موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 14

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الرابع عشر

هو موسي الكاظم

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هو موسي الكاظم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام.

قال الخطيب في تاريخ بغداد عن تاريخ ابن خلّكان:قال الخطيب في تاريخ بغداد:كان موسي يدعي العبد الصالح من عبادته و اجتهاده.روي أنّه دخل مسجد رسول اللّه فسجد سجدة في أوّل الليل،و سمع و هو يقول في سجوده:عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك،يا أهل التقوي و يا أهل المغفرة فجعل يردّدها حتّي أصبح،و كان سخيا كريما و كان يبلغه عن الرجل أنّه يؤذيه فيبعث إليه بصرّة فيها ألف دينار-إلي أن قال:و ذكر أيضا أن هارون الرشيد حجّ فأتي قبر النّبي زائرا،و حوله قريش و أفناء القبائل و معه موسي بن جعفر فقال:السلام عليك يا رسول اللّه يا ابن عمّ افتخارا علي من حوله،فقال موسي:السلام عليك يا أبت،فتغير وجه هارون الرشيد و قال:هذا هو الفخر يا أبا الحسن حقا.إلي آخر ما قال و ذكر بعض معجزاته فراجع (1).

و قال كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي فيه قال:أبو الحسن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب هو الإمام الكبير القدر،العظيم الشأن،الكثير التهجد،الجادّ في الإجتهاد،المشهود له بالكرامات،المشهور بالعبادات و ظهر خوارق العادات، المواظب علي الطاعات،يبيت الليل ساجدا و قائما،و يقطع النهار متصدقا و صائما،و لفرط علمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما،كان يجازي المسي،العبد الصالح،و يعرف في العراق بباب الحوائج إلي اللّه لإنجاح مطالب المتوسلين به إلي اللّه.و كراماته تحار فيها العقول،و تقضي بأنّ له عند اللّه قدم صدق لا يزول (2).

و قال علي بن عيسي الأربلي صاحب كشف الغمة فيه:مناقب الكاظم و فضائله و معجزاته الظاهرة،و دلائله و صفاته الباهرة و مكارمه،تشهد أنه بلغ قمة الشرف و علاها،و سما إلي أوج المزايا فبلغ أعلاها،طالت أصوله فسمت إلي أعلي رتب الجلال،و طابت فروعه فعلت إلي حيث لا تنال،يأتيه المجد من كلّ أطرافه و يكاد الشرف يقطر من أعطافه،السحاب الماطر قطرة من كرمه، و العباب الزاخر نعمة من نعمه،و اللّباب الفاخر عبد من عبيده و خدمه،الآباء عظام،و الأبناء كرام،

ص: 5


1- دلائل الإمامة:25 ح 6،و تاريخ بغداد:/3213.
2- انظر:مناقب آل أبي طالب 4:348.

عنصره من أكرم العناصر،و آباؤه بدور بواهر،و أمهاته عقيلات عباهر،و هو أحد النجوم الزواهر، كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلوّ شأنه كفيلة،إليه ينسب العلماء و عنه يأخذ العظماء و منه يتعلم الكرماء،هم الهداة إلي اللّه و هم الأمناء علي أسرار الغيب،و هم المطهّرون من الرجس و العيب، هم النجوم الزواهر في الظلام و هم الشموس المشرقة في الأيام،هم الذين أوضحوا شعائر الإسلام، و عرفوا الحلال و الحرام،فلهم كرام الأبوّة و البنوّة،و هم معادن الفتوة و المروة،السماح في طبائعهم غريزة،و الأقوال و إن طالت في مدائحهم و جيزة قليلة،بحور علم لا ينزف،و أقمار عزّ لا يخسف، و شموس مجد لا يكسف (1).

يا آل طه إن ودّي لكم باق علي حبكم اللازم

و قال المحقق العلامة الخواجه نصير الدين الطوسي فيه:قيل له رحمه اللّه في مرض موته في بغداد(كما في مجالس المؤمنين للقاضي و روضات الجنات للخوانساري):ألا توصي علي حمل جسدك إلي مشهد النجف الأشرف الأطهر؟

فقال:لا،بل أستحي من وجه سيدي الإمام الهمام موسي بن جعفر أن آمر بنقل جسدي من أرضه المقدسة إلي موضع آخر،و قد نقلوا نظير هذه الواقعة للشيخ المفيد أيضا (2).

و بالجملة الروايات العلميّة الحكميّة و الفقهيّة و الأخلاقيّة و الإجتماعية،و الكرامات العالية الأقدار الخارقة العوائد،من هذا الوليّ الأعظم بلغت إلي حدّ لا يعدّ و لا يحصي،و نعم ما قال ابن طلحة الشافعي المقدّم ذكره فيه أيضا:و لا يؤتوها إلاّ من أفاضت عليه العناية الربّانية أنوار التأييد، و درّت له أخلاف التوفيق،و أزلفته من مقام التقديس و التطهير،و ما يلقّيها إلا الذين صبروا و ما يلقّيها إلاّ ذو حظّ عظيم (3).

كان يجازي المسيء بإحسانه إليه و يقابل الجاني بعفوه عنه،و لكثرة عبادته كان يسمي بالعبد الصالح (4).

و يعرف بالعراق باب الحوائج إلي اللّه لنجح مطالب المتوسلين إلي اللّه تعالي به،كرامته تحار منها العقول،و تقضي بأن له عند اللّه تعالي قدم صدق لا تزل و لا تزول (5).

و قال الخطيب في تاريخ بغداد و غيره:كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم السّلام لما4.

ص: 6


1- كشف الغمة:50/3.
2- رياض الأبرار،مخطوط.
3- الكافي:88/2 ح 2،و البحار:51/9.
4- انظر تهذيب التهذيب:340/10،تاريخ بغداد:27/13،مناقب آل أبي طالب:348/4،صفة الصفوة: 184/2.
5- انظر مناقب آل أبي طالب:349/4.

روي عنه قال:حدّثني موسي بن جعفر قال:حدّثني أبي جعفر بن محمّد و هكذا إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم ثمّ قال أحمد:و هذا إسناد لو قرئ علي المجنون لأفاق.

و لقيه أبو نؤاس يوما فقال شعرا:

إذا أبصرتك العين من غير ريبة و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب

و لو أنّ ركبا يمّموك لقادهم نسمّيك حتّي يستدلّ بك الركب

جعلتك حسبي في أموري كلّها و ما خاب من أضحي و أنت له حسب (1)

***

مولد أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام

ولد أبو الحسن موسي عليه السّلام بالأبواء (2)سنة ثمان و عشرين و مائة لسبع خلون من صفر.

و قال بعضهم:تسع و عشرين و مائة (3).

و قيل ثمان و عشرين و مائة للهجرة (4)،و قيل تسع و عشرين و مائة.

و قبض عليه السّلام لستّ خلون من رجب من سنة ثلاث و ثمانين و مائة و هو ابن أربع أو خمس و خمسين سنة (5).

و في أعلام الوري ولد عليه السّلام بالأبواء،منزل بين مكّة و المدينة،لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مائة (6).

و في البصائر عن أبي بصير قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي فلمّا نزلنا الأبواء وضع أبو عبد اللّه عليه السّلام لنا الغداء و أكثر و أطاب فبينا نحن نتغدّي إذ أتاه رسول حميدة أنّ الطلق قد ضربني و أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا فقام فرحا مسرورا فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّه فقلنا:أضحك اللّه سنّك و أقرّ عينك ما صنعت حميدة؟

قال:وضعت غلاما و هو خير من خلق اللّه و لقد خبّرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها ذكرت أنّه

ص: 7


1- مناقب آل أبي طالب:432/3.
2- هو بفتح الهمزة و سكون الباء و المد جبل بين مكة و المدينة،و عنده بلد ينسب إليه.و في المصباح هو منزل بين مكة و المدينة قريب من الجحفة من جهة الشمال دون مرحلة.
3- تاريخ ابن الخشاب:188.
4- تاريخ ابن الخشاب:188،مناقب آل أبي طالب:349/4،صفة الصفوة:187/2،تهذيب التهذيب: 340/10.
5- الكافي:/4761ح 8.
6- إعلام الوري:6/2،و البحار:1/48 ح 1.

لمّا وقع من بطنها وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه إلي السماء فأخبرتها أنّ تلك أمارة الإمام بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقلنا:و كيف تلك علامة الإمام؟

فقال:إنّه لمّا كان في الليلة التي علق بجدي فيها أتي آت جدّ أبي و هو راقد فأتاه بكأس فيها شربة أرقّ من الماء و أبيض من اللبن و ألين من الزبد و أحلي من الشهد و أبرد من الثلج فسقاه إيّاه و أمره بالجماع فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدّي و لمّا كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتي آت جدّي فسقاه كما سقي جدّ أبي و أمره بالجماع فجامع فعلق بأبي و لمّا كان في الليلة التي علق بي فيها أتي آت أبي فسقاه و أمره كما أمرهم فجامع و علق بي و لمّا كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا أتاني آت كما أتاهم فسقاني و أمرني كما أمرهم فعلق بابني هذا فدونكم فهو و اللّه صاحبكم من بعدي (1).

و أما عمره:توفي لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة للهجرة (2)في خلافة الرشيد هارون،و كانت ولادته في سنة ثمان و عشرين.

و قيل:تسع و عشرين،فيكون عمره علي القول الأول خمسا و خمسين،و علي القول الثاني أربعا و خمسين سنة.

و قبره بالمشهد المعروف بباب التين من بغداد المحروسة.

***

أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام

كتاب بشائر المصطفي:كان لأبي الحسن عليه السّلام سبعة و ثلاثون ولدا ذكرا و أنثي منهم علي بن موسي الرضا عليه السّلام و إبراهيم و العبّاس و القاسم لامّهات أولاد و إسماعيل و جعفر و هارون و الحسن لامّ ولد و عبد اللّه و إسحاق و عبيد اللّه و زيد و الحسن و الفضل و سليمان لامّهات أولاد و فاطمة الكبري و فاطمة الصغري و رقية و حكيمة و أمّ أبيها و رقية الصغري و كلثم و أمّ جعفر و لبانة و زينب و خديجة و علية و آمنة و حسنة و بريهة و عائشة و أمّ سلمة و ميمونة و أمّ كلثوم،و كان الإمام علي بن موسي الرضا عليه السّلام و كان أحمد كريما جليلا ورعا و كان أبوه يحبّه و يقدّمه و يقال إنّ أحمد أعتق ألف مملوك و كان محمّد بن موسي صاحب صلاة و كان إبراهيم بن موسي سخيّا كريما و لكلّ واحد من ولد موسي عليه السّلام فضل و منقبة مشهورة (3).

ص: 8


1- المحاسن للبرقي:315/2،و الكافي:386/1.
2- تاريخ ابن الخشاب:188،الإرشاد:215/2،صفة الصفوة:187/2.
3- خاتمة المستدرك:25/1،و الكافي:54/7 ح 8.

و في كتاب المناقب أنّ أولاده عليه السّلام ثلاثون فأبناؤه ثمانية عشر و الباقي بنات (1).

و في عمدة الطالب ولد عليه السّلام ستّين ولدا سبعا و ثلاثين بنتا و ثلاثا و عشرين إبنا درج منهم خمسة لم يعقبوا و هم عبد الرحمن و عقيل و القاسم و يحيي و داود و منهم ثلاثة لهم إناث و ليس لأحد منهم ذكر و هم سليمان و الفضل و أحمد و منهم خمسة في أعقابهم خلاف و هم الحسين و إبراهيم الأكبر و هارون و زيد و الحسن و منهم عشرة أعقبوا بغير خلاف و هم علي و إبراهيم الأصغر و العبّاس و إسماعيل و محمّد و إسحاق و حمزة و عبد اللّه و عبيد الله و جعفر هكذا قال شيخنا أبو نصر البخاري.

و قال النقيب تاج الدّين:أعقب موسي الكاظم منه ثلاثة عشر رجلا أربعة منهم مكثرون و هم علي الرضا و إبراهيم المرتضي و محمّد العابد و جعفر و أربعة متوسّطون و هم زيد النار و عبد اللّه و عبيد اللّه و حمزة و خمسة مقلّون و هم العبّاس و هارون و إسحاق و إسماعيل و الحسن (2).

و قيل ولد له عشرين إبنا و ثماني عشرة بنتا و هم:

علي الرضا و ابراهيم و العباس و القاسم و اسماعيل و جعفر و هارون و الحسين و أحمد و محمد و حمزة و عبد اللّه و اسحاق و عبيد اللّه و زيد و الحسن و الفضل و سليمان.

و زاد البعض:عقيل،عمر و يقال:موضع عمر محمد،يحيي،عبد الرحمن،جعفر الأصغر.

و أسماء بناته:خديجة،أم فروة،أسماء،عليّة،فاطمة الكبري و فاطمة الصغري،أم كلثوم، أم كلثوم إثنتان،آمنة،زينب،أم عبد اللّه،زينب الصغري،أم القاسم،حكيمة،أسماء الصغري، محمودة،أمامة،ميمونة (3).

و قيل:و رقية و رقية الصغري و أم أبيها و كلثم و ام جعفر و لبابة و حسنة و بريهة و عائشة و أم سلمة (4).

***

أسماء و نقش خاتم الإمام الكاظم عليه السّلام

في الكافي عن الإمام الرضا عليه السّلام قال:كان نقش خاتم أبي الحسن عليه السّلام:حسبي اللّه،و فيه ورده و هلال في أعلاه (5).

و في الفصول المهمّة:نقش خاتمه:الملك للّه وحده (6).

ص: 9


1- مناقب آل أبي طالب:438/3.
2- البحار:286/48.
3- تاريخ ابن الخشاب:190-191.
4- انظر الإرشاد:244/2،أعلام الوري:36/2.
5- الكافي:473/6 ح 3.
6- الفصول المهمة:241،و دلائل الإمامة:309.

في بشائر المصطفي كان يكنّي بأبي إبراهيم و أبي الحسن و أبي علي و يعرف بالعبد الصالح و الكاظم عليه السّلام (1).

و في المناقب:كنيته عليه السّلام أبو الحسن الأوّل و أبو الحسن الماضي و يعرف بالنفس الزكيّة و زين المجتهدين و الوفي و الصابر و الأمين و الزاهر سمّي بذلك لأنّه زهر بأخلاقه الشريفة (2).

و قيل:أبا إسماعيل (3).

و كان له ألقاب كثيرة:الكاظم و هو أشهرها،و الصابر،و الصالح،و الأمين (4).

سبب تسميته بالكاظم

في العلل عن ربيع بن عبد الرحمن كان و اللّه موسي بن جعفر من المتوسّمين يعلم من يقف عليه بعد موته و يجحد الإمام بعده إمامته فكان يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فسمّي الكاظم لذلك (5).

***

ذكر أمه عليهما السّلام

أم ولد يقال لها-حميدة البربرية(المصفّاة) (6).و قيل:غير ذلك (7).

و عن عيسي بن عبد الرّحمن،عن أبيه قال:دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي علي أبي جعفر عليه السّلام و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قائما عنده،فقدّم إليه عنبا فقال:حبّة حبّة يأكله الشيخ الكبير و الصبيّ الصغير و ثلاثة و أربعة يأكله من يظنّ أنّه لا يشبع و كله حبّتين حبّتين فإنّه يستحبّ.

فقال لأبي جعفر عليه السّلام:لأيّ شيء لا تزوّج أبا عبد اللّه فقد أدرك التزويج؟

قال:و بين يديه صرّة مختومة،فقال:أما إنّه سيجيء نخّاس من أهل بربر (8)فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرّة جارية.

ص: 10


1- مناقب آل أبي طالب:348/4،تاريخ بغداد:27/13.
2- مناقب آل أبي طالب:437/3،و البحار:11/48 ح 7.
3- تاريخ ابن الخشاب:192.
4- تاريخ ابن الخشاب:191.
5- عيون أخبار الرضا:103/2 ح 1،و البحار:10/48.
6- تاريخ ابن الخشاب:189،مناقب آل أبي طالب:349/4،تاريخ بغداد:27/13،وفيات الأعيان:/5 310.
7- تاريخ ابن الخشاب:190.
8- النخاس بياع الرقيق و الدواب و دلالها و البربر قوم بالمغرب حفاة كالأعراب في رقة الدين و قلة العلم،كذا في المغرّب.

قال:فأتي لذلك ما أتي،فدخلنا يوما علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:ألاّ أخبركم عن النخّاس الّذي ذكرته لكم قد قدم،فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية.

قال:فأتينا النخّاس فقال:قد بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخري.

قلنا:فأخرجهما حتّي ننظر إليهما فأخرجهما فقلنا:بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟

قال:بسبعين دينارا.

قلنا:أحسن.

قال:لا أنقص من سبعين دينارا.

قلنا له:نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت و لا ندري ما فيها و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللّحية.

قال:فكّوا و زنوا.

فقال النخّاس:لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين دينارا لم أبايعكم.

فقال الشيخ:أدنوا فدنونا و فككنا الخاتم و وزنّا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص،فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر عليه السّلام و جعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان، فحمد الله و أثني عليه ثمّ قال لها:ما اسمك؟

قالت:حميدة،فقال:حميدة في الدّنيا،محمودة في الآخرة،أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيّب؟

قالت:بكر.

قال:و كيف؟و لا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه.

فقالت:قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرّجل من المرأة فيسلّط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس و اللّحية فلا يزال يلطمه حتّي يقوم عنّي،ففعل بي مرارا و فعل الشيخ به مرارا فقال:يا جعفر خذها إليك.

فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليهما السّلام (1).

و عن المعلّي بن خنيس أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال:حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذّهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتّي أدّيت إليّ كرامة من اللّه لي و الحجّة من بعدي (2).0.

ص: 11


1- شرح أصول الكافي:253/7،كشف الغمة:359/2.
2- شرح أصول الكافي:254/7،و الأنوار البهية:180.

علم الإمام الكاظم عليه السّلام بما في الضمائر

عن أبي خالد الزّبالي قال:لمّا أقدم بأبي الحسن موسي عليه السّلام علي المهدي القدمة الأولي نزل زبالة فكنت أحدّثه،فرآني مغموما فقال لي:يا أبا خالد مالي أراك مغموما؟

فقلت:و كيف لا أغتمّ و أنت تحمل إلي هذه الطاغية و لا أدري ما يحدث فيك؟

فقال:ليس عليّ بأس إذا كان شهر كذا و كذا و يوم كذا فوافني في أوّل الميل.

فما كان لي همّ إلاّ إحصاء الشهور و الأيّام حتّي كان ذلك اليوم،فوافيت الميل فمازلت عنده حتّي كادت الشمس أن تغيب و وسوس الشيطان في صدري و تخوّفت أن أشكّ فيما قال،فبينا أنا كذلك إذ نظرت إلي سواد قد أقبل من ناحية العراق،فاستقبلتهم فإذا أبو الحسن عليه السّلام أمام القطار علي بغلة،فقال:إيه يا أبا خالد (1).

قلت:لبّيك يا ابن رسول اللّه.

فقال:لا تشكّنّ،ودّ الشيطان أنّك شككت.

فقلت:الحمد لله الّذي خلّصك منهم فقال:إنّ لي إليهم عودة لا أتخلّص منهم (2).

و في البصائر عن بعض أصحابنا قال:دخلت علي أبي الحسن الماضي عليه السّلام و هو محموم و وجهه إلي الحائط فتناول بعض أهل بيته يذكره فقلت في نفسي:هذا خير خلق اللّه في زمانه يوصينا بالبرّ و يقول في رجل من أهل بيته هذا القول.

قال:فحوّل وجهه فقال:إنّ الّذي سمعت من البراني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله و إن لم أقل هذا صدّقوا قوله عليّ (3).

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:بعثني أبو الحسن عليه السّلام في حاجة فجئت و إذا معتب علي الباب فقلت:أعلم مولاي بمكاني فدخل معتب و مرّت بي إمرأة فقلت:لو لا أنّ معتب دخل فأعلم مولاي بمكاني لا تّبعت هذه المرأة فتمتعت بها.

فخرج معتب و قال:أدخل فدخلت عليه و هو علي مصلاّه فأخرج من تحته صرّة فناولنيها و قال:إلحق المرأة فإنّها علي دكّان العلاّف تقول:يا عبد اللّه قد حبستني.

ص: 12


1- قال في النهاية:ايه كلمة يراد بها الاستزادة و هي مبنية علي الكسر فإذا وصلت نونت فقل:ايه حدثنا،و إذا قلت:إيها بالنصب فإنما تأمره بسكوت و قد ترد المنصوبة بمعني التصديق و الرضاء بالشيء.
2- قرب الإسناد:331 ح 229،و الكافي:478/1 ح.،3.
3- مدينة المعاجز:287/6 ح 85،و البحار:50/48 ح 43.

فذهبت إليها و تمتّعت بها (1).

و عن إسحاق بن عمّار قال:سمعت العبد الصالح ينعي إلي رجل نفسه،فقلت في نفسي:و إنّه ليعلم متي يموت الرّجل من شيعته؟فالتفت إليّ شبه المغضب،فقال:يا إسحاق قد كان رشيد الهجري (2)يعلم علم المنايا و البلايا و الإمام أولي بعلم ذلك.

ثمّ قال:يا إسحاق إصنع ما أنت صانع،فإنّ عمرك قد فني و إنّك تموت إلي سنتين و إخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتّي تتفرّق كلمتهم و يخون بعضهم بعضا حتّي يشمت بهم عدوّهم،فكان هذا في نفسك.

فقلت:فإنّي أستغفر اللّه بما عرض في صدري.فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيرا حتّي مات،فما أتي عليهم إلاّ قليل حتّي قام بنو عمّار بأموال النّاس فأفلسوا (3).

***

علم الإمام الكاظم و مدرسته عليه السّلام

في المهج قال أبو الوضّاح:حدّثني أبي قال:كان جماعة من خاصّة الكاظم عليه السّلام من أهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه و معهم في أكمامهم ألواح أبنوس (4)لطاف و أميال فإذا نطق أبو الحسن عليه السّلام بكلمة و أفتي في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك (5).

و كان الإمام الكاظم عليه السّلام كبقية الأئمة صاحب العلم الغزير،و قد تقدم بعض البحوث عن علم أهل البيت عليهم السّلام و نزيد هنا بحثين:

1-منبع و مصدر حصول علم آل محمّد عليهم السّلام.

2-كيفية حصول علم آل محمد عليهم السّلام.

***

ص: 13


1- الخرائج و الجرائح:319/1 ح 12،و البحار:62/48 ح 81.
2- من أصحاب أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام و قال الشهيد الثاني في حاشيته علي الخلاصة قال ابن داود:رشد بغير ياء و جعل الياء قولا و استقرب الأل و كذا ذكره الشيخ في الفهرست بغير ياء،و أما النجاشي فقد جعله بالياء كالعلامة،و نقل الفاضل الإسترآبادي في رجاله عن الكشي أنه كان قد ألقي إليه علم البلايا و المنايا،و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يسميه رشيد البلايا.
3- الكافي:484/1 ح 7،و مدينة المعاجز:215/6.
4- الأبنوس:شجر عظيم صلب العود أسوده.
5- البحار:153/48 ح 25.

منبع و مصدر حصول علم آل محمّد عليهم السّلام

اشارة

و الروايات في ذلك علي عدّة ألسنة و ينظمها طوائف:

الطائفة الاولي:

ما دل أن مصدر علمهم القرآن و الكتاب

فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و الله إنّي لأعلم ما في السموات و ما في الأرض،و ما في الجنة و ما في النار،و ما كان و ما يكون إلي أن تقوم الساعة،ثم قال:أعلمه من كتاب اللّه أنظر إليه هكذا، ثم بسط كفّيه ثم قال:إنّ اللّه يقول:(إنّا أنزلنا إليك الكتاب فيه تبيان كلّ شيء) (1).

و في رواية أخري قال عليه السّلام:«إنّي لأعلم ما في السموات و أعلم ما كان و ما يكون».

ثم مكث هنيهة،فرأي أنّ ذلك كبر علي من سمعه فقال عليه السّلام:«علمته من كتاب اللّه،ان اللّه يقول(فيه تبيان كلّ شيء) (2).

و تقدّم نحو هذه الروايات.

*أقول:سوف يأتي في الطائفة الخامسة أنّ عندهم الجامعة،و فيها كل ما يحتاج إليه الناس إلي يوم القيامة،و أنّ عندهم مصحف فاطمة (3).

و في رواية عنها عليه السّلام:و ليس من قضية إلاّ و هي فيها (4).

الطائفة الثانية:

أنّ علمهم من ليلة القدر

فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث جاء فيه:«فإذا كانت ليلة ثلاثة و عشرين فيها يفرق كل أمر حكيم،ثم ينهي ذلك و يمضي».

قلت:إلي من؟

قال:«إلي صاحبكم،و لو لا ذلك لم يعلم ما يكون في تلك السنة» (5).

و عنه عليه السّلام قال:«إنّ اللّه يقضي فيها مقادير تلك السنة ثم يقذف به إلي الأرض».

فقلت:إلي من؟

ص: 14


1- بصائر الدرجات:127 باب علمهم بما في السموات ح 2.
2- بصائر الدرجات:128 باب علمهم بما في السموات ح 5.
3- الإرشاد:186/2.
4- الكافي:241/1 ح 5.
5- بصائر الدرجات:222 ح 11 و 220 ح 3 باب ما يلقي إليهم في ليلة القدر.

فقال لي:«من تري يا عاجز» (1).

و في رواية:«كتب اللّه فيها ما يكون» (2).

و نحو ذلك من الروايات (3).

الطائفة الثالثة:

أنّ علمهم من عامود النور

فعن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«إنّ للّه عامودا من نور حجبه اللّه عن جميع الخلائق طرفه عند اللّه و طرفه الآخر في أذن الإمام،فإذا أراد اللّه شيئا أوحاه في إذن الإمام» (4).

و في رواية:اذا أراد الإمام (5).

و في حديث:«إذا شبّ(الإمام)رفع اللّه له عمودا من نور يري فيه الدنيا و ما فيها لا يستر عنه منها شيء» (6).

و عن الإمامين الهادي و العسكري عليهما السّلام:«إذا ولد رفع له عامود من نور في كل مكان ينظر فيه الخلائق و أعمالهم» (7).

و في أخري:«إذا وقع إلي الأرض رفع له عامود من نور يري به أعمال العباد» (8).

*أقول:و الروايات بنحو ذلك كثيرة فلتراجع (9).

الطائفة الرابعة:

أنّ علمهم وراثة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

فعن أبي جعفر عليه السّلام في حديث عن علم الإمام علي عليه السّلام قال:«و ورث علم الأوصياء و علم من كان قبله» (10).

و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّا ورثنا محمّدا» (11).

ص: 15


1- بصائر الدرجات:221 ح 10.
2- بصائر الدرجات:221 ح 7.
3- بصائر الدرجات:220 إلي 225.
4- بحار الأنوار:134/26 باب رفع العامود للإمام ح 9.
5- البحار:134/26 ح 10.
6- بحار الأنوار:133/26 ح 2.
7- الهداية الكبري:354 باب 14.
8- الهداية الكبري:240 باب 7.
9- بحار الأنوار:132/26 ح 1 إلي 16 باب ان الله يرفع للإمام عامودا ينظر به،و بصائر الدرجات:431 إلي 437 ح 1 و ما بعده،باب عرض الأعمال في أمر العامود،و الهداية الكبري:240 باب 7.
10- الكافي:224/1 باب انّهم ورثوا النبي ح 2.
11- الكافي:225/1 ح 3.

و عن الإمام الرضا عليه السّلام قال:«أمّا بعد فأنّ محمّدا كان أمين اللّه في خلقه فلما قبض كنّا أهل البيت ورثته،فنحن أمناء اللّه في أرضه،عندنا علم البلايا و المنايا و أنساب العرب و مولد الإسلام، و أنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان و حقيقة النفاق» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث جاء فيه:«و ربّ الكعبة و ربّ البيت-ثلاث مرّات-لو كنت بين موسي و الخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما،و لأنبئهما بما ليس في أيديهما،لأنّ موسي و الخضر أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما هو كائن إلي يوم القيامة.

و أنّ رسول اللّه أعطي علم ما كان و ما هو كائن إلي يوم القيامة؛فورثناه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم وراثة» (2).

و في رواية مشهورة في مدح آل البيت عليهم السّلام:«أعطاهم فهمي و علمي» (3).

و عنه في رواية:«إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لما قبض ورّث علي عليه السّلام علمه و سلاحه و ما هناك،ثم صار إلي الحسن،ثم صار إلي الحسين عليه السّلام،ثم صار إلي علي بن الحسين صلوات اللّه عليهم جميعا» (4).

*أقول:الروايات في ذلك كثيرة و بمختلف المضامين (5).

الطائفة الخامسة:

أنّ علمهم بواسطة القذف و النقر

فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ان علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الأسماع.

فقال:امّا الغابر فما تقدّم من علمنا،و أمّا المزبور فما يأتينا،و أمّا النكت في القلوب فإلهام، و امّا النقر في الاسماع فأمر الملك» (6).

*أقول:رواه المفيد بتفصيل أكثر جاء فيه:«...و أمّا النكت في القلوب فهو الإلهام و النقر في الأسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم و لا نري أشخاصهم،و امّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و لن يظهر حتي يقوم قائمنا أهل البيت عليهم السّلام.

و أمّا الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسي و إنجيل عيسي و زبور داود و كتب اللّه الاولي.

ص: 16


1- الكافي:223/1 ح 1.
2- بصائر الدرجات:129 باب أنّهم أعطوا علم ما مضي ح 1.
3- بصائر الدرجات:48 باب أعطاهم فهمي و علمي.
4- الإرشاد:189/2 كلام الصادق عليه السّلام حول ميراث النبي.
5- بصائر الدرجات:299 باب أن عندهم أصول العلم و 326 باب انّهم ورثوا العلم من رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.
6- أصول الكافي:264/1 باب جهات علومهم،و بصائر الدرجات:318 ح 2.

و أمّا مصحف فاطمة عليها السّلام ففيه ما يكون من حادث و أسماء كل من يملك إلي أن تقوم الساعة.

و أمّا الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من فلق فيه،و خط علي بن أبي طالب عليه السّلام بيده،فيه و اللّه جميع ما يحتاج الناس إليه إلي يوم القيامة،حتي إنّ فيه أرش الخدش و الجلدة و نصف الجلدة» (1).

و في رواية عن الإمام الكاظم عليه السّلام:«مبلغ علمنا علي ثلاثة وجوه:ماض و غابر و حادث،فأمّا الماضي فمفسّر،و أمّا الغابر فمزبور،و أمّا الحادث فقذف في القلوب و نقر في الأسماع،و هو أفضل علمنا و لا نبي بعد نبيّنا» (2).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:قلت:أخبرني عن علم عالمكم؟

قال عليه السّلام:«وراثة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و من علي عليه السّلام».

قال:قلت:إنّا نتحدّث إنّه يقذف في قلوبكم و ينكت في آذانكم.

قال:«أو ذاك» (3).

و نحوه عن أبي جعفر (4).

و عنه عليه السّلام أنه قال:«فينا و اللّه من ينقر في أذنه و ينكت في قلبه و تصافحه الملائكة» (5).

و عن أبي جعفر و قد سئل عن المحدث قال:«ينكت في أذنه فيسمع طنينا كطنين الطست،أو يقرع علي قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة يقع في الطست».

فقلت:نبيّ؟

فقال عليه السّلام:«لا،مثل الخضر و ذي القرنين» (6).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:«إنّ منّا لمن يعاين معاينة،و إنّ منّا لمن ينقر في قلبه كيت و كيت،و ان منّا لمن يسمع كما يقع السلسلة كلّه يقع في الطست».

قال:قلت:فالذين يعاينون ما هم؟

قال:«خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل» (7).1.

ص: 17


1- الإرشاد:186/2 كلام الصادق حول ميراث رسول الله.
2- أصول الكافي:264/1 باب جهات علومهم،و بصائر الدرجات:318 ح 2.
3- المصدر السابق.
4- بصائر الدرجات:327 ح 6.
5- الاختصاص:286 جهات علومهم.
6- الاختصاص:287 جهات علومهم.
7- بصائر الدرجات:231 باب انّهم يخاطبون و يسمعون الصوت ح 1.

و في رواية أخري عن الإمام الصادق عليه السّلام قلت له:و كيف العلم في غيرها أيشق القلب فيه أم لا؟

قال عليه السّلام:«لا يشق،لكن اللّه يلهم ذلك الرجل بالقذف في القلب حتي يخيل إلي الأذن انّه تكلّم بما شاء اللّه علمه،و اللّه واسع عليم» (1).

و في حديث صحيح عن الحرث قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما علم عالمكم جملة يقذف في قلبه و ينكت في أذنه؟

قال:فقال:«وحي كوحي أمّ موسي» (2).

*أقول:و روايات القذف و النكت كثيرة جدّا و فيها الصحاح (3).

الطائفة السادسة:

أنّ علمهم عليهم السّلام بالإلهام

*أقول:تقدّم في الطائفة السابقة بعض الروايات الدالة عليه.

و عن الإمام الرضا عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«إنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة،و ألهمه العلم إلهاما فلم يعيي بعده بجواب» (4).

و عن الإمام الكاظم عليه السّلام عندما سئل عن علمهم قال:«قد يكون سماعا و قد يكون إلهاما، و يكونان معا» (5).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أعطاني اللّه خمسا و أعطي عليّا خمسا-و عدّ منها:«و أعطاني الوحي و أعطاه الإلهام» (6).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«و الأوصياء قد ألهموا إلهاما من العلم علما جمّا،مثل جم الغفير» (7).

و من أدعية الإمام زين العابدين عليه السّلام:«اللّهمّ صلّ علي محمّد و آله و ألهمني علم ما يجب لهما عليّ إلهاما و اجمع لي علم ذلك كلّه تماما» (8).

ص: 18


1- بصائر:223 ح 14 باب ما يلقي إليهم ليلة القدر.
2- بصائر الدرجات:317 ح 10 باب ما يفعل بالإمام من النكت.
3- بصائر الدرجات:316 ح 1 إلي 319 ح 13،و بحار الأنوار:57/26 ح 121 و ما بعده.
4- بحار الأنوار:127/25 ح 3.
5- الاختصاص:286/12 جهات علومهم.
6- فضائل ابن شاذان:5.
7- بصائر الدرجات:130 ح 2 باب ما يزاد في ليلة الجمعة.
8- الصحيفة السجادية:136 رقم 24 دعائه لأبويه عليهم السلام.

الطائفة السابعة:

في أنهم عليهم السّلام محدثون

فعن ابن أبي يعفور قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّا نقول أنّ عليّا لينكت في قلبه أو ينقر في صدره و أذنه؟

قال عليه السّلام:«إنّ عليّا كان محدّثا».

قال:فلما أكثرت عليه قال عليه السّلام:«إنّ عليّا يوم بني قريظة و بني النضير كان جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره يحدّثاه» (1).

و رواه المفيد بلفظ:«و لما رآني قد كبر عليّ قوله قال...» (2).

*أقول:نزول جبرائيل و ميكائيل علي الإمام علي عليه السّلام في كل الحرب من الامور المتواترة، خاصة من حديث الإمام الحسن عليه السّلام عند خطبته بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام كما يأتي في الطائفة الثامنة.

و قال الإمام الحسين عليه السّلام:«ما ضرب أمير المؤمنين عليه السّلام بسيفه ذي الفقار أحدا فنجا،و كان اذا قاتل،قاتل جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ملك الموت بين يديه» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إنّ عليّا و الحسن كانا محدّثين» (4).

و في رواية:«عليا و الحسن و الحسين» (5).

و في رواية زاد:«و فاطمة كانت محدّثة» (6).

*أقول:الرواية مستفيضة في كون علي محدّثا (7).

و في الحديث الصحيح عن أبي الحسن عليه السّلام:«الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون» (8).

و قال العلاّمة المجلسي:الأخبار متواترة في انّهم عليهم السلام محدّثون (9).

و هو كما قال (10).

ص: 19


1- بصائر الدرجات:321 باب أن المحدث كيف صفته،و أصول الكافي:238/1 240 ح 1 و ما بعده.
2- الاختصاص:286/12.
3- أمالي الصدوق:414 مجلس 77 ح 9.
4- بصائر الدرجات:322 ح 6 و 12.
5- المصدر السابق.
6- بصائر الدرجات:372 ح 16.
7- راجع بصائر الدرجات:321 ح 3-4-7-8-11.
8- بصائر الدرجات:339 ج 7 باب 5 ح 1.
9- بحار الأنوار:141/25.
10- راجع أصول الكافي:270/1 باب أنّهم محدّثون ح 1-5،و كتاب سليم:227 و الإرشاد للمفيد:346/2 النص علي القائم،و بصائر الدرجات:319 باب أنّهم محدّثون،و بحار الأنوار:66/26 باب أنّهم-

هذا،و اعلم أنّ المراد بالمحدث في الروايات أنهم يحدثون عن اللّه تعالي،كما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان محدث قال:«إنه كان محدثا عن إمامه عليه السّلام لا عن ربه،لأنه لا يحدث عن اللّه إلاّ الحجة» (1).

الطائفة الثامنة:

أن علمهم عليهم السلام بواسطة الوحي و جبرائيل

منها:الحديث المتواتر عن الإمام الحسن عليه السّلام في أوّل خطبة خطبها بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«لقد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعطيه الراية فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره» (2).

*أقول:تقدّم في الطائفة السابعة انّه كان ينزل و يحدثه لا فقط نزل لنصرته،و أخرج أحمد نزول جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل للسلام علي علي ليلة بدر (3).

و تقدّم حديث الإمام الصادق عليه السّلام الصحيح السند في علمهم إنّه:«وحي كوحي أمّ موسي» (4).

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام:«إنه محدث كصاحب سليمان و موسي و ذي القرنين» (5).

و عنه عليه السّلام قال:«بيت علي و فاطمة من حجرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و سقف بيتهم عرش ربّ العالمين،و في قعر بيوتهم فرجة مكشوفة إلي العرش معراج الوحي،و الملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا و مساء،و في كل ساعة و طرفة عين،و الملائكة لا ينقطع فوجهم فوج ينزل و فوج يصعد.

و إنّ اللّه تبارك و تعالي كشط لإبراهيم عن السماوات حتي أبصر العرش،و زاد اللّه في قوّة

ص: 20


1- الوسائل:106/18 ح 33427 عن رجال الكشي:11 ح 2.
2- مجمع الزوائد:146/9 و:203 من البغية الرائد ح 14798،و الفضائل الخمسة:394/2-397 من طرق،و المعجم الأوسط:87/3 ح 2176،و مسند أبي يعلي:125/12 ح 6757 بسند صحيح:و مقاتل الطالبيين:62،و جواهر العقدين:317،و ذخائر العقبي:74.
3- فضائل الصحابة لأحمد:613/2 ح 1049،و ذخائر العقبي:69.
4- الاختصاص:286/12،و بصائر الدرجات:317 ح 10 باب ما يفعل بالإمام من النكت.
5- بصائر الدرجات:241 ج 7 ب 6 ح 3.

ناظره،و أنّ اللّه زاد في قوّة ناظرة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين،و كانوا يبصرون العرش و لا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش» (1).

*أقول:لا يتوهّم أحد ان كثرة نزول الملائكة هو حاجة آل محمّد عليهم السّلام إليهم،و إلاّ لفضّلوا عليهم،و هو خلاف الأدلّة و الإجماع من فضل آل محمد عليهم السّلام علي الملائكة و جبرئيل (2).

نعم،القول أنّهم سفراء اللّه تعالي لنقل أخبار أو تأكيدها،أو أي هدف آخر لا بأس به.

و إن كان الذي يقوي في النفس أنّها تنزل لخدمتهم أو للتبرّك بهم و بصبيانهم،و قد دلّت عليه بعض الروايات ليس هذا موضع تفصيلها (3).

منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحديث عن كثرة الملائكة:«و ما منهم أحد إلاّ و يتقرّب كل يوم إلي اللّه بولايتنا أهل البيت» (4).

و في رواية:«أنّ جبرئيل زيد في جماله لأنّه تشرّف و أصبح من آل محمّد عليهم السّلام» (5).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«قال جبرائيل:يا ربّ فإنّي أسألك بحقهم عليك إلاّ جعلتني خادمهم.

قال تعالي:قد جعلتك.

فجبرائيل عليه السّلام من أهل البيت و إنّه لخادمنا» (6).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«..فإنّ الملائكة لخدامنا» (7).

*أقول:تقدم في الكتاب الأول أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علم حملة العرش،و أنهم عليهم السّلام الذين علّموا الملائكة التسبيح و التقديس،و أنّ عليا عليه السّلام هو معلم جبرائيل،فكان له عليه حق التعليم (8).

*و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«إنّ فاطمة عليها السّلام مكثت بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم خمسة و سبعين يوما،و كان دخلها حزن شديد علي أبيها و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها علي أبيها،و يطيّب3.

ص: 21


1- كنز الفوائد:473،و بحار الأنوار:97/25 ح 71 باب الأرواح التي فيهم.
2- الروايات كثيرة في تفضيل آل محمّد عليهم،راجع بحار الأنوار:335/26 باب فضل النبي و أهل بيته علي الملائكة ح 1 إلي 24.
3- سوف يأتي تفصيل الكلام في التفاضل بين الأئمة و الملائكة.
4- بحار الأنوار:339/26 ح 5 باب فضل النبي و أهل بيته علي الملائكة.
5- بحار الأنوار:343/26 ح 15 باب فضل النبي و أهل بيته علي الملائكة.
6- بحار الأنوار:345/26 ح 17 باب فضل النبي و أهل بيته علي الملائكة.
7- كمال الدين 254/1 نص الله علي القائم.
8- راجع بحار الأنوار:345/26 باب فضل النبي و أهل بيته علي الملائكة/و الشفاء للقاضي عياض:170/1 -83.

نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه،و يخبرها بما يكون بعدها في ذريتها،و كان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة» (1).

و عنه عليه السّلام في رواية صحيحة رواها الكليني و الصفار حول الجامعة و الجفر و مصحف فاطمة عليها السّلام قال:«و إنّ عندنا لمصحف فاطمة،و ما يدريهم ما مصحف فاطمة؟!

قال:مصحف فيه مثل قرآنكم و ثلاث مرّات،و اللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد؛إنّما هو شيء أملاها اللّه و أوحي إليها».و بالهامش و في نسخة:«إملاء اللّه تعالي» (2).

و في رواية:«ما هو قرآن،و لكنه كلام من كلام اللّه أنزل عليها» (3).

و في ثالثة:«إنّما هو شيء ألقي عليها بعد موت أبيها صلوات اللّه عليهما» (4).

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام في حديث طويل:«هؤلاء أهل بيت أكرمهم اللّه بسرّه و شرّفهم بكرامته و أعزّهم بالهدي و ثبتهم بالوحي» (5).

و عنه عليه السّلام في حديث طويل:«و إليهم نفث(بعث)الروح الأمين.

و في رواية عن الإمام علي عليه السّلام في وصف الأئمّة:«و إليهم بعث الأمين جبرائيل» (6).

و كثرت الرواية عنهم انّهم:«مهبط الوحي» (7).

و في حديث:«نحن ولاة أمر اللّه و ورثة وحي اللّه» (8).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«فليذهب الحسن البصري يمينا و شمالا لا يوجد العلم إلاّ عند أهل العلم[أهل البيت]الذين نزل عليهم جبرائيل» (9).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فليشرق الحكم[بن عتيبة]و ليغرب،أما و اللّه لا يصيب العلم-و في رواية:لا يوجد-إلاّ من أهل بيت نزل عليهم جبرائيل» (10).م.

ص: 22


1- الكافي:241/1 ح 5 باب ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة،و بصائر الدرجات:153 ح 6،و بحار الأنوار: 195/46.
2- بصائر الدرجات:152 ح 3 باب أنّهم أعطوا الجفر و الجامعة،و أصول الكافي:238/1-240 ح 1 و ما بعده.
3- بصائر الدرجات:156 ح 14.
4- بصائر الدرجات:159 ح 27.
5- بحار الأنوار:251/26 ح 22 باب جوامع مناقبهم.
6- بحار الأنوار:255/26 ح 30 و 35،و مشارق أنوار اليقين:49.
7- بحار الأنوار:253/26 ح 26.
8- بحار الأنوار:260/26 ح 39.
9- بصائر الدرجات:10 ح 5 باب الأمر بطلب العلم منهم.
10- أصول الكافي:399/1 ح 4،و الوسائل:47/18 ح 33209،و بصائر الدرجات:9 ح 2-3 باب الأمر بطلب العلم من معدنهم.

و عن عمر بن يزيد قال:قلت:لأبي عبد اللّه عليه السّلام الذي أملاه جبرائيل علي علي عليه السّلام أقرآن هو؟

قال عليه السّلام:«لا» (1).

و يدلّ علي هذه الطائفة روايات نزول الملائكة عليهم و إتيانها بالأخبار إليهم (2).

بتقريب عدم انحصار الوحي بجبرائيل،أو لكون جبرائيل من الملائكة بالجملة،فنزولها عليهم نزول لجبرائيل عليهم السّلام.

و سوف يأتي في الطائفة التاسعة حديث:«انّ منّا لمن يعاين معاينة و إنّه خلق أعظم أو أكبر من جبرائيل و ميكائيل».

و هناك روايات كثيرة منها ما هو صريح في نزول جبرائيل و ميكائيل،و منها أنّهما تراءيا لهم (3).

*و ممّا يؤكّد هذه الطائفة قوله تعالي: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً ؛ وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ (4)، فقد ورد أنّهم المرادون بهذه الآية (5).

و منها:ما روي عن أبي جعفر عليه السّلام قال في قوله تعالي: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا قال أبو جعفر عليه السّلام:«يعني الأئمّة من ولد فاطمة يوحي إليهم بالروح في صدورهم» (6).

*أقول:بعد قراءتك لهذه الروايات المتكثرة،و قول العلماء بإمكان الوحي لغير الأنبياء،كأمّ موسي و مريم و غيرها (7)،يتّضح أنّ نسبة نفي الوحي عن آل محمّد عليهم السّلام إلي الشيخ الأجلّ المفيد غير صحيحة،جاء في كتابه أوائل المقالات:(و انّما منعت نزول الوحي عليهم و الايحاء بالأشياء إليهم، للاجماع علي المنع من ذلك و الإتفاق علي انّه من يزعم ان أحدا بعد نبيّنا يوحي إليه فقد أخطأ و كفر) (8).

فهو بعد اعترافه بالايحاء لامّ موسي منع الإيحاء لآل محمّد عليهم السّلام،مع الإعتراف انّه ممكن عقلا.

و سبب عدم صحّة هذه النسبة الروايات المتقدّمة.2.

ص: 23


1- بصائر الدرجات:157 ح 17 باب أنّهم أعطوا الجفر و الجامعة.
2- راجع بصائر الدرجات:90 إلي 95 باب دخول الملائكة عليهم.
3- بصائر الدرجات:233 باب أنّه تراءيا له جبرائيل و ميكائيل.
4- سورة الأنبياء،الآية:73.
5- راجع بحار الأنوار:157/24-158 باب انّهم خير أمّة أخرجت للناس ح 16-17-19-20.
6- بحار الأنوار:158/24 ح 21.
7- راجع قرّة العيون للكاشاني:397،و أوائل المقالات:68.
8- أوائل المقالات:68 القول 42.

و امّا تكفير من يقول به فغير صحيح،فكأنّه وقع إلتباس بين الإيحاء المساوي و المساوق للنبوّة،و بين الايحاء غير المساوي له،فالإجماع قائم علي حرمة الوحي بعد نبيّنا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم المساوق لنبوّة الموحي إليه،أمّا ادّعاء الوحي لغير الأنبياء كوحي أمّ موسي فهو خارج عن إجماعهم.

و لسنا في صدد إثبات كرامات لآل محمّد عليهم السّلام بسبب نزول الوحي عليهم،إذ ما نعتقد به أنّهم أفضل من جبرائيل الذي ينزل عليهم بالوحي،بل هم غير محتاجين إلي وحي جبرائيل لغناهم باللّه تعالي.

نعم إن كان المراد كونه واسطة بينهم و بين اللّه فالروايات أثبتت علي أنّهم كانوا يوافون العرش كل ليلة جمعة و لا يرجعون إلاّ بعلم مستفاد،و أنهم كانوا يحدّثون عن اللّه مباشرة و بغير وحي،كما يأتي في الطائفة العاشرة،فأية حاجة قد تدعي لنزول جبرائيل عليه السّلام عليهم عليهم السّلام؟!.

الطائفة التاسعة:

أنّ علمهم عليهم السلام بواسطة الروح

قال أبو حمزة:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العلم أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرجال،أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟

قال عليه السّلام:«الأمر أعظم من ذلك و أوجب،أما سمعت قوله تعالي: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ ...بلي قد كان في حال لا يدري ما الكتاب و لا الإيمان،حتي بعث اللّه تعالي الروح التي ذكر في الكتاب،فلما أوحاها إليه علم بها العلم و الفهم،و هي الروح التي يعطيها اللّه تعالي من شاء،فإذا أعطاها عبدا علّمه الفهم» (1).

*أقول:لا يستفاد من هذه الرواية أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان قبل النبوّة أو البعثة لا يدري ما الكتاب و الإيمان ذلك أنّ الرواية لم تحدّد متي أوحي اللّه تعالي إليه الروح التي علم بها،فلعلّه أوحاها إليه في عالم الأنوار كما تقدّم في الحديث المشهور:«نبئت و آدم بين الطين و الماء».

و عنه عليه السّلام في حديث صحيح في قوله تعالي: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا قال:

«خلق من خلق اللّه عزّ و جلّ أعظم من جبرائيل و ميكائيل كان مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يخبره و يسدّده،و هو مع الأئمّة من بعده» (2).

و في رواية جاءت بلفظ:«هو مع الأئمة يفقّههم» (3).

ص: 24


1- الكافي:273/1 ح 5 باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة.
2- الكافي:273/1 ح 1-2.
3- بصائر الدرجات:462 ح 8 باب الروح التي في قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ .

و في رواية زاد:«و هو من الملكوت» (1).

*أقول:روايات الروح الأمرية و أنّه مع الأئمّة كثيرة فلتراجع (2).

و في الحديث الصحيح عن علي بن الحسين عليهما السّلام عندما سئل بما تحكمون؟

قال عليه السّلام:«بحكم اللّه و حكم داود،فإذا ورد علينا شيء ليس عندنا تلّقانا به روح القدس».

و زاد في رواية:«تلّقانا به روح القدس و ألهمنا اللّه إلهاما».

و في ثالثة:«أنّ الأوصياء محدّثون يحدّثهم روح القدس و لا يرونه،و كان علي عليه السّلام يعرض ما يسأل عنه فيوجس في نفسه أن قد أصبت بالجواب،فيخبر فيكون كما قال» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:«أنّ اللّه خلق الأنبياء و الأئمّة علي خمسة أرواح:روح القوّة و روح الإيمان و روح الحياة و روح الشهوة و روح القدس،فروح القدس من اللّه،و سائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان،فروح القدس لا يلهو و لا يتغير و لا يلعب،و بروح القدس علموا-يا جابر-ما دون العرش إلي ما تحت الثري» (4).

و في رواية أبي عبد اللّه عليه السّلام زاد:«فإذا قبض النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إنتقل روح القدس فصار في الإمام، و روح القدس لا ينام و لا يغفل و لا يلهو و لا يسهو...و روح القدس ثابت يري به ما في شرق الأرض و غربها و برّها و بحرها».

قلت:جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده؟

قال:«نعم،و ما دون العرش» (5).

و عن علي بن موسي الرضا عليه السّلام قال:«إنّ اللّه أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك،لم تكن مع أحد ممن مضي إلاّ مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و هي مع الأئمّة منّا تسدّدهم و توفقّهم،و هو عمود من نور بيننا و بين اللّه» (6).

و عن الإمام العسكري عليه السّلام:«هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقّهم و يسدّدهم و يزيّنهم بالعلم» (7).2.

ص: 25


1- الكافي:273/1 ح 1-2.
2- بصائر الدرجات:455 ح 1 إلي 15 باب الروح التي قال الله: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا... و 458 ح 1 إلي 5 الباب الذي يليه و 460 ح 1 إلي 12 الباب الذي يليه و 463 ح 1 إلي 4 الباب الذي يليه.
3- بصائر الدرجات:451-452-453 ح 3 و 6 و 9 باب ان روح القدس يتلقاهم.
4- بصائر الدرجات:454 ح 12-13.
5- المصدر السابق.
6- عيون أخبار الرضا:200/2 باب 46 ح 1.
7- الأنوار النعمانية:18/2.

الطائفة العاشرة:

اشارة

أنّ علمهم بلا واسطة بل من اللّه بالمباشرة

*و يدل عليه آيات و روايات:

فمن الآيات:

قوله تعالي: فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي .

فعن جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام في قوله تعالي: فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي قال:

«أوحي إليه بلا واسطة».

و نحوه عن الواسطي (1).

و في تفسير القمّي: فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي قال:«وحي مشافهة» (2).

و منها قوله تعالي: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (3).

و قوله تعالي: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوي (4).

و هذا نص صريح أنّ الذي علّمه هو اللّه تعالي بالمباشرة،و قد تقدّم الكلام فيهما في العلم اللدني فراجعه.

و منها قوله تعالي: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (5)

و قد تقدّم حديث الإمام الباقر في تفسيرها بقوله:«علم الإمام،و وسع علمه الذي هو من علمه كل شيء» (6).

و هو صريح في المباشرية في العلم.

و منها قوله تعالي: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً .

وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ .

و سوف يأتي في علم الغيب شرحهما.

و منها قوله تعالي: اَلرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ .

و تقدّم الكلام فيها في العلم اللدني.

ص: 26


1- الشفا:202/1 فصل في قوله(فأوحي إلي عبده)،و تاريخ الخميس:312/1 قصة المعراج.
2- تفسير الميزان:34/19،و تفسير نور الثقلين:152/5 و تفسير القمي:334/2 مورد الآية.
3- سورة النساء،الآية:113.
4- سورة النجم،الآية:5.
5- سورة الأعراف،الآية:156.
6- نور الثقلين:78/2 ح 288.

و من الروايات:

ما تقدّم«إنّ منّا لمن يعاين معاينة» (1).

و منها ما قاله الصادق عليه السّلام:«إنّ منّا لمن يعاين معاينة،و إنّ منّا لمن ينقر في قلبه كيت و كيت، و إنّ منّا لمن يسمع كما يقع السلسلة كلّه يقع في الطست».

قال:قلت:فالذين يعاينون ما هم؟

قال:«خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل» (2).

فعلي أن المعاينة لغير جبرائيل عليه السّلام تكون علي وزان روايات:«فأوحي اليه وحي مشافهة».

و عن معاذ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«سبق العلم و جفّ القلم و مضي القدر بتحقيق الكتاب و تصديق الرسل».

إلي أن قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«عن اللّه أروي حديثي:إنّ اللّه تبارك و تعالي يقول يابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء» (3).

و عن عبد اللّه بن عمر قال:«إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يروي حديثه عن اللّه عزّ و جل» (4).

و قد عنون البخاري في صحيحه عنوانا:«باب ذكر النبي و روايته عن ربه».

و أخرج ثلاثة أحاديث:

عن قتادة عن أنس عن النبي يرويه عن ربه قال:«اذا تقرّب العبد الي شبرا تقرّبت اليه ذراعا» (5).

و عن محمد بن زياد نحوه قال:«..عن النبي يرويه عن ربكم..» (6).

و عن ابن عباس عن النبي فيما يرويه عن ربه قال«لا ينبغي لأحد أن يقول إنه خير من يونس» (7).

قال القسطلاني بعد ذكر هذه الأحاديث الثلاثة:(قال الكرماني:الرواية عن الربّ أعم من أن

ص: 27


1- و يراجع بصائر الدرجات:231 ح 1 و ما بعده باب أنّهم يخاطبون و يسمعون الصوت.
2- بصائر الدرجات:231 باب أنّهم يخاطبون و يسمعون الصوت ح 1.
3- كتاب التوحيد للصدوق:343-344 باب 55 المشيئة ح 13.
4- كتاب التوحيد للصدوق:340 ح 10.
5- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:595/15 كتاب التوحيد-باب ذكر النبي و روايته عن ربه،و فتح الباري شرح صحيح البخاري:626/13 ح 7536 كتاب التوحيد-باب ذكر النبي و روايته عن ربه.
6- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:597/15 كتاب التوحيد-باب ذكر النبي و روايته عن ربه.
7- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:597/15 كتاب التوحيد-باب ذكر النبي و روايته عن ربه.

تكون قرآنا أو غيره بالواسطة أو بدونها،لكن المتبادر إلي الذهن المتداول علي الألسنة كان بغير الواسطة) (1).

و ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني قول الكرماني بلفظ:(الرواية عن الربّ أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بدون الواسطة،و إنّ كان المتبادر هو ما كان بغير الواسطة و اللّه أعلم) (2).

و قال القاضي عياض:إعلم أنّ اللّه جلّ اسمه قادر علي خلق المعرفة في قلوب عباده و العلم بذاته و أسمائه و صفاته و جميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء (3).

و قال الإمام الجواد عليه السّلام لمن سأله عن كيفية العلم بالغيب:«نحن من علم اللّه علمنا،و عن اللّه نخبر» (4).

و عن سالم بن أبي حفصة قال:لما هلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام قلت لأصحابي:

إنتظروني حتي أدخل علي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام فأعزّيه به.

فدخلت عليه فعزّيته ثم قلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،ذهب و اللّه من كان يقول:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم»فلا يسأل عن من بينه و بين رسول اللّه،لا و اللّه لا يري مثله أبدا.

قال:فسكت أبو عبد اللّه عليه السّلام ساعة ثم قال:«قال اللّه تعالي:أنّ من عبادي من يتصدّق بشق تمرة فأربيها له».

فخرجت إلي أصحابي فقلت:ما رأيت أعجب من هذا،كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السّلام:

«قال رسول اللّه..»بلا واسطة،فقال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«قال اللّه تعالي..»بلا واسطة (5).

*أقول:لا يقال غاية الحديث أنّ الإمام الباقر عليه السّلام لم يكن يسأل عن سلسلة الحديث و رواته عن رسول اللّه و ذلك لصدقه فكذلك الإمام الصادق عليه السّلام.

لأنّا نقول:إنّ صدق الإمام الباقر عليه السّلام و عدم اتّهامه علي أحاديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من الامور المسلّمة خاصة عند الشيعة،بل الأمر كذلك في كل أهل البيت عليهم السّلام.

فليس لكلامه محصّل،لأنّ الإمام علي عليه السّلام لا يسأل عن الواسطة و الحسن و الحسين و زين7.

ص: 28


1- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:599/15 كتاب التوحيد-باب ذكر النبي و روايته عن ربه.
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري:613/13 ح 7540 كتاب التوحيد-باب ذكر النبي و روايته عن ربه.
3- الشفا:249/1 الباب الرابع.
4- الهداية الكبري:304 باب 11.
5- بحار الأنوار:337/47 ح 12 باب أحوال أصحابه و أهل زمانه عليهم السّلام عن أمالي الطوسي:78،و أمالي المفيد:354 ذيل الكتاب مجلس 42 ح 7.

العابدين عليهم السّلام كذلك،و هكذا بقيّة الأئمّة،لذا لا بدّ أن يحمل قول الراوي:«بلا واسطة»انّه كان يعتقد أنّ الإمام الباقر عليه السّلام يروي مباشرة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و هكذا في الإمام الصادق عليه السّلام فإنّه يروي عن اللّه بلا واسطة و لا يتّهم بذلك.

و سوف يأتي رواية النبي الاعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن اللّه بلا واسطة.

-و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حديث المناجاة المشهور قال لمن اعترض عليه كيف يناجي يوم الطائف عليا عليه السّلام:«ما أنا انتجيته بل اللّه تعالي انتجاه» (1).

و في بعض الروايات:«بل اللّه ناجاه» (2).

و في رواية:«ما أنا بمناجي له،إنّما يناجي ربّه» (3).

و عن حمران بن أعين قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك بلغني أنّ اللّه تبارك و تعالي قد ناجي عليّا عليه السّلام.

قال عليه السّلام:«أجل قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبرئيل» (4).

و في رواية عن أبي رافع عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«نعم يا رافع،إنّ اللّه ناجاه يوم الطائف و يوم عقبة تبوك و يوم حنين-و في نسخة:خيبر» (5).

و عنه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه لعلي:إنّ اللّه يوصيك و يناجيك.

قال:فناجاه يوم براءة قبل الصلاة الاولي إلي صلاة العصر» (6).

و عنه عليه السّلام:«إنّ اللّه ناجي عليّا يوم غسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم» (7).

*أقول:و الروايات كثيرة في مناجاة اللّه لعلي عند الفريقين فلا تغفل،بل تكاد تصل إلي حد التواتر.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«و الإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل.

فهو في البقية من إبراهيم...و الرضي من اللّه،و القول عن اللّه» (8).8.

ص: 29


1- الإرشاد:153/1 اعتراض عمر علي النبي في مناجاته عليا،و العمدة:361 ح 701 إلي ح 706،و المعجم الكبير للطبراني:186/2 ح 1756،و مناقب ابن المغازلي:95 ط.الحياة،و ط.طهران:124 ح 162 إلي 166.
2- العمدة:361 ح 701،و مناقب ابن المغازلي:95 ط.الحياة،و ط.طهران:124 ح 162.
3- بصائر الدرجات:410 ح 2 باب ان الله ناجاه بالطايف.
4- بصائر الدرجات:410 ح 1.
5- بصائر الدرجات:411 ح 5.
6- بصائر الدرجات:411 ح 6.
7- بصائر الدرجات:411 ح 7.
8- بحار الأنوار:172/25 ح 38.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«نحن من شجرة طيبة برأنا اللّه من طينة واحدة فضلنا من اللّه، و علمنا من عند اللّه» (1).

و يؤيده ما تقدّم في الجهة الثالثة عروج الإمام عليه السّلام كل ليلة جمعة إلي العرش و لا يرجع إلاّ بعلم مستفاد.

و قال الحسن عليه السّلام لعائشة عندما سألته كيف عرفت ما كان بيني و بين النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال:«هذا من علم اللّه» (2).

و في الروايات ما يقول:«إنّ اللّه أعطاه علمه»و نحوها من التعابير (3).

و تقدّمت رواية مصحف فاطمة عليها السّلام الصحيحة الذي فيها:«هو شيء أملاها اللّه و أوحي إليها»، و في رواية:«و لكنه كلام من كلام اللّه أنزل عليها» (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ للّه عامودا من نور حجبه اللّه عن جميع الخلائق،طرفه عند اللّه و طرفه الآخر في أذن الإمام،فإذا أراد اللّه شيئا أوحاه في أذن الإمام» (5).

و في لفظ:«هو عامود من نور بيننا و بين اللّه» (6).

*أقول:و روايات عامود النور الذي بين الإمام و بين اللّه كثيرة تقدّم بعضها،و كلها تفيد أن لا واسطة بين اللّه تعالي و بين الإمام عليه السّلام في الإستلهام من العلم الملكوتي (7).

و عن علي بن موسي الرضا عليهما السّلام قال:«إنّ اللّه أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك،لم تكن مع أحد ممن مضي إلاّ مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و هي مع الأئمّة منّا تسدّدهم و توفقّهم،و هو عمود من نور بيننا و بين اللّه» (8).

فهنا فسّر العامود بالروح.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له:«إنّا أهل بيت من علم اللّه علمنا و من حكم اللّه الصادق قلنا،و من قول الصادق سمعنا» (9).8.

ص: 30


1- بحار الأنوار:363/25 ح 23 باب أنّه جري لهم من الفضل ما جري للرسول.
2- الهداية الكبري:198 ذيل باب 4.
3- بحار الأنوار:152/25 ح 25 باب جامع في صفات الإمام،و بصائر الدرجات:442 ح 4.
4- بصائر الدرجات:152 ح 3 باب أنّهم أعطوا الجفر و الجامعة و ح 14.
5- بصائر الدرجات:439 ح 1 باب ما يفعل بالأئمة بذكر العامود و النور.
6- عيون أخبار الرضا:200/2 باب 46 ح 1.
7- راجع بصائر الدرجات:440 إلي 443 ح 2 إلي 9.
8- عيون أخبار الرضا:200/2 باب 46 ح 1.
9- كتاب سليم:159،و المسترشد:561 ح 238.

الترجيح بين الطوائف العشر

هذه مجموع الروايات التي تتحدّث عن مصدر و منبع علم آل محمّد،و كما عرفت إخترنا منها ما يدل علي المقصود و صنّفناها علي طوائف عشر خلاصتها:أنّ منبع و مصدر علمهم:

1-القرآن.

2-ليلة القدر.

3-عامود النور.

4-وراثة من النبي.

5-القذف و النقر.

6-الإلهام.

7-التحديث.

8-الوحي و جبرائيل.

9-الروح.

10-من اللّه مباشرة.

و الذي يقوي في النفس أنّ أرجح الإحتمالات هو الإحتمال العاشر،و ذلك لأمور:

أنّ روايات بابه كثيرة تصل بمجموعها مع تأييدها بالآيات إلي حد التواتر المعنوي.

و أيضا هذا الإحتمال يتناسب مع ما تقدّم من الأبحاث السابقة،فمثلا في الجهة الرابعة رجحنا أنّ علمهم لدني،و هذا يتناسب مع الإحتمال العاشر و لا يتناسب مع البقية،إلاّ إذا أرجعنا بعضها إلي الإحتمال العاشر،كالقذف و الإلهام و التحديث و الوحي و الروح،فعلمهم يكون من اللّه مباشرة، و لكن المباشرية تريد لا أقل ما يدل عليها أو يشير إليها،فيكون القذف و الإلهام و التحديث و نحوها إشارة إلي أنّ علمهم من اللّه تعالي.

و كذلك بالنسبة للجهة الخامسة الآتية،فإنّ المرجح فيها أنّ علمهم حصل دفعة واحدة لا علي دفعات،و هو لا يتناسب إلاّ مع الإحتمال العاشر.

و عليه فتكون نفس الأدلّة التي دلّت علي أنّ علمهم لدني و دفعة واحدة،دليلا علي أنّ علمهم من اللّه تعالي بلا توسط معلم.

و من هنا لا بدّ من توجيه بقية الإحتمالات،و تفسير قول النبي و أهل بيته عليهم السّلام في التركيز علي القرآن و الوحي و انتظار جبرائيل و نحوها من الأمور.

ص: 31

-أمّا روايات القرآن الكريم،فممّا لا شكّ فيه أنّ النبي و أهل بيته لا بدّ أنّ يركّزوا علي الدستور و القانون الأساسي للإسلام،و كونه دستورا كاملا شاملا كما قال تعالي: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (1)و سوف يأتي في الجهة السادسة أنّ القرآن فيه كل العلوم التي عند آل محمّد عليهم السّلام،و هو لا ينافي أنّ علمهم من اللّه العزيز القدير.

و الدليل علي ذلك ان الأئمّة عندما كانوا يسألون عن علمهم،كانوا يقولون:نعلم ما كان و يكون،فإذا اعترض عليهم أو لم يتحمّله البعض،قالوا:علمناه من كتاب اللّه (2).

و قد تقدّمت هذه الروايات في الجهة الأوّلي.

-و أمّا روايات أنّ علمهم من ليلة القدر،فإنّهم كانوا يسألون عن ليلة القدر علي من تنزل و ما هي؟.

فيجيب الإمام عليه السّلام:إنّها تنزل بأمر كل شيء أو مقادير تلك السنة،فيسألون علي من تنزّل؟

أي من الأولي الذي تنزل عليه ليلة القدر.

فكان الإمام عليه السّلام يقول علي آل محمّد أو علي إمام الزمان.

لذا نجد في بعضها قال الإمام عليه السّلام:«من تري يا عاجز!!»كما قدّم.

و يحتمل أن الإمام أراد أنّ يثبت إمامتهم بليلة القدر،و أنّ الذي تنزل عليه ليلة القدر و يعلم كل أمر حكيم هو الإمام المفترض الطاعة،و هو منحصر بآل محمّد عليهم السّلام،فتكون من ضمن الأدلّة علي إمامتهم.

هذا و يحتمل أيضا أنّ السائل لم يكن ليتحمّل أكثر من هذا الجواب ليعطيه الإمام عليه السّلام.

-أمّا روايات عامود النور،فهي أمّا ترجع إلي الوحي،و إمّا إلي الروح،كما في رواية الإمام الرضا عليه السّلام في الطائفة التاسعة (3).

و إمّا إلي الإحتمال العاشر الصحيح،لأنّ العامود من نور كناية عن طريقة إرسال اللّه عزّ و جلّ العلم لآل محمّد عليهم السّلام.

بل روايات العامود دليل علي الإحتمال العاشر،لأنها تنفي وجود الواسطة بين الإمام و بين مصدر علم الباري عز و جل،فتأمّل.1.

ص: 32


1- سورة الأنعام،الآية:38.
2- راجع الكافي:261/1،و بصائر الدرجات:128.
3- قال عليه السّلام:«إن الله أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك،لم تكن مع أحد ممن مضي إلاّ مع رسول الله،و هي مع الأئمّة منّا تسدّدهم و توفقّهم،و هو عمود من نور بيننا و بين اللّه»عيون أخبار الرضا:/2 200 باب 46 ح 1.

-و أمّا روايات الوراثة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فهي للتأكيد علي أنّهم أولي برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من غيرهم،لذا كانوا يستدلّون علي إمامتهم و أولويتهم بسلاح رسول اللّه و بعض مختصّاته،و ذلك للتأكيد علي القرب من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و المسألة واضحة لمن تأمّل كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في احتجاجه علي أبي بكر و عمر يوم البيعة،أو احتجاجه يوم الشوري (1).

-و أمّا روايات القذف،فهي إمّا ترجع للإلهام،و امّا للاحتمال العاشر،لأنّ القذف عبارة عن الطريق لوصول علم اللّه إلي آل محمّد عليهم السّلام.

-و أمّا روايات الإلهام و التحديث فهي مؤيّدة للاحتمال العاشر،إذ الإلهام لا يكون إلاّ من اللّه مباشرة،و كذلك كونهم محدّثين كما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان محدث قال:«إنه كان محدثا عن إمامه عليه السّلام لا عن ربه،لأنه لا يحدث عن اللّه إلاّ الحجة» (2).

-و أمّا روايات الوحي و جبرائيل،فمن المسلّم بالنسبة لروايات أهل البيت عليهم السّلام أن يقولوا ان علمهم من الوحي و جبرائيل،لأنّ علم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من جبرائيل أو من الوحي بنصّ القرآن إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (3)نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلي قَلْبِكَ (4)و لن يكون آل محمّد بأفضل من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و عليه فالكلام لا بدّ أن ينصبّ علي سبب إبراز علم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّه من الوحي و جبرائيل فنقول:

*كانت الناس في الجاهلية الجهلاء،و لن تتحمّل نسبة العلم إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بلا توسط الوحي بينه و بين اللّه،إمّا لأنّ العادة ان الأنبياء يوحي إليهم.

و امّا لقرب عهدهم بالجاهلية و عدم معرفتهم المعرفة الحقيقية للنبي الأعظم،حتي انّهم كانوا ينادونه من وراء الحجرات باسمه.

و هم،مع أنّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أبرز لهم مسألة الوحي،كذّبوه و قالوا:هذا من عنده،أو من عند سلمان الفارسي.

فكيف لو لم يبرز لهم الوحي و جبرائيل عليه السّلام!؟.

و ما يشير إلي ذلك أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عندما كان يأتيه الوحي،كان يقول جاء جبرائيل،و ذهب جبرائيل،و أخبرني جبرائيل عن اللّه تعالي،و ما شابه ذلك،و ما ذاك إلاّ للتأكيد أنّ هناك إلها و دينا و إسلاما و رسالة من السماء.3.

ص: 33


1- كما يأتي في الكتاب الخامس.
2- الوسائل:106/18 ح 33427 عن رجال الكشي:11 ح 2.
3- سورة النجم،الآية:4.
4- سورة الشعراء،الآية:193.

و من هنا نفهم الآيات و الروايات التي تحدّثنا أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يكن يعطي الجواب حتي ينزل الوحي،فهو كان يعلم الجواب،و لكن يريد أن يغرز في نفوسهم فكرة الوحي من السماء.

قال تعالي: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضي إِلَيْكَ وَحْيُهُ (1).

فالنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قبل أن ينقضي الوحي من السماء عليه،كان مستعدا أن يقرأ علي الناس القرآن،بل تقدم علمه للقرآن منذ عالم الأنوار.

و نسبة العجلة للنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يكن المراد بها حتي أن التوقيت غير مناسب،بل لإبراز أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يعلم بالقرآن و آياته قبل أن ينزل عليه جبرائيل،و بالتالي تكون الآية دليلا علي ما نذكره و ذكرناه سابقا أن جبرائيل كان يذكره بالقرآن تذكيرا لا يجتمع مع النسيان.

ان قيل:يحتمل في الآية ان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يستعجل بالقرآن فيتلو الآية الاولي أو مطلعها قبل أن يكملها جبرائيل أو قبل أن ينتهي من السورة.

قلنا:فعل النبي الاعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم هذا إما مع التفاته إلي بقية الآيات التي يكملها جبرائيل،و إما مع عدم التفاته لها.

فعلي الاول لا معني للنهي عن العجلة.

و علي الثاني يكون النبي مفوتا للوحي و مضيعا لبعض الايات،و لا قائل به إلاّ من سفه قوله.

قال الشيخ الطبرسي في الآية:لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كرّرها عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة،ألهاهم حبّ العاجلة فاحتاجوا إلي زيادة تنبيه و تقرير (2).

و قال سيد المفسرين:و يؤول المعني إلي أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد،لأن عندك علما في الجملة،لكن لا تكتف به و اطلب من اللّه علما جديدا بالصبر و استماع بقية الوحي.و هذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولا دفعة واحدة غير نزوله نجوما علي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلو لا ما علم منه بالقرآن قبل ذلك لم يكن لعجله بقراءة ما لم ينزل منه بعد معني (3).

و قد أبطل السيد الطباطبائي نسبة عجلة النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في القراءة قبل انتهاء جبرائيل (4).

*أقول:عندي أن معني الآية:أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يقرأ القرآن علي الناس أو كان يبلغ بعض أحكامه و معانيه للناس مرة واحدة،و ذلك قبل أن ينزل الوحي عليه به و قبل أن ينقضي إليه،فجاء الخطاب الإلهي ليقول:لا تعجل في تبليغ القرآن،و أبلغه للناس حتي قبل نزول جبرائيل به،أبلغهم6.

ص: 34


1- سورة طه،الآية:114.
2- مجمع البيان:603/10 مورد الآية-سورة القيامة:16.
3- تفسير الميزان:215/14 مورد الآية-سورة طه:114.
4- تفسير الميزان:110/20 مورد الآية-سورة القيامة:16.

إياه بالتأني ليفهموه و يعملوا به،و لك أن تقرأه عدة مرات علي الناس و لا داعي للعجلة و الإقتصار علي المرة،فإنّ قلوبهم لم تلن بعد،و اشكر اللّه(و قل ربّ زدني علما)لما أتاك علم القرآن قبل أن ينزل به جبرائيل.

و بذلك ننفي محذور نسبة العجلة إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و يشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول اللّه قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّي فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني (1)قال:و سألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف و لا تحديد،فوجدت بردها بين ثديي فأورثني علم الأولين و الآخرين و علمني علوما شتي، فعلم أخذ علي كتمانه إذ علم أنه لا يقدر علي حمله أحد غيري،و علم خيرني فيه،و علمني القرآن فكان جبريل عليه السّلام يذكرني به،و علم أمرني بتبليغه إلي العام و الخاص من أمتي.

وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضي إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (2) .

و تقدم الحديث الشريف:«في قاب قوسين علمني اللّه القرآن و علمني اللّه علم الأولين» (3).

*هذا الهدف من التركيز علي جبرائيل،و رأينا كيف أنّ النبي مع نصّ القرآن أنّه وَحْيٌ يُوحي نجد أنّ عمر و من يدين بدينه،كيف كذّبوا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم الوفاة و قالوا:إنّ الرجل ليهجر (4).

فكيف لو لم يكن التركيز علي الوحي و جبرائيل؟

و الخلاصة:التأمّل في صحابة النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و عدم اعتقادهم في كثير من الأمور الغيبية يجعل النبي الأعظم لا يصرّح بكل علمه و حقيقة حاله.

و تقدم في هذا الكتاب سبب إخفاء النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم للعلم الرباني.

-أمّا روايات الروح فيجري فيها ما جري في جبرائيل أو تكون إشارة إلي الطريق و الواسطة لعلم اللّه تعالي.

لذا قال أبو جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (5)يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحي إليهم بالروح في صدورهم» (6).

فجعل الروح واسطة للوحي النازل علي الصدور.

و بالجملة فأرجح الطوائف الطائفة العاشرة التي تعني أن علم آل محمد من اللّه تعالي مباشرة.1.

ص: 35


1- سورة النجم،الآية:8-9.
2- المواهب اللدنية:381/2-382 بحث الإسراء و المعراج-الربع الأخير منه،و لوامع أنوار الكوكب الدري:118/1 بتفاوت.
3- لوامع أنوار الكوكب الدري:117/1-118.
4- كما يأتي مفصلا.
5- سورة الأنبياء،الآية:73.
6- بحار الأنوار:158/24 ح 21.

كيفية حصول علم آل محمد عليهم السّلام

و هو مردّد بين حصوله لأهل البيت بشكل تدريجي يوما بيوم أو ساعة بساعة،و بين حصوله دفعة واحدة.

و يدلّ علي الإحتمال الأوّل طائفة من الروايات منها:

ما رواه أبو بصير قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام بما يعلم عالمكم جعلت فداك؟

قال عليه السّلام:«يا أبا محمد إنّ عالمنا لا يعلم الغيب و لو وكل اللّه عالمنا إلي نفسه كان كبعضكم، و لكن يحدّث إليه ساعة بعد ساعة» (1).

و في رواية عنه عليه السّلام:«ما من ليلة جمعة إلاّ وافي رسول اللّه العرش و وافي الأئمة و وافيت معهم،فما ارجع إلاّ بعلم مستفاد،و لو لا ذلك لنفذ ما عندي» (2).

و في ثالثة:«لو لا أنّا نزداد لأنفدنا» (3).

و نحو ذلك من الروايات (4).

*أقول:و يدل عليه أيضا ما تقدّم من أن منبع علمهم عامود النور أو ليلة القدر،و كذلك ما دلّ علي أنّ علمهم كسبي حصولي.

فهذه الروايات تفيد أن حصول العلم عندهم عليهم السّلام كان بشكل تدريجي.

أمّا الإحتمال الثاني-كونه دفعة واحدة-فيدل عليه ما تقدّم من روايات أنّ علمهم عليهم السّلام لدني، لبداهة ان حصوله دفعة واحدة من الباري عزّ و جلّ.

و يدل عليه أيضا ما تقدم في زمان علمهم،و أنّه في عالم الأنوار و قبل الخلق.

و أيضا ما يأتي في الطائفة السادسة من علمهم بما هو كان و يكون،أو علمهم بالغيب،أو علمهم بما في اللوح المحفوظ،فإنّ كل هذه الطوائف تستلزم أنّ يكون حصول العلم لآل محمّد عليهم السّلام دفعة واحدة و تنفي كونه تدريجيا كسبيا.

و عليه:فهذا الإحتمال هو المتعيّن لتناسبه مع الإحتمالات الصحيحة المتقدّمة في الجهات، و مع الإحتمالات الصحيحة أيضا الآتية في بقية الجهات.

ص: 36


1- بصائر الدرجات:325 باب ما يلقي شيء بعد شيء ح 2.
2- الكافي:254/1 باب انّهم يزدادون في ليلة الجمعة ح 3.
3- الكافي:254/1 باب الازدياد ح 1-2.
4- الكافي:253/1-254 أبواب الازدياد،و بحار الأنوار:86/26 إلي 97 ح 1 إلي 37 باب الازدياد، و بصائر الدرجات:130-392-324.

امّا الإحتمال الأوّل فإنّه لا يتناسب مع شيء منها،فهو لا يتناسب مع كون زمن علمهم كل علمهم عالم الأنوار،و لا مع كونه لدنيا،و لا مع كون منبعه اللّه تعالي و وحيه.

و سبب إبراز الأئمة للتدرّج بالعلم:إمّا للتأكيد علي عبوديتهم و احتياجهم للّه تعالي.

و إمّا لعدم تحمّل السامعين لأكثر من ذلك.

و إمّا لإبراز علاقتهم باللّه،و أنّها مستمرة يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة.

و إمّا للتأكيد علي عروجهم إلي عرش الرحمن عزت الآؤه للزيادة كل ليلة جمعة الدال علي الربط المعنوي باللّه تعالي.

هذا و قد تكون المسألة أعمق من ذلك،و هو حاجة الممكنات لواجب الوجود،و أنّ الممكن في كل آن آن يحتاج إلي الفيض الدائم من الواجب تعالي و لو لاه لما كان: كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (1).

فيكون الهدف أنهم يبرزون أمرا توحيديا.

***

الإمام الكاظم عليه السّلام في الصغر

و عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صاحب هذا الأمر يعني بعده عليه السّلام فقال:

صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب،و أقبل أبو الحسن عليه السّلام و هو صغير و معه بهمة (2)و يقول لها:

اسجدي لربّك فأخذه أبو عبد اللّه عليه السّلام و ضمّه إلي صدره و قال:بأبي و أمّي من لا يلهو و لا يلعب (3).

بشائر المصطفي عن أبي السرّاج قال:دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو واقف علي رأس أبي الحسن موسي و هو في المهد فجعل يساره طويلا فلمّا فرغ قال:أدن إلي مولاك فسلّم عليه فسلّمت عليه فردّ عليّ بلسان فصيح ثمّ قال لي:إذهب فغيّر إسم ابنتك التي سمّيتها أمس فإنّه اسم يبغضه اللّه و كانت ولدت لي بنت فسمّيتها بالحميراء فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنته إلي أمره ترشد فغيّرت اسمها (4).

و عن الرضا عليه السّلام أنّ موسي بن جعفر عليه السّلام تكلّم يوما بين يدي أبيه عليه السّلام فأحسن فقال له:يا بني الحمد للّه الذي جعلك خلفا من الآباء و سرورا من الأبناء و عوضا من الأصدقاء (5).

ص: 37


1- سورة الإسراء،الآية:20.
2- عناق مكية(في بعض النسخ).
3- الكافي:311/1 ح 15،و البحار:19/48 ح 27.
4- الكافي:310/1 ح 11،و مناقب آل أبي طالب:407/3.
5- مسند الإمام الرضا:154/1 ح 217،و عيون الأخبار:127/2.

و عن عيسي شلقان قال:دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا أريد أن أسأله عن أبي الخطّاب فقال لي مبتدئا قبل أن أجلس قال عليه السّلام:يا عيسي ما منعك أن تلقي ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسي:فذهبت إلي العبد الصالح و هو قاعد في الكتاب و علي شفتيه أثر المداد فقال لي مبتدئا:يا عيسي إنّ اللّه أعار قوما الإيمان زمانا ثمّ سلبهم إيّاه و أنّ أبا الخطّاب ممّن أعير الإيمان ثمّ سلبه اللّه فقبّلت ما بين عينيه.

فقلت:بأبي أنت و أمّي ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم.

ثمّ رجعت إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام و حكيت له و علمت أنّه صاحب هذا الأمر بعد أبيه (1).

و في مشارق الأنوار عن صفوان بن مهران قال:أمرني سيّدي أبو عبد اللّه عليه السّلام يوما أن أقدّم ناقته إلي باب الدار فجئت بها فخرج أبو الحسن موسي عليه السّلام مسرعا و هو ابن ستّ سنين فاستوي علي ظهر الناقة و أثارها و غاب عن بصري فقلت:إنّا للّه و انّا إليه راجعون و ما أقول لمولاي إذا خرج يريد الناقة فلمّا مضي من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنّها شهاب و هي ترفض عرقا فنزل عنها و دخل الدار فخرج الخادم و قال:أعد الناقة مكانها و أجب مولاك ففعلت ما أمرني فدخلت عليه فقال:يا صفوان إنّما أمرتك بإحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن.

فقلت في نفسك:كذا و كذا،فهل علمت يا صفوان أين بلغ عليها في هذه الساعة إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين و جاوزه أضعافا مضاعفة و أبلغ كلّ مؤمن و مؤمنة سلامي (2).

و سأله أبو حنيفة و هو صغير السنّ فقال:ممّن المعصية؟

فقال:إنّ المعصية لا بدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعا فإن كانت من اللّه تعالي فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولي بإنصاف عبده الضعيف و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجّه النهي و له حقّ الثواب و العقاب و وجبت الجنّة و النار فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (3)الآية (4).

و روي عن أبي حنيفة قال:أتيت الصادق عليه السّلام لأسأله عن مسائل فقيل لي:نائم فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيّا جميل المنظر ذا هيئة حسنة قالوا:هذا موسي بن جعفر.

فقلت:يابن رسول اللّه ما تقول في أفعال العباد ممّن هي؟8.

ص: 38


1- البحار:40/5.
2- البحار:100/48،و مدينة المعاجز:174/6.
3- سورة آل عمران،الآية:34.
4- دلائل الإمامة:23،و البحار:106/48.

فجلس ثمّ تربّع و جعل كمّه الأيمن علي الأيسر و قال:يا نعمان قد سألت فاسمع و إذا سمعت فعه و إذا وعيت فاعمل:إنّ أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال امّا من اللّه بانفراده أو من اللّه و العبد شركة أو من العبد بانفراده فإن كانت من اللّه بانفراده فما له سبحانه يعذّب عبده علي ما لم يفعله مع عدله و رحمته و حكمته،و إن كانت من اللّه و العبد شركة فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه علي ما قد شركه فيه و أعانه عليه فاستحال الوجهان.

يا نعمان قال:نعم.

فقال له:فلم يبق إلاّ أن يكون من العبد علي انفراده ثمّ أنشأ يقول شعرا:

لم تخل أعمالنا الّتي تدم بها إحدي ثلاث خصال حين تبديها

إما تفرّد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنها حين نأتيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها (1)

و روي أن قوما من اليهود قالوا للصادق عليه السّلام:أي معجز يدل علي نبوة محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال:كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما اعطي من الحلال و الحرام و غيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه.

فقال اليهود:كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت؟

فقال لهم موسي بن جعفر عليهما السّلام-و هو صبي و كان حاضرا-:و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسي أنها علي ما تصفون؟

قالوا:علمنا ذلك بنقل الصادقين.

قال لهم موسي بن جعفر عليهما السّلام:فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه اللّه تعالي من غير تعليم و لا معرفة عن الناقلين.

فقالوا:نشهد أن لا إله إلا اللّه،و أنّ محمدا رسول اللّه،و أنكم الأئمة الهادية و الحجج من عند اللّه علي خلقه.

فوثب أبو عبد اللّه عليه السّلام فقبل بين عيني موسي بن جعفر عليهما السّلام ثم قال:أنت القائم من بعدي.

فلهذا قالت الواقفة:إن موسي بن جعفر عليهما السّلام حي و أنه القائم،ثم كساهم أبو عبد اللّه و وهب لهم و انصرفوا مسلمين.5.

ص: 39


1- روضة الواعظين:40،و البحار:28/5.

و لا شبهة في ذلك لأن كل إمام يكون قائما بعد أبيه،فأما القائم الذي يملأ الأرض عدلا فهو المهدي بن الحسن العسكري (1).

***

تصدّق الإمام موسي الكاظم عليه السّلام

و عن إبراهيم بن عبد الحميد قال:دخلت علي أبي الحسن الأوّل عليه السّلام بيته الذي كان يصلّي فيه فإذا ليس في البيت شيء إلاّ خصفة يعني بورية و سيف معلّق و مصحف و اعتمر أربع عمر بعياله و كان يمشي فيها من المدينة إلي مكّة و كان يتفقّد فقراء المدينة ليلا فيحمل إليهم الزبيل (2)فيه العين و الورق و الأدقّة و التمور فيوصل إليهم ذلك و لا يعلمون من أيّ جهة هو (3).

***

دعاؤه عليه السّلام لردّ الضالّة

دلائل الحميري عن مولي لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنّا مع أبي الحسن عليه السّلام حين قدم به البصرة و كان خلفنا سفينة فيها امرأة تزفّ إلي زوجها فما لبثنا أن سمعنا صيحة قالوا؛ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت فقال:إحبسوا فحبسنا و حبس ملاّحهم فاتّكأ علي السفينة و همس قليلا و قال قولوا لملاّحهم يتّزر و ينزل يتناول السوار فنظرنا فإذا السوار علي وجه الأرض و إذا ماء قليل فنزل الملاّح فأخذ السوار و قال:اعطها و قل لها فلتحمد اللّه.

ثمّ سرنا فقال له أخوه إسحاق جعلت فداك الدعاء الذي دعوت به علّمنيه قال:لا تعلّمه إلاّ من كان من شيعتنا.

ثمّ قال:أكتب:يا سابق كلّ فوت يا سامعا لكلّ صوت قويّ أو خفيّ يا محيي النفوس بعد الموت لا يشغله دعوة داع من السماء،يا من له عند كلّ شيء من خلقه سمع سامع و بصر نافذ،يا من لا تغلّطه كثرة المسائل و لا يبرمه إلحاح الملحّين،يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه و بقائه،يا من سكن العلي و احتجب عن خلقه بنوره،يا من أشرقت لنوره دجي الظّلم،أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك صلّ علي محمّد و أهل بيته.ثمّ اسأل حاجتك (4).

ص: 40


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 244/10.
2- الزيبل:القفة:الوعاء.
3- البحار:102/48 ح 5،و مستدرك سفينة البحار:186/3.
4- البحار:/48.،30 كشف الغمة:32/3.

دعاؤه عليه السّلام عند لبس الثوب الجديد و قضاء الحاجة

عن خالد قال:خرجت و أنا أريد أبا الحسن عليه السّلام فدخلت عليه في عرصة داره و قد كنت أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل فالتفت إليّ و قال:ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمرّ يده عليه و يقول الحمد للّه الذي كساني ما أواري به عورتي و أتجمّل به بين الناس،و إذا أعجبه شيء فلا يكثر ذكره فإنّ ذلك ممّا يهده،و إذا كانت لأحدكم إلي أخيه حاجة و وسيلة لا يمكنه قضاؤها فلا يذكره إلاّ بخير فإنّ اللّه يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته (1).

***

معاجز الإمام موسي الكاظم عليه السّلام

اشارة

عن هشام بن حاتم الأصم،قال:قال لي أبو حاتم،قال لي شقيق البلخي:خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة،فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلي الناس في زينتهم و كثرتهم،فنظرت إلي فتي حسن الوجه،شديد السمرة،ضعيف،فوق ثيابه ثوب من صوف،مشتمل بشملة،في رجليه نعلان،و قد جلس منفردا،فقلت في نفسي:هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلاّ علي الناس في طريقهم،و اللّه لأمضينّ إليه و لأوبخنه.فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال:يا شقيق اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (2)ثم تركني و مضي.

فقلت في نفسي:إنّ هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي،و نطق باسمي،و ما هذا إلاّ عبد صالح،لألحقنه و لأسألنه أن يحالني (3)فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب عن عيني.

فلمّا نزلنا واقصة (4)إذا به يصلّي و أعضاؤه تضطرب،و دموعه تجري فقلت:هذا صاحبي أمضي إليه و أستحله،فصبرت حتي جلس و أقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا قال لي:يا شقيق أتل وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدي (5)ثم تركني و مضي.

فقلت:إنّ هذا الفتي لمن الأبدال (6)لقد تكلم علي سرّي مرتين.

ص: 41


1- الكافي:459/6 ح 3،و البحار:31/48.
2- سورة الحجرات،الآية:12.
3- في نسخة:يجالسني.
4- واقصة:بكسر الفاء و الصاد المهملة،منزل بطريق مكة قبل القرعاء نحو مكة و قبل العقيقة و قبل زبالة بمرحلتين و تسمي واقصة الحزون.معجم البلدان:354/5.
5- سورة طه،الآية:82.
6- الأبدال:قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم،فإذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر.

فلما نزلنا زبالة (1)،إذا بالفتي قائم علي البئر و بيده ركوة (2)يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر،و أنا أنظر إليه فرأيته قد رمق السماء و سمعته يقول:

أنت ربي إذا ظمئت إلي الماء و قوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي مالي سواها فلا تحرمنيها (3).

قال شقيق:فو الله لقد رأيت البئر و قد إرتفع ماؤها،فمدّ يده فأخذ الركوة و ملأها ماء فتوضّأ و صلي أربع ركعات،ثم مال إلي كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يطرحه في الركوة و يحركه و يشرب.

فأقبلت إليه و سلمت عليه فردّ عليّ السلام فقلت:أطعمني من فضل ما أنعم اللّه به عليك.

فقال:يا شقيق لم تزل نعمه علينا ظاهرة و باطنة،فأحسن ظنّك بربك.

ثم ناولني الركوة فشربت منها،فإذا هو سويق و سكر فوالله ما شربت قط ألذّ منه،و لا أطيب ريحا،فشبعت و رويت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا ثم لم أره حتي دخلنا مكة،فرأيته ليلة إلي جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلي بخضوع و أنين و بكاء،فلم يزل كذلك حتي ذهب الليل،فلما رأي الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلي الغداة،و طاف بالبيت إسبوعا و خرج،فتبعته و إذا له حاشية و موال،و هو علي خلاف ما رأيته في الطريق،و دار به الناس من حوله يسلّمون عليه فقلت لبعض من يقرب منه:من هذا الفتي؟

فقال:هذا موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقلت:قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيد.

و لقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة إقتصرت علي ذكر بعضها فقال:

سل شقيق البلخي عنه و ما شاهد منه و ما الذي كان أبصر

قال لمّا حججت (4)عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر

سائرا وحده و ليس له زاد فما زلت دائما أتفكر

و توهمت أنّه يسأل الناس و لم أدر أنّه الحج الأكبر

ثم عاينته و نحن نزول دون قيد علي الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء و يشربه فناديته و عقلي محيرت.

ص: 42


1- زبالة:بضم أوله:منزل معرف بطريق مكة من الكوفة،و هي قرية عامرة بين واقصة و الثعلبية و سميت زبالة بزبلها الماء أي بضبطها له و أخذها منه.معجم البلدان 3:129.
2- الركوة:تشبه تور من أدم.تهذيب اللغة:350/10.
3- في نسخة:تعدمنيها.
4- في نسخة:عجبت.

إسقني شربة فناولني منه فعاينته سويقا و سكر

فسألت الحجيج من يك هذا؟ قيل هذا الإمام موسي بن جعفر (1)

و روي العيّاشي عن سليمان بن عبد اللّه قال:كنت عند الكاظم عليه السّلام فإذا بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمني في جنبها و يده اليسري في خلف ذلك ثمّ عصر وجهها ثمّ قال:إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّي يغيّروا ما بأنفسهم فرجع وجهها فقال:احذري أن تفعلي كما فعلت.

قالوا:يابن رسول اللّه و ما فعلت؟

فقال عليه السّلام:ذلك مستور إلاّ أن تتكلّم به فسألوها.

فقالت:كانت لي ضرّة فقمت أصلّي فظننت أنّ زوجي معها فالتفت إليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها،فرجع وجهها علي ما كان (2).

و عن علي بن أبي حمزة قال:كان يتقدّم الرشيد إلي خدمه إذا خرج موسي بن جعفر من عنده أن يقتلوه و كانوا يهمّون به فيتداخلهم من الهيبة و الزمع، (3)فلمّا طال ذلك أمرهم بتمثال من خشب و جعل له وجها مثل وجه موسي بن جعفر و كانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين فكانوا يفعلون ذلك أبدا فلمّا كان في بعض الأيّام جمعهم في الموضع و هم سكاري و أخرج سيّدي إليهم فلمّا بصروا به همّوا به علي رسم الصورة فلمّا علم منهم ما يريدون كلّمهم بالخزرية و التركية فرموا من أيديهم السكاكين و وثبوا إلي قدميه فقبّلوها و تضرّعوا إليه و تبعوه و شيّعوه إلي المنزل الذي كان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا:إنّ هذا الرجل يصير إلينا في كلّ عام فيقضي أحكامنا و يرضي بعضنا عن بعض و نستسقي به إذا قحط بلدنا و إذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه فعاهدهم أن لا يأمرهم بذلك فرجعوا (4).

و قال الفضل بن الربيع:سكر الرشيد يوما فاستدعي حاجبه و قال له:امض إلي موسي الكاظم و اخرجه من الحبس و ألقه في بركة السباع و قال:لئن لم تلقه لألقينّك عوضه.

قال:فمضيت إليه و قلت له:إنّ أمير المؤمنين أمرني بكذا و كذا.

قال:إفعل ما أمرت به فإني مستعين باللّه عليه،و أقبل بهذه العوذة و هو يمشي إلي أن انتهيت إلي البركة ففتحت بابها و أدخلته فيها و فيها أربعون سبعا و عندي من الغمّ و القلق أن يكون قتل مثله علي يدي فلمّا انتصف الليل أتاني خادم الرشيد فصرت إليه فقال:لعلّي أخطأت البارحة فإنّي رأيت6.

ص: 43


1- مناقب آل أبي طالب:327/4 عن كتاب أمثال الصالحين،و صفة الصفوة:185/2.
2- مستدرك الوسائل:408/5 ح 2،و البحار:56/6 ح 3.
3- الزمع:الدهش.
4- مناقب آل أبي طالب:418/3،و البحار:140/48 ح 16.

مناما هالني و ذلك إنّي رأيت جماعة من الرجال في أيديهم السلاح دخلوا عليّ و في أوسطهم رجل كأنّه القمر فقيل لي:هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فتقدّمت إليه لأقبّل قدميه فصرفني عنه و قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (1)ثمّ حوّل وجهه و انتبهت مذعورا فقلت:إنّك أمرتني أن ألقي علي بن موسي للسباع و قد ألقيته فقال:إمض و انظر ما حاله فرأيته قائما يصلّي و السباع حوله فأخبرته فلم يصدّقني فمضي معي فشاهده في تلك الحال فقال:

السلام عليك يابن عمّ.

قال عليه السّلام:و عليك السلام يابن عمّ.

قال:أقلني فإنّي معتذر إليك.

قال عليه السّلام:قد نجّانا اللّه تعالي بلطفه.ثمّ أمر بإخراجه فعانقه و حمله إلي مجلسه و سيّره إلي المدينة.

فقلت:يا سيّدي إن رأيت أن تطول عليّ بالعوذة.

قال عليه السّلام:فاحتفظ بها.فكتبتها في دفتر و شددتها في منديل في كمّي فما دخلت علي الرشيد إلاّ ضحك إليّ و قضي حوائجي،و لا سافرت إلاّ كانت حرزا و أمانا من كلّ مخوف،و لا وقعت في شدّة إلاّ دعوت اللّه بها ففرّج عنّي ثمّ ذكرها و هي في ذلك الكتاب (2).

و في عيون المعجزات عن داود الرّقي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:حدثني عن أعداء أمير المؤمنين و أهل بيت النبوّة عليهم السّلام.

فقال:الحديث أحبّ إليك أم المعاينة؟

فقلت:المعاينة.

فقال لأبي الحسن عليه السّلام:إيتني بالقضيب فأحضره فقال:يا موسي إضرب به الأرض و أرهم أعداء أمير المؤمنين فضرب به الأرض فانشقّت عن بحر أسود ثمّ ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء فضرب الصخرة فانفتح منها باب فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم و وجوههم مسودّة و أعينهم زرق كلّ واحد مصفّد مشدود في جانب من الصخرة و هم ينادون يا محمّد،و الزبانية تضرب وجوههم و تقول لهم:كذبتم ليس محمّد لكم و لا أنتم له فقلت:جعلت فداك من هؤلاء؟

فقال:الجبت و الطاغوت و الرجس و اللعين بن اللعين و لم يزل يعدّدهم حتّي أتي علي أصحاب السقيفة و أصحاب الفتنة و بني الأزرق و الأوزاغ و بني أميّة جدّد اللّه عليهم العذاب بكرة و أصيلا،ثمّ7.

ص: 44


1- سورة محمد،الآية:22.
2- مدينة المعاجز:202/6،و البحار:155/48 ح 17.

قال عليه السّلام للصخرة:إنطبقي عليهم إلي يوم الوقت المعلوم (1).

و عن محمّد الرافعي قال:كان لي ابن عمّ يقال له الحسن بن عبد اللّه و كان من أعبد أهل زمانه و دخل أبو الحسن عليه السّلام يوما المسجد فرآه فدني إليه و قال:ما أسرّني بك إلاّ أنّك ليست لك معرفة فاذهب فاطلب المعرفة فلم يزل يترصّد أبا الحسن عليه السّلام حتّي خرج إلي ضيعة له فتبعه و لحقه في الطريق إلي أن قال:فمن الإمام اليوم؟

قال:أنا هو.

قال:شيء أستدلّ به؟

قال:إذهب إلي تلك الشجرة و أشار إلي أمّ غيلان فقل:يقول لك موسي بن جعفر أقبلي.

قال:فرأيتها و اللّه تجبّ الأرض جبوبا حتّي وقفت بين يديه ثمّ أشار إليها فرجعت فأقربه ثمّ لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك و كان من قبل ذلك يري الرؤيا الحسنة و تري له ثمّ انقطعت عنه الرؤيا فرأي ليلة أبا عبد اللّه عليه السّلام فيما يري النائم فشكي إليه انقطاع الرؤيا فقال:لا تغتمّ فإنّ المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفع عنه الرؤيا.انتهي ملخّصا (2).

الجارية التي أرسلها الرشيد

في المناقب.قال العامري:إنّ الرشيد أنفذ إلي موسي بن جعفر جارية خصيفة لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن فقال:قل له:بل أنتم بهديّتكم تفرحون لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها.

قال:فاستطار هارون غضبا و قال:إرجع إليه و قل له:ليس برضاك حبسناك و اترك الجارية عنده و انصرف.

قال:فمضي و رجع ثمّ قام هارون عن مجلسه و أنفد الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها تقول:قدّوس قدّوس سبحانك سبحانك.

فقال هارون:سحرها و اللّه موسي بن جعفر بسحره،عليّ بها،فأتي بها و هي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال:ما شأنك؟

قالت:شأني الشأن البديع إنّي كنت عنده واقفة و هو يصلّي ليله و نهاره فلمّا انصرف عن صلاته و هو يسبّح اللّه و يقدّسه.

قلت:يا سيّدي هل لك حاجة أعطيكها؟

ص: 45


1- مدينة المعاجز:342/6،و البحار:629/31 ح 129.
2- بصائر الدرجات:275 ح 6،و البحار:53/48 ح 48.

قال:و ما حاجتي إليك و ما بال هؤلاء،فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري فيها مجالس مفروشة بالوشا و الديباج و عليها و صفاء و وصايف لم أر مثل وجوههم حسنا و لا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الأخضر و الأكاليل و الدرّ و الياقوت و في أيديهم الأباريق و المناديل و من كلّ الطعام فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت.

قال هارون:يا خبيثة لعلّك سجدت فرأيت هذا في منامك.

قالت:لا و اللّه يا سيّدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك،فقال الرشيد:إقبض هذه الخبيثة إليك فلا يسمع هذا منها أحد.

ثمّ قالت:إنّي لمّا عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة إبعدي عن العبد الصالح حتّي ندخل عليه فنحن له دونك،فما زالت كذلك حتّي ماتت قبل موت موسي بأيّام يسيرة (1).

الصورة التي أكلت الساحر

و في الأمالي و عيون الأخبار مسندا إلي عليّ بن يقطين قال:إستدعي الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام و يقطعه و يخجله في المجلس فانتدب له رجل مغرم فلمّا حضرت المائدة عمل ناموسا أي صورة علي الخبز فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السّلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه و ضحك هارون و فرح فلم يلبث أبو الحسن عليه السّلام أن رفع رأسه إلي أسد مصوّر علي بعض التكايا فقال:يا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه.

قال:فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المغرم فخرّ هارون و ندماؤه علي وجوههم مغشيّا عليهم و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه.

فلمّا أفاقوا بعد حين قال هارون لأبي الحسن عليه السّلام:أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل فقال:إن كانت عصا موسي ردّت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيّهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل،فكان ذلك أعمل الأشياء في آفاته نفسه (2).

***

أسرار أبي الحسن موسي الكاظم عليه السّلام

من ذلك أن الرشيد لمّا حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس،فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر عليهما السّلام،فلما أدخل عليه دخل و هو يحرّك شفتيه،فلما قرب إليه قعد الرشيد علي ركبتيه و عانقه،

ص: 46


1- البحار:239/48 ح 46،و مدينة المعاجز:424/6 ح 146.
2- أمالي الصدوق:212 ح 20،و مدينة المعاجز:316/6.

ثم أقبل عليه،و قال:كيف أنت يا أبا الحسن؟كيف عيالك؟كيف عيال أبيك؟كيف أنتم؟كيف حالكم؟و هو يقول:خير،خير،فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد،ثم عانقه و خرج،فلما خرج قال له المأمون:من هذا الرجل؟

قال:يا بني هذا وارث علوم الأوّلين و الآخرين،هذا موسي بن جعفر،فإن أردت علما حقّا فعند هذا (1).

و من ذلك ما رواه أحمد البزاز قال:إن الرشيد لما أحضر موسي عليه السّلام إلي بغداد فكّر في قتله، فلمّا كان قبل قتله بيومين،قال للمسيب و كان من الحرّاس عليه لكنّه كان من أوليائه،و كان الرشيد قد سلم موسي إلي السندي بن شاهك و أمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثين رطلا قال:

فاستدعي المسيب نصف الليل و قال:إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلي المدينة لأعهد إلي من بها عهدا يعمل به بعدي،فقال المسيب:يا مولاي كيف أفتح لك الأبواب و الحرس قيام؟

فقال:ما عليك،ثم أشار بيده إلي القصور المشيدة و الأبواب العالية،و الدور المرتفعة، فصارت أرضا،ثم قال لي:يا مسيب كن علي هيئتك فإنّي راجع إليك بعد ساعة،فقال:يا مولاي ألا أقطع لك الحديد؟

قال:فنفضه و إذا هو ملقي.

قال:ثم خطا خطوة فغاب عن عيني،ثم ارتفع البنيان كما كان.

قال المسيب:فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيت الأبنية و الجدران قد خرّت ساجدة إلي الأرض،و إذا بسيدي قد أقبل و عاد إلي محبسه و أعاد الحديد إليه،فقلت:يا سيدي،أين قصدت؟

فقال:كل محب لنا في الأرض شرقا و غربا حتي الجن في البراري و مختلف الملائكة (2).

و من ذلك ما رواه صفوان الجمال بن مهران قال:أمرني سيدي أبو عبد اللّه عليه السّلام يوما أن أقدم ناقته علي باب الدار،فجئت بها.

قال:فخرج أبو الحسن موسي مسرعا و هو ابن ست سنين فاستوي علي ظهر الناقة و أثارها و غاب عن بصري.

قال:فقلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و ما أقول لمولاي إذا خرج يريد ناقته.

قال:فلمّا مضي من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب و هي ترفض عرقا،فنزل عنها و دخل الدار فخرج الخادم،و قال:أعد الناقة مكانها و أجب مولاك.6.

ص: 47


1- بحار الأنوار:133/48 ح 6 و الحديث طويل.
2- مدينة المعاجز:384/6.

قال:ففعلت ما أمرني و دخلت عليه،فقال:يا صفوان إنّما أمرتك إحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن،فقلت في نفسك:كذا و كذا فهل علمت يا صفوان إلي أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين و جاوزه أضعافا مضاعفة و أبلغ كل مؤمن و مؤمنة سلامي (1).

و من ذلك ما رواه المسيب أن الرشيد لما أراد قتل موسي أرسل إلي عمّاله في الأطراف فقال:

إلتمسوا لي قوما لا يعرفون اللّه أستعين بهم في مهمّ لي،فأرسلوا إليه قوما يقال لهم العبدة،فلما قدموا عليه و كانوا خمسين رجلا أنزلهم في بيت من بيوت داره قريب المطبخ،ثم حمل إليهم المال و الثياب و الجواهر و الأشربة و الخدم،ثم استدعاهم و قال:من ربّكم؟

فقالوا:ما نعرف ربّا و ما سمعنا بهذه الكلمة،فخلع عليهم.

ثم قال للترجمان:قل لهم إن لي عدوّا في هذه الحجرة فادخلوا إليه فقطعوه،فدخلوا بأسلحتهم علي أبي موسي عليه السّلام و الرشيد ينظر ماذا يفعلون،فلمّا رأوه رموا أسلحتهم و خرّوا له سجدا فجعل موسي يمرّ يده علي رؤوسهم و هم يبكون،و هو يخاطبهم بألسنتهم،فلمّا رأي الرشيد ذلك غشي عليه و صاح بالترجمان أخرجهم،فأخرجهم يمشون القهقري إجلالا لموسي عليه السّلام.

ثم ركبوا خيولهم و أخذوا الأموال و مضوا (2).

***

كرامات ضريح الإمام موسي الكاظم عليه السّلام

يروي أن بعض عظماء الخلفاء مجدّهم اللّه تعالي كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان في ولاية عامة طالت فيها مدته،و كان ذا سطوة و جبروت،فلمّا إنتقل إلي اللّه تعالي أقضت (3)رعاية الخليفة له أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الإمام موسي بن جعفر عليه السّلام بالمشهد المطهر،و كان بالمشهد المطهر نقيب معروف مشهود له بالصلاح كثير التردد و الملازمة لضريح (4)السيّد الجليل و الخدمة له قائم بوظائفها.

فذكر هذا النقيب أنّ بعد دفن ذلك المتوفي في ذلك القبر بات في المشهد فرأي في منامه أنّ القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه،و قد إنتشر منه دخان و رائحة قتار ذلك المدفون فيه إلي أن ملأت المشهد،و إنّ الإمام موسي عليه السّلام واقف و صاح لهذا النقيب بإسمه،و قال له:تقول للخليفة يا فلان- و سمّاه بإسمه-لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم.

و قال كلاما خشنا.

ص: 48


1- الهداية الكبري:270 باب 9.
2- بحار الأنوار:249/48 ح 57.
3- في كشف الغمة:إقتضت.
4- في نسخة:للضريح.

فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرعد فرقا و خوفا،فلم يلبث أن كتب ورقة و سيّرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها.

فلما جنّ الليل جاء الخليفة إلي المشهد المطهر بنفسه و معه خدم،و استدعي النقيب و دخلوا إلي الضريح،و أمر بكشف ذلك القبر،و نقل ذلك المدفون إلي موضع آخر خارج المشهد،فلمّا كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق و لم يجدوا للميت أثرا (1).

في كشف الغمّة قال:لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة و هي أنّ من عظماء الخلفاء من كان له نائب في ممالكه و كان ذا سطوة و جبروت فلمّا مات دفنه الخليفة قرب ضريح الإمام موسي بن جعفر عليه السّلام و كان بالمشهد المقدّس نقيب معروف بالصلاح فذكر النقيب أنّه بات بالمشهد الشريف فرأي في منامه أنّ القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و رائحة خبيثة ملأت المشهد و أنّ الإمام موسي عليه السّلام واقف فصاح بالنقيب و قال:قل لهذا الخليفة لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم فاستيقظ النقيب و هو يرعد خوفا فكتب ورقة فيها صورة الواقعة إلي الخليفة فلمّا جنّ الليل جاء الخليفة إلي المشهد بنفسه و دخل الضريح مع النقيب و أمر بكشف ذلك القبر و نقل المدفون إلي موضع آخر فلمّا كشفوه وجدوا به رماد الحريق و لم يجدوا للميّت أثرا (2).

***

إحياء الإمام الكاظم عليه السّلام للأموات

عن عبد اللّه بن المغيرة قال:مرّ العبد الصّالح بامرأة بمني و هي تبكي و صبيانها حولها يبكون و قد ماتت لها بقرة،فدنا منها ثمّ قال لها:ما يبكيك يا أمة اللّه؟

قالت:يا عبد اللّه إنّ لنا صبيانا يتامي و كانت لي بقرة معيشتي و معيشة صبياني كان منها،و قد ماتت و بقيت منقطعا بي و بولدي لا حيلة لنا.

فقال:يا أمة اللّه هل لك أن أحييها لك؟

فألهمت أن قالت:نعم يا عبد اللّه،فتنحّي و صلّي ركعتين،ثمّ رفع يده هنيهة و حرّك شفتيه ثمّ قام فصوّت بالبقرة فنخسها نخسة أو ضربها برجله،فاستوت علي الأرض قائمة،فلمّا نظرت المرأة إلي البقرة صاحت و قالت:عيسي ابن مريم و ربّ الكعبة،فخالط الناس و صار بينهم و مضي عليه السّلام (3).

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:أخذ بيدي موسي بن جعفر عليه السّلام يوما فخرجنا من المدينة إلي الصحراء فإذا نحن برجل يبكي و بين يديه حمار ميّت و رحله مطروح فقال عليه السّلام:ما شأنك؟

ص: 49


1- كشف الغمة 2:215.
2- البحار:83/48،و كشف الغمة:6/3.
3- بصائر الدرجات:293،و الكافي:484/1 ح 6.

قال:كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري هاهنا و بقيت متحيّرا.

فقال:لعلّه لم يمت.

قال:أما ترحمني حتّي تلهو بي.

قال:إنّ عندي رقية جيّدة.

قال:تستهزئ بي،فدنا من الحمار و نطق بشيء لم أسمعه و أخذ قضيبا فضربه فوثب الحمار صحيحا سليما فقال:يا مغربي تري هنا شيئا من الإستهزاء و الحق بأصحابك.

قال علي بن أبي حمزة:فكنت واقفا علي بئر زمزم بمكّة فإذا المغربي هناك فأقبل إليّ و قبّل يديّ فرحا مسرورا فقلت له:ما حال حمارك؟

فقال:هو و اللّه صحيح و ما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ اللّه عليّ به فأحيا حماري بعد موته؟

فقلت له:قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته (1).

***

إخبار الإمام الكاظم عليه السّلام بالغيب

روي في الكافي عن عبد اللّه بن المفضّل قال:لمّا خرج الحسين بن علي المقتول بفخّ (2)و احتوي علي المدينة دعي موسي بن جعفر عليه السّلام إلي البيعة فأتاه فقال:يا بن عمّ لا تكلّفني ما كلّف ابن عمّك أبا عبد اللّه.

فقال له الحسين:إن كرهته لم أحملك عليه و لما ودّعه.قال له أبو الحسن عليه السّلام:يابن عمّ إنّك مقتول فأجد الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيمانا و يسرّون شركا و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أحتسبكم عند اللّه من عصبة ثمّ خرج الحسين فقتلوا كلّهم.

و لمّا قتل الحسين هذا نعاه الجنّ ورثوه بأبيات (3).

و عن عيسي شلقان قال:دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا أريد أن أسأله عن أبي الخطّاب فقال لي مبتدئا قبل أن أجلس قال عليه السّلام:يا عيسي ما منعك أن تلقي ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسي:فذهبت إلي العبد الصالح و هو قاعد في الكتاب و علي شفتيه أثر المداد فقال لي

ص: 50


1- الخرائج و الجرائح:315/1 ح 7،و البحار:71/48 ح 95.
2- بفتح الفاء و تشديد يد الخاء:بئر بين التنعيم و بين مكة.
3- الكافي:366/1 ح 18،و البحار:161/48 ح 6.

مبتدئا:يا عيسي إنّ اللّه أعار قوما الإيمان زمانا ثمّ سلبهم إيّاه و أنّ أبا الخطّاب ممّن أعير الإيمان ثمّ سلبه اللّه فقبّلت ما بين عينيه.

فقلت:بأبي أنت و أمّي ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم،ثمّ رجعت إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام و حكيت له و علمت أنّه صاحب هذا الأمر بعد أبيه (1).

و في بشائر المصطفي عن أبي السرّاج قال:دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو واقف علي رأس أبي الحسن موسي و هو في المهد فجعل يساره طويلا فلمّا فرغ قال:أدن إلي مولاك فسلّم عليه فسلّمت عليه فدرّ عليّ بلسان فصيح ثمّ قال لي:إذهب فغيّر إسم ابنتك التي سمّيتها أمس فإنّه اسم يبغضه اللّه و كانت ولدت لي بنت فسمّيتها بالحميراء فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنته إلي أمره ترشد فغيّرت اسمها (2).

و في أعلام الوري عن محمّد بن الفضل قال:اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلي الكعبين أم من الكعبين إلي الأصابع فكتب علي بن يقطين إلي الكاظم عليه السّلام أنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه.

فكتب إليه عليه السّلام:الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلّل شعر لحيتك و تمسح رأسك كلّه و تمسح ظاهر أذنيك و باطنها و تغسل رجليك إلي الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك إلي غيره.

فلمّا وصل الكتاب إلي عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم فيه ممّا أجمع العصابة علي خلافه ثمّ قال:مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره و كان يعمل في وضوئه علي هذا الحدّ و يخالف الشيعة امتثالا لأمره عليه السّلام،و سعي بعليّ بن يقطين إلي الرشيد و قيل:إنّه رافضي مخالف لك.

فقال الرشيد:لقد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين و ميله إلي الرفض و لست تري في خدمته تقصيرا و أحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر.

فقيل له:إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فامتحنه من حيث لا يعلم فقال:أجل ثمّ تركه مدّة و ناطه بشيء من الشغل في الدار حتّي دخل وقت الصلاة و كان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يري عليّ بن يقطين و هو لا يراه فتوضّأ كما أمره أبو الحسن عليه السّلام و الرشيد ينظر إليه فلمّا رآه و قد فعل2.

ص: 51


1- قرب الإسناد:334،و البحار:24/48 ح 40.
2- الكافي:310/1 ح 11،و الإرشاد:219/2.

ذلك لم يملك نفسه حتّي أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه:كذب يا عليّ بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة.و صلحت حاله عنده.

ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام:إبتدء من الآن يا عليّ بن يقطين فتوضّأ كما أمر اللّه و اغسل وجهك مرّة فريضة و أخري إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخاف عليك و السلام (1).

***

قصة حمل السحاب للطالقاني

عن خالد السمّان أنّه دعي الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني و قال له:أنت الذي يقول:إنّ السحاب حملتك من بلاد الصين إلي طالقان؟

قال:نعم.

قال:فحدّثنا كيف كان.

قال:كسر مركبي في لجّة البحر فبقيت ثلاثة أيّام علي لوح تضربني الأمواج فألقتني إلي البرّ فإذا أنا بأنهار و أشجار فنمت تحت ظلّ شجرة فسمعت صوتا هائلا فانتبهت فإذا بدابّتين يقتتلان علي هيئة الفرس فلمّا بصرا بي دخلا في البحر ثمّ رأيت طائرا عظيم الخلق فوقع في كهف جبل فدنوت منه لأتأمّله فطار فجعلت أقفو أثره فلمّا قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تلاوة قرآن فناداني مناد من الكهف:أدخل يا عليّ بن صالح الطالقاني رحمك اللّه فدخلت و سلّمت فإذا رجل فقال لي:يا علي أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف لو لا أنّ اللّه رحمك في هذا اليوم فأنجاك و سقاك و لقد علمت الساعة التي ركبت فيها و كم أقمت في البحر و حين كسر بك المركب و كم لبثت تضربك الأمواج و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك و الساعة التي نجوت فيها و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين و اتّباعك للطائر الذي رأيته واقعا فلمّا رآك صعد طائرا إلي السماء فهلم فاقعد فقلت:سألتك باللّه من علّمك بحالي؟

قال:عالم الغيب و الشهادة.

ثمّ قال:أنت جائع؟فتكلّم بكلام فإذا بمائدة عليها منديل فكشفه و قال:هلم إلي ما رزقك اللّه فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ثمّ سقاني ماء ما رأيت ألذّ منه و لا أعذب ثمّ صلّي ركعتين و قال:

يا عليّ أتحبّ الرجوع إلي بلدك؟

ص: 52


1- كتاب الطهارة:79،و وسائل الشيعة:445/1 ح 3.

فقلت:و من لي بذلك،فقال:و كرامة بأوليائنا أن نفعل بهم ذلك،ثمّ دعا بدعوات و رفع يده إلي السماء و قال:الساعة الساعة فإذا سحاب قد أظلّت باب الكهف قطعا قطعا و كلّما وافت سحابة قالت:سلام عليك يا وليّ اللّه و حجّته فيقول:و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته أيّتها السحابة المطيعة ثمّ يقول لها:أين تريدين؟

فتقول:أرض كذا فيقول:لرحمة أو سخط؟فتقول:لرحمة أو سخط فتمضي حتّي جاءت سحابة حسنة مضيئة.

فقالت:السلام عليك يا وليّ اللّه و حجّته قال:و عليك السلام أين تريدين؟

قالت:أرض طالقان فقال:لرحمة أو سخط؟

قالت:لرحمة،فقال لها:إحملي ما حملت مودعا في اللّه.

فقالت:سمعا و طاعة.

قال لها:فاستقرّي بإذن اللّه علي وجه الأرض فاستقرّت فأخذ بعضدي فأجلسني عليها فعند ذلك قلت له:سألتك باللّه العظيم و بحقّ محمّد خاتم النبيّين و عليّ سيّد الوصيّين و الأئمّة الطاهرين من أنت؟

فقال:ويحك يا عليّ بن صالح إنّ اللّه لا يخلي أرضه من حجّة طرفة عين إمّا باطن و إمّا ظاهر و أنا حجّة اللّه الظاهرة و حجّته الباطنة أنا المؤدّي الناطق عن الرسول في وقتي هذا أنا موسي بن جعفر فذكرت إمامته و إمامة آبائه و أمر السحاب بالطيران فطارت فوالله ما وجدت ألما و لا فزعت.

فما كان بأسرع من طرفة عين حتّي ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية.

فقتله الرشيد و قال:لا يسمع بهذا أحد (1).

***

معرفة الإمام الكاظم عليه السّلام باللغات

و عن أبي بصير عن الكاظم عليه السّلام أنّ من علامات الإمام أن يكلّم الناس بكلّ لسان فما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية فقال له الخراساني:

أصلحك اللّه ما منعني أن أكلّمك بكلامي إلاّ أنّي ظننت أنّه لا تحسن.

فقال عليه السّلام:سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك (2).

ص: 53


1- مناقب آل أبي طالب:،و البحار:41/48 ح 16.
2- قرب الإسناد:339،و الكافي:2851 ح 7.

و عن هارون بن موفّق مولي أبي الحسن عليه السّلام قال:كنّا معه عليه السّلام في متنزّه علي جدول ماء فحمحم فرسه عليه السّلام فضحك عليه السّلام و نطق بالفارسية فأخذ بعرفها و قال:اذهبي فمرّت تتخطّي الجداول و الزرع إلي براح يعني أرضا خالية حتّي بالت و رجعت.

فقال:إنّه لم يعط داود و آل داود شيئا إلاّ و قد أعطي محمّد و آل محمّد أكثر منه (1).

كلامه عليه السّلام الأسد

الخرائج و بشائر المصطفي قال:خرج موسي بن جعفر عليه السّلام في بعض الأيّام إلي ضيعة له فصحبته و كان علي بغلة و أنا راكب علي حمار فلمّا صرنا في بعض الطريق إعترضنا أسد فخفت و قدم أبو الحسن عليه السّلام فرأيت الأسد يتذلّل له و يهمهم و وضع يده علي كفل بغلته ثمّ حرّك عليه السّلام شفتيه بدعاء لم أفهمه ثمّ أومي إلي الأسد أن امض فهمهم الأسد طويلا و أبو الحسن يقول:آمين آمين.

فقلت:جعلت فداك ما شأن هذا الأسد فقد خفته عليك؟

قال:إنّه جاء يشكو عسر الولادة علي لبوته و سألني أن أدعو اللّه ليفرّج عنها ففعلت ذلك و ألقي في روعي أنّها ولدت له ذكرا فخبرته بذلك فقال لي:إمض في حفظ اللّه فلا سلّط اللّه عليك و لا علي ذرّيتك و لا علي أحد من شيعتك شيئا من السباع،فقلت:آمين (2).

كلامه عليه السّلام للحمام

روي أنه دخل رجل علي أبي الحسن عليه السّلام فقال:جعلت فداك أحبّ أن تتغدّي عندي فمضي معه و جلس علي سرير في البيت و تحت السرير زوج حمام فهدر الذكر علي الأنثي فضحك عليه السّلام و قال:إنّ الذكر يقول لها:يا سكني و عرسي و اللّه ما علي وجه الأرض أحد أحبّ إليّ منك ما خلا هذا القاعد علي السرير.

قلت:جعلت فداك تفهم كلام الطير؟

قال:نعم علمنا منطق الطير و أوتينا من كلّ شيء (3).

***

مكارم أخلاق الإمام الكاظم عليه السّلام

اشارة

أعلام الوري:أنّ رجلا من أولاد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي الكاظم عليه السّلام و يسبّه إذا

ص: 54


1- بصائر الدرجات:370 ح 9،و البحار:270/27 ح 21.
2- روضة الواعظين:215،و الإرشاد:230/2.
3- مناقب آل أبي طالب:346/3.

رآه و يشتم عليا فقال له بعض حاشيته يوما:دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك و سأل عن العمري فذكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة فركب إليه فوجده في مزرعته فجلس عنده و باسطه و ضاحكه قال:كم تصيب بزرعك هذا؟

قال:أقدر مائة دينار فأخرج عليه السّلام صرّة فيها ثلاثمائة دينار و قال:هذا زرعك علي حاله و اللّه يرزقك فيه ما ترجو فقام العمري فقبّل رأسه و سأله أن يصفح عن فارطه فراح إلي المسجد فوجد العمري فلمّا نظر إليه قال: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (1)فوثب إليه أصحابه و قالوا:ما قصّتك كنت تقول غير هذا؟

فقال لهم:قد سمعتم ما قلت الآن و جعل يدعو لأبي الحسن عليه السّلام فخاصموه و خاصمهم،فلمّا رجع أبو الحسن عليه السّلام إلي داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري أيما كان خيرا ما أردتم ثمّ أم ما أردت،إنّي أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم و كفيت به شرّه و كان يصل بالمائتي دينار إلي الثلاثمائة و كانت صرار موسي عليه السّلام مثلا (2).

كرمه عليه السّلام

في الكافي عن بعض أصحابنا قال:أولم أبو الحسن عليه السّلام علي بعض ولده فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيّام الفالوذجات في الجفان في المساجد و الأزقّة،الحديث (3).

***

ذكر من وشي علي الإمام الكاظم عليه السّلام

قال الصدوق رحمه اللّه:لم يكن موسي بن جعفر عليه السّلام ممّن يجمع المال و لكنّه قد حصل في وقت الرشيد و كثر أعداؤه و لم يقدر علي تفريق ما كان يجتمع إلاّ علي القليل ممّن يثق بهم في كتمان السرّ فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك و أراد أن لا يحقّق علي نفسه قول من كان يسعي به إلي الرشيد و يقول:إنّه تحمل إليه الأموال و تعقد له الإمامة و يحمل علي الخروج عليه و لو لا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال علي أنّها لم تكن أموال الفقراء و إنّما كانت أمواله يصل بها مواليه إكراما منه لهم (4).

و قيل:الذين سعوا بموسي بن جعفر عليه السّلام إلي الرشيد جماعة منهم يحيي بن خالد البرمكي

ص: 55


1- سورة الأنعام،الآية:124.
2- البحار:103/48،و الإرشاد:318 بتفاوت يسير.
3- الكافي:281/6 ح 1،و البحار:110/48 ح 12.
4- عيون أخبار الرضا:104/2،و البحار:253/48.

و كان أشدّهم عليه و منهم عليّ بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السّلام و ذلك أنّ يحيي بن خالد أعطاه مالا علي إظهار حال عمّه عليه السّلام فأظهر له أنّ الشيعة تعطيه الأموال و تسلّم عليه بالإمامة و الخلافة و بلّغه إلي هارون و منهم أخوه محمّد بن جعفر.

روي الصدوق طاب ثراه في عيون الأخبار عن علي بن جعفر قال:جاء محمّد بن إسماعيل بن جعفر و ذكر لي أنّ محمّدا بن جعفر دخل علي هارون الرشيد فسلّم عليه بالخلافة.

ثمّ قال له:ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّي رأيت أخي موسي بن جعفر يسلّم عليه بالخلافة.و ممّن سعي بموسي عليه السّلام يعقوب بن داود و كان يري رأي الزيدية (1).

***

أحوال الإمام الكاظم عليه السّلام في الحبس

و عن أحمد بن عبد اللّه عن أبيه قال:دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي:أشرف علي هذا البيت و انظر ما تري فقلت:ثوبا مطروحا فقال:أنظر حسنا،فتأمّلت فقلت:رجل ساجد فقال:هو موسي بن جعفر أتفقّده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ علي هذه الحالة إنّه يصلّي الفجر فيعقب إلي أن تطلع الشمس،و قد و كلّ من يترصّد أوقات الصلوات فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء و هو دأبه،فإذا صلّي العتمة أفطر ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّي يطلع الفجر،و قال بعض عيونه كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه:اللّهم إنّك تعلم أنّني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك اللّهم و قد فعلت فلك الحمد و هذا كلّه كان و هو في المحبس لأنّه حبس أوّلا عند الفضل بن الربيع (2).

و روي ابن بابويه طاب ثراه عن إبراهيم بن أبي البلاد عن يعقوب بن داود أنّه أخبره في الليلة التي أخذ في صبيحتها موسي بن جعفر قال:كنت عند الوزير يحيي بن خالد فحدّثني أنّه سمع الرشيد يقول عند رسول اللّه كالمخاطب له بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه إنّي أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه إنّي أريد أن آخذ موسي بن جعفر فاحبسه لأنّي خشيت أن يلقي بين أمّتك حربا يسفك فيها دماءهم و أنا أحسب أنّه سيأخذه غدا فلمّا كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع و هو قائم في مقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأمر بالقبض عليه و حبسه (3).

و في عيون الأخبار عن الفضل بن الربيع قال:كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلمّا

ص: 56


1- شرح أصول الكافي:273/7،عيون أخبار الرضا:69/1.
2- جواهر الكلام:271/7،عيون أخبار الرضا:98/2.
3- البحار:213/48 ح 13.

كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فإذا مسرور الكبير قد فتح الباب و دخل علي فقال لي:أجب و لم يسلّم عليّ فيئست من نفسي و قلت:ما هو إلاّ القتل و كنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتّي أغتسل فأتيت فسلّمت علي الرشيد و هو في مرقده فردّ عليّ السلام فسقطت فقال:تداخلك رعب؟

قلت:نعم،فقال:صر إلي حبسنا فأخرج موسي بن جعفر و ادفع إليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع و احمله علي ثلاثة مراكب و خيّره بين المقام عندنا أو الرحيل أين شاء فقلت:تأمر بإطلاق موسي بن جعفر ثلاثا؟

فقال لي:نعم أتريد أن أنكث العهد؟

فقلت:و ما العهد؟

قال:بينا أنا في مرقدي هذا إذ وثب عليّ أسود ما رأيت أعظم منه فقعد علي صدري و قبض علي حلقي و قال:حبست موسي بن جعفر ظالما له؟

فقلت:أطلقه و أخلع عليه.فأخذ عليّ عهد اللّه عزّ و جلّ و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج فوافيت موسي بن جعفر و هو في حبسه قائما يصلّي و أعلمته بالذي أمرني به الرشيد، فقال:إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله،فقلت:لا و حقّ جدّك رسول اللّه،فقال:إعمل ما أحببت فأخرجته من السجن (1).

و عن الفضل بن الربيع قال:كنت أحجب الرشيد فأقبل عليّ يوما غضبانا و بيده سيف يقلّبه فقال:يا فضل بقرابتي من رسول اللّه لئن لم تأتني بموسي بن جعفر لأقتلنّك.

فقلت:أفعل.

ثمّ قال:ائتني بسوطين و جلاّدين فأتيته بذلك و مضيت إلي منزل موسي عليه السّلام فأتيت إلي كوخ من جرائد النخل في خربة فإذا بغلام أسود فقلت:استأذن لي علي مولاك فقال لي:أدخل ليس له حاجب و لا بوّاب فدخلت عليه فإذا بغلام أسود بيده مقصّ يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة السجود فقلت:السلام عليك يابن رسول اللّه أجب الرشيد،فقال:ما للرشيد و مالي أما تشغله نعمته عنّي.فقام مسرعا.فقلت له:إستعدّ للعقوبة.

فقال:أليس معي من يملك الدّنيا و الآخرة و لم يقدر اليوم علي سوء بي إن شاء اللّه تعالي فرأيته قد دار يده يلوّح بها علي رأسه ثلاث مرّات فدخلت علي الرشيد فإذا هو كأنّه امرأة ثكلي قائم حيران فلمّا رآني قال:جئتني يابن عمّي؟8.

ص: 57


1- عيون أخبار الرضا:74/2،و البحار:214/48.

قلت:نعم.

قال:لا تكون أزعجته؟

قلت:لا.

قال:إنّي هيّجت علي نفسي ما لم أرده إئذن له بالدخول فلمّا دخل عليه وثب إليه قائما و عانقه و قال:مرحبا بابن عمّي و أخي و وارث نعمتي ثمّ أمر بالطبيب فطيّبه و أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير.

فقال عليه السّلام:لو لا أنّي أري من أزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثمّ تولّي و هو يقول:الحمد للّه ربّ العالمين.

فقال الفضل:يا أمير المؤمنين أردت تعاقبه فخلعت عليه فقال:يا فضل إنّك لمّا خرجت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون:إن آذي ابن رسول اللّه خسفنا به و إن أحسن إليه انصرفنا عنه فتبعته عليه السّلام فقلت:ما الذي قلت حتّي كفيت أمر الرشيد؟

فقال:دعاء جدّي علي بن أبي طالب عليه السّلام كان إذا دعا به ما برز إلي عسكر إلاّ هزمه و لا إلي فارس إلاّ قهره و هو دعاء كفاية البلاء.

قلت:و ما هو؟

قال:قلت:اللّهم بك أساور و بك أحاول و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا أسلمت نفسي إليك و فوّضت أمري إليك لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،اللّهم إنّك خلقتني و رزقتني و سترتني و عن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني و إذا هويت رددتني و إذا عثرت قوّمتني و إذا مرضت شفيتني و إذا دعوت أجبتني،يا سيّدي إرض عنّي فقد أرضيتني (1).

و روي أنّه قبض علي موسي بن جعفر عليه السّلام عند رأس النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو قائم يصلّي فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول إليك أشكو ما ألقي يا رسول اللّه و أقبل الناس من كلّ جانب يبكون و يضجّون فلمّا حمل إلي ما بين يدي الرشيد شتمه و جفاه.و لمّا جنّ عليه الليل أرسله في قبّة خفية إلي البصرة مع حسّان السروري و وجّه قبّة أخري علانية نهارا إلي الكوفة معها جماعة ليعمي علي الناس أمر موسي عليه السّلام فقدم حسّان البصرة فدفعه إلي عيسي بن جعفر و كان أميرها دفعه علانية حتّي شاع أمره فحبسه عيسي في بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه و أقفل عليه و شغله عنه العيد لأنّه أدخل بيوم التروية فكان لا يفتح عنه الباب إلاّ في حالتين حال يخرج فيها إلي الطهور و حال1.

ص: 58


1- مدينة المعاجز:323/6،و عيون أخبار الرضا:76/1.

يدخل إليه فيها الطعام فما مضت إلاّ أيّام يسيرة حتّي حمل عليه السّلام سرّا إلي بغداد و حبس ثمّ أطلق ثمّ حبس و أطلق،ثم حبسه عند السندي بن شاهك فحبسه و ضيّق عليه ثمّ بعث إليه الرشيد بسمّ في رطب و أمره أن يقدّمه إليه و يحتم عليه في الأكل منه ففعل فمات عليه السّلام (1).

عيون الأخبار عن عمر بن واقد أنّ الرشيد لمّا ضاق صدره ممّا كان يظهر له من فضل موسي عليه السّلام و ما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته و اختلافهم إليه سرّا خشيه علي نفسه و ملكه ففكّر في قتله بالسمّ فدعا برطب و أكل منه ثمّ أخذ صينيّة فوضع فيها عشرين رطبة و أخذ خيطا فدلكه بالسمّ و أدخله في سمّ الخياط و أخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل الردد إليه ذلك السمّ بذلك الخيط حتّي علم أنّه قد حصل السمّ فيها فاستكثر منه ثمّ ردّها في ذلك الرطب.و قال لخادم له:إحمل هذه الصينيّة إلي موسي بن جعفر و قل له:إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب و تنغص لك به و هو يقسم عليك بحقّه لما أكلتها عن آخر رطبة فإنّي اخترتها لك بيدي و لا تتركه يبقي منه شيئا و لا يطعم منها أحدا فأتاه الخادم بها و أبلغه الرسالة فقال له:إئتني بخلال فناوله خلالا و هو قائم بإزائه و كانت للرشيد كلبة تعزّ عليه فجذبت نفسها و خرجت تجرّ سلاسلها من جوهر و ذهبت حتّي حاذت موسي عليه السّلام فبادر بالخلال إلي الرطبة المسمومة و رمي بها إلي الكلبة فأكلتها ثمّ تهرت قطعة قطعة و استوفي باقي الرطب و حمل الغلام الصينيّة و قال:إنّه أكل الرطب عن آخره.

قال:ما أنكرت عليه شيئا؟

قال:لا ثمّ ورد عليه خبر الكلبة و أنّها ماتت فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا و وقف علي الكلبة فوجدها متهرية بالسمّ فأحضر الخادم و استخبره فحكي له أنّه رمي بالرطبة إلي الكلبة فأكلتها و أكل هو باقي الرطب.

فقال الرشيد:ما ربحنا من موسي إلاّ انّا أطعمناه جيّد الرطب و ضيّعنا سمّنا و قتلنا كلبتنا،ما في موسي حيلة.

ثمّ إنّه عليه السّلام دعا بالمسيب و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيّام و كان موكلا به فقال له:يا مسيب قال:

لبّيك يا مولاي قال:إنّي ظاعن في هذه الليلة إلي المدينة مدينة جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لأعهد إلي ابني ما عهده أبي إليّ و أجعله وصيّي و خليفتي.

قلت:الأبواب مغلقة و الحرس معي علي الأبواب فقال:يا مسيب ضعف يقينك في اللّه عزّ و جلّ و فينا.

فقلت:لا يا سيّدي أدع اللّه أن يثبّتني فقال:اللّهم ثبّته ثمّ قال:ادعو اللّه باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتّي جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل أن يرتدّ إليه طرفه حتّي يجمع بيني9.

ص: 59


1- شرح أصول الكافي:184/6 ح 9،و وفيات الأئمة:269.

و بين ابني عليّ بالمدينة فدعا عليه السّلام ففقدته عن مصلاّه فلم أزل قائما علي قدمي حتّي رأيته قد عاد إلي مكانه و أعاد الحديد إلي رجليه فقال:يا مسيّب إنّي راحل إلي اللّه عزّ و جلّ في ثالث هذا اليوم فبكيت فقال:لا تبك فإنّ عليّا ابني هو إمامك و مولاك بعدي ثمّ دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال:

إنّي علي ما عرّفتك من الرحيل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها و ارتفع بطني و اصفرّ لوني و اخضرّ و تلوّن ألوانا فخبّر الطاغية بوفاتي فإذا رأيت بي هذا الحدث فإيّاك أن تظهر عليه أحدا إلاّ بعد وفاتي فلم أزل أرقب وعده حتّي دعا بالشربة فشربها.

ثمّ قال:يا مسيب إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّي غسلي و دفني و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبرّكوا به فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي بن أبي طالب فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعلها شفاء لشيعتنا.

قال:ثمّ رأيت شخصا أشبه الأشخاص به عليه السّلام جالسا إلي جانبه و كان عهدي بسيّدي الرضا عليه السّلام و هو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيّدي موسي عليه السّلام و قال لي:أليس قد نهيتك يا مسيّب فلم أزل صابرا حتّي مضي و غاب الشخص ثمّ أنهيت الخبر إلي الرشيد فوافي السندي بن شاهك فو الله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنّون أنّهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه و يظنّون أنّهم يحنّطونه و يكفّنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا و رأيت ذلك الشخص يتولّي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم و لا يعرفونه فلمّا فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص:يا مسيّب مهما شككت فيه فلا تشكّن فيّ فإنّي إمامك حجّة اللّه عليك بعد أبي.

يا مسيّب مثلي مثل يوسف الصدّيق عليه السّلام و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون ثمّ حمل عليه السّلام حتّي دفن في مقابر قريش و لم يرفع قبره أكثر ممّا أمر به ثمّ رفعوا قبره بعد ذلك و بنوا عليه (1).

و عن عمر بن واقد قال:أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني فلمّا وصلت إليه قال لي:أتعرف موسي بن جعفر؟

فقلت:نعم و بيني و بينه صداقة.

فقال:من هاهنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله؟فسمّيت له أقواما فجاء بهم فأصبحنا في الدار نيف و خمسون رجلا فدخل كاتبه و كتب أسماءنا فخرج السندي فقال لي:قم فدخلنا فقال:إكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر،فكشفته فرأيته ميّتا فبكيت و استرجعت ثمّ قال للقوم إنظروا إليه فنظروا ثمّ كشف عن بدنه فقال:أترون به أثرا؟6.

ص: 60


1- عيون أخبار الرضا:96/2 ح 6،و البحار:225/48 ح 26.

قالوا:لا،ما نراه إلاّ ميّتا.

قال:فلا تبرحوا حتّي تغسلوه و أكفّنه و أدفنه ففعلنا حتّي دفناه و كان عمر بن واقد يقول:ما أحد أعلم بموسي بن جعفر منّي كيف يقولون إنّه حيّ و أنا دفنته (1).

و عن عبد اللّه الصيرفي قال:توفّي موسي بن جعفر عليه السّلام في يد السندي بن شاهك فحمل علي نعش و نودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه فلمّا أتي به مجلس الجند أقام أربعة نفر فنادوا:ألا من أراد أن يري الخبيث بن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج و خرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلي الشط فسمع الصياح فقال لولده و غلمانه:ما هذا؟

قالوا:السندي بن شاهك ينادي علي نعش موسي بن جعفر فقال لولده و غلمانه:يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد يعني ثيابهم فلمّا عبروا نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا ثيابهم و وضعوه في مفرق أربعة طرق و أقام المنادي ينادي:ألا من أراد أن ينظر إلي الطيّب بن الطيّب فلينظر إلي موسي بن جعفر،فخرج الناس فغسّل و حنّط بحنوط فاخر و كفّن بكفن فيه حبرة استعمل له بألفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كلّه و احتفي و مشي في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلي مقابر قريش فدفنه هناك و كتب بخبره إلي الرشيد فكتب إلي سليمان وصلتك رحم يا عمّ و أحسن اللّه جزاك و اللّه ما فعل السندي لعنه اللّه ما فعل عن أمرنا (2).

و في المناقب،عن محمّد المهلبي قال:لمّا حبس الرشيد موسي عليه السّلام و أظهر الدلائل و المعجزات و هو في الحبس تحيّر الرشيد فقال ليحيي بن خالد البرمكي:يا أبا علي ما تري ما نحن فيه من هذه العجائب ألا تدبّر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمّه فقال له يحيي:أري أن تمنّ عليه و تصل رحمه و كان يحيي يتولاّه و هارون لا يعلم ذلك.

فقال هارون:إنطلق إليه و أطلق عنه الحديد و أبلغه عنّي السلام و قل له:يقول لك ابن عمّك إنّه قد سبق منّي فيك يمين ألاّ أخليك حتّي تقرّ لي بالإساءة و تسألني عمّا سلف منك و هذا يحيي وزيري فسله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا.

فلمّا بلغه يحيي قال له:يا أبا علي أنا ميّت و إنّما بقي من أجلي اسبوع أكتم موتي و أتني يوم الجمعة عند الزوال و صلّ عليّ أنت و أوليائي فرادي فانظر إذا سار هذا الطاغية إلي الرقّة و عاد إلي العراق لا يراك و لا تراه و احذر لنفسك فإنّي رأيت في نجمك و نجمه إنّه يأتي عليكم فاحذروه ثمّ قال:يا أبا علي أبلغه عنّي يقول لك موسي بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما تري9.

ص: 61


1- البحار:226/48،و عيون أخبار الرضا:97/1.
2- عيون أخبار الرضا:93/2 ح 1،و البحار:227/48 ح 29.

و ستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي اللّه من الظالم و المتعدّي علي صاحبه و السلام.

فخرج يحيي من عنده و احمرّت عيناه من البكاء حتّي دخل علي هارون فأخبره بقصّته و ما ورد عليه فقال هارون لعنه اللّه:إن لم يدع النبوّة بعد أيّام فما أحسن حالنا،فلمّا كان يوم الجمعة توفّي عليه السّلام و قد خرج هارون إلي المدائن قبل ذلك فأخرج إلي الناس حتّي نظروا إليه ثمّ دفن و رجع الناس فافترقوا فرقتين فرقة تقول مات و فرقة تقول لم يمت (1).

و عن أبي خالد الزّبالي قال:لمّا أقدم بأبي الحسن موسي عليه السّلام علي المهدي القدمة الأولي نزل زبالة فكنت أحدّثه،فرآني مغموما فقال لي:يا أبا خالد مالي أراك مغموما؟

فقلت:و كيف لا أغتمّ و أنت تحمل إلي هذه الطاغية و لا أدري ما يحدث فيك؟

فقال:ليس عليّ بأس إذا كان شهر كذا و كذا و يوم كذا فوافني في أوّل الميل.

فما كان لي همّ إلاّ إحصاء الشهور و الأيّام حتّي كان ذلك اليوم،فوافيت الميل فما زلت عنده حتّي كادت الشمس أن تغيب و وسوس الشيطان في صدري و تخوّفت أن أشكّ فيما قال،فبينا أنا كذلك إذا نظرت إلي سواد قد أقبل من ناحية العراق،فاستقبلتهم فإذا أبو الحسن عليه السّلام أمام القطار علي بغلة،فقال:إيه يا أبا خالد (2).

قلت:لبّيك يا ابن رسول اللّه.

فقال:لا تشكّنّ،ودّ الشيطان أنّك شككت.

فقلت:الحمد للّه الّذي خلّصك منهم فقال:إنّ لي إليهم عودة لا أتخلّص منهم (3).

***

وصيّة الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السّلام

روي الكليني،عن أحمد بن مهران،عن محمّد بن علي،عن أبي الحكم قال حدثني عبد اللّه بن ابراهيم الجعفري،و عبد اللّه بن محمّد بن عمارة،عن يزيد بن سليط قال:لما أوصي أبو إبراهيم عليه السّلام أشهد إبراهيم بن محمّد الجعفري و إسحاق بن محمّد الجعفري و إسحاق بن جعفر بن محمّد و جعفر بن صالح و معاوية الجعفري و يحيي بن الحسين بن زيد بن علي و سعد بن عمران الأنصاري و محمّد بن الحارث الأنصاريي و يزيد بن سليط الأنصاري و محمّد بن جعفر بن سعد

ص: 62


1- مناقب آل أبي طالب:409/3.
2- قال في النهاية:ايه كلمة يراد بها الاستزادة و هي مبنية علي الكسر فإذا وصلت نونت فقل:ايه حدثنا،و إذا قلت:إيها بالنصب فإنما تأمره بسكوت و قد ترد المنصوبة بمعني التصديق و الرضاء بالشيء.
3- قرب الإسناد:331 ح 1229،و إعلام الوري:346.

الأسلمي-و هو كاتب الوصية الاولي-أشهدهم انّه يشهد أن لا اله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمدا عبده و رسوله و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في القبور و أنّ البعث بعد الموت حق و أنّ الوعد حق و أنّ الحساب حق و القضاء حق و أنّ الوقوف بين يدي اللّه حق و أنّ ما جاء به محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حق و أنّ ما نزل به الروح الأمين حق علي ذلك أحيا و عليه أموت و عليه أبعث إن شاء اللّه و أشهدهم انّ هذه وصيتي بخطي و قد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و وصية محمّد بن علي قبل ذلك نسختها حرفا بحرف و وصية جعفر بن محمّد علي مثل ذلك و إني قد أوصيت إلي علي و بني بعد معه إن شاء و آنس منهم رشدا و أحب أن يقرّهم فذاك له و إن كرههم و أحب أن يخرجهم فذاك له و لا أمر لهم معه و أوصيت إليه بصدقاتي و أموالي و موالي و صبياني الذين خلفت و ولدي إلي إبراهيم و العباس و قاسم و إسماعيل و أحمد و أم أحمد و إلي عليّ أمر نسائي دونهم و ثلث صدقة أبي و ثلثي يضعه حيث يري و يجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله،فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدّق بها علي من سمّيت له و علي غير من سمّيت فذاك له و هو أنا في وصيتي في مالي و في أهلي و ولدي و أن يري أن يقرّ إخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرّهم و إن كره فله أن يخرجهم غير مثرّب (1)عليه و لا مردود فإن آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له و إن أراد رجل منهم أن يزوج اخته فليس له أن يزوجها إلاّ بإذنه و أمره فإنّه أعرف بمناكح قومه،و أيّ سلطان أو أحد من الناس كفّه عن شيء أو حال بينه و بين شيء مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت فهو من اللّه و من رسوله بريء و اللّه و رسوله منه براء و عليه لعنة اللّه و غضبه و لعنة اللاعنين و الملائكة المقربين و النبيين و المرسلين و جماعة المؤمنين،و ليس لأحد من السلاطين أن يكفّه عن شيء و ليس لي عنده تبعة و لا تباعة و لا لأحد من ولدي له قبلي مال،فهو مصدق فيما ذكر فإن اقل فهو أعلم و ان أكثر فهو الصادق كذلك و إنّما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه باسمائهم التشريف لهم و امهات أولادي من أقامت منهن في منزلها و حجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأي ذلك و من خرجت منهن إلي زوج فليس لها أن ترجع إلي محواي إلاّ أن يري علي غير ذلك و بناتي بمثل ذلك.

و لا يزوج بناتي أحد من إخوتهنّ من أمّهاتهنّ و لا سلطان و لا عم إلاّ برأيه و مشورته فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا اللّه و رسوله و جاهدوه في ملكه و هو أعرف بمناكح قومه،فإن أراد أن يزوّج زوّج و إن أراد أن يترك ترك و قد أوصيتهنّ بمثل ما ذكرت في كتابي هذا و جعلت اللّه عليهن شهيدا و هو و أمّ أحمد شاهدان،و ليس لأحد أن يكشف وصيتي و لا ينشرها و هو منها علي غير ما ذكرت و سميت،فمن أساء فعليه و من أحسن فلنفسه و ما ربك بظلام للعبيد و صلي اللّه علي محمّد و علي آله و ليس لأحد من سلطان و لا غيره أن يفضّ كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل فمن فعل ذلك فعليهر.

ص: 63


1- من التثريب:و هو التعبير.

لعنة اللّه و غضبه و لعنة اللاعنين و الملائكة المقربين و جماعة المرسلين و المؤمنين من المسلمين و علي من فضّ كتابي هذا و كتب و ختم أبو ابراهيم و الشهود و صلّي اللّه علي محمّد و علي آله (1).

قال أبو الحكم:فحدثني عبد اللّه بن آدم الجعفري عن يزيد بن سليط قال:كان أبو عمران الطلحي قاضي المدينة فلما مضي موسي قدّمه إخوته إلي الطلحي القاضي فقال العباس بن موسي:

أصلحك اللّه و امتع بك انّ في أسفل هذا الكتاب كنزا و جوهرا و يريد أن يحتجبه و يأخذه دوننا و لم يدع أبونا رحمه اللّه شيئا إلاّ ألجاه إليه و تركنا عالة و لو لا أنّي أكف نفسي لأخبرتك بشيء علي رؤوس الملأ فوثب إليه ابراهيم بن محمّد فقال:إذا و اللّه تخبر بما لا نقبله منك و لا نصدقك عليه ثمّ تكون عندنا ملوما مدحورا نعرفك بالكذب صغيرا و كبيرا و كان أبوك أعرف بك لو كان فيك خيرا و إن كان أبوك لعارف بك في الظاهر و الباطن و ما كان ليأمنك علي تمرتين.

ثمّ وثب إليه إسحاق بن جعفر عمه فأخذ بتلابيبه فقال له:إنّك لسفيه ضعيف أحمق،إجمع هذا مع ما كان بالأمس منك و أعانه القوم أجمعون فقال أبو عمران القاضي لعلي:قم يا أبا الحسن حسبي ما لعنني أبوك اليوم و قد وسّع لك أبوك و لا و اللّه ما أحد أعرف بالولد من والده و لا و اللّه ما كان أبوك عندنا بمستخف في عقله و لا ضعيف في رأيه فقال العباس للقاضي:أصلحك اللّه فضّ الخاتم و اقرأ ما تحته.

فقال أبو عمران:لا أفضّه حسبي ما لعنني أبوك اليوم فقال العباس:فأنا أفضّه فقال:ذاك إليك ففضّ العباس الخاتم فإذا فيه إخراجهم و إقرار عليّ لها وحده و إدخاله إيّاهم في ولاية عليّ إن أحبوا أو كرهوا و إخراجهم من حد الصدقة و غيرها و كان فتحه عليهم بلاء و فضيحة و ذلة و لعلي عليه السّلام خيرة،و كان في الوصية التي فض العباس تحت الخاتم هؤلاء الشهود:إبراهيم بن محمّد و إسحاق بن جعفر و جعفر بن صالح و سعيد بن عمران و أبرزوا وجه أم أحمد في مجلس القاضي و ادعوا انّها ليست إيّاها حتي كشفوا عنها و عرفوها فقالت عند ذلك:قد و اللّه قال سيدي هذا:إنّك ستؤخذين جبرا و تخرجين إلي المجالس فزجرها إسحاق بن جعفر.

قال:أسكتي فإنّ النساء إلي الضعف ما أظنه قال من هذا شيئا.ثمّ إنّ عليا عليه السّلام إلتفت إلي العباس فقال يا أخي إنّي أعلم أنّه إنّما حملكم علي هذه الغرائم و الديون التي عليكم فانطلق يا سعيد فتعين لي ما عليهم ثمّ اقض عنهم و لا و اللّه لا أدع مواساتكم و برّكم ما مشيت علي الأرض فقولوا ما شئتم فقال العباس:ما تعطينا إلاّ من فضول أموالنا و لنا عندك أكثر فقال:قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم فإن تحسنوا فذاك لكم عند اللّه و ان تسيؤوا فإنّ اللّه غفور رحيم و اللّه إنكم لتعرفون أنّه ما لي يومي هذا ولد و لا وارث غيركم و لئن حبست شيئا مما تظنون أو ادخرته فإنما هو لكم و مرجعه إليكم9.

ص: 64


1- الكافي:317/1،و البحار:225/49.

و اللّه ما ملكت منذ مضي أبوكم رضي اللّه عنه شيئا إلاّ و قد سيبته حيث رأيتم،فوثب العباس فقال:و اللّه ما هو كذلك و ما جعل اللّه لك من رأي علينا و لكن حسد أبينا لنا و إراداته ما أراد مما لا يسوغه اللّه إيّاه و لا إيّاك و إنّك لتعرف إني أعرف صفوان بن يحيي بياع السابري بالكوفة و لئن سلمت لأغصّصنّه بريقه و أنت معه.

فقال علي عليه السّلام:لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم أمّا إنّي يا إخوتي فحريص علي مسرتكم اللّه يعلم،اللّهم إن كنت تعلم أنّي أحب صلاحهم و أني بارّ بهم واصل لهم رفيق عليهم أعني بأمورهم ليلا و نهارا فأجزني به خيرا و إن كنت علي غير ذلك فأنت علام الغيوب فأجزني به ما أنا أهله إن كان شرّا فشرّا و إن كان خيرا فخيرا،اللهم أصلحهم و أصلح لهم و اخسأ عنّا و عنهم الشيطان و أعنهم علي طاعتك و وفقهم لرشدك.أما أنا يا أخي فحريص علي مسرّتكم جاهد علي صلاحكم و اللّه علي ما نقول وكيل فقال العباس:ما أعرفني بلسانك و ليس لمسحاتك عندي طين فافترق القوم علي هذا و صلي اللّه علي محمّد و آله (1).

***

وصية أبيه له عليهما السّلام

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي فأجلسني أبي بين يديه و قال:يا بني أكتب:تنح عن القبيح و لا ترده.

ثمّ قال:انجزه يعني أتمّه.

فقلت:و من أوليته حسنا فزده.

ثمّ قال:ستلقي من عدوّك كلّ كيد.

فقلت:إذا كان العدوّ فلا تكده.

فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (2)(3).

***

علم الإمام الكاظم عليه السّلام بموته

الكشي،عن عبد اللّه بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيي بن خالد سمّ أباك موسي ابن جعفر؟

ص: 65


1- الكافي:316/1 ح 15.
2- سورة آل عمران،الآية:34.
3- مناقب آل أبي طالب:434/3.

قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة.

قلت:فما كان يعلم أنّها مسمومة؟

قال:غاب عنه المحدّث.

قلت:و من المحدّث؟

قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد ثمّ قال:إنّك ستعمّر فعاش مائة سنة (1).

***

بحث حول علم الإمام عليه السّلام بزمان و مكان موته

اشارة

فروي عن بعض أصحابنا قال:قلت للرضا عليه السّلام الإمام يعلم إذا مات؟

قال:«نعم،يعلم بالتعليم حتي يتقدّم في الأمر».

قلت:علم أبو الحسن بالرطب و الريحان المسمومين الذين بعث إليه يحيي بن خالد.

قال:«نعم» (2).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«ان أبي مرض مرضا شديدا-إلي أن قال-انّي ميّت يوم كذا و كذا».

قال:فمات في ذلك اليوم (3).

و كان الإمام الكاظم عليه السّلام يعلم بموته علي التفصيل (4).

و كان أمير المؤمنين علي عليه السّلام يعلم بموته و بقاتله علي التفصيل (5).

بل نقل الراوندي تواتره (6).

و كان الإمام الحسين عليه السّلام يعلم متي يموت و بأي أرض يموت و من يستشهد معه (7).

ص: 66


1- البحار:242/48 ح 50،و مسند الإمام الرضا:444/2 ح 37.
2- بصائر الدرجات:481 باب علمهم بموتهم ح 3.
3- بصائر الدرجات:481 باب علمهم بموتهم ح 2.
4- الخرائج و الجرائح:303 باب 9.
5- راجع أصول الكافي:259/1 ح 4 من باب علمهم بموتهم.
6- الخرائج و الجرائح:190 الباب الثاني.
7- مشارق أنوار اليقين:88،و الهداية الكبري:203-204 باب 5.

و كانت فاطمة الزهراء عليها السّلام كذلك،فقامت و اغتسلت و أوصت (1).

بل ورد ان أصحاب الكساء صلوات اللّه عليهم يعلمون ما يحلّ بهم في عالم الأظلة و الأنوار (2).

و كذلك الإمام الرضا عليه السّلام حيث قال لابن الجهم:«فانّه سيقتلني بالسم و هو ظالم لي،أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فاكتم هذا عليّ ما دمت حيّا» (3).

و الإمام زين العابدين قال للإمام الباقر عليه السّلام:«يا بني إنّ هذه الليلة التي أقبض فيها» (4).

بل ورد أنّ علمهم بموتهم من علامات إمامتهم:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«أي إمام لا يعلم ما يصيبه و إلي ما يصير فليس ذلك بحجّة للّه علي خلقه» (5).

*أقول:هذه جملة من الأحاديث الدالة انّهم يعلمون بموتهم علي التفصيل،و لا يمكن لمنكر أن ينكر عليهم ذلك،فإنّ ما تقدّم من أحاديث ملزم لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد.

هذا و ما تقدّم من أحاديث في سعة علمهم و كيفيته و زمانه و جهاته؛كلّه يدل أنّهم يعلمون بموتهم،لأنّ علمهم بكل شيء شامل لذلك،و علمهم بالغيب شامل له أيضا،و كون علمهم لدنيا حاضرا فيهم شامل أيضا لذلك.

نعم؛أنكر من أنكر العلم بموتهم من جهة اشكال معروف،و هو أنه إذا علم بموته بالسم و القتل كيف يقدم عليه؟!

و هل يكون الإمام يعين قاتله علي نفسه؟!

و هل يعتبر ذلك رميا للنفس في التهلكة؟!

إلاّ إنّه يمكن رفع هذا الإشكال بعدّة إجابات ترفع حجّة القول بإنكار علمهم بموتهم،فنقول و بالله المستعان و من آل محمّد توسط المعونة:

***3.

ص: 67


1- الفضائل الخمسة:198/3،و مقتل الخوارزمي:85/1،و فضائل الصحابة:629/2،و كشف الغمة:/2 42.
2- الهداية الكبري:408.
3- بحار الأنوار:136/25 كتاب الإمامة باب جامع في صفات الإمام ح 5،و جامع كرامات الأولياء:/2 256.
4- أصول الكافي:259/1 ح 3 من باب علمهم بموتهم.
5- أصول الكافي:258/1 ح 1،و بصائر الدرجات:484 ح 13.

دفع إشكال معرفة الإمام بموته

*الجواب الأوّل:أن يقال أنّ حالهم حال الشهداء الأبرار،بل هم أفضل،فإن بعض الشهداء يعلمون بزمان و مكان استشهادهم،و العرف لا يحكم عليهم بالتهلكة و قتل النفس،فإن العمليات الإستشهادية التي يقوم بها أبدال أهل الشام في ألوية حزب اللّه؛أكبر دليل علي التضحية و الفداء،يخرجون من مقرّهم بسياراتهم المفخخة و يسير أحدهم إلي الهدف اليهودي حتي إذا ما وصل إليه أطلق زر التفجير،فتنفجر سيارته بالأعداء و هو في داخلها؛فعند حلّه لزر الأمان يعلم بموته علي التفصيل،و مع ذلك يقدم من أجل هدف أسمي و تنفيذ الأوامر الإلهية المأخوذة علي عاتقه.

*الجواب الثاني:أن يكون الإمام عليه السّلام عند موته مخيّرا بين الموت و البقاء،و لكنه يختار الأفضل لعلمه أنّ الآخرة و لقاء اللّه تعالي خير له من البقاء في الدنيا.

و يدل عليه ما روي عن الإمام الباقر عليه السّلام:«نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا نقلنا إليه» (1).

و حديث الإمام الرضا عليه السّلام:«رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم البارحة و هو يقول:يا علي عندنا خير لك» (2).

و حديث الإمام الباقر عليه السّلام أيضا قال:«أنزل اللّه تعالي النصر علي الحسين عليه السّلام حتي إذا كان بين السماء و الأرض خيّر:النصر أو لقاء اللّه فاختار لقاء اللّه تعالي» (3).

أمّا لماذا ما عند اللّه خير؟و لماذا لم ينقله إليه قبل هذه المدّة مع أنّه في كل وقت ما عند اللّه خير لآل محمّد عليهم السّلام؟

فذلك لأنّ الإمام سفير اللّه تعالي في أرضه،و له مهمّة هداية الناس،فإذا انتهت مدّته و جاءت مدّة الإمام الذي بعده،فإن العلّة التي اقتضت بقاءه قد ارتفعت فيعود إلي مقره الأبدي.

و سوف يأتي توضيح ذلك في الجواب الصحيح.

*الجواب الثالث:ما ذكره العلاّمة المجلسي قال:(إنّ التحرّز عن أمثال تلك الأمور(كتناول السم و نحوه)إنّما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية،و إلاّ فيلزم أن لا يجري عليهم شيء من التقديرات المكروهة،و هذا ممّا لا يكون.

ص: 68


1- بصائر الدرجات:481 ح 4.
2- بصائر الدرجات:483 ح 9،و أصول الكافي:260/1 ح 6.
3- أصول الكافي:260/1 ح 8.

و الحاصل أنّ أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرية لا بالعلوم الإلهامية) (1).

مراده:أنّ الإنسان العادي إذا علم أنّ ما يأكله سم يؤدي إلي الموت فإنّه يمتنع عن تناوله و يتحرّز عنه لعدم علمه بالأسباب الحقيقية للموت و عدم علمه بكيفية موته من غير السم،إذ لعل الإنسان لو يعلم أنّ موته سوف يقع بأمر أعظم من السم،أو أنه سوف يموت أمام أطفاله فيما بعد، لقبل بموته بالسم هذا و لتناوله من أجل أنه اختار أهون الموتتين و أصلحهما له و لعياله.

أمّا أهل البيت عليهم السّلام فهم يعلمون كل التقديرات المكروهة و الأفعال التي سوف تحلّ بهم، فمثلا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عندما خرج إلي المسجد الحرام كان يعلم أنّ كفّار قريش سوف يلقون عليه أثناء الصلاة السل و فضلات الحيوان،و مع علمه خرج،و هكذا في كثير من الامور المكروهة التي تحصل لهم عليهم السّلام.

و عليه فالإمام يتعامل بالظواهر في أمثال هذه الأمور كبقية الناس مع علمه بما يحصل،لذا ورد الحديث الشريف:«نحن صبر و شيعتنا أصبر لأننا نصبر علي ما نعلم و هم يصبرون علي ما لا يعلمون» (2).

و عليه،فعندما عرض علي الإمام عليه السّلام العنب المسموم فانّه يتعامل معه علي انّه عنب،و لا يتعامل معه علي انّه سمّ مميت تنزيلا لنفسه منزلة الأشخاص العاديين.

و إلاّ لو أراد الإمام التعامل معه علي أنه سمّ حقيقي لما تناوله و عندها لا يقع عليه القتل أبدا مع علمه أنّ اللّه قد كتبه عليه!!

هذا ما يمكن أن يواجه به جواب العلاّمة المجلسي.

و فيه:انّه إن صح لا يفسّر حقيقة علمهم بموتهم.

علي أنّه التزم بأن فعل الإمام تهلكة إلاّ أن تكليفه فيها غير تكليفنا نحن فيها،و هذا غير ملزم لنا للقبول به،لما يأتي في الجواب الصحيح.

*الجواب الرابع:ما ذكره العلاّمة المجلسي أيضا من أنه يمكن أن يقال:(لعلّهم علموا أنّهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر الأمرين) (3).

أقول:هذا يصح بالنسبة لأمثالنا،ذلك إننا إذا علمنا بشرّين فإننا نختار أيسرهما.

امّا آل محمّد عليهم السّلام فإن المسألة بالنسبة لهم تختلف،فإنّ اللّه هو الذي يقدّر أمورهم،فلو علم8.

ص: 69


1- بحار الأنوار:236/48 تاريخ الإمام الكاظم عليه السّلام.
2- بحار الأنوار:175/32 ح 132 كتاب 35.
3- بحار الأنوار:236/48.

اللّه أن تلك الموتة أنفع للإمام أو للشيعة أو لمصلحة ما؛لأوجبها عليهم،و هم عليهم السّلام لما اختاروا غيرها.

و بعبارة أخري:الإمام يعلم ما اختار اللّه له من كيفية موته،و هو عليه السّلام لا يريد إلاّ ما أراد اللّه، فالمسألة ليست مسألة علم الإمام بكيفية الموت فقط،بل المسألة تتعلّق بشيء أعظم من ذلك، و التخيير للإمام في اختيار أي الموتتين مرتبط بمقام يستحق أن يختار الإمام لأجله فراق الشيعة.

علي أن الإمام الكاظم عليه السّلام حاول الطاغية الرشيد قتله أوّلا بالسم فلم يفلح،ثم عاد و قتله بالسم نفسه (1)فالموتة الأولي كانت كالثانية.

*الجواب الخامس:ما وردت به بعض الروايات أن اللّه ينسي الإمام لينفذ حكمه فيه، كالمروي عن الإمام الرضا عليه السّلام في تناول الرطب من الإمام الكاظم عليه السّلام فقال:«أنساه لينفذ فيه الحكم» (2).

و في رواية أخري:«غاب عنه المحدّث» (3).

*أقول:و هذا يرفع إشكال إقدام الإمام علي تناول السم و الرمي بالتهلكة لأنّه أكل العنب و هو لا يعلم أنّه مسموم.

و فيه:

أوّلا:إنه ينافي ما تقدّم من روايات و أنّه من علامات الإمام العلم بموته.

ثانيا:ينافي علم الإمام و سعته بما تقدّم في مواضع مختلفة و مستفيضة و أنّه يشمل كل شيء.

ثالثا:أن الصحيح نفي السهو عن الإمام.

رابعا:هذا الجواب لا يتناسب مع عظمة الإمام إذ يكون الإمام لا يعلم إلي أين يصير،و لا يختار بنفسه ما عند اللّه عزّ و جلّ من المقام المحمود،و يكون كبقية الناس يقدم علي أمر خفيّ مجهول.

خامسا:إننا لا نحتاج إلي هذا الجواب مع وجود الأجوبة الأخري.

*الجواب السادس:ما ورد في رواية الإمام الكاظم عليه السّلام قال:«إن اللّه عزّ و جلّ غضب علي الشيعة فخيّرني في نفسي أو هم،فوقيتهم و اللّه بنفسي» (4).1.

ص: 70


1- الهداية الكبري:265 باب 9.
2- بصائر الدرجات:481 ح 3،و بحار الأنوار:235/48-236 ح 42.
3- بحار الأنوار:242/48 ح 50 عن رجال الكشي:371.
4- أصول الكافي:260/1 ح 5 باب علمهم بموتهم،و الدر المنثور:80/1.

و هذه الرواية مروية في حق الإمام الكاظم عليه السّلام فقط،فهل يمكن تعدية الحكم لكل إمام عليه السّلام؟!

قد يقال:أنّه ممكن في حق بعض الأئمة ممّن كانت الشيعة في زمانهم،كما كانت في زمن الإمام الكاظم عليه السّلام،و لكن ماذا نفعل في شيعة الإمام الحسين عليه السّلام أو شيعة قائم آل محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم!!

نعم الرواية لا تفسّر لنا حقيقة انتقال الإمام إلي جوار ربّه و عودته إلي عرش الرحمن تعالي.

فالجواب لا يخلو من ضعف.

*الجواب السابع:ما ذكره الشيخ المفيد(قده)قال في تخريج علم أمير المؤمنين عليه السّلام بموته:

(إذا كان لا يمتنع أن يتعبّده اللّه بالصبر علي الشهادة و الإستسلام للقتل،ليبلغه اللّه بذلك من علوّ الدرجة ما لا يبلغه إلاّ به،و لعلمه تعالي بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يؤدها، و يكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامه غيره،فلا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام ملقيا بيده إلي التهلكة و لا معينا علي نفسه معونة مستقبحة في العقول) (1).

و علي كلامه يكون أمير المؤمنين عليه السّلام عالما بوقت استشهاده و أنّها في الصلاة و يصبر علي ذلك من أجل المرتبة المرجوة،و هذا لا محذور فيه من هذه الناحية،إذ يحافظ علي علم أمير المؤمنين عليه السّلام باستشهاده و لا يدخل الجهل عليه.

و مسألة الدرجة الرفيعة أيضا لا إشكال فيها،إذ تحمل علي الدرجة المعنوية و القرب من اللّه تعالي،لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يعبد اللّه عبادة الأحرار لا عبادة التجّار.

نعم،مسألة صبر الأمير عليه السّلام علي الشهادة؛قد يفهم منها الجزع و الخوف أو لا أقل عدم الرغبة في هذا القتل،لأنّ الصبر لا يكون إلاّ علي المكروه،نعم هو صبر عن علم كما تقدّم في الحديث:«نحن صبر و شيعتنا أصبر لأنا نصبر علي ما نعلم».

فيكون في جواب الشيخ الأقدس محذور الصبر علي المكروه،مع أنّ الشهادة بالنسبة لغير أمير المؤمنين عليه السّلام عشق،فكيف هي لأمير الموحدين علي بن أبي طالب صلوات المصلّين عليه،و هو القائل:«لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه» (2).

و قال عليه السّلام:«لو لا الآجال التي كتب اللّه لهم لماتوا شوقا إلي اللّه و الثواب» (3).

و أنسه بالموت و الشهادة ما هو إلاّ الحب و عشق لقاء اللّه تعالي؛نعم أمير الموحدين عليه السّلام كان صابرا علي المكروه،و لكن ليست هي الشهادة و القتل؛انّما صبره علي فراق اللّه هو المكروه:«هبني8.

ص: 71


1- المسائل العكبرية:70/6 المسألة العشرون.
2- تذكرة الخواص:121،و بحار الأنوار:234/28 ح 20،و المحاسن و المساويء:483.
3- نهج البلاغة:161/2،و البحار:193/68.

يا إلهي صبرت علي عذابك فكيف أصبر علي فراقك» (1).

و عليه فلو لا مسألة الصبر علي المكروه،فإنّ جواب الشيخ المفيد متين و علي كل حال هو أفضل الأجوبة المتقدّمة.

نعم هذه ليست عقيدة الشيخ المفيد لأنّه استبعد علم أمير المؤمنين عليه السّلام و غيره من الأئمة بموتهم و وقت ذلك،و نفي وجود أثر في ذلك (2).

و لسنا في صدد الرد عليه،انّما أنت خبير بوجود الأثر المستفيض،و قد تقدّم منه شيء يسير، و نقلت لك الروايات في علمهم بموتهم و علمهم بالمغيبات.

*الجواب الثامن:ما ذكره العلاّمة الطباطبائي في تفسيره ملخّصه بقوله:

(فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث علي ما هي عليها في متن الواقع لم يؤثر ذلك في اخراج حادث منها،و إنّ كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلي حدّ الإمكان) (3).

مراده انّه لو فرض علم الإمام مثلا بوقت قتله و ساعته،فإن علمه بذلك لا يؤثر و لا يمنع وقوع القتل من باب أن حدوث القتل يستند إلي علل و شرائط،فإذا تمّت وجب تحقّق الفعل و القتل، كتحقّق أي معلول عند حصول علّته التامّة.

*أقول:صحيح أن العلل إذا تمّت وجب تحقق المعلول،و أن الشرائط إذا توفرت وجب حصول القتل،و لكن في ما نحن فيه من إقدام الإمام عليه السّلام علي القتل مع علمه به،و أنه لا يلزم منه المساعدة علي التهلكة؛في مثل هذا نحن نحاول معرفة مدخلية علم الإمام في قتله،و هل هو مخيّر أم غير مخيّر،و هل هو يعلم بذلك أو لا؟

و تقدّم في الروايات كونه عالما بقتله و كونه مخيّرا في ذلك،و إنه اختار الأفضل،و هو القتل و القرب من اللّه تعالي،و لو كان الأفضل هو البقاء لاختاره.

و الخلاصة:ظاهر كلامه عدم اختيار الإمام في زمن قتله،و هذا منافي لبعض الأخبار المتقدّمة.

نعم؛لا يقال اختيار الإمام ينافي قانون العلية،لأنّا نقول لو اختار الإمام البقاء لما قتل،و لما انهدم قانون العلية الظاهري،إذ يكشف عندها عن عدم تحقّق كافة العلل،و هذا لا يلزم معه كون قبول الإمام بقتله في هذا الوقت أحد أجزاء العلّة التامّة.8.

ص: 72


1- فقرة من دعاء كميل،إقبال الأعمال:708 ط.الحجرية.
2- المسائل العكبرية:70/6.
3- تفسير الميزان:193/18.

علي أنه لو كان،يحمل علي عشق الإمام للقاء اللّه تعالي و فعله المستحيل من أجل ذلك.

الجواب التاسع و هو الصحيح:إننا قدمنا في هذا الكتاب-الولاية التكوينية-أنّ آل محمد كانوا أنوارا حول عرش اللّه،و إنّما أنزلهم اللّه إلي الدنيا لهداية البشر المتوقفة عليهم.

و معلوم أن هذا الهبوط خلاف طبع الأولياء و العرفاء.

و الله سبحانه و تعالي أنزلهم علي فترات مختلفة ابتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حتي الإمام المهدي عجل اللّه فرجه،و جعل لكل إمام عليه السّلام مدّة محدّدة يقضي فيها مع أصحابه ليهديهم،فإذا انتهت مدّة الإمام الأوّل إنتقلت المهمة إلي الإمام الثاني و هكذا.

و عند انتهاء مدّة الإمام الأوّل،فإنّ العلّة التي اقتضت هبوطهم من عالم الأنوار و عرش الرحمن ترتفع،و إذا ارتفعت العلّة وجب أن يعودوا إلي مقرّهم الطبيعي.

و يؤيّده قول رسول اللّه للرضا عليهما السّلام في المنام:«ما عندنا خير لك» (1).

و قد تقدّم أيضا في هذا الكتاب أحاديث أنّ الإمام قلبه مع اللّه و شخصه مع الخلق،فهو عيشه الدائمي مع اللّه،و لكن لمصلحة الهداية كان مع البشر.

و يؤيّده ما تقدّم في الإمام الحسين عليه السّلام انّه خيّر بين النصر و لقاء اللّه فاختار لقاء اللّه (2).

و ما روي عن إمامنا زين العابدين عليه السّلام:«و الله لا يشغلني شيء عن شكره و ذكره في ليل و لا نهار و لا سرّ و لا علانية،و لو لا إنّ لأهلي علي حقا و لسائر الناس في خاصّهم و عامّهم عليّ حقوقا لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع و الطاقة حتي أؤديها إليهم؛لرميت بطرفي إلي السماء و بقلبي إلي اللّه ثم لم أردهما حتي يقضي اللّه علي نفسي و هو خير الحاكمين» (3).

و يؤيّده أيضا ما روي عن الإمام الرضا عليه السّلام في سبب إقدام أمير المؤمنين عليه السّلام علي الصلاة في المسجد مع علمه بابن ملجم و قتله له قال عليه السّلام:«ذلك كان و لكنّه خيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير اللّه عزّ و جلّ (4).

و تكون مقادير اللّه أن مدّة إمامة الإمام الأوّل عليه السّلام انتهت ليأتي الإمام الثاني.

و بعبارة مختصرة:ليس الإشكال في سبب موت الإمام عليه السّلام و عروجه إلي مقام قاب قوسين أو أدني،إنّما الإشكال في هبوط الإمام من مقامه إلي هذه الدنيا.

امّا مسألة رمي النفس في التهلكة،فإن التهلكة هي وضع النفس في موضع الضرر أوم.

ص: 73


1- الكافي:260/1 ح 8 و 6.
2- المصدر السابق.
3- الآداب المعنوية للصلاة:313.
4- أصول الكافي:259/1 باب علمهم بموتهم.

الخسارة؛و اختيار الإمام عليه السّلام للقاء اللّه و عودته إلي عرش اللّه ليس فيه ضرر و لا خسارة،بل هو ربح و مصلحة لمن يعلم بمقامه عند اللّه،و لمن يعلم من أين أتي و إلي أين يعود.

و إن شئت قلت:نعم الضرر هذا،لأنّ الضرر من أجل مصلحة أعظم و أفضل لا يعد ضررا، و إن عدّ فهو لا يلغي الإقدام عليه من أجل المصلحة الكبري.

و كما أن الشهيد الذي يعلم أنّه يقتل في عمليته الإستشهادية فهو ضرر بهذا المعني،و لكنّه مغفور له لأنّه يقدم علي فعل واجب أهم من ترك هذا الضرر المحرم في غير هكذا موضع.

و بعبارة أخري:كون الفعل هذا مرادا للّه تعالي أو للإمام عليه السّلام يكفي في عدم كونه تهلكة، فافهم.

و هذا يتناسب مع ما ورد عن الإمام الحسين عليه السّلام إن قتله قضاء محتوم و أمر واجب (1)لا مفرّ منه،فاللّه تعالي قدّر له ذلك،و أن ولايته تنتهي إلي سنة 61 ه.و لا حاجة لوجوده الظاهري بعد هذه السنة في هداية الناس،فيرجع إلي مكانه الأصلي-الأبدي الأزلي-.

و أيضا يؤيده ما تقدم عن الإمام الباقر عليه السّلام عندما قرب أجله إستدعي إبنه الصادق عليه السّلام و قال:

«إن هذه الليلة التي وعدت فيها» (2).

و كأنه كان ينتظرها بفارغ الصبر و كذلك ما حصل من أمير المؤمنين عليه السّلام عند استشهاده:«فزت و ربّ الكعبة».

و هذا الوجه يتناسب مع قوله تعالي: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (3).

فالإمام الولي ينتظر لقاء اللّه تعالي.

و الحمد للّه رب العالمين.

***

شهادة الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السّلام

قبض عليه السّلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك و كان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوّال سنة تسع و سبعين و مائة و قد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان،ثمّ شخص هارون إلي الحجّ و حمله معه،ثمّ انصرف علي طريق البصرة فحبسه عند عيسي بن جعفر (4)،ثمّ

ص: 74


1- الهداية الكبري:203 باب 5.
2- الهداية الكبري:239 باب 7.
3- سورة الأنبياء،الآية:103.
4- هو عيسي بن جعفر بن منصور الدوانقي و ابن عم هارون و واليه في البصرة.

أشخصه إلي بغداد،فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفيّ عليه السّلام في حبسه و دفن ببغداد في مقبرة قريش و أمّه أمّ ولد يقال لها:حميدة (1).

و قيل استشهد عليه السّلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب.

و قيل:لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة و له يومئذ خمس و خمسون سنة.

و استشهد بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموما و دفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش (2).

و قيل الذي سمّه السندي بن شاهك صاحب الحرس،و قيل يحيي بن خالد البرمكي بأمر الرشيد هارون بن المهدي بن المنصور الدوانقي لعنهم اللّه،و بقي الرشيد بعده عليه السّلام عشر سنين (3).

و كان عليه السّلام في حبس عيسي بن جعفر سنة فبعث هارون إلي عيسي و أمره بقتله عليه السّلام فأبي و استعفي عن ذلك فأشخصه هارون إلي بغداد و حبسه عند الفضل بن الربيع و بقي في حبسه مدة و أمره أيضا بقتله فأبي عنه،ثم حبسه عند الفضل بن يحيي بن خالد البرمكي فضيق عليه الفضل أولا الطعام و الشراب و المسكن ثم عظمه و أكرمه و احترمه و وسع عليه لما رأي منه كثرة الصلاة و الصيام و الخشوع فأنهي ذلك إلي هارون فغضب عليه و كتب إلي السندي أن يضرب الفضل مائة سوط فضربه،ثم حبسه عليه السّلام عند السندي و لما رأي يحيي بن خالد تغير هارون علي ابنه و أسر إلي هارون أن يتجاوز عن تقصير إبنه و تكفل هو ذلك الفعل الشنيع فسر بذلك هارون و أمره أن يذهب إلي بغداد و يأتي بما أمره به خفية لكيلا يعلمه العلويون و غيرهم فدخل بغداد و أظهر أنه جاء لتعمير بعض العمارات و بقي أياما قلائل و أظهر ما في ضميره علي السندي ففعلا ما فعلا و سمه أحدهما عليهما لعنة اللّه و الملائكة و لعن اللاعنين (4).

و عن أبي بصير قال:قبض موسي بن جعفر عليهما السّلام و هو ابن أربع و خمسين سنة في عام ثلاث و ثمانين و مائة.و عاش بعد جعفر عليه السّلام خمسا و ثلاثين سنة (5).

و قيل:توفي ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة و له خمسون سنة.و مدة خلافته خمسا و ثلاثين سنة.

و روي في الكافي،عن مسافر قال:إنّ موسي بن جعفر عليه السّلام حين أخرج به أمر ابنه عليّا الرضا أن ينام علي بابه في كلّ ليلة أبدا ما دام حيّا إلي أن يأتيه خبره.

قال:فكنّا كلّ ليلة نفرش لأبي الحسن عليه السّلام في الدهليز ثمّ يأتي بعد العشاء فينام فإذا أصبح1.

ص: 75


1- مدينة المعاجز:378/6 ح 121.
2- البحار:2/48 ح 2.
3- شرح أصول الكافي:252/7.
4- شرح أصول الكافي:253/7.
5- الكافي:486/1 ح 9،و معجم رجال الحديث:349/11.

انصرف إلي منزله فمكث علي هذه الحال أربع سنين،فلمّا كان ليلة ما أتي كما كان يأتي فاستوحش العيال و ذعروا و دخلنا أمر عظيم من إبطائه فلمّا كان الغد أتي الدار و دخل إلي العيال و قصد إلي أمّ أحمد فقال لها:هاتي الذي أودعك أبي فصرخت و لطمت وجهها و شقّت جيبها و قالت:مات و اللّه سيّدي فكفّها و قال:لا تكلّمي بشيء حتّي يجيء الخبر إلي الوالي فأخرجت إليه سفطا و ألفي دينار فدفعته إليه دون غيره.

و قالت:إنّه قال لي فيما بيني و بينه و كانت أثيرة عنده احتفظي بهذه الوديعة لا تطلعي عليها أحدا حتّي أموت فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه و اعلمي أنّي قد متّ فقبض ذلك منها و أمرهم بالإمساك إلي أن ورد الخبر و لم يعد إلي المبيت كما كان يفعل،فلمّا جاء الخبر بنعيه كان في ذلك الوقت الذي قبض فيه الوديعة (1).

و في عيون المعجزات،عن الصيمري أنّ السندي بن شاهك حضر بعدما كان بين يديه السمّ في الرطب و أنّه عليه السّلام أكل منها عشر رطبات فقال له السندي:تزداد.

قال عليه السّلام:حسبك بلغت ما تحتاج إليه فيما أمرت به.

ثمّ إنّه أحضر القضاة و العدول قبل وفاته بأيّام و أخرجه إليهم و قال:إنّ الناس يقولون:إنّ أبا الحسن موسي في ضنك و ضرّ و ها هو لا علّة به و لا مرض و لا ضرّ.

فالتفت عليه السّلام فقال:اشهدوا عليّ أنّي مقتول بالسمّ منذ ثلاثة أيّام،إشهدوا إنّي صحيح الظاهر لكنّي مسموم،و سأحمرّ في آخر هذا اليوم حمرة شديدة و أبيضّ بعد غد و أمضي إلي رحمة اللّه و رضوانه.

فمضي عليه السّلام كما قال في آخر اليوم الثالث سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و كان سنّه عليه السّلام أربعا و خمسين سنة أقام منها مع أبيه عليه السّلام عشرين سنة و تفرّد بالإمامة أربعا و ثلاثين سنة (2).

و في عيون أخبار الرضا عليه السّلام بعد ذكر الأخبار الدالّة علي وفاته عليه السّلام قال:إنّما وردت هذه الأخبار ردّا علي الواقفة علي موسي بن جعفر عليه السّلام فإنّهم يزعمون أنّه حيّ و ينكرون إمامة الرضا عليه السّلام و إمامة من بعده و في صحّة وفاة موسي عليه السّلام إبطال مذهبهم و لهم في هذه الأخبار كلام يقولون:إنّ الصادق عليه السّلام قال:الإمام لا يغسله إلاّ إمام،فلو كان الرضا عليه السّلام إماما لغسّله.

و في هذه الأخبار أنّ موسي عليه السّلام غسّله غيره و لا حجّة لهم علينا في ذلك،لأنّ الصادق عليه السّلام إنّما نهي أن يغسل الإمام إلاّ من يكون إماما فإن دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده و لم يقل عليه السّلام إنّ الإمام لا يكون إلاّ الذي يغسل من قبله من الأئمّة رحمه اللّه فبطل5.

ص: 76


1- الكافي:382/1،و البحار:246/48.
2- عيون المعجزات:95.

تعلّقهم علينا بذلك علي أنّا قد روينا في بعض هذه الأخبار أنّ الرضا عليه السّلام غسّل أباه موسي بن جعفر عليه السّلام من حيث خفي علي الحاضرين لغسّله غير من اطّلع عليه و لا تنكر الواقفة أنّ الإمام يجوز أن يطوي اللّه له البعد حتّي يقطع المسافة البعيدة في المدّة اليسيرة (1).

***

النص علي الإمام أبي الحسن موسي الكاظم عليه السّلام

و ذلك من طرق:

*الطريق الاول:أنه كان أفضل خلق اللّه بعد أبيه و أعلم أهل زمانه و أعبدهم و أزهدهم و أشجعهم،كما ذكر أصحاب التاريخ و السير (2).

و قد ثبت بدلالة العقول تقديم الفاضل علي المفضول و العالم علي الجاهل.

قال الإمام الصادق عليه السّلام لأصحابه في حقه:«إستوصوا بابني موسي خيرا فإنه أفضل ولدي و من أخلف من بعدي» (3).

و قال في شرح الشمائل و نور الأبصار و ينابيع المودة:و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أسخاهم كفا و أكرمهم نفسا (4).

و قال الرشيد لابنه المأمون:يا بني هذا وارث علم النبيين هذا موسي بن جعفر بن محمد إن أردت العلم الصحيح فعند هذا (5).

و يصف عبادته الفضل بن الربيع بقوله:...إنه يصلي الفجر فيعقب إلي أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس (6).

ص: 77


1- عيون أخبار الرضا:97/2.
2- تاريخ اليعقوبي:414/2 وفاة موسي بن جعفر،و صفة الصفوة:103/2،و أخبار الدول:112، و الإرشاد:223/2،و بحار الأنوار:343/47،و دلائل الإمامة:169،و قرب الإسناد:146 ط.طهران، و الخرائج و الجرائح:334/1،و روضة الواعظين:212،و تاريخ بغداد:28/13 ط.المدينة المنورة، و الصواعق المحرقة:203 ط.مصر و ط.بيروت 307،و نهج الحق:258،و الفصول المهمة:227 ط. الاضواء و 237 ط.النجف و طهران.
3- أعلام الوري:291.
4- شرح الشمائل المحمدية:156/1 باب ما جاء في تختم الرسول،و نور الأبصار:166 ط.الهند و 305 ط. قم مناقب الكاظم،و ينابيع المودة:361/2 ط.استانبول 1301 ه و 435 باب 63،و الصواعق المحرقة: 203 ط.مصر و ط.بيروت 307 باب 11 مقصد 5 فصل 3.
5- مناقب آل أبي طالب:310/4.
6- مناقب آل أبي طالب:318/4،و أعلام الوري:296.

حتي وصفه الشافعي بالترياق المجرب (1).

و قال السمهودي:و كان أبو جعفر الباقر و ابنه كثير المكاشفات (2).

و كان من الأبدال،المستجابي الدعوة،و من الذين يعلمون بما في الضمائر،ظاهر الكرامات (3).

و مناظراته عليه السّلام كثيرة تحكي حقيقة فضله و علمه (4).

و وصفة ابن عربي بصلواته:

[صلوات اللّه...]علي شجرة الطور و الكتاب المسطور...و آية النور،كليم أيمن الإمامة منشأ الشرف و الكرامة،...أكسير فلزات العرفاء...مركز الأئمة العلوية...النور الأنور أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليه صلوات اللّه الملك الاكبر) (5).

*الطريق الثاني:وجوب الإمامة في كل زمان و مكان بدليل العقول،و لقوله تعالي: لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ .

و لعدم خلو الأرض من حجة.

و دعوي الإمامة لغيره مقطوعة العدم و له ثابتة بثبوت عصمته عليه السّلام بنص آية التطهير علي ما تقدم.

*الطريق الثالث:النص عليه من أبيه عليهما السّلام:

منها ما رواه الطبري في دلائل الإمامة عن يعقوب السراج قال:دخلت علي أبي عبد اللّه و هو واقف علي أبي الحسن و هو في المهد،فجعل يساره طويلا،فلما فرغ قال لي:«ادن فسلم علي مولاك»،فدنوت فسلمت عليه.

ثم قال لي:«إمض فغير إسم ابنتك».

و كنت قد سميتها باسم الحميراء فغيرته (6).2.

ص: 78


1- شرح الشمائل المحمدية:156/1 باب ما جاء في تختم الرسول.
2- جواهر العقدين:445 الباب الخامس عشر.
3- جواهر العقدين:445 الباب الخامس عشر،و سبائك الذهب:334 ترجمته.
4- المناقب:311/4-313-314-316،و أعلام الوري:297،و الصواعق المحرقة:203 ط.مصر و ط. بيروت 308،و الاحتجاج:394/2-389-385:و اثبات الوصية:169.
5- وسيلة الخادم إلي المخدوم:296.
6- دلائل الإمامة:161،و الإرشاد:219/2،و أعلام الوري:290،و البحار:19/48،و اثبات الوصية: 162.

و في رواية آخري عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:دخلت علي جعفر بن محمد في منزله فإذا هو في بيت كذا من داره في مسجد له،و هو يدعو و علي يمينه موسي بن جعفر يؤمّن علي دعائه.

فقلت له:جعلني اللّه فداك قد عرفت إنقطاعي اليك و خدمتي لك فمن ولي الامر بعدك؟

قال عليه السّلام:«يا عبد الرحمن إنّ موسي قد لبس الدرع و استوت عليه».

قلت:لا أحتاج بعدها إلي شيء (1).

و عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صاحب هذا الأمر يعني بعده عليه السّلام فقال:صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب،و أقبل أبو الحسن عليه السّلام و هو صغير و معه بهمة و يقول لها:اسجدي لربّك فأخذه أبو عبد اللّه عليه السّلام و ضمّه إلي صدره و قال:بأبي و أمّي من لا يلهو و لا يلعب (2).

و في الكافي مسندا إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الوصية نزلت من السماء علي محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كتابا لم ينزل علي محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كتاب مختوم إلاّ الوصية فقال جبرئيل عليه السّلام:يا محمّد هذه وصيّتك في أمّتك عند أهل بيتك فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أي أهل بيتي يا جبرئيل؟

فقال:عليّ و ذريّتك من صلبه و كان عليها خواتيم ففتح عليّ عليه السّلام الخاتم الأوّل و مضي لما فيها ثمّ فتح الحسن عليه السّلام الخاتم الثاني و مضي لما أمر به فيها فلمّا توفي الحسن عليه السّلام فتح الحسين عليه السّلام الخاتم الثالث فوجد فيها:أن قاتل فتقتل و تقتل و تخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلاّ معك ففعل عليه السّلام،فلمّا مضي دفعها إلي عليّ بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها:أن اصمت و اطرق لما حجب العلم،فلمّا توفّي دفعها إلي محمّد بن عليّ عليه السّلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها:أن فسّر كتاب اللّه و صدّق أباك و ورّث إبنك و اصطنع الأمة و قم بحقّ اللّه عزّ و جلّ و قل الحقّ في الخوف و الأمن و لا تخش إلاّ اللّه،ففعل ثمّ دفعها إلي الذي يليه.

قال:قلت:جعلت فداك فأنت هو؟

قال:فقال ما بي إلاّ أن تذهب نفسي فتروي علي.

فقلت:أسأل اللّه الذي رزقك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات.

قال:قد فعل اللّه ذلك،قلت:و من هو جعلت فداك؟

قال:هو هذا الراقد فأشار بيده إلي العبد الصالح (3)و هو راقد (4).5.

ص: 79


1- الإرشاد:217/2،و الفصول المهمة:231 و البحار:17/48.
2- الكافي:311/1 ح 5،و الإرشاد:219/2.
3- و هو الإمام الكاظم.
4- الكافي:280/1 ح 1،و البحار:17/48 ح 15.

و نحو ذلك من النصوص (1).

***

طب الإمام الكاظم عليه السّلام

الكافي عن عاصم عن أبيه قال:دخلت علي أبي إبراهيم عليه السّلام و في يده مشط عاج يتمشّط به فقلت له:جعلت فداك إنّ عندنا بالعراق من يزعم أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج قال:و لم،قد كان لأبي مشط أو مشطان فقال:تمشّطوا بالعاج فإنّ العاج يذهب بالوباء (2).

و عن أحمد مولاه قال:كنّ نساء أبي الحسن إذا تبخرن أخذن نواة من نوي الصيحاني ممسوحة من التمر و القشرة فألقينها علي النار قبل البخور فإذا دخّنت النواة أدني دخّان رمين النواة و تبخرن من بعد و كن يقلن هو أعبق و أطيب للبخور و كن يأمرن بذلك (3).

و عن العاصمي أيضا قال:حججت مع جماعة من أصحابي فأتيت المدينة فاستقبلنا أبو الحسن عليه السّلام علي حمار أخضر يتبعه طعام و نزلنا بين النخل و أتي بالطشت و الماء فبدأ بغسل يديه و أدير عن يمينه حتّي بلغ آخرنا ثمّ أعيد علي من يساره حتّي أتي إلي آخرنا ثمّ قدّم الملح فبدأ بالملح ثمّ قال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم،ثمّ ثنّي بالخلّ،ثمّ أتي بكتف مشوي فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،ثمّ أتي بالخل و الزيت فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب فاطمة عليها السّلام ثمّ أتي بسكباج فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثمّ أتي بلحم مقلو فيه باذنجان فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسن عليه السّلام،ثمّ أتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسين عليه السّلام.

ثمّ أتي بجبن مبرز فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب علي بن الحسين عليه السّلام،ثمّ أتي بتور فيه بيض كالعجة فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام كان يعجب أبا جعفر عليه السّلام.

ثمّ أتي بحلواء فقال:كلوابسم اللّه الرحمن الرحيم فإنّ هذا طعام يعجبني و رفعت المائدة

ص: 80


1- و هناك روايات أخري في حقه راجع أعلام الوري:288،و كفاية الأثر:261-262،و اثبات الوصية: 160-163،و غيبة النعماني:228،و الفصول المهمة:221-222 ط.الأضواء و 231-232 ط. النجف و طهران،و روضة الواعضين:212،و الكافي:307/1.
2- الكافي:488/6 ح 3،و البحار:111/48 ح 16.
3- الكافي:518/6 ح 5،و البحار:112/48 ح 16.

فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها فقال عليه السّلام:إنّما ذلك في المنازل تحت السقوف فأمّا في مثل هذا الموضع فهو للطير و البهائم،ثمّ أتي بالخلال فقال:من حقّ الخلال أن تدير لسانك في فمك فما أجابك ابتلعته و ما امتنع أخرجته بالخلال إلقطه،و أتي بالطشت و الماء فابتدأ بأوّل من علي يساره حتّي انتهي إليه فغسل ثمّ غسل من علي يمينه حتّي أتي علي آخرهم.

ثمّ قال:يا عاصم كيف أنتم في التبار و التواصل؟فقال:علي أفضل ما كان عليه فقال:يأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده فيأمر بإخراج كيسه فيخرج فنفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته فلا ينكر عليه قال:لا.قال:لستم علي ما أحبّ من التواصل و الضيقة و الفقر (1).

و عن الحسين بن أبي العرند قال:رأيت أبا الحسن عليه السّلام بمني و هو متكئ علي يمينه فأتي بصحفة فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل و هو متكئ علي يمينه فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا فقال:لقد حدّثني سليمان بن خالد أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:صاحب هذا الأمر يمين (2).

الملوك الذين عاشرهم

كانت مدّة إمامته عليه السّلام خمسا و ثلاثين سنة و قام بالأمر و له عشرون سنة.

و كانت في أيّام إقامته بقيّة ملك المنصور ثمّ ملك ابنه المهدي عشر سنين و شهرا ثمّ ملك ابنه الهادي موسي بن محمد سنة و شهرا ثمّ ملك الرشيد و توفي في ملكه (3).

***

جرائم هارون الرشيد

عيون الأخبار عن عبيد الله النيشابوري قال:كان بيني و بين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة فرحلت إليه في بعض الأيّام فبلغه خبر قدومي فطلبني و عليّ ثياب السفر و ذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر فلمّا دخلت عليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فجلست و أتي بطشت و إبريق فغسل يديه ثمّ أمرني فغسلت يدي و أحضرت المائدة و ذهب عنّي إنّي صائم و أنّي في شهر رمضان ثمّ ذكرت و أمسكت يدي فقال لي حميد ما لك لا تأكل؟

فقلت:أيّها الأمير هذا شهر رمضان و ليس بي علّة توجب الإفطار و لعلّ الأمير له عذر في ذلك.

ص: 81


1- وسائل الشيعة:35/25.
2- وسائل الشيعة:36/25.
3- دلائل الإمامة:305.

فقال:ما بي علّة توجب الإفطار ثمّ دمعت عيناه و بكي فقلت:ما يبكيك؟

قال:أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتّقد و سيفا أخضر مسلولا و بين يديه خادم واقف فلمّا قمت بين يديه قال لي:

كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟

فقلت:بالنفس و المال،فأطرق ثمّ أذن لي في الانصراف فلم ألبث في منزلي حتّي عاد الرسول إليّ و قال:أجب أمير المؤمنين،فقلت في نفسي إنّا للّه أخاف أن يكون قد عزم علي قتلي و أنّه لمّا رآني استحيا منّي فعدت إلي بين يديه فرفع رأسه فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟

فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد فتبسّم ضاحكا ثمّ أذن لي في الإنصراف فلمّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليّ فقال:أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه و هو علي حاله فرفع رأسه إليّ فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟

فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين فضحك ثمّ قال:خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به هذا الخادم فأخذ السيف و ناولنيه و جاء إلي بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه و ثلاث بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور و الذوائب شيوخ و كهول و شبّان مقيّدون فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء و كانوا كلّهم علوية من ولد عليّ و فاطمة عليها السّلام فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد فأضرب عنقه حتّي أتيت علي آخرهم ثمّ رمي بأجسادهم و رؤوسهم في تلك البئر ثمّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه عشرون نفسا من العلوية من ولد علي و فاطمة مقيّدون فقال:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء فقتلتهم كلّهم و رمي بهم في البئر.

ثمّ فتح البيت الثالث فإذا فيه عشرون نفسا من ولد علي و فاطمة مقيّدون عليهم الشعور فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضا فقتلت منهم تسعة عشر و بقي منهم شيخ عليه شعر فقال لي:تبّا يا مشؤوم أيّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت علي جدّنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قد قتلت من أولاده ستّين نفسا قد ولدهم علي و فاطمة فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي،فنظر إليّ الخادم مغضبا و زبرني فأتيت علي ذلك الشيخ أيضا فقتلته و رمي به في تلك البئر فإذا كان فعلي هذا و قد قتلت ستّين نفسا من ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فما ينفعني صومي و صلاتي و أنا لا أشكّ أنّي مخلّد في النار (1).

***0.

ص: 82


1- البحار:178/48 ح 20.

احتجاجات الإمام الكاظم عليه السّلام علي أرباب الملل و الخلفاء

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و الرشيد

اشارة

روي في البحار قال:و من كلام موسي بن جعفر عليه السّلام مع الرشيد في خبر طويل ذكرنا منه موضع الحاجة إليه:دخل إليه و قد عمد علي القبض عليه لأشياء كذبت عليه عنده،فأخرج طومارا طويلا فيه مذاهب و شنعة (1)نسبها إلي شيعته فقرأه ثم قال له:يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا و ربنا غفور ستور،أبي أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته،يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتي اللّه بقلب سليم.

ثم قال:حدثني أبي،عن أبيه،عن علي،عن النبي صلوات اللّه عليهم:الرحم إذا مست اضطربت ثم سكنت،فإن رأي أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه و يصافحني فعل.

فتحول عند ذلك عن سريره و مد يمينه إلي موسي فأخذه بيمينه ثم ضمه إلي صدره فاعتنقه و أقعده عن يمينه،و قال:أشهد أنك صادق،و أبوك صادق،و جدك صادق،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و سلم صادق،و لقد دخلت و أنا أشد الناس عليك حنقا (2)و غضبا لما رقي (3)إلي فيك،فلما تكلمت بما تكلمت و صافحتني سري عني،و تحول غضبي عليك رضي.

و سكت ساعة ثم قال له:أريد أن أسألك عن العباس و علي بما صار علي أولي بميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من العباس،و العباس عم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و صنو أبيه؟

فقال له موسي:أعفني.

قال:لا و اللّه لا أعفيتك فأجبني.

قال:فإن لم تعفني فأمني.

قال:أمنتك.

قال:إن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر و إن أباك العباس آمن و لم يهاجر،و إن عليا آمن و هاجر،و قال اللّه: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّي يُهاجِرُوا (4)فالتمع لون هارون و تغيرو قال:مالكم لا تنسبون إلي علي و هو أبوكم،و تنسبون إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو جدكم؟

فقال موسي عليه السّلام:إن اللّه نسب المسيح عيسي بن مريم إلي خليله إبراهيم بامه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالي: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسي

ص: 83


1- الشنعة بالضم:القبح.
2- حنق بفتح النون و كسره:شدة الاغتياظ.
3- رقي إلي فيك أي وصل و رفع إلي فيك.
4- سورة الأنفال،الآية:72.

وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيي وَ عِيسي وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ (1) فنسبه بأمه وحدها إلي خليله إبراهيم كما نسب داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون بآبائهم و أمهاتهم فضيلة لعيسي و منزلة رفيعة بأمه وحدها،و ذلك قوله تعالي في قصة مريم: إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلي نِساءِ الْعالَمِينَ (2)بالمسيح من غير بشر،و كذلك اصطفي ربنا فاطمة عليها السلام و طهرها و فضلها علي نساء العالمين بالحسن و بالحسين سيدي شباب أهل الجنة.

فقال له هارون و قد اضطرب و ساءه ما سمع:من أين قلتم:الانسان يدخله الفساد من قبل النساء و من قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلي أهله؟

فقال موسي عليه السّلام:هذه مسألة ما سأل عنها أحد من السلاطين غيرك أمير المؤمنين و لا تيم و لا عدي و لا بنو أمية،و لا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها.

قال:فإن الزندقة قد كثرت في الإسلام،و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار هم المنسوبون إليكم،فما الزنديق عندكم أهل البيت؟

فقال عليه السّلام:الزنديق هو الراد علي اللّه و علي رسوله،و هم الذين يحادون اللّه و رسوله.

قال اللّه: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (3)إلي آخر الآية،و هم الملحدون عدلوا عن التوحيد إلي الإلحاد.

فقال هارون:أخبرني عن أول من ألحد و تزندق؟

فقال موسي عليه السّلام:أول من ألحد و تزندق في السماء إبليس اللعين،فاستكبر و افتخر علي صفي اللّه و نجيه آدم،فقال اللعين: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (4)فعتا عن أمر ربه و ألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلي أن تقوم الساعة.

فقال:و لإبليس ذرية؟

فقال:نعم،ألم تسمع إلي قول اللّه: إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً* ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (5)لأنهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم و كذبهم، و يشهدون أن لا إله إلا اللّه كما وصفهم اللّه في قوله تعالي: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (6)أي أنهم لا يقولون ذلك إلا تلقينا3.

ص: 84


1- سورة الأنعام،الآية:48-58.
2- سورة آل عمران،الآية:42.
3- سورة المجادلة،الآية:22.
4- سورة الأعراف،الآية:12.
5- سورة الكهف،الآية:50-51.
6- سورة العنكبوت،الآية:63.

و تأديبا و تسمية،و من لم يعلم و إن شهد كان شاكا حاسدا معاندا،و لذلك قالت العرب:من جهل أمرا عاداه،و من قصر عنه عابه و ألحد فيه.لانه جاهل غير عالم.

و كان له مع أبي يوسف القاضي كلام طويل ليس هذا موضعه.

ثم قال الرشيد:بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه،فقال:نعم،و أتي بدواة و قرطاس فكتب:

بسم اللّه الرحمن الرحيم جميع أمور الأديان أربعة:أمر لا اختلاف فيه و هو إجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون إليها،الأخبار المجمع عليها و هي الغاية المعروض عليها كل شبهة، و المستنبط منها كل حادثة،و أمر يحتمل الشك و الإنكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب اللّه مجمع علي تأويلها،و سنة مجمع عليها لا اختلاف فيها،أو قياس تعرف العقول عدله و يسع خاصة الأمّة و عامتها الشك فيه و الإنكار له،و هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه،فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين،فما ثبت لك برهانه اصطفيته،و ما غمض عليك صوابه نفيته،فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها اللّه في قوله لنبيه: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (1)يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله،كما يعلمه العالم بعلمه،لأن اللّه عدل لا يجور،يحتج علي خلقه بما يعلمون،و يدعوهم إلي ما يعرفون،لا إلي ما يجهلون و ينكرون.فأجازه الرشيد ورده،و الخبر طويل (2).

و روي أنه لمّا حجّ الرشيد تقدّم إلي قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قال:السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يابن عمّ مفتخرا بذلك علي غيره فتقدّم أبو الحسن عليه السّلام فقال:السلام عليك يا رسول اللّه،السلام عليك يا أبت فخجل الرشيد.

و يقال:إنّ هذا كان ممّا أعان علي قتله (3).

و عن العبدي بإسناده رفعه إلي موسي بن جعفر عليه السّلام قال:لمّا دخلت علي الرشيد قال:يا موسي بن جعفر خليفتان يجبي إليهما الخراج.

فقلت:أعيذك باللّه أن تبوء بإثمي و إثمك،و تقبل الباطل من أعدائنا علينا فقد علمت أنّه كذب علينا منذ قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أ تأذن لي أن أحدّثك؟

فقال:نعم.

فقلت:أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إنّ الرحم إذا مسّت تحرّكت و اضطربت6.

ص: 85


1- سورة الأنعام،الآية:149.
2- تحف العقول:404-408،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:244/10.
3- الإرشاد:234/2،و إعلام الوري:296.

فناولني يدك جعلني اللّه فداك،فأخذ بيدي و جذبني إلي نفسه و عانقني و قال:إجلس يا موسي فلا بأس عليك فنظرت فإذا قد دمعت عيناه و قال:صدقت و صدق جدّك رسول اللّه لقد تحرّك دمي و اضطربت عروقي حتّي غلبت عليّ الرقّة و فاضت عيناي و أنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري فإن أجبتني خلّيت عنك و لم أقبل قول أحد فيك و عليك الأمان إن تركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة،فقال:أخبرني لم فضّلتم علينا و نحن شجرة عبد المطّلب إنّا بنو العبّاس و أنتم ولد أبي طالب و هما عمّا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قرابتهما منه سواء؟

قلت:نحن أقرب لأنّ عبد اللّه و أبا طالب لأب و أمّ و أبوكم العبّاس ليس من أمّهما قال:فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبيّ و العمّ تحجب ابن العمّ؟

فقلت؛لقول علي بن أبي طالب:إنّه ليس مع ولد الصلب لأحد سهم إلاّ للأبوين و الزوج أو الزوجة،و العمّ ليس له ميراث مع الولد إلاّ أنّ تيما و عديا و بني أميّة قالوا:العم والد رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و من قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء،هذا نوح بن دراج قاضي المصرين البصرة و الكوفة يقول بقول عليّ و ذكر غيره من العلماء و أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:عليّ أقضاكم.

قال:زدني يا موسي.

قلت:إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية حتّي يهاجر لقوله سبحانه:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّي يُهاجِرُوا (1) .

و أنّ عمّي العبّاس لم يهاجر.

ثمّ قال:لم جوّزتم للعامّة و الخاصّة أن ينسبوكم إلي رسول اللّه و يقولون لكم يا بني رسول اللّه و أنتم بنو عليّ و إنّما ينسب المرء إلي أبيه،و فاطمة إنّما هي وعاء و النبي جدّكم من قبل أمّكم.

فقلت:لو أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

فقال:نعم و أفتخر به علي العرب و العجم،فقلت:لكنّه لا يخطب إليّ و لا أزوّجه لأنّه ولدني و لم يلدك.

فقال:أحسنت يا موسي.

ثمّ قال:كيف قلتم إنّا ذرّية النبيّ و النبي لم يعقب و إنّما العقب للذكر لا للأنثي و أنتم ولد الإبنة و لا يكون لها عقب؟

فقلت:أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسي2.

ص: 86


1- سورة الأنفال،الآية:72.

وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيي وَ عِيسي (1) من أبو عيسي؟

فقال:ليس له أب.

فقلت:إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم عليها السّلام و كذلك ألحقنا بذراري النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من قبل أمّنا فاطمة أزيدك يا أمير المؤمنين قول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (2)و لم يدع أحد أنّه أدخل تحت الكساء عند مباهلة النصاري إلاّ عليا و فاطمة و الحسن و الحسين فكان تأويل أبناؤنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب فقال:أحسنت يا موسي ارفع إلينا حوائجك.

فقلت:إن تأذن لي بالرجوع إلي حرم جدّي فقال:ننظر إن شاء اللّه (3).

و في عيون الأخبار عن سفيان بن نزار قال:كنت يوما علي رأس المأمون فقال:أتدرون من علّمني التشيّع علّمنيه الرشيد.

قيل:و كيف ذلك و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟

قال:كان يقتلهم علي الملك و لقد حججت معه سنة فلمّا صار إلي المدينة تقدّم إلي حجابه و قال:لا يدخلن عليّ رجل إلاّ نسب نفسه فكان الرجل إذا دخل قال:أنا فلان بن فلان حتّي ينتهي إلي جدّه من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري فيصله علي قدر شرفه فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال:يا أمير المؤمنين علي الباب رجل زعم أنّه موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأقبل علينا و نحن قيام علي رأسه و الأمين و المؤتمن و سائر القوّاد فقال:إحفظوا علي أنفسكم ثمّ قال:إئذن له و لا ينزل إلاّ علي فراشي فأنا كذلك إذ دخل شيخ قد أنهكته العبادة كأنّه شن بال قد كلم السجود وجهه و أنفه.

فلمّا رأي الرشيد رمي بنفسه عن الحمار فصاح الرشيد:لا و اللّه إلاّ علي بساطي فسار إلي البساط و الحجاب و القوّاد محدقون به فقام إليه الرشيد و استقبله و قبّل وجهه و عينه فأجلسه في مكانه و جعل يحدّثه عن أحواله فقال:يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟

قال:يزيدون علي الخمسمائة أكثرهم موالي و حشم،و أمّا الولد فلي نيف و ثلاثون الذكران منهم كذا و النسوان منهم كذا.

قال:فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ؟

قال:اليد تقصر عن ذلك،إلي أن قال:أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران و النسوان و تقضي الدّين؟2.

ص: 87


1- سورة الأنعام،الآية:48-58.
2- سورة آل عمران،الآية:61.
3- البحار:129/48 ح 2.

فقال عليه السّلام:وصلتك رحم يا ابن عمّ ثمّ تكلّم و أراد القيام فقام الرشيد لقيامه و قبّل وجهه ثمّ أقبل عليّ و علي الأمين و المؤتمن فقال:إمضوا مع عمّكم خذوا بركابه و شيّعوه إلي منزله فأقبل أبو الحسن عليه السّلام سرّا بيني و بينه و بشّرني بالخلافة و قال لي:إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلي ولدي ثمّ انصرفنا فلمّا خلا المجلس قلت:يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظّمته و أجللته و أمرتنا بأخذ الركاب له؟

قال:هذا إمام الناس و حجّة اللّه علي خلقه و خليفته في عباده.

فقلت:يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلّها لك و فيك؟

فقال:أنا إمام بالغلبة و القهر و موسي بن جعفر إمام حقّ و هو أحقّ بمقام رسول اللّه منّي و من الخلق جميعا و و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإنّ الملك عقيم.

فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلي مكّة أمر له بصرّة فيها مائة دينار و أرسلها مع الفضل بن الربيع.

فقلت:يا أمير المؤمنين تعطي ما لا يعرف حسبه خمسة آلاف دينار و تعطي موسي بن جعفر و قد أعظمته و أجللته أخسّ عطيّة؟

فقال:أسكت لا أمّ لك لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمن أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه،و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم.

فلمّا نظر إلي ذلك مخارق المغنّي دخله من ذلك غيظ فقام إلي الرشيد و قال:يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة و أكثر أهلها يطلبون منّي شيئا و إن خرجت و لم أقسم فيهم شيئا لم يظهر لهم تفضّل أمير المؤمنين عليّ و منزلتي عنده،فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال:هذا لأهل المدينة و عليّ دين أحتاج أن أقضيه فأمر له بعشرة آلاف دينار أخري.

ثمّ قال:يا أمير المؤمنين بناتي أريد أن أزوّجهنّ فأمر له بعشرة آلاف دينار أخري فقال:يا أمير المؤمنين لا بدّ من غلّة تعطينيها تردّ عليّ و علي بناتي و أزواجهنّ القوت فأمر له بأقطاع ما تبلغ غلّته في السنة عشرة آلاف دينار و أمر أن يعجّل له ذلك من ساعته.ثمّ قصد مخارق من فوره و قصد موسي بن جعفر و قال له:قد وقفت علي ما عاملك به هذا الملعون و ما أمر لك به و قد احتلت عليه لك و أخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار و أقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار و لا و اللّه ما أحتاج إلي شيء من ذلك و ما أخذته إلاّ لك و أنا أشهد لك بهذه الأقطاع و قد حملت المال إليك.

فقال عليه السّلام:بارك اللّه لك في مالك و أحسن جزاك ما كنت آخذ منه درهما واحدا و لا من هذه الأقطاع و قد قبلت صلتك و برّك فانصرف راشدا و لا تراجعني في ذلك فقبّل يده و انصرف (1).4.

ص: 88


1- عيون أخبار الرضا:87/2 ح 11،و البحار:133/48 ح 4.

حدود فدك

و في كتاب أخبار الخلفاء أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسي بن جعفر:حدّ فدك حتّي أردّها عليك فيأبي حتّي ألحّ عليه.

فقال عليه السّلام:لا أحدّها إلاّ بحدودها قال:و ما حدودها؟

قال:إن حدّدتها لم تردّها قال:بحقّ جدّك ألا فعلت.

قال:أمّا الحدّ الأوّل فعدن فتغيّر وجه الرشيد،قال:و الحدّ الثاني سمرقند،فاغبر وجهه.

قال:و الحدّ الثالث إفريقية،فاسودّ وجهه قال:و الرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر و أرمينيّة.

قال الرشيد:فلم يبق لنا شيء فتحوّل إلي مجلسي.

قال موسي عليه السّلام:قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها فعند ذلك عزم علي قتله (1).

و في رواية ابن أسباط أنّه قال:أمّا الحدّ الأوّل فعريش مصر و الثاني دومة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال:هذا كلّه هذه الدّنيا.

فقال عليه السّلام:هذا كان في أيدي اليهود فأفاءها اللّه علي رسوله بلا خيل و لا ركاب و أمره اللّه أن يدفعه إلي فاطمة عليها السّلام (2).

و في كتاب نزهة الكرام و بستان العوام لمحمّد بن الحسين الرازي روي أنّ الرشيد أرسل إلي موسي بن جعفر عليه السّلام فلمّا حضر عنده قال:إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلي علم النجوم،و فقهاء العامّة يقولون:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:إذا ذكر أصحابي فاسكتوا و إذا ذكر القدر فاسكتوا و إذا ذكر النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذرّيته الأئمّة كانوا عارفين بها.

فقال له موسي عليه السّلام:هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه و اللّه تعالي قد مدح النجوم و لو لا أنّ النجوم صحيحة لما مدحها اللّه عزّ و جلّ،و الأنبياء عليهم السّلام كانوا عالمين بها و قد قال اللّه سبحانه في حقّ إبراهيم: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (3).

و قال: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (4)فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال:إنّي سقيم.

و إدريس عليه السّلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و اللّه تعالي أقسم بمواقع النجوم و نحن نعرف هذا العلم.

ص: 89


1- مناقب آل أبي طالب:435/3،و البحار:200/29.
2- مناقب آل أبي طالب:435/3،و البحار:201/29.
3- سورة الأنعام،الآية:75.
4- سورة الصافات،الآية:89-88.

فقال له هارون:يا موسي هذا العلم لا تظهره عند الجهّال و عوام الناس حتّي لا يشنّعوا عليك به و بحقّ قرابتك من رسول اللّه أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك لأنّك تعرف هذا من علم النجوم؟

فقال عليه السّلام:أنا أموت قبلك و وفاتي قريب.

فقال هارون:قد بقي مسألة أخري خبرني:أنّكم تقولون:إنّ جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا و أنّكم تقولون من يكون لنا عليه حقّ و لا يوصله إلينا فليس بمسلم.

فقال عليه السّلام:كذب الذين زعموا أنّنا نقول ذلك و إذا كان الأمر كذلك فكيف يصحّ البيع و الشراء عليهم و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم و نشتري المملوك و نقول له:

يا بني و للجارية يا بنتي،فلو أنّهم عبيد و جواري ما صحّ البيع و الشراء و هذا الذي سمعته دعوي باطلة و لكن نحن ندّعي و لاء جميع الخلائق لنا يعني ولاء الدين و هؤلاء الجهّال يظنّونه و لاء الملك و نحن ندّعي ذلك لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم غدير خمّ:من كنت مولاه فعليّ مولاه،و ما كان يطلب بذلك إلاّ و لاء الدّين و الذي يوصلونه إلينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا،و أمّا الغنائم و الخمس بعد موت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقد منعونا ذلك و نحن محتاجون إلي ما في أيدي بني آدم الذين لنا ولاءهم بولاء الدّين ليس بولاء الملك فإن أنفذ إلينا أحد هدية و لا يقول إنّها صدقة نقبلها لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لو دعيت إلي كراع لأجبت و لو أهدي إليّ كراع لقبلت،و الكراع إسم القرية و الكراع يد الشاة و ذلك سنّة إلي يوم القيامة.

ثمّ إنّ هارون أذن له في الإنصراف فتوجّه إلي الرقّة ثمّ تقوّلوا عليه أشياء فاستعاده هارون و أطعمه السمّ فتوفّي صلّي اللّه عليه (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و اليهود

روي أن قوما من اليهود قالوا للصادق عليه السّلام:أي معجز يدل علي نبوة محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال:كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الحلال و الحرام و غيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه.

فقال اليهود:كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت؟

فقال لهم موسي بن جعفر عليهما السّلام-و هو صبي و كان حاضرا-:و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسي أنها علي ما تصفون؟

قالوا:علمنا ذلك بنقل الصادقين.

ص: 90


1- البحار:147/48 ح 21.

قال لهم موسي بن جعفر عليهما السّلام:فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه اللّه تعالي من غير تعليم و لا معرفة عن الناقلين.

فقالوا:نشهد أن لا إله إلا اللّه،و أن محمدا رسول اللّه،و أنكم الأئمة الهادية و الحجج من عند اللّه علي خلقه.

فوثب أبو عبد اللّه عليه السّلام فقبل بين عيني موسي بن جعفر عليهما السّلام ثم قال:أنت القائم من بعدي.

فلهذا قالت الواقفة:إن موسي بن جعفر عليهما السّلام حي و أنه القائم،ثم كساهم أبو عبد اللّه و وهب لهم و انصرفوا مسلمين.

و لا شبهة في ذلك لأن كل إمام يكون قائما بعد أبيه،فأما القائم الذي يملأ الأرض عدلا فهو المهدي بن الحسن العسكري (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و الخليفة المهدي

عن الحسن بن علي بن النعمان قال:لما بني المهدي في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد فطلبها من أربابها فامتنعوا،فسأل عن ذلك الفقهاء فكل قال له:إنه لا ينبغي أن تدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا.

فقال له علي بن يقطين:يا أمير المؤمنين لو كتبت إلي موسي بن جعفر عليهما السّلام لأخبرك بوجه الأمر في ذلك.

فكتب إلي والي المدينة أن سل موسي بن جعفر عليهما السّلام عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك؟

فقال ذلك لأبي الحسن عليه السّلام فقال أبو الحسن عليه السّلام:و لا بدّ من الجواب في هذا؟

فقال له:الأمر لا بدّ منه.

فقال له أكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولي ببنيانها،و إن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولي بفنائها.

فلما أتي الكتاب المهدي أخذ الكتاب فقبله،ثم أمر بهدم الدار،فأتي أهل الدار أبا الحسن عليه السّلام فسألوه أن يكتب لهم إلي المهدي كتابا في ثمن دارهم،فكتب إليه:أن أرضخ لهم شيئا،فأرضاهم (2).

و نقل عن الفضل بن الربيع،أنّه أخبر عن أبيه:إنّ المهدي لما حبس موسي بن جعفر،ففي

ص: 91


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:244/10.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:248/10.

بعض الليالي رأي المهدي في منامه علي بن أبي طالب و هو يقول له:يا محمد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (1).

قال الربيع:فأرسل إليّ ليلا فراعني،و خفت من ذلك فجئت إليه فإذا هو يقرأ هذه الآية،و كان أحسن الناس صوتا.

فقال:عليّ الآن بموسي بن جعفر فجئته به فعانقه،و أجلسه إلي جانبه،و قال:يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليّ كذا،فتؤمني أن تخرج عليّ أو علي أحد من ولدي.

فقال عليه السّلام:و اللّه لا فعلت ذلك،و لا هو من شأني.

قال:صدقت.

يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار،ورده إلي أهله إلي المدينة.

قال الربيع:فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلاّ و هو علي الطريق (2).

و في المناقب لمّا بويع محمّد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل و قال:إنّ إخلاص أبيك و أخيك فينا أظهر من الشمس و حالك عندي موقوف.

فقال:أفديك بالمال و النفس.

فقال:هذا لسائر الناس.

قال:أفديك بالروح و المال و الأهل و الولد فلم يجبه المهدي.

قال:أفديك بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين.

فقال:للّه درّك فعاهده علي ذلك و أمره بقتل الكاظم عليه السّلام في السجن بغتة فنام فرأي في منامه عليّا عليه السّلام يشير إليه و يقرأ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (3)

فانتبه مذعورا و نهي حميدا عمّا أمره و أكرم الكاظم و وصله (4).

و روي أنّه حجّ المهدي العبّاسي فلمّا صار في قصر العبادي ضجّ الناس من العطش فأمر أن يحفر بئر فلمّا بلغوا قريبا من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء فخرجت الفعلة خوفا علي أنفسهم فأعطي عليّ بن يقطين الرجلين عطاء كثيرا ليحفرا فنزلا فأبطأا ثمّ خرجا مرعوبين قد5.

ص: 92


1- سورة محمد،الآية:22.
2- مناقب آل أبي طالب:325/4،و صفة الصفوة:184/2.
3- سورة محمد،الآية:22.
4- مناقب آل أبي طالب:418/3،و البحار:140/48 ح 15.

ذهب ألوانهما فسألهما عن الخبر فقالا:رأينا آثار أو أثاثا و رجالا و نساء فكلّما أومأنا إلي شيء منهم صار هباء فصار المهدي يسأل عن ذلك فقال موسي بن جعفر عليه السّلام:هؤلاء أصحاب الأحقاف غضب اللّه عليهم فساحت بهم ديارهم و أموالهم (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و نصراني

عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال:كنت عند أبي الحسن موسي عليه السّلام إذ أتاه رجل نصرانيّ و نحن معه بالعريض (2)فقال له النصراني:أتيتك من بلد بعيد و سفر شاقّ و سألت ربّي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلي خير الأديان و إلي خير العباد و أعلمهم،و أتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعلياء دمشق،فانطلقت حتّي أتيته فكلّمته،فقال:أنا أعلم أهل ديني و غيري أعلم منّي،فقلت:أرشدني إلي من هو أعلم منك فإنّي لا أستعظم السفر و لا تبعد عليّ الشقّة و لقد قرأت الإنجيل كلّها و مزامير (3)داود و قرأت أربعة أسفار من التوراة و قرأت ظاهر القرآن حتّي استوعبته كلّه،فقال لي العالم:إن كنت تريد علم النصرانيّة فأنا أعلم العرب و العجم بها،و إن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرجيل السامري أعلم الناس بها اليوم.و إن كنت تريد علم الإسلام و علم التوراة و علم الإنجيل و علم الزّبور و كتاب هود و كلّما أنزل علي نبيّ من الأنبياء في دهرك و دهر غيرك و ما أنزل من السّماء من خبر-فعلمه أحد أولم يعلم به أحد-فيه تبيان كلّ شيء و شفاء للعالمين و روح لمن استروح إليه و بصيرة لمن أراد اللّه به خيرا و أنس إلي الحقّ فأرشدك إليه،فأته و لو مشيا علي رجليك،فإن لم تقدر فحبوا علي ركبتيك،فإن لم تقدر فزحفا علي أستك،فإن لم تقدر فعلي وجهك.

فقلت:لا بل أنا أقدر علي المسير في البدن و المال.

قال:فانطلق من فورك حتّي تأتي يثرب.

فقلت:لا أعرف يثرب.

قال:فانطلق حتّي تأتي مدينة النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الذي بعث في العرب و هو النبيّ العربيّ الهاشميّ فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجّار و هو عند باب مسجدها و أظهر بزّة النصرانيّة و حليتها

ص: 93


1- مناقب آل أبي طالب:426/3.
2- هو بضم العين مصغرا واد بالمدينة به أموال لأهلها.
3- المزابير جمع المزبور و هو العلم و المراد به كتاب داود عليه السّلام أو جمع المزبرة و هو مفعل من زبر الكتاب زبرا و زبارة و هو اتقان الكتاب و الزبر بلسان اليمن الكتاب و المراد به أيضا ما ذكر. و في كثير من النسخ المعتبرة(مزامير)بالميم بدل مزابير و هو الأصوب و المزمار آلة يزمر بها و المراد بها هنا ما ذكر قال الزمخشري في الفايق:سمع يعني رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم صوت الأشعري و هو يقرأ فقال لقد أوتي هذا من مزامير آل داود،قال بريدة:فحدثته بذلك فقال:لو علمت أن نبي الله استمع لقراءتي لحبرتها ضرب المزامير مثلا لحسن صوت داود عليه السّلام و حلاوة نغمته كأن في حلقه مزامير يزمر بها.

فإنّ واليها يتشدّد عليهم و الخليفة أشدّ،ثمّ تسأل عن بني عمرو بن مبذول و هو ببقيع (1)الزبير،ثمّ تسأل عن موسي بن جعفر و أين منزله و أين هو؟مسافر أم حاضر فإن كان مسافرا فالحقه فإنّ سفره أقرب ممّا ضربت إليه،ثمّ أعلمه أنّ مطران عليا الغوطة (2)-غوطة دمشق-هو الذي أرشدني إليك و هو يقرئك السلام كثيرا و يقول لك:إنّي لأكثر مناجاة ربّي أن يجعل إسلامي علي يديك.

فقصّ هذه القصّة و هو قائم معتمد علي عصاه،ثمّ قال:إن أذنت لي يا سيّدي كفّرت لك و جلست فقال:آذن لك أن تجلس و لا آذن لك أن تكفّر.

فجلس ثمّ ألقي عنه برنسه ثمّ قال:جعلت فداك تأذن لي في الكلام.

قال:نعم ما جئت إلاّ له.

فقال له النصراني،أردد علي صاحبي السّلام أو ما تردّ السّلام.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:علي صاحبك أن هداه اللّه فأمّا التسليم فذاك إذا صار في ديننا.

فقال النصراني:إنّي أسألك-أصلحك اللّه-قال:سل.

قال:أخبرني عن كتاب اللّه تعالي الّذي أنزل علي محمّد و نطق به،ثمّ وصفه بما وصفه به، فقال: حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ* فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ما تفسيرها في الباطن؟

فقال عليه السّلام:أمّا«حم»فهو محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و في كتاب هود الذي أنزل عليه و هو منقوص الحروف و أمّا«الكتاب المبين»فهو أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و أمّا اللّيلة ففاطمة عليها السّلام و أمّا قوله فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ يقول:يخرج منها خير كثير فرجل حكيم و رجل حكيم و رجل حكيم.

فقال الرّجل:صف لي الأوّل و الآخر من هؤلاء الرّجال.

فقال عليه السّلام:إنّ الصفات تشتبه و لكنّ الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله و إنّه عندكم لفي الكتب الّتي نزلت عليكم إن لم تغيّروا و تحرّفوا و تكفروا،و قديما ما فعلتم.

قال له النصراني:إنّي لا أستر عنك ما علمت و لا أكذّبك و أنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول و كذبه،و اللّه لقد أعطاك اللّه من فضله،و قسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون و لا يستره الساترون و لا يكذب فيه من كذب،فقولي لك في ذلك الحقّ كما ذكرت،فهو كما ذكرت.ق.

ص: 94


1- (و هو بنقيع الزبير)النقيع بالنون في أكثر النسخ و هي البئر الكثيرة الماء و لعل الباء كما في بعض النسخ تصحيف.و البقيع موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها،و يقال له:قيع الغرقد لأنه كان فيه شجر الغرقد، فذهب و بقي اسمه و الغرقد بفتح العين المعجمة ضرب من شجر العضاة و شجر الشوك.
2- مطران النصاري و بكسر لقب لكبيرهم و عليا اسم للمكان المرتفع و ليست بتأنيث الأعلي،و الغوطة بالضم موضع بالشام كثير الماء و الشجر و هو غوطة دمشق.

فقال له أبو إبراهيم عليه السّلام:أعجلك أيضا خبرا لا يعرفه إلاّ قليل ممّن قرأ الكتب.أخبرني ما اسم أمّ مريم؟و أيّ يوم نفخت فيه مريم؟و لكم من ساعة من النّهار؟و أيّ يوم وضعت مريم فيه عيسي عليه السّلام؟و لكم من ساعة من النّهار؟

فقال النصراني:لا أدري.

فقال أبو إبراهيم عليه السّلام:أمّا أمّ مريم فاسمها مرثا و هي و هيبة بالعربيّة.و أمّا اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال و هو اليوم الذي هبط فيه الرّوح الأمين و ليس للمسلمين عيد كان أولي منه.عظّمه اللّه تبارك و تعالي و عظمّه محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فأمر أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة و أمّا اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء،لأربع ساعات و نصف من النهار،و النهر الذي ولدت عليه مريم عيسي عليه السّلام هل تعرفه؟

قال:لا.

قال عليه السّلام:هو الفرات و عليه شجر النخل و الكرم و ليس يساوي بالفرات شيء للكروم و النخيل.

فأمّا اليوم الذي حجبت فيه لسانها و نادي قيدوس ولده و أشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا إلي مريم،فقالوا لها ما قصّ اللّه عليك في كتابه و علينا في كتابه،فهل فهمته؟

قال:نعم و قرأته اليوم الأحدث (1).

قال عليه السّلام:إذن لا تقوم من مجلسك حتّي يهديك الله

قال النصراني:ما كان اسم أمي بالسريانيّة و بالعربيّة؟

فقال عليه السّلام:كان اسم أمّك بالسريانيّة عنقالية،و عنقورة كان اسم جدّك لأبيك و أمّا إسم أمّك بالعربيّة فهوميّة و أمّا إسم أبيك فعبد المسيح و هو عبد اللّه بالعربيّة و ليس للمسيح عبد.

قال:صدقت و بررت،فما كان اسم جدّي؟

قال عليه السّلام:كان اسم جدّك جبرئيل و هو عبد الرحمن سمّيته في مجلسي هذا.

قال:أما إنّه كان مسلما؟

قال أبو إبراهيم عليه السّلام:نعم و قتل شهيدا.دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة و الأجناد من أهل الشام.

قال:فما كان اسمي قبل كنيتي؟

قال عليه السّلام:كان اسمك عبد الصليب.

قال:فما تسمّيني؟».

ص: 95


1- كذا في جميع النسخ و الصحيح«الأجدب».

قال عليه السّلام:أسمّيك عبد اللّه.

قال:فإنّي آمنت باللّه العظيم و شهدت أن لا إله إلاّ وحده لا شريك له فردا صمدا،ليس كما تصفه النصاري و ليس كما تصفه اليهود،و لا جنس من أجناس الشرك،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،أرسله بالحقّ فأبان به لأهله و عمي المبطلون و أنّه كان رسول اللّه إلي النّاس كافّة إلي الأحمر و الأسود كلّ فيه مشترك فأبصر من أبصر و اهتدي من اهتدي و عمي المبطلون و ضلّ عنهم ما كانوا يدّعون،و أشهد أنّ وليّه نطق بحكمته و أنّ من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة و توازروا علي الطاعة للّه و فارقوا الباطل و أهله و الرّجس و أهله و هجروا سبيل الضلالة و نصرهم اللّه بالطاعة له و عصمهم من المعصية،فهم للّه أولياء و للدّين أنصار،يحثّون علي الخير و يأمرون به، آمنت بالصغير منهم و الكبير و من ذكرت منهم و من لم أذكر و آمنت باللّه تبارك و تعالي ربّ العالمين، ثمّ قطع زنّاره و قطع صليبا كان في عنقه من ذهب،ثمّ قال:مرني حتّي أضع صدقتي حيث تأمرني

فقال عليه السّلام:ههنا أخ لك كان علي مثل دينك و هو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة و هو في نعمة كنعمتك فتواسيا و تجاورا و لست أدع أن أورد عليكما حقّكما في الإسلام.

فقال:و اللّه-أصلحك اللّه-إنّي لغنيّ و لقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس و فرسة و تركت ألف بعير،فحقّك فيها أوفر من حقّي.

فقال له:أنت مولي اللّه و رسوله و أنت في حدّ نسبك علي حالك.

فحسن إسلامه و تزوّج امرأة من بني فهر و أصدقها أبو إبراهيم عليه السّلام خمسين دينارا من صدقة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أخدمه و بوّأه و أقام حتّي أخرج أبو إبراهيم عليه السّلام،فمات بعد مخرجه بثمان و عشرين ليلة (1).

و في المناقب عن هشام بن الحكم قال موسي بن جعفر عليه السّلام لأبرهة النصراني:كيف علمك بكتابك؟

قال:أنا عالم به و بتأويله فابتدأ موسي عليه السّلام يقرأ الإنجيل فقال ابرهة:و المسيح لقد كان يقرأها هكذا و ما قرأ هكذا إلاّ المسيح و أنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة فأسلم علي يديه (2).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و راهب

عن يعقوب بن جعفر قال:كنت عند أبي إبراهيم عليه السّلام و أتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرّهبان و معه راهبة،فاستأذن لهما الفضل بن سوّار،فقال له عليه السّلام:إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أمّ خير.

ص: 96


1- الكافي:481/1 ح 4،و البحار:89/48.
2- مناقب آل أبي طالب:426/3،و البحار:104/48.

قال:فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بخصفة بواري (1)،ثمّ جلس و جلسوا فبدأت الرّاهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة،كلّ ذلك يجيبها.و سألها أبو إبراهيم عليه السّلام عن أشياء لم يكن عندها فيه شيء،ثمّ أسلمت ثمّ أقبل الرّاهب يسأله فكان يجيبه في كلّ ما يسأله،فقال الرّاهب:

قد كنت قويّا علي ديني و ما خلّفت أحدا من النّصاري في الأرض يبلغ مبلغي في العلم و لقد سمعت برجل في الهند،إذا شاء حجّ إلي بيت المقدّس في يوم و ليلة،ثمّ يرجع إلي منزله بأرض الهند، فسألت عنه بأيّ أرض هو؟

فقيل لي:إنّه بسبذان و سألت الذي أخبرني فقال:هو علم الإسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لمّا أتي بعرش سبأ و هو الذي ذكر اللّه لكم في كتابكم و لنا معشر الأديان في كتبنا.

فقال له أبو إبراهيم عليه السّلام:فكم للّه من اسم لا يردّ؟

فقال الراهب:الأسماء كثيرة فأمّا المحتوم منها الذي لا يردّ سائله فسبعة.

فقال له أبو الحسن عليه السّلام:فأخبرني عمّا تحفظ منها.

قال الرّاهب:لا و اللّه الذي أنزل التوراة علي موسي و جعل عيسي عبرة للعالمين و فتنة لشكر أولي الألباب و جعل محمّدا بركة و رحمة و جعل عليّا عليه السّلام عبرة و بصيرة و جعل الأوصياء من نسله و نسل محمّد ما أدري و لو دريت ما احتجت فيه إلي كلامك و لا جئتك و لا سألتك.

فقال له أبو إبراهيم عليه السّلام:عد إلي حديث الهنديّ.

فقال له الرّاهب:سمعت بهذه الأسماء و لا أدري ما بطانتها و لا شرايحها و لا أدري ما هي و لا كيف هي و لا بدعائها.فانطلقت حتّي قدمت سبذان الهند،فسألت عن الرّجل،فقيل لي:إنّه بني ديرا في جبل فصار لا يخرج و لا يري إلاّ في كلّ سنة مرّتين و زعمت الهند أن اللّه فجّر له عينا في ديره و زعمت الهند أنّه يزرع له من غير زرع يلقيه و يحرث له من غير حرث يعمله،فانتهيت إلي بابه فأقمت ثلاثا،لا أدقّ الباب و لا أعالج الباب،فلمّا كان اليوم الرّابع فتح اللّه الباب و جاءت بقرة عليها حطب تجرّ ضرعها،يكاد يخرج ما في ضرعها من الّلبن،فدفعت الباب فانفتح فتبعتها.

فوجدت الرّجل قائما ينظر إلي السماء فيبكي و ينظر إلي الأرض فيبكي و ينظر إلي الجبال فيبكي.

قلت:سبحان اللّه ما أقلّ ضربك (2)في دهرنا هذا،فقال لي:و اللّه ما أنا إلاّ حسنة من حسنات رجل خلّفته وراء ظهرك.).

ص: 97


1- (بخصفة بواري)الخصفة بالتحريك شيء منسوج من خوص النخل و ورقة من الخصف و هو ضم الشيء إلي الشيء،و البواري جمع باري و هو الحصير و يقال له:بوريا بالفارسية.
2- قوله«ما أقل ضربك»أي مثلك.(ش).

فقلت له:أخبرت أنّ عندك إسما من أسماء اللّه تبلغ به في كلّ يوم و ليلة بيت المقدس و ترجع إلي بيتك،فقال لي:و هل تعرف بيت المقدس؟

قلت:لا أعرف إلاّ بيت المقدس الذي بالشام.

قال:ليس بيت المقدس و لكنّه البيت المقدّس و هو بيت آل محمّد،فقلت له:أما ما سمعت به إلي يومي هذا فهو بيت المقدس،فقال لي تلك محاريب الأنبياء،و إنّما كان يقال لها:حظيرة المحاريب حتّي جاءت الفترة التي كانت بين محمّد و عيسي صلّي اللّه عليهما و قرب البلاء من أهل الشرك و حلّت النقمات في دور الشياطين فحوّلوا و بدّلوا و نقلوا تلك الأسماء و هو قول اللّه تبارك و تعالي-البطن لآل محمّد و الظهر مثل-: إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ .

فقلت له:إنّي قد ضربت إليك من بلد بعيد،تعرّضت إليك بحارا و غموما و هموما و خوفا و أصبحت و أمسيت مؤيسا ألاّ أكون ظفرت بحاجتي.

فقال لي:ما أري أمّك حملت بك إلاّ و قد حضرها ملك كريم و لا أعلم أنّ أباك حين أراد الوقوع بأمّك إلاّ و قد اغتسل و جاءها علي طهر و لا أزعم إلاّ أنّه قد كان درس السفر الرّابع من شهره ذلك،فختم له بخير،إرجع من حيث جئت،فانطلق حتّي تنزل مدينة محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم التي يقال لها:طيّبة و قد كان إسمها في الجاهليّة يثرب.

ثمّ اعمد إلي موضع منها يقال له البقيع،ثمّ سل عن دار يقال لها:دار مروان (1)،فانزلها و أقم ثلاثا.ثمّ سل[عن]الشيخ الأسود الذي يكون علي بابها يعمل البواري و هي في بلادهم إسمها الخصف،فالطف بالشيخ و قل له:بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع.

ثمّ سله عن فلان بن فلان الفلاني و سله أين ناديه و سله أيّ ساعة يمرّ فيها فليريكاه أو يصفه لك،فتعرفه بالصفة و سأصفه لك.

قلت:فإذا لقيته فأصنع ماذا؟

قال:سله عمّا كان و عمّا هو كائن و سله عن معالم دين من مضي و من بقي.).

ص: 98


1- قوله«يقال لها:دار مروان»دار مروان في المدينة معروفة و كانت جنوبي المسجد الشريف متصلة به و هي بعيدة من البقيع و كان يفتح منها باب إلي مقصورة المسجد منه يدخل الأمراء و الولاة الساكنون في تلك الدار المسجد لئلا يفتك بهم الناس في الطرق،و كانت المقصورة مسدودة الأطراف بحيث لا يري الناس الوالي في الصلاة إلي أن هدمها المنصور،و الذي يظهر من هذا الخبر أن الدار كانت علي عهد بني العباس منزلا للغرباء و الزوار أو محلا للتجار بعد ما كانت دار الإمارة.(ش).

فقال له أبو إبراهيم عليه السّلام:قد نصحك صاحبك الذي لقيت.

فقال الرّاهب:ما اسمه جعلت فداك؟

قال عليه السّلام:هو متمّم بن فيروز و هو من أبناء الفرس و هو ممّن آمن باللّه وحده لا شريك له و عبده بالإخلاص و الإيقان و فرّ من قومه لمّا خافهم،فوهب له ربّه حكما و هداه لسبيل الرّشاد و جعله من المتّقين،و عرّف بينه و بين عباده المخلصين و ما من سنة إلاّ و هو يزور فيها مكّة حاجّا و يعتمر في رأس كلّ شهر مرّة و يجيء من موضعه من الهند إلي مكّة،فضلا من اللّه و عونا و كذلك يجزي اللّه الشّاكرين.

ثمّ سأله الرّاهب عن مسائل كثيرة،كلّ ذلك يجيبه فيها و سأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الرّاهب فيها شيء،فأخبره بها،ثمّ إنّ الرّاهب قال:أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبيّن في الأرض منها أربعة و بقي في الهواء منها أربعة،علي من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء و من يفسّرها؟

قال عليه السّلام:ذاك قائمنا،ينزله اللّه عليه فيفسّره و ينزل عليه ما لم ينزل علي الصدّيقين و الرّسل و المهتدين.

ثمّ قال الرّاهب فأخبرني عن الإثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي؟

قال عليه السّلام:أخبرك بالأربعة كلّها،أمّا أوّلهن فلا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له باقيا.و الثانيّة محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مخلصا،و الثّالثة نحن أهل البيت،و الرّابعة شيعتنا منّا و نحن من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و رسول اللّه من اللّه بسبب.

فقال له الرّاهب:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،و أنّ ما جاء به من عند اللّه حقّ و أنّكم صفوة اللّه من خلقه و أنّ شيعتكم المطهّرون المستبدلون و لهم عاقبة اللّه و الحمد للّه ربّ العالمين.

فدعا أبو إبراهيم عليه السّلام بجبّة خزّ و قميص قوهيّ و طيلسان و خفّ و قلنسوة،فأعطاه إيّاها و صلّي الظهر و قال له:اختتن.

فقال:قد اختتنت في سابعي (1)(2).8.

ص: 99


1- قوله(في سابعي)أي في اليوم السابع من الولادة أو العام السابع منها أو اليوم السابع من زمان التكلم، و الأول أقرب،و الثالث أبعد.
2- الكافي:484/1 ح 7،و البحار:95/48.

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و علي بن جعفر

عن عليّ بن جعفر قال:جاءني محمّد بن إسماعيل و قد اعتمرنا عمرة رجب و نحن يومئذ بمكّة،فقال:يا عمّ إنّي أريد بغداد و قد أحببت أن أودّع عمّي أبا الحسن-يعني موسي بن جعفر عليهما السّلام-و أحببت أن تذهب معي إليه،فخرجت معه نحو أخي و هو في داره التي بالحوبة و ذلك بعد المغرب بقليل،فضربت الباب فأجابني أخي فقال:من هذا؟

فقلت:عليّ.

فقال عليه السّلام:هو ذا أخرج-و كان بطيء الوضوء.

فقلت:العجل.

قال عليه السّلام:و أعجل،فخرج و عليه إزار ممشّق قد عقده في عنقه حتّي قعد تحت عتبة الباب، فقال عليّ بن جعفر فانكببت عليه فقبّلت رأسه و قلت:قد جئتك في أمر إن تره صوابا فاللّه وفّق له، و إن يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطيء.

قال عليه السّلام:و ما هو؟

قلت:هذا ابن أخيك يريد أن يودّعك و يخرج إلي بغداد.

فقال لي:أدعه،فدعوته و كان متنحيّا،فدنا منه فقبّل رأسه و قال:جعلت فداك أوصني.

فقال:أوصيك أن تتّقي اللّه في دمي.

فقال مجيبا له:من أرادك بسوء فعل اللّه به،و جعل يدعو علي من يريده بسوء،ثمّ عاد فقبّل رأسه.

فقال،يا عمّ أوصني.

فقال:أوصيك أن تتّقي اللّه في دمي.

فقال:من أرادك بسوء فعل اللّه به و فعل،ثمّ عاد فقبّل رأسه،ثمّ قال:يا عمّ أوصني.

فقال:أوصيك أن تتّقي اللّه في دمي،فدعا علي من أراده بسوء،ثمّ تنحّي عنه و مضيت معه.

فقال لي أخي:يا عليّ مكانك،فقمت مكاني فدخل منزله ثمّ دعاني فدخلت إليه فتناول صرّة فيها مائة دينار فأعطانيها و قال:قل لابن أخيك يستعين بها علي سفره.

قال عليّ:فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي،ثمّ ناولني مائة أخري و قال:أعطه أيضا.

ثمّ ناولني صرّة أخري و قال:أعطه أيضا،فقلت:جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الّذي ذكرت فلم تعينه علي نفسك؟

فقال:إذا وصلته و قطعني قطع اللّه أجله،ثمّ تناول مخدّة أدم،فيها ثلاثة آلاف درهم وضح و قال عليه السّلام:أعطه هذه أيضا.

ص: 100

قال:فخرجت إليه فأعطيته المائة الاولي ففرح بها فرحا شديدا و دعا لعمّه،ثمّ أعطيته الثانية و الثالثة ففرح بها حتّي ظننت أنّه سيرجع و لا يخرج،ثمّ أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضي علي وجهه حتّي دخل علي هارون فسلّم عليه بالخلافة،و قال:ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّي رأيت عمي موسي بن جعفر يسلّم عليه بالخلافة فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم فرماه اللّه بالذّبحة فما نظر منها إلي درهم و لا مسّه (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و علي بن يقطين

أعلام الوري عن محمّد بن الفضل قال:اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلي الكعبين أم من الكعبين إلي الأصابع فكتب علي بن يقطين إلي الكاظم عليه السّلام أنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه.

فكتب إليه عليه السّلام:الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلّل شعر لحيتك و تمسح رأسك كلّه و تمسح ظاهر أذنيك و باطنها و تغسل رجليك إلي الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك إلي غيره.

فلمّا وصل الكتاب إلي عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم فيه ممّا أجمع العصابة علي خلافه ثمّ قال:مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره و كان يعمل في وضوئه علي هذا الحدّ و يخالف الشيعة امتثالا لأمره عليه السّلام و سعي بعليّ بن يقطين إلي الرشيد و قيل:إنّه رافضي مخالف لك.

فقال الرشيد:لقد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين و ميله إلي الرفض و لست أري في خدمته تقصيرا و أحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر،فقيل له:إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فامتحنه من حيث لا يعلم فقال:أجل ثمّ تركه مدّة و ناطه بشيء من الشغل في الدار حتّي دخل وقت الصلاة و كان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يري عليّ بن يقطين و هو لا يراه فتوضّأ كما أمره أبو الحسن عليه السّلام و الرشيد ينظر إليه فلمّا رآه و قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّي أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه:كذب يا عليّ بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة.و صلحت حاله عنده.

ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام:ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين فتوضّأ كما أمر اللّه و اغسل وجهك مرّة فريضة و أخري إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخالف عليك و السلام (2).

ص: 101


1- الكافي:/4681ح 8.
2- كتاب الطهارة:79،و وسائل الشيعة:445/1 ح 3.

و في كتاب قضاء حقوق المؤمنين قال:استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم عليه السّلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له.

فقال:لا تفعل فإنّ لنا بك أنسا و لإخوانك بك عزّا و عسي أن يجبر اللّه بك كسرا و يكسر بك نايرة المخالفين عن أوليائه،يا عليّ كفّارة أعمالكم الإحسان إلي إخوانكم اضمن لي واحدة و أضمن لك ثلاثا؛اضمن لي أن لا تلقي أحدا من أوليائك إلاّ قضيت حاجته و أكرمته و اضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبدا و لا ينالك حدّ سيف أبدا و لا يدخل الفقر بيتك أبدا،يا عليّ من سرّ مؤمنا فبالله بدأ و بالنبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثنّي و بنا ثلث (1).

و في الخرائج أيضا عن ابن يقطين قال:كنت واقفا عند الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم و كان فيها دراعة ديباج سوداء منسوجة بالذهب لم أر أحسن منها فرآني أنظر إليها فوهبها لي و بعثتها إلي أبي الحسن و مضت لها تسعة أشهر و انصرفت يوما من عند هارون فلمّا دخلت داري جاءني خادمي بمنديل و كتاب لطيف ختمه رطب ففضضت الكتاب فإذا هو كتاب مولاي أبي الحسن عليه السّلام و فيه:يا علي هذا وقت حاجتك إلي الدّراعة و قد بعثتها إليك،فرأيتها و عرفتها و دخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال:أجب أمير المؤمنين،فركبت و دخلت عليه و عنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه فقال:ما فعلت الدّراعة الرومية التي وهبتك؟

فقلت:ألبسها في أوقات و أصلّي فيها ركعات و قد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها فنظر إلي عمر بن بزيع فقال:قل له يحضرها،فأرسلت خادمي جاء بها فلمّا رآها قال:يا عمر ما ينبغي أن تنقل علي عليّ بعد هذا شيئا.

قال:فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدّراعة إلي داري و كان الساعي ابن عمّ لي فسوّد اللّه وجهه.

و في حديث آخر أنّ أبا الحسن عليه السّلام طلب منه الدراعة بعد ذلك فأرسلها إليه مع الدراهم (2).

و عن إبراهيم الجمّال قال:استأذنت علي عليّ بن يقطين فحجبني فحجّ عليّ بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة علي مولانا موسي بن جعفر عليه السّلام فحجبه فرآه ثاني يومه و قال:يا سيّدي ما ذنبي؟

قال:حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال و قد أبي اللّه أن يشكر سعيك حتّي يغفر لك إبراهيم الجمّال.

فقلت:سيّدي و مولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت و أنا بالمدينة و هو بالكوفة؟2.

ص: 102


1- تحف العقول:410/،و البحار:136/48 ح 10.
2- الخرائج و الجرائح:657/2.

فقال عليه السّلام:إذا كان الليل فامض إلي البقيع وحدك و اركب نجيبا هناك مسرّجا فوافي البقيع و ركب النجيب و لم يلبث أن أناخه علي باب إبراهيم الجمّال بالكوفة فقرع الباب و قال:أنا عليّ بن يقطين.

فقال إبراهيم:و ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟

فقال عليّ بن يقطين:أمري عظيم و أقسم عليه أن يأذن له فلمّا دخل قال لإبراهيم:إنّ المولي عليه السّلام أبي أن يقبلني أو تغفر لي.

فقال:يغفر اللّه لك فالي عليّ بن يقطين علي إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع إبراهيم فإلي علي ثانيا ففعل فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه و علي بن يقطين يقول:اللّهم اشهد ثمّ انصرف و ركب النجيب و أناخه من ليلته بباب المولي موسي بن جعفر عليه السّلام بالمدينة فأذن له و دخل عليه فقبّله (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و المنصور

المناقب حكي أنّ المنصور تقدّم إلي موسي بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل إليه.

فقال عليه السّلام:إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلم أجد لهذا العيد خبرا (2)و أنّه سنة للفرس و محاها الإسلام و معاذ اللّه أن تحيي ما محاه الإسلام.

فقال المنصور:إنّما نفعل هذا سياسة للجند.

فسألتك باللّه العظيم إلاّ جلست فجلس و دخلت عليه الملوك و الامراء و الجند يهنّونه و يحملون إليه الهدايا و التحف و علي رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل إليه فدخل في آخر الناس شيخ كبير السنّ فقال:يابن بنت رسول اللّه إنّي رجل لا مال لي أتحفك و لكن أتحفك بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه السّلام شعر:

عجبت لمصقول علاك فريدة يوم الهياج و قد علاك غبار

و لا سهم نفذتك دون حرائر يدعون جدّك و الدموع غزار

الاّ تفضضت السهام و عاقها عن جسمك الإجلال و الإكبار

قال:قبلت هديتك اجلس بارك اللّه فيك و قال للخادم امض إلي أمير المؤمنين و عرّفه بهذا المال و ما يصنع به،فمضي الخادم و عاد و هو يقول كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد،فقال موسي عليه السّلام للشيخ:اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك (3).

ص: 103


1- عيون المعجزات:91.
2- قوله عليه السّلام:لم أجد لهذا العيد خبرا،محمول علي التقية.
3- مناقب آل أبي طالب:434/3،و البحار:109/48 ح 9.

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و نقيع الأنصاري

و عن أيّوب الهاشمي أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له نقيع الأنصاري و حضر موسي بن جعفر عليه السّلام علي حمار له فتلقّاه الحاجب بالإكرام فقال الأنصاري:من هذا الشيخ؟

قال:موسي بن جعفر.

قال:إن خرج لأسوءنّه.

فقال له عبد العزيز:لا تفعل فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم في الخطاب إلاّ و سموه في الجواب سمة يبقي عارها عليه مدي الدهر.

قال:و خرج موسي و أخذ الأنصاري بلجام حماره و قال:من أنت يا هذا؟

قال:إن كنت تريد النسب أنا ابن محمّد حبيب اللّه بن إسماعيل ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه، و إن كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللّه علي المسلمين و عليك إن كنت منهم الحجّ إليه،و إن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفّاء لهم حتّي قالوا:يا محمّد اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش،و إن كنت تريد الاسم و الصيت فنحن الذين أمر اللّه بالصلاة علينا في الصلوات المفروضات بقول:اللّهم صلّ علي محمّد و آل محمّد،خل عن الحمار،فخلّي عنه و يده ترعد فانصرف مخزي.

فقال له عبد العزيز:ألم أقل لك (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و موسي بن المهدي

المهج قال أبو الوضّاح أخبرني أبي قال:لمّا قتل الحسين بن علي صاحب فخ و هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بفخ و تفرّق الناس عنه حمل رأسه و الأسري من أصحابه إلي موسي بن المهدي يعني به الهادي الخليفة قبل الرشيد و هو أخوه الأكبر قتل جماعة من ولد أمير المؤمنين عليه السّلام و جعل ينال منهم إلي أن ذكر موسي بن جعفر عليه السّلام فنال منه و قال:و اللّه ما خرج حسين إلاّ عن أمره لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني اللّه إن أبقيت عليه و لو لا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل لنبشت قبره و أحرقته بالنار.

فقال أبو يوسف القاضي:نساؤه طوالق و عتق جميع ما يملك و عليه المشي إلي بيت اللّه إن كان مذهب موسي بن جعفر الخروج و لا هو مذهب أحد من ولده،و أمّا هذه العصابة من الزيدية فقد خرجوا مع حسين و ظفر بهم أمير المؤمنين و لم يزل يرفق به حتّي سكن غضبه.

قال:و كتب عليّ بن يقطين إلي أبي الحسن موسي عليه السّلام بصورة الأمر فلمّا ورد الكتاب أحضر أهل بيته و شيعته فأطلعهم علي الخبر و قال لهم:ما تشيرون؟

ص: 104


1- عيون أخبار الرضا:222/2.

قالوا:نشير أنّ تباعد شخصك عن هذا الجبّار فإنّه لا يؤمن شرّه فتبسّم عليه السّلام ثمّ تمثّل ببيت كعب بن مالك:

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها فليطلبن مغالب الغلاّب

ثمّ أقبل علي من حضره فقال:لا تخافوا إنّه لا يرد أوّل كتاب من العراق إلاّ بموت موسي بن المهدي و حرمة هذا القبر مات في يومه هذا سأخبركم بذلك بينما أنا جالس في مصلاّي بعد فراغي من وردي إذ تنوّمت عيناي فسنح جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في منامي فشكوت إليه موسي بن المهدي و ذكرت ما جري منه في أهل بيته و أنا مشفق من غوائله فقال لي:لتطب نفسك يا موسي فما جعل اللّه لموسي عليك سبيلا و قد أهلك اللّه عدوّك فليحسن للّه شكرك.

ثمّ استقبل أبو الحسن عليه السّلام القبلة و جعل يدعو و ذكر الدعاء قال:ثمّ قمنا إلي الصلاة و تفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت موسي بن المهدي و البيعة لهارون الرشيد (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و الحسين بن علي

في الكافي عن عبد اللّه بن المفضّل قال:لمّا خرج الحسين بن علي (2)المقتول بفخّ (3)و احتوي علي المدينة دعي موسي بن جعفر عليه السّلام إلي البيعة فأتاه فقال:يابن عمّ لا تكلّفني ما كلّف ابن عمّك أبا عبد اللّه.

فقال له الحسين:إن كرهته لم أحملك عليه و لما ودّعه،قال له أبو الحسن عليه السّلام:يابن عمّ إنّك مقتول فأجد الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيمانا و يسرّون شركا و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أحتسبكم عند اللّه من عصبة ثمّ خرج الحسين فقتلوا كلّهم.

و لمّا قتل الحسين هذا نعاه الجنّ ورثوه بأبيات (4).

و قد ورد مدحه عن النبي و أهل البيت عليهم السّلام كما روي عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال:مرّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بفخ فنزل فصلّي ركعتين و لمّا صلّي الثانية بكي و هو في الصلاة فبكي الناس و قالوا:بكينا لبكائك يا رسول اللّه.

قال:نزل علي جبرئيل لمّا صلّيت الركعة الاولي،فقال لي:يا محمّد إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدين (5).

ص: 105


1- أمالي الصدوق:460 ح 2،و البحار:153/48.
2- و قصته مشابهة لقتل الإمام الحسين عليه السّلام في كثير من التفاصيل و خاصة العطش و الظلم و قتل النساء و الأولاد و الشيوخ بل و سبي من تبقي من النساء.
3- بفتح الفاء و تشديد الخاء:بئر بين التنعيم و بين مكة.
4- الكافي:366/1 ح 18.
5- مقاتل الطالبين:290،و البحار:170/48.

و عن النضر بن قرواش قال:أكريت جعفر بن محمّد عليه السّلام من المدينة فلمّا رحلنا من بطن برّ قال لي:إذا انتهيت إلي فخ فأعلمني فإنّي أخشي أن تغلبني عيني فلمّا بلغت فخ حرّكت المحمل فجلس فقال:حلّ محملي فتنحّيت عن الجادّة و أنخت بعيره فتوضّأ و صلّي ثمّ ركب فقلت:جعلت فداك أفهو من مناسك الحجّ؟

قال:لا و لكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم في الجنّة (1).

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و أبي حنيفة

و روي عن أبي حنيفة قال:أتيت الصادق عليه السّلام لأسأله عن مسائل فقيل لي:نائم فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيّا جميل المنظر ذا هيئة حسنة قالوا:هذا موسي بن جعفر.

فقلت:يابن رسول اللّه ما تقول في أفعال العباد ممّن هي؟

فجلس ثمّ تربّع و جعل كمّه الأيمن علي الأيسر و قال:يا نعمان قد سألت فاسمع و إذا سمعت فعه و إذا وعيت فاعمل:إنّ أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال إمّا من اللّه بانفراده أو من اللّه و العبد شركة أو من العبد بانفراده فإن كانت من اللّه بانفراده فما له سبحانه يعذّب عبده علي ما لم يفعله مع عدله و رحمته و حكمته و إن كانت من اللّه و العبد شركة فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه علي ما قد شركه فيه و أعانه عليه فاستحال الوجهان.

يا نعمان قال:نعم.

فقال له:فلم يبق إلاّ أن يكون من العبد علي انفراده ثمّ أنشأ يقول شعر:

لم تخل أعمالنا الآتي تدم بها إحدي ثلاث خصال حين تبديها

إما تفرّد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنها حين نأتيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها (2)

و رويت بتفاوت زاد فيها:...فجلس أبو حنيفة بين يديه:فقال موسي بن جعفر عليهما السّلام:لابد أن تكون المعصية من العبد أو من ربّه تعالي أو منهما جميعا،فإن كانت من اللّه فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده الضعيف و يأخذه بما لم يفعله،و إن كانت المعصية منهما فهو شريكه و القوي أولي بانصاف عبده الضعيف،و إن كانت المعصية من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجه النهي و له حق الثواب و العقاب و وجبت له الجنّة أو النار.

ص: 106


1- البحار:170/48 ح 7.
2- روضة الواعظين:40،و البحار:28/5.

فقال أبو حنيفة:ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم (1).

و في نصّ ثالث:سأله أبو حنيفة و هو صغير السنّ فقال:ممّن المعصية؟

فقال:إنّ المعصية لا بدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعا فإن كانت من اللّه تعالي فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولي بإنصاف عبده الضعيف و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجّه النهي و له حقّ الثواب و العقاب و وجبت الجنّة و النار فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (2)الآية (3).

***

أصحاب الإمام الكاظم عليه السّلام

الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال:رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادّا يديه إلي السماء و دموعه تسيل علي خدّه حتّي تبلغ الأرض فلمّا انصرف الناس قلت له:يا أبا محمّد ما رأيت موقفا أحسن من موقفك.

قال:و اللّه ما دعوت إلاّ لإخواني.

و في ذلك أنّ موسي بن جعفر عليه السّلام أخبرني أنّه من دعي لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف مثله فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونه لواحد لا أدري يستجاب أم لا (4).

***

احتجاجات أصحاب الإمام الكاظم علي المخالفين

بين ضرار و هشام

قال السيد المرتضي رضي اللّه عنه في كتاب الفصول:أخبرني الشيخ أيده اللّه قال دخل ضرار بن عمرو الضبي علي يحيي بن خالد البرمكي فقال له:يا أبا عمرو هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة؟

فقال ضرار:هلم من شئت،فبعث إلي هشام بن الحكم فأحضره فقال:يا أبا محمد هذا ضرار،و هو من قد علمت في الكلام و الخلاف لك فكلّمه في الإمامة.

ص: 107


1- عيون أخبار الرضا:138/1 و 114.
2- سورة آل عمران،الآية:34.
3- دلائل الإمامة:23.
4- منتهي المطلب:357/1.

فقال:نعم ثم أقبل علي ضرار فقال:يا أبا عمر و خبّرني علي ما تجب الولاية و البراءة؟علي الظاهر أم علي الباطن؟

فقال ضرار:بل علي الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلا بالوحي،فقام هشام:صدقت،فخبرني الآن أي الرجلين كان أذب عن وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالسيف؟و أقتل لاعداء اللّه عزّ و جلّ بين يديه؟

و أكثر آثارا في الجهاد؟علي بن أبي طالب أو أبو بكر؟

فقال:علي بن أبي طالب،و لكن أبا بكر كان أشد يقينا.

فقال هشام:هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه،و قد اعترفت لعلي عليه السّلام بظاهر عمله من الولاية ما لم يجب لأبي بكر.

فقال ضرار:هذا الظاهر نعم.

ثم قال هشام:أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يدفع؟

فقال ضرار:بلي.

فقال هشام:ألست تعلم أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال لعلي عليه السّلام:إنه مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي؟

فقال ضرار:نعم.

فقال له هشام:أ لست تعلم أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال لعلي عليه السّلام:إنه مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي؟

فقال ضرار:نعم.

فقال له هشام:أ يجوز أن يقول له هذا القول إلا و هو عنده في الباطن مؤمن؟

قال:لا.

فقال هشام:فقد صح لعلي عليه السّلام ظاهره و باطنه،و لم يصح لصاحبك ظاهر و لا باطن و الحمد للّه (1).

بين هشام و الرشيد

و روي الشيخ أدام اللّه تأييده قال:سأل يحيي بن خالد البرمكي هشام بن الحكم رحمة اللّه عليه بحضرة الرشيد فقال له:أخبرني يا هشام عن الحق هل يكون في جهتين مختلفتين؟

فقال هشام:لا.

قال فخبرني عن نفسين اختصما في حكم في الدين و تنازعا و اختلفا هل يخلوان من أن يكونا محقين أو مبطلين،أو يكون أحدهما مبطلا و الآخر محقا؟

فقال هشام:لا يخلوان من ذلك،و ليس يجوز أن يكونا محقين علي ما قدّمت من الجواب.

ص: 108


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:293/10.

فقال:له يحيي بن خالد:فخبرني عن علي و العباس لما اختصما إلي أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل؟إذا كنت لا تقول:إنهما كانا محقين و لا مبطلين.

فقال هشام:فنظرت إذا إنني إن قلت:إن عليا عليه السّلام كان مبطلا كفرت و خرجت عن مذهبي.

و إن قلت:إن العباس كان مبطلا ضرب عنقي،و وردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت،و لا أعددت لها جوابا،فذكرت قول أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يقول لي:يا هشام لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك،فعلمت أني لا أخذل،و عنّ لي الجواب في الحال فقلت له:

لم يكن من أحدهما خطأ و كانا جميعا محقين،و لهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود عليه السّلام حيث يقول اللّه جل اسمه: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إلي قوله تعالي: خَصْمانِ بَغي بَعْضُنا عَلي بَعْضٍ (1)فأي الملكين كان مخطئا؟و أيهما كان مصيبا؟أم تقول:إنهما كانا مخطئين؟ فجوابك في ذلك جوابي بعينه.

فقال يحيي:لست أقول:إن الملكين أخطأا،بل أقول:إنهما أصابا،و ذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة و لا اختلفا في الحكم،و إنما أظهرا ذلك لينبها داود عليه السّلام علي الخطيئة،و يعرفاه الحكم و يوقفاه عليه.

قال:فقلت له:كذلك علي و العباس لم يختلفا في الحكم و لم يختصما في الحقيقة،و إنما أظهرا الإختلاف و الخصومة لينبها أبا بكر علي غلطه،و يوقفاه علي خطيئته،و يدلاه علي ظلمه لهما في الميراث،و لم يكونا في ريب من أمرهما،و إنما كان ذلك منهما علي حد ما كان من الملكين.

فلم يحر جوابا و استحسن ذلك الرشيد (2).

و روي الشيخ أيضا قال:أحب الرشيد أن يسمع كلام هشام بن الحكم مع الخوارج،فأمر بإحضار هشام بن الحكم و إحضار عبد اللّه بن يزيد الأباضي و جلس بحيث يسمع كلامهما و لا يري القوم شخصه،و كان بالحضرة يحيي بن خالد.

فقال يحيي لعبد اللّه بن يزيد:سل أبا محمد-يعني هشاما-عن شيء.

فقال هشام:لا مسألة للخوارج علينا.

فقال عبد اللّه بن يزيد:و كيف ذلك؟

فقال هشام:لأنكم قوم قد اجتمعتم معنا علي ولاية رجل و تعديله و الإقرار بإمامته و فضله،ثم فارقتمونا في عداوته و البراءة منه،فنحن علي إجماعنا و شهادتكم لنا،و خلافكم علينا غير قادح في0.

ص: 109


1- سورة ص،الآية:22.
2- الفصول المختارة 1:ص 25،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:293/10.

مذهبنا،و دعواكم غير مقبولة علينا،إذ الإختلاف لا يقابل الإتفاق،و شهادة الخصم لخصمه مقبولة، و شهادته عليه مردودة.

قال يحيي بن خالد:لقد قربت قطعه يا أبا محمد،و لكن جاره شيئا،فإن أمير المؤمنين أطال اللّه بقاه يحب ذلك.

قال:فقال هشام:أنا أفعل ذلك،غير أن الكلام ربما انتهي إلي حد يغمض و يدق علي الأفهام،فيعاند أحد الخصمين أو يشتبه عليه،فإن أحب الإنصاف فليجعل بيني و بينه واسطة عدلا إن خرجت عن الطريق ردني إليه،و إن جار في حكمه شهد عليه.

فقال عبد اللّه بن يزيد:لقد دعا أبو محمد إلي الإنصاف.

فقال هشام:فمن يكون هذه الواسطة؟و ما يكون مذهبه؟أيكون من أصحابي،أو من أصحابك،أو مخالفا للملة لنا جميعا؟

قال عبد اللّه بن يزيد:إختر من شئت فقد رضيت به.

قال هشام:أما أنا فأري أنه إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي،و إن كان من أصحابك لم آمنه في الحكم علي،و إن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا علي و لا عليك،و لكن يكون رجلا من أصحابي،و رجلا من أصحابك،فينظران فيما بيننا و يحكمان علينا بموجب الحق و محض الحكم بالعدل.

فقال عبد اللّه ابن يزيد:فقد أنصفت يا أبا محمد،و كنت أنتظر هذا منك.فأقبل هشام علي يحيي بن خالد فقال له:قد قطعته أيها الوزير،و دمرت علي مذاهبه كلها بأهون سعي،و لم يبق معه شيء،و استغنيت عن مناظرته.

قال:فحرك الستر الرشيد،و أصغي يحيي بن خالد فقال:هذا متكلم الشيعة واقف الرجل مواقفة لم يتضمن مناظرة،ثم ادعي عليه أنه قد قطعه و أفسد مذهبه،فمره أن يبين عن صحة ما ادعاه علي الرجل.

فقال يحيي بن خالد لهشام:إن أمير المؤمنين يأمرك أن تكشف عن صحة ما ادعيت علي هذا الرجل.

قال:فقال هشام رحمه اللّه:إن هؤلاء القوم لم يزالوا معنا علي ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام حتي كان من أمر الحكمين ما كان،فأكفروه بالتحكيم و ضللوه بذلك،و هم الذين اضطروه إليه،و الآن فقد حكم هذا الشيخ و هو عماد أصحابه مختارا غير مضطر رجلين مختلفين في مذهبهما:أحدهما يكفره،و الآخر يعدله،فإن كان مصيبا في ذلك فأمير المؤمنين أولي بالصواب، و إن كان مخطئا كافرا فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها،و النظر في كفره و إيمانه أولي من النظر في إكفاره عليا عليه السّلام.

ص: 110

قال:فاستحسن ذلك الرشيد و أمر بصلته و جائزته (1).

قال الشيخ أدام اللّه عزه:و هشام بن الحكم من أكبر أصحاب أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام،و كان فقيها،و روي حديثا كثيرا،و صحب أبا عبد اللّه عليه السّلام،و بعده أبا الحسن موسي عليه السّلام،و كان يكني أبا محمد و أبا الحكم،و كان مولي بني شيبان،و كان مقيما بالكوفة،و بلغ من مرتبته و علوه عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام أنه دخل عليه بمني و هو غلام أول ما اختط عارضاه،و في مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن أعين و قيس الماصر و يونس بن يعقوب و أبي جعفر الأحول و غيرهم،فرفعه علي جماعتهم،و ليس فيهم إلا من هو أكبر سنا منه،فلما رأي أبو عبد اللّه عليه السّلام أن ذلك الفعل كبر علي أصحابه قال:هذا ناصرنا بقلبه و لسانه و يده،و قال له أبو عبد اللّه عليه السّلام و قد سأله عن أسماء اللّه عزّ و جلّ و اشتقاقها فأجابه ثم قال له:أفهمت يا هشام فبهما تدفع به أعداءنا الملحدين مع اللّه عزّ و جلّ؟

قال هشام:نعم.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:نفعك اللّه عزّ و جلّ به و ثبتك.

قال هشام:فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتي قمت مقامي هذا (2).

قال الشيخ أدام عزه:و قد روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمانية رجال،كل واحد منهم يقال له هشام،فمنهم أبو محمد هشام بن الحكم مولي بني شيبان هذا،و منهم هشام بن سالم مولي بشر بن مروان و كان من سبي الجوزجان،و منهم هشام الكفري الذي يروي عنه علي بن الحكم،و منهم هشام المعروف بأبي عبد اللّه البزاز،و منهم هشام الصيدناني رحمه اللّه،و منهم هشام الخياط رحمة اللّه عليه،و منهم هشام بن يزيد رحمة اللّه عليه،و منهم هشام بن المثني الكوفي رحمة اللّه عليه (3).

بين هشام و العامة

و روي الشيخ أدام اللّه عزه قال:سئل هشام بن الحكم رحمة اللّه عليه عما يرويه العامة من قول أمير المؤمنين عليه السّلام لما قبض عمر و قد دخل عليه و هو مسجي:لوددت أن ألقي اللّه تعالي بصحيفة هذا المسجي،و في حديث آخر:إني لارجو أن ألقي اللّه تعالي بصحيفة هذا المسجي.

فقال هشام:هذا حديث غير ثابت و لا معروف الإسناد،و إنما حصل من جهة القصاص و أصحاب الطرقات،و لو ثبت لكان المعني فيه معروفا،و ذلك أن عمر واطأ أبا بكر و المغيرة و سالما مولي أبي حذيفة و أبا عبيدة علي كتب صحيفة بينهم يتعاقدون فيها علي أنه إذا مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم

ص: 111


1- الفصول المختارة 1:127،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:295/10.
2- الفصول المختارة 1:127،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:295/10.
3- الفصول المختارة 1:27.

يورثوا أحدا من أهل بيته و لم يولوهم مقامه من بعده و كانت الصحيفة لعمر إذ كان عماد القوم، فالصحيفة التي ود أمير المؤمنين عليه السّلام و رجا أن يلقي اللّه عزّ و جلّ بها هي هذه الصحيفة ليخاصمه بها و يحتج عليه بمضمونها و الدليل علي ذلك ماروته العامة عن أبي بن كعب أنه كان يقول في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد أن أفضي الأمر إلي أبي بكر بصوت يسمعه أهل المسجد:ألا هلك أهل العقدة، و اللّه ما آسي عليهم إنما آسي علي من يضلون من الناس.

فقيل له:يا صاحب رسول اللّه من هؤلاء أهل العقدة و ما عقدتهم؟

فقال:قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يورثوا أحدا من أهل بيته و لم يولوهم مقامه،أما و اللّه لئن عشت إلي يوم الجمعة لأقومن فيهم مقاما أبين للناس أمرهم.

قال:فما أتت عليه الجمعة (1).

و عن عبد العظيم بن عبد اللّه قال:قال هارون الرشيد لجعفر بن يحيي البرمكي:إني أحب أن أسمع كلام المتكلمين من حيث لا يعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون،فأمر جعفر المتكلمين فأحضروا داره،و صار هارون في مجلس يسمع كلامهم،و أرخي بينه و بين المتكلمين سترا،فاجتمع المتكلمون و غص المجلس بأهله ينتظرون هشام بن الحكم،فدخل عليهم هشام و عليه قميص إلي الركبة و سراويل إلي نصف الساق،فسلم علي الجميع و لم يخص جعفرا شيء.

فقال له رجل من القوم:لم فضلت عليا علي أبي بكر،و اللّه يقول: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا (2)؟

فقال هشام:فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت أكان للّه رضي أم غير رضي؟فسكت.

فقال هشام:إن زعمت أنه كان للّه رضي فلم نهاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:لا تحزن؟أنهاه عن طاعة اللّه و رضاه؟و إن زعمت أنه كان للّه غير رضي فلم تفتخر بشي كان للّه غير رضي و قد علمت ما قال اللّه تبارك و تعالي حين قال: فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ (3).

و لأنكم قلتم و قلنا و قالت العامة:الجنة اشتاقت إلي أربعة نفر:إلي علي بن أبي طالب عليه السّلام، و المقداد بن الاسود،و عمار بن ياسر،و أبي ذر الغفاري فأري صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة،و تخلف عنها صاحبكم،ففضلنا صاحبنا علي صاحبكم بهذه الفضيلة.

و قلتم و قلنا و قالت العامة:الذابين عن الإسلام أربعة نفر:علي بن أبي طالب عليه السّلام،و الزبير بن العوام،و أبو دجانة الأنصاري،و سلمان الفارسي،فأري صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة6.

ص: 112


1- الفصول المختارة:90،و البحار:296/10.
2- سورة التوبة،الآية:40.
3- سورة الفتح،الآية:26.

و تخلف عنها صاحبكم،ففضلنا صاحبنا علي صاحبكم بهذه الفضيلة.و قلتم و قلنا و قالت العامة:إن القراء أربعة نفر:علي بن أبي طالب عليه السّلام،و عبد اللّه بن مسعود،و أبي بن كعب،و زيد بن ثابت، فأري صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة،و تخلف عنها صاحبكم،ففضلنا صاحبنا علي صاحبكم بهذه الفضيلة.

و قلتم و قلنا و قالت العامة:إن المطهرين من السماء أربعة نفر:علي بن أبي طالب و فاطمة، و الحسن،و الحسين عليهم السلام،فأري صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة،و تخلف عنها صاحبكم،ففضلنا صاحبنا علي صاحبكم بهذه الفضيلة.

و قلتم و قلنا و قالت العامة:إن الأبرار أربعة:علي بن أبي طالب،و فاطمة،و الحسن، و الحسين عليهم السلام،فأري صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة و تخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا علي صاحبكم بهذه الفضيلة.

و قلتم و قلنا و قالت العامة:إن الشهداء أربعة نفر:علي بن أبي طالب،و جعفر،و حمزة و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب،فأري صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة،و تخلف عنها صاحبكم،ففضلنا صاحبنا علي صاحبكم بهذه الفضيلة.

قال:فحرك هارون الستر و أمر جعفر الناس بالخروج،فخرجوا مرعوبين،و خرج هارون إلي المجلس فقال:من هذا ابن الفاعلة؟فوالله لقد هممت بقتله و إحراقه بالنار (1).

بين هارون الرشيد و هشام و المتكلمين

علي الأسواري قال:كان ليحيي بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلّ فرقة و ملّة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيي:ما هذا المجلس الذي يحضره المتكلّمون؟

فقال:يا أمير المؤمنين ما عندي أحسن منه و أنّه يحضره كلّ قوم مع اختلاف مذاهبهم و يعرف المحقّ منهم.

فقال الرشيد:أحبّ أن أحضر هذا المجلس و أسمع كلامهم من غير أن يعلموا بحضوري و لا يظهرون مذاهبهم فبلغ الخبر إلي المعتزلة فتشاوروا في ما بينهم و عزموا أن لا يكلّموا هشاما إلاّ في الإمامة لعلمهم بإنكار الرشيد علي من قال بالإمامة فحضروا و حضر هشام و حضر عبد اللّه بن يزيد الأباضي و كان من أصدق الناس لهشام و شريكا له في التجارة فلمّا دخل سلّم علي عبد اللّه بن يزيد من بينهم فقال يحيي لعبد اللّه كلّم هشاما و ما اختلفتم فيه من الإمامة.

ص: 113


1- الاختصاص:98،و البحار:298/10.

فقال هشام:أيّها الوزير ليس لهم علينا جواب و لا مسألة،هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا علي إمامة رجل ثمّ فارقونا بلا علم و لا معرفة فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقّ و لا حين فارقونا أعلمونا علي ما فارقونا فليس لهم علينا مسألة و لا جواب،فقال بيان و كان من الحرورية:أنا أسألك يا هشام أخبرني عن أصحاب علي يوم حكّموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟

قال هشام:كانوا ثلاثة أصناف صنف مؤمنون و صنف مشركون و صنف ضلاّل،فأمّا المؤمنون فمن قال مثل قولي الذين قالوا إنّ عليّا إمام من عند اللّه و معاوية لا يصلح لها فآمنوا بما قال اللّه عزّ و جلّ في عليّ و أقرّوا به،و أمّا المشركون فقوم قالوا علي إمام و معاوية يصلح لها فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع عليّ،و أمّا الضلاّل فقوم خرجوا علي الحمية و العصبية للقبائل و العشائر لم يعرفوا شيئا من هذا و هم جهّال.

قال:و أصحاب معاوية ما كانوا؟

قال:كانوا ثلاثة أصناف؛صنف كافرون و صنف مشركون و صنف ضلاّل؛فأمّا الكافرون فالذين قالوا:إنّ معاوية إمام و علي لا يصلح لها فكفروا من جهتين أن جحدوا إماما من اللّه و نصبوا إماما ليس من اللّه،و أمّا المشركون فقوم قالوا:معاوية إمام و علي يصلح لها فأشركوا معاوية مع علي،و أمّا الضلاّل فعلي سبيل ذلك خرجوا للحمية و العصبية للقبائل و العشائر فانقطع بيان عند ذلك.

فقال ضرار:أنا أسألك يا هشام في هذا.

فقال هشام:أخطأت لأنّكم مجتمعون علي دفع إمامة صاحبي و قد سألني هذا عن مسألة و ليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليّ حتّي أسألك يا ضرار عن مذهب في هذا الباب.

قال ضرار:فسل قال يقول:إنّ اللّه عدل لا يجور.

قال:نعم.

قال:فلو كلّف الأعمي قراءة المصاحف و الكتب أتراه كان عادلا أم جائرا؟

قال:لو فعل ذلك لكان جائرا قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ كلّف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه و لا يقبل لهم إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم قال:بلي.

قال:فجعل لهم دليلا علي وجود ذلك الدّين أو كلّفهم ما لا دليل علي وجوده فيكون بمنزلة الأعمي قراءة الكتب فسكت ضرار ساعة ثمّ قال:لا بدّ من دليل و ليس بصاحبك.

قال:فضحك هشام و قال:تشيّع شطرك و صرت إلي الحقّ ضرورة و لا خلاف بيني و بينك إلاّ في التسمية.

قال ضرار:فإنّي أرجع إليك في هذا القول.

ص: 114

قال:هات.

قال ضرار:و كيف تعقد الإمامة علي عليّ؟

قال هشام:كما عقد اللّه النبوّة.

قال:فإذا هو نبي.

قال هشام:لا،لأنّ النبوّة يعقدها أهل السماء و الإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوّة بالملائكة و عقد الإمامة بالنبي و العقدان جميعا بإذن اللّه عزّ و جلّ.

قال ضرار:فما الدليل علي ذلك؟

قال هشام:الإضطرار لأنّ الكلام في هذا لا يخلو من أحد ثلاثة وجوه؛إمّا أن يكون عزّ و جلّ رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلم يأمرهم و لم ينهاهم و صاروا بمنزلة البهائم التي لا تكليف عليها،أتقول هذا يا ضرار؟

قال:لا أقول هذا.

قال هشام:و الوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلّفون قد استحالوا بعد الرسول علما في مثل حدّ الرسول في العلم حتّي لا يحتاج أحد إلي أحد فيكونوا كلّهم قد استغنوا بأنفسهم و أصابوا الحقّ الذي لا اختلاف فيه،أتقول هذا يا ضرار؟

قال:لا أقول هذا قال:فبقي الوجه الثالث و هو أنّه لا بدّ لهم من علم يقيمه الرسول لهم لا يسهو و لا يغلط و لا يحيف معصوم من الذنوب يحتاج إليه و لا يحتاج إلي أحد.

قال:فما الدليل عليه،قال هشام ثمان دلالات أربع في نعت لنسبه و أربع في نعت نفسه؛فأمّا الأربع التي في نعت نسبه بأن يكون معروف الجنس معروف القبيلة معروف البيت و أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إليه إشارة فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملّة و الدعوة الذي ينادي باسمه في كلّ يوم خمس مرّات علي الصوامع أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّد رسول اللّه فتصل دعوته إلي كلّ برّ و فاجر و عامل و جاهل و مقرّ و منكر في شرق الأرض و غربها،و لو جاز أن يكون الحجّة من اللّه علي هذا الخلق من غير هذا الجنس لأتي علي الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده و لجاز أن يطلبه في أجناس هذا الخلق من العجم و غيرهم و كان من حيث أراد اللّه صلاحا أن يكون فسادا و لا يجوز هذا في حكم اللّه تعالي و عدله أن يفرض علي الناس فريضة لا توجد.

فلمّا لم يحز ذلك إلاّ أن يكون في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الدعوة لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملّة و هي قريش،و لمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلاّ في هذا البيت لقرب نسبه من

ص: 115

صاحب الملّة و الدعوة،و لمّا كثر من أهل هذا البيت و تشاجروا في الإمامة لعلوّها و شرفها ادّعاها كلّ واحد منهم فلم يجز إلاّ أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إليه إشارة بعينه و اسمه و نسبه لئلاّ يطمع فيها غيره.

و أمّا الأربع التي في نعت نفسه فبأن يكون أعلم الناس كلّهم بفرائض اللّه و أحكامه حتي لا يخفي عليه منها دقيق و لا جليل و أن يكون معصوما من الذنوب كلّها و أن يكون أشجع الناس و أن يكون أسخي الناس.

قال:من أين قلت إنّه أعلم الناس؟

قال:لأنّه إن لم يكن عالما بجميع أحكام اللّه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود فمن وجب عليه القطع حدّه و من وجب عليه الحدّ قطعه فلا يقيم حدّ اللّه علي ما أمره به فيكون من حيث أراد اللّه صلاحا أن يكون فسادا.

قال:فمن أين قلت إنّه معصوم من الذنوب؟

قال:لأنّه إن لم يكن معصوما دخل في الخطأ فلا يؤمن أن يكتم علي نفسه و يكتم علي حميمه و قريبه و لا يحتج اللّه عزّ و جلّ بمثل هذا خلقه.

قال:فمن أين قلت:إنّه أشجع الناس؟

قال:لأنّه فئة للمسلمين الذين يرجعون إليه في الحروب و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلي فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ (1)فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من اللّه حجّة للّه علي خلقه.

قال:فمن أين قلت:إنّه أسخي الناس؟

قال:لأنّه خازن المسلمين فإن لم يكن سخيّا تاقت نفسه إلي أموالهم فأخذها فكان خائنا و لا يجوز أن يحتجّ اللّه علي خلقه بخائن.

قال ضرار:فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟

فقال:صاحب القصر أمير المؤمنين يعني الرشيد و كان هارون قد سمع الكلام كلّه.

قال فعند ذلك قال:أعطانا و اللّه من جراب النورة ويحك يا جعفر من يعني بهذا؟

قال:يعني موسي بن جعفر قال:ما عني بها غير أهلها ثمّ عضّ علي شفته و قال مثل هذا حي و يبقي لي ملكي ساعة واحدة،فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف،و علم يحيي أنّ هشاما قد هلك.ثمّ خرج إلي هشام فغمزه فعلم هشام أنّ الرشيد يريد قتله فقام كأنّه يقضي6.

ص: 116


1- سورة الأنفال،الآية:16.

حاجة و انسلّ و مرّ بأولاده و أمرهم بالتواري و هرب إلي الكوفة و نزل علي بشير النبّال فأخبره الخبر ثمّ اعتلّ علّة شديدة فلمّا حضره الموت قال لبشير:إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة و اكتب رقعة و قل:هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه.

و كان هارون قد بعث إلي إخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به فلمّا أصبح أهل الكوفة رأوه و حضر القاضي و العامل و المعدلون بالكوفة و كتبوا إلي الرشيد بذلك فقال:الحمد للّه الذي كفانا أمره فخلي عمّن كان أخذ به (1).

بين هشام و جاثليق النصرانية

عن هشام بن الحكم،عن جاثليق من جثالقة النصاري يقال له بريهة،قد مكث جاثليقا في النصرانية سبعين سنة،فكان يطلب الإسلام و يطلب من يحج عليه ممن يقرأ كتبه و يعرف المسيح بصفاته و دلائله و آياته.

قال:و عرف بذلك حتي اشتهر في النصاري و المسلمين و اليهود و المجوس حتي افتخرت به النصاري و قالت:لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا،و كان طالبا للحق و الإسلام مع ذلك،و كانت معه إمرأة تخدمه طال مكثها معه،و كان يسر إليها ضعف النصرانية و ضعف حجتها.

قال:فعرفت ذلك منه،فضرب بريهة الامر ظهرا لبطن و أقبل يسأل عن أئمة المسلمين و عن صلحائهم و علمائهم و أهل الحجي منهم،و كان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا،و قال:لو كانت أئمتكم أئمة علي الحق لكان عندكم بعض الحق،فوصفت له الشيعة و وصف له هشام بن الحكم.

فقال يونس بن عبد الرحمن فقال لي هشام:بينما أنا علي دكاني علي باب الكرخ جالس و عندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصاري معه ما بين القسيسين إلي غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد و البرانس،و الجاثليق الأكبر فيهم بريهة،حتي نزلوا حول دكاني،و جعل لبريهة كرسي يجلس عليه،فقامت الأساقفة و الرهابنة علي عصيهم،و علي رؤوسهم برانسهم.

فقال بريهة:ما بقي في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا و قد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء،فقد جئت أناظرك في الإسلام.

قال:فضحك هشام فقال:يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح و لا مثله و لا أدانيه،ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة،آياته ظاهرة،و علاماته قائمة.

فقال بريهة:فأعجبني الكلام و الوصف.

ص: 117


1- كمال الدين:و تمام النعمة:368 ح 5،و البحار:202/48 ح 6.

قال هشام:إن أردت الحجاج فههنا.

قال بريهة:نعم فإني أسألك:ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان؟

قال هشام:ابن عم جده لأمه،لانه من ولد إسحاق،و محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من ولد إسماعيل.

قال بريهة:و كيف تنسبه إلي أبيه؟

قال هشام:إن أردت نسبته عندكم فأخبرتكم،و إن أردت نسبته عندنا أخبرتك؟

قال بريهة:أريد نسبته عندنا،و ظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه.

قلت:فأنسبه بالنسبة التي ننسبه بها.

قال هشام:نعم يقولون:إنه قديم من قديم،فأيهما الأب و أيهما الإبن؟

قال بريهة:الذي نزل إلي الأرض الإبن.

قال بريهة:الابن رسول الأب.

قال هشام:إن الأب أحكم من الإبن،لأن الخلق خلق الأب.

قال بريهة:إن الخلق خلق الأب و خلق الابن.

قال هشام:ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذ اشتركا؟

قال بريهة:كيف يشتركان و هما شيء واحد؟إنما يفترقان بالإسم.

قال هشام:إنما يجتمعان بالإسم.

قال بريهة:جهل هذا الكلام.

قال هشام:عرّف هذا الكلام.

قال بريهة:إن الابن متصل بالأب.

قال هشام:إن الابن منفصل من الأب.

قال بريهة:هذا خلاف ما يعقله الناس.

قال هشام:إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا و علينا فقد غلبتك،لأن الأب كان و لم يكن الإبن،فتقول هكذا يا بريهة؟

قال:لا ما أقول هكذا.

قال:فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك؟!

قال بريهة:إن الأب اسم و الابن إسم بقدرة القديم.

قال هشام:الاسمان قديمان كقدم الأب و الإبن؟

ص: 118

قال بريهة:لا و لكن الأسماء محدثة.

قال:فقد جعلت الأب ابنا و الابن أبا،إن كان الإبن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب،و إن كان الأب أحدث هذه الاسماء فهو الابن و الابن أب،و ليس ههنا ابن.

قال بريهة:إن الإبن إسم للروح حين نزلت إلي الأرض.

قال هشام:فحين لم تنزل إلي الأرض فاسمها ما هو؟

قال بريهة:فاسمها ابن نزلت أولم تنزل.

قال هشام:فقبل النزول هذه الروح اسمها كلها واحدة،أو إسمها إثنان؟

قال بريهة:هي كلها واحدة روح واحدة.

قال:رضيت أن تجعل بعضها ابنا و بعضها أبا؟

قال بريهة:لا،لأن إسم الأب و إسم الإبن واحد.

قال هشام:فالإبن أبو الأب،و الأب أبو الابن،فالأب و الابن واحد.

قال الأساقفة بلسانها لبريهة:ما مر بك مثل ذاقط تقوم،فتحير بريهة و ذهب يقوم فتعلق به هشام قال:ما يمنعك من الإسلام؟أفي قلبك حزازة فقلها،و إلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلتك هذه فتصبح و ليست لك همة غيري؟

قالت الاساقفة:لا ترد هذه المسألة لعلها تشكل.

قال بريهة:قلها يا أبا الحكم.

قال هشام:أ فرأيتك الإبن يعلم ما عند الأب؟

قال:نعم،قال:أفرأيتك الأب يعلم كل ما عند الإبن؟

قال:نعم.

قال:أفرأيتك تخبر عن الإبن،أيقدر علي كل ما يقدر عليه الأب؟

قال:نعم.

قال:أفرأيتك عن الأب أيقدر علي كل ما يقدر عليه الإبن؟

قال:نعم.

قال:فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه و هما متساويان؟و كيف يظلم كل واحد منهما صاحبه؟

قال بريهة:ليس منهما ظلم.

ص: 119

قال هشام:من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب،و الأب ابن الابن،بت عليها يا بريهة.

و افترق النصاري و هم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما و لا أصحابه.

قال:فرجع بريهة مغتما مهتما حتي صار إلي منزله،فقالت امرأته التي تخدمه:مالي أراك مهتما مغتما؟فحكي لها الكلام الذي كان بينه و بين هشام،فقالت لبريهة:ويحك أتريد أن يكون علي حق أو علي باطل؟

قال بريهة:بل علي الحق،فقالت له:أينما وجدت الحق فمل إليه،و إياك و اللجاجة فإن اللجاجة شك،و الشك شؤم،و أهله في النار.

قال:فصوب قولها و عزم علي الغدو علي هشام.

فغدا إليه و ليس معه أحد من أصحابه.

فقال:يا هشام ألك من تصدر عن رأيه فترجع إلي قوله و تدين بطاعته؟

قال هشام:نعم يا بريهة.

قال:و ما صفته؟

قال هشام:في نسبه أو دينه؟

قال:فيهما جميعا صفة نسبه و صفة دينه.

قال هشام:أما النسب خير الأنساب:رأس العرب و صفوة قريش،و فاضل بني هاشم،كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه،لأن قريشا أفضل العرب،و بنو هاشم أفضل القريش،و أفضل بني هاشم خاصهم و دينهم و سيدهم،و كذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره،و هذا من ولد السيد.

قال:فصف دينه.

قال هشام:شرائعه أو صفة بدنه و طهارته؟

قال:صفة بدنه و طهارته.

قال هشام:معصوم فلا يعصي و سخي فلا يبخل،و شجاع فلا يجبن،و ما استودع من العلم فلا يجهل،حافظ للدين قائم بما فرض عليه من عترة الأنبياء و جامع علم الأنبياء،يحلم عند الغضب،و ينصف عند الظلم،و يعين عند الرضي و ينصف من العدو و الولي،و لا يسألك شططا في عدوه و لا يمنع إفادة وليه،يعمل بالكتاب،و يحدث بالاعجوبات من أهل الطهارات،يحكي قول الأئمة الأصفياء،لم ينقض له حجة،و لم يجعل مسألة،يفتي في كل سنة و يجلو كل مدلهمة.

قال بريهة:وصفت المسيح في صفاته،و أثبته بحججه و آياته إلا أن الشخص بائن عن شخصه، و الوصف قائم بوصفه،فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص.

ص: 120

قال هشام:إن تؤمن ترشد،و إن تتبع الحق لا تؤنب.

ثم قال هشام:يا بريهة ما من حجة أقامها اللّه علي أول خلقه إلا أقامها في وسط خلقه و آخر خلقه،فلا تبطل الحجج و لا تذهب الملل،و لا تذهب السنن.

قال بريهة:ما أشبه هذا بالحق و أقربه بالصدق!هذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة.

قال هشام:نعم،فارتحلا حتي أتيا المدينة و المرأة معهما و هما يريدان أبا عبد اللّه عليه السّلام فلقيا موسي بن جعفر عليه السّلام فحكي له هشام الحكاية،فلما فرغ قال موسي بن جعفر عليه السّلام:يا بريهة كيف علمك بكتابك؟

قال:أنا به عالم.

قال:كيف ثقتك بتأويله؟

قال:ما أوثقني بعلمي به!قال:فابتدأ موسي عليه السّلام يقرأ الإنجيل.

قال بريهة:و المسيح لقد كان يقرؤها هكذا،و ما قرأ هذه القراءة إلا المسيح.

قال بريهة:إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك.

قال:فآمن و حسن إيمانه،و آمنت المرأة و حسن إيمانها.

قال:فدخل هشام و بريهة و المرأة علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فحكي هشام الحكاية و الكلام الذي جري بين موسي عليه السّلام و بريهة.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

قال بريهة:جعلت فداك أني لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء؟

قال:هي عندنا وراثة من عندهم،نقرؤها كما قرؤوها،و نقولها كما قالوها،إن اللّه لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول:لا أدري،فلزم بريهة أبا عبد اللّه عليه السّلام حتي مات أبو عبد اللّه عليه السّلام،ثم لزم موسي بن جعفر عليه السّلام حتي مات في زمانه،فغسله و كفنه بيده،و قال:هذا حواري من حواري المسيح يعرف حق اللّه عليه،فتمني أكثر أصحابه أن يكونوا مثله (1).

قال العلامة المجلسي:بيان:قال الفيروزآبادي:الجاثليق بفتح الثاء المثلثة:رئيس للنصاري في بلاد الإسلام بمدينة السلام،و يكون تحت يد بطريق أنطاكية،ثم المطران تحت يده،ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران،ثم القسيس ثم الشماس.0.

ص: 121


1- التوحيد:278-284،و بحار الأنوار-العلامة المجلسي:241/10.

قوله:(خميصة)أي جائعة،نسب الجوع إلي الروح مجازا،و المراد أنه كان مرتاضا لله،أو كناية عن الخفاء،أي مخفية كيفية حدوثها عن الخلق،و قيل:ساكنة مطمئنة،من خمص الجرح:إذا سكن ورمه.

قوله:(إن أردت الحجاج فههنا)في بعض النسح(فها هين)فكلمة ها للإجابة،و هين خبر مبتدأ محذوف،أي هو عندنا هين يسير.قوله:(إنما يجتمعان بالاسم)أي العقل يحكم بمغايرة الشخصين و استحالة اتحادهما،و إنما اجتمعا حيث سميتهما بإسم واحد كالقديم و الإله و الخالق و نحوها،أو المعني أنه لا يعقل اتحادهما إلا باتحاد اسميهما،و اختلاف الإسم دليل علي تغاير المسميات،و الاول أوجه،فقال بريهة:هذا الكلام مجهول غير معقول.

قال هشام:بل هو معروف عند العقلاء موجه،فقال:إن الابن متصل بالأب،أي متحد معه، فقال:بل الإبن يكون جزءا من الأب منفصلا منه،فكيف يجوز اتحاده به؟

قوله:(هذا خلاف ما يعقله الناس)لعله بني الكلام علي المغالطة فإن الناس يقولون:إن الإبن متصل بالأب غير منفصل عنه،أي هو متحد معه في الحقيقة مرتبط به يشتركان في الأحوال غالبا، فحمله علي الوحدة الحقيقية،فغير هشام الكلام إلي ما لا يحتمل المغالطة،فقال:لو كان شهادة الناس حجة فهم يحكمون بأن الأب متقدم وجوده زمانا علي وجود الإبن فلم لا تقول به؟.

قوله:(بقدرة القديم)أي حصل هذان الإسمان بقدرة القديم،فسأله هشام عن قدم الإسمين فقال:لا بل هما محدثان،فاستدل هشام علي بطلان الاتحاد بمنبهات فسأله عن محدث الأسماء.

ثم قال:إن قلت:إن المحدث هو الابن دون الأب فالحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الأب ايضا محدثا و هو خلاف الفرض،و كذا العكس،فأراد التفصّي عن ذلك فقال:الروح لما نزلت إلي الأرض سميت بالابن،ثم ندم عن ذلك و رجع و قال:قبل النزول أيضا كانت ابنا.

و يحتمل أن يكون مراده أنها من حيث النزول و الاتصال بالبدن سميت ابنا فسبب التسمية حادث،و التسمية قديم،فسأله هشام:هل كان قبل النزول شيئان لهما اسمان؟

فقال:لا بل كانت روح واحدة،و لما كان كلامه متهافتا متناقضا وجهه هشام بأنه يكون بعضه مسمي بالإبن،و بعضه مسمي بالأب،فلم يرض بذلك فحكم باتحاد الاسمين أيضا كاتحاد المسميين،و يحتمل أن يكون مراده بالاسم ههنا المسمي.

فقال هشام:الابن أمر إضافي لا بدّ له من أب و الحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الابن أبا للأب،و الحال أن الأب لابد أن يكون أبا لابن فكيف يكون الأب و الإبن واحدا؟و لا يبعد أن يكون في الأصل:(فالابن ابن الأب)أي البنوة الإضافية تقتضي أبا،و الأبوة تقتضي ابنا فكيف تحكم باتحادهما؟أو اتحاد الإسمين علي الاحتمال الأول مع تغاير المفهومين؟

ص: 122

فقوله:فالأب و الابن واحد استفهام علي الإنكار.

قوله:(و هما متساويان)حاصل الكلام أن الحكم بأن أحدهما ابن و الآخر أب يقتضي فرقا بينهما حتي يحكم علي أحدهما بالأبوة التي هي أقوي و فيها جهة العلية،و علي الآخر بالبنوة التي هي أضعف و فيها جهة المعلولية،فإذا حكمت بأنهما متساويان من جميع الجهات لا يتأتي هذا الحكم،و أما الظلم فهو من حيث إن الابوة شرافة،و بحكم الإتحاد يتصف الابن بأبوة الأب و هذا ظلم للأب،و كذا العكس،و الحكم بالظلم من الطرفين أيضا مبني علي الاتحاد.

و يحتمل أن يكون المراد غصب ما هو حق له،سواء كان أشرف أم لا (1).

***

مسائل علي بن جعفر عليه السّلام

عن علي بن جعفر بن محمد،عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال:سألت أبي جعفر بن محمد عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمدا ما عليه؟

قال عليه السّلام:يطوف و عليه بدنة.

و سألته عن رجل أخذ و عليه ثلاثة حدود:الخمر،و السرقة،و الزنا،فما فيها من الحدود؟

قال عليه السّلام:يبدأ بحد الخمر،ثم السرقة،ثم الزنا.

و سألته عن خنثي دلس نفسه لامرأته ما عليه؟

قال عليه السّلام:يوجع ظهره و اذيق تمهينا،و عليه المهر كاملا إن كان دخل بها،و إن لم يكن دخل بها فعليه نصف المهر.

و سألته عن ذبيحة اليهودي و النصراني هل تحل؟

قال عليه السّلام:كل مما ذكر اسم اللّه عليه.

و سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له.

قال عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:هي لك أو لأخيك أو لذئب،خذها فعرفها حيث أصبتها،فإن عرفت فردها علي صاحبها،و إن لم تعرفها فكلها،و أنت ضامن لها إن جاء صاحبها و يطلبها أن ترد عليه ثمنها.

و سألته عن رجل صام من ظهار ثم أيسر و قد بقي عليه من صومه يومان أو ثلاثة كيف يصنع؟

ص: 123


1- البحار:242/10.

قال عليه السّلام:إن صام شهرا و دخل في الثاني أجزأه الصوم و يتم صومه و لا عتق عليه.

و سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صح بعد،كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يقضي الآخر بصوم و يقضي عن الأول بصدقة كل يوم مدا من طعام.

و سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتي ورد به الكوفة كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يرده إلي مكة،و إن مات يتصدق بثمنه.

و سألته عن رجل ترك طوافه حتي قدم بلده و واقع النساء كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يبعث ببدنة إن كان تركه في حج بعث بها في حج،و إن كان تركه في عمرة بعث في عمرة و وكل من يطوف عنه عما كان ترك من طوافه.

و سألته عن رجل كان له أربع نسوة فماتت إحداهن،هل يصلح له أن يتزوج مكانها اخري قبل أن تنقضي عدة المتوفاة؟

قال عليه السّلام:إذا ماتت فليتزوج ما أحب.

و سألته عن صلاة الخوف كيف هي؟

قال عليه السّلام:يقوم الإمام فيصلي ببعض أصحابه ركعة،ثم يقوم في الثانية و يقوم أصحابه فيصلون الثانية معه،ثم يخففون و ينصرفون،و يأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية،فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لانفسهم،ثم قعدوا فتشهدوا معه،ثم سلم و انصرف و انصرفوا.

و سألته عن صلاة المغرب في الخوف كيف هي؟

قال عليه السّلام:يقوم الإمام فيصلي ببعض أصحابه ركعة،ثم يقوم في الثانية و يقومون فيصلون ركعتين يخففون و ينصرفون،و يأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية،ثم يقوم بهم في الثانية فيصلي بهم فتكون للإمام الثالثة و للقوم الثانية،ثم يقعد و يتشهد و يتشهدون معه،ثم يقوم أصحابه و الإمام قاعد فيصلون الثالثة و يتشهدون،ثم يسلم و يسلمون.

و سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج؟

قال عليه السّلام:قد وقت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لأهل العراق من العقيق،و لأهل المدينة و ما يليها من الشجرة،و لاهل الشام و ما يليها من الجحفة،و لأهل الطائف من قرن،و لأهل اليمن من يلملم، فليس ينبغي لأحد أن يعدو عن هذه المواقيت إلي غيرها.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخله في الحرّم فيأكله؟

قال عليه السّلام:لا يصلح أكل حمام الحرم علي حال.

ص: 124

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينتف إبطه في رمضان و هو صائم؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل أيصلح له أن يصب الماء من فيه فيغسل به الشيء يكون في ثوبه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن امرأة توفي عنها زوجها و هي حامل فوضعت و تزوجت قبل أن ينقضي أربعة أشهر و عشرا ما حالها؟

قال عليه السّلام:إن كان دخل بها زوجها فرق بينهما فاعتدت ما بقي عليها من زوجها الأول،ثم اعتدت عدة أخري من الزوج الأخير،ثم لا تحل له أبدا،و إن تزوجت غيره فإن لم يكن دخل بها فرق بينهما و اعتدت ما بقي عليها من عدتها من المتوفي عنها و هو خاطب من الخطاب.

و سألته عن الدبي (1)من الجراد هل يحل له أكله؟

قال عليه السّلام:لا يحل أكله حتي يطير.

و سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي الجد أن يزوج أحدهما،و هوي أبوها الآخر، أيهما أحق أن ينكح؟

قال عليه السّلام:الذي هوي الجد أحق بالجارية لأنها و أباها لجدها.

و سألته عن رجل كان له غنم و كان يعزل من جلودها الذي من الميت فاختلطت فلم يعرف الذكي من الميت،هل يصلح له بيعه؟

قال عليه السّلام:يبيعه ممن يستحل بيع الميتة منه،و يأكل ثمنه و لا بأس.

و سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تعانق الرجل في شهر رمضان و هي صائمة،فتقبل بعض جسده من غير شهوة؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن المرأة يصلح لها أن تمسح علي الخمار؟

قال عليه السّلام:لا يصلح حتي تمسح علي رأسها.

و سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في أذنه الدهن؟

قال عليه السّلام:إذا لم يدخل حلقه فلا بأس.

و سألته عن رجل وطئ جارية فباعها قبل أن تحيض،فوطئها الذي اشتراها في ذلك الطهر فولدت له لمن الولد؟د.

ص: 125


1- الدبي:أصغر الجراد.

قال عليه السّلام:الولد للذي هي عنده،فليصر لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:الولد للفراش.

و سألته عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟

قال عليه السّلام:إذا أرضعته عتق.

و سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تأكل من عقيقة ولدها؟

قال عليه السّلام:لا يصلح لها الأكل منه فليتصدق بها كلها.

و سألته عن مولود ترك أهله حلق رأسه في اليوم السابع هل عليه بعد ذلك حلقه و الصدقة بوزنه؟

قال عليه السّلام:إذا مضي سبعة أيام فليس عليهم حلقه،إنما الحلق و العقيقة و الاسم في اليوم السابع.

و سألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الإقران؟

قال عليه السّلام:إقران الحج أفضل من الإفراد.

و سألته عن المتعة و الحج مفردا و عن الإقران أيهما أفضل؟

قال عليه السّلام:المتمتع أفضل من المفرد و من القارن السائق.ثم قال:إن المتعة هي التي في كتاب اللّه و التي أمر بها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،ثم قال:إن المتعة دخلت في الحج إلي يوم القيامة.ثم شبك أصابعه بعضها في بعض.

قال عليه السّلام:كان ابن عباس يقول:من أبي خالفته.

و سألته عن الرجل يسجد فيضع يده علي نعله هل يصلح ذلك له؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يزوج ابنته بغير إذنها؟

قال عليه السّلام:نعم ليس يكون للولد مع الوالد أمر إلا أن تكون امرأة قد دخل بها ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر.

و سألته عن الرجل هل يحل له أن يصلي خلف الإمام فوق دكان؟

قال عليه السّلام:إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس.

و سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في ملحفة و مقنعة و لها درع؟

قال عليه السّلام:لا يصلح لها إلا أن تلبس درعها.

و سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار و ملحفة و مقنعة و لها درع؟

ص: 126

قال عليه السّلام:إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا و عليها درع.

و سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار و ملحفة تقنع بها و لها درع؟

قال عليه السّلام:لا يصلح لها أن تصلي حتي تلبس درعها.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل ورداء؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن قيام شهر رمضان هل يصلح؟

قال عليه السّلام:لا يصلح إلا بقراءة القرآن،تبدأ فتقرأ فاتحة الكتاب،ثم تنصت لقراءة الإمام،فإذا أراد الركوع قرأت قل هو اللّه أحد و غيرها،ثم ركعت أنت إذا ركع،فكبر أنت في ركوعك و سجودك كما تفعل إذا صليت وحدك،و صلاتك وحدك أفضل.

و سألته عن السراويل هل تجزي مكان الإزار؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في إزار و قلنسوة و هو يجد رداء؟

قال عليه السّلام:لا يصلح.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في سراويل و قلنسوة؟

قال عليه السّلام:لا يصلح.

و سألته عن المحرم هل يصلح له أن يعقد إزاره علي عنقه في صلاته؟

قال عليه السّلام:لا يصلح أن يعقد و لكن يثنيه علي عنقه و لا يعقده.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يجمع طرفي ردائه علي يساره؟

قال عليه السّلام:لا يصلح جمعهما علي اليسار و لكن اجمعهما علي يمينك أو دعهما متفرقين.

و سألته عن الجري هل يحل أكله؟

قال عليه السّلام:إنا وجدنا في كتاب علي أمير المؤمنين عليه السّلام حرام.

و سألته عن رجل ضرب بعظم في إذنه فادعي أنه لا يسمع.

قال عليه السّلام:إذا كان الرجل مسلما صدق.

و سألته عن المكارين الذين يختلفون إلي النيل هل عليهم تمام الصلاة؟

قال عليه السّلام:إذا كان مختلفهم فليصوموا و ليتموا الصلاة إلا أن يجد بهم السير فليفطروا و ليقصّروا.

ص: 127

و سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في شهر رمضان ما عليه؟

قال عليه السّلام:عليه القضاء و عتق رقبة،فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا،فإن لم يجد فليستغفر اللّه.

و سألته عن الرجل هل يصلح له و هو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب علي بطنها و فخذها و عجزها؟

قال عليه السّلام:إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به،فأما مع الشهوة فلا يصلح.

و سألته عن الصدقة فيما هي؟

قال عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:في تسعة:الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب،و الذهب، و الفضة،و الإبل،و البقر،و الغنم،و عفي عما سوي ذلك و سألته عن الرجل المسلم هل يصلح له أن يسيح في الأرض أو يترهب في بيت لا يخرج منه؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل يقع ثوبه علي حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟

قال عليه السّلام:ليس عليه غسله فليصل فيه فلا بأس.

و سألته عن الرجل يقع ثوبه علي كلب ميت هل يصلح له الصلاة فيه؟

قال عليه السّلام:ينضحه و يصلي فيه فلا بأس.

و سألته عن رجل يدرك تكبيرة أو اثنتين علي ميت كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يتم ما بقي من تكبيره،و يبادر الرفع و يخفف.

و سألته عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟

قال عليه السّلام:يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلي فيه،فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه.

و سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فتقيّأ،ما عليه؟

قال عليه السّلام:إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه و إن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شيء.

و سألته عن الدواء هل يصلح بالنبيذ؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في قميص واحد و قباء واحدة؟

قال عليه السّلام:ليطرح علي ظهره شيئا.

ص: 128

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر (1)وحده أوجبة وحدها؟

قال عليه السّلام:إذا كان تحتها قميص فلا بأس.

و سألته عن المحرم هل يصلح له أن يصارع؟

قال عليه السّلام:لا يصلح مخافة أن يصيبه جرح أو يقع بعض شعره.

و سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك؟

قال عليه السّلام:لا بأس،و لا ينبغي أن يدمي فمه.

و سألته عن رجل أصاب ثوبه خنزير فذكر و هو في صلاته.

قال عليه السّلام:فليمض فلا بأس،و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في قباء و قميص؟

قال عليه السّلام:إذا كانا ثوبين فلا بأس.

و سألته عن الرجل يرعف و هو يتوضأ فيقطر قطرة في إنائه هل يصلح له الوضوء منه.

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن رجل رعف فامتخط فطار بعض ذلك الدم قطرا قطرا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه؟

قال عليه السّلام:إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس،و إن كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه.

و سألته عن ذبيحة الجارية هل تصلح؟

قال عليه السّلام:إذا كانت لا تنخع و لا تكسر الرقبة فلا بأس.

و قال عليه السّلام:قد كانت لأهل علي بن الحسين جارية تذبح لهم.

و سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟

قال عليه السّلام:عليه بدنة،فإن لم يجد فليتصدق علي ستين مسكين،فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما.

و سألته عن محرم أصاب بقرة ما عليه؟

قال عليه السّلام:بقرة،فإن لم يجد فليتصدق علي ثلاثين مسكين،فإن لم يجد فليصم تسعة أيام.

و سألته عن محرم أصاب ظبيا ما عليه؟ع.

ص: 129


1- الممطر و الممطرة:ما يلبس في المطر يتوقي به،و تسميه العامة:المشمع.

قال عليه السّلام:عليه شاة،فإن لم يجد فليتصدق علي عشرة مساكين،فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام.

و سألته عن رجل قال لآخر:هذه الجارية لك خيرتك،هل يحل فرجها له؟

قال عليه السّلام:إن كان حل له بيعها حل له فرجها،و إلا فلا يحل له فرجها.

و سألته عن رجل جعل عليه عتق نسمة أيجزي عنه أن يعتق أعرج و أشل؟

قال عليه السّلام:إذا كان مما يباع أجزأ عنه،إلا أن يكون وقت علي نفسه شيئا فعليه ما وقت.

و سألته عن الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زني؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن الرجل يسلف في الفلوس أيصلح له أن يأخذ كفيلا؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يسلم في النخل قبل أن يطلع أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:لا يصلح السلم في النخل.

و سألته عن بيع النخل.

قال عليه السّلام:إذا كان زهوا و استبان البسر من الشيص (1)حل شراؤه و بيعه.

و سألته عن السلم في البر أيصلح؟

قال عليه السّلام:إذا اشتري منك كذا و كذا فلا بأس.

و سألته عن السلم في النخل قال:لا يصلح،و إن اشتري منك هذا النخل فلا بأس-أي كيلا مسمي بعينه-.

و سألته عن الرجلين يشتر كان في السلم أيصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الحيوان بالحيوان نسيئة و زيادة دراهم،ينقد الدراهم و يؤخر الحيوان أيصلح؟

قال عليه السّلام:إذا تراضيا فلا بأس.

و سألته عن الرجل يكاتب مملوكه علي وصفاء و يضمن عند ذلك أيصلح؟

قال عليه السّلام:إذا سمي خماسيا أو رباعيا أو غيره فلا بأس.ه.

ص: 130


1- الزهو:البسر الملون.و البسر:التمر إذا لون و لم ينضج.الشيص:تمر رديء.الشيصاء:تمر لا يشتد نواه.

و سألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها،أيصلح له أن يبيعها مرابحة؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن رجل له علي آخر حنطة،أيأخذ بكيلها شعيرا؟

قال عليه السّلام:إذا رضيا فلا بأس.

و سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة أياخذ قيمته الدراهم؟

قال عليه السّلام:إذا قومه دراهم فسد،لأن الأصل الذي اشتراه دراهم،فلا يصلح دراهم بدراهم.

و سألته عن الرجل يشتري الطعام،أيحل له أن يولي منه قبل أن يقبضه؟

قال عليه السّلام:إذا لم يربح عليه شيء فلا بأس،و إن ربح فلا يصلح حتي يقبضه.

و سألته عن الرجل يشتري الطعام أيصلح له بيعه قبل أن يقبضه؟

قال عليه السّلام:إذا ربح لم يصلح حتي يقبض،و إن كان يوليه فلا بأس.

و سألته عن رجل اشتري سمنا ففضل له أ يحل له أن يأخذ مكانه رطلا أو رطلين زيتا؟

قال عليه السّلام:إذا اختلفا و تراضيا فليأخذ ما أحب فلا بأس.

و سألته عن رجل استأجر أرضا أو سفينة بدرهمين فآجر بعضها بدرهم و نصف و سكن فيما بقي،أيصلح ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما و الآخر غائب هل يجوز النكاح؟

قال عليه السّلام:إذاكره الغائب لم يجز النكاح.

و سألته عن رجل استأجر بيتا بعشرة دراهم،فأتاه خياط أو غيره فقال:إعمل فيه الأجر بيني و بينك،و ما ربحت فلي و لك،فربح أكثر من أجر البيت أيحل له ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن رجل قال لرجل:أعطيك عشرة دراهم و تعلمني عملك و تشاركني هل يحل ذلك له؟

قال عليه السّلام:إذا رضي فلا بأس به.

و سألته عن رجل أعطي رجلا مائة درهم يعمل بها علي أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر،أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:لا،هذا الربا محضا.

ص: 131

و سألته عن رجل أعطي عبده عشرة دراهم أن يؤدي إليه كل شهر عشرة دراهم،أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير،و عن الدنانير دراهم بالقيمة،أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يبيع السلعة و يشترط أن له نصفها ثم يبيعها مرابحة أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل إستأجر دارا بشي مسمّي علي أنّ عليه بعد ذلك تطيينها و إصلاح أبوابها، أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن رجل باع بيعا إلي أجل فحل الأجل و البيع عند صاحبه فأتاه البيع فقال:بعني الذي اشتريت مني و حط لي كذا و كذا فأقاصك من مالي عليك،أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:إذا رضيا فلا بأس.

و سألته عن الأضحي بمني كم هو؟

قال عليه السّلام:ثلاثة أيام.

و سألته عن الأضحي في غير مني كم هو؟

قال عليه السّلام:ثلاثة أيام.

و سألته عن رجل كان مسافرا فقدم بعد الاضحي بيومين أيضحي في اليوم الثالث؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن رجل كان له علي آخر عشرة دراهم فقال له:اشتر ثوبا فبعه و اتضع ثمنه و ما اتضعت فهو علي،أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:إذا تراضيا فلا بأس.

و سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلي أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد.

قال عليه السّلام:إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس.

و سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة و هو يقتدي به هل له أن يقرأ خلفه؟

قال عليه السّلام:لا،و لكن لينصت للقرآن.

ص: 132

و سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به في الظهر و العصر يقرأ خلفه؟

قال عليه السّلام:لا،و لكن يسبح و يحمد ربه و يصلي علي النبي-صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-و علي أهل بيته.

و سألته عن الخاتم فيه نقش تماثيل سبع أو طير أيصلي فيه؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل أيحل له أن يفضل بعض ولده علي بعض؟

قال عليه السّلام:قد فضلت فلانا علي أهلي و ولدي فلا بأس.

و سألته عن قوم إجتمعوا علي قتل آخر ما حالهم؟

قال عليه السّلام:يقتلون به.

و سألته عن قوم أحرار إجتمعوا علي قتل مملوك ما حالهم؟

قال عليه السّلام:يردون ثمنه.

و سألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها.

قال عليه السّلام:يفرق بينها و بينه،و يكون خاطبا من الخطاب.

و سألته عن رجل تزوج جارية أخيه أو عمه أو ابن أخيه فولدت،ما حال الولد؟

قال عليه السّلام:إذا كان الولد يرث من مليكه شيئا عتق.

و سألته عن نصراني يموت ابنه و هو مسلم هل يرثه؟

قال عليه السّلام:لا يرث أهل ملة ملة.

و سألته عن لحوم الحمر الأهلية.

قال عليه السّلام:نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و إنما نهي عنها لانهم يعملون عليها،و كره أكل لحومها لئلا يفنوها.

و سألته عن المرأة أتحف الشعر عن وجهها؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن المرأة تزوج علي عمها أو خالها؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل يحلف علي اليمين و يستشني،ما حاله؟

قال عليه السّلام:هو علي ما استشني.

و سألته عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو؟

ص: 133

قال عليه السّلام:إن شاء فعل،و إن شاء ترك.

و سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلي فيه قبل أن يغسل؟

قال عليه السّلام:إذا جري به المطر فلا بأس.

و سألته عن الثوب يقع في مربط الدابة علي بولها و روثها كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:إن علق به شيء فليغسله و إن كان جافا فلا بأس.

و سألته عن الطعام يوضع علي السفرة أو الخوان قد أصابه الحمر،أيؤكل؟

قال عليه السّلام:إن كان الخوان يابسا فلا بأس.

و سألته عن أكل السلحفاة و السرطان و الجري.

قال عليه السّلام:أما الجري فلا يؤكل،و لا السلحفاة و لا السرطان.

و سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أيؤكل؟

قال عليه السّلام:ذلك لحم الضفدع فلا يصلح أكله.

و سألته عن الطين يطرح فيه السرقين يطين به المسجد أو البيت،أيصلي فيه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الجص يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصص به المسجد؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن البوريا (1)تبلّ فيصيبها ماء قذر فيصلي عليها؟

قال عليه السّلام:إذا يبس فلا بأس.

و سألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها و قد تزوجت غيره ما حالها؟

قال عليه السّلام:هي للذي تزوجت،و لا ترد علي الأول.

و سألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها،تحل له؟

قال عليه السّلام:هو أحق بها ما لم تتزوج،و لكنها تخير فلها ما اختارت.

و سألته عن حد ما يقطع فيه السارق و ما هو؟

قال عليه السّلام:قطع أمير المؤمنين عليه السّلام في ثمن بيضة حديد درهمين أو ثلاثة.

و سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها هل يحل فرجها لمن اشتراها؟ي.

ص: 134


1- البوريا:أي البواري.

قال عليه السّلام:إذا علم أنها سرقة فلا تحل له،و إن لم يعلم فلا بأس.

و سألته عن الكلب و الفأرة إذا أكلا من الجبن أو السمن أيؤكل؟

قال عليه السّلام:يطرح ما شماه و يؤكل ما بقي.

و سألته عن فأرة أو كلب شرب من سمن أو زيت أو لبن أيحل أكله؟

قال عليه السّلام:إن كان جرة أو نحوها فلا يأكله،و لكن ينتفع به في سراج أو غيره،و إن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله إلا أن يكون صاحبه موسرا،فليهرقه و لا ينتفعن به في شيء.

و سألته عن رجل تصدق علي بعض ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل فيها غيره مع ولده،أيصلح ذلك له؟

قال عليه السّلام:يصنع الوالد بمال ولده ما شاء،و الهبة من الوالد بمنزلة الصدقة لغيره.

و سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما صاحبه خنزيرا أو خمرا إلي أجل مسمي فأسلما قبل أن يقبض الثمن،هل يحل له ثمنه بعد إسلامه؟

قال عليه السّلام:إنما له الثمن فلا بأس بأخذه.

و سألته عن رجل شهد عليه ثلاثة رجال أنه زني بفلانة،و شهد الرابع أنه قال لا أدري بمن زني بفلانة أو غيرها.

قال عليه السّلام:ما حال الرجل إن كان أحصن أولم يحصن لم يتم الحديث.

و سألته عن رجل طلق قبل أن يدخل بامرأته فادعت أنها حامل منه،ما حالها؟

قال عليه السّلام:إن قامت البينة أنه أرخي سترا ثم أنكر الولد لاعنها و بانت منه،و عليه المهر كاملا.

و سألته عن الخبز أيصلح أن يطين بالسمن؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن فراش اليهودي أينام عليه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن ثياب النصراني و اليهودي أيصلح أن يصلي فيه المسلم؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن رجل قذف امرأته طلقها،ثم طلبت بعد الطلاق قذفه إياها.

قال عليه السّلام:إن أقر جلد،و إن كانت في عدة لا عنها.

و سألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة نفي ولدها و قذفها هل عليه لعان؟

ص: 135

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن رجل قال لأمته و أراد أن يعتقها و يتزوجها:أعتقتك و جعلت عتقك صداقك.

قال عليه السّلام:عتقت،و هي بالخيار إن شاءت تزوجت و إن شاءت فلا،و إن تزوجته فليعطها شيئا، و إن قال:تزوجتك و جعلت مهرك عتقك جاز النكاح،و إن أحب يعطيها شيئا.

و سألته عن مكاتب بين قوم أعتق بعضهم نصيبه،ثم عجز المكاتب بعد ذلك ما حاله؟

قال عليه السّلام:عتق بما عتق منه و يستسعي فيما بقي.

و سألته عن رجل كاتب مملوكه و قال بعد ما كاتبه:هب لي بعض مكاتبتي و أعجل بعض مكاتبتي لك مكاني أيحل ذلك؟

قال عليه السّلام:إذا كانت هبة فلا بأس،و إن قال:حط عني و أعجل لك فلا يصلح.

و سألته عن مكاتب أدي نصف مكاتبته أو بعضها ثم مات و ترك ولدا و مالا كثيرا ما حاله؟

قال عليه السّلام:إذا أدي النصف عتق و يؤدي مكاتبته من ماله و ميراثه لولده.

و سألته عن المسلم هل يصلح له أن يأكل مع المجوسي في قصعة واحدة،و يقعد معه علي فراشه أو في مسجده أو يصافحه؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن المكاتب جني جناية علي من هي؟

قال عليه السّلام:هي علي المكاتب و سألته عن المكاتب عيه فطرة رمضان،أو علي من كاتبه،أو تجوز شهادته؟قال:الفطرة عليه،و لا تجوز شهادته.

و سألته عن رجل أعتق نصف مملوكه و هو صحيح ما حاله؟

قال عليه السّلام:يعتق النصف،و يسعي في النصف الآخر يقوم قيمة عدل.

و سألته عن الرجل أيصلح له أن يلبس الطيلسان فيه ديباج،و البركان عليه حرير؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الديباج أيصلح لباسه للناس؟قال:لا.و سألته عن الخلاخيل أيصلح لبسها للنساء و الصبيان؟

قال عليه السّلام:إن كن صما فلا بأس،و إن يكن لها صوت فلا.

و سألته عن الرجل أيصلح أن يركب دابة عليها الجلجل (1)؟ر.

ص: 136


1- الجلجل:جرس صغير.

قال عليه السّلام:إن كان له صوت فلا،و إن كان أصم فلا بأس.

و سألته عن الفأرة تموت في السمن و العسل الجامد أيصلح أكله؟

قال عليه السّلام:اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه،و كل ما بقي و لا بأس.

و سألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها،أيصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟

قال عليه السّلام:لا،و إن لبسها فلا يصلي فيها.

و سألته عن الدابة أيصلح أن يضرب وجهها أو يسمها بالنار؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل أيصلح أن يأخذ من لحيته؟

قال عليه السّلام:أما من عارضيه فلا بأس و أما من مقدمه فلا يأخذ.

و سألته عن أخذ الشاربين أسنّة هو؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن النثر للسكر في العرس أو غيره أيصلح أكله؟

قال عليه السّلام:يكره أكل ما انتهب.

و سألته عن جعل الآبق و الضالة.

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن بيع الولاء يحل؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يصلي في مسجد و حيطانه كوي كله قبلته و جانبيه و إمرأة تصلي حياله يراها و لا تراه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي إبنها إلي جنبها،هل يصلح لها أن تتناوله و تحمله و هي قائمة؟

قال عليه السّلام:لا تحمل و هي قائمة.

و سألته عن الأضحية.

قال عليه السّلام:ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا،فإن لم تجد كبشا سمينا فمن فحولة المعزي و موجوء من الضأن أو المعزي،فإن لم تجد فنعجة من الضأن سمينة.و كان علي عليه السّلام يقول:ضح بثني فصاعدا،و اشتره سليم الاذنين و العينين،و استقبل القبلة،و قل حين تريد أن تذبح:وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين إن صلاتي و نسكي و محياي

ص: 137

و مماتي للّه رب العالمين،لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين اللّهم منك و لك،اللّهم تقبل مني،بسم اللّه الذي لا إله إلا هو و اللّه أكبر و صلي اللّه علي محمد و علي أهل بيته (1)ثم كل و أطعم.

و سألته عن التكبير في أيام التشريق.

قال عليه السّلام:يوم النحر صلاة الأولي إلي آخر أيام التشريق من صلاة العصر يكبر يقول:(الله أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر و لله الحمد الله أكبر علي ما هدانا اللّه أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام).

و سألته عن الرجل يكون لولده الجارية أيطؤها؟

قال عليه السّلام:إن أحب أن يقومها علي نفسه قيّمها،و يشهد شاهدين علي نفسه بثمنها،فيطؤها إن أحب،و إن كان لولده مال و أحب أن يأخذ منه فليأخذ،و إن كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا إلا قرضا.

و سألته عن الرجل يذبح علي غير قبلة.

قال عليه السّلام:لا بأس إذا لم يتعمد،و إن ذبح و لم يسم فلا بأس أن يسمي إذا ذكربسم اللّه علي أوله و آخره ثم يأكل.

و سألته عن الزكاة أيعطاها من له المائة.

قال عليه السّلام:نعم،و من له الدار و العبد،فإن الدار ليس نعدها مالا.

و سألته عن الحائض.

قال عليه السّلام:يشرب من سؤرها و لا يتوضؤ منه.

و سألته عن المملوك يعطي من الزكاة؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الصرورة (2)يحجه الرجل من الزكاة؟

قال عليه السّلام:نعم،و ليس ينبغي لاهل مكة أن يمنع الحاج شيئا من الدور ينزلونها.

و سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: اُذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً (3)قال:قلت:من ذكر اللّه مائتي مرة أكثير هو؟

قال عليه السّلام:نعم.1.

ص: 138


1- سورة الأنعام،الآية:79.
2- الصرورة:الذي لم يحج بعد.
3- سورة الأحزاب،الآية:41.

و سألته عن النوم بعد الغداة.

قال عليه السّلام:لا حتي تطلع الشمس.

قال عليه السّلام:و ذكر الخاتم قال:إذا اغتسلت فحوله من مكانه،و إن نسيت حتي تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة.

و ذكر ذو القرنين قلت:عبدا كان أم ملكا؟قال:عبد أحب اللّه فأحبه،و نصح للّه فنصحه اللّه.

و سألته عن الاختلاف في القضاء عن أمير المؤمنين عليه السّلام في أشياء من المعروف إنه لم يأمر بها و لم ينه عنها إلا أنه نهي عنها نفسه و ولده،فقلت:كيف يكون ذلك؟

قال عليه السّلام:أحلتها آية،و حرمتها آية.

فقلت:هل يصلح إلا بأن إحداهما منسوخة أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟

قال عليه السّلام:قد بين إذ نهي نفسه و ولده.

قلت له:فما منع أن يبين للناس؟

قال عليه السّلام:خشي أن لا يطاع،و لو أن أمير المؤمنين عليه السّلام ثبتت قدماه أقام كتاب اللّه كله، و الحق كله.و صلي حسن و حسين وراء مروان و نحن نصلي معهم.

و سألته عمن يروي عنكم تفسيرا و ثوابه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في قضاء أو طلاق أو في شيء لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه في غير أن يسمّي لكم عدوا،أو يسعنا أن نقول في قوله:اللّه أعلم إن كان محمد قاله،قال:لا يسعكم حتي تستيقنوا.

و سألته عن نبي اللّه هل كان يقول علي اللّه شيئا قط،أو ينطق عن هوي،أو يتكلف؟

فقال عليه السّلام:لا.

فقلت:أرأيتك قوله لعلي عليه السّلام:من كنت مولاه فعلي مولاه،اللّه أمره به؟

قال عليه السّلام:نعم.

قلت:فأبرأ إلي اللّه ممن أنكر ذلك منذ يوم أمر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال عليه السّلام:نعم.

قلت:هل يسلم الناس حتي يعرفوا ذلك؟

قال عليه السّلام:لا،إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا.

قلت:من هو؟

ص: 139

قال عليه السّلام:أرأيتم خدمكم و نساءكم ممن لا يعرف ذلك أتقتلون خدمكم و هم مقرون لكم؟ و قال:من عرض عليه ذلك فأنكره فأبعده اللّه و أسحقه لا خير فيه.

و سألته عن رجل يقول:إن اشتريت فلانا فهو حر،و إن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة،و إن نكحت فهي طلاق.

قال عليه السّلام:ليس ذلك بشي.

و سألته عن الرجل يطلق امرأته في غير عدة.

فقال عليه السّلام:ان ابن عمر طلق امرأته علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هي حائض،فأمره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أن يراجعها و لم يحسب تلك التطليقة.

و سألته عن الرجل يقول لإمرأته:أنت علي حرام.

قال عليه السّلام:هي يمين يكفرها.

قال اللّه تعالي لمحمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَ اللّهُ مَوْلاكُمْ (1)فجعلها يمينا فكفرها نبي اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و سألته بما يكفر يمينه؟

قال عليه السّلام:إطعام عشرة مساكين.

فقلت:كم إطعام كل مسكين؟

فقال عليه السّلام:مدمد.

و سألته عن رجل أكل ربا لا يري إلا أنه حلال.

قال عليه السّلام:لا يضره حتي يصيبه متعمدا فهو ربا.

و سألته عن هذه الآية: أَوْ كِسْوَتُهُمْ للمساكين (2).

قال:ثوب يواري به عورته.

و سألته عن رجل يقول:علي نذر،و لا يسمي شيئا.

قال عليه السّلام:ليس بشي.

و سألته عن الصيام في الحضر.

قال عليه السّلام:ثلاثة أيام في كل شهر:الخميس في جمعة،و الأربعاء في جمعة،و الخميس في جمعة.9.

ص: 140


1- سورة التحريم،الآية:1.
2- سورة المائدة،الآية:89.

و سألته عن الرجل يموت و له أم ولد و له معها ولد،أيصلح للرجل أن يتزوجها؟

قال عليه السّلام:أخبرك ما أوصي علي عليه السّلام في أمهات الأولاد؟

قلت:نعم.

قال عليه السّلام:إن عليا أوصي:أيما امرأة منهن كان لها ولد فهي من نصيب ولدها.

و سألته عن كسب الحجام.

قال عليه السّلام:إن رجلا أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يسأله عنه،فقال له:هل لك ناضح (1)؟

قال:نعم.

قال عليه السّلام:أعلفه إياه.

و سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس إليه؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل يتصدق علي ولده أيصلح له أن يردها؟

قال عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:الذي يتصدق بصدقة ثم يرجع فيها مثل الذي يقي ثم يرجع في قيئه.

و سألته عن رجل يمر علي ثمرة فيأكل منها؟

قال عليه السّلام:نعم،قد نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أن تستر الحيطان برفع بنائها.

و سألته عن الرجل يعطي الأرض علي أن يعمرها و يكري أنهارها بشي معلوم.

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن أهل الأرض أيأكل في إنائهم إذا كانوا يأكلون الميتة و الخنزير؟

قال عليه السّلام:لا،و لا في آنية الذهب و الفضة.

و سألته عن الكبائر التي قال اللّه عزّ و جلّ:(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه).

قال عليه السّلام:التي أوجب اللّه عليها النار.

و سألته عن الرجل يصرم أخاه و ذا قرابته ممن لا يعرف الولاية؟

قال عليه السّلام:إن لم يكن عليه طلاق أو عتق فليكلمه.

و سألته عمن يري هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره،أله أن يصوم؟ه.

ص: 141


1- الناضح:البعير يستقي عليه.

قال عليه السّلام:إذا لم يشك فيه فليصم وحده،و يصوم مع الناس إذا صاموا.

و سألته عن رجل طاف فذكر أنه علي غير وضوء فكيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يقطع طوافه،و لا يعتدّ بما طاف،و عليه الوضوء.

و سألته عن الرجل أيصلح أن يلمس و يقبل و هو يقضي شهر رمضان؟

قال عليه السّلام:لا و سألته عن الرجل يمشي في العذرة و هي يابسة فتصيب ثيابه أو رجله،أيصلح له أن يدخل المسجد فيصلي و لم يغسل ما أصابه؟

قال عليه السّلام:إذا كان يابسا فلا بأس.

و سألته عن الرجل يؤذن أو يقيم و هو علي غير وضوء أيجزيه ذلك؟

قال عليه السّلام:أمّا الأذان فلا بأس،و أمّا الاقامة فلا يقيم إلا علي وضوء.

قلت:فإن أقام و هو علي غير وضوء أيصلي بإقامته؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل يكسر بيض الحمام أو بعضه و في البيض فراخ تتحرك،ما عليه؟

قال عليه السّلام:يتصدق عما تحرك منه بشاة،يتصدق بلحمها إذا كان محرما،و إن لم يتحرم الفراخ تصدق بثمنه دراهم أو شبهه،أو اشتري به علفا لحمام الحرم.

و سألته عن رجل أصاب بيض نعام فيه فراخ قد تحركت،ما عليه؟

قال عليه السّلام:لكل فرخ بعير ينحره بالمنحر.

و سألته عن النضوح (1)يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلي و هو علي رأسها؟

قال عليه السّلام:لا،حتي تغتسل منه.

و سألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالنبيذ؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل يلبس الثوب المشبع بالعصفر (2).

قال عليه السّلام:إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس.

و سألته عن المرأة و هي مختضبة بالحناء و الوسمة.

قال عليه السّلام:إذا برز الفم و المنخر فلا بأس.ن.

ص: 142


1- النضوح:نوع من الطيب تفوح رائحته.
2- أشبع الثوب من الصيغ:رواه صبغا.العصفر:صبغ أصفر اللون.

و سألته عن الرجل لبس فراء (1)الثعالب و السنانير.

قال عليه السّلام:لا بأس،و لا يصلي فيه.

و سألته عن لبس السمور و السنجاب و الفنك و القاقم (2).

قال عليه السّلام:لا بأس،و لا يصلي فيه إلا أن يكون مذكيا.

و سألته عن الإقران بين التين و التمر و سائر الفواكه أيصلح؟

قال عليه السّلام:نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن الإقران،فإن كنت وحدك فكل ما أحببت،و إن كنت مع قوم فلا تقرن إلا بإذنهم.

و سألته عن الرجل يقعد في المسجد و رجله خارج منه،أو انتقل من المسجد و هو في صلاته، أيصلح له؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الفضة في الخوان و الصحفة و السيف و المنطقة و بالسرج أو اللجام يباع بدراهم أقل من الفضة أو أكثر،يحل؟

قال عليه السّلام:يبيع الفضة بدنانير،و ما سوي ذلك بدراهم.

و سألته عن السرج و اللجام فيه الفضة أيركب به؟

قال عليه السّلام:إن كان مموها (3)لا تقدر أن تنزع منه شيئا فلا بأس و إلا فلا تركب به.

و سألته عن السيف يعلق في المسجد؟

قال عليه السّلام:أما في القبلة فلا،و أما في جانبه فلا بأس.

و سألته عن ألبان الأتان،أيشرب لدواء أو يجعل لدواء؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر،قدح عيدان أو باطية (4)أيشرب فيه؟ا.

ص: 143


1- الفراء جمع الفرو:شيء كالجبة يبطن من جلود بعض الحيوانات.
2- الفنك:جنس من الثعالب أصغر من الثعلب المعروف،و فروته من أحسن الفراء القاقم:حيوان علي شكل ابن عرس و أكبر منه،لونه أحمر قاتم في الصيف،و أبيض يقق في الشتاء.
3- موه بماء الذهب أو الفضة:طلاه.
4- الباطية:إناء من الزجاج يملأ من الشراب.و في القاموس:الباطية:الناجود.و قال المصنف في هامش الكتاب:الباطية إناء أظنه معربا و هو الناجود ذكرها الجوهري و قال:الناجود كل إناء يجعل فيه الشراب من جفنة و غيرها.

قال عليه السّلام:إذا غسل فلا بأس.

و سألته عن الرجل يغتسل في المكان من الجنابة أو يبول ثم يجف،أيصلح له أن يفترش؟

قال عليه السّلام:نعم إذا كان جافا.

و سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي (1)عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه،أو يصلي قبل أن يغسله؟

قال عليه السّلام:نعم ينفضه و يصلي فلا بأس.

و سألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلا،أيؤكل؟

قال عليه السّلام:نعم إذا ذهب سكره فلا بأس.

و سألته عن حب الخمر أ يجعل فيه الخل و الزيتون أو شبهه؟

قال عليه السّلام:إذا غسل فلا بأس.

و سألته عن العقيقة عن الغلام و الجارية ما هي؟

قال عليه السّلام:سواء كبش كبش،و يحلق رأسه في السابع،و يتصدق بوزنه ذهبا أو فضة،فإن لم يجد رفع الشعر أو عرف وزنه فإذا أيسر تصدق بوزنه.

و سألته عن الرجل يدعو و حوله إخوانه يجب عليهم أن يأمنوا؟.

قال عليه السّلام:إن شاؤوا فعلوا،و إن شاؤوا سكتوا،فإن دعا بحق و قال لهم:أمنوا وجب عليهم أن يفعلوا.

و سألته عن الغناء أيصلح في الفطر و الأضحي و الفرح؟

قال عليه السّلام:لا بأس ما لم يزمر به (2).

و سألته عن شارب الخمر ما حاله إذا سكر منها؟

قال عليه السّلام:من شرب الخمر فمات بعده بأربعين يوما لقي اللّه كعابد وثن.

و سألته عن النوح علي الميت أيصلح؟

قال عليه السّلام:يكره.

و سألته عن الشعر أيصلح أن ينشد في المسجد؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الضالة أيصلح أن تنشد في المسجد؟ه.

ص: 144


1- أسفي الريح:هبت.
2- زمروزمر:غني بالنفخ في القصب و نحوه.

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن فطرة شهر رمضان علي كل إنسان هي،أم علي من صام و عرف الصلاة؟

قال عليه السّلام:كل صغير و كبير ممن يعول.

و سألته عن قتل النملة أيصلح؟

قال عليه السّلام:لا تقتلها إلا أن تؤذيك.

و سألته عن قتل الهدهد.

قال عليه السّلام:لا تؤذيه و لا تذبحه فنعم الطير هو.

و سألته عمن ترك قراءة أم القرآن ما حاله؟

قال عليه السّلام:إن كان متعمدا فلا صلاة له،و إن كان نسي فلا بأس.

و سألته عن الضب و اليربوع (1)أيحل أكله؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عمن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما.

قال عليه السّلام:يفصل بينهما بيوم،و إن كان أكثر من ذلك فلا يقضيه إلا متواليا.

و سألته عن الرجل يلاعب المرأة أو يجردها أو يقبلها فيخرج منه الشيء ما عليه؟

قال عليه السّلام:إن جاءت الشهوة و خرج بدفق و فتر لخروجه فعليه الغسل،و إن كان إنما هو شيء لا يجد له شهوة و لا فترة لا غسل عليه،و يتوضأ للصلاة.

و سألته عن المرأة ألها أن تعطي من بيت زوجها شيئا بغير إذنه؟

قال عليه السّلام:لا إلا أن يحللها.

و سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر أيصلي الركعتين خارجا من المسجد؟

قال عليه السّلام:يصلي في مكة لا يخرج منها إلا أن ينسي فيخرج فيصلي،فإذا رجع إلي المسجد فليصل أي ساعة شاء ركعتي ذلك الطواف.

و سألته عن الرجل يطوف الأسبوع و لا يصلي ركعتيه حتي يبدو له أن يطوف أسبوعا،هل يصلح ذلك؟

قال عليه السّلام:لا حتي يصلّي ركعتي الأسبوع الأول،ثم ليطف إن شاء ما أحب.ذ.

ص: 145


1- الضب:حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون،ذنبه كثير العقد،اليربوع:حيوان طويل الرجلين،قصير اليدين جدا،له ذنب طويل كذنب الجرذ.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات علي غير وضوء؟

قال عليه السّلام:لا يصلح له إلا و هو علي وضوء.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يقف علي شيء من المشاعر و هو علي غير وضوء؟

قال عليه السّلام:لا يصلح إلا علي وضوء.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يقضي شيئا من المناسك و هو علي غير وضوء؟

قال عليه السّلام:لا يصلح إلا علي وضوء.

و سألته عن الرجل يكون له الثوب قد أصابته الجنابة فلم يغسله،هل يصلح النوم فيه؟

قال عليه السّلام:يكره.

و سألته عن الرجل يعرق في الثوب يعلم أن فيه جنابة كيف يصنع؟هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسل؟

قال عليه السّلام:إذا علم أنه إذا عرق أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب جسده من ذلك،و إن علم أنه قد أصاب جسده و لم يعرف مكانه فليغسل جسده كله.

و سألته عن القعود في العيدين و الجمعة و الإمام يخطب كيف هو؟أيستقبل الإمام أو القبلة؟

قال عليه السّلام:يستقبل الإمام.

و سألته عن العجوز و العاتق (1)هل عليهما من التزين و التطيب في الجمعة و العيدين ما علي الرجال؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن الرجل يسهو فيبني علي ما ظن،كيف يصنع؟أيفتح الصلاة أو يقوم فيكبر و يقرأ؟ و هل عليه أذان و إقامة؟و إن كان قد سها في الركعتين الأخراوين و قد فرغ من قراءته هل عليه أن يسبح أو يكبر؟

قال عليه السّلام:يبني علي ما كان صلي إن كان فرغ من القراءة،فليس عليه قراءة و ليس عليه أذان و لا إقامة،و لا سهو عليه.

و سألته عن التكبير أيام التشريق هل ترفع فيه الأيدي أم لا؟

قال عليه السّلام:ترفع يدك شيئا أو تحركها.

و سألته عن التكبير أيام التشريق أو اجب هو؟س.

ص: 146


1- العاتق:الجارية أول ما أدركت أو التي بين الإدراك و التعنيس.

قال عليه السّلام:يستحب،فإن نسيه فليس عليه شيء.

و سألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟

قال عليه السّلام:نعم و لا يجهرن به.

و سألته عن الرجل يدخل مع الإمام و قد سبقه بركعة فيكبر الإمام إذا سلم أيام التشريق كيف يصنع الرجل؟

قال عليه السّلام:يقوم فيقضي ما فاته من الصلاة،فإذا فرغ كبر.

و سألته عن الرجل يصلي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟

قال عليه السّلام:نعم،و إن نسيه فلا بأس.

و سألته عن القول أيام التشريق ما هو؟

قال عليه السّلام:يقول:(الله أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر و لله الحمد،اللّه أكبر علي ما هدانا،اللّه أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام).

و سألته عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟

قال عليه السّلام:نعم،و إن نسي فلا بأس.

و سألته عن الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر و لا يدري طلع الفجر أم لا،و لا يعرفه غير أنه يظن أنه لمكان الاذان قد طلع هل يجزيه ذلك؟

قال عليه السّلام:لا يجزيه حتي يعلم أنه قد طلع.

و سألته عن المسلم العارف يدخل بيت أخيه فيسقيه النبيذ أو شرابا لا يعرفه،هل يصلح له شربه من غير أن يسأله عنه؟

قال عليه السّلام:إذا كان مسلما عارفا فاشرب ما أتاك به إلا أن تنكره.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يتختم بالذهب؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن اللعب بأربعة عشر و شبهها.

قال عليه السّلام:لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي.

و سألته عن الرجل يفتتح السورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ فيأخذ في غيرها حتي يختمها،ثم يعلم أنه قد أخطأ،هل له أن يرجع في الذي افتتح و إن كان قد ركع و سجد؟

قال عليه السّلام:إن كان لم يركع فليرجع إن أحب،و إن ركع فليمض.

ص: 147

و سألته عن الأضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها،هل تجزي صاحب الأضحية؟

قال عليه السّلام:نعم إنما له ما نوي.

و سألته عن الرجل يشتري الأضحية عوراء و لا يعلم إلا بعد شرائها،هل تجزي عنه؟

قال عليه السّلام:نعم إلا أن يكون هديا فإنه لا يجوز ناقص الهدي.

و سألته عن قوم في سفينة لا يقدرون أن يخرجوا إلا إلي الطين و الماء هل يصلح لهم أن يصلوا الفريضة في السفينة؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة أين يقوم الإمام؟و إن كان معه نساء كيف يصنعون؟ أقياما يصلون،أو جلوسا؟

قال عليه السّلام:يصلون قياما،فإن لم يقدروا علي القيام صلوا جلوسا،و يقوم الإمام أمامهم و النساء خلفهم،فإن ضاقت السفينة قعدن النساء و صلي الرجال،و لا بأس أن تكون النساء بحيالهم.

و سألته عن الرجل يخطئ في التشهد و القنوت،هل يصلح أن يردده حتي يذكره،أو ينصت ساعة و يتذكر؟

قال عليه السّلام:لا بأس أن يتردد و ينصت ساعة حتي يذكر،و ليس في القنوت سهو كما في التشهد.

و سألته عن الرجل يخطئ في قراءته،هل له أن ينصت ساعة و يتذكر؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها،هل يصلح له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجعها إلي التي أراد؟

قال عليه السّلام:نعم ما لم تكن قل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون.

و سألته عن رجل قرأ سورة واحدة في ركعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها و إن فعل فما عليه؟

قال عليه السّلام:إذا أحسن غيرها فلا يفعل،و إن لم يحسن غيرها فلا بأس،و إن فعل فلا شيء عليه و لكن لا يعود.

و سألته عن الرجل يقوم في صلاته هل يصلح له أن يقدم رجلا و يؤخر أخري من غير مرض و لا علة؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين،هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به علي القيام من غير ضعف و لا علة؟

ص: 148

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن المتمتع يقدم يوم التروية قبل الزوال كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يطوف و يحل فإذا صلي الظهر أحرم.

و سألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يعرفها سنة،فإن لم يعرفها جعل في عرض ماله حتي يجي طالبها فيعطيه إياها،و إن مات أوصي بها،و هو لها ضامن.

و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدق بها،ثم يأتيه صاحبها،ما حال الذي تصدق بها و لمن الأجر؟

قال عليه السّلام:عليه أن يردها علي صاحبها أو قيمتها هو ضامن لها و الأجر له إلا أن يرضي صاحبها فيدعها و له أجره.

و سألته عن المرأة تكون في صلاة فريضة و ولدها إلي جنبها فيبكي و هي قاعدة،هل يصلح لها أن تناوله فتقعده في حجرها تسكنه أو ترضعه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن المرأة تكون بها الجروح في فخذها أو بطنها أو عضدها هل يصلح للرجل أن ينظر إليه يعالجه؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو إليته جرح،هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه و تداويه؟

قال عليه السّلام:إذا لم تكن عورة فلا بأس.

و سألته عن الدقيق يقع فيه خرؤ (1)الفأر هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق؟

قال عليه السّلام:إذا لم يعرفه فلا بأس،فإذا عرفه فليطرحه من الدقيق.

و سألته عن جلود الاضاحي هل يصلح لمن ضحي بها أن يجعلها جرابا؟

قال عليه السّلام:لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بقيمته.

و سألته عن الرجل يكون علي المصلي أو علي الحصير فيسجد فيقع كفه علي المصلي،أو أطراف أصابعه و بعض كفه خارج عن المصلي علي الأرض.

قال عليه السّلام:لا بأس.ة.

ص: 149


1- الخرء بالضم:العذرة.

و سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب و بسورة في النفس الواحد،هل يصلح ذلك له؟و ما عليه إن فعل؟

قال عليه السّلام:إن شاء قرأ في نفس واحد،و إن شاء أكثر فلا شيء عليه.

و سألته عن الرجل يكون في صلاة فيسمع الكلام أو غيره فينصت و يستمع،ما عليه إن فعل ذلك؟

قال عليه السّلام:هو نقص في الصلاة و ليس عليه شيء.

و سألته عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزيه أن لا يخرج و أن يتوهم توهما؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في الفريضة فيمر بالآية فيها التخويف فيبكي و يردد الآية؟

قال عليه السّلام:يردد القرآن ما شاء،و إن جاءه البكاء فلا بأس.

و سألته عن المرأة هل يصلح له أن يعمل بها إذا كانت لها حلقة فضة؟

قال عليه السّلام:نعم إنما كره إناء شرب فيه أن يستعمل.

و سألته عن الرجل يحل له أن يكتب القرآن في الألواح و الصحيفة و هو علي غير وضوء؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عما أصاب المجوس من الجراد و السمك،أيحل أكله؟

قال عليه السّلام:صيده ذكاته لا بأس.

و سألته عن الصبي يسرق،ما عليه؟

قال عليه السّلام:إذا سرق و هو صغير عفي عنه،فإن عاد قطعت أنامله،و إن عاد قطع أسفل من ذلك أو ما شاء اللّه.

و سألته عن الصلاة في معاطن الإبل أتصلح؟

قال عليه السّلام:لا تصلح إلا أن تخاف علي متاعك ضيعة،فاكنس ثم انضح بالماء ثم صل.

و سألته عن معاطن الغنم أتصلح الصلاة فيها؟

قال عليه السّلام:نعم لا بأس به.

و سألته عن شراء النخل سنتين أو أربعة أيحل؟

قال عليه السّلام:لا بأس،يقول:إن لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إن شاء اللّه.

و سألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح؟

ص: 150

قال عليه السّلام:لا يشتري حتي تبلغ.

و سألته عن الإحرام بحجة ما هو؟

قال عليه السّلام:إذا أحرم فقال:بحجة فهي عمرة تحل بالبيت فتكون عمرة كوفية و حجة مكيه.

و سألته عن العمرة متي هي؟

قال عليه السّلام:يعتمر فيما أحب من الشهور.

و سألته عن القيام خلف الإمام في الصف ما حده؟

قال عليه السّلام:قم ما استعطت،فإذا قعدت فضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس.

و سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدي يديه علي الأخري بكفه أو ذراعه؟

قال عليه السّلام:لا يصلح ذلك،فإن فعل فلا يعود له.

قال علي:قال موسي سألت أبي جعفر عليه السّلام عن ذلك فقال:أخبرني أبي محمد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي،عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال:ذلك عمل و ليس في الصلاة عمل.

و سألته عن الدود يقع من الكنيف علي الثوب أيصلي فيه؟

قال عليه السّلام:لا بأس إلا أن يري عليه أثرا فيغسله.

و سألته عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه في الصلاة؟

قال عليه السّلام:لا إلا أن يضطر إليه.

و سألته عن النصراني و اليهودي يغتسل مع المسلمين في الحمام؟

قال عليه السّلام:إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده علي الحوض فيغسله ثم يغتسل.

و سألته عن اليهودي و النصراني يشرب من الدورق (1)أيشرب منه المسلم؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الكوز و الدورق و القدح و الزجاج و العيدان أيشرب منه قبل عروته؟

قال عليه السّلام:لا يشرب من قبل عروة كوز و لا إبريق و لا قدح،و لا يتوضأ من قبل عروته.

و سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلي؟

قال عليه السّلام:يصلي النافلة و هو جالس،و يحسب كل ركعتين بركعة،و أما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة و هو جالس إذا كان لا يستطيع القيام.ه.

ص: 151


1- الدورق:الإبريق الكبير له عروتان و لا بلبلة له.

و سألته عن حد ما يجب علي المريض ترك الصوم.

قال عليه السّلام:كل شيء من المرض أضرّ به الصوم فهو يسعه ترك الصوم.

و سألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين، أيؤكل ذلك؟

قال عليه السّلام:نعم و لكن لا يعود.

و سألته عن الغلام متي يجب عليه الصوم و الصلاة؟

قال عليه السّلام:إذا راهق الحلم و عرف الصوم و الصلاة.

و سألته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة،كيف يصلي؟

قال عليه السّلام:إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوع و سجود،و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم.

و سألته عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي فيها؟

قال عليه السّلام:تلتف فيها و تغطي رأسها و تصلي،فإن خرجت رجلها و لم تقدر علي غير ذلك فلا بأس.

و سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يومئ برأسه.

و سألته عن الصلاة في الأرض السبخة أيصلي فيها؟

قال عليه السّلام:لا إلا أن يكون فيها نبت إلا أن يخاف فوت الصلاة فيصلي.

و سألته عن الرجل يلقاه السبع و قد حضرت الصلاة فلا يستطيع المشي مخافة السبع،و إن قام يصلي خاف في ركوعه و سجوده و السبع أمامه علي غير القبلة،فإن توجه الرجل أمام القبلة خاف أن يثب عليه الأسد كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يستقبل الأسد و يصلي و يومئ إيماء برأسه و هو قائم و إن كان الأسد علي غير القبلة.

و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة.

قال عليه السّلام:يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع،ثم يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء.

و سألته عن الحديث بعد ما يصلي الرجل العشاء الآخرة.

قال عليه السّلام:لا بأس.

ص: 152

و سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:إن كان غليظا و فيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرتين غداة و عشية،و لا ينقض ذلك الوضوء،فإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصل فيه حتي تغسله.

و سألته عن الرجل يقول هو:أهدي كذا و كذا،ما لا يقدر عليه.

قال عليه السّلام:إذا كان جعله نذرا للّه و لا يملكه فلا شيء عليه،و إن كان مما يملك غلام أو جارية أو شبهه باعه و اشتري بثمنه طيبا يطيب به الكعبة،و إن كانت دابة فليس عليه شيء.

و سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما:ليلتي و يومي لك يوما أو شهرا و ما كان نحو ذلك.

قال عليه السّلام:إذا طابت نفسها أو اشتري ذلك منها فلا بأس.

و سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدم إلي الثاني أو الثالث أو يتأخر وراء في جانب الآخر؟

قال عليه السّلام:إذا رأي خللا فلا بأس به.

و سألته عن الأذان و الإقامة أيصلح علي الدابة؟

قال عليه السّلام:أما الأذان فلا بأس،و أما الإقامة فلا حتي ينزل علي الأرض.

و سألته عن الغراب الأبقع (1)و الأسود أيحل أكله؟

قال عليه السّلام:لا يصلح أكل شيء من الغربان زاغ و لا غيره.

و سألته عن صوم الثلاثة أيام في الحج و السبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينهما؟

قال عليه السّلام:يصوم الثلاثة لا يفرق بينها،و لا يجمع السبعة و الثلاثة معا.

و سألته عن كفارة صوم اليمين يصومها جميعا أو يفرق بينها؟

قال عليه السّلام:يصومها جميعا.

و سألته عن الرجل أيصلح له ان يقبل الرجل؟أو المرأة تقبل المرأة؟

قال عليه السّلام:الأخ و الإبن و الأخت و الإبنة و نحو ذلك فلا بأس.

و سألته عن الرجل أيصلح له أن ينام في البيت وحده؟ه.

ص: 153


1- الأبقع:الذي يختلف لونه.

قال عليه السّلام:تكره الخلوة و ما أحب أن يفعل.

و سألته عن الرجل يكون في إصبعه أو في شيء من يده الشيء ليصلحه،له أن يبله ببصاقه و يمسحه في صلاته؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يبول في الطست يصلح له الوضوء فيها؟

قال عليه السّلام:إذا غسلت بعد بوله فلا بأس.

و سألته عن المسك و العنبر يصلح في الدهن؟

قال عليه السّلام:إني لأضعه في الدهن و لا بأس.

و سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و شاربه و لحيته ما لم يحرم؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن حمل المسلمين إلي المشركين التجارة.

قال عليه السّلام:إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس.

و سألته عن رجل نسي القنوت حتي ركع ما حاله.

قال عليه السّلام:تمت صلاته و لا شيء عليه؟

و سألته عن الجزور و البقرة عن كم يضحي بها؟

قال عليه السّلام:يسمي ربّ البيت نفسه،و هو يجزي عن أهل البيت إذا كانوا أربعة أو خمسة.

و سألته عما حسر (1)عنه الماء من صيد البحر و هو ميت أيحل أكله؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن صيد البحر يحبسه فيموت في مصيدته.

قال عليه السّلام:إذا كان محبوسا فكل فلا بأس.

و سألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل ثم رماه بعدما صرعه غيره فمات أيؤكل؟

قال عليه السّلام:كله ما لم يتغير إذا سمي و رمي.

و سألته عن رجل يلحق الظبي أو الحمار فيضربه بالسيف فيقطعه نصفين،هل يحل أكله؟

قال عليه السّلام:إذا سمي.ر.

ص: 154


1- حسر الماء:نضب عن موضعه و غار.

و سألته عن رجل يلحق حمارا أو ظبيا فيضربه بالسيف فيصرعه أيؤكل؟

قال عليه السّلام:إذا أدرك ذكاته ذكاه،و إن مات قبل أن يغيب عنه أكله.

و سألته عن رجل مسلم اشتري مشركا و هو في أرض الشرك.

فقال العبد:لا أستطيع المشي،فخاف المسلم أن يلحق العبد بالقوم أيحل قتله؟

قال عليه السّلام:إذا خاف أن يلحق بالقوم-يعني العدو-حل قتله.

و سألته عن رجل كان له علي آخر دراهم فجحده ثم وقعت للجاحد مثلها عند المجحود،أيحل أن يجحده مثل ما جحده؟

قال عليه السّلام:نعم و لا يزداد.

و سألته عن الرجل يتصدق علي الرجل بجارية هل يحل فرجها له ما لم يدفعها إلي الذي تصدق بها عليه؟

قال عليه السّلام:إذا تصدق بها حرمت عليه.

و سألته عن الصلاة علي الجنازة إذا احمرت الشمس أيصلح؟

قال عليه السّلام:لا صلاة إلا في وقت صلاة،و إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صلي علي الجنازة.

و سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول في التشهد فيأخذه البول،أو يخاف علي شيء يفوت،أو يعرض له وجع كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يسلم و ينصرف و يدع الإمام.

و سألته عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن المرأة ألها أن تصوم بغير إذن زوجها؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الدين يكون علي قوم مياسير إذا شاء صاحبه قبضه هل عليه زكاة؟

قال عليه السّلام:لا حتي يقبضه و يحول عليه الحول.

قال أبو الحسن علي بن جعفر عن أخيه موسي:يضم أسبوعين (1)فثلاثة ثم يصلي لها و لا يصلي عن أكثر من ذلك.ت.

ص: 155


1- أسبوعين:أي سبع طوافات.

و سألته عن المريض أيكوي أو يسترقي؟

قال عليه السّلام:لا بأس إذا استرقي بما يعرف.و سألته عن المطلقة ألها نفقة علي زوجها حتي تنقضي عدتها؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن امرأة بلغها أن زوجها توفي فاعتدت ثم تزوجت فبلغها بعد أن تزوجت أن زوجها حي،هل تحل للآخر؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن الرجل ينسي صلاة الليل فيذكر إذا قام في صلاة الزوال،كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يبدأ بالزوال،فإذا صلي الظهر قضي صلاة الليل و الوتر ما بينه و بين العصر أو متي ما أحب.

و سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه فلم يعلم به حتي كان من غد كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:إن كان رأي فلم يغسله فليقض جميع ما فاته علي قدر ما كان يصلي لا ينقص منه شيئا،و إن كان رآه و قد صلي فليبدأ بتلك الصلاة ثم ليقض صلاته تلك.

و سألته عن فراش الحرير أو مرفقة الحرير أو مصلي حرير و مثله من الديباج يصلح للرجل التكاءة عليه و الصلاة؟

قال عليه السّلام:يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه.

و سألته عن الرجل يسهو في السجدة الآخرة من الفريضة.

قال عليه السّلام:يسلم ثم يسجدها و في النافلة مثل ذلك.

و سألته عن رجل افتتح الصلاة فبدأ بسورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل.

و سألته عن رجل افتتح بقراءة سورة قبل فاتحة الكتاب هل يجزيه ذلك إذا كان خطأ؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد في السفينة علي القير؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر و هو في صلاته في نقش خاتمه كأنه يريد قراءته،أو في صحيفة أو في كتاب في القبلة؟

ص: 156

قال عليه السّلام:ذلك نقص في الصلاة و ليس يقطعها.

و سألته عن الرجل هل يصلح(له)أن يقرأ في ركوعه أو سجوده الشيء يبقي عليه من السورة يكون يقرؤها؟

قال عليه السّلام:أما في الركوع فلا يصلح،و أما في السجود فلا بأس.

و سألته عن الرجل هل يصلح أن يقرأ في ركوعه أو سجوده من سورة غير سورته التي كان يقرؤها؟

قال عليه السّلام:إن نزع بآية فلا بأس في السجود.

و سألته عن رجل نسي أن يضطجع علي يمينه بعد ركعتي الفجر فذكر حين أخذ في الإقامة كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يقوم و يصلي و يدع ذلك فلا بأس.

و سألته عن رجل يكون في صلاته و إلي جانبه رجل راقد فيريد أن يوقظه يسبح و يرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل،هل يقطع ذلك صلاته؟أو ما عليه؟

قال عليه السّلام:لا يقطع صلاته و لا شيء عليه و لا بأس به.

و سألته عن رجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان علي الباب فيسبح فيرفع صوته ليسمع خادمه فتأتيه فيريها بيده أن علي الباب إنسانا،هل يقطع ذلك صلاته؟و ما عليه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يكون علي غير وضوء فيصيبه المطر حتي يسيل من رأسه وجبهته و يديه و رجليه،هل يجزيه ذلك من الوضوء؟

قال عليه السّلام:إن غسله فهو يجزيه و يتمضمض و يستنشق.

و سألته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتي يسيل رأسه و جسده و هو يقدر علي الماء سوي ذلك؟

قال عليه السّلام:إن كان يغسله كما يغتسل بالماء أجزأه ذلك إلا أنه ينبغي له أن يتمضمض و يستنشق،و يمر يده علي ما نالت من جسده.

و سألته عن الرجل تصيبه الجنابة فلا يقدر علي الماء فيصيبه المطر هل يجزيه ذلك؟أو عليه التيمم؟

قال عليه السّلام:إن غسله أجزأه أن لا يتيمم.

و سألته عن الرجل الجنب أو علي غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل:التيمم،أو يمسح بالثلج وجهه و جسده و رأسه؟

ص: 157

قال عليه السّلام:الثلج إن بل رأسه و جسده أفضل،فإن لم يقدر علي أن يغتسل بالثلج فليتمم.

و سألته عن الرجل أيصلح له أن يغمض عينيه متعمدا في صلاته؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا خرجت منه و لا يجد ريحا و لا يسمع صوتا كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يعيد الصلاة و الوضوء و لا يعتد بشيء مما صلي إذا علم ذلك يقينا.

و سألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده علي أنفه فخرج من المسجد متعمدا حتي خرجت الريح من بطنه،ثم عاد إلي المسجد فصلي و لم يتوضأ أيجزيه ذلك؟

قال عليه السّلام:لا يجزيه ذلك حتي يتوضأ،و لا يعتد بشيء مما صلي.

و سألته عن القيام من التشهد في الركعتين الأوليين كيف يقوم؟يضع يديه و ركبتيه علي الأرض ثم ينهض؟أو كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:كيف شاء فعل و لا بأس.

و سألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد فيجعل عمامته أو قلنسوته بين جبهته و بين الأرض؟

قال عليه السّلام:لا يصلح حتي تقع جبهته علي الأرض.

و سألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتي دخل المسجد و الإمام قائم في الصلاة كيف يصنع؟

قال عليه السّلام:يدخل في صلاة القوم و يدع الركعتين،فإذا ارتفعت الشمس قضاها.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يرفع طرفه إلي السماء و هو في صلاته؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن المرأة المغاضبة زوجها هل لها صلاة؟أو ما حالها؟

قال عليه السّلام:لا تزال عاصية حتي يرضي عنها.

و سألته عن القوم يتحدثون حتي يذهب ثلث الليل أو أكثر أيهما أفضل:أيصلون العشاء جماعة،أو في غير جماعة؟

قال عليه السّلام:يصلونها في جماعة أفضل.

و سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة بسورة النجم يركع بها ثم يقوم بغيرها.

قال عليه السّلام:يسجد بها ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ثم يركع و ذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة.

ص: 158

و سألته عن رجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق،أو أصابه شيء،هل يصلح له أن ينظر فيه و يفتشه و هو في صلاته؟

قال عليه السّلام:إن كان في مقدم الثوب أو جانبيه فلا بأس،و إن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح له.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي خلف النخلة فيها حملها؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في الكرم و فيه حمله؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن رجل مس ظهر سنور هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسل يده؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن إمام أم قوما مسافرين كيف يصلي المسافرون؟

قال عليه السّلام:يصلون ركعتين و يقوم الإمام فيتم صلاته،فإذا سلم فانصرف انصرفوا.

و سألته عن رجل هل يصلح له أن يصلي و أمامه حمار واقف؟

قال عليه السّلام:يضع بينه و بينه قصبة أو عودا أو شيئا يقيمه بينهما ثم يصلي فلا بأس.

قلت:فإن لم يفعل و صلي أيعيد صلاته؟أو ما عليه؟

قال عليه السّلام:لا يعيد صلاته و لا شيء عليه.

و سألته عن رجل جعل ثلث حجته لميت و ثلثها لحي.

قال عليه السّلام:للميت،فأما الحي فلا.

و سألته عن رجل جعل عليه أن يصوم بالكوفة شهرا و بالمدينة شهرا و بمكة شهرا فصام أربعة عشر يوما بمكة،أله أن يرجع إلي أهله فيصوم ما عليه بالكوفة؟

قال عليه السّلام:نعم لا بأس،و ليس عليه شيء.

و سألته عن رجل زوج ابنته غلاما فيه لين و أبوه لا بأس به.

قال عليه السّلام:إن لم تكن به فاحشة فيزوجه-يعني الخنث-.

و سألته عن قوم أحرار و مماليك اجتمعوا علي قتل مملوك ما حالهم؟

قال عليه السّلام:يقتل من قتله من المماليك،و تفديه الأحرار.

و سألته عن رجل قال:إذا مت ففلانة جاريتي حرة،فعاش حتي ولدت الجارية أولادا ثم مات ما حالهم؟

قال عليه السّلام:عتقت الجارية،و أولادها مماليك.

ص: 159

و سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع علي الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يقول لمملوكه:يا أخي و يا ابني،أيصلح ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الدابة تبول فيصيب بوله المسجد أو حائطه،أ يصلي فيه قبل أن يغسل؟

قال عليه السّلام:إذا جف فلا بأس.

و سألته عن الرجل يجامع أو يدخل الكنيف و عليه خاتم فيه ذكر اللّه،أو شيء من القرآن، أيصلح ذلك؟

قال عليه السّلام:لا.

و سألته عن القعود و القيام و الصلاة علي جلود السباع و بيعها و ركوبها أيصلح ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس ما لم يسجد عليها.

و سألته عن الرجل يكون عليه الصيام الأيام الثلاثة من كل شهر،أيصومها قضاء و هو في شهر لم يصم أيامه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن رجل يؤخر صوم الأيام الثّلاثة من الشهر حتي يكون في آخر الشهر فلا يدرك الخميس الآخر إلا أن يجمعه مع الأربعاء،أيجزيه ذلك؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن صوم ثلاثة أيام من الشهر يكون علي الرجل يقضيها متوالية،أو يفرق بينها؟

قال عليه السّلام:أي ذلك أحب.

و سألته عن رجل طلق أو ماتت امرأته ثم زني هل عليه رجم؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن امرأة طلقت ثم زنت بعدما طلقت سنة أو أكثر هل عليها الرجم؟

قال عليه السّلام:نعم.

و سألته عن الرجل يطوف بالبيت و هو جنب فيذكر و هو في طوافه هل عليه أن يقطع طوافه؟

قال عليه السّلام:يقطع طوافه،و لا يعتد بشي مما طاف.

و سألته عن الجنب يدخل يده في غسله قبل أن يتوضأ و قبل أن يغسل يده ما حاله؟

ص: 160

قال عليه السّلام:إذا لم يصب يده شيئا من الجنابة فلا بأس.

و قال عليه السّلام:و أن يغسل يده قبل أن يدخلها في شيء من غسله أحب إلي.

و سألته عن ولد الزنا تجوز شهادته أو يؤم قوما؟

قال عليه السّلام:لا تجوز شهادته و لا يؤم.

و سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحل لمن لقطها فرجها؟

قال عليه السّلام:لا،إنما حل له بيعها بما أنفق عليها.

و سألته عن فضل الشاة و البقر و البعير أيشرب منه و يتوضأ.

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينتضح علي الثوب ما حاله؟

قال عليه السّلام:إذا كان جافا فلا بأس.

و سألته عن الجراد يصيده فيموت بعدما يصيده أيؤكل؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الجراد يصيبه ميتا في البحر أو في الصحراء أيؤكل؟

قال عليه السّلام:لا تأكله.

و سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟

قال عليه السّلام:يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتي يخرج الماء من جانب الفراش.

و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر،فيصيب الثياب أيصلي فيها قبل أن تغسل؟

قال عليه السّلام:إذا جري من ماء المطر فلا بأس يصلي فيها.

و سألته عن الفأرة تصيب الثوب أيصلي فيه؟

قال عليه السّلام:إذا لم تكن الفأرة رطبة فلا بأس،و إن كانت رطبة فاغسل ما أصاب من ثوبك، و الكلب مثل ذلك.

و سألته عن فضل الفرس و البغل و الحمار أيشرب منه و يتوضأ للصلاة؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الصلاة علي بواري النصاري و اليهود التي يقعدون عليها في بيوتهم أيصلح؟

قال عليه السّلام:لا تصل عليها.

ص: 161

و سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمامة أو أشباهن تطأ علي العذرة ثم تطأ الثوب،أيغسل؟

قال عليه السّلام:إن كان استبان من أثره شيء فاغسله و إلا فلا بأس.

و سألته عن الدجاجة و الحمامة و العصفور و أشباهه تطأ في العذرة،ثم تدخل في الماء أيتوضأ منه؟

قال عليه السّلام:لا إلا أن يكون ماء كثيرا قدر كرّ.

و سألته عن العظاية و الوزغ و الحية تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن العقرب و الخنفساء و شبهه يموت في الجب و الدن أيتوضأ منه؟

قال عليه السّلام:لا بأس.

و سألته عن الرجل يدركه رمضان في السفر فيقيم في المكان هل عليه صوم؟

قال عليه السّلام:لا حتي يجمع علي مقام عشرة أيام،فإذا أجمع صام و أتم الصلاة.

و سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان و هو مسافر هل يقضي إذ أقام في المكان؟

قال عليه السّلام:لا حتي يجمع علي مقام عشرة أيام.

و سألته عن صلاة الكسوف ما حدها؟

قال عليه السّلام:يصلي متي ما أحب،و يقرأ ما أحب،غير أنه يقرأ و يركع،و يقرأ و يركع،و يقرأ و يركع أربع ركعات،و يسجد في الخامسة،ثم يقوم فيفعل مثل ذلك.

و سألته عن المطلقة كم عدتها؟

قال عليه السّلام:ثلاث حيض،و تعتد من أول تطليقة.

و سألته عن الرجل يطلق تطليقة أو تطليقتين ثم يتركها حتي تنقضي عدتها ما حالها؟

قال عليه السّلام:إذا تركها علي أنه لا يريدها بانت منه،فلم تحل له حتي تنكح زوجا غيره،و إن تركها علي أنه يريد مراجعتها ثم مضي لذلك منه سنة فهو أحق برجعتها.

و سألته عن الصدقة إذا لم تقبض هل تجوز لصاحبها؟

قال عليه السّلام:إذا كان أب تصدق بها علي ولد صغير فإنها جائزة لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا،و إذا كان ولدا كبيرا فلا يجوز له حتي يقبض.

و سألته عن رجل تصدق علي رجل بصدقة فلم يحزها هل يجوز ذلك؟

قال عليه السّلام:هي جائزة حيزت أو لم تحز.

ص: 162

و سألته عن رجل استأجر دابة إلي مكان فجاز ذلك فنفقت الدابة ما عليه؟

قال عليه السّلام:إذا كان جاز المكان الذي استأجر إليه فهو ضامن.

و سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟

قال عليه السّلام:إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها،و إن لم يسم فليس عليه شيء.

و سألته عن رجل استأجر دابة فوقعت في بئر فانكسرت ما عليه؟

قال عليه السّلام:هو ضامن،كان يلزمه أن يستوثق منها،و إن أقام البينة أنه ربطها و استوثق منها فليس عليه شيء.

و سألته عن بختي مغتلم (1)قتل رجلا فقام أخو المقتول فعقر البختي و قتله ما حالهم؟

قال عليه السّلام:علي صاحب البختي دية المقتول،و لصاحب البختي ثمنه علي الذي عقر بختيه.

و سألته عن رجل تحته مملوكة بين رجلين فقال أحدهما:قد بدا لي أن أنزع جاريتي منك و أبيع نصيبي،فباعه.

فقال المشتري:أريد أن أقبض جاريتي،هل تحرم علي الزوج؟

قال عليه السّلام:إذا اشتراها غير الذي كان أنكحها إياه فالطلاق بيده،إن شاء فرق بينهما،و إن شاء تركها معه،فهي حلال لزوجها،و هما علي نكاحهما حتي ينزعها المشتري،و إن أنكحها إياه نكاحا جديدا فالطلاق إلي الزوج،و ليس إلي السيد الطلاق.

و سألته عن الرجل زوج ابنه و هو صغير فدخل الابن بامرأته،علي من المهر؟علي الأب أو علي الابن.

قال عليه السّلام:المهر علي الغلام،و إن لم يكن له شيء فعلي الأب،يضمن ذلك علي ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه و هو صغير.

و سألته عن رجل حر و تحته مملوكة بين رجلين أراد أحدهما نزعها منه هل له ذلك؟

قال عليه السّلام:الطلاق إلي الزوج،لا يحل لواحد من الشريكين أن يطلّقها فيستخلص أحدهما.

و سألته عن جب ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟

قال عليه السّلام:لا يصلح.

و سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء فطبخ فيها لحم وقع فيها أوقية دم هل يصلح أكله؟

قال عليه السّلام:إذا طبخ فكل فلا بأس.ب.

ص: 163


1- البختي:الإبل الخراسانية.اغتلم البعير:هاج من شهوة الضراب.

و سألته عن فأرة وقعت في بئر فماتت هل يصلح الوضوء عن مائها؟

قال عليه السّلام:أنزع من مائها سبع دلي،ثم توضأ و لا بأس.

و سألته عن فأرة وقعت في بئر فأخرجت و قد تقطعت،هل يصلح الوضوء من مائها؟

قال عليه السّلام:ينزح منها عشرون دلوا إذا تقطعت ثم يتوضأ و لا بأس.

و سألته عن صبي بال في بئر هل يصلح الوضوء منها؟

فقال عليه السّلام:ينزح الماء كله.

و سألته عن رجل مس ميتا،عليه الغسل؟

قال عليه السّلام:إن كان الميت لم يبرد فلا غسل عليه،و إن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسه.

و سألته عن بئر صب فيها الخمر هل يصلح الوضوء من مائها؟

قال عليه السّلام:لا يصلح حتي ينزح الماء كله.

و سألته عن الصدقة يجعلها الرجل للّه مبتوتة،هل له أن يرجع فيها؟

قال عليه السّلام:إذا جعلها للّه فهي للمساكين و ابن السبيل،فليس له أن يرجع فيها.

و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه؟

قال عليه السّلام:نعم فيصلي ما أحب و يجعل ذلك للميت،فهو للميت إذا جعل له.

قال العلامة المجلسي:بيان:قوله:(قال:سألت أبي)يدل علي أن السائل في تلك المسؤولات الكاظم عليه السّلام،و المسؤول أبوه عليه السّلام،و في قرب الإسناد و سائر كتب الحديث السائل علي بن جعفر،و المسؤول أخوه الكاظم،و هو الصواب،و لعله اشتبه علي النساخ أو الرواة،و يدل عليه التصريح بسؤال علي عن أخيه في أثناء الخبر مرارا.قوله:(اللّه أعلم إن كان محمد يقولونه)كانت النسخ هنا محرفة مصحفة،و الاظهر أنه كان هكذا:(و سألته عمن يروي عنكم تفسيرا أو رواية عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في قضاء أو طلاق أو عتق أو شيء لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه من غير أن يسمّي لكم عدوا أيسعنا أن نقول في قوله:اللّه أعلم إن كان آل محمد عليهم السلام يقولونه)فكلمة (إن)نافية،و الحاصل أنه هل بجوز تكذيب مثل هذه الرواية؟

فأجاب عليه السّلام بأنه لا يجوز تكذيبه حتي يستيقن كذبه.و يحتمل أن تكون كلمة(إن)شرطية،أي إن كان آل محمد يقولونه فنحن نقول به،فالجواب أنه لا يجوز التصديق به حتي يستيقن،فالمراد باليقين ما يشمل الظن المعتبر شرعا (1).1.

ص: 164


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:268/10-إلي 291.

المحتويات

هو موسي الكاظم 5

مولد أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام 7

أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام 8

أسماء و نقش خاتم الإمام الكاظم عليه السّلام 9

سبب تسميته بالكاظم 10

ذكر أمه عليهما السّلام 10

علم الإمام الكاظم عليه السّلام بما في الضمائر 12

علم الإمام الكاظم و مدرسته عليه السّلام 13

منبع و مصدر حصول علم آل محمّد عليهم السّلام 14

*الطائفة الاولي:ما دل أن مصدر علمهم القرآن و الكتاب 14

*الطائفة الثانية:أنّ علمهم من ليلة القدر 14

*الطائفة الثالثة:أنّ علمهم من عامود النور 15

*الطائفة الرابعة:أنّ علمهم وراثة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 15

*الطائفة الخامسة:أنّ علمهم بواسطة القذف و النقر 16

*الطائفة السادسة:أنّ علمهم عليهم السّلام بالإلهام 18

*الطائفة السابعة:في أنهم عليهم السّلام محدثون 19

*الطائفة الثامنة:أن علمهم عليهم السلام بواسطة الوحي و جبرائيل 20

*الطائفة التاسعة:أنّ علمهم عليهم السلام بواسطة الروح 24

*الطائفة العاشرة:أنّ علمهم بلا واسطة بل من اللّه بالمباشرة 26

الترجيح بين الطوائف العشر 31

كيفية حصول علم آل محمد عليهم السّلام 36

الإمام الكاظم عليه السّلام في الصغر 37

تصدّق الإمام موسي الكاظم عليه السّلام 40

ص: 165

دعاؤه عليه السّلام لردّ الضالّة 40

دعاؤه عليه السّلام عند لبس الثوب الجديد و قضاء الحاجة 41

معاجز الإمام موسي الكاظم عليه السّلام 41

الجارية التي أرسلها الرشيد 45

الصورة التي أكلت الساحر 46

أسرار أبي الحسن موسي الكاظم عليه السّلام 46

كرامات ضريح الإمام موسي الكاظم عليه السّلام 48

إحياء الإمام الكاظم عليه السّلام للأموات 49

إخبار الإمام الكاظم عليه السّلام بالغيب 50

قصة حمل السحاب للطالقاني 52

معرفة الإمام الكاظم عليه السّلام باللغات 53

كلامه عليه السّلام الأسد 54

كلامه عليه السّلام للحمام 54

مكارم أخلاق الإمام الكاظم عليه السّلام 54

كرمه عليه السّلام 55

ذكر من وشي علي الإمام الكاظم عليه السّلام 55

أحوال الإمام الكاظم عليه السّلام في الحبس 56

وصيّة الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السّلام 62

وصية أبيه له عليهما السّلام 65

علم الإمام الكاظم عليه السّلام بموته 65

بحث حول علم الإمام عليه السّلام بزمان و مكان موته 66

دفع إشكال معرفة الإمام بموته 68

شهادة الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السّلام 74

النص علي الإمام أبي الحسن موسي الكاظم عليه السّلام 77

طب الإمام الكاظم عليه السّلام 80

الملوك الذين عاشرهم 81

ص: 166

جرائم هارون الرشيد 81

احتجاجات الإمام الكاظم عليه السّلام علي أرباب الملل و الخلفاء 83

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و الرشيد 83

حدود فدك 89

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و اليهود 90

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و الخليفة المهدي 91

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و نصراني 93

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و راهب 96

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و علي بن جعفر 100

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و علي بن يقطين 101

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و المنصور 103

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و نقيع الأنصاري 104

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و موسي بن المهدي 104

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و الحسين بن علي 105

بين الإمام الكاظم عليه السّلام و أبي حنيفة 106

أصحاب الإمام الكاظم عليه السّلام 107

احتجاجات أصحاب الإمام الكاظم علي المخالفين 107

بين ضرار و هشام 107

بين هشام و الرشيد 108

بين هشام و العامة 111

بين هارون الرشيد و هشام و المتكلمين 113

بين هشام و جاثليق النصرانية 117

مسائل علي بن جعفر عليه السّلام 123

ص: 167

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.