موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 15

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الخامس عشر

ترجمة الإمام أبو الحسن عليّ بن موسي الرّضا عليه السّلام

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

قال ابن خلّكان الشافعي الأشعري في تاريخه:و كان المأمون زوّجه ابنته أم حبيب في سنة اثنتين و مأتين،و جعله وليّ عهده،و ضرب اسمه علي الدينار و الدرهم،و كان السبب في ذلك أنّه استحضر أولاد العبّاس الرجال منهم و النساء،و هو بمدينة مرو،فكان عددهم ثلاثة و ثلاثين ألفا ما بين الكبار و الصغار و استدعي عليّا المذكور،فأنزله أحسن منزلة و جمع له خواصّ الأولياء و أخبرهم أنّه نظر في أولاد العبّاس و أولاد عليّ بن أبي طالب فلم يجد في وقته أحدا أفضل و لا أحق بالأمر من عليّ الرضا،فبايع له بولاية عهده و أمر بإزالة السواد من اللباس و الأعلام و لبس الخضرة-إلي أن قال:و فيه يقول أبو نواس:

قيل لي أنت أحسن النّاس طرّا في فنون من المقال النبيه

لك من جيّد القريض مديح يثمر الدرّ في يدي مجتنيه

فعلي ما تركت مدح ابن موسي و الخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادما لأبيه.

و كان سبب قوله هذه الأبيات أن بعض أصحابه قال له:ما رأيت أوقح منك ما تركت خمرا و لا طردا و لا معني إلاّ قلت فيه شيئا،و هذا عليّ بن موسي الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا، فقال:و الله ما تركت ذلك إلاّ إعظاما له،و ليس قدر مثلي أن يقول في مثله،ثمّ أنشد بعد ساعة هذه الأبيات (1).

ثمّ قال ابن خلّكان:و فيه يقول أبو نواس أيضا و له ذكر في شذوذ العقود في سنة إحدي و مائتين أو سنة اثنتين و مائتين:

مطهّرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في قديم الدهر مفتخر

اللّه لما برا خلقا فأتقنهم صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلي و عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور (2)

ص: 5


1- مسند الإمام الرضا:180/1.
2- كشف الغمة:111/3.

و قال الفخر الرازي:إن أبا يزيد البسطامي كان يفتخر بأنّه يستقي الماء لدار جعفر بن محمّد الصادق و كان معروف الكرخي أسلم علي يد أبي الحسن الرّضا عليّ بن موسي،و كان بوّاب داره إلي أن مات (1).

و روي المفيد في الإرشاد بإسناده إلي معاوية بن حكيم عن نعيم القابوسي عن أبي الحسن موسي قال:إنّ ابني عليّ أكبر ولدي و آثرهم عندي و أحبّهم إليّ،و هو ينظر معي في الجفر و لم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ (2).

و قال المحقق الشريف في شرح المواقف في مبحث تعلق العلم الواحد بمعلومين:إنّ الجفر و الجامعة كتابان لعليّ كرّم الله وجهه،و قد ذكر فيهما علي طريق علم الحروف،الحوادث التي تحدث إلي انقراض العالم،و كان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما و يحكمون بهما (3).

و في كتاب قبول العهد الذي كتبه عليّ بن موسي الرّضا إلي المأمون:أنّك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرف آباؤك،فقبلت منك عهدك إلاّ أن الجفر و الجامعة يدلاّن علي أنّه لا يتمّ.

و لمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيها إلي أهل البيت،و رأيت بالشام نظما أشير إليه بالرموز إلي أحوال ملوك مصر و سمعت أنّه مستخرج من ذينك الكتابين.انتهي (4).

و قال العلامة التفتازاني الشافعي في شرح المقاصد في مبحث الإمامة،بعد ما قال في المحقق العلامة الخواجه نصير الدين الطوسي ما قال،قال:و العظماء من عترة النبيّ و أولاد الوصيّ الموسومون بالدراية المعصومون في الرواية،لم يكن معهم هذه الأحقاد و التعصبّات،و لم يذكروا من الصحابة إلاّ الكمالات،و لم يسلكوا مع رؤساء المذهب من علماء الإسلام إلاّ طريق الإجلال و الإعظام،و ها هو الإمام عليّ بن موسي الرّضا مع جلالة قدره و نباهة ذكره و كمال علمه،و هداه و ورعه و تقواه قد كتب علي ظهر كتاب عهد المأمون له ما ينبي عن وفور حمده و قبول عهده و التزام ما شرط عليه و أن كتب في آخره:و الجامعة و الجفر يدّلان علي ضدّ ذلك-إلي أن قال:و هذا العهد بخطهما موجود الآن في المشهد الرضوي بخراسان (5).

***9.

ص: 6


1- كتاب الاربعين:431.
2- الإيضاح:466،و تدوين القرآن:362.
3- مكاتب الرسول:12/2،و تدوين القرآن:362.
4- موسوعة الإمام الجواد عليه السّلام:546/1،و ذكر أخبار أصبهان:242/1.
5- انظر البحار:153/49.

مولد أبي الحسن الرضا عليه السّلام

ولد أبو الحسن الرّضا عليه السّلام سنة ثمان و أربعين و مائة و قبض عليه السّلام في صفر من سنة ثلاث و مائتين و هو ابن خمس و خمسين سنة و قد اختلف في تاريخه إلاّ إنّ هذا التاريخ هو أقصد إن شاء الله (1).

و قيل ولد في أحد عشرة من ذي الحجة سنة ثلاث و خمسين و مائة (2)و قيل:في أحد عشر من ربيع الآخر من هذه السنة.

و أما عمره:فإنّه مات في سنة مائتين و ثلاث (3).

و قيل:في سنة مائتين و سنتين من الهجرة (4)في خلافة المأمون و كان مولده في سنة ثلاث و خمسين و مائة فيكون عمره تسعا و أربعين سنة (5).

و قال كمال الدّين بن طلحة بن طلحة:عمره تسعا و أربعين سنة و كان مدّة بقائه مع أبيه عليه السّلام أربعا و عشرين سنة و أشهرا و بعده خمسا و عشرين سنة و أمّه سبيكة النوبية (6).

و في أعلام الوري ولد عليه السّلام بالمدينة لإحدي عشر ليلة خلت من ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثلاث و خمسين و مائة (7).

و قبره بطوس من خراسان بالمشهد المعروف به عليه السّلام.

و كان مدة بقائه مع أبيه موسي أربعا و عشرين سنة و أشهرا،و بعد أبيه خمسا و عشرين سنة (8).

***

نقش خاتم الإمام الرضا عليه السّلام

في الكافي عن الرضا عليه السّلام قال:نقش خاتمي ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله (9).

***

ص: 7


1- الكافي:486/1 ح 9،و شرح أصول الكافي:273/7.
2- قوله:ثلاث و خمسين و مائة فيكون عمره عليه السّلام خمسين سنة(ش).
3- المنتظم 10:1114/119،و سير اعلام النبلاء 9:393.
4- وفيات الأعيان 3:27.
5- مناقب آل أبي طالب 4:397،تهذيب التهذيب 7:628/339،سير اعلام النبلاء 9:393.
6- البحار:304/49 بتفاوت يسير.
7- إعلام الوري:40،و الكافي:406/1.
8- عيون أخبار الرضا:28/2،و البحار:3/49.
9- الكافي:473/6 ح 5،و البحار:2/49 ح 1.

ألقاب الإمام الرضا عليه السّلام

و كان يقال له:الرضا و الصادق و الصابر و الفاضل و قرّة أعين المؤمنين و غيظ الملحدين و الرضي و الوفي (1).

***

سبب تسميته بالرضا عليه السّلام

عيون الأخبار مسندا إلي البزنطي قال:قلت لأبي جعفر محمّد بن علي بن موسي عليه السّلام:إنّ قوما من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك عليه السّلام إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده فقال:

كذبوا و الله و فجروا بل الله تبارك و تعالي سمّاه الرضا لأنّه عليه السّلام كان رضا لله عزّ و جلّ في سمائه و أرضه و رضا لرسول الله و الأئمّة من بعده عليهم السّلام في أرضه.

فقلت:ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين رضا لله عزّ و جلّ و لرسوله و للأئمّة؟

فقال:بلي.

فقلت:لم سمّي أبوك بالرضا من بينهم؟

قال:إنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه و لم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم السّلام فلذلك سمّي من بينهم بالرضا (2).

***

ذكر أمّه عليهما السّلام

امّ ولد يقال لها:امّ البنين (3).

و قيل:امّه امّ ولد اسمها نجمة و يقال:سكن،و يقال:تكتم. (4).

و قيل:خيزران المريسيه (5).

و قيل:شقراء النوبية و اسمها أروي،و شقراء لقب لها (6).

ص: 8


1- تاريخ ابن الخشاب:194.
2- علل الشرائع:237/1 ح 1،و البحار:4/49 ح 5.
3- مقاتل الطالبين:374،و الارشاد:277.
4- البحار:3/49،و مسند الإمام الرضا:14/1.
5- تاريخ ابن الخشاب:193،مناقب آل أبي طالب 4:396.
6- تاريخ ابن الخشاب:193،مناقب آل أبي طالب 4:397،سير اعلام النبلاء 9:387 و قال:نوبية و اسمها سكينة.

و عن هشام بن أحمر قال:قال لي أبو الحسن الأوّل:«هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم»؟

قلت:لا.

قال:«بلي قد قدم رجل فانطلق بنا».

فركب و ركبت معه حتّي انتهينا إلي الرّجل فإذا رجل من أهل المدينة معه رقيق.

فقلت له:أعرض علينا فعرض علينا سبع جوار،كلّ ذلك يقول أبو الحسن:«لا حاجة إلي فيها»،ثمّ قال:أعرض علينا،فقال:ما عندي إلاّ جارية مريضة،فقال له:«ما عليك أن تعرضها»، فأبي عليه فانصرف،ثمّ أرسلني من الغد،فقال:«قل له:كم كان غايتك فيها فإذا قال كذا و كذا، فقل:قد أخذتها»،فأتيته فقال:ما كنت اريد أن أنقصها من كذا و كذا.

فقلت:قد أخذتها فقال:هي لك و لكن أخبرني من الرّجل الذي كان معك بالأمس؟

فقلت:رجل من بني هاشم.

قال:من أيّ بني هاشم؟

فقلت:ما عندي أكثر من هذا.

فقال:اخبرك عن هذه الوصيفة إنّي اشتريتها من أقصي المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت:ما هذه الوصيفة معك.

قلت:اشتريتها لنفسي.

فقالت:ما يكون ينبغي أن تكون هذه عند مثلك إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض،فلا تلبث عنده إلاّ قليلا حتّي تلد منه غلاما ما يولد بشرق الأرض و لا غربها مثله.

قال:فأعطيته بها فلم تلبث عنده إلاّ قليلا حتّي ولدت الرّضا عليه السّلام (1).

و عن علي بن ميثم قال:اشترت حميدة المصفّاة و هي امّ أبي الحسن موسي بن جعفر و كانت من أشراف العجم جارية مولدة و اسمها تكتم و كانت أديبة مع مولاتها فقالت لابنها موسي عليه السّلام:يا بني إنّ تكتم ما رأيت جارية أفضل منها و لست أشكّ أنّ الله تعالي سيظهر نسلها و قد وهبتها لك فاستوص بها خيرا فلمّا ولدت الرضا عليه السّلام سمّاها الطاهرة (2).

***9.

ص: 9


1- الكافي:487/1 ح 1،و الارشاد:255/2.
2- مدينة المعاجز:9/7،و البحار:5/49.

ولادة الإمام الرضا عليه السّلام ساجدا

عن عليّ بن ميثم عن أبيه قال:سمعت امّي تقول،سمعت نجمة امّ الرضا عليه السّلام تقول:لمّا حملت بابني عليّ لم أشعر بثقل الحمل و كنت أسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تمجيدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع شيئا،فلمّا وضعته وقع علي الأرض واضعا يده علي الأرض رافعا رأسه إلي السماء يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسي بن جعفر عليه السّلام فقال:هنيئا لك يا نجمة كرامة ربّك فناولته إيّاه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمني و أقام في اليسري و دعا بماء الفرات فحنّكه به ثمّ ردّه إليّ و قال:خذيه فإنّه بقية الله تعالي في أرضه (1).

***

أولاد الإمام الرضا عليه السّلام

في كشف الغمّة:له من الولد خمسة رجال و ابنة واحدة هم محمّد الإمام و أبو محمّد الحسن و جعفر و إبراهيم و الحسين و عائشة (2).

و أسماء أولاده:محمد القانع،و الحسن،و جعفر،و إبراهيم،و الحسين،و عائشة (3).

و في كتاب الدّر مضي الرضا عليه السّلام و لم يترك إلاّ أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام و كان سنّه يوم وفاة أبيه سبع سنين و أشهر (4).

***

عبادة الإمام الرضا عليه السّلام

الأمالي عن إبراهيم بن العبّاس قال:كان الرضا عليه السّلام يختم القرآن في كلّ ثلاث و يقول:لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت و لكنّي ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها و في أيّ شيء انزلت و في أيّ وقت فلذلك صرت أختم في كلّ ثلاث (5).

***

ص: 10


1- البحار:9/49 ح 14،و مسند الإمام الرضا:13/1.
2- كشف الغمة:60/3.
3- تاريخ ابن الخشاب:194،تاريخ الطبري 8:568،تهذيب التهذيب 7:5387،سير اعلام النبلاء 9: 393،الشجرة المباركة:77 باختلاف الاسماء.
4- البحار:309/49 ح 18.
5- أمالي الصدوق:758 ح 14،و عيون أخبار الرضا:193/1 ح 4.

تسبيح الإمام الرضا عليه السّلام في بطن أمه

عن عليّ بن ميثم عن أبيه قال:سمعت امّي تقول؛سمعت نجمة امّ الرضا عليه السّلام تقول:لمّا حملت بابني عليّ لم أشعر بثقل الحمل و كنت أسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تمجيدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع شيئا فلمّا وضعته وقع علي الأرض واضعا يده علي الأرض رافعا رأسه إلي السماء يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسي بن جعفر عليه السّلام فقال:هنيئا لك يا نجمة كرامة ربّك فناولته إيّاه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمني و أقام في اليسري و دعا بماء الفرات فحنّكه به ثمّ ردّه إليّ و قال:خذيه فإنّه بقية الله تعالي في أرضه (1).

***

دعاء الإمام الرضا عليه السّلام المستجاب

و عن أحمد بن عمر قال:خرجت إلي الرضا عليه السّلام و امرأتي حبلي فقلت له:إنّي قد خلّفت أهلي و هي حامل فادع الله أن يجعله ذكرا فقال لي:و هو ذكر فسمّه عمرا.

فقلت:نويت أن اسمه عليّا و أمرت الأهل به قال عليه السّلام:سمه عمرا فوردت الكوفة و قد ولد لي ابن و سمّي عليّا فسمّيته عمرا فقال لي جيراني:لا نصدّق بعد هذا أحدا عليك بشيء فعلمت أنّه كان أنظر لي من نفسي (2).

و قيل:سمّي الأئمّة عليهم السّلام أولادهم بأسماء لا يحبّونها كعمر و عثمان و نحوهما لفوائد كثيرة منها رعاية التورية و التقية عند الحاجة إليها،و منها ترغيب الشيعة في هذه التسمية إبقاء عليهم و دفعا عنهم و إلاّ فأيّ أحد من الشيعة يقدم علي تلك الأسماء الخبيثة و لو قطّع إربا إربا و حكاية أبو بكر سبزوار مشهورة.

***

صفة الإمام الرضا عليه السّلام

عن الحسن بن منصور،عن أخيه قال:دخلت علي الرّضا عليه السّلام في بيت داخل في جوف بيت ليلا،فرفع يده،فكانت كأنّ في البيت عشرة مصابيح و استأذن عليه رجل فخلّي يده (3)،ثمّ أذن له (4).

ص: 11


1- مستدرك سفينة البحار:389/1.
2- البحار:52/49 ح 55،و مسند الإمام الرضا:249/1 ح 475.
3- أي خلي يده من النور و الضياء لئلا يراه ذلك الرجل ثم أذن في الدخول.
4- الكافي:487/1 ح 3،و مسند الإمام الرضا:163/1 ح 243.

تواضع الإمام الرضا عليه السّلام

و فيه أيضا عن إبراهيم بن العبّاس قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:حلفت بالعتق و لا أحلف بالعتق إلاّ أعتقت رقبة و أعتقت بعدها جميع ما أملك إن كنت أري أنّي خير من هذا،و أومي إلي عبد أسود من غلمانه،بقرابتي من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل به منه (1).

و في المناقب أنّ الرضا عليه السّلام دخل الحمّام فقال له بعض الناس:دلّكني فجعل يدلكه فعرفوه فجعل الرجل يستعذر منه و هو يطيّب قلبه و يدلكه (2).

و فيه عن البغدادي عمّن أخبره قال:نزل بالرضا عليه السّلام ضيف و كان يحدّثه في بعض الليل فتغيّر السّراج فمدّ الرجل يده ليصلحه فزبره أبو الحسن عليه السّلام ثمّ بادر بنفسه فأصلحه و قال:إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا (3).

و عن ياسر الخادم قال:كان الرضا عليه السّلام إذا خلا جمع حشمه كلّهم عنده الصغير و الكبير فيحدّثهم و يأنس بهم و يؤنسهم و كان عليه السّلام إذا جلس علي المائدة لا يدع صغيرا و لا كبيرا إلاّ أقعده معه علي مائدته (4).

***

كرم الإمام الرضا عليه السّلام

روي أنه مرّ رجل بأبي الحسن الرضا عليه السّلام فقال له:أعطني علي قدر مروّتك قال:لا يسعني ذلك.

فقال:علي قدر مروّتي.

فقال عليه السّلام:أمّا ذا فنعم،ثمّ قال:يا غلام أعطه مائتي دينار،و فرّق عليه السّلام بخراسان ماله كلّه يوم عرفة فقال له الفضل بن سهل:إنّ هذا المغرم أي الإسراف.

فقال عليه السّلام:بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتغيت به أجرا و كرما (5).

و عنه قال:قال لنا الرضا عليه السّلام:إن قمت علي رؤوسكم و أنتم تأكلون فلا تقوموا حتّي تفرغوا (6).

ص: 12


1- عيون أخبار الرضا:262/1 ح 58،و البحار:59/49.
2- منلقب آل أبي طالب:471/3.
3- الكافي:283/6 ح 2،و مسند الإمام الرضا:331/2 ح 42.
4- عيون أخبار الرضا:170/1،و البحار:164/49.
5- مناقب آل أبي طالب:470/3،و البحار:100/49 ح 16.
6- مستند الشيعة:262/15،و الكافي:322/6 ح 2.

تصدّق الإمام الرضا عليه السّلام

المحاسن،عن أبي خلاّد قال:كان أبو الحسن الرضا عليه السّلام إذا أكل اتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلي أطيب الطعام ممّا يؤتي به فيأخذ من كلّ شيء شيئا فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين ثمّ يتلو هذه الآية: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (1)ثمّ يقول:علم الله عزّ و جلّ أن ليس كلّ إنسان يقدر علي عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلي الجنّة (2).

و في الكافي،عن اليسع بن حمزة قال:دخل علي الرضا عليه السّلام رجل طوال أدم فقال:أنا من محبّيك مصدري من الحجّ و قد افتقدت نفقتي فإن رأيت أن تنهضني إلي بلدي فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تعطيني عنك فلست موضع صدقة.

فقال:إجلس رحمك الله فجلس حتّي تفرّق الناس و بقي سليمان الجعفري و خثيمة و أنا فدخل الحجرة و أخرج يده من أعلي الباب و قال:أين الخراساني فناوله مائتي دينار فقال:اخرجها في نفقتك و لا تصدق بها عنّي و اخرج فلا أراك و لا تراني ثمّ خرج فقال سليمان:لقد أجزلت و رحمت فلماذا سترت وجهك عنه؟

فقال:مخافة أن أري ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة و المذيع بالسيّئة مخذول و المستتر بها مغفور له،أما سمعت قول الأوّل شعر:

متي آته يوما لأطلب حاجة رجعت إلي أهلي و وجهي بمائه

انتهي ملخّصا (3).

***

علم الإمام الرضا عليه السّلام بالغيب

عن أحمد بن عبد اللّه عن الغفاري قال:كان لرجل من آل أبي رافع مولي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقال له طيس عليّ حقّ فتقاضاني و ألحّ عليّ و أعانه النّاس فلمّا رأيت ذلك صلّيت الصبح في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ توجّهت نحو الرّضا عليه السّلام و هو يومئذ بالعريض،فلمّا قربت من بابه إذا هو قد طلع علي حمار و عليه قميص و رداء،فلمّا نظرت إليه استحييت منه،فلمّا لحقني وقف و نظر إليّ فسلّمت

ص: 13


1- سورة البلد:11.
2- المحاسن:392/2،و الكافي:52/4 ح 12.
3- نهج السعادة:294/8.

عليه-و كان شهر رمضان-فقلت:جعلني الله فداك إنّ لمولاك طيس عليّ حقّا و قد و الله شهرني.

و أنا أظنّ في نفسي أنّه يأمره بالكفّ عنّي،و والله ما قلت له كم له عليّ و لا سمّيت له شيئا،فأمرني بالجلوس إلي رجوعه.

فلم أزل حتّي صلّيت المغرب و أنا صائم،فضاق صدري و أردت أن أنصرف فإذا هو قد طلع عليّ و حوله الناس و قد قعد له السؤّال و هو يتصدّق عليهم،فمضي و دخل بيته،ثمّ خرج و دعاني فقمت إليه و دخلت معه،فجلس و جلست،فجعلت أحدّثه عن ابن المسيّب و كان أمير المدينة و كان كثيرا ما أحدّثه عنه.

فلمّا فرغت قال:«لا أظنّك أفطرت بعد»؟

فقلت:لا،فدعالي بطعام فوضع بين يديّ و أمر الغلام أن يأكل معي فأصبت و الغلام من الطعام،فلمّا فرغنا قال لي:«إرفع الوسادة و خذ ما تحتها».

فرفعتها و إذا دنانير فأخذتها و وضعتها في كمّي و أمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتّي يبلغوني منزلي.

فقلت:جعلت فداك إنّ طائف ابن المسيّب يدور و أكره أن يلقاني و معي عبيدك.

فقال لي:«أصبت أصاب الله بك الرّشاد».

و أمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم فلمّا قربت من منزلي و آنست رددتهم فصرت إلي منزلي و دعوت بالسراج و نظرت إلي الدّنانير و إذا هي ثمانية و أربعون دينارا و كان حقّ الرّجل عليّ ثمانية و عشرين دينارا و كان فيها دينار يلوح فأعجبني حسنه فأخذته و قرّبته من السراج فإذا عليه نقش واضح:«حقّ الرّجل ثمانية و عشرون دينارا و ما بقي فهو لك»،و لا و الله ما عرفت ما له عليّ و الحمد لله ربّ العالمين الذي أعزّ وليّه (1).

و عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه،عن بعض أصحابه،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام أنّه خرج من المدينة في السنّة الّتي حجّ فيها هارون يريد الحجّ فانتهي إلي جبل عن يسار الطريق-و أنت ذاهب إلي مكّة-يقال له:قارع،فنظر إليه أبو الحسن عليه السّلام ثمّ قال:«باني قارع و هادمه يقطع إربا إربا».

فلم ندرما معني ذلك فلمّا ولّي وافي هارون و نزل بذلك الموضع صعد جعفر بن يحيي ذلك الجبل و أمر أن يبني له ثمّ مجلس فلمّا رجع من مكّة صعد إليه فأمر بهدمه،فلمّا انصرف إلي العراق قطع إربا إربا (2).7.

ص: 14


1- الكافي:488/1 ح 4،و الارشاد:257/2.
2- الكافي:488/1 ح 5،و مدينة المعاجز:15/7.

و روي أنه لما ولي أبو الحسن عليه السّلام و ارتحل من ذلك الموضع أتاه هارون و نزل بذلك الموضع،و صعد جعفر بن يحيي بن خالد البرمكي ذلك الجبل و أمر أن يبني عليه مجلس،فلما رجع من مكة صعد إليه فأمر بهدمه فلما انصرف إلي بغداد قطع إربا إربا و كان سبب قتله أن اخت هارون في ذكاء الذهن وجودة الطبع و طلاقة البيان و فصاحة اللسان،كانت في غاية الكمال،و كذلك كان جعفر بن يحيي و كان لهارون شغف و سرور في حضورهما و صحبتهما فأوقع العقد بينهما ليجمعهما في مجلس واحد بشرط أن لا يقاربها جعفر و لا يجالسها في غير مجلسه فراودته حتي جامعها فولدت ذكرا فأرسلته إلي مكة لئلا يعلم به هارون فأخبر به،فنهض إلي مكة و ظهرت له القضية،و لم يظهرها و لم يتغير علي جعفر بل كان يحسن إليه زائدا علي السابق حتي رجع إلي العراق فقتله و أحرقه (1)و قتل أباه يحيي و أخويه محمدا و موسي و غيرهم ممن انتسب إليهم من البرامكة (2).

و عن مسافر قال:لمّا أراد هارون بن المسيّب أن يواقع محمّد بن جعفر (3)قال لي أبو الحسن الرّضا عليه السّلام:«اذهب إليه و قل له:لا تخرج غدا فإنّك إن خرجت غدا هزمت و قتل أصحابك فإن سألك من أين علمت هذا؟فقل:رأيت في المنام».

قال:فأتيته فقلت له:جعلت فداك لا تخرج غدا فإنّك إن خرجت هزمت و قتل أصحابك فقال لي:من أين علمت هذا؟

فقلت:رأيت في المنام.

فقال:نام العبد و لم يغسل إسته،ثمّ خرج فانهزم و قتل أصحابه (4).

قال:و حدّثني مسافر قال:كنت مع أبي الحسن الرّضا عليه السّلام بمني فمرّ يحيي بن خالد فغطّي2.

ص: 15


1- قوله فقتله و أحرقه و هكذا كان ملوك بني العباس في صدر دولتهم يقتلون المستولين علي الأمور من أمرائهم و وزرائهم لئلا تضعف حكومتهم فقتل أبو العباس السفاح أبا سلمة الخلال المشهور بوزير آل محمد،و الدوانقي أبا مسلم الخراساني مع أن دولة بني العباس قامت بجهده،و قتل هارون البرامكة بعد أن استوثق الأمور برأيهم و قتل المأمون الفضل بن سهل ذا الرياستين و أما بعد ذلك فلم يحتاطوا هذا الاحتياط فاستولت الأمراء علي الخلفاء خصوصا الأتراك و ضعفوا جدا و خرجت الحكومة من يدهم و لم يكن للخليفة أمر و لا نهي إلي انقراض دولتهم و كذلك قتل في العصر الأخير الشاه عباس الصفوي مربيه و ممهد الملك له مرشد قليخان إذ رأي استيلاءه علي الأمور و أمثال ذلك غير بعيدة من الملوك.(ش)
2- شرح أصول الكافي:277/7 ح 5.
3- و هو محمد بن جعفر الصادق عليه السّلام و قيل كان ملقبا بالديباج و كان شجاعا كريما سخيا.و في بعض كتب السير أنه كان يري رأي الزيدية في أن الإمام من نسل فاطمة عليها السّلام من يخرج بالسيف فخرج في سنة تسع و تسعين و مائة علي المأمون فغلب بعد المحاربة و أخذ و بعث إلي المأمون و هو في خراسان فعززه و أكرمه و مات في جرجان عند توجه المأمون إلي بغداد فدخل المأمون بنفسه في قبره و دفنه.
4- الكافي:491/1 ح 9،و مدينة المعاجز:20/7 ح 12.

رأسه من الغبار فقال:«مساكين لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة»،ثمّ قال:«و أعجب من هذا هارون و أنا كهاتين»-و ضمّ إصبيعه-قال مسافر:فو الله ما عرفت معني حديثه حتّي دفنّاه معه (1).

و عن الهروي قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:و الله ما منّا إلاّ مقتول شهيد.

فقيل له:فمن يقتلك يابن رسول اللّه؟

قال:شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ثمّ يدفنني في دار مضيقة و بلاد غربة ألا فمن زارني في غربتي كتب الله له أجر مائة ألف شهيد و مائة ألف صدّيق و مائة ألف حاج و معتمر و مائة ألف مجاهد و حشر في زمرتنا و جعل في الدرجات العلي من الجنّة رفيقنا (2).

و في الخرائج،عن محمّد بن الفضل الهاشمي قال:لمّا توفّي موسي بن جعفر أتيت المدينة فدخلت علي الرضا عليه السّلام فسلّمت عليه بالأمر و أوصلت إليه ما كان معي و قلت:إنّي صائر إلي البصرة و عرفت كثرة خلاف الناس و قد نعي إليهم موسي و ما أشكّ أنّهم سيسألوني عن براهين الإمام و لو أريتني شيئا من ذلك.

فقال الرضا عليه السّلام:لم يخف عليّ هذا فابلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها إنّي قادم عليهم و لا قوّة إلاّ بالله.

ثمّ أخرج إلي جميع ما كان للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عند الأئمّة عليهم السّلام من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك فقلت:و متي تقدم عليهم؟

قال:بعد ثلاثة أيّام من وصولك و دخولك البصرة،فلمّا قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم:إنّي أتيت موسي بن جعفر قبل وفاته بيوم واحد فقال:إنّي ميّت لا محالة فإذا و اريتني في لحدي فلا تقيمن و توجّه إلي المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلي ابني علي بن موسي فهو وصيّي و صاحب الأمر بعدي ففعلت ما أمرني به و هو يوافيكم إلي ثلاثة أيّام من يومي هذا فاسألوه عمّا شئتم.

فابتدر الكلام عمرو بن هذاب من القوم و كان ناصبيّا ينحو نحو التزيد و الاعتزال فقال:يا محمّد إنّ الحسن بن محمّد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه و علمه و سنّه و ليس هو شاب مثل علي بن موسي و لعلّه لو سئل عن شيء من معضلات الأحكام لحار في ذلك.

فقال الحسن بن محمّد و كان حاضرا:لا تقل ذلك فإنّ عليّا علي ما وصفه من الفضل يقول إنّه يقدم إلي ثلاثة أيّام و كفاك به دليلا و تفرّقوا.8.

ص: 16


1- الكافي:491/1 ح 9،و الارشاد:258/2.
2- عيون أخبار الرضا:287/1 ح 9،و أمالي الصدوق:120 ح 8.

فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا عليه السّلام قد وافي فقصد منزل الحسن بن محمد و أخلي له داره و قام بين يديه بأمره و نهيه.

فقال:يا محمّد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمّد بن الفضل و غيرهم من شيعتنا و احضر جاثليق النصاري و رأس الجالوت و مر القوم يسألوا عمّا بدا لهم فجعمهم كلّهم و الزيدية و المعتزلة و هم لا يعلمون مراد الحسن بن محمّد فلمّا تكاملوا أثني للرضا عليه السّلام و سادة جلس عليها ثمّ قال:السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟

قالوا:لا.

قال:لتطمئن أنفسكم.

قالوا:من أنت يرحمك الله؟

قال:أنا علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و ابن رسول الله،صلّيت اليوم الفجر في مسجد رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مع والي المدينة و أقرأني بعد أن صلّينا كتاب صاحبه إليه و استشارني في كثير من اموره فأشرت عليه بما فيه الحظّ له و وعدته أن يصير إلي بعد العصر من هذا اليوم ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه و أنا واف له بما وعدته.

فقالت الجماعة:يابن رسول الله مع هذا الدليل برهانا و أنت عندنا الصادق القول فقاموا لينصرفوا.

فقال:لا تتفرّقوا فإنّي إنّما جمعتكم لتسألوا عمّا شئتم من آثار النبوّة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلاّ عندنا أهل البيت فهلمّوا مسائلكم فابتدأ عمرو بن هذاب فقال:إنّ محمّد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب،أخبرنا عنك أنّك تعرف كلّما أنزله الله و أنّك تعرف كلّ لسان و لغة.

فقال عليه السّلام:صدق.

قال:فإنّا نختبرك بالألسن و اللغات و هذا روميّ و هذا هندي و فارسي و تركي فأحضرناهم فقال:فليتكلّموا فتكلّموا فأجابهم بلغاتهم ثمّ نظر إلي ابن هذاب فقال:إن أنا اختبرتك إنّك ستبتلي في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك كنت مصدّقا؟

قال:لا،فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله.

قال عليه السّلام:أو ليس الله يقول: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ (1)فرسول الله عند الله مرتضي و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله علي ما يشاء من6.

ص: 17


1- سورة الجن:26.

غيبه فعلّمنا ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة و أنّ الذي أخبرتك يابن هذاب لكائن إلي خمسة أيّام فإن لم يصحّ ما قلت فإنّي كاذب و إن صح فتعلم أنّك الكاذب علي الله و رسوله.

و دلالة اخري أمّا أنّك ستصاب ببصرك و تكون أعمي و هذا كائن بعد أيّام.

و دلالة اخري أنّك تحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص.

قال محمّد بن الفضل:تالله لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب،فقيل له صدق الرضا أم كذب؟

قال:و الله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن و لكنّي كنت أتجلّد (1).

و عن الريان بن الصلت قال:كنت بباب الرضا عليه السّلام بخراسان فقلت لمعمر:إن رأيت أن تسأل سيّدي أن يكسوني ثوبا من ثيابه و يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه فأخبرني معمّر أنّه دخل علي أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:فابتدأني فقال:يا معمر ألا يريد الريان أن نكسوه من ثيابنا أو نهب له من دراهمنا؟

قال:فقلت:سبحان الله هذا كان قوله لي الساعة بالباب.

قال:فضحك،ثمّ قال:المؤمن موفّق قل له فليدخل،فأدخلني عليه فسلّمت عليه و ردّ عليّ السلام و دعا لي بثوبين من ثيابه فدفعهما إليّ فلمّا قمت وضع في يدي ثلاثين درهما (2).

و في عيون الأخبار عن عبد الله الهاشمي قال:دخلت علي المأمون يوما فأجلسني و أخرج من كان عنده ثمّ دعا بالطعام فطعمنا ثمّ دعا بستارة فضربت فقال لبعض من كان في الستارة بالله لما رثيت لنا من بطوس فأخذت تقول شعر:

سقيا لطوس من أضحي بها قطنا من عترة المصطفي أبقي لنا حزنا

ثمّ بكي و قال لي:يا عبد الله يلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرضا علما فو الله لأحدّثنك بحديث تعجب منه،جئته يوما.

فقلت:جعلت فداك إنّ أباك موسي و جعفرا و محمّدا و علي بن الحسين كان عندهم علم ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة و أنت وصيّ القوم و وارثهم و عندك علمهم ولي إليك حاجة قال:هاتها.

فقلت:هذه الزاهرية جاريتي لا أقدّم عليها أحدا من جواري و قد حملت غير مرّة و أسقطت و هي الآن حامل فدلّني علي ما تعالج به فتسلم.

فقال:لا تخف من إسقاطها فإنّها تسلم و تلد غلاما أشبه الناس بامّه و يكون له خنصر زائدة في يده اليمني ليست بالمدّة و في رجله اليسري خنصر زائدة ليست بالمدلاة.1.

ص: 18


1- البحار:75/49.
2- فرب الاسناد:343 ح 1251،و الحار:29/49 ح 1.

فقلت في نفسي:أشهد أنّ الله علي كلّ شيء قدير،فولدت الزاهرية غلاما أشبه الناس بامّه و كان كما وصفه الرضا عليه السّلام فمن يلومني علي نصبي إيّاه (1).

و عن أحمد بن عمر قال:خرجت إلي الرضا عليه السّلام و امرأتي حبلي فقلت له:إنّي قد خلّفت أهلي و هي حامل فادع الله أن يجعله ذكرا فقال لي:و هو ذكر فسمّه عمرا.

فقلت:نويت أن اسمه عليّا و أمرت الأهل به قال عليه السّلام:سمه عمرا فوردت الكوفة و قد ولد لي ابن و سمّي عليّا فسمّتيه عمرا فقال لي جيراني:لا نصدّق بعد هذا أحدا عليك بشيء فعلمت أنّه كان أنظر لي من نفسي (2).

و عن الوشاء عن الرضا عليه السّلام قال لي بخراسان:إنّي حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتّي أسمع ثمّ فرّقت فيهم إثني عشر ألف دينار ثمّ قال:أمّا إنّي لا أرجع إلي عيالي أبدا (3).

و عن محمّد الرازي قال:كنت في خدمة الرضا عليه السّلام لمّا جعله المأمون ولي عهده فأتاه رجل من الخوارج في كفّه مدية مسمومة و قد قال لأصحابه:لآتين هذا الذي يزعم أنّه ابن رسول الله و قد دخل لهذه الطاغية فيما دخل فأسأله عن حجّته فإن كان له حجّة و إلاّ أرحت الناس منه،فدخل عليه فقال:أجيبك عن مسألتك بشرط إن أقنعتك أن تكسر الذي في كمّك فتحيّر الخارجي و أخرج المدية و كسرها ثمّ قال:أخبرني عن دخولك لهذه الطاغية فيما دخلت له و هم عندك كفّار و أنت ابن رسول الله ما حملك علي هذا؟

فقال عليه السّلام:أرأيتك هؤلاء أكفر أم عزيز مصر و أهل مملكته؟،أليس هؤلاء علي حال يزعمون أنّهم موحّدون و أولئك لم يوحّدوا الله و لم يعرفوه و يوسف بن يعقوب نبيّ ابن نبيّ قال لعزيز مصر و هو كافر اِجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (4)كان يجالس الفراعنة،و أنا رجل من ولد رسول الله أجبرني علي هذا الأمر و أكرهني عليه فما الذي أنكرت و نقمت عليّ فقال:لا عتب عليك أنّي أشهد أنك ابن نبيّ الله و أنّك صادق (5).

و روي الكشي بإسناده إلي عبد الله بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيي بن خالد سمّ أباك موسي بن جعفر صلوات الله عليهما؟

قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة.5.

ص: 19


1- عيون أخبار الرضا:241/1،و البحار:30/49 ح 2.
2- مسند الإمام الرضا:249/1 ح 475،و البحار:52/49 ح 55.
3- عيون أخبار الرضا:235/1 ح 28،و البحار:52/49 ح 59.
4- سورة يوسف:55.
5- وسائل الشيعة:206/17 ح 10،و الخرائج و الجرائح:767/2 ح 85.

قلت له:فما كان يعلم أنّها مسمومة.قال:قد غاب عنه المحدّث.

قلت:و من المحدّث؟

قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد.

ثم قال:إنّك ستعمّر،فعاش مائة سنة (1).

و في عيون المعجزات،عن الحسن بن علي الوشاء قال:شخصت إلي خراسان و معي حلل و شيء للتجارة فوردت مدينة مرو ليلا و كنت أقول بالوقف علي موسي بن جعفر عليه السّلام فوافق نزولي غلام أسود كأنّه من أهل المدينة فقال لي:يقول لك:سيّدي وجّه إلي الحبرة التي معك لأكفّن بها مولي لنا قد توفّي.

فقلت:و من سيّدك؟

قال:علي بن موسي الرضا.

فقلت:ما معي حبرة و لا حلّة إلاّ و قد بعتها في الطريق،فمضي ثمّ عاد إليّ فقال لي:قد بقيت الحبرة قبلك.

فقلت له:إنّي ما أعلمها معي فمضي و عاد الثالثة فقال لي:هي في عرض السفط الفلاني.

فقلت في نفسي:إن صحّ قوله فهي دلالة و كانت ابنتي قد دفعت إليّ حبرة و قالت لي:ابتع بثمنها شيئا من الفيروزج و الشيح من خراسان و نسيتها فقلت لغلامي:هات هذا السفط الذي ذكره فأخرجه إليّ و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه فدفعتها إليه و قلت:لا آخذ لها ثمنا فعاد إليّ و قال:تهدي ما لقيس لك؟دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا و شيحا فابتع لها ما سألت.و وجّه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان فعجبت ممّا ورد عليّ و قلت:و الله لأكتبنّ له مسائل أنا شاكّ فيها و لأمتحنّنه بمسائل سئل أبوه عنها فأثبت تلك المسائل في درج و عدت إلي بابه و المسائل في كمّي،فلمّا وافيت بابه رأيت العرب و القوّاد و الجند يدخلون إليه فجلست ناحية داره و قلت في نفسي:متي أنا أصل إلي هذا؟و طال قعودي فخرج خادم يتصفّح الوجوه و يقول:أين ابن بنت الياس؟

فقلت:ها أنا ذا فأخرج من كمّه درجا و قال:هذا جواب مسائلك و تفسيرها ففتحته و إذا فيه المسائل التي في كمّي و جوابها و تفسيرها.

فقلت:اشهد الله و رسوله علي نفسي أنّك حجّة الله و أستغفر الله و أتوب إليه و قمت (2).9.

ص: 20


1- البحار:242/48 ح 50.
2- البحار:70/49.

و عن حمزة الارجاني قال:خرج هارون من المسجد الحرام مرّتين و خرج الرضا عليه السّلام مرّتين فقال عليه السّلام:ما أبعد الدار و أقرب اللقاء يا طوس ستجمعني و إيّاه (1).

الكافي عن محمّد بن سنان قال:قلت لأبي الحسن الرضا في أيّام هارون:إنّك قد شهرت نفسك بهذا الأمر و جلست مجلس أبيك و سيف هارون يقطر الدم قال:جرّأني علي هذا ما قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بنبيّ و أنا أقول لكم:إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بإمام (2).

عيون الأخبار عن أبي الحسن الصائغ عن عمّه قال:خرجت مع الرضا عليه السّلام إلي خراسان أوامره في قتل رجاء بن أبي الضحّاك الذي حمله إلي خراسان فنهاني عن ذلك فقال:تريد أن تقتل نفسا مؤمنة بنفس كافرة فلمّا صار إلي الأهواز مرض و قال لأهل الأهواز:أطلبوا لي قصب سكّر.

فقال بعض أهل الأهواز ممّن لا يعقل:أعرابي لا يعلم أنّ القصب لا يوجد في الصيف.

فقالوا:يا سيّدنا القصب لا يكون في هذا الوقت إنّما يكون في الشتاء.

فقال:بلي أطلبوه فإنّكم ستجدونه.

فقال إسحاق بن محمّد:و الله ما طلب سيّدي إلاّ موجودا فأرسلوا إلي جميع النواحي فجاء أكرة إسحاق فقالوا:عندنا شيء ادّخرناه لبذره نزرعه و كانت هذه إحدي براهينه (3).

***

معرفة الإمام الرضا عليه السّلام بما في الضمائر

عن عليّ بن محمّد القاساني قال:أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلي أبي الحسن الرّضا عليه السّلام مالا له خطر،فلم أره سرّ به.قال:فاغتممت لذلك و قلت في نفسي:قد حملت هذا المال و لم يسرّ به،فقال:«يا غلام الطست و الماء».

قال:فقعد علي كرسيّ و قال بيده للغلام:«صبّ عليّ الماء».

قال:فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب،ثمّ التفت إليّ فقال لي:«من كان هكذا لا يبالي بالّذي حملته إليه؟» (4).

و في ذلك الكتاب عن البزنطي قال:بعث الرضا عليه السّلام إليّ بحماره فركبته و أتيته و أقمت عنده

ص: 21


1- عيون أخبار الرضا:234/1 ح 24،و 115/1 ح 6.لبحار:49
2- الكافي:258/8 ح 371،و البحار:59/49 ح 74.
3- عيون أخبار الرضا:222/1،و البحار:116/49.
4- الكافي:491/1 ح 10،و مسند الإمام الرضا:165/1 ح 247.

بالليل إلي أن مضي منه ما شاء الله فلمّا أراد أن ينهض قال لي:لا أراك تقدر علي الرجوع فبت عندنا الليلة.

قلت:أجل جعلت فداك.

فقال:يا جارية افرشي له فراشي و اطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها وضعي تحت رأسه مخدّتي.

فقلت في نفسي:من أصاب مثل ما أصبت في ليلتي هذه لقد جعل لي من المنزلة عنده و أعطاني من الفخر ما لم يعطه أحدا من أصحابنا،بعث لي حماره و فرش لي فراشه.

فقال و هو قاعد معي و أنا احدّث نفسي:يا أحمد إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتي زيد بن صوحان في مرضه يعوده فأكرمه و وضع يده علي جبهته و جعل يلاطفه.

فلمّا أراد النهوض قال:يا صعصعة لا تفخرن علي إخوانك بما فعلت فإنّي إنّما فعلت جميع ذلك لأنّه كان تكليفا لي فلا تذهبن نفسك إلي الفخر و تذلّل لله عزّ و جلّ و اعتمد علي يده فقام (1).

و عن إسماعيل بن الحسن قال:كنت مع الرضا عليه السّلام و قد مال بيده إلي الأرض كأنّه يكشف شيئا فظهرت سبائك ذهب ثمّ مسح بيده علي الأرض فغابت فقلت في نفسي:لو أعطاني واحدة منها.

قال:لا،إنّ هذا الأمر لم يأت وقته (2).

***

علم الإمام الرضا عليه السّلام بموته

و روي الكشي بإسناده إلي عبد الله بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيي بن خالد سمّ أباك موسي بن جعفر صلوات الله عليهما؟

قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة.

قلت له:فما كان يعلم أنّها مسمومة،قال:قد غاب عنه المحدّث.

قلت:و من المحدّث؟

قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد.

ثم قال:إنّك ستعمّر،فعاش مائة سنة (3).

ص: 22


1- عيون أخبار الرضا:230/1،و البحار:36/49.
2- الثاقب في المناقب:184 ح.،9 مسند الإمام الرضا:203/1 ح 324.
3- البحار:242/48 ح 50،و مسند الإمام الرضا:444/2 ح 37.

غزارة علم الإمام الرضا عليه السّلام

و روي ثقة الإسلام الكليني في الكافي و المفيد في الإرشاد و كثير من أعاظم المحدثين عن الإمام الصادق،أحاديث كثيرة في أن الجفر و الجامعة كانا عنده و أنّهما لا يزالان عند الأئمة يتوارثونهما واحدا بعد واحد (1).

***

أشعار أبي العلاء المعري في جفر أهل البيت

قال ابن خلّكان في تاريخه في ذيل ترجمة عبد المؤمن بن عليّ القيسي:

قال ابن قتيبة:هو جلد جفر ادّعوا أنّه كتب لهم فيه الإمام كلّما يحتاجون إلي علمه،و كل ما يكون إلي يوم القيامة،ثمّ قال ابن خلّكان:قلت و قولهم:الإمام يريدون به جعفر الصادق و إلي هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري بقوله:

لقد عجبوا لأهل البيت لمّا أتاهم علمهم في مسك جفر

و مرآة المنجم و هي صغري أرته كلّ عامرة و قفر.

و قوله في مسك جفر،المسك بفتح الميم و سكون السين المهملة الجلد.و الجفر بفتح الجيم و سكون الفاء و بعدها راء من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر،و جفر جنباه و فصل عن أمه و الأنثي جفرة.

و كانت عادتهم أنّهم في ذلك الزمان يكتبون في الجلود و العظام و الخزف،و ما شاكل ذلك و الله سبحانه و تعالي يعلم.انتهي كلام ابن خلّكان (2).

قيل:المراد من قوله مرآة المنجم هو الإسطرلاب،و هو اسم لآلة مشتملة علي حجرة و عضادة و صفحة عنكبوت،و صفائح مرسوم فيها خطوط مستقيمة و مستديرة،تامة و ناقصة متوازية و غير متوازية،يعرف بها كثير من أحوال الفلكيات و الأرضيات و الزمانيات،حتّي أن العلامة الفلكي عبد الرحمن بن عمر الصوفي المتوفي سنة 376 ه صنف كتابا في العمل بالإسطرلاب أنهاه إلي 386 باب كلّ باب في معرفة شيء من الأحوال المذكورة.

و كلمة إسطرلاب علي ما ذهب إليه حمزة الأصبهاني(كما نقل العلامة أبو ريحان البيروني في رسالته الموسومة بافراد المقال و كذا في كتابه الموسوم بالتفهيم)معربة إستاره ياب،أي مدرك النجوم.

ص: 23


1- تدوين القرآن:362.
2- الايفاح:467،و معالم المدرستين:335/2.

و قال البيروني:و ممكن أن يكون معربا من اليونانيّة فان اسمه باليونانيّة اسطرلبون و اسطر هو النجم بدليل أن علم الهيئة يسمي عندهم اسطرونوميا(افراد المقال ص 69 طبع حيدر آباد الدكن 1367 ه).

و قال في التفهيم:اسطرلاب چيست؟أين التي است يونانيان را،نامش اسطرلابون أي آيينه نجوم و حمزة اسض اهاني او را ازض ارسي بيرون آورده كه نامش ستاره ياب است.

و الصواب ما ذهب إليه البيروني كما اختاره المعري في البيت حيث قال:مرآة المنجم، و يوافقه ما في اللغة الفرنسية أن كلمة الاسطرلاب باليونانيّة مركبة من ertsA أي الكوكب nienabmaL أي المرآة أو الميزان،و لذا فسره كوشيار بميزان الشمس كما نقل عنه الفاضل البيرجندي في شرحه علي رسالة الاسطرلاب للخواجه نصير الدين الطوسي.و كان الصحيح أن يفسره بميزان الكوكب لأن كلمة ertsA لا تفيد معني الشمس و لم يذكر في المعاجم أن الشمس أحد معانيها.

ثمّ إنّ في أحاديثنا فسر الجفر بأنّه جلد ثور لا أنّه من جلد أولاد المعز كما فسره ابن خلّكان ففي الكافي لثقة الإسلام الكليني(الوافي ص 135 م 2)بإسناده إلي ابن رئاب عن الحذاء قال:سأل أبا عبد الله بعض أصحابنا عن الجفر؟

فقال:هو جلد ثور مملوء علما.الحديث (1).

***

قدرة الإمام الرضا عليه السّلام

اشارة

عن إبراهيم بن موسي قال:ألححت علي أبي الحسن الرّضا عليه السّلام في شيء أطلبه منه،فكان يعدني،فخرج ذات يوم ليستقبل والي المدينة و كنت معه فجاء إلي قرب قصر فلان،فنزل تحت شجرات و نزلت معه أنا و ليس معنا ثالث فقلت:جعلت فداك هذا العيد قد أظلّنا و لا و الله ما أملك درهما فما سواه،فحكّ بسوطه الأرض حكّا شديدا،ثمّ ضرب بيده فتناول منه سبيكة ذهب،ثمّ قال:انتفع بها و اكتم ما رأيت (2).

و عن إسماعيل بن الحسن قال:كنت مع الرضا عليه السّلام و قد مال بيده إلي الأرض كأنّه يكشف شيئا فظهرت سبائك ذهب ثمّ مسح بيده علي الأرض فغابت فقلت في نفسي:لو أعطاني واحدة منها.

ص: 24


1- الكافي:241/1 ح 5.
2- شرح أصول الكافي:277/7 ح 6،و مسند الإمام الرضا:157/1 ح 228.

قال:لا،إنّ هذا الأمر لم يأت وقته (1).

و عن عليّ بن محمّد القاساني قال:أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلي أبي الحسن الرّضا عليه السّلام مالا له خطر،فلم أره سرّ به قال:فاغتممت لذلك و قلت في نفسي:قد حملت هذا المال و لم يسرّ به،فقال:«يا غلام الطست و الماء».

قال:فقعد علي كرسيّ و قال بيده للغلام:«صبّ عليّ الماء».

قال:فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب،ثمّ التفت إليّ فقال لي:«من كان هكذا لا يبالي بالّذي حملته إليه؟» (2).

***

إحياء الإمام الرضا عليه السّلام للأموات

و عن مفيد بن جنيد الشامي قال:دخلت علي الرضا عليه السّلام فقلت له:قد كثر الخوض فيك و في عجائبك فلو شئت أتيت بشيء و حدّثته عنك فقال:و ما تشاء؟

قال:تحيي إليّ أبي و امّي.

فقال:إنصرف إلي منزلك فقد أحييتهما فانصرفت و الله و هما في البيت أحياء فأقاما عندي عشرة أيّام ثمّ قبضهما الله تبارك و تعالي (3).

***

معرفة الإمام الرضا عليه السّلام للغة الحيوانات

و عن عبد الله بن سرمة قال:مرّ بنا الرضا عليه السّلام فاختصمنا في إمامته فلمّا خرج خرجت أنا و تميم بن يعقوب و نحن مخالفون له نري رأي الزيدية فلمّا صرنا بالصحراء و إذا نحن بظباء فأومأ عليه السّلام إلي خشف منها فجاء حتّي وقف بين يديه فأخذ عليه السّلام يمسح رأسه و دفعه إلي غلام فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلي مرعاه فكلّمه الرضا عليه السّلام بكلام لا نفهمه فسكن،ثمّ قال:يا عبد الله أ و لم تؤمن؟

قلت:بلي يا سيّدي أنت حجّة الله علي خلقه و أنا تائب إلي الله.

ص: 25


1- البحار:50/49 ح 50.
2- الكافي:491/1 ح 10،و مسند الإمام الرضا:165/1 ح 247.
3- نوادر المعجزات:168،و البحار:60/49 ح 78.

ثمّ قال للظبي:إذهب فجاء الظبي و عيناه تدمعان فتمسّح بأبي الحسن عليه السّلام و رغي فقال عليه السّلام:

تدري ما يقول؟

قلنا:الله و رسوله و ابن رسوله أعلم.

قال:يقول دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك و أحزنتني حين أمرتني بالذهاب (1).

و عن الهروي قال:كان الرضا عليه السّلام يكلّم الناس بلغاتهم و كان و الله أفصح الناس و أعلمهم بكلّ لسان و لغة.

فقلت له يوما:يابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات علي اختلافها،فقال:

يا أبا الصلت أنا حجّة الله علي خلقه و ما كان الله ليتّخذ حجّة علي قوم و هو لا يعرف لغاتهم،أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السّلام:اوتينا فصل الخطاب فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات (2).

البصائر،عن الجعفري قال:دخلت علي أبي الحسن عليه السّلام فقال:يا أبا هاشم كلّم هذا الخادم بالفارسية فإنّه يزعم أنّه يحسنها.

فقلت للخادم:زانويت چيست؟فلم يجبني.

فقال عليه السّلام:يقول ركبتك.

ثمّ قلت:نافت چيست؟فلم يجبني.

فقال عليه السّلام:يقول سرّتك (3).

***

كلامه للطيور

و عن سليمان الجعفري قال:كنت مع أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حائط له إذ جاءت عصفورة فوقعت بين يديه و أخذت تكثر الصياح فقال:تدري ما تقول؟

فقلت:الله و رسوله و ابن رسوله أعلم.

قال:إنّها تقول أنّ حيّة تريد أكل فراخي في البيت،فقم فخذ تلك العصا و ادخل البيت و اقتل الحيّة،فأخذت العصا و دخلت البيت و إذا حيّة تجول في البيت فقتلتها (4).

***

ص: 26


1- الثاقب في المناقب:176 ح 5،و البحار:53/49 ح 60.
2- عيون أخبار الرضا:251/1 ح 3.
3- بصائر الدرجات:358،و مسند الإمام الرضا:254/1 ح 489.
4- وسائل الشيعة:537/11،و مدينة المعاجز:274/6.

حديث الإمام الرضا عليه السّلام عن النمل الذي يحمي الذهب

و عن أحمد بن عمر الحلال قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّي أخاف عليك من صاحب الرقّة.

قال:ليس عليّ منه بأس إنّ لله بلاد أنبتت الذهب قد حماها بأضعف خلقه بالذر فلو رأتها الفيلة ما وصلت إليها.

قال الوشاء:إنّي سألته عن هذه البلاد و قد سمعت الحديث قبل مسألتي فأخبرت أنّه بين بلخ و التبت و أنّها تنبت الذهب و فيها نمل كبار أشباه الكلاب علي خلقها فليس يمرّ بها الطير فضلا عن غيره تكمن بالليل في جحرها و تظهر بالنهار فربّما غزوا الموضع علي الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخا في ليلة فيوقرون أحمالهم و يخرجون،و إذا النمل خرجت في الطلب فلا يلحق شيئا إلاّ قطعته تشبه بالريح من سرعتها و ربما شغلوهم باللحم يتّخذ لها إذا لحقتهم يطرح لها في الطريق و إن لحقتهم قطعتهم و دوابّهم (1).

***

معاجز الإمام الرضا عليه السّلام

اشارة

و عن الصفواني قال:خرجت قافلة من خراسان إلي كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق فأخذوا منهم رجلا اتّهموه بكثرة المال فبقي في أيديهم مدّة يعذّبونه ليفتدي منهم نفسه و أقاموه في الثلج فشدّوه و ملأوا فاه من ذلك الثلج فرحمته امرأة من نسائهم فأطلقته و هرب،فانفسد فمه و لسانه حتّي لم يقدر علي الكلام ثمّ انصرف إلي خراسان و سمع أنّ الرضا عليه السّلام بنيشابور فرأي فيما يري النائم أنّه شكي إلي الرضا عليه السّلام علّته فقال له:خذ الكمّون و السعتر و الملح و دقّه و خذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثا فإنّك تعافي،فانتبه الرجل و لم يعتدّ بما رأي حتّي قصد الرضا عليه السّلام و دخل عليه و حكي له علّته فقال عليه السّلام:إذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك و هو الملح و السعتر و الكمّون فإنّك ستعافي.فاستعمله الرجل مرّتين أو ثلاثا فعوفي (2).

و في المناقب قال:أتي رجل من ولد الأنصار بحقّة فضّة مقفل عليها و قال لم يتحفك أحد بمثلها ففتحها عليه السّلام و أخرج منها سبع شعرات و قال هذا شعر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فميز الرضا عليه السّلام أربع طاقات منها قال هذا شعره فقبل في ظاهره دون باطنه فأخرجه الرضا عليه السّلام من الشبهة بأن وضع الثلاثة علي النار فاحترقت ثمّ وضع الأربعة فصارت كالذهب (3).

روي أنه كان بخراسان امرأة تسمّي زينب فادّعت أنّها من سلالة فاطمة عليها السّلام و كانت تصول

ص: 27


1- الخرائج و الجرائح:370/1 ح 27،و البحار:55/49 ح 65.
2- الثاقب في المناقب:484،و البحار:124/49.
3- مناقب آل أبي طالب:458/3،و البحار:59/49.

علي أهل خراسان بنسبها و لم يعرفها الرضا عليه السّلام،فلمّا حضرت ردّ نسبها و قال:هذه كذّابة فقالت:

كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك.

فقال عليه السّلام لوالي خراسان،و كان له موضع فيه سباع مسلسلة للإنتقام من المفسدين هذه المرأة كذّابة و ليست من نسل علي و فاطمة فإنّ من كان حقّا فإنّ لحمه حرام علي السباع فالقوها في بركة السباع.

قالت:فانزل أنت إلي السباع فقام عليه السّلام و الناس معه فنزل إلي السباع فأقعت علي أذنابها و مسح يده علي وجه كلّ واحد و رأسه فطلع و الناس يبصرونه ثمّ قال للسلطان:انزل هذه الكذّابة فامتنعت ثمّ القوها إلي السباع فافترسوها و شاع اسمها بزينب الكذّابة (1).

و في الخرائج قال:إنّ الرضا عليه السّلام لمّا قدم من خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف و كان علي بن اسباط قد توجّه إليه بهدايا و تحف فأخذت القافلة و أخذ ماله و هداياه و ضرب علي فيه فانتثرت نواجده فرجع إلي قرية هناك و نام فرأي الرضا عليه السّلام في منامه و هو يقول:لا تحزن إنّ هداياك و مالك وصلت إلينا و أمّا فمك بثناياك فخذ من السعد المسحوق واحش به فاك.فانتبه مسرورا و أخذ من السعد وحشي به فاه فردّ الله عليه نواجذه.

فلمّا دخل علي الرضا عليه السّلام قال:قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّا فادخل هذه الخزانة فانظر،فدخل فإذا ماله و هداياه كلّها علي حدته (2).

و عن عبد الله بن سرمة قال:مرّ بنا الرضا عليه السّلام فاختصمنا في إمامته فلمّا خرج خرجت أنا و تميم بن يعقوب و نحن مخالفون له نري رأي الزيدية فلمّا صرنا بالصحراء و إذا نحن بظباء فأومأ عليه السّلام إلي خشف منها فجاء حتّي وقف بين يديه فأخذ عليه السّلام يمسح رأسه و دفعه إلي غلام فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلي مرعاه فكلّمه الرضا عليه السّلام بكلام لا نفهمه فسكن،ثمّ قال:يا عبد الله أ و لم تؤمن؟

قلت:بلي يا سيّدي أنت حجّة الله علي خلقه و أنا تائب إلي الله.

ثمّ قال للظبي:إذهب فجاء الظبي و عيناه تدمعان فتمسّح بأبي الحسن عليه السّلام و رعي فقال عليه السّلام:

تدري ما يقول؟

قلنا:الله و رسوله و ابن رسوله أعلم.

قال:يقول دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك و أحزنتني حين أمرتني بالذهاب (3).0.

ص: 28


1- مروج الذهب:86/4،و مناقب آل أبي طالب:447/4،و الثاقب في المناقب:1/488/546.
2- مستدرك سفينة البحار:43/5.
3- الثاقب في المناقب:176 ح 5،و البحار:53/49 ح 60.

و روي أنه كان لدعبل جارية يحبّها فرمدت فقال أهل الطبّ أمّا العين اليمني فقد ذهبت و أمّا اليسري فنجتهد في معالجتها فاغتمّ لذلك دعبل ثمّ ذكر فضل الجبّة (1)فعصّبها بعصابة منها فأصبحت و عيناها أصحّ ممّا كانتا ببركة الرضا عليه السّلام (2).

***

أكل صورة الأسد لحميد بن مهران

روي أن حميد بن مهران قال للمأمون:ولّني يا أمير المؤمنين مجادلة الرضا فإنّي أفحمه و أضع من قدره.

قال المأمون:ما شيء أحبّ إليّ من هذا.

قال:فاجمع وجوه أهل المملكة و القوّاد و القضاة لأبيّن نقصه بحضرتهم،فأمر بإحضارهم و أقعد الرضا عليه السّلام في مرتبته فقال ذلك الحاجب:إنّ الناس قد أسرفوا في وصفك بما أري أنّك إن وقفت عليه برئت إليهم منه فأوّل ذلك أنّك دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه معجزة لك و أنّه لا نظير لك في الدّنيا و هذا أمير المؤمنين لا يوازن بأحد إلاّ رجح و قد أحلك المحلّ الذي عرفت فليس من حقّه عليك أن تسوغ الكاذبين لك و عليه ما يتكذّبونه.

فقال الرضا عليه السّلام:ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ و إن كنت لا أبغي أشرا و لا بطرا،و أمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني فما أحلّني إلي المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السّلام و كانت حالهما ما قد علمت.

فغضب الحاجب و قال:يابن موسي لقد عدوت طورك أن بعث الله تعالي بمطر مقدّر وقته و جعلته آية تستطيل بها كأنّك جئت بمثل آية الخليل عليه السّلام في إحياء الطير فإن كنت صادقا فيما توهم فأحيي هذين و سلّطهما عليّ،و أشار إلي أسدين مصوّرين علي مسند المأمون و كانا متقابلين علي المسند.

فغضب الرضا عليه السّلام و صاح بالصورتين دونكما الفاجر فافترساه و لا تبقيا له عينا و لا أثرا، فوثبت الصورتان و قد عدتا صورتين فتناولا الحاجب و عضاه و رضّاه و أكلاه و لحسا دمه و القوم ينظرون متحيّرين.

فلمّا فرغا منه أقبلا علي الرضا عليه السّلام و قالا:يا وليّ الله ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟يشيران إلي المأمون،فغشي عليه فقال عليه السّلام:قفا فوقفا.

ص: 29


1- كان قد أعطاه إياها الإمام الرضا عليه السّلام.
2- عيون أخبار الرضا:296/1.

فقال عليه السّلام:صبّوا عليه ماء ورد و طيّبوه ففعل ذلك به و عاد الأسدان يقولان:أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟

قال:لا،فإنّ لله عزّ و جلّ فيه تدبيرا هو ممضيه.

فقالا:ماذا تأمرنا؟

قال:عودا إلي مقرّكما،فعادا إلي المسند و صارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون:الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران يعني الرجل المفترس.

ثمّ قال عليه السّلام للمأمون:لو شئت لما ناظرتك فإنّ الله أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين الا جهّال بني آدم فإنّهم و إن خسروا حظوظهم فلله عزّ و جلّ فيهم تدبير و قد أمرني بترك الإعتراض عليك و إظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف عليه السّلام بالعمل من تحت يد فرعون مصر،فما زال المأمون خائفا إلي أن قضي في أمر الرضا عليه السّلام ما قضي، إنتهي ملخّصا (1).

***

المعجزة الكبري

و فيه أيضا عن هرثمة بن أعين قال:دخلت علي سيّدي الرضا عليه السّلام في دار المأمون و كان قد ظهر في دار المأمون أنّ الرضا عليه السّلام قد توفّي و لم يصحّ هذا القول،فدخلت أريد الإذن عليه،و كان في بعض ثقاة خدم المأمون غلام يقال له صبيح الديلمي و كان يتولّي الرضا عليه السّلام فلمّا رآني قال لي:

يا هرثمة ألست تعلم أنّي ثقة المأمون علي سرّه و علانيّته؟

قلت:بلي.

قال:إنّ المأمون دعاني و ثلاثين غلاما من ثقاته في الثلث الأوّل من الليل فدخلنا عليه و بين يديه الشموع و سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعانا غلاما و أخذ علينا العهد و الميثاق فحلفنا له قال:فليأخذ كلّ واحد منكم سيفا و ادخلوا علي الرضا في حجرته فإن وجدتموه قاعدا أو قائما فلا تكلّموه وضعوا أسيافكم عليه إخلطوا لحمه و دمه ثمّ أقلبوا عليه بساطه و امسحوا أسيافكم به و صيّروا إليّ و قد جعلت لكلّ واحد عشر بدر دراهم و عشر ضياع منتخبة.

فأخذنا الأسياف بأيدينا و دخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلّب يديه و يتكلّم بكلام لا نعرفه فبادر الغلمان إليه بالسيوف و وضعت سيفي و أنا قائم أنظر إليه و كأنّه قد علم بمسيرنا إليه فلبس

ص: 30


1- عيون أخبار الرضا:183/1.

علي بدنه ما لا يعمل فيه السيوف فطووا عليه بساطه و خرجوا حتّي دخلوا علي المأمون و قالوا:فعلنا ما أمرتنا به.

فقال:اكتموا فلمّا طلع الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلول الإزار و أظهر وفاته و قعد للتعزية ثمّ قام حافيا فمشي لينظر إليه و أنا بين يديه فلمّا دخل عليه حجرته سمع همهمة فأرعد ثمّ قال من عنده؟

قلت:لا علم لنا.

فقال:اسرعوا و انظروا.

قال صبيح:فأسرعنا إلي البيت فإذا سيّدي جالس في محرابه يصلّي و يسبّح فقلت:يا أمير المؤمنين هو ذا نري شخصا في محرابه يصلّي و يسبّح فانتفض المأمون و ارتعد ثمّ قال:غررتموني لعنكم الله فالتفت إليّ و قال:يا صبيح أنت تعرفه فانظر إليه فدخلت و رجع المأمون فلمّا صرت عند عتبة الباب قال لي:يا صبيح قلت:لبّيك يا مولاي فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَي اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (1)فرجعت إلي المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل فقلت له:هذا الرضا جالس في حجرته فشدّ إزاره و أمر بردّ أثوابه و قال:قولوا إنّه غشي عليه و أنّه أفاق.

قال هرثمة:فشكرت الله عزّ و جلّ ثمّ دخلت علي سيّدي فقال:يا هرثمة لا تحدّث بما حدّثك به صبيح أحدا إلاّ من امتحن الله قلبه للايمان بمحبّتنا و ولايتنا.

فقلت:نعم يا سيّدي.

ثمّ قال:يا هرثمة لا يضرّنا كيدهم شيئا حتّي يبلغ الكتاب أجله (2).

***

بركة الإمام الرضا عليه السّلام

و عن خديجة بنت حمدان قالت:لمّا دخل الرضا عليه السّلام نيشابور نزل محلّة العزفي ناحية تعرف بلاشاباد في دار جدّي بسنده و إنّما سمّي بسنده لأنّ الرضا عليه السّلام ارتضاه من بين الناس و بسنده هي كلمة فارسية معناها مرضيّ،فلمّا نزل عليه السّلام دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار فأثمرت في سنة فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة فمن أصابته علّة تبرّك بالتناول من ذلك

ص: 31


1- سورة التوبة:32.
2- عيون أخبار الرضا 2:1/245،روضة الواعظين 1:231،الثاقب في المناقب 489:4/417،مناقب آل أبي طالب 4:403،الخرائج و الجرائح 1:8/352،اعلام الوري 2:86.

اللوز فعوفي،و من أصابه رمد جعل ذلك اللوز علي عينه فعوفي و كانت الحامل إذا عسر عليها ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخفّ عليها الولادة و تضع من ساعتها.

و إذا أخذ دابّة القولنج أخذ من قضبان تلك الشجرة فأمرّ علي بطنها فتعافي،فمضت الأيّام علي تلك الشجرة و يبست فجاء جدّي حمدان فقطع أغضانها فعمي،و جاء ابن لحمدان و قطع تلك الشجرة من وجه الأرض فذهب ماله كلّه،و كان لولد حمدان ولدان فأرادا عمارة تلك الأرض و قلعا الباقي من أصل الشجرة و هما لا يعلمان ما يتولّد عليهما فماتا جميعا في أقلّ من سنة (1).

و عن الهروي قال:لمّا خرج الرضا عليه السّلام من نيشابور إلي المأمون فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له:يابن رسول الله قد زالت الشمس أفلا تصلّي؟

فنزل و قال:ائتنوني بماء،فقيل:ما معنا ماء،فبحث عليه السّلام بيده الأرض فنبع الماء فتوضّأ هو و من معه،و أثره باق إلي اليوم،فلمّا دخل سناباد استند إلي الجبل الذي ينحت منه القدور فقال:

اللّهم انفع به و بارك فيما يجعل فيما ينحت منه ثمّ أمر عليه السّلام فنحت له قدور من الجبل و قال:لا يطبخ من أكله إلاّ فيها و كان عليه السّلام خفيف الأكل قليل الطعام فاهتدي الناس إليه من ذلك اليوم.

و قد ظهرت بركة دعائه فيه،ثمّ دخل دار حميد بن قحطبة الطائي و دخل القبّة التي فيها قبر هارون ثمّ خطّ بيده إلي جانبه.

ثمّ قال:هذه تربتي و فيها أدفن و سيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي و أهل محبّتي و الله ما يزورني منهم زائر و لا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلاّ وجب الله له غفران الله و رحمته (2).

و عن محمّد بن الفضيل قال:نزلت ببطن مر فأصابني العرق المدني في جنبي و في رجلي فدخلت علي الرضا عليه السّلام بالمدينة فقال:ما لي أراك متوجّعا؟

فحكيت له،فأشار إلي الذي في جنبي و تكلّم بكلام و تفل عليه و قال:ليس عليك بأس من هذا.

و نظر إلي الذي في رجلي فقال:قال أبو جعفر عليه السّلام:من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب الله عزّ و جلّ له مثل أجر ألف شهيد.

فقلت في نفسي:لا أبرأ و الله من رجلي أبدا،قال:فما زال يعرج منها حتّي مات (3).

***1.

ص: 32


1- مدينة المعاجز:131/7.
2- عيون أخبار الرضا:147/1 ح 1،و البحار:125/49 ح 1.
3- عيون أخبار الرضا:239/1 ح 49،و البحار:42/49 ح 31.

أسرار أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام

من ذلك أن رجلا من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار،و قال في نفسه:إن عرف معناه فهو ولي الأمر،فلما أتي الباب،وقف ليخف الناس من المجلس،فخرج إليه خادم و بيده رقعة فيها جواب مسائله بخط الإمام عليه السّلام فقال له الخادم:أين الطومار؟فأخرجه،فقال له:يقول لك ولي الله هذا جواب ما فيه.فأخذه و مضي (1).

و من ذلك أن الرضا عليه السّلام قال يوما في مجلسه:«لا إله إلاّ الله مات فلان»،ثم صبر هنيهة، و قال:«لا إله إلاّ الله غل و كفر،و حمل إلي حفرته»،ثم صبر هنيهة،و قال:«لا إله إلاّ الله وضع في قبره،و سئل عن ربّه فأجاب،ثم سئل عن نبيه فأقرّ،ثم سئل عن إمامه فأخبر،و عن العترة، فعدّهم،ثم وقف عندي فما باله وقف،و كان الرجل واقفيا» (2).

و من ذلك ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال:كنت عند الرضا عليه السّلام فمسح يده علي الأرض فظهرت سبايك من فضة،ثم مسح يده فغابت.

فقلت:أعطني واحدة منها،فقال:إنّ هذا الأمر ما آن وقته (3).

أقول:الفرق بين الشعبذة و السحر و السيمياء،و الكرامات و المعجزات،الأول منها قلب العين حتي يري الإنسان شيئا فيتخيّله و لا حقيقة له و لا يبقي،و أما المعجزات و الكرامات فقلب أعيان الأشياء و تحويلها إلي حقيقة أخري باقية لا تزول إلاّ إذا أراد المظهر لها زوالها.و من كراماته عليه السّلام أنّ أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس،و قال:و الله يا ولي الله ما قالها أحد غيري،و لا سمعها أحد سواك،فقال:«صدقت،و لكن عندي في الجفر و الجامعة أنك تمدحني بها» (4).

و من ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال:بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السّلام إذ قال لي:«سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا علي قلعها،فمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلي أسفل،و أن يشق لي ضريح فإنّ الماء سينبع حتي يمتليء اللحد و تري فيه حيتانا صغارا،ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب،فدع يديك علي الماء و تكلّم بهذا الكلام فإنّه ينضب لك و لا يبقي منه شيء،و لا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون».

ثم قال لي:«يا أبا الصلت غدا أدخل إلي هذا الفاجر،فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك،و إن خرجت مغطّي الرأس فلا تكلّمني».

ص: 33


1- بحار الأنوار:71/49 ح 95.
2- المصدر نفسه.
3- بحار الأنوار عن الخرايج:50/49 ح 50.
4- رياض الأبرار،مخطوط.

قال أبو الصلت:فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه،و جلس في محرابه،فجاء غلام المأمون و قال:أجب أمير المؤمنين،فلبس نعله و رداءه،و قام يمشي و أنا أتبعه،ثم دخل علي المأمون و بين يديه أطباق فاكهة،و بيده عنقود من عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه،فلما رآه مقبلا و ثب قائما و عانقه و أجلسه،ثم ناوله العنقود،و قال:يا ابن رسول الله هل رأيت أحسن من هذا العنب؟

فقال:«قد يكون في بعض الجنان أحسن منه»،ثم قال له:كل منه،فقال له الرضا عليه السّلام:

أعفني،فقال:لا بد من ذلك،ثم قال:و ما يمنعك أتتهمني؟ثم تناول العنقود منه و أكل منه،و ناوله الرضا عليه السّلام فأكل منه ثلاث حبّات،ثم رمي به،و قال له المأمون:إلي أين؟

فقال له الرضا عليه السّلام:إلي حيث وجّهتني،ثم خرج عليه السّلام مغطّي الرأس حتي دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب،ثم نام علي فراشه.

قال:فكنت واقفا في صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل إليّ شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه و قلت:من أين دخلت و الباب مغلق؟

فقال:الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق.

فقلت:من أنت؟

فقال عليه السّلام:«أنا حجّة الله يا أبا الصلت،أنا محمد بن علي»،ثم مضي نحو أبيه الرضا عليه السّلام فدخل،فأمرني بالدخول،فلما نظر إليه الرضا عليه السّلام نهض إليه ليعتنقه،ثم سجه سجي إلي فراشه و أكبّ عليه محمد بن علي عليه السّلام فسرّ إليه سرّا لا أفهمه،و رأيت علي شفة الرضا بياضا أشدّ بياضا من الثلج،و رأيت أبا جعفر عليه السّلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين صدره و ثوبه فاستخرج منه شيئا شبه العصفور فابتلعه،ثم مضي الرضا عليه السّلام فقال لي:يا أبا الصلت آتني المغسل و الماء من الخزانة.

فقلت:ما في الخزانة مغسل و لا ماء،فقال:ائتمر بما آمرك به.

قال:فدخلت الخزانة و إذا فيها مغسل و ماء فأتيته بها،ثم شمرت ثيابي لأعاونه،فقال:تنح فإنّ لي من يساعدني،ثم قال لي:«أدخل الخزانة و أخرج السفط الذي فيه كفنه و حنوطه»،فدخلت و إذا أنا بسفط لم أره من قبل ذلك فأخرجته إليه و صلّي عليه،ثم قال:ائتني بالتابوت.

فقلت:أأمضي إلي النجار؟

فقال:«إنّ في الخزانة تابوتا»،فدخلت و إذا تابوت لم أر مثله قط،فأخرجته إليه فوضعه فيه بعد أن صلّي عليه،تباعد عنه و صلّي ركعتين،و إذا بالتابوت قد ارتفع فانشق السقف و غاب التابوت.

فقلت:يا ابن رسول الله الساعة يأتي المأمون و يسألنا عن الرضا فماذا نقول؟».

فقال:«أسكت يا أبا الصلت،سيعود،إنه ما من نبي في شرق الأرض يموت و وصيّه في غربها إلاّ جمع الله بين روحيهما».

ص: 34

فما تم الحديث حتي عاد التابوت،فقال:فاستخرج الرضا عليه السّلام من التابوت و وضعه علي فراشه كأنه لم يكفن و لم يغسل،ثم قال:«افتح الباب للمأمون»،ففتحت الباب،و إذا أنا بالمأمون و الغلمان علي الباب،فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه و لطم رأسه،و هو يقول:و اسيداه،ثم جلس عند رأسه،و قال:خذوا في تجهيزه،و أمر بحفر القبر،فظهر جميع ما ذكر الرضا عليه السّلام.

فقلت:أمرني أن أحفر له سبع مرّاق،و أن أشق ضريحه.

قال:فافعل،ثم ظهر الماء و الحيتان،فقال المأمون:لم يزل الرضا عليه السّلام يرينا عجائبه في حياته حتي أرانا بعد وفاته».

فقال له وزيره الذي كان معه:أتدري ما أخبرك به؟.

قال:لا.

قال:أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم و طول مدّتكم مثل هذه الحيتان،حتي إذا انقضت دولتكم و ولّت أيامكم سلّط عليكم رجلا فأفناكم عن آخركم.د

فقال له المأمون:صدقت،ثم دفن الرضا عليه السّلام و مضي (1).

***

كرامة الإمام الرضا عليه السّلام عند الله

روي أنّه لما جعله الخليفة المأمون ولي عهده و أقامه خليفة من بعده،و كان في حاشية المأمون اناس كرهوا ذلك و خافوا خروج الخلافة عن بني العباس وعودها إلي بني فاطمة،فحصل عندهم من الرضا نفور وافر.

و كان عادة الرضا إذا جاء إلي دار الخليفة المأمون ليدخل عليه يبادر من بالدهليز من الحاشية إلي السلام عليه و رفع الستر بين يديه ليدخل.فلما حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم و قالوا:

إذا جاء ليدخل علي الخليفة أعرضوا عنه و لا ترفعوا الستر له.فاتفقوا علي ذلك.

فبينما هو قعود إذ جاء الرضا عليه السّلام علي عادته فلم يملكوا أنفسهم أن سلموا عليه و رفعوا الستر علي عادتهم،فلمّا دخل أقبل بعضهم علي بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا علي ما اتفقوا عليه و قالوا:النوبة الآتية إذا جاء لا ترفعوه له.فلمّا كان في ذلك اليوم جاء فقاموا و سلموا عليه و وقفوا و لم يبتدروا إلي رفع الستر،فأرسل الله تعالي ريحا شديدة دخلت في الستر حتي رفعته أكثر ما كانوا يرفعونه،فدخل فسكنت الريح فعاد الستر إلي ما كان،فلمّا خرج عادت الريح حتي دخلت في الستر فرفعته حتي خرج ثم سكنت فعاد الستر.

ص: 35


1- بحار الأنوار:293/49 ح 8.

فلمّا ذهب أقبل بعضهم علي بعض قالوا:هل رأيتم؟

قالوا:نعم.

فقال بعضهم لبعض:يا قوم هذا رجل له عند الله منزلة و لله به عناية،ألم تروا أنّكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح و سخرها له لترفع الستر له،كما سخرها لسليمان فارجعوا إلي خدمته فهو خير لكم.

فعادوا إلي ما كانوا عليه و زادت عقيدتهم فيه (1).

***

أثر الإستخفاف بالأئمة

عيون الأخبار مسندا إلي الهروي قال:رفع إلي المأمون أنّ الرضا عليه السّلام يعقد مجالس الكلام و الناس يفتتنون بعلمه فأمر حاجبه فطرد الناس عن مجلسه و أحضره فلمّا نظر إليه زبره و استخف به فخرج عليه السّلام مغضبا و هو يدمدم بشفتيه و يقول:و حقّ المصطفي و المرتضي و سيّدة النساء لأستنزلن من حول الله عزّ و جلّ بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب أهل هذه الكورة إيّاه و استخفافهم به و بخاصّته و عامّته.

ثمّ توضّأ و صلّي ركعتين و دعا في قنوته دعاء طويلا فما استتمه حتّي ارتجّ البلد و ارتفعت الصيحة فقال عليه السّلام:إصعد السطح فإنّك ستري إمرأة بغيّة مهيجة الأشرار يسمّيها أهل هذه الكورة سمانة لتهتكها قد أسندت مكان الرمح إلي نحرها قصبا و هي تقود الجيوش إلي قصر المأمون و منازل قوّاده فصعدت السطح فلم أر إلاّ نفوسا تنزع بالعصيّ و هامات ترضخ بالأحجار و لقد رأيت المأمون متدرّعا قد برز من قصره متوجّها للهرب فما شعرت إلاّ بشاجرد الحجّام قد رمي من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون فأسقطت بيضته بعد أن شقّت جلدة هامته فقال لقاذف اللبنة بعض من عرف المأمون:ويلك أمير المؤمنين فسمعته سمانة.

فقالت:اسكت لا أمّ لك ليس هذا يوم التميّز و المحاباة و لا يوم أنزل الناس علي طبقاتهم فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلّط ذكور الفجّار علي فروج الأبكار.و طرد المأمون و جنوده أسوأ طرد بعد إذلال و استخفاف شديد.

و في المناقب في آخر الحديث:و نهبوا أمواله فصلب المأمون أربعين غلاما،و علم ذلك من الاستخفاف بالرضا عليه السّلام فانصرف و دخل عليه و حلّفه أن لا يقوم و قبّل رأسه و جلس بين يديه و قال:

لم تطب نفسي بعد مع هؤلاء فما تري؟

ص: 36


1- جامع كرامات الأولياء 2:257،الاتحاف:156،و الفصول المهمة:245.

فقال عليه السّلام:إتّق الله في امّة محمّد و ما ولاّك من هذا الأمر و خصّك به فإنّك قد ضيّعت أمور المسلمين و فوّضت ذلك إلي غيرك (1).

***

صلاة الاستسقاء من الإمام الرضا عليه السّلام

و في كتاب العيون أيضا عن العسكري عليه السّلام أنّ الرضا عليه السّلام لمّا جعله المأمون وليّ عهده احتبس المطر فقال المعاندون لمّا صار علي بن موسي ولي العهد احتبس عنّا المطر فاشتدّ ذلك علي المأمون فقال للرضا عليه السّلام:قد احتبس المطر فلو دعوت الله عزّ و جلّ أن يمطر الناس.

قال الرضا عليه السّلام:نعم،أفعل يوم الإثنين فإنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:يا بني أبرز إلي الصحراء يوم الاثنين.فلمّا كان يوم الاثنين غدا إلي الصحراء و خرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر و دعي الله ثمّ قال:و ليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلي منازلهم و مقامهم،فو الله لقد نسجت الرياح الغيوم و أرعدت و أبرقت و تحرّك الناس يريدون التنحّي عن المطر فقال:قفوا ليس هذا الغيم لكم إنّما هو لأهل بلد كذا فعبرت السحابة ثمّ جاءت سحابة اخري تشتمل علي رعد و برق فتحرّكوا فقال:قفوا إنّما هي لأهل بلد كذا، فما زال حتّي جاء عشر سحابات و عبرت و هو يقول:قفوا ثمّ جاءت سحابة حادية عشر فقال:أيّها الناس هذه بعثها الله لكم فاشكروا الله و قوموا إلي منازلكم فإنّها تمكّنكم أن تدخلوا منازلكم،فلمّا قربوا من منازلهم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية و الحياض و الغدران فجعل الناس يقولون هنيئا لولد رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كرامات الله عزّ و جلّ.

ثمّ برز إليهم و قال:اتّقوا الله في نعم الله فلا تنفروها عنكم بمعاصيه و عاونوا إخوانكم فإنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قيل له:هلك فلان يعمل من الذنوب كيت و كيت.

فقال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قد نجا و لا يختم الله عمله إلاّ بالحسني و سيمحو الله عنه السيّئات و يبدلها له حسنات؛أنّه كان مرّة يمرّ في طريق فعرض له مؤمن قد انكشفت عورته و هو لا يشعر فسترها عليه و لم يخبره بها مخافة أن يخجل ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه فقال له:أجزل الله لك الثواب و أكرم لك المآب و لا ناقشك الله الحساب فاستجاب الله له فيه فهذا العبد لا يختم له إلاّ بخير بدعاء ذلك المؤمن،فاتّصل قول رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بهذا الرجل فتاب و أقبل علي طاعة الله فلم يأت عليه سبعة أيّام حتّي أغير علي سرح المدينة فوجّهه رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في اثرهم فاستشهد فيهم.

ثمّ إنّه كان للرضا عليه السّلام من يحسده علي ولاية العهد فقال بعضهم للمأمون:أعيذك بالله أن

ص: 37


1- مناقب آل أبي طالب:457/3،و البحار:84/49.

يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف من بيت العبّاس إلي بيت علي و لقد أعنت علي نفسك جئت بهذا الساحر ولد السحرة و قد كان خاملا فأظهرته و منسيّا فذكرته قد ملأ الدّنيا مخرفة بهذا المطر الوارد عند دعائه ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلي زوال نعمتك.

فقال المأمون:قد كان هذا الرجل مستترا عنّا يدعو إلي نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا و ليعترف بالملك و الخلافة لنا و ليعتقد فيه المفتونون به أنّه ليس له ممّا ادعي في قليل و لا كثير و أنّ هذا الأمر لنا من دونه و قد خشينا إن تركناه علي تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه و الآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا و أخطأنا في أمره بما أخطأنا فليس يجوز التهاون في أمره لكنّنا نحتاج أن نضعه بالتدريج حتّي نصوّره عند الرعية بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه (1).

***

عرض أعمال الشيعة علي الإمام الرضا عليه السّلام

و عن موسي بن سيّار قال عليه السّلام:أما علمت انّا معاشر الأئمّة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا و مساء فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالي الصفح لصاحبه و ما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه (2).

***

حضور الإمام الرضا عليه السّلام عند ميت

اشارة

دعوات الراوندي عن محمّد بن علي عليه السّلام قال:مرض رجل من أصحاب الرضا عليه السّلام فعاده فقال:كيف تجدك؟

قال:لقيت الموت بعدك يعني شدّة المرض.

قال:ما لقيت الموت إنّما لقيت ما يتقدّمه و يعرفك بعض حاله إنّما الناس رجلان مستريح بالموت مستراح به منه فجدّد الإيمان بالله و بالولاية تكن مستريحا ففعل الرجل ذلك.

ثمّ قال:يابن رسول الله هذه ملائكة ربّي بالتحيّات و التحف يسلّمون عليك و هم قيام بين يديك فأذن لهم في الجلوس فقال الرضا عليه السّلام:اجلسوا ملائكة ربّي.

ثمّ قال للمريض:سلهم ثمّ أمروا بالقيام بحضرتي فقال المريض:سألتهم فذكروا أنّه لو

ص: 38


1- مدينة المعاجز:142/7،و البحار:183/49.
2- مستدرك الوسائل:164/12،و مناقب آل أبي طالب:452/3.

حضرك كلّ من خلقه الله من ملائكته لقاموا لك و لم يجلسوا حتّي تأذن لهم هكذا أمرهم الله عزّ و جلّ ثمّ غمض عينيه و قال:السلام عليك يابن رسول الله هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمّد و من بعده من الأئمّة عليهم السّلام و قضي الرجل (1).

و الثابت أن كل الأئمة عليهم السّلام يحضرون الناس عند الموت يمكن أن يستدل علي ذلك بأمور:

***

حضور محمد و آل محمد عليهم السّلام عند كل ميت

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له:أمّا ما كنت تحزن من هم الدنيا و حزنها فقد أمنت منه و يقال له:أمامك رسول الله و علي و فاطمة عليهم السّلام» (2).

و عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:«قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتي يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم،و حتي يري ملك الموت و يراني و يري عليا و فاطمة و الحسن و الحسين» (3).

و في قصة السيد الحميري و رؤيته لامير المؤمنين عليه السّلام عند موته ما يؤيد ذلك و انشد في ذلك شعرا:

كذب الزاعمون أنّ عليا لن ينجي محبه من هنات

قد و ربي دخلت جنّة عدن و عفا لي الاله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء علي و تولوا عليا حتي الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه واحدا بعد واحد بالصفات (4)

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«و يمثل له رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم عليهم السّلام» (5).

و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه لا يموت ميت حتي يشاهده عليه السّلام حاضرا عنده و أنشد للحارث الهمداني:

ص: 39


1- البحار:155/6 ح 11،و مسند الإمام الرضا:263/1.
2- بحار الأنوار:184/6 ح 17 باب ما يعاين المؤمن و الكافر عند الموت،و الكافي:134/3 ح 10.
3- أهل البيت لتوفيق أبو علم:68-69 الباب الثاني،و بشارة المصطفي:6 ح 7 مع تفاوت بسيط.
4- كشف الغمة:39/2-40 مناقب أمير المؤمنين 7،و البحار:192/6 ح 42 باب ما يعاني المؤمن و الكافر عند الموت.
5- بحار الأنوار:196/6 ح 49.

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه بعينه و إسمه و ما فعلا

أقول للنار و هي توقد لل عرض ذريه لا تقربي الرّجلا

ذريه لا تقربيه إنّ له حبلا بحبل الوصي متصلا

و أنت يا حار إن تمت ترني فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد علي ظمأ تخاله في الحلاوة العسلا (1)

و الروايات في ذلك كثيرة.و هي تثبت حضور أصحاب الكساء عند كل ميت في آن واحد و في أكثر من مكان،و أيضا في إمكان رؤيتهم بروحهم و جسدهم و بمثالهم.

و قد جوّز ابن العربي رؤية النبي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بجسمه و روحه و بمثاله الآن (2).

و قال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في أكثر من مكان:الرجل الكبير(القطب) يملأ الكون و أنشد بعضهم:

كالشمس في كبد السماء وضؤها يغشي البلاد مشارقا و مغاربا (3)

و صرح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة (4).

و قال في الذخائر المحمدية:إنّ رؤيا النبي صلّي الله عليه و سلّم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة (5)

و أجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آن واحد من أقطار متباعدة مع أنّ رؤيته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حق:بأنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سراج و نور الشمس في هذا العالم،مثال نوره في العوالم كلها،و كما أنّ الشمس يراها من في المشرق و المغرب في ساعة واحدة و بصفات مختلفة،فكذلك النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.و لله در القائل:

كالبدر من أي النواحي جئته يهدي إلي عينيك نورا ثاقبا (6)

و استدل عليه الحافظ البرسي في مشارقه ببعض الآيات القرآنية فلتراجع (7)2.

ص: 40


1- شرح النهج لابن أبي الحديد:299/1 الخطبة 20،و رسائل الشريف المرتضي:133/3.
2- الحاوي للفتاوي:450/2.
3- الحاوي للفتاوي:454/2.
4- الرسائل العشرة:18،و شرح الشمائل المحمدية:246/2.
5- الذخائر المحمدية:146.
6- المواهب اللدنية:297/2 خصائص رسول الله(صلي الله عليه و آله).
7- مشارق أنوار اليقين:142.

هذا،و تواتر حديث:«من رآني فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثل مكاني-لا يستطيع أن يتمثل بي-لا يتكون في صورتي-لا يتشبه بي» (1).

و قال العلماء في معناه:هو في الدنيا قطعا و لو عند الموت لمن وفق لذلك (2).

و روي الإمام الرضا عليه السّلام عن رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من رآني في منامه فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي» (3).

و قال القاضي أبو بكر بن العربي:رؤيته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بصفته المعلومة إدراك علي الحقيقة،و رؤيته علي غير صفته إدراك للمثال،فإنّ الصواب أنّ الأنبياء لا تغيرهم الأرض،و يكون إدراك الذات الكريمة حقيقة،و إدراك الصفات إدراك المثال (4).

و قال القسطلاني:فإن قلت:كثيرا ما يري علي خلاف صورته المعروفة و يراه شخصان في حالة واحدة في مكانين و الجسم الواحد لا يكون إلاّ في مكان واحد.

أجيب:بأنّه في صفاته لا في ذاته،فتكون ذاته عليه الصلاة و السّلام مرئية،و صفاته متخيلة غير مرئية،فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار و لا قرب المسافة،فلا يكون المرئي مدفونا في الأرض و لا ظاهرا عليها،و إنما يشترط كونه موجودا (5).

و من حال كثير من العلماء و قصصهم يعلم إمكان رؤية النبي و أهل بيته عليهم السّلام،و كما ذكر ذلك في محله (6).

قال الشيخ المرسي:لو حجب عني رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين (7).

***

بعض مواعظ الإمام الرضا عليه السّلام

و عن سليمان الجعفري قال:دخلت مع الرضا عليه السّلام داره فنظر إلي غلمانه يعملون بالطين المعالف أو غيرها و فيهم أسود ليس منهم فقال:ما هذا الرجل؟

ص: 41


1- المواهب اللدنية:293/2 إلي 301 ذكر خصائصه و ذكر جملة من المصادر،و كشف الغمة:269/2.
2- الذخائر المحمدية:147.
3- كشف الغمة:120/3 فضائل الرضا،و الأنوار النعمانية:54/4.
4- المواهب اللدنية:294/2 خصائص النبي(صلي الله عليه و آله)،و ارشاد الساري:502/14.
5- ارشاد الساري:503/14.
6- راجع المواهب اللدنية:297/2-301،و ينابيع المودة:551/2-554،و كشف الغمة:239/1- 383،و الزام الناصب:340/ إلي 427،و دلائل الإمامة:273 إلي 288 و 294 إلي 320.
7- المواهب اللدنية:300/2 خصائص النبي(صلي الله عليه و آله).

قالوا:يعاوننا و نعطيه شيئا.

قال:قاطعتموه علي اجرته؟

قالوا:لا،يرضي منّا بما نعطيه،فأقبل عليهم يضربهم بالسّوط و غضب لذلك غضبا شديدا و قال:إنّي نهيتهم عن هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد حتّي يقاطعوه اجرته و اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثمّ زدته ثلاثة أضعاف علي اجرته إلاّ ظنّ أنّك نقصته اجرته و إذا قاطعته ثمّ أعطيته اجرته حمدك علي الوفاء فإن زدته حبّة عرف ذلك و رأي أنّك قد زدته (1).

***

ما نسب للإمام الرضا عليه السّلام من الشعر

عيون الأخبار،عن الرضا عليه السّلام إنّ المأمون قال له:هل رويت من الشعر شيئا؟

فقال:قد رويت منه الكثير،فقال:انشدني أحسن ما رويته في الحلم.

فقال عليه السّلام شعر:

إذا كان دوني من بليت بجهله أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل

و إن كان مثلي في محلّي من النهيّ أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

و إن كنت أدني منه في الفضل و الحجي عرفت له حقّ التقدّم و الفضل

قال له المأمون:ما أحسن هذا،هذا من قاله؟

قال بعض فتياننا.

قال:فانشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل و ترك عتاب الصديق.

فقال عليه السّلام شعر:

إنّي ليهجرني الصديق بحبّنا فأراه أنّ لهجره أسبابا

و أراه إن عاتبته أغريته و أري له ترك العتاب عتابا

و إذا بليت بجاهل متحكّم يجد المحال من الامور صوابا

أوليته منّي السكوت و ربّما كان السكوت عن الجواب جوابا

فقال له المأمون:ما أحسن هذا من قاله؟

فقال عليه السّلام:بعض فتياننا.

ص: 42


1- الكافي:289/5 ح 1،و جواهر الكلام:253/27.

قال:انشدني أحسن ما رويته في استجلاب العدوّ حتّي يكون صديقا.

فقال عليه السّلام شعر:

و ذي علّة سالمته فقهرته فأوقرته منّي بعفو التجمّل

و من لا يدافع سيّئات عدوّه بإحسانه لم يأخذ الطول من عليّ

و لم أر في الأشياء أسرع مهلكا لغمر قديم من وداد معجّل

فقال له المأمون:ما أحسن هذا من قاله؟

قال:بعض فتياننا.

قال:فانشدني أحسن ما رويته في كتمان السرّ،فقال عليه السّلام شعر:

و انّي لأنسي السرّ كيلا أذيعه فيا من رأي سرّا يصان بأن ينسا

مخافة أن يجري ببالي ذكره فينبذه قلبي إلي ملتوي الحشا

فيوشك من لم يفش سرّا و جال فيّ خواطره أن لا يطيق له حبسا فأمر له المأمون بثلاثمائة ألف درهم.

قال الصدوق(رحمه الله)بعد إيراد هذا الخبر:كان سبيل ما يقبله الرضا عليه السّلام من المأمون سبيل ما كان يقبله النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الملوك و سبيل ما كان يقبله الحسن عليه السّلام من معاوية و سبيل ما كان يقبله الأئمّة من آبائه عليهم السّلام من الخلفاء و ما كانت الدّنيا كلّها له فغلب عليها ثمّ أعطي بعضها فجائز له أن يأخذه (1).

و فيه أيضا عن ابن المغيرة قال:سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول شعر:

إنّك في دار لها مدّة يقبل فيها عمل العامل

ألا تري الموت محيطا بها يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذنب لما تنتهي و تأمل التوبة في قابل

و الموت يأتي أهله بغتة ما ذاك فعل الحازم العاقل

و قال الريّان:أنشدني الرضا عليه السّلام لعبد المطّلب شعر:

يعيب الناس كلّهم زمانا و ما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا و العيب فينا و لو نطق الزمان بنا هجانا

و أنّ الذئب يترك لحم ذئب و يأكل بعضنا بعضا عيانا2.

ص: 43


1- البحار:109/49 ح 2.

و عن إبراهيم بن العبّاس قال:كان الرضا عليه السّلام ينشد كثيرا شعر:

إذا كنت في خير فلا تغترر به و لكن قل اللّهم سلّم و تمّم (1)

و في عيون الأخبار عن إبراهيم الحسني قال:بعث المأمون إلي الرضا عليه السّلام جارية فلمّا دخلت عليه اشمأزت من الشيب فلمّا رأي كراهتها ردّها إلي المأمون و كتب إليه بهذه الأبيات،شعر:

نعي نفسي إلي نفسي المشيب و عند الشيب يتّعظ اللبيب

فقد ولّي الشباب إلي مداه فلست أري مواضعه تؤوب

سأبكيه و أندبه طويلا و أدعوه إلي عسي يجيب

و هيهات الذي قد فات منّي تمنيني به النفس الكذوب

و راع الغانيات بياض رأسي و من مدّ البقاء له يشيب

أري البيض الحسان يحدن عنّي و في هجرانهنّ لنا نصيب

فإن يكن الشباب مضي حبيبا فإنّ الشيب أيضا لي حبيب

سأصحبه بتقوي الله حتّي يفرّق بيننا الأجل القريب (2)

***

مدح أبو نواس للإمام الرضا عليه السّلام

عيون الأخبار عن النوفلي قال:قال إنّ المأمون لمّا جعل الرضا عليه السّلام ولي عهده و أنّ الشعراء قصدوا المأمون و وصلهم بأموال جمّة حين مدحوا الرضا عليه السّلام و صوّبوا رأي المأمون دون أبي نواس فإنّه لم يقصده و لم يمدحه و دخل علي المأمون فقال له:يا أبا نواس قد علمت مكان الرضا عنّي و ما أكرمته به فلماذا ادّخرت مدحه و أنت شاعر زمانك و سيّد دهرك؟فأنشأ يقول،شعر:

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع يثمر الدرّ في يدي مجتنيه

فعلي ما تركت مدح ابن موسي و الخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل خادما لأبيه

فقال المأمون:أحسنت،و وصله من المال بمثل الذي وصل به كافّة الشعراء و فضّله عليهم (3).

ص: 44


1- عيون أخبار الرضا:191/1 ح 9.
2- عيون أخبار الرضا:191/1 ح 8.
3- مسند الإمام الرضا:180/1،و الانوار البهية:215.

و عن محمّد بن يزيد المبرّد قال:خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر راكبا و قد حاذاه فسأل عنه و لم ير وجهه فقيل:إنّه عليّ بن موسي الرضا عليه السّلام فأنشأ يقول شعر:

إذا أبصرتك العين من بعد غاية و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب

و لو أنّ قوما أمّموك لقادهم نسيمك حتّي يستدلّ بك الركب (1)

***

مدح عبد الله بن مطرف للإمام الرضا عليه السّلام

و روي أنّه دخل عبد الله بن مطرف علي المأمون يوما و عنده الرضا عليه السّلام فقال له المأمون:ما تقول في أهل البيت؟

فقال عبد الله:ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة و غرست بماء الوحي هل ينفح منها إلاّ مسك الهدي و عنبر التّقي.

قال:فدعا المأمون بحقّة فيها لؤلؤ فحشا فاه.

***

مدح دعبل الخزاعي للإمام الرضا عليه السّلام

و عن الهروي قال:سمعت دعبل الخزاعي يقول:أنشدت الرضا عليه السّلام قصيدتي التي أوّلها:

مدارس آيات،فلمّا انتهيت إلي قولي:

خروج إمام لا محالة خارج يقوم علي اسم الله و البركات

يميز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزي علي النّعماء و النقمات

بكي الرضا عليه السّلام بكاء شديدا ثمّ قال لي:يا خزاعي نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام و متي يقوم؟

فقلت:لا يا مولاي إلاّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلا.

فقال عليه السّلام:يا دعبل الإمام بعدي محمّد إبني و بعد محمّد إبنه علي و بعد علي ابنه الحسن و بعد الحسن ابنه الحجّة المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّي يخرج فيملؤها عدلا كما ملئت جورا،و أمّا متي فإخبار عن الوقت.

ص: 45


1- عيون أخبار الرضا:156/1 ح 11،و البحار:107/48 ح 8.

و لقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه السّلام أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قيل له:يا رسول الله متي يخرج القائم من ذرّيتك؟

فقال:مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة (1).

و عن أخي دعبل الخزاعي قال:خلع سيّدي الرضا عليه السّلام علي أخي دعبل قميص خزّ أخضر و خاتما فضّة و عقيق و دفع إليه دراهم رضوية و قال له:احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة في كلّ ليلة ألف ركعة و ختمت فيه القرآن ألف ختمة (2).

و عن الهروي قال:دخل دعبل بن علي الخزاعي علي الرضا عليه السّلام بمرو فقال له:يابن رسول الله إنّي قد قلت فيك قصيدة و آليت علي نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك،فقال عليه السّلام:هاتها فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات

أري فيأهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات

فلمّا بلغ إلي قوله هذا بكي الرضا عليه السّلام و قال له:صدقت يا خزاعي،فلمّا بلغ إلي قوله:

إذا وتروا مدّوا إلي واتريهم أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل عليه السّلام يقلّب كفّيه و يقول:أجل و الله منقبضات،فلمّا بلغ إلي قوله:

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها و أنّي لأرجو الأمن من بعد وفاتي

قال الرضا عليه السّلام:أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال:بلي يابن رسول الله،فقال عليه السّلام:

و قبر بطوس يالها من مصيبة تتوقّد بالاحشاء في الخرقات

إلي الحشر حتّي يبعث الله قائما يفرّج عنّا الهمّ و الكربات

فقال دعبل:يابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الرضا عليه السّلام:قبري و لا تنقضي الأيّام و الليالي حتّي تصير طوس مختلف شيعتي و زوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له ثمّ نهض الرضا عليه السّلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة فدخل الدار و خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له:يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك.0.

ص: 46


1- عيون أخبار الرضا:297/1 ح 5.
2- وسائل الشيعة:99/4 ح 6،و أمالي الطوسي:360.

تبرك الناس بثياب الرضا عليه السّلام

فقال دعبل:و الله ما لهذا جئت و لا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء و ردّ الصرّة و سأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السّلام ليتبرّك به و يتشرّف به فأرسل إليه جبّة خزّ مع الصرّة و قال للخادم:قل له خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها و لا تراجعني فيها.

فأخذ دعبل الصرّة و الجبّة و انصرف و سار من مرو في قافلة فلمّا بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة كلّها و كتّفوا أهلها و كان دعبل فيمن كتّف و ملك اللصوص القافلة و جعلوا يقسّمونها بينهم فقال رجل من القوم متمثّلا بقول دعبل في قصيدته:

أري فيأهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال لهم:لمن هذا البيت؟

فقال:لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي.

قال دعبل:فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت،فوثب الرجل إلي رئيسهم و كان يصلّي علي رأس تل و كان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتّي وقف علي دعبل فقال:انشدني القصيدة فأنشدها فحلّ كتافه و كتاف أهل القافلة و ردّ عليهم أموالهم لكرامة دعبل،و سار دعبل حتي وصل إلي قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فاجتمعوا فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال و الخلع بشيء كثير و اتّصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك.

فقالوا له:بعنا شيئا منها بألف دينار فأبي عليهم و سار من قم،فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب و أخذوا الجبّة فرجع دعبل إلي قم و سألهم ردّ الجبّة عليه فامتنع الاحداث من ذلك و عصوا المشايخ في أمرها و قالوا له:لا سبيل لك إلي الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار فأبي عليهم فلمّا يئس من ردّهم الجبّة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأعطوه بعضها و دفعوا إليه ثمن الباقي ألف دينار.و انصرف دعبل إلي وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباع المائة دينار من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم و ذكر قول الرضا عليه السّلام:إنّك ستحتاج إليها (1).

و جاءت في رواية بلفظ:قال دعبل:فاعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه،ثم كررت راجعا إلي العراق فلمّا صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا،و كان ذلك اليوم يوما مطيرا،فبقيت في قميص خلق و ضرّ شديد و أنا متأسف من جميع ما كان معي علي القميص و المنشفة،و مفكر في قول سيدي الرضا،إذ مرّ بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر

ص: 47


1- كمال الدين و تمام النعمة:376،و إعلام الوري:68/2.

الذي حملني عليه ذو الرياستين و عليه الممطر،و وقف بالقرب مني ليجتمع إليه أصحابه و هو ينشد:

مدارس آيات خلت من تلاوة و يبكي،فلمّا رأيت ذلك عجبت من لص من الأكراد يتشيع،ثم طمعت في القميص و المنشفة فقلت:يا سيدي لمن هذه القصيدة؟

فقال:و ما أنت و ذلك ويلك.

فقلت:لي فيه سبب أخبرك به.

فقال:هي أشهر بصاحبها من أن تجهل.

فقلت:من؟

قال:دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد،جزاه الله خيرا.

فقلت له:يا سيدي فأنا و الله دعبل،و هذه قصيدتي.

قال:ويلك ما تقول؟

قلت:الأمر أشهر من ذلك،فاسأل أهل القافلة.

فاستحضر منهم جماعة و سألهم عني.

فقالوا بأسرهم:هذا دعبل بن علي الخزاعي.

فقال:قد أطلقت كلّما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك.ثم نادي في أصحابه:من أخذ شيئا فليرده.

فرجع علي الناس جميع ما أخذ منهم،و رجع إليّ جميع ما كان معي،ثم بذرقنا (1)إلي المأمن فحرست أنا و القافلة ببركة ذلك القميص و المنشفة (2).

و روي أنه كانت له جارية يحبّها فرمدت فقال أهل الطبّ أمّا العين اليمني فقد ذهبت و أمّا اليسري فنجتهد في معالجتها فاغتمّ لذلك دعبل ثمّ ذكر فضل الجبّة فعصّبها بعصابة منها فأصبحت و عيناها أصحّ ممّا كانتا ببركة الرضا عليه السّلام (3).

و عن داود البكري قال:سمعت علي بن دعبل الخزاعي يقول:لمّا حضر أبي الوفاة تغيّر لونه و انعقد لسانه و اسودّ وجهه فكدت أن أرجع عن مذهبه فرأيته بعد ثلاث فيما يري النائم و عليه ثياب بيض و قلنسوة بيضاء فقلت له:يا أبه ما فعل الله بك؟

فقال:يا بني إنّ الذي رأيته من اسوداد وجهي و انعقاد لساني كان من شرب الخمر في دار9.

ص: 48


1- في نسخة:بدر فينا،و بدرقنا:أي جعل علينا حرسا،و البذرقة هي معرب بذرقة بالفارسية و هم الحراس.
2- مناقب آل أبي طالب 4:368،تهذيب الكمال 21:151،سير اعلام النبلاء 9:391.
3- كمال الدين و تمام النعمة:376 ح 6،و البحار:241/49 ح 9.

الدّنيا و لم أزل كذلك حتّي لقيت رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عليه ثياب بيض و قلنسوة بيضاء فقال لي:أنت دعبل؟

قلت:نعم يا رسول الله قال:فانشدني قولك في أولادي،فأنشدته قولي:

لا أضحك الله سنّ الدهر إن ضحكت يوما و آل رسول الله قد قهروا

مشرّدون نفوا عن عقر دارهم كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر

فقال لي:أحسنت و شفع فيّ و أعطاني ثيابه و ها هي و أشار إلي ثياب بدنه (1).

قال صاحب الأغاني:إنّ دعبل الخزاعي كتب قصيدته هذه علي ثوب و أحرم فيه و أمر بأن يكون في كنفه و لم يزل دعبل مرهوب اللّسان و يخاف من هجائه الخلفاء (2).

قال ابن المدبر:لقيت دعبلا فقلت له:أنت أجسر الناس حيث تقول للمأمون شعر:

إنّي من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك و شرّفتك بمقعد

رفعوا محلّك بعد طول خموله و استنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال:يا أبا إسحاق إنّي أجد خشبتي منذ أربعين سنة و لا أجد من يصلبني عليها (3).

***

قصيدة دعبل الخزاعي الكاملة

قال دعبل:لما قلت مدارس آيات قصدت بها أبا الحسن علي بن موسي الرضا و هو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة فوصلت المدينة و حضرت عنده و أنشدته إياها فاستحسنها و قال لي:

(لا تنشدها أحدا حتي آمرك)و اتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني و سألني عن خبري ثم قال لي:يا دعبل أنشدني مدارس آيات خلت من تلاوة.

فقلت:ما أعرفها يا أمير المؤمنين.

فقال:يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسي الرضا.

فلم يكن إلاّ ساعة حتي حضر.

فقال له:يا أبا الحسن سألت دعبلا عن مدارس آيات خلت من تلاوة فذكر أنه لا يعرفها.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:يا دعبل أنشد أمير المؤمنين (4).

ص: 49


1- عيون أخبار الرضا:298/1 ح 36،و البحار:242/49 ح 10.
2- كمال الدين و تمام النعمة:376 ح 7.
3- البحار:260/49 ح 14.
4- مسند الإمام الرضا:184/1.

و في كشف الغمّة،عن أبي الصلت الهروي قال:دخل دعبل بن علي الخزاعي علي الرضا عليه السّلام بمرو فقال له:يابن رسول الله إنّي قد قلت فيكم قصيدة و آليت علي نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقال الرضا عليه السّلام:هاتها فأنشد قصيدة:

تجاوبن بالأرنان و الزفرات نوائح عجم اللفظ و النطقات (1)

يخبّرن بالأنفاس عن سرّ أنفس اساري هوي ماض و آخرات (2)

فأسعدن أو أسعفن (3)حتّي تقرّضت صفوف الدّجي بالفجر منهزمات

علي العرصات الخاليات من المها (4) سلام شجّ صبّ علي العرصات

فعهدي بها خضر المعاهد (5)مألفا من العطرات البيض و الخطرات

ليالي يعدين الوصال (6)علي القلي و يعدي تدانينا علي الغربات

و إذ هنّ يلحظن العيون سوافرا و يسترن بالأيدي علي الوجنات

و إذ كلّ يوم لي بلحظي نشوة يبيت بها قلبي علي نشواتي (7)

فكم حسرات هاجها بمحسّر (8) وقوفي يوم الجمع من عرفات

ألم تر للأيّام ما جرّ جورها (9) علي الناس من نقص و طول شتات

و من دول المستهزئين و من غدا بهم طالبا للنور في الظلماتض.

ص: 50


1- عجم اللفظ:الأعجم الذي لا يفصح و لا يبيّن كلامه و منه الحيوانات العجم و به سمّي العجم و هم خلاف العرب لأنّهم لا يفهمون اللغة العربية التي هي الأصل في لغات هذا الدّين المحمّدي علي مشرّفه و علي آله أفضل الصلوات،و المراد هنا الطيور و نغماتها التي تتجاوب بالرنّة و النوح في أطلال ديار الأحبار.
2- اساري هو اماض الخ يعني أنّ تلك الأنفس أسيرات في عشق الأحباب الماضين و الآتين،و لعلّ المراد من الآتي هذا الدولة المهدوية علي القائم بها أفضل الصلوات.
3- و اسعدن أو اسعفن الخ:الإسعاد الإعانة و الإسعاف الإيصال إلي البغية و الضمير يرجع إلي الطيور النايحة و قيل إلي العشّاق و هو بعيد،قيل:و الأصوب فاصعدن و أسففن من اسف الطائر إذا دني من الأرض في طيرانه يعني يطرن تارة صعودا و اخري هبوطا و التقوّض التفرّق.
4- المها الخ،المها بقر الوحش و رجل شج أي حزين و الصب العاشق المشتاق.
5- خضر المعاهد الخ:أي كنت أعهد أماكنها خضرة و هي مألف للنساء البيض و الحقر بالتحريك شدّة الحياء؟؟ علي التمييز.
6- يعدين الوصال علي القلي الخ:من أعداه عليه أي أعانه عليه أي يجعلن الوصل غالبا علي الهجر لما يكون فيها من أسباب الوصال.
7- نشوة أي سكرة.
8- بمحسر أراد به وادي المحسر المشهور،
9- قيل:إنّ ما جرّ من الجريرة و هي الجناية العظيمة و الظاهر أنّه فعل ماض من الجرّ و هو السحب في الأرض.

فكيف و من أتي بطالب زلفة إلي الله بعد الصوم و الصلوات

سوي حبّ أبناء النبيّ و رهطه و بغض بني الزرقاء و العبلات (1)

و هند و ما أدّت سميّة و ابنها أولوا الكفر في الإسلام و الفجرات

هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه و محكمه بالزور و الشبهات

و لم تك إلاّ محنة قد كشفتهم بدعوي ضلال من هن و هنات

تراث بلا قربي و ملك بلا هدي و حكم بلا شوري بغير هدات

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة وردت أجاجا طعم كلّ فرات

و ما سهلت تلك المذاهب فيهم علي الناس إلاّ بيعة الفلتات

و ما قبل أصحاب السقيفة جهرة بدعوي تراث في الضلال ثبات

و لو قلّدوا الموصي إليه امورها لزمّت بمأمون علي العثرات

أخي خاتم الرسل المصفّي من القذي و مفترس الأبطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده و بدر و احد شامخ الهضبات

و آي من القرآن تتلي بفضله و إيثاره بالقوت في اللزبات (2)

و غرّ خلال أدركته بسبقها مناقب كانت فيه مؤتنفات (3)

مناقب لم تدرك بخير و لم تنل بشيء سوي حدّ القنا الذربات (4)

نجي لجبريل الأمين و أنتم عكوف علي العزي معا و منات

بكيت لرسم الدار من عرفات و أذريت دمع العين بالعبرات

و قلّ عري صبري و هاجت صبابتي رسوم ديار أقفرت و عرات

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من مني و بالبيت و التعريف و الجمرات

ديار لعبد الله بالخيف من مني و للسيّد الداعي إلي الصلوات

ديار عليّ و الحسين و جعفر و حمزة و السجّاد ذو الثفناتة.

ص: 51


1- بني الزرقاء و العبلات،الزرقة أبغض الألوان إلي العرب لأنّه لون أعدائهم الروم و عبله اسم اميّة الصغري و هم من قريش يقال لهم العبلات بالتحريك و سميّة ابن زياد بن أبيه.
2- اللزيات جمع لزية بالتحريك و هو الشدّة و القحط.
3- مونفات أي طريات جديدات لم يسبق إليها.
4- الذربات جمع ذربة و هي الحدّة.

ديار لعبد الله و الفضل صنوه نجيّ رسول الله في الخلوات

و سبطي رسول الله و ابني وصيّه و وارث علم الله و الحسنات

منازل وحي الله ينزل بيتها علي أحمد المذكور في الصلوات

منازل قوم يهتدي بهداهم فيؤمن منهم زلّة العثرات

منازل كانت للصلاة و للتّقي و للصوم و التطهير و الحسنات

منازل لا تيم تحلّ بربعها و لا ابن صهّاك فاتك الحرمات

ديار عفاها جور كلّ منابذ و لم تعف للأيّام و السنوات

قفا نسأل الدار التي خفّ أهلها متي عهدها بالصوم و الصلوات

ذكرت محل الربع من عرفات و أرسلت دمع العين بالعبرات

و فلّ عري صبري و هاج صبابتي رسوم ديار اقفرت و عرات

و أين الأولي شطّت بهم غربة النوي أفانين في الأقطار مفترقات

هم أهل ميراث النبيّ إذا اعتزوا و هم خير سادات و خير حمات

إذا لم نناج الله في صلواتنا بذكرهم لم يقبل الصلوات

مطاعيم للاعصار في كلّ مشهد لقد شرّفوا بالفضل و البركات

و ما الناس إلاّ غاضب و مكذّب و مضطفن ذو إحنة و ترات (1)

إذا ذكروا قتلي ببدر و خيبر و يوم حنين أسبلوا العبرات

فكيف يحبّون النبيّ و رهطه و هم تركوا أحشاءهم و غرات (2)

لقد لاينوه في المقال و أضمروا قلوبا علي الأحقاد منطويات

فإن لم يكن إلاّ بقربي محمّد فهاشم أولي من هن و هنات

سقي الله قبرا بالمدينة غيثه فقد حلّ فيه الأمن و البركات

نبيّ الهدي صلّي عليه مليكه و بلغ عنّا روحه التحفات

و صلّي عليه الله ما درّ شارق و لاحت نجوم الليل مبتدرات

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا و قد مات عطشانا بشطّ فراتر.

ص: 52


1- و مضطفن ذو احنة و ترات،المضطفن المنطوي علي الأحقاد و الاحنة بالكسر الحقد و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه.
2- و غرات أي تغلي غليان القدر.

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده و أجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي نجوم سماوات بأرض فلات

قبور بكوفان و اخري بطيبة و اخري بفخ نالها صلوات (1)

و اخري بأرض الجوزجان (2)محلّها و قبر بباخمري (3)لدي الغربات

و قبر ببغداد لنفس زكيّة تضمّنها الرحمن في الغرفات

و قبر بطوس يالها من مصيبة ألحّت علي الأحشاء بالزفرات

إلي الحشر حتّي يبعث الله قائما يفرّج عنّا الغمّ و الكربات

علي بن موسي أرشد الله أمره و صلّي عليه أفضل الصلوات

فأمّا الممضات (4)التي لست بالغا مبالغها منّي بكنه صفات

قبور ببطن النهر من جنب كربلا معرّسهم منها بشط فرات

توفّوا عطاشي بالفرات فليتني توفّيت فيهم قبل حين وفات

إلي الله أشكو لوعة عند ذكرهم سقتني بكأس الثكل و القطعات

أخاف بأن إزدارهم (5)فتشوقني مصارعهم بالجزع في النخلات

تغشاهم ريب المنون فما تري لهم عقرة مغشية الحجرات

خلا أنّ منهم بالمدينة عصبة مدينين انضاء من اللزبات

قليلة زوّار سوي أنّ زوّرا من الضبع و العقبان و الرخمات

لهم كلّ يوم تربة بمضاجع ثوت في نواحي الأرض مفترقات

تنكّب لاواء السنين جوارهم و لا تصطليهم جمرة الجمرات

و قد كان منهم بالحجاز و أرضها مفاوير نحارون في الأزماتل.

ص: 53


1- و اخري بفخّ إشارة إلي القتل بفخ في زمن الهادي العبّاسي أخي الرشيد فإنّه تولّي الخلافة قبله و قتل في ذلك المكان الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و سليمان بن عبد الله بن الحسن و أتباعهما لمّا خرجوا في زمنه.
2- بأرض الجوزجان إشارة إلي قتل يحيي بن زيد بن علي بن الحسين عليه السّلام فإنّه قتل بجوزجان و صلب بها في زمن الوليد و كان مصلوبا علي ظهر أبو مسلم فأنزل و دفنه.
3- باخمرا:اسم موضع علي ستّة عشر فرسخا من الكوفة قتل فيه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن.
4- الممضات من قولهم امضه الجرح أي أوجعه يعني لا أبلغ كنه صفاتي أن أصف أنّها بلغت منّي أي مبلغ من الحزن.
5- من الزيارات علي وزن:افتعل.

حمي لم تزره المذنبات و أوجه تضيء لدي الأستار و الظلمات

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا مساعير (1)حرب أفحموا العمرات

فإن فخروا يوما أتوا بمحمّد و جبريل و الفرقان و السورات

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلي و فاطمة الزهراء خير بنات

و حمزة و العبّاس ذا الهدي و التّقي و جعفرها الطيّار في الحجبات

أولئك لا ملقوح هند و خربها سميّة من نوكي (2)و من قذرات

ستسأل تيم عنهم و عديّها و هم تركوا الأبناء رهن شتات

و هم عدلوها عن وصيّ محمّد فبيعتهم جاءت علي العذرات

وليّهم صنو النبيّ محمّد أبو الحسن الفرّاج للغمرات

ملامك في آل النبي فإنّهم أحبّاي ما داموا و أهل ثقات

تحيرتهم رشد التقسي أنّهم علي كلّ خيبر خيرة الخيرات

نبذت إليهم بالمودّة صادقا و سلمت نفسي طائعا لولاتي

فيارب زدني في هواي بصيرة (3) و زد حبّهم يا ربّ في حسنات

سأبكيهم ما حجّ لله راكب و ما ناح قمري علي الشجرات

و أنّي لمولاهم و قال عدوّهم و أنّي لمحزون بطول حيات

بنفسي أنتم من كهول و فتية لفك عناة أو لحمل ديات

و للخيل لما قيد الموت خطوها فأطلقتم منهنّ بالذربات

أحبّ قصي الرحم من أجل حبّكم و أهجر فيكم زوجتي و بنات

و أكتم حبّيكم مخافة كاشح عنيد لأهل الحقّ غير موات

فيا عين بكيّهم وجودي بعبرة فقد آن للتسكاب و الهملات

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها و أنّي لأرجو الأمن بعد وفات

ألم تر أني مذ ثلاثين حجّة أروح و أغدو دائم الحسرات

أري فيأهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفراترة

ص: 54


1- المسعر بكسر الميم الخشب الذي تسعر به النار.
2- النوكي الحمقي.
3- في نسخة:فيارب زد قلبي هدي و بصيرة

و كيف أداوي من جوي بي و الجوي (1) أمية أهل الكفر و اللّعنات

و آل زياد في القصور مصونة و آل رسول الله منهتكات

سأبكيكهم ما ذرّ في الأفق شارق و نادي مناد الخير بالصلوات

و ما طلعت شمس و حان غروبها و بالليل أبكيهم و بالغدوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعا (2) و آل زياد تسكن الحجرات

و آل رسول الله غلب (3)رقابهم و آل زياد غلظ القصرات

و آل رسول الله تدمي نحورهم و آل زياد ربة الحجلات

و آل رسول الله تسبي حريمهم و آل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدّوا إلي واتريهم أكفّا عن الأوتار منقبضات

فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد تقطّع نفسي اثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج يقوم علي اسم الله و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزي علي النعماء و النقمات

فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس أبشري فغير بعيد كلّما هو آت

و لا تجزعي من مدّة الجور أنّني أري قوتي قد أذنت بثبات

فإن قرب الرحمن من تلك مدّتي و أخّر من عمري و وقت وفات

شفيت و لم أترك لنفسي غصّة و رويت منهم منصل و قنات

فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم حياة لدي الفردوس غير ثبات (4)

عسي الله أن يرتاح (5)للخلق أنّه إلي كلّ قوم دائم اللحظات

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر و عضوا علي التحقيق بالشبهات

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم كفاني ما ألقي من العبرات

أحاول نقل الصمّ عن مستقرّها و إسماع أحجار من الصلدات

فحسبي منهم أن أبوء بغصّة تردّد في صدري و في لهوات

فمن عارف لم ينتفع و معاند تميل به الأهواء للشهواته.

ص: 55


1- و الجوي:الحرقة و شدّة الوجد من عشق أو حزن.
2- البلقع الأرض الخالية.
3- في نسخة:غلّت.
4- غير ثبات أي غير منقطع.
5- ارتاح الله لفلان أي رحمه.

كأنّك بالأضلاع قد ضاق ذرعها لما حملت من شدّة الزفرات (1)

فيا وارثي علم النبي و آله عليكم سلام دائم النفحات

لقد آمنت نفسي بكم في حياتها و إنّي لأرجو الأمن بعد ممات (2)

***

خبر ولاية العهد و صلاة العيد

اشارة

عن ياسر الخادم و الريّان بن الصلت جميعا قال:لمّا انقضي أمر المخلوع (3)و استوي الأمر للمأمون كتب إلي الرّضا عليه السّلام يستقدمه إلي خراسان،فاعتلّ عليه أبو الحسن عليه السّلام بعلل،فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتّي علم أنّه لا محيص له و أنّه لا يكفّ عنه،فخرج عليه السّلام و لأبي جعفر عليه السّلام سبع سنين،فكتب إليه المأمون:لا تأخذ علي طريق الجبل و قم (4)،و خذ علي طريق البصرة و الأهواز و فارس،حتّي وافي مرو،فعرض عليه المأمون أن يتقلّد الأمر و الخلافة،فأبي أبو الحسن عليه السّلام.

قال:فولاية العهد؟

فقال:«علي شروط أسألكها».

قال المأمون له:سل ما شئت،فكتب الرّضا عليه السّلام:«إنّي داخل في ولاية العهد علي أن لا آمر و لا أنهي و لا افتي و لا أقضي و لا اولّي و لا أعزل و لا اغيّر شيئا ممّا هو قائم و تعفيني من ذلك كلّه»، فأجابه المأمون إلي ذلك كلّه.

قال:فحدّثني ياسر قال:فلمّا حضر العيد بعث المأمون إلي الرّضا عليه السّلام يسأله أن يركب و يحضر العيد و يصلّي و يخطب،فبعث إليه الرّضا عليه السّلام:«قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخول هذا الأمر»،فبعث إليه المأمون إنّما اريد بذلك أن تطمئنّ قلوب الناس و يعرفوا فضلك، فلم يزل عليه السّلام يرادّه الكلام في ذلك فألحّ عليه.

ص: 56


1- الغدير:358/2 ح 6،و كشف الغمة:58/3.
2- انظر:ديوان دعبل بن علي الخزاعي:41/123،و عيون أخبار الرضا 2:142،263،و تذكرة الخواص:205.
3- هو أخو المأمون محمد أمين بن زبيدة بنت جعفر بن منصور الدوانقي سمي مخلوعا لأنه خلع نفسه عن الخلافة عند إحاطة عساكر المأمون بعد توجه العجز و الانكسار إليه،و طلب الأمان من هرثمة بن أعين و خرج من السور ليلحق به فقتله قبل الوصول إليه الطاهر ذو اليمينين،و هو كان أمير العساكر و بعث برأسه إلي هارون و هو في مرو.
4- المراد بالجبل همدان و نهاوند و طبرستان،و لعل علة النهي هي كثرة شيعته في ذلك الطريق فخاف توازرهم و اجتماعهم عليه.

فقال:«يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحبّ إليّ و إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و أمير المؤمنين»عليه السّلام.

فقال المأمون:اخرج كيف شئت و أمر المأمون القوّاد و النّاس أن يبكّروا إلي باب أبي الحسن قال:فحدّثني ياسر الخادم أنّه قعد النّاس لأبي الحسن عليه السّلام في الطرقات و السطوح،الرّجال و النساء و الصبيان و اجتمع القوّاد و الجند علي باب أبي الحسن عليه السّلام فلمّا طلعت الشمس قام عليه السّلام فاغتسل و تعمّم بعمامة بيضاء من قطن.ألقي طرفا منها علي صدره و طرفا بين كتفيه و تشمّر.

ثمّ قال لجميع مواليه:«افعلوا مثل ما فعلت»،ثمّ أخذ بيده عكّازا ثمّ خرج و نحن بين يديه و هو حاف شمّر سراويله إلي نصف الساق و عليه ثياب مشمّرة فلما مشي و مشينا بين يديه رفع رأسه إلي السماء و كبّر أربع تكبيرات،فخيّل إلينا أنّ السماء و الحيطان تجاوبه و القوّاد و الناس علي الباب قد تهيّأوا و لبسوا السلاح و تزيّنوا بأحسن الزينة،فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصورة و طلع الرّضا عليه السّلام وقف علي الباب وقفة ثمّ قال:«الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر علي ما هدانا،الله أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام و الحمد لله علي ما أبلانا»،نرفع بها أصواتنا.

قال ياسر:فتزعزعت مرو بالبكاء و الضجيج و الصياح لمّا نظروا إلي أبي الحسن عليه السّلام و سقط القوّاد عن دوابّهم و رموا بخفافهم لمّا رأوا أبا الحسن عليه السّلام حافيا و كان يمشي و يقف في كلّ عشر خطوات و يكبّر ثلاث مرّات.

قال ياسر:فتخيّل إلينا أنّ السماء و الأرض و الجبال تجاوبه و صارت مرو ضجّة واحدة من البكاء و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرّياستين (1):يا أمير المؤمنين إن بلغ الرّضا المصلّي علي هذا السبيل افتتن به الناس و الرأي أن تسأله أن يرجع،فبعث إليه المأمون فسأله الرّجوع فدعا أبو الحسن عليه السّلام بخفّه فلبسه و ركب و رجع (2).

***

علة قبول الإمام الرضا عليه السّلام لولاية العهد

عن محمّد الرازي قال:كنت في خدمة الرضا عليه السّلام لمّا جعله المأمون ولي عهده فأتاه رجل من الخوارج في كفّه مدية مسمومة و قد قال لأصحابه:لآتين هذا الذي يزعم أنّه ابن رسول الله و قد دخل لهذه الطاغية فيما دخل فأسأله عن حجّته فإن كان له حجّة و إلاّ أرحت الناس منه،فدخل عليه فقال:أجيبك عن مسألتك بشرط إن أقنعتك أن تكسر الذي في كمّك فتحيّر الخارجي و أخرج المدية

ص: 57


1- كان الفضل وزير المأمون بالاستقلال و ترقي أمره حتي تصرف في الإمامة أيضا،فلذلك سمي بذي الرياستين رياسة الوزارة و رياسة الإمارة.
2- الحدائق الناظرة:269/1،و الكافي:490/1 ح 7.

و كسرها ثمّ قال:أخبرني عن دخولك لهذه الطاغية فيما دخلت له و هم عندك كفّار و أنت ابن رسول الله ما حملك علي هذا؟

فقال عليه السّلام:أرأيتك هؤلاء أكفر أم عزيز مصر و أهل مملكته،أليس هؤلاء علي حال يزعمون أنّهم موحّدون و أولئك لم يوحّدوا الله و لم يعرفوه و يوسف بن يعقوب نبيّ ابن نبيّ قال لعزيز مصر و هو كافر اِجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (1)كان يجالس الفراعنة و أنا رجل من ولد رسول الله أجبرني علي هذا الأمر و أكرهني عليه فما الذي أنكرت و نقمت عليّ فقال:لا عتب عليك أنّي أشهد أنك ابن نبيّ الله و أنّك صادق (2).

و في علل الشرائع عن أبي الصلت الهروي قال:إنّ المأمون قال للرضا عليه السّلام:يابن رسول الله قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و عبادتك و أراك أحقّ بالخلافة منّي،إلي أن قال:فإنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة و أجعلها لك و ابايعك.

فقال عليه السّلام:إن كانت هذه الخلافة لك و جعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسك الله و تجعله لغيرك.و إن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك.

فقال له المأمون:يابن رسول الله لا بدّ لك من قبول هذا الأمر.

فقال عليه السّلام:لست أفعل ذلك طائعا أبدا.

فما زال يجهد به أيّاما حتّي يئس من قبوله فقال له:فإن لم تقبل الخلافة و لم تحبّ مبايعتي فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

فقال عليه السّلام:لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّي أخرج من الدّنيا قبلك مقتولا بالسمّ مظلوما تبكي عليّ ملائكة السماوات و ملائكة الأرض و ادفن في أرض غربة إلي جنب هارون الرشيد.

فبكي المأمون ثمّ قال له:و من ذا الذي يقدر علي قتلك و أنا حيّ.

فقال عليه السّلام:أمّا أنّي لو أشاء أن أقول من ذا الذي يقتلني لقلت.

فقال:يابن رسول الله إنّما تريد بقولك هذا دفع هذا الأمر عنك ليقول الناس إنّك زاهد في الدّنيا؟

فقال الرضا عليه السّلام:و الله ما كذبت منذ خلقني ربّي و ما زهدت في الدنيا للدنيا و أنّي لأعلم ما تريد.2.

ص: 58


1- سورة يوسف:55.
2- وسائل الشيعة:206/17،الخرائج و الجرائح:767/2.

فقال المأمون:و ما اريد؟

قال عليه السّلام:الأمان علي الصدق؟

قال:لك الأمان.

قال عليه السّلام:تريد بذلك أن يقول الناس إنّ عليّ بن موسي لم يزهد في الدّنيا بل زهدت الدّنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة.

فغضب المأمون و قال:إنّك تلقاني أبدا بما أكرهه و قد أمنت سطواتي فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد و إلاّ أجبرتك علي ذلك،فإن فعلت و إلاّ ضربت عنقك.

فقال عليه السّلام:قد نهاني الله عزّ و جلّ أن ألقي بيدي إلي التهلكة فإن كان الأمر علي هذا فافعل ما بدا لك و أنا أقبل ذلك علي أنّي لا أولّي أحدا و لا أعزل أحدا و لا أنقض رسما و لا سنّة و أكون في الأمر من بعيد مشيرا،فرضي منه بذلك و جعله وليّ عهده علي كراهة منه عليه السّلام لذلك (1).

الأمالي عن الريان قال:دخلت علي الرضا عليه السّلام فقلت:يابن رسول الله إنّ الناس يقولون:

إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدّنيا؟

فقال عليه السّلام:قد علم الله كراهتي لذلك فلمّا خيّرت بين قبول ذلك و بين القتل اخترت القبول علي القتل،و يحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السّلام كان نبيّا رسولا فلمّا رفعته الضرورة تولّي خزائن العزيز فقال له: اِجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (2)و دفعتني الضرورة إلي قبول ذلك علي إكراه و إجبار بعد الإشراف علي الهلاك علي أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه فإلي الله المشتكي و هو المستعان (3).

و فيه عن الحسن بن الجهم عن أبيه قال:صعد المأمون المنبر ليبايع الرضا عليه السّلام فقال:أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام و الله لو قرئت هذه الأسماء علي الصمّ و البكم لبرئوا بإذن الله عزّ و جلّ (4).

و في عيون الأخبار عن أبي طاهر قال:أشار الفضل بن سهل علي المأمون أن يتقرّب إلي الله عزّ و جلّ و إلي رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بصلة رحمه بالبيعة لعليّ بن موسي ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم و ما كان يقدر علي خلافه في شيء فوجّه من خراسان و أشخص الرضا عليه السّلام إلي مرو و ولاّه العهد من بعده و أمر للجند برزق سنة و كتب إلي الآفاق بذلك و سمّاه الرضا عليه السّلام و ضرب الدراهم باسمه و أمر الناس بلبس الخضرة و ترك السواد و زوّجه ابنته امّ حبيبة و زوّج ابنه محمّد بن عليّ عليه السّلام ابنته امّ6.

ص: 59


1- عيون أخبار الرضا:152/1 ح 3،و أمالي الصدوق:126.
2- يوسف:55.
3- علل الشرائع:239/1 ح 3،و عيون أخبار الرضا:151/1 ح 2.
4- البحار:130/49 ح 6.

الفضل بنت المأمون و تزوّج هو بنوران بنت الحسن بن سهل كلّ هذا في يوم واحد و ما كان يجب أن يتمّ العهد للرضا عليه السّلام بعده (1).

و قيل في وجه ذلك أنّ الفضل النوبختي كان عالما بالنجوم فكتب إلي المأمون سرّا أنّ البيعة و عقدها هذا الوقت لا يتمّ من جهة علم النجوم فكتب المأمون إليّ إيّاك أن تخبر به أحدا و قل للفضل ذي الرياستين أن يعقد البيعة هذا الوقت فعرفت أنّ المأمون لا يريد تمام الأمر في البيعة للرضا عليه السّلام و يدلّ عليه أنّه بعد عقد البيعة للرضا عليه السّلام من الناس حضر العيد فبعث المأمون إلي الرضا عليه السّلام يسأله أن يحضر العيد للصلاة و يخطب لتطمئن قلوب الناس و يعرفوا فضله فبعث إليه الرضا عليه السّلام قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر.

فقال المأمون:إنّما أريد بهذا الأمر أن يرسخ في قلوب العامّة و الجند هذا الأمر فلم يزل يراده الكلام في ذلك فلمّا ألحّ عليه قال:إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ و إن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام.

قال المأمون:اخرج كما تحبّ و أمر المأمون القوّاد و الناس أن يبكروا إلي باب الرضا عليه السّلام فقعد الناس في الطرقات و السطوح من الرجال و النساء و الصبيان و اجتمع القوّاد علي بابه فلمّا طلعت الشمس اغتسل عليه السّلام و تعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقي طرفا منها علي صدره و طرفا بين كتفيه و تشمّر و أمر مواليه بمثل فعله و أخذ بيده عكازة و خرج و نحن بين يديه و هو حاف قد شمّر سراويله إلي نصف الساق و عليه ثياب مشمرة فلمّا قام و مشينا بين يديه رفع رأسه إلي السماء و كبّر أربع تكبيرات فخيّل إلينا أنّ الهواء و الحيطان تجاوبه و القوّاد و الناس علي الباب قد تزيّنوا و لبسوا السلاح،فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصورة وقف الرضا عليه السّلام وقفة علي الباب و رفع صوته و رفعنا أصواتنا بالتكبير تزعزعت مرو من البكاء و الصياح قالها ثلاث مرّات فسقط القوّاد عن دوابّهم و رموا بخفافهم و صارت مرو ضجّة واحدة و كان عليه السّلام يمشي و يقف في كلّ عشر خطوات وقفة و يكبّر الله أربع مرّات فيتخيّل إلينا أنّ السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل:يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا عليه السّلام المصلّي علي هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله الرجوع،فسأله الرجوع فدعا عليه السّلام بخفّه و لبسه و رجع (2).

و في عيون الأخبار أيضا عن الريّان بن الصلت قال:أكثر الناس في بيعة الرضا عليه السّلام من القوّاد و العامّة و من لا يحبّ ذلك و قالوا:إنّ هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين سمّي به لأنّه كان وزيرا و تولّي رئاسة الجند فبلغ المأمون ذلك فبعث إليّ فقال يا ريان بلغني أنّ الناس يقولون إنّ بيعة الرضا عليه السّلام من تدبير الفضل.7.

ص: 60


1- عيون أخبار الرضا:159/1،و البحار:132/49.
2- الحدائق الناظرة:10.269،و الكافي:490/1 ح 7.

فقلت:نعم،فقال:و يحك أيجسر أحد أن يجيء إلي خليفة استقامت له الامور فيقول له:

ادفع الخلافة إلي غيرك؟

قلت:لا.

قال:سأخبرك بالسبب و ذلك أنّه كتب إلي محمّد أخي بالقدوم عليه فأبيت فعقد لعليّ بن عيسي و أمره أن يقيّدني و يجعل الغلّ في عنقي فورد عليّ الخبر و فسدت عليّ الامور و ما كان لي قوّة علي مقاومته فأردت أن ألحق بحاكم كابل ثمّ قلت:رجل كافر إذا بذل له الأموال يدفعني إليه فلم أجد وجها من أن أتوب إلي الله من ذنوبي و أستعين علي هذه الامور فصببت الماء علي بدني و لبست ثوبين أبيضين و صلّيت أربع ركعات و دعوت الله عزّ و جلّ و عاهدته عهدا وثيقا ان أفضي الله بهذا الأمر إلي أن أضعه في موضعه الذي وضعه الله فيه ثمّ قوي قلبي فأحببت أن أفي الله بما عاهدته عليه و لم أر أحدا أحقّ بهذا الأمر من الرضا عليه السّلام فوضعتها فيه فلم يقبلها إلاّ علي ما قد علمت فهذا كان سببها،الحديث (1).

قال السيد الجزائري في رياض الأبرار:ما ذكره من السبب هو أحد الأسباب للمأمون في جعله الرضا عليه السّلام ولي عهده لأنّه أراد أن يفي لله بعهده كيلا يخرج الله سبحانه الأمر منه إلي غيره بهذه الحيلة التي تخيّلها حيلة شرعية و هو أن يجعله وليّ عهده مدّة قليلة و يحتال عليه في القتل مضافا إلي ما سمع من الرضا عليه السّلام أنّه يموت قبله و هو عنده صادق فتكون حيلة علي الله سبحانه و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

و من الأسباب أنّ العلويّين كانوا يخرجون عليه في ملكه فأراد أن يوهمهم رجوع الخلافة إليهم ليسكنوا عن الخروج عليه و قد اتّفق له ذلك و منها ما صرّح به عليه السّلام له من قصده أن يقول الناس زهدت الدنيا في الرضا عليه السّلام و لم يزهد فيها و لهذا و ثب عليها لمّا تمكّن منها و منها غيظ بني العبّاس فإنّ بعضهم وافق أخاه محمّد الأمين و بعضهم كإبراهيم عمّه خرج إليه فأراد أن يوهمهم بأنّ أفعالهم معه كانت باعثة إلي إخراجه الأمر عنهم إلي غير ذلك من الأغراض الفاسدة.

و عن محمّد بن عرنة قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما حملك علي الدخول في ولاية العهد؟

فقال:ما حمل جدّي أمير المؤمنين عليه السّلام علي الدخول في الشوري (2).

و قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا سئل عن دخوله في الشوري قال:أردت تكذيبهم لأنّهم رووا عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:لا تجتمع النبوّة و الخلافة في بيت واحد (3).9.

ص: 61


1- عيون أخبار الرضا:164/1،و البحار:138/49.
2- عيون أخبار الرضا:152/1 ح 4،و البحار:140/49 ح 14.
3- البحار:86/9.

و عن معمّر بن خلاّد أنّه قال المأمون للرضا عليه السّلام:انظر بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي قد فسدت علينا.

قال الرضا عليه السّلام:فقلت له:تفي لي و أفي لك فإنّي إنّما دخلت فيما دخلت علي أنّي لا آمر فيه و لا أنهي و لا أعزل و لا أولّي و لا أشير حتّي يقدمني الله قبلك فو الله أنّ الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي و لقد كنت في المدينة أتردّد في طرقها علي دابّتي و أنّ أهلها و غيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم فيصيرون كالأعمام لي و أنّ كتبي لنافذة في الأمصار و ما زدتني في نعمة هي عليّ من ربّي، فقال:أفي لك (1).

***

حديث الإمام الرضا عليه السّلام بنيشابور و أثره

كشف الغمّة عن المولي السعيد عماد الدّين الوزّان أنّ الرضا عليه السّلام لمّا دخل إلي نيشابور كان في مهد علي بغلة شهباء عليها مركب من فضّة و ذهب فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة و محمد بن سلم الطوسي رحمهما الله فقالا:أيّها السيّد ابن السادة بحقّ آبائك الأطهرين ألاّ أريتنا وجهك المبارك و رويت لنا حديثا عن آبائك،فرفع المظلّة و الناس علي طبقاتهم قيام بين صارخ و باك و ممزّق ثوبه و متمرّغ في التراب و مقيل حزام بغلته إلي أن انتصف النهار و جرت الدموع كالأنهار و سكنت الأصوات و صاحت الأئمّة و القضاة:معاشر الناس اسمعوا وعوا و لا تؤذوا رسول الله في عترته فأملي صلوات الله عليه هذا الحديث و عدّ من المحابر أربع و عشرون ألفا سوي الدّوي و المستملي أبو زرعة الرازي و محمّد بن أسلم الطوسي.

فقال عليه السّلام:حدّثني أبي موسي بن جعفر الكاظم قال:حدّثني أبي محمّد بن علي الباقر قال:

حدّثني أبي عليّ بن الحسين زين العابدين قال:حدّثني أبي الحسين بن علي الشهيد بأرض كربلاء قال:حدّثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد الكوفة قال:حدّثني أخي و ابن عمّي محمّد رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:حدّثني جبرئيل عليه السّلام قال:سمعت ربّ العزّة سبحانه و تعالي يقول:كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي.

قال الاستاد أبو القاسم القشيري:إنّ هذا الحديث بهذا السند (2)بلغ بعض امراء السّامانية

ص: 62


1- شرح أصول الكافي:163/12 ح 134،و البحار:144/49 ح 20.
2- قال محمّد بن عبد الله بن طاهر:كنت واقفا علي رأس أبي و عنده أبو الصلت الهروي و إسحاق بن راهويه و أحمد بن محمّد بن حنبل فقال أبي:ليحدّثني كلّ رجل منكم بحديث فقال أبو الصلت:حدّثني علي بن موسي الرضا عليه السّلام و كان و الله رضي كا سمّي عن أبيه موسي بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي(عليهم السّلام)قال:قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:الإيمان قول و عمل،فلمّا خرجنا قال أحمد بن محمّد بن حنبل:ما هذا الاسناد؟فقال له أبي: هذا سعوط المجانين إذا سعّط به المجنون أفاق.

فكتبه بالذهب و أوصي أن يدفن معه،فلمّا مات رئي في المنام فقيل:ما فعل الله بك؟

فقال:غفر الله لي بتلفّظي بلا إله إلاّ الله و تصديقي محمّدا رسول الله مخلصا و أنّي كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما و احتراما (1).

روي الحديث في الأمالي بلفظ:من قال:لا إله إلاّ الله مخلصا بها دخل حصني،قالوا:

يابن رسول الله و ما إخلاص الشهادة لله؟

قال:طاعة الله و طاعة رسوله و ولاية أهل بيته عليهم السّلام (2).

و في حديث آخر:فلمّا مرّت الراحلة نادانا:بشروطها و أنا من شروطها.

فدلّ علي أنّ كلمة التوحيد لا تكون منجية من النار إلاّ بولاية الأئمّة عليهم السّلام و اعتقاد أنّهم أئمّة تجب إطاعتهم كطاعة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيكون من خالفنا في الاعتقاد غير داخل في التوحيد و إذا لم يدخل في التوحيد يكون داخلا في الشرك و الكفر كما مرّ الكلام عليه (3).

و روي الصدوق أنّ الحديث بهذا السند ما قرئ علي مصروع إلاّ برئ و لا علي مريض إلاّ عوفي و قد جرّب في المصروع و المريض فإذا كانت هذه الأسماء المباركة تشفي من أسقام الأبدان فيكون شفاؤها من أسقام الذنوب و الأرواح بالطريق الأولي لشدّة المناسبة بينها و بين الأرواح.

و من ثمّ لم يقبل الله سبحانه التوبة من آدم عليه السّلام إلاّ لمّا توسّل إليه بها و هي الكلمات التي تلقّاها من ربّه فتاب عليه (4).

***

كيفية البيعة

علل الشرائع عن الريّان قال:لمّا أراد المأمون أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين و للرضا عليه السّلام بولاية العهد و للفضل بن سهل بالوزارة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم و قعدوا عليها، أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم علي أيمان الثلاثة من أعلي الإبهام إلي الخنصر و يخرجون حتّي بايع في آخر الناس فتي من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلي الأعلي فتبسّم الرضا عليه السّلام و قال:كلّ من بايعنا بفسخ البيعة غير هذا الفتي فإنّه بايعنا بعقدها.

ص: 63


1- البحار:/49،127 كشف الغمة:102/3.
2- أمالي الصدوق:306 ح 8.
3- مناقب آل أبي طالب:296/2،و حياة الإمام الرضا:145.
4- عيو نأخبار الرضا:174/2.

فقال المأمون:و ما يفسخ البيعة من عقدها؟

قال:عقد البيعة من أعلي الخنصر إلي أعلي الإبهام و فسخها من أعلي الإبهام إلي أعلي الخنصر.

قال:فماج الناس في ذلك و أمر المأمون بإعادة الناس إلي البيعة علي ما وصفه الرضا عليه السّلام و قال للناس:كيف يستحقّ الإمامة من لا يعرف عقد البيعة فحمل المأمون ذلك علي ما فعله من سمّه (1).

و في بشائر المصطفي أنّ العبّاس بن المأمون أوّل من بايع فرفع الرضا عليه السّلام يده فتلقّي بظهرها وجه نفسه و بطنها وجوههم فقال له المأمون:ابسط يدك للبيعة قال عليه السّلام:إنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هكذا كان يبايع فبايعه الناس و يده فوق أيديهم،و وضعت البدر و قامت الخطباء و الشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السّلام و ما كان من المؤمن في أمره و أنشد دعبل قصيدته المشهورة،شعر:

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات

و أنشده إبراهيم بن العبّاس شعر:

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد مصارع أولاد النبيّ محمّد

و أنشد أبو نواس شعر:

مطهّرات نقيّات ثيابهم تتلي الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويّا حين تنسبه فما له في قديم الدهر مفتخر

الله لمّا برا خلقا فأتقنه صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلي و عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور

قال الرضا عليه السّلام:قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها،يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟

فقال:ثلاثمائة دينار.

فقال:أعطها إيّاه.

ثمّ قال:يا غلام سق إليه البغلة (2).

***9.

ص: 64


1- علل الشرائع:239/1 ح 1،و عيون أخبار الرضا:265/1.
2- مناقب آل أبي طالب:475/3،و البحار:148/49.

أسباب قبول ولاية العهد

و قال المرتضي رضي اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل:كيف تولّي عليه السّلام العهد للمأمون و تلك جهة لا يستحقّ الإمامة منها أ و ليس هذا إيهاما فيما يتعلّق بالدّين؟

قلنا:قد مضي من الكلام في سبب دخول أمير المؤمنين عليه السّلام في الشوري ما هو أصل لهذا الباب و جملته أنّ ذا الحقّ له أن يتوصّل إليه من كلّ جهة و سبب لا سيّما إذا كان يتعلّق بذلك الحقّ تكليف عليه فإنّه يصير واجبا عليه التوصّل و التمحل بالتصرّف و الإمامة يستحقّها الرضا عليه السّلام بالنصّ من آبائه عليهم السّلام فإذا دفع عن ذلك و جعل إليه من وجه آخر وجب عليه أن يجيب إلي ذلك الوجه ليصل منه إلي حقّه و ليس في هذا إيهام،لأنّ الأدلّة الدالّة علي استحقاقه عليه السّلام للإمامة بنفسه يمنع من دخول الشبهة بذلك و إن كان فيه بعض الإيهام يحسنه دفع الضرورة إليه كما حملته و أباءه علي إظهار مبايعة الظالمين و القول بإمامتهم،و لعلّه عليه السّلام أجاب إلي ولاية العهد للتقيّة و الخوف لأنّه لم يؤثر الإمتناع علي من ألزمه ذلك و حمله عليه فيفضي الأمر إلي المجاهرة و المباينة و الحال لا يقتضيهما و هذا بيّن (1).

***

وصية الإمام الرضا عليه السّلام بدفنه و ما جري من معاجز

عيون الأخبار عن هرثمة بن أعين قال:دعاني مولاي الرضا عليه السّلام نصف الليل فدخلت عليه و هو جالس في صحن داره فقال:يا هرثمة اسمع وع هذا أوان رحيلي إلي الله و لحوقي بجدّي و آبائي عليهم السّلام و قد بلغ الكتاب أجله و قد عزم هذا الطاغية علي سمّي في عنب و رمّان،فأمّا العنب فإنّه يغمس السلك في السمّ و يجذبه بالخيط في العنب،و أمّا الرمّان فإنّه يطرح السمّ في كفّ بعض غلمانه و يفرك الرمّان بيده ليلطخ به في ذلك السمّ و أنّه سيدعوني في اليوم المقبل و يقرّب إليّ الرمّان و العنب و يسألني أكلهما فآكلهما ثمّ يحضر القضاة فإذا أنا متّ فسيقول:أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له:إنّه قال لي لا تتعرّض لغسلي و لا تكفيني و لا دفني فإنّك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخّر عنك فإنّه سينتهي،فإذا خلّي بينك و بين غسلي فيجلس في علوّ من أبنيته مشرفا علي موضع غسلي لينظر فلا تعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتّي تري فسطاطا أبيض قد ضربت في جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه و لا تكشف عن الفسطاط حتّي تراني فتهلك فإنّه سيشرف عليك و يقول لك:يا هرثمة أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسله إلاّ إمام مثله فمن يغسل الرضا و ابنه محمّد بالمدينة فقل له:إنّا نقول إنّ الإمام لا

ص: 65


1- البحار:155/49،و عيون أخبار الرضا:145/2.

يجب أن يغسله إلاّ إمام فإن تعدّي متعدّ فغسّل الإمام لا تبطل إمامته لتعدّي غاسله و لا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب علي غسل أبيه و لو ترك الرضا عليه السّلام بالمدينة لغسّله ابنه محمّد ظاهرا مكشوفا و لا يغسله الآن أيضا إلاّ هو من حيث يخفي فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني علي نعش فاحملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنّه سيجعل قبر أبيه هارون قبلة لقبري و لن يكون ذلك أبدا فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض فإذا صعب عليهم فقل له عنّي:إنّي أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة هارون فإذا ضربت نفذ في الأرض إلي قبر محفور و ضريح قائم فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني إليه حتي يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلي منه ذلك القبر ثمّ يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطرب فلا تنزلني إلي القبر إلاّ إذا غاب الحوت و غار الماء فأنزلني في ذلك القبر و ألحدني في ذلك الضريح و لا تتركهم يأتوا التراب يلقونه عليّ فإنّ القبر ينطبق من نفسه و يمتلي.

قلت:نعم يا سيّدي.

قال هرثمة:فخرجت باكيا حزينا فدعاني المأمون فدخلت و قمت إلي ضحي النهار فقال:

إمض إلي أبي الحسن الرضا و قل له يصير إلينا فأتيت إليه و أخبرته فقال؛قدّموا نعلي فقد علمت ما أرسلك به فلمّا دخل المجلس قام إليه المأمون و عانقه و أجلسه علي سريره و جعل يحادثه ساعة ثمّ قال لبعض غلمانه يؤتي بعنب و رمّان.

قال هرثمة:فلمّا سمعت ذلك رأيت الرعدة أخذت بدني فخرجت و رميت بنفسي في موضع من الدار،فلمّا زالت الشمس خرج مولاي إلي داره،ثمّ رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطبّاء،و قالوا:علّة عرضت للرضا عليه السّلام فكان الناس في شكّ و أنا في يقين لما أعرف منه فلمّا كان الثلث الثاني من الليل علا الصياح و سمعت الأصوات من الدار فأسرعت فإذا أنا بالمأمون مكشوف الرأس محلّل الأزرار قائما علي قدميه ينتحب و يبكي فوقفت أتنفّس الصعداء ثمّ أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثمّ قام و مشي إلي الموضع الذي فيه الرضا عليه السّلام فقال:اصلحوا لنا موضعا فإنّي اريد أن أغسله فدنوت منه فقلت له ما قاله سيّدي بسبب الغسل و التكفين و الدفن.

فقال:لست أعرض لذلك ثمّ قال:شأنك يا هرثمة.

فلم أزل قائما حتي رأيت الفسطاط قد ضرب فوقفت من ظاهره و كلّ من في الدار دوني و أنا أسمع التكبير و التهليل و التسبيح و تردّد الأواني و صبّ الماء و تضوّع الطّيب الذي لم أشمّ أطيب منه فإذا أنا بالمأمون قد أشرف عليّ من بعض أعالي داره فصاح بي:يا هرثمة أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسله إلاّ مثله فأين محمّد ابنه و هو بالمدينة؟

فأجبته بما قال لي مولاي،فسكت عنّي ثمّ ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيّدي مدرج في أكفانه فوضعته علي نعشه ثمّ حملناه فصلّي عليه المأمون و جميع من حضر ثمّ رجعنا إلي موضع القبر

ص: 66

فوجدتهم يضربون بالمعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره و المعاول تنبوا عنه.

فقال لي:ويحك يا هرثمة أما تري الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟

فقلت له:إنّه أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك لا أضرب غيره.

قال:فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا؟

قلت:إنّه أخبر أنّه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره فإن أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلي قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه.

فقال المأمون:لأعجب من أمر أبي الحسن فاضرب يا هرثمة حتي نري.

فأخذت المعول و ضربت في قبلة قبر هارون فنفذ إلي قبر محفور و لحد ظاهر في وسطه و الناس ينظرون إليه فقال:انزله يا هرثمة.

فقلت:إنّ سيّدي أمرني أن لا أنزل إليه حتّي ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر حتّي يكون الماء مع وجه الأرض ثمّ يضطرب فيه حوت بطول القبر فإذا غاب الحوت و غار الماء وضعته علي جانب قبره و خلّيت بينه و بين لحده.

قال:فافعل يا هرثمة.

فانتظرت ظهور الماء و الحوت فظهر ثمّ غاب و غار الماء و الناس ينظرون إليه ثمّ جعلت النعش إلي جانب قبره فغطّي قبره بثوب أبيض لم أبسطه ثمّ انزل به إلي قبره بغير يدي و لا يد أحد ممّن حضر.

فأشار المأمون إلي الناس أن هاتوا التراب بأيديكم فاطرحوه فيه.

فقلت:لا تفعل أخبرني أنّ القبر يمتلئ من ذات نفسه ثمّ ينطبق و يتربّع علي وجه الأرض فكفّ الناس ثمّ امتلأ القبر و انطبق و تربّع علي وجه الأرض فانصرف المأمون و انصرفنا.

ثمّ دعاني المأمون و خلا بي ثمّ قال:سألتك بالله يا هرثمة لما صدقتني عن أبي الحسن عليه السّلام بما سمعته.

قلت:قد أخبرتك قال:غير هذا.

فقلت:أي شيء؟

قال:يا هرثمة هل أسرّ إليك غير هذا؟

قلت:نعم خبر العنب و الرّمان.

فصار المأمون يتلوّن ألوانا يصفرّ و يحمرّ و يسودّ ثمّ تمدّد مغشيا عليه فسمعته في غشيته و هو يهجر و يقول:ويل للمأمون من الله،ويل له من رسوله،ويل له من عليّ ويل للمأمون من فاطمة،

ص: 67

ويل له من الحسن و الحسين،ويل للمأمون من عليّ بن الحسين،ويل له من محمّد بن علي،ويل للمأمون من جعفر بن محمّد،ويل له من موسي بن جعفر،ويل له من عليّ بن موسي الرضا،هذا و الله هو الخسران المبين يقول هذا القول و يكرّره فولّيت عنه و جلست في بعض نواحي الدار فدعاني و هو جالس كالسكران فقال:ما أنت أعزّ عليّ منه و الله لئن بلغني أنّك أعدت بعد ما سمعت ليكوننّ هلاكك فيه.

فقلت:لك ذلك.

فأخذ منّي عهدا و أكّده عليّ،فلمّا ولّيت عنه صفق بيديه و قال: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضي مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (1)، انتهي ملخّصا (2).

***

قصة الدفن برواية أبي الصلت

و عن أبي الصلت الهروي قال:بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليه السّلام إذ قال لي:يا أبا الصلت ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون و ائتني بتراب من أربعة جوانبها،فأتيت به و هو من عند الباب فأخذه و شمّه ثمّ رمي به و قال:سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها و الذي عند الرأس مثل ذلك.

ثمّ قال:ناولني من هذا التراب فهو من تربتي،ثمّ قال:سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلي أسفل و أن تشقّ لي ضريحا فإن أبوا إلاّ أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا فإنّ الله تعالي سيوسعه ما يشاء فإذا فعلوا ذلك فإنّك تري عند رأسي نداوة فتكلّم بالكلام الذي أعلمك فإنّه ينبع الماء حتّي يمتلئ اللحد و تري فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنّها تلتقطه فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّي لا يبقي منها شيء ثمّ تغيب فإذا غابت فضع يدك علي الماء فإنّه ينضب و لا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون.

ثمّ قال:يا أبا الصلت غدا أدخل علي هذا الفاجر فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك و إن خرجت و أنا مغطّي الرأس فلا تكلّمني،فلمّا أصبحنا من الغد دخل عليه غلام المأمون فقال له:أجب أمير المؤمنين.

ص: 68


1- سورة النساء:108.
2- عيون أخبار الرضا 2:1/245،روضة الواعظين 1:231،الثاقب في المناقب 489:4/417،مناقب آل أبي طالب 4:403،الخرائج و الجرائح 1:8/352،اعلام الوري 2:86.

فقام و أنا معه حتّي دخل علي المأمون و بين يديه طبق عليه عنب و أطباق فاكهة و بيده عنقود عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه فقام إلي الرضا عليه السّلام و عانقه و أجلسه معه و ناوله العنقود و قال:ما رأيت عنبا أحسن من هذا فكل منه.

قال عليه السّلام:تعفيني منه.

فقال:لا بدّ من ذلك و ما يمنعك لعلّك تتّهمنا بشيء،فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حبّات ثمّ رمي به و قام.

فقال المأمون:إلي أين؟

فقال:إلي حيث وجّهتني و خرج مغطّي الرأس فلم أكلّمه حتّي دخل الدار فأمر أن يغلق الباب ثمّ نام علي فراشه و مكثت واقفا في صحن الدار محزونا فبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا عليه السّلام فبادرت إليه و قلت:من أين دخلت الدار و الباب مغلق؟

فقال:الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق.

فقلت له:و من أنت؟

قال:أنا حجّة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمّد بن علي ثمّ مضي نحو أبيه فدخلت و أمرني بالدخول معه فلمّا نظر إليه الرضا عليه السّلام وثب إليه و عانقه و ضمّه إلي صدره ثمّ سحبه سحبا في فراشه و أكبّ عليه محمّد بن علي يقبّله و يساره بشيء لم أفهمه و رأيت إلي شفتي الرضا عليه السّلام زبدا أشدّ بياضا من الثلج و رأيت أبا جعفر عليه السّلام يلحسه بلسانه ثمّ أدخل يده بين ثوبه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر عليه السّلام و مضي الرضا عليه السّلام فقال أبو جعفر:يا أبا الصلت قم ائتني بالمغتسل و الماء من الخزانة.

فقلت:ما في الخزانة مغتسل و لا ماء.

فقال لي:إنته إلي ما آمرك به،فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل و ماء فأخرجته و شمّرت ثيابي لأغسله معه فقال لي:تنح يا أبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك فغسّله ثمّ قال لي:أدخل الخزانة فاخرج إلي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه و صلّي عليه ثمّ قال:ائتني بالتابوت.

فقلت:أمضي إلي النجّار حتّي يصلح التابوت.

قال عليه السّلام:قم فإنّ في الخزانة تابوتا فدخلت فوجدت تابوتا لم أره قط،فأتيته به،فأخذ الرضا عليه السّلام بعد ما صلّي عليه فوضعه في التابوت و صفّ قدميه و صلّي ركعتين لم يفرغ منهما حتّي علا التابوت فانشقّ السقف فخرج منها التابوت و مضي.

فقلت:يابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا عليه السّلام فما نصنع؟

ص: 69

فقال لي:أسكت فإنّه سيعود يا أبا الصلت ما من نبيّ يموت بالمشرق و يموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع الله تعالي بين أجسادهما و أرواحهما فما أتمّ الحديث حتّي انشق السقف و نزل التابوت فقام عليه السّلام فاستخرج الرضا عليه السّلام من التابوت و وضعه علي فراشه كأنّه لم يغسّل و لم يكفّن.

ثمّ قال لي:قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون و الغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه و لطم رأسه و هو يقول:يا سيّداه فجعت بك يا سيّدي ثمّ دخل و جلس عند رأسه و قال:خذوا في تجهيزه فحفروا فلم تعمل المعاول،إلي أن قال:انتهوا إلي قول أبي الصلت فحفروا فلمّا رأوا ما ظهر من النداوة و الحيتان و غير ذلك قال المأمون:لم يزل الرضا عليه السّلام يرينا عجائبه في حياته حتّي أرائناها بعد وفاته أيضا.

فقال له وزير كان معه:أتدري ما أخبرك بهذا الرضا عليه السّلام؟

قال:لا.

قال:إنّه أخبرك أنّ ملككم يا بني العبّاس مع كثرتكم و طول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتّي إذا فنيت آجالكم و انقطعت آثاركم و ذهبت دولتكم سلّط الله تعالي عليكم رجلا منّا فأفناكم عن آخركم.

قال له:صدقت ثمّ قال لي:يا أبا الصلت علّمني الكلام التي تكلّمت به.

قلت:و الله لقد نسيت الكلام من ساعتي و قد كنت صدقت فأمر بحبسي و دفن الرضا عليه السّلام فحبست سنة فضاق عليّ الحبس و سهرت الليلة و دعوت الله بدعاء ذكرت فيه محمّدا و آله صلوات الله عليهم و سألت الله تعالي بحقّهم أن يفرّج عنّي فلم أستتمّ الدعاء حتّي دخل عليّ أبو جعفر عليه السّلام فقال:يا أبا الصلت ضاق صدرك؟

قلت:إي و الله.

قال:قم.فاخرجني و ضرب بيده إلي القيود ففكّها و أخذ بيدي و أخرجني من الدار و الحرسة و الغلمة يروني فلم يستطيعوا أن يكلّموني و خرجت من باب الدار،ثمّ قال لي:امض في ودائع الله فإنّك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا.

قال أبو الصلت:فلم التق مع المأمون إلي هذا الوقت (1).

و عن الحسن بن عبّاد كاتب الرضا عليه السّلام في حديث قال فيه أنّ الرضا عليه السّلام قال:إنّكم ستحفرون قبري و تجدون صورة سمكة من نحاس و عليها كتابة بالعبرانية.

قال:فوجدنا السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية:هذه روضة عليّ بن موسي عليه السّلام و تلك حفرة هارون الجبّار فدفناها معه في لحده كما قال (2).8.

ص: 70


1- روضة الواعظين:232.
2- الخرائج و الجرائح:368/1 ح 25،و البحار:324/48.

إخبار الإمام الرضا عليه السّلام بقتل المأمون له

عن الهروي قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:و الله ما منّا إلاّ مقتول شهيد.

فقيل له:فمن يقتلك يابن رسول الله؟

قال:شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ثمّ يدفنني في دار مضيقة و بلاد غربة ألا فمن زارني في غربتي كتب الله له أجر مائة ألف شهيد و مائة ألف صدّيق و مائة ألف حاج و معتمر و مائة ألف مجاهد و حشر في زمرتنا و جعل في الدرجات العلي من الجنّة رفيقنا (1).

***

إخبار أمير المؤمنين بقتله عليهما السّلام

عن النعمان بن سعد قال:قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلما إسمه إسمي و إسم أبيه إسم ابن عمران موسي عليه السّلام ألا فمن زاره في غربته غفر الله له ذنوبه ما تقدّم منها و ما تأخّر و لو كانت مثل عدد النجوم و قطر الأمطار و ورق الأشجار (2).

***

المحاولة الأولي لقتل الإمام عليه السّلام

عليّ بن إبراهيم،عن ياسر قال:لمّا خرج المأمون من خراسان يريد بغداد،و خرج الفضل ذو الرّياستين و خرجنا مع أبي الحسن عليه السّلام و رد علي الفضل بن سهل ذي الرّياستين كتاب من أخيه الحسن بن سهل (3)و نحن في بعض المنازل:إنّي نظرت في تحويل السنة في حساب النجوم فوجدت فيه أنّك تذوق في شهر كذا و كذا يوم الأربعاء حرّ الحديد و حرّ النار و أري أن تدخل أنت و أمير المؤمنين و الرّضا الحمّام في هذا اليوم و تحتجم فيه و تصبّ علي يديك الدّم ليزول عنك نحسه،فكتب ذو الرّياستين إلي المأمون بذلك و سأله أن يسأل أبا الحسن ذلك،فكتب المأمون إلي أبي الحسن يسأله ذلك.فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام:«لست بداخل الحمّام غدا و لا أري لك و لا للفضل أن تدخلا الحمّام غدا».

فأعاد عليه الرّقعة مرّتين،فكتب إليه أبو الحسن:«يا أمير المؤمنين لست بداخل غدا الحمّام

ص: 71


1- من لا يحضره الفقيه:585/2 ح 3192.
2- من لا يحضره الفقيه:584/2 ح 3188،و أمالي الصدوق:182 ح 5.
3- كان والي بغداد من قبل المأمون في ذلك الوقت.

فإنّي رأيت رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم»في هذه اللّيلة في النوم فقال لي:«يا عليّ لا تدخل الحمّام غدا و لا أري لك و لا للفضل أن تدخلا الحمّام غدا».

فكتب إليه المأمون:صدقت يا سيّدي و صدق رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لست بداخل الحمّام غدا و الفضل أعلم.

قال:فقال ياسر:فلمّا أمسينا و غابت الشمس قال لنا الرّضا عليه السّلام:قولوا:«نعوذ بالله من شرّ ما ينزل في هذه اللّيلة»فلم نزل نقول ذلك،فلمّا صلّي الرّضا عليه السّلام الصبح قال لي:«اصعد علي السطح فاستمع هل تسمع شيئا»؟!فلمّا صعدت سمعت الضجّة و التحمت و كثرت فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان إلي داره من دار أبي الحسن و هو يقول:يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فإنّه قد أبي و كان دخل الحمّام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه و اخذ ممّن دخل عليه ثلاث نفر كان أحدهم ابن خالة الفضل بن ذي القلمين.قال:فاجتمع الجند و القوّاد و من كان من رجال الفضل علي باب المأمون فقالوا:هذا اغتاله و قتله-يعنون المأمون و لنطلبنّ بدمه و جاؤوا بالنيران ليحرقوا الباب،فقال المأمون لأبي الحسن عليه السّلام:يا سيّدي تري أن تخرج إليهم و تفرّقهم.

قال:فقال ياسر:فركب أبو الحسن و قال لي:«إركب».فركبت فلمّا خرجنا من باب الدّار نظر إلي الناس و قد تزاحموا،فقال لهم بيده تفرّقوا تفرّقوا.

قال ياسر:فأقبل الناس و الله يقع بعضهم علي بعض و ما أشار إلي أحد إلاّ ركض و مرّ (1).

***

أسباب شهادة الإمام الرضا عليه السّلام

عن أحمد الأنصاري قال:سألت أبو الصلت الهروي فقلت:كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السّلام مع إكرامه و محبّته له و ما جعل له من ولاية العهد بعده؟

فقال:إنّ المأمون إنّما كان يكرمه و يحبّه لمعرفته بفضله و جعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس أنّه راغب في الدّنيا فيسقط محلّه من نفوسهم فلمّا لم يظهر منه إلاّ ما ازداد به فضلا عند الناس جلب عليه من المتكلّمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محلّه عند العلماء و يشتهر نقصه عند العامّة فكان لا يكلّمه أحد إلاّ قطعه عن حجّته و كان الناس يقولون إنّه أولي بالخلافة من المأمون و كانوا يرفعون ذلك إلي المأمون فيغتاظ و يشتدّ حسده و كان الرضا عليه السّلام لا يحابي المأمون من حقّ و كان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيحقده عليه و لا يظهره فلمّا أعيته الحيلة اغتاله فقتله بالسمّ (2).

ص: 72


1- الكافي:491/1 ح 8،و عيون أخبار الرضا:174/1 ح 24.
2- عيون أخبار الرضا:265/1،و البحار:290/49 ح 2.

و عن القاسم بن إسماعيل قال:سمعت إبراهيم بن العبّاس يقول:لمّا عقد المأمون البيعة للرضا عليه السّلام قال له الرضا:يا أمير المؤمنين إنّ النصح واجب لك و الغشّ لا ينبغي لمؤمن أنّ العامّة تكره ما فعلت بي و الخاصّة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل و الرأي لك أن تبعدنا عنك حتّي يصلح لك أمرك.

قال إبراهيم:فكان و الله قوله هذا السبب في الذي آل الأمر إليه (1).

***

شهادة الإمام الرضا عليه السّلام

و عن عليّ بن الحسين الكاتب أنّ الرضا عليه السّلام حمّ فعزم علي الفصد فركب المأمون و قد كان قال لغلام له:فت هذا بيدك لشيء أخرجه من تربته و هي إناء من خزف ففته في صينية.

ثمّ قال:كن معي و لا تغسل يدك و ركب إلي الرضا عليه السّلام و جلس حتّي فصد بين يديه و قيل بل أخّر فصده و قال المأمون لذلك الغلام:هات من ذلك الرمّان و كان الرمّان في شجرة في دار الرضا عليه السّلام فقطف منه فقال:اجلس ففته ففت منه في جام فأمر بغسله ثمّ قال للرضا عليه السّلام:مصّ منه شيئا فقال حتّي يخرج أمير المؤمنين.

فقال:لا و الله إلاّ بحضرتي و لو لا خوفي أن يرطّب معدتي لمصصته معك فمصّ منه ملاعق و خرج المأمون فما صلّيت العصر حتّي قام الرضا عليه السّلام خمسين مجلسا و زاد الأمر في الليل فأصبح عليه السّلام ميّتا فكان آخر ما تكلّم به قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلي مَضاجِعِهِمْ (2)و كان أمر الله قدرا مقدورا و بكّر المأمون من الغد فأمر بغسله و تكفينه و مشي خلف جنازته حافيا حاسرا يقول:يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك و غلب القدر تقديري فيك فشقّ لحد الرشيد فدفنه معه و قال:أرجو أن ينفعه الله تبارك و تعالي بقربه (3).

بشائر المصطفي،عن عبد الله بن بشر قال:أمرني المأمون أن أطوّل أظفاري علي العادة و لا أظهر ذلك لأحد ففعلت ثمّ استدعاني فأخرج إليّ شيئا يشبه التمر الهندي فقال لي:إعجن هذا بيديك جميعا،ففعلت ثمّ قام و تركني و دخل علي الرضا عليه السّلام و قال له:ما خبرك؟لأنّه أكل معه طعاما فاعتلّ الرضا عليه السّلام و تمارض هو فقال عليه السّلام:أرجو أن أكون صالحا قال له:أنا اليوم بحمد الله أيضا صالح فهل جاءك أحد من الأطبّاء في هذا اليوم؟

ص: 73


1- عيون أخبار الرضا:157/1،و البحار:290/49.
2- سورة آل عمران:154.
3- عيون أخبار الرضا:268/1،و البحار:305/49.

قال:لا،فغضب المأمون فصاح علي غلمانه ثمّ قال فخذ ماء الرمّان الساعة فإنّه ممّا لا يستغني عنه ثمّ دعاني فقال:ائتني برمّان فأتيته به فقال لي:اعصر بيديك ففعلت و سقاه المأمون الرضا عليه السّلام.و كان ذلك سبب وفاته فلم يلبث إلاّ يومين حتّي مات عليه السّلام (1).

و روي عن محمّد بن الجهم قال:كان الرضا عليه السّلام يعجبه العنب فأخذ له منه شيئا فجعل في موضع أعماقه الإبر أيّاما ثمّ نزع وجيء به إليه فأكل منه و هو في علّته التي ذكرنا فقتله و ذكر أنّ ذلك من لطيف السموم (2).

و في بشائر المصطفي،قبض الرضا عليه السّلام بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث و مائتين و له يومئذ خمس و خمسون سنة و مدّة إمامته بعد أبيه عشرون سنة (3).

و في الكافي توفّي و هو ابن تسع و أربعين سنة.

و قال الشيخ الكفعمي طاب ثراه:توفّي عليه السّلام سابع عشر شهر صفر يوم الثلاثاء سنة ثلاث و مائتين سمّه المأمون في عنب و كان له إحدي و خمسون سنة (4).

و قيل:توفّي عليه السّلام في الثالث و العشرين من ذي القعدة.

و في كتاب المناقب يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان و قيل غير ذلك.

و عن ياسر الخادم قال:لمّا كان بيننا و بين طوس سبعة منازل اعتلّ الرضا عليه السّلام فدخلنا و قد اشتدّت به العلّة فبقينا بطوس أيّاما فكان المأمون يأتيه في كلّ يوم مرّتين،فلمّا كان في آخر اليوم الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذلك اليوم فقال لي بعد ما صلّي الظهر:يا ياسر أكل الناس شيئا؟

قلت:يا سيّدي من يأكل هاهنا مع ما أنت فيه فانتصب ثمّ قال:هاتوا المائدة و لم يدع من حشمه أحدا إلاّ أقعده معه علي المائدة يتفقّدهم واحدا واحدا فلمّا أكلوا قال:إبعثوا إلي النساء بالطعام فحمل الطعام إلي النساء فلمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه و ضعف فوقعت الصيحة و جاءت جواري المأمون و نساؤه حافيات حاسرات و وقعت الصيحة بطوس،و جاءت المأمون حافيا حاسرا يضرب علي رأسه و يقبض علي لحيته و يتأسّف و يبكي فوقف علي الرضا عليه السّلام و قد أفاق فقال:يا سيّدي و الله ما أدري أيّ المصيبتين أعظم عليّ فقدي لك و فراقي إيّاك و تهمة الناس لي إنّي اغتلتك و قتلتك فرفع طرفه إليه.

ثمّ قال:أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر فإنّ عمرك و عمره هكذا و جمع بين سبّابتيه1.

ص: 74


1- البحار:308/49.
2- روضة الواعظين:233،و مسند الإمام الرضا:132/1.
3- البحار:292/49.
4- البحار:293/49،و مسند الإمام الرضا:132/1.

فلمّا كان من تلك الليلة قضي عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه،فلمّا أصبح اجتمع الخلق و قالوا:

هذا قتله و اغتاله يعني المأمون و قالوا:قتل ابن رسول الله و أكثروا القول.

و كان محمّد بن جعفر عمّ الرضا عليه السّلام مع المأمون فقال له:اخرج إلي الناس و اعلمهم أنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم و كره أن يخرجه فتقع الفتنة فخرج محمّد بن جعفر إلي الناس فقال:أيّها الناس تفرّقوا فإنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم،فتفرّق الناس و غسّل في الليل و دفن (1).

و عن محمّد بن سنان قال:قبض عليّ بن موسي عليه السّلام و هو ابن تسع و أربعين سنة و أشهر،في عام اثنين و مائتين.

و عاش بعد موسي بن جعفر عشرين سنة إلاّ شهرين أو ثلاثة (2).

و قيل توفي عليه السّلام بطوس في قرية يقال لها:سناباد من نوقان علي دعوة.و دفن بها و كان المأمون أشخصه من المدينة إلي مرو علي طريق البصرة و فارس.فلمّا خرج المأمون و شخص إلي بغداد أشخصه معه،فتوفّي في هذه القرية (3).

و ذلك لما أخذ هارون البيعة لابنه محمد الأمين،و بعد للمأمون و قسم البلاد بينهما بأن جعل شرقي عقبة حلوان من نهاوند و قم و كاشان و أصفهان و فارس و كرمان إلي حيث يبلغ ملكه من جهة الغرب للمأمون و أمره أن يسكن في مرو و جعل غربيها إلي جهة الشرق لمحمد الأمين و أمره أن يسكن في بغداد فكان المأمون في حياة أبيه في مرو فلما مات أبوه في خراسان وقع النزاع بين المأمون و أخيه فقتل المأمون أخاه و استقل في السلطنة و جري حكمه في شرق الأرض و غربها فأنهض علي بن موسي الرضا إلي مرو لغرض ما ثم بلغه الإختلاف في عراق العرب فنهض إلي بغداد لتداركه و أنهض معه علي بن موسي عليهما السّلام فتوفي عليه السّلام في سناباد بالسم (4).

و قيل:قبض في شهر رمضان (5)من شهور سنة ثلاث و مائتين و العلم عند الله.

قال الصدوق(رحمه الله):قتله المأمون بالسم.

و هذا الذي ذكره الصدوق هو المشهور بين علماء الإمامية،و قد دلت عليه روايات كثيرة، و قيل:مات عليه السّلام بأجله،و نقل عن صاحب كشف الغمة أنه قال:بلغني ممن أثق به أن السيد رضي).

ص: 75


1- البحار:300/49 ح 9،و مسند الإمام الرضا:131/1.
2- الكافي:492/1،و مسند الإمام الرضا:131/1.
3- الكافي:486/1،و البحار:292/49 ح 2.
4- شرح أصول الكافي:274/7.
5- قوله(و قيل:قبض في شهر رمضان)كان شهر رمضان تلك السنة في صميم الشتاء علي ما يستفاد من الزيجات و كان صفر في برج السنبلة و السفر في الشتاء في بلاد خراسان مشقة علي الجنود و مواكب السلاطين و لم يكن شهر رمضان فصل العنب فالصحيح أن قتل الإمام عليه السّلام في صفر كما هو معروف.(ش).

الدين علي بن طاووس(رحمه الله)كان لا يوافق علي أن المأمون سم علي بن موسي عليهما السّلام و لا يعتقده (1).

***

فضل زيارة الإمام الرضا عليه السّلام

الكليني،عن علي بن ابراهيم،عن أبيه،عن علي بن مهزيار قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام جعلت فداك زيارة الرضا عليه السّلام أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام فقال:زيارة أبي أفضل و ذلك انّ أبا عبد الله عليه السّلام يزوره كل الناس و أبي لا يزوره إلاّ الخواص من الشيعة (2).

الكليني،عن أبي علي الأشعري،عن الحسن بن علي الكوفي،عن الحسين بن سيف،عن محمّد بن اسلم،عن محمّد بن سليمان قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل حج حجة الإسلام فدخل متمتعا بالعمرة إلي الحج فأعانه الله علي عمرته و حجه ثمّ أتي المدينة فسلم علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ أتاك عارفا بحقك يعلم انّك حجة الله علي خلقه و بابه الذي يؤتي منه فسلم عليك ثمّ أتي أبا عبد الله الحسين صلوات الله عليه فسلم عليه ثمّ أتي بغداد و سلم علي ابي الحسن موسي عليه السّلام ثمّ انصرف إلي بلاده فلما كان في وقت الحج رزقه الله الحج فأيّهما أفضل هذا الذي قد حج حجة الإسلام يرجع أيضا فيحج أو يخرج إلي خراسان إلي أبيك علي بن موسي عليه السّلام فيسلم عليه؟

قال:لا بل يأتي خراسان فيسلم علي أبي الحسن عليه السّلام أفضل و ليكن ذلك في رجب و لا ينبغي أن تفعلوا في هذا اليوم فإنّ علينا و عليكم من السلطان شنعة (3).

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن علي بن ابراهيم الجعفري،عن حمدان بن اسحاق قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام أو حكي لي عن رجل عن أبي جعفر عليه السّلام-الشك من علي بن ابراهيم-قال قال أبو جعفر عليه السّلام:من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر.

قال:فحججت بعد الزيارة فلقيت أيّوب بن نوح فقال لي قال أبو جعفر الثاني عليه السّلام:من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و بني الله له منبرا في حذاء منبر محمّد و علي عليهما السّلام حتي يفرغ الله من حساب الخلائق،فرأيته و قد زار فقال:جئت أطلب المنبر (4).

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن علي بن الحسين النيسابوري،عن ابراهيم بن أحمد،عن عبد الرحمن بن سعيد المكي،عن يحيي بن سليمان المازني،عن أبي الحسن موسي عليه السّلام قال:من زار قبر ولدي علي كان له عند الله كسبعين حجة مبرورة قال قلت:سبعين حجة؟

ص: 76


1- شرح أصول الكافي:273/7.
2- الكافي:584/4 ح 1.
3- الكافي:584/4 ح 2.
4- الكافي:585/4 ح 3.

قال:نعم و سبعين ألف حجة قال قلت:سبعين ألف حجة؟

قال:ربّ حجة لا تقبل،من زاره و بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه.

قال:نعم إذا كان يوم القيامة كان علي عرش الرحمن أربعة من الأولين و أربعة من الآخرين فامّا الأربعة الذين هم من الأولين:فنوح و ابراهيم و موسي و عيسي عليهم السّلام و امّا الأربعة من الآخرين:

فمحمد و علي و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم ثمّ يمدّ المضمار فيقعد معنا من زار قبور الأئمة عليهم السّلام إلاّ انّ أعلاهم درجة و أقربهم حبوة زوّار قبر ولدي علي عليه السّلام (1).

الصدوق،عن ماجيلويه،عن علي،عن أبيه،عن عبد الرحمن بن حماد،عن عبد الله بن ابراهيم،عن أبيه،عن حسين بن زيد،عن الصادق عليه السّلام قال:سمعته يقول:يخرج رجل من ولد ابني موسي اسمه اسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه فيدفن في أرض طوس و هي بخراسان يقتل فيها بالسم فيدفن فيها غريبا من زاره عارفا بحقه أعطاه الله عزّ و جلّ أجر من أنفق قبل الفتح و قاتل (2).

الصدوق،عن الهمداني،عن علي بن ابراهيم،عن اليقطيني،عن محمّد بن سليمان البصري، عن أبيه،عن ابراهيم بن أبي حجر،عن قبيصة،عن جابر بن يزيد الجعفي،عن أبي جعفر عليه السّلام عن أبيه،عن جده،عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ستدفن بضعة منّي بخراسان ما زارها مكروب إلاّ نفّس الله كربته و لا مذنب إلاّ غفر الله ذنوبه (3).

الصدوق،عن ابن ناتانه،عن علي،عن أبيه،عن ابن أبي عمير،عن حمزة بن حمران قال:

قال أبو عبد الله عليه السّلام:يقتل أحد حفدتي بأرض خراسان في مدينة يقال لها طوس من زاره فيها عارفا بحقه أخذته بيدي يوم القيامة و أدخلته الجنة و إن كان من أهل الكبائر قلت:جعلت فداك و ما عرفان حقه؟

قال:يعلم انّه مفترض الطاعة غريب شهيد من زاره عارفا بحقه أعطاه الله عز و جلّ أجر سبعين شهيدا ممن استشهد بين يدي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي حقيقة (4).

الصدوق،عن ابن موسي،عن الأسدي،عن أحمد بن محمّد بن صالح،عن حمدان الديواني قال قال الرضا عليه السّلام:من زارني علي بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتي أخلصه من أهوالها:إذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا و عند الصراط و عند الميزان (5).9.

ص: 77


1- الكافي:585/4 ح 4.
2- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون ح 180/1 الرقم 181.
3- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون ح 180/2 الرقم 182.
4- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون:ح 183/8 الرقم 188.
5- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون ح 183/9 الرقم 189.

الصدوق،عن الوراق،عن سعد،عن عمران بن موسي،عن الحسن بن علي بن النعمان،عن محمّد بن فضيل،عن غزوان الضبي،عن عبد الرحمن بن اسحاق،عن النعمان بن سعد قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسم ظلما إسمه إسمي و إسم أبيه اسم ابن عمران موسي عليه السّلام ألا فمن زاره في غربته غفر الله ذنوبه ما تقدم منها و ما تأخر و لو كانت مثل عدد النجوم و قطر الأمطار و ورق الأشجار (1).

-الصدوق،عن الهمداني،عن علي،عن أبيه،عن ياسر الخادم قال قال الرضا عليه السّلام:لا تشد الرحال إلي شيء من القبور إلاّ إلي قبورنا ألا و اني مقتول بالسم ظلما و مدفون في موضع غربة فمن شد رحله إلي زيارتي استجيب دعاؤه و غفر له ذنبه (2).

-الصدوق،عن ماجيلويه،عن علي،عن أبيه،عن الهروي قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:

اني سأقتل بالسم مسموما و مظلوما و اقبر إلي جانب هارون و يجعل الله عزّ و جلّ تربتي مختلف شيعتي و أهل بيتي فمن زارني في غربتي و جبت له زيارتي يوم القيامة و الذي أكرم محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوة و اصطفاه علي جميع الخليقة لا يصلي أحد منكم عند قبري ركعتين إلاّ استحق المغفرة من الله عزّ و جلّ يوم يلقاه و الذي أكرمنا بعد محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالامامة و خصنا بالوصية انّ زوار قبري لأكرم الوفود علي الله يوم القيامة و ما من مؤمن يزورني فتصيب وجهه قطرة من السماء إلاّ حرّم الله عزّ و جلّ جسده علي النار (3).

-الصدوق،عن الفامي،عن ابن بطة،عن محمّد بن علي بن محبوب،عن ابراهيم بن هاشم، عن سليمان بن حفص قال سمعت أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام يقول:انّ ابني عليّا مقتول بالسم ظلما و مدفون إلي جانب هارون بطوس من زاره كمن زار رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).

-الصدوق،عن ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن عيسي،عن الوشاء قال قال الرضا عليه السّلام:

إنّي ساقتل بالسم مظلوما فمن زارني عارفا بحقي غفر الله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر (5).

-الصدوق،عن الطالقاني،عن أحمد الهمداني،عن المنذر بن محمّد،عن جعفر بن سليمان،عن عبد الله بن الفضل قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل من أهل طوس فقال له:يابن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السّلام؟

فقال له:يا طوسي من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السّلام و هو يعلم انّه إمام من الله مفترض الطاعة علي العباد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و قبل شفاعته في سبعين مذنبا و لم يسأل الله جل و عز عند قبره حاجة إلاّ قضاها له.7.

ص: 78


1- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون ح 181/5 الرقم 185.
2- عيون أخبار الرضا:254/2 ح 1.
3- عيون أخبار الرضا:226/2 ح 1.
4- عيون أخبار الرضا:260/2 ح 23.
5- عيون أخبار الرضا:261/2 ح 27.

قال فدخل موسي بن جعفر عليه السّلام فأجلسه علي فخذه و أقبل يقبل ما بين عينيه ثمّ التفت إليه فقال له:يا طوسي انّه الإمام و الخليفة و الحجة بعدي و انّه سيخرج من صلبه رجل يكون رضا لله عزّ و جلّ في سمائه و لعباده في ارضه يقتل في أرضكم بالسم ظلما و عدوانا و يدفن بها غريبا ألا فمن زاره في غربته و هو يعلم انّه امام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله عزّ و جلّ كان كمن زار رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (1).

-الصدوق،عن أبيه،عن سعد بن عبد الله،عن أحمد بن محمّد بن عيسي،و محمّد الحسين بن أبي الخطاب،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال:قرأت كتاب أبي الحسن الرضا عليه السّلام:أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله ألف حجة.

قال:فقلت لأبي جعفر ابنه عليه السّلام:ألف حجة؟

قال:إي و الله و ألف ألف حجة لمن زاره عارفا بحقه (2).

-الصدوق بهذا الاسناد عن البزنطي قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:ما زارني أحد من أوليائي عارفا بحقي إلاّ شفّعت فيه يوم القيامة (3).

-الصدوق،عن الطالقاني،عن عبد العزيز بن يحيي،عن محمّد بن زكريا،عن ابن عمارة، عن أبيه،عن الصادق جعفر بن محمّد،عن أبيه،عن آبائه،عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:سيدفن بضعة منّي بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله عزّ و جلّ له الجنة و حرم جسده علي النار (4).

-الصدوق،عن القطاني و الليثي و الطالقاني و النقاش،عن أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني،عن ابن فضال،عن أبيه،عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام انّه قال:إنّ بخراسان لبقعة يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة و لا يزال فوج ينزل من السماء و فوج يصعد إلي أن ينفخ في الصور،فقيل له يابن رسول الله و أيّ بقعة هذه؟

قال:هي بأرض طوس و هي و الله روضة من رياض الجنة،من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كتب الله تعالي له ثواب ألف حجة مبرورة و ألف عمرة مقبولة و كنت أنا و آبائي شفعاؤه يوم القيامة (5).

-الصدوق،عن أبيه،عن سعد بن عبد الله،عن أحمد بن محمّد بن عيسي،عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام:ما تقول لمن زار أباك؟5.

ص: 79


1- أمالي الصدوق:المجلس السادس و الثمانون ح 684/11 الرقم 938.
2- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون ح 181/3 الرقم 183.
3- أمالي الصدوق:المجلس الخامس و العشرون ح 181/4 الرقم 184.
4- عيون أخبار الرضا:255/2 ح 4.
5- عيون أخبار الرضا:255/2 ح 5.

قال:الجنة و الله (1).

-الصدوق،عن ماجيلويه،عن علي بن ابراهيم،عن أبيه،عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني،عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السّلام قال:ضمنت لمن زار أبي عليه السّلام بطوس عارفا بحقه الجنّة علي الله تعالي (2).

و في الأمالي عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه قال رجل من أهل خراسان للرضا عليه السّلام:

يابن رسول الله رأيت رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المنام كأنّه يقول لي:كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي و استحفظتم و ديعتي و غيب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضا عليه السّلام:أنا المدفون في أرضكم و أنا بضعة من نبيّكم و أنا الوديعة و النجم،ألا فمن زارني و هو يعرف ما أوجب الله تبارك و تعالي من حقّي و طاعتي فأنا و آبائي شفعاؤه يوم القيامة و من كنّا شفعاؤه يوم القيامة نجا و لو كان عليه مثل وزر الثقلين الجنّ و الإنس.

و لقد حدّثني أبي عن جدّي عن أبيه عليهم السّلام أنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:من رآني في منامه فقد رآني، لأنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي و لا في صورة أحد من شيعتهم و أنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوّة (3).

***

قصص جرت مع زوار الإمام الرضا عليه السّلام عند ضريحه

اشارة

و عن عليّ بن الحسن قال:لقيت رجلا من أهل مصر فذكر أنّه خرج زائرا إلي مشهد الرضا عليه السّلام و أنّه لمّا دخل المشهد ليلا و زار و صلّي سأل الخادم أن يغلق عليه الباب و يدعه في المشهد ليصلّي فيه،فغلق عليه الباب و كان يصلّي وحده إلي أن أعيا فجلس و وضع رأسه علي ركبتيه ليستريح ساعة، فلمّا رفع رأسه رأي في الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها هذان البيتان،شعر:

من سرّه أن يري قبرا برؤيته يفرّج الله عمّن زاره كربة

فليأت ذا القبر أنّ الله أسكنه سلالة من نبيّ الله منتجبة

قال:فقمت و أخذت في الصلاة إلي وقت السحر ثمّ جلست كجلستي الاولي و وضعت رأسي علي ركبتي فلمّا رفعت رأسي لم أر علي الجدار شيئا و كان الذي أراه مكتوبا رطبا كأنّه كتب في تلك الساعة فانفجر الصبح و فتح الباب (4).

ص: 80


1- عيون أخبار الرضا:257/2 ح 12.
2- عيون أخبار الرضا:256/2 ح 7.
3- رسائل المرتضي:12/2،و أمالي الصدوق:121 ح 10.
4- عيون أخبار الرضا:313/1 ح 4،و البحار:328/49.

و في عيون الأخبار عن علي بن أحمد المعدل قال:رأي رجل من الصالحين فيما يري النائم الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له:يا رسول الله من أزور من أولادك؟

فقال:إنّ من أولادي من أتاني مسموما و إنّ من أولادي من أتاني مقتولا فقلت له:فمن أزور منهم يا رسول الله مع تشتّت أماكنهم؟

قال:من هو أقرب منك بالمجاورة و هو مدفون بأرض الغربة.

فقلت:يا رسول الله يعني الرضا.

فقال:قل صلّي الله عليه و آله قل:صلّي الله عليه و آله قل:صلّي الله عليه و آله (1).

و عن محمّد بن عبد الله الحكمي قال:دخل رجل من أهل الري إلي زيارة قبر الرضا عليه السّلام و قال لخدّام المشهد:اخلوا لي المشهد هذه الليلة و ادفعوا إليّ مفاتحه ففعلوا ذلك.

قال:فصلّيت ما شاء الله و ابتدأت في قراءة القرآن،من أوّله،فكنت أسمع صوتا بالقرآن كما أقرأ،فقطعت صلاتي وزرت المشهد كلّه و طلبت نواحيه فلم أر أحدا فعدت إلي مكاني و أخذت في القرآن من أوّل القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا ينقطع فسكت هنيهة و أصغيت باذني فإذا الصوت من القبر فكنت أسمع مثل ما أقرأ حتّي بلغت آخر سورة مريم عليها السّلام فقرأت: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَي الرَّحْمنِ وَفْداً* وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلي جَهَنَّمَ وِرْداً (2).

فقال لي:من أين جئت بهذا؟

فقلت:وقع لي احتياج بمعرفتها في أمر حدث فقال:هذه قراءة رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من رواية أهل البيت عليهم السّلام ثمّ استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القراءة فقصصت عليه القصّة و صحّت لي القراءة (3).

و عن محمّد الهروي قال:حضر المشهد رجل من أهل بلخ و معه مملوك له فقام الرجل عند رأس الرضا عليه السّلام يصلّي و قام مملوكه عند رجليه فلمّا فرغا من الصلاة سجدا و أطالا السجود فرفع الرجل رأسه من السجود و دعا بالمملوك فقال:تريد الحرية؟

قال:نعم.

قال:أنت حرّ لوجه الله تعالي و مملوكتي فلانة حرّة لوجه الله تعالي و قد زوّجتها منها بكذا و كذا من الصّداق و ضمنت لها ذلك عنك وضيعتي الفلانية وقف عليكما و علي أولادكما و أولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام عليه السّلام فبكي الغلام و حلف بالله و بالإمام أنّه ما كان يسأل في6.

ص: 81


1- عيون أخبار الرضا:314/1 ح 5،و البحار:329/49 ح 5.
2- سورة مريم:85-86.
3- عيون أخبار الرضا:315/1 ح 6.

سجوده إلاّ هذه الحاجة بعينها و قد تعرّفت الإجابة من الله عزّ و جلّ بهذه السرعة (1).

و عن محمّد بن أحمد النيسابوري قال:كنت في خدمة الأمير أبي نصر الصغاني و كان محسنا إليّ و كان أصحابه يحسدونني علي ميله إليّ فسلّم إليّ يوما كيسا مختوما فيه ثلاثة آلاف درهم و أمرني أن أسلّمه في خزانته،فخرجت من عنده و جلست في المكان الذي يجلس فيه الحجّاب فسرق الكيس منّي،و كان للأمير غلام يقال له:خطلخ ناش و كان حاضرا و قال الحاضرون:ما نعلم الكيس و لا خبره فكرهت تعريف الأمير ذلك خشية أن يتّهمني،و كان أبي إذا وقع له أمر يحزنه فزع إلي مشهد الرضا عليه السّلام و يفرّج عنه فقلت للأمير:تأذن لي بالخروج إلي طوس،لأنّ غلامي الطوسي هرب منّي و قد فقدت الكيس و أنا أتّهمه به فقال:و من يضمن لي الكيس إن تأخّرت؟

فقلت:إن لم أعد بعد أربعين يوما فمنزلي و ملكي بين يديك فكتب عليّ كتابا و أذن لي فأتيت حتّي وافيت المشهد فدعوت الله عند رأس القبر أن يطلعني علي موضع الكيس فذهب بي النوم فرأيت رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المنام فقال لي:الكيس سرقه خطلخ ناش و دفنه تحت الكانون في بيته و هو هناك بختم الأمير،فانصرفت إلي الأمير قبل الميعاد بثلاثة أيّام،فلمّا دخلت عليه قلت:قد قضيت حاجتي فقال:الحمد لله.

فقلت الكيس مع خطلخ ناش فقال:من أين علمت؟

قلت:أخبرني رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في منامي عند قبر الرضا عليه السّلام،فاقشعرّ بدنه لذلك و أمر بإحضار خطلخ تاش فقال له:أين الكيس فأنكر و كان من أعزّ غلمانه فأمر أن يهدّد بالضرب فقلت:

أيّها الأمير لا تأمر بضربه فإنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أخبرني بموضع الكيس.

قال:و أين هو؟

قلت:في بيته مدفون تحت الكانون،فوجّه إلي منزله و حفروا فوجدوه بختم الأمير فوضع بين يديه فقال:يا أبا نصر لم أكن عرفت فضلك قبل هذا الوقت و سأزيدك في برّك و إكرامك.

ثمّ خفت من الأتراك أن يحقدوا عليّ بما جري فجلست في الحانوت أبيع التين (2).

و عن محمّد بن أبي الفضل قال:خرج حمويه صاحب جيش خراسان ذات يوم بنيشابور لينظر إلي من كان معه من القوّاد فمرّ به رجل فقال لغلامه:ردّه إلي الدار حتّي أعود فلمّا عاد مع قوّاده و حضر الطعام إستدعي بالرجل فأكل علي المائدة فلمّا فرغ قال له:معك حمار؟

قال:لا،فأمر له بحمار ثمّ قال له:معك دراهم النفقة؟

قال:لا،فأمر له بألف درهم و بزوج جواليق خوزبه و بسفرة و آلات ذكرها ثمّ التفت الأمير0.

ص: 82


1- عيو نأخبار الرضا:315/1 ح 7.
2- عيون أخبار الرضا:317/1 ح 10.

إلي القوّاد فقال:اعلموا أنّي كنت في شبابي زرت الرضا عليه السّلام و عليّ اطمار رثة و رأيت هذا الرجل هناك و كنت أدعو الله عزّ و جلّ عند القبر أن يرزقني ولاية خراسان و سمعت هذا الرجل يسأل الله عزّ و جلّ ما قد أمرت له به فرأيت حسن إجابة الله سبحانه لي ببركة ذلك المشهد،فأحببت أن أري حسن إجابة الله تعالي لهذا الرجل علي يدي و لكن بيني و بينه قصاص و هو أنّ هذا الرجل لمّا رآني و عليّ تلك الأطمار الرثة و سمع طلبي لشيء عظيم فصغر عنده محلّي في الوقت و ركلني برجله و قال لي:مثلك بهذا الحال يطمع في ولاية خراسان وقود الجيش؟

فقال له القوّاد:أيّها الأمير اعف عنه حتّي تكون قد أكملت الصنيعة إليه فقال:قد فعلت (1).

و عن عامر بن عبد الله و كان من أصحاب الحديث قال:حضرت مشهد الرضا عليه السّلام فرأيت رجلا تركيا قد دخل القبّة و وقف عند الرأس و جعل يبكي و يدعو بالتركية و يقول:يا ربّ إن كان ابني حيّا فاجمع بيني و بينه و إن كان ميّتا فاجعلني من خبره علي علم فقلت له بالتركية:أيّها الرجل ما لك؟

قال:كان معي ابني في حرب إسحاقاباد ففقدته و لا أعرف خبره و لم أزل أديم البكاء عليه فأنا أدعو الله تعالي هاهنا لأنّي سمعت أنّ الدّعاء في هذا المشهد الشريف مستجاب،فرحمته و أخذت بيده و أخرجته لأضيّفه ذلك اليوم فلمّا خرجنا من المسجد لقينا رجلا طويلا مخيطا عليه مرقعة فلمّا بصر بذلك التركي وثب إليه و عانقه و بكي و عرف كلّ واحد منهما صاحبه فإذا هو ابنه فسألته كيف وقعت إلي هذا الموضع؟

فقال:قد وقعت إلي طبرستان بعد حرب اسحاقاباد و ربّاني ديلمي هناك و الآن لمّا كبرت خرجت في طلب أبي و امّي.

فقال التركي:قد ظهر لي من أمر هذا المشهد ما صحّ لي به يقيني و قد آليت علي نفسي أن لا افارق هذا المشهد ما بقيت (2).

***

حكاية غريبة

قال السيد نعمت الله الجزائري:كنت قاصدا زيارة المشهد الرضوي علي ساكنه من الصلوات أكملها و من التحيّات أسناها و أجزلها و لمّا منّ الله سبحانه بحصول المطلوب رجعت علي طريق استراباد فأقمت فيه أيّاما و كان ذلك بعد أن أغار الأتراك علي تلك البلاد و نهبوا الأموال و أسروا الأولاد و النساء و كان ذلك في عشر الثمانين بعد الألف أغار عليهم الملعون انوشه حاكم اركبخ

ص: 83


1- عيون أخبار الرضا:319/1،و البحار:335/49.
2- مسند الإمام الرضا:167/1.

و كان أهل تلك البلاد يمضون إلي بلاد الترك يشترون أولادهم و نساءهم و حدّثني رجل من أفاضل السادة و صلحائها في تلك البلدة أنّ امرأة كانت لها صبيّة أسرت في جملة الاساري و بقيت تبكي عليها أيّاما و شهورا ثمّ قالت يوما:إنّ الرضا عليه السّلام ضمن الجنّة لمن زاره فأنا أمضي إلي زيارته و أدعو الله تحت قبّته أن يرد عليّ ابنتي.

فقصدت المشهد الشريف و صارت تدعو الله سبحانه،و أمّا ابنتها فإنّها لمّا أسرها الترك اشتراها تاجر من أهل بخاري فوقعت هناك،و كان في بخاري رجل مؤمن من التجّار فرأي ليلة في المنام كأنّه وقع في لجّة بحر محيط و هو يسبح فبعد أن أعيا وقع إلي الجرف و ما استطاع الخروج، فرأي صبيّة واقفة علي الجرف فمدّت يدها إليه و أخرجته من البحر فتأمّلها في المنام و عرف صورتها فانتبه مذعورا،فلمّا صار الصباح غدا إلي الخان ليشتري متاعا فقال له رجل تاجر:إنّ عندي جارية أسيرة و اريد بيعها فمضي معه ينظر إليها،فلمّا كشف عن وجهها تحقّق أنّها التي رآها في المنام و قد أخرجته من البحر فاشتراها و أتي بها منزله فرحا مسرورا فقال لها:من أيّ الأساري أنت؟

قالت:من أساري استراباد فرقّ لها و بكي و قال لها عندي أولاد فمن أردتيه أزوّجك به و تكونين عندي بمنزلة البنت،قالت:كلّ من يشرط لي أن يحملني إلي زيارة مشهد الإمام علي بن موسي الرضا عليه السّلام أرضين به،فقبل ذلك الشرط واحد من أولاده و زوّجه بها ثمّ حملها معه إلي المشهد الرضوي فتمرّضت في الطريق و لمّا دخل البلد الشريف استأجر دارا و كان يمرّض الجارية و بقي علي ذلك أيّاما حتّي أعياه ذلك الحال فدعي الله تعالي تحت القبّة أن يقع علي امرأة تقوم بتمريضها و تحتاج إليه فلمّا خرج من القبّة المباركة رأي عجوزا تمشي في المشهد فأظهر لها الالتماس بأن تأتي معه إلي داره و تقوم علي امرأته أيّام مرضها و أن يحسن إليها.

فقالت له:أنا امرأة غريبة و أنت رجل غريب فأقوم بتمريض امرأتك لأجل هذا الإمام المفترض الطاعة،فأخذها معه إلي منزله،فلمّا دخلت العجوز عليها كشفت الثوب عن وجهها فلمّا نظرت إليها غشي عليها،و أمّا الجارية فإنّها لمّا فتحت عينها نظرت إلي العجوز فعرفتها أنّها امّها فتعارفا و تباكيا فتحيّر الرجل،فلمّا أفاقا أطلعها علي حالهما ففرح الرجل و سرّ بذلك و بقيت المرأة مع ابنتها و زوجها،و أمّا الملعون انوشا فإنّه لمّا فعل ذلك الفعل الشنيع سلّط الله عليه ولده ففقأ عينيه و أخرجه من الملك و تملّك ثمّ أغار الترك علي الولد و قتلوه و ملك بعده ولده الآخر فقتلوه أيضا و انتقل الملك إلي غيرهم و أحوجه الله سبحانه حتّي جاء إلي تبريز و كان بها يتجرّع غصّة الزمان إلي هذا الوقت و هو أوائل عام التاسع بعد المائة و الألف ثمّ مضي إلي جوار الزبانية في أشدّ العذاب و الحمد لله ربّ العالمين (1).ط.

ص: 84


1- رياض الأبرار،مخطوط.

رثاء دعبل للإمام الرضا عليه السّلام

و قال دعبل في مراثيه عليه السّلام مرثية:

ألا يا لعين بالدموع استهلت و لو نقرت ماء الشؤون لقلت

علي من بكته الأرض فاسترجعت له رؤوس الجبال الشامخات و ذلّت

و قد اعولت تبكي السماء لفقده و أنجمها ناحت عليه و كلّت

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكاء لمرزية عزت علينا و جلّت

رزينا رضيّ الله سبط نبيّنا فأخلفت الدنيا له و تولّت

و ما خير دنيا بعد آل محمّد ألاّ لا تباليها إذا ما اضمحلّت

تجلّت مصيبات الزمان و لا أري مصيبتنا بالمصطفين تجلّت (1)

و قال أيضا مرثية:

أميّة معذورين إن قتلوا و لا أري لبني العبّاس من عذر

أولاد حرب و مروان و أسرتهم بنو معيط ولاة الحقد و الوغر

قوم قتلتم علي الإسلام أوّلهم حتّي إذا استمسكوا جازوا علي الكفر

أربع بطوس علي قبر الزكيّ به إن كنت تربع من دين علي وطر

قبران في طوس خير الناس كلّهم و قبر شرّهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ و ما علي الزكيّ يقرب النجس من ضرر

هيهات كلّ امريء رهن بما كسبت له يداه فخذ ما شئت أو قدر (2)

***

النص علي الإمام أبي الحسن علي الرضا عليه السّلام

اشارة

و ذلك من طرق:

الطريق الأول:أنه صلوات الله عليه كان أفضل خلق الله بعد أبيه

*الطريق الأول:أنه صلوات الله عليه كان أفضل خلق الله بعد أبيه و أعلم أهل زمانه و أورعهم و أعبدهم و أزهدهم و أشجعهم (3).

ص: 85


1- مناقب آل أبي طالب:484/3.
2- عيون أخبار الرضا:282/1،و أمالي الصدوق:758.
3- شرح الشمائل المحمدية:156/1 باب ما جاء في تختم الرسول،و دلائل الإمامة:190،و أخبار الدول:113،و نهج الحق:258،و الصواعق المحرقة:204 ط.مصر و ط.بيروت 309 باب 11 مقصده 5 فصل 3،و الكامل في التاريخ:162/4،و الارشاد:254/2،و الخرائج و الجرائح:337/1، و البحار:48/49،و روضة الواعظين:222،و الفصول المهمة:233.

و قد ثبت بدلالة العقول تقديم الافضل علي المفضول و العالم علي الجاهل.

قال ابراهيم بن العباس:ما رأيت و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السّلام ما جفا و لا اتكي قبله؛و لا شتم مواليه و مماليكه،و لا قهقه في ضحكه،و كان يجلس علي مائدة مماليكه و مواليه،قليل النوم بالليل،يحيي اكثر لياليه من أولها إلي آخرها،كثير الصوم،كثير المعروف و الصدقة في السر و اكثر ذلك في الليالي المظلمة فمن زعم انه رأي قبله في فضله فلا تصدقوه (1).

و قال:ما رأيته سئل عن شيء قط إلاّ علمه (2)و لا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الي وقته و عصره (3).

و قال المأمون:يا سلمان هذا أعلم هاشمي (4).

و كان يعلم بما في الضمائر (5).

و مناظراته العلمية خير دليل علي فضله و علمه و ورعه و زهده (6).

و قال أبو الصلت:ما رأيت أعلم من علي بن موسي الرضا عليه السّلام و لا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي و كان و الله أفصح الناس و اعلمهم (7).

و مدحه ابن عربي بصلواته قائلا:

(صلوات الله...علي السر الإلهي،و الرائي للحقائق كما هي،النور اللاهوتي،و الإنسان الجبروتي،و الأصل الملكوتي،و العالم الناسوتي...الحجة القاطعة الربانية محقق الحقائق الامكانية ازل الابديات و أبد الازليات...قران المجملات الأحدية و فرقان المفصّلات الواحديّة امام الوري بدر الدجي ابي محمد علي بن موسي الرضا) (8).6.

ص: 86


1- مناقب آل ابي طالب:360/4،و اعلام الوري مع اختلاف يسير:314،و العيون:183/2 باب 44 ح 7،و كشف الغمة:106/3.
2- مناقب آل ابي طالب:350/4.
3- اعلام الوري:314،و العيون:178/2 باب 44 ح 4،و الفصول المهمة:241 ط.الاضواء و 251 ط. النجف و طهران.
4- عيون أخبار الرضا:152/1 باب 13.
5- جواهر العقدين:447 الباب الخامس عشر.
6- راجع المناقب:351/4-352،و الاحتجاج:396/2،عيون الاخبار:144/1.
7- كشف الغمة:106/3-107-119.
8- وسيلة الخادم و المخدوم:296.

الطريق الثاني:دلالة العقل و النقل علي عدم خلو الأرض من الحجة

الطريق الثاني:دلالة العقل و النقل علي عدم خلو الأرض من الحجة و لقوله تعالي: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1).

و دعوي الإمامة لغيره مقطوعة العدم و له مقطوعة التحقق لعصمته بنص آية التطهير علي ما تقدم.

الطريق الثالث:النص عليه من أبيه عليهما السّلام:

قال داوود الرقي:قلت لإبي ابراهيم عليه السّلام:جعلت فداك إني قد كبرت سني فخذ بيدي و انقذني من النار،من صاحبنا بعدك؟

قال:فأشار الي ابنه أبي الحسن عليه السّلام فقال:«هذا صاحبكم بعدي» (2).

و في رواية اخري قال عليه السّلام:«ابني علي أكبر ولدي و آثرهم عندي و أحبهم إلي و هو ينظر معي في الجفر و لم ينظر فيه إلاّ نبي أوصي نبي» (3).

و نحو ذلك من النصوص (4).

و في عيون الأخبار عن يزيد بن سليط الزيدي قال:لقيت الكاظم عليه السّلام فقلت:أخبرني عن الإمام بعدك بمثل ما أخبر به أبوك.

فقال عليه السّلام:كان أبي في زمن ليس هذا مثله.

قال يزيد:فقلت:من يرضي منك بهذا فعليه لعنة الله،فضحك.

ثمّ قال عليه السّلام:إنّي خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلي بنيّ و أشركتهم مع عليّ ابني و أفردته بوصيّتي في الباطن و لقد رأيت رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المنام و أمير المؤمنين عليه السّلام معه و معه خاتم و سيف و عصا و كتاب و عمامة فقلت له:ما هذا؟

فقال:أمّا العمامة فسلطان الله عزّ و جلّ،و أمّا السيف فعزّة الله عزّ و جلّ،و أمّا الكتاب فنور الله عزّ و جلّ،و أمّا العصا فقوّة الله عزّ و جلّ،و أمّا الخاتم فجامع هذه الامور ثمّ قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:الأمر يخرج إلي عليّ ابنك.

ص: 87


1- سورة الرعد:7.
2- الارشاد:248/2،و كفاية الاثر:268،و رواه في الفصول المهمة:234 ط.الأظواء و 243 ط.النجف و طهران،و اعلام الوري:304.
3- الارشاد:249/2،و عيون اخبار الرضا:31/1،و المناقب:367/4-340،و اعلام الوري:304، و رواه في البحار:24/49.
4- و هناك روايات كثيرة في النص عليه راجع اعلام الوري:303-304-305-308-306-307،و كفاية الاثر:268-269،و اثبات الوصية:164-171-172،و الفصول المهمة:234-243،و روضة الواعظين:222،و الكافي:311/1.

ثمّ قال بعد كلام:يا يزيد إنّي أؤخذ في هذه السنة و عليّ ابني سميّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و سميّ عليّ بن الحسين عليه السّلام أعطي فهم الأوّل و علمه و بصره و رداءه و ليس له أن يتكلّم إلاّ بعد هارون بأربع سنين فإذا مضت أربع سنين فسله عمّا شئت يجبك إن شاء الله تعالي (1).

***

ذكر من عاشر من الملوك

كان في أيّام إمامة الإمام الرضا علي بن موسي صلوات الله عليه بقيّة ملك الرشيد و ملك محمّد الأمين بعده ثلاث سنين و خمسة و عشرين يوما.

ثمّ خلع الأمين و أجلس عمّه إبراهيم بن المهدي أربعة و عشرين يوما.

ثمّ أخرج محمّد ثانية و بويع له و بقي بعد ذلك سنة و سبعة أشهر و قتله طاهر بن الحسين.

ثمّ ملك المأمون عشرين سنة و استشهد إمامنا صلوات الله عليه في أيّام ملكه (2).

***

مناظرة المأمون مع المخالفين في فضل علي عليه السّلام

اشارة

عيون الأخبار عن إسحاق بن حمّاد قال:جمعنا يحيي بن أكثم القاضي قال:أمرني المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث و من أهل الكلام و النظر فجمعت له أربعين رجلا و أدخلتهم عليه فقال:إنّي اريد أن أجعلكم بيني و بين الله تعالي في يومي هذا حجّة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إلي حاجته و سلوا اخفافكم وضعوا أرديتكم ففعلوا ما أمروا به فقال لهم:إنّما استحضرتكم لأحتجّ بكم عند الله فاتّقوا الله و لا تمنعكم جلالتي من قول الحقّ و اشفقوا علي أنفسكم من النار و ناظروني بجميع عقولكم إنّي رجل أزعم أنّ عليّا خير البشر بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فإن كنت مصيبا فصوّبوا قولي و إن كنت مخطئا فردّوا عليّ و هلمّوا فإن شئتم سألتكم و إن شئتم سألتموني.

فقال أهل الحديث:بل نسأل،فقال:هاتوا و قلّدوا رجلا منكم فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد و إن أتي بخلل فسدّدوه.

فقال قائل منهم:أمّا نحن فنزعم أنّ خير الناس بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أبو بكر من قبل أنّ الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر و هو لا يأمر إلاّ بالاقتداء بخير الناس.

ص: 88


1- الإمامة و التبصرة:80،و الارشاد:252/2.
2- مسند الإمام الرضا:132/1.

فقال المأمون:الرواية كثيرة و لا بدّ من أن يكون كلّها باطلا أو كلّها حقّا أو بعضها حقّا و بعضها باطلا فلو كانت كلّها حقّا كانت كلّها باطلا من قبل أن ينقض بعضها بعضا و لو كانت كلّها باطلا كان في بطلانها بطلان الدّين،فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث و إذا كان كذلك فلا بدّ من دليل علي ما يحقّ منها فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقّا كان أولي ما اعتقد و أخذ به و روايتك هذه من الأخبار التي أدلّتها باطلة في أنفسها،و ذلك أنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أولي الخلق بالصدق و أبعد الناس من الأمر بالمحال و حمل الناس علي التديّن بالخلاف و ذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مختلفين،فإن كانا متّفقين من كلّ جهة كانا واحدا في العدد و الصورة و الجسم و هذا معدوم في الوجود،و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما لأنّه تكليف ما لا يطاق لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر،و الدليل علي اختلافهما أنّ أبا بكر سبي أهل الردّة و ردّهم عمر أحرارا و أشار عمر علي أبي بكر بعزل خالد و بقتله بمالك بن نويرة فأبي أبو بكر عليه،و حرّم عمر المتعة و لم يفعل ذلك أبو بكر و وضع عمر ديوان العطية و لم يفعله أبو بكر،و استخلف أبو بكر و لم يفعل ذلك عمر و لهذا نظائر كثيرة (1).

فقال آخر من أصحاب الحديث:فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا.

فقال المأمون:هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم أنّه عليه السّلام آخي بين أصحابه و أخّر عليّا عليه السّلام فقال له في ذلك فقال:ما أخّرتك إلاّ لنفسي،فأيّ الروايتين تثبت بطلت الاخري.

قال آخر:إنّ عليّا قال علي المنبر خير هذه الامّة بعد نبيّها أبو بكر و عمر.

قال المأمون:هذا مستحيل من قبل أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لو علم أنّهما أفضل ما ولّي عليهما مرّة عمرو بن العاص و مرّة اسامة بن زيد،و ممّا يكذب هذه الرواية قول عليّ عليه السّلام:قبض النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أنا بمجلسه أولي منّي بقميصي و لكنّي أشفقت أن يرجع الناس كفّارا.و قوله عليه السّلام:أنّي يكونان خير امّتي و قد عبدت الله عزّ و جلّ قبلهما و عبدته بعدهما.

قال آخر:فإنّ أبا بكر أغلق بابه و قال:هل من مستقيل فأقيله؟

فقال عليّ عليه السّلام:قدّمك رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فمن ذا يؤخّرك.

فقال المأمون:هذا باطل من قبل أنّ عليّا عليه السّلام قعد عن بيعة أبي بكر و رويتم أنّه قعد عنها حتّية.

ص: 89


1- قال الصدوق رضي اللّه عنه:في هذا فضل لم يذكره المأمون لخصمه و هو أنّهم لم يرووا عن النبيّ(صلي الله عليه و آله)أنّه قال:اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر،و إنّما رووا أبو بكر و عمر و منهم من روي أبا بكر و عمر،فلو كانت الرواية صحيحة لكان معني قوله بالنصف اقتدوا بالذين من بعدي كتاب الله و العترة يا أبا بكر و عمر،و معني قوله بالرفع اقتدوا أيّها الناس و أبو بكر و عمر بالذين من بعدي كتاب الله و العترة.

قبضت فاطمة و أنّها أوصت أن تدفن ليلا لئلاّ يشهدا جنازتها،و وجه آخر و هو أنّه إن كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم استخلفه فكيف جاز له أن يستقيل و هو يقول للأنصار قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة و عمر.

قال آخر:إنّ عمرو بن العاص قال:يا نبيّ الله من أحبّ الناس إليك من النساء؟

فقال:عائشة.

قال:من الرجال؟

فقال:أبوها.

فقال المأمون:هذا باطل من قبل أنّكم رويتم أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وضع بين يديه طائر مشويّ فقال:

اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك فكان عليّ عليه السّلام،فأي روايتكم تقبل؟

فقال آخر:فإنّ عليّا عليه السّلام قال:من فضّلني علي أبي بكر و عمر جلدته حدّ المفتري.

قال المأمون:كيف يجوز أن يقول علي أجلد الحدّ من لا يجب الحدّ عليه فيكون متعدّيا لحدود الله عزّ و جلّ عاملا بخلاف أمره و ليس تفضيل من فضّله عليهما فرية و قد رويتم عن إمامكم أنّه قال:ولّيتكم و لست بخيركم،فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر علي نفسه أو عليّ عليه السّلام علي أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه،و لا بدّ له في نفسه من أن يكون صادقا أو كاذبا،فإن كان صادقا فأنّي عرف ذلك أبوحي؟فالوحي منقطع أو بالنظر؟فالنظر متحيّر،و إن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين كذّاب.

قال آخر:فقد جاء أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:أبو بكر و عمر سيّدا كهول أهل الجنّة.

قال المأمون:هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنّة كهل و يروي أنّ أشجعية كانت عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:لا يدخل الجنّة عجوز فبكت فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ الله عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً (1)فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شابّا إذا دخل الجنّة فقد رويتم أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال للحسن و الحسين إنّهما سيدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين و أبوهما خير منهما.

قال آخر:قد جاء أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

قال المأمون:هذا محال لأنّ الله عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلي نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (2)و قال عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ3.

ص: 90


1- سورة الواقعة:35-37.
2- سورة النساء:163.

وَ مُوسي وَ عِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ (1) فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه علي النبوّة مبعوثا و من أخذ ميثاقه علي النبوّة مؤخّرا؟

قال آخر:إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلي عمر يوم عرفة فتبسّم و قال إنّ الله تعالي باهي بعباده عامّة و بعمر خاصّة.

فقال المأمون:فهذا مستحيل من قبل أنّ الله تعالي لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيكون عمر في الخاصّة و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في العامّة و ليست هذه الرواية بأعجب من روايتكم أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:

دخلت الجنّة فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولي أبي بكر قد سبقني إلي الجنّة و إنّما قالت الشيعة:

عليّ خير من أبي بكر،فقلتم:عبد أبي بكر خير من رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ السابق أفضل من المسبوق، و كما رويتم أنّ الشيطان يفرّ من حسّ عمر و ألقي علي لسان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم انّهنّ الغرانيق العلي ففرّ من عمر و ألقي علي لسان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بزعمكم الكفر.

قال آخر:قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطّاب.

قال المأمون:هذا خلاف الكتاب نصّا لأنّ الله عزّ و جلّ يقول: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (2)فجعلتم عمر مثل الرسول.

قال آخر:فقد شهد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعمر بالجنّة في عشرة من الصحابة.

فقال:لو كان هذا كما زعمت كان لا يقول لحذيفة:نشدتك بالله أمن المنافقين أنا فإن كان قد قال له النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنت من أهل الجنّة و لم يصدقه حتّي زكّاه حذيفة و صدق حذيفة و لم يصدّق النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فهذا علي غير الإسلام و إن كان قد صدّق النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم سأل حذيفة و هذان الخبران متناقضان في أنفسهما.

فقال آخر:فقد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:وضعت امّتي في كفّة الميزان و وضعت في اخري فرجحت بهم ثمّ وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ثمّ عمر فرجح بهم ثمّ رفع الميزان.

فقال المأمون:هذا محال من قبل أنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما فإن كانت الأجسام فهو محال لأنّه لا يرجّح أجسامهم بأجسام الامّة و إن كانت أعمالهم فلم يكن بعد فلم يبن، فكيف يرجّح بما ليس.

ثمّ قال:انظروا فيما روت أئمّتكم في فضائل علي عليه السّلام و قايسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنّة فإن كانت جزءا من أجزاء كثيرة فالقول قولكم و إن كانوا قد رووا في فضائل عليّ عليه السّلام أكثر فخذوا عن أئمّتكم ما رووا،فأطرق القوم جميعا فقال:ما لكم سكتّم؟3.

ص: 91


1- سورة الأحزاب:7.
2- سورة الأنفال:33.

قالوا:قد استقصينا.

قال المأمون:فإنّي أسألكم خبّروني أيّ الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قالوا؛السبق إلي الإسلام لأنّ الله تعالي يقول: اَلسّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (1)قال:فهل علمتم أحدا أسبق من عليّ عليه السّلام إلي الإسلام؟

قالوا:إنّه سبق حدثا لم يجز عليه حكم و أبو بكر أسلم كهلا قد جري عليه الحكم و بين هاتين الحالتين فرق.

قال المأمون:فخبّروني عن إسلام علي عليه السّلام بإلهام من قبل الله عزّ و جلّ أم بدعاء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فإن قلتم:بإلهام فقد فضّلتموه علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله عزّ و جلّ داعيا و معرفا.

و إن قلتم:بدعاء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فهل دعاه من قبل نفسه أم بأمر الله عزّ و جلّ،فإن قلتم من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله به نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في قوله: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي (2)و إن كان من قبل الله عزّ و جلّ فقد أمر الله سبحانه نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بدعاء عليّ عليه السّلام من بين صبيان الناس ثقة به و علما بتأييد الله تعالي إيّاه.

ثمّ قال:و خلّة اخري هل رأيتم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دعا أحدا من صبيان أهله و غيرهم فيكون اسوة بعلي عليه السّلام فإن زعمتم أنّه لم يدع غيره فهذه فضيلة له علي جميع الصبيان،ثمّ قال:أيّ الأعمال أفضل بعد السبق إلي الإيمان؟

قالوا:الجهاد في سبيل الله.

قال:فهل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعلي عليه السّلام في جميع مواقف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هذه بدر قتل فيها نيفا و عشرين و أربعون لسائر الناس فقال قائل:كان أبو بكر مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في عريشه يدبّرها.

فقال المأمون:لقد جئت بها عجيبة أكان يدبّر دون النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو معه فيشركه أو لحاجة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي رأي أبي بكر أي الثلاث أحبّ إليك؟

فقال:أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو يشركه أو بافتقار من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

قال:فما الفضيلة في العريش فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب فيجب أن يكون كلّ متخلّف فاضلا أفضل من المجاهدين و الله عزّ و جلّ يقول: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (3)الآية.5.

ص: 92


1- سورة الواقعة:10-11.
2- سورة النجم:3.
3- سورة النساء:95.

قال إسحاق:ثمّ قال لي:اقرأ هَلْ أَتي عَلَي الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (1)فقرأت حتّي بلغت:

وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلي حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إلي قوله: وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (2)،فقال:

فيمن نزلت هذه الآيات؟

قلت:في عليّ عليه السّلام.

قال:فهل بلغك أنّ عليّا عليه السّلام قال حين أطعم المسكين و اليتيم و الأسير إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا.

فقلت:لا.

قال:فإنّ الله عزّ و جلّ عرف سريرة عليّ عليه السّلام و نيّته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه،فهل علمت أنّ الله عزّ و جلّ وصف في شيء ممّا وصف في الجنّة ما في هذه السورة.

قلت:لا،ثمّ قال:ألست يا إسحاق ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنّة؟

فقلت:بلي.

قال:أرأيت لو أنّ رجلا قال:ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا كان عندك كافرا؟

قلت:لا.

قال:أفرأيت لو قال:ما أدري أهذه السورة قرآن أم لا أكان عندك كافرا؟

قلت:بلي.

قال:أري فضل الرجل يتأكّد.

أخبرني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أصحيح عندك؟

قلت:بلي.

قال:بان و الله عنادك لا يخلو هذا من أن يكون كما دعي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو يكون مردودا أو عرف الله الفاضل من خلقه و كان المفضول أحبّ إليه،أو تزعم أنّ الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأيّ الثلاث أحبّ إليك أن تقول به؟

قال إسحاق:فأطرقت ساعة ثمّ قلت:إنّ الله عزّ و جلّ يقول في أبي بكر: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا (3)فنسبه الله سبحانه إلي صحبة نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال:سبحان الله ما أقلّ علمكم باللغة و الكتاب أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن؟أما سمعت قوله تعالي: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ (4)فقد جعله له صاحبا و قال الهذلي شعر:7.

ص: 93


1- سورة الإنسان:1.
2- سورة الإنسان:22.
3- سورة التوبة:40.
4- سورة الكهف:37.

و لقد غدوت لصاحبي وحشية تحت الرداء بصيرة بالمشرق

و أمّا قوله: إِنَّ اللّهَ مَعَنا فإنّه تعالي مع البرّ و الفاجر،أما سمعت قوله عزّ و جلّ: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوي ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ (1)الآية،و أمّا قوله: لا تَحْزَنْ، فخبّرني عن حزن أبي بكر كان طاعة أو معصية فإن زعمت أنّه كان طاعة فقد جعلت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نهي عن الطاعة و إن زعمت أنّه معصية فأيّ فضيلة للعاصي.

و خبّرني عن قوله عزّ و جلّ: فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ (2)علي من؟

قلت:علي أبي بكر؛لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان مستغنيا عن السكينة.

قال:فخبّرني عن قوله عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ (3).

و المراد به هنا سبعة من بني هاشم لمّا انهزم الناس يوم حنين و هم علي عليه السّلام يذب بسيفه و العبّاس آخذ بلجام بغلة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الخمسة محدقون به خوفا من أن يناله سلاح الكفّار حتّي أعطي الله رسوله الظفر فمن كان أفضل من كان مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و نزلت السكينة علي النبيّ و عليه أو من كان في الغار أو من كان علي مهاده و وقاه بنفسه حتّي تمّ للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما عزم عليه من الهجرة إنّ الله أمر نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يأمر عليّا بالنوم علي فراشه و وقايته بنفسه فأمره بذلك فقال عليّ عليه السّلام:أتسلم إذن يا نبيّ الله؟

قال:نعم.

قال:سمعا و طاعة،ثمّ أتي مضجعه و تسجّي بثوبه و أحدق المشركون به لا يشكّون في أنّه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطن من قريش رجل ضربة لئلاّ يطالب الهاشميّون بدمه و عليّ عليه السّلام يسمع ما القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه ذلك إلي الجزع كما جزع أبو بكر في الغار و هو مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام وحده فلم يزل صابرا محتسبا فبعث الله تعالي ملائكته تمنعه من مشركي قريش فلمّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا:أين محمّد؟

قال:و ما علمي به،قالوا:أنت غررتنا ثمّ لحق بالنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يزل يتزايد علي الفضل خيرا حتّي قبضه الله إليه،ثمّ أطال في الإستدلال علي فضيلة أمير المؤمنين عليه السّلام بالأخبار القاطعة،ثمّ أقبل علي أصحاب النظر و الكلام و ناظرهم حتّي اعترفوا بالقصور إلي أن قال:أليس روت الامّة بإجماع منها أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:من كذّب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار؟5.

ص: 94


1- سورة المجادلة:7.
2- سورة التوبة:40.
3- سورة التوبة:25.

قالوا:بلي و رووا عنه عليه السّلام أنّه قال:من عصي الله بمعصية صغرت أو كبرت ثمّ اتّخذها دينا و مضي مصرّا عليها فهو مخلّد بين أطباق الجحيم؟

قالوا:بلي.

قال:فخبّروني عن رجل يختاره العامّة فتنصبه خليفة هل يجوز أن يقال له خليفة رسول الله و من قبل الله و لم يستخلفه الرسول فإن قلتم:نعم،كابرتم و إن قلتم:لا،وجب أنّ أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله و أنّكم تكذبون علي نبيّ الله و أنّكم متعرّضون لدخول النار،و خبّروني في أيّ قوليكم صدقتم،مضي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم يستخلف أو في قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول الله فإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر فاتّقوا الله و دعوا التقليد.

ثمّ قال:خبّروني عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هل استخلف حين مضي أم لا؟

فقالوا:لم يستخلف.

قال:فتركه هذا هدي أم ضلال؟قالوا:هدي.

قال:فعلي الناس أن يتّبعوا الهدي و يتنكّبوا الضلالة فلم استخلف الناس بعده فإنّ أبا بكر استخلف و لم يفعله النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم جعل عمر الأمر شوري بين المسلمين فخالف رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خالف صاحبه،فخبّروني أيّهما أفضل ما فعله النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الإستخلاف و هل يجوز أن يكون تركه من الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هدي و فعله من غيره هدي فيكون هدي ضدّ هدي فأين الضلال حينئذ،فسكت القوم فقال لهم:لم سكتمّ؟قالوا:لا ندري ما نقول.

قال:يكفيني هذه الحجّة عليكم ثمّ أمر بإخراجهم.

قالوا:فخرجنا متحيّرين خجلين فنظر المأمون إلي الفضل بن سهل فقال:هذا أقصي ما عند القوم فلا يظنّ ظانّ أنّ جلالتي منعتهم من النقض عليّ (1).

***

بين المأمون و صوفي

علل الشرائع،عن محمّد بن سنان قال:كنت عند مولاي الرضا عليه السّلام بخراسان فبينا هو قاعد مع المأمون إذ رفع إليه أنّ رجلا من الصوفية سرق فلمّا نظر إليه رأي بين عينيه آثار السجود فقال:

سوءة لهذه الآثار الجميلة و لهذا الفعل القبيح.

قال:فعلت ذلك اضطرارا حين منعتني حقّي من الفيء و الخمس و ذكر له آية الفيء و آية الخمس.

ص: 95


1- عيون أخبار الرضا:215/1.

فقال المأمون:أعطّل حدّا من حدود الله لأجل أساطيرك.

فقال الصوفي:ابدأ بنفسك فطهّرها ثمّ طهّر غيرك و أقم حدّ الله عليها ثمّ علي غيرها.

فالتفت المأمون إلي الرضا عليه السّلام فقال:ما يقول؟

قال:يقول سرقت فسرق.

فغضب المأمون شديدا ثمّ قال للصوفي:لأقطعنّك.

فقال الصوفي:تقطعني و أنت عبد لي.

فقال المأمون:و من أين؟

قال:لأنّ امّك اشتريت من مال المسلمين فأنت عبد من في المشرق و المغرب حتّي يعتقوك و أنا لم أعتقك.

و الاخري أنّ الخبيث لا يطهر خبيثا مثله إنّما يطهّره طاهر و من في جنبه حدّ لا يقيم الحدّ علي غيره حتّي يبدأ بنفسه أما سمعت قول الله عزّ و جلّ: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (1).

فالتفت المأمون إلي الرضا عليه السّلام فقال:ما تري في أمره؟

فقال:إنّ الله جلّ جلاله قال:فلله الحجّة البالغة و هي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه و الدّنيا و الآخرة قائمتان بالحجّة و قد احتجّ الرجل.

فعند ذلك أمر المأمون بإطلاق الصوفي و احتجب عن الناس و اشتغل بالرضا عليه السّلام حتّي سمّه فقتله،و قد كان قتل الفضل بن سهل و جماعة من الشيعة (2).

***

مناظرات الإمام الرضا علي بن موسي صلوات الله عليه

احتجاج الإمام الرضا عليه السّلام علي المخالفين في أمر الإمامة

روي الشيخ الجليل الصّدوق رضوان الله عليه في المجلس السابع و التسعين من أماليه،و كذا الشيخ الجليل الطبرسي في الإحتجاج و ثقة الإسلام الكليني في الكافي(الوافي ص 115 م 2)رواية جامعة كافية في أمر الإمامة عن الرّضا عليّ بن موسي ثامن الأئمة الهداة المهديين تهدي بغاة الرشد للتي هو أقوم جعلناها خاتمة بحثنا ليختم بالخير ختامه مسك و في ذلك فليتنافس المتنافسون و في الأمالي:

حدثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن المتوكّل قال:حدّثنا محمّد بن يعقوب قال:

ص: 96


1- سورة البقرة:144.
2- عيون أخبار الرضا:264/1 ح 1.

حدّثنا أبو محمّد القاسم بن العلي عن عبد العزيز بن مسلم قال:كنا في أيّام عليّ بن موسي الرّضا بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم جمعة في يدي مقدمنا فأدار النّاس أمر الإمامة،و ذكروا كثرة اختلاف النّاس فدخلت علي سيّدي و مولاي الرّضا فأعلمته ما خاض النّاس فيه فتبسّم ثمّ قال:

يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن أديانهم،إنّ الله عزّ و جلّ لم يقبض نبيّه حتّي أكمل له الدّين،و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال و الحرام،و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج النّاس إليه كملا فقال عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (1)و أنزل فيه في حجّة الوداع و هي آخر عمره اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (2).

و أمر الإمامة من تمام الدّين و لم يمض حتّي بين لأمته معالم دينهم و أوضح لهم سبيله،و تركهم علي قصد الحقّ و أقام لهم عليّا علما،و ما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه،فمن زعم أنّ الله عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله،و من ردّ كتاب الله فهو كافر،فهل تعرفون قدر الإمامة و محلّها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟

إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلي مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم،أو ينالوها برأيهم أو يقيموا إماما باختيارهم.إنّ الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليل بعد النّبوة و الخلّة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه الله بها فأشار بها عزّ ذكره فقال عزّ و جلّ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً (3).

قال الخليل سرورا بها و من ذرّيتي قال الله تبارك و تعالي: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلي يوم القيامة و صارت في الصفوة.

ثمّ أكرمه الله أن جعلها في ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال عزّ و جلّ: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ (4).

فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض،قرنا فقرنا حتّي ورثها النّبيّ فقال جلّ جلاله: إِنَّ أَوْلَي النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (5).

فكانت له خاصّة فقلّدها النّبي عليّا بأمر ربّه عزّ و جلّ علي رسم ما فرض الله،فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم و الإيمان بقوله عزّ و جلّ: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلي يَوْمِ الْبَعْثِ (6).6.

ص: 97


1- سورة الأنعام:38.
2- سورة المائدة:3.
3- سورة البقرة:124.
4- سورة الأنعام:84.
5- سورة آل عمران:68.
6- سورة الروم:56.

و هي في ولد عليّ خاصّة إلي يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء،إنّ الإمامة خلافة الله عزّ و جلّ و خلافة الرّسول،و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين.إنّ الإمامة زمام الدّين و نظام المسلمين و صلاح الدّنيا و عزّ المؤمنين.إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي و فرعه النامي.

بالإمام تمام الصّلاة و الزّكاة و الصّيام و الحجّ و الجهاد،و توفير الفيء و الصّدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف.

الإمام يحلّ حلال الله و يحرّم حرام الله و يقيم حدود الله،و يذبّ عن دين الله و يدعو إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّة البالغة.

الإمام كالشمس الطالعة للعالم،و هي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار.

الإمام البدر المنير و السراج الظاهر و النّور السّاطع،و النجم الهادي في غياهب الدّجي و البلد القفار و لجج البحار.

الإمام الماء العذب علي الظماء و الدّال علي الهدي و المنجي من الرّدي.

الإمام النّار علي اليفاع الحار لمن اصطلي،و الدّليل علي الملك من فارقه فهالك.

الإمام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشمس المضيئة،و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الروضة.

الإمام الأمين الرفيق و الوالد الرّقيق،و الأخ الشفيق و مفزع العباد في الداهية.

الإمام أمين الله في أرضه و حجّته علي عباده،و خليفته في بلاده و الدّاعي إلي الله و الذابّ عن حرم الله.

الإمام المطهّر من الذنوب المبرّأ من العيوب،مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدّين و عزّ المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين.

الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد،و لا يعادله عالم و لا يوجد به بدل،و لا له مثل و لا نظير، مخصوص بالفضل كلّه،من غير طلب منزلة و لا اكتساب،بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ بمعرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟

هيهات هيهات ضلّت العقول و تاهت الحلوم،و حارت الألباب و حسرت العيون و تصاغرت العظماء و تحيّرت الحكماء،و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء،و جهلت الألباب و كلّت الشعراء، و عجزت الأدباء و عيّت البلغاء عن وصف شأن من شأنه،أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز و التقصير.و كيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه،

ص: 98

لا كيف و أين و هو بحيث النجم من أيدي المتناولين و وصف الواصفين،فأين الإختيار من هذا و أين العقول عن هذا و أين يوجد مثل هذا؟

أظنوا أن ذلك يوجد في غير آل الرّسول؟،كذبتهم و الله أنفسهم و منّتهم الأباطيل،و ارتقوا مرتقي صعبا رحضا تزل عنه إلي الحضيض أقدامهم،راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراء مضلّة فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا،قاتلهم الله أنّي يؤفكون؟لقد راموا صعبا و قالوا إفكا و ضلّوا ضلالا بعيدا،و وقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة و زين لهم الشيطان أعمالهم و صدّهم عن السبيل و كانوا مستبصرين،رغبوا عن اختيار الله و اختيار رسوله إلي اختيارهم،و القرآن يناديهم:

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالي عَمّا يُشْرِكُونَ (1) .

و قال عزّ و جلّ: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ* سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ* أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (2).

و قال عزّ و جلّ: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها (3).

أم طبع الله علي قلوبهم فهم لا يفقهون،أم قالوا سمعناوهم لا يسمعون،إن شرّ الدوابّ عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون،و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون،و قالوا سمعنا و عصينا،بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.

فكيف لهم باختيار الإمام و الإمام عالم لا يجهل،راع لا ينكل معدن القدس و الطهارة، و النسك و الزهادة و العلم العبادة،مخصوص بدعوة الرسول و هو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب،في البيت من قريش و الذروة من هاشم،و العترة من الرسول و الرضا من الله شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف نامي العلم،كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم للسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله ناصح لعباد الله حافظ لدين الله.

إنّ الأنبياء و الأئمة يوفقهم الله عزّ و جلّ،و يؤتيهم من مخزون علمه و حلمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون عليهم (4)فوق كلّ أهل زمانهم في قوله جلّ و عزّ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (5).

و قوله جل و عز: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (6).9.

ص: 99


1- سورة القصص:68.
2- سورة القلم:36-41.
3- سورة محمد:24.
4- في نسخة:علمهم.
5- سورة يونس:35.
6- سورة البقرة:269.

و قوله عزّ و جل: إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (1).

و قال عزّ و جلّ لنبيّه: وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (2)

و قال عزّ و جلّ في الأئمة من أهل بيته و عترته و ذرّيته: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلي ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفي بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (3).

و أنّ العبد إذا اختاره الله عزّ و جلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك،و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما فلم يع بعده بجواب و لا يحيّر فيه عن الصّواب،و هو معصوم مؤيد موفق مسدّد، قد أمن الخطايا و الزلل و العثار،و خصّه الله بذلك ليكون حجته علي عباده و شاهده علي خلقه، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.

فهل يقدرون علي مثل هذا فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّموه،تعدّوا و بيت الله الحقّ و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم،كأنهم لا يعلمون و في كتاب الله الهدي و الشفاء فنبذوه، و اتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم أنفسهم فقال عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُديً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (4)

و قال: فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (5).

و قال عزّ و جلّ: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلي كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ (6).

انتهي الحديث الشريف (7).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و المأمون و أهل الديانات

عن الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول:لما قدم علي بن موسي الرضا عليه السّلام علي المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق،و رأس الجالوت،

ص: 100


1- سورة البقرة:247.
2- سورة النساء:113.
3- سورة النساء:55.
4- سورة القصص:50.
5- سورة محمد:8.
6- سورة غافر:35.
7- عيون أخبار الرضا:200/2 ح 1.

و رؤساء الصابئين (1)و الهربذ الاكبر،و أصحاب ذرهشت (2)و نسطاس الرومي و المتكلمين ليسمع كلامه و كلامهم.فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم،فقال المأمون:أدخلهم علي ففعل فرحب بهم المأمون.

ثم قال لهم:إني إنما جمعتكم لخير و أحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي و لا يتخلف منكم أحد؟

فقالوا:السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي:فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا عليه السّلام إذ دخل علينا ياسر،و كان يتولي أمر أبي الحسن الرضا عليه السّلام فقال له:يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام و يقول:فداك أخوك،إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات و أهل الاديان و المتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم،و إن كرهت ذلك فلا تتجشم و إن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:أبلغه السلام و قل له قد علمت ما أردت و أنا صائر إليك بكرة إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي:فلما مضي ياسر التفت إلينا ثم قال لي:يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة،فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات؟

فقلت:جعلت فداك يريد الإمتحان و يحب أن يعرف ما عندك،و لقد بني علي أساس غير وثيق البنيان،و بئس و الله ما بني.

فقال لي:و ما بناؤه في هذا الباب؟

قلت:إن أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء،و ذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر،ت.

ص: 101


1- الجاثليق متقدم الاساقفة.الصابؤون جمع الصابئ،و هو من انتقل إلي دين آخر،و كل خارج من دين كان عليه إلي آخر غيره سمي في اللغة صابئا.قال أبو زيد:صبا الرجل في دينه يصبؤ صبوءا:إذا كان صابئا، فكان معني الصابئ التارك دينه الذي شرع له إلي دين غيره،و الدين الذي فارقوه هو تركهم التوحيد إلي عبادة النجوم أو تعظيمها.قال فتادة:و هم قوم معروفون و لهم مذهب ينفردون به،و من دينهم عبادة النجوم و هم يقرون بالصانع و بالمعاد و ببعض الانبياء و قال مجاهد و الحسن:الصابؤون بين اليهود و المجوس لا دين لهم،و قال السدي:هم طائفة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور،و قال الخليل:هم قوم دينهم شبيه بدين النصاري إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال منتصف النهار يزعمون أنهم علي دين نوح،و قال ابن زيد: هم اهل دين من الاديان كانوا بالجزيرة جزيرة الموصل يقولون:لا إله إلا الله و لم يؤمنوا برسول الله، و قال آخرون:هم طائفة من اهل الكتاب.و الفقهاء بأجمعهم يجيزون أخذ الجزية منهم،و عندنا لا يجوز ذلك لأنهم ليسوا بأهل الكتاب.قاله الطبرسي في مجمع البيان 1:126.
2- في العيون:زردشت و في التوحيد:زردهشت.

و أصحاب المقالات و المتكلّمون و أهل الشرك أصحاب إنكار و مباهتة،إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا:صحح وحدانيته،و إن قلت:إن محمدا رسول الله،قالوا:أثبت رسالته،ثم يباهتون الرجل و هو يبطل عليهم بحجته و يغالطونه حتي يترك قوله،فاحذرهم جعلت فداك.

قال فتبسم عليه السّلام ثم قال:يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوني علي حجتي؟قلت:لا و الله ما خفت عليك قط،و إني لارجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله.

فقال لي:يا نوفلي أتحب أن تعلم متي يندم المأمون؟

قلت:نعم.

قال:إذا سمع احتجاجي علي أهل التوراة بتوراتهم،و علي أهل الانجيل بإنجيلهم،و علي أهل الزبور بزبورهم،و علي الصابئين بعبر انيتهم،و علي الهرابذة بفارسيتهم،و علي أهل الروم بروميتهم (1)،و علي أصحاب المقالات بلغاتهم،فإذا قطعت كل صنف و دحضت حجته و ترك مقالته و رجع إلي قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له،فعند ذلك تكون الندامة منه،و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له:جعلت فداك ابن عمك ينتظرك و قد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟

فقال له الرضا عليه السّلام:تقدمني فإني صائر إلي ناحيتكم إن شاء الله،ثم توضأ عليه السّلام وضوءه للصلاة،و شرب شربة سويق و سقانا منه،ثم خرج و خرجنا معه حتي دخلنا علي المأمون،فإذا المجلس غاص بأهله،و محمد بن جعفر في جماعة الطالبيين و الهاشميين و القواد حضور،فلما دخل الرضا عليه السّلام قام المأمون و قام محمد بن جعفر و جميع بني هاشم،فما زالوا وقوفا و الرضا عليه السّلام جالس مع المأمون حتي أمرهم بالجلوس فجلسوا،فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة.ثم التفت إلي الجاثليق فقال:يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسي بن جعفر،و هو من ولد فاطمة بنت نبينا،و ابن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأحب أن تكلمه و تحاجه و تنصفه.

فقال الجاثليق:يا أمير المؤمنين كيف احاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره،و نبي لا اومن به؟

فقال له الرضا عليه السّلام:يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقربه؟

قال الجاثليق:و هل أقدر علي دفع ما نطق به الانجيل.نعم و الله أقربه علي رغم أنفي،فقال له الرضا عليه السّلام:سل عما بدالك و افهم الجواب.ب.

ص: 102


1- الهرابذة قومة بيت النار للهند،أو عظماء الهند،أو علماؤهم،أو خدم نار المجوس،الواحد كزبرج. و قال:نسطاس بالكسر علم،و بالرومية:العالم بالطب.

قال الجاثليق:ما تقول في نبوة عيسي و كتابه؟هل تنكر منهما شيئا؟

قال الرضا عليه السّلام:أنا مقر بنبوة عيسي و كتابه و ما بشر به امته و أقرب به الحواريون و كافر بنبوة كل عيسي لم يقر بنبوة محمد صلّي الله عليه و آله و بكتابه و لم يبشر به امته.

قال الجاثليق:أليس إنما تقطع الاحكام بشاهدي عدل؟

قال:بلي.

قال:فأقم شاهدين من غير أهل ملتك علي نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية،و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا.

قال الرضا عليه السّلام الآن جئت بالنصفة يا نصراني،ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسي ابن مريم؟

قال الجاثليق:من هذا العدل؟سمه لي.

قال:ما تقول في يوحنا الديلمي؟

قال:بخ بخ،ذكرت أحب الناس إلي المسيح.

قال عليه السّلام:فأقسمت عليك هل نطق الانجيل أن يوحنا قال:إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي،و بشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به؟

قال الجاثليق:قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح و بشر بنبوة رجل و بأهل بيته و وصيه و لم يلحظ متي يكون ذلك،و لم يسم لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضا عليه السّلام:فإن جئناك،بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد و أهل بيته و أمته أتؤمن به؟

قال:شديدا،قال الرضا عليه السّلام:لنسطاس الرومي كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟

قال:ما أحفظني له!

ثم التفت إلي رأس الجالوت فقال:ألست تقرأ الإنجيل؟

قال:بلي لعمري.

قال:فخذ علي السفر الثالث،فإن كان فيه ذكر محمد و أهل بيته و امته فاشهدوا لي،و إن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي،ثم قرأ عليه السّلام السفر الثالث حتي إذا بلغ ذكر النبي صلّي الله عليه و آله وقف،ثم قال:يا نصراني إني أسألك بحق المسيح و امه أتعلم أني عالم بالانجيل؟

قال:نعم،ثم تلا علينا ذكر محمد و أهل بيته و أمّته،ثم قال:ما تقول يا نصراني؟هذا قول عيسي ابن مريم،فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت موسي و عيسي عليه السّلام و متي أنكرت هذا

ص: 103

الذكر وجب عليك القتل،لأنّك تكون قد كفرت بربك و بنبيك و بكتابك.

قال الجاثليق:لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل،و إني لمقربه.

قال الرضا عليه السّلام:إشهدوا علي إقراره.

ثم قال:يا جاثليق سل عما بدالك.

قال الجاثليق:أخبرني عن حواري عيسي ابن مريم كم كان عدتهم؟و عن علماء الانجيل كم كانوا؟

قال الرضا عليه السّلام:علي الخبير سقطت،أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا،و كان أفضلهم و أعلمهم الوقا،و أما علماء النصاري فكانوا ثلاثة رجال:يوحنا الاكبر بأج (1)و يوحنا بقرقيسا (2)و يوحنا الديلمي بزجار،و عنده كان ذكر النبي صلّي الله عليه و آله،و ذكر أهل بيته و امته،و هو الذي بشر امة عيسي و بني إسرائيل به.

ثم قال له:يا نصراني و الله إنا لنؤمن بعيسي الذي آمن بمحمد صلّي الله عليه و آله و ما ننقم علي عيساكم شيئا إلا ضعفه و قلة صيامه و صلاته.

قال الجاثليق:أفسدت و الله علمك،و ضعفت أمرك،و ما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الاسلام.

قال الرضا عليه السّلام:و كيف ذلك؟

قال الجاثليق:من قولك:إن عيسي كان ضعيفا قليل الصيام،قليل الصلاة،و ما أفطر عيسي يوما قط،و لا نام بليل قط،و ما زال صائم الدهر،قائم الليل.

قال الرضا عليه السّلام:فلمن كان يصوم و يصلي؟

قال:فخرس الجاثليق و انقطع.

قال الرضا عليه السّلام:يا نصراني أسألك عن مسألة.

قال:فإن كان عندي علمها أجبتك.

قال الرضا عليه السّلام:ما أنكرت أن عيسي كان يحيي الموتي بإذن الله عزّ و جلّ؟

قال الجاثليق أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا الموتي و أبرأ الاكمه و الابرص فهو رب مستحق لأن يعبد.

قال الرضا عليه السّلام:فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسي:مشي علي الماء،و أحيي الموتي،ث.

ص: 104


1- أخ بالضم،و هي موضع بالبصرة به أنهر و قري.
2- القرقيساء بكسر القاف و يقصر:بلدة علي الفرات سمي بقرقيساء بن طهمورث.

و أبرأ الأكمه و الأبرص فلم تتخذه أمته ربا،و لم يعبده أحد من دون الله عزّ و جلّ،و لقد صنع حزقيل النبي مثل ما صنع عيسي ابن مريم فأحيي خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة.

ثم التفت إلي رأس الجالوت فقال له:يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة؟إختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلي بابل فأرسله الله تعالي عزّ و جلّ إليهم فأحياهم الله،هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم.

قال رأس الجالوت:قد سمعنا به و عرفناه.

قال صدقت،ثم قال:يا يهودي خذ علي هذا السفر من التوراة،فتلا عليه السّلام علينا من التوراة آيات فأقبل اليهودي يتزجح (1)لقراءته و يتعجب (2).

ثم أقبل علي النصراني فقال:يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسي أم عيسي كان قبلهم؟

قال:بل كانوا قبله.

قال الرضا عليه السّلام:لقد اجتمعت قريش إلي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم،فوجه معهم علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال له:إذهب إلي الجبانة فناد بأسماء هولاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلي صوتك:يا فلان،و يا فلان،و يا فلان،يقول لكم محمد رسول الله:

قوموا بإذن الله عز و جل،فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم،فأقبلت قريش تسألهم عن امورهم، ثم أخبروهم أن محمدا صلّي اللّه عليه و آله قد بعث نبيا و قالوا:وددنا إنا أدركناه فنؤمن به،و لقد أبرأ الاكمه و الابرص و المجانين،و كلمه البهائم و الطير و الجن و الشياطين،و لم نتخذه ربا من دون الله عزّ و جلّ،و لم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم،فمتي اتخذتم عيسي ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع و الحزقيل،لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسي من إحياء الموتي و غيره،و إن قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون و هم ألوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة،فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتي نخرت عظامهم و صاروا رميما،فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم و من كثرة العظام البالية،فأوحي الله عزّ و جلّ إليه:أتحب أن أحييهم لك فتنذرهم؟

قال:نعم يا رب،فأوحي الله عزّ و جلّ إليه:أن نادهم،فقال:أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عزّ و جلّ،فقاموا أحياء أجمعون،ينفضون التراب عن رؤوسهم،ثم إبراهيم خليل الرحمن حين أخذ الطير فقطعهن قطعا،ثم وضع علي كل جبل منهن جزءا،ثم ناداهن فأقبلن سعيا إليه،ثم موسيي.

ص: 105


1- في نسخة العيون:يترجج.
2- يترجح لقراءته:أي يتحرك و يميل يمينا و شمالا من كثرة التعجب قال الفيروز آبادي:ترجحت به إلا رجوحة:مالت.و ترجح:تذبذب.و في بعض النسخ بالجيمين أي يضطرب.و الغض:الطري.

ابن عمران و أصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلي الجبل فقالوا له:إنك قد رأيت الله سبحانه،فأرناه كما رأيته،فقال لهم:إني لم أره.

فقالوا:لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم،و بقي موسي وحيدا فقال:يا رب إني اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم و أرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به؟فلو شئت أهلكتهم من قبل و إياي،أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟فأحياهم الله عزّ و جلّ من بعد موتهم،و كل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر علي دفعه،لأن التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به،فإن كان كل من أحيي الموتي و أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا،ما تقول يا يهودي؟

قال الجاثليق:القول قولك،و لا إله إلا الله ثم التفت عليه السّلام إلي رأس الجالوت فقال:يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر آيات التي أنزلت علي موسي بن عمران،هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد و أمته:اذا جاءت الأمة الاخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنوا إسرائيل إليهم و إلي ملكهم لتطمئن قلوبهم،فإن بأيديهم سيوفا

ينتقمون بها من الامم الكافرة في أقطار الأرض،أهكذا هو في التوراة مكتوب؟

قال رأس الجالوت:نعم إنا لنجده كذلك.ثم قال للجاثليق:يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟

قال:أعرفه حرفا حرفا.

قال لهما:أتعرفان هذا من كلامه:(يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور،و رأيت راكب البعير ضؤه مثل ضوء القمر)؟

فقالا:قد قال ذلك شعيا.

قال الرضا عليه السّلام:يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسي:(إني ذاهب إلي ربكم و ربي و البار قليطا جاء،هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له،و هو الذي يفسر لكم كل شيء،و هو الذي يبدي فضائح الأمم،و هو الذي يكسر عمود الكفر)؟

فقال الجاثليق:ما ذكرت شيئا في الإنجيل إلا و نحن مقرون به.

قال:أتجد هذا في الانجيل ثابتا يا جاثليق؟

قال:نعم.

قال الرضا عليه السّلام:يا جاثليق ألا تخبرني عن الانحيل الاول حين افتقدتموه عند من وجدتموه؟ و من وضع لكم هذا الانجيل؟

قال له:ما افتقدنا إلانجيل إلا يوما واحدا حتي وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا و متي،

ص: 106

فقال له الرضا عليه السّلام:ما أقل معرفتك بسر الانجيل و علمائه؟فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الانجيل؟و إنما وقع الإختلاف في هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم،فلو كان علي العهد الاول لم تختلفوا فيه،و لكني مفيدك علم ذلك،إعلم أنه لما افتقد الانجيل الاول اجتمعت النصاري إلي علمائهم فقالوا لهم:قتل عيسي ابن مريم،و افتقدنا الانجيل و أنتم العلماء فما عندكم؟

فقال لهم الوقا و مر قابوس:إن الانجيل في صدورنا و نحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه،و لا تخلوا الكنائس،فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتي نجمعه كله،فقعد الوقا و مر قابوس و يوحنا و متي فوضعوا لكم هذا الانجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الاول، و إنما كان هؤلاء الاربعة تلاميذ التلاميذ الأولين،أعلمت ذلك؟

قال الجاثليق:أما هذا فلم أعلمه،و قد علمته الآن،و قد بان لي من فضل علمك بالانجيل، و سمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم،فقال له الرضا عليه السّلام:فكيف شهادة هؤلاء عندك؟

قال:جائزة،هؤلاء علماء الانجيل،و كل ما شهدوا به فهو حق،فقال الرضا عليه السّلام للمأمون و من حضره من أهل بيته و من غيرهم:إشهدوا عليه،قالوا قد شهدنا.

ثم قال للجاثليق:بحق الابن و امه هل تعلم أن متي قال:(إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون).

و قال مرقابوس في نسبة عيسي ابن مريم:(إنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنسانا)و قال الوقا:(إن عيسي بن مريم و امه كانا إنسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس)ثم إنك تقول من شهادة عيسي علي نفسه:(حقا أقول لكم يا معشر الحواريين:إنه لا يصعد إلي السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الانبياء فإنه يصعد إلي السماء و ينزل)فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق:هذا قول عيسي لا ننكره.

قال الرضا عليه السّلام:فما تقول في شهادة الوقا و مر قابوس و متي علي عيسي و ما نسبوه إليه؟

قال الجاثليق:كذبوا علي عيسي.

قال الرضا عليه السّلام:يا قوم أليس قد زكاهم و شهد أنهم علماء الإنجيل و قولهم حق؟.

فقال الجاثليق:يا عالم المسلمين أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء.

قال الرضا عليه السّلام:فإنا قد فعلنا،سل يا نصراني عما بدالك.

قال الجاثليق ليسألك غيري،فلا و حق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت الرضا عليه السّلام إلي رأس الجالوت فقال له:تسألني أو أسألك؟

ص: 107

فقال:بل أسألك،و لست أقبل منك حجة إلا من التوراة،أو من الانجيل،أو من زبور داود،أو بما في صحف إبراهيم و موسي.

قال الرضا عليه السّلام:لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة علي لسان موسي بن عمران، و الانجيل علي لسان عيسي بن مريم،و الزبور علي لسان داود،فقال رأس الجالوت:من أين تثبت نبوة محمد؟

قال الرضا عليه السّلام:شهد بنبوته موسي بن عمران و عيسي بن مريم و داود خليفة الله عزّ و جلّ في الأرض،فقال له:ثبت قول موسي بن عمران.

قال الرضا عليه السّلام:هل تعلم يا يهودي أن موسي بن عمران أوصي بني إسرائيل فقال لهم:إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم،فبه فصدقوا و منه فاسمعوا،فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل،إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل،و النسب الذي بينهما من قبل إبراهيم؟

فقال رأس الجالوت:هذا قول موسي لاندفعه،فقال له الرضا عليه السّلام:هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد؟

قال:لا.

قال الرضا عليه السّلام:أفليس قد صح هذا عندكم؟

قال:نعم و لكني احب أن تصححه لي من التوراة،فقال له الرضا عليه السّلام:هل تنكر أن التوراة تقول لكم:(قد جاء النور من جبل طور سيناء و أضاء لنا من جبل ساعير،و استعلن علينا من جبل فاران).

قال رأس الجالوت:أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها.

قال الرضا عليه السّلام:أنا أخبرك به،أما قوله:(جاء النور من قبل طور سيناء)فذلك وحي الله تبارك و تعالي الذي أنزله علي موسي علي جبل طور سيناء،و أما قوله:(و أضاء لنا من جبل ساعير) فهو الجبل الذي أوحي الله عزّ و جلّ إلي عيسي بن مريم و هو عليه،و أما قوله:(و استعلن علينا من جبل فاران)فذاك جبل من جبال مكة بينه و بينها يوم.

و قال شعيا النبي فيما تقول أنت و أصحابك في التوراة:(رأيت راكبين أضاء لهما الأرض، أحدهما علي حمار،و الآخر علي جمل)فمن راكب الحمار؟و من راكب الجمل؟

قال:رأس الجالوت لا أعرفهما فخبرني بهما.

قال عليه السّلام:أما راكب الحمار فعيسي،و أما راكب الجمل فمحمد،أتنكر هذا من التوراة؟

قال:لا،ما انكره.ثم قال الرضا عليه السّلام:هل تعرف حبقوق النبي؟

ص: 108

قال:نعم إني به لعارف.

قال عليه السّلام:فإنه قال و كتابكم ينطق به:(جاء الله بالبيان من جبل فاران،و امتلأت السماوات من تسبيح أحمد و امته،يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر،يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس)يعني بالكتاب القرآن،أتعرف هذا و تؤمن به قال رأس الجالوت:قد قال ذلك حبقوق النبي و لا ننكر قوله؟

قال الرضا عليه السّلام:فقد قال داود في زبوره و أنت تقرؤه:(اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة) فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد؟

قال رأس الجالوت هذا قول داود نعرفه و لا ننكره،و لكن عني بذلك عيسي،و أيامه هي الفترة.

قال له الرضا عليه السّلام:جهلت،إن عيسي لم يخالف السنة،و كان موافقا لسنة التوراة حتي رفعه الله إليه،و في الانجيل مكتوب:إن ابن البرة ذاهب و البار قليطا جاء من بعده،و هو يخفف الآصار، و يفسر لكم كل شيء،و يشهد لي كما شهدت له،أنا جئتكم بالامثال،و هو يأتيكم بالتأويل،أتؤمن بهذا في الانجيل؟

قال:نعم،لا انكره:فقال له الرضا عليه السّلام:يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسي بن عمران،فقال:سل.

قال عليه السّلام:ما الحجة علي أن موسي ثبتت نبوته؟

قال اليهودي:إنه جاء بما لم يجئ به أحد من الانبياء قبله.

قال له:مثل ماذا؟

قال:مثل فلق البحر،و قلبه العصاحية تسعي،و ضربه الحجر فانفجرت منه العيون،و إخراجه يده بيضاء للناظرين،و علامات لا يقدر الخلق علي مثلها.

قال له الرضا عليه السّلام:صدقت في أنه كانت حجته علي نبوته أنه جاء بما لا يقدر الخلق علي مثله،أفليس كل من ادعي أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق علي مثله وجب عليكم تصديقه؟

قال:لا،لأن موسي لم يكن له نظير لمكانه من ربه،و قربه منه،و لا يجب علينا الإقرار بنبوة من ادعاها حتي يأتي من الإعلام بمثل ما جاء به.

قال الرضا عليه السّلام:فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسي و لم يفلقوا البحر،و لم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا،و لم يخرجوا بأيديهم مثل إخراج موسي يده بيضاء،و لم يقلبوا العصاحية تسعي؟

قال له اليهودي:قد خبرتك أنه متي ما جاؤوا علي نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق علي

ص: 109

مثله و لو جاؤوا بما لم يجئ به موسي أو كان علي غير ما جاء به موسي وجب تصديقهم.

قال:قال الرضا عليه السّلام:يا رأس الجالوت فما يمنعك من الاقرار بعيسي ابن مريم و قد كان يحيي الموتي،و يبرئ الأكمه و الأبرص،و يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله؟

قال رأس الجالوت:يقال:إنه فعل ذلك،و لم نشهده.

قال الرضا عليه السّلام:أرأيت ما جاء به موسي من الآيات شاهدته؟أليس إنما جاءت الاخبار من ثقات أصحاب موسي أنه فعل ذلك؟

قال:بلي.

قال:فكذلك أيضا أتتكم الاخبار المتواترة بما فعل عيسي بن مريم،فكيف صدقتم بموسي و لم تصدقوا بعيسي؟فلم يحر جوابا.

قال الرضا عليه السّلام:و كذلك أمر محمد صلّي الله عليه و آله و ما جاء به،و أمر كل نبي بعثه الله، و من آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا و لم يختلف إلي معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الانبياء و أخبارهم حرفا حرفا،و أخبار من مضي و من بقي إلي يوم القيامة،ثم كان يخبرهم بأسرارهم و ما يعملون في بيوتهم،و جاء بآيات كثيرة لا تحصي.

قال رأس الجالوت:لم يصح عندنا خبر عيسي و لا خبر محمد؟و لا يجوز لنا أن نقر لهما بما لم يصح.

قال الرضا عليه السّلام:فالشاهد الذي شهد لعيسي و لمحمد صلّي الله عليهما شاهد زور؟فلم يحر جوابا.ثم دعي بالهربذ الاكبر فقال له الرضا عليه السّلام:أخبرني عن ذرهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك علي نبوته؟

قال:إنه أتي بما لم يأتنا به أحد قبله و لم نشهده و لكن الاخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه.

قال:أفليس إنما أتتكم الاخبار فاتبعتموه؟

قال:بلي.

قال:فكذلك سائر الامم السالفة أتتهم الاخبار بما أتي به النبيون و أتي به موسي و عيسي و محمد صلوات الله عليهم،فما عذركم في ترك الاقرار لهم؟إذ كنتم إنما أقررتم بزرهشت من قبل الاخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره،فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضا عليه السّلام:يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم،فقام إليه عمران الصابئ و كان واحدا من المتكلمين فقال:يا عالم الناس لو لا أنك دعوت

ص: 110

إلي مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل،فلقد دخلت الكوفة و البصرة و الشام و الجزيرة و لقيت المتكلمين فلم أقع علي أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته،أ فتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضا عليه السّلام:إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو.

قال:أنا هو.

قال:سل يا عمران و عليك بالنصفة،و إياك و الخطل و الجور.

قال:و الله يا سيدي ما اريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه.

قال:سل عما بدالك،فازدحم الناس و انضم بعضهم إلي بعض،فقال عمران الصابئ:

أخبرني عن الكائن الاول و عما خلق.

قال:سألت فافهم،أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود و لا أعراض، و لا يزال كذلك،ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض و حدود مختلفة،لا في شيء أقامه،و لا في شيء حده،و لا علي شيء حذاه و مثله له،فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة،و اختلافا و ائتلافا،و ألوانا و ذوقا و طعما،لا لحاجة كانت منه إلي ذلك،و لا لفضل منزلة لا يبلغها إلا به، و لا رأي لنفسه فيما خلق زيادة و لا نقصانا،تعقل هذا يا عمران؟

قال:نعم و الله يا سيدي.

قال:و اعلم يا عمران إنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به علي حاجته، و لكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق،لأن الاعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوي،و الحاجة يا عمران لا يسعها لانه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة اخري،و لذلك أقول:لم يخلق الخلق لحاجة،و لكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلي بعض،و فضل بعضهم علي بعض بلا حاجة منه إلي من فضل،و لا نقمة منه علي من أذل فهلذا خلق.

قال عمران:يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟ (1)

ص: 111


1- قال العلامة المجلسي:قوله:(هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه)اقول:هذا الكلام و جوابه في غاية الاغلاق و قد خطر بالبال في حله وجوه لا يخلو كل منها من شيء: الأول:أن يكون المراد بالكائن الصانع تعالي،و المعني ان الصانع تعالي هل كان معلوما في نفسه عند نفسه قبل وجوده؟فأجاب عليه السّلام بأن المعلمة قبل الشيء إنما يكون لشيء يوجده غيره فيصوره في نفسه حتي يدفع عنه ما ينافي وجوده و كماله ثم يوجده علي ما تصوره و الواجب الوجود بذاته ذاته مقتض لوجوده، و لا مانع لوجوده حتي يحتاج الي ذلك،فلذلك هو أزلي غير معلول. الثاني:أن يكون المراد بالكائن الصانع أيضا،و يكون المعني:هل هو معلوم عند نفسه بصورة حاصلة في ذاته؟و لذا قال:في نفسه،فأجاب عليه السّلام بان الصورة الحاصلة انما تكون لشيء يشترك مع غيره في شيء من الذاتيات،و يخالفه في غيرها فيحتاج الي الصورة الحاصلة لتعينه و تشخصه و امتيازه عما يشاركه، فأما البسيط المطلق الذي تشخصه من ذاته و لم يشارك غيره في شيء من الذاتيات فلا يحتاج لمعرفة نفسه إلي حصول صورة،بل هو حاضر بذاته عند ذاته،فقوله:(و لم يكن هناك شيء يخالف)أي شيء يخالف في بعض الذاتيان فتدعوه الحاجة إلي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم من ذاته بجنس و فصل و تشخص. الثالث:أن يكون المراد بالكائن الحادث المعلول،و المراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه، و حاصل الجواب علي هذا أن المخلوق إذا أراد صنع شيء يصوره أولا في نفسه لعجزه عن الإتيان بكل ما يريد،و لامكان وجود ما يخالفه و يعارضه فيما يريده،فيصوره في نفسه علي وجه لا يعارضه شيء في حصول ما أراد منه و ينفي الموانع عن نفسه بتحديد ما علم منه،و أما الصانع تعالي فهو لا يحتاج إلي ذلك لكمال قدرته،و لعدم تخيل الموانع عن الايجاد ثمة،بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له:كن فيكون، فليس المراد نفي العلم رأسا،بل نفي العلم علي الوجه الذي تخيله السائل بوجه يوافق فهمه،و ضمير(منها) راجع إلي الشيء الكائن باعتبار النفس أو إلي النفس،أي علما ناشئا من النفس. الرابع:أن يكون المراد الحادث معلوما لنفسه عند نفسه قبل وجوده،لاكونه معلوما لصانعه،فالجواب أن الشيء بعد وجوده و تشخصه يكون معلوما لنفسه علي وجه يمتاز عن غيره،و أما الاعدام ففي مرتبة عدمها لا يكون بينها تمييز حتي يحتاج كل عدم إلي العلم بامتيازه عن غيره،و الحاصل أن الامتياز العيني للشيء لا يكون إلا بعد وجوده،لا فتقار وجوده إلي التميز عن غيره مما يخالفه في ذاته و تشخصه،و أما امتيازه في علمه تعالي فليس علي نحو الوجود العيني،فلا يستلزم علم كل حادث هناك بنفسه،كما يكون لذوي العقول بعد وجودها.بحار الأنوار،العلامة المجلسي:320/10. (1) قال المجلسي:قوله عليه السّلام:(علي ستة أنواع)لعل الأول ما يكون ملموسا و موزونا و منظورا إليه،و الثاني: ما لا يكون له تلك الاوصاف كالروح،و إنما عبر عنه بما لا ذوق له اكتفاء ببعض صفاته،و في بعض النسخ: (و ما لا لون له و هو الروح)و هو أظهر للمقابلة. و الثالث:ما يكون منظورا إليه،و لا يكون ملموسا و لا محسوسا و لا موزونا و لا لون له كالهواء أو السماء، فالمراد بكونه منظورا إليه أنه يظهر للنظر بآثاره،أو قديري و لا لون له بذاته،أو يراد به الجن و الملك و أشباههما،و الظاهر أن قوله:(و لا لون)زيد من النساخ. و الرابع:التقدير و يدخل فيه الصور و الطول و العرض. و الخامس:الاعراض القارة المدركة بالحواس،كاللون و الضوء،و هو الذي عبر عنه بالا عراض. و السادس:الاعراض الغير القارة كالاعمال و الحركات التي تذهب هي و تبقي آثارها.و يمكن تصوير التقسيم بوجوه اخر تركناها لمن تفكر فيه.

قال الرضا عليه السّلام:إنما يكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه،و ليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا،و لم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها،أفهمت يا عمران؟

قال:نعم و الله يا سيدي،فأخبرني بأي شيء علم ما علم؟أبضمير أم بغير ذلك؟قال الرضا عليه السّلام:أرأيت إذا علم بضمير هل تجدبدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة؟

قال عمران:لا بد من ذلك.

قال الرضا عليه السّلام:فما ذلك الضمير؟فانقطع عمران و لم يحر جوابا.

قال الرضا عليه السّلام:لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر.

فقلت:نعم أفسدت عليك قولك و دعواك،يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير و ليس يقال له أكثر من فعل و عمل و صنع؟و ليس يتوهم مته مذاهب و تجربة كمذاهب المخلوقين و تجربتهم؟فاعقل ذلك و ابن عليه ما علمت صوابا.

قال عمران:يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي؟و ما معانيها؟و علي كم نوع تكون؟

قال:قد سألت فافهم،إن حدود خلقه علي ستة أنواع (1):ملموس و موزون و منظور إليه:-

ص: 112


1- -فأما البسيط المطلق الذي تشخصه من ذاته و لم يشارك غيره في شيء من الذاتيات فلا يحتاج لمعرفة نفسه إلي حصول صورة،بل هو حاضر بذاته عند ذاته،فقوله:(و لم يكن هناك شيء يخالف)أي شيء يخالف في بعض الذاتيان فتدعوه الحاجة إلي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم من ذاته بجنس و فصل و تشخص. الثالث:أن يكون المراد بالكائن الحادث المعلول،و المراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه، و حاصل الجواب علي هذا أن المخلوق إذا أراد صنع شيء يصوره أولا في نفسه لعجزه عن الإتيان بكل ما يريد،و لامكان وجود ما يخالفه و يعارضه فيما يريده،فيصوره في نفسه علي وجه لا يعارضه شيء في حصول ما أراد منه و ينفي الموانع عن نفسه بتحديد ما علم منه،و أما الصانع تعالي فهو لا يحتاج إلي ذلك لكمال قدرته،و لعدم تخيل الموانع عن الايجاد ثمة،بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له:كن فيكون، فليس المراد نفي العلم رأسا،بل نفي العلم علي الوجه الذي تخيله السائل بوجه يوافق فهمه،و ضمير(منها) راجع إلي الشيء الكائن باعتبار النفس أو إلي النفس،أي علما ناشئا من النفس. الرابع:أن يكون المراد الحادث معلوما لنفسه عند نفسه قبل وجوده،لاكونه معلوما لصانعه،فالجواب أن الشيء بعد وجوده و تشخصه يكون معلوما لنفسه علي وجه يمتاز عن غيره،و أما الاعدام ففي مرتبة عدمها لا يكون بينها تمييز حتي يحتاج كل عدم إلي العلم بامتيازه عن غيره،و الحاصل أن الامتياز العيني للشيء لا يكون إلا بعد وجوده،لا فتقار وجوده إلي التميز عن غيره مما يخالفه في ذاته و تشخصه،و أما امتيازه في علمه تعالي فليس علي نحو الوجود العيني،فلا يستلزم علم كل حادث هناك بنفسه،كما يكون لذوي العقول بعد وجودها.بحار الأنوار،العلامة المجلسي:320/10.

و ما لا ذوق له و هو الروح،و منها منظور إليه و ليس له وزن و لا لمس و لا حس و لا لون و لا ذوق و التقدير و الاعراض و الصور و الطول و العرض،و منها العمل و الحركات التي تصنع الأشياء و تعملها و تغيرها من حال إلي حال و تزيدها و تنقصها،فأما الاعمال و الحركات فإنها تنطلق لانه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه،فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة و بقي الاثر،و يجري مجري الكلام الذي يذهب و يبقي أثره.

قال له عمران:يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شيء غيره و لا شيء معه أليس قد تغير بخلقه الخلق؟

قال له الرضا عليه السّلام:لم يتغير عزّ و جلّ بخلق الخلق،و لكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران:فبأي شيء عرفناه؟

قال:بغيره.

قال:فأي شيء غيره؟

قال الرضا عليه السّلام:مشيته و اسمه و صفته و ما أشبه ذلك،و كل ذلك محدث مخلوق مدبر،قال عمران:يا سيدي فأي شيء هو؟

قال:هو نور بمعني أنه هاد لخلقه من أهل السماء و أهل الأرض،و ليس لك علي أكثر من توحيدي إياه.

قال عمران:يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضا عليه السّلام:لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله.و المثل في ذلك أنه لا يقال للسراج:

هو ساكت لا ينطق،و لا يقال:إن السراج ليضئ فيما يريد أن يفعل بنا؟لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون،و إنما هو ليس شيء غيره فلما استضاء لنا قلنا:قد أضاء لنا حتي استضأنا به، فهذا تستبصر أمرك.

ص: 113

قال عمران:يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا عليه السّلام:أحلت يا عمران في قولك:إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتي يصيب الذات منه ما يغيره،يا عمران هل تجد النار يتغيرها تغير نفسها؟أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيرا قط رأي بصره؟

قال عمران:لم أر هذا،ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه؟

قال الرضا عليه السّلام:جل يا عمران عن ذلك،ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه،تعالي عن ذلك،و ساعلمك ما تعرفه به و لا قوة إلا بالله،أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء استدللت بها علي نفسك؟

قال عمران بضوء بيني و بينها.

قال الرضا عليه السّلام:هل تري من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك؟

قال:نعم.

قال الرضا عليه السّلام فأرناه،فلم يحر جوابا.

قال عليه السّلام:فلا أري النور إلا و قد دلك و دل المرآة علي أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما،و لهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا،و لله المثل الاعلي.ثم التفت إلي المأمون فقال:الصلاة قد حضرت،فقال عمران:يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقدرق قلبي.

قال الرضا عليه السّلام:نصلي و نعود،فنهض و نهض المأمون فصلي الرضا عليه السّلام داخلا،و صلّي الناس خارجا خلف محمد بن جعفر،ثم خرجا فعاد الرضا عليه السّلام إلي مجلسه و دعا بعمران فقال:سل يا عمران.

قال:يا سيدي ألا تخبرني عن الله عزّ و جلّ هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف؟

قال الرضا عليه السّلام:إن الله المبدئ الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه،فردا لا ثاني معه،لا معلوما و لا مجهولا،و لا محكما و لا متشابها،و لا مذكورا و لا منسيا،و لا شيئا يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره،و لا من وقت كان،و لا إلي وقت يكون،و لا بشيء قام،و لا إلي شيء يقوم،و لا إلي شيء استند،و لا في شيء استكن،و ذلك كله قبل الخلق إذ لا شيء غيره،و ما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة و ترجمة يفهم بها من فهم،و اعلم أن الابداع و المشية و الارادة معناها واحد و أسماؤها ثلاثة و كان أول إبداعه و إرادته و مشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شيء،و دليلا علي كل مدرك،و فاصلا لكل مشكل،و بتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق و باطل،أو فعل أو مفعول،أو معني أو غير معني،و عليها اجتمعت الامور كلها،و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معني غير أنفسها يتناهي و لا وجود لها لأنها مبدعة بالابداع،و النور في هذا

ص: 114

الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات و الأرض،و الحروف هي المفعول بذلك الفعل،و هي الحروف التي عليها الكلام و العبارات كلها من الله عزّ و جلّ،علمها خلقه و هي ثلاثة و ثلاثون حرفا،فمنها ثمانية و عشرون حرفا تدل علي لغات العربية،و من الثمانية و العشرين اثنان و عشرون حرفا تدل علي لغات السريانية و العبرانية،و منها خمسة أحرف متحرفه في سائر اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلها،و هي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية و العشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة و ثلاثين حرفا

فأما الخمسة المختلفة فحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه،ثم جعل الحروف بعد إحصائها و إحكام عدتها فعلا منه كقوله عزّ و جلّ: (كُنْ فَيَكُونُ) و كن منه صنع،و ما يكون به المصنوع، فالخلق الاول من الله عزّ و جلّ الابداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حس،و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور إليها،و الخلق الثالث ما كان من الانواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظور إليه،و الله تبارك و تعالي سابق للابداع لانه ليس قبله عز و جل شيء،و لا كان معه شيء،و لإبداع سابق للحروف و الحروف لا تدل علي غير نفسها.

قال المأمون:و كيف لا تدل علي غير نفسها؟

قال الرضا عليه السّلام:لأن الله تبارك و تعالي لا يجمع منها شيئا لغير معني أبدأ،فإذا الف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معني،و لم يك إلا لمعني محدث لم يكن قبل ذلك شيئا.

قال عمران:فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضا عليه السّلام:أما المعرفة فوجه ذلك و بيانه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت:ا ب ت ث ج ح خ حتي تأتي علي آخرها،فلم تجد لها معني غير أنفسها،فإذا ألفتها و جمعت منها أحرفا و جعلتها اسما و صفة لمعني ما طلبت و وجه ما عنيت كانت دليلة علي معانيها،داعية إلي الموصوف بها،أفهمته؟

قال:نعم.

قال الرضا عليه السّلام:و اعلم أنه لا تكون صفة لغير موصوف،و لا اسم لغير معني،و لا حدّ لغير محدود،و الصفات و الاسماء كلها تدل علي الكمال و الوجود،و لا تدل علي الاحاطة،كما تدل علي الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس،لأن الله عزّ و جلّ تدرك معرفته بالصفات و الاسماء،و لا تدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلة و الكثرة و اللون و الوزن و ما أشبه ذلك، و ليس يحل بالله جل و تقدس شيء من ذلك حتي يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا، و لكن يدل علي الله عز و جل بصفاته،و يدرك بأسمائه،و يستدل عليه بخلقه حتي لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلي رؤية عين و لا استماع اذن و لا لمس كف و لا إحاطة بقلب،فلو كانت صفاته جل

ص: 115

ثناؤه لا تدل عليه و أسماؤه لا تدعو إليه و المعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لاسمائه و صفاته دون معناه،فلو لا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله،لأن صفاته و أسماءه غيره،أفهمت؟

قال:نعم يا سيدي زدني.

قال الرضا عليه السّلام:إياك و قول الجهال أهل العمي و الضلال الذين يزعمون أن الله جل و تقدس موجود في الآخرة للحساب و الثواب و العقاب،و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء،و لو كان في الوجود لله عزّ و جلّ نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا،و لكن القوم تاهوا و عموا و صموا عن الحق من حيث لا يعلمون،و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمي فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمي وَ أَضَلُّ سَبِيلاً (1)يعني أعمي عن الحقائق الموجودة،و قد علم ذو و الالباب أن الإستدلال علي ما هناك لا يكون إلا بما ههنا،من أخذ علم ذلك برأيه و طلب وجوده و إدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا،لأن الله عزّ و جلّ جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون.

قال عمران:يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع أخلق هو أم غير خلق؟

قال له الرضا عليه السّلام:بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون،و إنما صار خلقا لانه شيء محدث، و الله الذي أحدثه فصار خلقا له و إنما هو الله عزّ و جلّ و خلقه لا ثالث بينهما،و لا ثالث غيرهما، فما خلق الله عزّ و جلّ لم يعد أن يكون خلقه،و قد يكون الخلق ساكنا و متحركا و مختلفا و مؤتلفا و معلوما و متشابها،و كل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزّ و جلّ،و اعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معني مدرك للحواس،و كل حاسة تدل علي ما جعل الله عزّ و جل لها في إدراكها، و الفهم من القلب بجميع ذلك كله.

و اعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير و لا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد و تقدير،و كان الذي خلق خلقين اثنين:التقدير و المقدر،و ليس في واحد منهما لون و لا وزن و لا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر،و جعلهما مدركين بنفسهما،و لم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة علي نفسه و إثبات وجوده،فالله تبارك و تعالي فرد واحد لا ثاني معه يقيمه و لا يعضده و لا يكنه،و الخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله و مشيته،و انما اختلف الناس في هذا الباب حتي تاهوا و تحيروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة انفسهم فازدادوا من الحق بعدا،و لو وصفوا الله عزّ و جلّ بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لما اختلفوا،فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا فيه و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.2.

ص: 116


1- سورة الإسراء:72.

قال عمران:يا سيدي أشهد انه كما وصفت،و لكن بقيت لي مسالة.

قال:سل عما أردت.

قال:أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟و هل يحيط به شيء؟و هل يتحول من شيء الي شيء،أو به حاجة الي شيء؟

قال الرضا عليه السّلام:أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فانه من أغمض ما يرد علي المخلوقين في مسائلهم،و ليس يفهمهه المتفاوت عقله العازب حلمه،و لا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون،أمّا أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول:يتحول الي ما خلق لحاجته الي ذلك،و لكنه عزّ و جلّ لم يخلق شيئا لحاجة،و لم يزل ثابتا لا في شيء و لا علي شيء إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا،و يدخل بعضه في بعض،و يخرج منه،و الله جل و تقدس بقدرته يمسك ذلك كله،و ليس يدخل في شيء و لا يخرج منه،و لا يؤوده حفظه،و لا يعجز عن امساكه،و لا يعرف احد من الخلق كيف ذلك إلا الله عزّ و جلّ،و من أطلعه عليه من رسله،و أهل سره و المستحفظين لأمره،و خزانه القائمين بشريعته،و إنما أمره كلمح بالبصر أو هو أقرب،إذا شاء شيئا فانما يقول له:كن فيكون بمشيته و ارادته،و ليس شيء من خلقه اقرب إليه من شيء،و لا شيء أبعد منه من شيء أفهمت يا عمران؟

قال:نعم يا سيدي قد فهمت،و أشهد أن الله علي ما وصفته و وحدته،و أنّ محمدا عبده المبعوث بالهدي و دين الحق.ثم خر ساجدا نحو القبلة و أسلم.

قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون الي كلام عمران الصابئ و كان جدلا لم يقطعه عن حجته احد قط لم يدن من الرضا عليه السّلام أحد منهم،و لم يسألوه عن شيء،و أمسينا،فنهض المأمون و الرضا عليه السّلام فدخلا و انصرف الناس،و كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إليّ محمد بن جعفر فأتيته فقال لي:يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك،لا و الله ما ظننت أن علي بن موسي عليهما السّلام خاض في شيء من هذا قط و لا عرفناه به،انه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أو يجتمع إليه اصحاب الكلام؟

قلت قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم،و ربما كلم من يأتيه يحاجه.

فقال محمد بن جعفر:يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء.

قلت إذا لا يقبل مني،و ما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه عليه السّلام.

فقال لي:قل له:ان عمك قد كره هذا الباب واحب أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتي.

ص: 117

فلما انقلبت الي منزل الرضا عليه السّلام أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ثم قال:فلا باس،قربوا إليه دابة،فصرت الي عمران فأتيته به فرحب به و دعا بكسوة فخلعها عليه و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها.

فقلت:جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السّلام.

قال:هكذا يجب.ثم دعا عليه السّلام بالعشاء فأجلسني عن يمينه،و أجلس عمران عن يساره حتي إذا فرغنا قال لعمران:إنصرف مصاحبا،و بكّر علينا نطعمك طعام المدينة.فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل امرهم حتي اجتنبوه،و وصله المأمون بعشرة آلاف درهم،و اعطاه الفضل مالا و حمله،و ولاه الرضا عليه السّلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و المأمون و قواد الرشيد

و عن ياسر الخادم أنّ الرضا عليه السّلام أشار علي المأمون بالخروج من مرو إلي العراق و أشار عليه ذو الرياستين بترك الخروج و قال له:هاهنا مشايخ قد خدموا الرشيد و عرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك مثل علي بن أبي عمران و ابن مؤنس و الجلودي و هؤلاء هم الذين نقموا بيعة الرضا عليه السّلام فحبسهم المأمون بهذا السبب،فلمّا كان من الغد جاء أبو الحسن عليه السّلام إلي المأمون و حكي له المأمون قول ذي الرياستين و دعا المأمون بهؤلاء النفر فأخرجهم من الحبس فأوّل من دخل عليه علي ابن أبي عمران فنظر إلي الرضا عليه السّلام بجنب المأمون فقال:أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم و خصّكم به إلي أعدائكم و من كان آباؤك يقتلونهم و يشرّدونهم في البلاد.

قال المأمون له:و أنت يابن الزانية بعد علي هذا،قدّمه يا حرسي اضرب عنقه فضربت عنقه.

و دخل ابن مؤنس فلمّا نظر إلي الرضا عليه السّلام بجنب المأمون قال:يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك و الله صنم يعبد من دون الله.

قال المأمون:و أنت يابن الزانية بعد علي هذا،يا حرسي اضرب عنقه فضربت عنقه.

ثمّ ادخل الجلودي و كان الجلودي في خلافة الرشيد لمّا خرج محمّد بن جعفر بن محمّد بالمدينة بعثه الرشيد و أمره أن يضرب عنقه إذا ظفر به و أن يغير علي دور آل أبي طالب و أن يسلب نساءهم و لا يدع علي واحدة منهنّ إلاّ ثوبا واحدا،ففعل الجلودي ذلك فهجم علي دار الرضا عليه السّلام

ص: 118


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:307/10-118،و التوحيد:ص 428-457.و عيون الاخبار:ص 87-100.

مع خيله فلمّا نظر إليه جعل عليه السّلام النساء كلّهن في بيت و وقف علي باب البيت فقال الجلودي:لا بدّ من أن أدخل البيت فأسلبهنّ كما أمرني الرشيد.

فقال عليه السّلام:أنا أسلبهنّ لك و أحلف أنّي لا أدع عليهنّ شيئا إلاّ أخذته فلم يزل يطلب إليه و يحلف له حتّي سكن و دخل الرضا عليه السّلام فلم يدع عليهنّ شيئا حتّي أقراطهنّ و خلاخيلهنّ و أزرهنّ إلاّ أخذه منهنّ و جميع ما كان من قليل و كثير،فلمّا كان في هذا اليوم و أدخل الجلودي علي المأمون قال الرضا عليه السّلام:يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ.

فقال المأمون:يا سيّدي هذا الذي فعل ببنات رسول الله ما فعل من سلبهنّ،فنظر الجلودي ورآه يكلّم المأمون و يسأله أن يعفو عنه و يهبه له فظنّ أنّه يعين عليه لما كان الجلودي فعله معه.

فقال:يا أمير المؤمنين أسألك بالله و بخدمتي الرشيد أن لا تقبل قول هذا فيّ.

فقال المأمون:يا أبا الحسن قد استعفي و نحن نبرّ قسمه.

ثمّ قال:لا و الله لا أقبل فيك قوله ألحقوه بصاحبيه فقدّم و ضرب عنقه،فلمّا قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرياستين أنّه قد عزم علي الخروج فلمّا كانوا في بعض المنازل ورد علي ذي الرياستين كتاب من أخيه الحسن بن سهل إنّي نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم و وجدت فيه أنّك تذوق حرّ الحديد و حرّ النار في شهر كذا يوم الأربعاء و أري أن تدخل أنت و الرضا و أمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم فتحتم فيه و تصبّ الدم علي بدنك لزوال نحسه عنك،فبعث الفضل إلي المأمون و سأله أن يدخل الحمّام معه و يسأل الرضا عليه السّلام ذلك فكتب المأمون إلي الرضا عليه السّلام رقعة في ذلك.

فكتب عليه السّلام إليه:لست بداخل غدا الحمّام و لا أري لك و لا للفضل دخول الحمّام غدا.

فكتب المأمون إلي الرضا عليه السّلام:لست بداخل و الفضل أعلم بما يفعله.

قال ياسر:فلمّا غابت الشمس قال لنا الرضا عليه السّلام:قولوا:نعوذ بالله من شرّ ما ينزل في هذه الليلة و كذلك قال لنا لمّا أصبح،فلمّا قرب طلوع الشمس قال عليه السّلام:إصعد السطح فاستمع الضجّة و النحيب فأتي المأمون يقول:يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل و كان دخل الحمّام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه و كانوا ثلاثة أحدهم ابن خالة الفضل ذو القلمين قال:و اجتمع القوّاد و الجند و من كان من رجال ذي الرياستين علي باب المأمون فقالوا:اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه.

فقال المأمون للرضا عليه السّلام:يا سيّدي تري أن تخرج إليهم و تفرّقهم؟

قال ياسر:فركب الرضا عليه السّلام فلمّا خرج من الباب نظر إليهم و قد اجتمعوا و جاؤوا بالنيران ليحرقوا الباب فصاح بهم بأن تفرّقوا فأقبل الناس يقع بعضهم علي بعض و قال:إنّه لمّا قتل الفضل جاء المأمون إلي الرضا عليه السّلام و قال:هذا وقت حاجتي إليك فتنظر في الأمر و تقيني،فقال:عليك

ص: 119

التدبير و علينا الدعاء فلمّا خرج قال محمّد بن أبي عبادة للرضا عليه السّلام:لم أبيت أعزّك الله؟

فقال:لو آل الأمر إلي ما تقول و أنت منّي كما أنت ما كان نفقتك إلاّ في كمك و كنت كواحد من الناس (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و المأمون

اشارة

عن أبي الصلت عبد السّلام بن صالح الهروي قال:سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام عن قول الله عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَي الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (2).

فقال:إن الله تبارك و تعالي خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السماوات و الأرض، فكانت الملائكة تستدل بأنفسها و بالعرش و الماء علي الله عزّ و جلّ،ثم جعل عرشه علي الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه علي كل شيء قدير،ثم رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السماوات السبع،ثم خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و هو مستول علي عرشه،و كان قادرا علي أن يخلقها في طرفة عين،و لكنه عزّ و جلّ خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء فتستدل بحدوث ما يحدث علي الله تعالي ذكره مرة بعد مرة،و لم يخلق الله العرش لحاجة به إليه،لأنه غني عن العرش و عن جميع ما خلق،لا يوصف بالكون علي العرش لأنه ليس بجسم، تعالي عن صفة خلقه علوا كبيرا.

و أما قوله عزّ و جلّ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (3)فإنه عزّ و جلّ خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته و عبادته لا علي سبيل الامتحان و التجربة،لأنه لم يزل عليما بكل شيء.

فقال المأمون:فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك،ثم قال له:يا ابن رسول الله فما معني قول الله جلّ ثناؤه: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّي يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ* وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ (4).

فقال الرضا عليه السّلام:حدثني أبي موسي بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد،عن أبيه محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسن بن علي،عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال:إن المسلمين قالوا لرسول الله صلّي الله عليه و آله:لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس علي الإسلام لكثر عددنا و قوينا علي عدونا،فقال رسول الله:ما كنت لالقي الله عزّ و جلّ ببدعة لم

ص: 120


1- عيون أخبار الرضا:175/1 ح 25.
2- سورة الأعراف:54.
3- سورة الملك:2.
4- سورة يونس:99.

يحدث إلي فيها شيئا و ما أنا من المتكلفين،فأنزل الله عزّ و جلّ عليه:يا محمد وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً (1)علي سبيل الإلجاء و الإضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة،و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا و لا مدحا،و لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفي و الكرامة و دوام الخلود في جنة الخلد، أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّي يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (2).

و أما قوله عزّ و جلّ: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ (3)فليس ذلك علي سبيل تحريم الايمان عليها،و لكن علي معني أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله،و إذنه أمره لها بالايمان ما كانت مكلفة متعبدة،و إلجاؤه إياها إلي الإيمان عند زوال التكليف و التعبد عنها.

فقال المأمون:فرجت عني يا أبا الحسن فرح الله عنك،فأخبرني عن قول الله عزّ و جلّ:

اَلَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (4) .

فقال:إن غطاء العين لا يمنع من الذكر،الذكر لا يري بالعين،و لكن الله عزّ و جلّ شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام بالعميان لأنّهم كانوا يسثثقلون قول النبي صلّي الله عليه و آله فيه و لا يستطيعون له سمعا،فقال المأمون:فرجت عني فرج الله عنك (5).

روي الشيخ المفيد طاب ثراه قال:روي أنّه لمّا سار المأمون إلي خراسان و كان معه الرضا عليه السّلام فقال له:يا أبا الحسن إنّي فكّرت في أمرنا و أمركم و نسبنا و نسبكم فوجدت الفضيلة واحدة و رأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا علي العصبية.

فقال عليه السّلام:إنّ لهذا الكلام جوابا.فقال:قل الجواب.

قال:أنشدك الله لو أنّ تعالي بعث نبيّه محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فخرج علينا من وراء هذه الآكام يخطب إليك ابنتك أكنت مزوّجه إيّاها؟

فقال:أفخر بذلك.قال الرضا عليه السّلام:أفتراه كان يحلّ له أن يخطب إليّ؟

قال:فسكت المأمون.

ثمّ قال:أنتم أمسّ برسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رحما (6).

و قال يوما:أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السّلام يدلّ عليها القرآن؟

فقال قول الله جلّ جلاله: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ الآية،فدعا رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و الحسين7.

ص: 121


1- سورة يونس:99.
2- سورة يونس:99.
3- سورة يونس:100.
4- سورة الكهف:101.
5- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:343/10،و عيون اخبار الرضا:ص 77 و 78.
6- البحار:350/10،و الفصول المختارة:37.

فكانا إبنيه و دعا فاطمة فكانت في هذا الموضع نساءه و دعا أمير المؤمنين عليه السّلام فكان نفسه بحكم الله عزّ و جلّ و ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله تعالي أجلّ من رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أفضل،فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بحكم الله عزّ و جلّ.

فقال المأمون:أليس قد ذكر الله تعالي الأبناء بلفظ الجمع و إنّما دعا رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ابنيه خاصّة و ذكر النساء بلفظ الجمع و إنّما دعا رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ابنته وحدها فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السّلام ما ذكرت من الفضل؟

فقال عليه السّلام:ليس يصحّ ما ذكرت و ذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعيا لغيره كما أنّ الآمر آمر لغيره و لا يصحّ أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة و إذا لم يدع رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رجلا في المباهلة إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه و جعل حكمه ذلك في تنزيله.

فقال المأمون:إذا ورد الجواب سقط السؤال (1).

***

ما كتب الرضا عليه السّلام للمأمون من محض الاسلام و شرائع الدين

عن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان قال:سأل المأمون علي بن موسي الرضا عليه السّلام أن يكتب له محض الإسلام علي الإيجاز و الإختصار فكتب عليه السّلام:إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا قيوما سميعا بصيرا قديرا قديما باقيا،عالما لا يجهل،قادرا لا يعجز،غنيا لا يحتاج،عدلا لا يجور،و إنه خالق كل شيء، و ليس كمثله شيء،لا شبه له و لا ضد له و لا كفوله،و أنه المقصود بالعبادة و الدعاء و الرغبة و الرهبة.

و أنّ محمدا صلّي الله عليه و آله عبده و رسوله،و أمينه و صفيه،و صفوته من خلقه،و سيد المرسلين و خاتم النبيين،و أفضل العالمين،لا نبي بعده،و لا تبديل لملته،و لا تغيير لشريعته،و أنّ جميع ما جاء به محمد بن عبد الله هو الحق المبين،و التصديق به و بجميع من مضي قبله من رسل الله و أنبيائه و حججه،و التصديق بكتابه الصادق العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،و أنه المهيمن علي الكتب كلها،و أنه حق من فاتحته إلي خاتمته،نؤمن بمحكمه و متشابهه و خاصّه و عامّه و وعده و وعيده و ناسخه و منسوخه و قصصه و أخباره،لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.

ص: 122


1- الفصول المختارة:16/1.

و أن الدليل بعده و الحجة علي المؤمنين و القائم بأمر المسلمين و الناطق عن القرآن و العالم بأحكامه أخوه و خليفته و وصيه و وليه،الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي علي بن أبي طالب عليه السّلام أمير المؤمنين،و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين،و أفضل الوصيين،و وارث علم النبيين، و المرسلين،و بعده الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،ثم علي بن الحسين زين العابدين،ثم محمد بن علي باقر علم الأولين،ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين،ثم موسي بن جعفر الكاظم،ثم علي بن موسي الرضا،ثم محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن علي،ثم الحجة القائم المنتظر ولده صلوات الله عليهم أجمعين،أشهد لهم بالوصية و الإمامة.

و أن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالي علي خلقه كل عصر و أوان،و أنهم العروة الوثقي، و أئمة الهدي،و الحجة علي أهل الدنيا إلي أن يرث الله الأرض و من عليها.

و أن كل من خالفهم ضال مضل،تارك للحق و الهدي،و أنهم المعبرون عن القرآن، و الناطقون عن الرسول صلّي اللّه عليه و آله بالبيان،من مات و لم يعرفهم مات ميتة جاهلية.

و أن من دينهم الورع و العفة،و الصدق و الصلاح،و الإستقامة و الإجتهاد،و أداء الأمانة إلي البر و الفاجر،و طول السجود،و صيام النهار،و قيام الليل،و اجتناب المحارم،و انتظار الفرج بالصبر،و حسن العزاء،و كرم الصحبة.ثم الوضوء كما أمر الله عزّ و جلّ في كتابه:غسل الوجه و اليدين إلي المرفقين.

و مسح الرأس و الرجلين مرة واحدة،و لا ينقض الوضوء إلا غائط أو بول أو ريح أو نوم أو جنابة،و إن مسح علي الخفين فقد خالف الله تعالي و رسوله صلّي اللّه عليه و آله و ترك فريضته و كتابه.و غسل يوم الجمعة سنة،و غسل العيدين و غسل دخول مكة و المدينة و غسل الزيارة و غسل الإحرام و أول ليلة من شهر رمضان و ليلة سبعة عشر و ليلة تسعة عشر و ليلة إحدي و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان هذه الاغسال سنة،و غسل الجنابة فريضة،و غسل الحيض مثله.و الصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات،و العصر أربع ركعات،و المغرب ثلاث ركعات،و العشاء الآخرة أربع ركعات،و الغداة ركعتان،هذه سبع عشرة ركعة،و السنة أربع و ثلاثون ركعة:ثمان ركعات قبل فريضة الظهر،و ثمان ركعات قبل العصر،و أربع ركعات بعد المغرب،و ركعتان من جلوس بعد العتمة تعدان بركعة و ثمان ركعات في السحر،و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين، و ركعتا الفجر.و الصلاة في أول الوقت.

و فضل الجماعة علي الفرد أربع و عشرون،و لا صلاة خلف الفاجر،و لا يقتدي إلا بأهل الولاية،و لا تصلي في جلود السباع،و لا يجوز أن تقول في التشهد الأول:السلام علينا و علي عباد الله الصالحين،لأن تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت.و التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد،و إذا قصّرت أفطرت،و من لم يفطر لم يجز عنه صومه في السفر و عليه القضاء لأنه ليس عليه

ص: 123

صوم في السفر،و القنوت سنة واجبة في الغداة و الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة.و الصلاة علي الميت خمس تكبيرات،فمن نقص فقد خالف،و الميت يسل من قبل رجليه و يرفق به إذا أدخل قبره.و الإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة.و الزكاة الفريضة في كل مائتي درهم خمسة دراهم،و لا يجب فيما دون ذلك شيء و لا تجب الزكاة علي المال حتي يحول عليه الحول،و لا يجوز أن يعطي الزكاة غير أهل الولاية المعروفين،و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق،و الوسق ستون صاعا،و الصاع أربعة أمداد،و زكاة الفطر فريضة، علي كل رأس صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثي من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب صاع،و هو أربعة أمداد،و لا يجوز دفعها إلا علي أهل الولاية.و أكثر الحيض عشرة أيام،و أقله ثلاثة أيام، و المستحاضة تحتشي و تغتسل و تصلي،و الحائض تترك الصلاة و لا تقضي،و تترك الصوم و تقضي.

و صيام شهر رمضان فريضة،يصام للرؤية و يفطر للرؤية،و لا يجوز أن يصلي تطوع في الجماعة،لأن ذلك بدعة،و كل بدعة ضلالة،و كل ضلالة في النار،و صوم ثلاثة أيام في كل شهر سنة،في كل عشرة أيام يوم:أربعاء بين خميسين.و صوم شعبان حسن لمن صامه،و إن قضيت فوائت شهر رمضان متفرقا أجزأ.و حج البيت فريضة علي من استطاع إليه سببلا،و السبيل:الزاد و الراحلة مع الصحة،و لا يجوز الحج إلا تمتعا،و لا يجوز القران و الإفراد الذي يستعمله العامة إلا لأهل مكة و حاضريها،و لا يجوز الاحرام دون الميقات.

قال الله عزّ و جلّ: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1)و لا يجوز أن يضحي بالخصي لأنه ناقص،و يجوز الوجئ.و الجهاد واجب مع الإمام العادل،و من قتل دون ماله فهو شهيد،و لا يجوز قتل أحد من الكفار و النصاب في دار التقية إلا قاتل أوساع في فساد،و ذلك إذا لم تخف علي نفسك و علي أصحابك،و التقية في دار التقية واجبة،و لا حنث علي من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه.

و الطلاق للسنة علي ما ذكره الله عزّ و جلّ في كتابه و سنة رسول صلّي الله عليه و آله،و لا يكون طلاق لغير السنّة،و كل طلاق يخالف الكتاب فليس بطلاق،كما أن كل نكاح يخالف الكتاب فليس بنكاح،و لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع حرائر،و إذا طلقت المرأة للعدة ثلاث مرات لم تحل لزوجها حتي تنكح زوجا غيره.و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إتّقوا تزويج المطلقات ثلاثا في موضع واحد،فإنهن ذوات أزواج.

و الصلاة علي النبي و آله عليهم السّلام واجبة في كل موطن و عند العطاس و الذبائح و غير ذلك.

و حب أولياء الله عزّ و جلّ واجب،و كذلك بغض أعداء الله و البراءة منهم و من أئمتهم.و بر6.

ص: 124


1- سورة البقرة:196.

الوالدين واجب و إن كانا مشركين،و لا طاعة لهما في معصية الخالق و لا لغيرهما،فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.و ذكاة الجنين ذكاة امه إذا أشعر و أوبر.و تحليل المتعتين اللتين أنزلهما الله عزّ و جلّ في كتابه و سنهما رسول الله عليه و علي آله السّلام:متعة النساء و متعة الحج.

و الفرائض علي ما أنزل الله عزّ و جلّ في كتابه،و لا عول فيها،و لا يرث مع الولد و الوالدين أحد إلا الزوج و المرأة،و ذو السهم أحق ممن لاسهم له،و ليست العصبة من دين الله عزّ و جلّ.و العقيقة عن المولود الذكر و الانثي واجبة،و كذلك تسميته،و حلق رأسه يوم السابع،و يتصدق بوزن الشعر ذهبا أو فضة،و الختان سنّة واجبة للرجال،و مكرمة للنساء.

و أنّ الله تبارك و تعالي لا يكلف نفسا إلا وسعها،و أنّ أفعال العباد مخلوقة لله حلق تقدير لا خلق تكوين،و الله خالق كل شيء،و لا يقول بالجبر و التفويض،و لا يأخذ الله عزّ و جلّ البري بالسقيم،و لا يعذب الله تعالي الأطفال بذنوب الآباء،و لا تزر وازرة وزر أخري.

و أن ليس للانسان إلا ما سعي،و لله عزّ و جلّ أن يعفو و يتفضل و لا يجور و لا يظلم لأنه تعالي منزه عن ذلك،و لا يفرض الله تعالي طاعة من يعلم أنه يضلهم و يغويهم،و لا يختار لرسالته و لا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به و بعبادته و يعبد الشيطان دونه.و إنّ الإسلام غير الإيمان،و كل مؤمن مسلم،و ليس كل مسلم مؤمنا،و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن،و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن،و أصحاب الحدود مسلمون لا مؤمنون و لا كافرون،و الله عزّ و جلّ لا يدخل النار مؤمنا و قد وعده الجنة،و لا يخرج من النار كافرا و قد أوعده النار و الخلود فيها،و لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و مذنبوا أهل التوحيد يدخلون في النار و يخرجون منها، و الشفاعة جائزة لهم،و إن الدار اليوم دار تقية و هي دار الإسلام،لا دار كفر و لا دار إيمان،و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان إذا أمكن و لم يكن خيفة علي النفس،و الإيمان هو أداء الامانة،و اجتناب جميع الكبائر،و هو معرفة بالقلب،و إقرار باللسان،و عمل بالأركان.و التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات،و يبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر،و في الاضحي في دبر عشر صلوات،يبدأ به من صلاة الظهر يوم النحر و بمني في دبر خمس عشرة صلاة.

و النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما،فإن طهرت قبل ذلك صلّت و إن لم تطهر حتي تجاوزت ثمانية عشر يوما اغتسلت و صلّت و عملت ما تعمل المستحاضة.و تؤمن بعذاب القبر و منكر و نكير و البعث بعد الموت و الميزان و الصراط.و البراءة من الذين ظلموا آل محمد عليهم السّلام و هموا بإخراجهم و سنوا ظلمهم و غيروا سنة نبيهم صلّي الله عليه و آله و البراءة من الناكثين و القاسطين و المارقين،الذين هتكوا حجاب رسول الله صلّي الله عليه و آله و نكثوا بيعة إمامهم و أخرجوا المرأة و حاربوا أمير المؤمنين عليه السّلام و قتلوا الشيعة رحمة الله عليهم،واجبة،و البراءة ممن

ص: 125

نفي الأخيار و شرّدهم و آوي الطرداء اللعناء و جعل الاموال دولة بين الأغنياء و استعمل السفهاء مثل معاوية و عمرو بن العاص لعيني رسول الله صلّي الله عليه و آله،و البراءة من أشياعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السّلام و قتلوا الأنصار و المهاجرين و أهل الفضل و الصلاح من السابقين،و البراءة من أهل الاستئثار و من أبي موسي الأشعري و أهل ولايته الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا،أولئك الذين كفروا بآيات ربهم بولاية أمير المؤمنين و لقائه عليه السّلام، كفروا بأن لقوا الله بغير إمامته،فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فهم كلاب أهل النار.

و البراءة من الانصاب و الازلام أئمة الضلال و قادة الجور كلهم أولهم و آخرهم،و البراءة من أشباه عاقري الناقة أشقياء الأولين و الآخرين و ممن يتولاهم.و الولاية لامير المؤمنين و الذين مضوا علي منهاج نبيهم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم يغيروا و لم يبدلوا مثل سلمان الفارسي،و أبي ذر الغفاري،و المقداد بن الأسود،و عمار بن ياسر،و حذيفة بن اليمان،و أبي الهيثم بن التيهان و سهل بن حنيف،و عبادة بن الصامت،و أبي أيوب الأنصاري،و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين،و أبي سعيد الخدري و أمثالهم رضي الله عنهم،و الولاية لاتباعهم و أشياعهم و المهتدين بهداهم السالكين منهاجهم رضوان الله عليهم و رحمته.و تحريم الخمر قليلها و كثيرها،و تحريم كل شراب مسكر قليله و كثيره،و ما أسكر كثيره فقليله حرام،و المضطر لا يشرب الخمر لأنها تقتله.و تحريم كل ذي ناب من السباع،و كل ذي مخلب من الطير،و تحريم الطحال فإنه دم،و تحريم الجري و السمك الطافي و المار ما هي و الزمير و كل سمك لا يكون له فلس.و اجتناب الكبائر و هي قتل النفس التي حرم الله عزّ و جلّ، و الزنا،و السرقة،و شرب الخمر،و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف،و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به من غير ضرورة،و أكل الربا بعد البينة، و السحت،و الميسر و هو القمار،و البخس في المكيال و الميزان،و قذف المحصنات،و اللواط، و شهادة الزور،و اليأس من روح الله،و الأمن من مكر الله،و القنوط من رحمة الله،و معونة الظالمين،و الركون إليهم،و اليمين الغموس،و حبس الحقوق من غير عسر،و الكذب،و الكبر، و الإسراف،و التبذير،و الخيانة،و الإستخفاف بالحج،و المحاربة لأولياء الله تعالي،و الإشتغال بالملاهي،و الاصرار علي الذنوب.

قال المجلسي:و حدثني بذلك حمزة بن محمد بن أبي جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:حدثني أبو نصر قنبر بن علي بن شاذان،عن أبيه،عن الفضل بن شاذان،عن الرضا عليه السّلام:إلا أنه لم يذكر في حديثه أنه كتب ذلك إلي المأمون،و ذكر فيه:الفطرة مدين من حنطة و صاع من الشعير و التمر و الزبيب.و ذكر فيه:أن الوضوء مرة مرة فريضة،و اثنتان إسباغ.

و ذكر فيه:أن ذنوب الأنبياء عليهم السّلام صغائرهم موهوبة.و ذكر فيه:أن الزكاة علي تسعة أشياء:

ص: 126

علي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة.و حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي الله عنه عندي أصح و لا قوة إلا بالله.

و حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان رضي الله عنه عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان،عن الفضل بن شاذان،عن الرضا عليه السّلام مثل حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و سليمان المروزي

عن الحسن بن محمد النوفلي قال:قدم سليمان المروزي متكلم خراسان علي المأمون فأكرمه و وصله،ثم قال له:إن ابن عمي علي بن موسي قدم علي من الحجاز و هو يحب الكلام و أصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته؟

فقال سليمان:يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني و لا يجوز الإستقصاء عليه.

قال المأمون:إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك،و ليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط،فقال سليمان:حسبك يا أمير المؤمنين،إجمع بيني و بينه و خلني و القوم،فوجّه المأمون إلي الرضا عليه السّلام فقال:إنه قد قدم علينا رجل من أهل مرو و هو واحد خراسان من أصحاب الكلام،فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت،فنهض عليه السّلام للوضوء و قال لنا:تقدموني،و عمران الصابئ معنا فصرنا إلي الباب فأخذ ياسر و خالد بيدي فأدخلاني علي المأمون،فلما سلمت قال:أين أخي أبو الحسن أبقاه الله؟

قلت:خلفته يلبس ثيابه،و أمرنا أن نتقدم،ثم قلت:يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي و هو بالباب،فقال:من عمران؟

قلت:الصابئ الذي أسلم علي يديك.

قال:فليدخل فدخل فرحب به المأمون،ثم قال له:يا عمران لم تمت حتي صرت من بني هاشم.

قال:الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين،فقال له المأمون:يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان.

قال عمران:يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر و ينكر البداء!قال:فلم لا تناظره؟

ص: 127


1- عيون الاخبار:265-269،و بحار الأنوار،العلامة المجلسي:360/10.

قال عمران:ذاك إليه،فدخل الرضا عليه السّلام فقال:في أي شيء كنتم؟

قال عمران:يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي،فقال سليمان:أترضي بأبي الحسن و بقوله فيه؟

قال عمران:قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء علي أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها علي نظرائي من أهل النظر.

قال المأمون:يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟

قال:و ما أنكرت من البداء يا سليمان؟و الله عزّ و جلّ يقول: أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً (1)و يقول عزّ و جلّ:و هو الذي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (2)و يقول: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (3)و يقول عزّ و جلّ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ (4)و يقول: «وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ» (5)

و يقول عزّ و جلّ: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ (6)و يقول عزّ و جلّ: وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ (7).

قال سليمان:هل رويت فيه عن آبائك شيئا؟

قال:نعم رويت عن أبي،عن أبي عبد الله عليه السّلام أنه قال:إن لله عزّ و جلّ علمين:علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو،من ذلك يكون البداء،و علما علمه ملائكته و رسله،فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه.

قال سليمان:أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عزّ و جلّ.

قال:قول الله تعالي لنبيه صلّي الله عليه و آله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (8)أراد هلاكهم ثم بد الله تعالي فقال: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (9).

قال سليمان:زدني جعلت فداك.

قال الرضا عليه السّلام لقد أخبرني أبي،عن آبائه عليهم السّلام أن رسول الله صلّي الله عليه و آله قال:إن الله عزّ و جلّ أوحي إلي نبي من أنبيائه:أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلي كذا و كذا،فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك و هو علي سريره حتي سقط من السرير و قال:يا رب أجلني حتي يشب5.

ص: 128


1- سورة مريم:67.
2- سورة يونس:4.
3- سورة البقرة:117.
4- سورة فاطر:1.
5- سورة السجدة:7.
6- سورة التوبة:106.
7- سورة فاطر:11.
8- سورة الذاريات:54.
9- سورة الذاريات:55.

طفلي و أقضي أمري،فأوحي الله عزّ و جلّ إلي ذلك النبي:أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت أجله،و زدت في عمره خمس عشرة سنة،فقال ذلك النبي:يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط،فأوحي الله عزّ و جلّ إليه:إنما أنت عبد مأمور،فأبلغه ذلك و الله لا يسأل عما يفعل.ثم التفت إلي سليمان فقال:أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب.

قال:أعوذ بالله من ذلك،و ما قالت اليهود؟

قال:قالت اليهود: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ (1)يعنون أن الله تعالي قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا،فقال الله عزّ و جلّ: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا (2)و لقد سمعت قوما سألوا أبي موسي بن جعفر عن البداء فقال:و ما ينكر الناس من البداء،و أن يقف الله قوما يرجئهم لأمره؟

قال سليمان:ألا تخبرني عن إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (3)في أي شيء انزلت؟

قال:يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عزّ و جلّ فيها ما يكون من السنة إلي السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق،فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم.

قال سليمان:الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني.

قال:يا سليمان إن من الامور أمورا موقوفة عند الله تبارك و تعالي يقدم منها ما يشاء و يؤخر ما يشاء،يا سليمان إن عليا عليه السّلام كان يقول:العلم علمان:فعلم علمه الله ملائكته و رسله فما علمه ملائكته و رسله فإنه يكون و لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله،و علم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه،يقدم منه ما يشاء،و يؤخر ما يشاء،و يمحو ما يشاء،و يثبت ما يشاء.

قال سليمان للمأمون:يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء و لا اكذب به إن شاء الله.

فقال المأمون:يا سليمان سل أبا الحسن عما بدالك و عليك بحسن الإستماع و الانصاف.

قال سليمان:يا سيدي أسألك؟

قال الرضا عليه السّلام:سل عما بدالك.

قال:ما تقول فيمن جعل الإرادة إسما و صفة مثل حي و سميع و بصير و قدير؟

قال الرضا عليه السّلام:إنما قلتم:حدثت الاشياء و اختلفت لأنه شاء و أراد،و لم تقولوا:حدثت و اختلفت لانه سميع بصير،فهذا دليل علي أنها ليست مثل سميع و لا بصير و لا قدير.

قال سليمان:فإنه لم يزل مريدا؟1.

ص: 129


1- سورة المائدة:64.
2- سورة المائدة:64.
3- سورة القدر:1.

قال:يا سليمان فإرادته غيره؟

قال:نعم.

قال فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل!قال سليمان:ما أثبت.

قال الرضا عليه السّلام:أ هي محدثة؟

قال سليمان:لا ما هي محدثة،فصاح به المأمون و قال:يا سليمان مثله يعايا (1)أو يكابر؟!

عليك بالإنصاف،أما تري من حولك من أهل النظر؟

ثم قال:كلّمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان،فأعاد عليه المسألة فقال:هي محدثة يا سليمان،فإن الشيء إذا لم يكن أزليا كان محدثا،و إذا لم يكن محدثا كان أزليا.

قال سليمان:إرادته منه كما أنّ سمعه منه و بصره منه و علمه منه؟

قال الرضا عليه السّلام:فإرادته نفسه؟

قال:لا.

قال فليس المريد مثل السميع و البصير.

قال سليمان:إنما أراد نفسه كما سمع نفسه و أبصر نفسه و علم نفسه.

قال الرضا عليه السّلام:ما معني أراد نفسه؟أراد أن يكون شيئا،أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا؟

قال:نعم.

قال الرضا عليه السّلام:أفبإرادته كان ذلك؟

قال سليمان:نعم،قال الرضا عليه السّلام:فليس لقولك:أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معني إذا لم يكن ذلك بإرادته.

قال سليمان:بلي قد كان ذلك بإرادته،فضحك المأمون و من حوله،و ضحك الرضا عليه السّلام ثم قال لهم:إرفقوا بمتكلم خراسان،فقال:يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله و تغيّر عنها،و هذا ما لا يوصف الله عزّ و جلّ به،فانقطع.ثم قال الرضا عليه السّلام:يا سليمان أسألك مسألة.

قال:سل جعلت فداك.

قال:أخبرني عنك و عن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون و تعرفون أو بما لا تفقهون و لا تعرفون؟ه.

ص: 130


1- عايا صاحبه:ألقي عليه كلاما لا يهتدي بوجهه.

قال:بما نفقه و نعلم،قال الرضا عليه السّلام:فالذي يعلم الناس أن المريد غير الارادة و أن المريد قبل الارادة،و أن الفاعل قبل المفعول،و هذا يبطل قولكم:إن الإرادة و المريد شيء واحد.

قال:جعلت فداك ليس ذاك منه علي ما يعرف الناس و لا علي ما يفقهون.

قال:فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة،و قلتم:الإرادة كالسمع و البصر و إذا كان ذلك عند كم علي ما لا يعرف و لا يعقل،فلم يحر جوابا.ثم قال الرضا عليه السّلام:يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة و النار؟

قال سليمان:نعم.

قال:فيكون ما علم الله عزّ و جلّ أنه يكون من ذلك؟

قال:نعم.

قال:فإذا كان حتي لا يبقي منه شيء إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟

قال سليمان:بل يزيدهم.

قال:فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون.

قال جعلت فداك فالمزيد لا غاية له.

قال:فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك،و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما أن يكون،تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.

قال سليمان:إنما قلت:لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا،لأن الله عزّ و جلّ وصفهما بالخلود، و كرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.

قال الرضا عليه السّلام:ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم،لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم،و كذلك قال عزّ و جلّ في كتابه كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ (1).

و قال لأهل الجنة: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (2)

و قال عزّ و جلّ: وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ (3)فهو جلّ و عزّ يعلم ذلك و لا يقطع عنهم الزيادة،أرأيت ما أكل أهل الجنة و ما شربوا أليس يخلف مكانه؟

قال:بلي.

قال:أفيكون يقطع ذلك عنهم و قد أخلف مكانه؟3.

ص: 131


1- سورة النساء:56.
2- سورة هود:108.
3- سورة الواقعة:23-33.

قال سليمان:لا.

قال فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم.

قال سليمان:بل يقطعه عنهم و لا يزيدهم.

قال الرضا عليه السّلام:إذا يبيد ما فيهما،و هذا يا سليمان إبطال الخلود و خلاف الكتاب،لأن الله عزّ و جلّ يقول: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ (1)و يقول عزّ و جلّ: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و يقول عزّ و جلّ: وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (2)و يقول عزّ و جلّ: خالِدِينَ فِيها أَبَداً (3)و يقول عزّ و جلّ:

وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ فلم يحر جوابا.

ثم قال الرضا عليه السّلام:يا سليمان ألا تخبرني عن الارادة فعل هي أم غير فعل قال:بلي هي فعل؟

قال:فهي محدثة،لأن الفعل كله محدث.

قال ليست بفعل.

قال:فمعه غيره لم يزل.

قال سليمان:الارادة هي الانشاء.

قال:يا سليمان هذا الذي عبتموه علي ضرار و أصحابه من قولهم:إن كل ما خلق الله عزّ و جلّ في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله،و إن إرادة الله تحيا و تموت و تذهب و تأكل و تشرب و تنكح و تلد و تظلم و تفعل الفواحش و تكفر و تشرك، فنبرأ منها و نعاديها،و هذا حدها.

قال سليمان:إنما كالسمع و البصر و العلم.

قال الرضا عليه السّلام:قد رجعت إلي هذا ثانية،فأخبرني عن السمع و البصر و العلم أمصنوع؟

قال سليمان:لا.

قال الرضا عليه السّلام:فكيف نفيتموه؟فمرة قلتم لم يرد،و مره قلتم أراد و ليست بمفعول له؟

قال سليمان:إنما ذلك كقولنا:مرة علم،و مرة لم يعلم.

قال الرضا عليه السّلام:ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم،و نفي المراد نفي الإرادة أن تكون،لأن الشيء إذا لم يرد لم يكن إرادة،و قد يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا و إن لم يكن المبصر،و يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم.7.

ص: 132


1- سورة ق:35.
2- سورة الحجر:48.
3- سورة النساء:57.

قال سليمان:إنها مصنوعة.

قال:فهي محدثة ليست كالسمع و البصر،لأن السمع و البصر ليسا بمصنوعين و هذه مصنوعة.

قال سليمان:إنها صفة من صفاته لم تزل.

قال:فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل،لأن صفته لم تزل.

قال سليمان:لا،لأنه لم يفعلها.

قال الرضا عليه السّلام:يا خراساني ما أكثر غلطك!أفليس بإرادته و قوله تكون الأشياء؟

قال سليمان:لا.

قال:فإذا لم تكن بإرادته و لا مشيته و لا أمره و لا بالمباشرة فكيف يكون ذلك؟تعالي الله عن ذلك،فلم يحر جوابا.ثم قال الرضا عليه السّلام:ألا تخبرني عن قول الله عزّ و جلّ: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها (1)يعني بذلك أنه يحدث إرادة؟

قال له:نعم.

قال:فإذا أحدث إرادة كان قولك:إن الارادة هي هو أو شيء منه باطلا،لأنه لا يكون أن يحدث نفسه و لا يتغير عن حاله،تعال الله عن ذلك.

قال سليمان:إنه لم يكن عني بذلك أنه يحدث إرادة.

قال:فما عني به؟

قال:عني به فعل الشيء.

قال الرضا عليه السّلام:ويلك كم تردد هذه المسألة و قد أخبرتك أن الارادة محدثة،لأن فعل الشيء محدث؟!قال:فليس لها معني!قال الرضا عليه السّلام:قد وصف نفسه عندكم حتي وصفها بالإرادة بما لا معني له،فإذا لم يكن لها معني قديم و لا حديث بطل قولكم:إن الله لم يزل مريدا.

قال سليمان:إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل.

قال:ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا و قديما حديثا في حالة واحدة؟فلم يحر جوابا.

قال الرضا عليه السّلام:لا بأس أتمم مسألتك.

قال سليمان:قلت:إنّ الإرادة صفة من صفاته.

قال الرضا عليه السّلام:كم تردد علي أنها صفة من صفاته،فصفته محدثة أو لم تزل؟

قال سليمان:محدثة.6.

ص: 133


1- سورة الإسراء:16.

قال الرضا عليه السّلام:الله أكبر فالارادة محدثة،و إن كانت صفة من صفاته لم تزل فلم يرد شيئا، قال الرضا عليه السّلام:إن ما لم يزل لا يكون مفعولا.

قال سليمان:ليس الاشياء إرادة،و لم يرد شيئا،قال الرضا عليه السّلام:وسوست يا سليمان،فقد فعل و خلق ما لم يزل خلقه و فعله،و هذه صفة من لا يدري ما فعل،تعالي الله عن ذلك.

قال سليمان:يا سيدي فقد أخبرتك أنها كالسمع و البصر و العلم.

قال المأمون:ويلك يا سليمان كم هذا الغلط و الترداد؟اقطع هذا وخذ في غيره إذ لست تقوي علي غير هذا الرد.

قال الرضا عليه السّلام:دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة،تكلم يا سليمان.

قال:قد أخبرتك أنها كالسمع و البصر و العلم.

قال الرضا عليه السّلام:لا بأس،أخبرني عن معني هذه،أ معني واحد أو معاني مختلفة؟

قال سليمان:معني واحد،قال الرضا عليه السّلام:فمعني الارادات كلها معني واحد؟

قال سليمان:نعم.

قال الرضا عليه السّلام:فإن كان معناها معني واحدا كانت إرادة القيام إرادة القعود،و إرادة الحياة إرادة الموت،إذ كانت إرادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا،و لم يخالف بعضها بعضا،و كان شيئا واحدا.

قال سليمان:إن معناها مختلف.

قال:فأخبرني عن المريد أهولا الإرادة أو غيرها؟

قال سليمان:بل هو الارادة.

قال الرضا عليه السّلام:فالمريد عندكم مختلف إذ كان هو الإرادة.

قال:يا سيدي ليس الإرادة المريد.

قال:فالإرادة محدثة و إلا فمعه غيره،إفهم و زد في مسألتك.

قال سليمان:فإنها إسم من أسمائه.

قال الرضا عليه السّلام:هل سمّي نفسه بذلك؟

قال سليمان:لا لم يسم نفسه بذلك.

قال الرضا عليه السّلام:فليس لك أن تسميه بما لم يسم به نفسه.

قال:قد وصف نفسه بأنه مريد.

ص: 134

قال الرضا عليه السّلام:ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنه أراده،و لا إخبارا عن أن الإرادة إسم من أسمائه.

قال سليمان:لأن إرادته علمه.

قال الرضا عليه السّلام:يا جاهل فإذا علم الشيء فقد أراده؟

قال سليمان:أجل.

قال:فإذا لم يرده لم يعلمه؟

قال سليمان:أجل.

قال:من أين قلت ذاك؟و ما الدليل علي أن إرادته علمه؟و قد يعلم ما لا يريده أبدا،و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (1)فهو يعلم كيف يذهب به،و لا يذهب به أبدا.

قال سليمان:لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا!قال الرضا عليه السّلام:هذا قول اليهود، فكيف قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (2)؟

قال سليمان:إنما عني بذلك أنه قادر عليه.

قال:أفيعد ما لا يفي به؟فكيف قال: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ (3)؟

و قال عزّ و جلّ: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (4)و قد فرغ من الأمر؟فلم يحر جوابا.

قال الرضا عليه السّلام:يا سليمان هل يعلم أنّ إنسانا يكون و لا يريد أن يخلق إنسانا أبدا؟أو أن إنسانا يموت و لا يريد أن يموت اليوم؟

قال سليمان:نعم.

قال الرضا عليه السّلام:فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون،أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون؟

قال:يعلم أنهما يكونان جميعا.

قال الرضا عليه السّلام:إذا يعلم أنّ إنسانا حي ميت قائم قاعد أعمي بصير في حالة واحدة،و هذا هو المحال.

قال:جعلت فداك فإنه يعلم أن يكون أحدهما دون الآخر.9.

ص: 135


1- سورة الإسراء:86.
2- سورة غافر:60.
3- سورة فاطر:1.
4- سورة الرعد:39.

قال:لا بأس،فأيهما يكون؟الذي أراد أن يكون؟أو الذي لم يرد أن يكون؟

قال سليمان:الذي أراد أن يكون،فضحك الرضا عليه السّلام و المأمون و أصحاب المقالات.

قال الرضا عليه السّلام:غلطت و تركت قولك:إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم و هو لا يريد أن يموت اليوم،و إنه يخلق خلقا و أنه لا يريد أن يخلقهم،و إذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون.

قال سليمان:فإنما قولي:إن الإرادة ليست هو و لا غيره.

قال الرضا عليه السّلام:يا جاهل إذا قلت:ليست هو فقد جعلتها غيره،فإذا قلت:ليست هي غيره فقد جعلتها هو.

قال سليمان:فهو يعلم كيف يصنع الشيء؟

قال:نعم.

قال سليمان:فإنّ ذلك إثبات للشيء.

قال الرضا عليه السّلام:أحلت،لأن الرجل قد يحسن البناء و إن لم يبن،و يحسن الخياطة و إن لم يخط،و يحسن صنعة الشيء و إن لم يصنعه أبدا.

ثم قال له:يا سليمان هل يعلم أنه واحد لا شيء معه؟

قال:نعم.

قال:أفيكون ذلك إثباتا للشيء.

قال سليمان:ليس يعلم أنه واحد لا شيء معه.

قال الرضا عليه السّلام:أفتعلم أنت ذاك؟

قال:نعم.

قال:فأنت يا سليمان أعلم منه إذا.

قال سليمان:المسألة محال.

قال:محال عندك أنه واحد لا شيء معه،و أنه سميع بصير حكيم قادر؟

قال:نعم،فال:فكيف أخبر عزّ و جلّ أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير و هو لا يعلم ذلك؟و هذا رد ما قال و تكذيبه،تعالي الله عن ذلك،ثم قال له الرضا عليه السّلام:فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه و لا ما هو؟و إذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه فإنما هو متحير،تعالي الله عن ذلك.

قال سليمان:فإن الارادة:القدرة.

ص: 136

قال الرضا عليه السّلام:و هو عزّ و جلّ يقدر علي ما لا يريده أبدا و لا بد من ذلك،لأنه قال تبارك و تعالي: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (1)فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته،فانقطع سليمان:قال المأمون عند ذلك:يا سليمان هذا أعلم هاشمي،ثم تفرق القوم (2).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و أبي قرة

عن صفوان بن يحيي صاحب السابري قال:سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن اوصله إلي الرضا عليه السّلام فاستأذنته في ذلك،فقال:أدخله علي،فلما دخل عليه قبل بساطه و قال:هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا،ثم قال له:أصلحك الله ما تقول في فرقة ادعت دعوي فشهدت لهم فرقة أخري معدلون؟

قال:الدعوي لهم.

قال:فادّعت فرقة اخري دعوي فلم يجدوا شهودا من غيرهم؟

قال:لا شيء لهم.

قال فإنا نحن ادعينا أن عيسي روح الله و كلمته،فوافقنا علي ذلك المسلمون،و ادعي المسلمون أن محمدا نبي فلم نتابعهم عليه،و ما أجمعنا عليه خير مما افترقنا فيه،فقال له الرضا عليه السّلام:ما اسمك؟

قال يوحنا.

قال:يا يوحنا إنا آمنّا بعيسي روح الله و كلمته الذي كان يؤمن بمحمد و يبشّر به و يقر علي نفسه أنه عبد مربوب:فإن كان عيسي الذي هو عندك روح الله و كلمته ليس هو الذي آمن بمحمد و بشر به،و لا هو الذي أقر لله بالعبودية و الربوبية فنحن منه برآء،فأين اجتمعنا.

فقام فقال لصفوان بن يحيي:قم فما كان أغنانا عن هذا المجلس؟! (3)

و عن صفوان بن يحيي قال:سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله إلي أبي الحسن الرضا عليه السّلام فاستأذنته فأذن له،فدخل فسأله عن أشياء من الحلال و الحرام و الفرائض و الاحكام حتي بلغ سؤاله إلي التوحيد فقال له:أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسي.

ص: 137


1- سورة الإسراء:86.
2- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:333/10-341.
3- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:346/1.

فقال:الله أعلم بأي لسان كلمه،بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال:إنما أسألك عن هذا اللسان.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:سبحان الله عما تقول،و معاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلمون،و لكنه تبارك و تعالي ليس كمثله شيء،و لا كمثله قائل فاعل.

قال:كيف ذلك؟

قال:كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق،و لا يلفظ بشق فم و لا لسان، و لكن يقول له:كن،فكان بمشيته ما خاطب به موسي من الأمر و النهي من غير تردد في نفس.

فقال أبو قرة:فما تقول في الكتب؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان و كل كتاب أنزل كان كلام الله تعالي،أنزله للعالمين نورا و هدي و هي كلها محدثة و هي غير الله،حيث يقول: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (1)و قال: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ (2)و الله أحدث الكتب كلها التي أنزلها،فقال أبو قرة:فهل يفني؟

فقال أبو حسن عليه السّلام:أجمع المسلمون علي أن ما سوي الله فان و ما سوي الله فعل الله، و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان فعل الله تعالي،ألم تسمع الناس يقولون:رب القرآن؟و إن القرآن يقول يوم القيامة:يا رب هذا فلان-و هو أعرف به-قد أظمأت نهاره،و أسهرت ليله، فشفعني فيه؟و كذلك التوراة و الانجيل و الزبور كلها محدثة مربوبة،أحدثها من ليس كمثله شيء، هدي لقوم يعقلون،فمن زعم أنهن لم يزلن فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم و لا واحد،و أن الكلام لم يزل معه و ليس له بدء و ليس بإله.

قال أبو قرة:و إنا روينا أن الكتب كلها تجي يوم القيامة و الناس في صعيد واحد،صفوف قيام لرب العالمين،ينظرون حتي ترجع فيه،لأنها منه و هي جزء منه فإليه تصير.

قال أبو الحسن عليه السّلام:فهكذا قالت النصاري في المسيح:إنه روحه جزء منه و يرجع فيه، و كذلك قالت المجوس في النار و الشمس:إنهما جزء منه يرجع فيه،تعالي ربنا أن يكون متجزئا أو مختلفا،و إنما يختلف و يأتلف المتجزئ لأن كل متجزء متوهم و القلة و الكثرة مخلوقة دالة علي خالق خلقها.

فقال أبو قرة:فإنا روينا أن الله قسم الرؤية و الكلام بين نبيين،فقسم لموسي الكلام،و لمحمد صلي الله عليه و آله الرؤية.2.

ص: 138


1- سورة طه:113.
2- سورة الأنبياء:2.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:فمن المبلغ عن الله إلي الثقلين من الجن و الإنس:إنه لا تدركه الابصار،و لا يحيطون به علما،و ليس كمثله شيء؟أليس محمد؟

قال:بلي.

قال أبو الحسن عليه السّلام:فكيف يجي رجل إلي الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله،و أنه يدعوهم إلي الله بأمر الله و يقول:إنه لا تدركه الأبصار،و لا يحيطون به علما،و ليس كمثله شيء، ثم يقول:أنا رأيته بعيني،و أحطت به علما،و هو علي صورة البشر؟أما تستحيون؟ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتي عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر!

فقال أبو قرة:فإنه يقول: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْري (1).

فقال أبو الحسن عليه السّلام:إن بعد هذه الآية ما يدل علي ما رأي حيث يقول: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأي (2)يقول:ما كذب فؤاد محمد صلّي الله عليه و آله ما رأت عيناه،ثم أخبر بما رأت عيناه فقال: لَقَدْ رَأي مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْري (3)فآيات الله غير الله.و قال: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (4)فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة،فقال أبو قرة فتكذب بالرواية؟.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها،و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما،و لا تدركه الأبصار،و ليس كمثله شيء.

و سأله عن قول الله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (5)فقال أبو الحسن:قد أخبر الله تعالي أنه أسري به،ثم أخبر لم أسري به فقال: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا (6)فآيات الله غير الله،لقد أعذر و بين لم فعل به ذلك و ما رآه،فقال: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ (7)فأخبر أنه غير الله.

فقال أبو قرة:فأين الله؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:الأين مكان،و هذه مسألة شاهد عن غائب،و الله تعالي ليس بغائب، و لا يقدمه قادم،و هو بكل مكان موجود،مدبر صانع حافظ ممسك السماوات و الأرض.

فقال أبو قرة:أليس هو فوق السماء دون ما سواها؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:هو الله في السماوات و في الأرض،و هو الذي في السماء إله و في الأرض إله،و هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء،و هو معكم أينما كنتم،و هو الذي استوي6.

ص: 139


1- سورة النجم:13.
2- سورة النجم:11.
3- سورة النجم:18.
4- سورة طه:110.
5- سورة الإسراء:1.
6- سورة الإسراء:1.
7- سورة الجاثية:6.

إلي السماء و هي دخان،و هو الذي استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات،و هو الذي استوي علي العرش،قد كان و لا خلق،و هو كما كان إذ لا خلق،لم ينتقل مع المنتقلين.

ففال أبو قرة:فما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلي السماء؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة،و لله مفازع يفزعون إليه و يستعبد فاستعبد عباده بالقول و العلم و العمل و التوجيه و نحو ذلك،استعبدهم بتوجيه الصلاة إلي الكعبة،و وجه إليها الحج و العمرة،و استعبد خلقه عند الدعاء و الطلب و التضرّع ببسط الأيدي و رفعها إلي السماء لحال الاستكانة و علامة العبودية و التذلل له.فقال أبو قرة:فمن أقرب إلي الله؟ الملائكة أو أهل الأرض؟

قال أبو الحسن عليه السّلام:إن كنت تقول بالشبر و الذراع فإنّ الأشياء كلها باب واحد هي فعله،لا يشتغل ببعضها عن بعض،يدبر أعلي الخلق من حيث يدبر أسفله،و يدبر أوله من حيث بدبر آخره، من غير عناء و لا كلفة و لا مؤونة و لا مشاورة و لا نصب،و إن كنت تقول:من أقرب إليه في الوسيلة؟ فأطوعهم له،و أنتم تروون أن أقرب ما يكون العبد إلي الله و هو ساجد،و رويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلي الخلق،و أحدهم من أسفل الخلق،و أحدهم من شرق الخلق،و أحدهم من غرب الخلق،فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال:من عند الله،أرسلني بكذا و كذا،ففي هذا دليل علي أن ذلك في المنزلة دون التشبيه و التمثيل.فقال أبو قرة:أتقر أن الله تعالي محمول؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:كل محمول مفعول و مضاف إلي غيره محتاج،فالمحمول اسم نقص في اللفظ،و الحامل فاعل،و هو في اللفظ ممدوح،و كذلك قول القائل:فوق و تحت و أعلي و أسفل،و قد قال الله تعالي: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها (1)و لم يقل في شيء من كتبه أنه محمول،بل هو الحامل في البر و البحر،و الممسك للسماوات و الأرض،و المحمول ما سوي الله، و لم نسمع أحدا آمن بالله و عظمه قط قال في دعائه:يا محمول.

قال أبو قرة:أفتكذب بالرواية:إن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه،إن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله علي كواهلهم فيخرون سجدا،فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلي مواقفهم؟

فقال عليه السّلام:أخبرني عن الله تبارك و تعالي منذ لعن إبليس إلي يومك هذا و إلي يوم القيامة غضبان هو علي إبليس و أوليائه أو راض عنهم؟فقال:نعم هو غضبان عليه.

قال فمتي رضي فخفف و هو في صفتك لم يزل غضبانا عليه و علي أتباعه؟!

ثم قال:ويحك كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير من حال إلي حال،و أنه يجري عليه ما0.

ص: 140


1- سورة الأعراف:180.

يجري علي المخلوقين؟سبحانه لم يزل مع الزائلين،و لم يتغير مع المتغيرين.

قال صفوان:فتحير أبو قرة و لم يحر جوابا حتي قام و خرج (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و ابن قرة النصراني

و في كتاب الصفواني أنه قال الرضا عليه السّلام لابن قرة النصراني:ما تقول في المسيح؟

قال:يا سيدي إنه من الله،فقال:و ما تريد بقولك:(من)و(من)علي أربعة أوجه لا خامس لها،أتريد بقولك:(من)كالبعض من الكل فيكون مبعضا،أو كالخل من الخمر فيكون علي سبيل الاستحالة،أو كالولد من الوالد فيكون علي سبيل المناكحة،أو كالصنعة من الصانع فيكون علي سبيل المخلوق من الخالق،أو عندك وجه آخر فتعرّفناه؟فانقطع (2).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و يحيي بن الضحاك السمرقندي

روي ابن جرير بن رستم الطبري،عن أحمد الطوسي،عن أشياخه في حديث أنه انتدب للرضا عليه السّلام قوم يناظرون في الإمامة عند المأمون فأذن لهم،فاختاروا يحيي بن الضحاك السمرقندي فقال:سل يا يحيي،فقال يحيي:بل سل أنت يا ابن رسول الله لتشرفني بذلك.

فقال عليه السّلام:يا يحيي ما تقول في رجل ادعي الصدق لنفسه و كذب الصادقين؟أيكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا؟فلم يحر جوابا ساعة.

فقال المأمون:أجبه يا يحيي،فقال:قطعني يا أمير المؤمنين،فالتفت إلي الرضا عليه السّلام فقال:

ما هذه المسألة التي أقر يحيي بالانقطاع فيها؟

فقال عليه السّلام:إن زعم يحيي أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز علي نفسه فقال علي منبر الرسول:(وليتكم و لست بخيركم)و الامير خير من الرعية،و إن زعم يحيي أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر علي نفسه علي منبر الرسول الله صلّي الله عليه و آله:(إن لي شيطانا يعتريني) و الإمام لا يكون فيه شيطان،و إن زعم يحيي أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر عليه صاحبه فقال:(كانت إمامة أبي بكر فلتة وقي الله شرها فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه).

ص: 141


1- الاحتجاج:221-222،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:348/1.
2- مناقب آل أبي طالب:405/2-408.

فصاح المأمون عليهم فتفرقوا،ثم التفت إلي بني هاشم فقال لهم:ألم أقل لكم أن لا تفاتحوه و لا تجمعوا عليه فإن هؤلاء علمهم من علم رسول الله صلّي الله عليه و آله (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و قوما من ما وراء النهر

أبو إسحاق الموصلي:إن قوما من ما وراء النهر سألوا الرضا عليه السّلام عن الحور العين مم خلقن؟و عن أهل الجنة إذا دخلوها ما أول ما يأكلون؟و عن معتمد رب العالمين أين كان و كيف كان إذ لا أرض و لا سماء و لا شيء؟

فقال عليه السّلام:أما الحور العين فإنهن خلقن من الزعفران و التراب لا يفنين،و أما أول ما يأكل أهل الجنة فإنهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الأرض،و أما معتمد الرب عزّ و جلّ فإنه أيّن الاين،و كيف الكيف،و إنّ ربي بلا أين و لا كيف،و كان معتمده علي قدرته سبحانه و تعالي (2).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و هشام بن الحكم

عن الصقر بن دلف قال:سألت الرضا عليه السّلام عن التوحيد و قلت له:إنّي أقول بقول هشام بن الحكم فغضب عليه السّلام.

ثمّ قال:ما لكم و لقول هشام إنّه ليس منّا من زعم أنّ الله عزّ و جلّ جسم و نحن منه برآء في الدّنيا و الآخرة (3).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و الجاثليق

عن محمّد بن الفضل الهاشمي في حديث طويل جاء فيه:قال الجاثليق للإمام الرضا عليه السّلام:

إسم من أسماء الله و لا يجوز لنا أن نظهره.

قال عليه السّلام:فإن قررتك أنّه إسم محمّد و ذكره و أقرّ به عيسي و أنّه بشّر بني إسرائيل بمحمّد لتقرّ به و لا تنكر به.

ص: 142


1- مناقب آل أبي طالب:404/2-405.
2- مناقب آل أبي طالب:405/2-408.
3- الفصول المهمة:147/1 ح 13.

قال الجاثليق:إن فعلت أقررت.

قال عليه السّلام:فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمّد و بشارة عيسي بمحمّد.

قال الجاثليق:هات.

فأقبل الرضا عليه السّلام يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتّي بلغ ذكر محمّد فقال:يا جاثليق من هذا الموصوف؟

قال:صفه.

قال:لا أصفه إلاّ بما وصفه الله هو صاحب الناقة و العصا و الكساء اَلنَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ (1).

يهدي إلي الطريق الأقصد و المنهاج الأعدل و الصراط الأقوم سألتك يا جاثليق بحقّ عيسي روح الله و كلمته هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيّ؟

فأطرق الجاثليق مليّا و علم أنّه إن جحد الإنجيل كفر.

فقال:نعم هذه الصفة في الإنجيل و قد ذكر عيسي في الإنجيل هذا النبيّ و لم يصحّ عند النصاري أنّه صاحبكم.

فقال الرضا عليه السّلام:أمّا إذا لم تكفر بجحود الإنجيل و أقررت بما فيه من صفة محمّد فخذ عليّ في السفر الثالث فإنّي أوجدك ذكره و ذكر وصيّه و ذكر ابنته فاطمة و ذكر الحسن و الحسين.

فلمّا سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أنّ الرضا عليه السّلام عالم بالتوراة و الإنجيل فقالا:

و الله قد أتي بما لا يمكننا ردّه إلاّ بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور و لقد بشّر به موسي و عيسي جميعا و لكن لم يتقرّر عندنا بالصحّة أنّه محمّد هذا فأمّا اسمه فمحمّد فلا يجوز لنا أن نقرّ لكم بنبوّته و نحن شاكّون أنّه محمّدكم أو غيره.

فقال الرضا عليه السّلام:احتججتم بالشكّ فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلي يومنا هذا نبيّا اسمه محمّد أو تجدونه في شيء من الكتب الذي أنزلها الله علي جميع الأنبياء غير محمّد؟

فأحجموا عن جوابه و قالوا:لا يجوز لنا أن نقرّ لك بأنّ محمّدا هو محمّدكم لأنّا إن أقررنا لك بمحمّد و وصيّه و ابنته و ابنيها علي ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها.

فقال الرضا عليه السّلام:أنت يا جاثليق آمن في ذمّة الله و ذمّة رسوله انّه لا يبدءك منّا شيء تكرهه.

قال:أمّا إذا آمنتني فإنّ هذا النبيّ الذي اسمه محمّد و هذا الوصيّ الذي اسمه علي و هذه7.

ص: 143


1- سورة الأعراف:157.

البنت التي اسمها فاطمة و هذان السبطان اللّذان اسمهما الحسن و الحسين في التوراة و الإنجيل و الزبور.

فلمّا أخذ عليه السّلام إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت:فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود.

قال:هات بارك الله عليك و علي من ولدك فتلا عليه السّلام السفر الأوّل من الزبور حتّي انتهي إلي ذكر محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال لرأس الجالوت:سألتك بالله هذا في زبور داود و لك منّي الأمان و الذمّة و العهد ما قد أعطيته الجاثليق.

فقال:نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم.

قال الرضا عليه السّلام:بحقّ العشر الآيات التي أنزلها الله علي موسي بن عمران هل تجد في التوراة صفة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين منسوبين إلي العدل و الفضل؟

قال:نعم.

قال:فخذ الآن في سفر كذا من التوراة.

فأقبل الرضا عليه السّلام ليتلو التوراة و رأس الجالوت يتعجّب من تلاوته و بيانه و فصاحته حتي إذا بلغ ذكر محمّد.

قال رأس الجالوت:نعم هذا احماد واليا و بنت احماد و شبير و شبّر و تفسيرها بالعربية محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين،فلمّا فرغ من تلاوته قال رأس الجالوت:و الله يابن محمّد لو لا الرئاسة التي حصلت لي علي جميع اليهود لآمنت بأحمد و اتّبعت أمرك فما رأيت أقرأ للتوراة و الإنجيل و الزبور منك.

فلم يزل الرضا عليه السّلام معهم إلي وقت الزوال فقال:أنا اصلّي و أصير إلي المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه و أعود إليكم بكرة إن شاء الله،فصلّي و انصرف.

فلمّا كان من الغد عاد إلي مجلسه فأتوه بجارية رومية فكلّمها بالرومية و الجاثليق يسمع فقال الرضا عليه السّلام بالرومية أيّما أحبّ إليك عيسي أم محمد؟فقالت:كان فيما مضي عيسي أحب الي حين لم أكن،عرفت محمّدا فبعد أن عرفته صار أحبّ إليّ من كلّ نبيّ فدخلت في دين محمّد.

ثمّ قال الجاثليق:يابن محمّد هذا رجل سندي نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسندية فاحضره و تكلّم معه بالسندية فحاجّه و نقله من شيء إلي شيء في النصرانية فسمعناه يقول:ثبطي ثبطله.

فقال الرضا عليه السّلام:قد وحّد الله بالسندية ثمّ كلّمه في عيسي و مريم فدرجه من حال إلي حال.

ص: 144

إلي أن قال بالسندية:أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمّدا رسول الله و قطع الرضا عليه السّلام زناره بيده.

و قال لمحمّد بن الفضل الهاشمي:خذ السندي إلي الحمّام و طهّره و اكسه و عياله و احملهم جميعا إلي المدينة،فلمّا فرغ من كلام القوم.

قال:قد صحّ عندكم صدق ما كان محمّد بن الفضل يقول:فلمّا أصبح ودّع الجماعة و أوصاني بما أراد و مضي و تبعته حتّي إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق.

ثمّ قال عليه السّلام:غمّض طرفك فغمضته ثمّ قال:افتح عينيك ففتحتها فإذا أنا علي باب منزلي بالبصرة و لم أر الرضا عليه السّلام (1).

***

بين الإمام الرضا و رأس الجالوت و الجاثليق

عن محمّد بن الفضل الهاشمي قال:أوصاني الإمام الرضا عليه السّلام في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي:صر إلي الكوفة فاجمع الشيعة هناك و اعلمهم أنّي قادم عليهم.

فصرت إلي الكوفة و أعلمت الشيعة أنّ الرضا عليه السّلام قادم عليكم.فرأيت يوما سلاما خادم الرضا عليه السّلام فعلمت أنّه قد قدم فبادرت إليه فقال لي:احتشد من طعام تصلحه للشيعة.

فقلت:قد فعلت،فجمعنا الشيعة فلمّا أكلوا قال:يا محمّد أنظر من بالكوفة من المتكلّمين و العلماء فأحضرناهم فقال لهم:إنّي اريد أن أجعل لكم حظّا من نفسي كما جعلته لأهل البصرة و أنّ الله قد علّمني كلّ كتاب أنزله ثمّ أقبل علي الجاثليق و كان معروفا بالجدل و العلم و الإنجيل فقال:يا جاثليق هل تعرف لعيسي صحيفة فيها خمسة أسماء يعلّقها في عنقه إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم علي الله باسم واحد من الخمسة الأسماء أن تطوي له الأرض فيصير من المغرب إلي المشرق و من المشرق إلي المغرب في لحظة.

فقال الجاثليق:لا علم لي فيها،و أمّا الأسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل الله بها أو بواحد منها يعطيه الله ما يسأله.

قال عليه السّلام:الله أكبر إذ لم تنكر الأسماء،فأمّا الصحيفة فلا يضرّ أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا علي قوله.

ثمّ قال:يا معاشر الناس أليس أنصف الناس من حاجّ خصمه بملّته و كتابه و نبيّه و شريعته؟

ص: 145


1- الخرائج و الجرائح:348/1 ح 6،و البحار:79/49.

قالوا:نعم.

قال عليه السّلام:فاعلموا أنّه ليس بإمام بعد محمّد إلاّ من قام بما قام به محمّد حين يفضي الأمر إليه و لا يصلح للإمامة إلاّ من حاجّ الامم بالبراهين للإمامة.

فقال رأس الجالوت:و ما الدليل علي الإمام؟

قال:أن يكون عالما بالتوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن الحكيم فيحاجّ أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم و أهل القرآن بقرآنهم و أن يكون عالما بجميع اللغات حتّي لا يخفي عليه لسان واحد فيحاجّ كلّ قوم بلغتهم ثمّ يكون مع هذه الخصال تقيّا نقيّا من كلّ دنس طاهرا من كلّ عيب عادلا منصفا حكيما رؤوفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارّا طاهرا أمينا مأمونا راتقا فاتقا (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و نصر بن مزاحم

و روي أن نصر بن مزاحم قال للإمام الرضا عليه السّلام:ما تقول في جعفر بن محمّد؟

فقال:ما أقول في إمام شهدت أمّة محمّد قاطبة بأنّه كان أعلم أهل زمانه.

قال:فما تقول في موسي بن جعفر؟

قال:كان مثله قال:فإنّ الناس قد تحيّروا في أمره.

قال:إنّ موسي بن جعفر عمّر برهة من الزمان فكان يكلّم الناس بلغاتهم و كتبهم فلمّا نفدت مدّته و كان وقت وفاته أتاني مولي له برسالته يقول:يا بني إنّ الأجل قد نفد و المدّة قد انقضت و أنت وصيّ أبيك فإنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا كان وقت وفاته دعي عليا و أوصاه و دفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خصّ الله بها الأنبياء و الأوصياء ثمّ قال:يا علي أدن منّي فغطّي رأس علي عليه السّلام ثمّ قال له:أخرج لسانك فأخرجه فختمه بخاتمه ثمّ قال:يا علي إجعل لساني في فمك فمصّه و أبلغ عنّي كلّ ما تجد في فيك،ففعل عليّ ذلك فقال:إنّ الله قد فهمك ما فهّمني و بصّرك ما بصّرني و أعطاك من العلم ما أعطاني إلاّ النبوّة فإنّه لا نبيّ بعدي،ثمّ كذلك إمام بعد إمام فلمّا مضي موسي علمت كلّ لسان و كلّ كتاب (2).

***

ص: 146


1- البحار:80/49.
2- الخرائج و الجرائح:351/1،و مسند الإمام الرضا:102/2.

بين الإمام الرضا عليه السّلام و أخيه زيد

عيون الأخبار عن ابن أبي عبدون عن أبيه قال:لمّا جيء بزيد بن موسي أخي الرضا عليه السّلام إلي المأمون و قد خرج في البصرة و أحرق دور العبّاسيّين فسمّي زيد النار قال له المأمون:يا زيد خرجت بالبصرة و تركت أن تبدأ بدور أعدائنا من اميّة و ثقيف و آل زياد و قصدت دور بني عمّك؟

فقال و كان مزّاحا:أخطأت يا أمير المؤمنين من كلّ جهة و إن عدت بدأت بأعدائنا.

فضحك المأمون و بعث به إلي أخيه الرضا عليه السّلام و قال:قد وهبت جرمه لك فلمّا جاؤوا به عنّفه و خلّي سبيله و حلف أن لا يكلّمه أبدا ما عاش (1).

و في حديث آخر أنّه لمّا ادخل علي الرضا عليه السّلام قال له:يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة،إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها علي النار و الله ما ذاك إلاّ للحسن و الحسين و ولد بطنها خاصّة.و إن كنت تري أنّك تعصي الله و تدخل الجنّة،و موسي بن جعفر أطاع الله و دخل الجنّة فأنت إذا أكرم علي الله من موسي بن جعفر.

فقال له زيد:أنا أخوك و ابن أبيك.

فقال:أنت أخي ما أطعت الله إنّ نوحا قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (2)فقال: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فأخرجه الله من أن يكون من أهله بمعصيته.

و كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول:لمحسننا كفلان من الأجر و لمسيّئنا ضعفان من العذاب (3).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و عليّ بن عبيد الله

و روي الكشي في كتابه أنّ الإمام الرضا عليه السّلام دخل علي عليّ بن عبيد الله بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام فلمّا خرج و كانت أمّ سلمة امرأة علي بن عبيد الله من وراء الستر تنظر إليه خرجت و انكبّت علي الموضع الذي كان أبو الحسن عليه السّلام فيه جالسا تقبّله و تتمسّح به.

قال سليمان الجعفري:فأخبرت الرضا عليه السّلام بما صنعت أمّ سلمة.

ص: 147


1- عيون أخبار الرضا:258/1 ح 2.
2- سورة هود:45.
3- عيون أخبار الرضا:257/1 ح 1.

فقال:يا سليمان إنّ علي بن عبيد الله و امرأته و ولده من أهل الجنّة.

يا سليمان إنّ ولد عليّ و فاطمة إذا عرّفهم الله هذا الأمر لم يكونوا كالناس (1).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و معروف الكرخي

و في كتاب مناقب الأبرار أنّ معروف الكرخي كان من موالي علي بن موسي الرضا عليه السّلام و كان أبواه نصرانيين سلّما معروفا إلي المعلم و هو صبي فكان المعلّم يقول له:قل ثالث ثلاثة و هو يقول بل هو الواحد فضربه المعلّم ضربا مبرحا فهرب و مضي إلي الرضا عليه السّلام و أسلم علي يده ثمّ إنّه أتي داره فدقّ الباب فقال أبوه:من بالباب؟

فقال:معروف.

فقال عليه السّلام:علي أيّ دين؟

قال:علي دين الحنفي فأسلم أبوه ببركات الرضا عليه السّلام.

قال معروف:فعشت زمانا ثمّ تركت كلّما كنت فيه إلاّ خدمة مولاي علي بن موسي الرضا عليه السّلام (2).

***

بين الإمام الرضا عليه السّلام و الريّان بن الصلت

و عن الريّان بن الصلت قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ العبّاسي أخبرني أنّك رخّصت في سماع الغناء؟

فقال عليه السّلام:كذب الزنديق ما هكذا كان إنّما سألني عن سماع الغناء فأخبرته أنّ رجلا أتي أبا جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليه السّلام فسأله عن سماع الغناء.

فقال له عليه السّلام:أخبرني إذا ميّز الله تبارك و تعالي بين الحقّ و الباطل مع أيّهما يكون الغناء؟

فقال الرجل:مع الباطل.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام:حسبك فقد حكمت علي نفسك فهكذا كان قولي له (3).

***

ص: 148


1- مسند الإمام الرضا:445/2 ح 38،و البحار:223/49 ح 15.
2- حياة الإمام الرضا:171/2.
3- قرب الاسناد:342 ح 1250،و البحار:263/49.

بين الإمام الرضا عليه السّلام و الصوفية

في كشف الغمّة من كتاب نثر الدرّ قال:دخل علي الرضا عليه السّلام بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له:إنّ أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاّه الله من الأمر فرآكم أهل البيت أولي الناس فرأي أن يرد هذا الأمر إليك و الامّة تحتاج إلي من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض.

قال:و كان الرضا عليه السّلام متّكئا فاستوي جالسا ثمّ قال عليه السّلام:كان يوسف نبيّا يلبس أقبية الديباج المزرّرة بالذهب و يجلس علي متكئات آل فرعون و يحكم إنّما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز،إنّ الله لم يحرّم لبوسا و لا مطعما و تلي: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ (1)(2).

***

ذكر أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام

غاية الصحبة عند صفوان الجمّال

في كتاب الاختصاص للمفيد طاب ثراه قال:ذكر محمّد بن جعفر المؤدّب أنّ صفوان بن يحيي كان من أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث و كان يصلّي كلّ يوم خمسين و مائة ركعة و يصوم في السنة ثلاثة أشهر و يخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرّات و ذلك أنّه اشترك هو و عبد الله بن جندب و علي بن النعمان في بيت الله الحرام فتعاقدوا جميعا إن مات واحد منهم صلّي من بقي منهم صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه و يزكّي عنه ما دام حيّا فمات صاحباه و بقي صفوان بعدهما و كان يفي لهما بذلك يصلّي عنهما و يزكّي عنهما و يحجّ عنهما و كلّ شيء من البرّ و الصلاح يفعله لنفسه كذلك يفعله لصاحبيه (3).

و قال بعض جيرانه من أهل الكوفة بمكّة:يا أبا محمّد تحمل لي إلي المنزل دينارين فقال له:

إنّ جمالي[مكراة قف]حتّي أستأمر فيه جمّالي (4)(5).

***

ص: 149


1- سورة الأعراف:32.
2- البحار:276/49 ح 26،و كشف الغمة:103/3.
3- الاختصاص:88،و البحار:273/49 ح 20.
4- روي عن السيد الأردبيلي قدّس الله ضريحه أنّه استأجر حمارا من النجف لم يركبه فقيل له في ذلك قال: كيف أركب الحمار و الخط في جيبي و ما استأمرت صاحبه.
5- البحار:273/49 ح 20،و الاختصاص:88.

حال محمّد بن سنان

و عن عبد الله بن جندب و كان وكيلا للكاظم و الرضا عليهما السّلام قال:دخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسمعته يقول:جزي الله محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد وفي لي (1).

و عن علي بن الحسين بن داود قال:سمعت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يقول:رضي الله عن محمّد ابن سنان برضاي عنه فما خالفني و لا خالف أبي قط (2).

و قال أبو جعفر عليه السّلام فيما رواه عبد الله بن الصلت القمي قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام فسمعته يقول:جزي الله محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد وفي لي (3).

و قال عليه السّلام:رضي الله عن محمّد بن سنان برضاي عنه فما خالفني و لا خالف أبي قط (4).

***

حال الحسن الأنباري

و في الكافي عن الحسن الأنباري قال:كتبت إلي الرضا عليه السّلام أربع عشرة رسالة أستأذنه في عمل السلطان فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف علي خيط عنقي و أنّ السلطان يقول:

إنّك رافضي و لسنا نشكّ في أنّك تركت العمل للسلطان للترفّض.

فكتب إلي أبو الحسن عليه السّلام قد فهمت كتبك و ما ذكرت من الخوف علي نفسك فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ يصير أعوانك و كتابك أهل ملّتك فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّي يكون واحدا منهم كان ذا بدا و إلاّ فلا (5).

***

قصة المجنون العاقل مع أبي هذيل

الاحتجاج عن أبي الهذيل العلاّف أنّه قال:دخلت الرقة فذكر لي أنّ الدير فيه مجنون حسن الكلام فأتيته فإذا أنا برجل حسن الهيئة جالسا علي و سادة يسرّح رأسه و لحيته فسلّمت عليه و ردّ عليّ،ثمّ قال لي:ممّن يكون الرجل؟

ص: 150


1- موسوعة الإمام الجواد:473/1.
2- وسائل الشيعة:230/20 ح 1049،و البحار:276/49.
3- موسوعة الإمام الجواد:473/1.
4- البحار:276/49،و وسائل الشيعة:230/20 ح 1049.
5- مجمع الفائدة:73/8،و الكافي:111/5 ح 4.

قلت:من أهل العراق.

قال:نعم أهل الطرب و الأدب.

قال:من أيّها أنت؟

قلت:من أهل البصرة.

قال:أهل التجارب و العلم،و قال:أيّهم أنت؟

قلت:أبو الهذيل العلاّف.

قال:المتكلّم؟

قلت:بلي،فوثب عن و سادته و أجلسني عليها ثمّ قال:ما تقول في الإمامة؟

قلت:أيّ الإمامة تريد؟

قال:من تقدّم بعد النبيّ عليه السّلام؟

قلت:من قدّمه رسول الله.

قال:و من هو؟

قلت:أبو بكر.

قال:و لم قدّمتموه؟

قلت:لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:قدّموا خيركم و ولّوا أفضلكم و تراضي الناس به جميعا.

قال:يا أبا الهذيل هاهنا وقعت،أمّا قولك أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:قدّموا خيركم فإنّي اوجدك أنّ أبا بكر صعد المنبر و قال:ولّيتكم و لست بخيركم فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إن كان هو الكاذب علي نفسه فمنبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا يصعده الكذّابون.

و أمّا قولك إنّ الناس تراضوا به فإنّ أكثر الأنصار قالوا:منّا أمير و منكم أمير،و أمّا المهاجرون فإنّ الزبير بن العوّام قال:لا ابايع إلاّ عليّا فأمر به فكسر سيفه و جاء أبو سفيان بن حرب فقال:يا أبا الحسن إن شئت لأملانّها خيلا و رجالا يعني المدينة،فخرج سلمان فقال:كردند و نه كردند و ندانند كه چه كردند و المقداد و أبو ذرّ لم يرضوا.

أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر علي المنبر و قوله:إنّ لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني لا أقع في أشعاركم و أبشاركم فهو يخبركم علي المنبر أنّي مجنون و كيف يحلّ لكم أن تولّوا مجنونا.

و أخبرني يا أبا هذيل عن قيام عمر علي المنبر و قوله:وددت أنّي شعرة في صدر أبي بكر،ثمّ قام بعدها بجمعة فقال:إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله شرّها فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه فبينا هو

ص: 151

يودّ أن يكون شعرة في صدر أبي بكر و بينا هو يقتل من بايع مثله.

فأخبرني يا أبا الهذيل بالذي زعم أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يستخلف و أنّ أبا بكر استخلف عمر و أنّ عمر لم يستخلف فأري أمركم بينكم متناقضا.

و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيّرها شوري في ستّة و زعم أنّهم من أهل الجنّة فقال:

إن خالف الاثنان الأربعة فاقتلوا الاثنين و إن خالف ثلاثة الثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنّة.

و أخبرني أبا الهذيل عن عمر لمّا طعن دخل عليه عبد الله بن العبّاس قال:فرأيته جزعا.

فقلت:يا أمير المؤمنين ما هذا الجزع؟

فقال:يابن عبّاس ما جزعي لأجلي و لكن لهذا الأمر من يليه بعدي.

قال:قلت:ولّها طلحة بن عبيد الله،قال رجل له حدّه كان النبي يعرفه فلا أولي أمور المسلمين حديدا.

قال:قلت:ولّها الزبير بن العوّام قال:رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل فلا أولي أمور المسلمين بخيلا قال:قلت:ولّها سعدا بن أبي وقّاص.

قال:رجل صاحب فرس و قوس و ليس من رجال الخلافة.

قلت:ولّها عبد الرحمن بن عوف قال:رجل ليس يحسن أن يكفي عياله.

قال:قلت:ولّها عبد الله بن عمر قال:أولّي رجلا لم يحسن أن يطلّق امرأته.

قلت:ولّها عثمان بن عفّان قال:و الله لئن ولّيته ليحملن آل أبي معيط علي رقاب المسلمين و أوشك إن فعلنا أن يقتلوه قالها ثلاثا.

قال:ثمّ سكت لما أعرف من معاندته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثمّ قال لي:يابن عبّاس اذكر صاحبك قال:قلت:ولّها عليّا قال:و الله ما جزعي إلاّ لما أخذنا الحقّ من أربابه و الله لئن ولّيته ليحملنّهم علي المحجّة العظمي و إن يطيعوه يدخلهم الجنّة فهو يقول هذا ثمّ صيّرها شوري بين الستّة،فويل له من ربّه.

قال أبو الهذيل:بينا هو يكلّمني إذ اختلط و ذهب عقله فأخبرت المأمون بقصّته و كان من قصّته أن ذهب بماله و ضياعه حيلة و غدرا فبعث إليه المأمون فجاء به و عالجه و كان قد ذهب عقله بما صنع به فردّ عليه ماله و ضياعه و صيّره نديما فكان المأمون يتشيّع لذلك و الحمد لله ربّ العالمين علي كلّ حال (1).1.

ص: 152


1- مواقف الشيعة:293/1.

مناظرات أصحابه و أهل زمانه صلوات الله عليه

بين علي بن ميثم و أبي الهذيل

قال السيد المرتضي رحمه الله في كتاب الفصول:سأل علي بن ميثم رحمه الله أبا الهذيل العلاف فقال:ألست تعلم أن إبليس ينهي عن الخير كله و يأمر بالشر كله.

فقال:بلي.

قال:فيجوز أن يأمر بالشر كله و هو لا يعرفه؟و ينهي عن الخير كله و هو لا يعرفه؟

قال:لا.

فقال له أبو الحسن:فقد ثبت أن إبليس يعلم الشر و الخير كله.

قال أبو الهذيل:أجل.

قال:فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد الرسول صلّي الله عليه و آله هل يعلم الخير كله و الشر كله؟

قال:لا.

قال له:فإبليس أعلم من إمامك إذا،فانقطع أبو الهذيل (1).

و قال أبو الحسن علي بن ميثم يوما آخر لأبي الهذيل:أخبرني عمن أقرّ علي نفسه بالكذب و شهادة الزور هل يجوز شهادته في ذلك المقام علي آخر؟

فقال أبو الهذيل:لا يجوز ذلك.

قال أبو الحسن:أفلست تعلم أن الأنصار ادعت الامرة لنفسها ثم أكذبت نفسها في ذلك المقام،و شهدت بالزور،ثم أقرت بها لابي بكر و شهدت بها له؟فكيف تجوز شهادة قوم أكذبوا أنفسهم و شهدوا عليها بالزور مع ما أخذنا رهنك من القول في ذلك؟

و قال لي الشيخ أدام الله حراسته:هذا كلام موجز في البيان،و المعني فيه علي الايضاح أنه إذا كان الدليل عند من خالفنا علي إمامة أبي بكر إجماع المهاجرين عليه فيما زعمه و الأنصار و كان معترفا ببطلان شهادة الأنصار من حيث أقرت علي نفسها بباطل ما ادعته من استحقاق الإمامة فقد صار وجود شهادتهم كعدمها،و حصل الشاهد بإمامة أبي بكر بعض الأمة لا كلها،و بطل ما ادّعوه من الاجماع عليها،و لا خلاف بيننا و بين خصومنا أن إجماع بعض الأمة ليس بحجة فيما ادعاه.

ص: 153


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:370/10.

و أن الغلط جائز عليه،و في ذلك فساد الاستدلال علي إمامة أبي بكر بما ادعاه القوم،و عدم البرهان عليها من جميع الوجوه (1).

و عن الشيخ أدام الله عزه قال:سأل أبو الهذيل العلاف علي بن ميثم رحمه الله عند علي بن رياح فقال له:ما الدليل علي أن عليا عليه السّلام كان أولي بالامإمة من أبي بكر؟

فقال له:الدليل علي ذلك إجماع أهل القبلة علي أنّ عليا عليه السّلام كان عند وفاة رسول الله صلّي الله عليه و آله مؤمنا عالما كافيا،و لم يجمعوا بذلك علي أبي بكر،فقال له أبو الهذيل:و من لم يجمع عليه عافاك الله؟

قال له أبو الحسن:أنا و أسلا في من قبل و أصحابي الآن.

قال له أبو الهذيل:فأنت و أصحابك ضلال تائهون!فقال له أبو الحسن:ليس جواب هذا الكلام إلا السباب و اللطام (2).

بين علي بن ميثم و ضرار

و عن الشيخ قال:جاء ضرار إلي أبي الحسن علي بن ميثم رحمه الله فقال له:يا أبا الحسن قد جئتك مناظرا.

فقال له أبو الحسن:و فيم تناظرني؟

قال:في الإمامة.

قال:ما جئتني و الله مناظرا و لكنك جئت متحكما.

قال ضرار:و من أين لك ذلك؟

قال أبو الحسن:علي البيان عنه،أنت تعلم أن المناظرة ربما انتهت إلي حد يغمض فيه الكلام فيتوجه الحجة علي الخصم،فيجهل ذلك أو يعاند و إن لم يشعر بذلك منه أكثر مستمعيه بل كلهم،و لكنني أدعوك إلي منصفة في القول،اختر أحد الأمرين:إما أن تقبل قولي في صاحبي و أقبل قولك في صاحبك فهذه واحدة،فقال ضرار:لا أفعل ذلك.

قال له أبو الحسن:و لم لا تفعل؟

قال:لانني إذا قبلت قولك في صاحبك قلت لي:إنه كان وصي رسول الله صلّي الله عليه و آله،و أفضل من خلفه،و خليفته علي قومه،و سيد المسلمين،فلا ينفعني بعد ذلك مثل أن أقول:

إن صاحبي كان صديقا و اختاره المسلمون إماما،لأن الذي قبلته منك يفسد علي هذا.

ص: 154


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:371/10،و الفصول المختارة:5/1.
2- الفصول المختارة:52/1.

قال أبو الحسن:فاقبل قولي في صاحبك،و أقبل قولك في صاحبي.

قال ضرار:و هذا لا يمكن أيضا لأني إذا قبلت قولك في صاحبي قلت لي:كان ضالا مضلا ظالما لآل محمد صلّي الله عليه و آله قعد غير مجلسه،و دفع الإمام عن حقه،و كان في عصر النبي صلي الله عليه و آله منافقا،فلا ينفعني قبولك قولي فيه:إنه كان خيرا فاضلا،و صاحبا أمينا،لأنه قد انتقض بقبولي قولك فيه:إنه كان ضالا مضلا.

فقال له أبو الحسن رحمه الله:فإذا كنت لا تقبل قولك في صاحبك و لا قولي فيه فما جئتني إلا متحكما،و لم تأتني مناظرا (1).

بين علي بن ميثم و نصراني

و عن الشيخ أيده الله قال:قال أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله لرجل نصراني:لم علقت الصليب في عنقك؟

قال:لأنه شبه الشيء الذي صلب عليه عيسي عليه السّلام قال أبو الحسن:أفكان عليه السّلام يحب أن يمثل به؟

قال:لا.

قال فأخبرني عن عيسي أكان يركب الحمار و يمضي عليه في حوائجه؟

قال:نعم.

قال:أفكان يحب بقاء الحمار حتي يبلغ عليه حاجته؟

قال:نعم.

قال:فتركت ما كان يحب عيسي بقاءه و ما كان يركبه في حياته بمحبة منه،و عمدت إلي ما حمل عليه عسي عليه السّلام بالكره،و أركبه (2)بالبغض له فعلقته في عنقك،فقد كان ينبغي علي هذا القياس أن تعلق الحمار في عنقك و تطرح الصليب و إلا فقد تجاهلت (3).

و عن الشيخ أدام الله عزه قال:سئل أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله فقيل له:لم صلّي أمير المؤمنين عليه السّلام خلف القوم؟

قال:جعلهم بمثل سواري المسجد.

قال السائل:فلم ضرب الوليد بن عقبة الحدبين يدي عثمان؟

ص: 155


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:371/10،و الفصول المختارة:9/1.
2- في بعض النسخ:و ركبه.
3- الفصول المختارة:31/1.

فقال:لأن الحدله و إليه فإذا أمكنه إقامته أقامه بكل حيلة.

قال:فلم أشار علي أبي بكر و عمر؟

قال:طلبا منه أن يحيي أحكام الله و يكون دينه القيم كما أشار يوسف علي ملك مصر نظرا منه للخلق،و لان الأرض و الحكم فيها إليه،فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل،و إذا لم يمكنه ذلك بنفسه توصل إليه علي يدي من يمكنه طلبا منه لاحياء أمر الله تعالي.

قال:فلم قعد عن قتالهم؟

قال:كما قعد هارون بن عمران عليه السّلام عن السامري و أصحابه و قد عبدوا العجل.

قال:أفكان ضعيفا؟

قال:كان كهارون حيث يقول: قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي (1)و كان كنوح عليه السّلام إذ قال: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (2)و كان كلوط عليه السّلام إذ قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ (3)و كان كهارون و موسي عليهما السّلام إذ قال: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي (4)قال:فلم قعد في الشوري؟

قال:اقتدارا منه علي الحجة،و علما منه بأن القوم إن ناظروه و أنصفوه كان هو الغالب،و لو لم يفعل وجبت الحجة عليه،لانه من كان له حق فدعي إلي أن يناظر فيه فإن ثبت له الحجة اعطيه فلم يفعل بطل حقه و أدخل بذلك الشبهة علي الخلق،و قد قال يومئذ:اليوم أدخلت في باب إن أنصفت فيه وصلت إلي حقي،يعني أن أبا بكر استبد بها يوم السقيفة و لم يشاور،.

قال:فلم زوج عمر بن الخطاب ابنته؟

قال:لإظهاره الشهادتين،و إقراره بفضل رسول الله صلّي الله عليه و آله،و أراد بذلك استصلاحه و كفّه عنه،و قد عرض لوط عليه السّلام بناته علي قومه و هم كفار ليردهم عن ضلالهم،فقال:

هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (5) (6) .

بين علي بن ميثم و ملحد

و عن الشيخ أدام الله عزه قال:دخل أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله علي الحسن بن سهل و إلي جانبه ملحد قد عظمه و الناس حوله فقال:لقد رأيت ببابك عجبا.

ص: 156


1- سورة الأعراف:15.
2- سورة القمر:10.
3- سورة هود:80.
4- سورة المائدة:25.
5- سورة هود:78.
6- الفصول المختارة:39/1 و 40،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:374/10.

قال:و ما هو؟

قال:رأيت سفينة تعبر بالناس من جانب إلي جانب بلا ملاح و لا ماصر (1)!

فقال له صاحبه الملحد و كان بحضرته:إن هذا أصلحك الله لمجنون!قال:قلت و كيف ذاك؟

قال:خشب جماد لا حيلة له و لا قوة و لا حياة فيه و لا عقل كيف تعبر بالناس؟!

قال:فقال أبو الحسن:و أيما أعجب؟هذا أو هذا الماء الذي يجري علي وجه الأرض يمنة و يسرة بلا روح و لا حيلة و لا قوي؟و هذا النبات الذي يخرج من الأرض؟و المطر الذي ينزل من السماء؟تزعم أنت أنه لا مدّبر لهذا كله و تنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر و تعبر بالناس!قال:

فبهت الملحد (2).

***

بعض مناظرات أبي هذيل

الكشي محمّد بن مسعود عن أبي علي المحمودي عن أبيه قال:قلت لأبي الهذيل العلاّف أخبرني عن قول الله عزّ و جلّ: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (3)قال أبو الهذيل:قد أكمل لنا الدّين، فقال شيخي:فخبّرني إن سألتك عن مسألة لا تجدها في كتاب الله و لا في سنّة رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا في قول الصحابة و لا في حيلة فقهائهم ما أنت صانع؟

فقال:هات.

فقال شيخي:خبّرني عن عشرة كلّهم وقعوا في طهر واحد بامرأة و هم مختلفوا الأمر فمنهم من وصل إلي نصف حاجته و منهم من قارب حسب الإمكان منه هل في خلق الله اليوم من يعرف حدّ الله في كلّ رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحدّ في الدنيا و يطهّره منه في الآخرة و لنعلم ما يقول في أنّ الدّين قد أكمل لك.

فقال:هيهات خرج آخرها في الإمامة (4).

***

ص: 157


1- الماصر:حبل يوضع بين الشطين لتعبر عليه السفينة.
2- الفصول المختارة:44/1.
3- سورة المائدة:3.
4- معجم رجال الحديث:113/2.

مناظرة أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري

عن الشيخ أدام الله عزه قال:سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري رحمه الله فقيل له:

ما الدليل علي إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام؟

فقال:الدليل علي ذلك من كتاب الله عزّ و جلّ،و من سنة نبيه صلّي الله عليه و آله،و من إجماعه المسلمين.

فأما كتاب الله تبارك و تعالي فقوله عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)فدعانا سبحانه إلي طاعة أولي الأمر كما دعانا إلي طاعة نفسه و طاعة رسوله،فاحتجنا إلي معرفة أولي الأمر كما وجبت علينا معرفة الله تعالي،و معرفة الرسول عليه و آله السلام،فنظرنا في أقاويل الأمة فوجدناهم قد اختلفوا في أولي الأمر،و أجمعوا في الآية علي ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب عليه السّلام،فقال بعضهم:أولي الأمر هم امراء السرايا،و قال بعضهم:هم العلماء،و قال بعضهم:هم القوّام علي الناس،و الآمرون بالمعروف،و الناهون عن المنكر،و قال بعضهم:هم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و الأئمة من ذريته عليهم السّلام،فسألنا الفرقة الاولي فقلنا لهم:أليس علي بن أبي طالب عليه السّلام من أمراء السرايا؟

فقالوا:بلي،فقلنا للثانية:ألم يكن عليه السّلام من العلماء؟

قالوا:بلي،فقلنا للثالثة:أليس علي عليه السّلام قد كان من القوّام علي الناس بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر؟

فقالوا:بلي،فصار أمير المؤمنين عليه السّلام معينا بالآية باتفاق الأمة و اجتماعها،و تيقنا ذلك بإقرار المخالف لنا في الإمامة و الموافق عليها،فوجب أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق علي أنه معني بها،و لم يجب العدول إلي غيره و الاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك و عدم الاتفاق و ما يقوم مقامه من البرهان.و أما السنة فإنا وجدنا النبي صلّي الله عليه و آله استقضي عليا عليه السّلام علي اليمن،و أمره علي الجيوش،و ولاه الاموال،و أمره بأدائها إلي بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد ظلما،و اختاره لأداء رسالات الله سبحانه و الابلاغ عنه في سورة براءة، و استخلفه عند غيبته علي من خلف،و لم نجد النبي صلّي الله عليه و آله سن هذه السنن في أحد غيره،و لا اجتمعت هذه السنن في أحد بعد النبي صلّي الله عليه و آله كما اجتمعت في علي عليه السّلام، و سنة رسول الله صلّي الله عليه و آله بعد موته واجبة كوجوبها في حياته،و إنما تحتاج الأمة إلي الإمام بهذه الخصال التي ذكرناها،فإذا وجدناها في رجل قد سنها الرسول الله صلّي الله عليه و آله فيه كان أولي بالامامة ممن لم يسن النبي فيه شيئا من ذلك.

ص: 158


1- سورة النساء:59.

و أمّا الاجماع فإن إمامته ثبتت من جهته من وجوه:منها أنهم قد أجمعوا جميعا أن عليا عليه السّلام قد كان إماما و لو يوما واحدا،و لم يختلف في ذلك أصناف أهل الإمامة.

ثم اختلفوا فقالت طائفة:كان إماما في وقت كذا و كذا.

و قالت طائفة:بل كان إماما بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله في جميع أوقاته،و لم تجمع الأمة علي غيره أنه كان إماما في الحقيقة طرفة عين،و الاجماع أحق أن يتبع من الاختلاف.و منها أنهم أجمعوا جميعا علي أنّ عليا عليه السّلام كان يصلح للامامة،و أن الإمامة تصلح لبني هاشم،و اختلفوا في غيره.

و قالت طائفة:لم يكن تصلح لغير علي بن أبي طالب عليه السّلام،و لا تصلح لغير بني هاشم، و الاجماع حق لا شبهة فيه،و الاختلاف لا حجة فيه.و منها أنهم أجمعوا علي أن عليا عليه السّلام كان بعد النبي صلّي الله عليه و آله ظاهر العدالة واجبة له الولاية،ثم اختلفوا فقال قوم:كان مع ذلك معصوما من الكبائر و الضلال،و قال آخرون:لم يك معصوما و لكن كان عدلا برا تقيا علي الظاهر،لا يشوب ظاهره الشوائب،فحصل الاجماع علي عدالته عليه السّلام،و اختلفوا في نفي العصمة عنه عليه السّلام.

ثم أجمعوا جميعا علي أن أبا بكر لم يكن معصوما،و اختلفوا في عدالته فقالت طائفة:كان عدلا،و قال آخرون:لم يكن عدلا،لأنه أخذ ما ليس له،فمن أجمعوا علي عدالته و اختلفوا في عصمته أولي بالامامة و أحق ممن اختلفوا في عدالته و أجمعوا علي نفي العصمة عنه (1).

و عن الشيخ و كلامه قال:سئل الفضل بن شاذان رحمه الله عما روته الناصبة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:(لا أوتي برجل يفضلني علي أبي بكر و عمر إلا جلدته حد المفتري)فقال:

إنما روي هذا الحديث سويدبن غفلة و قد أجمع أهل الآثار علي أنه كان كثير الغلط،و بعد فإنّ نفس الحديث متناقض،لأن الأمة مجمعة علي أن عليا عليه السّلام كان عدلا في قضيته،و ليس من العدل أن يجلد حد المفتري من لم يفتر،لأن هذا جور علي لسان الأمة كلها،و علي بن أبي طالب عليه السّلام عندنا بريء من ذلك (2).

قال الشيخ أدام الله عزه:و أقول:إن هذا الحديث إن صح عن أمير المؤمنين عليه السّلام-و لن يصح بأدلة أذكرها بعد-فإنّ الوجه فيه أن الفاضل بينه و بين الرجلين إنما وجب عليه حد المفتري من حيث أوجب لهما بالمفاضلة ما لا يستحقانه من الفضل،لان المفاضلة لا يكون إلا بين مقاربين في الفضل،و بعد أن يكون في المفضول فضل،و إذا كانت الدلائل علي أن من لا طاعة معه لا فضل له في الدين،و أن المرتد عن الاسلام ليس فيه شيء من الفضل الديني و كان الرجلان بجحدهما النص8.

ص: 159


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:376/10،و الفصول المختارة:77/1 و 78.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:379/10،و الفصول المختارة:77/1 و 78.

قبل قد خرجا عن الايمان بطل أن يكون لهما فضل في الاسلام،فكيف يحصل لهما من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين عليه السّلام؟!و متي فضّل إنسان أمير المؤمنين عليه السّلام عليهما فقد أوجب لهما فضلا في الدين،فإنما استحق حد المفتري الذي هو كاذب،دون المفتري الذي هو راجم بالقبيح، لانه افتري بالتفضيل لامير المؤمنين عليه السّلام عليهما من حيث كذب في إثبات فضل لهما في الدين، و يجري في هذا الباب مجري من فضل البر التقي علي الكافر المرتد الخارج عن الدين،و مجري من فضل جبرئيل عليه السّلام علي إبليس،و رسول الله صلّي الله عليه و آله علي أبي جهل بن هشام،في أن المفاضلة بين من ذكرناه يوجب لمن لا فضل له علي وجه فضلا مقاربا لفضل العظماء عند الله تعالي،و هذا بيّن لمن تأمّله.

مع أنه لو كان هذا الحديث صحيحا و تأويله علي ما ظنه القوم يوجب أن يكون حد المفتري واجبا علي رسول الله صلّي الله عليه و آله،و حاشا له من ذلك،لأن رسول الله صلّي الله عليه و آله قد فضل أمير المؤمنين عليه السّلام علي سائر الخلق،و آخي بينه و بين نفسه،و جعله بحكم الله في المباهلة نفسه،و سد أبواب القوم إلا بابه.

و رد أكثر الصحابة عن إنكاحهم ابنته سيدة نساء العالمين عليه السّلام و أنكحه،و قدمه في الولايات كلها و لم يؤخره،و أخبر أنه يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله،و أنه أحب الخلق إلي الله تعالي، و أنه مولي من كان مولاه من الانام،و أنه منه بمنزلة هارون من موسي بن عمران،و أنه أفضل من سيدي شباب أهل الجنة،و أن حربه حربه و سلمه سلمه،و غير ذلك مما يطول شرحه إن ذكرناه.

و كان أيضا يجب أن يكون عليه السّلام قد أوجب الحد علي نفسه إذ أبان فضله علي سائر أصحاب الرسول الله صلّي الله عليه و آله حيث يقول:(أنا عبد الله و أخو رسول الله،لم يقلها أحد قبلي و لا يقولها أحد بعدي إلا مفتر كذاب،صليت قبلهم سبع سنين)و في قوله لعثمان و قد قال له:أبو بكر و عمر خير منك فقال:(بل أنا خير منك و منهما،عبدت الله عزّ و جلّ قبلهما و عبدته بعدهما).

و كان أيضا قد أوجب الحد علي ابنه الحسن و جميع ذريته و أشياعه و أنصاره و أهل بيته،فإنه لا ريب في اعتقاد هم فضله علي سائر الصحابة،و قد قال الحسن عليه السّلام صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السّلام:(لقد قبض الليلة رجل ما سبقه الاولون بعمل،و لا أدركه الآخرون)و هذه المقالة متهافتة جدا.

و قال الشيخ أيده الله:و لست أمنع العبارة بأن أمير المؤمنين عليه السّلام كان أفضل من أبي بكر و عمر علي معني تسليم فضلهما من طريق الجدل،أو علي معتقد الخصوم في أن لهما فضلا في الدين،و أما علي تحقيق القول في المفاضلة فإنه غلط و باطل.

قال الشيخ:و شاهد ما أطلقت من القول و نظيره قول أمير المؤمنين عليه السّلام في أهل الكوفة:

ص: 160

(اللهم إني قد مللتهم و ملوني،و سئمتهم و سئموني،اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم،و أبدلهم بي شرا مني).

و لم يكن في أمير المؤمنين عليه السّلام شر،إنما أخرج الكلام علي اعتقادهم فيه،و مثله قول حسان ابن ثابت و هو يعني رسول الله صلّي الله عليه و آله:

أتهجوه و لست له بكفو فخير كما لشر كما الفداء.

و لم يكن في رسول الله صلّي الله عليه و آله شر،و إنما أخرج الكلام علي معتقد الهاجي فيه، و قوله تعالي: وَ إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلي هُديً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (1)و لم يكن الرسول علي ضلال (2).

و عن الشيخ أيده الله:و قد كان الفضل بن شاذان رحمه الله استدل علي إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام بقول الله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ (3)قال:و إذا أوجب الله تعالي للاقرب برسول الله صلّي الله عليه و آله الولاية و حكم بأنه أولي به من غيره وجب أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان أولي بمقام رسول الله صلّي الله عليه و آله من كل أحد.

قال الفضل:فإن قال قائل:فإن العباس كان أقرب إلي رسول الله صلّي الله عليه و آله من علي عليه السّلام قيل له:إن الله تعالي لم يذكر الأقرب بالنبي صلّي الله عليه و آله دون أن علقه بوصف فقال: اَلنَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ (4)فشرط في الأولي بالرسول الايمان و الهجرة،و لم يكن العباس من المهاجرين و لا كانت له هجرة باتفاق.

قال الشيخ رحمه الله:و أقول:إن أمير المؤمنين عليه السّلام كان أقرب إلي رسول الله صلّي الله عليه و آله من العباس و أولي بمقامه منه إن ثبت أن المقام موروث،و ذلك أن عليا عليه السّلام كان ابن عم رسول الله لأبيه و أمه و العباس رحمه الله عمه لأبيه،و من تقرب بسببين كان أقرب ممن يتقرب بسبب واحد.

و أقول:إنه لو لم تكن فاطمة عليهم السّلام موجودة بعد رسول الله صلّي اللّه عليه و آله لكان أمير المؤمنين أحق بتركته من العباس رحمه الله،و لو ورث مع الولد أحد غير الابوين و الزوج و الزوجة لكان أمير المؤمنين أحق بميراثه صلّي الله عليه و آله مع فاطمة عليها السّلام من العباس بما قدمت من انتظامه القرابة من جهتين،و اختصاص العباس بها من جهة واحدة (5).8.

ص: 161


1- سورة سبأ:24.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:380/10،و الفصول المختارة:79/1.
3- سورة الأنفال:8.
4- سورة الأحزاب:6.
5- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:379/10،و الفصول المختارة:77/1 و 78.

قال الشيخ أيده الله:و لست أعلم بين أهل العلم خلافا في أن عليا عليه السّلام ابن عم رسول الله صلي الله عليه و آله لأبيه و امه،و أنّ العباس رضي الله عنه كان عمه لأبيه خاصة،و يدل علي ذلك ما رواه نقلة الآثار و هو أنّ أبا طالب رحمه الله مر علي رسول الله صلّي الله عليه و آله و علي عليه السّلام إلي جنبه،فلما سلّم قال:ما هذا يا ابن أخ،فقال له رسول الله صلّي الله عليه و آله:شيء أمرني به ربي يقربني إليه.

فقال لابنه جعفر:يا بني صل جناح ابن عمك،فصلي رسول الله صلّي الله عليه و آله بعلي و جعفر عليهما السّلام يومئذ،فكانت أول صلاة جماعة في الاسلام.

ثم أنشأ أبو طالب يقول:

إن عليا و جعفرا ثقتي عند ملم الزمان الكرب

و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسب

لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لامي من بينهم و أبي

و من ذلك ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله قال:سمعت عليا عليه السّلام ينشد و رسول الله يسمع:

أنا أخو المصطفي لا شك في نسبي معه ربيت و سبطاه ولدي

جدي وجد رسول الله منفرد و فاطمة زوجتي لا قول ذي فند

فالحمد لله شكرا لا شريك له البر بالعبد و الباقي بلا أمد

قال:فتبسم رسول الله صلّي الله عليه و آله و قال له:صدقت يا علي.

و في ذلك أيضا يقول الشاعر:

إنّ علي بن أبي طالب جدا رسول الله جداه

أبو علي و أبو المصطفي من طينة طيّبها الله (1)

***6.

ص: 162


1- الفصول المختارة 1:115 و 116.

المحتويات

ترجمة الإمام أبو الحسن عليّ بن موسي الرّضا عليه السّلام 5

مولد أبي الحسن الرضا عليه السّلام 7

نقش خاتم الإمام الرضا عليه السّلام 7

ألقاب الإمام الرضا عليه السّلام 8

سبب تسميته بالرضا عليه السّلام 8

ذكر أمّه عليهما السّلام 8

ولادة الإمام الرضا عليه السّلام ساجدا 10

أولاد الإمام الرضا عليه السّلام 10

عبادة الإمام الرضا عليه السّلام 10

تسبيح الإمام الرضا عليه السّلام في بطن أمه 11

دعاء الإمام الرضا عليه السّلام المستجاب 11

صفة الإمام الرضا عليه السّلام 11

تواضع الإمام الرضا عليه السّلام 12

كرم الإمام الرضا عليه السّلام 12

تصدّق الإمام الرضا عليه السّلام 13

علم الإمام الرضا عليه السّلام بالغيب 13

معرفة الإمام الرضا عليه السّلام بما في الضمائر 21

علم الإمام الرضا عليه السّلام بموته 22

غزارة علم الإمام الرضا عليه السّلام 23

أشعار أبي العلاء المعري في جفر أهل البيت 23

قدرة الإمام الرضا عليه السّلام 24

ص: 163

إحياء الإمام الرضا عليه السّلام للأموات 25

معرفة الإمام الرضا عليه السّلام للغة الحيوانات 25

كلامه للطيور 26

حديث الإمام الرضا عليه السّلام عن النمل الذي يحمي الذهب 27

معاجز الإمام الرضا عليه السّلام 27

أكل صورة الأسد لحميد بن مهران 29

المعجزة الكبري 30

بركة الإمام الرضا عليه السّلام 31

أسرار أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام 33

كرامة الإمام الرضا عليه السّلام عند الله 35

أثر الإستخفاف بالأئمة 36

صلاة الاستسقاء من الإمام الرضا عليه السّلام 37

عرض أعمال الشيعة علي الإمام الرضا عليه السّلام 38

حضور الإمام الرضا عليه السّلام عند ميت 38

حضور محمد و آل محمد عليه السّلام عند كل ميت 39

بعض مواعظ الإمام الرضا عليه السّلام 41

ما نسب للإمام الرضا عليه السّلام من الشعر 42

مدح أبو نواس للإمام الرضا عليه السّلام 44

مدح عبد الله بن مطرف للإمام الرضا عليه السّلام 45

مدح دعبل الخزاعي للإمام الرضا عليه السّلام 45

تبرك الناس بثياب الرضا عليه السّلام 47

قصيدة دعبل الخزاعي الكاملة 49

خبر ولاية العهد و صلاة العيد 56

علة قبول الإمام الرضا عليه السّلام لولاية العهد 57

حديث الإمام الرضا عليه السّلام بنيشابور و أثره 62

كيفية البيعة 63

ص: 164

أسباب قبول ولاية العهد 65

وصية الإمام الرضا عليه السّلام بدفنه و ما جري من معاجز 65

قصة الدفن برواية أبي الصلت 68

إخبار الإمام الرضا عليه السّلام بقتل المأمون له 71

إخبار أمير المؤمنين بقتله عليهما السّلام 71

المحاولة الأولي لقتل الإمام عليه السّلام 71

أسباب شهادة الإمام الرضا عليه السّلام 72

شهادة الإمام الرضا عليه السّلام 73

فضل زيارة الإمام الرضا عليه السّلام 76

قصص جرت مع زوار الإمام الرضا عليه السّلام عند ضريحه 80

حكاية غريبة 83

رثاء دعبل للإمام الرضا عليه السّلام 85

النص علي الإمام أبي الحسن علي الرضا عليه السّلام 85

ذكر من عاشر من الملوك 88

مناظرة المأمون مع المخالفين في فضل علي عليه السّلام 88

بين المأمون و صوفي 95

مناظرات الإمام الرضا علي بن موسي صلوات الله عليه

احتجاج الإمام الرضا عليه السّلام علي المخالفين في أمر الإمامة 96

بين الإمام الرضا عليه السّلام و المأمون و أهل الديانات 100

بين الإمام الرضا عليه السّلام و المأمون و قواد الرشيد 118

بين الإمام الرضا عليه السّلام و المأمون 120

ما كتب الرضا عليه السّلام للمأمون من محض الاسلام و شرائع الدين 122

بين الإمام الرضا عليه السّلام و سليمان المروزي 127

بين الإمام الرضا عليه السّلام و أبي قرة 137

بين الإمام الرضا عليه السّلام و ابن قرة النصراني 141

بين الإمام الرضا عليه السّلام و يحيي بن الضحاك السمرقندي 141

ص: 165

بين الإمام الرضا عليه السّلام و قوما من ما وراء النهر 142

بين الإمام الرضا عليه السّلام و هشام بن الحكم 142

بين الإمام الرضا عليه السّلام و الجاثليق 142

بين الإمام الرضا و رأس الجالوت و الجاثليق 145

بين الإمام الرضا عليه السّلام و نصر بن مزاحم 146

بين الإمام الرضا عليه السّلام و أخيه زيد 147

بين الإمام الرضا عليه السّلام و عليّ بن عبيد الله 147

بين الإمام الرضا عليه السّلام و معروف الكرخي 148

بين الإمام الرضا عليه السّلام و الريّان بن الصلت 148

بين الإمام الرضا عليه السّلام و الصوفية 149

ذكر أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام

غاية الصحبة عند صفوان الجمّال 149

حال محمّد بن سنان 150

حال الحسن الأنباري 150

قصة المجنون العاقل مع أبي هذيل 150

مناظرات أصحابه و أهل زمانه صلوات الله عليه 153

بين علي بن ميثم و أبي الهذيل 153

بين علي بن ميثم و ضرار 154

بين علي بن ميثم و نصراني 155

بين علي بن ميثم و ملحد 156

بعض مناظرات أبي هذيل 157

مناظرة أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري 158

ص: 166

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.