موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 11

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الحادي عشر

هو سيد الساجدين

هو سيد الساجدين(1)

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هو سيّد الساجدين و زين العابدين و قدوة السالكين و الزاهدين،إمام الثقلين ذو الثّفنات أبو الحسن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما،خلّف كتابا جذب عقول الحكماء المتألهين إلي دقائق حقائقه،و شحذ أفكار العلماء الشامخين في درك أسرار لطائفه،فغاصوا في بحار معانيه لاقتناء درره،و شمّروا عن ساق الهمة لاجتناء ثمره،فنالتهم العائدة من تلك المائدة الإلهية بقدر الوسع و القابليّة،ألا و هو زبور آل محمّد و إنجيل أهل البيت الصحيفة الكاملة السجاديّة.أرأيت هل تيسّر لأحد من العلماء المتبحّرين في الفنون العديدة أن يحذو حذوه في أداء تلك المعاني الجزيلة،بتلك العبارات الوجيزة الجميلة و هل تجد لأسلافنا الماضين،من غير بيت الآل من نسج المعاني بالألفاظ علي ذلك المنوال؟و لعمري و ما عمري عليّ بهيّن لو أعيد عبد الحميد و عوضد بابن العميد علي أن يأتي بمثل دعاء منها،لرأيت أنه لا يلوم إلاّ نفسه و لا يروم إلاّ رمسه.

و لله درّ الحكيم البارع و العالم الجامع المتضلّع في الفنون العلمية،صاحب الكتب القيمة صدر الدين المدني عليّ بن أحمد نظام الدين الحسيني الحسني،حيث قال في مقدمة شرحه علي صحيفة سيّد الساجدين الموسوم برياض السالكين:و اعلم أنّ هذه الصحيفة الشريفة عليها مسحة من العلم الإلهي،و فيها عبقة من الكلام النبوي،كيف لا و هي قبس من نور مشكاة الرسالة،و نفحة من شميم رياض الإمامة حتّي قال بعض العارفين:إنّها تجري مجري التنزيلات السماوية و تسير مسير الصحف اللوحيّة و العرشيّة لما اشتملت عليه من أنوار حقائق المعرفة،و ثمار حدائق الحكمة،و كان أخيار العلماء و جهابذ القدماء من السلف الصالح يلقّبونها بزبور آل محمّد و إنجيل أهل البيت قال الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب في معالم العلماء،في ترجمة المتوكل بن عمير:روي عن يحيي بن زيد بن عليّ دعاء الصحيفة و تلقب بزبور آل محمّد.

ثمّ قال:و أمّا بلاغة بيانها فعندها تسجد سحرة الكلام،و تذعن بالعجز عنها مدارة الأعلام و تعترف بأنّ النّبوة غير الكهانة،و لا يستوي الحقّ و الباطل في المكانة،و من حام حول سمائها

ص: 5


1- انظر أخباره عليه السّلام في المعارف:213 و وفيات الاعيان 266/3 رقم 422،و تهذيب الكمال 237/13 و تهذيب التهذيب 192/4 و طبقات ابن سعد 211/5 و حلية الأولياء 133/3 و الجرح و التعديل 176/6 و التاريخ الكبير 266/6 و تذكرة الحفاظ 70/1 و سير أعلام النبلاء 386/4 و تاريخ الإسلام(حوادث سنة 81-100 ص 431).

بغاسق فكره الواقب،رمي من رجوم الخذلان بشهاب ثاقب.حكي ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب:أنّ بعض البلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال:خذوا عنّي حتّي أملي عليكم مثلها،فأخذ القلم و أطرق رأسه فما رفع حتّي مات،و لعمري لقد رام شططا فنال سخطا.

انتهي ما أردنا من نقل كلامه.

و قال بعض العلماء في مقدمته علي صحيفة سيّد الساجدين:و إنّي في سنة 1353 ه بعثت نسخة من الصحيفة الشريفة إلي العلامة المعاصر الشيخ جوهري طنطاوي صاحب التفسير المعروف، مفتي الاسكندريّة ليطالعها فكتب إليّ من القاهرة وصول الصحيفة و شكر لي علي هذه الهدية السنيّة، و أطري في مدحها و الثناء عليها-إلي أن قال:و من الشقاء أنّا إلي الآن لم نقف علي هذا الأثر القيّم الخالد من مواريث النبّوة،و أهل البيت،و إنّي كلّما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق-إلي آخر ما قال.

ثمّ سألني هل شرحها أحد من علماء الإسلام فكتبت إليه أسماء من شرحه،ممن كنت أعلم به و قدّمت لسماحته رياض السالكين للسيّد علي خان،و كتب في جواب وصوله إنّي مصمّم و مشمّر الذيل علي أن أكتب شرحا علي هذه الصحيفة العزيزة.انتهي (1).

كلام محيي الدين الأعرابي أو المغربي فيه قال في المناقب:صلوات اللّه و ملائكته و حملة عرشه و جميع خلقه من أرضه و سمائه علي آدم أهل البيت،المنزّه عن كيت و ما كيت،روح جسد الإمامة،شمس الشهامة،مضمون كتاب الإبداع،حلّ تعمية الإختراع سرّ اللّه في الوجود،إنسان عين الشهود،خازن كنوز الغيب،مطل نور الإيمان،كاشف مستور العرفان،الحجة القاطعة،و الدرة اللامعة،ثمرة شجرة طوبي القدسيّة،أزل الغيب و أبد الشهادة،السرّ الكلّ في سرّ العبادة،و تد الأوتاد و زين العبّاد،إمام العالمين،و مجمع البحرين،زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السّلام.

و قال محمد بن طلحة الشافعي:هذا زين العابدين و قدوة الزاهدين،و سيّد المتقين و إمام المؤمنين،سمته يشهد له أنّه من سلالة رسول اللّه،و سمته يثبت مقام قربة من اللّه زلفي،و ثفناته يسجل بكثرة صلاته و تهجده.

و إعراضه عن متاع الدّنيا ينطق بزهده،درّت له أخلاق التقوي فيعوقها،و أشرقت لربه أنوار التأييد فاهتدي بها،و ألقته أوراد العبادة فأنس بصحبتها،و خالفته وظائف الطاعة فتحلّي بحليتها، طالما اتخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة،و ظماء هواء حرّ دليلا استرشد به في مفازة المسافرة،و له من الكرامات و خوارق العادات ما شوهد بالأعين الباصرة،و ثبت بالآثار المتواترة، و شهد له أنّه من ملوك الآخرة (2).2.

ص: 6


1- بحار الأنوار:210/104.
2- كشف الغمة:285/2،و وفيات الأمة:152.

و قال أحمد بن خلّكان في وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان في ترجمته:أبو الحسن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب المعروف بزين العابدين و يقال له:عليّ الأصغر و ليس للحسين عقب إلاّ من ولد زين العابدين،هذا و هو أحد الأئمة الإثني عشر و من سادات التابعين،قال الزهري:ما رأيت قرشيا أفضل منه،و كان يقال لزين العابدين ابن الخيرتين لقوله:للّه تعالي من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس (1).

نقل عنه الحفاظ و المحدّثون و استفاد من علمه العلماء الربانيون.

و ذكر ابن عساكر أنه روي عن أبيه،و عمّه،و عبد اللّه بن عباس،و جابر بن عبد اللّه،و المسور بن مخرمة،و مروان بن الحكم،و أم سلمة و صفية بنت حيي زوجتي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و سعيد بن المسيّب، و سعيد بن مرجانة،و عمرو بن عثمان بن عفّان (2).

و روي عنه:الزهري،و زيد بن أسلم،و يحيي بن سعيد الأنصاري،و حكيم بن جبير،و عبد اللّه بن مسلم بن هرمز،و ابنه أبو جعفر محمّد بن علي.

و قدم دمشق بعد قتل أبيه الحسين بن علي،و مسجده المنسوب إليه فيها معروف (3).

***

ذكر أمه عليهما السّلام

اشارة

أمّ ولد إسمها غزالة (4).

و قيل:بل كان إسمها شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسري. (5).

و قيل اسم أمه شهربانويه.

و قد قال بعض أصحاب السير:إسمها بانو،و قال بعضهم:شهربانو،و قال بعضهم:سلامة، و قال بعضهم:غزالة.

و قيل:روي في كشف الغمة عن ابن خشاب أنّ اسمها كان خويلة (6).

ص: 7


1- مناقب آل أبي طالب:304/3،و مناقب أهل البيت للشيرواني:256.
2- تاريخ مدينة دمشق:360/41.
3- تاريخ مدينة دمشق:360/41.
4- الطبقات الكبري 211/5،المعارف:125،ترجمة الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام من تاريخ دمشق:/13 9،صفة الصفوة 93/2.
5- الإرشاد 2:137،مناقب ابن شهرآشوب 189/4،أعلام الوري 480/1.
6- شرح أصول الكافي:236/7.

و قيل:غير ذلك (1).

و عن خليفة بن خياط قال:علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،أمه فتاة يقال لها سلاّمة، يكني أبا محمد.

و عن الزبير بن بكار،قال:و ولد الحسين بن علي بن أبي طالب:عليا الأكبر،قتل مع أبيه بالطفّ،و أمه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود،و علي الأصغر بن الحسين لأم ولد.

و عن محمّد بن سعد قال في الطبقة الثانية:علي بن حسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم،و أمّه أم ولد،إسمها غزالة،خلف عليها بعد حسين زييد مولي الحسين بن علي، فولدت له عبد اللّه بن زييد و لعلي بن حسين هذا العقب من ولد حسين،و هو علي الأصغر بن الحسين،و أمّا علي الأكبر فقتل مع أبيه بكربلاء (2).

و ذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار أنّ الصحابة لمّا أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب،كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد أيضا فباعوا السبايا و أمر عمر ببيع بنات يزدجرد.

فقال له عليّ بن أبي طالب:أنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة كغيرهنّ من بنات السوقة، فقال:كيف الطريق إلي العمل معهن؟

قال:يقوّمن و مهما بلغ من ثمنهنّ قام به من يختارهنّ،فقوّمن فأخذهنّ عليّ بن أبي طالب، فدفع واحدة لعبد اللّه بن عمر،و الأخري لولده الحسين،و الأخري لمحمّد بن أبي بكر،فأولد عبد اللّه أمته ولده سالما،و أولد الحسين أمته زين العابدين،و أولد محمّد أمته القاسم فهؤلاء الثلاثة بنو خالة و أمهاتهم بنات يزدجرد.

ثمّ قال:و حكي المبرّد في كتاب الكامل ما مثاله،يروي عن رجل من قريش لم يسمّ لنا قال:

كنت أجالس سعيد بن المسيّب فقال لي يوما:من أخوالك؟

فقلت:أمي فتاغة،فكأنّي نقصت في عينه،فأمهلت حتّي دخل سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب،فلمّا خرج من عنده قلت:يا عم من هذا؟

فقال:يا سبحان اللّه العظيم أتجهل مثل هذا،هذا من قومك هذا سالم بن عبد اللّه بن عمر.

قلت:فمن أمّه؟

فقال:فتاة.5.

ص: 8


1- تاريخ ابن الخشاب:179،ربيع الأبرار 402/1،ترجمة الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام من تاريخ دمشق: 18/17.
2- طبقات ابن سعد 211/5.

قال:ثمّ أتاه القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّديق،فجلس عنده ثمّ نهض،قلت:يا عمّ من هذا؟

قال:أتجهل من أهلك مثله ما أعجب هذا،هذا القاسم بن محمّد بن أبي بكر.

قلت:فمن أمّه.

قال:فتاة.

فأمهلت شيئا حتّي جاءه عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فسلّم عليه ثمّ نهض قلت:يا عمّ من هذا؟

فقال:هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله،هذا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.

فقلت:من أمّه؟

فقال:فتاة.

فقلت:يا عم رأيتني نقصت من عينك حين قلت لك:أمّي فتاة أفما لي بهؤلاء أسوة،قال:

فجلّلت في عينه جدّا (1).

و في كتاب كشف اليقين:ولد عليه السّلام بالمدينة في الخميس الخامس من شعبان سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة قبل وفاة جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام بسنتين و أمّه أمّ ولد إسمها غزالة و قيل شاه زنان بنت يزدجرد و كان عمره سبع و خمسين سنة (2).

و في رواية إنّه ولد سنة سبع و ثلاثين و قبض و هو ابن سبع و خمسين سنة أربع و تسعين و كان بقاؤه بعد أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة (3).

و في كتاب عيون الأخبار مسندا إلي سهل بن القاسم النوشجاني قال:قال لي الرضا عليه السّلام بخراسان:إنّ بيننا و بينكم نسبا.

قلت:و ما هو؟قال:إنّ عامر بن عبد اللّه بن كريز لمّا افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد ملك الأعاجم فبعث بهما إلي عثمان بن عفّان فوهب إحداهما للحسن و الاخري للحسين عليهما السّلام، فماتتا عندهما نفساوين،كانت صاحبة الحسين عليه السّلام نفست بعليّ بن الحسين فكفل عليّا بعض أمّهات ولد أبيه فنشأ و هو لا يعرف أمّا غيرها،ثمّ علم إنّها مولاته و كان الناس يسمّونها أمّه و زعموا أنّه زوّج أمّه و معاذ اللّه إنّما زوج هذه علي ما ذكرناه،و كان سبب ذلك إنّه واقع بعض نسائه ثمّ خرج يغتسل فلقيته أمّه هذه فقال لها:إن كان في نفسك من هذا الأمر شيء فاتّق اللّه و أعلميني.8.

ص: 9


1- بحار الأنوار:151/46 ح 10،و الأنوار البهية:127.
2- ولائل الإمامة:191،و البحار:192/95.
3- تاريخ مواليد الأئمة:23،و البحار:8/46 ح 18.

فقالت:نعم،فزوّجها،فقال ناس:زوّج عليّ بن الحسين أمّه (1).

قال سهل بن القاسم:ما بقي طالبي عندنا إلاّ كتب هذا الحديث عن الرضا عليه السّلام (2)

و في كتاب الخرائج روي عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا قدمت ابنة يزدجرد المدينة علي عمر أمر أن ينادي عليها فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يجوز بيع بنات الملوك و إن كنّ كافرات و لكن أعرض عليها أن تختار رجلا من المسلمين فوضعت يدها علي منكب الحسين عليه السّلام فقال:«چه نام داري آي كينزك»يعني ما اسمك يا صبيّة؟

قالت:جهانشاه.

فقال:بل شهربانويه،قالت:تلك أختي،قال:راست گفتي،أي صدقت،ثمّ التفت إلي الحسين عليه السّلام و قال:احتفظ بها و أحسن إليها فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك فولدت عليّ ابن الحسين (3).

و يروي أنّها ماتت في نفاسها به و إنّما اختارت الحسين عليه السّلام لأنّها رأت فاطمة و أسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين و لها قصّة و هي أنّها قالت:رأيت في المنام قبل ورود عسكر المسلمين كأنّ محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دخل دارنا و قعد مع الحسين و خطبني له و زوّجني منه فلمّا أصبحت كان ذلك يؤثّر في قلبي و ما كان لي خاطر غير هذا فلمّا كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمّد قد أتتني و عرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثمّ قالت:إنّ الغلبة تكون للمسلمين و انّك تصلين عن قريب إلي ابني الحسين سالمة قالت:و كان من الحال أن خرجت من المدينة ما مسّ يدي إنسان (4).

و في كتاب بشائر المصطفي سأل أمير المؤمنين عليه السّلام شاه زنان بنت كسري حين أسرت ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟

قالت:حفظت عنه كان يقول إذا غلب اللّه علي أمر ذلّت المطامع دونه و إذا انقضت المدّة كان الحتف في الحيلة.

فقال عليه السّلام:ما أحسن ما قال أبوك تذلّ الامور للمقادير حتّي يكون الحتف في التقدير (5).

و عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا أقدمت بنت يزدجرد علي عمر أشرف لها عذاري المدينة و أشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته،فلمّا نظر إليها عمر غطّت وجهها و قالت:أف بيروج باذا هرمز (6).

ص: 10


1- عيون أخبار الرضا:136/1 ح 6.
2- عيون أخبار الرضا:136/1 ح 6.
3- عيون المعجزات:62،و البحار:11/46.
4- البحار:11/46.
5- الإرشاد:302/1،و البحار:12/46 ح 22.
6- معرب اف بيروز بادا هرمز،تكلمت به لما نزلت بها من إبرازها في الأجانب و خذلانها بالأسر بعد ما كانت مخدرة مستورة لا يراها أحد منهم و معززة مكرمة عند أهلها و هذه الكلمة يتكلم بها من وقع في بلية لا تخطر بباله أصلا و لا يذهب و همه إليها أبدا.

فقال عمر:أتشتمني هذه و همّ بها.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:ليس ذلك لك،خيّرها رجلا من المسلمين و احسبها بفيئه، فخيّرها فجاءت حتّي وضعت يدها علي رأس الحسين عليه السّلام فقال لها أمير المؤمنين:ما اسمك؟

فقالت:جهان شاه.

فقال لها أمير المؤمنين عليه السّلام:بل شهربانويه،ثمّ قال للحسين:يا أبا عبد اللّه لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض،فولدت عليّ بن الحسين عليهما السّلام و كان يقال لعليّ بن الحسين عليهما السّلام:ابن الخيرتين، فخيرة اللّه من العرب هاشم،و من العجم فارس.

و روي أنّ أبا الأسود الدؤلي قال فيه:

و إنّ غلاما بين كسري و هاشم لأكرم من نيطت (1)عليه الّتمائم (2)

***

برّ الإمام علي بن الحسين بأمّه عليهما السّلام

و كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام كثير البرّ بأمّه عليه السّلام،حتي قيل له:إنّك من أبرّ النّاس بأمّك و لسنا نراك تأكل معها في صحفة،فقال عليه السّلام:أخاف أن تسبق يدي إلي ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها (3).

***

ولادة علي بن الحسين عليه السّلام

ولد عليّ بن الحسين عليهما السّلام في سنة ثمان و ثلاثين و قبض في سنة خمس و تسعين و له سبع

ص: 11


1- النوط التعليق يقال:ناطه ينوطه نوطا أي علقه عليه،و التمائم جمع تميمة و هي خرزات كانت الأعراب يعلقونها علي أولادهم يتقون بها العين بزعمهم.قال القتيبي:و بعضهم يتوهم أن المعاذات هي التمائم و ليس كذلك إنما التميمة الخرزة،و قد وقع النهي عنها و أما المعاذات فلا بأس بها إذا كتب فيها القرآن أو أسماء الله تعالي،قال الأزهري:و من جعل التمائم سيورا فغير مصيب،و أما قول الفرزدق: و كيف يضل العنبري ببلدة بها قطعت عنه سيور التمايم فإنه أضاف السيور إليها لأنها تثقب و تجعل فيها سيور أو خيوط تعلق بها و مقصود أبي الأسود أنه عليه السلام كريم نجيب من الطرفين طرف الأب و طرف الأم و هو أكرم الخلق و أشرفهم.
2- الكافي:467/1 ح 1.
3- بحار الأنوار:151/46 ح 10،و الأنوار البهية:127.

خمسون سنة،و أمّه سلامة بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسري أبرويز و كان يزدجرد آخر ملوك الفرس (1).

و قيل ولد بالمدينة سنة ست و ثلاثين من الهجرة يوم الجمعة و قيل الخميس في النصف من جمادي الآخرة و قيل لتسع خلون من شعبان عاش مع جده سنتين و مع عمه عشر سنين و مع أبيه أحد عشرة سنة و بعد أبيه أربعا و ثلاثين سنة و هي مدة إمامته.

توفي في المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس و تسعين للهجرة و له سبع و خمسون سنة و دفن بالبقيع (2).

و قيل:كانت ولادته يوم الجمعة في بعض شهور سنة 38 للهجرة و توفي سنة 94 و قيل 99 و قيل 92 للهجرة بالمدينة و دفن في البقيع في قبر عمه الحسن بن عليّ في القبة التي فيها قبر العبّاس (3).

و قيل ولد بالمدينة في الخميس الخامس من شعبان سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة،في أيام جده علي بن أبي طالب عليه السّلام قبل وفاته بسنتين (4).

و في كتاب المناقب كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة و كان في سني إمامته بقيّة ملك يزيد و ملك معاوية بن يزيد و ملك مروان و عبد الملك و توفّي في ملك الوليد سمّه الوليد بن عبد الملك (5).

***

في أنّه وارث أبيه عليهما السّلام

في الأمالي عن محمّد بن مسلم قال:سألت الصادق عليه السّلام عن خاتم الحسين عليه السّلام إلي من صار و ذكرت له أنّي سمعت أنه أخذ من إصبعه فيما أخذ.

قال عليه السّلام:ليس كما قالوا:إنّ الحسين عليه السّلام أوصي إلي ابنه عليّ بن الحسين و جعل خاتمه في إصبعه و فوّض إليه أمره كما فعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بأمير المؤمنين و هو بالحسن و الحسن بالحسين ثمّ صار ذلك الخاتم إلي أبي و منه إليّ و أبي لابسه في كلّ جمعة فرأيته في إصبعه يوم الجمعة نقشه لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء اللّه (6).

ص: 12


1- الكافي:466/1 ح 9،و البحار:13/46 ح 25.
2- بحار الأنوار:13/46 ح 27.
3- بحار الأنوار:151/46 ح 10،و الأنوار البهية:127.
4- تاريخ ابن الخشاب:178،الإرشاد 137/2،مناقب ابن شهر آشوب 189/4.
5- مناقب آل أبي طالب:311/3،و البحار:13/46 ح 24.
6- البحار:248/43 ح 23،و أمالي الصدوق:208 ح 13.

و في كتاب البصائر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته الكبري فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا فدفعت فاطمة الكتاب إلي عليّ بن الحسين و إنّما دفعه إلي فاطمة،لأنّ عليّ بن الحسين كان مبطونا لا يرون إنّه إلاّ لما به ثمّ صار ذلك الكتاب إلينا فقلت:فما في ذلك الكتاب؟

فقال:و اللّه جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلي أن تفني الدّنيا (1).

و عن الفضيل قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:لمّا توجّه الحسين إلي العراق دفع إلي أمّ سلمة الوصية و الكتب و غير ذلك و قال لها:إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام أتي عليّ بن الحسين أمّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السّلام (2).

***

وفاته و دفنه عليه السّلام

قيل مات في الثامن عشر من المحرم سنة أربع و تسعين (3)و قيل:خمس و تسعين (4).

و قد تقدّم ذكر ولادته في سنة ثمان و ثلاثين فيكون سبعا و خمسين سنة (5)كان منها مع جده سنتين،و مع أبي محمد الحسن عشر سنين،و أقام مع أبيه بعد عمه الحسن عشر سنين،و بقي بعد قتل أبيه تتمة ذلك.

و قبره بالبقيع بمدينة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في القبر الذي فيه عمه الحسن،و هو الآن في القبّة التي فيها العباس بن عبد المطلب (6).

***

ألقاب و كني علي بن الحسين عليه السّلام

اشارة

قال أهل التراجم:كان للحسين عليه السّلام ولد آخر أكبر من من السجاد قتل بين يدي والده،و ولد

ص: 13


1- بصائر الدرجات:183 ح 3،و البحار:36/26 ح 62.
2- البحار:8/46 ح 3،و مكاتيب الرسول:54/2 ح 65.
3- الطبقات الكبري 221/5،المعارف:125،الكامل في التاريخ 582/4،ترجمة الإمام علي بن الحسين من تاريخ دمشق 5/12،صفة الصفوة 102/2،تهذيب التهذيب 307/7.
4- ترجمة علي بن الحسين من تاريخ دمشق 155/117 و 167.
5- مناقب آل أبي طالب 189/4،تاريخ ابن الخشاب:178.
6- مناقب آل أبي طالب 189/4،صفة الصفوة 102/2،ترجمة علي بن الحسين من تاريخ دمشق 156/117 -157،وفيات الأعيان 269/3.

طفل صغير له فجاءه سهم فقتله و قد تقدّم ذكر ذلك،و كان كلّ واحد منهما يسمي عليّا أيضا.

و عن نوح بن حبيب يقول:علي بن حسين بن علي بن أبي طالب يكنّي أبا الحسين (1).

و في الطبقات:قال في الطبقة الثانية:علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أحد بني هاشم، و يكنّي أبا محمد (2).

محمّد بن إسماعيل قال:علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي المدني، و يقال:أبو الحسين،كنّاه محمّد بن إسحاق (3).

و عن عيسي بن دينار،حدّثني أبو جعفر في حديث ذكره:أنّ علي بن الحسين يكنّي أبا الحسين،و في غير هذا الحديث أنه كان يكنّي أبا محمد،و كان علي بن حسين ثقة،مأمونا،كثير الحديث،عاليا،رفيعا،ورعا (4).

عن الزّهري قال:ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين،و كان علي بن الحسين مع أبيه يوم قتل و هو ابن ثلاث و عشرين سنة،و هو مريض،فقال عمر بن سعد:لا تعرّضوا لهذا المريض، و لقي علي بن الحسين جابر بن عبد اللّه (5).

و في كتاب المناقب لقبه عليه السّلام زين العابدين و سيّد الساجدين و زين الصالحين و وارث علم النبيّين و وصّي الوصيّين و خازن وصايا المرسلين و إمام المؤمنين و منار القانتين و الخاشع و المتهجّد و الزاهد و العابد و العدل و البكّاء و السجّاد و ذو الثفنات و إمام الأمّة و أبو الأئمّة و كنيته أبو الحسن و أبو محمّد و أبو القاسم.

و روي أنّه يكنّي بأبي بكر (6).

و ألقابه كثيرة أشهرها زين العابدين،و سيد العابدين،و الزكي،و الأمين،و ذو الثفنات (7).

و في كتاب كشف اليقين أنّ من ألقابه الزكي و الأمين.

و قيل:كان سبب لقبه زين العابدين أنّه كان ليلة في محرابه قائما في تهجّده،فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه،فجاءه إلي إبهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته،فلمّا فرغ منها و قد كشف اللّه تعالي له فعلم أنّه شيطان فسبّه و لطمه و قال:0.

ص: 14


1- الجرح و التعديل 178/6.
2- طبقات ابن سعد 211/5.
3- التاريخ الكبير للبخاري 266/6 رقم 2364.
4- طبقات ابن سعد 212/5 و 222 و البداية و النهاية 179/9.
5- تاريخ الإسلام(حوادث سنة 81-100 ص 432).
6- تاريخ ابن الخشاب:180،الإرشاد 137/2 بنحوه،مناقب ابن شهر آشوب 189/4.
7- تاريخ ابن الخشاب:180.

(إخس يا ملعون)فذهب و قام إلي إتمام ورده،فسمع صوتا و لا يري قائله و هو يقول له:أنت زين العابدين ثلاثا.فظهرت هذه الكلمة و اشتهرت لقبا له (1).

***

سبب تسميته بزين العابدين عليه السّلام

من كتاب علل الشرائع بإسناده إلي عمران بن سليم قال:كان الزهري إذا حدّث عن عليّ ابن الحسين قال:حدّثني زين العابدين عليّ بن الحسين.

فقال له سفيان بن عيينة:و لم تقول له:زين العابدين؟

قال:لأنّي سمعت سعيد بن المسيّب يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:إذا كان يوم القيامة ينادي مناد:أين زين العابدين،فكأنّي أنظر إلي ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف يعني يتمايل في مشيته كالمعجب بنفسه (2).

و في مناقب ابن عبد العزيز أنّه قال يوما و قد قام من عنده عليّ بن الحسين عليهما السّلام:من أشرف الناس؟

فقالوا:أنتم.

فقال:كلاّ،إنّ أشرف الناس هذا القائم من عندي،من أحبّ الناس أن يكونوا منه و لم يحبّ أن يكون من أحد (3).

و في ربيع الأبرار عن الزمخشري روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:للّه من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس،و كان يقول:عليّ بن الحسين أنا ابن الخيرتين لأنّ جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمّه بنت يزدجرد الملك،و أنشأ أبو الأسود شعر:

و إنّ غلاما بين كسري و هاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم (4)

بيان:التمائم خرزات كانت العرب تعلّقها علي أولادها يتّقون بها العين أو الأعمّ منها و من العوذ و الغرض التعميم بأنّه أفضل الخلق.

***

ص: 15


1- مناقب ابن شهر آشوب 146/4.
2- علل الشرائع:230/1 ح 1،و أمالي الصدوق:410 ح 12.
3- مناقب آل أبي طالب:230/3 ح 1،و البحار:3/46 ح 4.
4- الكافي:467/1 ح 1،و البحار:4/46 ح 4.

علّة لقبه سيّد الساجدين

في كتاب العلل عن الباقر عليه السّلام إنّ أبي عليّ بن الحسين ما ذكر للّه عزّ و جلّ نعمة عليه إلاّ سجد و لا قرأ آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فيها سجود إلاّ سجد و لا دفع اللّه عزّ و جلّ عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلاّ سجد،و لا فرغ من صلاته مفروضة إلاّ سجد،و لا وفق بين اثنين إلاّ سجد و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السجّاد لذلك (1).

و عنه عليه السّلام كان أبي عليه السّلام في موضع سجوده آثار نائتة و كان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات فسمّي ذا الثفنات (2).

***

في نقش خاتم علي بن الحسين عليه السّلام

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:كان في خاتم عليّ بن الحسين:الحمد للّه العليّ (3).

و عن أبي الحسن عليه السّلام:كان نقش خاتم عليّ بن الحسين عليهما السّلام:خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه (4).

و عن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره (5).

و كان عليّ بن الحسين يتختّم بخاتم أبيه (6).

و عن الباقر عليه السّلام؛كان نقش خاتم أبي:العزّة للّه (7).

***

فضل علي بن الحسين عليه السّلام

عن أبي الزبير قال:كنا عند جابر،فدخل عليه علي بن الحسين،فقال:كنت عند رسول

ص: 16


1- علل الشرائع:233/1 ح 1،و البحار:6/46 ح 10،و مناقب آل أبي طالب:304/3.
2- علل الشرائع:233/1 ح 1،و البحار:6/46 ح 12.
3- الكافي:473/6 ح 2،و البحار:5/46 ح 7.
4- أمالي الصدوق:194 ح 7،و البحار:3/102/101.
5- دلائل الإمامة:181،و البحار:63/11 ح 1.
6- الكافي:474/6 ح 9،و البحار:63/11 ح 1.
7- الكافي:473/6 ح 2،و أمالي الصدوق:543 ح 5.

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدخل عليه الحسين بن علي،فضمّه إليه،و قبّله و أقعده إلي جنبه،ثم قال:«يولد لابني هذا ابن يقال له عليّ،إذا كان يوم القيامة نادي مناد من بطنان العرش:ليقم سيد العابدين فيقوم هو» (1).

عن رزين بن عبيد قال:كنت عند ابن عباس فأتي علي بن الحسين فقال ابن عباس:مرحبا بالحبيب بن الحبيب (2).

و عن ابن شهاب قال:ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين (3).

قال الزهري:ما كان أكثر مجالستي علي بن الحسين و ما رأيت أحدا كان أفقه منه (4).

و عنه قال:كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته و أفقههم و أحسنهم طاعة.

و قال:لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن حسين.

و عن ابن زيد قال:كان أبي يقول:ما رأيت مثل علي بن الحسين فيهم قط (5).

إبن أبي حازم قال:سمعت أبا حازم يقول:ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين (6).

و عن ابن وهب عن مالك قال:لم يكن في أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مثل علي بن الحسين، و هو ابن أمة.

و عن يحيي بن سعيد،قال:قال:سمعت علي بن الحسين و كان أفضل هاشمي أدركته يقول:

يا أيها الناس أحبّونا حبّ الإسلام،فما برح بنا حبّكم حتي صار علينا عارا (7).

قال أبو بكر بن البرقي:و نسل الحسين بن علي كله من قبل علي الأصغر،و أمه أم ولد،و كان أفضل أهل زمانه (8).

و عن أبي عبد اللّه الحافظ (9)عن أبي بكر بن أبي شيبة قال:أصحّ الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.

***ث.

ص: 17


1- البحار:7/46 ح 17،و لسان الميزان:168/5.
2- فضائل الصحابة لأحمد ج /2ح 30 و الطبقات الكبري 213/5.
3- المعرفة و التاريخ 544/1،و تاريخ أبي زرعة الدمشقي 536/1.
4- المعرفة و التاريخ 544/1.
5- المعرفة و التاريخ 544/1.
6- حلية الأولياء 141/3.
7- نسب قريش للمصعب ص 58.
8- تهذيب الكمال 240/13.
9- الحاكم صاحب المستدرك رواه في معرفة علوم الحديث.

مدح علي بن الحسين عليه السّلام من الفرزدق

قال في حقه أبي فراس همام بن غالب بن الصعصعة الملّقب بالفرزدق التميمي المجاشعي رحمة اللّه عليه،في مدحه قصيدة غرّاء بلغت في جودة ألفاظها و عذوبة معانيها غاية تستشهد بأبياتها الأدباء،و الحريّ فيها أنّ يقال:إنّ من الشعر لحكمة،و أن من الكلام لسحرا،أشار فيها إلي طائفة من علوّ رتبته و سموّ درجته و شرذمة من منزلة شأنه،و مكانة أمره،في واقعة اقتضت ذلك،كما نشير إليها،و أتي ببعض أبياتها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في كتابه المعروف بالحماسة(الحماسة 708)التي دلّت علي غزارة فضله و إتقان معرفته بحسن اختياره،معنونا بقوله:و قال الفرزدق يمدح عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم،مبتدئا بقول الفرزدق:إذا رأته قريش قال قائلها،و بعده:هذا الذي تعرف البطحاء،و بعده:يكاد يمسكه،و بعده:أي القبائل ليست،و بعده:

بكفه خيزران،و بعده يغضي حياء،و ختم به.و كذا أتي بعشرين بيتا منها أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني في ترجمة الفرزدق(الجزء التاسع عشر ص 40 طبع ساس).

و كذا أتي بعدة أبيات منها الشريف المرتضي علم الهدي في أماليه،المعروف بغرر الفوائد و درر القلائد،و كذا ذكر سبعا و عشرين منها أحمد بن خلّكان في وفيات الأعيان،عند ترجمة الفرزدق،و كذا غيرهم من كبار المؤلفين و أعاظم المؤرخين،و لا حاجة إلي ذكرهم لأنّ القضية بلغت في وضوحها كالشمس في رائعة النّهار و يعدّ من متواترات الأخبار و الآثار.

قال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني:أخبرني عبد اللّه بن عليّ بن الحسن الهاشمي،عن حيّان بن عليّ العنزي عن مجالد عن الشعبي قال:حجّ الفرزدق بعدما كبر و قد أتت له سبعون سنة و كان هشام بن عبد الملك قد حجّ في ذلك العام،فرأي عليّ بن الحسين في غمار النّاس في الطواف فقال:من هذا الشاب الذي تبرق أسرّة وجهه كأنّه صينّية تتراءي فيها عذاري الحيّ وجوهها؟

فقالوا:هذا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم،فقال الفرزدق:هذا الذي تعرف البطحاء و طأته:إلي آخر من أتي بها،و قال بعد نقل القصيدة:فغضب هشام فحبسه بين مكّة و المدينة فقال (1):

أيحبسني بين المدينة و التي إليها قلوب النّاس يهوي منيبها

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيد و عينا له حولاء باد عيوبها

فبلغ شعره هشاما فوجّه فأطلقه.و قال في ينابيع المودّة:و كان هشام أحولا (2).

ص: 18


1- ديوان الفرزدق:51/1 و لفظهما فيه: يرددني بين المدينة و التي إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلّب عينا لم تكن لخليفة مشوهة حولاء باد عيوبها.
2- الاختصاص:194،و أمالي المرتضي:49.

و قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان في ترجمة الفرزدق:و تنسب إليه مكرمة يرجي له بها الجنّة،و هي أنّه لما حجّ هشام بن عبد الملك في أيّام أبيه فطاف و جهد أن يصل إلي الحجر ليستلمه فلم يقدر لكثرة الزحام،فنصب له منبر و جلس عليه ينظر إلي النّاس،و معه جماعة من أعيان أهل الشام،فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب،و كان من أحسن النّاس وجها و أطيبهم أرجا،فطاف بالبيت فلما انتهي إلي الحجر تنحّي له النّاس حتّي استلم، فقال رجل من أهل الشام:من هذا الذي هابه النّاس هذه الهيبة؟

فقال هشام:لا أعرفه،مخافة أن يرغب فيه أهل الشام،فيملكون،و كان الفرزدق حاضرا فقال:أنا أعرفه.

فقال الشامي:من هو يا أبا فراس؟

فقال:هذا الذي تعرف البطحاء-إلي آخر ما ذكر من أبيات تلك القصيدة.

و نحن نذكر القصيدة بتمامها تيمّنا بها و نشرح بعض ما يحتاج إليه بالتفسير والسؤال:

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم عندي بيان إذا طلا به قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء و طأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده صلّي عليه إلهي ما جري القلم

لو يعلم الركن من ذا جاء يلثمه لخرّ يلثم منه ما وطي القدم

هذا عليّ رسول اللّه والده أمست بنور هداه تهتدي الأمم

هذا الذي عمّه الطيار جعفر و ال مقتول حمزة ليث حبّه قسم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة و ابن الوصي الذي في سيفه سقم

إذا رأته قريش قال قائلها إلي مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي إلي ذروة العزّ التي قصر ت عن نيلها عرب الإسلام و العجم

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

و ليس قولك:من هذا؟بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم

يغضي حياء و يغضي من مهابته فما يكلّم إلاّ حين يبتسم

في كفّه خيزران ريحه عبق من كف أروع في عرينه شمم

ينشقّ ثوب الدجي عن نور غرّته كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

ص: 19

مشتقة من رسول اللّه نبعته طابت مغارسه و الخيم و الشيم (1)

حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم

إن قال قال بما تهوي جميعهم و إن تكلم يوما زانه الكلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا

اللّه شرّفه قدما و عظّمه جري بذاك له في لوحه القلم

من جدّه دان فضل الأنبياء له و فضل أمّته دانت له الأمم

عمّ البريّة بالإحسان و انقشعت عنها العماية (2)و الإملاق و الظلم (3)

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما يستو كفان و لا يعروهما عدم (4)

سهل الخليقة لا تخشي بوادره يزينه خصلتان الحلم و الكرم (5)

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته رحب الفناء أريب حين يعترم

من معشر حبهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجي و معتصم

يستدفع السوء و البلوي بحبّهم و يستزاد به الإحسان و النعم

مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم في كل بدء و مختوم به الكلم

إن عدّ أهل التقي كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض؟قيل هم

لا يستطيع جواد بعد جودهم و لا يدانيهم قوم و إن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت و الأسد أسد الشري و البأس محتدم (6)

يأبي لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم خيم كريم و أيد بالندي ديم

لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم سيّان ذلك إن أثروا و إن عدموا

أيّ القبائل ليست في رقابهم لأوّليّة هذا أوله نعم

من يعرف اللّه يعرف أوّليّته فالدّين من بيت هذا ناله الأممل.

ص: 20


1- النبعة:شجرة تصنع منها القسي و هي أجود الشجر،و الخيم:الطبيعة و السجية.
2- و يروي:الغماية.
3- في الديوان:الغياهب و الأملاق و العدم.
4- يستوكفان:يستمطران.يعروهما:يلم بهما.
5- عجزه في الديوان: يزينه اثنان حسن الخلق و الشيم و الخليقة:الطبيعة،و بوادره جمع بادره و هي الحدّة.
6- أزمت:اشتدت.و الشري:مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل.

بيوتهم في قريش يستضاء بها في النائبات و عند الحكم إن حكموا

فجدّه من قريش في أرومتها محمّد و عليّ بعده علم

بدر له شاهد و الشعب من أحد و الخندقان و يوم الفتح قد علموا

و خيبر و حنين يشهدان له و في قريظة يوم صيلم قتم

مواطن قد علت في كلّ نائبة علي الصحابة لم أكتم كما كتموا (1)

قال ابن خلّكان:لمّا سمع هشام هذه القصيدة غضب،و حبس الفرزذق،و أنفذ له زين العابدين إثني عشر ألف درهما فردّها و قال:مدحته للّه تعالي لا للعطاء فقال:إنا أهل البيت إن وهبنا شيئا لا نستعيده فقبلها (2).

و في البحار نقلا عن الإختصاص بإسناده:عليّ بن الحسين بن يوسف عن محمّد بن جعفر العلوي،عن الحسن بن محمّد بن جمهور،عن أبي عثمان المازني،عن كيسان،عن جويرية بن أسماء عن هشام بن عبد الأعلي،عن فرعان و كان من رواة الفرزدق قال:حججت سنة مع عبد الملك بن مروان فنظر إلي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فأراد أن يصغّر منه فقال:من هو؟

فقال الفرزدق:فقلت علي البديهة القصيدة المعروفة:هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم،هذا التقي النقي الطاهر العلم،حتّي أتمّها و كان عبد الملك يصله في كلّ سنة بألف دينار،فحرمه تلك السنة، فشكي ذلك إلي عليّ بن الحسين و سأله أن يكلمه فقال:أنا أصلك من مالي بمثل الذي كان يصلك به عبد الملك،و صنّي عن كلامه.

فقال:و اللّه يا ابن رسول اللّه لارزأتك شيئا،و ثواب اللّه عزّ و جل في الآجل أحبّ إليّ من ثواب الدّنيا في العاجل،فاتصل ذلك بمعاوية بن عبد اللّه بن جعفر الطيار،و كان أحد سمحاء بني هاشم لفضل عنصره و أحد أدبائها و ظرفائها فقال له:يا أبا فراس كم تقدّر الذي بقي من عمرك؟

قال:قدر عشرين سنة.

قال:فهذه عشرون ألف دينار أعطيتكها من مالي،و اعف أبا محمّد أعزّه اللّه عن المسألة في أمرك.6.

ص: 21


1- و روي في كشف الغمة:255/2. مواطن قد علمت أقدارها و نمت آثارها لم تنلها العرب و العجم
2- القصة مشهورة و في كتب القوم مستورة راجع شرح الشواهد للعيني 513/2 و صفة الصفوة 54/2 و شرح شواهد المغني 249 ط.مصر.و المعجم الكبير 106/3 ح 35 و مجمع الزوائد 200/9 و التبيين في انساب القرشيين 109،و الجليس الصالح الكافي 107/4،و ينابيع المودة لذوي القربي:157/3،و وفيات الأئمة:156.

فقال:لقد لقيت أبا محمّد و بذل لي ماله،فأعلمته أني أخّرت ثواب ذلك الأجر للآخرة.

انتهي (1).

شرح الغريب من القصيدة:

قوله:تعرف البطحاء المراد به هذا الصحراء و إلاّ فالبطحاء مسيل الماء فيه الحصا و الوطأة هنا بمعني البأس و الشدّة كقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:اللّهم اشدد و طأتك علي مضر،و يجوز أن يراد المشي عليها، تعرفه عرفان بالنصب مفعول له يعني يمسكه لأجل معرفته به أو لأجل العرف أي الطيّب الموجود في راحته و الإغضاء أو ماء الجفون،و الخيزران بضمّ الزاء شجر هندي و هو عروق ممتدّة في الأرض، و عبق به الطيب أي لزق به و لم يذهب عنه أيّاما،و الأروع من يعجبك بحسنه و منظره،و العرنين بالكسر الأنف،و الشمم محرّكة ارتفاع قصبة الأنف و حسنها و استواء أعلاها.

قوله:من كف علي طريق التجريد،و الخيم بالكسر السجيّة و الطبيعة،و الشيم بكسر الشين و فتح الياء جمع شيمة بالكسر و هي الطبيعة،و فدحه الدين أثقله،استوكف استقطر و البوادر جمع بادرة و هي ما يبدو من حدّتك في الغضب من قول أو فعل،و النقيبة النفس و العقل و المشورة، و الأريب العاقل،و يعترم علي المجهول من العرام بمعني الشدّة يعني أنّه عاقل عند عروض الشدائد و بعد غايتهم بضمّ الباء،و الأزمة الشدّة و أزمت بمعني لزمت،و الشري كعلي طريق في سلمي كثير الأسد،و احتدم عليه غيظا تحرّق و النار التهبت و في بعض النسخ البأس بالباء الموحّدة و في بعضها بالنون فعلي الأوّل المراد أنّ شدّتهم و غيظهم ملتهب في الحرب،و علي الثاني المراد أنّ الناس محتدمون عليهم حسدا،و خيم أي لهم خيم و الندي المطر و يستعار للعطاء الكثير،و هضم ككتب جمع هضوم يقال:يد هضوم أي تجود بما لديها،و يقال أثري الرجل كثر ماله،و الأرومة الأصل.

و قوله:الخندقان يعني به غزوة الخندق،و قال بعض أهل الحديث:لعلّ التثنية باعتبار أنّه محيط بالبلد أو لأنّه كان علي قسمين حفر بعضه المهاجرون و الآخر الأنصار،و الصيلم الأمر الشديد،و القتام الغبار و الأقتم الأسود و قتم الغبار ارتفع.و قوله:مواطن أي له أو هذه.

و قال الزمخشري في الفائق:عليّ بن الحسين مدحه الفرزدق فقال:في كفّه جهني ريحه عبق.

البيت.

قال القتيبي:الجهني الخيزران و معرفتي هذه الكلمة عجيبة.

و ذلك أنّ رجلا من أصحاب الغريب سألني عنه فلم أعرفه فلمّا أخذت من الليل مضجعي أتاني آت في المنام يقول:ألا أخبرته عن الجهني؟قلت:لم أعرفه،قال:هو الخيزران،فسألته شاهدا0.

ص: 22


1- الاختصاص:195،و بحار الأنوار:131/46 ح 20.

فقال:هدية ظريفة في طبق محبه فانتبهت و أنا أكثر التعجّب فلم يلبث إلاّ يسيرا حتّي سمعت من ينشد:في كفّه جهني و كنت أعرفه في كفّه خيزران.

و روي صاحب الخرائج:أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام أعطاه لأربعين سنة و قال:لو علمت أنّك تحتاج إلي أكثر من هذا أعطيتك فمات الفرزدق بعد أن مضي أربعون سنة.

و يجوز تعدّد الواقعة بأن يكون أنشد القصيدة تارة لعبد الملك و أخري لابنه هشام.

و قد روي أنّ هذه القصيدة أنشدها الفرزدق أوّلا في مدح الحسين عليه السّلام و لمّا رأي المقام مناسبا لإنشادها أنشدها للخليفة في مدح عليّ بن الحسين عليهما السّلام لأنّ صفات المدح متّحدة فيهما (1).

***

في أسرار علي بن الحسين عليه السّلام

فمن ذلك ما رواه خالد بن عبد اللّه قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام حاجّا فجاء أصحابه فضربوا فسطاطه في ناحية فلما رآه قال:هذا مكان قوم من الجن المؤمنين و قد ضيّقتم عليهم.

فناداه هاتف:يابن رسول اللّه قرّب فسطاطك منّا رحمة لنا،و إنّ طاعتك مفروضة علينا،و هذه هديتنا إليك فاقبلها.

قال جابر:فنظرنا و إذا إلي جانب الفسطاط أطباق مملوءة رطبا و عنبا،و موزا و رمّانا،فدعا زين العابدين عليه السّلام من كان معه من أصحابه،و قال:كلوا من هدية إخوانكم المؤمنين (2).

و من ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين:أنّ بني مروان لمّا كثر استنقاصهم بشيعة علي بن الحسين عليه السّلام شكوا إليه حالهم فدعا الباقر عليه السّلام و أخرج إليه حقا فيه خيط أصفر و أمره أن يحرّكه تحريكا لطيفا فصعد السطح و حرّكه،و إذا بالأرض ترجف و بيوت المدينة تساقطت حتي هوي من المدينة ستمائة دار،و أقبل الناس هاربين إليه يقولون:أجرنا يابن رسول اللّه،أجرنا يا ولي اللّه.

فقال:هذا دأبنا و دأبهم يستنقصون بنا و نحن نفنيهم (3).

و من ذلك أنّ رجلا سأله فقال:بما ذا فضّلنا علي أعدائنا و فيهم من هو أجمل منّا؟فقال له الإمام عليه السّلام:أتحبّ أن تري فضلك عليهم؟

فقال:نعم،فمسح يده علي وجهه،و قال:أنظر،فنظر فاضطرب.

ص: 23


1- انظر المعجم الكبير للطبراني:101/3،و الفتوح لابن أعثم:129/2،و مقتل الخوارزمي:249/1.
2- بحار الأنوار عن دلائل الطبري:45/46 ح 45 بتفاوت.
3- الهداية الكبري:227-228 باب 6 و:322 باب 12،و دلائل الإمامة:2،و البحار:379/25.

و قال:جعلت فداك ردّني إلي ما كنت،فإنّي لم أر في المسجد إلاّ دبّا،و قردا و كلبا،فمسح يده فعاد إلي حاله (1).

و إليه الإشارة بقوله:«أعداء عليّ مسوخ هذه الأمّة».

و في النقل:اقتلوا الوزغ فإنّها مسوخ بني أمية (2)(3).

***

كرامات علي بن الحسين عليه السّلام

عن ابن شهاب الزهري قال:شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلي الشام،فأثقله حديدا،و وكّل به حفّاظا في عدّة و جمع،فاستأذنتهم في التسليم عليه و التوديع له،فأذنوا لي،و دخلت عليه و هو في قبة،و القيود في رجليه،و الغلّ في يديه،فبكيت و قلت:وددت أنّي مكانك و أنت سالم.

فقال:يا زهري أو تظن هذا ممّا تري علي و في عنقي يكرثني،أما لو شئت ما كان،فإنه و إن بلغ فيك و في أمثالك ليذكّرني عذاب اللّه،ثم أخرج يديه من الغلّ و رجليه من القيد،ثم قال:يا زهري لا جزت معهم علي ذا منزلتين من المدينة.

قال:فما لبثنا إلاّ أربع ليال حتي قدم الموكلون به يظنونه بالمدينة،فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه،فقال لي بعضهم:إنّا نراه متبوعا،إنه لنازل و نحن حوله لا ننام نرصده،إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمليه إلاّ حديدة.

قال الزهري:فقدمت بعد ذلك علي عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين، فأخبرته،فقال لي:إنه قد جاءني في يوم فقده الأعوان فدخل عليّ فقال:ما أنا و أنت؟فقلت:أقم عندي،فقال:لا أحبّ،ثم خرج فو الله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة.

قال الزهري:فقلت:يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين حيث تظن،إنه مشغول بنفسه.

فقال:حبّذا شغل مثله،فنعم ما شغل به.

قال:و كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي و يقول:زين العابدين (4).

ص: 24


1- بحار الأنوار:49/46 ح 49.
2- الخرائج:823 و بحار الأنوار:269/27 ح 19 بتفاوت.
3- مشارق أنوار اليقين:135.
4- حلية الاولياء 135/3،و ترجمة الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام من تاريخ دمشق 42/31،مناقب آل أبي طالب 145/4.

ورع علي بن الحسين عليه السّلام

قال رجل لسعيد بن المسيّب:ما رأيت أحدا أورع من فلان؟قال:هل رأيت علي بن الحسين؟قال:لا،قال:ما رأيت أحدا أورع منه (1).

و عن عمر بن شبة قال:سمعت سعيد بن عامر يذكر عن جويرية قال:ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم درهما قطّ (2).

و قال أبو جعفر محمّد بن علي عليهما السّلام:كان علي بن الحسين إذا ذكر هذا الحديث-يعني حديثا في ذكر الموت-بكي حتي يرثي له كل صديق (3).

و عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال:حججت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام فالتاثت الناقة عليه في سيرها فأشار إليها بالقضيب ثمّ قال:آه لولا القصاص وردّ يده عنها (4).

***

خوف علي بن الحسين عليه السّلام من الله

عن جابر،عن أبي جعفر قال:كان أبي علي بن الحسين يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، فلما حضرته الوفاة بكي قال:فقلت:يا أبة ما يبكيك؟

فو الله ما رأيت أحدا طلب اللّه طلبك،ما أقول هذا إنك أبي.

قال:فقال:يا بني إنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب،و لا نبي مرسل إلاّ كان للّه عز و جل فيه المشيئة إن شاء غفر له،و إن شاء عذّبه (5).

***

أخلاق علي بن الحسين عليه السّلام

عن عبد اللّه بن عمر،عن الزهري،قال:حدّثت علي بن الحسين بحديث،فلما فرغت قال:

أحسنت بارك اللّه فيك،هكذا حدّثناه،قلت:ما أراني إلا حدّثتك بحديث أنت أعلم به مني؟قال:

ص: 25


1- حلية الأولياء 141/3،و ترجمة الإمام علي بن الحسين من تاريخ دمشق:57/37،و صفة الصفوة 99/2، و تهذيب التهذيب 305/7.
2- سير أعلام النبلاء 391/4.
3- تاريخ مدينة دمشق:379/41.
4- البحار:76/46 ح 69،و كشف الغمة:298/2.
5- تاريخ مدينة دمشق:379/41،و تهذيب الكمال:391/20.

فلا تقل ذاك فليس من العلم ما لا يعرف،إنّما العلم ما عرف و تواطأت عليه الألسن (1).

و عن عبد اللّه بن محمد،قال:سمعت عبد الرزّاق يقول:جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ للصّلاة،فسقط الإبريق من يد الجارية علي وجهه فشجّه،فرفع علي بن الحسين رأسه إليها،فقالت الجارية:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ (2).

فقال لها عليه السّلام:قد كظمت غيظي.

قالت: وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ (3).

قال عليه السّلام:قد عفا اللّه عنك.

قالت: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (4).

قال عليه السّلام:فاذهبي فأنت حرة (5).

و عن عبد الغفار بن القاسم قال:كان علي بن حسين خارجا من المسجد فلقيه رجل،فسبّه فثارت إليه العبيد و الموالي،فقال علي بن الحسين:مهلا عن الرجل،ثم أقبل عليه،فقال:ما ستر عنك من أمرنا أكثر،ألك حاجة نعينك عليها؟فاستحيا الرجل،و رجع إلي نفسه،قال:فألقي إليه خميصة (6)كانت عليه،و أمر له بألف درهم،قال:و كان الرجل بعد ذلك يقول:أشهد أنك من أولاد الرسل (7).

و روي أنّ مولي له كان يتولّي عمارة ضيعة له فأفسد عمارتها فقرعه بسوط ثمّ ندم علي ذلك فأرسل في طلب المولي فأتاه فوجده عاريا و السوط بين يديه فخاف أن يعاقبه فقال للمولي:خذ السوط و قد كانت منّي هفوة و زلّة فخذ السوط و اقتصّ منّي،فقال:يا مولاي ظننت أنّك تريد عقوبتي و أنا مستحقّ للعقوبة فكيف أقتصّ منك؟

فقال:ويحك اقتصّ.

قال:معاذ اللّه أنت في حلّ وسعة فكرّر ذلك عليه مرارا و هو يحلّه،فقال:أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك و أعطاه إيّاها (8).

و منها:ما نقله سفيان قال:جاء رجل إلي علي بن الحسين عليهما السّلام فقال:إنّ فلانا وقع فيك و آذاك.4.

ص: 26


1- سير أعلام النبلاء 391/4.
2- سورة آل عمران،الآية:134.
3- سورة آل عمران،الآية:134.
4- سورة آل عمران،الآية:134.
5- أمالي الصدوق:269 ح 15،و تاريخ مدينة دمشق:378/46.
6- خميصة:كساء أسود مربع له علمان(القاموس).
7- الطبقات الكبري للشعراني 28/1 ط.مصر و تهذيب الكمال 246/13.
8- مناقب آل أبي طالب:297،و البحار:46 ح 84.

فقال له:(فانطلق بنا إليه).

فانطلق معه و هو يري أنّه سينتصر لنفسه،فلمّا أتاه:فقال له:(يا هذا إن كان ما قلته فيّ حقا فاللّه تعالي يغفره لي،و إن كان ما قلت فيّ باطلا فاللّه تعالي يغفر لك) (1).

و كان بينه و بين ابن عمه حسن بن الحسن شيء من المنافرة،فجاء حسن إلي علي و هو في المسجد مع أصحابه،فما ترك شيئا إلاّ قاله من الأذي،و هو ساكت ثم إنصرف حسن،فلمّا كان الليل أتاه في منزله،فقرع عليه الباب فخرج حسن إليه فقال له علي عليه السّلام:(يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت لي فغفر اللّه لي،و إن كنت كاذبا فغفر اللّه لك،و السلام عليك و رحمة اللّه)ثم وليّ فاتّبعه حسن و التزمه من خلفه و بكي حتي رقّ له،ثم قال له:و اللّه لاعدت إلي أمر تكرهه.

فقال له علي:(و أنت في حل مما قلته) (2).

و كان يقول:(فقد الأحبّة غربة).

و في الكافي عن العبّاس بن عيسي قال:ضاق عليّ بن الحسين عليهما السّلام فأتي مولي له فقال له:

أقرضني عشرة آلاف درهم فقال:أريد و ثيقة فنتف له من ردائه هدبة و قال:هذه الوثيقة فكان مولاه كره ذلك فغضب و قال:أنا أولي بالوفاء من حاجب ابن زرارة رهن قوسا و هي خشبة علي مائة حماله و هو كافر،فأعطاه الدراهم و جعل الهدبة في حقّ فسهّل اللّه المال فحمله إلي الرجل ثمّ قال:

هات وثيقتي.

قال:ضيّعتها.

قال:إذا لم تأخذ مالك منّي ليس مثلي يستخفّ بذمّته فأخرج الرجل الحق فإذا فيه الهدبة فأعطاها عليّ بن الحسين فأعطاه الدراهم و أخذ الهدبة فرمي بها و انصرف (3).

و روي أنّ بعضهم شتم زين العابدين عليه السّلام فقصده غلمانه فقال:دعوه فإنّ ما خفي منّا أكثر ممّا قال،فقال له:ألك حاجة يا رجل؟فخجل الرجل فأعطاه ثوبه و أمر له بألف درهم فانصرف الرجل صارخا يقول:أشهد أنّك ابن رسول اللّه (4).

و شتمه آخر فقال:يا فتي إنّ بين أيدينا عقبة كؤودا فإن جزت منها فلا أبالي بما تقول و إن أتحيّر فيها فأنا شرّ ممّا تقول (5).6.

ص: 27


1- صفة الصفوة 94/2،مختصر تاريخ دمشق 240/17،مناقب ابن شهر آشوب 170/4 بمعناه.
2- صفة الصفوة 94/2،مناقب ابن شهر آشوب 170/4،مختصر تاريخ دمشق 244/17،مناقب ابن شهر آشوب 170/4.
3- الكافي:97/5 ح 6،و سأل الشيعة:326/18 ح 5.
4- مناقب آل أبي طالب:296/3،و البحار:95/46.
5- مناقب آل أبي طالب:296/3،و البحار:96/46.

و عن الأصمعي قال:كنت بالبادية و إذا أنا بشابّ في أطمار رثّة و عليه سيماء الهيبة فقلت:لو شكوت حالك إلي هؤلاء يعني الرفقاء لأصلحوا حالك فأنشأ يقول،شعر:

لباسي للدّنيا التجلّد و الصبر و لبسي للأخري البشاشة و الصبر

إذا اعترني أمر لجأت إلي العرا لأنّي من القوم الذين لهم فخر

ألم تر أنّ العرف قد مات أهله و أنّ الندي و الجود ضمّهما قبر

علي الجود و العرف السلام فما بقي من العرف إلاّ الرّسم في الناس و الذكر

فتعرّفته فإذا هو عليّ بن الحسين (1).

و كان عنده عليه السّلام قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنوّر فسقط السفود علي رأس ابن لعليّ بن الحسين تحت الدرجة فقتله فقال عليه السّلام للغلام و قد تحيّر:أنت حرّ فإنّك لم تتعمده و أخذ في جهازه و دفنه (2).

***

كرم علي بن الحسين عليه السّلام

في كتاب سوق العروس عن أبي عبد اللّه الدامغاني أنّه كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يتصدّق بالسكّر و اللوز فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالي: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّي تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ و أنا أحبّ السكّر و اللّوز فأحببت أن أنفق منه.

و كان عليه السّلام إذا انقضي الشتاء تصدّق بكسوته و إذا انقضي الصيف تصدّق بكسوته و كان يلبس من خزّ اللباس فقيل له:تعطيها من لا يعرف قيمتها و لا يليق به لباسها فلو بعتها و تصدّقت بثمنها؟

فقال:إنّي أكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه.

و عن سعيد بن مرجانة قال:أعتق علي بن حسين غلاما له أعطاه به عبد اللّه بن جعفر عشرة آلاف درهم،و ألف دينار (3).

عن عمرو بن دينار قال:دخل علي بن الحسين علي محمّد بن أسامة بن زيد في مرضه،فجعل يبكي فقال:ما شأنك؟

قال:عليّ دين.

ص: 28


1- مناقب آل أبي طالب:304/3،و البحار:97/46.
2- صفة الصفوة 100/2،مختصر تاريخ دمشق 244/17.
3- تاريخ مدينة دمشق:385/41،و تهذيب الكمال:392/20.

قال:كم هو؟

قال:خمسة عشر ألف دينار أو بضعة عشر ألف دينار.

قال:فهي عليّ (1).

و عن الإمام الرضا عليه السّلام،قال:حدّثني أبي،عن أبيه،عن جده قال:قال علي بن الحسين:إنّي لأستحي من اللّه عزّ و جلّ أن أري الأخ من إخواني فأسأل اللّه له الجنّة،و أبخل عليه بالدنيا،فإذا كان يوم القيامة قيل لي:لو كانت الجنّة بيدك لكنت بها أبخل و أبخل و أبخل (2).

و عن ابن عائشة،عن أبيه،عن عمّه قال:قال علي بن الحسين:سادة الناس في الدنيا الأسخياء و في الآخرة أهل الدين و أهل الفضل و العلم لأنّ العلماء ورثة الأنبياء (3).

و عن عبد اللّه بن محمد،قال:سمعت عبد الرزّاق يقول:جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ للصّلاة،فسقط الإبريق من يد الجارية علي وجهه فشجّه،فرفع علي بن الحسين رأسه إليها،فقالت الجارية:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ (4).

فقال لها عليه السّلام:قد كظمت غيظي.

قالت: وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ (5).

قال عليه السّلام:قد عفا اللّه عنك.

قالت: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (6).

قال عليه السّلام:فاذهبي فأنت حرة (7).

***

تصبّر علي بن الحسين عليه السّلام في الشدائد

عن إبراهيم بن سعد،قال:سمع علي بن الحسين واعية في بيته و عنده جماعة،فنهض إلي منزله،ثم رجع إلي مجلسه،فقيل له:أمن حدث كانت الواعية؟قال:نعم،فعزّوه و تعجبوا من صبره،فقال:إنّا أهل بيت نطيع اللّه فيما نحبّ،و نحمده فيما نكره (8).

ص: 29


1- البحار:56/46 ح 8،و تاريخ مدينة دمشق:385/41.
2- وسائل الشيعة:387/16 ح 38،و تاريخ مدينة دمشق:385/41.
3- تهذيب الكمال 243/13.
4- سورة آل عمران،الآية:134.
5- سورة آل عمران،الآية:134.
6- سورة آل عمران،الآية:134.
7- أمالي الصدوق:269 ح 15،و تفسير مجمع البيان:393/2.
8- حلية الأولياء 138/3.

روي محمّد بن سعد في الطبقات عن المنهال بن عمرو قال:دخلت علي علي بن حسين، فقلت:كيف أصبحت أصلحك الله؟فقال:ما كنت أري شيخا من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا،قال:فأمّا إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك،أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون إذ كانوا يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم،و أصبح شيخنا و سيّدنا يتقرب إلي عدّونا بشتمه و بسبّه علي المنابر،و أصبحت قريش تعدّ أنّ لها الفضل علي العرب لأن محمّدا منها لا يعدّ لها فضل إلاّ به،و أصبحت العرب مقرّة لهم بذلك،و أصبحت العرب تعدّ لها الفضل علي العجم لأن محمّدا منها لا يعدّ لها فضل إلاّ به،و أصبحت العجم مقرّة لهم بذلك،فلئن كانت العرب صدقت أنّ لها الفضل علي العجم،و صدقت قريش أن كان لها الفضل علي العرب لأن محمّدا منها،إنّ لنا أهل البيت الفضل علي قريش لأنّ محمّدا منا فأصبحوا يأخذون بحقّنا لا يعرفون لنا حقا،فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا.

قال:فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت (1).

***

حلم علي بن الحسين عليه السّلام

و عن موسي بن داود،حدثني مولي بني هاشم أن علي بن الحسين دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ثم أجابه في الثالثة،فقال:يا بنيّ أما سمعت صوتي؟

قال:بلي.

قال:فلم لم تجبني؟

قال:أمنتك.

قال:الحمد للّه الذي جعل مملوكي يأمنني (2).

و عن عبد الغفار بن القاسم قال:كان علي بن حسين خارجا من المسجد فلقيه رجل،فسبّه فثارت إليه العبيد و الموالي،فقال علي بن الحسين:مهلا عن الرجل،ثم أقبل عليه،فقال:ما ستر عنك من أمرنا أكثر،ألك حاجة نعينك عليها؟فاستحيا الرجل،و رجع إلي نفسه،قال:فألقي إليه خميصة (3)كانت عليه،و أمر له بألف درهم،قال:و كان الرجل بعد ذلك يقول:أشهد أنك من أولاد الرسل (4).

ص: 30


1- طبقات ابن سعد 219/5-220.
2- البحار:56/46 ح 6،و تاريخ مدينة دمشق:378/41.
3- خميصة:كساء أسود مربع له علمان(القاموس).
4- الطبقات الكبري للشعراني 28/1 ط.مصر و تهذيب الكمال 246/13.

و عن عبد اللّه بن عطاء قال:أذنب غلام لعلي بن حسين ذنبا استحق منه العقوبة،فأخذ له السوط،فقال: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ (1)،و قال الغلام:و ما أنا كذلك إنّي لأرجو رحمة اللّه،و أخاف عذابه،فألقي السوط و قال:أنت عتيق (2).

و عن أبو يعقوب المدني،قال:كان بين حسن بن حسن و بين علي بن حسين بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلي علي بن حسين و هو مع أصحابه في المسجد،فما ترك شيئا إلاّ قاله له، قال:و عليّ ساكت،فانصرف حسن،فلما كان الليل أتاه في منزله،فقرع عليه بابه،فخرج إليه، فقال له علي:يا أخي،إن كنت صادقا فيما قلت لي يغفر اللّه لي،و إن كنت كاذبا يغفر اللّه لك، السّلام عليكم،و ولّي.

قال:فاتّبعه حسن فلحقه،فالتزمه من خلفه و بكي حتي رثي له،ثم قال:لا جرم لا عدت في أمر تكرهه،فقال علي:و أنت في حلّ مما قلت لي (3).

و في كتاب بشائر المصطفي عن محمّد بن جعفر و غيره قالوا:وقف علي عليّ بن الحسين عليهما السّلام رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلّمه،فلمّا انصرف قال لجلسائه:لقد سمعتم ما قال هذا الرجل و أنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّي تسمعوا منّي ردّي عليه.

فقالوا له:نفعل و لقد كنّا نحبّ أن تقول له و يقول فمشي و هو يقول:و الكاظمين الغيظ و العافين عن النّاس و اللّه يحبّ المحسنين،فعلمنا أنّه لا يقول له شيئا فأتي منزل الرجل و صرخ به و قال:قولوا له هذا عليّ بن الحسين،فخرج إلينا طالبا للشرّ و هو لا يشكّ إنّه إنّما جاء مكافيا له علي بعض ما كان.

فقال له عليّ بن الحسين:يا أخي إنّك قد وقفت عليّ و قلت و قلت فإن كنت قلت ما فيّ فأستغفر اللّه منه و إن كنت قلت ليس ما فيّ فغفر اللّه لك،فقبّل الرجل بين عينيه و قال:بل قلت ما ليس فيك و أنا أحقّ به (4).

و عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم،قال:كان أبي يقول:ما رأيت مثل علي قط،قال ابن زيد:و شتمه رجل من أهل بيته و أسرع إليه و بلغ منه كل مبلغ و هو ساكت،فلما مضي قال له بعض القوم:إنّ ما يقول حقا؟

قال:فقد دخل هذا في قلوبكم؟قالوا:أو بعضنا؟6.

ص: 31


1- سورة الجاثية،الآية:14.
2- البحار:100/46،و كشف الغمة:312/2.
3- تاريخ مدينة دمشق:395/41،و تهذيب الكمال:397/20.
4- البحار:96/46.

قال:انطلقوا بنا،فأتي بيته،فسلّم،فخرج الآخر محتدا،فقال:إن بعض القوم ظنّ أن الذي قلت أو بعضه حقّ،فإن يكن ذلك حقا فإني أسأل اللّه الذي لا إله إلاّ هو أن يغفر لي،و إن كان الذي قلت عليّ باطلا فأسأل اللّه الذي لا إله إلاّ هو أن يغفر لك،قال:فأخذ بيده و قال:و اللّه ما جعله اللّه حقا و إن كان لباطلا،فلما مضينا،قال:كيف رأيتم؟ (1).

و عن موسي بن طريف قال:استطال رجل علي علي بن حسين فتغافل عنه فقال له الرجل:

إياك أعني،فقال له علي:و عنك أغضي (2).

و روي أنه كان عند علي بن الحسين قوم،فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور،فأقبل به الخادم مسرعا،و سقط السّفود (3)من يده علي ابن لعلي أسفل الدرجة فأصاب رأسه فقتله،فوثب عليّ فلما رآه،قال للغلام:إنّك حرّ،إنّك لم تتعمده،و أخذ في جهاز ابنه (4).

***

زهد علي بن الحسين عليه السّلام و تواضعه

عن عمر بن علي أنّ علي بن الحسين كان يلبس كساء خزّ بخمسين دينار،يلبسه في الشتاء، فإذا كان الصيف تصدّق به أو باعه فتصدّق بثمنه،و كان يلبس في الصيف ثوبين ممشقين (5)من متاع مصر،و يلبس ما دون ذلك من الثياب و يقرأ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ (6)(7).

و في عيون الأخبار عن الصادق عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرّة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم:هذا عليّ بن الحسين فوثبوا إليه و قبّلوا يده و رجله و قالوا:يا بن رسول اللّه أردت أن تصلينا نار جهنّم لو بدرت منّا إليك يد أو لسان أما كنّا هلكنا إلي آخر الدهر فما الذي يحملك علي هذا؟

قال:إنّي كنت سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما لا أستحقّ فإنّي أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحبّ إليّ (8).

و في كتاب المحاسن مسندا إلي الصادق عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه يأمر بشاة فتذبح و تطبخ و إذا كان عند المساء أكبّ علي القدور حتّي يجد ريح المرق

ص: 32


1- تاريخ مدينة دمشق:395/41.
2- تهذيب الكمال 246/13.
3- السفود:هي حديدة يشوي بها اللحم،و تسفيد اللحم:نظمه فيها للاشتواء(انظر القاموس المحيط).
4- صفة الصفوة 100/2،مختصر تاريخ دمشق 244/17.
5- الثوب الممشق المصبوغ بالمشق،و هو المغرة(انظر القاموس المحيط).
6- سورة الأعراف،الآية:32.
7- تهذيب الكمال 247/13.
8- عيون أخبار الرضا:156/1 ح 13،و البحار:69/46 ح 41.

و هو صائم ثمّ يقول:هاتوا القصاع أغرفوا لآن فلان و اغرفوا لآل فلان حتّي يأتي علي آخر القدور ثمّ يؤتي بخبز و تمر فيكون ذلك عشاؤه.

و فيه أيضا عن هشام بن سالم قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يعجبه العنب فكان ذات يوم صائما فلمّا أفطر كان أوّل ما جاءت العنب أتته أمّ ولد له بعنقود فوضعته بين يديه فجاء سائل فدفعه إليه فدسّت إلي السائل فاشترته منه فوضعته بين يديه فجاء سائل آخر فأعطاه ففعلت أمّ الولد مثل ذلك حتّي فعل ثلاث مرّات فلمّا كان في الرابعة لم يأت سائل فأكله (1).

و في دعوات الراوندي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يلبس الصوف و أغلظ ثيابه إذا قام إلي الصلاة و كان إذا صلّي برز إلي موضع خشن فيصلّي فيه و يسجد علي الأرض (2).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:مرّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام علي المجذومين و هو راكب حمارا و هم يتغدّون فدعوه إلي الغذاء فقال:لو لا إنّي صائم لفعلت فلمّا صار إلي منزله أمر بطعام و أن يتنوقوا فيه ثمّ دعاهم فتغدوه عنده و تغدّي معهم (3).

و قال عليه السّلام:لئن أدخل السوق و معي دراهم أبتاع به لعيالي لحما و قد اشتاقوا إليه أحبّ إليّ من أن أعتق نسمة (4).

***

مناجات الإمام السجاد عليه السّلام

و في كشف اليقين عن أسباط قال:دخلت مسجد الكوفة فإذا شاب يناجي ربّه و يقول في سجوده؛سجد وجهي متعفّرا في التراب لخالقي و حقّ له.

فقمت إليه فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقلت له:يابن رسول اللّه تعذّب نفسك و قد فضّلك اللّه بما فضّلك،فبكي و قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ أربعة:عين بكت من خشية اللّه و عين فقأت في سبيل اللّه،و عين غضّت عن محارم اللّه،و عين باتت ساهرة ساجدة يباهي اللّه بها الملائكة يقول:أنظروا إلي عبدي روحه عندي و جسده علي طاعتي قد جافي بدنه عن المضاجع يدعوني خوفا من عذابي و طمعا في رحمتي إشهدوا أنّي قد غفرت له (5).

و عن طاووس قال:رأيت رجلا في المسجد الحرام يصلّي تحت الميزاب و يبكي في دعائه فإذا

ص: 33


1- الوسائل:149/25،و البحار:148/63.
2- الدعوات للرواندي:32 ح 69.
3- الكافي:123/2 ح 8،و وسائل الشيعة:278/15 ح 3،و البحار:55/46 ح 2.
4- الكافي:12/4 ح 10،وسائل الشيعة:543/21 ح 6.
5- كشف الغمة:311/2،و البحار:100/46.

هو عليّ بن الحسين فقلت له:يابن رسول اللّه رأيتك علي حالة كذا و كذا و لك ثلاثة أرجو أن تأمنك من الخوف أحدها ابن رسول اللّه و الثاني شفاعة جدّك و الثالث رحمة اللّه.

فقال:يا طاووس أمّا أنّني ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلا يؤمنني و قد سمعت اللّه تعالي يقول: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ .

و أمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنّني لأنّ اللّه تعالي يقول: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضي .

و أمّا رحمة اللّه فإنّ اللّه تعالي يقول إنّها قريبة من المحسنين و لا أعلم أنّي محسن (1).

و قال طاووس الفقيه:رأيته يطوف من العشاء إلي السحر و يتعبّد فلمّا لم ير أحدا رمق السماء بطرفه فقال:إلهي غارت نجوم سمواتك و هجعت عيون أنامك و أبوابك مفتّحات للسائلين،جئتك لتغفر لي و ترحمني و تريني وجه جدّي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في عرصات القيامة،ثمّ بكي.

ثمّ قال:و عزّتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك و ما عصيتك و أنا بك شاكّ و لا بنكالك جاهل و لا لعقوبتك متعرّض و لكن سوّلت لي نفسي و أعانني علي ذلك سترك المرخي به عليّ فأنا الآن من عذابك من يستنقذني و بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفّين جوزوا و للمثقلين حطّوا،أمع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحط،و يلي كلّما طال عمري كثرت خطاياي و لم أتب،أما آن لي أن أستحيي من ربّي ثمّ بكي و قال:أتحرقني بالنار ياغاية المني فأين رجائي ثمّ أين محبّتي أتيت بأعمال قباح رزيّة و ما في الوري خلقا جني كجنايتي ثمّ بكي و قال:سبحانك تعصي كأنّك لا تري و تحلم كأنّك لم تعص،تتودّد إلي خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم و أنت يا سيّدي الغنيّ عنهم،ثمّ خرّ إلي الأرض ساجدا فدنوت منه و وضعت رأسه علي ركبتي و بكيت حتّي جرت دموعي علي خدّيه فاستوي جالسا و قال:من الذي أشغلني عن ذكر ربّي؟

فقلت:أنا طاووس يابن رسول اللّه ما هذا الجزع و الفزع و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا و نحن عاصون جافون،أبوك الحسين بن عليّ و أمّك فاطمة الزهراء و جدّك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال:هيهات يا طاووس دع عنّي حديث أبي و أمّي و جدّي،خلق اللّه الجنّة لمن أطاعه و أحسن و لو كان عبدا حبشيّا و خلق النار لمن عصاه و لو كان ولدا قرشيّا،أما سمعت قوله تعالي:

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ و اللّه لا ينفعك غدا إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح (2).

و عن الزهري قال:سمعت علي بن الحسين-سيد العابدين-يحتسب نفسه و يناجي ربه و يقول:7.

ص: 34


1- البحار:102/46 ح 89،و ميزان الحكمة:3257/4.
2- مناقب آل أبي طالب:291/3،و الصحيفة السجادية:177.

يا نفس حتّام إلي الدنيا غرورك،و إلي عمارتها ركونك؟

أما اعتبرت بمن مضي من أسلافك،و من وارته الأرض من ألاّفك،و من فجعت به من إخوانك،و نقل البلي من أقرانك؟

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر

خلت دورهم منها و أقوت عراصهم و ساقتهم نحو المنايا المقادر

و خلّوا عن الدنيا و ما جمعوا لها و ضمتهم تحت التراب الحفائر

كم تخرّمت أيدي المنون من قرون بعد قرون،و كم غيّرت الأرض ببلاها،و غيبت في ثراها ممن عاشرت من صنوف الناس،و شيّعتهم إلي الأرماس.

و أنت علي الدنيا مكبّ منافس لخطائها فيها حريص مكاثر

علي خطر تمسي و تصبح لاهيا أتدري بماذا لو عقلت تخاطر

و إنّ امرأ يسعي لدنياه دائبا و يذهل عن أخراه لا شكّ خاسر

فحتّام علي الدنيا إقبالك،و بشهواتها اشتغالك؟و قد و خطك القتير (1)،و أتاك النذير،و أنت عما يراد بك ساه،و بلذة نومك لاه.

و في ذكر هول الموت و القبر و البلي عن اللّهو و الّلذات للمرء زاجر

أبعد اقتراب الأربعين تربّص و شيب قذال منذر لك كاسر

كأنّك تعني بالذي هو صائر لنفسك عمدا أو عن الرشد حائر

أنظر إلي الأمم الماضية،و الملوك الفانية،كيف أفنتهم الأيام،و وفاهم الحمام،فانمحت من الدنيا آثارهم،و بقيت فيها أخبارهم.

و أضحوا رميما في التراب و عطّلت مجالس منهم أقفرت و مقاصر

و حلّوا بدار لا تزاور بينهم و أنّي لسكان القبور تزاور

فما أن تري إلاّ جثي قد ثووا بها مسطّحة تسفي عليها الأعاصر

كم ذي منعة و سلطان،و جنود و أعوان،تمكّن من دنياه،و نال فيها ما تمنّاه،و بني القصور و الدساكر (2)،و جمع الأعلاق (3)و الذخائر:

فما صرفت كفّ المنية إذ أتت مبادرة تهوي عليه الذخائر).

ص: 35


1- القتير:الشيب،أو أوله(القاموس المحيط).
2- الدساكر،هي أبنية كالقصور حولها بيوت،واحدتها دسكرة،(انطر القاموس).
3- الأعلاق جمع علق،و هو النفيس من كل شيء(انظر القاموس).

و لا دفعت عنه الحصون التي بني و حفّ بها أنهاره و الدّساكر

و لا قارعت عنه المنية حيلة و لا طمعت في الذبّ عنه العساكر

أتاه من اللّه ما لا يردّ،و نزل به من قضائه ما لا يصدّ،فتعالي اللّه الملك الجبار المتكبر القهّار،قاصم الجبارين و مبير المتكبرين:

مليك عزيز لا يردّ قضاؤه حكيم عليم نافذ الأمر قاهر

عنا كلّ ذي عزّ لعزّة وجهه فكلّ عزيز للمهيمن صاغر

لقد خضعت و استسلمت و تضاءلت لعزّة ذي العرش الملوك الجبابر

فالبدار البدار،و الحذار من الدنيا و مكائدها،و ما نصبت لك من مصائدها،و تحلّت لك من زينتها،و أظهرت لك من بهجتها:

و في دون ما عاينت من فجعاتها إلي رفضها داع،و بالزهد آمر

فجدّ و لا تغفل فعيشك زائل و أنت إلي دار الإقامة صائر

و لا تطلب الدنيا فإنّ طلابها و إن نلت منها غبّة (1)لك ضائر

و هل يحرص عليها اللبيب،أو يسرّ بها أريب،و هو علي ثقة من فنائها،و غير طامع في بقائها؟ أم كيف تنام عينا من يخشي البيات،و تسكن نفس من يتوقع الممات؟

ألا لا و لكنّا نغرّ نفوسنا و تشغلنا اللذات عمّا نحاذر

و كيف يلذّ العيش من هو موقن بموقف عدل يوم تبلي السرائر

كأنّما نري أن لا نشور أو إننا سدي ما لنا بعد الممات مصائر

و ما عسي أن ينال صاحب الدنيا من لذتها،و يتمتع به من بهجتها مع صنوف عجائبها،و كثرة تعبه في طلبها،و ما يكابد من أسقامها و أوصابها و آلامها؟

و ما قد نري في كل يوم و ليلة يروح علينا صرفها و يباكر

تعاورنا آفاتها و همومها و كم قد تري يبقي لها المتعاور

فلا هو مغبوط بدنياه آمن و لا هو عن بطلانها النفس قاصر

كم قد غرّت الدنيا من مخلد إليها،و صرعت من مكبّ عليها،فلم تنعشه من غرته،و لم تقمه من صرعته،و لم تشفه من ألمه،و لم تبره من سقمه.

بلي أوردته بعد عزّ و منعة موارد سوء ما لهنّ مصادرش.

ص: 36


1- و هي البلغة من العيش.

فلما رأي أن لا نجاة و أنه هو الموت لا ينجيه منه التحاذر

تندّم إذ لم تغن عنه ندامة عليه و أبكته الذنوب الكبائر

بكي علي ما سلف من خطاياه،و تحسّر علي ما خلف من دنياه،حين لا ينفعه الإستعبار،و لا ينجيه الإعتذار،عند هول المنية،و نزول البلية.

أحاطت به أحزانه و همومه و أبلس لما أعجزته المعاذر

فليس له من كربة الموت فارج و ليس له مما يحاذر ناصر

و قد جشأت خوف المنية نفسه ترددها منه اللها و الحناجر

هنالك خفّ عن عواده،و أسلمه أهله و أولاده،فارتفعت الرنّة بالعويل،و أيسوا من برء العليل،فغمضوا بأيديهم عينيه،و مدّوا عند خروج نفسه رجليه.

فكم موجع يبكي عليه و مفجع و مستنجد صبرا و ما هو صابر

و مسترجع داع له اللّه مخلصا يعدّد منه خير ما هو ذاكر

و كم شامت مستبشر بوفاته و عمّا قليل كالذي صار صائر

فشق جيوبها نساؤه،و لطم خدودها إماؤه،و أعول لفقده جيرانه،و توجع لرزئه إخوانه،ثم أقبلوا علي جهازه،و شمّروا لإبرازه.

و ظل أحب القوم كان لقربه يحث علي تجهيزه و يبادر

و شمّر من قد أحضروه لغسله و وجه لما قام للقبر حافر

و كفّن في ثوبين و اجتمعت له مشيّعة إخوانه و العشائر

فلو رأيت الأصغر من أولاده،و قد غلب الحزن علي فؤاده،و غشي من الجزع عليه،و خضبت الدموع خديه،و هو يندب أباه و يقول:يا ويلاه.

لعاينت من قبح المنية منظرا يهال لمرآه و يرتاع ناظر

أكابر أولاد يهيج اكتئابهم إذا ما تناساه البنون الأصاغر

ورنّة نسوان عليه جوازع مدامعهم فوق الخدود غوازر

ثم أخرج من سعة قصره إلي ضيق قبره،فلما استقر في اللحد و هي (1)عليه اللبن،و قد حثوا بأيديهم التراب،و أكثروا التلدد (2)عليه و الإنتحاب،و وقفوا ساعة عليه،و آيسوا من النظر إليه.).

ص: 37


1- الوهي:الشق في الشيء،و هي:تخرق و انشقّ و استرخي رباطه(القاموس).
2- التلدد:تلدد تلفت يمينا و شمالا،و تحيّر متبلدا،و تلبث(القاموس).

فولّوا عليه معولين و كلهم لمثل الذي لاقي أخوه محاذر

كشاء رتاع آمنات بدا لها بمذننة بادي الذراعين حاسر

فريعت و لم ترتع قليلا و أجفلت فلما نأي عنها الذي هو جازر

عادت إلي مرعاها،و نسيت ما في أختها دهاها،أفبأفعال البهائم اقتدينا،أم علي عادتها جرينا؟عد إلي ذكر المنقول إلي دار البلي و الثري،المدفوع إلي هول ما تري.

ثوي مفردا في لحده و توزعت مواريثه أرحامه و الأواصر

و أخنوا علي أمواله يقسمونها بلا حامد منهم عليها و شاكر

فيا عامر الدنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدوائر

كيف أمنت هذه الحالة،و أنت صائر إليها لا محالة؟أم كيف تهنأ بحياتك،و هي مطيّتك إلي مماتك؟أم كيف تسيغ طعامك،و أنت منتظر حمامك؟

و لم تتزود للرحيل و قد دنا و أنت علي حال و شيكا مسافر

فيا لهف نفسي كم أسوّف توبتي و عمري فان و الردي لي ناظر

و كل الذي أسلفت في الصحف مثبت يجازي عليه عادل الحكم قادر

فكم ترقّع بآخرتك دنياك،و تركب في ذلك هواك؟أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا علي الدين.أبهذا أمرك الرحمن،أم علي هذا نزل القرآن؟

تخرّب ما يبقي و تعمر فانيا فلا ذاك موفور و لا ذاك عامر

و هل لك إن وافاك حتفك بغتة و لم تكتسب خيرا لدي اللّه عاذر

أترضي بأن تفني الحياة و تنقضي و دينك منقوص و مالك وافر (1)

و قال الأصمعي:كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب طريف الشمائل و عليه ذؤابتان و هو متعلّق بأستار الكعبة و هو يقول:نامت العيون و غارت النجوم و أنت الملك الحيّ القيّوم،غلقّت الملوك أبوابها و أقامت عليها حرّاسها و بابك مفتوح للسائلين،جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين،ثمّ أنشأ يقول،شعر:

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظلم يا كاشف الضرّ و البلوي مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة و أنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به فارحم بكائي بحقّ البيت و الحرم6.

ص: 38


1- الصحيفة السجادية:506،و البحار:87/46 ح 76.

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود علي العاصين بالنّعم

فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السّلام (1).

***

علم علي بن الحسين عليه السّلام بالغيب

عن المدائني،قال:قارف الزهري ذنبا فاستوحش من ذلك،و هام علي وجهه.

فقال له علي بن الحسين:يا زهري قنوطك من رحمة اللّه التي وسعت كلّ شيء أعظم عليك من ذنبك.

فقال الزهري: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (2)،فرجع إلي ماله و أهله (3).

و عن يزيد بن عياض قال:أصاب الزهري دما خطأ،فخرج و ترك أهله و ضرب فسطاطا،و قال أيظلني سقف بيت،فمرّ به علي بن حسين فقال:يابن شهاب،قنوطك أشدّ من ذنبك،فاتّق اللّه، و استغفر،و ابعث إلي أهله بالديّة،و ارجع إلي أهلك،فكان الزهري يقول:علي بن حسين أعظم الناس عليّ منّة (4).

و روي الثقة عليّ بن إبراهيم مسندا إلي الزهري قال:كنت عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام فجاءه رجل من أصحابه و قال:يابن رسول اللّه إنّي أصبحت و عليّ أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به،فبكي بكاء شديدا.

فقلت:ما يبكيك؟

قال:و هل بعد البكاء إلاّ للمحن الكبار،و أيّ محنة أعظم علي حرّ مؤمن من أن يري بأخيه المؤمن حاجة فلا يمكنه سدّها.

فتفرّقوا عن مجلسهم فقال بعض المخالفين و هو يطعن علي عليّ بن الحسين:عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة أنّ السماء و الأرض و كلّ شيء يعطيهم اللّه و لا يردّهم عن شيء من طلباتهم ثمّ يعترفون أخري بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم،فاتّصل ذلك بالرجل صاحب القصة فجاء إلي عليّ بن الحسين فقال:بلغني عن فلان كذا و كذا و كان ذلك عليّ أشدّ من محنتي.

فقال عليه السّلام:قد أذن اللّه في فرحك يا فلانة إحملي سحوري و فطوري فحملت قرصين فقال:

خذهما ليس عندنا غيرهما و اللّه يعطيك بهما خيرا واسعا فأخذهما و دخل السوق لا يدري ما يصنع

ص: 39


1- الصحيفة السجادية:513،و البحار:80/46.
2- سورة الأنعام،الآية:124.
3- تاريخ مدينة دمشق:398/41.
4- طبقات ابن سعد 214/5.

بهما،فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة و قد أراحت فقال له:سمكتك بائرة عليك و إحدي قرصتي بائرة علي فأعطني سمكتك البائرة و خذ قرصي فأعطاه السمكة و أخذ القرصة.

ثمّ مرّ برجل معه ملح قليل فأعطاه القرصة الاخري و أخذ منه ملحا يصلح به السمكة فلمّا شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين فحمد اللّه ثمّ بعد ساعة قرع الباب قارع فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقول كلّ واحد له:يا عبد اللّه جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا من هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا و ما نظنّك إلاّ فقيرا و قد رددنا عليك هذا الخبز و طيّبنا لك ما أخذت منّا فأخذ القرصين فلمّا انصرفا قرع الباب قارع فإذا رسول عليّ بن الحسين فقال:يقول لك إنّ اللّه أتاك الفرج فاردد إلينا طعامنا فإنّه لا يأكله غيرنا.

و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضي منه دينه و حسنت حاله.

فقال بعض المخالفين:ما أشدّ هذا التفاوت بينا عليّ بن الحسين لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم.

فقال عليه السّلام:قالت قريش للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؛كيف يمضي إلي بيت المقدس و يشاهد فيه من آثار الأنبياء من مكّة و يرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلي المدينة إلاّ في إثني عشر يوما و ذلك حين هاجر منها.

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:جهلوا أمر اللّه و أمر أوليائه إنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسليم للّه و ترك الإقتراح عليه و الرضا بما يدبّرهم به،إنّ أولياء اللّه صبروا علي المكاره فجازاهم اللّه بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلاّ ما يريده لهم (1).

و في كتابي الإختصاص و البصائر مسندا إلي عبد الصمد بن علي قال:دخل رجل علي عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال له:من أنت؟

قال:منجّم،قال:فأنت عرّاف ثمّ قال:هل أدلّك علي رجل قد مرّ مذ دخلت علينا في أربع عشر عالما كلّ عالم أكبر من الدّنيا ثلاث مرّات لم يتحرّك عن مكانه.

قال:من هو؟قال:أنا و إن شئت أنبأتك بما أكلت و ما ادّخرت في بيتك (2).

قال السيد الجزائري في الرياض:العرّاف الكاهن و هو إشارة إلي قول مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام:المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار،و الكاهن هو الذي يستخدم بعض الجنّ أو الشياطين يأتيه ببعض أخبار السماوات فيضيف إليها أكاذيب و يخبر الناس بها كما كان في أعصار الجاهلية،و في وقت ولادته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم منع الشياطين من استراق السمع2.

ص: 40


1- أمالي الصدوق:539،و البحار:22/46.
2- بصائر الدرجات:421 ح 13،و البحار:27/46 ح 12.

و حرست السماء بملك يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك يرمون الشياطين بالشهب يحرقون أجنحتهم فهم و إن منعوا من القرب إلي السماء إلاّ أنّهم يطيرون في الهواء و ربّما وقع إليهم بعض الأخبار الغريبة يلقونهم إلي أوليائهم هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلي مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلي كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ .

و أمّا دخوله عليه السّلام في تلك العوالم فيمكن أن يكون علي طريق الحقيقة بالأبدان المثالية أو علي طريق لا نعلمه لكن يجب علينا الإذعان لما لا نتحقّقه و يمكن أن يكون علي طريق المجاز و يراد به العلم و الإطّلاع التامّ.

و قوله عليه السّلام:قد مرّ ربّما كان فيه إشارة إليه و سيأتي الكلام إن شاء اللّه تعالي في تحقيق هذه العوالم من الأخبار الصحيحة (1).

و في كتاب المناقب عن الباقر عليه السّلام قال:خدم أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام برهة من الزمان ثمّ شكي شدّة شوقه إلي والدته و سأله الإذن في الخروج إليها فقال عليه السّلام؛يا كنكر إنّه يقدم علينا رجل من أهل الشام له قدر و جاه و مال و ابنة له قد أصابها عارض من الجنّ و هو يطلب معالجا يعالجها و يبذل في ذلك ماله فإذا قدم فصر إليه و قل له أنا أعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم فإنّه يرضي بقولك،فلمّا كان من الغد قدم الشامي و طلب معالجا لابنته.

فقال له أبو خالد:أنا أعالجها بعشرة آلاف درهم فضمن أبوها له ذلك.

فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّه سيغدر بك ثمّ قال:إنطلق فخذ بإذن الجارية اليسري و قل:يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين أخرج من هذه الجارية و لا تعد إليها ففعل،فقامت الجارية من جنونها فطالبه بالمال فدافعه فرجع إلي عليّ بن الحسين.

فقال:يا أبا خالد غدر بك و لكن سيعود إليها فإذا أتاك فقل إنّما عاد إليها لأنّك لم تف بما ضمنت فإن وضعت عشرة آلاف علي يدي عليّ بن الحسين فإنّي أعالجها،فوضع المال علي يد عليّ بن الحسين و ذهب أبو خالد إلي الجارية فأخذ بإذنها اليسري و قال:يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين:أخرج من هذه الجارية و إن عدت أحرقتك بنار اللّه الموقدة التي تطّلع علي الأفئدة، و أفاقت الجارية و لم يعد إليها فأخذ المال حتّي قدم علي والدته (2).

روي أنّ رجلا أتي عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال:أنا منجّم قائف عرّاف فقال:هل أدلّك علي رجل قد مرّ منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم؟

قال:من هو؟

قال:أمّا الرجل فلا أذكره لك و لكن إن شئت أخبرتك بما أكلت و ادّخرت في بيتك.6.

ص: 41


1- رياض الأبرار،مخطوطة.
2- البحار:32/46.

قال:نبئني.

قال:أكلت هذا اليوم جبنا و في بيتك عشرون دينارا منها ثلاثة دنانير وازنة يعني صحيحة الوزن.

فقال له الرجل:أشهد أنّك الحجّة العظمي و المثل الأعلي و كلمة التقوي.

فقال له:و أنت صدّيق امتحن اللّه قلبك بالإيمان و أثبت (1).

و عن معمر قال:كان هشام بن إسماعيل عزل و وقف للناس بالمدينة،فمرّ به علي بن الحسين فأرسل إليه:إستعن بنا علي من شئت.

فقال هشام: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (2)،و قد كان ناله أو بعض أهله بشيء يكرهه، إذ كان أميرا (3).

***

معاجز و كرامات علي بن الحسين عليه السّلام

اشارة

في كتاب عيون المعجزات للمرتضي رحمه اللّه عن أبي خالد كنكر الكابلي أنّه قال:لقيني يحيي بن أمّ الطويل رفع اللّه درجته و هو ابن داية زين العابدين عليه السّلام فأخذ بيدي و صرت معه إليه فرأيته جالسا في بيت مفروش بالمعصفر مزيّن الحيطان عليه ثياب مصبّغة فلم أطل عنده الجلوس فلمّا أن نهضت قال:سر إليّ غدا إن شاء اللّه.

فخرجت من عنده و قلت ليحيي:أدخلتني علي رجل يلبس الصبغات،و عزمت علي أن لا أرجع إليه،ثمّ فكّرت في أنّ رجوعي غير ضائر فرجعت إليه في غد فوجدت الباب مفتوحا فناداني من داخل الدار يا كنكر،و هذا إسم سمّتني به أمّي لا يعلمه أحد فوجدته جالسا في بيت مطين علي حصير من البردي و عليه قميص كرابيس و عنده يحيي فقال لي:يا أبا خالد إنّي قريب العهد بعروس و أنّ الذي رأيت بالأمس من رأي المرأة و لم أرد مخالفتها ثمّ قام و أخذ بيدي و يد يحيي و مضي بنا إلي بعض الغدران فوقفنا ننظر إليه فقال:بسم اللّه الرحمن الرحيم و مشي علي الماء حتّي رأينا كعبه يلوح فوق الماء.

فقلت:اللّه أكبر اللّه أكبر أنت الكلمة الكبري و الحجّة العظمي صلوات اللّه عليك.

ثمّ قال:ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم:المدخل فينا من

ص: 42


1- دلائل الإمامة:210 ح 23،و البحار:46-42 ح 40.
2- سورة الأنعام،الآية:124.
3- تاريخ دمشق:394/41.

ليس منّا و المخرج منّا من هو منّا و القائل إنّ لهما في الإسلام نصيبا أعني هذين الصفتين (1).

و في كتاب الاحتجاج عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة عبّاد البصري مثل أيّوب السجستاني و حبيب الفارسي فلمّا دخلنا مكّة رأينا الماء قليلا لقلّة الغيث ففزع إلينا الناس يسألونا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متذلّلين فمنعنا الإجابة فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتي قد أقبل قد أكربته أحزانه و أقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا و قال:يا مالك بن دينار و يا فلان و يا فلان.

قلنا:لبّيك يا فتي.

فقال:ما فيكم أحد يجبه الرحمن؟

فقلنا:يا فتي علينا الدّعاء و عليه الإجابة.

فقال:ابعدوا عن الكعبة فأتي الكعبة و خرّ ساجدا فقال في سجوده:سيّدي بحبّك لي لأسقيتهم الغيث،فما استتمّ الكلام حتّي أتاهم الغيث كأفواه القرب.

فقلت:يا فتي من أين علمت أنّه يحبّك؟

قال:لو لم يحببني لم يستزرني،فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني فسألته بحبّه لي فأجابني ثمّ ولّي و أنشأ يقول،شعر:

من عرف الربّ فلم تغنه معرفة الربّ فذاك الشقيّ

ما ضرّ في الطاعة ما ناله في طاعة اللّه و ماذا لقي

ما يصنع العبد بغير التّقي و العزّ كلّ العزّ للمتّقي

فقلت:يا أهل مكّة من هذا الفتي؟

قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (2).

و في كتاب الأنوار أنّه عليه السّلام كان قائما يصلّي فوقف ابنه علي بئر في داره بعيدة القعر و سقط فيها فصرخت أمّه و قالت:يابن رسول اللّه غرق ولدك محمّد و هو لا يلتفت و يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر فلمّا طال عليها ذلك قالت:ما أقسي قلوبكم يا أهل بيت رسول اللّه.

فلمّا فرغ من الصلاة مدّ يده إلي البئر و كانت لا تنال إلاّ بالرشا الطويل فأخرج إبنه محمّدا علي يديه يناغي و يضحك لم يبتل له ثوب فقال:هاك يا ضعيفة اليقين لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي (3).9.

ص: 43


1- عيون المعجزات:64،و البحار:103/46 ح 92.
2- مناقب آل أبي طالب:282/3،و البحار:51/46.
3- ولائل الإمامة:198 ح 1،و البحار:35/46 ح 29.

قال السيد الجزائري في الرياض:صرّح الفقهاء طيّب ثراهم بوجوب قطع الصلاة عند سقوط نفس محترمة في البئر و نحوه،و الإمام عليه السّلام هنا لم يقطع صلاته و هل يجوز لغيره أن يقتدي به في مثل هذه الحالة؟قلنا:لا يجوز،و ذلك أنّ عدم قطعه عليه السّلام للصلاة إمّا لأنّه لم يشعر و لم يعلم بوقوعه في البئر،و إمّا لأنّ توكّله علي اللّه سبحانه بلغ إلي حدّ حصل معه العلم القطعي بأنّ اللّه سبحانه سيحفظ ولده في البئر كما حفظ يوسف و هذا المقام لا يحصل لغيره،و لو اتّفق حصوله لأحد لم يجب عليه قطع الصلاة بل يجوز له (1).

و في كتابي الاختصاص و البصائر مسندا إلي عبد الصمد بن علي قال:دخل رجل علي عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال له:من أنت؟

قال:منجّم،قال:فأنت عرّاف ثمّ قال:هل أدلّك علي رجل قد مرّ مذ دخلت علينا في أربع عشر عالما كلّ عالم أكبر من الدّنيا ثلاث مرّات لم يتحرّك عن مكانه.

قال:من هو؟قال:أنا و إن شئت أنبأتك بما أكلت و ما ادّخرت في بيتك (2).

قال السيد الجزائري في الرياض:العرّاف الكاهن و هو إشارة إلي قول مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام:المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار،و الكاهن هو الذي يستخدم بعض الجنّ أو الشياطين يأتيه ببعض أخبار السماوات فيضيف إليها أكاذيب و يخبر الناس بها كما كان في أعصار الجاهلية،و في وقت ولادته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم منع الشياطين من استراق السمع و حرست السماء بملك يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك يرمون الشياطين بالشهب يحرقون أجنحتهم فهم و إن منعوا من القرب إلي السماء إلاّ أنّهم يطيرون في الهواء و ربّما وقع إليهم بعض الأخبار الغريبة يلقونهم إلي أوليائهم هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلي مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلي كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ (3).

و أمّا دخوله عليه السّلام في تلك العوالم فيمكن أن يكون علي طريق الحقيقة بالأبدان المثالية أو علي طريق لا نعلمه لكن يجب علينا الإذعان لما لا نتحقّقه و يمكن أن يكون علي طريق المجاز و يراد به العلم و الاطّلاع التامّ.

و قوله عليه السّلام:قد مرّ ربّما كان فيه إشارة إليه و سيأتي الكلام إن شاء اللّه تعالي في تحقيق هذه العوالم من الأخبار الصحيحة.

و في أمالي الشيخ طاب ثراه قال:خرج عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلي مكّة حاجّا حتّي انتهي إلي2.

ص: 44


1- رياض الأبرار:،مخطوطة.
2- بصائر الدرجات:421 ح 13،و البحار:27/46 ح 12.
3- سورة الشعراء،الآية:221-222.

واد فإذا هو برجل يقطع الطريق فقال لعليّ بن الحسين:انزل أريد أن أقتلك و آخذ مالك.

قال:أنا أقاسمك ما معي و أحلّلكك.

فقال اللصّ:لا.

قال:فدع معي ما أتبلّغ به فأبي،قال:فأين ربّك؟

قال:نائم،فإذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه و هذا برجله قال:زعمت أنّ ربّك عنك نائم؟ (1).

و في كتاب كمال الدّين مسندا إلي محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام:إنّ حبّابة الوالبية دعا لها عليّ بن الحسين عليهما السّلام فردّ اللّه عليها شبابها و أشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها و لها يومئذ مائة سنة و ثلاثة عشر سنة (2).

و في الخرائج:قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:موت الفجأة تخفيف علي المؤمن و أسف علي الكافر و أنّ المؤمن ليعرف غاسله و حامله فإن كان له عند ربّه خير ناشد حملته أن يعجّلوا به و إن كان غير ذلك ناشدهم أن يقصّروا به.

فقال ضمرة بن سمرة:لو كان كما يقول وثب من السرير،و ضحك و أضحك.

فقال عليه السّلام:اللّهم إنّ ضمرة ضحك و أضحك لحديث رسول اللّه فخذه أخذة أسف فمات فجأة فأتي مولي لضمرة زين العابدين عليه السّلام فقال:آجرك اللّه في ضمرة مات فجأة إنّي لأقسم لك إنّي سمعت صوته و أنا أعرفه كما كنت أعرفه في حياته في الدّنيا و هو يقول:الويل لضمرة حللت بدار الجحيم و بها مبيتي و المقيل،فقال عليّ بن الحسين:اللّه أكبر هذا جزاء من ضحك و أضحك من حديث رسول اللّه (3).

قال السيد الجزائري في الرياض:أمّا إنّ موت الفجأة تخفيف علي المؤمن فلأنّه راحة معجّلة و دليل علي أنّ المؤمن لم يبق عليه من الذنب ما يحتاج إلي تكفيره،كما ورد في أنّ الأمراض كفّارات للذنوب و أنّ ما يصيب المؤمن من المرض و الوجع قبل حلول الموت فهو كفّارة له،و أمّا إنّه أسف علي الكافر فلأنّ الأمراض تبعث إلي الرجوع إلي الحقّ و التوبة عن القبيح فلو لم يمت فجأة لربما دخل في الإسلام فهو يأسف و يندم بعد الموت علي ما قصّر فيه.نعم،ورد الإستعاذة من موت الفجأة لفوت الأجر المترتّب علي المرض و لعدم تدارك الوصية المأمور بها و في تركها تضييع مال الوارث أو مال الناس و لتمتّع أهله بالنظر إليه أيّام المرض و أنّهم يرفعون نفوسهم عن حياته شيئا1.

ص: 45


1- أمالي الصدوق:673 ح 1421،و البحار:41/46 ح 36.
2- كمال الدين و تمام النعمة:537،و البحار:178/25 ح 2.
3- الصحيفة السجادية:144،و مختصر بصائر الدرجات:91.

بعد شيء إلي أن يسهل عليهم حكاية موته و موت الفجأة يهجم عليهم بقطع حياته و حلول الموت به.

و في كتاب الخرائج:إنّ زين العابدين عليه السّلام كان يخرج إلي ضيعة له فإذا هو بذئب معه ليس عليه شعر قد قطع علي الصادر و الوارد فدنا منه و وعوع فقال:إنصرف فإنّي أفعل إن شاء اللّه فانصرف الذئب فقيل:ما شأن الذئب؟قال:أتاني و قال:زوجتي عسر عليها ولادتها فأغثني و أغثها بأن تدعو بتخليصها و لك اللّه أن لا أتعرّض أنا و لا شيء من نسلي لأحد من شيعتك،ففعلت.

و فيه أيضا:أنّ أبا بصير قال:حدّثني الباقر عليه السّلام أنّ عليّ بن الحسين قال:رأيت الشيطان في النوم فواثبني فرفعت يدي فكسرت أنفه فأصبحت و أنا علي ثوبي كأثر دم (1).

و روي أيضا أنّ موسي عليه السّلام لطمه علي وجهه فاعورّت عينه.

و روي أيضا أنّ إدريس عليه السّلام لمّا كان يخيّط في مسجد الكوفة و أتاه إبليس و سأله حديث البيضة فقال:أدن منّي فلمّا دني منه الشيطان غرز الابرة في عينيه فقال ربّي قادر علي مثل هذا فاعورّت عينه فهو أعور علي كلّ حال.

و فيه أيضا أنّ يدي رجل و امرأة التصقتا علي الحجر و هما في الطواف و جهد كلّ أحد علي نزعهما فلم يقدر فقال الناس:إقطعوهما،فبينما هم كذلك إذ دخل زين العابدين عليه السّلام و وضع يده عليهما فانحلّتا و افترقتا (2).

قال السيد الجزائري في الرياض:رأيت في مرّة من زياراتي لقبر مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّ يدي رجل التصقت بالشبّاك الشريف و ما انفصلت إلاّ بعد مدّة و طول تضرّع و بكاء من ذلك الرجل و من الزوّار حتّي نوي التوبة النصوح و الظاهر أنّه كان عشّارا (3).

و فيه أيضا أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلي عبد الملك بن مروان:إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين فكتب إليه عبد الملك:أمّا بعد فجنّبني دماء بني هاشم و احقنها فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا و لغوا فيها لم يلبثوا أن أزال اللّه الملك منهم،و بعث بالكتاب أيضا سرّا إليه،فكتب عليّ بن الحسين إلي عبد الملك في الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلي الحجّاج:وقفت علي ما كتبت في دماء بني هاشم و قد شكر اللّه لك ذلك و ثبّت لك ملكك و زاد في عمرك و بعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلي الحجّاج فلمّا قدم الغلام و نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقا لتاريخ كتابه فلم يشكّ في صدق زين العابدين ففرح بذلك و بعث إليه بوقر دنانير و سأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه.ط.

ص: 46


1- الخرائج و الجرائح:584/2 ح 3،و البحار:28/46 ح 17.
2- الخرائج و الجرائح:584/2 ح 5،و بصائر الدرجات:17 ح 1.
3- رياض الأبرار،مخطوط.

و كان في كتابه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أتاني في النوم فعرّفني ما كتبت به إليك و ما شكر من ذلك (1).

و في الخرائج روي عن الباقر عليه السّلام كان عبد الملك يطوف بالبيت و عليّ بن الحسين يطوف بين يديه و لا يلتفت إليه فقال:من هذا الذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت إلينا؟

فقيل له:عليّ بن الحسين.

فقال:ردّوه إلي فردّوه فقال:يا عليّ بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إليّ.

قال:إنّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه و أفسد أبي عليه بذلك آخرته فإن أحببت أن تكون كهو فكن.

فقال:كلاّ و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا.

فجلس زين العابدين عليه السّلام و بسط رداءه و قال:اللّهم أره حرمة أوليائك عندك،فإذا إزاره مملوّة دررا شعاعها يخطف الأبصار.

فقال له:من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج إلي دنياك؟

ثمّ قال:اللّهم خذها فلا حاجة لي فيها (2).

***

خدمة الملائكة لعلي بن الحسين عليه السّلام

و عن أبي حمزة الثمالي قال:دخلت علي عليّ بن الحسين عليهما السّلام فاحتبست في الدار ساعة ثمّ دخلت البيت و هو يلقط شيئا فناوله من وراء الستر.

فقلت:أيّ شيء هذا؟

قال:فضلة من زغب الملائكة و إنّهم ليزاحمونا علي متكئنا (3).

***

ص: 47


1- الخرائج و الجرائح:256/1 ح 2،و البحار:120/46 ح 11.
2- الصحيفة السجادية:604.
3- الكافي:394/4 ح 3،و البحار:353/26 ح 8.

علي بن الحسين عليه السّلام يكلم حوت يونس

و في كتاب الكشي عن أبي حمزة الثمالي إنّه دخل عبد اللّه بن عمر علي زين العابدين عليه السّلام و قال:يابن الحسين أنت الذي تقول إنّ يونس بن متي إنّما لقي من الحوت ما لقي لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها؟

قال:بلي ثكلتك أمّك.

قال:فأرني ذلك إن كنت من الصادقين فأمر بشدّ عينيه بعصابة و شدّ عيني بعصابة ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن علي شاطئ بحر تضطرب أمواجه.

فقال ابن عمر:يا سيّدي دمّي في رقبتك اللّه الله في نفسي.

فقال:هيه و أريه إن كنت من الصادقين.

ثمّ قال:يا أيّتها الحوت،فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول:لبّيك لبّيك يا وليّ اللّه.

فقال:من أنت؟

قال:أنا حوت يونس.

قال:أنبئنا بالخبر.

قال:يا سيّدي إنّ اللّه تعالي لم يبعث نبيّا إلي أن صار جدّك محمّد إلاّ و قد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم و تخلّص و من توقّف عنها و تتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية،و ما لقي نوح من الغرق و ما لقي إبراهيم من النار،و ما لقي يوسف من الجبّ و ما لقي أيّوب من البلاء و ما لقي داود من الخطيئة إلي أن بعث اللّه يونس فأوحي إليه يا يونس تولّي أمير المؤمنين عليّا و الأئمّة الراشدين من صلبه.

قال:كيف أتولّي من لم أره و أعرفه و ذهب مغتاظا.

فأوحي اللّه تعالي إليّ أن التقمي يونس و لا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين قد قبلت ولاية عليّ بن أبي طالب و الأئمّة الراشدين من ولده.

فلمّا أن آمن بولايتكم أمرني ربّي فقذفته علي ساحل البحر.

فقال زين العابدين عليه السّلام:إرجع أيّها الحوت إلي و كرك و استوي الماء (1).

ص: 48


1- مناقب آل أبي طالب:281/3،و البحار:402/14 ح 15.

كلام علي بن الحسين عليه السّلام للغزال

في كتاب الدلائل لعبد اللّه الحميري:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام في سفر يتغدّي فأقبل غزال في ناحية يتقمم.

فقال:أدن فكل فأنت آمن فدني و أكل فأخذ رجل حصاة رمي بها ظهره فنفر الغزال.

فقال عليه السّلام:نقضت ذمّتي لا كلّمتك كلمة أبدا (1).

***

كلام علي بن الحسين عليه السّلام للجن

في كتاب الدلائل للطبري قال:خرج عليّ بن الحسين عليه السّلام إلي مكّة في جماعة معه فلمّا بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها فقال لمواليه:كيف ضربتم هذا الموضع و هذا موضع قوم من الجنّ هم شيعتنا و ذلك يضيق عليهم.

فقلنا:ما علمنا ذلك و عمدوا إلي قلع الفسطاط و إذا هاتف نسمع صوته و لا نري شخصه يقول:يابن رسول اللّه لا تحوّل فسطاطك فإنّا نحتمل لك ذلك و هذا الطبق قد أهديناه إليك و نحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك فإذا جانب الفسطاط طبق عظيم و أطباق معه فيها عنب و رمّان و موز و فاكهة كثيرة فدعي عليه السّلام من كان معه فأكل و أكلوا من تلك الفاكهة (2).

***

علم علي بن الحسين عليه السّلام بلغة الحيوانات

و فيه أيضا عن أبي بصير عن رجل قال:خرجت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلي مكّة فرأي غنما و إذا نعجة تخلّفت عن الغنم و هي تثغو ثغاء شديدا و تلتفت و إذا سخلة خلفها تثغو و تشتدّ في طلبها فقال عليه السّلام:أتدري ما قالت النعجة؟

قلت:لا.

قال:تقول لها إلحقي بالغنم فإنّ اختها عام أوّل تخلّفت في هذا الموضع فأكلها الذئب (3).

و في كتاب الإختصاص بإسناده إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين مع أصحابه

ص: 49


1- البحار:43/46 ح 42،و كشف الغمة:320/2.
2- البحار:45/46 ح 45.
3- دلائل الإمامة:206 ح 17،و البحار:24/46 ح 6.

في طريق مكّة فمرّ ثعلب و هم يتغدّون فقال لهم:أعطوني موثقا من اللّه لا تهيجون هذا الثعلب و دعوه حتّي يجيئني فحلفوا له،فقال:يا ثعلب تعال،فجاء حتّي أقعي بين يديه فطرح له عظما فيه لحم فولّي به يأكله (1).

و فيه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال:بينا عليّ بن الحسين مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتّي أقامت حذاؤه و صوّتت فقال بعضهم:ما تقول هذه الظبية؟قال:تزعم أنّ فلانا القرشي أخذ خشفها بالأمس و أنّها لم ترضعه من أمس،فبعث إليه عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إبعث إليّ بالخشف،فلمّا رأته صوّتت و ضربت بيديها ثمّ أرضعته فوهبه عليّ بن الحسين لها و كلّمها بنحو من كلامها و انطلقت و الخشف معها.

فقالوا:يابن رسول اللّه ما الذي قالت:قال تقول:ردّ اللّه عليكم كلّ غائب و غفر لعليّ بن الحسين كما ردّ عليّ ولدي (2).

***

معرفة علي بن الحسين عليه السّلام بلغة الطيور

و قال أبو حمزة الثمالي:كنت يوما عند علي بن الحسين،فإذا عصافير يطرن حوله يصرخن.

فقال عليه السّلام:يا أبا حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير؟.

فقلت:لا.

قال عليه السّلام:فإنها تقدّس ربّها و تسأله قوت يومها (3).

***

إحياء علي بن الحسين عليه السّلام لميت

قال العلامة المجلسي:رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا:روي أن رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحج البيت و يزور النبي في أكثر الاعوام،و كان يأتي علي بن الحسين عليه السّلام و يزوره و يحمل إليه الهدايا و التحف و يأخذ مصالح دينه منه،ثم يرجع إلي بلاده فقالت له زوجته:أراك تهدي تحفا كثيرة و لا أراه يجازيك عنها بشي،فقال:إن الرجل الذي نهدي إليه هدايانا هو ملك الدنيا و الآخرة و جميع ما في أيدي الناس تحت ملكه لأنه خليفة اللّه في أرضه،و حجته علي عباده،و هو ابن رسول

ص: 50


1- البحار:25/46 ح 7.
2- البحار:26/46 ح 11،و بصائر الدرجات:373.
3- حلية الأولياء 140/3،مناقب آل أبي طالب 145/4.

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إمامنا،فلما سمعت ذلك منه أمسكت عن ملامته،ثم إن الرجل تهيأ للحج مرة أخري في السنة القابلة،و قصد دار علي بن الحسين عليه السّلام فاستأذن عليه،فأذن له فدخل فسلم عليه و قبل يديه، و وجد بين يديه طعاما فقرّبه إليه و أمره بالأكل معه فأكل الرجل،ثم دعا بطست و إبريق فيه ماء،فقام الرجل،و أخذ الابريق و صب الماء علي يدي الامام عليه السّلام فقال عليه السّلام:يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصب علي يدي الماء؟

فقال:إني أحب ذلك.

فقال الامام عليه السّلام:لما أحببت ذلك فو اللّه لأرينك ما تحب و ترضي و تقر به عيناك.

فصب الرجل علي يديه الماء حتي امتلأ ثلث الطست،فقال الامام عليه السّلام:للرجل ما هذا؟

فقال:ماء.

قال الامام عليه السّلام:بل هو ياقوت أحمر،فنظر الرجل،فإذا هو قد صار ياقوتا أحمر باذن اللّه تعالي.

ثم قال عليه السّلام:يا رجل صب الماء فصب حتي امتلأ ثلثا الطست فقال عليه السّلام:ما هذا؟

قال:هذا ماء.

قال عليه السّلام:بل هذا زمرد أخضر فنظر الرجل فإذا هو زمرد أخضر.

ثم قال عليه السّلام:صب الماء فصبه علي يديه حتي امتلأ الطست فقال:ما هذا؟

فقال:هذا ماء،قال عليه السّلام:بل هذا در أبيض،فنظر الرجل إليه،فإذا هو در أبيض،فامتلأ الطست من ثلاثة ألوان:در و ياقوت و زمرد فتعجب الرجل و انكب علي يديه عليه السّلام يقبلهما.

فقال عليه السّلام:يا شيخ لم يكن عندنا شيء نكافيك علي هداياك إلينا،فخذ هذه الجواهر عوضا عن هديتك،و اعتذر لنا عند زوجتك لأنها عتبت علينا،فأطرق الرجل رأسه و قال:يا سيدي من أنبأك بكلام زوجتي؟فلا أشك أنك من أهل بيت النبوة.

ثم إن الرجل ودع الإمام عليه السّلام و أخذ الجواهر و سار بها إلي زوجته،و حدثها بالقصة فسجدت للّه شكرا و أقسمت علي بعلها باللّه العظيم أن يحملها معه إليه عليه السّلام فلما تجهز بعلها للحج في السنة القابلة أخذها معه،فمرضت في الطريق و ماتت قريبا من المدينة،فأتي الرجل الإمام عليه السّلام باكيا و أخبره بموتها،فقام الإمام عليه السّلام و صلي ركعتين و دعا اللّه سبحانه بدعوات،ثم التفت إلي الرجل، و قال له:ارجع إلي زوجتك فإن اللّه عزّ و جلّ قد أحياها بقدرته و حكمته و هو يحيي العظام و هي رميم.

فقام الرجل مسرعا فلما دخل خيمته وجد زوجته جالسة علي حال صحتها،فقال لها:كيف أحياك اللّه؟

ص: 51

قالت:و اللّه لقد جاءني ملك الموت و قبض روحي و همّ أن يصعد بها،فإذا أنا برجل صفته كذا و كذا-و جعلت تعد أوصافه عليه السّلام-و بعلها يقول:نعم صدقت هذه صفة سيدي و مولاي علي بن الحسين عليه السّلام.

قالت:فلما رآه ملك الموت مقبلا انكب علي قدميه يقبلهما و يقول:السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه،السلام عليك يا زين العابدين،فرد عليه السّلام و قال له:يا ملك الموت أعد روح هذه المرأة إلي جسدها،فإنها كانت قاصدة إلينا و إني قد سألت ربي أن يبقيها ثلاثين سنة أخري و يحييها حياة طيبة لقدومها إلينا زائرة لنا،فقال الملك:سمعا و طاعة لك يا ولي اللّه،ثم أعاد روحي إلي جسدي، و أنا أنظر إلي ملك الموت قد قبل يده عليه السّلام و خرج عني،فأخذ الرجل بيد زوجته و أدخلها إليه عليه السّلام و هو ما بين أصحابه،فانكبت علي ركبتيه تقبلهما و هي تقول:هذا و اللّه سيدي و مولاي،و هذا هو الذي أحياني اللّه ببركة دعائه.

قال:فلم تزل المرأة مع بعلها مجاورين عند الامام عليه السّلام بقية أعمارهما إلي أن ماتا رحمة اللّه عليهما (1)

***

قدرة علي بن الحسين عليه السّلام

و في كتاب مشارق الأنوار أنّ رجلا قال لعليّ بن الحسين:بماذا فضّلنا علي أعدائنا و فيهم من هو أجمل منّا؟

فقال عليه السّلام:تحبّ أن تري فضلك عليهم؟

قال:نعم.

فمسح يده علي وجهه فقال:أنظر فنظر و اضطرف.

و قال:جعلت فداك ردّني إلي ما كنت فإنّي لم أر في المسجد إلاّ دبّا و قردا و كلبا فمسح يده فعاد إلي حاله (2).

***

عبادة علي بن الحسين عليه السّلام

في كتاب الاختصاص أنّ أبا إسحاق الهمداني كان من ثقاة عليّ بن الحسين عليهما السّلام صلّي

ص: 52


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي:47/64.
2- البحار:49/46.

أربعين سنة صلاة الغداء بوضوء العتمة و كان يختم القرآن في كلّ ليلة و قبض و له تسعون سنة (1).

و عن أبو نوح الأنصاري قال:وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين و هو ساجد،فجعلوا يقولون له:يابن رسول اللّه النار،يا ابن رسول اللّه النار،فما رفع رأسه حتي أطفئت،فقيل له:ما الذي ألهاك عنها؟قال:ألهاني عنها النار الأخري (2).

و عن عن عبد اللّه بن أبي سليمان قال:كان علي بن الحسين إذا مشي لا تجاوز يديه فخذيه، و لا يخطر بيده قال:و كان إذا قام إلي الصّلاة أخذته رعدة،فقيل له:ما لك؟فقال:ما تدرون بين يدي من أقوم و من أناجي؟ (3).

و عن عبد الرّحمن بن جعفر الهاشمي قال:كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إذا توضأ اصفرّ،فيقول له أهله:ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟

فيقول:تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ (4)

و عن سفيان بن عيينة قال:حجّ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،فلما أحرم و استوت به راحلته اصفرّ لونه،و انتفض و وقعت عليه الرعدة،و لم يستطع أن يلبّي،فقيل له:ما لك لا تلبّي؟

فقال:أخشي أن أقول لبيك،فيقول لي:لا لبيك،فقيل له:لا بدّ من هذا،قال:فلما لبّي غشي عليه و سقط من راحلته،فلم يزل يعتريه ذلك حتي قضي حجّه (5).

مصعب بن عبد اللّه قال:سمعت مالك بن أنس يقول:و لقد أحرم علي بن الحسين،فلما أراد أن يقول:لبيك اللّهم لبيك قالها فأغمي عليه حتي سقط من راحلته،فهشم،و لقد بلغني أنه كان يصلي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة إلي أن مات،و كان يسمي بالمدينة زين العابدين لعبادته (6).

عن طاوس قال:إنّي لفي الحجر ليلة إذ دخل الحجر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقلت:رجل صالح من أهل بيت النبوة،لأستمعن إلي دعائه الليلة،قال:فقام يصلّي إلي السحر، ثم سجد سجدة،فجعل يقول في سجوده:عبدك يا رب نزل بفنائك،مسكينك يا رب بفنائك،فقيرك يا رب بفنائك،قال طاوس:فحفظتهن،فما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج عني (7).1.

ص: 53


1- الإختصاص:83،و البحار:33/11.
2- تهذيب الكمال 241/13،و مناقب ابن شهر آشوب 163/4،و صفة الصفوة 94/2.
3- طبقات ابن سعد 216/5،و الإرشاد 143/2،العقد الفريد 114/3،حلية الأولياء 133/3،أعلام الوري 488/1،صفة الصفوة 93/2،مناقب ابن شهر آشوب 161/4،مختصر تاريخ دمشق 236/17.
4- عوالي اللئالي:324/1،و تهذيب الكمال:390/20.
5- تاريخ دمشق:380/41.
6- سير أعلام البلاء 392/4،و كتاب المجالسة للدينوري:120.
7- تاريخ مدينة دمشق:380/41.

عن زيد بن أسلم قال:كان من دعاء علي بن الحسين:اللّهم لا تكلني إلي نفسي فأعجز عنها، و لا تكلني إلي المخلوقين فيضيعوني (1).

و عن الزهري قال:دخلت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام علي عبد الملك بن مروان فاستعظم ما رأي من آثار السجود بين عينيّ عليّ بن الحسين فقال:يا أبا محمّد لقد بان عليك الاجتهاد و لقد سبق لك من اللّه الحسني و أنت من رسول اللّه ثمّ أطري عليه فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام كلّما ذكرته و وصفته من فضل اللّه فأين شكره علي ما أنعم؛كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقف في الصلاة حتّي تورم قدماه و يظمأ في الصيام حتّي يعصب فوه فقيل له:يا رسول اللّه ألم يغفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟

فقال:أفلا أكون عبدا شكورا،الحمد للّه علي ما أولي و اللّه لو تقطّعت أعضائي و سالت مقلتاي علي صدري أن أقوم للّه بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون لا و الله،أو يراني اللّه لا يشغلني عن شكره و ذكره في ليل و لا نهار و لا سرّ و لا علانية، و لو لا أنّ لأهلي حقّا عليّ و لسائر الناس من خاصّهم و عامّهم عليّ حقوقا لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع و الطاقة حتّي أؤدّيها إليهم لرميت بطرفي إلي السماء و بقلبي إلي اللّه ثمّ لم أرددهما حتّي يقضي اللّه علي نفسي و هو خير الحاكمين.

و بكي عليه السّلام و بكي عبد الملك و قال:شتّان بين عبد طلب الآخرة و سعي لها سعيها و بين من طلب الدّنيا من أين جاءته ما له في الآخرة من خلاق،ثمّ أقبل يسأله عن حاجاته و عمّا قصد له فوصله بمال و شفّعه فيمن شفع به (2).

و في كتاب الأنوار أنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسين عليهما السّلام و هو قائم يصلّي في صورة أفعي له عشرة رؤوس محدّدة الأنياب متقلّبة الأعين بحمرة فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده، ثمّ تطاول في محرابه فلم يفزعه ذلك و لم يكسر طرفه إليه،فانقضّ علي رؤوس أصابعه يعضّها بأنيابه و ينفخ عليها من نار جوفه و هو لا يكسر طرفه إليه و لا يختلجه شكّ و لا وهم في صلاته و لا في قراءته فلم يلبث إبليس حتّي انقضّ إليه شهاب محرق من السماء فلمّا أحسّ به صرخ و قام إلي جانب عليّ بن الحسين في صورته الاولي ثمّ قال:يا عليّ أنت سيّد العابدين كما سمّيت و أنا إبليس،و اللّه لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد آدم إليك فما رأيت مثلك و لا مثل عبادتك،ثمّ تركه و ولّي و استمر في صلاته لا يشغله كلامه حتّي قضي صلاته علي تمامها (3).

و في الأمالي مسندا إلي الباقر عليه السّلام أنّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب لمّا نظرت إلي ما يفعل1.

ص: 54


1- سير أعلام النبلاء 396/4.
2- البحار:57/46.
3- دلائل الإمامة:197،و البحار:58/46 ح 11.

ابن أخيها عليّ بن الحسين عليهما السّلام بنفسه من التعب في العبادة قالت لجابر الأنصاري:يا صاحب رسول اللّه إنّ لنا عليكم حقوقا،من حقّنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا في العبادة أن تذكروه اللّه و تدعوه إلي البقيا علي نفسه و هذا عليّ بن الحسين بقيّة أبيه قد انخرم أنفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه اجتهادا في العبادة.

فأتي جابر باب عليّ بن الحسين و باب أبي جعفر محمّد بن عليّ في غلمان بني هاشم فنظر إليه مقبلا فقال:هذه مشية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سجيته فمن أنت يا غلام؟

قال:أنا محمّد بن عليّ،فبكي جابر ثمّ قال:أنت و اللّه الباقر عن العلم حقّا،فدني منه جابر و حلّ أزراره و وضع يده علي صدره فقبّله و جعل عليه وجهه و خدّه و قال له:ائذن لي علي أبيك.

فدخل و أخبره بما فعل معه فدخل عليه فوجده في محرابه قد أضنته العبادة،فنهض عليّ عليه السّلام و سأله عن حاله سؤالا حفيّا ثمّ أجلسه بجنبه فقال جابر:يا بن رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالي خلق الجنّة لكم و لمن أحبّكم و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟

قال:يا صاحب رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالي غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر فلم يدع الإجتهاد و تعبّد حتّي انتفخ السّاق و ورم القدم و قيل له:أتفعل هذا و قد غفر اللّه لك الذنوب؟

قال:أفلا أكون عبدا شكورا،يا جابر لا أزال علي منهاج أبوي حتّي ألقاهما؟

فقال جابر:ما أري في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسين إلاّ يوسف بن يعقوب،و ذريّة عليّ بن الحسين أفضل من ذرّية يوسف،إنّ منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السّلام،كانت له خمسمائة نخلة كان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين.

و لقد صلّي ذات يوم فسقط الرداء عن منكبيه فلم يسوه حتّي فرغ فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال:ويحك أتدري بين يديّ من كنت؟إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه.

فقال الرجل:هلكنا.

فقال:كلاّ،إنّ اللّه عزّ و جلّ متمّم ذلك بالنوافل (2).

و في الاحتجاج عن موسي بن جعفر عليهما السّلام أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يقرأ القرآن فربما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته و أنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس فقيل له:ألم يكن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟9.

ص: 55


1- أمالي الطوسي:637،و البحار:61/46 ح 18.
2- الخصال:517،و البحار:62/46 ح 19.

فقال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يحمّل من خلفه ما يطيقون (1).

و قد دخل أبو جعفر ابنه عليه فإذا هو قد اصفرّ لونه من السهر و رمصت عيناه من البكاء و دبرت جبهته و انخرم أنفه من السجود و ورمت قدماه من القيام في الصلاة،قال:فبكيت رحمة له فالتفت إليّ و قال:يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا ثمّ تركها من يده تضجّرا و قال:من يقوي علي عبادة عليّ بن أبي طالب (2).

و عن طاووس قال:دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين عليهما السّلام قد دخل فقام يصلّي ثمّ سجد فسمعته يقول في سجوده:عبيدك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك بفنائك.قال طاووس:ما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج اللّه عنّي (3).

و منها:إنّه ما كان يحب أن يعينه علي طهوره أحد،و كان يستقي الماء لطهوره و يخمّره قبل أن ينام،فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ثم يأخذ في صلاته،و كان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل و يقول:(ليس هذا عليكم بواجب،و لكن أحب لمن عوّد منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها) (4).

و كان لا يدع صلاة الليل في السفر و الحضر (5).

و كان يصلي في كل يوم و ليلة ألف ركعة،و تهيج الريح فيسقط مغشيا عليه (6).

و عن الزهري قال:قال عليّ بن الحسين:لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي و كان إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يكرّرها حتّي كاد أنيموت كان يقول في مناجاته:يا سيّدي تعذّبني و حبّك في قلبي؟

أما و عزّتك لئن فعلت يموت.

و لتجمعنّ بيني و بين قوم طال ما عاديتهم فيك (7).

***0.

ص: 56


1- الكافي:615/2 ح 4،و وسائل الشيعة:859/4 ح 6.
2- وسائل الشيعة:92/1 ح 18،و حيلة الأبرار:178/2 ح 13.
3- كشف الغمة:293/2.
4- صفة الصفوة:95/2.
5- صفة الصفوة:95/2.
6- تذكرة الخواص:326،الفصول المهمة:201،مناقب آل أبي طالب:162/4 بنحوه،صفة الصفوة /2 100،تهذيب التهذيب 306/7.
7- الكافي:580 ح 10،و البحار:107/46 ح 100.

نقل علي بن الحسين عليه السّلام الصدقات ليلا

عن أبي حمزة الثّمالي أنّ علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل علي ظهره يتبع به المساكين في ظلمة الليل و يقول:إنّ الصّدقة في سواد الليل تطفيء غضب الربّ (1).

و عن محمّد بن إسحاق قال:كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم،فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل (2).

و عن علي بن المديني قال:سمعت سفيان يقول:كان علي بن الحسين يجعل معه جرابا فيه خبز فيتصدّق به و يقول:إنّ الصدقة تطفيء غضب الرب عزّ و جلّ (3).

و عن جرير عن عمرو بن ثابت قال:لما مات علي بن الحسين و جدوا بظهره أثرا فسألوا عنه فقالوا:هذا مما كان ينقل الجرب علي ظهره إلي منازل الأرامل (4).

و عن شيبة بن نعامة قال:كان علي بن حسين يبخّل،فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة (5).

ابن عائشة عن أبيه عن عمه قال:قال أهل المدينة:ما فقدنا صدقة السرّ حتي مات علي بن الحسين (6).

و لما مات عليه السّلام و غسّلوه جعلوا ينظرون إلي آثار في ظهره،فقالوا ما هذا؟

قيل:كان يحمل جرب الدقيق علي ظهره ليلا و يوصلها إلي فقراء المدينة سرا (7).

و قال سفيان:أراد علي بن الحسين الخروج إلي الحج،فاتخذت له سكينة بنت الحسين أخته زادا أنفقت عليه ألف درهم،فلمّا كان بظهر الحرة سيّرت ذلك إليه،فلمّا نزل فرّقه علي المساكين (8).

و قال سعيد بن مرجانة:كنت يوما عند علي بن الحسين فقلت:سمعت أبا هريرة يقول:قال

ص: 57


1- سير أعلام النبلاء 393/4.
2- حلية الأولياء 136/3،و مناقب آل أبي طالب 166/4،صفة الصفوة 96/2،و مختصر تاريخ دمشق /17 238.
3- حلية الأولياء 135/3،مناقب آل أبي طالب 165/4،صفة الصفوة 96/2،مختصر تاريخ دمشق /17 238.
4- سير أعلام النبلاء 393/4.
5- تهذيب الكمال 243/13.
6- حلية الأولياء 136/3،مناقب آل أبي طالب 166/4،و تهذيب الكمال 243/13.
7- ربيع الأبرار 149/2،حلية الأولياء 136/3،صفة الصفوة 96/2.
8- مناقب آل أبي طالب 4:167،صفة الصفوة 96/2.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:(من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اللّه تعالي بكل إرب منه إربا منه من (1)،حتي أنّه ليعتق باليد اليد و بالرجل الرجل و بالفرج الفرج).

فقال علي عليه السّلام:(أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟).

فقال سعيد:نعم.

فقال لغلام له-أفره غلمانه،و كان عبد اللّه بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه-:(أنت حر لوجه اللّه تعالي) (2).

و كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علي ظهره و فيه الصرر من الدنانير و الدراهم و ربما حمل علي ظهره الطعام و الحطب حتّي يأتي بابا بابا فيقرعه ثمّ يناول من يخرج إليه،و كان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه،فلمّا توفّي فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان عليّ بن الحسين.

و لمّا وضع علي المغتسل نظروا إلي ظهره و عليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل علي ظهره إلي منازل الفقراء (3).

***

قضاؤه عليه السّلام حاجة الناس

منها:إنّه عليه السّلام دخل علي محمد بن أسامة بن زيد في مرضه،فجعل محمد يبكي فقال له علي:

ما شأنك؟.

قال:عليّ دين.

فقال له:كم هو؟.

قال:خمسة عشر ألف دينار.

فقال علي بن الحسين:هو عليّ فالتزمه عنه (4).

***

ص: 58


1- في نسخة:حرّ.
2- صحيح البخاري 188/3 كتاب العتق،صحيح مسلم 24/1148/2 كتاب العتق،حلية الأولياء 136/3، صفة الصفوة 97/2،مختصر تاريخ دمشق 239/17.
3- وسائل الشيعة:277/6 ح 8،و الأنوار البهية:114.
4- حلية الأولياء 141/3،ترجمة الإمام علي بن الحسين من تاريخ دمشق:83/53،مناقب آل أبي طالب /4 177،صفة الصفوة 101/2.

مداراة علي بن الحسين عليه السّلام للناس

عن الزهري قال:و اللّه ما علمت لعليّ بن الحسين صديقا في السرّ و لا عدوّا في العلانية لأنّي لم أر أحدا و إن كان يحبّه إلاّ و هو لشدّة معرفته بفضله يحسده و لا رأيت أحدا و إن كان يبغضه إلاّ و هو لشدّة مداراته له يداريه (1).

***

رحمته عليه السّلام بعبيده

و عن محمّد بن عجلان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا دخل شهر رمضان لا يقرب عبدا له و لا أمة،و كان إذا أذنب العبد و الأمة يكتب عنده أذنب فلان أذنبت فلانة يوم كذا و كذا و لم يعاقبه،فيجتمع عليهم الأدب حتّي إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم و جمعهم حوله ثمّ أظهر الكتاب ثمّ قال:يا فلان فعلت كذا و لم أؤدّبك أتذكر ذلك؟

فيقول:بلي يابن رسول اللّه حتّي يأتي علي آخرهم،ثمّ يقوم وسطهم و يقول لهم:إرفعوا أصواتكم و قولوا:يا عليّ بن الحسين إنّ ربّك قد أحصي عليك كلّما عملت كما أحصيت علينا كلّما عملنا،ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ لا يغادر صغيرة و لا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها و تجد كلّما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلّما عملنا حاضرا لديك،فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو فاعف عنّا تجده عفوّا و بك رحيما و لك غفورا،فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك العدل فاعف واصفح يعف عنك المليك،و هو ينادي بذلك و ينوح علي نفسه و يلقّنهم إلي أن يقولوا:

قد عفونا عنك يا سيّدنا و ما أسأت فيقول لهم:قولوا:اللّهم اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا واعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ.

ثمّ يقول:إذهبوا فقد عفوت عنكم و أعتقت رقابكم رجاء للعفو عنّي.

فإذا كان يوم الفطر أعطاهم ما يغنيهم عن الناس.و ما من سنة إلاّ كان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين عشرين رأسا إلي أقلّ و أكثر و كان يقول:إنّ للّه تعالي في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلاّ قد استوجب النار.

فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه و إنّي أحبّ أن يراني اللّه و قد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدّنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار.

و ما استخدم خادما فوق حول.

ص: 59


1- علل الشرائع:231/1 ح 4،و وسائل الشيعة:203/12 ح 10.

كان إذا ملك عبدا أوّل السنة أو وسطها إذا كان ليلة الفطر أعتقهم و استبدل سواهم في الحول الثاني و هكذا حتّي لحق باللّه تعالي.

و لقدن كان يشتري السودان و ما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسدّ بهم تلك الفرج و الخلال فإذا أفاض أعتقهم و أجاز لهم (1).

***

حزنه و بكاؤه علي أبيه الحسين عليهما السّلام

في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام:بكي عليّ بن الحسين عليهما السّلام عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكي حتّي قال له مولاه:جعلت فداك يابن رسول اللّه إنّي أخاف أن تكون من الهالكين.

قال:إنّما أشكو بثّي و حزني إلي اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون،إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة و كيف لا أبكي و قد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع و الوحوش (2).

و في رواية أخري:و اللّه لقد شكي يعقوب إلي ربّه في أقلّ ما رأيت حتّي قال:يا أسفا علي يوسف و إنّه فقد إبنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة من أهل بيتي يذبحون حولي.

و كان عليه السّلام يميل إلي ولد عقيل فقيل له:ما بالك تميل إلي بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟

فقال:إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين فأرقّ لهم (3).

و لقد بكي علي أبيه عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكي حتّي قال له مولي له:يا بن رسول اللّه أما آن لحزنك أن ينقضي؟

فقال له:و يحك إنّ يعقوب النبيّ عليه السّلام كان له إثنا عشر إبنا فغيّب اللّه عنه واحدا منهم فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه و شاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ و كان ابنه حيّا في الدّنيا و أنا نظرت إلي أبي و أخي و عمّي و سبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني (4)؟

عن جعفر بن محمد،قال:سئل علي بن الحسين عليه السّلام عن كثرة بكائه فقال:لا تلوموني فإن يعقوب عليه السّلام فقد سبطا من ولده فبكي حتي ابيضّت عيناه من الحزن،و لم يعلم أنه مات،و قد نظرت

ص: 60


1- وسائل الشيعة:18/10 ح 28،و البحار:105/46 ح 93.
2- مناقب آل أبي طالب:303/3،و البحار:108/46.
3- البحار:110/46 ح 4.
4- الخصال:519 ح 4،و تفسير نور الثقلين:452/2.

إلي أربعة عشر رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة،فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا (1)؟

***

نصرة الملائكة لعلي بن الحسين عليه السّلام

في كتاب المناقب نقلا عن الروضة قال:سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن انتهاب المدينة قال:نعم شدّوا الخيل إلي أساطين مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و انتهبت المدينة ثلاثا فكنت أنا و عليّ بن الحسين،و نأتي قبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيتكلّم بكلام لم أقف عليه فيحال ما بيننا و بين القوم و نصلّي و هم لا يروننا،و كان رجل عليه حلل خضر علي فرس بيده حربة مع علي بن الحسين عليهما السّلام فكان إذا أومي الرجل إلي حرم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت من غير أن يصيبه، فلمّا أن كفّوا عن النهب دخل عليّ بن الحسين عليهما السّلام علي النساء فلم يترك قرطا في أذن صبي و لا حليا علي امرأة و لا ثوبا إلاّ أخرجه إلي الفارس فقال له الفارس:يابن رسول اللّه إنّي ملك من الملائكة من شيعتك و شيعة أبيك لمّا أن ظهر القوم بالمدينة إستأذنت ربّي في نصرتكم آل محمّد فأذن لي،لأن أدّخرها يدا عند اللّه و عند رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عندكم أهل البيت إلي يوم القيامة (2).

***

مواعظ الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام

قال ابن شعبة الحراني:كتابه عليه السّلام إلي محمّد بن مسلم الزهري يعظه:كفانا اللّه و إيّاك من الفتن و رحمك من النار فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك فقد أثقلتك نعم اللّه بما أصحّ من بدنك و أطال من عمرك و قامت عليك حجج اللّه بما حمّلك من كتابه و فقّهك فيه من دينه و عرّفك من سنّة نبيه محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك و في كلّ حجّة احتجّ بها عليك الفرض فما قضي إلاّ ابتلي شكرك في ذلك و ابدي فيه فضله عليك فقال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (3)فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي اللّه فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها و عن حججه عليك كيف قضيتها،و لا تحسبنّ اللّه قابلا منك بالتعذير و لا راضيا منك بالتقصير هيهات هيهات ليس كذلك أخذ علي العلماء في كتابه إذ قال: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ (4).

ص: 61


1- كتاب المجالسة للدينوري ح 663،و تهذيب الكمال 247/13.
2- معجم رجال الحديث:140/9 و المناقب 4 ح 26.
3- سورة إبراهيم،الآية:7.
4- سورة آل عمران،الآية:187.

و اعلم أنّ أدني ما كتمت و اخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم و سهّلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت و إجابتك له حين دعيت فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة و أن تسأل عما أخذت بإعانتك علي ظلم الظلمة،أنّك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك و دنوت ممن لم يرد علي أحد حقا و لم تردّ باطلا حين أدناك و أحببت من حادّ اللّه،أو ليس بدعائه إيّاك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحي مظالمهم و جسرا يعبرون عليك إلي بلاياهم و سلّما إلي ضلالتهم،داعيا إلي غيهم،سالكا سبيلهم،يدخلون بك الشك علي العلماء و يقتادون بك قلوب الجهال إليهم،فلم يبلغ أخصّ وزرائهم و لا أقوي أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم و اختلاف الخاصّة و العامّة إليهم،فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك،و ما أيسر ما عمّروا لك فكيف ما خربوا عليك،فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك و حاسبها حساب رجل مسؤول و انظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيرا و كبيرا،فما أخوفني أن تكون كما قال اللّه في كتابه فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْني وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا (1).

إنّك لست في دار مقام،أنت في دار قد آذنت برحيل فما بقاء المرء بعد قرنائه،طوبي لمن كان في الدنيا علي وجل و يابؤس لمن يموت و تبقي ذنوبه من بعده،إحذر فقد نبئت و بادر فقد أجلّت، إنّك تعامل من لا يجهل و إنّ الذي يحفظ عليك لا يغفل،تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد و داو ذنبك فقد دخله سقم شديد،و لا تحسب أنّي أردت توبيخك و تعنيفك و تعييرك لكني أردت أن ينعش اللّه ما قد فات من رأيك و يردّ إليك ما عزب من دينك و ذكرت قول اللّه تعالي في كتابه وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (2).

أغفلت ذكر من مضي من أسلافك و أقرانك و بقيت بعدهم كقرن أعضب،أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه و علمت شيئا جهلوه، بل حظيت بما حلّ من حالك في صدور العامّة و كلفهم بك،إذ صاروا يقتدون برأيك و يعملون بأمرك إن أحللت احلّوا و إن حرّمت حرّموا و ليس ذلك عندك و لكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم و غلبة الجهل عليك و عليهم و حب الرئاسة و طلب الدنيا منك و منهم،أما تري ما أنت فيه من الجهل و الغرّة و ما الناس فيه من البلاء و الفتنة،قد ابتليتهم و فتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا فتاقت نفوسهم إلي أن يبلغوا من العلم ما بلغت أو يدركوا به مثل الذي أدركت،فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه و في بلاء لا يقدّر قدره فاللّه لنا و لك و هو المستعان.

أمّا بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتي تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم،لا صقة بطونهم بظهورهم ليس بينهم و بين اللّه حجاب و لا تفتنهم الدنيا و لا يفتنون بها،رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك و رسوخ علمك و حضور أجلك5.

ص: 62


1- سورة الأعراف،الآية:169.
2- سورة الذاريات،الآية:55.

فكيف يسلم الحدث في سنّة الجاهل في علمه المأفون في رأيه المدخول في عقله،إنّا للّه و إنّا إليه راجعون علي من المعول و عند من المستعتب،نشكوا إلي اللّه بثّنا و ما نري فيك،و نحتسب عند الله مصيبتنا بك،فانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيرا و كبيرا و كيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا و كيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا،و كيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا،ما لك لا تنتبه من نعستك و تستقيل من عثرتك فتقول و اللّه ما قمت للّه واحدا أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا،فهذا شكرك من استحملك،ما أخوفني أن تكون كمن قال اللّه تعالي في كتابه عنهم أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (1)استحملك كتابه و استودعك علمه فأضعتهما فنحمد اللّه الذي عافانا مما ابتلاك به و السلام (2).

و عن أبي حمزة الثمالي،عن أبي جعفر محمّد بن علي،قال:قال لي أبي:يا بني انظر خمسة لا تحادثهم و لا تصاحبهم،و لا تر معهم في طريق،قلت:يا أبة،جعلت فداك فمن هؤلاء الخمسة؟

قال:إيّاك و مصاحبة الفاسق،فإنّه بائعك بأكلة،و أقل منها.

قلت:يا أبة و ما أقلّ منها؟

قال:الطمع فيها ثم لا ينالها،قلت:يا أبة و من الثاني؟

قال:إيّاك و مصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه،قلت،يا أبة و من الثالث؟

قال:إيّاك و مصاحبة الكذاب،فإنه بمنزلة السّراب يقرب منك البعيد و يباعد منك القريب.

قلت،يا أبة و من الرابع؟

قال:إيّاك و مصاحبة الأحمق فإنه يحضرك يريد أن ينفعك فيضرك.

قلت:يا أبة و من الخامس؟

قال:إيّاك و مصاحبة القاطع لرحمه،فإني وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع:في الذين كفروا: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ (3)إلي آخر الآية،و في الرعد اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ (4)الآية،و في البقرة: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً (5)إلي آخر الآيتين (6).

و عن جعفر بن محمد،عن أبيه قال:قال علي بن الحسين:فقد الأحبّة غربة.3.

ص: 63


1- سورة مريم،الآية:59.
2- تحف العقول:274.
3- سورة محمد،الآية:22.
4- سورة الرعد،الآية:25.
5- سورة البقرة،الآية:26-27.
6- صفة الصفوة:101/3،و حلية الاولياء:184/3.

و كان يقول:اللّهمّ إنّي أعود بك أن تحسّن في لوامع العيون علانيتي،و تقبّح في خفيات العيون سريرتي،اللّهمّ كما أسأت و أحسنت إليّ فإذا عدت فعد عليّ.

و كان يقول:إنّ قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد،و آخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار،و قوما عبدوا اللّه شكرا،فتلك عبادة الأحرار (1).

عن عبد اللّه بن الحسن العنبري،عن أبيه،عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال:

إنّ للحمق دولة علي العقل و للمنكر دولة علي المعروف،و للشرّ دولة علي الخير،و للجهل دولة علي العلم،و للجزع دولة علي الصبر،و للخوف دولة علي الرفق،و للبؤس دولة علي الخصب،و للشدةّ دولة علي الرخاء،و للرغبة دولة علي الزهد،و للبيوتات الخبيثة دولة علي بيوتات الشرف،و للاّرض السبخة دولة علي الأرض العذبة،و ما من شيء إلاّ و له دولة حتي تنقضي دولته،فتعوّذوا باللّه من تلك الدول،و من الحيّات في النقمات (2).

و عن الكابلي قال:أتيت عليّ بن الحسين عليه السّلام أسأله هل عندك سلاح رسول اللّه فلمّا بصر بي قال:يا أبا خالد أتريد أن أريك سلاح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدعي بحق كبير و سفط فأخرج لي خاتم رسول اللّه و درعه و سيفه ذا الفقار و عمامته و قال:هذه السحاب و قضيبه السكب و نعليه و رداءه الذي كان يرتدي به يوم الجمعة و أخرج لي شيئا كثيرا (3).

و في كتاب الإرشاد للزهري قال سعيد بن المسيب:كان الناس لا يخرجون من مكّة حتّي يخرج عليّ بن الحسين عليهما السّلام فخرج و خرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلّي ركعتين سبّح في سجوده فلم يبق مدر و لا شجر إلاّ سبّحوا معه ففزعت منه فرفع رأسه فقال:يا سعيد فزعت؟

قلت:نعم يابن رسول اللّه.

قال:هذا التسبيح الأعظم (4).

و روي عن إبراهيم بن أدهم و فتح الموصلي قال كلّ واحد منهم:كنت أسيح في البادية فتنحّيت عن القافلة فإذا بصبي يمشي فقلت:سبحان اللّه بادية بيداء و صبي يمشي فدنوت منه و سلّمت عليه فقلت:إلي أين تريد؟

فقال:أريد بيت ربّي،فقلت:إنّك صغير ليس عليك فرض و لا سنّة.

فقال:يا شيخ ما رأيت من هو أصغر منّي مات؟

فقلت:أين الزاد و الراحلة؟4.

ص: 64


1- حلية الأولياء:134/3.
2- تاريخ مدينة دمشق:410/41.
3- البحار:35/46 ح 31،و المناقب:278/3.
4- الصحيفة السجادية:23،و مدينة المعاجز:376/4.

قال:زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي،فقلت:ما أري شيئا من الطعام معك.

فقال:هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلي دعوة فتحمل من بيتك الطعام،الذي دعاني إلي بيته يطعمني و يسقيني.

فقلت:إرفع رجلك حتّي تدرك،فقال عليّ الجهاد و عليه الإبلاغ أما سمعت قوله تعالي:

وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ فبينا نحن كذلك إذ أقبل شاب حسن الوجه عليه ثياب بيض فعانق الصبي و سلّم عليه فقلت للشاب:من هذا الصبي؟

فقال:هذا عليّ بن الحسين،و قلت للصبي:من هذا الشابّ؟

قال:هذا أخي الخضر يأتينا كلّ يوم يسلّم علينا،فقلت:أسألك بحقّ آبائك بما تجوز المفاوز بلا زاد؟

قال:بلي أجوز بزاد و زادي فيها أربعة أشياء:أري الدّنيا كلّها مملكة اللّه و أري الخلق كلّهم عبيد اللّه و إماءه و أري الأسباب و الأرزاق بيد اللّه و أري قضاء اللّه نافذا في كلّ أرض اللّه.

فقلت:نعم الزاد زادك يا زين العابدين و أنت تجوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدّنيا (1).

و عن الزهري قال:دخلت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام علي عبد الملك بن مروان فاستعظم ما رأي من آثار السجود بين عينيّ عليّ بن الحسين فقال:يا أبا محمّد لقد بان عليك الإجتهاد و لقد سبق لك من اللّه الحسني و أنت من رسول اللّه ثمّ أطري عليه فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام كلّما ذكرته و وصفته من فضل اللّه فأين شكره علي ما أنعم؛كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقف في الصلاة حتّي تورم قدماه و يظمأ في الصيام حتّي يعصب فوه فقيل له:يا رسول اللّه ألم يغفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟

فقال:أفلا أكون عبدا شكورا،الحمد للّه علي ما أولي و اللّه لو تقطّعت أعضائي و سالت مقلتاي علي صدري أن أقوم للّه بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون لا و الله،أو يراني اللّه لا يشغلني عن شكره و ذكره في ليل و لا نهار و لا سرّ و لا علانية، و لو لا أنّ لأهلي حقّا عليّ و لسائر الناس من خاصّهم و عامّهم عليّ حقوقا لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع و الطاقة حتّي أؤدّيها إليهم لرميت بطرفي إلي السماء و بقلبي إلي اللّه ثمّ لم أرددهما حتّي يقضي اللّه علي نفسي و هو خير الحاكمين.

و بكي عليه السّلام و بكي عبد الملك و قال:شتّان بين عبد طلب الآخرة و سعي لها سعيها و بين من طلب الدّنيا من أين جاءته ما له في الآخرة من خلاق،ثمّ أقبل يسأله عن حاجاته و عمّا قصد له فوصله بمال و شفّعه فيمن شفع به (2).0.

ص: 65


1- مناقب آل أبي طالب:280/3،و البحار:38/46.
2- فتح الأبواب:171،و البحار:57/46 ح 10.

و في كتاب العلل قال:رأي الزهري علي بن الحسين عليهما السّلام ليلة باردة مطيرة و علي ظهره دقيق و حطب و هو يمشي فقال له:يابن رسول اللّه ما هذا؟قال:أريد سفرا أعدّ له زادا لحمله إلي موضع حريز.

فقال الزهري:هذا غلامي يحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله.

قال:لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري أسألك بحقّ اللّه لما مضيت و تركتني فانصرف عنه.

فلمّا كان بعد أيّام قال له:يابن رسول اللّه لست أري لذلك السفر الذي ذكرته أثرا؟

قال:بلي يا زهري ليس ما ظننت و لكنّه الموت و له أستعدّ إنّما الإستعداد للموت تجنّب الحرام و بذل الندي في الخير (1).

و قال عبد اللّه ابن المبارك:حججت إلي مكّة فبينما أنا سائر في عرض الحاج و إذا صبيّ سباعي أو ثماني و هو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد و لا راحلة فسلّمت عليه و قلت له:مع من قطعت البرّ؟

قال:مع البار،فكبر في عيني فقلت:أين زادك و راحلتك؟

فقال:زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي،فقلت:يا ولدي ممّن تكون؟

فقال:مطّلبي فقلت:أبن لي قال هاشمي،فقلت:أبن لي قال:علوي فاطمي فقلت:يا سيّدي هل قلت شيئا من الشعر؟فأنشدني شعر:

لنحن علي الحوض روّاده نذود و نسقي ورّاده

و ما فاز من فاز إلاّ بنا و ما خاب من حبّنا زاده

و من سرّنا نال منّا السرور و من ساءنا ساء ميلاده

و ما كان غاصبنا حقّنا فيوم القيامة ميعاده

ثمّ غاب عن عيني فلمّا أتيت الأبطح رأيته في حلقة مستديرة فسألت عنه فقالوا:زين العابدين ابن الحسين عليه السّلام (2).

و كان يقول:(اللهم إنّي أعوذ بك أن تحسن في لوامح العيون علانيتي،و تقبح سريرتي،اللهم كما أسأت فاحسنت إليّ،فإذا عدت فعد عليّ) (3).

و كان من كلامه يقول:عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة،2.

ص: 66


1- البحار:66/46 ح 27.
2- مناقب آل أبي طالب:295/3،و البحار:91/46.
3- العقد الفريد 174/3،حلية الأولياء 134/3،صفة الصفوة 94/2.

و عجبت كل العجب لمن شكّ في اللّه و هو يري خلقه،و عجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الاخري و هو يري النشأة الأولي،و عجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء و ترك دار البقاء (1).

كان إذا أتاه السائل يقول:مرحبا بمن يحمل زادي إلي الآخرة (2).

***

صفة الإمام السجاد عليه السّلام

منها:كان عليه السّلام إذا مشي لا تجاوز يده فخذه،و لا يخطر بيده،و عليه السكينة و الخشوع،و إذا قام إلي الصلاة أخذته الرعدة و يقول لمن يسأله:أريد أن أقوم بين يدي ربي و أناجيه فلهذا تأخذني الرعدة (3).

و عن محمّد بن هلال قال:رأيت علي بن الحسين يعتمّ بعمامة بيضاء،فيرخي عمامته من وراء ظهره (4).

***

وصية علي بن الحسين عليه السّلام بناقته

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا كان في اللّيلة التي وعد فيها عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال لمحمّد عليه السّلام:يا بنيّ أبغني (5)وضوءا قال:فقمت فجئته بوضوء،قال:لا أبغي هذا فإنّ فيه شيئا ميتا،قال فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة فجئته بوضوء غيره،فقال:يا بنيّ هذه اللّيلة التي وعدتها،فأوصي بناقته أن يحظر لها حظار (6)و أن يقام لها علف،فجعلت فيه.

قال:فلم تلبث أن خرجت حتّي أتت القبر فضربت بجرانها و رغت و هملت عيناها،فأتي محمّد بن عليّ فقيل له:إن النّاقة قد خرجت فأتاها فقال:صه (7)الآن قومي بارك اللّه فيك،فلم تفعل.

ص: 67


1- صفة الصفوة 95/2،تذكرة الخواص:326.
2- صفة الصفوة 95/2.
3- صفة الصفوة 93/2،طبقات ابن سعد 216/5.
4- تاريخ الإسلام(حوادث سنة 81-100 ص 432)،و انظر طبقات ابن سعد 218/5.
5- قال ابن الأثير:يقال:أبغني كذا بهمزة الوصل أي اطلب لي و بهمزة القطع أي أعني علي الطلب فيجوز هنا الوصل و القطع و الوضوء بالفتح ما يتوضؤ به.
6- الحظار بفتح الحاء المهملة و كسرها،و الظاء المعجمة الحظيرة و هي الموضع الذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم و الإبل و يقيها من الريح و الحر و البرد.
7- في النهاية:صه كلمة زجر يقال عند الإسكات،و يكون للواحد و الاثنين و الجمع المذكر و المؤنث بمعني اسكت و هي من أسماء الأفعال و تنون و لا تنون فإذا نونت فهي للتنكير كأنك قلت اسكت سكوتا،و إذا لم تنون فللتعرف أي اسكت السكوت المعروف منك.

فقال:و إن كان ليخرج عليها إلي مكّة فيعلّق السوط علي الرّحل فما يقرعها حتّي يدخل المدينة.

قال:و كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يخرج في اللّيلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير و الدّراهم حتّي يأتي بابا بابا؛فيقرعه ثمّ ينيل من يخرج إليه فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقدوا ذاك،فعلموا أنّ عليّا عليه السّلام كان يفعله (1).

***

النص علي الإمام علي بن الحسين عليه السّلام

اشارة

و ذلك من طرق:

الطريق الاول:أنه كان افضل أهل زمانه علما و عملا و الإمامة للأفضل

*الطريق الاول:أنه كان افضل أهل زمانه علما و عملا و الإمامة للأفضل،و قد تسالم أهل التواريخ علي أفضليته و أعلميته علي معاصريه (2).

فروي أنه أعبد أهل زمانه و أفضلهم و أنّه سيد الناس (3).

و قال الجاحظ:و أمّا علي بن الحسين فالناس علي اختلاف مذاهبهم مجتمعون علي فضله و لا يشك أحد في تقديمه و إمامته (4).

أخرج البيهقي قول أبو حازم:ما رأيت هاشما أفقه من علي بن الحسين (5).

و روي بلفظ قال ابن أبي حازم:سمعت أبي يقول:ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين (6).

ص: 68


1- الكافي:468/1 ح 4،و تفسير أبي حمزة الثمالي:87.
2- يراجع الصواعق المحرقة:199 ط.مصر و ط.بيروت 302 الفصل 3 من الخاتمة،و نهج الحق:257، و الفصول المهمة:190 ط.ب و 201 ط.النجف و طهران،و الإيضاح:207 ذكر متعة الحج،و أخبار الدول:109،و روضة الواعظين:196،و ربيع الأبرار:128/1،و ترجمة علي بن الحسين من تاريخ دمشق:20-27-30-34-37.
3- المستدرك:108/3 ذكر مناقب الأمير،وصفة الصفوة:55/2.
4- ينابيع المودة:153/1 ط.استانبول 1301 ه و 181 ط.النجف باب 52.
5- الاعتقاد علي مذهب السلف:187 استخلاف عمر/ط.مصر 1379.
6- تذكرة الخواص:297 باب 12 ذكر زين العابدين،و الإرشاد:141/2،و حلية الاولياء:14/3،و مناقب آل ابي طالب:159/4،و البحار:73/46.

و نحوه عن المنصور (1)،و الزهري و ابن عيينة و يحي بن سعيد (2).

و قال الشافعي:وجدت علي بن الحسين و هو أفقه أهل المدينة يعوّل علي أخبار الآحاد (3).

و قال الزهري و ابن حازم:ما رأيت أفقه منه (4).

و قال ابن المسيب:ما رأيت أورع منه (5).

و قال ابو اليقظان عامر بن حفص:إنّ قريشا لم تكن ترغب في أمهات الأولاد حتي ولدن ثلاثا هم خير أهل زمانهم:علي بن الحسين و القاسم بن محمد و سالم بن عبد اللّه (6).

و كان يكشف له فيعلم (7).

و مناظراته العلمية و رجوع عبد الملك و الحجّاج إليه تكشف عن أعلميته (8).

و قصيدة الفرزدق فيه مشهورة (9).

و وصفه ابن عربي بصلاته عليه و قد أجاد:(..علي آدم أهل البيت المنزه عن كيت و كيت روح جسد الإمامة شمس فلك الشهامة،مضمون كتاب الإبداع،جلّ تعمية الإختراع،سر اللّه في الوجود إنسان عين الشهود؛خازن كنوز الغيوب،كاشف سر العرفان علي بن الحسين عليه السّلام) (10).5.

ص: 69


1- أنساب الأشراف:101/3 خروج محمد بن عبد اللّه بن حسن و مقتله ط.دار التعارف بيروت.
2- التاريخ الكبير للبخاري:266/6 ح 2364 باب علي،و نور الأبصار:154 ط.الهند و 281 ط.قم مناقب علي بن الحسين،وصفة الصفوة:56/2 ترجمته،و تذكر الخواص:297،و الفصول المهمة:191، و الإرشاد:144/2،و أنساب الأشراف:146/3 ح 6 أمر الحسين و 207 ح 49 مقتل الحسين ط.دار التعارف بيروت،و مشارق الأنوار:120 الفصل السادس من الباب الثالث،و إسعاف الراغبين:237.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد:274/15 كتاب 28.
4- نور الأبصار:154 ط.الهند و 281 ط.قم الفصل السابع،وصفة الصفوة:56/2،و تذكرة الخواص: 297.
5- صفة الصفوة:56/2،و ترجمة علي بن الحسين من تاريخ دمشق:26،و إسعاف الراغبين:237.
6- ربيع الأبرار:18/3 باب العبيد و الاماء(50).
7- جواهر العقدين:392 الباب الرابع عشر.
8- مناقب آل أبي طالب:161/4-159،و الاحتجاج:305/2،و البحار:45/46،و مختصر تاريخ دمشق: 242/17 ط.دار الفكر،و الطبقات الكبري:214/5 ط.صادر.
9- أخبار الدول:110 الباب 2 الفصل 4،و التبيين في أنساب القرشيين:109 ذكر علي بن الحسين،و تذكرة الخواص:296 باب 12،و كفاية الطالب:448 في ذكر الأئمة،و نور الأبصار:156 ط.الهند و 284 ط. قم مناقبه،و ينابيع المودة:359/2 ط.استانبول 1301 ه و 432 ط.النجف باب 63،و الاختصاص: 191،وصفة الصفوة:55/2،و مناقب ابن المغازلي:243 ط.بيروت و ط.طهران 393 ح 446، و الإرشاد:151/2،و مناقب آل ابي طالب:169/4،و الصواعق:199 ط.مصر و ط.بيروت 303، و الفصول المهمة:191،و روضة الواعظين:200،و ترجمته من تاريخ دمشق:89.
10- وسيلة الخادم إلي المخدوم:295.

الطريق الثاني:وجوب الإمامة عقلا في كل زمان و مكان

*الطريق الثاني:وجوب الإمامة عقلا في كل زمان و مكان و لقوله تعالي: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1)،و يأتي أنّ الهادي من بني هاشم.

و فساد دعوي كل مدع الإمامة في عصره عليه السّلام لعدم توفر شروط الإمامة فيه،كعدم كونه من قريش من بني هاشم أو من آل محمد أو لعدم عصمته.

قال ابن شهر آشوب:الدليل علي امامته عليه السّلام ما ثبت أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما،و اذا ثبت أنّ الإمام لابد أنّ يكون معصوما يقطع أنّ الإمام بعد الحسين إبنه علي؛لأنّ كل من ادعيت إمامته بعده من بني أمية و الخوارج اتفقوا علي نفي القطع بعصمته (2).

و تقدّم ثبوت عصمة الإمام زين العابدين،في آية التطهير.

علي أنّه لم ينقل عنه أهل التاريخ و السير أي ذنب.

الطريق الثالث:النص عليه من قبل أبيه عليهما السّلام:

قال عبد اللّه بن عتبة:كنت عند الحسين بن علي عليه السّلام إذ دخل علي بن الحسين الأصغر فدعاه الحسين عليه السّلام و ضمّه اليه ضمّا و قبّل ما بين عينيه،ثم قال:بأبي أنت ما أطيب ريحك و أحسن خلقك»؟

فتداخلني من ذلك،فقلت:بأبي أنت و أمي يا ابن رسول اللّه إن كان ما نعوذ باللّه أن نراه فيك فإلي من؟

قال عليه السّلام:«علي ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة».

قلت:يا مولاي هو صغير السن؟

قال عليه السّلام:«نعم إنّ إبنه محمد يؤتم به و هو ابن تسع سنين ثم يطرق.قال:ثم يبقر العلم بقرا» (3).

و قال المسعودي:فلما قرب استشهاد أبي عبد اللّه عليه السّلام دعاه و أوصي اليه و أمره أن يتسلّم ما خلفه عند أم سلمة رحمها اللّه مع مواريث الأنبياء و السلاح و الكتاب (4).

و نحو ذلك من النصوص عليه صلوات اللّه عليه (5).

***

ص: 70


1- سورة الرعد،الآية:7.
2- مناقب آل أبي طالب:131/4.
3- البحار:19/46،و كفاية الاثر:234.
4- إثبات الوصية:145.
5- راجع الكافي:303/1.

بحث في الإمامة

اشارة

قال حبيب اللّه الخوئي في منهاج البراعة:قال محمّد الشهرستاني الأشعري المتوفي-548 ه في أوائل الملل و النحل:أوّل شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس لعنه اللّه،و مصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص و اختياره الهوي في معارضة الأمر،و استكباره بالمادة التي خلق منها و هي النّار علي مادة آدم و هي الطين-إلي أن قال:فأوّل تنازع في مرضه(يعني رسول اللّه)فيما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد اللّه بن عبّاس قال:لمّا اشتدّ بالنّبيّ مرضه الذي مات فيه قال:ائتوني بدواة و قرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي فقال:عمر إنّ رسول اللّه قد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللّه،و كثر اللغط فقال النّبي:قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع.قال ابن عبّاس:الرزية كلّ الرزية ما حال بيننا و بين كتاب رسول اللّه-إلي أن قال الشهرستاني:و أعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة،إذ ما سلّ سيف في الإسلام علي قاعدة دينيّة مثل ما سلّ علي الإمامة في كلّ زمان (1).

لا يخفي أنّ المسلمين بل سائر الأمم أيضا متفقون في افتقار النّاس إلي إمام للعلم الضروري، من أنّ حال النّاس عند وجود الرؤساء المطاعين،و انبساط أيديهم و نفوذ أوامرهم و نواهيهم و تمكّنهم من الحلّ و العقد و القبض و البسط و الإحسان و الإساءة و غيرها،مما ينتظر به أمور معاشهم و مصالح معادهم،لا يجوز أن يكون حالهم إذا لم يكونوا في الصلاح و الفساد،و هذا مما جبل عليه النّاس و استقر في عقولهم و قلوبهم،و لا يصل إليه يد انكار و لا يكابر فيه أحد،و لذا تري أنّ العقلاء من كلّ قوم يلتجئون إلي نصب الرؤساء دفعا للمفاسد الناشئة علي فرض عدمهم،و إنّما الكلام في الرؤساء و صفاتهم مما يدلّ عليه العقل الناصع،سواء كان في ذلك سمع أو لم يكن فالمسألة تحتاج إلي تجريد للعقل و تصفية للفكر و تدقيق للنظر،و مجانبة المراء و تقليد الآباء فإنّ التقليد الداء العيّاء، و الحذر عن التعصب و الخيلاء و الإنقطاع عن الوساوس و الهواجس العاميّة،و حقّ التأمّل في المسألة حتّي يتضح الحق حقّ الوضوح.

إنّ العقل حاكم بحسن البعثة لاشتمالها علي فوائد كثيرة،و سنذكر طائفة منها من ذي قبل إن شاء اللّه،و بوجوبها علي اللّه تعالي لاشتمالها علي اللطف و اللطف واجب.و بأن النّبي يجب أن يكون منصوصا عليه من اللّه تعالي و مبعوثا من عنده بالبيّنات،و معصوما من العصيان و السهو و النسيان و منزّها عن كلّ ما ينفّر الطبع عنه،و أفضل من سائر النّاس في جميع الصفات الكماليّة من النفسانية و البدنيّة حتّي تحنّ القلوب إليه و يتمّ الحجة علي النّاس.

ثمّ نعلم أنّ النّبوة ختمت بخاتم النّبيّين محمّد،و شريعته نسخت سائر الشرائع،و دينه هو الحقّ

ص: 71


1- دلائل الإمامة:16،و حياة الامام الرضا:322.

و حلاله حلال إلي قيام الساعة،لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد بمعانيه و حقائقه و ألفاظه،و لئن اجتمعت الإنس و الجنّ علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا،و إذا جرّنا العقل إلي هنا فنقول:أولا لا بدّ للدين من حافظ في كل عصر.

و ثانيا علي ما علم قبل أنّ المستقرّ في العقول،إذا كان للنّاس إمام مرشد مطاع في كل عصر يخافون سطوته ينتصف للمظلوم من الظالم و يردع الظالم عن ظلمه،و يحفظ الدين و يمنع الناس عن التهاوش و التحارب،و ما تتسارع إليه الطباع من المراء و النزاع،و يحرّضهم علي التناصف و التعادل و القواعد العقلية و الوظائف الدينية،و يدرأ المفاسد الموجبة لاختلال النظام في أمورهم عنهم و يحفظ المصالح و يلمّ شعث الإجتماع و يدعوهم إلي وحدة الكلمة و يقوم بحماية الحوزة و رعاية البيضة، و انتظام أمور المعاش و المعاد و يكون لهم في كل واقعة دينية و دنيويّة حصن حصين و حافظ أمين، و يتوعّدهم علي المعاصي و يحملهم علي الطاعات و يعدهم عليها،و يصدع بالحق إذا تشاجر الناس في حكم من أحكام اللّه،لكانوا إلي الصلاح أقرب و من الفساد أبعد،حتي قيل:إنّ ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن،و ما يلتئم بالسنان لا ينتظم بالبرهان،و بالجملة في وجوده استجلاب منافع لا تحصي و استدفاع مضار لا تخفي.

و بعد ذلك فنقول:إنّ العقل يدلّ علي أنّ اللّه تعالي مريد للطاعة و كاره للمعصية،و أنّ اللّه ليس بظلام للعبيد،و علمنا مع وجود ذلك الرئيس الإمام المطاع أنه كان النّاس إلي فعل الطاعة أقرب و عن فعل المعصية أبعد،و لنسمّ ما يقرّب العبد إلي الطاعة و يبعّده عن المعصية من غير إلجاء باللطف،و هل هو واجب عقلا علي اللّه أم لا؟إن قلنا لا يجب عليه تعالي مع أنّ إيقاع الطاعة و ارتفاع المعصية يتوقفان علي اللطف كما علمت،و مع أنه تعالي يريد الأولي و يكره الثانية،و يعلم أنّ المكلف لا يطيعه إلاّ باللّطف،فكان ناقضا لغرضه و نقض الغرض قبيح عقلا،و العقلاء يذمّون من أراد من غيره فعلا،و هو يعلم أنّ ذلك الغير لا يفعل مطلوبه إلا مع إعلامه أو إرساله إليه، و أمثال ذلك،ممّا يتوقف حصول المطلوب عليه و لا يعمل ما يعلم بتوقف المطلوب عليه،فلا محيص إلا القول بوجوبه عليه تعالي عقلا.

و لذلك إنّ العقل يحكم بأنّ البعثة لطف،فواجبة علي اللّه تعالي علي أنّ كل ما يعلمه اللّه تعالي من خير و صلاح في نظام العالم و انتظام أمور بني آدم يجب منه تعالي صدوره،لأن علمه بوجوه الخير و النظام سبب للإيجاب،فيجب نصب الإمام من اللّه سبحانه في كلّ زمان.

فلو قلنا أنّ النّبوة رئاسة إلهيّة في أمور الدّين و الدّنيا،و كذلك لمن يقوم مقامه نيابة عنه بعده، رئاسة عامة إلهيّة فيهما،لما قلنا شططا فكل ما دلّ علي وجوب النّبوة و نصب النبي و تعيينه علي اللّه فهو دال كذلك علي القائم مقامه بعده،إلاّ في تلقي الوحي الإلهي،و لنسمّ القائم مقام النبيّ بالإمام،

ص: 72

و إن كان النبي إماما أيضا بذلك المعني الذي أشير إليه،و سيأتي البحث في تحقيق معني الإمامة و النّبوّة في تفسير قوله تعالي: وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً الآية إن شاء اللّه تعالي (1).

و إن شئنا ثنينا عنان البيان إلي التفصيل و التبيين،فإنّ من تيسّر له الإستبصار في هذا الأمر الخطير فقد فاز فوزا عظيما و إلا فقد خسر خسرانا مبينا فنقول:إنّ العقل لما دلّ علي أنّ وجود الإمام لطف للنّاس في ارتفاع القبيح و فعل الواجب و حفظ الدين،و حمل الرعيّة علي ما فيه مصالحهم و ردعهم عمّا فيه مفاسدهم،فهل يجوّزه العقل أن يكون عالما ببعض الأحكام دون بعض، و إن كان في النّاس من هو أعلم و أفضل منه في الصفات الكماليّة،و هل يأمر اللّه بالطاعة المطلقة لمن يجوز عليه الخطأ و يصدر عنه الذنوب،و يسهو و ينسي،و يرتكب ما ينفّر الطبع عنه،و من يكون نقص في خلقته و عيوب في بدنه ينزجر و ينفّر النفس عن مصاحبته و مجالسته و مكالمته و من يكون غير منصوص عليه منه تعالي أو من نبيّه؟

فهذه أمور في المقام يليق أن يبحث فيها من حيث اقتضاء العقل و حكمه،فإنّ العقل هو المتّبع في أمثال تلك الأمور.

فنقول:بعد ما استقرت الشريعة و ثبتت العبادة بالأحكام،و أنّ الإمام إمام في جميع الأمور و هو الحاكم الحاسم لموادّ النزاع،و متولي الحكم في سائر الدّين،و القائم مقام النّبيّ و فرعه و خليفته، و حجّة في الشرع فلا بدّ من أن يكون موصوفا بصفات النّبيّ و شبيها له في الصفات الكمالية و عالما بجميع الأحكام،حتّي يصّح كونه خليفة له و يحسم به النزاع في حكم من الأحكام،و في سائر الأمور و إلاّ فيقبح عند العقلاء خلافة من ليس بصفات المستخلف،لأنّ غرضه لا يتمّ به،و ذلك كما أنّ ملكا من الملوك إن استوزر من ليس بعارف بأمر السياسة،التي بها تنتظم أمور مملكته و جيوشه و رعاياه و غيرها ذمّه العقلاء بل عدّوه من السفهاء،بل كما أنّ أحدنا لو يفوض صنعة إلي رجل لا يعرفها استحق اللوم و الإزراء من العقلاء،فكذا في المقام مع أنّ المقام أهمّ بمراتب منهما كما لا يخفي علي البصير العاقل و هذا ممّا مجرد العقل كاف في إيجابه.

و أيضا أنّ أحد ما احتيج فيه إلي الإمام،كونه مبينا للشرع و كاشفا عن ملتبس الدين و غامضه، فلا بدّ من أن يكون في ضروب العلم كاملا غير مفتقر إلي غيره،فولاة أمر اللّه خزنة علمه و عيبة وحيه،و إلا يتطرّق التغيير و التبديل في دين اللّه،و لذا صرّح الشيخ الرئيس في آخر الشفاء في الفصل في الخليفة و الإمام:أنّ الإمام مستقل بالسياسة و أنّه أصيل العقل،حاصل عنده الأخلاق الشريفة من الشجاعة و العفة و حسن التدبير،و أنّه عارف بالشريعة حتّي لا أحد أعرف منه.4.

ص: 73


1- سورة البقرة،الآية:124.

ثمّ إنّ الإمامة رئاسة عامّة فلو لم يكن الإمام متّصفا بجميع الكمالات و الفضائل و أكمل و أفضل من كلّ واحد من أهل زمانه،و كان في الرعيّة من هو أفضل منه للزم تقديم المفضول علي الأفضل، و هل يرتضي العقل بذلك؟أرأيت أنّ العقلاء لا يذّمون من رجّح المفضول علي الفاضل؟

و هل تقدّم أنت مبتدءا في فنّ علي من مارسه و تبحّر فيه؟و هل يجوّز عقلك و يرضي بأنّ اللّه الحكيم يقدّم المفضول المحتاج إلي التكميل علي الفاضل المكمّل؟

جرّد نفسك عن العصبيّة و المراء و تقليد الأمهات و الآباء،فانظر بنور البصيرة و الحجي في كلامه تعالي: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1).

و لما كان المطلوب من إرسال الرسل و إنزال الكتب و نصب الحجج تعليم النّاس الحكمة، و تزكيتهم من الأرجاس و إقبالهم إلي عالم القدس،فأيّ مصلحة يقتضيها التكليف في تقديم المفضول علي الأفضل،أليس هذا العمل نفسه بقبيح،و هل القبيح إلاّ ما فيه مفسدة؟

أرأيت هل قدّم رسول اللّه و غيره من الأنبياء و الكاملين و أولي النهي و الملوك و الأمراء مفضولا علي فاضل في واقعة قطّ،و لو فعل واحد ذلك أما يلومه العقلاء؟

هل تجد خبرا و رواية أنّ رسول اللّه قدّم علي أمير المؤمنين غيره،و هل قدّم علي سلمان سلام اللّه عليه عثمان بن مظعون مثلا،و نعلم أنّ رسول اللّه لمّا نعيت إليه نفسه أمّر أسامة علي أبي بكر و عمر و حثّ علي خروج الكلّ من المدينة و لعن المتخلف عن جيش أسامة،فكان أسامة في أمر الحرب و سياسة الجند و تدبير العسكر أفضل منهما و إلاّ لما قدّمه عليهما،و لو كان بالفرض عليّ معهم هل يقدّم رسول اللّه أسامة علي عليّ؟ما أري مسلما بصيرا في عليّ و أسامة أن يرضي بذلك بل يعدّه قبيحا جدا،فإنّه لا يشك ذو بصيرة و دراية في أنّ أمير المؤمنين عليّا كان بين الصحابة كالمعقول بين المحسوس،و نسبته إليه كنسبة النور إلي الظلمات و نسبة الحياة إلي الممات،فتشهد الفطرة السليمة علي قبح تقديم المفضول علي الفاضل.

ثمّ لو كان الإمام عاصيا عن أمر اللّه تعالي و مذنبا سواء كانت الذنوب صغيرة أو كبيرة فنقول أوّلا:أنّه لما كانت العلة المحوجة إلي الإمام هي ردّ الظالم عن ظلمه و الإنتصاف للمظلوم منه، و حمل الرعيّة علي ما فيه مصالحهم و ردعهم عما فيه مفاسدهم و نظم الشمل و جمع الكلمة،فلو كان مخطئا مذنبا لاحتاج إلي آخر يردعه عن ظلمه،فإنّ الذنب ظلم و ننقل الكلام إلي ذلك الآخر فإن كان معصوما من الذنوب و إلاّ لزم عدم تناهي الأئمة.5.

ص: 74


1- سورة يونس،الآية:35.

و أيضا إنّ اللّه تعالي لعن الظالم و نهي عن الظلم،و حذّر عن الركون إلي الظلمة بقوله: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1).

و كذا أمر بالطاعة المطلقة للإمام،فلو كان الإمام مذنبا لكان ظالما فيلزم التناقض في قوله تعالي عن ذلك.

و أيضا إنّ الإمام لما كان قدوة في الدّين و الدّنيا مفترض الطاعة من اللّه،و لو ارتكب المعصية تتضاد التكاليف علي الأمّة،فإن اتبعته الأمّة في المعصية فعصوا اللّه و إن خالفوه فيها فعاصية أيضا.

و أيضا لو صدرت المعصية عنه هل يجب الإنكار عليه أم لا؟فعلي الأوّل يلزم أن يكون مأمورا و منهيا عنه مع أنّه إمام آمر و ناه،فليزم إذا سقوط محله من القلوب فلا تتقاده النفوس في أمره و نهيه فتنتفي الفائدة المطلوبة من نصبه،و علي الثاني يلزم القول بعدم وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،مع أنّهما واجبان عقلا و سمعا و أجمع الكلّ بوجوبهما،و معلوم بالضرورة أنّ فعل القبيح و ترك الواجب لا يصدر إلا ممن لا يكون معصوما،فإنّ العصمة هي القوّة القدسيّة النوريّة العلمية اللائحة من صبح أزل العناية الموجبة للإعتدال الخلقي و الخلقي و المزاجي المتعلّقة بمثالب العصيان في الدارين،الحاصلة بشدّة الإتصال و كمال الارتباط بمبدأ العالم و عالم الأرواح فمن بلغ إلي تلك الغاية و رزق تلك القوّة لا يحوم حول العصيان،و لا يتطرّق إلي حريم وجوده السهو و النسيان،فإنّ تلك القوّة رادعة إياه عن العصيان،و ذلك العلم الحضوري و الإنكشاف التام يمنعه عن السهو و النسيان،فلو لم يكن الإمام ذا عصمة ليصدر منه القبيح قولا و فعلا،فإذن لا بد أن يكون معصوما (2).

***

كلام هشام بن الحكم في عصمة الإمام عليه السّلام

روي الشيخ الجليل محمّد بن علي بن بابويه المشتهر بالصدوق في باب الأربعة من كتابه المسمّي بالخصال عن محمّد بن أبي عمير قال:ما سمعت و لا استفدت من هشام بن الحكم في صحبتي له شيئا،أحسن من هذا الكلام في عصمة الإمام،فإني سألته يوما عن الإمام أهو معصوم؟

فقال:نعم.

فقلت:فما صفة العصمة فيه و بأي شيء يعرف؟فقال:إنّ جميع الذنوب أربعة أوجه لا خامس لها:الحرص و الحسد و الغضب و الشهوة فهذه منفية عنه.و لا يجوز أن يكون حريصا علي هذه الدّنيا و هي تحت خاتمه لأنّه خازن المسلمين فعلي ماذا يحرص؟

ص: 75


1- سورة هود،الآية:113.
2- منهاج البراعة:32/16.

و لا يجوز أن يكون حسودا لأنّ الإنسان إنّما يحسد من فوقه و ليس فوقه أحد فكيف يحسد من هو دونه؟

و لا يجوز أن يغضب لشي من أمور الدّنيا إلاّ أن يكون غضبه للّه عزّ و جلّ،فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد فرض عليه إقامة الحدود،و أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم و لا رأفة في دينه حتّي يقيم حدود اللّه عزّ و جلّ.

و لا يجوز أن يحبّ أمور الدّنيا لأن اللّه حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدّنيا،و هو ينظر إلي الآخرة كما ننظر إلي الدّنيا،فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح،و طعاما طيّبا لطعام مرّ، و ثوبا ليّنا لثوب حشن و نعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟إنتهي كلامه رفع اللّه مقامه و لله درّه (1).

أقول:و لا يخفي أنّ هذا الدليل جار في عصمة النّبي أيضا بل بطريق أولي.

ثمّ إنّ الشيخ الرئيس كأنّما أخذ من هذا ما قال في النمط التاسع من الإشارات في مقامات العارفين حيث قال في آخره:العارف هشّ بشّ بسام يبجّل الصغير من تواضعه،كما يبجّل الكبير و ينبسط من الخامل مثل ما ينبسط من النّبيه،و كيف لا يهشّ و هو فرحان بالحقّ و بكلّ شيء،فإنّه يري فيه الحقّ و كيف لا يستوي و الجميع عنده سواسية،أهل الرحمة قد شغلوا بالباطل-إلي أن قال:العارف شجاع و كيف لا و هو بمعزل عن تقيّة الموت،و جواد و كيف لا و هو بمعزل عن محبة الباطل،و صفّاح و كيف لا و نفسه أكبر من أن تخرجها زلّة بشر،و نسّاء للأحقاد و كيف لا و ذكره مشغول بالحقّ-إلي آخر ما قال.

ثمّ إذا ثبت أنّ الإمام حجّة في الشرع و بقاء الدين و الشريعة موقوف علي وجوده وجب عقلا، لا ينفي عنه ما يقدح في ذلك و ينفّر عنه منه السهو و النسيان،و إلاّ فإذا حكم في واقعة و بيّن حكم اللّه لا تطمئن به القلوب لإمكان السهو و النسيان فيه،فإذا كان حافظا للشرع و لم يكن معصوما منهما لما آمن في الشرع من الزيادة و النقصان و التغيير و التبديل.و لم يحصل الوثوق بقوله و فعله و ذلك ينافي الغرض من التكليف،و كذلك إذا لم يكن منزّها من سائر ما تنفر الطباع عنها،لا تميل النفوس إليها و لا تشتاق إلي حضرته لنيل السعادة و درك الحقائق،فلا يتم حجّة اللّه علي خلقه بل الفطرة السليمة و الرويّة المستقيمة و النفوس الكريمة تأبي عن طاعة من ارتكب ما تنفر عنه،من أنواع المعاصي و الفواحش و الكبائر و لو في سالف عمره و تاب بعد ذلك.

و أيضا لا خلاف بين المسلمين إنّ الإمام هو المقتدي به في جميع الشريعة،و إنّما الخلاف في كيفيته فإذا كان هو المقتدي به في جميع الشريعة و واجب علينا الإقتداء به،فلو لم يكن مأمونا منه فعل القبيح لم نأمن في جميع أفعاله و لا أقل في بعضها ممّا يأمرنا به،و يدعونا إليه في الحدود6.

ص: 76


1- الخصال:215 ح 36.

و الديات و القصاص و سائر أحكام العبادات و المعاملات أن يكون قبيحا،و من هو مأمون منه فعل القبيح هو المعصوم لا غير فيجب أن يكون الإمام معصوما.

ثمّ إذا علم معني العصمة فلا بد من أن يكون الإمام منصوبا من عند اللّه أو من رسول اللّه أو من إمام قبله لأنّ العصمة أمر خفي باطني،تمييزه خارج عن طوق البشر و لا إطلاع لأحدهم عليها و لا يعلمها إلاّ اللّه تعالي،علي أنّه لا خلاف و لا نزاع بين الأمة في أنّ الإمامة دافعة للضرر و أنّها واجبة،و إنّما النزاع في تفويض ذلك إلي الخلق،لما في ذلك من الإختلاف الواقع في تعيين الأئمة،فيؤدّي إلي الضرر المطلوب زواله و لذا قال الشيخ الرئيس في آخر إلهيات الشفاء في الفصل الخامس من المقالة العاشرة في الخليفة و الإمام:و الاستخلاف بالنص أصوب فإن ذلك لا يؤدّي إلي التشعب و التشاغب و الإختلاف.

مسلك عقلي آخر في أمر الإمامة أيضا،و لمّا كانت هذه المسألة من أهم المسائل و اكتفي بعض الناس فيها بالإقناعيات و الخطابيات بل بالوهميات التي لا اعتداد بها في نصب الإمام، و أطفأوا نور العقل و عطّلوه عن الحكم و القضاء و مالوا عن الجادة الوسطي،و جانبوا الأدلّة القطعية العلمية و الأصول اليقينية البرهانية،ألهمت أن أسلك طريقة أخري عقلية في تقريرها و تحريرها عسي أن يذكّر من تيسّر لليسري فنقول:و بالله التوفيق و بيده أزمّة التحقيق:

العقول حاكمة بأنّ أحوال العالم كلّها إنما قامت علي العدالة،و بأن الأنبياء بعثوا ليقوم النّاس بالقسط،و بالعدل قامت السماوات و الأرض،و به تنتظم جميع أمور النّاس،و به تصير المدينة مدينة فاضلة و بالعدالة المطلقة يعطي كلّ ذي حق حقّه،و به تحصل الكمالات العلميّة و العمليّة المستلزمة لنيل السعادة الأبدية،و القرب إلي عالم القدس و الإيصال إلي المعبود الحق،و هو سبب الفوز و النجاة في الدّنيا و الآخرة،و لو لا العدل لاختلّ نظام العالم و نظم اجتماع بني آدم،و تعطّل الحدود و الحقوق و استولي الهرج و المرج و فسد أمر المعاش و المعاد،و لزم غيرها من المفاسد التي لا تعدّ و لا تحصي،فالناس يحتاجون في كلّ زمان إلي إمام خيّر مطاع،حافظ للدين عن التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان و يكون هادي الأمة إلي ما فيه الفلاح و النجاح و رادعهم عن العدول عن الصراط المستقيم و الإنحراف عن النهج القويم و عن الميل إلي الأهواء المردية و الآراء المغوية،و سائقهم إلي طريق الإستقامة التي لا ميل فيها،إلي جانبي الإفراط و التفريط فإنّ اليمين و الشمال مضلّة و الوسطي هي الجادّة،و معطي كلّ ذي حقّ حقّه و مقيم الحدود،و مؤدي الحقوق و العدل في كلّ شيء هو وضع ذلك الشي في موضعه،أي إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه بحسب استعداده و استحقاقه،و إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه يحتاج إلي العلم بحقائقهم و قدر استحقاقهم،و استعدادهم و الإطلاع علي الكلّيات و الجزئيات و إحاطتها علي ما هي عليه و هي غير متناهية،فهي غير معلومة إلا للّه تعالي و لخلفائه الذين اصطفاهم،فالإمام الذي بيده أزمّة العدل و الحكم و الكتاب يجب أن يكون خليفته في الأرض و خليفته منصوب من عنده و معصوم من العيوب مطلقا.

ص: 77

و كذا مستكن في القلوب و متقرر في الحكمة المتعالية أنّ النفس بالطبع منجذبة إلي محبة مشاهدة النور الأكمل و العلم الأتمّ،و كلما كان الكمال أعلي و النور أسني و العلم أتمّ و النفس أطهر كانت النفوس إليه أطوع و ميلها إليه أشدّ و أكثر،و لمّا كانت العصمة هي العدالة المطلقة الرادعة عن الإنحراف و الظلم،و كان الغرض الأقصي من الخلافة هو تكميل النفوس بانقيادها للإمام،فيجب أن يكون الإمام معصوما حتّي يتحقق الغرض المطلوب منه و غير المعصوم ناقص بالضرورة عن كمال الإعتدال في القوي الثلاث أي الحكمة و الشجاعة و العغّة المستلزمة للعدالة المطلقة،فإذا كان ناقصا عنه يضلّ عن صراط اللّه المستقيم و لو في حكم جزئي،و الناقص المشتمل علي الإنحراف عن الصراط المستقيم لا يليق أن يكون واسطة الخلق إلي الحقّ و قائما بهدايتهم،و بالجملة انّ الإمام منصب إلهي يتوقف علي كمال عقله النظري و العملي و السلامة عن العيوب و العصمة عن الذنوب، ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حيّ عن بيّنة،و إلي ما حققناه و حرّرناه أشار طائفة من المتألّهين من الحكماء في أسفارهم بأنّ الأرض لا تخلو من حجة إلهيّة قط.

قال الشيخ الرئيس في آخر الفصل الخامس من المقالة العاشرة من إلهيات الشفاء في الخليفة و الإمام و وجوب طاعتهما،بعد البحث عن الفضائل:و رؤوس هذه الفضائل عفّة و حكمة و شجاعة، و مجموعها العدالة،و هي خارجة عن الفضيلة النظرية،و من اجتمعت له معها الحكمة النظريّة فقد سعد،و من فاز مع ذلك بالخواص النبويّة كاد أن يصير ربّا إنسانيا،و كاد أن يحل عبادته بعد اللّه تعالي و هو سلطان العالم الأرضي و خليفة اللّه فيه.

بيان:إنّما عبّر الإمام بقوله(ربّا إنسانيا)لأنّ حجة اللّه علي خلقه لمّا كان بشرا واسطة بين اللّه و عباده،لا بدّ من أن يكون مؤيدا من عند الحكيم العليم بالحكمة العملية و النظريّة،غير مشارك للناس علي مشاركته لهم في الخلق بكرامات إلهيّة و أمور قدسيّة و صفات ملكوتية،فعبّر الشيخ عن الجهتين أعني الجهة البشريّة و الجهة الألوهيّة بقوله:ربّا إنسانيا.

قال الشيخ شهاب الدين السهروردي:لا يخلو العالم من الخليفة الذي سمّاه أرباب المكاشفة،و أرباب المشاهدة القطب،فله الرئاسة و إن كان في غاية الخمول،و إن كانت السياسة بيده كان الزمان نورانيا،و إذا خلي الزمان عن تدبير مدّبر إلهي كانت الظلمات غالبة.

و قال في شرح النصوص:لا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل أنّ الخليفة ظاهرة بصورة مستخلفه في خزائنه،و اللّه يحفظ صورة خلقه في العالم فإنّه طلسم الحفظ،من حيث مظهريّته لأسمائه و واسطة تدبيره بظهور تأثيرات أسمائه فيها.

و في كلام أمير المؤمنين لكميل بن زياد:اللّهم بلي لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة،إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا،لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته،و كم ذا و أين أولئك،أولئك و اللّه الأقلون عددا و الأعظمون قدرا،يحفظ اللّه بهم حججه و بيّناته حتّي يودعوها نظراءهم و يزرعوها في

ص: 78

قلوب أشباههم،هجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة و باشروا روح اليقين،و استلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون،و صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلي أولئك خلفاء اللّه في أرضه و الدّعاة إلي دينه (1).

انتهي كلام حبيب اللّه الخوئي (2).

***

احتجاج الإمام الرضا علي المخالفين في الإمامة

روي الشيخ الجليل الصّدوق رضوان اللّه عليه في المجلس السابع و التسعين من أماليه،و كذا الشيخ الجليل الطبرسي في الاحتجاج و ثقة الإسلام الكليني في الكافي(الوافي ص 115 م 2)رواية جامعة كافية في أمر الإمامة عن الرّضا عليّ بن موسي ثامن الأئمة الهداة المهديين تهدي بغاة الرشد للتي هي أقوم جعلناها خاتمة بحثنا ليختم بالخير ختامه مسك و في ذلك فليتنافس المتنافسون.

و في الأمالي حدّثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن المتوكّل قال:حدّثنا محمّد بن يعقوب قال:حدّثنا أبو محمّد القاسم بن العلي عن عبد العزيز بن مسلم قال:كنا في أيّام عليّ بن موسي الرّضا بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم جمعة في يدي مقدّمنا فأدار النّاس أمر الإمامة،و ذكروا كثرة اختلاف النّاس فدخلت علي سيّدي و مولاي الرّضا فأعلمته ما خاض النّاس فيه فتبسّم ثمّ قال:

«يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن أديانهم،إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يقبض نبيّه حتّي أكمل له الدّين،و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال و الحرام،و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج النّاس إليه كملا،فقال عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (3).

و أنزل فيه في حجّة الوداع و هي آخر عمره اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (4).

و أمر الإمامة من تمام الدّين و لم يمض حتّي بيّن لأمّته معالم دينهم و أوضح لهم سبيله،و تركهم علي قصد الحقّ و أقام لهم عليّا علما،و ما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه،فمن زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه،و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر،فهل يعرفون قدر الإمامة و محلّها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟

ص: 79


1- الحدائق الناظرة:220/90،و نهج البلاغة:37/4.
2- منهاج البراعة:30/16-40.
3- سورة الأنعام،الآية:38.
4- سورة المائدة،الآية:3.

إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلي مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم،أو ينالوها برأيهم أو يقيموا إماما باختيارهم.إنّ الإمامة خصّ اللّه بها إبراهيم الخليل بعد النّبوة،و الخلّة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه اللّه بها فأشاد بها ذكره فقال عزّ و جلّ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً (1).

قال الخليل سرورا بها(و من ذرّيتي)قال اللّه تبارك و تعالي: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (2).

فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلي يوم القيامة و صارت في الصفوة.

ثمّ أكرمه اللّه أن جعلها في ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال عزّ و جلّ: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ (3).

فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض،قرنا فقرنا حتّي ورثها النّبيّ فقال جلّ جلاله: إِنَّ أَوْلَي النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (4).

فكانت له خاصّة فقلّدها النّبي عليّا بأمر ربّه عزّ و جلّ علي رسم ما فرض اللّه،فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله عزّ و جلّ: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلي يَوْمِ الْبَعْثِ (5).

و هي في ولد عليّ خاصّة إلي يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء،إنّ الإمامة خلافة اللّه عزّ و جلّ و خلافة الرّسول، و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين.إنّ الإمامة زمام الدّين و نظام المسلمين و صلاح الدّنيا و عزّ المؤمنين.إنّ الإمامة اسّ الإسلام النامي و فرعه النامي.

بالإمام تمام الصّلاة و الزّكاة و الصّيام و الحجّ و الجهاد،و توفير الفي و الصّدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف.

الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه،و يذبّ عن دين اللّه و يدعو إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّة البالغة.

الإمام كالشمس الطالعة للعالم،و هي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار.

الإمام البدر المنير و السراج الظاهر و النّور السّاطع،و النجم الهادي في غياهب الدّجي و البلد القفار و لجج البحار.6.

ص: 80


1- سورة البقرة،الآية:124.
2- سورة البقرة،الآية:124.
3- سورة الأنبياء،الآية:72-73.
4- سورة آل عمران،الآية:68.
5- سورة الروم،الآية:56.

الإمام الماء العذب علي الظماء و الدّال علي الهدي و المنجي من الرّدي.

الإمام النّار علي اليفاع الحار لمن اصطلي،و الدّليل علي الملك من فارقه فهالك.

الإمام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشمس المضيئة،و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الروضة.

الإمام الأمين الرفيق و الوالد الرّقيق،و الأخ الشفيق و مفزع العباد في الداهية.

الإمام أمين اللّه في أرضه و حجّته علي عباده،و خليفته في بلاده و الدّاعي إلي اللّه و الذابّ عن حرم اللّه.

الإمام المطهّر من الذنوب المبرّأ من العيوب،مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدّين و عزّ المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين.

الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد،و لا يعادله عالم و لا يوجد به بدل،و لا له مثل و لا نظير، مخصوص بالفضل كلّه،من غير طلب منزلة و لا اكتساب،بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ بمعرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟

هيهات هيهات ضلّت العقول و تاهت الحلوم،و حارت الألباب و حسرت العيون و تصاغرت العظماء و تحيّرت الحكماء،و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء،و جهلت الألباب و كلّت الشعراء، و عجزت الأدباء و عيّت البلغاء عن وصف شأن من شأنه،أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز و التقصير.و كيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه لا كيف و أين و هو بحيث النجم من أيدي المتناولين و وصف الواصفين،فأين الإختيار من هذا و أين العقول عن هذا و أين يوجد مثل هذا؟

أظنّوا أنّ ذلك يوجد في غير آل الرّسول؟،كذّبتهم و اللّه أنفسهم و منّتهم الأباطيل،و ارتقوا مرتقي صعبا دحضا تزل عنه إلي الحضيض أقدامهم،راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراء مضلّة فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا،قاتلهم اللّه أنّي يؤفكون؟لقد راموا صعبا و قالوا إفكا و ضلّوا ضلالا بعيدا،و وقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة و زيّن لهم الشيطان أعمالهم و صدّهم عن السبيل و كانوا مستبصرين،رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسوله إلي اختيارهم،و القرآن يناديهم:

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالي عَمّا يُشْرِكُونَ (1) .

و قال عزّ و جلّ: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (2).

و قال عزّ و جلّ: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما6.

ص: 81


1- سورة القصص،الآية:68.
2- سورة الأحزاب،الآية:36.

تَخَيَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ* سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ* أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (1) .

و قال عزّ و جلّ: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها * طَبَعَ اللّهُ عَلي قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ* وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (2).

و قالوا سمعنا و عصينا،بل هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.

فكيف لهم باختيار الإمام و الإمام عالم لا يجهل،راع لا ينكل معدن القدس و الطهارة، و النسك و الزهادة و العلم و العبادة،مخصوص بدعوة الرسول و هو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب في البيت من قريش و الذروة من هاشم،و العترة من الرسول و الرضا من اللّه،شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف نامي العلم،كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر اللّه ناصح لعباد اللّه حافظ لدين اللّه.

إنّ الأنبياء و الأئمة يوفقهم اللّه عزّ و جلّ،و يؤتيهم من مخزون علمه و حلمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم (3)فوق كلّ أهل زمانهم في قوله جلّ و عزّ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (4).

و قوله جل و عز: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (5).

و قوله عزّ و جل: إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (6).

و قال عزّ و جلّ لنبيّه: وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (7)

و قال عزّ و جلّ في الأئمة من أهل بيته و عترته و ذرّيته: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلي ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفي بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (8).

و أنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك،و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم إلهاما فلم يع بعده بجواب و لا يحيّر فيه عن الصّواب،و هو معصوم مؤيد موفق مسدّد،5.

ص: 82


1- سورة القلم،الآية:36-41.
2- سورة الأنفال،الآية:21-23.
3- في نسخة علمهم.
4- في نسخة علمهم،سورة يونس،الآية:35.
5- سورة البقرة،الآية:269.
6- سورة البقرة،الآية:247.
7- سورة النساة،الآية:4.
8- سورة النساء،الآية:5.

قد أمن الخطايا و الزلل و العثار،و خصّه اللّه بذلك ليكون حجّته علي عباده و شاهده علي خلقه،و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.

فهل يقدرون علي مثل هذا فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّموه،تعدّوا و بيت اللّه الحقّ و نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم،كأنهم لا يعلمون و في كتاب اللّه الهدي و الشفاء فنبذوه، و اتبعوا أهواءهم فذّمهم اللّه و مقّتهم و أتعسهم فقال عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُديً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (1).

و قال: فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (2).

و قال عزّ و جلّ: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلي كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ (3).

انتهي الحديث الشريف (4).

***

عدم تأثير السحر و الشعبذة و أمثالهما علي الإمام

قال حبيب اللّه الخوئي في شرح النهج:قد علم مما قدّمنا في الحجج الإلهية أنّ العقل لا يجوّز تأثير السحر فيهم،و غاية ما يستفاد من الأخبار المذكورة في جوامع الفريقين،أنّ بعض الناس كلبيد بن أعصم اليهودي مثلا إنّما سحر رسول اللّه و أمّا أنّ سحره أثر فيه أثرا فممنوع،فإنّ الأصل المتّبع في تلك الأمور هو العقل،فما وافقه و إلاّ يعرض عنه.و ما ورد من تأثير السحر فيهم كما في نقل:أن رسول اللّه مرض من سحر لبيد بن أعصم،و في آخر:كان النّبيّ يري أنّه يجامع و ليس يجامع و كان يريد الباب و لا يبصره حتّي يلمسه بيده،من زيادات النقلة و الرواة،فإن دأب النّاس في أمثال هذه الواقعة علي زيادة ما يستغرب و يتعجّب منه.

قال الطبرسي في المجمع:و هذا(يعني تأثير السّحر فيه)لا يجوز لأنّ من وصف بأنّه مسحور، فكأنه قد خبل عقله،و قد أبي اللّه سبحانه ذلك في قوله وَ قالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً (5)اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا (6).

و لكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته علي ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه،و أطلع اللّه نبيّه علي ما فعلوه من التمويه حتّي استخرج(يعني استخرج سحر لبيد من بئر ذروان)و كان ذلك

ص: 83


1- سورة القصص،الآية:50.
2- سورة محمد،الآية:8.
3- سورة غافر،الآية:35.
4- البحار:71/18،و تفسير مجمع البيان:492/10.
5- سورة الإسراء،الآية:47.
6- سورة الإسراء،الآية:48.

دلالة علي صدقه،و كيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم و لو قدروا علي ذلك لقتلوه،و قتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدّة عداوتهم لهم.

و من تدّبر و تأمّل فيما حرّرنا من وجود الإمام و أوصافه عقلا،دري أنّه يجب أن يكون عالما بالسياسة و بجميع أحكام الشريعة،و كلّ ما يحتاج إليه الناس في تكميل نفوسهم و نظام أمورهم، و أفضل من كلّ واحد من رعيّة عصره.

و أنّ وجوده لطف فيجب أن يكون منصوصا عليه و منصوصا من عند اللّه تعالي و معصوما عن الذنوب و منزّها عن العيوب،و عن كلّ ما يتنفّر عنه الطبع السليم.

***

الإمام و صفاته

قال حبيب اللّه الخوئي:اعلم إنّما حداني علي الإتيان بتلك الأخبار و البحث فيها،ما رأيت فيها من احتجاجات أنيقة،مشتملة علي براهين كلية عقلية في إثبات المطلوب،لا من حيث أنّها أخبار أردنا إيرادها في المقام و التمسّك بها تعبدا،كما أنّ الآيتين وافيتان للرشاد و السّداد،لو تدبّرنا فيهما بالعقل و الاجتهاد،و المرجوّ أن ينظر فيها القارئ الكريم الطالب للرشاد حق النظر و تدبّر فيها حق التدبّر،لعله يوفّق بالوصول إلي الدين الحق،فإنّ الدين الحقّ واحد،قال عزّ من قائل: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ (1)وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (2).

ثمّ ليعلم أنّ الآيات و الأخبار في الدلالة علي ذلك أكثر منها و لكنّا اكتفينا بها روما للإختصار.

قال عز و جلّ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (3).

الإمام هو المقتدي به كما يقال إمام الصلاة لأنّه يقتدي به،و يأتم به،و كذلك يقال للخشبة التي يعمل عليها الاسكاف إمام،من حيث يحذر عليها،و للشاقول الذي في يد البناء إمام من حيث إنّه يبني عليه و يقدر به،و لا كلام في أن الإمام الذي نصبه اللّه تعالي لعباده مقتدي به في جميع الشريعة و به يهتدون،و الإمام هادي النّاس بأمر اللّه تعالي و كفي في ذلك شاهدا قوله تعالي في كتابه الكريم: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (4)وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (5).

ص: 84


1- سورة يونس،الآية:32.
2- سورة الإنعام،الآية:153.
3- سورة البقرة،الآية:124.
4- سورة الأنبياء،الآية:72.
5- سورة الأنبياء،الآية:72،73.

و قوله تعالي: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (1)حيث قرن الإمامة بالهداية التي هي بأمر اللّه تعالي،أي الإمام يهدي الناس إلي سواء السبيل بأمره تعالي و سنوضح ذلك مزيد إيضاح.

ثمّ أنّه ذكر غير واحد من المفسرين كالنيسابوري و صاحب المنار و غيرهما،أنّ المراد بالإمامة الرسالة و النّبوة،و قال الأوّل:الأكثرون علي أن الإمام ههنا النّبي لأنّه جعله إماما لكلّ النّاس،فلو لم يكن مستقلاّ بشرع كان تابعا لرسول و يبطل العموم،و لأنّ إطلاق الإمام يدلّ علي أنّه إمام في كلّ شيء،و الذي يكون كذلك لا بدّ أن يكون نبيّا،و لأنّ اللّه تعالي سمّاه بهذا الاسم في معرض الإمتنان فينبغي أن يحمل علي أجلّ مراتب الإمام كقوله تعالي: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (2).

لا علي من هو أدون ممن يستحق الإقتداء به في الدين كالخليفة و القاضي و الفقيه و إمام الصلاة،و لقد أنجز اللّه تعالي هذا الوعد فعظّمه في عيون أهل الأديان كلّها،و قد اقتدي به من بعده من الأنبياء في أصول مللهم.و كفي به فضلا أنّ جميع أمة محمّد يقولون في صلاتهم:اللّهم صل علي محمّد و آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم و آل إبراهيم.(انتهي).

أقول:الصواب أنّ إبراهيم فاز بالإمامة بعد ما كان نبيّا،و الإمامة في الآية غير النّبوة،و ذلك لوجهين:الأوّل:أنّ جاعل عمل في قوله تعالي(إماما)أعني أن إماما مفعول ثان لقوله(جاعلك) و إسم الفاعل إنّما يعمل عمل الفعل و ينصب مفعوله،و لا يضاف إليه،إذا كان بمعني الحال أو الإستقبال،و أمّا إذا كان بمعني الماضي فلا يعمل عمل الفعل،كذلك و لا يقال زيد ضارب عمرا أمس،نعم إذا كان صلة لأل فيعمل مطلقا كما حقق في محلّه.

حكي أنّه اجتمع الكسائي و أبو يوسف القاضي عند الرشيد فقال الكسائي:أبا يوسف لو قتل غلامك فقال رجل أنا قاتل غلامك بالإضافة،و قال آخر أنا قاتل غلامك بالتنوين،فأيهما كنت تأخذ به؟

فقال القاضي كنت أخذتهما جميعا.

فقال الكسائي:أخطأت إنّما يؤخذ بالقتل الذي جرّ دون النصب،و الوجه فيه أن اسم الفاعل المضاف بمعني الماضي،فيكون إقرارا،و غير المضاف يحتمل الحال و الإستقبال أيضا فلا يكون إقرارا.و ما نحن فيه من قبيل الثاني كما لا يخفي.

و بالجملة إذا كان اسم الفاعل يعمل عمل فعله إذا لم يكن بمعني الماضي،فالآية تدل علي أنّه تعالي جعل إبراهيم إماما إمّا في الحال أو الإستقبال،و علي أي حال كانت النّبوة حاصلة له قبل الإمامة فلا يكون المراد أو الإستقبال و علي أي حال كانت النّبوة حاصلة له قبل الإمامة،فلا يكون المراد بالإمامة في الآية النبوة.3.

ص: 85


1- سورة السجدة،الآية:24.
2- سورة الأنبياء،الآية:73.

و في الكافي عن الصادق و في(الوافي ص 17 م 2)قال:إنّ اللّه تبارك و تعالي إتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيّا و إنّ اللّه اتخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا،و إنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا،و إنّ اللّه اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما،فلما جمع له الأشياء قال إنّي جاعلك للناس إماما،فمن عظمها في عين إبراهيم قال:و من ذريتي؟قال:لا ينال عهدي الظالمين،قال لا يكون السفيه إمام التقي.انتهي (1).

فرتّب هذه الخصال بعضها علي بعض لاشتمال كلّ لاحق منها علي سابقه مع زيادة،حتي انتهي إلي الإمامة المشتملة علي جميعها فهي أشرف المقامات و أفضلها.

و فيه أيضا قال أبو عبد اللّه:الأنبياء و المرسلون علي أربع طبقات:فنبيّ منبأ في نفسه لا يعدو غيرها،و نبيّ يري في النوم و يسمع الصوت و لا يعاينه في اليقظة،و لم يبعث إلي أحد و عليه إمام مثل ما كان إبراهيم علي لوط،و نبيّ يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك و قد أرسل إلي طائفة قلّوا أو كثروا كيونس قال اللّه تعالي ليونس:و أرسلناه إلي مئة ألف أو يزيدون و قال:يزيدون ثلاثين ألفا و عليه إمام،و الذي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة و هو إمام مثل أولي العزم، و قد كان إبراهيم نبيّا و ليس بإمام،حتّي قال اللّه:إنّي جاعلك للناس إماما قال:و من ذريّتي فقال اللّه:لا ينال عهدي الظالمين،من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما (2).

الوجه الثاني أنّ الآية تدلّ علي أنّ اللّه تعالي لمّا ابتلاه و اختبره بأنواع البلاء جعله إماما،و من أبين البلاء له ذبح ولده إسماعيل كما قال تعالي: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَري فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَري قالَ إلي أن قال إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (3).

و وهبه اللّه إسماعيل في كبره كما قال في السورة المسماة باسمه اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَي الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (4).

فكان نبيّا قبل أن كان إماما.

و كذلك نقول:إنّ مما ابتلاه اللّه تعالي به قضيّة ابتلائه بالأصنام و قال اللّه تعالي: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً إلي أن قال: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (5).9.

ص: 86


1- الكافي:175/1 ح 2،و البحار:12/12 ح 36.
2- الكافي:175/1 ح 1،و البحار:55/11 ح 54.
3- سورة الصافات،الآية:101-106.
4- سورة إبراهيم،الآية:39.
5- سورة مريم،الآية:41-49.

فنصّ اللّه تعالي بأنّه كان حين يخاطب أباه صدّيقا نبيّا و قال في الآية الأولي وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً .

فلم يكن حين ابتلائه بالأصنام إماما بل كان نبيّا،و رزق الإمامة بعد ذلك.

فإذا ساقنا الدليل إلي أنّ الإمامة في الآية غير النّبوة،فنقول كما في المجمع:أنّ المستفاد من لفظ الإمام أمران:أحدهما أنّه المقتدي به في أفعاله و أقواله،و الثاني أنّه الذي يقوم بتدبير الأمّة و سياستها،و القيام بأمورها و تأديب جناتها و تولية ولاتها و إقامة الحدود علي مستحقيها،و محاربة من يكيدها و يعاديها،فعلي الوجه الأوّل لا يكون نبيّ من الأنبياء إلاّ و هو إمام،و علي الوجه الثاني لا يجب في كلّ نبيّ أن يكون إماما،إذ يجوز أن يكون مأمورا بتأديب الجناة،و محاربة العداة و الدفاع عن حوزة الدين و مجاهدة الكافرين.

ثمّ إنّ معني الإمامة في الآية ليس مجرد مفهوم اللفظ منها،بل هي الموهبة الإلهية يهب لمن يشاء من عباده الصابرين الموقنين كما قال عز من قائل وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (1).

و إنّما أطلق الصبر و لم يذكر متعلقه بأنّهم صبروا فبماذا؟ليعمّ صبرهم في أنواع البلاء.فالإمامة هي الولاية من اللّه تعالي لهداية النّاس بأمر اللّه تعالي،التي توجب لصاحبها التصرّف في العالم العنصري و تدبيره بإصلاح فساده،و إظهار الكمالات فيه الاختصاص صاحبها بعناية إلهية،توجب له قوة في نفسه لا يمنعها الإشتغال بالبدن عن الإتصال بالعالم العلوي و اكتساب العلم الغيبي منه، فبذلك التحقيق و بما بيّناه في أبحاثنا الماضية يظهر جواب ما استدلّ النيسابوري و غيره علي أنّ المراد بالإمام هو النّبيّ.

ثمّ إنّ الآية تدلّ علي أنّ الإمام الهادي للناس بأمره تعالي يجب أن يكون منصوصا من عند اللّه تعالي،حيث قال تعالي:إنّي جاعلك للناس إماما كما لا يخفي علي من له أدني دراية في أساليب الكلام.

و العجب من النيسابوري حيث قال في تفسيره:ثم القائلون بأنّ الإمام لا يصير إماما إلاّ بالنصّ،تمسّكوا بهذه الآية و أمثالها من نحو:إنّي جاعل في الأرض خليفة-يا داود إنّا جعلناك خليفة،و منع بأنّ الإمام يراد به ههنا النّبي سلّمنا أنّ المراد به مطلق الإمام،لكن الآية تدلّ علي أنّ النصّ طريق الإمامة و ذلك لا نزاع فيه إنّما النزاع في أنّه لا طريق للإمام سوي النصّ و لا دلالة في الآية علي ذلك،انتهي.و بما حققناه و بيّناه في المقام يظهر لك أنّ كلامه هذا في غاية السقوط.نعم أنّه أنصف في المقام و قال:4.

ص: 87


1- سورة السجدة،الآية:24.

و في الآية دليل علي أنّه كان معصوما عن جميع الذنوب،لأنّه لو صدرت عنه معصية لوجب علينا الإقتداء به،و ذلك يؤدّي إلي كون الفعل الواحد ممنوعا منه مندوبا إليه و ذلك محال.

قوله تعالي: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (1).

عطف علي الكاف من جاعلك و إن شئت قلت:و من ذرّيتي تتعلق بمحذوف تدل عليه كلمة جاعلك و من للتبعيض،أي أجعل بعض ذريتي إماما،كما يقال سأكرمك فتقول و زيدا،و إنّما طلب الإمام لبعض ذرّيته لعلمه بأنّ كلّهم لا يليق بها،لأنّ ناسا غير محصورين لا يخلو فيهم من ظالم غالبا قال اللّه تعالي: سَلامٌ عَلي إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ* وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ* وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلي إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (2).

و أفاد بعض المفسرين أنّه قد جري إبراهيم علي سنّة الفطرة في دعائه هذا،فإنّ الإنسان لمّا يعلم من أنّ بقاء ولده بقاء له،يحبّ أن تكون ذرّيته علي أحسن حال يكون هو عليها،ليكون له حظ من البقاء جسدا و روحا.و من دعاء إبراهيم الذي حكاه اللّه عنه في السورة المسماة باسمه رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي (3).

و قد راعي الأدب في طلبه فلم يطلب الإمامة لجميع ذرّيته بل لبعضها لأنه الممكن،و في هذا مراعاة لسنن الفطرة أيضا،و ذلك من شروط الدعاء و آدابه فمن خالف في دعائه سنن اللّه في خليقته أو في شريعته،فهو غير جدير بالإجابة بل هو سيئ الأدب مع اللّه تعالي لأنه يدعوه لأن يبطل لأجله سنّته التي لا تتبدّل و لا تتحوّل أو ينسخ شريعته بعد ختم النّبوة و إتمام الدين.

و العهد في الآية الإمامة التي أعطاها اللّه تعالي إبراهيم و إنّما سمّيت تلك الرئاسة الإلهية عهد اللّه لاشتمالها علي كلّ عهد،عهد به اللّه تعالي إلي بني آدم كقوله تعالي: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ (4).

و من عظمها و شرافتها في عين إبراهيم سأل الإمامة لبعض ذرّيته،فأجابه اللّه تعالي بأنّ الإمامة عهده و لا يناله الظالمون،يقال:نال خيرا ينال نيلا أي أصاب و بلغ منه.و بين اللّه تعالي أنّ عهده ذو مقام منيع و درجة رفيعة لا يصل إليه يد الظالم القاصرة.

و أيضا دلّت الآية علي أنّ بعض ذريته الظالم،لا ينال عهد اللّه،لأنّ الظالم ليس بأهل لأن يقتدي به،فلم ينف اللّه تعالي الإمامة عن ذرّيته مطلقا و إلا لكان يقول:لا ينال عهدي ذرّيتك مثلا بل ذكر المانع من النيل إلي ذلك المنصب الإلهي مطلقا و هو الظلم،و ذلك كما تري أنّ اللّه جعل7.

ص: 88


1- سورة البقرة،الآية:124.
2- سورة الصافات،الآية:109-113.
3- سورة إبراهيم،الآية:40.
4- سورة الأحزاب،الآية:7.

الإمامة في بعض أولاده و أحفاده كإسماعيل و إسحاق و يعقوب و يوسف و موسي و هارون و داود و سليمان و أيّوب و يونس و زكريا و يحيي و عيسي و إلياس ثمّ أفضلهم و أشرفهم محمّد و اللّه تعالي أثني عليهم في الكتاب بثناء مستطاب.

فالآية تدلّ علي أنّ الإمامة التي جعلها لإبراهيم لا ينالها من كان ظالما من ذرّيته فعلم من الآية أمران:أحدهما أنّ الإمامة لا تكون إلاّ في ذرّيته.

و الثاني أنّه لا ينالها من عند اللّه من هو موصوف بالظلم منهم.فعلم أنّ كلّ ظالم من ذرّية إبراهيم لا يصلح أن ينال الإمامة و الولاية من قبل اللّه و لا يكون ممّن رضي اللّه بإمامته و ولايته،و إلا لزم الكذب في خبره هذا فكلّ ظالم تولّي أمور المسلمين باستيلائه و قهره و كثرة أعوانه و أنصاره لا يكون إماما من اللّه و لا ممن رضي اللّه بإمامته و إلا لكان قد جعله إماما،و كذا لا تكون مجعولا من رسله و لا من خواص أوليائه لنصّ الآية الدالّ علي أنّ اللّه تعالي لا يجعل الإمامة و لا ينالها منه من كان ظالما.

ثمّ إنّ أصحابنا الإمامية استدلّوا بهذه الآية علي أنّ الإمام لا يكون إلاّ معصوما عن القبائح، لأنّ اللّه سبحانه نفي أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم،فمن ليس بمعصوم فهو ظالم إمّا لنفسه و إمّا لغيره،و من لم يتصّف بالعصمة لا يتّصف بالاستقامة و الاعتدال المتّصفين بهما أهل الولاية عن اللّه فيتحقق الميل عن الوسط و الخروج عن الصراط المستقيم،فيكون من أحد الجانبين إمّا من المغضوب عليهم أو الضّالين.

فإن قيل:إنّما نفي أن يناله ظالم في حال ظلمه فإذا تاب لا يسمي ظالما فيصح أن يناله.

فالجواب أن الظالم و إن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما،فإذا نفي أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها،و الآية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت،فيجب أن تكون محمولة علي الأوقات كلّها فلا ينالها الظالم و إن تاب فيما بعد(قاله في المجمع).

و بالجملة إنّ عموم ظاهر الآية يقتضي أنّ الظالم في حال من الأحوال لا ينال الإمامة،و من تاب بعد كفر أو فسق و إن كان بعد التوبة لا يوصف بأنّه ظالم،فقد كان ممن تناوله الإسم و دخل تحت الآية،و إذا حملناها علي أنّ المراد بها من دام علي ظلمه و استمر عليه كان هذا تخصيصا بغير دليل.

أقول:فالآية تدلّ علي إبطال إمامة غير عليّ لأنهم كانوا مشركين قبل الإسلام و عبدوا الأصنام بالإتفاق و كلّ مشرك ظالم،و قال اللّه تعالي: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (1).3.

ص: 89


1- سورة لقمان،الآية:13.

فكلّ ظالم لا ينال عهد الإمامة.و لذا قال الصادق عليه السّلام:من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما (1).

و نعم ما نظم الحسين بن عليّ الكاشفي حيث قال في قصيدة فارسية له:

ذريتي سؤال خليل خدا بخوان وز لا ينال عهد جوابش بكن أدا گرددتر اعيان كه امامت نه لائق است آنرا كه بوده بيشتر عمر در خطا.

و قال الزمخشري في الكشاف في بيان قوله تعالي: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (2)أي من كان ظالما من ذرّيتك لا يناله استخلافي و عهدي إليه بالإمامة،و إنّما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم،و قالوا:في هذا دليل علي أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة،و كيف يصلح لها من لا يجوز حكمه و شهادته و لا تجب طاعته و لا يقبل خبره،و لا يقدّم للصلاة.

و كان أبو حنيفة يفتي سرّا بوجوب نصرة زيد بن عليّ رضوان اللّه عليهما و حمل المال إليه و الخروج معه علي اللّص المتغلّب المتسمّي بالإمام و الخليفة كالدوانيقي و أشباهه،و قالت له امرأة:

أشرت علي إبني بالخروج مع إبراهيم و محمّد ابني عبد اللّه بن الحسن حتّي قتل فقال:ليتني مكان ابنك،و كان يقول في المنصور و أشياعه:لو أرادوا بناء مسجد و أرادوني علي عد آجره لما فعلت (3).

و عن ابن عيينة و عن ابن عباس لا يكون الظالم إماما قط و كيف يجوز نصب الظالم للإمامة، و الإمام إنّما هو لكف الظلمة،فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر:من استرعي الذئب ظلم.انتهي (4).

إن قلت:إنّ يونس صلوات اللّه عليه نال عهد اللّه الذي هو الإمامة مع أن اللّه تعالي حكي عنه أنّه قال: سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ (5).

أقول:إنّ الظلم فيه محمول علي ترك الأولي،كما في حق آدم صلوات اللّه عليه حيث قال:

ربّنا ظلمنا أنفسنا،و بالجملة ما ورد في القرآن و الأخبار ممّا يوهم صدور الذنب عن الأنبياء و خلفائهم،الحق محمول علي ترك الأولي جمعا،بين ما دلّ العقل عليه و بين صحة النقل لأنّ المتّبع في أصول العقائد هو العقل و هو الأصل فيها،و كلّ ما ثبت بدليل قاطع فلا يجوز الرجوع عنه،علي أنّ لتلك الآيات و الأخبار التي ذكرت وجوه و محامل أتي بها العلماء في مواضعه و عليك في ذلك بكتاب تنزيه الأنبياء للسيد المرتضي علم الهدي فإنه شفاء العليل.7.

ص: 90


1- بحار الأنوار:55/11 ح 54،و التفسير الصافي:187/1.
2- سورة البقرة،الآية:124.
3- كتاب الأربعين:54.
4- كتاب الأربعين:54،و كنز العمال:571/12.
5- سورة الأنبياء،الآية:87.

و من أحسن ما قيل في المقام:أنّ تلك الظواهر دالّة علي عظم شأنهم و علو مرتبتهم،إذ معاتبة الحكيم لهم علي تلك الأفعال التي هي في الحقيقة لا توجب العصيان و المخالفة،دليل علي أنّهم في محلّ يقتضي تلك المعاتبة تنزيها لهم و تفخيما لأمرهم و تعظيما لشأنهم عن ملابسة ما لا يليق بمراتبهم،إذ هم دائما في مرتبة الحضور الموجبة لعدم التفاتهم إلي غير الحقّ،و كان وقوع ذلك منهم في بعض الحالات أو مع شيء من الإشتغالات البدنية و الإنجذاب في بعض الأحيان إلي الأمور الطبيعية و الماديّة موجبا لتلك المعاتبة.

و بالجملة أنّ الحجج الإلهيّة لمّا كانوا في نهاية القرب من اللّه تعالي و كمال الإتصال بجنابه و تمام الحضور إلي حضرته،و كانوا أيضا مع تلك المرتبة الشامخة في العوائق و العلائق البدنيّة اللازمة للبشرية،رين مع الرعية للإرشاد و التبليغ،قد يعرض لهم في تلك الأطوار و الشؤونات البشريّة أمور يعدّونها سيئات،و إن لم تكن في الحقيقة بقبائح و سيئات فيتضرعون إلي اللّه تعالي بقولهم ربّنا ظلمنا أنفسنا،أو سبحانك إنّي كنت من الظالمين.فإنّ المخلصين علي خطر عظيم.

و بذلك ظهر سرّ الحديث المروي عن رسول اللّه:حسنات الأبرار سيّئات المقربين (1).

ثمّ اعلم أنّ إبراهيم لما طلب الإمامة لبعض ذريته،فكان يكفي في جوابه أن يقال:نعم، مثلا،لكنّه لمّا لم يكن نصا في أنّ الظالم لا ينال الإمامة،لأنه كان يشمل حينئذ الظالم و غيره، و كذا لو قال ينال عهدي المؤمنين مثلا،لما كان أيضا نصّا في خروج الظالم،غاية ما يقال حينئذ خروجه بالمفهوم فنصّ بالظالم لخروجه عن نيل عهد اللّه تعالي،أعني الإمامة،بقوله لا ينال عهدي الظالمين.كما نصّ أيضا بأنّ أمر الظالم ليس برشيد،و من اتبعه فجزاءه جهنم،في قوله: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسي بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلي فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ* وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (2).

ثمّ إنّ اللّه تعالي ذكر في كتابه العزيز كثيرا من صفات من جعله إماما للنّاس بقوله:

1- لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ .

فرتبة الإمامة و درجة الولاية أعلي و أرفع من أن ينالها الظالم،و بهذه الآية بيّن أيضا أنّ الإمام منصوب من عنده كما دريت.

2- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ (3).2.

ص: 91


1- زبدة البيان:78،و البحار:205/25.
2- سورة هود،الآية:96-99.
3- سورة النحل،الآية:120-122.

فمن صفات الإمام أن يكون ممن اجتباه اللّه،فهو نصّ في أنّ الإمام يجب أن يكون منصوبا من اللّه تعالي،و أن يكون مهديا بهدي اللّه تعالي إلي صراط مستقيم،و أن لا يكون من المشركين.

فافهم و تدبّر حق التدبر.

3- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ (1).

4- وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا بِهِ عالِمِينَ (2)

5- وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ (3).

فالإمام يهدي بأمره تعالي و يوحي إليه فعل الخيرات.

6- وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (4).

7- وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ* إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (5)

فمن اتّصف بهذه الأوصاف الملكوتية و أيّد بهذه التأييدات السماوية فهو إمام،فطوبي لمن عقل الدين عقل رعاية و دراية.

الآية الثانية قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً (6).

و الآية تدلّ علي أمور:الأول أنّ إطاعة الرسول فيما أمر به و نهي عنه واجبة،كما أنّ إطاعة اللّه تعالي واجبة،فليس لأحد أن يقول:حسبنا كتاب اللّه فلا حاجة لنا إلي الأخبار المرويّة عن الرسول و العمل بها،و ذلك لأنّ هذا القول نفسه ردّ الكتاب،و لو كان كتاب اللّه وحده كافيا لما أفرد بطاعة الرسول بقوله عزّ من قائل:(أطيعوا الرسول)بعد قوله:(أطيعوا اللّه).و نظير الآية قوله تعالي: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ (7).

و قوله تعالي: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (8).

و قوله تعالي: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (9).4.

ص: 92


1- سورة هود،الآية:75.
2- سورة الأنبياء،الآية:51.
3- سورة الأنبياء،الآية:72،73.
4- سورة السجدة،الآية:24.
5- سورة البقرة،الآية:130،131.
6- سورة النساء،الآية:59.
7- سورة النساء،الآية:80.
8- سورة الحشر،الآية:7.
9- سورة النجم،الآية:3-4.

فقد أخطأ من قال:حسبنا كتاب اللّه،و أعرض عن قول رسول اللّه.

الأمر الثاني:أنّ اللّه تعالي أوجب علي النّاس إطاعة أولي الأمر كما أوجب إطاعته و إطاعة رسوله،فالحري بالطالب النهج القويم أن يري بعين العلم و المعرفة رأيه في معني أولي الأمر، و مراده عزّ و جل منهم فنقول:قد فسّر بعضهم أولي الأمر بالأمراء،و بعض آخر و منهم الفخر الرازي في تفسيره بالعلماء،و لا يخفي أنّ المعني الثاني عدول عن الصواب جدّا،فإنّ أولي الأمر،هم مالكوا الأمر و مالك الأمر من بيده الحلّ و العقد و الأمر و النهي و التدبير و السياسة،و ما فيه تنظيم أمور الناس،دينيّة كان أو دنيويّة،فكيف يجوز تفسير أولي الأمر بالعلماء،سيّما في كلام اللّه الذي هو في غاية الفصاحة و نهاية البلاغة و معجزة النّبوة الباقية و هل هذا إلاّ الخروج عن مجري الفصاحة و الورود في مورد السخافة.

أمّا مراده عزّ و جلّ من أولي الأمر فنقول:إنا نعلم بتّا أنّ كثيرا من الخلفاء و الأمراء،كمعاوية و يزيد و الوليد و الحجّاج و آل أميّة و بني مروان و الخلفاء العبّاسييّن و أمثالهم قديما و حديثا لعبوا بالدّين،و اتخذوا كتاب اللّه سخريا و فعلوا من الفواحش و المنكرات و فنون الظلم و المنهيّات من سفك الدماء و أخذ أموال الرعية ظلما و شرب الخمر و نحوها،ما يتعذر عدّها و تشمئز النفوس المطمئنة السليمة عن استماعها و تستقبح ذكرها،و لو نذكر معشارا من ظلمهم و سائر فواحشهم و مقابحهم مما نقل في كتب القوم و مصنفاتهم لبلغ مبلغا عظيما،و هذا هو الوليد بن يزيد نذكر فعلا من أفعاله يكون أنموذجا لسائر آثاره،و إن بلغ في الفسق و الفجور إلي حد لا يناله يد إنكار و لا يرتاب فيه أحد،و لعمري أني أستحي من نقل هذه القضيّة الصادرة منه و لكني أقول:أنّ من جانب المراء و اللداد و تقليد الآباء و الأجداد و أعرض عن الأغراض النفسانية و العصبيّة،ونظر بعين العلم و البصيرة و تفكّر ساعة في معاني الآيات و الأخبار و تأمل في غرض البعثة،و تكليف العباد و أراد أن يسلك مسلك السداد و الرشاد هل يرضي بإمارة من يرتكب من المعاصي و الفواحش ما يستحيي بذكره الإنسان،و هلا يقضي عقله بأنّه لو كان الوليد و أشياعه مالكي أزمّة الأمور،و القائمين مقام الرسول، لما كان إرسال الرسل و إنزال الكتب إلاّ اللهو و العبث و اللعب.

قال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني(ص 174 ج 9 طبع ساسي)في ترجمة عمّار ذي كناز بإسناد عن العمري أنّه قال:إستقدمني الوليد بن يزيد بعد هشام بن عبد الملك ثمّ قال لي:هل عندك شيء من شعر عمّار ذي كناز؟فقلت:نعم،أنا أحفظ قصيدة له و لكن لكثرة عبثي به قد حفظتها فانشدته قصيدته التي يقول فيها:

حبذا أنت يا سلامة الفين حبذا

إلي آخر القصيدة.

و أنا أعرضت عن الإتيان بها لشناعتها و قباحتها،و أجلّ صحيفتي المكرّمة عن أن تملأ بتلك

ص: 93

القصائد المنسية عن ذكر اللّه و هي شرح كتاب علوي عجز الدهر أن يأتي بمثله.

و بالجملة قال العمري بعد ذكر القصيدة:فضحك الوليد حتّي سقط علي قفاه و صفّق بيديه و رجليه و أمر بالشراب فأحضر،و أمرني بالإنشاد فجعلت أنشده هذه الأبيات و أكررها عليه،و هو يشرب و يصفّق حتّي سكر و أمر لي بحلّتين و ثلاثين ألف درهم فقبضتها،ثمّ قال:ما فعل عمّار؟

فقلت:حي كميت قد غشي بصره و ضعف جسمه لا حراك به،فأمر له بعشرة آلاف درهم فقلت له:ألا أخبر أمير المؤمنين بشي يفعله لا ضرر عليه فيه و هو أحبّ إلي عمّار من الدنيا بحذافيرها لو سبقت إليه؟

فقال:و ما ذاك؟

قلت:إنّه لا يزال ينصرف من الحانات و هو سكران فترفعه الشرط فيضرب الحد،فقد قطع بالسياط و لا يدع الشراب و لا يكف عنه،فتكتب بأن لا يعرض له فكتب إلي عامله بالعراق أن لا يرفع إليه أحد من الحرس عمارا في سكره و لا غيره إلاّ ضرب الرافع له حدّين و أطلق عمّارا.إلي آخر ما قال:

و في المجلس التاسع من أمالي الشريف المرتضي:أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان كان مشهورا بالإلحاد متظاهرا بالعناد،غير محتشم في اطراح الدين أحدا،و لا مراقب فيه بشرا، و قد عزم علي أن يبني فوق البيت الحرام قبة يشرب عليها الخمور و يشرف علي الطواف و نشر يوما المصحف و كان خطّه كأنّه إصبع و جعل يرميه بالسهام و هو يقول:

تذكرني الحساب و لست أدري أحقا ما تقول من الحساب

فقل للّه يمنعني طعامي و قل للّه يمنعني شرابي

و فتح المصحف يوما فرأي فيه وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ (1).فاتخذ المصحف غرضا و رماه بالنبل حتّي مزّقه و هو يقول:

أتوعد كلّ جبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد

فإن لاقيت ربّك يوم حشر فقل يا ربّ مزّقني وليد (2)

و هذا هو الحجّاج هدم الكعبة و قتل من المؤمنين و المتّقين و أولياء اللّه و عباده ممّا لا يحصي، و فعل في إمارته ما فعل من أنواع الظلم بلغت إلي حدّ التواتر،و يضرب بها المثل السائر فلو كان مراده عزّ و جلّ من أولي الأمر مطلق من تولي أمر المسلمين،للزم التناقض في حكمه تعالي،و ذلك لأنّه تعالي جعل مثلا الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس،فلو أمر النّاس بإطاعة الحجاج في أفعاله8.

ص: 94


1- سورة إبراهيم،الآية:15.
2- أمالي المرتضي:90/1،و بحار الأنوار:193/38.

فأمرهم بهدم الكعبة فيجب عليهم هدم الكعبة،مع أنّ اللّه حرّم عليهم هتك حرمتها،و هل هذا إلا التناقض و كذا في أفعال الوليد،تعالي عن ذلك علوا كبيرا.

و نعلم قطعا أنّ اللّه تعالي عادل في حكمه و فعله و قوله،و ليس بظلاّم للعبيد فتعالي عن أن يوجب إطاعة الأمراء الظلمة،و هو تعالي يقول وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (1)وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (2)لَعْنَةُ اللّهِ عَلَي الظّالِمِينَ (3).

و غيرها من الآيات بهذا المضمون.فالعقل الناصح يحكم بأنّ مراده تعالي من الآية ليس مطلق أولي الأمر،و لا تشمل الظالمين منهم قضاء لحق البرهان العقلي،جلّ جناب الرب أن يوجب علي النّاس اتّباع هؤلاء الظلمة و أتباعهم و ما أحلي قول الشاعر:

إذا كان الغراب دليل قوم فمأواهم محلّ الهالكينا

ثمّ نقول:أنّ غير المعصوم ظالم،و الظالم لا يصلح لأن يكون من أولي الأمر،فإنّ الظالم واضع للشي في غير موضعه،و غير المعصوم كذلك فلا يؤمن في الشرع من الزيادة و النقصان و التغيير و التبديل فلا بدّ من أن يكون أولوا الأمر معصومين.

ثمّ نقول:العصمة ملكة تمنع عن الفجور مع القدرة عليها،و تحصل بالعلم بمثالب المعاصي و مناقب الطاعات،و تتأكد بتتابع الوحي بالأوامر و النواهي،فعلي اللّه تعالي أن يعرّف أولي الأمر، لأنّه خارج عن طوق البشر و وسعهم،فإنّ العصمة أمر باطني لا يعلمها إلاّ اللّه،علي أنّا نقول كما أنّ الملوك مثلا إذا امروا الناس بإطاعة الأمراء و القضاة،فمعلوم بالضرورة و مستقر في النفوس أنّ مرادهم بذلك وجوب إطاعة الأمراء و القضاة الذين نصبهم و عيّنهم علي النّاس لا غير،و كذا في المقام نقول أن اللّه لا يأمر بإطاعة كل من صار أو جعل أمير المسلمين و لو ظلما و زورا،بل بإطاعة الأمراء الذين عيّنهم اللّه تعالي و نصّبهم لذلك.

الأمر الثالث:أنّ الزّمان لا يخلو من إمام معصوم منصوب من عند اللّه تبارك و تعالي،لأنّه عزّ و جل أوجب إطاعة أولي الأمر،و نعلم بالضرورة أنّ أمره تعالي في ذلك ليس مقصورا في زمن النبيّ لأنّ حلال محمد حلال إلي يوم القيامة و حرامه حرام إلي يوم القيامة و هو خاتم النّبيّين،فكما أنّ إطاعة اللّه و رسوله لا يختص بزمانه بل هما واجبتان إلي قيام الساعة،فكذا إطاعة أولي الأمر المقرونة بإطاعتهما،و حيث أنّ الأمر بإطاعة المعدوم قبيح،ففي كلّ عصر لا بد من صاحب أمر، حتّي يصلح الأمر بإطاعته،و هذا لا يصدق إلاّ علي الأئمّة من آل محمّد أوجب اللّه طاعتهم بالإطلاق بالبرهان الذي قدّمنا.8.

ص: 95


1- سورة هود،الآية:113.
2- سورة الجن،الآية:23.
3- سورة هود،الآية:18.

و في المجمع:بعد ما نقل القولين في معني أولي الأمر أحدهما الأمراء و الآخر العلماء،قال:

و أمّا أصحابنا فإنّهم رووا عن الباقر و الصّادق عليه السّلام أنّ أولي الأمر هم الأئمة من آل محمّد أوجب اللّه طاعتهم بالإطلاق،كما أوجب طاعته و طاعة رسوله،و لا يجوز أن يوجب اللّه طاعة أحد علي الإطلاق إلا من ثبتت عصمته،و علم أنّ باطنه كظاهره و أمن منه الغلط و الأمر بالقبيح،و ليس ذلك بحاصل في الأمراء و لا العلماء سواهم،جلّ اللّه أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالإنقياد للمختلفين في القول و الفعل،لأنّه محال أن يطاع المختلفون،كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه.و ممّا يدلّ علي ذلك أيضا أنّ اللّه تعالي لم يقرن طاعة أولي الأمر بطاعة رسوله،كما قرن طاعة رسوله بطاعته، إلا و أولوا الأمر فوق الخلق جميعا،كما أنّ الرّسول فوق أولي الأمر و فوق سائر الخلق،و هذه صفة أئمة الهدي من آل محمّد الذين ثبتت إمامتهم و عصمتهم،و اتفقت الأمّة علي علوّ رتبتهم و عدالتهم.

ثمّ نقول:لمّا علم أنّ أئمة الهدي من آل محمّد قائمون مقام الرّسول و حجج في الشرع،فكما في زمن الرّسول أنّ تنازع النّاس في شيء من أمور الدين يجب عليهم الرّد إلي اللّه و الرّسول،و كذلك بعد وفاته يجب عليهم الردّ إلي المعصومين القائمين مقامه و الذين هم الخلفاء في أمّته،و الحافظون لشريعته بأمره،فالردّ إليهم مثل الردّ إلي الرسول،و أكّد سبحانه ذلك و عظمّه بقوله عز من قائل إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً (1).

أي الردّ إلي اللّه و الرّسول و القائمين مقام الرسول خير لكم و أحسن من تأويلكم.

و إن قلت:كما أنّ الأمراء المنصوبين من الرسول في زمنه كمعاذ بن جبل أرسله واليا إلي اليمن،و غيره من الولاة الذين كانت إطاعتهم واجبة علي الناس بأمر رسول اللّه،لم يكونوا معصومين من الذنوب و الخطأ و السهو و النسيان و غيرها،كذلك الحكم في أولي الأمر بعده فما أوجب عصمة أولي الأمر الذين بعده؟

أقول:هذا قياس مع الفارق جدّا و بينهما بون بعيد و أمد مديد،و ذلك لأنّ في عهد رسول اللّه لو تنازع الناس في شيء من أمور الدّين و أقبل أمر مشتبه للحكّام و القضاء و الولاة المنصوبين منه في أحكام اللّه،لكان رسول اللّه يكشف عنه و يزيل الشبهة و يقضي بالفصل و يصدع بالحق،كما أمرهم اللّه بردّ التنازع إلي اللّه و الرسول في الآية،و أمّا بعد وفاته لو لم يكن صاحب الأمر القائم مقامه في كل عصر معصوما و منصوبا من اللّه و رسوله،لو أقبل تنازع في الدّين فمن يزيل الشبهة و يبيد الغائلة؟ و كذا الكلام في الأمراء و الحكّام من قبل الإمام فإنّ الإمام عالم بجميع الأحكام،فبوجوده يرتفع التشاجر و يقلع التنازع.

و عن جابر بن عبد اللّه قال:لما نزل قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2).9.

ص: 96


1- سورة النساء،الآية:59.
2- سورة النساء،الآية:59.

قلت:يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله فمن أولي الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتكم؟فقال:

هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين بعدي،أوّلهم علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ عدّ تسعة من ولد الحسين (1).

الحديث الأول:روي ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ رضوان اللّه عليه في باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة،من الكافي بإسناده عن جعفر بن محمّد عن كرام قال:قال أبو عبد اللّه:

لو كان النّاس رجلين لكان أحدهما الإمام،و قال:إنّ آخر من يموت الإمام،لئلا يحتجّ أحد علي اللّه تعالي أنه تركه بغير حجّة للّه عليه (2).

أقول:أتي أيضا بعدّة روايات أخر عنه تقرب من الحديث المذكور مفادا كقوله:لو لم يبق في الأرض إلا إثنان لكان أحدهما الحجّة (3).

و قوله:لو لم يكن في الأرض إلا إثنان لكان الإمام أحدهما (4).

و غيرهما و الغرض منها أنّ العناية الإلهية كما اقتضت وجود هذا العالم،و خلقة بني آدم فهو يقتضي صلاحه،و الصّلاح إنّما يتم و يدوم بوجود إنسان ربّاني مؤيّد بروح القدس و مسدّد بنور اللّه و معصوم من كلّ ما يقدح في الغرض من وجوده،يقوم بحجج اللّه و يؤدّيها إلي أهلها عند الإحتياج إليها و يعرّفهم الطريق إلي اللّه و معالم الدّين،و به يتصل فيض الباري علي الخلق،إذ هو الواسطة بين اللّه و عباده و لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما ذلك الإمام يجب علي الآخر الإقتداء به في استكمال نفسه و الإهتداء إلي جناب ربّه حتّي يتمّ الحجّة عليه و لا يحتج علي اللّه أنه تركه بغير حجّة للّه عليه،إنّ اللّه تعالي أجلّ و أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل،و قال عز من قائل:

وَ لَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزي (5) .

و قال تعالي: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَي اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (6).

فتأبي العناية الإلهيّة الأزلية عن أن يترك عباده بلا هاد و مرشد فإنّ اللّه ليس بظلام للعبيد.

ثمّ قال:إن آخر من يموت الإمام،و ذلك لما علم أنّ اللّه تعالي أجل عن أن يظلم أحدا،فلو بقي في الأرض رجل واحد بلا حجّة إلهيّة لزم الظلم في حقّه،فالحكمة الكاملة الإلهيّة و رحمته5.

ص: 97


1- بحار الأنوار:189/23 ح 16،و تفسير الصافي:464/1.
2- الإمامة و التبصرة:30 ح 16،و الكافي:180/1 ح 3.
3- كتاب الغيبة:31،و بحار الأنوار:22/23 ح 24.
4- الكافي:180/1 ح 5،و بصائر الدرجات:507.
5- سورة طه،الآية:134.
6- سورة النساء،الآية:165.

الواسعة تقتضي بقاء وجود الحجّة بعد الخلق حتّي لا يبقي واحد بلا إمام،و الإمام آخر من يموت، كما اقتضت وجود الحجّة قبل إيجاد الخلق،و لذا خلق الخليفة أوّلا ثمّ خلق الخليقة كما قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (1).

قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق،فأرجع البصر كرّتين أيّها الطالب للرشاد و الباغي للسّداد في هذا الحديث الذي كأنّه عقل تمثّل بالألفاظ و أقم و استقم.

الحديث الثاني:في الكافي أيضا بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه قال:سمعته يقول:إنّ الأرض لا تخلو إلاّ و فيها إمام كي ما إن زاد المؤمنون شيئا ردّهم،و إن نقصوا شيئا أتمّه لهم (2).

أقول:و كذا جاءت روايات أخر فيه أيضا تقرب منه مضمونا،منها ما روي عبد اللّه بن سليمان العامري عن أبي عبد اللّه قال:ما زالت الأرض إلا و لله فيها الحجّة يعرّف الحلال و الحرام،و يدعو النّاس إلي سبيل اللّه (3).

و منها عن أبي بصير عن أحدهما قال:إنّ اللّه لم يدع الأرض بغير عالم،و لو لا ذلك لم يعرف الحق من الباطل (4).

و الغرض أنّ الإمام يجب أن يكون عالما بجميع الأحكام الإلهيّة و عارفا بالحلال و الحرام، بحيث لا يشذ عنه حكم جزئي منها،فإنّه لو لم يكن متّصفا بهذه الصفة لم يقدر أن يردّ شيئا إن زاده المؤمنون أو أتمّه إن نقصوه،فيلزم التغيير و التبديل و لا زيادة و لا نقصان في دين اللّه،فلا يكمل نظام النوع الإنساني به بل يلزم الهرج و المرج المهلكان،فالإمام مستجمع للغاية القصوي من الصدق و الأمانة و بالغا في العلوم الربانية و المعارف الإلهية و تمهيد المصالح الدينيّة و الدّنيوية مرتبة النهاية، علي أنّ العقل حاكم بقبح استكفاء الأمر و توليته من لا يعلمه،و تعالي اللّه عن ذلك،فالإمام لكونه حافظا للدين و مقتدي للناس في جميع الأحكام الظاهرية و الباطنية و الكلّية و الجزئية و الدّنيويّة و الأخرويّة و العباديّة و غيرها،يجب أن يكون عالما بجميعها كما هو الحكم الصريح للعقل السليم، و ليس لأحد أن يقول:إنّه إمام فيما يعلم دون ما يعلم،لظهور قبح هذا القول و شناعته و المفاسد التالية عليه،ممّا يدركها من كان له أدني بصيرة في معني الإمام و غرض وجوده في الأنام،فإذا علم بحكم العقل أنّ الإمام يجب أن يكون مقتدي به في جميع الشريعة وجب أن يكون معصوما،لأنه لو لم يكن معصوما لم نأمن في بعض أفعاله أن يكون قبيحا،و الفرض أنّ الإقتداء به واجب علينا و اللّه8.

ص: 98


1- سورة البقرة،الآية:30.
2- شرح أصول الكافي:123/5،و الكافي:168/1.
3- كتاب الغيبة:138 ح 4،و بحار الأنوار:56/23.
4- بحار الأنوار:25/23 ح 33،و ميزان الحكمة:117/1 ح 138.

تعالي الحكيم لا يوجب علينا الإقتداء بما هو قبيح،علي أنّ الإمام إذا كان داعي النّاس إلي سبيل اللّه و المبين الحلال و الحرام و حافظ الدّين عن الزيادة و النقصان يستلزم العلم بإعطاء كلّ ذي حق حقه بحسب استحقاقه و هو كما حققناه قبل،يستلزم الإطلاع علي الكليات و الجزئيات مما يحتاج إليها النّاس و هي غير متناهية،فهي غير معلومة إلا للّه تعالي و لخلفائه المعصومين من عنده.

الحديث الثالث قال الشريف المرتضي علم الهدي في المجلس الثاني عشر من أماليه:روي أنّ هشام بن الحكم قدم البصرة فأتي حلقة عمرو بن عبيد فجلس فيها،و عمرو لا يعرفه فقال لعمرو:

أليس قد جعل اللّه لك عينين؟قال:بلي.قال:و لم؟

قال:لأنظر بهما في ملكوت السماوات و الأرض فأعتبره.قال:و جعل لك فما؟

قال:نعم،قال:و لم؟

قال:لأذوق الطعام و أجيب الداعي.ثمّ عدّد عليه الحواس كلّها،ثمّ قال:و جعل لك قلبا؟ قال:نعم،قال:و لم؟

قال:لتؤدي إليه الحواس ما أدركته فيميّز بينها.

قال:فأنت لم يرض لك ربّك تعالي إذ خلق لك خمس حواس حتّي جعل لها إماما ترجع إليه،أ ترضي لهذا الخلق الذين جشأ بهم العالم ألاّ يجعل لهم إماما يرجعون إليه؟فقال له عمرو:

إرتفع حتي ننظر في مسألتك،و عرفه ثمّ دار هشام في حلق البصرة فما أمسي حتّي اختلفوا (1).

أقول:و رواه الكليني قدس سرّه مفصلا في الكافي بإسناده عن يونس بن يعقوب قال:كان عند أبي عبد اللّه جماعة من أصحابه،منهم حمران بن أعين و محمّد بن النعمان و هشام بن سالم و الطيار، و جماعة فيهم هشام بن الحكم و هو شابّ فقال أبو عبد اللّه:يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته؟

قال هشام:يا ابن رسول اللّه إنّي أجلّك و أستحييك و لا يعمل لساني بين يديك.

فقال أبو عبد اللّه:إذا أمرتكم بشي فافعلوا قال هشام:بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه و دخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة عظيمة و فيها عمرو بن عبيد و عليه شملة سوداء متزر بها من صوف،و شملة مرتد بها و النّاس يسألونه فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي،ثمّ قعدت في آخر القوم علي ركبتي ثمّ قلت:أيّها العالم إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟

فقال لي:نعم.1.

ص: 99


1- أمالي المرتضي:123/1.

فقلت له:ألك عين؟

فقال:يا بنيّ أي شيء هذا من السؤال و شي تراه كيف تسأل عنه؟

فقلت:هكذا مسألتي.فقال:يا بنيّ سل و إن كانت مسألتك حمقاء.

قلت:أجبني فيها؟قال لي:سل.قلت:ألك عين؟قال:نعم،قلت:فما تصنع بها؟قال:

أري بها الألوان و الأشخاص.قلت:فلك أنف؟

قال:نعم،قلت:فما تصنع به؟قال:أشم به الرائحة.

قلت:ألك فم؟قال:نعم،قلت:فما تصنع به؟قال:أذوق به الطعم.قلت:فلك أذن؟ قال:نعم،قلت فما تصنع بها؟قال:أسمع بها الصوت.قلت:ألك قلب؟قال نعم:قلت:فما تصنع به؟قال:أميز به كلّ ما ورد علي هذه الجوارح و الحواس.

قلت:أو ليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟فقال:لا،قلت:و كيف ذلك و هي صحيحة سليمة؟قال:يا بنيّ إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّتة أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلي القلب فتستيقن اليقين و تبطل الشكّ،قال هشام:فقلت له:فإنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارح؟

قال:نعم،قلت:لا بد من القلب و إلاّ لم تستيقن الجوارح؟قال:نعم،فقلت له:يا أبا مروان فاللّه تعالي لم يترك جوارحك حتّي جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح و يتيقن ما شكّت فيه، و يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم و حيرتهم، و يقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك و شكّك؟قال:فسكت و لم يقل لي شيئا ثمّ التفت إليّ فقال:أنت هشام بن الحكم؟فقلت:لا،فقال:أمن جلسائه؟قلت:لا،قال:فمن أين أنت؟

قال:قلت:من أهل الكوفة.

قال:فإذن أنت هو ثمّ ضمني إليه و أقعدني في مجلسه،و زال عن مجلسه و ما نطق حتّي قمت.

قال:فضحك أبو عبد اللّه و قال:يا هشام من علّمك هذا؟قلت:شيء أخذته منك فقال:هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسي (1).

قال حبيب اللّه الخوئي في شرح النهج:الغرض من احتجاج هشام بن الحكم علي عمرو بن عبيد وجوب اللطف من اللّه تعالي،فإنّه كما اقتضي لطفه خلق القلب إماما لقوي الجوارح و الأعضاء ترجع إليه و ليست في غني عنه،فكذلك اقتضي جعل إمام النّاس يرجعون إليه في كلّ ما يحتاجون إليه.

و وصف المسألة بالحمقاء تجوّز كقولهم نهاره صائم و التصغير للتحقير.3.

ص: 100


1- الكافي:170/1 ح 3،و البحار:8/23.

ثمّ إنّ المراد بالقلب في الآيات و الأخبار هو اللطيفة الربّانيّة القدسيّة،يعبّر بالقوّة العقليّة و بالعقل و بالروح و بالنفس الناطقة أيضا،و في الفارسيّة بروان.

و قد ذكر الشيخ-كما في الفصل الآخر من الباب الخامس من السفر الرّابع من الأسفار-في بعض رسائله بلغة الفرس بهذه العبارة:روح بخاري را جان گويند و نفس ناطقه را روان،لا الجسم اللحمي الصنوبري الذي في الحيوانات العجم أيضا.

و إنّما قال:(هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسي)لأنّ الحكم العقلي لا يتغيّر بمضي الدهور و لا يتبدّل بتبدّل الزمان و لا يختلف باختلاف الأمم،فهذا الحكم الكلي العقلي الإلهي مكتوب في الصحف الأولي،صحف إبراهيم و موسي و مستكن في عقول النّاس و الخلق،جبّلوا عليه أزلا و أبدا.

ثمّ إنّ ما تدركه هذه القوي صور صرفة و تصوّرات محضة،لا توصل إلي معرفة الغائبات فلا بدّ للتصديق و اليقين و الإيصال إلي معرفة الغائبات،من أن تكون قوّة أخري حاكمة عليها،و تلك القوّة الحاكمة هي العقل،و تلك القوي من شؤونه في الحقيقة تنشأ منه،بل هي تفاصيل ذاته و شروح هويته،و هو أصلها و متنها،و لولاه لفسدت القوي و انهدم البدن،و كذا:لو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها.

و قول هشام:شيء أخذته منك،كان هشام من أصحاب الصادق و الكاظم و اقتبس من مشكاة وجودهما علوما جمّة و ألّف كتبا كثيرة قيمة،و كان ثقة في الروايات حسن التحقيق بهذا الأمر،و كان ممن فتق الكلام في الإمامة و هذّب المذهب بالنظر،و كان حاذقا بصناعة الكلام و كان في مبدأ أمره من الجهميّة ثمّ لقي الصّادق فاستبصر بهديه و لحق به.

و قد أشار إلي هذا الاحتجاج أبو عبد اللّه في ذيل احتجاجه علي أبي شاكر الديصاني في حدوث العالم،و نقله الشيخ المفيد في الإرشاد قال:روي أنّ أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس أبي عبد اللّه فقال له:إنّك لأحد النجوم الزواهر و كان آباؤك بدورا بواهر،و أمهاتك عقيلات عباهر و عنصرك من أكرم العناصر،و إذا ذكر العلماء فعليك تثني الخناصر،خبرنا أيّها البحر الزاخر ما الدليل علي حدوث العالم-إلي أن قال:فقال أبو شاكر:دلّلت يا أبا عبد اللّه فأوضحت و قلت فأحسنت و ذكرت فأوجزت،و قد علمت أنّا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا أو سمعناه بآذاننا أو ذقناه بأفواهنا أو شممناه بأنوفنا أو لمسناه ببشرتنا،فقال أبو عبد اللّه:ذكرت الحواس الخمس و هي لا تنفع في الإستنباط إلاّ بدليل كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح (1).

الحديث الرابع في الكافي بإسناد إلي هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه أنّه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبتّ الأنبياء و الرسل؟3.

ص: 101


1- الإرشاد،المفيد:202/2،و بحار الأنوار:39/3 ح 13.

قال:أنا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا و عن جميع ما خلق،و كان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه و لا يلامسوه فيباشرهم و يباشروه و يحاجّهم و يحاجّوه،ثبت أنّ له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلي خلقه و عباده،و يدلونهم علي مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم فثبّت الآمرون و النّاهون عن الحكيم العليم في خلقه،و المعبّرون عنه جلّ و عزّ و هم الأنبياء و صفوته من خلقه،حكماء مؤدبين في الحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للنّاس علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب في شيء من أحوالهم،مؤيدون عند الحكيم العليم بالحكمة،ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهر و زمان ممّا أتت به الرسل و الأنبياء من الدلائل و البراهين لكيلا تخلو أرض اللّه من حجّة يكون معه علم،يدلّ علي صدق مقالته و جواز عدالته (1).

أقول:الغرض من هذا الحديث العقلي البرهاني المشتمل علي مسائل عظيمة و فوائد مهمّة أنّ الأرض ما دامت باقية لا تخلو من حجّة يهدي النّاس إلي سبيل الرّشاد و السّداد،و يستنقذ عباد اللّه من الجهالة و حيرة الضلالة،مبتنيا علي مقدمات عقلية و ليس الغرض من الإتيان بهذه الأحاديث كما أشرنا إليه آنفا التمسك بها تعبدا،حتي يلزم الدور،بل لمّا رأينا من أنها احتجاجات علي أساس عقلي برهاني أردنا ذكره لإنجاز المقصود و الإيصال إلي المطلوب،و بالفرض لو لم تكن أمثال هذا الحديث صادرة عنهم لكان استدلالات تامّة و احتجاجات وافية في المقصود،و هذه الأحاديث و أمثالها معاضدات للعقل في حكمه و إرشادات له في قضائه،و نحن بعون اللّه نأتي في بيان الحديث بطائفة من المطالب المختارة الحكيمة العقلية ليزداد الطالب بصيرة إلي الفلاح و هداية إلي النجاة و النجاح.

قوله:إنّا لمّا أثبتنا أن لنا خالقا صانعا.فيه إشارة إلي معرفة اللّه تعالي بالعقل و النظر و البرهان،لا بتقليد الآباء و الأمّهات و العلماء و الأساتيذ و غيرهم.

قوله:متعاليا عنّا و عن جميع ما خلق.فإنّ ما سواه تعالي مخلوقه و معلوله ممكن في ذاته، و محتاج في وجوده و بقائه إلي جنابه،فإنّ الممكن في اتّصافه بالوجود يحتاج إلي جاعل مرجح يخرجه من العدم و يجعله متّصفا بالوجود،فإن كلّ عرضي معلّل و لمّا كانت العلة المحوجة إليه تعالي هو الإمكان،و إنّ الإمكان لا يزول عن الممكن الموجود أيضا،فمفتقر إلي علّته في بقائه وجود العلّة فوق وجود المعلول في وجوده و جميع صفاته،و متعال عن التّجسّم و التعلّق بالمواد و الأجسام، و عن كلّ حد وصمة يتطرق في معلولاته.

قوله:و كان ذلك الصانع حكيما متعاليا،فإنّ إتقان صنعه في مخلوقه علي قدر لائق لكل شيء،و النظام الأكمل الأتمّ المشهور في الكون المحيّر للعقول،و الأمور الغريبة الحاصلة في خلق4.

ص: 102


1- شرح أصول الكافي:76/5 ح 1،و ميزان الحكمة:3005/4.

السماوات و الأرض و العجائب المودعة في بنية الإنسان و الحيوان و النبات،تدلّ علي كمال حكمة بارئه،فإنّ الحكمة هو العدل و الحق و الصواب،و الحكيم هو العالم الذي يضع الأشياء مواضعها....

ثم إنّ الصانع الحكيم لا يترك النّاس سدي و لا يهملهم فلا بدّ من أن يكون له سفراء في خلقه.

قوله:لم يجز أن يشاهده خلقه اه:فإنّ ما تدركه الأبصار و يباشره الإنسان بالحواس الجسم و الجسمانيات أو المتجسّم و المتجسّد،و المتمثّل من المجرّدات و ما يقرب منها كالأجنّة و هو عز و جل متعال عن ذلك علوا كبيرا.

قوله:ثبت أنّ له سفراء في خلقه-إلي آخره.دليل علي وجوب بعثة الأنبياء،و هذا الطريق هو الذي أتي به الحكماء في أسفارهم،في وجوب إرسال الرسل علي اللّه تعالي بل هو أمتن و أدق و أكمل منه.

و اعلم أنه ذهب أرباب الملل و أكثر الفلاسفة إلي حسن بعثة الأنبياء خلافا للبراهمة من الهند، و من يحذو حذوهم فإنّهم منعوا من حسنها،و قالوا:إنّ ما يجي به الرّسول إن خالف العقل فهو مردود و إن وافق ففي العقل غنية عنه فلا وجه لحسنها.

و هذا القول باطل،لأنّ العقل لا يدرك جميع ما يصلح له و ينفعه و يضره،علي البسط و التفصيل،بل كثيرا منها علي الإجمال و الإبهام أيضا،علي أنّ الفوائد التي ذكرها المتكلّمون و الحكماء في حسن بعثة الأنبياء تردّ ما ذهب إليه البراهمة.قال المحقق الطوسي في تجريد الإعتقاد:

البعثة حسنة لاشتمالها علي فوائد كمعاضدة العقل فيما يدلّ عليه،و استفادة الحكم فيما لا يدلّ،و إزاحة الخوف و استفادة الحسن و القبح و المنافع و المضار،و حفظ النوع الإنساني و تكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة،و تعليمهم الصنائع الخفيّة و الأخلاق و السّياسات و الأخبار بالعقاب و الثّواب فيحصل اللّطف للمكلّف.

ثمّ علي تقدير حسنها هل هي واجبة في الحكمة،قال العدلية أعني الإماميّة و المعتزلة:نعم، و منعت الأشاعرة من وجوبها بناء علي أصلها الفاسد.

ثمّ تقرير الطريق الذي أتي به الحكماء علي الإجمال،هو أن نقول كلما كان صلاح النوع مطلوبا للّه تعالي كانت الشريعة واجبة،و كلما كانت الشريعة واجبة،كانت البعثة واجبة فكلما كان صلاح النوع مطلوبا فالبعثة واجبة،و علي التفصيل ما ذكره زينون الكبير تلميذ أرسطاطاليس في رسالته في المبدأ و المعاد،و ما ذكره الشيخ في المقالة العاشرة من إلهيات الشفاء من الفصل الثّاني

ص: 103

إلي الخامس،و في الإشارة الأولي من النمط التّاسع من الإرشادات و التنبيهات،و غيرهم من الحكماء الشامخين في مؤلفاتهم الحكمية،و نأتي بما في الإشارات و شرحه للعلاّمة الطوسي فإنهما وافيان في المقصود مع جزالة اللّفظ و رزانة النظم قال الشّيخ:

لمّا لم يكن الإنسان بحيث يستقلّ وحده بأمر نفسه إلا بمشاركة آخر من بني جنسه،و بمعاوضة و معارضة تجريان بينهما،يفرغ كلّ واحد منهما لصاحبه عن مهم لو تولاه بنفسه لازدحم علي الواحد كثير،و كان ممّا يتعسر إن أمكن،وجب أن يكون بين النّاس معاملة و عدل،يحفظه شرع يفرضه شارع متميز باستحقاق الطاعة،لاختصاصه بآيات تدلّ علي أنّها من عند ربّه،و وجب أن يكون للمحسن و المسي جزاء من عند القدير الخبير فوجب معرفة المجازي و الشارع،و مع المعرفة سبب حافظ للمعرفة ففرضت عليهم العبادة المذكورة للمعبود،و كرّرت عليهم ليستحفظ التذكير بالتكرير حتّي استمرت الدعوة إلي العدل المقيم لحياة النوع،ثمّ لمستعمليها بعد النفع العظيم في الدّنيا الأجر الجزيل في الأخر،ثمّ زيد للعارفين من مستعمليها المنفعة التي خصّوا بها فيما هم مولّون وجوههم شطره،فانظر إلي الحكمة ثمّ إلي الرّحمة و النعمة تلحظ جنابا تبهرك عجائبه ثمّ أقم و استقم.

و قال المحقق الطوسي في شرحه:أثبت النبوّة و الشريعة و ما يتعلّق بهما علي طريقة الحكماء و ذلك مبني علي قواعد.

و تقريرها أن نقول:الإنسان لا يستقل وحده بأمور معاشه،لأنّه يحتاج إلي غذاء و مسكن و سلاح لنفسه و لمن يعوله من أولاده الصغار و غيرهم،و كلّها صناعيّة لا يمكن أن يرتّبها صانع واحد،إلا في مدّة لا يمكن أن يعيش تلك المدة فاقدا إياها،أو يتعسر إن أمكن،لكنّها تتيسّر لجماعة يتعاونون و يتشاركون في تحصيلها،يفزع كل واحد منهم لصاحبه عن ذلك فيتم بمعارضة و هي أن يعمل كلّ واحد مثل ما يعمله الآخر،و معاوضة و هي أن يعطي كلّ واحد صاحبه من عمله بازاء ما يأخذه منه من عمله،فإذن الإنسان بالطبع محتاج في تعيشه إلي الإجتماع مؤد إلي صلاح حاله،و هو المراد من قولهم الإنسان مدني بالطبع،و التمدن في اصطلاحهم هو هذا الإجتماع فهذه قاعدة.

ثمّ نقول:و اجتماع النّاس علي التعاون لا ينتظم إلا إذا كان بينهم معاملة و عدل،لأنّ كلّ واحد يشتهي ما يحتاج إليه و يغضب علي من يزاحمه في ذلك،و تدعوه شهوته و غضبه إلي الجور علي غيره،فيقع من ذلك الهرج و يختلّ أمر الإجتماع،أما إذا كان معاملة و عدل متفق عليهما لم يكن كذلك،فإذن لا بد منهما،و المعاملة و العدل لا يتناولان الجزئيات الغير المحصورة إلا إذا كانت لها قوانين كلّية و هي الشرع،فإذن لا بدّ من شريعة،و الشريعة في اللّغة مورد الشاربة،و إنّما سمّي المعني المذكور بها لاستواء الجماعة في الإنتفاع منه و هذه قاعدة ثانية.

ثمّ نقول:و الشرع لا بدّ له من واضع يقنّن تلك القوانين و يقرّرها علي الوجه الذي ينبغي و هو الشّارع،ثمّ إنّ النّاس لو تنازعوا في وضع الشرع لوقع الهرج المحذور منه،فإذن يجب أن يمتاز

ص: 104

الشارع منهم باستحقاق الطاعة ليطيعه الباقون في قبول الشريعة.و استحقاق الطاعة إنّما يتقرر بآيات تدلّ علي كون تلك الشريعة من عند ربّه،و تلك الآيات هي معجزاته و هي إمّا قولية و إمّا فعلية، و الخواصّ للقوليّة أطوع،و العوام للفعلية أطوع.و لا تتم الفعلية مجرّدة عن القوليّة لأنّ النبوّة و الإعجاز لا يحصلان من غير دعوة إلي خير،فإذن لا بدّ من شارع هو نبيّ معجزة و هذه قاعدة ثالثة.

ثمّ إنّ العوام و ضعفاء العقول يستحقرون اختلال عدل النّافع،في أمور معاشهم بحسب النّوع عند استيلاء الشوق عليهم إلي ما يحتاجون إليه بحسب الشخص،فيقدمون علي مخالفة الشرع،و إذا كان للمطيع و العاصي ثواب و عقاب أخرويان يحملهم الرجاء و الخوف علي الطاعة و ترك المعصية، فالشريعة لا تنتظم بدون ذلك انتظامها به،فإذن وجب أن يكون للمحسن و للمسي جزاء من عند الإله القدير علي مجازاتهم،الخبير بما يبدونه أو يخفونه من أفكارهم و أقوالهم و أفعالهم،و وجب أن يكون معرفة المجازي و الشارع واجبة علي الممتثلين للشريعة في الشريعة،و المعرفة العامّية قلما تكون يقينيّة،فلا تكون ثابتة فوجب أن يكون معها سبب حافظ لها و هو التذكار المقرون بالتكرار، و المشتمل عليهما إنما تكون عبادة مذكّرة للمعبود،مكررة في أوقات متتالية كالصلوات و ما يجري مجراها،فإذن يجب أن يكون النبي داعيا إلي التصديق بوجود خالق مدبّر خبير،و إلي الإيمان بشارع مبعوث من قبله صادق،و إلي الإعتراف بوعد و وعيد أخرويين،و إلي القيام بعبادات يذكر فيها الخالق بنعوت جلاله،و إلي الإنقياد لقوانين شرعيّة يحتاج إليها النّاس في معاملاتهم،حتّي تستمرّ بذلك الدّعوة إلي العدل المقيم لحياة النّوع و هذه قاعدة رابعة.

ثمّ إنّ جميع ذلك مقدّر في العناية الأولي لاحتياج الخلق إليه،فهو موجود في جميع الأوقات و الأزمنة،و هو المطلوب و هو نفع لا يتصور نفع أعمّ منه.و قد أضيف لممثلي الشرع إلي هذا النفع العظيم الدنياوي الأجر الجزيل الأخروي حسب ما وعده،و أضيف للعارفين منهم إلي النفع العاجل و الأجر الآجل الكمال الحقيقي المذكور،فانظر إلي الحكمة و هي تبقية النظام علي هذا الوجه،ثمّ إلي الرّحمة و هو إيفاء الأجر الجزيل بعد النفع العظيم،و إلي النعمة و هي الإبتهاج الحقيقي المضاف إليهما،تلحظ جناب مفيض هذه الخيرات جنايا تبهرك عجائبه،أي تغلبك و تدهشك.ثمّ أقم أي أقم الشرع،و استقم أي في التوجه إلي ذلك الجناب المقدس.

و إذا علم ذلك فلنرجع إلي بيان سائر فقرات الحديث،قوله:يعبّرون عنه إلي خلقه و عباده.

قال الجوهري في الصّحاح:عبّرت عن فلان إذا تكلمت عنه.

و المراد أنّ الأصل الأوّل فيما يسنّه هذا السانّ المعدّل الإلهي هو إيقاظ فطرة النّاس من نوم الغفلة عن مبدئ العالم عزّ و جلّ،و إنارة عقولهم من أنوار المعرفة به تعالي،و إثارة نفوسهم إلي الوصول ببابه و الحضور إلي جنابه،فإنّ الإيمان باللّه أصل شجرة الدّين،و أساس بنيان السّنة و الشريعة،و سائر الأصول و الفروع متفرع عليه،فمن عرف اللّه حقّ معرفته عرف أنّ له صفات عليا

ص: 105

و أسماء حسني لائقة بذاته،و أنّه تعالي واجب الوجود لا يشارك شيئا من الأشياء في ماهيته،و قيوم بري عن جميع أنحاء التعلق بالغير و أنّه تعالي لم يخلق العالم و آدم عبثا،فإنّ العبث قبيح لا يتعاطاه المبدأ الحكيم،و المبدأ الحكيم تعالي عن أن يترك النّاس حياري،و لا يهديهم سبيل الخير و الهدي و ما يوجب لهم عنده الزلفي،فلا بدّ من وجوب التكليف في الحكمة و إلاّ فكان مغريا بالقبيح،تعالي عن ذلك لأنّه خلق في العبد الشهوة و الميل إلي القبائح و النفرة و التأبي عن الحسن،فلو لم يقرر عبده عقله و لم يكلّفه بوجوب الواجب و قبح القبيح و يعده و يتوعده،لكان مغريا له بالقبيح و الإغراء بالقبيح قبيح،و التكليف لا يتم إلاّ بالإعلام،و هو لا يتم إلا بإرسال الرّسل المؤدبين بآدابه المؤيدين من عنده،بأمور قدسيّة و كرامات إلهية و معجزات و خوارق عادات.

و بالجملة من هدي عقله إلي جناب الرّب،هدي إلي ما يتفرّع عليه،فقد أفلح و سعد و فاز، و لذا تري من سنّة الأنبياء أنّ أوّل ما لقّنوا عباد اللّه كلمة لا إله إلاّ اللّه،و المروي عن خاتمهم قولوا:

لا إله إلاّ اللّه تفلحوا.

نعم لا يجب علي اللسان تلقين جميع النّاس معرفته تعالي علي الوجه الذي لا يفهمه إلاّ الأوحدي من النّاس،الحكيم المتألّه المرتاض في الفنون و العلوم،فإنّ معاشر الأنبياء بعثوا ليكلّموا النّاس علي قدر عقولهم،و لا ريب أنّ الإدراكات و النيل إلي المعارف و العلوم يتفاوت بحسب مراتب النّاس في صفاء نفوسهم و صقالتها.قال الشيخ في إلهيات الشفاء:

و يكون الأصل الأوّل فيما يسنّه تعريفه إيّاهم أنّ لهم صانعا واحدا قادرا و أنّه عالم بالسرّ و العلانية،و أنّه من حقّه أن يطاع أمره،فإنّه يجب أن يكون الأمر لمن له الخلق،و أنه قد أعدّ لمن أطاعه المعاد المسعد و لمن عصاه المعاد المشقي،حتّي يتلقّي الجمهور رسمه المنزل علي لسانه من الإله و الملائكة بالسمع و الطاعة،و لا ينبغي له أن يشغلهم بشي من معرفة اللّه فوق معرفة أنّه واحد حق لا شبيه له.

فأمّا أن يعدّي بهم إلي أن يكلفهم أن يصدّقوا بوجوده و هو غير مشار إليه في مكان،و لا منقسم بالقول و لا خارج العالم و لا داخله و لا شيء من هذا الجنس،فقد عظم عليهم الشغل و شوّش فيما بين أيديهم الدّين و أوقعهم فيما لا تخلّص عنه،إلاّ لمن كان المعان الموفق الذي يشذ وجوده و يندر كونه،فإنّه لا يمكنهم أن يتصوروا هذه الأحوال علي وجهها إلاّ بكدّ،و إنّما يمكن القليل منهم أن يتصوروا حقيقة هذا التوحيد و التنزيه،فلا يلبثوا أن يكذّبوا بمثل هذا الموجود و يقعوا في تنازع، و ينصرفوا إلي المباحثات و المقايسات بمثل التي تصدّهم عن أعمالهم المدنية،و ربما أوقعهم في آراء مخالفة لصلاح المدنية و منافية لواجب الحق،و كثرت فيهم الشكوك و الشبه و صعب الأمر علي السانّ في ضبطهم،فما كل بميسّر له في الحكمة الإلهيّة،و لا السانّ يصلح له أن يظهر أنّ عنده حقيقة يكتمها عن العامّة،بل يجب أن لا يرخّص في تعرض شيء من ذلك.بل يجب أن يعرّفهم جلال اللّه

ص: 106

تعالي و عظمته برموز و أمثلة من الأشياء التي هي عندهم جليلة و عظيمة،و يلقي إليهم مع هذا القدر، أعني أنّه لا نظير له و لا شريك له و لا شبيه.

و كذلك يجب أن يقرر عندهم أمر المعاد،علي وجه يتصورون كيفيته،و تسكن إليه نفوسهم، و يضرب للسعادة و الشقاوة أمثالا ممّا يفهمونه و يتصورونه.و أمّا الحق في ذلك فلم يلح لهم منه إلا أمرا مجملا،و هو أنّ ذلك شيء لا عين رأته و لا أذن سمعته،و أنّ هناك من اللّذة ما هو ملك عظيم و من الألم ما هو عذاب مقيم.

و كذا قال زينون الكبير تلميذ أرسطاطاليس في رسالته في المبدأ و المعاد:النبيّ يضع السنن و الشرائع و يأخذ الأمّة بالترغيب و الترهيب،يعرّفهم أنّ لهم إلها مجازيا لهم علي أفعالهم يثيب علي الخير و يعاقب علي الشر،و لا يكلّفهم بعلم ما لا يحتملونه،فإنّ هذه الرتبة هي رتبة العلم أعلي من أن يصل إليها كلّ أحد.ثمّ قال:قال معلمي أرسطاطاليس حكاية عن معلمه أفلاطون:إنّ شاهق المعرفة أشمخ من أن يطير إليه كلّ طائر،و سرادق البصيرة أحجب من أن يحوم حوله كلّ سائر.

قال حبيب اللّه الخوئي:و كأنّ الشيخ الرّئيس قد لاحظ عبارة زينون فيما قاله في آخر النمط التاسع من الإشارات:جلّ جناب الحقّ عن أن يكون شريعة لكل وارد أو يطّلع عليه إلاّ واحدا بعد واحد.

قوله:و يدلّونهم علي مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم ذلك لما مرّ آنفا من أنّ الإنسان مدني بالطبع محتاج في تعيشه و بقائه إلي اجتماع،فلا بد لهم من سانّ معدّل يدبّر أمورهم و يعلّمهم طريق المعيشة في الدّنيا و النجاة من العذاب في العقبي،و لو لا هذا السانّ لوقع الهرج و اختل أمر الإجتماع و لزم مفاسد كثيرة أخري.ذكر بعضها من قبل.

و نعم ما قال الشيخ في الشفاء:فالحاجة إلي هذا الإنسان في أن يبقي نوع الناس،و يتحصّل وجوده أشدّ من الحاجة إلي إنبات الشعر علي الأشفار و علي الحاجبين،و تقعير الأخمص من القدمين و أشياء أخري من المنافع التي لا ضرورة فيها في البقاء،بل أكثر ما لها أنّها تنفع في البقاء، و وجود الإنسان الصالح لأن يسنّ و يعدّل ممكن،فلا يجوز أن تكون العناية الأولي تقتضي تلك المنافع،و لا تقتضي هذه التي هي أسّها،و لا أن يكون المبدأ الأوّل و الملائكة بعده يعلم ذلك و لا يعلم هذا،و لا أن يكون ما يعلمه في نظام الخير الممكن وجوده الضروري حصوله،لتمهيد نظام الخير و لا يوجد بل كيف يجوز أن يوجد،و ما هو متعلق بوجوده مبني علي وجوده موجود فواجب إذن أن يوجد نبيّ.

ثمّ إنّ في قوله:يدلونهم علي مصالحهم،إشارة إلي ما ذهب إليه العدلية من أنّ الأحكام الإلهية متفرعة علي مصالح و مفاسد لا كما مال إليه الأشعري.

ص: 107

قوله:فثبّت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و المعبّرون عنه جلّ و عزّ.هذه نتيجة ما قدّم من المقدّمات البرهانية العقلية المستحكمة المباني:الأولي أنّ لنا صانعا،و الثّانية أنّه متعال عن أوصاف مخلوقه.فلم يجز أن يشاهده خلقه و يباشروه فلا بدّ من وسائط،الثالثة أنّه حكيم عالم بوجوه الخير و المنفعة في النّظام و سبيل المصلحة للخلائق في المعيشة و القوام و البقاء و الدوام، و الحكيم لا يخلّ بالواجب،الرابعة أنّ الإنسان مدني بالطبع فلا بدّ له من سانّ معدل.

قوله:هم الأنبياء و صفوته من خلقه إلي قوله:ثمّ ثبت.بيّن في هذه الفقرات أمرين:الأوّل أنّ النبيّ لا بدّ أن يكون بشرا حيث قال:علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب.الثّاني أنه مع البشريّة يجب أن يكون متميزا من سائر النّاس بأوصاف قدسية خلقا و خلقا حيث قال:غير مشاركين للنّاس في شيء من أحوالهم.

أمّا الأوّل أعني كونه من جنس البشر فلوجوه:الأوّل أنس النّاس به فإنّ الجنس إلي الجنس يميل.

و الوجه الثاني:النّاس في حالتهم العادية لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته التي خلق عليها،لأنه روحاني الذات و القوة البشرية لا تقوي علي رؤية الملك،بل الجن ما لم يتجسما و يتمثلا بالأجسام الكثيفة و الأمثال المرئية و إن كانا يريانا،كما قال تعالي في الشيطان: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ بل أبصارنا لا تقوي علي رؤية بعض الأجسام من عالمنا هذا أيضا كالهواء،و العناصر البسيطة التي يتألف منها الهواء فكيف تقدر علي رؤية ما هو ألطف من الهواء كالجنّ،و ما هو ألطف من الجن كالملك و ما هو ألطف منه.

ثمّ لو فرض أن يتمثل الملك أو يتجسد أو يتجسّم بحيث عاينه النّاس لكان في صورة البشر أيضا للوجهين المتقدّمين قال عزّ من قائل: وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (1).

و لذلك كان جبرئيل يأتي النّبي في صورة دحية الكلبي.و الملائكة الذين دخلوا علي إبراهيم في صورة الضيفان حتي قدّم إليه عجلا جسدا،و كذلك الذين أتوا لوطا،و كذلك لمّا تسوّر المحراب علي داود الملكان،كانا في صورة رجلين يختصمان إليه،و جبرئيل تمثل لمريم بشرا سويّا،نعم يمكن للأنبياء أن يروا بقوتهم القدسيّة الملائكة و أشباههم علي صورتهم الأصلية،كما جاءت عدّة روايات أنّ خاتمهم رأي جبرئيل علي صورته الأصليّة مرّتين و سيأتي الكلام في ذلك في خواص الأنبياء.

و الوجه الثالث:النبي لو كان ملكا و إن تجسم بشرا لم تتم الحجة علي النّاس،و لا تسلم له9.

ص: 108


1- سورة الانعام،الآية:9.

العقول و لا تنقاد النفوس،لأنه إن ظهرت أية معجزة منه لقالوا:لو كان لنا مثل ما كان لك من القدرة و القوة و العلم،و غيرها من الصفات القاهرة علي صفات البشر لفعلنا مثل فعلك،فتقوي الشبهات من هذه الجهة،و بذلك علم ضعف ما تخيّل ضعفاء العقول من النّاس،أنّ الأنبياء إذا كانوا من طائفة الملائكة من حيث إنّ علومهم أكثر و قدرتهم أشدّ و مهابتهم أعظم،و امتيازهم عن الخلق أكمل و الشبهات و الشكوك في نبوّتهم و رسالتهم أقل،و الحكيم إذا أراد تحصيل مهم فكلّ شيء كان أشدّ إفضاء إلي تحصيل ذلك المطلوب كان أولي.

و هذه الوجوه الثلاثة ما أجاب بها رسول اللّه مشركي قريش،لمّا جادلوه و احتجوا عليه بقولهم:لو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك و نشاهده،و لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا،كما هو المروي في الاحتجاج للطبرسي رضوان اللّه عليه و البحار و كثير من كتب الحديث:إنّ رسول اللّه كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة،إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي و أبو البختري بن هشام و أبو جهل بن هشام و العاص بن وائل السهمي،و عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي،و كان معهم جمع ممّن يليهم كثير و رسول اللّه في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب اللّه و يؤدي إليهم عن اللّه أمره و نهيه،فقال المشركون بعضهم لبعض:لقد استفحل أمر محمّد و عظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه و تبكيته و توبيخه و الاحتجاج عليه و إبطال ما جاء به،ليهون خطبه علي أصحابه و يصغر قدره عندهم،فلعلّه ينزع عمّا هو فيه من غيّه و باطله و تمرّده و طغيانه،فإن انتهي و إلاّ عاملناه بالسيف الباتر.

قال أبو جهل:فمن الذي يلي كلامه و مجادلته؟قال عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي:أنا إلي ذلك،أفما ترضاني له قرنا حسيبا و مجادلا كفيّا؟

قال أبو جهل:بلي.فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي فقال:

يا محمد لقد ادعيت دعوي عظيمة و قلت مقالا هائلا،زعمت أنّك رسول اللّه ربّ العالمين، و ما ينبغي لربّ العالمين و خالق الخلق أجمعين،أن يكون رسوله مثلك بشرا مثلنا،تأكل ممّا نأكل و تمشي في الأسواق كما نمشي-و ساق الحديث إلي أن قال-قال المخزومي:و لو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك و نشاهده،بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنّما يبعث إلينا ملكا،لا بشرا مثلنا،ما أنت يا محمّد إلاّ مسحورا و لست نبيّا-و ساق الحديث إلي أن قال (1):

ثمّ قال رسول اللّه:و أمّا قولك:(و لو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك و نشاهده،بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنّما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا)و الملك لا تشاهده حواسكم،لأنه من جنس هذا الهواء لاعيان منه و لو شاهدتموه بأن يزاد في قوي أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا1.

ص: 109


1- البحار:270/9،و الاحتجاج:27/1.

بشر،لأنه إنّما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه،لتفهموا عنه مقالته و تعرفوا خطابه و مراده،فكيف كنتم تعلمون صدق الملك و أنّ ما يقوله حق؟بل إنّما بعث اللّه بشرا و أظهر علي يده المعجزات،التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم،فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنّه معجزة،و أنّ ذلك شهادة من اللّه بالصدق له،و لو ظهر لكم ملك و ظهر علي يده ما تعجز عنه البشر،لم يكن في ذلك ما يدلكم أنّ ذلك لكم،ليس في طبائع سائر أجناس الملائكة حتّي يصير ذلك معجزا،ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجزة،لأن لها أجناسا تقع منها مثل طيرانها و لو أنّ آدميّا طار كطيرانها كان ذلك معجزا،فاللّه عزّ و جلّ سهّل عليكم الأمر و جعله بحيث يقوم عليكم حجّته و أنتم تقترحون عمل الصّعب الذي لا حجّة فيه.

ثمّ قال رسول اللّه:و أمّا قولك:(ما أنت إلاّ رجل مسحور)فكيف أكون كذلك و قد تعلمون أنّني في صحة التميز و العقل فوقكم،فهل جرّبتم عليّ منذ نشأت إلي أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي،أتظنّون أنّ رجلا يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه و قوّتها أو بحول اللّه و قوّته-إلي آخر الحديث بطوله (1).

أمّا الأمر الثّاني أعني أنّ النبيّ مع البشريّة،يجب أن يكون متميزا عن سائر النّاس،بأوصاف قدسيّة،فأشار إليها بقوله:أنّ الأنبياء صفوته من خلقه أوّلا،و أنّهم حكماء مؤدّبين في الحكمة ثانيا، و مبعوثين بها ثالثا،و غير مشاركين للنّاس علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب في شيء من أحوالهم رابعا،مؤيدون عند الحكيم العليم بالحكمة خامسا.و هذه أمور لا بدّ للنّاظر من البحث عنها و النيل إلي حقيقة مغزاها.

و اعلم أنّ الأنبياء لكونهم سفراء له تعالي إلي خلقه،و أمناؤه علي وحيه و خلفاؤه لا بدّ من أن يكونوا متّصفين بالأوصاف القدسيّة الإلهيّة،و متخلّقين بالأخلاق الرّبوبيّة،فإنّ الخليفة لا بدّ و أن يكون موصوفا بصفات المستخلف،حتّي يتحقّق له إسم الخلافة،و العناية الأزليّة تأبي بعث من لم يكن كذلك،لبعده عن الإتّصاف بصفات الحق و الإتّصال بحضرة القدس.و قد قال الحكماء و منهم الشيّخ في الشّفاء،أنّ النّفس الناطقة كمالها الخاصّ بها أن يصير عالما عقليا مرتسما فيها صور الكلّ و النّظام المعقول في الكلّ،و الخير الفائض في الكل،و أفضل النّاس من استكملت نفسه عقلا بالفعل محصلا و للأخلاق التي تكون فضائل عمليّة،و أفضل هؤلاء هو المستعدّ لمرتبة النبوّة،و هو الذي في قواه النّفسانيّة خصائل ثلاث:أن يعلم جميع المعلومات أو أكثرها من عند اللّه،و أن تطيعه مادة الكائنات بإذن اللّه،و أن يسمع كلام اللّه و يري ملائكة اللّه.

أمّا العلم بجميع المعلومات و الإطّلاع علي الأمور الغائبة من غير كسب و فكر،فيحصل من9.

ص: 110


1- الاحتجاج:30/1،و البحار:273/9.

صفاء جوهر النفس و شدّة صقالتها و نورانيتها الموصل لها إلي المبادئ العالية و شدّة الإتّصال بها.

و أمّا إطاعة مادّة الكائنات فبسبب شدّة انسلاخهم عن النواسيت الإنسانيّة،تدوم عليهم الإشراقات العلويّة بسبب الإستضاءة بضوء القدس و الإلف بسنا المجد فتطيعهم المادة العنصريّة القابلة للصور المفارقة فيتأثر المواد عن أنفسهم كما يتأثر أبدانهم عنها،فلهذا يكون دعاؤهم مسموعا في العالم الأعلي و القضاء السابق،و يتمكن في أنفسهم نور خلاّق به يقدرون علي بعض الأشياء التي يعجز عنها غيرهم.قال اللّه تعالي في عيسي بن مريم: وَ رَسُولاً إِلي بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتي بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1).

و أما الخصلة الثالثة فلأنّ الأنبياء لهم نفوس مقدسّة،قلّت شواغلها عن الحواس الظاهرة، فتخلّصت بذلك عن المادّة الجسمانيّة،فلم يكن بينها و بين الأنوار حجب و لا شواغل لأنّها من لوازم المادّة،فإذا تخلّصت النّفس عن تعلقاتها كانت مشاهدة للأنوار و المفارقات البريئة عن الشوائب الماديّة و اللّواحق الغريبة،و لذا يكونوا مشاهدين للملائكة علي صورهم بقوتهم القدسية،سامعين لكلامهم،قابلين لكلام اللّه تعالي بطريق الوحي،و معلوم أنّ المادّة التي تقبل هذه الخصائل و الكمالات تقع في قليل من الأمزجة،و لذا قال:إنّ الأنبياء و صفوته من خلقه،فمزاجهم أعدل الأمزجة الإنسانية،و نفسهم الفائضة من الأوّل تعالي ألطف و أشدّ و أقوي و أوسع وجودا من غيرها، فهم غير مشاركين للنّاس علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب في شيء من أحوالهم،و قوله:في شيء من أحوالهم،تتعلّق بقوله غير مشاركين للنّاس.

و اعلم أنّ اللّه جعل المزاج الإنساني أعدل الأمزجة،لتستوكره نفسه الناطقة التي هي أشرف النّفوس،و لا بدّ أن يكون و كرها لائقا لها،و قال المعلّم الثّاني أبو نصر الفارابي في المختصر الموسوم بعيون المسائل كما نقله عنه المحقّق الطوسي في آخر النّمط الثاني من شرحه علي الإشارات:حكمة الباري تعالي في الغاية،لأنّه خلق الأصول(يعني بها العناصر)و أظهر منها الأمزجة المختلفة،و خص كل مزاج بنوع من الأنواع،و جعل كلّ مزاج كان أبعد عن الإعتدال سبب كلّ نوع،كان أبعد عن الكمال،و جعل النّوع الأقرب من الإعتدال مزاج البشر حتّي يصلح لقبول النّفس النّاطقة انتهي.

و كما أنّ النفس الناطقة مميّزة عن سائر النفوس بآثار و أفعال تختصّ بها،و لا بد أن يكون مزاجها المتعلق بها أعدل من غيره كذلك الأنبياء الذين هم غير مشاركين للنّاس،علي مشاركتهم لهم9.

ص: 111


1- سورة آل عمران،الآية:49.

في الخلق و التركيب في شيء من أحوالهم و أفعالهم،لا بدّ من أن يكون مزاجهم أعدل الأمزجة الإنسانيّة اللائق بنفوسهم القدسية.

و لمّا كان الأنبياء بعضهم أفضل من بعض كما قال تعالي: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلي بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ (1).

فلا بدّ من أن يكونوا متفاوتين في اعتدال المزاج و صفاء النّفس النّاطقة القدسية وسعتها الوجوديّة،و كذا الكلام في خاتمهم الذي هو أكمل موجود في النّوع الإنساني و أوتي جوامع الكلم التي هي أمّهات الحقائق الإلهيّة و الكونيّة،و لذا كان الرّوح المحمّدي أوّل دليل علي ربّه،لأنّ الربّ لا يظهر إلاّ بمربوبه و مظهره و كمالات الذات بأجمعها إنّما تظهر بوجوده الأكمل.و المروي عنه:

و اللّه لو كان موسي حيّا بين أظهركم ما حلّ له إلاّ أن يتبعني.

قوله:حكماء مؤدّبين في الحكمة،أي أدّبهم اللّه تعالي في الحكمة،يقال:أدّبه إذا هذّبه و راض أخلاقه،و أدّبه في أمر إذا علّمه و راضه حتّي تأدّب فيه،و في الجامع الصّغير في أحاديث البشير النذير نقلا عن ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود أنّه قال:أدبني ربّي فأحسن تأديبي.و من حيث أنّهم حكماء مؤدّبين في الحكمة و الحكمة هو العدل و الوسط في كلّ أمر،فهم علي الجادة الوسطي،التي ليست النّجاة إلاّ بالإستقامة فيها،فمن اقتدي بهم واقتفي آثارهم فقد هدي إلي الصّراط المستقيم،فإنّ الحجج الإلهيّة في الحقيقة موازين للنّاس و نبيّ كلّ أمّة هو ميزان تلك الأمّة لأنّ ميزان كلّ شيء بحسبه هو المعيار الذي يعرف به قدره،وحدّه و صحته و سقمه و زيادته و نقصانه و استواؤه،فقد يكون ذلك الشي من الأجسام،فميزانه ما وضع من جنسه من الأحجار و غيرها، كالمّد و المنّ و المكاييل و الزرع و غيرها لتعيين وزن ذلك الشي و تقديره،و قد يكون ذلك الشي من الكلمات فيوزن صحتها و اعتلالها بميزانه الذي هو الفاء و العين و اللام،كما بيّن في علم الصرف.

و علم المنطق يكون ميزانا لتمييز النتيجة الصحيحة من السقيمة،و علم العروض ميزانا للأشعار، و ميزان النّاس ما يوزن به قدر كل امرء و قيمته علي حسب أعماله،و أخلاقه و عقائده و صفاته،و حيث أنّ الأنبياء بعثوا علي الحق و لا يميلون عن العدل مقدار قطمير،و لا يصدر منهم سهو و لا نسيان، فهم معيار الحق و ميزان الصّدق و فيصل الأمور،فمن تأسّي بهم و حذا حذوهم فقد فاز فوزا عظيما و إلاّ فقد خسر خسرانا مبينا.

و بما ذكرنا علي ما في الكافي عن الإمام الصادق من أنّه سئل عن قول اللّه وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ (2)؟قال:هم الأنبياء و الأوصياء.

و كذا في رواية أخري عنه:نحن الموازين القسط (3).2.

ص: 112


1- سورة البقرة،الآية:253.
2- سورة الأنبياء،الآية:47.
3- بحار الأنوار:243/7،و التفسير الصافي:182/2.

قوله:مؤيدون عند الحكيم العليم بالحكمة،أي كما أنّهم مؤدّبون في الحكمة كذلك مؤيّدون بالحكمة من عنده تعالي،تدلّ علي صدق مقالته و جواز عدالته،ليميز الخبيث من الطيب و الحق من الباطل فلو لم يكونوا مؤيّدين بها من عنده تعالي بالحكمة أعني بالبينات و المعجزات القولية و الفعلية لما يفصل بين النبيّ و المتنبّي،قال عزّ من قائل: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ (1).

قوله:ثمّ ثبت ذلك-إلي آخره لما هدينا العقل بتلك المقدمات إلي هذا المطلب الأسني،فدلّ أنّ الأرض لا تخلو في كلّ دهر و زمان من لدن خلق البشر إلي قيام القيامة،من حجّة إلهيّة،و دريت أنّ الخليفة في الأوّل قبل الخليقة،و في الآخر بعدها لئلا يحتجّ أحد علي اللّه تعالي أنّه تركه بغير حجّة للّه عليه.

الحديث الخامس في الكافي بإسناده إلي منصور بن حازم قال:قلت لأبي عبد اللّه:إنّ اللّه أجلّ و أكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون باللّه قال:صدقت.

قلت:إنّ من عرف أنّ له ربّا فقد ينبغي له أن يعرف أنّ لذلك الربّ رضا و سخطا،و أنّه لا يعرف رضاه و سخطه إلاّ بوحي أو رسول،فمن لم يأته الوحي فينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة و أنّ لهم الطاعة المفترضة،فقلت للنّاس:أليس تعلمون أنّ رسول اللّه كان هو الحجّة من اللّه علي خلقه؟

قالوا:بلي،قلت:فحين مضي من كان الحجة؟قالوا:القرآن فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ و القدري و الزنديق الذي لا يؤمن به حتّي يغلب الرّجال بخصومته،فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلا بقيّم،فما قال فيه من شيء كان حقّا فقلت لهم:من قيّم القرآن؟فقالوا:

ابن مسعود قد كان يعلم و عمر يعلم و حذيفة يعلم،قلت:كلّه؟

قالوا:لا،فلم أجد أحدا يقال:أنّه يعرف القرآن كلّه إلاّ عليّا و إذا كان الشي بين القوم فقال هذا:لا أدري و قال هذا:لا أدري و قال هذا:لا أدري و قال هذا:أنا أدري فأشهد أنّ عليّا كان قيّم القرآن،و كانت طاعته مفروضة و كان الحجّة علي النّاس بعد رسول اللّه،و أنّ ما قال في القرآن فهو حق فقال:رحمك اللّه-إلي آخر الحديث (2).

بيان:هذا الحديث مشتمل علي مطالب عقليّة مهّدت للزوم الحجّة علي النّاس،ما دامت الأرض باقية،يأمرهم بالخير و الصلاح و يهديهم إلي سبيل الرشاد،و لا بد أن يكون معه علم باللّه و آياته.و تلك المطالب رتّبت علي أسلوب بديع و أساس متين:الأوّل أنّ اللّه أجلّ و أكرم من أن1.

ص: 113


1- سورة الحديد،الآية:25.
2- الكافي:169/1 ح 2،و علل الشرائع:192/1.

يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون باللّه و ما أحسن هذا القول و أحلاه و يعلم منه أنّ منصور بن حازم كان حازما حاذقا في أصول العقائد.

و غرضه من ذلك إما أنّ معرفة اللّه تعالي فطري غريزي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها،و العقل وحده كاف في معرفته عزّ و جل و هو القائد إلي جنابه و أصول صفاته،فلا يحتاج الإنسان في معرفته تعالي إلي خلقه بما أعطاه من العقل يسلكه إلي الصراط المستقيم،قال عزّ من قائل: وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها (1).

فهو تعالي أجل و أكرم من أن يعرف بخلقه،بل يعرف بالعقل الذي أعطاه خلقه.

و إمّا أنّ اللّه جلّ جلاله هو الغني القائم بالذات واجب الوجود في ذاته و صفاته و ما سواه ممكن مفتقر إليه و مستند به تعالي،ظاهر بظهوره و موجود بوجوده،و هو تعالي لإرتفاع مكانه و جلال كبريائه و شدّة وجوده و بساطته أجلّ من أن يعرف بخلقه،علي أنّه تعالي لا حدّ عليه و لا ضدّ و لا ندّ حتّي يعرف بها،بل هو سبب كلّ شيء و علّته فهو الأوّل عند أولي الأبصار،فإنّ أوّل ما يعرف من عرفان كلّ شيء هو اللّه تعالي،قال سيد الموحدين عليّ أمير المؤمنين:ما عرفت شيئا إلاّ و قد عرفت اللّه قبله و قال:اعرفوا اللّه بالله.

و من كلام مولانا سيّد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين في دعاء عرفة:كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك،أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّي يكون هو المظهر لك (2).

و قال أيضا:تعرفت لكلّ شيء فما جهلك شيء،و قال:تعرفت إليّ في كلّ شيء فرأيتك ظاهرا في كلّ شيء فأنت الظاهر لكلّ شيء (3).

فهو تعالي أجل و أكرم من أن يعرف ذاته من جهة خلقه،بل لا يعرف غيره علي الحقيقة إلاّ به.

و إمّا أنّه تعالي أجل و أكرم من أن يدرك عامة النّاس لطائف صنعه و دقائق حكمته و مصلحته في فعله و قوله،بل الخلق يعرفونها باللّه تعالي أي بإرساله الرسل و إنزاله الكتب و الظاهر أنّ خير الوجوه أوسطها.

و المطلب الثاني:أنّ من عرف أنّ له ربّا عرف أنّ لذلك الربّ صفات قدوسية متعالية لائقة بجنابه،فلمّا عرف ذلك بنور العقل السليم و العقل السّليم يشتاق التقرب إلي جنابه،و يطلب ما يوصله ببابه،لأنّ الإنسان جبّل علي النيل إلي السعادة و الميل عن الشقاوة،سيّما السعادة الدائمة4.

ص: 114


1- سورة الشمس،الآية:7-8.
2- البحار:142/64،و صحيفة الحسين:214.
3- مناسك الحج:275،و البحار:142/64.

الأبديّة التي لا تحصل إلاّ بالتخلّق بأخلاق اللّه و الاتّصاف بصفاته العليا،و ليس كل طريق و فعل و قول بمقرب النّاس إليه تعالي بالضرورة،فيحتاج إلي هاد يهديه سبل الخير و ما فيه رضوانه تعالي و ما فيه سخطه،و لا يتأتي ذلك إلاّ بالوحي،و لا يوحي إلي كل واحد من آحاد النّاس لعدم قابلية كلّ واحد لذلك،فإنّ للنبوّة صفات خاصّة لا يتحملها إلاّ الأوحدي من النّاس،المؤيد من عند اللّه تبارك و تعالي كما حقق في محلّه،فالعقل السليم يطلب من اللّه تعالي إرسال الرسل،فلولا البعثة لكان اللّه تعالي ظالما لعباده،فإذا أوحي اللّه تعالي ما فيه خير البرية و سعادته و ما يوجب رضوانه تعالي و سخطه إلي رسول بالبراهين و المعجزات و البيّنات فيأخذ النّاس معالم دينه و معارف شريعته من الرسول،قال عزّ من قال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ و أنّ ما قال في القرآن و كانت طاعته مفروضة و كان الحجّة علي النّاس بعد رسول اللّه (1).

و قال تعالي: اُدْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (2).

المطلب الثّالث:أنّ الحجّة علي النّاس بعد خاتم النبيّين من هو؟و هذا المطلب في المقام هو الأهمّ لأنّ المسلمين اتفقوا في وجود من يكون حافظا للشرع من الزيادة و النقصان و للأمة من الظلم و الطغيان،كما علم علي ما بينّاه في المباحث السالفة و إنّما الكلام في ذلك الحجّة بعد النّبيّ و هو إمّا الكتاب أو السنّة المتواترة أو الخبر الواحد أو الإجماع أو القياس أو البراءة الأصليّة أو الإستصحاب أو العالم القائم مقام النّبيّ،و الأخير أيضا علي وجهين:إمّا العالم مطلقا أو العالم المعصوم من الذنوب،المنزّه من العيوب،المنصوب من عند علاّم الغيوب،المؤيد بتأييدات سماوية،المهدي بهداية إلهيّة،و هذه وجوه محتملة في المقام لا بدّ للبصير الناقد أن ينظر فيها و يبحث عنها.

فنقول:أمّا الكتاب فهو كما قال منصور بن حازم يخاصم به المرجئ و القدري و الزنديق الذي لا يؤمن به،حتّي يغلب الرجال بخصومته فالقرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم.

و نزيدك بيانا في المقام حتّي يتبيّن الحق فنقول:لا ريب أنّ للّه تعالي في كل واقعة و في كلّ ما يحتاج إليه النّاس في معاشهم و معادهم حكما،و هي أمور غير متناهية و كذا لا ريب أنّ اللّه تعالي نزّل القرآن تبيانا لكلّ شيء كما نصّ به عزّ من قائل في سورة النحل آية 89: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُديً وَ رَحْمَةً وَ بُشْري لِلْمُسْلِمِينَ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (3).

و في ذلك روي ثقة الإسلام الكلينيّ قدّس سرّه،في أصول الكافي بإسناده عن مرازم عن أبي8.

ص: 115


1- سورة الجمعة،الآية:2.
2- سورة النحل،الآية:125.
3- سورة الأنعام،الآية:38.

عبد اللّه قال:إنّ اللّه تعالي أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء،حتّي و اللّه ما نزّل اللّه شيئا يحتاج إليه العباد،حتّي لا يستطيع عبد يقول:لو كان هذا أنزل في القرآن إلاّ و قد أنزله اللّه فيه (1).

و فيه أيضا بإسناده إلي عمرو بن قيس عن أبي جعفر قال:سمعته يقول:أنّ اللّه تعالي لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ أنزله في كتابه و بيّنه لرسوله و جعل لكلّ شيء حدّا،و جعل عليه دليلا يدلّ عليه و جعل علي من تعدّي ذلك الحدّ حدّا (2).

و كذا غيرهما من الأخبار الأخري في ذلك الباب.

و كذا لا ريب أنّ القرآن لم يبيّن تلك الفروع و الأحكام الجزئية و كلّ ما يحتاج إليه النّاس في أمورهم الدينية و الدّنيوية علي التفصيل و البسط،و هذا لا ينافي قوله عزّ و جلّ في الآيتين المذكورتين لأنّ الكتاب مشتمل علي أصول كلّية،يستنبط منها الأحكام الجزئيّة و القوانين الإلهيّة من كان عارفا بها حقّ المعرفة،فلنقدّم لك مثالا في ذلك توضيحا للمراد.

قال المفيد في إرشاده:و روي عن يونس عن الحسن:أنّ عمر أتي بامرأة قد ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها فقال له أمير المؤمنين:إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إنّ اللّه تعالي يقول: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (3).

و يقول عزّ و جلّ: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ (4).

فإذا تممت المرأة الرّضاعة سنتين و كان حمله و فصاله ثلاثين شهرا،كان الحمل منها ستّة أشهر فخلّي عمر سبيل المرأة و ثبت الحكم بذلك،فعمل الصحابة و التابعون و من أخذ عنه إلي يومنا هذا انتهي (5).

و كذا غيره من الوقائع التي قضي فيها أمير المؤمنين عليّ بكتاب اللّه مما يحير العقول،فهذا الحكم كان ثابتا في الكتاب المجيد و لكن لا تبلغه عقول الرّجال إلا الكمّل منهم الذين هداهم اللّه إليه و علّمهم معالم دينه،و جاءت الرّواية في ذلك في الكافي بإسناده عن المعلّي بن خنيس قال:قال أبو عبد اللّه:ما من أمر يختلف فيه إثنان إلاّ و له أصل في كتاب اللّه،و لكن لا تبلغه عقول الرّجال.

و نظير ما نقله المفيد جاء في الكافي للكليني بإسناده عن عليّ بن يقطين قال:سأل المهدي أبا الحسن عن الخمر هل هي محرّمة في كتاب اللّه تعالي،فإنّ النّاس إنّما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون التحريم لها.5.

ص: 116


1- شرح أصول الكافي:275/2 ح 1،و المحاسن للبرقي:267/1 ح 352.
2- شرح أصول الكافي:176/2 ح 2،و البحار:84/89 ح 16.
3- سورة الأحقاف،الآية:15.
4- سورة البقرة،الآية:233.
5- بحار الأنوار:115/87،و الإيضاح:191 ح 5.

فقال له أبو الحسن:بل هي محرّمة في كتاب اللّه تعالي يا أمير المؤمنين فقال له:في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب اللّه يا أبا الحسن؟

فقال:قول اللّه تعالي: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (1).

فأمّا قوله:ما ظهر منها،يعني زنا المعلن و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية.

و أما قوله تعالي: وَ ما بَطَنَ ،يعني ما نكح من الآباء لأنّ النّاس كانوا قبل أن يبعث النبيّ إذا كان للرجل زوجة و مات عنها،تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه فحرّم اللّه تعالي ذلك.و أمّا الإثم فإنها الخمر بعينها و قد قال اللّه تعالي في موضع آخر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ .

فأمّا الإثم في كتاب اللّه فهي الخمر و الميسر و إثمهما أكبر كما قال تعالي.

فقال المهدي:يا عليّ بن يقطين فهذه فتوي هاشمية.

قال:قلت له:صدقت و اللّه يا أمير المؤمنين،الحمد للّه الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال:فو الله ما صبر المهدي أن قال لي:صدقت يا رافضي (2).

قال حبيب اللّه الخوئي في شرح النهج:و اعلم أنّ نظائرهما المروية عن أئمتنا المستنبطة من ضم الآيات القرآنية بعضها من بعض غير عزيز،و استبصر من هذا أنما يعرف القرآن من خوطب به، و أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضا.

قال عزّ من قائل: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (3).

و معلوم أنّ من الأشياء القرآن نفسه فهو تبيان لنفسه أيضا و لكن لا تبلغه عقول الرّجال كما دريت.

و إنّ للإستنباط من الكتاب رجالا عيّنهم اللّه لنا في كتابه: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَ إِلي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (4).

علي أنّا نقول:إنّ في الكتاب محكما و متشابها و ناسخا منسوخا و عامّا و خاصّا و مبينا و مجملا،تمييزها و استنباط الفروع الجزئية و الأحكام الإلهيّة منها صعب مستصعب جدّا،بل خارج عن طوق البشر إلاّ من اختاره اللّه و علّمه فقه القرآن،و ملأ قلبه علما و فهما و حكما و نورا،و من3.

ص: 117


1- سورة الأعراف،الآية:33.
2- الكافي:406/6 ح 1،و البحار:149/48 ح 24.
3- سورة النحل،الآية:89.
4- سورة النساء،الآية:83.

المجمل في الكتاب قوله تعالي وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (1).

فإنّ اليد يطلق علي العضو المعروف إلي الأشاجع و إلي الزند و إلي المرفق و إلي المنكب، فيقال أدخلت يدي في الماء إلي الأشاجع و إلي الزند و إلي المرفق و إلي المنكب،و أعطيت بيدي و إنّما أعطاه بأنامله و كتبت بيدي و إنّما كتبه بأصابعه،و الاستعمال ظاهر في الحقيقة فيحصل الإشتراك و يأتي الإجمال في حدّ القطع،كما أنها مجملة في أنّ المراد قطع يدي السارق كلتيهما أو إحداهما، و علي الثاني اليد اليمني أو اليسري و كذا في المقدار المسروق الذي تقطع فيه أيديهما،و في من تكررت منه السرقة بعد القطع أو قبل القطع و غيرها من أحكام السرقة المدوّنة في كتب الحديث و الفقه،و كذا غيره من الأحكام و الفرائض مثل فرض الصّلاة و الزّكاة و الصوم و الحجّ و الجهاد و حدّ الزنا و نظائرها،ممّا نزل في الكتاب مجملا فلا بدّ لها من مفسّر و مبيّن.

ثمّ أنّه لو كان كتاب اللّه وحده بلا قيّم و مفسّر و مبيّن كافيا لما أمر اللّه تعالي بإطاعة الرّسول، و في عدّة مواضع من كتابه الكريم،كما حرّرناه من قبيل و دريت أن القائل حسبنا كتاب اللّه خبط خبط عشواء.

***

في أنّ السّنة وحدها لا تكون حجّة إلا بقيم

قال حبيب اللّه الخوئي:و أمّا السّنة فالكلام فيها الكلام في الكتاب،فإنّ كلام حجج اللّه تعالي دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق،و لكثير من الرّوايات إن لم نقل لجميعها وجوه محتملة،و قد يعارض بعضها،و لبعضها بطون علمية كالآيات القرآنيّة،فقد روي الصّدوق في المجلس الأوّل من أماليه بإسناده عن عمرو بن اليسع عن شعيب الحدّاد قال:سمعت الصّادق جعفر بن محمّد يقول:أنّ حديثنا صعب مستصعب،لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبيّ مرسل،أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان أو مدينة حصينة،قال عمرو:فقلت لشعيب:يا أبا الحسن و أي شيء المدينة الحصينة؟

قال:فقال:سألت الصّادق عنها فقال لي:القلب المجتمع (2).

علي أنّ الروايات ليست بوافية في جميع الأحكام،علي سبيل التنصيص في الجزئيات بل كلّيات أيضا،يستنبط منها تلك الفروع الجزئية،مع أنّ الروايات أكثرها منقولة بالمعني،و لم يثبت بقاؤها علي هيئتها التي صدرت عن المعصوم،أعني أنها لم تتواتر لفظا و إن تواتر مدلول كثير منها، حتّي ذهب الشهيد الثّاني في الدراية،إلي أنّ رواية واحدة يمكن ادعاء تواتره لفظا،حيث قال:

ص: 118


1- سورة المائدة،الآية:38.
2- أمالي الصدوق:52 ح 6،و البحار:183/2 ح 1.

و التواتر يتحقق في أصول الشرائع كثيرا،و قليل في الأحاديث الخاصّة و إن تواتر مدلولها،حتّي قال أبو الصّلاح من سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه طلبه،نعم حديث:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النّار»يمكن ادعاء تواتره،فقد نقله عن النّبي من الصحابة الجم الغفير.انتهي (1).

قال المجلسي في مرآة العقول:من المعلوم أنّ الصّحابة و أصحاب الأئمّة لم يكونوا يكتبون الأحاديث عند سماعها،و يبعد بل يستحيل عادة حفظهم جميع الألفاظ علي ما هي عليه،و قد سمعوها مرّة واحدة خصوصا في الأحاديث الطويلة،مع تطاول الأزمنة،و لهذا كثيرا ما يروي عنهم المعني الواحد بألفاظ مختلفة،انتهي ما أردنا من نقل كلامه.

أمّا القرآن الكريم فإنّه المنزّل من اللّه تعالي المحفوظ علي هيئته التي نزلت بلا تغيير و تبديل في ألفاظه بلا خلاف،بل اتفق الكلّ من المسلمين و غيرهم علي أنّ القرآن بين الكتب المنزلة هو الكتاب الذي لم يتطرق إليه تحريف أو تصحيف أو زيادة أو نقصان مطلقا.

فإذا كانت الأحاديث علي ذلك المنوال،فيأتي البحث في الأخبار علي أطوار كثيرة مضبوطة في كتب الدّراية و الرّجال و غيرهما،مثلا ينظر في الرّاوي هل كان أهلا للنقل أم لا،كما روي الكلينيّ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه:أسمع الحديث منك فأزيد و أنقص.

قال:إن كنت تريد معناه فلا بأس (2).

و بالجملة الكلام في القرآن و الحديث،هو ما ذكره مولي الموحدين أمير المؤمنين عليّ نقله الرّضي في النّهج،كما مضي في الخطبة الثمانية و المئتين و كذا نقله الكلينيّ في الكافي و في الوافي (ص 62 م 1).

روي الكلينيّ بإسناده عن أبان بن عيّاش عن سليم بن قيس الهلالي قال:قلت لأمير المؤمنين:

إنّي سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن نبي اللّه غير ما في أيدي النّاس،ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم،و رأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن،و من الأحاديث عن نبي اللّه أنتم تخالفونهم فيها،و تزعمون أنّ ذلك كلّه باطل،أفتري النّاس يكذبون علي رسول اللّه متعمّدين و يفسّرون القرآن بآرائهم قال:فأقبل عليّ فقال:قد سألت فافهم الجواب:

إنّ في أيدي النّاس حقا و باطلا و صدقا و كذبا و ناسخا و منسوخا و عامّا و خاصّا و محكما و متشابها و حفظا و وهما،و قد كذب علي رسول اللّه علي عهده حتّي قام خطيبا فقال:أيّها النّاس قد2.

ص: 119


1- نهج البلاغة:189/2،و وسائل الشيعة:14/1.
2- الكافي:51/1 ح 2،و البحار:164/2.

كثرت عليّ الكذابة،فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النّار،ثمّ كذب عليه من بعده.

و إنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:رجل منافق يظهر الإيمان متصنّع بالإسلام، لا يتأثم و لا يتحرج أن يكذب علي رسول اللّه متعمدا،فلو علم النّاس أنّه منافق كذاب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوه،و لكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّه ورآه و سمع منه،فيأخذون عنه و هم لا يعرفون حاله،و قد أخبر اللّه عن المنافقين بما أخبره و وصفهم بما وصفهم فقال تعالي: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ (1).

ثم بقيوا بعده فتقربوا إلي أئمّة الضلالة و الدعاة إلي النّار بالزور و الكذب و البهتان،فولوهم الأعمال و حملوهم علي رقاب النّاس،و أكلوا بهم الدّنيا و إنّما النّاس مع الملوك و الدّنيا إلا من عصم اللّه فهذا أحد الأربعة.

و رجل سمع من رسول اللّه شيئا لم يحمله علي وجهه و وهم فيه،و لم يتعمّد كذبا فهو في يده يقول و يعمل به و يرويه،و يقول أنا سمعته من رسول اللّه فلو علم المسلمون أنّه و هم لم يقبلوه و لو علم هو أنه و هم لرفضه.

و رجل ثالث سمع من رسول اللّه شيئا أمر به ثمّ نهي عنه و هو لا يعلم،أو سمعه ينهي عن شيء ثمّ أمر به و هو لا يعلم،فحفظ منسوخه و لم يحفظ النّاسخ،فلو علم أنّه منسوخ لرفضه و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.

و آخر رابع لم يكذب علي رسول اللّه،مبغض للكذب خوفا من اللّه و تعظيما لرسوله،لم ينسه بل حفظ ما سمع علي وجهه،فجاء به كما سمع لم يزد فيه و لم ينقص منه،و علم الناسخ و المنسوخ و عمل بالنّاسخ و رفض المنسوخ،فإنّ أمر النّبيّ مثل القرآن ناسخ و منسوخ و خاص و عام و محكم و متشابه،قد كان يكون من رسول اللّه:الكلام له وجهان كلام عام و كلام خاصّ مثل القرآن،و قال اللّه تعالي في كتابه وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .

فيشتبه علي من لم يعرف و لم يدر ما عني اللّه به و رسوله.و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه كان يسأل عن الشي فيفهم،و كان منهم من يسأله و لا يستفهمه،حتّي أن كانوا ليحبّون أن يجي الأعرابي و الطاري فيسأل رسول اللّه حتّي يسمعوا (2).

أقول:إنّه يذكر بعد قوله حتّي يسمعوا:منزلته عند النّبي و سنذكر هذا الذيل أيضا في محلّه، فبما حررناه دريت أنّ الكتاب و السنّة غير وافيين بكل الأحكام،مع أنّ للّه تعالي في كلّ واقعة حكما يجب تحصيله فهما يحتاجان إلي قيّم.1.

ص: 120


1- سورة المنافقون،الآية:4.
2- نهج البلاغة:191/2 ح 210،و الكافي:64/1.

في الكافي بإسناده عن أبي البختري عن أبي عبد اللّه قال:إنّ العلماء ورثة الأنبياء،و ذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهما و لا دينارا و إنّما ورّثوا من أحاديثهم،فمن أخذ بشي منها فقد أخذ حظّا و افرا،فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه،فإن فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين،و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين (1).

و حيث علم معني العدل فيما تقدم،و علم أنّ الإمام المنصوب الإلهي علي العدل المحض، و يهدون بأمر اللّه تعالي إلي طريق الحق،علم أنّ المراد بالعدول هم الأئمة الهادين المهديين لا غير، و جاء خبر آخر في الكافي كأنه مفسر له حيث روي بإسناده عن ابن وهب قال:سمعت أبا عبد اللّه يقول:قال رسول اللّه:إنّ عند كلّ بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإيمان وليا من أهل بيتي موكّلا به يذب عنه،ينطق بإلهام من اللّه و يعلن الحق و ينوّره و يرد كيد الكائدين،يعبّر عن الضعفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار و توكلوا علي اللّه (2).

و نعم ما قال الفيض في الحديث بيانا:المراد من ورثة الأنبياء ورثتهم من غذاء الرّوح،لأنّهم أولادهم الروحانيون الذين ينتسبون إليهم من جهة أرواحهم المتغذية بالعلم المستفاد منهم كما أنّ من كان من نسلهم ورثتهم من غذاء الجسم،لأنّهم أولادهم الجسمانيّون(الذين ينتسبون إليهم من جهة أجسادهم المتغذية بالغذاء الجسماني)حظّا و افرا كثيرا لأنّ قليل العلم خير ممّا طلعت عليه الشّمس.

فانظروا يعني لمّا ثبت أنّ العلم ميراث الأنبياء،فلا بدّ أن يكون مأخوذا عن الأنبياء و عن أهل بيت النّبوّة،الذين هم مستودع أسرارهم،و فيهم أصل شجرة علمهم دون غيرهم،فإنّ المجاوزين عن الوسط الحقّ يحرّفون الكلم عن مواضعه بحسب أهوائهم.و المبطلون يدّعون لأنفسهم العلم و يلبسون الحقّ بالباطل لفساد أغراضهم.و الجاهلون يؤولون المتشابهات علي غير معانيها المقصودة منها لزيغ قلوبهم،فيشتبه بسبب ذلك طريق التعلّم علي طلبة العلم.

و في أهل بيت النّبي صلوات اللّه عليه و عليهم في كلّ خلف بعد سلف أمة وسط،لهم الاستقامة في طريق الحق من غير غلو و لا تقصير و لا زيغ و لا تحريف،يعني الإمام المعصوم و خواصّ شيعته الأمناء علي أسراره الحافظين لعلمه الضابطين لأحاديثه،فإنّ الأرض لا تخلو منهم أبدا و هم لا يزالون ينفون عن العلم تحريف الغالين و تلبيس المبطلين و تأويل الجاهلين،فخذوا علمكم عنهم دون غيرهم لتكونوا ورثة الأنبياء.

و هذا الحديث ناظر إلي ما روي عن النّبيّ أنّه قال:يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و تفسير للعدول الوارد فيه (3).1.

ص: 121


1- الكافي:32/1 ح 2،و وسائل الشيعة:78/27 ح 2.
2- المحاسن للبرقي:208/1 ح 71،و الكافي:54/1 ح 5.
3- بحار الأنوار:279/97،و نهج السعادة:43/7 ح 11.

و الخلف بالتحريك و السكون كلّ ما يجي بعد من مضي،إلاّ أنّه بالتحريك في الخير و بالتسكين في الشرّ يقال:خلف صدق و خلف شر.

و أمّا القياس فقد حققنا في المباحث السالفة أنّ للّه تعالي في كلّ واقعة حكما،و أن الأحكام مبتنية علي مصالح و مفاسد في الأشياء لا تبلغها العقول و لا يعلمها إلاّ علاّم الغيوب،و لو تأمّلنا حقّ التأمل في الدّين لرأينا أنّ دين اللّه لم يبن علي القياس،فإنّ المراد بالقياس في المقام القياس الفقهي،الذي يسمّي في علم الميزان بالتمثيل،و مبني الشرع علي اختلاف المتفقات كوجوب الصّوم آخر شهر رمضان و تحريمه أوّل شوّال،و اتفاق المختلفات كوجوب الوضوء من البول و الغائط و اتفاق القتل خطأ و الظهار في الكفارة.مع أنّ الشارع قطع يد سارق القليل دون غاصب الكثير،و جلد بقذف الزنا و أوجب فيه أربع شهادات دون الكفر،و ذلك كلّه ينافي القياس و قد قال رسول اللّه:

تعمل هذه الأمّة برهة بالكتاب،و برهة بالسّنة،و برهة بالقياس،فإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا و أضلّوا.

و ليس القياس إلاّ اتباع الهوي و قال اللّه تعالي: وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوي فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (1).

و لو تطرق في الشريعة العمل بالقياس لمحق الدّين،لأنّ لكلّ أحد أن يري برأيه و نظره مناسبة بين الحكمين،و غالبا لا يخلو الشيئان عن مناسبة ما،فيلزم عندئذ تحليل الحرام و تحريم الحلال، و آراء كثيرة مردية في موضع واحد،مع أنّ حكم اللّه واحد لا يتغير،و قد روي شيخ الطّائفة في التهذيب بإسناده عن أبي مريم عن أبي جعفر قال:قال صلوات اللّه عليه:لو قضيت بين رجلين بقضية ثمّ عادا إليّ من قابل لم أزدهما علي القول الأوّل لأنّ الحق لا يتغير (2).

و قد دريت آنفا أنّه ليس شيء ممّا يحتاج إليه النّاس إلاّ و قد جاء فيه كتاب أو سنة،و أنّ اللّه تعالي نص في كتابه العزيز،أنزل في القرآن تبيان كل شيء قال تعالي: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُديً وَ رَحْمَةً وَ بُشْري لِلْمُسْلِمِينَ (3).

و قال تعالي: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (4).

و غيرهما من الآيات الأخر،فإذا بيّن القرآن كلّ شيء و كذا السنة،و إن كان لا تبلغها عقول الرّجال،فعلينا أن نطلب من عنده علم الكتاب،و ليس لنا أن نختار بالقياس و الإستحسان و أمثالهما حكما نفتي به أو نعمل،فإنّ اللّه حذرنا عن ذلك في كتابه بقوله: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالي عَمّا يُشْرِكُونَ (5).8.

ص: 122


1- سورة ص،الآية:26.
2- الأصول الأصيلة:111.
3- سورة النحل،الآية:89.
4- سورة الأنعام،الآية:38.
5- سورة القصص،الآية:68.

و قال عزّ و جل: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ .

و قال عزّ و جلّ: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ* سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ* أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (1).

و قال تعالي: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ (2).

و قال تعالي: وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتابٍ (3)

و قال تعالي: أَ فَمَنْ كانَ عَلي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (4).

و قال تعالي: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ ما تَهْوَي الْأَنْفُسُ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدي (5)و غيرها من الآيات القرآنيّة.

فهذه الآيات القرآنية تذمّ من رغب عن اختيار اللّه و اختيار رسوله إلي اختياره،و تنهيه عن ذلك أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها *أم طبع اللّه علي قلوبهم فهم لا يفقهون*أم قالوا سمعنا و هم لا يسمعون، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ .

انتهي كلام حبيب اللّه الخوئي في منهاج البراعة (6).

***

ما نسب من الشعر لعلي بن الحسين عليه السّلام

عن الزهري قال:سمعت علي بن الحسين-سيد العابدين-يحتسب نفسه و يناجي ربه و يقول:

يا نفس حتّام إلي الدنيا غرورك،و إلي عمارتها ركونك؟

أما اعتبرت بمن مضي من أسلافك،و من وارته الأرض من ألاّفك،و من فجعت به من إخوانك،و نقل البلي من أقرانك؟

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر

خلت دورهم منها و أقوت عراصهم و ساقتهم نحو المنايا المقادر

و خلّوا عن الدنيا و ما جمعوا لها و ضمتهم تحت التراب الحفائر

ص: 123


1- سورة القلم،الآية:36-41.
2- سورة الشوري،الآية:21.
3- سورة الشوري،الآية:15.
4- سورة محمد،الآية:14.
5- سورة النجم،الآية:23.
6- منهاج البراعة:40/16-85.

كم تخرّمت أيدي المنون من قرون بعد قرون،و كم غيّرت الأرض ببلاها،و غيبت في ثراها ممن عاشرت من صنوف الناس،و شيّعتهم إلي الأرماس.

و أنت علي الدنيا مكبّ منافس لخطائها فيها حريص مكاثر

علي خطر تمسي و تصبح لاهيا أتدري بماذا لو عقلت تخاطر

و إنّ امرأ يسعي لدنياه دائبا و يذهل عن أخراه لا شكّ خاسر

فحتّام علي الدنيا إقبالك،و بشهواتها اشتغالك؟و قد و خطك القتير (1)،و أتاك النذير،و أنت عما يراد بك ساه،و بلذة نومك لاه.

و في ذكر هول الموت و القبر و البلي عن اللّهو و الّلذات للمرء زاجر

أبعد اقتراب الأربعين تربّص و شيب قذال منذر لك كاسر

كأنّك تعني بالذي هو صائر لنفسك عمدا أو عن الرشد حائر

أنظر إلي الأمم الماضية،و الملوك الفانية،كيف أفنتهم الأيام،و وافاهم الحمام،فانمحت من الدنيا آثارهم،و بقيت فيها أخبارهم.

و أضحوا رميما في التراب و عطّلت مجالس منهم أقفرت و مقاصر

و حلّوا بدار لا تزاور بينهم و أنّي لسكان القبور تزاور

فما أن تري إلاّ جثي قد ثووا بها مسطّحة تسفي عليها الأعاصر

كم ذي منعة و سلطان،و جنود و أعوان،تمكّن من دنياه،و نال فيها ما تمنّاه،و بني القصور و الدساكر (2)،و جمع الأعلاق (3)و الذخائر:

فما صرفت كفّ المنية إذ أتت مبادرة تهوي عليه الذخائر

و لا دفعت عنه الحصون التي بني و حفّ بها أنهاره و الدّساكر

و لا قارعت عنه المنية حيلة و لا طمعت في الذبّ عنه العساكر

أتاه من اللّه ما لا يردّ،و نزل به من قضائه ما لا يصدّ،فتعالي اللّه الملك الجبار المتكبر القهّار،قاصم الجبارين و مبير المتكبرين:

مليك عزيز لا يردّ قضاؤه حكيم عليم نافذ الأمر قاهر

عنا كلّ ذي عزّ لعزّة وجهه فكلّ عزيز للمهيمن صاغر).

ص: 124


1- القتير:الشيب،أو أوله(القاموس المحيط).
2- الدساكر،هي أبنية كالقصور حولها بيوت،واحدتها دسكرة،(انظر القاموس).
3- الأعلاق جمع علق،و هو النفيس من كل شيء(انظر القاموس).

لقد خضعت و استسلمت و تضاءلت لعزّة ذي العرش الملوك الجبابر

فالبدار البدار،و الحذار من الدنيا و مكائدها،و ما نصبت لك من مصائدها،و تحلّت لك من زينتها،و أظهرت لك من بهجتها:

و في دون ما عاينت من فجعاتها إلي رفضها داع،و بالزهد آمر

فجدّ و لا تغفل فعيشك زائل و أنت إلي دار الإقامة صائر

و لا تطلب الدنيا فإنّ طلابها و إن نلت منها غبّة لك صائر

و هل يحرص عليها اللبيب،أو يسر بها أريب،و هو علي ثقة من فنائها،و غير طامع في بقائها؟ أم كيف تنام عينا من يخشي البيات،و تسكن نفس من يتوقع الممات؟

ألا لا و لكنّا نغرّ نفوسنا و تشغلنا اللذات عما نحاذر

و كيف يلذّ العيش من هو موقن بموقف عدل يوم تبلي السرائر

كانّما نري أن لا نشور أو إننا سدي ما لنا بعد الممات مصائر

و ما عسي أن ينال صاحب الدنيا من لذتها،و يتمتع به من بهجتها مع صنوف عجائبها،و كثرة تعبه في طلبها،و ما يكابد من أسقامها و أوصابها و آلامها؟

و ما قد نري في كل يوم و ليلة يروح علينا صرفها و يباكر

تعاورنا آفاتها و همومها و كم قد تري يبقي لها المتعاور

فلا هو مغبوط بدنياه آمن و لا هو عن بطلانها النفس قاصر

كم قد غرّت الدنيا من مخلد إليها،و صرعت من مكبّ عليها،فلم تنعشه من غرته،و لم تقمه من صرعته،و لم تشفه من ألمه،و لم تبره من سقمه.

بلي أوردته بعد عزّ و منعة موارد سوء ما لهنّ مصادر

فلما رأي أن لا نجاة و أنه هو الموت لا ينجيه منه التحاذر

تندّم إذ لم تغن عنه ندامة عليه و أبكته الذنوب الكبائر

بكي علي ما سلف من خطاياه،و تحسر علي ما خلف من دنياه،حين لا ينفعه الإستعبار،و لا ينجيه الإعتذار،عند هول المنيّة،و نزول البلية.

أحاطت به أحزانه و همومه و أبلس لما أعجزته المعاذر

فليس له من كربة الموت فارج و ليس له مما يحاذر ناصر

و قد جشأت خوف المنية نفسه ترددها منه اللها و الحناجر

ص: 125

هنالك خفّ عن عواده،و أسلمه أهله و أولاده،فارتفعت الرنة بالعويل،و أيسوا من برء العليل،فغمضوا بأيديهم عينيه،و مدّوا عند خروج نفسه رجليه.

فكم موجع يبكي عليه و مفجع و مستنجد صبرا و ما هو صابر

و مسترجع داع له اللّه مخلصا يعدد منه خير ما هو ذاكر

و كم شامت مستبشر بوفاته و عما قليل كالذي صار صائر

فشق جيوبها نساؤه،و لطم خدودها إماؤه،و أعول لفقده جيرانه،و توجع لرزئه إخوانه،ثم أقبلوا علي جهازه،و شمّروا لإبرازه.

و ظل أحب القوم كان لقربه يحثّ علي تجهيزه و يبادر

و شمّر من قد أحضروه لغسله و وجّه لما قام للقبر حافر

و كفّن في ثوبين و اجتمعت له مشيّعة إخوانه و العشائر

فلو رأيت الأصغر من أولاده،و قد غلب الحزن علي فؤاده،و غشي من الجزع عليه،و خضبت الدموع خديه،و هو يندب أباه و يقول:يا ويلاه.

لعاينت من قبح المنية منظرا يهال لمرآه و يرتاع ناظر

أكابر أولاد يهيج اكتئابهم إذا ما تناساه البنون الأصاغر

و رنّة نسوان عليه جوازع مدامعهم فوق الخدود غوازر

ثم أخرج من سعة قصره إلي ضيق قبره،فلما استقر في اللحد و هي (1)عليه اللبن،و قد حثوا بأيديهم التراب،و أكثروا التلدد (2)عليه و الإنتحاب،و وقفوا ساعة عليه،و آيسوا من النظر إليه.

فولوا عليه معولين و كلهم لمثل الذي لاقي أخوه محاذر

كشاء رتاع آمنات بدا لها بمذننة بادي الذراعين حاسر

فريعت و لم ترتع قليلا و أجفلت فلما نأي عنها الذي هو جازر

عادت إلي مرعاها،و نسيت ما في أختها دهاها،أفبأفعال البهائم اقتدينا،أم علي عادتها جرينا؟عد إلي ذكر المنقول إلي دار البلي و الثري،المدفوع إلي هول ما تري.

ثوي مفردا في لحده و توزعت مواريثه أرحامه و الأواصر

و أخنوا علي أمواله يقسمونها بلا حامد منهم عليها و شاكر).

ص: 126


1- الوهي:الشق في الشيء،و هي:تخرق و انشقّ و استرخي رباطه(القاموس).
2- التلدد:تلدد تلفت يمينا و شمالا،و تحيّر متبلدا،و تلبث(القاموس).

فيا عامر الدنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدوائر

كيف أمنت هذه الحالة،و أنت صائر إليها لا محالة؟أم كيف تهنأ بحياتك،و هي مطيّتك إلي مماتك؟أم كيف تسيغ طعامك،و أنت منتظر حمامك؟

و لم تتزود للرحيل و قد دنا و أنت علي حال وشيكا مسافر

فيا لهف نفسي كم أسوّف توبتي و عمري فان و الردي لي ناظر

و كل الذي أسلفت في الصحف مثبت يجازي عليه عادل الحكم قادر

فكم ترقّع بآخرتك دنياك،و تركب في ذلك هواك؟أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا علي الدين.أبهذا أمرك الرحمن،أم علي هذا نزل القرآن؟

تخرّب ما يبقي و تعمر فانيا فلا ذاك موفور و لا ذاك عامر

و هل لك إن وافاك حتفك بغتة و لم تكتسب خيرا لدي اللّه عاذر

أترضي بأن تفني الحياة و تنقضي و دينك منقوص و مالك وافر

و عن محمّد بن علي،قال:كان أبي علي عليه السّلام بن الحسين إذا مرت به جنازة يقول:

نزاع إذا الجنائز قابلتنا و نلهو حين تمضي ذاهبات

كروعة ثلّة لمغار سبع فلما غاب عادت راتعات (1)

في كتاب الاحتجاج عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة عبّاد البصري مثل أيّوب السجستاني و حبيب الفارسي فلمّا دخلنا مكّة رأينا الماء قليلا لقلّة الغيث ففزع إلينا الناس يسألونا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متذلّلين فمنعنا الإجابة فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتي قد أقبل قد أكربته أحزانه و أقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا و قال:يا مالك بن دينار و يا فلان و يا فلان.

قلنا:لبّيك يا فتي.

فقال:ما فيكم أحد يجبه الرحمن؟

فقلنا:يا فتي علينا الدّعاء و عليه الإجابة.

فقال:ابعدوا عن الكعبة فأتي الكعبة و خرّ ساجدا فقال في سجوده:سيّدي بحبّك لي لأسقيتهم الغيث،فما استتمّ الكلام حتّي أتاهم الغيث كأفواه القرب.

فقلت:يا فتي من أين علمت أنّه يحبّك؟9.

ص: 127


1- تاريخ دمشق:353/23،و البداية و النهاية:128/9.

قال:لو لم يحببني لم يستزرني،فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني فسألته بحبّه لي فأجابني ثمّ ولّي و أنشأ يقول،شعر:

من عرف الربّ فلم تغنه معرفة الربّ فذاك الشقيّ

ما ضرّ في الطاعة ما ناله في طاعة اللّه و ماذا لقي

ما يصنع العبد بغير التّقي و العزّ كلّ العزّ للمتّقي

فقلت:يا أهل مكّة من هذا الفتي؟

قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (1).

و قال الأصمعي:كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب طريف الشمائل و عليه ذوابتان و هو متعلّق بأستار الكعبة و هو يقول:نامت العيون و غارت النجوم و أنت الملك الحيّ القيّوم،غلقت الملوك أبوابها و أقامت عليها حرّاسها و بابك مفتوح للسائلين،جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين،ثمّ أنشأ يقول،شعر:

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظلم يا كاشف الضرّ و البلوي مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة و أنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به فارحم بكائي بحقّ البيت و الحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود علي العاصين بالنّعم

فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السّلام (2).

و قال عليه السّلام:

لنحن علي الحوض روّاده نذود و نسقي ورّاده

و ما فاز من فاز إلاّ بنا و ما خاب من حبّنا زاده

و من سرّنا نال منّا السرور و من ساءنا ساء ميلاده

و ما كان غاصبنا حقّنا فيوم القيامة ميعاده

و يروي له عليه السّلام:

نحن بنو المصطفي ذو غصص يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا أولنا مبتلي و آخرنا0.

ص: 128


1- الصحيفة السجادية:109،و البحار:51/46.
2- البحار:82/46،و الصحيفة السجادية:500.

يفرح هذا بعيدهم و نحن أعيادنا مآتمنا

و الناس في الأمن و السرور و ما يأمن طول الزمان خائفنا

و ما خصصنا به من الشرف الطائل بين الأنام آفتنا

يحكم فينا و الحكم فيه لنا جاحدنا حقّنا و غاصبنا

و يروي له عليه السّلام:

لباسي للدّنيا التجلّد و الصبر و لبسي للاخري البشاشة و الصبر

إذا اعترني أمر لجأت إلي العرا لأنّي من القوم الذين لهم فخر

ألم تر أنّ العرف قد مات أهله و أنّ الندي و الجود ضمّهما قبر

علي الجود و العرف السلام فما بقي من العرف إلاّ الرّسم في الناس و الذكر (1)

***

شهادة الإمام السجاد عليه السّلام

اشارة

عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس عن أبي الحسن عليه السّلام قال:سمعته يقول:إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمّا حضرته الوفاة أغمي عليه ثمّ فتح عينيه و قرأ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (2)و إِنّا فَتَحْنا لَكَ (3)و قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ،فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ .ثمّ قبض من ساعته و لم يقل شيئا (4).

عن ابن مسكان عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قبض عليّ بن الحسين عليهما السّلام و هو ابن سبع و خمسين سنة،في عام خمس و تسعين،عاش بعد الحسين خمسا و ثلاثين سنة (5).

و قال الصدوق سمه الوليد بن عبد الملك لعنه اللّه فقتله،و قال حمد اللّه المستوفي:ذهب علماء الشيعة إلي أن الوليد بن عبد الملك بن مروان سمه (6).

و في كتاب كشف اليقين توفّي عليه السّلام في ثامن عشر من المحرّم سنة أربع و تسعين و قيل:خمس و تسعين و كان عمره عليه السّلام سبعا و خمسين سنة كان منها مع جدّه سنتين و مع عمّه الحسن عشر سنين و أقام مع أبيه بعد عمّه عشر سنين و بعد قتل أبيه تتمّة ذلك (7).

ص: 129


1- مناقب آل أبي طالب:304/3.
2- سورة الواقعة،الآية:1.
3- سورة الفتح،الآية:1.
4- سورة الزمر،الآية:74.
5- الكافي:468/1 ح 6،و البحار:152/46.
6- شرح أصول الكافي:38/6 ح 3،و البحار:215/27.
7- كشف الغمة:294/2،و البحار:12/46 ح 23.

و قد سمّه الوليد بن عبد الملك علي ما تظافرت به الروايات و في بعضها أنّ هشاما سمّه في خلافة أخيه الوليد عليهما لعائن اللّه و الملائكة و الناس أجمعين.

و في كتاب العدد أنّ السنة التي مات فيها عليه السّلام تسمّي سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من العلماء و كان زين العابدين عليه السّلام سيّد الفقهاء مات في أوّلها و تتالي الناس بعده سعيد بن المسيّب و عروة بن الزبير و سعيد بن جبير و عامّة فقهاء المدينة (1).

و قال أبو نعيم:توفي سنة اثنتين و تسعين.و قال بعض أهله:أربع و تسعين.

قال الواقدي:أخبرني عبد الرحيم بن أبي فروة أنه توفي بالمدينة،فدفن بالبقيع سنة أربع و تسعين،و قال أبو نعيم:توفي سنة اثنتين و تسعين.

قال ابن أبي شيبة:مات سنة ثنتين و تسعين،و قال يحيي بن بكير:مات سنة أربع أو خمس و تسعين،سنّه ثمان و خمسون،قاله الذّهلي عنه.

و عن خليفة بن خياط قال:و قال أبو نعيم:فيها-يعني سنة اثنتين و تسعين-مات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،و يقال:أربع و تسعين (2).

و عن علي بن المديني:مات علي بن حسين ابن علي بن أبي طالب سنة اثنتين و تسعين (3).

و عن معن قال:توفي أنس بن مالك،و علي بن حسين،و أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث،و عروة بن الزبير سنة ثلاث و تسعين،و قال بعضهم:سنة أربع،و قيل:خمس و تسعين (4).

و عن جعفر بن محمد عليهما السّلام عن أبيه أن علي بن حسين مات سنة أربع و تسعين،و دفن بالبقيع في أول السنة (5).

و عنه عليه السّلام قال:مات علي بن حسين و هو ابن ثمان و خمسين سنة.

و قال محمّد بن عمر:فهذا يدلّك علي أنّ علي بن حسين كان مع أبيه و هو ابن ثلاث أو أربع و عشرين سنة،و ليس قول من قال:إنه كان صغيرا و لم يكن أنبت بشيء،و لكنه كان يومئذ مريضا، فلم يقاتل،و كيف يكون يومئذ لم ينبت،و قد ولد له أبو جعفر محمّد بن علي؟و لقي أبو جعفر جابر بن عبد اللّه،و روي عنه،و إنما مات جابر سنة ثمان و تسعين (6).

***5.

ص: 130


1- البحار:154/46.
2- تاريخ خليفة بن خياط ص 304.
3- تاريخ مدينة دمشق:413/41.
4- تهذيب الكمال:403/20.
5- طبقات ابن سعد:221/5.
6- الطبقات الكبري لابن سعد:221/5.

حزن الناقة علي علي بن الحسين عليه السّلام

عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:كان لعليّ بن الحسين عليهما السّلام ناقة،حجّ عليها اثنين و عشرين حجّة،ما قرعها قرعة قطّ،قال:فجاءت بعد موته و ما شعرنا بها إلاّ و قد جاءني بعض خدمنا أو بعض الموالي فقال:إنّ النّاقة قد خرجت فأتت قبر عليّ بن الحسين فانبركت عليه، فدلكت بجرانها القبر و هي ترغو (1).

فقلت:أدركوها أدركوها و جيئوني بها قبل أن يعلموا بها أو يروها.

قال:و ما كانت رأت القبر قطّ (2).

و روي أنها لم تلبث إلاّ ثلاثة أيّام حتّي ماتت فدفنها عليه السّلام لأنّها من نعم الجنّة كما ورد في الرواية (3).

***

فضل زيارة علي بن الحسين عليه السّلام

الكليني،عن أبي علي الأشعري،عن عبد اللّه بن موسي،عن الحسن بن علي الوشاء قال:

سمعت الرضا عليه السّلام يقول:إنّ لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إنّ من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة (4).

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن صالح بن عقبة،عن زيد الشحام،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار أحدا منكم؟

قال:كمن زار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (5).

و عن الصدوق رفعه إلي الصادق عليه السّلام انّه قال:من زار واحدا منّا كان كمن زار الحسين عليه السّلام (6).

ص: 131


1- الجران-بكسر الجيم و تخفيف الراء-مقدم عنق البعير من مذبحه إلي منحره و الجمع جرن،و الرغا صوت ذوات الخف،رغي البعير و النعام و الظبي رغاء بالضم صوتت فضجت.
2- الكافي:467/1 ح 2،و البحار:148/46 ح 2.
3- الكافي:467/1 ح 2،و البحار:148/46 ح 2.
4- الكافي:567/4 ح 2.
5- الكافي:579/4 ح 1.
6- ثواب الأعمال:123.

الطوسي بإسناده،عن محمّد بن أحمد بن داود،عن أحمد بن محمّد بن سعيد،عن أحمد بن يوسف،عن هارون بن مسلم،عن أبي عبد اللّه الحراني قال قلت:لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:من أتاه و زاره و صلي عنده ركعتين كتب له حجة مبرورة فإن صلي عنده أربع ركعات كتب له حجة و عمرة،قلت:جعلت فداك و كذلك لكلّ من زار اماما مفترضة طاعته؟

قال:و كذلك كلّ من زار إماما مفترضة طاعته (1).

و عن الطوسي رفعه إلي الصادق عليه السّلام انّه قال:من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا (2).

الطوسي رفعه إلي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام انّه قال:من زار جعفرا أو أباه عليهما السّلام لم يشتك عينه و لم يصبه سقم و لم يمت مبتلي (3).

***

ذكر حال من عاصره من الملوك

اشارة

و الشخصيات و رجوعهم إليه

عاشر من الملوك يزيد و معاوية بن يزيد و مروان بن الحكم و عبد الملك بن مروان و توفي في ملك الوليد بن عبد الملك.

استقدمه عبد الملك بن مروان في خلافته يستشيره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب إليه فيه من أمر السكة و طراز القراطيس (4).

***

أصحاب علي بن الحسين عليه السّلام

قال صاحب المناقب:و من رجاله عليه السّلام من التابعين أبو محمّد سعيد بن جبير نزيل مكّة و كان يسمّي جهيد العلماء و يقرأ القرآن في ركعتين قيل:و ما علي الأرض أحد إلاّ و هو محتاج إلي علمه و كان يأتمّ بعليّ بن الحسين فكان يثني عليه و ما كان سبب قتل الحجّاج له إلاّ علي هذا الأمر (5).

و ذكر أنّه لمّا دخل علي الحجّاج قال:أنت شقيّ بن كسير قال:أمّي كانت أعرف بي سمّتني

ص: 132


1- التهذيب:79/6 ح 4.
2- التهذيب:78/6.
3- التهذيب:78/6.
4- راجع المحاسن و المساويء 522 محاسن المسافر.
5- مناقب آل أبي طالب:311/3،و البحار.

سعيد بن جبير،قال:ما تقول في أبي بكر و عمر هما في الجنّة أو في النار؟

قال:لو دخلت الجنّة فنظرت إلي أهلها لعلمت من فيها،و لو ركبت النار لعلمت من فيها.

قال:فما قولك في الخلفاء؟

قال:لست عليهم بوكيل.

قال:أيّهم أحبّ إليك؟قال:أبيت أن تصدقني.

قال:بل لم أحبّ أن أكذبك (1).

***

حال معاوية بن يزيد بن معاوية

روي أنّه لمّا نزع معاوية بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة قام خطيبا فقال:أيّها الناس إنّا بلينا بكم و بليتم بنا إلاّ أنّ جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولي بالأمر منه في قدمه و سابقته عليّ بن أبي طالب فركب جدّي منه ما تعلمون و ركبتم معه ما لا تجهلون حتّي صار رهين عمله و ضجيع حفرته تجاوز اللّه عنه ثمّ صار الأمر إلي أبي و لقد كان خليقا أن لا يركب سنة إذ كان غير خليق بالخلافة فقلّت مدّته و انقطعت آثاره و خمدت ناره و لقد أنسانا الحزن له علي الحزن عليه،ثمّ أخفت يترحّم علي أبيه،و صرت أنا الثالث و ما كنت لأتحمّل آثامكم شأنكم و أمركم و لّوه من شئتم.

فقال له مروان بن الحكم:يا أبا ليلي سنّة عمرية.

فقال:يا مروان أتخدعني عن ديني آتيني برجال كرجال عمر أجعلها بينهم شوري و اللّه إن كانت الخلافة مغنما فقد أصبنا منها حظّنا و لئن كانت شرّا فحسب آل أبي سفيان و ما أصابوا منها ثمّ نزل.

فقالت له أمّه:ليتك كنت حيضة.

فقال:أنا وددت ذلك و لم أعلم أنّ للّه نارا يعذّب بها من عصاه و أخذ من غير حقّه (2).

و هلك يزيد و هو ابن ثلاثة و ستّين سنة و ولّي الأمر أربع سنين و هلك معاوية بن يزيد و هو ابن إحدي و عشرين سنة و ولّي الأمر أربعين ليلة (3)

***

ص: 133


1- الاختصاص:205،و البحار:42/11.
2- البحار:119/46 ح 7.
3- الاختصاص:131.

شدّة عداوة بني أود لعلي و ولده

و في كتاب فرحة الغري روي هشام الكلبي عن أبيه قال:أدركت بني أود و هم يعلّمون أبناءهم و نساءهم سبّ عليّ بن أبي طالب و فيهم رجل دخل علي الحجّاج يوما فأغلظ له الحجّاج في الجواب فقال:لا تقل هذا أيّها الأمير فلا لقريش و لا لثقيف منقبة يعتدّون بها إلاّ و نحن نعتدّ بمثلها.

قال له:و ما مناقبكم؟قال:ما ينقص عثمان و لا يذكر بسوء في مجالسنا قط.

قال:هذه منقبة،قال:و ما رأي بنا خارجي قط يعني من الذين خرجوا علي الحجّاج و قاتلوه.

قال:و منقبة.

قال:و ما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلاّ رجل واحد فأسقطه ذلك عندنا و أخمله فما له عندنا قدر و لا قيمة.

قال:و منقبة.

قال:و ما أراد منّا رجل قط أن يتزوّج امرأة إلاّ سأل عنها هل تحبّ أبا تراب أو تذكره بخير فإن قيل إنّها تفعل ذلك اجتنبها فلم يتزوّجها.

قال:و منقبة.

قال:فما ولد فينا ذكر فسمّي عليّا و لا حسنا و لا حسينا و لا ولدت فينا جارية فسمّيت فاطمة.

قال:و منقبة.

قال:و نذرت امرأة منّا حين أقبل الحسين إلي العراق إن قتله اللّه أن تنحر جزورا فلمّا قتل وفت بنذرها.

قال:و منقبة.

قال:ودعي رجل منّا إلي البراءة من عليّ و لعنه فقال:نعم و أزيدكم حسنا و حسينا.

قال:و منقبة.

و الله قال لنا أمير المؤمنين عبد الملك:أنتم الشعار دون الدثار و أنتم الأنصار بعد الأنصار.

قال:و منقبة.

قال:و ما بالكوفة ملاحة إلاّ ملاحة بني أود فضحك الحجّاج.

قال هشام بن الكلبي:قال لي أبي فسلبهم اللّه ملاحتهم (1).

***

ص: 134


1- البحار:120/46 ح 10،و فرحة الغري:51.

بين زين العابدين و محمد بن الحنفية عليهما السّلام

و عن أبي عبيدة و زرارة جميعا عن أبي جعفر قال:لمّا قتل الحسين أرسل محمّد بن الحنفيّة إلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام فخلي به فقال له:يا ابن أخي قد علمت أنّ رسول اللّه دفع الوصيّة و الإمامة من بعده إلي أمير المؤمنين ثمّ إلي الحسن ثم إلي الحسين عليهما السّلام و قد قتل أبوك رضي اللّه عنه و صلّي علي روحه و لم يوص و أنا عمك و صنو أبيك و ولادتي من عليّ في سنّي و قدمي أحقّ بها في حداثتك فلا تنازعني في الوصيّة و الإمامة و لا تحاجّني.

فقال له عليّ بن الحسين عليه السّلام:اتّق اللّه و لا تدّع ما ليس لك بحقّ إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين إن أبي يا عمّ صلوات اللّه عليه أوصي إليّ قبل أن يتوجّه إلي العراق و عهد إليّ في ذلك قبل أن يشهد (1)بساعة و هذا سلاح رسول اللّه عندي فلا تتعرّض لهذا فإنّي أخاف عليك نقص العمر و تشتّت الحال،إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل الوصيّة و الإمامة في عقب الحسين فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلي الحجر حتّي نتحاكم إليه و نسأله عن ذلك.

قال أبو جعفر:و كان الكلام بينهما بمكة فانطلقا حتي أتيا الحجر الأسود،فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمحمّد بن الحنفيّة:إبدأ أنت فابتهل إلي اللّه عزّ و جلّ و اسأله أن ينطق لك الحجر ثمّ اسأل.

فابتهل محمّد في الدّعاء و سأل اللّه عزّ و جلّ ثم دعا الحجر فلم يجبه.

فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:يا عمّ لو كنت وصيّا و إماما لأجابك.

قال له محمّد:فادع اللّه أنت يابن أخي و اسأله.

فدعا اللّه عليّ بن الحسين عليهما السّلام بما أراد ثمّ قال:

أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء و ميثاق الأوصياء و ميثاق النّاس أجمعين لما خبّرتنا من الوصيّ و الإمام بعد الحسين بن عليّ عليهما السّلام؟

قال:فتحرّك الحجر حتّي كاد أن يزول عن موضعه ثمّ أنطقه اللّه عزّ و جلّ بلسان عربي مبين فقال:اللّهم إنّ الوصيّة و الإمامة بعد الحسين بن عليّ بن فاطمة بنت رسول اللّه لك.

قال:فانصرف محمّد بن عليّ و هو يتولي عليّ بن الحسين عليهما السّلام (2)

***

ص: 135


1- في نسخة:يستشهد.
2- بصائر الدرجات:522 ح 3،و الكافي:348/1 ح 5.

بين علي بن الحسين عليه السّلام و عبيد الله

الحكم بن محمّد بن القاسم الثقفي،حدثني أبي عن أبيه إنه حضر عبيد اللّه بن زياد حين أتي برأس الحسين فجعل ينكث بقضيب ثناياه و يقول:إن كان لحسن الثّغر،فقال له زيد بن أرقم:إرفع قضيبك،و طال ما رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يلثم موضعه،فقال:إنّك شيخ خرفت،فقام زيد يجرّ ثوبه، ثم عرضوا عليه،فأمر بضرب عنق علي بن الحسين،فقال له علي:إن كان بينك و بين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن،فقال:تؤديهن أنت،و كأنه استحيا،و صرف اللّه عن علي بن الحسين القتل.

قال القاسم بن محمد:و ما رأيت منظرا قط أفظع من إلقاء رأس الحسين بين يديه و هو ينكته.

و عن مصعب بن عبد اللّه،قال:كان علي الأصغر بن الحسين مع أبيه،و هو يومئذ ابن ثلاث و عشرين سنة،و كان مريضا،فلما قتل الحسين قال عمر بن سعد:لا تعرّضوا لهذا المريض،قال علي بن الحسين:فغيّبني رجل منهم و أكرم نزلي،و اختصّني،و جعل يبكي كلما دخل و خرج،حتي كنت أقول:إن يكن عند أحد خير فعند هذا.إلي أن نادي منادي ابن زياد:ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به،فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم.

قال:فدخل و اللّه عليّ و هو يبكي،و جعل يربط يديّ إلي عنقي،و هو يقول:أخاف،فأخرجني إليهم مربوطا،حتي دفعني إليهم و أخذ ثلاثمائة درهم،و أنا أنظر،فأدخلت علي ابن زياد،فقال:ما اسمك؟فقلت:علي بن حسين.

قال:أو لم يقتل اللّه عليا،قال:قلت:كان لي أخ أكبر مني يقال له علي،قتله الناس.

قال:بل اللّه قتله،قلت: اَللّهُ يَتَوَفَّي الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (1)فأمر بقتله.

فصاحت زينب بنت علي:يابن زياد،حسبك من دمائنا،أسألك باللّه إن قتلته إلاّ قتلتني معه، فتركه (2).

***

بين علي بن الحسين عليه السّلام و يزيد

لما صار الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السّلام إلي يزيد بن معاوية قام رجل من أهل الشام فقال:إنّ نساءهم لنا حلال.

فقال علي بن الحسين عليه السّلام:كذبت ما ذاك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا.

ص: 136


1- سورة الزمر،الآية:42.
2- نسب قريش للمصعب الزبيري ص:58.

فأطرق يزيد مليّا ثم قال لعلي بن حسين:إن أحببت أن تقيم عندنا فتصل رحمك،فعلت و إن أحببت وصلتك و رددتك إلي بلدك.

قال عليه السّلام:بل تردّني إلي المدينة،فردّه (1).

***

بين علي بن الحسين عليه السّلام و الخضر

عن أبي حمزة الثّمالي قال::أتيت باب علي بن الحسين فكرهت أن أصوت،فقعدت حتي خرج فسلّمت عليه و دعوت له فردّ عليّ ثم انتهي إلي حائط فقال عليه السّلام:يا أبا حمزة تري هذا الحائط.

فقلت:بلي يابن رسول اللّه.

قال:فإني إتكأت عليه يوما،و أنا حزين فإذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في اتجاه وجهي.

ثم قال لي:يا علي بن الحسين مالي أراك كئيبا،أعلي الدنيا؟فهو رزق حاضر يأكل منه البر و الفاجر.

قال:قلت:ما عليها أحزن و هو كما تقول.

فقال:أعلي الآخرة؟فهو وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر.

قال:قلت:ما علي هذا أحزن هو كما تقول.

فقال:ما حزنك يا علي؟

فقلت:ما أتخوف من فتنة ابن الزبير (2).

فقال:يا علي هل رأيت أحدا سأل اللّه فلم يعطه؟

قلت:لا.

ص: 137


1- نسب قريش للمصعب الزبيري:58.
2- هو عبد الله بن الزبير بن العوام،و كان ممن إمتنع من مبايعة يزيد-لعنه الله-و آوي إلي مكة فحاصره أصحاب يزيد،و نصبوا له المنجنيق علي الكعبة،و رموها بالنار،فلما مات يزيد في سنة أربع و ستين بايعه أهل الحرمين بالخلافة،بعد أن بقي الناس بغير خلافة أكثر من شهرين ثم بايعه أهل العراق و اليمن،و في سنة ثلاث و سبعين نازل الحجاج ابن الزبير بأمر من عبد الملك بن مروان،فحاصره و نصب المنجنيق و رمي الكعبة و دام القتال أشهرا،حتي قتل في هذه الفتنة خلق كثير،و لذلك كان الإمام عليه السّلام يتخوف علي الناس من هذه الفتنة.

قال:فخاف اللّه فلم يكفه؟

قلت:لا،فغاب عني.

فقيل لي:يا علي بن الحسين هذا الخضر ناجاك (1).

***

بين علي بن الحسين عليه السّلام و عبد الملك بن مروان

روي محمّد بن سعد في الطبقات عن علي بن محمد،عن عثمان بن عثمان قال:زوّج علي بن حسين ابنة من مولاه،و أعتق جارية له و تزوجها.

فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك.

فكتب إليه علي:لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة قد أعتق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صفية بنت حيي و تزوجها،و أعتق زيد بن حارثة و زوّجه ابنة عمته زينب بنت جحش (2).

و من كتاب العقد أنّه كتب ملك الروم إلي عبد الملك أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة،لأغزونّك بجنود مائة ألف و مائة ألف و مائة ألف فكتب عبد الملك إلي الحجّاج أن يبعث إلي زين العابدين يتهدّده و يتوعّده و يكتب إليه ما يقول،ففعل.

فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ للّه لوحا محفوظا يلحظه في كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ليس منها لحظة إلاّ يحيي فيها و يميت و يعزّ و يذلّ و يفعل ما يشاء و إنّي لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة.

فكتب بها الحجّاج إلي عبد الملك فكتب عبد الملك بذلك إلي ملك الروم فلمّا قرأه قال:ما خرج هذا إلاّ من كلام النبوّة (3).

***

بين علي بن الحسين عليه السّلام و عمر بن عبد العزيز

في بصائر الدرجات مسندا إلي عبد اللّه التميمي قال:كنت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام في المسجد فمرّ عمر بن عبد العزيز عليه شراكا فضّة و كان شابّا،فقال عليه السّلام:أتري هذا المترف إنّه لن يموت حتّي يلي الناس،قال:قلت:هذا الفاسق؟

ص: 138


1- حلية الأولياء 134/3،مختصر تاريخ دمشق 238/17،و نور الأبصار:157،و مناقب آل أبي طالب /4 149.
2- طبقات ابن سعد 214/5.
3- مناقب آل أبي طالب:299/3،و البحار:133/46 ح 22.

قال:نعم،فلا يلبث فيهم إلاّ يسيرا حتّي يموت فإذا هو مات لعنه أهل السماء و استغفر له أهل الأرض (1).

و عن الثمالي قال:كنت مع عليّ بن الحسين في داره و فيها شجرة فيها عصافير فطارت و صوّتت فقال:إنّها تقدّس ربّها و تسأله قوت يومها (2)

و في آخر:أنّ لهنّ وقتا يسألن فيه قوتهن،يا أبا حمزة لا تنام قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك؛إنّ اللّه يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد و علي أيدينا يجريها (3).

***

بين علي بن الحسين عليه السّلام و الحسن البصري

و في الاحتجاج روي أنّ زين العابدين عليه السّلام مرّ بالحسن البصري و هو يعظ الناس بمعني فوقف عليه ثمّ قال له:أمسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم أترضاها لنفسك فيما بينك و بين اللّه للموت إذا نزل بك غدا؟قال:لا،قال:أفتحدّث نفسك بالتحوّل و الانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلي الحال التي ترضاها؟

فأطرق مليّا ثمّ قال:إنّي أقول ذلك بلا حقيقة.

فقال:أفترجو نبيّا بعد محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يكون لك معه سابقة؟قال:لا،قال:أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟قال:لا،قال:أفرأيت أحدا فيه مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا إنّك علي حال لا ترضاها و لا تحدّث نفسك بالإنتقال إلي حال ترضاها علي حقيقة و لا ترجو نبيّا بعد محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا دارا غير الدار التي أنت فيها فتردّ إليها فتعمل فيها و أنت تعظ الناس.

فلمّا ولّي عليه السّلام قال الحسن البصري:من هذا؟قالوا؛عليّ بن الحسين،قال:أهل بيت علم، فما رئي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس (4).

***

بين علي بن الحسين عليه السّلام و الحجاج

اشارة

في الكافي عن أبان بن تغلب قال:لمّا هدم الحجّاج الكعبة فرّق الناس ترابها فلمّا صاروا إلي

ص: 139


1- مناقب آل أبي طالب:284/3،و بصائر الدرجات:1/190.
2- تفسير أبي حمزة الثمالي:232 ح 179،و البحار:23/46 ح 3.
3- البحار:24/46 ح 5،و مستدرك سفينة البحار:192/10.
4- البحار:146/10 ح 2.

بنائها خرجت إليهم حيّة فمنعتهم عن البناء فصعد الحجّاج المنبر و قال:رحم اللّه عبدا عنده علم ممّا ابتلينا به.

فقام إليه شيخ و قال:علمها عند عليّ بن الحسين.

فقال:معدن ذلك،فبعث إليه و أخبره بخبر الحيّة فقال له:يا حجّاج عمدت إلي بناء إبراهيم و إسماعيل فألقيته في الطريق و انتهبته كأنّك تري أنّه تراث لك،إصعد المنبر و أنشد الناس أن لا يبقي أحد منهم أخذ من ترابها إلاّ ردّه.فلمّا رجع التراب وضع عليه الأساس و أمرهم أن يحفروا فغابت عنهم الحيّة فلمّا انتهوا إلي موضع القواعد قال لهم:تنحّوا فدنا منها و غطّاها بثوبه ثمّ بكي و غطّاها بالتراب ثمّ دعي لفعله فقال:ضعوا بناءكم فوضعوا البناء فلمّا ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فألقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج.

اعلم أن الحجّاج هدم الكعبة لمّا قاتل ابن الزبير من قبل عبد الملك بن مروان لأنّه لمّا هلك يزيد بن معاوية لعنة اللّه عليهما بايع أهل الحجاز لعبد اللّه بن الزبير و كان الخليفة في الحجاز،فلمّا استقلّ الأمر لعبد الملك في الشام سيّر الحجّاج علي الحجاز فقاتل ابن الزبير بمكّة شرّفها اللّه تعالي و قتل من قتل من عسكر ابن الزبير و طلب الباقون الأمان من الحجّاج حتّي ولدي ابن الزبير و لمّا أخذوا عليه الطرقات إلتجأ إلي دخول الكعبة فدخلها و سلّ سيفه و سار يقتل كلّ من دخل إليه.

فقال الحجّاج:أنصبوا علي الكعبة المنجنيق فرموها و هدّموا سقفها علي ابن الزبير فمات فأمر بإخراجه و صلبه علي الخشبة أيّاما كثيرة ينتظر التماس أمّ عبد اللّه لأنّها كانت معه بمكّة و هي التي حرّضته علي الحرب و أن لا يسالم القوم و هي تراه علي الخشبة كلّ ساعة فما طلبت من الحجّاج انزاله فلمّا طالت الأيّام قالت يوما:ما بال هذا الإمام لم ينزل عن خشبته،فبلغ الحجّاج فأنزله و أرسله إليها فوضعته بين يديها.و من حبّها له درّ لبنها عليه (1).

و في الحديث:إنّ اللّه سبحانه لم يجر ابن الزبير لأنّه كان مثل الحجّاج في الفساد و الإنحراف عن أهل البيت عليهم السّلام و هو الذي حمل أباه الزبير علي حرب الجمل حتّي قال أمير المؤمنين عليه السّلام:ما زال الزبير رجلا منّا حتّي نشأ ولده عبد اللّه فأخرجه منّا.

و ذلك أنّ عائشة خالته فأخذته علي مذهبها و جرّ هو أباه (2).

***1.

ص: 140


1- من لا يحضره الفقيه:247/2.
2- البحار:347/28،و شرح النهج لابن أبي الحديد:22/1.

بين حرة و الحجاج

في كتاب فضائل ابن شاذان و كتاب الروضة عن جماعة من الثقاة أنّه لمّا وردت حرّة بنت حليمة السعدية علي الحجّاج قال لها:أنت حرّة بنت حليمة السعدية؟قالت له:فراسة من غير مؤمن.

فقال لها:اللّه جاء بك فقد قيل عنك إنّك تفضّلين عليّا علي أبي بكر و عمر و عثمان؟

فقالت:لقد كذب الذي قال إنّي أفضّله علي هؤلاء خاصة،أنا أفضّله علي آدم و نوح و لوط و إبراهيم و موسي و داود و سليمان و عيسي ابن مريم.

فقال:و يلك تفضّليه علي الصحابة و تزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم؟إن لم تأتيني ببيان ما قلت ضربت عنقك.

فقالت:ما أنا فضّلته علي هؤلاء الأنبياء و لكنّ اللّه فضّله عليهم في القرآن بقوله عزّ و جلّ في حقّ آدم وَ عَصي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوي (1)و قال في حقّ عليّ:و كان سعيه مشكورا.

فقال:أحسنت يا حرّة،فبما تفضّليه علي نوح و لوط؟

فقالت:اللّه تعالي فضّله عليهما بقوله: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (2)و عليّ بن أبي طالب كان ملاكه تحت سدرة المنتهي زوجته الزهراء التي يرضي اللّه لرضاها و يسخط لسخطها.

فقال:أحسنت يا حرّة فبم تفضّليه علي أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله؟

فقالت:اللّه فضّله بقوله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (3)،و مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين:لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا،و هذه كلمة ما قالها أحد قبله و لا بعده.

قال:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه علي موسي كليم الله؟

قالت:بقول اللّه عزّ و جلّ: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ (4)و عليّ بن أبي طالب بات علي فراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يخف حتّي أنزل اللّه في حقّه: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ (5).

ص: 141


1- سورة طه،الآية:121.
2- سورة التحريم،الآية:10.
3- سورة البقرة،الآية:260.
4- سورة القصص،الآية:21.
5- سورة البقرة،الآية:207.

قال الحجّاج:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه علي داود و سليمان عليهما السّلام؟

قالت:اللّه تعالي فضّله عليهما بقوله عزّ و جلّ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوي فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (1).

قال لها:في أيّ شيء كانت حكومته؟

قالت:في رجلين رجل كان له كرم و الآخر له غنم فوقعت الغنم في الكرم فرعته فاحتكما إلي داود عليه السّلام فقال:تباع الغنم و ينفق ثمنها علي الكرم حتّي يعود علي ما كان عليه،فقال له ولده:لا يا أبت بل يؤخذ من لبنها و صوفها قال اللّه تعالي: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ (2)و أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:سلوني عمّا فوق العرش سلوني عمّا تحت العرش قبل أن تفقدوني و أنّه دخل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم فتح خيبر فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للحاضرين:أفضلكم و أعلمكم و أقضاكم عليّ.

فقال لها:أحسنت،فبم تفضّليه علي سليمان؟

فقالت:اللّه تعالي فضّله عليه بقوله تعالي: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي (3).

و مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:طلّقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك فعند ذلك أنزل اللّه تعالي فيه: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً (4).

فقال:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه علي عيسي ابن مريم؟

قالت:اللّه فضّله بقوله: وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ* ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ (5).

فأخّر الحكومة إلي يوم القيامة،و عليّ بن أبي طالب لمّا ادّعوا فيه النصيرية ما ادّعوه لم يعاتبهم و لم يؤخّر حكومتهم.

قال:أحسنت يا حرّة خرجت من جوابك ثمّ أجازها و أعطاها و سرّحها سراحا حسنا رحمة اللّه عليها (6).

***1.

ص: 142


1- سورة ص،الآية:26.
2- سورة الأنبياء،الآية:79.
3- سورة ص،الآية:35.
4- سورة القصص،الآية:83.
5- سورة المائدة،الآية:116.
6- البحار:134/46-136 ح 25،و مواقف الشيعة:90/1.

أسلوب الدعوة عند علي بن الحسين عليه السّلام

اختلفت الدعوة من إمام إلي إمام عليهم صلوات اللّه جميعا بحسب الظروف و الأوضاع التي كانت تحيط بكل إمام،مع اتحادهم في الهدف و هو مرضاة اللّه تعالي و إعلاء كلمته،و هداية عباده من الضلالة و إخراجهم من الظلمات الشيطانية إلي النور المطلق نور الهداية و العلم و الإيمان.

و هذا لا يعني أنّ الإمام لا يمتلك كل الأساليب بل هم عليهم أفضل الصلاة و السلام في العلم سواء كما تقدم،إنما كان كل إمام منهم عليهم السّلام ينظر إلي المصلحة الكبري و هي مرضاة اللّه و إطاعته فيعمل علي أساسها،فقد تكون سكوتا كما حصل في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام،و قد تكون حربا كما حصل معه أيضا و كما حصل مع إمامنا الحسين عليه السّلام،و قد تكون صلحا كما حصل مع الإمام الحسن عليه السّلام،و قد تكون دعاء كما حصل مع الإمام زين العابدين عليه السّلام،و قد تكون مدرسة علمية و جامعة ثقافية كما حصل مع الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام.

و كان الأسلوب عند الإمام زين العابدين أسلوبا روحيا ألا و هو الدعاء،و الذي محوره تقوية العلاقة بين الإنسان و خالقه.

كان الدعاء للردّ علي ذوي الأفكار المنحرفة في تلك المرحلة التي كثرت فيها الفتوحات و دخلت في الإسلام عناصر جديدة من مختلف الأقطار و المذاهب.

و إستطاع الإمام أن يستقطب مجموعة كبيرة من المؤمنين الذين كانوا يتخبّطون في عصره، و الذين أصبحوا و أولادهم نواة طاهرة لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام في عصر الإمام الباقر و الصادق عليهما السّلام.

***

دعاء علي بن الحسين عليه السّلام المستجاب

في كتاب الاحتجاج عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة عبّاد البصري مثل أيّوب السجستاني و حبيب الفارسي فلمّا دخلنا مكّة رأينا الماء قليلا لقلّة الغيث ففزع إلينا الناس

يسألونا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متذلّلين فمنعنا الإجابة فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتي قد أقبل قد أكربته أحزانه و أقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا و قال:يا مالك بن دينار و يا فلان و يا فلان.

قلنا:لبّيك يا فتي.

فقال:ما فيكم أحد يجبه الرحمن؟

فقلنا:يا فتي علينا الدّعاء و عليه الإجابة.

ص: 143

فقال:ابعدوا عن الكعبة فأتي الكعبة و خرّ ساجدا فقال في سجوده:سيّدي بحبّك لي لأسقيتهم الغيث،فما استتمّ الكلام حتّي أتاهم الغيث كأفواه القرب.

فقلت:يا فتي من أين علمت أنّه يحبّك؟

قال:لو لم يحببني لم يستزرني،فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني فسألته بحبّه لي فأجابني ثمّ ولّي و أنشأ يقول،شعر:

من عرف الربّ فلم تغنه معرفة الربّ فذاك الشقيّ

ما ضرّ في الطاعة ما ناله في طاعة اللّه و ماذا لقي

ما يصنع العبد بغير التّقي و العزّ كلّ العزّ للمتّقي

فقلت:يا أهل مكّة من هذا الفتي؟

قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (1).

قال السيد الجزائري في الرياض:لمّا كان أكثر هؤلاء من صوفية أهل الخلاف الذين يدّعون محبّة اللّه سبحانه لهم و أنّهم ممّن يستجاب دعاءه بيّن لهم عليه السّلام أنّ اللّه لا يحبّهم و لا يقبل لهم دعاء؛ لأنّ القبول فرع المحبّة و إلاّ فما يترتّب علي دعاء من لا يحبّه اللّه مثل المخالفين في الأديان و المذاهب ليس من باب القبول بل هو إمّا استدراج لهم أو لأنّه سبحانه لا يحب أن ترفع إليه أصواتهم.

كما جاء في الرواية من تأخير إجابة المؤمن،لأنّ اللّه سبحانه يحبّ أن يسمع صوته و قوله:لم يستزرني فيه طعن عليهم بأنّ اللّه سبحانه لم يأمرهم و لم يطلب منهم زيارة بيته،ثمّ انظر إلي تفاوت مقامات زين العابدين عليه السّلام حيث يقول هنا:سيّدي بحبّك لي و يقول في أدعية الصحيفة:لو قمت لك حتّي ينخلع صلبي و بكيت لك حتّي تتفقّأ حدقتاي إلي قوله:ما استحققت محو سيّئة واحدة من سيّئاتي و هذه الطريقة أخذها من جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام فإنّه كان يقرب نفسه و ينبسط معها إلي ربّه حتّي يقول:ما عبدتك خوفا من نارك و يبعدها في مقام آخر حتّي تري أنّه فعل ذنوبا تبلغ به حدّ الأياس و هذه طريقة تخصّهم و ليست هي مورد لكلّ وارد و تحقيق الكلام في المقامين يطلب من محاله و قد كشفنا عنها في شرح كتاب التوحيد لابن بابويه طيّب اللّه ثراه (2).

***

بحث حول الدعاء

اشارة

قال تعالي: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.

ص: 144


1- الصحيفة السجادية:109،و البحار:51/46.
2- رياض الأبرار،مخطوط.

و قال عز من قائل وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (1).

ثم يقول: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ .

و قال تعالي: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي،وَ لْيُؤْمِنُوا بِي،لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (2).

و قال تعالي: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ (3).

قال الإمام الصادق عليه السّلام قال:«الدّعاء يردّ القضاء بعد ما أبرم إبراما فأكثر من الدّعاء فإنّه مفتاح كلّ رحمة و نجاح كلّ حاجة و لا ينال ما عند الله عزّ و جلّ إلاّ بالدّعاء و إنّه ليس باب يكثر قرعه إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه» (4).

***

المفهوم الحقيقي للدعاء

قال صاحب تفسير الأمثل:علمنا أنّ الدعاء إنّما يكون فيما خرج عن دائرة قدرتنا،بعبارة أخري الدعاء المستجاب هو ما صدر لدي الإضطرار و بعد بذل كل الجهود و الطاقات أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ (5).

يتّضح من ذلك أنّ مفهوم الدعاء طلب تهيئة الأسباب و العوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان،و هذا الطلب يتجه به الإنسان إلي من قدرته لا متناهية و من يهون عليه كل أمر.

هذا الطلب طبعا يجب أن لا يصدر من لسان الإنسان فقط،بل من جميع وجوده،و اللسان ترجمان جميع ذرات وجود الإنسان و أعضائه و جوارحه.

يرتبط القلب و الروح باللّه عن طريق الدعاء إرتباطا و ثيقا،و يكتسبان القدرة عن طريق اتصالهما المعنوي بالمبدأ الكبير،كما تتصل القطرة من الماء بالبحر الواسع العظيم.

جدير بالذكر أنّ هناك نوعا آخر من الدعاء يردّده المؤمن حتي فيما اقتدر عليه من الأمور،ليعبّر به عن عدم استقلال قدرته عن قدرة الباري تعالي،و ليؤكد أنّ العلل و العوامل الطبيعية إنما هي منه سبحانه،و تحت إمرته.فإن بحثنا عن الدواء لشفاء دائنا،فإنّما نبحث عنه لأنّه سبحانه أودع في الدواء خاصية الشفاء(هذا نوع آخر من الدعاء أشارت إليه الروايات الإسلامية أيضا).

ص: 145


1- سورة ق،الآية:16.
2- سورة البقرة،الآية:186.
3- سورة الأنفال،الآية:24.
4- أصول الكافي،ج 2،كتاب الدعاء(باب إن الدعاء يرد البلاء)،الحديث 7.
5- سورة النمل،الآية:62.

بعبارة موجزة:الدعاء نوع من التوعية و إيقاظ القلب و العقل،و إرتباط داخلي بمبدأ كل لطف و إحسان،لذلك نري أمير المؤمنين عليا عليه السّلام يقول:«لا يقبل الله عزّ و جلّ دعاء قلب لاه» (1).

و عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«إنّ الله عزّ و جلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه» (2).

***

شروط استجابة الدعاء

دراسة شروط استجابة الدعاء توضّح لنا كثيرا من الحقائق الغامضة في مسألة الدعاء،و تبين لنا آثاره البناءة،و الروايات الإسلامية تذكر شروطا لاستجابة الدعاء منها:

1-ينبغي لمن يدعو أن يسعي أولا لتطهير قلبه و روحه،و أن يتوب من الذنب،و أن يقتدي بحياة قادة البشرية الإلهيين.

عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إيّاكم أن يسأل أحدكم ربّه شيئا من حوائج الدّنيا و الاخرة حتّي يبدأ بالثّناء علي الله،و المدحة له و الصّلاة علي النّبيّ و آله،و الاعتراف بالذّنب،ثمّ المسألة» (3).

2-أن يسعي الداعي إلي تطهير أمواله من كل غصب و ظلم،و أن لا يكون طعامه من حرام.

عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«من أحبّ أن يستجاب دعاؤه فليطب مطعمه و مكسبه» (4).

3-أن لا يفترق الدعاء عن الجهاد المستمرّ ضدّ كل ألوان الفساد،لأنّ اللّه لا يستجيب ممن ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر،أو ليسلّطنّ الله شراركم علي خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» (5).

ترك هذه الفريضة الإلهية(فريضة المراقبة الإجتماعية)يؤدي إلي خلوّ الساحة الإجتماعية من الصالحين،و تركها للمفسدين،و عند ذاك لا أثر للدعاء،لأن هذا الوضع الفاسد نتيجة حتمية لأعمال الإنسان نفسه.

4-العمل بالمواثيق الإلهية،الإيمان و العمل الصالح و الأمانة و الصلاح من شروط استجابة الدعاء،فمن لم يف بعهده أمام بارئه لا ينبغي أن يتوقع من اللّه استجابة دعائه.

جاء رجل إلي أمير المؤمنين علي عليه السّلام،و شكا له عدم استجابة دعائه،فقال الإمام:

«إنّ قلوبكم خانت بثمان خصال:

ص: 146


1- أصول الكافي،ج 2،ص 342،باب الإقبال علي الدعاء،الحديث 1.
2- نفس المصدر.
3- سفينة البحار،ج 1،ص 448 و 449.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر السابق.

أوّلها:إنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم،فما أغنت عنكم معرفتكم شيئا.

و الثانية:إنّكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنّته،و أمتّم شريعته فأين ثمرة إيمانكم؟!

و الثّالثة:إنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به،و قلتم سمعنا و أطعنا ثمّ خالفتم!

و الرّابعة:إنّكم قلتم تخافون من النّار،و أنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم؟!

و الخامسة:إنّكم قلتم ترغبون في الجنّة،و أنتم في كلّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها فأين رغبتكم فيها؟

و السّادسة:إنّكم أكلتم نعمة المولي فلم تشكروا عليها!

و السّابعة:إنّ الله أمركم بعداوة الشّيطان،و قال: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، فعاديتموه بلا قول،و واليتموه بلا مخالفة.

و الثّامنة:إنّكم جعلتم عيوب النّاس نصب أعينكم و عيوبكم وراء ظهوركم تلومون من أنتم أحقّ باللوم منه فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا،و قد سددتم أبوابه و طرقه؟فاتّقوا الله و أصلحوا أعمالكم و أخلصوا سرائركم و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم دعاءكم» (1).

هذا الحديث يقول بصراحة:إنّ وعد اللّه باستجابة الدعاء و عد مشروط لا مطلق.مشروط بتنفيذ المواثيق الإلهية،و إن عمل الإنسان بهذه المواثيق الثمانية المذكورة فله أن يتوقع استجابة الدعاء،و إلاّ فلا.

العمل بالأمور الثمانية المذكورة باعتبارها شروطا لاستجابة الدعاء كاف لتربية الإنسان و لإستثمار طاقاته علي طريق مثمر بنّاء.

5-من الشروط الاخري لاستجابة الدعاء العمل و السعي،عن علي عليه السّلام:«الدّاعي بلا عمل كالرّامي بلا وتر» (2).

الوتر بحركته يدفع السهم نحو الهدف،و هكذا دور العمل في الدعاء.

من مجموع شروط الدعاء المذكورة نفهم أنّ الدعاء لا يغنينا عن التوسل بالعوامل الطبيعية،بل أكثر من ذلك يدفعنا إلي توفير شروط إستجابة الدعاء في أنفسنا،و يحدث بذلك تغييرا كبيرا في حياة الإنسان و تجديدا لمسيرته،و إصلاحا لنواقصه.

أليس من الجهل أن يصف شخص الدعاء بهذا المنظار الإسلامي أنه مخدّر؟!

6-و من الشروط المعرفة.قيل للإمام الصادق عليه السّلام:ندعو فلا يستجاب لنا؟7.

ص: 147


1- نفس المصدر.
2- نهج البلاغة،الكلمات القصار،رقم 337.

فقال عليه السّلام:لأنكم تدعون من لا تعرفونه (1).

و عن الرضا:لا ديانة إلا بعد المعرفة و لا معرفة إلا بعد الإخلاص (2).

***

فضل الدعاء

عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (3)قال:هو الدعاء و أفضل العبادة الدعاء قلت:إنّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ (4)قال:

الأوّاه هو الدعاء (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:أدع و لا تقل قد فرغ من الأمر فإنّ الدعاء هو العبادة إنّ اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ و قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (6).

و عن سهل بن زياد،عن جعفر بن محمّد الأشعري،عن ابن القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:أحب الأعمال إلي اللّه في الأرض الدعاء و أفضل العبادة العفاف قال و كان أمير المؤمنين عليه السّلام رجلا دعّاء (7).

و عن صفوان،عن ميسر بن عبد العزيز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال لي:يا ميسر أدع و لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه،إنّ عند اللّه منزله لا تنال إلاّ بمسألة و لو انّ عبدا سدّ فاه و لم يسأل لم يعط شيئا فسل تعط يا ميسر أنّه ليس من باب يقرع إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه (8).

عن سيف التمار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله و لا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها أنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار (9).

***

الدعاء سلاح المؤمن

عن السكوني،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:الدعاء سلاح المؤمن و عمود الدين و نور السماوات و الأرض (10).

ص: 148


1- التوحيد:288 باب 41 ح 7.
2- التوحيد:40 باب 2 ح 2.
3- سورة المؤمن،الآية:60.
4- سورة التوبة،الآية:115.
5- الكافي:466/2 ح 1.
6- الكافي:467/2 ح 5.
7- الكافي:467/2 ح 8.
8- الكافي:466/2 ح 3.
9- الكافي:467/2 ح 6.
10- الكافي:468/2.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام:الدعاء مفاتيح النجاح و مقاليد الفلاح و خير الدعاء ما صدر عن صدر نقي و قلب تقي،و في المناجاة سبب النجاة و بالإخلاص يكون الخلاص فإذا اشتدّ الفزع فإلي اللّه المفزع.

و عن سهل بن زياد،عن جعفر بن محمّد الأشعري،عن ابن القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:الدعاء ترس المؤمن و متي تكثر قرع الباب يفتح لك (1).

و عن ابن فضال،عن بعض أصحابنا،عن الرضا عليه السّلام انّه كان يقول لأصحابه:عليكم بسلاح الأنبياء،فقيل:و ما سلاح الأنبياء؟قال:الدعاء.

و عن ابن أبي عمير،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:الدعاء أنفذ من السنان الحديد (2).

***

الدعاء يرد البلاء و القضاء

عن ابن أبي عمير،عن حماد بن عثمان قال:سمعته يقول:إنّ الدعاء يرد القضاء ينقضه كما ينقض السلك و قد أبرم إبراما (3).

و عن الرضا عليه السّلام قال:قال علي بن الحسين عليه السّلام:إنّ الدعاء و البلاء ليترافقان إلي يوم القيامة، إنّ الدعاء ليرد البلاء و قد أبرم إبراما (4).

عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال لي:ألا أدلّك علي شيء لم يستثن فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قلت:بلي.

قال:الدعاء يرد القضاء و قد أبرم إبراما و ضم أصابعه (5).

و عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما فأكثر من الدعاء فانّه مفتاح كل رحمة و نجاح كل حاجة و لا ينال ما عند اللّه إلاّ بالدعاء و أنّه ليس باب يكثر قرعه إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه (6).

و عن أبي ولاّد قال قال أبو الحسن موسي عليه السّلام:عليكم بالدعاء فإنّ الدعاء للّه و الطلب إلي اللّه يرد البلاء و قد قدّر و قضي و لم يبق إلاّ إمضاؤه فإذا دعي اللّه و سئل صرف البلاء صرفة (7).

ص: 149


1- الكافي:468/2.
2- الكافي:469/2 ح 7.
3- الكافي:469/2.
4- الكافي:469/2.
5- الكافي:470/2 ح 6 و 7 و 8.
6- الدعوات للراوندي:17.
7- ميزان الحكمة:870/2.

دعاء السجاد لدفع البلاء

في كتاب بشائر المصطفي عن زين العابدين عليه السّلام قال:لم أر مثل التقدّم في الدّعاء و كان ممّا حفظ عنه عليه السّلام من الدعاء حين بلغه توجّه مسرف بن عقبة إلي المدينة:ربّ كم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري و كم من بلية ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني و قلّ عند بلائه صبري فلم يخذلني،يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا و يا ذا النعماء التي لا تحصي عددا صلّ علي محمّد و آل محمّد و ادفع عنّي شرّه فإنّي أدرأ بك في نحره و أستعيذ بك من شرّه،فقدم مسرف بن عقبة المدينة و كان يقال لا يريد غير عليّ بن الحسين فسلّم عليه فأكرمه و وصله (1).

مسرف هو مسلم بن عقبة الذي بعثه يزيد لعنه اللّه لوقعة الحرّة حول المدينة فسمّي بعدها مسرفا لإسرافه في إهراق الدماء،لأنّ يزيد أمره بنهب المدينة و إباحتها للجند ثلاثة أيّام،فأفسدوا فيها و أهرق الدماء حتّي جرت الدماء تحت المنبر،ثمّ لمّا رفع السيف عنهم أخذ عليهم البيعة ليزيد أنّهم عبيده و أموالهم و ذراريهم ماله يتصرّف بهم كيف شاء من بيع و شراء،و من أبي عن هذه البيعة قتله حتّي ورد أنّه أخذ البيعة علي زين العابدين عليه السّلام بمثل ذلك،و كانت هذه الواقعة علي أهل المدينة و علي الإسلام لا تقصر عن واقعة الطفوف لأنّهم استحلّوا بها فروج النساء و كانت بعد واقعة الطفوف (2).

***

الدعاء شفاء من كلّ داء

عن ابن أبي عمير،عن أسباط بن سالم،عن علاء بن كامل قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:

عليك بالدعاء فإنّه شفاء من كلّ داء (3).

من دعا استجيب له

عن عبد اللّه بن ميمون القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:الدعاء كهف الإجابة كما أنّ السحاب كهف المطر (4).

و عن سهل بن زياد،عن جعفر بن محمّد الأشعري،عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

ص: 150


1- الصحيفة السجادية:365،و البحار:122/46 ح 13.
2- البحار:123/46 ح 14.
3- الكافي:470/2.
4- الكافي:471/2.

قال:ما أبرز عبد يده إلي اللّه العزيز الجبار إلاّ استحيي اللّه أن يردها صفرا حتي يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء،فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتي يمسح علي وجهه و رأسه (1).

إلهام الدعاء

عن ابن أبي عمير،عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:هل تعرفون طول البلاء من قصره؟قلنا:لا.قال:إذا ألهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أنّ البلاء قصير (2).

و عن أبي ولاّد قال:قال أبو الحسن موسي عليه السّلام:ما من بلاء ينزل علي عبد مؤمن فيلهمه اللّه الدعاء إلاّ كان كشف ذلك البلاء و شيكا،و ما من بلاء ينزل علي عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء إلاّ كان ذلك البلاء طويلا فإذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التضرع إلي اللّه (3).

التقدم في الدعاء

عن علي بن الحكم،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل به البلاء و قالت الملائكة:صوت معروف و لم يحجب عن السماء و من لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء و قالت الملائكة إنّ ذا الصوت لانعرفه (4).

و عن اسماعيل بن مهران،عن منصور بن يونس،عن هارون بن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء (5).

و عن عثمان بن عيسي،عن سماعة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من سرّه أن يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء (6).

و عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان جدي يقول:تقدموا في الدعاء فإنّ العبد إذا كان دعّاء فنزل به البلاء فدعا،قيل:صوت معروف و إذا لم يكن دعّاء فنزل به بلاء فدعا، قيل:أين كنت قبل اليوم (7).

و عن الوشاء،عمّن حدثه عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول:

الدعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع[به] (8).

ص: 151


1- الكافي 417/2 ح 2،و البحار:198/82 ح 3.
2- الكافي:417/2 ح 1،و وسائل الشيعة:44/7 ح 2.
3- الكافي:471/2.
4- الكافي:472/2.
5- الكافي:472/2 ح 3،و وسائل الشيعة:41/7 ح 2.
6- الكافي:472/2 ح 4،و كشف الغطاء:307/2.
7- الكافي:472/2 ح 5،و وسائل الشيعة:41/7 ح 4.
8- الكافي:472/2.

و عن عنبسة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من تخوّف[من]بلاء يصيبه فتقدّم فيه بالدعاء لم يره اللّه ذلك البلاء أبدا (1).

اليقين في الدعاء

عن ابن أبي عمير،عن سليم الفرّاء،عمّن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا دعوت فظن أنّ حاجتك بالباب (2).

الإقبال علي الدعاء

عن سهل بن زياد،عن جعفر بن محمّد الأشعري،عن ابن القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يقبل اللّه دعاء قلب لاه.و كان علي عليه السّلام يقول:إذا دعا أحدكم للميت فلا يدعو له و لبه لاه عنه و لكنه ليجتهد له في الدعاء (3).

و عن ابن أبي عمير،عن سيف بن عميرة،عن سليمان بن عمرو قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ اللّه لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة (4).

ابن أبي عمير،عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لما استسقي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سقي الناس حتي قالوا:إنّه الغرق-و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيده و ردّها:اللهم حوالينا و لا علينا قال فتفرق السحاب-فقالوا:يا رسول اللّه استسقيت لنا فلم نسق ثمّ استسقيت لنا فسقينا؟قال:إني دعوت و ليس لي في ذلك نيّة ثمّ دعوت ولي في ذلك نيّة (5).

الإلحاح في الدعاء

عن سهل بن زياد،عن جعفر بن محمّد الأشعري،عن ابن القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:رحم اللّه عبدا طلب من اللّه حاجة فألحّ في الدعاء استجيب له أو لم يستجب له و تلا هذه الآية وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسي أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (6)(7).

عن ابن أبي عمير،عن سيف بن عميرة،عن محمّد بن مروان،عن الوليد بن عقبة الهجري قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:و اللّه لا يلحّ عبد مؤمن علي اللّه في حاجته إلاّ قضاها له (8).

و عن أبي الصباح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ اللّه كره إلحاح الناس بعضهم علي بعض في

ص: 152


1- عوالي اللئالي 20/4،و البحار:339/90.
2- الكافي:473/2.
3- الكافي:473/2 ح 2،و البحار:314/90 ح 19.
4- الكافي:473/2 ح 1،و البحار:305/90 ح 1.
5- الكافي:474/2.
6- سورة مريم،الآية:48.
7- الكافي:475/2 ح 6.
8- الكافي:475/2.

المسألة و أحبّ ذلك لنفسه،إنّ اللّه يحبّ أن يسأل و يطلب ما عنده (1).

و عن ابن أبي عمير،عن الحسين الأحمسي،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لا و الله لا يلحّ عبد علي اللّه إلاّ استجاب اللّه له (2).

تسمية الحاجة في الدعاء

عن ابن أبي عمير،عن أبي عبد اللّه الفرّاء،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ اللّه تبارك و تعالي يعلم ما يريد العبد إذا دعاه،و لكنّه يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج فإذا دعوت فسمّ حاجتك.

و في حديث آخر قال:إنّ اللّه يعلم حاجتك و ما تريد و لكن يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج (3).

إخفاء الدعاء

عن أبي همام اسماعيل بن همام،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:دعوة العبد سرّا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية.

و في رواية أخري:دعوة تخفيها أفضل عند اللّه من سبعين دعوة تظهرها (4).

الثناء قبل الدعاء

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:آيتان في كتاب اللّه أطلبهما فلا أجدهما قال:و ما هما؟

قلت:قول اللّه: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (5)فندعوه و لا نري إجابة قال:أفتري اللّه أخلف وعده؟

قلت:لا.قال:فممّ ذلك؟

قلت:لا أدري.قال:لكني أخبرك من أطاع اللّه فيما أمره ثمّ دعاه من جهة الدعاء أجابه قلت:و ما جهة الدعاء؟قال:تبدأ فتحمد اللّه و تذكر نعمه عندك ثمّ تشكره ثمّ تصلي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ تذكر ذنوبك فتقر بها ثمّ تستعيذ منها فهذا جهة الدعاء ثمّ قال:و ما الآية الاخري قلت:قول اللّه:

وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ (6) و إني أنفق و لا أري خلفا قال:أفتري اللّه أخلف وعده؟

قلت:لا.قال:فمم ذلك؟

ص: 153


1- الكافي:475/2 ح 4،و البحار:173/75 ح 14.
2- الكافي:475/2.
3- الكافي:476/2.
4- الكافي:476/2 ح 1،و وسائل الشيعة:64/7 ح 2.
5- سورة المؤمن،الآية:60.
6- سورة الزمر،الآية:39.

قلت:لا.أدري قال:لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حلّه و أنفقه في حلّه لم ينفق درهما إلاّ أخلف عليه (1).

و عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّما هي المدحة ثمّ الثناء ثمّ الإقرار بالذنب ثمّ المسألة إنّه و اللّه ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالإقرار (2).

و عن أبي كهمس قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:دخل رجل المسجد فابتدأ قبل الثناء علي اللّه و الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:عاجل العبد ربه،ثمّ دخل آخر فصلي و أثني علي اللّه و صلي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:سل تعطه،ثمّ قال:إنّ في كتاب علي عليه السّلام أنّ الثناء علي اللّه و الصلاة علي رسوله قبل المسألة و أنّ أحدكم ليأتي الرجل يطلب الحاجة يحب أن يقول له خيرا قبل أن يسأله حاجته (3).

و عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إيّاكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربّه شيئا من حوائج الدنيا و الآخرة حتي يبدأ بالثناء علي اللّه و المدح له و الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ يسأل اللّه حوائجه (4).

العموم في الدعاء

عن ابن القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إذا دعا أحدكم فليعمّ فإنّه أوجب للدعاء (5).

الاجتماع في الدعاء

عن درست بن أبي منصور،عن أبي خالد،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا اللّه في أمر إلاّ استجاب اللّه لهم،فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون اللّه عشر مرات إلاّ استجاب اللّه لهم،فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللّه أربعين مرّة يستجيب اللّه العزيز الجبار له (6).

و عن عبد الأعلي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما اجتمع أربعة رهط قط علي أمر واحد فدعوا اللّه إلاّ تفرقوا عن إجابة (7).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان أبي عليه السّلام إذا أحزنه أمر جمع النساء و الصبيان ثمّ دعا و أمّنوا (8).

ص: 154


1- الكافي:486/2 ح 8.
2- الكافي:484/2.
3- الكافي:485/2 ح 7.
4- الكافي:484/2 ح 1.
5- الكافي:487/2.
6- الكافي:487/2.
7- الكافي:487/2 ح 2،و وسائل الشيعة:104/7 ح 2.
8- الكافي:487/2 ح 3،و البحار:297/46 ح 28.

الصلاة علي النبي و أهل بيته في الدعاء

عن ابن أبي عمير،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لا يزال الدعاء محجوبا حتي يصلّي علي محمّد و آل محمّد (1).

و عن السكوني،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من دعا و لم يذكر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رفرف الدعاء علي رأسه فإذا ذكر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رفع الدعاء (2).

عن ابن القداح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لا تجعلوني كقدح الراكب فإنّ الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء،إجعلوني في أوّل الدعاء و في آخره و في وسطه (3).

عن أبان الأحمر،عن عبد السلام بن نعيم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي دخلت البيت و لم يحضرني شيء من الدعاء إلاّ الصلاة علي محمّد و آل محمّد،فقال:أما انّه لم يخرج أحد بأفضل ممّا خرجت منه (4).

عن سيف عن أبي أسامة،عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ما معني إجعل صلواتي كلّها لك؟فقال:يقدّمه بين يدي كلّ حاجة فلا يسأل اللّه شيئا حتي يبدأ بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيصلّي عليه ثمّ يسأل اللّه حوائجه (5).

الدعاء للإخوان بظهر الغيب

عن درست بن أبي منصور،عن أبي خالد القماط قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الاخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به آمين و لك مثلاه (6).

و عن ابن أبي عمير،عن أبي المعزا،عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أوشك دعوة و أسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب (7).

و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدرّ الرزق و يدفع المكروه (8).

و عن علي،عن أبيه قال:رأيت عبد اللّه بن جندب في الموقف فلم أر موقفا أحسن من موقفه ما زال مادّا يديه إلي السماء و دموعه تسيل علي خدّيه حتي تبلغ الأرض فلمّا صدر الناس قلت له:يا أبا محمّد ما رأيت موقفا قطّ أحسن من موقفك قال:و اللّه ما دعوت إلاّ لإخواني و ذلك أنّ أبا الحسن

ص: 155


1- الكافي:491/2 ح 1.
2- الكافي:491/2 ح 2.
3- الكافي:492/2 ح 5.
4- الكافي:494/2 ح 17.
5- الكافي:492/2 ح 4.
6- الكافي:507/2.
7- الكافي:507/2.
8- الكافي:507/2.

موسي عليه السّلام أخبرني:إنّ من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا (1).

و عن ثوير قال:سمعت علي بن الحسين عليه السّلام يقول:إنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا:نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير و هو غائب عنك و تذكره بخير قد أعطاك مثلي ما سألت له و أثني عليك مثلي ما أثنيت عليه و لك الفضل عليه و إذا سمعوه يذكر أخاه بسوء و يدعو عليه قالوا له:بئس الأخ أنت لأخيك كفّ أيّها المستّر علي ذنوبه و عورته و اربع علي نفسك و احمد اللّه الذي ستر عليك و اعلم أنّ اللّه أعلم بعبده منك (2).

الدعاء علي العدو

عن إسحاق بن عمار قال:سكوت إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام جارا لي و ما ألقي منه،قال:فقال لي:أدع عليه قال:ففعلت فلم أر شيئا فعدت إليه فشكوت إليه فقال لي:أدع عليه قال:فقلت:

جعلت فداك قد فعلت فلم أر شيئا،فقال:كيف دعوت عليه؟فقلت:إذا لقيته دعوت عليه قال:

فقال:ادع عليه إذا أدبر و إذا استدبر ففعلت فلم ألبث حتي أراح اللّه منه (3).

و عن يونس بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ لي جارا من قريش من آل محرز قد نوّه باسمي و شهرني كلما مررت به قال:هذا الرافضي يحمل الأموال إلي جعفر بن محمّد،قال فقال لي:فادع اللّه عليه إذا كنت في صلاة الليل و أنت ساجد في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فاحمد اللّه و مجده و قل:«اللّهمّ إنّ فلان بن فلان قد شهرني و نوه بي و غاظني و عرضني للمكاره، اللّهمّ اضربه بسهم عاجل تشغله به عني،اللّهم و قرّب أجله و اقطع أثره و عجّل ذلك يا رب الساعة الساعة»قال:فلمّا قدمنا الكوفة قدمنا ليلا فسألت أهلنا عنه قلت:ما فعل فلان؟فقالوا:هو مريض،فما انقضي آخر كلامي حتي سمعت الصياح من منزله و قالوا قد مات (4).

و عن علي بن أسباط عن يعقوب بن سالم قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له العلاء بن كامل:إنّ فلانا يفعل بي و يفعل فإن رأيت أن تدعو اللّه فقال:هذا ضعف بك قل:«اللّهمّ إنّك تكفي من كل شيء و لا يكفي منك شيء فاكفني أمر فلان بم شئت و كيف شئت و من حيث شئت و أنّي شئت» (5).

و عن المسمعي قال:لما قتل داود بن علي المعلي بن خنيس قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لأدعون اللّه علي من قتل مولاي و أخذ مالي،فقال له داود بن علي:إنّك لتهددني بدعائك؟

ص: 156


1- الكافي:508/2.
2- الكافي:508/2.
3- الكافي:511/2 ح 1.
4- الكافي:512/2.
5- الكافي:512/2.

قال حماد:قال المسمعي:فحدثني معتب:أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لم يزل ليلته راكعا و ساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول و هو ساجد:«اللّهمّ إني أسألك بقوتك القوية و بجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي علي محمّد و أهل بيته و أن تأخذه الساعة الساعة»فما رفع رأسه حتي سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد اللّه عليه السّلام رأسه و قال:إني دعوت اللّه بدعوة بعث اللّه عليه ملكا فضرب رأسه بمرزنة من حديد انشقت منها مثانته فمات (1).

و روي عن أبي الحسن عليه السّلام قال:إذا دعا أحدكم علي أحد فليقل:اللّهم أطرقه ببلية لا أخت لها و أبح حريمه (2).

الدعاء للرزق

عن ابن عمير،عن أبان،عن أبي سعيد المكاري و غيره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:علّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هذا الدعاء:«يا رازق المقلّين يا راحم المساكين يا ولي المؤمنين يا ذا القوة المتين صلّ علي محمّد و أهل بيته و ارزقني و عافني و اكفني ما أهمّني» (3).

و عن معمر بن خلاّد،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:سمعته يقول:نظر أبو جعفر عليه السّلام إلي رجل و هو يقول:«اللّهمّ إنّي أسألك من رزقك الحلال»فقال أبو جعفر عليه السّلام:سألت قوت النبيّين قل:

«اللّهمّ إني سألتك رزقا[حلالا]واسعا طيبا من رزقك» (4).

و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال:قلت للرضا عليه السّلام جعلت فداك أدع اللّه أن يرزقني الحلال فقال:أتدري ما الحلال؟.

قلت:الذي عندنا الكسب الطيب.

فقال:كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول:الحلال هو قوت المصطفين ثمّ قال:أسألك من رزقك الواسع (5).

و عن ابن فضال،عن يونس،عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لقد استبطأت الرزق،فغضب ثمّ قال لي:قل اللّهمّ إنّك تكفّلت برزقي و رزق كلّ دابّة يا خير مدعوّ و يا خير من أعطي و يا خير من سئل و يا أفضل مرتجي إفعل بي كذا و كذا (6).

و عن إبراهيم بن عمر اليماني،عن زيد الشحام،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد:يا خير المسؤولين و يا خير المعطين الرزقني و ارزق عيالي من فضلك الواسع فإنّك ذو الفضل العظيم (7).

ص: 157


1- الكافي:513/2.
2- الكافي:512/2 ح 2.
3- الكافي:552/2.
4- الكافي:552/2.
5- الكافي:552/2.
6- الكافي:551/2.
7- الكافي:551/2.

أحوال أولاد الإمام السجاد عليه السّلام

اشارة

قال في تاج المواليد:كان له تسعة أولاد ذكور و لم يكن له أنثي.

و هم محمد الباقر،و زيد الشهيد بالكوفة،و عبد اللّه،و عبيد اللّه،و الحسن،و الحسين،و علي، و عمر (1).

و قيل أولاده:محمد و كنيته أبو جعفر الباقر عليه السّلام،و عبد اللّه و الحسن و الحسين و زيد و عمر و الحسين الأصغر و عبد الرحمن و سليمان و علي و خديجة و محمد و فاطمة و عليّة و أم كلثوم (2).

و قيل:كان له من الأولاد عشر رجال و أربع نسوة.

و في كتاب الدرّ ولد عليّ بن الحسين عليه السّلام خمسة عشر ولدا ثمّ عدّدهم و الإختلاف كثير في تعدادهم (3).

و يقال إنّ قريشا رغبت في أمهات الأولاد و اتّخاذهن بعد زهادة فيهن حيث ولد علي بن حسين،و القاسم بن محمّد بن أبي بكر،و سالم بن عبد اللّه بن عمر (4).

و في كتاب المناقب أبناؤه عشر من أمّهات الأولاد إلاّ إثنين محمّد الباقر و عبد اللّه الباهر أمّهما أمّ عبد اللّه بن الحسن بن علي،و أبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة و عمر توأم،و الحسين الأصغر و عبد الرحمن و سليمان توأم،و الحسن و الحسين و عبيد اللّه توأم،و محمّد الأصغر فرد و علي و هو أصغر ولده و خديجة فرد.

و يقال لم يكن له بنت و يقال ولدت له فاطمة و عليّة و أمّ كلثوم.

أعقب منهم محمّد الباقر و عبد اللّه الباهر و زيد بن علي و عمر بن عليّ و عليّ بن عليّ و الحسن الأصغر (5).

***

أحوال زيد بن علي

في كتاب المحاسن روي السيّاري عن رجل من أصحابه قال:ذكر بين يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام من خرج من آل محمّد فقال عليه السّلام:لا أزال و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمّد و لوددت أنّ الخارجي من آل محمّد و عليّ نفقة عياله (6).

ص: 158


1- تاج المواليد:38،و ذكر المصنف تسعة و عدد ثمانية!انظر:تاريخ ابن الخشاب:180.
2- مناقب آل أبي طالب:339/3 بما معناه.
3- البحار:155/46 ح 3.
4- تهذيب الكمال:240/13.
5- مناقب آل أبي طالب:311/3.
6- السرائر:569/3،و وسائل الشيعة:54/15 ح 12.

إنّ كلّ من خرج علي بني أميّة و بني العبّاس من آل محمّد كان محقّا في خروجه و توجهه ما قاله نعمة اللّه الجزائري في الرياض:أنّ من خرج إن كان مثل زيد فهو كما جاء مستفيضا في الأخبار إنّما دعي إلي أخذ الثأر و إلي الرضا من آل محمّد بأن يرجع الأمر إلي أهله و إن كان طالبا للخلافة فهو أحقّ منهم بها،لأنّ فيه مع الأخذ بالثأر كفّ أيديهم و ظلمهم عن الأمّة.

و أمّا نهي الأئمّة عليهم السّلام لهم عن الخروج فباعتبار ما علموا من عدم تمام الأمر في خروجهم لأنّ بني أميّة كانت مدّة دولتهم ثمانين سنة و كانوا فيها كما قال عليه السّلام:لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّي يأذن اللّه بزوال ملكهم فيكون ذلك النهي اتّقاء علي الخارجين و يجوز أن يكون تقيّة من خلفاء الجور لأنّهم يزعمون أنّ الأئمّة عليهم السّلام يأمرونهم بالخروج عليهم (1).

في كتاب الأمالي عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام إنّه أقبل زيد بن علي فلمّا نظر إليه أبو جعفر عليه السّلام و هو مقبل قال:هذا سيّد من أهل بيته و الطالب بأوتارهم لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد (2).

و عن أبي سيابة قال:دفع إليّ الصادق عليه السّلام ألف دينار أمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن عليّ فقسّمتها فأصاب كلّ واحد أربعة دنانير (3).

و في ذلك الكتاب عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام عن آبائه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للحسين عليه السّلام:يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطي هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّا محجّلين يدخلون الجنّة بلا حساب (4).

و في عيون الأخبار مسندا إلي الفضيل قال:إنتهيت إلي زيد بن علي صبيحة خرج بالكوفة فقال:من يعينني علي قتال أنباط الشام فأدخله الجنّة بإذن اللّه،فلمّا قتل توجّهت نحو المدينة فدخلت علي الصادق عليه السّلام فقال:يا فضيل ما فعل عمّي زيد؟قال:فخنقتني العبرة فقال لي:قتلوه؟

قلت:أي و اللّه.

قال:فصلبوه؟

قلت:أي و اللّه،فأقبل يبكي فقال:شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟.

قلت:نعم.

قال:كم قتلت منهم؟

قلت:ستّة.9.

ص: 159


1- رياض الأبرار،مخطوط.
2- أمالي الصدوق:415 ح 11،و البحار:170/46 ح 17.
3- أمالي الصدوق:416 ح 13،و كشف الغمة:342/2.
4- أمالي الصدوق:409 ح 9،و البحار:170/46 ح 19.

قال:فلعلّك شاكّ في دمائهم؟

فقلت:لو كنت شاكّا ما قتلتهم،فسمعته و هو يقول:أشركني اللّه في تلك الدماء،مضي و اللّه عمّي زيد و أصحابه شهداء مثل ما مضي عليه عليّ بن أبي طالب و أصحابه (1).

و عن حمزة بن حمران قال:دخلت إلي الصادق عليه السّلام فقال لي:يا حمزة من أين أقبلت؟

قلت:من الكوفة،فبكي،ثمّ قال:ذكرت ما صنع بعمّي زيد ذكرت مقتله و قد أصاب جبينه سهم فجاء ابنه يحيي فقال له:ابشر يا أبتاه فإنّك ترد علي رسول اللّه و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم قال:أجل يا بني ثمّ دعي بحدّاد فنزع السهم فكانت نفسه معه فجيء به إلي ساقية تجري فحفر له فيها و دفن و أجري عليه الماء و كان معهم غلام سندي لبعضهم فذهل إلي يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إيّاه فأخرجه فصلبه في الكناسة أربع سنين ثمّ أمر به فأحرق بالنار و ذري في الرياح فلعن اللّه قاتله و خاذله و إلي اللّه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيّه بعدموته و به نستعين (2).

و عن ابن عبدون عن أبيه قال:لمّا حمل زيد بن موسي بن جعفر إلي المأمون و قد كان خرج بالبصرة و أحرق دور ولد العبّاس وهب المأمون جرمه لأخيه عليّ بن موسي الرضا عليه السّلام و قال له:يا أبا الحسن لئن خرج أخوك و فعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن عليّ فقتل و لولا مكانك منّي لقتلته فليس ما أتاه بصغير.

فقال عليه السّلام:يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيد بزبد بن عليّ بن الحسين فإنّه كان من علماء آل محمّد غضب للّه عزّ و جلّ فجاهد أعداءه حتّي قتل في سبيله و كان عمّي جعفر عليه السّلام يقول:رحم اللّه عمّي زيد إنّه دعي إلي الرضا من آل محمّد و لو ظفر لوفي بما دعي إليه و قد استشارني في خروجه فقلت له:يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك،فلمّا ولّي قال جعفر بن محمّد:ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه.

فقال المأمون:يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادّعي الإمام بغير حقّها ما جاء؟

فقال عليه السّلام:إنّ زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحقّ و أنّه كان أنقي من ذاك إنّه قال:أدعوكم إلي الرضا من آل محمّد و إنّما جاء فيمن يدّعي أنّ اللّه نصّ عليه ثمّ يدعو إلي غير دين اللّه و يضلّ عن سبيله بغير علم و كان زيد و اللّه ممّن خوطب بهذا الآية: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ (3).

و عن أبي سعيد المكاري قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكر زيد و من خرج معه فهمّ بعض أهل المجلس أن يتناوله فانتهره أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:مهلا ليس لكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ8.

ص: 160


1- عيون أخبار الرضا:228/2 ح 7،و البحار:171/46.
2- البحار:/46ح 22،و النهاية لابن الأثير:122/4.
3- سورة الحج،الآية:78.

بسبيل خير إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ و تدركه السعادة قبل أن تخرج نفسه و لو بفواق ناقة يعني مقدار ضمان حلبها (1).

و عن مؤمن الطاق:إنّ زيد بن عليّ بن الحسين بعث إليه و هو مختف قال:فقال لي:يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منّا أتخرج معه؟

قال:إن كان أبوك أو أخوك خرجت معه.

فقال:أنا أريد أن أخرج فتخرج معي؟

قلت:لا،جعلت فداك إنّما هي نفس واحدة فإن كان للّه عزّ و جلّ في الأرض معك حجّة فالمتخلّف عنك ناج و الخارج معك هالك و إن لم يكن للّه معك حجّة فالمتخلّف عنك و الخارج سواء.

ثمّ قال:كنت أجلس مع أبي إلي الخوان فيلقمني اللقمة السمينة و يبرّد لي اللقمة الحارّة حتّي تبرد شفقة عليّ و لم يشفق عليّ من حرّ النار إذ أخبرك بالدين و لم يخبرني به.

فقلت له:من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار و أخبرني فإن قبلته نجوت و إن لم أقبل لم يبال إن أدخل النار.

ثمّ قلت له:أنتم أفضل أم الأنبياء؟

قال:بل الأنبياء،قلت:لم يقول يعقوب ليوسف: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلي إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً (2)لم لم يخبرهم حتّي لا يكيدونه و لكن كتمهم و كذلك أبوك كتمك لأنّه خاف عليك.

فقال:أما و اللّه قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك بالمدينة إنّي أقتل و أصلب بالكناسة و أنّ عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي فحدّثت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمقالة زيد و ما قلت له فقال لي:أخذته من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن يساره و من فوق رأسه و من تحت قدميه و لم تترك له مسلكا يسلكه (3).

عن أبي اليقظان قال:كنّا جماعة عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أيّكم له علم بعمّي زيد؟إلي أن قال:مسجد السهلة كان بيت إبراهيم الذي خرج منه إلي العمالقة و كان بيت إدريس عليه السّلام:الذي كان يخيط به و فيه صخرة خضراء فيها صورة وجوه النبيّين،و فيه مناخ الراكب يعني الخضر عليه السّلام،و لو أنّ عمّي أتاه حين خرج فصلّي فيه و استجار باللّه لأجاره عشرين سنة،و ما أتاه مكروب فصلّي فيه ما بين العشائين و دعي اللّه إلاّ فرّج عنه (4).5.

ص: 161


1- معاني الأخبار:392 ح 39،و البحار:179/46 ح 36.
2- سورة يونس،الآية:5.
3- مستدرك الوسائل:33/11 ح 1،و مدينة المعاجز:274/5.
4- مستدرك الوسائل:414/3 ح 2،و البحار:182/46 ح 45.

و عن الوليد بن صبيح قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في ليلة إذ طرق الباب طارق فخرجت الجارية و قالت:هذا عمّك عبد اللّه بن علي فقال:أدخليه،فقال لنا:أدخلوا البيت فدخلنا بيتا،فلمّا دخل لم يدع شيئا من القبيح إلاّ قاله في أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ خرج و خرجنا فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه فقال بعضنا:لقد استقبلك هذا بشيء حتّي لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به.

فقال:مه لا تدخلوا فيما بيننا،فلمّا مضي من الليل ما مضي طرق الباب طارق فخرجت الجارية و قالت:عمّك عبد اللّه بن عليّ.

فقال لنا:عودوا إلي مواضعكم ثمّ أذن له فدخل بنحيب و بكاء و هو يقول:يابن أخي إغفر لي غفر اللّه لك إصفح عنّي صفح اللّه عنك.

فقال:غفر اللّه لك يا عمّ ما الذي أحوجك إلي هذا؟

قال:إنّي لمّا آويت إلي فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا و ثاقي ثمّ قال أحدهما للآخر:

إنطلق به إلي النار فانطلق بي فمررت برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:يا رسول اللّه لا أعود فأمرهما فخلّي عنّي و أنّي لأجد ألم الوثاق،فقال عليه السّلام:أوص،قال:بما أوصي ما لي مال و أنّ لي عيالا كثيرا و عليّ دين.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:دينك عليّ و عيالك إلي عيالي فأوص،فما خرجنا من المدينة حتّي مات و ضمّ أبو عبد اللّه عليه السّلام عياله إليه و قضي دينه و زوّج ابنه ابنته (1).

***

أسباب خروج زيد بن عليّ

قال السيد نعمة اللّه الجزائري في الرياض:ورد في الأخبار أنّ السبب في خروج زيد أمور:

الأوّل:إنّه كان يدعو إلي الرضا من آل محمّد و كان يعتقد و يعلم أنّ الإمام كان أخوه ثمّ من بعده ابن أخيه و كان يريد له الخلافة التي كانت حقّه.

الثاني:الطلب بدم الحسين عليه السّلام فإنّ تلك الواقعة الكبري ما أبقت لأحد من بني هاشم و لا من غيرهم تمتّعا في الحياة و كانوا يطلبون به الموت و يأسفون علي ما فرط منهم من التقصير في الجهاد و هي الرزية التي أرغمت الأنوف و قرّبت الحتوف.

الثالث:إنّه دخل علي هشام بن عبد الملك و قد جمع له أهل الشام و أمرهم أن يتضايقوا له في المجالس حتّي لا يتمكّن من الوصول إلي قربه فقال له زيد:أوصيك بتقوي اللّه،فقال له هشام:أنت

ص: 162


1- مدينة المعاجز:47/6 ح 165،و البحار:185/46 ح 50.

المؤهّل نفسك للخلافة و ما أنت و ذاك لا أمّ لك و إنّما أنت ابن أمة فقال له زيد:إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند اللّه من نبيّ بعثه و هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام فالنبوّة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة؟و بعد فما يقصر برجل أبوه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو ابن عليّ بن أبي طالب فوثب هشام و قال لقهرمانه:لا يبيتنّ هذا في عسكري فخرج زيد و هو يقول:إنّه لم يكره قوم قط السيف إلاّ ذلّوا فلمّا وصل الكوفة بايعه أهلها ثمّ نقضوا بيعته و أسلموه فقتل و صلب بينهم أربع سنين لم ينكر ذلك أحد منهم و لا دفع عنه بيد و لا لسان.

الرابع:إنّ هشاما كان يستهزء بزيد بل روي أنّه قذفه بأمّه حتّي أنّ السفّاح لمّا أخرج بني أميّة من قبورهم لإحراق عظامهم أمر بجثّة هشام فضربوها حدّ القذف قال:إنّه قذف زيد بن علي و لم يحدّ.

الخامس:ما رواه الحميري في كتاب الدلائل عن جابر قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:لا يخرج علي هشام أحد إلاّ قتله فقلنا لزيد هذه المقالة فقال:إنّي شهدت هشاما و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يسبّ عنده فلم ينكر ذلك و لم يغيّره فو اللّه لو لم يكن إلاّ أنا و آخر لخرجت عليه (1).

و في كتاب أبي القاسم بن قولويه قال:روي بعض أصحابنا قال:كنت عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام و لم يتكلّم حتّي تطلع الشمس فبشّروه بولادة زيد بعد صلاة الفجر فالتفت إلي أصحابه و قال:أيّ شيء أسمّي هذا المولود؟

فقال كلّ رجل منهم اسما فقال:يا غلام عليّ بالمصحف فوضعه في حجره ثمّ فتحه فنظر إلي أوّل الورقة و إذا فيه وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَي الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (2)ثمّ طبقه ثمّ فتحه فإذا في أوّل الورقة: إِنَّ اللّهَ اشْتَري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (3).

ثمّ قال:هو و اللّه زيد هو و اللّه زيد فسمّي زيدا.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لزيد بن حارثة:المقتول في اللّه و المصلوب في أمّتي و المظلوم من أهل بيتي سميّ هذا،و يقول له:يا زيد زاد اسمك عندي حبّا فأنت سميّ الحبيب من أهل بيتي (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أمّا الباكي علي زيد فمعه في الجنّة و أمّا الشامت به فشريك في دمه (5).3.

ص: 163


1- الكافي:395/8 ح 593،و البحار:192/46 ح 95.
2- سورة النساء،الآية:95.
3- سورة التوبة،الآية:111.
4- السرائر:338/3،و البحار:192/46 ح 57.
5- الغدير:70/3.

و روي الكشّي عن سليمان بن خالد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:رحم اللّه عمّي زيدا ما قدر أن يسير بكتاب اللّه ساعة من نهار،يا سليمان ما كان عدوّكم عندكم؟قلنا؛كفّار،قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: حَتّي إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (1)فجعل المن بعد الإثخان،أسرتم قوما ثمّ خلّيتم سبيلهم قبل الإثخان و إنّما جعل اللّه المن بعد الإثخان حتّي خرجوا عليكم من وجه آخر فقاتلوكم (2).

و عنه عليه السّلام:رحم اللّه عمّي زيدا لو ظفر لوفي إنّما دعي إلي الرضا من آل محمّد و أنا الرضا (3).

و قال عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ ذكره أذن في هلاك بني أميّة بعد إحراقهم زيد بسبعة أيّام (4).

قال السيد نعمة اللّه الجزائري في الرياض:إنّ الأحاديث الناطقة بحسن حال زيد و أنّه من أهل السعادة و كان محقّا في خروجه مستفيضة بل متواترة فلا ينبغي التعرّض له و لمن خرج بعده إلاّ بخير إلاّ أن يكون حاله ظاهرا كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالي (5).

***ط.

ص: 164


1- سورة محمد،الآية:4.
2- البحار:196/46 ح 68.
3- شرح الأخبار:287/3،و البحار:199/46.
4- الكافي:161/8 ح 165.
5- رياض الأبرار:مخطوط.

المحتويات

هو سيد الساجدين 5

ذكر أمه عليهما السّلام 7

برّ الإمام علي بن الحسين بأمّه عليهما السّلام 11

ولادة علي بن الحسين عليه السّلام 11

في أنّه وارث أبيه عليهما السّلام 12

وفاته و دفنه عليه السّلام 13

ألقاب و كني علي بن الحسين عليه السّلام 13

سبب تسميته بزين العابدين عليه السّلام 15

علّة لقبه سيّد الساجدين 16

في نقش خاتم علي بن الحسين عليه السّلام 16

فضل علي بن الحسين عليه السّلام 16

مدح علي بن الحسين عليه السّلام من الفرزدق 18

في أسرار علي بن الحسين عليه السّلام 23

كرامات علي بن الحسين عليه السّلام 24

ورع علي بن الحسين عليه السّلام 25

خوف علي بن الحسين عليه السّلام من الله 25

أخلاق علي بن الحسين عليه السّلام 25

كرم علي بن الحسين عليه السّلام 28

تصبّر علي بن الحسين عليه السّلام في الشدائد 29

حلم علي بن الحسين عليه السّلام 30

زهد علي بن الحسين عليه السّلام و تواضعه 32

مناجات الإمام السجاد عليه السّلام 33

علم علي بن الحسين عليه السّلام بالغيب 39

ص: 165

معاجز و كرامات علي بن الحسين عليه السّلام 42

خدمة الملائكة لعلي بن الحسين عليه السّلام 47

علي بن الحسين عليه السّلام يكلم حوت يونس 48

كلام علي بن الحسين عليه السّلام للغزال 49

كلام علي بن الحسين عليه السّلام للجن 49

علم علي بن الحسين عليه السّلام بلغة الحيوانات 49

معرفة علي بن الحسين عليه السّلام بلغة الطيور 50

إحياء علي بن الحسين عليه السّلام لميت 50

قدرة علي بن الحسين عليه السّلام 52

عبادة علي بن الحسين عليه السّلام 52

نقل علي بن الحسين عليه السّلام الصدقات ليلا 57

قضاؤه عليه السّلام حاجة الناس 58

مداراة علي بن الحسين عليه السّلام للناس 59

رحمته عليه السّلام بعبيده 59

حزنه و بكاؤه علي أبيه الحسين عليهما السّلام 60

نصرة الملائكة لعلي بن الحسين عليه السّلام 61

مواعظ الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام 61

صفة الإمام السجاد عليه السّلام 67

وصية علي بن الحسين عليه السّلام بناقته 67

النص علي الإمام علي بن الحسين عليه السّلام 68

بحث في الإمامة 71

كلام هشام بن الحكم في عصمة الإمام عليه السّلام 75

احتجاج الإمام الرضا علي المخالفين في الإمامة 79

عدم تأثير السحر و الشعبذة و أمثالهما علي الإمام 83

الإمام و صفاته 84

في أنّ السنّة وحدها لا تكون حجّة إلا بقيم 118

ص: 166

ما نسب من الشعر لعلي بن الحسين عليه السّلام 123

شهادة الإمام السجاد عليه السّلام 129

حزن الناقة علي علي بن الحسين عليه السّلام 131

فضل زيارة علي بن الحسين عليه السّلام 131

ذكر حال من عاصره من الملوك

و الشخصيات و رجوعهم إليه 132

أصحاب علي بن الحسين عليه السّلام 132

حال معاوية بن يزيد بن معاوية 133

شدّة عداوة بني أود لعلي و ولده 134

بين زين العابدين و محمد بن الحنفية عليهما السّلام 135

بين علي بن الحسين عليه السّلام و عبيد الله 136

بين علي بن الحسين عليه السّلام و يزيد 136

بين علي بن الحسين عليه السّلام و الخضر 137

بين علي بن الحسين عليه السّلام و عبد الملك بن مروان 138

بين علي بن الحسين عليه السّلام و عمر بن عبد العزيز 138

بين علي بن الحسين عليه السّلام و الحسن البصري 139

بين علي بن الحسين عليه السّلام و الحجاج 139

بين حرة و الحجاج 141

أسلوب الدعوة عند علي بن الحسين عليه السّلام 143

دعاء علي بن الحسين عليه السّلام المستجاب 143

بحث حول الدعاء 144

المفهوم الحقيقي للدعاء 145

شروط استجابة الدعاء 146

فضل الدعاء 148

الدعاء سلاح المؤمن 148

الدعاء يرد البلاء و القضاء 149

ص: 167

دعاء السجاد لدفع البلاء 150

الدعاء شفاء من كلّ داء 150

من دعا استجيب له 150

إلهام الدعاء 151

التقدم في الدعاء 151

اليقين في الدعاء 152

الإقبال علي الدعاء 152

الإلحاح في الدعاء 152

تسمية الحاجة في الدعاء 153

إخفاء الدعاء 153

الثناء قبل الدعاء 153

العموم في الدعاء 154

الاجتماع في الدعاء 154

الصلاة علي النبي و أهل بيته في الدعاء 155

الدعاء للإخوان بظهر الغيب 155

الدعاء علي العدو 156

الدعاء للرزق 157

أحوال أولاد الإمام السجاد عليه السّلام 158

أحوال زيد بن علي 158

أسباب خروج زيد بن عليّ 162

ص: 168

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.