقله في البحار:23/50،و الفصول المهمة:253 و 254 ط.الاضواء 266 ط.النجف و طهران.
3-
4- و هناك كثير من النصوص عليه من أبيه راجع اعلام الوري:330،و كفاية الاثر:274-275،و اثبات الوصية:183-184-186،و روضة الواعضين:237 و ما بعدها،و الكافي 320/16.
5- شرح أصول الكافي:294/7.

و عن عليّ بن خالد-قال محمّد:و كان زيديّا-قال:كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجل محبوس اتي به من ناحية الشام مكبلا و قالوا:إنّه تنبّأ،قال عليّ بن خالد:فأتيت الباب و داريت البوّابين و الحجبة حتّي وصلت إليه فإذا رجل له فهم،فقلت:يا هذا ما قصّتك و ما أمرك؟

قال:إنّي كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الّذي يقال له:موضع رأس الحسين فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص فقال لي:قم بنا،فقمت معه فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد الكوفة.فقال لي:تعرف هذا المسجد؟

فقلت:نعم هذا مسجد الكوفة.

قال:فصلّي و صلّيت معه فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد الرّسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالمدينة،فسلّم علي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و سلّمت و صلّي و صلّيت معه،و صلّي علي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فبينا أنا معه إذا نحن بمكّة،فلم أزل معه حتّي قضي مناسكه و قضيت مناسكي معه فبينا أنا معه،إذا أنا في الموضع الّذي كنت أعبد الله فيه بالشام و مضي الرّجل،فلمّا كان العام القابل إذ أنا به فعل مثل فعلته الاولي،فلمّا فرغنا من مناسكنا و ردّني إلي الشام و همّ بمفارقتي قلت له:سألتك بالحقّ الّذي أقدرك علي ما رأيت إلاّ أخبرتني من أنت؟

فقال:«أنا محمّد بن عليّ بن موسي».

قال:فتراقي الخبر حتّي انتهي إلي محمد بن عبد الملك الزيّات،فبعث إليّ و أخذني و كبّلني في الحديد و حملني إلي العراق.

قال:فقلت له:فارفع القصّة إلي محمّد بن عبد الملك،ففعل و ذكر في قصّته ما كان فوقّع في قصّته:قل للّذي أخرجك من الشام في ليلة إلي الكوفة و من الكوفة إلي المدينة و من المدينة إلي مكّة و ردّك من مكّة إلي الشام أن يخرجك من حبسك هذا.

قال عليّ بن خالد:فغمّني ذلك من أمره و رققت له و أمرته بالعزاء و الصبر قال:ثمّ بكّرت عليه فإذا الجند و صاحب الحرس و صاحب السجن و خلق الله،فقلت ما هذا؟

فقالوا:المحمول من الشام الذي تنبّأ افتقد البارحة فلا يدري أخسفت به الأرض أو اختطفه الطير (1).

قيل:اقتدارهم عليهم السّلام علي قطع المسافة البعيدة بالمدّة القليلة يكون علي وجوه:

منها:أنّ الأرض تطوي لهم كما ورد في إحضار عرش بلقيس حتي تلاقت الأرضان و آصف كان عنده بعض حروف ذلك الإسم و هم عليهم السّلام يعلمون كلّ حروفه و هو ثلاثة و سبعون حرفا فقد استأثر الله سبحانه بحرف واحد.7.

ص: 24


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:297/7.

و منها:أنّ الله سبحانه أقدرهم علي قطع تلك المسافة البعيدة بالمدّة القليلة كما أقدر الأمين جبرئيل عليه السّلام يقطع ما بين العرش و مجلس النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في أقلّ من ساعة مع أنّ المسافة مقدار خمسين ألف سنة و هم عليهم السّلام كانوا أفضل من جبرئيل و أعلم منه،لأنّ جبرئيل عليه السّلام نوع من أنواع علومهم و قد وقع مثل هذا في حكاية المعراج.

و منها:أنّ الله سبحانه قد سخّر لهم أجراما خفيفة تحملهم إلي الأماكن القاصية في طرفة العين و ما فوقها كالهواء و السحاب و الملائكة كما ورد في حديث حمل جماعة من الصحابة علي السحابة إلي أهل الكهف بأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و منها:أنّ الله سبحانه قد سخّر لهم جميع مخلوقاته بالطاعة لهم و الحضور بين أيديهم كما كانت الجبال و الأشجار و نحوها من الأجرام العلوية و السفلية تنقلع و تنتقل من أماكنها و تحضر بين أيديهم فيكون قطعهم المسافات المتباعدة عبارة عن انتقالها من مواضعها و حضورها عندهم،و هذه الطرق الأربعة و غيرها كلّها وقعت بالنسبة إليهم عليهم السّلام.

و روي أنّ أبا جعفر عليه السّلام لمّا صار إلي شارع الكوفة نزل عند دار المسيّب و كان في صحنة نبقة (1)لا تحمل فدعي بكوز فيه ماء فتوضّأ في أسفل النبقة و قام فصلّي بالناس المغرب و العشاء الآخرة و سجد سجدتي الشكر ثمّ خرج فلمّا انتهي إلي النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حشا فتعجّبوا من ذلك و أكلوا منها فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له و ودّعوه و مضي إلي المدينة.قال الشيخ المفيد:و قد أكلت من ثمرها و كان لا عجم له (2).

و في الخرائج،قال أبو هاشم:جاء رجل إلي محمّد بن علي بن موسي فقال:يابن رسول الله إنّ أبي قد مات و كان له مال و لست أقف علي ماله و لي عيال كثيرون و أنا من مواليكم فأغثني.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ علي محمّد و آل محمّد فإنّ أباك يأتيك بالنوم و يخبرك بأمر المال ففعل الرجل ذلك فرأي أباه في النوم فقال:يا بنيّ مالي في موضع كذا فخذه و اذهب إلي ابن رسول الله فأخبره أنّي دللتك علي المال فذهب الرجل فأخذ المال و أخبر الإمام عليه السّلام بأمر المال و قال الحمد لله الذي أكرمك و اصطفاك (3).

و عن صالح اليعقوبي قال:لمّا توجّهنا في استقبال المأمون إلي ناحية الشام أمر أبو جعفر عليه السّلام أن يعقد ذنب دابّته و ذلك في يوم صائف شديد الحرّ لا يوجد فيه الماء،فقال بعض من كان معه:لا عهد له بركوب الدّواب فإنّ موضع عقد ذنب البرذون غير هذا،قال:فما مررنا إلاّ يسيرا حتّي ضللنا الطريق بمكان كذا و وقعنا في و حل كثير أفسد ثيابنا و ما معنا و لم يصبه شيء من ذلك (4).5.

ص: 25


1- النبق:بالفتح و الكسر و هكذا محركة:حمل شجر السدر،أشبه شيء به العناب قبل أن تشتد حمرته.
2- البحار:57/50 ح 31.
3- البحار:42/50.
4- بحار الأنوار:45/50 ح 15.

انفراج الحائط له عليه السّلام:

عبد الرحمن بن يحيي قال:كنت يوما بين يدي مولاي الرضا عليه السّلام...فنظرت فإذا سيدي عليه السّلام قد فارق الدنيا،فأخذتني حسرة و غصة شديدة.فدنوت إليه،فإذا قائل من خلفي يقول:مه يا عبد الرحمن!فالتفت،فإذا الحائط قد انفرج،فإذا أنا بمولاي أبي جعفر عليه السّلام... (1).

التقاء طرفي الدجلة و الفرات له عليه السّلام:

قال محمد بن يحيي:لقيت محمد بن علي الرضا عليهما السّلام علي وسط دجلة فالتقي له طرفاه حتي عبر،و رأيته بالأنبار علي الفرات فعل مثل ذلك (2).

إذابة القصعة الصينية و ردّها إلي حالها:

عبد الله بن محمد قال:قال لي عمارة بن زيد:رأيت محمد بن علي عليهما السّلام و بين يديه قصعة (3)صيني.

فقال لي:يا عمارة!أتري من هذا عجبا؟قلت:نعم!فوضع يده عليها،فذابت حتي صارت ماء،ثم جمعه حتي جعله في قدح،ثم ردّها و مسحها بيده فإذا هي قصعة صيني كما كانت،و قال:

مثل هكذا فلتكن القدرة (4).

إخراج سبيكة الذهب من التراب:

عن إسماعيل بن عباس الهاشمي قال:جئت إلي أبي جعفر عليه السّلام يوم عيد،فشكوت إليه ضيق المعاش،فرفع المصلّي،فأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها.فخرجت بها إلي السوق، فكان فيها ستة عشر مثقالا من الذهب (5).

مده عليه السّلام الحديد بغير نار:

قال عمارة بن زيد:رأيت محمد بن علي عليهما السّلام...يمد الحديد بغير نار (6).

طبعه عليه السّلام الحجارة بخاتمه:

قال عمارة بن زيد:رأيت محمد بن علي عليهما السّلام...يطبع الحجارة بخاتمه (7).

ص: 26


1- إثبات الوصية:ص 215.
2- دلائل الإمامة:ص 398،ح 349،و مدينة المعاجز:319/7،ح 2354.
3- القصعة:و عاء مدور ضخم تشبع العشرة.انظر تاج العروس:22 ص 17،و لسان العرب:274/8 (قصع).
4- دلائل الإمامة:ص 400،ح 357.و إثبات الهداة:346/3،ح 66.
5- كشف الغمة:368/2.
6- دلائل الإمامة:ص 399،ح 354.
7- دلائل الإمامة:ص 399،ح 354.

تلوين شعره:

عن إبراهيم بن سعيد قال:رأيت محمد بن علي الرضا عليه السّلام له شعرة أو قال وفرة مثل حلك الغراب مسح يده عليها،فاحمرّت ثم مسح عليها بظاهر كفه:فابيضّت،ثم مسح عليها بباطنها فعادت سوداء كما كانت.

فقال لي:يابن سعيد هكذا تكون آيات الإمام؟فقلت:رأيت أباك(علي ما لا أشك)يضرب بيده إلي التراب فيجعله دنانير و دراهم.

فقال:في مصرك قوم يزعمون أنّ الإمام يحتاج إلي مال،(فضرب بيده لهم ليبلغهم)أنّ كنوز الأرض بيد الإمام (1).

صيرورة ورق الزيتون دراهم:

عن عمارة بن زيد قال:قال إبراهيم بن سعيد:رأيت محمدا بن علي عليه السّلام يضرب بيده إلي ورق الزيتون فيصير في كفه ورقا،فاخذت منه كثيرا و أنفقته في الاسواق،فلم يتغير (2).

وقوف السفن في البحر

عن حكيم بن حما قال:رأيت(سيدي)محمد بن علي عليه السّلام و قد ألقي في الدجلة خاتما، فوقفت كل سفينة صاعدا و هابطا،و أهل العراق يومئذ يتزايدون.

ثم قال لغلامه:أخرج الخاتم،فسارت الزوارق (3).

تسييره عليه السّلام الرجل إلي بيت المقدس في الوقت الواحد

عن أبي النصر أحمد بن سعيد قال:قال لي منخل بن علي:لقيت محمد بن علي عليه السّلام بسر من رأي،فسألته النفقة إلي بيت المقدس،فأعطاني مائة دينار.

ثم قال لي:إغمض عينيك،فغمضتها.ثم قال:إفتح،فإذا أنا ببيت المقدس تحت القبّة، فتحيرت في ذلك.

سيره عليه السّلام إلي مكة في ليلة و رجوعه فيها

عن محمد بن العلاء:رأيت محمدا بن علي عليه السّلام يحج بلا راحلة و لا زاد من ليلته و يرجع، و كان لي أخ بمكة لي معه خاتم.

فقلت له:تأخذ لي منه علامة،فرجع من ليلته و معه الخاتم (4).

ص: 27


1- دلائل الامامة:210 و اثبات الهداة:345/3 ح 54.
2- دلائل الامامة:210 و إثبات الهداة:345/3 ح 57.
3- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:320/7.
4- دلائل الامامة:211 و اثبات الهداة 345/3 ح 61.

إنبات العود اليابس

عن عبد الرزاق قال:حدّثنا محمد بن عمر قال:رأيت محمد بن علي عليه السّلام يضع يده علي منبر فتورق كل شجرة من فروعها و إني رأيته يكلم شاة فتجيبه (1).

إبانة أثر أصابعه عليه السّلام في الصخرة و غير ذلك

عن عمارة بن زيد:رأيت محمد بن علي عليه السّلام فقلت له:يابن رسول الله ما علامة الإمام؟

قال:إذا فعل هكذا،فوضع يده علي صخرة فبان أصابعه فيها.و رأيته يمد الحديد من غير نار و يطبع الحجارة بخاتمه (2).

ذهابه إلي أبيه لتجهيزه من المدينة إلي خراسان في الوقت الواحد

عن مؤدب كان لأبي جعفر عليه السّلام قال:إنه كان بين يدي يوما يقرأ في اللوح إذ رمي اللوح من يده،و قام فزعا و هو يقول:إنا لله و إنا إليه راجعون،مضي و الله أبي عليه السّلام.

فقلت:من أين علمت هذا؟

فقال:دخلني من إجلال الله و عظمته شي لا أعهده.

فقلت:و قد مضي؟!قال:(دع عنك هذا،إئذن لي أن أدخل البيت و أخرج إليك،و استعرضني بآي القرآن إن شئت سأفسر لك و تحفظه)،و دخل البيت فقمت و دخلت في طلبه اشفاقا مني عليه، فسألت عنه.فقيل:دخل هذا البيت و ردّ الباب دونه و قال:لا تأذنوا لأحد حتي أخرج إليكم.فخرج علي متغيرا و هو يقول:(إنا لله و إنا إليه راجعون،مضي و الله أبي).

فقلت:جعلت فداك قد مضي؟

قال:نعم و تولّيت غسله و تكفينه و ما كان ذلك ليلي منه غيري.ثم قال لي:دع عنك و استعرضني آي القران إن شئت،افسّر لك تحفظه.

فقلت:الأعراف.فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم،ثم قرأبسم الله الرحمن الرحيم (وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (3).

فقلت: (المص) (4).

فقال:هذا أول السورة،و هذا ناسخ و هذا منسوخ،و هذا محكم و هذا متشابه،و هذا خاص و هذا عام،و هذا ما غلط به الكتاب،و هذا ما اشتبه علي الناس.

ص: 28


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:323/7.
2- دلائل الامامة:211 و إثبات الهداة:345/3 ح 63.
3- الاعراف:171.
4- الاعراف:1.

ثم قال صاحب ثاقب المناقب:قال المصنف:إنه كان بالمدينة و أبوه بطوس (1).

كلامه عليه السّلام عند ولادته:

عن صفوان،عن حكيمة بنت أبي الحسن موسي عليه السّلام قالت:كتبت لما علقت أم أبي جعفر عليه السّلام به:خادمتك قد علقت.فكتب إلي:إنها علقت ساعة كذا،من يوم كذا،من شهر كذا، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيام.

قالت:فلما ولدته قال:(أشهد أن لا إله إلا الله).فلما كان اليوم الثالث،عطس،فقال:

(الحمد لله،و صلي الله علي محمد و علي الأئمة الراشدين) (2).

و روي ابن شهر آشوب رحمه الله عن حكيمة بنت أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام قالت:...فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السّلام في الطست،و إذا عليه شي رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضاء البيت،فأبصرناه...فلما كان في اليوم الثالث،رفع بصره إلي السماء،ثم نظر يمينه و يساره،ثم قال:(أشهد أن لا إله إلا الله،و أشهد أن محمدا رسول الله).فقمت ذعرة فزعة،فأتيت أبا الحسن عليه السّلام.

فقلت له:لقد سمعت من هذا الصبي عجبا!فقال:و ما ذاك؟فأخبرته الخبر.

فقال:يا حكيمه!ما ترون من عجائبه أكثر (3).

إبراء الأعمي

عن أبي محمد عبد الله بن محمد قال:قال لي عمارة بن زيد:رأيت إمراة قد حملت إبنا لها مكفوفا إلي أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام،فمسح يده عليه فاستوي قائما يعدو كأن لم يكن في عينه ضرر (4).

إيراق و إثمار السدرة اليابسة:

عن محمد بن حسان،عن أبي هاشم الجعفري قال:صلّيت مع أبي جعفر عليه السّلام في مسجد المسيّب و صلّي بنا في موضع القبلة سواء (5)،و ذكر أنّ السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق،فدعا بماء و تهيأ تحت السدرة،فعاشت و أورقت و حملت من عامها (6).

ص: 29


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:327/7.
2- دلائل الإمامة:ص 383،ح 341.
3- المناقب لابن شهر آشوب:394/4.
4- دلائل الامامة:400 ح 15.
5- سواء أي لم ينحرف عن القبلة لصحتها،أو لم يدخل المحراب الداخل كما يصنع المخالفون،بل قام في مثل ما قمنا عليه،و لم يتقدم علينا كثيرا لتضيق المكان أو لوجه آخر،أو كان الموضع الذي قام عليه السّلام عليه وسطا مستوي النسبة إلي الجانبين.
6- الكافي:497/1 ح 10،و عنه مراة العقول 107/6 ح 10.

تغيير حالات جسده الشريف عليه السّلام

عن عسكر مولي أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السّلام قال:دخلت عليه و هو جالس في وسط إيوان له،يكون عشرة أذرع.

قال:فوقفت بباب الإيوان،و قلت في نفسي:يا سبحان الله!ما أشد سمرة مولاي،و أضوأ جسده!قال:فو الله ما استتممت هذا القول في نفسي،حتي عرض في جسده و تطاول،و امتلأ به الإيوان إلي سقفه مع جوامع حيطانه،ثم رأيت لونه قد أظلم حتي صار كالليل المظلم،ثم ابيضّ، حتي صار كأبيض ما يكون من الثلج الأبيض،ثم احمر،فصار كالعلق المحمر،ثم اخضرّ،حتي صار كأعظم شي يكون في الأعواد المورقة الخضر.ثم تناقص (1)جسده حتي صار في صورته الأولي،و عاد لونه إلي اللون الأول،فسقطت لوجهي لهول ما رأيت فصاح بي:يا عسكر!كم تشكّون (2)فينا،و تضعفون قلوبكم،و الله لا يصل (3)إلي حقيقة معرفتنا إلا من منّ الله بنا عليه، و ارتضاه (4)لنا وليّا.

قال عسكر:فآليت أن لا أفكر في نفسي إلا بما ينطق به لساني (5).

و عن إبراهيم بن سعد قال:رأيت محمدا بن علي الرضا عليهما السّلام و له شعرة أو قال:و فرة مثل حلك الغراب مسح يده عليها فاحمرّت،ثم مسح عليها بظاهر كفه فابيضّت.ثم مسح عليها بباطن كفه،فعادت سوداء كما كانت.

فقال لي:يا ابن سعد!هكذا تكون آيات الإمام.

فقلت:رأيت أباك عليه السّلام يضرب بيده إلي التراب،فيجعله دنانير و دراهم.

فقال:في مصرك قوم يزعمون:أنّ الإمام يحتاج إلي مال،فضرب بيده لهم ليبلغهم أنّ كنوز الأرض بيد الإمام (6)(7).

***

ص: 30


1- في مدينة المعاجز:ثم تلاصق.
2- في المناقب:تشكون فننبئكم،و تضعفون فنقويكم....
3- في مدينة المعاجز و المناقب:لا وصل.
4- في المناقب:و ارتضيناه.
5- دلائل الإمامة:ص 404،ح 365،و إثبات الهداة:346/3،ح 70،باختصار،و مدينة المعاجز:/7 344،ح 2373.المناقب لابن شهر آشوب:387/4.
6- في نوادر المعجزات:في مصرك يزعمون أن الإمام يحتاج إلي مال،فبلغهم أن كنوز الأرض بيد الإمام.
7- دلائل الإمامة:ص 397،ح 346،و إثبات الهداة:345/3،ح 54،أشار إلي مضمونه،و مدينة المعاجز:317/7،ح 2351.نوادر المعجزات:ص 179،ح 2.

طيّ الأرض للإمام الجواد عليه السّلام

عن مؤدب كان لأبي جعفر عليه السّلام،أنه قال:كان بين يدي يوما يقرأ في اللوح،إذ رمي اللوح من يده،و قام فزعا و هو يقول:(إنا لله و إنا إليه راجعون)،مضي و الله أبي عليه السّلام.

فقلت:من أين علمت؟

قال:دخلني من إجلال الله و عظمته شي لم أعهده.

فقلت:و قد مضي؟

فقال:دع عنك ذا،إئذن لي أن أدخل البيت و أخرج إليك،و استعرضني بآي القرآن إن شئت، أف لك بحفظه.

فدخل البيت،فقمت و دخلت في طلبه إشفاقا مني عليه،فسألت عنه؟فقيل:دخل هذا البيت ورد الباب دونه،و قال:لا تؤذنوا علي أحدا حتي أخرج إليكم.فخرج متغيرا و هو يقول:(إنا لله و إنا إليه راجعون)،مضي و الله أبي.

فقلت:جعلت فداك!و قد مضي؟

فقال:نعم!و وليت غسله و تكفينه،و ما كان ذلك ليلي منه غيري.ثم قال لي:دع عنك هذا استعرضني أي القرآن إن شئت أف لك بحفظه.

فقلت:الأعراف؟فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم،ثم قرأ:بسم الله الرحمن الرحيم: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ (1).

فقلت: المص (2).

فقال:هذا أول السورة،و هذا ناسخ،و هذا منسوخ،و هذا محكم،و هذا متشابه،و هذا خاص،و هذا عام،و هذا ما غلط به الكتّاب،و هذا ما اشتبه علي الناس (3).

و عن عبد الرحمن بن يحيي قال:كنت يوما بين يدي مولاي الرضا عليه السّلام في علّته التي مضي فيها،إذ نظر إلي،فقال لي:يا عبد الرحمن!إذا كان في آخر يومي هذا،و ارتفعت الصيحة،فإنه سيوافيك إبني محمد،فيدعوك إلي غسلي،فإذا غسّلتموني،و صلّيتم علي فأعلم هذا الطاغية لئلا ينقص علي شيئا،و لن يستطيع ذلك.

قال:فو الله!إني بين يدي سيدي يكلّمني،إذ وافي المغرب،فنظرت فإذا سيدي قد فارق

ص: 31


1- الأعراف:171/7.
2- الأعراف:1.
3- الأمامة و التبصرة:ص 85،ح 74.الثاقب في المناقب:ص 509،ح 435.

الدنيا،فأخذتني حسرة و غصة شديدة،فدنوت إليه،فإذا قائل من خلفي يقول:مه يا عبد الرحمن! فالتفت فإذا الحائط قد انفرج،فإذا أنا بمولاي أبي جعفر عليه السّلام و عليه دراعة بيضاء،معمم بعمامة سوداء.

فقال:يا عبد الرحمن!قم إلي غسل مولاك،فضعه علي المغتسل،و غسّله بثوبه كغسل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم،فلما فرغ صلي و صليت معه عليه،ثم قال لي:يا عبد الرحمن!أعلم هذا الطاغي ما رأيت،لئلا ينقص عليه شيئا،و لن يستطيع ذلك.و لم أزل بين يدي سيدي إلي أن انفجر عمود الصبح،فإذا أنا بالمأمون قد أقبل في خلق كثير،فمنعتني هيبته أن أبدأ بالكلام.

فقال:يا عبد الرحمن بن يحيي!ما أكذبكم،ألستم تزعمون أنه ما من إمام يمضي إلا و ولده القائم مكانه يلي أمره؟هذا علي بن موسي بخراسان،و محمد ابنه بالمدينة.

قال:فقلت:يا أمير المؤمنين!أما إذا ابتدأتني فاسمع،أنه لما كان أمس.

قال لي سيدي كذا و كذا،فو الله!ما حضرت صلاة المغرب حتي قضي فدنوت منه.فإذا قائل من خلفي يقول:مه يا عبد الرحمن!و حدّثته الحديث.

فقال:صفه لي!فوصفته له بحليته،و لباسه،و أريته الحائط الذي خرج منه،فرمي بنفسه إلي الأرض،و أقبل يخور كما يخور الثور،و هو يقول:ويلك يا مأمون!ما حالك،و علي ما أقدمت! لعن الله فلانا و فلانا،فإنهما أشارا علي بما فعلت (1).

قال الشيخ الصدوق رحمه الله:حدّثنا محمد بن علي ما جيلويه و محمد بن موسي المتوكل و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني و أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم و الحسين بن إبراهيم بن تاتانه و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب و علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم، قالوا:حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم،عن أبيه،عن أبي الصلت الهروي.

قال:بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليهما السّلام،إذ قال لي:يا أبا الصلت!أدخل هذه القبة التي فيها قبر هارون،و ائتني بتراب من أربعة جوانبها.

قال:فمضيت فأتيت به،فلما مثلت بين يديه.

فقال لي:ناولني هذا التراب و هو من عند الباب،فناولته،فأخذه،و شمّه ثم رمي به.ثم قال:سيحفر لي هاهنا،فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها،ثم قال:في الذي عند الرجل و الذي عند الرأس مثل ذلك،ثم قال:ناولني هذا التراب،فهو من تربتي.ثم قال:سيحفر لي في هذا الموضع،فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلي أسفل،و أن يشق لي5.

ص: 32


1- إثبات الوصية:ص 215.

ضريحه،فإنّ أبوا إلا أن يلحدوا،فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا.فإنّ الله سيوسعه ما يشاء،فإذا فعلوا ذلك فإنك تري عند رأسي نداوة،فتكلم بالكلام الذي أعلمك،فإنه ينبع الماء حتي يمتلئ اللحد،و تري فيه حيتانا صغارا،ففت لها الخبز الذي أعطيك،فإنها تلتقطه،فإذا لم يبق منه شي خرجت منه حوتة كبيرة،فالتقطت الحيتان الصغار حتي لا تبقي منها شيئا،ثم تغيب.فإذا غابت فضع يدك علي الماء،ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك،فإنه ينضب الماء و لا يبقي منه،و لا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.ثم قال عليه السّلام:يا أبا الصلت!غدا أدخل علي هذا الفاجر،فإنّ أنا خرجت و أنا مكشوف الرأس فتكلم!أكلمك،و إن أنا خرجت و أنا مغطي الرأس فلا تكلمني.

قال أبو الصلت:فلما أصبحنا من الغد،لبس ثيابه و جلس في محرابه ينتظر،فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون،فقال له:أجب أمير المؤمنين،فلبس نعله و رداءه،و قام يمشي و أنا أتبعه حتي دخل المأمون،و بين يديه طبق عليه عنب،و أطباق فاكهة،و بيده عنقود عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه.فلما أبصر بالرضا عليه السّلام و ثب إليه،فعانقه و قبّل ما بين عينيه،و أجلسه معه،ثم ناوله العنقود،و قال:يا ابن رسول الله!ما رأيت عنبا أحسن من هذا!فقال له الرضا عليه السّلام:ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنّة.

فقال له:كل منه.

فقال له الرضا عليه السّلام:تعفيني منه.

فقال:لا بدّ من ذلك،و ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشيء.فتناول العنقود فأكل منه،ثم ناوله، فأكل منه الرضا عليه السّلام ثلاث حبات،ثم رمي به وقام،فقال المأمون:إلي أين؟

فقال:إلي حيث وجّهتني.فخرج عليه السّلام مغطي الرأس،فلم أكلمه حتي دخل الدار،فأمر أن يغلق الباب،فغلق ثم نام عليه السّلام علي فراشه،و مكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا.فبينما أنا كذلك،إذ دخل علي شاب حسن الوجه،قطط (1)الشعر،أشبه النّاس بالرّضا عليه السّلام،فبادرت إليه.

فقلت له:من أين دخلت،و الباب مغلق؟!فقال:الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق.

فقلت له:و من أنت؟

فقال لي:أنا حجّة الله عليك،يا أبا الصلت!أنا محمد بن علي،ثم مضي نحو أبيه عليهما السّلام، فدخل و أمرني بالدخول معه،فلما نظر إليه الرضا عليه السّلام و ثب إليه،فعانقه و ضمّه إلي صدره،و قبّل ما بين عينيه،ثم سحبه سحبا إلي فراشه و أكبّ عليه محمد بن علي عليه السّلام يقبّله و يسّاره بشيء لم أفهمه.د.

ص: 33


1- قطط:الشديد الجعودة،و قيل الحسن الجعودة،الجعد خلاف السبط،و السبط الذي ليس بمجتمع.لسان العرب:380/7 و ج 121/3 و 122،مادة:قطط و جعد.

و رأيت علي شفتي الرّضا عليه السّلام زبدا أشدّ بياضا من الثّلج،و رأيت أبا جعفر عليه السّلام يلحسه بلسانه،ثم أدخل يده بين ثوبه و صدره،فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور،فابتلعه أبو جعفر عليه السّلام و مضي الرضا عليه السّلام.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:قم يا أبا الصلت!آتني بالمغتسل و الماء من الخزانة.

فقلت:ما في الخزانة مغتسل و لا ماء،و قال لي:إنته إلي ما آمرك به،فدخلت الخزانة،فإذا فيها مغتسل و ماء فأخرجته،و شمّرت ثيابي لأغسّله.

فقال لي:تنح يا أبا الصلت!فإنّ لي من يعينني غيرك،فغسّله.ثم قال لي:أدخل الخزانة، فأخرج إلي السفط (1)الذي فيه كفنه و حنوطه،فدخلت،فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط، فحملته إليه،فكفّنه و صلّي عليه.ثم قال لي:إئتني بالتابوت.

فقلت:أمضي إلي النجار حتي يصلح التابوت؟

قال:قم!فإنّ في الخزانة تابوتا.فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط،فأتيته به،فأخذ الرضا عليه السّلام بعد ما صلّي عليه،فوضعه في التابوت،و صفّ قدميه،و صلّي ركعتين لم يفرغ منهما حتي علا التابوت و انشق السقف،فخرج منه التابوت و مضي.

فقلت:يا ابن رسول الله!الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا عليه السّلام،فما نصنع؟

فقال لي:أسكت!فإنه سيعود يا أبا الصلت!ما من نبي يموت بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما و أجسادهما،و ما أتمّ الحديث حتي انشق السقف و نزل التابوت.فقام عليه السّلام،فاستخرج الرضا عليه السّلام من التابوت،و وضعه علي فراشه كأنه لم يغسّل و لم يكفّن.ثم قال لي:يا أبا الصلت!قم فافتح الباب،للمأمون.ففتحت الباب،فإذا المأمون و الغلمان بالباب،فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه،و لطم رأسه،و هو يقول:يا سيداه!فجعت بك يا سيدي! ثم دخل،فجلس عند رأسه،و قال:خذوا في تجهيزه،فأمر بحفر القبر،فحفرت الموضع،فظهر كل شي علي ما وصفه الرضا عليه السّلام.

فقال له بعض جلسائه:ألست تزعم أنه إمام؟

فقال:بلي!لا يكون الإمام إلا مقدّم النّاس،فأمر أن يحفر له في القبلة.

فقلت له:أمرني أن يحفر له سبع مراقي،و أن أشق له ضريحة.

فقال:انتهوا إلي ما يأمر به أبو الصلت سوي الضريح،و لكن يحفر له و يلحد.فلما رأي ما ظهر له من النداوة و الحيتان و غير ذلك.).

ص: 34


1- السفط:الذي يعبي فيه الطيب...السفط كالجوالق،لسان العرب:315/7(سفط).

قال المأمون:لم يزل الرضا عليه السّلام يرينا عجائبه في حياته،حتي أراناها بعد وفاته أيضا!فقال له وزير كان معه:أتدري ما أخبرك به الرضا عليه السّلام؟

قال:لا!

قال:إنّه قد أخبرك أنّ ملككم يا بني العباس مع كثرتكم و طول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتي إذا فنيت آجالكم،و انقطعت آثاركم،و ذهبت دولتكم،سلّط الله تعالي عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم.

قال له:صدقت.ثم قال لي:يا أبا الصلت!علّمني الكلام الذي تكلمت به.

قلت:و الله!لقد نسيت الكلام من ساعتي و قد كنت صدقت،فأمر بحبسي،و دفن الرضا عليه السّلام.

فحبست سنة،فضاق علي الحبس،و سهرت الليلة،و دعوت الله تبارك و تعالي بدعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد صلوات الله عليهم،و سألت الله بحقهم أن يفرّج عني،فما استتم دعائي حتي دخل علي أبو جعفر محمد بن علي عليهما السّلام.

فقال لي:يا أبا الصلت!ضاق صدرك؟فقلت:إي و الله!قال:قم!فأخرجني،ثم ضرب يده إلي القيود التي كانت علي،ففكّها،و أخذ بيدي و أخرجني من الدار،و الحرسة و الغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني،و خرجت من باب الدار.ثم قال لي:إمض في ودائع الله،فإنك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا.

فقال أبو الصلت:فلم ألتق المأمون إلي هذا الوقت (1).

و عن معمر بن خلاد،عن أبي جعفر عليه السّلام أو عن رجل عن أبي جعفر،الشك من أبي علي قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا معمّر!إركب.

قلت:إلي أين؟

قال:إركب كما يقال لك.

قال:فركبت فانتهيت إلي واد،أو إلي وهدة (2)الشك من أبي علي.

فقال لي:قف هاهنا!قال:فوقفت فأتاني.

فقلت له:جعلت فداك!أين كنت؟

قال:دفنت أبي الساعة،و كان بخراسان (3).2.

ص: 35


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:242/2.
2- الوهد و الوهدة:المطمئن من الأرض،و المكان المنخفض كانه حفرة،لسان العرب:470/3(وهد).
3- كشف الغمة:363/2.

الطي إلي بيت المقدس:

عن أبي النصر أحمد بن سعيد قال:قال لي منخل بن علي:لقيت محمد بن علي عليهما السّلام بسر من رأي،فسألته النفقة إلي بيت المقدس؟

فأعطاني مائة دينار،ثم قال لي:غمض عينك فغمضتها،ثم قال لي:إفتح.فإذا أنا ببيت المقدس تحت القبّة،فتحيرت في ذلك (1).

الطي إلي مصر:

قال الحر العاملي رحمه الله:روي الحافظ أبو نعيم من علماء أهل السّنة في كتاب(حلية الأولياء)،علي ما وجدته منقولا عنه بخط بعض أصحابنا.

قال:حكي أبو يزيد البسطامي قال:خرجت من بسطام قاصدا لزيارة البيت الحرام،فمررت بالشام إلي أن وصلت إلي دمشق،فلما كنت بالغوطة مررت بقرية من قراها،فرأيت في القرية تل تراب،و عليه صبي،رباعي السن يلعب بالتراب فقلت في نفسي:هذا صبي إن سلّمت عليه لما يعرف السلام،و إن تركت السلام أخللت بالواجب،فأجمعت رأيي علي أن أسلّم عليه،فسلّمت عليه.

فرفع رأسه إلي و قال:و الذي رفع السماء و بسط الأرض،لو لا ما أمر الله به من ردّ السلام لما رددت عليك،استصغرت أمري،و استحقرتني لصغر سني!؟عليك السلام و رحمة الله و بركاته و تحياته و رضوانه.

ثم قال:صدق الله: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (2).و سكت.

فقلت: أَوْ رُدُّوها.

فقال:ذاك فعل المقصّر مثلك.فعلمت أنه من الأقطاب المؤيدين.

فقال:يا أبا يزيد!ما أقدمك إلي الشام من مدينتك بسطام؟فقلت:يا سيدي!قصدت بيت الله الحرام إلي أن قال:فنهض،و قال:أعلي وضوء أنت؟

قلت:لا!فقال:إتبعني!فتبعته قدر عشر خطيّ،فرأيت نهرا أعظم من الفرات.فجلس و جلست،و توضأ أحسن وضوء و توضأت.و إذا قافلة مارة،فتقدمت إلي واحد منهم،و سألته عن النهر؟

ص: 36


1- نوادر المعجزات:181 ح 5.
2- النساء:86.

فقال:هذا جيحون (1).فسكت.ثم قال لي الغلام:قم!فقمت معه،و مشيت معه عشرين خطوة،و إذا نحن علي نهر أعظم من الفرات و جيحون.

فقال لي:إجلس!فجلست و مضي.

فمر علي أناس في مركب لهم،فسألتهم عن المكان الذي أنا فيه؟

فقالوا:نيل مصر،و بينك و بينها فرسخ أو دون فرسخ،و مضوا،فما كان غير ساعة إلا و صاحبي قد حضر،و قال لي:قم!قد عزم علينا.

فقمت معه قدر عشرين خطوة،فوصلنا عند غيبوبة الشمس إلي نخل كثير،و جلسنا،ثم قام و قال لي:إمش!فمشيت خلفه يسيرا،و إذا نحن بالكعبة إلي أن قال:فسألت الرجل الذي فتح الكعبة،فقال:هذا سيدي محمد الجواد صلي الله عليه.

فقلت:الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

الطي إلي مكة:

عن هشام بن محمد قال:قال محمد بن العلاء:رأيت محمد بن علي عليه السّلام يحج بلا راحلة و لا زاد من ليلته و يرجع،و كان لي أخ بمكة لي عنده خاتم.

فقلت له:تأخذ لي منه علامة،فرجع من ليلته و معه الخاتم (2).

***

المعجزة الكبري

الخرائج،عن حكيمة بنت الرضا عليه السّلام قالت:لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضا عليه السّلام صرت يوما إلي امرأته امّ الفضل فبينما نحن نتذاكر فضل محمّد و كرمه و علمه إذ قالت امرأته امّ الفضل:يا حكيمة أخبرك عنه بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها.

قلت:و ما ذاك؟

قالت:إنّه ربّما كان أغارني مرّة بجارية و مرّة بتزويج فكنت أشكوه إلي المأمون فيقول:يا بنيّة

ص: 37


1- جيحون بالفتح:أصل اسم جيحون بالفارسية هرون،و هو اسم وادي خراسان علي وسط مدينة يقال لها جيهان،فنسبه الناس إليها،و قالوا:جيحون علي عادتهم في قلب الألفاظ.يجيئ جيحون من موضع يقال له:ريوساران،و هو جبل يتصل بناحية السند و الهند و كابل،و منه عين تخرج من موضع يقال له.عند ميس. معجم البلدان:196/2.
2- دلائل الإمامة:ص 399،ح 352.

احتملي فإنّه ابن رسول الله،فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت:من أنت؟فكأنّها قضيب بان أو غصن خيزران؟

قالت:أنا زوجة لأبي جعفر بن الرضا و أنا امرأة من ولد عمّار بن ياسر،فدخل عليّ من الغيرة ما لم أملك نفسي فنهضت من ساعتي و صرت إلي المأمون و قد كان ثملا من الشراب و قد مضي من الليل ساعات فأخبرته بحالي و قلت له:يشتمني و يشتمك و يشتم العبّاس و ولده،و قلت ما لم يكن فغاظه ذلك منّي جدّا و لم يملك نفسه من السكر و قام مسرعا فضرب بيده إلي سيفه و حلف أنّه يقطعه بهذا السيف و صار إليه.

قالت:فندمت عند ذلك و قلت في نفسي:ما صنعت هلكت و أهلكت فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع فدخل إليه و هو نائم فوضع فيه السيف فقطّعه قطعة قطعة ثمّ وضع سيفه علي حلقه فذبحه و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم و انصرف و هو يزبد مثل الجمل فلمّا رأيت ذلك هربت علي وجهي إلي منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها إلي أن أصبحت فلمّا أصبحت دخلت إليه و هو يصلّي و قد أفاق من السكر.

فقلت له:يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟

قال:لا و الله.

قلت:فإنّك صرت إلي ابن الرضا و هو نائم فقطّعته إربا إربا و ذبحته بسيفك قال:ويلك ما تقولين؟فصاح:يا ياسر ما تقول هذه الملعونة؟

قال:صدقت فيما قالت.

قال:إنّا لله و إنّا إليه راجعون هلكنا و افتضحنا بادر إليه و ائتني بخبره فركض ثمّ عاد مسرعا فقال:يا أمير المؤمنين البشري،دخلت فإذا هو قاعد يستاك و عليه قميص فبقيت متحيّرا في أمره ثمّ أردت أن أنظر إلي بدنه هل فيه شيء من الأثر فقلت له:أحبّ أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرّك به فنظر إليّ و تبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك.

فقال:أكسوك كسوة فاخرة.

فقلت:لست أريد غير هذا القميص الذي عليك،فخلعه و كشف لي بدنه كلّه فو الله ما رأيت أثرا،فخرّ المأمون ساجدا و وهب لياسر ألف دينار و قال:الحمد لله الذي لم يبتليني بدمه.

ثمّ قال:يا ياسر كلّما كان من مجيء هذه الملعونة إليّ و بكائها بين يديّ فأذكره،و أمّا مسيري إليه فلست أذكره.

فقال ياسر:و الله ما زلت تضربه بالسيف و أنا و هذه ننظر إليك و إليه حتّي قطّعته قطعة قطعة ثمّ وضعت سيفك علي حلقه فذبحته و أنت تزبد كما يزبد البعير.

فقال:الحمد لله.

ص: 38

ثمّ قال لي:و الله لئن عدت بعدها في شيء ممّا جري لأقتلنّك.

ثمّ قال لياسر:إحمل إليه عشرة آلاف دينار و برذوني الفلاني و سله الركوب إليّ مع بني هاشم، فلمّا دخل عليه تلقّاه و قبّل ما بين عينيه و أقعده علي المقعد في الصدر فجعل يعتذر إليه فقال له أبو جعفر عليه السّلام:لك عندي نصيحة فاسمعها منّي.

قال:هاتها.

قال:اشير عليك بترك المسكر.

قال:فداك ابن عمّك قد قبل نصيحتك (1).

و رواها بتفاوت السيد ابن طاووس رحمه الله قال:حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسي بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن علي عليهم السّلام قالت:...قالت أم عيسي زوجة الجواد عليه السّلام:

كنت أغار عليه كثيرا،و أراقبه أبدا،و ربما يسمعني الكلام،فأشكو ذلك إلي أبي فيقول:يا بنية! إحتمليه،فإنه بضعة من رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت علي جارية فسلّمت.

فقلت:من أنت؟

فقالت:أنا جارية من ولد عمار بن ياسر،و أنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا زوجك! فدخلتني من الغيرة ما لا أقدر علي احتمال ذلك،فهممت أن أخرج و أسيح في البلاد،و كاد الشيطان أن يحملني علي الإساءة إليها،فكظمت غيظي،و أحسنت رفدها و كسوتها.فلما خرجت من عندي المرأة،نهضت و دخلت علي أبي،و أخبرته بالخبر،و كان سكرانا لا يعقل،فقال:يا غلام!علي بالسيف.فأتي به،فركب و قال:و الله!لأقتلنّه.فلما رأيت ذلك.قلت:إنا لله و إنا إليه راجعون، ما صنعت بنفسي و بزوجي،و جعلت ألطم حر وجهي،فدخل.عليه والدي و ما زال يضربه بالسيف حتي قطّعه،ثم خرج من عنده،و خرجت هاربة من خلفه،فلم أرقد ليلتي.فلما ارتفع النهار،أتيت أبي فقلت:أتدري ما صنعت البارحة؟!قال:و ما صنعت؟

قلت:قتلت ابن الرضا!فبرق عينه،و غشي عليه.ثم أفاق بعد حين،و قال:ويلك!ما تقولين؟

قلت:نعم!و الله يا أبت!دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسيف حتي قتلته.فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا،و قال:علي بياسر الخادم.فجاء ياسر،فنظر إليه المأمون،و قال:ويلك ما هذا الذي تقول ابنتي؟

قال:صدقت يا أمير المؤمنين!فضرب بيده علي صدره و خده،و قال:إنا لله و إنا إليه0.

ص: 39


1- الخرائج و الجرائح:375/1 ح 2،و بحار الأنوار:71/50.

راجعون،هلكنا بالله و عطبنا،و افتضحنا إلي آخر الأبد.ويلك يا ياسر!فانظر ما الخبر و القصة عنه؟ و عجل عليّ بالخبر،فإنّ نفسي تكاد أن تخرج الساعة.فخرج ياسر،و أنا ألطم حر وجهي،فما كان بأسرع من أن رجع ياسر.

فقال:البشري يا أمير المؤمنين!قال:لك البشري!فما عندك؟

قال ياسر:دخلت عليه،فإذا هو جالس و عليه قميص و دواج،و هو يستاك،فسلّمت عليه و قلت:يا ابن رسول الله،أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه و أتبرك به.و إنما أردت أن أنظر إليه و إلي جسده هل به أثر السيف،فو الله كأنه العاج الذي مسّه صفرة،ما به أثر.فبكي المأمون طويلا،و قال:ما بقي مع هذا شي،إنّ هذا لعبرة للأولين و الآخرين.

و قال:يا ياسر!أما ركوبي إليه و أخذي السيف و دخولي عليه،فإني ذاكر له،و خروجي عنه فلست أذكر شيئا غيره،و لا أذكر أيضا انصرافي إلي مجلسي،فكيف كان أمري و ذهابي إليه،لعن الله علي هذه الإبنة لعنا و بيلا.تقدّم إليها و قل لها:يقول لك أبوك:و الله!لئن جئتني بعد هذا اليوم، و شكوت منه أو خرجت بغير إذنه،لأنتقمن له منك.ثم سر إلي ابن الرضا،و أبلغه عني السلام، و احمل إليه عشرين ألف دينار،و قدم إليه الشهري الذي ركبته البارحة.ثم مر بعد ذلك الهاشميين أن يدخلوا عليه،بالسلام،و يسلّموا عليه.

قال ياسر:فأمرت لهم بذلك،و دخلت أنا أيضا معهم و سلّمت عليه،و أبلغت السّلام، و وضعت المال بين يديه،و عرضت الشهري عليه.فنظر عليه السّلام إليه ساعة،ثم تبسّم فقال:يا ياسر! هكذا كان العهد بيننا و بينه،حتي يهجم علي بالسيف؟!أما علم أنّ لي ناصرا و حاجزا يحجز بيني و بينه؟

فقلت:يا سيدي!يا ابن رسول الله!دع عنك هذا العتاب،و اصفح و الله،و حق جدك رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما كان يعقل شيئا من أمره،و ما علم أين هو من أرض الله،و قد نذر لله نذرا صادقا، و حلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا،فإنّ ذلك من حبائل الشيطان،فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته، فلا تذكر له شيئا،و لا تعاتبه علي ما كان منه.

فقال عليه السّلام:هكذا كان عزمي و رأيي،و الله.ثم دعا بثيابه،و لبس و نهض،و قام معه الناس أجمعون حتي دخل علي المأمون.

فلما رآه قام إليه و ضمّه إلي صدره،و رحّب به،و لم يأذن لأحد في الدخول عليه،و لم يزل يحدّثه و يستأمره.فلما انقضي ذلك.قال أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السّلام:يا أمير المؤمنين! قال:لبيك و سعديك!

قال:لك عندي نصيحة فاقبلها!

ص: 40

قال المأمون:بالحمد و الشكر،فما ذاك يا ابن رسول الله؟

قال:أحبّ لك أن لا تخرج بالليل،فإني لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس،و عندي عقد تحصّن به نفسك،و تحرز به من الشرور و البلايا و المكاره و الآفات و العاهات،كما أنقذني الله منك البارحة.و لو لقيت به جيوش الروم و الترك،و اجتمع عليك،و علي غلبتك أهل الأرض جميعا ما تهيأ لهم منك شي بإذن الله الجبار،و إن أحببت بعثت به إليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك.

قال:نعم!فاكتب ذلك بخطك و ابعثه إليّ.

قال:نعم.

قال ياسر:فلما أصبح أبو جعفر عليه السّلام بعث إلي فدعاني،فلما صرت إليه و جلست بين يديه، دعا برق ظبي من أرض تهامة،ثم كتب بخطه هذا العقد.

ثم قال:يا ياسر!إحمل هذا إلي أمير المؤمنين و قل له:حتي يصاغ له قصبة من فضة منقوش عليها ما أذكره بعده.فإذا أراد شدّه علي عضده،فليشدّه علي عضده الأيمن.و ليتوضأ وضوء حسنا سابغا،و ليصل أربع ركعات،يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة،و سبع مرات آية الكرسي،و سبع مرات شَهِدَ اللّهُ (1)و سبع مرات وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها (2)،و سبع مرات وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (3)، و سبع مرات قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (4).فإذا فرغ منها فليشدّه علي عضده الأيمن عند الشدائد و النوائب،يسلم بحول الله و قوته من كل شي يخافه و يحذره،و ينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب،و لو أنه غزي أهل الروم و ملكهم،لغلبهم بإذن الله،و بركة هذا الحرز.

و روي:أنه لما سمع المأمون من أبي جعفر عليه السّلام في أمر هذا الحرز و هذه الصفات كلها، غزي أهل الروم فنصره الله تعالي عليهم،و منحه منهم من المغنم ما شاء الله،و لم يفارق هذا الحرز عند كل غزاة و محاربة،و كان ينصره الله عزّ و جلّ بفضله،و يرزقه الفتح بمشيته،إنه ولي ذلك بحوله و قوته.. (5).

و سوف تأتي تمام أحرازه عليه السّلام.

***2.

ص: 41


1- سورة آل عمران:18.
2- سورة الشمس:1.
3- سورة الليل:1.
4- سورة الإخلاص:1.
5- مهج الدعوات:52.

أثر من يهين الأئمة عليهم السّلام

عن محمّد بن الريّان قال:إحتال المأمون علي أبي جعفر عليه السّلام بكلّ حيلة فلم يمكنه فيه شيء فلمّا اعتلّ و أراد أن يبني عليه ابنته دفع إليّ مائتي و صيفة من أجمل ما يكون،و إلي كلّ واحدة منهنّ جاما فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر عليه السّلام إذا قعد في موضع الأخيار،فلم يلتفت إليهنّ و كان رجل يقال له:مخارق صاحب صوت و عود و ضرب،طويل اللّحية،فدعاه المأمون فقال:يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدّنيا فأنا اكفيك أمره،فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السّلام فشهق مخارق شهقة إجتمع عليه أهل الدّار و جعل يضرب بعوده و يغنّي،فلمّا فعل ساعة و إذا أبو جعفر لا يلتفت إليه لا يمينا و لا شمالا:ثم رفع إليه رأسه و قال عليه السّلام:إتّق الله يا ذا العثنون (1).

قال:فسقط المضراب من يده و العود فلم ينتفع بيديه إلي أن مات قال:فسأله المأمون عن حاله قال:لمّا صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا افيق منها أبدا (2).

و عن أحمد بن محمّد بن عبد الله،عن محمّد بن سنان قال:دخلت علي أبي الحسن عليه السّلام فقال:«يا محمّد حدث بآل فرج حدث»؟

فقلت:مات عمر.

فقال:«الحمد لله».حتّي أحصيت له أربعا و عشرين مرّة،فقلت:يا سيّدي لو علمت أنّ هذا يسرّك لجئت حافيا أعدو إليك.

قال:«يا محمّد أ و لا تدري ما قال-لعنه الله-لمحمّد بن عليّ أبي».

قال:قلت:«لا،قال:بل خاطبه في شيء.فقال:أظنّك سكرانا.

فقال أبي:اللّهم إن كنت تعلم أنّي أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب و ذلّ الأسر،فو الله ما ذهبت الأيّام حتّي حرب ما له و ما كان له ثمّ اخذ أسيرا و هو ذا قدمات-لا رحمه الله-و قد أدال الله عزّ و جلّ منه و ما زال يديل أوليائه من أعدائه (3).

و عن ابن ارومة قال:إنّ المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال:إشهدوا لي علي محمّد بن علي بن موسي زورا و اكتبوا أنّه أراد أن يخرج.ثمّ دعاه فقال:إنّك أردت أن تخرج عليّ.

فقال:و الله ما فعلت شيئا من ذلك.

ص: 42


1- العثنون:اللحية،و في القاموس:العثنون اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت علي الذقن و تحته سفلا،أو هو علي طولها و شعيرات طوال تحت حنك البعير.
2- الكافي:496/1،و بحار الأنوار:62/50 ح 38.
3- الثاقب و الناقب:525 ح 9،و بحار الأنوار:46/50 ح 18.

قال:إنّ فلانا و فلانا شهدوا عليك فأحضروا فقالوا:نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

قال:و كان جالسا في بيت فرفع عليه السّلام يده و قال:اللّهم إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم،فنظرنا إلي ذلك البيت كيف يرجف و يذهب و يجيء و كلّما قام واحد وقع.

فقال المعتصم:يا بن رسول الله إنّي تائب ممّا قلت،فادع ربّك أن يسكنه.

فقال:اللّهم سكّنه إنّك تعلم أنّهم أعداؤك و أعدائي فسكن (1).

***

بركة يد الإمام الجواد عليه السّلام و شفاء المرضي منها

شفاء ثقل اللسان:

عن معلي بن محمد،عن محمد بن جمهور،عن معمر بن خلاد قال:سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا عليه السّلام:إنّ ابني في لسانه ثقل،فأنا أبعث به إليك غدا تمسح علي رأسه و تدعو له فإنه مولاك.

فقال:هو مولي أبي جعفر عليه السّلام،فابعث به غدا إليه (2).

في شفاء العين:

روي الرواندي رحمه الله:عن محمد بن ميمون،أنه كان مع الرضا عليه السّلام بمكة قبل خروجه إلي خراسان.

قال:قلت له:إني اريد أن أتقدم إلي المدينة،فاكتب معي كتابا إلي أبي جعفر عليه السّلام.فتبسّم و كتب،فصرت إلي المدينة،و قد كان ذهب بصري،فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السّلام إلينا يحمله من المهد،فناولته الكتاب.

فقال عليه السّلام لموفق الخادم:فضه و انشره!ففضه و نشره بين يديه.فنظر فيه،ثم قال لي:يا محمد!ما حال بصرك؟

قلت:يا ابن رسول الله!إعتلّت عيناي فذهب بصري كما تري.

ص: 43


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:294/7،و الكافي:321/1 ح 11 و اثبات الهداة:323/3 ح 14.
2- الخرائج و الجرائح:372/1.

فقال:أدن مني!فدنوت منه،فمد يده،فمسح بها علي عيني،فعاد إلي بصري كأصح ما كان.فقبّلت يده و رجله،و انصرفت من عنده،و أنا بصير (1).

و عن عمارة بن يزيد:رأيت امرأة قد حملت ابنا لها مكفوفا إلي أبي جعفر محمد بن علي عليهما السّلام،فمسح يده عليه،فاستوي قائما يعدو،كأن لم يكن بعينه ضرر (2).

في شفاء الصمم:

و عن أبي سلمة قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام و كان بي صمم شديد،فخبر بذلك لما أن دخلت عليه،فدعاني إليه،فمسح يده علي أذني و رأسي،ثم قال:اسمع وعه.فو الله!إني لأسمع الشي الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته (3).

في شفاء ريح الركبة:

عن أبي بكر بن إسماعيل قال:قلت لأبي جعفر بن الرضا عليهما السّلام:إن لي جارية تشتكي من ريح بها....فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب،فخرجت الجارية من عنده و لم تشتك وجعا بعد ذلك (4).

عن بكر قال:قلت له لأبي جعفر عليه السّلام إنّ عمتي تشتكي من ريح بها.فقال:إئتني بها.قال:

فأتيه بها،فدخلت عليه فقال لها:مم تشكين؟قالت ركبتي جعلت فداك.قال:...فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب،و تكلّم بكلام.

فخرجت،و لا تجد شيئا من الوجع5.

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بالغيب

عن داود بن القاسم الجعفري قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام و معي ثلاث رقاع غير معنونة و اشتبهت عليّ فاغتممت فتناول إحداهما و قال:«هذه رقعة زياد بن شبيب»،ثمّ تناول الثانية،فقال:

«هذه رقعة فلان»،فبهتّ أنا فنظر إليّ فتبسّم،قال:و أعطاني ثلاثمائة دينار و أمرني أن أحملها إلي بعض بني عمّه و قال:«أما إنّه سيقول لك:دلّني علي حريف يشتري لي بها متاعا،فدلّه عليه».

ص: 44


1- دلائل الإمامة:ص 400،ح 355.
2- المناقب لابن شهر آشوب:390/4.
3- الخرائج و الجرائح:376/1،ح 3.
4- دلائل الإمامة:403 ح 23،و الثاقب في المناقب:521 ح 1.

قال:فأتيته بالدّنانير فقال لي:يا أبا هاشم دلّني علي حريف يشتري لي بها متاعا.

فقلت:نعم.

قال:و كلّمني جمّال أن اكلّمه عليه السّلام له يدخله في بعض اموره،فدخلت عليه لاكلّمه له فوجدته يأكل و معه جماعة و لم يمكني كلامه.

فقال عليه السّلام:«يا أبا هاشم كل».و وضع بين يدي ثمّ قال-ابتداء منه من غير مسألة-:«يا غلام انظر إلي الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه إليك».

قال:و دخلت معه ذات يوم بستانا فقلت له:جعلت فداك إنّي لمولع بأكل الطين،فادع الله لي،فسكت ثمّ قال لي بعد ثلاثة أيّام ابتداء منه:«يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين».

قال أبو هاشم:فما شيء أبغض إليّ منه اليوم (1).

و عن المطرفي قال:مضي أبو الحسن الرّضا عليه السّلام ولي عليه أربعة آلاف درهم،فقلت في نفسي:ذهب مالي،فأرسل إليّ أبو جعفر عليه السّلام:«إذا كان غدا فأتني و ليكن معك ميزان و أوزان».

فدخلت علي أبي جعفر عليه السّلام فقال لي:«مضي أبو الحسن و لك عليه أربعة آلاف درهم»؟ فقلت:نعم،فرفع المصلّي الذي كان تحته فإذا تحته دنانير فدفعها إليّ (2).

و عن القاسم بن المحسن قال:كنت بين مكّة و المدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال فسألني فرحمته فأخرجت له رغيفا فناولته إيّاه فلمّا مضي عنّي هبّت ريح زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت و لا أين مرّت فلمّا دخلت المدينة أتيت إلي أبي جعفر ابن الرضا عليه السّلام فقال لي:يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق؟

قلت:نعم.

قال:يا غلام أخرج إليه عمامته فأخرج إليّ عمامتي بعينها.

قلت:يابن رسول الله كيف صارت إليك؟

قال:تصدّقت علي أعرابي فشكره الله لك فردّ إليك عمامتك و أنّ الله لا يضيع أجر المحسنين (3).4.

ص: 45


1- الكافي:495/1 ح 5،اعلام الوري:333-334،مناقب آل أبي طالب:390/4،الثاقب في المناقب:519 ح 7.و أخرجه في اثبات الهداة:332/3-333 ح 8-11.
2- الكافي 1:497 ح 11 و الوافي:830/3 ح 8،و إثبات الهداة:334/3 ح 17 عنه و عن اعلام الوري: 334-عن محمد بن يعقوب-و إرشاد المفيد:325 باسناده عن الكليني-و كشف الغمة:360/2 نقلا من الإرشاد.و أخرجه في البحار:54/50 ح 29.
3- بحار الأنوار:48/50 ح 24.

و في مشارق الأنوار عن أبي جعفر الهاشمي قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما و قال:يا سيّدنا إنّ سيّدتنا امّ جعفر تستأذنك أن تصير إليها فقال للخادم:إرجع فإنّي في الأثر ثمّ قام و ركب البغلة حتّي قدم الباب فخرجت امّ جعفر اخت المأمون و سلّمت عليه و سألته الدخول علي امّ الفضل بنت المأمون و قالت:يا سيّدي أحبّ أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقرّ عيني فدخل و الستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعا و هو يقول: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (1)ثمّ جلس و خرجت امّ جعفر تعثر في ذيولها فقالت:يا سيّدي أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها.

فقال لها: أَتي أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (2)أنّه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلي امّ الفضل فاستخبريها عنه فرجعت امّ جعفر فأعادت عليها ما قال.

فقالت:يا عمّة و ما أعلمه بذاك؟

ثمّ قالت:كيف لا أدعو علي أبي و قد زوّجني ساحرا؟

ثمّ قالت:و الله يا عمّة أنّه لمّا طلع عليّ جماله أحدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلي أثوابي و ضممتها فبهتت امّ جعفر من قولها ثمّ خرجت مذعورة و قالت:يا سيّدي ما أحدثت لها؟

قال:هو من أسرار النساء.

فقالت:يا سيّدي تعلم الغيب؟

قال:لا،قالت:فنزل إليك الوحي؟

قال:لا.

قالت:فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلاّ الله و هي؟

فقال:و أنا أيضا أعلمه من علم الله.

فلمّا رجعت امّ جعفر قالت:يا سيّدي و ما كان إكبار النسوة؟

قال:هو ما حصل لامّ الفضل من الحيض (3).

قيل:هذا نصّ في أنّهم عليهم السّلام يظهرون للناس علي ما تحتمله عقولهم من الصور و الحالات و أنّ الجواد عليه السّلام لمّا ظهر لامّ الفضل علي غير الحالة المعتادة أخذها الشوق و أتاها ما يأتي النساء عند رؤية الصور الحسان كما وقع للنسوة لمّا رأين الصدّيق عليه السّلام و هذه الرؤية ترجع إلي سرّ خفيّ و هو أنّ الذي رأته امّ الفضل من الجمال إمّا أنّه هو الصورة التي كان عليها لكنّها تختلف بالتشكّلات علي ما0.

ص: 46


1- سورة يوسف:31.
2- سورة النحل.
3- مدينة المعاجز:403/7 ح 103،و بحار الأنوار:84/50.

يريده عليه السّلام كتشكّل الملائكة و نحوهم،و إمّا أنّها صورة اخري نورانية من صوره عليه السّلام الملكوتية تدبّرها نفسه البشرية و غوامض أحوالهم عليهم السّلام من أجل أن تتلوّث بخواطر البشر (1).

و عن دعبل بن علي:أنه دخل علي أبي الحسن الرضا عليه السّلام و أمر له بشي فاخذه و لم يحمد الله.

قال:فقال له:لم لم تحمد الله؟

قال:ثم دخلت بعد علي أبي جعفر عليه السّلام و أمر لي بشي.

فقلت:الحمد لله.

فقال لي:تأدبت (2).

و عن الحسين بن داود السعدي،عن محمد بن موسي القمي،عن خالد الحذاء،عن صالح بن محمد بن داود اليعقوبي.

قال:لما توجّه أبو جعفر عليه السّلام لاستقبال المأمون،و قد أقبل من نواحي الشام،و أمر أن يعقد ذنب دابته،و ذلك في يوم صائف شديد الحر،و طريق لا يوجد فيه الماء.

فقال بعض من كان معنا ممن لا علم له:أي موضع عقد ذنب دابته؟!فما سرنا إلا يسيرا حتي وردنا أرض ماء،و وحل كثير،و فسدت ثيابنا و ما معنا،و لم يصبه شي من ذلك.

قال صالح:و قال أي الإمام الجواد عليه السّلام لنا يوما و نحن في ذلك الوجه:إعلموا أنكم ستضلون عن الطريق قبل المنزل الأول الذي يلقاكم الليلة ترجعون إليه في المنزل بعد ما يذهب من الليل سبع ساعات.

فقال من فينا من لا فضل له بهذه الطريق و لا يعرفه و لا يسلكه قط:و ستنظرون صدق ما قال صالح.فضللنا عن الطريق قبل المنزل الذي كان يلقانا،و سرنا بالليل حتي تنصّف،و هو يسير بين أيدينا و نحن نتبعه حتي صرنا في المنزل الثاني علي الطريق.

فقال:أنظروا كم ساعة مضي من الليل،فإنها سبع ساعات.فنظرنا فإذا هي كما قال (3).

و عن محمد بن أبي القاسم،عن أبيه قال:حدّثني بعض المدينيين:إنهم كانوا يدخلون علي أبي جعفر عليه السّلام،و هو نازل في قصر أحمد بن يوسف،يقولون له:يا أبا جعفر!جعلنا فداك!قد0.

ص: 47


1- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.
2- الكافي:496/1 ح 8 و اثبات الهداة:33/3 ح 14 و الوافي:830/3 ح 8.و البحار:93/50، كشف الغمة:363/2.
3- الهداية الكبري:ص 300.

تهيأنا و تجهزنا و لا نراك تهم بذلك؟!قال لهم:لستم بخارجين حتي تغترفوا الماء بأيديكم من هذه الأبواب التي ترونها.فتعجّبوا من ذلك أن يأتي الماء من تلك المكثرة.فما خرجوا حتي اغترفوا بأيديهم منها (1).

و عن محمد بن القاسم،عن أبيه،و رواه عامة أصحابنا.

قال:إنّ رجلا خراسانيا أتي أبا جعفر عليه السّلام بالمدينة فسلّم عليه،و قال:السلام عليك يا ابن رسول الله!و كان واقفيا.

فقال له:سلام!و أعادها الرجل.

فقال:سلام!فسلّم الرجل بالإمامة.

قال:قلت في نفسي:كيف علم أني غير مؤتم به،و أني واقف عنه؟!قال:ثم بكي،و قال:

جعلت فداك!هذه كذا و كذا دينارا فاقبضها.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام:قد قبلتها،فضمّها إليك.

فقال:إني خلّفت صاحبتي و معها ما يكفيها و يفضل عنها.

فقال:ضمّها إليك،فإنك ستحتاج إليها،مرارا.

قال الرجل:ففعلت و رجعت،فإذا طرار قد أتي منزلي،فدخله و لم يترك شيئا إلا أخذه، فكانت تلك الدنانير هي التي تحمّلت بها إلي موضعي (2).

و عن صالح بن عطية قال:حججت فشكوت إلي أبي جعفر،يعني الجواد،الوحدة.

فقال عليه السّلام:أما أنك لا تخرج من الحرم حتي تشتري جارية ترزق منها ابنا.

قلت:جعلت فداك!أهوي أن تشير علي.

قال:نعم!إعترض،فإذا عرضت فأعلمني.

قلت:جعلت فداك!فقد عرضت.

قال:إذهب فكن في السوق حتي أوافيك،فصرت إلي دكان نخاس أنتظره حتي وافي،ثم مضي فصرت معه.

فقال:قد رأيتها فإن أعجبتك فاشترها علي أنها قصيرة العمر.

قلت:جعلت فداك!فما أصنع بها؟3.

ص: 48


1- الثاقب في المناقب:ص 518،ح 447،و مدينة المعاجز:395/7،ح 2402.
2- مدينة المعاجز:395/7،ح 2403.

قال:قد قلت لك،فلما كان من الغد صرت إلي صاحبها،فقال:الجارية محمومة و ليس بها مرض،و عدت إليه من الغد و سألته فقال:قد دفنتها اليوم.فأتيته عليه السّلام و أخبرته الخبر،فقال:

إعترض،فاعترضت و أعلمته،فأمرني أن أنتظره،فصرت إلي دكان النخاس،فركب و مرّ بنا فصرت إليه.

فقال:إشترها فقد رأيتها،فاشتريتها و صبرت عليها حتي طهرت،فوقعت عليها،فولدت لي محمدا ابني (1).

و عن أمية بن علي القيسي قال:دخلت أنا و حماد بن عيسي علي أبي جعفر عليه السّلام بالمدينة لنودعه.

فقال عليه السّلام لنا:لا تخرجا (2)أقيما إلي غد.

قال:فلما خرجنا من عنده.

قال حمّاد:أنا أخرج فقد خرج ثقلي.

قلت:أما أنا فأقيم.

قال:فخرج حمّاد،فجري الوادي تلك الليلة،فغرق فيه،و قبره بسيالة (3)(4).

و عن أبي الصلت الهروي قال:...دخل علي أبو جعفر محمد بن علي عليهما السّلام،فقال لي:يا أبا الصلت!ضاق صدرك؟فقلت:إي و الله!قال:قم!فأخرجني،ثم ضرب يده إلي القيود التي كانت علي،ففكها،و أخذ بيدي و أخرجني من الدار،و الحرسة و الغلمان يرونني،فلم يستطيعوا أن يكلموني،و خرجت من باب الدار.ثم قالي لي:امض في ودائع الله،فإنك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا.

فقال أبو الصلت:فلم ألتق المأمون إلي هذا الوقت (5).

و عن خيران الخادم القراطيسي قال:حججت أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام، و سألت عنه بعض الخدم،و كانت له منزلة من أبي جعفر عليه السّلام،فسألته أن يوصلني إليه.فلما سرنا إلي المدينة.قال لي:تهيأ،فإني أريد أن أمضي إلي أبي جعفر عليه السّلام فمضيت معه.فلما أن وافينا الباب.قال:ساكن في حانوت،فاستأذن و دخل،فلما أبطأ علي رسوله،خرجت إلي الباب،فسألته1.

ص: 49


1- البحار:58/50،ح 33.
2- في كشف الغمة:لا تخرجا اليوم.
3- السيالة:بفتح أوله،و تخفيف ثانيه،و بعد اللام هاء:أرض يطؤها طريق الحاج،قيل:هي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة،معجم البلدان:292/3(السيالة).
4- الخرائج و الجرائح:667/2،ح 8.كشف الغمة:365/2.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:242/2،ح 1.

عنه،فأخبرني أنه خرج و مضي،فبقيت متحيرا،فإذا أنا كذلك إذ خرج خادم من الدار،فقال:أنت خيران؟

فقلت:نعم!

قال لي:أدخل!فدخلت،و إذا أبو جعفر عليه السّلام قائم علي دكان لم يكن فرش له ما يقعد عليه، فجاء غلام بمصلّي،فألقاه له،فجلس،فلما نظرت إليه تهيبت و دهشت،فذهبت لأصعد الدكان من غير درجة،فأشار إلي موضع الدرجة،فصعدت و سلّمت.فردّ السلام،و مدّ يده إلي،فأخذتها و قبّلتها،و وضعتها علي وجهي،فأقعدني بيده،فأمسكت يده مما داخلني من الدهش،فتركها في يدي فلما سكنت،خلّيتها.فسألني و كان الريان بن شبيب قال لي:إن وصلت إلي أبي جعفر عليه السّلام قل له:مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام،و يسألك الدعاء له و لولده فذكرت له ذلك،فدعا له و لم يدع لولده!فأعدت عليه،فدعا له و لم يدع لولده.فأعدت عليه ثلاثا،فدعا له و لم يدع لولده، فودعته و قمت.فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه،و لم أفهم ما قال،و خرج الخادم في أثري.

فقلت له:ما قال سيدي لما قمت؟

فقال لي:قال من هذا الذي يري أن يهدي نفسه؟هذا ولد في بلاد الشرك.

فلما أخرج منها صار إلي من هو شر منهم،فلما أراد الله أن يهديه هداه (1).

و عن شاذويه بن الحسين بن داود القمي قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام و بأهلي حبل.

فقلت:جعلت فداك!أدع الله أن يرزقني ولدا ذكرا؟فأطرق مليا ثم رفع رأسه،فقال:إذهب فإنّ الله يرزقك غلاما ذكرا.ثلاث مرات.

قال:و قدمت مكة،فصرت إلي المسجد،فأتي محمد بن الحسن بن صباح برسالة من جماعة من أصحابنا،منهم صفوان بن يحيي و محمد بن سنان و ابن أبي عمير و غيرهم،فأتيتهم،فسألوني؟ فخبّرتهم بما قال،فقالوا لي:فهمت عنه ذكي،أو زكي؟فقلت ذكي،قد فهمته.

قال ابن سنان:أما أنت سترزق ولدا ذكرا،أما إنه يموت علي المكان أو يكون ميتا.

فقال أصحابنا لمحمد بن سنان:أسأت قد علمنا الذي علمت.فأتي غلام في المسجد، فقال:أدرك،فقد مات أهلك،فذهبت مسرعا فوجدتها علي شرف الموت،ثم لم تلبث أن ولدت غلاما ذكرا ميتا (2).

و عن محمد بن موسي النوفلي قال:...رأيت سيدي أبا جعفر عليه السّلام مطرقا.

فقلت لأبي هاشم:ما يبكيك يا ابن العم؟0.

ص: 50


1- البحار:106/50،ح 25.
2- رجال الكشي:ص 581،ح 1090.

قال:من جرأة هذا الطاغي،المأمون،علي الله و علي دمائنا،بالأمس قتل الرضا عليه السّلام، و الآن يريد قتلي.فبكيت،و قلت:يا سيدي!هذا مع إظهاره فيك ما يظهره؟

قال:ويحك يا ابن العم الذي أظهره في أبي أكثر.

فقلت:و الله!يا سيدي إنك لتعلم ما علمه جدك رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلم،و قد علم ما علمه المسيح و سائر النبيين.و ليس لنا حكم،و الحكم و الأمر لك فإن تستكفي شره فإنه يكفيك.

فقال:ويحك يا ابن العم!فمن يركب إلي الليلة في خدمه بالساعة الثامنة من الليل و قد وصل الشرب و الطرب إلي ذلك الوقت و أظهره بشوقه إلي أم الفضل،فيركب و يدخل إلي و يقصد إلي ابنته أم الفضل،و قد وعدها أنها تبات في الحجرة الفلانية في بعد مرقدي بحجرة نومي فإذا دخل داري عدل إليها و عهد الي الخدم ليدخلون إلي مرقدي.فيقولون،إنّ مولانا المأمون هنا و يشهروا سيوفهم و يحلفوا أنه لا بد أن نقتله فأين يهرب منا و يظهرون إلي،و يكون هذا الكلام إشعارهم.فيضعون سيوفهم علي مرقدي و يفعلون كفعل غيلانه في أبي عليه السّلام فلا يضرّني ذلك و لا تصل أيديهم إلي، و يخيل لهم أنه فعل حق،و هو باطل.و يخرجون مخضّبين الثياب،قاطرة سيوفهم دما كذبا، و يدخلون علي المأمون و هو عند ابنته في داري.فيقول:ما وراءكم؟فيروه أسيافهم تقطر دما، و ثيابهم و أيديهم مضرّجة بالدم.

فتقول أم الفضل:أين قتلتموه؟فيقولون لها:في مرقده.فتقول لهم:ما علامة مرقده؟فيصفون لها.فتقول:إي و الله!هو.فتقدم إلي رأس أبيها فتقبّله و تقول:الحمد لله الذي أراحك من هذا الساحر الكذاب.فيقول لها:يا ابنة!لا تعجلي فقد كان لأبيه علي بن موسي هذا القتلة.ثم ثاب إلي عقلي،فبعثت ثقة خدمي صبيح الديلمي لأتثبّت من قتله فعاد إلي و قال:إنه في محرابه يسبّح الله.فتغلق الأبواب ثم تظهر أنها كانت غشية و فاقت الساعة فاصبري يا بنية،لا تكون هذه القتلة مثل تلك القتلة.

فقالت:يا أبي!هذا يكون؟!

قال:نعم!فإذا رجعت إلي داري وراق الصبح فابعثي استأذني عليه فإن وجدتيه حيا،فادخلي عليه،و قولي له:إن أمير المؤمنين شغب عليه خدمه و أرادوا قتله،فهرب منهم إلي أن سكنوا فرجع.

و إن وجدتيه مقتولا،فلا تحدّثي أحدا حتي أجيئك.و ينصرف إلي داره فترتقب ابنته الصبح،فإذا اعترض تبعث إلي خادما فيجدني في الصلاة قائما،فيرجع إليها بالخبر،فتجي و تدخل علي و تفعل ما قال أبوها و تقول:ما منعني أن أجيئك بليلتي إلا أمير المؤمنين،إلي أن أقول و الله الموفق، هاهنا من هذا الموضع يقول:إنصرف و تبعث له،و هذا خبر المأمون بالتمام (1).1.

ص: 51


1- موسوعة الإمام الجواد:302/1.

معرفة الإمام الجواد عليه السّلام لمّا في الضمائر

عن عبد الله ابن رزين قال:كنت مجاورا بالمدينة-مدينة الرّسول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-و كان أبو جعفر عليه السّلام يجييء في كلّ يوم مع الزوال إلي المسجد فينزل في الصحن و يصير إلي رسول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الله و يسلّم عليه و يرجع إلي بيت فاطمة عليها السّلام،فيخلع نعليه و يقوم فيصلّي فوسوس إليّ الشيطان،فقال:إذا نزل فاذهب حتّي تأخذ من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا،فلمّا أن كان وقت الزوال أقبل عليه السّلام علي حمار له،فلم ينزل في الموضع الّذي كان ينزل فيه و جاء حتّي نزل علي الصخرة التي علي باب المسجد ثمّ دخل فسلّم علي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:ثمّ رجع إلي المكان الّذي كان يصلّي فيه ففعل هذا أيّاما.

فقلت:إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الّذي يطأ عليه بقدميه،فلمّا أن كان من الغد جاء عند الزّوال فنزل علي الصخرة ثمّ دخل فسلّم علي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثمّ جاء إلي الموضع الّذي كان يصلّي فيه فصلّي في نعليه و لم يخلعهما حتّي فعل ذلك أيّاما.

فقلت في نفسي:لم يتهيّأ لي ههنا و لكن أذهب إلي باب الحمّام فإذا دخل إلي الحمّام أخذت من التراب الذي يطأ عليه،فسألت عن الحمّام الذي يدخله،فقيل لي:إنّه يدخل حمّاما بالبقيع لرجل من ولد طلحة فتعرّفت اليوم الذي يدخل فيه الحمّام و صرت إلي باب الحمّام و جلست إلي الطلحي احدّثه و أنا أنتظر مجيئه عليه السّلام فقال الطلحي:إن أردت دخول الحمّام،فقم فادخل فإنّه لا يتهيّأ لك ذلك بعد ساعة.

قلت:و لم؟

قال:لأنّ ابن الرّضا يريد دخول الحمّام.

قال:قلت:و من ابن الرّضا؟

قال:رجل من آل محمّد له صلاح و ورع.

قلت له:و لا يجوز أن يدخل معه الحمّام غيره؟

قال:نخلّي له الحمّام إذا جاء.

قال:فبينا أنا كذلك إذ أقبل عليه السّلام و معه غلمان له،و بين يديه غلام معه حصير حتّي أدخله المسلخ فبسطه و وافي فسلّم و دخل الحجرة علي حماره و دخل المسلخ و نزل علي الحصير.

فقلت للطلحي:هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح و الورع؟!

فقال:يا هذا لا و الله ما فعل هذا قطّ إلاّ في هذا اليوم.

فقلت في نفسي:هذا من عملي أنا جنيته.

ص: 52

ثم قلت:أنتظره حتّي يخرج فلعلّي أنال ما أردت إذا خرج فلمّا خرج و تلبّس دعا بالحمار فادخل المسلخ و ركب من فوق الحصير و خرج عليه السّلام.

فقلت في نفسي:قد و الله آذيته و لا أعود و لا أروم مارمت منه أبدا و صحّ عزمي علي ذلك.

فلمّا كان وقت الزّوال من ذلك اليوم أقبل علي حماره حتّي نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه في الصحن فدخل و سلّم علي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و جاء إلي الموضع الذي كان يصلّي فيه في بيت فاطمة عليها السّلام و خلع نعليه و قام يصلّي (1).

و عن محمّد بن الريّان قال:إحتال المأمون علي أبي جعفر عليه السّلام بكلّ حيلة فلم يمكنه فيه شيء فلمّا اعتلّ و أراد أن يبني عليه ابنته دفع إليّ مائتي و صيفة من أجمل ما يكون،و إلي كلّ واحدة منهنّ جاما فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر عليه السّلام إذا قعد في موضع الأخيار،فلم يلتفت إليهنّ و كان رجل يقال له:مخارق صاحب صوت و عود و ضرب،طويل اللّحية،فدعاه المأمون،فقال:يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدّنيا فأنا اكفيك أمره،فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السّلام فشهق مخارق شهقة إجتمع عليه أهل الدّار و جعل يضرب بعوده و يغنّي،فلمّا فعل ساعة و إذا أبو جعفر لا يلتفت إليه لا يمينا و لا شمالا:ثم رفع إليه رأسه و قال:اتّق الله يا ذا العثنون.

قال:فسقط المضراب من يده و العود فلم ينتفع بيديه إلي أن مات قال:فسأله المأمون عن حاله قال:لمّا صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا افيق منها أبدا (2).

عن محمّد بن حمزة الهاشميّ،عن عليّ بن محمّد،أو محمّد بن عليّ الهاشميّ قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام صبيحة عرسه حيث بني بابنة المأمون و كنت تناولت من اللّيل دواء فأوّل من دخل عليه في صبيحته أنا و قد أصابني العطش و كرهت أن أدعو بالماء فنظر أبو جعفر عليه السّلام في وجهي و قال:«أظنّك عطشانا»؟

فقلت أجل.

فقال:«يا غلام أو جارية إسقنا ماء».

فقلت في نفسي:الساعة يأتونه بماء يسمّونه به فاغتممت لذلك.

فأقبل الغلام و معه الماء فتبسّم في وجهي ثمّ قال:«يا غلام ناولني الماء»فتناول الماء،فشرب ثمّ ناولني فشربت،ثمّ عطشت أيضا و كرهت أن أدعو بالماء ففعل ما فعل في الاولي،فلمّا جاء الغلام و معه القدح قلت في نفسي مثل ما قلت في الاولي،فتناول القدح،ثمّ شرب فناولني و تبسّم.6.

ص: 53


1- الكافي 494/1 ح 2،و مدينة المعاجز:301/7 ح 28.
2- الكافي 496/1 ح 6.

قال محمّد بن حمزة:فقال لي هذا الهاشميّ:و أنا أظنّه كما يقولون (1).

و في كتاب المناقب قال عسكر مولي أبي جعفر عليه السّلام:دخلت عليه فقلت في نفسي:ما أشدّ سمرة مولاي و أضوأ جسده قال:فو الله ما استتمت الكلام في نفسي حتّي تطاول و عرض جسده و امتلأ به الايوان إلي سقفه و مع جوانب حيطانه ثمّ رأيت لونه و قد أظلم حتّي صار كالليل المظلم ثمّ صار كأبيض ما يكون من الثلج ثمّ احمرّ حتّي صار كالعلق المحمرّ ثمّ اخضرّ حتّي صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة ثمّ تناقص جسمه حتّي صار في صورته الاولي و عاد لونه الأوّل و سقطت لوجهي ممّا رأيت فصاح بي:يا عسكر تشكّون فننبئكم و تضعفون فنقوّيكم و الله لا وصل إلي حقيقة معرفتنا إلاّ من منّ الله عليه و ارتضاه لنا وليّا (2).

و عن الحسن بن علي الوشاء قال:كنت بالمدينة بصريا في المشربة (3)مع أبي جعفر عليه السّلام.

فقام و قال:لا تبرح.

فقلت في نفسي:كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا عليه السّلام قميصا من ثيابه،فلم أفعل،فإذا عاد إلي أبو جعفر عليه السّلام أسأله.فأرسل إلي من قبل أن أسأله،و من قبل أن يعود إلي و أنا في المشربة،بقميص.و قال الرسول:يقول لك:هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلّي فيها (4).

و قال الراوندي رحمه الله:روي أحمد بن محمد بن عيسي،عن محمد بن سهل بن اليسع قال:كنت مجاورا بمكة،فصرت إلي المدينة،فدخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السّلام و أردت أن أسأله كسوة يكسونيها،فلم يقض لي أن أسأله حتي ودّعته و أردت الخروج.

فقلت:أكتب إليه و أسأله.

قال:فكتبت إليه الكتاب،فصرت إلي مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلّم علي أن أصلّي ركعتين،و أستخير الله مائة مرة،فإن وقع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب بعثت به،و إلا خرقته، ففعلت،فوقع في قلبي أن لا أفعل فخرقت الكتاب.و خرجت من المدينة،فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولا و معه ثياب في منديل يتخلل القطار (5)،و يسأل عن محمد بن سهل القمي،حتي انتهي إلي.

فقال:مولاك!بعث إليك بهذا،و إذا ملاءتان (6)قال أحمد بن محمد:فقضي الله أني غسّلته).

ص: 54


1- معناه قال لي محمد بن علي الهاشمي:أنا اظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما يقول شيعته.
2- دلائل الإمامة:404،و بحار الأنوار:55/50.
3- المشربة:أرض لينة لا يزال فيها نبت أخضر ريان،و المشربة،و المشربة بالفتح و الضم:الغرفة.
4- الخرائج و الجرائح:383/1،ح 13.
5- القطار:أن تشد الأبل علي نسق واحد خلف واحد،و قطر الأبل...قرب بعضها إلي بعض علي نسق، لسان العرب:107/5(قطر).
6- الملاءة:بالضم و المد،الريطة،و هي الملحفة،لسان العرب:160/1(ملأ).

حين مات،فكفّنته فيهما (1).

و عن محمد بن الفرج أنه قال:ليتني إذا دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام كساني ثوبين قطوانين مما لبسه،أحرم فيهما.

قال:فدخلت عليه بشرف و عليه رداء قطواني يلبسه،فأخذه و حوّله من هذا العاتق إلي الآخر، ثم إنه أخذ من ظهره و بدنه إلي آخر يلبسه خلفه.

فقال عليه السّلام:أحرم فيهما،بارك الله لك (2).

و عن محمد بن الوليد بن يزيد قال:أتيت أبا جعفر عليه السّلام فوجدت في داره قوما كثيرين،و رأيت ابن مسافر جالسا في معزل منهم،فعدلت إليه،فجلست معه حتي زالت الشمس،فقمت إلي الصلاة،فصلّيت الزوال،فرض الظهر،و النوافل بعدها،و زدت أربع ركعات فرض العصر.

فاحتسيت (3)بحركة ورائي،فالتفت و إذا أبو جعفر عليه السّلام فقمت إليه و سلّمت عليه و قبّلت يديه و رجليه فجلس.و قال عليه السّلام:ما الذي أقدمك؟و كان في نفسي مرض من إمامته،فقال لي:سلّم.

فقلت:يا سيدي!قد سلّمت.

فقال:ويحك،و تبسّم بوجهي فأناب إلي.

فقلت:سلّمت إليك يا ابن رسول الله،و قد رضيت بك إماما،فكأن الله جلا عني غمّي و زال ما في قلبي من المرض من إمامته حتي اجتهدت و رميت الشك فيه إلي ما وصلت إليه.

ثم عدت من الغد بكرة،و ما معي خلق،و لا أري خلقا،و أنا اتوقع السبيل إلي من أجد و ينتهي خبري إليه،و طال ذلك علي حتي اشتد الجوع.فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل إلي خوانا فيه طعام ألوانا،و غلام آخر معه طست و إبريق،فوضعه بين يدي،و قال لي:مولاي يأمرك أن تغسل يديك و تأكل.فغسّلت يدي،و أكلت،فإذا بأبي جعفر عليه السّلام قد أقبل،فقمت إليه.

فأمرني بالجلوس،فجلست و أكلت،فنظر إلي الغلام يرفع ما سقط من الخوان علي الأرض.

فقال له:ما كان معك في الخوان فدعه،و لو كان فخذ شاة،و ما كان معك في البيت فالقطه و كله،فإنّ فيه رضي الرب،و مجلبة الرزق،و شفاء من الداء.ثم قال لي:إسأل؟

فقلت:جعلت فداك!ما تقول في المسك؟

فقال لي:إن أبي الرضا عليه السّلام أمر أن يتخذ له مسك فيه بان (4).1.

ص: 55


1- الخرائج و الجرائح:668/2،ح 10.
2- مدينة المعاجز:393/7.
3- و أحسست،و في الخراج و الجرائح:وجدت حسا من ورائي.
4- مدينة المعاجز:413/7،و موسوعة الإمام الجواد:268/1.

و عن الكرماني قال:قلت للجواد:جعلت فداك ما تقول في المسك؟

قال:إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في قارورة فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك عليه فكتب عليه السّلام:يا فضل!ما علمت أنّ يوسف الصديق عليه السّلام كان يلبس الديباج مزررا بالذهب و الجوهر،و يجلس علي كراسي الذهب و اللجين،فلم يضرّه ذلك،و لا نقص من نبوته شيئا.و أنّ سليمان بن داود عليه السّلام وضع له كرسي من الفضة و الذهب مرصع بالجوهر،و عليه علم،و له درج من ذهب إذا صعد علي الدرج اندرج فترا،فإذا نزل انتثرت بين يديه،و الغمام يظلله،و الأنس و الجن تخدمه،و تقف الرياح لأمره،و تنسم و تجري كما يأمرها،و السباع و الوحوش و الطير عاكفة من حوله،و الملائكة تختلف إليه،فما يضره ذلك،و لا نقص من نبوته شيئا،و لا من منزلته عند الله.

و قد قال الله عزّ و جلّ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (1).

ثم أمر أن يتخذ له غالية (2)فاتخذت بأربعة آلاف دينار و عرضت عليه،فنظر إليها و إلي سدوها و حبها و طيبها،و أمر أن يكتب لها رقعة من العين.

فقلت:جعلت فداك!فما لمواليكم في موالاتكم؟

فقال:إنّ جدي جعفر الصادق عليه السّلام كان له غلام يمسك عليه بغلته إذا دخل المسجد،فبينما هو في بعض الأيام جالس في المسجد إذ أقبلت من خراسان قافلة،فأقبل رجل منهم إلي الغلام و في يده البغلة،فقال له:من داخل المسجد؟

فقال:مولاي جعفر الصادق ابن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

فقال له الرجل:هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك،و أكون له مملوكا،و أجعل لك مالي كله،فإني كثير الخير و الضياع،أشهد لك بجميعه،و أكتب لك،و تمضي إلي خراسان فتقبضه، و أنا موضعك أقيم.

فقال له الغلام:أسأل مولاي ذلك،فلما خرج قدّم بغلته،فركب و تبعه كما كان يفعل،فلما نزل في داره استأذن الغلام،و دخل عليه فقال له:مولاي يعرف خدمتي و طول صحبتي.فإن ساق الله لنا خيرا تمنعني منه.

فقال له جدّي:أعطيك من عندي و أمنعك من غيري،حاشي لله،فحكي له حديث الخراساني.).

ص: 56


1- الأعراف:32/7.
2- غالية:هو نوع من الطيب مركب من مسك و عنبر و عود و دهن،و هي معروفة،لسان العرب:134/15، (غلي).

فقال له عليه السّلام:إن زهدت بخدمتنا و أرغبت الرجل فينا قبلنا و أرسلناك.فولّي الغلام،فقال له:

انضجع بطول الصحبة،و لك الخير.

قال:نعم!فقال له:إذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بنور الله أخذنا لحجزته،و كذلك أمير المؤمنين،و كذلك فاطمة،و الحسن،و الحسين عليهم السّلام،و كذلك شيعتنا يدخلون مدخلنا و يردون موردنا،و يسكنون مسكننا.

فقال الغلام:يا مولاي!بل أقيم بخدمتك.

قال:إختر ما ذكرت.

فخرج الغلام إلي الخراساني،فقال له:يا غلام!قد خرجت إلي بغير الوجه الذي دخلت به، فأعاد الغلام عليه قول الصادق عليه السّلام،فقال له:ما تستأذن لي عليه بالدخول.فاستأذن له و دخل عليه و عرّفه رشد ولايته،فقبل ولايته،و شكر له،و أمر للغلام بوقته بألف درهم.و قال:هذا خير لك من مال الخراساني،فودّعه و سأله أن يدعو له،ففعل بلطف و رفق و بشاشة بالخراساني،ثم أمر له برزمة عمائم،فحضرت.و قال للخراساني خذها،فإنّ كل ما معك يؤخذ بالطريق و تبقي معك هذه العمائم و تحتاج إليها.فقبلها و سار،فقطع عليه الطريق،و أخذ كلما كان معه غير العمائم،و احتاج إليها، فباع منها،و تجمّل إلي أن وصل إلي خراسان.

قال الكرماني:حسب مواليهم بهذا الشرف فضلا (1).

و عن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي الحسن قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام في صبيحة عرسه بأم الفضل بنت المأمون،و كنت أول من دخل عليه في ذلك اليوم،فدنوت منه و قعدت،فوجدت عطشا شديدا،فجلّلته أن أطلب الماء.فنظر إلي و قال:يا علي!شربت الدواء بالليل و تغديت علي بكرة فأصبت العطش و استحييت تطلب الماء مني.

فقلت:و الله!يا سيدي،هذه صفتي ما غادرت منها حرفا.فصاح في نفسه:يا غلام! تسقيني.

فقلت في نفسي:يا ليت لا يسقي الماء،و اغتممت.فأقبل الغلام و معه الماء،فنظر إلي الماء و إلي و تبسّم،و أخذ الماء و شرب منه و سقاني.فمكث قليلا،و عاودني العطش،فاستحييت أطلب الماء.فصاح بالخادم و قال:تسقيني ماء.

فقلت في نفسي مثل ذلك القول الأول.

و أقبل الخادم بالماء فأخذه،و شرب منه و سقاني.1.

ص: 57


1- مدينة المعاجز:416/7 ح 11،و موسوعة الإمام الجواد:270/1.

فقلت:لا إله إلا الله،أي دليل أدلّ علي إمامته من علمه ما أسرّه في نفسي.

فقال:يا علي!و الله،نحن كما قال تعالي: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلي وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (1).

فقمت و قلت لمن كان معي:هذه ثلاث براهين رأيتها من أبي جعفر عليه السّلام في مجلسي هذا فقال:من لا علم له بفضله،إني لأحسب هذا الهاشمي كما يقال:إنه يعلم الغيب،فنظرت إليه و حمدت الله علي معرفة سيدي لجهل الرجل به (2).

و عن أبي الصلت الهروي قال:حضرت مجلس الإمام محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام،و عنده جماعة من الشيعة و غيرهم،فقام إليه رجل و قال:يا سيدي جعلت فداك.

فقال عليه السّلام:لا تقصّر،و اجلس.ثم قام إليه آخر،فقال:يا مولاي جعلت فداك فقال عليه السّلام:إن لم تجد أحدا فارم بها في الماء فإنها تصل إليه.

قال:فجلس الرجل،فلما انصرف من كان في المجلس.

قلت له:جعلت فداك!رأيت عجبا!قال:نعم!تسألني عن الرجلين؟

قلت:نعم،يا سيدي!قال:أما الأول،فإنه قام يسألني عن الملاّح يقصّر في السفينة؟

قلت:لا!لأن السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها،و الآخر قام يسألني عن الزكاة إن لم يصب أحدا من شيعتنا فإلي من يدفعه؟فقلت له:إن لم تصب لها أحدا فارم بها في الماء،فإنها تصل إلي أهلها (3).

و روي عن محمد بن أورمة،عن الحسين المكاري قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام ببغداد و هو علي ما كان من أمره.

فقلت في نفسي:هذا الرجل لا يرجع إلي موطنه أبدا،و أنا أعرف مطعمه.

قال:فأطرق رأسه،ثم رفعه و قد اصفرّ لونه،فقال:يا حسين!خبز شعير و ملح جريش في حرم جدي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أحب إلي مما تراني فيه (4).

و عن محمد بن فضيل الصيرفي قال:كتبت إلي أبي جعفر عليه السّلام كتابا،و في آخره:هل عندك سلاح رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟و نسيت أن أبعث بالكتاب.فكتب إلي بحوائج له،و في آخر كتابه:عندي سلاح رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و هو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل،يدور معنا حيث درنا و هو مع كل1.

ص: 58


1- الزخرف:80.
2- الهداية الكبري:ص 301،الكافي:495/1،ح 6.
3- مدينة المعاجز:397/7.
4- الخرائج و الجرائح:383/1،ح 11.

إمام.و كنت بمكة،فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله،فلما صرت إلي المدينة و دخلت عليه،نظر إلي فقال:إستغفر الله مما أضمرت،و لا تعد.

قال بكر:فقلت لمحمد:أي شي هذا؟

قال:لا أخبر به أحدا.

قال:و خرج بإحدي رجلي العرق المدني،و قد قال لي:قبل أن يخرج العرق في رجلي و قد ودّعته،فكان آخر ما قال:إنك ستصيب وجعا،فاصبر.فأيما رجل من شيعتنا إشتكي فصبر و احتسب،كتب الله له أجر ألف شهيد.فلما صرت في(بطن مر)ضرب علي رجلي،و خرج بي العرق،فمازلت شاكيا أشهرا،و حججت في السنة الثانية.فدخلت عليه.

فقلت:جعلني الله فداك.عوّذ رجلي،و أخبرته أنّ هذه التي توجعني.

فقال:لا بأس علي هذه،و أعطني رجلك الأخري الصحيحة.فبسطتها بين يديه فعوّذها،فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة،فرجعت إلي نفسي،فعلمت أنه عوّذها من الوجع، فعافاني الله بعده (1).

و عن أحمد بن محمد بن عيسي القمي قال:بعث إلي أبو جعفر عليه السّلام غلامه و معه كتابه، فأمرني أن أصير إليه،فأتيته و هو بالمدينة نازل في دار بزيع،فدخلت عليه و سلّمت عليه،فذكر في صفوان و محمد بن سنان و غيرهما مما قد سمعه غير واحد.

فقلت في نفسي:أستعطفه علي زكريا بن آدم،لعله أن يسلم مما قال في هؤلاء.ثم رجعت إلي نفسي.

فقلت:من أنا حتي أتعرض في هذا و في شبهه عند مولاي،هو أعلم بما يصنع.

فقال لي:يا أبا علي!ليس علي مثل أبي يحيي يعجّل،و قد كان من خدمته لأبي عليه السّلام و منزلته عنده و عندي من بعده،غير أني احتجت إلي المال الذي عنده.

فقلت:جعلت فداك!هو باعث إليك بالمال،و قال لي:إن وصلت إليه فأعلمه أنّ الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون و مسافر.

فقال:إحمل كتابي إليه،و مره أن يبعث إلي بالمال.فحملت كتابه إلي زكريا،فوجّه إليه بالمال.

قال:فقال لي أبو جعفر عليه السّلام ابتداء منه:ذهبت الشبهة،ما لأبي ولد غيري قلت:صدقت جعلت فداك (2)5.

ص: 59


1- الصراط المستقيم:201/2،ح 10.
2- رجال الكشي:ص 596،ح 1115.

و عن عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال:دخلت علي سيدي محمد بن علي عليهما السّلام و أنا أريد أن أسأله عن القائم عليه السّلام أهو المهدي أو غيره؟فابتدأني هو فقال:يا أبا القاسم!إنّ القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، و يطاع في ظهوره،و هو الثالث من ولدي.. (1)..

و عن محمد بن علي الشلمغاني قال:حجّ إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلي أبي جعفر عليه السّلام.

قال إسحاق:فأعددت له في رقعة عشر مسائل لأسأله عنها،و كان لي حمل.

فقلت:إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو الله لي أن يجعله ذكرا.فلما سأله الناس قمت و الرقعة معي لأسأله عن مسائلي،فلما نظر إلي قال لي:يا أبا يعقوب!سمّه أحمد.فولد لي ذكر فسمّيته أحمد،فعاش مدة و مات.و كان ممن خرج مع الجماعة علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش قال:حملت معي إليه عليه السّلام من الآلة التي للصبيان،بعضها من فضة،و قلت:أتحف مولاي أبا جعفر بها.فلما تفرّق الناس عنه عن جواب لجميعهم،قام فمضي إلي صريا و اتّبعته،فلقيت موفقا.

فقلت:إستأذن لي علي أبي جعفر.فدخلت فسلّمت،فردّ علي السلام،و في وجهه الكراهة، و لم يأمرني بالجلوس،فدنوت منه و أفرغت ما كان في كمي بين يديه،فنظر إلي نظر مغضب،ثم رمي يمينا و شمالا،ثم قال:ما لهذا خلقني الله،ما أنا و اللعب؟فاستعفيته،فعفا عني،فأخذتها فخرجت (2).

و عن محمد بن أبان مرفوعا إلي أبي جعفر عليه السّلام،و كان في عهده رجل يقال له:(شاذويه)، و كان له أهل حامل،و أنها أموية و هي قبيلة و ما في القبيلة من سلّم أمره إلي أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام إلا هي و بعلها،و ليس تسليم أمرهم إلا ببينة من أبي جعفر عليه السّلام.فقدم إليه شاذويه و هو بين من حضر معه،و محمد بن سنان في مجلسه،فلما قرب شاذويه من أبي جعفر فرمي عليهم السّلام.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:يا شاذويه!ببالك حديث،و قد أوتيت منا البينة،و ما أبديته إلي سواي.

فلما سمع ذلك أيقن أنه من أهل بيت النبوة و معدن الرسالة.و قال:تريد يا شاذويه بيان ما أتيت إلينا به من حاجة لك؟

فقال:نعم يا مولانا!ما أتيت إلا بإظهار ما كان في ضميري تبديه لي،

فما سؤالي لك،و ما الحاجة؟0.

ص: 60


1- كفاية الأثر:ص 276.
2- دلائل الإمامة:ص 401،ح 360.

فقال عليه السّلام:نعم!إنّ لك أهلا حاملا،و عن قريب تلد غلاما،و إنها لم تمت في ذلك الغلام، و أهلك من أمية،و إنها جميلة المراجعة لك.

فقال:نعم يا أبا جعفر قال و إنها تسلّمن أمرها إلينا ببينة منّا لها،و إنها من قوم كافرين،فإنها راجعة إلي الأسلام.و كان لشاذويه رفيق له لم يؤمن بما يأتي به أبو جعفر عليه السّلام،فقال له:بئس ما قلت و ما قال أبو جعفر،أفما تفاوض أبو جعفر بالكلام إلا لاتخاذ الإمامة.

فقال شاذويه:قد علمنا ما علمت،و لم تؤت من الفضل و الإيثار من أبي جعفر عليه السّلام مثلما علمت.فلما أسرعت إليه بهذه البشري قال محمد بن سنان:ليعلم فضل شعب أبي جعفر عليه السّلام، و علمهم في سائر الناس.

قال شاذويه:فدخلت منزلي فإذا أنا بزوجتي علي شرف لم أجزع لذلك،لأن أبا جعفر عليه السّلام أخبرني أنها لم تمت في هذه الولادة.فأفاقت عن قريب،و ولدت غلاما ميتا.فرجعت إلي أبي جعفر عليه السّلام فلما دنوت من المجلس،فقال:يا شاذويه!وجدت ما أخبرتك عن زوجتك و ولدك حقا؟

قلت:نعم يا سيدي!فلم لا تدعو لي حتي يرزقني الله ولدا باقيا؟

قال:لا تسألني.

قلت:يا سيدي!سألتك!

قال:ويحك!الآن فقد نفذ فيه الحكم.

قلت:أين فضلك؟

قال محمد بن سنان:قلت:يا سيدي تسأل الله أن يحييه.

فقال:(اللهم إنك عالم بسرائر عبادك،فإنّ شاذويه قد أحبّ أن يري فضلك عليه،فأحيي له أنت الغلام).فانثني أبو جعفر إلي و قال:إلحق بابنك فقد أحياه الله لك.

قال:فأسرعت إلي منزلي،فتلقتني البشارة أن ابني قد عاش.فخبّرت أمه و كانت أموية.

فقالت:و الله!الان لأتبرأن من أمية جميعا.

قلت لها:و من تيم وعدي؟

فقالت:تبرأت من فلان و فلان،و توليت بني هاشم،و هذا الإمام محمد بن علي عليهما السّلام.

و تشيّعت،و تشيّع كل من في داري،و ما كان فيها غيري من يتولاه (1).

و عن علي بن أسباط قال:خرج عليه السّلام علي،فنظرت إلي رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا6.

ص: 61


1- الهداية الكبري:ص 306.

بمصر،فبينا أنا كذلك حتي قعد و قال:يا علي إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ(به)في النّبوة فقال: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (1)قال: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ (2)وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (3).

فقد يجوز أن يؤتي الحكمة صبيا و يجوز أن يعطاها و هو ابن أربعين سنة (4).

***

إخبار الإمام الجواد عليه السّلام لما في عالم الرؤيا

عن موسي بن القاسم قال:شاجرني رجل و نحن في مكة من أصحابنا يقال له:(إسماعيل)في أبي الحسن الرضا عليه السّلام.

قال:كان يجب أن يدعو المأمون إلي الله و إلي طاعته.

فلم أدر ما أجيبه،فانصرفت إلي فراشي،فرأيت أبا جعفر عليه السّلام في نومي.

فقلت له:جعلت فداك!إنّ إسماعيل سألني هل كان يجب علي أبيك أن يدعو المأمون إلي الله و طاعته؟فلم أدر ما أجيبه.

فقال لي:إنما يدعو الإمام إلي الله مثلك و مثل أصحابك و من تبعهم.فانتبهت و حفظت الجواب من أبي جعفر محمد عليه السّلام،و خرجت إلي الطواف،فلقيني إسماعيل.

فقلت له ما قاله لي أبو جعفر،فكأني ألقمته حجرا.فلما كان من قابل أتيت المدينة،و دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام و هو يصلّي،فأجلسني موفق الخادم،فلما فرغ من صلاته.

قال لي:يا موسي!ما الذي قال إسماعيل بمكة عام أول حيث شاجرك في أبي؟

قلت:جعلت فداك!أنت تعلم.

قال:ما كانت رؤياك؟

قلت:رأيتك يا سيدي في نومي،و شكوت إليك إسماعيل.

قال:فقلت:إنما يجب طاعته علي مثلك،و مثل أصحابك ممن لا يبغيه،و خصمته قال:هو ذلك.

قال:أنا قلت لك في منامك،و الساعة أعيده عليك.

فقلت:و الله هذا هو الحق المبين (5).

و عن أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قال:رأيت رجلا من أصحابنا يعرف بأبي زينبة،

ص: 62


1- مريم:12.
2- يوسف:22 و القصص:14.
3- الاحقاف:15.
4- الكافي:494/1 ح 54.
5- مدينة المعاجز:416/7،ح 2420.

فسألني عن أحكم بن بشار المروزي،و سألني عن قصته و عن الأثر الذي في حلقه؟و قد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخط،كأنه أثر الذبح.

فقلت له:قد سألته مرارا فلم يخبرني.

قال:فقال:كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني عليه السّلام،فغاب عنا أحكم من عند العصر،و لم يرجع تلك الليلة.

فلما كان جوف الليل،جاءنا توقيع من أبي جعفر عليه السّلام:إنّ صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد (1)في مزبلة كذا و كذا،فاذهبوا و داووه بكذا و كذا.فذهبنا فوجدناه مطروحا كما قال عليه السّلام.فحملناه و داويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك.

قال أحمد بن علي:كان قصته أنه تمتع ببغداد في دار قوم،فعلموا به فأخذوه و ذبحوه، و أدرجوه في لبد،و طرحوه في مزبلة (2).

و روي عن علي بن جرير قال:كنت عند أبي جعفر ابن الرضا عليهما السّلام جالسا،و قد ذهبت شاة لمولاة له،فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه،و يقولون:أنتم سرقتم الشاة.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:ويلكم!خلّوا عن جيراننا،فلم يسرقوا شاتكم،الشاة في دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره.فخرجوا،فوجدوها في داره،و أخذوا الرجل و ضربوه و خرقوا ثيابه، و هو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة إلي أن صاروا إلي أبي جعفر عليه السّلام فقال:ويحكم!ظلمتم هذا الرجل،فإنّ الشاة دخلت داره و هو لا يعلم بها.فدعاه،فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه (3).

***

غزارة علم الإمام الجواد عليه السّلام

في مشارق الأنوار روي أنّه جيء بأبي جعفر عليه السّلام إلي مسجد رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد أبيه و هو طفل فجاء إلي المنبر ورقي منه درجة ثمّ نطق فقال:أنا محمّد بن علي الرضا أنا الجواد أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب أنا أعلم بسرائركم و ظواهركم و ما أنتم صائرون إليه،علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين و بعد فناء السماوات و الأرضين و لو تظاهر أهل الباطل و دولة أهل الضلال و وثوب أهل الشكّ لقلت قولا تعجّب منه الأوّلون و الآخرون،ثمّ وضع يده الشريفة علي فيه و قال:

يا محمّد إصمت كما صمت آباؤك من قبل (4).

ص: 63


1- اللبد:كل شعر أو صوف متلبد سمي به للصوق بعضه ببعض.أقرب الموارد:1125/2(لبد).
2- رجال الكشي:ص 569،ح 1077.
3- إثبات الوصية:ص 228.
4- نوادر المعجزات:175،و دلائل الإمامة:385.

و عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه،قال:إستأذن علي أبي جعفر عليه السّلام قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم،فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السّلام و له عشر سنين (1).

و هذا ليس بغريب فقد نقل عن أبي علي بن سينا بأنه كان يسمع من بخاري أصوات أواني النحاس بيد الصناع في كاشان.

و نقل عن أبي ريحان البيروني بأنه استخرج من حساب النجوم أنّ السلطان لا يخرج من أبواب البيت أصلا فثلم السلطان ناحية من الجدار و خرج من الثلمة.

و قيل هي من باب المبالغات التي تدل علي صفة في ابن سينا هي الفطانة و مهارة في أبي ريحان في النجوم إذ لا يبالغ إلاّ في صفة ثابتة،و هكذا هنا المبالغة في الإجابة عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد تدل علي وجود هذه الصفة أعني التسريع في جواب المسائل في الإمام عليه السّلام.

و قال العلاّمة المجلسي-رحمه الله-بأن ثلاثين ألف مسألة إن فرض الجواب عن كل مسألة بيتا واحدا أعني خمسين حرفا لكان أكثر من ثلاث ختمات للقرآن فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد و أجاب بوجوه:الأول الحمل علي المبالغة في كثرة الأسئلة و الأجوبة و هو ما ذكرنا.

الثاني أنه يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متّفقة فلما أجاب عليه السّلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

الثالث أجاب بكلمات موجزة مشتملة علي أحكام كثيرة جدا.

الرابع أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمني و إن كان في أيام متعددة.

الخامس أن يكون مبنيا علي بسط الزمان الذي يقول به الصوفية و أجاب بجوابين آخرين أيضا لم أفهم معناهما و ما نقلتهما و لا حاجة إلي توجيه كلام إبراهيم بن هاشم بهذه التكلفات و لم يقل أحد بعصمته بل لم يصرّحوا بصحة أحاديثه بل عدّوه من الحسان.

و قد روي المفيد عليه الرحمة في الإختصاص هذا الخبر مفصلا في الصفحة 102 و المستفاد منه أنّ هذا المجلس كان في مدينة الرسول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بحضور عمه عبد الله بن موسي بن جعفر عليهما السّلام بعد أن عجز و غلط عن جواب مسائل الحاضرين.و كان إبراهيم بن هاشم في جماعة من الحجّاج دخلوا عليه عليه السّلام بعد وفاة أبي الحسن الرضا عليه السّلام و كان لأبي جعفر عليه السّلام تسع سنين و لم يكن المجلس في مني و لا وحدة نوعية في المكان و لا أياما متعددة و لا كان يسع المجلس ثلاثين ألف نفس و لا طومار7.

ص: 64


1- كشف الغمة:157/3،و الكافي:496/1 ح 7.

و لا كتاب،أما وقوع مثل هذا المجلس فلا شك فيه لأنّ عادة الشيعة بعد مضي إمام أن يبحثوا عن الحجة بعده و يبعثوا جماعة من ثقاتهم و امنائهم إلي المدينة ليتفحصوا و يختبروا و يأتوا بالخبر الصحيح و كان أهل الكوفة مقدمين علي ذلك،فأصل المجلس و السؤال و الإجابة و الإختبار و المجيء ببشارة الإمامة كلها حق و حضور إبراهيم بن هاشم و هو من أهل الكوفة في ذلك المجلس غير بعيد.

و لو لم يكن هذا الخبر أيضا كنا نعلم أنّ جماعة من شيعة الكوفة و غيرها من البلاد ذهبوا إلي المدينة و اختبروا أبا جعفر عليه السّلام و جاؤوا بالخبر الصحيح المقنع و إلا لم يكن الشيعة يتّفقون علي إمامته،و من الغفلة أن تردّ الأخبار برمتها أو تقبل بكلّيتها بل يجب التدبر فرب واقعة لا يشك فيها رويت بعبارة لا يصح جميعها فالرد المطلق و القبول المطلق كلاهما جهل و بينهما واسطة،و قد اتفق لكل أحد أن سمع خبرا تيقّن صحة بعضه و بطلان بعضه و شكّ في بعضه،و سمعت أنّ رجلا كنت أعرفه مات و وصّي بمال لصهره و شيء من البر في سبيل الله فأيقنت موته و بطلان الوصية لصهره إذ كنت عالما بأنه لا صهر له و شككت في باقي الوصية (1).

***

سعة علم آل محمد صلوات الله عليهم

اشارة

ذكرنا بعض الأبحاث المتعلقة بعلم آل محمد عليهم السّلام فيما تقدّم من أجزاء و نزيد هنا سعة هذا العلم الرباني،و الروايات مختلفة في سعة و ضيق علمهم صلوات الله عليهم أجمعين،و تمامها في احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أنّهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ

فعن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عزّ و جلّ علم ما فيه» (2).

و قال في خطبة له من علي المنبر:«أنا اللوح أنا القلم أنا العرش» (3).

و في لفظ عنه عليه السّلام:«أنا اللوح المحفوظ و أنا القلم الأعلي» (4).

ص: 65


1- عن هامش شرح أصول الكافي للمازندراني.
2- بحار الأنوار:4/26 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 1.
3- مشارق انوار اليقين:159.
4- الرسائل الثمانية:129،و مشارق انوار اليقين:24-159،و المراقبات:259.

و قال:النبي الاعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لعلي عليه السّلام:«إنّ الله خلق من نور قلبك ملكا فوكّله باللوح المحفوظ،فلا يخط هناك غيب إلاّ و أنت تشهده» (1).

و تقدّم و يأتي علمهم بالكتاب كلّه،و أنّهم المرادون من قوله تعالي: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ هذا،و قد فسّر الكتاب باللوح المحفوظ (2).

فيكون المراد مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ من عنده علم اللوح المحفوظ،و هم آل محمّد الأطهار عليهم السّلام علي ما تقدّم.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل من زعم أنّ الإمام من آل محمد يعزب عنه شيء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل علي محمّد» (3).

الاحتمال الثاني:

علمهم بالكتاب و القرآن الكريم

أقول:تقدّم بعض هذه الروايات في الطائفة السابعة من النحو الأوّل من أدلّة الولاية التكوينية (4).

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام في تشخيص الإمام:«و لا يسأل عن شيء ممّا في الدفتين إلاّ أجاب عنه» (5).

و عن أبي عبد الله عليه السّلام:«و الله انّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلي آخره،كأنّه في كفّي فيه خبر السماء و خبر الأرض،و خبر ما كان و خبر ما يكون،قال الله تعالي:(فيه تبيان كلّ شيء) (6).

و في رواية:«فنحن الذين اصطفانا الله،فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء» (7).

و يؤيّد هذه الطائفة كل ما ورد بأنهم الراسخون في العلم (8).

ص: 66


1- مشارق انوار اليقين:136.
2- تفسير فتح القدير:91/3 الرعد 43.
3- مشارق انوار اليقين:138.
4- يراجع اضافة الي ما تقدم بصائر الدرجات:212 باب ان اسم الأعظم و علم الكتاب عندهم،و بحار الأنوار:111/26 ح 7-8،و الوسائل:50/18 ح 33218.
5- بصائر الدرجات:489 ح 1 باب إذا مضي إمام يعرف الذي بعده،و في الكافي:في قوله)بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم)و ذكر نحوه.الكافي:214/1 ح 3.
6- الكافي:229/1 باب انّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمة ح 4.
7- بصائر الدرجات:115 ح 3.
8- بصائر الدرجات:202 باب انّهم الراسخون في العلم.

الاحتمال الثالث:

عندهم علم السموات و الأرض و الجنّة و كل غائبة فيهم

فعن أبي عبد الله عليه السّلام:«إنّ الله أجلّ و أعظم من أن يحتج بعبد من عباده».

و في رواية:أن يفرض طاعة-«ثم يخفي عنه شيئا من أخبار السماء و الأرض» (1).

أقول:هناك روايات كثيرة بهذا المعني ذكرها المجلسي في بحاره و الكليني في كافيه و الصفّار في بصائره (2).

و عنه عليه السّلام:«إنّي لأعلم ما في السماوات و أعلم ما في الأرضين،و أعلم ما في الجنّة و أعلم ما في النار،و أعلم ما كان و يكون.

ثم مكث هنيهه فرأي أنّ ذلك كبر علي من سمعه.

فقال:«علمت من كتاب الله إنّ الله يقول:(فيه تبيان كلّ شيء)» (3).

و في حديث طويل عنه عليه السّلام في خلق الإمام و تحدّثه في بطن امّه و ولادته قال:

«فإذا وضع يده إلي الأرض فانّه يقبض كل علم أنزله الله من السماء إلي الأرض» (4).

و عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«إنّ الله يقول: وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » (5).

ثم قال جلّ و عزّ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (6)«فنحن الذين اصطفانا الله، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيء» (7).

و هناك روايات مشابهة (8).

الاحتمال الرابع:

علمهم بما هو كائن و يكون

و قد تقدّم في الإحتمال الثالث بعض رواياته.

ص: 67


1- و زاد الكليني في رواية:و يقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قواد دينهم.
2- بحار الأنوار:110/26 ح 4 و ما بعده و قبله باب انّهم لا يحجب عنهم علم أسماء الأرض،و بصائر الدرجات:124 و 127 باب ما لا يحجب عن الأئمة،و الكافي:261/1 ح 2-3-4-6.
3- بحار الأنوار:110/26،و بصائر الدرجات:127-128:و الكافي:261/1.
4- بصائر الدرجات:441 ح 4.
5- النحل:75.
6- فاطر:32.
7- بصائر الدرجات:115 ح 3.
8- بصائر الدرجات:124 باب ما لا يحجب عنهم،و البحار:28/26 ح 19.

و قال أبو عبد الله عليه السّلام ابتداء منه:«و الله انّي لأعلم ما في السموات و الأرض،و ما كان و ما يكون إلي أن تقوم الساعة،ثم قال:أعلمه من كتاب الله أنظر إليه هكذا.ثم بسط كفّيه» (1).

و عنه عليه السّلام في كلامه عن مصحف فاطمة عليها السّلام:«أما إنّه ليس فيه من الحلال و الحرام،و لكن فيه علم ما كان و ما يكون و ما هو كائن» (2).

و عنه عليه السّلام في حديث صحيح عن الجامعة و الجفر و المصحف:«إنّ عندنا لعلم ما كان و ما هو كائن إلي أن تقوم الساعة».

قلت:جعلت فداك هذا و الله هو العلم.

قال:«إنّه لعلم،و ليس بذاك».

قلت:جعلت فداك فأيّ شيء هو العلم؟

قال عليه السّلام:ما يحدث بالليل و النهار،الأمر بعد الأمر و الشيء بعد الشيء إلي يوم القيامة» (3).

أقول:مراد الإمام أن يثبت أنّ العلم ليس بالتعلّم و القراءة من الكتب و المصاحف انّما هو ما يحدث لهم بالليل بإفاضة من الله،فيكون عليه السّلام يشير إلي العلم اللدني.

لذا رويت هذه الرواية بنحو آخر:قال منصور:إنّ عندكم صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه الناس و إنّ هذا هو العلم.

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:«ليس هذا هو العلم إنّما هو أثر عن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،إنّ العلم الذي يحدث في كل يوم و ليلة» (4).

و هناك روايات مشابهة بذكر التوراة و الإنجيل لا الصحيفة (5).

و تقدّم حديث كون الإمام أعلم من موسي و الخضر عليهما السّلام لأنّهما لم يعطيا علم ما هو كائن (6).

و في لفظ:«اللهمّ يا من أعطانا علم ما مضي و ما بقي» (7).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان و ما يكون و بما هو كائن إلي يوم القيامة،و هي هذه الآية: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (8).د.

ص: 68


1- بصائر الدرجات:127 ح 2 باب علمهم بما في السموات و الأرض.
2- المراقبات:35،و بصائر الدرجات:157 ح 18 باب انّهم اعطوا الجفر.
3- أصول الكافي:238/1-240 ح 1 و ما بعده،و بصائر الدرجات:152 ح 3 باب انّهم اعطوا الجفر، و الهداية الكبري:238 باب 7.
4- بحار الأنوار:20/26 ح 6.
5- بحار الأنوار:20/26.
6- بحار الأنوار:111/26 ح 9 باب انّهم لا يحجب عنهم علم السماء و الأرض.
7- بحار الأنوار:112/26 ح 10-11.
8- محاضرات الفياض:337/5 عن الاحتجاج و أمالي الصدوق و التوحيد.

و تبين هذه الرواية علم آل محمد عليهم السّلام بكل ذلك و لكن التحرج في ذكر ذلك للناس،من جهة عدم استيعابه أو تحمّله،و لا ينافيه إخباراتهم ببعض ذلك كما تقدم،من أجل إبراز سعة علمهم.

أو يقال:أنهم عليهم السّلام يخبرون بما يعلمون أنّ الله تعالي لا يمحوه.

الاحتمال الخامس:

علمهم بما يحتاج إليه الناس و بأمورهم

تقدّم بعض هذه الروايات في الثالث.

و قال أبو عبد الله عليه السّلام:«لا يحتج الله تبارك و تعالي علي خلقه بحجّة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه» (1).

و الروايات في هذا المضمون كثيرة (2).

و قال عليه السّلام:«إنّ الله أحكم و أكرم و أجلّ و أعلم من أن يكون احتجّ علي عباده بحجّة ثم يغيّب عنه شيئا من أمرهم».

و له ألفاظ اخري (3).

و في حديث و قد سئل عن حال الإمام أيسأل عن الحلال و الحرام و الذي يحتاج الناس إليه فلا يكون عنده شيء؟

قال عليه السّلام:«لا،و لكن قد يكون عنده و لا يجيب» (4).

الاحتمال السادس:

عندهم جوامع العلوم و أصوله

فعن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أعطاني الله خمسا و أعطي عليّا خمسا،أعطاني جوامع الكلم و أعطي عليا جوامع العلم» (5).

و عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله تعالي: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (6).

ص: 69


1- الكافي:262/1 ح 5 باب انّهم يعلمون ما كان و يكون.
2- بحار الأنوار:138/26 ح 7-8،و بصائر الدرجات:122.
3- بحار الأنوار:137/26 ح 1-2-4-6-15،و بصائر الدرجات:122.
4- بصائر الدرجات:44 ح 4 باب ان عندهم الحلال و الحرام.
5- الفضائل لابن شاذان:5.
6- سورة العنكبوت:49.

قال:«الأئمّة خاصة» (1).

و نحوه عن أبي جعفر عليه السّلام (2).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«عندنا أهل البيت أصول العلم و عراه و ضياؤه و أواخيه» (3)(4).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إنّا أهل البيت عندنا معاقل العلم و أبواب الحكم و ضياء الأمر» (5).

الاحتمال السابع:

عندهم علم الملائكة و جميع الأنبياء و كتبهم السابقة

فعن أبي عبد الله عليه السّلام قال:«إنّ الله علّمني علما أظهر عليه ملائكته و أنبياءه و رسله،فما أظهر عليه ملائكته و رسله و أنبياءه فقد علمناه،و علما استأثر به فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك، و عرض علي الأئمة الذين كانوا قبلنا» (6).

و نحوه عن أبي جعفر عليه السّلام.

و له ألفاظ مشابهة (7).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إنّ الله جمع لمحمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علم النبيين بأسره،و إنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم صبّ ذلك كلّه عند أمير المؤمنين عليه السّلام» (8).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«ألآ إنّ العلم الذي هبط به آدم من السماء إلي الأرض و جميع ما فضّلت به النبيون إلي خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين» (9).

و في حديث ولادة الإمام علي عليه السّلام و تلاوته كل كتب الأنبياء و مدح النبي له ما يؤيّد هذا الاحتمال (10).

ص: 70


1- الكافي:214/1 ح 4.
2- الكافي:214/1 ح 5.
3- في المنجد:(أواخي و أخايا و أواخ:حبل يدفن في الأرض مثنيا فيبرز منه شبه حلقة تشد فيها الدابة.يقال: شد الله بينكما أواخي الإخاء. و قال:توخي الشيء:قصده و تحراه)المنجد:5. و قال:(و خي الأمر طلبه دون سواه)المنجد:892.
4- بحار الأنوار:30/26-31 ح 42-44.
5- البحار:30/26-31 ح 42-44.
6- الكافي:255/1-256 ح 1،و بحار الأنوار:159/26-160.
7- الكافي:255/1-256 ح 1 و ما بعده،و بحار الأنوار:159/26-160 عدّة أحاديث.
8- بحار الأنوار:167/26 ح 21 باب عندهم جميع علوم الملائكة و الأنبياء.
9- بحار الأنوار:160/26 ح 6.
10- الهداية الكبري:100-101 باب 2.

أقول:الروايات في وراثتهم لعلم الأنبياء كثيرة (1).

الاحتمال الثامن:

أنّهم أعلم من الأنبياء

فعن علي بن الحسين عليهما السّلام قال:«علمت و الله ما علمت الأنبياء و الرسل».

ثم قال لي:«أزيدك؟».

قلت:نعم.

قال:«و نزاد ما لم تزد الأنبياء» (2).

و عن أبي عبد الله عليه السّلام:«إنّ الله خلق أولي العزم من الرسل و فضّلهم بالعلم و أورثنا علمهم و فضّلنا عليهم في علمهم،و علم رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما لم يعلموا و علمنا علم الرسول و علمهم» (3).

أقول:الروايات كثيرة في تفضيلهم علي الأنبياء جميعا،و بعضها يفضلهم علي بعض الأنبياء (4).

و تقدّم نحوها في العلم اللدني.

و يؤيّد هذه الروايات روايات توسل الأنبياء بآل محمّد عليهم السّلام و التي تقدّم بعضها في ما تقدم من أبحاث (5).

الاحتمال التاسع:

علمهم بكل شيء أو بما لا يعلمون

قال تعالي: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (6).

و هذه الآية تفيد أنّ الله تعالي علّم نبيّه كل العلوم التي لا يعلمها بلا استثناء،فتكون الآية ناصّة علي رفع الجهل كل الجهل عن نبي الهدي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

ص: 71


1- الكافي:255/1-256 ح 1 و ما بعده و 227،و بحار الأنوار:159/26-160 عدّة أحاديث،و راجع بصائر الدرجات:114-117.
2- بحار الأنوار:198/26 ح 9 باب انّهم أعلم من الأنبياء.
3- بحار الأنوار:194/26 ح 1،و بصائر الدرجات:227 ح 1.
4- يراجع بحار الأنوار:194/26،200 باب انّهم أعلم من الأنبياء،و بصائر الدرجات:114 باب انّهم ورثوا علم آدم.
5- راجع بحار الأنوار:319/26،334،باب ان دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل بهم.
6- النساء:114.

و قد تقدّم معني الآية مفصّلا في العلم اللدني.

و عن الإمام الكاظم عليه السّلام:«ما يخفي علي الإمام شيء» (1).

و عن الإمام العسكري عليه السّلام:«إنّ الله أعطي حجّته معرفة كل شيء» (2).

و عن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حديث كلام الشمس مع أمير المؤمنين و قولها له:يا من هو بكل شيء عليم.

فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«قالت الصدق،هو أعلم بالحلال و الحرام و السنن و الفرائض و ما يشاكل علي ذلك» (3).

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«إنّما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في السماء و في موضعه،هو مطّلع علي جميع الأشياء كلّها» (4).

و عن أبي عبد الله عليه السّلام:«إنّهم علموا ما خلق الله و ذرأه و برأه» (5).

و عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله تعالي: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (6)قال:«في أمير المؤمنين عليه السّلام» (7).

و قال عليه السّلام:«أنا رحمة الله التي وسعت كل شيء» (8)

و عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين عليه السّلام إلي فاطمة ابنته فدفعته إلي علي بن الحسين قلت:فما فيه يرحمك الله؟

قال عليه السّلام:«ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلي أن تفني» (9).

و قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«معاشر الناس ما من علم إلاّ علّمنيه ربي،و أنا علّمته عليا» (10).

و في حديث:«..فما علّمني شيئا إلا علمه علي» (11).

أقول:و يؤيّد هذا الإحتمال ما تقدّم في الإحتمال الثاني علمهم بالقرآن الذي فيه تبيان كل شيء.3.

ص: 72


1- الخرايج و الجرايح:279.
2- أعلام الوري:357.
3- الفضائل لابن شاذان:70.
4- بصائر الدرجات:441 ح 8 باب ذكر عامود النار.
5- بحار الأنوار:116/26 ح 22.
6- يس:12.
7- بحار الأنوار:158/24 ح 24.
8- الهداية الكبري:400.
9- البحار:54/26 ح 109 باب جهات علومهم.
10- تفسير نور الثقلين:379/4.
11- مناقب ابن المغازلي:50-51 ط.الحياة،و ط.طهران:50 ح 73.

و يؤيّده الحديث المستفيض:«لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا» (1).

كان هذا ذكر للروايات التي تفيد علمهم لكل شيء بلا ذكر مصاديق العلوم،و لمن أراد تفصيل «علمهم لكل شيء»فليرجع لما ذكره الشيخ الأربلي في كشف الغمة و القاضي عياض في الشفاء و السيّد اللاري في كتابه(حاجة الأنام إلي النبي و الإمام) (2).

الاحتمال العاشر:

علم آل محمد عليهم السّلام للغيب

قبل البدء بأدلّة الإحتمال لا بأس بالإشارة إلي أنّ الذي يدّعي علم الغيب للإمام و النبي عليهم السّلام لا يدّعيه علي نحو الإستقلالية،بل يدّعي أنّ الله أطلع نبيّه و أهل بيته علي الامور الغيبية التي لم يطلع عليها أحدا.

و إن شئت قلت:علم الغيب لذات الشخص و بلا توسط من الغير هو العلم الثابت لواجب الوجود و الذي هو عين الذات،و هذا مختص بالله و لغيره كفر.

أمّا العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالي و ليس هو عين الذات،فهذا الذي علمته الأئمة و رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

قال تعالي: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ.

و علي هذا يحمل قوله تعالي: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحي إِلَيَّ فنفي امتلاكه لخزائن الله و لم ينف إمكان تمليك الله خزائنه له أو لأيّ بشر آخر،و كذلك نفي كونه ملكا مع انّه أفضل من الملك،و قال: أَتَّبِعُ ما يُوحي إِلَيَّ.

و ليعلم أيضا أنّ الغيب إمّا نسبي و إمّا مطلق،لأنّ الغيب هو الإطّلاع علي الامور الغيبية التي خفت عن الناس،و تارة يطلع الله عبده علي أمر غيبي واحد و اخري يطلعه علي مائة و ثالثة يطلعه علي كل الامور الغيبية.

و لذا ما يأتي من روايات تارة يدلّ علي علمهم للغيب المطلق،و اخري علمهم لبعض الامور الغيبية.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام قال:«و الله لقد أعطينا علم الأوّلين و الآخرين».

ص: 73


1- فضائل ابن شاذان:137،و كشف الغمة:170/1-286،و الغرر و الدرر ذيل حرف لو،و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:253/7 الخطبة 113 و 142/10 الخطبة 186،و بحار الأنوار:153/40 ح 54 و 135/46 ح 25،و الأنوار النعمانية:26/1-35 و قال أنه مستفيض.
2- كشف الغمة:131/1-134 فضائل علي،و الشفا:335/1-354 فصل ما اطلع عليه من الغيوب، و حاجة الأنام:60-61-65 إلي 103.

فقال له رجل من أصحابه:«جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟».

فقال له عليه السّلام:«ويحك إنّي أعلم ما في أصلاب الرجال و أرحام النساء،ويحكم وسّعوا صدوركم و لتبصر أعينكم و لتع قلوبكم،فنحن حجّة الله تعالي في خلقه و لن يسع ذلك إلاّ صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبل تهامة إلاّ بإذن الله،و الله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم» (1).

و قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لعلي:«إنّ الله أطلعني علي ما شاء من غيبه و حيا و تنزيلا و أطلعك عليه إلهاما» (2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل إنّ العالم منّا يعلم حتي تقلّب جناح الطير في الهواء، و من أنكر من ذلك شيئا فقد كفر بالله من فوق عرشه،و أوجب لأوليائه الجهل» (3).

و قيل لابي جعفر عليه السّلام:إنّ شيعتك تدّعي أنك تعلم كيل ما في دجلة.و كانا جالسين علي دجلة.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام:«يقدر الله عز و جل أن يفوّض علم ذلك الي بعوضة من خلقه؟».

قال:نعم.

فقال عليه السّلام:«أنا أكرم علي الله من بعوضته،ثم خرج» (4).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة يصف فيها الإمام:«فهو الصدق و العدل..يطّلع علي الغيب و يعطي التصرف علي الإطلاق» (5).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل من زعم أنّ الإمام من آل محمد يعزب عنه شيء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل علي محمّد،و إنّا لنشهد أعمالكم و لا يخفي علينا شيء من أمركم، و أنّ أعمالكم لتعرض علينا،و إذا كانت الروح و ارتاض البدن أشرقت أنوارها،و ظهرت أسرارها و أدركت عالم الغيب» (6).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و الله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه و مولجه و جميع شأنه لفعلت،و لكن أخاف أن تكفروا في رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،ألا و إني مفضيه إلي الخاصّة» (7).

و قال عليه السّلام:«فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين الساعة و لا عن فئة تهدي5.

ص: 74


1- بحار الأنوار:28/26 ح 28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب:374/3.
2- مشارق انوار اليقين:135-136 و 25.
3- مشارق انوار اليقين:135.
4- اثبات الوصية:191-192.
5- مشارق انوار اليقين:115.
6- مشارق انوار اليقين:138.
7- نهج البلاغة:250 الخطبة 175.

مئة و تضلّ مئة إلاّ أنبأتكم بناعقها و قائدها» (1).

و قال عليه السّلام:«أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض» (2).

و قالت عائشة للحسن عليه السّلام بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير و لم يطّلع عليه أحد سواها:يا ابن خبوت جدّك و أبوك في علم الغيب،فمن ذا الذي أخبرك بهذا عنّي!! (3).

و عندما أخبرها بخفايا ضميرها و ما أخبرها به رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من حربها الأمير عليه السّلام قالت:

جدّك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك؟!

قال:«هذا من علم الله و علم رسوله و علم أمير المؤمنين عليهم السّلام» (4).

و قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«الغيب درجات منها سماع و منها نبت في القلب» (5).

و قال الإمام الحسن العسكري عليه السّلام لمن سأله عن القائم المنتظر عجل الله فرجه:«ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر» (6).

و عن الإمام زين العابدين عليه السّلام:«ألآ إنّ للعبد أربع أعين:عينان يبصر بهما أمر دينه و دنياه، و عينان يبصر بهما أمر آخرته،فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته[و أمر آخرته] (7).

و رواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ:«ما من عبد إلاّ و في وجهه عينان يبصر بهما أمر الدنيا،و عينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة،فإذا أراد بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه،فأبصر بهما ما وعده بالغيب،فآمن بالغيب علي الغيب» (8).

و في قصة أبو يوسف و محمد بن الحسن صاحبا أبا حنيفة ما يؤكّد علم الإمام الكاظم عليه السّلام للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه:جئنا لنسأله عن الفرض و السنّة و هو الآن جاء بشيء من علم الغيب.

فسألاه من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنّه يموت في هذه الليلة؟

قال الإمام عليه السّلام:«من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي بن أبي طالب عليه السّلام» (9).ن.

ص: 75


1- نهج البلاغة:137 خ 93.
2- نهج البلاغة:280 خ 189.
3- الهداية الكبري:197-198،ذيل الباب الرابع.
4- المصدر السابق.
5- الهداية الكبري:76 الباب الأوّل.
6- الهداية الكبري:334 باب 13.
7- الخصال:240/1 ح 90 باب الأربعة.
8- كنز العمّال:42/2 ح 3043.
9- الخرايج و الجرايح:287-288 الباب الثامن.

و أيضا في قصة إخبار الإمام الرضا عليه السّلام إبن هذاب بما يجري عليه ما يزيل الشكّ في الباب حيث قال عليه السّلام له:«إن أخبرتك انّك ستبلي في هذه الأيام بذي رحم لك كنت مصدّقا لي؟»

قال:لا،فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله تعالي.

قال عليه السّلام:«أو ليس الله يقول: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ فرسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عند الله مرتضي،و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله علي ما يشاء من غيبه،فعلمنا ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة،و إنّ الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلي خمسة أيّام،فإن لم يصح ما قلت في هذه المدّة،و إلاّ فانّي كذّاب مفتر،و إن صحّ فتعلم أنّك الراد علي الله و علي رسوله.

و لك دلالة أخري فتصاب ببصرك و تصير مكفوفا فلا تبصر سهلا و لا جبالا و هذا كائن بعد أيام.

«و لك عندي دلالة أخري أنّك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص».

قال محمد بن الفضل:بالله لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب (1).

أقول:هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلاّ ناصبي.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له:«و الإمام يا طارق بشر ملكي و جسد سماوي،و أمر إلهي و روح قدسي،و مقام عليّ و نور جليّ و سرّ خفيّ،فهو ملك الذات إلهي الصفات،زائد الحسنات عالم بالمغيبات،خصّا من ربّ العالمين و نصّا من الصادق الأمين» (2).

و عن أبي جعفر الجواد عليه السّلام لما أخبر امّ الفضل بنت المأمون بما فاجأها ممّا يعتري النساء عند العادة.

قالت له:لا يعلم الغيب إلاّ الله.

قال عليه السّلام:«و أنا أعلمه من علم الله تعالي» (3).

أقول:و هذه رواية أخري تنص علي علمهم للغيب فلا تغفل و أزل الشك من قلبك.

و في خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها:«و يلبس الهيبة و علم الضمير، و يطّلع علي الغيب و يعطي التصرّف علي الإطلاق» (4).

هذه روايات الغيب المطلق.5.

ص: 76


1- الخرايج و الجرايح:306-307 الباب التاسع.
2- بحار الأنوار:172/25 ح 38 باب جامع في صفات الإمام.
3- الإرشاد إلي ولاية الفقيه:254.
4- مشارق انوار اليقين:115.

-و أمّا روايات إخبارهم بأمور غيبية فهي كثيرة جدّا،بل هي من معاجز آل محمّد عليهم السّلام،و قد تقدّم الكثير منها في الأبحاث السابقة كعلمهم بما في الضمائر و أعمال العباد،و كعلمهم بما يكون و ما يأتي.

1-و منها إخبارات النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بقتل الإمام الحسين عليه السّلام و تربته و زوّاره و البكاء عليه و ما يجري له (1).

و إخباراته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أيضا بخروج عائشة لقتال فرقة من المسلمين و نبح كلاب الحوأب لها (2).

و إخباراته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بما يجري علي ابنته فاطمة الزهراء عليهم السّلام من الظلم (3).

أقول:إخبارات النبي لا يمكن حصرها بهذه الرسالة (4).

بل ادّعي القاضي عياض تواتره (5).

2-و منها إخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين و قاتله (6).

و إخباره عليه السّلام طلحة و الزبير أنّهما لا يريدان العمرة انّما البصرة (7).

و إخباره عليه السّلام بقضية الخوارج و صاحب الثدية (8).

و إخباره عليه السّلام عن قتل نفسه (9).

و إخباره عليه السّلام بقتل ميثم التمّار و صلبه (10).7.

ص: 77


1- المجم الأوسط للطبراني:170/7 ح 6312،و صحيح ابن حبان:262/8 ح 6707،و أمالي الشجري: 177/1،و المعجم الكبير:105/3 ترجمة الحسين،و مجمع الزوائد:301/9.
2- مروج الذهب:357/2،و كنز العمال:197/11-343 ح 31208-31668،و الإمامة و السياسة:/1 82،و المستدرك:120/3،و صحيح ابن حبان:151/7 ح 6272،و مسند ابن راهويه:891/3 ح 1569،و المصنف لعبد الرزاق:365/11 ح 20753.
3- وفاة الزهراء للمقرم:57،و كشف الغمة 1:148.
4- أعلام الوري:42 الي 45،و الهداية الكبري:42-43-60-62-66،و مناقب آل أبي طالب:/1 140.
5- الشفا:336/1 فصل في ما اطلع عليه من الغيوب.
6- كشف اليقين:90 ح 79،و اسد الغابة:169/4،و الفتوح لابن أعثم:210/1،و الفضائل الخمسة:/3 343،و ترجمة الحسين:236.
7- مروج الذهب:406/2،و الارشاد:317/1 فصل 61.
8- مروج الذهب:406/2،و الارشاد:317/1 فصل 61.
9- مسند أحمد:156/1،و الارشاد:320/1.
10- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:291/2 الكلام 37.

أقول:إخبارات أمير المؤمنين عليه السّلام بالمغيبات كثيرة لا مجال لذكرها هنا تقدم ذلك في تاريخه مفصلا (1).

3-و منها إخبار فاطمة الزهراء عليها السّلام بموتها و مكان دفنها (2).

4-و منها إخبار الإمام الحسن عليه السّلام عائشة بما فعلته يوم وفاة الأمير (3)،و غيرها من إخباراته كما تقدّم ذلك في تاريخه مفصلا (4).

5-و منها إخبار الحسين عليه السّلام بقتله (5)و بكثير من الامور الغيبية الأخري كما تقدّم ذلك في تاريخه مفصلا (6).

6-و منها إخبار الإمام زين العابدين عليه السّلام بكثير من الغيب كما تقدّم ذلك في تاريخه مفصلا (7).

7-و منها إخبار الإمام الباقر عليه السّلام باستخلاف عمر بن عبد العزيز و إخباره بامور اخري كما تقدّم ذلك في تاريخه مفصلا (8).

8-و منها إخبار الإمام الصادق عليه السّلام بصنيعة أبي كهمش مع الجارية،و بظلم إبراهيم بن مهزم لامّه،و بزنا بعض الناس،و ما شابه من إخباراته كما تقدم ذلك في تاريخه مفصلا (9).م.

ص: 78


1- شرح النهج لابن ميثم:161/3-346 و 153/2،و كشف الغطاء:13،و سفينة البحار:373/1 و /2 335،و بحار الأنوار:189/53،و مرآة العقول:117/3،و بصائر الدرجات:298-356، و الطرائف:73/1،و المحجة البيضاء:195/4 إلي 203،و الهداية الكبري:128-132 إلي 137 و 146 و 148 و 151 و 154 و 160 و 166،و كشف اليقين للحلي:90-101،و كشف الغمة:273/1 إلي 286،و الارشاد:314/1 إلي 330،و الخرايج و الجرايح:174 إلي 193 و 208 إلي 210 و 213، و كشف الغطاء:13-14،و أعلام الوري:173-174،و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:286/2 الي 295 شرح الكلام 37 و ذكر عدة نماذج.
2- فضائل الصحابة:629/2،و كشف الغمة:42/2،و الفضائل الخمسة:198/3.
3- مشارق انوار اليقين:86،و الهداية الكبري:197.
4- الخرايج و الجرايح:220 إلي 223 باب 3،و الهداية الكبري:186 و 190 و 194 و 195.
5- مشارق انوار اليقين:88،و الهداية الكبري:203-205.
6- الخرايج و الجرايح:226 إلي 231،و الهداية الكبري:205 إلي 207 باب 5.
7- الخرايج و الجرايح:238 باب 5،و جامع كرامات الأولياء:256/2،و الهداية الكبري:222 إلي 225 باب 6.
8- مشارق انوار اليقين:90-91،و الخرايج و الجرايح:244-246 إلي 249 و 251 و 256 باب 6،و جامع كرامات الأولياء:133/1،و الهداية الكبري:241 باب 7.
9- أعلام الوري:269،و جامع كرامات الأولياء:4/2-5،و الهداية الكبري:250 إلي 253 و 256 باب 8،و راجع بصائر الدرجات:242 باب انّهم يخبرون شيعتهم بأفعالهم.

9-و منها إخبار الإمام الكاظم عليه السّلام بكثير من الامور الغيبية كما تقدّم ذلك في تاريخه مفصلا (1).

10-و منها إخبار الإمام الرضا عليه السّلام في عدّة وقائع معروفة كما تقدّم ذلك في تاريخه مفصلا (2).

11-و منها إخبار الإمام الجواد عليه السّلام في مكان الشاة و علمه بما أضمره محمد بن علي الهاشمي و نحوها كما تقدّم ذلك هنا (3).

12-و منها إخبار الإمام علي الهادي عليه السّلام في وقائع متعددة كما يأتي (4).

13-و منها إخبار الإمام العسكري عليه السّلام و هو مستفيض كما يأتي (5).

14-و آخرها إخبار من صاحب الغيبة الحجّة القائم المنتظر-أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء كما يأتي (6).

-و نحو ذلك من إخباراتهم عليهم صلوات المصلين (7).

هذا و يأتي إخبارات الأئمة جميعا بموتهم و كيفيته،و هو من الامور الغيبية أيضا.

***

الآيات الدالة علي علم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم للغيب

الآية الأولي قوله تعالي:

عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ (8) .

ص: 79


1- الخرايج و الجرايح:280-275-299 باب 8،و جامع كرامات الأولياء:407/1،و الهداية الكبري: 267 إلي 27 باب 9.
2- أعلام الوري:310،و الخرايج و الجرايح:306-323-324-326 باب 9،و جامع كرامات الأولياء: 257/2-258،و الهداية الكبري:288 إلي 291 باب 10.
3- أعلام الوري:334-335،و الخرايج و الجرايح:335-338 باب 10،و الهداية الكبري:300 إلي 306 باب 11.
4- أعلام الوري:341،و الهداية الكبري:314 إلي 319 باب 12.
5- أعلام الوري:352-356،و الهداية الكبري:329 إلي 335 و 340 إلي 349 باب 13.
6- أعلام الوري:422،و الهداية الكبري:359 و 369 و 370 باب 14،و الأنوار النعمانية:23/2.
7- راجع الاختصاص:306/12-304،و الرسائل الثمانية:384.
8- الجن:26.

فظاهر الآية إمكان إطلاع من يرتضيه الله لغيبه،و هي لا تحدد مقدار الغيب،بل تبقي علي إطلاقها.

و قد جاءت الرواية أنّ محمدا و آل محمد ارتضاهم الله لذلك:

فقال الإمام الرضا عليه السّلام لعمرو بن هذاب عندما نفي عن الأئمة عليهم السّلام علم الغيب محتجا بهذه الآية:«إن رسول الله هو المرتضي عند الله،و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله علي غيبه فعلمنا ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة» (1).

و قال أبو جعفر عليه السّلام: إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ و كان و الله محمد ممن ارتضاه (2).

الآية الثانية قوله تعالي:

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ

- تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ (3).

و هذا نص صريح في علم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لامور غيبية منّا منه تعالي علي نبي الهدي صلوات الله عليه و آله.

الآية الثالثة قوله تعالي:

وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (4) .

و قد تقدّم الكلام في الآية في العلم اللدني.

الآية الرابعة قوله تعالي:

وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (5) .

و الإمام المبين هو أمير المؤمنين علي عليه السّلام:

فعن الإمام الباقر عليه السّلام لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا:يا رسول الله من الكتاب المبين أهو التوراة؟

قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لا».

قالا:فهو الإنجيل.

قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لا».

قالا:فهو القرآن؟

ص: 80


1- بحار الأنوار:22/12 و 74/15.
2- الارشاد إلي ولاية الفقيه:257،و قريب منه في الخرايج و الجرايح:306.
3- آل عمران:44،هود:49،يوسف:102.
4- النساء:113.
5- يس:12.

قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لا».

فأقبل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«هذا هو الإمام المبين الذي أحصي الله فيه كلّ شيء» (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«أنا و الله الإمام المبين ابيّن الحقّ من الباطل ورثته من رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم» (2).

و قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«معاشر الناس ما من علم إلاّ علّمنيه ربّي و أنا علّمته عليّا،و قد أحصاه الله فيّ،و كل علم علّمته فقد أحصيته في إمام المتّقين و ما من علم إلاّ علّمته عليّا» (3).

و جاء في حديث الإمام الصادق عليه السّلام مع المفضّل و كشفه عن قبر أمير المؤمنين عليه السّلام ما يؤيّد ذلك قال المفضّل:و دخلنا من مزارنا منها(بقعة أمير المؤمنين)إلي مولانا الصادق عليه السّلام فوقفنا بين يديه.

فقال عليه السّلام:«و الله يا مفضّل و يا صفوان ما خرجتما عن البقعة عقدا واحدا،و لا نقصتما عنها قدما».

فقلنا:الحمد لله و لك يا مولاي و شكرا لهذه النعمة.

و قرأ عليه السّلام: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً و قوله: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (4).

و عن صالح بن سهل عن جعفر الصادق عليه السّلام قال: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ في أمير المؤمنين صلوات الله عليه نزلت» (5).

و عن عمار بن ياسر قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا فقلت:يا أمير المؤمنين تري أحدا من خلق الله يعلم عدد هذا النمل؟

قال عليه السّلام:«نعم يا عمار أنا أعرف رجلا يعلم كم عدده و كم فيه ذكر و كم فيه أنثي».

فقلت:من ذلك الرجل؟

فقال:«يا عمار ما قرآت في يس« وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ »؟.ف.

ص: 81


1- ينابيع المودة:77/1 ط.اسلامبول و 87 ط.النجف،و مشارق انوار اليقين:103 و 55،و تفسير نور الثقلين:379/4 مورد الآية و لكن بتسمية الرجلين:أبو بكر و عمر،و تفسير الميزان:70/17 عن معاني الأخبار،و الانسان الكامل:153 عن الفصول المهمة في أصول الائمة باب أن لكل واقعة حكم.
2- تفسير نور الثقلين:379/4 عن تفسير القمي.
3- تفسير نور الثقلين:379/4 عن الاحتجاج.
4- الهداية الكبري:98 الباب الثاني.
5- ينابيع المودة:77/1 ط.اسلامبول و 87 ط.النجف.

فقلت:بلي يا مولاي.

قال:«أنا ذلك الإمام المبين» (1).

و قال المتتبع العلاّمة الجزائري:فقد تحقّق في الأخبار العّامة و الخاصة أنّ قوله تعالي: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ المراد به علي بن أبي طالب (2).

و عن طاهر بن الحسن في حديث انتسابه الي أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«أنا طاهر بن الحسن بن....بن علي بن أبي طالب الذي أنزل الله فيه وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ هو و الله الإمام المبين،و نحن الذين أنزل الله في حقنا: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (3).

أقول:ذكر في بعض التفاسير أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ،و أنّ الله عبّر عن اللوح بألفاظ متعدّدة كأمّ الكتاب و الكتاب المبين (4).

و روي عن مجاهد أنّ الإمام المبين هو أم الكتاب (5).

و عن قتادة أن الإمام المبين هو الكتاب المبين (6).

و إذا صحّ ذلك فقد تقدّم أنّ اللوح المحفوظ هو أمير المؤمنين عليه السّلام (7).

و سوف يأتي في الآية التالية أنّهم هم الكتاب المبين.

و من طريق آخر تقدّم في الكتاب الأول أنّ أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ و أنّ أول ما خلق الله محمّدا و عليا و الائمة عليهم السّلام.

و هذا يشير إلي أنّهم اللوح المحفوظ الذي حفظ الله فيه كل شيء أحصاه بعلمه و قدرته فتأمّل.

و من طريق ثالث تقدّم في الكتاب الأول استفاضة الأخبار بأنّ عندهم علم الكتاب و أنّهم المرادون بقوله تعالي: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

هذا و قد فسّر علم الكتاب باللوح المحفوظ،كما نقله الشوكاني في تفسيره (8).

فينتج:كونهم عليهم السّلام الإمام المبين و اللوح المحفوظ و الكتاب المبين الذي خصّ الله فيه كل شيء،و هذا يشمل كل الأمور الغيبية لأنها لا تخرج عن الشيئية،بل الآية مطلقة لكل أمر أمر.3.

ص: 82


1- ينابيع المودة:77/1 ط.اسلامبول و 87-88 ط.النجف.
2- الأنوار النعمانية:47/1.
3- الأنوار النعمانية:18/2.
4- تفسير الميزان:67/17 مورد الآية.
5- الدر المنثور:260/5-261 مورد الآية.
6- الدر المنثور:260/5-261 مورد الآية.
7- في الإحتمال الأوّل.
8- الفتح القدير:91/3 سورة الرعد:43.

الآية الخامسة قوله تعالي:

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (1) .

فروي عن الإمام الباقر عليه السّلام في تفسيرها:«علم الإمام،و وسع علمه الذي هو من علمه كل شيء» (2)

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا رحمة الله التي وسعت كل شيء» (3).

الآية السادسة قوله تعالي:

وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (4) .

و قال عزّ من قائل: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (5).

فهذه الآية تدل علي إمكان كون علم كل هذه الامور الشاملة لعلم الحاضر و الماضي و المستقبل و لعلم الغيب،يمكن أن يحصيها حاص و هو الكتاب المبين.

و قد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ آل محمد صلوات الله عليهم جميعا هم الكتاب المبين (6).

و من طريق ثاني تقدّم أنّ الكتاب المبين هو الإمام المبين،و تقدّم أيضا أنّهم هم الإمام المبين في كل زمان.

و في المناقب سئل علي عليه السّلام إنّ عيسي بن مريم كان يحيي الموتي و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير،هل لكم هذه المنزلة؟

قال عليه السّلام:«إنّ الله يقول في كتابه: وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ فنحن أورثنا هذا القرآن الذي فيه ما يسيّر به الجبال و قطّعت به البلدان و يحيي به الموتي،و أورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كلّ شيء» (7).

و يشير الي ذلك أيضا ما ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام:فعن المفضّل قال:دخلت علي الإمام الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضّل هل عرفت محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم؟».

قلت:يا سيدي ما كنه معرفتهم؟

ص: 83


1- الأعراف:156.
2- نور الثقلين:78/2 ح 288 عن الكافي.
3- الهداية الكبري:400.
4- يونس:61،و سبأ:3.
5- النبأ:29.
6- راجع مشارق انوار اليقين:136.
7- ينابيع المودة:81/1 ط.النجف و 71/1 ط.تركيا.

قال:«يا مفضّل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلي».

قال:قلت:عرفني ذلك يا سيدي؟

قال عليه السّلام:«يا مفضّل تعلم أنّهم علموا ما خلق الله عزّ و جلّ و ذرأه و برأه،و أنهم كلمة التقوي و خزان السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و علموا كم في السماء من نجم و ملك، و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها،و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين،و هو في علمهم و قد علموا ذلك» (1).

***

تمحيص الإحتمالات

علم أنّ سعة علمهم مردّد بين:(العلم بما في اللوح المحفوظ-العلم بالقرآن-العلم بما في السموات و الأرض و الجنّة و النار-العلم بما كان و يكون-علمهم بما يحتاج إليه الناس-عندهم جوامع و معدن العلوم-عندهم علم جميع الملائكة و الأنبياء-أنّهم أعلم من الملائكة و اولي العزم- العلم بكل شيء لا يعلمونه-العلم بالغيب).

و هذه الإحتمالات ليست متنافية فيما بينها لإمكان التداخل،فما أثبت لهم العلم باللوح المحفوظ لم ينف العلم بالقرآن و لا بقية الإحتمالات،و هكذا بالنسبة لكل احتمال احتمال.

و عليه فجمعا بين هذه الإحتمالات نقول:أنّهم يعلمون اللوح المحفوظ و القرآن،و ما في السموات و الأرض و ما كان و ما يكون و ما يحتاج إليه الناس و امورا غيبية اخري.

و يكون سبب هذه الإختلافات في الأجوبة:إمّا عدم تحمّل السائل لعلمهم كما في روايات علمهم بالقرآن.

و إمّا لأنّ العلم باللوح المحفوظ يشمل كل العلوم قال تعالي: وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2).

و قال تعالي: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (3).

و إمّا لأن العلم بالقرآن هو نفسه يرجع إلي علمهم بكل شيء،لأنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء (4)،و يرجع لما يحتاج إليه الناس لأنّهم يعتمدون علي القرآن في التشريع.

ص: 84


1- البحار:116/26 ح 21 باب انهم لا يحجب عنهم علم السماء و الأرض،و إلزام الناصب:12/1.
2- يونس:61.
3- البروج:22.
4- لصدر المتألهين كلام يبرهن علي ذلك فليراجع.حاجة الأنام:100،و سرح العيون:427-429.

و العلم بكلّ شيء يشمل كل الإحتمالات السابقة لأنّه كانت ألسنتها أنّ الله أعلمهم بما لا يعلمون،و لم يستثن شيئا،و بعضها أنّه أعلمهم بكل شيء،و هذا يشمل كل العلوم الغيبية و غيرها.

و أمّا مسألة علمهم بعلوم الأنبياء،ثم في الإحتمال الآخر أنّهم أعلم من الأنبياء،فهذا ما أشار إليه الإمام الباقر عليه السّلام عندما أخبر أنّ الله جمع للنبي كل علوم الأنبياء و النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم جمعها لعلي عليه السّلام.

فقال السائل:يابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟

فتعجّب الإمام منه (1).

فالروايات التي قالت أنّه ورث أو تعلّم علم كل الأنبياء عليهم السّلام بنفسها تدل أنّه أعلم منهم،لأنّه يكون قد جمع ما تفرّق في كل واحد منهم عليهم السّلام.

و يؤيّده ما ورد أنّه:«من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه فلينظر إلي علي و من أراد أن ينظر إلي موسي في بطشه فلينظر إلي علي...» (2).

و هكذا في بقية صفات الأنبياء عليهم السّلام.

فهو جمع العلم و الشجاعة و الحلم المتفرق بهم.

هذا،و قد قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من رأي عليّا فقد رأي أولي العزم من الرسل» (3).

و لم يكن علي عليه السّلام يشبه الأنبياء بصفاته الخلقية،فيتعين الشبه بالصفات الخلقية.

و علم الغيب أيضا يشمل علمهم بما يكون لأنّه إخبار عن امور غيبية.

و عليه فالمتعين هو علمهم بكل شيء،و به قال العلاّمة الطباطبائي أنّه متواتر (4).و هو مساوق للعلم بالغيب.

و إن شئت قلت:علمهم بكل علم ممكن،كما تقدّم عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«معاشر الناس ما من علم إلاّ علّمنيه ربي و أنا علّمته عليا» (5).

و قد تقدّم في العلم اللدني كلام الغزالي في الوحي و العلم الربّاني صلّي اللّه عليه و اله و سلّم للنبي،و أنّه يقتضيت.

ص: 85


1- بحار الأنوار:167/26 ح 21 باب انّهم عندهم علم الملائكة.
2- كتاب الأربعين:71،و مناقب ابن المغازلي:147 ط.الحياة،و ط.طهران:212 ح 256،و فتح الملك العلي:70،و كتاب الأمالي:133/1.
3- شرح دعاء الصباح:121 الهامش.
4- تفسير الميزان:192/18،الاحقاق:1-14.
5- تفسير نور الثقلين:379/4،و مناقب ابن المغازلي:50 ح 73 مع تفاوت.

العلم بكل شيء قال:فيحصل جميع العلوم لتلك النفس و ينتقش فيها جميع الصور من غير تعلّم و تفكّر و مصداق هذا قوله تعالي لنبيّه: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (1).

و يأتي علم الأئمة بموتهم علي التفصيل،و التي هي امور غيبية.

و علم الغيب لا بدّ أن يكون داخلا تحت هذا الشيء.

أمّا ما ورد في نفي علم الغيب عنهم فلمّا تقدّم أنّهم ينفونه بكونه صفة لواجب الوجود،و إنّه عين الذات،فالنبي كان لعلم الغيب الإستقلالي،و لم ينفوه بما هو من الله تعالي.

قال العلاّمة المجلسي:قد عرفت مرارا أنّ نفي علم الغيب عنهم معناه أنّهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالي بوحي أو إلهام،و إلاّ فظاهر أنّ عمدة معجزات الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام من هذا القبيل (2).

و للعلاّمة الأميني كلام مشابه جميل لا بأس بالرجوع إليه (3).

و ممّا يؤيّد ذلك قصّة الإمام الجواد عليه السّلام مع ابنة امّ جعفر حيث علم منها ما لا يعلمه إلاّ الله فسألته امّ جعفر قائلة:«فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلاّ الله و هي»؟.

فقال عليه السّلام:«و أنا أيضا أعلمه من علم الله» (4).

و بعد هذا لا يصار إلي ما ذكره الشيخ المفيد(قده)في أوائل المقالات (5)من نسبة علم الغيب إلي المفوضة،حيث فسّر علم الغيب بأنّه من علم الأشياء بنفسها لا بعلم مستفاد،فكأنه وقع خلط بين العلم الثابت لله كصفة لواجب الوجود و هو علم إستقلالي نابع من ذات الباري عزّت ألاؤه، و بين العلم الذي يوصف به آل محمد عليهم السّلام و الذي هو من تعليم الله تعالي،فليس هو بالعلم الإستقلالي و لا يعدّ صفة لواجب الوجود.

فالأئمة يعلمون الامور الغيبية من علم الله،كما بيّناه.

فينتج:

أولا:أنّ علم الغيب لا يؤدي الي التفويض المحرّم،و إن كان بمعني التفويض الصحيح (6).

ثانيا:شمول علم الأئمة عليهم السّلام لعلم الغيب كما تقدّم.

ثالثا:بقية الإحتمالات في سعة علم آل محمد عليهم السّلام لا تنافي علم الغيب.ض.

ص: 86


1- الرسالة اللدنية:69 و تقدّم كلامه مفصّلا.
2- بحار الأنوار:103/26 باب انّهم لا يعلمون الغيب ح 6.
3- الغدير:52/5 إلي 65.
4- مشارق انوار اليقين:99.
5- أوائل المقالات:68 القول 42.
6- قد تقدم معاني التفويض.

رابعا:أنّ زمن امتلاك آل محمد عليهم السّلام لعلم الغيب هو عالم الأنوار و الأظلّة.

خامسا:أنّ علمهم لدني غير كسبي مصدره الله تعالي بلا توسط مخلوق.

***

دعاء الإمام الجواد عليه السّلام المستجاب

عن أحمد بن محمّد بن عبد الله،عن محمّد بن سنان قال:دخلت علي أبي الحسن عليه السّلام فقال:

«يا محمّد حدث بآل فرج حدث؟».

فقلت:مات عمر.

فقال:«الحمد لله».حتّي أحصيت له أربعا و عشرين مرّة،فقلت:يا سيّدي لو علمت أنّ هذا يسرّك لجئت حافيا أعدو إليك.

قال:«يا محمّد أو لا تدري ما قال-لعنه الله-لمحمّد بن عليّ أبي» (1).

قال:قلت:«لا،قال:بل خاطبه في شيء».

فقال:أظنّك سكران.

فقال أبي:اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب و ذلّ الأسر،فو الله ما ذهبت الأيّام حتّي حرب ما له و ما كان له ثمّ اخذ أسيرا و هو ذا قدمات-لا رحمه الله-و قد أدال (2)الله عزّ و جلّ منه و ما زال يديل أولياءه من أعدائه (3).

و روي أنّ امرأته امّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل فلمّا أحسّ بذلك قال لها:

ص: 87


1- قوله:لمحمد بن علي أبي إن صح هذا الخبر كان قول عمر للإمام الجواد قبل أن ينال عملا يعتد به في دولة بني العباس فإنّ أول ما ظهر أمره كان في خلافة الواثق بعد قبض مولانا الجواد عليه السّلام بسنين و فوض الواثق إلي عمر ديوان الضياع و غلب عليه في الأمور و كان عمر أذل و أهون من أن يجتري علي مخاطبة الإمام عليه السّلام بهذا الكلام المنكر إذ كان له عليه السّلام موقع في القلوب عظيم مع كونه ختن الخليفة و شأنه في الدولة و عظمته في أنظار أصحاب الحكومة و سعة ذات يده و كثرة عطاياه و حشمه فقد كان عطاؤه أكثر من ألف ألف درهم غير ما يصل إليه من شيعته من الخمس،و هذا هو الذي دعاني إلي النظر في الخبر و تحقيق وجه الضعف فيه.عن هامش شرح الكافي.
2- الأدالة من الدولة و هي الانتقال من حال الشدة إلي الرخاء،و الأدالة الغلبة يقال أديل لنا علي أعدائنا أي نصرنا عليه و الدولة لنا،و في الفائق:يقول أدال الله زيدا من عمرو و مجازه نزع الله الدولة من عمرو فاتاها زيدا،و علي هذا فمفعول أدال محذوف و هو من محمد بن علي و ضمير منه راجع إلي عمر و أولياء مفعول يديل.
3- الكافي:496/1 ح 9،و مدينة المعاجز:309/7.

أبلاك الله ببلاء لا دواء له فوقعت الأكلة في فرجها و كانت ترجع إلي الأطبّاء و يشيرون بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتّي ماتت من علّتها (1).

و عن إبن أرومة قال:إنّ المعتصم دعي جماعة من وزرائه فقال:إشهدوا لي علي محمّد بن علي بن موسي زورا و اكتبوا أنّه أراد أن يخرج ثمّ دعاه فقال:إنّك أردت أن تخرج عليّ.

فقال:و الله ما فعلت شيئا من ذلك.

قال:إنّ فلانا و فلانا شهدوا عليك فأحضروا فقالوا:نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

قال:و كان جالسا في بيت فرفع عليه السّلام يده و قال:اللّهم إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم،فنظرنا إلي ذلك البيت كيف يرجف و يذهب و يجيء و كلّما قام واحد وقع.

فقال المعتصم:يابن رسول الله إنّي تائب ممّا قلت،فادع ربّك أن يسكّنه.

فقال:اللّهم سكّنه إنّك تعلم أنّهم أعداؤك و أعدائي فسكن (2).

و عن بكر بن صالح قال:كتب صهر لي،إلي أبي جعفر الثاني عليه السّلام:إن أبي ناصب خبيث الرأي،و قد لقيت منه شدّة و جهدا،فرأيك جعلت فداك في الدعاء لي؟

فكتب عليه السّلام:قد فهمت كتابك و ما ذكرت من أمر أبيك،و لست أدع الدعاء لك إن شاء الله، و المداراة خير لك من المكاشفة،و مع العسر يسرا،فاصبر فإنّ العاقبة للمتّقين،ثبّتك الله علي ولاية من توليت،نحن و أنتم في وديعة الله الذي لا تضيع ودائعه.

قال بكر:فعطف الله بقلب أبيه عليه حتي صار لا يخالفه في شي (3).

و قال المسعودي رحمه الله:...فلما انصرف أبو جعفر عليه السّلام إلي العراق لم يزل المعتصم و جعفر بن المأمون يدبّرون و يعملون في الحيلة في قتله......

فقال عليه السّلام لها:ما بكاؤك؟و الله!ليضربنّك الله بفقر لا ينجي،و بلاء لا ينستر.فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها،صارت ناسورا ينتقض عليها في كل وقت.فأنفقت مالها و جميع ملكها علي تلك العلة،حتي احتاجت إلي رفد الناس.. (4)..

***7.

ص: 88


1- مناقب آل أبي طالب:497/3،و بحار الأنوار:10/50 ح 9.
2- الثاقب و المناقب:525 ح 9،و بحار الأنوار:46/50 ح 18.
3- مستدرك الوسائل:178/15 ح 1.
4- إثبات الوصية:ص 227.

أسرار أبي جعفر الجواد عليه السّلام و قدرته

فمن ذلك ما روي عنه أنه جيء به إلي مسجد رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد موت أبيه الرضا و هو طفل، فجاء إلي المنبر و رقي منه درجة،ثم نطق فقال:«أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد،أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب،أنا أعلم بسرائركم و ظواهركم،و ما أنتم صائرون إليه،علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين،و بعد بناء السّموات و الأرضين،و لولا تظاهر أهل الباطل و دولة أهل الضلال،و وثوب أهل الشك،لقلت قولا يعجب منه الأوّلون و الآخرون (1).

و في كتاب المناقب قال عسكر مولي أبي جعفر عليه السّلام:دخلت عليه فقلت في نفسي:ما أشدّ سمرة مولاي و أضوأ جسده قال:فو الله ما استتمت الكلام في نفسي حتّي تطاول و عرض جسده و امتلأ به الايوان إلي سقفه و مع جوانب حيطانه ثمّ رأيت لونه و قد أظلمّ حتّي صار كالليل المظلم ثمّ صار كأبيض ما يكون من الثلج ثمّ احمرّ حتّي صار كالعلق المحمرّ ثمّ اخضرّ حتّي صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة ثمّ تناقص جسمه حتّي صار في صورته الاولي و عاد لونه الأوّل و سقطت لوجهي ممّا رأيت فصاح بي:يا عسكر تسكّون فننبّئكم و تضعفون فنقوّيكم و الله لا وصل إلي حقيقة معرفتنا إلاّ من منّ الله عليه و ارتضاه لنا وليّا (2).

***

إتيان الإمام الجواد عليه السّلام الحكم صبيا

محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:الحسين بن محمد،عن معلي بن محمد،عن علي بن أسباط قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد خرج علي،فأخذت النظر إليه،و جعلت أنظر إلي رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر.فبينا أنا كذلك حتي قعد،فقال:يا علي!إن الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (3)،و لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ (4)، وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (5)،فقد يجوز أن يؤتي الحكمة و هو صبي،و يجوز أن يؤتاها و هو ابن أربعين سنة (6).

و عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السّلام قال أبو بصير:دخلت إليه و معي غلام خماسي لم يبلغ،فقال لي:كيف أنتم إذا احتجّ عليكم بمثل سنه؟أو قال:سيلي عليكم بمثل سنه (7).

ص: 89


1- مناقب آل أبي طالب:493/3،و بحار الأنوار:55/50 ح 31.
2- مناقب آل أبي طالب:493/3،و بحار الأنوار:55/50 ح 31.
3- مريم:12.
4- يوسف:22.
5- الأحقاف:15.
6- الكافي:384/1.
7- الأمالي:ص 191،ح 20.

و روي أنه كان عليه السّلام شديد الأدمة فشكّ فيه المرتابون و هو بمكّة فعرضوه علي القافة فلمّا نظروا إليه خرّوا لوجوههم سجّدا ثمّ قاموا فقالوا:يا ويحكم أمثل هذا الكوكب الدّري و النور الظاهر تعرضون علينا هذا و الله الحسب الزكيّ و النسب المهذّب الطاهر ولدته النجوم الزواهر و الأرحام الطواهر و الله ما هو إلاّ من ذرّية النبيّ و أمير المؤمنين و هو في ذلك الوقت ابن خمس و عشرين شهرا فنطق بلسان أرهف من السيف بقول:الحمد لله الذي خلقنا من نوره و اصطفانا من بريّته و جعلنا امناء علي خلقه و وحيه عاشر الناس أنا محمّد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي سيّد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن فاطمة الزهراء بن محمّد المصطفي عليهم السّلام أجمعين،في مثلي يشكّ و علي الله تبارك و تعالي و علي جدّي يفتري.

فأعرض علي القافّة أنّي أعلم ما في سرائرهم و خواطرهم ثمّ ذكر كلاما آخر (1).

و روي أنّ المأمون اجتاز بابن الرضا عليه السّلام و هو بين صبيان فهربوا سواه فقال عليّ به فقال له مالك:لا هربت في جملة الصبيان.

قال عليه السّلام:ما لي ذنب فأفرّ منه و لا الطريق ضيّق فأوسعه عليك سر حيث شئت.

فقال:من تكون أنت؟

قال:محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.

فقال:ما تعرف من العلوم؟

قال:سلني عن خبر السماوات،فودّعه و مضي و علي يده باز شهب يطلب به الصيد فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا و الباز يثب عن يده فأرسله فطار يطلب الافق حتّي غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه فقد صاد حيّة فوضع الحيّة في بيت الطّعام و قال لأصحابه:قد دني حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي.

ثمّ عاد و ابن الرضا في جملة الصبيان فقال:ما عندك من أخبار السماوات؟

فقال:نعم يا أمير المؤمنين حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن جبرئيل عن ربّ العالمين إنّه قال:بين السماء و الهواء بحر عجاج تتلاطم به الأمواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء.

فقال:صدقت و صدق أبوك و صدق جدّك و صدق ربّك فأركبه ثمّ زوّجه امّ الفضل (2).1.

ص: 90


1- مناقب آل أبي طالب:493/3،و مستدرك سفينة البحار:281/6
2- مناقب آل أبي طالب 4:420،الفصول المهمة:266،الصواعق المحرقة:311.

و عن محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:علي بن إبراهيم،عن ياسر الخادم،و الريان بن الصلت جميعا....و استوي الأمر للمأمون،كتب إلي الرضا عليه السّلام يستقدمه إلي خراسان....

فخرج و لأبي جعفر عليه السّلام سبع سنين،.. (1)..

و قال ابن شهر آشوب رحمه الله:...عن يحيي بن أكثم،إنّ المأمون خطب فقال:...ألا و إني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسي الرضا عليهم السّلام....و يقال إنه عليه السّلام كان ابن تسع سنين و أشهر،.. (2)..

***

ما تكلم به الإمام الجواد عليه السّلام

و هو أقل من أربع سنين

عن محمد بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال:حدّثنا زكريا بن آدم قال:إني كنت عند الرضا عليه السّلام إذ جي بأبي جعفر عليه السّلام له و سنه أقل من أربع(سنين)،فضرب بيده إلي الأرض و رفع رأسه إلي السماء فأطال الفكر.

فقال له الرضا عليه السّلام:بنفسي أنت لم طال فكرك؟

فقال:فيما صنع بأمي فاطمة،أما و الله لأخرجنّهما ثم لأحرقنّهما ثم لأذرينّهما ثم لأنسفنّهما في اليم نسفا (3)فاستدناه و قبل بين عينيه.

ثم قال:بأبي أنت و أمي أنت لها،يعني الإمامة (4).

***

ص: 91


1- الكافي:488/1.
2- المناقب لابن شهر آشوب:382/4.
3- قوله عليه السّلام:(أما و الله لاخرجنهما...)أي الأول و الثاني و الذي يقوم بهذا الدور كما في الروايات الواردة عنهم عليهم السلام في علامات الظهور هو صاحب الأمر عليه السّلام،و لما كان من ولده عليه السّلام و كلهم واحد أولهم محمد و أوسطهم محمد و آخرهم محمد عليهم السلام فهو دليل علي إمامته عليه السّلام لأنه سيكون من ولده الإمام الحجة عليه السّلام و مثل هذا التعبير جائز،و منه قوله تعالي في سورة الفتح:28:(هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله...)-فإنه جاء في التفاسير-أن الحجة عليه السّلام يظهر لله تعالي دينه علي الدين كله به و علي يديه.
4- دلائل الامامة:212 و البحار:59/50 ح 34.

خطبة الإمام الجواد عليه السّلام البليغة

عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السّلام قال:كان أبو جعفر شديد الأدمة (1)و لقد قال فيه الشاكّون المرتابون و سنه خمسة و عشرون شهرا:إنه ليس هو من ولد الرضا عليه السّلام.و قالوا لعنهم الله:

إنه من شنيف الأسود مولاه،و قالوا:من لؤلؤ،و إنهم أخذوه،و الرضا عند المأمون،فحملوه إلي القافّة،و هو طفل بمكة في مجمع من الناس بالمسجد الحرام،فعرضوه عليهم،فلما نظروا إليه، و زرقوه (2)بأعينهم،خرّوا لوجوههم سجدا،ثم قاموا.فقالوا لهم:يا ويحكم!مثل هذا الكوكب الدري،و النور المنير،يعرض علي أمثالنا،و هذا و الله،الحسب الزكي،و النسب المهذب الطاهر، و الله ما تردد إلا في أصلاب زاكية،و أرحام طاهرة،و و الله ما هو إلا من ذرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و رسول الله،فارجعوا و استقيلوا الله،و استغفروه،و لا تشكّوا في مثله.و كان في ذلك الوقت سنه خمسة و عشرون شهرا،فنطق بلسان أرهف (3)من السيف،و أفصح من الفصاحة،يقول:

الحمد لله الذي خلقنا من نوره بيده،و اصطفانا من بريته،و جعلنا أمناءه علي خلقه و وحيه.معاشر الناس!أنا محمد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و ابن فاطمة الزهراء،و ابن محمد المصطفي.ففي مثلي يشك،و علي و علي أبوي يفتري،و أعرض علي القافّة!؟

و قال:و الله!إنني لأعلم بأنسابهم من آبائهم،إني و الله لأعلم بواطنهم و ظواهرهم،و إني لأعلم بهم أجمعين،و ما هم إليه صائرون،أقوله حقا،و أظهره صدقا،علما ورّثناه الله قبل الخلق أجمعين،و بعد بناء السماوات و الأرضين.و أيم الله!لولا تظاهر الباطل علينا،و غلبة دولة الكفر، و توثب أهل الشكوك و الشرك و الشقاق علينا،لقلت قولا يتعجب منه الأوّلون و الآخرون.ثم وضع يده علي فيه،ثم قال:يا محمد!إصمت،كما صمت آباؤك فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ (4).إلي آخر الاية.ثم تولي الرجل إلي جانبه،فقبض علي يده و مشي يتخطّي رقاب الناس،و الناس يفرجون له.

قال:فرأيت مشيخة ينظرون إليه،و يقولون: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (5).فسألت عن المشيخة؟قيل:هؤلاء قوم من حي بن هاشم،من أولاد عبد المطلب.

قال:و بلغ الخبر،الرضا علي بن موسي عليهما السّلام،و ما صنع بابنه محمد.

ص: 92


1- الأدمة:السمره،لون مشرب سوادا أو بياضا.لسان العرب:11/12(أدم).
2- زرقوه:زرقت عينه نحوي:إذا تقلبت فظهر بياضها،مجمع البحرين:176/5،(زرق).
3- أرهف السيف:حدده و رقق حده.أقرب الموارد:439/1(رهف).
4- الأحقاف:35/46.
5- الأنعام:124/6.

فقال:الحمد لله!ثم التفت إلي بعض من بحضرته من شيعته،فقال:هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية،و ما ادّعي عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟!

قالوا:لا يا سيدنا!أنت أعلم،فخبّرنا؟لنعلم.

قال:إن مارية لما أهديت إلي جدي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،أهديت مع جوار قسمهن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي أصحابه،و ظن بمارية من دونهن،و كان معها خادم يقال له(جريح)يؤدبها بآداب الملوك، و أسلمت علي يد رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و أسلم جريح معها،و حسن إيمانهما و إسلامهما،فملكت مارية قلب رسول الله فحسدها بعض أزواج رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.فأقبلت زوجتان من أزواج رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي أبويهما تشكوان رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فعله و ميله إلي مارية،و إيثاره إياها عليهما،حتي سوّلت لهما أنفسهما أن يقولا:إنّ مارية إنما حملت بإبراهيم من جريح،و كانوا لا يظنون جريحا خادما زمنا (1).

فأقبل أبواهما إلي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو جالس في مسجده،فجلسا بين يديه،و قالا:يا رسول الله!ما يحل لنا و لا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك.

قال:و ماذا تقولان؟

قالا:يا رسول الله!إنّ جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمي،و إنّ حملها من جريح،و ليس هو منك يا رسول الله!فأربدّ (2)وجه رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و تلون لعظم ما تلقّياه به،ثم قال:ويحكما!ما تقولان؟!

فقالا:يا رسول الله!إننا خلفنا جريحا و مارية في مشربة،و هو يفاكهها (3)و يلاعبها،و يروم منها ما تروم الرجال من النساء،فابعث إلي جريح فإنك تجده علي هذه الحال،فأنفذ فيه حكمك و حكم الله تعالي.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:يا أبا الحسن!خذ معك سيفك ذا الفقار،حتي تمضي إلي مشربة مارية،فإن صادفتها و جريحا كما يصفان،فأخمدهما ضربا.فقام علي عليه السّلام و اتشح بسيفه،و أخذه تحت ثوبه، فلما ولّي و مر من بين يدي رسول الله أتي إليه راجعا،فقال له:يا رسول الله!أكون فيما أمرتني كالسكة المحماة في النار،أو الشاهد يري ما لا يري الغائب؟

فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:فديتك يا علي!بل الشاهد يري ما لا يري الغائب.

قال:فأقبل علي و سيفه في يده حتي تسوّر من فوق مشربة مارية،و هي جالسة و جريح معها، يؤدبها بآداب الملوك،و يقول لها:أعظمي رسول الله،و كنّيه،و أكرميه،و نحوا من هذا الكلام حتي).

ص: 93


1- الزمانة:عدم بعض الأعضاء و تعطيل القوي،أقرب الموارد:475/1(زمن).
2- أربد وجهه و تربد:احمر حمرة فيها سواد عند الغضب،لسان العرب:17/3(ربد).
3- فاكهه:مازحه،تفاكه القوم:تمازحوا أقرب الموارد:940/2،(فكه).

نظر جريح إلي أمير المؤمنين و سيفه مشهر بيده،ففزع منه جريح و أتي إلي نخلة في دار المشربة، فصعد إلي رأسها،فنزل أمير المؤمنين إلي المشربة،و كشف الريح عن أثواب جريح،فانكشف ممسوحا،فقال:أنزل يا جريح!فقال:يا أمير المؤمنين!آمن علي نفسي؟

قال:آمن علي نفسك.

قال:فنزل جريح،و أخذ بيده أمير المؤمنين،و جاء به إلي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فأوقفه بين يديه، و قال له:يا رسول الله!إنّ جريحا خادم ممسوح.

فولي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بوجهه إلي الجدار،و قال:حل لهما يا جريح!و اكشف عن نفسك حتي يتبين كذبهما.

ويحهما!ما أجرأهما علي الله و علي رسوله!فكشف جريح عن أثوابه،فإذا هو خادم ممسوح كما وصف.فسقطا بين يدي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و قالا:يا رسول الله!التّوبة،إستغفر لنا،فلن نعود.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم:لا تاب الله عليكما،فما ينفعكما استغفاري و معكما هذه الجرأة علي الله و علي رسوله.قالا:يا رسول الله!فإن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربنا،و أنزل الله الآية التي فيها: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ (1).

قال الرضا علي بن موسي عليهما السّلام:الحمد لله الذي جعل في و في ابني محمد،أسوة برسول الله و ابنه إبراهيم.و لما بلغ عمره ست سنين و شهورا قتل المأمون أباه و بقيت الطائفة في حيرة، و اختلفت الكلمة بين الناس،و استصغر سن أبي جعفر عليه السّلام و تحيّر الشيعة في سائر الأمصار (2).

***

إنطاق العصا للإمام الجواد عليه السّلام بالإمامة

عن محمد بن أبي العلاء قال:سمعت يحيي بن أكثم-قاضي سامراء-بعد ما جهدت به و ناظرته و حاورته و واصلته و سألته عن علوم آل محمد صلي الله عليه و آله فقال:بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلي الله عليه و آله،فرأيت محمدا بن علي الرضا عليه السّلام يطوف به، فناظرته في مسائل عندي،فأخرجها (3)إلي.

فقلت له:و الله إني اريد أن أسألك مسألة و إني و الله لأستحي من ذلك.

ص: 94


1- التوبة:80.
2- دلائل الإمامة:ص 384،ح 342،و مدينة المعاجز:264/7،ح 2312،و حلية الأبرار:534/4،ح 2،و البحار:108/50،ح 27.
3- أي بيّن وجه الصواب فيها.

فقال لي:أنا اخبرك قبل أن تسألني،تسألني عن الإمام؟فقلت:هو و الله هذا.

فقال:أنا هو.

فقلت علامة؟فكان في يده عصا فنطقت و قالت:إنّ مولاي إمام هذا الزمان و هو الحجة (1).

و عن عبد الوهاب بن منصور،عن محمد بن أبي العلاء قال:سألت يحيي بن أكثم-قاضي القضاة بسر من رأي-بعد منازعة جرت بيني و بينه من علوم آل محمد-صلوات الله عليهم-عما شاهده.

فقال لي:أنا ذات يوم في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله واقف عند القبر أدعو،فرأيت محمدا بن علي الرضا عليه السّلام قد أقبل نحو القبر،فناظرته في مسائل عندي،فاخرجها إلي.

فقلت له:و الله إني أريد أن أسألك مسألة و إني و الله لأستحي من ذلك.

فقال لي:أنا اخبرك قبل أن تسألني،تسألني عن الإمام؟

فقلت له:هو هذا.

فقال:أنا هو.

فقلت:فعلامة تدلّني عليك؟و كان في يده عصا،فنطقت و قالت:يا يحيي إنّ إمام هذا الزمان مولاي محمد عليه السّلام (2).

و عن محمد بن العلاء قال:سمعت يحيي بن أكثم قاضي القضاة يقول:بعدما جهدت به و ناظرته غير مرة و حاورته في ذلك،و لا طفته و أهديت له طرائفا،و كنت أسأله عن علوم آل محمد صلي الله عليه و آله.

قال:أخبرك بشرط أن تكتم علي ما دمت حيا،ثم شأنك به إذا مت.فبينا أنا ذات يوم بالمدينة،فدخلت بالمسجد أطوف بقبر رسول الله صلي الله عليه و آله،فرأيت محمدا بن علي التقي عليه السّلام يطوف بالقبر الشريف فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي.

فقلت له:إني و الله اريد أن أسألك عن مسألة،و إني و الله لأستحي من ذلك.

فقال لي:إني اخبرك بها قبل أن تخبرني و تسألني عنها،تريد أن تسألني عن الإمام؟فقلت:

هو و الله هذا.

فقال:أنا هو.3.

ص: 95


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:290/7،و الكافي:353/1 ح 9 و إثبات الهداة:329/3 ح 3 و الوسائل:450/10 ح 3 و البحار:68/50 ح 46.
2- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:293/7،دلائل الامامة:213.

فقلت:علامة؟

و كان في يده عصا فنطقت فقالت:إنّ مولاي إمام هذا الزمان و هو الحجة عليهم (1).

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بحال الإنسان

عن علي بن محمد-أو محمد بن علي الهاشمي-قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام صبيحة عرسه حيث بني بابنة المأمون-و كنت تناولت من الليل دواء-فأول من دخل عليه في صبيحته أنا، و قد أصابني العطش و كرهت أن أدعو بالماء،فنظر أبو جعفر عليه السّلام في وجهي و قال:أظنك عطشانا؟ فقلت:أجل.

فقال:يا غلام أو يا جارية إسقنا ماء.

فقلت في نفسي:الساعة يأتونه بماء يسمّونه به،فاغتممت لذلك،فاقبل الغلام و معه الماء، فتبسم في وجهي ثم قال:يا غلام ناولني الماء،فتناول الماء فشرب،ثم ناولني فشربت،و أطلت عنده فدعي بالماء،ثم عطشت أيضا و كرهت أن ادعو بالماء،فعل ما فعل في الأولي.

فلما جاء الغلام و معه القدح قلت في نفسي مثل ما قلت في الأولي،فتناول القدح ثم شرب ثم ناولني و تبسم.

قال محمد بن حمزة:فقال لي:هذا الهاشمي،و أنا أظنه كما يقولون (2).

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بأجله

عن إسماعيل بن مهران قال:لما خرج أبو جعفر عليه السّلام من المدينة إلي بغداد في الدفعة الأولي من خرجتيه قلت له عند خروجه:جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه،فإلي من الأمر بعدك؟فكر بوجهه إلي ضاحكا و قال:ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة.فلما أخرج به الثانية إلي المعصتم صرت إليه فقلت له:

جعلت فداك أنت خارج فإلي من هذا الأمر من بعدك؟فبكي حتي اخضلّت لحيته.ثم التفت إليّ فقال:عند هذه يخاف عليّ،الأمر من بعدي إلي إبني علي (3).

ص: 96


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:293/7.
2- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:304/7.
3- الكافي:323/1 ح 1 و اثبات الهداة:329/3 ح 1 و عن اعلام الوري:339-340.

و عن الخيراني،عن أبيه أنه قال:كان يلزم باب أبي جعفر عليه السّلام للخدمة التي كان وكّل بها.

و كان أحمد بن محمد بن عيسي يجي في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علّة أبي جعفر عليه السّلام،و كان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه السّلام و بين أبي إذا حضر قام أحمد و خلا به أبي،فخرجت ذات ليلة،و قام أحمد عن المجلس،و خلا أبي بالرسول،و استدار أحمد فوقف حتي يسمع الكلام.

فقال الرسول لأبي:إنّ مولاك يقرأ عليك السلام و يقول لك:(إني ماض و الأمر صائر إلي إبني علي،و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي).

ثم مضي الرسول و رجع أحمد إلي موضعه و قال لأبي:ما الذي قد قال لك؟

قال:خيرا.

قال:قد سمعت ما قال فلم تكتمه؟و أعاد ما سمع.

فقال له أبي:قد حرّم الله عليك ما فعلت،لأن الله تعالي يقول وَ لا تَجَسَّسُوا (1)فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما،و إياك أن تظهرها إلي وقتها.فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع و ختمها و دفعها إلي عشرة من وجوه العصابة و قال:إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها و اعملوا بما فيها.

فلما مضي أبو جعفر عليه السّلام ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتي قطع علي يديه نحو من أربعمائة إنسان،و اجتمع روساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون بهذا الأمر.

فكتب محمد بن الفرج إلي أبي يعلمه باجتماعهم عنده،و إنه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إليه و يسأله أن يأتيه،فركب أبي و صار إليه،فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي:ما تقول في هذا الأمر؟

فقال أبي لمن عنده الرقاع:أحضروا الرقاع،فأحضروها.

فقال لهم:هذا ما أمرت به.

فقال بعضهم:قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر.

فقال لهم:قد أتاكم الله عزّ و جل به،هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة، و سأله أن يشهد بما عنده،فانكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئا،فدعاه أبي إلي المباهلة.

فقال:لما حقق عليه قال:قد سمعت ذلك و هذه مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم،فلم يبرح القوم حتي قالوا بالحق جميعا (2).3.

ص: 97


1- الحجرات:12.
2- الكافي:324/1 ح 3.و البحار:119/50 ح 3.

علم الإمام الجواد عليه السّلام بما في الأرحام

عن إبراهيم بن سعيد:كنت جالسا عند محمد بن علي عليه السّلام إذ مرت بنا فرس أنثي فقال:هذه تلد الليلة فلوا أبيض الناصية في وجهه غرة فقمت و انصرفت مع صاحبهما،فلم أزل أحدّثه إلي الليل حتي أتت بفلو كما وصف،فعدت إليه.

فقال:يا بن سعيد شككت فيما قلت لك بالأمس؟إنّ التي في منزلك حبلي بابن أعور،فولد لي و الله محمد و كان أعورا (1).

و عن محمد بن إسماعيل أو غيره قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك!الرجل يدعو للحبلي أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا؟

قال:يدعو ما بينه و بين أربعة أشهر،فإنه أربعين ليلة نطفة،و أربعين ليلة علقة،و أربعين ليلة مضغة،فذلك تمام أربعة أشهر.ثم يبعث الله ملكين خلاقين،فيقولان:يا رب!ما تخلق؟ذكرا أم أنثي؟شقيا أو سعيدا؟فيقال ذلك.

فيقولان:يا رب ما رزقه؟و ما أجله؟و ما مدّته؟فيقال ذلك.و ميثاقه بين عينيه ينظر إليه،و لا يزال منتصبا في بطن أمه حتي إذا دنا خروجه،بعث الله عزّ و جلّ إليه ملكا فزجره زجرة،فيخرج و ينسي الميثاق (2).

***

علم الإمام الجواد بكلام الثور

عن عبد الله بن سعيد قال:قال لي محمد بن سعيد:قال:قال لي محمد بن علي بن عمر التنوخي:رأيت محمدا بن علي عليهما السّلام و هو يكلم ثورا فحرك الثور رأسه.

فقلت:لا،و لكن تامر الثور أن يكلمك.

فقال:و علّمنا منطق الطير و أوتينا من كل شي.ثم قال(للثور):قل:(لا إله إلا الله وحده لا شريك له)(و مسح بكفه علي رأسه).

فقال الثور:(لا اله إلا الله وحده لا شريك له) (3)..

***

ص: 98


1- دلائل الامامة:210،و اثبات الهداة:354/3 ح 55 و 56 و البحار:58/50 ح 32.
2- الكافي:16/6،ح 6،و نور الثقلين:537/3،ح 48،و البرهان:111/3،ح 4،و البحار:/60 346،ح 31،و وسائل الشيعة:140/7،ح 8948.
3- دلائل الامامة:211 و إثبات الهداة:346/3 ح 65.

علم الإمام الجواد عليه السّلام بقصعة الصين

عبد الله بن محمد قال:قال عمارة بن زيد:رأيت محمدا بن علي عليهما السّلام و بين يديه قصعة صيني،فقال(لي):يا عمارة أتري من هذا عجبا؟

قلت:نعم،فوضع يده عليها فذابت حتي صارت ماء،ثم جمعه فجعله في قدح ردّها بعد مسحها كما كانت قصعة صينية و قال:مثل هكذا فلتكن القدرة (1).

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بموت أبيه

عن موسي بن جعفر،(عن أمية بن علي)قال:كنت بالمدينة،و كنت أختلف إلي أبي جعفر عليه السّلام،و أبو الحسن عليه السّلام بخراسان،و كان أهل بيته و عمومة من أبيه يأتونه و يسلّمون عليه،فدعا يوما الجارية فقال:قولي لهم:يتهيأون للمأتم.فلما تفرّقوا قالوا:ألا سألناه مأتم من؟!

فلما كان من الغد فعل مثل ذلك.فقالوا:مأتم من؟

قال:مأتم خير من علي ظهرها،فأتانا خبر أبي الحسن عليه السّلام بعد ذلك بأيام،فإذا هو قد مات في ذلك اليوم و رواه ابن شهر اشوب في(المناقب):عن محمد بن أحمد بن يحيي من نوارد الحكمة.

و رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:في(كتابه)قال:و قال:أمية بن علي:كنت بالمدينة و كنت أختلف إلي أبي جعفر عليه السّلام و أبوه بخراسان،فدعا يوما بالجارية فقال لها:قولي لهم:يتهيأون للمأتم،و ساق الحديث إلي آخره ببعض التغيير (2)..

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام في التوحيد

عن الحسين بن سعيد قال:سئل أبو جعفر الثاني عليه السّلام:يجوز أن يقال لله:إنه شي؟

فقال:نعم!يخرجه من الحدژين:حد التعطيل،و حد التشبيه (3).

عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التوحيد.

فقلت:أتوهم شيئا؟

ص: 99


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:324/7.
2- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:327/7.
3- التوحيد:107،ح 7.

فقال:نعم!غير معقول و لا محدود،فما وقع و همك عليه من شي،فهو خلافه،لا يشبهه شي،و لا تدركه الأوهام،كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل،و خلاف ما يتصور في الأوهام؟!إنما يتوهم شي غير معقول و لا محدود (1).

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بأنساب الناس

روي أبو جعفر الطبري رحمه الله قال عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السّلام:قال:كان أبو جعفر عليه السّلام شديد الأدمة،و لقد قال:فيه الشاكّون المرتابون و سنه خمسة و عشرون شهرا إنه ليس هو من ولد الرضا عليه السّلام....و قال عليه السّلام:و الله!إنني لأعلم بأنسابهم من آبائهم،إني و الله لأعلم بواطنهم و ظواهرهم،و إني لأعلم بهم أجمعين،و ما هم إليه صائرون.أقوله حقا،و أظهره صدقا، علما ورّثناه الله قبل الخلق أجمعين،و بعد بناء السماوات و الأرضين.و أيم الله!لو لا تظاهر الباطل علينا،و غلبة دولة الكفر،و توثّب أهل الشكوك و الشرك و الشقاق علينا،لقلت قولا يتعجب منه الأولون و الآخرون.. (2)..

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بكل لسان

عن أبي هاشم قال:كنت اتغدي معه فيدعو بعض غلمانه بالسقلابية و الفارسية،و ربما يقول:

غلامي هذا يكتب شيئا من الفارسية،فكنت أقول:أكتب،فكان يكتب فيفتح هو علي غلامه (3).

***

علم الإمام الجواد عليه السّلام بمنطق الحيوانات

عن علي بن أسباط:قال أبو جعفر عليه السّلام:أيها الراعي،إنّ هذه الشاة تشكوك و تزعم أنّ لها رجلين،و أنك تحيف عليها بالحلب.فإذا رجعت إلي صاحبها بالعشي لم يجد معها لبنا،فإن كففت من ظلمها،و إلا دعوت الله تعالي أن يبتر عمرك.

فقال الراعي:...أسألك لما أخبرتني من أين علمت هذا الشأن؟

ص: 100


1- التوحيد:106،ح 6.
2- دلائل الإمامة:ص 384،ح 342.
3- بصائر الدرجات:الجزء السابع356/،ح 13،و البحار:87/49،ح 6.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نحن خزان الله علي علمه و غيبه و حكمته،و أوصياء أنبيائه،و عباد مكرمون (1).

***

معرفة الإمام الجواد عليه السّلام بمنطق الشاة

عن علي بن أسباط قال:خرجت مع أبي جعفر عليه السّلام من الكوفة،و هو راكب علي حمار،فمر بقطيع غنم،فتركت شاة الغنم و عدت إليه و هي ترغو،فاحتبس عليه السّلام،و أمرني أن أدعو الراعي إليه.

ففعلت.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:أيها الراعي!إن هذه الشاة تشكوك و تزعم أنّ لها رجلين،و أنك تحيف عليها بالحلب،فإذا رجعت إلي صاحبها بالعشي لم يجد معها لبنا،فإن كففت من ظلمها،و إلا دعوت الله تعالي أن يبتر عمرك.

فقال الراعي:إني أشهد أن لا إله إلا الله،و أشهد أن محمدا رسول الله،و أنك وصيه، أسألك لما أخبرتني من أين علمت هذا الشأن؟!

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نحن خزان الله علي علمه،و غيبه،و حكمته،و أوصياء أنبيائه،و عباد مكرمون (2).

و عن محمد بن عمر قال:رأيت محمد بن علي عليهما السّلام:يضع يده علي منبر فتورق كل شجرة من نوعها...و إني رأيته عليهما السّلام يكلژم شاة،فتجيبه (3).

***

مسح الإمام الجواد السباع و تذللها له

قال الشبلنجي:نقل بعض الحفّاظ أن ژ امرأة زعمت أنها شريفة بحضرة المتوكل.فسأل عمن يخبره بذلك فدّل علي محمد الجواد عليه السّلام.فأرسل إليه،فجاء،فأجلسه معه علي سريره و سأله.

فقال:إن الله حرّم أولاد الحسين علي السباع،فتلقي للسباع.فعرض عليها ذلك،فاعترفت المرأة بكذبها.

ص: 101


1- الثاقب في المناقب:ص 522،ح 455.
2- مدينة المعاجز:396/7،ح 2404.
3- دلائل الأئمة:399 ح 13،و نوادر المعجزات:6/181.

ثم قيل للمتوكل:ألا تجرب ذلك فيه؟

فأمر بثلاثة من السباع،فجي بها في صحن قصره ثم دعا به فلما دخل من الباب أغلقه، و السباع قد أصمّت الأسماع من زئيرها فلما مشي في الصحن يريد الدرجة مشت إليه،و قد سكنت فتمسحت به ودارت حوله و هو يمسحها بكفة ثم ربضت فصعد للمتوكل فتحدث معه ساعة ثم نزل.ففعلت معه كفعلها الأول،حتي خرج.فأتبعه المتوكل بجائزة عظيمة.

و قيل للمتوكل:إفعل كما فعل ابن عمك،فلم يجسر عليه،و قال تريدون قتلي،ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك.انتهي (1).

***

شفاء الإمام الجواد عليه السّلام لأمراض الناس

شفاء العين:

عن محمد بن سنان قال:شكوت إلي الرضا عليه السّلام وجع العين!فأخذ قرطاسا فكتب إلي أبي جعفر عليه السّلام،و هو أقل من نيتي.فدفع الكتاب إلي الخادم،و أمرني أن أذهب معه،و قال:أكتم! فأتيناه و خادم قد حمله.

قال:ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السّلام.فجعل أبو جعفر عليه السّلام ينظر في الكتاب و يرفع رأسه إلي السماء،و يقول ناج (2)،ففعل ذلك مرارا.فذهب كل وجع في عيني،و أبصرت بصرا،لا يبصره أحد.

قال:فقلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلك الله شيخا علي هذه الأمة كما جعل عيسي ابن مريم شيخا علي بني اسرائيل!قال:ثم قلت له:يا شبيه صاحب فطرس!قال:و انصرفت و قد أمرني الرضا عليه السّلام أن أكتم،فما زلت صحيح البصر حتي أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السّلام في أمر عيني، فعاودني الوجع.

قال:قلت لمحمد بن سنان:ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس؟

فقال:إنّ الله تعالي غضب علي ملك من الملائكة يدعي فطرس،فدقّ جناحه و رمي في جزيرة من جزائر البحر،فلما ولد الحسين عليه السّلام بعث الله عزّ و جلّ جبريل إلي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليهنئه بولادة

ص: 102


1- موسوعة الأمام الجواد:245/1.
2- في دلائل الإمامة:باح،باح،و في إثبات الوصية:قال محمد بن سنان:فلما فرغ من قرائته حرك رجليه علي ظهر موفق،و قال:تاخ،تاخ،و في الهداية الكبري:باخ،باخ،حكاية لما يقوله إذا ناغي...

الحسين عليه السّلام،و كان جبريل صديقا لفطرس فمرّ به و هو في الجزيرة مطروح،فخبّره بولادة الحسين عليه السّلام و ما أمر الله به،فقال له:هل لك أن أحملك علي جناح من أجنحتي و أمضي بك إلي محمد صلي الله عليه و اله و سلم ليشفع لك؟

قال:فقال فطرس:نعم!فحمله علي جناح من أجنحته حتي أتي به محمدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فبلّغه تهنئة ربه تعالي،ثم حدّثه بقصة فطرس.

فقال محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لفطرس:إمسح جناحك علي مهد الحسين و تمسّح به.ففعل ذلك فطرس، فجبر الله جناحه،ورده إلي منزلته مع الملائكة (1).

و عن محمد بن ميمون،أنه كان مع الرضا عليه السّلام بمكة قبل خروجه إلي خراسان.

قال:قلت له:إني أريد أن أتقدّم إلي المدينة،فاكتب معي كتابا إلي أبي جعفر عليه السّلام.

فتبسّم و كتب،فصرت إلي المدينة،و قد كان ذهب بصري،فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السّلام إلينا يحمله من المهد،فناولته الكتاب.

فقال عليه السّلام لموفق الخادم:فضّه و انشره!ففضّه و نشره بين يديه،فنظر فيه،ثم قال لي:يا محمد!ما حال بصرك؟

قلت:يا ابن رسول الله!إعتلّت عيناي،فذهب بصري كما تري.

فقال:أدن مني،فدنوت منه،فمد يده فمسح بها علي عيني،فعاد إلي بصري كأصح ما كان.

فقبّلت يده و رجله،و انصرفت من عنده،و أنا بصير (2).

و عن عبد الله بن محمد قال:قال لي عمارة بن زيد:رأيت امرأة قد حملت ابنا لها مكفوفا إلي أبي جعفر محمد بن علي عليهما السّلام.فمسح يده عليه،فاستوي قائما يعدو كأن لم يكن بعينه ضرر (3).

شفاء العرق المدني:

عن محمد بن فضيل الصيرفي قال:كتبت إلي أبي جعفر عليه السّلام...فلما صرت في(بطن مر)، ضرب علي رجلي،و خرج بي العرق،فما زلت شاكيا أشهرا،و حججت في السنة الثانية.فدخلت

ص: 103


1- رجال الكشي:ص 582،ح 1092.و تنقيح المقال:127/3،و الأنوار البهية:ص 253،و البحار: 66/50،ح 43.
2- الخرائج و الجرائح:372/1،ح 1،و إثبات الهداة:338/3،ح 24،باختصار،و البحار:46/50،ح 20،و مدينة المعاجز:372/7،ح 2381.
3- دلائل الإمامة:ص 400،ح 355،و إثبات الهداة:346/3،ح 64،و مدينة المعاجز:322/7،ح 2360.

عليه فقلت:جعلني الله فداك!عوّذ رجلي،و أخبرته أنّ هذه التي توجعني.

فقال عليه السّلام:لا بأس علي هذه!و اعطني رجلك الأخري الصحيحة.

فبسطتها بين يديه،فعوّذها،فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة،فرجعت إلي نفسي،فعلمت أنه عوّذها من الوجع،فعافاني الله بعده (1).

شفاء البهق و وجع الخاصرة:

عن محمد بن عمر بن واقد الرازي قال:دخلت علي أبي جعفر محمد الجواد بن الرضا عليهم السّلام و معي أخي به بهق (2)شديد،فشكا إليه ذلك البهق،فقال عليه السّلام:عافاك الله مما تشكو.فخرجنا من عنده و قد عوفي،فما عاد إليه ذلك البهق إلي أن مات.

قال محمد بن عمر:و كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع،فيشتد ذلك بي أياما، فسألته أن يدعو لي بزواله عني.

فقال عليه السّلام:و أنت،فعافاك الله،فما عاد إلي هذه الغاية (3).

***

إحياء الإمام الجواد عليه السّلام للموتي

قال شاذويه:فدخلت منزلي فإذا أنا بزوجتي علي شرف لم أجزع لذلك،لأن أبا جعفر عليه السّلام أخبرني:أنها لم تمت في هذه الولادة،فأفاقت عن قريب،و ولدت غلاما ميتا....فانثني أبو جعفر عليه السّلام إلي و قال:إلحق بابنك فقد أحياه الله لك.

قال:فأسرعت إلي منزلي،فتلقتني البشارة أنّ ابني قد عاش.. (4)..

و عن الحسن بن علي،عن أبيه عليهما السّلام قال:جاء رجل إلي محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام، فقال:يا ابن رسول الله!إنّ أبي قد مات و كان له ألف دينار،ففاجأه الموت،و لست أقف علي ماله،و لي عيال كثيرة،و أنا من مواليكم فأغنني.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:إذا صليت العشاء الاخرة،فصل علي محمد و آل محمد مائة مرة،فإنّ أباك يأتيك و يخبرك بأمر المال.

ص: 104


1- الخرائج و الجرائح:387/1،ح 16.
2- في الخرائج و كشف الغمة و البحار:البهر،و هو انقطاع النفس من الأعيان.لسان العرب:82/4(بهر). البهق:بياض يعتري الجسد بخلاف لونه ليس من البرص.لسان العرب:29/10.
3- كشف الغمة:367/2،و البحار:47/50،ح 23.
4- الهداية الكبري:ص 306.

ففعل الرجل ذلك،فأتاه أبوه في منامه،فقال:يا بني!مالي في موضع كذا فخذه.فذهب الرجل فأخذ الألف دينار و أبوه واقف،فقال:يا بني!إذهب إلي ابن رسول الله عليه السّلام فأخبره بالمال بأني قد دللتك عليه،فإنه كان أمرني بذلك.فجاء الرجل و أخبره بالمال،و قال:الحمد لله الذي أكرمك و اصطفاك (1).

***

ملاطفة الإمام الجواد عليه السّلام لأولاده

عن أحمد بن محمد بن عيسي،عن أبيه:إنّ أبا جعفر عليه السّلام لما أراد الخروج من المدينة إلي العراق و معاودتها،أجلس أبا الحسن عليه السّلام في حجره بعد النص عليه،و قال:ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف العراق؟

فقال عليه السّلام:سيفا كأنه شعلة نار.

ثم التفت إلي موسي ابنه،و قال له:ما تحب أنت فقال:فرسا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:أشبهني أبو الحسن،و أشبه هذا أمه (2).

***

عطف الإمام الجواد عليه السّلام علي الشيعة

روي عن أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست و سجستان قال:

رافقت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها في أول خلافة المعتصم فقلت له و أنا معه علي المائدة و هناك جماعة من أولياء السلطان:إنّ والينا جعلت فداك رجل يتولاكم أهل البيت و يحبكم و عليّ في ديوانه خراج فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه كتابا بالإحسان إلي فقال لي:لا أعرفه.

فقلت:جعلت فداك:إنه علي ما قلت من محبيكم أهل البيت و كتابك ينفعني عنده.

فأخذ القرطاس و كتب:بسم الله الرحمن الرحيم،أما بعد فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و إنّ مالك من عملك ما أحسنت فيه فأحسن إلي إخوانك،و اعلم أنّ الله عزّ و جلّ سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل.

قال:فلما وردت سجستان سبق الخبر إلي الحسين بن عبد الله النيسابوري و هو الوالي فاستقبلني علي فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبّله و وضعه علي عينيه ثم قال لي:ما حاجتك؟

ص: 105


1- المناقب لابن شهر آشوب:391/4.
2- عيون المعجزات:ص 133.

فقلت:خراج علي في ديوانك.

قال:فأمر بطرحه عني و قال لي:لا تؤد خراجا ما دام لي عمل،ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا فما أدّيت في عمله خراجا ما دام حيا و لا قطع عني صلته حتي مات (1).

و عن علي بن يقطين قال:قال لي أبو الحسن عليه السّلام:إنّ للّه عزّ و جلّ مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه (2).

***

صدقة الإمام الجواد عليه السّلام

روي السيد بن طاووس رحمه الله:...عن الوشاء يعني الحسن بن علي بن إلياس الخزاز قال:كان أبو جعفر محمد بن علي عليهما السّلام إذا دخل شهر جديد يصلّي...و يتصدّق بما يتسهّل، فيشتري به سلامة ذلك الشهر كله.. (3)..

***

كرم الإمام الجواد عليه السّلام

عن محمد بن علي بن حديد الوشاء الكوفي:...دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام...فقال:يا علي بن حديد!قطع عليكم الطريق....و أمر عليه السّلام لنا بكسوة و دنانير كثيرة و قال:فرقّها علي أصحابك،فإنها بعدد ما ذهب منكم.. (4)..

و قال الأربلي رحمه الله:و أتاه أي أبا جعفر الثاني عليه السّلام رجل،فقال له:أعطني علي قدر مرؤتك فقال عليه السّلام:لا يسعني.

فقال:علي قدري؟

قال عليه السّلام:أما ذا،فنعم!يا غلام!أعطه مائة دينار (5).

و عن أبي النصر أحمد بن سعيد.

ص: 106


1- الكافي:111/5،ح 6.
2- الكافي:111/5،ح 7.
3- بحار الانوار:353/94.
4- الهداية الكبري:ص 302.
5- كشف الغمة:368/2.

قال لي منخل بن علي:لقيت محمدا بن علي عليهما السّلام بسر من رأي،فسألته النفقة إلي بيت المقدس؟فأعطاني مائة دينار.. (1)..

و عن إسماعيل بن عباس الهاشمي قال:جئت إلي أبي جعفر عليه السّلام يوم عيد،فشكوت إليه ضيق المعاش،فرفع المصلّي فأخذ من التراب سبيكة من ذهب،فأعطانيها.. (2)..

و روي أن جمّالا حمله أي أبا جعفر الثاني عليه السّلام من المدينة إلي الكوفة،فكلّمه في صلته؟

و قد كان أبو جعفر عليه السّلام و صله بأربعمائة دينار.. (3)..

***

أخلاق الإمام الجواد عليه السّلام

عن أحمد بن أبي خلف،ظئر أبي جعفر عليه السّلام.

قال:كنت مريضا،فدخل علي أبو جعفر عليه السّلام،يعودني في مرضي.. (4)..

و عن الريان بن شبيب قال:...فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السّلام دست و يجعل له فيه مسورتان (5)،ففعل ذلك.و خرج أبو جعفر عليه السّلام...فجلس بين المسورتين و جلس يحيي بن أكثم بين يديه،و قام الناس في مراتبهم،و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السّلام.. (6)..

و عن علي بن إبراهيم بن هاشم قال:حدّثني أبي قال:...فدخلنا علي أبي جعفر عليه السّلام...

فقام عبد الله بن موسي فاستقبله و قبّل بين عينيه،و قام الشيعة و قعد أبو جعفر عليه السّلام علي كرسي.. (7)..

و عن ابن شهر آشوب رحمه الله قال:...جاء محمد بن جمهور العمي،و الحسن بن راشد، و علي بن مدرك،و علي بن مهزيار،و خلق كثير من سائر البلدان إلي المدينة و سألوا عن الخلف بعد الرضا عليه السّلام،فقالوا:...إذ خرج علينا أبو جعفر عليه السّلام و هو ابن ثمان سنين،فقمنا إليه،فسلّم علي الناس،و قام عبد الله بن موسي من مجلسه،فجلس بين يديه و جلس أبو جعفر عليه السّلام في صدر المجلس،.. (8)..

و عن محمد بن الوليد بن يزيد قال:أتيت أبا جعفر عليه السّلام...فقمت إليه و سلمت عليه و قبّلت

ص: 107


1- نوادر المعجزات:ص 181،ح 5.
2- الثاقب في المناقب:ص 526،ح 464.
3- تحف العقول:ص 457.
4- رجال الكشي:ص 484،ح 913.
5- المسور:متكأ من أدم.لسان اللسان:638/1.
6- الأرشاد:ص 319.
7- الاختصاص:ص 102.
8- المناقب لابن شهر آشوب:382/4.

يديه و رجليه،فجلس.و قال:ما الذي أقدمك؟و كان في نفسي مرض من إمامته.

فقال لي:سلّم.

فقلت:يا سيدي!قد سلّمت.

فقال:ويحك!و تبسّم بوجهي فأناب إلي.. (1)..

و قال ابن حمزة الطوسي رحمه الله:...إنّ رجلا خراسانيا أتي أبا جعفر عليه السّلام بالمدينة فسلّم عليه و قال:السلام عليك يا ابن رسول الله!و كان واقفيا فقال عليه السّلام له:سلام!و أعادها الرجل.

فقال عليه السّلام:سلام!فسلّم الرجل بالإمامة.. (2)..

و عن موسي بن جعفر الداري قال:وردنا جماعة من أهل الري إلي بغداد نريد أبا جعفر عليه السّلام فدللنا عليه و معنا رجل من أهل الري،زيدي،يظهر لنا الإمامة.فلما دخلنا علي أبي جعفر عليه السّلام...

و قال أبو جعفر عليه السّلام لبعض غلمانه:خذ بيد هذا الرجل الزيدي و أخرجه.. (3)..

***

حديث الإمام الجواد عليه السّلام في معني التوحيد

عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال:سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن التوحيد فقلت:أتوهّم شيئا؟

فقال:نعم!غير معقول و لا محدود،فما وقع و همك عليه من شي،فهو خلافه،لا يشبهه شي،و لا تدركه الأوهام،كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل،و خلاف ما يتصوّر في الأوهام؟!إنما يتوهم شي غير معقول و لا محدود (4).

عن أبي هاشم الجعفري قال:سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام:ما معني الواحد؟

قال:الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد،كما قال الله عزّ و جلّ: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ (5)(6).

ص: 108


1- الهداية الكبري:ص 308.
2- الثاقب في المناقب:ص 518،ح 449.
3- الهداية الكبري:ص 302.
4- التوحيد ص 106،ح 6،و نور الثقلين ج 561/4،ح 27.
5- لقمان 25/31 و الزمر 38/39.
6- التوحيد ص 83،ح 2،و نور الثقلين ج 215/4،ح 89 و البحار ج 3 ص 208،ح 4 الكافي ج /1 118،ح 12.

و عن أحمد بن محمد بن عيسي،عن أبي هاشم الجعفري قال:سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السّلام:ما معني الواحد؟

فقال:المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية (1).

و روي أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:قلت لأبي جعفر الثاني عليه السّلام: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، ما معني الأحد؟

قال:المجمع عليه بالوحدانية،أما سمعته يقول: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ (2)،ثم يقولون بعد ذلك:له شريك و صاحبة.

فقلت:قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (3)؟قال:يا أبا هاشم!أوهام القلوب أدق من أبصار العيون،أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند،و البلدان التي لم تدخلها،و لا تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه،فكيف تدركه الأبصار؟! (4)

و عن أبي هاشم الجعفري قال:أخبرني الأشعث بن حاتم أنه سأل الرضا عليه السّلام عن شي من التوحيد؟...

قال عليه السّلام:إقرأ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ. فقرأت،فقال:ما الأبصار؟

قلت:أبصار العين.

قال:لا!إنما عني الأوهام،لا تدرك الأوهام كيفيته،و هو يدرك كل فهم.عنه عن محمد ابن عيسي عن أبي هاشم عن أبي جعفر عليه السّلام نحوه،إلا أنه قال:الأبصار ههنا أوهام العباد،فالأوهام أكثر من الأبصار،و هو يدرك الأوهام،و لا تدركه الأوهام (5).

***

حديث الإمام الجواد عليه السّلام في صفات الله و أسمائه عزّ و جلّ

قال الشيخ الصدوق رحمه الله:حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله.

قال:حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي.

قال:حدّثني محمد بن بشر،عن أبي هاشم الجعفري.

ص: 109


1- التوحيد ص 82،ح 1.
2- العنكبوت:61.
3- الأنعام:103.
4- الاحتجاج ج 2 ص 465،ح 319،و البحار ج 208/3،و نور الثقلين ج 710/5،ح 64.
5- المحاسن:ص 239،ح 215.

قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسأله رجل،فقال:أخبرني عن الرب تبارك و تعالي،له أسماء و صفات في كتابه؟فأسماؤه و صفاته هي هو؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:إنّ لهذا الكلام وجهين:إن كنت تقول:هي هو،أي أنه ذو عدد و كثرة، فتعالي الله عن ذلك.و إن كنت تقول:لم تزل هذه الصفات و الأسماء،فإن لم تزل يحتمل معنيين:

فإن قلت:لم تزل عنده في علمه و هو مستحقها،فنعم.

و إن كنت تقول:لم يزل تصويرها و هجاؤها و تقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شي غيره،بل كان الله و لا خلق،ثم خلقها وسيلة بينه و بين خلقه،يتضرعون بها إليه و يعبدونه،و هي ذكره و كان الله و لا ذكر،و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل.و الأسماء و الصفات مخلوقات المعاني،و المعني بها هو الله الذي لا يليق به الإختلاف و الإئتلاف،و إنما يختلف و يأتلف المتجزئ فلا يقال:الله مؤتلف،و لا الله كثير،و لا قليل،و لكنه القديم في ذاته،لأن ما سوي الواحد متجزئ،و الله واحد لا متجزئ و لا متوهم بالقلة و الكثرة،و كل متجزئ و متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له.فقولك:إن الله(قدير)خبرت أنه لا يعجزه شي،فنفيت بالكلمة:

العجز،و جعلت العجز سواه.و كذلك قولك:(عالم)إنما نفيت بالكلمة:الجهل،و جعلت الجهل سواه،فإذا أفني الله الأشياء أفني الصور و الهجاء،و لا ينقطع و لا يزال من لم يزل عالما.

قال الرجل:كيف سمّي ربنا(سميعا)؟

قال:لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع،و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس.و كذلك سميناه(بصيرا)لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار،من لون و شخص و غير ذلك،و لم نصفه بنظر لحظ العين.

و كذلك سمّيناه(لطيفا)لعلمه بالشي اللطيف مثل البعوضة و أحقر من ذلك،و موضع الشق منها،و العقل و الشهوة،و السفاد،و الحدب (1)علي نسلها،و إفهام بعضها عن بعض،و نقلها الطعام و الشراب إلي أولادها في الجبال و المفاوز (2)و الأودية و القفار،فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف، و إنما الكيفية للمخلوق،المكّيف و كذلك سمي ربنا(قويا)لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كان قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه لإحتمال الزيادة،و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان،و ما كان ناقصا كان غير قديم،و ما كان غير قديم كان عاجزا.فربنا تبارك و تعالي لا شبه له و لا ضدّ،و لا ندّ،و لا كيف،و لا نهاية،و لا أقطار،محرّم علي القلوب أن تمثّله،و علي).

ص: 110


1- و الحدب علي نسلها،أي التعطف و التحنن،مجمع البحرين ج 2 ص 36(حدب).
2- المفازة:الموضع المهلك مأخوذة من فوز بالتشديد إذا مات لأنها مظنة الموت و قيل من فاز إذا نجا و سلم، و سميت به نفاء لا بالسلامة،المصباح المنير(فوز).

الأوهام أن تحدّه،و علي الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أداة خلقه،و سمات بريته،و تعالي عن ذلك علوا كبيرا (1).

و قال أبو الطيب الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر الصباح القزويني...و كان في المدرج قنوت موالينا الأئمة عليهم السّلام...و دعا محمد بن علي بن موسي عليه السّلام في قنوته(اللهم أنت الأول بلا أولية معدودة،و الآخر بلا آخرية محدودة،أنشأتنا لا لعلة اقتسارا،و اخترعتنا لا لحاجة اقتدارا، و ابتدعتنا بحكمتك اختيارا،و بلوتنا بأمرك و نهيك اختبارا،و أيدتنا بالآلات،و منحتنا بالأدوات، و كلّفتنا الطاقة،و جشّمتنا الطاعة.فأمرت تخييرا،و نهيت تحذيرا،و خولّت كثيرا،و سألت يسيرا، فعصي أمرك فحلمت،و جهل قدرك فتكرّمت.فأنت رب العزة و البهاء،و العظمة و الكبرياء، و الإحسان و النعماء،و المن و الآلاء،و المنح و العطاء،و الإنجاز و الوفاء،و لا تحيط القلوب لك بكنه،و لا تدرك الأوهام لك صفة،لا يشبهك شي من خلقك،و لا يمثّل بك شي من صنعتك.

تباركت أن تحس أو تمس،أو تدركك الحواس الخمس،و أنّي يدرك مخلوق خالقه.و تعاليت يا إلهي عما يقول الظالمون علوا كبيرا...) (2).

***

مواعظ الإمام الجواد عليه السّلام

كتاب الإختصاص للمفيد طاب ثراه عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال:لمّا مات الرضا عليه السّلام حججنا فدخلنا علي أبي جعفر عليه السّلام و قد حضر خلق من الشيعة من كلّ بلد لينظروا إلي أبي جعفر عليه السّلام فدخل عمّه عبد الله بن موسي و كان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب حسنة و بين عينيه سجّادة فجلس و خرج أبو جعفر عليه السّلام من الحجرة و عليه قميص قصب و رداء قصب و نعل حذو بيضاء فقام عبد الله فاستقبله و قبّل بين عينيه و قامت الشيعة و قعد أبو جعفر عليه السّلام علي كرسيّ و نظر الناس بعضهم إلي بعض تحيّرا لصغر سنّه فانتدب رجل من القوم فقال لعمّه:أصلحك الله ما تقول في رجل أتي بهيمة؟

فقال:يقطع يمينه و يضرب الحدّ،فغضب أبو جعفر عليه السّلام ثمّ نظر إليه و قال:يا عمّ إتّق الله إنّه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزّ و جلّ فيقول لك:لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟

فقال له عمّه:يا سيّدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟

فقال عليه السّلام:إنّما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها فقال أبي:يقطع يمينه للنبش و يضرب حدّ الزنا فإنّ حرمة الميتة كحرمة الحيّة فقال:صدقت يا سيّدي و أنا أستغفر الله،فتعجّب الناس و قالوا:يا سيّدنا أتأذن لنا أن نسألك؟

ص: 111


1- التوحيد ص 193،ح 7،و البحار ج 82/54،ح 62،و نور الثقلين ج 38/1،ح 32.
2- مهج الدعوات:ص 65.

فقال:نعم،فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها و له تسع سنين (1).

و في الخرائج و الجرائح،عن الكرماني قال:أتيت ابن الرضا عليه السّلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا فجلست عند مسافر حتّي زالت الشمس فلمّا صلّيت إذا أبو جعفر عليه السّلام فقبّلت كفّه ثمّ جلس و قال:سلّم.

فقلت:قد سلّمت فأعاد عليّ فقلت:سلّمت و رضيته فأجلي الله ما كان في قلبي من الشكّ فعدت من الغد فارتفعت من الباب الأوّل فلم أجد أحدا يرشدني إليه حتّي اشتدّ الحرّ و الجوع فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام و غلام آخر معه طشت و ابريق حتّي وضع بين يديّ و قالا:آمرك أن تأكل فأكلت فلمّا فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس و بالأكل فأكلت فقال للغلام:كل معه ينشط حتّي إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام فقال:مه و مه ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة و ما كان في البيت فالقطه ثمّ قال:سل.

قلت:جعلت فداك ما تقول في المسك؟قال:إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في قارورة فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك عليه فكتب:يا فضل أما علمت أنّ يوسف كان يلبس ديباجا مزرّرا بالذهب و يجلس علي كراسي الذهب فلم ينتقص من حكمته شيئا،و كذلك سليمان ثمّ أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم،ثمّ قلت:ما لمواليكم في موالاتكم.

فقال:إنّ أبا عبد الله عليه السّلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس و معه بغلته إذ أقبلت رفقة من خراسان فقال له رجل من الرفقة:هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملوكا و أجعل لك مالي كلّه فإنّي كثير المال من جميع الصنوف إذهب فاقبضه و أنا مقيم معه مكانك فقال:أسأله ذلك فدخل علي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:جعلت فداك تعرف صحبتي و طول صحبتي فإن ساق الله لي خيرا تمنعنيه قال:أعطيك من عندي و أمنعك من غيري.فحكي له قول الرجل فقال:إن هدرت في خدمتنا و رغب الرجل فينا قبلناه و أرسلناك فلمّا ولّي عنه دعاه فقال له:أنصحك لطول الصحبة فإذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم متعلّقا بنور الله و كان أمير المؤمنين متعلّقا برسول الله و كان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين عليه السّلام و كان شيعتنا متعلّقين بنا يدخلون مدخلنا و يردون موردنا.

فقال الغلام:بل اقيم في خدمتك و أؤثر الآخرة علي الدّنيا و خرج الغلام إلي الرجل و حكي له قوله و أدخله علي أبي عبد الله عليه السّلام فقبل ولاءه و أمر للغلام بألف دينار الحديث (2).1.

ص: 112


1- جواهر الكلام:518/41،و وسائل الشيعة:280/28 ح 6.
2- الخرائج و الجرائح 391/1.

و في كتاب المناقب أنّه قام إليه رجل فقال:ما تقول في رجل أتي حمارة؟قال:يضرب دون الحدّ و يغرم ثمنها و يحرم ظهرها و نتاجها و تخرج إلي البرية حتّي تأتي عليها منيّتها سبع أكلها ذئب أكلها (1).

التهذيب،روي علي بن مهزيار قال:كتبت إلي أبي جعفر عليه السّلام و شكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز و قلت:تري في التحوّل عنها؟

فكتب عليه السّلام:لا تتحوّلوا عنها و صوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة و اغتسلوا و طهّروا ثيابكم و ابرزوا يوم الجمعة و ادعوا الله فإنّه يدفع عنكم،قال:ففعلنا فسكنت الزلازل (2).

***

رسالة الإمام الجواد عليه السّلام إلي سعد الخير

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن عمه حمزة بن بزيع و الحسين بن محمّد الأشعري،عن أحمد بن محمّد بن عبد الله،عن يزيد بن عبد الله،عمّن حدثه قال كتب أبو جعفر عليه السّلام إلي سعد الخير:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد فإني اوصيك بتقوي الله فإنّ فيها السلامة من التلف و الغنيمة في المنقلب إنّ الله عز و جلّ يقّي بالتقوي عن العبد ما عزب عنه عقله و يجلي بالتقوي عنه عماه و جهله،و بالتقوي نجا نوح و من معه في السفينة،و صالح و من معه من الصاعقة و بالتقوي فاز الصابرون و نجت تلك العصب من المهالك و لهم إخوان علي تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة،نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات،حمدوا ربهم علي ما رزقهم و هو أهل الحمد و ذمّوا أنفسهم علي ما فرّطوا و هم أهل الذم،و علموا أنّ الله تبارك و تعالي الحليم العليم إنّما غضبه علي من لم يقبل منه رضاه و إنّما يمنع من لم يقبل منه عطاه،و إنّما يضل من لم يقبل منه هداه،ثمّ أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات،دعا عباده في الكتاب إلي ذلك بصوت رفيع لم ينقطع و لم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله،و كتب علي نفسه الرحمة فسبقت الرحمة قبل الغضب فتمت صدقا و عدلا فليس يبتدي العباد بالغضب قبل أن يغضبوه و ذلك من علم اليقين و علم التقوي.

و كل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه و ولاّهم عدوّهم حين تولّوه و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرّفوا حدوده فهم يرونه و لا يرعونه،و الجهّال يعجبهم حفظهم للرواية

ص: 113


1- مناقب آل أبي طالب:490/3،و بحار الأنوار:90/50.
2- علل الشرائع:555/2 ح 6،و تهذيب الأحكام:294/3.

و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية،و كان من نبذهم الكتاب أن ولّوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوي و أصدروهم إلي الردي و غيّروا عري الدين،ثمّ ورثوه في السفه و الصبا،فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك و تعالي و عليه يردون فبئس للظالمين بدلا،ولاية الناس بعد ولاية الله و ثواب الناس بعد ثواب الله و رضا الناس بعد رضا الله،فأصبحت الامة كذلك و فيهم المجتهدون في العبادة علي تلك الضلالة معجبون مفتونون فعبادتهم فتنة لهم و لمن اقتدي بهم،و قد كان في الرسل ذكري للعابدين أنّ نبيّا من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ثمّ يعصي الله تبارك و تعالي في الباب الواحد فخرج به من الجنّة و ينبذ به في بطن الحوت ثمّ لا ينجيه إلاّ الإعتراف و التوبة،فاعرف أشباه الأحبار و الرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب و تحريفه فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين ثمّ اعرف أشباههم من هذه الامة الذين أقاموا حروف الكتاب و حرّفوا حدوده فهم مع السادة و الكبره، فإذا تفرّقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا و ذلك مبلغهم من العلم،لا يزالون كذلك في طبع و طمع،لا يزال يسمع صوت إبليس علي ألسنتهم بباطل كثير يصبر منهم العلماء علي الأذي و التعنيف و يعيبون علي العلماء بالتكليف،و العلماء في أنفسهم خونة إن كتموا النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه فبئس ما يصنعون،لأن الله تبارك و تعالي أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف و بما أمروا به و أن ينهوا عمّا نهوا عنه و أن يتعاونوا علي البر و التقوي و لا يتعاونوا علي الإثم و العدوان.

فالعلماء من الجهال في جهد و جهاد إن وعظت قالوا طغيت و إن علموا الحق الذي تركوا قالوا خالفت و إن اعتزلوهم قالوا فارقت و إن قالوا هاتوا برهانكم علي ما تحدّثون قالوا نافقت و إن أطاعوهم قالوا عصيت الله عزّ و جلّ فهلك جهّال فيما لا يعلمون أميّون فيما يتلون،يصدّقون بالكتاب عند التعريف و يكذبون به عند التحريف فلا ينكرون،أولئك أشباه الأحبار و الرهبان قادة في الهوي سادة في الردي،و آخرون منهم جلوس بين الضلالة و الهدي لا يعرفون إحدي الطائفتين من الاخري يقولون ما كان الناس يعرفون هذا و لا يدرون ما هو و صدقوا،تركهم رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي البيضاء ليلها من نهارها لم يظهر فيهم بدعة و لم يبدّل فيهم سنّة لا خلاف عندهم و لا اختلاف فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم صاروا إمامين داع إلي الله تبارك و تعالي وداع إلي النار،فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته علي لسان أوليائه و كثر خيله و رجله و شارك في المال و الولد من أشركه فعمل بالبدعة و ترك الكتاب و السنّة و نطق أولياء الله بالحجة و أخذوا بالكتاب و الحكمة فتفرّق من ذلك اليوم أهل الحق و أهل الباطل و تخاذل و تهادن أهل الهدي و تعاون أهل الضلالة حتي كانت الجماعة مع فلان و أشباهه،فاعرف هذا الصنف،و صنف آخر فأبصرهم رأي العين نجباء و الزمهم حتي ترد أهلك فإنّ الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين.إلي ههنا رواية الحسين.

و في رواية محمّد بن يحيي زيادة:لهم علم بالطريق فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم فإن

ص: 114

كان دونهم عسف من أهل العسف و خسف و دونهم بلايا تنقضي ثمّ تصير إلي رخاء،ثمّ اعلم أنّ إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض و لولا أن تذهب بك الظنون عني لجليت لك عن أشياء من الحق غطّيتها و لنشرت لك أشياء من الحق كتمتها،و لكني أتقيك و أستبقيك و ليس الحليم الذي لا يتقي أحدا في مكان التقوي.و الحلم لباس العالم فلا تعرّينمنه و السلام (1).

***

أدعية الإمام الجواد عليه السّلام

فقال أبو جعفر الثاني عليه السّلام(اللهم!يا من يملك التدبير،و هو علي كل شيء قدير،يا من يعلم خائنة الأعين،و ما تخفي الصدور،و يجني الضمير،و هو اللطيف الخبير....فإنك الإله المجيب، الحبيب،و الرب القريب،و أنت بكل شي محيط) (2).

و عن علي بن مهزيار قال:كتب أبو جعفر عليه السّلام...:(يا ذا الذي كان قبل كل شي،ثم خلق كل شيء،ثم يبقي و يفني كل شيء،و يا ذا الذي ليس في السموات العلي،و لا في الأرضين السفلي،و لا فوقهن و لا بينهن و لا تحتهن إله يعبد غيره) (3).

و روي الشيخ الصدوق رحمه الله:...يقول محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام في دعائه عليه السّلام:

(يا من لا شبيه له و لا مثال،أنت الله الذي لا إله إلا أنت،و لا خالق إلا أنت،تفني المخلوقين، و تبقي أنت.حلمت عمن عصاك،و في المغفرة رضاك) (4).

و عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال:كتبت إلي أبي جعفر عليه السّلام...نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟

قال:فقال عليه السّلام:إنّ من عبد الإسم دون المسمّي بالأسماء،أشرك و كفر و جحد و لم يعبد شيئا،بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمي بهذه الأسماء دون الأسماء.إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه (5).

و قال داود بن القاسم:سألته أي أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن(الصمد)؟

فقال عليه السّلام:الذي لا سرة له.

قلت:فإنهم يقولون:إنه الذي لا جوف له.

ص: 115


1- الكافي:52/8 ح 16.
2- إقبال الأعمال:ص 279.
3- التوحيد:ص 47،ح 11.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:59/1،ح 29.
5- الكافي:87/1،ح 3.

فقال عليه السّلام:كل ذي جوف له سرة (1).

و عنه قال:قلت لأبي جعفر الثاني عليه السّلام:جعلت فداك!ما(الصمد)؟

قال:السيد المصمود إليه في القليل و الكثير (2).

و عن الحسين بن سعيد قال:سئل أبو جعفر الثاني عليه السّلام:يجوز أن يقال لله:إنه شيء؟

فقال:نعم!يخرجه من الحدين (3):حد التعطيل،و حد التشبيه (4).

***

مناجات الإمام الجواد عليه السّلام

مناجات الإمام الجواد عليه السّلام

اشارة

مناجات الإمام الجواد عليه السّلام (5)

قال السيد بن طاووس رحمه الله قال:رويناه بإسنادنا إلي أبي جعفر بن بابويه رحمه الله عن إبراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي.

قال:حدّثنا أبي و كان خادما لمحمد بن علي الجواد عليهما السّلام:لمّا زوج المأمون أبا جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام ابنته،كتب إليه:إنّ لكل زوجة صداقا من مال زوجها،و قد جعل الله أموالنا في الآخرة،مؤجلة مذخورة هناك،كما جعل أموالكم معجلة في الدنيا و كثر ههنا.

و قد أمهرت ابنتك:الوسائل إلي المسائل.و هي مناجاة دفعها إلي أبي.

قال:دفعها إلي أبي،موسي.

قال:دفعها إلي أبي،جعفر.

قال:دفعها إلي محمد،أبي.

قال:دفعها إلي علي بن الحسين،أبي.

قال:دفعها إلي الحسين،أبي.

قال:دفعها إلي الحسن،أخي.

قال:دفعها إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

قال:دفعها إلي رسول الله صلي الله عليه و آله.

ص: 116


1- تحف العقول:ص 456.
2- الكافي:123/1،ح 1.
3- حد التعطيل:هو عدم إثبات الوجود و الصفات الكمالية و الفعلية و الأضافية له،و حد التشبيه:الحكم بالاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات،و عوارض الممكنات مرآة العقول:282/1.
4- التوحيد:ص 107،ح 7.
5- انظر موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام-السيد الحسيني القزويني:476/2.

قال:دفعها إلي جبرائيل عليه السّلام.

قال:يا محمد!رب العزة يقرئك السلام،و يقول لك:هذه مفاتيح كنوز الدنيا و الآخرة، فاجعلها و سائلك إلي مسائلك،تصل إلي بغيتك،و تنجح في طلبتك،فلا تؤثرها في حوائج الدنيا، فتبخس بها الحظ من آخرتك.و هي عشر وسائل تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح،و تطلب بها الحاجات فتنجح،و هذه نسختها:

المناجاة للإستخارة:

الّلهم!إنّ خيرتك فيما استخرتك فيه تنيل الرغائب،و تجزل المواهب،و تغنم المطالب، و تطيب المكاسب،و تهدي إلي أجمل المذاهب،و تسوق إلي أحمد العواقب،و تقي مخوف النوائب.الّلهم!إني أستخيرك فيما عزم رأيي عليه،و قادني عقلي إليه،فسهل الّلهم فيه ما توعر (1)، و يسّر منه ما تعسّر،و اكفني فيه المهم،و ادفع به عني كل ملم (2).

و اجعل يا رب عواقبه غنما،و مخوفه سلما،و بعده قربا،و جدبه خصبا (3).

و أرسل الّلهم اجابتي،و أنجح طلبتي،و اقض حاجتي،و اقطع عني عوائقها،و امنع عني بوائقها (4)،و أعطني الّلهم لواء الظفر و الخيرة فيما استخرتك،و وفور المغنم فيما دعوتك،و عوائد الأفضال فيما رجوتك.

و أقرنه الّلهم بالنجاح،و خصّه (5)بالصلاح،و أرني أسباب الخيرة فيه واضحة،و أعلام غنمها لائحة،و اشدد خناق تعسيرها،و انعش صريخ تكسيرها.

و بين اللهم ملتبسها،و أطلق محتبسها،و مكّن أسّها حتي تكون خيرة مقبلة بالغنم مزيلة للغرم، عاجلة للنفع،باقية الصنع،إنك ملي بالمزيد،مبتدئ بالجود) (6).

المناجاة بالإستقالة:

اللهم!إنّ الرجاء لسعة رحمتك أنطقني باستقالتك،و الأمل لأناتك و رفقك شجعني علي طلب

ص: 117


1- الوعر من الأرض:ضد السهل،مجمع البحرين:511/3(وعر).
2- الملمات-بضم الميم الأول و تشديد الثانية و كسر اللام بينهما-:الشدائد،مجمع البحرين:165/6 (لمم).
3- الجدب:المحل،نقيض الخصب.
4- بوائقها:في رواية لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه:قال الكسائي و غيره:بوائقه:غوائله و شره،أو ظلمه،لسان العرب:30/10(بوق).
5- في نسخة:و حطه.
6- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام-السيد الحسيني القزويني:479/2.

أمانك و عفوك.ولي يا رب ذنوب قد واجهتها أوجه الإنتقام،و خطايا قد لاحظتها أعين الإصطلام (1)،و استوجبت بها علي عدلك أليم العذاب،و استحققت باجتراحها مبير العقاب،و خفت تعويقها لإجابتي،و ردّها إياي عن قضاء حاجتي،بإبطالها لطلبتي،و قطعها لأسباب رغبتي،من أجل ما قد أنقض ظهري من ثقلها،و بهضني (2)من الإستقلال بحملها،ثم تراجعت رب إلي حلمك عن الخاطئين،و عفوك عن المذنبين،و رحمتك للعاصين،فأقبلت بثقتي متوكلا عليك،طارحا نفسي بين يديك،شاكيا بثي إليك،سائلا ما لا أستوجبه من تفريج الهم،و لا أستحقه من تنفيس الغم،مستقيلا لك إياي،واثقا مولاي بك.اللّهم!فامنن علي بالفرج،و تطوّل بسهولة المخرج،و أدللني برأفتك علي سمت المنهج،و أزلقني بقدرتك عن الطريق الأعوج،و خلّصني من سجن الكرب بإقالتك، و أطلق أسري برحمتك،و طل علي برضوانك،و جد علي بإحسانك،و أقلني عثرتي،و فرّج كربتي، و ارحم عبرتي،و لا تحجب دعوتي،و اشدد بالإقالة أزري،و قو بها ظهري،و أصلح بها أمري، و أطل بها عمري،و ارحمني يوم حشري،و وقت نشري،إنك جواد كريم،غفور رحيم).

المناجاة بالسفر:

اللهم!إني أريد سفرا فخر لي فيه،و أوضح لي فيه سبيل الرأي،و فهمنيه،و افتح عزمي بالإستقامة،و اشملني في سفري بالسلامة،و أفدني جزيل الحظ و الكرامة،و اكلأني بحسن الحفظ و الحراسة.و جنبني الّلهم و عثاء (3)الأسفار،و سهّل لي حزونة الأوعار،و اطو لي بساط المراحل، و قرّب مني بعد نأي المناهل (4)،و باعدني في المسير بين خطي الرواحل،حتي تقرّب نياط (5)البعيد، و تسهّل و عور الشديد.و لقّني الّلهم في سفري نجح طائر الواقية،و هبني فيه غنم العافية،و خفير (6)الإستقلال،و دليل مجاوزة الأهوال،و باعث وفور الكفاية،و سانح خفير الولاية،و اجعله الّلهم سبب عظيم السلم،حاصل الغنم.و اجعل الليل علي سترا من الآفات،و النهار مانعا من الهلكات، و اقطع عني قطع لصوصه بقدرتك،و احرسني من وحوشه بقوتك،حتي تكون السلامة فيه مصاحبتي، و العافية فيه مقارنتي،و اليمن سائقي،و اليسر معانقي،و العسر مفارقي،و الفوز موافقي و الأمن مرافقي،إنك ذو الطول و المن،و القوة و الحول،و أنت علي كل شي قدير،و بعبادك بصير خبير.

ص: 118


1- الاصطلام:إذا أبيد قوم من أصلهم،لسان العرب:340/12(سلم).
2- بهظني الأمر و الحمل:أثقلني و عجزت عنه لسان العرب:436/7(بهظ).
3- الوعثاء:المشقة و التعب،المنجد:ص 907(وعث).
4- المناهل:المنهل:الموضع الذي فيه المشرب،لسان العرب:681/11(نهل).
5- النياط:عرق علق به القلب من الوتين،لسان العرب:418/7(نوط).
6- خفير:أي حافظا و مجيرا،مجمع البحرين:3 ص 291(خفر).

المناجاة في طلب الرزق:

الّلهم!أرسل علي سجال (1)رزقك مدرارا،و أمطر علي سحائب إفضالك غزارا،و أدم غيث نيلك إلي سجالا،و أسبل مزيد نعمك علي خلتي إسبالا،و أفقرني بجودك إليك،و أغنني عمن يطلب ما لديك،و داو داء فقري بدواء فضلك،و انعش صرعة عيلتي بطولك،و تصدق علي إقلالي بكثرة عطائك،و علي اختلالي بكريم حبائك،و سهّل رب سبيل الرزق إلي،و ثبژت قواعده لدي، و بجّس (2)لي عيون سعته برحمتك،و فجّر أنهار رغد العيش قبلي برأفتك،و أجدب أرض فقري، و أخصب جدب ضري،و اصرف عني في الرزق العوائق،و اقطع عني من الضيق العلائق.و ارمني من سعة الرزق الّلهم بأخصب سهامه،و احبني من رغد العيش بأكثر دوامه،و اكسني اللهم سرابيل السعة،و جلابيب الدعة.فإني يا رب منتظر لأنعامك بحذف المضيق،و لتطولك بقطع التعويق، و لتفضلك بإزالة التقتير (3)،و لوصول حبلي بكرمك بالتيسير.

و أمطر الّلهم علي سماء رزقك بسجال الديم،و أغنني عن خلقك بعوائد النعم،و ارم مقاتل الإقتار مني،و احمل كشف الضر عني علي مطايا الأعجال،و اضرب عني الضيق بسيف الإستئصال، و أتحفني رب منك بسعة الأفضال،و امددني بنمو الأموال،و احرسني من ضيق الإقلال.و اقبض عني سوء الجدب،و ابسط لي بساط الخصب،و اسقني من ماء رزقك غدقا (4)،و انهج لي من عميم بذلك طرقا،و فاجئني بالثروة و المال،و انعشني به من الأقلال،و صبّحني بالإستظهار،و مسّني بالتمكن من اليسار،إنك ذو الطول العظيم،و الفضل العميم،و المن الجسيم،و أنت الجواد الكريم (5).

المناجاة بالاستعاذة:

الّلهم!إني أعوذ بك من ملمات نوازل البلاء،و أهوال عظائم الضراء،فأعذني رب من صرعة البأساء،و احجبني من سطوات البلاء،و نجني من مفاجأة النقم،و أجرني من زوال النعم و من زلل القدم.و اجعلني الّلهم في حياطة عزك،و حفاظ حرزك من مباغتة الدوائر و معاجلة البوادر (6).

الّلهم رب و أرض البلاء فاخسفها،و عرصة المحن فارجفها،و شمس النوائب فاكسفها،

ص: 119


1- سجال:السجل:الدلو الضخمة،المملوئة ماء،لسان العرب:325/11(سجل).
2- بجس:أي فجر،لسان العرب:24/6(بجس).
3- التقتير:القترة غبرة يعلوها سواد كالدخان،الأقتار:التضييق علي الأنسان في الرزق،لسان العرب:71/5 (قتر).
4- الغدق:المطر الكثير العام،لسان العرب:282/1(غدق).
5- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام-السيد الحسيني القزويني:481/2.
6- البوادر:البادرة:الغضبة السريعة،لسان العرب:49/4(بدر).

و جبال السوء فانسفها،و كرب الدهر فاكشفها،و عوائق الأمور فاصرفها،و أوردني حياض السلامة، و احملني علي مطايا الكرامة،و اصحبني بإقالة العثرة،و اشملني بستر العورة.و جد علي يا رب بالائك،و كشف بآلائك،و دفع ضرائك،و ارفع كلاكل (1)عذابك،و اصرف عني أليم عقابك، و أعذني من بوائق الدهور،و أنقذني من سوء عواقب الأمور،و احرسني من جميع المحذور و أصدع صفاء البلاء عن أمري،و اشلل يده عني مدي عمري.إنك الرب المجيد،المبدئ المعيد،الفعال لما تريد (2).

المناجاة بطلب التوبة:

الّلهم!إني قصدت إليك بإخلاص توبة نصوح،و تثبيت عقد صحيح،و دعاء قلب قريح (3)، و إعلان قول صريح.اللهم!فتقبّل مني مخلص التوبة،و إقبال سريع الأوبة و مصارع تخشع الحوبة (4).و قابل رب توبتي بجزيل الثواب،و كريم المآب،و حط العقاب،و صرف العذاب،و غنم الإياب،و ستر الحجاب.

و امح الّلهم ما ثبت من ذنوبي،و اغسل بقبولها جميع عيوبي،و اجعلها جالية لقلبي،شاخصة لبصيرة لبي،غاسلة لدرني،مطهّرة لنجاسة بدني،مصحّحة فيها ضميري،عاجلة إلي الوفاء بها بصيرتي.و اقبل يا رب توبتي،فإنها تصدر من إخلاص نيتي،و محض من تصحيح بصيرتي،و احتفال في طوّيتي،و اجتهاد في نقاء سريرتي،و تثبيت لإنابتي،مسارعة إلي أمرك بطاعتي.

و أجلّ الّلهم بالتوبة عني ظلمة الإصرار،و امح بها ما قدّمته من الأوزار،و اكسني لباس التقوي،و جلابيب الهدي،فقد خلعت ربق المعاصي عن جلدي،و نزعت سربال الذنوب عن جسدي،مستمسكا رب بقدرتك،مستعينا علي نفسي بعزتك،مستودعا توبتي من النكث بخفرتك، معتصما من الخذلان بعصمتك،مقارنا به،و لا حول و لا قوة إلا بك (5).

المناجاة بطلب الحج:

الّلهم ارزقني الحج الذي افترضته علي من استطاع إليه سبيلا.و اجعل لي فيه هاديا و إليه دليلا، و قرّب لي بعد المسالك،و أعني علي تأدية المناسك،و حرّم بإحرامي علي النار جسدي،و زد للسفر قوتي و جلدي،و ارزقني رب الوقوف بين يديك،و الإفاضة إليك،و اظفرني بالنجح بوافر الربح.

ص: 120


1- الكلاكل:الجماعات(أي أصناف عذابك)،المنجد:ص 695(الكلكل).
2- الدعوات:83 ح 207،و بحار الأنوار:/28383.
3- قريح:الجريح،لسان العرب:557/2(قرح).
4- الحوبة:الحاجة،لسان العرب:337/1(حوب).
5- موسوعة الإمام الجواد:483/2.

و اصدرني رب من موقف الحج الأكبر إلي مزدلفة المشعر،و اجعلها زلفة إلي رحمتك،و طريقا إلي جنتك،وقّفني موقف المشعر الحرام،و مقام وقوف الإحرام،و أهلّني لتأدية المناسك،و نحر الهدي التوامك (1)بدم يثج (2)،و أوداج تمج،و إراقة الدماء المسفوحة،و الهدايا المذبوحة،و فري أوداجها علي ما أمرت،وا لتنفل بها كما وسمت.و أحضرني الّلهم صلاة العيد،راجيا للوعد،خائفا من الوعيد،حالقا شعر رأسي،و مقصّرا،و مجتهدا في طاعتك مشمرا،راميا للجمار،بسبع بعد سبع من الأحجار.

و أدخلني الّلهم عرصة بيتك و عقوتك (3)و محل أمنك و كعبتك،و مشاكيك و سؤالك و محاويجك.

وجد علي الّلهم بوافر الأجر،من الإنكفاء و النفر.و اختم الّلهم مناسك حّجي،و انقضاء عجي،بقبول منك لي،و رأفة منك بي،يا أرحم الراحمين (4).

المناجاة بكشف الظلم:

اللهم!إنّ ظلم عبادك قد تمكن في بلادك،حتي أمات العدل،و قطع السبل،و محق الحق، و أبطل الصدق،و أخفي البر،و أظهر الشر،و أخمد التقوي،و أزال الهدي،و أزاح الخير،و أثبت الضير،و أنمي الفساد،و قوّي العناد،و بسط الجور،و عدي الطور (5).

اللهم!يا رب لا يكشف ذلك إلا سلطانك،و لا يجير منه إلا امتنانك.اللهم!رب فابتر الظلم،و بث حبال الغشم (6)،و اخمد سوق المنكر،و أعز من عنه ينزجر،و احصد شأفة (7)أهل الجور،و ألبسهم الحور (8)بعد الكور (9).و عجّل اللهم إليهم البيات،و أنزل عليهم المثلات،و أمت حياة المنكر،ليؤمن المخوف،و يسكن الملهوف،و يشبع الجائع،و يحفظ الضائع،و يأوي الطريد، و يعود الشريد،و يغني الفقير،و يجار المستجير،و يوقر الكبير،و يرحم الصغير،و يعز المظلوم،و يذل الظالم،و يفرّج المغموم،و تنفرج الغماء،و تسكن الدهماء (10)،و يموت الإختلاف،و يعلو العلم،

ص: 121


1- التوامك:أتمكها الكلأ:سمنها،لسان العرب:407/10(تمك).
2- ثج الماء:سال و ثجأ الماء:أساله،المنجد:ص 69(ثج).
3- العقوة:الساحة و ما حول الدار،لسان العرب:79/15(عقا).
4- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام-السيد الحسيني القزويني:484/2.
5- الطور:الحد بين الشيئين،و عدا طوره،أي جاوز حده و قدره،لسان العرب:508/4(طور).
6- الغشم:الظلم و الغصب،لسان العرب:437/12(غشم).
7- الشأفة:الأصل،لسان العرب:ج 9،ص 168(شأف).
8- الحور:الرجوع عن الشي و إلي الشي،لسان العرب:217/4(حور).
9- الكور:الزيادة،لسان العرب:155/5(كور).
10- الدهماء:الدهمة:السوداء المظلمة،لسان العرب:209/12(دهم).

و يشمل السلم،و يجمع الشتات،و يقوي الإيمان،و يتلي القرآن،إنك أنت الديان،المنعم المنان (1).

المناجاة بالشكر لله تعالي:

اللهم!لك الحمد علي مرد نوازل البلاء،و توالي سبوغ النعماء،و ملمات الضراء،و كشف نوائب اللأواء (2).و لك الحمد علي هني عطائك،و محمود بلائك،و جليل آلائك،و لك الحمد علي إحسانك الكثير،و خيرك العزيز،و تكليفك اليسير،و دفع العسير.و لك الحمد يا رب علي تثميرك قليل الشكر،و إعطائك وافر الأجر،و حطّك مثقل الوزر،و قبولك ضيق العذر،و وضعك باهض الأصر،و تسهيلك موضع الوعر،و منعك مفظع الأمر.و لك الحمد علي البلاء المصروف،و وافر المعروف،و دفع المخوف،و إذلال العسوف (3).

و لك الحمد علي قلة التكليف،و كثرة التخفيف،و تقوية الضعيف،و إغاثة اللهيف،و لك الحمد علي سعة إمهالك،و دوام إفضالك،و صرف إمحالك (4)،و حميد أفعالك،و توالي نوالك.

و لك الحمد علي تأخير معاجلة العقاب،و ترك مغافصة (5)العذاب،و تسهيل طريق المآب،و إنزال غيث السحاب (6).

المناجاة لطلب الحوائج:

الّلهم جدير من أمرته بالدعاء أن يدعوك،و من وعدته بالإجابة أن يرجوك.و لي الّلهم حاجة قد عجزت عنها حيلتي،و كّلت فيها طاقتي،و ضعفت عن مرامها قوتي،و سوّلت لي نفسي الأمارة بالسوء،و عدوي الغرور الذي أنا منه مبلو،أن أرغب إليك فيها.الّلهم!و أنجحها بأيمن النجاح، و اهدها سبيل الفلاح،و اشرح بالرجاء لإسعافك صدري،و يسر في أسباب الخير أمري،و صوّر إلي الفوز ببلوغ مارجوته،بالوصول إلي ما أملته.و وفقني اللهم في قضاء حاجتي ببلوغ أمنيتي،و تصديق رغبتي،و أعذني اللهم بكرمك من الخيبة،و القنوط،و الأناة،و التثبيط.

اللهم!إنك ملي بالمنائح الجزيلة،و في بها،و أنت علي كل شي قدير،بعبادك خبير بصير (7).

***

ص: 122


1- بحار الأنوار:119/91،و موسوعة الإمام الجواد:485/2.
2- اللأواء:الشدة و المحنة،المنجد:ص 709(لأي).
3- العسوف:عسف فلان فلانا عسفا:ظلمه،لسان العرب:245/9(عسف).
4- إمحالك:المحل:المكر و الكيد،لسان العرب:618/11(محل).
5- مغافصة:غافص الرجل:أخذه علي غرة،لسان العرب:61/7(غفص).
6- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام-السيد الحسيني القزويني:487/2.
7- مهج الدعوات:309.

علم الإمام الجواد عليه السّلام بالطب

روي أنّه عليه السّلام استدعي فاصدا في أيّام المأمون فقال له:إفصدني في العرق الزاهر فقال له:ما أعرف هذا العرق يا سيّدي و لا سمعت به.فأراه إيّاه فلمّا فصده خرج منه ماء أصفر فجري حتّي امتلأ الطشت ثمّ قال له:أمسكه.فأمر بتفريغ الطشت ثمّ قال:حلّ عنه فخرج دون ذلك.

فقال:شدّه الآن فلمّا شدّ يده أمر له بمائة دينار فأخذه و جاء إلي يوحنّا بن يختيشوع فحكي له ذلك فقال:و الله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ و لكن هنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون فامض بنا إليه فإن كان عنده علمه و إلاّ لم نقدر علي من يعلمه فمضيا و دخلا عليه و قصّا عليه القصّة فأطرق مليّا.

ثمّ قال:يوشك أن يكون هذا الرجل نبيّا أو من ذرّية نبيّ (1).

***

طب الإمام الجواد عليه السّلام

الاستشفاء بالدعاء و التعويذ:

الدعاء لجعل الجنين ذكرا سويا:

عن محمد بن إسماعيل قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك!الرجل يدعو للحبلي،أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا؟

قال:يدعو ما بينه و بين أربعة أشهر.. (2)..

في شفاء وجع العين

عن محمد بن سنان قال:شكوت إلي الرضا عليه السّلام وجع العين!فأخذ قرطاسا،فكتب إلي أبي جعفر عليه السّلام،و هو أقل من نيتي.فدفع الكتاب إلي الخادم،و أمرني أن أذهب معه،و قال:أكتم!

فأتيناه،و خادم قد حمله.

قال:ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السّلام فجعل أبو جعفر عليه السّلام ينظر في الكتاب و يرفع رأسه الي السماء و يقول ناج.ففعل ذلك مرارا،فذهب كل وجع في عيني و أبصرت بصرا لا يبصره أحد.. (3)..

ص: 123


1- مناقب آل أبي طالب:495/3،و بحار الأنوار:57/50.
2- الكافي:16/6،ح 6.
3- رجال الكشي:ص 582،ح 1092.

في شفاء البهق و وجع الخاصرة:

عن محمد بن عمر بن واقد الرازي قال:دخلت علي أبي جعفر محمد الجواد بن الرضا عليهما السّلام و معي أخي به بهق شديد.فشكا إليه ذلك البهق.

فقال عليه السّلام:عافاك الله مما تشكو.فخرجنا من عنده و قد عوفي،فما عاد إليه ذلك البهق إلي أن مات.

قال محمد بن عمر:و كان يصيبني وجع في خاصرتي،في كل أسبوع،فيشتد ذلك بي أياما.

فسألته أن يدعو لي بزواله عني.

فقال:و أنت فعافاك الله.فما عاد إلي هذه الغاية (1).

في شفاء ريح الركبة:

عن بكر قال:قلت له أي لأبي جعفر عليه السّلام إنّ عمتي تشتكي من ريح بها...فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب،و تكلم بكلام.فخرجت و لا تجد شيئا من الوجع (2).

في شفاء العرق المدني:

عن محمد بن فضيل الصيرفي قال:كتبت إلي أبي جعفر عليه السّلام كتابا...و خرج بإحدي رجلي العرق المدني....

فقلت:جعلني الله فداك!عوّذ رجلي و أخبرته:أنّ هذه التي توجعني.

فقال:لا بأس علي هذه!و أعطني رجلك الأخري الصحيحة.فبسطتها بين يديه فعوّذها،فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة،فرجعت إلي نفسي،فعلمت أنه عوّذها من الوجع فعافاني الله بعده (3).

في إحياء الموتي بدعائه:

عن محمد بن أبان،مرفوعا إلي أبي جعفر عليه السّلام،و كان في عهده رجل يقال له:(شاذويه) و كان له أهل حامل و إنها أمويه....

فقال عليه السّلام:نعم!إنّ لك أهلا حاملا،و عن قريب تلد غلاما،و إنها لم تمت في ذلك الغلام....

ص: 124


1- الثاقب في المناقب:525 ح 11،و دينة المعاجز:399/7.
2- دلائل الإمامة:ص 403،ح 363.
3- الخرائج و الجرائح:387/1،ح 16.

فأفاقت عن قريب،و ولدت غلاما ميتا...

قال محمد بن سنان قلت:يا سيدي!تسأل الله أن يحييه.

فقال:الّلهم!إنك عالم بسرائر عبادك،فإنّ شاذويه قد أحب أن يري فضلك عليه،فأحيي له أنت الغلام....

قال:فأسرعت إلي منزلي،فتلقتني البشارة أن ابني قد عاش.. (1)..

في شفاء أكل الطين:

قال أبو هاشم:...فقلت له-أي لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك!إني مولع بأكل الطين، فادع الله لي؟

فقال لي:...يا أبا هاشم!قد أذهب الله عنك أكل الطين.

قال أبو هاشم:فما شي أبغض إلي منه (2).

في أعمال أول الشهر لدفع الأمراض:

و روي عن الجواد عليه السّلام قال:إذا دخل شهر،فصل أول منه ركعتين في الأولي،(بالحمد) مرة،و(التوحيد)ثلاثين مرة،و الثانية(بالحمد)مرة،و(القدر)ثلاثين.و تصدّق بما تيسر،تشتر بذلك سلامة ذلك الشهر (3).

***

مداواة الإمام الجواد عليه السّلام للناس

في الحجامة:

و في كتاب معرفة تركيب الجسد:عن الحسين بن أحمد التميمي،روي عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام،إنه استدعي فاصدا في أيام المأمون،فقال له:إفصدني في العرق الزاهر.

فقال له:ما أعرف هذا العرق يا سيدي!و لا سمعته.فأراه إياه.فلما فصده خرج منه ماء أصفر،فجري حتي امتلأ الطشت.ثم قال له:أمسكه!فأمر بتفريغ الطشت.ثم قال:خل عنه، فخرج دون ذلك.

ص: 125


1- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام،السيد الحسيني القزويني:386/2.
2- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام،السيد الحسيني القزويني:386/2.
3- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام،السيد الحسيني القزويني:386/2.

فقال:شدّه الآن.فلما شدّ يده أمر له بمائة دينار،فأخذها و جاء إلي بخناس (1)فحكي له ذلك،فقال:و الله!ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطب،و لكن هاهنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون،فامض بنا إليه،فإن كان عنده علمه،و إلا لم نقدر علي من يعلمه،فمضيا و دخلا عليه و قصّا القصة،فأطرق مليا.

ثم قال:يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا،أو من ذرية نبي (2).

في برد المعدة و خفقان الفؤاد:

عن عبد الله بن عثمان قال:شكوت إلي أبي جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام برد المعدة في معدتي و خفقانا في فؤادي.

فقال عليه السّلام:أين أنت عن دواء أبي و هو الدواء الجامع؟!قلت:يا ابن رسول الله!و ما هو؟

قال:معروف عند الشيعة.

قلت:سيدي و مولاي!فأنا كأحدهم،فأعطني صفته حتي أعالجه،و أعطي الناس؟

قال:خذ زعفراننا و عاقر قرحا و سنبلا و قاقلة و بنجا و خربقا أبيضا و فلفلا أبيضا،أجزاء سواء،و أبرفيون جزأين،يدق ذلك كله دقا ناعما،و ينخل بحريرة،و يعجن بضعفي وزنه عسلا منزوع الرغوة.فيسقي منه صاحب خفقان الفؤاد،و من به برد المعدة حبة بماء كمون يطبخ،فإنه يعافي بإذن الله تعالي (3).

في ضعف المعدة:

عن محمد بن عيسي،عن محمد بن عمرو بن إبراهيم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام فقال:إشرب الحزاء بالماء البارد (4).

ففعلت،فوجدت منه ما أحب (5).

ص: 126


1- بخناس(يوحنا بن بختيشوع-نحاس)يكني أبو جبرئيل،و هو ابن جبرئيل،معروف مشهور،متقدم عند الملوك،خدم الرشيد و الأمين و المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل.و كسب بالطب ما لم يكسبه مثله. (الفهرست للنديم:ص 354).
2- المناقب لابن شهر آشوب:389/4،و البحار:57/50،ضمن ح 31.
3- طب الأئمة عليهم السلام:ص 90.
4- و في الحديث:شرب الحزاء بالماء البارد ينفع المعدة.الحزاء-بفتح الحاء و المد-نبت بالبادية يشبه الكزبرة...و في المصباح:...هو نبت بالبادية يشبه الكرفس.مجمع البحرين:99/1(حزا).
5- الكافي:165/8،ح 220.

في ريح الخبيثة:

عن الصباح بن محارب،قال:كنت عند أبي جعفر ابن الرضا عليهما السّلام فذكر:أنّ شيب بن جابر ضربته الريح الخبيثة،فمالت بوجهه و عينيه.

فقال:يؤخذ له القرنفل خمسة مثاقيل،فيصير في قنينة يابسة،و يضم رأسها ضما شديدا،ثم تطيّن و توضع في الشمس قدر يوم في الصيف،و في الشتاء قدر يومين.ثم تخرجه فتسحقه سحقا ناعما،ثم يديفه بماء المطر حتي يصير بمنزلة الخلوق،ثم يستلقي علي قفاه،و يطلي ذلك القرنفل المسحوق علي الشق المائل،و لا يزال مستلقيا حتي يجف القرنفل،فإنّه إذا جف رفع الله عنه، و عاد إلي أحسن عادته،بإذن الله تعالي.

قال:فابتدر إليه أصحابنا فبشّروه بذلك،فعالجه بما أمره به عليه السّلام،فعاد إلي أحسن ما كان بعون الله تعالي (1).

في اليرقان:

عن علي بن مهزيار قال:تغديت مع أبي جعفر عليه السّلام فأتي بقطاة (2)،فقال:إنه مبارك،و كان أبي عليه السّلام يعجبه،و كان يأمر أن يطعم صاحب اليرقان،يشوي له،فإنه ينفعه (3).

في وجع الحصاة:

عن محمد بن حكيم قال:حدثنا محمد بن النضر،مؤدب ولد أبي جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام قال:شكوت إليه ما أجد من الحصاة؟

فقال:ويحك!أين أنت عن الجامع دواء أبي؟فقلت:سيدي و مولاي!أعطني صفته.

فقال:هو عندنا،يا جارية!أخرجي البستوقة (4)الخضراء.

قال:فأخرجت البستوقة،و أخرج منها مقدار حبة.

فقال:إشرب هذه الحبة بماء السداب،أو بماء الفجل المطبوخ،فإنك تعافي منه.

قال:فشربته بماء السداب،فو الله!ما أحسست بوجعه إلي يومنا هذا (5).

ص: 127


1- مستدرك الوسائل:446/16،ح 11.
2- قطاة:طائر في حجم الحمام،المنجد:ص 642(قطو).
3- الكافي:312/6،ح 5.
4- البستوقة:من الفخار،معرب بستق،و هي بالفارسية:بستو،قاله في القاموس،مجمع البحرين:139/5 (بستق).
5- طب الأئمة عليهم السلام:ص 91.

في وجع الأضلاع:

عن الفضل بن ميمون الأزدي،قال:حدثنا أبو جعفر بن علي بن موسي عليهم السّلام،قال:قلت:يا ابن رسول الله!إني أجد من هذه الشوصة (1)وجعا شديدا.

فقال له:خذ حبة واحدة من دواء الرضا عليه السّلام مع شي من زعفران،و أطل به حول الشوصة.

قلت:و ما دواء أبيك؟

قال:الدواء الجامع،و هو معروف عند فلان و فلان.

قال:فذهبت إلي أحدهما،و أخذت منه حبة واحدة،فلطّخت به ما حول الشوصة مع ما ذكره من ماء الزعفران،فعوفيت منها (2).

معالجة الصداع بالبنفسج:

عن علي بن أسباط،رفعه،قال:دهن الحاجبين بالبنفسج يذهب بالصداع (3).

في قطع الحيض المستمر:

عن علي بن مهزيار،قال:إنّ جارية لنا أصابها الحيض،و كان لا ينقطع عنها حتي أشرفت علي الموت.فأمر أبو جعفر عليه السّلام أن تسقي سويق العدس.فسقيت فانقطع عنها،و عوفيت (4).

في إزدياد العقل و وجع الأذن:

عن محمد بن عمرو بن إبراهيم،عن أبي جعفر،أو أبي الحسن عليهما السّلام-الوهم من محمد بن موسي-قال:ذكر السداب (5).

فقال:أما أن فيه منافع:زيادة في العقل،و توفير في الدماغ،غير أنه ينتن ماء الظهر.و روي:

أنه جيد لوجع الأذن (6).

في ما يسقط من الخوان:

عن محمد بن الوليد بن يزيد قال:أتيت أبا جعفر عليه السّلام...فنظر إلي الغلام،يرفع ما سقط من

ص: 128


1- الشوصة:ريح تنعقد في الضلوع...و قال جالينوس:هو ورم في حجاب الأضلاع من داخل.لسان العرب: 50/7(شوص).
2- طب الأئمة عليهم السلام:ص 89،و البحار:246/59،ح 5.
3- الكافي:522/6.
4- الكافي:307/6.
5- السداب:مصحف السذاب بالذال المعجمة،السذاب:نبات،المنجد:ص 504،و ص 507.
6- الكافي:368/6.

الخوان علي الأرض،فقال له:ما كان معك في الخوان فدعه و لو كان فخذ شاة.و ما كان معك في البيت فالقطه و كله،فإنّ فيه رضي الرب،و مجلبة الرزق،و شفاء من الداء.. (1)..

***

وصية الإمام الجواد عليه السّلام

عن محمد بن الحسين الواسطي،أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولي أبي جعفر يحكي أنه أشهده علي هذه الوصيه المنسوخة:شهد أحمد بن أبي خالد مولي أبي جعفر:أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام أشهده أنه أوصي إلي علي ابنه بنفسه و أخواته.و جعل أمر موسي إذا بلغ إليه،و جعل عبد الله بن المساور قائما علي تركته من الضّياع و الأموال و النفقات و الرقيق،و غير ذلك إلي أن يبلغ علي بن محمد.صيّر عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه،يقوم بأمر نفسه و أخواته،و يصير أمر موسي إليه،يقوم لنفسه بعدهما علي شرط أبيهما في صدقاته التي تصدّق بها.و ذلك يوم الأحد،لثلاث ليال خلون من ذي الحجة، سنة عشرين و مائتين.و كتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه،و شهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،و هو الجواني علي مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب.و كتب شهادته بيده،و شهد نصر الخادم و كتب شهادته بيده (2).

***

شهادة الإمام الجواد عليه السّلام

و عن محمد بن سنان قال:قبض محمد بن علي عليهما السّلام و هو ابن خمس و عشرين سنة و ثلاثة أشهر و إثني عشر يوما.و توفي يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين،عاش بعد أبيه تسعة عشر سنة إلا خمسا و عشرين يوما (3).

و في المناقب أنّه أقام مع أبيه سبع سنين و أربعة أشهر و يومين و بعده ثمانية عشر سنة إلاّ عشرين يوما (4).

و قال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:و قبض أبو جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السّلام سنة عشرين و مائتين في آخر ذي القعدة و هو ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما (5).

ص: 129


1- الهداية الكبري:ص 308.
2- الكافي:325/1،ح 3.
3- الكافي:497/1 ح 12،و الوافي:832/3،ح 1445،و كشف الغمة:365/2،و البحار:13/50 ح 13.
4- مناقب آل أبي طالب:487/3.
5- الكافي:383/1،ح 3.

و قيل توفي في ليلة الجمعة تاسع شهر رمضان سنة مائة و خمس و تسعين للهجرة (1).

و قيل:عاشر رجب منها (2).

و كانت شهادته في خلافة المعتصم (3).

و قال ابن بابويه:سمّ المعتصم محمّد بن علي عليهما السّلام (4).

و كان المعتصم أشخصه إلي بغداد في أوّل هذه السنة التي توفّي فيها،و قبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذي القعدة و قيل:وفاته يوم السبت لستّ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين و مائتين (5).

و في عيون المعجزات،لمّا خرج أبو جعفر عليه السّلام و زوجته إبنة المأمون حاجّا و خلّف ابنه عليّا في المدينة و سلّم إليه المواريث و السلاح و نصّ عليه بمشهد ثقاته و أصحابه و كان خرج المأمون إلي بلاد الروم فمات بالبدندون في رجب سنة ثمان عشرة و مائتين و بويع المعتصم أبو إسحاق محمّد بن هارون في شعبان.ثمّ إنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر عليه السّلام و أشار إلي إبنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف علي انحرافها عن أبي جعفر عليه السّلام و شدّة غيرتها عليه لتفضيله امّ أبي الحسن إبنه عليها و لأنّه لم يرزق منها ولدا فأجابته إلي ذلك و جعلت سمّا في عنب رازقي و وضعته بين يديه فلمّا أكل منه ندمت و جعلت تبكي.

فقال عليه السّلام:ما بكاؤك و الله ليضربنّك الله ببلاء لا يداوي،فماتت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسورا فأنفقت مالها و جميع ما ملكته علي تلك العلّة حتّي احتاجت إلي الاسترفاد،و روي أنّ الناصور كان في فرجها (6).

و روي أنّ امرأته امّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل فلمّا أحسّ بذلك قال لها:

أبلاك الله ببلاء لا دواء له فوقعت الأكلة في فرجها و كانت ترجع إلي الأطبّاء و يشيرون بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتّي ماتت من علّتها (7).

و لمّا بويع المعتصم جعل يتفقّد أحواله فكتب إلي عبد الملك الزيّات أن ينفذ إليه التّقي و امّ9.

ص: 130


1- تاريخ ابن الخشاب:195،وفيات الأعيان 4:175،تاريخ بغداد 3:55،المنتظم 11:1257/62.
2- مناقب آل أبي طالب 4:411.
3- تاريخ ابن الخشاب:194،تاريخ بغداد 3:55،وفيات الأعيان 4:175،المنتظم 11:1257/62.
4- بحار الأنوار:8/50 ح 8،و مستدرك سفينة البحار 404/2.
5- بحار الأنوار:2/50 ح 2،و درر الأخبار:372.
6- مستدرك سفينة البحار:404/2،و غيون المعجزات:131.
7- مناقب آل أبي طالب:497/3،و بحار الأنوار:10/50 ح 9.

الفضل فأنفذهما إليه و بعث إليه شراب حماض الأترج و ألحّ عليه بالشرب منه علي يدي الرسول فشربها عالما بفعلهم (1).

***

سنّه عند شهادة أبيه و مدة إمامته عليه السّلام

اشارة

و كان سنّه عند شهادة أبيه عليهما السّلام نحو سبع سنين.. (2)..

و قال الشيخ المفيد رحمه الله:...و كان سنّه-أي أبي جعفر الثاني عليه السّلام-يوم وفاة أبيه، سبع سنين و أشهرا (3).

و قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:...محمد بن المحمودي عن أبيه قال:...فلما مضي الرضا عليه السّلام و ذلك في سنة إثنين و مائتين،و سن أبي جعفر عليه السّلام ست سنين و شهور،.. (4)..

و كان عمره الشريف عند وفاته خمسا و عشرين سنة و قبره ببغداد في مقابر قريش.

مدة إمامته عليه السّلام:

ابن شهر آشوب رحمه الله:و مدة ولايته أي أبي جعفر الجواد عليه السّلام سبع عشرة سنة.

و يقال:أقام مع أبيه سبع سنين و أربعة أشهر و يومين،و بعده ثمانية عشر سنة إلا عشرين يوما (5).

و قال الطبرسي رحمه الله:و كانت مدة خلافته-أي أبي جعفر الجواد عليه السّلام لأبيه سبع عشرة سنة،أولها في بقية ملك المأمون،و آخرها في ملك المعتصم (6).

و قال الحضيني رحمه الله:و أقام أبو جعفر عليه السّلام بعد أبيه ست عشرة سنة و إثني عشر يوما (7).

***

الإخبار بشهادة الإمام الجواد عليه السّلام

اشارة

عن كلثم بن عمران قال:قلت للرضا عليه السّلام:أدع الله أن يرزقك ولدا.

فقال:إنما أرزق ولدا واحدا و هو يرثني...يقتل غصبا،فيبكي له و عليه أهل السماء. (8)..

ص: 131


1- مناقب ال أبي طالب:490/3،و موسوعة الإمام الجواد:199/1.
2- عيون المعجزات:122.
3- الأرشاد:316.
4- دلائل الإمامة:388 ح 343.
5- المناقب لابن شهر آشوب:379/4.
6- اعلام الوري:91/2،و البحار:13/50 ح 12.
7- الهداية الكبري:295.
8- عيون المعجزات:121.

إخباره عليه السّلام بشهادته:

عن ابن بزيع العطار قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا.

قال:فنظرنا،فمات عليه السّلام بعد ثلاثين شهرا (1).

و عن محمد بن القاسم،عن أبيه و روي أيضا غيره قال:لما خرج أبو جعفر الجواد عليه السّلام من المدينة في المرة الأخيرة.

قال:ما أطيبك يا طيبة!فلست بعائد إليك (2).

علمه عليه السّلام بسبب شهادته:

قال ابن شهر آشوب رحمه الله:و لما بويع المعتصم،جعل يتفقد أحواله أي أبي جعفر الجواد عليه السّلام فكتب إلي عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي عليه السّلام و أم الفضل فأنفذ إبن الزيات علي بن يقطين إليه،فتجهّز و خرج إلي بغداد.فأكرمه و عظّمه،و أنفذ أشناس بالتحف إليه و إلي أم الفضل.

ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه علي يدي أشناس،...و أصرّ علي ذلك،فشربها عليه السّلام عالما بفعلهم (3).

إخبار إبنه الهادي عليهما السّلام بشهادته:

عن أبي الفضل الشهباني عن هارون بن الفضل قال:رأيت أبا الحسن علي بن محمد عليهما السّلام في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر عليه السّلام.

فقال:إنا لله و إنا إليه راجعون،مضي أبو جعفر عليه السّلام.

فقيل له:و كيف عرفت؟

قال:لأنه تداخلني ذلة لله (4)لم أكن أعرفها (5).

و عن محمد بن عيسي،عن الحسين بن قارون،عن رجل،ذكر:أنه كان رضيع أبي جعفر عليه السّلام.

قال:بينا أبو الحسن عليه السّلام جالسا في الكتاب،و كان مؤدبه رجل كرخي من أهل بغداد يكني أبا

ص: 132


1- كشف الغمة:363/2.
2- الثاقب في المناقب:516 ح 444.
3- المناقب لابن شهر آشوب:384/4.
4- في دلائل الإمامة:مضي و الله أبو جعفر عليه السّلام.فقلت له:كيف تعلم و هو ببغداد و أنت ههنا بالمدينة؟فقال: لأنه تداخلني ذلة و استكانة.
5- الكافي:381/1،ح 5،و البحار:14/50،ح 15،و مدينة المعاجز:431/7،ح 2433،و إثبات الهداة:360/3،ح 3 و دلائل الإمامة:415،ح 378.

زكريا.و كان أبو جعفر عليه السّلام في ذلك الوقت ببغداد،و أبو الحسن عليه السّلام بالمدينة يقرأ في اللوح علي المؤدب،إذ بكي بكاء شديدا فسأله المؤدب عن شأنه و بكائه،فلم يجبه،و قام فدخل الدار باكيا، و ارتفع الصياح و البكاء،ثم خرج عليه السّلام بعد ذلك فسألناه عن بكائه فقال:إنّ أبي توفي فقلنا له:بماذا علمت ذاك؟

قال:دخلني من إجلال الله جلّ و عزّ جلاله شي،علمت معه أنّ أبي قد مضي صلي الله عليه فأرّخنا الوقت،فلما ورد الخبر نظرنا،فإذا هو قد مضي في تلك الساعة (1).

و عن الحسن بن علي الوشا قال:حدّثتني أم محمد مولاة أبي الحسن الرضا عليه السّلام قالت:جاء أبو الحسن عليه السّلام و قد ذعر حتي جلس في حجر أم أبيها،بنت موسي عمة أبيه.

فقالت له:مالك؟

فقال لها:مات أبي و الله،الساعة.فقالت:لا تقل هذا!فقال:هو و الله كما أقول لك.

فكتبنا الوقت و اليوم،فجاءت وفاته،و كان كما قال عليه السّلام.

و قام أبو الحسن بأمر الله جلّ و علا في سنة عشرين و مأتين،و له ست سنين و شهور في مثل سن أبيه عليهما السّلام بعد أن ملك المعتصم بسنتين (2).

***

فضل زيارة الإمام الجواد عليه السّلام

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن حمدان القلانسي،عن علي بن محمّد الحضيني،عن علي ابن عبد الله بن مروان،عن ابراهيم بن عقبة قال:كتبت إلي أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين،و عن زيارة أبي الحسن و أبي جعفر عليهم السّلام أجمعين؟فكتب اليّ:أبو عبد الله عليه السّلام المقدّم و هذا أجمع و أعظم أجرا (3).

الكليني،عن العدة،عن سهل،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل،عن صالح ابن عقبة،عن زيد الشحام قال:قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:ما لمن زار رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟قال:كمن زار الله عزّ و جلّ فوق عرشه.قال قلت:فما لمن زار احدا منكم؟قال:كمن زار رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (4).

ص: 133


1- إثبات الوصية:ص 229 1.بصائر الدرجات:487 ح 9،ب 21 ح 2،و البحار:291/27 ح 2، و إثبات الهداة:368/3،ح 26،و دلائل الإمامة:415 ح 379،و مدينة المعاجز:445/7 ح 2448.
2- إثبات الوصية:230،و عيون المعجزات:133.
3- الكافي:583/4 ح 3.
4- الكافي:585/4 ح 5.

الشيخ باسناده إلي محمّد بن أحمد بن داود،عن محمّد بن همام،عن أحمد بن بندار،عن منصور بن العباس،عن جعفر الجوهري،عن زكريا بن آدم القمي،عن الرضا عليه السّلام قال:إنّ الله نجّا بغداد بمكان قبور الحسينيين فيها (1).

***

زيارة الإمام المهدي للإمام الجواد عليهما السّلام

نقل السيد بن طاووس رحمه الله بإسنادنا إلي الشيخ أبي جعفر الطبري قال:حدّثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسي التلعكبري قال:حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال:تقلّدت عملا من أبي منصور الصالحان،و جري بيني و بينه ما أوجب استتاري عنه،فطلبني و أخافني.

فمكثت مستترا خائفا،ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة،و اعتمدت المبيت هناك للدعاء و المسألة و كانت ليلة ريح و مطر،فسألت أبا جعفر القيّم يقفل الأبواب،و أن يجتهد في خلوة الموضع،لأخلو بما أريده من الدعاء و المسألة،خوفا من دخول إنسان لم آمنه،و أخاف من لقائه.

ففعل و قفل الأبواب،و انتصف الليل،فورد من الريح و المطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعو و أزور و أصلّي.فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطأ عند مولانا موسي عليه السّلام،و إذا هو رجل يزور،فسلّم علي آدم و علي أولي الغرم،ثم علي الأئمة عليهم السّلام واحدا واحدا إلي أن انتهي إلي صاحب الزمان فلم يذكره.فعجبت من ذلك و قلت في نفسي:لعله نسي،أو لم يعرف،أو هذا مذهب لهذا الرجل.فلما فرغ من زيارته صلّي ركعتين،و أقبل إلي مولانا أبي جعفر عليه السّلام زار مثل تلك الزيارة، و سلّم ذلك السلام،و صلّي ركعتين،...و انتهيت إلي أبي جعفر القيّم،فخرج إلي من باب الزيت، فسألته عن الرجل و دخوله؟

فقال:الأبواب مقفلة كما تري ما فتحتها،فحدّثته الحديث!فقال:هذا مولانا صاحب الزمان،و قد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس...و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (2).

***

منع الخليفة عن زيارة قبره عليه السّلام

نقل الراوندي رحمه الله:ما روي عن محمد بن يعقوب،عن علي بن محمد قال:خرج نهي عن زيارة مقابر قريش،و قبر الحسين عليهم السّلام،فلما كان بعد أشهر زارها رجلان من الشيعة فدعاهما

ص: 134


1- التهذيب:82/6 ح 5.
2- فرج المهموم:ص 245،و دلائل الإمامة:ص 551،ح 525.و البحار:200/92،ح 33.

الوزير الباقطاني،و زجرهما،فقال لخادمه ألق بني الفرات،و البرسيين،و قل لهم لا تزوروا مقابر قريش،فقد أمر الخليفة،أن يقبض علي كل من زار (1).

***

كيفية زيارته عليه السّلام

عن محمد بن عيسي بن عبيد،عمن ذكره،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:تقول ببغداد:(السلام عليك يا ولي الله،السلام عليك يا حجّة الله،السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض،السلام عليك يا من بدا لله في شأنه،أتيتك عارفا بحقك،معاديا لأعدائك،فاشفع لي عند ربك).و ادع الله و سل حاجتك.

قال:و تسلّم بهذا علي أبي جعفر عليه السّلام (2).

***

معاجز قبره عليه السّلام

و في تاريخ أبي شجاع الوزير أنّه لمّا حرقوا القبور بمقابر قريش حاولوا حفر ضريح أبي جعفر محمّد بن علي عليه السّلام و إخراج رمّته و تحويلها إلي مقابر أحمد فحال تراب الهدم و رماد الحريق بينهم و بين معرفة قبره (3).

***

الملوك الذين عاصرهم عليه السّلام

عاشر من الملوك بقيّة ملك المأمون ثمّ ملك المعتصم و الواثق و في ملك الواثق استشهد (4).

و نحن نذكر ما جري بينه عليه السّلام و بين الملوك الذين عاصرهم،ثم نذكر إحتجاجاته عليه السّلام عليهم و علي أهل الأديان المختلفة و أصحاب الآراء المتنوعة.

***

ص: 135


1- الخرائج و الجرائح:465/1،ح 10.
2- الكافي:587/4 ح 1،و مسند الإمام الرضا:251/2 ح 34.
3- مناقب آل أبي طالب:502/3.
4- مناقب آل أبي طالب:487/3.

بين الإمام الجواد عليه السّلام و المأمون

و روي أنّ المأمون إجتاز بابن الرضا عليه السّلام و هو بين صبيان فهربوا سواه فقال عليّ به فقال له:

مالك لا هربت في جملة الصبيان.

قال عليه السّلام:ما لي ذنب فأفرّ منه و لا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك سرّ حيث شئت.

فقال:من تكون أنت؟

قال:محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.

فقال:ما تعرف من العلوم؟

قال:سلني عن خبر السماوات،فودّعه و مضي و علي يده باز شهب يطلب به الصيد فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا و الباز يثب عن يده فأرسله فطار يطلب الافق حتّي غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه فقد صاد حيّة فوضع الحيّة في بيت الطعام و قال لأصحابه:قد دني حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي.

ثمّ عاد و ابن الرضا في جملة الصبيان فقال:ما عندك من أخبار السماوات؟

فقال:نعم يا أمير المؤمنين حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن جبرئيل عن ربّ العالمين إنّه قال:بين السماء و الهواء بحر عجاج تتلاطم به الأمواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء.

فقال:صدقت و صدق أبوك و صدق جدّك و صدق ربّك فأركبه ثمّ زوّجه امّ الفضل (1).

و رويت في كشف الغمّة بتفاوت،قال محمّد بن طلحة:إنّ محمّد بن علي لمّا توفّي والده الرضا عليه السّلام و قدم الخليفة إلي بغداد بعد وفاته بسنة اتّفق أنّه خرج إلي الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه و الصبيان يلعبون و محمّد واقف معهم و كان عمره يومئذ إحدي عشر سنة فلمّا أقبل المأمون هرب الصبيان و وقف أبو جعفر مكانه فنظر إليه و كان عليه مسحة من الجمال فقال له:يا غلام ما منعك من الإنصراف؟

فقال:لم يكن بالطريق ضيق لأوسّعه عليك بذهابي و لم يكن لي جريمة فأخشاها و ظنّي بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له فوقفت،فأعجبه كلامه و وجهه فقال له:ما اسمك؟قال:محمّد بن علي الرضا فترحّم علي أبيه و ساق جواده إلي وجهته و كان معه بزاة فلمّا بعد عن العمارة أرسل بازا علي درّاجة فغاب عن عينه ثمّ عاد من الجوّ و في منقاره سمكة صغيرة و بها بقايا الحياة فعجب

ص: 136


1- مناقب آل أبي طالب 4:420،الفصول المهمة:266،الصواعق المحرقة:311.

الخليفة من ذلك ثمّ أخذها في يده و عاد إلي داره في الطريق فلمّا وصل ذلك المكان إنصرف الصبيان إلاّ ذلك الصبي فقال له:يا محمّد ما في يدي؟

فقال:إنّ الله تعالي خلق بمشيّته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك فيختبرون بها سلالة أهل النبوّة،فعجب من كلامه و قال:أنت ابن الرضا حقّا و ضاعف إحسانه إليه (1).

قيل:لا منافاة بين هذا الحديث و ما تقدّمه من حكاية الحيّة لأنّه يجوز أن يكون امتحان المأمون له عليه السّلام وقع مرّتين.

***

بين الإمام الجواد عليه السّلام و المعتصم و الفقهاء

عن زرقان صاحب ابن أبي داود قال:رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتمّ فقلت له في ذلك فقال:و ددت اليوم أنّي قد متّ منذ عشرين سنة.

قلت:و لم ذاك؟

قال:لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمّد بن علي بن موسي اليوم بين يدي أمير المؤمنين.

قال:قلت:و كيف ذلك؟

قال:إنّ سارقا أقرّ علي نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه و قد أحضر محمّد بن عليّ فسألني عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟

قال:فقلت:من الكرسوع (2)قال:و ما الحجّة في ذلك؟

قال:قلت:لأنّ اليد هي الأصابع و الكفّ إلي الكرسوع لقول الله في التيمّم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ (3)و اتّفق معي علي ذلك قوم و قال قوم:بل يجب القطع من المرفق قال:و ما الدليل علي ذلك؟

قالوا:لأنّ الله لمّا قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرافِقِ (4)في الغسل دلّ ذلك علي أنّ حدّ اليد هو المرفق،فالتفت إلي محمّد بن علي فقال:ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟

فقال عليه السّلام:قد تكلّم القوم يا أمير المؤمنين.

قال:دعني ممّا تكلّموا به.

قال عليه السّلام:أعفني عن هذا.

ص: 137


1- كشف الغمة:136/3.
2- الكرسوع:طرف رأس الزند أعلي الخنصر.
3- سورة النساء:43.
4- سورة المائدة:6.

قال:أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

فقال عليه السّلام:أمّا إذا أقسمت عليّ بالله إنّي أقول:انّهم أخطأوا فيه السنّة فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصل الأصابع فيترك الكفّ.

قال:و ما الحجّة في ذلك؟

قال:قول رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:السجود علي سبعة أعضاء الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين فإذا قطع يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها،و قال الله تبارك و تعالي وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (1)يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا تدعو مع الله أحدا و ما كان لله لم يقطع، فأعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع.

قال ابن أبي داود:تمنّيت أنّي لم أك حيّا فصرت إلي المعتصم بعد ثالثة فقلت:إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليه السّلام عليّ واجبة و أنا اكلّمه بما أعلم إنّي أدخل به النار.

قال:و ما هو؟

قلت:إذا جمع أمير المؤمنين مجلسه فقهاء رعيّته لأمر واقع من امور الدّين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك و قد حضر مجلسه أهل بيته و قوّاده و وزراؤه و قد تسامع الناس بذلك ثمّ يترك أقاويلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامّة بإمامته و يدّعون أنّه أولي منه بمقامه ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء،فتغيّر لونه و انتبه لما نبّهته له فقال:جزاك الله عن نصيحتك خيرا،فأمر اليوم الرابع فلانا من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلي منزله فدعاه فأبي أن يجيبه و قال:لا أحضر مجالسكم.

فقال:إنّي إنّما أدعوك إلي الطعام و أحبّ أن تدخل منزلي فأتبرّك بذلك فقد أحبّ فلان ابن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه فلمّا طعم منها أحسّ بالسمّ فدعي بدابّته فسأله ربّ المنزل أن يقيم.

قال:خروجي من دارك خير لك فلم يزل يومه ذلك و ليلته حتّي قبض عليه السّلام (2).

*و رويت بنصّ آخر عن أحمد بن الفضل الخاقاني من آل رزين قال:قطع الطريق بجلولاء (3)علي السابلة (4)من الحجاج و غيرهم،و أفلت القطاع فبلغ الخبر المعتصم،فكتب إلي العامل له كان).

ص: 138


1- سورة الجن:18.
2- مدينة المعاجز:405/7،البحار:7/50 ح 7.
3- جلولاء:بالمد،طسوج من طساسيج السواد في طريق خراسان،بينها و بين خانقين سبعة فراسخ،و هو نهر عظيم يمتد إلي بعقوبا،و يجري بين منازل أهل بعقوبا و يحمل السفن إلي باجسراء.
4- السابلة:الطريق المسلوك،يقال:سبيل سابلة أي مسلوكة،و المارون عليه.أقرب الموارد:492/1(سبل).

بها:تأمر الطريق بذلك،فيقطع علي طرف اذن أمير المؤمنين،ثم انفلت القطّاع فإن أنت طلبت هؤلاء و ظفرت بهم و إلا أمرت بأن تضرب ألف سوط،ثم تصلب بحيث قطع الطريق.

قال:فطلبهم العامل حتي ظفر بهم و استوثق منهم،ثم كتب بذلك إلي المعتصم،فجمع الفقهاء و ابن أبي دؤاد،ثم سأل الاخرين عن الحكم فيهم،و أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السّلام حاضر.

فقالوا:قد سبق حكم الله فيهم في قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (1).

و لأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء فيهم.

قال:فالتفت إلي أبي جعفر عليه السّلام فقال له:ما تقول فيما أجابوا فيه؟

فقال:قد تكلم هؤلاء الفقهاء و القاضي بما سمع أمير المؤمنين.

قال:و أخبرني بما عندك؟

قال عليه السّلام:إنهم قد أضلوا فيما أفتوا به،و الذي يجب في ذلك أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق فإن كانوا أخافوا السبيل فقط،و لم يقتلوا أحدا،و لم يأخذوا مالا،آمر بإيداعهم الحبس،فإنّ ذلك معني نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل.و إن كانوا أخافوا السبيل،و قتلوا النفس،آمر بقتلهم.و إن كانوا أخافوا السبيل،و قتلوا النفس و أخذوا المال،آمر بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف،و صلبهم بعد ذلك.

قال:فكتب إلي العامل بأن يمثّل ذلك فيهم (2).

***

بين الإمام الجواد عليه السّلام و المتوكل

قال الأبي في نثر الدرر:محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام:نذر المتوكل في علة:إن وهب الله له العافية أن يتصدّق بمال كثير.فعوفي فأحضر الفقهاء و استفتاهم فكل منهم قال شيئا إلي أن قال محمد عليه السّلام:إن كنت نويت الدنانير فتصدق بثمانين دينارا،و إن كنت نويت الدراهم فتصدق بثمانين درهما.

فقال الفقهاء:ما نعرف هذا في كتاب و لا سنّة!

ص: 139


1- المائدة:33/5.
2- تفسير العياشي:314/1،ح 91.و البرهان:467/1،ح 16،و البحار:197/76،ح 13،بتفاوت يسير،و وسائل الشيعة:311/28،ح 34838،بتفاوت يسير.

فقال:بلي!قال الله عزّ و جلّ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (1)فعدّوا وقائع رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،ففعلوا فإذا هي ثمانون.

قيل:إن كانت وقعت للمتوكل فالجواب لعلي بن محمد عليه السّلام.فإنّ محمدا لم يلحق أيام المتوكل،و يجوز أن يكون له مع غيره من الخلفاء (2).

***

بعض أحوال المتوكل

روي أنه في سنة خمس و ثلاثين و مائتين في جمادي الآخرة كان هلاك إيتاخ في السجن، و ذلك أنه رجع من الحج فتلقّته هدايا الخليفة،فلما اقترب يريد دخول سامرا التي فيها المتوكل بعث إليه إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد عن أمر الخليفة يستدعيه إليها ليتلقّاه وجوه الناس و بني هاشم، فدخلها في أبّهة عظيمة،فقبض عليه إسحاق بن إبراهيم و علي ابنيه مظفر و منصور و كاتبيه سليمان بن وهب و قدامة بن زياد النصراني فأسلم تحت العقوبة،و كان هلاك إيتاخ بالعطش،و ذلك أنه أكل أكلا كثيرا بعد جوع شديد ثم استسقي الماء فلم يسق حتي مات ليلة الاربعاء لخمس خلون من جمادي الآخرة منها.

و مكث ولداه في السجن مدة خلافة المتوكل،فلما ولي المنتصر ولد المتوكل أخرجهما.

و في شوال منها قدم بغا سامراء و معه محمد بن البعيث و أخواه صقر و خالد و نائبه العلاء و معهم من رؤوس أصحابه نحو من مائة و ثمانين إنسانا فأدخلوا علي الجمال ليراهم الناس،فلما أوقف ابن البعيث بين يدي المتوكل أمر بضرب عنقه،فأحضر السيف و النطع فجاء السيافون فوقفوا حوله،فقال له المتوكل:ويلك ما دعاك إلي ما فعلت؟

فقال:الشقوة يا أمير المؤمنين،و أنت الحبل الممدود بين الله و بين خلقه،و إن لي فيك لظنين أسبقهما إلي قلبي أولاهما بك،و هو العفو.

ثم اندفع يقول بديهة:

أبي الناس إلا أنك اليوم قاتلي إمام الهدي و الصفح بالمرء أجمل

و هل أنا إلا جبلة من خطيئة و عفوك من نور النبوة يجبل

فإنك خير السابقين إلي العلي و لا شك أنّ خير الفعالين تفعل

فقال المتوكل:إن معه لأدبا.ثم عفا عنه.

ص: 140


1- التوبة:25.
2- كشف الغمة:368/2.

و يقال بل شفع فيه المعتز بن المتوكل فشفّعه،و يقال بل أودع في السجن في قيوده فلم يزل فيه حتي هرب بعد ذلك،و قد قال حين هرب:

كم قد قضيت أمورا كان أهملها غيري و قد أخذ الإفلاس بالكظم

لا تعذليني فيما ليس ينفعني إليك عني جري المقدور (1)بالقلم

سأتلف المال في عسر و في يسر إنّ الجواد يعطي علي العدم (2)

***

بين المتوكل و أهل الذمة

و روي أنّ المتوكل أمر أهل الذمة أن يتميّزوا عن المسلمين في لباسهم و عمائمهم و ثيابهم،و أن يتطيلسوا بالمصبوغ بالقلي و أن يكون علي عمائمهم رقاع مخالفة للون ثيابهم من خلفهم و من بين أيديهم،و أن يلزموا بالزنانير الخاصرة لثيابهم كزنانير الفلاحين اليوم،و أن يحملوا في رقابهم كرات من خشب كثيرة،و أن لا يركبوا خيلا،و لتكن ركبهم من خشب،إلي غير ذلك من الأمور المذلّة لهم المهينة لنفوسهم،و أن لا يستعملوا في شئ من الدواوين التي يكون لهم فيها حكم علي مسلم،و أمر بتخريب كنائسهم المحدثة،و بتضييق منازلهم المتّسعة،فيؤخذ منها العشر،و أن يعمل مما كان متسعا من منازلهم مساجدا،و أمر بتسوية قبورهم بالأرض،و كتب بذلك إلي سائر الأقاليم و الآفاق،و إلي كل بلد و رستاق.

و فيها خرج رجل يقال له محمود بن الفرج النيسابوري،و هو ممن كان يتردد إلي خشبة بابك و هو مصلوب فيقعد قريبا منه،و ذلك بقرب دار الخلافة بسر من رأي،فادّعي أنه نبي،و أنه ذو القرنين و قد اتّبعه علي هذه الضلالة و وافقه علي هذه الجهالة جماعة قليلون،و هم تسعة (3)و عشرون رجلا،و قد نظم لهم كلاما في مصحف له قبّحه الله،زعم أنّ جبريل جاءه به من الله،فأخذ فرفع أمره إلي المتوكل فأمر فضرب بين يديه بالسياط،فاعترف بما نسب إليه و ما هو معول عليه،و أظهر التوبة من ذلك و الرجوع عنه،فأمر الخليفة كل واحد من أتباعه التسعة و العشرين أن يصفعه فصفعوه عشر صفعات فعليه و عليهم لعنة رب الأرض و السموات.

ثم اتفق موته في يوم الإربعاء لثلاث خلون من ذي الحجة من هذه السنة (4).

ص: 141


1- في الطبري 35/11 و ابن الاثير 48/7:المقدار.
2- البداية و النهاية،ابن كثير:345/10.
3- في الطبري 38/11 و ابن الاثير 50/7:سبعة.
4- البداية و النهاية،ابن كثير:346/10.

و في يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة أخذ المتوكل علي الله العهد من بعده لأولاده الثلاثة و هم:محمد المنتصر،ثم أبو عبد الله المعتز،و اسمه محمد،و قيل الزبير،ثم لابراهيم و سمّاه المؤيد بالله (1)،و لم يل الخلافة هذا.و أعطي كل واحد منهم طائفة من البلاد يكون نائبا عليها و يستنيب فيها و يضرب له السكة بها،و قد عين ابن جرير ما لكل واحد منهم من البلدان و الأقاليم،و عقد لكل واحد منهم لواءين لواء أسودا للعهد،و لواء للعمالة،و كتب بينهم كتابا بالرضي منهم و مبايعته لأكثر الأمراء علي ذلك و كان يوما مشهودا (2).

و أتي المتوكل بيحيي بن عمر بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب من بعض النواحي،و كان قد اجتمع إليه قوم من الشيعة فأمر بضربه فضرب ثماني عشرة مقرعة ثم حبس في المطبق.و حجّ بالناس محمد بن داود (3).

***

بين الإمام الجواد عليه السّلام و يحيي بن أكثم

عن محمد بن عون النصيبي قال:لما أراد المأمون أن يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسي عليهم السّلام ابنته ام الفضل اجتمع عليه أهل بيته الادنين منه فقالوا:يا أمير المؤمنين ننشدك الله أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه،و تنزع عنا عزا قد ألبسنا الله،فقد عرفت الأمر الذي بيننا و بين آل علي عليه السّلام قديما و حديثا.

فقال المأمون:اسكتوا فو الله لا قبلت من أحد منكم في أمره.

فقالوا:يا أمير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيالم يتفقه في دين الله،و لا يعرف فريضة من سنة،و لا يميز بين الحق و الباطل؟-و لأبي جعفر عليه السّلام يومئذ عشر سنين،أو إحدي عشرة سنة-فلو صبرت عليه حتي يتأدب و يقرأ القرآن و يعرف فرضا من سنة.

فقال لهم المأمون:و الله إنه أفقه منكم،و أعلم بالله و برسوله و فرائضه و سننه و أحكامه،و أقرأ لكتاب الله،و أعلم بمحكمه و متشابهه و خاصّه و عامّه و ناسخه و منسوخه و تنزيله و تأويله منكم، فاسألوه فإن كان الأمر كما قلتم قبلت منكم في أمره،و إن كان كما قلت علمتم أنّ الرجل خير منكم.

فخرجوا من عنده و بعثوا إلي يحيي بن أكثم و أطمعوه في هدايا أن يحتال علي أبي جعفر عليه السّلام بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج.

ص: 142


1- في مروج الذهب 100/4:المستعين بالله.
2- البداية و النهاية،ابن كثير:346/10.
3- البداية و النهاية،ابن كثير:346/10.

فلما حضروا و حضر أبو جعفر عليه السّلام قالوا:يا أمير المؤمنين هذا يحيي بن أكثم إن أذنت له سأل أبا جعفر عليه السّلام عن مسألة.

فقال المأمون:يا يحيي سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه.

فقال يحيي:يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:قتله في حل أو في حرم؟عالما أو جاهلا؟عمدا أو خطأ؟عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا،مبدئا أو معيدا؟من ذوات الطير أو من غيرها؟من صغار الصيد أو من كبارها؟ مصرا عليها أو نادما؟بالليل في وكرها (1)أو بالنهار عيانا؟محرما للحج أو للعمرة؟

قال:فانقطع يحيي بن أكثم انقطاعا لم يخف علي أهل المجلس،و كثر الناس تعجبا من جوابه،و نشط المأمون،فقال:تخطب يا أبا جعفر؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم يا أمير المؤمنين.

فقال المأمون:الحمد لله إقرارا بنعمته،و لا إله إلا الله إخلاصا لعظمته،و صلّي الله علي محمد عند ذكره،و قد كان من فضل الله علي الانام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال:

وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (2) .

ثم إنّ محمد بن علي ذكر ام الفضل بنت عبد الله،و بذل لها من الصداق خمس مائة درهم، و قد زوّجت،فهل قبلت يا أبا جعفر؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم يا أمير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق،ثم أولم عليه المأمون،و جاء الناس علي مراتبهم في الخاص و العام.

قال فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاو باتهم،فإذا نحن بالخدم يجرّون سفينة من فضة فيها نسائج من أبريسم مكان القلوس،و السفينة مملوءة غالية فضمّخوا لحي أهل الخاص بها (3)ثم مدّوها إلي دار العامة فطيّبوهم.

فلما تفرق الناس قال المأمون:يا أبا جعفر إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب علي كل صنف من هذه الاصناف التي ذكرت في قتل الصيد.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم يا أمير المؤمنين،إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحل و الصيد منة.

ص: 143


1- الوكر:عش الطائر و موضعه.
2- سورة النور:32.
3- ضمخ و ضمخ جسده بالطيب:لطخه به حتي كانه يقطر.و في نسخة:فخضبوا اهل الخاص يها ثم مروا بها إلي دار العامة.

ذوات الطير من كبارها فعليه شاة و إذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا،و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم،و ليس عليه قيمته لأنه ليس في الحرم،و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمته لأنه في الحرم،فإذا كان من الوحوش فعليه في حمار وحش بدنة،و كذلك في النعامة،فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا،فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما،و إن كانت بقرة فعليه بقرة،فإن لم يقدر فعليه إطعام ثلاثين مسكينا،فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام،و إن كان ظبيا فعليه شاة،فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين،فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام،و إن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره،فإن كان في حج بمني حيث ينحر الناس،و إن كان في عمرة ينحره بمكة،و يتصدّق بمثل ثمنه حتي يكون مضاعفا.

و كذلك إذا أصاب أرنبا فعليه شاة،و إذا قتل الحمامة تصدق بدرهم،أو يشتري به طعاما لحمام الحرم،و في الفرخ نصف درهم،و في البيضة ربع درهم،و كل ما أتي به المحرم بجهالة فلا شي عليه فيه إلا الصيد،فإن عليه الفداء بجهالة كان أو بعلم،بخطأ كان أو بعمد،و كل ما أتي العبد فكفارته علي صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه،و كل ما أتي به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي عليه فيه، و إن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه،ليس عليه كفارة،و النقمة في الآخرة،و إن دلّ علي الصيد و هو محرم فقتل فعليه الفداء،و المصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة،و النادم عليه لا شي عليه بعد الفداء،و إذا أصاب الصيد ليلا في وكرها خطأ فلا شي عليه إلا أن يتعمده،فإن تعمد بليل أو نهار فعليه الفداء،و المحرم للحج ينحر الفداء بمني حيث ينحر الناس،و المحرم للعمرة ينحر بمكة.فأمر المأمون أن يكتب ذلك كله عن أبي جعفر عليه السّلام.

قال:ثم دعا أهل بيته الذين أنكروا تزويجه عليه فقال لهم:هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟

قالوا:لا و الله و لا القاضي.

ثم قال:ويحكم أهل هذا البيت خلّو منكم و من هذا الخلق،أو ما علمتم أنّ رسول الله صلي الله عليه و آله بايع الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما صبيان غير بالغين،و لم يبايع طفلا غيرهما؟أو ما علمتم أن أباه عليا عليه السّلام آمن بالنبي صلي الله عليه و آله و هو ابن عشر سنين؟و قبل الله و رسوله منه إيمانه و لم يقبل من طفل غيره،و لا دعا رسول الله صلي الله عليه و آله طفلا غيره إلي الإيمان؟أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجري لأولهم؟

فقالوا:صدقت يا أمير المؤمنين كنت أنت أعلم به منّا.

قال:ثم أمر المأمون أن ينثر علي أبي جعفر عليه السّلام ثلاثة أطباق رقاع زعفران و مسك معجون بماء الورد،و جوفها رقاع،علي طبق رقاع عمالات،و الثاني ضياع طعمة لمن أخذها،و الثالث فيه بدر،فأمر أن يفرّق الطبق الذي عليه عمالات علي بني هاشم خاصة،و الذي عليه ضياع طعمة علي

ص: 144

الوزراء،و الذي عليه البدر علي القواد،و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السّلام أيام حياته حتي كان يؤثره علي ولده (1).

فقال له المأمون:أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك،فإن رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام ليحيي:أسألك؟

قال:ذلك إليك جعلت فداك،فإن عرفت جواب ما تسألني عنه و إلاّ استفدته منك.

فقال أبو جعفر:أخبرني عن رجل نظر إلي امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له،فلمّا زالت الشمس حرمت عليه،فلمّا كان وقت العصر حلّت له:فلمّا غربت الشمس حرمت عليه،فلمّا دخلت عليه وقت عشاء الآخرة حلّت له،فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه،فلمّا طلع الفجر حلّت له،ما حال هذه المرأة و بماذا حلّت له،حرمت عليه.

فقال له يحيي بن أكثم:و الله ما أهتدي الي جواب هذا السؤال،و لا أعرف الوجه فيه،فإن رأيت أن تفيدناه؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:هذه أمة لرجل من النّاس نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له،فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه،فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له،فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له،فلمّا كان في نصف الليل طلّقها واحدة فحرمت عليه،فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له.

قال:فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم:هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب،أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال؟

قالوا:لا و الله إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأي.

فقال لهم:ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل،و إنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال،أما علمتم أنّ رسول الله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبيف.

ص: 145


1- تفسير القمي:169-172،و بحار الأنوار،العلامة المجلسي:384/10،و تحف العقول:451- 453،إلا أن فيه:و لأبي جعفر عليه السّلام تسع سنين.و فيه:ثم إن محمد بن علي خطب ام الفضل.و فيه:و أجاز الناس علي مراتبهم أهل الخاصة و اهل العامة و الاشراف و العمال و أوصل إلي كل طبعة برا علي ما يستحقه. و لم يذكر قصة السفينة.و فيه:و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ.و فيه:و كذلك إذا أصاب ارنبا أو ثعلبا فعليه شاة،و يتصدق بمثل ثمن شاة،و إن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به و درهم يشتري به علفا لحمام الحرم.إلي غير ذلك من الاختلاف.

طالب و هو ابن عشر سنين و قبل منه الإسلام،و حكم له به و لم يدع أحدا في سنّه غيره،و بايع الحسن و الحسين و هما ابنا دون ست سنين و لم يبايع صبيّا غيرهما؟أفلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم،و أنّهم ذريّة بعضها من بعض،يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟

قالوا:صدقت يا أمير المؤمنين.

ثمّ نهض القوم فلمّا كان من الغد حضر النّاس،و حضر أبو جعفر و سار القّواد و الحجاب و الخاصّة و العامّة لتهنئة المأمون و أبي جعفر،فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك، و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنيّة،و إقطاعات فأمر المأمون بنثرها علي القوم في خاصّته،فكان كلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه،فأطلق له،و وضعت البدر فنثر ما فيها علي القّواد و غيرهم،و انصرف النّاس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا،و تقدّم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين،و لم يزل مكرما لأبي جعفر معظّما لقدره مدّة حياته يؤثره علي ولده و جماعة أهل بيته (1).

قال المجلسي:بيان:المراد بابن الرّضا هو أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا،راقك منه أي عجبه و سرّه،الهدي بالفتح ثمّ السكون:السيرة و الهيئة و الطريقة و هو فاعل لقولهم راقك،علي مسألة يحيي بن أكثم،أي أن يستدعوا منه.و الدست بالفتح ثمّ السكون:الوسادة و يقال بالفارسيّة تشك.المسورة كمكنسة المتكأ من أدم.لجلج أي تردّد.اخطب جعلت فداك لنفسك:جعلت فداك معترضة وقعت في البين و لنفسك متعلق بقوله:اخطب جيادا جمع الجيّد،و هو ضدّ الرّديّ.

و الأبريسم معرّب أبريشم.العجل كالأجل:الآلة التي تحمل عليها الأثقال و يقال بالفارسية:گاري.

الغالية:الطيب.ظاهر منها:أي قال لها:ظهرك عليّ كظهر أمي كما بيّن في الفقه (2).

و في كتاب الإحتجاج روي أنّ المأمون بعدما زوّج ابنته امّ الفضل أبا جعفر عليه السّلام كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السّلام و يحيي بن أكثم و جماعة كثيرة فقال له يحيي:ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أنّه نزل جبرئيل عليه السّلام علي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قال:يا محمّد إنّ الله عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:سل أبا بكر هل هو عنّي راض فإنّي عنه راض.

فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حجّة الوداع:قد كثرت عليّ الكذّابة و ستكثر فمن كذّب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله عزّ و جلّ و سنّتي فما وافق كتاب الله و سنّتي فخذوا به و ما خالف كتاب الله و سنّتي فلا تأخذوا به و ليس يوافق هذا الخبر كتاب الله،قال الله تعالي: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ7.

ص: 146


1- الإرشاد:288/2،و مدينة المعاجز:356/7،و تحف العقول:454.
2- بحار الأنوار:العلامة المجلسي:385/10-387.

اَلْوَرِيدِ (1) فالله عزّ و جلّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتّي سأل عن مكنون سرّه؟هذا مستحيل في العقول.

ثمّ قال يحيي بن أكثم و قد روي أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء فقال:و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه،لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان لله مقرّبان لم يعصيا الله قط و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة و هما قد أشركا بالله عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك فمحال أن يشبّههما بهما.

و قد روي أيضا أنّهما سيّدا كهول الجنّة فما تقول فيه؟

فقال عليه السّلام:و هذا الخبر محال أيضا،لأنّ أهل الجنّة يكونون كلّهم شبابا و لا يكون فيهم كهل و هذا الخبر وضعه بنو اميّة لمضادّة الخبر الذي قاله رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في الحسن و الحسين أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال يحيي بن أكثم:و روي أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة.

فقال عليه السّلام:و هذا أيضا محال،لأنّ في الجنّة ملائكة الله المقرّبين و آدم و نوح و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضيء بأنوارهم حتّي تضيء بنور عمر.

فقال يحيي:و قد روي أنّ السكينة تنطق بلسان عمر.

فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل عمر و لكن أبا بكر أفضل من عمر و قال علي رأس المنبر:إنّ لي شيطانا يعتريني فإذا ملت فسدّدوني.

فقال يحيي:و قد روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:لو لم أبعث لبعث عمر.

فقال عليه السّلام:كتاب الله أصدق من هذا الحديث يقول الله في كتابه: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ (2)فقد أخذ الله ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه و كان الأنبياء عليهم السّلام لم يشكّوا طرفة عين فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك و كان أكثر أيّامه مع الشرك بالله.

و قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:نبئت و آدم بين الروح و الجسد.

فقال يحيي:و قد روي أيضا أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:ما احتبس الوحي عنّي قط إلاّ ظننته قد نزل علي آل الخطّاب.

فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا فإنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ في نبوّته،قال الله تعالي: يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ (3)فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن اصطفاه الله تعالي إلي من أشرك به.5.

ص: 147


1- سورة ق:16.
2- سورة الأحزاب:7.
3- سورة الحج:75.

قال يحيي:روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:لو نزل العذاب لما نجي منه إلاّ عمر.

قال عليه السّلام:و هذا أيضا محال إنّ الله تعالي يقول: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1)،فأخبر أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و ما داموا يستغفرون الله تعالي (2).

***

بين الإمام الجواد عليه السّلام و عمه علي بن جعفر

الكافي عن محمّد بن الحسن بن عمّار قال:كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالسا بالمدينة أكتب عنه ما سمعه من أخيه إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن علي الرضا مسجد رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء و لا رداء فقبّل يده و عظّمه فقال له أبو جعفر:يا عمّ إجلس رحمك الله.

فقال:يا سيّدي كيف أجلس و أنت قائم،فلمّا رجع علي بن جعفر إلي مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه و يقولون:أنت عمّ أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل.

فقال:اسكتوا إذا كان الله عزّ و جلّ،و قبض لحيته لم يؤهل هذه الشيبة و أهّل هذا الفتي و وضعه حيث وضعه أنكر فضله نعوذ بالله ممّا تقولون بل أنا له عبد (3).

***

بعض أدعية الجواد عليه السّلام و أحرازه و عوذاته

عوذته لابنه

في مهج الدعوات عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني أنّ أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السّلام كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن علي بن محمد عليه السّلام،و هو صبي في المهد و كان يعوّذه بها،و يأمر أصحابه بها.

حرزه عليه السّلام:

بسم الله الرحمن الرحيم،لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم،الّلهم رب الملائكة و الروح و النبيين و المرسلين،و قاهر من في السموات و الأرضين و خالق كل شي و مالكه،كفّ عنا بأس أعدائنا و من أراد بنا سوءا من الجن و الإنس و أعم أبصارهم و قلوبهم و اجعل بيننا و بينهم حجابا

ص: 148


1- سورة الأنفال:33.
2- البحار:83/50 ح 6.
3- مدينة المعاجز:281/7،و البحار:102/25 ح 3.

و حرسا و مدفعا إنك ربنا لا حول و لا قوة لنا إلا بالله،عليه توكلنا و إليه أنبنا و إليه المصير. رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1).

ربنا عافنا من كل سوء،و من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها،و من شر ما يسكن في الليل و النهار،و من شر كل ذي شر،رب العالمين،و إله المرسلين صل علي محمد و آله أجمعين، و أوليائك،و خص محمدا و آله أجمعين بأتم ذلك،و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.بسم الله و بالله،أو من بالله،و بالله أعوذ،و بالله أعتصم،و بالله أستجير،و بعزة الله و منعته أمتنع من شياطين الإنس و الجن،و رجلهم و خيلهم،و ركضهم و عطفهم و رجعتهم و كيدهم و شرهم و شر ما يأتون به تحت الليل و تحت النهار،من القرب و البعد،و من شر الغائب و الحاضر،و الشاهد و الزائر، أحياء و أمواتا أعمي و بصيرا و من شر العامة و الخاصة،و من شر نفس و وسوستها،و من شر الدناهش و الحس و اللمس و اللبس،و من عين الجن و الإنس،و بالإسم الذي اهتز به عرش بلقيس.

و أعيذ ديني و نفسي و جميع ما تحوطه عنايتي من شر كل صورة أو خيال أو بياض أو سواد أو تمثال أو معاهد أو غير معاهد ممن يسكن الهواء و السحاب،و الظلمات و النور،و الظل و الحرور، و البر و البحور،و السهل و الوعور،و الخراب و العمران و الآكام و الآجام،و الغياض،و الكنائس و النواويس،و الفلوات و الجبانات،و من شر الصادرين و الواردين،ممن يبدو بالليل،و يستتر بالنهار، و بالعشي و الإبكار و الغدو و الآصال،و المريبين و الأسامرة،و الأفاترة و الفراعنة و الأبالسة،و من جنودهم و أزواجهم و عشائرهم و قبائلهم و من همزهم و لمزهم و نفثهم و وقاعهم و أخذهم و سحرهم و ضربهم و عبثهم و لمحهم و احتيالهم و اختلافهم و من شر كل ذي شر من السحرة و الغيلان و أم الصبيان و ما ولدوا و ما وردوا،و من شر كل ذي شر داخل و خارج،و عارض و متعرض،و ساكن و متحرك،و ضربان عرق،و صداع و شقيقة و أم ملدم،و الحمي و المثلثة و الربع و الغب و النافضة و الصالبة و الداخلة و الخارجة،و من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنك علي صراط مستقيم،و صلي الله علي نبيه محمد و آله الطاهرين (2).

***

حرز الإمام الجواد عليه السّلام

روي السيد بن طاووس رحمه الله:عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسي بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن علي عليهم السّلام قالت:...قال ياسر:فلما أصبح أبو جعفر عليه السّلام بعث إلي فدعاني،

ص: 149


1- الممتحنة:5.
2- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:361/19،و مهج الدعوات:53،و مصباح المتهجد:ص 499،ح 581.

فلما صرت إليه و جلست بين يديه،دعا برق ظبي من أرض تهامة (1)،ثم كتب بخطه هذا العقد.

ثم قال:يا ياسر!إحمل هذا إلي أمير المؤمنين و قل له:حتي يصاغ له قصبة من فضة منقوش عليها ما أذكره بعده.فإذا أراد شده علي عضده،فليشدّه علي عضده الأيمن.و ليتوضأ وضوء حسنا سابغا،و ليصل أربع ركعات،يقرأ في كل ركعة(فاتحة الكتاب)مرة،و سبع مرات آية(الكرسي)، و سبع مرات شَهِدَ اللّهُ (2)،و سبع مرات وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها، و سبع مرات وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي، و سبع مرات قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ.

فإذا فرغ منها فليشدّه علي عضده الأيمن عند الشدائد و النوائب،يسلم بحول الله و قوته من كل شي يخافه و يحذره،و ينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب،و لو أنه غزي أهل الروم و ملكهم،لغلبهم بإذن الله،و بركة هذا الحرز.

و روي:أنه لما سمع المأمون من أبي جعفر عليه السّلام في أمر هذا الحرز و هذه الصفات كلها، غزي أهل الروم فنصره الله تعالي عليهم،و منح منهم من المغنم ما شاء الله،و لم يفارق هذا الحرز عند كل غزاة و محاربة،و كان ينصره الله عزّ و جلّ بفضله،و يرزقه الفتح بمشيئته،إنه ولي ذلك بحوله و قوته.

و الحرز هو:(بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد للّه ربّ العالمين)إلي آخرها.(ألم تر أنّ الله سخّر لكم ما في الأرض و الفلك تجري في البحر بأمره و يمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه،إنّ الله بالناس لرءوف رحيم) (3).

أنت الواحد الملك الديان يوم الدين،تفعل ما تشاء بلا مغالبة،و تعطي من تشاء بلا من، و تفعل ما تشاء و تحكم ما تريد،و تداول الأيام بين الناس،و تركبهم طبقا عن طبق،أسألك باسمك المكتوب علي سرادق (4)المجد.

و أسألك باسمك المكتوب علي سرادق السرائر،السابق الفائق الحسن الجميل النصير،رب الملائكة الثمانية،و العرش الذي لا يتحرك،و أسألك بالعين التي لا تنام،و بالحياة التي لا تموت، و بنور وجهك الذي لا يطفأ.و بالإسم الأكبر،الأكبر،الأكبر،و بالإسم الأعظم،الأعظم، الأعظم،الذي هو محيط بملكوت السماوات و الأرض.و بالإسم الذي أشرقت به الشمس،و أضاء به القمر،و سجّرت به البحور،و نصبت به الجبال،و بالإسم الذي قام به العرش و الكرسي،و باسمك).

ص: 150


1- تهامة:اسم مكة،و قيل:تهامة ما بين ذات عرق إلي مرحلتين من وراء مكة.و قال الأصمعي:التهمة: الأرض المتصوبة إلي البحر.لسان العرب:72/12،73،74(تهم).
2- آل عمران:18/3-19.
3- الحج:65.
4- سرادق:كل ما أحاط شي نحو الشقة في المضرب،أو الحائط المشتمل علي الشيء.لسان العرب:/10 157(سردق).

المكتوب علي سرادق العرش،و بالإسم المكتوب علي سرادق العزة.و باسمك المكتوب علي سرادق العظمة،و باسمك المكتوب علي سرادق البهاء.و باسمك المكتوب علي سرادق القدرة، و باسمك العزيز.و بأسمائك المقدسات المكرمات المخزونات في علم الغيب عندك.

و أسألك من خيرك خيرا مما أرجو.و أعوذ بعزتك و قدرتك من شر ما أخاف و أحذر،و ما لا أحذر.يا صاحب محمد يوم حنين،و يا صاحب علي يوم صفين،أنت يا رب مبير الجبارين، و قاصم المتكبرين،أسألك بحق طه،و يس،و القرآن العظيم،و الفرقان الحكيم،أن تصلي علي محمد و آل محمد،و أن تشد به عضد صاحب هذا العقد.و أدرأ بك في نحر كل جبار عنيد،و كل شيطان مريد،و عدو شديد،و عدو منكر الأخلاق،و اجعله ممن أسلم إليك نفسه،و فوض إليك أمره،و ألجأ إليك ظهره.

اللهم بحق هذه الأسماء التي ذكرتها و قرأتها،و أنت أعرف بحقها مني.

و أسألك يا ذا المن العظيم،و الجود الكريم،ولي الدعوات المستجابات،و الكلمات التامات،و الأسماء النافذات.

و أسألك يا نور النهار،و يا نور الليل،و يا نور السماء و الأرض،و نور النور،و نورا يضي به كل نور،يا عالم الخفيات كلها،في البر و البحر،و الأرض،و السماء،و الجبال.

و أسألك يا من لا يفني،و لا يبيد و لا يزول،و لا له شي موصوف،و لا إليه حد منسوب،و لا معه إله،و لا إله سواه،و لا له في ملكه شريك،و لا تضاف العزة إلا إليه.لم يزل بالعلوم عالما، و علي العلوم واقفا،و للأمور ناظما،و بالكينونية (1)عالما،و للتدبير محكما،و بالخلق بصيرا، و بالأمور خبيرا.

أنت الذي خشعت لك الأصوات،و ضلّت فيك الأحلام،و ضاقت دونك الأسباب،و ملأ كل شي نورك،و وجل كل شي منك،و هرب كل شي إليك،و توكّل كل شي عليك.و أنت الرفيع في جلالك،و أنت البهي في جمالك،و أنت العظيم في قدرتك.و أنت الذي لا يدركك شي،و أنت العلي الكبير العظيم،مجيب الدعوات،قاضي الحاجات،مفرّج الكربات،ولي النعمات.

يا من هو في علوه دان،و في دنوه عال،و في إشراقه منير،و في سلطانه قوي،و في ملكه عزيز.صل علي محمد و آل محمد،و احرس صاحب هذا العقد،و هذا الحرز،و هذا الكتاب، بعينك التي لا تنام،و اكنفه بركنك الذي لا يرام،و ارحمه بقدرتك عليه،فإنه مرزوقك.

بسم الله الرحمن الرحيم،بسم الله و بالله،لا صاحبة له و لا ولد،بسم الله قوي الشأن، عظيم البرهان،شديد السلطان،ما شاء الله كان،و ما لم يشأ لم يكن.).

ص: 151


1- الكينونية:الكائنة:الحادثة.و كون الشئ:أحدثه.لسان العرب:13 ص 364(كون).

أشهد أنّ نوحا رسول الله،و أنّ إبراهيم خليل الله،و أنّ موسي كليم الله و نجيه.و أنّ عيسي بن مريم صلوات الله عليه و عليهم أجمعين كلمته و روحه.و أنّ محمدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم خاتم النبيين،لا نبي بعده.

و أسألك بحق الساعة التي يؤتي فيها بإبليس اللعين يوم القيامة،و يقول اللعين في تلك الساعة:

و الله ما أنا إلا مهيج مردة.الله نور السماوات و الأرض،و هو القاهر،و هو الغالب،له القدرة السابقة،و هو الحكيم الخبير.

اللهم و أسألك بحق هذه الأسماء كلها و صفاتها و صورها،و هي:...

و في بعض النسخ المعتبرة تكون بهذه الصورة:سبحان الذي خلق العرش و الكرسي و استوي عليه،أسألك أن تصرف عن صاحب كتابي هذا كل سوء و محذور،فهو عبدك و ابن عبدك،و ابن أمتك،و أنت مولاه،فقه اللهم يا رب الأسواء كلها،و اقمع عنه أبصار الظالمين و ألسنة المعاندين و المريدين له السوء و الضر،و ادفع عنه كل محذور و مخوف،و أي عبد من عبيدك،أو أمة من إمائك،أو سلطان مارد،أو شيطان أو شيطانة،أو جني أو جنية،أو غول (1)أو غولة،أراد صاحب كتابي هذا بظلم أو ضر أو مكر أو مكروه أو كيد أو خديعة أو نكاية أو سعاية أو فساد أو غرق أو اصطلام (2)أو عطب أو مغالبة أو غدر أو قهر أو هتك ستر أو اقتدار أو آفة أو عاهة أو قتل أو حرق أو انتقام أو قطع أو سحر أو مسخ أو مرض أو سقم أو برص أو جذام أو بؤس أو آفة أو فاقة أو سغب (3)أو عطش أو وسوسة أو نقص في دين أو معيشة.فاكفنيه بما شئت،و كيف شئت،و أني شئت،إنك علي كل شي قدير،و صلي الله علي سيدنا محمد و آله أجمعين و سلم تسليما كثيرا،و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم،و الحمد لله رب العالمين.

فأما ما ينقش علي هذه القصبة،من فضة غير مغشوشة:(يا مشهورا في السموات،يا مشهورا في الأرضين،يا مشهورا في الدنيا و الآخرة،جهدت الجبابرة و الملوك علي إطفاء نورك،و إخماد ذكرك،فأبي الله إلا أن يتم نورك،و يبوح بذكرك،و لو كره المشركون).

قال:و رأيت في نسخة:و أبيت إلا أن يتم نورك (4).

و قال السيد بن طاووس(رحمه الله):حرز آخر للتقي عليه السّلام،بغير تلك الرواية:(يا نور يا2.

ص: 152


1- كل ما أهلك الأنسان فهو غول،و الغول أحد الغيلان،و هي جنس من الشياطين و الجن.لسان العرب: 508/11(غول).
2- اصطلام:إذا ابيد قوم من اصلهم،لسان العرب:340/12(صلم).
3- سغب:الجوع،لسان العرب:468/1(سغب).
4- مهج الدعوات:52،و البحار:95/50،ح 9،باختصار،و ج 268/55،ح 53،قطعة منه،و ج /91 354،ح 1،أورده بتمامه،و موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام،السيد الحسيني القزويني:491/2.

برهان،يا مبين يا منير،يا رب اكفني الشرور،و آفات الدهور،و أسألك النجاة يوم ينفخ في الصور) (1).

***

الولاية التشريعية لآل محمد عليهم السّلام

اشارة

«تعريفها»:هي كون زمام الأمور الشرعية بيد شخص يمكنه التصرف به متي أراد و شاء،فيكون الولي مالكا و متسلطا علي الغير في نفسه و ماله.

و ينتج عن ذلك وجوب طاعة الولي،و امتثال أوامره في الحياة الدينية،الإدارية و السياسية و الإجتماعية،بل و كل الأشياء و الأمور التي تحصل في محيط حياة الانسان بشكل لو لم يكن الإنسان لما طرحت هذه الأمور أصلا.

و ليعلم أن الولاية التشريعية عين رسالة و نبوة الأنبياء و ذلك أن هناك:

1-التقنين.

2-التنفيذ.

3-و الابلاغ و الهداية.

فالتقنين اصله بيد الله،و ضمن ولايته التشريعية الشاملة لكل إنسان علي حدّ سواء،المؤمن و الكافر،بل و غير الإنسان كالجن و الشيطان كما يأتي.

و التنفيذ و الإبلاغ و الهداية بيد صاحب التشريع من نبي و إمام عليهم السّلام.

و ما يأتي من إثبات التفويض للنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمة لا يعد تقنينا صادرا فيه،إنما هو معناه إذن الله للنبي في أمور تشريعية،و تسليمه هذه القوانين بالوحي الإلهي و تبليغها للانسان: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي » (2).

فليس مرادنا عند إثبات التشريع للنبي و أهل بيته عليهم السّلام أن نثبت لهم ذلك بالإستقلال،بل لهم أن يشرعوا باذن الله تعالي و تحت سلطانه.

مراتب الولاية:

و الولاية التشريعية في الواقع منحصرة بالله تعالي،بيد أنه سبحانه أسندها الي أوليائه و انبيائه، فمن أجل ذلك لا بأس بعرض مراتب الولاية التشريعية.

ص: 153


1- مهج الدعوات:ص 60،و البحار:361/91.
2- النجم:3-4.

ولاية الله التشريعية:

قال تعالي: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ (1)لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (2)لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (3).

و قال: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ (4).

و قال: ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ (5).

أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ (6) .

قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا (7) .

...وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ (8) .

و قال: لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ (9).

و هذه الآيات تشير الي انحصار الولاية في الله تعالي،و أنّ مرجع الأمور جميعا لله،و أنّ من يعتبر غير الله وليا فقد كفر.

و ولاية الله علي مراتب فمنها ما يعم الكافر و المؤمن و الجن و الانس و الشياطين و هي ولاية الربوبية و أن كل مخلوق تحت ولاية الله.

و منها ولاية المؤمنين عامة قال تعالي: اَللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا... (10).

و منها ولاية لخواص المؤمنين قال تعالي: إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّي الصّالِحِينَ (11).

و هذه الولاية و التي قبلها هي رحمة و عناية خاصة من الله تجاه أوليائه و انبيائه أو محبته و لطفه و نصرته علي المؤمنين.

قال تعالي: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النُّورِ (12).

أقسام الولاية:

ولاية الله التشريعية علي اقسام،و إن شئت قلت علي مظاهر:فولاية النبي و آله الاطهار مظهر من مظاهر هذه الولاية.

ص: 154


1- الأنعام:57.
2- الرعد:41.
3- الأنعام:57.
4- الشوري:9.
5- السجدة:4.
6- الكهف:102.
7- الأنعام:14.
8- هود:20.
9- سبأ:22.
10- آية الكرسي البقرة:257.
11- الأعراف:196.
12- البقرة:257.

و ولاية الفقهاء و العلماء مظهر أخر من مظاهر هذه الولاية.

و ولاية الوالدين علي الأولاد مظهر منها أيضا،و ولاية الزوج علي زوجته و قيوميته كذلك،نعم فرق بين هذه الولايات و بين الولاية التشريعية.

و ولاية النبي و آله الاطهار عليهم السّلام هي محط دراستنا هنا،أما ولاية الوالدين و الزوج فقد أتينا علي ذكرها في كتابنا عبرة أولي الالباب،و هي خارجة علي مقصود البحث.

إمكان جعل الولاية التشريعية لغير الله

تقدم انحصار الولاية بالله الواحد القهار،و قلنا إن الولاية علي اقسام و مراتب،فأما ولاية الربوبية فهي غير قابلة للجعل و التفويض لاحد من الخلق،لان ما عدا الله لا يستطيع بالاستقلال أن يتولي أمور الربوبية،و إلاّ أشرك بالله تعالي.

أما ولاية التقنين فأيضا غير قابلة للتفويض بالاستقلال،بمعني أن الله هو المقنن الوحيد و الأول،نعم الأنبياء يبرزون هذا التقنين:إما بالوحي أو بالالهام أو بالمباشرة.

و تبقي ولاية الهداية و التنفيذ و الابلاغ،فهذه قد اسندها الله تعالي لانبيائه و أوليائه،اذ هي الطريق الوحيد لإيصال التشريع الي المخلوقات.

و عليه فالولاية التشريعية في مجال الهداية و الابلاغ و التنفيذ،اما التقنين فإن كان بالاستقلال فممنوع لرجوعه الي ولاية الربوبية،و إن كان بإذن الله تعالي،كأن يفوض الله إلي أنبيائه عدد النوافل مثلا،فهو مقبول،بل واقع كما يأتي في روايات التفويض الي رسول الله و آله الأطهار عليهم السّلام.

و عليه فإمكان جعل و تفويض الولاية التشريعية من ضروريات عبودية الله لتوقف الطاعة و الاتصال بالله تعالي عليها.

و من هنا يعلم أن الولاية جعلية،و أن الجاعل لها هو الله تعالي،و توضيح ذلك:

إثبات أن الجاعل للولاية الله

اشارة

في جاعل الخلافة و الامامة خلاف فبين قائل:إن الجاعل هو الله،و من قائل:إن الجاعل هو رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و من قائل:إن الجاعل هو الامة،و من قائل:إن الجاعل هم طائفة من الامة:اما من قريش و اما من غيرها.

سوف نثبت و باختصار إن الجاعل هو الله سبحانه و تعالي و ذلك من طريقين:

ص: 155

الطريق الأول:

القرآن الكريم

و ذلك بآيات:

-الآية الأولي قوله تعالي: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (1).

حيث جعل سبحانه مسألة خلافة الأرض من شأنه،و هو الذي يجعل الخليفة و الإمام،بيده ملكوت كل شيء.

لذا ابراهيم عليه السّلام لم يسأل عن هذا الجعل،بل اخذه كمسألة مسلمة،إنما أخذ يسأل هل الجعل هذا يشمل ذريتي؟

فأجابه سبحانه بأنه يشملهم الاّ الظالمين.

و سوف يأتي التفصيل في هذه الآية عند الكلام علي تواتر كون الائمة من بني هاشم في الكتاب الخامس.

-الآية الثانية قوله تعالي: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (2).

فأخبر سبحانه و تعالي الملائكة انه سوف يعمل صلاحيته في جعل الخليفة.

3-الآية الثالثة قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ (3).

فأخبر سبحانه عن داود و انه خاطب قومه الذين ارادوا ان يعترضوا علي جعل جالوت قائدا عليهم،أخبرهم أنّ الله هو الذي جعله عليكم قائدا،و اصطفاه للخصوصيات الموجودة فيه،و هي الأفضلية:و الأفضل يقدم علي المفضول في كل شيء.

4-الآية الرابعة: وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (4).

فطلبوا الجعل من الله سبحانه و تعالي.

5-الآية الخامسة: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَي النّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي (5).

فالإصطفاء كان من الله تعالي و بيده.

ص: 156


1- البقرة:124.
2- البقرة:30.
3- البقرة:247.
4- الفرقان:74.
5- الأعراف:144.

الطريق الثاني:

الروايات الشريفة

كالمروي في قصة نزول آية سَأَلَ سائِلٌ عندما عيّن رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عليا خليفة يوم غدير خم فاعترض الحرث و قال:يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أنّ لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقبلناه منك،و أمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك،ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا حتي نصبت هذا الغلام-حتي ترفع علينا علي بن أبي طالب و قلت:«من كنت مولاه فعلي مولاه»فهذا شيء منك أم من الله؟!

فأجابهم النبي الأكرم أنه من الله تعالي (1).

و كالمروي عن حذيفة قال:كنت و الله جالسا بين يدي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قد نزل بنا غدير خمّ و قد غصّ المجلس بالمهاجرين و الانصار،فقام رسول الله علي قدميه فقال:«يا أيها الناس إن الله أمرني بأمر فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (2)ثم نادي علي بن أبي طالب فأقامه عن يمينه،ثم قال:يا أيها الناس ألم تعلموا اني أولي منكم بأنفسكم؟».

فقالوا:اللهم نعم.

قال:«من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله».

فقال حذيفة:فو الله لقد رأيت معاوية قام و تمطي و خرج مغضبا واضعا يمينه علي عبد الله بن قيس الاشعري و يساره علي المغيرة بن شعبة،ثم قام يمشي متمطئا و هو يقول:لا نصدق محمدا علي مقالته و لا نقر لعلي بولايته.

فأنزل الله تعالي: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّي وَ لكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّي ثُمَّ ذَهَبَ إِلي أَهْلِهِ يَتَمَطّي (3)فهمّ به رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ان يرده فيقتله،فقال له جبرائيل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (4)فسكت عنه (5).

فالله سبحانه و تعالي هو المتكفل بجعل خليفة رسول الله،و هو الذي أمر رسوله بهذا الأمر و لم يدع الأمة أو بعضها تختار في ذلك لعلمه باختلاف آرائهم و قرب عهدهم بالجاهلية،و علمه بأصحاب المصالح الشخصية المحيطين برسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و كذلك بالمنافقين.

ص: 157


1- راجع شواهد التنزيل:286/2،و نور الابصار:159،و الفصول المهمة:41،و الغدير:240/1 و 229 و 241 و 242 و 244،و الطرائف:152/1،و نور الثقلين:411/5.
2- المائدة:67.
3- القيامة:33.
4- القيامة:16.
5- شواهد التنزيل:391/2 ح 1041.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«ان الوصيّة نزلت من السماء علي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كتابا و لم ينزل علي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كتاب مختوم إلا الوصية،فقال جبرائيل:يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك» (1).

فكأنه كان مسلّما أن من بيده جعل الإمام و الخليفة هو الله تعالي.

***

أدلة الولاية التشريعية

بعد أن ثبت إمكان جعل الولاية التشريعية،و أنها جعلية من الله و تقدم نموذج من جعلها للأنبياء،وصل بنا الكلام الي التحدث عن ولاية آل محمد و أدلة تلك الولاية و حدودها و سعتها.

فمن الآيات قوله تعالي: وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ (2).

فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّي يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (3) .

ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (4) .

وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (5) .

فهذه الآيات و نحوها تفيد أن الله قد منح نبيه تحريم بعض الاشياء و تحليل بعض،أو الحكم بين الناس بما أمره،و ان أمر الرسول و ارادته مقدمة علي إرادة المكلف،و وجوب الإلتزام و تنفيذ كل ما يصدر عنه صلوات الله عليه.

و هذا نوع من التفويض لرسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في الأمور الشرعية،و قد طبقه رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في الصدر الأول،فكان يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث بإذن الله تعالي،و هكذا بالنسبة لكثير من الأمور الشرعية:و التي يأتي بعضها في دليل الروايات.

*و من الروايات:ما تقدم في بحث الولاية التكوينية من الطوائف التي كانت تثبت لهم التفويض المطلق الأعم من التكويني و التشريعي

و منها ما روي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:«كان علي عليه السّلام إذا ورد عليه أمر لم ينزل به كتاب و لا سنة رجم فأصاب» (6).

ص: 158


1- أصول الكافي:279/1 باب ان الائمة لم يفعلوا شيئا إلا بعهد من الله.
2- الأعراف:157.
3- النساء:65.
4- الأحزاب:36.
5- الحشر:7.
6- الإختصاص:310.

و عنه عليه السّلام:«الأئمة مفوض اليهم فما أحلوا فهو حلال و ما حرموا فهو حرام» (1).

و عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:«إن الله أدب نبيه فأحسن أدبه فلما تأدب فوض إليه،فحرم الله الخمر،و حرم رسول الله كل مسكر،فأجاز الله ذلك له،و حرم الله مكة و حرم رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم المدينة،فأجاز الله ذلك له،و فرض الله الفرائض من الصلب و أطعم رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الجد،فأجاز الله ذلك له.

ثم قال:يا فضيل حرف و ما حرف!و من يطع الرسول فقد أطاع الله» (2).

و في رواية قريبة زاد:«و لم يفوض إلي أحد من الأنبياء غيره» (3).

و عنه عليه السّلام:«لا و الله ما فوض الله عزّ و جلّ الي أحد من خلقه إلا إلي رسول الله»صلّي اللّه عليه و اله و سلّم«و إلي الائمة»عليهم السّلام فقال في كتابه: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ و هي جارية في الأوصياء» (4).

و عنه عليه السّلام:«إذا رأيتم القائم قد أعطي رجلا مائة ألف درهم و أعطاك درهما فلا يكبرن ذلك في صدرك فإن الأمر مفوض إليه» (5).

و عنه أيضا عليه السّلام:إن الله أدب نبيه علي أدبه فلما انتهي به إلي ما أراد قال له: إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ ففوض إليه دينه» (6).

و في لفظ:«إن الله فوض إلي محمد نبيه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

فقال رجل:انما كان رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مفوضا إليه في الزرع و الضرع.

فلوي الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عنه عنقه مغضبا فقال:«في كل شيء و الله في كل شيء» (7).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«وضع رسول الله دية العين و دية النفس و دية الأنف و حرم النبيذ و كل مسكر».

فقال له رجل:فوضع هذا رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من غير أن يكون جاء فيه شيء؟4.

ص: 159


1- الإختصاص:330.
2- الإختصاص:310.
3- بصائر الدرجات:378 باب التفويض الي رسول الله ح 3.
4- الإختصاص:331،و بصائر الدرجات:386 ح 12.
5- الإختصاص:332.
6- بصائر الدرجات:380 باب التفويض ح 9.
7- بصائر الدرجات:379 باب التفويض ح 4.

قال:«نعم،ليعلم من يطع الرسول و من يعصيه» (1).

و عنه عليه السّلام:«إن الله خلق محمدا عبدا فأدبه حتي إذا ابلغ اربعين سنة أوحي إليه و فوض إليه الأشياء»فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (2).

و عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال:«يا محمد إن الله لم يزل متفردا بوحدانيته،ثم خلق محمدا و عليا و فاطمة فمكثوا الف دهر،ثم خلق جميع الاشياء فأشهدهم خلقها و اجري طاعتهم عليها و فوض امورها اليهم،فهم يحللون ما يشاؤون و يحرمون ما يشاؤون و لن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك و تعالي» (3).

هذا نموذج من روايات التفويض إلي رسول الله و آله الأطهار عليهم السّلام في الأمور الشرعية.و هناك روايات أخري كثيرة فلتراجع (4).

بل كثير من الآيات القرآنية التي لم تبين المراد منها،و التي قام النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بتبيينها شاهد علي ذلك،كالصلاة فإنه لم يبين القرآن عدد ركعاتها و الزكاة لم يبين مقدارها و الحد و التعزيرات و ما الي ذلك.

و علي هذا تكون الأدلة الروائية مستفيضة كما ذكر العلامة المجلسي (5)في اثبات تفويض الأمور الشرعية الي رسول الله و آله الاطهار عليهم السّلام و كل ذلك بإذن الله تعالي،بعد أن أدب نبيه و آله الأطهار،فاصبحوا لا يشاؤون إلا ما شاء الله.

و لا يلزم من ذلك الغلو و لا شيء من صفات الله بعد أن عرفت في بحث الولاية التكوينية بما لا مزيد عليه:أن ولايتهم ترجع الي ولاية الله و أنها مظهر لحكومة الحق تعالي.

فكذلك الولاية التشريعية لهم تكون مظهرا لتشريعات الله تعالي،و يجري فيه أيضا مسألة الإذن الإلهي في التشريع بنحو ما في الولاية التكوينية.

و أما مسألة سعة و حدود هذه الولاية،فهو ما نصّت عليه الروايات المتقدمة و هو موجود في ألسنتها فلتراجع.

***و.

ص: 160


1- بصائر الدرجات:381 ح 14.
2- بصائر الدرجات:378 ح 1،و بحار الأنوار:331/25 ح 6 باب نفي الغلو.
3- بحار الأنوار:340/25 ح 24 عن الكافي:440/1.
4- يراجع بصائر الدرجات:378 الي 387 باب التفويض،و الإختصاص:309-330-331،و بحار الأنوار: 330/25 الي 343 باب نفي الغلو.
5- بحار الأنوار:348/25 باب نفي الغلو.

المحتويات

ترجمة أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليه السّلام 5

البشارة بولادة الإمام الجواد عليه السّلام 5

البشارة بولادته عن النبي عليهما السّلام:5

البشارة بولادته عن جده موسي بن جعفر عليهما السّلام:6

البشارة بولادته عن أبيه الرضا عليهما السّلام:6

مولد أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليه السّلام 6

كيفية ولادة الإمام الجواد عليه السّلام 9

نسب الإمام الجواد عليه السّلام 10

اسم الإمام الجواد عليه السّلام في التوراة 11

كنية الإمام الجواد عليه السّلام 11

أحوال امّ الإمام الجواد عليه السّلام 14

مهر زوجة الإمام الجواد عليه السّلام 15

خطبة الزواج و ما جري فيها 16

أولاد الإمام الجواد عليه السّلام 18

أسماء أولاده عليه السّلام:18

نقش خاتم الإمام الجواد عليه السّلام 19

شمائل الإمام الجواد عليه السّلام 20

لونه عليه السّلام 20

شعره و حسن وجهه عليه السّلام 20

تجهيزه أباه بعد شهادته عليهما السّلام 21

النص علي الإمام أبي جعفر الثاني محمد الجواد عليه السّلام 22

ص: 161

معاجز الإمام الجواد عليه السّلام 23

انفراج الحائط له عليه السّلام:26

تلوين شعره:27

إنبات العود اليابس 28

تغيير حالات جسده الشريف عليه السّلام 30

طيّ الأرض للإمام الجواد عليه السّلام 31

الطي إلي بيت المقدس:36

الطي إلي مصر:36

الطي إلي مكة:37

المعجزة الكبري 37

أثر من يهين الأئمة عليهم السّلام 42

بركة يد الإمام الجواد عليه السّلام و شفاء المرضي منها 43

شفاء ثقل اللسان:43

في شفاء العين:43

في شفاء الصمم:44

في شفاء ريح الركبة:44

علم الإمام الجواد عليه السّلام بالغيب 44

معرفة الإمام الجواد عليه السّلام لمّا في الضمائر 52

إخبار الإمام الجواد عليه السّلام لما في عالم الرؤيا 62

غزارة علم الإمام الجواد عليه السّلام 63

سعة علم آل محمد صلوات الله عليهم 65

الاحتمال الأوّل:أنّهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ 65

الاحتمال الثاني:علمهم بالكتاب و القرآن الكريم 66

الاحتمال الثالث:عندهم علم السموات و الأرض و الجنّة و كل غائبة فيهم 67

الاحتمال الرابع:علمهم بما هو كائن و يكون 67

الاحتمال الخامس:علمهم بما يحتاج إليه الناس و بأمورهم 69

ص: 162

الاحتمال السادس:عندهم جوامع العلوم و أصوله 69

الاحتمال السابع:عندهم علم الملائكة و جميع الأنبياء و كتبهم السابقة 70

الاحتمال الثامن:أنّهم أعلم من الأنبياء 71

الاحتمال التاسع:علمهم بكل شيء أو بما لا يعلمون 71

الاحتمال العاشر:علم آل محمد عليهم السّلام للغيب 73

الآيات الدالة علي علم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم للغيب 79

تمحيص الإحتمالات 84

دعاء الإمام الجواد عليه السّلام المستجاب 87

أسرار أبي جعفر الجواد عليه السّلام و قدرته 89

إتيان الإمام الجواد عليه السّلام الحكم صبيا 89

ما تكلم به الإمام الجواد عليه السّلام

و هو أقل من أربع سنين 91

خطبة الإمام الجواد عليه السّلام البليغة 92

إنطاق العصا للإمام الجواد عليه السّلام بالإمامة 94

علم الإمام الجواد عليه السّلام بحال الإنسان 96

علم الإمام الجواد عليه السّلام بأجله 96

علم الإمام الجواد عليه السّلام بما في الأرحام 98

علم الإمام الجواد بكلام الثور 98

علم الإمام الجواد عليه السّلام بقصعة الصين 99

علم الإمام الجواد عليه السّلام بموت أبيه 99

علم الإمام الجواد عليه السّلام في التوحيد 99

علم الإمام الجواد عليه السّلام بأنساب الناس 100

علم الإمام الجواد عليه السّلام بكل لسان 100

علم الإمام الجواد عليه السّلام بمنطق الحيوانات 100

معرفة الإمام الجواد عليه السّلام بمنطق الشاة 101

مسح الإمام الجواد السباع و تذللها له 101

ص: 163

شفاء الإمام الجواد عليه السّلام لأمراض الناس 102

شفاء العين:102

شفاء العرق المدني:103

شفاء البهق و وجع الخاصرة:104

إحياء الإمام الجواد عليه السّلام للموتي 104

ملاطفة الإمام الجواد عليه السّلام لأولاده 105

عطف الإمام الجواد عليه السّلام علي الشيعة 105

صدقة الإمام الجواد عليه السّلام 106

كرم الإمام الجواد عليه السّلام 106

أخلاق الإمام الجواد عليه السّلام 107

حديث الإمام الجواد عليه السّلام في معني التوحيد 108

حديث الإمام الجواد عليه السّلام في صفات الله و أسمائه عزّ و جلّ 109

مواعظ الإمام الجواد عليه السّلام 111

رسالة الإمام الجواد عليه السّلام إلي سعد الخير 113

أدعية الإمام الجواد عليه السّلام 115

مناجات الإمام الجواد عليه السّلام 116

المناجاة للإستخارة:117

المناجاة بالإستقالة:117

المناجاة بالسفر:118

المناجاة في طلب الرزق:119

المناجاة بالاستعاذة:119

المناجاة بطلب التوبة:120

المناجاة بطلب الحج:120

المناجاة بالشكر لله تعالي:122

المناجاة لطلب الحوائج:122

علم الإمام الجواد عليه السّلام بالطب 123

ص: 164

طب الإمام الجواد عليه السّلام 123

الاستشفاء بالدعاء و التعويذ:123

في شفاء وجع العين 123

في شفاء البهق و وجع الخاصرة:124

في شفاء ريح الركبة:124

في شفاء العرق المدني:124

في إحياء الموتي بدعائه:124

في شفاء أكل الطين:125

في أعمال أول الشهر لدفع الأمراض:125

مداواة الإمام الجواد عليه السّلام للناس 125

في الحجامة:125

في برد المعدة و خفقان الفؤاد:126

في ضعف المعدة:126

في ريح الخبيثة:127

في اليرقان:127

في وجع الحصاة:127

في وجع الأضلاع:128

معالجة الصداع بالبنفسج:128

في قطع الحيض المستمر:128

في إزدياد العقل و وجع الأذن:128

في ما يسقط من الخوان:128

وصية الإمام الجواد عليه السّلام 129

شهادة الإمام الجواد عليه السّلام 129

سنّة عند شهادة أبيه و مدة إمامته عليه السّلام 131

مدة إمامته عليه السّلام:131

الإخبار بشهادة الإمام الجواد عليه السّلام 131

ص: 165

إخباره عليه السّلام بشهادته:132

علمه عليه السّلام بسبب شهادته:132

إخبار إبنه الهادي عليهما السّلام بشهادته:132

فضل زيارة الإمام الجواد عليه السّلام 133

زيارة الإمام المهدي للإمام الجواد عليهما السّلام 134

منع الخليفة عن زيارة قبره عليه السّلام 134

كيفية زيارته عليه السّلام 135

معاجز قبره عليه السّلام 135

الملوك الذين عاصرهم عليه السّلام 135

بين الإمام الجواد عليه السّلام و المأمون 136

بين الإمام الجواد عليه السّلام و المعتصم و الفقهاء 137

بين الإمام الجواد عليه السّلام و المتوكل 139

بعض أحوال المتوكل 140

بين المتوكل و أهل الذمة 141

بين الإمام الجواد عليه السّلام و يحيي بن أكثم 142

بين الإمام الجواد عليه السّلام و عمه علي بن جعفر 148

بعض أدعية الجواد عليه السّلام و أحرازه و عوذاته 148

عوذته لابنه 148

حرزه عليه السّلام:148

حرز الإمام الجواد عليه السّلام 149

الولاية التشريعية لآل محمد عليهم السّلام 153

مراتب الولاية:153

ولاية الله التشريعية:154

أقسام الولاية:154

إمكان جعل الولاية التشريعية لغير الله 155

إثبات أن الجاعل للولاية الله 155

ص: 166

*الطريق الأول:القرآن الكريم 156

*الطريق الثاني:الروايات الشريفة 157

أدلة الولاية التشريعية 158

ص: 167

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.