موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 12

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني عشر

هو محمّد الباقر

هو محمّد الباقر (1)

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أوّل هاشمي من هاشميّين و علويّ من علويّين و فاطمي من فاطميّين لأنّه أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين عليهم السّلام (2).

هو باقر العلم و جامعه،و شاهر علمه و رافعه،و متفوق دره و واضعه،و منمق دره و راضعه، صفا قلبه،و زكا عمله،و طهرت نفسه،و شرفت أخلاقه،و عمرت بطاعة اللّه أوقاته،و رسخت في مقام التقوي قدمه،و ظهرت عليه سمات الإزدلاف،و طهارة الإجتباء،فالمناقب تسبق إليه، و الصفات تشرف به.

قال ابن خلّكان في تاريخه:كان الباقر عالما سيّدا كبيرا،و إنّما قيل له الباقر لأنه تبقّر في العلم أي توسع و التبقر التوسع و فيه يقول الشاعر:

يا باقر العلم لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل

أقول:ذلك الشاعر القرظي.

و قال ابن حجر في الصواعق المحرقة:أبو جعفر محمّد الباقر سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها،و أثار مخبئآتها و مكامنها،فلذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف و حقائق الأحكام و اللّطائف،ما لا يخفي إلاّ علي منطمس البصيرة،أو فساد الطوية و السريرة،و من ثم قيل:هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه،صفا قلبه و زكي علمه و عمله،و طهرت نفسه و شرف خلقه، و عمرت أوقاته بطاعة اللّه،و له من الرسوخ في مقامات العارفين ما يكلّ عنه ألسنة الواصفين،و له كلمات كثيرة في السلوك و المعارف لا تحتملها هذه العجالة.

قال المفيد في الإرشاد:و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين من علم الدّين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب،ما ظهر عن أبي جعفر.و روي عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين،و صار بالفضل به علما لأهله تضرب به الأمثال،

ص: 5


1- انظر ترجمته و أخباره في تهذيب الكمال:73/17 و تهذيب التهذيب:225/5 و الوافي بالوفيات:102/4 و التاريخ الكبير:183/1/1 و الجرح و التعديل:26/1/4 و حلية الأولياء:180/3 و المعرفة و التاريخ البداية و النهاية طبقات ابن سعد:320/5 أعيان الشيعة العبر:142/1،و شذرات الذهب:149/1.
2- مناقب آل أبي طالب:338/3،و البحار:215/46 ح 13.

و تسير بوصفه الآثار و الأشعار،و فيه يقول القرظي:يا باقر العلم،البيت (1).

و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه:

إذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالا

و إن قيل أين ابن بنت النّبيّ نلت بذاك فروعا طوالا

نجوم تهلّل للمدلجين جبال تورث علما جبالا

و روي بإسناده عن الشريف أبي محمّد الحسن بن محمّد قال:حدّثني جدّي،قال:حدّثنا محمّد بن القاسم الشيباني قال:حدّثنا عبد الرحمن صالح الأزدي عن أبي مالك الجهني عن عبد اللّه بن عطاء المكّي قال:ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين،و لقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه،كأنّه صبّي بين يدي معلّمه، و كان جابر بن يزيد الجعفي إذا روي عن محمّد بن عليّ شيئا قال:حدثني وصيّ الأوصياء و وارث علوم الأنبياء محمّد بن عليّ بن الحسين (2).

قال فيه:و روي مخول بن إبراهيم عن قيس بن الرّبيع قال:سألت أبا إسحاق السبيعي عن المسح علي الخفّين فقال:أدركت النّاس يمسحون،حتّي لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قطّ، محمّد بن عليّ بن الحسين فسألته عن المسح فنهاني عنه،و قال:لم يكن عليّ أمير المؤمنين يمسح و كان يقول:سبق الكتاب المسح علي الخفّين.

قال أبو إسحاق:فما مسحت منذ نهاني عنه،قال قيس بن الربيع:و ما مسحت أنا منذ سمعت أبا إسحاق.

إلي أن قال:و كان مع ما وصفناه من الفضل في العلم و السؤدد و الرّئاسة و الإمامة،ظاهر الجود في الخاصّة و العامّة،مشهور الكرم في الكافة معروفا بالفضل و الإحسان،مع كثرة عياله و توسط حاله (3).

و قد روي أبو جعفر أخبار المبتدأ و أخبار الأنبياء و كتب عنه المغازي:و أثروا عنه السنن و اعتمدوا عليه في مناسك الحج،التي رواها عن رسول اللّه و كتبوا عنه تفسير القرآن،و روت عنه الخاصة و العامّة الأخبار،و ناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء،و حفظ عنه النّاس كثيرا من علم الكلام،و ألّف كتابا في تفسير القرآن رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية الزيديّة كذا نقل ابن النديم في الفهرست (4).2.

ص: 6


1- الأنوار البهية:135،و كشف الغمة:335/2.
2- مناقب آل أبي طالب:334/3،و البحار:286/46 ح 2.
3- كشف الغمة:339/2،و الإرشاد:166/2.
4- الإرشاد:163/2،و كشف الغمة:337/2.

و قال أبو نعيم:قمر الأقمار،و سيّد الأبرار،و نور الأنوار،و قائد الأخيار،الطهر الطاهر، و النجم الزاهر،العلم الفاخر،الناسك الذاكر،الخاشع الصابر،القانت الشاكر،العالم الباقر، السيّد الوجيه،و السيّد النبيه،المدفون عند أبيه،الخيّر الولي عند العدو و الولي،أبو جعفر محمد بن عليّ،كان من سلالة النبوة،و جمع حسب الدين و الأبوّة،تكلم في العوارض و الخطرات،و سفح الدموع و العبرات،(و اشتغل بالطاعات)،و نهي عن المراء و الخصومات(و المعقلات) (1).

و قال غيره:كان الباقر محمد بن عليّ من العلم و الزهد و لسان الحكمة محل عظيم،و له في معاني الزهد و دقائق العلوم في التوحيد كلام جمّ جسيم (2).

قال ابن عساكر في التاريخ:باقر العلم (3)من أهل المدينة.

أوفده عمر بن عبد العزيز عليه حين ولي الخلافة يستشيره في بعض أموره.روي عن أبيه، و جابر بن عبد اللّه و أنس بن مالك،و أبي سعيد الخدري و عبد اللّه بن عباس،و أبي هريرة،و عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب،و عبيد اللّه بن أبي رافع،و محمّد بن الحنفية،و سعيد بن المسيب.

و يقول محمد بن المنكدر شيخ مالك بن أنس في الباقر:ما كنت أري أنّ مثل علي بن الحسين يدع خلفا يقاربه في الفضل حتي رأيت ابنه محمدا الباقر (4).

و يقول عنه الحسن البصري:ذلك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء (5).

روي عنه:عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج،و هو أسنّ منه،و ابنه جعفر بن محمد،و الزهري، و عمرو بن دينار،و أبو إسحاق الهمداني.و عطاء بن أبي رباح،و ابن جريج،و ربيعة بن أبي عبد الرّحمن،و يحيي بن أبي كثير،و قرة بن خالد البصري،و حرب بن سريج،و أبيض بن ابان،و الحكم بن عتيبة،و جابر بن يزيد الجعفي،و أبان بن تغلب،و ليث بن أبي سليم و الحجاج بن أرطأة (6).

و قال البخاري (7)قال:محمّد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الهاشمي المدني القرشي،سمع جابر بن عبد اللّه،و أباه،سمع منه عمر بن دينار،و ابنه جعفر،قال لي عبد اللّه بن محمّد عن ابن عيينة عن جعفر قال:مات أبي و هو ابن ثمان و خمسين،و قال أبو نعيم:مات سنة أربع عشرة و مائة،و قال لي محمود:عن عبد الرزاق،و أنبأنا ابن جريج،عن عطاء،عن محمّد1.

ص: 7


1- حلية الأولياء:180/3.
2- كشف الغمة:344/2.
3- سمي بذلك لبقره العلم و توغله فيه و استنباطه الحكم و قد أشار إلي ذلك ابن كثير في البداية و النهاية:/9 309 ترجمة الإمام الباقر عليه السّلام،و ابن حجر في الصواعق:127/199.
4- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:140.
5- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:140.
6- تاريخ مدينة دمشق:268/54،و تهذيب الكمال:139/26.
7- التاريخ الكبير للبخاري:183/1/1.

بن علي بن حسين:فلقيت أنا محمّد بن علي فأخبرني أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليه عم و فرد،و قال بعضهم:

محمّد بن علي عن عمار،و توهم بعضهم أنه محمّد بن الحنفية،و الأول أصح.

و قال الحاكم قال (1):أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي المدني،و أمه أم عبد اللّه بنت حسن بن علي بن أبي طالب،سمع جابر بن عبد اللّه،و أنس بن مالك،روي عنه عطاء بن أبي رباح،و عمرو بن دينار،و الحاكم بن عتيبة.

و قال أبو نعيم في الحلية قالوا:الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و كذلك السيّد بن السيّد بن السيّد بن السيّد محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ (2).

روي عنه الفطاحل:أخوه زيد و ابنه جعفر الصادق.ثم الأوزاعي إمام الشام.و ابن جريج إمام مكة.و أبو حنيفة.و عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم شيخ مالك إمام المدينة.و حجاج بن أرطاة و مكحول بن راشد.و عمرو بن دينار.و يحيي بن كثير.و الزهري،و ربيعة الرأي شيخا مالك.

و الأعمش و القاسم بن محمد بن أبي بكر و أبان بن تغلب و جابر الجعفي و زرارة بن أعين (3).

***

في أسرار أبي جعفر الباقر عليه السّلام

قال رجب البرسي:فمن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام إذ وقع إليه و رشانان ثم هدلا فرد عليهما فطارا،فقلت:جعلت فداك ما هذه؟فقال:هذا طائر ظن في زوجته سوءا فحلفت له فقال لها:لا أرضي إلاّ بمولاي محمد بن علي عليه السّلام،فجاءت فحلفت له بالولاية أنّها لم تخنه فصدّقها،و ما من أحد يحلف بالولاية إلاّ صدّق إلاّ الإنسان،فإنّه حلاّف مهين (4).

و من ذلك ما رواه ميسر قال:قمت بباب أبي جعفر فخرجت جارية جلاسية فوضعت يدي علي رأسها فناداني من أقصي الدار:أدخل لا أبا لك فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا عنكم كما تحجب أبصاركم لكنّا نحن و إيّاكم سواء (5).

و من ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال:خرجت مع أبي جعفر عليه السّلام إلي مكان يريده فسرنا،

ص: 8


1- الأسامي و الكني للحاكم النيسابوري:38/3 رقم 999.
2- البحار:289/46 ح 12.
3- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:140.
4- بحار الأنوار:24/65 ح 40.
5- بحار الأنوار:248/46 ح 40 و فيه لا أم لك.

و إذا ذئب قد انحدر من الجبل و جاء حتي وضع يده علي قربوس السرج،و تطاول فخاطبه فقال له الإمام عليه السّلام:إرجع فقد فعلت،قال:فرجع الذئب مهرولا.

فقلت:يا سيدي ما شأنه؟

فقال:ذكر أن زوجته قد عسرت عليها الولادة فسأل لها الفرج و أن يرزقه اللّه ولدا لا يؤذي دواب شيعتنا،فقلت له:إذهب فقد فعلت،قال:ثم سرنا،و إذا قاع محدب يتوقّد حرّا،و هناك عصافير يتطايرون،و درن حول بغلته فرجوها،و قال:لا و لا كرامة،قال:ثم سار إلي مقصده،فلما رجعنا من الغد وعدنا إلي القاع و إذا العصافير قد طارت و دارت حول بغلته و رفرفت،فسمعته يقول:

إشربي و ارتوي،قال:فنظرت،و إذا في القاع ضحضاح (1)من الماء،فقلت:يا سيدي بالأمس منعتها و اليوم سقيتها؟

فقال:إعلم أن اليوم خالطتها القنابر فسقيتها،و لو لا القنابر لما سقيتها.

فقلت:يا سيدي،و مّا الفرق بين القنابر و العصافير؟

فقال:ويحك أما العصافير فإنّهم موالي الرجل (2)لأنهم منه،و أما القنابر فإنّهم موالينا أهل البيت،و إنّهم يقولون في صفيرهم:بوركتم أهل البيت عليهم السّلام،و بورك شيعتكم،و لعن اللّه أعداءكم.

ثم قال:عادانا من كل شيء حتي الطيور الفاختة و من الأيام الأربعاء (3).

قال رجب البرسي:في هذا الحديث رمز حسن يشير إلي أن كلاّ يميل إلي شكله و يفرح بنظيره،و ينبعث إلي طبعه،و إليه الإشارة بقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يعرف ولد الحرام بأكله للحرام.

و هذا أيضا رمز و هو أن ولد الحرام مادته من الحرام فهو يحب ما هو منه،و عدوّهم من الرجل فهو لا يحب إلاّ مادته،و محبّهم و وليّهم طينته منهم،و هي طينة خلق منها أولاد الحلال فلا يحبّهم إلاّ ولد الحلال،و ليس محبّهم إلاّ ولد الحلال.

و من ذلك ما رواه إسماعيل السندي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول لرجل من خراسان كان قدم إليه:كيف أبوك؟

فقال الرجل:بخير.

فقال:فأخوك؟

قال:خلفته صالحا،فقال:قد هلك أبوك بعد خروجك بيومين،و أما أخوك فقتلته جاريته يوم كذا،و قد صار إلي الجنّة.ت.

ص: 9


1- الضحضاح في الأصل ما رقّ من الماء علي وجه الأرض ما بلغ الكعبين«النهاية».
2- في البحار:عمر.
3- بحار الأنوار:272/27 ح 25 بتفاوت.

فقال الرجل:جعلت فداك،إن ابني قد خلفته وجعا،فقال:أبشر فقد بريء و زوّجه عمّه ابنته و صار له غلام و سمّاه عليا،و ليس من شيعتنا،فقال الرجل:فما إليه من حيلة؟فقال:كلا قد أخذ من صلب آدم أنه من أعدائنا فلا تغرّنك عبادته و خشوعه (1).

و من ذلك ما رواه جابر بن يزيد قال:كنّا مع أبي جعفر عليه السّلام في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز و هو غلام،و عليه ثوبان معصفران فقال أبو جعفر عليه السّلام:لا تذهب الأيام حتي يملكها هذا الغلام،و يستعمل العدل جهرا و الجور سرّا فإذا مات تبكيه أهل الأرض و يلعنه أهل السماء (2).

و من ذلك ما رواه أبو بصير قال:قال لي مولاي أبو جعفر عليه السّلام:إذا رجعت إلي الكوفة يولد ولد تسمّيه عيسي،و يولد ولد و تسمّيه محمدا و هما من شيعتنا و أسماؤهما في صحيفتنا،و ما يولّدون إلي يوم القيامة.

قال:فقلت:و شيعتكم معكم؟

قال:نعم،إذا خافوا اللّه و اتقوه و أطاعوه (3).

و من ذلك أنه دخل المسجد يوما فرأي شابّا يضحك في المسجد فقال له:تضحك في المسجد و أنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور؟فمات الرجل في أوّل اليوم الثالث،و دفن في آخره (4).

و من ذلك ما ورد في كتاب كشف الغمة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له يوما:

أنتم ذرية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:نعم.قلت:و رسول اللّه وارث الأنبياء؟

قال:نعم.قلت:و أنتم ورثة رسول اللّه؟

قال:نعم.قلت:فتقدر أن تحيي الموتي و تبريء الأكمه و الأبرص و تخبر الناس بما يأكلون، و ما يدخّرون؟

قال:نعم،بأمر اللّه،ثم قال:أدن منّي،فدنوت منه فمسح يده علي وجهي،فأبصرت السماء و الأرض،ثم مسح يده علي وجهي فعدت كما كنت لا أري شيئا (5).

***3.

ص: 10


1- بحار الأنوار:243/46 ح 31 بتفاوت كبير.
2- بحار الأنوار:251/46 ح 44 بتفاوت.
3- بحار الأنوار:274/46 ح 79.
4- المصدر نفسه.
5- بصائر الدرجات:289 ج 6 باب 3 ح 1 باب انّهم يحيون الموتي.و الهداية الكبري:243 باب 7 و بحار الأنوار:237/46 ح 13.

ذكر أمه عليهما السّلام

خليفة بن خياط قال:محمّد بن علي بن حسين بن أبي طالب يكنّي أبا جعفر،أمّه أم عبد اللّه بنت حسن بن علي بن أبي طالب،توفي سنة ثمان عشرة و مائة (1).

و عن الزبير بن بي بكر قال:فولد علي الأصغر بن الحسين:حسنا،لا بقية له،و حسينا الأكبر لا بقية له،و محمّد بن علي،و هو أبو جعفر،و عبد اللّه بن علي،و أمّهم أم عبد اللّه بنت حسن بن علي بن أبي طالب،و لأم ولد،و كان يقال لمحمد بن علي بن الحسين باقر العلم،و له يقول القرظي (2):

يا باقر العلم لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل

و له يقول مالك بن أعين الجهيني (3):

إذا طلب الناس علم القرآ ن كانت قريش عليه عيالا

و إن قيل:إنّي (4)ابن بنت الرسو ل نلت بذلك فرعا طويلا

نجوم (5)تهلّل للمدلجين جبال تورّث علما جبالا (6)

و قال محمّد بن سعد في الطبقات:قال في الطبقة الثالثة من أهل المدينة:محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب،و يكني أبا جعفر.

قال الهيثم:توفي سنة ثمان عشرة و مائة.

قال الواقدي:سنة سبع عشرة و مائة و هو ابن ثلاث و سبعين سنة،و قال أبو نعيم:توفي سنة أربع عشرة و مائة (7).

و قال و أمه أمّ عبد اللّه بنت حسن بن علي بن أبي طالب،كان ثقة،كثير الحديث.

و عن أبي الصباح،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كانت أمّي قاعدة عند جدار فتصدّع الجدار

ص: 11


1- طبقات خليفة بن خياط:444 رقم 2233.
2- سير أعلام النبلاء:4/4-4 و أخبار الدول:111 ط.بغداد.
3- سير أعلام النبلاء:404/4 و معجم الشعراء للمرزباني:366.
4- في معجم الشعراء:أين ابن بنت النبي.و في سير أعلام النبلاء:و إن قيل:ابن ابن بنت الرسول.
5- في سير أعلام النبلاء:تحوم.
6- نسب قريش للمعصب الزبيري:59-60،و ترجمة محمد بن علي الباقر من تاريخ دمشق 128:6،سر السلسلة العلوية:32،معجم الشعراء للمرزباني:268،عمدة الطالب:195،سير اعلام النبلاء 4: 404،الإتحاف:144،نور الأبصار:156،شرح الأخبار 282/3.
7- طبقات ابن سعد:320/5 و 324.

و سمعنا هدّة شديدة،فقالت بيدها:لا و حق المصطفي ما أذن اللّه لك في السقوط فبقي معلّقا في الجوّ حتي جازته فتصدّق أبي عنها بمائة دينار.

قال أبو الصباح:و ذكر أبو عبد اللّه عليه السّلام جدّته أمّ أبيه يوما فقال:كانت صدّيقة:لم تدرك في آل الحسن عليه السّلام امرأة مثلها (1).

***

مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السّلام

ولد أبو جعفر عليه السّلام سنة سبع و خمسين و قبض عليه السّلام سنة أربع عشرة و مائة و له سبع و خمسون سنة و دفن بالبقيع بالمدينة في القبر الّذي دفن فيه أبوه عليّ بن الحسين عليه السّلام و كانت أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلاهمام و علي ذرّيّتهم الهادية (2).

و قيل كانت ولادته بالمدينة في ثالث صفر من سنة سبع و خمسين للهجرة (3)قبل قتل جده الحسين عليه السّلام بثلاث سنين،و قيل غير ذلك (4).

قال أبو نصر:و كان مولده سنة ست و خمسين،و قال الذهلي:قال يحيي بن بكير-يعني- مات سنة سبع عشرة و مائة.

و قال عمرو بن علي:مات سنة أربع عشرة و مائة،و قال بعضهم:سنة سبع عشرة و الصحيح سنة أربع عشرة.

و قال أبو عسي الترمذي:مات سنة خمس عشرة و مائة.

و قال الواقدي:مات سنة سبع عشرة و مائه.

و قال ابن سعد:قال الهيثم:توفي سنة ثمان عشرة و مائة.

و قال ابن أبي شيبة:مات سنة أربع عشرة و مائة.

و قال ابن نمير:مات سنة أربع عشرة و مائة (5).

و في أعلام الوري:ولد عليه السّلام بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة غرّة رجب.

ص: 12


1- الكافي:469/1 ح 1،و البحار:366/46 ح 7.
2- الكافي:248/1 ح 4،و البحار:217/46 ح 17.
3- تاريخ ابن الخشاب:181،وفيات الأعيان 4:174 ترجمة رقم 560،الفصول المهمة:211.
4- مناقب آل أبي طالب 4:227،تهذيب التهذيب 9:301.
5- إكمال الكمال:122/6،و طبقات ابن سعد:331/6.

و قيل:الثالث من صفر و قبض عليه السّلام سنة أربع عشرة و مائة في ذي الحجّة.

و قيل:في شهر ربيع الأوّل و قد تمّ عمره سبعا و خمسين سنة.

عاش مع جدّه الحسين عليه السّلام أربع سنين و مع أبيه تسعا و ثلاثين سنة و كانت مدّة إمامته ثماني عشر سنة (1).

و قيل مات في سبع عشرة و مائة (2)و قيل:غير ذلك (3)،و قد نيف علي الستين،و قيل:غير ذلك (4)،أقام مع أبيه زين العابدين علي بن الحسين بضعا و ثلاثين سنة من عمره،و قبره بالمدينة بالبقيع (5)في القبر الذي فيه أبوه،و عم أبيه الحسن،بالقبة التي فيها العباس و قد تقدم ذكر ذلك.

***

أسماء الإمام الباقر عليه السّلام

محمد،و كنيته:أبو جعفر،و له ثلاثة ألقاب:باقر العلم،و الشاكر،و الهادي (6).

و أشهرها الباقر،و سميّ بذلك لتبقره في العلم،و هو توسّعه فيه (7).

و سمّاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الباقر،و أهدي إليه سلامه علي لسان جابر بن عبد اللّه،فقال:(يا جابر إنّك تعيش حتي تدرك رجلا من أولادي إسمه إسمي يبقر العلم بقرا،فإذا رأيته فأقرئه مني السلام) (8).

و هذه منقبة لم يشركه فيها أحد من الآل و الأصحاب،بل تفرّد بها من بين الأحباب.

و للباقر عن جابر بن عبد اللّه،و أبي سعيد الخدري،و ابن عباس،و أبي هريرة،و الحسن، و الحسين رضي اللّه عنهم رواية (9).

***

ص: 13


1- البحار:212/46 ح 1،و أعلام الوري:498/1.
2- الطبقات الكبري:324/5،مناقب آل أبي طالب:227/4،صفة الصفوة:112/2.
3- تاريخ ابن الخشاب:181،صفة الصفوة:112/2.
4- تاريخ ابن الخشاب:181،الطبقات الكبري:324/5.
5- تاريخ ابن الخشاب:184.
6- تاريخ ابن الخشاب:184،مناقب آل أبي طالب:227/4.
7- انظر لسان العرب:74/4(بقر).
8- تاريخ ابن الخشاب:183،ترجمة محمد بن علي من تاريخ دمشق:22/134 و 26،مطالب السؤول:/2 106،تذكرة الخواص:337،الفصول المهمة:197.
9- انظر:صفة الصفوة:112/2،المنتظم:161/7،تذكرة الخواص:341.

النبي يقرء الباقر السلام من الله

عن عبد الرّحمن بن كثير،عن جعفر بن محمّد قال:قال أبو جعفر محمّد بن علي:أجلسني جدي الحسين بن علي في حجره و قال لي:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقرئك السلام.و قال علي بن الحسين:

أجلسني علي بن أبي طالب في حجرة و قال لي:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقرئك السلام (1).

عن أبان بن تغلب،عن محمّد بن علي قال:أتاني جابر بن عبد اللّه و أنا في الكتّاب فقال لي:

اكشف عن بطنك،فألزق بطنه ببطني و قال لي:أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن أقرئك السلام (2).

و عن أبي الزبير قال:كنا عند جابر بن عبد اللّه فدخل عليه علي بن الحسين و معه ابنه،فقال جابر من هذا يابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:ابني محمد،فضمّه جابر إليه و بكي،ثم قال:اقترب أجلي يا محمد،رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقرئك السلام،فسئل و ما ذاك؟

قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول للحسين بن علي عليه السّلاهمام:«إنه يولد لابني هذا ابن يقال له علي بن الحسين،و هو سيد العابدين،إذا كان يوم القيامة ينادي مناد:ليقم سيد العابدين،فيقوم علي بن الحسين،و يولد لعلي بن الحسين ابن يقال له:محمد،إذا رايته يا جابر فأقرئه منّي السلام.

يا جابر،إعلم أنّ المهدي من ولده،و اعلم يا جابر أن بقاءك بعده قليل» (3).

فما لبث جابر بعد ذلك اليوم إلاّ بضعة عشر يوما حتي توفي (4).

و في بشائر المصطفي عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يوشك أن تبقي حتّي تلقي ولدا من الحسين يقال له محمّد الباقر يبقر علم الدّين بقرا فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام (5).

و في القاموس:بقره شقّه و وسعه و الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين لتبحّره في العلم.

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال ذات يوم لجابر:إنّك ستبقي حتّي تلقي ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، فدخل جابر إلي عليّ بن الحسين فوجد محمّدا بن عليّ عنده غلاما فقال له:يا غلام اقبل فأقبل ثمّ قال له:أدبر.

ص: 14


1- منتخب كنز العمال:330/5،و سير أعلام النبلاء:404/4.
2- الكامل في ضعفاء الرجال:411/6 في ترجمة مفضل بن صالح النحاس.
3- مجمع الزوائد:22/10 عن الطبراني و لسان الميزان:190/5 و المعجم الأوسط:304/6 بتفاوت.
4- الفصول المهمة:197،و نور الأبصار:192.
5- البحار:222/46 ح 6،و إعلام الوري:505/1.

فقال جابر:شمائل رسول اللّه و ربّ الكعبة.

قال عليّ بن الحسين:هذا ابني محمّد الباقر،فوقع علي قدميه يقبّلهما و يقول:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقرأ عليك السلام فقال:يا جابر علي رسول اللّه السلام و عليك بما بلّغت (1).

و في حديث آخر أنّه لقيه في بعض سكك المدينة.

و في رواية أخري أنّه رآه مع الصبيان في المكتب و أنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام أمره بالاحتجاب بعد ذلك خوفا عليه من الشهرة و الحسد.

و عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي أنّه قال:كنا عند جابر بن عبد اللّه فأتاه علي بن الحسين و معه ابنه محمد و هو صبي،فقال علي لابنه محمد:(قبّل رأس عمك)فدنا محمد من جابر فقبّل رأسه.

فقال جابر:من هذا؟و كان قد كفّ بصره.

فقال علي:(هذا إبني محمد).

فضمه جابر إليه و قال:يا محمد،محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقرأ عليك السلام.

فقال لجابر:كيف ذلك يا أبا عبد اللّه.

فقال:كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الحسين في حجره و هو يلاعبه،فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:(يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي،إذا كان يوم القيامة نادي مناد:ليقم سيد العابدين.فيقوم علي بن الحسين،و يولد لعلي ابن يقال له محمد،يا جابر إن رأيته فأقرئه مني السلام،و اعلم أنّ بقاءك بعد رؤيته يسير) (2).

فلم يعش جابر بعد ذلك إلاّ قليلا،و مات رضي اللّه عنه.

و في كتاب الخرائج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ جابر بن عبد اللّه كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان منقطعا إلينا أهل البيت و كان يقعد في مسجد الرسول فيقول:يا باقر يا باقر و أهل المدينة يقولون:جابر يهجر فيقول:لا و اللّه لا أهجر و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّك ستدرك رجلا منّي اسمه اسمي و شمائله شمائلي يبقر العلم بقرا فذلك الذي دعاني إلي ما أقول،ثمّ إنّه أدركه و أبلغه سلام جدّه و كان جابر يأتيه طرفي النهار فلم يلبث أن مضي عليّ بن الحسين عليه السّلاهمام و كان محمّد بن علي يأتيه لصحبته لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجلس الباقر يحدّثهم عن اللّه فقال أهل المدينة:ما رأينا أحدا قط أجرأ من هذا،فلمّا رأي ما يقولون حدّثهم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال أهل المدينة:ما رأينا أحدا أكذب3.

ص: 15


1- أمالي الصدوق:435 ح 9،و الكافي:469/1 ح 2.
2- تاريخ ابن الخشاب:183،مختصر تاريخ دمشق:78/23،الفصول المهمة:211،تذكرة الخواص: 303.

من هذا يحدّث عمّن لم يره،فلمّا رأي ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه فصدّقوه و كان جابر و اللّه يأتيه فيتعلّم منه (1).

قال السيد نعمة اللّه الجزائري في رياض الأبرار:ينبغي أن يحمل قوله:حدّثهم عن جابر يعني عن علومه التي يحملها عن المعصومين عليهم السّلام كان يقول عن جابر و لا يقول حدّثني جابر،لأنّ كلّما كان يحدّث به عليه السّلام لم يسمعه عن جابر و يجوز أن يكون أخذ من إجازة عامة كأن يكون قال له:إنّي أحدّث عنك تلطّفا إلي تصديق الناس و هذا جائز في علم الدراية و حمله علي ظاهره ممكن أيضا بأن يكون عليه السّلام سمع من جابر كلّما كان يحدّث به أوّل الأمر،و ذلك أنّ الناس من أهل المدينة و غيرهم إنّما قالوا ذلك القول في ابتداء الأمر فلمّا تحقّقوا سعة علمه و اعتراف جابر بالعجز عنه و إنّه كان يأخذ العلم عنه،أقبلوا إلي تصديقه ممّا يحكيه عن اللّه و رسوله و عن عليّ بن أبي طالب و الحسين عليه السّلاهمام.

و يرشد إليه ما رواه أبو جعفر بن بابويه في حديث طويل قال فيه:بم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلّم فربما غلط جابر فيما يحدّث به عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيرد عليه و يذكّره فيقبل ذلك منه و يرجع إلي قوله و كان يقول:يا باقر يا باقر أشهد باللّه إنّك قد أوتيت الحكم صبيّا (2).

و عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت و كان يقعد في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو معتجر (3)بعمامة سوداء و كان ينادي يا باقر العلم،يا باقر العلم،فكان أهل المدينة يقولون:جابر يهجر،فكان يقول:لا و اللّه ما أهجر و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّك ستدرك رجلا منّي إسمه إسمي و شمائله شمائلي،يبقر العلم بقرا،فذاك الّذي دعاني إلي ما أقول.

قال:فبينا جابر يتردّد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مرّ بطريق في ذاك الطريق كتّاب،فيه محمّد بن عليّ،فلمّا نظر إليه قال:يا غلام أقبل فأقبل ثمّ قال له:أدبر فأدبر ثمّ قال:شمائل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الّذي نفسي بيده:يا غلام ما اسمك؟

قال:إسمي محمّد بن عليّ بن الحسين،فأقبل عليه يقبّل رأسه و يقول:بأبي أنت و أمّي أبوك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقرئك السّلام و يقول ذلك.

قال:فرجع محمّد بن عليّ بن الحسين إلي أبيه و هو ذعر فأخبره الخبر،فقال له:يا بنيّ و قد فعلها جابر قال:نعم قال:إلزم بيتك يا بنيّ فكان جابر يأتيه طرفي النّهار و كان أهل المدينة يقولون:ه.

ص: 16


1- الخرائج و الجرائح:279/1،و الكافي:469/1 ح 2.
2- علل الشرائع:234/1 ح 1.
3- الاعتجار هو أن يلف العمامة علي رأسه و يرد طرفها علي وجهه و لا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.

وا عجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النّهار و هو آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يلبث أن مضي عليّ ابن الحسين عليه السّلاهمام فكان محمّد بن عليّ يأتيه علي وجه الكرامة لصحبته لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:فجلس عليه السّلام يحدّثهم عن اللّه تبارك و تعالي،فقال أهل المدينة:ما رأينا أحدا أجرأ من هذا، فلمّا رأي ما يقولون حدّثهم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال أهل المدينة:ما رأينا أحدا قطّ أكذب من هذا يحدّثنا عمّن لم يره،فلمّا رأي ما يقولون،حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه.

قال:فصدّقوه و كان جابر بن عبد اللّه يأتيه فيتعلّم منه (1).

***

الآيات النازلة في الإمام الباقر عليه السّلام

تقدم جملة من الآيات النازلة في الإمام الباقر و غيره من الأئمة عليهم السلام في تاريخ ما تقدم من الأئمة،و روي عن سلمة بن كهيل،في قوله: لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (2)قال:كان أبو جعفر منهم (3).

***

ما نسب للإمام الباقر عليه السّلام من الشعر

و عن قيس بن النعمان:خرجت يوما إلي بعض مقابر المدينة،فإذا أنا بصبي جالس عند قبر يبكي بكاء شديدا،و إنّ وجهه ليلقي شعاعا من نور،فأقبلت عليه،فقلت:أيها الصبي،ما الذي عقلت له من الحزن حتي أفردك بالخلوة في مجالب الموتي و البكاء علي أهل البلاء و أنت بغو الحداثة مشغول عن اختلاف الأزمان و حنين الأحزان،فرفع رأسه و طأطأه،و أطرق ساعة لا يحير جوابا،ثم رفع رأسه و هو يقول:

إنّ الصبي صبي العقل لا صغر أزري بذي العقل فينا لا و لا كبر

ثم قال لي:ما هذا،إنك خليّ الذرع (4)من الفكر،سليم الأحشاء من الحرقة،أمنت تقارب الأجل بطول الأمل،إن الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلاء،يذكر قول اللّه عز و جل: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلي رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (5).

فقلت:بأبي أنت و أمي،من أنت؟فإنّي لأسمع كلاما حسنا.

ص: 17


1- الكافي:470/1 ح 2،و الخرائج و الجرائح:280/1.
2- من الآية 75 من سورة الحجر.
3- سير أعلام النبلاء:405/4.
4- الذرع:الخلق.
5- سورة يس،الآية:51.

فقال:إنّ من شقاوة أهل البلاء قلّة معرفتهم بأولاد الأنبياء،أنا محمّد بن علي بن الحسين بن علي،و هذا قبر أبي،فأيّ أنس آنس من قربه،و أي وحشة تكون معه،ثم أنشأ يقول:

ما غاض دمعي عند نازلة إلاّ جعلتك للبكا سببا

إنّي أجل ثري حللت به من أن أري لسواك مكتئبا

فإذا ذكرتك سامحتك به منّي الدموع ففاض فانسكبا

قال قيس:فانصرفت و ما تركت زيارة القبور مذ ذاك (1).

***

أولاد الإمام الباقر عليه السّلام

جعفر و هو الصادق،و عبد اللّه،و إبراهيم،و أم سلمة (2).

و قيل:كان أولاده أكثر من ذلك (3).

و في اعلام الوري،كان أولاده عليه السّلام سبعة منهم أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد و كان يكنّي به و عبد اللّه بن محمّد أمّهما أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر،و إبراهيم و عبيد الله ماتا في حياته عليه السّلام أمّهما أمّ حكيم الثقفية و عليّ و زينب لامّ ولد و أمّ سلمة لامّ ولد (4).

و في كتاب البشائر إنّه لم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفر الإمامة إلاّ في الصادق عليه السّلام خاصّة (5).

و كان أخوه عبد اللّه يشار إليه بالفضل و الصلاح و دخل علي بعض بني أميّة فأراد قتله فقال:لا تقتلني أكن للّه عليك عونا و اتركني أكن لك علي اللّه عونا يريد بذلك أنّه ممّن يشفع إلي اللّه فيشفّعه فلم يقبل ذلك منه و قال:لست هناك و سقاه السمّ.

و في المناقب له أولاد سبعة درجوا كلّهم إلاّ أولاد الصادق عليه السّلام (6).

***

ص: 18


1- تاريخ مدينة دمشق:282/54.
2- تاريخ ابن الخشاب:184.
3- الطبقات الكبري:320/5،تذكرة الخواص:341،مناقب آل أبي طالب:228/4،صفة الصفوة:/2 180.
4- الإرشاد:176/2،و كشف الغمة:343/2.
5- الإرشاد:176/2.
6- مناقب آل أبي طالب:340/3،و البحار:366/46 ح 5.

شهادة الإمام الباقر عليه السّلام

عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قبض محمّد بن عليّ الباقر و هو ابن سبع و خمسين سنة،في عام أربع عشرة و مائة،عاش بعد عليّ بن الحسين عليه السّلاهمام تسع عشرة سنة و شهرين.

قال الصدوق:سمّه إبراهيم بن الوليد،و قال بعض أرباب السير:سمه،عند علماء الشيعة، هشام بن عبد الملك بن مروان عليه اللعنة و الخذلان (1).

و كان له حين قتل أبوه عليهما السّلام اثنتان و عشرون سنة.

قال أبو جعفر بن بابويه و السيّد ابن طاووس:سمّه إبراهيم بن الوليد (2).

و في حديث آخر سمّه هشام بن عبد الملك،و لا منافاة لأنّه يمكن أن إبراهيم سمّه بأمر الخليفة هشام عمّه عليهما لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين (3).

و في السرائر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله و كفنه و دخوله قبره قال:قلت:يا أبتاه ما أري عليك أثر الموت؟

قال:يا بني أما سمعت عليّ بن الحسين ناداني من وراء الجدران يا محمّد تعال عجّل (4).

***

وصايا الإمام الباقر عليه السّلام

اشارة

و في الكاف ي عنه عليه السّلام قال:إنّ أبي قال لي ذات يوم في مرضه:يا بني أدخل أناسا من قريش من أهل المدينة حتّي أشهدهم قال:فأدخلت عليه أناسا منهم فقال:يا جعفر إذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و ارفع قبري أربع أصابع و رشّه بالماء،فلمّا خرجوا قلت:يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته و لم ترد أن أدخل عليك قوما تشهدهم.

قال:يا بني أردت أن لا تنازع (5)يعني في سنن الغسل أو في الإمامة،لأنّ هذه الوصيّة مستلزمة لتلك الوصية.

و روي أنّه عليه السّلام أوصي بثمانمائة درهم لمأتمه و كان يري ذلك من السنّة،لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:اتّخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا (6).

ص: 19


1- شرح أصول الكافي:240/7،و البحار:216/46 ح 15.
2- شرح أصول الكافي:240/7،و البحار:216/46 ح 15.
3- البحار:153/46 ح 14،و الأنوار البهية::127.
4- بصائر الدرجات:502 ح 6،و البحار:213/46 ح 5.
5- الكافي:200/3 ح 5،و البحار:214/46 ح 9.
6- الكافي:217/3 ح 4،و البحار:215/46 ح 10.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:قال لي أبو جعفر:أوقف من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني أيّام مني.

قال السيد نعمة اللّه الجزائري في رياض الأبرار:يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالي:إنّ مني لمّا كانت موضعا لاجتماع الشيعة أراد عليه السّلام أن يناح و يبكي عليه في ذلك المحلّ إعزازا و احتراما له و تحصيلا للثواب لشيعته الباكين عليه و لعلّ وجه التخصيص بالعشر سنين إرادة استقصاء شيعته النائيين في البلاد لإمكانه في امتداد هذا الوقت غالبا.

و قال أبو جعفر محمّد بن علي:أوصاني أبي فقال:لا تصحبن خمسة،و لا تحادثهم و لا ترافقهم في طريق.

قال:قلت:جعلت فداك يا أبة،من هؤلاء الخمسة؟

قال:لا تصحبن فاسقا فإنه بايعك بأكلة فما دونها.

قال:قلت:يا أبة،و ما دونها.

قال:يطمع فيها ثم لا ينالها.

قال:قلت:يا أبة،و من الثاني؟

قال:لا تصحين البخيل،فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه.

قال:قلت:يا أبة،و من الثالث؟

قال:لا تصحبن كذّابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب،و يقرّب منك البعيد.

قلت:يا أبة،و من الرابع؟

قال:لا تصحبن الأحمق،فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك.

قال:قلت:يا أبة،و من الخامس؟

قال:لا تصحبن قاطع رحم،فإني وجدته ملعونا في كتاب اللّه عزّ و جلّ في ثلاثة مواضع (1).

و عن عبد اللّه بن مسافر (2)قال:قال أبو جعفر عليه السّلام في العشيّة التي اعتلّ فيها من ليلتها-و هي الليلة التي توفّي فيها-:يا عبد اللّه،ما أرسل اللّه نبيّا من أنبيائه إلي أحد حتي أخذ عليه ثلاثة أشياء.

قلت:أيّ شيء هي يا سيّدي؟م.

ص: 20


1- حلية الأولياء:183/3-184.
2- لم أجد له ذكرا في كتب الرجال،و في البصائر:عن أبي مسافر،و هو أيضا اشتباه ظاهرا،و الصحيح:أبو مساور الذي عدّه الشيخ و البرقي من أصحاب الجواد عليه السّلام.

قال:الإقرار له بالعبوديّة و الوحدانيّة،و أنّ اللّه تعالي يقدّم ما يشاء و يؤخّر ما يشاء،و نحن قوم أو نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا (1)نقلنا إليه (2).

عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:مرض أبو جعفر عليه السّلام مرضا شديدا فخفت (3)عليه،فقال:ليس عليّ من مرضي هذا بأس.

قال:ثمّ مكث (4)ما شاء اللّه،ثمّ اعتلّ علّة خفيفة فجعل يوصينا.

ثمّ قال:يا بنيّ،أدخل عليّ نفرا من أهل المدينة حتي أشهدهم،فقلت له:يا أبة (5)،ليس عليك بأس.

فقال:يا بنيّ،إنّ الذي جاءني فأخبرني أنّي لست بميّت في مرضي ذلك هو الذي أخبرني أنّي ميّت في مرضي هذا (6).

***

وصيّة الإمام الباقر عليه السّلام للشيعة

قال الإمام الباقر عليه السّلام قال:يا معشر الشيعة!خاصموا بسورة إنّا أنزلناه تفلحوا،فو اللّه إنّها لحجّة اللّه تبارك و تعالي علي الخلق بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.و إنّها لسيّدة دينكم،و إنّها لغاية علمنا،يا معشر الشيعة خاصموا ب حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ (7)فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

يا معشر الشيعة!يقول اللّه تبارك و تعالي وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (8)قيل:يا أبا جعفر نذيرها محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:صدقت،فهل كان نذير و هو حيّ من البعثة في أقطار الأرض؟فقال السائل:لا.

قال أبو جعفر عليه السّلام:أرأيت بعيثه أليس نذيره كما أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بعثته من اللّه عزّ و جلّ نذير؟فقال:بلي.

قال:فكذلك لم يمت محمّد إلاّ و له بعيث نذير.

ص: 21


1- في نسخة:إذا تمّ لنا الدنيا.
2- أخرجه في البحار:113/4 ح 34 و ج 286/27 ح 3 عن بصائر الدرجات:481 ح 4.
3- في مدينة المعاجز:فخفنا.
4- في مدينة المعاجز:ثمّ سكت.
5- في مدينة المعاجز:فقلت:يا أبتا.
6- عنه مدينة المعاجز:79/5 ح 1484 و إثبات الهداة:109/3 ح 114.
7- الكافي:249/1 ح 6،و تأويل الآيات:824/2.
8- سورة فاطر،الآية:24.

قال:فإن قلت:لا؛فقد ضيّع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من في أصلاب الرجال من أمّته قال:و ما يكفيهم القرآن؟

قال:بلي إن وجدوا له مفسّرا.

قال:و ما فسّره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:بلي قد فسّره لرجل واحد و فسّر للأمّة شأن ذلك الرّجل و هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

قال السائل:يا أبا جعفر كان هذا أمر خاصّ لا يحتمله العامّة.

قال:أبي اللّه أن يعبد إلاّ سرّا حتّي يأتي إبّان أجله الذي يظهر فيه دينه كما أنّه كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مع خديجة مستترا حتّي أمر بالإعلان.

قال السائل:ينبغي لصاحب هذا الدّين أن يكتم؟

قال:أو ما كتم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يوم أسلم مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي ظهر أمره؟

قال:بلي.

قال:فكذلك أمرنا حتّي يبلغ الكتاب أجله (1).

و عن ضريس الكناسي قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول-و عنده أناس من أصحابه-:عجبت من قوم يتولّونا و يجعلونا أئمّة و يصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ يكسرون حجّتهم و يخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم،فينقصونا حقّنا و يعيبون ذلك علي من أعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا و التسليم لأمرنا،أترون أنّ اللّه تبارك و تعالي افترض طاعة أوليائه علي عباده،ثمّ يخفي عنهم أخبار السماوات و الأرض و يقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟!فقال له حمران:جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهم السّلام و خروجهم و قيامهم بدين اللّه عزّ ذكره و ما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم و الظفر بهم حتّي قتلوا و غلبوا؟فقال أبو جعفر عليه السّلام:يا حمران إنّ اللّه تبارك و تعالي قد كان قدّر ذلك عليهم و قضاه و أمضاه و حتمه علي سبيل الإختيار ثمّ أجراه.

فبتقدّم علم إليهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قام عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام:و بعلم صمت من صمت منّا و لو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه عزّ و جلّ و إظهار الطواغيت عليهم سألوا اللّه عزّ و جلّ أن يدفع عنهم ذلك و ألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت و ذهاب ملكهم، إذا لأجابهم و دفع ذلك عنهم،ثمّ كان انقضاء مدّة الطواغيت و ذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد،و ما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه،لا لعقوبة معصية خالفوا اللّه2.

ص: 22


1- الكافي:250/1 ح 6،و البحار:73/25 ح 62.

فيها،و لكن لمنازل و كرامة من اللّه أراد أن يبلغوها،فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم (1).

عن أبي الجارود قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:فرض اللّه عزّ و جلّ علي العباد خمسا، أخذوا أربعا و تركوا واحدا.

قلت:أتسمّيهنّ لي جعلت فداك؟فقال:الصلاة،و كان الناس لا يدرون كيف يصلّون،فنزل جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمّد أخبرهم بمواقيت صلاتهم،ثمّ نزلت الزكاة فقال:يا محمّد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم،ثمّ نزل الصّوم فكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان يوم عاشوراء بعث إلي ما حوله من القري فصاموا ذلك اليوم فنزل[صوم]شهر رمضان بين شعبان و شوّال،ثمّ نزل الحجّ فنزل جبرئيل عليه السّلام فقال:أخبرهم من حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم،ثمّ نزلت الولاية و إنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة،ثمّ أنزل اللّه عزّ و جلّ اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و كان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال عند ذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أمّتي حديثو عهد بالجاهلية و متي أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل و يقول قائل-فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني-فأتتني عزيمة من اللّه عزّ و جلّ بتلة (2)أو عدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني،فنزلت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ،إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (3)فأخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيد علي عليه السّلام فقال:

[يا]أيّها الناس إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلاّ و قد عمّره اللّه،ثمّ دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعي فأجيب و أنا مسؤول و أنتم مسؤولون،فماذا أنتم قائلون؟

فقالوا:نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت و أدّيت ما عليك فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين، فقال:اللهمّ اشهد-ثلاث مرّات-ثمّ قال:يا معشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب (4).

قال أبو جعفر عليه السّلام:كان و اللّه[علي عليه السّلام]أمين اللّه علي خلقه و غيبه و دينه الذي ارتضاه لنفسه،ثمّ إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حضره الذي حضره فدعا عليّا فقال:يا عليّ إنّي أريد أن أئتمنك علي ما إئتمنني اللّه عليه من غيبه و علمه و[من]خلقه و من دينه الذي ارتضاه لنفسه،فلم يشرك و اللّه فيها-يا زياد-أحدا من الخلق،ثمّ إنّ عليّا عليه السّلام حضره الذي حضره فدعا ولده و كانوا اثني عشر ذكرا فقال لهم:يا بنيّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أبي إلاّ أن يجعل فيّ سنّة من يعقوب و إنّ يعقوب دعا ولده و كانوا اثني عشر ذكرا،فأخبرهم بصاحبهم،ألا و إنّي أخبركم بصاحبكم،ألا إنّ هذين ابنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم5.

ص: 23


1- دعوات الراوندي:297،و الكافي:262/1.
2- أي مقطوعة.
3- سورة المائدة،الآية:67.
4- الكافي:290/1 ح 5.

الحسن و الحسين عليه السّلاهمام فاسمعوا لهما و أطيعوا و وازروهما فإنّي قد إئتمنتهما علي ما إئتمنني عليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ممّا إئتمنه اللّه عليه من خلقه و من غيبه و من دينه الذي ارتضاه لنفسه،فأوجب اللّه لهما من عليّ عليه السّلام ما أوجب لعليّ عليه السّلام من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يكن لأحد منهما فضل علي صاحبه إلاّ بكبره و إنّ الحسين كان إذا حضر الحسن عليه السّلاهمام لم ينطق في ذلك المجلس حتّي يقوم.

ثمّ إن الحسن عليه السّلام حضره الذي حضره فسلّم ذلك إلي الحسين عليه السّلام،ثمّ إنّ حسينا حضره الذي حضره فدعا ابنته الكبري فاطمة بنت الحسين عليه السّلام فدفع إليها كتابا ملفوفا و وصيّة ظاهرة و كان عليّ بن الحسين عليه السّلاهمام مبطونا لا يرون إلاّ أنّه لما به،فدفعت فاطمة الكتاب إلي عليّ بن الحسين ثمّ صار و اللّه ذلك الكتاب إلينا (1).

***

فضل زيارة محمّد بن علي الباقر عليه السّلام

في الكافي عن أبي علي الأشعري،عن عبد اللّه بن موسي،عن الحسن بن علي الوشاء قال:

سمعت الرضا عليه السّلام يقول:إنّ لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إنّ من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة (2).

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،عن صالح بن عقبة،عن زيد الشحام.

قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار أحدا منكم؟

قال:كمن زار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (3).

الصدوق رفعه إلي الصادق عليه السّلام انّه قال:من زار واحدا منّا كان كمن زار الحسين عليه السّلام (4).

الطوسي بإسناده،عن محمّد بن أحمد بن داود،عن أحمد بن محمّد بن سعيد،عن أحمد بن يوسف،عن هارون بن مسلم،عن أبي عبد اللّه الحراني قال قلت:لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:من أتاه و زاره و صلي عنده ركعتين كتب له حجة مبرورة فإن صلي عنده أربع ركعات كتب له حجة و عمرة.

ص: 24


1- الكافي:291 ح 6،و شرح أصول الكافي:123/6.
2- الكافي:567/4 ح 2.
3- الكافي:579/4 ح 1.
4- ثواب الأعمال:123.

قلت:جعلت فداك و كذلك لكلّ من زار إماما مفترضة طاعته؟

قال:و كذلك كلّ من زار إماما مفترضة طاعته (1).

الطوسي رفعه إلي الصادق عليه السّلام انّه قال:من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا (2).

الطوسي رفعه إلي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السّلاهمام أنّه قال:من زار جعفرا أو أباه عليه السّلاهمام لم يشتك عينه و لم يصبه سقم و لم يمت مبتلي (3).

***

نقش خواتيمه عليه السّلام

عيون الأخبار و الأمالي عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره، و كان عليّ بن الحسين يتختّم بخاتم أبيه الحسين عليه السّلام و كان محمّد بن عليّ يتختّم بخاتم الحسين عليه السّلام.

و عنه عليه السّلام في عيون الأخبار كان علي خاتم محمّد بن عليّ عليه السّلاهمام:ظنّي باللّه حسن و بالنبي المؤتمن و بالوصيّ ذي المنن و بالحسين و الحسن.

و في التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نقش خاتم أبي«العزّة للّه جميعا».

و عن محمّد بن جعفر قال أبي جعفر بن محمّد قال:كان نقش خاتم أبي محمّد بن علي:القوة للّه جميعا (4).

و نقل الثعلبي في تفسيره أنّ الباقر عليه السّلام كان نقش خاتمه هذه:

ظني باللّه حسن و بالنبي المؤتمن

و بالوصي ذي المنن و بالحسين و الحسن

رواها بسنده في تفسيره متصلا إلي إبنه الصادق (5).

***

ص: 25


1- التهذيب:79/6 ح 4.
2- التهذيب:78/6.
3- التهذيب:78/6.
4- تاريخ جرجان:419 رقم 620.
5- تفسير الثعلبي(مخطوط):209 في تفسير آية المودة من سورة الشوري.

صفة الإمام الباقر عليه السّلام

في فصول المهمّة:كان عليه السّلام أسمر معتدلا (1).

قال السيد نعمة اللّه الجزائري في رياض الأبرار:تقدّم في تضاعيف أبواب هذا الكتاب أنّ الإمام يجب أن يكون أصبح الناس و أحسنهم خلقا و خلقا و هذه السمرة إمّا أنّها لا تنافي الحسن الفائق و إمّا أن يكون راجعا إلي ما سبق تحقيقه في الأخبار من أنّ أغلب الناس كانوا يشاهدونه علي هذه الصفة لحكم و مصالح و الواقع غير هذا كما سيأتي في حديث الجواد عليه السّلام مع زوجته أمّ الفضل بنت المأمون (2).

***

وصيّة الإمام زين العابدين للباقر عليه السّلام

في البصائر عن الصادق قال:لمّا حضر عليّ بن الحسين الموت أخرج السفط أو الصندوق عنده فقال:يا محمّد إحمل هذا الصندوق فحمل بين أربعة فلمّا توفّي جاء اخوته يدّعون في الصندوق،فقالوا:أعطنا نصيبا من الصندوق،فقال:و اللّه ما لكم فيه شيء و كان في الصندوق سلاح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كتبه (3).

و في كتاب النصوص مسندا إلي عليّ بن الحسين عليه السّلاهمام إنّه قال في مرض موته:و اعلم يا بني إنّ صلاح الدّنيا بحذافيرها في كلمتين إصلاح شأن المعائش ملء مكيال ثلثاه فطنة و ثلثه تغافل،لأنّ الإنسان لا يتغافل إلاّ عن شيء قد عرفه ففطن له (4).

***

كراماته عليه السلام

إحياء الإمام الباقر عليه السّلام للأموات

الأمالي،كان رجل من أهل الشام يختلف إلي أبي جعفر عليه السّلام و يقول:يا محمّد لا تري أنّي أتي مجلسك حبّا لك و لا أقول أنّ أحدا في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت و اعلم أنّ طاعة اللّه و رسوله و أمير المؤمنين في بغضكم و لكن أراك رجلا فصيحا لك أدب و حسن لفظ فإنّما اختلافي إليك لهذا.

ص: 26


1- الفصول المهمة:197،و البحار:222/46.
2- رياض الأبرار،مخطوط.
3- بصائر الدرجات:200 ح 18،و البحار:212/26 ح 25.
4- مستدرك الوسائل:38/9 ح 6،و البحار:231/46.

و كان أبو جعفر عليه السّلام يقول له خيرا فلم يلبث الشامي حتّي مرض فلمّا ثقل دعي وليّه و قال له:

إذا أنا متّ فأت محمّد بن عليّ و سله أن يصلّي عليّ و أعلمه أنّي أمرتك بذلك.

فلمّا كان نصف الليل مات و برد جسده فلمّا أصبح أتي إليه و قال:يا أبا جعفر إنّ فلان الشامي قد مات و سألك أن تصلّي عليه فقال:كلاّ،إنّ بلاد الشام باردة و الحجاز بلاد حرّ فلا تعجلن حتّي آتيكم فصلّي ركعتين ثمّ دعي اللّه تعالي ثمّ سجد حتّي طلعت الشمس،ثمّ قام إلي منزل الشامي فدعاه فأجابه ثمّ أجلسه و دعي له بسويق فسقاه و قال لأهله:إملأوا جوفه و برّدوا صدره بالطعام البارد ثمّ انصرف فعوفي الشامي فأتي أبا جعفر عليه السّلام فقال:أخلني فأخلاه،فقال:أشهد أنّك حجّة اللّه علي خلقه و من أتي غيرك خسر و ضلّ،أشهد أنّي عهدت بروحي و عاينت بعيني و سمعت مناديا ينادي ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمّد بن عليّ.

فقال له:أما علمت أنّ اللّه يحبّ العبد و يبغض عمله و يبغض العبد و يحبّ عمله.

قال:فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام (1).

و في الخرائج،روي ابن عتيبة قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فدخل رجل فقال:أنا من أهل الشام أتولاّكم و أبي كان يتولّي بني أميّة و كان له مال كثير و لم يكن له غيري و كان مسكنه بالرملة و كان له مكان يتخلي فيه فلمّا مات طلبت المال و لم أظفر به و لا شكّ أنّه دفنه و أخفاه منّي.

قال عليه السّلام:أتحبّ أن تراه و تسأله أين موضع ماله؟

قال:إي و اللّه إنّي لفقير محتاج،فكتب عليه السّلام كتابا و ختمه بخاتم ثمّ قال:إنطلق الليلة إلي البقيع ثمّ ناد يا درجان فإنّه يأتيك رجل معتمّ فادفع كتابي و قل أنا رسول محمّد بن عليّ فإنّه سيأتيك فسله عمّا بدا لك،فانطلق بالكتاب فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر عليه السّلام لأنظر ما حال الرجل فرأيت الرجل علي الباب فدخلنا جميعا فقال الرجل:إنطلقت البارحة و فعلت ما أمرت فأتاني الرجل فقال:لا تبرح من موضعك حتّي آتيك به فأتاني برجل أسود فقال:هذا أبوك؟

قلت:ما هو أبي.

قال:غيّره اللهب و دخّان الجحيم و العذاب الأليم.

قلت:أنت أبي؟

قال:نعم كنت أتولّي بني أميّة فعذّبني اللّه بذلك و كنت أنت تتولّي بأهل بيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فكنت أبغضك علي ذلك و حرمتك مالي فزويته عنك و أنا من النادمين،فانطلق يا بني إلي بستاني و احفر تحت الزيتونة و خذ المال مائة ألف درهم و ادفع إلي محمّد بن عليّ خمسين ألفا و الباقي لك و أنا6.

ص: 27


1- أمالي الطوسي:410 ح 71،و البحار:233/46.

منطلق حتّي آخذ المال و آتيك بمالك،فلمّا كان من قابل أتي بخمسين ألف درهم أنفقها عليه السّلام علي نفسه و علي أهل الحاجة من أهل البيت (1).

***

قدرة الإمام الباقر عليه السّلام

في كتاب الخرائج عن الأسد بن سعيد قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال:نحن حجّة اللّه و نحن وجه اللّه و نحن عين اللّه في خلقه و نحن ولاة أمر اللّه في عباده ثمّ قال:إنّ بيننا و بين كلّ أرض ترا (2)مثل ترّ البناء فإذا أمرنا علي الأرض بأمر أخذنا ذلك التر فأقبلت إلينا الأرض بكلتيها و أسواقها و كورها (3)حتّي ننفذ فيها من أمر اللّه ما أمرنا و أنّ الريح كما كانت مسخّرة لسليمان فقد سخّرها اللّه لمحمّد و آله (4).

و في البصائر،عن ابن حنظلة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:إنّ لي إليك حاجة.

قال:و ما هي؟

قلت:تعلّمني الإسم الأعظم قال:و تطيقه؟

قلت:نعم.

قال:فدخل البيت فوضع يده علي الأرض فأظلمّ البيت فأرعدت فرائص عمر بن حنظلة فقال:

ما تقول أعلّمك؟

فقال:لا،فرفع يده فرجع البيت كما كان (5).

البصائر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نزل أبو جعفر عليه السّلام بواد خباه و خرج يمشي حتّي انتهي إلي نخلة يابسة فحمد اللّه عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ثمّ قال:أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك.

قال:فتساقط رطب أحمر و أصفر فأكل و معه أبو أميّة الأنصاري فأكل منه و قال:هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيّا (6).

ص: 28


1- الثاقب و المناقب:372،و الخرائج و الجرائح:598/2.
2- التر بالضمّ خيط البنا.
3- الكورة بالضمّ المدينة و الصقح و الجمع كور بضمّ الكاف و فتح الواو.
4- بصائر الدرجات:150،و البحار:255،و الخرائج:288/1.
5- بصائر الدرجات:230 ح 1،و البحار:27/27 ح 6.
6- الخرائج و الجرائح:593/2،و البحار:84/42 ح 14.

و في حديث آخر ثمّ انحنت النخلة فأخذ منها رطبا فيكون أرجح من آية مريم عليه السّلام (1).

عن أبي بصير قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام فقلت له:أنتم ورثة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:نعم:قلت:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وارث الأنبياء علم كلّ ما علموا:قال لي:نعم.

قلت:فأنتم تقدرون علي أن تحيوا الموتي و تبرؤا الأكمه و الأبرص؟

قال:نعم بإذن اللّه،ثمّ قال لي:أدن منّي يا أبا محمّد.فدنوت منه فمسح علي وجهي و علي عيني فأبصرت الشمس و السّماء و الأرض و البيوت و كلّ شيء في البلد،ثمّ قال لي:أتحبّ أن تكون هكذا و لك ما للنّاس و عليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت و لك الجنّة خالصا؟

قلت:أعود كما كنت،فمسح علي عيني فعدت كما كنت.

قال:فحدّثت ابن أبي عمير بهذا،فقال:أشهد أنّ هذا حق كما أنّ النّهار حقّ (2).

و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة فقال:يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فأنشده قصيدة فقال:يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلي الكميت ثمّ أنشده قصيدة أخري فأمر له ببدرة ثمّ أنشده قصيدة ثالثة فأمر له ببدرة من ذلك البيت.

فقال الكميت:جعلت فداك ما أحبّكم لغرض الدّنيا و ما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدعا له أبو جعفر عليه السّلام ثمّ قال:يا غلام ردّها مكانها فوجدت في نفسي.و قلت:قال ليس عندي درهم و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم.فخرج الكميت و قلت له:كيف قلت ما عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم؟

فقال:يا جابر قم و ادخل البيت فدخلت فلم أجد شيئا فخرجت إليه فقال:يا جابر ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا لكم فأخذ بيدي و أدخلني البيت و ضرب برجله الأرض فإذا شبه عنق البعير قد خرجت من ذهب ثمّ قال:أنظر إلي هذا و لا تخبر به أحدا إلاّ من تثق به من إخوانك إنّ اللّه أقدرنا علي ما نريد و لو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها (3).

و في كتاب الإختصاص عن سدير قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا أبا الفضل إنّي لأعرف رجلا من أهل المدينة أخذ قبل مطلع الشمس و قبل مغربها إلي البقية الذين قال اللّه: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسي أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ (4)لمشاجرة كانت بينهم فأصلح فيما بينهم و رجع و لم يقعد فمر بنطفكم-9.

ص: 29


1- الخرائج و الجرائح:593/2،و البحار:84/42 ح 14.
2- الكافي:470/1 ح 3،و البحار:237/46 ح 13.
3- دلائل الإمامة:226 ح 15،و مدينة المعاجز:32/5 ح 32.
4- سورة الأعراف،الآية:159.

يعني الفرات-فشرب منه و مرّ علي بابك فدق عليك حلقة بابك ثمّ رجع إلي منزله و لم يقعد (1).

و عن أبي الصباح الكناني قال:صرت يوما إلي دار أبي جعفر عليه السّلام فقرعت الباب فخرجت إليّ وصيفة ناهد يعني ارتفع ثديها فضربت بيدي علي رأس ثديها فقلت لها:قولي لمولاك إنّي بالباب فصاح من آخر الدار أدخل لا أمّ لك،فدخلت و قلت:و اللّه ما قصدت ريبة.

فقال:صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذا لا فرق بيننا و بينكم فإيّاك أن تعاود لمثلها (2).

و في المناقب في حديث جابر الجعفي أنّه لمّا شكت الشيعة إلي زين العابدين عليه السّلام ما يلقونه من بني أميّة دعي الباقر عليه السّلام و أمره أن يأخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و يحرّكه تحريكا فمضي إلي المسجد فصلّي و دعي و أخرج من كمّه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك و أعطاني طرفا منه فمشيت رويدا فقال:قف يا جابر فحرّك الخيط تحريكا خفيفا ثمّ قال:اخرج فانظر ما حال الناس،فخرجت و إذا صياح و صراخ من كلّ ناحية و إذا زلزلة شديدة قد أخربت عامّة دور المدينة و هلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان فلمّا خرجنا من المسجد قال:هذا الخيط من بقيّة ما ترك آل موسي و هارون تحمله الملائكة و يضعه جبرائيل لدينا (3).

و عن أبي بصير قال:قلت للباقر عليه السّلام:ما أكثر الحجيج و أعظم الضجيج.

فقال:بل ما أكثر الضجيج و أقلّ الحجيج،أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله و تراه عيانا؟فمسح يده علي عينيه فعاد بصيرا فقال:أنظر فنظرت فإذا أكثر الناس قردة و خنازير و المؤمن منهم مثل الكوكب اللاّمع في الظلماء.

فقال:صدقت يا مولاي ثمّ دعا فعاد ضريرا فقال:ما بخلنا عليك و إن كان اللّه تعالي ما ظلمك و إنّما خار لك و خشينا فتنة الناس بنا و أن يجهلوا فضل اللّه علينا و يجعلونا أربابا من دون اللّه و نحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته (4).

و عن جابر بن يزيد قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قوله تعالي: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ (5)فدفع عليه السّلام بيده و قال:إرفع رأسك فرفعت فوجدت السقف متفرّقا و رمق ناظري في ثلمة حتّي رأيت نورا حاد عنه بصري فقال:هكذا رأي إبراهيم ملكوت السماوات،و أنظر إلي الأرض ثمّ ارفع رأسك فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان ثمّ أخذ بيدي و أخرجني من الدار و ألبسني5.

ص: 30


1- الاختصاص:318،و البحار:234/11 ح 37.
2- الخرائج و الجرائح:273/1 ح 2،و البحار:249/46 ح 40.
3- مناقب آل أبي طالب:317/3،و البحار:10/26.
4- مناقب آل أبي طالب:318/3.
5- سورة الأنعام،الآية:75.

ثوبا و قال:غمض عينيك ساعة ثمّ قال:أنت في الظلمات التي رآها ذو القرنين ففتحت عيني فلم أر شيئا ثمّ تخطّا خطا و قال:أنت علي رأس عين الحياة للخضر ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتّي تجاوزنا خمسه فقال:هذه ملكوت الأرض.

ثمّ قال:غمض عينيك و أخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها و خلع عنّي ما كان ألبسنيه.

فقلت:جعلت فداك كم ذهب من اليوم؟

فقال:ثلاث ساعات (1).

في الخرائج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و يقول:أنا من ولد الحسن و أولي بذلك لأنّي من ولد الأكبر فقاسمني ميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فخاصمه إلي القاضي إلي أن قال:فقال أبي:يا زيد إنّ معك سكّينة قد أخفيتها أرأيتك إن نطقت هذه السكّينة فشهدت أنّي أولي بالحقّ منك فتكفّ؟

قال:نعم،و حلف له فقال أبي:أيّتها السكّينة إنطقي بإذن اللّه فوثبت السكّينة من يد زيد علي الأرض ثمّ قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ منك و لئن لم تكفّ لأقتلنّك فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقام ثمّ قال:يا زيد إن نطقت الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟

قال:نعم،فنطقت الصخرة و قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أولي بالأمر منك فكفّ عنه و إلاّ قتلتك فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقامه ثمّ قال:يا زيد أرأيت إن نطقت هذه الشجرة أتكفّ؟

قال:نعم،فدعي أبي الشجرة فأقبلت تخد (2)الأرض حتّي أظلّتهم ثمّ قال:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ بالأمر منك فكفّ عنه و إلاّ قتلتك فغشي علي زيد فأقامه أبي و انصرفت الشجرة إلي موضعها فحلف زيد أن لا يتعرّض لأبي و لا يخاصمه (3).

و عن أبي بصير قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أنا مولاك و من شيعتك،ضعيف ضرير،فاضمن لي الجنّة.

قال:أولا أعطيك علامة الأئمّة أو غيرهم؟

قلت:و ما عليك أن تجمعها لي؟

قال:و تحبّ ذلك؟

قلت:كيف لا أحبّ.5.

ص: 31


1- مناقب آل أبي طالب:326/3،و البحار:268/46 ح 65.
2- خد الأرض خدا:حفرها.
3- الخرائج و الجرائح:602/2،و مدينة المعاجز:165/5.

فما زاد أن مسح علي بصري،فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالسا،(ثمّ) (1)قال:يا أبا محمّد مدّ بصرك،فانظر ماذا تري بعينك؟

قال:فوالله ما أبصرت إلاّ كلبا و خنزيرا و قردا!قلت:ما هذا الخلق الممسوخ؟

قال:هذا الذي تري،هو (2)السواد الأعظم،لو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلي من خالفهم إلاّ في هذه الصور.

ثمّ قال:يا أبا محمّد إن أحببت تركتك علي حالك هذا(و حسابك علي اللّه) (3)،و إن أحببت ضمنت لك علي اللّه الجنّة،ورددتك إلي حالك الأوّل (4)؟

قلت:لا حاجة لي في النظر إلي هذا الخلق المنكوس.ردّني إلي حالتي فما للجنّة عوض، فمسح يده علي عيني،فرجعت كما كنت (5).

***

إحاطته عليه السّلام بكل شيء

و قال أبو جعفر عليه السّلام:في قوله تعالي وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كشطت له السماوات السبع حتّي نظر إلي السماء السابعة و ما فيها،و الأرضين السبع حتّي نظر إليهنّ و ما فيهنّ،و فعل بمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كما فعل بإبراهيم عليه السّلام،و إنّي لأري صاحبكم قد فعل به مثل ذلك و الأئمّة عليه السّلام من بعده مثل ذلك (6).

***

قدرة آل محمد علي تسخير السحاب

و البرق و الرعد و الريح و عين القطر

و التصرف بالدنيا و سوق الأرض و الجبال و الماء و طي الأرض و تثبيتها

ص: 32


1- ليس في الخرائج،و في الخرائج:ماذا تري بعينيك.
2- في الخرائج و البحار:هذا السواد.
3- في الخرائج:«هكذا»بدل«هذا».
4- في الخرائج:حالتك الأولي.
5- الخرائج و الجرائح:821/2 ح 35،و عنه البحار:30/27 ح 3 و مدينة المعاجز:187/5 ح 1554 و إثبات الهداة:57/3 ح 54.و أخرجه في البحار:284/46 ح 88 و العوالم:164/19 ح 1 عن كتابنا هذا.
6- الخرائج و الجرائح:867/2 ح 83. و أخرجه في البحار:116/26 ح 20 و 21 عن بصائر الدرجات:108 ح 6 و 7،و في البحار:73/12 ذح 18 و البرهان:534/1 ح 7 و تفسير الصافي:132/2 و إثبات الهداة:383/1 ح 562 عن تفسير العيّاشي:363/1 ح 34.

-فعن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:سأله رجل عن الإمام فوض اللّه إليه كما فوض إلي سلمان عليه السّلام.

فقال عليه السّلام:«نعم،و ذلك إنه...» (1).

-و في رواية:«كان سليمان عنده إسم اللّه الأكبر الذي إذا سأله أعطي،و إذا دعا به أجاب، و لو كان اليوم لاحتاج إلينا» (2).

و قد فوّض اللّه لسليمان الريح و عين القطر،بل و آتاه من كل شيء قال تعالي: وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ- و قال: يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (3).

فكل ما ثبت لسليمان بهذه الآية يثبت لآل محمد عليهم السّلام.

-و عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«ما أعطي اللّه نبيا شيئا قط إلاّ أعطاه محمدا،و أعطاه ما لم يكن عندهم،و كل ما كان عند رسول اللّه فقد أعطاه أمير المؤمنين عليه السّلام» (4).

و قريب منه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).

-و عن الإمام علي عليه السّلام عن رسول اللّه في وصف القائم(عج):«لأملّكنّه مشارق الأرض و مغاربها،و لأسخرن له الرياح،و لأذللن له السحاب الصعاب،و لأرقينّه في الأسباب» (6).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّ الريح كما كانت مسخّرة لسليمان فقد سخّرت لمحمد و آله» (7).

-و في كرامات الإمام الرضا عليه السّلام قال بعض بني العباس:يا قوم هذا رجل له عند اللّه منزلة، و لله به عناية،ألم تروا أنكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل اللّه الريح و سخّرها لرفع الستر كما سخّرها لسليمان (8).

و في الباب عن علي بن الحسين عليه السّلام و تسخير الريح لحمله (9).

و عن القائم المنتظر و تسخير الريح له (10).2.

ص: 33


1- أصول الكافي:438/1 باب في معرفتهم أوليائهم ح 3،و بحار الأنوار:329/25 باب نفي الغلو.
2- بصائر الدرجات:211 باب أنهم أعطوا الاسم الأعظم.
3- سورة سبأ،الآية:12،و سورة النمل،الآية:16.
4- بصائر الدرجات:270 باب أنهم يحيون الموتي.
5- بصائر الدرجات:382 باب التفويض إلي الرسول.
6- عيون أخبار الرضا:206/1 باب 25 ح 22.
7- الخرائج و الحرائج:256 باب 6.
8- كشف الغمة:50/3 ذكر الإمام الرضا،و جامع كرامات الأولياء:257/2،و الأنوار النعمانية:85/4.
9- دلائل الإمامة:81 معاجزه.
10- الأنوار النعمانية:93/2.

و هو المشهور عن أمير المؤمنين في قصة أصحاب الكهف (1).

-و عن الصادق عليه السّلام قال:«إنّ اللّه تبارك و تعالي خيّر (2)ذا القرنين السحابتين الذلول و الصعب فاختار الذلول،و هو ما ليس فيه برق و لا رعد،و لو اختار الصعب لم يكن له ذلك،لأنّ اللّه ادّخره للقائم» (3).

-و قريب منه عن الإمام الكاظم عليه السّلام (4).

و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليه السّلاهمام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه أضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن و مؤمنة» (5).

قال تعالي في ذي القرنين: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً... (6).

فما ثبت لذي القرنين ثابت لآل محمد عليهم السّلام.

-و عنه قال عليه السّلام:«اما إنّه ما كان من هذا الرعد و من هذا البرق فإنّه من أمر صاحبكم».

قلت:من صاحبنا؟

قال:أمير المؤمنين عليه السّلام» (7).

-و عن أمير المؤمنين في خبر طويل جاء فيه:«لقد فتحت لي السبل و أجري لي السحاب» (8).

*أقول:و في ذلك روايات كثيرة (9).

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«إنّ الدنيا تمثل للإمام في مثل فلقة الجوز،فلا يعزب عنه منها شيء،و إنّه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء» (10).م.

ص: 34


1- الهداية الكبري:112.
2- كذا في المصدرين،و فيه نوع تشويش اذ كيف يخيره الله ثم لا يكون له ذلك؟! و قد يقال إن هذا التخيير للامتحان ليري الله ماذا يختار. نعم في رواية اخري:«إن ذا القرنين خيّر السحابين فاختار الذلول»البصائر:409.
3- الاختصاص:326/12 غرائب أحوالهم،و بصائر الدرجات:409.
4- بصائر الدرجات:408 باب في ركوب أمير المؤمنين السحاب،و الهداية الكبري:270.
5- الهداية الكبري:270.
6- سورة الكهف،الآية:84-96.
7- الاختصاص:327/12.
8- بصائر الدرجات:201 باب إنهم جري لهم ما جري للرسول.
9- بصائر الدرجات:408 باب في ركوب أمير المؤمنين السحاب،و الهداية الكبري:270،و الأنوار النعمانية:214/1،و 100/2-101.
10- الاختصاص:217/12 قدرة الأئمة عليهم السّلام،و بحار الأنوار:367/25 باب غرائب افعالهم،و بصائر الدرجات:408 باب قدرتهم.

-و في رواية:«إنّ منا أهل البيت لمن الدنيا عنده مثل هذه-و عقد بيده عشرة-» (1).

-و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إنّ بيننا و بين كل أرض ترا مثل ترّ البناء،فاذا أمرنا في الأرض بأمر جذبنا ذلك الترّ،فأقبلت الأرض إلينا بقليبها و أسواقها و دورها حتي ننفذ فيها ما نؤمر به من أمر اللّه تبارك و تعالي» (2).

-و قريب منه عن الإمام الرضا عليه السّلام (3).

-و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل:«يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم...

إن اللّه قد أقدرنا علي ما نريد فلو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها» (4).

-و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال أقبلي أقبلت.

قال:فنظرت إلي الجبال قد أقبلت فقال لها:علي رسلك إني لم أردك» (5).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قصة زيادة ماء الفرات و أخذه القضيب بيده اليمني و حرّك شفتيه بكلام لا يفهمه أحد،و ضرب به الماء ضربة فهبط نصف ذراع،فقال لهم:يكفي هذا؟

فقالوا:لا يا أمير المؤمنين عليه السّلام،ثم ضرب ثانية فهبط نصف ذراع آخر...» (6).

و قريب منه قصة ارتفاع البئر للإمام الكاظم عليه السّلام (7)،و قدرة القائم المنتظر(عج)علي إنباع الماء (8).

و عنه في الزلزلة العظيمة التي أصابت الناس في عهد أبي بكر حتي لجأوا إليه فضرب الأرض بيده،ثم قال:ما لك أسكني فسكنت فعجبوا من ذلك» (9).

و قريب منه في زمن الإمام زين العابدين و الإمام الباقر عليه السّلاهمام حيث حرّك الأرض فزلزت و رجفت (10)،و كذا في زمن الإمام الهادي عليه السّلام (11).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قصته مع اليوناني إنّه ضرب بيده علي أسطوانة عظيمة علي رأسها2.

ص: 35


1- الاختصاص:326/12 غرائب أحوالهم،و بحار الأنوار:367/25،و بصائر الدرجات:408.
2- الاختصاص:324/12 غرائب أحوالهم،و بحار الأنوار:366/25،و بصائر الدرجات:408،و الخرائج و الجرائح:256،و الهداية الكبري:242 باب 7.
3- بصائر الدرجات:408.
4- الاختصاص:272/12 معجزة لأمير المؤمنين عليه السّلام.
5- الاختصاص:325/12 غرائب أحوالهم.
6- فضائل ابن شاذان:106 و 107 خبر ضرب الماء،و الخرائج و الجرائح:167 باب 2.
7- جامع كرامات الأولياء:407/2.
8- مجموعة ورام:623.
9- دلائل الإمامة:2،و بحار الأنوار:379/25 باب غرائب أفعالهم.
10- مشارق أنوار اليقين:89،و الهداية الكبري:227-228 باب 6.
11- الهداية الكبري:322 باب 12.

سطح مجلسه الذي هو فيه و فوقه حجرتان فاحتملها مع الحيطان فغشي علي اليوناني...» (1).

و في قصة بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام للخليفة الأول جاءت فاطمة الزهراء عليها السّلام إلي المسجد و أرادت أن تدعو علي القوم فيقول سلمان:لقد رأيت حيطان المسجد ارتفعت حتي لو أنّ رجلا يريد أن ينفذ لنفذ» (2).

و من هذا الباب قلع أمير المؤمنين عليه السّلام لباب خيبر حتي قال:«و الله ما قلعت باب خيبر و رميت به خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية و لا حركة غذائية،لكن أيّدت بقوة ملكوتية و نفس بنور ربها مضيئة،و أنا من أحمد كالضوء من الضوء» (3).

و قد تواتر قلع أمير المؤمنين لباب خيبر (4).

و روي أن ضربته لمرحب كادت أن تشق الأرض نصفين (5).

و عن حذيفة و كعب الاحبار في قدرة المهدي عليه السّلام:«فيكبّر المهدي سبع تكبيرات فيخر كل سور منها[القسطنطينية]» (6).

و قال عليه السّلام لمن سأله عن معاوية و مجلسه:«لو أقسمت علي اللّه أن أتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا و من قبل أن يرتد إلي أحدكم طرفه لفعلت،و لكنا كما وصف اللّه عز من قائل: عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (7).

و في قصة الإمام الكاظم مع علي البزاز و احضار الإمام للكتاب من الكوفة إلي مكة ما يدل علي ذلك (8).

و في قصة أمير المؤمنين عليه السّلام مع سلمان ما يشهد لتصرف الأمير بالدنيا و ما فيها (9).

*أقول:يأتي التصريح في الطائفة السادسة من النحو الثاني إطاعة كل شيء لأهل البيت عليهم السّلام بسبب إعطائهم الإسم الأعظم فكن من ذلك علي ذكر.

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«...إن وصيي لأفضل الأوصياء...و من ولده الأئمة الهداة بعدي،بهم يمسك السماء أن تقع علي الأرض إلاّ بإذنه،و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم...

أولئك أولياء اللّه حقا...» (10).ة.

ص: 36


1- مناقب آل أبي طالب:301/2 معجزات أمير المؤمنين.
2- وفاة الزهراء:63،و الاحتجاج:56،و المسترشد للطبري:382،و مشارق أنوار اليقين:85.
3- أمالي الصدوق:415 مجلس 77 ح 10 و الطرائف:519.
4- شرح نهج البلاغة لابن ميثم:88/1،و أعلام الوري:183.
5- مشارق أنوار اليقين:110.
6- عقد الدرر:180-181 الباب التاسع.
7- الهداية الكبري:125.
8- الهداية الكبري:268 الباب 9.
9- الأنوار النعمانية:238/4.
10- الاختصاص:224/12 حديث في الأئمة.

-و في الزيارة المطلقة لأبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام التي رواها ابن قولويه بإسناد صحيح عن الصادق عليه السّلام:«...و بكم تسبّح الأرض التي تحمل أبدانكم و تستقرّ جبالها علي مراسيها...إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم و تصدر من بيوتكم» (1).

-و في الزيارة الجامعة:«..و بكم يمسك السماء أن تقع علي الأرض إلاّ بإذنه» (2).

-و عن أبي جعفر عليه السّلام:«جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بأهلها» (3).

-و عن أمير المؤمنين عند ما زلزلت الأرض قال:«كأنكم قد هالكم،و حرك شفتيه و ضرب الأرض بيده،ثم قال:مالك أسكني فسكنت...» (4).

و عن المهلب أنه رأي الإمام الصادق عليه السّلام يمشي علي الماء (5).

-و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:«إنّ الأوصياء لتطوي لهم الأرض،و يعلمون ما عند أصحابهم» (6).

*أقول:روايات طيّ الأرض للأئمة عليهم السّلام جميعا من الروايات المتواترة فمن أراد الإطمئنان فليراجع الهامش (7).

***

معرفة الإمام الباقر عليه السّلام للغة الحيوانات

عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كنت عنده يوما إذ وقع عليه زوج ورشان فهدلا هديلهما (8)فرد عليهما كلامهما ثمّ نهضا فلمّا صارا علي الحائط هدل الذكر علي الانثي ساعة ثمّ نهضا.

فقلت:جعلت فداك ما حال هذا الطير؟

ص: 37


1- كامل الزيارات:200 الباب 79.
2- بحار الأنوار:144/102.
3- بصائر الدرجات:199 باب أنه جري لهم ما جري للرسول.
4- بحار الأنوار:379/25 باب غرائب أفعالهم،و دلائل الإمامة:2.
5- دلائل الإمامة:114 معاجزه.
6- الاختصاص:316/12 طي الأرض لهم.
7- الاختصاص:315/12 إلي 325،و بحار الأنوار:368/25،و بصائر الدرجات:397 إلي 402 باب ما أعطوا من القدرة في السير في الأرض،و أعلام الوري:332،و الهداية الكبري:239-266،و فضائل ابن شاذان:91،و دلائل الإمامة:211-114 معاجز الرضا،و الخرائج و الجرائح:342-343 باب 10،و الأنوار النعمانية:93/2 طي الأرض للمهدي عج.
8- الهديل صوت الحمام يقال:هدل القمري يهدل هديلا مثل يهدر إذا صوت و لعل هديلهما كان من بعد نزولهما من الحائط إلي مجلس أبي جعفر عليه السّلام بقرينة قوله:فلما طارا علي الحائط مع احتمال أن يراد بهذا الحائط حائط آخر.

فقال:يابن مسلم كلّ شيء خلقه اللّه من طير و بهيمة أو شيء فيه روح هو أطوع لنا من ابن آدم.إنّ هذا الورشان (1)جاء الذكر يتّهم أنثاه بالسوء فحلفت له ما فعلت فلم يقبل فقالت:ترضي بمحمّد بن عليّ فرضيا بي و أخبرته أنّه لها ظالم فصدّقها (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:مرّ أبو جعفر عليه السّلام بالهجين و معه أبو أميّة الأنصاري زميله في محمله فنظر و إذا ورشان في جانب المحمل فرفع يده ليذبّه عنه فقال:يا أبا أميّة إنّ هذا طائر جاء يستجير بنا أهل البيت و أنّي دعوت اللّه فانصرفت عنه حيّة كانت تأتيه كلّ سنة فتأكل فراخه (3).

و عن محمّد بن مسلم قال:كنت مع أبي جعفر عليه السّلام بين مكّة و المدينة إذ أقبل ذئب حتّي دني إليه و وضع يده علي قربوس السرج و مدّ عنقه إلي أذنه ساعة ثمّ قال له:امض فقد فعلت،فرجع مهرولا قال:أتدري ما قلت؟

قلت:لا.

قال:قال لي:يابن رسول اللّه زوجتي في ذلك الجبل قد تعسّر عليها ولادتها فادع اللّه أن يخلّصها و لا يسلّط أحدا من نسلي علي أحد من شيعتكم.

فقلت:قد فعلت فمرّ عليه السّلام فمكث في ضيعته شهرا فلمّا رجع فإذا هو بالذئب و زوجته و جرو عووا في وجهه عليه السّلام فأجابهم بمثل عوائهم بكلام يشبهه ثمّ قال لنا عليه السّلام:قد ولد له جرو ذكر و كانوا يدعون اللّه لي و لكم بحسن الصحبة و دعوت لهم بمثل ما دعوا لي و أمرتهم أن لا يؤذوا لي وليّا و لا لأهل بيتي ففعلوا و ضمنوا لي ذلك (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ أبي كان قاعدا في الحجر و معه رجل يحدّثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال أبي للرجل:أتدري ما يقول هذا الوزغ؟

فقال الرجل:لا علم لي بما يقول.

فقال:يقول:و اللّه لئن ذكرت الثالث لأسبنّ عليّا حتّي يقوم من هاهنا (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان في دار أبي جعفر عليه السّلام فاختة فسمعها و هي تصيح فقال:

تدرون ما تقول هذه الفاختة؟1.

ص: 38


1- الورشان بفتح الواو و سكون الراء و بفتحها أيضا طائر من الحمام قال الجوهري:و هو ساق حر،و الزوج هنا مقابل الفرد.
2- بصائر الدرجات:362،و الكافي:71/1 ح 4.
3- بصائر الدرجات:364،و البحار:238/46.
4- بصائر الدرجات:371،و البحار:239/46 ح 20.
5- الكافي:232/8،و الاختصاص:301.

قالوا:لا.

قال:تقول:فقدتكم فقدتكم نفقدها قبل أن تفقدنا ثم أمر بذبحها (1).

***

معرفة الإمام الباقر عليه السّلام للغة الجن

و عن سعد الإسكاف قال:طلبت الإذن علي أبي جعفر عليه السّلام فقيل لي:لا تعجل فعنده قوم من إخوانكم فلم ألبث أن خرج إثنا عشر رجلا يشبهون الزط (2)عليهم أقبية طيبات و بتوت (3)و خفاف فسلّموا و مرّوا فدخلت علي أبي جعفر عليه السّلام فقلت:ما أعرف هؤلاء الذين خرجوا.

فقال:هؤلاء أقوام من إخوانكم الجنّ.

قلت:و يظهرون لكم؟

قال:هم يفدون علينا في حلالهم و حرامهم كما تفدون (4).

***

دعاء الإمام الباقر عليه السّلام المستجاب

و عن أبي بكر الحضرمي قال:لمّا حمل أبو جعفر عليه السّلام إلي الشام إلي هشام و صار ببابه فقال لأصحابه:إذا سكت عن توبيخه فوبّخوه أنتم،فلمّا دخل عليه قال بيده:السلام عليكم فعمّهم بالسلام ثمّ جلس و لم يسلّم عليه بالخلافة و جلس بغير إذنه فازداد هشام حنقا فقال:يا محمّد بن علي لا تزال تدّعي الإمامة سفها و قلّة علم ثمّ وبّخه القوم.

فلمّا سكتوا نهض قائما فقال:أين تذهبون و أين يراد بكم؟

بنا هدي اللّه أوّلكم و بنا يختم آخركم فإن يكن لكم ملك معجل فإنّ لنا ملكا مؤجّلا و ليس بعد ملكنا ملك لأنّا أهل العاقبة يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (5).

فأمر به إلي الحبس فلمّا صار بالحبس تكلّم فلم يبق فيه أحد إلاّ ترشفه (6)فحكوا لهشام فأمر به

ص: 39


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:270/64.
2- الزط بالفتح جيل من الهند و البت الطيلسان.
3- البت:كساء غليظ مربع من وبر وصوف.
4- بصائر الدرجات:117،و الخرائج و الجرائح:283/1.
5- سورة الأعراف،الآية:128.
6- أي مصه،و هو كناية عن المبالغة في أخذ العلم عنه.

و بأصحابه بأن يحمل علي البريد (1)ليردّ إلي المدينة و أمر أن لا تخرج لهم الأسواق و حال بينهم و بين الطعام و الشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما و لا شرابا حتّي انتهوا إلي باب المدينة فأغلق باب المدينة دونهم فشكي أصحابه العطش و الجوع فصعد جبلا أشرف عليهم فقال بأعلي صوته:يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ.

و كان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال:يا قوم هذه و اللّه دعوة شعيب عليه السّلام و اللّه لئن لم تخرجوا إلي هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم و من تحت أرجلكم فصدّقوني هذه المرّة و أطيعوني و كذّبوني فيما تستأنفوني فإنّي ناصح لكم فبادروا و أخرجوا له الأسواق (2).

***

علم الإمام الباقر عليه السّلام

اشارة

في الإختصاص،عن جابر الجعفي قال:حدّثني أبو جعفر عليه السّلام سبعين ألف حديث لم أحدّث بها أحدا قط و لا أحدّث بها أحدا.

فقلت له:جعلت فداك إنّك حملتني وقرا عظيما بما حدّثتني به من سرّكم الذي لا أحدّث به أحدا و ربما جاش في صدري حتّي يأخذني منه شبه الجنون.

قال:يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلي الجبّانة و احفر حفيرة و دل رأسك فيها ثمّ قل:حدّثني محمّد بن علي بكذا و كذا.

و في حديث الكافي:ثمّ طمّه فإنّ الأرض تستر عليك.

قال جابر:ففعلت ذلك فخفّف عنّي ما كنت أجده (3).

و قال عبد اللّه بن عطاء:ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر،لقد رأيت الحكم عنده متعلّم (4).

ص: 40


1- قال الرمخشري في الفائق:البريد الرسول و يجمع علي برد بضم الباء و الراء،و قد تسكن الراء للتخفيف كرسل و رسل و البريد في الأصل البغل و هي كلمة فارسية أصلها بريده دم أي محذوفة الذنب لأنّ بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت و خففت بحذف الآخر و فتح الأول ثم سمي الرسول الذي يركبه بريد أو المسافة التي بين السكتين بريدا،و السكة الموضع الذي كان يسكنه الفيوح المرتبون من رباط أو قبة أو بيت أو نحو ذلك و بعد ما بين السكتين فرسخان و كان يرتب في كل سكة بغال و كتب في الحاشية:قيل و الصواب أربعة فراسخ،و نقل هذا القول صاحب النهاية أيضا.
2- الكافي:472/1 ح 5،و مناقب آل أبي طالب:323/3.
3- الكافي:157/8،و البحار:344/46.
4- حلية الأولياء 186/3،صفة الصفوة 110/2.

و عن جابر بن يزيد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّا أهل بيت من علم اللّه علمنا،و من حكمه أخذنا،و من قول الصادق سمعنا،فإن تتّبعونا تهتدوا (1).

و روي عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام أنه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (2).فقال عليه السّلام:يوكّل اللّه تعالي بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم،و يؤدّون إليه تبليغهم الرّسالة،و وكلّ بمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلي الخيرات و مكارم الأخلاق،و يصدّه عن الشرّ و مساوئ الأخلاق،و هو الذي كان يناديه:السّلام عليك يا محمّد يا رسول اللّه و هو شابّ لم يبلغ درجة الرسالة بعد،فيظنّ أنّ ذلك من الحجر و الأرض،فيتأمّل فلا يري شيئا (3).

***

علم الإمام الباقر عليه السّلام للغيب

عن جابر الجعفي قال:كنّا عند الباقر عليه السّلام نحوا من خمسين رجلا فدخل عليه كثير النوا و كان من المغيرية فجلس و قال:إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أنّ معك ملكا يعرّفك الكافر من المؤمن و شيعتك من أعدائك؟

قال:ما حرفتك؟

قال:أبيع الحنطة.

قال:كذبت.

قال:و ربما أبيع الشعير.

قال:ليس كما قلت،بل تبيع النوا.

قال:من أخبرك بهذا؟

قال:الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي لست تموت إلاّ نايها يعني فاسد العقل،فلمّا صرنا إلي الكوفة مات بعد ثلاثة (4).

و عن أبي بصير قال:كنت مع الباقر في المسجد إذ دخل عمر بن عبد العزيز متّكئا علي مولي

ص: 41


1- أخرجه في البحار:92/2 ح 33 و العوالم:394/3 ح 15 عن بصائر الدرجات:514 ح 34،و في البحار:262/34 قطعة من ح 1006 عن سليم بن قيس:123.
2- سورة الجن،الآية:27.
3- حلية الأبرار:34/1،و البحار:362/15.
4- البحار:250/46،و الخرائج و الجرائح:196.

له فقال عليه السّلام:ليلينّ هذا الغلام فيظهر العدل و يعيش أربع سنين ثمّ يموت فيبكي عليه أهل الأرض و يلعنه أهل السماء،يجلس مجلس لا حقّ له فيه ثمّ ملك و أظهر العدل جهده (1).

و عن محمّد بن مسلم قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:هل ظننتم انّا لا نراكم و لا نسمع كلامكم لبئس ما ظننتم؟

قلت:أرني بعض ما أستدلّ به.

قال:وقع بينك و بين زميلك بالربذة حتّي عيّرك بنا و بحبّنا و معرفتنا.

قلت:إي و اللّه لقد كان ذلك.

قلت:من يحدّثكم بما نحن عليه قال:أحيانا ينكث في قلوبنا و يوقر في آذاننا و مع ذلك فإنّ لنا خدما من الجنّ مؤمنين و هم لنا شيعة و هم لنا أطوع منكم،قلنا:مع كلّ رجل واحد منهم؟

قال:نعم يخبرنا بجميع ما أنتم عليه (2).

و في البصائر،عن سدير قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فمرّ بنا رجل من أهل اليمن فقال له:

هل تعرف دار كذا و كذا؟

فقال:نعم،و رأيتها.قال:هل تعرف صخرة عندها في موضع كذا و كذا؟

قال:نعم و رأيتها،فلمّا قام قال لي أبو جعفر عليه السّلام:تلك الصخرة التي غضب موسي فألقي الألواح فما ذهب من التوراة التقمته الصخرة فلمّا بعث اللّه رسوله أدّته إليه و هي عندنا (3).

و عن علي بن أبي حمزة و أبو بصير قالا:كان لنا موعد مع أبي جعفر عليه السّلام فدخلنا عليه فقال:

يا سكينة هلمي بالمصباح هلمي بالسفط الذي في موضع كذا،فأتت بسفط هندي أو سندي ففضّ خاتمه ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء فأخذ يدرجها من أعلاها و ينشرها من أسفلها حتّي إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ فأرعدت فرائصي فقال:لا بأس عليك ثمّ قال:أدن،فدنوت فقال لي:ما تري؟

قلت:إسمي و إسم أبي و أسماء أولاد لي لا أعرفهم.

فقال لي:يا عليّ لو لا لك عندي ما ليس لغيرك ما أطلعتك،أما أنّهم سيزدادون علي عدد ما هاهنا.

قال عليّ بن أبي حمزة:فمكثت بعد ذلك عشرين سنة ثمّ ولد لي الأولاد بعدد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة (4).3.

ص: 42


1- مدينة المعاجز:180/5،و البحار:248/46 ح 39.
2- الخرائج و الجرائح:289/1 ح 22،و البحار:255/46 ح 54.
3- البحار:224/13،و بصائر الدرجات:37.
4- تفسير أبي حمزة الثمالي:84،و مناقب آل أبي طالب الجزء 4 ص:193.

و في الكافي عن النعمان بن بشير قال:كنت مزاملا لجابر الجعفي فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل علي أبي جعفر عليه السّلام فودّعه،و خرج من عنده و هو مسرور حتّي قربنا الكوفة فإذا نحن برجل طوال أدم معه كتاب فناوله جابرا فقبّله و وضعه علي عينيه،فإذا هو من محمّد بن علي إلي جابر بن يزيد و عليه طين أسود رطب فقال له:متي عهدك بسيّدي؟

قال:الساعة بعد الصلاة.ففكّ الخاتم و أقبل يقرأه و يقبض وجهه حتّي أتي علي آخره فما رأيته ضاحكا حتّي دخل الكوفة فبتّ ليلتي فأصبحت و أتيته و قد خرج إليّ و في عنقه كعاب علّقها و قد ركب قصبة و هو يقول:أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور و أبياتا من نحو هذا فنظر و نظرت إليه و أقبلت أبكي و قد اجتمع علينا الصبيان و الناس و أقبل يدور مع الصبيان و الناس يقولون جنّ جابر.

فوالله ما مضت الأيّام حتّي ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلي و اليه أن أنظر رجلا يقال له جابر الجعفي فابعث إليّ برأسه.

فقال لجلسائه:من جابر؟

قالوا:كان رجلا له علم و فضل و هو ذا مع الصبيان يلعب و قد جنّ فأشرف عليه و قال:الحمد للّه الذي عافاني من قتله و لم تمض الأيّام حتّي دخل منصور بن جمهور الكوفة و صنع ما كان يقول جابر و لمّا مات هشام رجع إلي حاله الأوّل من العلم و الصلاح (1).

و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:جاء أعرابيّ حتي قام علي باب مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يتوسّم الناس (2)،فرأي أبا جعفر عليه السّلام،فعقل ناقته،و دخل وجثا علي ركبتيه،و عليه شملة، فقال له أبو جعفر عليه السّلام:من أين جئت يا أعرابيّ؟

قال:جئت من أقصي البلدان.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:البلدان أوسع من ذلك،فمن أين جئت؟

قال:[جئت]من الأحقاف (3).

قال:أبو جعفر أحقاف عاد؟

قال:نعم.

قال:أفرأيت(ثمّة)سدرة إذا مرّ التجّار بها استظلّوا بفيئها؟

قال:و ما علمك بذلك؟!».

ص: 43


1- الكافي:397/1،و البحار:283/46.
2- توسّم الشيء تخيّله و تفرّسه.
3- الأحقاف:واد بين عمان و حضرموت«معجم البلدان:115/1،أحقاف».

قال:هو عندنا في كتاب.

و أيّ شيء رأيت أيضا؟

قال:رأيت واديا مظلما فيه الهام و البوم لا يبصر قعره.

قال:أو تدري ما ذلك الوادي؟

قال:لا و اللّه ما أدري.

قال:ذاك برهوت فيه نسمة كلّ كافر.

ثمّ قال (1):أين بلغت؟

[قال: (2)فقطع الأعرابيّ فقال:بلغت قوما جلوسا في منازلهم ليس لهم طعام و لا شراب إلاّ ألبان أغنامهم،فهي طعامهم و شرابهم،ثمّ نظر إلي السماء فقال:الّلهمّ العنه،فقال له جلساؤه:من هو جعلنا اللّه فداك؟

قال:هو قابيل،يعذّب بحرّ الشمس و زمهرير البرد.

ثمّ جاءه رجل آخر فقال(له) (3):رأيت لي جعفرا؟

فقال الأعرابيّ:و من جعفر[هذا]الذي يسأل عنه؟

قالوا:ابنه.

فقال:سبحان اللّه!ما أعجب هذا الرجل يخبرنا عن أهل السماء و لا يدري (4)أين ابنه! (5).

عن ضريس الكناسي قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول-و عنده أناس من أصحابه و هم حوله-:

إنّي لأعجب من قوم يتولّونا،و يجعلونا أئمّة،و يصفون بأنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة اللّه،ثمّ يكسرون (6)حجّتهم!و يخصّمون أنفسهم لضعف قلوبهم،فينقصونا حقّنا،و يعيبون ذلك علي من أعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا،و التسليم لأمرنا.

أيرون (7)أنّ اللّه افترض طاعة أوليائه علي عباده،ثمّ يخفي عنهم أخبار السماوات و الأرض، و يقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟!

فقال له حمران:يابن رسول اللّه،أرأيت ما كان من قيام أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليه السّلامه.

ص: 44


1- كذا في المدينة و البصائر و البحار،و في نسخ الأصل:كلّ كافر و أين بلغت؟.
2- من المدينة و البصائر و البحار.
3- في المدينة:رأيت جعفرا؟.
4- في المدينة:و لا يعلم.
5- عنه مدينة المعاجز:55/5 ح 1476،و في البحار:242/46 ح 30 و العوالم:114/19 ح 2 عنه و عن بصائر الدرجات:508 ح 9.
6- في الأصل:ثمّ ينكرون.
7- في البحار:أترون الله.

و خروجهم و قيامهم بدين اللّه و ما أصيبوا به من قبل الطواغيت،و الظفر بهم حتّي قتلوا و غلبوا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:[يا حمران إنّ اللّه تبارك و تعالي قد كان قدّر ذلك عليهم و قضاه و أمضاه و حتّمه علي سبيل الإختيار،ثمّ أجراه عليهم،فبتقدّم علم إليهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قام عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و بعلم صمت من صمت منّا] (1).

و لو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من ذلك سألوا اللّه تعالي أن يرفع (2)ذلك عنهم، و ألحّوا عليه في إزالة ملك الطواغيت عنهم،[إذا لأجابهم و دفع ذلك عنهم،ثمّ كان انقضاء مدّة الطواغيت] (3)و ذهاب ملكهم(لكان ذلك) (4)أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد،و ما كان الذي أصابهم لذنب اقترفوه،و لا لعقوبة معصية خالفوه فيها،و لكن لمنازل و كرامة من اللّه تعالي أراد أن يبلغوها،فلا تذهبنّ بكم المذاهب[فيهم] (5)(6)

و عن أبي بصير قال:كنت مع أبي جعفر عليه السّلام جالسا في المسجد إذ أقبل داود بن علي و سليمان بن خالد و أبو جعفر عبد اللّه بن محمد أبو الدوانيق فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم:

هذا محمد بن علي جالس،فقام إليه داود بن علي و سليمان بن خالد و قعد أبو الدوانيق مكانه حتي سلّموا علي أبي جعفر عليه السّلام فقال لهم أبو جعفر عليه السّلام:ما منع جباركم من أن يأتيني.

فعذروه عنده فقال عند ذلك أبو جعفر محمد بن علي عليها السلام:أما و اللّه لا تذهب الليالي و الايام حتي يملك ما بين قطريها،ثم ليطأن الرجال عقبه ثم لتذلن له رقاب الرجال ثم ليملكن ملكا شديدا،فقال له داود بن علي:و إن ملكنا قبل ملككم؟

قال:نعم يا داود إنّ ملككم قبل ملكنا و سلطانكم قبل سلطاننا،فقال له داود:أصلحك اللّه فهل له من مدّة؟

فقال:نعم يا داود و اللّه لا يملك بنو أمية يوما إلا ملكتم مثليه و لا سنة إلا ملكتم مثليها و ليتلقفها الصبيان منكم كما يتلقف الصبيان الكرة.

فقام داود بن علي من عند أبي جعفر عليه السّلام فرحا يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك فلما نهضاه.

ص: 45


1- من البحار و الكافي و البصائر.
2- في البحار:أن يدفع.
3- من الخرائج.
4- ليس في الخرائج،و في البحار:ملكهم لزال أسرع.
5- من الكافي و البحار.
6- الخرائج و الجرائح:870/2 ح 87،و عنه البحار:149/26 ح 35. و أخرجه في البحار:276/44 ح 5 و العوالم:518/17 ح 1 عن بصائر الدرجات:124 ح 3،و في ينابيع المعاجز:92 ح 2 عن الكافي:261/1 ح 4 و البصائر،و في البحار:479/22 ح 28 عن الكافي: 281/1 ح 3 قطعة منه.

جميعا هو و سليمان بن خالد ناداه أبو جعفر عليه السّلام من خلفه يا سليمان بن خالد لا يزال القوم في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا منا دما حراما-و أومأ بيده إلي صدره-فإذا أصابوا ذلك الدم فبطن الارض خير لهم من ظهرها فيومئذ لا يكون لهم في الارض ناصر و لا في السماء عاذر،ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق فجاء أبو الدوانيق إلي أبي جعفر عليه السّلام فسلم عليه ثم أخبره بما قال له داود بن علي و سليمان بن خالد،فقال له:نعم يا أبا جعفر دولتكم قبل دولتنا و سلطانكم قبل سلطاننا،سلطانكم شديد عسر لا يسر فيه.و له مدة طويلة و اللّه لا يملك بنو أمية يوما إلا ملكتم مثليه و لا سنة إلا ملكتم مثليها ليتلقفها صبيان منكم فضلا عن رجالكم كما يتلقف الصبيان الكرة أفهمت؟ ثم قال:لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ما لم تصيبوا منا دما حراما فإذا أصبتم ذلك الدم غضب اللّه عز و جل عليكم فذهب بملككم و سلطانكم و ذهب بريحكم و سلّط اللّه عز و جل عليكم عبدا من عبيده أعور (1)-و ليس بأعور من آل أبي سفيان-يكون استئصالكم علي يديه و أيدي أصحابه ثم قطع الكلام (2).

و روي عن أبي بصير قال:دخلت المسجد مع أبي جعفر عليه السّلام و الناس يدخلون و يخرجون فقال لي:سل الناس هل يرونني؟فكل من لقيته قلت له:أرأيت أبا جعفر؟

يقول:لا،و هو واقف حتي دخل أبو هارون المكفوف.

قال:سل هذا،فقلت:هل رأيت أبا جعفر؟

فقال:أليس هو بقائم.

قال:و ما علمك؟

قال:و كيف لا أعلم و هو نور ساطع.

قال:و سمعته يقول لرجل من أهل إفريقية:ما حال راشد؟

قال:خلفته حيا صالحا يقرئك السلام قال:رحمه اللّه قال:مات؟

قال:نعم.قال:متي؟

قال:بعد خروجك بيومين.8.

ص: 46


1- أعور:أي الدني الأصل،السييء الخلق و هو اشارة إلي هلاكوخان.قال الجزري:فيه:لما اعترض أبو لهب علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عند إظهاره الدعوة قال له أبو طالب:يا أعور ما أنت و هذا لم يكن أبو لهب أعور لكن العرب تقول لمن ليس له أخ من أبيه و أمه:أعور و قيل:إنهم يقولون للردي من كل شيء من الأمور و الأخلاق:أعور و للمؤنث عوراء.و قوله:«ليس بأعور من آل أبي سفيان»،أي ليس ذلك الاعور من آل أبي سفيان بل من طائفة الترك.
2- الكافي للشيخ الكليني:210/8.

قال:و اللّه ما مرض و لا كان به علة!قال:و إنما يموت من يموت من مرض و علة.

قلت:من الرجل؟

قال:رجل لنا موال و لنا محب ثم قال:أترون أنّ ليس لنا معكم أعين ناظرة،و أسماع سامعة،بئس ما رأيتم،و اللّه لا يخفي علينا شيء من أعمالكم،فاحضرونا جميعا و عودوا أنفسكم الخير،و كونوا من أهله تعرفوا فإني بهذا آمر ولدي و شيعتي (1).

و عن الفضيل بن يسار قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك إنا نتحدث أن لآل جعفر راية،و لآل فلان راية،فهل في ذلك شي؟

فقال:أما لآل جعفر فلا،و أما راية بني فلان فان لهم ملكا مبطأ يقرّبون فيه البعيد و يبعدون فيه القريب،و سلطانهم عسر،ليس فيه يسر،لا يعرفون في سلطانهم من أعلام الخير شيئا،يصيبهم فيه فزعات ثم فزعات،كل ذلك يتجلي عنهم،حتي إذا أمنوا مكر اللّه،و أمنوا عذابه،و ظنّوا أنهم قد استقروا صيح فيهم صيحة لم يكن لهم فيها مناد يسمعهم و لا يجمعهم،و ذلك قول اللّه حَتّي إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها إلي قوله لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (2)ألا إنه ليس أحد من الظلمة إلا و لهم بقيا إلا آل فلان فإنهم لا بقيا لهم.

قال:جعلت فداك أليس لهم بقيا؟

قال:بلي و لكنهم يصيبون منا دما فبظلمهم نحن و شيعتنا فلا بقيا لهم (3).

و عن حمدويه قال:سألت أبا الحسن أيوب بن نوح عن سليمان بن خالد النخعي أثقة هو؟

فقال:كما يكون الثقة.قال:حدثني عبد اللّه بن محمد قال:حدّثني أبي عن إسماعيل بن أبي حمزة،عن أبيه قال:ركب أبو جعفر عليه السّلام يوما إلي حائط له من حيطان المدينة،فركبت معه إلي ذلك الحائط و معنا سليمان بن خالد،فقال له سليمان بن خالد:جعلت فداك يعلم الإمام ما في يومه؟فقال:يا سليمان و الذي بعث محمدا بالنبوة و اصطفاه بالرسالة إنه ليعلم ما في يومه و في شهره و في سنته.ثم قال:يا سليمان أما علمت أن روحا ينزل عليه في ليلة القدر،فيعلم ما في تلك السنة إلي ما في مثلها من قابل،و علم ما يحدث في الليل و النهار و الساعة تري ما يطمئن إليه قلبك؟

قال:فو الله ما سرنا إلا ميلا و نحو ذلك حتي قال:الساعة يستقبلك رجلان قد سرقا سرقة قد أضمرا عليها.فو الله ما سرنا إلا ميلا حتي استقبلنا الرجلان فقال أبو جعفر عليه السّلام لغلمانه:عليكم بالسارقين،فاخذا حتي اتي بهما،فقال:سرقتما؟فحلفا له باللّه أنهما ما سرقا،فقال:و اللّه لئن6.

ص: 47


1- الخرائج و الجرائح:197،و بحار الأنوار،العلامة المجلسي:243/64.
2- سورة يونس،الآية:24.
3- بحار الأنوار-العلامة المجلسي ج 64 ص 256.

أنتما لم تخرجا ما سرقتما لا بعثن إلي الموضع الذي وضعتما فيه سرقتكما،و لا بعثن إلي صاحبكما الذي سرقتماه حتي يأخذكما و يرفعكما إلي و الي المدينة فرأيكما؟

فأبيا أن يردا الذي سرقاه،فأمر أبو جعفر عليه السّلام غلمانه أن يستوثقوا منهما.

قال:فانطلق أنت يا سليمان إلي ذلك الجبل-و أشار بيده إلي ناحية من الطريق-فاصعد أنت و هؤلاء الغلمان فان في قلة الجبل كهفا فادخل أنت فيه بنفسك تستخرج ما فيه و تدفعه إلي مولي هذا فان فيه سرقة لرجل آخر و لم يأت و سوف يأتي،فانطلقت و في قلبي أمر عظيم مما سمعت،حتي انتهيت إلي الجبل فصعدت إلي الكهف الذي وصفه لي،فاستخرجت منه عيبتين وقر رجلين حتي أتيت بهما أبا جعفر عليه السّلام فقال:يا سليمان إن بقيت إلي غد رأيت العجب بالمدينة مما يظلم كثير من الناس.

فرجعنا إلي المدينة فلما أصبحنا أخذ أبو جعفر عليه السّلام بأيدينا فأدخلنا معه علي والي المدينة و قد دخل المسروق منه برجال براء فقال:هؤلاء سرقوها،و إذا الوالي يتفرسهم فقال أبو جعفر عليه السّلام:إن هؤلاء براء و ليس هم سراقه و سراقه عندي ثم قال لرجل ما ذهب لك؟

قال:عيبة فيها كذا و كذا فادعي ما ليس له و ما لم يذهب منه،فقال أبو جعفر عليه السّلام:لم تكذب؟فقال:أنت أعلم بما ذهب مني؟فهم الوالي أن يبطش به حتي كفه أبو جعفر عليه السّلام ثم قال لغلام:ائتني بعيبة كذا و كذا فأتي بها ثم قال للوالي:إن ادعي فوق هذا فهو كاذب مبطل في جميع ما ادّعي و عندي عيبة أخري لرجل آخر و هو يأتيك إلي أيام و هو رجل من أهل بربر فإذا أتاك فأرشده إلي فإن عيبته عندي،و أما هذان السارقان فلست ببارح من ههنا حتي تقطعهما فاتي بالسارقين فكانا يريان أنه لا يقطعهما بقول أبي جعفر عليه السّلام فقال أحدهما:لم تقطعنا و لم نقر علي أنفسنا بشئ؟

قال:ويلكما شهد عليكما من لو شهد علي أهل المدينة لاجزت شهادته.فلما قطعهما قال أحدهما:و اللّه يا أبا جعفر لقد قطعتني بحق و ما سرني أن اللّه جل و علا أجري توبتي علي يد غيرك و أنّ لي ما حازته المدينة،و إني لأعلم أنك لا تعلم الغيب و لكنكم أهل بيت النبوة،و عليكم نزلت الملائكة،و أنتم معدن الرحمة،فرق له أبو جعفر عليه السّلام و قال له:أنت علي خير،ثم التفت إلي الوالي و جماعة الناس فقال:و اللّه لقد سبقته يده إلي الجنة بعشرين سنة.فقال سليمان بن خالد لابي حمزة:يا أبا حمزة رأيت دلالة أعجب من هذا؟

فقال أبو حمزة:العجيبة في العيبة الأخري،فو اللّه ما لبثنا إلا هنيئة،حتي جاء البربري إلي الوالي و أخبره بقصتها،فأرشده الوالي إلي أبي جعفر عليه السّلام فأتاه فقال له أبو جعفر:ألا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني؟

فقال البربري:إن أنت أخبرتني بما فيها علمت أنك إمام فرض اللّه طاعتك،فقال له أبو جعفر عليه السّلام:ألف دينار لك و ألف دينار لغيرك،و من الثياب كذا و كذا.

ص: 48

قال:فما اسم الرجل الذي له الألف دينار؟

قال محمد بن عبد الرحمان:و هو علي الباب ينتظرك،تراني أخبرك إلا بالحق؟!فقال البربري:آمنت باللّه وحده لا شريك له،و بمحمد عليه السّلام و أشهد أنكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب اللّه عنكم الرجس و طهركم تطهيرا،فقال أبو جعفر عليه السّلام:رحمك اللّه،فخرّ يشكر.فقال سليمان بن خالد:حججت بعد ذلك عشر سنين و كنت أري الأقطع من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام (1).

و عن عيسي بن عبد الرّحمن،عن أبيه قال:دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي علي أبي جعفر عليه السّلام و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قائما عنده،فقدّم إليه عنبا فقال:حبّة حبّة يأكله الشيخ الكبير و الصبيّ الصغير و ثلاثة و أربعة يأكله من يظنّ أنّه لا يشبع و كله حبّتين حبّتين فإنّه يستحبّ.

فقال لأبي جعفر عليه السّلام:لأيّ شيء لا تزوّج أبا عبد اللّه فقد أدرك التزويج؟

قال:و بين يديه صرّة مختومة،فقال:أما إنّه سيجيء نخّاس من أهل بربر (2)فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرّة جارية.

قال:فأتي لذلك ما أتي،فدخلنا يوما علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:ألاّ أخبركم عن النخّاس الّذي ذكرته لكم قد قدم،فأذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية.

قال:فأتينا النخّاس فقال:قد بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين مريضتين إحديهما أمثل من الاخري.

قلنا:فأخرجهما حتّي ننظر إليهما فأخرجهما فقلنا:بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟

قال:بسبعين دينارا.

قلنا:أحسن.

قال:لا أنقص من سبعين دينارا.

قلنا له:نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت و لا ندري ما فيها و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللّحية.

قال:فكّوا و زنوا،فقال النخّاس:لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين دينارا لم أبايعكم.

فقال الشيخ:أدنوا فدنونا و فككنا الخاتم و وزنّا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص،فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر عليه السّلام و جعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان، فحمد اللّه و أثني عليه ثمّ قال لها:ما اسمك؟ب.

ص: 49


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:272/64.
2- النخاس بياع الرقيق و الدواب و دلالها و البربر قوم بالمغرب حفاة كالأعراب في رقة الدين و قلة العلم،كذا في المغرّب.

قالت:حميدة،فقال:حميدة في الدّنيا،محمودة في الآخرة،أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيّب؟

قالت:بكر.

قال:و كيف و لا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه.

فقالت:قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرّجل من المرأة فيسلّط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس و اللّحية فلا يزال يلطمه حتّي يقوم عنّي،ففعل بي مرارا و فعل الشيخ به مرارا فقال:يا جعفر خذها إليك.

فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليه السّلاهما (1).

***

مواعظ الإمام الباقر عليه السّلام

اشارة

في كتاب البشائر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ محمّد بن المنكدر قال:أردت أن أعظ محمّد بن علي فوعظني؛إنّي خرجت إلي بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمّد بن علي و كان رجلا بدينا و هو متّك علي غلامين أسودين فقلت في نفسي:شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذا الحال في طلب الدّنيا لأعظنّه،فسلّمت عليه و قد تصبّب عرقا فقلت:اللّه أصلحك اللّه شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذا الحال في طلب الدّنيا لو جاءك الموت و أنت علي هذا الحال؟

فقال:لو جاءني الموت و أنا علي هذا الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات اللّه تعالي كفّ بها نفسي عنك و عن الناس و إنّما كنت أخاف الموت لو جاءني و أنا علي معصية من معاصي اللّه.

فقلت:يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني (2).

و عن أبي جعفر محمّد بن علي قال:قال أبو جعفر:ما استوي رجلان في حسب و دين قط إلاّ كان أفضلهما عند اللّه آدبهما.

قال:قلت:جعلت فداك،قد علمت فضله عند الناس و في النادي و المجالس،فما فضله عند اللّه جلّ جلاله؟

قال:بقراءته القرآن من حيث أنزل،و دعائه اللّه عزّ و جلّ من حيث لا يلحن،و ذلك الرجل ليلحن فلا يصعد إلي اللّه عزّ و جلّ (3).

ص: 50


1- الكافي:477/1.
2- الكافي:74/5 ح 1،و البحار:157/10 ح 7.
3- وسائل الشيعة:221/6 ح 3.

و عن الوصافي قال:كنا عند أبي جعفر محمّد بن علي يوما فقال لنا:يدخل أحدكم يده في كمّ أخيه،أو قال:في كيسه يأخذ حاجته؟

قال:قلنا:لا.

قال:ما أنتم بإخوان (1).

قال جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام:(كان أبي يقول في جوف الليل:أمرتني فلم أأتمر، و زجرتني فلم أزدجر،هذا عبدك بين يديك،و لا أعتذر) (2).

و عن أبي حمزة،عن أبي جعفر محمّد بن علي قال:ما من عبادة أفضل من عفّة بطن أو فرج، و ما من شيء أحب إلي اللّه من أن يسأل،و ما يدفع القضاء إلاّ الدعاء،و إن أسرع الخير ثوابا البرّ، و إن أسرع الشر عقوبة البغي،و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عليه من نفسه،و أن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه،و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه (3).

و عن سفيان الثوري عن أبيه قال:إشتكي بعض ولد محمّد بن علي فجزع عليه جزعا شديدا، ثم أخبر بموته،فسري عنه،فقيل له:ما ذاك؟

فقال:ندعو اللّه تبارك و تعالي فيما نحب،فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحب (4).

و عن أبي حمزة أنّ عمر بن عبد العزيز لما ولي بعث إلي الفقهاء فقرّبهم،و كانوا أخصّ الناس به،بعث إلي محمّد بن علي بن حسين أبي جعفر،و بعث إلي عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و كان من عبّاد أهل الكوفة و فقهائهم،فقدم عليه،و بعث إلي محمّد بن كعب القرظي و كان من أهل المدينة من أفاضلهم و فقائهم،فلما قدم أبو جعفر محمّد بن علي علي عمر بن عبد العزيز و أراد الانصراف إلي المدينة قال:بينما هو جالس في الناس ينتظرون الدخول علي عمر إذ أقبل ابن حاجب عمر و كان أبوه مريضا،فقال:أين أبو جعفر ليدخل؟فأشفق محمّد بن علي أن يقوم فلا يكون هو الذي دعا به،فنادي ثلاث مرات.

قال:لم يحضر يا أمير المؤمنين.

قال:بلي،قد حضر،حدّثني بذلك الغلام.

قال:فقد ناديته ثلاث مرات.

قال:كيف قلت؟4.

ص: 51


1- أحكام القرآن:433/3،و تاريخ مدينة دمشق:293/54.
2- حلية الأولياء 3:186،صفة الصفوة:111/2،مطالب السؤول:104/2.
3- حلية الأولياء:187/3-188.
4- كشف الغمة:363/2،و تاريخ مدينة دمشق:54.294.

قال:قلت:أين أبو جعفر؟

قال:ويحك أخرج،فقل:أين محمّد بن علي؟فخرج،فقام فدخل فحدّثه ساعة،و قال:إنّي أريد الوداع يا أمير المؤمنين.

قال عمر:فأوصني يا أبا جعفر.

قال:أوصيك بتقوي اللّه،و اتّخذ الكبير أبا،و الصغير ولدا،و الرجل أخا.

فقال:رحمك اللّه،جمعت لنا و اللّه ما إن أخذنا به و أماتنا اللّه عليه،استقام لنا الخير إن شاء اللّه،ثم خرج.

فلما انصرف إلي رحله أرسل إليه عمر:إني أريد أن آتيك فاجلس في إزار و رداء،فبعث إليه:

لا،بل أنا آتيك،فأقسم عليه عمر،فأتاه عمر،فالتزمه و وضع صدره علي صدره و أقبل يبكي،ثم جلس بين يديه،ثم قام و ليس لأبي جعفر حاجة سأله إياها إلاّ قضاها له،و انصرف فلم يلتقيا حتي ماتا جميعا،رحمهما اللّه (1).

و عن قيس بن النعمان:خرجت يوما إلي بعض مقابر المدينة،فإذا أنا بصبي جالس عند قبر يبكي بكاء شديدا،و ان وجهه ليلقي شعاعا من نور،فأقبلت عليه،فقلت:أيها الصبي،ما الذي عقلت له من الحزن حتي أفردك بالخلوة في مجالب الموتي و البكاء علي أهل البلاء و أنت بغو الحداثة مشغول عن اختلاف الأزمان و حنين الأحزان،فرفع رأسه و طأطأه،و أطرق ساعة لا يحير جوابا،ثم رفع رأسه و هو يقول:

إنّ الصبي صبي العقل لا صغر أزري بذي العقل فينا لا و لا كبر

ثم قال لي:ما هذا،إنك خليّ الذرع (2)من الفكر،سليم الأحشاء من الحرقة،أمنت تقارب الأجل بطول الأمل،إن الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلاء،يذكّر قول اللّه عزّ و جلّ: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلي رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (3).

فقلت:بأبي أنت و أمي،من أنت؟فإنّي لأسمع كلاما حسنا.

فقال:إنّ من شقاوة أهل البلاء قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء،أنا محمّد بن علي بن الحسين بن علي،و هذا قبر أبي،فأيّ أنس آنس من قربه،و أي وحشة تكون معه،ثم أنشأ يقول:

ما غاض دمعي عند نازلة إلاّ جعلتك للبكا سببا

إنّي أجلّ ثريّ حللت به من أن أري لسواك مكتئبا1.

ص: 52


1- تاريخ مدينة دمشق:270/54.
2- الذرع:الخلق.
3- سورة يس،الآية:51.

فإذا ذكرتك سامحتك به منّي الدموع ففاض فانسكبا

قال قيس:فانصرفت و ما تركت زيارة القبور مذ ذاك (1).

و عن المدائني قال:بينما محمّد بن علي بن الحسين في فناء الكعبة فإذا أعرابي فقال له:هل رأيت اللّه حيث عبدته؟فأطرق و أطرق من كان حوله،ثم رفع رأسه إليه فقال:ما كنت لأعبد شيئا لم أره،فقال:و كيف رأيته؟

قال:لم تره الأبصار بمشاهدة العيان،و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان،لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالناس،معروف بالآيات،منعوت بالعلامات،لا يجوز في قضيته،بان من الاشياء و بانت الأشياء منه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (2)،ذلك اللّه لا إله إلاّ هو.

فقال الأعرابي:اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته (3).

عن المنهال بن عمرو،عن محمّد بن علي قال:أذكروا من عظمة اللّه ما شئتم،و لا تذكرون منه شيئا إلاّ و هي أشدّ منه،و اذكروا من الجنّة ما شئتم و لا تذكرون منها شيئا إلاّ و هي أفضل منه (4).

و قال رضي اللّه عنه لإبنه جعفر:(يا بني:إصبر للنوائب و لا تتعرض للحتوف،و لا تعط نفسك ما ضرّه عليك أكثر من نفعه لغيرك،يا بني إنّ اللّه تعالي رضيني لك فحذّرني فتنتك،و لم يرضك لي فأوصاك بي) (5).

و قال عبيد اللّه بن الوليد:قال لنا أبو جعفر يوما:(يدخل أحدكم يده في كم صاحبه يأخذ منه ما يريد؟)

قلنا:لا.

قال:(فلستم إخواننا كما تزعمون) (6).

و قال:(إعرف المودة في قلب أخيك بماله في قلبك) (7).

و منها:ما رواه جابر الجعفي قال:قال لي محمد بن علي يوما:(يا جابر إنّي لمشتغل القلب).

قلت له:و ما شغل قلبك؟

قال:(يا جابر إنّه من دخل قلبه دين اللّه الخالص شغله عمّا سواه،يا جابر ما الدنيا و ما عسي أن تكون؟2.

ص: 53


1- تاريخ مدينة دمشق:282/54.
2- سورة الشوري،الآية:11.
3- تاريخ دمشق:282/54.
4- سير أعلام النبلاء:406/4.
5- حلية الأولياء:138/3،كشف الغمة:582/1.
6- ترجمة محمد الباقر من تاريخ دمشق:56/159،ربيع الأبرار:430/1،حلية الأولياء:187/3،صفة الصفوة:112/2.
7- حلية الأولياء:187/3،صفة الصفوة:112/2.

هل هي إلاّ مركب ركبته،أو ثوب لبسته،أو إمرأة أصبتها.

يا جابر إنّ المؤمنين لم يطمئنوا إلي الدنيا بالبقاء (1)فيها،و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم،و لم يصمّهم عن ذكر اللّه تعالي ما سمعوه بآذانهم من الفتنة،و لم يعمهم عن نور اللّه ما رأوا بأعينهم من الزينة،ففازوا بثواب الأبرار.

إنّ أهل التقوي أيسر أهل الدنيا مؤونة،و أكثرهم لك معونة،إن نسيت ذكروك،و إن ذكرت أعانوك،قوالين لحق اللّه،قوّامين لأمر اللّه،فاجعل الدنيا كمنزل نزلت به و إرتحلت منه،أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شيء،و احفظ اللّه تعالي فيما استرعاك من دينه و حكمته) (2).

و قال عليه السّلام:(الغني و العز يجولان في قلب المؤمن،فإذا وصلا إلي مكان فيه التوكل إستوطناه) (3)

و قال زيد بن خيثمة:سمعت أبا جعفر يقول:(الصواعق تصيب المؤمن و غير المؤمن،و لا تصيب الذاكر) (4).

و روي عمر مولي غفرة قال:قال أبو جعفر:(ما دخل قلب إمرء شيء من الكبر إلاّ نقص من عقله مثل ما دخله في ذلك،قلّ أو كثر) (5).

و كان أبو جعفر يقول:(سلاح اللئام قبيح الكلام) (6).

و روي أبو بكر بن عياش عن سعد الإسكاف أنّه سمع أبا جعفر يقول:(و اللّه موت عالم أحب إلي إبليس من موت تسعين عابدا) (7).

و قال سعد الإسكاف:سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول:(عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد) (8).3.

ص: 54


1- في نسخة(ط):لبقاء.
2- حلية الأولياء:182/3،صفة الصفوة:108/2،البداية و النهاية:310/9،سير أعلام النبلاء:405/4، ترجمة محمد الباقر من تاريخ دمشق:41/145.
3- البداية و النهاية:311/9،الفصول المهمة:213،تذكرة الخواص:303،حلية الأولياء:181/3،صفة الصفوة:108/2.
4- حلية الأولياء:181/3،البداية و النهاية:310/9،سير أعلام النبلاء:408/4.
5- حلية الأولياء:180/3،صفة الصفوة:108/2.
6- حلية الأولياء:183/3،صفة الصفوة:109/2.
7- حلية الأولياء:183/3،صفة الصفوة:109/2 و فيهما سبعين بدل تسعين،البداية و النهاية:312/9، الفصول المهمة:213.
8- حلية الأولياء:183/3،الفصول المهمة:213.

و قال جابر الجعفي:قال محمد بن علي:(شيعتنا من أطاع اللّه) (1).

و قال عليه السّلام في قوله: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا (2)قال:(الغرفة الجنّة بما صبروا علي الفقر في الدنيا) (3).

و قال رضي اللّه عنه:أشدّ الأعمال ثلاثة:ذكر اللّه علي كلّ حال،و انصافك من نفسك،و مواساة الأخ في المال (4).

و قال عليه السّلام:سلام اللئام قبيح الكلام (5).

و قال أبو حمزة الثمالي عنه إنه قال في قوله عزّ و جلّ: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً (6).

قال عليه السّلام:(بما صبروا علي الفقر و مصائب الدنيا) (7).

و نقل عنه عليه السّلام أنّه قال:(ما من عبادة أفضل من عفّه بطن أو فرج،و ما من شيء أحبّ إلي اللّه تعالي من أن يسأل،و ما يدفع القضاء إلاّ الدعاء،و إنّ أسرع الخير ثوابا البر،و أسرع الشر عقوبة البغي،و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه،و أن يأمر بما لا يفعله،و أن ينهي الناس عما لا يستطيع التحول عنه،و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه) (8).

و قال خالد بن هيثم:قال أبو جعفر محمد بن علي:(ما اغرورقت عين بمائها إلاّ حرّم اللّه عزّ و جلّ وجه صاحبها علي النار،فإن سالت علي الخدين لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة،و ما من شيء إلاّ له جزاء إلاّ الدمعة فإنّ اللّه يكفّر بها بحور الخطايا،و لو أنّ باكيا بكي في امّة لحرّم اللّه تلك الأمّة علي النار) (9).

و في الكافي عن رجل من بني حنيفة من أهل سجستان قال:رافقت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها أوّل خلافة المعتصم فقلت له:إنّ و الينا جعلت فداك رجل يتولاّكم أهل البيت و يحبّكم2.

ص: 55


1- حلية الأولياء:184/3،البداية و النهاية:311/9،الفصول المهمة:213.
2- سورة الفرقان،الآية:75.
3- حلية الأولياء:182/3،البداية و النهاية:310/9،الفصول المهمة:215.
4- حلية الأولياء:183/3،معاني الأخبار:3/192،كشف الغمة:127/2 و 133.
5- حلية الأولياء:183/3،صفة الصفوة:109/2،مطالب السؤول:100/2،تذكرة الخواص:338، الإتحاف:145،نور الأبصار:159،سير أعلام النبلاء:408/4.
6- سورة الإنسان،الآية:12.
7- حلية الأولياء:183/3،الفصول المهمة:215.
8- ترجمة محمد الباقر من تاريخ دمشق:57/159،تذكرة الخواص:305،البداية و النهاية:312/9،جمع الجوامع:820/2،حلية الأولياء:188/3،صفة الصفوة:111/2.
9- تنبيه الخواطر:202/2،صفة الصفوة:109/2.

و عليّ في ديوانه خراج فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ،فقال:لا أعرفه.

فقلت:جعلت فداك هو علي ما ذكرت من محبّته لكم فأخذ القرطاس فكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و أنّ مالك من عملك ما أحسنت فيه فأحسن إلي اخوانك و اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ سائلك عن مثاقيل الذرّ و الخردل.

فلمّا ورد سجستان سبق الخبر إلي الحسين بن عبد اللّه النيشابوري و هو الوالي فاستقبلني علي فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبّله و وضعه علي عينيه و قال لي:حاجتك.

قلت:خراج عليّ في ديوانك،فأمر بطرحه عنّي و قال:لا تؤدّ خراجا ما دام لي عمل.

ثمّ سألني عن عيالي فأخبرته عنهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا فما أدّيت في عمله خراجا و لا قطع عنّي صلته حتّي مات (1).

و في الأمالي عن المنهال بن عمر قال:جاء رجل إلي الباقر عليه السّلام فقال:و اللّه إنّي لأحبّكم أهل البيت.

قال:فاتّخذ للبلاء جلبابا فواللّه إنّه لأسرع إلينا و إلي شيعتنا من السيل و بنا يبدأ البلاء ثمّ بكم و بنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم (2).

و في الكافي،عن الحكم بن عتيبة قال:بينا أنا مع أبي جعفر عليه السّلام و البيت غاصّ بأهله إذ أقبل شيخ يتوكّأ علي عنزه فقال:السلام عليك يابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ أقبل علي أهل البيت و قال:

السلام عليكم فردّوا عليه السّلام.ثمّ قال:يابن رسول اللّه أدنني منك جعلني اللّه فداك فو اللّه إنّي لأحبّكم و أحبّ من يحبّكم و أبغض عدوّكم و أحلّ حلالكم و أحرّم حرامكم و أنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني اللّه فداك.

فأقعده إلي جنبه ثمّ قال إنّ أبي عليّ بن الحسين أتاه رجل فسأله عن مثل هذا فقال:إن تمت ترد علي رسول اللّه و علي عليّ و الحسن و الحسين و علي عليّ بن الحسين و يثلج قلبك و يبرد فؤادك و تقرّ عينك و تستقبل بالروح و الريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا،و أهوي بيده إلي حلقه،و إن تعش تري ما يقرّ اللّه به عينك و تكون معنا في السنام الأعلي يعني أهل الجنّة.

فقال الشيخ:كيف قلت يا أبا جعفر؟فأعاد عليه الكلام فأقبل الشيخ ينتحب هاهاها حتّي لصق بالأرض و أقبل أهل البيت ينتحبون لما يرون من حال الشيخ و أقبل أبو جعفر عليه السّلام يمسح دموع الشيخ5.

ص: 56


1- الكافي:112/5 ح 6،و وسائل الشيعة:196/17 ح 11.
2- الأمالي للطوسي:154 ح 255.

بإصبعه ثمّ رفع رأسه فقال:يابن رسول اللّه ناولني يدك جعلني اللّه فداك فناوله يده فقبّلها و وضعها علي عينه و خدّه ثمّ حسر عن بطنه و صدره فوضع يده عليهما ثمّ قام فقال:السلام عليكم.

و أقبل أبو جعفر عليه السّلام ينظر في قفاه و هو مدبر فقال:من أحبّ أن ينظر إلي رجل من أهل الجنّة فلينظر إلي هذا،فقال الحكم:لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس (1).

و روي عنه في قوله: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً (2)(أي بما صبروا علي الفقر و مصائب الدنيا) (3).

و قال رضي اللّه عنه لابنه جعفر:(يا بني إنّ اللّه عزّ و جلّ خبّأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء:خبّأ رضاه في طاعته فلا تحقرنّ من الطاعة شيئا فلعلّ رضاه فيه،و خبّأ سخطه في معصيته فلا تحقرنّ من المعصية شيئا فلعلّ سخطه فيه،و خبّأ أولياءه في خلقه فلا تحقرنّ أحدا من خلقه فلعلّه ذلك الولي) (4).

و قال عليه السّلام:(الإيمان ثابت في القلب و اليقين خطرات،فيمرّ اليقين بالقلب فيصير كأنّه زبر الحديد،و يخرج كأنّه خرقة بالية) (5).

و قال عليه السّلام:(الغني و العزّ يجولان في قلب المؤمن،فإن وصلا إلي مكان فيه التوكّل أوطناه) (6).

و قال عليه السّلام:(الصواعق تصيب المؤمن و غير المؤمن،و لا تصيب الذاكر للّه تعالي علي الحقيقة و الصدق) (7).

و كان يقول عليه السّلام:(يا عجبا لقوم حبس أوّلهم علي آخرهم ثم نودوا بالرحيل و هم يلعبون) (8).

و قال عليّ بن موسي الرضا:(سمعت موسي بن جعفر يقول:سمعت جعفرا الصادق يقول:

سمعت محمد بن عليّ الباقر عليه السّلام يقول:كمال المرء بخصال ثلاث:مشاورة أهل الرأي و الفضيلة، و مداراة الناس بالمخالطة الجميلة،و اقتصاد من غير بخل في القبيلة،فذو الثلاث سائق،و الإثنين7.

ص: 57


1- الكافي:77/8 ح 30،و البحار:362/46 ح 3.
2- سورة الإنسان،الآية:12.
3- حلية الأولياء:183/3،مطالب السؤول:102/2،الفصول المهمة:215،نور الأبصار:159.
4- نثر الدر:343/1،كشف الغمة:148/2،الإتحاف:145،نور الأبصار:160،التذكرة الحمدونية: 216/110،الفصول المهمة:216.
5- حلية الأولياء:180/3،كشف الغمة:131/2.
6- حلية الأولياء:181/3،صفة الصفوة:108/2،مطالب السؤول:101/2،تذكرة الخواص:337،نور الأبصار:160.
7- حلية الأولياء:181/3،مطالب السؤول:101/2،تذكرة الخواص:337،سير اعلام النبلاء:408/4، نور الأبصار:160،و لم يرد ذيل الرواية في المصادر.
8- مجموعة ورّام:30/2،الزهد:77.

و الواحدة لاحق،و من لم يكن فيه واحدة من الثلاث لم يسلم له صديق،و لم يتحنن عليه شفيق،و لم يسعد به رفيق).

و قال عليه السّلام:(أوصاني أبي و قال:لا تصحبنّ خمسة و لا ترافقهم في طريق:لا تصحبنّ فاسقا، فإنّه يبيعك بأكلة فما دونها.

قلت:يا أبه و ما دونها؟

قال:يطمع فيها ثمّ لا ينالها.

و لا تصحبن البخيل،فإنّه يقطعك في ماله أحوج ما تكون إليه،و لا تصحبنّ كذّابا،فإنّه بمنزلة السراب يبعّد منك القريب و يقرّب منك البعيد،و لا تصحبنّ أحمقا،فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك،و لا تصحبنّ قاطع رحم فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع) (1).

و روي أبو حمزة الثمالي أنّه عليه السّلام كان يقول لولده:(يا بني إذا أصابتكم مصيبة من الدنيا،أو نزلت بكم فاقة،فليتوضأ الرجل و يحسن وضوءه،و ليصلّ أربع ركعات أو ركعتين،فإذا انصرف من صلاته فليقل:يا موضع كلّ شكوي،يا سامع كلّ نجوي،يا شافي كلّ بلاء،يا عالم كلّ خفيّة،و يا كاشف ما يشاء من بليّة،يا نجي موسي عليه السّلام،و يا مصطفي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و يا خليل إبراهيم عليه السّلام، أدعوك دعاء من اشتدّت فاقته،و ضعفت قوّته،و قلّت حيلته،دعاء الغريب الغريق الفقير،الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلاّ أنت يا أرحم الراحمين،لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين).

و قال:(قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:لا يدعو بها رجل أصابه بلاء إلاّ فرّج اللّه عنه بكرمه) (2).

و قال لابنه جعفر عليه السّلام:(يا بني إيّاك و الكسل و الضجر،فانّهما مفتاح كلّ شرّ؛إنّك إن كسلت لم تؤد حقا،و إن ضجرت لم تصبر علي حق) (3).

و قال عليه السّلام:(إيّاكم و الخصومات،فإنّها تفسد القلب و تورث النفاق) (4).

و قال في قوله تعالي: وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (5)(هم أصحاب الخصومات) (6).2.

ص: 58


1- ترجمة الإمام الباقر عليه السّلام من تاريخ دمشق:55/158،صفة الصفوة:101/2،إحياء علوم الدين:/2 249،مختصر تاريخ دمشق:254/17،حلية الأولياء:184/3،الإتحاف:138.
2- كشف الغمة:554/1 و 582.
3- حلية الأولياء:183/3،صفة الصفوة:109/2،مطالب السؤول:103/2،تذكرة الخواص:339.
4- حلية الأولياء:198/3،تذكرة الحفاظ:67/1 و فيهما(تشغل)بدل(تفسد).
5- سورة الأنعام،الآية:68.
6- الطبقات الكبري:985/246/5،حلية الأولياء:184/3،كشف الغمة:120/2.

و كان إذا ضحك يقول:(اللهم لا تمقتني) (1).

و عن سعد بن طريف،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كنّا عنده ثمانية رجال،فذكرنا رمضان،فقال:

لا تقولوا:هذا رمضان،و لا ذهب رمضان،و لا جاء رمضان،فإنّ رمضان إسم من أسماء اللّه تعالي لا يجيء و لا يذهب،و إنّما يجيء و يذهب الزائل،و لكن قولوا:شهر رمضان،فالشهر المضاف إلي الإسم(و الإسم)إسم اللّه،و هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن،جعله اللّه(مثلا)وعيدا.

ألا و من خرج في شهر رمضان من بيته في سبيل اللّه-و نحن سبيل اللّه الذي من دخل فيه يطاف بالحصن،و الحصن هو الإمام،فليكبّر(عند) (2)رؤيته-كانت له يوم القيامة صخرة في ميزانه أثقل من السماوات السبع،و الأرضين السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ما تحتهنّ.

فقلت (3):يا أبا جعفر و ما الميزان؟فقال:إنّك قد ازددت قوّة و نظرا يا سعد،رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصخرة،و نحن الميزان،و ذلك قول اللّه في الإمام لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ (4).

قال:و من كبّر بين يدي الإمام عليه السّلام و قال:لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،كتب اللّه له رضوانه الأكبر،و من يكتب اللّه له رضوانه الأكبر،يجمع بينه و بين إبراهيم و محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و المرسلين في دار الجلال.

فقلت (5):و ما دار الجلال؟فقال:نحن الدار،و ذلك قول اللّه: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (6)،(فنحن العاقبة يا سعد،و أمّا مودّتنا فللمتّقين) (7).فيقول اللّه: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ (8)جلال اللّه و كرامته الّتي أكرم اللّه-تبارك و تعالي-العباد بطاعتنا (9).

و عن أبي عبيدة الحذّاء قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:إنّ أحبّ أصحابي إليّ أفقههم و أورعهم و أكتمهم لحديثنا،و إنّ أسوأهم عندي حالا(و)أمقتهم إليّ الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا و يروي عنّا،فلم يحتمله قلبه،و اشمأزّ (10)منه جحده و أكفر من دان به،و لا يدري لعلّ الحديث».

ص: 59


1- حلية الأولياء:185/3،صفة الصفوة:110/2،مطالب السؤول:104/2.
2- في البرهان:فيكبّر.
3- في البرهان:قلت.
4- سورة الحديد،الآية:25.
5- في البرهان:قلت.
6- سورة القصص،الآية:83.
7- ليس في البرهان،و فيه:«قال اللّه»بدل«فيقول اللّه».
8- سورة الرحمن،الآية:78.
9- عنه البرهان:238/3 ح 2 و 298/4 ح 2،و فيه:بطاعتهم،و في البحار:396/24 ح 116 عنه و عن بصائر الدرجات:311 ح 12.
10- الشمز:نفور النفس ممّا تكره،و تشمّز وجهه:تمعّر و تقبّض،و اشمأزّ:انقبض و اقشعرّ،أو ذعر،و الشيء كرهه«تاج العروس».

من عندنا خرج و إلينا أسند،فيكون بذلك خارجا من ديننا (1)(2).

قال أبو جعفر عليه السّلام:ولاية اللّه أسرّها إلي جبرئيل عليه السّلام،و أسرّها جبرئيل عليه السّلام إلي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، و أسرّها محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي عليّ عليه السّلام،و أسرّها عليّ-صلوات اللّه عليه-إلي من شاء اللّه،ثمّ أنتم تذيعون ذلك من الذي أمسك حرفا سمع به!

و قال أبو جعفر عليه السّلام(في حكمة آل داود):ينبغي للمسلم أن يكون مالكا لنفسه،مقبلا علي شأنه،عارفا بأهل زمانه،فاتّقوا اللّه و لا تذيعوا علينا (3)،فلولا أنّ اللّه يدافع عن أوليائه،و ينتقم من أعدائه لأوليائه،أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك؟و ما انتقم لأبي الحسن عليه السّلام منهم؟و قد كان بنو الأشعث علي خطر عظيم،فدفع اللّه عنهم بولايتهم لأبي الحسن عليه السّلام،و أنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة،و ما أمهل اللّه لهم،فعليكم بتقوي اللّه،و لا تغرّنّكم الدنيا،و لا تغترّوا بمن أمهل اللّه له،فكأنّ الأمر قد صار إليكم (4).

ص: 60


1- في أغلب المصادر:من ولايتنا.
2- عنه البحار:365/25 ح 6 و صحيفة الأبرار:10/1 و 55. و أخرجه في البحار:186/2 ح 12 و العوالم:513/3 ح 5 عن بصائر الدرجات:537 ح 1 و مستطرفات السرائر:79 ح 8،و في ج 176/68 ح 33 و مستدرك الوسائل:80/1 ح 27 عن التمحيص:67 ح 160،و في البحار:76/75 ح 24 عن الكافي:223/2 ح 7،و في الوسائل:61/18 ح 39 عن الكافي و مستطرفات السرائر.
3- في الكافي و الوسائل و البحار:و لا تذيعوا حديثنا.
4- أخرجه في البحار:77/75 ح 27 عن الكافي:224/2 ح 10،و في ج 249/48 ح 58 و الوسائل:/11 492 ح 1 و العوالم:427/21 ح 1 قطعة منه،و في البحار:110/52 ح 16 عن قرب الإسناد:380 ح 1340 و 1341 مختصرا. قال المجلسي(رحمه اللّه)في البحار ج 75:«و أخذ»بصيغة المجهول عطفا علي«كان»أو علي صيغة التفضيل،عطفا علي شرّ،أو نسبة الأخذ إلي الإعطاء إسناد إلي السبب،و«صاحب هذا الأمر»الإمام عليه السّلام. «ولاية اللّه»أي:الإمامة و شؤونها و أسرارها و علومها ولاية اللّه و إمارته و حكومته،و قيل:المراد تعيين أوقات الحوادث،و لا يخفي ما فيه.«إلي من شاء اللّه»أي:الأئمّة عليهم السّلام. «ثمّ أنتم»ثمّ للتعجّب و قيل:إستفهام إنكاريّ.«من الذي أمسك»الاستفهام للإنكار أي:لا يمسك أحد من أهل هذا الزمان حرفا لا يذيعه،فلذا لا نعتمد عليهم أو لا تعتمدوا عليهم.«في حكمة آل داود»أي:الزبور أو الأعمّ منه أي داود و آله.«مالكا لنفسه»أي:مسلّطا عليها يبعثها إلي ما ينبغي و يمنعها عمّا لا ينبغي،أو مالكا لأسرار نفسه لا يذيعها.«مقبلا علي شأنه»أي:مشتغلا باصلاح نفسه،متفكّرا فيما ينفعه فيجلبه و فيما يضرّه فيجتنبه.«عارفا بأهل زمانه»فيعرف من يحفظ سرّه و من يذيعه،و من تجب مودّته أو عداوته،و من ينفعه مجالسته و من تضرّه.«فلو لا»الفاء للبيان،و جزاء الشرط محذوف أي:لانقطعت سلسلة أهل البيت و شيعتهم بترككم التقيّة أو نحو ذلك. «أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك»أقول:دولة البرامكة و شوكتهم و زوالها عنهم معروفة في التواريخ.«و ما انتقم لأبي الحسن»أي:الكاظم عليه السّلام،أي من البرامكة.«و ترون أعمال هؤلاء الفراعنة»أي:بني عبّاس و أتباعهم،و الحاصل أنّه تعالي قد ينتقم لأوليائه من أعدائه،و قد يمهلهم إتماما للحجّة عليهم،فاتّقوا اللّه في الحالتين،و لا تذيعوا سرّنا،و لا تغترّوا بالدنيا و حبّها،فيصير سببا للإذاعة للأغراض الباطلة،أو للتوسّل بالمخالفين لتحصيل الدنيا،أو باليأس عن الفرج استبطاء.«فكأنّ الأمر قد وصل إليكم»بشارة بقرب ظهور أمر القائم عليه السّلام و بيان لتيقّن وقوعه.

و عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق ما اختلف اثنان:

إنّ اللّه قبل أن يخلق الخلق قال:كن ماء عذبا أخلق منك جنّتي و أهل طاعتي،و كن ملحا أجاجا أخلق منك ناري و أهل معصيتي،ثمّ أمرهما فامتزجا،فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر و الكافر المؤمن،ثمّ أخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فاذا هم كالذرّ يدبّون،فقال لأصحاب اليمين:إلي الجنّة بسلام،و قال لأصحاب الشمال:إلي النار و لا أبالي.

ثمّ أمر نارا فأسعرت،فقال لأصحاب الشمال:أدخلوها فهابوها،و قال (1)لأصحاب اليمين:

أدخلوها فدخلوها،فقال:كوني بردا و سلاما،فكانت بردا و سلاما.

فقال أصحاب الشمال:يا ربّ أقلنا.

قال:قد أقلتكم فادخلوها،فذهبوا فهابوها.فثمّ ثبتت الطاعة و المعصية،فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء،و لا هؤلاء من هؤلاء (2).

و عن يحيي بن عقبة الأزدي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:مثل الحريص علي الدّنيا كمثل دودة القزّ،كلّما إزدادت علي نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّي تموت غمّا.

قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:كان فيما وعظ به لقمان إبنه:يا بنيّ إنّ النّاس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له،و إنّما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل و وعدت عليه أجرا فأوف عملك و استوف أجرك و لا تكن في هذه الدّنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتّي سمنت فكان حتفها عند سمنها،و لكن إجعل الدّنيا بمنزلة قنطرة علي نهر جزت عليها و تركتها و لم ترجع إليها آخر الدّهر،أخربها و لا تعمرها.فإنّك لم تؤمر بعمارتها،و اعلم أنّك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي اللّه عزّ و جلّ عن أربع:شبابك فيما أبليته و عمرك فيما أفنيته و مالك ممّا إكتسبته و فيما أنفقته،فتأهّب لذلك و أعدّ له جوابا،و لا تأس علي ما فاتك من الدّنيا،فإنّ قليل الدّنيا لا يدوم بقاؤه و كثيرها لا يؤمن بلاؤه،فخذ حذرك،و جدّ في أمرك و اكشف الغطاء عن وجهك و تعرّض لمعروف ربّك و جدّد التوبة في قلبك و اكمش فيه فراغك قبل أن يقصد قصدك و يقضي قضاؤك و يحال بينك و بين ما تريد (3).9.

ص: 61


1- في الكافي و المرآة:فقال.
2- الكافي:6/2 ح 1،و عنه البحار:93/67 ح 14 و مرآة العقول:16/7 ح 1 و الوافي:34/4 ح 1650.
3- الكافي:135/2 ج 20،و البحار:426/13 ج 19.

و قال في البحار:نقلت من كتاب جمعه الوزير السعيد مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن محمد بن العلقمي رحمه اللّه تعالي قال:ذكر الأجلّ أبو الفتح يحيي بن محمد بن حياء الكاتب قال حدّث بعضهم قال:كنت بين مكة و المدينة فإذا أنا بشبح يلوح من البرية يظهر تارة و يغيب أخري،حتي قرب مني فتأملته فإذا هو غلام سباعي أو ثماني،فسلم علي فرددت عليه،و قلت من أين؟

قال:من اللّه،فقلت:و إلي أين؟فقال:إلي اللّه.

قال فقلت:فعلام؟فقال:علي اللّه،فقلت:فما زادك؟

قال:التقوي

فقلت:ممن أنت؟

قال:أنا رجل عربي،فقلت:أبن لي؟

قال:أنا رجل قرشي فقلت:أبن لي؟فقال أنا رجل هاشمي،فقلت:أبن لي؟

فقال:أنا رجل علوي ثم أنشد:

فنحن علي الحوض ذواده نذود و يسعد ورّاده

فما فاز من فاز إلا بنا و ما خاب من حبنا زاده

فمن سرنا نال منا السرور و من ساءنا ساء ميلاده

و من كان غاصبنا حقنا فيوم القيامة ميعاده

ثم قال:أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،ثم التفت فلم أره،فلا أعلم هل صعد إلي السماء أم نزل في الارض (1).

***

موعظته عليه السّلام لجابر

عن جابر يعني الجعفي قال:قال لي محمّد بن علي يا جابر إنّي لمحزون،و إني لمشتغل القلب.

قلت:و ما حزنك و شغل قلبك؟

قال عليه السّلام:يا جابر إنّه من دخل قلبه صافي خالص دين اللّه شغله عما سواه،يا جابر ما الدنيا

ص: 62


1- البحار:270/46.

و ما عسي أن تكون،هل هو إلاّ مركب ركبته،أو ثوب لبسته،أو امرأة أصبتها؟

يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلي الدنيا لبقاء فيها،و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم،و لم يصمهم عن ذكر اللّه ما سمعوا بأذانهم من الفتنة،و لم يعمهم عن نور اللّه ما رأوا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأبرار،إنّ أهل التقوي أيسر أهل الدنيا مؤونة،و أكثرهم لك معونة،و إن نسيت ذكروك،و إن ذكرت أعانوك،قوّالين بحق اللّه،قوّامين بأمر اللّه،قطعوا محبتهم بمحبة اللّه،و نظروا إلي اللّه و إلي محبته بقلوبهم،و توحشوا من الدنيا لطاعة مليكهم،و علموا أن ذلك منظور اليهم من شأنهم،فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به فارتحلت منه،أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شيء،و احفظ للّه ما استرعاك من دينه و حكمته (1).

***

تسليمه عليه السّلام لأمر اللّه

و عن يونس بن يعقوب عن بعض أصحابنا قال:كان قوم أتوا أبا جعفر عليه السّلام فوافقوا صبيّا له مريضا فرأوا منه اهتماما و غمّا و جعل لا يقرّ فقالوا:و اللّه لئن أصابه شيء إنّا لنتخوّف أن نري منه ما نكره فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحالة التي كان عليها فقالوا له:قد كنّا نخاف ممّا نري منك ما يغمّنا فقال:إنّا لنحبّ أن نعافي فيمن نحبّ فإذا جاء أمر اللّه سلّمنا فيمن نحبّ (2).

***

حلمه عليه السّلام

و قال له نصراني:أنت بقر.

قال:لا،أنا باقر،فقال:أنت ابن الطبّاخة.

قال:ذاك حرفتها.

قال:أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة.

قال:إن كنت صدقت غفر اللّه لها و إن كنت كذبت غفر اللّه لك.

قال:فأسلم النصراني (3).

ص: 63


1- حلية الأولياء:182/3.
2- الكافي:226/3 ح 14،و البحار:301/46 ح 44.
3- مناقب آل أبي طالب:337/3،و البحار:289/46 ح 12.

كرم الإمام الباقر عليه السّلام

و كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون حتّي يطعمهم الطعام الطيّب و يكسوهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم و يقول:ما حسنة الدّنيا إلاّ صلة الإخوان و المعارف و كان يجيز بالخمسمائة إلي الألف و قال:إعرف المودّة لك في قلب أخيك بما له في قلبك و كان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك و لا يا سائل خذ هذا و كان يقول سمّوهم بأحسن أسمائهم (1).

و قالت سلمي مولاة أبي جعفر:كان يدخل عليه أصحابه فلا يخرجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيّب،و يكسوهم الثياب الحسنة،و يهب لهم الدراهم،فأقول له في ذلك ليقلّ منه.

فيقول:(يا سلمي ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان و المعارف)و كان يجيز بالخمسمائة و الستمائة إلي الألف،و كان لا يملّ من مجالسة إخوانه (2).

و قال الأسود بن كثير:شكوت إلي أبي جعفر الحاجة،و جفاء الإخوان.فقال:(بئس الأخ أخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا)ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم،فقال:(إستنفق هذه، فإذا فرغت فأعلمني) (3).

***

عبادة الإمام الباقر عليه السّلام

أبو يعقوب البزاز عبد اللّه بن يحيي قال:رأيت علي أبي جعفر محمّد بن علي إزارا أصفرا،و كان يصلّي كلّ يوم و ليلة خمسين ركعة بالمكتوبة (4).

عن أفلح مولي محمّد بن علي قال:خرجت مع محمّد بن علي حاجا،فلما دخل المسجد الحرام نظر إلي البيت فبكي حتي علا صوته،فبكي الناس لبكائه،فقيل له:لو رفقت بنفسك قليلا، فقال لهم:أبكي لعل اللّه ينظر إليّ منه برحمة فأفوز بها غدا.

قال:ثم طاف بالبيت حتي جاء فركع عند المقام،فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتلا كلّه من دموعه (5).

و قال أفلح مولي أبي جعفر:خرجت مع محمد بن علي حاجا،فلمّا دخل المسجد،نظر إلي

ص: 64


1- كشف الغمة:363/2.
2- صفة الصفوة 2:112،الفصول المهمة:215.
3- صفة الصفوة 2:112،تذكرة الخواص:306.
4- حلية الأولياء:182/3،و تاريخ الثقات:410 رقم 1486.
5- تاريخ مدينة دمشق:280/54.

البيت فبكي حتي علا صوته فقلت:بأبي أنت و أمي إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفعت بصوتك قليلا فقال لي:(ويحك يا أفلح و لم لا أبكي لعلّ اللّه أن ينظر إليّ منه برحمة فأفوز بها عنده غدا)ثم طاف بالبيت ثم جاء حتي ركع عند المقام،فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموعه (1).

و كان إذا ضحك قال:(اللهم لا تمقتني) (2).

و روي عنه ولده جعفر عليه السّلام قال:كان أبي يقول في جوف اللّيل في تضرّعه:(أمرتني فلم أءتمر،و نهيتني فلّم أنزجر،فها أنا عبدك بين يديك و لا أعتذر) (3).

***

رحمة الإمام الباقر عليه السّلام بعبيده

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أعتق أبو جعفر عليه السّلام من غلمانه عند موته شرارهم و أمسك خيارهم فقلت:يا أبة تعتق هؤلاء و تمسك هؤلاء؟

فقال:إنّهم قد أصابوا منّي ضربا فيكون هذا بهذا (4).

***

رحمته عليه السّلام بأصحابه و عطفه عليهم

و عن أبي عبيدة قال:كنت زميل أبي جعفر عليه السّلام و كنت أبدأ بالركوب ثمّ يركب هو فإذا استوينا سلّم و سأل مسائله من لا عهد له بصاحبه فقلت:يابن رسول اللّه إنّك لتفعل شيئا ما يفعله من قبلنا و إن فعل مرّة فكثير فقال:أما علمت ما في المصافحة إنّ المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فما تزال الذنوب تتحاب عنهما كما تتحات الورق عن الشجر و اللّه ينظر إليهما حتّي يفترقا (5).

***

تظلّم الإمام الباقر عليه السّلام

روي أنّ أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر عليه السّلام.قال لبعض أصحابه:يا فلان،ما لقينا من ظلم قريش إيانا،و تظاهرهم علينا،و ما لقي شيعتنا و محبونا من الناس!إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبض و قد

ص: 65


1- صفة الصفوة:110/2.
2- حلية الأولياء:185/3،صفة الصفوة:110/2.
3- حلية الأولياء:186/3،صفة الصفوة:111/2.
4- تتمة الحدائق الناظرة:274/1،و الكافي:62/7 ح 17.
5- الكافي:179/2 ح 1،و البحار:302/46 ح 47.

أخبر أنّا أولي الناس بالناس،فتمالأت علينا قريش حتي أخرجت الأمر عن معدنه،و احتجّت علي الأنصار بحقّنا و حجّتنا.

ثم تداولتها قريش،واحد بعد واحد،حتي رجعت إلينا،فنكثت بيعتنا،و نصبت الحرب لنا، و لم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود،حتي قتل،فبويع الحسن ابنه و عوهد ثم غدر به،و سالم، و وثب عليه أهل العراق حتي طعن بخنجر في جنبه،و نهبت عسكره،و عولجت خلاليل أمّهات أولاده،فوادع معاوية و حقن دمه و دماء أهل بيته،و هم قليل حقّ قليل.

ثم بايع الحسين عليه السّلام من أهل العراق عشرون ألفا،ثم غدروا به،و خرجوا عليه،و بيعته في أعناقهم و قتلوه،ثم لم نزل-أهل البيت-نستذلّ و نستضام،و نقصي و نمتهن،و نحرم و نقتل، و نخاف و لا نأمن علي دمائنا و دماء أوليائنا،و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا يتقرّبون به إلي أوليائهم و قضاة السوء و عمال السوء في كلّ بلدة،فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة،و رووا عنّا ما لم نقله و ما لم نفعله،ليبغّضونا إلي النّاس،و كان عظم ذلك و كثرته زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السّلام،فقتلت شيعتنا بكل بلدة،و قطعت الأيدي و الأرجل علي الظّنّة،و كان من يذكر بحبّنا و الإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله،أو هدمت داره.

ثم لم يزل البلاء يشتدّ و يزداد،إلي زمان عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين عليه السّلام،ثم جاء الحجاج فقتلهم كلّ قتلة،و أخذهم بكلّ ظنّة و تهمة،حتي إنّ الرجل ليقال له:زنديق أو كافر، أحبّ إليه من أن يقال:شيعة عليّ،و حتي صار الرّجل الذي يذكر بالخير-و لعلّه يكون ورعا صدوقا-يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة،من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة،و لم يخلق اللّه تعالي شيئا منها،و لا كانت و لا وقعت و هو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب و لا بقلّة ورع (1).

***

حديث الإمام الباقر عليه السّلام في ابتداء الخلق

عن حمران،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ اللّه-تبارك و تعالي-حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا و ماء مالحا أجاجا فامتزج الماءان،و أخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا.

فقال لأصحاب اليمين و هم كالذرّ يدبّون:إلي الجنّة بسلام،و قال لأصحاب الشمال:إلي النار و لا أبالي،ثم قال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ (2).

ص: 66


1- كتاب سليم بن قيس:186،و البحار:211/27 ح 15.
2- سورة الأعراف،الآية:172،و في نسخة:قال:ثمّ أخذ الميثاق.

ثم أخذ الميثاق علي النبيّين،فقال:«ألست بربّكم»و أنّ هذا محمّد رسولي،و أنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟«قالوا:بلي»،فثبتت لهم النبوّة.

و أخذ الميثاق علي أولي العزم أنّني ربّكم،و محمّد رسولي،و عليّ أمير المؤمنين و أوصياؤه عليهم السّلام من بعده ولاة أمري،و خزّان علمي،و أنّ المهديّ أنتصر به لديني،و أظهر به دولتي، و أنتقم به من أعدائي،و أعبد به طوعا و كرها.قالوا:أقررنا يا ربّ و شهدنا (1).

عن حبيب السجستانيّ قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:إنّ اللّه لمّا أخرج ذرّيّة آدم من ظهره، ليأخذ الميثاق بالربوبيّة له،و بالنبوّة لكلّ نبيّ،فكان أوّل من أخذ له عليهم الميثاق بنبوّة محمّد بن عبد اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

ثمّ قال اللّه لآدم:أنظر ماذا تري؟

قال:فنظر آدم عليه السّلام إلي ذرّيّته و هم ذرّ قد ملأوا السماء،فقال آدم عليه السّلام:يا ربّ،ما أكثر ذرّيّتي؟!و لأمر ما خلقتهم؟!فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟

قال اللّه:يعبدونني و لا يشركون بي شيئا،و يؤمنون برسلي و يتّبعونهم.

قال آدم:يا ربّ،فما لي أري بعض الذرّيّة أعظم من بعض؟و بعضهم له نور كثير؟و بعضهم له نور قليل؟و بعضهم ليس له نور أصلا؟

فقال اللّه:كذلك خلقتهم لأبلوهم في كلّ حالاتهم.

قال آدم عليه السّلام:يا ربّ،فتأذن لي في الكلام فأتكلّم؟

قال اللّه:(له) (2):تكلّم فإنّ روحك من روحي،و طبيعتك خلاف كينونتي.

قال آدم عليه السّلام:فلو كنت خلقتهم علي مثال واحد،و قدر واحد،و طبيعة واحدة،و جبلّة واحدة، و ألوان واحدة،و أعمار واحدة،و أرزاق سواء،لم يبغ بعضهم علي بعض،و لم يك بينهم تحاسد و لا تباغض،و لا اختلاف في شيء من الأشياء.

قال اللّه:يا آدم،بروحي نطقت،و بضعف طبيعتك تكلّمت ما لا علم لك به،و أنا الخالق العليم،بعلمي خالفت بين خلقهم،و بمشيئتي يمضي فيهم أمري،و إلي تدبيري و تقديري صائرون، و لا تبديل لخلقي،إنّما خلقت الجنّ و الإنس ليعبدوني (3)،و خلقت الجنّة لمن عبدني و أطاعني منهم و اتّبع رسلي و لا أبالي،و خلقت النار لمن كفر بي و عصاني،و لم يتّبع رسلي و لا أبالي.ن.

ص: 67


1- الكافي:8/2 ح 1،و عنه البحار:113/67 ح 23 و مدينة المعاجز:57/1 ح 4 و البرهان:47/2 ح 8 و نور الثقلين:94/2 ح 344 و مرآة العقول:22/7 ح 1 و الوافي:41/4 ح 1657.
2- ليس في الكافي.
3- في الكافي:ليعبدون.

و خلقتك و خلقت ذرّيّتك من غير فاقة بي إليك و إليهم،و إنّما خلقتك و خلقتهم لأبلوك و أبلوهم أيّكم أحسن عملا في[دار]الدنيا في حياتكم و قبل مماتكم،و لذلك خلقت الدنيا و الآخرة،و الحياة و الموت،و الطاعة و المعصية،و الجنّة و النار.

و كذلك أردت في تقديري و تدبيري،و بعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم و أجسامهم، و ألوانهم و أعمارهم،و أرزاقهم،و طاعتهم و معصيتهم،فجعلت منهم الشقيّ و السّعيد،و البصير و الأعمي،و القصير و الطويل،و الجميل و الدميم،و العالم و الجاهل،و الغنيّ و الفقير،و المطيع و العاصي،و الصحيح و السقيم،و من به الزمانة،و من لا عاهة به.

فينظر الصحيح إلي الذي به العاهة،فيحمدني علي عافيته،و ينظر الذي به العاهة إلي الصحيح فيدعوني و يسألني أن أعافيه،و يصبر علي بلائي فأثيبه جزيل عطائي،و ينظر الغنيّ إلي الفقير فيحمدني و يشكرني،و ينظر الفقير إلي الغنيّ فيدعوني و يسألني،و ينظر المؤمن إلي الكافر فيحمدني علي ما هديته (1).

فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السرّاء و الضرّاء،و فيما أعافيهم،و فيما أبتليهم،و فيما أعطيهم، و فيما أمنعهم،و أنا اللّه الملك القادر،ولي أن أمضي جميع ما قدّرت علي ما دبّرت،ولي أن أغيّر من ذلك ما شئت إلي ما شئت،و أقدّم من ذلك ما أخّرت،و أؤخّر من ذلك ما قدّمت،و أنا اللّه الفعّال لما أريد،لا أسأل عمّا أفعل،و أنا أسأل خلقي عمّا هم فاعلون (2).

و عن حمران،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ اللّه-تبارك و تعالي-حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا و ماء مالحا(أجاجا)فامتزج الماءان،فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا،فقال لأصحاب اليمين و هم كالذرّ يدبّون:إلي الجنّة بسلام،و قال لأصحاب الشمال و هم كالذرّ يدبّون:

إلي النار و لا أبالي،ثمّ قال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ.

قال:ثمّ أخذ الميثاق علي النبيّين فقال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ثمّ قال:و إنّ هذا محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و إنّ هذا عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام؟

قالوا:بلي،فثبتت لهم النبوّة،و أخذ الميثاق علي أولي العزم أنّي ربّكم و محمّد رسول اللّه و عليّ أمير المؤمنين و أوصياؤه من بعده ولاة أمري و خزّان علمي،و أنّ المهديّ أنتصر به لديني و أظهر به دولتي و أنتقم به من أعدائي و أعبد به طوعا و كرها.

قالوا:أقررنا و شهدنا يا ربّ،و لم يجحد آدم و لم يقرّ،فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في8.

ص: 68


1- في نسخة:علي ما اهتديته.
2- الكافي:8/2 ح 2،البحار:116/67 ح 24 و مرآة العقول:24/7 ح 2 و الوافي:42/4 ح 1658.

المهديّ،و لم يكن لآدم عزم علي الإقرار به و هو قوله: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (1).

قال:إنّما يعني فترك.

ثمّ أمر نارا فأجّجت،فقال لأصحاب الشمال:أدخلوها،فهابوها،و قال لأصحاب اليمين:

أدخلوها فدخلوها،فكانت عليهم بردا و سلاما،فقال أصحاب الشمال:يا ربّ أقلنا،فقال:قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها،فهابوها،فثمّ ثبتت الطاعة و المعصية و الولاية (2).

و روي عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة:«قال و كان الخالق قبل المخلوق و لو كان أوّل ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا و لم يزل اللّه إذا و معه شيء ليس هو يتقدّمه،و لكنّه كان إذ لا شيء غيره و خلق الشيء الذي جميع الأشياء منه و هو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شيء إلي الماء و لم يجعل للماء نسبا يضاف إليه،و خلق الريح من الماء ثم سلّط الريح علي الماء،فشققت الريح متن الماء حتي ثار من الماء زبد علي قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صدع و لا نقب و لا صعود و لا هبوط و لا شجرة،ثم طواها فوضعها فوق الماء،ثم خلق اللّه النار من الماء فشقّقت النار متن الماء حتي ثار من الماء دخان علي قدر ما شاء اللّه أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقيّة ليس فيها صدع و لا نقب و ذلك قوله أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها

قال«و لا شمس و لا قمر و لا نجوم و لا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عزّ ذكره وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها يقول بسطها» (3).

و قال بعض الأفاضل:مقتضي الروايات أنه خلق الماء قبل الأرض و هذا ممّا شهد به البرهان العقلي فإنّ الماء لما كان حاويا لأكثر الأرض كان سطحه الباطن المماس لسطحها الظاهر مكانا و ظاهر أن للمكان تقدّما باعتبار ما علي المتمكّن فيه و ان كان اللفظ يعطي تقدّم خلق الماء علي الأرض تقدّما زمانيا (4).

***

حديث الإمام الباقر عليه السّلام في أساس الإسلام و الإيمان

عن محمّد بن سالم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ ناسا تكلّموا في هذا القرآن بغير علم و ذلك

ص: 69


1- سورة طه،الآية:115.
2- بصائر الدرجات:70-71 ح 2 و 3،و عنه البحار:279/26 ح 22 و الكافي:6/2 ح 1.
3- راجع كتاب الروضة تحت رقم 67.
4- البحار:144/54.

أنّ اللّه تبارك و تعالي يقول: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ الآية (1)فالمنسوخات من المتشابهات،و المحكمات من الناسخات،إنّ اللّه عزّ و جلّ بعث نوحا إلي قومه أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ (2)ثمّ دعاهم إلي اللّه وحده و أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا.

ثمّ بعث الأنبياء عليهم السّلام علي ذلك إلي أن بلغوا محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدعاهم إلي أن يعبدوا اللّه و لا يشركوا به شيئا و قال: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّي بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسي وَ عِيسي أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَي الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (3)فبعث الأنبياء إلي قومهم بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه و الإقرار بما جاء[به]من عند اللّه فمن آمن مخلصا و مات علي ذلك أدخله الجنّة بذلك،و ذلك أنّ اللّه ليس بظلاّم للعبيد،و ذلك أنّ اللّه لم يكن ليعذّب عبدا حتّي يغلّظ عليه في القتل و المعاصي الّتي أوجب اللّه عليه بها النار لمن عمل بها،فلمّا استجاب لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه من المؤمنين،جعل لكلّ نبيّ منهم شرعة و منهاجا و الشرعة و المنهاج سبيل،و السنّة و قال اللّه لمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلي نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (4).

و أمر كلّ نبي بالأخذ بالسبيل و السنّة،و السبيل الّتي أمر اللّه عزّ و جلّ بها موسي عليه السّلام أن جعل اللّه عليهم السبت و كان من أعظم السبت و لم يستحلّ أن يفعل ذلك من خشية اللّه،أدخله اللّه الجنّة، و من استخفّ بحقّه و استحلّ ما حرّم اللّه عليه من عمل الذي نهاه اللّه عنه فيه،أدخله اللّه عزّ و جلّ النار،و ذلك حيث استحلّوا الحيتان و احتبسوها و أكلوها يوم السبت،غضب اللّه عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرّحمن و لا شكّوا في شيء ممّا جاء به موسي عليه السّلام.

قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ثمّ بعث اللّه عيسي عليه السّلام بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه و الإقرار بما جاء به من عند اللّه و جعل لهم شرعة و منهاجا فهدمت السبت الّذي أمروا به أن يعظّموه قبل ذلك و عامّة ما كانوا عليه من السبيل و السنّة الّتي جاء بها موسي فمن لم يتّبع سبيل عيسي أدخله اللّه النّار و إن كان الذي جاء به النبيّون جميعا أن لا يشركوا باللّه شيئا.

ثمّ بعث اللّه محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو بمكّة عشر سنين فلم يمت بمكّة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه إلاّ أدخله اللّه الجنّة باقراره و هو إيمان التصديق و لم يعذّب اللّه أحدا ممّن مات و هو متّبع لمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي ذلك إلاّ من أشرك بالرّحمن.3.

ص: 70


1- سورة آل عمران،الآية:7.
2- سورة نوح،الآية:3.
3- سورة الشوري،الآية:13.
4- سورة النساء،الآية:163.

و تصديق ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكّة وَ قَضي رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً -إلي قوله تعالي- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً أدب و عظة و تعليم و نهي خفيف و لم يعد عليه و لم يتواعد علي اجتراح شيء ما نهي عنه.

و أنزل نهيا عن أشياء حذّر عليها و لم يغلظ فيها و لم يتواعد عليها و قال: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. وَ لا تَقْرَبُوا الزِّني إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً. وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً. وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً. وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً.

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً. ذلِكَ مِمّا أَوْحي إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقي فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً و أنزل في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّي. لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَي اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّي فهذا مشرك.

و أنزل في إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ : وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً، وَ يَصْلي سَعِيراً. إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً .إنّه ظنّ أن لن يحور بلي فهذا مشرك.و أنزل في[سورة] تبارك:«كلّما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير.قالوا بلي قد جاءنا نذير فكذّبنا و قلنا ما نزّل اللّه من شيء»فهؤلاء مشركون.

و أنزل في الواقعة: وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ. فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ. وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ فهؤلاء مشركون.

و أنزل في الحاقّة. وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ. وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْني عَنِّي مالِيَهْ -إلي قوله- إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ فهذا مشرك.و أنزل في طسم: وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ .

و قيل لهم: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ. فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ. وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ جنود إبليس ذرّيّته من الشياطين.و قوله: وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتّبعوهم علي شركهم و هم قوم محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليس فيهم من اليهود و النّصاري أحد و تصديق ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ليس فيهم اليهود الذين قالوا:عزير ابن اللّه و لا النصاري الّذين قالوا:المسيح ابن اللّه،سيدخل اللّه اليهود و النصاري النّار و يدخل كلّ قوم بأعمالهم،و قولهم:

وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ إذ دعونا إلي سبيلهم ذلك قول اللّه عزّ و جلّ فيهم حين جمعهم إلي النّار قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ .

ص: 71

و قوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّي إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً بريء بعضهم من بعض و لعن بعضهم بعضا،يريد بعضهم أن يحجّ بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم،و ليس بأوان بلوي و لا اختبار و لا قبول معذرة و لا حين نجاة،و الآيات و أشباههنّ ممّ انزل به بمكّة و لا يدخل النّار إلاّ مشركا،فلمّا أذن اللّه لمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الخروج من مكّة إلي المدينة بني الإسلام علي خمس:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله و إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان و أنزل عليه الحدود و قسمة الفرائض،و أخبره بالمعاصي الّتي أوجب اللّه عليها و بها النّار لمن عمل بها،و أنزل في بيان القاتل وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً و لا يلعن اللّه مؤمنا قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً.

و كيف يكون في المشيئة و قد ألحق به-حين جزاه جهنّم-الغضب و اللّعنة و قد بيّن ذلك من الملعونون في كتابه و أنزل في مال اليتيم من أكله ظلما إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً و ذلك أنّ آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة و النّار تلتهب في بطنه حتّي يخرج لهب النّار من فيه حتّي يعرفه كلّ أهل الجمع أنّه آكل مال اليتيم.

و أنزل في الكيل: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ و أنزل في العهد إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و الخلاق:النصيب،فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأيّ شيء يدخل الجنّة،و أنزل بالمدينة اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ فلم يسم اللّه الزّاني مؤمنا و لا الزّانية مؤمنة.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ليس يمتري فيه أهل العلم أنّه قال:لا يزني الزّاني حين يزني هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن فانّه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص،و نزل بالمدينة اَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فبرأه اللّه ما كان مقيما علي الفرية من أن يسمّي بالإيمان.

قال اللّه عزّ و جلّ: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ و جعله اللّه منافقا.

قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ و جعله عزّ و جلّ من أولياء إبليس.

قال: إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ و جعله ملعونا فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

ص: 72

و ليست تشهد الجوارح علي مؤمن إنّما تشهد علي من حقّت عليه كلمة العذاب،فأمّا المؤمن فيعطي كتابه بيمينه قال اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً.

و سورة النور أنزلت بعد سورة النساء و تصديق ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل عليه في سورة النّساء وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّي يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً و السبيل الّذي قال اللّه عزّ و جلّ سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:بني الإسلام علي خمسة أشياء:علي الصلاة و الزكاة و الحجّ و الصوم و الولاية.

قال:زرارة:فقلت:و أيّ شيء من ذلك أفضل؟فقال:الولاية أفضل،لأنّها مفتاحهنّ و الوالي هو الدّليل عليهنّ.

قلت:ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل؟الصلاة إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الصلاة عمود دينكم»

قال:قلت:ثمّ الّذي يليها في الفضل؟

قال:الزكاة لأنّه قرنها بها و بدأ بالصلاة قبلها و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:الزكاة تذهب الذنوب.

قلت:و الّذي يليها في الفضل؟

قال:الحجّ قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لحّجة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة و من طاف بهذه البيت طوافا أحصي فيه أسبوعه و أحسن ركعتيه غفر اللّه له»و قال في يوم عرفة و يوم المزدلفة ما قال:قلت:فماذا يتبعه؟

قال:الصوم.

قلت:و ما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟

قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الصوم جنّة من النّار».

قال:ثمّ قال:إنّ أفضل الأشياء ما إذا أنت فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه،إنّ الصلاة و الزكاة و الحجّ و الولاية ليس يقع شيء مكانها دون أدائها و إنّ الصوم إذا فاتك أو قصّرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاما غيرها و جزيت ذلك الذّنب بصدقة و لا قضاء عليك و ليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره.

ص: 73

قال:ثمّ قال:ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرّحمن الطاعة للإمام بعد معرفته،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَ مَنْ تَوَلّي فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً

أما لو أنّ رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدّق بجميع ماله و حجّ جميع دهره و لم يعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له علي اللّه عزّ و جلّ حقّ في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان،ثمّ قال:أولئك و المحسن منهم يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته (1).

و عن حمران بن أعين،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:«الإيمان ما استقرّ في القلب و أفضي به إلي اللّه عزّ و جلّ و صدّقه العمل بالطاعة للّه و التسليم لأمره.و الإسلام ما ظهر من قوله أو فعله و هو الّذي عليه جماعة النّاس من الفرق كلّها و به حقنت الدّماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح و اجتمعوا علي الصّلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ،فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا إلي الإيمان،و الإسلام لا يشرك الإيمان و الإيمان يشرك الإسلام و هما في القول و الفعل يجتمعان،كما صارت الكعبة في المسجد و المسجد في الكعبة و كذلك الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان و قد قال اللّه عزّ و جلّ: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ

فقول اللّه عزّ و جلّ أصدق القول.

قلت:فهل للمؤمن فضل علي المسلم في شيء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟

فقال:لا،هما يجريان في ذلك مجري واحدا و لكن للمؤمن فضل علي المسلم في أعمالهما و ما يتقرّبان به إلي اللّه عزّ و جلّ.

قلت:أليس اللّه عزّ و جلّ يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و زعمت أنّهم مجتمعون علي الصّلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ مع المؤمن؟

قال:أليس قد قال اللّه عزّ و جلّ: فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً فالمؤمنون هم الذين يضاعف اللّه عزّ و جلّ لهم حسناتهم لكلّ حسنة سبعون ضعفا،فهذا فضل المؤمن و يزيده اللّه في حسناته علي قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة و يفعل اللّه بالمؤمنين ما يشاء من الخير.

قلت:أرأيت من دخل في الإسلام أليس هو داخلا في الإيمان؟فقال:لا و لكنّه قد أضيف إلي الإيمان و خرج من الكفر و سأضرب لك مثلا تعقل به فضل الإيمان علي الإسلام،أرأيت لو أبصرت رجلا في المسجد أكنت تشهد أنّك رأيته الكعبة؟

قلت:لا يجوز لي ذلك.2.

ص: 74


1- البحار:90/66،و الكافي:32/2.

قال:فلو أبصرت رجلا في الكعبة أكنت شاهدا أنّه قد دخل المسجد الحرام؟

قلت:نعم.

قال:و كيف ذلك؟

قال:إنّه لا يصل إلي دخول الكعبة حتّي يدخل المسجد،فقال:قد أصبت و أحسنت،ثمّ:

كذلك الإيمان و الاسلام (1).

***

رسالة الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السّلام

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن أحمد بن محمّد بن عيسي،عن الحسن بن محبوب،عن بعض أصحابه قال:كتب أبو جعفر عليه السّلام في رسالة إلي بعض خلفاء بني أمية و من ذلك:ما ضيع الجهاد الذي فضله اللّه علي الأعمال و فضل عامله علي العمال تفضيلا في الدرجات و المغفرة و الرحمة لأنّه ظهر به الدين و به يدفع عن الدين و به اشتري اللّه من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بالجنة بيعا مفلحا منجحا،اشترط عليهم فيه حفظ الحدود و أوّل ذلك الدعاء إلي طاعة اللّه من طاعة العباد و إلي عبادة اللّه من عبادة العباد و إلي ولاية اللّه من ولاية العباد،فمن دعي إلي الجزية فأبي قتل و سبي أهله و ليس الدعاء من طاعة عبد إلي طاعة عبد مثله،و من أقر بالجزية لم يتعد عليه و لم تخفر ذمته و كلف دون طاقته و كان الفيء للمسلمين عامة غير خاصة و إن كان قتال و سبي سير في ذلك بسيرته و عمل في ذلك بسنته من الدين ثمّ كلف الأعمي و الأعرج الذين لا يجدون ما ينفقون علي الجهاد بعد عذر اللّه إيّاهم،و يكلف الذين يطيقون ما لا يطيقون و إنّما كانوا أهل مصر يقاتلون من يليه يعدل بينهم في البعوث فذهب ذلك كله حتي عاد الناس رجلين اجير مؤتجر بعد بيع اللّه و مستأجر صاحبه غارم و بعد عذر اللّه،و ذهب الحج فضيع و افتقر الناس فمن أعوج ممن عوج هذا و من أقوم ممن أقام هذا فرد الجهاد علي العباد و زاد الجهاد علي العباد إنّ ذلك خطأ عظيم (2).

***

النص علي الإمام محمد بن علي الباقر عليه السّلام

اشارة

و ذلك من طرق:

الطريق الاول:أنه أفضل أهل زمانه و أعبدهم و أعلمهم و أشجعهم2

*الطريق الاول:أنه أفضل أهل زمانه و أعبدهم و أعلمهم و أشجعهم (3).

ص: 75


1- الكافي:27/2.
2- الكافي:3/5 ح 4.
3- شرح الشمائل المحمدية:156/1 باب ما جاء في تختم الرسول،و صفة الصفوة:60/2-62،و نهج الحق:257-258،و الصواعق المحرقة:201 ط.مصر و ط.بيروت 304-30 الباب 11 مقصد 5 فصل 3،و أخبار الدول:111،و الفصول المهمة:119،و روضة الواعضين:202،و الشفا:42/2.

و قد ثبت بدلالة العقول تقديم الأفضل علي المفضول و العالم علي الجاهل.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لجابر:«يوشك أن تبقي إلي أن تلقي ولدا لي من الحسين يقال له محمد يبقر علم الدين يهب اللّه له النور و الحكمة فاذا لقيته فأقرئه مني السلام» (1).

و قال أبو زرعة:...و لعمري ان أبا جعفر عليه السّلام لمن أكبر العلماء (2).

و قال ابن المكندر:ما كنت اري أنّ مثل علي بن الحسين عليه السّلام يدع خلفا يقارنه في الفضل حتي رأيت ابنه محمد بن علي عليه السّلام (3).

و كتب المنصور لمحمد بن عبد اللّه:و ما كان فيكم بعده(علي بن الحسين)مثل محمد بن علي بن الحسين (4).

و مناظراته العلمية أشهر من أن تذكر (5).

و قالت حبابة الوالبية:رأيت رجلا بمكة أصيلا (6)بالملتزم أو بين الباب و الحجر علي صعدة من الأرض و قد حزم وسطه علي المئزر بعمامة خز و الغزالة (7)تخال علي ذلك الجبال كالعمائم علي قمم الجبال و قد صاعد كفه و طرفه نحو السماء و يدعو،فلما انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات و يستفتحون أبواب المشكلات فلم يرم حتي أفتاهم في ألف مسألة.

ثم نهض يريد رحله و منادي ينادي بصوت صهل:ألا أن هذا النور الأبلج المسرج و النسيم الأرج و الحق المرج،و آخرون يقولون:من هذا؟

فقيل الباقر،علم العلم و الناطق عن الفهم محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام.

و في و راية أبي بصير:«ألا إنّ هذا باقر علم الرسل،و هذا مبين السبل،و هذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة،هذا ابن فاطمة الغرّاء العذراء الزهراء،هذا بقية اللّه في أرضه،هذاس.

ص: 76


1- أعلام الوري:262-263،و الصواعق المحرقة:201 ط.مصر و ط.بيروت 304،و الفصول المهمة: 201-204 ط.الأضواء و 211 ط.النجف طهران.
2- الإرشاد للمفيد:163/2،و المناقب لابن شهر آشوب:178/4.
3- الفصول المهمة:202 ط.الأضواء و 213 ط.النجف و طهران.
4- أنساب الأشراف:101/3 خروج محمد بن عبد اللّه بن حسن و مقتله ط.دار التعارف بيروت.
5- يراجع الإرشاد:163/2-164-165،و مناقب آل أبي طالب:189/4-198-201،و الاحتجاج: 321-326،و الفصول المهمة:203 ط.الأضواء و 214 ط.النجف و طهران.
6- الأصيل:وقت العصر و بعده.
7- الغزالة:الشمس.

ناموس الدهر،هذا ابن محمد و خديجة و علي و فاطمة،هذا منار الدين القائم» (1).

و مدحه ابن عربي بقوله:

(صلوات اللّه...علي باقر العلوم،و شخص العالم و المعلوم،ناطقة الوجود نسخة الموجود...حافظ المعارج اليقين،وارث علوم المرسلين،حقيقة الحقائق الظهورية،دقيقة الدقائق النورية...) (2).

الطريق الثاني:وجوب الإمامة في كل زمان عقلا و نقلا

*الطريق الثاني:وجوب الإمامة في كل زمان عقلا و نقلا،و فساد دعوي كل من ادعي الإمامة دونه لعدم أهلية من سواه لها.

علي أنّه مشروط بالإمام العصمة و عصمة من سواه مقطوعة العدم،أما عصمته فثابتة بنص آية التطهير علي ما تقدم.

الطريق الثالث:النص عليه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

و هو من الأحاديث المتواترة عن جابر الأنصاري(رض)الذي أوصل سلام رسول اللّه إلي الإمام الباقر عليه السّلام.

قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا جابر لعلك أن تبقي حتي تلقي رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين،يهب اللّه له النور و الحكمة فأقرئه مني السلام» (3).

و تقدم هذا الحديث بأسانيده المتعددة في قسم النصوص التفصيلية (4).

و عن جعفر بن أحمد المصري (5)،عن عمّه الحسن بن عليّ،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد،عن أبيه الباقر،عن أبيه ذي الثفنات (6)سيّد العابدين،عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-في الليلة التي كانت فيها وفاته-لعليّ عليه السّلام:

يا أبا الحسن،أحضر صحيفة و دواة،فأملي (7)رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وصيّته حتي انتهي إلي هذا الموضع،فقال:

ص: 77


1- مناقب آل أبي طالب:182/4.
2- وسيلة الخادم إلي المخدوم:295.
3- الإرشاد:158/2،و كمال الدين:253/1،و علل الشرائع:233/1،و أعلام الوري:263،و نهج الحق:257 مع مصادره-مع اختلاف في المضامين.
4- و راجع أعلام الوري:262،و إثبات الوصية:150.
5- هو:جعفر بن أحمد بن عليّ بن بيان بن زيد بن سيّابة،أبو الفضل الغافقي المصري،و يعرف بابن أبي العلاء،مات سنة 304«لسان الميزان».
6- سمي عليه السّلام بذلك لكثرة سجوده بحيث صارت مواضع سجوده ذا ثفنة.
7- في«نسخة»:فأملاه.

يا عليّ،إنّه سيكون بعدي إثنا عشر إماما،و من بعدهم إثنا عشر مهديّا،فأنت يا عليّ أوّل الإثني عشر إماما سمّاك اللّه تعالي في سمائه (1)عليّا المرتضي،و أمير المؤمنين،و الصدّيق الأكبر، و الفاروق الأعظم،و المأمون و المهديّ،فلا تصلح (2)هذه الأسماء لأحد غيرك.

يا عليّ،أنت وصيّي علي أهل بيتي حيّهم و ميّتهم،و علي نسائي،فمن ثبّتّها لقيتني غدا،و من طلّقتها فأنا بريء منها،لم ترني و لم أرها في عرصات (3)القيامة،و أنت خليفتي علي أمّتي من بعدي.

فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلي ابني الحسن البرّ الوصول (4)،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابني الحسين الشهيد[الزكي] (5)المقتول،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات عليّ،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد الباقر (6)،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه جعفر الصادق،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه موسي الكاظم،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه عليّ الرضا،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد الثقة التقيّ،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه عليّ الناصح،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه الحسن الفاضل،فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمّد-صلّي اللّه عليه و عليهم-.

فذلك إثنا عشر إماما.ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديّا،(فإذا حضرته الوفاة) (7)فليسلّمها إلي ابنه أوّل المهديّين (8)،له ثلاثة أساماء:إسم كاسمي و إسم أبي و هو عبد اللّه و أحمد،و الإسم الثالث:المهديّ،و هو أوّل المؤمنين (9).

الطريق الرابع:النص عليه من أبيه عليه السّلام:

قال مالك بن أعين الجهني:أوصي علي بن الحسين ابنه محمد بن علي فقال:بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني و بينك أحد إلا قلّده اللّه يوم القيامة طوقا من نار (10).

و روي عن عثمان بن عثمان بن خالد عن أبيه قال:مرض علي بن الحسين عليه السّلام مرضه الذي

ص: 78


1- في البحار:في السماء.
2- في الغيبة و العوالم:فلا تصحّ.
3- في الغيبة و البحار و العوالم:عرصة.
4- الوصول:كثير الإعطاء.
5- من الغيبة و البحار و العوالم و الرجعة.
6- في البحار و العوالم:باقر العلم.
7- ليس في البحار.
8- في الغيبة و البحار:المقرّبين،و في العوالم:المقرّين.
9- غيبة الطوسي:150 ح 111،و عنه الرجعة:189 ح 108 و البحار:260/36 ح 81 و إثبات الهداة:/1 549 ح 376 و العوالم 15،ج 236/3 ح 227 و غاية المرام:56 ح 58 و ص 189 ح 106. و في الايقاظ من الهجعة:393 و البحار:147/53 ح 6 مختصرا.
10- البحار:231/46،كفاية الأثر:240-241.

توفي فيه فجمع أولاده محمد و الحسن و عبد اللّه و عمر و زيد و الحسين و أوصي إلي ابنه محمد،و كناه بالباقر و جعل أمرهم اليه (1).

و في كتاب النصوص عن الظهري قال:دخلت علي عليّ بن الحسين عليه السّلام في المرض الذي توفّي فيه إذ قدّم إليه طبق فيه الخبز و الهندباء فقال لي:كله و ما من ورقة من الهندباء إلاّ عليها قطرة من ماء الجنّة فيه شفاء من كلّ داء.

ثمّ رفع الطعام و أتي بدهن البنفسج فقال:إدهن إنّ فضله علي سائر الأدهان كفضل الإسلام علي سائر الأديان ثمّ دخل عليه محمّد ابنه فحدّثه طويلا.

ثمّ قال:هذا وصيّي و وارثي و عيبة علمي باقر العلم يختلف إليه خلّص شيعتي و يبقر العلم عليهم بقرا.

و نحو ذلك من النصوص (2).

***

مدرسة الإمام الباقر عليه السّلام

قال عبد الحليم الجندي:أتيح للباقر أن يبلور اتجاه أهل البيت إلي العلم و التعليم،و يبرز فيه العناية بفقه العبادات و المعاملات.و كثر ترديد اسمه مصاحبا لاسم ابنه الإمام الصادق في كتب الفقه الشيعي.و إليه يرجع أصحاب الكلام في العقائد الشيعية،كثير من الفقه المستنبط من القرآن و السنة.

روي عنه جابر الجعفي أكثر من خمسين ألف حديث و روي عنه محمد بن مسلم ثلاثين ألفا.

و كان عبد الملك بن مروان يعرف له حقه،و هو في صدر شبابه،في حياة أبيه إليك أمثالا لفكره في السياسة و الفقه و التفسير.

و كان نشر التشيع لأهل البيت همّه.

قال سعد الإسكافي:قلت لأبي جعفر الباقر:إني أجلس فأقص و أذكر حقكم و فضائلكم قال:

وددت لو أنّ علي كل ثلاثين ذراعا قاصا مثلك (3).

و حج هشام بن عبد الملك في أيام ملكه فرأي الباقر بالمسجد يعلم الناس في مهابة و جلال، تعاليم الإسلام و آدابه و فرائضه و أحكامه و الناس خشع في مجلسه.و غلبت هشاما غريزة المعاجزة

ص: 79


1- كفاية الأثر:239،و الصواعق المحرقة:201 ط.مصر و ط.بيروت 304.
2- للنص عليه من أبيه راجع،روضة الواعظين:202،و كفاية الأثر:242،و الاحتجاج:318/2 باب احتجاج زين العابدين في أشياء شتي من علوم الدين،و إثبات الوصية:148،و الكافي:305/1.
3- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:142.

لأهل البيت.فبعث إليه من يسأله:ما طعام الناس و شرابهم يوم المحشر؟

و أجابه الإمام الباقر عليه السّلام بآيات الكتاب الكريم.و استطرد في تعليمه و تعليم من أرسله (1).

و حقيقة هذا العلم من المسائل التي يجب أن تبين و تحقق،و سوف نتعرض هنا لبعض ذلك، تاركين بعضها الآخر لبقية الأجزاء.

***

حقيقة علم آل محمد عليهم السّلام

عن فضيل الرسّان،عن أبي جعفر عليه السّلام:أنّ رجلا قال (2)لعليّ عليه السّلام:يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما نطمئنّ إليه (3)ممّا أنهي إليك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم و قلتم(إنّي) (4)ساحر كذّاب و كاهن،و هو(من) أحسن قولكم.

قالوا:ما منّا أحد إلاّ و هو يعلم أنّك ورثت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و صار إليك علمه.

قال:علم العالم شديد،لا (5)يحتمله إلاّ مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان،و أيّده بروح منه،ثمّ قال:(أمّا)إذا أبيتم إلاّ أن أريكم بعض عجائبي،و ما آتاني اللّه من العلم فاتّبعوا أثري إذا صلّيت العشاء الآخرة.فلمّا صلاّها أخذ طريقه إلي ظهر الكوفة،فاتّبعه سبعون رجلا كانوا في أنفسهم خيار الناس من شيعته.

فقال لهم عليّ عليه السّلام:إنّي لست أريكم شيئا حتّي آخذ عليكم عهد اللّه و ميثاقه أن لا تكفّروني (6)و لا ترموني بمعضلة،فو اللّه ما أريكم إلاّ ما علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فأخذ عليهم العهد و الميثاق أشدّ ما أخذ اللّه (7)علي رسله من عهد و ميثاق.ثمّ قال:حوّلوا وجوهكم عنّي حتّي أدعوا بما أريد،فسمعوه (8)جميعا يدعو بدعوات لا يعرفونها.ثمّ قال:حوّلوا (وجوهكم) (9).

ص: 80


1- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:143.
2- في الخرائج:إنّ جماعة قالوا.
3- في«نسخة»:لو رأيتنا ما نطمئنّ به.
4- ليس في الخرائج.
5- في الخرائج:و لا.
6- في نسخة:تكفّروا بي.
7- في البحار:ما أخذه اللّه.
8- كذا في الخرائج و البحار و في نسخة:فسمعوا.
9- ليس في نسخة:فحوّلوا.

فحوّلوها،فإذا بجنّات (1)و أنهار و قصور من جانب،و السعير تتلظّي من جانب،حتّي أنّهم ما شكوا أنّهما (2)الجنّة و النار.

فقال أحسنهم قولا:إنّ هذا لسحر عظيم!و رجعوا كفّارا إلاّ رجلين.

فلمّا رجع مع الرجلين قال لهما:قد سمعتما مقالتهم،و أخذي العهود و المواثيق عليهم، و رجوعهم يكفّرونني (3)،أما و اللّه إنّها لحجّتي عليهم غدا عند اللّه،فإنّ اللّه ليعلم أنّي لست بساحر و لا كاهن،و لا يعرف هذا لي و لا لآبائي،و لكنّه علم اللّه و علم رسوله،أنهاه(اللّه)إلي رسوله، و أنهاه إليّ رسوله،و أنهيته إليكم،فإذا رددتم عليّ،رددتم علي اللّه،حتّي إذا صار إلي(باب) (4)مسجد الكوفة دعا بدعوات يسمعان،فإذا حصي المسجد درّ و ياقوت.

فقال لهما:ما الذي (5)تريان؟

فقالا:هذا درّ و ياقوت.

فقال:صدقتما،لو أقسمت علي ربّي فيما هو أعظم من هذا (6)لأبرّ قسمي،فرجع أحدهما كافرا،و أمّا الآخر فثبت.

فقال عليّ عليه السّلام:إن أخذت شيئا ندمت،و إن تركت ندمت.

فلم يدعه حرصه حتّي أخذ درّة فصرّها (7)في كمّه،حتّي إذا أصبح نظر إليها،فاذا هي درّة بيضاء لم ينظر الناس إلي مثلها قطّ.

فقال:يا أمير المؤمنين إنّي أخذت من ذلك الدرّ واحدة،و هي معي.

قال:و ما دعاك إلي ذلك؟

قال (8):أحببت أن أعلم أحقّ هو أم باطل.

قال:إنّك إن رددتها إلي موضعها الذي أخذتها منه،عوّضك اللّه منها الجنّة،و إن أنت لن تردّها عوّضك اللّه منها النار.

فقام الرجل فردّها إلي موضعها الذي أخذها منه،فحوّلها اللّه حصاة كما كانت،فبعضهم قال (9):كان هذا ميثم التمّار،و بعضهم قال:كان عمرو بن الحمق الخزاعيّ (10).

ص: 81


1- في الخرائج و البحار:جنّات.
2- في الأصل:أنّها.
3- في الأصل و البحار:يكفّرون.
4- ليس في الخرائج.
5- في نسخة:ماذا.
6- في نسخة:من ذلك.
7- صرّ الشيء:وضعه في صرّة و شدّ عليه.
8- في نسخة:فقال.
9- في نسخة:قال بعض الناس.
10- الخرائج و الجرائح:862/2 ح 79 و عنه البحار:259/41 ح 20 و مدينة المعاجز:508/1 ح 328 و إثبات الهداة:462/2 ح 212،و في صحيفة الأبرار:11/2 عنه و عن كتابنا هذا. و أخرج نحوه في مدينة المعاجز:47/2 ح 394 عن مشارق أنوار اليقين:82.

بحث حول علوم آل محمد صلوات اللّه عليهم

تمهيد:

سوف نبحث هنا و بإجمال غير مخلّ بالجهات التالية:

1-علم آل محمّد و أقسامه.

2-زمان علم آل محمّد.

3-ماهية علم آل محمّد.

وجوب معرفة علم الإمام

إضافة إلي أن معرفة علم الإمام من الامور الواجبة شرعا و عقلا من باب أن نصب الإمام واجب عقلا(من باب اللطف)و نقلا،و كذلك معرفة الإمام،كما حقّق في العقائد.

و معرفة الإمام هي معرفته بكل خصوصياته و صفاته و التي منها العلم.

و ذلك لأن العقل عندما يحكم بوجوب معرفة إمام الزمان عليه السّلام لا يحكم علي شخصه فقط دون مشخصاته،لوضوح أن الحكم بمعرفته من أجل أنها معرفة للّه أو لا أقل تؤدي إلي معرفة اللّه،اضافة إلي أنها تقرب العبد من طاعة مولاه.

و هذا لا يعني القول بعدم وجود الأثر لمعرفة شخص الإمام.كيف؟و نفس وجود الإمام-بلا معرفته-يعتبر أمانا للأمة كما يأتي.

*و كذلك الروايات عندما تخبر عن معرفة الإمام تشير إلي مشخصاته كالمروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«من عرفني و عرف حقي فقد عرف اللّه» (1).

و معلوم معرفة شخص الإمام لا تؤدي لمعرفة اللّه تعالي،لا أقل لعامة الناس.

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«من شك في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل اللّه تبارك و تعالي أحدها:معرفة الإمام في كل زمان بشخصه و نعته» (2).

و معلوم أن معرفة نعت الإمام معرفة لكل صفاته عليه السّلام.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«..و بعد معرفة الإمام الذي به يأتم بنعته و صفته و اسمه في حال العسر و اليسر» (3).

ص: 82


1- بحار الأنوار:258/26.
2- كمال الدين:413/2 ح 14 الباب 39.
3- كفاية الأثر:256.

و معرفة نعت الإمام و صفته غير معرفة اسمه عليه السّلام.

و تقدم في الكتاب الكلام حول وجوب معرفة آل محمد عليهم السّلام و أثاره.

و لكن هل يجب الاعتقاد به علي التفصيل أم يكفي الإجمال؟

و هل الاعتقاد بالعلم ضروري،بحيث إن من أنكره أنكر ضرورة من ضروريات الدين أم لا؟

أمّا بالنسبة للأول،فالمسألة مربوطة بالإمامة،إذ ما هو القدر الذي يجب معرفته من علم الإمام بحيث لا يكون معه جاهلا لإمامه عليه السّلام،و لا يشمله حديث«من لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية».

فإذا قلنا أن المعرفة الإجمالية لعلم الإمام كافية في معرفة الإمام بصفاته،كان الواجب هو العلم الإجمالي.و إلاّ كان الواجب العلم التفصيلي بعلوم الإمام.

و الذي يقوي في النفس التفصيل بين أهل العلم القادرين علي المعرفة التفصيلية،و بين العوام الذين لا يقدرون علي تلك المعرفة.

فأمّا العوام فالواجب عليهم المعرفة الإجمالية.

و أمّا أهل العلم و القدرة فلا يكتفي منهم بالإجمالية،لأنّ معرفة الإمام منهم تقتضي المعرفة التفصيلية،فإذا قصّروا في معرفة علمه التفصيلي كانوا مقصّرين في نفس معرفة الإمام لمكان قدرتهم العلمية.

و إن شئت قلت:معرفة العلم التفصيلي للإمام واجب عيني،إلاّ إنّه منوط بالقدرة،فيخرج عامة الناس لعدم تحقق القدرة العلمية فيهم.

علي أنّه يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه من كل الجهات و التي من أهمّها العلم، فكيف نريد أن نحكم عليه بأنّه الأفضل بلا المعرفة التفصيلية لعلمه؟!

إن قيل:يكفي ما نقل لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عنهم؟

قلنا:الواجب الشرعي و العقلي علي كل إنسان أن يعرف إمام زمانه،و إلاّ مات ميتة جاهلية، كما في الأحاديث (1)،و هذا الواجب يجب تحصيله علي كل فرد بنفسه لا بنقل ناقل.

علي أننا ننقل الكلام للنبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هل يجب معرفة علمه تفصيلا أم إجمالا؟

فلا بدّ من معرفة كون النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أفضل أهل زمانه من ناحية العلم و غيره.7.

ص: 83


1- المعجم الكبير:289/10 ح 10687،و المعجم الأوسط:243/4 ح 3429،و الشريعة للآجري:9،و كنز العمال:207/1 ح 1035،و الكافي:377/1 ح 3،و عيون أخبار الرضا:58/2 باب 7،و كمال الدين: 412/2-668 باب 39،و غيبة النعماني:80-84 باب 7.

و عليه فالنبوّة و الإمامة متوقفة علي معرفة الأعلم،نعم ثبوت النبوة يحصل بالمعجزة.

و لا يمكن معرفة الأعلم إلاّ بعد الاطّلاع علي كل علومه و علوم الآخرين.

لأنّ كل من ثبت أنه أعلم فهو نبي أو وصي لوجوب تقديم الأفضل علي المفضول كما دلت عليه العقول و النقول (1).

إن قيل:كان الخضر أعلم من موسي عليه السّلام.

قلنا:أولا:لا نسلم كونه أعلم،و ذلك لما حققناه أن الأعلم أعلم في كل شيء، و الخضر عليه السّلام لم يكن أعلما من جميع الجهات،فموسي كان أعلم منه بالرسالة السماوية التي أرسله اللّه ليبلغها للناس،و إلاّ لكان الواجب إرسال الخضر عوضا عنه.

ثانيا:علم النبوة المشروط في الباب هو العلم الذي يحتاج إليه الناس في حياتهم،أو الذي يجب علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم معرفته،و معلوم أنّ علم الخضر لم يكن كذلك،إنما كان علما بالأمور الباطنية.

*و أمّا كون علم الإمام من الضروريات:فإنّ معرفة الإمام ضرورة من ضروريات الدين،فلابد أن يكون العلم-كصفة مهمة من صفات الإمام بل المعرفة قد تتوقّف عليه-أيضا ضرورة من ضروريات الدين.

نعم علي ما تقدّم من الفرق بين أهل العلم و العوام فإن العوام لا يقدرون علي المعرفة لعدم تحقق القدرة فيهم،فقد لا تكون بالنسبة إليهم ضرورة،نعم لو التفتوا إليها لعلموا ببداهتها.

***

سبب إخفاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للعلم الربّاني

قد يقال أن أكثر الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام و القليل منها عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فما سبب ذلك،و هل يراد أن يثبت لآل محمد ما لم يثبت للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أم أنّهم سواء في كل شيء؟

و في معرض الجواب نقول:

*أولا:هناك روايات تفيد أنّهم سواء في كل شيء (2)،و لا أقل هناك روايات كثيرة تفيد أنّهم في العلم سواء،كالمروي عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«نحن في العلم و الشجاعة سواء».

ص: 84


1- كما تقدم.
2- سوف نتعرض لذلك فيها يأتي و يراجع بحار الأنوار:352/25 باب أنّه جري لهم من الفضل و الطاعة مثل ما جري لرسول اللّه و أنّهم سواء ح 1 و ما بعده.

و في رواية:«لا يكون آخرهم أعلم من أوّلهم».

و في رواية:«أوّلنا كآخرنا و آخرنا كأوّلنا» (1).

و نحو ذلك من الروايات الآتية في ذيل الكتاب (2).

*ثانيا:أن آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أيضا كما يأتي كانوا يخفون كثيرا من علومهم،حتي أخبروا أنفسهم بالعلّة و هي عدم الكتمان،فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و اللّه لو أن علي أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلي شيء،و لكن فيكم الإذاعة،و اللّه بالغ أمره» (3).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امريء بما له و عليه» (4).

و قال الإمام زين العابدين عليه السّلام:

إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يري الحق ذو جهل فيفتتنا

و قد تقدّم في هذا أبو حسن إلي الحسين و وصّي قبله الحسنا

يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي:أنت ممّن يعبد الوثنا

و لاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا (5)

و قال الإمام الصادق عليه السّلام لمن سأله عن سبب رفع النبي عليّا عليه السّلام علي كتفه؟

فقال:«ليعرف الناس مقامه و رفعته.

فقال:زدني؟

فقال عليه السّلام:«ليعلم الناس انّه أحق بمقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال:زدني؟

فقال:«ليعلم الناس إنه إمام بعده و العلم المرفوع.

فقال:زدني؟

فقال:«هيهات،و اللّه لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي و أنت تقول إنّ جعفر بن محمد كاذب في قوله أو مجنون» (6).7.

ص: 85


1- راجع لذلك:بحار الأنوار:357/25 ح 7 و 13 و 17.
2- بحار الأنوار:353/25 ح 2-3-17-14-15-9،و كتاب سليم:188.
3- بحار الأنوار:141/26 ح 13 باب أنه لا يحجب عنهم شيء.
4- بحار الأنوار:149/26 ح 34 باب أنه لا يحجب عنهم شيء.
5- الأصول الأصيلة:167،و غرر البهاء الضوي:318،و مشارق أنوار اليقين:17،و جامع الأسرار:35 ح 66.
6- مشارق أنوار اليقين:17.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«خالطوا الناس بما يعرفون،و دعوهم مما ينكرون،و لا تحملوا علي أنفسكم و علينا؛إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان (1).

و قال عليه السّلام:«لا تذيعوا سرّنا و لا تحدّثوا به عند غير أهله فإن المذيع سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا» (2).

و قد بيّن الإمام العسكري عليه السّلام علّة عدم إخبارهم بالامور الغيبية بقوله لموسي الجوهري:

«ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب،فنخرج ما علمنا منه إليكم،فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر» (3).

*ثالثا:الظروف التي كان يعيشها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كذلك بعض الأئمّة كانت مختلفة فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان في بداية الدعوة الإسلامية و قريب عهد بالجاهلية.

بينما أمير المؤمنين عليه السّلام جاء بعده بسنوات،و هكذا الأئمة واحدا بعد واحد.

و إذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر الذي يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب:قال بعد أن ذكر توقف الرسالة علي علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بكل الأشياء:فعلم الرسول بالعالم و إحاطته بما يحدث فيه و قدرته علي تعميم الاصلاح للداني و القاصي و الحاضر و الباد؛من أسس تلك الرسالة العامة و قاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة.

غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يظهر للأمّة تلك القوي القدسية و العلم الربّاني الفيّاض.و كيف يعلن بتلك المواهب و الأسلام غضّ جديد،و الناس لم تتعرّف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟!

فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمي و تطمئن إلي الإيمان بذلك العلم.بل و لم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ،و ما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلاّ بعد اللتيا و التي و بعد الترهيب و الترغيب» (4).

أقول:عدم إفصاح النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن كنه علمه كان بالنسبة لعامّة الناس.

و إلاّ فقد أفصح لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته و حقيقة علمه،بل و في بعض الأحيان كان يفصح للكثير من الصحابة عن بعض الامور الغيبية أو الغامضة الجديدة،كما تقدّم في كثير من الأحاديث حول عالم الأنوار،و أنّه كان حول العرش هو و آله،و أنّه كان نبيا و آدم بين الطين و الماء.0.

ص: 86


1- الأصول الأصيلة:169.
2- الخرائج و الجرائح:267 باب 7.
3- الهداية الكبري:334 باب 13.
4- علم الإمام:9-10.

إضافة إلي أحاديث أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ الأعظم و علمه و انّه علّمه ألف باب من العلم يفتح منه ما أراد،و الذي يشعر بأنّه ليس تعليما كسبيا،بل إشارة إلي المنحة الربّانية التي أفاضها النبي علي آل محمد عليهم السّلام.

و سوف يأتي في كلام الغزالي ما يشير إلي ذلك.

***

الجهة الأولي:

اشارة

علم آل محمّد عليهم السّلام و أقسامه

تقدّم في الأحاديث أنّ الإنسان مهما حاول أن يذكر من الفضائل لآل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فانّه لن يبلغ هذه الحقيقة.

كيف؟و رسول البشرية يقول في الحديث الصحيح:

«يا علي ما عرف اللّه إلاّ أنا و أنت،و ما عرفني إلاّ اللّه و أنت،و ما عرفك إلاّ اللّه و أنا» (1).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مخاطبا عليا عليه السّلام:«هذا رجل لا يعرفه إلاّ اللّه و رسوله» (2).

و كيف يعرف علي عليه السّلام و هو القائل:«بل اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة» (3).

و يصف الإمام الصادق عليه السّلام هذا العلم ليقول:«إنّ عندنا و اللّه سرّا من سرّ اللّه و علما من علم اللّه،و اللّه ما يحتمله ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا مؤمن إمتحن قلبه للإيمان،و اللّه ما كلّف اللّه ذلك أحدا غيرنا،و لا استعبد بذلك أحدا غيرنا.

و إنّ عندنا سرّا من سرّ اللّه و علما من علم اللّه،أمرنا بتبليغه فبلّغناه عن اللّه عزّ و جلّ ما أمرنا بتبليغه» (4).

أقول:في هذه الرواية أنّ علمهم لا يحتمله أحد حتي الأنبياء،و في الذيل أنّهم أمروا أن يبلّغوا هذا العلم فبلّغوه،فقد يقال:ما فائدة تبليغه مع انّه لا يحتمله أحد؟!و للجواب عن هذا الإشكال لا بدّ من تقسيم علم أهل البيت عليهم السّلام.

ص: 87


1- إرشاد القلوب:209/2،و مشارق أنوار اليقين:112 و رمز له بالصحة.
2- مشارق أنوار اليقين:112.
3- نهج البلاغة:52 الخطبة 5 و الأرشية الحبال و الطوي البئر،و التذكرة الحمدونية:91/1 ح 166 بلفظ:لقد اندمجت.
4- أصول الكافي:402/1 باب حديثهم صعب مستصعب ح 5،و بحار الأنوار:385/25 باب غرائب أفعالهم ح 44.

مراتب علم آل محمد عليهم السّلام و أقسامه

علم أهل البيت عليهم السّلام في حقيقته علي مراتب:

1-مرتبة لم يؤمروا بالكشف عنها و لا بتبليغها لعدم احتماله و فهمه علي حقيقته،أو لشيء أخفي عنّا.

و هذا ما دلّت عليه طائفة من الروايات منها الرواية المتقدّمة (1).

و في بعض الروايات لم يوصف العلم بأنه لا يحتمل،بل وصف بأنّ«أمرهم جسيم مقنّع لا يستطاع ذكره» (2).

و هذا العلم هو ما يوصف بالعلم اللدني-كما يأتي تفصيله-و الذي كان الأئمة يشيرون إليه إشارة إجمالية،كما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالي: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً.

قال:«و ربّ الكعبة و رب البنية(البيت)ثلاث مرّات،لو كنت بين موسي و الخضر لأخبرتهما انّي أعلم منهما،و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما» (3).

و في أحاديث الإسم الأعظم الآتية إشارة إجمالية أيضا لهذا العلم.

2-و مرتبة من علمهم أمروا بتبليغه،كما دلّت عليه الرواية المتقدّمة في مطلع البحث و هو أيضا علي قسمين:

أ-قسم أمر أهل البيت عليهم السّلام بتبليغه لكافة الناس،و هو كل علم صدر منهم و وصل إلي عامة الناس،و هو المبثوث في كتبهم و كتب شيعتهم.

ب-و قسم أمروا أن يبلّغوه لخواصّ الناس،و من يقدر علي فهمه و تحمله،أو عدم افشائه.

و يدلّ عليه:حديث أمير المؤمنين عليه السّلام مع ميثم التمّار عندما سأله عن معني عدم احتمال الملك و النبي لعلم آل محمّد،فأخذ الأمير بشرح معني عدم احتماله.و الحديث طويل (4).

و ما روي عنه عليه السّلام أيضا عندما سئل عن وجه اللّه.

قال:«أنا وجه اللّه».

بينما قال للبعض الآخر عندما سأله:«أوقدوا نارا،فسألهم أين وجه النار؟

ص: 88


1- من أراد المزيد فليراجع بصائر الدرجات:20-21-22 ح 10-11-15-16.
2- بصائر الدرجات:28 ح 8 تتمة أن أمرهم صعب.
3- أصول الكافي:261/1 باب انّهم يعلمون علم ما كان و يكون ح 1،و بصائر الدرجات:129،و دلائل الإمامة:132.
4- بحار الأنوار:383/25 باب غرائب أفعالهم ح 38.

قالوا:كل النار وجه النار.

قال عليه السّلام:«كل شيء وجه اللّه» (1).

و ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انّي لأعلم ما في السموات و ما في الأرض،و أعلم ما في الجنّة و أعلم ما في النار،و أعلم ما كان و ما يكون».

قال:ثم مكث هنيهة فرأي أن ذلك كبر علي من سمعه منه،فقال:«علمت ذلك من كتاب اللّه أن اللّه عزّ و جلّ يقول:«فيه تبيان كلّ شيء» (2).

و في رواية مشابهة عن حمّاد قال:«فبهتّ انظر إليه فقال:«يا حمّاد إن ذلك من كتاب اللّه، ثلاث مرّات» (3).

و نحو ذلك من الروايات التي لم يكن فيها أهل البيت عليهم السّلام يصرّحون بكل شيء لأصحابهم، إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان،و سوف يأتي بعضها.

نعم؛كما قال صادق آل محمّد عليهم السّلام:«لو تدبّر القرآن شيعتنا لما شكّوا في فضلنا» (4).

*و من هذا الباب الطائفة التي تقول:

«إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يعرفه إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للايمان» (5).

و منها بلفظ:أنّ أمرهم صعب مستصعب.و هي روايات كثيرة (6).

و بذلك يرتفع التناقض بين الطائفتين:

1-الاولي التي تقول:«إنّ حديثهم صعب-لا يحتمله لا ملك مقرّب و لا نبي» (7).

2-و الثانية التي تقول:«إنّ حديثهم صعب-لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل».

و هذا أحد الوجوه لرفع التناقض،و خلاصته:أن تحمل الطائفة الاولي علي أعلي مراتب علمهم،و الطائفة الثانية علي مرتبة أخري و هي التي أمروا بتبليغها للخواص.

و هناك وجوه أخري منها:8.

ص: 89


1- يراجع بصائر الدرجات:61،و إرشاد القلوب:310-317-318،و جامع الأسرار:211 ح 404.
2- الكافي:261/1 ح 2،و بصائر الدرجات:128 باب علمهم بما في السموات و الآية في المصحف: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النحل:98.
3- بصائر الدرجات:128.
4- الهداية الكبري:419 باب 14.
5- بشارة المصطفي:148،و الهداية الكبري:129 باب 2،و الكافي:401/1 ح 1،و بصائر الدرجات:21 ح 1.
6- بصائر الدرجات:26 ح 1-2 و ما بعدهما.
7- راجع إضافة لما تقدم الوسائل:16/18 ح 33285،و معاني الأخبار:188.

وجوه الجمع بين أحاديثهم الصعبة

*الوجه الثاني:أن تحمل الطائفة الاولي علي عدم الإيمان و الإعتقاد به علي الحقيقة.

و يشهد له ألسنة الروايات القائلة:«صعب مستصعب لا يؤمن به نبي» (1).

«لا يعرفه» (2)«لا يقرّ به» (3)«لا يعمل به» (4)«لا يصبر عليه» (5).

فمن الناس من يقرّ به و يحتمله و منهم من لا يقرّ به،و لكن يحتمله علي إجماله.

*الوجه الثالث:أن تحمل الطائفة الاولي علي عدم معرفة و إدراك باطن أحاديثهم،و تحمل الثانية علي ادراك و معرفة ظاهرها،و يشهد له روايات أنّ لحديثنا«ظهرا و بطنا»،أو لحديثنا«سبعين وجها» (6).

*الوجه الرابع:أن تحمل الاولي علي أنّ:أمرهم لا يحتمل،و الثانية أنّ حديثهم يحتمل و يراد بالأمر الأعظم من الحديث.

خاصة بلحاظ أنّ بعض الروايات تعبّر:«انّ أمرنا هذا مستور مقنّع بالميثاق من هتكه أذلّه اللّه» (7).

و في رواية:«أمر آل محمد جسيم مقنّع لا يستطاع ذكره» (8).

*الوجه الخامس:أن تحمل الأولي علي عدم إمكان احتمال الأنبياء و الملائكة و الناس لكامل وجوه أحاديثهم.

و تحمل الثانية علي احتمال الأنبياء لبعض أو أكثر وجوه أحاديثهم.

*و من هنا يتّضح ما ورد في تفاوت علم الصحابة،كالمروي عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:

«و اللّه لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله،و لقد آخا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق» (9).

نعم أوّل السيّد المرتضي الحديث بأنّ معني:«لقتله»أي من شدّة الحبّ (10).

و فيه تكلّف زائد،لأنّ الحديث جاء في تفسير الإمام لروايات«حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبي مرسل».

ص: 90


1- أصول الكافي:404/1 ح 3.
2- بصائر الدرجات:27.
3- بصائر الدرجات:27.
4- بصائر الدرجات:29 باب نادر في علمهم.
5- بصائر الدرجات:29.
6- الاختصاص:288/12 جهات علومهم،و تفسير الطبري:32/1 خطبة الكتاب.
7- بصائر الدرجات:28.
8- بصائر الدرجات:28.
9- أصول الكافي:401/1.
10- غرر الفوائد:419.

خاصة أنّ هناك حديثا فيه:«لقال:رحم اللّه قاتل سلمان».

و هنا كلام للمحدّث علي بن زين الدين العاملي مفيد في دره المنثور فليراجع (1).

***

الجهة الثانية:

زمان علم آل محمّد عليهم السّلام

قد يقال أنّ الروايات التي تحدّد زمن اتّصاف آل محمّد بالعلم قليلة،باستثناء التي تأتي في طي الأبحاث الآتية.

و لعلّ هذا البحث مرتبط بالأبحاث الآتية،ذلك أنّ في الجهة الثالثة في ماهية علم آل محمّد عليهم السّلام إذا قلنا أنّ علمهم كسبي،فزمانه عند التعلّم،و هو يختلف باختلاف أحوال أهل البيت عليهم السّلام.

بينما إذا قلنا انّه لدني-كما هو الأرجح-فإنّه لا يخضع لسنين التعلّم،بل يكون زمانه هو زمان ولادة الإمام المعصوم في الظاهر،أو زمان وجوده في الواقع كما يأتي.

و إذا قلنا أنّه مربوط بالمشيئة،بمعني أنّه إذا شاؤوا أن يعلموا علموا،فإن زمان العلم يكون عند كل إرادة لهم.

هذا كلّه في الجهة الثالثة-ماهية العلم-.

و كذلك في الجهة الرابعة:مصدر حصوله،فإنّه إذا رجحنا كونه بواسطة الوحي أو جبرائيل أو المحدّث أو الإلهام أو الروح الأمرية أو مباشرة من اللّه،فإنّ زمان العلم يكون عند اتصاف الإمام بالإمامة أو عند الإختيار الإلهي عزّ و جلّ.

و انّ شئت قلت:عند احتياج الإمام للعلم،لا بمعني تصدّيه لإجابة الناس؛بل بمعني أن خلو الإمام منه يعدّ نقصا،فعند وجود الإمام في لوح الواقع إذا وجد خاليا من العلم الرباني،فهو محتاج إلي هذا العلم.

علي أنّه يحتمل أن يكون زمان العلم عالم الأنوار،خاصة إذا اخترنا أنّ المصدر الروح الأمرية أو المباشرة من اللّه تعالي،كما هو الصحيح.

أمّا إذا اخترنا-في الجهة الرابعة-أن المصدر القرآن أو العامود النوراني،أو أنّه وراثة من

ص: 91


1- الدر المنثور للشهيد:47/1 حديث لو علم أبو ذر.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أو من ليلة القدر،فإن زمان العلم يكون بحسب الإختيار هناك،فإذا اخترنا ليلة القدر فزمان علمهم هو وقت نزولها،و هكذا إذا اخترنا غيرها.

و علي كل حال سوف ننتظر الإختيار في الأبحاث الآتية.

*هذا و وردت بعض الروايات الصريحة في زمان علمهم منها:

منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر طويل في كيفية ولادة الإمام و انعقاد نطفته جاء فيه:«فإذا استقرّت في الرحم أربعين ليلة نصب اللّه له عمودا من نور في بطن أمّه ينظر منه مدّ بصره،فإذا تمّت له في بطن أمّه أربعة أشهر أتاه ملك يقال له حيوان و كتب علي عضده الأيمن: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فإذا وقع من بطن أمّه وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه إلي السماء،فإذا وضع يديه إلي الأرض فإنّه يقبض كل علم أنزله اللّه من السماء إلي الأرض».

إلي أن قال:«فإذا قالها (1)أعطاه اللّه علم الأوّل و علم الآخر و استوجب زيارة الروح في ليلة القدر» (2).

و الروايات بهذا المضمون كثيرة (3).

و في رواية أخري:«فإذا مضت عليه أربعون يوما سمع الصوت و هو في بطن أمّه،فإذا ولد أوتي الحكمة...و زين بالعلم و الوقار و ألبسه الهيبة» (4).

*أقول:فهذه الروايات و أشباهها تثبت أنّ زمان علم آل محمد هو عند ولادة كل إمام،و لكن علي ما يأتي في الأبحاث الآتية فإنّ هذا الزمان لا يتناسب مع ما نرجحه هناك.

خاصة أنه يمكن تأويل هذه الروايات بأن الإمام كان لديه هذه العلوم،و لكن عند الولادة يجدد أو يؤكد للامام ذلك،كما قد يستفاد من لفظة«يقبض».

علي أنه قد كذب الناس بحصول العلم للإمام في زمن الولادة،أو في الصغر،فكيف يصدّقون أنّ علمهم منذ عالم الأنوار!!

فنحملها علي اختلاف مستوي الصحابة.

-و منها ما ورد في الحديث المتواتر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:3.

ص: 92


1- أي قوله تعالي: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ.
2- بصائر الدرجات:441-442 باب النوادر من عامود النور ح 4.
3- بصائر الدرجات:431 ح 1 و ما بعده باب أنّهم تعرض عليهم الأعمال في أمر العامود،و الهداية الكبري: 101 باب 2.
4- بصائر الدرجات:432 ح 4-10 و 440 ح 3.

«نبئت و آدم بين الروح و الجسد»«وجبت النبوّة لي و آدم بين الروح و الجسد»«كنت نبيّا و آدم بين الروح و الجسد» (1).

فكونه نبيّا ينبأ في غاية الوضوح و الدلالة علي تلقيه العلوم في ذلك العالم؛اذ يستحيل أن اللّه اتخذه نبيا و نبأه و هو فاقد للعلم.

و هذا يدلّ أن علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان قبل الخلق و في زمان عالم الأنوار و الأظلّة.

و هكذا أهل البيت عليهم السّلام كما تقدّم في بعض روايات عالم الأنوار من تسبيحهم للّه و تقديسهم له تعالي.

و من المعلوم أن تحمّل النبوّة و عبادة اللّه و تقديسه لا تكون إلاّ بعد العلم.

و الأصرح منه ما روي عن الإمام الباقر عليه السّلام:«إنّ اللّه أوّل ما خلق خلق محمّدا و عترته الهداة المهديين،فكانوا أشباح نور بين يدي اللّه».

قلت:و ما الأشباح؟

قال:«ظلّ النور أبدان نورانية بلا أرواح،و كان مؤيدا بروح واحدة هي روح القدس» (2).

و عن الإمام العسكري عليه السّلام:«هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم و يسددهم و يزينهم بالعلم» (3).

و سوف يأتي روايات أنّ علمهم من روح القدس،و هذا صريح أنّ زمان علمهم كل علمهم هو عالم الأنوار قبل خلق الخلق.

و في حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام قال فيه:«فلما أراد أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم؟

فكان أول من نطق رسول اللّه و أمير المؤمنين و الأئمة صلوات اللّه عليهم،فقالوا:أنت ربنا، فحمّلهم العلم و الدين،ثم قال للملائكة:هؤلاء حملة علمي و ديني و أمنائي في خلقي و هم المسؤولون» (4).م.

ص: 93


1- فضائل ابن شاذان:34،كنز العمال:426/12 ح 35584 و 409/11-450 ح 32115 و 31917، و الشريعة للآجري:416-421-عدّة أحاديث-،و مصابيح السنّة:38/4 ح 4479،و الشفاء:166/1، و سنن الترمذي:585/5،و المعجم الكبير:353/20،و الطبقات الكبري:42/7 و:118/1، و الفردوس بمأثور الخطاب:284/3 ح 4854.
2- أصول الكافي:442/1 ح 10 مولد النبي.
3- الأنوار النعمانية:18/2.
4- بحار الأنوار:16/15 باب بدء خلق النبي ح 22،و:277/26 ح 19 باب تفضيلهم علي الأنبياء، و التوحيد للصدوق:319 باب معني:(و كان عرشه علي الماء)ح 1(باب 49)ط.قم.

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حديث جاء فيه:«ثم جعلنا عن يمين العرش،ثم خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة،و كبّرنا فكبّرت الملائكة،و كان ذلك من تعليمي و تعليم علي،و كان ذلك في علم اللّه السابق أن الملائكة تتعلّم منّا التسبيح و التهليل،و كل شيء يسبّح للّه و يكبّره و يهلّله بتعليمي و تعليم علي» (1).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي نحن أفضل(من الملائكة)خير خليقة اللّه علي بسيط الأرض و خيرة اللّه المقرّبين،و كيف لا نكون خيرا منهم؟و قد سبقناهم إلي معرفة اللّه و توحيده؟!فبنا عرفوا اللّه و بنا عبدوا اللّه و بنا اهتدوا السبيل إلي معرفة اللّه» (2).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«نحن شجرة النبوّة و معدن الرسالة،و نحن عهد اللّه و نحن ذمّة اللّه، لم نزل أنوارا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السماء لتسبيحنا،فلما نزلنا إلي الأرض سبّحنا فسبّح أهل الأرض؛فكل علم خرج إلي أهل السموات و الأرض فمنّا و عنّا» (3).

*أقول:معرفة اللّه و توحيده أفضل العلوم و أشرفها،بل هي أصل العلم و أصوله.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه مثّل لي أمّتي في الطين و علمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلّها» (4).

و في رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ ربي مثّل لي أمّتي في الطين و علّمني أسماء الأنبياء-و في نسخة-الأشياء،كما علّم آدم الأسماء كلّها فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لعلي و شيعته» (5).

و عن الحسين بن علي عليهما السّلام عن أبيه أنّه قرأ عليه أصبغ بن نباتة: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الآية.

قال:«فبكي علي عليه السّلام و قال:انّي لأذكر الوقت الذي أخذ اللّه تعالي عليّ فيه الميثاق» (6).

و قال الإمام الجواد عليه السّلام:«أنا محمّد بن علي الرضا أنا الجواد،أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب،أنا أعلم بسرائركم فظواهركم،و ما أنتم صائرون إليه،علم منحنا به من قبل خلق الخلق9.

ص: 94


1- بحار الأنوار:345/26 باب فضل النبي و آله ح 18،و مشارق أنوار اليقين:40،و الأنوار النعمانية:/1 22.
2- بحار الأنوار:349/26-350 ح 33.
3- مشارق أنوار اليقين:45.
4- بصائر الدرجات:85 باب أنّه عرف ما رأي في الأظلة ح 7.
5- بصائر الدرجات:86 باب انه عرف ما رأي في الأظلة ح 15.
6- مناقب ابن المغازلي:175 ط.الحياة،و ط.طهران:272 ح 319.

أجمعين (1)،و بعد فناء السموات و الأرضين،و لو لا تظاهر أهل الباطل و دولة أهل الضلالة،و وثوب أهل الشكّ؛لقلت قولا تعجب منه الأوّلون و الآخرون».

ثم وضع يده الشريفة علي فيه و قال:«يا محمّد أصمت كما صمت آباؤك من قبل» (2).

و روي صاحب بستان الكرامة أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا و عنده جبرائيل عليه السّلام فدخل علي عليه السّلام فقام له جبرائيل عليه السّلام.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أتقوم لهذا الفتي.فقال له عليه السّلام:نعم انّ له عليّ حق التعليم.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟

فقال:لمّا خلقني اللّه تعالي سألني من أنت و ما اسمك و من أنا و ما اسمي؟

فتحيّرت في الجواب و بقيت ساكتا،ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار و علّمني الجواب، فقال:«قل:أنت ربّي الجليل و اسمك الجليل و أنا العبد الذليل و اسمي جبرائيل».و لهذا قمت له و عظّمته» (3).

*أقول:ممّا لا شك فيه أن الرسول كان يعلم بتعليم علي عليه السّلام لجبرائيل؛انّما أراد أن يبيّن فضل أمير المؤمنين عليه السّلام من لسان جبرائيل،و تقدّم في الكتاب ما يدلّ علي ذلك.

و روي الصفوري قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«سلوني قبل أن تفقدوني عن علم لا يعرفه جبرائيل و ميكائيل» (4).

و قد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلي ذلك بقوله:«الحمد للّه الذي جعل الإنسان الكامل معلّم الملك و أدار سبحانه و تعالي تشريفا و تنويها بأنفاسه طبقات الفلك» (5).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيما حدّث عنه سلمان الفارسي في حديث خلقهم أنوارا قبل السماء و الأرض:«ثم خلق منّا و من صلب الحسين تسعة أئمّة و دعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية و أرضا مدحية،و هواء و ماء و ملكا،و أشركنا بعلمه» (6).

و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام مع المفضّل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء و شكايتهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما حلّ بهم قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفضّة:«يا فضّة لقد عرفه رسول اللّه4.

ص: 95


1- في الهداية الكبري:علما أورثناه اللّه قبل الخلق أجمعين.
2- مشارق أنوار اليقين:98 الفصل الحادي عشر،و الهداية الكبري:296 باب 11.
3- الأنوار النعمانية:15/1.
4- نزهة المجالس:129/2 ط.التقدم العلمية بمصر 1330 ه،و 144/2 ط.بيروت المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الأزهرية 1346 ه.
5- شرح الأسماء الحسن:49/2.
6- الهداية الكبري:375 باب 14.

و عرف الحسين اليوم بهذا الفعل(ضرب فاطمة و إسقاط المحسن عليه السّلام)و نحن في نور الأظلّة أنوار عن يمين العرش» (1).

هذا و روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قوله:«في قاب قوسين علّمني اللّه القرآن و علّمني اللّه علم الأولين» (2).

***

الجهة الثالثة:

اشارة

ماهية علم آل محمّد عليهم السّلام

و يتردّد هذا البحث بين ثلاثة احتمالات:

1-أن يكون علم آل محمد عليهم السّلام علما كسبيا،و يراد به أنّ علمهم بالتعلّم المتعارف بين الناس،و إن شئت سمّيته بالعلم الحصولي.

2-أن يكون علم آل محمّد عليهم السّلام علما لدنيا غير كسبي،بمعني أنّ اللّه أعطاهم هذا العلم بلا تكسب و تجهد،هذا بغضّ النظر عن كيفية الاعطاء،و الذي هو الجهة الرابعة الآتية.

و هذا العلم يسمّي بالعلم الحضوري.

3-أن يكون علم آل محمّد عليهم السّلام علما متعلقا بالمشيئة و الإرادة،فمتي شاؤوا أن يعلموا علموا أو أعلموا.

و هذا البحث أيضا يخضع لما يأتي من أبحاث كما سوف نبيّن ذلك.

***

الإحتمال الأوّل:

العلم الكسبي الحصولي

و يدل عليه طوائف:

منها ما تواتر عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ألف باب» (3).

و منها:روايات الإزدياد الآتية في الجهة الخامسة كقول الإمام الصادق عليه السّلام:

ص: 96


1- الهداية الكبري:408 باب 14.
2- لوامع أنوار الكوكب الدريّ:117/1-118.
3- يراجع بصائر الدرجات:309 باب في الكلمة التي علم رسول اللّه أمير المؤمنين عليه السّلام،و الاختصاص: 183.

«ما من ليلة جمعة إلاّ و لأولياء اللّه فيها سرور».

قلت:كيف ذلك؟

قال:«إذا كان ليلة الجمعة وافي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم العرش و وافي الأئمّة عليهم السّلام و وافيت معهم،فما أرجع إلاّ بعلم مستفاد،و لو لا ذلك لنفذ ما عندي» (1).

و في رواية:«إنّه ليحدث لوليّ الأمر سوي ذلك كل يوم(من)علم اللّه الخاص و المكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر» (2).

و نحوها من الروايات (3).

و منها:الروايات الآتية في الجهة الرابعة أنّ منبع علمهم من القرآن أو من ليلة القدر أو إنّ علمهم وراثة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

كل ذلك يدل في ظاهره أنّ علمهم كسبي بالتعلم.

***

الإحتمال الثاني:

اشارة

العلم اللدني

و يدل عليه آيات و روايات:

الآيات الدالة علي العلم اللدني
اشارة

و يدلّ عليه من الآيات:

الآية الاولي قوله تعالي:

وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (4) .

قال الإمام الغزالي:(إعلم أنّ العلم يحصل من طريقين:أحدهما التعلم الإنساني،و الثاني التعلّم الربّاني.

الطريق الثاني:إلقاء الوحي،و هو أنّ النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة و درن الحرص و الأمل الفانية،و تقبل بوجهها علي بارئها و منشئها،و تتمسّك بجود مبدعها و تعتمد علي

ص: 97


1- أصول الكافي:254/1 ح 3.
2- بحار الأنوار:183/24 ح 21 باب أنّهم كلمات اللّه،و الكافي:248/1 ح 3 باب ليلة القدر.
3- يراجع بحار الأنوار:86/26،و بصائر الدرجات:392-324-120-130،و الكافي:252/1 إلي 254.
4- سورة النساء،الآية:113.

إفادته و فيض نوره،و اللّه تعالي بحسن عنايته يقبل علي تلك النفس إقبالا كليّا،و ينظر إليها نظرا إلهيا و يتخذ منها لوحا،و من النفس الكلي قلما و ينقش فيها جميع علومه،و يصير العقل الكلّي كالمعلّم و النفس القدسية كالمتعلّم،فيحصل جميع العلوم لتلك النفس،و ينتقش فيها جميع الصور،من غير تعلّم و تفكّر،و مصداق هذا قوله تعالي لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (1).

إلي آخر كلامه،و يأتي بعضه في الفرق بين العلم اللدني و الحصولي.

و روي عن قتادة في قوله تعالي: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ قال:«علّمه اللّه بيان الدنيا و الآخرة» (2).

و عن الضحاك قال:«علّمه الخير و الشرّ» (3).

و قال العلاّمة الطباطبائي: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ليس هو الذي علّمه بوحي الكتاب و الحكمة فقط،فإنّ مورد الآية قضاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الحوادث الواقعة و الدعاوي التي ترفع إليه برأيه الخاص،و ليس ذلك من الكتاب و الحكمة بشيء،و ان كان متوقفا عليهما،بل رأيه و نظره الخاص به.

و من هنا إنّ المراد بالإنزال و التعليم في قوله: وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ :نوعان اثنان من العلم:

أحدهما التعليم بالوحي و نزول الروح الأمين علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و الآخر:التعليم بنوع من الإلقاء في القلب و الإلهام الخفي الإلهي،من غير إنزال الملك.

و هذا هو الذي تؤيّده الروايات الواردة في علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و علي هذا،فالمراد بقوله: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ اتاك نوعا من العلم لو لم يؤتك إيّاه من لدنه لم يكفك في إتيانه الأسباب العادية،التي تعلّم الإنسان ما يكتسبه من العلوم)انتهي (4).

*أقول:ظاهر كلامه أنّ إيتاء الكتاب و الحكمة بواسطة الوحي الخاص(جبرائيل)إيتاء كسبي غير لدني،و إنّ علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مصدره شيئان:

1-الوحي بالكتاب و الحكمة.

2-الإلهام أو القذف بالقلب.ة.

ص: 98


1- مجموعة رسائل الغزالي-الرسالة اللدنية:69/3.
2- تفسير الدر المنثور:220/2 مورد الآية.
3- تفسير الدر المنثور:220/2 مورد الآية.
4- تفسير الميزان:79/5-80 مورد الآية.

*و الذي يقوي في النظر أنّ إيتاء الكتاب و الحكمة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إن كان المراد به تذكير جبرائيل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالآيات القرآنية و الحكم الإلهية،فهو كما قال علم كسبي،و لكنّه لا ينبيء عن حقيقة علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالكتاب و الحكمة.

و إنّ كان المراد به نزول القرآن جملة واحدة علي قلب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فممنوع لأنّه نزول غير كسبي،و كيف يكون كسبيا و هو من اللّه تعالي بالمباشرة كما يأتي.

إن قيل:نزوله تدريجا كان بواسطة جبرائيل،و نزوله جملة واحدة كان أيضا بواسطته.

قال تعالي: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلي قَلْبِكَ (1).

قلنا:

أوّلا:هذا مبنيّ علي تفسير هذه الآية بنزوله جملة واحدة،و إلاّ فقد يكون المعني:أن الروح الأمين نزل به تدريجا علي قلبك،و لا تفسر الآية أصلا بالنزول جملة واحدة.

و الخلاصة:لا نسلم أنّ نزول القرآن جملة واحدة علي قلب الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،كان بواسطة جبرائيل؛إمّا لعدم الدليل عليه،و إمّا لعدم الحاجة إليه،و امّا لما يأتي من أنّ زمن علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالقرآن و غيره،هو عرش الرحمن و قبل خلق جبرائيل و غيره من الخلق،و إمّا لما تقدم و يأتي من الدليل علي معرفة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للقرآن قبل خلق جبرائيل.

ثانيا:لو سلمنا أنّ الآية تشير إلي نزوله جملة واحدة بواسطة جبرائيل كما استدل بها العلامة، فانّا لا نسلّم أن هذا النزول كسبيّ،فصحيح أنّ جبرائيل يكون الواسطة في انتقال القرآن إلي قلب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و لكن ليس هو المعلم له و لتفاصيله و آياته،انّما اللّه هو المعلم الحقيقي و علم اللّه لنبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم غير كسبي،حيث أن العلوم الكسبية غير ثابة و متغيرة كما يأتي.

أمّا قوله أنّ مصدر علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو الكتاب و الحكمة،إضافة إلي الإلهام و القذف.

فبغضّ النظر عن ما يأتي في مصدر علم آل محمّد عليهم السّلام،فإنّا نقول:هذا التفصيل حول العلم يتنافي مع حقيقة العلم الذي هو نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء.

علي انّه يتنافي أيضا مع حقيقة علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و زمان حصوله و كيفية ذلك.

فإنّ الحكمة و القرآن هي قسم من العلوم الإلهية التي علّمها اللّه لنبيّه بقوله: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ،أو حتي قوله فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي.

فليس المراد أنّ العلم قسمان:قسم لأحكام القرآن و الحكمة الإلهية،و قسم لبقيّة الأمور.

لأنّه:3.

ص: 99


1- الشعراء:193.

أوّلا:الآية مطلقة ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ فكل ما لا يعلمه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قام اللّه عزّ و جلّ بتعليمه إيّاه مباشرة،و بلا توسط مخلوق،فكان لدنيا،و هو شامل لأحكام القرآن من حلال و حرام و قصص و مواعظ،و حكم و معارف إلهية،و أمور غيبية،و ما شابه ذلك.

قال الشيخ الطبرسي في الآية:(ما لم تعلمه من الشرائع و أنباء الرسل الأوّلين،و غير ذلك من العلوم) (1).

ثانيا:هذا ينافي صريح القرآن الكريم و إنّه فيه تبيان كل شيء (2)كما يأتي في كثير من الروايات.

و الخلاصة:علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علم واحد لا يتجزأ،و هو علم لدني بكل شيء،الشامل للقرآن و الحكمة و الأمور الغيبية و نحوهم.

و لا يلزم لغوية نزول القرآن علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،لما قلنا أن المراد بالنزول هو التدريجي،اما لمؤانسة النبي الاعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-نظير نزوله علي فاطمة عليها السّلام-،و اما لتذكيره صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالآيات،لا لتعليم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم المستتبع لجهله،و أعلمية جبرائيل عليه،و لو بالواسطة.

و مرادنا بالتذكير ليس أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد نسي آيات القرآن و الحكمة،انّما كما قدّمنا سابقا أنه لإبراز حقيقة الوحي التي كانت عند الأنبياء السابقين،و التي اعتاد الناس عليها في الأنبياء و صحّة دعوتهم،خاصة في المجتمع الجاهلي الذي لم يصدّق بنبوّة الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فلم يستطع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ أن يبرز لهم الوحي و صفاته و أسماءه و آثاره كما تقدّم و يأتي.

و أمّا النزول الدفعي للقرآن،فهو أيضا ليس معناه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يجهل أحكامه و ابرامه و آياته،و ذلك كما قدّمناه من أن علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الواحد من الواحد لا يتجزأ،و زمانه قبل زمان جبرائيل كما يأتي.و الذي من ضمنه أحكام القرآن الكريم و الحكم الإلهية،فلا تغفل.

هذا و روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قوله:«في قاب قوسين علّمني اللّه القرآن و علّمني اللّه علم الأولين» (3).

الآية الثانية قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الخ

أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ، تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (4) .

ص: 100


1- مجمع البيان:168/3 مورد الآية.
2- قال تعالي: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النحل:89.
3- لوامع أنوار الكوكب الدريّ:117/1-118.
4- سورة إبراهيم،الآية:24.

و الشجرة الطيبة كما تواتر في الأحاديث هي آل محمّد و الأئمة منهم عليهم صلوات المصلين (1).

و قوله تعالي: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ فسرت بعلم الإمام و ما يفتي به من الحلال و الحرام.

قال الإمام الصادق عليه السّلام: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ فقال:«ما يخرج إلي الناس من علم الإمام في كل حين يسأل عنه» (2).

و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«هو ما يخرج من الإمام من الحلال و الحرام في كل سنة إلي شيعته» (3).

الآية الثالثة قوله تعالي:

آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً (4) .

فعن الإمام الصادق عليه السّلام:«قال:علينا عين؟»

فالتفتنا يمنة و يسرة فلم نر أحدا،فقلنا:ليس علينا عين.

فقال:«و ربّ الكعبة و ربّ البنية-ثلاث مرّات-لو كنت بين موسي و الخضر لأخبرتهما انّي أعلم منهما و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما» (5).

و من المعلوم أن علم الخضر لدني بقوله تعالي: ...آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً و لا يصحّ كون آل محمد عليهم السّلام علمهم كسبيا في حال كونهم أعلم من الخضر و أفضل.

الآية الرابعة قوله تعالي:

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوي ...

فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي (6) .

و هي الآية من آيات عديدة تصف عروج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي ربّه حتي كان قاب قوسين أو أدني.

و الروايات كثيرة أنّ النبي هو الذي دنا فتدلّي و كان قاب قوسين أو أدني رواها الفريقان من طرق (7).

ص: 101


1- راجع بحار الأنوار:138/24 إلي 143 ح 2 و ما بعده باب أنّهم الشجرة الطيبة،و الفردوس بمأثور الخطاب:52/1 ح 135،و تلخيص المتشابه:309/1 رقم الترجمة 485.
2- بحار الأنوار:140/24-139 ح 4 و 6.
3- المصدر السابق.
4- سورة الكهف،الآية:65.
5- الكافي:261/1 ح 1 باب أنهم يعلمون ما كان و يكون،و بصائر الدرجات:129.
6- سورة النجم،الآية:5-8.
7- راجع تفسير الدر المنثور:123/6-124 مورد الآية،و تفسير الميزان:33/19-36 مورد الآية،و نور الثقلين:145/5 إلي 158 موردها،و الشفا 34/1-37 إلي 39 الفصل الخامس و 203/1-204، و إرشاد القلوب:409/2-411،و لوامع أنوار الكوكب الدريّ:117/1-118،و مناقب آل أبي طالب: 315/4،و تاريخ الخميس:311/1 ذكر المعراج.

منها:ما روي عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال:«أنا ابن من علا فاستعلي فجاز سدرة المنتهي فكان من ربّه قاب قوسين أو أدني» (1).

و منها:ما عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:«و ذلك أنّه يعني النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أقرب الخلق إلي اللّه تعالي،و كان بالمكان الذي قال له جبرائيل لما أسري به إلي السماء:تقدّم يا محمّد فقد و طأت موطئا لم يطأه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل،و لو لا أنّ روحه و نفسه كان من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه،و كان من اللّه عزّ و جلّ كما قال اللّه عزّ و جلّ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني أي:بل أدني» (2).

و عنه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«كنت من ربي كقاب قوسين أو أدني» (3).

و في تفسير القمّي في قوله تعالي: فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي قال:«وحي مشافهة» (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ هذه الآية مشافهة اللّه لنبيّه لمّا أسري به إلي السماء.

قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنتهيت إلي سدرة المنتهي» (5).

و منها الحديث المستفيض:قول جبرائيل للنبي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:تقدّم.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«في هذا الموضع تفارقني».

فقال جبرائيل:لو دنوت أنملة لاحترقت (6).

و في رواية:«يا جبرائيل لما تخلّفت عني؟

قال:و ما منّا إلاّ له مقام معلوم،لو دنوت أنملة لاحترقت،و في هذه الليلة بسبب احترامك وصلت إلي هذا المقام،و إلاّ فمقامي المعهود عند السدرة» (7).

ص: 102


1- تفسير الميزان:33/19-35،مورد الآية،و نور الثقلين:151/5 مورد الآية.
2- تفسير الميزان:33/19 مورد الآية.
3- تفسير الميزان:33/19-35 مورد الآية،و نور الثقلين:151/5 مورد الآية.
4- تفسير القمي:334/2 مورد الآية،و تفسير الميزان:34/19،و نور الثقلين:152/5.
5- الدر المنثور:148/5،149 مورد الآية.
6- راجع تفسير الميزان:35/19،و تفسير نور الثقلين:155/5،و عيون الأخبار:205/1 باب 26 ح 22، و ينابيع المودة:583/2،و كمال الدين:255/1 و بحار الأنوار:337/26،و تاريخ الخميس:311/1 ذكر المعراج.
7- تاريخ الخميس:311/1 ذكر قصة المعراج.

و في رواية أخري قال له:«تقدّم أمامك فو اللّه لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق اللّه قبلك» (1).

و عن ابن عبّاس في قوله: ثُمَّ دَنا قال:«هو محمد دنا إلي ربّه» (2).

و نحوه عن محمد بن كعب و الإمام جعفر الصادق عليه السّلام و أنس (3).

و عن أبي سعيد قال:«لما أسري بالنبي إقترب من ربه فكان قاب قوسين أو أدني» (4).

و عن الإمام زين العابدين عليه السّلام في قوله تعالي دَنا فَتَدَلّي قال:«ذاك رسول اللّه دني من حجب النور» (5).

و من العجيب ما روي أنّ القصة في جبرائيل،و إنّه هو الذي دنا فتدلي،و العجب فيه أنّ اللّه تعالي إذا يريد أن يدني جبرائيل منه لماذا يحضر النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

و هل يراد بالإسراء و الآيات مدح النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و تبيين فضله أم مدح جبرائيل و تبيين فضله؟!

مع أن البعض منع و نفي ركوب جبرائيل مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي البراق لاختصاصه بشرف الإسراء (6).

هذا إضافة إلي أنّ الآيات كلّها في سياق واحد: ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوي إلي آخر الآيات.

امّا قوله تعالي: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوي فقيل أن الذي علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو جبرائيل،و قيل إن معلّمه هو اللّه تعالي (7).

و لكن بقرينة قوله تعالي: فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي و التي فيها أن اللّه هو الموحي لعبده بالمباشرة و المشافهة؛يتعيّن كون المعلّم هو اللّه تعالي،و علم اللّه لا يكون إلاّ لدنيا،اذ الكسبي زائل متغير كما يأتي،و هو المطلوب.

و يؤيّده،إضافة لما مرّ من روايات خاصة،و روايات تخلف جبرائيل الدالة علي أن جبرائيل لم يكن موجودا معهما عند تعليم اللّه ذلك العلم الشديد القوي:ة.

ص: 103


1- تفسير الميزان:33/19،35،مورد الآية،و نور الثقلين:151/5 مورد الآية.
2- الدر المنثور:123/6 مورد الآية.
3- الشفا:204/1-205 فصل في قوله:فأوحي إلي عبده.
4- الدر المنثور للسيوطي:123/6 مورد الآية.
5- الدر المنثور:148/5،149 مورد الآية.
6- تاريخ الخميس:310/1 ذكر قصة المعراج.
7- راجع تفسير الميزان:27/19 مورد الآية.

ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّي ... فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي قال:

«فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين و أصحاب الشمال،فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه و فتحه فنظر إليه فإذا فيه أسماء أهل الجنّة و أسماء آبائهم،ثم طوي الصحيفة فأمسكها بيمينه و فتح صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل النار و أسماء آبائهم و قبائلهم،ثم نزل معه الصحيفتان فدفعهما إلي علي» (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«حتي انتهي إلي ساق العرش فدني بالعلم فتدلّي» (2).

و عن الحسن قال:«دنا من عبده محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فتدلّي فقرب منه فأراه ما شاء أن يريه من قدرته و عظمته» (3).

فهذا يدل علي أن اللّه تعالي أوحي له وحي مشافهة،كما تقدّم في لسان الرواية السابقة،بغير توسّط جبرائيل؛لأنّه لم يتقدّم معه و إلاّ لاحترق-كما تقدّم أيضا و إن ما أوحي إليه هو من العلوم و المعارف.

قال جعفر بن محمّد عليه السّلام:«إنقطعت الكيفية عن الدنو،ألا تري كيف حجب جبريل عن دنوه و دنا محمد إلي ما أودع قلبه من المعرفة و الإيمان،فتدلّي بسكون قلبه إلي ما أدناه،و زال عن قلبه الشك و الارتياب» (4).

و عنه عليه السّلام أنّه قال:«أوحي اللّه إليه بلا واسطة» (5).

و نحوه عن الواسطي (6).

و قال القاضي عياض:إعلم أن ما وقع من إضافة الدنو و القرب هنا من اللّه أو إلي اللّه،فليس بدنو مكان و لا قرب مدي،بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمّد الصادق ليس بدنو حدّ،و إنّما دنو النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من ربّه و قربه منه،أبانه عظيم منزلته و تشريف رتبته،و إشراق أنوار معرفته و مشاهدة أسرار غيبه و قدرته،و من اللّه تعالي مبرّة و تأنيس و بسط و إكرام (7).

و في رواية عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«فسمع النداء يقول:أدن يا محمّد فدنا،فقطرت عليه من1.

ص: 104


1- نور الثقلين:150/5 ح 25 مورد الآية.
2- تفسير نور الثقلين:150/5-151 مورد الآية.
3- الشفا:204/1.
4- الشفا:205/1 فصل من قوله:فأوحي إلي عبده.
5- الشفا:205/1 فصل من قوله:فأوحي إلي عبده.
6- الشفا:205/1 فصل من قوله:فأوحي إلي عبده،و تاريخ الخميس:312/1 قصة المعراج.
7- تاريخ الخميس:313/1،و الشفا:202/1.

العرش قطرة ما أخطأت فمه،فوقعت علي لسانه فكانت أحلي من كل شيء،فأراه اللّه بها علم الأوّلين و الآخرين» (1).

و يشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول اللّه قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«... ثُمَّ دَنا فَتَدَلّي فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني قال:و سألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف و لا تحديد فوجدت بردها بين ثديي فأورثني علم الأولين و الآخرين و علمني علوما شتي...

و علمني القرآن فكان جبرائيل عليه السّلام يذكرني به» (2).

و تقدم الحديث الشريف«في قاب قوسين علّمني اللّه القرآن و علّمني اللّه علم الأولين» (3).

فيتبين أنّ الوحي إلي النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان وحيا من قبل اللّه مباشرة،و وحي اللّه لا يكون إلاّ لدنيا.

الآية الخامسة قوله تعالي:

اَلرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) .

و هي أصرح في الدلالة من الآية السابقة،في كون النبي الاعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد تعلم القرآن من اللّه تعالي لا بتوسط أحد،و مما لا شك فيه أنّ تعليم اللّه لا يكون إلاّ لدنيا.

الآية السادسة قوله تعالي:

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً؛

وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ (5) .

فقد ورد أنّهم المرادون بهذه الآية (6).

منها:ما روي عن أبي جعفر عليه السّلام قال في قوله تعالي: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا قال أبو جعفر عليه السّلام:«يعني الأئمّة من ولد فاطمة يوحي إليهم بالروح في صدورهم» (7).

و هي واضحة الدلالة أنّ اللّه تعالي هو الذي يوحي اليهم.

الآية السابعة قوله تعالي:

وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ.

ص: 105


1- تاريخ الخميس:313/1 قصة المعراج.
2- المواهب اللدنية:381/2-382 بحث الإسراء و المعراج-الربع الأخير منه،و سوف يأتي الحديث بتمامه،و لوامع أنوار الكوكب الدري:118/1.
3- لوامع أنوار الكوكب الدري:117/1-118.
4- سورة الرحمن،الآية:1.
5- سورة الأنبياء،الآية:73.
6- راجع بحار الأنوار:157/24-158 باب انّهم خير أمّة أخرجت للناس ح 16-17-19-20.
7- بحار الأنوار:158/24 ح 21.

فعن أبي حمزة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العلم أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟

قال عليه السّلام:«الأمر أعظم من ذلك و أوجب،أما سمعت قوله تعالي: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ ...بلي قد كان في حال لا يدري ما الكتاب و لا الإيمان حتي بعث اللّه تعالي الروح التي ذكر في الكتاب،فلما أوحاها إليه علم بها العلم و الفهم،و هي الروح التي يعطيها اللّه تعالي من شاء فإذا أعطاها عبدا علّمه الفهم» (1).

و سوف يأتي عدة روايات حول الروح الأمرية.

الآية الثامنة قوله تعالي:

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (2) .

قال الإمام الباقر عليه السّلام في تفسيرها:«علم الإمام و وسع علمه الذي هو من علمه كل شيء» (3).

و هذا أيضا صريح في أنّ علم الإمام عليه السّلام من اللّه تعالي المتعيّن كونه لدنيّا.

الآية التاسعة قوله تعالي:

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً (4)

قال بعض المفسرين:ذلك هو الإسم الأعظم تركّب من الحروف الواردة في فواتح السور، و كان مكتوبا علي خاتم سليمان بن داود،و به لان الحديد لداود،و سخر الجن لسليمان،و طوي الارض للخضر و به تعلم العلم اللدني،و به أوتي عرش بلقيس،و به يحيي عيسي الطير (5).

و عن علي أمير المؤمنين عليه السّلام في قصته مع عمار في تحويل الحجر إلي ذهب فقال عليه السّلام:«أدع اللّه بي حتي تلين،فإنّه إسمي ألان اللّه الحديد لداود» (6).

***

الأحاديث الدالة علي العلم اللدني

منها روايات اعطائهم علم الكتاب و تفضيلهم علي الذين عندهم علم من الكتاب.

ص: 106


1- الكافي:273/1 ح 5 باب الروح التي يسدد اللّه بها الأئمة.
2- سورة الأعراف،الآية:156.
3- تفسير نور الثقلين:781/2 ح 288 عن الكافي.
4- سورة النمل،الآية:15.
5- ينابيع المودة:402 ط.إسلامبول،و 483 ط.النجف و قم.
6- مشارق أنوار اليقين:173.

و منها ما تقدم ضمن تفسير الآيات المتقدمة علي العلم اللدني.

و قال الإمام الرضا عليه السّلام:«علمت كل لسان و كل كتاب و ما كان و ما سيكون بغير تعلّم،و هذا سرّ الأنبياء أودعه اللّه فيهم،و الأنبياء أودعوه إلي أوصيائهم،و من لم يعرف ذلك و يتحققه فليس هو علي شيء،و لا قوّة إلاّ باللّه» (1).

و من الروايات أيضا:روايات إعطاء الإمام العلم بواسطة النور،كالمروي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إن الإمام يسمع الكلام في بطن أمّه...حتي إذا شبّ رفع اللّه له عمودا من نور يري فيه الدنيا و ما فيها،لا يستر عنه منها شيء» (2).

و في رواية:«إذا أراد علم شيء نظر في ذلك النور فعرفه» (3).

و نحو ذلك من روايات عامود النور الآتية (4).

و ورد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قوله:«ليس العلم بكثرة التعلّم انّما هو نور يقذفه اللّه في قلب من يريد اللّه أن يهديه» (5).

و في الأثر:«العلم نور و ضياء يقذفه اللّه في قلوب أوليائه و أنطق به علي لسانهم» (6).

و في آخر:«ما من عبد إلاّ و لقلبه عينان و هما غيب يدرك بهما الغيب» (7).

و في ثالث:«فإذا أراد اللّه بعبد خيرا فتح عيني قلبه،فيري ما هو غائب عن بصره» (8).

و في الحديث القدسي في وصف الأولياء:«أقبل عليهم بوجهي؛أتري من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه،ثم قال عزّ و جلّ:أوّل ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عنّي كما أخبر عنهم» (9).

و من روايات العلم اللدني روايات كونهم معدن العلم و ورثته (10).

و منها روايات كون عندهم جميع العلوم (11).م.

ص: 107


1- الخرائج و الجرائح:316 الباب التاسع.
2- بصائر الدرجات:435 ح 3 باب أنّه يري ما بين المشرق و المغرب.
3- بصائر الدرجات:440 ح 2.
4- بصائر الدرجات:431 إلي 443 عدّة أبواب في عرض الأعمال بواسطة العامود.
5- المحجة البيضاء:45/5 كتاب شرح عجائب القلب.
6- المصدر السابق.
7- المصدر نفسه.
8- المصدر نفسه.
9- المحجة البيضاء:39/5 كتاب شرح عجاب القلب.
10- الكافي:221/1-222 باب أنّهم معدن العلم و ورثته.
11- الكافي:255/1-256 باب أنّهم يعلمون جميع العلوم.

و منها ما يأتي في الجهة السادسة من علمهم بالكتاب و القرآن،و هو فيه تبيان كلّ شيء.

و كذلك روايات علمهم بما كان و يكون،و ما شابه من هذه الروايات.

و منها ما يأتي من علمهم للغيب.

و منها:ما يأتي في الجهة الرابعة من أنّ علمهم بإيحاء من اللّه مباشرة،أو أنّه قذف و نقر في القلوب،أو انّه تحديث.

فإنّ هذا كلّه يدلّ علي كون علمهم لدنيا و يأتي توضيح الإستدلال بها في الترجيح بين الإحتمالات.

***

الدليل العقلي علي العلم اللدني
اشارة

هذا إضافة إلي الدليل العقلي الدال علي علمهم اللدني و ذلك بعدة تقاريب:

التقريب الاول:

العلم الحضوري للإمام أكمل في اللطف

أنّ ارسال الرسل و الأئمّة لطف من اللّه تعالي كما هو مبيّن في العقائد.

و اللطف هو كل ما يبعد العبد عن المعصية،و إن شئت قلت هو ما دعا إلي فعل الطاعة (1).

و عليه؛فأوّلا:أنّه من حسن الظن باللّه أن يجعل حججه علي أكمل وجه و أصبغ نعمة،و هذا هو الأنسب مع حكمة اللّه.

و معلوم أنّ العلم اللدني أكمل من الكسبي.

ثانيا:علم الناس بأنّ علم الإمام لدني حاضرا في كل حال و لكل شيء؛رادع لهم عن ارتكاب المعصية و البعد عنها و مقرب لهم إلي فعل الطاعة،لخوفهم من تأنيب الإمام لهم علي المعصية، و لفرحهم من مدحه لهم علي الطاعات.

و في الروايات ما يؤكد ذلك.

التقريب الثاني:

العلم اللدني أنفع للأمّة

فإنّ الإمام كلّما كان علمه محيطا بكل الأشياء،و علي أكمل وجه من العلم و الإحاطة،و كأن

ص: 108


1- الذخيرة:186 باب الكلام في اللطف.

يعلم بما مضي و ما سوف يأتي،و علمه بخلفيات و أسرار الكلام؛فإنّ كل ذلك يكون أنفع للأمّة و لمصالحها الدينية و السياسية و الإجتماعية،الفردية و النوعية.

لأنّ الإمام عليه السّلام بعلمه اللدني لا ينخدع،و لا تحصل عليه المنقصة لاحتياجه إلي السؤال فيما لو فرض ان علمه غير لدني،و لما علم المنافقين و المخادعين و حيلهم.

و في التاريخ شواهد جمّة ان الإمام أو الخليفة إذا لا يعلم ما في الصدور كيف ينخدع و يصبح سخرية للرعية.بينما لو كان عالما بخفايا الأمور كيف تجده يبرم الأمور إبراما.

التقريب الثالث:

العلم اللدني أكمل للإمام

و العلم اللدني أكمل و أفضل للامام عليه السّلام و عدمه منقصة،اذ لو لم يكن علمه لدنيا لوجد من هو أعلم منه،و الأعلم أفضل،و الإمام يجب أن يكون أعلم الموجودين و أفضلهم.

علي أنّ العرف و العقل يحكمان بأنّ الإمام و الخليفة يجب أن يكونا أكمل المخلوقات، و يحكمان أيضا أنّ العلم اللدني أكمل من الكسبي الحصولي التدريجي.

التقريب الرابع:

العلم الحصولي علم متغير لا يفيد اليقين

العلم اللدني كما يأتي قريبا علم شريف من اللّه تعالي يؤدي إلي اليقين بالمعلوم،أمّا العلم الحصولي الكسبي فإنّه لا يفيد اليقين الجازم بالقضية.

و معلوم أنّ العقل يحكم بوجوب كون الاخبار الصادرة عن الإمام عليه السّلام أخبارا يقينية،و إلاّ لما أفاد الإطمئنان عند الناس،و لما وجب التصديق به.

***

الفرق بين العلم اللدني الحضوري و الكسبي الحصولي

للعلم بالأشياء طريقان:أن يتوصل إلي الشيء بواسطة الخواص و العوارض أو الشبح و الظل و آثار الأشياء و لوازمها،و هذا يسمّي بالعلم الحصولي.

و هناك طريق آخر و هو أن يتوصل للشيء من خلال معرفة مبادئه و أسبابه،و هذا ما يسمّي بالعلم الحضوري أو اللدني،و الذي من آثاره هو الاطّلاع علي أسرار و غيب العالم،كما حصل مع الخضر و موسي عليه السّلام.

قال المتأله السبزواري في اللآلي:العلم حصولي و حضوري،و الحصولي هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل.

ص: 109

و الحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته و نقشه،كعلم المجرّد بذاته،أو بمعلوله كعلم الحق تعالي بمعلولاته عند المحققين،و ليس بتصور و لا بتصديق لأنّ مقسمهما العلم الحصولي) (1).

و قال العلاّمة الطباطبائي:(و للرواية«من عرف نفسه عرف ربّه»معني آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس،و هو أنّ النظر في الآيات الآفاقية و المعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري و علم حصولي،بخلاف النظر في النفس و قواها و أطوار وجودها و المعرفة المتجلية منها فانّه نظر شهودي و علم حضوري.

و التصديق الفكري يحتاج في تحقّقه إلي نظم الأقيسة و استعمال البرهان،و هو باق ما دام الإنسان متوجّها إلي مقدّماته غير ذاهل عنها و لا مشتغل بغيرها،و لذلك يزول العلم بزوال الاشراف علي دليله و تكثر فيه الشبهات و يثور فيه الإختلاف.

و هذا بخلاف العلم النفساني بالنفس و قواها و أطوار وجودها فإنّه من العيان،فاذا اشتغل الإنسان بالنظر إلي آيات نفسه و شاهد فقرها إلي ربّها و حاجتها في جميع أطوار وجودها وجد أمرا عجيبا،وجد نفسه متعلّقة بالعظمة،و الكبرياء متصلة في وجودها و حياتها و علمها و قدرتها و سمعها و بصرها و إرادتها و حبّها و سائر صفاتها و أفعالها،بما لا يناهي بهاء و سناء و جمالا و جلالا و كمالا من الوجود و الحياة و العلم و القدرة و غيرها من كل كمال) (2).

و قال صدر المتألهين في شرح أصول الكافي(شرح الحديث العاشر):

(إعلم أنّ العلم بالأشياء الجزئية علي وجهين:

أحدهما:أن يعلم الأشياء من الأشياء،بحسّ أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد، و مثل هذا العلم لا يكون إلاّ متغيّرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط،فإنّه يلزم أنّ يعلم في زمان وجودها علما،و قبل وجودها علما آخر،ثم بعده علما آخر.

فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما،كالكسوف مثلا حين وجوده يجيب بجواب فيقول مثلا:إنكسفت الشمس،و إذا سئل عنه قبل حدوثه يجيب بجواب آخر فيقول:سيكون الكسوف،ثم إذا سئل بعده فيقول:قد كان الكسوف.فعلمه بشيء واحد تارة كان و تارة كائن و تارة سيكون،فيتغيّر علمه.

و مثل هذا العلم الإنفعالي متغيّر فاسد ليس بيقين إذ العلم اليقيني ما لا يتغيّر أصلا.

و ثانيهما:أن لا يعلم الأشياء من الأشياء؛بل يعلم بمبادئها و أسبابها،فيعلم أوائل الوجودي.

ص: 110


1- عيون مسائل النفس:519.
2- تفسير الميزان:171/6-172 مورد آية 105 من المائدة-البحث الروائي.

و ثوانيها،و هكذا إلي أن ينتهي إلي الجزئيات،علما واحدا و عقلا بسيطا محيطا بكليات الأشياء، و جزئياتها علي وجه عقلي غير متغيّر،فمن عرف المبدأ الأوّل بصفاته اللاّزمة و عرف أنّه مبدأ كل وجود و فاعل كل فيض وجود عرف أوائل الموجودات عنه،و ما يتولّد عنها علي الترتيب السببي و المسبّبي،كما يتولد مراتب العدد من الواحد علي الترتيب،و ما من شيء من الأشياء يوجد إلاّ و قد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه و سبب سببه إلي أن ينتهي إليه تعالي.فتكون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدّي إلي أن يوجد عنها الأمور الجزئية) (1).

فتحصل:أنّ العلم الحصولي الكسبي علم بظواهر الأشياء و جزئياتها من طريق نفس الأشياء يتغير و لا يفيد اليقين،و هذا العلم يتنزّه عنه الأولياء فضلا عن آل محمّد عليهم السّلام.

و إنّ العلم الشهودي الحضوري علم بواقع الأشياء و أسبابها-و الذي يغني عن العلم بجزئياتها- و إنّه هو علم الأولياء فضلا عن أولي الأمر من آل محمّد عليهم السّلام.

و آثار هذا العلم إضافة إلي أنّها شهودية لعين الواقع و صقع الأمر،أنّه يؤهّل العالم به أن يطّلع علي أسرار الكون و الملكوت،و يعطيه الأهلية لقدرة التصرّف فيه،منتظرا منح القدرة من اللّه العزيز المتعال.

قال الإمام الغزالي بعد تعريف الوحي و الإلهام و العلم الحاصل منهما:(و العلم الحاصل عن الوحي يسمّي علما نبويا،و الذي يحصل عن الإلهام يسمّي علما لدنيا،و العلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس و بين الباري،و إنّما هو كالضوء من سراج الغيب يقع علي قلب صاف فارغ لطيف،و ذلك أنّ العلوم كلّها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولي،الذي هو في الجواهر المفارقة الأوّلية المحضة بالنسبة إلي العقل الأوّل كنسبة حواء إلي آدم عليه السّلام.

و قد بيّن أنّ العقل الكلي أشرف و أكمل و أقوي و أقرب إلي الباري تعالي من النفس الكليّة، و النفس الكليّة أعزّ و ألطف و أشرف من سائر المخلوقات،فمن إفاضة العقل الكلّي يتولّد الإلهام(كذا -و الصحيح الوحي)و من إشراق النفس الكليّة يتولّد الإلهام،فالوحي حلية الأنبياء،و الإلهام زينة الأولياء (2).

و قال القسطلاني:و العلم اللدني الرحماني هو ثمرة العبودية و المتابعة لهذا النبي الكريم عليه أزكي الصلاة و أتمّ التسليم،و به يحصل الفهم في الكتاب و السنّة بأمر يختص به صاحبه،كما قال علي بن أبي طالب عليه السّلام و قد سئل:هل خصّكم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بشيء دون الناس؟5.

ص: 111


1- شرح أصول الكافي:206 ط.الرحلي.
2- رسائل الإمام الغزالي-الرسالة اللدنية:70/3 ط دار الكتب العلمية،و راجع جامع الأسرار:449 ح 905.

فقال:«لا،إلاّ فهما يؤتيه اللّه عبدا في كتابه» (1).

و قال الفيض الكاشاني:و ليعلم أنّ علوم الأئمّة عليهم السّلام ليست إجتهادية و لا سمعية أخذوها من جهة الحواس،بل لدنية أخذوها من اللّه سبحانه ببركة متابعة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (2).

***

الاحتمال الثالث العلم الإرادي

الإحتمال الثالث:أنّ علم آل محمد عليهم السّلام علم إرادي.

و يراد به أنّ علم آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم متوقفا علي إرادتهم لهذا العلم متي احتاجوا إليه،و هذا ليس علما كسبيا لأنّه لا يحتاج إلي التكسّب،و ليس علما للأشياء من الأشياء،انّما هو علم منوط بإرادة و مشيئة كل إمام،و هذا هو فرقه عن العلم اللدني إذ ليس علم الإمام حاضرا في كل آن آن.

و يدل علي هذا الإحتمال عدّة روايات:

منها ما عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّ الإمام عليه السّلام إذا شاء أن يعلم أعلم» (3).

و في رواية:«إذا شاء أن يعلم علم» (4).

و في ثالثة عن عمّار الساباطي:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإمام يعلم الغيب؟

فقال:«لا،و لكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه اللّه ذلك» (5).

و نحوها ذلك من الروايات (6).

و قد تقدّم روايات:«قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه فإذا شاء شئنا» (7).

الخالية عن باب العلم.

***

ص: 112


1- المواهب اللدنية:493/2 في وجوب محبته و اتباع سنّته-الفصل الأول،و الحديث في المحجّة البيضاء: 43/5.
2- الأصول الأصيلة:30-31 الأصل الثاني-وصل-.
3- أصول الكافي:258/1 باب أنّهم إذا شاؤوا اعلموا ح 2.
4- بصائر الدرجات:315 باب أنّه إن شاء علم ح 2.
5- الكافي:257/1 ح 4 باب نادر في الغيب،و بصائر الدرجات:315 ح 4،و بحار الأنوار:57/26 ح 119.
6- بحار الأنوار:56/26-57 ح 116 و ما بعده.
7- الهداية الكبري:359 باب 14.

تمحيص الإحتمالات

اشارة

أمّا الإحتمال الأوّل:فأولا يكفي لسقوطه معارضة الإحتمال الثاني و الثالث له بل و نفيه.

ثانيا:تقدّم في الدليل العقلي أنّ العلم الكسبي لا يليق بالإمام المعصوم المفترض الطاعة،بل قد يعد نقصا،و ذلك لعدم إفادته اليقين القطعي.

ثالثا:لا يتناسب مع حالات آل محمد المختلفة زمانا و مكانا،ذلك انّ العلم الكسبي يحتاج إلي الزمان و المكان،بل هو خاضع في كثرته و قلّته لهما،فالزمان الذي قضاه أمير المؤمنين في التعلّم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو من القرآن أكثر من الزمان الذي قضاه الحسن و الحسين عليه السّلام،و هكذا في باقي الأئمّة عليهم السّلام،و المسألة أوضح في خاتم الأئمّة الحجّة القائم عليه السّلام.

فروايات الازدياد أن كان المراد منها زيادة التكسّب،فإنّها تجعل التفاوت بين علم النبي و الأئمّة عليهم السّلام أو هم فيما بينهم،و تقدّم انّهم سواء.

علي أنّ ذلك ينافي أصل علم الأئمة عليهم السّلام حيث أنّ بعض الأئمة-علي الأقل-كان منذ صغره يعلم علم ما كان و ما يكون،كمّا روي عن حذيفة قال:سمعت الحسين بن علي عليه السّلام يقول:«و اللّه ليجتمعن علي قتلي طغاة بني أمية و يقدمهم عمر بن سعد،و ذلك في حياة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم».

فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال عليه السّلام:«لا».

قال:فأتيت النبي فأخبرته.

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علمي علمه و علمه علمي،لأنّا نعلم الكائن قبل كينونته» (1).

و الروايات كثيرة في ذلك يأتي بعضها.

و عليه:فروايات الإزدياد لا بدّ أن تفسّر:

إمّا بأن الإمام يريد أن يبيّن ارتباطه باللّه أو بالعرش-علي حسب لسانها-و إن علمه من علم اللّه تعالي.

و إمّا يريد عليه السّلام أن يخبر عن حالاته الغيبية مع اللّه تعالي و لقائه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عن عروجه إلي العرش.

و إمّا كون الإمام في مجلس لا يستطيع أن يصرّح بأكثر من ذلك إمّا للتقية و إمّا لتفاوت أصحابه -كما يأتي توضيحه-.

هذا،و يمكن من بعض ألسنتها جعلها دليلا علي العلم اللدني،و ذلك أن الازدياد يرجع في

ص: 113


1- بحار الأنوار:186/44.

الواقع إلي العطاء المباشر من اللّه تعالي،خاصة في الرواية التي عبرت عن العلم المستفاد«بالعلم الخاص المكنون العجيب».

نعم تبقي مسألة تكرار العروج إلي اللّه للازدياد و أنه كل ليلة جمعة،الذي ظاهره التعلم التدريجي،و لكن يجاب عنه بما تقدم أنه للتأكيد علي ارتباط آل محمد عليهم السّلام بالعرش و أنّ علمهم من اللّه تعالي مباشرة.

علي أنّه لو صحّ لكان غير مضر،لأنّ العروج و إن كان ظاهره التدرج،إلاّ أنه في النهاية علم من اللّه تعالي و علم اللّه ليس كسبيا.

و أما روايات أمير المؤمنين عليه السّلام:«علّمني رسول اللّه ألف باب»فإنها كانت في مقام تبيين أنّه أعلم من الخلفاء،و أنّه أقرب منهم إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان يغذّيه بالعلم.

و إمّا تحمل علي عدم تحمّل الناس لأكثر من ذلك،خاصة و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مع كل هذه التصريحات و أنّ علمه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ادّعوا له الربوبية.

هذا و يمكن تفسير هذه الروايات لتدلّ علي العلم اللدني أيضا،و إليه أشار الإمام الغزالي؛ قال:(و قال أمير المؤمنين عليه السّلام«إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم و فتح لي من كل باب ألف باب».

و هذه المرتبة لا تنال بمجرّد التعلّم،بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوّة العلم اللدني،و كذا قال عليه السّلام لما حكي عن عهد موسي عليه السّلام أنّ شرح كتابه كان أربعين حملا:«لو أذن اللّه تعالي و رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لأشرح في شرح الفاتحة حتي يبلغ أربعين وقرا».

قال:و هذه الكثرة و السعة و الإفتتاح في العلم لا يكون إلاّ من لدن إلهي سماوي) (1).

خاصة بعد ملاحظة أنّه ورد الحديث و من طرق بلفظ:«علّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّا حرفا يفتح ألف حرف كل حرف منها يفتح ألف حرف» (2).

و في رواية:«علّم رسول اللّه عليا كلمة تفتح ألف كلمة» (3).

فهذا يدل علي أنه ليس حصوليا.

أمّا الإحتمال الثالث:فإنّه يكفي ما تقدّم من أدلّة في الإحتمال الثاني لردّه أو تأويله و ذلك:

أنّ آل محمّد عليهم السّلام و بسبب الغلوّ فيهم أو بسبب الحفاظ علي شيعتهم،لم يكونوا يصرّحون بكلم.

ص: 114


1- مجموعة رسائل الغزالي-الرسالة اللدنية:70/3-71 و فيه تفاوت بسيط مع المتن،و الطرائف:136/1 ح 215 و اللفظ له،و سعد السعود:284(ذيل الكتاب).
2- الاختصاص:285/12 جهات علومهم.
3- الاختصاص:285/12 جهات علومهم.

العلوم التي كانوا يعلمونها إلاّ في المجالس الخاصة،كما تقدّم عن الإمام الصادق عليه السّلام عندما قال:

«علينا عين».

فقلنا:ليس علينا عين.

فقال:«و ربّ الكعبة و ربّ البنية لو كنت بين الخضر و موسي لأخبرتهما أنّي أعلم منهما و لأنبّئهما بما ليس في أيديهما» (1).

و في رواية طويلة تقدّم طرفها قال فيها الإمام الصادق عليه السّلام:«يا عجبا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب،ما يعلم الغيب إلاّ اللّه،لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي فما علمت في أي بيوت الدار هي».

قال سدير:فلما أن قام عن مجلسه صار في منزله و أعلمت،دخلت أنا و أبو بصير و ميسر و قلنا له:جعلنا اللّه فداك سمعناك أنت تقول كذا و كذا في أمر خادمتك،و نحن نزعم أنّك تعلم علما كثيرا،و لا ننسبك إلي علم الغيب (2).

و في رواية قال عليه السّلام:«إنّي لأعلم ما في السموات و ما في الأرض،و أعلم ما في الجنّة و أعلم ما في النار،و أعلم ما كان و ما يكون».

قال:ثم مكث هنيئة فرأي أنّ ذلك كبر علي من سمعه منه.

فقال:«علمت ذلك من كتاب اللّه» (3).

و نحو ذلك من الروايات كثير (4).

هذا و يكمن أن يقال:أنّ روايات توقّف علم الإمام علي المشيئة ترجع إلي الإحتمال الثاني أيضا،لأنّها ليست في صدد نفي العلم اللدني للإمام و لا سلب العلم عن الإمام في بعض الأزمنة، إنّما هي بصدد تبيين غزارة علمهم و إنّه لا يخفي عليهم شيء في السموات و الأرض،و إنّهم يعلمون كل شيء متي أرادوا.

و إن شئت قلت:آل محمد في عيش دائم مع اللّه،و إرادتهم دوما مع اللّه تعالي،و لا تفكّر إلاّ باللّه و آياته و عباداته،فلابدّ للإمام أن لا يخرج عن هذا العيش إلاّ للضرورة-كما تقدّم-فإذا احتاج إلي علم ما لحلّ خصومة أو نحو ذلك استدعي علمه المخزون بإرادته و مشيئته.

و هذا لا يستلزم النقص،لأنّه إنّما غاب عن هذه العلوم(علوم تصريف الأمور)للإنشغال بعلومت.

ص: 115


1- الكافي:261/1 ح 1 باب أنّهم يعلمون ما يكون.
2- بصائر الدرجات:230 ح 5.
3- الكافي:261/1 ح،و بصائر الدرجات:128.
4- راجع بصائر الدرجات:128 باب علمهم بما في السموات.

أفضل و أشرف،لأنّ عيش الإمام مع اللّه هو التفكّر في آياته و علم اللّه و العلم بصفاته و أسمائه،و هذا أشرف العلوم و أكملها.

و عليه:فهذا تفصيل بين علمين للإمام:علم لا ينفك عن الإمام،و هو العلم الشريف باللّه و بآياته،و ليس مربوطا بالإرادة بل إرادة الإمام كلّها متّجهة لهذا العلم تستدعيه في كل آن آن،و تعيشه لحظة بعد أخري.

و علم لا يرتبط بهذا الأمر،بل يرتبط بتصريف أمور الملك و الخلافة لعامة الناس،فإنّ هذا العلم يستدعيه الإمام وقت الحاجة،و هو المتوقف علي الإرادة بهذا المعني.

علي أنّ توقّف علم الإمام علي الإرادة إذا فسّر بما لا يرجع للعلم اللدني،فإنّه يستلزم النقص علي الإمام،لأنّه في حالة عدم إرادته للعلم يكون جاهلا و العياذ باللّه،و يكون غيره في تلك الفترة أعلم منه،و لو بالنسبة،فتأمل.

أو لا أقل يوجب عدم الكمال،ذلك لما تقدّم من أدلة عقلية علي العلم اللدني و أنه أكمل للإمام و أقرب للّطف.

***

شبهات حول العلم اللدني

أعترض علي العلم اللدني لآل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ببعض الآيات و الروايات.

أمّا الآيات،فبقوله تعالي:

1- وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحي إِلَيَّ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ (1)لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ (2).

2- سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسي إِلاّ ما شاءَ اللّهُ (3).

3- وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَي النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ (4).

ص: 116


1- سورة الأنعام،الآية:59،و سورة الأعراف،الآية:188،و سورة الأنعام،الآية:50،و سورة النمل، الآية:65.
2- سورة يونس،الآية:39.
3- سورة الأعلي،الآية:6.
4- سورة التوبة،الآية:101.

4- ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ (1).

5- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحي إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (2).

6- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (3)وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضي إِلَيْكَ وَحْيُهُ (4).

و من الروايات:

1-ما تقدّم من قول الإمام الصادق عليه السّلام:يا عجبا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب.و نحوها من الروايات النافية للغيب.

2-ما ورد في سهو النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و نومه عن صلاة الصبح.

3-ما ورد في إقدامهم علي القتل و شرب السم.

4-ما ورد في نفي الغلو عنهم و تقريع القائل به.

5-ما ورد في أفعال الأئمة الظاهرية كبقية الناس.

***

ردّ الشبهات
أمّا الآيات:

فيجاب عن الجميع أوّلا:بأنّ هناك كثير من الآيات القرآنية نزلت من باب(إيّاك أعني و اسمعي يا جارة)سواء التي ذكرت في باب العلم كالمتقدّم منها،أم التي وردت في مختلف المواضيع،و إليك نموذجا منها:

قوله تعالي: إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلي هُديً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (5).

و نقطع أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وحده علي الهدي و الكفّار علي الضلال،كما بيّنته كثير من الآيات.

إلا أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أراد مجاراة الكفار لمصلحة ما.

و قوله تعالي: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ (6).

و لا يشك مؤمن أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يدري ما يفعل به بل الآيات الاخري مصرّحة بذلك،و نحن ندري ما يفعل بهم أيضا.

ص: 117


1- سورة الشوري،الآية:52.
2- سورة الكهف،الآية:110،و سورة فصلت،الآية:6.
3- سورة القيامة،الآية:16.
4- سورة طه،الآية:114.
5- سورة سبأ،الآية:24.
6- سورة الأحقاف،الآية:9.

و قوله تعالي: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ (1).

و لا يتوهّم مسلم أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم شك في يوم من الأيام،و أين قوله تعالي: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ (2).

ثانيا:فرق بين النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بين آل محمّد عليهم السّلام و ذلك لكون زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم زمن تأسيس الإسلام و تركيز دعائمه الأساسية و هم قريبوا عهد بالجاهلية،و يدل عليه ما روي عن الإمام الكاظم عليه السّلام قال:«إنّ علي بن الحسين عليه السّلام كان يقرأ القرآن فربّما مرّ المار فصعق من حسن صوته،و إنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس».

قيل له:ألم يكن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟.

فقال عليه السّلام:«إنّ رسول اللّه كان يتحمّل من خلفه ما يطيقونه» (3).

و رواه الكليني بسند آخر (4).

*و يجاب عن الآيات الاولي النافية لعلم الغيب:بأنّه لا يراد إثبات علم الغيب لآل محمّد عليهم السّلام بالإستقلال أو بعرض علم اللّه تعالي الغيبي،فإنّ المنفي من الآيات هو علم الغيب الذي يكون بعرض علم اللّه تعالي،لذا قال تعالي: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ (5).

و قال: لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ (6).

فالآيات لا تنفي أن يمنح و يمنّ اللّه عزّ و جلّ بعلمه كلّه أو بعضه علي من يشاء كيفما يشاء و أينما يشاء،انّما هي تنفي الغيب الذي يؤدّي بصاحبه إلي الألوهية أو الشريك لله.

و سوف يأتي زيادة توضيح عند ذكر الآيات الدالة علي علم للنبي الاعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للغيب.

*و يجاب عن الآية الثانية:أنّها عامّة لكل الناس إنّما خوطب النبي بها لأنّه القاريء الأوّل للقرآن،و المعنيّ بمسألة القرآن أكثر من غيره،و إلاّ فرسول اللّه مطهّر من هذه النواقص بآية التطهير.

علي أنّ الآية تثبت عدم نسيان النبي للقرآن،و الإستثناء ليس إثبات لنسيانه إنّما هو لبقاء قدرة اللّه علي إطلاقها،نظير قوله تعالي في أهل الجنة: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (7).8.

ص: 118


1- سورة يونس،الآية:94.
2- سورة الفتح،الآية:28.
3- بحار الأنوار:69/46 عن الاحتجاج.
4- الكافي:615/2 باب ترتيل القرآن ح 4.
5- سورة الجن،الآية:26-27.
6- سورة يونس،الآية:39.
7- سورة هود،الآية:108.

*و يجاب عن الآية الثالثة:بحملها علي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالاستقلال لا يعلم المنافقين،فاللّه يريد أن ينفي علم النبي بالمنافقين بعرض علمه تعالي،أمّا أنّ اللّه أعلمه بأسمائهم فالآية لا تنفيه،بل هو مثبت بآيات أخري و أحاديث متعدّدة،و كيف لا يعلم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالمنافقين،و كان يعلم خبر السماء و الأرض؟!

و كيف لا يعلمهم و كان بعض صحابته يعلمهم كما هو معروف عن حذيفة (1)؟!

هذا إضافة إلي تصريح أهل البيت عليهم السّلام بعلمهم التفصيلي للمنافقين ظاهرهم و باطنهم (2).

و معلوم أنّ ما علمه الأئمة عليهم السّلام علمه الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالأولوية و قد تقدم قريبا أنّ علمه علمهم عليهم السّلام.

*و يجاب عن الآية الرابعة:بأنها واضحة في إرادة التفريق بين حالتين؛الحالة الأولي قبل إعطاء اللّه الروح الأمرية،و الحالة الثانية بعد هذا العطاء،لذا جاء قوله تعالي: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا قبل هذه الآية.

نعم الآية لا تشير إلي زمن إعطائه الروح الآمرية قبل النبوّة أم بعدها و تقدّم مفصلا أنّها قبل النبوّة،بل في عالم الأنوار و الأظلّة.

و يجاب عن الآية الخامسة:أنها متعلّقة بقول الكافرين: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ فكأنّ الكفّار حاولوا أن يعتذروا من الإيمان بأننا لا نفهم ما تقول،فجاء الجواب:إنّما أنا بشر،أتكلّم بنفس الكلام الذي تتكلّمون فيه و بنفس المنطق،و ما أخبركم به ليس من عندي إنّما هو من عند اللّه تعالي.

و كونه بشرا لا ينافي اعطاءه العلم اللدني،لذا كان أمير المؤمنين يصرّح بذلك فيقول:«أنا بشر مثلكم أجري اللّه علي يدي المعاجز» (3).

*و يجاب عن الآية السادسة:بما فسّرها الإمام الباقر عليه السّلام بقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ فالذي أبداه فهو للناس كافّة،و الذي لم يحرّك به لسانا أمر اللّه تعالي أن يخصّنا به دون غيرنا،فلذلك كان يناجي به أخاه عليّا دون أصحابه» (4).

فتكون الآية مؤيدة للعلم اللدني لا نافية له.

قال الشيخ الطبرسي في الآية:لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كرّرها عليهم ليتقرر فير.

ص: 119


1- الغدير:60/5،و كنز العمال:160/13 ح 36492.
2- الكافي:223/1 باب أنّهم ورثوا النبي ح 1.
3- الفضائل لابن شاذان:72.
4- دلائل الإمامة:105 معجزات الإمام الباقر.

قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلّة،ألهاهم حبّ العاجلة فاحتاجوا إلي زيادة تنبيه و تقرير (1).

علي أنّ الآية ظاهرة في علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للقرآن قبل تعليم جبرائيل له،كما تقدم في آية: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضي إِلَيْكَ وَحْيُهُ (2).

أمّا الروايات:

فالرواية الأولي و أمثالها النافية لعلمهم للغيب واضحة أنّها كانت تريد أن ترد علي الغلاة،فهم ينفون الغيب المساوق للغلو،لا علم الغيب الذي يكون من اللّه تعالي.

علي أنّ الروايات هذه تحمل-كما تقدّم-علي اختلاف مستوي الصحابة،فلم يكونوا يستطيعون التصريح بكل ما يعلمون،و قد تقدّم توضيح ذلك قريبا.

-أمّا الطائفة الثانية:و هي روايات نسيان النبي و نومه عن صلاة الصبح،فردها من أمور:

أولا:أنّ هذه الروايات و إن كان بعضها مرضي السند،إلاّ أنّ القطع بصحّتها مشكل،مع ما ورد من طوائف من الروايات تؤكد عصمة آل محمّد عن الخطأ،و تثبت لهم العلم بكل الأحكام الشرعية،و أنّ علمهم سواء فيه،و لا تستثني النسيان لمصلحة ما،كالتعليم و عدم الغلو و ما شابه ذلك من أسباب النسيان.

ثانيا:إثبات النسيان للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو لآل محمّد عليهم السّلام ينافي مضمون آية التطهير و آية: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي فمن أثبت النسيان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقد أثبته علي الوحي الموحي إليه من اللّه تعالي بنصّ هذه الآية.

ثالثا:إثبات النسيان أو ترك الصلاة الواجبة فيه نوع شين و نقص عند العرف العام و الخاص، فأهل الصلاة في كل عصر و مكان إذا ناموا عن صلاة الصبح يعتبرون أنفسهم مذنبين مقصّرين، و يستغفروا اللّه و يعتبروا أنّ الشيطان بال في آذانهم-كما في بعض الروايات- (3).

و إذا سئل البعض يحاول إخفاء هذا الأمر حياء لما فيه من المنقصة و المهانة بترك الواجب، و هذا شيء مسلّم،و من ينكر ذلك فعليه أن يجرّب و ينام عن صلاته ثم يعرضها أمام الناس.

فكيف يريدونا أن نتعقّل ذلك في نبيّنا نبيّ الهدي و آل بيته الأطهار المصطفين الأخيار.

و لمن أراد مزيد بيان فليراجع رسالة الشيخ المفيد(قده)في عدم سهو النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).

ص: 120


1- مجمع البيان:603/10 مورد الآية-القيامة:16.
2- سورة طه،الآية:114.
3- رشفة الصادي:302 الخاتمة(بتحقيقنا).
4- رسالة في عدم سهو النبي:17/10 من مصنّفات الشيخ المفيد.

رابعا:إنّ اثبات السهو أو الإسهاء يبطل نبوّة النبي الأعظم و إمامة الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام،ذلك أنّ النبي و الإمام يجب أن يكون أفضل و أعلم الموجودين في كل أمر و في طيلة نبوّته و إمامته،و لو وجد من هو أفضل منه للحظة واحدة؛لوجب عقلا و شرعا أن يكون هو النبي و الإمام دونه.و عليه فإذا ثبت السهو علي النبي و الإمام عليه السّلام فانّه في تلك الفترة الزمنية غيره أفضل منه في صلاته مثلا، لعدم صدق السهو في حقّه.

إن قيل:المعتبر في الأفضلية علي نحو المجموع.

قلنا:إن تعقلنا ذلك في غير المعصوم،فإنا لا نحتمله فيه عليه السّلام؛ذلك لما حققناه مفصلا في النص علي أمير المؤمنين عليه السّلام (1)،من أنّ الأفضل أفضل في كل شيء؛ففي العلم يجب أن يكون أعلم الناس،و في الفقه أفقه الناس،و في السياسة أسيس الناس،و في القضاء أقضي الناس،و هكذا في بقية صفات التفاضل،كما تقدم مفصلا.

*و قد سمعت من بعض مراجع التقليد أنّه كان يتوقّف في استمرار مرجعيته علي الناس فيما لو دخل في الغيبوبة أو الإغماء المتعمّد منه كمرحلة العلاج،و غير المتعمّد.مع أنّ العرف قد يتساهل في هذه اللحظات.

خامسا:مسألة الإسهاء و هي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا يسهو،و لكن اللّه بقدرته أسهاه،فهي و إن كانت أقل محذور من السهو،إلاّ أنّها أيضا بالنتيجة تؤدي لأن يكون النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نام عن صلاته الواجبة، و احتاج إلي من يذكّره في صلاته.

علي أنّ اللّه عزّت آلاؤه كيف يتعقّل أنّه من أجل نفي الغلو عن النبي أو من أجل مصلحة التشريع،يفرض علي نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم المختار أفضل المخلوقين ترك واجب يورث عليه النقص أو لا أقل عدم الكمال،و يعدّ عند الناس من المعاصي الكبيرة،و هل يعبد اللّه من حيث يعصي!؟

سادسا:إنّ الإمام لا يحتاج إلي أحد،بل كل الناس محتاجة إليه،سواء في الامور الدينية أم الدنيوية،أمّا الدينية فلوضوح اشتراط الإخلاص في الأعمال العبادية خاصّة من آل محمّد عليهم السّلام،و قد حكم البعض ببطلان الوضوء إذا كان بمساعدة الغير.

و أمّا الدنيوية فللنهي الوارد من أهل البيت عليهم السّلام في الإعتماد علي غير اللّه،لأنّ الإستعانة بالغير في الامور الدنيوية تنافي التوكّل علي اللّه من أئمّة المسلمين.

علي أنّ الحاجة للناس تجعل صاحب الحاجة مفضولا في مقابل الفاعل.

و قد أنّب اللّه نبيّه يوسف عليه السّلام عندما قال لرفيق سجنه: اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ (2)أي سيّدك.2.

ص: 121


1- كما تقدم في المجلد الثالث في تاريخه عليه السلام.
2- سورة يوسف،الآية:42.

هذا و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّ عندنا ما لا نحتاج إلي الناس و إنّ الناس ليحتاجون إلينا» (1).

و عليه فإذا قلنا بسهو أو إسهاء النبي و الإمام لاحتاجا إلي من يذكّرهما بصلاتهما و أفعالهما، و لذهب الوثوق بصحة صلاتهما،لاحتمال أنّ كل صلاة يؤدينها يحتمل فيها السهو و الغلط،و كفي بذلك منقصة أو عدم كمال.

سابعا:أنّه وردت روايات كثيرة أنّ الإمام لا يسهو و لا ينسي،كالمروي عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:و الإمام المستحق للإمامة له علامات:فمنها أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها و كبيرها لا يزل في الفتيا،و لا يخطئ في الجواب و لا يسهو و لا ينسي» (2).

ثامنا:إثبات السهو علي الإمام يعني عدم علم الإمام بما يأتي به،و هو ينافي ما تقدّم و ما يأتي من سعة علمه و شموله لكل شيء،و ما ورد من روايات تثبت السهو لا تقوم في مقابل تلك الروايات المستفيضة.

-أمّا الرواية الثالثة:و هي روايات إقدامهم علي القتل و تناول السمّ،و هذا لا ينافي علمهم اللدني،إذ وردت طائفة من الروايات تثبت علمهم الإجمالي و التفصيلي بموتهم (3)،و سوف نذكر بعضها في الخاتمة.

بل هو يؤكّد علمهم اللدني،نعم يبقي محذور إقدامهم مع العلم،و جوابه الإجمالي أنّهم كانوا يخيّرون بين البقاء في عالم المادة و الهداية،و بين العروج إلي القرب المطلق من اللّه.

و إن شئت قلت:بين الصعود و النزول،فكانوا يختارون العروج و الصعود إلي القرب المطلق، لأنّه أقرب إلي واقعهم و حالاتهم.

و لك أن تدّعي أنّ مهمّة الإمام المعصوم كانت هداية البشر-و تقدّم أنّ سبب نزولهم إلي عالم المادّة هو ذلك-،فلما انتهت مهمّة هذا الإمام إمّا بانتهاء مرحلته و إمّا لفسح المجال أمام الإمام اللاحق،ليكمل مهمّته و يعود إلي حيث أتي.

علي أن الموت قد خطّ علي ولد آدم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة،فلا محال سوف تأتي5.

ص: 122


1- الكافي:242/1 ح 6 باب ذكر الصحيفة و الجفر.
2- بحار الأنوار:164/25 باب جامع في صفات الإمام من كتاب الإمامة:ح 32.
3- أصول الكافي:260/1-258،و بصائر الدرجات:481-484،و بحار الأنوار:236/48-242 و: 136/25.

اللحظة لانتقال الإمام من حياته الدنيوية،إنّما الخلاف في زمانها،فيكون الإمام المعصوم و لتلطف اللّه به قد أعطي إختيار زمان العروج.

و سوف يأتي تفصيل الكلام في علم الإمام المعصوم بموته عليه السّلام ورد الشبهات فلا تغفل.

-أمّا الرواية الرابعة:و هي نفي الغلو و تقريع صاحبه،فهي تجري مجري الرواية الأولي،إذ من الطبيعي أن تكثر الرواية ضد من يدّعي الربوبية لآل محمّد عليهم السّلام،و العلم اللدني ليس فيه ادعاء الربوبية،بل إنّما قال به من قال لتنزيه آل محمد عن النقص،مع اعترافه أنّهم عباد اللّه تعالي،و أنّه هو الذي أعطاهم هذا العلم الرباني.

-أمّا الرواية الخامسة:و هي روايات تعاملهم مع الناس كأنّهم منهم،فهذا من باب تواضعهم مع الناس،و من باب عدم ادعاء الربوبية لهم أيضا.

علي أنّ بعض التصرّفات كانت واردة مورد التقيّة،أو لاختلاف مستوي صحابتهم كما تقدّم مرارا.

***

الملوك و الحكام الذين عاصرهم

اشارة

الإمام الباقر و مناظراته معهم

كان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبد الملك و ملك سليمان بن عبد الملك و عمر بن عبد العزيز و يزيد بن عبد الملك و هشام بن عبد الملك و توفّي في ملكه (1).

و هم أربعة من أبناء عبد الملك و عمر بن عبد العزيز زوج ابنته.

إضافة للعلماء من مختلف الأديان الذين عاصرهم،و كانوا يترددون عليه و يستفيدون من علمه و حكمته و حكمه،و بعضهم من اليهود و النصاري و كانوا كثيرا ما يسلمون علي يديه.

هذا إضافة إلي مناظراته صلوات اللّه عليه لأصحاب الديانات و المذاهب المختلفة كما سوف تعرف.

و سوف نذكر أيضا مناظرات أصحابه رضوان اللّه عليهم مع المخالفين و أصحاب الآراء و الديانات المختلفة.

***

ص: 123


1- البحار:212/46 ح 1،و أعلام الوري:259.

مناظرات محمد بن علي الباقر و احتجاجاته عليه السّلام

عن الحسن العباس بن الحريش (1)عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بينا أبي عليه السّلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر (2)قد قيض له فقطع عليه أسبوعه (3)حتي أدخله إلي دار جنب الصفا،فأرسل الي فكنا ثلاثة فقال:مرحبا يا ابن رسول اللّه ثم وضع يده علي رأسي و قال بارك اللّه فيك يا أمين اللّه بعد أبائه يا أبا جعفر ان شئت فأخبرني و إن شئت فأخبرتك و إن شئت سلني و إن شئت سألتك و إن شئت فأصدقني و إن شئت صدقتك؟

قال:كل ذلك أشاء.

قال:فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال:إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه و أنّ اللّه عز و جل أبي أن يكون له علم فيه اختلاف قال:هذه مسألتي و قد فسّرت طرفا منها.أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف،من يعلمه؟

قال:أما جملة العلم فعند اللّه جل ذكره،و أمّا ما لا بد للعباد منه فعند الأوصياء.

قال:ففتح الرجل عجيرته (4)و استوي جالسا و تهلل وجهه،و قال:هذه أردت و لها أتيت زعمت أنّ علم ما لا إختلاف فيه من العلم عند الأوصياء،فكيف يعلمونه؟

قال:كما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يري،لأنّه كان نبيا و هم محدّثون،و أنه كان يفد إلي اللّه عز و جل فيسمع الوحي و هم لا يسمعون،فقال:صدقت يا ابن رسول اللّه سآتيك بمسألة صعبة.أخبرني عن هذا العلم ماله لا يظهر؟كما كان يظهر مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:فضحك أبي عليه السّلام و قال:أبي اللّه عز و جل أن يطلع علي علمه إلا ممتحنا للإيمان به كما قضي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يصبر علي أذي قومه،و لا يجاهدهم،إلا بأمره،فكم من اكتتام قد اكتتم به حتي قيل له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (5).

و أيم اللّه أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا،و لكنه إنما نظر في الطاعة،و خاف الخلاف فلذلك كف،فوددت أنّ عينك تكون مع مهدي هذه الأمّة،و الملائكة بسيوف آل داود بين السماء و الارض تعذب أرواح الكفرة من الأموات،و تلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.

ص: 124


1- بالحاء المهملة المفتوحة و الراء المهملة المكسورة و الياء المثناة من تحت الساكنة و الشين المعجمة و قيل هو مصغر علي وزن زبير.
2- الاعتجار التنقب ببعض العمامة.و قيض له أي جيء به من حيث لا يحتسب.
3- قطع أسبوعه أي طوافه.
4- أي اعتجاره أو طرف العمامة الذي اعتجر به،و التهلل:الاضاءة و التلالؤ بالسرور.
5- سورة الحجر،الآية:94.

ثم أخرج سيفا ثم قال:ها إن هذا منها.

قال:فقال:أبي إي و الذي اصطفي محمدا علي البشر.

قال:فردّ الرجل اعتجاره و قال:أنا إلياس،ما سألتك عن أمرك و بي منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك و سأخبرك بآية أنت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا.

قال:فقال له أبي:إن شئت أخبرتك بها؟

قال:قد شئت.

قال:إنّ شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا:إنّ اللّه عز و جل يقول لرسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلي آخرها-فهل كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يعلم من العلم-شيئا لا يعلمه-في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل عليه السّلام في غيرها؟فإنهم سيقولون:لا،فقل لهم:فهل كان لما علم بد من أن يظهر؟فيقولون:لا،فقل لهم:فهل كان فيما أظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من علم اللّه عزّ ذكره اختلاف؟ فإن قالوا:لا،فقل لهم:فمن حكم بحكم اللّه فيه اختلاف فهل خالف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟فيقولون:

نعم-فإن قالوا:لا،فقد نقضوا أول كلامهم-فقل لهم:ما يعلم تأويله إلا اللّه و الراسخون في العلم.فإن قالوا:من الراسخون في العلم؟فقل:من لا يختلف في علمه،فإن قالوا فمن هو ذاك؟

فقل:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صاحب ذلك،فهل بلّغ أو لا؟فإن قالوا:قد بلغ فقل:فهل مات صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟فإن قالوا:لا،فقل:إنّ خليفة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مؤيد و لا يستخلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلا من يحكم بحكمه و إلا من يكون مثله إلا النبوّة،و إن كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.

فإن قالوا لك فإن علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان من القرآن فقل: حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ ، إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيها... إلي قوله-: إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ (1).

فإن قالوا لك:لا يرسل اللّه عز و جل إلا إلي نبي فقل:هذا الامر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة و الروح التي تنزل من سماء إلي سماء،أو من سماء إلي أرض؟فإن قالوا:من سماء إلي سماء،فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلي معصية،فإن قالوا:من سماء إلي أرض- و أهل الارض أحوج الخلق إلي ذلك-فقل:فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا:فإنّ الخليفة هو حكمهم فقل: اَللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النُّورِ -إلي قوله- خالِدُونَ (2).

لعمري ما في الارض و لا في السماء ولي للّه عز ذكره إلا و هو مؤيد،و من أيد لم يخط،و ما8.

ص: 125


1- سورة الدخان،الآية:2،4.
2- سورة البقرة،الآية:258.

في الارض عدو للّه عز ذكره إلا و هو مخذول،و من خذل لم يصب،كما أن الامر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الارض،كذلك لا بد من وال،فإن قالوا:لا نعرف هذا فقل لهم:قولوا ما أحببتم،أبي اللّه عز و جل بعد محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يترك العباد و لا حجة عليهم.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ثم وقف فقال:ههنا يابن رسول اللّه باب غامض أرأيت إن قالوا:

حجة اللّه:القرآن؟

قال:إذن أقول لهم:إنّ القرآن ليس بناطق يأمر و ينهي،و لكن للقرآن أهل يأمرون و ينهون، و أقول:قد عرضت لبعض أهل الارض مصيبة ما هي في السنة و الحكم الذي ليس فيه اختلاف، و ليست في القرآن،أبي اللّه لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الارض،و ليس في حكمه راد لها و مفرج عن أهلها.فقال:ههنا تفلجون يابن رسول اللّه،أشهد أن اللّه عز ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الارض أو في أنفسهم من الدين أو غيره،فوضع القرآن دليلا قال:فقال الرجل:هل تدري يا ابن رسول اللّه دليل ما هو؟

قال أبو جعفر عليه السّلام:نعم فيه جمل الحدود،و تفسيرها عند الحكم فقال:أبي اللّه أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال:فقال الرجل:أمّا في هذا الباب فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم علي اللّه فيقول:ليس للّه جل ذكره حجة و لكن أخبرني عن تفسير لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلي ما فاتَكُمْ ؟مما خص به علي عليه السّلام وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (1).

قال:في أبي فلان و أصحابه واحدة مقدمة و واحدة مؤخرة لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلي ما فاتَكُمْ مما خص به علي عليه السّلام وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال الرجل:أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل و ذهب فلم أره (2).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت جالسا في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبل رجل فسلم فقال:

من أنت يا عبد اللّه؟

قلت:رجل من أهل الكوفة،فقلت:ما حاجتك فقال لي:أتعرف أبا جعفر محمد بن علي عليه السّلام؟

فقلت:نعم فما حاجتك إليه قال:هيّأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته و ما كان من باطل تركته.1.

ص: 126


1- سورة الحديد،الآية:23.
2- الكافي-الشيخ الكليني:242/1.

قال أبو حمزة:فقلت له:هل تعرف ما بين الحق و الباطل؟

قال:نعم،فقلت له:فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل فقال لي:يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون إذا رأيت أبا جعفر عليه السّلام فأخبرني،فما انقطع كلامي معه حتي أقبل أبو جعفر عليه السّلام و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضي حتي جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه.

قال أبو حمزة:فجلست حيث أسمع الكلام و حوله عالم من الناس فلما قضي حوائجهم و انصرفوا إلتفت إلي الرجل فقال له:من أنت؟

قال:أنا قتادة بن دعامة البصري فقال له أبو جعفر عليه السّلام:أنت فقيه أهل البصرة؟

قال:نعم،فقال له أبو جعفر عليه السّلام:ويحك يا قتادة إنّ اللّه جل و عز خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا علي خلقه فهم أوتاد في أرضه،قوام بأمره،نجباء في علمه،اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه.

قال:فسكت قتادة طويلا ثم قال:أصلحك اللّه و اللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك قال له أبو جعفر عليه السّلام:ويحك أتدري أين أنت أنت بين يدي بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و إقام الصلوة و إيتاء الزكاة فأنت ثم و نحن أولئك.

فقال له قتادة:صدقت و اللّه جعلني اللّه فداك و اللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين.

قال قتادة:فأخبرني عن الجبن قال:فتبسّم أبو جعفر عليه السّلام ثم قال:رجعت مسائلك إلي هذا؟

قال:ضلت علي،فقال:لا بأس به،فقال:إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت قال:ليس بها بأس إنّ الأنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم إنما تخرج من بين فرث و دم،ثم قال:

و إنّما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة،فقال قتادة:لا،و لا آمر بأكلها فقال له أبو جعفر عليه السّلام:و لم؟فقال:لأنها من الميتة.

قال له فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟

قال:نعم.

قال:فما حرم عليك البيضة و حلل لك الدجاجة،ثم قال عليه السّلام:فكذلك الانفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين و لا تسأل عنه،إلا أن يأتيك من يخبرك عنه (1).6.

ص: 127


1- الكافي-الشيخ الكليني:256/6.

و عن محمد بن سليمان الديلمي،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه.

قال:دخل عبد اللّه بن قيس الماصر علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:أخبرني عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟فقال له أبو جعفر عليه السّلام:لا أخبرك.فخرج من عنده فلقي بعض الشيعة،فقال له:

العجب لكم يا معشر الشيعة توليتم هذا الرجل و أطعتموه فلو دعاكم إلي عبادته لأجبتموه و قد سألته عن مسألة فما كان عنده فيها شي.

فلما كان من قابل دخل عليه أيضا فسأله عنها،فقال:لا اخبرك بها.فقال عبد اللّه بن قيس لرجل من أصحابه:إنطلق إلي الشيعة فاصحبهم و أظهر عندهم موالاتك إياهم و لعنتي و التبري مني، فإذا كان وقت الحج فأتني حتي أدفع إليك ما تحتج به،و اسألهم أن يدخلوك علي محمد بن علي، فإذا صرت إليه فاسأله عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟

فانطلق الرجل إلي الشيعة فكان معهم إلي وقت الموسم فنظر إلي دين القوم فقبله بقبوله،و كتم ابن قيس أمره مخافة أن يحرم الحج.

فلما كان وقت الحج أتاه فأعطاه حجة و خرج،فلما صار بالمدينة قال له أصحابه:تخلف في المنزل حتي نذكرك له و نسأله ليأذن لك.

فلما صاروا إلي أبي جعفر عليه السّلام قال لهما:أين صاحبكم؟ما أنصفتموه.

قالوا:لم نعلم ما يوافق من ذلك فأمر بعض من يأتيه به،فلما دخل علي أبي جعفر عليه السّلام قال له:مرحبا كيف رأيت ما أنت فيه اليوم مما كنت فيه قبل؟فقال:يا ابن رسول اللّه لم أكن في شي، فقال:صدقت أما إن عبادتك يومئذ كانت أخف عليك من عبادتك اليوم لانّ الحق ثقيل و الشيطان موكل بشيعتنا،لانّ سائر الناس قد كفوه أنفسهم،إني سأخبرك بما قال لك ابن قيس الماصر قبل أن تسألني عنه و أصير الأمر في تعريفه إياه إليك إن شئت أخبرته و إن شئت لم تخبره،إن اللّه عزّ و جلّ خلق خلاقين،فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْري (1)فعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة،فإذا تمت له أربعة أشهر،قالوا يا رب تخلق ماذا؟فيأمرهم بما يريد من ذكر أو أنثي،أبيض أو أسود،فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا،ذكرا أو أنثي،فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة.

فقال الرجل:يا ابن رسول اللّه لا باللّه لا أخبر ابن قيس الماصر بهذا أبدا فقال:ذاك إليك (2).

***4.

ص: 128


1- سورة طه،الآية:55.
2- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:304/64.

ذكر الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان

روي أبو الحسن اليشكري،عن عمرو بن العلا،عن يونس النحوي اللغوي،قال:حضرت مجلس الخليل بن أحمد العروضي قال:حضرت مجلس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان و قد اسحنفر في سب علي و اثعنجر في ثلبه إذ خرج عليه أعرابي علي ناقة له و ذفراها يسيلان لإغذاذ السير دما،فلما رآه الوليد-لعنه اللّه-في منظرته قال:ائذنوا لهذا الاعرابي فإني أراه قد قصدنا،و جاء الأعرابي فعقل ناقته بطرف زمامها،ثم أذن له فدخل،فأورده قصيدة لم يسمع السامعون مثلها جودة قط،إلي أن انتهي إلي قوله:

و لمّا أن رأيت الدهر ألي علي ولح في إضعاف حالي

و فدت إليك أبغي حسن عقبي أسد بها خصاصات العيال

و قائلة إلي من قد رآه يؤم و من يرجي للمعالي

فقلت إلي الوليد أزم قصدا وقاه اللّه من غير الليالي

هو الليث الهصور شديد بأس هو السيف المجرد للقتال

خليفة ربنا الداعي علينا و ذو المجد التليد أخو الكمال

قال:فقبل مدحته و أجزل عطيته،و قال له:يا أخا العرب قد قبلنا مدحتك و أجزلنا صلتك، فاهج لنا عليا أبا تراب.

فوثب الأعرابي يتهافت قطعا و يزأر حنقا و يشمذر شفقا،و قال:و اللّه إنّ الذي عنيته بالهجاء لهو أحق منك بالمديح،و أنت أولي منه بالهجاء،فقال له جلساؤه:اسكت نزحك اللّه.

قال:علام ترجوني؟و بم تبشروني؟و لما أبديت سقطا،و لا قلت شططا،و لا ذهبت غلطا، علي أنني فضلت عليه من هو أولي بالفضل منه،علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه،الذي تجلبب بالوقار،و نبذ الشنار و عاف العار،و عمد الإنصاف،و أبد الأوصاف و حصن الأطراف،و تألف الأشراف،و أزال الشكوك في اللّه بشرح ما استودعه الرسول من مكنون العلم الذي نزل به الناموس وحيا من ربه و لم يفتر طرفا،و لم يصمت ألفا،و لم ينطق خلفا،الذي شرفه فوق شرفه،و سلفه في الجاهلية أكرم من سلفه،لا تعرف الماديات في الجاهلية إلا بهم،و لا الفضل إلا فيهم،صفة من اصطفاه اللّه و اختارها.فلا يغتر الجاهل بأنه قعد عن الخلافة بمثابرة من ثابر عليها،و جالد بها و السلال المارقة،و الاعوان الظالمة،و لئن قلتم ذلك كذلك إنما استحقّها بالسبق.

تالله ما لكم الحجة في ذلك،هلا سبق صاحبكم إلي المواضع الصعبة،و المنازل الشعبة و المعارك المرة،كما سبق إليها علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه،الذي لم يكن بالقبعة و لا

ص: 129

الهبعة،و لا مضطغنا آل اللّه،و لا منافقا رسول اللّه.كان يدرؤ عن الإسلام كل أصبوحة و يذب عنه كل أمسية،و يلج بنفسه في الليل الديجور المظلم الحلكوك،مرصدا للعدو.هو ذل تارة و تضكضك أخري.

و يا رب لزبة آتية قسية و أوان آن أرونان قذف بنفسه في لهوات و شيجة،و عليه زغفة ابن عمّه الفضفاضة،و بيده خطيّة عليها سنان لهذم،فبرز عمرو بن ود القرم الأود،و الخصم الألدّ،و الفارس الأشد،علي فرس عنجوج،كأنما نجر نجره باليلنجوج،فضرب قونسه ضربة قنع منها عنقه،أو نسيتم عمرو بن معدي كرب الزبيدي إذ أقبل يسحب ذلاذل درعه،مدلا بنفسه،قد زحزح الناس عن أماكنهم و نهضهم عن مواضعهم،ينادي أين المبارزون يمينا و شمالا؟فانقض عليه كسوذنيق أو كصيخودة منجنيق،فوقصه وقص القطام بحجره الحمام،و أتي به إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كالبعير الشارد، يقاد كرها و عينه تدمع،و أنفه ترمع،و قلبه يجزع.

هذا و كم له من يوم عصيب برز فيه إلي المشركين بنية صادقة،و برز غيره و هو أكشف أميل أجم أعزل،ألا و إني مخبركم بخبر علي أنه مني بأوباش كالمراطة بين لغموط و حجابه و فقامه و مغذمر و مهزمر،حملت به شوهاء شهواء في أقصي مهيلها،فأتت به محضا بحتا،و كلهم أهون علي علي من سعدانة بغل،أفمثل هذا يستحق الهجاء،و عزمه الحاذق،و قوله الصادق،و سيفه الفالق، و إنما يستحق الهجاء من سامه إليه،و أخذ الخلافة،و أزالها عن الوارثة،و صاحبها ينظر إلي فيئه، و كأن الشبادع تسلبه،حتي إذا لعب بها فريق بعد فريق،و خريق بعد خريق،اقتصروا علي ضراعة الوهز،و كثرة الأبز،و لو ردّوه إلي سمت الطريق و المرت البسيط،و التامور العزيز،ألفوه قائما، واضعا الأشياء في مواضعها،لكنهم انتهزوا الفرصة،و اقتحموا الغصة،و باؤا بالحسرة.

قال:فاربدّ وجه الوليد و تغير لونه،و غص بريقه،و شرق بعبرته،كأنما فقئ في عينه حب المض الحاذق،فأشار عليه بعض جلسائه بالإنصراف و هو لا يشك أنه مقتول به،فخرج فوجد بعض الأعراب الداخلين،فقال له:هل لك أن تأخذ خلعتي الصفراء و آخذ خلعتك السوداء و أجعل لك بعض الجائزة حظا؟

ففعل الرجل و خرج الأعرابي فاستوي علي راحلته،و غاص في صحرائه،و توغل في بيدائه، و اعتقل الرجل الآخر فضرب عنقه،و جيئ به إلي الوليد،فقال:ليس هو هذا بل صاحبنا،و أنفذ الخيل السراع في طلبه فلحقوه بعد لاي،فلما أحس بهم أدخل يده إلي كنانته يخرج سهما سهما يقتل به فارسا،إلي أن قتل من القوم أربعين و انهزم الباقون،فجاؤا إلي الوليد فأخبروه بذلك، فأغمي عليه يوما و ليلة أجمع قالوا:ما تجد؟

قال:أجد علي قلبي غمّة كالجبل من فوت هذا الأعرابي فلله دره (1).4.

ص: 130


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:323/64.

بين الإمام الباقر عليه السّلام و جابر

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أبي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري:إنّ لي إليك حاجة فمتي يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟

فقال له جابر:أيّ الأوقات أحببته،فخلا به في بعض الأيّام فقال له:يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة عليها السّلام بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللوح مكتوب؟

فقال جابر:أشهد باللّه أنّي دخلت علي أمّك فاطمة عليها السّلام في حياة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فهنّيتها بولادة الحسين و رأيت في يديها لوحا أخضر،ظننت أنّه من زمرّد و رأيت فيه كتابا أبيض،شبه لون الشمس،فقلت لها:بأبي و أمّي يا بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما هذا اللوح؟

فقالت:هذا لوح أهداه اللّه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيه إسم أبي و إسم بعلي و إسم ابنيّ و اسم الأوصياء من ولدي و أعطانيه أبي ليبشّرني بذلك.

قال جابر:فأعطتنيه أمّك فاطمة عليها السّلام فقرأته و استنسخته،فقال له أبي:فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟

قال:نعم،فمشي معه أبي إلي منزل جابر فأخرج صحيفة من رق،فقال:يا جابر انظر في كتابك (1)لأقرأ[أنا]عليك،فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا،فقال جابر:

فأشهد باللّه أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوبا:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نبيّه و نوره و سفيره و حجابه و دليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين،عظّم يا محمد أسمائي و اشكر نعمائي و لا تجحد آلائي،إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا قاصم الجبارين و مديل المظلومين و ديان الدين إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا،فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي،عذّبته عذابا لا أعذّب به أحدا من العالمين فإيّاي فاعبد،و عليّ فتوكّل.

إنّي لم أبعث نبيا فأكملت أيّامه و انقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّا و إنّي فضّلتك علي الأنبياء و فضّلت وصيّك علي الأوصياء و أكرمتك بشبليك و سبطيك حسن و حسين،فجعلت حسنا معدن علمي

ص: 131


1- قوله«يا جابر انظر في كتابك»قالوا:إنه قد كف بصره في آخر عمره و مات سنة 74 و روي أنه كان في زيارة الأربعين مكفوفا و كان ملاقاة الباقر عليه السّلام له بعد ذلك قطعا حين انتقل جابر من الكوفة إلي المدينة آخر عمره و توفي بالمدينة و لا ريب أنّ هذا الخبر ضعيف إسنادا و لكن لا ينحصر رواية جابر في هذا الإسناد كما يأتي إن شاء اللّه و ليس فيه شيء ينكر.

بعد انقضاء مدّة أبيه،و جعلت حسينا خازن وحيي و أكرمته بالشهادة و ختمت له بالسعادة.فهو أفضل من استشهد و أرفع الشهداء درجة،جعلت كلمتي التامّة معه و حجتي البالغة عنده،بعترته أثيب و أعاقب،أوّلهم علي سيد العابدين و زين أوليائي الماضين و ابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي و المعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر،الرّاد عليه كالراد عليّ،حق القول مني لاكرمنّ مثوي جعفر و لاسرّنه في أشياعه و أنصاره و أوليائه،أتيحت (1)بعده موسي فتنة عمياء حندس (2)لأنّ خيط فرضي لا ينقطع و حجّتي لا تخفي و أنّ أوليائي يسقون بالكأس الأوفي،من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي،و من غيّر آية من كتابي فقد افتري عليّ،ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة موسي عبدي و حبيبي و خيرتي في علي ولييّ و ناصري و من أضع عليه أعباء النبوة و امتحنه بالإضطلاع بها،يقتله عفريت مستكبر،يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلي جنب شرّ خلقي،حقّ القول مني لاسرّنّه بمحمد ابنه و خليفته من بعده و وارث علمه،فهو معدن علمي و موضع سري و حجّتي علي خلقي،لا يؤمن عبد به إلاّ جعلت الجنّة مثواه و شفّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار،و أختم بالسعادة لابنه علي وليي و ناصري و الشاهد في خلقي و أميني علي وحيي،أخرج منه الداعي إلي سبيلي و الخازن لعلمي الحسن و أكمل ذلك بابنه«م ح م د»رحمة للعالمين،عليه كمال موسي و بهاء عيسي و صبر أيوب فيذل أوليائي في زمانه و تتهادي رؤوسهم كما تتهادي رؤوس الترك و الدّيلم فيقتلون و يحرقون و يكونون خائفين،مرعوبين و جلين،تصبغ الأرض بدمائهم و يفشوا الويل و الرّنّة في نسائهم أولئك أوليائي حقا،بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس و بهم أكشف الزّلازل و أدفع الآصار و الأغلال أولئك عليهم صلوات من ربّهم و رحمة و أولئك هم المهتدون (3).

***

بين هشام بن الحكم و الديصاني

عن محمّد بن إسحاق قال:إنّ عبد اللّه الديصانيّ سأل هشام بن الحكم فقال له:ألك ربّ؟ فقال:بلي،قال أقادر هو؟

قال:نعم قادر قاهر.

قال:يقدر أن يدخل الدّنيا كلّها البيضة لا تكبر البيضة و لا تصغر الدّنيا؟

قال هشام:النظرة فقال له:قد أنظرتك حولا،ثمّ خرج عنه،فركب هشام إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام فاستأذن عليه فأذن له:فقال له:يا ابن رسول اللّه أتاني عبد اللّه الديصانيّ بمسألة ليس

ص: 132


1- في الإمامة و التبصرة:106،أنتجبت،و في كمال الدين:انتحبت،و في بعض المصادر:أبيحت.
2- الحندس:الظلمة الشديدة،لسان العرب:58/6.
3- شرح أصول الكافي:363/7،و الاختصاص:212.

المعوّل فيها إلاّ علي اللّه و عليك،فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:عمّا ذا سألك؟فقال:قال لي كيت و كيت،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا هشام كم حواسّك؟

قال:خمس.

قال:أيّها أصغر؟

قال:الناظر.

قال:و كم قدر الناظر؟

قال:مثل العدسة أو أقلّ منها فقال له:يا هشام!فانظر أمامك و فوقك و أخبرني بما تري، فقال:أري سماء و أرضا و دورا و قصورا و براري و جبالا و أنهارا،فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ الّذي يدخل الذي تراه العدسة أو أقلّ منه قادر أن يدخل الدّنيا كلها البيضة لا تصغر الدّنيا و لا تكبر البيضة.

فأكبّ هشام عليه و قبّل يديه و رأسه و رجليه و قال:حسبي يا ابن رسول اللّه و انصرف إلي منزله.

و غدا عليه الديصانيّ فقال له:يا هشام إنّي جئتك مسلّما و لم أجئك متقاضيا للجواب فقال له هشام:

إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب.فخرج الديصاني عنه حتّي أتي باب أبي عبد اللّه عليه السّلام فاستأذن عليه فأذن له فلمّا قعد قال له؟يا جعفر بن محمد!دلّني علي معبودي؟

فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما اسمك؟فخرج عنه و لم يخبره فقال له أصحابه:كيف لم تخبره باسمك؟

قال:لو كنت قلت له عبد اللّه كان يقول:من هذا الّذي أنت له عبد،فقالوا:له عد إليه و قل له:يدلك علي معبودك و لا يسألك عن اسمك،فرجع إليه فقال له:يا جعفر بن محمّد دلّني علي معبودي و لا تسألني عن اسمي؟

فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:إجلس،و إذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:ناولني يا غلام البيضة فناوله إيّاها فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا ديصاني،هذا حصن مكنون له جلد غليظ و تحت الجلد الغليظ جلد رقيق و تحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة و فضّة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة و لا الفضّة الذائبة تختلط بالذّهبة المائعة فهي علي حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها و لا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدري للذكر خلقت أم للأنثي،تنفلق عن مثل ألوأن الطواويس،أتري لها مدبّرا؟

قال:فأطرق مليّا ثمّ قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و أنّك إمام و حجّة من اللّه علي خلقه و أنا تائب ممّا كنت فيه (1).5.

ص: 133


1- الكافي:80/1 ح 74 و البحار:32/3 ح 5.

بين الإمام الباقر عليه السّلام و هشام بن عبد الملك

عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه الزهري قال:حجّ هشام بن عبد الملك،فدخل المسجد الحرام متكئا علي يد سالم مولاه،و محمّد بن علي بن حسين جالس في المسجد،فقال:يا أمير المؤمنين هذا محمّد بن علي بن حسين.

فقال له هشام:المفتون به أهل العراق؟

فقال:نعم.

قال له:اذهب إليه فقل له:يقول لك أمير المؤمنين:ما الذي يأكل الناس و يشربون إلي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

فقال له محمد:يحشر الناس علي مثل قرصة النقي (1)فيها الأنهار مفجرة،فرأي هشام أنه قد ظفر به،فقال:اللّه أكبر،إذهب إليه فقل له:ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ،ففعل.

فقال له محمّد بن علي:قل له:هم في النار أشغل،و لم يشغلوا أن قالوا: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ.

قال:فظهر عليه محمّد بن علي (2).

***

بين الإمام الباقر و هشام

و روي السيّد ابن طاووس رحمه اللّه في كتاب أمان الأخطار مسندا إلي الصادق عليه السّلام قال:حجّ هشام بن عبد الملك و كان قد حجّ تلك السنة محمّد بن علي الباقر و ابنه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام فقال جعفر بن محمّد:الحمد للّه الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا و أكرمنا به فنحن صفوة اللّه علي خلقه و خيرته من عباده و خلفاؤه،فالسعيد من اتّبعنا و الشقيّ من عادانا و خالفنا.

فسمعه مسلمة أخو هشام فأخبر هشام فلمّا انصرف إلي دمشق أرسل إلي عالم المدينة بإشخاص أبي و إشخاصي،فلمّا وردنا دمشق حجبنا ثلاثا ثمّ أذن لنا فدخلنا و هو علي سرير الملك و جنده و خواصّه وقوف علي أرجلهم سماطان متسلّحان و قد نصب الغرض حذاه و أشياخ قومه يرمون فقال:يا محمّد إرم مع أشياخ قومك،فقال أبي:قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني.

فقال:لا أعفيك ثمّ أومي إلي شيخ من بني أميّة:أعطه قوسك فأعطاه،و أخذ منه سهما و رمي

ص: 134


1- النقي:الخبز الحواري(النهاية لابن الأثير).
2- سير أعلام النبلاء:405/4،و روضة الواعظين:203،و تاريخ دمشق:279/54.

وسط الغرض فنصبه فيه ثمّ رمي فيه الثانية فشقّ فواق سهمه إلي نصله ثمّ تابع الرمي حتّي شقّ تسعة أسهم بعضا في جوف بعض و هشام يضطرب في مجلسه فقال:أجدت يا أبا جعفر و أنت أرمي العرب و العجم.

ثمّ أدركته ندامة علي ما قال فهمّ بأبي و أطرق إلي الأرض يتروّي و أنا و أبي واقف حذاه فلمّا طال وقوفنا غضب أبي و كان إذا غضب نظر إلي السماء نظر غضبان يري الناظر الغضب في وجهه، فلمّا نظر هشام إلي ذلك من أبي قال:إليّ يا محمّد.

فصعد أبي السرير و أنا أتبعه فقام إليه و اعتنقه و أقعده عن يمينه ثمّ اعتنقني و أقعدني عن يمين أبي ثمّ قال:يا محمّد لا تزال العرب و العجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك للّه درّك من علّمك هذا الرمي و في كم تعلّمته؟

فقال أبي:قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيّام حداثتي ثمّ تركته فلمّا أراد منّي أمير المؤمنين ذلك عدت فيه.

فقال له:ما رأيت مثل هذا الرمي قط منذ عقلت و ما ظننت أنّ أحدا في الأرض مثل هذا الرمي أيرمي جعفر مثل رميك؟

فقال:إنّا نحن نتوارث الكمال و التمام اللذين أنزلهما اللّه علي نبيّه في قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي (1)و الأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها.

فانقلبت عين هشام الحولاء و احمرّ وجهه و كان ذلك علامة غضبه ثمّ أطرق هنيهة و رفع رأسه فقال لأبي:ألسنا بنوا عبد مناف نسبنا و نسبكم واحد؟

فقال أبي:نحن كذلك و لكنّ اللّه خصّنا من مكنون سرّه و خالص علمه بما لم يخصّ به أحدا به غيرنا.

فقال:أليس اللّه جلّ ثناؤه بعث محمّدا إلي كافّة الخلق فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم من العلم؟

فقال:من قوله تعالي: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ (2)الذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا أمره اللّه أن يخصّنا به فلذلك ناجي عليّا من دون أصحابه فأنزل اللّه بذلك: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (3)فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:سألت اللّه أن يجعلها أذنك يا علي،فلذلك قال علي بالكوفة:علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم2.

ص: 135


1- سورة المائدة،الآية:3.
2- سورة القيامة،الآية:16.
3- سورة الحاقة،الآية:12.

ألف باب من العلم ففتح كلّ باب ألف باب فكما خصّ اللّه نبيّه عليه السّلام خصّ نبيّه أخاه عليّا من مكنون سرّه فتوارثناه من دون أهلنا.

فقال هشام:إنّ عليّا كان يدّعي علم الغيب و اللّه لم يطلع علي غيبه أحدا فمن أين ادّعي ذلك؟

فقال أبي:إنّ اللّه جلّ ذكره أنزل علي رسوله كتابا بيّن فيه ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة في قوله تعالي: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و في قوله: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (1)و في قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (2)و أوحي اللّه إلي نبيّه أن لا يبقي في غيبه و سرّه و مكنون علمه شيئا إلاّ يناجي به عليّا و أمره أن يؤلف القرآن من بعده و يتولّي تجهيز موته و قال لأصحابه:عليّ بن أبي طالب يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله و لم يكن عند أحد تأويل القرآن بتمامه إلاّ عند عليّ و لذلك قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أقضاكم عليّ يعني قاضيكم.و قال عمر:لولا عليّ لهلك عمر.

فأطرق هشام طويلا ثمّ رفع رأسه فقال:سل حاجتك.

فقال:خلّفت أهلي و عيالي مستوحشين لخروجي.

فقال:قد آنس اللّه وحشتهم برجوعك إليهم و لا تقم أكثر من يومك فنهض أبي و نهضت معه و خرجنا إلي بابه؛إذا ميدان ببابه و في آخر الميدان أناس قعود،عدد كثير فقال أبي:من هؤلاء؟

قيل:القسيسون و الرهبان و هذا عالم لهم يقعد لهم في كلّ سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم فلفّ أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه و فعلت أنا مثل أبي فأقبل حتي قعد نحوهم و رفع ذلك الخبر إلي هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي،فأقبل عدد من المسلمين أحاطوا بنا و أقبل عالم النصاري قد شدّ حاجبيه بخرقة صفراء حتّي توسطنا فقام إليه جميع القسيسين و الرهبان مسلّمين عليه فجاء إلي صدر المجلس و قعد فيه و أحاط به أصحابه و أبي و أنا بينهم فأدار نظره ثمّ قال:أمنّا أم من هذه الامّة المرحومة.

فقال:من الامّة المرحومة؟

فقال:أمن علمائها أم من جهّالها؟

فقال:لست من جهّالها فاضطرب اضطرابا شديدا ثمّ قال له:أسألك قال أبي:سل.

فقال:من أين ادّعيتم أنّ أهل الجنّة يطعمون و يشربون و لا يحدثون و لا يبولون و ما الدليل فيما تدّعونه من شاهد لا يجهل.

فقال أبي:الجنين في بطن أمّه يطعم و لا يحدث فاضطرب النصراني فقال:هلاّ زعمت أنّك لست من علمائها؟8.

ص: 136


1- سورة يس،الآية:12.
2- سورة الأنعام،الآية:38.

فقال له أبي:و لا من جهّالها.

فقال:أسألك عن مسألة أخري.

فقال أبي:سل.

فقال:من أين ادّعيتم أنّ فاكهة الجنّة أبدا غضّة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنّة و ما الدليل عليه من مشاهد لا يجهل؟

فقال له أبي:دليل ما ندّعي أنّ سراجنا أبدا يكون غضّا طريّا موجود غير معدوم عند جميع أهل الدّنيا لا ينقطع فاضطرب اضطرابا شديدا.

فقال له:أسألك عن مسألة فقال له:سل.

فقال:أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل و لا من ساعات النهار؟

فقال له أبي:هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلي و يرقد فيها الساهر و يفيق المغمي عليه جعلها اللّه في الدّنيا رغبة للرّاغبين و في الآخرة للعاملين.

فصاح النصراني صيحة فقال:بقيت مسألة واحدة لا يهتدي إلي الجواب عنها أبدا قال له أبي:

سل.

فقال:أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة و عمر الآخرة مائة و خمسون سنة في دار الدّنيا.

فقال له أبي:ذلك عزير و عزيرة ولدا في يوم واحد فلمّا بلغا مبلغ الرّجال خمسة و عشرين عاما مرّ عزير راكبا علي حماره علي قرية بإنطاكية و هي خاوية علي عروشها فقال:أنّي يحيي هذه اللّه بعد موتها و قد كان اصطفاه و هداه فلمّا كان قال ذلك القول غضب اللّه عليه فأماته مائة عام سخطا عليه بما قال ثمّ بعثه علي حماره بعينه و طعامه و شرابه و عاد إلي داره و عزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه و بعث إليه ولد عزيرة و ولد ولده و قد شاخوا و عزير شاب في سنّ خمس و عشرين سنة فلم يزل عزير يذكّر أخاه و ولده و هم يذكرون ما يذكّرهم و يقولون:ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون و الشهور حتّي تعارفا.

فقال:يا عزيرة أنا عزير سخط اللّه عليّ فأماتني مائة سنة ثمّ بعثني لنزداد بذلك يقينا إنّ اللّه علي كلّ شيء قدير و ها هو هذا حماري و طعامي و شرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده اللّه تعالي كما كان،فعندها أيقنوا فأعاشه اللّه بينهم خمس و عشرين سنة ثمّ قبضه اللّه و أخاه في يوم واحد فنهض عالم النصاري عند ذلك قائما و قام النصاري علي أرجلهم.

فقال لهم عالمهم:جئتموني بأعلم منّي و أقعدتموه معكم حتّي هتكني و فضحني و أعلم المسلمين بأنّ لهم من أحاط بعلومنا و عنده ما ليس عندنا لا و اللّه لا كلّمتكم من رأسي كلمة واحدة و لا قعدت لكم إن عشت سنة فتفرّقوا و أبي قاعد مكانه.

ص: 137

و رفع الخبر إلي هشام فأمرنا أن ننصرف إلي المدينة من ساعتنا،لأنّ الناس ماجوا و خاضوا فيما دار بين أبي و بين عالم النصاري فركبنا و قد سبقنا بريد من هشام إلي عامل المدينة علي طريقنا إنّ ابني أبي تراب الساحرين محمّد بن علي و جعفر بن محمّد الكذّابين فيما يظهران من الإسلام مالا إلي الرهبان من النصاري و مرقا من الإسلام إلي الكفر فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي فناد في الناس برئت الذمّة ممّن يشاريهما أو يبايعهما أو يسلّم عليهما فإنّهما ارتدّا عن الإسلام.

فورد البريد (1)إلي مدينة مدين (2)فلمّا شارفناها قدّم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا و يشروا لدوابنا علفا و لنا طعاما فأغلقوا الباب في وجوهنا و شتمونا و قالوا:أنتم مرتدّون فكلّمهم أبي و قال لهم:إتّقوا اللّه فلسنا كما بلغكم إفتحوا الباب في وجوهنا و بايعونا كما تبايعون الكفّار،فقالوا:و لا كرامة لكم حتّي تموتوا علي ظهور دوابّكم جياعا.

فصعد أبي الجبل المطلّ علي مدينة مدين ينظرون إليه ما يصنع فلمّا صار في أعلاه استقبل المدينة و وضع إصبعيه في أذنيه ثمّ نادي بأعلي صوته وَ إِلي مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ إلي قوله: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (3).

نحن و اللّه بقيّة اللّه في أرضه.

فأمر اللّه ريحا سوداء مظلمة فهبّت و احتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرّجال و النساء فصعدوا السطوح و صعد فيهم شيخ من أهل مدين فنظر إلي أبي علي الجبل فنادي بأعلي صوته:اتّقوا اللّه يا أهل مدين فإنّه وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السّلام حين دعي علي قومه فإن أنتم لم تفتحوا الباب جاءكم من اللّه العذاب ففزعوا و فتحوا الباب و أنزلونا.

و كتب جميع ذلك إلي هشام فكتب هشام إلي عامل مدين بقتل الشيخ فقتله و كتب إلي عامل6.

ص: 138


1- قال الزمخشري في الفائق:البريد الرسول و يجمع علي برد بضم الباء و الراء،و قد تسكن الراء للتخفيف كرسل و رسل و البريد في الأصل البغل و هي كلمة فارسية أصلها بريده دم أي محذوفة الذنب لأنّ بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فاعربت و خففت بحذف الآخر و فتح الأول ثم سمي الرسول الذي يركبه بريد أو المسافة التي بين السكتين بريدا،و السكة الموضع الذي كان يسكنه الفيوح المرتبون من رباط أوقبة أو بيت أو نحو ذلك و بعد ما بين السكتين فرسخان و كان يرتب في كل سكة بغال و كتب في الحاشية:قيل و الصواب أربعة فراسخ،و نقل هذا القول صاحب النهاية أيضا.
2- قيل:هي قرية شعيب النبيّ،قيل:منها إلي الشام ثلاثة منازل،و قال علي بن إبراهيم:هي قرية علي طريق الشام.
3- سورة هود،الآية:86.

مدينة الرسول أن يحتال في سمّ أبي في طعام أو شراب فمضي هشام و لم يتهيّأ في أبي من ذلك شيء (1).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و زيد بن الحسن

في الخرائج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و يقول:أنا من ولد الحسن و أولي بذلك لأنّي من ولد الأكبر فقاسمني ميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فخاصمه إلي القاضي إلي أن قال:فقال أبي:يا زيد إنّ معك سكّينة قد أخفيتها أرأيتك أن نطقت هذه السكّينة فشهدت أنّي أولي بالحقّ منك فتكفّ؟

قال:نعم،و حلف له فقال أبي:أيّتها السكّينة إنطقي بإذن اللّه فوثبت السكّينة من يد زيد علي الأرض ثمّ قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ منك و لئن لم تكفّ لأقتلنّك فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقام ثمّ قال:يا زيد إن نطقت الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟

قال:نعم،فنطقت الصخرة و قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أولي بالأمر منك فكفّ عنه و إلاّ قتلتك،فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقامه ثمّ قال:يا زيد أرأيت إن نطقت هذه الشجرة أتكفّ.

قال:نعم،فدعي أبي الشجرة فأقبلت تخدّ الأرض حتي أظلّتهم،ثمّ قال:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ بالأمر منك فكفّ عنه و إلا قتلتك،فغشي علي زيد فأقامه أبي و انصرفت الشجرة إلي موضعها فحلف زيد أن لا يتعرّض لأبي و لا يخاصمه.

و خرج زيد من يومه إلي عبد الملك و قال:أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه و قصّ ما رأي و كتب عبد الملك إلي عامل المدينة أن ابعث إليّ محمّد بن عليّ مقيّدا و قال لزيد:أرأيتك إن ولّيتك قتله قتلته؟

قال:نعم،فلمّا انتهي الكتاب إلي العامل أجاب أنّ الرجل الذي أردته ليس علي وجه الأرض أعفّ منه و لا أزهد و لا أورع و كرهت لأمير المؤمنين التعرّض له،فلمّا ورد الكتاب علي عبد الملك سرّ بما أنهي إليه الوالي و علم أنّه قد نصحه فدعي بزيد بن الحسن فأقرأه الكتاب فقال:أعطاه و أرضاه فقال عبد الملك:فهل تعرف أمرا غير هذا؟

قال:نعم عنده سلاح رسول اللّه و سيفه و درعه و خاتمه و عصاه و تركته فاكتب إليه فيه فإن هو لم

ص: 139


1- البحار:312/46،و مدينة المعاجز:76/5.

يبعث به وجدت إلي قتله سبيلا،فكتب عبد الملك إلي العامل أن احمل إلي محمّد بن علي ألف ألف درهم وليعطك ما عنده من ميراث رسول اللّه،فأتي العامل منزل أبي فأقرأه الكتاب فقال:

أجّلني أيّاما.

قال:نعم،فهيّأ أبي متاعا ثمّ حمله و دفعه إلي العامل فبعث به إلي عبد الملك و سرّ به سرورا شديدا فأرسل إلي زيد فعرض عليه فقال زيد:و اللّه ما بعث إليك من متاع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قليلا و لا كثيرا،فكتب عبد الملك إلي أبي:أنّك أخذت مالنا و لم ترسل إلينا بما طلبنا فكتب إليه أبي:إنّي قد بعثت إليك بما قد رأيت،فصدّقه عبد الملك و أهل الشام و قالوا:هذا متاع رسول اللّه ثمّ أخذ زيدا و قيّده و بعث به و قال:لو لا أنّي أريد أن لا أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك،و كتب إلي أبي:بعثت إليك بابن عمّك فأحسن أدبه،فلمّا أتي به قال له أبي:ويحك يا زيد ما أعظم ما تأتي به.

و قال:إنّ عبد الملك بعث إلي الباقر عليه السّلام سرجا مسموما فركب عليه و نزل متورّما فأمر بأكفان له و مات بعد ثلاثة أيّام و ذلك السرج عند آل محمّد معلّق (1).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و سعد بن عبد الملك

في الإختصاص عن أبي حمزة قال:دخل سعد بن عبد الملك-و كان أبو جعفر عليه السّلام يسمّيه سعد الخير و هو من ولد عبد العزيز بن مروان-علي أبي جعفر عليه السّلام فبينا هو ينشج كما تنشج النساء قال له أبو جعفر عليه السّلام:ما يبكيك يا سعد؟

قال:كيف لا أبكي و أنا من الشجرة الملعونة في القرآن.

فقال له:لست منهم أنت أموي منّا أهل البيت أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ يحكي عن إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (2)(3).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و كثير

في المناقب قال الباقر عليه السّلام لكثير:إمتدحت عبد الملك؟

فقال:ما قلت له يا إمام الهدي و إنّما قلت يا أسد و الأسد كلب و يا جبل و إنّما هو حجر أصمّ،فتبسّم عليه السّلام و أنشأ الكميت بين يديه شعر:

ص: 140


1- الخرائج و الجرائح:604/2،و البحار:331/46.
2- سورة إبراهيم:36.
3- الاختصاص:85،و البحار:285/11.

من لقلب متيّم مستهام غير ما صبوة و لا أحلام

فلمّا بلغ إلي قوله:

أخلص اللّه لي هواي فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي

فقال عليه السّلام:فقد أغرق نزعا و ما تطيش سهامي.

فقال:يا مولاي أنت أشعر منّي في هذا المعني (1).

قال السيد نعمة الجزائري في الرياض:معناه جعل اللّه محبّتي خالصة لكم فما أبالغ في المدح و لا تخطي سهامي فيه،يقال:أغرق النازع في القوس إذا استوفي مدّها ثمّ يقال لكلّ من بالغ في شيء قيل إنّما غيّر عليه السّلام شعره لإبهامه التقصير و عدم الإعتناء بمدحهم عليهم السّلام،علي أنّ المعني اللطيف هو ما قصده عليه السّلام و ذلك أنّ المادح إذا غرق في المدح تجاوز الحدّ و ارتكب الكذب و طاشت سهامه عن الهدف،أمّا الذي يمدحهم عليهم السّلام فكلّما بالغ و استغرق في مدحهم يكون به صادقا و سهامه صائبة للشيخ كما قال عليه السّلام:قولوا ما شئتم فينا إلاّ الربوبيّة (2).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد اللّه بن المبارك

عن بكر بن صالح أنّ عبد اللّه بن المبارك أتي أبا جعفر عليه السّلام فقال:إنّي رويت عن آبائك عليهم السّلام إنّ كلّ فتح بضلال فهو للإمام.

فقال:نعم.

قلت:جعلت فداك إنّهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال و قد تخلّصت ممّن ملكوني بسبب و قد أتيتك مسترقا مستعبدا.

قال عليه السّلام:قد قبلت ثمّ أعتقه و كتب له كتابا:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب محمّد بن عليّ الهاشمي العلوي لعبد اللّه بن المبارك فتاه إنّي أعتقتك لوجه اللّه و الدار الآخرة لا ربّ لك إلاّ اللّه و ليس عليك سيّد (3).

***

ص: 141


1- وسائل الشيعة:73/17،و البحار:338/46.
2- رياض الأبرار،مخطوط.
3- مناقب آل أبي طالب:338/3،و البحار:339/46.

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد اللّه الأزرق

في الكافي عن الأسدي و محمّد بن مبشر أنّ عبد اللّه بن نافع الأزرق كان يقول:لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أنّ عليّا قتل أهل النهروان و هو غير ظالم لهم لرحلت إليه،فقيل له ولده فقال في ولده عالم،فقيل:هذا أوّل جهلك،عالمهم اليوم محمّد بن عليّ ابن الحسين بن علي،فرحل إليه في صناديد أصحابه إلي المدينة فاستأذن عليه فقيل له:هذا عبد اللّه ابن نافع.

فقال:و ما يصنع بي و هو يبرأ منّي و من أبي طرفي النهار.

فقيل له:جاء مناظرا فقال:يا غلام أخرج فحط رحله و قل له:إذا كان الغد فأتنا.

فلمّا أصبح غدا في أصحابه و بعث أبو جعفر عليه السّلام إلي جميع أبناء المهاجرين و الأنصار فجمعهم ثمّ خرج إلي الناس في ثوبين أحمرين كأنّه فلقة قمر فخطب و قال في خطبته:يا معشر أبناء المهاجرين و الأنصار من كانت عنده منقبة لعليّ بن أبي طالب فليقم و ليتحدّث،فقام الناس:فسردوا تلك المناقب.

فقال عبد اللّه:أنا أروي لهذه المناقب من هؤلاء،و إنّما أخذت عليه الكفر بعد تحكيمه الحكمين،حتّي انتهوا في المناقب إلي حديث خيبر:لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتّي يفتح اللّه علي يديه.

فقال عليه السّلام:ما تقول في هذا الحديث؟

فقال:هو حقّ لا شكّ فيه و لكن أحدث الكفر بعد.

فقال:ثكلتك أمّك أخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أحبّ عليّ بن أبي طالب يوم أحبّه و هو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟

قال:فإن قلت:لا،كفرت.

قال:فقال:قد علم.

قال:فأحبّه اللّه علي أن يعمل بطاعته أو يعمل بمعصيته؟

فقال:علي أن يعمل بطاعته.

فقال عليه السّلام:فقم مخصوما.

فقام و هو يقول:حتّي يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر،اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (1).

ص: 142


1- الكافي:351/8 ح 548،و البحار:185/10 ح 8.

بين الإمام الباقر عليه السّلام و قتادة

عن زيد الشحّام قال:دخل قتادة علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟

فقال:هكذا يزعمون.

قال:بلغني أنّك تفسّر القرآن؟

قال:نعم أفسّره بعلم.

قال:أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ في قصّة سبأ وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1)؟

قال قتادة:ذاك من خرج من بيته بزاد و راحلة و كرا حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتّي يرجع إلي أهله،فقال عليه السّلام:هل تعلم أنّه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال و كرا حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق و تذهب نفقته و يضرب مع ذلك ضربة فيها هلاكه؟

فقال قتادة:نعم.

فقال:ويحك يا قتادة من خرج من بيته بزاد و راحلة و كرا حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه كما قال اللّه عزّ و جلّ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (2)فنحن دعوة إبراهيم من هوانا قلبه قبلت حجّته و إلاّ فلا،فإذا كان ذلك أمن من عذاب جهنّم يوم القيامة.

قال قتادة:و اللّه لا فسّرتها إلاّ هكذا.

فقال:ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به (3).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و طاوس اليماني

في الاحتجاج للطبرسي قال:كان مولانا الباقر عليه السّلام جالسا في الحرم إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه فقال لأبي جعفر عليه السّلام:إئذن لي في السؤال.

قال:أذنا لك.

قال:متي هلك ثلث الناس؟

قال:و همت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس و ذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة آدم

ص: 143


1- سورة سبأ،الآية:18.
2- سورة إبراهيم،الآية:37.
3- الكافي:312/8 ح 18،و وسائل الشيعة:185/27 ح 25.

و حوّي و قابيل و هابيل فهلك ربعهم فقال:و همت أنا،فأيّهما كان أبا الناس القاتل أو المقتول؟

قال:لا واحد منهما بل أبوهم شيث بن آدم قال:فلم سمّي آدم؟

قال:لأنّه رفعت طينته من أديم الأرض السفلي.

قال:فلم سمّيت حوّي؟

قال:لأنّها خلقت من ضلع حيّ يعني ضلع آدم.

قال:فلم سمّي إبليس؟

قال:لأنّه آيس من رحمة اللّه فلم يرحوها.

قال:فلم سمّي الجنّ جنّا؟

قال:لأنّهم استجنّوا فلم يروا.

قال:فأخبرني عن أوّل كذبة كذبت من صاحبها؟

قال:إبليس حين قال:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين.

قال:فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ و كانوا كاذبين؟

قال:المنافقون حين قالوا:نشهد أنّك لرسول اللّه فأنزل اللّه إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إلي قوله:

وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ.

قال:فأخبرني عن طير طار مرّة و لم يطر قبلها و لا بعدها ذكره اللّه في القرآن ما هو؟

قال:طور سيناء أطاره اللّه علي بني إسرائيل حين أظلّهم يحتاج منه فيه ألوان العذاب حتّي قبلوا التوراة و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ الآية.

قال:فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالي ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة ذكره اللّه في كتابه.فقال:الغراب حين بعثه اللّه ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله قال اللّه عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ.

قال:أخبرني عمّن أنذر قومه ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة ذكره اللّه في كتابه؟

قال:النملة حين قالت: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ (1).

قال:فأخبرني من كذب عليه ليس من الجنّ و لا الإنس و لا الملائكة ذكره اللّه في كتابه؟

قال:الذئب الذي كذب عليه إخوة يوسف.8.

ص: 144


1- سورة النمل،الآية:18.

قال:فأخبرني عن شيء قليله حلال و كثيره حرام ذكره اللّه عزّ و جلّ في القرآن؟

قال النهر الذي قال: إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (1).

قال:أخبرني عن صلاة مفروضة تصلّي بغير وضوء و عن صوم لا يحجز عن أكل و شرب؟

قال:أمّا الصلاة بغير وضوء فالصلاة علي النبيّ و آله عليه و عليهم السلام،و أمّا الصوم فقوله عزّ و جلّ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (2).

قال:فأخبرني عن شيء يزيد و لا ينقص و عن شيء ينقص و لا يزيد؟

فقال عليه السّلام:أمّا الشيء الذي يزيد و ينقص فهو القمر و الشيء الذي يزيد و لا ينقص فهو البحر و الشيء الذي ينقص و لا يزيد فهو العمر (3).

المناقب،قال الأبرش الكلبي لهشام مشيرا إلي الباقر عليه السّلام:من هذا الذي احتوشه أهل العراق؟

قال:هذا نبي الكوفة و هو يزعم أنّه ابن رسول اللّه و باقر العلم و مفسّر القرآن فاسأله مسألة لا يعرفها،فأتاه و قال:يابن عليّ كم الفترة التي كانت بين محمّد و عيسي عليه السّلام؟

قال:أمّا في قولنا فسبعمائة سنة،و أمّا في قولك فستّمائة سنة.

قال:فأخبرني عن قوله تعالي: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ (4)ما الذي يأكل الناس و يشربون إلي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

قال:يحشر الناس علي مثل قرصة التقي فيها أنهار منفجرة يأكلون و يشربون حتّي يفرغ من الحساب.

قال هشام:قل له:ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟

قال:هم في النار أشغل و لم يشغلوا عن أن قالوا:أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه،فنهض الأبرش و هو يقول:أنت ابن بنت رسول اللّه حقّا.

ثمّ صار إلي هشام فقال:دعونا منكم يا بني أميّة فإنّ هذا أعلم أهل الأرض فهذا ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (5).

و روي في البحار بلفط:عن محمد بن مسلم قال دخلت أنا و أبو جعفر عليه السّلام المسجد الحرام فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه:تدرون متي قتل نصف الناس؟فسمعه أبو جعفر عليه السّلام يقول:

نصف الناس.1.

ص: 145


1- سورة البقرة،الآية:249.
2- سورة مريم،الآية:307.
3- الاحتجاج:66/2.
4- سورة إبراهيم،الآية:48.
5- مستدرك سفينة البحار:325/1.

قال:إنما هو ربع الناس،إنّما هو آدم،و حواء،و قابيل،و هابيل.

قال:صدقت يا ابن رسول اللّه.

قال:أتدري ما صنع بالقاتل؟

قال:لا.

قال محمد بن مسلم:قلت في نفسي هذه و اللّه مسألة.

قال:فغدوت إليه في منزله فلبس ثيابه و أسرج له قال:فبدأني بالحديث قبل أن أسأله فقال:يا محمد بن مسلم إنّ بالهند أو بتلقاء الهند رجل يلبس المسوح مغلولة يده إلي عنقه،موكل به عشرة رهط،تفني الناس و لا يفنون،كلما ذهب واحد جعل مكانه آخر،يدور مع الشمس حيث ما دارت، يعذب بحر الشمس و زمهرير البرد حتي تقوم الساعة.

قال:و قلت:و من ذا جعلني اللّه فداك؟

قال:ذاك قابيل (1).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و أبي حنيفة

قال أبو جعفر عليه السّلام لأبي حنيفة:أنت رجل مشهور و لا أحبّ أن تجلس إليّ فلم يلتفت و جلس فقال لأبي جعفر:أنت الإمام؟

قال:لا.

قال:فإنّ قوما بالكوفة يزعمون إنّك إمام؟

قال:فما أصنع بهم؟

قال:تكتب إليهم تخبرهم.

قال:لا يطيعون إنّما نستدلّ علي من غاب عنّا بمن حضر قد أمرتك أن لا تجلس فلم تطعني و كذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني فلم يقدر أبو حنيفة أن يدخل في الكلام (2).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد اللّه الليثي

في كشف اليقين،روي أنّ عبد اللّه الليثي قال لأبي جعفر عليه السّلام:بلغني أنّك تفتي في المتعة؟

ص: 146


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:152/10.
2- البحار:356/46 ح 9.

قال:أحلّها اللّه في كتابه و سنّها رسول اللّه و عمل بها أصحابه،فقال:قد نهي عنها عمر؟

قال:فأنت علي قول صاحبك و أنا علي قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

قال عبد اللّه:فيسرّك أنّ نساؤك فعلن ذلك؟

قال:و ما ذكر النساء هنا يا أحمق إنّ الذي أحلّها في كتابه و أباحها أغير منك و ممّن نهي عنها تكلفا بل يسرك أنّ بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا؟

قال:لا.

قال:فلم تحرّم ما أحلّ اللّه؟

قال:لا أحرّم و لكن الحائك ما هو لي بكفؤ.

قال:فإنّ اللّه ارتضي عمله و رغّب فيه و زوّجه حورا أفترغب عمّن رغب اللّه فيه و تستنكف عمّن هو كفؤ لحور الجنان كبرا و عتوّا،فضحك عبد اللّه و قال:ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم فصار لكم ثمره و للناس ورقه (1).

***

بين الإمام الباقر و هشام بن عبد الملك

عن أبي بكر الحضرمي قال:لمّا حمل أبو جعفر عليه السّلام إلي هشام بن عبد الملك و صار ببابه قال لأصحابه و من كان بحضرته من بني أميّة:

إذا رأيتموني قد و بّخت محمّد بن عليّ ثمّ رأيتموني قد سكتّ فليقبل عليه كلّ رجل منكم فليوبّخه ثمّ أمر أن يؤذن له،فلمّا دخل عليه أبو جعفر عليه السّلام قال بيده:السلام عليكم،فعمّهم جميعا بالسلام ثمّ جلس فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام عليه بالخلافة،و جلوسه بغير إذن،فأقبل يوبّخه و يقول فيما يقول له:يا محمّد بن عليّ لا يزال الرّجل منكم قد شقّ عصا المسلمين و دعا إلي نفسه و زعم أنّه الإمام سفها و قلّة علم.و وبّخه بما أراد أن يوبّخه،فلمّا سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبّخه حتّي انقضي آخرهم،فلمّا سكت القوم نهض عليه السّلام قائما ثمّ قال:أيّها النّاس أين تذهبون و أين يراد بكم،بناهدي اللّه أوّلكم و بنايختم آخركم،فإن يكن لكم ملك معجّل فإنّ لنا ملكا مؤجّلا و ليس بعد ملكنا ملك لأنّا أهل العاقبة يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (2).

فأمر به إلي الحبس فلمّا صار إلي الحبس تكلّم فلم يبق في الحبس رجل إلاّ ترشّفه و حنّ إليه

ص: 147


1- البحار:356/46 ح 10،و كشف الغمة:326/2.
2- الكافي:471/1 ح 5،و البحار:264/46.

فجاء صاحب الحبس إلي هشام فقال:يا أمير المؤمنين إنّي خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك و بين مجلسك هذا؛ثمّ أخبره بخبره،فأمر به فحمل علي البريد (1)هو و أصحابه ليردّوا إلي المدينة و أمر أن لا يخرج لهم الأسواق و حال بينهم و بين الطعام و الشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما و لا شرابا حتّي انتهوا إلي مدين (2)،فأغلق باب المدينة دونهم فشكا أصحابه الجوع و العطش قال:فصعد جبلا ليشرف عليهم فقال بأعلي صوته:يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة اللّه،يقول اللّه: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (3).

قال:و كان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم:يا قوم هذه و اللّه دعوة شعيب النبيّ (4)و اللّه لئن لم تخرجوا إلي هذا الرّجل بالأسواق لتؤخذنّ من فوقكم و من تحت أرجلكم فصدّقوني في هذه المرّة و أطيعوني و كذّبوني فيما تستأنفون فإنّي لكم ناصح.

قال:فبادروا فأخرجوا إلي محمّد بن عليّ و أصحابه بالأسواق،فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به (5).

***

بين الإمام الباقر و عمر بن عبد العزيز

كان عمر يتردد علي الإمام الباقر عليه السّلام يستنصحه.و الباقر يوصيه بالمسلمين أجمعين-فيقول له بين ما يقول:أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا.و أوسطهم أخا.و أكبرهم أبا.فارحم ولدك.

وصل أخاك.و بر والدك.فإذا صنعت معروفا فربه أي تعهده (6).

ص: 148


1- قال الزمخشري في الفائق:البريد الرسول و يجمع علي برد بضم الباء و الراء،و قد تسكن الراء للتخفيف كرسل و رسل و البريد في الأصل البغل و هي كلمة فارسية أصلها بريده دم أي محذوفة الذنب لأنّ بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت و خففت بحذف الآخر و فتح الأول ثم سمي الرسول الذي يركبه بريد أو المسافة التي بين السكتين بريدا،و السكة الموضع الذي كان يسكنه الفيوح المرتبون من رباط أو قبة أو بيت أو نحو ذلك و بعد ما بين السكتين فرسخان و كان يرتب في كل سكة بغال و كتب في الحاشية:قيل و الصواب أربعة فراسخ،و نقل هذا القول صاحب النهاية أيضا.
2- قيل:هي قرية شعيب النبيّ،قيل:منها إلي الشام ثلاثة منازل،و قال علي بن إبراهيم(؛):هي قرية علي طريق الشام.
3- سورة هود،الآية:86.
4- كما قال اللّه عز شأنه: وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ.
5- الكافي:472/1 ح 5،و مدينة المعاجز:79/5.
6- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:140.

فعن هشام بن معاذ قال:كنت جليسا لعمر بن عبد العزيز حيث دخل المدينة فأمر مناديه فنادي من كانت له مظلمة أو ظلامة فليأت الباب،فأتي محمد بن علي يعني الباقر عليه السّلام فدخل إليه مولاه مزاحم فقال:إن محمد بن علي بالباب فقال له:أدخله يا مزاحم قال:فدخل و عمر يمسح عينيه من الدموع فقال له محمد بن علي عليه السّلام:ما أبكاك يا عمر؟

فقال:هشام أبكاني كذا و كذا يا ابن رسول اللّه.

فقال محمد بن علي عليه السّلام:يا عمر إنما الدنيا سوق من الأسواق منها خرج قوم بما ينفعهم، و منها خرجوا بما يضرّهم،و كم من قوم قد غرّتهم بمثل الذي أصبحنا فيه،حتي أتاهم الموت فاستوعبوا،فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة،و لا مما كرهوا جنة،قسم ما جمعوا من لا يحمدهم،و صاروا إلي من لا يعذرهم،فنحن و اللّه محقوقون،أن ننظر إلي تلك الأعمال التي كنا نغبطهم بها،فنوافقهم فيها،و ننظر إلي تلك الاعمال التي كنا نتخوف عليهم منها،فنكّف عنها.فاتق اللّه و اجعل في قلبك اثنتين،تنظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت علي ربك فقدمه بين يديك،و تنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت علي ربك فابتغ به البدل،و لا تذهبن إلي سلعة قد بارت علي من كان قبلك،ترجو أن تجوز عنك و اتق اللّه يا عمر و افتح الأبواب و سهل الحجاب،و انصر المظلوم ورد المظالم.

ثم قال:ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان باللّه،فجثا عمر علي ركبتيه و قال:إيه يا أهل بيت النبوة.

فقال:نعم يا عمر من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل،و إذا غصب لم يخرجه غضبه من الحق،و من إذا قدر لم يتناول ما ليس له.فدعا عمر بدواة و قرطاس و كتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما ردّ عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي عليه السّلام فدك (1).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد الملك بن مروان

ذكر الدميري الشافعي في حياة الحيوان:في ترجمة عبد الملك بن مروان،قصة جرت بينه و بين ملك الروم،و فيه:أنّ الملك هدده في كتابه إليه،و كان فيه:و لآمرن بنقش الدنانير و الدراهم، فإنك تعلم أنه لا ينقش شيء منها إلا ما ينقش في بلادي،-و لم تكن الدراهم و الدنانير نقشت في الاسلام-فينقش عليها شتم نبيك-إلي أن قال-...

فلما قرأ عبد الملك الكتاب،صعب عليه الامر و غلظ،و ضاقت به الارض،و قال:أحسبني

ص: 149


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:326/64.

أشأم مولود ولد في الاسلام،لأني جنيت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،من شتم هذا الكافر ما يبقي من غابر الدهر،و لا يمكن محوه من جميع مملكة العرب،إذا كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم و دراهمهم،فجمع أهل الإسلام و استشارهم،فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به.فقال له روح بن زنباع:إنك لتعلم المخرج من هذا الأمر،و لكنك تتعمد تركه،فقال:ويحك من؟

فقال:عليك بالباقر من أهل بيت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

قال:صدقت،و لكنه ارتج علي الرأي فيه،فكتب إلي عامله بالمدينة:أن أشخص إلي محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام،مكرما و متّعه بمائة ألف درهم لجهازه،و بثلثمائة ألف درهم لنفقته،و أرح عليه في جهازه و جهاز من يخرج معه من أصحابه،و حبس الرسول قبله إلي موافاة محمد بن علي عليه السّلام،فلما و افاه أخبره الخبر،فقال له محمد عليه السّلام:لا يعظم هذا عليك،فإنه ليس بشي من جهتين:إحداهما أنّ اللّه عزّ و جلّ،لم يكن ليطلق ما يهدد به صاحب الروم في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و الأخري وجود الحيلة.

فقال:و ما هي؟

قال عليه السّلام:تدعو هذه الساعة بصنّاع،فيضربون بين يديك سككا للدراهم و الدنانير،و تجعل النقش عليها سورة التوحيد و ذكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،احدهما في وجه الدرهم و الدينار،و الآخر في الوجه الثاني،و تجعل في مدار الدرهم و الدينار،ذكر البلد الذي يضرب فيه،و السنة التي يضرب فيها تلك الدراهم و الدنانير،و تعمد إلي وزن ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة،التي العشرة منها وزن عشرة مثاقيل،و عشرة منها وزن ستة مثاقيل،و عشرة منها وزن خمسة مثاقيل،فتكون أوزانها جميعا واحدا و عشرين مثقالا،فتجزئها من الثلاثين،فتصير العدّة من الجميع وزن سبعة مثاقيل،و تصب صنجات (1)من قوارير لا يستحيل إلي زيادة و لا نقصان،فتضرب الدراهم علي وزن عشرة،و الدنانير علي وزن سبعة مثاقيل.

و كانت الدراهم في ذلك الوقت إنما هي الكسروية،التي يقال لها اليوم بغلية،لأنّ رأس البغل ضربها لعمر بسكة كسروية في الإسلام،مكتوب عليها صورة الملك،و تحت الكرسي مكتوب بالفارسية نوش خور،أي:كل هنيئا،و كان وزن الدرهم منها قبل الإسلام مثقالا،و الدراهم التي كان وزن العشرة منها ستة مثاقيل هي السمرية الخفاف،و نقشها نقش فارس.

و أمره محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام،أن يكتب السكك في جميع بلدان الإسلام، و أن يتقدم إلي الناس في التعامل بها،و أن يتهدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكة من الدراهمج.

ص: 150


1- الصنجة:صنجة الميزان معرب،مجمع البحرين-صنج.

و الدنانير و غيرها،و أن تبطل و ترد إلي مواضع العمل،حتي تعاد إلي السكك الإسلامية،ففعل عبد الملك ذلك..إلي آخر ما قال (1).

و عن أبي بصير،يرويه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و يقول:أنا من ولد الحسن و أولي بذلك منك،لأني من ولد الأكبر،فقاسمني ميراث رسول اللّه-صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-و ادفعه الي.فأبي أبي فخاصمه إلي القاضي فكان يختلف معه إلي القاضي،فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم،إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن علي:أسكت يابن السندية.

فقال زيد بن علي:أف لخصومة تذكر فيها الامهات.و اللّه لا كلمتك بالفصيح من رأسي أبدا حتي أموت.

و انصرف إلي أبي،فقال:يا أخي إني حلفت بيميني ثقة بك،و علمت أنك لا تكرهني و لا تخيّبني (2)،حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن،و لا أخاصمه،و ذكر ما كان بينهما.و أعفاه أبي، و اغتنمها زيد بن الحسن فقال:يلي خصومتي مع محمد بن علي فاعتبه و أؤذيه فيعتدي علي.فعدا علي أبي فقال:بيني و بينك القاضي،فقال:قم بنا.فلما أخرجه قال أبي:يا زيد إنّ معك لسكينة قد أخفيتها أرأيتك إن نطقت هذه السكينة التي تسترها مني،فشهدت أني أولي بالحق منك أفتكف عني؟

قال:نعم.و حلف له بذلك.

فقال أبي:أيتها السكينة إنطقي باذن اللّه تعالي.فوثبت السكينة من يد زيد بن الحسن علي الأرض ثم قالت:يا زيد أنت ظالم،و محمد بن علي أحق منك و أولي،و إن لم تكف لألين قتلك.

فخر زيد مغشيا عليه فأخذه بيده فأقامه،ثم قال:يا زيد إن نطقت هذه الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟

قال:نعم و حلف له علي ذلك فرجفت الصخرة التي مما يلي زيد حتي كادت أن تنفلق،و لم ترجف مما يلي أبي،ثم قالت:يا زيد أنت ظالم،و محمد أولي بالأمر منك،فكف عنه و إلا وليت قتلك فخر زيد مغشيا عليه،فأخذ أبي بيده و أقامه،ثم قال:يا زيد أرأيت إن نطقت هذه الشجرة أتكف؟

قال:نعم.

فدعا أبي الشجرة،فأقبلت تخد الارض حتي أظلتهم،ثم قالت:يا زيد أنت ظالم و محمد أحق بالأمر منك،فكف عنه و إلا قتلتك فغشي علي زيد،فأخذ أبي بيده و أقامه و قال:يا زيد أرأيت هذا؟و انصرفت الشجرة إلي موضعها.فحلف زيد أن لا يعرض لأبي و لا يخاصمه،و انصرف،ي.

ص: 151


1- حياة الحيوان:63/1،و مستدرك الوسائل،الميرزا النوري:84/7.
2- في الثاقب:لا تلزمني.

و خرج زيد من يومه قصد عبد الملك بن مروان فدخل عليه،و قال له:أتيتك من عند ساحر كذاب لا يحل لك تركه،و قص عليه ما رأي.فكتب عبد الملك إلي عامل المدينة:أن ابعث الي محمد بن علي مقيدا.و قال لزيد:أرأيتك إن وليتك قتله قتلته؟

قال:نعم.فلما انتهي الكتاب إلي العامل أجاب العامل عبد الملك ليس كتابي هذا خلافا عليك يا أمير المؤمنين،و لا أرد أمرك،و لكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك،و شفقة عليك،و إنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم علي وجه الارض أعف منه،و لا أزهد و لا أورع منه و إنه ليقرأ في محرابه،فتجتمع الطير و السباع تعجبا بصوته،و إن قراءته كشبه مزامير آل داود،و إنه من أعلم الناس و أرقّهم و أشدّهم اجتهادا و عبادة،و كرهت لامير المؤمنين التعرض له:فإنّ اللّه لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.

فلما ورد الكتاب علي عبد الملك سر بما أنهي إليه الوالي و علم أنه قد نصحه،فدعا بزيد بن الحسن فاقرأه الكتاب.

قال:أعطاه و أرضاه.

فقال عبد الملك:فهل تعرف أمرا غير هذا؟

قال:نعم،عنده سلاح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سيفه و درعه و خاتمه و عصاه و تركته،فاكتب إليه فيه، فإن هو لم يبعث به فقد وجدت إلي قتله سبيلا.فكتب عبد الملك إلي العامل:أن احمل إلي أبي جعفر محمد بن علي ألف ألف درهم وليعطيك ما عنده من ميراث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.فأتي العامل منزل أبي جعفر بالمال و أقرأه الكتاب،فقال:أجلني أياما؟

قال:نعم.فهيأ أبي متاعا مكان كل شيء ثم حمله و دفعه إلي العامل،فبعث به إلي عبد الملك،فسر به سرورا شديدا،فأرسل إلي زيد فعرضه عليه،فقال زيد:و اللّه ما بعث إليك من متاع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بقليل و لا كثير.فكتب عبد الملك إلي أبي:إنك أخذت مالنا،و لم ترسل لنا بما طلبنا.

فكتب إليه أبي:إني قد بعثت إليك بما قد رأيت،و إن شئت كان ما طلبت و إن شئت لم يكن، فصدّقه عبد الملك و جميع أهل الشام،و قال:هذا متاع رسول اللّه-صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-قد أتيت به،ثم أخذ زيدا و قيّده و بعث به إلي أبي و قال له:لو لا أني لا أريد أن أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك.

و كتب إلي أبي إني قد بعثت إليك بابن عمك فأحسن أدبه.فلما أتي به أطلق عنه و كساه،ثم إن زيدا ذهب إلي سرج فسمه،ثم أتي به إلي أبي فناشده إلا ركبت هذا السرج.

فقال أبي:ويحك يا زيد ما أعظم ما أتاني به،و ما يجري علي يديك،إني لأعرف الشجرة التي نتجت منها،و لكن هكذا قدّر فويل لمن أجري اللّه علي يده الشر.فأسرج له،فركب أبي و نزل

ص: 152

الطريق متورما،فأمر بأكفان له و كان فيها ثوب أبيض أحرم فيه،و قال:إجعلوه في أكفاني و عاش ثلاثا،ثم مضي عليه السّلام لسبيله،و ذلك السرج عند آل محمد عليهم السّلام معلق.

ثم إن زيد بن الحسن بقي بعده أياما،فعرض له داء،لم يزل يتخبط به و يهذي و ترك الصلاة حتي مات (1).

***

بين الإمام الباقر و عبد اللّه بن عمر

سأل سائل عبد اللّه بن عمر في مسجد الرسول فأشار إلي حيث يجلس الباقر و قال:إذهب إلي هذا الغلام و سله و أعلمني عما يجيبك.

فلما عاد إليه بالجواب قال:إنهم أهل بيت مفهمون (2).

***

بين الإمام الباقر و نصراني

عن عمرو بن عبد اللّه الثقفي قال أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي عليه السّلام من المدينة إلي الشام،و كان ينزله معه،فكان يقعد مع الناس في مجالسهم،فبينا هو قاعد و عنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلي النصاري يدخلون في جبل هناك فقال:ما لهؤلاء القوم؟ألهم عيد اليوم؟

قالوا لا يا ابن رسول اللّه،ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه و يسألونه عما يريدون و عما يكون في عامهم.

قال أبو جعفر:و له علم؟فقالوا:من أعلم الناس،قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسي عليه السّلام.

قال:فهلم أن نذهب إليه،فقالوا:ذلك إليك يا ابن رسول اللّه.

قال فقنع أبو جعفر رأسه بثوبه و مضي هو و أصحابه فاختلطوا بالناس حتي أتوا الجبل.

قال:فقعد أبو جعفر وسط النصاري هو و أصحابه،فأخرج النصاري بساطا ثم وضعوا الوسائد،ثم دخلوا فأخرجوا عالمهم ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعي،ثم قصد نحو أبي جعفر عليه السّلام فقال له:أمنا أنت أو من الأمة المرحومة؟

ص: 153


1- مدينة المعاجز،السيد هاشم البحراني:163/5.
2- الإمام جعفر الصادق عليه السّلام،عبد الحليم الجندي:140.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:من الامة المرحومة.

قال:أفمن علمائهم أنت أو من جهالهم؟

قال:لست من جهالهم.

قال النصراني أسألك أو تسألني؟

قال أبو جعفر عليه السّلام:سلني فقال:يا معشر النصاري رجل من أمة محمد يقول:سلني!إنّ هذا لعالم بالمسائل.ثم قال:يا عبد اللّه أخبرني عن ساعة ما هي من الليل و لا هي من النهار أي ساعة هي؟

قال أبو جعفر عليه السّلام:ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس.

قال النصراني:فإذا لم يكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:من ساعات الجنة و فيها تفيق مرضانا،فقال النصراني:أصبت،فأسألك أو تسألني؟

قال أبو جعفر عليه السّلام:سلني.

قال:يا معاشر النصاري إن هذا لملي بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون و لا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا،فقال أبو جعفر عليه السّلام:هو هذا الجنين في بطن أمّه يأكل مما تأكل امه و لا يتغوط.

قال النصراني:أصبت،ألم تقل:ما أنا من علمائهم؟

قال أبو جعفر عليه السّلام:إنما قلت لك:ما أنا من جهالهم.

قال النصراني:فأسألك أو تسألني؟.

قال:يا معشر النصاري و اللّه لأسألنّه يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل،فقال:إسأل.

قال:أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بإبنين جميعا،حملتمها في ساعة واحدة و ما تا في ساعة واحدة،و دفنا في ساعة واحدة في قبر واحد،فعاش أحدهما خمسين و مائة سنة،و عاش الآخر خمسين سنة،من هما؟

قال أبو جعفر عليه السّلام.هما عزير و عزره،كان حمل أمّهما ما وصفت،و وضعتهما علي ما وصفت،و عاش عزره و عزير،فعاش عزره و عزير ثلاثين سنة،ثم أمات اللّه عزيرا مائة سنة و بقي عزره يحيا،ثم بعث اللّه عزيرا فعاش مع عزره عشرين سنة.

قال النصراني يا معشر النصاري ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل،لا تسألوني عن حرف و هذا بالشام،ردوني،فردّوه إلي كهفه و رجع النصاري مع أبي جعفر عليه السّلام (1).2.

ص: 154


1- تفسير القمي:89،و أخرجه الكليني بالإسناد في كتاب الروضة:122.

و رويت عن الصادق عليه السّلام بلفظ آخر:أن عبد الملك بن مروان كتب إلي عامله بالمدينة في رواية هشام بن عبد الملك:أن وجّه إلي محمد بن علي،فخرج أبي و أخرجني معه فمضينا حتي أتينا مدين شعيب،فإذا نحن بدير عظيم و علي بابه أقوام عليهم ثياب صوف خشنة،فألبسني والدي و لبس ثيابا خشنة،فأخذ بيدي حتي جئنا و جلسنا عند القوم فدخلنا مع القوم الدير،فرأينا شيخا قد سقط حاجباه علي عينيه من الكبر،فنظر إلينا فقال لأبي:أنت منا أم من هذه الأمة المرحومة؟

قال:لابل من هذه الأمة المرحومة.

قال:من علمائها أو من جهالها؟

قال أبي:من علمائها.

قال:أسألك عن مسألة؟

قال:سل.

قال:أخبرني عن أهل الجنة إذا دخلوها و أكلوا من نعيمها هل ينقص من ذلك شي؟

قال:لا.

قال الشيخ:ما نظيره؟

قال أبي:أليس التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان يؤخذ منها و لا ينقص منها شي؟

قال:أنت من علمائها.ثم قال:أهل الجنة هل يحتاجون إلي البول و الغائط؟

قال أبي:لا.

قال و ما نظير ذلك؟

قال أبي:أليس الجنين في بطن أمّه يأكل و يشرب و لا يبول و لا يتغوط؟قال:صدقت.

قال:و سأل عن مسائل فأجاب أبي.

ثم قال الشيخ:أخبرني عن توأمين ولدا في ساعة واحة،و ماتا في ساعة واحدة،عاش أحدهما مائة و خمسين سنة،و عاش الآخر خمسين سنة،من كانا؟و كيف قصتهما؟

قال أبي:هما عزير و عزره،أكرم اللّه تعالي عزيرا بالنبوة عشرين سنة،و أماته مائة سنة،ثم أحياه فعاش بعده ثلاثين سنة،و ماتا في ساعة واحدة،فخر الشيخ مغشيا عليه،فقال:فقام أبي و خرجنا من الدير،فخرج إلينا جماعة من الدير و قالوا:يدعوك شيخنا.

فقال أبي:مالي بشيخكم من حاجة،فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا،فرجعوا ثم جاؤوا به و اجلس بين يدي أبي فقال:ما اسمك؟

قال عليه السّلام:محمد.

ص: 155

قال:أنت محمد النبي؟

قال لا أنا ابن بنته؟

قال:ما اسم امك؟

قال:أمّي فاطمة.

قال:من كان أبوك؟

قال:اسمه علي.

قال:أنت ابن إليا بالعبرانية و علي بالعربية؟

قال:نعم.

قال:ابن شبر أو شبير؟

قال:إني ابن شبير.

قال الشيخ:أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أنّ جدّك محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه.

ثم ارتحلنا حتي أتينا عبد الملك،فنزل من سريره و استقبل أبي و قال:عرضت لي مسألة لم يعرفها العلماء فأخبرني إذا قتلت هذه الأمة إمامها المفروض طاعته عليهم أي عبرة يريهم اللّه في ذلك اليوم؟

قال أبي:إذا كان كذلك لا يرفعون حجرا إلا و يرون تحته دما عبيطا،فقبّل عبد الملك رأس أبي و قال:صدقت،إن في يوم قتل فيه أبوك علي بن أبي طالب عليه السّلام كان علي باب أبي مروان حجر عظيم فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دما عبيطا يغلي،و كان لي أيضا حوض كبير في بستاني و كان حافته حجارة سوداء فأمرت أن ترفع و يوضع مكانها حجارة بيض،و كان في ذلك اليوم قتل الحسين عليه السّلام، فرأيت دما عبيطا يغلي تحتها.أتقيم عندنا و لك من الكرامة ما تشاء أم ترجع؟

قال أبي:بل أرجع إلي قبر جدي،فأذن له بالإنصراف فبعث قبل خروجنا بريدا يأمر أهل كل منزل أن لا يطعمونا شيئا و لا يمكنونا من النزول في بلد حتي نموت جوعا،فكلما بلغنا منزلا طردونا و فني زادنا حتي أتينا مدين شعيب،و قد أغلق بابه فصعد أبي جبلا هناك مطلا علي البلد أو مكانا مرتفعا عليه فقرأ: وَ إِلي مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)ثم رفع صوته و قال:و اللّه أنا بقية اللّه.6.

ص: 156


1- سورة هود،الآية:86.

فأخبروا الشيخ بقدومنا و أحوالنا فحملوه إلي أبي و كان لهم معهم من الطعام كثير فأحسن ضيافتنا،فأمر الوالي بتقييد الشيخ فقيدوه ليحملوه إلي عبد الملك لانه خالف أمره.

قال الصادق عليه السّلام:فاغتممت لذلك و بكيت،فقال والدي:و لا بأس من عبد الملك بالشيخ و لا يصل إليه فإنه يتوفي أول منزل ينزله،و ارتحلنا حتي رجعنا إلي المدينة بجهد (1).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و الأبرش الكلبي

قال الأبرش الكلبي لأبي جعفر عليه السّلام:بلغني أنك قلت في قول اللّه يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ (2)إنها تبدل خبزة،فقال أبو جعفر عليه السّلام صدقوا،تبدل الارض خبزة نقيه في الموقف يأكلون منها،فضحك الأبرش،و قال:أما لهم شغل بماهم فيه عن أكل الخبز؟!

فقال:ويحك في أي المنزلتين هم أشد شغلا و أسوأ حالا،إذا هم في الموقف أو في النار يعذبون؟

فقال:لا في النار،فقال:ويحك و إن اللّه يقول: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (3).

قال:فسكت.

و في خبر آخر عنه فقال:و هم في النار لا يشغلون عن أكل الضريع و شرب الحميم و هم في العذاب،كيف يشغلون عنه في الحساب؟ (4).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و محمد بن المنكدر

محمد بن إسماعيل،عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير،عن عبد الرحمن بن الحجاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أن محمد بن المنكدر كان يقول:ما كنت أري أن علي بن الحسين يدع خلفا أفضل منه حتي رأيت ابنه محمد بن علي،فأردت أن أعظه فوعظني،فقال له أصحابه:بأي شيء وعظك؟

ص: 157


1- الخرائج:197،و فيه:بجهد عظيم،و قد أخرج الكليني حديث و روده الشام علي عبد الملك و احتجاجه معه،و ما وقع بينه و بين أهل مدين في أصول الكافي في باب مولده عليه السلام.
2- سورة إبراهيم،الآية:48.
3- سورة الواقعة،الآية:52-55.
4- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:156/10.

قال:خرجت إلي بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني،أبو جعفر محمد بن علي عليه السّلام و كان رجلا بادنا ثقيلا و هو متكئ علي غلامين أسودين أو موليين،فقلت في نفسي:سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا!أما لأعظنه،فدنوت فسلمت عليه فرد علي السلام بنهر و هو يتصاب عرقا فقلت:أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا!؟أرأيت لو جاء أجلك و أنت علي هذه الحال ما كنت تصنع؟

فقال:لو جاءني الموت و أنا علي هذه الحال جاءني و أنا في طاعة اللّه عزّ و جل (1).

***

بين الإمام الباقر و نافع بن الأزرق

عن أبي الربيع قال:حججت مع أبي جعفر عليه السّلام في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك، و كان معه نافع بن الازرق مولي عمر بن الخطاب فنظر نافع إلي أبي جعفر في ركن البيت و قد اجتمع عليه الناس،فقال لهشام:يا أمير المؤمنين من هذا الذي يتكافأ عليه الناس؟

فقال:هذا نبي أهل الكوفة!هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال نافع:لآتينه و لأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن وصي نبي.

فقال هشام:فاذهب إليه فسله فلعلك أن تخجله.

فجاء نافع فاتكأ علي الناس ثم أشرف علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:يا محمد بن علي إني قد قرأت التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان،و قد عرفت حلالها و حرامها قد جئت أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي،أو وصي نبي،أو ابن وصي نبي فرفع إليه أبو جعفر عليه السّلام رأسه فقال:سل.

فقال:أخبرني كم بين عيسي و محمد من سنة؟

قال:أخبرك بقولي أم بقولك؟

قال:أخبرني بالقولين جميعا.

قال:أما بقولي فخمسمائة سنة،و أما بقولك فستمائة سنة.

قال:فأخبرني عن قول اللّه تعالي:(و اسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)من الذي سأل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان بينه و بين عيسي خمسمائة سنة؟

قال:فتلا أبو جعفر عليه السّلام هذه الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَي

ص: 158


1- الكافي:74/5 ح 1،و البحار:157/10 ح 5.

اَلْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا (1) فكان من الآيات التي أراها اللّه محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حين أسري به إلي بيت المقدس أن حشر اللّه الأولين و الآخرين من النبيين و المرسلين،ثم أمر جبرئيل عليه السّلام فأذّن شفعا و أقام شفعا ثم قال في إقامته:حي علي خير العمل،ثم تقدم محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فصلّي بالقوم،فأنزل اللّه تعالي عليه وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (2).

فقال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:علام تشهدون؟و ما كنتم تعبدون؟

قالوا:نشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،و أنك رسول اللّه،أخذت علي ذلك مواثيقنا و عهودنا.

قال نافع:صدقت يا ابن رسول اللّه يا أبا جعفر،أنتم و اللّه أوصياء رسول اللّه و خلفاؤه في التوراة،و أسماؤكم في الإنجيل و في الزبور و في القرآن،و أنتم أحق بالأمر من غيركم (3).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و الكيسانية

تكلم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر عليه السّلام في حياة محمد بن الحنفية قال له:ويحك ما هذه الحماقة؟أنتم أعلم به أم نحن؟قد حدثني أبي علي بن الحسين عليه السّلام أنه شهد موته و غسّله و كفّنه و الصلاة عليه و إنزاله في قبره.

فقال:شبه علي أبيك كما شبه عيسي ابن مريم علي اليهود.

فقال له الباقر عليه السّلام:أفنجعل هذه الحجة قضاء بيننا و بينك؟

قال:نعم.

قال عليه السّلام:أرأيت اليهود الذين شبه عيسي عليه السّلام عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه؟

قال:بل كانوا أعداءه.

قال عليه السّلام:فكان أبي عدو محمد ابن الحنفية فشبه له؟

قال:لا،و انقطع و رجع عما كان عليه (4).

***

ص: 159


1- سورة الإسراء،الآية:1.
2- سورة الزخرف،الآية:45.
3- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:163/10.
4- مناقب ابن شهر آشوب:289/2.

بين الإمام الباقر عليه السّلام و ابن ذر

جاءه رجل من أهل الشام و سأله عن بدء خلق البيت،فقال عليه السّلام:إن اللّه تعالي لما قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (1)فردوا عليه بقولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها و ساق الكلام إلي قوله تعالي: وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (2)فعلموا أنهم وقعوا في الخطيئة فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أشواط،يسترضون ربهم عزّ و جلّ فرضي عنهم،و قال لهم:اهبطوا إلي الارض فابنوا لي بيتا يعوذ به من أذنب من عبادي و يطوف حوله كما طفتم أنتم حول عرشي فأرضي عنه كما رضيت عنكم فبنوا هذا البيت،فقال له الرجل:صدقت يا أبا جعفر،فما بدؤ هذا الحجر؟

قال:إن اللّه تعالي لما أخذ ميثاق بني آدم أجري نهرا أحلي من العسل و ألين من الزبد،ثم أمر القلم استمد من ذلك و كتب إقرارهم و ما هو كائن إلي يوم القيامة،ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذي تري إنما هو بيعة علي إقرارهم،و كان أبي إذا استلم الركن قال:اللهم أمانتي أديتها،و ميثاقي تعاهدته ليشهد لي عندك بالوفاء.

فقال الرجل:صدقت يا أبا جعفر.

ثم قام فلما ولي قال الباقر عليه السّلام لابنه الصادق عليه السّلام:أردده علي،فتبعه إلي الصفا فلم يره، فقال الباقر عليه السّلام:أراه الخضر عليه السّلام (3).

و عن ثوير بن أبي فاختة قال:خرجت حاجا فصحبني عمر بن ذر القاضي و ابن قيس الماصر و الصلت بن بهرام و كانوا إذا نزلوا منزلا قالوا:انظر الآن فقد حررنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر عليه السّلام منها عن ثلاثين كل يوم،و قد قلّدناك ذلك.

قال ثوير:فغمّني ذلك حتي إذا دخلنا المدينة فافترقنا فنزلت أنا علي أبي جعفر فقلت له:

جعلت فداك إنّ ابن ذر و ابن قيس الماصر و الصلت صحبوني و كنت أسمعهم يقولون:قد حررنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر عليه السّلام عنها فغمّني ذلك فقال أبو جعفر عليه السّلام:ما يغمك من ذلك؟فإذا جاؤوا فأذن لهم.فلما كان من غددخل مولي لأبي جعفر عليه السّلام فقال:جعلت فداك إنّ بالباب ابن ذر و معه قوم.

فقال لي أبو جعفر عليه السّلام:يا ثوير قم فأذن لهم،فقمت فأدخلتهم،فلما دخلوا سلموا و قعدوا و لم يتكلموا،فلما طال ذلك أقبل أبو جعفر عليه السّلام يستفتيهم الأحاديث و أقبلوا لا يتكلمون،فلما رأي ذلك أبو جعفر عليه السّلام قال لجارية له يقال لها سرحة:هاتي الخوان.فلما جاءت به فوضعته قال أبو

ص: 160


1- سورة البقرة،الآية:30.
2- سورة البقرة،الآية:33.
3- مناقب آل أبي طالب:333/3،و البحار:159/10 ح 11.

جعفر عليه السّلام الحمد للّه الذي جعل لكل شيء حدا ينتهي إليه حتي أنّ لهذا الخوان حدا ينتهي إليه، فقال ابن ذر:و ما حده؟

قال:إذا وضع ذكر اسم اللّه،و إذا رفع حمد اللّه.

قال:ثم أكلوا ثم قال أبو جعفر عليه السّلام:إسقيني فجاءته بكوز من أدم فلما صار في يده قال:

الحمد للّه الذي جعل لكل شيء حدا ينتهي إليه حتي أن لهذا الكوز حدا ينتهي إليه.

فقال ابن ذر:و ما حده؟

قال:يذكر اسم اللّه عليه إذا شرب،و يحمد اللّه عليه إذا فرغ،و لا يشرب من عند عروته،و لا من كسر إن كان فيه.قال:فلما فرغوا أقبل عليهم يستفتيهم الأحاديث فلا يتكلّمون،فلما رأي ذلك أبو جعفر عليه السّلام قال:يا ابن ذر ألا تحدّثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟

قال:بلي يا ابن رسول اللّه.

قال:إني تارك فيكم الثقلين،أحدهما أكبر من آخر:كتاب اللّه،و أهل بيتي،إن تمسكتم بهما لن تضلوا.

فقال أبو جعفر عليه السّلام:يا ابن ذر إذا لقيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:ما خلفتني في الثقلين؟فماذا تقول؟

قال:فبكي ابن ذر حتي رأيت دموعة تسيل علي لحيته،ثم قال:أما الأكبر فمز قناه،و أما الأصغر فقتلناه،فقال أبو جعفر عليه السّلام:إذا تصدقه يا ابن ذر لا و اللّه لا تزول قدم يوم القيامة حتي يسأل عن ثلاث:عن عمره فيما أفناه،و عن ماله أين اكتسبه و فيما أنفقه،و عن حبنا أهل البيت.

قال:فقاموا و خرجوا.

فقال أبو جعفر عليه السّلام لمولي:إتبعهم فانظر ما يقولون.

قال:فتبعهم ثم رجع فقال:جعلت فداك قد سمعتهم يقولون لابن ذر:ما علي هذا خرجنا معك فقال:ويلكم أسكتوا ما أقول إنّ رجلا يزعم أنّ اللّه يسألني عن ولايته،و كيف أسأل رجلا يعلم حدّ الخوان و حدّ الكوز (1).

***

بين الإمام الباقر عليه السّلام و رجل

عن بكير بن أعين قال:جاء رجل إلي أبي جعفر عليه السّلام فقال له:يا أبا جعفر:ما تقول في امرأة

ص: 161


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:159/10.

تركت زوجها و إخوتها لأمها و أختها لأبيها؟فقال أبو جعفر عليه السّلام للزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة أسهم،و للأخوة من الأم الثلث سهمان من ستة،و للأخت من الأب ما بقي و هو السدس سهم من ستة.

فقال له الرجل:فإن فرائض زيد و فرائض العامة و القضاة علي غير ذلك يا أبا جعفر،يقولون:

للأخت من الأب ثلاثة أسهم من ستة إلي ثمانية،فقال له أبو جعفر،عليه السّلام:و لم قالوا ذلك؟

قال:لأن اللّه تعالي يقول: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ (1).

فقال أبو جعفر عليه السّلام:فإن كان الأخت أخا؟

قال:ليس له إلا السدس،فقال أبو جعفر عليه السّلام:فمالكم نقصتم الأخ إن كنتم تحتجون للأخت بأن اللّه تعالي قد سمي لها النصف فإن اللّه تعالي قد سمي للأخ أيضا الكل،و الكل أكثر من النصف.

قال اللّه تعالي: فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ (2)فلا تعطون الذي جعل اللّه له الجميع في فرائضكم شيئا،و تعطونه السدس في موضع،و تعطون الذي جعل اللّه تعالي له النصف تاما؟!

فقال الرجل:و كيف نعطي الأخت أصلحك اللّه النصف و لا نعطي الأخ شيئا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:تقولون في أم و زوج و إخوة لأم و أخت لأب فتعطون الزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة تعول إلي تسعة،و الأم السدس،و الأخوة من الأم الثلث و الأخت من الأب النصف ثلاثة يرتفع من ستة إلي تسعة،فقال:كذلك يقولون،فقال:إن كانت الأخت أخا لأب؟

قال:ليس له شي.

فقال الرجل لأبي جعفر عليه السّلام:فما تقول أنت رحمك اللّه؟

قال عليه السّلام:فليس للأخوة من الأب و الأم و لا للأخوة من الأم و لا للأخوة من الأب مع الأم شي (3).0.

ص: 162


1- سورة النساء،الآية:176.
2- سورة النساء،الآية:176.
3- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:163/10.

المحتويات

هو محمّد الباقر 5

في أسرار أبي جعفر الباقر عليه السّلام 8

ذكر أمه عليهما السّلام 11

مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السّلام 12

أسماء الإمام الباقر عليه السّلام 13

النبي يقرء الباقر السلام من اللّه 14

الآيات النازلة في الإمام الباقر عليه السّلام 17

ما نسب للإمام الباقر عليه السّلام من الشعر 17

أولاد الإمام الباقر عليه السّلام 18

شهادة الإمام الباقر عليه السّلام 19

وصايا الإمام الباقر عليه السّلام 19

وصيّة الإمام الباقر عليه السّلام للشيعة 21

فضل زيارة محمّد بن علي الباقر عليه السّلام 24

نقش خواتيمه عليه السّلام 25

صفة الإمام الباقر عليه السّلام 26

وصيّة الإمام زين العابدين للباقر عليهما السّلام 26

إحياء الإمام الباقر عليه السّلام للأموات 26

قدرة الإمام الباقر عليه السّلام 28

إحاطته عليه السّلام بكل شيء 32

قدرة آل محمد علي تسخير السحاب و البرق و الرعد و الريح و عين القطر 32

معرفة الإمام الباقر عليه السّلام للغة الحيوانات 37

معرفة الإمام الباقر عليه السّلام للغة الجن 39

دعاء الإمام الباقر عليه السّلام المستجاب 39

ص: 163

علم الإمام الباقر عليه السّلام 40

علم الإمام الباقر عليه السّلام للغيب 41

مواعظ الإمام الباقر عليه السّلام 50

موعظته عليه السّلام لجابر 62

تسليمه عليه السّلام لأمر اللّه 63

حلمه عليه السّلام 63

كرم الإمام الباقر عليه السّلام 64

عبادة الإمام الباقر عليه السّلام 64

رحمة الإمام الباقر عليه السّلام بعبيده 65

رحمته عليه السّلام بأصحابه و عطفه عليهم 65

تظلّم الإمام الباقر عليه السّلام 65

حديث الإمام الباقر عليه السّلام في ابتداء الخلق 66

حديث الإمام الباقر عليه السّلام في أساس الإسلام و الإيمان 69

رسالة الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السّلام 75

النص علي الإمام محمد بن علي الباقر عليه السّلام 75

مدرسة الإمام الباقر عليه السّلام 79

حقيقة علم آل محمد عليهم السّلام 80

بحث حول علوم آل محمد صلوات اللّه عليهم 82

تمهيد:وجوب معرفة علم الإمام 82

سبب إخفاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للعلم الربّاني 84

الجهة الأولي:علم آل محمّد عليهم السّلام و أقسامه 87

مراتب علم آل محمد عليهم السّلام و أقسامه 88

وجوه الجمع بين أحاديثهم الصعبة 90

الجهة الثانية:زمان علم آل محمّد عليهم السّلام 91

الجهة الثالثة:ماهية علم آل محمّد عليهم السّلام 96

*الإحتمال الأوّل:العلم الكسبي الحصولي 96

ص: 164

*الإحتمال الثاني:العلم اللدني 97

الآيات الدالة علي العلم اللدني 97

الأحاديث الدالة علي العلم اللدني 106

الدليل العقلي علي العلم اللدني 108

التقريب الاول:العلم الحضوري للإمام أكمل في اللطف 108

التقريب الثاني:العلم اللدني أنفع للأمّة 108

التقريب الثالث:العلم اللدني أكمل للإمام 109

التقريب الرابع:العلم الحصولي علم متغير لا يفيد اليقين 109

الفرق بين العلم اللدني الحضوري و الكسبي الحصولي 109

العلم الإرادي 112

تمحيص الإحتمالات 113

شبهات حول العلم اللدني 116

ردّ الشبهات 117

أمّا الروايات:120

الملوك و الحكام الذين عاصرهم الإمام الباقر و مناظراته معهم 123

مناظرات محمد بن علي الباقر و احتجاجاته عليه السّلام 124

ذكر الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان 129

بين الإمام الباقر عليه السّلام و جابر 131

بين هشام بن الحكم و الديصاني 132

بين الإمام الباقر عليه السّلام و هشام بن عبد الملك 134

بين الإمام الباقر و هشام 134

بين الإمام الباقر عليه السّلام و زيد بن الحسن 139

بين الإمام الباقر عليه السّلام و سعد بن عبد الملك 140

بين الإمام الباقر عليه السّلام و كثير 140

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد اللّه بن المبارك 141

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد اللّه الأزرق 142

ص: 165

بين الإمام الباقر عليه السّلام و قتادة 143

بين الإمام الباقر عليه السّلام و طاوس اليماني 143

بين الإمام الباقر عليه السّلام و أبي حنيفة 146

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد اللّه الليثي 146

بين الإمام الباقر و هشام بن عبد الملك 147

بين الإمام الباقر و عمر بن عبد العزيز 148

بين الإمام الباقر عليه السّلام و عبد الملك بن مروان 149

بين الإمام الباقر و عبد اللّه بن عمر 153

بين الإمام الباقر و نصراني 153

بين الإمام الباقر عليه السّلام و الأبرش الكلبي 157

بين الإمام الباقر عليه السّلام و محمد بن المنكدر 157

بين الإمام الباقر و نافع بن الأزرق 158

بين الإمام الباقر عليه السّلام و الكيسانية 159

بين الإمام الباقر عليه السّلام و ابن ذر 160

بين الإمام الباقر عليه السّلام و رجل 161

ص: 166

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.