موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 8

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الثامن

تمهيد

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ،أبو محمّد الهاشمي.

أمه فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّي بن قصّي.

سبط رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ريحانته و أحد سيديّ شباب أهل الجنّة.ولد للنصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة.

روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أحاديث و عن أبيه علي بن أبي طالب عليهما السّلام.

روي عنه:ابنه الحسن بن الحسن،و المسيّب بن نجبة،و سويد بن غفلة،و العلاء بن عبد الرحمن،و الشعبي،و هبيرة بن يريم،و الأصبغ بن نباته،و جابر بن (1)خالد،و أبو الحوراء،و عيسي بن مأمون بن زرارة و يقال ابن المأموم،و أبو يحيي عمير بن سعيد النّخعي،و أبو مريم قيس الثقفي، و طحرب العجلي،و إسحاق بن يسار والد محمّد بن إسحاق،و عبد الرّحمن بن عوف،و سفيان بن الليل،و عمرو بن قيس الكوفيون.

***

ص: 5


1- كذا و في ترجمته عن ابن عساكر تحقيق الشيخ المحمودي:«جابر أبو خالد».

مولد الحسن عليه السّلام

في الكافي و التهذيب:ولد الحسن بن عليّ عليهم السّلام في شهر رمضان في سنة بدر،سنة إثنين بعد الهجرة،و روي أنّه ولد في سنة ثلاث و مضي عليه السّلام في شهر صفر في آخره من سنة تسع و أربعين.

و مضي و هو ابن سبع و أربعين سنة و أشهر.و أمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و روي أنّه ولد سنة ثلاث و مضي آخر صفر سنة تسع و أربعين و عمره سبع و أربعون سنة و أشهر.

و في الدروس أنّه ولد منتصف شهر رمضان.

و عن محمّد بن عمر:ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة (1).

عن قتادة،قال:ولدت فاطمة الحسن بعد أحد بسنتين،و كان بين وقعة أحد و بين مقدم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سنتان و ستة أشهر و نصف،فولدته لأربع سنين و تسعة أشهر و نصف،من التاريخ.

و عقّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عنه يوم سابعه بكبش،و أمر أن يحلق رأسه و أن يتصدّق بزنته فضّة (2).

و عن سودة بنت مسرح قالت:كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حين ضربها المخاض قلت:فأتانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«كيف هي؟كيف هي ابنتي فديتها»؟

قالت:قلت:إنها لتجهد يا رسول اللّه.

قال:«فإذا وضعت،فلا تسبقيني به بشيء»قالت:فوضعته فسررته و لففته في خرقة صفراء، فجاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«ما فعلت ابنتي فديتها،و ما حالها؟و كيف هي»؟

فقلت:يا رسول اللّه وضعته و سررته و لففته في خرقة صفراء فقال:«لقد عصيتني»قالت:قلت:

أعوذ باللّه من معصية اللّه و معصية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سررته يا رسول اللّه و لم أجد من ذلك بدا،قال:

«ائتني به»قالت:فأتيته به فألقي عنه الخرقة الصفراء و لفّه في خرقة بيضاء،و تفل في فيه و ألباه بريقه قالت:فجاء علي فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما سميته يا علي»،قال:سميته جعفرا يا رسول اللّه قال:

«لا و لكنه حسن،بعده حسين،و أنت أبو الحسن و الحسين» (3).

محمّد بن علي عليه السّلام،عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنه سمي ابنه الأكبر حمزة،و سمي حسينا

ص: 6


1- تاريخ الطبري:537/2،و تاريخ بغداد:140/1،و مطالب السؤول:5/2،و الكامل في التاريخ:/2 166.
2- ذخائر العقبي:118،نور الأبصار:119.
3- الإصابة:330/4 رقم 603 و المعجم الكبير:10/3 و مجمع الزوائد:174/9.

بعمه جعفر،قال:فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليا فقال:«إني قد غيّرت اسم ابنيّ هذين،قال:اللّه و رسوله أعلم،فسمّي حسنا و حسينا» (1).

عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل أنّ عليا لما ولد ابنه الأكبر سمّاه بعمه حمزة ثم ولد ابنه الآخر فسمّاه بعمه جعفر،قال:فدعاني النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«إني قد أمرت أن أغير اسم ابني هذين»،قال:

قلت:اللّه و رسوله أعلم،قال:فسمّاهما حسنا و حسينا (2).

و عن علي عليه السّلام قال:لما ولد الحسن جاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«أروني ابني ما سميتموه»؟ قلت:سميته حربا،قال:«بل هو حسن».

فلمّا ولد الحسين قال:«أروني ابني ما سمّيتموه»؟

قلت:سميته حربا قال:«بلي هو حسين».

فلما ولد (3)الثالث جاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«أروني ابني ما سميتموه»؟قلت:سميته حربا قال:

«هو محسن» (4).

ثم قال:«إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون:شبّر و شبير و مشبّر»،و في حديث ابن الحصين و ابن السبط:«فلما ولدت الثالث» (5).

و قال الزّبير:و روت زينب بنت أبي رافع،قالت:أتت فاطمة عليها السّلام بابنيها إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في شكوه (6)الذي توفّي فيه،فقالت:يا رسول اللّه،هذان ابناك،فورّثهما شيئا؛فقال:أمّا الحسن فإنّ له هيبتي و سؤددي،و أما الحسين فإن له جرأتي و جودي.

و في كتاب الأمالي و غيره عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام قال:لمّا ولد الحسن عليه السّلام قالت فاطمة لعليّ عليه السّلام:سمّه،فقال:ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه،فجاء صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأخرج إليه في خرقة صفراء فقال:أ لم أنهكم أن تلفّوه في خرقة صفراء،فرمي بها و لفّه في خرقة بيضاء،فقال لعليّ:هل سمّيته؟

قال:ما كنت لأسبقك باسمه.

فقال:و ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ و جلّ،فأوحي تبارك و تعالي إلي جبرئيل عليه السّلام إنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط فاقرئه السلام و هنّه و قل له:إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسي فسمّه باسم ابن هارون شبّر،قال:لساني عربيّ.قال:سمّه الحسن.ض.

ص: 7


1- مسند أحمد:159/1 ط.الميمنية.
2- المسند:118/1.
3- في مسند أحمد:ولدت.
4- كذا في المصدر و سوف يأتي أن فاطمة عليها السلام أسقطته خلف الباب.
5- مسند الإمام أحمد 1:118 و باختلاف في السند أخرجه في 1:98.
6- الشكو:المرض.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام أوحي اللّه تبارك و تعالي إلي جبرئيل عليه السّلام انّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه و هنّه و قل له:إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسي فسمه باسم ابن هارون شبير قال:لساني عربيّ،قال:سمه الحسين فسمّاه به.

قال السيد الجزائري في الرياض (1)في القاموس شبّر كبقم و شبير كقمير و مشبر كمحدث أبناء هارون عليه السّلام،قيل و بأسمائهم سمّي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و الحسين و المحسن.

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام إنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عقّ عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين و الملحة بياض يخالطه سواد،و أعطي القابلة فخذا و دينارا و حلق رأسه و تصدّق بوزن الشعر ورقا و طلي رأسه بالخلوق و هو طيب معروف مركّب يتّخذ من الزعفران و غيره تغلب عليه الحمرة أو الصفرة و قال:إنّ الدم فعل الجاهلية و كذلك فعل بالحسين عليه السّلام.

و في كتاب البشائر:كنية الحسن أبو محمّد ولد بالمدينة[ليلة]النصف من[شهر] (2)رمضان سنة ثلاث من الهجرة و الحسين عليه السّلام ولد بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.

و في مسند أحمد و أبي يعلا قال:لمّا ولد الحسن سمّاه حمزة،فلمّا ولد الحسين سمّاه جعفرا قال عليّ:فدعاني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:إنّي أمرت[أن]أغيّر اسم هذين فسمّاهما حسنا و حسينا.

و في كتاب المناقب قال:حكي أبو الحسين النسّابة:كان اللّه عزّ و جلّ حجب هذين الإسمين عن الخلق يعني حسنا و حسينا حتّي تسمّي بهما ابنا فاطمة عليهم السّلام فإنّه لا يعرف أنّ أحدا من العرب تسمّي بهما في قديم الأيّام إلي عصرهما،و إنّما يعرف فيها«حسن»بسكون السين،و«حسين»بوزن حبيب،فأمّا حسن بفتح الحاء و السّين و لا نعرفه إلاّ اسم جبل معروف.

و في الكتاب عن برة الخزاعي قال:لمّا حملت فاطمة بالحسن خرج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بعض وجوهه فقال لها:إنّك ستلدين غلاما فلا ترضعيه حتّي أصير إليك،فلمّا وضعته بقي ثلاثة أيّام ما أرضعته فأدركتها رقّة الامّهات فأرضعته.

فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أبي اللّه عزّ و جلّ إلاّ ما أراد،فلمّا حملت بالحسين قال:إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّي أجيء إليك و لو أقمت شهرا و خرج في بعض وجوهه فولدت الحسين عليه السّلام،فمّا أرضعته حتّي جاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأخذه فجعل يمصّ إبهامه و فيه غذاؤه،و يقال:

بل كان يدخل لسانه في فيه فيزقّه كما يزقّ الطير فرخه و قال:إيها حسين إيها حسين أبي اللّه إلاّ ما يريد بل هي فيك يعني الإمامة.

و في عيون المعجزات للمرتضي:روي أنّ فاطمة ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.ر.

ص: 8


1- رياض الأبرار للسيد نعمت اللّه الجزائري مخطوط،قيد التحقيق.
2- زيادة من المصدر.

و روي أنّ مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن و حديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار و في كتب كثيرة.

و عن أمّ الفضل زوجة العبّاس إنّها قالت:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليك رأيت في المنام كأنّ عضوا من أعضائك في حجري فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:تلد فاطمة غلاما إن شاء اللّه فتكفليه فوضعت فاطمة الحسن عليه السّلام فدفعه إليها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأرضعته بلبن قثم بن العبّاس.

و في كتاب الأمالي مسندا إلي الصادق عليه السّلام قال:أقبل جيران أمّ أيمن إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا:إنّ أمّ أيمن لم تنم البارحة من البكاء فطلبها و قال لها:يا أمّ أيمن لا أبكي اللّه عينك إنّ جيرانك أخبروني إنّك لم تزلي الليل تبكين.

قالت:يا رسول اللّه رأيت رؤيا عظيمة فبكيت رأيت كأنّ بعض أعضائك ملقي في بيتي فقال:يا أمّ أيمن تلد فاطمة الحسين فتربيّنه و تلينه فتكون بعض أعضائي في بيتك،فلمّا ولد الحسين و كان يوم السابع أقبلت به أمّ أيمن إلي رسول اللّه فقال:مرحبا بالحامل و المحمول،يا أمّ أيمن هذا تأويل رؤياك.

و روي أنّ فاطمة عليها السّلام كانت ترقّص ابنها حسنا و تقول شعر:

أشبه أباك يا حسن و اخلع عن الحقّ الرّسن

و أعبد إلها ذا منن و لا توال ذا الإحن

***

أولاد الحسن عليه السّلام

قال ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام:ولد الحسن محمّد الأكبر و به كان يكنّي.

[و ولد الحسن بن علي عليهم السّلام محمّدا الأصغر و جعفرا و حمزة،و فاطمة درجوا.و أمهم أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

و[أيضا ولد الحسن]محمّدا الأكبر-و به يكني-و الحسن و امرأتين هلكتا و لم تبرزا.

و أمهم خولة بنت منظور بن زيان بن سيار بن عمرو بن....عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة بن ذبيان بن يغيض[بن]مرة بن غطفان] (1).

و في كتاب البشائر:أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ذكر و أنثي،زيد بن الحسن و أختاه أمّ الحسن و أمّ الحسين و أمّهم بنت أبي مسعود الخزرجية،و الحسن بن الحسن أمّه خولة الفزارية،

ص: 9


1- مستدرك من أول ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من الطبقات الكبري.

و عمرو بن الحسن و أخواه القاسم و عبد الرحمن أمّه أمّ ولد،و الحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم و أخوه طلحة و أخته فاطمة أمّهم أمّ إسحاق التيمية،و أمّ عبد اللّه و فاطمة و أمّ سلمة و رقية لأمّهات شتّي.

فأمّا زيد بن الحسن فكان يلي صدقات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان جليل القدر كثير البرّ و مدحه الشعراء و قصده الناس من الآفاق لطلب فضله،و لمّا تولّي الخلافة سليمان بن عبد الملك عزله عن الصدقات ثمّ ردّها عليه ابن عبد العزيز و خرج زيد من الدّنيا و له تسعون سنة و لم يدع الإمامة و لا ادّعاها له أحد،لأنّه كان مسالما لبني أميّة.

و أمّا الحسن بن الحسن فكان جليلا فاضلا و ربما كان يلي صدقات أمير المؤمنين عليه السّلام و سار يوما الحجّاج و هو أمير المدينة،فقال للحسن:أدخل عمر بن علي عمّك معك في الصدقات،فقال الحسن:لا أغيّر شرط علي و لا أدخل فيه من لم يدخله.

فقال الحجّاج:أنا أدخله معك فسار الحسن إلي باب عبد الملك فمرّ به يحيي بن أمّ الحكم و سأله عمّا جاء به ثمّ قال له سأنفعك عند عبد الملك،فلمّا دخل الحسن علي عبد الملك رحّب به و كان الحسن قد أسرع إليه الشيب.

فقال له عبد الملك:لقد أسرع إليك الشيب.

فقال يحيي:و ما يمنعه شيبه و يأتيه الركب من أهل العراق يمنّونه الخلافة فقال له الحسن:بئس الرفد رفدت ليس كما قلت.

فقال له عبد الملك:هلمّ ما وفدت له فأخبره بقول الحجّاج فقال:ليس ذلك له و كتب له كتابا و وصله،فلمّا خرج من عنده لقيه يحيي فعاتبه الحسن علي سوء محضره.

فقال له يحيي:إيها عنك فو الله لا يزال يهابك و لو لا هيبتك ما قضي لك حاجة و ما ألوتك رفدا.

و كان الحسن حضر مع عمّه الطفّ،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام و أسر الباقون جاءه أبو حسّان خاله فانتزعه من بين الأساري.

و روي أنّه خطب إلي عمّه الحسين عليه السّلام إحدي ابنتيه فقال له:اختر يا بنيّ أيّهما أحبّ إليك، فلم يتكلّم حياء فقال له الحسين عليه السّلام:اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبها بفاطمة أمّي، و قبض الحسن بن الحسن و له خمس و ثلاثون سنة،و لمّا مات ضربت زوجته فاطمة علي قبره فسطاطا و كانت تقوم الليل و تصوم النهار و كانت تشبّه بالحور العين لجمالها،فلمّا كان رأس السنة أمرت ليلا برفع الفسطاط فسمعت صوتا يقول:هل وجدوا ما قعدوا،فأجابت بل يئسوا فانقلبوا،و لم يدع الإمامة و لا ادّعاها له أحد.

ص: 10

و أمّا عمر و القاسم و عبد اللّه،فإنّهم قتلوا بين يدي عمّهم الحسين عليه السّلام،و عبد الرحمن بن الحسن خرج مع عمّه الحسين عليه السّلام إلي الحجّ فتوفّي بالأبواء و هو محرم.

و روي أنّه خطب الحسن بن علي عليهما السّلام إلي عبد الرحمن بن الحارث ابنته فأطرق ثمّ قال:و اللّه ما علي وجه الأرض أعزّ عليّ منك،و لكن تعلم أنّ ابنتي بضعة منّي و أنت مطلاق فأخاف أن تطلّقها فيتغيّر قلبي عليك فإن شرطت أن لا تطلّقها زوجتك فقال عليه السّلام:ما أراد عبد الرحمن إلاّ أن يجعل ابنته طوقا في عنقي.

و روي أنّ يزيد لعنه اللّه رأي امرأة عبد اللّه بن عامر فهام بها و شكي ذلك إلي أبيه،فلمّا حضر عبد اللّه عند معاوية قال:لقد عقدت لك علي ولاية البصرة و لو لا أنّ لك زوجة لزوّجتك رملة فمضي عبد اللّه و طلّق زوجته طمعا في رملة،فأرسل معاوية أبا هريرة يخطبها ليزيد و بذل لها ما أرادت من الصّداق فاطّلع عليه الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر فاختارت الحسن فتزوّجها (1).

أزواجه

و ذكر ابن سعد في طبقاته ضمن ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام:أنّ له من النساء ستّا،و أربعا من أمهات الأولاد.

و ذكر المدائني أنّ أزواجه عشر.

***

النص علي الإمام الحسن عليه السّلام

و ذلك من طرق:

*الطريق الأول:أنه كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أشجعهم و أورعهم (2).

قال توفيق أبو علم:كان الحسن أعبد و أزهد و أفضل أهل زمانه (3).

و مما يدل علي فضلهما(الحسن و الحسين)الي من سواهم قضية المباهلة و لو وجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أفضل منهما و من أبويهما لباهل بهم.

قال تعالي: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

ص: 11


1- مناقب آل أبي طالب:199/3،و البحار:172/44.
2- سوف يأتي أن أهل البيت أفضل أهل الأرض مع أدلته،و راجع الفصول المهمة:147-148 و 164 ط. دار الأضواء،و المحاسن و المساويء للبيهقي:55 محاسن الحسن و الحسين.
3- أهل البيت:268 الإمام الحسن.

فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ (1) .ر.

ص: 12


1- سورة آل عمران،الآية:61،و نزولها فيهم من المتواترات: مصادر المباهلة السنن الكبري:63/7،و إمتاع الأسماع:502/1،و الشفاء:48/2،و الجواهر:195-288 الباب الأول و السادس عن الكاظم و سعد،و فرائد السمطين:205/2 باب 40 ح 484 عن ابن عباس و سعد و ابن جريح،و شرح الأخبار:171/1 باب 22 عن سعد،و رشفة الصادي:25-27 الباب الأول،و فضائل الصحابة:776/2 ح 1374 عن الحسن،و المصنف لابن أبي شيبة:381/6 ح 32175 عن الشعبي كتاب الفضائل فضائل الحسن و الحسين،و فرائد سمطين:23/2 عن جابر باب 4 و 205 باب 40 ح 484 عن ابن عباس و سعد و ابن جريح،و مشكاة المصابيح:1731/3 ح 6126،و فضائل علي و مصابيح السنة:182/4 ح 4795 سعد،و لوامع أنوار الكوكب الدري:74/2،و كتاب معرفة علوم الحديث:50 نوع 17 و قال إنه متواتر فيهم. صحيح مسلم:17/15 كتاب الفضائل ح 6170،و ينابيع المودة:8/1-52-299 ط.استانبول 1301 ه و 8-57-359 ط.النجف-المقدمة و باب 7-59،و كفاية الطالب:141،و أسباب النزول للواحدي: 67،و أسد الغابة:26/4،و المسند:185/1 ط.م و 302 ط.ب،و الدر المنثور:38/2-39 من طرق، و الفصول المهمة:24-120-227 عن جابر و علي بن عيسي و الشعبي و ابن عباس و البراء و سعد و الكاظم،و مقتل الحسين:2/1 المقدمة عن سعد،و ترجمة الحسين:29-30،و ذخائر العقبي:25 عن أبي سعيد،و نور الأبصار:164 ط.الهند و 301-223 ط.قم الباب الثاني-الفصل 10 ذكر مناقب الكاظم،إرشاد القلوب:262/2 عن أبي ذر،تاريخ السيوطي:169 الاحاديث الواردة في فضله عن مسلم عن سعد.المسند:185/1 ط.م و 302/1 ط.ب ح 1611 عن سعد. و كفاية الطالب:54-85-142 عن سعد الباب الأول و العاشر و الثاني و الثلاثون،و الصواعق:121 و 145 ط.مصر و ط.بيروت 187-224-238 باب 9 فصل 2 و باب 11 الفصل 1 عن سعد. و الكامل في التاريخ:646/1 ذكر وفد نجران،و أسد الغابة:26/4 ترجمة علي-فضائله عن سعد، و جلاء الأفهام:152 المسألة الثانية معني الذرية،و الاختصاص:144،و حقائق التاويل:229، و الطرائف:42/1،و دلائل النبوة:297-298-299 قصة السيد و العاقب،أخبار الدول:102 باب 2 فصل 4،و ترجمة الحسين من تاريخ دمشق:177 ح 161 عن علي،ترجمة علي من تاريخ دمشق:29/1 ح 28 و 227 ح 271 عن سعد،و شواهد التنزيل:155/1 إلي 166 و 182 ح 168 إلي ح 176-194 عن سعد بن معاذ و ابن عباس و جابر الأنصاري و سعد بن أبي وقاص و حذيفة بن اليمان و عطاء بن السائب عن أبي البختري. ترجمة علي من تاريخ دمشق:116/3 ح 1140 عن عمرو بن واثلة مناشدته يوم الشوري لهم. و مناقب ابن المغازلي:196 و 171 ط.بيروت و ط.طهران 318 ح 362 عن ابن عباس و 263 ح 310 عن جابر،و المستدرك:150/3 عن سعد و صححه مناقب الال،و روضة الواعظين:164،و كنز الفوائد:16 رسالة في وجوب الإمامة،و تذكرة الخواص:23-27 الباب الثاني عن جابر و سعد،و تفسير الطبري:/3 211-213 عن عامر الشعبي و زيد بن علي و السدي و قتادة و ابن زيد و علباء بن أحمر البشكري. و تفسير الكشاف:434/1 مورد الآية،و الدر المنثور:38/2-39 عن سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده و جابر و ابن عباس و الشعبي و سعد بن أبي وقاص و علباء بن أحمر.

قال الحاكم في المعرفة:قد تواترت الأخبار في التفاسير أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أخذ يوم المباهلة بيد علي و حسن و حسين و جعلوا فاطمة وراءهم ثم قال:«هؤلاء أبناؤنا و أنفسنا و نساؤنا فهلّموا أنفسكم و أبناءكم و نساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه علي الكاذبين» (1).

و في الآية قال الزمخشري:و فيه دليل لا شيء أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء (2).

و مناظراته العلمية مع العلماء و الخلفاء خير مدلل علي علو فضله علي من عاصره (3).

و قال أبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالي قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَ سَلامٌ عَلي عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفي .

قال:هم أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين و أولادهم الي يوم القيامة،هم صفوته و خيرته من خلقه (4).

و قال رسول اللّه في حقّه:«أمّا الحسن فإنّ له هيبتي و سؤددي و أمّا الحسين فانّ له جودي [جرأتي]و شجاعتي» (5).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين خير أهل الأرض بعدي و بعد أبيهما» (6).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين سبطان من الأسباط» (7).

و ورد:«أنّ الحسن بن علي أعطي من الفضائل مالم يعط احد من ولد آدم» (8).

و أخرجه الديلمي عن حذيفة بلفظ:«الحسين بن علي أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم خلا يوسف» (9).ي.

ص: 13


1- معرفة علوم الحديث:50 ذكر النوع السابع عشر.
2- تفسير الزمخشري:434/1 مورد الآية.
3- الاحتجاج:285/2-288-292-298،و المحاسن و المساويء:55 محاسن الحسنين.
4- البحار:279/43.و الاية من آل عمران:61.
5- تهذيب تاريخ ابن عساكر:214/4،و ذخائر العقبي:129 ذكر أنهما سيدا شباب أهل الجنة،و شرح النهج:10/16 الكتاب 29-ترجمة الحسن-،و كفاية الطالب:424 باب أولاد علي،و الصواعق المحرقة:191 ط.مصر و ط.بيروت 290،و مقتل الحسين:105/1 الفصل السادس فضائل الحسنين، و كنز العمال:117/12 ح 34272 فضائل الحسن و الحسين 670/13 ح 37709 من الإكمال كتاب الفضائل،و ربيع الأبرار:583/3 باب القرابات و الأنساب،و أعلام الوري:210،و البحار:263/43.
6- عيون أخبار الرضا:62/2 باب 31 ح 252.
7- الصواعق المحرقة:191 ط.مصر و ط.بيروت 291،و أسد الغابة:19/2،و مقتل الحسين:130/1، و كفاية الأثر:63-76-80-117.
8- كنزل العمال:124/12 ح 34306 فضائل الحسن من الإكمال.
9- الفروس بمأثور الخطاب:159/2 ح 2806 ط.دار الكتب العلمية و 258 ح 2629 ط.دار الكتاب العربي.

و قال المدائني و ابن قدامة:و كان سيدا سخيا حليما خطيبا[كان من أجود الناس كفا و أسخاهم نفسا و أحسنهم كلاما و أكثرهم صوابا] (1).

و قال ابن عمر:ألا أخبركم بأحب أهل الأرض الي أهل السماء؟

قالوا:بلي.

قال:هو هذا الماشي ما كلّمني كلمة منذ ليالي صفّين و لئنن يرضي عني أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم (2).

و تواتر عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كونهما:«سيدا شباب أهل الجنة» (3).لي

ص: 14


1- التبيين في أنساب القرشيين:104 الحسن بن علي.
2- أسد الغابة:234/3 و الحديث طويل.
3- مصادر حديث:«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة». تهذيب الكمال:229/6 ترجمة الحسن،و المعجم الأوسط:104/3 ح 2211 عن أبي سعيد،و مجمع الزوائد:184/9 و بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد 292/9 إلي 294 و 324،و فضائل صحابة:/2 779 ح 1384 صحيح و 788 ح 1406 صحيح عن أبي سعيد،و الفردوس:343/4 ح 6993،و الفردوس: 134/4 ط.كتب و 76/5 ح 7227 ط كتاب عن أنس،و 158/2 ح 2801 ط.كتاب،و 256 ح 2624 ط كتاب عن أبي سعيد،و المصنف لابن أبي شيبة:381/6 ح 32167 و ما بعده،و عن أبي سعيد و حذيفة و علي باب الفضائل فضائل الحسن و الحسين،و مصابيح السنّة:193/4 ح 4827 أبو سعيد كتاب المناقب مناقب آل بيت النبي،و ترتيب صحيح ابن حبان:55/9 ح 6920 و 6921،و المقاصد الحسنة:200 ح 407 و بين طرقه. و في التيسير عن السيوطي أنه متواتر عن نظم المتناثر من الحديث المتواتر:208 ح 235 و قال:أورده في الأزهار من طريق ستة عشر نفسا،و الأزهار المتناثرة 77 ح 105،و إتحاف ذوي الفضائل:169 ح 219. و كنز العمال:725/5 ح 14243 خلافة عثمان و 96/12-119-115-112-120 ح 34246- 34259-34282-34285-34158 عن الحويرث و البراء و عمر و الخدري و جابر و أبي امامة و ابن عباس و ابن عمر و ابن مسعود و 756/11 ح 33682 عن عائشة و 573 ح 32713 و 640/13-665-661- 675 ح 37617 عن حذيفة و ح 37682 عن علي و ح 37693-37727 عن أنس وجهم. الفتوح لابن أعثم:182/2 كتاب عبيد الله ليزيد عن أبي بريدة الاسلمي،و العقد الفريد:251/4-292 عن أبي هريرة كتاب الخلافة خلافة أبي بكر-وفاته و خلافة علي،و ترجمة علي من تاريخ دمشق:117/3- 119 ح 1140 عن واثلة محتجا،و 260/1 ح 303 عن علي الهلالي،و الكامل في التاريخ:562/2 عن الحسين حوادث سنة 61،و ترجمة الحسين من تاريخ دمشق:62-64 ح 62 ابن يثيع عن علي و الحارث و 66 إلي 86 عن ابن عباس و عمر بن الخطاب و ابن عمر و ابن مسعود و مالك بن الحويرث. و خصائص النسائي:118-119-124 ح 126-127-137-138-139 عن أبي سعيد و أبي هريرة، و صفة الصفوة:321/2،و ترجمة الحسين من تاريخ دمشق:73 عن حذيفة بن اليمان و أبي سعيد و جابر و انس،و المعجم الكبير:35/3 إلي 40 و 58 ح 2598 و ما بعده ترجمة الحسن-بقية أخباره-عن عمر و الحارث و ابن يحيي عن علي و أبي هريرة و حذيفة و أبي سعيد و جابر و ابن قرة و اسامة بن زيد الهلالي و 292/19 ترجمة مالك بن الحويرث الليثي،و صحيح الترمذي:656/5-661 ط.دار الحديث،و كنوز الحقائق:400-435،و سنن ابن ماجه:44 من المقدمة باب فضائل اصحاب الرسول،و مناقب الأمير للكوفي:223/2-238-513-595-257-250-245 ح 687 عن أبي سعيد و ح 1014 عن علي بن الحسين عن جده و ح 1100 عن سليمان الأعمش و ح 716 عن الحويرث،و كفاية الطالب:341-342 باب 97 عن ابن عمر و علي و عمر و حذيفة و جابر و أبي هريرة و أبي سعيد و أسامة بن زيد و ابن قرة باب الثامن بعد المائة عن حذيفة و ابن عمر. و نور الأبصار:126 ط.الهند و 231 ط.قم باب 2 ذكر مناقبهما من طرق،و تاريخ الخلفاء للسيوطي: 189 فضل الحسن عن أبي سعيد،و مناقب الخوارزمي:106-290-294-199 فصل 9-16-19 ح 111-240-279-283 عن بريدة و عمار و سليمان الأعمش و الرضا،و الفصول المهمة:138-163 عن حذيفة و ابن عمر،و الصواعق:191 ط.مصر و ط.بيروت 284-290 الفصل الثاني و الثالث من الخاتمة عن حذيفة و عمر و أبي سعيد و علي و جابر و أبي هريرة و أسامة و البراء و ابن مسعود. و مقتل الحسين للخوارزمي:65/1-81-92-130-139-140 و 253 الفصل 5-6--11 عن الرضا و حذيفة و أبي بكر و أبي هريرة و ابن الحنفية و الحسين. و شرح العقائد النسفية:104،و ترجمة الحسين من الطبقات الكبري:28 ح 211 عن أبي سعيد،و الجامع الصغير:254/1،و أسد الغابة:9/2-18 ترجمة الحسن و الحسين،و إرشاد القلوب:431/2-419 عن سلمان الفارسي و سلمان الأعمش. و كمال الدين:257/1-258-260-263 باب 24 النص علي القائم عن جابر و الرضا و سلمان. و البحار:228/36-254-263-272-289-319،و مائة منقبة:44 منقبة 2 عن ابن عباس عن علي،و الطرائف:201/1،و كشف اليقين:325،و نهج الحق:513-392-255،و غيبة النعماني: 39 عن الحسين بن الحسن البصري يرفعه باب 4،و كفاية الأثر:38-10-102-124-222-144 عن ابن عباس و أبي ذر و زيد و عمار و علي،و عيون أخبار الرضا:26/2 32 باب 31 ح 128 و 56 عن الرضا و 120 باب 35 ح 1 عن الرضا. و كشف الغمة:78/2-147-152 و 159-177-222-225-و 258/3. ينابيع المودة 153/1-164 إلي 168-214-222-227 ط.استانبول 1301 ه و 180-193-194- 196 252-262-269 ط.النجف باب 54 عن أبي سعيد و حذيفة و الحويرث و ابن عمر و 261-309- 310 ط.استانبول 1301 ه و 311-371-373 ط.النجف باب 58-59 عن معاذ و حذيفة و عمر و علي و جابر و أبي هريرة و أسامة و البراء و ابن مسعود،و المسند:369/3-473-469-502 ط.ب عن أبي سعيد ح 10616-11224-11368 و 542/6 ط.ب عن حذيفة و 3/3-62-64-82 ط.م و 391/5- 292-62-82-64 ط.م،و ذخائر العقبة:129-136 عن عمر و ابن عمر و أبي بكر و أبي سعيد و حذيفة و الهلالي. و الصواعق:137 ط.مصر و ط.بيروت 211 عن أبي سعيد الفصل الثاني من الباب العاشر،و شرح النهج: 14/16 كتاب 31 عن أبي هريرة،و كمال الدين 669/2 عن الاصبغ بن نباته عن علي باب 58 ح 14. و الرواة هم:أبو سعيد و حذيفة بن اليمان-مالك بن الحويرث-و ابن عمر-عمر بن الخطاب-علي و جابر -أبو هريرة-قرة ابن اياس-أسامة-البراء-ابن قرة-و الحارث و الهلالي و أنس و ابن عباس و الحسين بن علي و أبو امامة و جهم و أبو بريدة الأسلمي-واثلة و علي بن الحسين و سليمان الأعمش و عمار و علي بن موسي الرضا و أبو بكر و ابن الحنفية-أبو ذر و زيد بن أرقم و سلمان الفارسي-و مالك بن الحويرث-و ابن مسعود.

و جاء في وصف الحسن بن علي عليهما السّلام الدال علي كونه أفضل أهل زمانه:بن

ص: 15

(علم منثور و در منثور من مزرع الزهراء،في أهل العباء و الكسا،معدن السخاء،شجرة الصفاء،اشبه الخلق بالمصطفي،قبلة العارفين و علم المتهدين،و ثاني الخمسة الميامين،الذي افتخر بهم الروح الامين و باهل بهم اللّه المباهلين،و منبع الحكمة اجلّ الخلائق في زمانه و افضلهم و اعلاهم حسبا و نسبا و علما..) (1).

و صلي عليه ابن عربي بقوله:(علي سر الأسرار و مشرق الأنوار الظاهر بالبرهان و الباطن بالقدرة و الشأن،فاتحة مصحف الوجود،بسملة كتاب الموجود،حقيقة نقطة البائية،المتحقق بالمراتب الانسانية،حيدر إمام الأبداع،الكرار في معارك الاختراع،النير الجلي و النجم الثاقب إمام الأئمة الحسن بن علي بن أبي طالب) (2).

*الطريق الثاني:انه صلوات اللّه عليه دعا الناس الي بيعته و القول بإمامته لعدم خلو الأرض من الحجة،و هو محق في ذلك للقطع بعدالته و عصمته بآية التطهير و حديث الثقلين.

*الطريق الثالث:النص عليه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

جاء في خطبة الغدير بعد تنصيب عليّ إماما:«إنهما لسيدا شباب أهل الجنة و انهما لإمامان بعد أبيهما علي» (3).

و اشتهر عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا» (4)كمال الدين:260/1 ح 6 من الباب 24.(5).

و في لفظ:«بأبي أنتما من امامين صالحين اختاركما اللّه مني و من أبيكما و أمكما و اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة» (6).

و عن علي بن موسي الرضا عن آبائه:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحسن و الحسين إماما أمتي بعد أبيهما و سيدا شباب أهل الجنة» (6).

و منها قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حقهما:«...و أما الحسن فانه ابني و ولدي و بضعة مني و قرة عيني و ضياء4.

ص: 16


1- مناقب آل أبي طالب:4/4.
2- وسيلة الخادم و المخدوم:293.
3- روضة الواعظين:98 مجلس في ذكر الإمامة.
4- أهل البيت لتوفيق أبو علم:195 ذكر أولاده-و صرح بأنه متواتر،و الطرائف:196/1،و مناقب آل أبي طالب:368/3،و الإرشاد:30/2،و أعلام الوري:208،و كفاية الأثر:38-117،و كشف الغمة: 159/2،و العوالم:174/15،روضة الواعظين:156 مجلس في ذكر إمامتهما،و البحار:
5- 325/- 289-319.
6- أعلام الوري:382.

قلبي و ثمرة فؤادي و هو سيد شباب أهل الجنة و حجة اللّه علي الأمة،أمره أمري و قوله قولي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني.

و أما الحسين فإنه مني و هو ابني و ولدي و خير الخلق بعد أخيه و هو إمام المسلمين و مولي المؤمنين و خليفة رب العالمين و غياث المستغيثين و كهف المستجيرين.

و حجة اللّه علي خلقه أجمعين و هو سيد شباب أهل الجنة و باب نجاة الأمة أمره امري و طاعته طاعتي من تبعه فانه مني و من عصاه فليس مني..» (1).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي بعثني بالحق نبيا ان الحسين بن علي في السماء اكبر منه في الأرض و إنه مكتوب علي يمين عرش الله:مصباح هاد و سفينة نجاة و امام غير و هن و عز و فخر و علم و ذخر» (2).

و روي عن أبي سعيد عقيصا عن الحسن قوله:«ألا تعلمون أني إمامكم و مفترض الطاعة عليكم واحد سيدي شباب أهل الجنة بنص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّ؟»

قالوا:بلي (3).

*الطريق الرابع:النص عليه من أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام:

و النص من الإمام السابق مما أجمع عليه الفريقان انه يثبت الإمامة (4).

منها ما في كتاب الإمام الحسن الي معاوية:قال عليه السّلام:«و بعد...فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت و لاني هذا الأمر بعده» (5).

و في لفظ آخر:«ان عليا لما مضي لسبيله ولاّني المسلمون الأمر بعده» (6).

و قال في إثبات الوصية:إن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«إني أوصي إلي الحسن و الحسين فاسمعوا لهما و أطيعوا أمرهما» (7).

و نص المدائني علي ذلك في حديث ابن عباس:«إن أمير المؤمنين عليه السّلام توفّي و قد ترك خلفا فإن أحببتم خرج إليكم» (8).8.

ص: 17


1- أمالي الصدوق:100،و إرشاد القلوب:296/2،و فرائد السمطين:35/2.
2- أعلام الوري:378.
3- كفاية الأثر:225.
4- كما صرح بذلك القاضي اللايجي في مواقفه المقصد الثالث عنه الغدير:141/7 و كذلك الروزبهان كما في إحقاق الحق:336/2.
5- مناقب آل أبي طالب:31/4،و شرح النهج للمعتزلي:36/16-40 ط.مصر.
6- مقاتل الطالبين:66،و شرح النهج لابن أبي الحديد:34/16 كتاب 29 ترجمة الحسن.
7- إثبات الوصية:131.
8- شرح النهج لابن أبي الحديد:22/16 كتاب 29 ترجمة الحسن،و جواهر المطالب:195/2 باب 68.

قال ابن قدامة و غيره:و عهد اليه أبوه حين ضرب،فلما مات علي رضي اللّه عنه بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا (1).

و قال في مروج الذهب و أنساب الأشراف:و قد ذكرت طائفة من الناس أن عليا أوصي الي ابنه الحسن و الحسين لأنهما شريكاه في آية التطهير،و هذا قول كثير ممن ذهب الي القول بالنص (2).

و قال عليه السّلام:«أنتما إمامان بعدي سيدا شباب أهل الجنة و المعصومان حفظكما اللّه و لعنة اللّه علي من عاداكما» (3).

و قال سليم بن قيس الهلالي (4):شهدت أمير المؤمنين حين أوصي الي ابنه الحسن عليه السّلام و أشهد علي وصيته الحسين عليه السّلام و محمدا و جميع ولده و رؤساء شيعته و أهل بيته ثم دفع إليه الكتاب و السلاح و قال له:

«يا بني إنه أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصي إليّ و دفع إليّ كتبه و سلاحه،و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلي أخيك الحسين عليه السّلام» (5).

و في حديث الأصبغ بن نباتة:قال خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و هو يقول:«...إن خير الخلق بعدي و سيدهم إبني هذا إمام كل مسلم و ولي كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و إنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و خير الخلق و سيدهم بعد الحسن ابني الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول بأرض كربلاء» (6).

و في رواية:«الحسن و الحسين من عترتي و أوصيائي و خلفائي» (7).

و نحو ذلك من النصوص (8).

***

البيعة و معانيها

اشارة

و مما يناسب ذكره و يفيد لما يأتي تحديد معني البيعة.

تطرح البيعة في عصر النص لمن لا يؤمن به،و إلا مع التسليم للنص علي الخلفاء لا معني لها.

ص: 18


1- التبيين في أنساب القرشيين:105 الحسن بن علي،و تاريخ دمشق:261/13 ترجمة هشام.
2- مروج الذهب:42/2 ط.مصر 1346 و 413/2 ط.الأندلس-بيروت،و أنساب الأشراف:504/2- 497 أمر ابن ملجم و قتل علي مع تفاوت و عدم ذكر الحسين.
3- كفاية الأثر:221.
4- روري عن جابر عن الباقر.
5- أعلام الوري:207.
6- أعلام الوري:377.
7- كفاية الأثر:221،و إثبات الهداة:139/5.
8- راجع أصول الكافي:297/1-300.

و هي الإتفاق التعاقدي القائم علي ركنين:

أ-ركن الإيجاب و يتمثل في:أهل الحل و العقد أو أهل الإختيار.

ب-ركن القبول و يتمثل في المرشح للخلافة.

و عند عقد الإيجاب و صفق يد المبايع علي المبايع له يصبح الثاني أميرا أو خليفة أو وليا، و يجب علي الطرف الأول الإلتزام بأوامره.

و البيعة كانت متداولة في عصر النبي الأعظم و الأئمة الأطهار فوردت عنهم بعض الروايات حولها و نزلت بها بعض الآيات كما يأتي.

و هي علي معاني و أقسام:

1-بيعة القلوب:

و هذا المعني من المعاني الثابتة،و المراد به تجرّد الإنسان و انسلاخه عن كل شيء ليبيع نفسه للّه تعالي و يسلّم أمره لوليه،و مصداقها بيعة الرضوان أو بيعة الشجرة (1)و غيرهما لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

و قال: لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (2).

و قال عزّ من قائل إِنَّ اللّهَ اشْتَري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (3).

فهذا التعهد و الإلتزام القلبي و المعاملة الرابحة مع اللّه تعالي نابع من القلب السليم للإنسان المؤمن الذي رضي اللّه عنه و أيّده و أيّد بيعته.

و من التاريخ بل الصحيح أنه أشرف بيعة قلبية،بيعة أصحاب الإمام الحسين ليلة عاشوراء- و نحن في اليوم العاشر-فإنهم بايعوا الإمام الحسين علي الطاعة و الإلتزام القلبي قبل العملي،بايعوه مع معرفتهم أنها بيعة موت أو بيعة حبّ و فناء في أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و حتي أصبح أحدهم يقف أمام الإمام و هو يصلّي و السهام تغرس في صدره.

و أيضا هناك بيعة في آخر الزمان لإمامنا المفدي المهدي عليه السّلام من قبل حزب اللّه الغالبون الذين وعد اللّه بهم يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكافِرِينَ (4)أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ... أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5).

ص: 19


1- راجع أمالي المفيد:114،و مناقب آل أبي طالب:303/1.
2- سورة الفتح،الآية:10 و 18.
3- سورة التوبة،الآية:111.
4- سورة المائدة،الآية:54.
5- سورة المجادلة،الآية:22.

جعلنا اللّه من أصحاب بيعة القلوب لإمامنا المهدي عليه السّلام تلك البيعة التي تنتظرها ألوية حزب اللّه المفلحون أناء الليل و أطراف النهار،و تدعو بتعجيل الفرج من أجلها.

جاء في دعاء العهد:اللهم بلّغ مولاي صاحب الزمان صلوات اللّه عليه عن جميع المؤمنين و المؤمنات في مشارق الأرض و مغاربها و برها و بحرها و سهلها و جبلها حيّهم و ميتهم عني و عن والدي و ولدي من الصلوات و التحيات زنة عرش اللّه و مداد كلماته و منتهي رضاه و عدد ما أحصاه كتابه و أحاط به علمه.

اللّهم إني أجدد له في هذا اليوم و في كل يوم عهدا و عقدا و بيعة في رقبتي... (1).

و هذا المعني للبيعة لا يتنافي مع الولاية بل هو شرط في كمالها و شرفها.

2-بيعة الإلزام:

و هي أن نلزم من يعتقد أنّ البيعة هي الموجبة لصيرورة الشخص خليفة علي قاعدة(ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) (2)و مصداقها بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام بعد موت عثمان،فالقوم كانوا معتقدين لذلك فوافق الأمير لإلزامهم بها،قال عليه السّلام لمعاوية:«إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان علي ما بايعوهم عليه،فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد» (3).

و قال له:«إنّ بيعتي لزمتك و أنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان» (4).

و هذا المعني لا يعني أنّ الخلافة لم تكن ثابتة قبل البيعة،إذ خلافة الأمير ثابتة قبلها،نعم هي ملزمة لمعاوية و أصحابه المعتقدين لصحة مثل هذه البيعة.

و الأمر كذلك في الولاية في عصر الغيبة فكل من يعتقد أنّ تصدّي الفقيه للامور السياسية أو مبايعة أهل الحل و العقد موجبا لصيرورته قائدا،حتي لو لم يكن يؤمن بولاية الفقيه العامة؛ملزم بقبول الولاية و أحكامها.

لذا علي رأي كثير من فقهاء السنّة فإنهم ملزمون بإمامة ولي الفقيه الفعلي في زماننا،لأنّهم يرون صحة عقد الإمامة بواحد من أهل الحل كما صرح به إمام الحرمين الجويني (5)،و القرطبي (6)، و أبي الحسن الأشعري (7)،و قيل:تنعقد برجلين (8)و قيل بخمسة (9).

ص: 20


1- مفاتيح الجنان:891،دعاء العهد،و بحار الأنوار:96/53.
2- وسائل الشيعة:485/17 ح 5،و الفصول المهمة للحر العاملي:479/2 ح 2316.
3- نهج البلاغة 366 ط صبحي الكتاب 6.
4- وقعة صفين:290.
5- الإرشاد في أصول الاعتقاد:424 ط مصر.
6- تفسير القرطبي:269/1 ط.مصر.
7- أصول الدين للبزدوي:189.
8- أصول الدين للبغدادي 381.
9- الملل و النحل لابن حزم:167/4 ط مصر 1321 ه.

و هذا المعني من البيعة ثابت أيضا كسابقه،نعم تفترق عن المعني الأول بأنها ليست نابعة من القلب و لا تحمل صفاته،و كذلك تفترق عن المعاني الأخري الآتية من جهة أنها مختصة بمن يؤمن بمثلها فتلزمه و إن كان مخالفا للمبايع له،فليست هي بيعة تأكيد لأنهم لا يؤمنون بإمامته،و لا بيعة تأسيس لأنهم ما أرادوها.

3-بيعة التأكيد و تجديد العهد:

و هي الإيمان بثبوت الخلافة أو الإمامة و الولاية سابقا ثم تأكيد و تجديد العهد بواسطة البيعة، و هذا المعني ثابت بل هو معني شريف مطلوب من كل إنسان،لأنه يعبّر عن الرضي و استمراره بالطاعة و الولاء و بيع النفوس و الإموال للّه تعالي وحده لا شريك له،و تجسيد ذلك بالإلتزام بأوامر الخليفة أو الولي،و تعتبر البيعة بهذا المعني من متممات الإمامة و الولاية.

و مصداقها الأساسي بيعة الغدير،فقد كان النبي ثبّت ولاية الأمير منذ اليوم الأول يوم نزول قوله تعالي وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (1)،و لكن أخذ يؤكّد عليها طيلة حياته،بقوله:أنت مني بمنزلة هارون من موسي (2)،و بحديث الثقلين (3)،إلي أن وصل إلي غدير خم فنصّبه علما للناس و أمر الناس أن يبايعوه علي الطاعة و الولاية في ذلك المكان الجامع الحار الغريب ليكون التأكيد أبلغ لا ينسي بمرّ الزمن و تغير الأحوال،و ليكون تجديد العهد في كل عام من السنة بحلول عيد الغدير فيستحب للإنسان تجديد تلك البيعة.

و قد أيّدت الآية النازلة في غدير خم حيث قال تعالي قبل عقد البيعة لأمير المؤمنين: اَلنَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (4).

ثم قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم الغدير:أ لست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟قالوا:بلي،قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه (5).

و مصداقها الآخر بيعة الإمام المهدي في كل يوم كما ورد في دعاء العهد:(اللهم إني أجدد له في هذا اليوم و في كل يوم عهدا و عقدا و بيعة في رقبتي) (6).

فروحي فداه ثبتت طاعته و إمامته و قيادته في أعناقنا منذ بدء إمامته منتظرين لخروجه المبارك،

ص: 21


1- سورة الشعراء،الآية:214.
2- محاسن البرقي:159/1 ح 97،و الكافي 26/8،و الخصال 211 ح 34.
3- البصائر:432،و كمال الدين 64،و معاني الأخبار 90-91-93.
4- سورة الأحزاب،الآية:5.
5- بحار الأنوار:138/37،و أمالي الصدوق:50،و معاني الأخبار:67،و دلائل الإمامة:18.
6- دعاء العهد،مفاتيح الجنان:891.

إنما نجدد له في كل يوم بيعة له في أعناقنا للتأكيد علي الطاعة،و بيع النفس و الأموال من أجله أرواح العالمين له الفدي.

و من مصداقها بيعة الولي الفقيه،لما ثبت في محلّه (1)أن الأدلّة علي ولايته ثابتة بالأدلة الخاصة من أهل البيت عليهم السّلام،و لكن ينبغي تأكيد هذا الثبوت بالبيعة له لتوثيق الإلتزام و طاعة ولي أمر المسلمين.

بل ينبغي تجديد هذه البيعة في كل عام لما فيها من مصالح جمّة،كتوحيد الصفوف و إرهاب الأعداء بوحدة الكلمة و الثبات علي الإلتزام بقيادة الولي،و بتنفيذ جميع أوامره للدفاع عن المقدّسات الإسلامية و حماية المستضعفين في جميع أقطار العالم،و مساعدتهم في نيل حقوقهم المشروعة.

قال تعالي: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ (2).

و مما لا شك فيه أنّ تجديد البيعة لولي أمر المسلمين إرهاب لعدو اللّه و عدونا بل لفئة آخرين لا يعلمهم إلاّ اللّه،لما فيها من قوة و عزة و منعة للمسلمين و الإسلام.

قال تعالي: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا (3) وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ (4).

و قال رسول اللّه:«يد اللّه مع الجماعة» (5)أو«علي الجماعة» (6)و مراده بالجماعة الجماعة في البيعة قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (7).

و قد وجدنا أثر هذه البيعة في إيران الإسلام لولي الأمر و كيف كان الاستكبار يرهب منها و يحسب لها ألف حساب،و هكذا في لبنان بتجديد البيعة للمجاهدين،تلك البيعة المستمدة و التابعة لبيعة ولي الأمر،لما فيها من إرهاب العدو و نظم الصفوف و تشجيع المجاهدين علي المضي في عقيدتهم.

4-بيعة العهد:

و مرادنا منها أنّ الخلافة ثابتة من قبل و لكن فعليتها و خروجها من حيّز النظرية إلي التطبيق متوقف علي البيعة،فيجب علي الناس مبايعة الخليفة أو الإمام و الولي لتصح منهم الطاعة و تسقط عنهم تكاليف الولاية.

ص: 22


1- فصلّناه في كتاب:ولاية لبفقيه الدستور الإلهي للمسلمين.
2- سورة الأنفال،الآية:60.
3- سورة آل عمران،الآية:103.
4- سورة الأنفال،الآية:46.
5- مجمع الزوائد:221/5.
6- نهج البلاغة:8/2(محمد عبده)رقم 127.
7- سورة الفتح،الآية:10.

و يعبّر عنها البعض ببيعة العقد،أي هناك عاقد و معقود له و يجب علي العاقد تنفيذ العقد.

و هذا المعني للبيعة من المعاني المنفية،إما لعدم الدليل عليه،و إما لتنافيه مع الآراء المطروحة في النبوة و الإمامة و الخلافة،إذ من يؤمن بالنص لا يرتضيه،و كذا من يؤمن بالشوري و الإنتخاب كما يأتي،و هكذا من يؤمن بالولاية.

5-بيعة التاسيس:

و نعني بها أنّ البيعة شرط لإنشاء الولاية،و لا ولاية و لا إمامة و لا خلافة قبل البيعة،و هذا المعني من المعاني المنفية أيضا بل هو أخطرها،و لم يذهب إليه أحد من المتقدمين و لا المتأخرين، نعم استحسنه إستحسانا بعض المعاصرين،و هو مبتني علي أمور:

1-إنكار كون أدلّة ولاية الفقيه تدل علي عموم النصب،أي ليس لكل فقيه ولاية.

2-عموم النصب يؤدي إلي الهرج الغريب في المجتمع.

3-أنّ الشارع أو كل أمر الإختيار إلي الناس أنفسهم في هذا العصر.

4-أنه المتّبع في الجمهورية الإسلامية في إيران.

5-أنها الطريقة المألوفة عند العقلاء.

ثم طرح أدلّة علي هذا المعني إعترف نفسه بعدم صلاح سندها،و إن كانت أيضا الدلالة غير صالحة (1).

و أمّا الأمر الأول فوقع خلط فيه،إذ الفقهاء عند ما يقولون أنّ الأدلّة تدل علي عموم النصب و أنّ لكل فقيه ولاية لا يقفون عند هذا الحّد ليعترض أنّ الفقيه في نفس الوقت يكون وليا و مولّي عليه.

إنما يشترطون الأعلمية و التصدي كدليل عقلي علي تقديم بعض الفقهاء،ليصبح الفقيه الأعلم و الأفضل و الأقدر المتصدي وليا علي الجميع،و إلاّ فحتي علي البيعة التأسيسية سوف يكون الفقيه وليا و متولي عليه قبل البيعة،فالأعلمية و التصدي لا أقل تعتبر كالبيعة المزعومة.

أما الأمر الثاني:أن عموم النصب يؤدي إلي الهرج،فأولا:ذكرنا أن عموم النصب مشروط بالتصدّي فلا يؤدي إلي الهرج،بل يؤدي إلي إلغاء الهرج و توحيد الصفوف و رفع الظلم كما حصل عند تصدي الإمام الراحل الخميني(قدس سره).

ثانيا:تعدد ولاية الفقهاء ليست كتعدد الزعامات،ففقهاؤنا أعزهم اللّه لا يحكمون إلاّ بما أنزل اللّه تعالي،نعم وحدة الولاية أمر مطلوب كما ذكرناه مفصلا في كتاب الولاية،لكن لا للزوم الهرج المذكور.

ص: 23


1- راجع ولاية الآمر للشيخ الآصفي:95.

و الأمر الثالث:من كون الشارع أوكل الإختيار للإنسان،فهو واضح البطلان إما للأدلة الخاصة التي تنص أن تولية الولي من قبل المعصومين عليه السّلام،و إما للزومه اختلاف الناس علي اختلاف آرائهم و توجهاتهم.

و الأمر الرابع:فيه خلط،فليس المتبع في إيران الإسلام أنّ الولي الفقيه يبايع من قبل الناس أو ينتخب،نعم أوضحنا في محلّه أنّ دستور الجمهورية يشترط تعين الولي من قبل الخبراء و هذا غير ثبوت الولاية العامة.

و الأمر الخامس:كسابقيه فليس ديدن العقلاء علي البيعة بهذا المعني في الأمور الخطيرة كالولاية و الإمامة،بل نجد العقلاء علي تقديم الأعلم و الأفضل بالتعيين و النص،نظير لو وجد عدة أطباء بنفس التخصص فإننا لا نجد عاقلا يقول إنتخبوا أحدهم أو تعالوا لنبايع أحدهم،بل نجدهم و بلا تردد يعينون الأعلم و الأجدر منهم،نعم إذا كانت البيعة بالمعني الأول و الثالث صحّ.

إلاّ إذا قدمت المصالح الشخصية فعندها علي العقول السليمة السلام.

و من الشواهد علي بطلان البيعة بهذا المعني الإنتخاب و الشوري بناء علي تماميتها،كما ذكرناه في محلّه.

و الخلاصة ما قيل في البيعة التأسيسية غير سليم و لا دليل معتبر عليه،بل لعله من الأفكار المتسربة من التاريخ الدخيل العامّي إذ ما زالوا ينادون بالبيعة و ألّفوا فيها الكتب لإلغاء النص المتبع عند مذهب أهل بيت العصمة و الطهارة عليه السّلام.

نعم،للبيعة بهذا المعني مصداق وقع في صدر الإسلام و هو البيعة التي حصلت في سقيفة بني ساعدة بقوة الإرهاب و الرشوة و قد أوضحنا ذلك في كتابنا هذا،فهذه البيعة التي حصلت في السقيفة أنشأت خلافة مزعومة إستمرت سنتين،إلاّ أنها بيعة باطلة لمخالفتها لنص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي الخليفة الحقيقي الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام.

و بطلانها يتبين من تصريحات الصحابة أنفسهم منذ انعقاد هذه البيعة،فإنهم صرّحوا أنّ أمير المؤمنين أولي من غيره لأعلميته و أفضليته و لنص النبي عليه،كتصريح:معاوية،و سلمان،و العباس، و أبو سفيان،و ابن عباس،و المقداد كما تقدم في سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام (1).

-و هناك عدة آيات و روايات تنفي توكيل أمر الأمة للإنسان نحو:

- اَلنَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (2).6.

ص: 24


1- شرح النهج 21/9 خطبة 135،و تاريخ المدينة 931/3 ذيل أخبار عمر.
2- سورة الأحزاب،الآية:6.

- ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (1).

- أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّهِ وَ الرَّسُولِ (2).

- وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَ إِلي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (3).

و من الروايات ما يأتي في روايات الشوري نحو قول أمير المؤمنين لابن عباس:«عليك أن تشير عليّ فإذا خالفتك فأطعني» (4).

و في النهج:«لك أن تشير علي و أري فإن عصيتك فأطعني» (5).

و عن الإمام الرضا عليه السّلام:«إنّ رسول اللّه كان يستشير أصحابه ثم يعزم علي ما يريد اللّه» (6).

هذا و قد صرح أمير المؤمنين أن بيعة العامة لا أساس لها إنما الميزان في اختيار الخليفة و القائد هو كونه أعلم بأمر اللّه و أقواهم عليه قال:«أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه و أعلمهم بأمر اللّه فيه،فإن شغب شاغب استعتب،فإن أبي قوتل.و لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتي تحضرها عامة الناس فما إلي ذلك سبيل و لكن أهلها يحكمون علي من غاب عنها» (7).

و نحو ذلك من الروايات (8).

فعلم أنّ المعاني الثلاثة الأولي ثابتة في البيعة دون الأخيرتين.

و منه يعلم أنّ حرمة نقض البيعة مختص بالمعاني الثلاثة الاولي،فيجب علي المبايع الوفاء ببيعته علي حسب مراتبها،قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أيها الناس إنّ لي عليكم حقا و لكم عليّ حق، فأمّا حقكم عليّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم،و تعليمكم كيلا تجهلوا،و تأديبكم كيما تعملوا،و أمّا حقي عليكم فالوفاء بالبيعة،و النصيحة في المشهد و المغيب و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين آمركم» (9).

و قال إمامنا الصادق عليه السّلام:«من فارق جماعة المسلمين و نكث صفقة الإمام جاء إلي اللّه عزّ و جلّ أجذم» (10).1.

ص: 25


1- سورة الأحزاب،الآية:36.
2- سورة النساء،الآية:59.
3- سورة النساء،الآية:83.
4- الوسائل:428/8 عن نهج البلاغة.
5- نهج البلاغة 76/4(محمد عبده)رقم 322.
6- بحار الأنوار:101/72 ح 23.
7- نهج البلاغة:الخطبة:171.
8- راجع بحار الأنوار 98/72 إلي 125 ح 1 إلي 41.
9- نهج البلاغة:79 الخطبة 34.
10- أصول الكافي 405/1.

و نكث صفقة الإمام أي نكث البيعة (1)و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ثلاث موبقات:نكث الصفقة و ترك السنّة و فراق الجماعة (2).

***

أسرار الحسن بن علي عليه السّلام

فمن ذلك:أنه لما قدم من الكوفة جاءت النسوة يعزينه في أمير المؤمنين عليه السّلام،و دخلت عليه أزواج النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فقالت عائشة:يا أبا محمد ما مثل فقد جدّك إلاّ يوم فقد أبوك،فقال لها الحسن:

نسيت نبشك في بيتك ليلا بغير قبس بحديدة،حتي ضربت الحديدة كفك فصارت جرحا إلي الآن فأخرجت جردا أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتي أخذت منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين لها وزنا ففرقتيها في مبغضي علي صلوات اللّه عليه من تيم و عدي،و قد تشفيت بقتله،فقالت:قد كان ذلك (3).

و من ذلك:أنّ معاوية لمّا أراد حرب علي عليه السّلام و جمع أهل الشام،سمع بذلك ملك الروم فقيل له:رجلان قد خرجا يطلبان الملك،فقال:من أين؟

فقيل له:رجل بالكوفة و رجل بالشام،فقال:(فسألهم عن صفتهما،فوصفوهما له،ثم قال لخزان بيوت خزائنه:أخرجوا إلي الأصنام،فنظر إليها فقال:الشامي ضال و الكوفي هاد) (4)ثم كتب إلي معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك،و بعث إلي أمير المؤمنين عليه السّلام إبعث إلي أعلم أهل بيتك، حتي أجمع بينهما و أنظر في الإنجيل من أحق بالملك منكما و أخبركما،فبعث إليه معاوية ابنه يزيد، و بعث إليه أمير المؤمنين الحسن عليه السّلام،فلما دخل يزيد أخذ الرومي يده فقبّلها،و لما دخل الحسن عليه السّلام قام الرومي فانحني علي قدميه فقبلهما،فجلس الحسن عليه السّلام لا يرفع بصره،فلما نظر ملك الروم إليهما أخرجهما معا،ثم استدعي يزيد وحده،و أخرج له من خزانته 113 صنما تماثيل الأنبياء و صورهم و قد زيّنت بكل زينة،فأخرج صنما فعرضه علي يزيد فلم يعرفه،ثم عرض آخر فلم يعرفه،ثم سأله عن أرزاق العباد و عن أرواح المؤمنين،و أرواح الكفار،أين تجمع بعد الموت؟فلم يعرف،فدعا الحسن بن علي عليه السّلام و قال:إنّما بدأت بهذا حتي يعلم أنّك تعلم ما لا يعلم،و أن أباك يعلم لا أبوه و أن أباك ربّانيّ هذه الامّة،و قد نظرت في الإنجيل فرأيت الرسول محمدا و الوزير عليا و نظرت إلي الأوصياء فرأيت أباك فيها وصي محمد.

ص: 26


1- راجع البحار 266/2 ح 25.
2- الخصال 42/1.
3- الهداية الكبري للخصيبي:197.
4- زيادة عن البحار:(234/33 ح 517)لتقويم المعني.

فقال للرومي:سلني عمّا بدا لك من علم التوراة،و الإنجيل و الفرقان،أخبرك،فدعا الأصنام،فأوّل صنم عرضه عليه علي صفة القمر.

فقال الحسن عليه السّلام:هذه صفة آدم أبي البشر،ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس،فقال:هذه صفة حواء أمّ البشر،ثم عرض آخر،فقال:هذا عليه صفة شيث بن آدم،و هذا أوّل من بعث و كان عمره في الدنيا 1540 سنة،ثم عرض عليه آخر فقال:هذه صفة نوح صاحب السفينة،و كان عمره في الدنيا 2500 سنة و لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما،ثم عرض عليه آخر،فقال:هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة،ثم عرض عليه آخر،فقال:هذه صفة موسي بن عمران و كان عمره 245 سنة و كان بينه و بين إبراهيم 500 سنة،ثم عرض عليه آخر،فقال:هذه صفة إسرائيل و هو يعقوب الحزين،ثم عرض عليه آخر،فقال:هذه صفة إسماعيل،ثم عرض عليه آخر، فقال:هذه صفة يوسف بن يعقوب،ثم عرض عليه آخر،فقال:هذه صفة داود صاحب الجراب، ثم عرض عليه آخر فقال:هذه صفة شعيب،ثم زكريا،ثم عيسي ابن مريم روح اللّه و كلمته،و كان عمره في الدنيا 23 سنة ثم رفعه اللّه إليه ثم يهبط إلي الأرض بدمشق و يقتل الدجّال،ثم عرضت عليه أصنام الأوصياء،و الوزراء،فأخبر بأسمائهم،ثم عرضت عليه أصنام في صفة الملوك و قال له ملك الروم:هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة و الإنجيل.

فقال الحسن عليه السّلام:هذه صفة الملوك،فقال ملك الروم عند ذاك:أشهد لكم يا آل محمد أنكم أوتيتم علم الأوّلين و الآخرين،و علم التوراة و الإنجيل،و صحف إبراهيم و ألواح موسي،و إنّا نجد في الإنجيل أن أوّل فتنة هذه الامّة وثوب شيطانها الضليل علي ملك نبيّها و اجتراؤه علي ذريته،ثم قال للحسن عليه السّلام:أخبرني عن سبعة أشياء خلقها اللّه تعالي،لم تركض في رحم.

فقال الحسن عليه السّلام:آدم و حواء،و كبش إبراهيم،و ناقة صالح،و إبليس و الحية و الغراب الذي ذكر في القرآن.

ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه السّلام:في السماء الرابعة تنزل بقدر و تبسيط،و سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون؟فقال:تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة و هي العرش الأدني و منها يبسط اللّه الأرض و إليها يطويها و إليها المحشر.ثم سأله عن أرواح الكفّار فقال:تجتمع في وادي حضرموت عند مدينة في اليمن ثم يبعث اللّه نارا من المشرق و نارا من المغرب و يتبعها ريح شديد فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فأهل الجنة عن يمينها،و أهل النار عن يسارها في تخوم الأرض السابعة،فتحشر الناس عند الصخرة،فمن وجبت له الجنة دخلها و من وجبت له النار دخلها،و ذلك قوله:فريق في الجنة و فريق في السعير.

فالتفت الملك إلي يزيد و قال:هذا بقيّة الأنبياء و خليفة الأوصياء،و وارث الأصفياء و ثاني النقباء،و رابع أصحاب الكساء،و العالم بما في الأرض و السماء،أفقياس هذا بمن طبع علي قلبه

ص: 27

و هو من الضّالين،ثم كتب إلي معاوية:من آتاه اللّه العلم و الحكمة بعد نبيّكم و حكم التوراة و الإنجيل و أخبار الغيب،فالحق و الخلافة له،و من نازعه فإنّه ظالم،ثم كتب إلي أمير المؤمنين عليه السّلام إنّ الحق لك و الخلافة فيك و في ولدك إلي يوم القيامة،فقاتل من قاتلك يعذّبه اللّه بيدك،فإنّ من عصاك و حاربك عليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين (1).

و من ذلك من كراماته ما روي عن مولانا الباقر عليه السّلام أنّ جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسن عليه السّلام:يابن رسول اللّه ما عندك من عجائب أسرار أمير المؤمنين عليه السّلام الذي كان يرينا أي شيء نريد يرينا إيّاه؟

فقال:هل تعرفون أمير المؤمنين عليه السّلام؟فقالوا:نعم،فرفع سترا كان علي باب البيت،و قال:

أنظروا،فنظروا فإذا أمير المؤمنين،فقالوا:نعم،هذا أمير المؤمنين لا نشك فيه و نشهد أنك خليفته حقا و صدقا (2).

***

شباهة الحسن بالنبي عليه السّلام

و كان الحسن رضي اللّه عنه يشبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الصدر إلي الرأس،و الحسين يشبه ما كان أسفل من ذلك (3).

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:من سرّه أن ينظر إلي أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين عنقه إلي وجهه و شعره فلينظر إلي الحسن بن علي،و من سرّه أن ينظر إلي أشبه الناس برسول اللّه ما بين عنقه إلي كعبه خلقا و لونا فلينظر إلي الحسين بن علي عليه السّلام (4).

و عن عقبة بن الحارث قال:صلي بنا أبو بكر العصر ثم خرج و علي يمشيان فرأي الحسن يلعب مع الغلمان فأخذه فحمله علي عنقه قال:ثم قال:

بأبي شبه النبي [غير]شبيه بعلي

[قال:]و علي يتبسّم أو يضحك.رواه البخاري عن أبي عاصم[أيضا] (5).

ص: 28


1- بحار الأنوار:237/33 ح 517 و الحديث طويل جدّا اختصر هنا.
2- مدينة المعاجز:76/3-512.
3- صحيح الترمذي:/659/5ح 3776،و مطالب السؤول:15/2.
4- صحيح الترمذي:/660/5ح 3779،و المعجم الكبير:/98/3ح 3768.
5- مسند الإمام أحمد 1:8،و في صحيح البخاري في باب صفة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ج 4:227 من طريق أبي عاصم، و فيه: بأبي شبيه النبي لا شبيه بعلي و علي يضحك.

و عن مصعب بن عبد اللّه قال:ذكر عن[عبد اللّه]البهيّ مولي الزبير قال:تذاكرنا من أشبه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من أهله (1)فدخل علينا عبد اللّه بن الزبير فقال:أنا أحدّثكم بأشبه أهله إليه،و أحبّهم إليه الحسن بن علي.رأيته يجيء و هو ساجد فيركب رقبته-أو قال:ظهره-فما ينزله حتي يكون هو الذي ينزل،و لقد رأيته يجيء و هو راكع فيفرج له بين رجليه حتي يخرج من الجانب الآخر (2).

و عن أنس بن مالك قال:لم يكن منهم أحد أشبه برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الحسن بن علي (3).

و عن أبي جحيفة قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أبيض قد شاب و كان الحسن بن علي عليه السّلام يشبهه (4).

و عن علي عليه السّلام،قال:الحسن أشبه برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين الصدر إلي الرأس و الحسين أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما كان أسفل من ذلك (5).

و يروي أنّ وجه الحسن كان يشبه وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كان جسد الحسين يشبه جسد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم(6).

***

توديع النبي للحسن عليهما السّلام

عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:لما ثقل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه الذي قبض فيه،كان رأسه في حجري و البيت مملوء من أصحابه من المهاجرين و الأنصار،و العباس بين يديه يذبّ عنه بطرف ردائه،فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يغمي عليه ساعة و يفيق أخري،ثمّ وجد خفة فأقبل علي العباس فقال:يا عباس يا عمّ النبيّ إقبل وصيتي في أهلي و في أزواجي و اقض ديني و أنجز عداتي و أبريء ذمّتي.

فقال العباس:يا نبي اللّه أنا شيخ ذو عيال كثير غير ذي مال ممدود و أنت أجود من السحاب الهاطل و الريح المرسلة فلو صرفت ذلك عني إلي من هو أطوق له مني،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أما

ص: 29


1- في نسب قريش:«من أشبه الناس بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فدخل...».
2- في كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري:23.
3- مصنف عبد الرزاق ح 20984،و سنن الترمذي:196/13 مناقب الحسن و الحسين.
4- صحيح مسلم،كتاب الفضائل،الباب(29)،حديث رقم 2343.
5- أخرجه الترمذي في المناقب ح 3781 و حسنّه،و صححه ابن حبّان ح 2235.
6- صحيح الترمذي:/659/5ح 3777،و مطالب السؤول:14/2.

إني سأعطيها من يأخذها بحقها و من لا يقول مثل ما تقول،يا عليّ هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد،يا عليّ إقبل وصيتي و أنجز مواعيدي و أدّ ديني،يا عليّ اخلفني في أهلي و بلّغ عني من بعدي.

قال عليّ عليه السّلام:فلمّا نعي إليّ نفسه رجف فؤادي و ألقي عليّ لقوله البكاء،فلم أقدر أن أجيبه بشي،ثمّ عاد لقوله فقال:يا عليّ أو تقبل وصيتي؟

قال:فقلت:و قد خنقتني العبرة و لم أكد أن أبيّن:نعم يا رسول اللّه.

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا بلال ائتني بسوادي إئتني بذي الفقار و درعي ذات الفضول إئتني بمغفري ذي الجبين،و رايتي العقاب،إئتني بالعنزة و الممشوق (1)فأتي بلال بذلك إلاّ درعه كانت يومئذ مرتهنة، ثمّ قال:إئتني بالمرتجز و العضباء و اليعفور و الدلول (2)،فأتي بهما فوقفهما في الباب،ثمّ قال:إئتني بالأتحمية و السحاب،فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشيء شيء فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب فطلبها فأتي بها و البيت غاصّ يومئذ بمن فيه من المهاجرين و الأنصار،ثمّ قال:يا عليّ قم فاقبض هذا،و مدّ اصبعه و قال:في حياة مني و شهادة من في البيت لكيلا ينازعك أحد من بعدي،فقمت و ما أكاد أمشي علي قدم حتّي استودعت ذلك جميعا منزلي،فقال:يا عليّ أجلسني،فأجلسته و أسندته إلي صدري،قال عليّ عليه السّلام:فلقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إن رأسه ليثقل ضعفا و هو يقول:

يسمع أقصي أهل البيت و أدناهم:إنّ أخي و وصيي و وزيري و خليفتي في أهلي عليّ بن أبي طالب يقضي ديني و ينجز موعدي،يا بني هاشم يا بني عبد المطلب لا تبغضوا عليّا و لا تخالفوا عن أمره فتضلّوا،و لا تحسدوه و ترغبوا عنه فتكفروا،أضجعني يا عليّ،فأضجعته فقال:يا بلال إئتني بولدي الحسن و الحسين،فانطلق،فجاء بهما فأسندهما إلي صدره فجعل صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يشمهما،قال عليّ عليه السّلام:

فظننت أنهما قد غمّاه-قال الجارودي يعني أكرباه-فذهبت لآخذهما عنه،فقال:دعهما يا عليّ يشمّاني و أشمّهما و يتزوّدا منّي و أتزود منهما فسيلقيان من بعدي[زلزلا] (3)و أمرا عضالا فلعن اللّه من يخيفهما اللّهمّ إنّي استودعكهما و صالح المؤمنين (4).

***

إخبار الحسن عليه السّلام بالغيب

عن أبي أسامة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خرج الحسن بن عليّ عليهم السّلام إلي مكّة سنة ماشيا،

ص: 30


1- العنزة:العكازة،و الممشوق من القضبان:الطويل الدقيق،و المرتجز:الفرس.
2- اليعفور:حماره،و الدلول:بغلة شهباء كانت له عليه السّلام،و الأتحمية:ضرب من البرود.
3- ليس في المصدر.
4- أمالي الطوسي:600 ح 1244 المجلس:27 ح 1.

فورمت قدماه،فقال له بعض مواليه:لو ركبت لسكن عنك هذا الورم،فقال:كلاّ إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسود و معه دهن فاشتر منه و لا تماكسه،فقال له مولاه:بأبي أنت و أمّي ما قدمنا منزلا فيه أحد يبيع هذا الدواء.

فقال له:بلي إنّه أمامك دون المنزل،فسارا ميلا فإذا هو بالأسود،فقال الحسن عليه السّلام لمولاه:

دونك الرّجل،فخذ منه الدّهن و أعطه الثّمن.

فقال الأسود:يا غلام لمن أردت هذا الدّهن؟فقال:للحسن بن عليّ.

فقال:إنطلق بي إليه،فانطلق فأدخله إليه فقال له:بأبي أنت و أمّي لم أعلم أنّك تحتاج إلي هذا أو تري ذلك و لست آخذ له ثمنا،إنّما أنا مولاك و لكن أدع اللّه أن يرزقني ذكرا سويّا يحبّكم أهل البيت؛فإنّي خلّفت أهلي تمخض،

فقال عليه السّلام:انطلق إلي منزلك فقد وهب اللّه لك ذكرا سويّا و هو من شيعتنا (1).

***

فضائل الحسن عليه السّلام

اشارة

نقل ابن شاذان بإسناده عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير هذه الامّة من بعدي عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فمن قال غير هذا فعليه لعنة اللّه» (2).

و يروي أنّ عمرو بن العاص لما أقبل الحسن بن علي رضي اللّه عنه قال:هذا أحبّ أهل الأرض إلي أهل السماء (3).

عن مصعب بن عبد اللّه قال:ذكر عن[عبد اللّه]البهيّ مولي الزبير قال:تذاكرنا من أشبه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من أهله (4)فدخل علينا عبد اللّه بن الزبير فقال:أنا أحدثكم بأشبه أهله إليه،و أحبّهم إليه الحسن بن علي.رأيته يجيء و هو ساجد فيركب رقبته-أو قال:ظهره-فما ينزله حتي يكون هو الذي ينزل،و لقد رأيته يجيء و هو راكع فيفرج له بين رجليه حتي يخرج من الجانب الآخر.

و قال فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنه ريحانتي من الدنيا و إنّ إبني هذا سيد و عسي اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» (5).

ص: 31


1- الكافي:463/1 ح 6،و كشف الغمة:180/2.
2- مائة منقبة:126،كنز الفوائد:63/1،بحار الأنوار:31/228/27.
3- البداية و النهاية:207/8،و الإصابة:78/2.
4- في نسب قريش:«من أشبه الناس بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فدخل...».
5- في كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري:23.

و قال:«اللهم إني أحبّه فأحبّه و أحبّ من يحبّه».

و عن أسامة،قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يأخذني و الحسن بن علي عليه السّلام فيقول:«اللهمّ أحبهما فإني أحبّهما (1).

عن أسامة بن زيد،قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يأخذني فيقعد[ني]علي فخذه و يقعد الحسن علي فخذه الآخر فيقول:«اللهمّ ارحمهما فإني أرحمهما» (2).

عن أبي هريرة قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«من أحبّ الحسن و الحسين فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني» (3).

عن أبي هريرة،قال:سمعت أذناي هاتان و أبصرت عيناي هاتان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو آخذ بكفيه جميعا يعني حسنا أو حسينا و قدماه علي قدم رسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول:«حزّقة حزّقة ترقّ عين بقة» فيرقأ الغلام حتي يضع قدميه علي صدر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال له:«إفتح فاك»ثم قبّله ثم قال:

«اللّهمّ أحبّه فإني أحبّه» (4).

عن علي عليه السّلام أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أخذ بيد حسن و حسين فقال:«من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة» (5).

عن ابن عباس،قال:جاء العباس يعود النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه فرفعه فأجلسه علي السرير فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«رفعك اللّه يا عم»ثم قال العباس:هذا علي يستأذن قال:فدخل و دخل معه الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال العباس:هؤلاء ولدك يا رسول اللّه قال:«و هم ولدك يا عم»فقال:

«أتحبّهم»؟فقال:[إني أحبهم.قال:]«أحبّك اللّه كما أحبّهم» (6).

زهير بن الأقمر،قال:بينما الحسن بن علي عليه السّلام يخطب بعدما قتل علي إذ قام رجل من الأزد آدم طوال،فقال:لقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم واضعه في حبونة يقول:«من أحبني فليحبه،فليبلّغ الشاهد الغائب و لو لا عزمة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما حدّثتكم» (7).

و عن عائشة أمّ المؤمنين قالت:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ذات غداة و عليه مرط مرحّل من شعر أسود فجلس،فأتت فاطمة فأدخلها فيه،ثم جاء علي،فأدخله فيه،ثمّ جاء الحسن فأدخله فيه،ثم5.

ص: 32


1- صحيح البخاري في فضائل اصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم باب ذكر أسامة بن زيد 7:70 و أحمد في مسنده 5:210.
2- صحيح البخاري:30/5 ذكر أسامة.
3- تاريخ بغداد:141/1.
4- مجمع الزوائد:176/9.
5- سنن الترمذي،مناقب علي بن أبي طالب(باب 13)(ح 3734)،و سير أعلام النبلاء 254/3.
6- المعجم الصغير:90/1 و مجمع الزوائد:173/9.
7- المسند:366/5.

جاء حسين فأدخله فيه،ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

و عن أمّ سلمة حدّثته قالت:بينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بيتي إذ قالت الخادم:إن عليا و فاطمة بالسّدّة.

قالت:فقال لي:«قومي فتنحّي لي عن أهل بيتي»قالت:فقمت فتنحيت في البيت قريبا، فدخل علي و فاطمة و معهما الحسن و الحسين و هما صبيان صغيران،فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره،فقبّلهما و اعتنق عليا بإحدي يديه و فاطمة باليد الأخري،فقبّل فاطمة و قبّل عليا فأغدف عليهم خميصة سوداء فقال:«اللهمّ إليك لا إلي النار أنا و أهل بيتي»قالت:فقلت:و أنا يا رسول اللّه.

فقال:«و أنت» (2).

و عن أمّ سلمة زوج النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لفاطمة:«ائتني بزوجك و ابنيك»فجاءت بهم فألقي عليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كساء كان تحتي خيبريا أصبناه من خيبر ثم قال:«اللّهمّ هؤلاء آل محمّد،فاجعل صلواتك و بركاتك علي آل محمّد كما جعلتها علي آل إبراهيم».و قال الشحامي:

علي إبراهيم-«إنك حميد مجيد»قالت أمّ سلمة:فرفعت الكساء-و في حديث الشحامي:أحسبه قال:فأخذت بطرف الكساء-لأدخل معهم فجذبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-زاد ابن المقريء و الشحامي:من يدي،-و قالوا:و قال:«إنّك علي خير» (3).

عن حذيفة،قال:قالت لي أمّي:متي عهدك بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟فقلت:مالي به عهد مذ كذا و كذا فنالت مني،قلت لها:دعيني فإني آتيه و أصلي معه المغرب و أسأله أن يغفر لي[و لك]قال:فأتيته و هو يصلي المغرب فقال:«ما رأيت العارض الذي عرض لي»قلت:بلي..

قال:«فذاك ملك لم يهبط إلي الأرض قبل السّاعة،استأذن ربّه عزّ و جلّ في السّلام علي فسلّم عليّ،و بشّرني بأنّ الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» (4).

عن جابر،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من سرّه أن ينظر إلي سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلي الحسن بن علي» (5).

عن الحسن قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للحسن بن علي:«إن ابني هذا سيّد و يصلح اللّه به بين فئتين من المسلمين» (6).1.

ص: 33


1- سورة الأحزاب،الآية:33.
2- مسند الإمام أحمد 6:296.
3- كتاب الأربعين:371،و تاريخ مدينة دمشق:203/13.
4- المسند:392/5 و مجمع الزوائد:183/9.
5- مسند أبي يعلي:397/3 ح 1874 بلفظ الحسين بن علي.
6- المعجم الصغير:271/1.

و في كتاب اللوامع لما صالح الحسن عليه السّلام معاوية قال:«يا أيّها الناس لو أنكم طلبتم من جابلق إلي جابلس رجلا جدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما وجدتم غيري و غير أخي».

و في رواية أنّه قيل لمعاوية:لو أمرت الحسن أن يخطب،فإنّه حديث السنّ لم يتعوّد الخطب، فيجتمع الناس إليه فيحضر فيكون في ذلك ما يصغّره في أعين الناس.

فقال كما قال لهم أوّل مرّة،فقالوا:إنّه قد شمخ أنفا و رفع رأسا و اشرأبت إليه قلوب الناس بالثقة و المقة فمره بذلك حتّي تري فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب؛فلمّا صعد المنبر و قد جمع معاوية كهول قريش و شبّانها،حمد اللّه تعالي و أثني عليه و صلّي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب،أنا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين جابلقا و جابرصا،ما أحد جدّه نبيّ غيري،أنا ابن نبي اللّه،أنا ابن رسول اللّه،أنا ابن البشير النذير،أنا ابن السراج المنير،أنا ابن بريد السماء،أنا ابن من بعث رحمة للعالمين،أنا ابن من بعث للجنّ و الإنس،أنا ابن من قابلت معه الملائكة،أنا ابن من جعلت له الأرض مسجدا و طهورا، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،فلمّا سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته و يخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما يكرهه،فقال له:يا حسن إنعت لنا الرطب فقال:يا سبحان اللّه أين هذا من هذا ثمّ قال:الحرّ ينضّجه،و الليل يبرّده و الريح تلقّحه.

ثمّ استفتح كلامه الأوّل و قال:-أنا ابن من كان مستجاب الدعوة،أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن أوّل من تنشقّ عنه الأرض و ينفض رأسه من التراب،أنا ابن أوّل من يقرع باب الجنّة،أنا ابن من رضاه رضي الرحمان و سخطه سخط الرحمان،أنا ابن من لا يسامي كرما،فقال له قومه:

حسبك يا أبا محمد ما أعرفنا بفضل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال الحسن:يا معاوية إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عمل بطاعته،و ليس الخليفة من دان بالجور و عطّل السنن،و اتّخذ الدنيا أمّا و أبا لكن ذاك ملك تمتّع في ملكه و كان قد انقطع و انقطعت لذّته و بقيت بيعته،ثمّ قال:و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلي حين ثمّ نزل عن المنبر عليه السّلام (1).

قيل:جابلس بفتح اللام بلد بالمشرق ليس وراءه شيء و جابلق بلد بالمغرب.و في المغرب قالوا:جابلقا و جابلسا قريتان إحداهما بالمغرب و الأخري بالمشرق،و لا يبعد أن تكون المدينتان هاتين القريتين.

و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ من وراء اليمن واديا يقال له وادي برهوت لا يجاوز ذلكث.

ص: 34


1- أخرجه البيهقي و المحبّ الطبري،كما في الغدير في مسند المناقب و مرسلها بتغيير يسير،غير أن في أوّله: أنّ عمرو بن العاص هو الذي قال لمعاوية ذات يوم:ابعث إلي الحسن بن علي فمره أن يخطب علي المنبر،فلعلّه يحصر فيكون ذلك ممّا نعته به.الحديث.

الوادي إلاّ الحيات السود،و خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم الذريح،لما بعث اللّه محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صاح عجل لهم فيه و ضرب بذنبه فنادي فيهم:يا آل ذريح بصوت فصيح أتي رجل بتهامة يدعو إلي شهادة أن لا اله إلاّ اللّه،قالوا لأمر ما أنطق اللّه هذا العجل،فنادي فيهم ثانية فعزموا علي أن يبنوا سفينة فبنوها و نزل فيها سبعة منهم و حملوا من الزاد ما قذف اللّه في قلوبهم ثم رفعوا شراعا و سيّبوها في البحر فما زالت تسير بهم حتي رمت بجدة،فأتوا النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال لهم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنتم أهل الذريح نادي فيكم العجل قالوا نعم،قالوا:أعرض علينا يا رسول اللّه الدين و الكتاب،فعرض عليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الدين و الكتاب و السنن و الفرائض و الشرائع كما جاء به من عند اللّه و ولي عليهم رجلا من بني هاشم سيّره معهم فما بينهم اختلاف حتي الساعة.و لا يبعد أن تكون هذه إحدي هاتين المدينتين (1).

و للسهروردي تأويل في جابلق و جابلس ذكره في كتابه حكمة الإشراق تركناه تحرزا من الإطناب.

و في هامش شرح الكافي للمازندراني:قوله«و للسهروردي تأويل»أوّله شارحه قطب الدين بعالم المثال و أصل الخبر علي ما في معجم البلدان و اللوامع لا يحتاج إلي تأويل كما قلنا،و أما في الكتاب فمشتمل علي غرائب من المبالغات التي تسري الأخبار علي ما هو معهود في نقل الوقائع لأنّ ألف ألف مصراع يقتضي كون محيط البلد أعظم من محيط كرة الأرض خمس مرات إن فرض بين كل باب و باب آخر أربعمائة ذراع فقط و محيط الأرض لا يزيد علي ستة آلاف فرسخ،و المقدار المذكور يناهز ثلاثين ألف فرسخ.و أيضا سبعون ألف ألف لغة يقتضي علي فرض كون المتكلّم بكل لغة ألف إنسان علي الأقل-إذ لا يتصور لأقل من هذا العدد لغة مستقلة-أن يكون عدة نفوس تلك المدينة سبعين ألف ألف إنسان و أهل الأرض كلها في زماننا جزء من ثلاثين جزءا من هذا العدد، و بالجملة فهذه الأمور مما أوجبت علي عقلاء الناس إما تأويله بعالم المثال أو ردّه بجهالة حال الرواة لئلا يستهزيء الملاحدة بالأخبار المنسوبة إلي المعصومين عليهم السّلام و لا يطغوا فيها فكم شكّكوا ضعفاء العقول من المؤمنين بهذا الخبر و أمثاله،و الإصرار في تصحيح الخبر و حمله علي ظاهره مفسدة للدين و منفرة للمؤمنين و لا حاجة إليه بعد الشك في صدوره من المعصوم أو اليقين بعدم صدوره(ش) (2).

و في كتاب كشف اليقين عن إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال:كنّا عند أمير المؤمنين هارون الرشيد فتذاكروا عليّ بن أبي طالب،فقال هارون:تزعم العوام إنّي أبغض عليّا و ولديه حسنا و حسينا و لا و اللّه ما ذلك كما يظنّون و لكن ولده هؤلاء طالبونا بدم الحسين فثرنا معهم حتّي قتلنا قتلته ثمّ أفضي هذا الأمر إلينا فحسدونا و خرجوا علينا فحلوا قطيعتهم،و اللّه لقد حدّثني أبي المهدي7.

ص: 35


1- شرح أصول الكافي:228/7.
2- شرح أصول الكافي:228/7.

عن أبيه المنصور عن محمّد بن علي عن عبد اللّه بن عبّاس قال:بينما نحن عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبلت فاطمة تبكي قالت:إنّ الحسن و الحسين خرجا فما أدري أين سلكا،فقال:لا تبكي فداك أبوك فإنّ اللّه أرحم بهما ثمّ قال:اللّهمّ احفظهما و سلّمهما في البرّ و البحر.

فهبط جبرئيل فقال:يا أحمد لا تحزن هما فاضلان في الدّنيا و الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجّار نائمين و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما،فقام و قمنا معه إلي الحظيرة، فإذا هما متعانقان فإذا الملك غطّاهما بأحد جناحيه فحمل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنّه حاملهما ثمّ قال:و اللّه لأشرفنّهما اليوم بما شرّفهما اللّه،فخطب فقال:أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدّا و جدّة؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين جدّهما رسول اللّه و جدّتهما خديجة بنت خويلد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير الناس أبا و أمّا؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب و أمّهما فاطمة بنت محمّد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير النّاس عمّا و عمّة؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب و عمّتهما أمّ هاني بنت أبي طالب،ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟

قالوا:بلي يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه ألا أنّ أباهما في الجنّة و أمّهما في الجنّة و جدّهما في الجنّة و جدّتهما في الجنّة و خالهما في الجنّة و خالتهما في الجنّة و عمّهما في الجنّة و عمّتهما في الجنّة و هما في الجنّة و من أحبّهما في الجنّة.

علّة التكبير في العيدين:

أبو المفضل الشيباني في أماليه و ابن الوليد في كتابه بالإسناد عن جابر قال:كان الحسن بن علي قد ثقل لسانه و أبطأ كلامه،فخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في عيد من الأعياد و خرج معه الحسن بن علي،فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:اللّه أكبر يفتتح الصلاة،فقال الحسن:اللّه أكبر،فسرّ بذلك رسول اللّه،فلم يزل يكبّر و الحسن معه يكبّر حتّي كبّر سبعا فوقف الحسن عند السابعة فوقف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عندها ثمّ قام إلي الركعة الثانية فكبّر الحسن حتّي بلغ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خمس تكبيرات،فوقف الحسن عند

ص: 36

الخامسة و وقف رسول اللّه عند الخامسة فصار ذلك سنّة في تكبير العيدين (1).

و عن علي بن جعفر قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ (2)قال:«المشكاة فاطمة عليها السّلام،و المصباح الحسن.و الحسين الزجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ (3)قال:كانت فاطمة كوكبا دريا من نساء العالمين يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ (4)الشجرة المباركة إبراهيم لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ (5)لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ(6) وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلي نُورٍ (7)قال:فيها إمام بعد إمام يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ (8)قال:يهدي اللّه عزّ و جلّ لولايتنا من يشاء» (9).

عن الأصبغ بن نباتة قال:خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم و يده في يد إبنه الحسن عليه السّلام و هو يقول:«خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم و يدي في يده هكذا و هو يقول:

خير الخلق بعدي (10)و سيدهم بعد الحسن إبني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه،المقتول في أرض كربلاء،أما إنه و أصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة،و من بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء اللّه في أرضه و حججه علي عباده،و أمناؤه علي وحيه،و أئمة المسلمين،و قادة المؤمنين،و سادة المتّقين،تاسعهم القائم الذي يملأ اللّه عزّ و جلّ به الأرض نورا بعد ظلمتها،و عدلا بعد جورها، و علما بعد جهلها،و الذي بعث أخي محمدا بالنبوة و اختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء علي لسان الروح الأمين جبرائيل،و لقد سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-و أنا عنده-عن الأئمة بعده فقال للسائل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (11)عددهم بعدد البروج،و رب الليالي و الأيام و الشهور إن عدّتهم كعدّة الشهور (12).

فقال السائل:فمن هم يا رسول الله؟فوضع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يده علي رأسي فقال:أولهم هذا و آخرهم المهدي،من والاهم فقد والاني،و من عاداهم فقد عاداني،و من أحبهم فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني،و من أنكرهم فقد أنكرني،و من عرفهم فقد عرفني،بهم يحفظ اللّه عزّ و جلّر.

ص: 37


1- رياض الأبرار:
2- سورة النور،الآية:36.
3- سورة النور،الآية:36.
4- سورة النور،الآية:36.
5- سورة النور،الآية:36.
6- في المصدر:قال:يكاد العلم أن ينطق منها.
7- سورة النور،الآية:36.
8- سورة النور،الآية:36.
9- المناقب لابن المغازلي:316-317.
10- في المصدر:خير الخلق بعدي و سيدهم أخي هذا،و هو إمام كل مسلم،و مولي كل مؤمن بعد وفاتي.ألا و إني أقول:خير الخلق بعدي و سيدهم ابني هذا،و هو إمام كل مؤمن،و مولي كل مؤمن بعد وفاتي،ألا و إنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خير الخلق و سيدهم بعد الحسن.الحديث.
11- سورة البروج،الآية:1.
12- في المصدر:إن عددهم كعدد الشهور.

دينه،و بهم يعمر بلاده،و بهم يرزق عباده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم يخرج بركات الأرض،هؤلاء أصفيائي و خلفائي و أئمة المسلمين و موالي المؤمنين» (1).

***

نور الحسن و فضله عليه السّلام

عن أبي سلمي راعي (2)رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ليلة أسري بي إلي السماء قال لي الجليل جلّ جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت: وَ الْمُؤْمِنُونَ (3)قال:صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟قلت:خيرها،قال:علي بن أبي طالب؟

قلت:نعم يا رب.

قال:يا محمد إني اطلعت إلي الأرض إطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من اسمائي فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له إسما من أسمائي فأنا الأعلي و هو علي،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من نوري (4)و عرضت ولايتكم علي أهل السماوات و الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين،و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتي يقرّ بولايتكم،يا محمد تحب أن تراهم؟قال:قلت:نعم يا رب فقال لي:إلتفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون و هو في وسطهم«يعني المهدي»كأنه كوكب دري.فقال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزّتي و جلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (5).

و نقل الشيخ الطوسي في(مصابيح الأنوار)عن أنس بن مالك قال:صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بعض الأيام صلاة الفجر،ثم أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت:يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسر لنا قول اللّه عزّ و جلّ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (6).

ص: 38


1- كمال الدين:259/1-260 ط 1390 هج-طهران.
2- في المصدر:راعي ابل.
3- سورة البقرة،الآية:285.
4- في المصدر:من سنخ نوري.و سنخ الشيء أصله.
5- مقتل الحسين:96/1.
6- سورة النساء،الآية:68.

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أمّا النبيّون فأنا،و أما الصديقون فأخي علي بن أبي طالب،و أما الشهداء فعمي حمزة،و أما الصالحون فابتني فاطمة و ولداها الحسن و الحسين».

قال:و كان العباس حاضرا فوثب و جلس بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال:ألسنا أنا و أنت و علي و فاطمة و الحسن و الحسين من نبعة واحدة؟قال:«و كيف ذلك يا عم»؟.قال العباس:لأنك تعرّف بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين دوننا.

فتبسّم النبي و قال:«أما قولك يا عم ألسنا من نبعة واحدة فصدقت و لكن يا عم،إنّ اللّه خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق اللّه آدم حيث لا سماء مبنية و لا أرض مدحية و لا ظلمة و لا نور،و لا جنة و لا نار،و لا شمس و لا قمر».

قال العباس:و كيف كان بدؤ خلقكم يا رسول اللّه؟

قال:«يا عم لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا ثم تكلم بكلمة فخلق منها روحا فمزج النور بالروح فخلقني و أخي عليا و فاطمة و الحسن و الحسين فكنا نسبّحه حين لا تسبيح، و نقدّسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه أن ينشئ الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش،فالعرش من نوري و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي بن أبي طالب فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه،و علي أفضل من الملائكة.

ثم فتق نور إبنتي فاطمة فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور إبنتي و نور إبنتي فاطمة من نور اللّه عزّ و جلّ،و إبنتي فاطمة أفضل من السماوات و الأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن و خلق منه الشمس و القمر،فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن، و نور ولدي الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر،ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي أفضل من الجنة و الحور العين.

ثم أمر اللّه الظلمات أن تمر بسحائب الظلم فأظلمت السماوات علي الملائكة فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس و قالت:إلهنا و سيدنا مذ خلقتنا و عرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة،فأخرج اللّه من نور إبنتي فاطمة قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض،ثم أشرقت بنورها،فلأجل ذلك سميّت الزهراء.

فقالت الملائكة:إلهنا و سيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات و الأرض؟ فأوحي اللّه إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي،و زوجة وليي،و أخ نبيّي، و أب حججي علي عبادي،أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم و تقديسكم لهذه المرأة و شيعتها و محبّيها إلي يوم القيامة».

ص: 39

فلما سمع العباس من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وثب قائما و قبّل ما بين عيني علي عليه السّلام و قال:و اللّه أنت يا علي الحجّة البالغة لمن آمن باللّه و اليوم الآخر (1).

و عن جابر بن يزيد الجعفي،عن الإمام العالم موسي بن جعفر الكاظم عليه السّلام قال:«إن اللّه تبارك و تعالي خلق نور محمد من نور اخترعه من نور عظمته (2)و جلاله و هو نور لاهوتيته الذي تبدّي من لاه،أي من إلهيته من إنيّته الذي تبدأ منه)و تجلّي لموسي عليه السّلام في طور سيناء،فما استقر له و لا أطاق موسي لرؤيته،و لا ثبت له حتي خر صعقا مغشيا عليه،و كان ذلك النور نور محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلما أراد أن يخلق محمدا منه قسم ذلك النور شطرين:فخلق من الشطر الأول محمدا،و من الشطر الآخر علي بن أبي طالب،و لم يخلق من ذلك النور غيرهما،خلقهما اللّه بيده و نفخ فيهما بنفسه لنفسه،و صوّرهما علي صورتهما و جعلهما أمناء له،و شهداء علي خلقه،و خلفاء علي خليقته،و عينا له عليهم،و لسانا له إليهم،قد استودع فيهما علمه،و علمهما البيان،و استطلعهما علي غيبه،و جعل أحدهما نفسه و الآخر روحه و لا يقوم أحدهما بغير صاحبه،ظاهرهما بشرية،و باطنهما لاهوتية، ظهروا للخلق علي هياكل الناسوتية،حتي يطيقوا رؤيتهما،و هو قوله تعالي: وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ فهما مقام رب العالمين،و حجابا لخالق الخلائق اجمعين،بهما فتح بدء الخلائق؛و بهما يختم الملك و المقادير.ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته،كما اقتبس نوره من نوره،و اقتبس من نور فاطمة و علي الحسن و الحسين كاقتباس المصابيح هم خلقوا من الأنوار،و انتقلوا من ظهر الي ظهر،و من صلب إلي صلب،و من رحم إلي رحم في الطبقة العليا من غير نجاسة،بل نقلا بعد نقل،لا إنه ماء مهين،و لا نطفة خشرة كسائر خلقه،بل أنوار انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلي أرحام المطهرات،لأنهم صفوة الصفوة،اصطفاهم لنفسه،و جعلهم خزّان علمه،و بلغاء عنه إلي خلقه،أقامهم مقام نفسه،لأنه لا يري و لا يدرك و لا تعرف كيفية إنيته،فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه،المتصرفون في أمره و نهيه،فيهم يظهر قوته،و منهم تري آياته و معجزاته،و بهم و منهم عرف عباده نفسه،و بهم يطاع أمره،و لولاهم ما عرف اللّه،و لا يدري كيف يعبد الرّحمن،فاللّه يجري أمره كيف يشاء،فيما يشاء،لا يسأل عما يفعل و هم يسألون» (3).

و عن أنس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لما خلق اللّه عزّ و جلّ آدم نظر إلي سرادق العرش فرأي مكتوبا لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه و أسماء أربعة فقال آدم عليه السّلام:يا إلهي خلقت خلقا من إنس قبلي؟فقال:لا،فقال:و ما هذه الأسماء التي أراها؟فقال:يا آدم هؤلاء خيرتي من خلقي، و صفوتي،يا آدم لو لا هؤلاء[ما خلقتك و لو لا هؤلاء]ما خلقت الجنّة و لا النار،إياك أن تنظر إليهمن.

ص: 40


1- بحار الأنوار 16/25.باختلاف في اللفظ.
2- في البحار:خلق نور محمد من اختراعه،من نور عظمته.
3- بحار الأنوار 28/35.مع اختلاف في السند و المتن.

بعين الحسد يا آدم،فلما أكل آدم عليه السّلام من الشجرة و أخرج من الجنة و نال الخطيئة و أراد التوبة قال في توبته و تضرعه إلي ربه:إلهي بحق الخمسة الذين علي سرادق العرش إلا غفرت لي فأوحي اللّه تعالي إليه:يا آدم قد غفرت لك فكان ذلك في سابق علمي فيك يا آدم،فقال آدم:إلهي بحق هؤلاء الخمسة و بحق المغفرة إلا عرفتني من هؤلاء؟قال تعالي يا آدم هؤلاء الخمسة من ولدك شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي العظام،فأنا المحمود و هذا أحمد،و أنا العالي و هذا علي،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا المحسن و هذا الحسن،و أنا الإحسان و هذا حسين» (1).

و عن أبي هريرة،عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:«لما خلق اللّه تعالي آدم أبو البشر،و نفخ فيه من روحه،إلتفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّدا و ركّعا قال آدم:يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟قال:لا يا آدم،قال:فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال:هؤلاء خمسة من ولدك،لولاهم ما خلقتك،هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي،لولاهم ما خلقت الجنة،و لا النار،و لا العرش،و لا الكرسي،و لا السماء و لا الأرض، و لا الملائكة،و لا الانس،و لا الجن،فأنا المحمود و هذا محمد،و أنا العالي و هذا عليّ،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا الإحسان و هذا الحسن،و أنا المحسن و هذا الحسين،آليت بعزتي أنه لا يأتني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لا أبالي،يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم (2)و بهم أهلكهم،فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل.فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجي و من حاد عنها هلك،فمن كان له إلي اللّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت» (3).

و عن سلامة عن أبي سلمي راعي إبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ليلة أسري بي إلي السماء قال لي الجليل جلّ جلاله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت:

و المؤمنون،قال صدقت يا محمد،قال:من خلّفت في أمتك؟قلت:خيرها،قال:عليّ بن أبي طالب؟قلت:نعم يا رب قال:يا محمد إني اطلعت إلي الأرض اطّلاعة فاخترتك منها و شققت لك اسما من أسمائي،فلا أذكر في موضع إلاّ ذكرت معي،فأنا المحمود و أنت محمد،ثم اطّلعت الثانية فاخترت منها عليا و شققت له إسما من أسمائي فأنا الأعلي و هو عليّ،يا محمد إني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من شبح نوري،و عرضت ولايتكم علي أهل السموات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد لو أنّ عبدا من عبيدي عبدني حتي يتقطع أو يصير كالشن البالي،ثم أتاني جاحدا1.

ص: 41


1- كتاب الأربعين:396،و الغدير:300/2.
2- في الفرائد:(هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم).
3- فرائد السمطين 1:/36ح 1.

لولايتكم ما غفرت له حتي يقرّ بولايتكم،يا محمد تحبّ أن تراهم؟قلت:نعم يا رب،فقال لي:

التفت عن يمين العرش،فالتفتّ فإذا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن عليّ و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و عليّ بن موسي و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و المهدي،في ضحضاح من نور قياما يصلون و هو في وسطهم-يعني المهدي-كأنّه كوكب درّي و قال:يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك،و عزّتي و جلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي و المنتقم من أعدائي» (1).

***

توسل آدم بالحسن عليهما السّلام

ابن بابويه قال:حدّثني محمد بن موسي بن المتوكل قال:حدّثني يحيي بن أحمد عن العباس بن معروف عن بكر بن محمد قال:حدّثني أبو سعيد المدايني يرفعه في قول اللّه عز و جل فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (2)قال:سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين. (3)

العياشي في تفسيره بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ اللّه تبارك و تعالي عرض علي آدم في الميثاق ذريّته،فمرّ به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو متّكئ علي علي عليه السّلام،و فاطمة عليها السلام تتلوهما،و الحسن و الحسين عليهما السّلام يتلوان فاطمة،فقال الله:يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري.

فلمّا أسكنه اللّه الجنّة مثل له النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم، فنظر إليهم بحسد،ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها،فلمّا تاب إلي اللّه من حسده و أقرّ بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم غفر اللّه له،و ذلك قوله فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (4)الآية (5).

***

كرامات و معاجز الحسن عليه السّلام

في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:مرض النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة و معها الحسن و الحسين عليهم السّلام فقعد الحسن عليه السّلام علي جانبه الأيمن و الحسين عليه السّلام علي جانبه الأيسر، فأقبلا يغمزان بدن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فما أفاق من نومه فقالت:إرجعا حتّي يفيق و ترجعان إليه فلم

ص: 42


1- فرائد السمطين 320/2 ح 751.
2- سورة البقرة،الآية:37.
3- معاني الأخبار 1/125.
4- سورة البقرة،الآية:37.
5- تفسير العياشي 41/1 ح 27.

يقبلا فاضطجع الحسن علي عضده الأيمن و الحسين علي عضد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الأيسر فانتبها قبل أن ينتبه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قد كانت فاطمة لمّا ناما إنصرفت إلي منزلها فقالا لعائشة:ما فعلت أمّنا؟

قالت:رجعت إلي منزلها،فقاما و خرجا في ليلة ظلماء ذات رعد و برق فسطع لهما نور فمشيا حتّي أتيا حديقة بني النجّار فبقيا لا يعلمان أين يأخذان.

فقال الحسن:ننام حتّي نصبح فاضطجعا متعانقين فانتبه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من النوم فطلبهما في منزل فاطمة و افتقدهما فقال:إلهي و سيّدي هذان شبلاي خرجا من المجاعة،اللّهم أنت وكيلي عليهما، فسطع له نور و مشي في ذلك النور إلي حديقة بني النجّار فإذا هما نائمان متعانقان و قد تقشّعت السماء فوقهما كطبق و هي تمطر و لم تمطر عليهما،و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كأجام القصب و جناحان،جناح غطّت به الحسن و جناح غطّت به الحسين عليهما السّلام،فلمّا أن بصر بهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تنحنح فانسابت الحيّة و هي تقول:اللّهم إنّي أشهدك إنّي قد حفظت شبلي نبيّك و دفعتهما إليه سالمين فقال لها:أيّتها الحيّة من أنت؟

قالت:أنا رسول الجنّ إليك نسينا آية من كتاب اللّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما نسينا،فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي:أيّتها الحيّة هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما فأخذت الآية و انصرفت،فوضع الحسن علي عاتقه الأيمن و الحسين علي الأيسر.

فقال أبو بكر:إدفع إليّ بأحد شبليك أخفّف عنك فقال:إمض فقد سمع اللّه كلامك و عرف مقامك.

و قال لعمر مثل ما قال لأبي بكر،فتلقّاه عليّ عليه السّلام فقال:ادفع إليّ أحد شبليك أخفّف عنك فقال للحسن:هل تمض إلي كتف أبيك؟

فقال:يا جدّاه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي،و قال له الحسين مثل قول أخيه فأقبل إلي منزل فاطمة و قد ادّخرت لهما تميرات فأكلا و شبعا و فرحا.فقال لهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؛قوما الآن فاصطرعا فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا حسن شدّ علي الحسين فاصرعه.

فقالت فاطمة:يا أبه و اعجباه أتشجّع الكبير علي الصغير،فقال:يا بنيّة هذا جبرئيل يقول:يا حسين شدّ علي الحسن فاصرعه (1).

و في كتاب البصائر عن الصادق عليه السّلام قال:خرج الحسن عليه السّلام في بعض عمره و معه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته فنزلوا تحت نخل يابس فقال الزبيري:لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه فرفع الحسن عليه السّلام يده إلي السماء و دعي اللّه سبحانه بكلام لم يفهمه الزبيري،فاخضرّت النخلة ثمّ عادت إلي حالها فأورقت و حملت رطبا فقال الجمّال:سحر و اللّه،فقال الحسن:ويلك9.

ص: 43


1- البحار:107/39.

ليس بسحر و لكن دعوة ابن النبيّ مجابة فصعدوا النخلة و صرموا ممّا كان فيها (1).

و في الخرائج عن الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن عليه السّلام خرج من مكّة ماشيا إلي المدينة فتورّمت قدماه فقيل له:لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم فقال:كلاّ،و لكنّا إذا أتينا المنزل فإنّه يستقبلنا أسود معه دهن يصلح لهذا الورم فاشتروا منه،و ساروا أميالا،فإذا الأسود معه الدّهن فأرادوا أن يشتروه فقال:يابن رسول اللّه أنا عبدك لا آخذ له ثمنا و لكن ادع اللّه أن يرزقني ولدا سويّا ذكرا يحبّكم أهل البيت فإنّي خلّفت امرأتي تمخض،فقال:انطلق إلي منزلك فإنّ اللّه تعالي قد وهب لك ذكرا سويّا، فرجع فإذا امرأته قد ولدت غلاما،فمسح عليه السّلام رجليه بذلك الدهن فزال الورم من ساعته (2).

و من كتاب مولد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تأليف الشيخ المفيد رحمه اللّه بإسناده إلي الباقر عليه السّلام قال:جاء الناس إلي الحسن بن عليّ عليه السّلام فقالوا:أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينا،فقال:و تؤمنون بذلك؟

قالوا:نعم.

قال:أ و ليس تعرفون أبي؟

قالوا:بل نعرفه،فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين عليه السّلام قاعد قالوا:هذا أمير المؤمنين و نشهد أنّك الإمام من بعده و لقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته كما أري أبوك أبا بكر رسول اللّه في مسجد قبا بعد موته،فقال الحسن:ويحكم أما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ فإن كان هذا نزل فيمن قتل في سبيل اللّه ما تقولون فينا؟

قالوا؛آمنّا و صدّقنا يابن رسول اللّه (3).

و عن أبي هريرة،قال:كنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في صلاة العشاء فكان إذا سجد ركب الحسن و الحسين علي ظهره،فإذا رفع رأسه رفعا رفيقا،ثم إذا سجد عادا،فإذا قضي صلاته أقعدهما في حجره.

فقال أبو هريرة:فقمت إليه فقلت:يا رسول اللّه ألا أذهب بهما إلي أمّهما؟قال:فبرقت برقة فلم يزالا في ضوئها حتي دخلا علي أمهما (4).

و عن ابن شداد قال:خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في إحدي صلاتي العشاء[أو]الظهر أو العصر و هو حامل حسنا أو حسينا فتقدم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فوضعه،ثم كبّر في الصّلاة فسجد بين ظهري صلاته3.

ص: 44


1- البحار:323/43 ح 1،و الكافي:462/1.
2- دلائل الإمامة:173،و الثاقب في المناقب:315 ح 2،و الخرائج و الجرائح:239/1.
3- البحار:329/43 ح 8.
4- مجمع الزوائد:181/9 و قال رجاله ثقات،و سنن الترمذي:194/13.

سجدة أطالها فقال أبي:فرفعت رأسي فإذا الصّبي علي ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو ساجد،فرجعت في سجودي فلما قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصّلاة قال الناس:يا رسول اللّه إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتي ظننا أنه قد حدث أمر،و أنه يوحي إليك.قال:«كل ذلك لم يكن و لكن،إن ابني ارتحلني،فكرهت أن أعجله حتي يقضي حاجته».و هذا لفظ حديث يزيد بن هارون (1).

عن جابر قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الحسن و الحسين علي ظهره و هو يمشي بهما علي أربع و هو يقول:«نعم الجمل جملكما،و نعم العدلان أنتما» (2).

عن جابر،قال:دخلت علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو يمشي علي أربع و علي ظهره الحسن و الحسين عليهما السّلام و هو يقول:«نعم الحمل حملكما و نعم العدلان أنتما».

عن أبي هريرة،قال:نظر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-و في حديث ابن الحصين:النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة فقال:«أنا حرب لمن حاربكم،سلم لمن سالمكم» (3).

عن المقدام بن معدي كرب قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«الحسن مني و الحسين من علي» (4).

و عن البرّاء بن عازب،قال:قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم للحسن أو الحسين:«هذا مني و أنا منه،و هو يحرم عليه ما يحرم عليّ» (5).

و عن إسحاق بن أبي حبيبة مولي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،عن أبي هريرة:أنّ مروان بن الحكم أتي أبا هريرة في مرضه الذي مات فيه فقال مروان لأبي هريرة:ما وجدت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلاّ في حبك الحسن و الحسين قال:فتحفّز أبو هريرة فجلس فقال:أشهد لقد خرجنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتي إذا كنا ببعض الطريق،سمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صوت الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما يبكيان-و هما مع أمّهما-فأسرع السّير حتي أتاهما فسمعته يقول:«ما شأن ابنيّ؟»

فقالت:العطش.قال:فأخلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي شنّة (6)يتوضّأ بها فيها ماء،و كان الماء يومئذ أغدارا و النّاس يريدون الماء فنادي:«هل أحد منكم معه ماء»؟فلم يبق أحد إلاّ أخلف يده إلي كلاله يبتغي الماء في شنّه فلم يجد أحدهم قطرة فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«ناوليني أحدهما»فناولته إيّاه من تحت الخدر،فرأيت بياض ذراعيهما حين ناولته فأخذه فضمه إلي صدره و هو يصغو ما يسكت).

ص: 45


1- المستدرك:165/3.
2- ذخائر العقبي:132.
3- مسند الإمام أحمد 2:442.
4- المعجم الكبير:269/20 و الفردوس:158/2 ح 2803.
5- تاريخ بغداد:357/3.
6- الشنة بهاء القربة الخلق الصغير ج شنان(القاموس).

فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتي هدأ و سكن فلم أسمع له بكاء،و الآخر يبكي كما هو ما يسكت فقال:«ناوليني الآخر»فناولته إيّاه ففعل به كذلك،فسكت فلم أسمع لهما صوتا،ثم قال:«سيروا» فصدعنا يمينا و شمالا عن الظعائن حتي لقيناه علي قارعة الطريق،فأنا لا أحبّ هذين؟و قد رأيت هذا من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟ (1).

أبو سعيد الخدري،أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دخل علي ابنته فاطمة و ابناها إلي جانبها و علي نائم، فاستسقي الحسن فأتي[رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم]ناقة لهم تحلب فحلب منها،ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتي بكي فقال:«يشرب أخوك ثم تشرب».

فقالت فاطمة:كأنه آثر عندك منه؟

قال:«ما هو بآثر عندي منه،و إنهما عندي بمنزلة واحدة،و إنّك و هما و هذا المضطجع معي في مكان واحد يوم القيامة». (2)

عن ابن مسعود:أنه كان مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ مرّ الحسن و الحسين و هما صبيان،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«هاتوا ابنيّ أعوّذهما بما عوّذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل و إسحاق».

فضمّهما إلي صدره و قال:«أعيذكما بكلمات اللّه التامة من كل شيطان و هامّة،و من كل عين لامّة» (3)(4).

عن ابن عمر،قال:كان علي الحسن و الحسين تعويذان فيهما زغب من زغب جناح جبريل عليه السّلام (5).

و عن أنس بن مالك قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا يقومنّ أحد من مجلسه إلاّ للحسن أو الحسين أو ذرّيتهما» (6).

و عن علي عليه السّلام،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا و فاطمة و الحسن و الحسين مجتمعون:هذه فاطمة و هذان الحسن و الحسين و من أحبّهما يوم القيامة في الجنة يأكل و يشرب حتي يفرّق بين العباد» (7).

و عن أبي فاختة قال:كان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين في بيت،فاستسقي8.

ص: 46


1- المعجم الكبير:43/3.
2- البحار:72/37 ح 39.
3- الهامّة:من طير الليل و هو الصدي.و اللامّة:العين المصيبة بسوء.
4- المعجم الوسيط:399/5.
5- الذرية الطاهرة:ح 145 و ميزان الإعتدال:37/1 رقم 107 ترجمة إبراهيم بن سليمان و قد وثقه ابن حبان.
6- ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام:116 ح 188.
7- ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام:117 ح 188.

الحسن فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في جوف الليل فسقاه،فسأله الحسين فأبي أن يسقيه فقيل:يا رسول اللّه كأن حسنا أحبّ إليك من حسين؟قال:«لا و لكنه استسقاني قبله»ثم قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا فاطمة أنا و أنت و هذين و هذا الراقد-لعلي-في مقام واحد يوم القيامة» (1).

و عن عقبة بن عامر،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لما استقرّ أهل الجنّة في الجنة،قالت الجنة:

يا ربّ أ ليس وعدتني أن تزيّني بركنين من أركانك؟قال:ألم أزينك بالحسن و الحسين؟قال:

فماست الجنّة ميسا؟كما تميس العروس» (2).

و عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«ألا إنّ الحسن بن علي قد أعطي الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل اللّه» (3).

و عن ابن عباس قال:صلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صلاة العصر فلما كان في الرابعة أقبل الحسن و الحسين عليهما السّلام حتي ركبا علي ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا سلّم وضعهما بين يديه،و أقبل الحسن فحمله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي عاتقه الأيمن و الحسين علي عاتقه الأيسر،ثم قال:«أيها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدّا و جدّة ألا أخبركم بخير الناس عمّا و عمّة؟

ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟ألا أخبركم بخير الناس أبا و أما؟الحسن و الحسين جدهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و جدّتهما خديجة بنت خويلد،و أمّهما فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أبوهما علي بن أبي طالب و عمّهما جعفر بن أبي طالب،و عمّتهما أمّ هاني بنت أبي طالب،و خالهما القاسم بن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خالاتهم زينب و رقية و أمّ كلثوم بنات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،جدّهما في الجنّة، و أبوهما في الجنة،و أمّهما في الجنّة،و عمّهما في الجنة،و عمّتهما في الجنّة،و خالاتاهما في الجنة،و هما في الجنّة و من أحبّهما في الجنّة» (4).

قال عمر بن الخطاب:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ فاطمة و عليا و الحسن و الحسين في حظيرة القدس في قبّة بيضاء سقفها عرش الرّحمن» (5).

و عن إبراهيم بن علي الرفعي،عن أبيه،عن جدته زينب بنت أبي رافع قالت:رأيت فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أتت بإبنيها إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في شكواه الذي توفي فيه فقالت:يا رسول اللّه هذان ابناك فورّثهما فقال:«أمّا الحسن فإنّ له هيبتي و سؤددي،و أمّا الحسين فإن له جرأتي و جودي» (6).0.

ص: 47


1- كنز العمال:639/13 ح 37612 و المستدرك:137/3.
2- الفردوس:312/2 ح 3410 عن حذيفة.
3- الفردوس:159/2 ح 2806 و تاريخ أصبهان:212/2.
4- مناقب ابن المغازلي:149 ح 188 و المعجم الأوسط:237/7.
5- البحار:76/43.
6- المعجم الكبير:423/22،و كنز العمال:113/12 ح 34250.

و عن مدرك أبو زياد قال:كنا في حيطان ابن عباس فجاء ابن عباس و الحسن و الحسين فطافوا في البستان فنظروا ثم جاؤوا الي ساقية فجلسوا علي شاطئها فقال لي الحسن:يا مدرك أعندك غداء؟

قلت:قد خبزنا.

قال:ائت به.قال:فجئته بخبز و شيء من ملح جريش و طاقتي بقل فأكل ثم قال:يا مدرك، ما أطيب هذا؟ثم أتي بغدائه-و كان كثير الطعام طيّبه-فقال:يا مدرك اجمع لي غلمان البستان قال:

فقدّم إليهم فأكلوا و لم يأكل فقلت:ألا تأكل؟فقال:ذاك أشهي عندي من هذا،ثم قاموا فتوضأوا ثم قدّمت دابّة الحسن فأمسك له ابن عباس بالركاب و سوّي عليه،ثم جيء بدابّة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب و سوّي عليه،فلما مضيا قلت:أنت أكبر منهما تمسك لهما و تسوّي عليهما؟

فقال:يا لكع أتدري من هذان؟هذان إبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أ و ليس هذا مما أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوّي عليهما؟ (1)

و عن أبي سعيد قال:رأيت الحسن و الحسين صلّيا مع الإمام العصر،ثم أتيا الحجر فاستلماه ثم طافا سبعا و صليا ركعتين،فقال الناس:هذان إبنا بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،قال:فحطمهما الناس حتي لم يستطيعا أن يمضيا و معهما رجل من الركانات و أخذ الحسن بيد الركاني و ردّ الناس عن الحسين-و كان يجله و ما رأيتهما مرّا بالركن الذي يلي الحجر من جانب الحجر إلاّ استلماه قال:

قلت لأبي سعيد:فلعله بقي عليهما بقية من سبوع قطعته الصلاة؟

قال:لا بل طافا أسبوعا تاما (2).

و عن عبد الرزاق،قال:قال لي عبد اللّه بن مصعب:كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة، فإذا ذكر عبد اللّه بن الزبير بكي،و إذا ذكر عليا نال منه،قال:فقلت:ثكلتك أمّك لروحة من علي أو غدوة[منه]في سبيل اللّه خير من عمر عبد اللّه بن الزبير حتي مات.لقد أخبرني أبي أن عبد اللّه بن عروة أخبره قال:رأيت عبد اللّه بن الزبير قعد إلي الحسن بن علي عليه السّلام في غداة من الشتاء باردة قال:فو اللّه ما قام حتي تفسّخ جبينه عرقا فغاظني ذلك،فقمت إليه فقلت:يا عم!قال:ما تشاء؟

قال:قلت:رأيتك قعدت إلي الحسن بن علي عليه السّلام فأقمت حتي تفسّخ جبينك عرقا قال:يابن أخي إنه ابن فاطمة،لا و اللّه ما قامت النساء عن مثله (3).

و عن أبي عثمان،قال:سمعت أبا الحسن المدائني يقول:قال معاوية-و عنده عمرو بن8.

ص: 48


1- مناقب آل أبي طالب:168/3،و ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام:211.
2- تاريخ مدينة دمشق:239/13.
3- تاريخ مدينة دمشق:240/13،و ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام:137 ح 228.

العاص و جماعة من الأشراف-من أكرم الناس أبا و أما و جدا و جدّة و خالا و خالة و عما و عمّة؟فقام النعمان بن العجلان الزرقي فأخذ بيد الحسن فقال:هذا أبوه علي و أمه[فاطمة]و جده رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و جدته خديجة،و عمّه جعفر،و عمته أمّ هاني بنت أبي طالب،و خاله القاسم،و خالته زينب.فقال عمرو بن العاص:أحبّ من بني (1)هاشم دعاك إلي ما عملت؟قال ابن العجلان،يابن العاصي (2)أما علمت أنّ من التمس رضي مخلوق بسخط الخالق حرّمه اللّه أمنيته و ختم له بالشقاء في آخر عمره؟بنو هاشم أنضر قريش عودا و أقعدها سلما (3)و أفضل أحلاما (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خرج الحسن بن عليّ عليهم السّلام في بعض عمرة و معه رجل من ولد الزبير،كان يقول بإمامته،فنزلوا في منهل (5)من تلك المناهل تحت نخل يابس،قد يبس من العطش،ففرش للحسن عليه السّلام تحت نخلة و فرش للزبيري بحذاه تحت نخلة أخري،قال:فقال الزبيري و رفع رأسه:لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه،فقال له الحسن:و إنّك لتشتهي الرّطب؟فقال الزبيري:نعم،قال:فرفع يده إلي السّماء فدعا بكلام لم أفهمه،فاخضرّت النخلة ثمّ صارت إلي حالها فأورقت و حملت رطبا،فقال الجمّال الّذي اكتروا منه:سحر و الله،قال:فقال الحسن عليه السّلام:ويلك ليس بسحر و لكن دعوة ابن نبيّ مستجابة،قال:فصعدوا إلي النخلة فصرموا ما كان فيه فكفاهم.

قال المازندراني في شرح الحديث:ينبغي أن يعلم أنّ الأمر الخارق للعادة من حيث إنه دال علي صدق من أتي به و حقيقته يسمي آية و علامة و بيّنة،و من حيث إنه دال علي أنّ صاحبه مكرم من عند اللّه تعالي يسمي كرامة و من حيث إنه دال علي تصديقه تعالي إياه يسمي معجزة،و من ثم قال ابن التلمساني شرط المعجزة أن يكون إخبار النبي بأنه نبي للتحدّي بها،و الفرق بينهما و بين الآية أنّ المعجزة ما وقع التحدي بها فإن كان المدعي نبيا دلت علي صدق نبوته و إن كان وليا دلت علي صدق ولايته (6).

***7.

ص: 49


1- في الجليس الصالح:فحبّ بني هاشم.
2- في الجليس:يابن العاص.
3- في الجليس الصالح:سلفا.
4- المحاسن و المساويء للبيهقي:82،و الجليس الصالح الكافي 15/3.
5- قال الجوهري:المنهل المورد،و هو عين ماء ترده الإبل في المراعي و تسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق السقاء مناهل لأنّ فيها ماء.
6- شرح أصول الكافي للمازندراني:227/7.

الآيات النازلة في الحسن عليه السّلام

اشارة

إضافة لما تقدم في تاريخ علي و فاطمة و الحسين:

قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً

روي ابن شهر اشوب من طريق الخاصة و العامة روي ذلك عن ابن عباس و ابن مسعود و جابر و البراء و أنس و أمّ سلمة و السدي و ابن سيرين و الباقر عليه السّلام في قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً قال:«هو محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و في رواية«البشر الرسول و النسب فاطمة و الصهر علي» (1).

و نقل المالكي في(الفصول المهمة)عن محمد بن سيرين في قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الآية،أنها نزلت في النبي و علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ابن عم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و زوج ابنته فاطمة فكان نسبا و صهرا (2).

و عن عبد الرّحمن بن أبي ليلي قال:قال أبي:دفع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الراية يوم خيبر إلي علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ففتح اللّه تعالي علي يده و أوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولي كل مؤمن و مؤمنة و قال له:«أنت منّي و أنا منك»و قال له:«تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل»و قال له:«أنت مني بمنزلة هارون من موسي»و قال له:«أنا سلم لمن سالمك و حرب لمن حاربك»و قال له:«أنت العروة الوثقي»و قال له:«أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم من بعدي»و قال له:«أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي»و قال له:«أنت الذي أنزل اللّه فيه وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَي النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ (3).

و قال له:«أنت الآخذ بسنّتي و الذاب عن ملّتي»و قال له:«أنا أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي»و قال له:«أنا عند الحوض و أنت معي»و قال له:«أنا أول من يدخل الجنّة و أنت معي تدخلها و الحسن و الحسين و فاطمة»و قال له:«إن اللّه تعالي أوحي إلي بأن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلّغتهم ما أمرني اللّه تعالي بتبليغه»و قال له:«إتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلاّ بعد موتي أولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون»ثم بكي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقيل له:مم بكاؤك يا رسول الله؟

قال:«أخبرني جبرئيل عليه السّلام أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده و يظلمونهم بعده،و أخبرني جبرائيل عليه السّلام عن اللّه عزّ و جلّ أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم و علت كلمتهم و اجتمعت الامة علي محبتهم و كان الشانيء لهم قليلا و الكاره لهم ذليلا و كثر المادح لهم،و ذلك حين تغيّر البلاد و ضعف العباد و اليأس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم».

ص: 50


1- مناقب آل أبي طالب:29/2.
2- الفصول المهمة:28،و العمدة عن الثعلبي:288 ح 469.
3- سورة التوبة،الآية:3.

قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«اسمه كإسمي،هو من ولد ابنتي فاطمة يظهر اللّه الحق بهم و يخمد الباطل بأسيافهم و تتبعهم الناس[بين] (1)راغب إليهم و خائف[منهم]» (2).

قال:و سكن البكاء عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:«معاشر المسلمين إبشروا بالفرج فإن وعد اللّه لا يخلف،و قضاءه لا يردّ و هو الحكيم الخبير،و إن فتح اللّه قريب اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،اللهم اكلأهم و ارعهم و كن لهم و انصرهم و أعزهم و لا تذلهم و اخلفني فيهم إنك علي ما تشاء قدير» (3).

و عن بشر بن حبيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عز و جل وَ بَيْنَهُما حِجابٌ قال:«سور بين الجنّة و النار عليه قائم آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و الحسن و الحسين و فاطمة و خديجة الكبري فينادون أين محبونا أين شيعتنا؟فيقبلون إليهم فيعرفونهم بأسمائهم و أسماء أبائهم و ذلك قوله عز و جل: يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ أي بأسمائهم في أخذون بأيديهم فيجوزون بهم علي الصراط و يدخلونهم الجنة» (4).

و نقل الشيخ الطوسي في(مصابيح الأنوار)عن أنس بن مالك قال:صلي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بعض الأيام صلاة الفجر،ثم أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت:يا رسول اللّه ان رأيت أن تفسر لنا قول اللّه عزّ و جلّ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (5)فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أمّا النبيون فأنا،و أما الصديقون فأخي علي بن أبي طالب، و أما الشهداء فعمي حمزة،و أما الصالحون فابنتي فاطمة و ولداها الحسن و الحسين».

قال:و كان العباس حاضرا فوثب و جلس بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال:أ لسنا أنا و أنت و علي و فاطمة و الحسن و الحسين من نبعة واحدة؟قال:«و كيف ذلك يا عم»؟.قال العباس:لأنك تعرّف بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين دوننا فتبسم النبي و قال:«أما قولك يا عم أ لسنا نبعة واحدة فصدقت و لكن يا عم،إن اللّه خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق اللّه آدم حيث لا سماء مبنية و لا أرض مدحية و لا ظلمة و لا نور،و لا جنة و لا نار،و لا شمس و لا قمر» (6).

آية التطهير

و قال تعالي: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه (7)،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم:«نزلت هذه الآية

ص: 51


1- زيادة من أمالي الطوسي:352 ح 726.
2- و في بعض المصادر:لهم.
3- المناقب:/61ح 31.
4- البحار:255/24 ح 19.
5- سورة النساء،الآية:68.
6- بحار الأنوار 16/25.باختلاف في اللفظ.
7- و حديث أبي سعيد صححه الحاكم و الذهبي كما في المستدرك و تلخيصه:146/3 كتاب المعرفة مناقب أهل البيت.

في خمسة:فيّ و في علي و حسن،و حسين،و فاطمة: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

و عن أنس رضي اللّه عنه،أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم كان يمر ببيت فاطمة عليها السلام ستة أشهر كلما خرج إلي الصلاة فيقول:«الصلاة أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2).

و من حديث زيد،عن شهر بن حوشب،عن أم سلمة رضي اللّه عنها،قالت:كان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم عندي،و علي،و فاطمة،و الحسن،و الحسين،فجعلت لهم خزيرة (3)فأكلوا،و ناموا،و غطي عليهم كساء أو قطيفة.

ثمّ قال:«الّلهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (4).

و عن أبي نعيم الفضل بن دكين قال:حدثنا عبد السلام بن حرب،عن كلثوم المحاربي عن أبي عمار قال:إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا رضي اللّه عنه؛فشتموه،فلما قاموا، قال:اجلس حتي أخبرك عن هذا الذي شتموه؛اني عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم إذ جاءه علي و فاطمة و حسن و حسين عليهم السّلام،فألقي عليهم كساء له،ثمّ قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي،اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

قلت:يا رسول اللّه و أنا؟.

قال:«و أنت».

قال:فو اللّه إنها لمن أوثق عمل عندي (5).

ص: 52


1- تفسير الطبري:5/22 مورد الآية،و شواهد التنزيل 41/2-44-135،و كفاية الطالب:376 باب المائة،و المعجم الكبير 327/23 ترجمة أم سلمة رواية حكيم بن سعد عنها،و 56/3 ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام،و المعجم الصغير للطبراني 65/1،باب من اسمه أحمد ح:64،و ص:135 باب من اسمه الحسن ح:62،و تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام:108-109 ح 108-109.
2- معجم الطبراني:56/3 ترجمة الحسن عليه السّلام،و ج 200/22 ترجمة أبي الحمراء،و ص:402 ترجمة فاطمة عليها السّلام،و أسد الغابة 521/5-ترجمة فاطمة عليها السّلام،و صحيح الترمذي:352/5-ح:3206 كتاب المناقب-باب التفسير ط.مصر دار الحديث-و ج 29/2 ط.بولاق 1292،و مسند أحمد 259/3-285 ط.م،و ج 157/4-202 ط.ب،و ذخائر العقبي:25،و تحفة الأحوذي(ت)ير سورة الأحزاب الحديث 3259،ج 67/9-68.
3- الخزيرة،و الخزير:اللحم يؤخذ فيقطع قطعا صغيرة ثمّ يطبخ و يذر عليه الدقيق،و لا تكون الخزيرة إلاّ و فيها لحم،فإذا لم يكن فيها لحم فهي العصيدة.راجع اللسان مادة:خزر.
4- تفسير الطبري:6/22.بحث الآية.
5- تفسير الطبري:6/22،مورد الآية،و المعجم الكبير للطبراني:66/22 ترجمة واثلة ما روي شداد عنه، و ج 55/3 ترجمة الحسن عليه السّلام،و فيه:«..عمل في نفسي»،و شواهد التنزيل:64/2-71-73،ح: 686-691-693.

و عن واثلة بن الأسقع يحدّث قال:[سألت]عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في منزله؟

فقالت فاطمة رضي اللّه عنها:قد ذهب يأتي برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم،إذ جاء،فدخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم،و دخلت فجلس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم علي الفراش،و أجلس فاطمة عن يمينه،و عليا عن يساره،و حسنا،و حسينا رضوان اللّه عليهم بين يديه،فلفع عليهم بثوبه،و قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .«اللهم هؤلاء أهلي،اللهم أهلي أحق».

قپپپال واثلة:فقلت من ناحية البيت:و أنا يا رسول اللّه من أهلك.

قال:«و أنت من أهلي».

قال واثلة:إنها لمن أرجي ما أرتجي (1).

و عن شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي اللّه عنها،قالت:لمّا نزلت هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم عليا،و فاطمة، و حسنا،و حسينا فجلّل عليهم (2)بكساء خيبريّ (3)،و قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي،اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

قالت أم سلمة:أ لست منهم؟

قال:«أنت إلي خير» (4).

و قال تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي (5)(6).

ص: 53


1- مسند الإمام أحمد:107/4،و مجمع الزوائد:167/9 ط.مصر و بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد: 263 ح 14973،و المعجم الكبير:66/22 ترجمة واثلة ما روي شداد عنه،و ج 55/3 ترجمة الحسن عليه السّلام و فيه:«لأرجي ما أرجوه»،و فتح القدير:279/4-280 مورد الآية،و ينابيع المودة:108/1-229- 294 ط.اسلامبول و ط.النجف:126-271-353،و ذخائر العقبي:24،و أسد الغابة:20/2 ترجمة الحسن عليه السّلام،و كنز العمال:92/7 ط.دكن 1312.
2- جلل عليهم:غطاهم.
3- نسبة إلي خيبر.
4- تفسير الطبري:7/22 مورد الآية،و تاريخ دمشق ترجمة الحسين عليه السّلام:96 ح 95-96.
5- الشوري:23.
6- المصادر كثيرة منها: مصادر نزول آية المودة في علي و فاطمة و أولادهما عليهم السّلام صحيح البخاري:37/6 كتاب التفسير مورد الآية،و فتح الباري بشرح البخاري:652/6 ح 3497 و /8 724 ح 4818،و كنز العمال:290/2 ح 4030 باب فضل القرآن و 498 ح 4592 باب التفسير،و النور المشتعل:207 و 208،و المعجم الكبير:47/3 ترجمة الحسن عليه السّلام و 72/12 ترجمة ابن عباس حديث الشعبي عنه و 197 ترجمة ابن عباس حديث علي بن أبي طلحة عنه،و كفاية الطالب:(1)-93 باب 11، و مناقب الخوارزمي:200-307 ح 352 و فصل 15 عن ابن عباس،و تفسير الطبري:16/25 عن علي بن الحسين،و تفسير الكشاف:467/3،و فتح القدير:534/4 و 356 مورد الآية فيهم،و الذرية الطاهرة: 108 عن الحسن،و الفصول المهمّة:152 عن الحسن-ذكر الحسن عليه السّلام-،و مقتل الحسين للخوارزمي: 57/1 فصل 5،و ذخائر العقبي:25-138،و تفسير الثعالبي:108/4 مورد الآية،و الصواعق المحرقة: 110 ط.مصر-و ط.بيروت:169-170-227-ط.مصر و 258-259-340-341 ط.بيروت الآيات النازلة فيهم آية 14 عن ابن عباس و الحسن و زين العابدين عليهما السّلام،و شواهد التنزيل:189/2 إلي 211 من ح 822 إلي 844،و تفسير نور الثقلين:570/4 إلي 576،و تفسير الرازي:164/27،و تفسير الدر المنثور:5/6 و 6،و مجمع البيان:43/9،و مستدرك الصحيحين:172/3 كتاب المعرفة فضائل الحسن،و فضل آل البيت للمقريزي:75 الآية الخامسة،و ينابيع المودة:106/1 ط.تركيا و ط.النجف: 123 باب 32 عن ابن عباس و سعيد بن جبير و زاذان عن علي و الباقر و الحسين و الرضا،و مستدرك الصحيحين:444/2،و مناقب كوفي:117/1 و 137،و الإسعاف:113،و نزل الأبرار:31 و 111 الباب الثالث و الأول و الرابع عن أبي سعيد و ابن عباس،و شرح الأخبار:172/1 عن ابن عباس، و المعجم الأوسط:88/3 ح 2176 عن الحسن،و مجمع الزوائد:103/7 ط.مصر و بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد:229/7 ح 11326 عن ابن عباس و 168/9-172 ط.مصر و بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد:226/9-272 ح 14982-15007 عن الحسن و ابن عباس،و فضائل صحابة:669/2 ح 1141 (ا)عباس،و إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف:239-245-269 عن ابن جبير و ابن عباس و الحسن و أبي سعيد،و أمالي الشجري:144/1-148 عن ابن عباس الحديث السادس،و لوامع أنوار الكوكب الدري:64/2 ابن عباس،و المواهب اللدنية:527/2 و 537،و تاريخ اصبهان:134/2 رقم 1309،و الإلمام:302،و رشفة الصادي:21-22 الباب الأول،و فرائد السمطين:13/2 ح 359، و الفتوح لابن أعثم:183/2 ذكر كتاب عبد الله إلي يزيد و بعثه برأس الحسين،و ترجمة علي من تاريخ دمشق:148/1-149،و نور الأبصار:101 ط.مصر 1322.

و عن السدي عن أبي الديلم قال:لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا،و أقيم علي درج (1)دمشق قام رجل من أهل الشام،فقال:الحمد للّه الذي قتلكم،و استأصلكم،و قطع قرن الفتنة.

فقال له علي:«أقرأت القرآن؟»

قال:نعم.

قال:قرأت«آل حم»؟

قال:قرأت القرآن،و لم أقرأ«آل حم».

قال:ما قرأت: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي ؟

قال:فإنكم لإياهم (2)؟

قال:نعم (3).ر.

ص: 54


1- درج دمشق:طريقها.
2- في الطبري و غيره:«و إنكم لأنتم هم»؟
3- تفسير الطبري:8/22 مورد الاية،و تفسير ابن كثير 535/3 ذيل الآية،و الفتوح لابن الأعثم:183/2 كتاب عبيد الله إلي يزيد و بعث رأس الحسين عليه السّلام،و مقتل الحسين للخوارزمي:61/2-62 الفصل الخامس،و الدر المنثور:7/6،و تقدم الحديث في آية التطهير.

و عن ابن عباس رضي اللّه عنه،قيل:يا رسول اللّه من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟

فقال:«علي و فاطمة و ابناهما» (1).

و عن علي عليه السّلام:فينا في آية حم أنه لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ثم قرأ: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ (2).

آية المباهلة

قال تعالي: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ .

و قد تواترت الروايات علي نزولها بأصحاب العباء و أن المراد ب«نسائنا»فاطمة بنت محمد فقط،من ذلك ما رواه ابن طلحة الشافعي و غيره قال:أمّا آية المباهلة:فقد نقل الرواة الثقات و النقلة الأثبات،أنّ سبب نزول آية المباهلة هي قوله تعالي: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ (3)إنّه قدم وفد نجران علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معهم راهبان مقدمان يقال لأحدهما العاقب و الآخر السيد،فدعاهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي الإسلام.

فقال الراهبان:قد أسلمنا قبلك.

فقال:«كذبتما إنّه يمنعكما من الإسلام ثلاثة:عبادتكم الصليب،و أكلكم الخنزير،و قولكم للّه ولد».

قالا:هل رأيت ولدا بغير أب،فمن أبو عيسي؟فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ مَثَلَ عِيسي عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا الآية.

فلمّا نزلت هذه الآية مصرحة بالمباهلة،دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وفد نجران إلي المباهلة،و تلا عليهم الآية قالوا له:حتي ننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا.

ص: 55


1- فضائل الصحابة لأحمد:187/1 ح 263،و المعجم الكبير للطبراني:47/3 ح 2614 ترجمة الحسن عليه السّلام،و مقتل الحسين للخوارزمي:57/1 الفصل الخامس،و قال في مجمع الزوائد:168/9 ط. مصر و بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد 266 ح 14982«رواه الطبراني و فيه جماعة ضعفاء و قد وثقوا»، و الدر المنثور:7/6،و فتح القدير:537/4.
2- تفسير آية المودة:51،و كنز العمال:208/1 الطبعة الاولي.
3- -كتاب عبيد الله إلي يزيد و بعث رأس الحسين عليه السّلام،و مقتل الحسين للخوارزمي:61/2-62 الفصل الخامس،و الدر المنثور:7/6،و تقدم الحديث في آية التطهير.

فلمّا خلا بعضهم ببعض،قالوا للعاقب-و كان ذا رأيهم و صاحب مشورتهم-:ما تري من الرأي؟

فقال لهم:و اللّه لقد عرفتم يا معاشر النصاري أنّ محمّدا نبي مرسل،و لقد جاءكم بالفصل فو الله ما لاعن قوم قط نبيّا إلاّ هلكوا،فإن أبيتم إلاّ الإقامة علي دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا.

فلمّا أصبحوا جاؤوا إلي رسول اللّه فخرج إليهم محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة خلفه و علي خلفهما يقول:«اللهم هؤلاء أهلي»قال الشعبي:قوله تعالي: أَبْناءَنا الحسن و الحسين عليهما السّلام وَ نِساءَنا فاطمة وَ أَنْفُسَنا علي فقال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا أنا دعوت فأمنوا»فلمّا رأي وفد نجران ذلك،و سمعوا قوله قال لهم كبيرهم:يا معشر النصاري إنّي لأري وجوها لو سألوا اللّه تعالي أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله،فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقي منكم علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة،فاقبلوا الجزية.فقبلوها و انصرفوا.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي نفسي بيده إنّ العذاب قد تدلّي علي أهل نجران،و لو تلاعنوا لمسخوا قردة و خنازير،و لاضطرم الوادي عليهم نارا،و لاستأصل اللّه نجران و أهله حتي الطير علي الشجر،و لما حال الحول علي النصاري حتي هلكوا» (1).

آية النور و البرزخ

قوله تعالي: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلي نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ (2).

رواه الشافعي ابن المغازلي باسناده قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قوله عزّ و جلّ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الآية،قال:«المشكاة»فاطمة عليها السّلام«و المصباح»الحسن و الحسين اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ قال:كانت فاطمة كوكبا دريا من نساء العالمين.

يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ الشجرة المباركة إبراهيم.

لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية.

يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال:يكاد العلم أن ينطق منها.

وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ،نُورٌ عَلي نُورٍ قال:فيها إمام بعد إمام.

ص: 56


1- تفسير الطبري 212/3،التفسير الكبير للرازي 86/8-87،الوسيط 443/1-444،مجمع البيان /1 452،دلائل النبوة لأبي نعيم 455/2،الدر المنثور 231/2.
2- سورة النور،الآية:36.

يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ قال:يهدي اللّه لولايتنا من يشاء (1).

و قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري:دخلت إلي مسجد الكوفة و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يكتب باصبعه و تبسم.

فقلت له:يا أمير المؤمنين ما الذي يضحكك؟

فقال عليه السّلام:«عجبت لمن يقرأ هذه الآية و لم يعرفها حق معرفتها».

فقلت له:أي آية يا أمير المؤمنين؟.

فقال عليه السّلام:«قوله تعالي: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلي نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيها مصباح، أنا مصباح في زجاجة،الزجاجة الحسن و الحسين،كأنها كوكب دري و هو علي بن الحسين،يوقد من شجرة مباركة محمد بن علي،زيتونة جعفر بن محمد،لا شرقية موسيبن جعفر،و لا غربية علي بن موسي الرضا يكاد زيتها يضيء محمد بن علي و لو لم تمسسه نار علي بن محمد،نور علي نور الحسن بن علي،يهدي اللّه لنوره من يشاء القائم المهدي عليهم السّلام وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (2).

و قال تعالي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (3).

فعنّ الإمام الصادق عليه السّلام في قوله مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ،قال:عليّ و فاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما علي صاحبه.

و في رواية بَيْنَهُما بَرْزَخٌ رسول اللّه يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ الحسن و الحسين عليهما السّلام (4).

و قيل:بحر النبوّة من فاطمة و بحر الفتوّة من عليّ بينهما حاجز من التقوي فلا تبغي فاطمة علي عليّ[بدعوي]و لا يبغي عليّ علي فاطمة[بشكوي] (5).ه.

ص: 57


1- مناقب ابن المغازلي:195 ط.بيروت و 317 ح 361 ط.بيروت،و بحار الأنوار:416/23،و رشفة الصادي:29 ط.مصر،و جواهر العقدين:244 الباب الرابع من القسم الثاني.
2- عوالم العلوم:21/15-22 ح 13،و البرهان 136/2 ح 16،و إلزام الناصب:78/1.
3- سورة الرحمن،الآية:19-20.
4- بحار الأنوار:32/43،و مناقب ابن المغازلي:339،ح 390،و الدرّ المنثور:142/6،و مقتل الحسين للخوارزمي:113/1،و تذكر الخواص:212 عن الثعلبي.
5- نزهة المجالس:229/2،باب مناقب الحسن و الحسين،و الإلمام بالأعلام:301/5،في التشفّي من أعداء الملوك و ما بين معكوفين منه.

و قال تعالي وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ (1).

عن أبي جعفر،عن أبيه عليهما السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها (2).

قال:«نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يأتي باب فاطمة كلّ سحر،فيقول:السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته،الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (3).

آية الشجرة و الوسيلة

قال تعالي: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها (4).

سئل الإمام الباقر عليه السّلام عنها فقال:«الشجرة رسول اللّه نسبه ثابت في بني هاشم و فرع الشجرة عليّ و عنصر الشجرة فاطمة و أغصانها الأئمّة» (5).

و في رواية:غصنها فاطمة و ثمرها أولادها (6).

و ورد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا شجرة و فاطمة فرعها و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها (7).

و أخرجه ابن عساكر بلفظ:أنا شجرة و فاطمة حملها،و في حديث آخر:و فاطمة أصلها (8).

و قال تعالي أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ (9).

فعن عكرمة:هم النبيّ و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (10).

آية الأحياء و المتّقين

قال تعالي: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمي وَ الْبَصِيرُ ... وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ (11).

فعن ابن عباس:البصير عليّ.. وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ عليّ و حمزة و جعفر و حسن و حسين و فاطمة و خديجة (12).

ص: 58


1- سورة طه،الآية:132.
2- سورة طه،الآية:132.
3- بحار الأنوار:219/35،و قريب منه في تفسير القمّي:67/2 ذيل السورة.
4- سورة إبراهيم،الآية:14.
5- بصائر الدرجات:79،ح 2،الباب الثاني.
6- معاني الأخبار:400،ح 61.
7- شواهد التنزيل:408/1،ح 430.
8- تاريخ دمشق:168/14.
9- سورة الإسراء،الآية:57.
10- شواهد التنزيل:446/1،ح 474.
11- سورة فاطر،الآية:19-20.
12- شواهد التنزيل:154/2،ح 781،و تأويل الآيات:480/2،ح 5.

قال تعالي كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (1).

فعن ابن عباس:نزلت في عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام: (2).

قال تعالي أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (3).

عن أبي سعيد الخدري قال:كنّا جلوسا مع رسول اللّه إذ أقبل إليه رجل فقال:يا رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ لإبليس: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ،فمن هم يا رسول اللّه الذين هم أعلي من الملائكة؟

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين كنّا في سرادق العرش نسبّح اللّه و تسبّح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام،فلمّا خلق اللّه آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له و لم يأمرنا بالسجود فسجدت الملائكة كلّهم إلاّ إبليس فإنّه أبي أن يسجد،فقال اللّه تبارك و تعالي أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ،أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش (4).

آية الخصاصة و الوجوه المستبشرة و العهد

قال تعالي وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (5).

روي ابن عباس أنّها نزلت أيضا في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (6).

و عن أبي هريرة أنّ النبيّ أتي فاطمة فأعلمها بجوع رجل.

فقالت:ما عندنا إلاّ قوت الصبية و لكنّا نؤثر به ضيفنا.

فقال عليّ عليه السّلام:نوّمي الصبية و أطفي السراج فلمّا أصبح غدا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فنزلت هذه الآية: وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ (7).

و روي غير ذلك من القصّة و فيها نزولها في عليّ و فاطمة (8).

قال تعالي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (9).

فعن أنس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:يا أنس هي في وجوهنا بني عبد المطّلب أنا و علي و حمزة و جعفر و الحسن و الحسين و فاطمة،نخرج من قبورنا و نور وجوهنا كالشمس الضاحية يوم القيامة،

ص: 59


1- سورة الذاريات،الآية:17-18.
2- شواهد التنزيل:268/2،ح 901.
3- سورة ص،الآية:75.
4- البحار:21/15،ح 34.
5- سورة الحشر،الآية:8.
6- شواهد التنزيل:332/2،ح 972.
7- تأويل الآيات:678/2،ح 4،و البحار:59/36،ح 1.
8- راجع البحار:59/36،و تأويل الآيات:678/2-679،ح 5-7.
9- سورة عبس،الآية:38-39.

قال اللّه تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ،يعني مشرقة بالنور في أرض القيامة، ضاحِكَةٌ فرحانة برضاء اللّه عنّا مُسْتَبْشِرَةٌ ،بثواب اللّه الذي وعدنا (1).

قال تعالي إِخْواناً عَلي سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (2).

أخرج الطبراني عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و إنّي و أنت و الحسن و الحسين و فاطمة و عقيلا و جعفرا في الجنّة إخوانا علي سرر متقابلين،أنت معي و شيعتك في الجنّة،ثمّ قرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إِخْواناً عَلي سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ينظر أحدهم في قفا صاحبه» (3).

و قال تعالي وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ (4).

فعن ابن عباس قال:نزلت في النبيّ و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (5).

و قال تعالي وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلي آدَمَ مِنْ قَبْلُ (6).

قال الإمام الباقر عليه السّلام في الآية:كلمات في محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ذرّيتهم» (7).

آية الحجاب و العنيد

قوله تعالي وَ بَيْنَهُما حِجابٌ (8).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنه سئل عن قول اللّه عز و جل وَ بَيْنَهُما حِجابٌ قال:«سور بين الجنّة و النار عليه قائم:محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي و الحسن و الحسين و فاطمة و خديجة الكبري فينادون أين محبونا أين شيعتنا؟فيقبلون إليهم فيعرفونهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و ذلك قوله عز و جل: يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ أي بأسمائهم فيأخذون بأيديهم فيجوزون بهم علي الصراط و يدخلونهم الجنّة» (9).

قوله تعالي: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ .

عن عليّ بن محمد بن مخلد عن جعفر بن حفص عن سواد بن محمد عن عبد اللّه بن نجيع عن محمد بن مسلم البطايخي عن محمد بن يحيي الأنصاري عن عمّه حارثة عن يزيد بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه قال:دخلت يوما علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:يا رسول اللّه أرني الحق حتي أتبعه فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يابن مسعود لج المخدع فانظر ما ذا تري».فولجت فرأيت أمير المؤمنين عليه السّلام راكعا

ص: 60


1- شواهد التنزيل:423/2،ح 1080.
2- سورة الحجر،الآية:47.
3- المعجم الأوسط:330/8،ح 7671.
4- سورة الطور،الآية:20.
5- شواهد التنزيل:270/2،ح 903،و تأويل الآيات:618/2.
6- سورة طه،الآية:115.
7- البحار:32/43،ح 39،و تفسير نور الثقلين:403/3،ح 158.
8- سورة الأعراف،الآية:46.
9- البحار:255/24 ح 19)

و ساجدا و هو يقول عقيب صلاته:اللهم بحرمة محمد عبدك و رسولك إغفر للخاطئين من شيعتي، قال ابن مسعود:فخرجت لأخبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بذلك فوجدته راكعا و ساجدا و هو يقول:«اللهم بحرمة عبدك عليّ إغفر للخاطئين من أمّتي»قال ابن مسعود:فأخذني الهلع حتي غشي عليّ فرفع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رأسي و قال:«يابن مسعود أكفر بعد إيمان؟»

فقلت:معاذ اللّه و لكني رأيت عليا يسأل اللّه تعالي بجاهك،و نظرت إليك و أنت تسأل اللّه تعالي بجاهه،فلا أعلم أيّكما أوجه عند اللّه من الآخر فقال:«يابن مسعود إنّ اللّه خلقني و عليا و الحسن و الحسين من نور عظمته قبل الخلق بألفي عام حين لا تسبيح و لا تقديس،و فتق نوري فخلق منه السموات و الأرض،و أنا أفضل من السموات و الأرض،و فتق نور عليّ فخلق منه العرش و الكرسي و عليّ أجلّ من العرش و الكرسي،و فتق نور الحسن فخلق منه اللوح و القلم،و الحسن أجلّ من اللوح و القلم،و فتق نور الحسين فخلق منه الجنان و الحور العين،و الحسين أفضل منهما، فأظلمت منهما المشارق و المغارب،فشكت الملائكة إلي اللّه عزّ و جلّ الظلمة و قالت:اللهم بحق هؤلاء الأشباح الذي خلقت إلاّ ما فرّجت عنا هذه الظلمة،فخلق اللّه عزّ و جلّ روحا و قرنها بأخري فخلق منهما نورا ثم أضاف النور إلي الروح فخلق منها الزهراء عليها السّلام،فمن ذلك سمّيت الزهراء، فأضاء منها المشرق و المغرب.

يابن مسعود إذا كان يوم القيامة يقول اللّه عزّ و جلّ لي و لعلي:أدخلا النار من شئتما و ذلك قوله تعالي: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ فالكفار من جحد نبوّتي،و العنيد من عاند عليا و أهل بيته و شيعته» (1).

آية الكتاب المبين

قوله تعالي: وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (2).

الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلي المفضّل بن عمر قال دخلت علي الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضّل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين كنه معرفتهم».

قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضّل تعلّم أنهم في طير عن الخلائق بجنب الروضة الخضرا فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الأعلي».

قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي.

ص: 61


1- بحار الأنوار 44/36 ح 81.
2- سورة الأنعام،الآية:59.

قال:«يا مفضّل تعلّم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوي و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء من نجم و ملك،و وزن الجبال وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (1)و هو في علمهم و قد علموا ذلك».

فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت.

قال:«نعم يا مفضّل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة و لكل مؤمن بها» (2).

آية الكلمات و الإستخلاف

قوله تعالي فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (3).

قال:سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (4).

عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالي فَتَلَقّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ :إنّ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه:اللهم بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلاّ تبت عليّ،فتاب اللّه عليه (5).

قوله تعالي: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (6).

عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كان ليلة الجمعة أهبط الربّ تبارك و تعالي ملكا إلي سماء الدنيا فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك علي العرش فوق البيت المعمور و نصب لمحمد و عليّ و الحسن و الحسين منابر من نور،فيصعدون عليها و يجمع لهم الملائكة و النبيّون و المؤمنون،و يفتح أبواب السماء فإذا زالت الشمس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا رب ميعادك الذي أوعدته في كتابك و هو هذه الآية وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية،و يقول الملائكة و النبيّون مثل ذلك ثم يخرّ محمد و عليّ و الحسن و الحسين سجّدا ثم يقولون:يا رب اغضب،يا رب اغضب،يا رب اغضب،فإنّه انتهك حريمك و قتل أصفياؤك و أذلّ عبادك الصالحون» (7).

***

ص: 62


1- سورة الأنعام،الآية:59.
2- مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.
3- سورة البقرة،الآية:37.
4- معاني الأخبار 1/125.
5- مناقب آل أبي طالب:243/1،و الخصال:305 ح 84.
6- سورة النور،الآية:55.
7- كتاب الغيبة:376.

عبادة الحسن عليه السّلام

عن محمّد بن علي قال:قال الحسن بن علي عليه السّلام:إني أستحيي من ربي عزّ و جلّ أن ألقاه و لم أمش إلي بيته[قال:]فمشي عشرين مرة من المدينة علي رجليه.

قال عبد اللّه بن عباس:ما ندمت علي شيء فاتني في شبابي إلاّ أني[لم]أحج ماشيا،و لقد حج الحسن بن علي عليه السّلام خمسا و عشرين مرة ماشيا و إنّ النجائب لتقاد معه،و لقد قاسم اللّه ماله ثلاث مرات،حتي أنه يعطي الخفّ و يمسك النعل (1).

و عن علي بن زيد بن جدعان التيمي قال:حج الحسن بن علي عليه السّلام خمس عشرة مرة ماشيا، و خرج من ماله مرتين،و قاسم اللّه ماله ثلاث مرات حتي أنّه كان ليعطي نعلا و يمسك نعلا،و يعطي خفا و يمسك خفا (2).

و عن أمّ موسي،قالت:كان الحسن بن علي عليه السّلام إذا أوي إلي فراشه بالليل أتي بلوح [منقوش]فيه سورة الكهف فيقرأها (3)قالت:فكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه.

و في الأمالي بإسناده إلي الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن بن عليّ كان إذا ذكر الموت بكي،و إذا ذكر القبر بكي و إذا ذكر البعث و النشور بكي و إذا ذكر الممرّ علي الصراط بكي،و إذا ذكر العرض علي اللّه تعالي شهق شهقة يغشي عليه منها،و كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ و جلّ و كان إذا ذكر الجنّة و النار اضطرب اضطراب السليم و إذا قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (4)قال:لبّيك اللّهمّ لبّيك.

و عن الرافعي عن أبيه عن جدّه قال:رأيت الحسن و الحسين عليهما السّلام يمشيان إلي الحجّ فلم يمرا براكب إلاّ نزل يمشي فثقل ذلك علي بعضهم،فقالوا لسعد بن أبي وقّاص:قد ثقل علينا المشي و لا نستحسن أن نركب و هذان السيّدان يمشيان فقال سعد للحسن:يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل علي جماعة ممّن معك و الناس إذا رأوكما تمشيان لم تطلب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما.

فقال الحسن عليه السّلام:لا نركب قد جعلنا علي أنفسنا المشي إلي بيت اللّه الحرام[علي أقدامنا] (5)و لكنّا نتنكّب الطريق فأخذا جانبا من الناس (6).

***

ص: 63


1- المستدرك:169/3.
2- نسب قريش للمصعب الزبيري:24،و حلية الأولياء:38/2.
3- سير الأعلام 3:260.
4- سورة البقرة،الآية:104.
5- زيادة عن المصدر.
6- الإرشاد:129/2،و البحار:276/43 ح 46.

أخلاق الحسن عليه السّلام

عن شيخ من بني جمح،عن رجل من أهل الشام قال:قدمت المدينة فرأيت رجلا جهري كحالة فقلت:من هذا؟قالوا:الحسن بن علي.فحسدت و اللّه عليا أن يكون له ابن مثله قال:فأتيته فقلت:أنت ابن أبي طالب؟

قال:أبي ابنه.فقلت:بك و بأبيك و بك و بأبيك.

قال:و أزم (1)لا يردّ شيئا ثم قال:أراك غريبا فلو استحملتنا حملناك و إن استرفدتنا رفدناك، و إن استعنت بنا أعنّاك.قال:فانصرفت و اللّه عنه و ما في الأرض أحد أحبّ إلي منه (2).

و عن أبي صالح بن سليمان،قال:قدم رجل من المدينة و كان يبغض عليا فقطع به فلم يكن له زاد و لا راحلة فشكا ذلك إلي بعض أهل المدينة،فقال له:عليك بحسن بن علي،فقال له الرجل:

ما لقيت هذا إلاّ في الحسن و أبي الحسن؟

فقيل له:فإنك لا تجد خيرا[إلاّ]منه فأتاه فشكا إليه،فأمر له بزاد و راحلة.

فقال الرجل:اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته (3).

و عن أبي جعفر،قال:جاء رجل إلي الحسين بن علي فاستعان به علي حاجة فوجده معتكفا فقال:لو لا اعتكافي خرجت معك فقضيت حاجتك.

ثم خرج من عنده فأتي الحسن بن علي عليه السّلام فذكر له حاجته فخرج معه لحاجته،فقال:أما إني قد كرهت أن أستعينك في حاجتي و لقد بدأت بحسين،فقال:لو لا اعتكافي لخرجت معك.فقال الحسن:لقضاء حاجة أخ لي في اللّه أحبّ إليّ من اعتكاف شهر (4).

و عن علي بن الحسين عليه السّلام،قال:خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال:يا أبا محمّد إذهب معي في حاجتي إلي فلان.فترك الطواف و ذهب معه فلما ذهب خرج إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه،فقال:يا أبا محمّد تركت الطواف و ذهبت مع فلان إلي حاجته؟

قال:فقال له الحسن عليه السّلام:و كيف لا أذهب معه؟و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجّة و عمرة،و إن لم تقض له كتبت له عمرة»فقد اكتسبت حجة و عمرة و رجعت إلي طوافي (5).

ص: 64


1- في المختصر«و أرم»أي:سكت.
2- تاريخ مدينة دمشق:247/13،و ترجمة الإمام الحسن:149.
3- تاريخ مدينة دمشق:247/13،ترجمة الإمام الحسن:150.
4- تاريخ مدينة دمشق:247/13،و كلمات الإمام الحسين:758.
5- كنز العمال:ح 43042.

و عن أبي بكر الأصم،قال:قال الحسن بن علي عليه السّلام ذات يوم لأصحابه:إني أخبركم عن أخ لي و كان من أعظم الناس في عيني،و كان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه.

كان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد،و لا يكثر إذا وجد،و كان خارجا من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله و لا رأيه.و كان خارجا من سلطان الجهلة فلا يمد يدا إلاّ علي ثقة المنفعة.كان لا يسخط و لا يتبرّم.

و كان إذا جامع العلماء يكون علي أن يسمع أحرص منه علي أن يتكّلم.كان إذا غلب عليه الكلام لم يغلب علي الصّمت كان أكثر دهره صامتا فإذا قال بذّ القائلين.كان لا يشارك في دعوي و لا يدخل في مراء،و لا يدلي بحجة حتي يري قاضيا.كان يقول ما يفعل،و يفعل ما لا يقول تفضلا و تكرما.

كان لا يغفل عن إخوانه و لا يختص بشيء دونهم.كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله.

كان إذا ابتدأه أمران لا يدري أيهما أقرب إلي الحق،نظر فيما هو أقرب إلي هواه فخالفه.

و قد يروي أنّ عائشة قالت:دخل رجل من أهل الشام المدينة فرأي رجلا راكبا علي بغلة حسنة قال:لم أر أحسن منه،فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل لي:إنّه الحسن بن علي بن أبي طالب.فامتلأ قلبي غيظا و حنقا و حسدا أن يكون لعلي ولد مثله،فقمت إليه فقلت:أنت ابن أبي طالب؟

فقال:(أنا ابنه).

فقلت:أنت ابن من و من و من،و جعلت أشتمه و أنال منه و من أبيه و هو ساكت،حتي إستحييت منه فلمّا إنقضي كلامي ضحك و قال:(أحسبك غريبا شاميّا).

فقلت:أجل.

فقال:(فمل معي،إن إحتجت إلي منزل أنزلناك و إلي مال أرفدناك و إلي حاجة عاوناك).

فاستحييت و اللّه منه و عجبت من كرم خلقه فانصرفت و قد صرت أحبه ما لا أحب غيره (1).

***

علم الحسن عليه السّلام

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الحسن عليه السّلام قال:إنّ للّه مدينتين إحداهما بالمشرق و الاخري بالمغرب؛عليهما سور من حديد و علي كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع و فيها سبعون ألف ألف

ص: 65


1- الكامل للمبرد 1:325،ربيع الأبرار 2:19،مناقب ابن شهرآشوب 4:23.

لغة،يتكلّم كلّ لغة صاحبها و أنا أعرف جميع اللّغات و ما فيهما و ما بينهما،و ما عليهما حجّة غيري و غير الحسين أخي (1).

و عن الحارث الأعور:أنّ عليا عليه الصلاة و السّلام سأل ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة-و قال ابن كادش:من المروءة-فقال:

يا بني ما السّداد؟قال:يا أبة السداد دفع المنكر بالمعروف.قال:فما الشرف؟قال:اصطناع العشيرة و حمل الجريرة،قال:فما المروءة؟قال:العفاف و إصلاح المرء ماله.قال:فما الدقّة؟

قال:النظر في اليسير و منع الحقير.قال:فما اللؤم؟قال:إحراز المرء نفسه و بذله عرسه من اللؤم.قال:فما السماحة؟قال:البذل في اليسر و العسر.

قال:فما الشحّ؟قال:أن تري ما في يديك شرفا و ما أنفقته تلفا.

قال:فما الإخاء؟قال:الوفاء في الشدّة و الرخاء.

قال:فما الجبن؟

قال:الجرأة علي الصديق و النكول عن العدو.قال:فما الغنيمة؟قال الرغبة في التقوي و الزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.قال:فما الحلم؟قال:كظم الغيظ و ملك النفس.قال:فما الغني؟قال:رضا النفس بما قسم اللّه جلّ و عزّ لها و إن قل فإنما الغني غني النفس.قال:فما الفقر؟

قال:شره النفس في كل شيء.

قال:فما المنفعة؟قال:شدّة البأس و مقارعة أشدّ الناس.قال:فما الذل؟

قال:الفزع عن المصدوقة.قال:فما الجرأة؟قال:موافقة الأقران.قال:فما الكلفة؟قال:

كلامك فيما لا يعنيك.قال:فما المجد؟قال:أن تعطي في الغرم و أن تعفو عن الجرم.

قال:فما العقل؟قال:حفظ القلب كل ما استرعيته.

قال:فما الخرق؟

قال:معاداتك لإمامك و رفعك عليه كلامك.قال:فما السناء؟قال:إتيان الجميل و ترك القبيح.قال:فما الحزم؟قال:طول الأناة و الرفق بالولاة و الإحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم.

قال:فما الشرف؟قال:موافقة الإخوان و حفظ الجيران.قال:فما السفه؟قال:اتّباع الدناءة و مصاحبة الغواة؟قال:فما الغفلة؟قال:تركك المسجد و طاعتك المفسد.قال:فما الحرمان؟5.

ص: 66


1- بصائر الدرجات:359،و الكافي:462/1 ح 5.

قال:تركك حظك و قد عرض عليك.قال:فما السيد؟قال:السيد الأحمق في المال المتهاون في عرضه،يشتم فلا يجيب،المتخزن بأمر عشيرته هو السيد.

قال:ثم قال علي عليه السّلام:يا بني سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«لا فقر أشد من الجهل،و لا مال أعود من العقل،و لا وحدة أوحش من العجب،و لا مظاهرة أوثق من المشاورة،و لا عقل كالتدبير،و لا حسب كحسن الخلق،و لا ورع كالكفّ،و لا عبادة كالتفكر،و لا إيمان كالحياء و الصبر.و آفة الحديث الكذب،و آفة العلم النسيان،و آفة الحلم السّفه،و آفة العبادة الفترة،و آفة الظرف الصلف،و آفة الشجاعة البغي،و آفة السّماحة المن،و آفة الجمال الخيلاء،و آفة الحسب الفخر».

يا بني لا تستخفّنّ برجل تراه أبدا فإن كان أكبر منك فعدّ أنه أبوك،و إن كان مثلك (1)فهو أخوك،و إن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك.

فهذا ما ساءل علي بن أبي طالب ابنه الحسن عن أشياء من المروءة و أجابه الحسن،و اللفظ لرواية ابن كادش و زاد:قال:قال القاضي أبو الفرج:في هذا الخبر من جوابات الحسن أباه عما ساءله عنه من الحكمة و جزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه و حفظه،و وعاه و عمل به،و أدّب نفسه بالعمل عليه،و هذبها بالرجوع إليه،و تتوفر فائدة بالوقوف عنده.و فيما رواه في أضعافه أمير المؤمنين رضي اللّه عنه،عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما لا غني بكل لبيب عليم و مدرك حليم عن حفظه و تأمّله، و المسعود من هدي لتقبّله،المحمود من وفّق لامتثاله و تقبّله (2).

و روي الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي رضي اللّه عنه،في تفسيره المسمي بالوسيط ما يرفعه بسنده:أنّ رجلا قال:دخلت مسجد المدينة،فإذا أنا برجل يحدّث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الناس حوله فقلت:أخبرني عن شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ (3).

فقال:نعم،أمّا الشاهد فيوم الجمعة،و أمّا المشهود فيوم عرفة،فجزته إلي آخر يحدّث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فقلت:أخبرني عن شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ .

فقال:نعم،أمّا الشاهد فيوم الجمعة،و أمّا المشهود فيوم النحر،فجزتهما إلي غلام آخر كأنّ وجهه الدينار و هو يحدّث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:أخبرني عن شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ.3.

ص: 67


1- في الجليس الصالح:في مثل عمرك.
2- الحديث بطوله في ترجمة الإمام الحسن في المعجم الكبير:66/3 و مجمع الزوائد:283/10 و تهذيب التاريخ:221/4،و الجليس الصالح الكافي 321/3،و مختصر ابن منظور:30/7.
3- سورة البروج،الآية:3.

فقال:نعم،أمّا الشاهد فمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّا المشهود فيوم القيامة،أما سمعته يقول: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً (1)و قال تعالي: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (2).

فسألت عن الرجل الأول فقالوا:ابن عباس،و(سألت)عن الثاني فقالوا:ابن عمر،و سألت عن الثالث فقالوا:الحسن بن عليّ بن أبي طالب،و كان قول الحسن أحسن (3).

و كتب ملك الروم إلي معاوية يسأله عن ثلاث عن مكان بمقدار وسط السماء،و عن أوّل قطرة دم وقعت علي الأرض و عن مكان طلعت فيه الشمس مرّة،فلم يعلم ذلك فاستغاث بالحسن بن علي فقال:ظهر الكعبة و دم حوّاء و أرض البحر حين ضربه موسي.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان في ذوابة سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صحيفة صغيرة و أن عليّا دعا ابنه الحسن فدفعها إليه فدفع إليه سكينا و قال له:افتحها،فلم يستطع فتحها ففتحها له ثمّ قال:إقرأ، فقرأ الحسن الألف و الياء و السين و اللام و الحرف بعد الحرف قال:ثمّ طواها و رفعها إلي ابنه الحسين عليه السّلام فلم يقدر علي فتحها،ففتحها له علي فقال:اقرأ فقرأها كما قرأ الحسن فدفعها إلي محمّد بن الحنفية فلم يقدر علي ان يفتحها ففتحها له فقال له:إقرأ فلم يستخرج منها شيئا فأخذها و طواها ثمّ علقها في ذوابة السيف قال:فقلت لأبي عبد اللّه:و أي شيء كان في تلك الصحيفة؟ قال:هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف».

قال أبو بصير:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«فما خرج منها إلاّ حرفان حتّي الساعة» (4).

و نقل الشيخ الطوسي في كتاب مصابيح الأنوار بإسناده عن رجاله مرفوعا إلي المفضل بن عمر قال دخلت علي الصادق عليه السّلام ذات يوم فقال لي:«يا مفضل عرفت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام كنه معرفتهم».

قلت:يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟

قال:«يا مفضل تعلم أنهم في طير عن الخلائق بجنب الروضة الخضرا فمن عرفهم كنه معرفتهم كان معنا في السنام الاعلي»

قال:قلت:عرّفني ذلك يا سيدي.

قال:«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق اللّه عزّ و جلّ و ذرأه و برأه و أنهم كلمة التقوي و خزناء السماوات و الأرضين و الجبال و الرمال و البحار،و عرفوا كم في السماء نجم و ملك،و وزن الجبال7.

ص: 68


1- سورة الأحزاب،الآية:45.
2- سورة هود،الآية:103.
3- الوسيط 458/4.
4- بصائر الدرجات 1/307.

وكيل ماء البحار و أنهارها و عيونها و ما تسقط من ورقة إلاّ علموها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (1).

و هو في علمهم و قد علموا ذلك»

فقلت:يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت.

قال:«نعم يا مفضّل يا مكرم نعم يا طيّب نعم يا محبور،طبت و طابت لك الجنّة و لكل مؤمن بها» (2).

***

فطنة الحسن عليه السّلام

عن عيسي بن سليمان،عن أبيه،قال:قال معاوية يوما في مجلسه إذا لم يكن الهاشمي سخيا لم يشبه حسبه،و إذا لم يكن الزّبيري شجاعا لم يشبه حسبه،و إذا لم يكن المخزومي تائها لم يشبه حسبه،و إذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه حسبه.

فبلغ ذلك الحسن بن علي عليه السّلام فقال:و اللّه ما أراد الحق و لكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنوا أموالهم و يحتاجون إليه،و يغري آل الزبير بالشجاعة فيفنوا بالقتل،و يغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس،و يغري بني آمية بالحلم فيحبهم الناس (3).

***

بركة الحسن عليه السّلام

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:لمّا عرّج برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نزل بالصلاة[عشر ركعات] (4)ركعتين ركعتين فلمّا ولد الحسن و الحسين زاد في الصلاة سبع ركعات شكرا للّه فأجاز اللّه له ذلك (5).

و عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جائعا لا يقدر علي ما يأكل فقال:هاتي ردائي فقلت:

أين تريد؟

ص: 69


1- سورة الأنعام،الآية:59.
2- مدينة المعاجز:129/2،و مشارق أنوار اليقين:55.
3- ثمار القلوب للثعالبي:90.
4- زيادة من المصدر.
5- الكافي:487/3 ح 2،و وسائل الشيعة:50/4 ح 14.

قال:إلي فاطمة إبنتي فأنظر إلي الحسن و الحسين فيذهب بعض ما بي من الجوع فدخل علي فاطمة فقال:أين إبناي؟

فقالت:خرجا من الجوع يبكيان فخرج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في طلبهما فرأي أبا الدرداء فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا عويمر هل رأيت إبنيّ؟

قال:نعم يا رسول اللّه نائمان في ظلّ حائط بني جدعان فانطلق إليهما فضمّهما و هما يبكيان و هو يمسح الدموع عنهما ثمّ قال:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو قطر قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في أمّتي إلي يوم القيامة،فحملهما و هما يبكيان و هو يبكي فجاء جبرئيل فقال:ربّك يقرئك السلام و يقول:ما هذا الجزع؟

فقال:ما أبكي جزعا من ذلّ الدّنيا.

فقال جبرئيل:إنّ اللّه تعالي يقول:أيسرّك أن أحوّل لك أحدا ذهبا و لا ينقص لك ممّا عندي شيء؟

قال:لا لأنّ اللّه تعالي لم يحبّ الدّنيا و لو أحبّها ما جعل المكاره أكملها.

فقال جبرئيل:أدع بالجفنة التي في ناحية البيت،فدعي بها فإذا فيها ثريد و لحم كثير فقال:كل يا محمّد و أطعم إبنيك و أهل بيتك فأكلوا و شبعوا و هي علي حالها فأرسل بها إليّ فأكلوا و شبعوا.

ثمّ قال:ما رأيت جفنة أعظم بركة منها فرفعت عنهم.

فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:و الذي بعثني بالحقّ لو سكت لتداولها فقراء أمّتي إلي يوم القيامة (1).

***

آدب الحسن عليه السّلام

و في عيون المحاسن عن الزوياني أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام مرّا علي شيخ يتوضّأ و لا يحسن، فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما:أنت لا تحسن الوضوء فقالا عليهما السّلام:أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا عليهما السّلام:أيّنا أحسن؟

قال:كلاكما تحسنان الوضوء و لكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن،و قد تعلّم الآن منكما و تاب علي أيديكما ببركتكما و شفقتكما علي أمّة جدّكما (2).

***

ص: 70


1- البحار:310/43.
2- مناقب آل أبي طالب:168/3،و كلمات الإمام الحسين:40.

هدية اللّه للحسن عليه السّلام

و عن أمّ سلمة قالت؛رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يلبس ولده الحسين حلّة ليست من ثياب الدّنيا فقلت:يا رسول اللّه ما هذه الحلّة؟

فقال:هذه هدية أهداها إلي ربّي للحسين و إنّ لحمتها من زغبة جناح جبرئيل،و ها أنا ألبسه إيّاها و أزيّنه بها فإنّ اليوم يوم الزينة و إنّي أحبّه (1).

و روي المفيد عن الرضا عليه السّلام قال:عري الحسن و الحسين عليهما السّلام و أدركهما العيد فقالا لامّهما:

قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ نحن فما لك[أن] (2)تزيّنينا؟

فقال:إنّ ثيابكما عند الخيّاط[فإذا أتاني زيّنتكما] (3)،فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول علي أمّهما فبكت و رحمتهما،فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع فقال:يا بنت رسول اللّه أنا الخيّاط جئت بالثياب،ففتحت الباب فإذا رجل و معه من لباس العيد فناولها منديلا مشدودا فإذا فيه قميصان و دراعتان و سروالان و رداءان و عمامتان و خفّان أسودان معقبان بحمرة،فألبستهما و دخل رسول اللّه و هما مزيّنان فحملهما و قبّلهما ثمّ قال:رأيت الخيّاط؟

قالت:نعم يا رسول اللّه قال:يا بنيّة ما هو خيّاط إنّما هو رضوان خازن الجنان ما عرج حتّي جاءني و أخبرني (4).

و روي الحسن البصري و أمّ سلمة:إنّ الحسن و الحسين دخلا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و بين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي فتناول جبرئيل تفّاحة و سفرجلة و رمّانة فناولهما ففرحا و سعيا إلي جدّهما فشمّهما و قال:سيرا إلي أمّكما و أبيكما،فلم يأكلوا حتّي صار النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلي مكانه حتّي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

قال الحسين عليه السّلام:فلم يلحقه التغيير حتّي توفّيت فاطمة ففقدنا الرمّان،فلمّا توفّي أمير المؤمنين فقدنا السفرجل و بقيت التفاحة إلي الوقت الذي حوصرت من الماء،فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي،فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها و أيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة،فلمّا قضي نحبه وجد ريحها في مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر و بقي ريحها بعد الحسين عليه السّلام و لقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره فمن أراد بذلك من شيعتنا الزائرين ليعتبر فليلتمس ذلك أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلصا.

ص: 71


1- البحار:271/43 ح 38،و العوالم،الإمام الحسين:34 ح 1.
2- في المصدر:لا.
3- زيادة عن المصدر.
4- مناقب آل أبي طالب:161/3،و البحار:289/43.

و في أمالي أبو الفتح عن ابن عبّاس قال:كنّا جلوسا عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ هبط عليه جبرئيل و معه جام من البلور الأحمر مملوّ مسكا و عنبرا فقال:السلام يقرئك السلام و يحيّيك بهذه التحيّة و يأمرك أن تحيّي بها عليّا و ولديه،فلمّا صارت في كفّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هلّلت ثلاثا و كبّرت ثلاثا و قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي (1)فشمّها (2)و حيّا بها عليّا،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (3)،فاشتمّها علي و حيّا بها الحسن،فلمّا صارت في كفّ الحسن قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (4)الآية،فاشتمّها[الحسن] و حيّا بها الحسين،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي (5)ثمّ ردّت إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (6)فلم أدر أعلي السماء صعدت أم في الأرض نزلت (7).

و في كتاب المعالم أنّ ملكا نزل من السماء فقعد علي يد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلّم عليه بالنبوّة و علي يد عليّ فسلّم عليه بالوصيّة و علي يد الحسن و الحسين فسلّم عليهما بالخلافة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لم لا تقعد علي يد فلان؟

فقال:أنا لا أقعد علي يد عصي عليها اللّه فكيف أقعد علي يد عصت اللّه أربعين عاما؟ (8).

***

نقش خاتمه عليه السّلام

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة للّه و كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره.

و عنه عليه السّلام:كان في خاتم الحسن و الحسين عليهما السّلام الحمد للّه.

و عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة لله،و خاتم الحسين عليه السّلام:العزّة للّه (9).

***

ص: 72


1- سورة طه،الآية:1-2.
2- في المصدر فاشتمها النبي.
3- سورة المائدة،الآية:55.
4- سورة النبأ،الآية:1-2.
5- سورة الشوري،الآية:23.
6- سورة النور،الآية:35.
7- مدينة المعاجز:153/1،و البحار:100/37.
8- مدينة المعاجز:416/2 ح 645،و البحار:291/43 ح 53.
9- عيون أخبار الرضا:61/1 ح 207 و أمالي الصدوق:543 ح 5.

درجات الحسن عليه السّلام يوم القيامة

و في كتاب الأمالي عن ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؛إذا كان يوم القيامة[زين عرش ربّ العالمين بكل زينة،ثم] (1)يؤتي بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش و الآخر عن يسار العرش فيؤتي بالحسن و الحسين عليهما السّلام فيقوم الحسن علي أحدهما و الحسين علي الآخر يزيّن الربّ تبارك و تعالي بهما عرشه كما يزيّن المرأة قرطاها.

و فيه أيضا عن أبي نعيم قال:شهدت ابن عمر و أتاه رجل فسأله عن دم البعوضة فقال:ممّن أنت؟

قال:من أهل العراق.

قال:انظروا إلي هذا يسألني عن دم البعوّضة و قد قتلوا ابن رسول اللّه و سمعت رسول اللّه يقول:الحسن و الحسين ريحانتاي من الدّنيا (2).

***

عصمة الحسن عليه السّلام

و عن جابر الأنصاري قال:خرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم آخذا بيد الحسن و الحسين عليهما السّلام فقال:

إنّ ابني هذين سألت اللّه لهما ثلاثا فأعطاني اثنتين و منعني واحدة سألت اللّه أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيّين فأجابني إلي ذلك،و سألت اللّه أن يقيهما و ذريّتهما و شيعتهما النّار فأعطاني ذلك و سألت اللّه أن يجمع اللّه الامّة علي محبّتهما.

فقال:يا محمّد إنّي قضيت قضاء و قدّرت قدرا،و إنّ طائفة من أمّتك ستفي لك بذمّتك في اليهود و النصاري و المجوس و سيخفرون ذمّتك في ولدك،فإنّي أوجبت إلي نفسي لمن فعل ذلك إلاّ أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة (3).

و عن عبد اللّه بن عباس قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (4).

***

ص: 73


1- زيادة من المصدر.
2- أمالي الصدوق:207 ح 12،و البحار:262/43 ح 5.
3- أمالي المفيد:79،و البحار:276/43 ح 47.
4- فرائد السمطين 2:/132ح 430.

عظمة الحسن علي اللّه و رسوله

و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و حمل جبرئيل الحسين عليه السّلام فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (1).

و في كتاب مناقب آل أبي طالب:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّي وجد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما علي عاتقيه و أتي بهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي ردّ يده إلي فمه ثمّ قال للرجل اذهب فأنت طليق،و قال لحسن و حسين:قد شفعتكما فيه فأنزل اللّه تعالي: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (2)(3).

و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوي عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أوليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوي عليهما (4).

و عن محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن همام قال:حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال:حدّثني محمد بن أحمد عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كان ليلة الجمعة أهبط الربّ تبارك و تعالي ملكا إلي سماء الدنيا فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك علي العرش فوق البيت المعمور و نصب لمحمد و عليّ و الحسن و الحسين منابر من نور،فيصعدون عليها و يجمع لهم الملائكة و النبيّون و المؤمنون،و يفتح أبواب السماء فإذا زالت الشمس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا رب ميعادك الذي أوعدته في كتابك و هو هذه الآية وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية،و يقول الملائكة و النبيّون مثل ذلك ثم يخرّ محمد و عليّ و الحسن و الحسين سجّدا ثم يقولون:يا رب اغضب،يا رب اغضب،يا رب اغضب،فإنّه انتهك حريمك و قتل أصفياؤك و أذلّ عبادك الصالحون» (5).

***

ص: 74


1- مدينة المعاجز:288/3 ح 57،و البحار:316/43 ح 73.
2- سورة النساء،الآية:64.
3- مناقب آل أبي طالب:168/3،و البحار:318/43.
4- مناقب آل أبي طالب:168/3،و البحار:319/43.
5- كتاب الغيبة:376.

وصية أمير المؤمنين عند وفاته للحسن عليهما السّلام

في كتاب أعلام الوري عن سليم بن قيس قال:شهدت أمير المؤمنين عليه السّلام حين أوصي إلي ابنه الحسن و أشهد عليه أولاده و خواص شيعته و دفع إليه الكتاب و السلاح و قال:يا بنيّ أمرني رسول اللّه أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصي إليّ و دفع إليّ كتبه و سلاحه،و أمرني أن إذا حضرك الموت أن تدفعها إلي أخيك الحسين،ثمّ أقبل علي ابنه الحسين فقال:و أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلي ابنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين و قال:أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلي إبنك محمّد بن عليّ فاقرأه من رسول اللّه و منّي السلام. (1)

و عن ابن حوشب أنّ عليّا عليه السّلام،لمّا سار إلي الكوفة استودع أمّ سلمة كتبه و الوصيّة فلمّا رجع الحسن دفعتها إليه (2).

***

دعاء الحسن عليه السّلام المستجاب

و في كتاب المناقب أنّه استغاث الناس إلي الحسن عليه السّلام من زياد فرفع يده و قال:اللّهم خذ لنا و لشيعتنا من زياد بن أبيه و أرنا فيه نكالا عاجلا إنّك علي كلّ شيء قدير،فخرج خرّاج في إبهام يمينه يقال لها السلعة و ورم إلي عنقه فمات.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال بعضهم للحسن بن علي في احتماله الشدائد من معاوية فقال عليه السّلام:لو دعوت اللّه تعالي لجعل العراق شاما و الشام عراقا و جعل المرأة رجلا و الرجل امرأة، فقال الشامي:و من يقدر علي ذلك؟

فقال عليه السّلام:إنهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال فوجد الرجل نفسه امرأة.

ثمّ قال:و صارت عيالك رجلا و تقاربك و تحمل منها و تلد ولدا خنثي فكان كما قال عليه السّلام ثمّ إنّهما تابا و جاءا إليه فدعي اللّه فعادا إلي الحالة الاولي (3).

***

ص: 75


1- أعلام الوري:405/1 ح 4،و الكافي:236/1 ح 1.
2- الكافي:298/1 ح 4،و البحار:322/43.
3- البحار:327/43،و مستدرك سفينة البحار:93/4.

إخباره عليه السّلام عن شهادته

و عنه عليه السّلام قال الحسن عليه السّلام لأهل بيته:يا قوم إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، فقال له أهل بيته:و من الذي يسمّك؟

قال؛جاريتي و امرأتي فقالوا له:أخرجها من ملكك عليها لعنة اللّه.

فقال:هيهات من إخراجها و منيّتي علي يدها و لو أخرجتها يقتلني غيرها كان قضاء مقضيّا،فما ذهبت الأيّام حتّي بعث معاوية إلي امرأته فقال الحسن:هل عندك من شربة لبن فأعطته و فيه ذلك السمّ،فلمّا شربه و جد مسّ السمّ في جسده.

فقال:يا عدوّة اللّه قتلتيني قاتلك اللّه،أما و اللّه لا تصيبين من الفاسق عدوّ اللّه خيرا (1).

و كان كنا قال عليه السلام.

***

علم الحسن عليه السّلام للغيب

و من كتاب الدلائل عن ابن عبّاس قال:مرّت بالحسن بن علي بقرة فقال:هذه حبلي بعجلة أنثي لها غرّة في جبينها و رأس ذنبها أبيض،فانطلقنا مع القصّاب حتّي ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف،فقلنا:أ و ليس اللّه يقول وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ (2)فكيف علمت؟

فقال:ما يعلم المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل غير محمّد و ذرّيته.

أقول:ردّ عليه السّلام الإعتراض علي أحسن الوجوه و أكملها،و له في الأخبار عنهم عليهم السّلام معني آخر و هو أنّه لا يعلم ما في الأرحام أحد إلاّ بتعليم اللّه تعالي و وحيه و إلهامه و أنّهم عليهم السّلام يعلمون ذلك بالوحي و الإلهام.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا صالح الحسن عليه السّلام معاوية جلسا بالنخيلة فقال:يا أبا محمّد بلغني أنّ رسول اللّه كان يخرص النخل،فهل عندك من ذلك علم فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم علم شيء في الأرض و لا في السماء؟

فقال الحسن عليه السّلام:إنّ رسول اللّه كان يخرص كيلا و أنا أخرص عددا،فقال معاوية:كم في هذه النخلة؟

ص: 76


1- البحار:327/43 ح 6.
2- سورة لقمان،الآية:34.

فقال عليه السّلام:أربعة آلاف بسرة و أربع بسرات،فأمر معاوية بها فصرمت و عدّت فجاءت أربعة آلاف و ثلاث بسرات.

فقال:و اللّه ما كذبت و لا كذّبت فنظر فإذا في يد عبد اللّه بن عامر بسرة (1).

و في كتاب الخرائج و الجرائح أنّ الحسن عليه السّلام و عبد اللّه بن العبّاس كانا علي مائدة فجاءت جرادة[و وقفت]علي المائدة فقال عبد اللّه للحسن:أيّ شيء مكتوب علي جناح الجرادة؟

فقال عليه السّلام:مكتوب عليه:أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ربّما أبعث الجراد لقوم جياع ليأكلوه و ربّما أبعثها نقمة علي قوم لتأكل أطعمتهم.

فقام عبد اللّه:و قبّل رأس الحسن و قال:هذا من مكنون العلم (2).

***

شعر الحسن عليه السّلام

و من قوله عليه السّلام شعر:

ذري كدر الأيّام إنّ صفاءها تولي بأيام السرور الذواهب

و كيف يعزّ الدهر من كان بينه و بين الليالي محكمات التجارب

و له أيضا:

قل للمقيم بغير دار إقامة حان الرحيل فودّع الأحبابا

إنّ الذين لقيتهم و صحبتهم صاروا جميعا في القبور ترابا

و له أيضا:

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها إنّ المقام بظلّ زائل حمق

و له:

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني و شربة من قراح الماء تكفيني

و تمرة من رقيق الثوب تسترني حيّا و إن متّ تكفيني لتكفيني (3)

و جاء بعض الأعراب فقال:أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعها إليه،

ص: 77


1- البحار:329/43 ح 9.
2- الخرائج و الجرائح:241/1 ح 6،و البحار:337/43.
3- مناقب آل أبي طالب:181/3،و البحار:340/43.

فقال الأعرابي:يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي و أنشر مدحتي فأنشأ الحسن عليه السّلام شعر:

نحن أناس نوالنا خضل يرتع فيه الرّجاء و الأمل

نجود قبل السؤال بأنفسنا خوفا علي ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضه خجل (1)

***

حلم الحسن عليه السّلام

روي المبرّد أنّ شاميّا رآه راكبا فجعل يلعنه و الحسن لا يرد،فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السّلام فسلّم عليه و ضحك فقال:أيّها الشيخ أظنّك غريبا و لعلّك شبّهت فلو سألتنا أعطيناك و لو استرشدتنا أرشدناك و لو استحملتنا حملناك و إن كنت جائعا أشبعناك و إن كنت عريانا كسوناك و إن كنت محتاجا أغنيناك و إن كنت طريدا آويناك و إن كان لك حاجة قضيناها لك فلو نقلت رحلك إلينا و كنت ضيفا إلي وقت ارتحالك كان أعود عليك،لأنّ لنا موضعا رحبا و جاها عريضا و مالا كثيرا.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكي و قال:أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه،اللّه أعلم حيث يجعل رسالته و كنت أنت و أبوك أبغض خلق اللّه إليّ و حوّل رحله إليه و كان ضيفه إلي أن ارتحل و صار معتقدا لمحبّتهم.

و روي أنّ غلاما له جني جناية توجب العقاب فأمر به أن يضرب،فقال:يا مولاي و العافين عن الناس.

قال:عفوت عنك.

قال:يا مولاي و اللّه يحبّ المحسنين.

قال:أنت حرّ لوجه اللّه و لك ضعف ما كنت أعطيك (2).

***

كرم الحسن عليه السّلام

و من سخائه و كرم طباعه رضي اللّه عنه ما روي أنّ رجلا دفع إليه رقعة في حاجة فقال له:حاجتك مقضية،فقيل له يابن رسول الله:لو نظرت في رقعته ثمّ رددت الجواب علي قدر ذلك؟فقال:

ص: 78


1- مناقب آل أبي طالب:182/3،و البحار:341/43.
2- البحار:352/43 ح 29،و كشف الغمة:241/2.

أخشي أن يسألني اللّه عن ذلّ مقامه بين يدي حتّي أقرأ رقعته (1).

و يروي أنّ رجلا آخر سأله حاجة فقال له:يا هذا حقّ سؤالك إيّاي معظّم لدي،و معرفتي بما يجب لك يكبر عليّ،و يدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله،و الكثير في ذات اللّه قليل،و ما في يدي وفاء بشكرك،فإن قبلت المسيور و رفعت عنّي مؤونة الإحتيال و الإهتمام لما أتكلّف من واجبك فعلت،فقال:يابن رسول اللّه أقبل و أشكر العطية و أعذر علي المنع،فدعا الحسن عليه السّلام وكيله و جعل يحاسبه علي نفقاته حتّي استقصاها فقال له:هات الفاضل فأحضر خمسين ألفا،ثمّ قال:ما فعلت الخمس مائة دينار؟قال:هي عندي قال:أحضرها فأحضرها فدفع الحسن الدنانير و الدراهم إلي الرجل و قال:هات من يحملها لك فأتي بحمّالين فدفع الحسن عليه السّلام إليهما رداءه لكري الحمل و قال:هذا أجرة حملكما و لا تأخذا منه شيئا فقال له موالوه:و اللّه ما عندنا درهم فقال:لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه أجر عظيم (2).

و روي أنّه عليه السّلام سمع رجلا يسأل اللّه في سجوده عشرة آلاف درهم فانصرف الحسن إلي منزله و بعث بها إليه (3).

و روي أنّ رجلا كتب إليه يسأله بهذه الأبيات:

غربة تتبع قلّة إنّ في الفقر مذلّة

يا ابن خير الناس أمّا يا ابن أكرمهم جبلّة

لا يكن جودك لي بل يكن جودك لله

فأعطاه الحسن عليه السّلام دخل العراق سنة،فقيل له:يابن بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تعطي دخل العراق سنة علي ثلاث أبيات من الشعر فقال:أما سمعتم ما قال:

لا يكن جودك لي بل يكن جودك لله

فلو كانت الدنيا كلّها لي و أعطيتها إيّاه كانت في ذات اللّه قليلة.

و عن إبراهيم بن إسحاق المعروف بالحربي قال:و قد سألوا عن حديث عباس البقال فقال:- خرجت إلي الكبش (4)و وزنت لعباس البقال دانقا إلاّ فلسا فقال لي:يا أبا إسحاق حدّثني حديثا في السخاء،فلعلّ اللّه عزّ و جلّ يشرح صدري فأعمل شيئا.قال:فقلت له:نعم.

روي عن الحسن بن علي عليه السّلام أنه كان مارا في بعض حيطان المدينة فرأي أسود بيده رغيفي.

ص: 79


1- إحياء علوم الدين للغزالي:362/3.
2- إحياء علوم الدين:364/3،و مناقب آل أبي طالب:20/4،و مطالب السؤول:24/2.
3- البداية و النهاية:38/8،وصفة الصفوة:760/1،و مطالب السؤول:32/2.
4- الكبش و الأسد:شارعان عظيمان كانا بمدينة السلام ببغداد بالجانب الغربي.

يأكل لقمة و يطعم الكلب لقمة إلي أن شاطره الرغيف،فقال له الحسن:ما حملك علي أن شاطرته فلم تغابنه فيه بشيء؟فقال:إستحيت عيناي من عينه (1)أن أغابنه فقال له:غلام من أنت؟

قال:غلام أبان بن عثمان.فقال:و الحائط؟فقال لأبان بن عثمان،فقال له الحسن:أقسمت عليك لا برحت حتي أعود إليك.فمرّ فاشتري الغلام و الحائط و جاء إلي الغلام،فقال:يا غلام قد اشتريتك فقام قائما فقال:السّمع و الطاعة للّه و لرسوله و لك يا مولاي.قال:فقد اشتريت الحائط و أنت[حرّ]لوجه اللّه و الحائط هبة مني إليك.قال:فقال الغلام:يا مولاي قد وهبت الحائط للذي و هبتني له.

قال:فقال عباس البقال:الحسن و اللّه يا أبا إسحاق.لأبي إسحاق دانق إلاّ فلسا،أعطه بدانق ما يريد.

قلت:و اللّه لا أخذت إلاّ بدانق إلاّ فلسا (2).

و قال عبد اللّه بن عباس:ما ندمت علي شيء فاتني في شبابي إلاّ أني[لم]أحج ماشيا،و لقد حج الحسن بن علي عليه السّلام خمسا و عشرين مرة ماشيا و إنّ النجائب لتقاد معه،و لقد قاسم اللّه ماله ثلاث مرات،حتي أنه يعطي الخفّ و يمسك النعل (3).

و عن أبي صالح بن سليمان،قال:قدم رجل من المدينة و كان يبغض عليا فقطع به فلم يكن له زاد و لا راحلة فشكا ذلك إلي بعض أهل المدينة،فقال له:عليك بحسن بن علي،فقال له الرجل:

ما لقيت هذا إلاّ في الحسن و أبي حسن؟فقيل له:فإنك لا تجد خيرا[إلاّ]منه فأتاه فشكا إليه،فأمر له بزاد و راحلة،فقال الرجل:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.

و عن أبي هارون،قال:إنطلقنا حجّاجا فدخلنا المدينة فقلنا:لو دخلنا علي ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن فسلّمنا عليه فدخلنا عليه فحدّثناه بمسيرنا و حالنا،فلما خرجنا من عنده بعث إلي كل رجل منا بأربع مائة أربع مائة،فقلنا للرسول:إنا أغنياء و ليس بنا حاجة،فقال:لا تردّوا عليه معروفه.

فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا و حالنا فقال:لا تردّوا علي معروفي فلو كنت علي غير هذه الحال كان هذا لكم يسيرا أما إني مزوّدكم:إن اللّه يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول:عبادي جاؤوني شعثا يتعرّضون لرحمتي فأشهدكم أنّي قد غفرت لمحسنهم و شفّعت محسنهم في مسيئهم و إذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك.

قال أنس:جاءت جارية إلي الحسن بن عليّ عليهما السّلام بطاقة ريحان فقال لها:أنت حرّة لوجه3.

ص: 80


1- في تاريخ بغداد:عينيه.
2- تاريخ بغداد 34/6 في ترجمة إبراهيم بن إسحاق الحربي.
3- المستدرك:169/3.

اللّه،فقلت له في ذلك فقال:أدّبنا اللّه تعالي فقال: إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (1)و كان أحسن منها إعتاقها.

و له عليه السّلام شعر:

إنّ السخاء علي العباد فريضة لله يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه و أعدّ للبخلاء نار جهنّم

من كان لا تندي يداه بنائل للرّاغبين فليس ذاك بمسلم

و في المناقب:إنّ معاوية قدم المدينة فجلس في داره يوما يعطي من يدخل عليه من خمسة آلاف إلي مائة ألف،فدخل عليه الحسن بن علي عليهما السّلام في آخر الناس فقال:أبطأت يا أبا محمّد [فلعلك] (2)أردت أن تبخلني عند قريش فانتظرت[أن] (3)يفني ما عندنا،يا غلام أعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا و أنا ابن هند،فقال الحسن عليه السّلام:لا حاجة لي فيها يا أبا عبد الرحمن،ورددتها و أنا ابن فاطمة بنت محمّد رسول اللّه.

و قال المبرد في الكامل:قال مروان بن الحكم:إنّي مشغوف ببغلة الحسن بن عليّ فقال له ابن أبي العتيق:إذا دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة؟

قال:نعم،قال:إذا اجتمع القوم فإنّي آخذ في مدائح قريش و أمسك عن مآثر الحسن فلمني علي ذلك،فلمّا حضر القوم أخذ في مآثر قريش فقال مروان:ألا تذكر أولية أبي محمّد و له في هذا ما ليس لأحد؟

قال:إنّما كنّا في ذكر الأشراف و لو كنّا في ذكر الأنبياء لقدّمنا ذكره،فلمّا خرج الحسن عليه السّلام ليركب اتبعه ابن أبي عتيق فقال له الحسن و تبسّم:ألك حاجة؟

قال:نعم ركوب البغلة فنزل الحسن عليه السّلام و دفعها إليه و قال:إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا.

و في كتاب كشف الغمّة أنّ رجلا جاء إلي الحسن عليه السّلام و سأله حاجة فقال:حقّ سؤالك يعظم لديّ و معرفتي بما يجب لك يكبر لدي و يدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله و الكثير قليل في ذات اللّه عزّ و جلّ و ما في ملكي وفاء لشكرك،فإن قبلت الميسور رفعت عنّي الإهتمام بما أتكلّفه من واجبك فعلت،فقال:يابن رسول اللّه أقبل القليل و أشكر العطية،فدعي الحسن عليه السّلام بوكيله و قد بقي عنده خمسين ألفا و خمسمائة دينار فدفعها إلي الرجل و قال:هات من يحملها لك فأتاه بحمّالين فدفع الحسن عليه السّلام إليه رداءه لكري الحمّالين فقال مواليه:ما عندنا درهم.

فقال:لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه أجر عظيم.ر.

ص: 81


1- سورة النساء،الآية:86.
2- زيادة من المصدر.
3- زيادة من المصدر.

و روي أبو الحسن المدائني قال:خرج الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر عليه السّلام حجّاجا ففاتهم أثقالهم فجاعوا و عطشوا فمرّوا بعجوز في خباء لها فقالوا:هل من شراب؟

فقالت:نعم.فأناخوا بها و ليس إلاّ شويهة في كسر الخيمة فقالت:إحلبوها و اشربوا لبنها ففعلوا ذلك و قالوا لها:هل من طعام؟

قالت:لا إلاّ هذه الشاة فليذبحها أحدكم حتّي أهيّئ لكم شيئا تأكلون،فقام إليها أحدهم فذبحها فهيّأت لهم طعاما فأكلوا ثمّ أقاموا عندها حتّي أبردوا،فلمّا ارتحلوا قالوا لها:نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فألمّي بنا فإنّا صانعون إليك خيرا ثمّ ارتحلوا و أقبل زوجها و أخبرته عن القوم و الشاة،فغضب الرّجل فقال:ويحك تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم،ثمّ بعد مدّة ألجأتهم الحاجة إلي دخول المدينة فدخلاها و جعلا ينقلان البعر إليها و يبيعانه و يعيشان منه، فمرّت العجوز في بعض سكك المدينة و الحسن عليه السّلام علي باب داره جالس فعرف العجوز و هي له منكرة فبعث غلامه فردّها و قال لها:يا أمة اللّه تعرفيني؟

قالت:لا.

قال عليه السّلام:أنا ضيفك يوم كذا فقالت العجوز:بأبي أنت و أمّي فأمر عليه السّلام فاشتري لها من [شياه]الصدقة ألف شاة و أمر لها بألف دينار و بعث بها إلي أخيه الحسين عليه السّلام فقال:بكم

وصلك أخي الحسن؟

فقالت:بألف شاة و ألف دينار فأمر لها بمثل ذلك ثمّ بعث بها مع غلامه إلي عبد اللّه بن جعفر فأخبرته فأمر لها عبد اللّه بألفي شاة و ألفي دينار،و قال:لو بدأتي بي لأتعبتهما،فرجعت العجوز إلي زوجها بذلك (1).

***

تواضع الحسن عليه السّلام و جلوسه مع الفقراء

من كتاب الفنون:مرّ الحسن بن علي عليهما السّلام علي فقراء و قد وضعوا كسيرات علي الأرض و هم قعود يلتقطونها و يأكلونها فقالوا له:هلم يابن بنت رسول اللّه إلي الغذاء فنزل و قال:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،و جعل يأكل معهم حتّي اكتفوا و الزاد علي حاله ببركته عليه السّلام ثمّ دعاهم إلي ضيافته و أطعمهم و كساهم (2).

ص: 82


1- البحار:348/43،و كشف الغمة:182/2.
2- مناقب آل أبي طالب:187/3،و البحار:352/43 ح 28.

و عن نجيح قال:رأيت الحسن بن علي يأكل و بين يديه كلب كلّما أكل لقمة طرح للكلب لقمة فقلت له:يابن رسول اللّه ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟

قال:دعه إنّي لأستحي من اللّه عزّ و جلّ أن يكون ذو روح ينظر في وجهي و أنا آكل ثمّ لا أطعمه (1).

***

صلح الحسن عليه السّلام

اشارة

قال أبو الفرج:و دس معاوية رجلا من حمير إلي الكوفة،و رجلا من بني القين إلي البصرة يكتبان إليه بالأخبار،فدلّ علي الحميريّ (2)و علي القينيّ،فأخذا و قتلا (3).

و كتب الحسن عليه السّلام إلي معاوية:

أمّا بعد؛فإنّك دسست اليّ الرجال،كأنك تحبّ اللقاء؛لا أشك في ذلك فتوقّعه إن شاء اللّه.

و بلغني أنك شمتّ بما لم يشمت به ذو الحجي؛و إنّما مثلك في ذلك كما قال الأول:

فإنّا و من قد مات منّا لكالّذي يروح فيمسي في المبيت ليغتدي (4)

فقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضي تجهّز لأخري مثلها فكأن قد

فأجابه معاوية:

أما بعد،فقد وصل كتابك،و فهمت ما ذكرت فيه؛و لقد علمت بما حدث فلم أفرح و لم أحزن،و لم أشمت و لم آس،و إن عليّا أباك لكما قال أعشي بني قيس بن ثعلبة:

فأنت الجواد و أنت الّذي إذا ما القلوب ملان الصّدورا

جدير بطعنة يوم اللّقا ء يضرب منها النّساء النّحورا

و ما مزيد من خليج البحا ر يعلو الإكام و يعلو الجسورا

بأجود منه بما عنده فيعطي الألوف و يعطي البدورا (5)

قال أبو الفرج:و كتب عبد اللّه بن العباس من البصرة إلي معاوية:

ص: 83


1- مستدرك الوسائل:192/7 ح 5،و البحار:352/43 ح 29.
2- مقاتل الطالبين:«فدل علي الحميريي عند لحام».
3- مقاتل الطالبين 52.
4- في مقاتل الطالبيين،البيت الثاني قبل الأول.
5- مقاتل الطالبيين 53.

أما بعد،فإنّك ودسّك أخا بني القين إلي البصرة،تلتمس من غفلات قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيّتك،لكما قال أميّة بن أبي الأسكر (1):

لعمرك إنّي و الخزاعيّ طارقا كنعجة عاد حتفها تتحقّر

أثارت عليها شفرة بكراعها فظلّت بها من آخر الليل تنحر

شمتّ بقوم من صديقك أهلكوا أصابهم يوم من الدّهر أصفر (2)

فأجابه معاوية:

أمّا بعد،فإن الحسن بن علي،قد كتب إليّ بنحو ممّا كتبت به،و أنبأني بما لم يحقّق سوء ظنّ (3)و رأي فيّ،و إنك لم تصب مثلي و مثلكم،و إنما مثلنا كما قال طارق الخزاعي يجيب أميّة عن هذا الشعر:

فو الله ما أدري و إنّي لصادق إلي أيّ من يظّنّني أتعذّر

قال أبو الفرج:و كان أوّل شيء أحدثه الحسن عليه السّلام أنّه زاد المقاتلة مائة مائة،و قد كان عليّ عليه السّلام فعل ذلك يوم الجمل،و فعله الحسن حال الإستخلاف،فتبعه الخلفاء من بعده في ذلك (4).

قال:و كتب الحسن عليه السّلام إلي معاوية مع حرب بن عبد اللّه الأزديّ (5).

من الحسن (6)بن عليّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان،سلام عليك،فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو،أما بعد فإن اللّه جلّ جلاله بعث محمدا رحمة للعالمين،و منّة للمؤمنين، و كافّة للناس أجمعين، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَي الْكافِرِينَ (7)،فبلّغ رسالات اللّه، و قام بأمر اللّه حتي توفّاه اللّه غير مقصّر و لا و ان،و بعد أن أظهر اللّه به الحقّ و محق به الشّرك، و خص به قريشا خاصّة فقال له: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (8).فلما توفّي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش:نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه،و لا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمد و حقّه،فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش،و أنّ الحجة في ذلك لهم علي من نازعهم أمر محمد،فأنعمت (9)».

ص: 84


1- كذا في الأغاني و مقاتل الطالبيين و هو الصواب،و في ب:«أمية بن أبي الصلت».
2- في الأغاني:«أعسر».
3- مقاتل الطالبيين:«بما لم يحقق سوء ظن و رأي فيّ».
4- مقاتل الطالبيين 55.
5- مقاتل الطالبيين:«مع جندب بن عبد الله الأزدي».
6- مقاتل الطالبيين:«بسم الله الرحمن الرحيم،من الحسن...».
7- سورة يس،الآية:70.
8- سورة الزخرف،الآية:44.
9- أنعمت لهم؛أي قالت لهم:«نعم».

لهم،و سلّمت إليهم.ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاججت به العرب،فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها،إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنتصاف و الاحتجاج،فلمّا صرنا أهل بيت محمد و أولياءه إلي محاجّتهم،و طلب النّصف (1)منهم باعدونا و استولوا بالإجماع علي ظلمنا و مراغمتنا (2)و العنت منهم لنا،فالموعد اللّه،و هو الوليّ النّصير؟

و لقد كنّا تعجّبنا لتوثّب المتوثبين علينا في حقنا و سلطان نبيّنا،و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام،و أمسكنا عن منازعتهم مخافة علي الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب (3)في ذلك مغمزا يثلمونه به،أو يكون لهم بذلك سبب إلي ما أرادوا من إفساده،فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية علي أمر لست من أهله،لا بفضل في الدين معروف،و لا أثر في الإسلام محمود، و أنت ابن حزب من الأحزاب،و ابن أعدي قريش لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لكتابه،و اللّه حسيبك،فستردّ فتعلم لمن عقبي الدار،و باللّه لتلقينّ عن قليل ربّك،ثم ليجزينّك بما قدّمت يداك،و ما اللّه بظلام للعبيد.

إنّ عليا لما مضي لسبيله-رحمة اللّه عليه يوم قبض و يوم منّ اللّه عليه بالإسلام،و يوم يبعث حيّا-ولاّني المسلمون الأمر بعده،فأسأل اللّه ألاّ يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة،و إنّما حملني علي الكتاب إليك الإعذار فيما بيني و بين اللّه عزّ و جلّ في أمرك، و لك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم،و الصلاح للمسلمين،فدع التمادي في الباطل،و ادخل فيما دخل فيه النّاس من بيعتي،فإنك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللّه و عند كلّ أوّاب حفيظ،و من له قلب منيب.و اتّق اللّه ودع البغي،و احقن دماء المسلمين،فو الله ما لك خير في أن تلقي اللّه من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به،و ادخل في السّلم و الطاعة،و لا تنازع الأمر أهله و من هو أحقّ به منك،ليطفيء اللّه النائرة (4)بذلك،و يجمع الكلمة،و يصلح ذات البين،و إن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيّك سرت (5)إليك بالمسلمين فحاكمتك،حّتي يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين.

فكتب معاوية إليه (6):

من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلي الحسن بن علي،سلام اللّه عليك،فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو،أمّا بعد،فقد بلغني كتابك،و فهمت ما ذكرت به محمدا رسول اللّه من الفضل، و هو أحق الأوّلين و الآخرين بالفضل كلّه قديمه و حديثه،و صغيره و كبيره،و قد و اللّه بلّغ و أدّي،».

ص: 85


1- سورة الزخرف،الآية:44.
2- راغمهم:نابذهم و عاداهم.
3- الأحزاب:هم الذين تحزبوا و تظاهروا علي قتال رسول الله من قريش و غطفان و بني مرة و بني أشجع و بني سليم و بني أسد في غزوة الخندق.
4- النائرة:العدواة و الشحناء.
5- مقاتل الطالبيين:«نهدت».
6- في مقاتل الطالبيين:«بسم الله الرحمن الرحيم،من عبد الله...».

و نصح و هدي؛حتي أنقذ اللّه به من الهلكة،و أنار به من العمي،و هدي به من الجهالة و الضلالة، فجزاه اللّه أفضل ما جزي نبيّا عن أمته؛و صلوات اللّه عليه يوم ولد و يوم بعث و يوم قبض،و يوم يبعث حيّا!

و ذكرت وفاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و تنازع المسلمين الأمر بعده،و تغلّبهم علي أبيك،فصرّحت بتهمة أبي بكر الصديق و عمر الفاروق و أبي عبيدة الأمين و حواريي (1)رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و صلحاء المهاجرين و الأنصار،فكرهت ذلك لك؛إنّك امرؤ عندنا و عند الناس غير الظّنين (2)و لا المسيء،و لا اللئيم، و أنا أحبّ لك القول السديد،و الذكر الجميل.

إنّ هذه الأمة لمّا اختلفت بعد نبيّها لم تجهل فضلكم و لا سابقتكم،و لا قرابتكم من نبيّكم، و لا مكانكم في الإسلام و أهله،فرأت الأمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيّها، و رأي صلحاء النّاس من قريش و الأنصار و غيرهم من سائر الناس و عوامّهم أن يولّوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما،و أعلمها باللّه،و أحبّها له،و أقواها علي أمر اللّه،فاختاروا أبا بكر،و كان ذلك رأي ذوي الدين و الفضل،و الناظرين للأمة،فأوقع ذلك في صدوركم لهم التّهمة،و لم يكونوا متّهمين،و لا فيما أتوا بالمخطئين،و لو رأي المسلمون أنّ فيكم من يغني غناءه،و يقوم مقامه، و يذبّ عن حريم الإسلام ذبّه،ما عدلوا بالأمر إلي غيره رغبة عنه،و لكنهم علموا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام و أهله،و اللّه يجزيهم عن الإسلام و أهله خيرا.

و قد فهمت الّذي دعوتني إليه من الصلح،و الحال فيما بيني و بينك اليوم مثل الحال الّتي كنتم عليها أنتم و أبو بكر بعد وفاة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فلو علمت أنّك أضبط مّني للرعيّة،و أحوط علي هذه الأمّة،و أحسن سياسة،و أقوي علي جمع الأموال،و أكيد للعدوّ،لأجبتك إلي ما دعوتني إليه، و رأيتك لذلك أهلا،و لكن قد علمت أنّي أطول منك ولاية،و أقدم منك بهذه الأمّة تجربة،و أكبر منك سنّا،فأنت أحق أن تجيبني إلي هذه المنزلة التي سألتني،فادخل في طاعتي،و لك الأمر من بعدي،و لك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما يبلغ،تحمله إلي حيث أحببت،و لك خراج أيّ كور العراق شئت؛معونة لك علي نفقتك يجبيها أمينك و يحملها إليك في كل سنة؛و لك ألاّ نستولي عليك بالإساءة،و لا نقضي دونك الأمور،و لا نعصي في أمر أردت به طاعة اللّه.أعاننا اللّه و إيّاك علي طاعته إنه سميع مجيب الدعاء.و السّلام.

قال جندب:فلما أتيت الحسن بكتاب معاوية،قلت له:إنّ الرجل سائر إليك،فابدأه بالمسير حتي تقاتله في أرضه و بلاده و عمله،فأمّا أن تقدّر أنه ينقاد لك؛فلا و اللّه حتي يري منّا أعظم من يوم صفّين.».

ص: 86


1- هو الزبير بن العوام.
2- ب:«ظنين».

فقال:أفعل،ثم قعد عن مشورتي و تناسي قولي (1).

قالوا:و كتب معاوية إلي الحسن:

أما بعد (2)،فإنّ اللّه يفعل في عباده ما يشاء،لا معقّب لحكمه و هو سريع الحساب،فاحذر أن تكون منيّتك علي أيدي رعاع من الناس،و ايئس من أن تجد فينا غميزة (3)،و إن أنت أعرضت عمّا أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت،و أجريت لك ما شرطت،و أكون في ذلك كما قال أعشي بني قيس بن ثعلبة:

و إن أحد أسدي إليك أمانة فأوف بها تدعي إذا متّ وافيا

و لا تحسد المولي إذا كان ذا غني و لا تجفه إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي،فأنت أولي الناس بها.و السّلام.

فأجابه الحسن:

أما بعد (4)فقد وصل إليّ كتابك،تذكر فيه ما ذكرت،فتركت جوابك خشية البغي[منّي] عليك،و باللّه أعوذ من ذلك،فاتبع الحقّ تعلم أنّي من أهله،و عليّ إثم أن أقول فأكذب.و السّلام.

فلما وصل كتاب الحسن إلي معاوية قرأه،ثم كتب إلي عمّاله علي النواحي بنسخة واحدة.

من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلي فلان ابن فلان (5)و من قبله من المسلمين.سلام عليكم.

فإنّي أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلاّ هو.أمّا بعد،فالحمد للّه الذي كفاكم مؤونة عدوّكم و قتل خليفتكم،إنّ اللّه بلطفه،و حسن صنعه،أتاح لعليّ بن أبي طالب رجلا من عباده،فاغتاله فقتله، فترك أصحابه متفرّقين مختلفين؛و قد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم و عشائرهم؛فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجهدكم و جندكم و حسن عدّتكم،فقد أصبتم بحمد اللّه الثأر،و بلغتم الأمل،و أهلك اللّه أهل البغي و العدوان.و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته (6).

قال:فاجتمعت العساكر إلي معاوية،فسار بها قاصدا إلي العراق.و بلغ الحسن خبره و مسيره نحوه؛و أنّه قد بلغ جسر منبج،فتحرّك عند ذلك،و بعث حجر بن عديّ فأمر العمال و النّاس بالتهيّؤ للمسير،و نادي المنادي:الصلاة جامعة!فأقبل الناس يثوبون و يجتمعون.و قال الحسن:إذا رضيت0.

ص: 87


1- مقاتل الطالبيين 55-59.
2- مقاتل الطالبيين:«بسم الله الرحمن الرحيم...أما بعد».
3- الغميزة:المطعن.
4- في مقاتل الطالبيين:«بسم الله الرحمن الرحيم...أما بعد...».
5- في مقاتل الطالبيين:«بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية أمير المؤمنين إلي فلان ابن فلان».
6- مقاتل الطالبيين 59،60.

جماعة النّاس فأعلمني؛و جاءه سعيد بن قيس الهمدانيّ،فقال له:أخرج،فخرج الحسن عليه السّلام، و صعد المنبر،فحمد اللّه و أثني عليه ثم قال:أمّا بعد؛فإنّ اللّه كتب الجهاد علي خلقه،و سمّاه كرها (1)،ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين:إصبروا إنّ اللّه مع الصابرين،فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر علي ما تكرهون.

بلغني أنّ معاوية بلغه أنّا كنا أزمعنا علي المسير إليه؛فتحرّك لذلك،أخرجوا رحمكم اللّه إلي معسكركم بالنّخيلة حتي ننظر و تنظروا،و نري و تروا.

قال:و إنّه في كلامه ليتخوّف خذلان الناس له،قال:فسكتوا فما تكلّم منهم أحد،و لا أجابه بحرف.

فلمّا رأي ذلك عديّ بن حاتم قام فقال:أنا ابن حاتم!سبحان الله!ما أقبح هذا المقام!ألا تجيبون إمامكم و ابن بنت نبيّكم!أين خطباء مضر[أين المسلمون؟أين الخواضون من أهل المصر] (2)الذين ألسنتهم كالمخاريق (3)في الدّعة،فإذا جدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب،أما تخافون مقت اللّه و لا عيبها و عارها.

ثم استقبل الحسن بوجهه،فقال:أصاب اللّه بك المراشد،و جنّبك المكاره و وفّقك لما يحمد ورده و صدره.

قد سمعنا مقالتك،و انتهينا إلي أمرك،و سمعنا لك و أطعناك فيما قلت و ما رأيت،و هذا وجهي إلي معسكري،فمن أحبّ أن يوافيني فليواف.

ثم مضي لوجهه،فخرج من المسجد و دابته بالباب،فركبها و مضي إلي النّخيلة،و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه.و كان عديّ بن حاتم أوّل الناس عسكر (4).

و قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ و معقل بن قيس الرياحيّ و زياد بن صعصعة التّيمي، فأنّبوا النّاس و لاموهم و حرّضوهم،و كلّموا الحسن عليه السّلام بمثل كلام عديّ بن حاتم في الإجابة و القبول،فقال لهم الحسن عليه السّلام:صدقتم رحمكم اللّه!ما زلت أعرفكم بصدق النيّة و الوفاء و القبول و المودّة الصحيحة،فجزاكم اللّه خيرا ثم نزل.

و خرج النّاس فعسكروا،و نشطوا للخروج،و خرج الحسن إلي العسكر،و استخلف علي الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب،و أمره باستحثاث النّاس و إشخاصهم إليه، فجعل يستحثّهم و يستخرجهم حتي يلتئم العسكر.».

ص: 88


1- هو من قوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ .
2- من مقاتل الطالبيين.
3- المخاريق:جمع مخراق؛و هو المنديل أو نحوه يلوي فيضرب به.
4- في نسخة:«عسكرا».

و سار (1)الحسن عليه السّلام في عسكر عظيم و عدّة حسنة،حتي نزل دير عبد الرحمن،فأقام به ثلاثا حتي اجتمع الناس،ثم دعا عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب،فقال له:يابن عمّ،إني باعث إليك اثنا عشر ألفا من فرسان العرب و قرّاء المصر،الرجل منهم يزيد (2)الكتيبة،فسر بهم،و ألن لهم جانبك،و ابسط لهم وجهك،و افرش لهم جناحك،و أدنهم من مجلسك،فإنّهم بقية ثقات أمير المؤمنين،و سر بهم علي شطّ الفرات حتي تقطع بهم الفرات،ثم تصير إلي مسكن،ثم امض حتي تستقبل بهم معاوية،فإن أنت لقيته فاحبسه حتي آتيك،فإنّي علي أثرك وشيكا،و ليكن خبرك عندي كلّ يوم،و شاور هذين-يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس-و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتي يقاتلك،فإن فعل فقاتله،و إن أصبت فقيس بن سعد علي الناس،و إن أصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس علي النّاس (3).

فسار عبيد اللّه حتي انتهي إلي شينور (4)،حتي خرج إلي شاهي (5)،ثم لزم الفرات و الفلّوجة (6):حتي أتي مسكن (7)،و أخذ الحسن علي حمّام عمر حتي أتي دير كعب،ثم بكّر فنزل ساباط دون القنطرة،فلمّا أصبح نادي في الناس:الصّلاة جامعة!فاجتمعوا،فصعد المنبر فخطبهم فقال:الحمد للّه كلّما حمده حامد،و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه كلّما شهد له شاهد،و أشهد أن محمدا رسول اللّه،أرسله بالحق،و ائتمنه علي الوحي،صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.أما بعد،فو اللّه إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد اللّه و منّه و أنا أنصح خلقه لخلقه،و ما أصبحت محتملا علي مسلم ضغينة،و لا مريد له بسوء و لا غائلة.ألا و إنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبّون في الفرقة؛ألا و إنّي ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم،فلا تخالفوا أمري،و لا تردّوا عليّ رأيي.غفر اللّه لي و لكم، و أرشدني و إيّاكم لما فيه محبّته (8)و رضاه،إن شاء الله!ثم نزل.

قال:فنظر الناس بعضهم إلي بعض،و قالوا:ما ترونه يريد بما قال؟قالوا:نظنّه يريد أن يصالح معاوية،و يكل الأمر إليه،كفر و اللّه الرجل!ثم شدّوا علي فسطاطه.فانتهبوه حتي أخذوا مصلاّه من تحته؛ثم شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه بن جعال الأزديّ،فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقي جالسا متقلّدا سيفا بغير رداء،فدعا بفرسه فركبه،و أحدق به طوائف من خاصّته و شيعته، و منعوا منه من أراده،و لاموه و ضعّفوه لما تكلّم به؛فقال:ادعوا إليّ ربيعة و همدان،فدعوا له،».

ص: 89


1- مقاتل الطالبيين:«ثم إن الحسن...».
2- في نسخة:«يزن».
3- بعدها في مقاتل الطالبيين:«ثم أمره بما أراد».
4- شينور:صقع بالعراق،و في ب«سينور»تحريف.
5- شاهي:موضع قرب القادسية.
6- ياقوت:«فلاليج السواد:قراها،واحدها الفلوجة،و الفلوجة الكبري،و الفلوجة الصغري:قريتان كبيرتان من سواد بغداد و الكوفة قرب عين التمر».
7- مسكن:موضع علي نهر دجيل.
8- مقاتل الطالبيين:«لما فيه المحبة و الرضا».

فأطافوا به،و دفعوا الناس عنه،و معهم شوب (1)من غيرهم،فلمّا مرّ في مظلم ساباط (2)،قام إليه رجل من بني أسد،ثم من بني نضر بن قعين يقال له جراح بن سنان،و بيده معول،فأخذ بلجام فرسه،و قال:اللّه أكبر!يا حسن*أشرك أبوك،ثم أشركت أنت* (3).و طعنه بالمعول،فوقعت في فخذه،فشّقته حتي بلغت أربيّته (4)،و سقط الحسن عليه السّلام إلي الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده،و اعتنقه،فخرّا جميعا إلي الأرض؛فوثب عبد اللّه بن الأخطل (5)الطائيّ،و نزع المعول من يد جراح بن سنان،فخضخضه (6)به،و أكبّ ظبيان بن عمارة عليه،فقطع أنفه،ثم أخذا له الآجر فشدخا رأسه،و وجهه حتي قتلوه.

و حمل الحسن عليه السّلام علي سرير إلي المدائن،و بها سعيد (7)بن مسعود الثقفيّ واليا عليها من قبله،و قد كان عليّ عليه السّلام ولاّه المدائن فأقرّه الحسن عليه السّلام عليها،فأقام عنده يعالج نفسه.فأما معاوية فإنه وافي حتي نزل قرية يقال لها الحلوبية (8)بمسكن،و أقبل عبيد اللّه بن عباس حتي نزل بإزائه؛ فلما كان من غد وجّه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد اللّه فيمن معه فضربهم حتي ردّهم إلي معسكرهم؛فلما كان الليل أرسل معاوية إلي عبيد اللّه بن عباس أنّ الحسن قد راسلني في الصلح؛ و هو مسلّم الأمر إليّ،فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا،و إلاّ دخلت و أنت تابع،و لك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم،أعجّل لك في هذا الوقت نصفها؛و إذا دخلت الكوفة النّصف الآخر؛فانسلّ عبيد اللّه إليه ليلا،فدخل عسكر معاوية فوفّي له بما وعده،و أصبح الناس ينتظرون عبيد اللّه أن يخرج فيصلّي بهم؛فلم يخرج حتي أصبحوا،فطلبوه فلم يجدوه،فصلي بهم قيس بن سعد بن عبادة،ثم خطبهم فثبّتهم (9)،و ذكر عبيد اللّه فنال منه،ثم أمرهم بالصبر و النّهوض».

ص: 90


1- الشوب:الأخلاط من الناس.
2- مظلم ساباط:مضاف إلي ساباط التي قرب المدائن:موضع هناك،قال ياقوت:«و لا أدري لم سمي بذلك».
3- في مقاتل الطالبيين:«يا حسن،أشركت كما أشرك أبوك من قبل».
4- الأربية:أصل الفخذ.
5- مقاتل الطالبيين:«الخطل».
6- في نسخة:«فحصحصه».
7- مقاتل الطالبيين:«سعد».
8- في نسخة:«الحيوضة».
9- في مقاتل الطالبيين:«أيها الناس،لا يهولنكم و لا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع«أي الجبان».إن هذا و أباه و أخاه لم يأتوا بيوم خير قط؛إن أباه عم رسول الله صلّي الله عليه و سلم خرج يقاتل ببدر،فأسره أبو الميسر كعببن عمرو الأنصاري،فأتي به رسول الله صلّي الله عليه و سلم،فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين،و إن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين علي البصرة،فسرق مال الله و مال المسلمين، فاشتري به الجواري؛و زعم أنّ ذلك له حلال؛و أنّ هذا ولاه علي اليمن.فهرب من بسر بن أرطاة،و ترك ولده حتي قتلوا،و صنع الآن هذا الذي صنع.قال:فتنادي الناس:الحمد لله الذي أخرجه من بيننا،فانهض بنا إلي عدونا،فنهض بهم».

إلي العدوّ،فأجابوه بالطاعة و قالوا له:إنهض بنا إلي عدوّنا علي إسم اللّه،فنزل فنهض بهم.

و خرج إليه بسر بن أرطاة فصاح إلي أهل العراق:ويحكم!هذا أميركم عندنا قد بايع و إمامكم الحسن قد صالح،فعلام تقتلون أنفسكم!

فقال لهم قيس بن سعد:إختاروا إحدي اثنتين؛إمّا القتال مع غير إمام،و إما أن تبايعوا بيعة ضلال،فقالوا:بل نقاتل بلا إمام،فخرجوا فضربوا أهل الشام حتي ردّوهم إلي مصافّهم.

فكتب معاوية إلي قيس بن سعد يدعوه و يمنّيه،فكتب إليه قيس:لا و لا تلقاني أبدا إلاّ بيني و بينك الرّمح.فكتب إليه معاوية حينئذ لما يئس منه:

أما بعد؛فإنّك يهوديّ ابن يهوديّ،تشقي نفسك و تقتلها فيما ليس لك؛فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك نبذك و غدرك،و إن ظهر أبغضهم إليك نكّل بك و قتلك:و قد كان أبوك أوتر غير قوسه،و رمي غير غرضه؛فأكثر الحزّ و أخطأ المفصل،فخذله قومه،و أدركه يومه،فمات بحوران طريدا غريبا.و السّلام.

فكتب إليه قيس بن سعد:

أما بعد؛فإنما أنت وثن ابن وثن،دخلت الإسلام كرها،و أقمت فيه فرقا،و خرجت منه طوعا؛و لم يجعل اللّه لك فيه نصيبا،لم يقدم إسلامك،و لم يحدث نفاقك؛و لم تزل حربا للّه و لرسوله،و حزبا من أحزاب المشركين،و عدوّا للّه و لنبيه و للمؤمنين من عباده-و ذكرت أبي، فلعمري ما أوتر إلاّ غرضه،فشغب عليه من لا يشقّ غباره،و لا يبلغ كعبه؛و زعمت أنّي يهوديّ ابن يهودي،و قد علمت و علم الناس أنّي و أبي أعداء الدّين الذي خرجت منه،و أنصار الدين الذي دخلت فيه،و صرت إليه.و السّلام.

فلما قرأ معاوية كتابه غاظه،و أراد إجابته،فقال له عمرو:مهلا،فإنك إن كاتبته أجابك بأشدّ من هذا؛و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس.فأمسك عنه.

قال:و بعث معاوية عبد اللّه بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة إلي الحسن للصلح،فدعواه إليه، فزهّداه في الأمر،و أعطياه ما شرط له معاوية،و ألا يتبع أحد بما مضي،و لا ينال أحد من شيعة عليّ بمكروه،و لا يذكر عليّ إلاّ بخير،و أشياء شرطها الحسن.فأجاب إلي ذلك،و انصرف قيس بن سعد فيمن معه إلي الكوفة،و انصرف الحسن أيضا إليها،و أقبل معاوية قاصدا نحو الكوفة،و اجتمع إلي الحسن عليه السّلام وجوه الشيعة و أكابر أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام يلومونه،و يشكون إليه جزعا مما فعله (1).

قال أبو الفرج:فحدّثني محمد بن أحمد بن عبيد،قال:حدثنا الفضل بن الحسن البصري7.

ص: 91


1- مقاتل الطالبيين 64-67.

قال:حدّثنا ابن عمرو،قال:حدّثنا مكّي بن إبراهيم،قال:حدّثنا السريّ بن إسماعيل،عن الشعبيّ،عن سفيان بن أبي ليلي.قال أبو الفرج:و حدّثني به أيضا محمد بن الحسين الأشناندانيّ، و عليّ بن العباس المقانعي (1)،عن عباد بن يعقوب،عن عمرو بن ثابت،عن الحسن بن الحكم، عن عديّ بن ثابت،عن سفيان بن أبي ليلي،قال:أتيت الحسن بن عليّ حين بايع معاوية،فوجدته بفناء داره،و عنده رهط،فقلت:السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين؛قال:و عليك السّلام يا سفيان، و نزلت فعقلت راحلتي،ثم أتيته فجلست إليه،فقال:كيف قلت يا سفيان؟

قلت:السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين!فقال:لم جري هذا منك إلينا؟قلت:أنت و اللّه بأبي و أمي أذللت رقابنا حيث أعطيت هذا الطاغية البيعة،و سلّمت الأمر إلي اللعين ابن آكلة الأكباد، و معك مائة ألف كلّهم يموت دونك،فقد جمع اللّه عليك أمر الناس.فقال:يا سفيان،إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به،و إني سمعت عليا يقول:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«لا تذهب الليالي و الأيام حتي يجتمع أمر هذه الأمة علي رجل واسع السّرم (2)،ضخم البلعوم،يأكل و لا يشبع،لا ينظر اللّه إليه،و لا يموت حتي لا يكون له في السماء عاذر،و لا في الأرض ناصر»،و إنه لمعاوية، و إني عرفت أن اللّه بالغ أمره.

ثم أذّن المؤذّن،فقمنا علي حالب نحلب ناقته،فتناول الإناء،فشرب قائما،ثم سقاني، و خرجنا نمشي إلي المسجد،فقال لي:ما جاء بك يا سفيان؟

قلت:حبّكم و الذي بعث محمدا بالهدي و دين الحق!قال:فأبشر يا سفيان،فإنّي سمعت عليا يقول؟سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:يرد عليّ الحوض أهل بيتي و من أحبّهم من أمتي كهاتين-يعني السبّابتين،أو كهاتين يعني السبّابة و الوسطي-إحداهما تفضل علي الأخري،أبشر يا سفيان؛فإنّ الدنيا تسع البرّ و الفاجر؛حتي يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (3).

قلت:قوله:«و لا في الأرض ناصر»،أي ناصر ديني؛أي لا يمكن أحدا أن ينتصر له بتأويل ديني يتكلف به عذرا لأفعاله القبيحة.

فإن قلت:قوله:«و إنه لمعاوية»من الحديث المرفوع،أو من كلام عليّ عليه السّلام،أو من كلام الحسن عليه السّلام؟قلت:الظاهر أنه من كلام الحسن عليه السّلام،فإنه قد غلب علي ظنّه أنّ معاوية صاحب هذه الصفات،و إن كان القسمان الأولان غير ممتنعين.

فإن قلت:فمن هو إمام الحقّ من آل محمد؟قلت:أمّا الإمامية فتزعم صاحبهم الذي يعتقدون أنه الآن حيّ في الأرض؛و أمّا أصحابنا فيزعمون أنه فاطميّ يخلقه اللّه في آخر الزمان.8.

ص: 92


1- في نسخة:«المفاقعي».
2- في نسخة:«السر».
3- مقاتل الطالبيين 67-68.

قال أبو الفرج:و سار معاوية حتي نزل النّخيلة،و جمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل ما انتهي إلينا منها (1).

فأمّا الشعبيّ فإنه روي أنه قال في الخطبة:ما اختلف (2)أمر أمة بعد نبيها إلاّ و ظهر أهل باطلها علي أهل حقها،ثم انتبه فندم فقال:إلاّ هذه الأمة فإنها و إنها...

و أما أبو إسحاق السّبيعيّ فقال:إنّ معاوية قال في خطبته بالنّخيلة:ألا إنّ كلّ شيء أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين لا أفي به.

قال أبو إسحاق؛و كان و اللّه غدّارا.

و روي الأعمش عن عمرو بن مرّة؛عن سعيد بن سويد،قال:صّلي بنا معاوية بالنّخيلة الجمعة،ثم خطبنا،فقال:و اللّه إني ما قاتلتكم لتصّلوا،و لا لتصوموا،و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا، إنكم لتفعلون ذلك،و إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم،و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون.

قال:و كان عبد الرحمن بن شريك إذا حدّث بذلك،يقول:هذا و اللّه هو التهتّك.

قال أبو الفرج:و حدّثني أبو عبيد محمّد بن أحمد،قال:حدثني الفضل بن الحسن البصري، قال:حدثني يحيي بن معين قال:حدّثني أبو حفص اللّبان،عن عبد الرحمن بن شريك،عن إسماعيل بن أبي خالد،عن حبيب بن أبي ثابت،قال:خطب معاوية بالكوفة حين دخلها،و الحسن و الحسين عليهما السّلام جالسان تحت المنبر،فذكر عليا عليه السّلام فنال منه،ثم نال من الحسن،فقام الحسين عليه السّلام ليردّ عليه،فأخذه الحسن بيده فأجلسه،ثم قام فقال:أيّها الذاكر عليّا؛أنا الحسن، و أبي عليّ،و أنت معاوية و أبوك صخر،و أميّ فاطمة و أمّك هند،و جدّي رسول اللّه و جدّك عتبة بن ربيعة،و جدّتي خديجة و جدّتك قتيلة،فلعن اللّه أخملنا ذكرا،و ألأمنا حسبا،و شرّنا قديما و حديثا، و أقدمنا كفرا و نفاقا فقال طوائف من أهل المسجد:آمين.

قال الفضل:قال يحيي بن معين:و أنا أقول:آمين.

قال أبو الفرج:قال أبو عبيد:قال الفضل:و أنا أقول«آمين»،و يقول عليّ بن الحسين الأصفهاني (3):آمين.

قال ابن أبي الحديد:قلت:و يقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب:آمين (4).

و قال المدائنيّ:فقال المسيّب بن نجبة للحسن عليه السّلام،ما ينقضي عجبي منك!بايعت معاوية و معك أربعون ألفا،و لم تأخذ لنفسك وثيقة و عقدا ظاهرا،أعطاك أمرا فيما بينك و بينه،ثم قال ما1.

ص: 93


1- مقاتل الطالبيّين«من ذلك».
2- مقاتل الطالبيين:«ما اختلفت أمه».
3- مقاتل الطالبيين 70.
4- شرح النهج:47/16،و الغدير:8/11.

قد سمعت،و اللّه ما أراد بها غيرك،قال.فما تري؟قال:أري أن ترجع إلي ما كنت عليه،فقد نقض ما كان بينه و بينك.فقال:يا مسيّب،إني لو أردت بما فعلت الدّنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللّقاء،و لا أثبت عند الحرب مّني،و لكني أردت صلاحكم،و كفّ بعضكم عن بعض؛فارضوا بقدر اللّه و قضائه،حتي يستريح برّ،أو يستراح من فاجر.

قال المدائنيّ و دخل عبيدة بن عمرو الكنديّ علي الحسن عليه السّلام-و كان ضرب علي وجهه ضربة و هو مع قيس بن سعد بن عبادة-فقال:ما الذي أري بوجهك؟قال:أصابني مع قيس.فالتفت حجر بن عديّ إلي الحسن،فقال:لوددت أنك كنت متّ قبل هذا اليوم،و لم يكن ما كان،إنّا رجعنا راغمين بما كرهنا،و رجعوا مسرورين بما أحبّوا.فتغيّر وجه الحسن،و غمز الحسين عليه السّلام حجرا،فسكت،فقال الحسن عليه السّلام:يا حجر،ليس كلّ الناس يحبّ ما تحبّ و لا رأيه كرأيك،و ما فعلت إلاّ إبقاء عليك،و الله كلّ يوم في شأن.

قال المدائنيّ:و دخل عليه سفيان بن أبي ليلي النّهديّ،فقال له:السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين!فقال الحسن:إجلس يرحمك اللّه،إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رفع له ملك بني أميّة،فنظر إليهم يعلون منبره واحدا فواحدا،فشقّ ذلك عليه،فأنزل اللّه تعالي في ذلك قرآنا قال له: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ (1).

و سمعت عليّا أبي يقول:سيلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم،كبير البطن،فسألته:من هو؟فقال:معاوية.

و قال لي:إنّ القرآن قد نطق بملك بني أميّة و مدّتهم،قال تعالي: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (2)،قال أبي:هذه ملك بني أمية.

قال المدائني:فلمّا كان عام الصلح،أقام الحسن عليه السّلام بالكوفة أيّاما،ثم تجهّز للشخوص إلي المدينة،فدخل عليه المسيّب بن نجبة الفزاريّ و ظبيان بن عمارة التيميّ ليودّعاه،فقال الحسن:

الحمد للّه الغالب علي أمره؛لو أجمع الخلق جميعا علي ألاّ يكون ما هو كائن ما استطاعوا.فقال أخوه الحسين عليه السّلام:لقد كنت كارها لما كان،طيّب النفس علي سبيل أبي حتي عزم عليّ أخي، فأطعته،و كأنما يجذّ أنفي بالمواسي،فقال المسيّب:إنه و اللّه ما يكبر علينا هذا الأمر إلاّ أن تضاموا و تنتقصوا،فأمّا نحن،فإنهم سيطلبون مودّتنا بكل ما قدروا عليه،فقال الحسين:يا مسيّب،نحن نعلم أنك تحبّنا،فقال الحسن عليه السّلام:سمعت أبي يقول:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«من أحبّ قوما كان معهم»،فعرض له المسيّب و ظبيان بالرجوع،فقال:ليس[لي]إلي ذلك سبيل،فلمّا كان من غد خرج،فلمّا صار بدير هند نظر إلي الكوفة،و قال:3.

ص: 94


1- سورة الإسراء،الآية:60.
2- سورة القدر،الآية:3.

و لا عن قلّي فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي و ذماري

ثم سار إلي المدينة.

قال المدائنيّ:فقال معاوية يومئذ للوليد بن عقبة بن أبي معيط بعد شخوص الحسن عليه السّلام:يا أبا وهب،هل رمت؟قال:نعم،و سموت.

قال المدائنيّ:أراد معاوية قول الوليد بن عقبة يحرّضه علي الطلب بدم عثمان:

ألا أبلغ معاوية بن حرب فإنّك من أخي ثقة مليم (1)

قطعت الدّهر كالسّدم المعنّي تهدّر في دمشق و لا تريم (2)

فلو كنت القتيل و كان حيّا لشمّر لا ألفّ و لا سئوم

و إنّك و الكتاب إلي عليّ كدابغة و قد حلم الأديم (3)

و روي المدائنيّ،عن إبراهيم بن محمد،عن زيد بن أسلم،قال:دخل رجل علي الحسن عليه السّلام بالمدينة،و في يده صحيفة،فقال له الرجل:ما هذه؟قال:هذا كتاب معاوية،يتوعّد فيه علي أمر كذا،فقال الرجل:لقد كنت علي النّصف،فما فعلت؟

فقال له الحسن عليه السّلام:أجل،و لكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا، تشخب أوداجهم دما،كلّهم يستعدي اللّه فيم هريق دمه!

قال أبو الحسن:و كان الحصين بن المنذر الرقاشيّ يقول:و اللّه ما وفي معاوية للحسن بشيء ممّا أعطاه؛قتل حجرا و أصحاب حجر (4)،و بايع لابنه يزيد،و سمّ الحسن.

قال المدائنيّ:و روي أبو الطفيل،قال:قال الحسن عليه السّلام لمولي له:أتعرف معاوية بن خديج؟

قال:نعم،قال:إذا رأيته فأعلمني؛فرآه خارجا من دار عمرو بن حريث،فقال:هو هذا! فدعاه،فقال له:أنت الشّاتم عليّا عند ابن آكلة الأكباد!أما و اللّه لئن وردت الحوض و لم ترده لترينّه مشمرا عن ساقيه،حاسرا عن ذراعيه،يذود عنه المنافقين.

قال أبو الحسن:و روي هذا الخبر أيضا قيس بن الربيع،عن بدر بن الخليل،عن مولي الحسن عليه السّلام.ي.

ص: 95


1- المليم:من أتي من الأمر ما يلام عليه.
2- في اللسان:«السدم:الذي يرغب عن فحلته فيحال بينه و بين ألافه و يقيد إذا هاج فيرعي حوالي الدار،و إن صال جعل له حجام يمنعه عن فتح فمه،و منه قول الوليد بن عقبة...و استشهد بالبيت.
3- الحلم،بالتحريك:فساد الجلد؛قال صاحب اللسان في شرح البيت:«يقول أنت تسعي في إصلاح أمر قد تم فساده؛كهذه المرأة التي تدبغ الأديم الحلم الذي وقعت فيه الحلمة فنقبته و أفسدته فلا ينتفع به».
4- و هو حجر بن عدي.

قال أبو الحسن:و حدّثنا سليمان بن أيّوب،عن الأسود بن قيس العبدّي أنّ الحسن عليه السّلام لقي يوما حبيب بن مسلمة فقال له:يا حبيب،ربّ مسير لك في غير طاعة الله!فقال:أمّا مسيري إلي أبيك فليس من ذلك،قال:بلي و الله؛و لكنك أطعت معاوية علي دنيا قليلة زائلة،فلئن قام بك في دنياك،لقد قعد بك في آخرتك،و لو كنت إذ فعلت شرّا قلت خيرا،كان ذلك،كما قال عزّ و جلّ:

خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً (1) ،و لكنك كما قال سبحانه: كَلاّ بَلْ رانَ عَلي قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (2).

قال أبو الحسن:طلب زياد رجلا من أصحاب الحسن،ممن كان في كتاب الأمان،فكتب إليه الحسن:

من الحسن بن عليّ إلي زياد؛أمّا بعد؛فقد علمت ما كنّا أخذنا من الأمان لأصحابنا،و قد ذكر لي فلان أنك تعرّضت له،فأحبّ ألاّ تعرض له إلاّ بخير.و السّلام.

فلما أتاه الكتاب،و ذلك بعد ادّعاء معاوية إياه غضب حيث لم ينسبه إلي أبي سفيان،فكتب إليه:

من زياد بن أبي سفيان إلي الحسن؛أما بعد،فإنه أتاني كتابك في فاسق تؤويه الفسّاق من شيعتك و شيعة أبيك،و أيم اللّه لأطلبنّه بين جلدك و لحمك،و إنّ أحبّ الناس إليّ لحما أن آكله للحم أنت منه[و السّلام].

فلما قرأ الحسن عليه السّلام الكتاب،بعث به إلي معاوية،فلما قرأه غضب و كتب:

من معاوية بن أبي سفيان إلي زياد.أمّا بعد،فإنّ لك رأيين:رأيا من أبي سفيان و رأيا من سميّة،فأمّا رأيك من أبي سفيان فحلم و حزم،و أمّا رأيك من سميّة فما يكون من مثلها.إنّ الحسن بن عليّ عليه السّلام كتب إليّ بأنّك عرضت لصاحبه،فلا تعرض له،فإني لم أجعل[لك]عليه سبيلا؛و إنّ الحسن ليس ممّن يرمي به الرّجوان (3)،و العجب من كتابك إليه لا تنسبه إلي أبيه أو إلي أمّه،فالآن حين اخترت له،و السّلام.

و قيل:خرج الحسن إلي الناس و عليه ثياب سود،ثم وجّه عبد اللّه بن عباس و معه قيس بن سعد بن عبادة مقدّمة له في إثني عشر ألفا إلي الشام،و خرج و هو يريد المدائن،فطعن بساباط و انتهب متاعه؛و دخل المدائن؛و بلغ ذلك معاوية،فأشاعه؛و جعل أصحاب الحسن الذين وجّههم مع عبد اللّه يتسلّلون إلي معاوية،الوجوه و أهل البيوتات.فكتب عبد اللّه بن العباس بذلك إليك.

ص: 96


1- سورة التوبة،الآية:102.
2- سورة المطففين،الآية:14.
3- الرجوان:تثنية رجا،و الرجا مقصورا:ناحية كل شيء.و يقال:رمي به الرجوان:إذا استهان به،فكأنه رمي به هنالك،أراد أنه طرح في المهالك.

الحسن عليه السّلام فخطب الناس و وبّخهم،و قال:خالفتم أبي حتي حكّم و هو كاره،ثم دعاكم إلي قتال أهل الشام بعد التحكيم،فأبيتم حتي صار إلي كرامة اللّه،ثم بايعتموني علي أن تسالموا من سالمني،و تحاربوا من حاربني؛و قد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية،و بايعوه؛فحسبي منكم،لا تغرّوني في ديني و نفسي.

و أرسل عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب-و أمه هند بنت أبي سفيان بن حرب-إلي معاوية يسأله المسالمة،و اشترط عليه العمل بكتاب اللّه و سنة نبيّه،و ألاّ يبايع لأحد من بعده،و أن يكون الأمر شوري،و أن يكون الناس أجمعون آمنين.

و كتب بذلك كتابا،فأبي الحسين عليه السّلام،و امتنع؛فكلّمه الحسن حتي رضي،و قدم معاوية إلي الكوفة.

قال أبو الحسن:و حدّثنا أبو بكر بن الأسود،قال:كتب ابن العباس إلي الحسن:

أمّا بعد فإن المسلمين ولّوك أمرهم بعد عليّ عليه السّلام،فشمّر للحرب،و جاهد عدوّك،و قارب أصحابك،و اشتر من الظّنين (1)دينه بما لا يثلم (2)لك دينا (3)،و وال أهل البيوتات و الشّرف، تستصلح به عشائرهم،حتي يكون الناس جماعة؛فإنّ بعض ما يكره الناس-ما لم يتعد الحقّ؛ و كانت عواقبه تؤدي إلي ظهور العدل و عزّ الدين-خير من كثير مما يحبّه الناس اذا كانت عواقبه تدعو إلي ظهور الجور و ذلّ المؤمنين،و عزّ الفاجرين.و اقتد بما جاء عن أئمّة العدل،فقد جاء عنهم أنه لا يصلح الكذب إلاّ في حرب أو إصلاح بين الناس؛فإنّ الحرب خدعة؛و لك في ذلك سعة إذا كنت محاربا،ما لم تبطل حقّا.

و اعلم أنّ عليّا أباك إنّما رغب الناس عنه إلي معاوية،أنّه أساء بينهم في الفيء،و سوّي بينهم في العطاء،فثقل عليهم؛و اعلم أنّك تحارب من حارب اللّه و رسوله في ابتداء الإسلام؛حتي ظهر أمر اللّه،فلمّا وحّد الرب،و محق الشرك،و عزّ الدين،أظهروا الإيمان و قرأوا القرآن مستهزئين بآياته،و قاموا إلي الصلاة و هم كسالي،و أدّوا الفرائض و هم لها كارهون؛فلما رأوا أنه لا يعزّ في الدّين إلاّ الأتقياء الأبرار،توسّموا بسيماء الصّالحين،ليظنّ المسلمون بهم خيرا،فما زالوا بذلك حتي شركوهم في أماناتهم،و قالوا:حسابهم علي الله؛فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين،و إن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين،و قد منيت بأولئك و بأبنائهم و أشباههم و اللّه ما زادهم طول العمر الاّ غيّا و لا زادهم ذلك لأهل الدين إلاّ مقتا؛فجاهدهم و لا ترض دنيّة،و لا تقبل خسفا (4)؛فإنّ عليا لم يجب إلي الحكومة حتي غلب علي أمره فأجاب؛و إنهم يعلمون أنّه أوليا.

ص: 97


1- الظنين:«المتهم».
2- يثلم:يعيب.
3- عيون الأخبار(14/1):يفك.
4- خسفا:أي ذلا.

بالأمر إن حكموا بالعدل،فلمّا حكموا بالهوي،رجع إلي ما كان عليه حتي أتي عليه أجله،و لا تخرجنّ من حق أنت أولي به،حتي يحول الموت دون ذلك.و السّلام.

قال المدائنيّ:و كتب الحسن عليه السّلام إلي معاوية:

من عبد اللّه الحسن أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان.أما بعد فإنّ اللّه بعث محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رحمة للعالمين،فأظهر به الحقّ،و قمع به الشّرك،و أعزّ به العرب عامّة،و شرّف به قريشا خاصّة، فقال: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (1)؛فلمّا توفاه اللّه تنازعت العرب في الأمر بعده،فقالت قريش:

نحن عشيرته و أولياؤه،فلا تنازعونا سلطانه،فعرفت العرب لقريش ذلك؛و جاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب،فهيهات!ما أنصفتنا قريش و قد كانوا ذوي فضيلة في الدّين،و سابقة في الإسلام؛و لا غرو (2)إلاّ منازعته إيّانا الأمر بغير حق في الدنيا معروف،و لا أثر في الإسلام محمود،فاللّه الموعد،نسأل اللّه ألاّ يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا عنده في الآخرة.إنّ عليا لمّا توفّاه اللّه ولاّني المسلمون الأمر بعده،فاتق اللّه يا معاوية و انظر لأمة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما تحقن به دماءها،و تصلح به أمرها.و السّلام.

و بعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التيميّ،تيم الرّباب،و جندب الأزديّ،فقدما علي معاوية فدعواه إلي بيعة الحسن عليه السّلام فلم يجبهما،و كتب جوابه:

أمّا بعد،فقد فهمت ما ذكرت به رسول اللّه،و هو أحقّ الأوّلين و الآخرين بالفضل كلّه، و ذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده،فصرّحت بتهمة أبي بكر الصديق و عمر و أبي عبيدة الأمين، و صلحاء المهاجرين،فكرهت لك ذلك؛إنّ الأمّة لمّا تنازعت الأمر بينها رأت قريشا أخلقها به؛ فرأت قريش و الأنصار و ذوو الفضل و الدين من المسلمين أن يولّوا من قريش أعلمها باللّه،و أخشاها له؛و أقواها علي الأمر،فاختاروا أبا بكر و لم يألوا،و لو علموا مكان رجل غير أبي بكر يقوم مقامه و يذبّ عن حرم الإسلام ذبّه ما عدلوا بالأمر إلي أبي بكر،و الحال اليوم بيني و بينك علي ما كانوا عليه،فلو علمت أنّك أضبط لأمر الرعيّة،و أحوط علي هذه الأمة،و أحسن سياسة،و أكيد للعدوّ، و أقوي علي جمع الفيء،لسلّمت لك الأمر بعد أبيك؛فإنّ أباك سعي علي عثمان حتي قتل مظلوما، فطالب اللّه بدمه؛و من يطلبه اللّه فلن يفوته.ثم ابتزّ الأمّة أمرها،و فرّق جماعتها،فخالفه نظراؤه من أهل السابقة و الجهاد و القدم في الإسلام،و ادّعي أنهم نكثوا بيعته،فقاتلهم فسفكت الدماء؛ و استحلّت الحرم،ثم أقبل إلينا لا يدّعي علينا بيعة؛و لكنه يريد أن يملكنا اغترارا،فحاربناه و حاربنا،ثم صارت الحرب إلي أن أختار رجلا و اخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمّة و تعود به الجماعة و الألفة،و أخذنا بذلك عليهما ميثاقا و عليه مثله و علينا مثله،علي الرضا بما حكما، فأمضي الحكمان عليه الحكم بما علمت،و خلعاه،فو الله ما رضي بالحكم،و لا صبر لأمر الله؛ب.

ص: 98


1- سورة الزخرف،الآية:44.
2- لا غرو:أي لا عجب.

فكيف تدعوني إلي أمر إنّما تطلبه بحق أبيك،و قد خرج منه!فانظر لنفسك و لدينك.و السّلام.

قال:ثم قال للحارث و جندب:إرجعا فليس بيني و بينكم إلاّ السيف؛فرجعا و أقبل إلي العراق في ستين ألفا؛و استخلف علي الشام الضحّاك بن قيس الفهريّ و الحسن مقيم بالكوفة،لم يشخص حتي بلغه أنّ معاوية قد عبر جسر منبج،فوجّه حجر بن عديّ يأمر العمال بالإحتراس،و يذبّ الناس،فسارعوا.فعقد لقيس بن سعد بن عبادة علي اثني عشر ألفا،فنزل دير عبد الرحمن، و استخلف علي الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،و أمر قيس بن سعد بالمسير، و ودّعه و أوصاه،فأخذ علي الفرات و قري الفلّوجة،ثم إلي مسكن.و ارتحل الحسن عليه السّلام متوجّها نحو المدائن،فأتي ساباط فأقام بها أيّاما،فلما أراد أن يرحل إلي المدائن قام فخطب الناس، فقال:أيّها الناس؛إنكم بايعتموني علي أن تسالموا من سالمت و تحاربوا من حاربت،و إني و اللّه ما أصبحت محتملا علي أحد من هذه الأمة ضغينة في شرق و لا غرب،و لما تكرهون في الجماعة و الألفة و الأمن،و صلاح ذات البين خير مما تحبّون في الفرقة،و الخوف و التباغض و العداوة،و إنّ عليا أبي كان يقول:لا تكرهوا إمارة معاوية؛فإنكم لو فارقتموه لرأيتم الرؤوس تندر (1)عن كواهلها كالحنظل.ثم نزل.

فقال الناس:ما قال هذا القول إلاّ و هو خالع نفسه و مسلّم الأمر لمعاوية،فثاروا به فقطعوا كلامه،و انتهبوا متاعه،و انتزعوا مطرفا كان عليه،و أخذوا جارية كانت معه،و اختلف الناس فصارت طائفة معه؛و أكثرهم عليه،فقال:اللهمّ أنت المستعان،و أمر بالرّحيل،فارتحل الناس، و أتاه رجل بفرس،فركبه و أطاف به بعض أصحابه،فمنعوا الناس عنه و ساروا،فتقدّمه سنان بن الجرّاح الأسديّ إلي مظلم ساباط،فأقام به؛فلما دنا منه تقدّم إليه يكلّمه،و طعنه في فخذه بالمعول (2)طعنة كادت تصل إلي العظم،فغشي عليه و ابتدره أصحابه،فسبق إليه عبيد اللّه الطائيّ، فصرع سنانا و أخذ ظبيان بن عمارة المعول من يده،فضربه به فقطع أنفه،ثم ضربه بصخرة علي رأسه فقتله؛و أفاق الحسن عليه السّلام من غشيته،فعصبوا جرحه و قد نزف و ضعف،فقدموا به المدائن و عليها سعد بن مسعود،عمّ المختار بن أبي عبيد،و أقام بالمدائن حتي بري من جرحه.

و عن يونس بن أبي إسحاق،عن أبيه،و عن أبي السفر و غيرهم قالوا:بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي،ثم قالوا له:سر إلي هؤلاء القوم الذين عصوا اللّه و رسوله و ارتكبوا العظيم،و ابتزّوا الناس أمورهم فإنا نرجو أن يمكن اللّه منهم.

فسار الحسن إلي أهل الشام و جعل علي مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفا و كانوا يسمّون شرطة الخميس.ر.

ص: 99


1- تندر:تقطع.
2- المعول:حديدة ينقر بها الصخر.

و قال غيره:وجّه إلي الشام عبيد اللّه بن العباس و معه قيس بن سعد،فسار فيهم قيس حتي نزل مسكن و الأنبار و ناحيتها،و سار الحسن حتي نزل بالمدائن،و أقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتي نزل جسر منبج،فبينا الحسن بالمدائن إذ نادي مناد في عسكره:ألا إنّ قيس بن سعد قد قتل، قال:فشدّ الناس علي حجرة الحسن فانتهبوها حتي انتهبت بسطه و جواريه،و أخذوا رداءه من ظهره و طعنه رجل من بني أسد يقال له:ابن أقيصر،بخنجر مسموم في إليته فتحوّل من مكانه الذي انتهب فيه متاعه و نزل الأبيض-قصر كسري-و قال:عليكم لعنة اللّه من أهل قرية فقد علمت أنه لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس و اليوم تفعلون بي هذا.

ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله و كتب معه إلي معاوية بن أبي سفيان يسأله الصّلح و يسلّم له الأمر علي أن يسلم له ثلاث خصال:

يسلّم له بيت المال فيقضي منه دينه و مواعيده التي عليه و يتحمل منه هو من[معه]عيال أهل أبيه و ولده و أهل بيته و لا يسبّ علي و هو يسمع.

و أن يحمل إليه خراج فسا (1)و دار ابجرد (2)من أرض فارس كل عام إلي المدينة ما بقي، فأجابه معاوية إلي ذلك و أعطاه ما سأل و يقال:بل أرسل الحسن بن علي عبد اللّه بن الحارث بن نوفل إلي معاوية حتي أخذ له ما سأل،و أرسل معاوية عبد اللّه بن عامر بن كريز و عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد الشمس فقدما المدائن إلي الحسن فأعطاه ما سأل و ما أراد و وثّقا له.

فكتب إليه الحسن أن أقبل.فأقبل من جسر منبج إلي مسكن في خمسة أيام و قد دخل يوم السادس فسلم إليه الحسن الأمر و بايعه ثم سارا جميعا حتي قدما الكوفة فنزل الحسن القصر و نزل معاويه النخيلة.فأتاه الحسن في عسكره غير مرة،و وفي معاوية للحسن ببيت المال و كان فيه يومئذ سبعة آلاف درهم،و احتملها الحسن،و تجهّز بها هو و أهل بيته إلي المدينة،و كفّ معاوية عن سبّ علي و الحسن يسمع.

و دسّ معاوية إلي أهل البصره فطردوا وكيل الحسن و قالوا:لا تحمل فيأنا إلي غيرنا-يعنون خراج فسا و داربجرد-فأجري معاوية علي الحسن كل سنة ألف ألف درهم و عاش الحسن عليه السّلام بعد ذلك عشر سنين (3).

و قيل:أقام الحسن بن علي عليه السّلام بالكوفة بعد مقتل أبيه شهرين كاملين لا ينفذ إلي معاوية أحدا، و لا ذكر المسير إلي الشام فورد عليه كتاب من ابن عباس و مما جاء فيه:«يابن رسول اللّه فإنّ4.

ص: 100


1- فسا:من انزه مدن درابجرد في فارس بينها و بين شيراز سبعة و عشرين فرسخا(معجم البلدان).
2- دارابجرد،و يقال:درابجرد:كورة بفارس،من مدنها فسا و هي أكبر من دارابجرد(معجم البلدان).
3- سير أعلام النبلاء 3:263-264.

المسلمين ولّوك أمرهم بعد أبيك-رضي اللّه عنه-و قد أنكروا قعودك عن معاوية و طلبك لحقّك فشمّر للحرب و جاهد عدوك».

فبعث الحسن بكتاب إلي معاوية-بعد بيعته-يدعوه إلي طاعته و بيعته فكتب إليه معاوية برفض ما طلبه منه ثم جمع الناس و خرج في ستين ألفا يريد العراق،عندئذ سار الحسن من الكوفة إلي مسكن و تجهّز و عبّأ الجيش،و جرت في عسكره مشاحنات حتي أنهم نفروا بسرادقة،و نهبوا متاعه، و تفرق الأمر عنه،فكتب إلي معاوية في الصلح وفق شروط.

و كان ذلك بعد أن رأي الحسن نفسه أمام ظروف دقيقة-حتّمت عليه-بعد موقف الحيرة الذي وجد نفسه فيه اتخاذ الموقف الجريء الواضح و الذي لم يرض أن يهراق في أمره محجمة دم، فكانت خطّة حقن الدماء التي أقرّها و قرّرها.

و أمّا الظروف التي أملت عليه اتخاذ هذا الموقف فهي:

1-خطة الحرب النفسية و الدعائيّة التي شنّها معاوية و التي قضي من ورائها تدمير مقاومة الجيش و صموده في مسكن.

2-نشر الشائعات في جيش الحسن،و كانوا من أغرار الناس المتأرجحين بين الطاعة و العصيان و المتأهبين للفتنة و الإضطرابات في كل حين.

3-تهديم معنويات جيش الحسن.

هذا ما أدّي إلي نهب سرادق الحسن و متاعه و عامة أثقاله و تفرّق أصحابه.و مما أدّي إلي تطاول سنان بن الجراح الأسدي علي الحسن و مهاجمته و جرحه جراحة كادت تأتي عليه.و ما همّ به المختار بن أبي عبيد في إقناع عمه باستيثاق الحسن و أن يستأمن به من معاوية،و انخزال القبائل قبيلة بعد قبيلة إلي معاوية.

أمام هذا...كله وقف الحسن متأملا،غير عابيء بما يدور حوله،و وضع خطته فيما يريده اللّه و ما يؤثره من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ما يجب لصيانة المبدأ،أمّا ما يقوله الناس،فلم يكن ذلك مما يعنيه كثيرا (1).

و مما اشترطه الحسن علي معاوية:

1-أن يعمل معاوية بالمؤمنين بكتاب اللّه و سنة نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سيرة الخلفاء الصالحين من بعده.

2-ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شوري بين المسلمين.

3-الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه شامهم و عراقهم و تهامهم و حجازهم.1.

ص: 101


1- عن هامش الإمامة و السياسة:184/1.

4-أصحاب علي و شيعته آمنون علي انفسهم و أموالهم و نسائهم و دمائهم و علي معاوية عهد اللّه و ميثاقه.

و ذكر أنه اتفق بينهما علي معاهدة صلح وقّعها الفريقان:و صورتها كما أخذناها من مصادرها حرفيا:

المادة الأولي:

تسليم الأمر إلي معاوية علي أن يعمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله و بسيرة الخلفاء الصالحين (1).

المادة الثانية:

أن يكون الأمر للحسن من بعده

و ليس لمعاوية أن يعهد به إلي أحد (2).

المادة الثالثة:

أن يترك سبّ أمير المؤمنين

و القنوت عليه بالصلاة و أن لا يذكر عليا إلاّ بخير (3).

المادة الرابعة:

يسلم ما في بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف للحسن و له خراج دارابجرد

و يحمل لأخيه الحسين في كل عام ألفي ألف،و يفضل بني هاشم في العطاء و الصلات علي بني عبد شمس (4).

المادة الخامسة:

أن لا يأخذ أحدا من أهل العراق بإحنة،

و أن يؤمن الأسود و الأحمر و يحتمل ما يكون من هفواتهم،و علي أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه في شامهم و عراقهم و تهامهم و حجازهم (5)

و عن الزهري،قال:فكاتب الحسن لما طعن معاوية و أرسل يشرط شرطه فقال:إن أعطيتني هذا فإني سامع مطيع و عليك أن تفي به.فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية،و قد أرسل معاوية إلي الحسن بصحيفة بيضاء مختوم علي أسفلها و كتب إليه:أن اشترط في هذه ما شئت فما اشترطت فهو لك.فلما أتت حسنا جعل يشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك و أمسكها عنده، و أمسك معاوية صحيفة الحسن التي كتبت إليه يسأله ما فيها.

ص: 102


1- شرح النهج:8/4،و النصائح الكافيه:156.
2- تاريخ الخلفاء للسيوطي:194 و الإصابة 2:12-13 و دائرة معارف و جدي 3:443.
3- مقاتل الطالبين:26 و شرح النهج 4:15 و قال آخرون إنه أجابه علي أن لا يشتم عليا و هو يسمع:و قال ابن الأثير:ثم لم يف به أيضا.
4- تاريخ الطبري:2/6،و في الأخبار الطوال:218.
5- فتوح ابن الأعثم:160/4،و الأخبار الطوال:218.

فلما التقيا و بايعه الحسن سأل الحسن معاوية أن يعطيه الشروط التي اشترط في السجل الذي ختم معاوية علي أسفله و أبي معاوية أن يعطيه ذلك،و قال:لك ما كنت كتبت إليّ تسألني أن أعطيك،فإني قد أعطيتكها حين جاءني.فقال له الحسن:و أنا قد اشترطت عليك حين جاءني سجلك و أعطيتني العهد علي الوفاء بما فيه.فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن من الشرط شيئا (1).

و عن أنس-يعني-ابن سيرين،قال:قال الحسن بن عليّ عليه السّلام يوم كلّم معاوية:ما بين جابرس (2)و جابلق رجل جدّه نبيّ غيري،و إني رأيت أن أصلح بين أمة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و كنت أحقّهم بذلك،ألا و إنّا قد بايعنا معاوية وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ (3).

و عن محمّد،قال:لما كان زمن ورود معاوية الكوفة و اجتمع الناس عليه و تابعه الحسن بن علي عليهما السّلام،قال:قال أصحاب معاوية لمعاوية:عمرو بن العاص و الوليد بن عقبة و أمثالهما من أصحابه-:إنّ الحسن بن عليّ عليه السّلام مرتفع في أنفس الناس لقرابته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إنّه حديث السن عييّ،فمره فليخطب فإنه سيعيي في الخطبة،فيسقط من أنفس الناس فأبي عليهم فلم يزالوا به حتي أمره فقام الحسن بن علي عليه السّلام علي المنبر دون معاوية فحمد اللّه و أثني عليه ثم قال:

و اللّه لو ابتغيتم بين جابلق و جابلس رجلا جدّه نبيّ غيري و غير أخي لم تجدوه و إنّا قد أعطينا بيعتنا معاوية و رأينا أنّ حقن دماء المسلمين خير فما إهراقها؟و اللّه ما أدري لعله فتنة لكم و متاع إلي حين.

قال:و أشار بيده إلي معاوية.قال:فغضب معاوية فخطب بعده خطبة عيية فاحشة ثم نزل، و قال:ما أردت بقولك فتنة لكم و متاع إلي حين؟قال:أردت بها ما أراد اللّه بها (4).

***

علّة مصالحة الحسن عليه السّلام معاوية لعنه الله

و في كتاب العلل عن الحسن عليه السّلام:علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكّة حين انصرف من الحديبيّة،أولئك كفّار بالتنزيل و معاوية و أصحابه

ص: 103


1- قال ابن عبد البر في الإستيعاب:371/1 في ترجمة الإمام الحسن:«فخالف معاوية هذا الشرط و حمل المسلمين علي بيعة ابنه شارب الخمر دائم السكر اللاعب بالكلاب و الآنس بالمغنين...».
2- قال معمر:جابلق و جابرس المشرق و المغرب. و في معجم البلدان:و جابرس مدينة بأقصي المشرق،و جابلق:مدينة بأقصي المغرب.و الخبر في المعجم الكبير:120/30 في ترجمة الإمام الحسن.
3- سورة الأنبياء،الآية:111.
4- سير أعلام النبلاء 3:271-272 البداية و النهاية 8:42.

كفّار بالتأويل،يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل اللّه تعالي ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا.ألا تري الخضر لمّا خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسي عليه السّلام فعله لاشتباه وجه الحكمة فيه حتّي أخبره فرضي،هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه و لو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الأرض أحد إلاّ قتل.

و ذكر يوسف بن مازن أنّ الحسن عليه السّلام بايع معاوية علي أن لا يسمّيه أمير المؤمنين و لا يقيم عنده شهادة و علي أن لا يتعتّب علي شيعة عليّ شيئا و علي أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل و أولاد من قتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم،و أن يجعل ذلك من خراج دار بجرد قال:

و ما ألطف حيلة الحسن عليه السّلام في إسقاطه إيّاه عن إمرة المؤمنين،و ما و في معاوية للحسن بن علي بشيء عاهده عليه (1).

و عن أبي سعيد قال:لمّا صالح الحسن عليه السّلام معاوية دخل عليه الناس فلامه بعضهم فقال:

و يحكم و اللّه الّذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت الشمس عليه أو غربت أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي خلفه عيسي،فإنّ اللّه يغيب ولادته و يخفي شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة ذاك التاسع من ولد أخي الحسين يطيل اللّه عمره في غيبته ثمّ يظهر بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة.

و عن زيد الجهني قال:لمّا طعن الحسن عليه السّلام بالمدائن أتيته و هو متوجّع فقلت:ما تري يابن رسول اللّه،فإنّ الناس متحيّرون؟

فقال:أري و اللّه معاوية خير لي من هؤلاء،يزعمون أنّهم شيعتي ابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي و أخذوا مالي و اللّه لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي و آمن به في أهلي خير أن يقتلونني فيضيع أهل بيتي،و اللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّي يدفعوني إليه سلما،فو الله لأن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسيره أو يمنّ عليّ فيكون سبّة علي بني هاشم آخر الدهر،و معاوية لا يزال يمنّ بها و عقبه علي الحيّ منّا و الميّت.

قال:قلت:أتترك يابن رسول اللّه شيعتك كالغنم ليس لهم راع؟

قال عليه السّلام:و اللّه إنّ أمير المؤمنين قال لي ذات يوم و قد رآني فرحا:أتفرح يا حسن كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟أم كيف بك إذا ولّي هذا الأمر بنو أميّة و أميرها الرحب البلعوم يأكل و لا يشبع تدين له العباد و يطول ملكه يسنّن بسنن البدع و الضلال يقتل من ناوأه علي الحقّ حتّي يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان و كلب من الدّهر يؤيّده اللّه بملائكته و يظهره علي الأرض حتّي يدينوا له طوعا و كرها4.

ص: 104


1- علل الشرائع:212/1،و البحار:3/44.

حتّي لا يبقي كافر إلاّ آمن و لا طالح إلاّ صلح و تصطلح في ملكه السباع،تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما فطوبي لمن أدرك أيّامه و سمع كلامه (1).

و في كتاب أعلام الدّين للديلمي قال:خطب الحسن بن علي بعد وفاة أبيه فحمد اللّه و أثني عليه ثمّ قال:أما و اللّه ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة و لا قلّة و لكن كنّا نقاتلهم بالسلامة و الصبر فشيب السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع و كنتم تتوجّهون معنا و دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم الآن و دنياكم أمام دينكم،و كنّا لكم و كنتم لنا و قد صرتم اليوم علينا ثمّ أصبحتم تدّعون قتيلين قتيلا بصفّين تبكون عليهم،و قتيلا بالنهروان يطلبون بثأرهم،فأمّا الباكي فخاذل و أمّا الطالب فثائر،و إنّ معاوية قد دعي إلي أمر ليس فيه عزّ و لا نصفة فإن أردتم الحياة قبلناه منه و أغضضنا علي القذي و إن أردتم الموت بذلناه في ذات اللّه،فنادي القوم بأجمعهم:بل التقيّة (2).

و روي الكشّي عن الصادق عليه السّلام قال:جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السّلام يقال له:سفير بن ليلي فدخل علي الحسن عليه السّلام فقال:السلام عليك يا مذلّ المؤمنين،فقال عليه السّلام:لا تعجل و ما علمك بذلك؟

قال:عمدت إلي أمر الامّة فخلعته من عنقك و قلّدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل اللّه، فقال عليه السّلام:فعلت ذلك لأنّي سمعت أبي يقول:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لن تذهب الأيّام و الليالي حتّي يلي أمر هذه الامّة رجل واسع البلعوم يأكل و لا يشبع و هو معاوية فلذلك فعلت.

و قال السيّد المرتضي طاب ثراه في تنزيه الأنبياء:فإن قال قائل ما العذر له عليه السّلام في خلع نفسه من الإمامة و تسليمها إلي معاوية مع ظهور فجوره،ثمّ في أخذ عطائه و صلاته مع توفّر أنصاره و مبايعة من كان يبذل عنه دمه و ماله حتّي سمّوه مذلّ المؤمنين و عابوه في وجهه؟

قلنا:قد ثبت أنّه عليه السّلام الإمام المعصوم،فلا بدّ من التسليم لجميع أفعاله و حملها علي الصحّة و إن كان فيها ما لا يعرف وجهه علي التفصيل و كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه مع أنّ الذي جري منه عليه السّلام كان السبب فيه ظاهرا لأنّ المجتمعين له من الأصحاب كانت قلوبهم مائلة إلي دنيا معاوية من غير مساترة فأظهروا له عليه السّلام النصرة و حملوه علي المحاربة طمعا في أن يورّطوه و يسلّموه فأحسّ بذلك منهم قبل التلبّس فتحرّز من المكيدة في سعة من الوقت.

و قد صرّح عليه السّلام بهذا في مواقف كثيرة،و قال عليه السّلام:إنّما هادنت حقنا للدماء و إشفاقا علي نفسي و أهلي،فكيف لا يخاف أصحابه و يتّهمهم و هو لمّا كتب إلي معاوية يعلمه أنّ الناس قد بايعوه بعد أبيه و يدعوه إلي طاعته فأجابه معاوية:لو كنت أعلم أنّك أضبط للناس لبايعتك لأنّي أراك لكلّ8.

ص: 105


1- الاحتجاج:11/2،و البحار:20/44.
2- البحار:21/44،و الاحتجاج:148.

خير أهلا،ثمّ خطب أصحابه بالكوفة يحضّهم علي الجهاد و أمرهم أن يخرجوا إلي معسكرهم فما أجابه أحد.

فقال لهم عدي بن حاتم:سبحان اللّه ألا تجيبون إمامكم؟أين خطباء مصر؟فقام قيس بن سعد و فلان و فلان فبذلوا الجهاد و أحسنوا القول.و نحن نعلم أنّ من ضمن بكلامه أولي بأن يضن بالفعال أوليس أحدهم طعنه بساباط بمعول أصاب فخذه و شقّه إلي العظم فحمل إلي المدائن و عليها سعد بن مسعود عمّ المختار من قبل أمير المؤمنين عليه السّلام فأشار المختار علي عمّه أن يوثقه و يسير به إلي معاوية طمعا في عطائه فقال للمختار:قبّح اللّه رأيك،ثمّ أتاه بطبيب داواه فمن ذا الذي يرجو السلامة بين هؤلاء فضلا عن النصرة.

و قد أجاب حجر بن عدي لمّا قال له:سوّدت وجوه المؤمنين،فقال له عليه السّلام:ما كلّ أحد يحبّ ما تحبّ و لا رأيه كرأيك و إنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم (1).

و قد روي أنّه لمّا طالبه معاوية بأن يتكلّم علي الناس و يعلمهم ما عنده في هذا الباب قام و قال بعد الحمد لله:أيّها الناس لو طلبتم بين جابلق و جابرس رجلا جدّه رسول اللّه ما وجدتموه غيري و غير أخي،و أنّ معاوية نازعني حقّا هو لي فتركته لصلاح الامّة و حقن دمائها.و كلامه في هذا الباب الذي يصرّح في جميعه بأنّه مقهور ملجأ إلي التسليم و دافع بالمسالمة الضرر العظيم أشهر من الشمس.

فأمّا قول السائل:إنّه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ اللّه لأنّ الإمامة بعد حصولها للإمام لا تخرج عنه بقوله:و عند أكثر مخالفينا أيضا في الإمامة إن خلع الإمام نفسه لا يؤثّر في خروجه من الإمامة و إنّما ينخلع من الإمامة عندهم بالإحداث و الكبائر،و لو كان خلع نفسه مؤثرا لكان إنّما يؤثر إذا وقع اختيارا مع أنّه يسلّم الأمر إلي معاوية بل كفّ عن المحاربة لفقد الأعوان.

فأمّا البيعة فإن أريد بها الصّفقة و الكفّ عن المنازعة فقد كان ذلك،لكنّا بيّنا السّبب فيه و لا حجّة كما لم يكن في مثله حجّة علي أبيه صلوات اللّه عليهما لمّا بايع المتقدّمين و كفّ عن نزاعهم، و إن أريد بالبيعة الرّضا و طيب النفس فالحال شاهد بخلاف ذلك.

فأمّا أخذ العطاء فبيّنا أنّ أخذه من يد الجائر المتغلّب جائز.

فأمّا أخذ الصّلات فجائز بل واجب،لأنّ كلّ ما في يد الجائر المتغلّب علي أمر الامّة يجب علي الإمام و علي جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع و الإكراه و وضعه في مواضعه فإذا لم يتمكّن من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال اللّه و أخرج هو شيئا منها إليه علي سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده و يأخذ منه حقّه و يقسمه علي مستحقّه،لأنّ التصرّف في ذلك4.

ص: 106


1- البحار:27/44.

المال بحقّ الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلاّ له عليه السّلام و ليس لأحد أن يقول إنّ ما كان يأخذه من معاوية ما كان يخرجه إلاّ علي نفسه لأنّ هذا ممّا لا يمكن القطع عليه،و لا شكّ أنّه عليه السّلام كان ينفق منها لأنّ فيها حقّه و حقّ عياله و أهله و لا بدّ أن يكون قد أخرج منها إلي المستحقّين حقوقهم و كيف يظهر ذلك و هو عليه السّلام كان يقصد ستره لمكان التقيّة و هو عليه السّلام كان متصدقا بكثير من أمواله و يصل المحتاجين و لعلّ في جملة ذلك هذه الحقوق.

فأمّا إظهار موالاته فما أظهر من ذلك شيئا و كلامه فيه بمشهد معاوية معروف ظاهر،و لو فعل ذلك خوفا و استصلاحا لكان واجبا فقد فعل أبوه عليه السّلام مثله مع المتقدّمين عليه،انتهي كلامه ملخّصا (1).

و في كتاب العلل أنّه دسّ معاوية إلي عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و شبث بن ربعي دسيسا أفرد كلّ واحد منهم[بعين] (2)من عيونه إنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف درهم و جند من أجناد الشام و بنت من بناتي،فبلغ الحسن عليه السّلام فلبس درعا تحت ثيابه و كان يحترز و لا يتقدّم الصلاة بهم إلاّ كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لمكان الدرع،فلمّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر ثمّ عالجه مسعود عمّ المختار حتّي طاب،فقال لهم:إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي و إنّي أظنّ أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدّي،و لكنّي كأنّي أنظر إلي بناتكم واقفين علي أبواب أبنائهم يستسقونهم و يستطعمونهم بما جعله اللّه لهم فلا يسقون و لا يطعمون فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم،فكتب الحسن عليه السّلام ذلك من فوره إلي معاوية و قبل منه المصالحة.

فإن قال قائل:إنّ الحسن عليه السّلام أخبر بأنّه حقن دما أنت تدّعي أنّ عليّا كان مأمورا بإراقتها بقوله عليه السّلام:أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و الحاقن لما أمر اللّه و رسوله بإراقته من الحاقن عصيان؟

قلنا:إنّ الامّة التي ذكر الحسن عليه السّلام أمّتان و فرقتان و طائفتان هالكة و ناجية و باغية و مبغي عليها،فإذا لم يمكن حقن دماء المبغي عليها إلاّ بحقن دماء الباغية لأنّهما إذا اقتتلا و ليس للمبغي عليها قوام بإزالة الباغية حقن دم المبغي عليها و إراقة دم الباغية مع العجز عن ذلك إراقة لدم المبغي عليها لا غير،فهذا هذا.

فإن قلت:البغاة علي الإمام كالناكثين و القاسطين و المارقين ما تسمّيهم؟

قلت:إختلف فيهم علماء الإسلام فذهب نادر إلي أنّهم مؤمنين مع أنّهم يسمّونهم باغين،و قالر.

ص: 107


1- مناقب آل أبي طالب:196/3،و البحار:27/44.
2- زيادة من المصدر.

قوم:إنّهم مشركون،و صار ثالث إلي أنّهم كفّار غير مشركين.

و قال واصل بن عطاء:فسّاق مخلّدون في النار.و الأصحّ عندنا أنّهم كفّار مخلّدون في النار و الأحاديث دالّة عليه (1).

و في كتاب الخرائج:روي عن الحرث الهمداني قال:لمّا مات عليّ عليه السّلام جاء الناس إلي الحسن و قالوا:أنت خليفة أبيك و وصيّه و نحن السامعون لك،فمرنا بأمرك.

فقال الحسن عليه السّلام:كذبتم ما وفيتم لمن كان خيرا منّي،فكيف تفون لي إن كنتم صادقين فموعد ما بيني و بينكم معسكر المدائن فوافوا إلي هناك،فركب و ركب معه من أراد الخروج و تخلّف عنه كثير فما وفوا و غرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين ثمّ وجّه إلي معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف، فلمّا نزل الأنبار بعث إليه معاوية رسلا و كتب إليه:أقبل إليّ،و أرسل إليه دراهم كثيرة فصار إلي معاوية في مائتي رجل من خاصّته فبلغ الحسن عليه السّلام فقام خطيبا و قال:هذا الكندي توجّه إلي معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم أنّكم عبيد الدّنيا و أنا موجّه مكانه رجلا آخر و أعلم أنّه يغدر مثل صاحبه،فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف و أخذ عليه العهود.

فلمّا توجّه إلي الأنبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه مثل ما كتب إلي صاحبه و بعث إليه خمسة آلاف درهم فأخذ طريقه إلي معاوية و بلغ الحسن عليه السّلام،فقام خطيبا و ذكر لهم غدر المرادي، ثمّ كتب معاوية إلي الحسن عليه السّلام:يابن عم لا يقطع الرحم الذي بينكم و بيني،فإنّ الناس قد غدروا بك و بأبيك فقالوا:إن خانك الرجلان و غدروا فإنّا مناصحون لك.

فقال لهم الحسن عليه السّلام:لأعودنّ هذه المرّة و إنّي أعلم أنّكم لغادرون إنّ معسكري بالنخيلة، فوافوا هناك،فعسكر عشرة أيّام فلم يحضره إلاّ أربعة آلاف فانصرف إلي الكوفة و خطب فقال:يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين و كتب أكثر أهل الكوفة إلي معاوية إنّا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثمّ أغاروا علي فسطاطه و ضربوه بحربة و أخذ مجروحا،ثمّ كتب جوابا لمعاوية:

إنّما هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنّها لمحرّمة عليك و علي أهل بيتك و لو وجدت صابرين عارفين بحقّي ما سلّمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلي الكوفة (2).

و في كتاب البشائر إنّه لمّا بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام و بيعة الناس لابنه الحسن دسّ رجلا إلي البصرة و رجلا إلي الكوفة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا علي الحسن أموره فعرف ذلك عليه السّلام و أمر بقتلهما،و كتب إلي معاوية فأجابه و جرت بينهما الكتب و الرسائل و سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه،فلمّا بلغ جسر مفيح تحرّك الحسن عليه السّلام و أمر العمّال بالمسير و استنفر الناس للجهاد4.

ص: 108


1- البحار:33/44،و مستدك سفينة البحار:335/5.
2- الخرائج و الجرائح:574/2،و البحار:43/44.

فتثاقلوا عنه فخرج معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة أبيه و بعضهم أهل أطماع و غنائم و بعضهم أصحاب عصبية حتّي نزل ساباط،فلمّا أصبح أراد أن يمتحن أصحابه فأمر بالصلاة جامعة و صعد المنبر و خطب و قال في خطبته:إنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة،ألا و انّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري.

فنظر الناس بعضهم إلي بعض و قالوا:يريد أن يصالح معاوية و يسلّم الأمر إليه،فقالوا:كفر و اللّه الرجل،ثمّ شدّوا علي فسطاطه و انتهبوه حتّي أخذوا مصلاّه من تحته و نزعوا مطرفه عن عاتقه فركب فرسه و أحدق به شيعته و سار حتّي بلغ مظلم ساباط فبدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فقال:أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثمّ طعنه في فخذه فوثب إليه جماعة من شيعته فقتلوه.

و حمل الحسن عليه السّلام علي سرير إلي المدائن يعالج جرحه و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلي معاوية بالسمع و الطاعة استحثّوه علي المسير و ضمنوا له تسليم الحسن عليه السّلام عند دنوّهم من عسكره و الفتك به،فبلغ الحسن عليه السّلام ذلك و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه مع عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره من الكوفة ليلقي معاوية و يردّه عن العراق و جعله أميرا علي الجماعة و قال:إن أصيب فالأمير قيس بن سعد،فوصل كتاب قيس يخبره أنّهم نازلوا معاوية و أنّ معاوية أرسل إلي عبيد الله يرغّبه في المسير إليه و ضمن له ألف ألف درهم فانسلّ في الليل إلي عسكر معاوية فأصبح الناس و قد فقدوا أميرهم فصلّي بهم قيس و نظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السّلام بخذلان القوم له،و كتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له الفتك به، فاشترط لنفسه في الصلح شروطا كثيرة و كان يعلم أنّه لا يفي بها غير أنّه لم يجد بدّا من إجابته إلي ترك الحرب من جهة أنّ جماعة من أصحابه استحلّوا دمه،و ممّا اشترط عليه:أن لا يسبّ أمير المؤمنين و لا يقنت عليه في الصلوات و أن لا يتعرّض لشيعته بسوء فحلف له معاوية علي ذلك،فلمّا استتمت الهدنة سار معاوية حتّي نزل بالنخيلة،و ذلك يوم الجمعة فصلّي بالناس ثمّ خطبهم و قال:

إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا و لا تصوموا و إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم له كارهون،و إنّي كنت منّيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها.

ثمّ دخل الكوفة و خطب الناس و ذكر أمير المؤمنين عليه السّلام و نال منه و نال من الحسن عليه السّلام و كان الحسن و الحسين عليهما السّلام حاضرين،فقام الحسين عليه السّلام ليرد عليه فأخذ بيده الحسن و أجلسه ثمّ قام فقال:أيّها الذاكر عليّا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمّي فاطمة و أمّك هند و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب و جدّتي خديجة و جدّتك[فتيلة]،فلعن اللّه أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرّنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا،فقالت طوائف من أهل المسجد:آمين آمين (1).4.

ص: 109


1- مناقب آل أبي طالب:198/3،و البحار:49/44.

و روي أنّ معاوية طلب البيعة من الحسين عليه السّلام فقال الحسن عليه السّلام:يا معاوية لا تكرهه،فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل و لن يقتل حتّي يقتل أهل الشام (1).

***

صورة كتاب الصلح

و في كتاب كشف الغمّة:و من كلامه عليه السّلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه و بين معاوية حيث رأي حقن الدماء و هو:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان علي أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين علي أن يعمل فيهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سيرة الخلفاء الصالحين و ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلي أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شوري بين المسلمين،و علي أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم و علي أنّ أصحاب عليّ و شيعته آمنون علي أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم،و علي أنّ علي معاوية بن أبي سفيان عهد اللّه و ميثاقه و ما أخذ اللّه علي أحد من خلقه بالوفاء و بما أعطي اللّه من نفسه،و علي أن لا يبغي للحسن بن عليّ و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم غائلة سرّا و لا جهرا و لا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه بذلك،و كفي باللّه شهيدا شهد فلان و فلان و السلام (2).

و نقل المفيد كلاما للحسن عليه السّلام بعد السبب في قبول الإمام الحسن المجتبي الهدنة و الصلح من معاوية ما هذا لفظه:فتوثّق لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند اللّه تعالي و عند كافة المسلمين و اشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين و العدول عن القنوت عليه في الصّلاة،و أن يؤمّن شيعته رضي اللّه عنهم و لا يتعرّض لأحد منهم بسوء و يوصل إلي كلّ ذي حقّ منهم حقه.

فأجابه معاوية إلي ذلك كله و عاهده عليه و حلف له بالوفاء به،فلمّا استتمّت الهدنة علي ذلك سار معاوية حتّي نزل بالنخيلة و كان ذلك يوم الجمعة فصلّي بالناس ضحي النهار فخطبهم و قال في خطبته:و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا،إنكم لتفعلون ذلك و لكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم له كارهون،ألا و إنّي كنت منّيت الحسن أشياء و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.

ثمّ سار حتّي دخل الكوفة فأقام بها أيّاما فلمّا استتمّت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب

ص: 110


1- مناقب آل أبي طالب:196/3،و البحار:57/44.
2- كشف الغمة:193/2،و البحار:65/44.

الناس و ذكر أمير المؤمنين و نال منه و نال من الحسن ما نال،و كان الحسن و الحسين حاضرين،فقام الحسين ليردّ عليه فأخذ بيده الحسن و أجلسه،ثمّ قام فقال:أيّها الذاكر عليّا أنا الحسن و أبي عليّ و أنت معاوية و أبوك صخر،و أمّي فاطمة و أمّك هند،و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب،و جدّتي خديجة و جدّتك فتيلة،فلعن اللّه أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرّنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا،فقالت طوائف من أهل المسجد:آمين آمين،انتهي قوله قدّس سره (1).

و روي قريبا منه المحدّث القمّي رضوان اللّه عليه في مادّة حسن من سفينة البحار عن الشعبي، و قال الفاضل الشارح المعتزلي:إنّ هذا الحديث نقله الفضل بن الحسن المصري عن يحيي بن معين قال:و قال الفضل:قال يحيي:آمين،و قال الفضل:أنا أقول آمين،و قال عليّ بن الحسين الأصفهاني آمين،و قال الشارح المذكور أنا أقول آمين،و كذلك كاتب هذه الأحرف الحسن بن عبد اللّه الطبري الآملي يقول آمين،آمين و يرحم اللّه تعالي عبدا قال آمين آمين (2).

***

إحتجاجات الحسن علي معاوية و عمرو

و في كتاب الإحتجاج عن الشعبي و أبي مخنف و يزيد بن حبيب قالوا:لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا و لا أشدّ مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية عمرو بن عثمان بن عفّان و عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة (3)بن أبي معيط و المغيرة بن شعبة،و قد تواطأوا علي أمر واحد فقال عمرو بن العاص لمعاوية:ألا تبعث إلي الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة أبيه و خفقت النعال خلفه فأحضره حتّي نسبّه و نسبّ أباه و نصغّر من قدره،فقال معاوية:أخاف أن يقلدكم قلايد يبقي عليكم عارها إلي القبور،و اللّه ما رأيته إلاّ وهبت عتابه و إنّي إن بعثت إليه لأنصفنّه منك.

قال ابن العاص:أتخاف أن يتسامي باطله علي حقّنا؟

قال:لا،قال:فابعث إذا إليه،فقال عتبة:هذا رأي لا أعرفه،و اللّه لا تستطيعون أن تلقوه بأعظم ممّا في أنفسكم عليه و لا يلقاكم إلاّ بأعظم ممّا في نفسه عليكم،فبعثوا إليه فقال له الرّسول:

يدعوكم معاوية و عنده فلان و فلان و سمّاهم،فقال عليه السّلام:ما لهم خرّ عليهم السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون،فلبس ثيابه،ثمّ قال:اللّهم إنّي أدرأ بك في نحورهم و أعوذ بك من شرورهم و أستعين بك عليهم فأكفنيهم ممّا شئت و أنّي شئت من حولك و قوّتك يا أرحم الراحمين،

ص: 111


1- الإرشاد:173 طبع طهران 1377 ه).
2- المصدر السابق.
3- كذا في البحار،و في الاحتجاج:عقبة.

و قال للرسول:هذا كلام الفرج،فلمّا أتي معاوية رحّب به و صافحه و قال:إنّ هؤلاء بعثوا إليك و عصوني ليقرّروك أنّ عثمان قتل مظلوما و أنّ أباك قتله فاسمع منهم ثمّ أجبهم و لا يمنعك مكاني من جوابهم فقال عليه السّلام بعد كلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ وليّي فليقولوا و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

فقال عمرو بن عثمان:ما سمعت ان بقي من عبد المطّلب علي وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان،و كان الفاضل في الإسلام منزلة و الخاص برسول اللّه سفكوا دمه طلبا للفتنة،فيا ذلاّه أن يكون حسن و سائر بني عبد المطّلب قتلة عثمان أحياء علي مناكب الأرض و عثمان مضرّج بدمه مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلي بني أميّة ببدر.

ثمّ تكلّم عمرو بن العاص فقال:يا حسن بعثنا إليك لنقرّرك أنّ أباك سمّ أبا بكر الصدّيق و أشرك في قتل عمر الفاروق و قتل عثمان ذو النورين مظلوما فادّعي ما ليس له بحقّ،ثمّ أنت يا حسن ليس لك عقل و لا رأي،و تركت أحمق في قريش و ذلك لسوء عمل أبيك و إنّما دعوناك لنسبّك و أباك،ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتب علينا و لا أن تكذّبنا و اللّه لو قتلناك ما كان في قتلك إثم و لا عيب.

ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان فقال:يا حسن إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش أقطعه لأرحامها و أسفكه لدمائها و إنّك لمن قتلة عثمان و في الحقّ أن نقتلك به،و أنّ عليك القود في كتاب اللّه فإنّا قاتلوك،و أمّا رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك و لا في رجحة ميزانك..

ثمّ تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه،ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة و كان كلامه وقوعا في عليّ عليه السّلام و ذكر أنّ عليّا عليه السّلام أشرك في دم عثمان و قتل أبا بكر بالسمّ و أنّ معاوية وليّ المقتول بغير حقّ،فيجب أن يقتل الحسن و الحسين قصاصا.

فلمّا فرغ تكلّم الحسن عليه السّلام و قال:الحمد للّه الذي هدي أوّلكم بأوّلنا و آخركم بآخرنا و قال:

بك أبدأ يا معاوية لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك و ما هؤلاء شتموني و سبّوني عدوانا و حسدا علينا و عداوة لمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لو كنت أنا و هؤلاء في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و حولنا المهاجرون و الأنصار ما قدروا أن يتكلّموا بمثل ما تكلّموا فاسمعوا منّي و لا تكتموا حقّا علمتموه،و لا أقول فيك يا معاوية إلاّ دون ما فيك:أنشدكم باللّه هل تعلمون الرجل الذي شتمتموه صلّي القبلتين و أنت تعبد اللاّت و العزّي و بايع البيعتين بيعة الرضوان و بيعة الفتح و أنت يا معاوية بالأولي كافر و بالاخري ناكث و لقيكم مع رسول اللّه يوم بدر و معه راية النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معك يا معاوية راية المشركين تري حرب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فرضا واجبا؟

ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حاصر قريظة و بني النضير،ثمّ بعث عمر بن الخطّاب و معه راية المهاجرين،فرجع يجبّن أصحابه،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لأعطينّ الراية غدا

ص: 112

رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّارا غير فرّار لا يرجع حتّي يفتح اللّه عليه،فأعطاها عليّا فلم يرجع حتّي فتح اللّه عليه و أنت يومئذ بمكّة عدوّ للّه و لرسوله ثمّ أقسم باللّه ما أسلم قلبك بعد و لكن اللّسان خائف فهو يتكلّم بما ليس في القلب،ثمّ أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه استخلفه علي المدينة في غزوة تبوك و قال له:أنت وصيّي و خليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسي؟

أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال في حجّة الوداع:أيّها الناس قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلّوا بعده كتاب اللّه فاعملوا به و عترتي فانصروهم علي من عاداهم ثمّ دعي و هو علي المنبر عليّا فقال:اللّهمّ من عادي عليّا.....و لا تجعل له في الأرض مقعدا و لا في السماء مصعدا و اجعله في أسفل درك من النار؟

أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال له:أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله و ذكر من مناقب أبيه عليه السّلام كثيرا.

ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعث إليك فقال له الرسول هو يأكل، فأعاد الرسول إليك ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول:هو يأكل،فقال:اللّهمّ لا تشبع بطنه فهي و اللّه في أكلك إلي يوم القيامة.

ثمّ قال:أ تعلمون إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك علي جمل أحمر و يقوده أخوك هذا القائد و هذا يوم الأحزاب،فلعن رسول اللّه الرّاكب و القائد و السائق فكان أبوك الراكب و أنت يا أزرق السائق و أخوك هذا القائد؟

ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه لعن أبا سفيان في سبعة مواطن ثمّ عدّد المواطن و قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل علي عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يابن أخي هل علينا من عين؟

فقال:لا،فقال أبو سفيان:تداولوا الخلافة فتيان بني أميّة،فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنّة و لا نار،و منها أنّك صددت أباك عن الإسلام بأشعار معروفة،و منها أنّ عمر بن الخطّاب ولاّك الشام فخنت به و ولاّك عثمان فتربّصت به ريب المنون،و أعظم من ذلك إنّك قاتلت عليّا عليه السّلام و قد عرفت سوابقه و فضله علي من هو أولي منك،فهذا لك يا معاوية و ما تركت أكثر ممّا ذكرت.

و أمّا أنت يا عمرو بن عثمان فلم يكن حقيقا لحمقك أن تتبع هذه الامور،فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإنّي أريد أن أنزل عليك فقالت لها النخلة:و ما شعرت بوقوعك فكيف يشقّ علي نزولك،و إنّي و اللّه ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشق عليّ ذلك،و أمّا قولك:إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلي مشركي بني أميّة ببدر فإنّ اللّه قتلهم،و لعمري ليقتلنّ من بني هاشم تسعة عشر و ثلاث بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من بني أميّة تسعة عشر و تسعة عشر في موطن واحد سوي من قتل من بني أميّة لا يحصي عددهم إلاّ اللّه.

ص: 113

ثمّ قال بعد كلام:و أمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللّعين الأبتر،فإنّ أوّل أمرك أنّ أمّك بغت و أنّك ولدت علي فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحرث و النضر بن الحارث و العاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بني قريش ألأمهم حسبا و أخشنهم منصبا ثمّ قمت خطيبا و قلت:أنا شانئ محمّد.

و قال العاص بن وائل:إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (1).

و كنت في كلّ مشهد عدوّ رسول اللّه ثمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي تحرّضه علي قتل جعفر بن أبي طالب فحاق المكر السيّئ بك و لسنا نعاتبك علي حبّنا و أنت عدوّ لبني هاشم في الجاهلية و الإسلام،و قد هجوت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بسبعين بيتا من شعر،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

اللّهم إنّي لا أحسن الشعر و لا ينبغي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت لعنة.

و أمّا أنت يا وليد بن عقبة فما ألومك أن تبغض عليّا و قد جلدك في الخمر ثمانين و قتل أباك صبرا بيده يوم بدر،أم كيف تسبّه و قد سمّاه اللّه مؤمنا في عشر آيات من القرآن و سمّاك فاسقا و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً (2)و ما أنت و ذكر قريش،و إنّما أنت ابن علج من أهل صقورية يقال له ذكوان و لو سألت أمّك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط لعرفت نفسك و لقد قالت لك و اللّه أمّك:يا بني أبوك أخبث من عقبة.

و أمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان فما أنت عاقل فأعاتبك و أنّ اللّه تعالي لك و لأخيك و أمّك و أبيك بالمرصاد،و أنت و ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلي ناراً حامِيَةً* تُسْقي مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (3)إلي قوله: مِنْ جُوعٍ ،و أمّا وعيدك إيّاي بقتلي،فهلاّ قتلت الذي وجدته علي فراشك مع حليلتك و قد غلبك علي فرجها و شركك في ولدها حتّي ألصق بك ولدا ليس لك؟ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا و لا ألومك أن تسبّ عليا و قد قتل أخاك مبارزة و اشترك هو و حمزة في قتل جدّك حتّي ذاقا العذاب الأليم.

و أمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فأنت الزاني و قد وجب عليك الرجم و شهد عليك العدول،فأخّر رجمك و دفع الحقّ بالباطل،و أنت[الذي]ضربت فاطمة بنت رسول اللّه حتّي ألقت ما في بطنها انتهاكا لحرمة رسول اللّه.

و أمّا قولك و أصحابك في الملك الذي ملكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة و موسي و هارون نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان و هو ملك اللّه يعطيه البرّ و الفاجر قال اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ5.

ص: 114


1- سورة الكوثر،الآية:3.
2- سورة السجدة،الآية:18.
3- سورة الغاشية،الآية:3-5.

أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ (1) و قال: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (2)،ثمّ قام الحسن فنفض ثيابه و هو يقول: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ (3)هم و اللّه يا معاوية أنت و أصحابك و شيعتك وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ (4)هم عليّ بن أبي طالب و أصحابه و شيعته ثمّ خرج و هو يقول:ذق و بال ما كسبت يداك و ما جنيت.

فقال معاوية لأصحابه:و أنتم فذوقوا و بال ما جنيتم ألم أقل لكم إنّكم لن تنتصفوا من الرجل فقد فضحكم،و اللّه ما قام حتّي أظلم عليّ البيت.

و سمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية و أصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ فأتاهم، فقال:هلاّ أحضرتموني فو الله لأسبنّه سبّا تغنّي به الإماء و العبيد.

فقال معاوية:لم يفتك شيء،فقال مروان:أرسل إليه يا معاوية،فأرسل إليه فأقبل عليه السّلام و جلس مع معاوية علي السرير فقال:إنّ مروان أرسل إليك،فقال:و ما الذي أردت يا مروان؟

قال:و اللّه لأسبنّك و أباك سبّا تغنّي به الإماء و العبيد.

فقال عليه السّلام:يا مروان ما أنا سببتك و لا سببت أباك،و لكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن أباك و أهل بيتك و ذرّيتك و ما خرج من صلب أبيك إلي يوم القيامة علي لسان نبيّه محمّد و ما زادك بما خوّلك إلاّ طغيانا كبيرا صدق اللّه و صدق رسوله يقول: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً (5).

و أنت يا مروان و ذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فوضع معاوية يده علي فم الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا محمّد ما كنت فحّاشا،فقام الحسن عليه السّلام و تفرّق القوم بحزن و سواد الوجه،انتهي ملخّصا (6).

و من كتاب العقد أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليهما السّلام بين يدي معاوية:أسرع الشيب إلي شاربك يا حسن و يقال:إنّ ذلك من الخرق،فقال عليه السّلام:ليس كما بلغك و لكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا عذبة شفاهنا فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ و أنتم معشر بني أميّة فيكم بخر شديد فنساؤكم يصرفن أفواههنّ و أنفاسهنّ إلي أصداغكم فإنّما يشيب منكم موضع العذاب من أجل ذلك، قال مروان:أما إنّ فيكم يا بني هاشم غلمة شبق،قال:نعم،نزعت من نسائنا و وضعت في رجالنا و نزعت الغلمة من رجالكم و وضعت في نسائكم،فما قام لأمويّة إلاّ هاشمي (7).3.

ص: 115


1- سورة الأنبياء،الآية:111.
2- سورة الإسراء،الآية:16.
3- سورة الإسراء،الآية:16.
4- سورة النور،الآية:26.
5- سورة الإسراء،الآية:60.
6- البحار:86/44،و الاحتجاج:137.
7- مناقب آل أبي طالب:188/3،و البحار:106/44 ح 13.

و في بعض كتب المناقب القديمة:أنّ معاوية كتب إلي مروان و هو عامله علي المدينة أن يخطب ليزيد بنت عبد اللّه بن جعفر علي حكم أبيها في الصداق و قضاء دينه بالغا ما بلغ و علي صلح الحيين بني هاشم و بني أميّة،فبعث مروان إلي عبد اللّه بن جعفر يخطب إليه فقال:إنّ أمر نسائنا إلي الحسن بن عليّ فاخطب إليه،فأتي إلي الحسن خاطبا فقال له الحسن عليه السّلام:إجمع من أردت فجمع بني هاشم و بني أميّة فتكلّم مروان و قال:إنّ أمير المؤمنين معاوية يأمرني أن أخطب زينب بنت عبد اللّه بن جعفر علي يزيد بن معاوية علي حكم أبيها في الصداق و قضاء دينه و علي صلح الحيّين بني هاشم و بني أميّة و يزيد كفؤ من لا كفؤ له،و لعمري لمن يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم و يزيد ممّن يستسقي الغمام بوجهه ثمّ سكت.

فتكلّم الحسن عليه السّلام فحمد اللّه و أثني عليه ثمّ قال:أمّا ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق فإنّا لم نكن لنرغب في سنّة رسول اللّه في أهله و بناته.

و أمّا قضاء دين أبيها فمتي قضت نساؤنا ديون آبائهنّ.

و أمّا صلح الحيّين فإنّا عاديناكم في اللّه فلا نصالحكم للدّنيا.

و أمّا قولك:من يغبطنا بيزيد أكثر ممّن يغبط بنا،فإن كانت الخلافة فاقت النبوّة فنحن المغبوطون به،و إن كانت النبوّة فاقت الخلافة فهو المغبوط بنا.

و أمّا قولك:إنّ الغمام يستسقي بوجه يزيد فإنّ ذلك لم يكن إلاّ لآل رسول اللّه،و قد رأينا أن نزوّجها ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر و قد زوجتها منه و جعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة و كان معاوية أعطاني بها عشرة آلاف دينار و لها فيها غني و كفاية فقال مروان:أغدرا يا بني هاشم، فقال الحسن عليه السّلام:واحدة بواحدة.و كتب مروان بذلك إلي معاوية فقال معاوية:خطبنا إليهم فلم يفعلوا و لو خطبوا إلينا لما رددناهم.

و قال الشّيخ إبراهيم بن محمد البيهقي في كتاب المحاسن و المساويء قيل:و أتي الحسن بن عليّ معاوية بن أبي سفيان و قد سبقه ابن عباس فأمر معاوية فأنزل،فبينا معاوية مع عمرو بن العاص و مروان بن الحكم و زياد بن أبي سفيان يتحاورون في قديمهم و حديثهم و مجدهم،فقال معاوية:

أكثرتم الفخر فلو حضركم الحسن بن علي و عبد اللّه بن العباس لقصّرا من أعنّتكما ما طال،فقال زياد:و كيف ذلك يا أمير المؤمنين ما يقومان لمروان بن الحكم في غريب منطقه و لا لنا في بواذخنا؟ فابعث إليهما في غد حتي نسمع كلامهما.

فقال معاوية لعمرو:ما تقول؟قال هذا:فابعث إليهما في غد،فبعث إليهما معاوية ابنه يزيد، فأتياه و دخلا عليه و بدأ معاوية فقال:إنّي أجلّكما و أرفع قدركما عن المسامرة بالليل و لا سيّما أنت يا أبا محمد فإنّك ابن رسول اللّه و سيّد شباب أهل الجنّة فشكّرا له،فلمّا استويا في مجلسهما و علم

ص: 116

عمرو أن الحدّة ستقع به قال:و اللّه لا بدّ أن أقول،فإن قهرت فسبيل ذلك و إن قهرت أكون قد ابتدأت.

فقال:يا حسن إنّا تفاوضنا فقلنا:إنّ رجال بني أميّة أصبر عند اللقاء و أمضي في الوغي، و أوفي عهدا،و أكرم خيما،و أمنع لما وراء ظهورهم من بني عبد المطلّب.

ثمّ تكلّم مروان فقال:و كيف لا نكون كذلك و قد قارعناكم فغلبناكم و حاربناكم فملكناكم،فإن شئنا عفونا و إن شئنا بطشنا.

ثمّ تكلّم زياد فقال:ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله و يجحدوا الخير في مظانه،نحن أهل الحملة في الحروب و لنا الفضل علي سائر الناس قديما و حديثا.

فتكلّم الحسن فقال:ليس من العجز أن يصمت الرجل عند إيراد الحجّة،و لكن من الإفك أن ينطق الرجل بالخنا و يصوّر الباطل بصورة الحقّ،يا عمرو افتخارا بالكذب و جرأة علي الإفك!ما زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرّة و أمسك عنها أخري فتأبي إلاّ انهماكا في الضلالة،أتذكر مصابيح الدّجي و أعلام الهدي و فرسان الطراد و حتوف الأقران و أبناء الطعام و ربيع الضيفان و معدن النبوّة و مخبط العلم و زعمتم أنكم أحمي لما وراء ظهوركم و قد تبيّن ذلك يوم بدر حين نكصت الأبطال و تساورت الأقران و اقتحمت الليوث و اعتركت المنيّة و قامت رحاؤها علي قطبها و فرّت عن نابها و طار شرار الحرب فقتلنا رجالكم و منّ النبي علي ذراريكم فكنتم لعمري في هذا اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطلب!.

ثمّ قال:و أمّا أنت يا مروان فما أنت و الإكثار في قريش و أنت طليق و أبوك طريد يتقلّب من خزاية إلي سوءة و لقد جي بك إلي أمير المؤمنين فلمّا رأيت الضّرغام قد دميت براثنه و اشتبكت أنيابه كنت كما قال:

ليث إذا سمع اللّيوث زئيره بصبصن ثمّ قذفن بالأبعار

و يروي:رمين بالأبعار.

فلمّا منّ عليك بالعفو و أرخي خناقك بعد ما ضاق عليك و غصصت بريقك لا تقعد معنا مقعد أهل الشكر و لكن تساوينا و تجارينا و نحن ممّن لا يدركنا عار و لا يلحقنا خزاية!

ثمّ التفت إلي زياد فقال:و ما أنت يا زياد و قريشا لا أعرف لك فيها أديما صحيحا و لا فرعا نابتا و لا قديما ثابتا و لا منبتا كريما بل كانت أمّك بغيّا تداولها رجال قريش و فجّار العرب فلمّا ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادّعاك هذا-يعني معاوية-بعد ممات أبيه،مالك افتخار،تكفيك سميّة و يكفينا رسول اللّه،و أبي عليّ بن أبي طالب سيّد المؤمنين الّذي لم يرتدّ علي عقبيه،و عمّي حمزة سيّد الشهداء و عمي جعفر الطيّار و أنا و أخي سيّدا شباب أهل الجنّة!ثمّ التفت إلي ابن عبّاس

ص: 117

فقال:يابن العمّ إنّما هي بغاث الطير انقضّ عليها أجدل،فأراد ابن عبّاس أن يتكلّم فأقسم عليه معاوية أن يكفّ فكفّ ثمّ خرجا.

فقال معاوية:أجاد عمرو الكلام لو لا أنّ حجّته دحضت و تكلّم مروان لو لا أنّه نكص.

ثمّ التفت إلي زياد و قال:ما دعاك إلي محاورته؟ما كنت إلا كالحجل في كفّ البازي،فقال أفاخر رجلا رسول اللّه جدّه و هو سيّد من مضي و من بقي و أمّه فاطمة الزّهراء السّواء،فقال عمرو:

لقد أبقي عليك و لكنه طحن مروان طحن الرّحي بثفالها يأبي إلاّ الإغراء بيننا و بينهم،لا جرم و اللّه لا شهدت مجلسا يكونان فيه إلاّ كنت معهما علي من فاخرهما.

فخلا ابن عبّاس بالحسن فقبّل بين عينيه و قال:أفديك يابن عم،و اللّه ما زال بحرك يزخر و أنت تصول حتّي شفيتني من أولاد البغايا (1).

***

بين الحسن و عمرو بن العاصي

و روي المدائنيّ عن زيد بن أرقم:قال:خرج الحسن عليه السّلام و هو صغير،و عليه برده و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يخطب،فعثر فسقط،فقطع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الخطبة،و نزل مسرعا إليه،و قد حمله الناس، فتسلّمه و أخذه علي كتفه،و قال:إنّ الولد لفتنة،لقد نزلت إليه و ما أدري!ثم صعد فأتمّ الخطبة.

و روي المدائنيّ،قال:لقي عمرو بن العاص الحسن عليه السّلام في الطواف،فقال له:يا حسن، زعمت أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك،فقد رأيت اللّه أقامه بمعاوية،فجعله راسيا بعد ميله،و بيّنا بعد خفائه،أفرضي اللّه بقتل عثمان؛أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطّحين، عليك ثياب كغرقيء (2)البيض،و أنت قاتل عثمان،و للّه إنه لألمّ للشّعث،و أسهل للوعث،أن يوردك معاوية حياض أبيك.

فقال الحسن عليه السّلام:إنّ لأهل النار علامات يعرفون بها،إلحادا لأولياء الله؛و موالاة لأعداء اللّه،و اللّه إنّك لتعلم أنّ عليا لم يرتب في الدين،و لم يشكّ في اللّه ساعة و لا طرفة عين قطّ،و أيم اللّه لتنتهينّ يابن أم عمرو أو لأنفذنّ حضنيك (3)بنوافذ أشدّ من القعضبيّة (4):فإيّاك و التهجّم عليّ،

ص: 118


1- صحيفة الإمام الحسن للقيومي:300.
2- الغرقيء:الفشرة الملترقة ببياض البيض.
3- الحضن ما دون الإبط إلي الكشح و كأنه جعل الأقضبة جمع قضيب و هو السيف الدقيق الذي ليس بصحيفة و هو أنفذ.
4- القعضبية:الأسنة،منسوبة إلي قعضب اسم رجل كان يعمل الأسنة في الجاهلية.

فإني من قد عرفت؛لست بضعيف الغمزة،و لا هشّ المشاشة (1)؛و لامريء المأكلة،و إنّي من قريش كواسطة القلادة،يعرف حسبي،و لا أدعي لغير أبي،و أنت من تعلم و يعلم الناس،تحاكمت فيك رجال قريش،فغلب عليك جزّارها،ألأمهم حسبا،و أعظمهم لؤما،فإياك عنّي،فإنّك رجس، و نحن أهل بيت الطهارة،أذهب اللّه عنا الرّجس و طهّرنا تطهيرا.فأفحم عمرو و انصرف كئيبا (2).

***

احتجاج الحسن عليه السّلام علي يزيد

و كتاب الشيرازي عن ابن عبّاس في قوله: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ (3)أنه جلس الحسن بن علي و يزيد بن معاوية يأكلان الرطب فقال يزيد:يا حسن إني منذ كنت أبغضك.

قال الحسن عليه السّلام:إعلم يا يزيد أن إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماءان فأورثك ذلك عدواني،لأن اللّه تعالي يقول: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ .

و شارك الشيطان حربا عند جماعة فولد له صخر،فلذلك كان يبغض جدّي رسول اللّه.

و شارك الشيطان صخر عند جماعه فولد له أبوك معاوية،فلذلك كان يبغض أبي (4).

و لنعم ما قال الشاعر:

كم من مولود أبوه و أمه قد شاركا في حمله الشيطانا

و مطهر لم يجعل الرحمن لل شيطان في شرك به سلطان (5)

***

بين الحسن عليه السّلام و ابن الزبير

ثم إنّ الحسن غاب أيّاما ثمّ رجع حتّي دخل علي معاوية و عنده عبد اللّه بن الزبير،فقال معاوية:يا أبا محمد إنّي أظنك تعبا نصبا فأت المنزل فأرح نفسك فيه،فقام الحسن فلمّا خرج قال معاوية لعبد اللّه بن الزبير:لو افتخرت علي الحسن فإنك ابن حواريّ رسول اللّه و ابن عمّته،و لأبيك في الإسلام نصيب وافر،فقال ابن الزبير:أنا له!فرجع و هو يطلب ليلته الحجج فلمّا أصبح دخل

ص: 119


1- المشاش في الأصل:روؤس العظام.
2- البحار:102/44،و الإحتجاج:147 148.
3- سورة الإسراء:64.
4- مناقب آل أبي طالب:187/3،و البحار:104/44.
5- مناقب آل أبي طالب:187/3.

علي معاوية و جاء الحسن فحيّاه معاوية و سأله مبيته،فقال:خير مبيت و أكرم مستفاض،فلمّا استوي في مجلسه قال ابن الزبير:

لو لا أنّك خوّار في الحرب غير مقدام ما سلّمت لمعاوية الأمر و كنت لا تحتاج إلي اختراق السهوب و قطع المفاوز تطلب معروفه و تقوم ببابه،و كنت حريّا أن لا تفعل ذلك و أنت ابن عليّ في بأسه و نجدته،فما أدري ما الّذي حملك علي ذلك أضعف رأي أم و هن نحيزة،فما أظنّ لك مخرجا من هاتين الخلّتين،أما و اللّه لو استجمع لي ما استجمع لك لعلمت أنّي ابن الزبير و أنّي لا أنكص عن الأبطال و كيف لا أكون كذلك و جدّتي صفيّة بنت عبد المطّلب،و أبي الزبير حواريّ رسول اللّه و أشدّ النّاس بأسا و أكرمهم حسبا في الجاهليّة و أطوعهم لرسول اللّه.

فالتفت إليه الحسن و قال:و أما و اللّه لو لا أنّ بني أميّة تنسبني إلي العجز عن المقال لكففت عنك تهاونا،و لكن سأبيّن ذلك لك لتعلم أنّي لست بالعيّ و لا كليل اللّسان،إيّاي تعيّر و عليّ تفتخر و لم يكن لجدّك بيت في الجاهليّة و لا مكرمة فزوّجته جدّتي صفيّة بنت عبد المطلب،فبذخ علي جميع العرب بها و شرف بمكانها،فكيف تفاخر من هو من القلادة واسطتها و من الأشراف سادتها نحن أكرم أهل الأرض زندا،لنا الشرف الثاقب و الكرم الغالب.

ثمّ تزعم أنّي سلّمت الأمر لمعاوية فكيف يكون ذلك ويحك كذلك و أنا ابن أشجع العرب، و قد ولدتني فاطمة سيّدة نساء العالمين و خير الإماء؟لم أفعل ذلك ويحك جبنا و لا ضعفا و لكنّه بايعني مثلك و هو يطلبني ببرّه و يداجيني المودّة و لم أثق بنصرته لأنكم أهل بيت غدر،و كيف لا يكون كما أقول،و قد بايع أبوك أمير المؤمنين ثمّ نكث بيعته و نكص علي عقبيه و اختدع حشيّة من حشايا رسول اللّه ليضلّ بها النّاس،فلمّا دلف نحو الأعنّة و رأي بربق الأسنّة قتل مضيعة لا ناصر له و أتي بك أسيرا قد وطئتك الكماة بأظلافها و الخيل بسنابكها و اعتلاك الأشتر فغصصت بريقك و أقعيت علي عقبيك كالكلب إذا احتوشته اللّيوث،فنحن ويحك نور البلاد و أملاكها و بنا تفخر الأمّة و إلينا تلقي مقاليد الأزمّة،أنصول و أنت تختدع النّساء ثمّ تفتخر علي بني الأنبياء؟لم تزل الأقاويل منا مقبولة و عليك و علي أبيك مردودة.دخل الناس في دين جدّي طائعين و كارهين،ثمّ بايعوا أمير المؤمنين فسار إلي أبيك و طلحة حين نكثا البيعة و خدعا عرس رسول اللّه فقتل أبوك و طلحة و أتي بك أسيرا،فبصبصت بذنبك و ناشدته الرحم أن لا يقتلك فعفا عنك،فأنت عتاقة أبي و أنا سيّدك و سيّد أبيك،فذق و بال أمرك.

فقال ابن الزبير:أعذر يا أبا محمد فإنّما حملني علي محاورتك هذا،و أحبّ الإغراء بيننا فهلاّ إذا جهلت أمسكت عنّي فإنّكم أهل بيت سجيّتكم الحلم و العفو.

فقال الحسن:يا معاوية أنظر هل أكيع عن محاورة أحد؟ويحك أتدري من أيّ شجرة أنا و إلي من أنتمي؟إنته قبل أن أسمك بميسم تتحدّث به الركبان في الآفاق و البلدان.

ص: 120

فقال ابن الزبير:هو لذلك أهل،فقال معاوية:أما إنّه قد شفي بلابل صدري منك و رمي مقتلك فصرت كالحجل في كفّ البازي يتلاعب بك كيف أراد فلا أراك تفتخر علي أحد بعدها.

و ذكروا أنّ الحسن بن علي دخل علي معاوية فقال متمثلا:

فيم الكلام و قد سبقت مبرّزا سبق الجواد من المدي و المقيس

فقال معاوية:إيّاي تعني؟أما و اللّه لأنبئنّك بما يعرفه قلبك و لا ينكره جلساؤك:أنا ابن بطحاء مكة،أنا ابن أجودها جودا و أكرمها جدودا و أوفاها عهودا،أنا ابن من ساد قريشا ناشئا و كهلا.

فقال الحسن:أجل إيّاك أعني،أفعليّ تفتخر يا معاوية؟أنا ابن ماء السماء و عروق الثّري و ابن من ساد أهل الدّنيا بالحسب الثابت و الشرف الفائق و القديم السابق،أنا ابن من رضاه رضي الرّحمن و سخطه سخط الرّحمن،فهل لك أب كأبي و قديم كقديمي؟فإن قلت:لا،تغلب،و إن قلت:نعم، تكذب.

فقال معاوية:أقول لا تصديقا لقولك،فقال الحسن:

الحقّ أبلج ما تخون سبيله و الصدق يعرفه ذوو الألباب.

و قال معاوية ذات يوم و عنده أشراف الناس من قريش و غيرهم:أخبروني بخير الناس أبا و أمّا و عمّا و خالا و خالة و جدّا و جدّة.

فقام مالك بن العجلان فأومأ إلي الحسن فقال:ها هو ذا أبوه عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليهم و أمه فاطمة بنت رسول اللّه،و عمّه جعفر الطيّار في الجنان،و عمّته أمّ هاني بنت أبي طالب، و خاله القاسم بن رسول اللّه،و خالته بنت رسول اللّه زينب،و جدّه رسول اللّه،و جدّته خديجة بنت خويلد.

فسكت القوم و نهض الحسن،فأقبل عمرو بن العاص علي مالك فقال:أحبّ بني هاشم حملك علي أن تكلّمت بالباطل؟فقال ابن العجلان:ما قلت إلاّ حقّا و ما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق إلاّ لم يعط أمنيّته في دنياه و ختم له بالشفاء في آخرته،بنو هاشم أنضرهم عودا و أوراهم زندا،كذلك يا معاوية؟قال:اللهمّ نعم.

قيل:و استأذن الحسن بن علي علي معاوية و عنده عبد اللّه بن جعفر و عمرو بن العاص،فأذن له،فلمّا أقبل قال عمرو:قد جاءكم الأفة العييّ الّذي كان بين لحييه عبلة،فقال عبد اللّه بن جعفر:

مه فو الله لقد رمت صخرة ململمة تنحطّ عنها السيول و تقصر دونها الوعول و لا تبلغها السهام،فإياك و الحسن إيّاك،فإنّك لا تزال راتعا في لحم رجل من قريش و لقد رميت فما برح سهمك و قدحت فما أوري زندك.

فسمع الحسن الكلام فلمّا أخذ الناس مجالسهم قال:يا معاوية لا يزال عندك عبد راتعا في

ص: 121

لحوم الناس،أما و اللّه لو شئت ليكوننّ بيننا ما تتفاقم فيه الأمور و تحرّج منه الصدور ثمّ أنشأ يقول:

أتأمر يا معاوي عبد سهم بشتمي و الملأ منّا شهود

إذا أخذت مجالسها قريش فقد علمت قريش ما تريد

قصدت إليّ تشتمني سفاها لضغن ما يزول و ما يبيد

فما لك من أب كأبي تسامي به من قد تسامي أو تكيد

و لا جدّ كجدّي يابن هند رسول اللّه إن ذكر الجدود

و لا أمّ كأمّي من قريش إذا ما يحصل الحسب التليد

فما مثلي تهكّم يابن هند و لا مثلي تجاريه العبيد

فمهلا لا تهج منّا أمورا يشيب لها معاوية الوليد

و ذكروا أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية ذات يوم:إبعث إلي الحسن بن عليّ فمره أن يخطب علي المنبر فلعلّه يحصر فيكون ذلك ممّا نعيّره به،فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر و قد جمع له الناس فحمد اللّه و أثني عليه ثمّ قال:

يا أيّها الناس من عرفني فأنا الّذي يعرف و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن عمّ النّبي،أنا ابن البشير النذير السراج المنير،أنا ابن من بعث رحمة للعالمين و سخطا للكافرين، أنا ابن من بعث إلي الجنّ و الإنس،أنا المستجاب الدّعوة،أنا ابن الشفيع المطاع،أنا ابن أوّل من ينفض رأسه من التراب،أنا ابن أوّل من يقرع باب الجنّة،أنا ابن من قاتلت معه الملائكة و نصر بالرّعب من مسيرة شهر.فأفتنّ في هذا الكلام و لم يزل حتّي أظلمت الدّنيا علي معاوية فقال:يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة و لست هناك.

فقال الحسن:إنما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه و عمل بطاعة اللّه و ليس الخليفة من دان بالجور و عطّل السنن و اتّخذ الدّنيا أبا و أمّا،و لكنّ ذاك ملك أصاب ملكا يمتّع به قليلا و كان قد انقطع عنه و استعجل لذّته و بقيت عليه تبعته فكان كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ (1)ثمّ انصرف.

فقال معاوية لعمرو:و اللّه ما أردت إلاّ هتكي،ما كان أهل الشام يرون أنّ أحدا مثلي حتّي سمعوا من الحسن ما سمعوا.

قيل:و قدم الحسن بن عليّ رضوان اللّه عليه علي معاوية فلمّا دخل عليه وجد عنده عمرو بن العاص و مروان بن الحكم و المغيرة بن شعبة و صناديد قومه و وجوه اليمن و أهل الشام،فلمّا نظر إليه1.

ص: 122


1- سورة الأنبياء،الآية:111.

معاوية أقعده علي سريره و أقبل عليه بوجهه يريه السرور بمقدمه،فلمّا نظر مروان إلي ذلك حسده و كان معاوية قال لهم:لا تحاوروا هذين الرجلين فلقد قلّداكم العار و فضحاكم عن أهل الشام-يعني الحسن بن علي،و عبد اللّه بن العبّاس.

فقال مروان:يا حسن لو لا حلم أمير المؤمنين و ما قد بني له آباؤه الكرام من المجد و العلاء ما أقعدك هذا المقعد و لقتلك و أنت له مستوجب بقودك الجماهير فلمّا أحسست بنا و علمت أن لا طاقة لك بفرسان أهل الشام و صناديد بني أميّة أذعنت بالطاعة و احتجرت بالبيعة و بعثت تطلب الأمان،أما و اللّه لو لا ذلك لأريق دمك،و علمت أنّا نعطي السيوف حقّها عند الوغي،فاحمد اللّه إذ ابتلاك بمعاوية فعفا عنك بحلمه ثمّ صنع بك ما تري.

فنظر إليه الحسن فقال:ويحك يا مروان لقد تقلّدت مقاليد العار في الحروب عند مشاهدتها و المخاذلة عند مخالطتها،نحن-هبلتك الهوابل-لنا الحجج البوالغ و لنا إن شكرتم عليكم النعم السوابغ،ندعوكم إلي النجاة و تدعوننا إلي النّار فشتّان ما بين المنزلتين،تفخر ببني أميّة و تزعم أنّهم صبّر في الحروب أسد عند اللقاء-ثكلتك أمّك-أولئك البهاليل السادة و الحماة الذادة و الكرام القادة بنو عبد المطلب،أما و اللّه لقد رأيتم و جميع من في هذا البيت ما هالتهم الأهوال و لم يحيدوا عن الأبطال كاللّيوث الضارية الباسلة الحنقة،فعندها ولّيت هاربا و أخذت أسيرا فقلّدت قومك العار لأنّك في الحروب خوّار،أيراق دمي زعمت؟أفلا أرقت دم من وثب علي عثمان في الدار فذبحه كما يذبح الجمل و أنت تثغو ثغاء النعجة و تنادي بالويل و الثبور كالأمة اللّكعاء،ألا دفعت عنه بيد أو ناضلت عنه بسهم؟لقد ارتعدت فرائصك و غشي بصرك فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربّه، فأنجيتك من القتل و منعتك منه ثمّ تحثّ معاوية علي قتلي و لو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفّان،أنت معه أقصر يدا و أضيق باعا و أجبن قلبا من أن تجسر علي ذلك،ثمّ تزعم أنّي ابتليت بحلم معاوية أما و اللّه لهو أعرف بشأنه و أشكر لما ولّيناه هذا الأمر فمتي بدا له فلا يغضينّ جفنه علي القذي معك،فو الله لأثخنن أهل الشام بجيش يضيق عنها فضاؤها،و يستأصل فرسانها ثمّ لا ينفعك عند ذلك الهرب و الرّوغان و لا يردّ عنك الطلب تدريجك الكلام فنحن ممّن لا يجهل آباؤنا القدماء الأكابر و فروعنا السادة الأخيار،أنطق إن كنت صادقا.

فقال عمرو:ينطق بالخني و تنطق بالصدق،ثمّ أنشأ يقول:

قد يضرط العير و المكواة تأخذه لا يضرط العير و المكواة في النار

ذق و بال أمرك يا مروان،و أقبل عليه معاوية فقال:قد نهيتك عن هذا الرجل و أنت تأبي إلاّ انهماكا فيما لا يعنيك،إربع علي نفسك فليس أبوك كأبيه و لا أنت مثله،أنت ابن الطريد الشريد و هو ابن رسول اللّه الكريم و لكن ربّ باحث عن حتفه و حافر عن مديته،فقال مروان:إرم من دون بيضتك و قم بحجّة عشيرتك،ثمّ قال لعمرو:طعنك أبوه فوقيت نفسك بخصيّيك فلذلك تحذره و قام

ص: 123

مغضبا فقال معاوية:لا تجار البحور فتغمرك،و لا الجبال فتبهرك و استرح من الإعتذار.

قيل:و لقي عمرو بن العاص الحسن بن علي في الطّواف فقال:يا حسن أزعمت أنّ الدّين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك؟فقد رأيت اللّه جلّ و عزّ أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله و بيّنا بعد خفائه، أفرضي اللّه قتل عثمان أم من الحقّ أن تدور بالبيت كما يدور الجمل بالطّحين؟عليك ثياب كغرقي البيض و أنت قاتل عثمان،و اللّه إنّه لألمّ للشعث و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك.

فقال الحسن:إنّ لأهل النّار علامات يعرفون بها و هي الإلحاد لأولياء اللّه و الموالاة لأعداء اللّه،و اللّه إنّك لتعلم أنّ عليّا لم يرتب في الأمر و لم يشكّ في اللّه طرفة عين،و أيم اللّه لتنتهينّ يابن أمّ عمرو أو لأقرعنّ جبينك بكلام تبقي سمته عليك ما حييت،فإيّاك و الإبراز عليّ فإنّي من قد عرفت لست بضعيف الغمزة،و لا بهشّ المشاشة،و لا بمري المأكلة،و إنّي من قريش كأوسط القلادة، يعرف حسبي و لا أدعي لغير أبي،و قد تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك ألأمهم نسبا و أظهرهم لعنة،فإياك عنّي فإنك رجس،و إنما نحن بيت الطّهارة،أذهب اللّه عنّا الرجس و طهّرنا تطهيرا.

قيل:و اجتمع الحسن بن علي و عمرو بن العاص،فقال الحسن:قد علمت قريش بأسرها أنّي منها في عزّ أرومتها لم أطبع علي ضعف و لم أعكس علي خسف،أعرف بشبهي و أدعي لأبي.

فقال عمرو:قد علمت قريش أنّك من أقلّها عقلا و أكثرها جهلا،و أنّ فيك خصالا لو لم يكن فيك إلاّ واحدة منهنّ لشملك خزيها كما شمل البياض الحالك،لعمر اللّه لتنتهينّ عمّا أراك تصنع أو لأكبسنّ لك حافة كجلد العائط أرميك من خللها بأحرّ من وقع الأثافي أعرك منها أديمك عرك السلعة،فإنّك طالما ركبت صعب المنحدر و نزلت في أعراض الوعر التماسا للفرقة و إرصادا للفتنة و لن يزيدك اللّه فيها إلاّ فظاعة.

فقال الحسن:أما و اللّه لو كنت تسمو بحسبك و تعمل برأيك ما سلكت فجّ قصد و لا حللت رابية مجد،و أيم اللّه لو أطاعني معاوية لجعلك بمنزلة العدوّ الكاشح فإنّه طالما طويت علي هذا كشحك و أخفيته في صدرك و طمح بك الرجاء إلي الغاية القصوي الّتي لا يورق بها غصنك و لا يخضرّ لها مرعاك،أما و اللّه ليوشكنّ يابن العاص أن تقع بين لحيي ضرغام من قريش قويّ متمنّع فروس ذي لبد يضغطك ضغط الرحي للحبّ لا ينجيك منه الرّوغان إذا التقت حلقتا البطان.انتهي ما أتي به البيهقي في المحاسن و المساويء في المقام.

و في محاسن البرقي:قال عمرو بن العاص للحسين:ما بال أولادنا أكثر من أولادكم؟فقال:

بغاث الطير أكثرها فراخا و أمّ الصقر مقلاة نزور

فقال:ما بال الشيب إلي شواربنا أسرع منه إلي شواربكم؟فقال:إنّ نساءكم نساء بخرة فإذا دنا أحدكم من امرأته نهكته في وجهه فشاب منه شاربه،فقال:ما بال لحاكم أوفر من لحائنا؟فقال:

ص: 124

وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً (1) .

فقال معاوية:بحقّي عليك إلاّ سكت فإنّه ابن عليّ بن أبي طالب،فقال:إن عادت العقرب عدنا له و كانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب و استيقنت أن لا لها دنيا و لا آخرة

و روي ابن شهرأشوب و غيره عن أبان الأحمر أنّ شريك بن الأعور دخل علي معاوية،فقال له معاوية:و اللّه إنك لشريك و ليس للّه لشريك و أنك لابن الأعور و البصير خير من الأعور،و أنك لدميم،و الجيد خير من الدميم فكيف سدت قومك؟فقال له شريك:إنّك لمعاوية و ما معاوية إلاّ كلبة عوت و استعوت الكلاب،و إنّك لابن صخر و السهل خير من الصخر،و إنّك لابن حرب و السلم خير من الحرب،و إنّك لابن أميّة و ما أميّة إلاّ أمة صغرت فاستصغرت فكيف صرت أمير المؤمنين؟ فغضب معاوية و خرج شريك و هو يقول:

أيشتمني معاوية بن صخر و سيفي صارم و معي لساني

فلا تبسط علينا يابن هند لسانك إن بلغت ذري الأماني

و إن تك للشقاء لنا أميرا فإنّا لا نقرّ علي الهوان

و إن تك في أميّة من ذراها فأنا في ذري عبد المدان

و روي أنّ معاوية أرسل إليه أي إلي أبي الاسود الدؤلي هدية منها حلواء،يريد بذلك ستمالته و صرفه عن حبّ عليّ بن أبي طالب،فدخلت إبنة صغيرة له خماسي أو سداسي عليه فأخذت لقمة من تلك الحواء و جعلتها في فمها،فقال لها أبو الأسود:يا بنتي ألقيه فإنه سمّ،هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين و يردّنا عن محبّة أهل البيت،فقالت الصبيّة:قبّحه اللّه يخدعنا عن السيّد المطهّر بالشّهد المزعفر تبّا لمرسله و آكله.فعالجت نفسها حتّي قاءت ما أكلتها ثمّ قالت:

أبا الشّهد المزعفر يابن هند نبيع عليك أحسابا و دينا

معاذ الله كيف يكون هذا و مولانا أمير المؤمنينا

و يشبه هذا ما روي أنه دخل أبو أمامة الباهلي علي معاوية فقرّبه و أدناه ثمّ دعي بالطعام فجعل يطعم أبا أمامة بيده،ثمّ أوسع رأسه و لحيته طيبا بيده و أمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه،ثمّ قال:يا أبا أمامة باللّه أنا خير أم عليّ بن أبي طالب؟فقال أبو أمامة:نعم و لا كذب و لو بغير اللّه سألتني لصدقت،عليّ و اللّه خير منك و أكرم و أقدم إسلاما و أقرب إلي رسول اللّه قرابة و أشدّ في المشركين نكاية و أعظم عند الأمّة عناء،أتدري من عليّ يا معاوية؟ابن عمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و زوج ابنته سيّدة8.

ص: 125


1- سورة الأعراف،الآية:58.

نساء العالمين،و أبو الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة،و ابن أخي حمزة سيّد الشهداء، و أخو جعفر ذي الجناحين،فأين تقع أنت من هذا يا معاوية؟أظننت أنّي سأختارك علي علي بألطافك و طعامك و عطائك فأدخل إليك مؤمنا،و أخرج عنك كافرا بئسما سوّلت لك نفسك يا معاوية ثمّ نهض و خرج من عنده فأتبعه بالمال،فقال:لا و اللّه لا أقبل منك دينارا واحدا.

قال تقي الدّين أبو بكر بن علي الحموي في ثمرات الأوراق في المحاضرات:قلت:و أمّا الأجوبة الهاشميّة و بلاغتها فهي في المحل الأرفع،فمن ذلك أنه اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص و الوليد بن عقبة و عتبة بن أبي سفيان و المغيرة بن شعبة،فقالوا:يا أمير المؤمنين إبعث إلي الحسن بن علي فقال لهم:فيم؟

فقالوا:كي نوبّخه و نعرّفه أنّ أباه قتل عثمان،فقال لهم:إنّكم لا تنتصفون منه و لا تقولون شيئا إلاّ كذّبكم الناس،و لا يقول لكم شيئا ببلاغته إلاّ صدّقه الناس،فقالوا:أرسل إليه فإنا سنكفيك أمره.

فأرسل إليه معاوية فلمّا حضر قال:يا حسن إنّي لم أرسل إليك و لكن هؤلاء أرسلوا إليك فاسمع مقالتهم و أجب و لا تحرمني.

فقال الحسن:فليتكلّموا و نسمع،فقام عمرو بن العاص فحمد اللّه و أثني عليه قال:هل تعلم يا حسن أن أباك أوّل من أثار الفتنة و طلب الملك فكيف رأيت صنع اللّه به؟.

ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فحمد اللّه و أثني عليه ثمّ قال:يا بني هاشم كنتم أصهار عثمان بن عفان فنعم الصّهر كان يفضّلكم و يقرّبكم ثم بغيتم عليه فقتلتموه،و لقد أردنا يا حسن قتل أبيك فأنقذنا اللّه منه و لو قتلناه بعثمان ما كان علينا من اللّه ذنب.

ثمّ قام عتبة فقال:تعلم يا حسن أنّ أباك بغي علي عثمان فقتله حسدا علي الملك و الدّنيا فسلبها،و لقد أردنا قتل أبيك حتّي قتله اللّه تعالي.

ثمّ قام المغيرة بن شعبة فكان كلامه كلّه سبّا لعليّ و تعظيما لعثمان.

فقام الحسن فحمد اللّه تعالي و أثني عليه و قال:بك أبدأ يا معاوية لم يشتمني هؤلاء،و لكن أنت تشتمني بغضا و عداوة و خلافا لجدّي،ثمّ التفت إلي الناس و قال:أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ الرّجل الّذي شتمه هؤلاء كان أوّل من آمن باللّه و صلّي القبلتين،و أنت يا معاوية يومئذ كافر تشرك باللّه،و كان معه لواء النّبي يوم بدر،و مع معاوية و أبيه لواء المشركين.

ثمّ قال:أنشدكم اللّه و الإسلام،أتعلمون أنّ معاوية كان يكتب الرسائل لجدّي فأرسل إليه يوما فرجع الرسول و قال:هو يأكل،فردّ الرسول إليه ثلاث مرّات كلّ ذلك و هو يقول:هو يأكل،فقال النبي:لا أشبع اللّه بطنه،أما تعرف ذلك في بطنك أما تعرف ذلك في بطنك يا معاوية؟

ص: 126

ثمّ قال:و أنشدكم اللّه،أتعلمون أنّ معاوية كان يقود بأبيه علي جمل و أخوه هذا يسوقه،فقال رسول الله:لعن اللّه الجمل و قائده و راكبه و سائقه هذا كله لك يا معاوية.

و أمّا أنت يا عمرو فتنازع فيك خمسة من قريش فغلب عليك شبه ألأمهم حسبا و شرّهم منصبا ثمّ قمت وسط قريش فقلت:أتي شانئ محمد،فأنزل اللّه علي نبيّه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (1).

ثمّ هجوت محمدا بثلاثين بيتا من الشعر،فقال النبيّ:اللهمّ إنّي لا أحسن الشعر و لكن إلعن عمرو بن العاص بكلّ بيت لعنة ثمّ انطلقت إلي النجاشي بما علمت و عملت فأكذبك اللّه و ردّك خائبا فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهليّة و الإسلام فلم نلمك علي بغضك.

و أمّا أنت يابن أبي معيط،فكيف ألومك علي سبّك لعليّ و قد جلد ظهرك في الخمر ثمانين سوطا،و قتل أباك صبرا بأمر جدّي،و قتله جدّي بأمر ربّي،و لمّا قدمه للقتل قال:من للصبية يا محمد،فقال:لهم النار،فلم يكن لكم عن النبي إلاّ النّار،و لم يكن لكم عند عليّ غير السيف و السوط.

و أمّا أنت يا عتبة فكيف تعد أحدا بالقتل،لم لا قتلت الّذي وجدته في فراشك مضاجعا لزوجتك ثمّ أمسكتها بعد أن بغت.

و أمّا أنت يا أعور ثقيف ففي أيّ ثلاث تسبّ عليّا؟أفي بعده من رسول اللّه؟أم في حكم جائر؟أم في رغبة في الدّنيا؟فإن قلت شيئا من ذلك فقد كذبت و أكذبك الناس،و إن زعمت أنّ عليّا قتل عثمان فقد كذبت و أكذبك الناس،و أمّا وعيدك فإنما مثلك كمثل بعوضة وقفت علي نخلة، فقالت لها:استمسكي فإني أريد أن أطير،فقالت لها النخلة:ما علمت بوقوفك فكيف يشقّ عليّ طيرانك،و أنت فما شعرنا بعداوتك فكيف يشق علينا سبك؟ثم نفض ثيابه و قام،فقال لهم معاوية:

ألم أقل لكم إنكم لا تنتصفون منه،فو الله لقد أظلم عليّ البيت حتّي قام فليس فيكم بعد اليوم خير.

انتهي.

قال سبط ابن الجوزي في التذكرة:قال أهل السير:و لمّا سلم الحسن الأمر إلي معاوية أقام يتجهز إلي المدينة فاجتمع إلي معاوية رهط من شيعته منهم عمرو بن العاص و الوليد ابن عقبة و هو أخو عثمان بن عفّان لأمّه و كان عليّ قد جلده في الخمر،و عتبة و قالوا:نريد أن تحضر الحسن علي سبيل الزيارة لنخجّله قبل مسيره إلي المدينة،فنهاهم معاوية و قال:إنّه ألسن بني هاشم.فألحّوا عليه،فأرسل إلي الحسن فاستزاره فلمّا حضر شرعوا فتناولوا عليّا و الحسن ساكت فلمّا فرغوا حمد الحسن اللّه و أثني عليه و صلّي علي رسوله محمد و قال:

إنّ الّذي أشرتم إليه قد صلّي إلي القبلتين و بايع البيعتين و أنتم بالجميع مشركون و بما أنزل اللّه3.

ص: 127


1- سورة الكوثر،الآية:3.

علي نبيّه كافرون،و أنّه حرّم علي نفسه الشهوات و امتنع علي اللّذات حتّي أنزل اللّه فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ (1).

و أنت يا معاوية ممّن قال رسول اللّه في حقّه:اللهمّ لا تشبعه أو لا أشبع اللّه بطنك،أخرجه مسلم عن ابن عبّاس.

و بات أمير المؤمنين يحرس رسول اللّه من المشركين،و فداه بنفسه ليلة الهجرة حتّي أنزل اللّه فيه: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ (2).

و وصفه بالإيمان فقال: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا (3).

و المراد به أمير المؤمنين،و قال له رسول الله:أنت منّي بمنزلة هارون من موسي و أنت أخي في الدّنيا و الآخرة،و أنت يا معاوية نظر النّبي إليك يوم الأحزاب فرأي أباك علي جمل يحرّض النّاس علي قتاله و أخوك يقود الجمل و أنت تسوقه فقال:لعن اللّه الراكب و القائد و السائق،و ما قابله أبوك في موطن إلاّ و لعنه و كنت معه،ولاّك عمر الشام فخنته،ثمّ ولاّك عثمان فترّبصت عليه و أنت الّذي كنت تنهي أباك عن الإسلام حتّي قلت مخاطبا له:

يا صخر لا تسلمنّ طوعا فتفضحنا بعد الّذين ببدر أصبحوا مزقا

لا تركننّ إلي أمر تقلّدنا و الرّاقصات بنعمان به الحرقا

و كنت يوم بدر و أحد و الخندق و المشاهد كلّها تقاتل رسول اللّه و قد علمت الفراش الذي ولدت عليه.

ثمّ التفت إلي عمرو بن العاص و قال:أما أنت يابن النابغة فادّعاك خمسة من قريش غلب عليك ألأمهم و هو العاص و ولدت علي فراش مشترك و فيك نزل: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (4).

و كنت عدو اللّه و عدو رسوله و عدو المسلمين و كنت أضرّ عليهم من كل مشرك،و أنت القائل:

و لا أنثني عن بني هاشم بما اسطعت في الغيب و المحضر

و عن عائب اللاّت لا أنثني و لو لا رضي اللاّت لم تمطر

و أمّا أنت يا وليد فلا ألومك علي بغض أمير المؤمنين فإنّه قتل أباك صبرا و جلّدك في الخمر لمّا صلّيت بالمسلمين الفجر سكرانا و قلت أزيدكم،و فيك يقول الحطيئة:

شهد الحطيئة حين يلقي ربّه أنّ الوليد أحقّ بالعذر

نادي و قد تم صلاتهم أ أزيدكم سكرا و ما يدري3.

ص: 128


1- سورة المائدة،الآية:87.
2- سورة البقرة،الآية:207.
3- سورة المائدة،الآية:55.
4- سورة الكوثر،الآية:3.

ليزيدهم أخري و لو قبلوا لأتت صلاتهم علي العشر

فأتوا أبا وهب و لو قبلوا لقرنت بين الشفع و الوتر

حبسوا عنانك إذ جريت و لو تركوا عنانك لم تزل تجري

و سمّاك اللّه في كتابه فاسقا،و سمّي أمير المؤمنين مؤمنا في قوله: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (1).

و فيك يقول حسان بن ثابت و في أمير المؤمنين:عليه السّلام

أنزل اللّه ذو الجلال علينا في عليّ و في الوليد قرانا

ليس من كان مؤمنا عمرك الله كمن كان فاسقا خوّانا

سوف يدعي الوليد بعد قليل و عليّ إلي الجزاء عيانا

فعليّ يجزي هناك جنانا و وليد يجزي هناك هوانا

و أمّا أنت يا عتبة فلا ألومك في أمير المؤمنين فإنّه قتل أباك يوم بدر و اشترك في دم ابن عمّك شيبة،و هلا أنكرت علي من غلب علي فراشك و وجدته نائما مع عرسك حتي قال فيك نصر بن حجّاج:

نبّئت عتبة هيّأته عرسه لصداقة الهذلي من الحيّان

ألقاه معها في الفراش فلم يكن فحلاّ و أمسك خشية النسوان

لا تعتبن يا عتب نفسك حبّها إنّ النساء حبائل الشيطان

ثمّ نفض الحسن ثوبه و قام،فقال معاوية:

أمرتكم أمرا فلم تسمعوا له و قلت لكم لا تبعثنّ إلي الحسن

فجاء و ربّ الرّاقصات عشيّة بركبانها يهوين من سرّة اليمن

أخاف عليكم منه طول لسانه و بعد مداه حين إجراره الرسن

فلمّا أبيتم كنت فيكم كبعضكم و كان خطابي فيه غبنا من الغبن

فحسبكم ما قال ممّا علمتم و حسبي بما ألقاه في القبر و الكفن (2)

***4.

ص: 129


1- سورة السّجدة،الآية:18.
2- البحار:82/44.

إحتجاج ابن عباس علي معاوية

و في كتاب الإحتجاج عن سليم بن قيس قال:قدم معاوية في خلافته حاجّا و استقبله أهل المدينة فإذا ليس فيهم قرشي فقال:ما بال الأنصار لم يستقبلوني؟فقيل له:ليس لهم دواب،فقال:

و أين نواضحهم؟

قال قيس بن سعد بن عبادة سيّد الأنصار:أفنوها يوم بدر و أحد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حين ضربوك و أباك علي الإسلام حتّي ظهر أمر اللّه و أنتم كارهون.

ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فقاموا له غير عبد اللّه بن العبّاس فقال:ما منعك من القيام جدتك من قتالي لكم بصفّين فلا تحزن من ذلك فإنّ عثمان قتل مظلوما.

قال ابن عبّاس:فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما.

قال:عمر قتله كافر و عثمان قتله المسلمون؟

قال:فذاك أدحض لحجّتك قال:فإنّا كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب عليّ و أهل بيته فكفّ لسانك.

قال:يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال:لا،قال:أتنهانا عن تأويله؟

قال:نعم،قال:نقرأ القرآن و لا نسأل عمّا عني اللّه به فأيّهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

قال:العمل به.

قال:كيف نعمل به و لا نعلم ما عني اللّه؟

قال:سل عن ذلك من يتأوّله علي غير ما تتأوّله أنت و أهل بيتك.

قال:إنّما نزل القرآن علي أهل بيتي أنسأل عنه أبا سفيان.

قال:إقرأوا القرآن و تأوّلوه و لا ترووا شيئا ممّا أنزل اللّه فيكم و ارووا ما سوي ذلك.

قال:إنّ اللّه يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَي اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (1).

ثمّ نادي منادي معاوية:أن برئت الذمّة ممّن روي حديثا في مناقب عليّ،و كان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة لكثرة ما بها من الشيعة فاستعمل زياد بن أبيه و ضمّ إليه العراقين الكوفة و البصرة، فجعل يتتبّع الشيعة و هو بهم عارف يقتلهم تحت كلّ حجر و مدر و يقطع منهم الأيدي و الأرجل و يصلبهم و نفاهم عن العراق (2).

ص: 130


1- سورة التوبة،الآية:32.
2- البحار:125/44.

مفاخرة بين الحسن بن عليّ و رجالات من قريش

روي الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات؛قال:اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص،و الوليد بن عقبة بن أبي معيط،و عتبة بن أبي سفيان بن حرب،و المغيرة بن شعبة،و قد كان بلغهم عن الحسن بن عليّ عليه السّلام قوارص،و بلغه عنهم مثل ذلك،فقالوا:يا أمير المؤمنين إنّ الحسن قد أحيا أباه و ذكره،و قال فصدّق،و أمر فأطيع،و خفقت له النعال،و إنّ ذلك لرافعه إلي ما هو أعظم منه،و لا يزال يبلغنا عنه ما يسوؤنا.

قال معاوية:فما تريدون؟قالوا:إبعث عليه فليحضر لنسبّه و نسبّ أباه،و نعيّره و نوبّخه، و نخبره أن أباه قتل عثمان و نقرّره بذلك،و لا يستطيع أن يغيّر علينا شيئا من ذلك.

قال معاوية:إني لا أري ذلك و لا أفعله؛قالوا:عزمنا عليك يا أمير المؤمنين لتفعلنّ؛فقال:

ويحكم لا تفعلوا!فو اللّه ما رأيته قطّ جالسا عندي إلاّ خفت مقامه و عيبه لي،قالوا:إبعث إليه علي كلّ حال؛قال:إن بعثت إليه لأنصفنّه منكم.

فقال عمرو بن العاص:أتخشي أن يأتي باطله علي حقنا،أو يربي قوله علي قولنا!قال معاوية:أما إني إن بعثت إليه لآمرنّه أن يتكلّم بلسانه كلّه،قالوا:مره بذلك.

قال:أما إذ عصيتموني،و بعثتم إليه و أبيتم إلاّ ذلك فلا تمرضوا (1)له في القول،و اعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب،و لا يلصق بهم العار؛و لكن اقذفوه بحجره؛تقولون له:إنّ أباك قتل عثمان،و كره خلافة الخلفاء من قبله.

فبعث إليه معاوية،فجاءه رسوله،فقال:إن أمير المؤمنين يدعوك.

قال:من عنده؟فسمّاهم له؛فقال الحسن عليه السّلام:ما لهم خرّ عليهم السقف من فوقهم،و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.

ثم قال:يا جارية،أبغيني (2)ثيابي،اللهم إني أعوذ بك من شرورهم،و أدرأ بك في نحورهم، و أستعين بك عليهم،فاكفنيهم كيف شئت و أنّي شئت،بحول منك و قوة يا أرحم الراحمين!

ثم قام،فلما دخل علي معاوية،أعظمه و أكرمه،و أجلسه إلي جانبه،و قد ارتاد القوم، و خطروا خطران الفحول،بغيا في أنفسهم و علوّا،ثم قال:يا أبا محمد؛إنّ هؤلاء بعثوا إليك و عصوني.

فقال الحسن عليه السّلام:سبحان الله!الدّار دارك،و الإذن فيها إليك،و اللّه إن كنت أجبتهم إلي ما

ص: 131


1- فلا تمرضوا له؛أي لا تجعلوا قولكم مريضا.
2- ابغيني ثيابي،أي أعينيني علي إحضارها.

أرادوا و ما في أنفسهم إني لأستحيي لك من الفحش،و إن كانوا غلبوك علي رأيك إني لأستحيي لك من الضعف؛فأيهما تقرّر،و أيهما تنكر؟أما إني لو علمت بمكانهم جئت معي بمثلهم من بني عبد المطّلب،و ما لي أن أكون مستوحشا منك و لا منهم!إن وليّي اللّه،و هو يتولّي الصالحين.

فقال معاوية:يا هذا،إنّي كرهت أن أدعوك،و لكن هؤلاء حملوني علي ذلك مع كراهتي له، و إنّ لك منهم النّصف و منّي،و إنما دعوناك لنقرّرك أنّ عثمان قتل مظلوما،و أن أباك قتله،فاستمع منهم ثم أجبهم،و لا تمنعك وحدتك و اجتماعهم أن تتكلم بكلّ لسانك.

فتكلم عمرو بن العاص،فحمد اللّه و صلي علي رسوله،ثم ذكر عليّا عليه السّلام،فلم يترك شيئا يعيبه به إلاّ قاله،و قال:إنّه شتم أبا بكر و كره خلافته،و امتنع من بيعته،ثم بايعه مكرها،و شرك في دم عمر،و قتل عثمان ظلما.و ادّعي من الخلافة ما ليس له.

ثم ذكر الفتنة يعيّره بها،و أضاف إليه مساوئ؛و قال:إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك علي قتلكم الخلفاء،و استحلالكم ما حرّم اللّه من الدماء،و حرصكم علي الملك، و إتيانكم ما لا يحلّ.

ثم إنك يا حسن،تحدّث نفسك أنّ الخلافة صائرة إليك،و ليس عندك عقل ذلك و لا لبّه، كيف تري اللّه سبحانه سلبك عقلك،و تركك أحمق قريش،يسخر منك و يهزأ بك،و ذلك لسوء عمل أبيك!و إنما دعوناك لنسبّك و أباك،فأما أبوك فقد تفرّد اللّه به و كفانا أمره،و أما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال،و لو قتلناك ما كان علينا إثم من اللّه،و لا عيب من الناس،فهل تستطيع أن تردّ علينا و تكذّبنا؟فإن كنت تري أنّا كذبنا في شيء فأردده علينا فيما قلنا،و إلاّ فاعلم أنك و أباك ظالمان.

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط،فقال:يا بني هاشم،إنّكم كنتم أخوال عثمان؛فنعم الولد كان لكم؛فعرف حقكم،و كنتم أصهاره فنعم الصّهر كان لكم،يكرمكم فكنتم أول من حسده، فقتله أبوك ظلما،لا عذر له و لا حجة،فكيف ترون اللّه طلب بدمه،و أنزلكم منزلتكم!و اللّه إنّ بني أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية،و إن معاوية خير لك من نفسك.

ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان،فقال:يا حسن،كان أبوك شرّ قريش لقريش،أسفكها لدمائها، و أقطعها لأرحامها،طويل السيف و اللسان،يقتل الحيّ و يعيب الميت،و إنك ممّن قتل عثمان، و نحن قاتلوك به،و أما رجاؤك الخلافة فلست في زندها قادحا،و لا في ميزانها راجحا،و إنكم يا بني هاشم قتلتم عثمان،و إنّ في الحق أن نقتلك و أخاك به؛فأمّا أبوك فقد كفانا اللّه أمره و أقاد منه، و أما أنت،فو الله ما علينا لو قتلناك بعثمان إثم و لا عدوان.

ثم تكلم المغيرة بن شعبة،فشتم عليا،و قال:و اللّه ما أعيبه في قضية يخون،و لا في حكم يميل،و لكنه قتل عثمان.ثم سكتوا.

ص: 132

فتكلم الحسن بن عليّ عليه السّلام؛فحمد اللّه و أثني عليه،و صلي علي رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،ثم قال:أما بعد يا معاوية،فما هؤلاء شتموني و لكنك شتمتني،فحشا ألفته؛و سوء رأي عرفت به،و خلقا سيئا ثبتّ عليه،و بغيا علينا؛عداوة منك لمحمد و أهله،و لكن إسمع يا معاوية،و اسمعوا فلأقولنّ فيك و فيهم ما هو دون ما فيكم.

أنشدكم اللّه أيها الرّهط،أتعلمون أنّ الذي شتمتموه هذا اليوم،صلّي القبلتين كلتيهما و أنت يا معاوية بهما كافر؛تراها ضلالة،و تعبد اللات و العزي غواية!

و أنشدكم اللّه هل تعلمون أنه بايع البيعتين كلتيهما:بيعة الفتح و بيعة الرضوان،و أنت يا معاوية بإحداهما كافر و بالأخري ناكث!

و أنشدكم اللّه هل تعلمون أنه أول الناس إيمانا،و أنك يا معاوية و أباك من المؤلفة قلوبهم تسرّون الكفر،و تظهرون الإسلام،و تستمالون بالأموال!

و أنشدكم اللّه،ألستم تعلمون أنّه كان صاحب راية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر،و أنّ راية المشركين كانت مع معاوية و مع أبيه،ثم لقيكم يوم أحد و يوم الأحزاب،و معه راية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و معك و مع أبيك راية الشّرك؛و في كلّ ذلك يفتح اللّه له و يفلج حجّته،و ينصر دعوته،و يصدّق حديثه، و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في تلك المواطن كلّها عنه راض،و عليك و علي أبيك ساخط!و أنشدك اللّه يا معاوية،أتذكر يوما جاء أبوك علي جمل أحمر،و أنت تسوقه،و أخوك عتبة هذا يقوده،فرآكم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؛فقال:«اللهم العن الراكب و القائد و السائق!».

أتنسي يا معاوية الشعر الذي كتبته إلي أبيك لما همّ أن يسلم،تنهاه عن ذلك:

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا

خالي و عمّي و عمّ الأمّ ثالثهم و حنظل الخير قد أهدي لنا الأرقا

لا تركننّ إلي أمر تكلّفنا و الرّاقصات به في مكة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة:لقد حاد ابن حرب عن العزّي إذا فرقا (1)

و اللّه لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت.

و أنشدكم اللّه أيّها الرهط؛أتعلمون أن عليّا حرّم الشهوات علي نفسه بين أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأنزل فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ (2)،و أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعث أكابر أصحابه إلي بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا،فبعث عليّا بالراية،فاستنزلهم علي حكم اللّه و حكم رسوله،و فعل في خيبر مثلها!7.

ص: 133


1- فرق،كفرح:فزع و اضطراب.
2- سورة المائدة،الآية:87.

ثم قال:يا معاوية أظنّك لا تعلم أنّي أعلم ما دعا به عليك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أراد أن يكتب كتابا إلي بني خزيمة،فبعث إليك[ابن عباس،فوجدك تأكل،ثم بعثه إليك مرة أخري فوجدك تأكل، فدعا عليك الرسول بجوعك] (1)و نهمك إلي أن تموت.

و أنتم أيها الرّهط:نشدتكم اللّه،ألا تعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها:

أوّلها:يوم لقي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خارجا من مكّة إلي الطائف،يدعو ثقيفا إلي الدّين،فوقع به و سبّه و سفّهه و شتمه و كذّبه و توعّده،و همّ أن يبطش به،فلعنه اللّه و رسوله و صرف عنه.

و الثانية يوم العير؛إذ عرض لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هي آتية من الشام،فطردها أبو سفيان، و ساحل بها،فلم يظفر المسلمون بها،و لعنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و دعا عليه،فكانت وقعة بدر لأجلها.

و الثالثة يوم أحد،حيث وقف تحت الجبل،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في أعلاه،و هو ينادي:اعل هبل!مرارا،فلعنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عشر مرات و لعنه المسلمون.

و الرابعة يوم جاء بالأحزاب و غطفان و اليهود،فلعنه رسول اللّه و ابتهل.

و الخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدّوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن المسجد الحرام«و الهدي معكوفا أن يبلغ محلّه»ذلك يوم الحديبية،فلعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أبا سفيان،و لعن القادة و الأتباع، و قال:«ملعونون كلّهم،و ليس فيهم من يؤمن»،فقيل:يا رسول اللّه،أفما يرجي الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة؟

فقال:«لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع،و أمّا القادة فلا يفلح منهم أحد».

و السادسة يوم الجمل الأحمر.

و السابعة يوم وقفوا لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في العقبة ليستنفروا ناقته،و كانوا إثني عشر رجلا،منهم أبو سفيان.

فهذا لك يا معاوية؛و أما أنت يابن العاص؛فإنّ أمرك مشترك،وضعتك أمك مجهولا؛من عهر و سفاح،فتحاكم فيك أربعة من قريش،فغلب عليك جزّارها،ألامهم حسبا،و أخبثهم منصبا؛ ثم قام أبوك فقال:أنا شانئ محمّد الأبتر،فأنزل اللّه فيه ما أنزل.

و قاتلت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في جميع المشاهد،و هجوته و آذيته بمكّة و كدته كيدك كلّه،و كنت من أشدّ النّاس له تكذيبا و عداوة.م.

ص: 134


1- زيادة يقتضيها السياق،أخذت عن قصة جاءت في ترجمة معاوية في أسد الغابة 386/4 نقلها عن صحيح مسلم.

ثم خرجت تريد النّجاشيّ مع أصحاب السفينة،لتأتي بجعفر و أصحابه إلي أهل مكة،فلما أخطأك ما رجوت و رجعك اللّه خائبا،و أكذبك واشيا،جعلت حدّك علي صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلي النجاشيّ،حسدا لما ارتكب مع حليلتك،ففضحك اللّه و فضح صاحبك.

فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهليّة و الإسلام.ثم إنك تعلم و كلّ هؤلاء الرّهط يعلمون أنّك هجوت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بسبعين بيتا من الشّعر،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهمّ إني لا أقول الشّعر و لا ينبغي لي،اللّهمّ العنه بكل حرف ألف لعنة»؛فعليك إذا من اللّه ما لا يحصي من اللعن.

و أما ما ذكرت من أمر عثمان،فأنت سعّرت عليه الدّنيا نارا،ثم لحقت بفلسطين فلمّا أتاك قتله،قلت:أنا أبو عبد اللّه إذا نكأت قرحة أدميتها.ثم حبست نفسك إلي معاوية،و بعت دينك بدنياه،فلسنا نلومك علي بغض،و لا نعاتبك علي ودّ،و باللّه ما نصرت عثمان حيّا و لا غضبت له مقتولا،ويحك يابن العاص!أ لست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلي النجاشيّ:

تقول ابنتي أين هذا الرحيل و ما السّير منّي بمستنكر

فقلت:ذريني فإني امرؤ أريد النجاشيّ في جعفر

لأكويه عنده كيّة أقيم بها نخوة الأصعر

و شانئ أحمد من بينهم و أقولهم فيه بالمنكر

و أجري إلي عتبة جاهدا و لو كان كالذّهب الأحمر

و لا أنثني عن بني هاشم و ما اسطعت في الغيب و المحضر

فإن قبل العتب منّي له و إلاّ لويت له مشفري

فهذا جوابك،هل سمعته!

و أما أنت يا وليد؛فو الله ما ألومك علي بغض عليّ،و قد جلدك ثمانين في الخمر،و قتل أباك بين يدي رسول اللّه صبرا،و أنت الذي سمّاه اللّه الفاسق،و سمّي عليا المؤمن،حيث تفاخرتما فقلت له:أسكت يا عليّ،فأنا أشجع منك جنانا،و أطول منك لسانا،فقال لك عليّ:أسكت يا وليد فأنا مؤمن و أنت فاسق؛فأنزل اللّه تعالي في موافقة قوله: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (1)،ثم أنزل فيك علي موافقة قوله أيضا: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (2).

ويحك يا وليد!مهما نسيت،فلا تنس قول الشاعر فيك و فيه:

أنزل اللّه و الكتاب عزيز في عليّ و في الوليد قرآنا

فتبوّأ الوليد اذ ذاك فسقا و عليّ مبوّأ إيمانا6.

ص: 135


1- سورة السجدة،الآية:18.
2- سورة الحجرات،الآية:6.

ليس من كان مؤمنا-عمرك اللّه- كمن كان فاسقا خوّانا

سوف يدعي الوليد بعد قليل و عليّ إلي الحساب عيانا

فعليّ يجزي بذاك جنانا و وليد يجزي بذاك هوانا

ربّ جدّ لعقبة بن أبان لا بس في بلادنا تبّانا (1)

و ما أنت و قريش؟إنما أنت علج من أهل صفّورية،و أقسم باللّه لأنت أكبر في الميلاد،و أسنّ ممّن تدعي إليه.

و أما أنت يا عتبة؛فو الله ما أنت بحصيف فأجيبك،و لا عاقل فأحاورك و أعاتبك،و ما عندك خير يرجي،و لا شرّ يتقي،و ما عقلك و عقل أمتك إلاّ سواء،و ما يضرّ عليّا لو سببته علي رؤوس الأشهاد!

و أمّا وعيدك إيّاي بالقتل،فهلاّ قتلت اللّحيانيّ إذ وجدته علي فراشك!أما تستحيي من قول نصر بن حجاج فيك:

يا للرجال و حادث الأزمان و لسبّة تخزي أبا سفيان

نبّئت عتبة خانه في عرسه جبس لئيم الأصل من لحيان

و بعد هذا،ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه؛فكيف يخاف أحد سيفك،و لم تقتل فاضحك! و كيف ألومك علي بغض عليّ،و قد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر،و شرك حمزة في قتل جدّك عتبة،و أوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد!

و أما أنت يا مغيرة؛فلم تكن بخليق أن تقع في هذا و شبهه،و إنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة:استمسكي؛فإني طائرة عنك.

فقالت النخلة:و هل علمت بك واقعة عليّ فأعلم بك طائرة عني!

و الله ما نشعر بعداوتك إيّانا،و لا اغتممنا إذ علمنا بها،و لا يشقّ علينا كلامك،و إنّ حدّ اللّه في الزّنا لثابت عليك،و لقد درأ عمر عنك حقا؛الله سائله عنه!

و لقد سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:هل ينظر الرجل إلي المرأة يريد أن يتزوجها؟فقال:«لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا»،لعلمه بأنك زان.

و أما فخركم علينا بالإمارة:فإن اللّه تعالي يقول: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (2).6.

ص: 136


1- التبان:سراويل صغيرة(معرب:تمبان بالفارسية)يكون للملاحين.
2- سورة الإسراء،الآية:16.

ثم قام الحسن فنفض ثوبه،و انصرف؛فتعلّق عمرو بن العاص بثوبه،و قال:يا أمير المؤمنين، قد شهدت قوله فيّ و قذفه أمّي بالزنا،و أنا مطالب له بحدّ القذف.

فقال معاوية:خلّ عنه لا جزاك اللّه خيرا.فتركه.

فقال معاوية:قد أنبأتكم أنه ممّن لا تطاق عارضته،و نهيتكم أن تسبّوه فعصيتموني،و اللّه ما قام حتي أظلم عليّ البيت،قوموا عنّي،فلقد فضحكم اللّه و أخزاكم بترككم الحزم،و عدولكم عن رأي النّاصح المشفق؛و اللّه المستعان (1).

***

ظلم معاوية و تتبعه شيعة علي عليه السّلام

كتب معاوية إلي جميع عمّاله:أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ شهادة و انظروا شيعة عثمان و محبّيه و الذين يروون فضله فأدنوا مجالسهم و قرّبوهم و اكتبوا إليّ بذلك،ففعلوا حتّي كثرت الرواية في عثمان و افتعلوها للصلات و الخلع و القطائع فكثر في كلّ مصر،ثمّ كتب إلي عمّاله إنّ الحديث في عثمان قد كثر فادعوا الناس إلي الرواية في معاوية و فضله فإنّ ذلك أحبّ إلينا و أدحض لحجّة أهل هذا البيت فقرأ كلّ أمير و قاض كتابه علي الناس،فأخذوا في الروايات في فضائل معاوية في كلّ كورة و كلّ مسجد و ألقوا ذلك إلي معلّمي الكتاتيب فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلّمونهم القرآن حتّي علّموه بناتهم و نساءهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

و كتب زياد ابن أبيه في حقّ الحضرميّين:أنّهم علي دين عليّ،فكتب إليه:أقتل كلّ من كان علي دين عليّ و رأيه فاقتلهم و مثّل بهم،و كتب معاوية إلي جميع البلدان:أنظروا من اتهمتوه بأنّه شيعة عليّ فاقتلوه علي التّهمة و الشبهة تحت كلّ حجر و كان الرجل يرمي بالزندقة و الكفر و لا يتعرّض له بمكروه و الرجل من الشيعة لا يأمن علي نفسه في بلد من البلدان سيما الكوفة و البصرة،حتّي أنّ الرجل يخاف خادمه و مملوكه فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلّظة،ثمّ لا يزداد الأمر إلاّ شدّة حتّي كثرت أحاديثهم الكاذبة حتّي نشأ عليه الصبيان و كان أشدّ الناس في ذلك القرّاء المتصنّعون فانتحلوا الأحاديث و ولدوها طمعا في الأموال و القطائع،فصارت أحاديثهم في أيديهم حقّا و صدقا فأحبّوا عليها و أبغضوا من شكّ فيها فاجتمعت علي ذلك جماعتهم و صارت في يد المتديّنين منهم الذين لا يستحلّون الإفتعال لمثلها فقبلوها و هم يرون أنّها حقّ،و لو علموا بطلانها لأعرضوا عن روايتها فصار الصدق كذبا و الكذب صدقا.

فلمّا مات الحسن عليه السّلام ازداد البلاء و الفتنة،فلم يبق للّه وليّ إلاّ خائف أو مقتول أو طريد.

فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجّ الحسين عليه السّلام و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه بن عبّاس و قد

ص: 137


1- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السّلام:226/2.

جمع الحسين عليه السّلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم من حجّ و من لم يحجّ،ثمّ لم يدع أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و التابعين إلاّ جمعهم فاجتمع بمني أكثر من ألف رجل فقام خطيبا و قال بعد الحمد و الثناء:إنّ هذا الطاغية قد صنع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم و إنّي أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدّقوني،إسمعوا مقالتي و اكتموا قولي ثمّ ارجعوا إلي أمصاركم و قبائلكم من أمنتم و وثقتم به فادعوهم إلي ما تعلمون فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ،فما ترك الحسين عليه السّلام شيئا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلاّ قاله و فسّره و لا شيئا قاله الرسول في أهل بيته إلاّ رواه و كلّ ذلك يقول الصحابة:اللّهمّ نعم قد سمعناه و شهدناه،و يقول التابعون قد حدّثناه من نصدّقه،ثمّ قال:

أنشدكم باللّه إلاّ رجعتم و حدّثتم به من تثقون به فنزل و تفرّق الناس.

و في كتاب الأمالي عن ابن ثعلبة قال:لمّا استوثق الأمر لمعاوية أنفذ بسر بن ارطأة إلي الحجاز في طلب شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و كان علي مكّة عبيد الله بن العبّاس فلم يقدر عليه،فأخبر أنّ له و لدين صبيّين فأخرجهما و لهما ذؤابتان فأمر بذبحهما فذبحا،فاجتمع من بعد عبيد الله و بسر بن ارطأة عند معاوية فقال معاوية لعبيد الله:أتعرف هذا الشيخ قاتل الصبيّين؟

قال بسر:نعم أنا قاتلهما فمه قال عبيد الله:لو أنّ لي سيفا:قال بسر:فهاك سيفي و أومي إلي سيفه فزبره معاوية و قال:أف لك من شيخ ما أحمقك تعمد إلي رجل قتلت إبنيه فتعطيه سيفك كأنّك لا تعرف أكباد بني هاشم،و اللّه لو دفعته إليه قتلك و ثنّي بي،فقال عبيد الله:بل و اللّه كنت أبدأ بك و أثنّي به.

و في كتاب الاحتجاج عن صالح بن كيسان قال:لمّا قتل معاوية حجر بن عدي و أصحابه حجّ ذلك العام فلقي الحسين عليه السّلام فقال:يا أبا عبد اللّه هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و شيعة أبيك؛ قتلناهم و كفّناهم و صلّينا عليهم.

فضحك الحسين عليه السّلام و قال:خصمك القوم يا معاوية،لكنّنا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا أقبرناهم،الحديث (1).

***

سؤالات معاوية للحسن عليه السّلام

روي:أنّ عليّا عليه السّلام كان في الرحبة فقام إليه رجل فقال:أنا من رعيّتك و أهل بلادك قال:

لست من رعيّتي و لا أهل بلادي،و أنّ ابن الأصفر(يعني ملك الروم)بعث إلي معاوية مسائل لم يعرفها و أرسلك إليّ لأجلها.

ص: 138


1- الاحتجاج:19/2،و البحار:129/44.

قال:صدقت يا أمير المؤمنين أرسلني إليك خفية.

قال:اسأل ابني الحسن،فقال له الحسن عليه السّلام:جئت تسأل كم بين الحقّ و الباطل و كم بين السماء و الأرض و كم بين المشرق و المغرب و ما قوس قزح و ما المخنّث و ما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟

قال:نعم.

قال الحسن عليه السّلام:بين الحقّ و الباطل أربع أصابع ما رأيته بعينك فهو حقّ و قد تسمع بإذنك باطل،و بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مدّ البصر،و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم الشمس، و قزح إسم الشيطان و هو قوس اللّه و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق،و أمّا المخنّث فهو الذي لا يدري أذكر أم أنثي فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم و إن كان أنثي حاضت و بدا ثديها و إلاّ قيل له:بل،فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر و إن انتكص بوله علي رجليه كالبعير فهو أنثي، و أمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشدّ شيء خلقه اللّه الحجر،و أشدّ منه الحديد يقطع به الحجر،و أشدّ من الحديد النار تذيب الحديد،و أشدّ منها الماء و أشدّ من الماء السحاب،و أشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب،و أشدّ من الريح الملك الذي يردها،و أشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك،و أشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت،و أشدّ من الموت أمر اللّه الذي يدفع الموت (1).

***

كتابه إلي معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

من عبد اللّه الحسن أمير المؤمنين إلي معاوية بن صخر.

أمّا بعد،فإنّ اللّه تعالي بعث محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رحمة للعالمين،فأظهر به الحق و قمع به الباطل، و أذلّ أهل الشرك و أعزّ به العرب عامّة،و شرّف به من شاء منهم خاصة،فقال تعالي: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (2)فلما قبضه اللّه تعالي تنازعت العرب الأمر من بعده،فقالت الأنصار:منّا أمير و منكم أمير،فقالت قريش:نحن أولياؤه و عشيرته فلا تنازعوا سلطانه،فعرفت العرب ذلك لقريش، و نحن الآن أولياؤه و ذو القربي منه و لا غرو أنّ منازعتك إيّانا بغير حق في الدين معروف،و لا أثر في الإسلام محمود،و الموعد اللّه تعالي بيننا و بينك،و نحن نسأله تبارك و تعالي أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينتقصنا به في الآخرة.

ص: 139


1- البحار:325/43 ح 5.
2- سورة الزخرف،الآية:44.

و بعد،فإنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمه اللّه لمّا نزل به الموت،ولاّني هذا الأمر من بعده،فاتق اللّه يا معاوية و انظر لامة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما تحقن به دماءهم،و تصلح به أمورهم و السلام (1).

***

خطب السبط الأكبر الإمام الحسن بن علي عليه السّلام

عن المفيد،عن محمّد بن محمّد بن طاهر،عن ابن عقده،عن أحمد بن يوسف،عن الحسن بن محمّد،عن أبيه،عن عاصم بن عمر،عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

كتب إلي الحسن بن علي عليه السّلام قوم من أصحابه يعزّونه عن ابنة له فكتب إليهم:أمّا بعد فقد بلغني كتابكم تعزّوني بفلانة فعند اللّه أحتسبها تسليما لقضائه و صبرا علي بلائه،فإن أوجعتنا المصائب و فجعتنا النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا حفية،و الإخوان المحبين الذين كان يسر بهم الناظرون و تقربهم العيون أضحوا قد اخترمتهم الأيّام و نزل بهم الحمام فخلقوا الخلوف و أودت بهم الحتوف فهم صرعي في عساكر الموتي،متجاورون في غير محلّة التجاور و لا صلات بينهم و لا تزاور و لا يتلاقون عن قرب جوارهم،أجسامهم نائية من أهلها خالية من أربابها قد أخشعها إخوانها فلم أر مثل دارها دارا و لا مثل قرارها قرارا،في بيوت موحشة و حلول مضجعة قد صارت في تلك الديار الموحشة و خرجت عن الدار المؤنسة ففارقتها من غير قلي فاستودعتها للبلي و كانت أمة مملوكة سلكت سبيلا مسلوكة صار إليها الأوّلون و سيصير إليها الآخرون و السلام (2).

و عن الحرمازي،قال:خطب الحسن بن علي عليه السّلام بالكوفة فقال:إعلموا يا أهل الكوفة أنّ الحلم زينة،و الوفاء مروءة و العجلة سفه،و السفه ضعف،و مجالسة أهل الدناءة شين،و مخالطة أهل الفسوق ريبة.

و عن صدقة بن المثني،عن جده رياح بن الحارث قال:كنت عند منبر الحسن بن علي عليه السّلام و هو يخطب الناس بالمدائن فقال:ألا إن أمر اللّه واقع إذ لا له دافع و إن كره الناس،إني ما أحببت أن ألي من أمّة محمّد مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة (3)من دم،قد علمت ما ينفعني ممّا يضرني فالحقوا بطيّتكم (4)(5).

و عن الزهري قال:فكان عمرو بن العاص حين اجتمعا بالكوفة كلّم معاوية أن يأمر الحسن بن

ص: 140


1- الفتوح لابن أعثم 286/4،مقاتل الطالبيين:55،مناقب ابن شهرآشوب 36/4.
2- أمالي الطوسي:المجلس السابع ح 47 الرقم 202/345.
3- في المطبوعة:معجم من دم.
4- بطيتكم:طية الشي-بالكسر-جهته و نواحيه.
5- تاريخ مدينة دمشق:263/13.

علي عليه السّلام فيخطب فكره ذلك معاوية و قال:ما أريد أن يخطب الناس،قال عمرو:نريد أن يبدو عيّه في الناس فإنه يتكلم في أمور لا يدري ماهي حينئذ،فقال له:قم فكلّم الناس،فلم يزل عمرو بمعاوية حتي أطاعه،فخرج معاوية فخطب الناس،ثم أمر رجلا فنادي الحسن بن علي عليه السّلام فقال:

قم يا حسن فكلّم الناس،فقام الحسن فتشهّد في بديهة أمر لم يروّ فيه ثم قال:أما بعد أيها الناس فإنّ اللّه عزّ و جلّ هداكم بأوّلنا و حقن دماءكم بآخرنا،و إنّ لهذا الأمر مدّة و إنّ الدنيا دول و إنّ اللّه قال لنبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ، وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ (1)فلما قالها أجلسه معاوية،ثم خطب معاوية ثم الناس،فلم يزل صرما علي عمرو بن العاص،و قال (2):هذا من فعل رأيك (3).

و عن ابن شهاب،قال:كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة كلّم معاوية و أمره أن يأمر الحسن بن علي عليه السّلام أن يقوم ليخطب الناس فكره ذلك معاوية و قال:ما أريد أن يخطب

فقال عمرو:لكني أريد أن يبدو عيّه في الناس فإنه يتكلم في أمور لا يدري ما هي،فلم يزل بمعاوية حتي أطاعه،فخرج معاوية فخطب الناس و أمر رجلا فنادي الحسن بن علي عليه السّلام فقال:قم يا حسن فكلّم الناس (4)،فقام الحسن فتشهد في بديهة أمر لم يروّه (5)فقال:أمّا بعد أيها الناس فإنّ اللّه هداكم بأوّلنا و حقن دماءكم بآخرنا،إنّ لهذا الأمر مدّة و الدنيا دول و إنّ اللّه تعالي قال لنبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ (6) فلما قالها،قال له معاوية:إجلس ثم إجلس،ثم خطب معاوية و لم يزل صبرا علي عمرو،و قال:هذا عن رأيك (7).

و عن الشعبي،أنّ الحسن بن علي عليه السّلام خطب فحمد اللّه و أثني عليه و تشهّد ثم قال:

إنّ أكيس الكيس التّقي و إنّ أحمق الحمق الفجور و إنّ هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا و معاوية إما أن يكون[حق]امريء كان أحقّ به مني،أو كان حقا لي تركته التماسا لصلاح أمر هذه الأمة وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ (8).

و في رواية أنّه قيل لمعاوية:لو أمرت الحسن أن يخطب،فإنّه حديث السنّ لم يتعوّد الخطب،1.

ص: 141


1- سورة الأنبياء،الآية:109-110.
2- في أسد الغابة 492/1 و قال:ما أردت إلاّ هذا.
3- تاريخ مدينة دمشق:177/13.
4- في أسد الغابة 492/1 فكلم الناس فيما جري بيننا.
5- في أسد الغابة:لم يروّ فيه.
6- سورة الأنبياء،الآية:111.
7- ذكر في العقد الفريد تفصيل هذه المحاورات:323/2 كتاب الأجوبة.
8- سورة الأنبياء،الآية:111.

فيجتمع الناس إليه فيحصر فيكون في ذلك ما يصغّره في أعين الناس.

فقال كما قال لهم أوّل مرّة،فقالوا:إنّه قد شمخ أنفا و رفع رأسا و اشرأبت إليه قلوب الناس بالثقة و المقة فمره بذلك حتّي تري فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب؛فلمّا صعد المنبر و قد جمع معاوية كهول قريش و شبّانها،حمد اللّه تعالي و أثني عليه و صلّي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب،أنا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما بين جابلقا و جابرصا،ما أحد جدّه نبيّ غيري و غير أخي،أنا ابن نبي اللّه،أنا ابن رسول اللّه،أنا ابن البشير النذير،أنا ابن السراج المنير،أنا ابن بريد السماء،أنا ابن من بعث رحمة للعالمين،أنا ابن من بعث للجنّ و الإنس،أنا ابن من قابلت معه الملائكة،أنا ابن من جعلت له الأرض مسجدا و طهورا،أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،فلمّا سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته و يخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما يكرهه،فقال له:يا حسن إنعت لنا الرطب فقال:يا سبحان اللّه أين هذا من هذا ثمّ قال:الحرّ ينضّجه،و الليل يبرّده و الريح تلقّحه.

ثمّ استفتح كلامه الأوّل و قال:-أنا ابن من كان مستجاب الدعوة،أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن أوّل من تنشقّ عنه الأرض و ينفض رأسه من التراب،أنا ابن أوّل من يقرع باب الجنّة،أنا ابن من رضاه رضي الرحمان و سخطه سخط الرحمان،أنا ابن من لا يسامي كرما،فقال له قومه:

حسبك يا أبا محمد ما أعرفنا بفضل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال الحسن:يا معاوية إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عمل بطاعته،و ليس الخليفة من دان بالجور و عطّل السنن،و اتّخذ الدنيا أمّا و أبا لكن ذاك ملك تمتّع في ملكه و كان قد انقطع و انقطعت لذّته و بقيت بيعته،ثمّ قال:و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلي حين ثمّ نزل عن المنبر عليه السّلام (1).

و عن صدقة بن المثني،حدّثني جدّي:أنّ الناس اجتمعوا إلي الحسن بن علي عليه السّلام بالمدائن بعد قتل علي فخطبهم فحمد اللّه و أثني عليه ثم قال:

أما بعد إنّ كلّ ما هو آت قريب،و إنّ أمر اللّه واقع إذلاله و إن كره الناس-يعني-دافع و إني و اللّه ما أحببت،قال محمّد بن عبيد:هذه الكلمة:أن ألي من أمر أمة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما يزن مثقال حبة خردل تهراق فيها محجمة من دم،فقد عقلت ما ينفعني مما يضرّني فالحقوا بطيّتكم.

و عن هلال بن يساف،قال:سمعت الحسن بن علي عليه السّلام و هو يخطب الناس بالكوفة فحمد اللّه و أثني عليه و صلي علي محمّد ثم قال:يا أهل الكوفة اتّقوا اللّه فينا فإنّا أمراؤكم و نحن ضيفانكمث.

ص: 142


1- أخرجه البيهقي و المحبّ الطبري،كما في الغدير في مسند المناقب و مرسلها بتغيير يسير،غير أن في أوّله: أنّ عمرو بن العاص هو الذي قال لمعاوية ذات يوم:ابعث إلي الحسن بن علي فمره أن يخطب علي المنبر،فلعلّه يحصر فيكون ذلك ممّا نعته به.الحديث.

و نحن أهل البيت الذين قال اللّه عزّ و جلّ عنهم: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

قال هلال:فما سمعت يوما قطّ كان أكثر باكيا و مسترجعا من يومئذ (2).

و عن ميسرة بن أبي جميلة،عن الحسن بن علي عليه السّلام أنه بينما هو ساجد إذ و جأه إنسان في وركه فمرض منها شهرين،فلما بريء خطب الناس بعدما قتل علي فقال:أيّها الناس إنما نحن أمراؤكم و ضيفانكم و نحن أهل البيت الذي قال اللّه عزّ و جلّ:«إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا».

فكرّرها حتي ما بقي أحد في المسجد إلاّ و هو يجد بكاء (3).

و عن أبي بكر بن دريد،قال:قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد اللّه جلّ و عزّ:إنا و اللّه ما ثنانا عن أهل الشام شك و لا ندم،و إنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة و الصبر، فشيبت السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع،و كنتم في مبتدئكم (4)إلي صفّين،و دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم و دنياكم أمام دينكم،ألا و إنا لكم كما كنا و لستم لنا كما كنتم،ألا و قد أصبحتم بعد قتيلين:قتيل بصفّين تبكون له،و قتيل بالنهروان تطلبون بثأره،فأمّا الباقي فخاذل،و أما الباكي فثائر، ألا و إنّ معاوية دعانا إلي أمر ليس فيه عزّ و لا نصفة،فإن أردتم الموت رددناه عليه و حاكمناه إلي اللّه جل و عز بظبا (5)السيوف،و إن أردتم الحياة قبلناه و أخذنا لكم الرّضا.

فناداه القوم من كل جانب:البقية البقية (6).فلما أفردوه،أمضي الصلح (7).

و قال عليه السّلام:أيّها الناس إنّ أكيس الكيس التّقي،و إنّ الحمق الفجور،و إنّكم لو طلبتم ما بين جابلق و جابرس رجلا جده رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما وجدتموه غيري و غير أخي الحسين،و قد علمتم إنّ اللّه تعالي هداكم بجدي محمد فأنقذكم به من الضلالة،و رفعكم به من الجهالة،و أعزّكم به بعد الذلة،و كثّركم به بعد القلة،و إنّ معاوية نازعني حقا هو لي دونه،فنظرت لصلاح الامة،و قطع الفتنة،و قد كنتم بايعتموني علي أن تسالموا من سالمت،و تحاربوا من حاربت،فرأيت أن أسالم معاوية و أضع الحرب بيني و بينه،و قد بايعته و رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها،و لم أرد بذلك).

ص: 143


1- سورة الأحزاب،الآية:33.
2- سير أعلام النبلاء:270/3 و المستدرك:172/3 و المعجم الأوسط:88/3 ح 2176.
3- المعجم الكبير:96/3 و مجمع الزوائد:172/9،بتفاوت.
4- في أسد الغابة و السير:منتدبكم.
5- ظبا السيف جمع ظبة و هو حدّه.
6- في سير الأعلام:التقية.
7- خطبته في أسد الغابة 491/1 و سير أعلام النبلاء 269/3،و كتاب المجتني:45 ط.الهند).

إلاّ صلاحكم و بقاءكم،و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلي حين (1).

و عنه عليه السّلام إنّه قال:لا أدب لمن لا عقل له،و لا مرؤة لمن لا همّة له،و لا حياء لمن لا دين له،و رأس العقل معاشرة الناس بالجميل و بالعقل تدرك الداران جميعا و من حرم العقل خسرهما جميعا (2).

و قال عليه السّلام:علّم الناس علمك،و تعلّم علم غيرك،فتكون قد أنفقت علمك(و علمت ما لم تعلم).

و سئل عن الصمت،فقال:هو ستر العيّ،و زين العرض،و فاعله في راحة و جليسه آمن (3).

و قال عليه السّلام:

هلاك الناس في ثلاث:الكبر،و الحرص،و الحسد؛فالكبر هلاك الدين و منه لعن إبليس، و الحرص عدو النفس و منه أخرج آدم من الجنة،و الحسد رائد الجوع و منه قتل قابيل هابيل (4).

و قال عليه السّلام:لا تأت رجلا إلاّ أن ترجو نواله،أو تخاف يده،أو تستفيد من علمه،أو ترجو بركته و دعاءه،أو تصل رحما بينك و بينه (5).

و قال عليه السّلام:دخلت علي أمير المؤمنين و هو يجود بنفسه لمّا ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك، فقال لي أتجزع!

فقلت:و كيف لا أجزع و أنا أراك في حالك هذه.

فقال:ألا أعلّمك خصالا أربعا إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة،و إن أنت ضيعتهن فاتك الداران؛يا بني لا غني أكبر من العقل،و لا فقر مثل الجهل،و لا وحشة أشدّ من العجب،و لا عيش ألذ من حسن الخلق (6).

فهذه سمعت من الحسن يرويها عن أبيه تصلح أن تورد في مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و تصلح أن0.

ص: 144


1- الفتوح لابن أعثم 4:295،أنساب الأشراف 50/43/3،حلية الأولياء 37/2،الاستيعاب 374/1، ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام من تاريخ دمشق 312/187/1،و كذا:316/189،مناقب ابن شهرآشوب /4 39.
2- في بعض المصادر:و من حزم العقل خيرهما.
3- الفصول المهمة:159.
4- الفصول المهمة:159.
5- الفصول المهمة:159.
6- ربيع الأبرار 412/3،البداية و النهاية 40/8،حلية الأولياء 36/2،تهذيب الكمال 239/6،الفصول المهمة:160.

تورد في مناقب الحسن عليه السّلام فاوردهما في باب أيهما شئت.

و قال عليه السّلام:ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد.

و قال:إجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك،و اعلم أنّ مروءة القناعة و الرضا أكبر من مروءة الإعطاء،و تمام الصنيعة خير من إبتدائها.

و سئل عن الذل و اللؤم فقال:من لا يغضب من الجفوة،و لا يشكر علي النعمة.

و سئل عن العقوق فقال:أن تحرّمها (1).

و نقل أنّ إعرابيا دخل المسجد الحرام فوقف علي الحسن عليه السّلام و حوله حلقة فقال لبعض جلساء الحسن:من هذا الرجل؟فقال له:الحسن بن علي بن أبي طالب.

فقال:الأعرابي:إياه أردت.

فقال له:و ما تصنع به يا أعرابي؟فقال:بلغني إنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم،و إني قطعت بواديا و قفارا و أودية و جبالا و جئت لأطارحه الكلام،و أسأله عن عويص العربية.

فقال له جليس الحسن:إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب.و أومي إلي الحسين عليه السّلام فوقف عليه و سلّم فرد عليه السّلام ثمّ قال:(و ما حاجتك يا إعرابي؟).

فقال:إني جئتك من الهرقل و الجعال و الأينم و الهمم.

فتبسم الحسين عليه السّلام و قال:(يا إعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله إلاّ العالمون).

فقال الأعرابي:و أقول أكثر من هذا،فهل أنت تجيبني علي قدر كلامي؟

فقال له الحسين عليه السّلام:(قل ما شئت فاني مجيبك عنه).

فقال الأعرابي:إني بدوي و أكثر مقالي الشعر،و هو ديوان العرب.

فقال له الحسين عليه السّلام:(قل ما شئت فاني مجيبك عليه).

فأنشأ يقول:

هفا قلبي إلي اللهو و قد ودّع شرخيه و قد كان أنيقا(عفريه)تجراري ذيليه

علالات و لذات فيا سقيا لعصريه فلما عمّم الشيب من الرأس نطاقيه

و أمسي قد عناني منه تجديد خضابيه تسليت عن اللهو و ألقيت قناعيه

و في الدهر أعاجيب لمن يلبس حاليه فلو يعمل ذو رأي أصيل فيه رأييه

لألفي عبرة منه له في كل عصريه1.

ص: 145


1- وردت كلها في كشف الغمة 572/1.

فقال له الحسين عليه السّلام:(يا إعرابي قد قلت فاسمع مني)ثم إنه عليه السّلام قال أبياتا سيأتي ذكرها في الباب المختص به المعقود لمناقبه إن شاء اللّه.

فقال الأعرابي لمّا سمعها:ما رأيت كاليوم قط مثل هذا الغلام أعرب منه كلاما،و أدرب لسانا،و أفصح منه منطقا،فقال له الحسن:يا أعرابي:

هذا غلام كرّم الرحمن بالتطهير جدّيه كساه القمر القمقام من نور سنائيه

و لو عدّد طمّاح نفحنا عن عداديه و قد أرضيت من شعري و قوّمت عروضيه

فلمّا سمع الأعرابي قول الحسن قال:بارك اللّه عليكما مثلكما نجلته الرجال،و عن مثلكما قامت النساء،فو الله لقد انصرفت و أنا محب لكما راض عنكما فجزاكما اللّه خيرا و انصرف (1).

و في الأمالي بإسناده إلي حبيب بن عمر قال:لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السّلام و كان الغد قام الحسن عليه السّلام خطيبا فقال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:أيّها الناس في هذه الليلة نزل القرآن و في هذه الليلة رفع عيسي ابن مريم و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون و في هذه الليلة مات أمير المؤمنين عليه السّلام، و اللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلي الجنّة و ان كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ما ترك صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله.و بويع عليه السّلام بعد أبيه يوم الجمعة الحادي و العشرين من شهر رمضان في سنة أربعين و كان عمره لمّا بويع سبعا و ثلاثين سنة.

و لقد قيل لمعاوية ذات يوم:لو أمرت الحسن يخطب ليظهر للناس نقصه،فقال له:عظنا، فصعد المنبر و حمد اللّه و قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي و ابن سيّدة النساء،أنا ابن خير خلق اللّه،أنا ابن رسول اللّه،أنا صاحب الفضائل،أنا ابن صاحب المعجزات و الدلائل،أنا ابن أمير المؤمنين،أنا المدفوع عن حقّي،أنا و أخي سيّدا شباب أهل الجنّة،أنا ابن الركن و المقام،أنا ابن مكّة و مني،أنا ابن المشعر و عرفات.

فقال له معاوية:خذ في نعت الرطب و دع هذا،فقال:الريح تنفخه و الحرّ ينضجه و البرد يطيبه ثمّ عاد في كلامه فقال:أنا إمام خلق اللّه و ابن محمّد رسول اللّه فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به الناس،فقال:يا أبا محمّد إنزل فقد كفي ما جري فنزل.

و روي أبو الحسن المدائنيّ:قال:سأل معاوية الحسن بن عليّ بعد الصلح أن يخطب الناس، فامتنع،فناشده أن يفعل،فوضع له كرسيّ،فجلس عليه،ثم قال:الحمد للّه الذي توحّد في ملكه، و تفرّد في ربوبيته،يؤتي الملك من يشاء،و ينزعه عمّن يشاء.و الحمد للّه الذي أكرم بنا مؤمنكم،2.

ص: 146


1- الصراط المستقيم 172/2.

و أخرج من الشرك أوّلكم،و حقن دماء آخركم،فبلاؤنا عندكم قديما و حديثا أحسن البلاء،إن شكرتم أو كفرتم.

أيّها الناس،إنّ ربّ عليّ كان أعلم بعليّ حين قبضه إليه،و لقد اختصّه بفضل لم تعتادوا مثله، و لم تجدوا مثل سابقته،فهيهات هيهات!طالما قلبتم له الأمور حتي أعلاه اللّه عليكم و هو صاحبكم،و عدوكم في بدر و أخواتها،جرّعكم رنقا،و سقاكم علقا،و أذلّ رقابكم،و أشرقكم بريقكم،فلستم بملومين علي بغضه.و أيم اللّه لا تري أمة محمد خفضا ما كانت سادتهم و قادتهم في بني أمية،و لقد وجّه اللّه إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتي تهلكوا لطاعتكم طواغيتكم،و انضوائكم إلي شياطينكم،فعند اللّه أحتسب ما مضي و ما ينتظر من سوء دعتكم،و حيف حكمكم.

ثم قال:يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي اللّه،صائب علي أعداء اللّه،نكال علي فجّار قريش،لم يزل آخذا بحناجرها،جاثما علي أنفاسها؛ليس بالملومة في أمر اللّه،و لا بالسّروقة لمال اللّه،و لا بالفروقة في حرب أعداء اللّه،أعطي الكتاب خواتمه و عزائمه،دعاه فأجابه، و قاده فاتّبعه،لا تأخذه في اللّه لومة لائم،فصلوات اللّه عليه و رحمته.ثم نزل.

فقال معاوية:أخطأ عجل أو كاد؛و أصاب مثبت أو كاد،ما ذا أردت من خطبة الحسن!

و روي أنّ الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما خطب الناس فقال:أيها الناس أنا أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني،و كان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه،كان خارجا من سلطان بطنه،فلا يشتهي ما لا يجد،و لا يكثر إذا وجد.كان خارجا من سلطان فرجه فلا يستخفّ له عقله و لا رأيه،كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمدّ يده إلاّ علي ثقة لمنفعة،كان لا يتشهّي و لا يتسخّط و لا يتبرّم،كان أكثر دهره صمّاتا فإذا قال بزّ القائلين،كان لا يدخل في مراء و لا يشارك في دعوي و لا يدلي بحجّة حتّي يري قاضيا،و كان لا يغفل عن إخوانه و لا يخصّ نفسه بشي دونهم،كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجدّ كان ليثا عاديا،كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتي يري اعتذارا،كان يفعل ما يقول و لا يفعل ما لا يقول،كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أيهما أفضل نظر إلي أقربهما إلي الهوي فخالفه،كان لا يشكو وجعا إلاّ عند من يرجو عنده البرء، و لا يستشير إلاّ من يرجو عنده النصيحة،كان لا يتبرّم و لا يتسخّط و لا يتشكّي و لا يتشّهي و لا ينتقم و لا يغفل عن العدو،فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها،فإن لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خير من ترك الكثير،و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله (1).

و عن الأصبغ بن نباته قال:قال علي عليه السّلام للحسن عليه السّلام:«يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش بعدي فيقولون:إنّ الحسن لا يحسن شيئا،قال الحسن:يا ابة كيف أصعدب.

ص: 147


1- الكافي:176/2 من المعرب.

و أتكلم و أنت في الناس تسمع و تري؟قال له:بأبي و أمّي أواري نفسي عنك و أسمع و أري و لا تراني»فصعد عليه السّلام المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة و صلي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و آله صلاة موجزة ثمّ قال:«أيها الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:أنا مدينة العلم و علي بابها و هل تدخل المدينة إلاّ من بابها؟»

ثمّ نزل فوثب إليه علي عليه السّلام فحمله و ضمه إلي صدره ثمّ قال للحسين عليه السّلام:«يا بني قم فاصعد و تكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون:إنّ الحسين بن علي لا يبصر شيئا،و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك».

فصعد المنبر عليه السّلام فحمد اللّه و أثني عليه و صلي علي نبيه صلاة واحدة موجزة ثمّ قال:«معاشر الناس سمعت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّ عليّا مدينة هدي فمن دخلها نجا و من تخلف عنها هلك».

فوثب إليه علي عليه السّلام و ضمه إلي صدره فقبله ثمّ قال:«معاشر الناس إشهدوا أنهما فرخا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و وديعته التي استودعنيها أستودعكموها معاشر الناس،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سائلكم عنهما» (1).

***

خطبة الحسن بن علي في الكوفة

يستنفر الناس إلي أبيه عليهما السّلام

الحمد للّه العزيز الجبّار،الواحد القهّار،الكبير المتعال،سواء منكم من أسرّ القول و من جهر به و من هو مستخف باللّيل و سارب بالنهار،أحمده علي حسن البلاء و تظاهر النعماء،و علي ما أحببنا و كرهنا من شدّة و رخاء،و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمّدا عبده و رسوله امتنّ علينا بنبوّته،و اختصّه برسالته،و أنزل عليه وحيه،و اصطفاه علي جميع خلقه،و أرسله إلي الإنس و الجنّ حين عبدت الأوثان،و أطيع الشيطان،و جحد الرّحمن،فصلّي اللّه عليه و علي آله، و جزاه أفضل ما جزي المسلمين!

أمّا بعد؛فإنّي لا أقول لكم إلاّ ما تعرفون أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أرشد اللّه أمره، و أعزّ نصره،بعثني إليكم يدعوكم إلي الصواب،و إلي العمل بالكتاب،و الجهاد في سبيل اللّه،و إن كان في عاجل ذلك ما تكرهون،فإنّ في آجله ما تحبّون إن شاء اللّه،و لقد علمتم أنّ عليّا صلّي مع رسول اللّه وحده و أنّه يوم صدق به لفي عاشرة من سنّه،ثم شهد مع رسول اللّه جميع مشاهده و كان من اجتهاده في مرضاة اللّه و طاعة رسوله و آثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم و لم يزل رسول اللّه

ص: 148


1- الاختصاص:238،نور البراهين:155/2.

راضيا عنه حتّي غمضه بيده،و غسله وحده و الملائكة أعوانه و الفضل ابن عمّه ينقل إليه الماء،ثمّ أدخله حفرته،و أوصاه بقضاء دينه و عداته و غير ذلك من أموره،كلّ ذلك من منّ اللّه عليه،ثمّ و اللّه ما دعا إلي نفسه،و لقد تداكّ الناس عليه تداكّ الإبل الهيم العطاش ورودها،فبايعوه طائعين،ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه،و لا خلاف أتاه،حسدا له و بغيا عليه فعليكم عباد اللّه بتقوي اللّه و طاعته،و الجدّ و الصبر و الإستعانة باللّه،و الخفوف إلي ما دعاكم إليه أمير المؤمنين و إيّاكم بما عصم به أولياءه و أهل طاعته،و ألهمنا و إيّاكم تقواه،و أعاننا و إيّاكم علي جهاد أعدائه،و أستغفر اللّه العظيم لي و لكم.

ثمّ مضي إلي الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين.

قال جابر:فقلت لتميم:كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه؟

فقال:و لما سقط عنّي من قوله أكثر و لقد حفظت بعض ما سمعت (1).

و روي عن موسي بن عبد الرّحمن بن أبي ليلي،عن أبيه أنّه لما دخل الحسن و عمّار الكوفة إجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس،فحمد اللّه و صلّي علي رسوله ثمّ قال:

أيّها الناس إنّا جئنا ندعوكم إلي اللّه و إلي كتابه و سنّة رسوله و إلي أفقه من تفقّه من المسلمين، و أعدل من تعدّلون،و أفضل من تفضّلون،و أوفي من تبايعون،من لم يعيه القرآن،و لم تجهله السنّة، و لم تقعد به السابقة،إلي من قرّبه اللّه تعالي و رسوله قرابتين:قرابة الدّين و قرابة الرّحم،إلي من سبق الناس إلي كلّ مأثرة،إلي من كفي اللّه به رسوله و الناس متخاذلون،فقرّب منهم و هم متباعدون، و صلي معه و هم مشركون،و قاتل معه و هم منهزمون،و بارز معه و هم محجمون و صدّقه و هم يكذّبون؛إلي من لم تردّ له راية،و لا تكافأ له سابقة،و هو يسألكم النصر،و يدعوكم إلي الحقّ، و يأمركم بالمسير إليه لتوازروه و تنصروه علي قوم نكثوا بيعته و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه،و مثّلوا بعمّاله،و انتهبوا بيت ماله،فاشخصوا إليه،رحمكم اللّه،فمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و احضروا بما يحضر به الصّالحون (2).

***

خطبة الحسن في الجمل

قال أمير المؤمنين لولده الحسن قبل حرب الجمل:قم يا بنيّ فاخطب،فقام خطيبا فحمد اللّه و أثني عليه و قال:

ص: 149


1- البحار:89/32،و شرح النهج لابن أبي الحديد:13/14.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد:11/14.

أيّها الناس قد بلغتنا مقالة ابن الزبير و قد كان و اللّه يتجنّي علي عثمان الذنوب،و قد ضيّق عليه البلاد حتي قتل،و أنّ طلحة راكز رايته علي بيت ماله و هو حيّ،و أمّا قوله:إنّ عليّا ابتزّ النّاس أمرهم فإنّ أعظم الناس حجّة لأبيه زعم أنّه بايعه بيده و لم يبايعه بقلبه،فقد أقرّ بالبيعة و ادّعي الوليجة،فليأت علي ما ادّعاه ببرهان و أنّي له ذلك،و أمّا تعجّبه من تورّد أهل الكوفة علي أهل البصرة فما عجبه من أهل حقّ تورّدوا علي أهل الباطل،و لعمري و اللّه ليعلمنّ أهل البصرة و ميعاد ما بيننا و بينهم،اليوم نحاكمهم إلي اللّه تعالي،فيقضي اللّه بالحقّ و هو خير الفاصلين.

فلمّا فرغ الحسن من كلامه قام رجل يقال له عمر بن محمود و أنشد شعرا يمدح الحسن.

فلمّا بلغ طلحة و الزبير خطبة الحسن و مدح المادح له قام طلحة خطيبا في أصحابه و حرّض الناس علي إثارة الفتنة و ألّب و أجلب علي أمير المؤمنين النّاس (1).

***

شهادة الحسن عليه السّلام

اشارة

عن أبي بكر الحضرمي قال:إنّ جعدة بنت أشعث بن قيس الكندي سمّت الحسن بن عليّ (2)و سمّت مولاة له،فأمّا مولاته فقاءت السمّ و أمّا الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط به فمات.

و قد سمّته بإغواء معاوية و مروان بن الحكم طريد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعنهما اللّه.

عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قبض الحسن بن عليّ عليهما السّلام و هو ابن سبع و أربعين سنة في عام خمسين،عاش بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أربعين سنة (3).

و قيل توفي الحسن بن علي عليه السّلام سنة خمسين أو نحوها قاله البخاري.و قيل:سنة تسع و أربعين،و قيل،سنة ثمان و خمسين،و قال الهيثم بن عدي:سنة أربع و أربعين.

و قال الزبير بن بكّار،قال:توفي الحسن بن علي عليه السّلام في سنة تسع و أربعين،و هو ابن ست و أربعين سنة (4).

قال أبو الحسن المدائني:و كانت وفاته في سنة تسع و أربعين،و كان مرضه أربعين يوما،و كان سنّه سبعا و أربعين سنة،دسّ إليه معاوية سمّا علي يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن، و قال لها:إن قتلتيه بالسّمّ فلك مائة ألف،و أزوّجك يزيد ابني.فلما مات وفي لها بالمال،و لم

ص: 150


1- الجمل للمفيد:176.
2- مقاتل الطالبيين:48،و ربيع الأبرار:208/4،و الاستيعاب:375/1،و البداية و النهاية:49/16.
3- الكافي:461/1 ح 2.
4- طبقات خليفة بن خياط:30 رقم 8 و كرر في:403 برقم 1968.

يزوّجها من يزيد.قال:أخشي أن تصنع بابني كما صنعت بابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم. (1)

قال ابن أبي الحديد:قال أبو الفرج:فحدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار،عن عيسي بن مهران،عن عبيد بن الصبّاح الخرّاز،عن جرير،عن مغيرة،قال:أرسل معاوية إلي بنت الأشعث بن قيس-و هي تحت الحسن-فقال لها:إنّي مزوّجك يزيد ابني علي أن تسمّي الحسن (2)،و بعث إليها بمائة ألف درهم.ففعلت،و سمّت الحسن،فسوّغها المال و لم يزوّجها منه،فخلف عليها رجل من آل طلحة،فأولدها؛فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيّروهم،و قالوا:يا بني مسمّة الأزواج (3).

قال:حدّثني أحمد،قال:حدّثني يحيي بن بكير،عن شعبة،عن أبي بكر بن حفص،قال:

توفّي الحسن بن عليّ و سعد بن أبي وقاص في أيّام متقاربة؛و ذلك بعد ما مضي من ولاية إمارة معاوية عشر سنين؛و كانوا يروون أنه سقاهما السمّ (4).

قال أبو الفرج:فأمّا يحيي بن الحسن صاحب كتاب«النسب»،فإنه روي أنّ عائشة ركبت ذلك اليوم بغلا و استنفرت بنو أميّة مروان بن الحكم و من كان هناك منهم و من حشمهم و هو قول القائل:

*فيوما علي بغل و يوما علي جمل (5)*

و عن عبد اللّه بن سنان،عمّن سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول:لمّا حضرت الحسن عليه السّلام الوفاة بكي، فقيل له:يابن رسول اللّه تبكي و مكانك من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الّذي أنت به؛و قد قال فيك ما قال؛و قد حججت عشرين حجّة ماشيا،و قد قاسمت مالك ثلاث مرّات حتّي النعل بالنعل؟فقال:إنّما أبكي لخصلتين،لهول المطّلع و فراق الأحبّة (6).

و عن عباد بن عبد اللّه بن الزبير،قال:سمعت عائشة تقول يومئذ:هذا الأمر لا يكون أبدا يدفن ببقيع الغرقد و لا يكون لهم رابعا،و اللّه إنه لبيتي أعطانيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حياته،و ما دفن فيه عمر و هو خليفة إلاّ بأمري،و ما آثر عليّ عندنا بحسن (7).

و عن عائشة بنت سعد،قالت:حدّت نساء بني هاشم علي الحسن بن علي عليه السّلام سنة (8).

و نقل الشيخ محبّ الدين بن النجار رضي اللّه عنه أنّ الحسن رضي اللّه عنه دفن بجنب أمّه فاطمة و معه في القبر ابن أخيه علي بن الحسين،و محمد بن علي الباقر،و ابنه جعفر الصادق (9).

هذا هو المشهور و المعروف،و إلي جانبه أيضا قبر العبّاس بن عبد المطّلب عمّ الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،1.

ص: 151


1- تاريخ مدينة دمشق:303/13.
2- مقاتل الطالبيين«ابن علي».
3- مقاتل الطالبيين 73.
4- مقاتل الطالبيين 73:«سقاهما سما».
5- مقاتل الطالبيين 74.
6- الكافي:461/1 ح 1.
7- سير أعلام النبلاء 3:276 تاريخ اليعقوبي 214/2.
8- أسد الغابة 493/1.و المستدرك 173/3.
9- ذخائر العقبي:141.

و كانت قد بنيت عليها قبّة عالية البناء قديمة،بناها بعض خلفاء بني العبّاس قلعتها يد أعداء الدين.

و عن عمرو بن نعجة،قال:أول ذلّ دخل علي العرب موت الحسن بن علي.

مساور مولي بني سعد بن بكر،قال:رأيت أبا هريرة قائما علي مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم مات الحسن بن علي عليه السّلام و يبكي و ينادي بأعلي صوته:يا أيها الناس مات اليوم حبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فابكوا (1).

و عن عمر بن علي بن أبي طالب،قال:لما قبض الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام و وقف علي قبره أخوه محمّد بن علي فقال:

يرحمك اللّه أبا محمّد فإن عزّت حياتك لقد هدّت وفاتك،و لنعم الروح روح تضمّنه بدنك (2)، و لنعم البدن بدن تضمّنه كفنك،و كيف لا يكون هكذا و أنت سليل (3)الهدي و حليف (4)أهل التقي، و خامس أصحاب الكساء،غذّتك أكفّ الحق،و ربيّت في حجور (5)الإسلام،و رضعت ثدي (6)الإيمان،و طبت حيا و ميتا،إن كانت أنفسنا غير طيبة (7)بفراقك،فلا نشكّ في الخير لك يرحمك اللّه،ثم انصرف عن قبره.

و قال المفيد رحمه اللّه:قبض مسموما يوم الخميس سابع صفر لسنة تسع و أربعين أو سنة خمسين من الهجرة (8).

و في كتاب المناقب[أنّ عمره لمّا] (9)بويع سبعا و ثلاثين سنة فبقي في خلافته أربعة أشهر و ثلاثة أيّام و وقع الصلح بينه و بين معاوية سنة إحدي و أربعين و خرج إلي المدينة فأقام بها عشر سنين،و كان بذل معاوية لجعدة بنت الأشعث الكندي و هي ابنة أمّ فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار و اقطاع عشرة ضياع من سواد الكوفة علي أن تسمّ الحسن عليه السّلام و كان أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و روي الحافظ في الحلية بإسناده إلي عمر بن إسحاق قال:دخلت أنا و رجل علي الحسن بن علي نعوده فقال:يا فلان سلني.ا.

ص: 152


1- سير أعلام النبلاء 3:277.
2- في تاريخ اليعقوبي 2:225:عمّر به بدنك.
3- في مروج الذهب 477/2:عقبة الهدي.
4- مروج الذهب:«و خلف أهل التقوي»و في تاريخ اليعقوبي:«حلف».
5- مروج الذهب و اليعقوبي:حجر الإسلام.
6- مروج الذهب و اليعقوبي:«و أرضعك»و في اليعقوبي:ثديا.
7- مروج الذهب:«غير سخية»،و في اليعقوبي:و إن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك،و لا شاكة في الخيار لك.
8- البحار:134/44 ح 2،و الكافي:461/1.
9- في بعض المصادر:كان عمره لمّا.

قال:حتّي يعافيك اللّه،قال:سلني قبل أن لا تسألني فإنّي ألقيت طائفة من كبدي و إنّي قد سقيت السمّ مرارا فلم أسق مثل هذه المرّة ثمّ دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين عليه السّلام عند رأسه.

فقال:يا أخي من تتّهم؟

قال:لم لتقتله؟

قال:نعم،قال:إن يكن الذي أظنّ فإنّه أشدّ بأسا و أشدّ تنكيلا و لا يكن فما أحبّ أن يقتل بي بريء و قبض عليه السّلام.

و روي أنّ الحسن عليه السّلام لمّا أشرف علي الموت قال له الحسين:أريد أن أعلم حالك يا أخي، فقال الحسن عليه السّلام:سمعت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:لا يفارق العقل منّا أهل البيت ما دام الروح فينا فضع يدك في يدي حتّي إذا عاينت ملك الموت أغمز يدك فوضع يده في يده،فلمّا كان بعد ساعة غمزه غمزا خفيفا فقرّب الحسين عليه السّلام أذنه فقال:قال لي ملك الموت:إبشر فإنّ اللّه عنك راض وجدّك شافع (1).

و في كتاب المناقب:إنّ بني أميّة بأمر عائشة و مروان رموا جنازته عليه السّلام حتّي سلّ منها سبعون نيلا.

و في ربيع الأبرار للزمخشري أنّه لمّا بلغ معاوية موت الحسن عليه السّلام سجد و سجد من حوله و كبّروا.

و في كتاب النصوص عن جنادة قال:دخلت علي الحسن عليه السّلام في مرضه و بين يديه طشت يقذف عليه الدم و يخرج عليه كبده قطعة قطعة من السمّ الذي أسقاه معاوية،فقلت:يا مولاي لم لا تعالج نفسك؟

فقال:يا عبد اللّه بما ذا أعالج الموت؟

قلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،ثمّ قال:لقد عهد إلينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّ هذا الأمر يملكه إثنا عشر إماما من ولد علي و فاطمة،ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول،ثمّ رفع الطشت و بكي (2).

و في كتاب عيون المعجزات للمرتضي أنّ سبب مفارقة أبي محمّد الحسن عليه السّلام الدّنيا أنّ معاوية بذل لجعدة و بعث إليها سمّا فجعلته في طعام،فلمّا وضعته بين يديه قال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و الحمد للّه علي لقاء سيّد المرسلين و أبي سيّد الوصيّين و أمّي سيّدة نساء العالمين و عمّي جعفر الطيّار و حمزة سيّد الشهداء صلوات اللّه عليهم أجمعين.3.

ص: 153


1- مدينة المعاجز:375/3 ح 2،و البحار:138/44.
2- البحار:217/27،معجم أحاديث الإمام المهدي:172/3.

و دخل عليه أخوه الحسين فقال:كيف تجد نفسك؟

قال:أنا في آخر يوم من الدّنيا و أوّل يوم من الآخرة علي كره منّي لفراقك و فراق إخوتي ثمّ أوصي إليه و سلّم إليه الأعظم و مواريث الأنبياء التي سلّمها إليه أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثمّ قال:يا أخي إذا متّ فجهّزني و احملني إلي جدّي حتّي تلحدني إلي جانبه فإن منعت من ذلك فاردد جنازتي إلي البقيع حتّي تدفني مع أمّي،فلمّا أراد دفنه مع جدّه ركب مروان بن الحكم طريد رسول اللّه بغلته و أتي عائشة فقال:يا أمّ المؤمنين إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه مع رسول اللّه،و اللّه إن دفن معه ليذهبنّ فخر أبيك و صاحبه إلي يوم القيامة فنزل عن بغلته و ركبتها و كانت تحرّض بني أميّة علي المنع.فلمّا وصلت إلي القبر رمت بنفسها من البغلة و قالت:لا يدفن الحسن هاهنا أبدا أو يجزّ شعرها فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليه السّلام:اللّه الله لا تضيّعوا وصيّة أخي و اعدلوا به إلي البقيع.

فقام ابن عبّاس و قال:يا حميراء أ ليس يومنا منك بواحد يوم علي الجمل و يوم علي البغلة أما كفاك أن يقال يوم الجمل حتّي يقال يوم البغل؟

فقالت له:إليك عنّي و أف لك و لقومك (1).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:إنّ الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السّلام و ابنته جعدة سمّت الحسن عليه السّلام و محمّد ابنه أشرك في دم الحسين عليه السّلام.

و فيه أيضا عن الباقر عليه السّلام:أنّ عائشة خرجت ذلك اليوم مبادرة علي بغل بسرج فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا فقالت:نحّوا إبنكم عن بيتي و لا يهتك علي رسول اللّه حجابه.

فقال لها الحسين عليه السّلام:قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول اللّه و أدخلت بيته من لا يحبّ قربه،يا عائشة إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللّه ليحدث به عهدا و هو أعلم بتأويل كتاب اللّه من أن يهتك علي رسول اللّه ستره لأنّ اللّه تعالي يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (2)و قد أدخلت بيت رسول اللّه الرّجال بغير إذنه و قد قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي (3).

و لعمري لقد دخل أبوك و فاروقه علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بقربهما منه الأذي و ما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه علي لسان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء،يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه جائزا فيما بيننا و بين اللّه لعلمت أنّه سيدفن و إن رغم معطسك ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة و قال:يا عائشة يوما علي جمل و يوما علي بغل.3.

ص: 154


1- عيون المعجذات:58،و البحار:141/44.
2- سورة الأحزاب،الآية:53.
3- سورة الحجرات،الآية:3.

فقالت:يابن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسين عليه السّلام:و أنّي تبعدين محمّدا من الفواطم،فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم.

ثمّ قالت:نحّوا ابنكم[و اذهبوا به] (1)فأنتم قوم خصمون.

و في كتاب البشائر عن حريز قال:أرسل معاوية إلي جعدة بأن يزوّجها يزيد إذا سمّت الحسن عليه السّلام.

فلمّا قتل عليه السّلام لم يف معاوية لها و تزوّجها رجل من آل طلحة فأولدها و كان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش عيّروهم و قالوا:يا بني مسمّة الأزواج (2).

و في الكافي عن الحضرمي أنّ جعدة بنت الأشعث سمّت الحسن بن علي و سمّت مولاة له، فأمّا مولاته فقاءت السمّ و أمّا الحسن فاستمسك في بطنه (3).

و في كتاب بحار الأنوار لشيخنا المعاصر أبقاه اللّه تعالي نقلا من كتب علمائنا:أنّ الحسن عليه السّلام لمّا دنت وفاته و جري السمّ في بدنه تغيّر لونه و اخضرّ،فقال له الحسين عليه السّلام:مالي أري لونك مائلا إلي الخضرة،فبكي الحسن و قال:يا أخي لقد صحّ حديث جدّي فيّ و فيك فاعتنقا و بكيا.

قال:أخبرني جدّي قال:دخلت ليلة المعراج في روضات الجنان فرأيت قصرين متجاورين علي صفة واحدة إلاّ أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر و الآخر من الياقوت الأحمر،فقلت:يا جبرئيل لمن هذان القصران؟

فقال:أحدهما للحسن و الآخر للحسين،فقلت:يا جبرئيل لم لا يكونا علي لون واحد فسكت و لم يردّ جوابا،فقلت:لم لا تتكلّم؟

قال:حياء منك،فقلت له:سألتك باللّه إلاّ ما أخبرتني،فقال:أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ و يخضرّ لونه عند موته،و أمّا حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل و يحمرّ وجهه بالدمّ فعند ذلك ضجّ الحاضرون بالبكاء (4).

و في كتاب الاحتجاج عن ابن أبي الجعد قال:حدّثني رجل منّا قال:أتيت الحسن عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر لهذا الطاغية فقال:لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلا و نهارا و أهل الكوفة قلوبهم معنا و سيوفهم علينا،فتنخّع الدم و هو يكلّمني فدعا بطشت و ملأه من الدّم فقلت:ما هذا يابن رسول اللّه؟3.

ص: 155


1- زيادة من المصدر.
2- البحار:156/44،و كشف الغمة:208/2.
3- الكافي:462/1 ح 3،و البحار:145/44 ح 12.
4- مدينة المعاجز:331/3،و البحار:145/44 ح 13.

قال:دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّا فقد وقع علي كبدي فهو يخرج قطعا كما تري.

قلت:أفلا تتداوي؟

قال:قد سقاني مرّتين و هذه الثالثة لا أجد لها دواء،و لقد كتب إليّ أنّه كتب إلي ملك الروم يسأله أن يوجّه إليه السمّ القتّال شربة فكتب إليه ملك الروم إنّه لا يصلح في ديننا أن نعين علي قتال من لا يقاتلنا،فكتب إليه:إنّ هذا الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج يطلب ملك أبيه و أنا أريد أن أدسّ إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد و البلاد منه و وجّه إليه بهدايا و ألطاف فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي سقيتها و اشترط عليه في ذلك شروطا (1).

و روي أنّ معاوية دفع السمّ إلي جعدة و قال:إسقيه السمّ فإذا مات زوّجتك ابني يزيد فلمّا سقته السمّ و مات جاءت إلي معاوية فقالت:زوّجني يزيد فقال:إذهبي فإنّ امرأة لا تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد (2).

و في الأمالي عن ابن عبّاس قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السّلام، فلمّا رآه بكي ثمّ أجلسه علي فخذه و قال:إنّه حجّة اللّه علي الامّة و لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الهوان بعدي و لا يزال الأمر به حتّي يقتل بالسمّ ظلما و عدوانا،فعند ذلك تبكي عليه الملائكة و السبع الشداد و يبكيه كلّ شيء حتّي الطير في جوّ السماء و الحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمي العيون و من حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب،و من زاره في بقيعه ثبت قدمه علي الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام (3).

و فيه أيضا عن ابن عبّاس إنّه لمّا جيء بالحسن عليه السّلام إلي قبر جدّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قالت عائشة:لقد اجترأتم عليّ تؤذونني مرّة بعد أخري تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوي و لا أحبّ.

فقلت:و اسوأتاه يوم علي جمل و يوم علي بغل،إنصرفي فقد رأيت ما سرّك.

فنادت بأعلي صوتها:أو ما نسيتم الجمل يابن عبّاس إنّكم لذو أحقاد.

فقلت:و اللّه ما نسيته أهل السماء فكيف تنساه أهل الأرض،فانصرفت و هي تقول شعر:

فألقت عصاها و استقرّ بها النوي كما قرّ عينا بالإياب المسافر

و في كتاب الخرائج عن الصادق عليه السّلام إنّ الحسن عليه السّلام قال لأهل بيته:إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه قالوا:و من يفعل ذلك؟

قال:امرأتي جعدة فإنّ معاوية يدسّ إليها و يأمرها بذلك،قالوا:أخرجها من منزلك.8.

ص: 156


1- الاحتجاج:12/2،و البحار:147/44.
2- الاحتجاج:13/2،و البحار:148/44 ح 14.
3- أمالي الصدوق:176،و البحار:39/28.

قال:لم تفعل بعد شيئا و لو أخرجتها ما قتلني غيرها و كان لها عذر عند الناس فما ذهبت الأيّام حتّي بعث إليها معاوية مالا جسيما و شربة سمّ فأتي وقت الإفطار و كان صائما فأخرجت شربة لبن قد ألقت فيها ذلك السمّ فشربها و قال:يا عدوّة اللّه قتلتيني فمكث يومان و مضي.

و فيه أيضا:إنّه لمّا منعت عائشة من دفن الحسن عليه السّلام قال لها ابن عبّاس:يوما تجمّلت و يوما تبغّلت و إن عشت تفيّلت،فأخذه الشاعر البغدادي و قال شعر:

يا بنت أبا بكر لا كان و لا كنت لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت (1)

توضيح:

و قوله:لك التسع من الثمن،إنّما كان في مناظرة فضال بن الحسن مع أبي حنيفة قال له فضّال قول اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (2)منسوخ أو غير منسوخ؟

قال:هذه الآية غير منسوخة.قال:ما تقول في خير الناس بعد رسول اللّه أبو بكر و عمر أم عليّ بن أبي طالب؟

قال:أما علمت أنّهما ضجيعا رسول اللّه في قبره،فأيّ حجّة تريد في فضلهما أفضل من هذه؟

فقال له فضّال:لقد ظلما إذ أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ،و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لقد أساءا إذ رجعا في هبتهما و قد أقررت أنّ قوله تعالي: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (3)غير منسوخة.

فأطرق أبو حنيفة ثمّ قال:لم يكن له و لا لهما خاصّة و لكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما.

فقال له فضّال:أنت تعلم أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مات عن تسع و كان لهنّ الثمن لمكان ابنته فاطمة فإذن لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن،ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر و الحجرة كذا و كذا طولا و عرضا فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك؟

و بعد فما بال عائشة و حفصة يرثان رسول اللّه و فاطمة ابنته منعت الميراث فالمناقضة في ذلك ظاهرة من وجوه كثيرة؟

فقال أبو حنيفة:نحّوه عنّي فإنّه و اللّه رافضي خبيث (4).

ص: 157


1- الخرائج و الجرائح:243/1،و البحار:155/44 ح 24.
2- سورة الأحزاب،الآية:53.
3- سورة الأحزاب،الآية:53.
4- الخرائج و الجرائح:244/1،و البحار:155/44.

نعي الحسن عليه السّلام

قال أبو الحسن المدائنيّ:وصل نعي الحسن عليه السّلام إلي البصرة في يومين و ليلتين،فقال الجارود بن أبي سبرة:

إذا كان شرّ سار يوما و ليلة و إن كان خير أخّر السّير أربعا

إذا ما بريد الشرّ أقبل نحونا بإحدي الدّواهي الرّبد سار و أسرعا

و في الحسن عليه السّلام يقول سليمان بن قتّة يرثيه،و كان محبّا له:

يا كذّب اللّه من نعي حسنا ليس لتكذيب نعيه ثمن (1)

كنت خليلي و كنت خالصتي لكلّ حيّ من أهله سكن

أجول في الدّار لا أراك و في ال دّار أناس جوارهم غبن

بدّلتهم منك ليت أنّهم أضحوا و بيني و بينهم عدن

***

فضل زيارة الإمام أبي محمّد الحسن بن علي عليه السّلام

الصدوق رفعه إلي الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام انّه قال لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبتاه ما جزاء من زارك؟فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا بنيّ من زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك أو زار أخاك كان حقّا عليّ أن أزوره يوم القيامة و أخلّصه من ذنوبه (2).

الصدوق رفعه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال لعلي عليه السّلام:يا علي من زارني في حياتي أو بعد مماتي أو زارك في حياتك أو بعد مماتك أو زار إبنيك في حياتهما أو بعد مماتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها و شدائدها حتي أصيّره معي في درجتي (3).

الصدوق،عن ابن موسي الأسدي،عن النخعي،عن النوفلي،عن ابن البطايني،عن أبيه، عن ابن جبير،عن ابن عباس،عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:...من زاره(الحسن عليه السّلام)في بقيعه ثبتت قدمه علي الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام،الحديث (4).

المفيد،عن ابن قولويه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسي،عن محمّد بن خالد،عن القاسم بن يحيي،عن جده الحسن بن راشد،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

ص: 158


1- مقاتل الطالبيين 77،الإمامة و السياسة 1:144.
2- الفقيه:577/2.
3- الفقيه:578/2.
4- أمالي الصدوق:المجلس الرابع و العشرون ح 177/2 الرقم 178،و نقل عنه في بحار الأنوار:141/97.

(قال:بينا)الحسن عليه السّلام في حجر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ رفع رأسه فقال:يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟ قال:يا بنيّ من زارني بعد موتي فله الجنة.و من أتي أباك زائرا بعد موته فله الجنّة.و من أتي أخاك زائرا بعد موته فله الجنّة.و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنّة (1).

السيّد المرتضي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال للحسن عليه السّلام في حديث:تزورك طائفة من أمّتي يريدون به برّي وصلتي،فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف و أخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله و شدائده (2).

الطوسي بإسناده إلي الحسن بن علي عليهما السّلام انّه قال:يا رسول اللّه ما لمن زارنا؟قال:من زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك حيّا أو ميتا أو زار أخاك حيّا أو ميتا أو زارك حيّا أو ميتا كان حقا عليّ أن أستنقذه يوم القيامة (3).

الطوسي بإسناده إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال:بينا الحسين بن علي عليه السّلام في حجر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ رفع رأسه فقال:يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟

فقال:يا بنيّ من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة و من أتي أباك زائرا بعد موته فله الجنّة.و من أتي أخاك زائرا بعد موته فله الجنّة و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنّة (4).

الحميري بإسناده عن أبي البحتري،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام:إنّ الحسين بن علي كان يزور قبر الحسن عليه السّلام في كلّ عشية جمعة (5).

***

وصيّة علي للحسن عليهما السّلام

من الوالد الفان،المقرّ للزّمان،المدبر العمر،المستسلم للدّهر،الذّامّ للدّنيا،السّاكن مساكن الموتي،الظّاعن عنها غدا.

إلي المولود المؤمّل ما لا يدرك،السّالك سبيل من هلك؛غرض الأسقام،و رهينة الايّام، و رميّة المصائب،و عبد الدّنيا،و تاجر الغرور،و غريم المنايا،و أسير الموت،و حليف الهموم، و قرين الاحزان،و نصب الآفات،و صريع الشّهوات،و خليفة الأموات.

أمّا بعد؛فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّي،و جموح الدّهر عليّ،و إقبال الآخرة إليّ،ما

ص: 159


1- مزار المفيد:156.
2- الفصول المختارة:95،و نقل عنه في مستدرك الوسائل:228/10.
3- التهذيب:40/6.
4- التهذيب:40/6.
5- قرب الإسناد:139 ح 492.

يزعني (1)عن ذكر من سواي،و الاهتمام بما ورائي،غير أنّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي-فصدّقني رأيي،و صرفني عن هواي،و صرّح لي محض أمري،

فأفضي بي إلي جدّ لا يكون فيه لعب،و صدق لا يشوبه كذب-وجدتك بعضي،بل وجدتك كلّي،حتّي كأنّ شيئا لو أصابك أصابني،و كأنّ الموت لو أتاك أتاني،فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي،فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت.

فإنّي أوصيك بتقوي الله-أي بنيّ-و لزوم أمره؛و عمارة قلبك بذكره،و الاعتصام بحبله،و أيّ سبب أوثق من سبب بينك و بين الله؛إن أنت أخذت به!

أحي قلبك بالموعظة،و أمته بالزّهادة،و قوّه باليقين،و نوّره بالحكمة،و ذلّله بذكر الموت؛ و قرّره بالفناء،و بصّره فجائع (2)الدّنيا؛و حذّره صولة الدّهر و فحش تقلّب اللّيالي و الأيّام؛و أعرض عليه أخبار الماضين،و ذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين.

و سر في ديارهم و آثارهم،فانظر فيما فعلوا،و عمّا انتقلوا،و أين حلّوا و نزلوا!فإنّك تجدهم انتقلوا عن الأحبّة،و حلّوا دار الغربة؛و كأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم.

فأصلح مثواك،و لا تبع آخرتك بدنياك؛و دع القول فيما لا تعرف و الخطاب فيما لم تكلّف؛ و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته،فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال.

و أمر بالمعروف تكن من أهله،و أنكر المنكر بيدك و لسانك،و باين من فعله بجهدك،و جاهد في الله حقّ جهاده،و لا تأخذك في الله لومة لائم.

و خض الغمرات إلي حيث كان،و تفقّه في الدّين،و عوّد نفسك الصّبر علي المكروه؛و نعم الخلق التّصبّر في الحقّ!

و ألجئ نفسك في أمورك كلّها إلي إلهك،فإنّك تلجئها إلي كهف حريز،و مانع عزيز.

و أخلص في المسألة لربّك؛فإنّ بيده العطاء و الحرمان،و أكثر الاستخارة،و تفهّم وصيّتي، و لا تذهبنّ عنك صفحا،فإنّ خير القول ما نفع،و اعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع،و لا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه.

أي بنيّ،إنّي لمّا رأيتني قد بلغت سنّا،و رأيتني أزداد وهنا،بادرت بوصيّتي إليك،و أوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي،أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي،أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوي و فتن الدّنيا،فتكون كالصّعب النّفور.ا.

ص: 160


1- يزعني:يمنعني و يصدني.
2- الفجائع جمع الفجيعة و هي المصيبة تفرع بحلوها.

و إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته؛فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك،و يشتغل لبّك،لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب بغيته و تجربته، فتكون قد كفيت مئونة الطّلب،و عوفيت من علاج التّجربة،فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه،و استبان لك ما ربّما أظلم علينا منه.

أي بنيّ،إنّي و إن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي،فقد نظرت في أعمالهم،و فكّرت في أخبارهم،و سرت في آثارهم؛حتّي عدت كأحدهم؛بل كأنّي بما انتهي إليّ من أمورهم؛قد عمرت مع أوّلهم إلي آخرهم؛فعرفت صفو ذلك من كدره،و نفعه من ضرره؛فاستخلصت لك من كلّ أمر جليله،و توخّيت لك جميله،و صرفت عنك مجهوله،و رأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشّفيق،و أجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك و أنت مقبل العمر و مقتبل الدّهر،ذو نيّة سليمة، و نفس صافية،و أن أبتدئك بتعليم كتاب الله عزّ و جلّ و تأويله و شرائع الإسلام و أحكامه،و حلاله و حرامه،لا أجاوز ذلك بك إلي غيره.ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من أهوائهم و آرائهم،مثل الّذي التبس عليهم،فكان إحكام ذلك علي ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إليّ من إسلامك أمر لا آمن عليك فيه الهلكة،و رجوت أن يوفّقك الله فيه لرشدك،و أن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيّتي هذه.

و اعلم يا بنيّ أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي تقوي الله و الإقتصار علي ما فرضه الله عليك،و الأخذ بما مضي عليه الأوّلون من آبائك،و الصّالحون من أهل بيتك،فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لانفسهم كما أنت ناظر،و فكّروا كما أنت مفكّر،ثمّ ردّهم آخر ذلك إلي الأخذ بما عرفوا، و الإمساك عمّا لم يكلّفوا،فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا؛فليكن طلبك ذلك بتفهّم و تعلّم،لا بتورّط الشّبهات،و علق الخصومات.

و ابدأ قبل نظرك في ذلك بالإستعانة بإلهك و الرغبة إليه في توفيقك،و ترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة،أو أسلمتك إلي ضلالة،فإن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع،و تمّ رأيك فاجتمع،و كان همّك في ذلك همّا واحدا،فانظر فيما فسّرت لك؛و إن أنت لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك؛ و فراغ نظرك و فكرك،فاعلم أنك إنّما تخبط العشواء،و تتورّط الظّلماء،و ليس طالب الدّين من خبط أو خلط،و الإمساك عن ذلك أمثل.

فتفهّم يا بنيّ وصيّتي،و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة،و أنّ الخالق هو المميت، و أنّ المفني هو المعيد،و أنّ المبتلي هو المعافي،و أنّ الدّنيا لم تكن لتستقرّ إلاّ علي ما جعلها الله عليه من النّعماء و الابتلاء و الجزاء في المعاد،أو ما شاء ممّا لا تعلم،فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله علي جهالتك فإنّك أوّل ما خلقت به جاهلا ثم علّمت و ما أكثر ما تجهل من الأمر و يتحيّر فيه رأيك،و يضلّ فيه بصرك،ثمّ تبصره بعد ذلك!

ص: 161

فاعتصم بالّذي خلقك و رزقك و سوّاك،فليكن له تعبّدك،و إليه رغبتك،و منه شفقتك.

و اعلم يا بنيّ أنّ أحدا لم ينبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه نبيّنا صلّي اللّه عليه و سلّم؛فارض به رائدا،و إلي النّجاة قائدا،فإنّي لم آلك نصيحة،و إنّك لن تبلغ في النّظر لنفسك،و إن اجتهدت مبلغ نظري لك.

و اعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله،و لرأيت آثار ملكه و سلطانه،و لعرفت أفعاله و صفاته،و لكنّه إله واحد كما وصف نفسه،لا يضادّه في ملكه أحد،و لا يزول أبدا و لم يزل، أوّل قبل الأشياء بلا أوّليّة،و آخر بعد الأشياء بلا نهاية،عظم أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر.

فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره،و قلّة مقدرته،و كثرة عجزه، و عظيم حاجته إلي ربّه،في طلب طاعته،و الرّهينة من عقوبته،و الخشية من عقوبته،و الشّفقة من سخطه،فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن،و لم ينهك إلاّ عن قبيح.

يا بنيّ،إنّي قد أنبأتك عن الدّنيا و حالها،و زوالها و انتقالها،و أنبأتك عن الآخرة و ما أعدّ لأهلها،و ضربت لك فيهما الأمثال،لتعتبر بها،و تحذر عليها.

إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر،نبا بهم منزل جديب،فأمّوا منزلا خصيبا،و جنابا مريعا،فاحتملوا و عثاء الطّريق،و فراق الصّديق،و خشونة السّفر،و جشوبة المطعم؛ليأتوا سعة دارهم،و منزل قرارهم،فليس يجدون لشيء من ذلك ألما،و لا يرون نفقة فيه مغرما.و لا شيء أحبّ إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم و أدناهم إلي محلّتهم.

و مثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب،فنبا بهم إلي منزل جديب،فليس شيء أكره إليهم،و لا أفظع عندهم،من مفارقة ما كانوا فيه؛إلي ما يهجمون عليه،و يصيرون إليه.

يا بنيّ اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك،فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك،و اكره له ما تكره لها،و لا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم،و أحسن كما تحبّ أن يحسن إليك،و استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك،و ارض من النّاس بما ترضاه لهم من نفسك،و لا تقل ما لا تعلم و إن قلّ ما تعلم،و لا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.

و اعلم أنّ الإعجاب ضدّ الصّواب،و آفة الألباب؛فاسع في كدحك،و لا تكن خازنا لغيرك، و إذا أنت هديت لقصدك،فكن أخشع ما تكون لربّك.

و اعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة،و مشقّة شديدة،و أنّه لا غني بك فيه عن حسن الإرتياد،و قدر بلاغك من الزّاد،مع خفّة الظّهر،فلا تحملنّ علي ظهرك فوق طاقتك،فيكون ثقل ذلك و بالا عليك،و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلي يوم القيامة،فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه و حمّله إيّاه،و أكثر من تزويده و أنت قادر عليه،فلعلّك تطلبه فلا تجده.

ص: 162

و اغتنم من استقرضك في حال غناك،ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك.

و اعلم أنّ أمامك عقبة كئودا،المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل،و المبطئ عليها أقبح أمرا من المسرع،و أنّ مهبطها بك لا محالة؛إمّا علي جنّة أو علي نار،فارتد لنفسك قبل نزولك،و وطّئ المنزل قبل حلولك،فليس بعد الموت مستعتب،و لا إلي الدّنيا منصرف.

و اعلم أنّ الّذي بيده خزائن السّموات و الأرض قد أذن لك في الدّعاء،و تكفّل لك بالإجابة، و أمرك أن تسأله ليعطيك،و تسترحمه ليرحمك،و لم يجعل بينه و بينك من يحجبك عنه،و لم يلجئك إلي من يشفع لك إليه،و لم يمنعك إن أسأت من التّوبة،و لم يعاجلك بالنّقمة،و لم يفضحك حيث تعرّضت للفضيحة،و لم يشدّد عليك في قبول الإنابة،و لم يناقشك بالجريمة،و لم يؤيسك من الرّحمة،بل جعل نزوعك عن الذّنب حسنة،و حسب سيّئتك واحدة،و حسب حسنتك عشرا.و فتح لك باب المتاب،و باب الإستعتاب؛فإذا ناديته سمع نداك،و إذا ناجيته علم نجواك،فأفضيت إليه بحاجتك،و أبثثته ذات نفسك،و شكوت إليه همومك،و استكشفته كروبك،و استعنته علي أمورك، و سألته من خزائن رحمته ما لا يقدر علي إعطائه غيره،من زيادة الأعمار،و صحّة الأبدان،و سعة الأرزاق.

***

ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه،بما أذن لك فيه من مسألته؛فمتي شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته،و استمطرت شآبيب رحمته،فلا يقنطنّك إبطاء إجابته،فإنّ العطيّة علي قدر النّيّة، و ربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لاجر السّائل،و أجزل لعطاء الآمل.و ربّما سألت الشّيء فلا تعطاه،و أوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا،أو صرف عنك لما هو خير لك،فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته،فلتكن مسألتك فيما يبقي لك جماله،و ينفي عنك و باله؛فالمال لا يبقي لك،و لا تبقي له.

و اعلم يا بنيّ أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا،و للفناء لا للبقاء،و للموت لا للحياة؛و أنّك في منزل قلعة،و دار بلغة،و طريق إلي الآخرة؛و أنّك طريد الموت الّذي لا ينجو هاربه،و لا يفوته طالبه،و لا بدّ أنّه مدركه،فكن منه علي حذر أن يدركك و أنت علي حال سيّئة؛قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة،فيحول بينك و بين ذلك،فإذا أنت قد أهلكت نفسك.

يا بنيّ،أكثر من ذكر الموت و ذكر ما تهجم عليه،و تفضي بعد الموت إليه،حتّي يأتيك و قد أخذت منه حذرك،و شددت له أزرك،و لا يأتيك بغتة فيبهرك.

***

و إيّاك أن تغترّ بما تري من إخلاد أهل الدّنيا إليها،و تكالبهم عليها،فقد نبّأك الله عنها،

ص: 163

و نعتت لك نفسها،و تكشّفت لك عن مساوئها،فإنّما أهلها كلاب عاوية،و سباع ضارية،يهرّ بعضها علي بعض،و يأكل عزيزها ذليلها،و يقهر كبيرها صغيرها.

نعم معقّلة،و أخري مهملة،قد أضلّت عقولها،و ركبت مجهولها.

سروح عاهة بواد وعث،ليس لها راع يقيمها،و لا مسيم يسيمها.سلكت بهم الدّنيا طريق العمي،و أخذت بأبصارهم عن منار الهدي،فتاهوا في حيرتها،و غرقوا في نعمتها،و اتّخذوها ربّا فلعبت بهم و لعبوا بها،و نسوا ما وراءها.

رويدا يسفر الظّلام،كأن قد وردت الأظعان!يوشك من أسرع أن يلحق!

و اعلم يا بنيّ أنّ من كانت مطيّته اللّيل و النّهار،فإنّه يسار به و إن كان واقفا،و يقطع المسافة و إن كان مقيما وادعا.

و اعلم يقينا أنّك لن تبلغ أملك،و لن تعدو أجلك،و أنّك في سبيل من كان قبلك.

فخفّض في الطّلب،و أجمل في المكتسب،فإنّه ربّ طلب قد جرّ إلي حرب؛و ليس كلّ طالب بمرزوق،و لا كلّ مجمل بمحروم.

و أكرم نفسك عن كلّ دنيّة و إن ساقتك إلي الرّغائب،فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا.و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حرّا.و ما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ،و يسر لا ينال إلاّ بعسر.

و إيّاك أن توجف بك مطايا الطّمع،فتوردك مناهل الهلكة.و إن استطعت ألاّ يكون بينك و بين الله ذو نعمة فافعل،فإنّك مدرك قسمك،و آخذ سهمك،و إنّ اليسير من الله سبحانه أكرم و أعظم من الكثير من خلقه و إن كان كلّ منه.

و تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك،و حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء،و حفظ ما في يديك أحبّ إليّ من طلب ما في يدي غيرك،و مرارة الياس خير من الطّلب إلي النّاس،و الحرفة مع العفّة خير من الغني مع الفجور،و المرء أحفظ لسرّه،و ربّ ساع فيما يضرّه!

من أكثر أهجر،و من تفكّر أبصر.

قارن أهل الخير تكن منهم،و باين أهل الشّرّ تبن عنهم.

بئس الطّعام الحرام!و ظلم الضّعيف أفحش الظّلم!

إذا كان الرّفق خرقا،كان الخرق رفقا.

ربّما كان الدّواء داء،و الدّاء دواء،و ربّما نصح غير النّاصح،و غشّ المستنصح.

ص: 164

و إيّاك و الاتّكال علي المني فإنّها بضائع النّوكي.و العقل حفظ التّجارب،و خير ما جرّبت ما وعظك.بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة.ليس كلّ طالب يصيب و لا كلّ غائب يئوب،و من الفساد إضاعة الزّاد و مفسدة المعاد.و لكلّ أمر عاقبة،سوف يأتيك ما قدّر لك.

التّاجر مخاطر،و ربّ يسير أنمي من كثير!

لا خير في معين مهين،و لا في صديق ظنين.

ساهل الدّهر ما ذلّ لك قعوده،و لا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه،و إيّاك أن تجمح بك مطيّة اللّجاج.

أحمل نفسك من أخيك عند صرمه علي الصّلة،و عند صدوده علي اللّطف و المقاربة؛و عند جموده علي البذل،و عند تباعده علي الدّنوّ،و عند شدّته علي اللّين،و عند جرمه علي العذر،حتّي كأنّك له عبد،و كأنّه ذو نعمة عليك.

و إيّاك أن تضع ذلك في غير موضعه،أو أن تفعله بغير أهله.

***

لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقك فتعادي صديقك،و امحض أخاك النّصيحة؛حسنة كانت أو قبيحة،و تجرّع الغيظ فأنّي لم أر جرعة أحلي منها عاقبة؛و لا ألذّ مغبّة.و لن لمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك،و خذ علي عدوّك بالفضل فإنّه أحد الظّفرين،و إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما.و من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه،و لا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا علي ما بينك و بينه،فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه.و لا يكن أهلك أشقي الخلق بك.و لا ترغبنّ فيمن زهد عنك،و لا يكوننّ أخوك أقوي علي قطيعتك منك علي صلته،و لا تكوننّ علي الإساءة أقوي منك علي الإحسان.و لا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك،فإنّه يسعي في مضرّته و نفعك،و ليس جزاء من سرّك أن تسوءه.

و اعلم يا بنيّ أنّ الرّزق رزقان:رزق تطلبه،و رزق يطلبك،فإن أنت لم تأته أتاك.

ما أقبح الخضوع عند الحاجة،و الجفاء عند الغني!

إنّما لك من دنياك،ما أصلحت به مثواك،و إن كنت جازعا علي ما تفلّت من يديك،فاجزع علي كلّ ما لم يصل إليك.

إستدلّ علي ما لم يكن بما قد كان،فإنّ الأمور أشباه؛و لا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إذا بالغت في إيلامه،فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب،و البهائم لا تتّعظ إلاّ بالضّرب.

إطّرح عنك واردات الهموم بعزائم الصّبر و حسن اليقين.

ص: 165

من ترك القصد جار.و الصّاحب مناسب،و الصّديق من صدق غيبه،و الهوي شريك العمي، و ربّ بعيد أقرب من قريب،و قريب أبعد من بعيد،و الغريب من لم يكن له حبيب.

***

من تعدّي الحقّ ضاق مذهبه،و من اقتصر علي قدره كان أبقي له،و أوثق سبب أخذت به سبب بينك و بين الله سبحانه.و من لم يبالك فهو عدوّك.

قد يكون اليأس إدراكا،إذا كان الطّمع هلاكا.

ليس كلّ عورة تظهر،و لا كلّ فرصة تصاب،و ربّما أخطأ البصير قصده،و أصاب الأعمي رشده.

أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته،و قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل.

من أمن الزّمان خانه،و من أعظمه أهانه.

ليس كلّ من رمي أصاب.

إذا تغيّر السّلطان،تغيّر الزّمان.

سل عن الرّفيق قبل الطّريق،و عن الجار قبل الدّار.

إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا،و إن حكيت ذلك عن غيرك.

و إيّاك و مشاورة النّساء فإنّ رأيهنّ إلي أفن،و عزمهنّ إلي وهن،و اكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ،فإنّ شدّة الحجاب أبقي عليهنّ،و ليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهنّ،و إن استطعت ألاّ يعرفن غيرك فافعل.

و لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها،فإنّ المرأة ريحانة،و ليست بقهرمانة.و لا تعد بكرامتها نفسها،و لا تطمعها في أن تشفع لغيرها.

و إيّاك و التّغاير في غير موضع غيرة،فإنّ ذلك يدعو الصّحيحة إلي السّقم،و البريئة إلي الرّيب.

و اجعل لكلّ إنسان من خدمك عملا تأخذه به،فإنّه أحري ألاّ يتواكلوا في خدمتك.

و أكرم عشيرتك،فإنّهم جناحك الّذي به تطير،و أصلك الّذي إليه تصير،و يدك الّتي بها تصول.

إستودع الله دينك و دنياك،و اسأله خير القضاء لك في العاجلة و الآجلة،و الدّنيا و الآخرة.

و السّلام (1).4.

ص: 166


1- نهج البلاغة:38/3،و البحار:199/74.

وصية الحسن لأخيه محمد ابن الحنفية

عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه قال:لمّا حضرت الحسن بن عليّ عليه السّلام الوفاة قال:يا قنبر انظر هل تري من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد فقال:اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم منّي قال:ادع لي محمّد بن عليّ فأتيته فلمّا دخلت عليه قال:هل حدث إلا خير،قلت:أجب أبا محمّد فعجل علي شسع نعله فلم يسوّه و خرج معي يعدو فلمّا قام بين يديه سلّم،فقال له الحسن بن علي عليهما السّلام:اجلس فإنّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيي به الأموات و يموت به الأحياء:

كونوا أوعية العلم و مصابيح الهدي فإنّ ضوء النّهار بعضه أضوء من بعض،أما علمت أنّ اللّه تبارك و تعالي جعل ولد إبراهيم أئمّة و فضّل بعضهم علي بعض و أتي داود زبورا و قد علمت بما استأثر اللّه به محمّدا،يا محمّد بن عليّ إنّي أخاف عليك الحسد و إنّما وصف اللّه به الكافرين فقال اللّه عزّ و جلّ: كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ (1).

و لم يجعل اللّه للشّيطان عليك سلطانا،يا محمّد بن عليّ ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال:بلي،قال:سمعت أباك يقوم يوم الظلة (2)من أحبّ أن يبرّني في الدّنيا و الآخرة فليبرّ محمّدا ولدي،يا محمّد بن عليّ لو شئت أن أخبرك و أنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك،يا محمّد بن عليّ أما علمت أنّ الحسين بن علي بعد وفاة نفسي و مفارقة روحي جسمي إمام من بعدي و عند اللّه جلّ اسمه في الكتاب وراثة من النبيّ أضافها اللّه عزّ و جلّ له في وراثة أبيه و أمّه صلي اللّه عليهم،فعلم اللّه أنكم خيرة خلقه فاصطفي منكم محمّدا و اختار محمّد عليّا و اختارني عليّ بالإمامة و اخترت أنا الحسين.

فقال له محمّد بن عليّ:أنت إمام و أنت وسيلتي إلي محمّد و اللّه لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا و إنّ في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء و لا تغيّره نقمة الرّياح كالكتاب المعجم في الرّق المنمنم أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت (3)به الرّسل و أنّه الكلام يكلّ به لسان الناطق و يد الكاتب حتّي لا يجد قلما و يؤتوا بالقرطاس جما فلا يبلغ فضلك و كذلك يجزي اللّه المحسنين و لا قوّة إلا بالله.

الحسين أعلمنا علما و أثقلنا حلما و أقربنا من رسول اللّه رحما كان فقيها قبل أن يخلق،و قرأ الوحي قبل أن ينطق،و لو علم اللّه في أحد خيرا غير محمّد ما اصطفي اللّه محمّدا فلمّا اختار اللّه محمّدا و اختار محمّد عليا و اختارك عليّ إماما و اخترت الحسين،سلمنا و رضينا من هو بغيره يرضي و من كنا نسلم به من مشكلات أمرنا (4).

ص: 167


1- سورة البقرة،الآية:109.
2- في نسخة:البصرة.
3- في نسخة:خلت.
4- الكافي:301/1،و البحار:174/44.

المحتويات

تمهيد 5

مولد الحسن عليه السّلام 6

أولاد الحسن عليه السّلام 9

النص علي الإمام الحسن عليه السّلام 11

البيعة و معانيها 18

أسرار الحسن بن علي عليه السّلام 26

شباهة الحسن بالنبي عليه السّلام 28

توديع النبي للحسن عليهما السّلام 29

إخبار الحسن عليه السّلام بالغيب 30

فضائل الحسن عليه السّلام 31

نور الحسن و فضله عليه السّلام 38

توسل آدم بالحسن عليهما السّلام 42

كرامات و معاجز الحسن عليه السّلام 42

الآيات النازلة في الحسن عليه السّلام 50

عبادة الحسن عليه السّلام 63

أخلاق الحسن عليه السّلام 64

علم الحسن عليه السّلام 65

فطنة الحسن عليه السّلام 69

بركة الحسن عليه السّلام 69

آدب الحسن عليه السّلام 70

هدية اللّه للحسن عليه السّلام 71

نقش خاتمه عليه السّلام 72

درجات الحسن عليه السّلام يوم القيامة 73

عصمة الحسن عليه السّلام 73

عظمة الحسن علي اللّه و رسوله 74

وصية أمير المؤمنين عند وفاته للحسن عليهما السّلام 75

دعاء الحسن عليه السّلام المستجاب 75

إخباره عليه السّلام عن شهادته 76

علم الحسن عليه السّلام للغيب 76

شعر الحسن عليه السّلام 77

حلم الحسن عليه السّلام 78

كرم الحسن عليه السّلام 78

تواضع الحسن عليه السّلام و جلوسه مع الفقراء 82

صلح الحسن عليه السّلام 83

علّة مصالحة الحسن عليه السّلام معاوية لعنه الله 103

صورة كتاب الصلح 110

إحتجاجات الحسن علي معاوية و عمرو 111

بين الحسن و عمرو بن العاصي 118

احتجاج الحسن عليه السّلام علي يزيد 119

بين الحسن عليه السّلام و ابن الزبير 119

إحتجاج ابن عباس علي معاوية 130

مفاخرة بين الحسن بن عليّ و رجالات من قريش 131

ظلم معاوية و تتبعه شيعة علي عليه السّلام 137

سؤالات معاوية للحسن عليه السّلام 138

كتابه إلي معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين 139

خطب السبط الأكبر الإمام الحسن بن علي عليه السّلام 140

خطبة الحسن بن علي في الكوفة يستنفر الناس إلي أبيه عليهما السّلام 148

خطبة الحسن في الجمل 149

شهادة الحسن عليه السّلام 150

نعي الحسن عليه السّلام 158

فضل زيارة الإمام أبي محمّد الحسن بن علي عليه السّلام 158

وصيّة علي للحسن عليه السّلام 159

وصية الحسن لأخيه محمد ابن الحنفية 167

ص: 168

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.