موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 9

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء التاسع

هو الحسين عليه السّلام

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

قال ابن عساكر:حدّث عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و عن أبيه.

روي عنه:ابنه علي بن الحسين،و ابنته فاطمة و سكينة ابنتاه،و ابن أخيه زيد بن الحسن، و شعيب بن خالد،و طلحة بن عبد اللّه العقيلي،و يوسف الصباغ،و عبيد بن حنين،و همام بن غالب الفرزدق،و أبو هشام،و أبو هريرة،و عبيد اللّه بن أبي يزيد،و المطّلب بن عبد اللّه بن حنطب،و سنان ابن أبي سنان،و أبو حازم الأشجعي.

***

مولد الحسين بن علي و مدّة عمره عليه السّلام

اشارة

ولد بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (1)و كانت والدته الطهر البتول فاطمة عليها السّلام علقت به بعد أن ولدت أخاه الحسن بخمسين ليلة (2)هكذا صح النقل،فلم يكن بينه و بين أخيه عليهما السّلام سوي هذه المدة المذكورة و مدة الحمل من التفاوت،و لما ولد و أعلم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم به أخذه و أذّن في أذنه اليمني و أقام في أذنه اليسري (3).

و قيل:ولد الحسين بن عليّ عليهم السّلام في سنة ثلاث و قبض عليه السّلام في شهر المحرّم من سنة إحدي و ستّين من الهجرة و له سبع و خمسون سنة و أشهر.قتله عبيد اللّه بن زيادة لعنه اللّه في خلافة يزيد بن معاوية لعنه اللّه و هو علي الكوفة و كان علي الخيل التي حاربته و قتلته عمر بن سعد لعنه اللّه بكربلاء يوم الاثنين،لعشر خلون من المحرّم و أمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).

و قيل ولدت فاطمة حسينا بعد حسن بسنة و عشرة أشهر،فمولده لست سنين و خمسة أشهر

ص: 5


1- ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من طبقات ابن سعد الغير مطبوع:17،تاريخ الطبري 555/2،الإرشاد /2 27،مقاتل الطالبيين:78،الاستيعاب 378/1،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 21:12، مناقب ابن شهر آشوب 84/4،تاريخ بغداد 141/1.
2- ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من طبقات ابن سعد الغير مطبوع:17،الاستيعاب 378/1،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 31/37،كفاية الطالب:416.
3- و هذه من المتواترات و قد نقلها جلّ كتب التراجم و السير و بها جرت السنّة إلي اليوم.
4- الكافي:463/1.

و نصف من التاريخ،و قتل يوم الجمعة يوم عاشوراء لعشر مضين من المحرم سنة إحدي و ستين،و هو ابن أربع و خمسين سنة و ستة أشهر و نصف.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:إنّ الحسين لمّا ولد أمر اللّه عزّ و جلّ جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول اللّه من اللّه و من جبرائيل،فمرّ علي جزيرة في البحر فيها ملك يقال له قطرس كان من الحملة بعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه فكسر جناحه و ألقاه في تلك الجزيرة،فعبد اللّه تعالي في الجزيرة سبعمائة عام فقال لجبرائيل:احملني معك لعلّ محمّدا يدعو لي فحمله فلمّا دخل جبرائيل علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هنّأه و أخبره بحال قطرس فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قل له تمسّح بهذا المولود وعد إلي مكانك فتمسّح بالحسين عليه السّلام و ارتفع فقال:يا رسول اللّه أما إنّ أمّتك ستقتله و له علي مكافأة لا يزوره زائر إلاّ أبلغه عنه و لا يسلّم عليه مسلم إلاّ أبلغه سلامه و لا يصلّ عليه مصلّ إلاّ أبلّغه صلاته ثمّ ارتفع.

و في حديث آخر أنّه لمّا ارتفع قال:من مثلي و أنا عتاقة الحسين،يعني أنّه أعتقني من عذاب ذلك الذنب (1).

و في كتاب الاحتجاج عن عبد الرحمن بن المثنّي الهاشمي قال:قلت لأبي عبد اللّه:جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل علي ولد الحسن و هما مثلان؟

فقال:إنّ جبرائيل نزل علي محمّد فقال:يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك فقال:يا جبرائيل لا حاجة لي فيه خاطبه ثلاثا ثمّ دعي عليّا فقال:إنّ جبرائيل أخبرني أنّه يولد لك غلام تقتله أمّتي قال:لا حاجة لي فيه ثلاثا ثمّ قال:إنّه يكون فيه و في ولده الإمامة و الوراثة و الخزانة،و كذلك قال لفاطمة بعد قولها:لا حاجة لي فيه،فقالت:رضيت عن اللّه عزّ و جلّ،فحملت بالحسين ستّة أشهر و لم يعش مولود قطّ ستّة أشهر غيره و غير عيسي ابن مريم فكفلته أمّ سلمة،و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فمه فيمصّه حتّي يروي فأنبت اللّه لحمه من لحم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم يرضع من فاطمة و لا من غيرها لبنا (2).

و في الكتاب عن برة الخزاعي قال:لمّا حملت فاطمة بالحسن خرج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بعض وجوهه فقال لها:إنّك ستلدين غلاما فلا ترضعيه حتّي أصير إليك،فلمّا وضعته بقي ثلاثة أيّام ما أرضعته فأدركتها رقّة الامّهات فأرضعته.

فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أبي اللّه عزّ و جلّ إلاّ ما أراد،فلمّا حملت بالحسين قال:إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرائيل فلا ترضعيه حتّي أجيء إليك و لو أقمت شهرا و خرج في بعض وجوهه فولدت الحسين عليه السّلام،فما أرضعته حتّي جاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأخذه فجعل يمصّ إبهامه و فيه غذاؤه،و يقال:1.

ص: 6


1- البحار:244/43.
2- علل الشرائع:206/1.

بل كان يدخل لسانه في فيه فيزقّه كما يزقّ الطير فرخه و قال:إيها حسين إيها حسين أبي اللّه إلاّ ما يريد بل هي فيك يعني الإمامة (1).

و في عيون المعجزات للمرتضي:روي أنّ فاطمة ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.

و روي أنّ مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن و حديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار و في كتب كثيرة (2).

و في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنّه لم يكن بينهما إلاّ الحمل و هو ستّة أشهر عاش مع جدّه ستّ سنين و أشهر و كمل عمره خمسين سنة و خمسة أشهر و قيل:ستّ و خمسون سنة و خمسة أشهر،و يقال:ثمان و خمسون (3).

و قال في بحار الأنوار:الأشهر في ولادته عليه السّلام إنّه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح و قيل:ولد لخمس ليال خلون من شعبان و رواه الشيخ أيضا (4).

و قال في التهذيب:ولد آخر شهر ربيع الأوّل و قيل فيه غير هذا (5).

و مدّة خلافته خمس سنين و أشهر في آخر ملك معاوية و أوّل ملك يزيد.

و كان منها مع جده رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ست سنين و شهورا،و كان مع أبيه أمير المؤمنين علي عليه السّلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و كان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عشر سنين،و بقي بعد وفاة أخيه إلي مقتله عشر سنين.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان بين الحسن و الحسين عليهما السّلام طهر و كان بينهما في الميلاد ستّة أشهر و عشرا (6)(7).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ جبرائيل عليه السّلام نزل علي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له:يا محمد إنّ اللّه يبشّرك بمولود يولد من فاطمة،تقتله أمّتك من بعدك فقال:يا جبرائيل و علي ربّي السّلام،لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمّتي من بعدي،فعرج ثمّ هبط عليه السّلام فقال له مثل ذلك،فقال:يا1.

ص: 7


1- رسائل المرتضي:92/2.
2- عيون المعجزات:51.
3- دلائل الإمامة:177.
4- انظر العوالم:7.
5- تهذيب الأحكام:42/6.
6- أي أقل زمان الطهر و هو عشرة أيام و كان مدة الحمل ستة أشهر فكان بينهما في الميلاد ستة أشهر و عشرة أيام،و المولد الموضع و الوقت،و الميلاد الوقت لا غير.
7- الكافي:464/1.

جبرائيل و علي ربّي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمّتي من بعدي فعرج جبرائيل عليه السّلام إلي السماء ثمّ هبط فقال:يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السّلام و بيشرّك بأنّه جاعل في ذرّيّته الإمامة و الولاية و الوصيّة،فقال:قد رضيت ثمّ أرسل إلي فاطمة أنّ اللّه يبشّرني بمولود يولد لك،تقتله أمّتي من بعدي فأرسلت إليه لا حاجة في مولود[منّي]تقتله أمّتك من بعدك،فأرسل إليها أنّ اللّه قد جعل في ذرّيّته الإمامة و الولاية و الوصيّة،فأرسلت إليه إنّي قد رضيت فحملته كرها و وضعته كرها وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّي إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلي والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فلولا أنّه قال:أصلح لي في ذرّيّتي لكانت ذرّيته كلّهم أئمّة و لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السّلام و لا من أنثي،كان يؤتي به النبيّ فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث،فنبت لحم الحسين عليه السّلام من لحم رسول اللّه و دمه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسي ابن مريم عليه السّلام و الحسين بن عليّ عليهم السّلام (1).

و في رواية أخري،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام:إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يؤتي بالحسين فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزيء به و لم يرتضع من أنثي (2).

و عن أم الفضل بنت الحارث:أنها رأت فيما يري النائم أن عضوا من أعضاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بيتها[قالت:]فقصصتها علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«خيرا رأيت،تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم» قالت:فولدت فاطمة غلاما فسمّاه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حسينا و دفعه إلي أم الفضل،و كانت ترضعه بلبن قثم (3).

و عن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أذّن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة (4).

في تسميته عليه السّلام

«الحسين»هذا الإسم سمّاه به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فإنه لما أعلم به أخذه و أذّن في أذنه اليمني و أقام في اليسري و قال:(سمّوه حسينا)فكانت تسمية أخيه بالحسن و تسميته بالحسين صادرة من النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم إنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عق عنه و ذبح كبشا (5)و حلقت والدته عليها السّلام رأسه و تصدقت بوزن شعره فضة كما أمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

ص: 8


1- الكافي:465/1.
2- الكافي:465/1.
3- سنن ابن ماجه:289/2 أبواب تعبير الرؤيا و منتخب كنز العمال:111/5.
4- ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق:215 ح 194،و المستدرك:169/3،و الاستيعاب:382/1.
5- انظر:الاستيعاب 378/1،حلية الأولياء 191/3.

في كنيته و لقبه عليه السّلام

كنيته:أبو عبد اللّه لا غير (1).

و أما ألقابه فكثيرة:الرشيد،و الطيّب،و الوفي،و السيّد،و الزكي،و المبارك،و التابع لمرضات اللّه،و السبط (2)،فكل هذه كانت تقال له و تطلق عليه،و أشهرها الزكي،لكن أعلاها رتبه ما لقبه به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في قوله عنه و عن أخيه:(أنهما سيدا شباب أهل الجنة)فيكون السيّد أشرفهما و كذلك السبط فإنّه صحّ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:(حسين سبط من الأسباط) (3).

نقش خاتم الحسين عليه السّلام

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:كان للحسين بن علي خاتمان نقش أحدهما:لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء و نقش الآخر:إنّ اللّه بالغ أمره.و كان نقش خاتم عليّ بن الحسين:خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ (4).

و عنه عليه السّلام:كان في خاتم الحسن و الحسين عليهما السّلام الحمد للّه.

و عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة للّه،و خاتم الحسين عليه السّلام:العزّة للّه (5).

***

أولاد الحسين عليه السّلام

كان له من الأولاد ذكور و إناث عشرة:ستة ذكور و أربع إناث،فالذكور:علي الأكبر،علي الأوسط و هو سيد العابدين و سيأتي ذكره في بابه إن شاء اللّه،و علي الأصغر،و محمد،و عبد اللّه، و جعفر.

فأمّا علي الأكبر فإنه قاتل بين يديّ أبيه حتي قتل شهيدا.

و أمّا علي الأصغر جاءه سهم و هو طفل فقتله،و قد تقدم ذكره عند ذكر الأبيات لمّا قتل.

و قيل:إنّ عبد اللّه أيضا قتل مع أبيه شهيدا (6).

ص: 9


1- تاريخ ابن الخشاب:177،ترجمة الحسين بن علي(رضي الله عنه)من تاريخ دمشق 11/20،مناقب ابن شهر آشوب 86/4.
2- تاريخ ابن الخشاب:177،مناقب ابن شهر آشوب 86/4.
3- الأمالي:/1571،و البحار:74/37.
4- الأمالي:ص:194.
5- الوسائل:412/3،و البحار:7/46.
6- تاريخ ابن الخشاب:177،الإرشاد 125/2.

و أمّا البنات:فزينب،و سكينة،و فاطمة (1).

هذا هو المشهور و قيل:بل كان له أربع بنين و بنتان (2)و الأول أشهر،و كان الذكر المخلّد و الثناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد.

و في كتاب بشائر المصطفي كان للحسين عليه السّلام ستّة أولاد عليّ بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمّد أمّه شهربانو بنت كسري يزدجر و عليّ بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطفّ و أمّه ليلي الثقفية و جعفر بن الحسين لا بقيّة له توفّي في زمن أبيه و عبد اللّه قتل صغيرا مع أبيه في حجره و سكينة بنت الحسين و أمّها الرباب و هي أمّ عبد اللّه بن الحسن و فاطمة بنت الحسين أمّها بنت طلحة التميميّة.

و ذكر صاحب كتاب البدع و صاحب شرح الأخبار أنّ عقب الحسين عليه السّلام من الأكبر و أنّه هو الباقي بعد أبيه و أنّ المقتول هو الأصغر منهما،قال:و عليه نعول فإنّ عليّ بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة و أنّ ابنه محمّد بن عليّ الباقر كان يومئذ من أبناء خمسة عشر سنة و كان لعليّ الأصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة (3).

و في كتاب المناقب:لمّا ورد بسبي الفرس إلي المدينة أراد عمر أن يبيع النساء و أن يجعل الرجال عبيد العرب و عزم علي أن يحمل العليل و الضعيف و الشيخ الكبير في الطواف و حول البيت علي ظهورهم،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:اكرموا كريم قوم و إن خالفوكم و هؤلاء الفرس حكماء كرماء فقد ألقوا إلينا السلام و رغبوا في الإسلام و قد اعتقت منهم لوجه اللّه حقّي و حقّ بني هاشم.

فقال المهاجرون و الأنصار:قد وهبنا لك يا أخا رسول اللّه،فقال:قبلت و أعتقت فقال عمر:

سبق إليها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و نقض عزمتي في الأعاجم و رغبت جماعة في بنات الملوك أن ينكحوهنّ.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:نخيّرهن و لا نستكرهنّ فقيل لشهربانويه:يا كريمة قومها من تختارين من خطّابك و هل أنت راضية بالبعل فسكتت،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:قد رضيت و بقي الإختيار بعد سكوتها فأعادوا القول في التخيير.

فقالت:لست ممّن يعدل عن النور الساطع و الشهاب اللاّمع الحسين إن كنت مخيّرة،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:من تختارين أن يكون وليّك؟9.

ص: 10


1- تاريخ ابن الخشاب:177،مناقب ابن شهر آشوب 85/4،لا يخفي علي القاريء الكريم أن المصنف ذكر عدد أولاد الإمام الحسين عليه السّلام عشرة و عدد تسعة كما في المصادر المذكورة.
2- ترجمة الحسين بن علي من الطبقات الكبري:17،عمدة الطالب:192،سر السلسلة العلوية:30.
3- العوالم:639.

فقالت:أنت،فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام حذيفة بن اليمان أن يخطب فخطب و زوّجت من الحسين عليه السّلام (1).

و قال ابن الكلبي:ولّي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام حريث بن جابر الجعفي جانبا من المشرق فبعث بنت يزدجر بن شهريار بن كسري فأعطاها عليّ الحسين ابنه فولدت منه عليّا (2).

و قال غيره:إنّ حريثا بعث إلي أمير المؤمنين عليه السّلام ببنتيّ يزدجر فأعطي واحدة لابنه الحسن فأولدها عليّ بن الحسين و أعطي الاخري محمّد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمّد فهما ابنا خالة (3).

و في كتاب المناقب:أبناؤه عليّ الأكبر الشهيد أمّه برّة الثقفية و عليّ الإمام و هو عليّ الأوسط و عليّ الأصغر و هما من شهربانويه و نحوه (4).

و اعلم أنّ المقتول مع أبيه هو عليّ الأصغر و الأوسط و أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام هو الأكبر،و الظاهر أنّ الأصغر هو عبد اللّه الرضيع الذي قتل في حجر أبيه.

***

طهارة و عصمة الحسين عليه السّلام

اشارة

عن أم سلمة،قالت:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي صرحة هذا المسجد فقال:«ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب و لا حائض إلاّ لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين،ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن تضلّوا» (5).

و في حديث عنها قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ألا إنّ مسجدي حرام علي كلّ حائض من النساء و علي كلّ جنب من الرجال إلاّ علي محمّد و أهل بيته علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم (6).

و عن الأصبغ بن نباته عن عبد اللّه بن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«أنا و عليّ و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون» (7).

***

ص: 11


1- بحار الأنوار:330/45.
2- مناقب آل أبي طالب:208/3.
3- مناقب آل أبي طالب:208/3.
4- مناقب آل أبي طالب:231/3.
5- تاريخ مدينة دمشق:166/14.
6- المناقب:/299ح 296.
7- فرائد السمطين:313/2 ح 563.

فيما ورد في حقه من جهة النبي قولا و فعلا

عن حديث حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه أخرجه الترمذي،في صحيحه يرويه عنه بسنده و قد تقدم طرف منه في فضائل فاطمة عليها السّلام أنّ حذيفة قال لأمه:دعيني آتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأصلي معه، و أسأله أن يستغفر لي و لك.

فأتيته فصليت معه المغرب،ثم قام فصلي حتي صلي العشاء،ثم إنفتل فاتبعته فسمع صوتي فقال:«من هذا حذيفة».

فقلت:نعم.

قال:ما حاجتك غفر اللّه لك و لامك،إنّ هذا ملك لم ينزل إلي الأرض قط قبل هذه الليلة، إستأذن ربه أن يسلم عليّ و يبشرني أنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة،و أنّ الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة (1).

و منه:ما أخرجه الترمذي أيضا،أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أبصر حسنا و حسينا فقال:«اللهم إنّي أحبّهما فأحبّهما» (2).

و منه:ما رواه ابن الجوزي،بسنده في صفوة الصفوة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنّ هذان إبناي فمن أحبّهما فقد أحبني» (3)يعني الحسن و الحسين.

و من المشترك جملة تقدمت في فضل الحسن،فلا حاجة لإعادتها هاهنا.

و منه:ما أخرجه الترمذي،بسنده عن يعلي بن مرة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«حسين مني و أنا من حسين،أحبّ اللّه من أحبّ حسينا،حسين سبط من الأسباط» (4).

و منه:ما نقله الإمام محمد بن إسماعيل البخاري،و الترمذي(رضي اللّه عنهما)بسندهما كلّ منهما في صحيحه عن ابن عمر رحمه اللّه و سأله رجل عن دم البعوض.

فقال:ممن أنت؟

فقال:من أهل العراق.

فقال:أنظروا إلي هذا،يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم!و سمعت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«هما ريحانتاي من الدنيا» (5).

و روي أنّه سأله عن المحرم يقتل الذباب.

ص: 12


1- صحيح الترمذي:3781/660/5.
2- صحيح الترمذي:3782/661/5.
3- صفة الصفوة:763/1.
4- صحيح الترمذي:3775/658/5.
5- صحيح البخاري:8/8 كتاب الأدب،باب رحمة الولد و تقبيله،صحيح الترمذي:3770/657/5.

فقال:يا أهل العراق تسألونا عن قتل الذباب و قد قتلتم ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم! (1)

و ذكر الحديث و في آخره و هما سيدا شباب أهل الجنة.

و منه:ما أخرجه الترمذي رحمه اللّه في صحيحه،بسنده عن سلمي الأنصارية قالت:دخلت علي أم سلمة زوج النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هي تبكي،قلت:ما يبكيك؟

قالت:رأيت الآن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المنام و علي رأسه و لحيته التراب و هو يبكي،فقلت:ما لك يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:«شهدت قتل الحسين آنفا» (2).

و منه:ما أخرجه البخاري و الترمذي في صحيحيهما،كلّ منهما يرفعه بسنده عن أنس قال:أتي عبيد اللّه بن زياد برأس الحسين عليه السّلام فجعل في طشت فجعل ينكته،و قال في حسنه شيئا.

قال أنس:فقلت و اللّه إنّه كان أشبههم برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و كان مخضوبا بالوسمة (3).

و في رواية الترمذي:فجعل يضرب بقضيب في أنفه.

و لقد وفق الترمذي رضي اللّه عنه فإنّه لمّا روي هذا الحديث و ذكر فعل ابن زياد زاده اللّه عذابا نقل ما فيه إعتبار و إستبصار.

فإنّه روي في صحيحه بسنده،عن عمارة بن عمير قال:لمّا قتل عبيد اللّه بن زياد،و جيء برأسه و رؤوس أصحابه و نضدت في المسجد في الرحبة،فانتهيت إليهم و الناس يقولون:قد جاءت قد جاءت،فاذا حيّة قد جاءت تتخلل الرؤوس حتي جاءت فدخلت في منخر عبيد اللّه بن زياد، فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتي تغيبت ثم قالوا:قد جاءت،ففعلت ذلك مرارا (4).

***

في شجاعته و شرف نفسه عليه السّلام

قيل في شجاعته عليه السّلام:إعلم وفقك اللّه علي حقائق المعاني و وفقك لإدراكها أنّ الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس،و الصفات المضافة إليها فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر و لا يمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها،إذ ليست أجساما كثيفة بل طريق معرفتها و العلم بها بمشاهدة آثارها،فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة،فطريقه أن ينظر إلي ما يصدر منه إذا أحدقت الرجال

ص: 13


1- صحيح البخاري:33/5 باب مناقب الحسن و الحسين.
2- صحيح الترمذي:3771/657/5.
3- صحيح البخاري:32/5-33 باب مناقب الحسن و الحسين،صحيح الترمذي:3778/659/5.
4- صحيح الترمذي:3780/660/5.

و صدقت الآجال،و حقت الأوجال و تضايق المجال،و حاق القتال،فإن كان مجزاعا مهلاعا مزواعا مفزاعا فتراه يستركب الهزيمة و يستبقها،و يستصوب الدنية و يتطوقها،و يستعذب المفرة و يتفوقها، و يستصحب الذلة و يتعلقها،مبادرا إلي تدرع عار الفرار من شبا الشفار،مشيحا عن الفخار باقتحام الأخطار في مقر القراع لكل خطار،فذلك مهبول الأم،مخبول الفهم،مفلول الجمع،معزول عن السمع،ضرب بينه و بين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه و بين الشهامة بإبراء في كتاب،لا تعرف نفسه سرفا،و لا تجد عن الخساسة و الدناءة منصرفا.

و إن كان محزرا (1)،مجزارا،كرارا،صبارا،يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزامر (2)المطربة،و يسرع إلي مصاف التصادم مسارعته إلي مواصلة النواظر المعجبة،خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة و عزيمة مطنبة،يعد مصافحة الصفاح غنيمة بادرة (3)و مرامحة الرماح فائدة عائدة، و مكافحة الكتائب مكرمة زائدة،و مناوحة المناقب (4)منقبة شاهدة،يعتقد القتل ملحفة طلل الحياة الأبدية،و يسعفه جلل المحامد السرمدية،و يزلفه من منازل الفخار العالية المغرة للشهداء الأحدية، جانحا إلي إبتياع العز بمهجته و يراها ثمنا قليلا جامحا عن إرتكاب الدنايا و إن غادرت جماحه قتيلا:

يري الموت أحلي من ركوب دنية و لا يعتدي للناقصين عديلا

و يستعذب التعذيب فيما يفيده نزاهته عن أن يكون ذليلا

فهذا مالك زمام الشجاعة و حائزها،و له من قداحها معلاها و فائزها،قد تفوق بها لبان الشرف و اغتذاه،و تطوق در سحابه المستحلا و تحلاه،و عبق نشر أرجه المنتشر مما أتاه،و نطق فعله بمدحه و إن لم يفض فاه،و صدق و اللّه واصفه بالشجاعة التي يحبها اللّه،و إذا ظهرت دلالة الآثار علي مؤثرها،و أسفرت عن تحقق مثيرها و مثمرها (5).

فقد صرح النقلة في صحائف السير بما رأوه و جزموا القول بما نقله المتقدم إلي المتأخر فيما رووه أنّ الحسين عليه السّلام لمّا قصد العراق و شارف الكوفة،سرّب إليه أميرها يومئذ عبيد اللّه بن زياد الجنود لمقاتلته أحزابا،و حزّب عليه الجيوش لمقاتلته أسرابا،و جهز من العساكر عشرين ألف فارس و راجل يتتابعون كتائبا و أطلابا،فلما حصروه و أحدقوا به شاكين في العدة و العديد،ملتمسين منه نزوله علي حكم بن زياد أو بيعته ليزيد،فإن أبي ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين و حبل الوريد، و يصعد الأرواح إلي المحل الأعلي و يصرع الأشباح علي الصعيد،فتبعت نفسه الأبيّة جدها و أباها، و عزفت عن إلتزام الدنية فأباها،و نادته النخوة الهاشمية فلباها،و منحها الإجابة إلي مجانبة الذلة و حباها،فاختار مجالدة الجنود و مضاربة ضباها،و مصادمة صوارمها و شيم شباها،و لا يذعن2.

ص: 14


1- في كشف الغمة:مجسارا.
2- في نسخة:المزاهر.
3- في كشف الغمة:باردة.
4- في نسخة:المقانب.
5- كشف الغمة:227/2.

لوصمة تسم بالصغار من شرفه خدودا و جباها،و قد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه و كاتبوه و طاوعوه و بايعوه و سألوه القدوم عليهم ليبايعوه،فلما جاءهم كذّبوه ما وعدوه،و أنكروه و جحدوه و مالوا إلي السحت العاجل فعبدوه،و خرجوا إلي قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه، فنصب عليه السّلام نفسه و إخوته و أهله و كانوا نيفا و ثمانين لمحاربتهم و اختاروا باجمعهم القتل علي متابعتهم،ليزيد و مبايعتهم،فاعلقتهم الفجرة الطغاة،و أرهقتهم المردة اللئام،و رشقتهم النبال و السهام،و أوثقتهم من شبا شفارهم الكلام.

هذا و الحسين عليه السّلام ثابت لا تخف حصاة شجاعته،و لا تخف عزيمة شهامته،و قدمه في المعترك أرسي من الجبال،و قلبه لا يضطرب لهول القتال،و لا لقتل الرجال،و قد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما،و أذاقوهم من الحمية الهاشمية رهقا و كلما،و لم يقتل من العصابة الهاشمية قتيل حتي أثخن في قاصديه و قتل و اغمد ظبة في أبشارهم و جدل فحينئذ تكالبت طغام الأجناد علي الجلاد،و تناشبت الأجلاد في المنازلة بالحداد،و وثبت كثرة الألوف منهم علي قلة الآحاد،و تقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة علي العباد،فاستبقت الأملاك البررة إلي الأرواح و باء الفجرة بالآثام في الأجساد،فسقطت أشلاؤهم المتلاشية علي الأرض صرعي تصافح منها صعيدا،و نطقت حالهم بأنّ لقتلهم يوما تود لو أنّ بينها و بين قتلهم أمدا بعيدا،و تحققت النفوس المطمئنة باللّه كون الظالم و المظلوم شقيا و سعيدا،و ضاقت الأرض بما رحبت علي حرم الحسين عليه السّلام و أطفاله إذ بقي وحيدا،فلمّا رأي عليه السّلام وحدته،ورزء أسرته و فقد نصرته،تقدم علي فرسه إلي القوم حتي واجههم و قال لهم:يا أهل الكوفة قبحا لكم و تعسا حين إستصرختمونا و لهين فأتيناكم موجفين،فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا و حششتم علينا نارا نحن أضرمناها علي أعدائكم و أعدائنا فاصبحتم ألبا علي أوليائكم و يدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم و لا ذنب كان منا إليكم فلكم الويلات هلاّ إذ(كرهتموها تركتموها) (1)و السيف ماشيم و الجاش ماطاش و الرأي لما يستحصد ولكنكم أسرعتم إلي بيعتنا إسراع الدبا و تهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها و ضلّة و فتكا لطواغيت الامة و بقية الأحزاب و نبذة الكتاب ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا و تقتلونا ألا لعنة اللّه علي الظالمين (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ) .

ثم حرك فرسه إليهم و السيف مصلت في يده و هو آيس من نفسه عازم علي الموت و قال هذه الأبيات:

أنا ابن علي الخير من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

و جدي رسول اللّه أكرم من مشي و نحن بسراج اللّه في الخلق يزهرا.

ص: 15


1- في كشف الغمة:تركتمونا.

و فاطمة أمي سلالة أحمد و عمي يدعي ذا الجناحين جعفر

و فينا كتاب اللّه أنزل صادقا و فينا الهدي و الوحي و الخير يذكر

و نحن ولاة الأرض نسقي ولاتنا بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

و شيعتنا في الناس أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر

ثم عاد الناس إلي البراز فلم يزل يقاتل و يقتل كل من برز إليه منهم من عيون الرجال حتي قتل منهم مقتلة كبيرة فتقدم إليه شمر بن ذي الجوشن(لعنه اللّه)في جمعه و سيأتي تفصيل ما جري بعد ذلك في فصل مصرعه عليه السّلام (1).

هذا هو كالليث المغضب لا يحمل علي أحد منهم إلاّ نفحه بسيفه فألحقه بالحضيض،فيكفي ذلك في تحقيق شجاعته و كرم نفسه شاهدا صادقا فلا حاجة معه إلي إزدياد في الإستشهاد (2).

***

ما نسب للحسين عليه السّلام من الشعر

و ذكر أنه للحسين بن علي:

أغن عن المخلوق بالخالق تغن عن الكاذب و الصادق

و استرزق الرّحمن من فضله فليس غير اللّه من رازق

من ظنّ أنّ الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثق

أو ظنّ أنّ المال من كسبه زلّت به النعلان من خالق (3)

و روي بلفظ:

أغن عن الخلق بالخالق تغن عن الكاذب بالصادق

و استرزق الرحمة من فضله فليس غير اللّه من رازق (4)

و قال:

كلما زيد صاحب المال مالا زيد في همّه و في الاشتغال

قد عرفناك يا منغّصة العيش و يا دار كل فان و بال

ليس يصفو الزاهد طلب الزهد إذا كان مثقلا بالعيال (5)

ص: 16


1- الفتوح:133/5-134،مناقب ابن شهر آشوب:88/4.
2- كشف الغمة:229/2.
3- تاريخ مدينة دمشق:186/14.
4- تاريخ مدينة دمشق:186/14.
5- تاريخ مدينة دمشق:186/14.

و عن إسحاق بن إبراهيم،قال:بلغني أن الحسين بن علي أتي مقابر الشهداء بالبقيع فطاف بها و قال:

ناديت سكّان القبور فأسكتوا و أجابني عن صمتهم ندب الجثا

قالت:أتدري ما صنعت بساكني مزّقت لحمهم و خرّقت الكسا

و حشوت أعينهم ترابا بعدما كانت تباينت المناصل و الشوا

قطّعت ذا من ذا و من هذا كذا فتركتها رمما يطول بها البلا (1)

و قال:

لئن كانت الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب اللّه أغلي و أنبل

و إن كانت الأبدان للموت أنشئت فقتل في سبيل اللّه بالسيف أفضل

و إن كانت الأرزاق شيئا مقدرا فقلة سعي المرء في الكسب أجمل

و إن كانت الأموال للترك جمّعت فما بال متروك به المرء يبخل (2)

و روي أنه وقف أعرابي عليه و علي أخيه الحسن عليه السّلام لإستبانة فصاحتهما،و قول الإعرابي ما تقدم من هنا قلبي إلي اللهو و قد ودّع شرخيه فأنشده الحسين عليه السّلام إرتجالا لوقته:

فما رسم شجاني إن محا اية رسميه سفور درح الذيلين في بوغاء قاعيه

و مود حرحف تتري علي تلبيد نوبيه و دلاّج من المزن دنا نوء سماكيه

أتي مثعنجر الودق يجود من خلاليه و قد أحمد برقاه فلا ذمّ لبرقيه

و قد جلّل رعداه فلا ذمّ لرعديه ثجيج الرعد ثجاج إذا أرخي نطاقيه

فأضحي دارسا قفرا لبينونة أهليه (3)

و منه:قطعة نقلها صاحب كتاب الفتوح،و أنّه عليه السّلام لمّا أحاط به جموع ابن زياد يتقدمهم عمر بن سعد و قصدوه و قتلوا من أصحابه،و منعوهم الماء،و كان له عليه السّلام ولد صغير فجاءه سهم منهم فقتله،فزملّه عليه السّلام و حفر له بسيفه و صلي عليه و دفنه و قال هذه الأبيات:

غدر القوم و قد ما رغبوا عن ثواب اللّه رب الثقلين

قتلوا قدما عليا و ابنه حسن الخير كريم الأبوين

حنقا منهم و قالوا أجمعوا نفتك الآن جميعا بالحسين2.

ص: 17


1- تاريخ مدينة دمشق:187/14.
2- تاريخ مدينة دمشق:187/14.
3- الصراط المستقيم:172/2.

يالقوم لاناس رذل جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا و تواصوا كلهم باجتياحي للرضا بالملحدين

لم يخافوا اللّه في سفك دمي لعبيد اللّه نسل الفاجرين

و ابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني قبل ذا غير فخري بضياء الفرقدين

بعلي الخير من بعد النبي و النبي القرشي الوالدين

خيرة اللّه من الخلق أبي ثم أمّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب فأنا الفضة و ابن الذهبين

من له جد كجدي في الوري أو كشيخي فأنا ابن القمرين

فاطم الزهراء أمي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين

و له في يوم أحد وقعة شفت الغلّ بفض العسكرين

ثم بالأحزاب و الفتح معا كان فيها حتف أهل القبلتين

في سبيل اللّه ماذا صنعت أمة السوء معا بالغرتين (1)

عترة البرّ النبي المصطفي و علي الورد بين الجحفلين (2)

و قال و قد إلتقاه و هو متوجه إلي الكوفة الفرزدق بن غالب الشاعر فقال له:يابن رسول اللّه كيف تركن إلي أهل الكوفة و هم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل و شيعته؟

فترحم علي مسلم و قال:صار إلي روح اللّه و رضوانه،أما إنّه قضي ما عليه و بقي ما علينا و أنشد:

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة فإنّ ثواب اللّه أغلا و أنبل

و إن تكن الأبدان للموت انشئت فقتل إمرء في اللّه بالسيف أفضل

و إن تكن الأرزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في الكسب أجمل

و إن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل (3)3.

ص: 18


1- في نسخة:بالعترتين.
2- الفتوح:131/5-132،و كذا مناقب ابن شهر آشوب:4:86.
3- الفتوح:80/5،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق:211/234،مناقب ابن شهر آشوب:/4 104،مقتل الخوارزمي:223.

الآيات النازلة في الحسين عليه السّلام

اشارة

قوله تعالي: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (1).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا حملت فاطمة عليها السّلام بالحسين جاء جبرائيل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، فقال:إنّ فاطمة عليها السّلام ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك،فلمّا حملت فاطمة بالحسين كرهت حمله و حين وضعته كرهت وضعه.

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لم تر في الدّنيا أمّ تلد غلاما تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت أنّه سيقتل،قال:و فيه نزلت هذه الآية: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (2).

و ذلك إن اللّه تبارك و تعالي أخبر نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بشّره بالحسين قبل حمله و أن الإمامة تكون في ولده إلي يوم القيامة،ثم أخبره تعالي بما يصيبه من القتل و المصيبة في نفسه و ولده،ثم عوضه بأن جعل الإمامة في عقبه و أعلمه أنه يقتل ثم يرده إلي الدنيا و ينصره حتي يقتل أعداءه و يملّكه الأرض و هو قوله تعالي: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ الآية،و قوله تعالي: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ فبشر اللّه نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن أهل بيتك يملكون الأرض و يرجعون إليها و يقتلون أعداءهم فأخبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاطمة صلوات اللّه عليها بخبر الحسين عليه السّلام و قتله فحملته كرها،ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فهل رأيتم أحدا يبشّر بولد ذكر فيحمله كرها.أي أنها اغتمّت فكرهت لما أخبرها بقتله و وضعته كرها لما علمت من ذلك (3).

قوله تعالي: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ .

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قال:

حسب فرأي ما يحلّ بالحسين عليه السّلام فقال:إنّي سقيم لما يحلّ بالحسين عليه السّلام (4).

السقم هنا ليس في بدن و إنما في النفس و القلب لأجل ما رأي فيما ينزل بالحسين عليه السّلام ولد خاتم الأنبياء من المصيبة و البلية في نفسه و أهله و ولده.

قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقي (5).

ص: 19


1- سورة الأحقاف،الآية:15.
2- الكافي:464/1.
3- سورة الأنبياء،الآية:105.
4- الكافي:465/1 ح 5.
5- سورة النساء،الآية:77.

في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ مع الحسن وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ... فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ مع الحسين... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ إلي خروج القائم عليه السّلام فإنّ معه النصر و الظفر،قال الله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقي (1).

قوله تعالي: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (2)

و في كنز الفوائد مسندا إلي الصادق عليه السّلام قال:إقرأوا سورة الفجر في نوافلكم و فرائضكم فإنّها سورة الحسين بن عليّ لقوله تعالي: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إنّما يعني الحسين بن علي فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضية و أصحابه من آل محمّد هم الراضون عن اللّه يوم القيامة و هو عنهم راض،و هذه السورة في الحسين بن عليّ و شيعته،من أدمن قراءة و الفجر كان مع الحسين بن عليّ في درجته في الجنّة إنّ اللّه عزيز حكيم (3).

قوله تعالي: فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ

و روي صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالي: فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ إنّه رأي علي ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فلقّنه جبرائيل:قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان،فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال:يا جبرائيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي قال:هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول:

و اعطشاه وا قلّة ناصراه حتّي يحول العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤوسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكي آدم بكاء الثكلي (4).

قوله تعالي: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا .

عن سلام،عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا (5)قال:«إنّما عني بذلك عليا عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين و جرت بعدهم في الأئمة عليهم السّلام،ثم يرجع القول من اللّه في النّاس فقال: فَإِنْ آمَنُوا يعني النّاس بمثل ما آمَنْتُمْ بِهِ (6)يعني عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام فقد اهتدوا،و إن تولّوا فإنما هم في شقاق».

قوله:في قوله تعالي آمَنّا بِاللّهِ خاطب اللّه المؤمنين بقوله: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا7.

ص: 20


1- تفسير العياشي:258/1 ح 195.
2- سورة الفجر،الآية:27.
3- بحار الأنوار:219/44 ح 8.
4- بحار الأنوار:245/44 ح 44.
5- سورة البقرة،الآية:136.
6- سورة البقرة،الآية:137.

إنّما عني بذلك عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و جرت الآية بعدهم في الأئمة أيضا،ثم يرجع القول من اللّه في الناس الذين لم يؤمنوا بهم فقال:فإن آمنوا،يعني الناس المذكورين بمثل ما آمنتم به يعني عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام فقد اهتدوا كما اهتديتم،و إن تولوا و أعرضوا عن الإيمان فانما هم في شقاق الحق و هو المخالفة،فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر.و قوله بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ من باب التعجيز و التبكيت كقوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (1)إذ لا مثل لمن آمن بهم المؤمنون.و بعض المفسرين فسروا ما أُنْزِلَ إِلَيْنا بالقرآن،و بعضهم فسروه بجميع ما جاء به النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و هو شامل لما نحن فيه علي سبيل العموم.

قوله تعالي: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ .

عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال:الحسن و الحسين وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ (2)قال:إمام تأتّمون به.

قوله يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال علي بن إبراهيم:قوله عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أي نصيبين من رحمته أحديهما أن لا يدخل النار، و الثانية أن يدخل الجنة.

و قوله عزّ و جلّ: وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يعني الإيمان.

ثم قال:أخبرني الحسين بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه في قوله تعالي: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال:الحسن و الحسين وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال:إمام تأتمون به (3).

قوله تعالي: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ (4)

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خلق اللّه تعالي الأنبياء من أشجار مختلفة و خلقني و عليا من شجرة واحدة أنا أصلها و علي فرعها و فاطمة أكمامها و الحسن و الحسين ثمرتها و شيعتنا أوراقها،و من تمسّك بغصن من أغصانها نجا،و من انحرف هلك هلاكا أبديا» (5).

قوله تعالي: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ (6).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«النبيّون أنا و الصدّيقون عليّ و الشهداء حمزة و الصالحون فاطمة،و ذلك أنّ اللّه خلقني و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبنيّة و لا أرض مدحية و لا ظلمة و لا نور،و ذلك أنّ اللّه تكلّم بكلمة فخلق منها نورا ثمّ تكلّم بكلمة فخلق منها روحا9.

ص: 21


1- سورة البقرة،الآية:23.
2- سورة الحديد،الآية:28.
3- الكافي:195/1 ح 3.
4- سورة إبراهيم،الآية:24.
5- شرح أصول الكافي:102/7.
6- سورة النساء،الآية:69.

ثمّ مزج النور بالروح فخلقني و خلق عليّا فكنّا نسبّح حين لا مسبّح،فلمّا أراد أن ينشئ الخلق فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و أنا أشرف منه.

ثمّ فتق نور أخي فخلق الملائكة من نور أخي عليّ فأخي عليّ أفضل من الملائكة،ثمّ خلق السماوات و الأرض من نور فاطمة فهي أفضل من السماوات و الأرض،ثمّ فتق نور الحسن فخلق منه الشمس و القمر و الحسن أفضل من الشمس و القمر،ثمّ فتق نور الحسين فخلق منه الجنّة و الحور العين و الحسين أفضل من الجنّة و الحور العين،ثمّ سكنت الملائكة الظلمة فخلق لهم من نور الزهراء نورا أزهرت منه السماوات و الأرض فقالوا:ربّنا ما هذا النور؟

فقال:هذا نور حبيبتي و زوجة حبيبي و أمّ أوليائي،أشهدكم يا ملائكتي أنّ ثواب تسبيحكم و تقديسكم لها لشيعتها إلي يوم القيامة» (1).

قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً .

ابن شهر اشوب من طريق الخاصة و العامة روي ذلك عن ابن عباس و ابن مسعود و جابر و البراء و أنس و أمّ سلمة و السدي و ابن سيرين و الباقر عليه السّلام في قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً قال:«هو محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام»و في رواية«البشر الرسول و النسب فاطمة و الصهر علي» (2).

قوله تعالي: وَ بَيْنَهُما حِجابٌ

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عز و جل وَ بَيْنَهُما حِجابٌ (3)قال:«سور بين الجنّة و النار عليه قائم محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و الحسن و الحسين و فاطمة و خديجة الكبري فينادون أين محبونا أين شيعتنا؟فيقبلون إليهم فيعرفونهم باسمائهم و أسماء ابائهم و ذلك قوله عز و جل: يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ أي باسمائهم فياخذون بأيديهم فيجوزون بهم علي الصراط و يدخلونهم الجنة».

قوله تعالي: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ

و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضي اللّه عنه بإسناده إلي أمير المؤمنين عليه السّلام قال:مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (4).ثمّ مرّ عليه الحسين عليه السّلام فقال:فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت السماء و الأرض إلاّ علي يحيي بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما (5).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«مرّ عليه رجل عدو للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ8.

ص: 22


1- نوادر المعجزات:83،تأويل الآيات:139/1،و البحار:16/25 مع زيادة في الحديث.
2- مناقب آل أبي طالب:29/2.
3- سورة الأعراف،الآية:46.
4- سورة الدخان،الآية:29.
5- بحار الأنوار:168/14 ح 8.

وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (1) ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فقال لكن هذا لتبكينّ عليه السماء و الأرض-و قال:و ما بكت السماء و الأرض إلاّ علي يحيي بن زكريا و علي الحسين بن عليّ عليه السّلام» (2).

عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليهما السّلام من بعض أبواب المسجد فقال له:«أمّا هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض» (3).

عن أبي جميلة عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالي: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ قال:«لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيي بن زكريا حتّي قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه» (4).

عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام فضحك عليّ ضحكا حتّي بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ .

و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض» (5).

و عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان الذي قتل الحسين ولد زنا و الذي قتل يحيي بن زكريا ولد زنا و قد أحمرت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة.

ثمّ قال:بكت السماء و الأرض علي الحسين بن عليّ و يحيي بن زكريا و حمرتها بكاؤها» (6).

و عن ابن عباس في تفسير قوله تعالي: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذا قبض اللّه نبيا من الأنبياء بكت عليه السماء و الأرض أربعين سنة إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السماء و الأرض طول الدهر و تصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دما،و إن هذه الحمرة التي تري في السماء ظهرت يوم قتل الحسين عليه السّلام و لم تر قبله أبدا و إن يوم قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم (7).

قوله عزّ و جلّ: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ

و عن أبي هريرة قال:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن قوله عزّ و جلّ: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي4.

ص: 23


1- سورة الدخان،الآية:29.
2- تفسير القمّي:291/2.
3- كامل الزيارات:2/180.
4- كامل الزيارات:8/182.
5- كامل الزيارات:24/187-21.
6- كامل الزيارات:27/188،بحار الأنوار:213/45.
7- انظر مناقب آل أبي طالب:170/2،و ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام لابن عساكر:355-364.

عَقِبِهِ (1) قال:جعل الإمامة في عقب الحسين عليه السّلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة،و منهم مهدي هذه الأمة» (2).

و عن أبي أمامة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الأئمة بعدي إثنا عشر كلهم من قريش تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم» (3).

و نحوه عن أبي سعيد،و عمر بن عثمان عن أبيه،و عبد اللّه بن مسعود،و ابن السائب،و ابي ذر،و عمر بن الخطاب،و زيد بن ثابت جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين و التاسع مهديهم» (4).

و قريب منه ما روي عن سلمان و فاطمة عليها السّلام معا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و يونس بن ضبيان و أبان عن الصادق عليه السّلام و ابي مريم عن الباقر عليه السّلام (5).

قوله تعالي وَ عَلَي الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ .

عن فاطمة الزهراء عليها السّلام قالت:سألت أبي عن قول اللّه تبارك و تعالي وَ عَلَي الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ (6).

قال:«هم الأئمة بعدي علي و سبطاي و تسعة من صلب الحسين» (7).

تأويل (كهيعص) بالحسين عليه السّلام

في الاحتجاج عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت القائم عليه السّلام عن تأويل كهيعص فقال:هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فعلّمه إيّاها،فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن تجلّي عنه همّه،و إذا ذكر الحسين خنقته العبرة فقال يوما:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة تسلّيت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني؟فأنبأه اللّه تعالي عن قصّته.

فقال:(كهيعص)فالكاف اسم كربلاء و الهاء هلاك العترة و الياء يزيد و هو ظالم الحسين، و العين عطشه و الصاد صبره.

ص: 24


1- سورة الزخرف،الآية:28.
2- كفاية الأثر:86.
3- كفاية الأثر:106.
4- البحار:282/36 و 291 و 292 و 293 و 317 و 318،و مناقب آل أبي طالب:209/1،و كفاية الأثر:99 و 97.
5- البحار:304/36،و كفاية الأثر:45 و 124 و 194 و 197،و مناقب آل أبي طالب:209/1،البحار: 358/36 و 352 و 350.
6- سورة الأعراف،الآية:46.
7- كفاية الأثر:194،و نقله في البحار:351/36.

فلمّا سمع زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيهنّ الناس من الدخول عليه و أقبل علي البكاء و النحيب و كان يرثيه:إلهي أتفجّع خيرة جميع خلقك بولده إلهي أتنزل بلوي هذه الرزيّة بفنائه،إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة بساحتهما،ثمّ كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني علي الكبر فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده فرزقه اللّه يحيي و فجعه به،و كان حمل يحيي ستّة أشهر و حمل الحسين عليه السّلام كذلك،الحديث.

و في الأمالي عن كعب الأخبار قال في كتابنا يعني التوراة:إنّ رجلا من ولد محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقتل و لا يجف عرق دواب أصحابه حتّي يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين فمرّ بنا الحسن عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:لا،فمرّ بنا الحسين عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:نعم (1).

آية المباهلة

قال تعالي: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ (2).

قال الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة:(روي انه عليه الصلاة و السلام لما أورد الدلائل علي نصاري نجران ثم إنه أصّروا علي جهلهم فقال عليه السّلام:إن اللّه أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم،فقالوا:يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك،فلما رجعوا قالوا للعاقب-و كان ذا رأيهم-يا عبد المسيح ماذا تري؟

فقال:و اللّه لقد عرفتم يا معشر النصاري أنّ محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم،و اللّه ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم،و لئن فعلتم لكان الإستئصال،فإن أبيتم إلاّ الإصرار علي دينكم و الإقامة علي ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و إنصرفوا إلي بلادكم.

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم خرج و عليه مرط من شعر أسود و كان قد احتضن الحسين و أخذ بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول إذا دعوت فأمنوا.

فقال أسقف نجران يا معشر النصاري:إني لأري وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها،فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة.

ثم قالوا:يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و ان نقرك علي دينك.

ص: 25


1- دلائل الإمامة:514.
2- سورة آل عمران،الآية:61.

فقال صلوات اللّه عليه:فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما علي المسلمين.

فأبوا.فقال:إني أناجزكم القتال.فقالوا:ما لنا بحرب العرب طاقة،ولكن نصالحك علي أن لا تغزونا و لا تردنا عن ديننا علي أن نؤدي إليك ألفيّ حلة ألفا في صفر و ألفا في رجب،و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم علي ذلك (1).

و قال الزمخشري:لا دليل أقوي من هذا علي فضل أصحاب الكساء لأنها لما نزلت دعاهم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم فاحتضن الحسين و أخذ بيد الحسن و مشت فاطمة خلفه و عليّ خلفها،فعلم أنهم المراد من الآية،و ان أولاد فاطمة و ذريتهم يسمون أبناءه و ينتسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا و الآخرة (2).

***

توديع النبي للحسين عليه السّلام

عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:لما ثقل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه الذي قبض فيه،كان رأسه في حجري و البيت مملوء من أصحابه من المهاجرين و الأنصار،و العباس بين يديه يذبّ عنه بطرف ردائه،فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يغمي عليه ساعة و يفيق أخري،ثمّ وجد خفة فأقبل علي العباس فقال:يا عباس يا عمّ النبيّ إقبل وصيتي في أهلي و في أزواجي و اقض ديني و انجز عداتي و ابرئ ذمّتي.

فقال العباس:يا نبي اللّه أنا شيخ ذؤ عيال كثير غير ذي مال ممدود و أنت أجود من السحاب الهاطل و الريح المرسلة فلو صرفت ذلك عني إلي من هو أطوق له مني،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها و من لا يقول مثل ما تقول،يا عليّ هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد،يا عليّ إقبل وصيتي و أنجز مواعيدي و أدّ ديني،يا عليّ اخلفني في أهلي و بلّغ عني من بعدي.

قال عليّ عليه السّلام:فلمّا نعي إليّ نفسه رجف فؤادي و ألقي علي لقوله البكاء،فلم أقدر أن أجيبه بشي،ثمّ عاد لقوله فقال:يا عليّ أو تقبل وصيتي؟

ص: 26


1- تفسير الفخر الرازي:80/8 مورد الآية-المسألة الثالثة.
2- تفسير الكشاف:434/1 مورد الآية،و انظر صحيح مسلم:17/15 كتاب الفضائل ح 6170،و تاريخ المدينة لابن شبة:581/2-583 ذكر وفد نجران،و مسند أحمد:185/1 ط.م و 302 ط.ب ح 1611 عن سعد،و الدر المنثور:38/2-39 عن سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده و جابر و ابن عباس و الشعبي و سعد بن أبي وقاص و علباء بن أحمر،و سنن الترمذي:225/5-638 ح 2999-3724،و كنز العمال: 379/2-380.

قال:فقلت:و قد خلقتني العبرة و لم أكد أن أبيّن:نعم يا رسول اللّه.

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا بلال ائتني بسوادي إئتني بذي الفقار و درعي ذات الفضول إئتني بمغفري ذي الجبين،و رايتي العقاب،إئتني بالعنزة و الممشوق (1)فأتي بلال بذلك إلاّ درعه كانت يومئذ مرتهنة، ثمّ قال:إئتني بالمرتجز و العضباء و اليعفور و الدلول (2)،فأتي بهما فوقفهما في الباب،ثمّ قال:إئتني بالأتحمية و السحاب،فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشي شيء فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب فطلبها فأتي بها و البيت غاصّ يومئذ بمن فيه من المهاجرين و الأنصار،ثمّ قال:يا عليّ قم فاقبض هذا،و مدّ إصبعه و قال:في حياة مني و شهادة من في البيت لكيلا ينازعك أحد من بعدي،فقمت و ما أكاد أمشي علي قدم حتّي استودعت ذلك جميعا منزلي،فقال:يا عليّ أجلسني،فأجلسته و أسندته إلي صدري،قال عليّ عليه السّلام:فلقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إن رأسه ليثقل ضعفا و هو يقول:

يسمع أقصي أهل البيت و أدناهم:إن أخي و وصيي و وزيري و خليفتي في أهلي عليّ بن أبي طالب يقضي ديني و ينجز موعدي،يا بني هاشم يا بني عبد المطلب لا تبغضوا عليّا و لا تخالفوا عن أمره فتضلوا،و لا تحسدوه و ترغبوا عنه فتكفروا،أضجعني يا عليّ،فأضجعته فقال:يا بلال إئتني بولدي الحسن و الحسين،فانطلق،فجاء بهما فاسندهما إلي صدره فجعل صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يشمهما،قال عليّ عليه السّلام:

فظننت أنهما قدغماه-قال الجارودي يعني أكرباه-فذهبت لآخذهما عنه،فقال:دعهما يا عليّ يشمّاني و أشمّهما و يتزوّدا منّي و أتزود منهما فسيلقيان من بعدي زلزلا و أمرا عضالا فلعن اللّه من يخيفهما اللّهمّ إنّي أستودعكهما و صالح المؤمنين (3).

***

شباهة الحسين بالنبي عليهما السّلام

قالت فاطمة للحسين عليهما السّلام:أنت شبيه بأبي لست شبيها بعليّ (4).

عاصم بن كليب،عن أبيه،قال:رأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم[في المنام]فذكرته لابن عباس فقال:

أذكرت الحسين بن علي حين رأيته؟

قلت:نعم و اللّه ذكرته بكفيه حين رأيته يمشي،قال:إنا كنا نشبهه بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (5).

و عن هانيء بن هانيء،عن علي بن أبي طالب قال:الحسن أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الصدر إلي الرأس،و الحسين أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أسفل من ذلك.

ص: 27


1- العنزة:العكازة،و الممشوق من القضبان:الطويل الدقيق،و المرتجز:الفرس.
2- اليعفور:حماره،و الدلول:بغلة شهباء كانت له عليه السّلام،و الأتحمية:ضرب من البرود.
3- أمالي الطوسي:600 ح 1244 المجلس:27 ح 1.
4- مناقب آل أبي طالب:159/3.
5- التاريخ الكبير:381/2/1.

و عن هبيرة،عن علي،قال:من سرّه أن ينظر إلي أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين عنقه و ثغره فلينظر إلي الحسن،و من سرّه أن ينظر إلي أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين عنقه إلي كعبه خلقا و لونا فلينظر إلي الحسين بن علي. (1).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:لم يرضع الحسين عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام و لا من أنثي كان يؤتي به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث،فنبت لحم الحسين عليه السّلام من لحم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و دمه و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسي ابن مريم و الحسين بن عليّ عليهم السّلام (2).

و في رواية أخري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يؤتي به الحسين عليه السّلام فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزي به و لم يرتضع من أنثي (3).

***

التوسل بالحسين عليه السّلام

ابن بابويه قال:حدّثني محمد بن موسي بن المتوكل قال:حدّثني يحيي بن أحمد عن العباس بن معروف عن بكر بن محمد قال:حدّثني أبو سعيد المدايني يرفعه في قول اللّه عز و جل فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (4)قال:سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (5).

و عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ اللّه تبارك و تعالي عرض علي آدم في الميثاق ذريّته،فمرّ به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو متّكئ علي علي عليه السّلام،و فاطمة عليها السلام تتلوهما،و الحسن و الحسين عليهما السّلام يتلوان فاطمة،فقال الله:يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري.

فلمّا أسكنه اللّه الجنة مثل له النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم، فنظر إليهم بحسد،ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها،فلمّا تاب إلي اللّه من حسده و أقرّ بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم غفر اللّه له،و ذلك قوله فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ الآية (6).

***

الحسين عليه السّلام يبصر العرش

قال إمامنا الصادق عليه السّلام:«بيت علي و فاطمة من حجرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سقف بيتهم عرش ربّ

ص: 28


1- المعجم الكبير:95/3 ح 2768.
2- الكافي:465 ح 4.
3- الكافي:465 ح 4.
4- سورة البقرة،الآية:37.
5- معاني الأخبار:1/125.
6- تفسير العياشي:41/1 ح 27.

العالمين،و في قعر بيوتهم فرجة مكشوفة إلي العرش معراج الوحي،و الملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا و مساء،و في كل ساعة و طرفة عين،و الملائكة لا ينقطع فوجهم فوج ينزل و فوج يصعد.

و إنّ اللّه تبارك و تعالي كشط لإبراهيم عن السماوات حتي أبصر العرش،و زاد اللّه في قوّة ناظره،و ان اللّه زاد في قوّة ناظرة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين،و كانوا يبصرون العرش و لا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش» (1).

***

الحسين أبو الأئمة عليهم السّلام

عن محمد بن زيد بن أرقم قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعليّ:«أنت الإمام،و الحسن و الحسين إمامان سيّدا شباب أهل الجنّة،و تسعة من صلب الحسين عليه السّلام أئمّة أبرار معصومون، و منهم قائمنا أهل البيت،ثمّ قال:يا عليّ ليس في القيامة راكب غيرنا و نحن أربعة».

فقام إليه رجل من الأنصار فقال:فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه و من هم؟

قال:«أنا علي دابة البراق،و أخي صالح علي ناقة اللّه التي عقرت،و عمّي حمزة علي ناقتي العضباء،و أخي عليّ علي ناقة من نوق الجنّة و بيده لواء الحمد ينادي:لا إله إلاّ اللّه،محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فيقول الآدميّون:ما هذا إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش،فيجيبهم ملك من بطنان العرش:ليس هذا ملكا مقرّبا و لا نبيّا مرسلا و لا حامل عرش،هذا الصدّيق[الأكبر]عليّ بن أبي طالب» (2).

و عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال:سألته عن الأئمّة عليهم السّلام قال:و اللّه لعهد عهده إلينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الأئمّة بعده إثنا عشر تسعة من صلب الحسين عليه السّلام،و منّا المهدي الذي يقيم الدّين في آخر الزمان،من أحبّنا حشر من حفرته معنا و من أبغضنا أو ردّنا أو ردّ واحدا منّا حشر من حفرته إلي النار (3).

و عن رزين بن حبش[حبيب]عن الحسن بن علي عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن هذا الأمر يملكه بعدي إثنا عشر إماما تسعة من صلب الحسين عليه السّلام اعطاهم اللّه علمي و فهمي» (4).

ص: 29


1- كنز الفوائد:473،و بحار الأنوار:97/25 ح 71 باب الأرواح التي فيهم.
2- عيون الأخبار:/53/1ح 189،و كفاية الأثر:100 ما روي عن زيد بن أرقم.
3- أمالي الصدوق:442 ح 590.
4- كفاية الأثر:165 و 166،و نقله في البحار:340/36.

و عن زراره قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«نحن إثنا عشر إماما منهم حسن و حسين ثم الأئمة من ولد الحسين» (1).

و عن سليم بن قيس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إني أولي بالمؤمنين من أنفسهم،ثم أخي علي بن أبي طالب أولي بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا استشهد فابني الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين أولي بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد فابنه علي أولي بالمؤمنين من انفسهم و ستدركه يا علي،ثم ابنه محمد بن علي أولي بالمؤمنين من انفسهم و ستدركه يا حسين،ثم تكمله إثني عشر إماما من ولد الحسين عليه السّلام» (2).

و رواه النعماني عن سليم مع تفاوت (3).

و روي أيضا قريب منه عن المفضل عن الصادق عليه السّلام قال:«اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين» (4).

و في رواية أم سلمة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين اعطاهم اللّه علمي و فهمي فالويل لمبغضهم» (5).

و عن موسي بن عبد ربه عن الحسين بن علي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«...ألآ إن أهل بيتي أمان لكم فأحبوهم لحبي و تمسكوا بهم لن تضلوا».

قيل:فمن أهل بيتك يا نبي اللّه؟

قال:«علي و سبطاي و تسعة من ولد الحسين أئمة أمناء معصومون» (6).

و في غيبة النعماني عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في غدير خم بعد ذكر استشهاد الأمير علي الغدير و نزول آية: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ و آية: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ قال عليه السّلام:«اشهدكم ايها الناس أنها خاصة لهذا و لأوصيائي من ولدي و ولده أولهم ابني حسن،ثم حسين ثم تسعة من ولد حسين لا يفارقهم الكتاب حتي يردوا عليّ الحوض» (7).

و في إثبات الوصية عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن اللّه اختار من الأيام الجمعة،و من الشهور شهر رمضان،و من الليالي ليلة القدر،و من الناس الأنبياء،و منم.

ص: 30


1- الكافي:533/1 ح 16،و الخصال:478/2 و 480،و تقريب المعارف 183.
2- كمال الدين:270/1،و كشف الغمة:298/3،و الخصال:477/2،و العيون:38/1،و إلزام الناصب: 199/1،و نقله في البحار:231/36.
3- غيبة النعماني:60-61،و البحار:276/36،و إلزام الناصب:52/1.
4- إرشاد القلوب:421/2.
5- كفاية الأثر:184.
6- كفاية الأثر:171.
7- إرشاد القلوب:419/2 في فضائل علي و الأئمة عليهم السّلام.

الأنبياء الرسل،و اختارني من الرسل و اختار مني عليا،و اختار من علي الحسن و الحسين،و اختار من الحسين الأوصياء ينفون عن التنزيل تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين تاسعهم قائمهم و هو ظاهرهم و هو باطنهم» (1).

و في رواية أم سلمة قالت:...أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم،هم الأئمة بعده كما قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«عدد نقباء بني إسرائيل علي و سبطاه و تسعة من صلب الحسين»،هم أهل بيته هم المطهرون و الأئمة المعصومون (2).

و في رواية أخري عنها قالت:اشهد اللّه تعالي لقد سمعته يقول:«علي خير من أخلفه فيكم و هو الإمام و الخليفة بعدي،و سبطاي و تسعة من صلب الحسين ائمة أبرار لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين،و لئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلي يوم القيامة» (3).

و عن داود الرقي عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:«...و كان أول من دخلها محمد و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و تسعة من الأئمة» (4).

و عن ابن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (5).

و عن عبد اللّه بن مسعود قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين و تاسعهم مهديهم» (6).

و في رواية أبي سعيد الخدري:قيل:يا رسول اللّه فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟

قال:«نعم الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين أمناء و معصومون و منا مهدي هذه الأئمة،ألآ إنهم أهل بيتي و عترتي من لحمي و دمي ما بال أقوام يؤذونني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي» (7).

و عن أبي ذر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الأئمة بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين عليه السّلام تاسعهم قائمهم،ألآ إن مثلهم فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك،و مثل باب حطة في بني إسرائيل» (8).8.

ص: 31


1- إثبات الوصية:227.
2- كفاية الأثر:182.
3- كفاية الأثر:199.
4- غيبة النعماني:56-57.
5- كفاية الأثر:19 و 69،و أعلام الوري:375،و العيون:52/1،و كشف الغمة:299/3،و كمال الدين: 280/1 و ينابيع المودة:585/2،و مناقب آل أبي طالب:209/1،و البحار:286/36.
6- كفاية الأثر:23.
7- كفاية الأثر:29.
8- كفاية الأثر:38.

و في رواية عثمان بن عفان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الأئمة عليهم السّلام بعدي إثنا عشر تسعة من صلب الحسين و منا مهدي هذه الأمة،من تمسك من بعدي بهم فقد استمسك بحبل اللّه،و من تخلّي منهم فقد تخلّي من اللّه» (1).

و عن أنس قال:فقام إليه أبو ذر الغفاري و قال:يا رسول اللّه كم الأئمة بعدك؟

قال:«عدد نقباء بني إسرائيل».

فقال:كلهم من أهل بيتك.

قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«كلهم من أهل بيتي تسعة من صلب الحسين و المهدي منهم» (2).

***

الإمامة في الحسين عليه السّلام

عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام،قال:سألته عن قول اللّه عزّ و جل: وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (3).

ما هذه الكلمات؟

قال:هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه و هو أنّه قال:يا ربّ أسألك بحقّ محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ،فتاب اللّه عليه إنّه هو التّواب الرّحيم فقلت:يا بن رسول اللّه فما يعني عزّ و جل بقوله أتمهنّ،قال:«يعني أتمّهنّ إلي القائم إثنا عشر إماما،تسعة من ولد الحسين».

قال المفضّل:فقلت له:يا بن رسول اللّه،فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (4)

قال:يعني بذلك الإمامة جعلها اللّه في عقب الحسين إلي يوم القيامة.

قال:فقلت له:يا بن رسول اللّه فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن و هما جميعا ولدا رسول اللّه و سبطاه و سيّدا شباب أهل الجنّة؟

فقال:إنّ موسي و هارون كانا نبيّين و مرسلين أخوين،فجعل اللّه النّبوة في صلب موسي دون صلب هارون و لم يكن لأحد أن يقول:لم فعل اللّه ذلك،فإنّ الإمامة خلافة اللّه عزّ و جلّ ليس لأحد

ص: 32


1- كفاية الأثر:94.
2- كفاية الأثر:74.
3- سورة البقرة،الآية:124.
4- سورة الزخرف،الآية:28.

أن يقول:لم جعلها اللّه في صلب الحسين دون صلب الحسن عليهما السّلام،لأنّ اللّه هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون (1).

***

معرفة الحسين عليه السّلام كنه المعرفة

الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلي المفضل بن عمر قال دخلت علي الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين:كنه معرفتهم».

قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلائق بجنب الروضة الخضراء فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الأعلي»قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي،قال:«يا مفضّل تعلّم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوي و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال و كيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2)و هو في علمهم و قد علموا ذلك».

فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت.

قال:«نعم يا مفضل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة و لكل مؤمن بها» (3).

***

أثر معرفة أهل البيت عليهم السّلام

اشارة

هناك آثار معنوية و مادية لمعرفة أهل بيت محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،معرفة واقعية صحيحة،و قد جمعها الإمام الصادق عليه السّلام في إحدي خطبه جاء منها:

«فمن عرف من أمة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم واجب حق إمامه،وجد طعم حلاوة إيمانه،و علم فضل طلاوة إسلامه،لأن اللّه نصب الإمام علما لخلقه،و جعله حجة علي أهل مواده و عالمه و ألبسه تاج الوقار،

ص: 33


1- معاني الأخبار:127.
2- سورة الأنعام،الآية:59.
3- مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.

و غشاه من نور الجبار،يمد بسبب إلي السماء-إلي أن قال:حجج اللّه و دعاته و رعاته علي خلقه يدين بهديهم العباد و تستهل بنورهم البلاد و ينمو ببركتهم التلاد.

فليس يجهل حق هذا العالم إلاّ شقي و لا يجهده إلاّ غوي،و لا يصد عنه إلاّ جريّ علي اللّه جل و علا» (1).

و في حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم و اقتدي بهم فهو و اللّه منا،يرد حيث نرد و يسكن حيث نسكن...» (2).

و قريب منه عن أبي جعفر عليه السّلام (3).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قال اللّه تعالي لموسي:«محمد و عترته فمن عرفهم و عرف حقهم جعلته عند الجهل علما،و عند الظلمة نورا،و اعطيته بعد السؤال واجبته قبل الدعاء (4).

«أين باب اللّه الذي منه يؤتي»«أين وجه اللّه الذي إليه يتوجه الأولياء» (5).

فكيف نريد أن نتقرب بوجوه لا نعرفها و أبواب لا نهتدي اليها!!

و بذلك صرح الإمام الصادق عليه السّلام:«و بعبادتنا عبد اللّه و لو لا نا ما عبد اللّه» (6).

«نحن الأسماء الحسني الذين لا يقبل اللّه عملا إلاّ بمعرفتنا» (7).

و قال الإمام الباقر عليه السّلام: أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ نحن السبيل فمن أبي فهذه السبل» (8).

و من الآثار توقف العبادة عليهم لما يأتي أنهم الوسائط بيننا و بين اللّه تعالي كحديث:«نحن فيما بينكم و بين اللّه» (9).

و حديث:«واسطة علي سبيل هداة لا يهتدي هاد إلاّ بهداهم» (10).

فلا يستطيع الإنسان أن يتقرب إلاّ بعد معرفته الأسباب و الوسائط.1.

ص: 34


1- أصول الكافي:203/1-205 كتاب الحجة باب نادر في فضل الإمام ح 2.
2- إلزام الناصب:333/2 ايات الرجعة.
3- بصائر الدرجات:63 الجزء الثاني ح 10.
4- مشارق أنوار اليقين:149.
5- من دعاء الندبة للإمام المهدي(عج)و الروايات في مضمون هذا الدعاء كثيرة راجع بصائر الدرجات:61 باب في الأئمة أنهم حجة اللّه.
6- الكافي:193/1،و بحار الأنوار:20/2،و بصائر الدرجات:61 و 64.
7- الكافي:144/1.
8- بحار الأنوار:13/24.
9- أصول الكافي:265/1 ح 1،و الوسائل:91/18 ح 33375.
10- أصول الكافي:198/1.

و ورد:بالباء ظهر الوجود،و بالنقطة تميز العابد عن المعبود» (1).

و ورد عن بعض العارفين:«ما رأيت شيئا إلاّ و رأيت الباء عليه مكتوبة» (2).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا النقطة تحت الباء» (3).

*أقول:هناك روايات أخري في أثر معرفتهم فلتراجع في مضانها (4).

تبصرة عبادية:

*أقول:معرفة آل محمد عليهم السّلام بحقيقة المعرفة يتوقف عليها الكثير من العبادات،فحتي البكاء علي آل محمد عليهم السّلام و إقامة المآتم و تفسير ابتلائهم و محنهم و نحو ذلك،كله يختلف باختلاف الاعتقاد بحقيقة محمد و آل محمد صلوات المصلين عليهم ما سبح ملك و قدس أخر.

فإذا كان شخص يبكي علي الحسين عليه السّلام لأنه ظلم و سلب حقه،و لأنه معصوم و ابن الرسول الكريم؛فإنه إذا عرف مكانة الحسين الحقيقية من اللّه تعالي،و انه كان يعلم بتفاصيل واقعة عاشوراء و مع ذلك أقدم،و إنه كان يستطيع أن يفني وجودهم بولايته التكوينية أو بدعائه المستجاب (5)،و مع ذلك صبر لعشقه الشهادة و عشق لقاء اللّه و جواره؛فإن البكاء يختلف و صبر الحسين يعظم.

و هذا كله متوقف علي معرفة حقيقته وسعة علمه و قدرته في التصرف بالكون،و عندها إذا تعرف العبد علي سيده و عرف مكانته و بكي عليه،أو أظهر الحزن،يكون بكاؤه عن عقيدة و علم و يقين و اطمئنان،لا عن مجرد تقليد للآباء أو مجرد عاطفة و تأثير الضمير بالبكاء علي كل مظلوم.

عند ما ندرك قدرة الحوراء الإنسية عليها السلام علي قلب الموازين الطبيعية،أو أن دعاءها مستجاب،ثم نسمع انها صبرت علي دخول دارها عنوة و إخراج زوجها،فإن للصبر عندها لذة يكشف عن عظمة التزامها بأمر أبيها و امر اللّه تعالي.

و هكذا بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السّلام عند ما ندرك تصرفه بالكون-و ما أكثره-و علمه الشامل لما

ص: 35


1- شرح دعاء السحر:64،و جامع الأسراء:563 ح 1163 و نسبه لابن عربي.
2- جامع الأسراء:701.
3- شرح دعاء السحر:64،و جامع الأسراء:563 و 411 ح 1163-823،و الأنوار النعمانية:47/1.
4- أصول الكافي:180/1-185.
5- انظر تهذيب الكمال:438/6،و الصواعق المحرقة:299-306،و المعجم الكبير:117/3،و ذخائر العقبي:145،و أمالي الشجري:160/1،و كتاب مجابي الدعوة:19-20-25. و يدخل في عموم ما ورد أن دعاء آل محمد مستجاب:راجع إلزام الناصب:24/1،و عيون الأخبار:/2 226،و كشف الغمة:413/2-415-372-381،و الفصول المهمة:215،و ربيع الأبرار:249/2، و الهداية الكبري:254،و الأنوار النعمانية:78/4،و أعلام الوري:422،و جامع كرامات الأولياء:/2 227.

كان و يكون،و مع ذلك صبر علي المحن إلتزاما بالتكليف الشرعي و لمصالح ليس هنا محل ذكرها؛ عندها ندرك حقيقة الصبر الذي كان يتحلي به،و هو غير ما قد يفهمه الإنسان بعيدا عن حقيقة أمير الموحدين علي بن أبي طالب عليه السّلام و قدرته و علمه.

و هكذا في إمامنا زين العابدين عليه السّلام ففهمنا لصبره علي الأسر و القيود و السلاسل يختلف باختلاف عقيدتنا به،لذا يأتي أنه عند ما حزن بعض أهل الشام علي أسره و تقييده؛قام الإمام عليه السّلام بإخراج يديه و رجليه من القيود و أخبره أنه يقدر علي أكثر من ذلك (1).

و ما مراد الإمام عليه السّلام إلاّ أن يعرّفه أنه مع قدرته و علمه و إمكان تصرفه بالكون،يصبر علي البلاء و يلتزم بحكم اللّه تعالي.

و هكذا عند ما خرج من السجن و ذهب لدفن والده الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء (2).

و المسألة أوضح في إمام زماننا أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء،فمع قدرته و علمه و تسخير الجن و الإنس و الجبال و السماء و جنودهم،ينتظر قضاء اللّه في الخروج كل يوم جمعة،مع عشقه للخروج و تفريج الهموم عن شيعته و محبيه و منتظريه،و مع بكائه دما بدل الدموع علي جده الحسين عليه السّلام لتأخير الأخذ بثأره.

فكل حركات و سكنات آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يختلف تفسيرها باختلاف معرفتهم بالنورانية كما تقدم عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

هذا و قد أخبرونا أن الكلمة و الحديث منهم ينصرف علي سبعين وجها فافهم (3).

***

نور الحسين عليه السّلام

و عن ابن خالويه يرفعه إلي جابر بن عبد اللّه الأنصاري،قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

«إن اللّه عزّ و جلّ خلقني،و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد،فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا،و قدّسنا فقدّسوا و هلّلنا فهلّلوا،و مجّدنا فمجّدوا،و وحّدنا فوحّدوا،ثمّ خلق اللّه السماوات و الأرض و خلق الملائكة مائة عام لا يعرف تسبيحا و لا تقديسا، فسبّحنا فسبّحت شيعتنا،فسبّحت الملائكة-و كذا في البواقي-فنحن الموحّدون حيث لا موحّد

ص: 36


1- تذكر الخواص:292،و حلية الأولياء:135/3 ترجمته،و كفاية الطالب:448،و مشارق الأنوار:120، و ترجمة زين العابدين من تاريخ دمشق:31 ح 42،و ينابيع المودة:431/2-436.
2- تذكرة الخواص:292 باب 12 في ذكر علي بن الحسين.
3- التزام الناصب:29/1،و الاختصاص:288/12،و إثبات الوصية:214.

غيرنا،و حقيق علي اللّه عزّ و جلّ كما اختصّنا و شيعتنا أن يزلفنا و شيعتنا في أعلي علّيين،إن اللّه اصطفانا و اصطفي شيعتنا من قبل أن نكون أجساما،فدعانا فأجبناه،فغفر لنا و لشيعتنا من قبل أن نستغفر اللّه» (1).

و روي الصدوق رحمه اللّه بإسناده عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:قال:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؛أنا سيّد من خلق اللّه عزّ و جل،و أنا خير من جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل و حملة العرش و جميع ملائكة اللّه المقرّبين و أنبياء اللّه المرسلين،و أنا صاحب الشفاعة و الحوض الشريف،و أنا و علي أبوا هذه الأمّة،من عرفنا فقد عرف اللّه،و من أنكرنا فقد أنكر اللّه،و من عليّ سبطا أمّتي، و سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن و الحسين،و من ولد الحسين أئمّة تسعة طاعتهم طاعتي،و معصيتهم معصيتي،تاسعهم قائمهم و مهديهم» (2).

و في رواية أخري:«و الفضل لك بعدي يا عليّ و للأئمّة من بعدك،و إن الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا-ثمّ قال بعد كلام-إنّ اللّه خلق آدم،و أودعنا في صلبه،و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما،و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبوديّة،و لآدم إكراما و طاعة،لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة،و قد سجد لآدم كلّهم أجمعون» (3).

و عن سلمان الفارسي:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا سلمان خلقني اللّه من صفوة نوره و دعاني فأطعته،و خلق من نوري نور علي عليه السّلام فدعاه إلي طاعته فأطاعه،و خلق من نوري و نور علي فاطمة عليه السّلام فدعاها فأطاعته،و خلق مني و من علي و فاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه، فسمانا اللّه بخمسة أسماء من أسمائه.

فالله المحمود و أنا محمد،و اللّه العلي و هذا علي،و اللّه فاطر و هذه فاطمة،و اللّه الإحسان و هذا الحسن،و اللّه المحسن و هذا الحسين،ثم خلق منا و من نور الحسين عليه السّلام تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية أو أرضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا،و كنا بعلمه أنوارا نسيحه و نسمع له و نطيع» (4).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام حين لا سماء مبنية،و لا أرض مدحية،و لا ظلمة و لا نور،و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار».

فقال العباس:كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟ن.

ص: 37


1- المحتضر:127،بحار الأنوار:10/15،شرح الزيارة الجامعة للسيّد عبد الله شبر:42.
2- كمال الدين:261 ح 8 و البحار:364/16.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:237/2.
4- إلزام الناصب:332/2-33 الفرع الثاني الآيات المشعرة بالرجعة عن المقتضب و تفسير البرهان.

فقال:«يا عم لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا،ثم تكلم بكلمة اخري فخلق منها روحا،ثم مزج النور بالروح،فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكنا نسبحه حين لا تسبيح،و نقدسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه تعالي أن ينشيء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري،و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة،فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه و علي أفضل من الملائكة.ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السموات و الأرض،فالسموات و الأرض من نور ابنتي فاطمة،و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السموات و الأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين،فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين (1).

الي أن قال:«فتكلم اللّه بكلمة فخلق منها روحا...ثم نورا فأزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة» (2).

و عن سلامة عن أبي سلمي راعي إبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ليلة أسري بي إلي السماء قال لي الجليل جلّ جلاله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت:

و المؤمنون،قال:صدقت يا محمد،قال:من خلّفت في أمتك؟

قلت:خيرها.

قال:عليّ بن أبي طالب؟

قلت:نعم يا رب قال:يا محمد إني اطلعت إلي الأرض اطّلاعة فاخترتك منها و شققت لك اسما من أسمائي،فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له اسما من اسمائي فأنا الاعلي و هو عليّ،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نوري،و عرضت ولايتكم علي أهل السموات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي يتقطع أو يصير كالشن البالي،ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتي يقرّ بولايتكم،يا محمد تحبّ أن تراهم؟قلت:نعم يا رب فقال لي:د.

ص: 38


1- بحار الأنوار:10/15-11 باب بدء خلق النبي ح 11.
2- الأنوار النعمانية:17/1-18 مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس بيسير رواه عن ابن مسعود.

التفت عن يمين العرش،فالتفتّ فإذا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و عليّ بن موسي و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و المهدي،في ضحضاح من نور قياما يصلون و هو في وسطهم-يعني المهدي-كأنّه كوكب درّي و قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزّتي و جلالي إنّه الحجة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).

و عن الإمام أبو محمد العسكري عليه السّلام:قال علي بن الحسين:حدّثني أبي عن أبيه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:يا عباد اللّه إن آدم لما رأي النور ساطعا من صلبه إذ كان اللّه تعالي قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلي ظهره،رأي النور و لم يتبين الأشباح فقال:يا رب ما هذه الأنوار؟قال:أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلي ظهرك،و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح،فقال آدم:يا رب لو بيّنتها ليّ،فقال اللّه عزّ و جلّ:انظر يا آدم إلي ذروة العرش، فنظر آدم عليه السّلام فوقع نور أشباحنا من ظهر آدم علي ذروة العرش،فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فراي أشباحنا فقال:ما هذه الأشباح يا رب؟ قال اللّه تعالي:يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي و بريّاتي هذا محمد و أنا المحمود الحميد في أفعالي،شققت له اسما من اسمي،و هذا علي و أنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي،و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض،فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي،و فاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها اسما من اسمي،و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل شققت اسميهما من اسمي.

هؤلاء خيار خلقي،و كرام بريتي،بهم آخذ و بهم أعطي،و بهم أعاقب و بهم أثيب،فتوسل إليّ بهم يا آدم،و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك فإني آليت علي نفسي قسما حقا لا أخيّب بهم آملا،و لا أردّ بهم سائلا،فذلك حين زلت منه الخطيئة و دعا اللّه عزّ و جلّ فتاب عليه و غفر له (2).

***

الحسين عليه السّلام أول من يدخل الجنة

عن الحسين،عن علي،قال:شكوت إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حسد الناس إياي،فقال:«يا علي إن أول أربعة يدخلون الجنة أنا و أنت و الحسن و الحسين و ذرارينا خلف ظهورنا،و أزواجنا خلف ذرارينا».

قال[عليّ]:قلت:يا رسول اللّه فأين شيعتنا؟

ص: 39


1- فرائد السمطين 320/2 ح 571.
2- تفسير الإمام العسكري 219-/220ح 102.

قال:«شيعتكم من ورائكم».

و عن عاصم،عن علي،قال:إن محبينا لأقوام ذبل شفاههم خمص بطونهم تعرف الرهبانية في وجوههم (1).

[قال علي:]أخبرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنه أول من يدخل الجنة أنا و فاطمة و الحسن و الحسين قال:قلت:يا رسول اللّه فذرارينا؟قال:«ذرارينا من ورائنا» (2).

***

اسم الحسين عليه السّلام علي باب الجنة

و أخرجه القرشي بلفظ:«علي باب الجنة:علي ولي اللّه،فاطمة أمة اللّه،الحسن و الحسين صفوة اللّه» (3).

فعن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جاء فيه:«و تمام اسمي و اسم أخي علي و ابنتي فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين مكتوبة علي سرادق العرش بالنور» (4).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قال آدم:«ما هذه الأشباح يا رب؟

قال اللّه تعالي:يا آدم هذه الأشباح أشباح أفضل خلائقي و برياتي:هذا محمد و أنا المحمود شققت له اسما من اسمي،و هذا علي و أنا العلي الأعلي شققت له اسما من اسمي،و هذه فاطمة و أنا فاطر شققت لها اسما من اسمي،و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل و مني الإحسان شققت اسميهما من اسمي.

و هولاء خيار خلقي و كرائم بريتي،بهم آخذ و بهم أعطي و بهم أعاقب و بهم أثيب فتوسل الي بهم يا آدم،و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاء» (5).

و عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«[ليلة]عرج بي إلي السماء رأيت علي باب الجنة مكتوبا:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه،عليّ حبّ اللّه،الحسن و الحسين صفوة اللّه،فاطمة أمة (6)اللّه،علي باغضهم لعنة اللّه» (7).

ص: 40


1- ربيع الأبرار:483/1-836 بلفظ:شيعتنا.
2- ذخائر العقبي:133،و كنز العمال:98/12 ح 34166.
3- مسند شمس الأخبار:121/1 باب 13،و كشف اليقين:449 ح 551.
4- الهداية الكبري:101 الباب الثاني.
5- ينابيع المودة:97/1 ط.إسلامبول و 112 ط.النجف.
6- في تاريخ بغداد:فاطمة خيرة الله.
7- مقتل الحسين للخوارزمي:4/1،و مسند شمس الأخبار:121/1 باب 13،و تاريخ بغداد:274/1.

مقام الحسين عليه السّلام في الجنة

محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن همام قال:حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال:حدّثني محمد بن أحمد عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كان ليلة الجمعة أهبط الربّ تبارك و تعالي ملكا إلي سماء الدنيا فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك علي العرش فوق البيت المعمور و نصب لمحمد و عليّ و الحسن و الحسين منابر من نور، فيصعدون عليها و يجمع لهم الملائكة و النبيّون و المؤمنون،و يفتح أبواب السماء فإذا زالت الشمس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا رب ميعادك الذي أوعدته في كتابك و هو هذه الآية وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية،و يقول الملائكة و النبيّون مثل ذلك ثم يخرّ محمد و عليّ و الحسن و الحسين سجّدا ثم يقولون:يا رب اغضب،يا رب اغضب،يا رب اغضب،فإنّه انتهك حريمك و قتل أصفياؤك و أذلّ عبادك الصالحون» (1).

قال الحمويني:حدّثنا الشيخ الإمام البارع إمام الدين أبو الخير عبد اللّه أبي الفتوح داود المعمر القرشي إجازة في شهر رجب سنة خمس و ستين و ستمائة قال:أنبأنا والدي موفّق الدين أبي الفتوح و عمي مخلص الدين أبو عبد اللّه محمد بن أبي معمر قالا:أخبرتنا فاطمة بنت عبد اللّه بن أحمد الجوزدانية،أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم ريذة الأصبهاني،أنبأنا الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني قال:نبّأ هاشم بن يونس القصار المصري،نبّأ صالح بن عبد اللّه بن صالح،حدّثني يحيي بن أيوب عن بن جريح عن محمد ابن كعب عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه عليه السّلام:«يحشر الأنبياء يوم القيامة علي الدواب ليوافوا من قبورهم المحشر،و يبعث صالح عليه السّلام علي ناقته،و يبعث ابناي الحسن و الحسين علي ناقتي العضباء،و أبعث علي البراق،خطوها عند أقصي طرفها و يبعث بلال علي ناقة من نوق الجنّة فينادي بالأذان محضا و بالشهادتين حقا حقا،حتّي إذا قال:أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،شهد له المؤمنون من الأوّلين و الآخرين،فقبلت ممّن قبلت وردّت علي من ردّت» (2).

و عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنا واردكم علي الحوض،و أنت يا علي الساقي،و الحسن الذائذ،و الحسين الآمر،و عليّ بن الحسين الفارض،و محمد بن علي الناشر، و جعفر بن محمد السائق،و موسي بن جعفر محصي المحبين و المبغضين و قامع المنافقين،و عليّ بن موسي مزيّن المؤمنين،و محمد بن عليّ منزل أهل الجنة في درجاتهم،و عليّ بن محمد خطيب شيعته

ص: 41


1- كتاب الغيبة:376.
2- فرائد السمطين:/101/1ب /22ح 411.

و مزوّجهم الحور العين،و الحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به،و المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن اللّه إلاّ لمن شاء و يرضي» (1).

و عن مخدوج بن زيد الذهلي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أخي بين المسلمين ثمّ قال:«يا عليّ أنت أخي و أنت منّي بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبيّ بعدي،أما علمت يا عليّ أنّه أوّل من يدعي به يوم القيامة يدعي بي فأقوم عن يمين العرش فأكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة ثمّ يدعي بأبينا إبراهيم عليه السّلام فيقوم عن يمين العرش في ظله فيكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة،ثمّ يدعي النبيّون بعضهم علي أثر بعض فيقومون سماطين عن يمين العرش في ظله و يكسون حللا خضرا من حلل الجنّة.

ألا و إنّي أخبرك يا عليّ أن أمّتي أوّل الأمم يحاسبون يوم القيامة،ثمّ أبشّرك يا عليّ أن أوّل من يدعي يوم القيامة يدعي بك،هذا لقرابتك منّي و منزلتك عندي،فيدفع إليك لوائي و هو لواء الحمد فتسير به بين السماطين،و إن آدم و جميع ما خلق اللّه يستظلون بظل لوائي يوم القيامة و طوله مسيرة ألف سنة،سنانه ياقوته حمراء،قصبه فضّة بيضاء،زجّه درّة خضراء،له ثلاث ذوائب من نور:ذؤابة في المشرق،و ذؤابة في المغرب،و ذوابة في وسط الدنيا مكتوب عليها ثلاثة أسطر:

الأوّل بسم اللّه الرحمن الرحيم،و الآخر الحمد للّه ربّ العالمين،و الثالث لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه،طول كلّ سطر مسيرة ألف سنة و عرضه مسيرة ألف سنة فتسير باللواء و الحسن عن يمينك و الحسين عن يسارك حتّي تقف بيني و بين إبراهيم في ظل العرش فتكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة،ثمّ ينادي المنادي من عند العرش:نعم الأب أبوك إبراهيم،و نعم الأخ أخوك عليّ،ألا و إنّي أبشّرك يا عليّ أنّك تدعي إذا دعيت،و تكسي إذا كسيت و تحبي إذا حبيت» (2).

***

أمر النبي التمسك بالحسين عليهما السّلام

الثاني:الشيخ الطوسي في أماليه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل قال:حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريا أبو سعيد البصري قال:حدّثنا محمد بن صدقة العنبري قال:حدّثنا موسي بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عليّ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوما صلاة الفجر ثمّ انفتل و أقبل علينا يحدثنا ثمّ قال:أيّها الناس من فقد الشمس فليتمسك بالقمر و من فقد القمر فليتمسك بالفرقدين،قال:فقمت أنا و أبو أيوب الأنصاري و معنا أنس بن مالك فقلنا يا رسول اللّه من الشمس؟قال:أنا،فإذا هو صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد ضرب لنا مثلا فقال:إن اللّه تعالي

ص: 42


1- مائة منقبة /23منقبة 5.
2- أمالي الصدوق:/402مجلس /52ح 14.

خلقنا فجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم،فأنا الشمس فإذا ذهب بي فتمسكوا بالقمر.

قلنا:فمن القمر؟

قال:أخي و وصي و وزيري و قاضي ديني و أبو ولدي و خليفتي في أهلي.

قلنا:فمن الفرقدان؟

قال:الحسن و الحسين.

ثمّ مكث مليا فقال:هؤلاء و فاطمة هي الزهرة عترتي و أهل بيتي هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفترقان حتّي يردا عليّ الحوض (1).

***

وصية النبي بالحسين عليهما السّلام

عن أنس بن مالك،قال:جاءت فاطمة و معها الحسن و الحسين إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المرض الذي قبض فيه فانكبت عليه فاطمة و ألصقت صدرها بصدره و جعلت تبكي،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«مه يا فاطمة»،فانطلقت إلي البيت،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-و هو يستعبر الدموع:-«اللّهم أهل بيتي و أنا مستودعهم كل مؤمن»-ثلاث مرات-.

و عن ابن عباس قال:إن رسول اللّه كان جالسا ذات يوم و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال:اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي و أكرم الناس عليّ فاحبب من أحبهم، و ابغض من أبغضهم،و وال من والاهم،و عاد من عاداهم،و أعن من أعانهم،و اجعلهم مطهرين من كل دنس،معصومين من كل ذنب،و أيّدهم بروح القدس منك.

ثم قال:يا علي أنت إمام أمتي و خليفتي عليها بعدي،و أنت قائد المؤمنين إلي الجنة،و كأني أنظر إلي ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة علي نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك،و بين يديها سبعون ألف ملك،و عن يسارها سبعون ألف ملك،و خلفها سبعون ألف ملك،تقود مؤمنات أمتي إلي الجنة فأيما امرأة صلّت في اليوم و الليلة خمس صلوات،و صامت شهر رمضان،و حجّت بيت اللّه الحرام،و زكّت مالها،و أطاعت زوجها،و والت عليا بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة،و أنها لسيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين،و أنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين،و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون:يا فاطمة إن اللّه اصطفاك و طهرك و اصطفاك علي نساء العالمين.

ص: 43


1- أمالي الطوسي:517 ح 1131 المجلس 18 ح 38.

ثم التفت إلي علي و قال:يا علي إن فاطمة بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسؤني ما يسؤها و يسرّني ما يسرّها،و أنها أول من يلحقني من أهل بيتي،فأحسن إليها بعدي،و أما الحسن و الحسين عليهما السّلام فهما ابناي و ريحانتاي و هما سيّدا شباب أهل الجنة فليكونا عليك كسمعك و بصرك.

ثم رفع يده إلي السماء فقال:اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم،و مبغض لمن أبغضهم،و سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم،و عدو لمن عاداهم،و وليّ لمن والاهم (1).

***

فضائل الحسين عليه السّلام

اشارة

في كتاب كشف اليقين عن إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال:كنّا عند أمير المؤمنين هارون الرشيد فتذاكروا عليّ بن أبي طالب،فقال هارون:تزعم العوام إنّي أبغض عليّا و ولديه حسنا و حسينا و لا و اللّه ما ذلك كما يظنّون و لكن ولده هؤلاء طالبونا بدم الحسين معهم حتّي قتلنا قتلته ثمّ أفضي هذا الأمر إلينا فحسدونا و خرجوا علينا فحلوا قطيعتهم،و اللّه لقد حدّثني أبي المهدي عن أبيه المنصور عن محمّد بن علي عن عبد اللّه بن عبّاس قال:بينما نحن عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبلت فاطمة تبكي قالت:إنّ الحسن و الحسين خرجا فما أدري أين سلكا،فقال:لا تبكي فداك أبوك فإنّ اللّه أرحم بهما ثمّ قال:اللّهمّ احفظهما و سلّمهما في البرّ و البحر.

فهبط جبرائيل فقال:يا أحمد لا تحزن هما فاضلان في الدّنيا و الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجّار نائمين و قد و كلّ اللّه بهما ملكا يحفظهما،فقام و قمنا معه إلي الحظيرة، فإذا هما متعانقان فإذا الملك غطّاهما بأحد جناحيه فحمل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنّه حاملهما ثمّ قال:و اللّه لأشرفنّهما اليوم بما شرّفهما اللّه،فخطب فقال:أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدّا و جدّة؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين جدّهما رسول اللّه و جدّتهما خديجة بنت خويلد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير الناس أبا و أمّا؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب و أمّهما فاطمة بنت محمّد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير النّاس عمّا و عمّة؟

ص: 44


1- معاني الأخبار:56.

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب و عمّتهما أمّ هاني بنت أبي طالب،ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه ألا إنّ أباهما في الجنّة و أمّهما في الجنّة و جدّهما في الجنّة و جدّتهما في الجنّة و خالهما في الجنّة و خالتهما في الجنّة و عمّهما في الجنّة و عمّتهما في الجنّة و هما في الجنّة و من أحبّهما في الجنّة (1).

و عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير هذه الامّة من بعدي عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فمن قال غير هذا فعليه لعنة اللّه» (2).

و عن أبي رافع،أن فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالحسن و الحسين فقالت:

ابناك و ابناي انحلهما؟،قال:«نعم،أما الحسن فقد نحلته حلمي و هيبتي،و أما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي»،قالت:رضيت يا رسول اللّه.

عن حذيفة،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أتاني ملك فسلم عليّ،نزل من السماء لم ينزل قبلها يبشرني أن الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة،و أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» (3).

و عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من أراد أن ينظر إلي سيّد شباب أهل الجنة،فلينظر إلي الحسين بن علي» (4).

و عن شهر بن حوشب،قال:أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين[بن علي]فقالت:دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجلس علي منامة (5)لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته فقال:«ادعي لي حسنا و حسينا و ابن عمك عليا»،فلما اجتمعوا عنده قال:«اللّهم هؤلاء خاصتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».

عن أم سلمة زوج النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنها قالت:نزلت هذه الآية في بيتها: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [قالت]أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن أرسل إلي علي و فاطمة و الحسن و الحسين،[فأرسلت إليهم]فلما أتوه اعتنق عليا بيمينه و الحسن بشماله و الحسين علي بطنه).

ص: 45


1- مدينة المعاجز:282/3.
2- المائة منقبة:126،كنز الفوائد:63/1،بحار الأنوار:31/228/27.
3- المستدرك:167/3 مناقب الحسن و الحسين عليهما السلام،و تاريخ بغداد:230/10.
4- مجمع الزوائد للهيثمي:187/9 و نسبه إلي يعلي و ليس لأحمد.
5- المنامة:القطيفة(قاموس).

و فاطمة عند رجليه ثم قال:«اللّهم هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا»قالها ثلاث مرات،قلت:فأنا يا رسول اللّه؟فقال:«إنك علي خير إن شاء اللّه».

و عن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه قال:كان الحسين رضي اللّه عنه كثير الصلاة و الصوم و الحج و العبادة،سخيا كريما حجّ خمسا و عشرين حجّة ماشيا و نجائبه تقاد معه (1).

عن أم سلمة قالت:كان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عندنا منكّسا رأسه،فعملت له فاطمة حريرة،فجاءت و معها حسن و حسين فقال لها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أين زوجك؟اذهبي فادعيه»فجاءت به فأكلوا فأخذ [النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم]كساء فأداره عليهم فأمسك طرفه بيده اليسري ثم رفع يده اليمني إلي السماء،و قال:

«اللّهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي،اللّهم أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا[أنا]حرب لمن حاربكم،و سلم لمن سالمكم،عدو لمن عاداكم» (2).

عن عمرة بنت أفعي،قالت:سمعت أم سلمة تقول:نزلت هذه الآية في بيتي: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و في البيت سبعة:جبريل،و ميكائيل،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و علي،و فاطمة،و الحسن،و الحسين،قالت:و أنا علي باب البيت،فقلت:يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟قال:«إنك علي خير،إنك من أزواج النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم»و ما قال:إنك من أهل البيت (3).

عن يعلي العامري أنه خرج مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي طعام دعوا له،قال:فاستمثل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم -أمام القوم و حسين مع غلمان يلعب،فأراد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يأخذه قال:فطفق الصبي يفر هاهنا مرة و هاهنا مرة،فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يضاحكه حتي أخذه قال:فوضع إحدي يديه تحت قفاه و الأخري تحت ذقنه فوضع فاه علي فيه فقبّله و قال:«حسين مني و أنا من حسين،أحبّ اللّه من أحب حسينا،حسين سبط من الأسباط» (4).

عن أبي أسامة بن زيد،قال:طرقت[باب]رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ذات ليلة لبعض الحاجة،فخرج إليّ و هو مشتمل علي شيء لا أري ما هو،فلما فرغت من حاجتي قلت:ما الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا حسن و حسين علي وركيه فقال:«هذان ابناي و ابنا ابنتي،اللّهم إنك تعلم أني أحبهما [فأحبهما]اللّهم إنك تعلم أني أحبهما،فأحبّهما،اللّهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما» (5).

و عن سلمان،قال:قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للحسن و الحسين:«من أحبّهما أحببته،و من أحببته أحبّهن.

ص: 46


1- ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق:215 ح 194،و المستدرك:169/3،و الاستيعاب:382/1.
2- تاريخ مدينة دمشق:144/14.
3- مشكل الآثار:228/1 ح 774 باب 106،و نور الأبصار:123 ط.الهند.
4- مسند الإمام أحمد:172/4 و بغية الطلب:2582/6.
5- سنن الترمذي:192/13 مناقب الحسن و الحسين.

اللّه،و من أحبّه اللّه أدخله جنّات النعيم،و من أبغضهما أو بغي عليهما أبغضته،و من أبغضته أبغضه اللّه،و من أبغضه اللّه أدخله نار جهنم،و له عذاب مقيم» (1).

عبد اللّه بن شداد بن الهاد،عن أبيه،قال:خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم[في إحدي صلاتي العشي الظهر أو العصر]و هو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين فتقدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم وضعه عند قدمه اليمني فسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سجدة أطالها،قال أبي:فرفعت رأسي من بين الناس فإذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ساجد و إذا الغلام راكب علي ظهره،فعدت فسجدت فلما انصرف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال الناس:يا رسول اللّه لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها أفشيء أمرت به؟أو كان يوحي إليك؟قال:«كلّ ذلك لم يكن،إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتي يقضي حاجته» (2).

عن علي،قال:دخل عليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أنا نائم في المنام فاستسقي الحسن-أو الحسين- قال:فقام النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي حلوبة لنا فمسح ضرعها فجعل يحلبها فوثب الآخر فجعل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يكفّه، فقالت فاطمة:يا رسول اللّه كأنه أحبهما إليك؟قال:«لا و لكنه استسقي قبله»،ثم قال:«أنا و إياك و هذين و هذا الراقد يوم القيامة في مكان واحد» (3).

و عن الزبير بن عديّ،عن عبد اللّه بن أبي لبيد،عن البراء بن عازب،[قال:]قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للحسن أو الحسين:«هذا مني و أنا منه،و هو محرم عليه ما يحرم عليّ» (4).

عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«سلام عليكم أبا الريحانتين،أوصيك بريحانتيّ من الدنيا من قبل أن ينهدّ ركنيّ،و اللّه عز و جل خليفتي عليك»قال:فلما مات النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال[علي:]هذا أحد الركنين الذي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فلما ماتت فاطمة قال:هذا الركن الثاني الذي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

عن عبد اللّه،قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير رجالكم علي بن أبي طالب،و خير شبابكم الحسن و الحسين،و خير نسائكم فاطمة بنت محمد» (5).

و عن ابن عباس،قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بأذنيّ و إلاّ فصمّتا و هو يقول:«أنا شجرة و فاطمة حملها و عليّ لقاحها و الحسن و الحسين ثمرتها و المحبّون أهل البيت ورقها من الجنة حقا حقا» (6).1.

ص: 47


1- المستدرك:166/3،مجمع الزوائد:181/9 عن الطبراني،و كنز العمال:34284/120/12.
2- المستدرك:165/3.
3- أسد الغابة:269/5،و المعجم الكبير:41/3،و كنز العمال:615/11 ح 32986.
4- ذخائر العقبي:133.
5- تاريخ بغداد:157/5.
6- الفردوس للديلمي:52/1 ح 135-138،وضوء الشمس:96/1.

عن عبد الرّحمن بن عوف،أنه قال:ألا تسألوني قبل أن تشوب (1)الأحاديث الأباطيل؟ [قال:]قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا الشجرة (2)و فاطمة أصلها-أو فرعها-و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرتها،و شيعتنا ورقها،فالشجرة أصلها في جنة عدن،و الأصل و الفرع و اللقاح و الورق و الثمر في الجنة» (3).

عن حبشيّ بن جنادة،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن اللّه تعالي اصطفي العرب من جميع الناس،و اصطفي قريشا من العرب،و اصطفي بني هاشم من قريش،و اصطفاني من قريش، و اختارني في نفر من أهل بيتي:علي و حمزة و جعفر و الحسن و الحسين».

عن ربيعة السعدي،قال:لما اختلف الناس في التفضيل رحلت راحلتي و أخذت زادي و خرجت حتي دخلت المدينة فدخلت علي حذيفة بن اليمان،[فقال لي:]من الرجل؟قلت:من أهل العراق،فقال لي:من أي العراق؟

قال:قلت:رجل من أهل الكوفة،قال:مرحبا بكم يا أهل الكوفة قال:قلت:اختلف الناس علينا في التفضيل فجئت لأسألك عن ذلك،فقال لي:علي الخبير سقطت،أما إني لا أحدثك إلاّ ما سمعته أذناي و وعاه قلبي و أبصرته عيناي:

خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كأني أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة حاملا الحسين بن علي علي عاتقه كأني أنظر[إلي كفه الطيبة واضعها علي قدمه يلصقها بصدره فقال:«يا أيها الناس لأعرفن][ما اختلفتم فيه-يعني في الخيار بعدي]هذا الحسين بن علي خير الناس جدا،و خير الناس جدة، جدّه:محمد رسول اللّه سيد النبيين،و جدّته:خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلي الإيمان باللّه و رسوله،هذا الحسين بن علي خير[الناس أبا و خير الناس أمّا،أبوه علي بن أبي طالب أخو رسول اللّه و وزيره و ابن عمه و سابق]رجال العالمين إلي الإيمان باللّه و رسوله،و أمه فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين،هذا الحسين بن علي خير الناس عما و خير الناس عمة،عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء،و عمته أم هانئ بنت أبي طالب،هذا الحسين بن علي خير الناس خالا و خير الناس خالة،خاله القاسم بن محمد رسول اللّه و خالته زينب بنت محمد رسول اللّه».

ثم وضعه عن عاتقه فدرج بين يديه و حبا.

ثم قال:«يا أيها الناس هذا الحسين بن علي جدّه وجدته في الجنة،و أبوه و أمه في الجنة، و عمّه و عمته في الجنة،و خاله و خالته في الجنة،و هو و أخوه في الجنة،إنه لم يؤت أحد من ذرّية5.

ص: 48


1- في ابن عدي:قبل أن تشيب الأحاديث بالأباطيل.
2- ابن عدي:أنا شجرة.
3- تلخيص المتشابه:309/1 رقم الترجمة 485.

النبيين ما أوتي الحسين بن علي ما خلا يوسف بن يعقوب» (1).

و نقل الإمام أبو محمد صاحب كتاب السنّة بسنده إلي حذيفة رضي اللّه عنه أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«ألا إنّ الحسين بن علي أعطي من الفضل ما لم يعطه أحد من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم خليل الرّحمن عليه السّلام» (2).

و عنه أيضا بسنده إلي ربيعة السعدي قال:أتيت حذيفة رضي اللّه عنه فسألته عن أشياء فقال:اسمع منّي وعه و أبلغ الناس،إنّي رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كما تراني،و سمعته بأذني هاتين،و قد جاء الحسين بن علي فجعله علي منكبيه،و جعل الحسين يعمد بعقبه في سرّة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فرأيت كفّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الطيبة المباركة الزاكية و قد وضعها علي ظهر قدم الحسين،و هو يغمزها في سرّة نفسه لئلاّ ينبهر،و لا ينقطع نفسه من الكلام ثمّ قال:«أيّها الناس هذا الحسين بن علي خير الناس جدّا و خير الناس جدّة، و جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سيّد ولد آدم،و جدّته خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلي الإيمان باللّه و برسوله،و هذا الحسين بن علي خير الناس خالا و خير الناس خالة،خاله القاسم بن رسول اللّه و خالته زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم»،ثمّ وضعه عن منكبه فدرج بين يديه ثمّ قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أيّها الناس هذا الحسين بن علي جدّه في الجنّة،و أبوه في الجنّة،و أمّه في الجنّة،و عمّه في الجنّة،و عمّته في الجنّة،و خاله في الجنّة،و خالته في الجنّة،و أخوه في الجنّة».

ثمّ قال:«أيّها الناس إنّه لم يعط أحد من ذريّة الأنبياء الماضين ما أعطي الحسين بن علي خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،يا أيّها الناس إنّ الفضل و الشرف و المنزلة و الولاية لرسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ذريّته،فلا تذهبن بكم الأباطيل» (3).

و عن الشعثاء عن بشر بن غالب قال:سمعت أبا هريرة و لقي الحسين بن علي رضي اللّه عنه و هو يطوف بالكعبة فقال:يا أبا عبد اللّه لقد رأيتك علي ذراعيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد خضّبتهما دما و ذلك حين قطع سرّتك.

و في رواية قال له:يا أبا عبد اللّه سرّة حسنة،فو الذي نفس أبي هريرة بيده لا يملكون سنة إلاّ ملكتم سنتين،و لا شهرا إلاّ شهرين،و لا يوما إلاّ يومين،و لقد رأيتك علي ذراعيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قد خضّبتهما دما حين قطع سرّتك و لفّك في خرقك،و حنكك بثمره و تفل في فيك،و تكلّم بكلام لست أدري ما هو،و ذلك أنه كان يقدم إلي فاطمة و قال:«إذا ولدت فلا تسبقيني بقطع سرة ولدك» (4).2.

ص: 49


1- المعجم الأوسط:237/7.
2- الفردوس بمأثور الخطاب:159/2،و مختصر تاريخ دمشق:30/7.
3- ذخائر العقبي:130 قال:خرجه الملا في سيرته و غيره.
4- تاريخ دمشق:115/14 ط.دار الفكر بتفاوت،و المعجم الكبير:3766/98/3،و مقتل الحسين للخوارزمي:152.

و روي حبّان بن علي العثري عن أبي إسحاق قال:شهدت يزيد بن معاوية تجاه الكوفة،إذ أقبل عقيل بن أبي طالب فجلس فقال له رجل من الأنصار:يا أبا يزيد أخبرنا عن الحسين بن علي؟

فقال:ذاك أصحّ قريش وجها و أفصحهم لسانا،و أشرفهم بيتا (1).

و قال جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه:من سرّه أن ينظر إلي رجل من أهل الجنّة فلينظر إلي الحسين، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقوله (2).

و عن يعلي بن مرّة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«حسين منّي و أنا من حسين،أحبّ اللّه من أحبّ حسينا،حسين سبط من الأسباط» (3).

و روي عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:سمعت الحسين يقول:لو شتمني رجل في هذه الأذن،و أومأ إلي اليمين و اعتذر لي في الأخري لقبلت ذلك منه،و ذلك أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه حدّثني أنّه سمع جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محقّ أو مبطل» (4)،و ذكر قول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من أحبّني فليحبب هذين يعني حسنا و حسينا عليهم السّلام» (5).

و روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال:كان الحسن و الحسين يحبوان حتّي يأتيا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو في المسجد يصلّي،فيركبان علي ظهره،فإذا جلس ضمّهما إلي صدره ثمّ يقول:«بأبي و أمّي من كان يحبّني فليحبّ هذين» (6).

و في رواية عن عبد اللّه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال للحسن و الحسين:«اللّهمّ إنّي أحبّهما،فأحبّهما و من أحبّهما فقد أحبّني» (7).

و في رواية عنه قال:كان الحسن و الحسين يثبان علي ظهر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو يصلّي فإذا جاء أحد يحطهما عنه أومأ إليه دعهما،فإذا قضي صلاته ضمّهما إليه و قال:«بأبي أنتما و أمّي،من أحبّني فليحبب هذين» (8)5.

ص: 50


1- أنساب الأشراف:329/2.
2- فضائل الصحابة لابن حنبل:/775/2ح 1372،و البداية و النهاية:206/8،و مسند أبي يعلي:/397/3 ح 1874.
3- أخرجه الترمذي و قال:حسن،و سعيد في سننه كما في ذخائر العقبي:133.
4- الأحكام في الحلال و الحرام:545/2،و بحار الأنوار:/46/70ح 3(بنحوه).
5- سنن البيهقي:263/2،و حلية الأولياء:35/2،و المعجم الكبير:/40/3ح 2644.
6- مسند أبي داود الطيالسي:2502/327،و مصنف ابن أبي شيبة:95/12،و مسند أبي يعلي:/434/8ح 5017.
7- مناقب آل أبي طالب:153/3،و ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق:/58/1ح 104.
8- ابن عساكر:315/4،لوامع العقول:615/5.

و روي أبو هريرة رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«من أحبّ الحسن و الحسين فقد أحبّني،و من أبغضهما فقد أبغضني» (1).

و عنه أيضا قال:خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معه حسن و حسين هذا علي عاتقه و هذا علي عاتقه،حتّي انتهي إلينا فقلنا:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كأنّك تحبّهما؟فقال:«من أحبّهما فقد أحبّني،و من أبغضهما فقد أبغضني» (2).

و روي سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس قال:سمعت أبي يذكر عن الرشيد عن المهدي، عن المنصور عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«الحسن و الحسين من أحبّهما ففي الجنّة،و من أبغضهما ففي النار» (3).

و عن أنس قال:سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أي أهل بيتك أحبّ إليك؟

قال:«الحسن و الحسين»،و كان يقول لفاطمة:«ادعي لي ابنيّ فيشمّهما و يضمّهما إليه» (4).

و عن أبي بردة قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يخطبنا،إذ جاء الحسن و الحسين عليهما السّلام و عليهما قميصان أحمران،يمشيان و يعثران فنزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه،ثمّ قال:«صدق اللّه إنّما أموالكم و أولادكم فتنة،نظرت إلي هذين الصبيّين يمشيان و يعثران،فلم أصبر حتّي قطعت حديثي و رفعتهما» (5).

و عن يعلي بن أميّة قال:جاء حسن و حسين يسغبان إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجاء أحدهما قبل الآخر،فجعل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يده في رقبته ثمّ ضمّه إلي إبطه،ثمّ جاء الآخر فجعل يده الأخري في رقبته ثمّ ضمّه إلي إبطه،ثمّ قبّل هذا و قبّل هذا و قال:«اللّهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما».

ثمّ قال:«يا أيّها الناس إنّ الولد منجلة مجبنة مجهلة» (6).

ماذا يقال عند ذكر الحسين عليه السّلام

و عن ابن فاختة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أذكر الحسين عليه السّلام فأيّ شيء أقول إذا ذكرته؟

فقال:قل صلّي اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا (7).

ص: 51


1- سنن ابن ماجه:/51/1ح 143،و مسند أحمد:288/2 و 531.
2- مسند أحمد:440/2،و المستدرك:166/3.
3- مناقب آل أبي طالب:153/3.
4- مصابيح السنّة للبغوي:218/2 صحيح الترمذي:194/13،الصواعق المحرقة:182.
5- مسند أحمد:354/5،و سنن أبي داود:/290/1ح 1109،و صحيح الترمذي:/658/5ح 3774.
6- ابن عساكر:317/4،مصابيح السنّة للبغوي:281/2،مسند أحمد:354/5،سنن البيهقي:318/3.
7- الأمالي:54 ح 73.

علم الحسين عليه السّلام

عن مجاهد،قال:جاء رجل إلي الحسن و الحسين فسألهما فقالا:إن المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة:[لحاجة]مجحفة،أو لحمالة (1)مثقلة،أو دين فادح فأعطياه.

ثم أتي ابن عمر فأعطاه و لم يسأله فقال له الرجل:أتيت ابنيّ عمك فسألاني و أنت لم تسألني فقال ابن عمر:إبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنهما كانا يغرّان (2)بالعلم غرّا (3).

و عن الأصبغ بن نباته قال:قال علي عليه السّلام للحسن عليه السّلام:«يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش بعدي فيقولون:إن الحسن لا يحسن شيئا،قال الحسن:يا أبة كيف أصعد و أتكلم و أنت في الناس تسمع و تري؟

قال له:بأبي و أمّي أواري نفسي عنك و أسمع و أري و لا تراني»فصعد عليه السّلام المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة و صلي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و آله صلاة موجزة ثمّ قال:«أيها الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:أنا مدينة العلم و علي بابها و هل تدخل المدينة إلاّ من بابها؟»

ثمّ نزل فوثب إليه علي عليه السّلام فحمله و ضمه إلي صدره ثمّ قال للحسين عليه السّلام:«يا بني قم فاصعد و تكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون:إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا،وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك».

فصعد المنبر عليه السّلام فحمد اللّه و أثني عليه و صلي علي نبيه صلاة واحدة موجزة ثمّ قال:«معاشر الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إن عليّا مدينة هدي فمن دخلها نجا و من تخلف عنها هلك»فوثب إليه علي عليه السّلام و ضمه إلي صدره فقبله ثمّ قال:«معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و وديعته التي استودعنيها أستودعكموها معاشر الناس،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سائلكم عنهما» (4).

و من كتاب التوحيد للصّدوق بسنده عن وهب بن وهب القرشي قال:حدثني الصادق جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه:أن أهل البصرة كتبوا إلي الحسين بن علي عليهما السّلام يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد:فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلّموا فيه بغير علم،فقد سمعت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده في النار،

ص: 52


1- الحمالة:بفتح الحاء ما يتحمله الرجل عن قوم من الدية و الغرامة مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل رجل بينهم فيتحمل ديّات القتلي ليصلح بينهم(عن هامش الترجمة المطبوعة).
2- أي كانا يلقمان العلم و يزقان كما تزق الأفراخ.
3- المعجم الصغير للطبراني:184/1،في ترجم طي بن إسماعيل.
4- الاختصاص:238،نور البراهين:155/2.

و أنه سبحانه قد فسر الصمد فقال:اللّه أحد اللّه الصمد،ثم فسره فقال:لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شيء لطيف كالنفس و لا ينشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الهمّ و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و الشامة و الجوع و الشبع تعالي أن يخرج منه شيء و أن يتولد منه شيء كثيف،أو لطيف،و لم يولد لم يتولد من شيء و لم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشي من الشي و الدابة من الدابة،و النبات من الأرض،و الماء من الينابيع، و الثمار من الأشجار،و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين،و السمع من الأذن،و الشم من الأنف،و الذوق من الفم،و الكلام من اللسان،و المعرفة و التميز من القلب، و كالنار من الحجر،لا بل هو اللّه الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا علم شي،مبدع الأشياء و خالقها و منشئ الأشياء بقدرته يتلاشي ما خلق للفناء بمشيته و يبقي ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد و لم يولد عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال،و لم يكن له كفوا أحد (1).

و عن الحكم بن عتيبة قال:لقي رجل الحسين بن علي عليه السّلام بالثعلبية و هو يريد كربلاء فدخل عليه فسلّم فقال له الحسين عليه السّلام:من أي البلاد أنت؟

قال:من أهل الكوفة،قال:أما و اللّه يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبريل من دارنا و نزله بالوحي علي جدي،يا أخا أهل الكوفة أفمستقي الناس العلم من عندنا فعلموا و جهلنا؟هذا ما لا يكون (2).

***

هيبة الحسين عليه السّلام

عن يحيي بن سعيد،قال:أمر عمر الحسين بن علي أن يأتيه في بعض الحاجة،فأتاه حسين فلقيه عبد اللّه بن عمر،فقال له حسين:من أين جئت؟قال:قد استأذنت علي عمر فلم يؤذن لي، فرجع حسين فلقيه عمر فقال له:ما منعك يا حسين أن تأتيني؟

قال:قد أتيتك ولكن أخبرني عبد اللّه بن عمر أنه لم يؤذن له عليك فرجعت.فقال له عمر:

و أنت عندي مثله؟أنت عندي مثله،و هل أنبت الشعر علي الرأس غيركم؟.

و عن عبيد بن حنين،عن الحسين بن علي،قال:صعدت إلي عمر و هو علي المنبر فقلت:

إنزل عن منبر أبي و اذهب إلي منبر أبيك،فقال:من علّمك هذا؟قلت:ما علمنيه أحد،قال:منبر

ص: 53


1- مستدرك سفيند البحار:432/10.
2- الكافي:399/1 ح 2.

أبيك و اللّه!منبر أبيك و اللّه!و هل أنبت علي رؤوسنا الشعر إلاّ أنتم[لو]جعلت تأتينا و جعلت تغشانا؟! (1)

و عن مدرك بن عمارة،قال:رأيت ابن عباس آخذا بركاب الحسن و الحسين فقيل له:أتأخذ بركابهما و أنت أسن منهما؟فقال:إن هذين ابنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو ليس من سعادتي أن آخذ بركابهما.

عن أبي سعيد الكلبي،قال:قال معاوية لرجل من قريش:إذا دخلت مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فرأيت حلقة فيها قوم كأن علي رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد اللّه مؤتزرا علي أنصاف ساقية ليس فيها من الهزّيلا شيء.

عن أبي المهزّم قال:كنا مع جنازة امرأة و معنا أبو هريرة فجيء بجنازة رجل فجعله بينه و بين المرأة فصلّي عليهما فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق،فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين:يا أبا هريرة و أنت تفعل هذا،قال أبو هريرة:دعني فو اللّه لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك علي رقابهم (2).

***

حلم الحسين عليه السّلام

عن عكرمة،عن ابن عباس[أنه]بينما هو يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق،فقال له:

يا ابن عباس تفتي الناس في النملة و القملة؟صف لي إلهك الذي تعبد،فأطرق ابن عباس إعظاما لقوله،و كان الحسين بن علي جالسا ناحية فقال:إليّ يا ابن الأزرق.قال:لست إياك أسأل.قال ابن عباس:يا ابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة و هم ورثة العلم.فأقبل نافع نحو الحسين فقال له الحسين:يا نافع إن من وضع دينه علي القياس لم يزل الدهر في الالتباس سائلا إذا كبا عن المنهاج،ظاعنا بالاعوجاج ضالا عن السبيل قائلا غير الجميل،يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه،و أعرّفه بما عرّف به نفسه:لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالناس،قريب غير ملتصق،و بعيد غير منتقص،يوحّد و لا يبعّض،معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلاّ هو الكبير المتعال.

فبكي ابن الأزرق،و قال:يا حسين ما أحسن كلامك!؟قال له الحسين:بلغني أنك تشهد

ص: 54


1- جواهر العقدين:387،و تاريخ بغداد:152/1،و الرياض النضرة:342/2،و تاريخ المدينة:799/3 بتفاوت.
2- تاريخ مدينة دمشق:180/14.

علي أبي و علي أخي بالكفر و عليّ؟قال ابن الأزرق:أما و اللّه يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام و نجوم الأحكام.

فقال له الحسين:إني سائلك عن مسألة،قال:سل،فسأله عن هذه الآية: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ (1)يا ابن الأزرق من حفظ في الغلامين؟قال ابن الأزرق:

أبوهما؟قال الحسين:فأبوهما خير أم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟قال ابن الأزرق:قد أنبأ اللّه تعالي أنكم قوم خصمون (2).

***

أمر النبي بنصرة الحسين عليه السّلام

أنس بن الحارث يقول:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«إن ابني هذا-يعني الحسين-يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره» (3).

عن جابر بن عبد اللّه-قال:و حدّثنا مرة أخري عن أبيه عن جابر-قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو يفحج بين فخذي الحسين و يقبل زبيبته و يقول:«لعن اللّه قاتلك».

قال جابر:فقلت:يا رسول اللّه و من قاتله؟قال:«رجل من أمتي يبغض عترتي لا تناله شفاعتي كأن بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارة و يطفو أخري و إن جوفه ليقول غق غق» (4).

عن ابن عباس قال:أوحي اللّه تعالي[إلي]محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أني قد قتلت بيحيي بن زكريا سبعين ألفا،و أنا قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا (5).

***

أمر جبرائيل بنصرة الحسين عليه السّلام

و في كتاب التخريج عن ابن عبّاس قال:رأيت الحسين عليه السّلام قبل أن يتوجّه إلي العراق علي باب الكعبة و كفّ جبرائيل في كفّه و جبرائيل ينادي هلمّوا إلي بيعة اللّه عزّ و جلّ (6).

***

ص: 55


1- سورة الكهف،الآية:81.
2- تاريخ مدينة دمشق:184/14.
3- أسد الغابة:123/1 ترجمة أنس بن الحارث و 349/1،و ذخائر العقبي:146.
4- تاريخ بغداد:290/3 في ترجمة محمد بن مزيد أبي بكر الخزاعي.
5- تاريخ بغداد:142/1 في ترجمة الحسين بن علي.
6- مناقب آل أبي طالب:211/3.

فاطمة تنتصر للحسين عليهما السّلام

و عن شريك يرفعه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في لمة من نسائها فيقال لها:ادخلي الجنة،فتقول:لا أدخل حتي أعلم ما صنع بولديّ من بعدي،فيقال لها:

انظري في قلب القيامة،فتنظر إلي الحسين عليه السّلام قائما و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا،فيغضب اللّه لنا عند ذلك فيأمر نارا يقال لها:هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتي اسودت لا يدخلها روح أبدا و لا يخرج منها غمّ أبدا،فيقال لها:التقطي قتلة الحسين عليه السّلام و حملة القرآن،فتلقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت و صهلوا بها و شهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها،فينطقون بألسنة زلقة طلقة:يا ربنا بما أوجبت النار لنا قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن اللّه عز و جل إن من علم ليس كمن لا يعلم (1).

و عن محمد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة قبّة من نور و أقبل الحسين رأسه علي يده،فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقي في الجمع ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا عبد مؤمن إلا بكي لها،فيمثل اللّه عز و جل رجلا لها في أحسن صورة و هو يخاصم قتلته بلا رأس،فيجمع اللّه قتلته،و المجهزين عليه و من شارك في قتله فيقتلهم حتي يأتي علي آخرهم،ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام،ثم ينشرون فيقتلهم الحسن، ثم ينشرون فيقتلهم الحسين عليه السّلام،ثم ينشرون فلا يبقي من ذرّيتنا أحد إلا قتلهم قتلة،فعند ذلك يكشف اللّه الغيظ و ينسي الحزن.ثم قال أبو عبد اللّه:رحم اللّه شيعتنا،شيعتنا و اللّه هم المؤمنون فقد و اللّه شاركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة (2).

و عن أبي عبد اللّه قال:إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين و الآخرين في صعيد واحد فينادي مناد:غضّوا أبصاركم و نكسوا رؤوسكم حتي تجوز فاطمة بنت محمد الصراط.

قال:فتغضّ الخلائق أبصارهم،فتأتي فاطمة سلام اللّه عليها علي نجيب من نجب الجنة يشيّعها سبعون ألف ملك،فتقف موقفا شريفا من مواقف القيامة،ثم تنزل من نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي عليهما الصلاة و السلام بيدها مضمخا بدمه،و تقول:يا ربّ هذا قميص ولدي الحسين عليه السّلام و قد علمت ما صنع به،فيأتيها النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ:يا فاطمة لك عندي الرضا،فتقول:يا رب انتصر لي من قاتله،فيأمر اللّه تعالي عنقا من النار فتخرج من جهنم،فتلتقط قتلة الحسين بن علي صلوات اللّه و سلامه عليهما كما يلتقط الطير الحب،ثم يعود العنق بهم إلي النار،فيعذّبون فيها بأنواع العذاب.

ص: 56


1- بحار الأنوار:127/7 ح 6.
2- بحار الأنوار:222/43 ح 7.

ثم تركب فاطمة سلام اللّه عليها نجيبها حتي تدخل الجنة و معها الملائكة المشيّعون لها و ذرّيتها بين يديها و أولياؤهم من الناس عن يمينها و شمالها (1).

كأنني بالبتول الطّهر واقفة في الحشر تشكو إلي الرحمن باريها

تأتي و قد ضمخت ثوب الحسين دما فيض النحور البحاري ويل مجريها

تدعو ألا أين مسمومي و يا أسفا علي ذبيحي و أسري من ذراريها

تقول و احزني بل آه وا حسني هذا حسيني قتيل في فيافيها

هذا حسيني رضيض الجسم منجدلا تسفي علي جسمه العاري سوافيها

آه علي جثث بالطف قد قطعت رؤوسها و هجير السيف يصليها

آه علي جثث فيها القنا لعبت و أركضت ماضيات في تراقيها

يا فتية ذبحت في كربلا وثوت علي الوجوه عرايا في صحاريها

بنتم فبان لكم سلوان فاطمة و لا عج الوجد بالوجدان يشجيها

ألا لعنة اللّه علي القوم الظالمين،و سيعلم الذين ظلموا آل محمد صلّي اللّه عليه و عليهم حقّهم أي منقلب ينقلبون.

***

من أصابه القتل أو العذاب

لتركه نصرة الحسين عليه السّلام

و عن شيخ بن النخع قال:قال الحجاج:من كان له بلاء فليقم،فقام قوم يذكروا،و قام سنان بن أنس فقال:أنا قاتل حسين،فقال:بلاء حسن،و رجع إلي منزله فاعتقل لسانه و ذهب عقله،فكان يأكل و يحدث في مكانه.

و عن أبي رجاء،قال:لا تسبّوا عليا يا لهفتا علي أسهم رميته بهنّ يوم الجمل مع ذاك لقد قصّرن-و الحمد للّه-عنه قال:إن جارا لنا من بلهجيم جاءنا من الكوفة،فقال:ألم تروا إلي الفاسق ابن الفاسق قتله اللّه[يعني]الحسين بن علي قال:فرماه اللّه بكوكبين في عينيه فذهب بصره-لعنه اللّه (2)-.

ص: 57


1- الأمالي:130 ح 6.
2- سير الأعلام:313/3 و فيها«فطمس بصره».

و قال:لا تسبّوا أهل هذا البيت-أو أهل بيت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-فإنه كان لنا جار من بلهجيم قدم من الكوفة قال:ما ترون إلي هذا الفاسق ابن الفاسق قتله اللّه-يعني الحسين-فرماه اللّه بكوكبين من السماء،فطمس بصره،قال أبو رجاء:فأنا رأيته (1).

و عن مولي لبني سلامة قال:كنا في ضيعتنا بالنهرين و نحن نتحدث بالليل:ما أجد ممن أعان علي قتل الحسين خرج من الدنيا حتي يصيبه بلية،و معنا رجل من طيء فقال الطائي:فأنا ممن أعان علي قتل الحسين فما أصابني إلاّ خير،قال:و عشي السراج فقام الطائي يصلحه فعلقت النار في سباحته فمر يعدو نحو الفرات فرمي بنفسه في الماء،فاتبعناه فجعل إذا انغمس في الماء فرقت النار علي الماء فإذا ظهر أخذته حتي قتلته.

و عن عطاء بن مسلم،قال:قال السّدّي:أتيت كربلاء أبيع البزّ بها،فعمل لنا شيخ من طي طعاما فتعشينا عنده،فذكرنا قتل الحسين،فقلت:ما شرك في قتله أحد إلاّ مات بأسوأ ميتة،فقال:

ما أكذبكم يا أهل العراق فأنا فيمن شرك في ذلك فلم يبرح حتي دنا من المصباح و هو يتقد بنفط فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه فأخذت النار فيها فذهب يطفيها بريقه فأخذت النار في لحيته،فعدا فألقي نفسه في الماء فرأيته كأنه حممة (2).

عن ابن السّدّي،عن أبيه قال:كنا غلمة نبيع البزّ في رستاق كربلاء قال:فنزلنا برجل من طيء قال:فقرب إلينا العشاء قال:فتذاكرنا قتلة الحسين قال:فقلنا ما بقي أحد ممن شهد[كربلاء من] قتلة الحسين إلاّ و قد أماته اللّه ميتة سوء أو بقتلة سوء.

قال:فقال:ما أكذبكم يا أهل الكوفة تزعمون أنه ما بقي أحد ممن شهد قتلة الحسين إلاّ و قد أماته اللّه ميتة سوء-أو قتلة سوء-و إني لممن شهد قتلة الحسين و ما بها أكثر مالا مني،قال:فنزعنا أيدينا عن الطعام.قال:و كان السراج يوقد،قال:فذهب ليطفيء[السراج]قال فذهب ليخرج الفتيلة بإصبعه،قال:فأخذت النار بإصبعه قال:و مدها إلي فيه فأخذت بلحيته،قال:فحضر-أو قال:

فأحضر-إلي الماء حتي ألقي نفسه[فيه]قال:فرأيته يتوقد فيه[النار]حتي صار حممه (3).

و عن سفيان،حدثتني امرأتي،قالت:أدركت رجلين ممن شهد قتل الحسين،أمّا أحدهما فطال ذكره حتي كان يلفه،و أما الآخر فكان يستقبل الراوية فيشربها حتي يأتي علي آخرها،قال سفيان:أدركت ابن أحدهما به خبل أو نحو هذا (4).

و عنه،حدثتني جدتي أم أبي،قالت:شهد رجلان من الجعفيين قتل الحسين بن علي،قالت:

فأما أحدهما فطال ذكره حتي كان يلفه،و أما الآخر فكان يستقبل الراوية بفيه حتي يأتي علي آخرها، قال سفيان:رأيت ولد أحدهما كان به خبل،و كان مجنونا.5.

ص: 58


1- بغية الطلب:2642/6.
2- سير الأعلام:313/3.
3- بغية الطلب:2640/6-2641.
4- بحار الأنوار:311/45.

عن علقمة بن وائل،أو وائل بن علقمة أنه شهد ما هناك،قال:قام رجل فقال:أفيكم الحسين؟قالوا:نعم،قال:أبشر بالنار،قال:أبشر بربّ رحيم و شفيع مطاع،من أنت؟قال:أنا حريزة،قال:اللّهم حزه إلي النار،فنفرت به الدابة فتعلقت به رجله في الركاب،فو اللّه ما بقي عليها منه إلاّ رجله (1).

و روي ابن لهيعة و غيره قال:كنت أطوف بالبيت فإذا برجل يقول:اللّهم اغفر لي و ما أراك فاعلا.

فقلت له:يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّه غفور رحيم،قال:قصّتي إنّنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين إلي الشام و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر،فشرب أصحابي ليلة و لم أشرب،فلمّا جنّ الليل سمعت رعدا و برقا فإذا السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معهم جبرائيل و خلق من الملائكة فدنا جبرائيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمّه إلي صدره و قبّله و كذلك فعل الأنبياء و بكي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي رأس الحسين فقال جبرائيل:يا محمّد إنّ اللّه أمرني أن أطيعك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط،فقال:لا يا جبرائيل إنّ لي معهم موقفا يوم القيامة بين يدي اللّه،ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتي قوم من الملائكة و قالوا:إنّ اللّه تعالي أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:شأنكم بهم فجعلوا يضربونهم بالحربات ثمّ قصدني واحد منهم بحربة فقلت:الأمان الأمان يا رسول اللّه فقال:اذهب فلا غفر اللّه لك فلمّا أصبحت رأيت أصحابي كلّهم رمادا (2).

***

بركة و عظمة الحسين عليه السّلام

و عن ابن عبّاس قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّ للّه تبارك و تعالي ملكا يقال له دركائيل له ستّة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلي الجناح كما بين السماء و الأرض فجعل يوما يقول في نفسه:أفوق ربّنا جلّ جلاله شيء،فعلم اللّه تبارك و تعالي ما قال فزاده أجنحة مثلها و قال أوحي له:

طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش،فلمّا علم اللّه عزّ و جلّ اتعابه أوحي إليه:عدّ إلي مكانك فأنا أعظم فوق كلّ عظيم،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحي اللّه إلي ملك خازن النار:

أن أخمد النيران علي أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أوحي إلي رضوان خازن الجنّة أن

ص: 59


1- بغية الطلب:2641/6.
2- بحار الأنوار:126/45.

زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولود يولد لمحمّد في دار الدّنيا،و أوحي إلي الحور العين تزيّن و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحي إلي الملائكة:أن قوموا صفوفا بالتسبيح لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحي إلي جبرائيل:أن اهبط إلي محمّد في ألف قبيل في القبيل ألف ألف ملك علي خيول بلق مسرّجة ملجمة عليها قباب الدرّ و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم الروحانيّون يهنّئون محمّدا بمولود له يقال له:الحسين،فبينا جبرائيل يهبط من السماء إلي الأرض إذ مرّ دركائيل فقال له:يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة علي أهل الدّنيا؟

قال:لا،و لكن ولد لمحمّد مولود في الدّنيا بعثني اللّه لأهنّئه بمولوده.

فقال:يا جبرائيل أقرئه منّي السلام و قل له:بحقّ هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربّك أن يرضي عنّي و يردّ عليّ أجنحتي و مقامي في صفوف الملائكة.

فلمّا هبط جبرائيل عليه السّلام و هنّأه و أخبره بقضية الملك فأخذ النبيّ الحسين عليه السّلام و هو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلي السماء و قال:اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك إن كان للحسين بن عليّ عندك حقّ فارض عن دركائيل وردّ عليه أجنحته و مقامه في صفوف الملائكة،فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك،و الملك لا يعرف في الجنّة إلاّ بأن يقال:هذا مولي الحسين بن عليّ بن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (1).

قال السيد الجزائري في الرياض (2)لعلّ هذا مجرّد الخطرات التي تعتري أنواع الممكنات و أهل الزّلفي كالأنبياء و الملائكة يعاتبون عليها.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:لمّا عرج برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين فلمّا ولد الحسن و الحسين زاد في الصلاة سبع ركعات شكرا للّه فأجاز اللّه له ذلك.

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ الجنّة قالت:يا ربّ أسكنتني الضعفاء و المساكين،فقال اللّه تعالي:ألا ترضين إنّي زيّنت أركانك بالحسن و بالحسين،فماست كما تميس العروس فرحا (3).

و عن طاووس اليماني:إنّ الحسين عليه السّلام كان إذا جلس في مكان مظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه و نحره،فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان كثيرا ما يقبّلهما (4).

و عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جائعا لا يقدر علي ما يأكل فقال:هاتي ردائي فقلت:

أين تريد؟9.

ص: 60


1- مدينة المعاجز:436/3.
2- رياض الأبرار للسيد نعمت اللّه الجزائري مخطوط،قيد التحقيق.
3- مناقب آل أبي طالب:165/3.
4- مدينة المعاجز:46/4 ح 129.

قال:إلي فاطمة ابنتي فانظر إلي الحسن و الحسين فيذهب بعض ما بي من الجوع فدخل علي فاطمة فقال:أين ابناي؟

فقالت:خرجا من الجوع يبكيان فخرج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في طلبهما فرأي أبا الدرداء فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا عويمر هل رأيت ابنيّ؟

قال:نعم يا رسول اللّه نائمان في ظلّ حائط بني جدعان فانطلق إليهما فضمّهما و هما يبكيان و هو يمسح الدموع عنهما ثمّ قال:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو قطر قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في أمّتي إلي يوم القيامة،فحملهما و هما يبكيان و هو يبكي فجاء جبرائيل فقال:ربّك يقرئك السلام و يقول:ما هذا الجزع؟

فقال:ما أبكي جزعا من ذلّ الدّنيا،فقال جبرائيل:إنّ اللّه تعالي يقول:أيسرّك أن أحوّل لك أحدا ذهبا و لا ينقص لك ممّا عندي شيء؟

قال:لا لأنّ اللّه تعالي لم يحبّ الدّنيا و لو أحبّها ما جعل المكاره أكملها.

فقال جبرائيل:ادع بالجفنة التي في ناحية البيت،فدعي بها فإذا فيها ثريد و لحم كثير فقال:

كل يا محمّد و اطعم إبنيك و أهل بيتك فأكلوا و شبعوا و هي علي حالها فأرسل بها إليّ فأكلت و شبعت ثمّ قال:ما رأيت جفنة أعظم بركة منها فرفعت عنهم.

فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:و الذي بعثني بالحقّ لو سكت لتداولها فقراء أمّتي إلي يوم القيامة (1).

***

القائم المهدي من ولد الحسين عليهما السّلام

قال الإمام الباقر عليه السّلام قال:يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم (2).

و في رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السّلام قال:«و اختار من صلبك يا حسين تسعة تاسعهم قائمهم،و كلهم في المنزلة و الفضل عند اللّه واحد» (3).

و عن زيد بن أرقم قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعلي عليه السّلام:«أنت الإمام و الخليفة بعدي، و ابناك سبطاي و هما سيدا شباب أهل الجنة،و تسعة من صلب الحسين أئمة معصومون و منهم قائمنا أهل البيت» (4).

ص: 61


1- بحار الأنوار:310/43 ح 72.
2- الكافي:533/1،و الخصال:480/2،و الإرشاد:347/2،و غيبة النعماني:60،و البحار:395/36.
3- دلائل الإمامة:236 معرفة وجوب القائم،و ينابيع المودة:590/2 باب 94،و كشف الغمة:301/3، و كمال الدين:269/1 باب 24 ح 13،و الهداية الكبري:374.
4- كفاية الأثر:100.

و عن ابن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«علي مع الحق و الحق مع علي،و هو الإمام و الخليفة بعدي فمن تمسك به فاز و نجا و من تخلف عنه ضل و غوي،بلي يكفنني و يغسلني و يقضي ديني،و أبو سبطي الحسن و الحسين و من صلب الحسين تخرج الأئمة التسعة و منا مهدي هذه الأئمة» (1).

و عن زيد بن ثابت قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«علي بن أبي طالب قائد البررة و قاتل الفجرة،منصور من نصره مخذول من خذله،الشاك في علي هو الشاك في الإسلام،و خير من أخلف بعدي و خير أصحابي علي،لحمه لحمي و دمه دمي و أبو سبطي،و من صلب الحسين تخرج الأئمة التسعة و منهم مهدي هذه الأئمة» (2).

و عن السائح عن العسكري عليه السّلام عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«علي بن أبي طالب إمامكم بعدي و خليفتي عليكم،فإذا مضي فابني الحسن إمامكم بعده و خليفتي عليكم،فإذا مضي فابني الحسين امامكم بعده و خليفتي عليكم،ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم و خلفائي عليكم تاسعهم قائم أمتي» (3).

و في العيون عن غياث بن ابراهيم عن الصادق عليه السّلام عن أبائه عن الحسين عليه السّلام قال:سئل أمير المؤمنين عن معني قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي،من العترة؟

فقال عليه السّلام:أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم و قائمهم» (4).

و عن أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام قلت:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فمن يملك هذا الأمر بعدك؟

قال:«أبوك علي بن أبي طالب أخي و خليفتي و يملك بعد علي الحسن،ثم تملك أنت و تسعة من صلبك تكملة إثنا عشر إماما،ثم يقوم قائمنا يملأ الدنيا قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و يشفي صدور قوم مؤمنين هم شيعته» (5).

و روي نحو ذلك-مع تفاوت-عن عمار،و أبي ذر،و أم سلمة،و أبي ايوب،و حذيفة،و ابن عباس من طريق سعيد و عطاء،و أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين،و جابر الأنصاري جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (6).9.

ص: 62


1- كفاية الأثر:20 و 10 مع تفاوت.
2- كفاية الأثر:97.
3- كمال الدين:216/1.
4- العيون:46/1،و كشف الغمة:299/3،و أعلام الوري:375،و البحار:373/36.
5- كفاية الأثر:179.
6- راجع كفاية الأثر:121 و 35 و 38 و 185،و أعلام الوري:376،و كمال الدين:257/1 و 259، و البحار:287/36 و 372 و 253 و 282 و 329.

كما و روي عن سليم بن قيس و عبد القيس معا عن أمير المؤمنين عليه السّلام (1).

و روي نحوه أيضا عن أبي بصير و المفضّل بن عمر عن الصادق عليه السّلام،و أبي حمزة عن الباقر عليه السّلام،و الحسين بن خالد عن الرضا عليه السّلام (2).

***

عظمة الحسين عليه السّلام علي اللّه

و في الأخبار أنّ أعرابيّا أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه لقد صدت خشفة غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين،فقبلها و دعي له بالخير فإذا الحسن واقف عنده فرغب إليها فأعطاه إيّاها فما مضي ساعة إلاّ و الحسين عليه السّلام قد أقبل فرأي الخشفة عند أخيه يلعب بها فأتي إلي جدّه فقال:أعطيت أخي خشفة يلعب بها و لم تعطني فجعل يكرّر القول و جدّه ساكت،فهمّ الحسين عليه السّلام أن يبكي فبينما هو كذلك إذا بصياح ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلي رسول اللّه فنطقت الغزالة و قالت:يا رسول اللّه كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصيّاد و أتي بها إليك و بقيت لي هذه الاخري و أنا بها مسرورة و كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول:أسرعي أسرعي يا غزالة بخشفك إلي النبيّ محمّد لأنّ الحسين واقف بين يديه و قد همّ أن يبكي و الملائكة بأجمعهم رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة،و لو بكي الحسين لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه و سمعت أيضا قائلا يقول:اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع إلي خدّ الحسين فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فأتيت بخشفي إليك و قطعت مسافة بعيدة،لكن طويت لي الأرض حتّي أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّي علي أن جئتك قبل جريان دموع الحسين علي خدّه،فارتفع التكبير و التهليل من الأصحاب و دعي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للغزالة و أخذ الحسين الخشفة و أتي بها إلي الزهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما (3).

و عن عروة البرقي[كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقبل]الحسن و الحسين[و يقول:يا أصحابي إني أود أن أقاسمهما]حياتي لحبّي لهما،فهما ريحانتاي من الدّنيا (4).

و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و حمل جبرائيل الحسين عليه السّلام فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (5).

ص: 63


1- البحار:210/36 و 324،و غيبة النعماني:48-49.
2- غيبة الشيخ:92،و تقريب المعارف:176،و البحار:260/36 و 255،و كمال الدين:335/2 و 269 و 260،و غيبة النعماني:44.
3- العوالم:42 ح 3.
4- مدينة المعاجز:426/3 ح 4.
5- مدينة المعاجز:288/3 ح 57.

و في كتاب مناقب[آل أبي طالب]:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّي وجد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما علي عاتقيه و أتي بهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي ردّ يده إلي فمه ثمّ قال للرجل إذهب فأنت طليق، و قال لحسن و حسين:قد شفّعتكما فيه فأنزل اللّه تعالي: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (1)(2).

و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوي عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أ و ليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوّي عليهما (3).

و في الأمالي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام:إنّ اللّه تعالي عوّض الحسين عليه السّلام من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره (4).

***

تحية اللّه للحسين عليه السّلام

في(البحار)من بعض كتب المناقب القديمة عن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان بإسناده عن ابن عباس قال:

كنت جالسا بين يدي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم و بين يديه علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهما السّلام إذ هبط جبرائيل و معه تفاحة،فحيّا بها النبي و حيّا بها علي بن أبي طالب فتحيا بها عليّ و قبّلها وردها إلي رسول اللّه،فتحيا بها رسول اللّه و حيّا بها الحسن و تحيّا بها الحسن و قبّلها و ردّها إلي رسول اللّه فتحيّا بها رسول اللّه و حيّا بها الحسين و تحيّا بها الحسين و قبّلها و ردّها إلي رسول اللّه فتحيّا بها و حيّا بها فاطمة فتحيّت بها و قبّلتها و ردّتها إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فتحيّا بها الرابعة و حيّا بها علي بن أبي طالب فلما همّ أن يردّها إلي رسول اللّه سقطت التفاحة من بين أنامله فانفلقت بنصفين فسطع منها نور حتي بلغ إلي السماء الدنيا فإذا عليها سطران مكتوبان:باسم اللّه الرحمن الرحيم تحية من اللّه إلي محمد المصطفي و علي المرتضي و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين عليهما السّلام سبطي رسول اللّه و أمان لمحبيهما يوم القيامة من النار (5).

***

ص: 64


1- سورة النساء،الآية:64.
2- مناقب آل أبي طالب:168/3.
3- مناقب آل أبي طالب:168/3.
4- الأمالي:317 ح 91.
5- مدينة المعاجز:371/1.

اللّه يستجيب لطلب الحسين عليه السّلام

في(البحار)وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا أنه روي مرسلا من جماعة من الصحابة قالوا:

دخل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دار فاطمة فقال:يا فاطمة إن أباك اليوم ضيفك،فقالت:يا أبت إن الحسن و الحسين عليهما السّلام يطالباني بشي من الزاد فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به.

ثم إن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دخل و جلس مع علي و الحسن و الحسين و فاطمة متحيرة ما تدري كيف تصنع، ثم إن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلي السماء ساعة و إذا بجبرائيل قد نزل و قال:يا محمد العليّ الأعلي يقرئك السلام و يخصك بالتحية و الإكرام و يقول لك:قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أي شيء يشتهون من فواكه الجنة؟فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا علي و يا فاطمة و يا حسن و يا حسين إن رب العزّة علم أنكم جياع فأي شيء تشتهون من فواكه الجنة؟فأمسكوا عن الكلام و لم يردوا جوابا حياء من النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال الحسين عليه السّلام:عن إذنك يا أبتاه يا أمير المؤمنين عليه السّلام و عن إذنك يا أماه يا سيدة نساء العالمين و عن إذنك يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم شيئا من فواكه الجنة.

فقالوا جميعا:قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا.فقال:يا رسول اللّه قل لجبرائيل:إنّا نشتهي رطبا جنيّا،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قد علم اللّه ذلك،ثم قال:يا فاطمة قومي و ادخلي البيت و احضري إلينا ما فيه،فدخلت فرأت فيه طبقا من البلور مغطي بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جنيّ في غير أوانه،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا فاطمة أني لك هذا؟قالت:هو من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.

فقام النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و تناوله و قدّمه بين أيديهم ثم قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم،ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين عليه السّلام فقال:هنيئا مريئا لك يا حسين،ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن و قال:هنيئا مريئا لك يا حسن،ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء و قال:هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء،ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي و قال:هنيئا مريئا لك يا علي، ثم ناول عليّا رطبة أخري ثم رطبة أخري و النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول له:هنيئا مريئا لك،ثم وثب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قائما ثم جلس ثم أكلوا جميعا من ذلك الرّطب.

فلما اكتفوا و شبعوا ارتفعت المائدة إلي السماء بإذن اللّه تعالي.

فقالت فاطمة:يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.

فقال:يا فاطمة أما الرّطبة الأولي التي وضعتها في فم الحسين عليه السّلام و قلت له هنيئا يا حسين فإني سمعت ميكائيل و إسرافيل يقولان هنيئا يا حسين فقلت أيضا موافقا لهما في القول،ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرائيل و ميكائيل يقولان:هنيئا لك يا حسن فقلت أنا موافقا لهما في القول،ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين

ص: 65

علينا من الجنان يقلن:هنيئا لك يا فاطمة،فقلت موافقا لهن بالقول،و لما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي سمعت النداء من قبل الحق يقول:هنيئا مريئا لك يا علي،فقلت موافقا لقول اللّه عزّ و جلّ،ثم ناولت عليا رطبة أخري ثم أخري و أنا أسمع صوت الحق سبحانه يقول:هنيئا مريئا لك يا علي،فقلت موافقا لقول اللّه،ثم قمت إجلالا لرب العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول:يا محمد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليا من هذه الساعة إلي يوم القيامة رطبة رطبة لقلت هنيئا مريئا بعد بلا انقطاع (1).

***

عطف اللّه علي الحسين عليه السّلام

و روي عن سلمان الفارسي قال:

أهدي إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قطف من العنب في غير أوانه فقال لي:يا سلمان ائتني بولديّ الحسن و الحسين ليأكلا معي من هذا العنب،قال سلمان الفارسي:فذهبت أطرق عليهما منزل أمهما فلم أرهما،فأتيت منزل أختهما أم كلثوم فلم أرهما.

فخبّرت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بذلك،فاضطرب و وثب قائما و هو يقول:واولداه و اقرّة عيناه من يرشدني عليهما فله علي اللّه الجنة،فنزل جبرائيل من السماء و قال:يا محمد علي من هذا الإنزعاج؟فقال:

علي ولديّ الحسن و الحسين فإني خائف عليهما من كيد اليهود،فقال جبرائيل:يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين،فإن كيدهم أشد من كيد اليهود،إعلم يا محمد أن ابنيك الحسن و الحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح.

فسار النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من وقته و ساعته إلي الحديقة و أنا معه حتي دخلنا الحديقة و إذا هما نائمان و قد اعتنق أحدهما الآخر و ثعبان في فيه طاقة ريحان يروّح بها وجهيهما.

فلما رأي الثعبان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ألقي ما كان في فيه فقال:السلام عليك يا رسول اللّه،لست أنا ثعبانا و لكني ملك من ملائكة الكرّوبيين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربي و مسخني ثعبانا كما تري و طردني من السماء إلي الأرض ولي منذ سنين كثيرة أقصد كريما إلي اللّه فأسأله أن يشفع لي عند ربي عسي أن يرحمني و يعيدني ملكا كما كنت أولا إنه علي كل شيء قدير.

قال:فجاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقبّلهما حتي استيقظا فجلسا علي ركبتي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال لهما النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنظرا يا ولديّ هذا ملك من ملائكة اللّه الكروبيين قد غفل عن ذكر ربه طرفة عين فجعله اللّه هكذا و أنا مستشفع بكما إلي اللّه فاشفعا له».

ص: 66


1- مدينة المعاجز:346/1.

فوثب الحسن و الحسين عليهما السّلام فأسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين و قالا:اللهم بحق جدّنا الجليل الحبيب محمد المصطفي،و بأبينا علي المرتضي،و بأمنا فاطمة الزهراء إلا ما رددته إلي حالته الأولي.

قال:فما استتمّ دعاؤهما فإذا بجبرائيل نزل من السماء في رهط من الملائكة و بشّر ذلك الملك برضي اللّه عنه و يردّه إلي سيرته الأولي ثم ارتفعوا إلي السماء و هم يسبّحون اللّه تعالي.

ثم رجع جبرائيل إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو متبسم،و قال:يا رسول اللّه إن ذلك الملك يفتخر علي ملائكة السبع السماوات و يقول لهم:من مثلي و أنا في شفاعة السيدين السبطين الحسن و الحسين عليهما السّلام (1).

***

عطف الرسول علي الحسين عليه السّلام

و عن عبد اللّه بن عباس قال:بينما نحن عند رسول اللّه إذ أقبلت فاطمة تبكي،فقال لها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ما يبكيك؟قالت:يا رسول اللّه إن الحسن و الحسين عليهما السّلام خرجا فو اللّه ما أدري أين سلكا.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لا تبكي فداك أبوك فإن اللّه عز و جل خلقهما و هو أرحم بهما،اللهم إن كانا قد أخذا في برّ فاحفظهما،و إن كانا قد أخذا في بحر فسلّمهما.

فهبط جبرائيل فقال:يا أحمد لا تغتم و لا تحزن هما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجار نائمين،و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما.

قال ابن عباس:فقام رسول اللّه و قمنا معه حتي أتينا معه حظيرة بني النجار فإذا الحسن معانق الحسين عليهما السّلام و إذا الملك قد غطاهما بأحد جناحيه.

قال:فحمل النبي الحسن عليهما السّلام و أخذ الحسين عليه السّلام الملك و الناس يرون أنه حاملهما،فقال أبو بكر و أبو أيوب الأنصاري:يا رسول اللّه ألا نخفف عنك بأحد الصبيين؟فقال:دعاهما فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما،ثم قال:و اللّه لأشرّفنهما اليوم بما شرّفهما اللّه،فخطب فقال:

يا أيها الناس،ألا أخبركم بخير الناس جدا و جدة؟،قالوا:بلي يا رسول اللّه،قال:الحسن و الحسين عليهما السّلام جدّهما رسول اللّه و جدّتهما خديجة بنت خويلد.

ص: 67


1- مدينة المعاجز:293/3 ح 899.

ألا أخبركم بخير الناس أبا و أما؟،قالوا:بلي يا رسول اللّه،قال:الحسن و الحسين أبوهما علي بن أبي طالب و أمهما فاطمة بنت محمد.

ألا أخبركم أيها الناس بخير الناس عمّا و عمة؟،قالوا:بلي يا رسول اللّه،قال:الحسن و الحسين عمهما جعفر بن أبي طالب و عمتهما أم هاني بنت أبي طالب.

أيها الناس،ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟،قالوا:بلي يا رسول اللّه،قال:الحسن و الحسين خالهما القاسم بن محمد و خالتهما زينب بنت محمد ألا إن أباهما في الجنة و أمهما في الجنة و جدّهما في الجنة و جدّتهما في الجنة و خالهما في الجنة و خالتهما في الجنة و عمّهما في الجنة و عمتهما في الجنة و هما في الجنة،و من أحبّهما في الجنة و من أحب من أحبهما في الجنة (1).

و روي الطبراني بإسناده عن سلمان قال:

كنا حول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجاءت أم أيمن فقالت:يا رسول اللّه لقد ضلّ الحسن و الحسين،و ذلك عند ارتفاع النهار،فقال رسول اللّه:قوموا فاطلبوا ابنيّ،فأخذ كل رجل تجاه وجهه و أخذت نحو النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يزل حتي أتي سفح الجبل و إذا الحسن و الحسين ملتزق كل واحد منهما بصاحبه،و إذا شجاع قائم علي ذنبه يخرج من فيه شبه النار فأسرع إليهما رسول اللّه فالتفت مخاطبا لرسول اللّه،ثم انساب فدخل بعض الأجحرة،ثم أتاهما ففرّق بينهما و مسح وجهيهما و قال:بأبي و أمي أنتما ما أكرمكما علي اللّه،ثم حمل أحدهما علي عاتقه الأيمن و الآخر علي عاتقه الأيسر،فقلت:طوبي لكما نعم المطية مطيتكما،فقال رسول اللّه:و نعم الراكبان هما و أبوهما خير منهما.

و قال:حكي عن عروة البارقي قال:

حججت في بعض السنين فدخلت مسجد رسول اللّه فوجدت رسول اللّه جالسا و حوله غلامان يافعان و هو يقبّل هذا مرة و هذا أخري،فإذا رآه الناس يفعل ذلك أمسكوا عن كلامه حتي يقضي منهما و ما يعرفون لأي سبب حبّه إياهما.

فجئته و هو يفعل ذلك بهما فقلت:يا رسول اللّه هذان ابناك؟فقال:إنهما ابنا ابنتي و ابنا أخي و ابن عمي و أحب الرجال إليّ و من هو سمعي و بصري و من نفسه نفسي و نفسي نفسه و من أحزن لحزنه و يحزن لحزني.

فقلت له:قد عجبت يا رسول اللّه من فعلك بهما و حبك لهما.

فقال له:أحدثك أيها الرجل أني لما عرج بي إلي السماء و دخلت الجنة انتهيت إلي شجرة في رياض الجنة فعجبت من طيب رائحتها فقال لي جبرائيل:يا محمد تعجب من هذه الشجرة فثمرها3.

ص: 68


1- الأمالي:523.

أطيب من ريحها،فجعل جبرائيل يتحفني من ثمرها و يطعمني من فاكهتها و أنا لا أملّ منها،ثم مررنا بشجرة أخري فقال لي جبرائيل:يا محمد كل من هذه الشجرة فإنها تشبه الشجرة التي أكلت منها الثمر فهي أطيب طعما و أزكي رائحة.

قال:فجعل جبرائيل يتحفني بثمرها و يشمّني من رائحتها و أنا لا أملّ منها،فقلت:يا أخي جبرائيل ما رأيت في الأشجار أطيب و لا أحسن من هاتين الشجرتين،فقال لي:يا محمد أتدري ما اسم هاتين الشجرتين؟فقلت:لا أدري.

فقال:إحداهما الحسن و الأخري الحسين،فإذا هبطت يا محمد إلي الأرض من فورك فأت زوجتك خديجة و واقعها من وقتك و ساعتك فإنه يخرج منك طيب رائحة الثمر الذي أكلته من هاتين الشجرتين فتلد لك فاطمة الزهراء،ثم زوّجها أخاك عليا فتلد له إبنين فسمّ أحدهما الحسن و الآخر الحسين عليهما السّلام.

قال رسول اللّه:ففعلت ما أمرني أخي جبرائيل فكان الأمر ما كان،فنزل إليّ جبرائيل بعد ما ولد الحسن و الحسين فقلت له:يا جبرائيل ما أشوقني إلي تينك الشجرتين،فقال لي:يا محمد إذا اشتقت إلي الأكل من ثمرة تينك الشجرتين فشمّ الحسن و الحسين عليهما السّلام.

قال:فجعل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كلما اشتقاق إلي الشجرتين يشم الحسن و الحسين عليهما الصلاة و السلام و يلثمهما و هو يقول:صدق أخي جبرائيل،ثم يقبّل الحسن و الحسين عليهما السّلام و يقول:يا أصحابي إني أود أني أقاسمهما حياتي لحبي لهما و هما ريحانتاي من الدنيا،فتعجب الرجل من وصف النبي للحسن و الحسين عليهم السّلام (1).

***

الحسين عليه السّلام ابن الرسول حقيقة

اشارة

أطلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي الحسنين لفظ الابن في غير واحد من الأخبار فيكونان إبنيه حقيقة.

و من جملة هذه الأخبار الحديث المشهور أنه قال فيهما:هذان إبناي إمامان (2).

و عن سلمان قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:سمّي هارون ابنيه شبرا و شبيرا،و إنني سميت ابنيّ الحسن و الحسين عليهما السّلام (3).

و عن الدارقطني بالإسناد عن ابن عمر قال:قال:إبناي هذان سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما.

ص: 69


1- مدينة المعاجز:424/3.
2- كتاب الاربعين:307.
3- مناقب آل أبي طالب:166/3.

و عن الراغب عن أبي هريرة و بريدة:رأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يخطب علي المنبر ينظر إلي الناس مرة و إلي الحسن مرة و قال:إن ابني هذا سيصلح اللّه به بين فئتين من المسلمين (1).

و عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال:كنا جلوسا عند النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبل الحسين عليه السّلام فجعل ينزو علي ظهر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي بطنه،فبال و قال:دعوه،قال أبو عبيدة في غريب الحديث أنه قال:

لا تزرموا ابني أي لا تقطعوا عليه بوله،ثم دعا بماء فصبّه علي بوله (2).

و عن الطبري عن طاووس اليماني عن ابن عباس قال رسول اللّه:رأيت في الجنة قصرا من درّة بيضاء لا صدع فيها و لا وصل،فقلت:حبيبي جبرائيل لمن هذا القصر؟قال:للحسين ابنك،ثم تقدمت أمامه فإذا أنا بتفاح فأخذت تفاحة ففلقتها فخرجت منها حوراء كأن مقاويم النسور أشفار عينيها،فقلت:لمن أنت؟فبكت ثم قالت:لابنك الحسين عليه السّلام (3).

و عن ظريف بن ناصح عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال:

قال لي أبو جعفر:يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن و الحسين عليهما السّلام؟

قلت:ينكرون علينا أنهما ابنا رسول اللّه،قال:فبأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت:بقول اللّه عز و جل في عيسي ابن مريم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ (4).

قال:فأي شيء قالوا لكم؟

قلت:قالوا:قد يكون ولد الإبنة من الولد و لا يكون من الصلب،قال:فأي شيء احتججتم عليهم؟قلت:احتججنا عليهم بقول اللّه عز و جل: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ (5)الآية.

قال:فأي شيء قالوا لكم؟قلت:قالوا:قد يكون في كلام العرب إبني رجل واحد فيقول أبنائنا و إنما هما ابن واحد قال:فقال أبو جعفر:و اللّه يا أبا الجارود لأعطينّكها من كتاب اللّه تسمي بصلب رسول اللّه لا يردها إلا الكافر،قال:قلت:جعلت فداك و أين؟

قال:حيث قال اللّه تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ إلي أن ينتهي إلي قوله تعالي:

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (6) .

فسلهم يا أبا الجارود:هل حلّ لرسول اللّه نكاح حليلتهما؟فإن قالوا:نعم،فكذبوا و اللّه و فجروا،و إن قالوا:لا،فهما و اللّه ابناه للصّلب و ما حرمتا عليه إلا للصلب (7).9.

ص: 70


1- مناقب آل أبي طالب:185/3.
2- مناقب آل أبي طالب:226/3.
3- مناقب آل أبي طالب:229/3.
4- سورة الأنعام،الآية:84.
5- سورة آل عمران،الآية:61.
6- سورة النساء،الآية:23.
7- بحار الأنوار:233/43 ح 9.

قال المحدث العلامة المجلسي:وجه الاحتجاج بالآية الأخيرة هو اتفاقهم علي دخول ولد البنت في هذه الآية و الأصل في الاستعمال الحقيقة أو أنهم يستدلون بهذه الآية علي حرمة حليلة الولد و لا يتم إلا بكونه ولدا حقيقة للصّلب (1).

قصة لطيفة

قال في البحار وجدت في بعض كتب المناقب مرسلا عن عامر الشعبي أنه قال:

بعث إليّ الحجاج ذات ليلة فخشيت فقمت فتوضأت و أوصيت ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور و السيف مسلول،فسلّمت عليه فرد عليّ السلام فقال:لا تخف فقد أمنتك الليلة و غدا إلي الظهر،و أجلسني عنده.

ثم أشار فأتي برجل مقيّد بالكبول و الأغلال،فوضعوه بين يديه فقال:إن هذا الشيخ يقول:إن الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا ابنيّ رسول اللّه ليأتيني بحجة من القرآن و إلا لأضربن عنقه،فقلت:

يجب أن تحلّ قيده فإنه إذا احتج فإنه لا محالة يذهب،و إن لم يحتج فإن السيف لا يقطع هذا الحديد،فحلّوا قيوده و كبوله فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير فحزنت لذلك و قلت:كيف يجد حجّة علي ذلك من القرآن؟فقال له الحجاج:ائتني بحجة من القرآن علي ما ادّعيت و إلا أضرب عنقك، فقال له:انتظر،فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك،فقال:انتظر،فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك، فقال:أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم،ثم قال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ إلي قوله: وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (2)،ثم سكت.

و قال للحجاج:اقرأ ما بعده،فقرأ: وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيي وَ عِيسي (3).

فقال سعيد:كيف يليق ههنا عيسي؟قال:إنه كان من ذريته،قال:إن كان عيسي من ذرية إبراهيم و لم يكن له أب بل كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده فالحسن و الحسين أولي أن ينسبا إلي رسول اللّه مع قربهما منه،فأمر له بعشرة آلاف دينار،و أمر بأن يحملوها معه إلي داره و أذن له في الرجوع.

قال الشعبي:فلما أصبحت قلت في نفسي:قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلم منه معاني القرآن لأني كنت أظن أني أعرفها.فأتيته فإذا هو في المسجد و تلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشرا عشرا و يتصدّق بها،ثم قال:هذا كله ببركة الحسن و الحسين عليهما السّلام لئن كنا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا و أرضينّ اللّه و رسوله (4).

نسب كأن عليه من شمس الضحي نورا و من فلق الصباح عمودا

ص: 71


1- بحار الأنوار:233/43 ح 8.
2- سورة الأنعام،الآية:84.
3- سورة الأنعام،الآية:85.
4- بحار الأنوار:229/43 ح 1.

عهد علي للحسين عليهما السّلام

عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه قال:إن عندنا ما نكتمه و لا يعلمه غيرنا،أشهد علي أبي أنه حدثني عن أبيه عن جده قال:قال علي بن أبي طالب:

يا بني إنه لا بد أن تمضي مقادير اللّه و أحكامه علي ما أحب و قضي،و سينفذ اللّه قضاءه و قدره و حكمه فيك فعاهدني أن لا تلفظ بكلام أسرّه إليك حتي أموت و بعد موتي باثني عشر شهرا، و أخبرك بخبر أصله عن اللّه تقول غدوة و عشية فتشغل به ألف ألف ملك يعطي كل مستغفر قوّة ألف ألف متكلم في سرعة الكلام،و يبني لك في دار السلام ألف بيت في مائة قصر يكون لك جار جدك و يبني لك في جنات عدن ألف ألف مدينة و يحشر معك في قبرك كتابك هذا لا سبيل عليك للفزع و لا للخوف و لا الزلازل و لا زلاّت الصراط و لا لعذاب النار و لا تدعو بدعوة فتحب أن يجاب في يومك فيمسي عليك يومك إلا أتتك كائنة ما كانت بالغة ما بلغت في أي نحو كانت و لا تموت إلا شهيدا و تحيي ما حييت و أنت سعيد لا يصبك فقر أبدا و لا جنون و لا بلوي و يكتب لك في كل يوم بعدد الثقلين كل نفس ألف ألف حسنة،و يمحي عنك ألف ألف سيئة،و يرفع لك ألف ألف درجة، و يستغفر لك العرش و الكرسي حتي تقف بين يدي اللّه عزّ و جل،و لا تطلب لأحد حاجة إلا قضاها، و لا تطلب إلي اللّه حاجة لك و لا لغيرك إلي آخر الدهر في دنياك و آخرتك إلا قضاها،فعاهدني كما أذكر لك.

فقال له الحسين عليه السّلام:عاهدني يا أبي علي ما أحببت.

قال:أعاهدك علي أن تكتم عليّ فإذا بلغت منيتك فلا تعلمه أحدا سوانا أهل البيت أو شيعتنا و أولياءنا و موالينا،فإنك إن فعلت ذلك طلب الناس إلي ربهم الحوائج في كل نحو فقضاها فأنا أحب أن يتم اللّه بكم أهل البيت بما علّمني مما أعلمك ما أنتم فيه فتحشرون لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون.

فعاهد الحسين عليا صلوات اللّه عليهما علي ذلك ثم قال:

إذا أردت ذلك فقل:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوة إلا باللّه،سبحان اللّه في آناء الليل و أطراف النهار،سبحان اللّه بالغدوّ و الآصال،سبحان اللّه بالعشي و الأبكار،سبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في السموات و الأرض و عشيّا و حين تظهرون يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي،و يحيي الأرض بعد موتها و كذلك تخرجون،سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون،و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين،و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم،سبحان اللّه ذي الملك و الملكوت،سبحان اللّه ذي العزّة و العظمة و الجبروت،سبحان اللّه الملك الحق القدوس،سبحان اللّه الملك الحي الذي لا يموت،

ص: 72

سبحان القائم الدائم،سبحان الحي القيوم،سبحان العلي الأعلي،سبحانه و تعالي،سبوح قدوس ربّ الملائكة و الروح.

اللهم إني أصبحت منك في نعمة و عافية فأتمم عليّ نعمتك و عافيتك لي بالنجاة من النار، و ارزقني شكرك و عافيتك أبدا ما أبقيتني.

اللهم بنورك اهتديت،و بنعمتك أصبحت و أمسيت،أصبحت أشهدك و كفي بك شهيدا و أشهد ملائكتك و حملة عرشك و أنبياءك و رسلك و جميع خلقك و سماواتك و أرضك إنك أنت اللّه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك،و أن محمدا صلواتك عليه و آله عبدك و رسولك،و أنت علي كل شيء قدير،تحيي و تميت و تميت و تحيي،و أشهد أن الجنة حق و النار حق و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن اللّه يبعث من في القبور،و أشهد أن علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الإمام من ولد الحسين بن علي الأئمة الهداة المهديون غير الضّالين و المضلين، و أنهم أولياؤك المصطفون،و حزبك الغالبون،و صفوتك و خيرتك من خلقك و نجباؤك الذين انتجبتهم بولايتك و اختصصتهم من خلقك و اصطفيتهم علي عبادك و جعلتهم حجّة علي خلقك،صلواتك عليهم و السلام.

اللهم أكتب هذه الشهادة حتي تلقينها و أنت عني راض يوم القيامة،و قد رضيت عني إنك علي كل شيء قدير.

اللهم لك الحمد حمدا تضع لك السماء أكنافها و تسبّح لك الأرض و من عليها،و لك الحمد حمدا يصعد و لا ينفد،و حمدا يزيد و لا يبيد سرمدا مددا لا انقطاع له و لا نفاد أبدا،حمدا يصعد أوله و لا ينفد آخره،و لك الحمد عليّ و معي و فيّ و قبلي و بعدي و أمامي ولدي فإذا مت و فنيت و بقيت يا مولاي فلك الحمد إذا نشرت و بعثت،و لك الحمد و الشكر بجميع محامدك كلها علي جميع نعمائك كلها،و لك الحمد علي كل عرق ساكن و علي كل أكلة و شربة و بطشة و حركة و نومة و يقظة و لحظة و طرفة و نفس و علي كل موضع شعرة.

اللهم لك الحمد كله،و لك الملك كله،و بيدك الخير كله،و إليك يرجع الأمر كله،علانيته و سرّه،و أنت منتهي الشأن كله.

اللهم لك الحمد علي حلمك بعد علمك،و لك الحمد علي عفوك بعد قدرتك.

اللهم لك الحمد باعث الحمد،و وارث الحمد،و بديع الحمد،و مبتدع الحمد،و وافي العهد، و صادق الوعد،عزيز الجند،قديم المجد.

اللهم لك الحمد مجيب الدعوات،رفيع الدرجات،منزّل الآيات من فوق سبع سماوات،

ص: 73

مخرج النور من الظلمات،مبدّل السيئات الحسنات،و جاعل الحسنات درجات.

اللهم لك الحمد غافر الذنب،و قابل التوب،شديد العقاب ذي الطّول لا إله إلا أنت،إليك المصير.

اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشي،و لك الحمد في النهار إذا تجلّي،لك الحمد عدد كل نجم و ملك في السماء،و لك الحمد عدد كل قطرة نزلت من السماء إلي الأرض،و لك الحمد عدد كل قطرة في البحار و العيون و الأودية و الأنهار،و لك الحمد عدد الشجر و الورق و الحصي و الثّري و الجنّ و الأنس و البهائم و الطير و الوحوش و الأنعام و السباع و الهوام،و لك الحمد عدد ما أحصي كتابك و أحاط به علمك حمدا كثيرا دائما مباركا فيه أبدا،لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد يحيي و يميت،و يميت و يحيي و هو حيّ لا يموت بيده الخير و هو علي كل شيء قدير،عشر مرات.أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم و أتوب إليه،عشر مرات.يا اللّه يا اللّه يا اللّه،عشر مرات.يا رحمن يا رحيم،عشر مرات.يا رحيم يا رحيم،عشر مرات.

يا بديع السماوات و الأرض يا ذا الجلال و الإكرام،عشرا.يا حنّان يا منّان،عشرا.يا حيّ يا قيوم،عشرا.يا لا إله إلا أنت،عشرا.

اللهم صل علي محمد و آل محمد،عشرا.بسم اللّه الرحمن الرحيم،عشرا.آمين آمين افعل بي كذا و كذا.

و تقول هذا بعد الصبح مرة و بعد العصر أخري ثم تدعو بما شئت (1).

***

وصيّة أمير المؤمنين للحسنين

لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه

أوصيكما بتقوي اللّه،و أن لا تبغيا الدّنيا و إن بغتكما،و لا تأسفا علي شي منها زوي عنكما، و قولا بالحقّ،و اعملا للأجر،و كونا للظّالم خصما،و للمظلوم عونا.

أوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوي اللّه،و نظم أمركم،و صلاح ذات بينكم،فإنّي سمعت جدّكما يقول:صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة و الصّيام.

اللّه اللّه في الأيتام،فلا تغبّوا أفواههم،و لا يضيعوا بحضرتكم و اللّه اللّه في جيرانكم،فإنّهم وصيّة نبيّكم،ما زال يوصي بهم حتّي ظننا أنّه سيورّثهم،و اللّه اللّه في القرآن،لا يسبقكم بالعمل به

ص: 74


1- كلمات الإمام الحسين:786.

غيركم و اللّه اللّه في الصّلاة فإنّها عمود دينكم،و اللّه اللّه في بيت ربّكم،لا تخلوه ما بقيتم،فإنّه إن ترك لم تناظروا،و اللّه اللّه في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل اللّه،و عليكم بالتّواصل و التّباذل و إيّاكم و التّدابر و التّقاطع،لا تتركوا الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،فيولّي عليكم أشراركم،ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.

ثمّ قال:يا بني عبد المطّلب لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون:قتل أمير المؤمنين،قتل أمير المؤمنين،ألا لا تقتلنّ بي الاّ قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة و لا يمثّل بالرّجل فإنّي سمعت رسول اللّه يقول:إيّاكم و المثلة و لو بالكلب العقور (1).

***

الحسين أفضل من إبراهيم ابن النبي عليهم السّلام

و في كتاب المناقب عن ابن عبّاس قال:كنت عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي فخذه الأيسر ابنه إبراهيم و علي الأيمن الحسين بن علي،و هو تارة يقبّل هذا و تارة يقبّل هذا إذ هبط جبرائيل فقال:يا محمّد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام و يقول:لست أجمعها لك فافد أحدهما بصاحبه،فنظر إلي إبراهيم و بكي و نظر إلي الحسين و بكي و قال:إنّ إبراهيم أمّه أمة و متي مات لم يحزن عليه غيري و أمّ الحسين فاطمة و أبوه عليّ ابن عمّي لحمه لحمي و متي مات حزنت ابنتي و حزن ابن عمّي و حزنت أنا عليه و أنا أؤثر حزني علي حزنهما.

يا جبرائيل يقبض إبراهيم فدية للحسين،فقبض بعد ثلاث فكان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأي الحسين مقبلا قبّله و ضمّه إلي صدره و رشف ثناياه و قال:فديت من فديته بابني إبراهيم (2).

***

الحسين أفضل من النبي إسماعيل عليهما السّلام

و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام قال:لمّا أمر اللّه عزّ و جلّ إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّي إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و إنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليوجع إلي قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب علي المصائب،فأوحي اللّه عزّ و جلّ إليه:يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟

ص: 75


1- نهج البلاغة،المختار السادس و الأربعون.
2- مناقب آل أبي طالب:234/3.

فقال:يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد،فأوحي اللّه إليه أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟

قال:بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال:فولده أحبّ إليك أم ولدك؟

قال:بل ولده،قال:فذبح ولده ظلما علي أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

قال:يا ربّ بل ذبحه علي أيدي أعدائه أوجع لقلبي،قال:يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش و يستوجبون بذلك سخطي،فجزع إبراهيم لذلك و توجّه قلبه و أقبل يبكي،فأوحي اللّه عزّ و جلّ:يا إبراهيم قد فديت جزعك علي ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك علي الحسين و قتله و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب علي المصائب،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (1)(2).

قال السيد الجزائري بعد الحديث:هذا الحديث يدفع الإشكال الوارد علي ظاهر الآية و هو أنّ الفداء يكون أقلّ رتبة و أحطّ درجة من المفدي و لا ريب في أفضلية الحسين عليه السّلام علي أولي العزم فضلا عن غيرهم،و احتاجوا إلي الجواب بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته من ذرّية إسماعيل فلو ذبح عليه السّلام لم توجد هذه السلسلة العلية و الكلّ أشرف من الجزء فيكون الحسين عليه السّلام قد وقع فداء للجميع،و أمّا علي هذا الحديث فالمعني أنّ الفداء في الآية بمعني العوض أي عوّضناه عن مصابه بابنه ما هو أعظم من ذلك المصاب و هو مصابه ممّن هو أعزّ عليه من ولده،فليس في الآية إلاّ حذف المضاف أو أنّ الباء للسببيّة (3).

***

النبي إسماعيل يتأسي بالحسين عليهما السّلام

و روي الصدوق طاب ثراه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ إسماعيل الذي قال اللّه في كتابه:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (4) .

لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيّا من الأنبياء بعثه اللّه عزّ و جلّ إلي قومه،فأخذوه و سلخوا فروة وجهه و رأسه فأتاه ملك فقال:إنّ اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت.

فقال لي:أسوة بما يصنع بالحسين عليه السّلام (5).

ص: 76


1- سورة الصافات،الآية:107.
2- الخصال:59 ح 79،و البحار:125/12.
3- رياض الأبرار،مخطوط.
4- سورة مريم،الآية:54.
5- علل الشرائع:78/1 ح 2.

و جاء في الحديث إنّ هذا النبيّ عليه السّلام يظهره اللّه تعالي زمن خروج صاحب الأمر القائم المنتظر المهدي عليه السّلام ليقتصّ من قاتليه.

***

درجات الحسين عليه السّلام يوم القيامة

و في كتاب الأمالي عن ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؛إذا كان يوم القيامة[زين عرش ربّ العالمين بكل زينة،ثم]يؤتي بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش و الاخري عن يسار العرش فيؤتي بالحسن و الحسين عليهما السّلام فيقوم الحسن علي أحدهما و الحسين علي الآخر يزيّن الربّ تبارك و تعالي بهما عرشه كما يزيّن المرأة قرطاها.

و فيه أيضا عن أبي نعيم قال:شهدت ابن عمر و أتاه رجل فسأله عن دم البعوضة فقال:ممّن أنت؟

قال:من أهل العراق،قال:أنظروا إلي هذا يسألني عن دم البعوّضة و قد قتلوا ابن رسول اللّه و سمعت رسول اللّه يقول:الحسن و الحسين ريحانتاي من الدّنيا (1).

***

كرامات الحسين عليه السّلام

اشارة

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:مرض النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة و معها الحسن و الحسين عليهم السّلام فقعد الحسن عليه السّلام علي جانبه الأيمن و الحسين عليه السّلام علي جانبه الأيسر، فأقبلا يغمزان بدن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فما أفاق من نومه فقالت:ارجعا حتّي يفيق و ترجعان إليه فلم يقبلا فاضطجع الحسن علي عضده الأيمن و الحسين علي عضد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الأيسر فانتبها قبل أن ينتبه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قد كانت فاطمة لمّا ناما انصرفت إلي منزلها فقالا لعائشة:ما فعلت أمنّا؟

قالت:رجعت إلي منزلها،فقاما و خرجا في ليلة ظلماء ذات رعد و برق فسطع لهما نور فمشيا حتّي أتيا حديقة بني النجّار فبقيا لا يعلمان أين يأخذان.

فقال الحسن:ننام حتّي نصبح فاضطجعا متعانقين فانتبه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من النوم فطلبهما في منزل فاطمة و افتقدهما فقال:إلهي و سيّدي هذان شبلاي خرجا من المجاعة،اللّهم أنت وكيلي عليهما، فسطع نور و مشي في ذلك النور إلي حديقة بني النجّار فإذا هما نائمان متعانقان و قد تقشّعت السماء فوقهما كطبق و هي تمطر و لم تمطر عليهما،و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كأجام القصب و جناحان،

ص: 77


1- الأمالي:207 ح 228.

جناح غطّت به الحسن و جناح غطّت به الحسين عليهما السّلام،فلمّا أن بصر بهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تنحنح فانسابت الحيّة و هي تقول:اللّهم إنّي اشهدك إنّي قد حفظت شبلي نبيّك و دفعتهما إليه سالمين فقال لها:أيّتها الحيّة من أنت؟

قالت:أنا رسول الجنّ إليك نسينا آية من كتاب اللّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما نسينا،فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي:أيّتها الحيّة هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما فأخذت الآية و انصرفت،فوضع الحسن علي عاتقه الأيمن و الحسين علي الأيسر.

فقال أبو بكر:ادفع إليّ بأحد شبليك أخفّف عنك فقال:امض فقد سمع اللّه كلامك و عرف مقامك.

و قال لعمر مثل ما قال لأبي بكر،فتلقّاه عليّ عليه السّلام فقال:ادفع إليّ أحد شبليك أخفّف عنك فقال للحسن:هل تمض إلي كتف أبيك؟

فقال:يا جدّاه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي،و قال له الحسين مثل قول أخيه فأقبل إلي منزل فاطمة و قد ادّخرت لهما تميرات فأكلا و شبعا و فرحا.فقال لهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قوما الآن فاصطرعا فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا حسن شدّ علي الحسين فاصرعه،فقالت فاطمة:يا أبه و اعجباه أتشجّع الكبير علي الصغير،فقال:يا بنيّة هذا جبرائيل يقول:يا حسين شدّ علي الحسن فاصرعه (1).

***

إحياء الحسين عليه السّلام للأموات

في كتاب الخرائج عن يحيي بن أمّ الطويل قال:كنّا عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي قال:إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألاّ أحدث في أمرها شيئا حتّي أعلمك خبرها.

فقال الحسين عليه السّلام:قوموا حتّي نصير إلي هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف علي البيت و دعي اللّه تعالي ليحييها حتّي توصي بما تحبّ من وصيّتها،فأحياها اللّه تعالي فجلست و هي تتشهّد،ثمّ نظرت إلي الحسين عليه السّلام فقالت:أدخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس علي فخذه ثمّ قال لها:وصي يرحمك اللّه.

فقالت:يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.

ص: 78


1- بحار الأنوار:107/39.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّي أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت (1).

***

تكلم الرضيع مع الحسين عليه السّلام

عن صفوان بن مهران قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السّلام في امرأة و ولدها فقال:هذا لي،و قال الأخر:هذا لي فأمر بهما الحسين عليه السّلام فقال أحدهما:إنّ الإمرأة لي.

و قال الآخر:إن الولد لي.

فقال عليه السّلام للمدّعي الأوّل:اقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين:يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك.

فقالت:هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا.

فقال عليه السّلام:يا غلام ما تقول هذه؟انطق بإذن اللّه تعالي.

فقال له:ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلاّ راعي لآل فلان.

فأمر عليه السّلام برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها (2).

***

هروب الحمي من المريض ببركة الحسين عليه السّلام

في كتاب المناقب:عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال:سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمي فعاده الحسين عليه السّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمي من الرجل فقال له:الحمي تهرب منكم.

فقال له الحسين عليه السّلام:و اللّه ما خلق شيئا إلاّ و قد أمره بالطّاعة لنا.

قال:فناداها يا حمي فإذا نحن نسمع الصوت و لا نري الشخص يقول:لبّيك.

قال:أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا،و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟ (3)

***

ص: 79


1- الخرائج و الجرائح:246/1 ح 1.
2- مناقب آل أبي طالب:210/3.
3- وسائل الشيعة:237/20 ح 683.

كرامة جسد الحسين عليه السّلام

و في الكافي عن عبد اللّه الأودي قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل فقالت فضّة لزينب:يا سيّدتي إنّ سفينة (1)كسر به في البحر فخرج به إلي جزيرة فإذا هو بأسد فقال:

يا أبا الحارث أنا مولي رسول اللّه فهمهم بين يديه حتّي وقفه علي الطريق و الأسد رابض في ناحيته فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا،قال:فمضت إليه فقالت:يا أبا الحارث فرفع رأسه.

ثمّ قالت:أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اللّه؟يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال:

فمشي حتّي وضع يديه علي جسد الحسين عليه السّلام فأقبلت الخيل،فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللّه:فتنة لا تثيروها إنصرفوا فانصرفوا (2).

***

عصمة الحسين عليه السّلام

عن جابر الأنصاري قال:خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم آخذا بيد الحسن و الحسين عليهما السّلام فقال:

إنّ ابني هذين سألت اللّه لهما ثلاثا فأعطاني اثنتين و منعني واحدة،سألت اللّه أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيّين فأجابني إلي ذلك،و سألت اللّه أن يقيهما و ذريّتهما و شيعتهما النّار فأعطاني ذلك، و سألت اللّه أن يجمع اللّه الامّة علي محبّتهما فقال:يا محمّد إنّي قضيت قضاء و قدّرت قدرا،و إنّ طائفة من أمّتك ستفي لك بذمّتك في اليهود و النصاري و المجوس و سيخفرون ذمّتك في ولدك،فإنّي أوجبت إلي نفسي لمن فعل ذلك ألاّ أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة (3).

***

هدية اللّه للحسين عليه السّلام

و روي المفيد عن الرضا عليه السّلام قال:عري الحسن و الحسين عليهما السّلام و أدركهما العيد فقالا لامّهما:

قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ نحن فما لك أن تزيّنينا؟

فقالت:إنّ ثيابكما عند الخيّاط فإذا أتاني زينتكما،فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول علي أمّهما فبكت و رحمتهما،فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع فقال:يا بنت رسول اللّه أنا الخيّاط جئت

ص: 80


1- سفينة بفتح السين و كسر الفاء مولي رسول اللّه و قد كسرت به السفينة في البحر فخرج علي جزيرة من جزائر البحر و دلّه الأسد علي الطريق.
2- الكافي:466/1،و البحار:170/45.
3- الأمالي:79.

بالثياب،ففتحت الباب فإذا رجل و معه من لباس العيد فناولها منديلا مشدودا فإذا فيه قميصان و دراعتان و سروالان و رداءان و عمامتان و خفّان أسودان معقبان بحمرة،فألبستهما و دخل رسول اللّه و هما مزيّنان فحملهما و قبّلهما ثمّ قال:رأيت الخيّاط؟

قالت:نعم يا رسول اللّه قال:يا بنيّة ما هو خيّاط إنّما هو رضوان خازن الجنان ما عرج حتّي جاءني و أخبرني.

و روي الحسن البصري و أمّ سلمة:إنّ الحسن و الحسين دخلا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بين يديه جبرائيل فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي فتناول جبرائيل تفّاحة و سفرجلة و رمّانة فناولهما ففرحا و سعيا إلي جدّهما فشمّهما و قال:صيرا إلي أمّكما و أبيكما،فلم يأكلوا حتّي صار النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلي مكان حتّي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.قال الحسين عليه السّلام:فلم يلحقه التغيير حتّي توفّيت فاطمة ففقدنا الرمّان،فلمّا توفّي أمير المؤمنين فقدنا السفرجل و بقيت التفاحة إلي الوقت الذي حوصرت من الماء،فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي،فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها و أيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة،فلمّا قضي نحبه وجد ريحها في مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر و بقي ريحها بعد الحسين عليه السّلام و لقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره فمن أراد بذلك من شيعتنا الزائرين ليعتبر فليلتمس ذلك أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلصا (1).

و في أمالي أبو الفتح عن ابن عبّاس قال:كنّا جلوسا عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ هبط عليه جبرائيل و معه جام من البلور الأحمر مملوّ مسكا و عنبرا فقال:السلام يقرئك السلام و يحييك بهذه التحيّة و يأمرك أن تحيي بها عليّا و ولديه،فلمّا صارت في كفّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هلّلت ثلاثا و كبّرت ثلاثا و قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي فشمّها (2)و حيّا بها عليّا،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ،فاشتمها علي و حيّا بها الحسن،فلمّا صارت في كفّ الحسن قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الآية،فاشتمها[الحسن]و حيّا بها الحسين،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي ثمّ ردّت إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلم أدر أإلي السماء صعدت أم في الأرض نزلت (3).

و في كتاب المعالم أنّ ملكا نزل من السماء فقعد علي يد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلّم عليه بالنبوّة و علي يد3.

ص: 81


1- مناقب آل أبي طالب:161/3.
2- في بعض المصادر:فاشتمها النبي.
3- مناقب آل أبي طالب:162/3.

عليّ فسلّم عليه بالوصيّة و علي يد الحسن و الحسين فسلّم عليهما بالخلافة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لم لا تقعد علي يد فلان؟

فقال:أنا لا أقعد علي يد عصي عليها اللّه فكيف أقعد علي يد عصت اللّه أربعين عاما؟ (1).

***

علم الحسين بالغيب عليه السّلام

و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام قال:إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم:لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم،فخالفوه مرّة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتّصل الخبر إلي الحسين عليه السّلام فدخل علي الوالي فقال:بلغني قتل غلمانك؟

قال الحسين عليه السّلام:أنا أدلّك علي من قتلهم و هذا منهم أشار إلي رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل:و من أين تعرف إنّي منهم؟

فقال:إن أنا صدقتك تصدقني؟

قال:نعم و اللّه قال:خرجت و معك فلان و فلان فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقي من حبشانها.

فقال الرجل:و اللّه ما كذب الحسين و كأنّه كان معنا،فجمعهم الوالي فأقرّوا فضرب أعناقهم (2).

و عن الأصبغ بن نباتة قال:سألت الحسين عليه السّلام سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن و أنّه من سرّ اللّه.

فقال:يا أصبغ أتريد أن تري مخاطبة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لأبي دون يعني أبا بكر يوم مسجد قبا؟

قال:هذا الذي أردت.

قال:قم،فإذا أنا و هو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إلي بصري فتبسّم في وجهي ثمّ قال:يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان.

فقلت:صدقت يا ابن رسول اللّه فقال لي:ادخل،فدخلت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السّلام قابض علي تلابيب الأعسر-يعني أبا بكر-فرأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يعضّ علي الأنامل و هو يقول:بئس

ص: 82


1- مناقب آل أبي طالب:162/3.
2- الخرائج و الجرائح:247/1.

الخلف خلفتني أنت و أصحابك عليكم لعنة اللّه و لعنتي (1).

و عن ابن الزبير قال:قلت للحسين عليه السّلام:إنّك تذهب إلي قوم قتلوا أباك و خذلوا أخاك فقال:

لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكّة (2).

و عنّف ابن عبّاس علي تركه الحسين عليه السّلام فقال:إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لا يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.

و قال محمّد بن الحنفيّة:و أنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم.

و في كتاب دلائل الإمامة عن حذيفة قال:سمعت الحسين عليه السّلام يقول:و اللّه ليجتمعن علي قتلي طغاة بني أميّة يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه؟

قال:لا،فأتيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأخبرته فقال:علمي علمه و علمه علمي لأنّنا نعلم بالكائن قبل كينونته (3).

و قال عمر بن سعد يوما للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك، قال الحسين عليه السّلام:إنّهم ليسوا سفهاء و لكنّهم حلماء أما انّه يقرّ عيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا (4).

و عن حذيفة قال:سمعت الحسين بن علي عليهما السّلام يقول:«و اللّه ليجتمعن علي قتلي طغاة بني أمية و يقدمهم عمر بن سعد،و ذلك في حياة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم».

فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال عليه السّلام:«لا».

قال:فأتيت النبي فأخبرته.

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علمي علمه و علمه علمي،لأنّا نعلم الكائن قبل كينونته» (5).

و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء و شكايتهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما حلّ بهم قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفضّة:«يا فضّة لقد عرفه رسول اللّه و عرف الحسين اليوم بهذا الفعل(ضرب فاطمة و إسقاط المحسن عليهما السّلام)و نحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش» (6).

و عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين عليه السّلام إلي فاطمة ابنته فدفعته إلي علي بن الحسين قلت:فما فيه يرحمك اللّه؟4.

ص: 83


1- مناقب آل أبي طالب:211/3.
2- مدينة المعاجز:503/3 ح 1017.
3- دلائل الإمامة:184 ح 101.
4- بحار الأنوار:263/44 ح 20.
5- بحار الأنوار:186/44.
6- الهداية الكبري:408 باب 14.

قال عليه السّلام:«ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلي أن تفني» (1).

و كان الإمام الحسين عليه السّلام يعلم متي يموت و بأي أرض يموت و من يستشهد معه (2).

و من ذلك أنه لمّا أراد الخروج إلي العراق قالت له أمّ سلمة:يا بني لا تحزنّي بخروجك فإنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:يقتل ولدي الحسين بالعراق،فقال لها الحسين عليه السّلام:يا أمّاه إنّي مقتول لا محالة و ليس من الأمر المحتوم بد و إنّي لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و الحفرة التي أدفن فيها،و من يقتل معي من أهل بيتي و من شيعتي،و إن أردت أريتك مضجعي و مكاني،ثم أشار بيده فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه و مكانه (3).

و من ذلك من كتاب الراوندي أن رجلا جاء إلي الحسين عليه السّلام فقال:أمّي توفيت و لم توص بشيء غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتي أعلمك يا مولاي،فجاء الحسين عليه السّلام و أصحابه فرآها ميتة فدعا اللّه ليحييها فإذا المرأة تتكلّم،و قالت:ادخل يا مولاي و مرني بأمرك، فدخل و جلس و قال لها:أوصي يرحمك اللّه،فقالت:يا سيدي،إنّ لي من المال كذا و كذا و قد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت،و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك،و إن كان مخالفا فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين،ثم سألته أن يتولّي أمرها و أن يصلّي عليها،ثم صارت ميّتة كما كانت (4).

***

توسل الملائكة بالحسين عليه السّلام

و فيه أيضا:أنّه لمّا ولد الحسين عليه السّلام أمر اللّه تعالي جبرائيل أن يهبط في ملأ من الملائكة يهنيء محمّدا،فمرّ بجزيرة فيها ملك يقال له قطرس بعثه اللّه في شيء فأبطأ فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمائة عام:

فقال:قطرس لجبرائيل:إحملني معك لعلّه يدعو لي فأخبر جبرائيل محمّدا بحال قطرس فقال:تمسّح بمهد الحسين عليه السّلام فأعاد اللّه عليه جناحه ثمّ ارتفع مع جبرائيل عليه السّلام إلي السماء (5).

ص: 84


1- البحار:54/26 ح 109 باب جهات علومهم.
2- مشارق أنوار اليقين:88،و الهداية الكبري:203-204 باب 5.
3- بحار الأنوار عن الكافي:330/44 ح 2.
4- الخرائج و الجرائح:245 باب 4،و فرج المهموم:227.
5- الخرائج و الجرائح:253/1 ح 6.

خدمة الملائكة للحسين عليه السّلام

و في كتاب الخصائص قال ابن عمر:كان للحسن و الحسين تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرائيل عليه السّلام لأنّه كان لآل محمّد و سادة لا يجلس عليها إلاّ جبرائيل،فإذا قام عنها طويت،فكان إذا قام انتفض من زغبه فتلقطه فاطمة فتجعلها في تمائم الحسن و الحسين (1).

***

دعاء الحسين عليه السّلام المستجاب

و في التهذيب مسندا إلي الصادق عليه السّلام أنّ امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فوضع يده علي ذراعها فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّي قطع الطواف،و أرسل إلي الأمير فاجتمع الناس و أرسلوا إلي الفقهاء فقالوا:إقطع يده فأرسل إلي الحسين عليه السّلام فدعي اللّه تعالي و خلّص يده من يدها فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (2).

روي أبو جعفر الطبري في تاريخه و غيره من نقلة الأخبار و الآثار أن عمر بن سعد أمّر و عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس،فنزلوا علي الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقي منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال:و نازله عبد اللّه بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال:يا حسين ألا تنظر إلي الماء كأنه كبد السماء و اللّه لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا.

فقال حسين اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا،قال:قال حميد بن مسلم:و اللّه لعدته بعد ذلك في مرضه فو اللّه الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتي بغر،ثم يقي ثم يعود فيشرب حتي يبغر فما يروي فما زال ذلك دأبه حتي لفظ غصته يعني نفسه (3).

و روي أيضا في تاريخه:أن رجلا من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حوزة،جاء حتي وقف أمام الحسين فقال:يا حسين يا حسين.

فقال حسين:ما تشاء؟

قال:أبشر بالنار.

قال:كلا إني أقدم علي رب رحيم و شفيع و مطاع،من هذا؟

قال له أصحابه:هذا ابن حوزة.

قال:رب حزه إلي النار.

ص: 85


1- مناقب آل أبي طالب:162/3.
2- وسائل الشيعة:228/13.
3- تاريخ الطبري:312/4.

قال:فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض، و نفر الفرس،فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتي مات (1).

روي أيضا في تاريخه:و مكث الحسين طويلا من النهار إلي أن انتهي إليه رجل من كندة يقال له:مالك بن النسر من بني بداء أتاه فضربه علي رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و أصاب السيف رأسه فأدمي رأسه فامتلأ البرنس دما،فقال له الحسين:لا أكلت بها لا شربت و حشرك اللّه مع الظالمين-إلي أن قال-فذكر أصحاب الكندي أنه لم يزل فقيرا بشر حتي مات (2).

***

تواضع الحسين عليه السّلام و آدابه

عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال:مر الحسين بمساكين يأكلون في الصفة،فقالوا:

الغذاء،فنزل،و قال:إنّ اللّه لا يحب المتكبرين فتغدّي[معهم]ثم قال لهم:قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا:نعم،فمضي بهم إلي منزله فقال للرباب:أخرجي ما كنت تدّخرين.

و روي العيّاشي قال:مرّ الحسين عليه السّلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا إليه كسرا،فقالوا:

هلمّ يابن رسول اللّه فثني وركه و أكل معهم ثمّ تلا:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،ثمّ قال:أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه حتّي أتوا منزله فقال للجارية:اخرجي ما كنت تدّخرين (3).

و حدّث الصولي عن الصادق عليه السّلام إنّه جري بين الحسين عليه السّلام و بين محمّد بن الحنفية كلام فكتب إلي الحسين عليه السّلام:أمّا بعد فإنّ أبي و أباك عليّ لا تفضلني و لا أفضلك فيه و أمّك فاطمة بنت رسول اللّه و لو كان مل الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفت بأمّك،فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّي تترضاني فإنّك أحقّ بالفضل منّي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،ففعل الحسين عليه السّلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء (4).

و في عيون المحاسن عن الزوياني أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام مرّا علي شيخ يتوضّأ و لا يحسن، فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما:أنت لا تحسن الوضوء فقالا:أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا:أيّنا أحسن؟

قال:كلاكما تحسنان الوضوء و لكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن،و قد تعلّم الآن منكما و تاب علي أيديكما ببركتكما و شفقتكما علي أمّة جدّكما (5).

ص: 86


1- عيون المعجزات:57.
2- مناقب آل أبي طالب:215/3.
3- البحار:189/44.
4- مناقب آل أبي طالب:222/3،و البحار:191/44.
5- البحار:319/43.

كرم الحسين عليه السّلام

اشتهر النقل عن الحسين عليه السّلام أنّه كان يكرم الضيف،و يمنح الطالب،و يصل الرحم،و ينيل الفقير،و يسعف السائل،و يكسو العاري،و يشبع الجائع،و يعطي الغارم،و يشد من الضعيف، و يشفق علي اليتيم،و يعين ذا الحاجة،و قل أن وصله مال إلاّ فرقه.

و نقل أنّ معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير،و ثياب وافرة،و كسوات وافية،فرد الجميع عليه و لم يقبله منه (1).

و هذه سجية الجواد،و شنشنة الكريم،و سمة ذا السماحة،و صفة من قد حوي مكارم الأخلاق،فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم،ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم.

و قد كان في العبادة مقتديا بمن تقدم حتي نقل عنه عليه السّلام أنّه حج خمسا و عشرين حجة إلي الحرم و نجائبه تقاد معه و هو ماش علي القدم (2).

و عن الذيال بن حرملة،قال:خرج سائل يتخطي أزقة المدينة حتي أتي باب الحسين بن علي فقرع الباب و أنشأ يقول:

من لم يخف اليوم من رجاك و من حرّك من خلف بابك الحلقة

و أنت جود و أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة

قال:و كان الحسين بن علي واقفا يصلي فخفف من صلاته،و خرج إلي الأعرابي فرأي عليه أثر ضرّ و فاقة،فرجع و نادي بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:ما تبقّي معك من نفقتنا؟ قال:مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك،قال:فهاتها فقد أتي من هو أحق بها منهم،فأخذها و خرج يدفعها إلي الأعرابي و أنشأ يقول:

خذها و إني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا عصا تمدادا كانت سمانا عليك مندفقة

لكن ريب المنون ذو نكد و الكفّ منّا قليلة النفقة

قال فأخذها الأعرابي و ولّي و هو يقول:

مطهّرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور

ص: 87


1- انظر الفتوح:343/4.
2- انظر الاستيعاب:382/1،ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ دمشق 194/215-197،صفة الصفوة 763/1.

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر

نظمها متقارب.

و روي أخطب خوارزم:أنّ أعرابيا جاء إلي الحسين عليه السّلام فقال:يا بن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائها فقلت:أسأل أكرم الناس،و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت الإثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ.

فقال الأعرابي:يابن رسول اللّه أمثلك يسأل من مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف.

فقال الحسين عليه السّلام:بلي،سمعت جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:المعروف بقدر المعرفة.

فقال الأعرابي:سل عمّا بدا لك فإن أجبت و إلاّ تعلّمت منك و لا قوّة إلاّ باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:أي الأعمال أفضل؟

فقال الأعرابي:الإيمان باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما النجاة من المهلكة؟

فقال الأعرابي:الثقة باللّه.

فقال الحسين عليه السّلام:فما يزيّن الرّجل؟

فقال الأعرابي:علم معه حلم.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:مال معه مروة.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:فقر معه صبر.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال الأعرابي:فصاعقة من السماء تنزل و تحرقه فإنّه أهل لذلك.

فضحك الحسين عليه السّلام و رمي إليه بصرّة فيها ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فصّ قيمته مائتا درهم،و قال:يا أعرابي أعط الذهب لغرائمك و اصرف الخاتم في نفقتك.

فأخذ الأعرابي و قال:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (1).

و روي عن الحسين عليه السّلام إنّه قال:صحّ عندي قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه،فإنّي رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك فقال:4.

ص: 88


1- بحار الأنوار:197/44.

يابن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره لأنّ صاحبي يهوديّ أريد أفارقه فأتي الحسين عليه السّلام إلي صاحبه بمأتي دينار ثمنا له.

فقال اليهودي:الغلام فداء لخطاك،و هذا البستان له و رددت عليك المال قال:قبلت المال و وهبته للغلام فقال الحسين عليه السّلام:أعتقت الغلام و وهبته له جميعا،فقالت امرأته:قد أسلمت و وهبت زوجي مهري فقال اليهودي:و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار (1).

و في كتاب أنس المجالس:أنّ الفرزدق أتي الحسين عليه السّلام لمّا أخرجه مروان من المدينة فأعطاه أربعمائة دينار فقيل له شاعر فاسق فقال عليه السّلام:خير مالك ما وقيت به عرضك،و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في عبّاس بن مرداس:اقطعوا لسانه عنّي.

وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدلّ علي الحسين عليه السّلام فدخل المسجد فوجده مصلّيا فوقف بإزائه و أنشأ شعر:

لا يخب الآن من رجاك و من حرّك من بابك الحلقة

أنت جواد و أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الحسين عليه السّلام و قال:يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

قال:أربعة آلاف دينار قال:هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا،ثمّ نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي و أنشأ شعرا:

خذها و إنّي إليك معتذر و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غبرة و الكفّ منّي قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي و بكي فقال له:لعلّك استقللت ما أعطيناك؟

قال:لا،و لكن كيف يأكل التراب جودك.

أقول:العصا كناية عن الملك و بسط العيد فإنّ الوالي راع علي الامّة،و المراد من السّما هنا كثرة الجود و الكرم (2).

و قيل:إنّ عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين عليه السّلام الحمد،فلمّا قرأها علي أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلّة و حشا فاه درّا،فقيل له في ذلك،فقال:و أين يقع هذا من تعليمه،و أنشد عليه السّلام شعرا:4.

ص: 89


1- كلمات الإمام الحسين:626.
2- البحار:190/44.

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها علي الناس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت و لا البخل يبقيها إذا ما تولت (1)

***

عبادة الحسين عليه السّلام

عن الرافعي عن أبيه عن جدّه قال:رأيت الحسن و الحسين عليهما السّلام يمشيان إلي الحجّ فلم يمرا براكب إلاّ نزل يمشي فثقل ذلك علي بعضهم،فقالوا لسعد بن أبي وقّاص:قد ثقل علينا المشي و لا نستحسن أن نركب و هذان السيّدان يمشيان فقال سعد للحسن:يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل علي جماعة ممّن معك و الناس إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما.

فقال الحسن عليه السّلام:لا نركب قد جعلنا علي أنفسنا المشي إلي بيت اللّه الحرام علي أقدامنا و لكنّا نتنكّب الطريق فأخذا جانبا من الناس (2).

و عن شعيب الخزاعي قال:[كان]علي ظهر الحسين عليه السّلام يوم الطفّ أثر،فسألوا زين العابدين عليه السّلام فقال:هذا ممّا كان ينقل الجراب علي ظهره إلي منازل الأرامل و الأيتام و المساكين.

و في عيون المحاسن أنّه عليه السّلام ساير أنس بن مالك فأتي قبر خديجة فبكي ثمّ قال:إذهب عنّي فاستخفيت عنه،فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول شعرا:

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه فارحم عبيدا أنت ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبي لمن كنت أنت مولاه

طوبي لمن كان خادما ارقا يشكو إلي ذي الجلال بلواه

و ما به علّة و لا سقم أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكي بثّه و غصّته أجابه اللّه ثمّ لبّاه

فنودي شعرا:

لبّيك لبّيك أنت في كنفي و كلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك منّي يحول في حجب فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح من جوانبه خرّ صريعا لما تغشاه

ص: 90


1- مناقب آل أبي طالب:222/3.
2- الإرشاد:129/2.

سلني بلا رغبة و لا رهب و لا حساب إنّي أنا اللّه (1)

***

جهاد الحسين عليه السّلام

خليفة بن خيّاط،قال في تسمية الأمراء يوم الجمل قال:قال أبو عبيدة:و علي الميسرة الحسين بن علي عليهما السّلام (2).

و روي أبو مخنف عن عبد اللّه بن قيس قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام يوم صفّين و قد أخذ أبو الأعور السّلمي الماء علي النّاس و لم يقدر عليه أحد،فبعث إليه الحسين عليه السّلام في خمسمائة فارس فكشفه عن الماء،فلمّا رأي ذلك أمير المؤمنين قال:ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا،و ينفر فرسه و يحمحم و يقول في حمحمته:الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها (3).

و هم يقرأون القرآن الذي جاء به إليهم،ثمّ إنّ أمير المؤمنين أنشأ يقول:

أري الحسين قتيلا قبل مصرعه علما يقينا بأن يبلي بأشرار

و كلّ ذي نفس أو غير ذي نفس يجري إلي أجل يأتي بأقدار

***

النص علي الإمام الحسين عليه السّلام

اشارة

و ذلك من طرق:

الطريق الاول:أنه كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أشجعهم و أورعهم

الطريق الاول:أنه كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أشجعهم و أورعهم (4)

اشارة

*الطريق الاول:أنه كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أشجعهم و أورعهم(4)

و مما يدل علي فضله علي من سواه قضية المباهلة و لو وجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أفضل منه و من أبيه و أخيه لباهل بهم.

قال تعالي: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ (5).

ص: 91


1- مناقب آل أبي طالب:225/3،و البحار:193/44.
2- تاريخ خليفة بن خياط:184.
3- مدينة المعاجز:140/3.
4- تقدم أن أهل البيت أفضل أهل الارض مع أدلته،و راجع الفصول المهمة:147-148 و 164 ط.دار الاضواء،و المحاسن و المساويء للبيهقي:55 محاسن الحسن و الحسين.
5- سورة آل عمران،الآية:61،و نزولها فيهم من المتواترات. مصادر المباهلة السنن الكبري:63/7،و إمتاع الأسماع:502/1،و الشفاء:48/2،و الجواهر:195-288 الباب الأول و السادس عن الكاظم و سعد،و فرائد السمطين:205/2 باب 40 ح 484 عن ابن عباس و سعد و ابن جريح،و شرح الأخبار:171/1 باب 22 عن سعد،و رشفة الصادي:25-27 الباب الأول،و فضائل الصحابة:776/2 ح 1374 عن الحسن،و المصنف لابن أبي شيبة:381/6 ح 32175 عن الشعبي كتاب الفضائل فضائل الحسن و الحسين،و فرائد سمطين:23/2 عن جابر باب 4 و 205 باب 40 ح 484 عن ابن عباس و سعد و ابن جريح،و مشكاة المصابيح:1731/3 ح 6126،و فضائل علي و مصابيح السنة:182/4 ح 4795 سعد،و لوامع أنوار الكوكب الدري:74/2،و كتاب معرفة علوم الحديث:50 نوع 17 و قال إنه متواتر فيهم. صحيح مسلم:17/15 كتاب الفضائل ح 6170،و ينابيع المودة:8/1-52-299 ط.إستانبول 1301 ه و 8-57-359 ط.النجف-المقدمة و باب 7-59،و كفاية الطالب:141،و اسباب النزول للواحدي: 67،و أسد الغابة:26/4،و المسند:185/1 ط.م و 302 ط.ب،و الدر المنثور:38/2-39 من طرق، و الفصول المهمة:24-120-227 عن جابر و علي بن عيسي و الشعبي و ابن عباس و البراء و سعد و الكاظم، و مقتل الحسين:2/1 المقدمة عن سعد،و ترجمة الحسين:29-30،و ذخائر العقبي:25 عن أبي سعيد، و نور الأبصار:164 ط.الهند و 301-223 ط.قم الباب الثاني-الفصل 10 ذكر مناقب الكاظم،إرشاد القلوب:262/2 عن أبي ذر،تاريخ السيوطي:169 الأحاديث الواردة في فضله عن مسلم عن سعد. المسند:185/1 ط.م و 302/1 ط.ب ح 1611 عن سعد.و كفاية الطالب:54-85-142 عن سعد الباب الأول و العاشر و الثاني و الثلاثون،و الصواعق:121 و 145 ط.مصر و ط.بيروت 187-224-238 باب 9 فصل 2 و باب 11 الفصل 1 عن سعد.و الكامل في التاريخ:646/1 ذكر وفد نجران،و أسد الغابة:26/4 ترجمة علي-فضائله عن سعد،و جلاء الأفهام:152 المسألة الثانية معني الذرية،و الاختصاص:144، و حقائق التأويل:229،و الطرائف:42/1،و دلائل النبوة:297-298-299 قصة السيد و العاقب،أخبار الدول:102 باب 2 فصل 4،و ترجمة الحسين من تاريخ دمشق:177 ح 161 عن علي،ترجمة علي من تاريخ دمشق:29/1 ح 28 و 227 ح 271 عن سعد،و شواهد التنزيل:155/1 إلي 166 و 182 ح 168 إلي ح 176-194 عن سعد بن معاذ و ابن عباس و جابر الأنصاري و سعد بن أبي وقاص و حذيفة بن اليمان و عطاء بن السائب عن أبي البختري.ترجمة علي من تاريخ دمشق:116/3 ح 1140 عن عمرو بن واثلة مناشدته يوم الشوري لهم.و مناقب ابن المغازلي:196 و 171 ط.بيروت و ط.طهران 318 ح 362 عن ابن عباس و 263 ح 310 عن جابر،و المستدرك:150/3 عن سعد،و روضة الواعظين:164،و كنز الفوائد: 167 رسالة في وجوب الإمامة،و تذكرة الخواص:23-27 الباب الثاني عن جابر و سعد،و تفسير الطبري: 211/3-213 عن عامر الشعبي و زيد بن علي و السدي و قتادة و ابن زيد و علباء بن أحمر البشكري.و تفسير الكشاف:434/1 مورد الآية،و الدر المنثور:38/2-39 عن سلمة بن عبد يشوع عن ابيه عن جده و جابر و ابن عباس و الشعبي و سعد بن أبي وقاص و علباء بن أحمر.

قال الحاكم في المعرفة:قد تواترت الأخبار في التفاسير أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أخذ يوم المباهلة بيد علي و حسن و حسين و جعلوا فاطمة وراءهم ثم قال:«هؤلاء أبناؤنا و أنفسنا و نساؤنا فهلموا أنفسكم و أبناءكم و نساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه علي الكاذبين» (1).

و في الآية قال الزمخشري:و فيه دليل لا شيء أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء (2).ة.

ص: 92


1- معرفة علوم الحديث:50 ذكر النوع السابع عشر.
2- تفسير الزمخشري:434/1 مورد الآية.

و مناظراته العلمية مع العلماء و الخلفاء خير مدلل علي علو فضله علي من عاصرهم (1).

و قال أبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالي قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلي عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفي .

قال:هم اهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين و أولادهم إلي يوم القيامة،هم صفوته و خيرته من خلقه (2).

و قال رسول اللّه في حقهما:«أما الحسن فإن له هيبتي و سؤددي و اما الحسين فإن له جودي [جرأتي]و شجاعتي» (3).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين خير أهل الأرض بعدي و بعد أبيهما» (4).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين سبطان من الاسباط» (5).

و ورد:«ان الحسن بن علي اعطي من الفضائل ما لم يعط احد من ولد آدم» (6).

و أخرجه الديلمي عن حذيفة بلفظ:«الحسين بن علي أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم خلا يوسف» (7).

و قال المدائني و ابن قدامة:و كان سيدا سخيا حليما خطيبا[كان من أجود الناس كفا و أسخاهم نفسا و أحسنهم كلاما و أكثرهم صوابا] (8).

و قال ابن عمر:ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلي أهل السماء؟

قالوا:بلي.ي.

ص: 93


1- الاحتجاج:285/2-288-292-298،و المحاسن و المساويء:55 محاسن الحسنين.
2- البحار:279/43.و الآية من آل عمران:61.
3- تهذيب تاريخ ابن عساكر:214/4،و ذخائر العقبي:129 ذكر أنهما سيدا شباب أهل الجنة،و شرح النهج:10/16 الكتاب 29-ترجمة الحسن-،و كفاية الطالب:424 باب أولاد علي،و الصواعق المحرقة:191 ط.مصر و ط.بيروت 290،و مقتل الحسين:105/1 الفصل السادس فضائل الحسنين، و كنز العمال:117/12 ح 34272 فضائل الحسن و الحسين 670/13 ح 37709 من الإكمال كتاب الفضائل،و ربيع الأبرار:583/3 باب القرآبات و الأنساب،و أعلام الوري:210،و البحار:263/43.
4- عيون أخبار الرضا:62/2 باب 31 ح 252.
5- الصواعق المحرقة:191 ط.مصر و ط.بيروت 291،و أسد الغابة:19/2،و مقتل الحسين:130/1، و كفاية الأثر:63-76-80-117.
6- كنز العمال:124/12 ح 34306 فضائل الحسن من الإكمال.
7- الفروس بمأثور الخطاب:159/2 ح 2806 ط.دار الكتب العلمية و 258 ح 2629 ط.دار الكتاب العربي.
8- التبيين في أنساب القرشيين:104 الحسن بن علي.

قال:هو هذا الماشي ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين و لئن يرضي عني أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم (1).

و تواتر عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كونهما:«سيدا شباب اهل الجنة» (2).:-

ص: 94


1- أسد الغابة:234/3 و الحديث طويل.
2- مصادر حديث:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة». تهذيب الكمال:229/6 ترجمة الحسن،و المعجم الأوسط:104/3 ح 2211 عن أبي سعيد،و مجمع الزوائد:184/9 و بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد 292/9 إلي 294 و 324،و فضائل صحابة:/2 779 ح 1384 صحيح و 788 ح 1406 صحيح عن أبي سعيد،و الفردوس:343/4 ح 6993،و الفردوس: 134/4 ط.كتب و 76/5 ح 7227 ط كتاب عن أنس،و 158/2 ح 2801 ط.كتاب،و 256 ح 2624 ط كتاب عن أبي سعيد،و المصنف لابن أبي شيبة:381/6 ح 32167 و ما بعده،و عن أبي سعيد و حذيفة و علي باب الفضائل فضائل الحسن و الحسين،و مصابيح السنّة:193/4 ح 4827 أبو سعيد كتاب المناقب مناقب آل بيت النبي،و ترتيب صحيح ابن حبان:55/9 ح 6920 و 6921،و المقاصد الحسنة:200 ح 407 و بيّن طرقه. و في التيسير عن السيوطي أنه متواتر عن نظم المتناثر من الحديث المتواتر:208 ح 235 و قال:أورده في الأزهار من طريق ستة عشر نفسا،و الأزهار المتناثرة 77 ح 105،و إتحاف ذوي الفضائل:169 ح 219. و كنز العمال:725/5 ح 14243 خلافة عثمان و 96/12-119-115-112-120 ح 34246- 34259-34282-34285-34158 عن الحويرث و البراء و عمر و الخدري و جابر و أبي إمامة و ابن عباس و ابن عمر و ابن مسعود و 756/11 ح 33682 عن عائشة و 573 ح 32713 و 640/13-665-661- 675 ح 37617 عن حذيفة و ح 37682 عن علي و ح 37693-37727 عن أنس وجهم.الفتوح لابن أعثم:182/2 كتاب عبيد اللّه ليزيد عن أبي بريدة الاسلمي،و العقد الفريد:251/4-292 عن أبي هريرة كتاب الخلافة خلافة أبي بكر-وفاته و خلافة علي،و ترجمة علي من تاريخ دمشق:117/3-119 ح 1140 عن واثلة محتجا،و 260/1 ح 303 عن علي الهلالي،و الكامل في التاريخ:562/2 عن الحسين حوادث سنة 61،و ترجمة الحسين من تاريخ دمشق:62-64 ح 62 ابن يثيع عن علي و الحارث و 66 إلي 86 عن ابن عباس و عمر بن الخطاب و ابن عمر و ابن مسعود و مالك بن الحويرث. و خصائص النسائي:118-119-124 ح 126-127-137-138-139 عن أبي سعيد و أبي هريرة، و صفة الصفوة:321/2،و ترجمة الحسين من تاريخ دمشق:73 عن حذيفة بن اليمان و أبي سعيد و جابر و أنس،و المعجم الكبير:35/3 إلي 40 و 58 ح 2598 و ما بعده ترجمة الحسن-بقية أخباره-عن عمر و الحارث و ابن يحيي عن علي و أبي هريرة و حذيفة و أبي سعيد و جابر و ابن قرة و أسامة بن زيد الهلالي و 292/19 ترجمة مالك بن الحويرث الليثي،و صحيح الترمذي:656/5-661 ط.دار الحديث،و كنوز الحقائق:400-435،و سنن ابن ماجه:44 من المقدمة باب فضائل أصحاب الرسول،و مناقب الأمير للكوفي:223/2-238-513-595-257-250-245 ح 687 عن أبي سعيد و ح 1014 عن علي بن الحسين عن جده و ح 1100 عن سليمان الأعمش و ح 716 عن الحويرث،و كفاية الطالب:341-342 باب 97 عن ابن عمر و علي و عمر و حذيفة و جابر و أبي هريرة و أبي سعيد و أسامة بن زيد و ابن قرة باب الثامن بعد المائة عن حذيفة و ابن عمر. و نور الأبصار:126 ط.الهند و 231 ط.قم باب 2 ذكر منهاقبهما من طرق،و تاريخ الخلفاء للسيوطي:-

و صلي عليه ابن عربي بقوله:(اللّهم صلّ...علي سر الأسرار و مشرق الأنوار الظاهر بالبرهان و الباطن بالقدرة و الشأن،فاتحة مصحف الوجود،بسملة كتاب الموجود،حقيقة نقطة البائية،المتحقق بالمراتب الإنسانية،حيدر إمام الإبداع،الكرار في معارك الإختراع،النير الجلي و النجم الثاقب إمام الائمة الحسين بن علي بن أبي طالب) (1).

الطريق الثاني:أنه صلوات اللّه عليه دعا الناس إلي بيعته و القول بإمامته

*الطريق الثاني:أنه صلوات اللّه عليه دعا الناس إلي بيعته و القول بإمامته لعدم خلو الأرض

ص: 95


1- وسيلة الخادم و المخدوم:293.

من الحجة،و هو محق في ذلك للقطع بعدالته و عصمته بآية التطهير و حديث الثقلين.

الطريق الثالث:النص عليه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

جاء في خطبة الغدير بعد تنصيب عليا إماما:«إنهما لسيدا شباب أهل الجنة و انهما لإمامان بعد ابيهما علي» (1).

و اشتهر عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا» (2).

و في لفظ:«بأبي أنتما من إمامين صالحين اختاركما اللّه مني و من ابيكما و امكما و اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة» (3).

و عن علي بن موسي الرضا عن آبائه:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين اماما امتي بعد ابيهما و سيدا شباب اهل الجنة» (4).

و منها قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حقهما:«...و أما الحسن فإنه ابني و ولدي و بضعة مني و قرة عيني و ضياء قلبي و ثمرة فؤادي و هو سيد شباب أهل الجنة و حجة اللّه علي الامة،امره امري و قوله قولي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني.

و أما الحسين فإنه مني و هو ابني و ولدي و خير الخلق بعد أخيه و هو إمام المسلمين و مولي المؤمنين و خليفة رب العالمين و غياث المستغيثين و كهف المستجيرين،و حجة اللّه علي خلقه أجمعين و هو سيد شباب اهل الجنة و باب نجاة الأمة أمره أمري و طاعته طاعتي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني...» (5).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض و إنه مكتوب علي يمين عرش اللّه:الحسين مصباح هاد و سفينة نجاة و إمام غير و هن و عز و فخر و علم و ذخر» (6).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حقه عليه السّلام:«أنت سيد ابن سيد أخو سيد و أنت إمام ابن إمام أخو إمام و أنت حجة ابن حجة أخو حجة...» (7).

ص: 96


1- روضة الواعظين:98 مجلس في ذكر الإمامة.
2- أهل البيت لتوفيق أبو علم:195 ذكر أولاده-و صرح بأنه متواتر،و الطرائف:196/1،و مناقب آل أبي طالب:368/3،و الإرشاد:30/2،و أعلام الوري:208،و كفاية الأثر:38-117،و كشف الغمة: 159/2،و العوالم:174/15،روضة الواعظين:156 مجلس في ذكر إمامتهما،و البحار:325/36- 289-319.
3- أعلام الوري:382.
4- كمال الدين:260/1 ح 6 من الباب 24.
5- أمالي الصدوق:100،و إرشاد القلوب:296/2،و فرائد السمطين:35/2.
6- أعلام الوري:378.
7- كمال الدين:262/1،و كفاية الأثر:45-28،و البحار:372/36-290 نقلا عن كفاية الأثر-

الطريق الرابع:النص عليه من أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام:

و النص من الإمام السابق مما أجمع عليه الفريقان أنه يثبت الإمامة (1).

قال في إثبات الوصية:إن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«إني أوصي إلي الحسن و الحسين فاسمعوا لهما و أطيعوا أمرهما» (2).

و نص المدائني علي ذلك في حديث ابن عباس:«أن أمير المؤمنين عليه السّلام توفّي و قد ترك خلفا فإن أحببتم خرج إليكم» (3).

و قال في مروج الذهب و أنساب الأشراف:و قد ذكرت طائفة من الناس أن عليا أوصي إلي ابنيه الحسن و الحسين لأنهما شريكاه في آية التطهير،و هذا قول كثير ممن ذهب إلي القول بالنص (4).

و قال عليه السّلام:«أنتما إمامان بعدي سيدا شباب اهل الجنة و المعصومان حفظكما اللّه و لعنة اللّه علي من عاداكما» (5).

و قال سليم بن قيس الهلالي (6):شهدت أمير المؤمنين حين أوصي إلي ابنه الحسن عليه السّلام و أشهد علي وصيته الحسين عليه السّلام و محمدا و جميع ولده و رؤساء شيعته و اهل بيته ثم دفع اليه الكتاب و السلاح و قال له:

«يا بني إنه أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصي إليّ و دفع إليّ كتبه و سلاحه،و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلي أخيك الحسين عليه السّلام» (7).

و في حديث الاصبغ بن نباتة:قال خرج علينا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام و هو يقول:«...إن خير الخلق بعدي و سيدهم ابني هذا إمام كل مسلم و ولي كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و انه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و خير الخلق و سيدهم بعد الحسن ابني الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول بأرض كربلاء» (8).

ص: 97


1- كما صرح بذلك القاضي اللايجي في مواقفه المقصد الثالث عنه الغدير:141/7 و كذلك الروزبهان كما في احقاق الحق:336/2.
2- إثبات الوصية:131.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد:22/16 كتاب 29 ترجمة الحسن،و جواهر المطالب:195/2 باب 68.
4- مروج الذهب:42/2 ط.مصر 1346 و 413/2 ط.الأندلس-بيروت،و أنساب الأشراف:504/2- 497 أمر ابن ملجم و قتل علي مع تفاوت و عدم ذكر الحسين.
5- كفاية الأثر:221.
6- روري عن جابر عن الباقر.
7- -و المقتضب،و كشف الغمة:349 و قريب منه ما في ينابيع المودة:258/1 ط.إستانبول 1301 ه و 308 ط.النجف باب 56 عن مودة القربي.
8- أعلام الوري:377.

و في رواية:«الحسن و الحسين من عترتي و أوصيائي و خلفائي» (1).

و نحو ذلك من النصوص (2).

بين الحسين عليه السّلام و عمر بن سعد

و قال عمر بن سعد يوما للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك، قال الحسين عليه السّلام:إنّهم ليسوا سفهاء ولكنّهم حلماء أما إنّه يقرّ عيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا (3).

و في كتاب البشائر عن عبد اللّه العامري قال:كنت مع أصحاب عليّ عليه السّلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون هذا قاتل الحسين و ذلك قبل أن يقتل بزمان طويل (4).

بين الحسين عليه السّلام و عمرو بن العاص

و في محاسن البرقي أنّه قال عمرو بن العاص للحسين عليه السّلام:ما بال أولادنا أكثر من أولادكم؟ فقال عليه السّلام شعرا:

بغات الطير أكثرها فراخا و أمّ الصقر مقلاة نزور

فقال:ما بال الشيب إلي شواربنا أسرع منه إلي شواربكم؟

فقال عليه السّلام:إنّ نساءكم نساء بخره فإذا دني أحدكم من امرأته نهكته في وجهه فشاب منه شاربه.

فقال:ما بال لحائكم أوفر من لحائنا؟

فقال عليه السّلام: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً ،فقال معاوية:بحقّي عليك إلاّ تسكت فإنّه ابن عليّ بن أبي طالب،فقال عليه السّلام شعرا:

إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب و استيقنت ليس لها دنيا و لا آخرة

أقول:بغات الطير شرارها و المقلاة من القلي بمعني البغض أي لا تحبّ الأولاد أو لا تحبّ الزوج لكثرة الأولاد و النزور المرأة القليلة الأولاد.و قوله:نهكته قيل لعلّها كانت بتقديم الكاف أي شمّته.

ص: 98


1- كفاية الأثر:221،و إثبات الهداة:139/5.
2- راجع أصول الكافي:297/1-300.
3- البحار:263/44.
4- البحار:263/44.

الحسين عليه السّلام يودع أبا ذر

ثمّ تكلّم الحسين فقال:يا عمّاه إنّ اللّه تعالي قادر أن يغيّر ما قد تري و اللّه كلّ يوم هو في شأن و قد منعك القوم دنياهم و منعتهم دينك فما أغناك عمّا منعوك و أحوجهم إلي ما منعتهم فاسأل اللّه الصبر و النصر و استعذ به من الجشع و الجزع فإن الصبر من الدّين و الكرم و إن الجشع لا يقدم رزقا و الجزع لا يؤخر أجلا (1).

***

إخبار النبي بقتل الحسين عليه السّلام

في المناقب عن ابن عبّاس قال:سألت هند عائشة أن تسأل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن تعبير رؤيا فقال قولي لها تقصص رؤياها.

قالت:رأيت كأنّ الشمس طلعت من فوقي و القمر قد خرج من مخرجي و كأنّ كوكبا قد خرج من القمر أسود فشد علي شمس خرجت من الشمس أصفر من الشمس فابتلعتها فاسودّ الأفق لابتلاعها ثمّ رأيت كواكب بدت من السماء و كواكبا مسودّة في الأرض إلاّ أنّ المسودّة أحاطت بأفق الأرض من كلّ مكان فاكتحلت عين رسول اللّه بدموعه ثمّ قال:اخرجي يا عدوّة اللّه مرّتين فقد جدّدت عليّ أحزاني و نعيت إلي أحبابي،فلمّا خرجت قال اللّهم العنها و العن نسلها.

فسئل عن تفسيرها،فقال عليه السّلام:أمّا الشمس التي طلعت عليها فعليّ بن أبي طالب و الكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق و تلك الظلمة التي زعمت و رأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشدّ علي شمس خرج من الشمس أصفر من الشمس فابتلعتها فاسودّت فذلك ابني الحسين يقتله ابن معاوية فتسودّ الشمس و يظلم الافق،و أمّا الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كلّ مكان فتلك بنو أميّة.

و عن أم سلمة،قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يقتل حسين علي رأس ستين من مهاجري» (2).

***

إخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين عليه السّلام

في بشائر المصطفي:روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يخطب فقال:سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه لا تسألوني عن شيء مضي و لا عن شيء يكون إلاّ نبأتكم به.

ص: 99


1- البحار:412/22.
2- مجمع الزوائد:191/9.

فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال:أخبرني كم في رأسي و لحيتي من شعرة.

فقال:أما و اللّه لقد سألتني عن مسألة حدّثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنّك تسألني عنها و ما في رأسك و لحيتك من شعرة إلاّ و في أصلها شيطان جالس يلعنك،و إنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول اللّه و آية ذلك مصداق ما خبّرتك به،و لولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما أخبرتك به من لعنتك و سخلك الملعون.

و كان ابنه عمر بن سعد في ذلك الوقت صبيّا يحبو،فلمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان تولّي قتله (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:مرّ عليّ عليه السّلام بكربلاء في إثنين من أصحابه فترقرقت عيناه بالبكاء ثمّ قال:هذا و اللّه مناخ ركابهم و هذا ملقي رحالهم و هاهنا تهرق دماؤهم طوبي لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة (2).

و منها ما رواه عن الخصيبي مسندا عن أبي حمزة الثّمالي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:

أرسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سرية فقال:تصلون ساعة كذا و كذا من الليل أرضا لا تهتدون فيها سيرا فإذا وصلتم إليها فخذوا ذات الشمال فإنكم تمرّون برجل فاضل خيّر فتسترشدونه فيأبي أن يرشدكم حتي تأكلوا من طعامه و يذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم معكم فيرشدكم إلي الطريق فأقرئوه مني السلام و أعلموه أني قد ظهرت في المدينة.

فمضوا فلمّا وصلوا إلي الموضع في الوقت ضلّوا،فقال قائل منهم:ألم يقل لكم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خذوا ذات الشمال،ففعلوا فمرّوا بالرجل الذي وصفه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاسترشدوه الطريق فقال:إنّي لا أرشدكم حتي تأكلوا من طعامي فذبح لهم كبشا فأكلوا من طعامه و قام معهم فأرشدهم إلي الطريق فقال:أظهر النبي بالمدينة؟فقالوا:نعم،فأبلغوه سلامه فخلّف في شأنه من خلّف و مضي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و هو عمرو بن الحمق الخزاعي بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن درّاج بن عمرو بن سعد بن كعب،فلبث معه ما شاء اللّه.

ثمّ قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إرجع إلي الموضع الذي هاجرت إليّ منه فإذا نزل أخي أمير المؤمنين عليه السّلام الكوفة و جعلها دار هجرته فآته.

فانصرف عمرو بن الحمق إلي شأنه حتي إذا نزل أمير المؤمنين عليه السّلام أتاه فأقام معه في الكوفة.

فبينا أمير المؤمنين عليه السّلام جالس و عمرو بين يديه فقال له:يا عمرو ألك دار؟

قال:نعم،قال:بعها و اجعلها في الأزد فإني غدا لو قد غبت عنكم لطلبت فتتبعك الأزد حتي7.

ص: 100


1- الإرشاد:331/1.
2- قرب الإسناد:26 ح 87.

تخرج من الكوفة متوجها نحو الموصل،فتمر برجل نصراني فتقعد عنده فتستسقيه الماء فيسقيكه و يسألك عن شأنك فتخبره و ستصادفه مقعدا فادعه إلي الإسلام فإنّه يسلم فإذا أسلم فأمرر بيدك علي ركبتيه فإنّه ينهض صحيحا سليما و يتبعك.

و تمر برجل محجوب جالس علي الجادّة فتستسقيه الماء فيسقيك و يسألك عن قصّتك و ما الذي أخافك و ممن تتوقع فحدثه بأن معاوية طلبك ليقتلك و يمثل بك لإيمانك باللّه و رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و طاعتك لي و إخلاصك في ولايتي و نصحك للّه تعالي في دينك فادعه إلي الإسلام فإنّه يسلم،فأمرر يدك علي عينيه فإنه يرجع بصيرا بإذن اللّه فيتبعانك و يكونان معك و هما اللذان يواريان جثتك في الأرض.

ثمّ تصير إلي الدير علي نهر يدعي بالدّجلة فإن فيه صديقا عنده من علم المسيح ما تجده لك أعون الأعوان علي سرّك و ما ذاك إلاّ ليهديه اللّه بك فإذا أحسّت بك شرطة ابن أم الحكم و هو خليفة معاوية بالجزيرة و يكون مسكنه بالموصل فاقصد إلي الصديق الذي في الدير في أعلي الموصل فناده فإنه يمتنع عليك فاذكر اسم اللّه الذي علّمتك إياه فإنّ الدير يتواضع لك حتي تصير في ذروته فإذا رآك ذلك الراهب الصديق قال لتلميذ معه:ليس هذا أوان المسيح هذا شخص كريم و محمد قد توفاه اللّه و وصيّه قد استشهد بالكوفة و هذا من حواريه ثم يأتيك ذليلا خاشعا فيقول لك أيّها الشخص العظيم قد أهلتني لما لم أستحقه فبم تأمرني؟فتقول أستر تلميذي هذين عندك و تشرف علي ديرك هذا فانظر ماذا تري،فإذا قال لك إنّي أري خيلا غامرة نحونا فخلّف تلميذيك عنده و أنزل و اركب فرسك و أقصد نحو غار علي شاطي الدجلة تستتر فيه فإنه لا بد من أن يسترك و فيه فسقة من الجن و الإنس، فإذا استترت فيه عرفك فاسق من مردة الجن يظهر لك بصورة تنين فينهشك نهشا يبالغ في إضعافك فينفر فرسك فتبدر بك الخيل فيقولون هذا فرس عمرو و يقفون أثره.

فإذا أحسست بهم دون الغار فابرز إليهم بين دجلة و الجادة فقف لهم في تلك البقعة فإن اللّه جعلها حفرتك و حرمك فألقهم بسيفك فاقتل منهم ما استطعت حتي يأتيك أمر اللّه فإذا غلبوك حزّوا رأسك و شهروه علي قناة إلي معاوية و رأسك أول رأس يشهر في الإسلام من بلد إلي بلد.

ثم بكي أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:بنفسي ريحانة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ثمرة فؤاده و قرّة عينه ابني الحسين عليه السّلام فإني رأيته يسير و ذراريه بعدك يا عمرو من كربلا بغربي الفرات إلي يزيد بن معاوية عليهما لعنة اللّه.

ثم ينزل صاحبك المحجوب و المقعد فيواريان جسدك في موضع مصرعك و هو من الدير و الموصل علي مائة و خمسين خطوة من الدير (1).

و عن عون بن أبي جحيفة،قال:إنا لجلوس عند دار أبي عبد اللّه الجدي،فأتانا ملك بن3.

ص: 101


1- مدينة المعاجز:182/3.

صحار الهمداني،فقال:دلوني علي منزل فلان،قال:قلنا:ألا ترسل إليه فيجيء،إذ جاء،فقال:

أتذكر إذ بعثنا أبو مخنف إلي أمير المؤمنين و هو بشاطيء الفرات،فقال:ليحلنّ ههنا ركب من آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يمر بهذا المكان فيقتلونهم،فويل لكم منهم،و ويل لهم منكم (1).

عن أبي عبد اللّه الضبيّ،قال:دخلنا علي ابن هرثم الضّبي حين أقبل من صفّين،و هو مع علي -و هو جالس علي دكان له-و له امرأة يقال لها جرداء هي أشد حبا لعلي و أشد لقوله تصديقا- فجاءت شاة له فبعرت فقال لها:لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثا لعلي،قالوا:و ما علم[عليّ] بهذا؟قال:أقبلنا مرجعنا من صفّين فنزلنا كربلاء،فصلّي بنا علي صلاة الفجر بين شجيرات و دوحات حرمل (2)،ثم أخذ كفا من بعر الغزلان فشمّه ثم قال:أوه أوه يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب،قال:قالت جرداء:و ما تنكر من هذا؟هو أعلم بما قال منك،نادت بذلك و هي في جوف البيت.

و عن علي عليه السّلام قال:ليقتل الحسين بن علي قتلا و إني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها،يقتل بقرب قريب من النهرين (3).

و عن عمّار الدهني،قال:مرّ علي علي كعب فقال:يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتي يردوا علي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فمرّ حسن فقالوا:هذا يا أبا إسحاق؟قال:لا، فمر حسين،فقالوا:هذا؟قال:نعم (4).

***

إخبار راهب بقتل الحسين عليه السّلام

و قال المجلسي:وجدت في بعض مؤلّفات المعاصرين أنّه لمّا جمع ابن زياد لعنه اللّه قومه لحرب الحسين عليه السّلام كانوا سبعين ألف فارس فقال:أيّها الناس من منكم يتولّي قتل الحسين و له ولاية أيّ بلد شاء؟فلم يجبه أحد فاستدعي بعمر بن سعد لعنه اللّه و قال له:أريد أن تتولّي حرب الحسين بنفسك،فقال:اعفني من ذلك،فقال:قد أعفيتك فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الرّي فقال:امهلني الليلة فانصرف إلي منزله و جعل يستشير من يثق به فلم يشر عليه أحد و كان عنده رجل من أهل الخير يقال له كامل و كان صديقا لأبيه من قبله فقال له:يا عمر ما الذي أنت عازم عليه؟

قال:إنّي ولّيت أمر هذا الجيش في حرب الحسين و إنّما قتله عندي و أهل بيته كشربة ماء و إذا

ص: 102


1- بغية الطلب:2602/6.
2- حرمل:نبات حبة كحبة السمسم.
3- سير الأعلام:290/3.
4- ترجمة الإمام الحسين:276 ح 241.

قتلته خرجت إلي ملك الري،فقال له كامل:أف لك يابن سعد تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟!إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و ما الذي تقول غدا لرسول اللّه إذا وردت عليه و إنّه في زماننا هذا كجدّه في زمانه و طاعته فرض علينا و أشهد اللّه أنّك إن أعنت علي قتله لا تلبث بعده في الدّنيا إلاّ قليلا.

فقال عمر:بالموت تخوّفني و إنّي إذا فرغت من قتله أكون أميرا علي سبعين ألف فارس و أتولّي ملك الري؟

فقال له كامل:إنّي أحدّثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله؛إعلم أنّي سافرت مع أبيك إلي الشام فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي و عطشت فلاح لي دير راهب فأتيت إلي باب الدّير و قلت للراهب:إنّي عطشان فقال لي:أنت من أمّة هذا النبيّ الذين يقتل بعضهم بعضا علي حبّ الدّنيا؟

فقلت له:أنا من أمّة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال:إنّكم شرّ أمّة و قد غدوتم إلي عترة نبيّكم تسبون نساءه و تنهبون أمواله،فقلت:يا راهب نحن نفعل ذلك؟

قال:نعم،و إنّكم إذا فعلتم ذلك عجّت السماوات و الأرضون و البحار و الجبال و الوحوش و الأطيار باللعنة علي قاتله و لا يلبث قاتله في الدّنيا إلاّ قليلا ثمّ يظهر رجل يطلب بثأره فلا يدع أحدا شارك في قتله إلاّ قتله و عجّل اللّه بروحه إلي النار.

ثمّ قال الراهب:إنّي لأري لك قرابة من قاتل هذا الإبن الطيّب و اللّه أنّي لو أدركت أيّامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف،فقلت:إنّي أعيذ نفسي من أن أقاتل ابن بنت رسول اللّه،فقال:إن لم تكن أنت فرجل قريب منك و أنّ عذاب قاتله أشدّ من عذاب فرعون و هامان ثمّ رد الباب في وجهي و أبي أن يسقيني ماء فركبت فرسي و لحقت أصحابي فحدّثت أباك سعدا بقصّة الراهب فقال لي:صدقت ثمّ إنّ سعدا أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرّة من قبلي فأخبره أنّه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه فخاف أبوك من ذلك و خشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه و أقصاك فاحذر يا عمر بن قتله،فبلغ الخبر ابن زياد فطلب كامل و قطع لسانه فعاش يوما أو بعض يوم (1).

***8.

ص: 103


1- مدينة المعاجز:66/4 ح 1088.

الإخبار بقتل الحسين عليه السّلام

عن أبي اليمان،عن إمام لبني سليم،عن أشياخ له،قالوا:غزونا بلاد الروم فوجدنا في كنيسة من كنائسها مكتوبا:

أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

فقلنا للروم:من كتب هذا في كنيستكم؟قالوا:قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة عام،كذا قال.

و إنما هو يحيي بن اليمان (1).

و عن ابن عباس،قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيما يري النائم بنصف النهار أغبرا أشعثا،و بيده قارورة فيها دم،فقلت:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه ما هذا؟قال:هذا دم الحسين و أصحابه،لم أزل منذ اليوم التقطه.

فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ.

و عن علي بن زيد بن جدعان،قال:استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع و قال:قتل الحسين و اللّه.

فقال له أصحابه:كلا يا ابن عباس،كلا،قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معه زجاجة من دم، فقال:ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟قتلوا ابني الحسين،و هذا دمه و دم أصحابه أرفعها إلي اللّه عزّ و جلّ.

قال:فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه،و تلك الساعة،قال:فما لبثوا إلاّ أربعة و عشرين يوما حتي جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم،و تلك الساعة.

و عن سلمي،قالت:دخلت علي أم سلمة و هي تبكي،فقلت:ما يبكيك؟

قالت:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المنام و علي رأسه و لحيته التراب.

فقلت:ما لك يا رسول اللّه؟

قال:شهدت قتل الحسين آنفا (2).

عن رأس الجالوت،قال:كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي فكنت إذا دخلتها ركضت فرسي حتي أجوز عنها،فلما قتل حسين،جعلت أسير بعد ذلك علي هيئتي (3).

ص: 104


1- سير الأعلام:2653/6.
2- سنن الترمذي(50)كتاب المناقب،(31)باب مناقب الحسن و الحسين(ح:3771)ج 657/5:و فيه «رزين».
3- تاريخ الطبري:393/5.

و عن أشياخ بني سليم قالوا:غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا شعرا:

أيرجو معشر قتلوا حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

فسألنا منذكم هذا في كنيستكم؟

قالوا:قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمائة عام (1).

و عن الأعمش قال:بينا أنا في الطواف إذا برجل يقول:اللهم أغفر لي و أنا أعلم أنك لا تغفر،فسألته عن السبب فقال:كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين عليه السّلام إلي يزيد علي طريق الشام فنزلنا أول مرحلة من رحلتنا من كربلاء علي دير للنصاري و الرأس مركوز علي رمح، فوضعنا الطعام و نحن نأكل إذ كف علي حائط الدير مكتوب عليه بقلم حديد سطّر بالدم:

أترجو أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا و أهوي بعضنا إلي الكفّ ليأخذه فغاب (2).

و في كتاب الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:بينا الحسين عليه السّلام عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ أتاه جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمّد أتحبّه؟

قال:نعم،قال:أما إنّ أمّتك ستقتله،فحزن لذلك حزنا شديدا فقال جبرائيل عليه السّلام:أيسرّك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟

قال:نعم،قال:فخسف جبرائيل عليه السّلام ما بين مجلس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي كربلاء حتّي التقت القطعتان هكذا،و جمع بين السبابتين فتناول بجناحه من التربة فناولها الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ دحيت الأرض أسرع من طرف العين.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:طوبي لك من تربة و طوبي لمن يقتل فيك (3).

***

كيفية العزاء علي الحسين عليه السّلام

عن مصقلة الطحّان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أقامت امرأته الكلبيّة (4)عليه مأتما و بكت و بكين النساء و الخدم حتّي جفّت دموعهنّ و ذهبت فبينا هي كذلك إذا

ص: 105


1- الأمالي:193 ح 203.
2- الأمالي:193،و الخرائج و الجرائح:578/2.
3- أمالي الطوسي:314 ح 638.
4- هي بنت امرء القيس الكلبي أم سكينة بنت الحسين عليه السّلام،و بنو كلب حي من قضاعة.

رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل فدعتها فقالت لها:مالك أنت من بيننا تسيل دموعك؟

قالت:إنّي لمّا أصابني الجهد شربت شربة سويق،قال:فأمرت بالطعام و الأسوقة.فأكلت و شربت و أطعمت و سقت و قالت:إنّما نريد بذلك أن نتقوّي علي البكاء علي الحسين عليه السّلام.

قال:و أهدي إلي الكبيّة جونا (1)لتستعين بها علي مأتم الحسين عليه السّلام فلمّا رأت الجون قالت:

ما هذه؟قالوا:هديّة أهداها فلان لتستعيني علي مأتم الحسين عليه السّلام فقالت:لسنا في عرس،فما نصنع بها ثمّ أمرت بهنّ فأخرجن من الدار فلمّا أخرجن من الدار لم يحس لها حسّ كأنّما طرن بين السّماء و الأرض و لم ير لهنّ بها بعد خروجهنّ من الدار أثر (2).

***

ثواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السّلام

و في الأمالي عن أبي عمارة المنشد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لي:يا عمارة أنشدني في الحسين،فأنشدته،فبكي فما زلت أنشده و يبكي حتّي سمعت البكاء من الدار فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكي خمسين فله الجنّة إلي أن قال:و من أنشد في الحسين فأبكي واحدا فله الجنّة و من أنشد فبكي أو تباكي فله الجنّة (3).

و عن زيد الشحّام قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة فدخل جعفر بن عفّان فأدناه إليه ثمّ قال:يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين و تجيد؟

فقال:نعم جعلني اللّه فداك،قال:قل،فأنشدته،فبكي و من حوله ثمّ قال:و اللّه شهدت ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين و لقد بكوا كما بكينا و أكثر و لقد أوجب اللّه لك الجنّة (4).

و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حرمة في أمرنا إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا

ص: 106


1- قيل الجون:«ضرب من القطا»و ذكر العلامة المجلسي رضي اللّه عنه وجوها آخرها أن الجون كن نساء من الجن أو كن من الأرواح الماضيات فتجسّدن،ثم قال:بالجملة الخبر لا يخلو من تشويش و اضطراب و الحق أنه لا تشويش و لا اضطراب فيه،و الجون من الطيور يقال لها بالفارسية اسفرود و معروفة بباقرقره أهديت إلي الكلبية لتجعلها طعاما و تتقوي بها في مأتم الحسين عليه السّلام فقالت:إطعام الطيور في المأتم غير مناسب و إنما يناسب الأغذية اللذيذة في الأعراس فأمرت فأخرجت الطيور من الدار فطرن و فقدن و لم ير لهن أثر.
2- الكافي:466/1 ح 9.
3- أمالي الصدوق:205 ح 222.
4- البحار:283/44.

و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا،يا أرض كربلاء أورثتينا الكرب و البلاء إلي يوم الانقضاء فعلي مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.ثمّ كان أبي عليه السّلام إذا دخل شهر المحرّم لا يري ضاحكا و كان الحزن يغلب عليه حتّي تمضي منه عشرة أيّام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (1).

و فيه أيضا عن الريّان بن شبيب قال:دخلت علي الرضا عليه السّلام في أوّل يوم من المحرّم فقال لي:أصائم أنت؟

فقلت:لا،فقال إنّ هذا هو اليوم الذي دعي فيه زكريا فقال:ربّ هب لي من لدنك ذريّة طيّبة فاستجاب اللّه له و نادته الملائكة أنّ اللّه يبشّرك بيحيي فمن صام هذا اليوم ثمّ دعي استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا،يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين فإنّه ذبح كما يذبح الكبش و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله و لقد نزل إلي الأرض الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلي أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره و شعارهم يالثارات الحسين.

يا بن شبيب لمّا قتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمرا،يابن شبيب إن بكيت علي الحسين حتّي تصير دموعك علي خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا و إن أسرّك أن تلقي اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام و إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم فالعن قتلة الحسين،و إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متي ما ذكرته:يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما،و إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا و عليك بولايتنا فلو أنّ رجلا تولّي حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (2).

و عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أنشدني فأنشدته فقال:

لا كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره فأنشدته،فلمّا بكي أمسكت فقال:مر فمررت،فبكي و بكت السماء،فلمّا سكتنا قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكي عشرة إلي أن بلغ الواحد فله الجنّة (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة،فينا،يعني ليس له ثواب مقرّر بل ثوابه لا يحصي (4).

و عن ابن عبّاس قال:قال عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّك لتحبّ عقيلا؟2.

ص: 107


1- أمالي الصدوق:190 ح 199.
2- أمالي الصدوق:193 ح 202.
3- البحار:287/44.
4- كامل الزيارات:211 ح 302.

قال:إي و اللّه إنّي لأحبّه حبّين حبّا له و حبّا لحبّ أبي طالب له و أنّ ولده المقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون (1).

و عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنشدني في الحسين فأنشدته فقال:

انشدني كما تنشدون يعني بالرّقة (2)فأنشدته،فبكي و سمعت البكاء من خلف الستر (3).

و عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟ قلت:لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتّبع هوي هذا الخليفة و أعداؤنا كثيرة قال لي:

أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلي،قال:فتجزع؟قلت:إي و اللّه حتّي يري أهلي أثر ذلك عليّ، قال:أما أنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا إنّك ستري عند موتك و حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك فملك الموت أرقّ عليك من الامّ الشفيقة علي ولدها.

ثمّ قال:يا مسمع إنّ الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكي أحد رحمة لنا إلاّ رحمه اللّه قبل أن يخرج الدمعة من عينه فإذا سالت دموعه علي خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها،و أنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّي يرد علينا الحوض،و أنّ الشارب منه ليعطي من اللّذة و الطّعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا و أنّ علي الكوثر أمير المؤمنين و في يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إنّي أشهد الشهادتين فيقول:إنطلق إلي إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول:يتبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول:إرجع إليه و اسأله الشفاعة فيقول إنّي أهلك عطشا فيقول:زادك اللّه عطشا،قلت:و كيف يقدر علي الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ليس ذلك لحبّنا و لكن لشدّة اجتهاده في عبادته و تديّنه فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما علي كلّ أحد،انتهي ملخّصا (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ البكاء و الجزع مكروه للعبد في كلّما جزع ما خلا البكاء علي الحسين فإنّه فيه مأجور (5).2.

ص: 108


1- أمالي الصدوق:191 ح 200.
2- الرّقة بالكسر و يراد به الخون و هو عبارة عن الإنشاد بالصوت كما هو المتعارف في هذه الأعصار و ما قبلها و من ثمّ استثني فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم من الغنا مراثي الحسين عليه السلام.
3- كامل الزيارات:208 ح 297.
4- كامل الزيارات:205 ح 219.
5- وسائل الشيعة:507/14 ح 19702.

و عن عبد اللّه بن بكر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:ما أعظم مسائلك إنّ الحسين بن عليّ و أمّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معه يرزقون و يحبرون و إنّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول:يا ربّ انجز لي ما وعدتني و انّه لينظر إلي زوّاره و أنه أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده،و إنه ينظر إلي من يبكيه فيستغفر له (1).

و روي أنّه لمّا أخبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ابنته فاطمة بقتل ولدها بكت بكاء شديدا و قالت؛يا أبت فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا فاطمة إنّ نساء أمّتي يبكين علي نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون علي رجال أهل بيتي و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرّجال و كلّ من بكي علي مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة،يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت علي مصاب الحسين عليه السّلام فإنّها ضاحكة مستبشرة (2).

و روي أنّه حكي عن السيّد الحسيني قال:كنت مجاورا في المشهد الرضوي،فلمّا كان يوم عاشوراء قرأ رجل من أصحابنا مقتل الحسين فوردت رواية عن الباقر عليه السّلام إنّه قال:من زرقت عيناه علي مصاب الحسين عليه السّلام و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال:هذا ليس بصحيح و العقل لا يعتقده فنام تلك الليلة و رأي في المنام كأنّ القيامة قامت و حشر الناس و أسعرت النيران فإذا هو يطلب الماء عطشا و إذا بحوض طويل عريض فقال:هذا هو الكوثر و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق علي الخلائق و هم مع ذلك لابسون السواد محزونون فسألت عنهم فقيل لي:هذا رسول اللّه و هذا أمير المؤمنين و هذه فاطمة الزهراء و هم محزونون لأنّه يوم عاشوراء فدنوت إلي فاطمة عليها السّلام و قلت:إنّي عطشان فنظرت إليّ شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء علي مصاب الحسين؟

قال:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت علي ما كان منّي و أتيت أصحابي و أخبرتهم برؤياي (3).

***4.

ص: 109


1- كامل الزيارات:206 ح 292.
2- البحار:293/44.
3- البحار:293/44.

رثاء الحسين عليه السّلام

قال سليمان بن قتّة يرثي الحسين (1):

و إن قتيل الطّفّ من آل هاشم أذلّ رقابا من قريش فذلّت

فإن تبتغوه عائذ البيت تصبحوا كعاد تعمّت عن هداها فضلّت

مررت علي أبيات آل محمد فلم أر من أمثالها حيث حلّت

و كانوا لنا غنما فعادوا رزيّة لقد عظمت تلك الرزايا و جلّت

فلا يبعد اللّه الديار و أهلها و إن أصبحت منهم برغمي تخلّت

إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها و تقتلنا قيس إذا النعل زلّت

و عند غنيّ قطرة من دمائنا سنجزيهم يوما بها حيث حلّت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة لفقد حسين و البلاد اقشعرّت

و لبعض الشعراء في مرثية الحسين بن علي:

لقد هدّ جسمي رزء آل محمد و تلك الرزايا و الخطوب عظام

و أبكت جفوني بالفرات مصارع لآل النبي المصطفي و عظام

عظام بأكناف الفرات زكية لهنّ علينا حرمة و ذمام

فكم حرة مسبيّة فاطمية و كم من كريم قد علاه حسام

لآل رسول اللّه صلّت عليهم ملائكة بيض الوجوه كرام

أفاطم أشجاني بقول ذو العلا فشبت و إني صادق لغلام

و أصبحت لا ألتذ طيب معيشة كأنّ عليّ الطيبات حرام

و لا البارد العذب الفرات أسيغه و لا ظلّ يهنيني الغداة طعام

يقولون لي:صبرا جميلا و سلوة و ما لي إلي الصبر الجميل مرام

فكيف اصطباري بعد آل محمد و في القلب منهم لوعة و سقام

و في كتاب الأمالي أنّ أوّل شعر رثي به الحسين عليه السّلام قول عقبة السهمي،شعرا:

إذا العين قرّت في الحياة و أنتم تخافون في الدّنيا فأظلم نورها

ص: 110


1- الأبيات في أسد الغابة:499/1 و الكامل لابن الأثير:223/1 و الاستيعاب:379/1-380 و مروج الذهب:50/2 بتفاوت.

مررت علي قبر الحسين بكربلا فغاض عليه دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه و أبكي لشجوه و يسعد عيني دمعها و زفيرها

و بكيت من بعد الحسين عصابيا أطاقت به من جانبيها قبورها

سلام علي أهل القبور بكربلاء و قل لها منّي سلام يزورها

و لا برح الوفّاد زوّار قبره يفوح عليهم مسكها و عبيرها (1)

و رثاه سليمان الهاشمي شعرا:

مررت علي أبيات آل محمّد فلم أرها مثلها يوم حلّت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة لفقد حسين و البلاد اقشعرّت

و إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم أذلّ رقاب المسلمين فذلّت

و كانوا رجالا ثمّ عادوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا و جلّت (2)

و في بعض كتب أصحابنا الثقاة عن دعبل الخزاعي قال:دخلت علي سيّدي و مولاي عليّ بن موسي الرضا عليه السّلام في أيّام عاشوراء فرأيته جالسا جلسة الحزين و أصحابه من حوله فلمّا رآني مقبلا قال لي:مرحبا بك يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده و لسانه فأجلسني إلي جانبه و قال:انشدني شعرا فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن علينا أهل البيت،يا دعبل من بكي و أبكي و لو واحدا كان أجره علي اللّه و من بكي لما أصابنا حشره اللّه في زمرتنا و من بكي علي مصاب جدّي الحسين غفر اللّه له ذنوبه البتة ثمّ نهض و ضرب سترا بيننا و بين حرمه ليبكوا علي مصاب جدّهم ثمّ قال:يا دعبل إرث الحسين فسالت عبرتي و أنشأت أقول،شعرا:

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا و قد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده و أجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان و أخري بطيبة و أخري بفخّ نالها صلوات

قبور ببطن النهر من جنب كربلا معرّسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشا بالعراء فليتني توفّيت فيهم قبل يوم وفاتي

إلي اللّه أشكو لوعة عند ذكره سقتني بكأس الثكل و القصعات

إذا فخروا يوما أتوا بمحمّد و جبريل و القرآن و السورات3.

ص: 111


1- مناقب آل أبي طالب:268/3.
2- مناقب آل أبي طالب:263/3.

و عدّوا عليّا ذا المناقب و العلي و فاطمة الزهراء خير بنات

و حمزة و العبّاس ذو الدّين و التّقي و جعفرها الطيّار و الحجبات

سأبكيهم للّه ما حجّ راكب و ما ناح قمري علي الشجرات

فيا عين ابكيهم وجودي بعبرة فقد آن للتسكاب و العبرات (1)

***

في عظم المصيبة علي الحسين عليه السّلام

في كتاب علل الشرائع بإسناده إلي عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه و يوم فاطمة و يوم قتل أمير المؤمنين و الحسن عليهم السّلام؟

قال:إنّ يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من سائر الأيّام و ذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق علي اللّه عزّ و جلّ كانوا خمسة،فلمّا مضي منهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بقيوا أربعة و كان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلمّا مضي أمير المؤمنين عليه السّلام كان للناس في الحسن و الحسين عزاء و سلوة، فلمّا مضي الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام لم يكن بقي من أصحاب الكساء من فيه عزاء و سلوة فكان كذهاب جميعهم كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

قلت:فلم يكن للناس في عليّ بن الحسين ما كان لهم في آبائه عليهم السّلام؟

قال:بلي إنّ عليّ بن الحسين كان إماما و حجّة علي الخلق بعد آبائه و لكنّه لم يلق رسول اللّه و لم يسمع منه و كان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في أحوال تتوالي فكانوا متي نظروا إلي واحد منهم تذكّروا حاله مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قول رسول اللّه فيه،فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين علي اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلاّ في فقد الحسين عليه السّلام لأنّه مضي في آخرهم و لذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

فقلت:أين رسول اللّه كيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكي عليه السّلام و قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلي يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الأموال فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم و أنّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلي الفرح و السرور و التبرّك،حكم اللّه بيننا و بينهم.

ص: 112


1- مناقب آل أبي طالب:263/3.

ثمّ قال:و إنّ ذلك لأقلّ ضررا علي الإسلام و أهله ممّا وضعه قوم انتحلوا مودّتنا و زعموا أنّهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا من أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و كذّبوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام في إخبارهم بقتله و من كذّبهم فهو كافر باللّه العليّ العظيم و دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه (1).

***

هل قتل الحسين عليه السّلام؟

اشارة

و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام أنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و أنّه ألقي شبهه علي حنظلة بن سعد الشامي و أنّه رفع إلي السماء كما رفع عيسي ابن مريم و يحتجّون بهذه الآية: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فإنّه يقول:و لن يجعل اللّه لكافر علي مؤمن حجّة و لقد أخبر اللّه عزّ و جلّ عن كفّار قتلوا الأنبياء بغير حقّ و مع قتلهم إيّاهم لم يجعل لهم علي أنبيائه سبيلا من طريق الحجّة (2).

و هنا يجب التنبيه علي علم آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بموتهم و تأويل ذلك.

علم آل محمد عليهم السّلام بزمان و مكان موتهم

عن بعض أصحابنا قال:قلت للرضا عليه السّلام الإمام يعلم إذا مات؟

قال:«نعم،يعلم بالتعليم حتي يتقدّم في الأمر».

قلت:علم أبو الحسن بالرطب و الريحان المسمومين الذين بعثهما إليه يحيي بن خالد.

قال:«نعم» (3).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إن أبي مرض مرضا شديدا-إلي أن قال-إنّي ميّت يوم كذا و كذا»

قال:فمات في ذلك اليوم (4).

و كان الإمام الكاظم عليه السّلام يعلم بموته علي التفصيل (5).

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يعلم بموته و يقاتله علي التفصيل (6).

ص: 113


1- علل الشرائع:227/1 ح 1.
2- عيون المعجزات:220/1 ح 5.
3- بصائر الدرجات:481 باب علمهم بموتهم ح 3.
4- بصائر الدرجات:481 باب علمهم بموتهم ح 2.
5- الخرايج و الجرايح:303 باب 9.
6- راجع أصول الكافي:259/1 ح 4 من باب علمهم بموتهم.

بل نقل الراوندي تواتره (1).

و كان الإمام الحسين عليه السّلام يعلم متي يموت و بأي أرض يموت و من يستشهد معه (2).

و كانت فاطمة الزهراء عليها السّلام كذلك،فقامت و اغتسلت و أوصت (3).

بل ورد أن أصحاب الكساء صلوات اللّه عليهم يعلمون ما يحلّ بهم في عالم الأظلة و الأنوار (4).

و كذلك الإمام الرضا عليه السّلام حيث قال لابن جهم:«فإنّه سيقتلني بالسم و هو ظالم لي،أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فاكتم هذا عليّ ما دمت حيّا» (5).

و الإمام زين العابدين قال للإمام الباقر عليهما السّلام:«يا بني إن هذه الليلة التي أقبض فيها» (6).

بل ورد أن علمهم بموتهم من علامات إمامتهم:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«أي إمام لا يعلم ما يصيبه و إلي ما يصير فليس ذلك بحجّة للّه علي خلقه» (7).

*أقول:هذه جملة من الأحاديث الدالة علي أنّهم يعلمون بموتهم علي التفصيل،و لا يمكن لمنكر أن ينكر عليهم ذلك،فإنّ ما تقدّم من أحاديث ملزم لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد.

هذا و ما تقدّم من أحاديث في سعة علمهم و كيفيته و زمانه و جهاته؛كلّه يدل علي أنّهم يعلمون بموتهم،لأنّ علمهم بكل شيء شامل لذلك،و علمهم بالغيب شامل له أيضا،و كون علمهم لدنيا حاضرا فيهم شامل أيضا لذلك.

نعم؛أنكر من أنكر العلم بموتهم من جهة إشكال معروف،و هو أنه إذا علم بموته بالسم و القتل كيف يقدم عليه؟!

و هل يكون الإمام يعين قاتله علي نفسه؟!3.

ص: 114


1- الخرايج و الجرايح:190 الباب الثاني.
2- مشارق أنوار اليقين:88،و الهداية الكبري:203-204 باب 5.
3- الفضائل الخمسة:198/3،و مقتل الخوارزمي:85/1،و فضائل الصحابة:629/2،و كشف الغمة:/2 42.
4- الهداية الكبري:408.
5- بحار الأنوار:136/25 كتاب الإمامة باب جامع في صفات الإمام ح 5،و جامع كرامات الأولياء:/2 256.
6- أصول الكافي:259/1 ح 3 من باب علمهم بموتهم.
7- أصول الكافي:258/1 ح 1،و بصائر الدرجات:484 ح 13.

و هل يعتبر ذلك رميا للنفس في التهلكة؟!

إلاّ أنّه يمكن رفع هذا الإشكال بعدّة إجابات ترفع حجّة القول بإنكار علمهم بموتهم،فنقول و بالله المستعان و من آل محمّد توسط المعونة.

***

دفع اشكال معرفة الإمام بموته

الجواب الأوّل:أن يقال أن حالهم حال الشهداء الأبرار،بل هم أفضل،فإن بعض

الشهداء يعلمون بزمان و مكان استشهادهم،

و العرف لا يحكم عليهم بالتهلكة و قتل النفس،فإن العمليات الاستشهادية التي يقوم بها أبدال أهل الشام في ألوية حزب اللّه؛أكبر دليل علي التضحية و الفداء،يخرجون من مقرّهم بسياراتهم المفخخة و يسير أحدهم إلي الهدف اليهودي حتي إذا ما وصل إليه أطلق زر التفجير،فتنفجر سيارته بالأعداء و هو في داخلها؛فعند حلّة لزر الأمان يعلم بموته علي التفصيل،و مع ذلك يقدم من أجل هدف أسمي و تنفيذ الأوامر الإلهية المأخوذة علي عاتقه.

الجواب الثاني:أن يكون الإمام عليه السّلام عند موته مخيّرا بين الموت و البقاء،و لكنه يختار

الأفضل

لعلمه أن الآخرة و لقاء اللّه تعالي خير له من البقاء في الدنيا.

و يدل عليه ما روي عن الإمام الباقر عليه السّلام:«نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا نقلنا إليه» (1).

و حديث الإمام الرضا عليه السّلام:«رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم البارحة و هو يقول:يا علي عندنا خير لك» (2).

و حديث الإمام الباقر عليه السّلام أيضا قال:«أنزل اللّه تعالي النصر علي الحسين عليه السّلام حتي كان بين السماء و الأرض خيّر:النصر أو لقاء اللّه فاختار لقاء اللّه تعالي» (3).

أمّا لماذا ما عند اللّه خير؟و لماذا لم ينقله إليه قبل هذه المدّة مع أنّه في كل وقت ما عند اللّه خير لآل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

فذلك لأنّ الإمام سفير اللّه تعالي في أرضه،و له مهمّة هداية الناس،فإذا انتهت مدّته و جاءت

ص: 115


1- بصائر الدرجات:481 ح 4.
2- بصائر الدرجات:483 ح 9،و أصول الكافي:260/1 ح 6.
3- أصول الكافي:260/1 ح 8.

مدّة الإمام الذي بعده،فإن العلّة التي اقتضت بقاءه قد ارتفعت فيعود إلي مقرّه الأبدي.

و سوف يأتي توضيح ذلك في الجواب الصحيح.

الجواب الثالث:ما ذكره العلاّمة المجلسي قال:(إن التحرّز عن أمثال تلك الأمور

(كتناول السم و نحوه)

إنّما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية،و إلاّ فيلزم أن لا يجري عليهم شيء من التقديرات المكروهة،و هذا ممّا لا يكون.

و الحاصل أن أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرية لا بالعلوم الإلهامية) (1).

مراده:أن الإنسان العادي إذا علم أن ما يأكله سم يؤدي إلي الموت فإنّه يمتنع عن تناوله و يتحرّز عنه لعدم علمه بالأسباب الحقيقية للموت و عدم علمه بكيفية موته من غير هذا السم،إذ لعل الإنسان لو يعلم أن موته سوف يقع بأمر أعظم من السم،أو أنه سوف يموت أمام أطفاله فيما بعد، لقبل بموته بالسم هذا و لتناوله من أجل أنه اختار أهون الموتتين و أصلحهما له أو لعياله.

امّا أهل البيت عليهم السّلام فهم يعلمون كل التقديرات المكروهة و الأفعال التي سوف تحلّ بهم، فمثلا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عند ما خرج إلي المسجد الحرام كان يعلم أن كفّار قريش سوف يلقون عليه أثناء الصلاة السل و فضلات الحيوان،و مع علمه خرج،و هكذا في كثير من الامور المكروهة التي تحصل لهم عليهم السّلام.

و عليه فالإمام يتعامل بالظواهر في أمثال هذه الامور كبقية الناس مع علمه بما يحصل،لذا ورد الحديث الشريف:«نحن صبر و شيعتنا أصبر لأننا نصبر علي ما نعلم و هم يصبرون علي ما لا يعلمون» (2).

و عليه،فعند ما عرض علي الإمام عليه السّلام العنب المسموم فإنّه يتعامل معه علي أنّه عنب،و لا يتعامل معه علي أنّه سمّ مميت تنزيلا لنفسه منزلة الأشخاص العاديين.

و إلاّ لو أراد الإمام التعامل معه علي أنه سمّ حقيقي لما تناوله و عندها لا يقع عليه القتل أبدا مع علمه أن اللّه قد كتبه عليه!!

هذا ما يمكن أن يوجه به جواب العلاّمة المجلسي.

و فيه:أنّه إن صح لا يفسّر حقيقة علمهم بموتهم.

علي أنّه التزم بأن فعل الإمام تهلكة إلاّ أن تكليفه فيها غير تكليفنا نحن فيها،و هذا لا ملزم لنا للقبول به،لما يأتي في الجواب الصحيح.

ص: 116


1- بحار الأنوار:236/48 تاريخ الإمام الكاظم.
2- بحار الأنوار:175/32 ح 132 كتاب 35.

الجواب الرابع: أنهم علموا أنّهم

لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر الأمرين]

ما ذكره العلاّمة المجلسي أيضا من أنه يمكن أن يقال:(لعلّهم علموا أنّهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر الأمرين) (1).

أقول:هذا يصح بالنسبة لأمثالنا ذلك أننا إذا علمنا بشرّين فإننا نختار أيسرهما.

أمّا آل محمّد عليهم السّلام فإن المسألة بالنسبة لهم تختلف،فإنّ اللّه هو الذي يقدّر أمورهم،فلو علم اللّه أن تلك الموتة أنفع للإمام أو للشيعة أو لمصلحة ما؛لأوجبها عليهم،و هم عليهم السّلام لما اختاروا غيرها.

و بعبارة أخري:الإمام يعلم ما اختار اللّه له من كيفية موته،و هو عليه السّلام لا يريد إلاّ ما أراد اللّه، فالمسألة ليست مسألة علم الإمام بكيفية الموت فقط،بل المسألة تتعلّق بشيء أعظم من ذلك، و التخيير للإمام في اختيار أي الموتتين مرتبط بمقام يستحق أن يختار الإمام لأجله فراق الشيعة.

علي أن الإمام الكاظم عليه السّلام حاول الطاغية الرشيد قتله أوّلا بالسم فلم يفلح،ثم عاد و قتله بالسم نفسه (2)فالموتة الاولي كانت كالثانية.

الجواب الخامس:ما وردت به بعض الروايات أن اللّه ينسي الإمام لينفذ حكمه فيه،

كالمروي عن الإمام الرضا عليه السّلام في تناول الرطب من الإمام الكاظم عليه السّلام فقال:«أنساه لينفذ فيه الحكم» (3).

و في رواية أخري:«غاب عنه المحدث» (4).

*أقول:و هذا يرفع إشكال إقدام الإمام علي تناول السم و الرمي بالتهلكة لأنّه أكل العنب و هو لا يعلم أنّه مسموم.

و فيه:

أوّلا:أنه ينافي ما تقدّم من روايات و أنّه من علامات الإمام العلم بموته.

ثانيا:ينافي علم الإمام وسعته بما تقدّم في مواضع مختلفة و مستفيضة و أنّه يشمل كل شيء.

ثالثا:ما ثبت في محله من نفي السهو أو الاسهاء عن الإمام.

رابعا:هذا الجواب لا يتناسب مع عظمة الإمام إذ يكون الإمام لا يعلم إلي أين يصير،و لا يختار بنفسه ما عند اللّه عزّ و جلّ من المقام المحمود،و يكون كبقية الناس يقدم علي أمر خفيّ مجهول.

ص: 117


1- بحار الأنوار:236/48.
2- الهداية الكبري:265 باب 9.
3- بصائر الدرجات:481 ح 3،و بحار الأنوار:235/48-236 ح 42.
4- بحار الأنوار:242/48 ح 50 عن رجال الكشي:371.

خامسا:إننا لا نحتاج إلي هذا الجواب مع وجود الأجوبة الاخري.

الجواب السادس: وقاء الشيعة بنفسهم

ما ورد في رواية الإمام الكاظم عليه السّلام قال:«إن اللّه عزّ و جلّ غضب علي الشيعة فخيّرني في نفسي أو هم،فوقيتهم و اللّه بنفسي» (1).

و هذه الرواية مروية في حق الإمام الكاظم عليه السّلام فقط،فهل يمكن تعدية الحكم لكل إمام عليه السّلام؟!

قد يقال:إنّه ممكن في حق بعض الأئمة ممّن كانت الشيعة في زمانهم،كما كانت في زمن الإمام الكاظم عليه السّلام،و لكن ماذا نفعل في شيعة قائم آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم!!

نعم الرواية لا تفسّر لنا حقيقة انتقال الإمام إلي جوار ربّه و عودته إلي عرش الرحمن تعالي.

فالجواب لا يخلو من ضعف.

الجواب السابع: لأن اللّه يبلغهم بذلك من علوّ الدرجة ما لا يبلغهم إلاّ به

ما ذكره الشيخ المفيد(قده)قال في تخريج علم أمير المؤمنين عليه السّلام بموته:

(إذا كان لا يمتنع أن يتعبده اللّه بالصبر علي الشهادة و الإستسلام للقتل،ليبلغه اللّه بذلك من علوّ الدرجة ما لا يبلغه إلاّ به،و لعلمه تعالي بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يؤدها، و يكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامه غيره،فلا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام ملقيا بيده إلي التهلكة و لا معينا علي نفسه معونة مستقبحة في العقول) (2).

و علي كلامه يكون أمير المؤمنين عليه السّلام عالما بوقت استشهاده و أنّها في الصلاة و يصبر علي ذلك من أجل المرتبة المرجوة،و هذا لا محذور فيه من هذه الناحية،إذ يحافظ علي علم أمير المؤمنين عليه السّلام باستشهاده و لا يدخل الجهل عليه.

و مسألة الدرجة الرفيعة أيضا لا إشكال فيها،إذ تحمل علي الدرجة المعنوية و القرب من اللّه تعالي،لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يعبد اللّه عبادة الأحرار لا عبادة التّجار.

نعم،مسألة صبر الأمير عليه السّلام علي الشهادة؛قد يفهم منها الجزع و الخوف أو لا أقل عدم الرغبة في هذا القتل،لأنّ الصبر لا يكون إلاّ علي المكروه،نعم هو صبر عن علم كما تقدّم في الحديث:«نحن صبر و شيعتنا أصبر لأننا نصبر علي ما نعلم».

فيكون في جواب الشيخ الأقدس محذور الصبر علي المكروه،مع أن الشهادة بالنسبة لغير أمير المؤمنين عليه السّلام عشق،فكيف هي لأمير الموحدين علي بن أبي طالب صلوات المصلين عليه،و هو القائل:«لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه» (3).

ص: 118


1- أصول الكافي:260/1 ح 5 باب علمهم بموتهم،و الدر المنثور:80/1.
2- المسائل العكبرية:70/6 المسألة العشرون.
3- تذكرة الخواص:121،و بحار الأنوار:234/28 ح 20،و المحاسن و المساويء:483.

و قال عليه السّلام:«لو لا الآجال التي كتب اللّه لهم لماتوا شوقا إلي اللّه و الثواب» (1).

و أنسه بالموت و الشهادة ما هو إلاّ الحب و عشق لقاء اللّه تعالي؛نعم أمير الموحدين عليه السّلام كان صابرا علي المكروه،و لكن ليست هي الشهادة و القتل؛إنّما صبره علي فراق اللّه و البعد عن جواره، هو المكروه:«إلهي صبرت علي عذابك فكيف أصبر علي فراقك» (2).

و عليه فلو لا مسألة الصبر علي المكروه،فإن جواب الشيخ المفيد متين و علي كل حال هو أفضل الأجوبة المتقدّمة.

نعم هذه ليست عقيدة الشيخ المفيد لأنّه استبعد علم أمير المؤمنين عليه السّلام و غيره من الأئمة بموتهم و وقت ذلك،و نفي وجود أثر في ذلك (3).

و لسنا في صدد الرد عليه،إنّما أنت خبير بوجود الأثر المستفيض،و قد تقدّم منه شيئ يسير، و نقلت لك الروايات في علمهم بموتهم و علمهم بالمغيبات.

الجواب الثامن: أن علم الإمام بذلك لا يؤثر و لا يمنع وقوع القتل

ما ذكره العلاّمة الطباطبائي في تفسيره ملخّصه بقوله:

(فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث علي ما هي عليها في متن الواقع لم يؤثر ذلك في إخراج حادث منها،و إن كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلي حدّ الإمكان) (4).

مراده أنّه لو فرض علم الإمام مثلا بوقت قتله و ساعته،فإن علمه بذلك لا يؤثر و لا يمنع وقوع القتل من باب أن حدوث القتل يستند إلي علل و شرائط،فإذا تمّت وجب تحقّق الفعل و القتل، كتحقّق أي معلول عند حصول علّته التامّة.

*أقول:صحيح إن العلل إذا تمّت وجب تحقق المعلول،و إن الشرائط إذا توفرت وجب حصول القتل،و لكن في ما نحن فيه من إقدام الإمام عليه السّلام علي القتل مع علمه به،و أنه لا يلزم منه المساعدة علي التهلكة؛في مثل هذا نحن نحاول معرفة مدخلية علم الإمام في قتله،و هل هو مخيّر أم غير مخيّر،و هل هو يعلم بذلك أو لا؟

و تقدّم في الروايات كونه عالما بقتله و كونه مخيّرا في ذلك،و إنه اختار الأفضل،و هو القتل و القرب من اللّه تعالي،و لو كان الأفضل هو البقاء لاختاره.

و الخلاصة:ظاهر كلامه عدم اختيار الإمام في زمن قتله،و هذا مناف لبعض الأخبار المتقدّمة.

نعم؛لا يقال اختيار الإمام ينافي قانون العلية،لأنّا نقول لو اختار الإمام البقاء لما قتل،و لما

ص: 119


1- نهج البلاغة:161/2،و البحار:193/68.
2- فقرة من دعاء كميل،إقبال الأعمال:708 ط.الحجرية.
3- المسائل العكبرية:70/6.
4- تفسير الميزان:193/18.

انهدم قانون العلية الظاهري،إذ يكشف عندها عن عدم تحقّق كافة العلل،و هذا لا يلزم معه كون قبول الإمام بقتله في هذا الوقت أحد أجزاء العلّة التامّة.

علي أنه لو كان يحمل علي عشق الإمام للقاء اللّه تعالي و فعله المستحيل من أجل ذلك.

الجواب التاسع و هو الصحيح: أنّ العلّة التي اقتضت هبوطهم من عالم الأنوار و عرش الرحمن ترتفع،و إذا ارتفعت العلّة وجب أن يعودوا إلي مقرّهم الطبيعي

اشارة

إننا قدمنا سابقا-الولاية التكوينية-أن آل محمد كانوا أنوارا حول عرش اللّه،و إنّما أنزلهم اللّه إلي الدنيا لهداية البشر المتوقفة عليهم.

و معلوم أن هذا الهبوط خلاف طبع الأولياء و العرفاء.

و اللّه سبحانه و تعالي أنزلهم علي فترات مختلفة ابتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتي الإمام المهدي(عج)،و جعل لكل إمام عليه السّلام مدّة محدّدة يقضي فيها مع أصحابه ليهديهم،فإذا انتهت مدّة الإمام الأوّل انتقلت المهمة إلي الإمام الثاني و هكذا.

و عند انتهاء مدّة الإمام الأوّل،فإنّ العلّة التي اقتضت هبوطهم من عالم الأنوار و عرش الرحمن ترتفع،و إذا ارتفعت العلّة وجب أن يعودوا إلي مقرّهم الطبيعي.

و يؤيّده قول رسول اللّه للرضا عليهما السّلام:«ما عندنا خير لك» (1).

و قد تقدّم أيضا في الكتاب أحاديث أن الإمام قلبه مع اللّه و شخصه مع الخلق،فهو عيشه الدائم مع اللّه،و لكن لمصلحة الهداية كان مع البشر.

و يؤيّده ما تقدّم في الإمام الحسين عليه السّلام أنّه خيّر بين النصر و لقاء اللّه فاختار لقاء اللّه (2).

و ما روي عن إمامنا زين العابدين عليه السّلام:«و اللّه لا يشغلني شيء عن شكره و ذكره في ليل و لا نهار و سرّ و لا علانية،و لو لا لأهلي علي حقا و لسائر الناس في خاصهم و عامهم علي حقوقا لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع و الطاقة حتي أؤديها إليهم؛لرميت بطرفي إلي السماء و بقلبي إلي اللّه ثم لم أردهما حتي يقضي اللّه علي نفسي و هو خير الحاكمين» (3).

و يؤيّده أيضا ما روي عن الإمام الرضا عليه السّلام في سبب إقدام أمير المؤمنين عليه السّلام علي الصلاة في المسجد مع علمه بابن ملجم و قتله له قال عليه السّلام:«ذلك كان و لكنّه خيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير اللّه عزّ و جلّ (4).

و تكون مقادير اللّه أن مدّة إمامة الإمام الأوّل عليه السّلام إنتهت ليأتي الإمام الثاني.

و بعبارة مختصرة:ليس الإشكال في سبب موت الإمام عليه السّلام و عروجه إلي مقام قاب قوسين أو أدني،إنّما الإشكال في هبوط الإمام من مقامه إلي هذه الدنيا.

ص: 120


1- الكافي:260/1 ح 8 و 6.
2- المصدر السابق.
3- الآداب المعنوية للصلاة:313.
4- أصول الكافي:259/1 باب علمهم بموتهم.

أمّا مسألة رمي النفس في التهلكة،فإن التهلكة هي وضع النفس في موضع الضرر أو الخسارة؛و اختيار الإمام عليه السّلام للقاء اللّه و عودته إلي عرش اللّه ليس فيه ضرر و لا خسارة،بل هو ربح و مصلحة لمن يعلم بمقامه عند اللّه،و لمن يعلم من أين أتي و إلي أين يعود.

و إن شئت قلت:نعم الضرر هذا،لأنّ الضرر من أجل مصلحة أعظم و أفضل لا يعد ضررا، و إن عدّ فهو لا يلغي الإقدام عليه من أجل المصلحة الكبري.

و كما أن الشهيد الذي يعلم أنّه يقتل في عمليته الإستشهادية فهو ضرر بهذا المعني،و لكنّه مغفور له لأنّه يقدم علي فعل واجب أهم من ترك هذا الضرر المحرّم في غير هكذا موضع.

و بعبارة أخري:كون الفعل هذا مرادا للّه تعالي أو للإمام عليه السّلام يكفي في عدم كونه تهلكة، فافهم.

و هذا يتناسب مع ما ورد عن الإمام الحسين عليه السّلام أن قتله قضاء محتوم و أمر واجب (1)لا مفرّ منه،فاللّه تعالي قدّر له ذلك،و ان ولايته تنتهي إلي سنة 60 ه.و لا حاجة لوجوده الظاهري بعد هذه السنة في هداية الناس،فيرجع إلي مكانه الأصلي-الأبدي-.

و أيضا يؤيده ما تقدم عن الإمام الباقر عليه السّلام عند ما قرب أجله استدعي ابنه الصادق عليه السّلام و قال:

«إن هذه الليلة التي وعدت فيها» (2).

و كأنه كان ينتظرها بفارغ الصبر و كذلك ما حصل من أمير المؤمنين عليه السّلام عند استشهاده:

«فزت و ربّ الكعبة».

و هذا الوجه يتناسب مع قوله تعالي: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (3).

فالإمام الولي ينتظر لقاء اللّه تعالي.

تنوير:

عزيزئ القارئ لا تدع للشيطان عليك سبيلا ليقول لك إذا مات الإمام فإنّ موضعه التراب و القبر!!لأنّ الإمام لا يمكث في قبره أكثر من ثلاثة أيام،ثم ينقله اللّه من قبره بروحه و جسده و عظمه و لحمه إلي عرشه،إلي مقرّه الأبدي و الطبيعي.

و قد حكي الشيخ المفيد(قده)إجماع فقهاء الإمامية عليه (4)و سوف نأتي علي تفصيل ذلك في الكتب القادمة و فيه روايات مستفيضة تأتي (5).

ص: 121


1- الهداية الكبري:203 باب 5.
2- الهداية الكبري:239 باب 7.
3- سورة الأنبياء،الآية:103.
4- أوائل المقالات:45 و 72/4 ط.المؤتمر.
5- راجع بصائر الدرجات:443-445.

علة تسلّط الأعداء علي الحسين عليه السّلام

في كتاب العلل و غيره عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدّس اللّه روحه:إنّ رجلا سأله كيف سلّط اللّه عدوّه و هو قاتل الحسين عليه السّلام علي وليّه أعني الحسين عليه السّلام؟

فقال الشيخ:إنّ اللّه لا يخاطب الناس بمشاهدة العيون و لا يشافههم بالكلام و لكنّه بعث إليهم رسلا من أجناسهم فطلبوا منهم المعجزات التي لا يقدر الناس عليها فاختصّ اللّه سبحانه كلّ نبيّ بالمعجزة المناسبة لزمانه،فلمّا أتوا بتلك المعجزات كان من تقدير اللّه تعالي أن جعل أنبياءه في حال غالبين و في حال مغلوبين و في حال قاهرين و في حال مقهورين،و لو جعلهم في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون اللّه و لما عرفت فضل صبرهم علي البلاء و المحن،و لكنّه عزّ و جلّ جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوي صابرين،و في حال العافية أو الظهور علي الأعداء شاكرين،و ليكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير متكبّرين،و ليعلم العباد أنّ لهم عليهم السّلام إلها هو خالقهم و مدبّرهم فيعبدونه و يطيعوا رسله و تكون حجّة اللّه تعالي ثابتة علي من تجاوز الحدّ فيهم و ادّعي لهم الربوبيّة أو عاند بما أتت به الأنبياء و الرّسل و ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حيّ عن بيّنة.

و ذكر الحسين بن روح أنّه سمع هذا من الحجّة عليه السّلام لأنّه كان من الوكلاء و الأبواب (1).

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:إنّ أيّوب عليه السّلام أبتلي من غير ذنب و أنّ الأنبياء معصومون لا يذنبون و أنّ أيّوب عليه السّلام مع ما أبتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة و لا قيح و لا دم و لا استوحش منه أحد شاهده و لا تدود شيء من جسده و كذا يصنع اللّه بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنّما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما عند ربّه من التأييد و الفرج و قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أعظم الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل و إنّما ابتلاه اللّه بالبلاء العظيم الذي يهون معه علي جميع الناس،لئلاّ يدّعوا له الربوبيّة إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالي ليستدلّوا بذلك علي أنّ الثواب من اللّه تعالي علي ضربين استحقاق و اختصاص و لئلاّ يحتقروا ضعيفا لضعفه و لا فقيرا لفقره و لا مريضا لمرضه،و ليعلموا أنّه يسقم من يشاء و يشفي من يشاء متي شاء و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و هو عزّ و جلّ عدل في جميع قضائه لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم (2).

و في كتاب معاني الأخبار عن ابن رئاب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ

ص: 122


1- علل الشرائع:243/1 باب 177 ح 1.
2- الخصال:400 ح 108.

وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ما أصاب عليّا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصومون؟

فقال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يتوب إلي اللّه عزّ و جلّ و يستغفره في كلّ يوم و ليلة مائة مرّة من غير ذنب (1).

اعلم أنّ الاستغفار كما يكون عن ذنب أيضا يكون لرفع الدرجات،و كذلك المصائب.

***

سبب تخلّف محمّد بن علي

ابن الحنفية عن الحسين عليهم السّلام

قيل في الأحاديث لتخلّف محمّد بن عليّ عليه السّلام وجوه:

منها:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة لحقه محمّد و أشار عليه أن يقيم إمّا بمكّة أو يسير إلي اليمن،و أبي عليه السّلام إلاّ المسير إلي العراق ثمّ قال لمحمّد:و أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنّي شيئا من أمورهم ثمّ دعا بدواة و بياض و كتب وصيّته و جعل محمّدا الوصيّ (2).فيكون تخلّف محمّد بأمر الحسين عليه السّلام

علي أنّ من جملة المصالح في تخلّفه بالمدينة بأن يكون مرجعا لبني هاشم كيلا يضاموا بعد خروج الحسين عليه السّلام.

و منها:ما روي أنّه لما عوتب محمّد بن عليّ عليه السّلام علي ترك الخروج ذكر كلاما حاصله:إنّي علمت بعلم عهده إليّ أبي أمير المؤمنين عليه السّلام أسماء الذين يستشهدون مع الحسين عليه السّلام و أسماء آبائهم و لم أر إسمي بينهم فعلمت أنّي لست من الشهداء معه و خاف أن يكون في سيره معه مثله مثل خروج عقيل إلي معاوية و تركه أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كان محمّد أجلّ شأنا و أرفع مكانا من أن تعتريه مثل هذه الهواجس.

و منها:ما روي في الأثر أنّ محمّد بن الحنفيّة قد أصابته عين في يده فخرج بها خراج و قد تعطّلت عن حمل السلاح فيكون معذورا في ترك الخروج مع أنّ الحسين عليه السّلام لم يطلب منه الخروج معه و ذاك محلّ الإشكال.

***

ص: 123


1- معاني الأخبار:384 ح 15.
2- البحار:329/44.

إبتداء أمر الحسين قبل خروجه

قيل:رأي الحسين عليه السّلام أمورا إقتضت أنّه خرج من المدينة و قصد مكة و أقام بها،و وصل الخبر إلي الكوفة بموت معاوية و ولاية يزيد مكانه،فاتفق منهم جمع جم و كتبوا كتابا إلي الحسين يدعونه إليهم و يبذلون له فيه القيام بين يديه بأنفسهم،و بالغوا في ذلك ثم تتابعت إليه الكتب نحو من مائة و خمسين كتابا (1)من كل طائفة و جماعة كتاب يحثونه فيه علي القدوم،و آخر ما ورد عليه كتاب من جماعتهم علي يد قاصدين من أعيانهم و صورته:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

للحسين بن علي أمير المؤمنين.

من شيعته و شيعة أبيه علي أمير المؤمنين،سلام اللّه عليك.

أمّا بعد:فإنّ الناس منتظروك و لا رأي لهم غيرك،فالعجل العجل يابن رسول اللّه و السلام عليك و رحمته و بركاته (2).

فكتب جوابهم و سيّر إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فوصل إليهم و جرت له وقائع و قضايا لا حاجة إلي ذكرها،و آل الأمر إلي أن الحسين عليه السّلام توجه بنفسه و أهله و أولاده إلي الكوفة ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا.

و كان عند وصول مسلم بن عقيل إلي الكوفة و إجتماع الشيعة عنده و أخذه البيعة للحسين عليه السّلام، كتب والي الكوفة-و هو النعمان بن بشير-إلي يزيد بذلك،فجهز عبيد اللّه بن زياد إلي الكوفة،فلما قرب منها تنكّر و دخل ليلا،و أوهم أنّه الحسين عليه السّلام و دخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز، فصار يجتاز بجماعة جماعة يسلّم عليهم و لا يشكّون في أنّه هو الحسين عليه السّلام فيمشون بين يديه، و يقولون:مرحبا بابن رسول اللّه قدمت خير مقدم.فرأي عبيد اللّه من تباشيرهم بالحسين ما ساءه و كشف أحوالهم و هو ساكت.

فلمّا دخل قصر الإمارة و أصبح جمع الناس و قال و أرعد و أبرق و قتل و فتك و سفك و انتهك و عمله و ما اعتمده مشهور في تحيّله حتي ظفر بمسلم بن عقيل و قتله و بلغ الحسين عليه السّلام قتل مسلم، و ما إعتمده عبيد اللّه بن زياد و هو متجهز للخروج إلي الكوفة،فاجتمع به ذوو النصح له،و التجربة للامور،و أهل الديانة و المعرفة،كعبد اللّه بن عباس،و عمرو بن عبد الرحمن بن الحرث

ص: 124


1- انظر الفتوح:32/5،وقعة الطف لأبي مخنف:93،مقتل الخوارزمي:195،تاريخ الطبري 5:352 و فيه نحوا من ثلاثة و خمسين،فالظاهر أن الثلاثة تصحيف ل(المائه).
2- انظر الفتوح:33/5،مقتل أبي مخنف:16،الإرشاد 37/2 بنحوه.

المخزومي،و غيرهما و وردت عليه كتب أهل المدينة من عبد اللّه بن جعفر،و سعيد بن العاص (1)و جماعة كثيرين كلهم يشيرون عليه أن لا يتوجه إلي العراق و أن يقيم بمكة.

هذا كلّه و القضاء غالب علي أمره،و القدر آخذ بزمامه،فلم يكترث بما قيل له و لا بما كتب إليه،و تجهز و خرج من مكة يوم الثلاثاء و هو يوم التروية الثامن من ذي الحجة،و معه إثنان و ثمانون رجلا من أهله و شيعته و مواليه (2)،فسار فلما وصل إلي الشقوق (3)و إذا هو بالفرزدق الشاعر و قد وافاه هنالك،فسلّم عليه و دنا منه فقبّل يده فقال له الحسين عليه السّلام:(من أين أقبلت يا أبا فراس؟).

فقال:من الكوفة.

فقال عليه السّلام:(و كيف تركت أهل الكوفة).

قال:خلّفت قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أميّة،و قد قل الديّانون،و القضاء ينزل من السماء و اللّه يفعل في خلقه ما يشاء.و جري بينهما كلام تقدم ذكر طرف منه في آخر الفصل الثامن، ثم ودّعه الفرزدق في نفر من أصحابه و مضي يريد الكوفة.

فقال له ابن عم له من بني مجاشع:يا أبا فراس هذا الحسين بن علي.

فقال له الفرزدق:نعم،هذا الحسين بن علي و ابن فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هذا و اللّه ابن خيرة اللّه و أفضل من مشي علي الأرض،و قد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت وجه اللّه و الدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها.

فقال ابن عمه:إن رأيت أن تسمعنيها يا أبا فراس.

فقال:قلت فيه و في أمّه و أبيه و جدّه:

هذا الذي تعرف البطحاء و طأته و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا حسين رسول اللّه والده أمست بنور هداه تهتدي الامم

هذا ابن فاطمة الزهراء عترتها في جنة الخلد مجريا به القلم3.

ص: 125


1- تنص المصادر التاريخية أن خروجه عليه السّلام من مكة إلي العراق كان سنة 60 هجرية،و أن سعيد بن العاص قد توفي في قصره بالعرصه-علي ثلاثة أميال من المدينة-و دفن بالبقيع سنة 58 هجرية علي ما رواه ابن حجر في تهذيب التهذيب 49/4،و علي هذا فيكون الصحيح هو عمرو بن سعيد بن العاص الذي كان عامل يزيد ابن معاوية علي مكة،و هذا الأخير هو الذي كتب إلي الحسين عليه السّلام كتابا و بعثه مع أخيه يحيي بن سعيد بن العاص.
2- الفتوح:44/5-77،مقتل أبي مخنف:22-70،مقتل الخوارزمي:220/1.
3- الشقوق:منزل بطريق مكة بعد واقصة من الكوفة و بعدها.معجم البلدان:356/3.

إذا رأته قريش قال قائلها إلي مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

بكفه خيزران ريحه عبق بكف أروع في عرنينه شمم

يغضي حياء و يغضي من مهابته فلا يكلم إلاّ حين يبتسم

ينشق نور الدجي من نور غرته كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

منشقة من رسول اللّه نبعته طابت ارومته و الخيم و الشيم

من معشر حبهم دين و بغضهم كفر و قربهم ملجأ و معتصم

يستدفع الضر و البلوي بحبهم و يستقيم به الاحسان و النعم

إن عدّ أهل التقي كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع مجار بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و إن كرموا

بيوتهم في قريش يستضاء بها في النائبات و عند الحكم إن حكموا

فجده في قريش من أرومتها محمد و علي بعده علم

بدر له شاهد و الشعب من أحد و الخندقان و يوم الفتح قد علموا

و خيبر و حنين يشهدان له و في قريظة يوم صيلم قتم

مناقب قد علت أقدارها و نمت آثارها لم ينلها العرب و العجم (1)

و عن محمّد بن عليّ عليهما السّلام قال:لمّا همّ الحسين عليه السّلام بالخروج من المدينة اجتمعت نساء بني عبد المطّلب للنياحة فمنعهنّ الحسين عليه السّلام فقلن له:فلمن نستبقي النياحة و البكاء فهو عندنا كيوم مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة،و قالت له بعض عمّاته:يا حسين سمعت الجنّ ناحت لنوحك شعرا:

إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم أذلّ رقابا من قريش فذلّت

و روي عن عليّ بن الحسين عليه السّلام قال:خرجنا مع الحسين عليه السّلام فما نزل منزلا و لا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيي بن زكريا و قتله و قال يوما:و من هوان الدّنيا علي اللّه عزّ و جلّ أنّ رأس يحيي بن زكريا أهدي إلي بغي من بغايا بني إسرائيل (2).

عن الشعبي (3)،قال ابن سعد:و غير هؤلاء أيضا قد حدّثني في هذا الحديث بطائفة فكتبت3.

ص: 126


1- انظر:الفتوح 81/5 و لم ترد الأبيات الثلاثة الأخيرة.
2- مناقب آل أبي طالب:237/3.
3- بغية الطلب:2606/6 و سير الأعلام:293/3.

جوامع حديثهم في مقتل الحسين رحمة اللّه عليه و رضوانه و صلواته و بركاته،قالوا:لما بايع معاوية بن أبي سفيان الناس ليزيد بن معاوية،كان الحسين بن علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له،و كان أهل الكوفة يكتبون إلي الحسين بن[علي يدعونه]إلي الخروج إليهم في خلافة معاوية،كل ذلك يأبي،فقدم منهم قوم إلي محمد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبي،و جاء إلي الحسين فأخبره بما عرضوا عليه،و قال:إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا و يشيطوا دماءنا.

فأقام حسين علي ما هو عليه من الهموم،مرة يريد أن يسير إليهم و مرة يجمع الإقامة،فجاءه أبو سعيد الخدري،فقال:يا أبا عبد اللّه إني لكم ناصح و إني عليكم مشفق،و قد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلي الخروج إليهم،فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول بالكوفة:

و اللّه لقد مللتهم و أبغضتهم و ملّوني و أبغضوني،و ما بلوت منهم وفاء،و من فاز بهم فاز بالسهم الأخيب،و اللّه ما لهم ثبات و لا عزم أمر،و لا صبر علي السيف.

قال:و قدم المسيب بن نجبة الفزاري و عدة معه إلي الحسين بعد وفاة الحسن فدعوه إلي خلع معاوية،و قالوا:قد علمنا رأيك و رأي أخيك فقال:إني أرجو أن يعطي اللّه أخي علي نيته في حبه الكفّ،و أن يعطيني علي نيتي في حبي جهاد الظالمين.

و كتب مروان بن الحكم إلي معاوية:إني لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة،و أظن يومكم من حسين طويلا.

فكتب معاوية إلي الحسين:إنّ من أعطي اللّه صفقة يمينه و عهده لجدير بالوفاء،و قد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلي الشقاق،و أهل العراق من قد جرّبت،قد أفسدوا علي أبيك و أخيك،فاتّق اللّه،و اذكر الميثاق،فإنك متي تكدني أكدك.

فكتب إليه الحسين:أتاني كتابك و أنا بغير الذي بلغك عني جدير،و الحسنات لا يهدي لها إلاّ اللّه،و ما أردت لك محاربة و لا عليك خلافا،و ما أظن لي عند اللّه عذرا في ترك جهادك،و لا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة.

فقال معاوية:إن أثرنا بأبي عبد اللّه إلاّ أسدا.

و كتب إليه معاوية أيضا في بعض ما بلغه عنه:إني لأظن أن في رأسك فروة فوددت أني أدركها فأغفرها لك.

و عن نافع بن شيبة،قال:لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم فأخذ بخطام راحلته فأناخ به ثم سارّه حسين طويلا و انصرف،فزجر معاوية راحلته فقال له يزيد:لا يزال رجل قد عرض لك فأناخ بك؟قال:دعه لعله يطلبها من غيري فلا يسوغه فيقتله.

قالوا:و لما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية فأوصاه،بما أوصاه به،و قال له:انظر الحسين

ص: 127

بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فإنه أحب الناس إلي الناس فصل رحمه،و ارفق به يصلح لك أمر،فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه اللّه بمن قتل أباه و خذل أخاه.

و توفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين،و بايع الناس ليزيد.فكتب يزيد مع عبد اللّه بن عمرو بن إدريس العامري-عامر بن لؤي-إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان-و هو علي المدينة-:

أن ادع الناس فبايعهم و ابدأ بوجوه قريش،و ليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي،فإن أمير المؤمنين رحمه اللّه عهد إليّ في أمره الرفق به و استصلاحه.

فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلي الحسين بن علي و عبد اللّه بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية،و دعاهما إلي البيعة ليزيد،فقالا:نصبح فننظر ما يصنع الناس،فوثب الحسين فخرج و خرج معه ابن الزبير و هو يقول:هو يزيد الذي يعرف،و اللّه ما حدث له حزم و لا مروءة.

و قد كان الوليد أغلظ للحسين،فشتمه الحسين و أخذ بعمامته فنزعها من رأسه فقال الوليد:إن هجنا بأبي عبد اللّه إلاّ أسدا،فقال له مروان-أو بعض جلسائه-:أقتله،قال:إن ذلك لدم مضنون (1)في بني عبد مناف.

فلما صار الوليد إلي منزله قالت له امرأته أسماء ابنة عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام:

أسببت حسينا؟

قال:هو بدأ فسبّني،قالت:و إن سبّك حسين تسبّه؟و إن سبّ أباك تسبّ أباه؟قال:لا.

و خرج الحسين و عبد اللّه بن الزبير من ليلتهما إلي مكة،و أصبح الناس فغدوا علي البيعة ليزيد و طلب الحسين و ابن الزبير فلم يوجدا،فقال المسور بن مخرمة:عجّل أبو عبد اللّه و ابن الزبير الآن يلقيه و يزجيه إلي العراق ليخلوا بمكة.

فقدما مكة فنزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب و لزم ابن الزبير الحجر و لبس المعافري، و جعل يحرّض الناس علي بني أمية،و كان يغدو و يروح إلي الحسين و يشير عليه أن يقدم العراق و يقول:هم شيعتك و شيعة أبيك،فكان عبد اللّه بن عباس ينهاه عن ذلك و يقول:لا تفعل،و قال له عبد اللّه بن مطيع:أي فداك أبي و أمي متّعنا بنفسك و لا تسر إلي العراق،فو اللّه لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولا و عبيدا.

و لقيهما عبد اللّه بن عمر،و عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة بالأبواء (2)منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر:اذكركما اللّه إلاّ رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس،و تنظر فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا،و إن افترق عليه كان الذي تريدان.).

ص: 128


1- في سير الأعلام:لدم مصون.
2- قرية من أعمال المدينة بها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم(ياقوت).

و قال ابن عمر للحسين:لا تخرج فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خيّره اللّه بين الدنيا و الآخرة فاختار الآخرة،و إنك بضعة منه و لا تعاطها-يعني الدنيا-فاعتنقه و بكي،و ودعه.

فكان ابن عمر يقول:غلبنا الحسين بن علي بالخروج و لعمري لقد رأي في أبيه و أخيه عبرة، و رأي من الفتنة و خذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش،و أن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس،فإن الجماعة خير.

و قال له ابن عباس:أين تريد يا ابن فاطمة؟قال:العراق و شيعتي.فقال:إني لكاره لوجهك هذا،تخرج إلي قوم قتلوا أباك و طعنوا أخاك؟حتي تركهم سخطة و ملّة لهم.أذكرك اللّه أن تغرر بنفسك.

و قال أبو سعيد الخدري:غلبني الحسين بن علي علي الخروج،و قد قلت له:اتّق اللّه في نفسك.و الزم بيتك فلا تخرج علي إمامك.

و قال أبو واقد الليثي:بلغني خروج حسين فأدركته بملل (1)فناشدته اللّه أن لا يخرج،فإنه يخرج في غير وجه خروج،إنما يقتل نفسه،فقال:لا أرجع.

و قال جابر بن عبد اللّه:كلّمت حسينا فقلت:إتّق اللّه و لا تضرب الناس بعضهم ببعض،فو اللّه ما حمدتم ما صنعتم،فعصاني.

و قال سعيد بن المسيب:لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

و قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن:قد كان ينبغي للحسين أن يعرف أهل العراق و لا يخرج إليهم،ولكن شجعه علي ذلك ابن الزبير.

و كتب إليه المسور بن مخرمة:إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق،و يقول لك ابن الزبير:الحق بهم فإنهم ناصروك،إياك أن تبرح الحرم فإنهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون آباط الإبل حتي يوافوك فتخرج في قوة و عدة،فجزاه خيرا،و قال:أستخير اللّه في ذلك.

و كتبت إليه عمرة بنت عبد الرّحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع،و تأمره بالطاعة و لزوم الجماعة،و تخبره انه إنما يساق إلي مصرعه و تقول:أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«يقتل حسين بأرض بابل»فلما قرأ كتابها قال:فلا بد لي إذا من مصرعي و مضي (2).

و أتاه أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام،فقال:يا ابن عم إن الترحم نظارتي عليك و ما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟قال:يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولايتّهم فقل.6.

ص: 129


1- ملل:موضع في طريق مكة بين الحرمين،و هو منزل علي طريق المدينة إلي مكة علي ثمانية و عشرين ميلا من المدينة(ياقوت).
2- بغية الطلب:2609/6.

قال:قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك و أخيك،و أنت تريد أن تسير إليهم؟و هم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك،و يخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره فأذكّرك اللّه في نفسك.

فقال:جزاك اللّه يا ابن عم خيرا،فقد اجتهدت رأيك،و مهما يقضي اللّه من أمر يكن،فقال أبو بكر:إنا لله،عند اللّه نحتسب أبا عبد اللّه.

و كتب عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب إليه كتابا يحذّره أهل الكوفة،و يناشده اللّه أن يشخص إليهم،فكتب إليه الحسين:إني رأيت رؤيا و رأيت فيها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمرني بأمر أنا ماض له، و لست بمخبر بها أحدا حتي ألاقي عملي (1).

و كتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص:إني أسأل اللّه أن يلهمك رشدك،و أن يصرفك عما يرديك بلغني أنك قد اعتزمت علي الشخوص إلي العراق،فإني أعيذك باللّه من الشقاق،فإن كنت خائفا فأقبل إليّ فلك عندي الأمان و البر و الصلة.

فكتب إليه الحسين:إن كنت أردت بكتابك إليّ برّي وصلتي فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة، و إنه لم يشاقق من دعا إلي اللّه و عمل صالحا،و قال:إنني من المسلمين،و خير الأمان أمان اللّه، و لم يؤمن باللّه من لم يخفه في الدنيا،فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.

و كتب (2)يزيد بن معاوية إلي عبد اللّه بن عباس يخبره بخروج حسين إلي مكة و يحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة،و عندك منهم خبرة و تجربة،فإن كان فعل فقد قطع و اشج القرابة.و أنت كبير أهل بيتك و المنظور إليه،فاكففه عن السعي في الفرقة.

و كتب بهذه الأبيات إليه و إلي من بمكة و المدينة من قريش (3)

يا أيها الراكب الغادي مطيته علي غدافرة (4)في سيرها قحم

أبلغ قريشا علي نأي المزار بها بيني و بين حسين اللّه و الرحم

و موقف بفناء البيت أنشده عهد الإله و ما يوفي به الذمم

عنيتم قومكم فخرا بأمكم أمّ لعمري حصان برة كرم

هي التي لا يداني فضلها أحد بنت الرسول و خير الناس قد علموا

و فضلها لكم فضل و غيركم من قومكم لهم في فضلها قسم

إني لأعلم أو ظنّا كعالمه و الظنّ يصدق أحيانا فينتظم).

ص: 130


1- تاريخ الطبري:388/5 و سير الأعلام:297/3.
2- بغية الطلب:2610/6.
3- بغية الطلب:210/6.
4- ابن العديم:«عذافرة»و هي الناقة الصلبة القوية(النهاية).

أن سوف يترككم ما تدّعون بها قتلي تهاذاكم العقبان و الرخم

يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت و أمسكوا بحبال السلم و اعتصموا

قد غرّت الحرب ممن كان قبلكم من القرون و قد بادت بها الأمم

فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا فربّ ذي بذخ زلّت به القدم

قال:فكتب إليه عبد اللّه بن عباس:إني لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، و لست أدع النصيحة له في كلّ ما يجمع اللّه به الإلفة و تطفي به النائرة.

و دخل عبد اللّه بن عباس علي الحسين فكلّمه ليلا طويلا،و قال:أنشدك اللّه أن تهلك غدا بحال مضيعة لا تأتي العراق،و إن كنت لا بد فاعلا فأقم حيت ينقضي الموسم و تلقي الناس و تعلم علي ما يصدرون ثم تري رأيك-ذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين-فأبي الحسين أن لا يمضي إلي العراق،فقال له ابن عباس:و اللّه إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك و بناتك كما قتل عثمان بين نسائه و بناته.و اللّه إني أخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان،فإنا للّه و إنا إليه راجعون،فقال:أبا العباس،إنك شيخ قد كبرت.فقال ابن عباس:لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك،و لو أعلم أنا إذا تناصبنا أقمت لفعلت،ولكن لا أخال ذلك نافعي،فقال له الحسين:لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إلي أن تستحل بي-يعني مكة-قال:فبكي ابن عباس،و قال:أقررت عين ابن الزبير[و كان عباس يقول:]فذاك الذي سلاّ بنفسي عنه.

ثم خرج عبد اللّه بن عباس من عنده و هو مغضب و ابن الزبير علي الباب،فلما رآه قال:يا بن الزبير،قد أتي ما أحببت،قرّت عينك هذا أبو عبد اللّه يخرج و يتركك و الحجاز[ثم قال:] (1)

يا لك من قنبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي و اصفري

و نقّري ما شئت أن تنقّري

و بعث الحسين إلي المدينة فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب و هم تسعة عشر رجلا، و نساء و صبيان من إخوانه و بناته و نسائهم.

و تبعهم محمد بن الحنفية،فأدرك حسينا بمكة،و أعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبي الحسين أن يقبل،فحبس محمد بن علي ولده فلم يبعث معه أحدا منهم،حتي وجد حسين في نفسه علي محمد و قال:ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟فقال محمد:و ما حاجتي أن تصاب و يصابون معك،و إن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم.

و بعث أهل العراق إلي الحسين الرسل و الكتب يدعونه إليهم فخرج متوجها إلي العراق في أهل3.

ص: 131


1- بغية الطلب:2611/6،و سير الأعلام:297/3.

بيته و ستين (1)شيخا من أهل الكوفة،و ذلك يوم الإثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين.

فكتب مروان إلي عبيد اللّه بن زياد:أما بعد فإن الحسين بن علي قد توجه إليك و هو الحسين ابن فاطمة،و فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بالله ما أحد يسلمه اللّه أحبّ إلينا من الحسين،فإياك أن تهيّج علي نفسك مالا يسدّه شيء،و لا تنساه العامة،و لا تدع ذكره و السلام (2).

و كتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص:أما بعد فقد توجه إليك الحسين،و في مثلها تعتق أو تكون عبدا تسترق كما تسترق العبيد.

قال:عن عبد اللّه بن الزبير الحميدي،عن سفيان بن عيينة،حدّثني لبطة بن الفرزدق،و هو في الطواف و هو مع ابن شبرمة،قال:أخبرنا أبي،قال:خرجنا حجّاجا فلما كنا بالصفاح (3)إذا نحن بركب عليهم اليلامق (4)و معهم الدرق،فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن علي،فقلت:أي أبو عبد اللّه،قال:يا فرزدق ما وراءك؟قال:أنت أحبّ الناس إلي الناس،و القضاء في السماء،و السيوف مع بني أمية قال:ثم دخلنا مكة،فلما كنا بمني قلت له:لو أتينا عبد اللّه بن عمر فسألناه عن الحسين و عن مخرجه،فأتينا منزله بمني فإذا نحن بصبية له سود مولدين يلعبون،قلنا:أين أبوكم؟قالوا:في الفسطاط يتوضأ.فلم نلبث أن خرج علينا من فسطاطه،فسألناه عن حسين فقال:أما إنه لا يحيك فيه السلاح،قال:فقلت له:تقول هذا فيه و أنت الذي قاتلته و أباه،فسبّني و سببته.

ثم خرجنا حتي أتينا ماء لنا يقال له«تعشار»فجعل لا يمر بنا أحد إلاّ سألناه عن حسين،حتي مرّ بنا ركب فناديناهم:ما فعل الحسين بن علي؟قالوا:قتل،فقلت:فعل اللّه بعبد اللّه بن عمر و فعل (5).

قال سفيان:ذهب الفرزدق إلي غير المعني-أو قال:الوجه-إنما هو لا يحيك فيه السلاح:

لا يضره القتل مع ما قد سبق له.

و عن أبي بكر بن دريد،قال:لما استكف الناس بالحسين ركب فرسه ثم استنصت الناس فأنصتوا له،فحمد اللّه و أثني عليه،و صلي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا أحين استصرختمونا و لهين،فأصرخناكم موجفين،شحذتم علينا سيفا كان في أيماننا،و حششتم5.

ص: 132


1- في فتوح ابن الأعثم الكوفي:120/5 و معه اثنان و ثمانون رجلا من شيعته و أهل بيته.
2- الكتاب في فتوح ابن الأعثم:121/5 باختلاف بسيط و نسبه إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و ليس لمروان ابن الحكم.
3- الصفاح:موضع بين حنين و أنصاب الحرب علي يسرة الداخل إلي مكة من مشاش(ياقوت)و في ابن الأعثم:إنه لقيه بالشقوق.
4- اليلامق جمع يلمق و هو القباء المحشو و أصله بالفارسية يلمة.
5- بغية الطلب:3612/6-3613 و تاريخ الطبري:386/5 و ابن الأعثم الكوفي:124/5-125.

علينا نارا فقد حناها علي عدوكم و عدونا،فأصبحتم إلبا علي أوليائكم،و يدا عليهم لأعدائكم بغير عدل رأيتموه بثّوه فيكم و لا أصل أصبح لكم فيهم و من غير حدث كان منّا،و لا رأي يفيّل فينا (1)فهلا لكم الويلات إذ كرهتموها تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن (2)و الرأي لم يستخفّ ولكن استصرعتم إلينا طيرة الدبا (3)و تداعيتم إلينا كتداعي الفراش قيحا و حكة و هلوعا و ذلّة لطواغيت الأمة،و شذّاد الأحزاب و نبذة الكتاب،و غضبة الآثام،و بقية الشيطان،و محرّفي الكلام،و مطفئي السنن،و ملحقي العهرة بالنسب و أسف المؤمنين،و مزاح المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين لبئس ما قدمت لهم أنفسهم،أن سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون.

فهؤلاء تعضدون؟و عنّا تتخاذلون؟أجل و اللّه الخذل فيكم معروف،و شبحت عليه عروقكم و استأزرت عليه أصولكم فأفرعكم فكنتم أخبث ثمرة شجرة للناس،و آكلة لغاصب،ألا فلعنة اللّه علي الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها،و قد جعلوا اللّه عليهم كفيلا.

ألا و إن البغيّ قد ركن بين اثنتين بين السلة و الذلّة و هيهات منا الدنية،أبي اللّه ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و بطون طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية[أن]تؤثر مصارع الكرام علي ظئار اللئام.

ألا و إني زاحف بهذه الأسرة علي قلّة العدد و كثرة العدو و خذلة الناصر[ثم تمثل:]:

فإن نهزم فهزّامون قدما و إن نهزم فغير مهزّمينا

و ما إن طبّنا جبن ولكن منايانا و طعمة آخرينا

ألا ثم لا يلبثوا إلاّ ريث ما يركب فرس حتي تدار بكم دور الرّحي و يفلق بكم فلق المحور، و عهدا عهده النبي إلي أبي: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ (4)الآية،و الآية الاخري (5).

و قال الطبري في حديث إقبال الحسين بن علي إلي كربلاء و مجئ الحر مع قومه إليه في أثناء الطريق بإسناده عن عبد اللّه بن سليم و المذري المشمعل الأسديين:قالا:أقبل الحسين حتي نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتي انتصف النهار ثم إن رجلا قال:اللّه أكبر.

فقال الحسين:اللّه أكبر ما كبرت؟قال:رأيت النخل فقال له الأسديان:إن هذا المكان ما5.

ص: 133


1- يفيل-من باب التفعيل-:يصعف،يخطف،يقبح.
2- طامن:مطمئن و ساكن.
3- ولكنكم أسرعتم إلي بيعتنا كطيرة الدبا،و تهافتم إليها كتهافت الفراش فبعدا و سحقا لطواغيت الأمة.
4- سورة يونس،الآية:71.
5- بحار الأنوار:9/45.

رأينا به نخلة قط.قالا:فقال لنا الحسين فما تريانه رأي؟قلنا:نراه رأي هوادي الخيل.فقال:و أنا و اللّه أري ذلك،فقال الحسين أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد؟فقلنا له:بلي،هذا ذو حسم إلي جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد.

قال:فأخذ إليه ذات اليسار.قال:و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها و عدلنا فلما رأونا و قد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب و كأن راياتهم أجنحة الطير.

قال:فاستبقنا إلي ذي حسم فسبقناهم إليه فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة، و الحسين و أصحابه معتمون متقلدو أسيافهم.فقال الحسين لفتيانه أسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا و قام فتية و سقوا القوم من الماء حتي أرووهم،و أقبلوا يملأون القصاع و الأتوار و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتي سقوا الخيل كلها.

توبة الحر

ثم قال:قال علي بن الطعان المحاربي:كنت مع الحر بن يزيد فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأي الحسين ما بي و بفرسي من العطش قال:أنخ الراوية و الراوية عندي السقاء ثم قال:يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته فقال:إشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين أخنث السقاء أي أعطفه قال:فجعلت لا أدري كيف أفعل قال:فقام الحسين فخنثه فشربت و سقيت فرسي (1).

***

خروج الحسين عليه السّلام إلي مقتل مسلم

قال الشيخ المفيد رحمه اللّه:ثمّ سار الحسين عليه السّلام إلي مكّة و هو يقرأ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ،فقال له أهل بيته:لو انحرفت عن الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب.

فقال:لا و اللّه لا أفارقه حتّي يقضي اللّه ما هو قاض و دخل مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان و هو يقرأ وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسي رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ .

ص: 134


1- معالم المدرستين:70/3.

فنزلها و جعل أهلها يختلفون إليه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين عليه السّلام و خروجه إلي مكّة فاجتمعوا بالكوفة في منزل سليمان الخزاعي فقال سليمان:إنّ معاوية هلك و أنّ الحسين خرج إلي مكّة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه فاكتبوا إليه و إلاّ فلا تغرّوا الرجل،فقالوا:بل نقتل أنفسنا دونه، فكتبوا إليه و كان فيما كتبوا:إنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ اللّه أن يجمعنا بك علي الحقّ،و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلي عيد و لو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّي نلحقه بالشام.فأرسلوا إليه إلي مكة مائة و خمسين كتابا و هو مع ذلك يأبي و لا يجيبهم حتّي ورد عليه في يوم ستّمائة كتاب و تواترت الكتب فاجتمع في نوب متفرقه إثنا عشر ألف كتاب ثمّ كتبوا إليه؛أمّا بعد فقد اخضرّ الجناب و أينعت الثمار فأقبل علي جند لك مجنّدة و السلام.

فتلاقت الرّسل كلّها عنده فكتب إليهم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي الملأ من المؤمنين و المسلمين،أمّا بعد فإنّ هانيا و سعيدا قدما عليّ بكتبكم و قد فهمت الذي ذكرتم إلي أن قال:و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمّي مسلم بن عقيل فإن كتب إلي أنّه قد اجتمع رأي ملأكم علي مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم و شيكا إن شاء اللّه فدعي الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس الصيداوي و جماعة فإنّ رأي الناس مجتمعين كتب إليه بذلك فأقبل مسلم حتّي أتي المدينة فودّع أهله و سار و استأجر دليلين فأقبلا يتنكّبان به الطريق فضلاّ عن الطريق و مات الدليلان عطشا فكتب إلي الحسين عليه السّلام إنّي تطيرت من توجّهي هذا يعني بموت الدليلين فإن رأيت أعفيتني و بعثت غيري، فكتب إليه الحسين عليه السّلام خشيت أن لا يكون حملك علي الإستعفاء إلاّ الجبن فامض لوجهك الذي وجّهتك فيه و السلام،فمضي مسلم فمرّ برجل رمي ظبيا فصرعه فقال مسلم:نقتل عدوّنا إن شاء اللّه فأتي حتّي دخل الكوفة فنزل في دار المختار و أقبلت الشيعة تختلف إليه فقرأ عليهم كتاب الحسين عليه السّلام و هم يبكون و بايعه منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم إلي الحسين عليه السّلام يأمره بالقدوم فبلغ النعمان بن بشير تردّد الشيعة علي مسلم و كان واليا علي الكوفة من قبل معاوية و يزيد فصعد المنبر و خطب الناس و قال:إنّكم نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم و أنا لا أتحرّش بكم و لا آخذ بالظنّة و لا التهمة.

فقام إليه عبد اللّه بن مسلم الأموي و قال له:رأيك هذا رأي المستضعفين فخرج عبد اللّه و كتب إلي يزيد:أمّا بعد فإنّ مسلم بن عقيل دخل الكوفة و بايعه الشيعة للحسين بن عليّ فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا مثلك يعمل في الأعداء،و كتب إليه عمر بن سعد مثل ذلك فكتب إلي عبيد اللّه بن زياد و كان واليا علي البصرة فضمّ إليه المصرين البصرة و الكوفة و أن يقتل مسلم بن عقيل أو يبعثه مقيّدا،فلمّا أتاه الكتاب خرج إلي الكوفة و استخلف علي البصرة أخاه عثمان

ص: 135

فلمّا أشرف علي الكوفة نزل حتّي أمسي ليلا فظنّ أهلها أنّه الحسين فتصايحوا و قالوا:إنّا معك أكثر من أربعين ألفا و ازدحموا عليه فحسر اللثام و قال:أنا عبيد اللّه.

فرجع القوم و دخل قصر الإمارة،فلمّا صبح قام خاطبا و عليهم عاتبا و قال:يا أهل الكوفة إنّ يزيد ولاّني بلدكم و استعملني علي مصركم فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي يعني مسلم مقالتي ليتّقي غضبي،فلمّا سمع مسلم بدخول ابن زياد الكوفة خرج من دار المختار إلي دار هاني فأخذت الشيعة تختلف عليه خفية من يزيد فدعي ابن زياد مولاه معقل فقال:خذ ثلاثة آلاف درهم و اطلب مسلم بن عقيل و أصحابه فإذا ظفرت بواحد منهم فأعطه الدراهم و قل استعينوا بها علي حرب عدوّكم و أعلمهم أنّك منهم حتّي تعرف مستقرّ مسلم ففعل ذلك جاء إلي ابن عوسجة في المسجد و قال:يا عبد اللّه أنا رجل من أهل الشام أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل البيت و تباكي و قال:معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه فكنت أريد لقاءه و لا أعرف مكانه و إنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت و أنا جئتك لتدخلني علي صاحبك فإنّي أخ من إخوانك و إن شئت أخذت بيعتي له قبل لقاءه.

فقال ابن عوسجة:الحمد للّه علي لقائك فقد سرّني ذلك لينصر اللّه بك أهل بيت نبيّه فأخذ عليه الأيمان المغلّظة و أدخله علي مسلم فقبض المال منه و أخذ البيعة عليه فدخل معقل و خرج حتّي فهم ما احتاج إليه ابن زياد و كان يخبره وقتا وقتا و خاف هاني بن عروة عبيد اللّه علي نفسه فانقطع عن حضور مجلسه و تمارض فقال ابن زياد لجلسائه:ما لي لا أري هانيا؟

قالوا:هو شاك.

فقال:لو علمت بمرضه لعدته و دعا جماعة منهم أسماء بن خارجة فقال:ما يمنع هانيا من إتياننا و أخبروني أنّه برئ من مرضه و هو يجلس علي باب داره فأتوه و هو جالس و قالوا؛ما يمنعك من لقاء الأمير و قد استبطأك فأقسمنا عليك لما ركبت معنا فركب معهم حتّي إذا دنا من القصر كأنّ نفسه أحسّت بالذي كان،فلمّا دخل علي عبيد اللّه بن زياد قال عبيد اللّه:أتتك بخائن رجلاه فلمّا جلس قال له:يا هاني ما هذه الامور التي في دارك لأمير المؤمنين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال؟

قال:ليس مسلم عندي فدعي ابن زياد معقلا فوقف بين يديه و قال:أتعرف هذا؟

قال:نعم و علم هاني أنّه كان عينا عليهم أتاه بأخبارهم فقال:و اللّه ما دعوته إلي منزلي لكنّه جاء إلي منزلي فاستحيت من ردّه و الآن آمره أن يخرج من داري إلي حيث شاء فاخرج من ذمامه و جواره فقال ابن زياد:لا تفارقني حتّي تأتيني به،قال:لا و اللّه لا أجيئك بضيفي تقتله،فقال:

لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك.

ص: 136

فقال هاني:إذا و اللّه تكثر البارقة حول دارك و هو يظنّ أنّ عشيرته يسمعون فأدني و ضرب وجهه بالقضيب حتّي كسر أنفه و سالت الدماء علي وجهه و لحيته فجرّوه و ألقوه في بيت من بيوت الدار.

و بلغ عمرو بن الحجّاج أنّ هانيا قتل فأقبل في مذحج حتّي أحاط بالقصر و نادي هذه فرسان مذحج بلغهم أنّ صاحبهم قتل،فقال ابن زياد لشريح القاضي:أدخل علي صاحبهم فانظر إليه ثمّ اخرج و أعلمهم أنّه حيّ لم يقتل فدخل و نظر إليه أنّه حيّ و خرج و أخبرهم أنّه حيّ.

فقالوا:أمّا إذا لم يقتل فالحمد للّه ثمّ انصرفوا،و خرج ابن زياد و صعد المنبر و قال:أيّها الناس اعتصموا بطاعة اللّه و طاعة أئمّتكم و لا تفرّقوا فتهلكوا فنزل و دخل القصر و جاء الخبر إلي مسلم فجمع أصحابه و ملأوا المسجد و الأسواق و لم يبق مع ابن زياد إلاّ جماعة قليلة فأمر ابن زياد محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه فيسير في الكوفة فيخذّل الناس عن مسلم و يخوّفهم عقوبة السلطان،فأقبل إليه خلق كثير أطاعوه و دخلوا علي ابن زياد ثمّ صار الناس يتفرّقون عن مسلم حتّي أمسي و صلّي المغرب و ما معه إلاّ ثلاثون نفسا في المسجد فخرج إلي أبواب كندة،فلمّا خرج من الباب لم يبق معه إنسان يدلّه علي الطريق فمضي في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب فمضي إلي باب امرأة يقال لها طوعة أمّ ولد كانت للأشعث ابن قيس و أعتقها و تزوّجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس و أمّه قائمة تنتظره فسلّم عليها مسلم و قال لها:يا أمة اللّه اسقيني ماء فسقته و جلس.

فقالت له:يا عبد اللّه اذهب إلي أهلك قالت له ثلاثا فقال:و اللّه ما لي في هذا المصر أهل و لا عشيرة و أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم و غرّوني.

فقالت:أنت مسلم ادخل فدخل إلي بيت من بيوت دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء و لم يتعش فجاء ابنها و رآها تكثر الدخول في البيت فقال لها:إنّ لك لشأنا.

قالت:يا بني اقبل علي شأنك و لا تسألني عن شيء فألحّ عليها فأخذت عليه الأيمان و حلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت.

و أخبر ابن زياد بتفرّق الناس عن مسلم ففتح باب القصر بعد أن كان خائفا و صلّي في المسجد مع أصحابه و قد امتلأ المسجد من الرّجال،فلمّا فرغ من صلاته صعد المنبر و قال:برئت الذمّة من رجل وجدنا ابن عقيل في داره و من جاء به فله ديته فنزل و لمّا أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلي عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل من أمّه فأقبل عبد الرحمن حتّي أتي أباه و هو عند ابن زياد فأخبره فقال له ابن زياد فأتني به الساعة فقام و بعث معه خيلا و رجالا،فلمّا سمع مسلم وقع حوافر الخيل علم أنّه قد أتي فخرج إليهم بسيفه حتّي أخرجهم من الدار ثمّ عادوا إليه فقاتلهم قتالا شديدا و قتل منهم خلقا كثيرا فأشرفوا عليه من فوق البيوت يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطناب القصب و يرمونها عليه فخرج

ص: 137

عليهم مصلتا سيفه فناداه محمّد بن الأشعث:لك الأمان لا تقتل نفسك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فأسند ظهره إلي جنب تلك الدار فأعاد عليه ابن الأشعث لك الأمان فآمنوه كلّهم فأتي ببغلة فحمل عليها و نزعوا سيفه فكأنّه عند ذلك يئس من نفسه،فبكي فقيل له:ممّ بكاؤك؟

فقال:ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي و لكنّي أبكي لأهلي المقبلين إنّي أبكي للحسين و آل الحسين فقال لمحمّد بن الأشعث:هل تستطيع أن تبعث من عندك رجلا علي لساني أن يبلغ حسينا فإنّي لا أراه إلاّ و قد خرج و يقول له إنّ ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في يد القوم لا يري أنّه يمسي حتّي يقتل و هو يقول لك إرجع فداك أبي و أمّي بأهل بيتك و لا يغرّونك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّي فراقهم بالموت أو القتل.

و في رواية ابن شهر آشوب أنّ ابن زياد أرسل محمّد بن الأشعث و معه سبعون رجلا إلي مسلم حتّي أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم و هو يقول شعرا:

هو الموت فاصنع و يك ما أنت صانع فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع

فصبر لأمر اللّه جلّ جلاله فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع

فقتل منهم واحدا و أربعين رجلا و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلي ابن الأشعث:إنّا بعثناك إلي رجل واحد لتأتينا به فقتل من أصحابك مقتلة عظيمة فكيف إذا أرسلناك إلي غيره فأرسل إليه:أيّها الأمير أتظنّ أنّك أرسلتني إلي بقّال من بقّالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة أولم تعلم أيّها الأمير إنّك بعثتني إلي أسد ضرغام و سيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام،فأرسل إليه ابن زياد:أن اعطه الأمان فإنّك لا تقدر عليه إلاّ به و لقد كان مسلم من قوّته أنّه يأخذ الرجل بيده فيمري به فوق البيت.

و قال الشيخ المفيد طاب ثراه:و أقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلي باب القصر و كان مسلم عطشانا و علي باب القصر ناس جلوس و إذا قلّة باردة موضوعة علي الباب فقال:اسقوني من هذا الماء.

فقال مسلم بن عمر:لا تذوق منها أبدا حتّي تذوق الحميم في نار جهنّم.

فقال له مسلم بن عقيل:و يحك ما أقسي قلبك أنت أولي بالحميم و الخلود في نار جهنّم و بعث عمرو بن حريث فأتي بقدح من ماء فقال له:إشرب،فلمّا وضعه علي فمه إمتلأ القدح دما فعل هذا مرّتين فلمّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح،فقال:الحمد للّه لو كان من الرزق المقسوم لشربته فأدخل إلي ابن زياد و لم يسلّم عليه بالإمارة فقال له ابن زياد:لعمري لتقتلنّ.

قال:فدعني أوصي إلي بعض قومي،فقال:افعل،فنظر إلي عمر بن سعد فقال:إنّ بيني و بينك قرابة ولي إليك حاجة و هي سرّ فقام معه فقال:إنّ عليّ بالكوفة دينا و هو سبعمائة درهم فبع

ص: 138

سيفي و درعي فاقضها عنّي و إذا قتلت فاستوهب جثّتي من ابن زياد و ادفنها و ابعث إلي الحسين من يردّه فإنّي كتبت إليه بالمجيء فأتي ابن سعد إلي ابن زياد و أخبره بقول مسلم.

فقال ابن زياد:لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن أمّا ماله فهو له،و أمّا جثّته فاصنع بها ما شئت،و أمّا حسين فإنّه إن لم يردنا لم نرده.

ثمّ قال ابن زياد:إصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده فصعد به بكير بن حمران و هو يستغفر اللّه و يصلّي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فضرب عنقه و نزل مذعورا فقال له ابن زياد ما شأنك؟

فقال:أيّها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا أسود عاضّا شفتيه ففزعت و أمر ابن زياد بأن يخرج هاني إلي السوق و يضرب عنقه فأخرج إلي سوق الغنم و ضرب عنقه،و في قتل مسلم و هاني يقول ابن الزبير الأسدي شعر:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلي هاني في السوق و ابن عقيل

إلي بطل قد هشّم السيف وجهه و آخر يهوي من جدار قتيل

فتي كان أحيا من فتاة حبيبة و أقطع من ذي شفرتين صقيل

ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأس مسلم و هاني إلي يزيد لعنه اللّه ثمّ كتب إليه يزيد:أمّا بعد فقد بلغني أنّ حسينا قد توجّه نحو العراق فضع المناظر و احترس و اقتل علي التهمة و اكتب إليّ في كلّ يوم ما يحدث (1).

***

في مصرعه و مقتله عليه السّلام

قيل أنّ الحسين عليه السّلام سار علي مرحلتين من الكوفة،فوافاه إنسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي و معه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح،فقال للحسين عليه السّلام:إنّ الأمير عبيد اللّه بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه و أنا و اللّه كاره أن يبتليني اللّه بشيء من أمرك،غير أنّي قد أخذت بيعة القوم.

فقال له الحسين عليه السّلام:(إنّي لم أقدم هذا البلد حتي أتتني كتب أهله و قدمت عليّ رسلهم يطلبونني و أنتم من أهل الكوفة فإن دمتم علي بيعتكم و قولكم فيّ و كتبكم دخلت مصركم و إلاّ انصرفت من حيث أتيت).

ص: 139


1- العوالم:209 ح 4.

فقال له الحر:و اللّه ما أعلم هذه الكتب،و لا الرسل و أنا فما يمكنني الرجوع إلي الكوفة في وقتي هذا،فخذ طريقا غير هذا و ارجع فيه حيث شئت،لأكتب إلي ابن زياد أنّ الحسين خالفني فلم أقدر عليه،و أنشدك اللّه في نفسك.

فسلك الحسين طريقا آخر راجعا إلي جهة الحجاز غير الجادة،و سار و أصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين عليه السّلام و إذا قد ظهر الحر و جيشه فقال له الحسين عليه السّلام:(ما وراءك يابن يزيد؟).

فقال:وافاني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك و قد سيّر من هو معي،و هو عين عليّ و لا سبيل إلي مفارقتك أو نقدم بك عليه.و طال الكلام بينهما فرحل الحسين عليه السّلام و أهله و أصحابه و نزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس علي ما قيل الثاني من المحرم.

فقال عليه السّلام:(هذه كربلاء موضع كرب و بلاء،هذا مناخ ركابنا،و محط رحالنا،و مقتل رجالنا).

فنزل القوم و حطوا الأثقال،و نزل الحر بجيشه قبالة الحسين عليه السّلام،ثم كتب إلي عبيد اللّه بنزول الحسين بأرض كربلاء،فكتب عبيد اللّه كتابا إلي الحسين عليه السّلام:

أما بعد،فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء و قد كتب إليّ يزيد بن معاوية أن لا أتوسد الوثير، و لا أشبع من الخمير،حتي ألحقك باللطيف الخبير،أو ترجع إلي حكمي و حكم يزيد بن معاوية و السلام.

فلمّا ورد الكتاب علي الحسين عليه السّلام و قرأه ألقاه من يده،و قال للرسول:(ما له عندي جواب).

فرجع الرسول فأخبر ابن زياد فاشتد غضبه،و جمع الناس و جهّز العساكر و سيّر مقدمها عمر بن سعد-و كان قد ولاّه الري و أعمالها و كتب له بها-فاستعفي من خروجه معه إلي قتال الحسين.

فقال له ابن زياد:إمّا أن تخرج و إمّا تعيد إلينا كتابنا بتوليتك الري و أعمالها و تقعد في بيتك.

فاختار ولاية الري،و طلع إلي قتال الحسين عليه السّلام بالعسكر،فما زال عبيد اللّه يجهّز مقدما و معه طائفة من الناس إلي أن إجتمع عند عمر بن سعد إثنان و عشرون ألفا ما بين فارس و راجل.

و أول من خرج إلي عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في أربعة آلاف فارس،ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتي نزلوا شاطيء الفرات،و حالوا بين الماء و بين الحسين و أصحابه،ثم كتب عبيد اللّه كتابا إلي عمر بن سعد يحثه علي مناجزة الحسين عليه السّلام،فعندها ضيّق الأمر عليهم، و إشتدّ بهم العطش،فقال إنسان من أصحاب الحسين عليه السّلام يقال له يزيد بن حصين الهمداني-و كان زاهدا-للحسين عليه السّلام:إئذن لي يابن رسول اللّه لآتي إلي ابن سعد فأكلمه في أمر الماء عساه يرتدع.

فقال له عليه السّلام:(ذلك إليك).

فجاء الهمداني إلي عمر بن سعد فدخل عليه و لم يسلّم.

ص: 140

قال:يا أخا همدان ما منعك من السلام عليّ،ألست مسلما أعرف اللّه و رسوله!

فقال له الهمداني:لو كنت مسلما كما تقول لمّا خرجت إلي عترة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تريد قتلهم، و بعد فهذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد و خنازيرها و هذا الحسين بن علي و إخوته و نساؤه و أهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم و بين ماء الفرات أن يشربوه،و تزعم أنّك تعرف اللّه و رسوله.

فأطرق عمر بن سعد ثم قال:و اللّه يا أخا همدان إني لأعلم حرمة أذاهم و لكن:

دعاني عبيد اللّه من دون قومه إلي خطة فيها خرجت لحين

فو اللّه ما أدري و إنّي لواقف علي خطر لا أرتضيه و مين

أأترك (1)ملك الري و الري رغبتي أم أرجع مطلوبا بقتل (2)حسين

و في قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عين

يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلي ترك الري لغيري.

فرجع يزيد بن حصين الهمداني فقال للحسين عليه السّلام:يابن رسول اللّه إنّ عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بولاية الري.فلمّا تيقّن الحسين أنّ القوم مقاتلوه،أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق و جعلوها جهة واحدة يكون القتال منها،و ركب عسكر بن سعد و أحدقوا بالحسين و اقتتلوا (3)و لم يزل يقتل من أهل الحسين و أصحابه واحدا واحدا إلي أن قتل من أهله و أصحابه ما ينيف علي خمسين رجلا فعند ذلك ضرب الحسين بيده الخيمة (4)و صاح:(أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه).

و إذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل علي فرسه إليه و قال:يابن رسول اللّه إنّي كنت أول من خرج عليك و أنا الآن في حزبك،فمرني لأكون أول مقتول في نصرتك،لعلّي أنال شفاعة جدك غدا.

ثم كرّ علي عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتي قتل و التحم القتال حتي قتل أصحاب الحسين عليه السّلام بأسرهم،و ولده و أخوته و بنو عمه و بقي وحده و بارز بنفسه إلي أن أثخنته الجراحات، و السهام تأخذه من كل جانب و الشمر في قبيلة عظيمة يقاتله.

ثم حال بينه عليه السّلام و بين رحله و حرمه فصاح الحسين عليه السّلام(ويلكم يا شيعة الشيطان (5)إن لم يكن لكم دين و لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا و ارجعوا إلي أحسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون،أنان.

ص: 141


1- في رواية:أأخذ.
2- في نسخة:بدم.
3- في نسخة:و قتلوا.
4- في نسخة:إلي لحيته.
5- في بعض المصادر:آل سفيان.

الذي أقاتلكم فكفوا سفهاءكم و جهّالكم عن التعرض لحرمي،فإنّ النساء لم تقاتلكم).

فقال الشمر لأصحابه:كفوا عن النساء و حرم الرجل و اقصدوه في نفسه،ثم صاح الشمر بأصحابه و قال:ويلكم ما تنتظرون بالرجل و قد أثخنته السهام و توالت عليه الرماح و السهام.

فسقط علي الأرض فوقف عليه عمر بن سعد و قال لأصحابه:إنزلوا و حزوا رأسه.

فنزل إليه نصر بن خرشبه الضبابي(لعنه اللّه)ثم جعل يضرب بسيفه في مذبح الحسين،فغضب عليه عمر بن سعد و قال لرجل عن يمينه:و يحك إنزل إلي الحسين فأرحه.

فنزل إليه خولي بن يزيد(في النار خلده اللّه) (1)فاحتز رأسه،ثم سلبوه و دخلوا علي حرمه فاستلبوا بزتهن ثم إنّ عمر بن سعد أرسل بالرأس إلي ابن زياد مع بشر بن مالك (2)،فلما وضع الرأس بين يدي عبيد اللّه قال:

إملأ ركابي فضة و ذهبا فقد قتلت الملك المحجبا

و من يصلي القبلتين في الصبا و خيرهم إذ يذكرون النسبا

قتلت خير الناس أما و أبا

فغضب عبيد اللّه بن زياد من قوله ثم قال (3):إذا علمت أنّه كذلك فلم قتلته؟و اللّه لا نلت منّي خيرا و لألحقنك به،ثم قدّمه و ضرب عنقه.

ثم إنّ القوم إستاقوا الحرم كما تساق الأساري حتي أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون و يبكون و ينوحون،و كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام و قد أنهكه المرض فجعل يقول:(ألا إنّ هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا فمن قتلنا!)

و كان اليوم الذي قتل فيه عليه السّلام قيل (4):يوم الجمعة،و هو يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدي و ستين للهجرة (5)و دفن بالطف بأرض كربلاء من العراق،و مشهده عليه السّلام به معروف يزار من الجهات و الآفاق.

و هذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح (6)،فهي مضافة إليه و عهدتها لمن أراد أن يتبعها عند مطالعتها عليه.فهذا تلخيص ما تلقّته الأذهان و العقول،مما أهداه إليها المروي و المنقول،6.

ص: 142


1- في بعض المصادر:لعنه اللّه.
2- اختلفت المصادر في تسميته فيذكرونه مرة ببكر بن مالك و أخري بسنان بن أنس و اختلفوا في الأخير بأنه أنشدها عند باب عمر بن سعد،و أخري بين يدي ابن زياد فضرب عنقه.
3- في نسخة زيادة:له.
4- في نسخة:قتل.
5- تاريخ ابن الخشاب:176،مقاتل الطالبيين:78،الاستيعاب:378/1،صفة الصفوة:763/1.
6- الفتوح لابن أعثم:85/5-139،و كذا الأخبار الطوال:249-256.

و قد ألبس العقول (1)ثوب حداد ما لصبغة سواده فصول،و علي الجملة فأقول:

ألا أيّها العادون إنّ إمامكم مقام سؤال و الرسول سؤول

و موقف حكم و الخصوم محمد و فاطمة الزهراء و هي ثكول

و إن عليّا في الخصام مؤيد له الحق فيما يدّعي و يقول

فماذا تردون الجواب عليهم و ليس إلي ترك الجواب سبيل

و قد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم و وزر الذي أحدثتموه ثقيل

و لا يرتجي في ذلك اليوم شافع سوي خصمكم و الشرح فيه يطول

و من كان في الحشر الرسول خصيمه فإنّ له نار الجحيم مقيل

و كان عليكم واجبا في إعتمادكم رعايتهم إن تحسنوا و تنيلوا

فإنّهم آل النبي و أهله و نهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الوري مستنيرة لها غرر مجلوة و حجول

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها نمتها فروع قد زكت و أصول

مناقب من خلق النبي و خلقه ظهرن فما يغتالهن أفول (2)

و لمّا وصل القلم في ميدان البيان إلي هذا المقام،أبدت الأيام من المام الآلام ما منع من إتمام المرام علي أتم الأقسام،و لم ير حزم نظام الكلام دون موقف الإختتام،فاختصر مضمون الأبواب و اقتصر منه علي اللباب،و قصر من إطناب الأطناب،و قصر إسهاب الإستهاب،فجاء محصول فصوله ملخصا (3)من تطويل مبانيه إقتصارا يتسغني بمحصله عن النهاية فيه،و إرشادا يكتفي بمختصره عن بسيطه و حاويه (4).

***

تفصيل مقتل الحسين عليه السّلام و ما لحقه بعد ذلك

قال الشيخ المفيد طاب ثراه:و كان خروج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجّة سنة ستّين و قتله يوم الأربعاء لتسع خلون من يوم عرفة و كان توجّه الحسين عليه السّلام من مكّة إلي العراق يوم التروية بعد أن أقام بمكّة بقيّة شعبان و رمضان و شوّال و ذي القعدة و ثمان من ذي

ص: 143


1- في كشف الغمة:القلوب.
2- انظر الغدير 5:417.
3- في كشف الغمة:في معانيه و مدلول أصوله مخلصا.
4- كشف الغمة:264/2.

الحجّة و كان قد اجتمع عليه بمقامه بمكّة جماعة من أهل الأمصار فطاف بالبيت و سعي و أحلّ و جعلها عمرة لأنّه لم يتمكّن من إتمام الحجّ لأنّه خاف أن يقبض عليه فينفذ إلي يزيد بن معاوية.

و عن الواقدي و زرارة بن صالح قالا:لقينا الحسين قبل خروجه إلي العراق بثلاثة أيّام فأخبرناه أنّ أهل الكوفة قلوبهم معه و سيوفهم عليه فأومي بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة فقال:لو لا حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء و لكن أعلم أنّ هناك مصرعي و مصرع أصحابي و لا ينجو منهم إلاّ ولدي عليّ.

و روي أنّه لحقه عبد اللّه بن العبّاس فأشار عليه بالإمساك عن السير إلي العراق فقال له:إنّ رسول اللّه أمرني بأمر و أنا ماض فيه فخرج ابن عبّاس يقول:و احسيناه ثمّ جاء عبد اللّه بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال و حذّره من القتل و القتال فقال:يا أبا عبد اللّه أما علمت أنّ من هوان الدّنيا علي اللّه تعالي أنّ رأس يحيي بن زكريا أهدي إلي بغي من بغايا بني إسرائيل،أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس سبعين نبيّا ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجّل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، اتّق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدع نصرتي.

و روي أنّه صلوات اللّه عليه لمّا عزم علي الخروج إلي العراق قام خطيبا فقال:الحمد للّه و ما شاء اللّه و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه و صلّي اللّه علي رسوله و سلّم؛خطّ الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة و ما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأنّي بأوصالي تقطّعها ذئاب الفلوات بين النواويس و كربلا فيملأن مني كراشا،لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي اللّه رضانا أهل البيت نصبر علي بلائه و يوفينا أجور الصابرين،من كان فينا باذلا مهجته موطنا علي لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل غدا إن شاء اللّه تعالي.ثمّ سار حتّي بلغ التنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية من عامل اليمن إلي يزيد بن معاوية و عليها الورس و الحلل فأخذها صلوات اللّه عليه لأنّ حكم أمور المسلمين إليه فسار حتّي بلغ ذات عرق رأي الفرزدق الشاعر فسأله عن أهلها فقال:خلّفت القلوب معك و السيوف مع بني أميّة.

فقال:صدقت إنّ اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،ثمّ سار حتّي نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثمّ استيقظ فقال:قد رأيت هاتفا يقول:أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلي الجنّة فقال له ابنه عليّ:يا أبه فلسنا علي الحقّ؟

فقال:بلي يا بني فقال:يا أبه إذا لا نبالي بالموت،فقال:جزاك اللّه يا بني خير ما جزي ولدا عن والد.

و اتّصل الخبر بالوليد بن عتبة أنّ الحسين قصد العراق فكتب إلي ابن زياد:أمّا بعد فإنّ الحسين قد توجّه إلي العراق و هو ابن فاطمة بنت رسول اللّه فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج

ص: 144

علي نفسك و قومك أمرا في هذه الدّنيا لا تنساه الخاصّة و العامّة أبدا ما دامت الدّنيا فلم يلتفت ابن زياد إلي كتابه.

و عن الطرماح بن حكم قال:لقيت الحسين عليه السّلام في الطريق فقلت:لا يغرّنك أهل الكوفة فو اللّه إن دخلتها لتقتلن فإن كنت مجمعا علي الحرب فانزل آجا فإنّه جبل منيع و قومي ينصرونك ما أقمت بينهم،فقال:إنّ بيني و بين القوم موعدا أكره أن أخلفهم فإن يدفع اللّه عنّا فقديما ما أنعم علينا و كفي و إن يكن ما لا بدّ منه ففوز و شهادة إن شاء اللّه ثمّ حملت الطعام إلي أهلي و أوصيتهم بأمورهم و خرجت أريد الحسين فلقيني سماعة بن يزيد فأخبرني بقتله و رجعت.

و حدّث جماعة من فزارة قالوا:كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة و نحن نساير الحسين فإذا نزل في جانب نزلنا في جانب آخر فبينا نحن نتغدّي من طعام إذ أقبل رسول الحسين عليه السّلام فقال:

يا زهير بن القين إنّ أبا عبد اللّه الحسين بعثني إليك لتأتيه فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده فقالت له امرأته:سبحان اللّه يبعث إليك ابن رسول اللّه ثمّ لا تأتيه فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه و رحله فحوّل إلي الحسين ثمّ قال لامرأته:أنت طالق و الحقي بأهلك فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خيرا و قد عزمت علي صحبة الحسين لأفديه بروحي ثمّ سلّمها إلي بعض بني عمّها ليوصلها إلي أهلها فقامت إليه و بكت و ودّعته و قالت:خار اللّه لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السّلام (1).

و قال الشيخ المفيد:ثمّ قال زهير لأصحابه:من أحبّ منكم أن يتبعني و إلاّ فهو آخر العهد، إنّي سأحدّثكم حديثا؛غزونا البحر ثمّ فتح اللّه علينا و أصبنا غنائم فقال لنا سلمان:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم؟قلنا:نعم،فقال:إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه ممّا أصبتم من الغنائم،فأمّا أنا فأستودعكم اللّه،و كان مع الحسين عليه السّلام حتّي قتل معه،و لمّا نزل الخزيمة بات بها ليلة،فلمّا أصبح أقبلت إليه أخته زينب فقالت:يا أخي سمعت البارحة هاتفا يقول شعرا:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد و من يبكي علي الشهداء بعدي

علي قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلي إنجاز وعد

فقال لها الحسين عليه السّلام:يا أختاه كلّ الذي قضي اللّه هو كائن.

و روي عبد اللّه بن سليمان و المنذر الأسدي قالا:قضينا حجّنا و لحقنا بالحسين عليه السّلام بزرود، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من الكوفة و قد عدل عن الطريق فلحقناه و قلنا له اخبرنا عن الناس قال:لم أخرج من الكوفة حتّي قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و رأيتهما يجرّان بأرجلهما في السوق فأقبلنا حتّي لحقنا بالحسين عليه السّلام فقلنا:إنّ عندنا خبرا إن شئت حدّثناك به علانية و إن شئت4.

ص: 145


1- بحار الأنوار:372/44.

سرّا فنظر إلي أصحابه و قال:ما دون هؤلاء سر،فقلنا:أخبرنا الراكب بقتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة،فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما،فقلنا:ننشدك اللّه إلاّ انصرفت من مكانك و إنّا نتخوّف عليك،فنظر إلي بني عقيل فقال:ما ترون فقد قتل مسلم؟

فقالوا:ما نرجع حتّي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق،فقال:لا خير في العيش بعد هؤلاء الفتية،فعلمنا أنّه عزم علي المسير،فقلنا له:خار اللّه لك.

و في رواية أخري:إنّه لمّا أخبر بقتل مسلم أما إنّه قد قضي ما عليه و بقي ما علينا،ثمّ قال شعرا:

فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة فدار ثواب اللّه أعلي و أنبل

و إن تكن الأبدان للموت أنشئت فقتل امرء بالسيف في اللّه أفضل

و إن تكن الأرزاق قسما مقدّرا فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل

و إن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به الحرّ يبخل

ثمّ سار حتّي مرّ ببطن العقبة فلقيه شيء من بني عكرمة،فقال للحسين عليه السّلام:أنشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه ما تقدم إلاّ علي الأسنّة و حدّ السيوف فقال:لا يخفي عليّ الرأي و لكن اللّه تعالي لا يغلب علي أمره،ثمّ قال:و اللّه لا يتركونني حتّي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلّط اللّه عليهم من يذلّهم حتّي يكونوا أذلّ فرق الامم،ثمّ سار حتّي انتصف النهار فبينما هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه فقال له الحسين عليه السّلام:لم كبّرت فقال:رأيت النخل،قال جماعة من أصحابه:ما عهدنا هنا نخلا،فقال الحسين عليه السّلام:ما ترون؟

قالوا:نري أسنّة الرّماح و آذان الخيل.

فقال:و أنا أري ذلك فأخذوا ذات اليسار و طلعت عليهم هوادي الخيل و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ حتّي وقفوا مقابل الحسين عليه السّلام في حرّ الظهيرة فقال الحسين عليه السّلام لأصحابه:اسقوا القوم و اسقوا خيولهم من الماء ففعلوا،و كان ابن زياد بعثه يستقبل الحسين فلم يزل الحرّ موافقا للحسين و قال:إنّ ابن زياد لم يأمرني بقتالك و لكن أمرني أن أدخلك الكوفة فلم يقبل عليه السّلام و أخذا طريقا وسطا حتّي وصلا إلي نينوي فدفع كتابا إلي الحرّ فيه:إذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين و أصحابه و لا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضرة و لا ماء (1).

***4.

ص: 146


1- بحار الأنوار:380/44.

خطبة الحسين الأولي في كربلاء

و كان ذلك اليوم يوم الخميس و هو الثاني من المحرّم سنة إحدي و ستّين فقام الحسين عليه السّلام خطيبا في أصحابه و قال:إنّه قد نزل من الأمر ما ترون و أنّ الدّنيا تغيّرت و تنكّرت و أدبر معروفها و إنّي لا أري الموت إلاّ سعادة،فقام زهير بن القين و قال:يابن رسول اللّه لو كانت الدّنيا لنا باقية لآثرنا النهوض معك علي الإقامة فيها و تكلّم أصحابه عليه السّلام مثل كلام زهير فساروا مع الحرّ حتّي نزلوا كربلاء في اليوم الثاني من المحرّم و قال:هذه أرض كرب و بلاء فبكي ساعة،و قال:اللّهمّ إنّا عترة نبيّك و قد أخرجنا و طردنا و أزعجنا عن حرم جدّنا و تعدّت بنو أميّه علينا ثمّ قال هذه الأرض مناخ ركابنا و محطّ رحالنا و مقتل رجالنا و سفك دمائنا،و كتب الحرّ إلي ابن زياد:إنّ الحسين نزل كربلاء فأرسل عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس فنزل نينوي و أرسل إلي الحسين عليه السّلام:ما الذي أتي بك؟

فقال:كتبكم،فإذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم،ثمّ إنّ ابن زياد أرسل إليه الخيل و الرجال حتّي تكاملت عنده ثلاثون ألفا فنزلوا علي شاطئ الفرات و حالوا بينه و أصحابه و بين الماء و أضرّ العطش بأصحاب الحسين فأخذ عليه السّلام فأسا و حفر فنبعت عين من الماء فشربوا بأجمعهم و غارت العين و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلي ابن سعد أن امنعهم حفر الآبار و لا تدعهم يذوقوا الماء.فبعث عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس فنزلوا علي الشريعة و حالوا بين الحسين و بين الماء و ذلك قبل قتل الحسين عليه السّلام بثلاثة أيّام و نادي ابن حصين:يا حسين ألا تنظرون إلي الماء كأنّه كبد السماء و اللّه لا تذوقون منه قطرة حتّي تموتوا عطشا.

فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتله عطشا،قال حميد بن مسلم:و اللّه لقد رأيته بعد ذلك يشرب الماء ثمّ يقيئه و يصيح العطش العطش و هكذا حتّي خرجت روحه و لمّا رأي الحسين عليه السّلام نزول العساكر مع ابن سعد أرسل إليه:أريد أن ألقاك فاجتمعا و تناجيا طويلا ثمّ رجع ابن سعد إلي مكانه و كتب إلي ابن زياد:هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلي المكان الذي منه أتي أو إلي أحد الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم.

فلمّا قرأ الكتاب قال:هذا كتاب ناصح مشفق علي قومه فقام إليه شمر فقال:لئن رحل الحسين من بلادك ليكوننّ قويّا و أنت ضعيف فلا تعطه هذه المنزلة و لكن ينزل علي حكمك،فقال ابن زياد:نعم ما رأيت فكتب إلي ابن سعد:لم أبعثك إلي الحسين لتمنّيه السلامة و لا لتكون له عندي شفيعا أنظر إن نزل حسين علي حكمي فابعث به إليّ سالما و إن أبي فاقتله و أصحابه و مثّل بهم فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنّه عات ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل و خل بين شمر و بين العسكر فأقبل شمر بكتاب ابن زياد إلي ابن سعد.

ص: 147

فلمّا قرأ الكتاب قال:لا قرّب اللّه دارك و اللّه إنّي لأظنّك نهيته عمّا كتبت به إليه و اللّه لا يبايع الحسين؛إنّ نفس أبيه بين جنبيه فقال له الشمر:إن لم تمض لأمر أميرك و إلاّ فخلّ بيني و بين الجند،قال:لا و كرامة لك و لكن أنا أتولّي ذلك و دونك فكن علي الرجّالة،و جاء شمر حتّي وقف علي أصحاب الحسين فقال:أين بنو أختنا فخرج إليه جعفر و العبّاس و عثمان بنو عليّ فقال لهم:

أنتم يا بني أختي آمنون فقالوا له:لعنك اللّه و لعن إمامك أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له.

ثمّ نادي ابن سعد:يا خيل اللّه اركبي فرجف الناس إليهم بعد العصر و الحسين عليه السّلام جالس أمام بيته محتب بسيفه فخفق برأسه علي ركبتيه و سمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها و قالت:يا أخي ما تسمع هذه الأصوات؟

فرفع الحسين عليه السّلام رأسه فقال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الساعة في المنام و هو يقول:إنّك تروح إلينا غدا فلطمت وجهها و نادت بالويل،فقال الحسين عليه السّلام للعبّاس إمض إليهم و أخّرهم إلي غد لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة و ندعوه و نستغفره،فمضي إليهم و أجّلوه إلي غد فجمع أصحابه عند المساء فقال لهم:إنّي أذنت لكم فانطلقوا في حلّ هذا الليل قد غشيكم فقالوا:نفعل ذلك لنبقي بعدك لا أرانا اللّه ذلك أبدا،بدأهم بذلك العبّاس ثمّ قام إليه ابن عوسجة فقال:لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيا ثمّ أحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرّي يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّي ألقي حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك و إنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها،و تكلّموا مثل كلامه فجزاهم الحسين عليه السّلام خيرا و انصرف إلي منزله.

و قيل لبشر بن محمد الحضرمي في تلك الحال قد أسر ابنك بثغر الريّ،فقال:عند اللّه أحتسبه و نفسي فسمع الحسين عليه السّلام قوله فقال له:أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال:أكلتني السباع حيّا إن فارقتك فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار لفكاك ابنه،و بات الحسين عليه السّلام و أصحابه تلك الليلة و لهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد فلمّا كان الغداة أمر الحسين عليه السّلام بفسطاط فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثمّ دخل ليطلي و أصحابه بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد الرحمن:ما هذه ساعة ضحك،فقال:

إنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فو اللّه ما هو إلاّ نلقي هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة ثمّ نعانق الحور العين.

و قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها فدخل أبي في خباء له يعالج سيفه و يصلحه و يقول شعرا:

يا دهر اف لك من خليل كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلي الجليل و كلّ حيّ سالك سبيلي

ص: 148

فعلمت ما أراد فخنقتني العبرة و علمت أنّ البلاء قد نزل،و أمّا عمّتي زينب فلم تملك نفسها فمشت تجرّ ثوبها حتّي انتهت إليه و قالت:و اثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمّي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن يا خليفة الماضي و ثمال الباقي.

فقال لها:يا أختاه لا يذهبن حلمك الشيطان و ترقرقت عيناه بالدموع و قال:لو ترك القطا لنام،فقالت:يا ويلتاه تغصب نفسك اغتصابا،ثمّ لطمت وجهها و شقّت جيبها و خرّت مغشيّة عليها فصبّ الحسين عليه السّلام علي وجهها الماء و قال:يا أختاه اعلمي أنّ أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه،ثمّ قال:أقسم عليك إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا و لا تخمشي عليّ وجها،ثمّ خرج إلي أصحابه و أمرهم أن يقرّبوا بين بيوتهم و أن يشدّوا الأطناب بعضها في بعض ليقاتلوا القوم من وجه واحد،فلمّا كان وقت السحر خفق برأسه خفقة ثمّ استيقظ فقال:

رأيت كأنّ كلابا شدّت عليّ لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدّ عليّ و أظنّ أنّ الذي يتولّي قتلي رجل أبرص،ثمّ رأيت بعد ذلك جدّي في جماعة من أصحابه و هو يقول:يا بني أنت شهيد آل محمّد و قد استبشر بك أهل السماوات فليكن إفطارك عندي الليلة عجّل و لا تؤخّر فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء،فهذا ما رأيت و قد اقترب الرحيل من هذه الدّنيا فأصبح فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا.

و في رواية أخري اثنان و ثمانون راجلا.

و عن الباقر عليه السّلام:كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل فكان زهير بن القين في الميمنة و حبيب بن مظاهر في الميسرة و علي رايته العبّاس و أصبح ابن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة، و قيل:يوم السبت و عبّأ أصحابه و كان علي الميمنة عمرو بن الحجّاج و علي الميسرة شمر بن ذي الجوشن.

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام لمّا أقبلت الخيل علي الحسين عليه السّلام رفع يديه و قال:اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت به العدوّ أنزلته لديك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهي كلّ رغبة،فأقبل القوم يجولون حول الحسين عليه السّلام و تقدّم الحسين عليه السّلام إلي القوم فجعل ينظر إلي صفوفهم كأنّهم السيل و قال:أمّا بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثمّ راجعوا أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي ألست ابن نبيّكم و ابن وصيّه أما بلغكم قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيّ و في أخي هذان سيّدا شباب أهل الجنّة،و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته؟ألم تكتبوا إليّ؟

فقال له قيس بن الأشعث:ما يقول؟

فقال عليه السّلام في خطبة خطبها في ذلك الموقف:اللّهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم

ص: 149

سنينا كسنيّ يوسف،و سلّط عليهم غلام ثقيف لا يدع أحدا منهم إلاّ قتله ينتقم لي و لأوليائي،يابن سعد تقتلني تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدّعي بلاد الري و جرجان و اللّه لا تهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا و لكأنّي برأسك علي قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماه الصبيان و يتّخذونه هدفا فاغتاظ من كلامه ثمّ نادي ما تنتظرون به إحملوا بأجمعكم إنّما هم أكلة واحدة،ثمّ نادي ابن سعد:يا دريد أدن رايتك فأدناها ثمّ وضع سهما في كبد قوسه ثمّ رمي و قال:إشهدوا إنّي أوّل من رمي الحسين و أصحابه.

فرمي أصحابه كلّهم فما بقي من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا ثمّ صاح الحسين:أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه،ثمّ تبارزوا و كان كلّ من خرج من أصحاب الحسين عليه السّلام ودّعه و قال:السلام عليك يابن رسول اللّه،فيقول له:و عليك السلام و نحن خلفك و يقرأ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضي نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1)(2).

***

علّة حبّ أصحاب الحسين عليه السّلام للشهادة

و في كتاب علل الشرائع مسندا إلي الصادق عليه السّلام إنّه قيل له:أخبرنا عن أصحاب الحسين عليه السّلام و إقدامهم علي الموت.

فقال:إنّهم كشف لهم الغطاء حتّي رأوا منازلهم من الجنّة فكان الرجل منهم يقدم إلي القتل ليبادر إلي حوراء يعانقها و إلي مكانه من الجنّة (3).

و في معاني الأخبار مسندا إلي عليّ بن الحسين عليه السّلام قال:لمّا اشتدّ الأمر بالحسين عليه السّلام نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم لأنّه كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم و وجلت قلوبهم و كان الحسين عليه السّلام و بعض خصائصه تشرق ألوانهم و تسكن نفوسهم فقال بعضهم لبعض:أنظروا لا يبالي بالموت فقال:يا كرام صبرا فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلي الجنّات الواسعة فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلي قصر (4).

***

ص: 150


1- سورة الأحزاب،الآية:23.
2- بحار الأنوار:12/45.
3- علل الشرائع:229/1 ح 1.
4- تحف العقول:53.

أصحاب الحسين عليه السّلام ينظرون إلي منازلهم في الجنّة

و في كتاب الخرائج بإسناده إلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه:هذا الليل فاتّخذوه جنّة فإنّ القوم إنّما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حلّ وسعة فقالوا:و اللّه لا يكون هذا أبدا،فقال:إنّكم تقتلون غدا كلّكم و لا يفلت منكم رجل،قالوا:الحمد للّه الذي شرّفنا بالقتل معك ثمّ دعا لهم فقال لهم:إرفعوا رؤوسكم و انظروا فجعلوا ينظرون إلي منازلهم من الجنّة و هو معهم يقول لهم:هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرّماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلي منزله من الجنّة.

و في الأمالي عن الثمالي قال:نظر عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلي عبيد اللّه بن عبّاس بن علي بن أبي طالب فاستعبر ثمّ قال:ما من يوم أشدّ علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من يوم أحد قتل فيه عمّه حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب ثمّ قال عليه السّلام:و لا يوم كيوم الحسين عليه السّلام إزدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الامّة كلّ يتقرّب بدمه إلي اللّه عزّ و جلّ حتّي قتلوه ظلما و عدوانا ثمّ قال:رحم اللّه العبّاس فلقد فدي أخاه بنفسه حتّي قطعت يداه فأبدله اللّه عزّ و جلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، و أنّ للعبّاس عند اللّه عزّ و جلّ منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة (1).

***

النبي يكرم أنصار الحسين عليه السّلام

و في بحار الأنوار:روي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يوما مع جماعة من أصحابه مارّا في بعض الطرق و إذا هم بصبيان يلعبون فجلس النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عند صبيّ منهم و جعل يقبّل ما بين عينيه و يلاطفه، ثمّ أقعده في حجره فسئل عن ذلك فقال:إنّي رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين و رأيته يرفع التراب من تحت قدميه و يمسح وجهه و عينيه فأنا أحبّه لحبّه ولدي،و أخبرني جبرائيل أنّه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء (2).

***

الحسين عليه السّلام يخيّر أصحابه ليلة عاشوراء

و لمّا جمع ريحانة رسول اللّه سيّد الشهداء الحسين بن عليّ أصحابه عند ما قرب المساء من يوم

ص: 151


1- الأمالي:547.
2- البحار:242/44.

التّاسوعاء و قال لهم:إنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام هذا اللّيل قد غشيكم فاتّخذوه جملا.

فبعد ما قال أعوانه من إخوته و أبنائه و بني أخيه و بني عقيل و ابني عبد اللّه بن جعفر ما قالوا، قام إليه مسلم بن عوسجة رضوان اللّه عليه فقال:أنحن نخلّي عنك و بما نعتذر إلي اللّه في أداء حقّك أما و اللّه حتّي أطعن في صدورهم برمحي و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و اللّه لا نخلّيك حتّي يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك،أما و اللّه لو قد علمت أنّي أقتل ثمّ أحيي ثمّ أحرق ثمّ أحيي ثمّ أذري يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّي ألقي حمامي دونك و كيف لا أفعل ذلك و إنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

و قام زهير بن القين رحمه اللّه عليه فقال:و اللّه لوددت أنّي قتلت ثم نشرت ثمّ قتلت حتّي أقتل هكذا ألف مرّة و أنّ اللّه عزّ و جلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك (1).

شهادة عبد اللّه الكلبي

و برز إليهم عبد اللّه الكلبي و كانت معه أمّه فقالت:قم يا بني و انصر ابن بنت رسول اللّه، فقال:أفعل يا أمّاه فبرز و قاتل حتّي قتل منهم جماعة،فرجع إلي أمّه و امرأته فقال:يا أمّاه أرضيت؟

فقالت:ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السّلام فيكون جدّه في القيامة شفيعا لك،فرجع حتّي قتل تسعة عشر فارسا و اثنا عشر راجلا ثمّ قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلامه فقتلها و هي أوّل امرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السّلام.

و روي أنّ أمّه أخذت عمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين عليه السّلام:ارجعي أنت و ابنك مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء و كان يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الإثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم و يقتل من أصحاب عمر الجماعة فلا يبين فيهم لكثرتهم ثمّ حضر وقت الصلاة و صلّي الحسين بأصحابه صلاة الخوف،و قيل:إنّهم صلّوا فرادي بالإيماء.

و روي أنّ سعيد الحنفي تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما جاء إلي الحسين سهم تلقّاه بنفسه حتّي سقط إلي الأرض و هو يقول:اللّهم أبلغ نبيّك عنّي السلام و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح ثمّ مات فوجد به ثلاثة عشر سهما سوي ما به من ضرب السيوف و طعن الرّماح.

ص: 152


1- الإرشاد:92/2.

شهادة جون مولي أبي ذرّ

و تقدّم جون مولي أبي ذرّ و كان عبدا أسودا.

فقال له الحسين:أنت في حلّ منّي،فقال:يابن رسول اللّه أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدّة أخذلكم و اللّه إنّ ريحي لنتن و أنّ حسبي للئيم و لوني أسود و اللّه لا أفارقكم حتّي يختلط هذا الدّم الأسود بدمائكم فبرز للقتال و قتل جماعة حتّي قتل فوقف عليه الحسين و قال:اللّهم بيّض وجهه و طيّب ريحه و احشره مع الأبرار و عرّف بينه و بين آل محمّد.

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ الناس كانوا يدفنون القتلي فوجدوا الأسود بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك و كان شعره في الحرب،شعرا:

كيف يري الفجّار ضرب الأسود بالمشرفي القاطع المهنّد

بالسيف صلنا عن بني محمّد أذبّ عنهم باللّسان و اليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد من الإله الواحد الموحّد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

شهادة حنظلة

و خرج إليهم حنظلة فنادي:يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب و قد خاب من افتري، ثمّ قال للحسين عليه السّلام:ألا نروح إلي ربّنا فنلحق بإخواننا؟

فقال:رح إلي ما هو خير لك،فسلّم علي الحسين عليه السّلام ثمّ قاتل حتّي قتل.

شهادة زهير

و خرج زهير و هو يرتجز شعرا:

أنا زهير و أنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسيني

إنّ حسينا أحد السبطين من عترة البرّ التقيّ الزينيّ

فقاتل حتّي قتل مائة و عشرين ثمّ قتل رضوان اللّه عليه،و لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و لم يبق إلاّ أهل بيته و هم ولد علي و ولد جعفر و ولد عقيل و ولد الحسن و ولده عليهم السّلام إجتمعوا و ودّع بعضهم بعضا و عزموا علي الحرب فأوّل من برز من أهل بيته عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و قال شعرا:

اليوم ألقي مسلما و هو أبي و فتية بادوا علي دين النبيّ

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب لكن خيار و كرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب

فقتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات و اشترك في قتله الصيداوي و أسد ابن مالك (1).

ص: 153


1- شرح الأخبار:196/3 ح 92.

ص: 154

المحتويات

هو الحسين عليه السّلام 5

مولد الحسين بن علي و مدّة عمره عليه السّلام 5

في تسميته عليه السّلام 8

في كنيته و لقبه عليه السّلام 9

نقش خاتم الحسين عليه السّلام 9

أولاد الحسين عليه السّلام 9

طهارة و عصمة الحسين عليه السّلام 11

فيما ورد في حقه من جهة النبي قولا و فعلا 12

في شجاعته و شرف نفسه عليه السّلام 13

ما نسب للحسين عليه السّلام من الشعر 16

الآيات النازلة في الحسين عليه السّلام 19

تأويل(كهيعص)بالحسين عليه السّلام 24

آية المباهلة 25

توديع النبي للحسين عليه السّلام 26

شباهة الحسين بالنبي عليهما السّلام 27

التوسل بالحسين عليه السّلام 28

الحسين عليه السّلام يبصر العرش 28

الحسين أبو الأئمة عليهم السّلام 29

الإمامة في الحسين عليه السّلام 32

معرفة الحسين عليه السّلام كنه المعرفة 33

أثر معرفة أهل البيت عليهم السّلام 33

تبصرة عبادية:35

ص: 155

نور الحسين عليه السّلام 36

الحسين عليه السّلام أول من يدخل الجنة 39

اسم الحسين عليه السّلام علي باب الجنة 40

مقام الحسين عليه السّلام في الجنة 41

أمر النبي التمسك بالحسين عليهما السّلام 42

وصية النبي بالحسين عليهما السّلام 43

فضائل الحسين عليه السّلام 44

ماذا يقال عند ذكر الحسين عليه السّلام 51

علم الحسين عليه السّلام 52

هيبة الحسين عليه السّلام 53

حلم الحسين عليه السّلام 54

أمر النبي بنصرة الحسين عليه السّلام 55

أمر جبرائيل بنصرة الحسين عليه السّلام 55

فاطمة تنتصر للحسين عليهما السّلام 56

من أصابه القتل أو العذاب لتركه نصرة الحسين عليه السّلام 57

بركة و عظمة الحسين عليه السّلام 59

القائم المهدي من ولد الحسين عليهما السّلام 61

عظمة الحسين عليه السّلام علي اللّه 63

تحية اللّه للحسين عليه السّلام 64

اللّه يستجيب لطلب الحسين عليه السّلام 65

عطف اللّه علي الحسين عليه السّلام 66

عطف الرسول علي الحسين عليه السّلام 67

الحسين عليه السّلام ابن الرسول حقيقة 69

قصة لطيفة 71

عهد علي للحسين عليهما السّلام 72

وصيّة أمير المؤمنين للحسنين لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه 74

ص: 156

الحسين أفضل من إبراهيم ابن النبي عليهم السّلام 75

الحسين أفضل من النبي إسماعيل عليهما السّلام 75

النبي إسماعيل يتأسي بالحسين عليهما السّلام 76

درجات الحسين عليه السّلام يوم القيامة 77

كرامات الحسين عليه السّلام 77

للأموات 78

تكلم الرضيع مع الحسين عليه السّلام 79

هروب الحمي من المريض ببركة الحسين عليه السّلام 79

كرامة جسد الحسين عليه السّلام 80

عصمة الحسين عليه السّلام 80

هدية اللّه للحسين عليه السّلام 80

علم الحسين بالغيب عليه السّلام 82

توسل الملائكة بالحسين عليه السّلام 84

خدمة الملائكة للحسين عليه السّلام 85

دعاء الحسين عليه السّلام المستجاب 85

تواضع الحسين عليه السّلام و آدابه 86

كرم الحسين عليه السّلام 87

عبادة الحسين عليه السّلام 90

جهاد الحسين عليه السّلام 91

النص علي الإمام الحسين عليه السّلام 91

بين الحسين عليه السّلام و عمر بن سعد 98

بين الحسين عليه السّلام و عمرو بن العاص 98

الحسين عليه السّلام يودع أبا ذر 99

إخبار النبي بقتل الحسين عليه السّلام 99

إخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين عليه السّلام 99

إخبار راهب بقتل الحسين عليه السّلام 102

ص: 157

الإخبار بقتل الحسين عليه السّلام 104

كيفية العزاء علي الحسين عليه السّلام 105

ثواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السّلام 106

رثاء الحسين عليه السّلام 110

في عظم المصيبة علي الحسين عليه السّلام 112

هل قتل الحسين عليه السّلام؟113

علم آل محمد عليهم السّلام بزمان و مكان موتهم 113

دفع اشكال معرفة الإمام بموته 115

علة تسلّط الأعداء علي الحسين عليه السّلام 122

سبب تخلّف محمّد بن علي ابن الحنفية عن الحسين عليهم السّلام 123

إبتداء أمر الحسين قبل خروجه 124

بسم اللّه الرحمن الرحيم 124

توبة الحر 134

خروج الحسين عليه السّلام إلي مقتل مسلم 134

في مصرعه و مقتله عليه السّلام 139

تفصيل مقتل الحسين عليه السّلام و ما لحقه بعد ذلك 143

خطبة الحسين الأولي في كربلاء 147

علّة حبّ أصحاب الحسين عليه السّلام للشهادة 150

أصحاب الحسين عليه السّلام ينظرون إلي منازلهم في الجنّة 151

النبي يكرم أنصار الحسين عليه السّلام 151

الحسين عليه السّلام يخيّر أصحابه ليلة عاشوراء 151

شهادة عبد اللّه الكلبي 153

شهادة جون مولي أبي ذرّ 153

شهادة حنظلة 153

شهادة زهير 153

ص: 158

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.