موسوعه اهل البيت عليهم السلام
نويسنده: السيد علي عاشور
دارالنظير عبود - بيروت - لبنان
مشخصات ظاهري: 20 ج
1427ه - 2006م
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 3
ص: 4
الجزء السادس
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
السلام علي الجوهرة القدسيّة في تعين الإنسيّة،صورة النفس الكليّة،جواد العالم العقليّة، بضعة الحقيقة النبويّة،مطلع الأنوار العلويّة،عين عيون الإسراء.
الناجية لمحبّيها من النار،ثمرة شجرة اليقين،سيّدة نساء العالمين،المعروفة بالقدر، المجهولة بالقبر،قرّة عين الرسول،الزهراء العذراء البتول-صلوات اللّه عليها و علي أمها و أبيها و بعلها و بنيها-.
***
بل هي أمّ الكلمات المحكمة في غيب ذاتها فكانت مبهمة
في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء
بل هي نور عالم الأنوار و مطلع الشموس و الأقمار (1)
هي فاطمة بنت محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب،بنت خديجة الكبري،أمّ أبيها في الرسالة و البعثة و الدفاع عن الدين لا في الولادة،و أمّ سيّدا شباب أهل الجنّة في الإمامة،و زوجة عليّ بن أبي طالب في الولاية.
هي كما قالوا«وتر في غمد»«و نداء الملايين»«و شهاب النبوّة الثاقب»«و أنثي في القمّة» «و ربيبة الوحي».
هي الزهراء البتول الطاهرة المطهّرة الحوراء الإنسيّة.
هم النور نور اللّه جلّ جلاله هم التين و الزيتون و الشفع و الوتر
هي قدوة ليس للنساء فقط،و إن كان كتابنا مختصّا بذلك،و لكن شخصيّة فاطمة و قيادتها و حكمتها و علمها و عبادتها و جهادها كلّ ذلك يصلح أن يكون قدوة لجميع البشر آدم و من دونه،فهي بضعة خير البشر قدوة الأنبياء و الرسل و الملائكة المقرّبين.
ص: 5
قد فصّلنا أنوار آل محمد عليهم السّلام و كيفيّته و مصدره و أنّهم أوّل الخلق في كتاب:«آل محمد بين قوسي النزول و الصعود» (1)،و نزيد هنا أنّه كان لفاطمة عليها السّلام في هذه الأخبار عناية ربانيّة،و أنوارا إلهيّة ابتداء من كيفيّة خلقها بالنور و من النور،و انتهاء بنورها عند وفاتها،و مرورا بأنوارها عند ولادتها و في الجنّة.
فعنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث طويل:«...ثمّ فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات و الأرض، فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السماوات و الأرض...إلي أن قال:فتكلّم اللّه بكلمة فخلق منها روحا ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورا فأضاف النور إلي تلك الروح و أقامها مقام العرض فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء،و لذلك سمّيت الزهراء لأنّ نورها زهرت به السماوات» (2).
و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام في حديث ولادتها:«...فلمّا سقطت إلي الأرض أشرق منها نور حتّي دخل بيوتات مكّة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور...
و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم،فلذلك سمّيت الزهراء» (3).
و أخرج الخوارزمي عن ابن عباس في حديث طويل في وفاتها قال فيه:«و رفع[علي]يديه إلي السماء و نادي:هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجها من الظلمات إلي النور،فأضاءت الأرض ميلا في ميل...» (4).
و أخرج عن جابر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم رؤية حواء و آدم لها بصورة جارية لم ير الراؤون أحسن منها،لها نور شعشاعي يكاد يطفئ الأبصار،علي رأسها تاج،و في أذنيها قرطان فقالا:يا رب ما هذه الجارية،قال:صورة فاطمة بنت محمد سيّد ولدك (5).
و أخرج الديلمي عن أنس قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«بينما أهل الجنّة في الجنّة ينعمون و أهل النار في النار يعذّبون إذ لأهل الجنّة نور ساطع فيقول بعضهم لبعض ما هذا النور لعلّه ربّ العزّة اطّلع فنظر إلينا،فيقول لهم رضوان:لا و لكن عليّ عليه السّلام مازح فاطمة عليها السّلام فتبسّمت فأضاء ذلك النور من ثناياها» (6).
ص: 6
و عن أبي سلمة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث قدسي:«يا محمد إنّي خلقتك و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ولده من شبح نور من نوري» (1).
و عن أبي عبد اللّه عن آبائه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«فاطمة حوراء إنسيّة،قالوا:يا نبي اللّه و كيف هي حوراء إنسيّة؟
قال:خلقها اللّه عزّ و جلّ من نوره قبل أن يخلق آدم» (2).
و أخرج القرماني عن عائشة قالت:«كنّا نخيط و نغزل و ننظم الإبرة في ضوء وجه فاطمة» (3).
و عن أبان قلت لأبي عبد اللّه:يابن رسول اللّه لم سمّيت الزهراء زهراء؟
قال:لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام في النهار ثلاث مرّات بالنور،كان يزهر نور وجهها صلاة الغداء و الناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلي حجراتهم بالمدينة فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السّلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي و النور يسطع من محرابها من وجهها،فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة عليها السّلام.
فإذا انتصف النهار و ترتّبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السّلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفرّ ثيابهم و ألوانهم فيأتون النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها-صلوات اللّه عليها و علي أبيها و بعلها و بنيها- بالصفرة فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور وجهها.
فإذا كان آخر النهار و غربت الشمس احمرّ وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحا و شكرا للّه عزّ و جلّ،فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلي منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح اللّه و تمجّده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور وجه فاطمة عليها السّلام فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّي ولد الحسين عليه السّلام فهو يتقلّب في وجوهنا إلي يوم القيامة في الأئمّة من أهل البيت إمام بعد إمام» (4).
عزيزتي القارئة إذا أردت نورا كنور فاطمة أو من نورها،فعليك التواجد في محرابك في أول أوقات الصلوات الخمسة.2.
ص: 7
و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لمّا خلق اللّه الجنّة خلقها من نور وجهه،ثمّ قذف ذلك النور فأصابني ثلث النور و أصاب فاطمة عليها السّلام ثلث النور و أصاب عليّا و أهل بيته ثلث النور فمن أصابه من ذلك النور اهتدي إلي ولاية محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
قال السيد الجزائري في الرياض (1)ظهر من هذا الحديث و غيره أنّ نور فاطمة يعادل نور الجنّة و كذلك نور عليّ و الأئمّة من ولده عليهم السّلام،فإن قيل:إنّ النور الذي يعادل نور الجنّة بل يزيد عليه ينبغي أن يري فيهم علي هيئته،قلنا في الجواب:قد ورد في صحيح البخاري أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته ما كانوا يظهرون للناس من صفاتهم و حالاتهم إلاّ ما كانوا يحتملونه،و لو رأوا أنوار النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته الحسيّة لما أطاقوا النظر إليه و لخيف عليهم العمي و كذلك في درجات العلوم و مراتب الألحان و الأصوات في تلاوة القرآن في الصلاة و غيرها.
و قد روي إنّ ابنة المأمون زوجة الجواد عليه السّلام كانت تراه أكثر الأحيان علي هيئة من الحسن تعلو من وجهه الأنوار إلي عنان السماء و ربّما جاءها الحيض ذلك الوقت و كانت تظنّ أنّه ساحر لاختلاف رؤيتها له،و رأته مرّة و أمّها جالسة معها فغشي عليها فحاضت فخرج عليه السّلام و هو يقرأ: فَلَمّٰا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ. قوله:أكبرنه أي حضن،و أمّا أمّها فإنّها رأته علي الهيئة المعروفة منه، و كذلك خواصّهم كانوا بعض الأحيان يرونهم علي تلك الهيئة الخاصّة كسلمان و أبي ذرّ و عمّار و المقداد و زرارة و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و نحوهم و لا يرون إلاّ ما يطيقون تحمّله.
و روي أنّ الصادق عليه السّلام حدّث الجعفي ستّين ألف حديث من الأسرار لم يحدّث غيره بها و نهاه عن الإذاعة فلم يطق تحمّلها فقال له عليه السّلام:إمض إلي الصحراء و احفر حفيرة وضع رأسك فيها و قل حدّثني جعفر بن محمّد حتّي يخلو قلبك ممّا فيه و الأرض تحتمل علومنا،ففعل ما أمره و هان عليه ما كان فيه.
و من هذا يظهر لك السبب فيما ورد أنّ الرضا عليه السّلام كان أسمر اللون،و ذلك أنّ عامّة الناس كانت تراه علي ذلك الحال لمصالح و حكم لا نعرفها.
و روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم ما كان يسمع أصحابه في قراءة الصلاة من الصوت إلاّ ما كانت تحمله عقولهم.
و هذا أصل من الاصول ألقيناه إليك من كلامهم عليهم السّلام في اختلاف خواص أحوالهم و صفاتهم و هيئاتهم فاحمل ما لا تعرفه من حالاتهم علي هذا الأصل.
و في إرشاد القلوب مرفوعا إلي سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال:كنت عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فدخل عليه العبّاس فقال:يا رسول اللّه بما فضّل علينا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و المعادن واحدة؟ق.
ص: 8
فقال:إنّ اللّه خلقني و خلق عليّا،و لا سماء و لا أرض و لا جنّة و لا نار و لا لوح و لا قلم، فلمّا أراد خلقنا تكلّم بكلمة و كانت نورا ثمّ تكلّم كلمة ثانية فصارت روحا فمزج فيما بينهما فخلقني و خلق عليّا منهما،ثمّ فتق من نوري نور العرش و فتق من نور عليّ نور السماوات و من نور الحسن نور الشمس و من نور الحسين نور القمر فنحن أجلّ منها و كانت الملائكة تسبّح اللّه،فلمّا أراد أن يبلوهم أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها فقالت الملائكة:
نسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا،فخلق نور الزهراء كالقنديل و علّقه في فرطي العرش فزهّرت السماوات السبع و الأرضون السبع فمن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء و كانت الملائكة تسبّح للّه و تقدّسه فقال الله:و عزّتي و جلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحك إلي لمحبّي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها،فخرج العبّاس و ضمّ عليّا الي صدره و قال:ما أكرمكم علي اللّه (1).
***
سوف يأتي عبادة فاطمة حول العرش.
و جاء في الحدائق عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«لمّا أمر اللّه تعالي آدم بالخروج من الجنّة رفع طرفه نحو السماء فرأي خمسة أشباح علي يمين العرش فقال:إلهي خلقت خلقا من قبلي،فأوحي اللّه إليه أما تنظر إلي هذه الأشباح؟
قال:بلي.
قال:هؤلاء صفوتي من نوري اشتققت أسماءهم من إسمي فأنا اللّه المحمود و هذا محمد و أنا العالي و هذا علي و أنا الفاطر و هذه فاطمة...» (2).
و يأتي الحديث بتمامه في التوسّل.
و في حديث الإسراء عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«فقال لي:إلتفت عن يمين العرش،فالتفت فإذا أنا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين...»و ذكر باقي الأئمّة إلي المهديّ عليه السّلام (3).
***
ص: 9
بعض الروايات تشير إلي التوسّل بذكر فاطمة صريحا و بعضها بذكر آل محمد أو أهل البيت و التي تدخل هي فيه مع أبيها و بعلها و بنيها.
و من القسم الثاني توسّل نوح عليه السّلام لمّا ركب السفينة و خاف الغرق قال:«اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد و آل محمد لما أنجيتني من الغرق،فنجّاه اللّه منه».
و منه توسّل إبراهيم عليه السّلام لما ألقي في النار قال:«اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد و آل محمد لما نجيتني منها»فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.
و منه توسّل موسي لما ألقي عصاه و أوجس في نفسه خيفة قال:«اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد و آل محمد لما آمنتني،فقال اللّه جلّ جلاله:لا تخف إنّك أنت الأعلي» (1).
و منه توسّل عيسي لما أراد اليهود قتله دعا اللّه بحقّ أهل البيت فنجّي من القتل فرفعه إليه (2).
و من القسم الأوّل:التوسّل بذكر لفظها الشريف منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام في توسّل آدم:«...قال جبرائيل لآدم و حوّاء:فسلا ربّكما بحقّ الأسماء التي رأيتموها علي ساق العرش حتّي يتوب عليكما،فقالا:اللّهمّ إنّا نسألك بحقّ الأكرمين عليك:محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة إلاّ تبت علينا و رحمتنا،فتاب اللّه عليهما إنّه هو التواب الرحيم» (3).
و أخرج حسام الدين المحلّي عن الحاكم في كتاب السفينة قال:روي السيّد أبو طالب بإسناده عن جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:لما أمر اللّه تعالي آدم بالخروج من الجنّة رفع طرفه نحو السماء فرأي خمسة أشباح علي يمين العرش فقال:إلهيّ خلقت خلقا من قبلي فأوحي اللّه إليه،أما تنظر إلي هذه الأشباح؟
قال:بلي.
قال:هؤلاء صفوتي من نوري اشتققت اسماءهم من اسمي فأنا اللّه المحمود و هذا محمد و أنا العالي و هذا علي،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا المحسن و هذا الحسن و لي الأسماء الحسني و هذا الحسين.
فقال آدم:فبحقّهم إغفر لي.
ص: 10
فأوحي اللّه إليه قد غفرت لك و هي الكلمات التي قال اللّه تعالي: فَتَلَقّٰي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَيْهِ (1).
و قريب منه أخرجه الصفوري عن الإمام الصادق جاء فيه:«...و منّي الإحسان و هذا الحسين،فقال جبرائيل يا آدم إحفظ هذه الأسماء،فإنّك تحتاج إليها،فلمّا هبط آدم بكي ثلاثمائة عام ثمّ دعا بهذه الأسماء و قال:يا ربّ بحقّ محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين يا محمود يا أعلي يا فاطر يا محسن إغفر لي و تقبّل توبتي،فأوحي اللّه إليه يا آدم لو سألتني في جميع ذرّيتك لغفرت لهم» (2).
و روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم توسّل قسّ و قوله:اللّهمّ ربّ[السبعة]الأرفعة،السماوات و الأرضين الممرعة،بحقّ محمد و الثلاثة المحاميد معه و العلّيين الأربعة و فاطم و الحسنين الأبرعة، و جعفر و موسي التبعة سميّ الكليم الصرعة[و الحسن ذي الرفعة]أولئك النقباء الشفعة و الطريق المهيعة راسة[درسة]الأناجيل[و حفظة التنزيل]و حماة الأضاليل و نفاة الأباطيل الصادقون في القيل عدد نقباء بني إسرائيل،فهم أوّل البداية و عليهم تقوم الساعة و بهم تنال الشفاعة و لهم من اللّه فرض الطاعة إسقنا غيثا مغيثا» (3).
عزيزي القارئ عزيزتي القارئة هذا حال الأنبياء العظام عليهم السّلام مع فاطمة فمع عصمتهم و علمهم كانوا محتاجين لها غير متجاهلين لحقّها و مقامها،فما بالنا نحن المنغمسين ببحر الجهل و المعصية و المحتاجين لأدني واسطة تقرّبنا من اللّه تعالي علّه يغفر لنا خطايانا و يبعد عنّا المخاطر،و لما لا نوسّط من هي مصدر الفيض و العطاء و التي بحبّها يسهّل اللّه الكثير من الصعاب و ينفع المحبّ في مائة موطن أيسرها:الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة كما روي عن سلمان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (4)،و التي لعن ظالميها ينجي من البلاء و ظلم الظالمين كما روي عن الصادق عليه السّلام (5).
و سوف يأتي في شفاعتها أنّ قاتل الحسين لو رآها علي الصراط و طلب العفو لأجابته.
و يؤيد ذلك ما ورد عن الحسين بن علي قال:قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لعليّ بن أبي طالب-كرّم اللّه وجهه-:«إذا هالك أمر فقل:اللّهمّ صلّ علي محمد و علي آل محمد اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمد و آل محمد أن تكفيني ما أخاف و أحذر،فإنّك تكفي ذلك الأمر» (6).
هذه فاطمة و عظمتها و عظيم حقّها عند اللّه عزّ و جلّ فلما ذا لا تكون قدوة لكلّ البشر و في كلّي.
ص: 11
الأمور،و لماذا نتّخذها وسيلة بيننا و بين اللّه تعالي و هي أهل لذلك.
اللّهمّ إنّا نتوسّل إليك بالصدّيقة الطاهرة المظلومة الشهيدة،الطاهرة المطهرة المنصورة المقهورة،نور الأنوار و مظهر الملائكة العظام،اللّهمّ إنّا نتوسّل إليك بمن رضاها رضاك و غضبها غضبك و حبّها حبّك و حبّك حبّها،اللّهمّ بحقّها و بحقّ أبيها و بعلها و بنيها إغفر لنا ذنوبنا صغيرها و كبيرها،و نجّنا من بلاء الدنيا و عذاب القبر و الآخرة.
***
روي عن الإمام عليّ عليه السّلام،في حديث طويل فيه مجيء ميكائيل بطبق من السماء فيه عذق من رطب و عنقود من عنب فأكل النبيّ منه شبعا و شرب من الماء ريا،و مدّ يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل و غسّل يده ميكائيل...-إلي أن قال-فإنّ اللّه آلي علي نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرّية طيّبة،فوثب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي منزل خديجة (1).
و عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لمّا أن مات ولدي من خديجة أوحي اللّه إليّ أن أمسك عن خديجة،و كنت لها عاشقا،فسألت اللّه أن يجمع بيني و بينها،فأتاني جبريل في شهر رمضان ليلة أربع و عشرين و معه طبق من رطب الجنّة فقال:يا محمّد كل من هذا و واقع خديجة الليلة،ففعلت،فحملت بفاطمة، فما لثمت فاطمة إلاّ وجدت ريح ذلك الرطب و هو في عترتها إلي يوم القيامة» (2).
و قريب منه عن الرضا عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (3).
و عن ابن عباس قال:«كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم يكثر قبل فاطمة،فقالت عائشة:يا نبي اللّه إنّك تكثر قبل فاطمة،فقال لها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:ليلة أسري بي دخلت الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي،فحملت خديجة بفاطمة،فإذا اشتقت إلي تلك الثمار قبّلت فاطمة فأصيب من رائحتها تلك الثمار التي أكلتها» (4).
و عن عائشة:قلت:يا رسول اللّه ما لك إذا جاءت فاطمة فقبّلتها تجعل لسانك في فيها كلّه كأنّك تريد أن تلعقها عسلا؟
قال:«نعم يا عائشة إنّي لمّا أسري بي إلي السماء أدخلني جبريل الجنّة فناولني منها تفّاحة
ص: 12
فأكلتها فصارت نطفة في صلبي،فلمّا نزلت واقعت خديجة،ففاطمة من تلك النطفة و هي حوراء إنسيّة كلّما اشتقت إلي الجنّة قبّلتها» (1).
و عنها قالت:«قلت:يا رسول اللّه ما لي أراك إذا قبّلت فاطمة أدخلت لسانك في فيها كأنّك تريد أن تلعقها عسلا؟
قال:«نعم إنّ جبريل الروح الأمين نزل إليّ بعنقود قطف من الجنّة فأكلت و جامعت خديجة، فولدت فاطمة،فإذا اشتقت إلي الجنّة قبّلتها فهي حوراء إنسيّة».
قال:فقال عبد العزيز:لا إله إلاّ اللّه هذا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بهذا الإسناد،و اللّه لا كتبته إلاّ قائما علي رجلي و لا كتبته إلاّ في ورقة تهامية بماء الذهب.
قال:فقام علي رجليه و جاؤوه بورقة تهاميّة و بماء الذهب فكتب الحديث (2).
و عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عائشة«أنّ النبيّ كان كثيرا ما يقبّل نحر فاطمة، فقلت:يا رسول اللّه إنّي أراك تفعل شيئا ما كنت أراك تفعله من قبل.
فقال:«[يا حميراء]إنّه لمّا كان ليلة أسري بي إلي السماء أمر جبريل فأدخلني الجنّة و وقفني علي شجرة ما رأيت أطيب منها رائحة و لا أطيب ثمرا،فأقبل جبريل يفرك و يطعمني،فخلق اللّه عزّ و جلّ في صلبي منها نطفة،فلمّا صرت إلي الدنيا واقعت خديجة فحملت بفاطمة،كلّما اشتقت إلي رائحة تلك الشجرة شممت نحر فاطمة فوجدت رائحة تلك الشجرة منها[يا حميراء]و إنّها ليست من نساء أهل الدنيا[كنساء الآدميين]و لا تعتل كما يعتل أهل الدنيا» (3).
و في عيون الأخبار بإسناده إلي الهروي عن الرضا عليه السّلام قال:قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لمّا عرّج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة فناولني من بطنها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي،فلمّا هبطت إلي الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السّلام حوراء إنسية فكلّما اشتقت إلي رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة.
و في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلي الصير في عن الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:
خلق نور فاطمة عليها السّلام قبل أن يخلق الأرض و السماء و هي حوراء إنسيّة خلقها من نوره قبل أن يخلق آدم و كانت في حقّة تحت ساق العرش طعامها التسبيح،فلمّا أخرجني من صلب آدم جعلها تفّاحة في الجنّة فأتاني بها جبرئيل قال:يا محمّد كلها ففلقتها فرأيت نورا ساطعا فقال:هذا النور لفاطمة لأنّهاه.
ص: 13
فطمت شيعتها من النار و ظلم أعداؤها عن حبّها،انتهي ملخّصا.
و في كتاب العلل بإسناده إلي جابر قيل:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إنّك تلثم فاطمة،فقال:إنّ جبرئيل أتاني بتفّاحة من تفّاح الجنّة فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي،فواقعت خديجة و حملت بفاطمة عليها السّلام فأنا أشمّ منها رائحة الجنّة.
و في ذلك الكتاب أيضا عن ابن عبّاس أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:أكلت رطبة من الجنّة فتحوّلت نطفة في صلبي فواقعت خديجة فحملت بفاطمة،فإذا اشتقت إلي الجنّة شممت رائحتها (1).
***
و استمرّت هذه العناية للّه عزّت آلاؤه لتشمل فاطمة الطهر و هي في بطن أمّها،فمن عقدت نطفتها من ثمار الجنّة فهي طاهرة مطهّرة،بعيدة عن الشيطان،صافية الخلق،و تستطيع أن تحدّث أمّها قبل الولادة،قالت خديجة عليها السّلام:لمّا حملت بفاطمة كان حملا خفيفا تكلّمني من باطني،فلمّا قربت ولادتي أرسلت إلي القوابل من قريش فأبين عليّ لأجل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم فبينما أنا كذلك إذ دخل عليّ أربع نسوة عليهنّ من الجمال و النور ما لا يوصف فقالت إحداهنّ:أنا أمّك حواء و قالت الأخري:أنا آسية،و قالت الأخري:أنا أمّ كلثوم أخت موسي،و قالت الأخري:أنا مريم جئنا لنلي أمرك (2).
و في كتاب الأمالي مسند إلي الصادق قال:إنّ خديجة عليها السّلام لمّا تزوّج بها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم هجرتها نسوة مكّة فكنّ لا يتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة،فلمّا حملت بفاطمة عليها السّلام كانت تحدّثها من بطنها و تصبّرها فدخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يوما فقال:يا خديجة من تحدّثين؟
قالت:الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني.
قال:هذا جبرئيل يخبرني أنّها أنثي و أنّ اللّه تعالي سيجعل نسلي منها و يجعل من نسلها أئمّة خلفاء في أرضه،فلمّا حضرت ولادتها وجّهت إلي نساء قريش لما تليه النساء فأرسلن:أنت عصيتنا و تزوّجت يتيم أبي طالب فلسنا نجيء،فاغتمّت لذلك،فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهنّ من بني هاشم ففزعت منهنّ فقالت إحداهنّ:لا تخرجي يا خديجة فإنّا رسل ربّك إليك
ص: 14
و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية و هي رفيقتك في الجنّة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثوم بنت موسي بن عمران بعثنا اللّه إليك لنأمنك ممّا علي النساء من النساء،فجلسن حولها،فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة فلمّا سقطت إلي الأرض أشرق منها النور حتّي دخل بيوتات مكّة و لم يبق في الدّنيا موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور و دخل عشرة من الحور العين مع كلّ واحدة طشت و إبريق من الجنّة، و في الإبريق ماء من الكوثر فغسّلتها بماء الكوثر و لفّتها واحدة من النساء الأربع بخرقة بيضاء و قنّعتها بأخري ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة بالشهادتين و قالت:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ أبي سيّد الأنبياء و أنّ بعلي سيّد الأوصياء و ولدي سيّد الأسباط،ثمّ سلّمت عليهنّ و سمّت كلّ واحدة باسمها و تضاحكن معها و بشّر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة و حدث في السماء نور ظاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة:خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكية ميمونة فتناولتها فألقمتها ثديها فكانت فاطمة عليها السّلام تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر،[و تنمي في الشهر]كما ينمي الصبي في السنة (1).
***
ولدت بعد النبوّة بخمس سنين و بعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادي الأخري و أقامت بمكّة[مع]أبيها ثماني سنين و هاجرت معه إلي المدينة فزوّجها من عليّ عليه السّلام بعد مقدمها المدينة بسنتين أوّل يوم من ذي حجّة و روي يوم السادس،و قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و لها ثمانية عشر سنة و سبعة أشهر و ولدت الحسن عليه السّلام و لها إثنا عشرة سنة.
و روي غير هذا أيضا ممّا يقاربه.
و عبد اللّه بن المؤمّل عن أبيه قال:ولدت فاطمة قبل النبوة بأربع سنين (2).
و عن أبي جعفر قال:دخل العبّاس[علي علي]بن أبي طالب و فاطمة و هي تقول:أنا أسنّ منك.فقال العبّاس:أمّا أنت يا فاطمة فولدت و قريش تبني الكعبة و النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم ابن خمس و ثلاثين سنة،و أمّا أنت يا علي فولدت قبل ذلك بسنوات (3).
و قال أبو العباس محمد بن إسحاق:سمعت عبد اللّه بن محمد بن سليمان بن جعفر بن سليمان الهاشمي يقول:سمعت أبي يقول:ولدت فاطمة سنة إحدي و أربعين من مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم و ماتت
ص: 15
فاطمة و هي ابنة إحدي و عشرين سنة (1).
قال:و حدثنا خليفة:و قال المدائني ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدي عشرة و هي ابنة تسع و عشرين سنة،ولدت قبل النبوة بخمس سنين (2).
و قال بعض أهل الحديث:لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة و الوفاة و مدّة عمرها و لا بين تواريخ الوفاة و بين ما ورد في الخبر الصحيح أنّها عليها السّلام عاشت بعد أبيها خمسا و سبعين يوما،إذا لو كان وفاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم في الثامن و العشرين من صفر كان علي هذا وفاتها في أوسط جمادي الاولي و لو كان في ثاني عشر ربيع الأوّل كما ترويه العامّة كان وفاتها في أواخر جمادي الاولي.
و ما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السّلام من كون مكثها عليها السّلام بعده ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه علي ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادي الآخرة بأن يكون عليه السّلام لم يتعرّض للأيّام الزائدة لقلّتها،انتهي.
و يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة بحمل الأقلّ علي أيّام الصحّة و الأكثر منه علي مجموع أيّام الصحّة و المرض.و في بعض الأخبار إشارة إليه (3).
***
روي أنّ نقش خاتمها عليها السّلام:أنا من المتوكّلين.
و ليس بغريب علي قلب محمد و روحه أن تكون قدوة للعالمين،لما خصّت به من مزايا و كرامات و أخلاق عالية كما يأتي مفصّلا و لعناية اللّه تعالي بها عناية خاصّة.
كانت رحمة اللّه تحوط فاطمة مادرّت معايشها،كما أشار إلي ذلك المصطفي صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث طويل جاء فيه:«...يا فاطمة لا تحزني،فإنّ اللّه عزّ و جلّ أرحم بك و أرأف عليك منّي،و ذلك لمكانك منّي و موضعك من قلبي» (4).
ص: 16
و هذا الوسام نالته فاطمة بعملها و أخلاقها و عبادتها و جهادها،و كلّ من يقتدي بها فرحمة اللّه أمامه و من ورائه و عن يمينه و شماله و من فوقه و تحته.
قال عزّ من قائل: إِنَّ رَحْمَتَ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (1)، وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللّٰهِ (2).
و قال في حقّ الصابرين و فاطمة أمّ الصابرين كما يأتي: اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ* أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (3).
جعلنا اللّه من المتمسّكين بفاطمة و أبيها و بعلها و بنيها لتشملنا رحمة اللّه رَبَّنٰا لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ (4).
و اختصّت-صلوات اللّه عليها-بسلام الملائكة و تبشيرهم كما يأتي،و بتحيّة اللّه كما عن ابن عباس في حديث فيه مجي جبرائيل بتفّاحة سطع منها نور بلغ السماء فإذا فيها سطران:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم تحيّة من اللّه تعالي إلي محمّد المصطفي و عليّ المرتضي،و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين سبطي رسول اللّه و أمان لمحبّيهم يوم القيامة من النار» (5).
بدأت عناية اللّه تعالي بأمته فاطمة بنت محمد من قبل ولادتها و ذلك لشرف هذه المرأة و أهميّتها في هذه الدنيا-فهي أم الأئمة الذين سوف يكونون هداة البشرية و الواسطة بين اللّه و البشر- فإضافة إلي ما يأتي من نورها و عبادتها حول العرش و توسّل الأنبياء بها،فقد شملت عناية اللّه بفاطمة نطفتها عليها السّلام،فكانت من ثمار الجنّة.
أخرج الصفوري في نزهة المجالس عن النسفي و غيره أنّه لمّا دخل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم الجنّة ليلة المعراج رأي قصر خديجة،فأخذ جبرائيل تفّاحة من شجر القصر و قال:يا محمد كلّ هذه التفّاحة فإنّ اللّه تعالي يخلق منها بنتا تحمل بها خديجة،ففعل فلمّا حملت خديجة بفاطمة وجدت رائحة الجنّة تسعة أشهر فلمّا وضعتها انتقلت الرائحة إليها فكان النبيّ إذا اشتاق إلي الجنّة قبّل فاطمة (6).
المصطفي جبريل أطعمه تفّاحة في ليلة الإسراء
فتكونت منها لذاك غدت بين الوري إنسية حوراء (7)
ص: 17
عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث ولادتها:«...فوضعت خديجة فاطمة طاهرة مطهّرة» (1).
و أخرج ابن شبّه عن أم سلمة قالت:خرج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم من عندي حتّي دخل المسجد فقال:يا أيّها الناس حرّم هذا المسجد علي كلّ جنب من الرجال أو حائض من النساء إلاّ النبيّ و أزواجه، و عليّا و فاطمة بنت رسول اللّه ألا بيّنت الأسماء أن تضلّوا (2).
و تقدّم في حديث النطفة كونها لا تحيض لأنّها ليست كنساء الآدميين و لا تعتلّ كما يعتللن.
و قالت أسماء:قال النبيّ و قد كنت شهدت فاطمة و قد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:يا أسماء إنّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة (3).
أنس بن مالك قال:سألت أمّي عن صفة فاطمة عليها السّلام،فقالت:كانت كأنّها القمر ليلة البدر أو الشمس كفرت (4)غماما أو خرجت من السحاب و كانت بيضاء بضّة (5).
و في حديث:بيضاء مشرّبة حمرة[بحمرة]لها شعر أسود[يتعفّر لها]من أشدّ الناس برسول اللّه شبها،و اللّه كما قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيام شعرها و تغيب فيه و هو جثل[داج]أسحم
فكأنّها فيه نهار مشرق و كأنّه ليل عليها مظلم (6)
و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث:«يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك و أجملها أبشر يا أبا الحسن فقد زوّجتك سيّدة نساء العالمين» (7).
خجلا من نور بهجتها تتواري الشمس بالشفق
و حياء من شمائلها يتغطّي الغصن بالورق (8)
ص: 18
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«كلّ سبب و نسب يوم القيامة ينقطع إلاّ سببي و نسبي».
و روي بألفاظ قريبة و مشابهة منها(كلّ سبب و صهر).
أخرج هذا الحديث:البزار و الحاكم و الطبراني في معاجمه و الدار قطني في العلل و ابن إسحاق و ابن السكن في صحاحه و البيهقي و أبو نعيم و أحمد و ابن عبد ربّه و المغازلي و ابن سعد و الخطيب البغدادي (1).
و رواة الحديث:عمر بن الخطّاب،و عبد اللّه بن عمر،و ابن عباس،و عبد اللّه بن الزبير، و المسور.
قال العلماء:إنقرض نسب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلاّ من فاطمة.
و قال الزبير بن بكّار:إنقرض عقب زينب (2).
و يؤيّده ما روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:يا بنيّة إنّه ليس من نساء المسلمين إمرأة أعظم ذرّيّة منك (3).
قالت فاطمة الزهراء عليها السّلام:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«كلّ بني آدم ينتمون إلي عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فإني أنا أبوهم و أنا عصبتهم»،و في لفظ:كلّ بني أم ينتمون إلي عصبة (4).
*أقول:تقدّم أنّ نسل النبيّ إنقطع إلاّ من فاطمة عليها السّلام.
هذا باقة من أحاديث النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم في أهل بيته و التي منهم بل و أولهم فاطمة عليها السلام.
ص: 19
سئل الصادق عليه السّلام عن معني(حي علي خير العمل)،قال:خير العمل برّ فاطمة و ولدها.
و في خبر آخر:الولاية (1).
***
1-فهي فاطمة،فعن علي رضي اللّه عنه قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لفاطمة:يا فاطمة،أتدرين لم سمّيت فاطمة؟
قال علي:يا رسول اللّه،لم سمّيت فاطمة؟
قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ قد فطمها و ذرّيتها من النار يوم القيامة (2).
و قال ابن عباس لمعاوية:أتدري لم سميت فاطمة فاطمة؟قال:لا،قال:لأنها فطمت هي و شيعتها من النار،سمعت رسول اللّه يقوله (3).
و عن عليّ بن موسي الرضا عليه السّلام نحوه و زاد فيه:و ولدها و من أحبهم،و في رواية:و من تولاّها (4)
و عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:إنّ ابنتي فاطمة حوراء،إذ لم تحض و لم تطمث،و إنّما سمّاها فاطمة،لأنّ اللّه عزّ و جلّ فطمها و محبّيها من النار (5).
و رواه في العيون عن الرضا عن آبائه قال:قال رسول الله:إني سميت ابنتي فاطمة لأنّ اللّه عز و جل فطمها و فطم من أحبها من النار (6).
عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا ولدت فاطمة عليها السّلام أوحي اللّه إلي ملك فأنطق به لسان محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم فسمّاها فاطمة،ثمّ قال:إنّي فطمتك بالعلم و فطمتك من الطمث،ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام:و اللّه لقد فطمها اللّه بالعلم و عن الطّمث في الميثاق.
قال المحدّث العلامة المجلسي بعد نقله:فطمتك بالعلم،أي أرضعتك بالعلم حتي استغنيت
ص: 20
و فطمت،أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم،أو جعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم كناية عن كونها في بدء فطرتها عالمة بالعلوم الربانية،و علي التقادير كان الفاعل بمعني المفعول كالدافق بمعني المدفوق،و يقرأ علي بناء التفعيل أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل،أو المعني لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه،و الوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله:(فطمتك عن الطمث) إلا بتكلف بأن يجعل الطمث كناية عن الأخلاق و الأفعال الذميمة. (1).
و قال أبو جعفر محمد الباقر عليه السّلام:لمّا ولدت فاطمة عليها السّلام،أوحي اللّه الي ملك فأنطق به لسان محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم فسمّاها فاطمة،ثمّ قال إنّ اللّه تعالي فطمك عن الطمث (2).
و عن أبي الحسن عليه السّلام:إنّها فطمت بالعلم و فطمت عن الطمث.
عن الصادق عليه السّلام قال:تدري أي شي تفسير فاطمة؟قال:فطمت من الشر،و يقال:إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث (3).
و قيل:إنّها سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطمع (4).
فإنّه لمّا ولدت فاطمة سمّاها اللّه عزّ و جلّ فاطمة لما[أخرج منها]و جعل في ولدها ففطمهم عمّا طمعوا،فبهذا سمّيت فاطمة فاطمة لأنّها فطمت طمعهم و معني فطمت قطعت.
و قيل:سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها (5).
و عن أبي الحسن عليه السّلام:سمّيت فاطمة لأنّ اللّه تبارك و تعالي علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يتزوّج في الأحياء و أنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله.
2-و لقّبت بالزهراء:لأنّها كانت بيضاء اللون،و عن جعفر بن محمد بن علي عليه السّلام-عن أبيه- قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،عن فاطمة:لم سمّيت الزهراء؟
فقال:لأنّها كانت إذا قامت في محرابها،يزهو نورها لأهل السماء،كما يزهو نور الكواكب لأهل الأرض (6).
و روي أنها عليها السّلام سمّيت الزهراء،لأنّ اللّه عزّ و جلّ خلقها من نور عظمته (7).
و قيل:إنّه حين وضعتها السيّدة خديجة-رضي اللّه عنها-حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم،و بذلك لقّبت بالزهراء (8).5.
ص: 21
و قيل:إنّها سمّيت الزهراء،لأنّها كانت لا تحيض،و كانت إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتّي لا تفوتها صلاة (1).
و قيل:أنّها سمّيت بالزهراء لطهارتها و وضاءتها (2).
و روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث طويل أنّ سبب تسميتها بالزهراء هو زهور السماوات بنورها قال:...ثمّ أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلي اللّه تعالي أن يكشف عنهم تلك الظلمة،فتكلّم اللّه جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحا ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورا فأضاف النور إلي تلك الروح و أقامها مقام العرش،فزهرت المشارق و المغارب،فهي فاطمة الزهراء،و لذلك سمّيت الزهراء،لأنّ نورها زهرت به السماوات...» (3).
و روي قريب منه عن الصادق عليه السّلام و سلمان (4).
و في رواية كيفيّة ولادتها:«...و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة من قبل ذلك اليوم فلذلك سمّيت الزهراء عليها السّلام» (5).
و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام:سمّيت الزهراء لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوت حمراء إرتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلّقة بقدرة الجبّار لها مائة ألف باب من الملائكة يراها أهل الجنّة كما يري أحدكم الكوكب الدريّ الزهراء في أفق السماء فيقولون هذه الزهراء لفاطمة عليها السّلام (6).
عن أبان بن تغلب قال:قلت لأبي عبد اللّه:يا ابن رسول اللّه لم سميت الزهراء زهراء؟قال:
لأنها تزهر لأمير المؤمنين في النهار ثلاث مرات بالنور،كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلي حجراتهم بالمدينة فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي فيسألونه عمّا رأوا،فيرسلهم إلي منزل فاطمة فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها و من وجهها،فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة.
فإذا انتصف النهار و ترتّبت للصلاة زهر نور وجهها بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفّر ثيابهم و ألوانهم فيأتون النبي فيسألونه عما رأوا،فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها قائمة في محرابها و ظهر نور وجهها صلوات اللّه عليها و علي أبيها و بعلها و بنيها بالصفرة،فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها.
فإذا كان آخر النهار و غربت الشمس احمرّ وجه فاطمة و أشرق وجهها بالحمرة فرحا و شكرا للّه عز و جل فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبي3.
ص: 22
و يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلي منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح اللّه و تمجّده و تحمده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة.
فلم يزل ذلك النور في وجهها حتي ولد الحسين،فهو يتقلّب في وجوهنا إلي يوم القيامة في الأئمة منّا أهل البيت إمام بعد إمام (1).
قال السيد الجزائري في الرياض (2)لعلّ النور الأوّل نور المعرفة و اليقين و الثاني نور الخوف و الثالث نور الحياء و وجه المناسبة ظاهر.
و في ذلك الكتاب عنه عليها السّلام سمّيت الزهراء،لأنّ اللّه عزّ و جلّ خلقها من نور عظمته،فلمّا أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة للّه ساجدين، و قالوا:إلهنا و سيّدنا ما هذا النور؟
فأوحي اللّه إليهم:هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من نور عظمتي أخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي أفضّله علي جميع الأنبياء،و أخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري و هم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي.
و عن أبي هاشم العسكري قال:سألت صاحب العسكر:لم سميّت فاطمة الزهراء؟فقال:كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أول النهار كالشمس الضاحية،و عند الزوال كالقمر المنير،و عند غروب الشمس كالكوكب الدرّي (3).
3-و بالمحدّثة:لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها،كما كانت تنادي مريم ابنة عمران عليها السّلام،و يحدّثها روح القدس (4).
قال الإمام الصادق عليه السّلام:إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول:يا فاطمة إن اللّه إصطفاك و طهرك و اصطفاك علي نساء العالمين يا فاطمة أقنتي لربّك و اسجدي و اركعي مع الراكعين،فتحدّثهم و يحدّثونها (5).
4-و لقّبت بالبتول (6)،لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا،و دينا،و حسبا.
و قيل:لانقطاعها عن[حبّ]الدنيا إلي اللّه تعالي (7).5.
ص: 23
و في تاج العروس:لقّبت فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بالبتول تشبيها لها بمريم في المنزلة عند اللّه تعالي (1).
و قال ثعلب:لانقطاعها عن نساء زمانها و عن نساء الأمّة فضلا،و دينا،و حسبا و عفافا،و هي سيّدة نساء العالمين (2).
و قيل:البتول من النساء المنقطعة عن الدنيا إلي اللّه تعالي،و به لقّبت فاطمة عليها السّلام.
و في مجمع البحار:و سمّيت مريم و فاطمة عليها السّلام بالبتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما فضلا و دينا،و عن الدنيا إلي اللّه تعالي.
و عن عمر بن علي رضي اللّه عنه:أنّ النبيّ سئل عن البتول،و قد قيل له:سمعناك يا رسول اللّه تقول مريم بتول،و فاطمة بتول:فما ذاك؟
فقال:«البتول التي لم تر حمرة قطّ»،أي لم تحض،فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء عليهم السّلام (3).
و عن أسماء بنت عميس قالت:كنت قد شهدت فاطمة قد ولدت بعض ولدها،فلم أر لها دما،فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقال لي:«يا أسماء إنّ فاطمة خلقت حوريّة إنسيّة،أما علمت أنّ فاطمة طاهرة مطهرة» (4).
لقد كانت فاطمة إلي جانب إنسانيّتها تحمل كلّ صفات الملائكة و سمات الحور العين،كانت إنسانة،و كانت حوراء.
و لقد قال أبوها النبي الكريم صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«خلق اللّه نور فاطمة قبل أن يخلق الأرض و السماء».
فقال بعض الناس:يا نبي اللّه،فليست هي إنسيّة.
فقال:«فاطمة حوراء إنسيّة».
و من علامات الحور العين أنّها لا تطمث،فقد قال تعالي: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لاٰ جَانٌّ.
و كذلك الزهراء فإنّها كانت طاهرة من الحيض و النفاس.و قد أجمع المسلمون علي أنّها لم تر حيضا و لا نفاسا.و هذه ميزة فريدة إمتازت بها علي بنات حوّاء (5).1.
ص: 24
و قيل:سمّيت بتولا لأنّها بتلت عن الظير،قاله عبيد الهروي (1).
5-و هي المنصورة،كما روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث التفّاحة جاء فيه:«...فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء و هي في الأرض فاطمة».
قلت:حبيبي جبرائيل و لم سمّيت في السماء المنصورة و في الأرض فاطمة؟
قال:سمّيت في الأرض فاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار و فطم أعداؤها عن حبّها،و هي في السماء المنصورة و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ (2)يعني نصر فاطمة لمحبّيها» (3).
6-و هي الطاهرة«و سمّيت الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس و طهارتها من كلّ رفث و ما رأت قط يوما حمرة و لا نفاسا»كما روي عن الإمام الباقر عليه السّلام (4).
7-و بالصدّيقة،و المباركة،و الطاهرة،و الزكيّة،و الراضية،و المرضيّة،و هي آيات علي ما اتّسمت به-رضي اللّه عنها-من الصدق و البركة،و الطهارة،و الرضا،و الطمأنينة (5).
8-و هي سيدة النساء كما روي في(البحار)من مناقب ابن شهر آشوب عن حذيفة أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:أتاني ملك فبشّرني أنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أو نساء أمتي (6).
و عن جابر بن سمرة عن النبي في خبر:أما أنّها سيدة النساء يوم القيامة.
و من(الأمالي)بسنده عن الحسن بن زيد العطار قال:قلت لأبي عبد اللّه:قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:
فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أسيدة نساء عالمها؟،قال:تلك مريم،و فاطمة سيدة نساء الجنّة من الأولين و الآخرين،فقلت:فقول رسول الله:الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنّة؟قال:و اللّه هما سيدا شباب أهل الجنّة من الأولين و الآخرين (7).
و من(معاني الأخبار)بإسناده عن المفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه:أخبرني عن قول رسول اللّه في فاطمة:أنّها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟
فقال:ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين (8).
و من(الأمالي)بسنده عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال:إن رسول اللّه كان جالسا ذات9.
ص: 25
يوم و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال:الّلهم إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي و أكرم الناس عليّ فاحبب من أحبهم،و ابغض من أبغضهم،و وال من والاهم،و عاد من عاداهم،و أعن من أعانهم،و اجعلهم مطهّرين من كل دنس،معصومين من كل ذنب،و أيّدهم بروح القدس منك.
ثم قال:يا علي أنت إمام أمّتي و خليفتي عليها بعدي،و أنت قائد المؤمنين إلي الجنة،و كأني أنظر إلي ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة علي نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك،و بين يديها سبعون ألف ملك،و عن يسارها سبعون ألف ملك،و خلفها سبعون ألف ملك،تقود مؤمنات أمّتي إلي الجنة فأيما امرأة صلّت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان،و حجّت بيت اللّه الحرام،و زكّت مالها،و أطاعت زوجها،و والت عليا بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة،و أنها لسيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين،و أنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين،و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون:يا فاطمة إنّ اللّه اصطفاك و طهّرك و اصطفاك علي نساء العالمين.
ثم التفت إلي علي و قال:يا علي إنّ فاطمة بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها و يسرّني ما يسرّها،و أنها أول من يلحقني من أهل بيتي،فأحسن إليها بعدي،و أما الحسن و الحسين فهما إبناي و ريحانتاي و هما سيّدا شباب أهل الجنة فليكونا عليك كسمعك و بصرك.
ثم رفع يده إلي السماء فقال:الّلهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم،و مبغض لمن أبغضهم،و سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم،و عدو لمن عاداهم،و وليّ لمن والاهم (1).
***
و سألت فاطمة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقالت:أهل الدّنيا يوم القيامة عراة؟
فقال:نعم يا بنيّة،[فقالت:و أنا عريانة؟
قال:نعم]و أنت عريانة و لا يلتفت فيه أحد فقالت:وا سؤتاه من اللّه يومئذ فما خرجت حتّي قال لي هبط عليّ الروح الأمين فقال:يا محمّد أقرء فاطمة السلام و أعلمها أنّها استحت من اللّه فاستحي اللّه منها فوعدها أن يكسوها يوم القيامة حلّتين من نور.
قال عليّ:فقلت لها فهلاّ سألته عن ابن عمّك؟
فقالت:فعلت،فقال:إنّ عليّا أكرم علي اللّه عزّ و جلّ من أن يعرّيه يوم القيامة (2).
ص: 26
قال السيد الجزائري في الرياض:إنّ الأخبار جاءت في كيفيّة المحشر علي وجوه:
منها؛ما روي من قوله عليه السّلام:تنوقوا بأكفانكم فإنّها زينتكم يوم القيامة.
و منها:ما روي من قوله عليه السّلام:يحشر الناس حفاة عراة عزلا و الأعزل الأغلف (1).
و منها؛ما روي أنّ المؤمن يحشر و عليه ثياب و الكافر يحشر عريانا و لهذا يجمع بين الأخبار أو بالحمل علي المواقف المتعدّدة فإنّ الناس يوم القيامة تختلف أحوالهم باختلاف المواقف كما نطقت به الأخبار (2).
***
عن عليّ عليه السّلام في حديث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يخاطب فاطمة جاء فيه:«ثمّ يبعث اللّه إليك جبرائيل في سبعين ألف ملك فيضرب علي قبرك سبع قباب من نور،ثمّ يأتيك إسرافيل بثلاث حللّ من نور فيقف عند رأسك فيناديك يا فاطمة بنت محمد قومي إلي محشرك،فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك،فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها و يأتيك زوقائيل بنجيبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفّة من ذهب فتركبينها و يقود زوقائيل بزمامها،و بين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح.
فإذا جدّ بك السير استقبلك سبعون ألف حوراء،يستبشرون بالنظر إليك بيد كلّ واحدة منهنّ مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار و عليهنّ أكاليل الجوهر المرصّع بالزبرجد الأخضر، فيسرن عن يمينك،فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلي أن لقينك استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلّم عليك و تسير هي و من معها عن يسارك،ثمّ تستقبلك أمّك خديجة بنت خويلد أوّل المؤمنات باللّه و رسوله و معها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير،فإذا قربت من الجمع استقبلتك حوّاء في سبعين ألف حوراء و معها آسية بنت مزاحم فتسير هي و من معها معك» (3).
و أخرج الحاكم أنّ مبعثها أمام النبيّ و هو علي البراق (4).
***
ص: 27
و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«إذا كان يوم القيامة تقبل إبنتي فاطمة علي ناقة من نوق الجنّة مدبجة الجنبين،خطامها من لؤلؤ رطب،قوائمها من الزمرّد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر،عيناها ياقوتتان حمراوان،عليها قبّة من نور يري ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها،داخلها عفو اللّه و خارجها رحمة اللّه،علي رأسها تاج من نور،للتاج سبعون ركنا كلّ ركن مرصّع بالدرّ و الياقوت، يضي كما يضي الكوكب الدرّي في أفق السماء و عن يمينها سبعون ألف ملك،و عن شمالها سبعون ألف ملك،و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلا صوته:غضّوا أبصاركم حتّي تجوز فاطمة بنت محمد،فلا يبقي يؤمئذ نبيّ و لا رسول و لا صدّيق و لا شهيد إلاّ غضّوا أبصارهم حتّي تجوز فاطمة فتسير حتّي تحاذي عرش ربّها جلّ جلاله،فتزخ (1)بنفسها عن ناقتها و تقول:«إلهي و سيّدي أحكم بيني و بين من ظلمني،اللّهمّ احكم بيني و بين من قتل ولدي،فإذا النداء من قبل اللّه جلّ جلاله:يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفّعي،فوعزّتي و جلالي لا جازني ظلم ظالم... (2).
و زيد في رواية:«فتمرّ فاطمة و شيعتها كالبرق الخاطف» (3).
و أخرجه الطبراني مختصرا بلفظ:«...فتمرّ فاطمة و عليها ريطتان خضراوان» (4).
و أخرجه ابن المغازلي بلفظ:«...و نكّسوا رؤوسكم» (5).
و أخرجه البغدادي بلفظ:طأطئوا رؤوسكم حتّي تجوز فاطمة (6).
و في بعض الروايات أنّ المنادي ليس جبرائيل بل اللّه جلّ جلاله (7).
و روي عليّ بن موسي الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«تحشر إبنتي فاطمة عليها السّلام و عليها حلّة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان،فينظر إليها الخلائق فيعجبون منها، ثمّ تكسي أيضا حلّة من حلل الجنّة و هي ألف حلّة مكتوب علي كلّ حلّة بخطّ أخضر(أدخلوا بنت محمد الجنّة علي أحسن الصور و أحسن الكرامة و أحسن منظر)فتزفّ كما تزفّ العروس إلي زوجها و يوكلّ بها سبعون ألف جارية» (8).
ص: 28
و فيه عن شريك يرفعه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في لمة من نسائها فيقال لها:ادخلي الجنة،فتقول:لا أدخل حتي أعلم ما صنع بولديّ من بعدي،فيقال لها:
انظري في قلب القيامة،فتنظر إلي الحسين قائما و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا،فيغضب اللّه لنا عند ذلك فيأمر نارا يقال لها:هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتي اسودت لا يدخلها روح أبدا و لا يخرج منها غمّ أبدا،فيقال لها:التقطي قتلة الحسين و حملة القرآن،فتلقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت و صهلوا بها و شهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها،فينطقون بألسنة زلقة طلقة:يا ربّنا بما أوجبت النار لنا قبل عبدة الأوثان؟فيأتيهم الجواب عن اللّه عز و جل إن من علم ليس كمن لا يعلم (1).
و فيه عن محمد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:
إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة قبّة من نور و أقبل الحسين رأسه علي يده،فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقي في الجمع ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا عبد مؤمن إلا بكي لها،فيمثل اللّه عزّ و جلّ رجلا لها في أحسن صورة و هو يخاصم قتلته بلا رأس،فيجمع اللّه قتلته،و المجهزين عليه و من شرك في قتله فيقتلهم حتي يأتي علي آخرهم،ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين،ثم ينشرون فيقتلهم الحسن،ثم ينشرون فيقتلهم الحسين،ثم ينشرون فلا يبقي من ذرّيتنا أحد إلا قتلهم قتلة،فعند ذلك يكشف اللّه الغيظ و ينسي الحزن.ثم قال أبو عبد اللّه:رحم اللّه شيعتنا،شيعتنا و اللّه هم المؤمنون فقد و اللّه شركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة (2).
***
و في(البحار)من مجالس الشيخ عن أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين و الآخرين في صعيد واحد فينادي مناد:غضّوا أبصاركم و نكسوا رؤوسكم حتي تجوز فاطمة بنت محمد الصراط.
قال:فتغضّ الخلائق أبصارهم،فتأتي فاطمة سلام اللّه عليها علي نجيب من نجب الجنة يشيّعها سبعون ألف ملك،فتقف موقفا شريفا من مواقف القيامة،ثم تنزل من نجيبها فتأخذ قميص
ص: 29
الحسين بن علي عليهما الصلاة و السلام بيدها مضمخا بدمه،و تقول:يا ربّ هذا قميص ولدي الحسين و قد علمت ما صنع به،فيأتيها النداء من قبل اللّه عز و جل:يا فاطمة لك عندي الرضا، فتقول:يا رب إنتصر لي من قاتله،فيأمر اللّه تعالي عنقا من النار فتخرج من جهنم،فتلتقط قتلة الحسين بن علي صلوات اللّه و سلامه عليهما كما يلتقط الطير الحب،ثم يعود العنق بهم إلي النار، فيعذّبون فيها بأنواع العذاب.
ثم تركب فاطمة سلام اللّه عليها نجيبها حتي تدخل الجنّة و معها الملائكة المشيّعون لها و ذرّيتها بين يديها و أولياؤهم من الناس عن يمينها و شمالها (1).
قال الشاعر:
كأنني بالبتول الطّهر واقفة في الحشر تشكو إلي الرحمن باريها
تأتي و قد ضمخت ثوب الحسين دما فيض النحور البحاري ويل مجريها
تدعو ألا أين مسمومي و يا أسفا علي ذبيحي و أسري من ذراريها
تقول و احزني بل آه وا حسني هذا حسيني قتيل في فيافيها
هذا حسيني رضيض الجسم منجدلا تسفي علي جسمه العاري سوافيها
آه علي جثث بالطف قد قطعت رؤوسها و هجير السيف يصليها
آه علي جثث فيها القني لعبت و أركضت ماضيات في تراقيها
يا فتية ذبحت في كربلا و ثوت علي الوجوه عرايا في صحاريها
بنتم فبان لكم سلوان فاطمة و لا عج الوجد بالوجدان يشجيها
***
أخرج الديلمي و القزويني عن أبي يزيد المدني أنّه سمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يقول:«أوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة بنت محمد و مثلها في هذه الأمّة مثل مريم في بني إسرائيل» (2).
و أخرج الحاكم و صحّحه عن عليّ عليه السّلام قال:«أخبرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا و فاطمة و الحسن و الحسين.
قلت:فمحبّونا؟
ص: 30
قال:من ورائكم» (1).
و يؤيّد ذلك ما روي من اشتياق الجنّة لها قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث زواجها من الإمام علي عليهما السلام:«...و لقد أخبرني جبرائيل عليه السّلام أنّ الجنّة مشتاقة إليكما،و لو لا أنّ اللّه عزّ و جلّ قدّر أن يخرج منكما ما يتّخذه علي الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنّة و أهلها...» (2).
***
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«إنّه في الجنّة درجة تدعي الوسيلة فإذا سألتم اللّه تعالي فسلوا لي الوسيلة،قالوا:يا رسول اللّه من يسكن معك فيها؟
قال:علي و فاطمة و الحسن و الحسين» (3).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:كما في«قرّة العيون»:إذا كان يوم القيامة و استقرّ أهل الجنّة في الجنّة و أهل النار في النار يؤتي بالموت في صورة كبش أملح و ينادي مناد يا أهل الجنّة أشرفوا و يا أهل النار أشرفوا فيشرفون كلّهم فيقال لهم:أتعرفون هذا؟فيقولون:لا،فيقال لهم:هذا هو الموت، فيذبح بين الجنّة و النار،و ينادي مناد يا أهل الجنّة خلود فلا موت و يا أهل النار خلود فلا موت، فعند ذلك تعظم حسرات أهل النار و يرجعون باكين و يشتدّ فرح أهل الجنّة و يرجعون إلي قصورهم، فيبعث اللّه سبحانه و تعالي لهم مغاني من الحور العين فيجلسون في رياض الجنّة في إيوان من درّة بيضاء طوله مائة عام و عرضه خمسون عاما و النساء كلّهنّ عند فاطمة الزهراء-رضي اللّه عنها- و الرجال عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم في إيوان آخر... (4).
و قال في صفة المؤمنين في الجنّة:(...فيركب الرجال النجائب و النساء الهوادج و تسير جميع الرجال إلي سيّدنا محمد المصطفي صلّي اللّه عليه و آله و سلم و النساء عند فاطمة الزهراء،و يركب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم البراق و يعقد له لواء الحمد...فيسيرون حتّي يصلوا إلي قصر آدم عليه السّلام فيقول آدم ما هذا؟
فتقول الملائكة:هذا ولدك محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و ابنته دعاهم اللّه إلي زيارته...
فإذا وصلوا تمضي الملائكة بالنساء إلي فاطمة الزهراء-رضي اللّه عنها-و الرجال عند
ص: 31
النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فينزلون إلي ميدان أرضه من المسك يسمّي حضرة القدس...و النساء الصالحات يجلسن جميعهنّ عند السيّدة فاطمة الزهراء في إيوان من درّة بيضاء تحت شجرة طوبي و تنصب لهم كراسي علي قدر درجاتهم) (1).
و يؤيّد ذلك قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم عن فاطمة عليها السّلام:أما إنّها سيّدة النساء يوم القيامة (2).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث:«...و كأنّي أنظر إلي ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة علي نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك و عن يسارها سبعون ألف ملك،تقود مؤمنات أمّتي إلي الجنّة...» (3).
و عن ابن عباس:«...و إنّ في القصور البيض لسبعين ألف دار منازل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و إنّ في القصور الصفر لسبعين ألف دار مساكن إبراهيم و آله عليه السّلام فتجلس[فاطمة]علي كرسيّ من نور فيجلسون حولها...» (4).
***
عن عبد اللّه بن مسعود قال:سأحدّثكم بحديث سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلم أزل أطلب الشهادة للحديث،فلم أرزقها:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في غزوة تبوك يقول و نحن نسير معه:«إنّ اللّه لمّا أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ ففعلت قال جبريل:إنّ اللّه-تعالي-بني جنّة من لؤلؤة قصب (5)بين كلّ قصبة إلي قصبة لؤلؤة من ياقوته مشذّرة بالذهب،و جعل سقوفها زبرجدا أخضر،و جعل فيها طاقات من لؤلؤة مكلّلة باليواقيت،ثمّ جعل عليها غرفا لبنة من فضّة و لبنة من ذهب و لبنة من درّ، و لبنة من ياقوت و لبنة من زبرجد،ثمّ جعل فيها عيونا تنبع في نواحيها،و حفّت بالأنهار و جعل علي الأنهار قبابا من درّ قد شعّبت بسلاسل الذهب،و حفّت بأنواع الشجر و بني في كلّ غصن قبّة،و جعل في كلّ قبّة أريكة من درّة بيضاء غشاؤها السندس و الإستبرق،و فرش أرضها بالزعفران و فتّق (6)بالمسك و العنبر،و جعل في كلّ قبّة حوراء،و القبّة لها مئة باب علي كلّ باب حارسان و شجرتان، في كلّ قبّة مفرش و كتاب مكتوب،حول القباب آية الكرسيّ.
ص: 32
قلت لجبريل:لمن بني الله هذه الجنّة؟
قال:بناها لفاطمة إبنتك،و عليّ بن أبي طالب سوي جنانها تحفّة أتحفها بها و أقرّ عينيك يا رسول اللّه» (1).
***
تقدّم أنّ نطفة فاطمة عقدت من ثمار الجنّة،و أن رائحتها رائحة الجنّة،و يأتي كونها حول عرش الرحمن،و روي أنّ اسمها مكتوب علي باب الجنّة.
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«يا معشر بني هاشم و الذي بعثني بالحقّ لو أخذت بحلقة باب الجنّة ما بدأت إلاّ بكم».
أخرجه أحمد في الفضائل عن عليّ و الخطيب في التاريخ و العقيلي عن ابن عباس و ابن شبة (2).
و أخرج مسلم في الصحيح:«نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة و نحن أوّل من يدخل الجنّة و بلفظ آخر:نحن أوّل الناس دخولا الجنّة» (3).
*أقول:سوف يأتي له شاهد صريح أنّ فاطمة أوّل من يدخل الجنّة (4).
و له شاهد آخر من حديث أبي رافع:أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة أنا و أنت و الحسن و الحسين و ذرارينا خلف ظهورنا و أزواجنا خلف ذرارينا (5).
و رواه الزمخشري بلفظ:أما ترضي أن تكون رابع أربعة أوّل من يدخل الجنّة أنا و أنت و الحسن و الحسين و أزواجنا عن أيماننا و شمائلنا و ذرّيتنا خلف أزواجنا (6).
و أخرجه بهذا اللفظ الثعلبي و أحمد عن عليّ و عبد اللّه و الطبراني عن أبي رافع (7).
ص: 33
و له شاهد قويّ من حديث عليّ عند الطبراني و الديلمي:أوّل من يرد الحوض أهل بيتي (1).
أخرج القرشي و البغدادي و الطبراني و غيرهم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«علي باب الجنّة:علي وليّ اللّه فاطمة أمة اللّه الحسن و الحسين صفوة اللّه»و في لفظ:«فاطمة خيرة اللّه» (2).
و أخرجه الخوارزمي بلفظ:«لما أسري بي إلي السماء رأيت علي باب الجنّة مكتوبا بالذهب:
لا إله إلاّ اللّه محمد حبيب اللّه عليّ ولي اللّه فاطمة أمة اللّه الحسن و الحسين صفوة اللّه علي مبغضهم لعنة اللّه» (3).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جاء فيه:«و تمام إسمي و إسم أخي علي و ابنتي فاطمة و ابنيّ الحسن و الحسين مكتوبة علي سرادق العرش بالنور» (4).
***
وردت مئات الأحاديث في فضل الصدّيقة الطاهرة،و قد جمعت ذلك في كتاب سمّيته:
«مناقب الحوراء الإنسيّة من المسانيد السنّيّة»و بلغ-لحدّ الآن-العشرة أجزاء مرتّبا علي تقدّم الحفّاظ،و نقتصر هنا بالإشارة إلي بعض هذه الأحاديث تيمّنا بذكرها المبارك.
1-أثر حبّ فاطمة:روي سلمان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال:«يا سلمان من أحبّ فاطمة إبنتي فهو في الجنّة معي،و من أبغضها فهو في النار.
يا سلمان حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن:الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة،فمن رضيت عنه إبنتي فاطمة رضيت عنه و من رضيت عنه رضي اللّه عنه،و من غضبت عليه إبنتي فاطمة غضبت عليه و من غضبت عليه غضب اللّه عليه.يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أمير المؤمنين عليّا و ويل لمن يظلم ذرّيتها و شيعتها» (5).
ص: 34
2-بالنظر إلي فاطمة تنكشف الهموم:قال عليّ عليه السّلام:و اللّه ما أغضبتها و لا أكرهتها علي أمر حتّي قبضها اللّه عزّ و جلّ و لا أغضبتني و لا عصيت لي أمرا،و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم و الأحزان (1).
و روي أنّ زكريا كان إذا ذكر محمدا و عليّا و فاطمة و الحسن سري عنه همّه و انجلي كربه (2).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«حبّ آل محمد جواز علي الصراط» (3).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أثبتكم علي الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي».أخرجه الديلمي و ابن عدي (4).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«حبّ آل محمد يوما خير من عبادة سنة و من مات عليه دخل الجنّة».أخرجه الديلمي عن ابن مسعود (5).
و له شاهد من حديث جرير:«ألا و من مات علي حبّ آل محمد يزفّ إلي الجنّة كما تزفّ العروس إلي بيت زوجها» (6).
و له شاهد آخر من حديث ابن عمر:من أراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي (7).
و في حديث آخر عنه:ألا و من مات علي حبّ آل محمد فأنا كفيله بالجنّة (8).
ابن عمر:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«من أراد التوكّل علي اللّه فليحبّ أهل بيتي و من أراد أن ينجو من عذاب القبر فليحبّ أهل بيتي و من أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي،و من أراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي فو اللّه ما أحبّهم أحد إلاّ ربح الدنيا و الآخرة» (9).
و عن الحسن بن علي:أما إنّ حبّنا أهل البيت يساقط عن العبد الذنوب كما تساقط الريح الورق عن الشجر (10).ر.
ص: 35
و عن جرير البجلي في حديث طويل فيه ذكر جملة من آثار حبّهم قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:
«من مات علي حبّ آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم مات شهيدا،ألا و من مات علي حبّ آل محمد مات مؤمنا مستقبل الإيمان،ألا و من مات علي حبّ آل محمد بشّره ملك الموت ثمّ منكر و نكير،ألا و من مات علي حبّ آل محمد يزفّ إلي الجنّة كما تزفّ العروس إلي بيت زوجها،ألا و من مات علي حبّ آل محمد فتح في قبره بابان إلي الجنّة،ألا و من مات علي حبّ آل محمد جعل اللّه زوّار قبره ملائكة الرحمة.
ألا و من مات علي بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه ألا و من مات علي بغض آل محمد،مات كافرا،ألا و من مات علي بغض آل محمد لم يشمّ رائحة الجنّة».
أخرجه الثعلبي و الزمخشري و الرازي و المقريزي و الثعالبي و القرطبي و غيرهم (1).
***
روي علي بن موسي الرضا عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة و قالوا:خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت عليّا،فقلت لهم:و اللّه ما أنا منعتكم و زوّجته بل اللّه منعكم و زوّجه،فهبط عليّ جبرائيل فقال:يا محمد إنّ اللّه جلّ جلاله يقول:لو لم أخلق عليّا لما كان لفاطمة كفؤ علي وجه الأرض آدم فمن دونه» (2).
و رواه الصادق عليه السّلام مختصرا:لو لا أنّ اللّه خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ علي الأرض (3).
و أخرجه من العامّة الديلمي عن أمّ سلمة قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لو لم يخلق عليّ ما كان لفاطمة كفؤ» (4).
أقول:هذا يقتضي تفضيلها و بعلها عليهما السّلام علي الخلفاء كما يأتي.
ص: 36
قال ياسين الخطيب العمري:ذكر في سيرة العراقي،قال الحافظ السيوطي في الخصائص:
ذكر الإمام علم الدين العراقي أنّ فاطمة-رضي اللّه تعالي عنها-و أخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بإتّفاق،و نقل عن مالك أنّه قال:لا أفضل علي بضعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (1).
و قال السهيلي(581 ه):(يذكر عن أبي بكر بن داوود أنه سئل أعائشة أفضل أم خديجة؟
فقال:عائشة أقرأها رسول اللّه صل اللّه عليه و سلم السلام من جبريل،و خديجة أقرأها جبريل السلام من ربها علي لسان محمد؛فهي أفضل.
قيل له:فمن أفضل أخديجة أم فاطمة؟
فقال:إنّ رسول اللّه صل اللّه عليه و سلم قال:«إنّ فاطمة بضعة مني»فلا أعدل ببضعة من رسول اللّه أحدا.
و قال السهيلي:و هذا إستقراء حسن،و يشهد لصحة هذا الإستقراء أن أبا لبابة حين ارتبط نفسه و حلف ألآ يحله إلاّ رسول اللّه صل اللّه عليه و سلم،فجاءت فاطمة لتحلّه،فأبي من أجل قسمه، فقال رسول اللّه صل اللّه عليه و سلم:«إنما فاطمة بضعة مني»فحلّته،و سنذكر الحديث في موضعه باسناده،و يدل علي تفضيل فاطمة قوله عليه السّلام:«أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلاّ مريم، فدخل في هذا الحديث أمّها و أخواتها) (2).
*قال السبكي:الذي أختاره و أدين اللّه به أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أفضل ثم أمها خديجة ثم عائشة عليهن رضوان اللّه تعالي.انتهي (3).
*و قال الزرقاني علي المواهب:الذي اختاره الإمام المقريزي و القطب الخضيري و الإمام السيوطي بأدلة واضحة أنّ السيدة فاطمة أفضل نساء العالمين حتي مريم-و قال:و قال الإمام السبكي الذي أختاره و أدين اللّه به أنّ فاطمة بنت رسول اللّه أفضل ثم أمها خديجة ثم عائشة.قال:و الخلاف شهير و لكن الحق أحق أن يتبع (4).
ص: 37
*و قال الامام أبو بكر:الأخبار ثابتة صحيحة أنّ فاطمة سيدة نساء هذه الامة (1).
*و قال السفاريني:فاطمة أفضل من خديجة للفظ السيادة و أفضل من مريم (2).
و قال ابن الجكني:فاطمة الزهراء التي هي أفضل النساء علي القول الأصح،و قيل بفضل مريم عليها و أنها هي تليها في الفضل (3).
*و قال الشيخ الرفاعي:أما فاطمة فهي أفضل النساء علي ما صححه كثير من الأئمة المتقدمين و العلماء العالمين (4).
*و أنشد الشيخ أحمد المقري قصيدة جاء منها:
و هل كفاطمة الزهراء أمهما *بنت النبي المصطفي بشر
فإنها بضعة منه و ما أحد *كبضعة المصطفي إن حقق النظر
و هن أفضل أصناف النساء سوي *بنت الرسول فما مثل لها بشر (5)
و قال المناوي:من أطلق نساؤه وردّ عليه خديجة،و هي أفضل من عائشة علي الصواب لتصريحه بأنّه لم يرزق خيرا من خديجة،لخبر ابن أبي شيبة:فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة بعد مريم بنت عمران و آسية و خديجة،فإذا فضّلت فاطمة فخديجة أولي و من أولي بنساء زمانها،وردّ عليه فاطمة و في شأنها قال المصطفي ما سمعت.و قد قال جمع من السلف لا يعدل ببضعة رسول اللّه أحد.قال البعض:و به يعلم أنّه بقيّة أولاده كفاطمة.
و ممّا يرجّح القول بأنّ خديجة أفضل من عائشة أنّ عائشة أقرأها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم السلام من جبريل و خديجة أقرأها السلام جبريل من ربّها عزّ و جلّ،و يفهم من حديث ابن أبي شيبة أنّ خديجة أفضل من فاطمة و يعارضه ما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس مرفوعا قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:سيّدة نساء أهل الجنّة مريم بنت عمران ثمّ فاطمة ثمّ خديجة ثمّ آسية امرأة فرعون،و سئل ابن داود إيّما أفضل فاطمة أم أمّها؟
فقال:فاطمة بضعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلا تعدل بها أحدا.
و سئل السبكي فقال:الذي نختاره و ندين اللّه به أنّ فاطمة بنت محمد أفضل ثمّ أمّها خديجة ثمّ عائشة.د.
ص: 38
و عن ابن العماد أنّ خديجة إنّما فضّلت فاطمة باعتبار الإمامة لا السيادة.ا ه.
و إنّما لم يساو فاطمة غيرها من أخواتها لشدّة شبهها به صلّي اللّه عليه و آله و سلم خلقا و خلقا،و لأنّ سائر أخواتها متن في حياته صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و فاطمة إنّما ماتت بعده فكان في ميزانها.
كذا كان يقرّره شيخنا العلاّمة أبو عبد اللّه سيدي محمد بن أحمد المناوي رحمه اللّه و في الحديث:
«فاطمة خير بناتي»أنّها أحييت.
و قد اختلف أيضا هل الأفضل مريم بنت عمران علي القول بأنّها ليست بنبيّة أم فاطمة بنت محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم؟و قد تعرّض للكلام في ذلك الشيخ تقي الدين السبكي في فتاويه الحلبيات و شفي الغليل،و اقتضب الشيخ جلال الدين السيوطي من كلامه ما هو المقصود و كأنّهما ما لا إلي تفضيل فاطمة علي الكلّ و خديجة علي عائشة (1).
و جاء في الحلية:قال الشيخ رحمه اللّه:و من ناسكات الأصفياء و صفيات الأتقياء فاطمة-رضي اللّه تعالي عنها-السيّدة البتول البضعة الشبيهة بالرسول ألوط أولاده بقلبه لصوقا و أوّلهم بعد وفاته به لحوقا،كانت عن الدنيا و متعتها عازفة و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة (2).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«فاطمة سيدة نساء أمتي أو سيدة نساء المؤمنين أو الجنة» (3).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أفضل و خير النساء أربع مريم و خديجة و فاطمة و آسية» (4).ر-
ص: 39
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«حسبك من نساء العالمين أربع فاطمة و خديجة و مريم و آسية» (1).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«يا فاطمة إن اللّه يغضب لغضبك و يرضي لرضاك» (2).
قال السمهودي بعد إيراده هذا الحديث:(فمن آذي شخصا من أولاد فاطمة أو أبغضه فقد جعل نفسه عرضة لهذا الخطر العظيم،و بضده من تعرض لمرضاتها في حبهم و إكرامهم كما يؤخذ مما تقدم) (3).
*و قال السهيلي:(هذا الحديث يدل علي أنّ من سبّها كفر و من صلّي عليها فقد صلّي علي أبيها) (4).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني» (5).:-
ص: 40
و روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة منها:
«إنّ فاطمة[ابنتي]بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها[فمن أغضبها أغضبني]» (1).
«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يغضبني ما أغضبها» (2).
«إنّ فاطمة بضعة مني فأحب ما سرها و أكره ما ساءها» (3).
«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها» (4).
«فإنّ فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلهما و يسرني ما يسرها» (5).
«فاطمة شجنة[مضغة-بضعة]مني يبسطني ما يبسطها و يقبضني ما يقبضها» (6).
«إنّ فاطمة بنت محمد بضعة مني و أنا أكره أن تفتنوها» (7).
«إنّ فاطمة مضغة مني فمن آذاها آذاني» (8).3.
ص: 41
«إنّ فاطمة بضعة مني يسوؤني ما ساءها» (1).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«من صلّي صلاة لم يصلّ فيها عليّ و لا علي أهل بيتي لم تقبل منه»، أخرجه الدار قطني عن أبي مسعود و الملاّ عن جابر (2).
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري» (3).
و له شاهد من حديث:«أوّل من أشفع له أهل بيتي و من أشفع له أفضل».
و شاهد آخر ما أخرجه أبو الشيخ بن حيّان في كتابه التنبيه الكبير:«أيّها الناس إنّ الفضل و الشرف و المنزلة و الولاية لرسول اللّه و ذرّيته فلا تذهبنّ بكم الأباطيل» (4).
و يشهد له في مودّة القربي عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«يا عليّ لو أنّ أحدا عبد اللّه حقّ عبادته ثمّ شكّ فيك و أهل بيتك أنّكم أفضل الناس كان في النار» (5).
و يشهد له أيضا ما أخرجه المسعودي عن عليّ:«فنحن أنوار السماء و أنوار الأرض...فنحن أفضل المخلوقين و أشرف الموحّدين» (6).
و يشهد له أيضا ما أخرجه أبي علي أحمد بن محمد الباشاني في فوائده بسنده إلي علي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:فضل دهن البنفسج علي سائر الأدهان كفضلنا أهل البيت علي سائر الخلق (7).
و من الشواهد عليه خطبة الحسن في مجلس معاوية و يالها من خطبة قال:«نحن أكرم أهل الأرض زندا لنا الشرف الثاقب و الكرم الغالب...فنحن و يحك نور البلاد و أملاكها و بنا تفخر الأمّة و إلينا تلقي مقاليد الأزمّة...أنا ابن ماء السماء و عروق الثري و ابن من ساد الدنيا بالحسب الثاقب و الشرف الفائق و القديم السابق،أنا ابن من رضاه رضي الرحمن و سخطه سخط الرحمن» (8).
ص: 42
*أقول:تقدم له شاهد عن الحفّاظ بالتصريح أنّ فاطمة أفضل الناس.
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:لو لا أنّ اللّه تبارك و تعالي خلق أمير المؤمنين لفاطمة عليها السّلام ما كان لها كفؤ علي ظهر الأرض من آدم و من دونه.
المقصود أنّ فاطمة عليها السّلام أفضل من آدم فمن دونه مع قطع النظر عن حرمة النكاح أو حلّه،فلا يرد أنّها عليها السّلام كانت حراما علي آدم عليه السّلام و إذا كانت هي عليها السّلام أفضل من الرجال كانت أفضل من النساء أيضا و قد رويت في ذلك أخبار من طريق العامة و الخاصة أما من طريق الخاصة فظاهر،و أما من طريق العامة فكما رواه مسلم عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال«إنما ابنتي-يعني فاطمة-بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها»و عنه أيضا:«إنّ فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها»و عنه أيضا«يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين»و في أخري«أن تكوني سيدة نساء هذه الامّة».
قال القرطبي:حسبها ما بشّرها به من الكرامة و أخبرها بأنها سيدة نساء المؤمنين و سيدة نساء هذه الامة و سيدة نساء أهل الجنة،و قال:به يحتج من فضّل فاطمة رضي اللّه عنها علي عائشة،ثم قال عياض:و اختلف في أنّ عايشة أفضل من فاطمة أو بالعكس،فقيل بالأول لأنّ عائشة مع النبي في درجته و فاطمة مع علي في درجته و درجة النبي أرفع من درجة علي،و قيل بالعكس للروايات المذكورة و نحوها و توقف الأشعري في المسألة و تردّد فيها.انتهي.
و قال القرطبي علي ما نقل عنه الآبي في كتاب إكمال الإكمال:إنّ فاطمة رضي اللّه عنها لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس إذا أنا مت فغسّليني أنت و علي و لا تدخلا أحدا فلما جاءت عائشة لتدخل قالت أسماء لا تدخلي،فشكت عائشة ذلك إلي أبي بكر و قالت:إنّ هذه الخثعمية تحول بيننا و بين ابنة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فجاء أبو بكر فوقف علي الباب فقال:يا أسماء ما حملك أن منعت أزواج رسول اللّه أن يدخلن علي ابنته قالت أسماء:أمرتني أن لا يدخل عليها أحد،فقال أبو بكر:إصنعي ما أمرتك و رجع.
و فيها دلالة علي أنها عليها السّلام مضت و هي ساخطة علي أكثر الصحابة،نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا (1).
و في كتاب الآل عن العسكري عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لمّا خلق اللّه آدم و حوّاء[جعلا] يتبخترا في الجنّة فقال آدم لحوّاء:ما خلق اللّه خلقا هو أحسن منّا،فأوحي اللّه إلي جبرئيل ائت بعبديّ الفردوس الأعلي،فلمّا دخلا الفردوس الأعلي نظرا إلي جارية علي درنوك من درانيك الجنّة و علي رأسها تاج من نور و في أذنيها قرطان من نور و قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال آدم:
حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي أشرقت الجنان من حسن وجهها؟7.
ص: 43
فقال:هذه فاطمة بنت محمّد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان،قال:فما هذا التاج الذي علي رأسها؟
قال:بعلها عليّ بن أبي طالب،قال:فما القرطان في أذنيها؟
قال:ولداها الحسن و الحسين،قال آدم:يا جبرئيل أخلقوا قبلي؟
قال:هم موجودون في غامض علم اللّه قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة (1).
***
إذا أردنا أن ندرك ما معني هذا القول من نبي الهدي الذي لا ينطق عن الهوي إنّ هو إلاّ وحي يوحي،فلا بدّ من ملاحظة أسباب هذا القول و هي مختلفة:فتارة كان يقول ذلك تنبيها علي فضلها و أنّها لها من الفضل ماله صلوات اللّه عليه،و هكذا فهم جملة من الحفّاظ الذين فضّلوا فاطمة علي الخلفاء كما تقدّم عن مالك و عن الحربي (2).
و تارة كان يتحف أسماع صحابته به من أجل التحذير عن ظلمها و أذيّتها و أنّ من آذاها فقد آذاه لأنّها بضعة منه صلوات اللّه عليها و عليه.
و ثالثة:كان يقول لتحديد ثواب فعل من يصلّي علي فاطمة فقد صلّي علي النبيّ لأنّها بضعة منه.
و رابعة:أنّ فاطمة كالنبيّ في التصرّف فما قالته فاطمة فهو قوله صلوات اللّه عليه و ما فعلته فاطمة فهو فعله،و ذلك نحو القصّة المشهورة في توبة الصحابي أبا لبابة عندما ربط نفسه إلي إسطوانة التوبة في المسجد و حلف ألاّ يفكّه إلاّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أو تنزل توبته،فأرسل النبيّ فاطمة لتحلّه، فقال:لا،حتّي يحلّني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«إنّما فاطمة بضعة منّي»فحلّته (3).
و خامسة:كان يخلّد رسول السماء هذه المقولة للتأكيد علي سعة علم فاطمة و غزارته و أنّ علمها علم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و يستطيع الناس أن يأخذوا فتواها كما هو معروف من قولها:خير للرجال أن لا يرينّ النساء و خير للنساء أن لا يراهنّ الرجال،عندما سألها النبيّ:ما خير للنساء؟ (4).
ص: 44
و كذلك عندما سأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أصحابه عن المرأة متي تكون أدني من ربّها؟
فلم يدروا جميعا،فلمّا سمعت فاطمة عليها السّلام ذلك قالت:أدني ما تكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها.
فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«إنّ فاطمة بضعة منّي» (1).
و نحوه سوف يأتي في«علم فاطمة» (2).
***
قال الثعلبي:الباب الخامس في ذكر ما زيّن اللّه به الأرض:(...و زيّنها أيضا بآل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و زيّنهم أيضا بأربعة:علي و فاطمة و الحسن و الحسين-رضي اللّه عنهم-.
و روي يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال:صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم صلاة الفجر فلمّا انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم فقال:يا معشر المسلمين من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر و من افتقد القمر فليتمسّك بالزهرة و من افتقد الزهرة فليتمسّك بالفرقدين،فقيل:يا رسول اللّه ما الشمس و ما القمر و ما الزهرة و ما الفرقدان؟
فقال:أنا الشمس و عليّ القمر و فاطمة الزهرة و الحسن و الحسين الفرقدان في كتاب اللّه تعالي لا يفترقان حتّي يردا عليّ الحوض» (3).
أقول:يشهد لصحّة هذا الحديث حديث السفينة المشهور عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حقّ أهل البيت عليهم السّلام«مثل أهل بيتي كسفينة نوح من تمسّك بها نجي»و أهل البيت هم النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (4).
و أيضا له شاهد قوي في أحاديث الثقلين المتواتر:«إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل البيت»،و في لفظ:«ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا» (5).
ص: 45
أمر النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم التمسّك بفاطمة بأفعالها و أقوالها و إرشاداتها يفيد مساواتها للنبي و الأئمّة في مهمّة الخلافة و تبليغ الرسالة،و يؤيّد ذلك ما تقدّم في معني حديث البضعة و أن فاطمة بضعة في المهمّات و العلم و الفضل.
و يؤيّده أيضا أنّها مشاركة للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم و لعليّ و الحسن و الحسين بالعصمة كما بيّناه في تفسير آية التطهير (1).
إضافة لحديث الثقلين و السفينة و الأمان و جملة من الأحاديث تقدّم بعضها و يأتي الكثير.
و ممّا يشير إلي ذلك قول الصدّيقة الحوراء الأنسيّة في خطبتها المشهورة الآتية:«و طاعتنا نظاما للملّة و إمامتنا أمانا من الفرقة»فأدخلت نفسها في وجوب طاعة الأمّة لها و كونها كالإمام فإمامتها أمانا من الفرقة و الهرج و المرج و بطاعتها ينتظم أمر البلاد و العباد.
و أيضا يشير إلي ذلك قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حقّها و حقّ زوجها و أبنائها:أنا وليّ لمن والاهم (2).
فأثبت لها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم ولاية علي الأمّة كما أثبتها لعليّ و الحسنين عليهم السّلام.
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«إنّي و إثني عشر من ولدي و أنت يا علي زرّ الأرض،يعني أوتادها و جبالها،بنا أوتد اللّه الأرض أن تسيخ بأهلها فإذا ذهب الإثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها و لم ينظروا».
و في حديث:«من ولدي إثنا عشر نقيبا نجباء محدّثون مفهّمون آخرهم القائم بالحق» (3).
و هذا نصّ صريح من الرسول الأعظم أنّ فاطمة المكمّلة للعدد«12»و هم جميعا من ولد
ص: 46
النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و الرواية الأولي تنصّ أنّ عليّا خارج العدد«12»و الثانية فيها لفظ:«من ولدي»و علي ليس من ولده بل أخوه،فتأمّل تدرك.
و في رواية عن الباقر عليه السّلام:الإثنا عشر إمام من آل محمد كلّهم محدّث من ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و من ولد عليّ فرسول اللّه و عليّ هما الوالدان (1).
***
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«من سبّ أهل بيتي فإنّما يرتدّ عن اللّه و الإسلام» (2).
و له شاهد من حديث الحسين عليه السّلام:«من سبّ أهل بيتي فأنا بري منه و الإسلام».أخرجه الجعابي في الطالبيين (3).
و يؤيّده ما أخرجه الطبراني عن أبي الرجاء العطاردي قال:«لا تسبّوا عليّا و لا أهل البيت» (4).
*أقول:تقدم عن السهيلي التصريح أنّ من سبّ فاطمة فقد كفر،و كذلك قال القاضي عيّاض (5).
و له شاهد من حديث عليّ عليه السّلام:إنّ اللّه حرّم الجنّة علي من ظلم أهل بيتي أو سبّهم (6).
***
و أخرج الملاّ عن أنس و ابن عباس:نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد (1)(2).
و أخرجه الديلمي عن أنس (3).
و له شاهد قويّ أخرجه أبو نعيم:ألا إنّ خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر و عمر،فقام رجل فقال:و أنت يا أمير المؤمنين؟
فقال:نحن أهل البيت لا يوازينا أحد (4).
و أخرج الطبري عن عليّ عليه السّلام قوله لشرحبيل و حبيب:«...و انقيادكم له[معاوية]و تدعون آل نبيّكم صلّي اللّه عليه و آله و سلم الذي لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم و لا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا» (5).
و يشهد له ما عن ابن عمر في التفضيل:عليّ من أهل البيت لا يقاس به أحد هو مع رسول اللّه في درجته و فاطمة مع رسول اللّه في درجته و علي معهما.
و ورد هذا عن أحمد بن حنبل (6).
فذلكة:
*أقول:ورد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و بعض الصحابة عند ذكر التفاضل أنّ عليّا نفس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فكيف يقال بنفسه شيگ منها:
1-ما أخرجه الخطيب عن فاطمة عليها السّلام:
قالت:يا رسول اللّه لم تقل في عليّ شيئا.
قال:يا فاطمة عليّ كنفسي من رأيته يقول في نفسه شيئا (7).
و أخرج البيهقي عن محمد بن عائشة عندما سئل عن أفضل أصحاب النبيّ قال:أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة و...
فقال له[السائل]:فأين علي بن أبي طالب؟
قال:يا هذا تستفتي عن أصحابه أم عن نفسه؟0.
ص: 48
قال:بل عن أصحابه (1).
و قال النبيّ الأعظم لعبد الرحمن بن عوف:«يا عبد الرحمن أنتم أصحابي و عليّ منّي و أنا من عليّ فمن قاسه بغيره فقد جافاني و من جافاني آذاني و من آذاني فعليه لعنة اللّه» (2).
و اشتهر عنه:«...لا بعثنّ إليهم رجلا كنفسي»،أخرجه النسائي و ابن أبي شيبة و أحمد و أبو يعلي و عبد الرزاق.
و أخرج البخاري عن عمرو بن العاص عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّ خير الناس أبو بكر و عائشة و عمر و حفصة.
قلت:يا رسول اللّه و أين عليّ؟ (3).
فالتفت إلي أصحابه فقال:إنّ هذا يسألني عن النفس (4).
و أخرجه أبو عمر الزاهدي في اليواقيت بلفظ:ما ظننت أنّ أحدا يسأل عن نفسه (5).
فعلي نفس رسول اللّه،و لا يقاس بهما أحد،و علي كفؤ فاطمة عليهم السلام جميعا.
و فاطمة بضعة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و جزء منه و البضعة من النفس.
***
قال بشير بن سعد:أمرنا اللّه أن نصلّي عليك يا رسول اللّه فكيف نصلّي عليك.
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«قولوا اللّهمّ صلّ علي محمّد و علي آل محمّد».
أخرجه مسلم في الصحيح (6).
و روي نحوه عن كعب بن عجرة أخرجه الأئمّة الستّة سوي الترمذي و أحمد و ابن أبي شيبة
ص: 49
و عبد الرزاق في المصنّف و الشافعي في مسنده و الطبراني في معاجمه و الطيالسي و ابن العربي و غيرهم (1).
و روي أيضا عن سفيان الثوري و ابن مسعود و زيد بن خارجة و أبو هريرة و عمر و محمد بن زيد و بريدة و عائشة و طلحة و عليّ (2).
و أخرجه الشعراني بذكر فاطمة صريحا قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء».
قالوا:و ما الصلاة البتراء يا رسول اللّه؟
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«تقولون:اللهمّ صلّ علي محمّد و تمسكون،بل قولوا:اللهمّ صلّ علي محمّد و آل محمّد».
فقيل له:من أهلك يا رسول اللّه؟
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين» (3).
***
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق و أهل بيتي أمان لأمّتي من الإختلاف،فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».
قال الحاكم:هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه (4).
ص: 50
أخرجه ابن عساكر و أبو يعلي و القرشي و ابن القيسراني و الروياني و ابن أبي شيبة و الشجري و الحكيم و الترمذي و الطبراني في معاجمه و الخوارزمي و البزّار و الديلمي و المحبّ الطبري.
و قال عليّ عليه السّلام:«فنحن أهل بيت النبوّة و معدن الحكمة أمان لأهل الأرض و نجاة لمن طلب» (1).
و له شاهد من حديث النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«معرفة آل محمد براءة من النار و حبّهم جواز علي الصراط و الولاية لآل محمد أمان من العذاب» (2).
*أقول:قد صرّح السمهودي بكون فاطمة الزهراء عليها السّلام و نسلها أمان للأمّة حيث قال:
(و يحتمل-و هو الأظهر عندي-أنّ المراد من كونهم أمانا للأمة:أهل البيت مطلقا،و أنّ اللّه تعالي لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم جعل دوامها بدوامه و دوام أهل بيته،فإذا انقضوا طوي بساطها،و لعل حكمته و سرّه أنّ اللّه تعالي جعل أهل بيت نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلم مساوين له في أشياء كثيرة،عدّ الفخر الرازي منها خمسة كما تقدم.
و قد قال اللّه تعالي: وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (3)فألحق اللّه تعالي وجود أهل بيت نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في الأمّة بوجوده صلّي اللّه عليه و آله و سلم فجعلهم أمانا لهم،كما سبق من قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم و سلم:«اللّهم إنهم منّي و أنا منهم».
و قد يقوي هذا بأن فاطمة رضي اللّه عنها و عنهم بضعة منه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،كما في الصحيح،و أولادها بضعة من تلك البضعة،فيكونون بضعة منه بالواسطة،و كذا بنو بنيهم و هلم جرا،و كل من يوجد منهم في كل زمان بضعة منه بالواسطة؛فأقيم وجودهم في كونهم أمانا للامة مقامه صلّي اللّه عليه و آله و سلم) (4).س.
ص: 51
و قال صاحب الذخائر المحمديّة:من خصائص آل البيت أنّه سبحانه و تعالي جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم و حفظه،فلا يزال العالم باقيا ما بقيت آثارهم،فاذا ذهبت آثارهم من الأرض فذاك أول خراب العالم» (1).
و للشيخ الرفاعي كلام مفيد في كونهم أمانا للأمّة فليراجع (2).
***
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لا أحلّ المسجد لحائض و لا لجنب إلاّ لمحمّد و آل محمّد».
أخرجه البخاري في التاريخ عن عائشة و البيهقي و ابن عساكر و ابن راهويّه و الدولابي في الكني (3).
*أقول:له شواهد من طرق أنّ اللّه حرّم دخول المسجد إلاّ علي فاطمة و علي و ابناهما بالتصريح (4).
***
4- وَ يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ عَليٰ حُبِّهِ... ، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (1).
5- فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ... (2).
6- وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ ، وَ كٰانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاٰةِ (3).
7- فَتَلَقّٰي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ (4).
8- اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ (5).
9- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (6).
10- رَحْمَتُ اللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (7).
11- مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ (8).
12- هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً (9).
13- أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ (10).
14- أُولٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِليٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ (11).
15- وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَعْميٰ وَ الْبَصِيرُ * وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَحْيٰاءُ (12).
16- كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ (13).
17- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّٰاتٍ وَ نَعِيمٍ (14).
18- أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعٰالِينَ (15).
19- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ (16).
20- وَ يُؤْثِرُونَ عَليٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ (17).8.
ص: 53
21- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضٰاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (1).
22- وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ (2).
23- وَ مٰا خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثيٰ (3).
24- وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِليٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ (4).
25- إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ (5).
26- لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً وَ لاٰ زَمْهَرِيراً (6).
27- وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خٰالِدُونَ (7).
28- إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (8).
29- وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضيٰ (9).
30- تَتَجٰافيٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ (10).
31- يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ (11).
32- إِنَّهٰا لَإِحْدَي الْكُبَرِ (12).
33- إِخْوٰاناً عَليٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ (13).
*القول الأوّل:أنّ المراد من أهل البيت في الآية مجموع نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أصحاب الكساء الخمسة-محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام حكاه ابن عبد البّر في التمهيد (14)،و ذهب
ص: 54
إليه القرطبي (1)،و ابن عطيّة (2)،و ابن كثير و البيضاوي،و الرازي في أحد قوليه (3)،و المقريزي (4)، و ابن الخطيب (5)،و جملة من المتأخّرين.
و نقل السفاريني عن ابن عبد البّر في التمهيد:أنّ الآل هم ذرّيّته و أزواجه خاصّة (6).
*القول الثاني:أنّ المراد من أهل البيت في الآية الشريفة خصوص الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
قال القاضي عياض:مذهب الحسن البصري أنّ المراد بآل محمّد محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم نفسه (7).
*القول الثالث:أنّ المراد من أهل البيت في الآية من حرمت عليهم الصدقة و تحته أقوال:
1-أنّهم بنو هاشم خاصّة (8)،و هو مذهب أبي حنيفة (9)،و الرواية من أحمد و غيره عن زيد بن أرقم (10)،و اختيار ابن القاسم صاحب مالك (11)،و ذهب إليه الثعلبي (12).ع-
ص: 55
2-أنّهم بنو هاشم و بنو المطّلب،و هذا مذهب الشافعي و أحمد في رواية عنه (1).
3-أنّهم بنو هاشم و المطّلب،و هو مذهب الإمام مالك (2).
4-أنّهم بنو هاشم و من فوقهم إلي غالب،فيدخل بنو المطّلب و بنو أمية و بنو نوفل و من فوقهم إلي بني غالب،و هو اختيار أشهب من أصحاب مالك،كما حكاه السفاريني و صاحب الجواهر، و حكاه اللخمي في التبصرة عن أصبغ دون أشهب (3).
5-أنّهم بنو هاشم مع زوجات النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،نعم هو مبنيّ علي حرمة الزكاة علي النساء،و فيه خلاف كما عن القرطبي و غيره،و قد قال ابن حجر:و القول بتحريم الزكاة عليهنّ ضعيف (4).
*القول الرابع:أنّ المراد من أهل البيت في الآية المباركة أتباعه علي دينه إلي يوم القيامة، حكاه ابن عبد البّر عن بعض أهل العلم،و اختاره بعض أصحاب الشافعي،كما حكاه أبو حامد الطبري في تعليقته،و رجّحه الشيخ محيي الدّين النووي في شرح مسلم،و اختاره الأزهري،و ذكر البيهقي روايته عن جابر (5).
و قيل للثوري:من آل محمّد؟
قال:قد اختلف النّاس فمنهم من يقول:أهل البيت،و منهم من يقول:من أطاعه و عمل بسنّته فيهم (6).
-قال أحد فقهاء اليمن:و أهل البيت هم المسلمون في كلّ مكان و زمان،فقال إبراهيم بن عليّ الوزير:من يقول بهذا يهدم ركنا من أركان الإسلام...:الزكاة؛لأنّها واجبة و مصارفها محدّدة،و هي محرّمة علي أهل بيت الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فلو كانوا كلّ المسلمين كما تزعم لحرّمت عليهم جميعا؛و لم يبق لوجوبها معني (7).ش.
ص: 56
*القول الخامس:أنّ المراد من أهل البيت الأتقياء من أمّته،حكاه القاضي حسين، و الراغب،و جماعة،لرواية أنس:«آل محمّد كلّ تقيّ» (1).
قال السمهودي:«آل محمّد كلّ تقيّ»رواه الطبراني و غيره بسند واه،علي أنّ المراد:كلّ تقيّ من قرابته،...و المراد:الأولياء منهم عند قابله،كما قيّد به القاضي حسين،و الراغب (2).و حكم القاسمي بوضع الحديث (3).
*القول السادس:التفصيل في معني الآل:
و هو ما حكاه العلاّمة الصبّان و العلاّمة الأمير حيث قالا:(لا يطلق القول فيه-الآل-بل يختلف باختلاف المقامات،ففي مقام الزكاة بنو هاشم و بنو المطّلب عند إمامنا الشافعي رضي اللّه عنه،و بنو هاشم و المطّلب عند الإمام مالك،و آل عليّ و آل جعفر و آل عقيل و آل العبّاس و آل الحرث عند الإمام أبي حنيفة.
و في مقام المدح أهل بيته،كقوله تعالي: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و في مقام الدعاء-كما هنا-كلّ مؤمن و لو عاصيا...) (4).
*القول السابع:أنّ المراد من أهل البيت في الآية خصوص أصحاب الكساء الخمسة،و هو المرويّ عن عليّ بن أبي طالب و الحسين بن عليّ (5)،و أبي جعفر محمّد الباقر (6)،و جعفر بن محمّد الصادق (7)،و ابن عبّاس (8)،و شهر بن حوشب (9)،و عائشة،و أمّ سلمة (10)،...4.
ص: 57
و أنس،و واثلة،و أبي سعيد الخدريّ،عن رسول اللّه،و هو أشهرها (1).
و أخرجه الطبراني بلفظ مختلف عن عطيّة قال:سألت أبا سعيد الخدريّ:من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا؟
فعدّهم في يده خمسة:«رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين» (2).
و أخرجه ابن عساكر عنه بلفظ:قال:نزلت الآية في خمسة نفر و سمّاهم:رسول اللّه و علي و فاطمة و الحسن و الحسين. (3).
و أخرج أيضا قول أم سلمة:قالت:...و أهل البيت:رسول اللّه و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (4).
-قال الذّهبي:و صحّ أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم جلّل فاطمة و زوجها و ابنيها بكساء و قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي،اللهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (5).
و قال الإمام البغوي:و ذهب أبو سعيد الخدريّ و جماعة من التّابعين،منهم مجاهد و قتادة و غيرهما إلي أنّهم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (6).8.
ص: 58
و إليه ذهب الكلبيّ (1)،و جملة من المتأخّرين كالطّحاوي (2)،كما يأتي مفصّلا في الأقوال.
*و يشهد له حديث الصلاة البتراء المروي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء».
قالوا:و ما الصلاة البتراء يا رسول اللّه؟
قال:«تقولوا:اللهمّ صلّ علي محمّد،و تمسكون،بل قولوا:اللهمّ صلّ علي محمّد و علي آل محمّد» (3).
و أخرجه الإمام الشعراني بلفظ:«لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء».
قالوا:و ما الصلاة البتراء يا رسول اللّه؟
قال:«تقولون اللهمّ صلّ علي محمّد،و تمسكون،بل قولوا:اللهمّ صلّ علي محمّد و آل محمّد».
فقيل له:من أهلك يا رسول اللّه؟
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين» (4).
*قال يعقوب بن حميد:و في ذلك يقول الشاعر:
بأبي خمسة هم جنّبوا الرّجس و طهّروا تطهيرا أحمد المصطفي و فاطم أعني عليّا و شبّرا و شبير
من تولاّهم تولاّه ذو العرش و لقّاه نضرة و سرورا علي مبغضيهم لعنة اللّه و أصلاهم الملك سعيرا (5)
*القول الثامن:أنّ المراد من أهل البيت في آية التطهير عترته المنسوبون إليه صلوات اللّه عليه (6).
و هذا القول هو الصحيح لأنّ المراد بعترته الأئمة المعصومون مع فاطمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،و به دانت الإماميّة،كما سوف يأتي تفصيلا.
***ّ.
ص: 59
باختصاصها بفاطمة و ولدها
*قال أبو بكر النقّاش في تفسيره:أجمع أكثر أهل التّفسير أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم (1).
*و قال سيدي محمّد بن أحمد بنيس في شرح همزيّة البوصيري: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أكثر المفسّرين أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسنين رضي اللّه عنهم (2).
*و قال العلاّمة سيدي محمّد جسوس في شرح الشمائل:«...ثمّ جاء الحسن بن عليّ فأدخله،ثمّ جاء الحسين فدخل معهم،ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها،ثمّ جاء عليّ فأدخله ثمّ قال:
إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً »و في ذلك إشارة إلي أنّهم المراد بأهل البيت في الآية» (3).
*و قال السمهودي:و قالت فرقة،منهم الكلبيّ:هم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين خاصّة، للأحاديث المتقدمة (4).
*و قال الطّحاوي في مشكل الآثار بعد ذكر أحاديث الكساء:فدلّ ما روينا في هذه الآثار ممّا كان من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي أمّ سلمة ممّا ذكرنا فيها،لم يرد أنّها كانت ممّا أريد به ممّا في الآية المتلوّة في هذا الباب،و أنّ المراد بما فيها هم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين دون ما سواهم (5).
و قال بعد ذكر أحاديث تلاوة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم الآية علي باب فاطمة:في هذا أيضا دليل علي أنّ هذه فيهم (6).
*و قال الفخر الرازي:و أنا أقول:آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم هم الذين يؤول أمرهم إليه،فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل،و لا شكّ أنّ فاطمة و عليّا و الحسن و الحسين كان التعلّق بينهم و بين رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أشدّ التعلّقات،و هذا كالمعلوم بالنّقل المتواتر؛فوجب أن يكونوا هم الآل.
ص: 60
أيضا اختلف النّاس في الآل،فقيل:هم الأقارب،و قيل:هم أمّته،فإن حملناه علي القرابة فهم الآل،و إن حملناه علي الأمّة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل؛فثبت أنّ علي جميع التقديرات هم الآل،و أمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟
فمختلف فيه،و روي صاحب الكشاف أنّه لمّا نزلت هذه الآية[المودّة]قيل:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم؛من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«عليّ و فاطمة و ابناهما» (1).ر.
ص: 61
فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم؛و إذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التّعظيم و يدلّ عليه وجوه...)الخ (1).
*و قال في موضع آخر:و اختلفت الأقوال في أهل البيت،و الأولي أن يقال:هم أولاده و أزواجه و الحسن و الحسين منهم و عليّ منهم؛لأنّه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بنت النبيّ و ملازمته للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم (2).
*و قال أبو بكر الحضرمي في رشفة الصادي:(و الذي قال به الجماهير من العلماء،و قطع به أكابر الأئمّة،و قامت به البراهين و تظافرت به الأدلّة أنّ أهل البيت المرادين في الآية هم سيّدنا عليّ و فاطمة و ابناهما...و ما كان تخصيصهم بذلك منه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ عن أمر إلهيّ و وحي سماويّ...و الأحاديث في هذا الباب كثيرة،و بما أوردته منها يعلم قطعا أنّ المراد بأهل البيت في الآية هم عليّ و فاطمة و ابناهما رضوان اللّه عليهم،و لا التفات إلي ما ذكره صاحب روح البيان من أنّ تخصيص الخمسة المذكورين عليهم السلام بكونهم أهل البيت من أقوال الشيعة،لأنّ ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب،و بما سبق من الأحاديث و ما في كتب أهل السنّة السنيّة يسفر الصبح لذي عينين-إلي أن يقول-و قد أجمعت الأمّة علي ذلك فلا حاجة لإطاعة الإستدلال له) (3).
*و قال ابن حجر: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (4)أكثر المفسّرين علي أنها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (5).
*و قال في موضع آخر بعد تصحيح الصلاة علي الآل:...فالمراد بأهل البيت فيها و في كلّ ما جاء في فضلهم أو فضل الآل أو ذوي القربي جميع آله صلّي اللّه عليه و آله و سلم و هم مؤمنو بني هاشم و المطّلب،و به يعلم أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال ذلك كلّه (6)فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر،ثمّ عطف الأزواج و الذرّيّة علي الآل في كثير من الروايات يقتضي أنّهما ليسا من الآل،و هو واضح في الأزواج بناء علي الأصحّ في الآل أنّهم مؤمنو بني هاشم و المطّلب،و أمّا الذرّيّة فمن الآل علي سائر الأقوال،فذكرهم بعد الآل للإشارة إلي عظيم شرفهم (7).ة.
ص: 62
*و قال:قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:لذا قال ابن تيمية،من الحنابلة-و في تحريم الصدقة علي أزواجه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و كونهنّ من أهل بيته روايتان-يعني لإمامهم-أصحّها التحريم و كونهنّ كأهل بيته (1).
فأوّلا:له قولان في المسألة:قول أنّهنّ لسن من أهل بيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و قول أنّهنّ منهم.
ثانيا:أنّه اختار حرمة الصدقة،و لكن لا للدخول في الآل بل عبّر:كأهل بيته،فتدبّره (2).
ثالثا:قال العقاد حكاية عنه:...و أخيرا يسلّم ابن تيمية أنّ المختص بأهل البيت هم فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين (3).
*و قال النووي في شرح صحيح مسلم:و أمّا قوله في الرواية الأخري:«نساؤه من أهل البيت و لكن أهل بيته من حرم الصدقة».
قال:و في الرواية الاخري:«فقلنا:من أهل بيته؟نساؤه؟قال:لا».
فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض،و المعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنّه قال:
«نساؤه لسن من أهل بيته»،فتتأول الرواية الاولي علي أنّ المراد أنهنّ من أهل بيته الذين يساكنونه و يعولهم...و لا يدخلن فيمن حرم الصدقة (4).
*و قال السمهودي:و حكي النووي في شرح المهذّب وجها آخر لأصحابنا:أنّهم عترته الذين ينسبون إليه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:و هم أولاد فاطمة و نسلهم أبدا،حكاه الأزهري و آخرون عنه.انتهي.
و حكاه بعضهم بزيادة أدخل الأزواج (5).
*و قال الإمام مجد الدين الفيروزآبادي:المسألة العاشرة:هل يدخل في مثل هذا الخطاب (الصلاة علي النبيّ)النّساء؟ذهب جمهور الأصوليين أنّهنّ لا يدخلن،و نصّ عليه الشافعي،و انتقد عليه،و خطّيء المنتقد (6).
*و قال سراج الدين:ذهب الجمهور أنّ الآل من حرّمت عليهم الصدقة،فالآل الوارد ذكرهم في الصلاة الإبراهيمية،المراد بهم من حرّمت الصدقة عليهم،و ذهب بعض العلماء إلي أنّ المراد أزواجه و ذرّيّته،و قال في مورد آخر:و لا شكّ أنّ الحقّ مع الجمهور (7).5.
ص: 63
*و قال الملاّ عليّ القاري:الأصحّ أنّ فضل أبنائهم علي ترتيب فضل آبائهم إلاّ أولاد فاطمة رضي اللّه تعالي عنها فإنّهم يفضّلون علي أولاد أبي بكر و عمر و عثمان؛لقربهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم؛ فهم العترة الطاهرة و الذرّيّة الطيّبة الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا (1).
*و قال الحكيم الترمذي:فأهل البيت كلّ من رجع نسبه إلي ذلك الأصل،فكذا أهل بيت الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم فإنّ اللّه تعالي قد أخذ الرسول من خلقه فاختصّه لنفسه،و اصطفاه لذكره،فكان في كلّ أمر قلبه راجعا إلي اللّه تعالي،من عنده يصدر،و معه يدور،و إليه يرجع،فكان هذا بيتا أشرف و أعلي من البيت الذي هيّأ له في أرضه؛و هو النسب (2).
*و قال السمهودي بعد ذكر الأحاديث في إقامة النبيّ آله مقام نفسه و ذكر آية المباهلة و أنّها فيهم:و هؤلاء هم أهل الكساء،فهم المراد من الآيتين(المباهلة و التطهير) (3).
*و قال الحمزاوي:و استدلّ القائل علي عدم العموم بما روي من طرق صحيحة:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جاء و معه عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين...»و ذكر أحاديث الكساء،إلي أن قال:
و يحتمل أنّ التّخصيص بالكساء لهؤلاء الأربع لأمر إلهيّ يدلّ عليه حديث أمّ سلمة،قالت:«فرفعت الكساء لأدخل معهم،فجذبه من يدي» (4).
*و قال القسطلاني:إنّ الراجح أنّهم من حرّمت عليهم الصدقة،كما نص عليه الشافعي و اختاره الجمهور و يؤيده قوله صلّي اللّه عليه و سلّم للحسن بن عليّ:إنّا آل محمّد لا تحلّ لنا الصدقة،و قيل المراد بآل محمّد أزواجه و ذرّيّته.
ثمّ ذكر بعد ذلك كلام ابن عطيّة فقال:الجمهور علي أنّهم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و حجتهم عنكم و يطهّركم بالميم (5).
*و قال أبو منصور ابن عساكر الشافعي:بعد ذكر قول أمّ سلمة:«و أهل البيت رسول اللّه و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين»هذا حديث صحيح...و الآية نزلت خاصّة في هؤلاء المذكورين (6).
*و قال ابن بلبان(المتوفي 739 ه)في ترتيب صحيح ابن حبّان:ذكر الخبر المصرّح بأنّا.
ص: 64
هؤلاء الأربع الذين تقدّم ذكرنا لهم هم أهل بيت المصطفي صلّي اللّه عليه و آله و سلم،ثمّ ذكر حديث نزول الآية فيهم عن واثلة (1).
*و قال ابن الصبّاغ من فصوله:أهل البيت علي ما ذكر المفسّرون في تفسير آية المباهلة، و علي ما روي عن أمّ سلمة:هم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (2).
*و قال الحاكم النيشابوري بعد حديث الكساء و الصلاة علي الآل و أنّه فيهم:إنّما خرّجته ليعلم المستفيد أنّ أهل البيت و الآل جميعا هم (3).
*و قال الحافظ الكنجي:الصحيح أنّ أهل البيت عليّ و فاطمة و الحسنان (4).
*و قال القندوزي في ينابيعه:أكثر المفسّرين علي أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين لتذكير ضمير عنكم و يطهّركم (5).
*و قال سليمان بن عبد القويّ الطوفي في إشاراته:قالت الشيعة:الدليل علي أنّ أهل البيت ما ذكرنا:النّصّ و الإجماع.
أمّا النّصّ...و ذكر أحاديث الكساء.
و أمّا الإجماع فلأنّ الأمّة اتّفقت علي أنّ لفظ أهل البيت إذا أطلق إنّما ينصرف الي من ذكرناه دون النّاس،و لو لم يكن إلاّ شهرته فيهم كفي (6).
أقول:و يؤيّد ذلك ما يأتي أنّ علماء العامّة و الخاصّة إنّما يطلقون هذا الاسم في مصنّفاتهم علي أصحاب الكساء خاصّة دون نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
*و قال محبّ الدّين الطبري:باب في بيان أنّ فاطمة و الحسن و الحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالي: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و تجليله صلّي اللّه عليه و آله و سلم إيّاهم بكساء و دعائه لهم (7).
*و قال السخاوي في القول البديع في بيان صيغة الصلاة في التشهّد:فالمرجّح أنّهم من حرمت عليهم الصدقة،و ذكر أنّه اختيار الجمهور و نصّ الشافعي،و أنّ مذهب أحمد أنّهم أهل1.
ص: 65
البيت،و قيل:المراد أزواجه و ذرّيّته... (1).
*و قال القاسمي:و لكن هل أزواجه من أهل بيته؟علي قولين هما روايتان عن أحمد:
أحدهما أنّهنّ لسن من أهل البيت،و يروي هذا عن زيد بن أرقم (2).
*و قال الآلوسي:و أنت تعلم أنّ ظاهر ما صحّ من قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«إنّي تارك فيكم خليفتين-و في رواية-ثقلين كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء و الأرض و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض».يقتضي أنّ النّساء المطهّرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثّقلين (3).
*و قال الشاعر الحسن بن عليّ بن جابر الهبل في ديوانه:
آل النّبيّ هم أتباع ملّته من مؤمني رهطه الأدنون في النّسب
هذا مقال ابن إدريس الذي روت ال أعلام عنه فمل عن منهج الكذب
و عندنا أنّهم أبناء فاطمة و هو الصحيح بلا شكّ و لا ريب (4).
*و قال الحافظ البدخشاني:و آل العباء عبارة عن هؤلاء لأنّه صحّ عن عائشة و أمّ سلمة و غيرهما بروايات كثيرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم جلّل هؤلاء الأربعة بكساء كان عليه،ثمّ قال: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
*و قال جلال الدين السيوطي:و هؤلاء هم الأشراف حقيقة عند سائر الأمصار،و تخصيص الشرف اصطلاح لأهل مصر خاصّة،و يشهد للقول بأنّهم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين ما وقع منه صلّي اللّه عليه و آله و سلم حين أراد المباهلة هو وفد نجران،كما ذكره المفسّرون في تفسير آية المباهلة (5).
و يأتي قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم عقيب المباهلة:اللهمّ هؤلاء أهل بيتي.
*و قال ابن مالك في الألفيّة:و آله المستكملين الشرفا.
و الشرفاء أو الشرف أنواع:عامّ لجميع أهل البيت،و خاصّة بالذرية،و أخصّ منه شرف النسبة،و هو مختص بالحسن و الحسين (6).ل.
ص: 66
*و قال توفيق أبو علم:فالرأي عندي أنّ أهل البيت هم أهل الكساء:عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و من خرج من سلالة الزهراء و أبي الحسنين رضي اللّه عنهم أجمعين (1).
و قال في موضع الردّ علي عبد العزيز البخاري:أمّا قوله:إنّ آية التطهير المقصود منها الأزواج،فقد أوضحنا بما لا مزيد عليه أنّ المقصود من أهل البيت هم العترة الطاهرة لا الأزواج (2).
*و قال:و أمّا ما يتمسّك به الفريق الأعم و الأكبر من المفسّرين فيتجلّي فيما روي عن أبي سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«نزلت هذه الآية في خمسة فيّ و في عليّ و حسن و حسين و فاطمة» (3).
*و قال الشوكاني في إرشاد الفحول في الردّ علي من قال أنّها مختصّة بالنّساء:و يجاب عن هذا بأنّه قد ورد بالدليل الصحيح أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسنين (4).
*و قال أحمد بن محمّد الشامي:و قد أجمعت أمّهات كتب السنّة و جميع كتب الشيعة علي أنّ المراد بأهل البيت في آية التطهير النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين؛لأنّهم الذين فسّر بهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم المراد بأهل البيت في الآية،و كلّ قول يخالف قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم من بعيد أو قريب مضروب به عرض الحائط،و تفسير الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم أولي من تفسير غيره؛إذ لا أحد أعرف منه بمراد ربّه (5).
*و قال الشيخ الشبلنجي:هذا و يشهد للقول بأنّهم عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين ما وقع منه صلّي اللّه عليه و آله و سلم حين أراد المباهلة،هو و وفد نجران كما ذكره المفسّرون (6).
*و قال الشيخ السندي في كتابه(دراسات اللبيب في الاسوة الحسنة بالحبيب):و هذا التحقيق في تفسير(أهل البيت)يعيّن المراد منهم في آية التطهير؛مع نصوص كثيرة من الأحاديث الصحاح المنادية علي أنّ المراد منهم الخمسة الطاهرة رضوان اللّه تعالي عليهم أجمعين؛و لنا و ريقات في تحقيق ذلك مجلّد في دفترنا يجب علي طالب الحقّ الرجوع إليه (7).ن.
ص: 67
*و قال الرفاعي:و قيل عليّ و فاطمة و ابناهما،و هو المعتمد الذي عليه جمهور العلماء (1).
و قال الدكتور عبّاس العقاد:و اختلف المفسرون فيمن هم أهل البيت:
أمّا الفخر الرازي في تفسيره(783/6)،و الزمخشري في كشافه،و القرطبي في تفسيره،و فتح القدير للشوكاني،و الطبري في تفسيره،و السيوطي في الدر المنثور(169/5)،و ابن حجر العسقلاني في الإصابة(407/4)،و الحاكم في المستدرك،و الذّهبي في تلخيصه(146/3)، و الإمام أحمد في الجزء الثالث صفحة:259؛فقد قالوا جميعا:إنّ أهل البيت هم عليّ و السيدة فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين رضي اللّه عنهم.و أخذ بذكر الأدلة (2).
*و قال العلاّمة الحلّي:أجمع المفسّرون و روي الجمهور كأحمد بن حنبل و غيره:أنّها نزلت في رسول اللّه و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين(صلوات اللّه عليهم) (3).
*و قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره:«ثمّ انقطعت مخاطبة نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و خاطب أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقال: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (4).
*و قال الشيخ الطوسي:قال عكرمة:هي في أزواج النبيّ خاصّة،و هذا غلط؛لأنّه لو كانت الآية فيهم خاصّة لكنّي عنهنّ بكناية المؤنّث،...فلمّا كنّي بكناية المذكّر دلّ علي أنّ النساء لا مدخل لهنّ فيها (5).
*و قال السيد الطباطبائي:و ليس المراد بأهل البيت نساء النبيّ خاصّة؛لمكان الخطاب الذي في قوله: عَنْكُمُ و لم يقل:«عنكنّ»-إلي أن قال-و بالبناء علي ما تقدّم،تصير لفظة أهل البيت إسما خاصّا-في عرف القرآن-بهؤلاء الخمسة،و هم النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم الصلاة و السلام،و لا يطلق علي غيرهم،و لو كان من أقربائه الآخرين،و إن صحّ بحسب العرف العامّ إطلاقه عليهم (6).
*أقول:ليست كلّ الأعراف متّفقة علي ذلك كما يأتي،فأهل الشام و مصر لا يطلقون الآل علي الزوجة.
***0.
ص: 68
في نزولها بفاطمة و أبيها و بعلها و بنيها
تواتر الأحاديث (1)الصحيحة عند الفريقين علي نزولها بأصحاب الكساء خاصّة.
فروت العامّة بطرق كثيرة عن عليّ عليه السّلام،و الحسن عليه السّلام،و فاطمة عليها السّلام،و زينب،و عبد اللّه بن جعفر،و أمّ سلمة،و عائشة،و أبي سعيد الخدريّ،و سعد،و واثلة بن الأسقع،و أبي الحمراء،و ابن عبّاس،و ثوبان مولي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و بكير،و جابر،و البراء،في قريب من أربعين طريقا كما يأتي (2).
و روتها الخاصّة عن الإمام عليّ و السجّاد و الباقر و الصادق و الرّضا عليهم السّلام،و أمّ سلمة،و أبي ذرّ،و أبي ليلي،و أبي الأسود الدؤلي،و عمر بن ميمون الأودي،و سعد ابن أبي وقّاص في بضع و ثلاثين طريقا.
أمّا الخاصّة فالروايات متواترة عندها علي اختصاص النزول بأصحاب الكساء،و الإجماع قائم عليه،و مع التواتر و الإجماع لا داعي للبحث عن الصحّة.
و أمّا العامّة فرووا عدّة روايات صحيحة في نزول الآية بأصحاب الكساء أحببنا ذكرها مفصّلا سوي ما يأتي في الثمرة الثانية فنذكره مجملا:
1-ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قالت:خرج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود،فجاء الحسن و الحسين فأدخلهما معه،ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها معه،ثمّ جاء عليّ فأدخله معه،ثمّ قال: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).
2-ما أخرجه ابن عساكر الشافعي (4)بسنده عن أمّ سلمة قالت:نزلت هذه الآية إِنَّمٰا يُرِيدُ.. قلت:يا رسول اللّه أ لست من أهل البيت؟
قال:«إنّك إلي خير،إنّك من أزواج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم».
قالت:و أهل البيت:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين.
قال:هذا حديث صحيح (5).
3-ما أخرجه ابن حبّان في الصحيح عن واثلة بن الأسقع قال:سألت عن عليّ في منزله فقيل
ص: 69
لي:ذهب يأتي برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،إذ جاء فدخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و دخلت،فجلس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي الفراش و أجلس فاطمة عن يمينه،و عليّا عن يساره،و حسنا و حسينا بين يديه و قال: «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» اللهمّ هؤلاء أهل بيتي».
قال واثلة:فقلت من ناحية البيت:و أنا يا رسول اللّه من أهلك؟
قال:«و أنت من أهلي».
قال واثلة:إنّها لمن أرجي ما أرتجي (1).
4-ما أخرجه الحاكم في مستدركه بسنده إلي عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب قال:لمّا نظر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي الرحمة هابطة قال:«أدعوا لي أدعوا لي».
فقالت صفيّة:من يا رسول اللّه؟
قال:«أهل بيتي عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين».
فجيء بهم فألقي عليهم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم كساء ثمّ رفع يديه.
ثمّ قال:«اللهمّ هؤلاء آلي فصلّ علي محمّد و علي آل محمّد».
و أنزل اللّه عزّ و جلّ إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ... .
قال:هذا حديث صحيح الإسناد (2).
5-و أخرج أيضا عنها قالت:في بيتي نزلت هذه الآية إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ... قالت:فأرسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين فقال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي».
قالت أمّ سلمة:يا رسول اللّه ما أنا من أهل البيت؟
قال:«إنّك إلي خير،و هؤلاء أهل بيتي،اللهمّ آل بيتي أحقّ».
قال:هذا حديث صحيح علي شرط البخاري (3).
6-و أخرج حديث واثلة و قال:صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه (4).
7-و أخرج حديث عائشة و قال:صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه (5).ة.
ص: 70
8-و أخرج الترمذي عن محمود بن غيلان-فذكر الحديث و قال:صحيح (1).
9-و أخرج الإمام أحمد بسنده عن أبي ليلي،عن أمّ سلمة-و ذكر الحديث-قال وصيّ اللّه بن محمّد عبّاس (2):إسناده صحيح (3).
10-ما أخرجه ابن عساكر الشافعي بسنده عن أمّ سلمة قالت:
فقال لي:«تنحّي».
فتنحّيت في ناحية البيت،فدخل عليّ و فاطمة و معهما حسن و حسين-و ذكر الحديث-.
قال:هذا حديث صحيح،و قد روي مختصرا في صحيح مسلم (4).
11-و أخرج أبو يعلي بسند،رجاله رجال الصحيح عنها:أنّ النبيّ جلّل عليّا و حسنا و حسينا و فاطمة كساء ثمّ قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي و حامّتي،اللهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».
فقالت أمّ سلمة:قلت:يا رسول اللّه،أنا منهم؟
قال:«إنّك إلي خير» (5).
12-و أخرج أبو يعلي أيضا عن أمّ سلمة بسند رجاله ثقات (6):أنّ النبيّ غطّي علي عليّ و فاطمة و حسن و حسين كساء ثمّ قال:«هؤلاء أهل بيتي،إليك لا إلي النّار».
قالت أمّ سلمة:فقلت:يا رسول اللّه،و أنا منهم؟
قال:«لا،و أنت علي خير» (7).
13-و أخرج أيضا عنها،بإسناده الجيّد حديثا تذكر فيه مجيء فاطمة بطعام ثمّ أكلوا جميعا و لم يدعها إليه خلاف عادته،و قال:«اللهمّ عاد من عاداهم و وال من والاهم» (8).9-
ص: 71
قال الهيثمي:إسناده جيّد (1).
14-و أخرج أيضا عنها بسند رجاله ثقات (2)بعد ذكر الكساء:«اللهمّ هؤلاء آل محمّد فاجعل صلاتك و بركاتك علي آل محمّد كما جعلتها علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».
و زاد في رواية أخري:فرفعت الكساء لأدخل فيه،فجذبه من يدي،و قال:«إنّك علي خير» (3).
15-و أخرج الطبراني في الأوسط عن عليّ أنّه دخل علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و قد بسط شملة،فجلس عليها،هو و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،ثمّ أخذ النّبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم بمجامعه فعقد عليهم،ثمّ قال:
«اللهمّ ارض عنهم كما أنا عنهم راض».
قال الهيثمي:رجاله رجال الصحيح غير عبيد بن طفيل و هو ثقة كنيته أبو سيدان (4).
16-و أخرج الطبراني عن أبي جميلة خطبة الحسن بن عليّ فقال:«يا أهل العراق اتّقوا اللّه فينا فإنّا أمراؤكم و ضيفانكم و نحن أهل البيت الذين قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فما زال يومئذ يتكلّم حتّي ما تري في المسجد إلاّ باكيا».
قال الهيثمي:رجاله ثقات (5).
17-و أخرج الطبراني عن واثلة قال:إنّي عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم ذات يوم إذ جاء عليّ و فاطمة و حسن و حسين-رضي اللّه عنهم-فألقي عليهم كساء له ثمّ قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».
قال الهيثمي:رجاله رجال الصحيح غير كلثوم بن زياد و وثّقه ابن حبّان (6).
18-و أخرج البيهقي في الإعتقاد عن أمّ سلمة قالت في بيتي أنزلت إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ فأرسل4.
ص: 72
رسول اللّه إلي فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين فقال:هؤلاء أهلي قالت:فقلت:يا رسول اللّه أما أنا من أهل البيت؟
قال:بلي إن شاء اللّه.
قال أبو عبد اللّه:هذا حديث صحيح سنده،ثقاة رواته (1).
19-و أخرج الإمام البغوي في المصابيح حديثا عن عائشة في نزول الآية بأصحاب الكساء تحت عنوان(من الصحاح) (2).
20-و قال الحمزاوي:و استدلّ القائل علي عدم العموم بما روي من طرق صحيحة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جاء و معه عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين...و ذكر بعض أحاديث الكساء (3).
21-و قال ابن تيمية:أمّا حديث الكساء فهو صحيح (4).
22-و قال الذّهبي:و صحّ أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم جلّل فاطمة و زوجها و ابنيها بكساء و قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي،اللّهمّ أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (5).
كما و أقرّ الذّهبي في تلخيص مستدرك الصحيحين الأحاديث الأربعة المتقدّمة عن المستدرك.
23-و قال الشوكاني في إرشاد الفحول:و يجاب عن هذا بأنّه قد ورد بالدليل الصحيح أنّها نزلت في عليّ و فاطمة و الحسنين،و قد أوضحنا الكلام في هذا في تفسيرنا الذي سمّيناه فتح القدير (6).
24-و قال الشيخ الشبلنجي:و روي من طرق عديدة صحيحة:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جاء و معه عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،ثمّ أخذ كلّ واحد منهما علي فخذه،ثمّ لفّ عليهم كساء،ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (7).
25-قال الشيخ خالد العك:و صحّ أنّ النبيّ جلّل فاطمة و زوجها و ابنيها-الحسن و الحسين- بكساء و قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي اللهمّ فأذهب عنهم الرّجس و طهرهم تطهيرا» (8).ء.
ص: 73
26-و قال العلامة سيدي محمّد جسوس في شرح الشمائل:و صح أنّه جعل عليهم كساء و قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصتي أذهب عنهم الرّجس و طهرهم تطهيرا» (1).
27-و قال سيدي محمّد بنيس في شرح همزية البوصيري:و صحّ أنّه جعلهم تحت الكساء و قال:«اللهمّ..» (2).
28-و قال سليمان الجمل في شرح قوله:«و من حوته العباء»:و هم النبيّ و فاطمة و عليّ و أبناؤهما،و صحّ أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جعل علي عليّ و فاطمة و ابنيهما كساء و قال:اللهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصتي أذهب عنهم الرّجس و طهرهم تطهيرا،فأمّنت أسكفّة الباب و حوائط البيت فقالت:آمين ثلاثا.و الأسكفّة عتبة البيت (3).
و من المعلوم أنّ:(الحسن إذا روي من وجه آخر ترقّي إلي الصحيح) (4).
بل الحسن كالصحيح في الاحتجاج به كما تقرّر في محلّه،حتّي نقل ابن تيمية إجماعهم عليه إلاّ الترمذي (5).
1-فأحمد أخرج في الفضائل ثلاثة أحاديث حكم المحقّق بحسنها (6).
2-و أخرج أيضا حديثان في تلاوة الآية علي باب أصحاب الكساء،حكم المحقّق بحسنها لغيرها (7).
3-و أخرج أبو يعلي بسند حسن عنها حديثا طويلا فيه مجيء فاطمة بطعام خاصّ لم يأكل منه أحد سواهم حتّي تعجّبت أمّ سلمة منه (8).
***
ص: 74
الاحتجاجات بآية التطهير،و الذي يؤكّد علي صحّتها أولا،و علي اختصاصها بأصحاب الكساء و الأئمة المعصومين عليه السّلام ثانيا.
و إليك بعض تلك الاحتجاجات:
*احتجاج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:كما يأتي في أحاديث أمّ سلمة لمّا سألته الدخول تحت الكساء.
منها:أنّها قالت بعد دعاء الرسول لآل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم:و أنا؟.
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و أنت إلي خير،إنّما أنزلت فيّ و في أخي عليّ و في ابنتي فاطمة و في ابنيّ الحسن و الحسين و في تسعة من ولد الحسين خاصّة،فليس فيها معنا أحد غيرنا» (1).
*احتجاج الإمام عليّ عليه السّلام و ذلك في مواضع:
1-علي أبي بكر في منزله قال عليه السّلام:«فأنشدك باللّه ألي و لأهلي و ولدي آية التطهير من الرّجس أم لك و لأهل بيتك؟».
قال:بل لك و لأهل بيتك (2).
2-علي أبي بكر و عمر معا في مسألة نزول آية التطهير فيه و في أهل بيته،فكانا يقولان:نعم فيكم نزلت (3).
3-علي جملة من الصحابة منهم أبي الدرداء و أبي هريرة فقال:«يا أيّها النّاس أتعلمون أنّ اللّه أنزل في كتابه إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فجمعني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و فاطمة و حسنا و حسينا في كساء واحد ثمّ قال:اللهمّ هؤلاء أحبّتي و عترتي و ثقلي و خاصّتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».
فقالت أمّ سلمة:و أنا؟
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلم لها:«و أنت إلي خير،إنّما أنزلت فيّ و في أخي عليّ و في ابنتي فاطمة و في ابنيّ حسن و حسين و في تسعة من ولد الحسين خاصّة ليس فيها معنا أحد غيرنا».فقام جلّ النّاس فقالوا:
ص: 75
نشهد أنّ أمّ سلمة حدّثتنا بذلك،و سألنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فحدّثنا كما حدّثتنا أمّ سلمة (1).
4-علي الصحابة يوم الشوري قال عليه السّلام:«أنشدكم اللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير علي رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فأخذ رسول اللّه كساء خيبريّا فضمّني فيه و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السّلام ثمّ قال:يا ربّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،غيري؟»
قالوا:اللهمّ لا (2).
5-علي المهاجرين و الأنصار في أيّام عثمان قال عليه السّلام:«أيّها النّاس إنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل في كتابه إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فجمعني...»و ذكر الحديث المتقدّم (3).
*احتجاج الإمام الحسن عليه السّلام قبل بيعته:أخرجه البلاذري عن عبيد اللّه بن العبّاس قال:خرج الحسن فخطبهم فقال:«إتّقوا اللّه أيّها النّاس حقّ تقاته فإنّا أمراؤكم و أضيافكم و نحن أهل البيت الذين قال اللّه: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و اللّه لو طلبتم ما بين جابلقا و جابرسا مثلي في قرابتي و موضعي ما وجدتموه» (4).
و احتجّ عليه السّلام أيضا علي عمرو بن العاص قائلا:«إيّاك عنّي فإنّك رجس و نحن أهل بيت الطهارة أذهب اللّه عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا» (5).
و خطب عليه السّلام بعد الصلح قائلا:«..و نحن أهل بيت نبيّكم أذهب اللّه عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا...» (6).
*احتجاج الإمام الحسين عليه السّلام:قال عليه السّلام لمروان بعد رفضه بيعة يزيد:«إليك عنّي فإنّك رجس و إنّي من أهل بيت الطهارة قد أنزل اللّه تعالي فينا: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ1.
ص: 76
اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. »
فنكّس(مروان)رأسه و لم ينطق (1).
*احتجاج الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السّلام:
و هو ما اشتهر عنه عليه السّلام مع شيخ دمشق قال له:هل قرأت هذه الآية:
إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ؟.
قال:نعم،[قد قرأت ذلك].
قال عليه السّلام:فنحن أهل البيت الذي[الذين]خصّصنا بآية التطهير[الطهارة يا شيخ (2)].
و في رواية أخري قال السدّي:عن أبي الديّلم:أما قرأت في الأحزاب: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ... ؟
فقال:نعم،و لأنتم هم؟
قال عليه السّلام:نعم (3).
*احتجاج زينب عليها السّلام:قالت عليها السّلام لا بن زياد:«الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و طهّرنا من الرّجس تطهيرا» (4).
*احتجاج ابن عبّاس:علي من وقع في أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«و أخذ رسول اللّه ثوبه فوضعه علي عليّ و فاطمة و حسن و حسين فقال: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ».أخرجه أحمد و الطبراني و البلاذري (5).
*احتجاج سعد بن أبي وقّاص:أخرجه الخطيب البغدادي عنه قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لعليّ ثلاثا لئن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النّعم:نزل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم الوحي فأدخلت.
ص: 77
عليّا و فاطمة و ابنيهما تحت ثوبه ثمّ قال:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي» (1).
*احتجاج واثلة بن الأسقع:علي من شتم عليّا عليه السّلام.أخرجه أحمد و ابن أبي شيبة و اللفظ له قال:دخلت علي واثلة و عنده قوم فذكروا عليّا فشتموه فشتمته معهم فقال:ألآ أخبرك بما سمعت من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم؟
قلت:بلي.
قال:أتيت فاطمة أسألها عن عليّ...»و ذكر حديث الكساء المتقدم عنه و يأتي مفصلا في الثمرة الثانية (2).
***
ففي صحيح مسلم و معجم الطبراني عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم قال:دخلنا عليه فقلنا له:لقد رأيت خيرا،لقد صحبت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و صلّيت خلفه.و ساق الحديث بنحو حديث أبي حيّان (3)غير أنّه قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ألا و إنّي تارك فيكم ثقلين:أحدهما كتاب اللّه عزّ و جلّ،هو حبل اللّه من اتّبعه كان علي الهدي،و من تركه كان علي ضلالة،[و أهل بيتي أذكّركم اللّه في أهل بيتي،أذكّركم اللّه في أهل بيتي،أذكّركم في أهل بيتي» (4).
و فيه:فقلنا:من أهل بيته؟نساؤه؟
قال:لا،[نساؤه ليسوا من أهل بيته] (5)و أيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلي أبيها و قومها،أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده (6).
ص: 78
و أخرج أبو يعلي عن أمّ سلمة بسند رجاله ثقات (1):أنّ النبيّ غطّي علي عليّ و فاطمة و حسن و حسين كساء ثمّ قال:«هؤلاء أهل بيتي،إليك لا إلي النار».
قالت أمّ سلمة:فقلت يا رسول اللّه،و أنا منهم؟
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لا،و أنت علي خير» (2).
و في رواية بعد ذكر حديث النزول:قال:«إنّك إلي خير،أنت[إنّك-من خير أزواجي]من أزواج النبيّ» (3).
و في رواية قالت:فو اللّه ما أنعم،و قال:«إنّك إلي خير» (4).
و في رواية أخري قالت:يا رسول اللّه ألست من أهل بيتك؟
قال:«إنّك علي خير إنّك من أزواج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم».
قالت:و ما قال:إنّك من أهل البيت (5).و في كفاية الأثر عن الأعرج قال:فقلت لأبي هريرة:فمن أهل بيته،نساؤه؟
قال:لا،أهل بيته صلبه[أصله]و عصبته،و هم الأئمة الإثنا عشر الذين ذكرهم اللّه في قوله:
وَ جَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ (6) (7) .
و سوف يأتي من الروايات ما يحصر أهل البيت بالأئمة عليهم السّلام و بالتالي تخرج النساء،فكن من ذلك علي ذكر.
***1.
ص: 79
كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يتلو هذه الآية علي باب عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و لم يرد تلاوتها علي غير هذا الوجه،بل لم يدّعه أحد.
قال الطحاوي في المشكل بعد ذكر روايات الباب:(في هذا أيضا دليل علي أنّ هذه الآية فيهم و بالله التوفيق) (1).
و تقدّم قوله في اختصاصها بأصحاب الكساء.
و عن أبي سعيد الخدريّ و أبي الحمراء و أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان يتلو هذه الآية علي باب عليّ و فاطمة أربعين صباحا فقال:«السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته الصلاة يرحمكم الله: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الآية.
[قلت:يا أبا الحمراء من كان في البيت؟
قال:عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين رضي اللّه عنهم] (2).
و عن أنس و أبي الحمراء:أنّ ذلك كان مدّة ستّة أشهر (3).
و عن أبي الحمراء و ابن عبّاس:أنّ ذلك كان سبعة أشهر (4).
ص: 80
و عن أبي سعيد و أبي الحمراء:أنّ ذلك كان ثمانية أشهر (1).و عن أبي الحميراء و أبي سعيد و ابن عبّاس:أنّ ذلك كان تسعة أشهر عند وقت كلّ صلاة كلّ يوم خمس مرات (2).و عن أبي برزة و أبي الحميراء:أنّ ذلك كان سبعة عشر شهرا (3).و عن أبي جعفر و الحسن العسكري عليهما السّلام قال:
«فلم يزل يفعل ذلك كلّ يوم إذا شهد المدينة حتّي فارق الدنيا» (4).و عن أبي الحمراء و عليّ أنّ ذلك كلّ غداة (5).
و عن أنس و أبي الحمراء:أنّ ذلك كان كلّ فجر (6)إن قيل:إختلاف الأخبار في مدة تلاوة الآية يشعر ببطلانها،و إن صحّت فهو ذمّ لهم لكشفه عن نومهم عن صلاة الصبح.
قلنا:الروايات غير متعارضة،بل كلّ روي ما شاهد،و علي حسب تواجده في المدينة،أو علي حسب مواظبته علي الصلاة و حضوره في المسجد.
لذا نجد أنّ أبا الحمراء يقول:«كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يجيء كلّ صلاة فيضع يده بجنبتي الباب قال:أمّا تسعة فقد حفظنا،و أنا أشك في شهرين» (7).
و أمّا مسألة نومهم عن صلاة الصبح،فإنّ من تتبّع سيرة عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام، و مواظبتهم علي صلاة الفريضة و النافلة يدرك بطلانه.ث.
ص: 81
كيف؟و عليّ الذي لم يترك صلاته و تسبيح الزهراء حتّي يوم صفّين (1)،و فاطمة التي كانت تتورّم قدماها من صلاة الليل،و الحسن الذي كان يحجّ ماشيا،و الحسين الذي ما ترك صلاته لا ليلة عاشوراء و لا يومها،و بني أميّة ترميه بالسهام.
***
و أمّا هدف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم من هذه التلاوة علي باب الدار فهو أمور:
*الأوّل:تذكير المسلمين و التأكيد عليهم أنّ أهل البيت عليهم السّلام هم فقط من في داخل هذا البيت.
*الثاني:يهدف النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن يصحب أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام معه إلي الصلاة،لا لأنّهم يتأخّرون عن صلاة الجماعة،كيف؟و القوم يروون مواظبة الأمير علي الصلاة خلف أبي بكر و عمر و عثمان (2).
بل لإبراز اهتمامه بهم،و فضلهم و تقديمهم علي من سواهم إن في الصلاة أو في المجالس.
*الثالث:تذكير المسلمين بفضل هذا الباب و أصحابه؛لعلمه بالظلم الذي سوف يحلّ بهم (3).
و لتبقي لمسات الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي هذا الباب ليتبرّك بها المسلمون فيما بعد،كما يتبرّكون الآن بمنبره و مقعده و روضته،و كما كانوا يتبرّكون،كما يروي عن ابن الخليفة الثاني و غيره (4).
لكن غدر الزمان بأصحاب هذا الباب،و تكالبت عليهم صعاليك العرب،و حان موعد الثأر لقتلي بدر و أحد،و تجدّدت أحقاد الجاهلية!!.
و جاء من جاء،ليكون أول متوسّل و متبرّك بهذا الباب الشريف!!
و ليشهد له عند أميره بأنّه أوّل من اقتحم و أغار علي بيوت الأنبياء:حرّق دورهم أو هدّد به!.
ص: 82
و أنّه أوحد من ضرب بنات الأنبياء عليهم السّلام،بعد هبّار الذي أباح النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم دمه لضرب ابنته زينب (1).
و أنّه أوّل من أسر أصهارهم عليهم السّلام،و أخاف أولادهم،بعد قوم لوط!!.
جاءت يد الغدر لتحرق لمسات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم من علي ذلك الباب!!.
و لتلطم تلك اليد و الصدر اللذين كان يشمّهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم متي اشتاق إلي الجنة!! (2).
و لتقييد أيدي حبيب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أخيه و ابن عمّه،تلك الأيدي التي أسّست أركان الإسلام و دعائمه،و لعلّها تكبّل لذلك؟!! (3).
و اعلم أخي العزيز-و إن شاء اللّه أنت من أهل العلم-أنّه يأتي استئذان سفير اللّه تعالي في الأرض الأمين جبرائيل علي أصحاب الكساء عليهم السّلام عندما أراد أن يدخل تحت الكساء فقال جبرائيل:
يا ربّ أتأذن لي أن أهبط إلي الأرض لأكون معهم سادسا؟.
فقال اللّه عزّ و جلّ:قد أذنت لك،فهبط الأمين جبرئيل،و قال لأبي:«السلام عليك يا رسول اللّه،العليّ الأعلي يقرئك السلام،و يخصّك بالتحيّة و الإكرام،و يقول لك:و عزّتي و جلالي إنّي ما خلقت سماء مبنيّة،و لا أرضا مدحيّة،و لا قمرا منيرا،و لا شمسا مضيئة،و لا فلكا يدور،و لا بحرا يجري،و لا فلكا تسري،إلاّ لأجلكم و محبّتكم».
و قد أذن لي أن أدخل معكم،فهل تأذن لي أنت يا رسول اللّه؟
فقال أبي:و عليك السلام يا أمين وحي اللّه،نعم قد أذنت لك،فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء.
فقال جبرائيل لأبي:إنّ اللّه أوحي إليكم يقول: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (4).
و اعلم أيضا أنّ جبرائيل إستأذن مع ملك الموت فاطمة الزهراء عليها السّلام مرّة أخري عند وفاة النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم،لكي يدخل الدار،فرفضت فاطمة في المرّة الاولي.
ثمّ أعاد الإستئذان فرفضت،و في الثالثة قال:السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالةة.
ص: 83
و مختلف الملائكة،أأدخل؟فلا بدّ من الدخول.
فأذنت له صلوات اللّه عليها (1).
و عن ابن عبّاس:أنّ ملك الموت استأذن عليا عليه السّلام فقال:السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته؟
فقال له عليّ:إرجع فإنّا مشاغيل عنك.
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:هذا ملك الموت،أدخل راشدا.فبلغني أنّ ملك الموت لم يسلّم علي أهل بيت قبل و لا يسلّم بعده» (2).
هذا جبرائيل الأمين و ملك الموت،فلماذا لم يستأذن الخؤون عندما اقتحم الدار.
جبرائيل أمين اللّه علي وحيه،و سلطان الملائكة العظام،و خير أهل السماء،المنزّه عن المعاصي تكوينا،و البعيد عن الشهوات،مع ذلك يطلب الإذن من فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها صلوات المصلّين عليهم ما طلع نجم و أفل آخر.
يستأذن مع أنّ مجيئه كان لإيصال البركات إليهم من قبل اللّه تعالي.
بينما نجد أجلاف الصحراء و عديمي الرحمة،يقتحمون الدار بلا استئذان،و هدفهم كسر الباب و إهانة المقدّسات (3).
ذلك الباب الذي كان يقف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و يستأذن للدخول منه،و يتلو آية التطهير و الرحمة و هو يمسك بجنبتي بابه كما تقدّم.
و العجب ليس من عدم الرحمة في بعض قلوب هؤلاء فمنهم من قطع شجرة الرضوان و منهم من هجر ابنه (4)و منهم من كان يضرب امرأته (5).
إنّما العجب من عدم حيائهم و فعلهم الشنيع أمام النّاس و الصحابة؛الذين شاهدوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بأمّ أعينهم يحترم هذا الباب و من فيه و يقّدرهم عليهم السّلام.
و رأوه و هو يتلو آية العصمة و الطهارة علي هذا الباب ستّة أشهر،أو تسعة،أو طيلة وجوده المبارك في المدينة.7.
ص: 84
و لكن أين الحياء من رجال كنّ يبلن أمام النّاس و يمسحنه بالتراب (1).
و قد ينقضي العجب إذا ما سمعنا بفعل بعضهم في الإسلام من اعتراضه علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم، و في عدة أماكن،و من وصف نبيّ الرحمة صلّي اللّه عليه و آله و سلم بالهجر و الهذيان.
و لا بدّ و أن نسجّل أيضا موقفا علي هؤلاء الصحابة الذين رضوا بهذا الفعل الشنيع،و الذين يعتبرون مشاركين له في هذا الفعل،لرضاهم به.
***
تكرر دعاء الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم لأصحاب الكساء المتضمّن لمفاد آية التطهير منه قبل واقعة الكساء و منه عندها:
1-ما روي في قصة إنزال المائدة من السماء علي فاطمة عليها السّلام المرويّة عن مجاهد عن ابن عبّاس قال:...فنبّههما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أجلس واحدا علي فخذه الأيمن و واحدا علي فخذه الأيسر، و أجلس فاطمة بين يديه و اعتنقهم،فدخل عليّ بن أبي طالب فاعتنق النبيّ من ورائه،ثمّ رفع النبيّ طرفه إلي السماء و قال:«إلهي و سيّدي و مولاي هؤلاء أهل بيتي،اللهمّ فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (2).
2-و منها ما روي عن ابن أبي ليلي قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لعليّ:«أخبرني جبرائيل أنّهم يظلمونك بعدي،و أنّ الظلم لهم لا يزول عن عترتنا حتّي إذا قام قائمهم و علت كلمتهم و اجتمعت الأمّة علي مودّتهم-إلي أن قال-اللهمّ إنّهم أهلي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،اللهمّ اكلأهم و ارعهم و كن لهم و انصرهم (3).
3-و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في يوم و هم حوله:«اللهمّ إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي و أكرم النّاس عليّ، فأحبّ من يحبّهم و أبغض من يبغضهم،و وال من والاهم و عاد من عاداهم،و أعن من أعانهم، و اجعلهم مطهّرين من كلّ رجس معصومين من كلّ ذنب و أيّدهم بروح القدس منك» (4).
أخرجه أبو يعلي بتفاوت مع ذكر قصّة الكساء (5).
ص: 85
4-و قال للحسن عليه السّلام عند ولادته:«اللهمّ إنّي أعيذه بك و ولده من الشيطان الرجيم» (1).
5-و منها ما روي عن أمّ سلمة و سلمان و أنس و عليّ عليه السّلام جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال لعليّ و فاطمة عند زفافهما:«اللهمّ إنّي أعيذها بك و ذريّتها من الشيطان الرجيم،اللهمّ إني أعيذه بك و ذرّيّته من الشيطان الرجيم.
اللهمّ إنّهما منّي و أنا منهما،اللهمّ كما أذهبت عنّي الرّجس و طهّرتني فأذهب عنهما الرّجس و طهّرهما و طهّر نسلهما».
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«طهّركما اللّه و طهّر نسلكما».
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أذهب اللّه عنك الرّجس يا أبا الحسن و طهّرك تطهيرا».و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أذهب اللّه عنك الرّجس و طهّرك تطهيرا» (2).
6-و في رواية عن أنس قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم بعد نضح الماء:«أهل بيتي،فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» (3).
7-و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«و لمّا أتاه به أخذ من ريقه المبارك شيئا و ألقاه في الماء،ثمّ أعطاه لأمير المؤمنين فشرب منه و نضح الباقي في القعب علي صدره و صدر فاطمة و قال: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثمّ رفع يديه قائلا:«اللهمّ فاجعل عترتي الهادية من عليّ و فاطمة،اللهمّ إنّهما أحبّ الخلق إليّ فأحبّهما و بارك في ذرّيّتهما و اجعل عليهما منك حافظا،و إنّي أعيذهما بك من الشيطان الرجيم.
ثمّ قال لعليّ:أدخل بأهلك بارك اللّه لك و رَحْمَتُ اللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ».
إلي أن قال:«و ارزقهما ذرّيّة طاهرة طيّبة مباركة و اجعل في ذرّيّتهما البركة و اجعلهم أئمّة يهدون بأمرك إلي طاعتك و يأمرون بما يرضيك،طهّركما اللّه و طهّر نسلكما» (4).2.
ص: 86
8-و عن ابن عبّاس و أسماء قالا:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«اللهمّ كما أذهبت عنّا[عنّي]الرّجس و طهّرتني فطهّرهما» (1).
9-و عن أنس أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:«اللهمّ إنّي أعيذها بك و ذرّيّتها من الشيطان الرجيم،اللهمّ بارك فيهما،و بارك عليهما،و بارك لهما في شملهما» (2).
***
إن قيل:ما فائدة هذه الأدعية بعد كون الإرادة تكوينية؟و هل هو إلاّ تحصيل للحاصل؟
قلنا:
أوّلا:أنّ الأدعية منها ما كان عند زواج عليّ و فاطمة عليهما السّلام.
و بعضها كان قبيل نزول الآية،و بعضها كان بعد نزول الآية.
و عليه فالإشكال متوجّه إلي الأدعية التي كانت بعد نزول الآية.
أمّا الأدعية التي كانت عند الولادة،فلا محذور فيها،لأنّ النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان يريد أن يطهّر نسل الزهراء عليها السّلام،أو يبرز و يؤكد طهارتهم بواسطة الدعاء.
إضافة إلي الإستحباب الوارد في أعمال ليلة الزفاف،فيكون النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم عند دعائه لعليّ و فاطمة يشرّع الأدعية المستحبّة،و في الوقت نفسه يطبّقه علي نسل الزهراء صلوات اللّه عليها و علي أبيها و بعلها و بنيها.
أمّا الأدعية التي كانت قبيل النزول،فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم طلب فيها من اللّه تعالي أن يطهّر آل محمّد كما طهّره،و جاء به بصيغة الدعاء لأنّه أقرب إلي التذلّل إلي الباري عزّ و جلّ،أو لأنّ دعاء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم مستجاب.
فاستجاب اللّه تعالي لنبيّه ذلك و أفاده بإرادته التكوينية التي لا تتخلّف أبدا،ليكون أبلغ في الإستجابة.
ص: 87
أمّا الأدعية التي كانت بعد النزول:فقال المحقق العلامة السيد جعفر مرتضي:إنّها للإستمرار في التطهير.
و فيه أنّ التطهير الإلهي مستمرّ لأهل البيت عليهم السّلام،بل لم ينقطع هذا التطهير منذ عالم الأنوار و حتّي قيام الساعة،كما تقدّم في الكتاب الأول تفصيل ذلك.
و قال أيضا:فائدة الدعاء زيادة الخلوص و التطهير و تعميقه (1).
و هو كسابقه في الضعف لمكان الإرادة التكوينية.
و الصحيح أنّ يقال:أنّ كلّ الأدعية كانت قبل نزول الآية.
و ما ورد في كون الأدعية بعد نزول الآية يحمل علي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم تمثّل بالآية قبل نزولها،ثمّ أخذ بالدعاء لأهل بيته،ثمّ نزلت الآية الكريمة.
و لو سلّم كونها بعد النزول فنقول:
أوّلا:إنّ فائدة الأدعية التأكيد علي إرادة اللّه تعالي بتطهير أهل بيته.
ثانيا:كون الأدعية مفسّره للآية القرآنية بما لا يقبل الشّكّ،لذا ورد في كثير من الأدعية تفصيل للطهارة الإلهية،فيريد النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن يحدّد المقصودين في الآية ب أَهْلَ الْبَيْتِ و أنهم عليّ و فاطمة و من خرج من نسلهما عليهم السّلام.
خاصّة بملاحظة قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي».
ثالثا:الأدعية لم تكن بنفس مضمون الآية حتّي يكون تحصيلا للحاصل،بل نجد بعض الأدعية أشمل،إذ تدعو لآل محمّد و أولادهم و ذرّيّاتهم و نسلهم المبارك،أو تضيف إلي التطهير بعض الامور المتعلّقة بحياتهم كالدعاء علي أعدائهم و نحوه.
رابعا:أنّ يكون هدف النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم إبراز الفقر للّه تعالي و احتياج الممكن إلي الواجب لاستمرار الفيض الإلهي علي العباد،كما تشير إليه الآية الكريمة: كُلاًّ نُمِدُّ هٰؤُلاٰءِ وَ هَؤُلاٰءِ مِنْ عَطٰاءِ رَبِّكَ وَ مٰا كٰانَ عَطٰاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (2).
و هذا الإمداد و العطاء الإلهي إمداد تكوينيّ و مع ذلك يدعو الإنسان تشريعا لرزقه و خيراته.
هذا،فإنّ اللّه طهّر محمّدا و آل محمّد عليهم السّلام قبل خلق الخلق و قبل خلق الملائكة،و قبل خلق السماوات و الأرض و العرش و الكرسي و القلم.
و أفاض عليهم عليهم السّلام علمه و رحمته و عطفه و جميع الأخلاق الحسنة،و أبعد عنهم كلّ أنواع الرّجس و النّجس و القذارات و ما يشينهم.0.
ص: 88
و عليه فكلّ الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة التي وردت بحقّ محمّد و آل محمّد عليهم السّلام،سواء منها التي تطهّرهم،أو التي تمدحهم و تثني عليهم،أو التي تصفهم،أو التي تضفي عليهم نورا من نور اللّه تعالي،بل كلّ ما يتعلّق بكمال آل محمّد عليهم السّلام؛كلّ ذلك يكون إشارة إلي الكمال الذي أعطاه اللّه جلّ جلاله في عالم الأظلّة لمحمّد و آل محمّد عليهم السّلام.
فتكرار كلّ ذلك كان للتأكيد علي صحة هذه الأحاديث أو لتفسير الآيات تفسيرا صحيحا.
إضافة إلي التبّرك بذكر فضائل أهل البيت عليهم السّلام،حتّي من النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم أو من جبرائيل.
بل من اللّه تعالي نفسه،و ذلك للتشريع،أو لاستحباب ذكر الأحاديث الواردة في فضائلهم،أو للتشجيع و الحثّ علي ذكرها و تذاكرها.
و من ذلك ما ورد عن الإمام الصادق في زيارة الإمام الحسين عليهما السّلام قال:
«و كيف لا أزوره و اللّه تعالي يزوره كلّ ليلة جمعة،يهبط مع الملائكة إليه» (1).
فزيارة اللّه تعالي للتأكيد علي استحباب فضله عليه السّلام و زيادة فضله و فضل الزائر له.
***
ما روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:سمعت فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه أنّها قالت:
«دخل عليّ أبي رسول اللهفي بعض الأيام،فقال:السلام عليك يا فاطمة.
فقلت:و عليك السلام يا أبتاه.فقال:إنّي لأجد في بدني ضعفا.
فقلت له:أعيذك باللّه يا أبتاه من الضعف.
فقال:يا فاطمة ائتيني بالكساء اليماني و غطّيني به،فأتيته و غطّيته به،و صرت أنظر إليه،فإذا وجهه يتلألأ،كأنّه البدر في ليلة تمامه و كماله.
فما كانت إلاّ ساعة و إذا بولدي الحسن قد أقبل،فقال:السلام عليك يا أمّاه.
فقلت:و عليك السلام يا قرّة عيني و ثمرة فؤادي.فقال لي:يا أمّاه إني أشمّ عندك رائحة جدّي رسول اللّه.
فقلت:نعم يا ولدي إنّ جدّك تحت الكساء،فأقبل الحسن نحو الكساء،و قال:السلام عليك يا جدّاه يا رسول اللّه،أتأذن لي أن أدخل معك؟
ص: 89
فقال:و عليك السلام يا ولدي و صاحب حوضي،قد أذنت لك،فدخل معه تحت الكساء.
فما كانت إلاّ ساعة فإذا بولدي الحسين قد أقبل،و قال:السلام عليك يا أمّاه.
فقلت:و عليك السلام يا قرّة عيني و ثمرة فؤادي.
فقال لي:يا أمّاه إنّي أشمّ عندك رائحة طيّبة،كأنّها رائحة جدّي رسول اللّه.
فقلت:نعم يا بنيّ إنّ جدّك و أخاك تحت الكساء،فدنا الحسين نحو الكساء و قال:السلام عليك يا جدّاه،السلام عليك يا من اختاره اللّه،أتأذن لي أكون معكما تحت هذا الكساء؟
فقال:و عليك السلام يا ولدي و شافع أمّتي،قد أذنت لك،فدخل معهما تحت الكساء،فأقبل عند ذلك أبو الحسن عليّ بن أبي طالب،و قال:السلام عليك يا فاطمة يا بنت رسول اللّه.
فقلت:و عليك السلام يا أبا الحسين و يا أمير المؤمنين.
فقال:يا فاطمة إنّي أشمّ عندك رائحة طيّبة،كأنّها رائحة أخي و ابن عمّي رسول اللّه.
فقلت:نعم هو مع ولديك تحت الكساء،فأقبل عليّ نحو الكساء.
و قال:السلام عليك يا رسول اللّه أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟
فقال له:و عليك السلام يا أخي و خليفتي و صاحب لوائي في المحشر،نعم قد أذنت لك، فدخل عليّ تحت الكساء.
ثمّ أتيت نحو الكساء و قلت:السلام عليك يا أبتاه يا رسول اللّه،أتأذن لي أكون معكم تحت الكساء؟
فقال لي:السلام عليك يا ابنتي و يا بضعتي،قد أذنت لك،فدخلت معهم.
فلمّا اكتملنا و اجتمعنا جميعا تحت الكساء،أخذ أبي بطرفي الكساء و أومأ بيده اليمني إلي السماء،و قال:اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي و حامّتي،لحمهم لحمي،و دمهم دمي،يؤلمني ما يؤلمهم،و يحزنني ما يحزنهم،أنا حرب لمن حاربهم،و سلم لمن سالمهم،و عدوّ لمن عاداهم، و محبّ لمن أحبّهم،و إنّهم منّي و أنا منهم،فاجعل صلواتك و بركاتك و رحمتك و غفرانك و رضوانك عليّ و عليهم و أذهب عنهم الرّجس،و طهّرهم تطهيرا.فقال عزّ و جلّ:يا ملائكتي و يا سكان سماواتي،إنّي ما خلقت سماء مبنيّة،و لا أرضا مدحيّة،و لا قمرا منيرا،و لا شمسا مضيئة،و لا فلكا يدور،و لا فلكا تسري،و لا بحرا يجري،إلاّ لمحبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.
فقال الأمين جبرائيل:يا رب و من تحت الكساء؟
فقال عزّ و جلّ:هم أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة،و هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها.
فقال جبرائيل:يا ربّ أتأذن لي أن أهبط إلي الأرض لأكون معهم سادسا.
ص: 90
فقال اللّه عزّ و جلّ:قد أذنت لك فهبط الأمين جبرئيل،و قال لأبي:السلام عليك يا رسول اللّه،العليّ الأعلي يقرئك السلام،و يخصّك بالتحيّة و الإكرام،و يقول لك:و عزّتي و جلالي إنّي ما خلقت سماء مبنيّة،و لا أرضا مدحيّة،و لا قمرا منيرا،و لا شمسا مضيئة،و لا فلكا يدور،و لا بحرا يجري،و لا فلكا تسري،إلاّ لأجلكم و محبّتكم،و قد أذن لي أن أدخل معكم،فهل تأذن لي أنت يا رسول اللّه؟
فقال أبي:و عليك السلام يا أمين وحي اللّه،نعم قد أذنت لك،فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء.
فقال جبرائيل لأبي:إنّ اللّه أوحي إليكم يقول: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
فقال عليّ:يا رسول اللّه أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء،من الفضل عند اللّه.
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:و الذي بعثني بالحق نبيّا و اصطفاني بالرسالة نجيّا،ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض و فيه جمع من شيعتنا و محبّينا إلاّ و نزلت عليه الرحمة،و حفّت به الملائكة و استغفرت لهم إلي أن يتفرّقوا.
فقال عليّ عليه السّلام:إذن و اللّه فزنا و فاز شيعتنا و ربّ الكعبة.
فقال أبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم:يا عليّ و الذي بعثني بالحقّ نبيّا،و اصطفاني بالرسالة نجيّا،ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض،و فيه جمع من شيعتنا و محبّينا،و فيهم مهموم إلاّ و فرّج اللّه همّه، و لا مغموم إلاّ و كشف اللّه غمّه،و لا طالب حاجة إلاّ و قضي اللّه حاجته،إذن فزنا و سعدنا،و كذلك شيعتنا فازوا و سعدوا في الدنيا و الآخرة بربّ الكعبة (1).
*و نظم السيد القزويني هذا الحديث الشريف:
روت لنا فاطمة خير النسا حديث أهل الفضل أصحاب الكسا
تقول إن سيّد الأنام قد زارني يوما من الأيّام
فقال لي إنّي أري في بدني ضعفا أراه اليوم قد أنحلني
قومي عليّ بالكسا اليماني و فيه غطّيني بلا تواني
فقمت نحوه و قد لبّيته مسرعة و بالكسا غطّيته
و صرت أرنو وجهه كالبدر في أربع بعد ليال عشر
فما مضي إلاّ يسير من زمن حتّي أتي أبو محمّد الحسنة.
ص: 91
فقال يا أمّاه إنّي أجد رائحة طيبة أعتقد
بأنّها رائحة النبيّ أخ الوصيّ المرتضي عليّ
قلت نعم ها هو ذا تحت الكسا من علّة مدّثر به اكتسي
فجاء نحوه إبنه مسلّما مستأذنا قال له أدخل كرما
فما مضي غير القليل إلاّ و جاءني الحسين مستقلا
فقال يا أمّ أشمّ عندك رائحة كأنها المسك الذكي
و حقّ من أولاك منه شرفا أظنّها ريح النبيّ المصطفي
قلت نعم تحت الكساء هذا بجنبه أخوك فيه لاذا
فجاء نحوه ابنه مستأذنا مسلّما قال له ادخل معنا
فما مضت من ساعة إلاّ و قد جاء أبوهما الغضنفر الأسد
أبو الأئمّة الهداة النجبا المرتضي رابع أصحاب العبا
فقال يا سيّدة النساء و من بها زوّجت في السماء
إنّي أشمّ في حماك رائحه كأنّها الورد النديّ فائحه
يحكي شذاها عرف سيّد البشر و خير من طاف و لبّي و اعتمر
قلت نعم تحت الكساء التحفا و ضمّ شبليك و فيه اكتنفا
فجاء يستأذن منه قائلا أأدخلن قال فادخل عاجلا
قالت فجئت نحوهم مسلّمه قال ادخلي محبوبة مكرمه
فعندما بهم أضاء الموضع و كلّهم تحت الكساء اجتمعوا
نادي إله الخلق جلّ و علا يسمع أملاك السماوات العلي
أقسم بالعزة و الجلال و بارتفاعي فوق كلّ عال
ما من سما خلقتها مبنيّه و ليس أرض في الثري مدحيّه
و لا خلقت قمرا منيرا كلاّ و لا شمسا أضاءت نورا
كلاّ و لا خلقت بحرا يجري ماء و لا فلك بحار تسري
إلاّ لأجل من هم تحت الكسا من لم يكن أمرهم ملتبسا
قال الأمين قلت يا رب و من تحت الكسا بحقّهم لنا أبن
فقال لي هم معدن الرساله و مهبط التنزيل و الجلاله
ص: 92
و قال هم فاطمة و بعلها و المصطفي و الحسنان نسلها
فقلت:يا ربّ و هل تأذن لي أن أهبط الأرض لذاك المنزل
فأغتدي تحت الكساء سادسا كما جعلت خادما و حارسا
قال اهبطن فجاءهم مسلّما مستأذنا يتلو عليهم-إنّما
يقول إنّ اللّه خصّكم بها معجزة لمن غدا منتبها
أقرأكم ربّ العلي سلامه و خصّكم بغاية الكرامه
و هو يقول معلنا و مفهّما أملاكه الغرّ بما تقدّما
قال-عليّ-قلت يا حبيي ما لاجتماعنا من النصيب
فقال و اللّه الذي اصطفاني و خصّني بالوحي و اجتباني
ما إن جري ذكر لهذا الخبر في محفل الأشياع خير معشر
إلاّ و أنزل الإله الرحمه و فيه قد حفّت جنود جمّه
من الملائك الذين صدقوا تحرسهم في الأرض ما تفرّقوا
كلاّ و ليس فيهم مهموم إلاّ و عنه كشفت غموم
كلاّ و لا طالب حاجة يري قضاءها عليه قد تعسّرا
إلاّ قضي اللّه الكريم حاجته و أنزل السرور فصلا ساحته
قال عليّ نحن و الأحباب شيعتنا الذين قدما طابوا
فزنا بما نلنا و رب الكعبه فليشكرنّ كلّ فرد ربّه
يا عجبا يستأذن الأمين عليهم و يهجم الخئون (1)
قال سليم قلت يا سلمان هل هجم القوم و لا استئذان
فقال إي و عزّة الجبّار و ما علي الزهراء من خمار
لكنّها لاذت وراء الباب رعاية للستر و الحجاب
فمذ رأوها عصروها عصرة كادت بنفسي أن تموت حسرةس.
ص: 93
تصيح يا فضّة أسنديني فقد و ربّي قتلوا جنيني (1)
***
تقدّم و يأتي أنّ الأمور إمّا اعتباريّة و إمّا حقيقية تكوينية،و الإعتبارية هي التي يطلقها الآمر، و منها الولاية التشريعية،نحو قوله تعالي: أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ (2).
أمّا الحقيقيّة فهي التي تعتمد علي وجود اللّه فقط،و الولاية التكوينية كذلك فأمرها بيد المولي نحو قوله عزّ من قائل: إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (3).
فهذا خطاب حقيقي ليس متفرّعا علي وجود مخاطب،بل هو بنفسه يخلق المخاطب و يوجده بعد الإعدام.
قال آية اللّه حسن زاده الآملي في الفرق بين الأمرين:يجب معرفة الفرق بين الأمر التكويني و بين الأمر التكليفي،فإنّ الأول أمر بلا واسطة و الثاني أمر بالواسطة،و الواسطة السفراء الإلهية،و ما كان بالواسطة فقد تقع المخالفة فيه؛لذلك آمن النّاس بالأنبياء و كفر بعض،و ممّن آمن أتي بجميع أوامرهم بعضهم و لم يأت بعضهم.
و ما لا واسطة فيه،أي الأمر التكويني،فلا يمكن المخالفة فيه كقوله تعالي: إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (4).
فالحقيقي يشمل كلّ الموجودات التي لا يكون عمل الإنسان الإختياري دخيلا في وجودها و عدمها.
لذا عرّفت الولاية التكوينية بأنّها:
«ولاية التصرّف في الامور التكوينية إبداعا أو تبديلا من حقيقة إلي أخري،أو من صورة إلي غيرها،بغير أسباب طبيعية متعارفة،مع علم المتصرّف بكلّ تفاصيل المتصرّف فيه و أسبابه،من غير تحدّ و نبوّة،بحيث تكون اختياراتها بيد المتصرّف من هذه الجهات» (5).
و من هنا يتّضح معني الإرادة التكوينية للّه تعالي و أنّها ما استتبعت الفعل،أمّا الإرادة التشريعية
ص: 94
فهي الإرادة المحضة التي لا يتبعها الفعل.
و يختلف المعني في آية التطهير باختلاف تفسير الإرادة،فإنّه علي كون الإرادة في الآية تشريعية يكون اللّه تعالي يعطي أهل البيت عليهم السّلام الطهارة و العصمة بعد طاعتهم للّه و جزاء لعبادتهم التي تكون باختيارهم و رغبتهم و فعلهم.
فيكون المعني(أمركم اللّه باجتناب المعاصي يا أهل البيت عليهم السّلام).
أمّا علي كونها تكوينيّة؛فاللّه يضفي التطهير و التقديس و العصمة ابتداء و بلا سابق فعل،بل لعلمه بحالهم عليهم السّلام و أحوالهم و أنّهم يطيعونه متي أراد و شاء،و أنّهم لا يريدون إلاّ ما أراد سبحانه، و لا يشاؤون إلاّ أن يشاء اللّه تعالي (1).
فيكون المعني في قوّة قولك(إنّما أذهب اللّه عنكم الرّجس و طهّركم يا أهل البيت عليهم السّلام).
***
إنّ حمل الإرادة علي التشريعية لا يتناسب مع معني الآية.
حيث تقدّم كونها لاختصاص محمّد و آل محمّد عليهم السّلام بشيء دون النّاس.
و أنّها جاءت لتضفي عليهم جعلا جديدا من اللّه تعالي.
قال الرازي: وَ يُطَهِّرَكُمْ أي يلبسكم خلع الكرامة (2).
و قال الحمزاوي:و استدلّ القائل علي عدم العموم بما روي من طرق صحيحة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جاء و معه عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين...»و ذكر أحاديث الكساء،إلي أن قال:و يحتمل أنّ التخصيص بالكساء لهؤلاء الأربع لأمر إلهي،يدلّ عليه حديث أمّ سلمة قالت:فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي (3).
فلم يرد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن يشرك زوجاته في هذا الجعل الإلهي المخصوص.
و ما تقدّم من أقوال يشير إلي الإختصاص.
ص: 95
و ممّا يدلّ عليه ما ورد في بعض طرق الحديث:قال سليمان الجمل في شرح قوله:«و من حوته العباء»:و هم النبيّ و فاطمة و عليّ و أبناؤهما،و صحّ أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم جعل علي عليّ و فاطمة و ابنيهما كساء و قال:اللهمّ هولاء أهل بيتي و خاصتي أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،فأمنت أسكفّة الباب و حوائط البيت فقالت:آمين ثلاثا.و الأسكفّة عتبة البيت (1).
كما و يدلّ علي الإختصاص الاحتجاجات التي تقدّمت من قبل الأئمة عليهم السّلام.
و عليه؛فحمل الإرادة علي التشريعية يعني أمر أهل البيت عليهم السّلام بتكاليف و أحكام إذا طبّقوها يعطيهم اللّه الطهارة و هم فيها كبقية النّاس،سوي كونهم سببا لنزول الآية،و هذا ليس امتيازا إذ كلّ الآيات لا بدّ لها من سبب للنزول،و قد كان في بعضها أبو لهب سببا.
و يشير إليه قوله تعالي: مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (2).
فالله تعالي يريد التطهير التشريعي لجميع عباده و يحثّهم عليه،فلا معني لاختصاصه بآل محمّد عليهم السّلام؛فهو عامّ يشمل الجميع.
فإذا انتفي كون الإرادة و التطهير تطهيرا تشريعيا في آية التطهير؛فيتعيّن كون الإرادة تكوينية و التطهير أزليّا.
و هذا ما يستفاد من تصدّر الآية ب إِنَّمٰا المفيدة للحصر و التخصيص.
إنّ المقام من باب الإشتراك اللفظي بين الإرادتين،و عادة عند فقدان القرينة الصارفة لأحد المعنيين،يحمل اللفظ علي المعني الأكثر شيوعا و غلبة.
و المتتبّع لاستعمالات الإرادة في القرآن الكريم،يجد شيوعها في الإرادة التكوينية،فقريب من مائة مورد استعملت في القرآن،و في المقابل أقلّ من تسعة موارد استعملت في الإرادة التشريعية.
إن قيل:هناك قرينة صارفة،و هي الأحكام التي سبقت في آيات نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
قلنا:آية التطهير آية معترضة كما تقدّم،و هي أجنبيّة عن الأحكام المتعلّقة بالآيات الاخري.
أن يدّعي في المقام وجود قرينة صارفة علي الإرادة التكوينية،و ذلك أنّه تقدّم أنّ الفرق بين
ص: 96
الإرادتين كون الفعل و المراد في الإرادة التكوينية يتعلّق بنفس المريد لا غير.
أمّا في التشريعية فإنّه يتعلّق بفعل الغير.
و عليه ففي الآية الفعل و المراد-و هو إذهاب الرّجس و التطهير-متعلّق بنفس اللّه تعالي لا بغيره يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ فالله سبحانه هو الذي يذهب الرّجس عنهم و يطهّر أهل البيت عليهم السّلام.
فيتعيّن كون الإرادة تكوينية.
أن يقال إنّ أدعية النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم قبيل الآية دليل علي كون الإرادة تكوينية،ذلك أنّها لو كانت الإرادة تشريعية لكان الدعاء التشريعي تحصيل للحاصل،لتضمّنه نفس ما تضمّنته الإرادة التشريعية.
أمّا لو كانت الإرادة تكوينية فإنّ للدعاء هدفا بل عدة أهداف،كما تقدّم مفصّلا.
بل قد يقال:إنّ كونها تشريعية فيه ردّ لدعاء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،حيث أنّه صلوات اللّه عليه و آله طلب من اللّه تعالي أن يذهب عنهم الرّجس و يحلّيهم بالكرامة و العصمة،و لم يطلب منه تعالي أن يكلّفهم بطاعته،و أن يطلب اللّه منهم أن يطهّروا أنفسهم بالطاعات.
و بعبارة أخري:طلب النبيّ أمرا تكوينيا لا تشريعيا.
إنّ الآية في مقام المدح كما دلّت عليه الروايات المتقدّمة و الأقوال،و الذي يشير إليه تمنّي عائشة،و أمّ سلمة التي اعترضت و ابنتها علي تخصيص النبيّ لآله عليهم السّلام،و واثلة الذي قال:إنّها لأرجي ما أرجوه.
و كذلك ما تقدّم من احتجاجات الأئمة عليهم السّلام.
كلّ هذا يشير إلي كون الآية في مقام الإمتنان و المدح و التشريف.
و عليه فإذا كانت الإرادة تشريعية لما كان هناك مدح و امتنان عليهم عليهم السّلام،و أين المدح في الخطابات التي تعمّ الفسّاق و أصحاب المعاصي! (1).
فيتعيّن كون الإرادة تكوينية و امتنانا من اللّه علي محمّد و آل محمّد عليهم السّلام بتطهيرهم بلا سابق فعل منهم،لعلمه تعالي بحالهم،صلوات المصلّين عليهم.
ص: 97
قال الشيخ الطبرسي:فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة.
أو الإرادة التي يتبعها التطهير و إذهاب الرّجس.
و لا يجوز الوجه الأول،لأنّ اللّه تعالي قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة،فلا اختصاص لها بأهل البيت عليهم السّلام دون سائر الخلق.
و لأنّ هذا القول يقتضي المدح و التعظيم لهم بغير شكّ و شبهة في الإرادة المجرّدة؛فثبت الوجه الثاني.
و في ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح،و قد علمنا أنّ من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع علي عصمته،فثبت أنّ الآية مختصّة بهم لبطلان تعلّقها بغيرهم عليهم السّلام (1).
*و للعلاّمة الطباطبائي كلام مشابه زاد عليه استشهاده للوجه الأول بقوله تعالي: مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
و قال:و يكون المراد بالإرادة أيضا غير الإرادة التشريعية؛لما عرفت أنّ الإرادة التشريعية التي هي توجّه التكاليف إلي المكلّف لا تلائم المقام أصلا.
و المعني:أنّ اللّه سبحانه تستمّر إرادته أن يخصّكم بموهبة العصمة بإذهاب الإعتقاد الباطل و أثر العمل السيّيء عنكم أهل البيت،و إيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم و هي العصمة (2).
*و قال السيّد الحضرمي في آية التطهير:قال السيّد خاتمة المحقّقين السيّد يحيي بن عمر:
فإذا تقرّر لديك ذلك فإيضاح وجه الإستدلال أنّ من المعلوم المقطوع به عند أهل السنّة:أنّ إرادته تعالي أزلية و أنّها من صفات الذات القديمة بقدمها الدائمة بدوامها،و قد علّق اللّه تعالي الحكم بها، إذ أحكام صفات الذات المعلّقة بها لا يجوز عليها التجوّز،لأنّه يلزم منه حدوث تلك الصفة،فيلزم من حدوثها حدوث الذات القديمة و قيام الحوادث بها،و كلّ منهما يستحيل قطعا،تعالي اللّه عن ذلك.
حتّي قال جمع من المشايخ العارفين:يجب علي كلّ مسلم أن يعتقد أن لا تبديل لما اختّص اللّه تعالي به أهل البيت بما أنزل اللّه فيهم،إذ شهادته لهم بالتطهير و إذهاب الرّجس عنهم في الأزل علي الوجه المذكور (3).
ص: 98
-و قال في موضع آخر:و إذا كانوا كذلك فكيف يجوز علي أحد منهم الخروج عن الملّة الذي هو الكفر الموجب للخلود في النيران،و الطرد عن باب الرحمن،و في إرادة اللّه سبحانه و تعالي تطهيرهم كما في الآية؛أعدل شاهد علي استحالة الكفر علي أحد منهم؛لأنّ الإرادة صفة ذاتيّة قديمة بقدمه تعالي،و من المعلوم أنّ أحكام الذات لا تتبدّل (1).
-و قال في موضع ثالث:و حيث عرفت أيّها الأخ وجوب طهارتهم عن الذنوب بمقتضي الإرادة الأزليّة،كما في الآية الكريمة و الأحاديث السابقة،فأزيدك أيضا:أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان مجاب الدعوة و ذلك معلوم ضرورة (2).
أذهب اللّه عنكم الرّجس أهل ال بيت في محكم الكتاب أفاده
و بتطهير ذاتكم شهد القر آن حقا فيالها من شهاده
لا بما قد تحملتموه من الخي ر و لكن قضت بذاك الإراده (3)
*و قال الشيخ الرفاعي:و مع ذلك-يعني وجود الحسّاد لهم في كلّ زمان و أوان-فإنّ شرف الآل أعزّ قدرهم المتعال لا ينقص بحسد حاسد و لا بجحود جاحد،ما هو إلاّ فضل هطل من الحضرة الصمدانية عليهم،و سبق الإرادة الأزليّة إليهم،فأنّي تمنع سحب العناية الإلهية الهاطلة عليهم كلابا نابحة،و جدير أن تعشي أنوارهم عيونا صارت إلي مشاهد الضلال طامحة (4).
و قال الإمام أبو العبّاس أحمد بن عيسي المعروف بزروق المغربي التونسي في كتابه(تأسيس القواعد و الاصول و تحصيل الفوائد لذوي الوصول):
قاعدة:أحكام الصفات الربّانية لا تتبدّل و آثارها لا تتنقّل،و من ثمّ قال الحاتمي:نعتقد في أهل البيت أنّ اللّه سبحانه و تعالي يتجاوز عن جميع سيّئاتهم لا بعمل عملوه و لا بصالح قدّموه،بل بسابق عناية من اللّه لهم؛إذ قال اللّه تعالي: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الآية،فعلّق الحكم بالإرادة التي لا تتبدّل أحكامها فلا يحلّ لمسلم أن ينتقص،و لا أن يشنأ عرض من شهد اللّه بتطهيره و ذهاب الرّجس عنه (5).
*و قال السيّد قطب:في العبارة بيان علّة التكليف و غايته،و تلطّف يشير بأنّ اللّه سبحانه يشعرهم بأنّه بذاته العليّة يتولّي تطهيرهم و إذهاب الرّجس عنهم،و هي رعاية علويّة مباشرة بأهل هذاس.
ص: 99
البيت،و حين نتصوّر من هو القائل سبحانه و تعالي،ربّ هذا الكون الذي قال للكون:كن فكان.
اللّه ذو الجلال و الإكرام المهيمن العزيز الجبار المتكبر (1).
و قال الآلوسي:و قد يستدلّ علي كون الإرادة ههنا بالمعني المذكور(التشريعية)دون المعني المشهور الذي يتحقّق عنده الفعل؛بأنّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال حين أدخل عليّا و فاطمة و الحسنين رضي اللّه تعالي عنهم تحت الكساء:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا» فإنّه أيّ حاجة للدعاء لو كان ذلك مرادا بالإرادة بالمعني المشهور،و هل هو إلاّ دعاء بحصول الحاصل؟.
إلي أن اختار الإرادة التكوينية بقوله:(...و الإرادة علي معناها الحقيقي المستتبع للفعل) (2).
***
-قال القاضي عياض في مشارق الأنوار:الرّجس بالسين:اسم لكلّ ما استقذر،و قد جاء الرّجس بمعني المأثم و الكفر و الشّكّ،و هو قوله تعالي: فَزٰادَتْهُمْ رِجْساً إِلَي رِجْسِهِمْ (3).
و قيل نحوه في قوله تعالي: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ.
و يجيء بمعني العذاب أو العمل الذي يوجبه) (4).
-و قال ابن منظور:الرّجس:القذر،و قيل:الشيء القذر،و كلّ قذر رجس.و رجس:نجس، و في الحديث:أعوذ بك من الرّجس النجس.و قد يعبّر به عن الحرام و القبيح و العذاب و اللعنة و الكفر،و رجس الشيطان:وسوسته.
قال:و في التهذيب:و أمّا الرّجس فالعذاب و العمل الذي يؤدّي إلي العذاب.
و قال الفرّاء:إنّه العقاب و الغضب.
و قال:و قال ابن الكلبي:الرّجس:المأثم،و قال مجاهد:ما لا خير فيه.
و قال أبو جعفر:الشّكّ.و قال الزجّاج:الرّجس في اللغة اسم لكلّ ما استقذر من عمل فبالغ اللّه تعالي في ذمّ هذه الأشياء(الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام)و سمّاها رجسا (5).
ص: 100
و قال الآلوسي و الماوردي و الحافظ المقريزي و الحضرمي و اللفظ للأول:
و الرّجس في الأصل:الشيء القذر،و أريد به هنا-عند كثير-الذنب مجازا،و قال السدّي:
الإثم،و قال الزجاج:الفسق،و قال ابن يزيد:الشيطان،و قال الحسن:الشّرك،و قيل:الشّكّ، و قيل:البخل و الطمع،و قيل:الأهواء و البدع،و قيل:إنّ الرّجس يقع علي الإثم،و علي العذاب، و علي النّجاسة،و علي النّقائص،و المراد به هنا ما يعمّ كلّ ذلك (1).
-و قال الرفاعي:المراد بالرّجس:الذنوب و الآثام و ما يشينهم في الدّنيا و يوم القيامة (2).
-و قال ابن حجر:هذه الآية منبع فضائل أهل البيت،ابتدأت ب(إنّما)المفيدة لحصر إرادته تعالي في أمرهم علي إذهاب الرّجس-الذي هو الإثم أو الشّكّ فيما يجب الإيمان به-عنهم، و تطهيرهم من سائر الأخلاق و الأحوال المذمومة...و من تطهيرهم تحريم صدقة الفرض-بل و النّفل علي قول مالك-عليهم لأنّها أوساخ النّاس،مع كونها تنبيء عن ذلّ الآخذ و عزّ المأخوذ منه (3).
و قال الشوكاني:المراد بالرّجس الإثم و الذنب المدنّسان للأعراض الحاصلان بسبب ترك ما أمر اللّه به و فعل ما نهي عنه،فيدخل تحت ذلك كلّ ما ليس فيه للّه رضا (4).
*أقول:هو معني العصمة.
و قال ابن العربي:فيها أربعة أقوال:الإثم،الشرك،الشيطان،الأفعال الخبيثة و الأخلاق الذميمة؛فالأفعال الخبيثة كالفواحش ما ظهر منها و ما بطن،و الأخلاق الذميمة كالشحّ و البخل و الحسد و قطع الرّحم (5).
و قال ابن عطيّة:و الرّجس اسم يقع علي الإثم و علي العذاب و علي النجاسات و النقائص، فأذهب اللّه تعالي جميع ذلك عن أهل البيت (6).
قال القاسمي:و لفظ الرّجس عامّ يقتضي أنّ اللّه أذهب جميع الرّجس (7).ي.
ص: 101
و قال أبو جعفر الطبري:يقول اللّه تعالي: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أي السوء و الفحشاء يا أهل بيت محمّد،و يطهّركم من الدنس الذي يكون من أهل معاصي اللّه.
و ذكر عن قتادة:قوله إِنَّمٰا يُرِيدُ فهم أهل بيت طهّرهم اللّه من السوء و خصّهم برحمة منه (1).
***
جاء في دعاء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لعليّ عليه السّلام:«اللهمّ إنّك خليفتي عليه و علي ذريّته الطيّبة المطهّرة التي أذهبت عنها الرّجس و النّجس و صرفت ملامسة الشيطان» (2).
-و قال ابن البطريق:و التطهير:التنزّه عن الإثم و عن كلّ قبيح،و ذكر ذلك صاحب المجمل في اللّغة أحمد بن فارس اللغوي،و هذا هو معني العصمة و هو ترك موافقة الرّجس (3).
-و قال الاسفرائيني:يطهّركم أي من سائر الأخلاق و الأفعال و الأقوال المذمومة (4).
-و قال الآلوسي:التحلية بالتقوي،و جوّز أن يراد به الصون (5).
-و قال عبد الرزاق المقرّم:...فإنّ الغرض بمقتضي أداة الحصر قصر إرادة المولي سبحانه علي تطهير من ضمّهم الكساء عن كلّ ما تتقذّره الطّباع و يأمر به الشّيطان،و يحقّ لأجله العذاب و يشين السمعة،و تقترف به الآثام،و تمجّه الفطرة،و تسقط به المروءة،و إليه يرجع ما ذكره ابن العربي في الفتوحات المكّيّة في الباب 29 من أنّ الرّجس فيها عبارة عن كلّ ما يشين الإنسان (6).
و كذا ما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن الأزهري من أنّه كلّ مستقذر من عمل و غيره...فإنّ اللام الداخلة عليه للإستغراق الجنسي،و لم تكن هناك قرينة متّصلة أو منفصلة علي تخصيصه بنوع خاص من الرّجس،و هذا المعني الذي قلناه هو الموافق للإمتنان الإلهي و اللطف الربوبي،و هو عبارة عن العصمة العامّة (7).
*أقول:كلام متين يؤيّده ما تقدّم من أقوال المفسّرين و استعمالات أهل اللغة،نعم المراد
ص: 102
بالتّطهير و نفي الرّجس أكثر من ذلك،فلا حدود لامتنان اللّه تعالي و لطفه،كما ستعرف قريبا.
أذهب اللّه عنكم الرّجس أهل ال بيت في محكم الكتاب أفاده
و بتطهير ذاتكم شهد القر آن حقّا فيالها من شهاده
لا بما قد تحمّلتموه من الخي ر و لكن قضت بذاك الإراده (1)
***
هناك عدّة أمور نستطيع أنّ نقدّمها كمعطيات لآية التطهير منها:
1-التطهير الأزليّ العام لمحمّد و آل محمّد عليهم السّلام.
2-طهارة نسل أهل البيت و طهارة آبائهم عليهم السّلام.
قال ابن حجر بعد ذكر حديث الثقلين:...و لا يبعد أن تكون هي الحكمة(طهارة الزهراء)من بقاء نسلها في العالم أمنا له من عموم الفتن و المحن،كما أخبر به النبي الصادق الصدوق صلّي اللّه عليه و آله و سلم بذلك بأنّهم في ذلك كالقرآن بقوله:إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي (2).
و قد تقدّم في الكتاب الأول الأحاديث الدالّة علي ذلك.
تنوير:
فقد جاء في أدعية النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لآله:«اللهمّ كما أذهبت عنّي الرّجس و طهّرتني فأذهب عنهما الرّجس و طهّرهما و طهّر نسلهما» (3).
و نحوها من الألفاظ تقدّم مفصّلا.
و تقدّم في الكتاب الأوّل و الثاني أحاديث:«اللهمّ إنّهم منّي و أنا منهم» (4).
و هذا يدلّ علي أنّ ما اختصّ به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم من الفضائل؛قد ثبت اختصاصه لآل بيت محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و ما امتنع عليه من الرذائل ثبت امتناعه عليهم،و إليك نموذجا من ذلك:
1-أنّ الشيطان لا يتمثّل و لا يتكوّن و لا يتصوّر برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (5).
ص: 103
2-لا يقع علي بدنه و لا علي ثيابه الذباب و البعوض (1).
3-أنّه صلوات اللّه عليه لا يشمّ منه رائحة كريهة،و إنّ طيب ريحه دائميّ (2).
4-أنّ ريح المسك يخرج منه بدل الأذي،لأنّ أجسادهم نبتت علي أرواح أهل الجنة (3).
5-أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم طاهر الحدثين (4).
6-أنّ دمه صلّي اللّه عليه و آله و سلم طاهر (5).
7-أنّ الأرض لا تأكل جسده و لا يبلي.و معناه عدم قرب ديدان الأرض منه (6).
8-أنّ الأرض تبتلع ما يخرج منه(صلي اللّه عليه و آله) (7).
9-أنّه ما احتلم قطّ لأنّها من الشيطان،و لا تثاءب (8).
10-أنّه ولد بلا قذر و كان طاهرا (9).
11-أنّه صلوات اللّه عليه لا ظلّ له (10).
12-أنّ النوم لا ينقض وضوءه (11).
هذه جملة من خصائص (12)و طهارة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فتثبت لأهل البيت بمساواتهم لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و لكونهم منه و هو منهم.ا.
ص: 104
و كلّها تدخل تحت طهارتهم و دفع الرّجس عنهم بنصّ آية التطهير،إذ التطهير مطلق شامل لكلّ دنس و كلّ ما يشينهم كما تقدّم.
*هذا،و قد وردت خصائص لآل محمّد عليهم السّلام في الروايات صريحة،منها:
1-أنّ الإمام لا يجنب و لا يحتلم (1).
و يؤيّده ما روي من حلّيّة المسجد لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم كما تقدّم.
و حديث:«سألت ربيّ أنّ يطهّر مسجدي بك و بذرّيّتك» (2).
2-أنّ الإمام مصون عن الفواحش و الآفات و العاهات (3).
3-أنّ رائحة ما يخرج من الإمام مسك،و أن رائحته طيب (4).
4-أنّ الإمام ليس له ظلّ (5).
5-أنّه يولد طاهرا و لا تصاحبه الحمرة (6).
6-أنّ الأرض لا تأكل لحوم الأئمة عليهم السّلام (7).
7-أنّ ما يخرج منه طاهر (8).
8-أنّه لا يتثاءب و لا يتمطّي (9).
9-أنّه لا يري له الناس بول و لا غائط (10).
10-و تواتر عن الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام أنّها لا تحيض و لا تري الحمرة (11).:-
ص: 105
فرأيت عزيزي القاريء مساواة النبيّ الاعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم لآل بيته الأطهار عليهم السّلام في كثير من الأمور، و قد تقدّم منّا تفصيل أمور كثيرة قد ساووا بها نبي الهدي صلوات اللّه عليهم.
3-عصمة أهل البيت عليهم السّلام:
فالآية دلّت علي عصمة أصحاب الكساء و الأئمة المعصومين لأنّ الرّجس فيها عبارة عن الذنوب كما تقدّم مفصّلا في معني الرّجس،و قد حصرته ب«إنّما»،فأفادت كون إرادة اللّه في أمرهم مقصورة علي إذهاب الذنوب عنهم و تطهيرهم من كلّ ما يشين؛و هو معني العصمة.
و قد أشار إلي ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره قائلا:
(إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم السوء و الفحشاء يا أهل بيت محمّد،و يطهّركم من الدّنس الذي يكون في أهل المعاصي.
و روي عن قتادة:«طهّرهم اللّه من السوء و خصّهم برحمة منه») (1).
4-رحمة أهل البيت و عطفهم عليهم السّلام:
حيث إنّ الآية نفت كلّ أنواع القبائح و ما ليس فيه للّه رضا،كما تقدّم عن المفسّرين في معني إذهاب الرّجس.
5-صدق أهل البيت و عدم كذبهم عليهم السّلام:
قالت عائشة:ما رأيت أحدا قطّ أصدق من فاطمة غير أبيها[فإنّها لا تكذب] (2).
و من فوائد ذلك تصديق أمير المؤمنين في ادّعاء إمامته عليه السّلام.
و كذلك بقيّة الأئمة؛الحسن و الحسين إلي الحجّة القائم عليهم السلام.
6-سعة علم أهل البيت عليهم السّلام:
و ذلك لأنّ الآية نفت الجهل و الشّكّ عن أصحاب الكساء،و قد تقدّم أنّ معني الرّجس الشّكّ، و تقدّم تفصيل علم آل محمّد عليهم السّلام.
7-كون أهل البيت عليهم السّلام أفضل البريّة:3.
ص: 106
حيث إنّ الآية خصّت أهل البيت بصفات لم توجد في غيرهم.
و سوف يأتي من السمهودي التصريح بذلك.
و عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«يا عليّ لو أنّ أحدا عبد اللّه حق عبادته ثمّ يشك فيك و أهل بيتك أنّكم أفضل النّاس كان في النار» (1)و من ذلك ما روي عن سلمان قال:سمعت رسول اللّه يقول:«إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:يا عبادي...ألا فاعلموا أنّ أكرم الخلق عليّ و أحبهم إليّ محمّد،و أفضلهم لديّ محمّد و أخوه عليّ من بعده،و الأئمة الذين هم الوسائل» (2).و في حديث قدسي آخر عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:«و أفضلهم لديّ و أكرمهم عليّ سيد الوري و أكرمهم و أفضلهم بعده علي بن أبي طالب عليه السّلام أخو المصطفي المرتضي ثمّ بعده القوامون بالقسط من أئمة الحق» (3).و عن الصديقة فاطمة عليها السّلام:قالت:«فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:عليّ بعدي أفضل أمّتي و حمزة و جعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ و بعدك و بعد الحسن و الحسين و الأوصياء من ولد ابني و أشار إلي الحسين،و منهم المهدي» (4).و عن الهروي عن الرضا عن آبائه عن رسول اللّه قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و الفضل بعدي لك يا عليّ و للأئمة من بعدك...يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلي التوحيد و معرفة ربنا عزّ و جلّ و تسبيحه و تقديسه و تهليله،لأنّ أول ما خلق اللّه أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تمجيده» (5).
و عن حكيم بن جبير:قال:قلت لعليّ بن الحسين عليه السّلام:جعلت فداك كان أبو جحيفة يزعم أنّه سمع عليّا يقول:«ألا أخبركم بأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر ثمّ سكت.
فقال لي عليّ بن الحسين عليه السّلام:«فهذا سعيد بن المسيب أخبرني أنّه سمع سعدا قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي».
هل كان في بني اسرائيل بعد موسي أفضل من هارون صلي اللّه عليهما و سلم؟!.
قلت:لا.
فضرب علي كتفي ثمّ قال لي عليّ بن الحسين:«فأين ذهب بك؟!!» (6).4.
ص: 107
و قال عليه السّلام بعد كلام بليغ في بدء الخلق و خلق آدم و محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ثمّ انتقل النور إلي غرائزنا و لمع في أئمتنا،فنحن أنوار السماء و أنوار الأرض فبنا النجاة،و منا مكنون العلم،و إلينا مصير الأمور، و بمهدينا تنقطع الحجج،خاتمة الأئمة،و منقذ الأمة،و غاية النور،و مصدر الأمور،فنحن أفضل المخلوقين و أشرف الموحدين و حجج رب العالمين فليهنأ بالنعمة من تمسّك بولايتنا و قبض علي عروتنا» (1).-و عن ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«من أشفع له أولا فهو أفضل».أخرجه أبو طاهر المخلص و الطبراني و الذّهبي و الدار قطني (2).و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أول من أشفع له من أهل بيتي» (3).
و زاد الطبراني:«أول من أشفع له من أمّتي أهل بيتي ثمّ الأقرب فالأقرب من قريش...و أول من أشفع له أولو الفضل» (4).و عن ابن عبّاس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«أفضل رجال العالمين في زماني هذا عليّ و أفضل نساء الأولين و الآخرين فاطمة» (5).و روي عن الإمام الباقر محمّد بن عليّ عن آبائه:إنّه سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم عن خير النّاس؟فقال:«خيرها و أتقاها و أفضلها و أقربها إلي الجنة أقربها مني و لا أقرب و لا أتقي إلي من عليّ بن أبي طالب» (6).
و عن ابن عمر عن سلمان قال:«لو شئت لأنبأتكم بأفضل هذه الأمة بعد نبيها و أفضل من هذين الرجلين أبي بكر و عمر...
قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقلت:يا رسول اللّه هل أوصيت؟فساق الحديث إلي أن قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و إنّي أوصيت إلي عليّ و هو أفضل من أتركه من بعدي» (7).
و قال عليه السّلام:«كانت لي منزلة من رسول اللّه لم تكن لأحد من الخلائق» (8).
و تقدم تفصيل القول في كونهم أفضل البريّة و خيرها.
8-وجود أهل البيت عليهم السّلام قبل الخلق:
و ذلك أنّ التطهير كان بشكل دفعيّ و منع الرّجس عنهم،و لم يكن من باب إزالته بعد وجوده، و قد تقدّم في الكتاب الأول أنّ طهارتهم منذ عالم الأنوار.5.
ص: 108
و هناك أمور أخري يستطيع المتتبّع أن يستخرجها من الآية لأنّها منبع الفضائل.
***
قال في جواهر العقدين:قلت:و إنّما بدأت بهذه الآية لأنّي تأمّلتها مع ما ورد من الأخبار المتقدّمة في شأنها و ما صنعه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم بعد نزولها،فظهر لي أنّها منبع فضائل أهل البيت النبويّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لاشتمالها علي أمور عظيمة لم أر من تعرّض لها:
أحدها:اعتناء الباري جلّ و علا بهم و إشادته بعلوّ قدرهم،حيث أنزلها في حقّهم.
ثانيها:تصديره عزّ و جلّ لذلك بقوله-«إنّما»التي هي أداة الحصر،لإفادة أنّ إرادته في أمرهم مقصورة علي ذلك الذي هو منبع الخيرات لا يتجاوز إلي غيره.
ثالثها:تأكيده تعالي لتطهيرهم بالمصدر ليعلم أنّه في أعلي مراتب التطهير.
رابعها:تنكيره تعالي لذلك المصدر حيث قال: تَطْهِيراً إشارة إلي كون تطهيره إياهم نوعا غريبا ليس ممّا يعهده الخلق،و لا يحيطون بدرك نهايته.
خامسها:شدّة اعتنائه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بهم و إظهاره لاهتمامه بذلك،و حرصه عليهم مع إفادة الآية لحصوله،فهو لطلب تحصيل المزيد من ذلك،ثمّ كرّر طلبه لذلك من مولاه عزّ و جلّ مع استعطافه بقوله:«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي»أي:و قد جعلت إرادتك في أهل بيتي مقصورة علي إذهاب الرّجس و للتطهير،فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،بأن تجدّد لهم من مزيد تعلّق الإرادة بذلك ما يليق بعطائك،و فيه الإيماء إلي سبب العطاء عمّا سبق من العطاء توسّلا بإنعامه لإنعامه.
سادسها:دخوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم معهم في ذلك.
ثمّ قال بعد أن أورد ما أثبت به ذلك:و فيه من مزيد كرامتهم و إنافة تطهيرهم و إبعادهم عن الرّجس الذي هو الإثم أو الشّكّ فيما يجب الإيمان به ما لا يخفي موقعه عند أولي الألباب.
سابعها:دعاؤه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لهم مع دعائه بما تضمّنته الآية بأن يجعل اللّه صلواته و رحمته و بركاته و مغفرته و رضوانه عليه و عليهم،لأنّ من كانت إرادة اللّه تعالي في أمره مقصورة علي إذهاب الرّجس و التطهير كان حقيقا بهذه الامور.
ثامنها:أنّ في طلب ذلك لهم و له من تعظيم قدرهم و إنافة منزلتهم حيث ساوي بين نفسه و بينهم في ذلك؛ممّا لا يخفي،كما سبق في دخوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم معهم في ما تضمّنته الآية.
تاسعها:أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم سلك في طلب ذلك من مولاه عزّ و جلّ أعظم أسلوب و أبلغه فقدّم علي
ص: 109
الطلب مناجاته تعالي ممّا تضمّنه قوله«اللهمّ قد جعلت صلواتك و رحمتك و مغفرتك و رضوانك علي إبراهيم و آل إبراهيم».
ثمّ أخذ بذكر ما أعطي إبراهيم و آله إلي أن قال:فتلك الامور ثابتة لهم فيما مضي أيضا،فإنّما طلب في الحال الإنعام من المنعم فيما مضي و جعل سبق العطاء في الماضي سببا لطلب العطاء في الحال.
عاشرها:أنّ دعاءه صلّي اللّه عليه و آله و سلم مجاب،سيّما في أمر الصلاة عليه،و قد دعا مولاه أن يخصّه بالصلاة عليه و عليهم فتكون الصلاة عليه من ربّه كذلك.
حادي عشرها:أنّ جمعهم معه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في هذا التطهير الكامل،و ما نشأ عنه من الصلاة عليه و عليهم،و نحو ذلك مقتض لإلحاقهم بنفسه الشريفة كما يشير إليه بقوله:«اللهمّ إنّهم منّي و أنا منهم».
-و أخذ بذكر الأحاديث التي ألحقهم بنفسه و أقامهم مقام نفسه-.
ثاني عشرها:أنّ قصر الإرادة الإلهية في أمرهم علي إذهاب الرّجس و التطهير يشير إلي ما يأتي في بعض الطرق من تحريمهم في الآخرة علي النار.
ثالث عشرها:حثّهم بذلك علي كمال البعد عن دنس الذنوب و المخالفات.
رابع عشرها:أنّ قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلم في الرواية السابقة:«فجعلني في خيرهم بيتا فذلك قوله عزّ و جلّ إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ دالّ علي أنهم استحقّوا بذلك أنّ يكونوا خير الخلق،و ستأتي الدلالة عليه آخر هذا الذكر.
خامس عاشرها:أنّ الآية المذكورة لمّا أفادت أنّ طهارتهم في الذروة العليا و مساواتهم له في أصل ذلك؛نشأ من ذلك إلحاقهم به صلّي اللّه عليه و آله و سلم في المنع من الصدقات التي هي أوساخ النّاس،و عوّضهم عن ذلك خمس الخمس من الفيء و الغنيمة اللذين هما أطيب الأموال مع ما تضمّناه من عزّ أخذهما و ذلّ من أخذ منه،بخلاف أخذ الصدقة فإنّه ينبيء عن ذلّ الآخذ و عزّ المأخوذ منه.
ثمّ أخذ بشرح ذلك (1).
***ل.
ص: 110
الآيات النازلة في فاطمة الزهراء
آية المودة و الكوثر
قال ابن طلحة الشافعي:و أمّا كونهم ذوي القربي فقد صرّح نقل الأخبار المقبولة و أوضح حملة الآثار المنقولة في مسانيد ما صحّحوه و أساليب ما أوضحوه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لمّا أنزل قوله تعالي: لاٰ أَسْئَلُكُمْ قالوا:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«عليّ و فاطمة و ابناهما» (1).
و أخرجه كافة الحفّاظ بهذه الألفاظ أو ما يقرب منها (2).
فروي أنّ المراد بالكوثر فاطمة،و الآية نزلت لمّا قالت قريش:محمد أبتر لا عقب له،فأعطاه اللّه الكوثر و هو النسل الكثير من فاطمة و تقدّم إنحصار نسله المبارك منها (3).
و قيل:الكوثر أولاد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فاطمة و غيرها (4).
آية الإطعام
و قد اشتهرت الروايّة عند العامّة و الخاصّة (5)علي نزولها فيهم و إليك بعضها:عن ابن عباس في قوله تعالي: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (6)قال:مرض الحسن و الحسين فعادهما جدّهما محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم و معه أبو بكر و عمر،و عادهما عامّة العرب،فقالوا:يا أبا الحسن لو نذرت علي ولديك نذرا-و كلّ نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء-فقال عليّ عليه السّلام:إن بريء ولداي ممّا بهما،صمت للّه ثلاثة أيام شكرا.
و قالت فاطمة:إنّ برئ ولداي ممّا بهما،صمت للّه ثلاثة أيام شكرا،و قالت جارية يقال لها
ص: 111
فضّة:إنّ برئ سيّداي ممّا بهما،صمت ثلاثة أيام شكرا،فألبس الغلامان العافية و ليس عند آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم قليل و لا كثير،فانطلق عليّ عليه السّلام إلي شمعون بن جابا الخيبري-و كان يهوديّا-فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير.
و في حديث المزني عن ابن مهران الباهلي:فانطلق عليّ عليه السّلام إلي جار له من اليهود يعالج الصوف،يقال له شمعون بن جابا،فقال:هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم بثلاثة أصوع من شعير؟
قال:نعم،فأعطاه،فجاء بالشعير و الصوف فأخبر فاطمة عليها السّلام بذلك فقبلت و أطاعت،قالوا:
فقامت فاطمة إلي صاع فطحنته و اختبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرصا و صلّي عليّ مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم المغرب،ثمّ أتي المنزل فوضع الطعام بين يديه،إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال:
السلام عليكم يا أهل بيت محمّد،مسكين من مساكين المسلمين،أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة،فسمعه عليّ رضي اللّه عنه فبكي فأنشأ يقول:
فاطم ذات المجد و اليقين يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين قد قام بالباب له حنين
يشكو إلي اللّه و يستكين يشكو إلينا جائعا حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين و فاعل الخيرات يستبين
موعده جنّة علّيين حرّمها اللّه علي الضنين
و للبخيل موقف مهين تهوي به النار إلي سجّين
شرابه الحميم و الغسلين
فأنشأت فاطمة عليها السّلام تقول:
أمرك يا بن عمّ سمع و طاعة ما بي من لؤم و لا ضراعة
غذّيت من خبز له صناعة أطعمه و لا أبالي الساعة
أرجو إذا أشبعت ذا مجاعة أن ألحق الأخيار و الجماعة
و أدخل الخلد و لي شفاعة
قال:فأعطوه الطعام بأجمعه و مكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح،فلّما أن كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها السّلام إلي صاع فطحنته و اختبزته،و صلّي عليّ عليه السّلام مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،ثمّ أتي المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال:السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين،استشهد والدي يوم العقبة،أطعموني أطعمكم اللّه علي موائد الجنّة،
ص: 112
فسمعه عليّ عليه السّلام فأنشأ يقول:
فاطم بنت السيّد الكريم بنت نبي ليس بالزنيم
قد جاءنا اللّه بذا اليتيم من يرحم اليوم فهو رحيم
موعده في جنّة النعيم قد حرّم الخلد علي اللئيم
يزلّ في النار إلي الجحيم شرابه الصديد و الحميم
قال:فأنشأت فاطمة عليها السّلام تقول:
إنّي لأعطيه و لا أبالي و أوثر اللّه علي عيالي
أمسوا جياعا و هم أشبالي أصغرهما يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال للقاتل الويل مع الوبال
تهوي به النار إلي سفال مصفّد اليدين بالاغلال
كبولة زادت علي الأكبال
قال:فأعطوه الطعام و مكثوا يومين و ليلتين لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح،فلمّا كان في اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السّلام إلي الصاع الباقي فطحنته و اختبزته،و صلّي عليّ عليه السّلام مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم ثمّ أتي المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير،فوقف بالباب فقال:السلام عليكم أهل بيت محمّد،تأسروننا و تشدّوننا و لا تطعمونا،أطعموني فإنّي أسير محمّد أطعمكم اللّه علي موائد الجنّة،فسمعه عليّ عليه السّلام فأنشأ يقول:
فاطم يا بنت النبيّ أحمد بنت نبي سيّد مسود
هذا أسير للنبيّ المهتدّ مكبّلا في غلّه مقيّد
يشكو إلينا الجوع قد تمرّد من يطعم اليوم يجده في غد
عند العليّ الواحد الموحّد ما يزرع الزارع سوف يحصد
فأطعمي من غير من أنكد حتّي تجازي بالذي لا ينفد
قال:فأنشأت فاطمة عليها السّلام تقول:
لم يبق ممّا جئت غير صاع قد دميت كفّي مع الذراع
ابناي و اللّه مع الجياع أبوهما للخير ذو اصطناع
يصطنع المعروف بابتداع عبل الذراعين طويل الباع
و ما علي رأسي من قناع إلاّ قناع نسجه من صاع
قال:فأعطوه و مكثوا ثلاثة أيام و لياليها لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح،فلّما كان في اليوم
ص: 113
الرابع و قد قضوا نذرهم،أخذ عليّ عليه السّلام بيده اليمني الحسن و بيده اليسري الحسين عليهما السّلام و أقبل نحو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و هم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع،فلمّا بصر به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:يا أبا الحسن ما أشدّ ما يسوءني ما أري بكم؟
إنطلق الي ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها و هي في محرابها تصلّي لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع،و غارت عيناها،فلمّا رآها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:و اغوثاه باللّه،أهل بيت محمّد يموتون جوعا!
فهبط جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمد خذّ هنّأك اللّه في أهل بيتك،قال:و ما آخذ يا جبرئيل؟
فأقرأه: هَلْ أَتيٰ عَلَي الْإِنْسٰانِ إلي قوله: إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّٰهِ لاٰ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَ لاٰ شُكُوراً إلي آخر السورة.
و زادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث:فوثب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم حتّي دخل علي فاطمة،فلمّا رأي ما بهم،انكبّ عليهم ثمّ قال:أنتم منذ ثلاث فيما أري و أنا غافل عنكم!فهبط جبرئيل بهذه الآيات: إِنَّ الْأَبْرٰارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كٰانَ مِزٰاجُهٰا كٰافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اللّٰهِ يُفَجِّرُونَهٰا تَفْجِيراً (1).
قال:هي عين في دار النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم تفجّر إلي دور الأنبياء و المؤمنين (2).
و عن جابر بن عبد اللّه:إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم أقام أيّاما لم يطعم طعاما حتّي شقّ ذلك عليه و طاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة شيئا فأتي فاطمة عليها السّلام،فقال يا بنيّة هل عندك شيء آكله فإني جائع؟
فقالت:لا و اللّه بأبي أنت و أمّي.
فلمّا خرج من عندها بعثت إليها جاريتها برغيفين و قطعة لحم فأخذته منها و وضعته في جفنة لها و غطّت عليها و قالت لأوثرنّ بها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي نفسي و من عندي،و كانوا جميعا محتاجين إلي شبعة طعام،و بعثت حسنا و حسينا عليهما السّلام إلي رسول اللّه فرجع إليها،فقالت:بأبي أنت و أمّي قد آتانا اللّه بشيء فخبّأته.
قال:هلّمي،فأتته فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملؤة خبزا و لحما،فلمّا نظرت إليه بهتت فعرفت أنّها كرامة من اللّه تعالي فحمدت اللّه تعالي و صلّت علي نبيّه.
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:أنّي لك هذا يا بنيّة؟
قالت:هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.4.
ص: 114
فقال:الحمد للّه الذي جعلك شبيهة بسيّدة نساء العالمين في نساء بني إسرائيل في وقتهم فإنّها كانت إذا رزقها اللّه تعالي فسئلت قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ فبعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي عليّ فأكل رسول اللّه هو و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و جميع نساء النبيّ و أهل بيته جميعا و شبعوا و بقيت الجفنة كما هي.
قالت فاطمة عليها السّلام:فأوسعت منها علي جميع جيراني فجعل اللّه فيها البركة و الخير كما فعل اللّه عزّ و جلّ لمريم عليها السّلام.
و سمعت هذا الحديث عن الشيخ الإمام عبد الحميد البرايقني مختصرا برواية جابر بن عبد اللّه أيضا.
حدّثنا أحمد بن محمد بن غالب حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدّثنا نمير عن مجالد عن ابن عباس قال:و ذكر قصّة الأعرابي و الضبّ حتّي أسلم الأعرابي لتشهد الضبّ ثمّ التفت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقال:من يزوّد الأعرابي و أنا أضمن له علي اللّه زاد التقوي.
فوثب إليه سلمان و قال:فداك أبي و أمّي و ما زاد التقوي؟
فقال:يا سلمان إذا كان آخر يوم من الدنيا لقّنك اللّه شهادة أن لا آله إلاّ اللّه و أن محمّدا رسول اللّه،فإنّ أنت قلتها لقيتني و لقيتك،و إن أنت لم تقلها لم تلقني و لم القك أبدا،قال فمضي سلمان حتّي طاف تسعة أبيات من بيوت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلم يجد عندهنّ شيئا فلمّا ولّي راجعا نظر إلي حجرة فاطمة فقال:إن يكن خير فمن منزل فاطمة.
فقرع الباب فأجابته من وراء الباب،من بالباب؟
فقال:أنا سلمان الفارسي.فقالت:و ما تريد؟
فشرح لها قصّة الأعرابي و الضب و ما ضمنه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لزاده.
فقالت:يا سلمان و الذي بعث بالحقّ محمّدا نبيّا إنّ لنا ثلاثا ما طعمنا و إن الحسن و الحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان،و لكن يا سلمان لا أردّ الخير يأتي، خذ درعي هذا ثمّ امض به إلي شمعون اليهودي و قلّ له:تقول فاطمة بنت محمد إقرضني عليه صاعا من تمر و صاعا من شعير أردّه عليك إن شاء اللّه تعالي.
فأخذ سلمان الدرع و أتي به إلي شمعون اليهودي فأخذ شمعون الدرع و جعل يقلّبه في كفّه و عيناه تذرفان بالدموع و هو يقول:يا سلمان هذا هو الزهد في الدنيا هذا الذي أخبرنا به موسي بن عمران في التوراة فأنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله.
فأسلم و حسن إسلامه،و دفع لسلمان صاعا من تمر و صاعا من شعير فأتي به سلمان إلي فاطمة فطحنته بيدها و اختبزته و أتت به إلي سلمان،و قالت له:خذه و امض به إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
ص: 115
فقال سلمان:يا فاطمة خذي منه قرصا تعلّلين به الحسن و الحسين.
فقالت:يا سلمان هذا شيء أمضيناه للّه عزّ و جلّ فلسنا نأخذ منه شيئا.
فأخذه سلمان و أتي النبيّ فلمّا نظره صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:يا سلمان من أين لك هذا؟
قال:من منزل ابنتك فاطمة.
قال:و كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم لم يطعم طعاما منذ ثلاث،فقام حتّي أتي حجرة فاطمة فقرع الباب و كان إذا قرع الباب لا يفتح له إلاّ فاطمة فلمّا فتحت له نظر إلي صفرة وجهها و تغيّر حدقتيها.
فقال:يا بنيّه ما الذي أراه من صفرة وجهك و تغيّر حدقتيك؟
قالت:يا أبة إنّ لنا ثلاثا ما طعمنا و إن الحسن و الحسين اضطربا عليّ من شدّة الجوع ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان.
قال:فنبههما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أجلس واحدا علي فخذه الأيمن و واحدا علي فخذه الأيسر و أجلس فاطمة بين يديه و اعتنقهم فدخل عليّ بن أبي طالب،فاعتنق النبيّ من ورائه ثمّ رفع النبيّ طرفه إلي السماء و قال:«إلهي و سيّدي و مولاي هؤلاء أهل بيتي أللّهم فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» ثمّ و ثبت فاطمة إل مخدعها فصفّت قدميها و صلّت ركعتين ثمّ رفعت باطن كفّيها إلي السماء و قالت:
«إلهي و سيّدي هذا نبيّك محمّد و هذا عليّ ابن عمّ نبيّك و هذان الحسن و الحسين سبطا نبيّك،إلهي فأنزل علينا مائدة كما أنزلتها علي بني إسرائيل أكلوا منها و كفروا بها،اللّهمّ،فأنزلها فإنّا بها مؤمنون».
قال ابن عباس:فو الله ما استتمّت الدعوة إلاّ و هي تري جفنة وراءها يفوح قتارها و إذا قتارها أذكي من المسك الأذفر فاحتضنتها و أتت بها إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام فلمّا نظرها عليّ قال:يا فاطمة أنّي لك هذا،و لم يكن يعهد عندها شيئا.
فقال النبيّ:كلّ يا أبا الحسن و لا تسل الحمد للّه الذي لم يمتني حتّي رزقني ولدا مثله مثل مريم كُلَّمٰا دَخَلَ عَلَيْهٰا زَكَرِيَّا الْمِحْرٰابَ وَجَدَ عِنْدَهٰا رِزْقاً قٰالَ يٰا مَرْيَمُ أَنّٰي لَكِ هٰذٰا قٰالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ.
قال:فأكل النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و خرج النبيّ و تزوّد الأعرابي فاستوي علي راحلته و أتي بني سليم و هم يؤمئذ أربعة آلاف رجل فلمّا حلّ في وسطهم ناداهم بأعلي صوته قولوا:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه،فلمّا سمعوا هذه المقالة أسرعوا إلي سيوفهم فجرّدوها و قالوا:صبوت إلي دين محمد الساحر الكذّاب!!
فقال لهم:و اللّه يا بني سليم ما هو بساحر و لا كذّاب إنّ إله محمد خير إله،و إن محمّدا خير نبي أتيته جائعا فأطعمني و عاريا فكساني و راجلا فحملني،ثمّ شرح لهم قصّة الضب و ما قاله،و قال
ص: 116
لهم:يا معشر بني سليم أسلموا تسلموا من النار فأسلم ذلك اليوم أربعة آلاف رجل و هم أصحاب الرايات الخضر حول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (1).
و رويت القصّة بألفاظ أخري من أراد المزيد فليرجع إلي مصادرها (2).
و في كتاب المناقب سئل عالم فقيل:إنّ اللّه تعالي قد أنزل هَلْ أَتيٰ في أهل البيت و ليس شيء من نعيم الجنّة إلاّ و ذكر فيه إلاّ الحور العين قال:ذلك إجلالا لفاطمة (3).
آية المباهلة
ص: 117
و قد تواترت الروايات علي نزولها بأصحاب العباء و أن المراد بنساءنا فاطمة بنت محمد فقط، من ذلك ما رواه ابن طلحة الشافعي و غيره قال:أمّا آية المباهلة:فقد نقل الرواة الثقات و النقلة الأثبات،أنّ سبب نزول آية المباهلة هي قوله تعالي: فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَي الْكٰاذِبِينَ (1)إنّه قدم وفد نجران علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و معهم راهبان مقدمان يقال لأحدهما العاقب و الآخر السيد،فدعاهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي الإسلام.
فقال الراهبان:قد أسلمنا قبلك.
فقال:«كذبتما إنّه يمنعكما من الإسلام ثلاثة:عبادتكم الصليب،و أكلكم الخنزير،و قولكم للّه ولد».
قالا:هل رأيت ولدا بغير أب،فمن أبو عيسي؟فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ مَثَلَ عِيسيٰ عِنْدَ اللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاٰ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا الآية.
فلمّا نزلت هذه الآية مصرّحة بالمباهلة،دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و فد نجران إلي المباهلة،و تلا عليهم الآية قالوا له:حتي ننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا.
فلمّا خلا بعضهم ببعض،قالوا للعاقب-و كان ذا رأيهم و صاحب مشورتهم-:ما تري من الرأي؟
فقال لهم:و اللّه لقد عرفتم يا معاشر النصاري أنّ محمّدا نبي مرسل،و لقد جاءكم بالفصل1.
ص: 118
فو الله ما لا عن قوم قط نبيّا إلاّ هلكوا،فإنّ أبيتم إلاّ الإقامة علي دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا.
فلمّا أصبحوا جاؤا إلي رسول اللّه فخرج إليهم محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة خلفه و علي خلفهما و يقول:«اللهم هؤلاء أهلي»قال الشعبي:قوله تعالي: أَبْنٰاءَنٰا الحسن و الحسين عليهما السّلام وَ نِسٰاءَنٰا فاطمة وَ أَنْفُسَنٰا علي فقال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«إذا أنا دعوت فأمّنوا »فلمّا رأي و فد نجران ذلك،و سمعوا قوله قال لهم كبيرهم:يا معشر النصاري إنّي لأري وجوها لو سألوا اللّه تعالي أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله،فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقي منكم علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة،فاقبلوا الجزية.فقبلوها و انصرفوا.
فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و الذي نفسي بيده إنّ العذاب قد تدلّي علي أهل نجران،و لو تلاعنوا لمسخوا قردة و خنازير،و لاضطرم الوادي عليهم نارا،و لا ستأصل اللّه نجران و أهله حتي الطير علي الشجر،و لما حال الحول علي النصاري حتي هلكوا» (1).
ثم قال ابن طلحة:فانظر بنور بصيرتك أمدك اللّه بهدايتها،إلي مدلول هذه الآية و ترتيب مراتب عبارتها،و كيفيّة إشارتها علي علو مقام فاطمة عليها السّلام في منازل الشرف و سمو درجتها،و قد بيّن ذلك عليه السّلام و جعلها بينه و بين علي تنبيها علي سر الآية و حكمتها،فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعلها مكتنفة من بين يديها و من خلفها ليظهر بذلك الإعتناء بمكانتها،و حيث كان المراد من قوله تعالي وَ أَنْفُسَنٰا نفس علي عليه السّلام مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم جعلها بينهما،إذ الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها (2).
و قال العلامة الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة:(روي أنّه عليه الصلاة و السلام لمّا أورد الدلائل علي نصاري نجران ثم إنهم أصروا علي جهلهم فقال عليه السّلام:إنّ اللّه أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم،فقالوا:يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك،فلمّا رجعوا قالوا للعاقب- و كان ذا رأيهم-يا عبد المسيح ماذا تري؟
فقال:و اللّه لقد عرفتم يا معشر النصاري أنّ محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم،و اللّه ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم،و لئن فعلتم لكان الاستئصال،فإن أبيتم إلاّ الإصرار علي دينكم و الإقامة علي ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا الي بلادكم.
و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم خرج و عليه مرط من شعر أسود و كان قد احتضن الحسين و أخذ بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول إذا دعوت فأمّنوا.ة.
ص: 119
فقال أسقف نجران يا معشر النصاري:إنّي لأري وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها،فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقي علي وجه الأرض نصراني الي يوم القيامة.
ثم قالوا:يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك علي دينك.
فقال صلوات اللّه عليه:فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما علي المسلمين.
فأبوا.فقال:إني أناجزكم القتال.فقالوا:ما لنا بحرب العرب طاقة،و لكن نصالحك علي أن لا تغزونا و لا تردّنا عن ديننا علي ان نؤدي اليك ألفي حلة الفا في صفر و ألفا في رجب،و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم علي ذلك (1).
و روي أنّه لما دعاهم إلي المباهلة قالوا:حتي نرجع و ننظر[فنأتيك غدا]،فلمّا تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا رأيهم:يا عبد المسيح ما تري؟
فقال:و اللّه لقد عرفتم يا معشر النصاري أنّ محمّدا نبي مرسل،و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم،و اللّه ما باهل قوم نبيّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم،و لئن فعلتم لتهلكن،فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم و الإقامة علي ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلي بلادكم.
فأتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و قد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول:إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران:يا معشر النصاري إني لأري وجوها لو شاء اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا،فلا يبق علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة.
فقالوا:يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك علي دينك و نثبت علي ديننا.
قال:فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم.فأبوا قال:فإنّي أناجزكم.
فقالوا:ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك علي أن لا تغزونا و لا تخفينا و لا تردّنا عن ديننا علي أن نؤدّي إليك كل عام ألفي حلّة ألف في صفر و ألف في رجب و ثلاثين درعا عادية من حديد،فصالحهم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي ذلك و قال:و الذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّي علي أهل نجران،و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم عليهم الوادي نارا،و لا ستأصل اللّه نجران و أهله حتي الطير علي رؤوس الشجر،و لما حال الحول علي النصاري كلّهم حتي يهلكوا (2).8.
ص: 120
فإن قلت:ما كان دعاؤه إلي المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه و من خصمه،و ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه،فما معني ضمّ الأبناء و النساء؟
قلت:كان ذلك آكد في الدلالة علي ثقته بحاله و استيقانه بصدقه،حيث تجرأ علي تعريض أعزّته و أفلاذ كبده و أحبّ الناس إليه لذلك،و لم يقتصر علي تعريض نفسه له و علي ثقته أيضا بكذب خصمه حتي يهلكه مع أحبّته و أعزّته هلاك الإستئصال إن تمّت المباهلة،و خص الأبناء و النساء لأنّهم أعزّ الأهل و ألصقهم بالقلوب،و ربّما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتي يقتل،و من ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب و يسمّون الذادة عنها حماة الحقائق، و قدّمهم في الذكر علي الأنفس لينبّه علي لطف مكانهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدّمون علي الأنفس مفدون بها،و فيه دليل لا شيء أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء عليهم السّلام.
و فيه برهان واضح علي صحّة نبوّة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم لأنّه لم يروا أحدا من موافق و لا مخالف أنّهم أجابوا إلي ذلك.
هذا آخر كلام الزمخشري فانظر بعين الإنصاف تعرف منه أهل الصراط السوي (1).
و قد ذكر النّقاش في تفسيره شفاء الصدور ما هذا لفظه:قوله عزّ و جلّ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ (2).
قال أبو بكر:جاءت الأخبار بأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أخذ بيد الحسن و حمل الحسين عليهما السّلام علي صدره،و يقال:بيده الأخري و علي عليه السّلام معه و فاطمة عليها السّلام من ورائهم،فحصلت هذه الفضيلة للحسن و الحسين من بين جميع أبناء أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أبناء أمّته،و حصلت هذه الفضيلة لفاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم من بين بنات النبي و بنات أهل بيته و بنات أمّته،و حصلت هذه الفضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السّلام من بين أقارب رسول اللّه و من أهل بيته و أمّته بأن جعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم كنفسه،يقول:
وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ.
و عن جرير عن الأعمش قال:كانت المباهلة ليلة إحدي و عشرين من ذي الحجّة،و كان تزويج فاطمة لعلي بن أبي طالب عليه السّلام يوم خمسة و عشرين من ذي الحجة،و كان يوم غدير خم يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة،هذا آخر كلام النّقاش (3).
و قد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد فضل أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد النّقاش و كثرة رجالهف.
ص: 121
و أنّ الدار قطني و غيره رووا عنه،و ذكر أنّه قال عند موته«لمثل هذا فليعمل العاملون»ثم مات في الحال (1).
و قال مسلم في تفسير قوله تعالي فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَي الْكٰاذِبِينَ لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال:اللّهم هؤلاء أهل بيتي.
و رواه أيضا مسلم أواخر الجزء المذكور علي حدّ كراسين من النسخة المنقول منها.
و رواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سعد بن أبي وقاص في الحديث السادس من أفراد مسلم (2).
و رواه الثعلبي في تفسير هذه الآية عن مقاتل و الكلبي قال:لما قرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم هذه الآية علي وفد نجران و دعاهم إلي المباهلة،قالوا له:حتي نرجع و ننظر في أمرنا و نأتيك غدا،فخلا بعضهم إلي بعض،فقالوا للعاقب و كان ديّانهم:يا عبد المسيح ما تري؟
فقال:و اللّه لقد عرفتم يا معشر النصاري أنّ محمدا نبي مرسل،و لقد جاءكم بالفضل من عند ربّكم،و اللّه ما لا عن قوم قط نبيّا فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم،و لئن فعلتم ذلك لتهلكن،و ان أبيتم إلاّ إلف دينكم و الإقامة علي ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلي بلادكم،فأتوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فإذا قد غدا محتضنا للحسين و آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها،و هو يقول لهم:إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران:يا معشر النصاري إني لأري وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا لأزاله من مكانه،فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة.
فقالوا:يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك،و أن نتركك علي دينك و نثبت علي ديننا.
فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:إن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم، فأبوا.
فقال:فانّي أنابذكم الحرب.
فقالوا:ما لنا بحرب العرب طاقة،و لكنّا نصالحك علي أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردّنا عنب.
ص: 122
ديننا علي أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة:ألف في صفر و ألف في رجب،فصالحهم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي ذلك (1).
و رواه أيضا أبو بكر بن مردويه بأجمل من هذه الألفاظ و المعاني عن ابن عباس و الحسن و الشعبي و السدي (2).
و في رواية الثعلبي زيادة في آخر حديثه و هي:قال و الذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلّي علي أهل نجران،و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم عليهم الوادي نارا،و لا ستأصل اللّه نجران و أهله حتي الطير علي الشجر،و لما حال الحول علي النصاري كلّهم حتي هلكوا،فأنزل اللّه تعالي (3): إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ مٰا مِنْ إِلٰهٍ إِلاَّ اللّٰهُ وَ إِنَّ اللّٰهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (4).
و رواه الشافعي و ابن المغازلي في كتاب المناقب عن الشعبي عن جابر بن عبد اللّه قال:قدم وفد نجران علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم العاقب و الطيب فدعاهما إلي الإسلام فقالا:أسلمنا يا محمد قبلك.
قال:كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام؟
قالا:هات.
قال:حب الصليب،و شرب الخمر،و أكل الخنزير،فدعاهما إلي الملاعنة فواعداه أن يغادياه بالغدوة.
فغدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام ثم أرسل إليهما:فأبيا أن يجيبا فأقرّا بالخراج.
فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم:و الذي بعثني بالحق نبيّا لو فعلا لأمطر اللّه عليهما الوادي نارا.
قال جابر:فيهم نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ الآية.
قال الشعبي:أبناؤنا الحسن و الحسين،و نساؤنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب عليهم السّلام (5).
*و قد حكي أنّ الحجاج بن يوسف الثقفي أحضر الشريف يحيي بن يعمر فلما دخل عليه همّ بقتله و قال له:لتقرأن علي آية من كتاب اللّه تعالي نصا علي أنّ العلوية من ذريّة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم أوة.
ص: 123
لأقتلنّك،و لا أريد قوله تعالي فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ الآية.
فتلا الشريف يحيي قوله تعالي: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسيٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْييٰ وَ عِيسيٰ (1).
ثم قال:فعيسي من ذرية نوح من جهة الأب أو من جهة الأم؟،فبهت الحجاج،و ردّه بجميل (2).
آية الصلاة و الكلمات
عن أبي جعفر،عن أبيه عليهما السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا (3).
قال:«نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يأتي باب فاطمة كلّ سحر،فيقول:السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته،الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (4).
أخرج العامّة و الخاصّة نزول هذه الآية في فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها،فعن الإمام الباقر عليه السّلام سأله بحقّ محمد و عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة (5).
و عن ابن عباس أنّ جبرائيل علّمه أن يقول:يا ربّ أسألك بحقّ الخمسة الذين تخرجهم من صلبي في آخر الزمان إلاّ تبت عليّ و رحمتني...:محمد النبيّ و عليّ الوصي و فاطمة بنت النبيّ و الحسن و الحسين سبطي النبيّ (6).
و تقدّم ذلك في مطلع الكتاب في التوسّل بفاطمة عليها السّلام.
ص: 124
آية النور
رواه الشافعي و ابن المغازلي بإسناده قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قوله عزّ و جلّ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الآية،قال:«المشكاة»فاطمة عليها السّلام«و المصباح»الحسن و الحسين اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ قال:كانت فاطمة كوكبا دريا من نساء العالمين.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ الشجرة المباركة إبراهيم.
لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية.
يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ قال:يكاد العلم أن ينطق منها.
وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ،نُورٌ عَليٰ نُورٍ قال:فيها إمام بعد إمام.
يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ قال:يهدي اللّه لو لا يتنا من يشاء (1).
آية الخلق و الرحمة
فروي عن أهل البيت عليهم السّلام أنّ فاطمة النسب و علي الصهر (2).
رواه الطبراني عن زينب بنت أمّ سلمة قالت:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان عند أمّ سلمة فدخل عليها بالحسن و الحسين و فاطمة فجعل الحسن من شقّ و الحسين من شقّ و فاطمة في حجره ثمّ قال:
رَحْمَتُ اللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
و أنا و أمّ سلمة جالستين،فبكت أمّ سلمة فنظر إليها فقال:«ما يبكيك»؟
فقالت:يا رسول اللّه خصصت هؤلاء و تركتني و ابنتي.
فقال:«أنت و ابنتك من أهل البيت» (3).
ص: 125
و عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام في حديث الزواج:ثمّ قال لعليّ:«اّدخل بأهلك بارك اللّه لك رَحْمَتُ اللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (1).
آية البيوت
ففي الزيارة الجامعة:...منّ بكم علينا ديّان الدين فجعلكم في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه و جعل صلواتنا عليكم رحمة لنا و كفّارة لذنوبنا إذ اختاركم لنا،و طيّب خلقنا بما منّ به علينا من ولايتكم» (2).
و عندما سئل النبيّ هل بيت فاطمة و عليّ منها؟
قال:نعم من أفاضلها (3).
روي ابن عباس رضي اللّه عنه أنّه قال:كنت في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و قد قرأ القاريء: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ فقلت:يا رسول اللّه ما البيوت (4)؟
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«بيوت الأنبياء عليهم السّلام و أومأ بيده إلي بيت فاطمة الزهراء ابنته عليها السّلام» (5).
آية البرزخ
فعنّ الإمام الصادق عليه السّلام في قوله مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ ،قال:عليّ و فاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما علي صاحبه.
و في رواية بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ رسول اللّه يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ الحسن و الحسين عليهما السّلام (6).
ص: 126
و قيل:بحر النبوّة من فاطمة و بحر الفتوّة من عليّ بينهما حاجز من التقوي فلا تبغي فاطمة علي عليّ[بدعوي]و لا يبغي عليّ علي فاطمة[بشكوي] (1).
آية الشجرة و الوسيلة
سئل الإمام الباقر عليه السّلام عنها فقال:«الشجرة رسول اللّه نسبه ثابت في بني هاشم و فرع الشجرة عليّ و عنصر الشجرة فاطمة و أغصانها الأئمّة» (2).
و في رواية:غصنها فاطمة و ثمرها أولادها (3).و ورد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:أنا شجرة و فاطمة فرعها و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها (4).
و أخرجه ابن عساكر بلفظ:أنا شجرة و فاطمة حملها،و في حديث آخر:و فاطمة أصلها (5).
فعن عكرمة:هم النبيّ و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (6).
آية الأحياء و المتقين
فعن ابن عباس:البصير عليّ.. وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَحْيٰاءُ عليّ و حمزة و جعفر و حسن و حسين و فاطمة و خديجة (7).
ص: 127
فعن ابن عباس:نزلت في عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام (1).
فعن مجاهد عن ابن عباس:نزلت خاصّة في عليّ و حمزة و جعفر و فاطمة عليهم السّلام (2).
آية الأعلون و الذرية
عن أبي سعيد الخدري قال:كنّا جلوسا مع رسول اللّه إذ أقبل إليه رجل فقال:يا رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ لإبليس: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعٰالِينَ ،فمن هم يا رسول اللّه الذين هم أعلي من الملائكة؟
فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:أنا و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين كنّا في سرادق العرش نسبّح اللّه و تسبّح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام،فلمّا خلق اللّه آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له و لم يأمرنا بالسجود فسجدت الملائكة كلّهم إلاّ إبليس فإنّه أبي أن يسجد،فقال اللّه تبارك و تعالي أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعٰالِينَ ،أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش (3).
فعن ابن عباس قال:نزلت في النبيّ و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (4).
آية الخصاصة و الوجوه المستبشرة
روي ابن عباس أنّها نزلت أيضا في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (5).
و عن أبي هريرة أنّ النبيّ أتي فاطمة فأعلمها بجوع رجل.
فقالت:ما عندنا إلاّ قوت الصبية و لكنّا نؤثر به ضيفنا.
ص: 128
فقال عليّ عليه السّلام:نوّمي الصبية و اطفي السراج فلمّا أصبح غدا علي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلم فنزلت هذه الآية: وَ يُؤْثِرُونَ عَليٰ أَنْفُسِهِمْ (1).
و روي غير ذلك من القصّة و فيها نزولها في عليّ و فاطمة (2).
فعن أنس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:يا أنس هي في وجوهنا بني عبد المطّلب أنا و علي و حمزة و جعفر و الحسن و الحسين و فاطمة،نخرج من قبورنا و نور وجوهنا كالشمس الضاحية يوم القيامة، قال اللّه تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ،يعني مشرقة بالنور في أرض القيامة، ضٰاحِكَةٌ فرحانة برضاء اللّه عنّا مُسْتَبْشِرَةٌ ،بثواب اللّه الذي وعدنا (3).
آية القربي و السعي
روي أكثر من واحد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّه لمّا فتح خيبر نزل عليه جبرائيل بهذه الآية: وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ.
فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:و من ذو القربي و ما حقّه؟
قال:فاطمة عليها السّلام تدفع إليها فدك،فدفع إليها فدك (4).
و عن أبي سعيد قال:لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فاطمة فأعطاها فدكا (5).
قال الإمام الباقر عليه السّلام في الآية:فالذكر أمير المؤمنين و الأنثي فاطمة، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّٰي ،
ص: 129
مختلف فَأَمّٰا مَنْ أَعْطيٰ وَ اتَّقيٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنيٰ بقوته و صام حتّي وفا بنذره و تصدّق بخاتمه و هو راكع و آثر المقداد بالدينار علي نفسه...» (1).
آية العهد و الأذيّة
.
قال الإمام الباقر عليه السّلام في الآية:كلمات في محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ذرّيتهم» (2).
فروي نزولها فيمن غصب أمير المؤمنين عليه السّلام حقّه و أخذ حقّ فاطمة عليها السّلام و آذاها،و قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي و من آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي و من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذي اللّه،و هو قول اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ » (3).
آية القدر و الشمس
فعن ابن عباس:بينا أهل الجنّة في الجنّة بعدما سكنوا رأوا نورا أضاء الجنان فيقول أهل الجنّة:يا ربّ إنّك قد قلت في كتابك المنزل علي نبيّك المرسل لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً فينادي مناد:ليس هذا نور الشمس و لا نور القمر و إنّ عليّا و فاطمة تعجّبا من شيء فضحكا فأشرقت الجنان من نورهما (4).
فعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في الآية قال:و اللّه فاطمة و ذرّيتها و شيعتها و من أولاهم معروفا ممّن ليس هو من شيعتها (5).
قال الإمام الصادق عليه السّلام:الليلة فاطمة و القدر اللّه،فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك
ص: 130
ليلة القدر،و إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا علي معرفتها (1).
آية الرضا و التجافي و النصر و الإخوان
أخرج الثعلبي في تفسيره المخطوط عن الصادق و القشيري عن جابر أنّه رأي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فاطمة و عليها كساء من أجلّة (2)الإبل و هي تطحن بيدها و ترضع ولدها،فدمعت (3)عينا رسول اللّه فقال:يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.
فقالت:يا رسول اللّه الحمد للّه علي نعمائه و الشكر للّه علي آلائه،فأنزل اللّه: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضيٰ (4).
ممّا روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث زواجهما أنّه دخل عليهما صبيحة زواجهما فقال:علي حالكما،فأدخل رجليه بين أرجلهما فأخبر اللّه عن أورادهما: تَتَجٰافيٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ (5).
فعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث تقدّم في سبب تسميتها بفاطمة:...و فطموا أعداءها عن حبّها و ذلك قول اللّه في كتابه: وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ بنصر فاطمة (6).
و في حديث آخر:يعني نصر فاطمة لمحبيها (7).
فعن أبي جعفر الباقر عليه السّلام في قوله تعالي: إِنَّهٰا لَإِحْدَي الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ.
قال:يعني فاطمة عليها السّلام (8).
أخرج الطبراني عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و إنّي و أنت و الحسن و الحسين و فاطمة و عقيلا و جعفرا
ص: 131
في الجنّة إخوانا علي سرر متقابلين،أنت معي و شيعتك في الجنّة،ثمّ قرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إِخْوٰاناً عَليٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ ينظر أحدهم[إلي]صاحبه» (1).
***
فاقت نساء العالمين و إنّها يوم القيامة تزدهي بسناء
و الله يغضب حين تغضب فاطم و الله يرضي في مقام رضاء (2)
من مثل فاطمة الزهراء في نسب و في فخار و في فضل و في حسب
و الله فضّلها حقّا و شرّفها إذ كانت ابنة خير العجم و العرب (3)
فاطمة سلام اللّه عليها جوهرة القدس من الكنز الخفي
بدت فأبدت عاليات الأحرف و قد تجلّي من سماء العظمة
من عالم الأسماء أسمي كلمة بل هي أمّ الكلمات المحكمة
في غيب ذاتها فكانت مبهمة أمّ أئمّة العقول الغربل
أمّ أبيها و هو علّة العلل روح النبيّ في عظيم المنزلة
و في الكفاء كفؤ من لا كفؤ له
تمثّلت رقيقة الوجود لطيفة جلّت عن الشهود
تطوّرت في أفضل الأطوار نتيجة الأدوار و الأكوار (4)
تصوّرت حقيقة الكمال بصورة بديعة الجمال
فإنّها الحوراء في النزول و في الصعود محور العقول
يمثّل الوجوب في الإمكان عيانها بأحسن البيان
فإنّها قطب رحي (5)الوجود في قوسي النزول و الصعود
ص: 132
و ليس في محيط تلك الدائرة مدارها الأعظم إلاّ الطاهرة
مصونة عن كلّ رسم و سمة مرموزة في الصحف المكرمة
صدّيقة لا مثلها صدّيقة تفرغ (1)بالصدق عن الحقيقة
بدا بذلك الوجود الزاهر سرّ ظهور الحقّ في المظاهر
هي البتول الطهر و العذراء كمريم الطهر و لا سواء
فإنّها سيّدة النساء و مريم الكبري بلا خفاء
و حبّها من الصفات العالية عليه دارت القرون الخالية
تبتّلت (2)عن دنس الطبيعة فيا لها من رتبة رفيعة
مرفوعة الهمّة و العزيمة عن نشأة الزخارف الذميمة
في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء
بل هي نور عالم الأنوار و مطلع الشموس و الأقمار
رضيعة الوحي من الجليل حليفة لمحكم التنزيل
معربة بالستر و الحياء عن غيب ذات بارئ الأشياء
راضية بكلّ ما قضي القضا بما يضيق عنه واسع الفضا
زكيّة من وصمة القيود فهي غنيّة عن الحدود
يا قبلة الأرواح و العقول و كعبة الشهود و الوصول
من قدومها تشرّفت مني و من بها تدرك غاية المني
و بابها الرفيع باب الرحمة و مستجار كلّ ذيّ ملمّة
و ما الحطيم (3)عند باب فاطمة بنورها تطفأ نار الحاطمة (4)
و بيتها المعمور كعبة السماء أضحي (5)ثراه للثريّا ملثما
و خدرها (6)السامي (7)رواق العظمة و هو مطاف الكعبة المعظّمةع.
ص: 133
حجابها مثل حجاب الباري بارقة تذهب بالأبصار
تمثّل الواجب في حجابها فكيف بالإشراق من قبابها
يا درّة العصمة و الولاية من صدف الحكمة و العناية
ما الكوكب الدرّي في السماء من ضوء تلك الدرّة البيضاء
و النير الأعظم منها كالسها (1) كيف و لا حدّ لها و منتهي
أشرقت العوالم العلويّة بنور تلك الدرّة البهيّة
يا دوحة جازت سنام (2)الفلك بل جاوز السدرة فرعها الزكي
يا دوحة أغصانها تدلّت (3) بموضع فيه العقول ضلّت
دنت إلي مقام أو أدني فلا تبتغ (4)من ذلك أعلي مثلا
الشجرة الطيّبة و ثمارها ما شجر الطور و أين الشجر
من دوحة المجد الأثيل (5) المثمرة و إنّما السدرة و الزيتونة
عنوان تلك الدوحة الميمونة أثمارها الغرّ (6)مجالي الذات
مظاهر الأسماء و الصفات مبادي الحياة في البداية
و منتهي الغايات في النهاية أثمارها عزائم القرآن
في صفحات مصحف الإمكان أثمارها منابت للمعرفة
من جنّة الذات غدت مقتطفة تهنئة سيّد الرسل بها
لك الهنايا سيّد الوجود في نشأة الغيب و الشهود
بمن تعالي شأنها عن مثل كيف و لا تكرار في التجلّي
لا يتثنّي هيكل التوحيد فكيف بالنظير و النديد (7)
و ملتقي القوسين نقطة فلا تري لها ثانية أو بدلا
وحيدة في مجدها القديم فريدة في أحسن التقويم
بشراك يا أبا العقول العشرة بالبضعة الطاهرة المطهّرةر.
ص: 134
مهجة (1)قلب عالم الإمكان و بهجة الفردوس و الجنان
غرّتها الغرّاء مصباح الهدي يعرف حسن المنتهي بالمبتدأ
و في محياها (2)بعين الأوليا عينان من ماء الحياة و الحيا
بل وجهها الكريم وجه الباري و قبلة العارف بالأسرار
البشري بشراك يا خلاصة الإيجاد بصفوة الأمجاد (3)و الأنجاد
أم الكتاب و ابنة التنزيل ربّة بيت العلم بالتأويل
بحر الندي و مجمع البحرين قلب الهدي و مهجة الكونين
واحدة النبي أوّل العدد ثانية الوصي نسخة الأحد
و مركز الخمسة من أهل العبا و محور السبع علوّا و أبا
لك الهنا يا سيّد البريّة بأعظم المواهب السنيّة
أتاك طاووس رياض القدس بنفحة من نفحات الأنس
من جنّة الصفات و الأسماء جلّت عن المديح و الثناء
فارتاحت (4)الأرواح من شميمها و اهتزّت النفوس من نسيمها
بها انتشي (5)في الكون كلّ صاح (6) و طابت الأشباح بالأرواح
تحيي بها الأرض و من عليها و مرجع الأمر غدا إليها
لهفي لها لقد أضيع قدرها حتّي تواري بالحجاب بدرها
تجرّعت من غصص الزمان ما جاوز الحدّ من البيان
و ما أصابها من المصاب مفتاح باته حديث الباب
إنّ حديث الباب ذو شجون (7) ممّا جنت به يد الخؤن (8)ة.
ص: 135
أيهجم العدي علي بيت الهدي و مهبط الوحي و منتدي الندي
أيضرم النار بباب دارها و آية النور علي منارها
و بابها باب نبي الرحمة و باب أبواب نجاة الأمّة
بل بابها باب العلي الأعلي فثمّ وجه اللّه قد تجلّي
ما اكتسبوا بالنار غير العار و من ورائه عذاب النار
يا أجهل القوم فإنّ النار لا تطفئ نور اللّه جلّ و علا
لكن كسر الضلع (1)ليس ينجبر إلاّ بصمصام (2)عزيز مقتدر
إذ رضّ (3)تلك الأضلع الزكيّة رزيّة لا مثلها رزيّة
و من نبوغ الدم من ثدييها يعرف (4)عظم ما جري عليها
و جاوزوا الحدّ بلطم الخدّ شلّت يد الطغيان و التعدّي
فاحمرّت (5)العين و عين المعرفة تذرف (6)بالدمع علي تلك الصفة
و لا يزيل (7)حمرة العين سوي بيض السيوف يوم ينشر اللواء
و للسياط رنّة (8)صداها في مسمع الدهر فما أشجاها (9)
و الأثر الباقي كمثل الدملج (10) في عضد الزهراء أقوي الحجج
و من سواد متنها (11)اسود الفضا يا ساعد اللّه الإمام المرتضي
و وكزّ (12)نعل السيف في جنبيها أتي بكلّ ما أتي عليها
و لست أدري خبر المسمار (13) سلّ صدرها خزانة الأسرار).
ص: 136
و في جنين المجد ما يدمي الحشا و هل لهم إخفاء أمر قد فشي
و الباب و الجدار و الدماء شهود صدق ما به خفاء
لقد جني الجاني علي جنينها فاندكّت الجبال من حنينها
أهكذا يصنع بابنة النبيّ حرصا علي الملك فيا للعجب
أتمنع المكروبة المقروحة عن البكا خوفا من الفضيحة
تالله ينبغي لها تبكي دما ما دامت الأرض و دارت السماء
لفقد عزّها أبيها السامي و لإهتضامها (1)و ذلّ الحامي
أتستباح نحلة (2)الصدّيقة و إرثها من أشرف الخليقة
كيف يردّ قولها بالزور إذ هو ردّ آية التطهير
أيؤخذ الدين من الأعرابي و ينبذ المنصوص في الكتاب
فاستلبوا ما ملكت يداها و ارتكبوا الخزيّة منتهاها
يا ويلهم قد سألوها البيّنة علي خلاف السنّة المبيّنة
وردّهم شهادة و شهود أكبر شاهد علي المقصود
يكنّ سد الثغور غرضا بل سدّ بابها و باب المرتضي
صدّوا عن الحقّ و سدّوا بابه كأنّهم قد آمنوا عذابه
أبضعة الطهر العظيم قدرها تدفن ليلا و يعفي (3)قبرها
ما دفنت ليلا بستر و خفا إلاّ لوجدها (4)علي أهل الجفا
ما سمع السامع فيما سمع مجهولة بالقدر و القبر معا
يا ويلهم من غضب الجبار بظلمهم ريحانة المختار (5)
فاطمة خير نساء البشر و من لها وجه كوجه القمر
ص: 137
فضّلك اللّه علي كلّ الوري بفضل من خصّ بآي الزمر (1)
و قال السيّد محمد إقبال شاعر الباكستان في السيّدة الزهراء:
نسب المسيح نبي لمريم سيرة بقيت علي طول المدي ذكراها
و المجد يشرق من ثلاث مطالع في مهد فاطمة فما أعلاها
هي بنت من،هي زوج من،هي أم من من ذا يداني في الفخار أباها
هي و مضة من نور عين المصطفي هادي الشعوب إذا تروم هداها
هو رحمة للعالمين و كعبة ال آمال في الدنيا و في أخراها
من أيقظ الفطر النيام بروحة و كأنّه بعد البلي أحياها
و أعاد تاريخ الحياة جديدة مثل العرائس في جديد حلاها
و لزوج فاطمة بسورة هل أتي تاج يفوق الشمس عند ضحاها
أسد بحصن اللّه يرمي المشكلا ت بصيقل يمحو سطور دجاها
إيوانه كوخ و كنز ثرائه سيف غدا بيمينه تيّاها
في روض فاطمة نما غصنان لم ينجبهما في النيرات سواها
فأمير قافلة الجهاد و قطب دا ئرة الوئام و الإتحاد ابناها
حسن الذي صان الجماعة بعدما أمسي تفرّقها يحلّ عراها
ترك الخلافة ثمّ أصبح في الديا ر إمام إلفتها و حسن علاها
و حسين في الأحرار و الأبرار ما أزكي شمائله و ما أنداها
فتعلمّوا ري اليقين من الحسي ن إذا الحوادث أظلمت بدجاها
و تعلّموا حرّية الإيمان من صبر الحسين و قد أجاب نداها
الأمّهات يلدن للشمس الضيا ء و للجواهر حسنها و صفاها
ما سيرة الأبناء إلاّ الأمّها ت فهم إذا بلغوا الرقي صداها
*** هي أسوة للأمّهات و قدوة يترسّم القمر المنير خطاها
لمّا شكا المحتاج خلف رحابها رقّت لتلك النفس في شكواها2.
ص: 138
جادت لتنقذه برهن خمارها يا سحب أين نداك من جدواها
نور تهاب النار قدس جلاله و مني الكواكب أن تنال ضياها
جعلت من الصبر الجميل غداءها و رأت رضا الزوج الكريم رضاها
*** فيما يردّد آي ربّك بينما يدها تدير علي الشعير رحاها
بلّت و سادتها لآلي دمعها من طول خشيتها و من تقواها
جبريل نحو العرش يرفع دمعها كالطلّ (1)يروي في الجنان رباها
لو لا وقوفي عند أمر المصطفي و حدود شرعته و نحن فداها
لمضيت للتطواف حول ضريحها و غمرت بالقبلات طيب ثراها
***
تركوا عهد أحمد في أخيه و أذاقوا البتول ما أشجاها
و هي العروة التي ليس ينجو غير مستعصم بحبل ولاها
لم ير اللّه للرسالة أجرا غير حفظ الزهراء في قرباها
يوم جاءت يا للمصاب إليهم و من الوجد ما أطال بكاها
فدعت و اشتكت إلي اللّه شكوي و الرواسي تهتزّ من شكواها
فاطمأنّت لها القلوب و كادت أن تزول الأحقاد ممّن حواها
تعظ القوم في أتمّ خطاب حكت المصطفي به و حكاها
أيّها القوم راقبوا اللّه فينا نحن من روضة الجليل جناها
نحن من بارئ السماوات سرّ لو كرهنا وجودها ما براها
بل بآثارنا و لطف رضانا سطح الأرض و السماء بناها
و بأضوائنا التي ليس تخبو حوت الشهب ما حوت من سناها
و اعلموا أنّنا مشاعر دين الل ه فيكم فأكرموا مثواها
و لنا من خزائن الغيب فيض يرد المهتدون منه هداها
ص: 139
إن ترموا الجنان فهي من الل ه إلينا هديّة أهداها
هي دار لنا و نحن ذووها لا يري غير حزبنا مرآها
و كذاك الجحيم سجن عدانا حسبهم يوم حشرهم سكناها
أيّها الناس أي بنت نبي عن مواريثها أبوها زواها
كيف يزوي عنّي تراثي زاو بأحاديث من لدنه ادّعاها
هذه الكتب فاسألوها تروها بالمواريث من لدنه ادّعاها
و بمعني يوصيكم اللّه أمرا شاملا للعباد في قرباها
كيف لم يوصنا بذلك مولا نا و تلكم من دوننا أوصاها
هل رآنا لا نستحقّ إهتداء و استحقّت هي الهدي فهداها
أو تراه أضلّنا في البرايا بعد علم لكي نصيب خطاها
ما لكم قد منعتمونا حقوقا أوجب اللّه في الكتاب أداها
قد سلبتم من الخلافة خودا كان منّا قناعها و رداها
و لأي الأمور تدفن سرّا بضعة المصطفي و يعفي ثراها
فمضت و هي أعظم الناس وجدا في فمّ الدهر غصّة من جواها
وثوت لا يري لها الناس مثوي أي قدس يضمّه مثواها
*** *و يقول الاستاذ أحمد فهمي محمد:
لذ بالبتول و ناد بالزهراء و اضرع لربّك خيفة بدعاء
و ارفع لفاطمة اللواء فإنّها بنت رسول اللّه سليلة الحنفاء
حوريّة إنسيّة فطرت علي خلق سما في الذروة العلياء
فاقت نساء العالمين و إنّها يوم القيامة تزدهي بسناء
و الله يغضب حين تغضب فاطم و الله يرضي في مقام رضاء
شهد الخلائق أنّها لكريمة و هي اللياذ لنا من اللأواء
و هي الوسيلة للنجاة و عصمة و ذخيرة العاني من الضرّاء
و لها الشفاعة في العصاة و جنّة و لنا بها الزلفي ليوم لقاء
فالله ينفعنا بها و بنسلها حتّي نصير بهم مع السّعداء
ص: 140
أخرج ابن سعد و غيره عن أنس أنّ فاطمة عليها السّلام جاءت بكسرة خبز إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فقال:«ما هذه الكسرة يا فاطمة؟
قالت:قرص خبزته فلم تطب نفسي حتّي أتيتك بهذه الكسرة.
فقال:أمّا إنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث أيام» (1).
و كانت فاطمة عليها السّلام تشارك في الجهاد و عندما أصيب أبوها في معركة أحد أخذت تداويه و تبكي،و جعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم إذا بكت بكي و جعل يقول:لن أصب بمثلك أبدا (2).
يحدّثنا التاريخ كيف كان التعامل بين فاطمة و أبيها-صلوات اللّه عليهما-ذلك التعامل المثالي النابع عن القناعة و الإيمان و في كثير من أزمنته الصعبة فعندما نزل علي النبيّ قوله تعالي: لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (3).
قالت فاطمة الابنة البارّة:«فتهيّبت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن أقول له:يا أبه،فجعلت أقول له:يا رسول الله!فأقبل عليّ فقال لي:يا بنيّة لم تنزل فيك و لا في أهلك من قبل،أنت منّي و أنا منك و إنّما نزلت في أهل الجفاء و البذخ و الكبر،قولي:يا أبه،فإنّه أحب للقلب و أرضي للربّ،ثمّ قبّل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم جبهتي و مسحني بريقه فما احتجت إلي طيب بعده» (4).
يحبّ الأب من ابنته أن تناديه:يا أبه-يا أبي-يا بابا،لأنّها تحمل-إضافة إلي العطف و الحنان-معني الأبوّة و البنوّة و هي أقرب للقلب و أرضي لربّ العالمين.
و يحدّثنا التاريخ في بعض جوانبه أنّ فاطمة كانت إذا أتاها النبيّ رحّبت به ثمّ قامت إليه فقبّلته (5)و أجلسته في مجلسها و أخذت تحدّثه و تسأل عن حاله (6).
فاقت أخلاق فاطمة الإحسان إلي الوالدين،ما هذا العطف و الحنان و الإحترام و التقدير من هذه البنت البارّة؟!ترحيب و سعي نحوه لاستقباله ثمّ تقبيله و إجلاسه في مجلسها،و لكي تعطيه كلّها
ص: 141
قامت تحدّثه و تسأل عن أحواله.
لم تدع فاطمة الإبنة البارّة شيئا من البرّ و الإحسان إلاّ و أتت به تجاه أبيها،و لم تترك شيئا من الحسن إلاّ و تحلّت به،و لحق لها أن يقول في حقّها نبي الرحمة صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لو كان الحسن شخصا لكان فاطمة،بل هي أعظم إنّ فاطمة إبنتي خير أهل الأرض عنصرا و شرفا و كرما» (1).
في البحار من الأمالي بسنده عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت:ما رأيت أحدا من الناس أشبه كلاما برسول اللّه من فاطمة،كانت إذا دخلت عليه رحّب بها و قبّل يديها و أجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبّت به و قبّلت يديه،الخبر (2).
قال السيد عباس القمي:كانت أشبه الناس كلاما و حديثا برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم تحكي شيمتها شيمته و ما تخرم مشيتها مشيته (3).
و عن أنس قال:قلت لأمي:صفي لي فاطمة؟
فقالت:كانت أشبه الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بيضاء مشربة (4)حمرة لها شعر أسود يتغفر (5)لها، كأنها القمر ليلة البدر،و كأنها الشمس قرنت (6)غماما.
قال عبد اللّه:فكانت و اللّه كما قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيام شعرها و تغيب فيه و هو جثل أسحم (7)
فكأنها فيه نهار مشرق و كأنه ليل عليها مظلم (8)
ثمّ يحدّثنا التاريخ-و قليل ما وصل إلينا عبره-أنّ فاطمة عليها السّلام الإبنة الصالحة كانت تراقب أباها-لترفع عنه أذي المشركين و حجارتهم و تدافع عنه ما استطاعت أن تدافع كما هو معروف في حديث عبد اللّه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان ساجدا إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه علي ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة فأخذته من ظهره و دعت علي من صنع ذلك،و قالت:
«اللّهمّ عليك الملأ من قريش:أبا جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و عقبة و أميّة بن
ص: 142
خلف،قال[الراوي]فلقد رأيتهم يوم بدر و ألقوا في بئر غير أميّة تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر (1).
و في رواية أنّها بعد أن دفعت عنه السلا جاءت إلي أبي طالب لتنتقم من الفاعلين فقالت له:يا عمّ ما حسب أبي فيكم؟
قال:يا ابنة،أبوك فينا السيّد المطاع الكريم فما شأنك،فأخبرته بصنع القوم فجمع آل عبد المطلب و آل هاشم و لطّخ رؤوس الفاعلين بالفرث و الدمّ (2).
في الظروف الصعبة و المحن الشديدة يحتاج الأبّ و الأمّ إلي أولادهما ليكونوا إلي جانبهم، و هكذا كانت فاطمة عليها السّلام فعندما قربت وفاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم انتقل إلي بيت ابنته ليتزوّد منها و تتزوّد منه، و قبيل الوفاة ضمّها إلي صدره و لفّها في عباءته و أسرّ إليها بمسائل.
و هكذا-كما نقل لنا الرواة-أنّه عندما نزلت الآيات التي تصف أبواب جهنّم اعتزل النبيّ الناس يعبد اللّه و يبكي و منع الناس من الدخول عليه لمعرفة سبب عزلته فلم يكن إلاّ البنت الصالحة البارّة لتدخل عليه و تقول له:أنا فاطمة،كلّمني يا أبه فأجابها:«ما بال قرّة عيني فاطمة حجبت عنّي افتحوا لها الباب»فدخلت فلمّا نظرت إلي رسول اللّه بكت بكاء شديدا لمّا رأت حاله مصفرّا متغيّرا قد ذاب لحم وجهه من البكاء و الحزن... (3).
كانت فاطمة إلي جانب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في أشدّ الظروف التي مرّت عليه سواء في مكّة مع المشركين أو في المدينة في بداية حياته و عند وفاته،في أيام الحرب و في أيام السلم.
و هكذا علي فتيات العصر التواجد عند أبائهن و أمّهاتهن في فترات المرض و المحنة و قبيل الوفاة،فإنّ الاب و الأمّ يحبّان من أولادهم ذلك،و لا يطمئنّ الرجل في هذه الظروف القاسية إلاّ لابنته و لابنه.
لذا كان نبي الرحمة إذا أراد أن يخرج للحرب أو لأي سفر كان آخر عهده ببيت بيت ابنته فاطمة و أوّل بيت يدخله عند عودته هو بيت فاطمة عليها السّلام (4).
و هكذا في هذه الأزمنة ينبغي متابعة الآباء و مراقبتهم و مراقبة مواعيد أدويتهم إذا كانوا مرضي،
ص: 143
و ملازمتهم في حالة أمراضهم في المستشفيات و في البيت،كما كانت فاطمة عونا و سندا و طبيبا مداويا لأبيها صلّي اللّه عليه و آله و سلم من الجراح (1).
تكرر علي لسان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قوله:«فاطمة أمّ أبيها»،و كان يؤكّد ذلك في كلّ يوم،فكان يقبّل يدها و يخصّها بالإحترام فيقوم لها و يجلسها في مكانه،و قبل سفره أو خروجه إلي الجهاد كان آخر عهده بها ينطلق من عندها،و عند العودة كان أوّل إنسان يراه هي أمّه فاطمة (2).
و كأنّه كان صلوات المصلّين عليه و علي آله يتزوّد من أمّه فاطمة تلك النبع الصافي،المملوءة بالعطف و الحنان،و التي تفوح منها رائحة الجنّة.
و دخلت عليه يوما فاستقبلها و قبّل يديها ثمّ لما ودّعت و مشت شيّعها النبي و قبّل يديها أيضا، فسئل:ما رأيت مثل هذا في أحد من النساء و لا يناسب لمثلك؟
فقال:ما فعلته إلاّ بأمر ربّي تعالي (3).
الأمّ فاطمة التي حمت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم من مشركي مكّة و أزاحت عنه السلا الذي طرحه عليه المشركون كما تقدّم.
و فاطمة الأمّ التي كانت إلي جانب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم عند مرضه،بل كانت تحت عباءته لم تنم حتّي ينام لتطمئنّ علي حاله و أحواله.
فاطمة الأمّ التي كانت تداوي جراحات رسول اللّه في معركة أحد،فاطمة الأمّ التي دافعت عن النبوّة في بدايتها و صبرت علي محن الدعوة و شدّتها،فدخلت مع النبيّ في شعب أبي طالب،و ما أدراك ما هذا الشعب و ما لاقت فاطمة فيه مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و يكفي أن نقول أنّهم كانوا يربطون الحجارة علي بطونهم من شدّة الجوع.
و فاطمة التي هاجرت مع عليّ من أجل حماية النبوّة في المدينة،و فاطمة التي كانت تذهب مع النبيّ في عدّة غزوات تداوي جراحات النبوّة المعنويّة و الماديّة.
و فاطمة الأمّ التي حضنت النبوّة و خلافتها عند وفاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم (4).
عند ذلك كلّه ندرك مدي منظور النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم بقوله:«فاطمة أمّ أبيها».
يحدّثنا التاريخ عن عطف فاطمة علي أختها رقيّة،قال ابن عباس:لمّا ماتت رقيّة بنت رسول
ص: 144
اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال:إلحقي بسلفنا عثمان بن مظعون،فجاءت فاطمة-رضي اللّه عنها-فبكت علي شفير القبر فجعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه (1).
و كانت عليها السّلام تذهب لتعزية أخواتها المؤمنات إذا فقدن عزيرا،و في بعض الروايات أنّها صنعت لأولاد جعفر طعاما لمّا توفي جعفر لإنشغال أخواتها المؤمنات-أهل العزاء-بمصيبتهم.
و في يوم من الأيام خرجت ليلا فسألها النبيّ ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟
قالت:أتيت أهل هذا الميّت فترحّمت إليهم و عزّيتهم بميّتهم (2).
***
عن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي،عن أبيه قال:تزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في رجب بعد مقدم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم المدينة بخمسة أشهر،و بني بها مرجعه من بدر، و فاطمة يوم بني بها علي بنت ثمان عشرة سنة (3).
و قال الشيخ المفيد رحمه اللّه في كتاب الحدائق:ليلة إحدي و عشرين من المحرّم-و كانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة:كان زفاف فاطمة عليها السّلام يستحبّ صومه شكرا للّه تعالي لما وفّق من جمع حجّته و صفوته.
و في كتاب الأمالي أنّها دخل بها لأيّام خلت من شوّال،و روي أنّه دخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجّة.
و قد كان للّه عزّ و جلّ عنايات بعليّ و فاطمة عليها السّلام منها ما تقدّم في مطلع الكتاب من كونهما حول العرش،و منها في كيفيّة تكوّن نطفهما،و منها في كيفيّة ولادتهما علي طهارة ساجدين،و منها في كيفيّة تربيتهما في بيت النبوّة،و كان منها كيفيّة زواجهما.
في الحديث الشريف عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«لو لم يخلق عليّ ما كان لفاطمة كفؤ[آدم فمن دونه]» (4).
فعلي الزوج الصالح و المناسب و الكفؤ لفاطمة،و فاطمة الزوجة الصالحة و المناسبة و الكفؤ
ص: 145
لعليّ،كلّ ما وجد في عليّ من فضائل و خصائص فإنّ في فاطمة مثلها أو ما يوازيها،و هذا تخطيط و عناية إلهيّة من أجل الذرّية التي سوف تخرج منهما و التي سوف يكون علي عاتقها مهمّة هداية الناس و توسيط الفيوضات الربانيّة منذ آدم إلي قيام الساعة.
كانت العنايات ليكون الحسن و ليكون الحسين فيتوسّل بهم من يتوسّل من الأنبياء-كما تقدّم- و يقتدي بهم من يقتدي،كانت العناية الإلهيّة بعليّ و فاطمة و لعلّي و فاطمة ليكون زين العابدين و سيّد الساجدين،و باقر علم الأوّلين و الآخرين،و جعفر الصادق الأمين،و موسي الكاظم كاظم غيض العالمين،و عليّ الرضا و محمد الجواد و علي الهادي و الحسن العسكري،كان اصطناع اللّه لعلي و فاطمة ليكون القائم المنتظر مبيد الكافرين و قاطع شوكتهم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعدما ملئت ظلما و جورا.
هذه الذريّة التي كانت بسبب هذا الزواج المبارك الذي كان بأمر اللّه تعالي و في عنايته (1).
ذلك الزواج الذي تمّ في السماء قبل الأرض،و كان في الأرض بمشاركة جبرائيل و ميكائيل و ملائكة السماء فأخذت تنثر الدرّ و الياقوت كما يأتي (2).
و أمّا تفاصيل هذا الزواج فإليك بعض الروايات الوافية في ذلك أنقلها تبرّكا بالنورين:
عن ابن عباس قال:كانت فاطمة تذكر لرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلا يذكرها أحد إلاّ صدّ عنه صدعته حتّي يئسوا منها فلقي سعد بن معاذ عليّا فقال:إنّي و اللّه ما أري رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يحبسها إلاّ عليك،فقال له علي:فلم تر ذلك؟فو الله ما أنا بواحد[من]الرجلين ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي و قد علم ما لي صفراء و لا بيضاء.
و ما أنا بالكافر الذي يترقق[يترفّق]بها عن دينه-يعني يتألّفه بها-إنّي لأوّل من أسلم،فقال سعد:فإنّي أعزم عليك لتفرجنّها عنّي،فإنّ[لي]في ذلك فرجا.
فقال:فأقول ماذا؟
فقال:تقول:جئت خاطبا إلي اللّه[و إلي]رسوله فاطمة بنت محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم فانطلق عليّ فعرض [عليّ]للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم[يصلّي]ثقيل حصر.
فقال[له]النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«كأن لك حاجة يا عليّ»؟
قال:«أجل،جئتك[جئت]خاطبا إلي اللّه و رسوله فاطمة بنت محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلم»،فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:
«مرحبا».8.
ص: 146
كلمة ضعيفة،فرجع عليّ إلي سعد بن معاذ[فقال له:ما فعلت،قال:]قد فعلت الذي أمرتني به فلم يزد أن رحّب بي بكلمة ضعيفة.
فقال سعد:أنكحك و الذي بعثه بالحقّ إنّه لا خلف الآن و لا كذب[عنده]،أعزم[عزمت] عليك لما أتيته[لتأتينّه]غدا فلتقولنّ يا رسول اللّه متي تبنيني.
فقال عليّ:هذه أشدّ عليّ من الأولي،أولا أقول[يا رسول الله]حاجتي؟
قال:قلّ كما أمرتك.
فانطلق عليّ فقال:«يا رسول اللّه متي تبنيني»؟
قال:«غدا إنّ شاء اللّه»،ثمّ دعا بلالا فقال:«يا بلال قد زوّجت ابنتي ابن عمّي و أنا أحب أن يكون من سنّة أمّتي الطعام عند النكاح فأت الغنم فخذ شاة و أربعة أمداد أو خمسة فاجعل لي قصيعة [قصعة]لعلّي أجمع[عليها]المهاجرين و الأنصار،فاذا فرغت منها فائذني[فآذني]بها،فانطلق ففعل ما أمره،ثمّ جاء بقصعة فوضعها بين يديه،فطعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في رأسها.
ثمّ قال:«أدخل عليّ الناس زفّة زفّة (1)و لا تغادرنّ زفّة إلي غيرها»يعني إذا فرغت من زفّة لم تعدّ ثانية،فجعل الناس يردون كلّما فرغت زفّة وردت أخري حتّي فرغ الناس،ثمّ عمد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي فضل منها،فتفل فيها[فيه]و بارك و قال:«يا بلال أحملها إلي أمّهاتك و قل لهنّ كلن و اطعمن من غشيكن»،ثمّ إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قام حتّي دخل علي النساء فقال:«إنّي زوّجت ابنتي ابن عمّي و قد علمتنّ منزلتها منّي و أنا دافعها إليه[الآن إن شاء اللّه]فدونكنّ ابنتكنّ»فقمن النساء[إليها]فغلّفنّها من طيبهنّ[و ألبسنها من ثيابهنّ و حلّينها من حليّهنّ]،ثمّ إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم دخل،فلمّا رآه النساء وثبن و بينهنّ و بين النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم سترة و تخلّفت أسماء بنت عميس،فقال لها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«كما أنت علي رسلك من أنت»؟
قالت:أنا التي أحرس[الذي حرس]ابنتك،إنّ الفتاة ليلة يبني بها لا بدّ لها من امرأة تكون قريبا منها إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا أفضت بذلك إليها.
قال:«فإنّي أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك من الشيطان الرجيم»ثمّ صرخ بفاطمة فأقبلت فلمّا رأت عليّا جالسا إلي جنب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم حصرت (2)و بكت،فاشفق النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن يكون بكاؤها لأنّ عليّا لا مال له،فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ما يبكيك فما ألوتك في نفسي و قد أصبت[طلبت]لك خير أهلي،[و أيم]و الذي نفسي بيده لقد زوّجتك[زوجتكه] سعيدا في الدنيا و إنّه في الآخرة لمن الصالحين»[فلان منها] (3).ا.
ص: 147
فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«يا أسماء ائتيني بالمخضب و املئيه ماء».
فأتته أسماء بالمخضب فملأته ماء،ثمّ تمسّح النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فيه و غسّل[فيه]قدميه و وجهه،ثمّ دعا فاطمة فأخذ كفّا من ماء فضرب به علي رأسها و كفّا بين يديها[ثدييها]،ثمّ رشّ جلده و جلدها،ثمّ التزمهما[التزمها].
فقال:«اللّهمّ إنّهما منّي و أنا منهما،اللّهمّ كما أذهبت عنّي الرجس و طهرتني فطهرهما».
ثمّ دعا بمخضب آخر ثمّ دعا عليّا فصنع به كما صنع بها،ثمّ دعا له كما دعا لها،ثمّ قال:
«قوما إلي بيتكما جمع اللّه بينكما و بارك في سيركما[سرّكما]و أصلح بالكما»،ثمّ قام فأغلق عليهما بابه بيده.
قال ابن عباس:فأخبرتني أسماء بنت عميس أنّها رمقت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يدعو لهما خاصّة،لا يشركهما في دعائه أحدا حتّي تواري في حجرته (1).
و عن أنس بن مالك قال:بينا أنا عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم إذ غشيه الوحي فلمّا سرّي عنه قال لي:يا أنس تدري ما جاءني به جبرائيل من عند صاحب العرش؟
قال:قلت:بأبي و أمّي ما جاءك به جبريل؟
قال:«إنّ اللّه أمرني أنّ أزوّج فاطمة من علي،فانطلق فادع لي أبا بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و بعدّتهم من الأنصار».
قال:فانطلقت فدعوتهم فلمّا أخذوا مقاعدهم قال:«الحمد للّه المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع لسلطانه،المهروب إليه من عذابه،النافذ أمره في أرضه و سمائه الذي خلق الخلق بقدرته و ميّزهم بأحكامه،و أعزّهم بدينه،و أكرمهم بنبيّهم محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلم،ثمّ إنّ اللّه جعل المصاهرة نسبا لا حقا و أمرا مفترضا،و شجّ بها الأرحام،و ألزمه الأنام فقال عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كٰانَ رَبُّكَ قَدِيراً (2)،و أمر اللّه يجري إلي قضائه،و قضاؤه يجري إلي قدره، و لكلّ قضاء قدر،و لكلّ قدر أجل يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ (3).
ثمّ إنّ اللّه جلّ و علا أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ و أشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة من عليّ علي اربعمائة مثقال فضّة ان رضي بذلك عليّ».
قال:و كان عليّ غائبا قد بعثه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حاجة،ثمّ أمر لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بطبق فيه بسر،فوضعه بين أيدينا.9.
ص: 148
و قال:«انتهبوا».
فبينا نحن ننتهب إذ أقبل عليّ،فتبسّم إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و قال:«يا عليّ إنّ اللّه أمرني أن أزوّجك فاطمة و إنّي قد زوّجتكها علي أربعمائة مثقال فضّة».
فقال:«قد رضيت يا رسول اللّه».
ثمّ إنّ عليّا خرّ للّه ساجدا شكرا.
فلمّا رفع رأسه قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«بارك اللّه لكما و بارك اللّه فيكما و أسعد جدّكما و أخرج منكما الكثير الطيّب».
قال أنس:«و الله لقد أخرج منها الكثير الطيّب» (1).
و في تفسير عليّ بن إبراهيم قال:كانت فاطمة عليها السّلام لا يذكرها أحد لرسول اللّه إلاّ أعرض عنه حتّي أيس الناس منها،فلمّا أراد أن يزوّجها من عليّ أسرّ إليهم فقالت:يا رسول اللّه أنت أولي بما تري غير أنّ نساء قريش تحدّثني عنه إنّه رجل دحداح،و هو القصير السمين عظيم البطن طويل الذراعين أنزع عظيم العينين ضاحك السنّ لا مال له.
فقال:يا فاطمة أما علمت أنّ اللّه أشرف علي الدّنيا فاختارني علي رجال العالمين ثمّ اطّلع فاختار عليّا علي رجال العالمين ثمّ أطلع فاختارك علي نساء العالمين،و إنّه لمّا أسري بي إلي السماء وجدت مكتوبا بأعلي صخرة بيت المقدس:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أيّدته بوزيره و نصرته بوزيره فقلت لجبرئيل:و من وزيره؟
قال:عليّ بن أبي طالب.
فلمّا انتهيت إلي سدرة المنتهي وجدت مكتوبا عليها:إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي محمّد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره و نصرته بوزيره عليّ بن أبي طالب،و رأيت مكتوبا علي قائمة من قوائم العرش:لا إله إلاّ أنا محمّد حبيبي أيّدته بوزيره عليّ بن أبي طالب،فلمّا دخلت الجنّة رأيت شجرة طوبي أصلها في دار علي و لا في الجنّة قصر و لا منزل إلاّ و فيه غصن منها و أعلاها أسفاط حلل من سندس و إستبرق يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط في كلّ سفط مائة ألف حلّة علي ألوان مختلفة وسطها ظلّ ممدود يسير الراكب في ذلك الظلّ مائة عام فلا يقطعه،و أسفلها ثمار أهل الجنّة و طعامهم متدل في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة ممّا رأيتم في دار الدّنيا و ما لم تروه و كلّما يقطع منها شيء ينبت مكانه و يجري نهر في أصل تلك الشجرة تنفجر منها الأنهار،أنهار من ماء غير آسن و أنهار من لبن لم يتغيّر طعمه،و أنهار من خمر لذّة للشاربين،و أنهار من عسل مصفّي.7.
ص: 149
و أمّا قولك:إنّه بطين،فإنّه مملوّ من العلم الذي خصّه اللّه،و أمّا إنّه عظيم العينين فإنّ اللّه خلقه بصفة آدم عليه السّلام،و أمّا طول يديه فإنّ اللّه طوّلها يقتل بها أعداء اللّه و أعداء رسول اللّه و به يفتح اللّه الفتوح و يقاتل المشركين علي تنزيل القرآن و المنافقين من أهل البغي و النكث و الفسوق علي تأويله، و يخرج اللّه من صلبه سيّدي شباب أهل الجنّة و يزيّن بهما عرشه.
[يا فاطمة ما بعث اللّه نبيا إلاّ جعل له ذرية من صلبه و جعل ذريّتي من صلب علي،و لو لا علي ما كان لي ذريّة].
فقالت فاطمة:ما أختار عليه أحدا (1).
و في الأمالي عن عليّ عليه السّلام في حديث قال فيه:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم بعدما ضحك:إنّ اللّه كفاني ما قد كان أهمّني من أمر تزويجك،قلت:و كيف ذلك؟
قال:أتاني جبرئيل و معه من سنبل الجنّة و قرنفلها فشممتها فقال:إنّ اللّه تعالي أمر سكّان الجنان من الملائكة و من فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها و أشجارها و أثمارها و قصورها،و أمر ريحها فهبّت بأنواع العطر و الطيب و أمر حور عينها بقراءة سورة طه و طواسين و يس و حمعسق،ثمّ نادي مناد من تحت العرش:ألا إنّ اليوم يوم و ليمة عليّ بن أبي طالب ألا أنّي أشهدكم إنّي قد زوّجت فاطمة من عليّ بن أبي طالب رضي منّي،ثمّ بعث اللّه سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها و زبرجدها و يواقيتها و قامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنّة و قرنفلها و هذا ممّا نثرت،ثمّ أمر اللّه ملكا يقال له راحيل و ليس في الملائكة أبلغ منه فقال له:اخطب،فخطب بخطبة لم يسمع مثلها أهل السماء و لا أهل الأرض ثمّ نادي مناد:ألا يا ملائكتي باركوا علي عليّ بن أبي طالب و فاطمة ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرّجال إليّ...الحديث (2).
و قال المفضّل:العاقد بين فاطمة و بين عليّ هو اللّه تعالي و القابل جبرئيل و الخاطب راحيل و الشهود حملة العرش و صاحب النثار رضوان و طبق النثار شجرة طوبي،و النثار الدرّ و الياقوت و المرجان،و الرّسول هو المشاطر و وليد هذا النكاح الأئمّة عليهم السّلام (3).
و روي أنّه كان عند زفافها النبيّ عليه السّلام و حمزة و عقيل و جعفر و أهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم و نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم قدّامها يرتجزن فأنشأت أمّ سلمة شعر:
سرن بعون اللّه جاراتي و اشكرنه في كلّ حالات
و اذكرن ما أنعم ربّ العلي من كشف مكروه و آفات
فقد هدانا بعد كفر و قد أنعشنا ربّ السماوات3.
ص: 150
و سرن مع خير نساء الوري تفدي بعمّات و خالات
يا بنت من فضّله ذو العلي بالوحي منه و الرسالات
ثمّ ارتجزت عائشة و حفصة و غيرهنّ من النساء (1).
و روي أنّه لمّا زفّت فاطمة عليها السّلام نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و معهم سبعون ألف ملك و قدمت بغلة رسول اللّه الدلدل و عليها فاطمة عليها السّلام مشتملة بكساء و أمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب،و أمسك ميكائيل[بالثفر]و رسول اللّه من يسوي عليها الثياب،فكبّر جبرائيل و كبّر إسرافيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و جرت السنّة بالتكبير إلي يوم القيامة (2).
و روي حديث الزواج بغير هذه الألفاظ (3).
***
و عن جابر بن عبد اللّه قال:دخلت أم أيمن علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و هي تبكي فقال لها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:
«ما يبكيك لا أبكي اللّه عينيك»؟
قالت:بكيت يا رسول اللّه لأنّي دخلت منزل رجل من الأنصار و قد زوّج ابنته رجلا من الأنصار فنثر علي رؤوسهم لوزا و سكّرا،فذكرت تزويجك فاطمة من عليّ و لم تنثر عليها شيئا.
فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم«لا تبكي يا أم أيمن فو الذي بعثني بالكرامة و استخصّني بالرسالة!ما أنا زوّجته و لكن اللّه تبارك و تعالي زوّجه من فوق عرشه،و ما رضيت حتّي رضي عليّ،و ما رضي عليّ حتّي رضيت،و ما رضيت حتّي رضيت فاطمة،و ما رضيت فاطمة حتّي رضي اللّه ربّ العالمين.
يا أمّ أيمن لمّا زوّج اللّه تبارك و تعالي فاطمة من عليّ أمر الملائكة المقرّبين أن يحدقوا بالعرش و فيهم جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل فأحدقوا بالعرش،و أمر الحور العين أن يتزيّن و أمر الجنان أن يزخرفن فكان الخاطب اللّه تبارك و تعالي،و الشهود الملائكة،ثمّ أمر اللّه شجرة طوبي أن تنثر عليهم فنثرت اللّؤلؤ الرّطب مع الدّر الأخضر،مع الياقوت الأحمر،مع الدّرّ الأبيض،فتبادرت الحور العين يلتقطن من الحليّ و الحلل و يقلن:هذا من نثار فاطمة بنت محمد عليهم السّلام» (4).
ص: 151
و عن جابر قال:لمّا تزوّج عليّ فاطمة زوّجه اللّه إيّاها من فوق سبع سماوات،و كان الخاطب جبرئيل و كان ميكائيل و إسرافيل في سبعين ألفا من شهودها،فأوحي اللّه تعالي إلي شجرة طوبي أن انثري ما فيك من الدّرّ و الجوهر ففعلت،و أوحي اللّه تعالي إلي الحور العين أن القطن فلقطن فهن يتهادين بينهنّ إلي يوم القيامة (1).
و عن جابر بن عبد اللّه أيضا قال:لمّا زوّج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم عليّا من فاطمة أتت قريش فقالوا:يا رسول اللّه زوّجت فاطمة عليّا بمهر خسيس!
فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ما زوّجت فاطمة من عليّ و لكن اللّه زوّجها عند شجرة طوبي،و حضر تزويجها الملائكة و أمر اللّه شجرة طوبي:لتنثرين ما عليك من الثمار.فنثرت الدّرّ و الياقوت و الزبرجد الأخضر،و ابتدر الحور العين يلتقطنّ فهن يتهادين و يتفاخرن به إلي يوم القيامة و يقلن:هذا من نثار فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
فلمّا كان ليلة زفافها أمر رسول اللّه بقطيفة فثنّاها علي بغلته و أمر فاطمة أن تركب البغلة و أمر سلمان أن يقود البغلة و أمر بلالا أن يسوق البغلة،فبينما هم في الطريق إذ سمعوا حسّا فالتفت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فإذا هو بجبرئيل،و ميكائيل عليهما السّلام مع سبعين ألفا من الملائكة.
فقال لهم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«ما الذي أحدركم»؟
قالوا:جئنا لنزفّ فاطمة بنت رسول اللّه إلي زوجها عليّ بن أبي طالب.
فكبّر جبرئيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و كبّر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم،فوقع التكبير علي العرائس من تلك الليلة (2).
عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:كنت ذات يوم في المسجد أصلّي إذ هبط عليّ ملك له عشرون رأسا فوثبت لا قبّل رأسه،فقال:مه يا محمد أنت أكرم علي اللّه من أهل السماوات و أهل5.
ص: 152
الأرض أجمعين،و قبّل رأسي و يدي.
فقلت:حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة التي لم تهبط عليّ في مثلها قطّ؟
قال:ما أنا بجبرئيل و لكن أنا ملك يقال لي محمود،بين كتفي مكتوب«لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه»بعثني اللّه أزوّج النور بالنور.
قلت:ما النور؟
قال:فاطمة من عليّ،و هذا جبرئيل و إسرافيل و إسماعيل صاحب السماء الدنيا و سبعون ألف ملك من الملائكة قد حضروا.
فقال النبيّ:«يا عليّ قد زوّجتك علي ما زوّجك اللّه من فوق سبع سماواته».
ثمّ التفت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلي محمود فقال:مذكم كتب هذا بين كتفيك؟
فقال:من قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام،و ناوله جبرئيل قدحا فيه خلوق من الجنّة و قال:
حبيبي مر فاطمة أن تلطّخ رأسها و بدنها من هذا الخلوق.
فكانت فاطمة عليها السّلام إذا حكّت رأسها شمّ أهل المدينة رائحة الخلوق (1).
و روي أنّ عليّا عليه السّلام إستقرض من يهودي شعيرا فدفع إليه إزار فاطمة عليها السّلام رهنا و كانت من الصوف فوضعها اليهودي في بيت و دخلت امرأته بالليل إلي ذلك البيت فرأت نورا ساطعا فأخبرت زوجها فتعجّب و دخل البيت فرأي الإزار كأنّه يشتعل من بدر منير فأسرع إلي أقاربه و أسرعت إلي أقاربها و كانوا ثمانين من اليهود فرأوا النور فأسلموا كلّهم (2).
و في كتاب الخرائج أنّ اليهود كان لهم عرس فقالوا للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لنا معك حقّ الجوار فأرسل ابنتك إلي دارنا حتّي يزداد عرسنا بها،فقال:إنّها زوجة عليّ بن أبي طالب و هي بحكمه و سألوه أن يشفع إلي علي في ذلك،و قد جمع اليهود الأموال و الحلي و الحلل و ظنّوا أنّ فاطمة عليها السّلام تدخل من غير ثياب حسنة و أرادوا استهانة بها فجاء جبرئيل بثياب من الجنّة و حلي و حلل فلبستها فاطمة و تحلّت بها،فلمّا دخلت دار اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها و أسلم بسببها خلق كثير من اليهود (3).
***4.
ص: 153
قال الإمام الصادق عليه السّلام:«زوّج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم عليّا فاطمة علي درع حطميّة تساوي ثلاثين درهما» (1).
و روي كما يأتي أنّه زوّجه علي أربعمائة مثقال فضّة،و روي غير ذلك،و لعلّ بعضها من باب تعديل العملة أو أنّ الدرع سعره ثلاثون و لكنّه بيع بخمسمائة (2).
و في الحديث:«أفضل نساء أمّتي أقلّهنّ مهرا و أحسنهنّ وجها» (3).
و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد،و ليس لامرأة خطر،لا لصالحتهنّ و لا لطالحتهنّ:و أمّا لصالحتهنّ فليس خطرها الذهب و الفضّة هي خير من الذهب و الفضّة،و أمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب،التراب خير منها» (4).
المهر للمرأة لا يعبّر عن قيمة المرأة و نسبها و لا عن غناها و لا عن جمالها و أخلاقها،إنما المهر سنّة إلهيّة و شرط في صحّة عقد الزواج سنّة اللّه تعالي كما سنّ كثيرا من الأحكام التي بعضها معلوم العلّة و بعضها مجهول.
فلا ينبغي للمرأة أن تقف عند ذلك بل لا بدّ أن تنظر في أخلاق الزوج و إيمانه و استقامته و عفّته،و كذلك علي الأهل أن يراعوا هذه الأمور مع النظر في مستقبل هذا الزواج و كيفيّة نجاحه كما كانت فاطمة.
***
في الروايات ما يشير إلي مهر فاطمة المعنوي كما روي عن الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و آله و سلم في حديث:
«...ما أنا زوّجتكه و لكن اللّه زوّجك و أصدق عنك الخمس ما دامت السماوات و الأرض» (5).
و في رواية عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلم«يا عليّ إنّ اللّه تعالي زوّجك فاطمة و جعل صداقها الأرض،فمن مشي عليها مبغضا لها[لك]مشي حراما» (6).
ص: 154
قال جابر:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم يقول لعليّ عليه السّلام قبل موته:«سلام عليك يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهدّ ركناك و اللّه خليفتي عليك».
فلمّا قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال عليّ عليه السّلام:«هذا أحد ركنيّ الذي قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم فلمّا ماتت فاطمة عليها السّلام قال عليّ عليه السّلام:هذا الركن الثاني الذي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم» (1).
كان رسول اللّه ركن عليّ الأوّل لأنّ الخلافة تعتمد علي النبوّة،و لأنّ رسول اللّه أبوه الذي ربّاه،و لأنّه معلّمه و مربّيه و أخوه،و الظهر ينكسر و الركن يهدّ بموت الأب و المعلّم و الأخ.
و كانت فاطمة بنت محمد ركن عليّ الثاني لأنّها الزوجة الصالحة،الحاضنة لعليّ و أولاده، و المحافظة علي بيته،و المدافعة عنه عند تخلّي الناس عنه.
فاطمة كانت كلّ عليّ و عليّ كان كلّ فاطمة،فالمعلّم واحد و الأب واحد و البيت واحد و الطهارة واحدة و الولادة واحدة و النور واحد و النبوّة واحدة و الرسالة واحدة.
كانت فاطمة الصدر الدافئ لعلي الذي يحنّ إليه عند عودته إلي بيته من مشقّة الحرب و الجهاد و صحبة أقوام كانوا في المدينة،كانت فاطمة العقل المفكّر لعلي عند إحتياجه للإستشارة،كانت فاطمة و كانت...
هكذا يجب أن تكون الزوجة بالنسبة لزوجها،الزوجة ركن زوجها و سنده و ظهره،الزوجة السكن الذي يسكن إليه الزوج عند عودته من عمله متعبا أو مهموما.
الزوجة هي الصدر الذي يبثّ فيه الزوج مشاكله و همومه،و الذي يأخذ منه الحنان و العطف و القوة و الثبات في عمله و مجتمعه و مهمّاته و صعابه.
***
فعن عليّ عليه السّلام أنّه قال لا بن أعبد:«ألا أخبرك عنّي و عن فاطمة:كانت إبنة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم [من]أكرم أهله عليه و كانت زوجتي،فجرّت بالرحي حتّي أثّر الرحي بيدها و استقت بالقربة حتّي أثّرت القربة بنحرها،و قمّت (2)البيت حتّي اغبرّت ثيابها،و أوقدت القدر حتّي دنست ثيابها فأصابها
ص: 155
من ذلك ضرّ...» (1).
و عن عطاء قال:إن كانت فاطمة لتعجن و إنّ بطنها لتكاد تضرب الجفنة (2).
و عن عليّ:إنّ فاطمة كانت حاملا فكانت إذا خبزت أصاب حرف التنور بطنها عليها السّلام (3).
كانت فاطمة بنت محمد-صلوات اللّه عليهما-،أكرم نساء البشر و أفضلهنّ و مع إمكانيّة الإتيان بخدم في ذلك الزمان يساعد فاطمة-العابدة الداعية-مع ذلك لم تطلب خادما يساعدها، و آثرت الآخرة علي الدنيا،كما أمرها بذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم عندما دخل عليها و هي تطحن بالرحي و تبكي و عليها كساء من أجلّة الإبل،فلمّا رآها بكي و قال لها:يا فاطمة تجرّعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا فأنزل اللّه تعالي: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضيٰ (4).
و في حديث أنّها جاءت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم تطلب خادما لشدّة تعبها فقال لها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«هل أخبرك بشيء خير لك من خادم؟
قالت:نعم.
قال:تكبّرين اللّه عقيب كلّ صلاة أربعا و ثلاثين،و تحمدين اللّه ثلاثا و ثلاثين،و تسبّحينه ثلاثا و ثلاثين»،فرضيت،و هو تسبيح الزهراء المعروف الذي يلتزم به المسلمون عقيب الصلاة (5).
***
فعن الإمام الباقر عليه السّلام قال:«تقاضي عليّ و فاطمة إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في الخدمة فقضي علي فاطمة بخدمة ما دون الباب و قضي علي عليّ بما خلفه،قال:فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ اللّه بإكفائي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لحمّل رقاب الرجال» (6).
هكذا كانت حياة الزهراء لزمت بيتها و مسجدها تعبد اللّه تعالي و تقدّسه و تعلّم أولادها و أولاد جيرانها،تاركة الخوض في المعترك الخارجي للرجال.
نعم،عند الحاجة و الضرورة و لزوم اتّخاذ الموقف الصحيح كانت تخرج فاطمة من بيتها،
ص: 156
تخرج لفعل واجب أو مستحبّ،كانت تخرج لعيادة المرضي و تعزية أهل الميّت كما يأتي،كانت تخرج إلي ساحة الجهاد تضمّد الجرحي،كانت تدافع عن أبيها من مشركي مكّة.
كانت فاطمة داعية إلي اللّه-كما يأتي-تجتمع بالنساء و تدعوهم إلي الإسلام بل اجتمعت بالرجال في مجلس أبي بكر و ذكّرتهم بالإسلام و تعاليمه و علّمتهم ما كانوا يجهلون-كما يأتي في خطبها-.
***
قال الشعبي:لمّا مرضت فاطمة أتي أبو بكر فاستأذن فقال عليّ:«يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك».
فقالت:«أتحبّ أن آذن له».قال:نعم.
قال الذهبي:عملت السنّة-رضي اللّه عنها-فلم تأذن في بيت زوجها إلاّ بأمره (1).
فروحي فداها أذنت له مع كل ما فعله بها و بزوجها عليهما السلام.
و أخرج الديلمي قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السّلام:«يا فاطمة كوني له أمة يكن لك عبدا» (2).
***
روي في بعض الأحاديث تفاخر علي و فاطمة عليهما السلام،و الذي كان الهدف منه تبيين الصدّيقة الطاهرة فضائل زوجها الصدّيق-و هو كفؤها-و تفصيل ما خصّهما اللّه به لتعرف الناس ذلك،و لا يتوهم أحد أنّ فاطمة تنكر شيئا من فضائل علي و لا علي ينكر عليها ذلك،و إليك ما ورد في النورين عليهما السّلام:
قال الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:ألم أقل لك أنّي ولد ذات التّقي؟
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت خديجة الكبري.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا ابن الصفا.
ص: 157
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت سدرة المنتهي.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا فخر الوري.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا ابنة من دني فتدلّي و كان من ربّه كقاب قوسين أو أدني.
قال عليّ عليه السّلام:أنا ولد المحصنات.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا بنت الصالحات.
قال عليّ عليه السّلام:أنا خادمي جبرئيل.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا خاطبي في السماء راحيل و خدمته الملائكة جيل بعد جيل.
قال عليّ عليه السّلام:ولدت في المحلّ البعيد المرتقي.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا زوّجت في الرفيع الأعلي و كان ملاكي في السماء.
قال عليّ عليه السّلام:أنا حامل اللواء.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت من عرج به إلي السماء.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا صالح المؤمنين.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت خاتم النبيين.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا الضارب علي التأويل.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا جنّة التأويل.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا شجرة تخرج من طور سيناء.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا الشجرة التي تأتي أكلها كلّ حين.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا مكلّم الثعبان.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا ابنة النبيّ الكريم.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا النبأ العظيم.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا ابنة الصادق الأمين.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا حبل اللّه المتين.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت خير الخلق أجمعين.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا ليث الحروب.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا بنت من يغفر اللّه به الذنوب.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا المتصدّق بالخاتم.
ص: 158
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت سيّد العالم.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا سيّد بني هاشم.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت محمد المصطفي.
قال عليّ عليه السّلام:أنا سيّد الوصيين.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت النبيّ العربيّ.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا الشجاع المكّي.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا ابنة أحمد النبيّ.
قال عليّ عليه السّلام:أنا البطل الأورع.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا ابنة الشفيع المشفّع.
قال عليّ عليه السّلام:أنا قسيم الجنّة و النار.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا ابنة محمد المختار.
قال عليّ عليه السّلام:أنا قاتل الجان.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا ابنة رسول اللّه الملك الديّان.
قال عليّ عليه السّلام:أنا خيرة الرحمن.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا خيرة النسوان.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا مكلّم أصحاب الرقيم.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا ابنة من أرسل رحمة للمؤمنين و بهم رؤوف رحيم.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا الذي جعل اللّه نفسي نفس محمد،حيث يقول في كتابه العزيز: أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أبناؤنا و أبناؤكم.
قال عليّ عليه السّلام:أنا من شيعتي من علمي يسطرون.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بحر من علمي يغترفون.
قال عليّ عليه السّلام:أنا اشتق اللّه تعالي من إسمه إسمي،فهو العالي و أنا عليّ.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا كذلك فهو الفاطر و أنا فاطمة.
قال عليّ عليه السّلام:أنا حياة العارفين.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا فلك نجاة الراغبين.
ص: 159
قال عليّ عليه السّلام:أنا الحواميم.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا ابنة الطواسين.
قال عليّ عليه السّلام:أنا كنز الغني.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا كلمة الحسني.
قال عليّ عليه السّلام:أنا بي تاب اللّه علي آدم في خطيئته.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بي قبل اللّه توبته.
قال عليّ عليه السّلام:أنا كسفينة نوح من ركبها نجي.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا أشاركه في دعوته.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا طوفانه.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا مسورته.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا النسيم إلي حفظه.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا مسني أنهار الماء و الخمر و العسل في الجنان.
قال عليّ عليه السّلام:أنا علمي علم النبيين.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا بنت سيّد المرسلين الأوّلين و الآخرين.
قال عليّ عليه السّلام:أنا البئر و القصر المشيد.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا منّي شبّر و شبير.
قال عليّ عليه السّلام:أنا بعد الرسول خير البريّة.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا البرّة الزكيّة.
فعندها قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:لا تكلّمي عليّا،فإنّه ذو البرهان.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا ابنة من أنزل إليه القرآن.
قال عليّ عليه السّلام:أنا الأمين الأصلع.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا الكوكب الذي يلمع.
قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:فهو صاحب الشفاعة يوم القيامة.
قالت فاطمة عليها السّلام:أنا خاتون يوم القيامة.
فعند ذلك قالت فاطمة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:يا رسول اللّه لا تحامي لا بن عمّك و دعني و إيّاه.
و قال عليّ عليه السّلام:يا فاطمة أنا من محمد عصبته و نجيبه.
ص: 160
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا لحمه و دمه.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا الصحف.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا الشرف.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا ولي الزلفي.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا الخمص الحسني.
قال عليّ عليه السّلام:و أنا نور الوري.
قالت فاطمة عليها السّلام:و أنا فاطمة الزهراء.
فعندها قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:يا فاطمة قومي و قبّلي رأس ابن عمّك،هذا جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل مع أربعة آلاف من الملائكة يحامون مع عليّ و هذا أخي راحيل و روائيل مع أربعة آلاف من الملائكة ينظرون.
قال:فقامت فاطمة الزهراء عليها السّلام فقبّلت رأس الإمام عليّ بن أبي طالب بين يدي النبيّ.
و قالت:يا أبا الحسن بحقّ رسول اللّه معذرة إلي اللّه عزّ و جلّ و إليك و إلي ابن عمّك.
قال:فوهبها الإمام بداليها عليه السّلام (1).
***
*أقول:قضية خطبة عليّ عليه السّلام ابنة أبي جهل،من الأمور التي دوّنها أئمّة الصحاح في كتبهم، و رويت بطرق مختلفة بعضها يناقض بعضا،بل و رتّب عليها بعض الخصائص كحرمة الزواج علي بنات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أو كما ذهب الأكثر حرمة الزواج علي خصوص فاطمة عليها السّلام.
فكان لا بدّ من التعليق علي هذه القضيّة لنخرج بنتيجة تتناسب مع فاطمة بنت محمد و مع عليّ بن أبي طالب صهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
و نجمل ذلك في أمور:
الأمر الأوّل:أن بعض الروايات تقول إنّ عليّا أستأذن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم أوّلا و بنفسه كما ذكره ابن إسحاق و ابن أبي شيبة و غيرهما،و فيه أنّ عليّا قال:«لا آتي شيئا تكرهه».
و هنا:إما يكون عليّ صادقا في هذه المقولة و إمّا لا يكون؟
ص: 161
و الثاني لا يتفوّه به إلاّ ناصبي عنيد.
و علي الأوّل فكيف أتي عليّ بن أبي طالب شيئا يكرهه النبيّ أشدّ كراهة!!
إن قيل:من الآن فصاعدا لا يأتي.
قلنا:روي ابن سعد كما يأتي أنّ عليّا قال هذه المقولة في غير هذه القصّة،فإنّ كانت قبلها فلا معني لهذه المقولة هنا،و إن كانت بعدها فلا معني لتلك القصّة،علي أنّه روي عن عليّ عليه السّلام:
فو الله ما أغضبتها و لا أكرهتها علي أمر حتّي قبضها اللّه عزّ و جلّ و لا أغضبتني و لا عصت لي أمرا و لقد كنت أنظر إليها فتنكشّف عني الهموم و الأحزان (1).
الأمر الثاني:التناقض بين الروايات:فبعضها يشير إلي أنّ عليّا بنفسه الذي أخبره بالخطبة فقال النبيّ:«إنّ فاطمة بضعة»،و بعضها أنّ فاطمة جاءت و أخبرت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم.
فقال:إنّ فاطمة بضعة منّي،كما يأتي عن البخاري و مسلم و غيرهما.
و بعض الروايات:إنّ عليّا جاء و استأذن النبي في نكاح إبنة أبي جهل.
و في بعض الروايات أنّ نفس بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب،كما في رواية البخاري (2).
و هذا التناقض موجود في صحيح البخاري و غيره،و فرق بين أن يخطب أمير المؤمنين ابتداء و بين أن يأتي من لهم أهداف من أذيّة النبيّ و أهل بيته أن يأتوا إلي النبيّ و يستأذنوه في الخطبة.
و هذا التناقض ليس بالتناقض الوحيد في صحيح البخاري و مسلم و غيرها من الصحاح.
و أيضا:في الروايات ما يخيّر النبي عليّا في نكاحه إبنة أبي جهل حتّي جزم ابن أبي الحديد أنّ الأمة مجمعة أنّ زواجه من إبنة أبي جهل جائز كما تقدّم.
و من الروايات ما يمنع النبيّ من هذا الزواج بقوله:لا آذن ثمّ لا آذن كما يأتي عن ابن ماجة و غيره.
و قوله:«إلاّ أن يطلّق ابنتي و ينكح ابنتهم».
صريح في عدم الجواز و لذا صرّح البعض بأنّ من خصائص فاطمة أن لا يتزوّج عليها،و أما معني قوله:«إنّي لا أحرّم حلالا و لا أحلّل حراما»،فإمّا يكون ما أتي به عليّ بن أبي طالب حلالا فكيف يحرّمه النبيّ،و إمّا يكون حراما فلماذا لم يحرّمه النبيّ صريحا و لماذا فعله عليّ عليه السّلام!؟
ثم هناك تناقض أيضا في إسم المزعومة للخطبة فذكر ابن جرير الطبري أن إسمها:الحنفاء،ه.
ص: 162
و قال السهيلي:إسمها:جرهمة (1).
و من الروايات ما يقول أنّه خطب إبنة أبي جهل،و منها ما يقول أنها إبنة هشام بن المغيرة.
و من الروايات ما يقول أنّ عليّا خطب أسماء بنت عميس كما يأتي عن الطبراني (2).
و من الروايات ما يقول أنّه خطب جويريّة،و منها أنّه خطب العوراء،و منها أنّه خطب جميلة بنت أبي جهل (3).
و ايضا:من الروايات في الصحاح أنّ بني المغيرة هم الذين استأذنوا النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و أرادوا أن يزوّجوا عليّا.
و من الروايات ما يقول أنّ عليّا هو الذي خطب و هم رفضوا،و قالوا:لا نزوّجك علي إبنة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (4).
الأمر الثالث:أنّ المسور كما يأتي في الصحيحين و غيرهما قال:و أنا يومئذ محتلم،و هذا شيء عجيب يقتضي التخبّط في الرواية و سقوطها عن الإعتبار و ذلك:
أوّلا:إنّ المسور لم يكن كذلك،و ندع الكلام لا بن سيّد الناس قال في عيون الأثر:و هو و هم فإن المسور ممّن ولد في السنة الثانية في الهجرة بعد مولد ابن الزبير بأربعة أشهر فلم يدرك من حياة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم إلاّ نحو الثمانية أعوام و لا يعدّ من كانت هذه سنّة محتلما،إنتهي كلامه (5).
*أقول:ولادته في السنة الثانية للهجرة متّفق عليها (6).
ثانيا:أنّ خطبة عليّ لابنة أبي جهل أو لأسماء لم تكن في آخر حياة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم،بل لعلّها أوائل السنوات بعد الهجرة.
و علي كلّ،فإنّ هذا يقتضي أن يكون عمر المسوّر عندما سمع الحديث من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم ستّ أو سبع سنوات،فكيف يطمأن بنقله و ضبطه؟!!
الأمر الرابع:أنّ هذا الحديث يقتضي أنّ عليّا أغضب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم و آذاه كما و آذي ابنته سيّدة نساء العالمين عليها السّلام،حتّي اقتضي أنّ النبيّ يقوم علي المنبر و يخطب بحرمة هذا الزواج و يمدح أباه.
ص: 163
العاص و يفضّله عليه و يعرّض به،و يغار أو يغضب لبناته كما جاءت الرواية.
و هل هذا يتناسب مع عليّ بن أبي طالب الذي قال فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ» (1).
و الذي أذهب اللّه عنه الرجس و طهره تطهيرا بآية التطهير.
عليّ الذي قال عنه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«عليّ كنفسي (2)،عليّ نظيري (3)،عليّ منّي،و أنا من عليّ (4)، عليّ بمنزلتي من ربّي (5)،عليّ الذي لم يكتب عليه الحافظان و لا سيئة واحدة (6)،عليّ الذي لو لاه لما كان لفاطمة كفؤ» (7).
حاشا لعليّ بن أبي طالب أن يجهل قدر فاطمة و يؤذيها و هو الذي لا يقول الباطل (8).
و لماذا يفكّر عليّ عليه السّلام بالنكاح علي فاطمة و فاطمة بضعة المصطفي و ريحانة يشمّها،و رائحتها رائحة الجنّة،و هي التي لا تحيض،و لا تعتلّ كما تعتلّ إبنة أبي جهل و غيرها من النساء،و فاطمة التي كانت عائشة تخيط الثياب بنورها بدلا من السراج كما تقدم.
فهل يعقل من شخص عادي لديه زوجة بهذه الصفات أن يذهب و يخطب عليها؟!
كيف و ذلك الشخص عليّ بن أبي طالب الذي بلغ به الزهد في الدنيا أنّه طلّقها ثلاثا.
كيف و هو القائل في حقّ فاطمة و حقّ نفسه:«فو الله ما أغضبتها و لا أكرهتها علي أمر حتّي قبضها اللّه و لا أغضبتني و لا عصت لي أمرا،و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم و الأحزان...» (9).
الأمر الخامس:أنّ علّة تحريم النبيّ أو نهيه عن هذه الخطبة هي غيرة فاطمة كما صرّحت بذلك بعض الأحاديث،و هذه العلّة موجودة في اصطفاء بعض الجواري من عليّ عليه السّلام في بعض الحروب كما هو مشهور من حديث بريدة عندما اعترض علي عليّ في اصطفائه الجارية.).
ص: 164
فقال رسول الله:«ماذا تريدون من عليّ إنّ عليّا منّي و أنا من عليّ و عليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي، و في بعضها:لا تبغضه يا بريدة فإنّ له أكثر من الجارية».
تلك الجارية التي لا توصف و كانت أفضل السبي (1).
فلم يبلغنا عن فاطمة أنّها جاءت و اشتكت إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم في ذلك.
و لماذا لم يحرّم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم علي عليّ النساء أم أنّ المحرّم عليه فقط إبنة أبي جهل؟!
إن قيل:فرق بين التسري و بين الزواج الدائم.
قلنا:العلّة واحدة،و من ثمّ قال الإمام عليّ بن برهان الدين الحلبي:من خصائصه انّه يحرّم التزوج علي بناته و أمّا التسرّي عليهنّ فلم أقف علي حكمه و ما علّل به منع التزويج عليهن حاصل في التسرّي (2).
الأمر السادس:أنّ العجب من البخاري و مسلم روي هذه القصّة عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام مع المسوّر و طلبه إعطاءه سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم خوفا من أن يأخذه القوم،ثمّ يذكر عن المسوّر قصة خطبة إبنة أبي جهل.
فأوّلا:هما لم يخرجا غير هذا الحديث عن عليّ بن الحسين فلماذا؟!
ثانيا:ما المناسبة في الحديث بين سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و بين خطبة إبنة أبي جهل،أم أن المسوّر لمّا لم يعطه علي بن الحسين سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أراد أن يغيضه باختراع قصة أذية عليّ للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم؟!
قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر القصّة:(و لا أزال أتعجب من المسوّر كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين حتّي قال:أنّه لو أودع عنده السيف لا يمكّن أحدا منه حتّي تزهق روحه،رعاية لكونه ابن إبن فاطمة محتجّا بحديث الباب،و لم يراع خاطره في أنّ ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة علي عليّ بن الحسين لما فيه من إيهام غضّ من جدّه عليّ بن أبي طالب حيث أقدم علي خطبة بنت أبي جهل علي فاطمة،حتّي اقتضي أن يقع من النبيّ في ذلك من الإنكار ما وقع.
بل أتعجب من المسوّر تعجبا آخر أبلغ من ذلك و هو أن يبذل نفسه دون السيف (3)رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة،و ما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه أعني الحسين،والد عليّ الذي وقعت لهي.
ص: 165
معه القصّة حتّي قتل بأيدي ظلمة الولاة...) (1).
ثالثا:في الرواية يقول المسوّر:سمعت رسول اللّه و هو يخطب علي منبره هذا و أنا يؤمئذ محتلم.
أقول:أين كان المسوّر عندما خاف علي سيف رسول اللّه،في المدينة أم في الشام أم في العراق؟!
فمقتضي خوفه علي سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنّه كان في الشام أو في العراق أو ما بينهما،فكيف يقول الراوي أو البخاري و مسلم أنّه حين قدموا المدينة من عند يزيد.
فهل يعقل أنّه خاف علي سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم في المدينة بعدما كان هذا السيف مع زين العابدين في معركة كربلاء و في مسيرهم إلي الشام ثمّ إلي كربلاء!!
الأمر السابع:إنّ في بعض الروايات يقول النبيّ في أثناء الحديث:«أمّا بعد فإنّي أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني و صدّقني و وعدني و وفي...» (2).
و هذا تعريض بزواج عليّ بن أبي طالب و إن ابن العاص الذي فعل ما فعل أفضل من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و قد حافظ علي بنت رسول اللّه أكثر من عليّ؟!
الأمر الثامن:أنّ في بعض الروايات يقول النبيّ:«و الله لا تجتمع بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و بنت عدوّ اللّه عند رجل واحد» (3).
فهذا أوّلا ينافي أنّ عليّا جاء و أخبر النبيّ بالقضيّة أوّلا.
ثانيا:هل يعقل من نبي الرحمة الذي عنّف من قال لابنة أبي لهب:أبوك في النار،هل يعقل أن يهين امرأة مسلمة مؤمنة حسنة الإسلام-كما قال الحافظ-ليس إلاّ لأنّ أباها عدوا للّه؟!
و أين قوله تعالي: وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْريٰ.
الأمر التاسع:إنّ معاوية-كما ذكر أبو جعفر الإسكافي-وضع قوما من الصحابة و التابعين علي رواية أخبار قبيحة في عليّ عليه السّلام تقتضي الطعن فيه و البراءة منه و جعل لهم علي ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه (4).ه.
ص: 166
قال ابن أبي الحديد بعد نقل كلام الإسكافي:و أمّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه إنّ عليّا عليه السّلام خطب إبنة أبي جهل في حياة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم فأسخطه فخطب علي المنبر.
و قال:«لا و الله!لا تجتمع إبنة ولي اللّه و إبنة عدوّ اللّه أبي جهل!
إنّ فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها،فإن كان عليّ يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي و ليفعل ما يريد،أو كلاما هذا معناه.
و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي:(...إلي أن قال:و عندي أنّ هذا الخبر لو صحّ لم يكن علي أمير المؤمنين فيه غضاضة و لا قدح،لأنّ الأمّة مجمعة علي أنّه لو نكح ابنة أبي جهل مضافا إلي نكاح فاطمة عليها السّلام لجاز...
و لعلّ الواقع كان بعض هذا الكلام محرّف و زيد فيه...) (1).
الأمر العاشر:أنّ راوي الحديث إمّا المسوّر بن مخرمة،و إمّا أبا هريرة و إمّا عبد اللّه بن الزبير،و في أكثرها الكرابيسي كما قال ابن أبي الحديد.
و كما سوف تقف عليه تباعا.
أمّا أبو هريرة فيكفي ما ذكره ابن أبي الحديد عن الحفّاط لتسقط روايته لهذا الحديث (2).
أمّا المسوّر فقد ذكر أئمّة الحديث أنّه كان يطعن علي الأئمّة و كانت الخوارج تتغشّاه و تنتحل رأيه (3).
و قد نفي ابن قتيبة في المعارف رؤية المسوّر للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم،و بالتالي نفي كونه من الصحابة و ما رواه مسلم و البخاري عنه باطل قال:(المسوّر بن مخرمة...و كان يعدل بالصحابة و ليس منهم) (4).
و أمّا عبد اللّه بن الزبير:قال الإسكافي:و عبد اللّه بن الزبير هو الذي حمل الزبير علي الحرب،و هو الذي زيّن لعائشة مسيرها إلي البصرة و كان سبّابا فاحشا يبغض بني هاشم و يلعن و يسبّ عليّ بن أبي طالب...) (5).
أمّا الكرابيسي:فقد قال الأزدي عنه:ساقط لا يرجع إلي قوله،و تكلّم فيه أحمد بن حنبل حتّي قال لمحمد بن بديل:إيّاك و إيّاك أربعا لا تكلّم الكرابيسي و لا تكلّم من يكلّمه،و لعنه يحيي بن7.
ص: 167
معين،و كان يقول بقول الجهميّة،و قيل بفساد عقله،و قال مسلمة بن قاسم في الصلة:كان الكرابيسي غير ثقة في الرواية... (1).
أقول:من هذا حاله كيف يروي عنه البخاري و مسلم و كيف يريدوننا أن نقبل روايته عن المسوّر في خطبة عليّ لابنة أبي جهل؟!
و أمّا باقي رواة الحديث فقد ذكر الهيثمي طرق الحديث و أنّ فيه عبد اللّه بن تمام و هو ضعيف، و بنت المسوّر،و لم تذكر بتوثيق،و بعض رواته لم يعرفهم الهيثمي (2).
قالت عائشة عبد الرحمن بنت الشاطيء في كتاب تراجم سيّدات بيت النبوّة (3):(تراه حقّا أراد الزواج علي فاطمة من بنت عدوّ الإسلام؟!
كيف هان عليه جهاده الطويل الباسل في سبيل الدعوّة المحمّديّة؟!
بل كيف هان عليه أن يروع أمن الحبيبة بنت الحبيب و يكسر قلبها بزواج مثل هذا مظنّة أن يؤول بالرغبة في متاع حسّي مادي لا يجده لديها؟...ألا فلتكن بنت أبي جهل من حظ غيره و أمّا هو فليس بالذي يحبط جهاده الباسل،فيستبدل بالنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم أبا جهل بن هشام صهرا!!
و ليس هو بالذي يؤذي نبيه و أباه و ابن عمّه في أحب بناته إليه و لن يكون أبو العاص بن الربيع قبل إسلامه أبرّ منه ببنت محمد ابن عمّه عبد اللّه بن عبد المطلب،و لا أرعي في مصاهرته للنبيّ ذماما).
أقول:خاصّة أنّ القضيّة المزعومة كانت في بداية الزواج المبارك،و هذا معناه أنّ فاطمة كانت في شبابها و أصغر سنّا من الزوجة المدّعاة،و تقدّم و يأتي جمال فاطمة و حسنها و أنّها كانت تبدو في كلّ يوم بحسن و جمال آخر.
و قال توفيق أبو علم:(...و لم يكن من المعقول أن يستبدل الإمام عليّ بالنبيّ أبا جهل بن هشام صهرا...،و لكن كثيرا من المؤرّخين و الكتّاب ينكرون هذا الحادث تماما و يذكرون أنّها رواية مزعومة) (4).
الأمر الحادي عشر:ما روي من مفترياتهم في القصّة أنّ التي خطبها الإمام عليّ عليه السّلام و هي جويريّة بنت أبي جهل كانت كافرة فلمّا خطبها أسلمت و بايعت (5).ه.
ص: 168
الأمر الثاني عشر:قوله في بعض طرقه:«و أنا أتخوّف أن تفتتن في دينها».
من العجيب أن يصف النبيّ فاطمة سيّدة النساء و أفضلهنّ و بضعته الطاهرة المطهّرة عن الدنس و الشيطان بآية التطهير و بدعاء النبي نفسه،فهل إذا تزوّج عليّ عليها تفتن بنت المصطفي؟
و لما ذا لم تفتتن أم سلمة عندما تزوّج عليها النبيّ؟!
أم أنّ أم سلمة و زمعة و حفصة أفضل من فاطمة؟!
لماذا لم يخف النبيّ إفتتان أزواجه مع ميل بعضهنّ إلي ذلك و عدم عصمتهنّ،و مع ملاحظة ما كان يجري بينهنّ من المشاكل؟!
و الخلاصة:فبعد هذه الأمور،بعد عدم وجود المقتضي لخطبة عليّ عليه السّلام،و مع وجود المانع لو سلّم المقتضي،فهل يعقل أنّ عليّا أمير المؤمنين و قائد الغرّ المحجّلين يؤذي ابنة خير الأنبياء عليها السّلام.
و عليه فقصّة الخطبة من القصص التي وضعها النواصب بغضا لعلي عليه السّلام،و نلتزم أنّ الحديث الصحيح هو قول النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«فاطمة بضعة منّي...».
أمّا الزيادات و القصة و السبب لذلك فهي تنافي الأدلّة الصحيحة المثبّتة.
و به حكم ابن ابي الحديد كما تقدّم.
خاصّة إنّ هذا الحديث«البضعة»ورد في عدّة مناسبات غير خطبة عليّ لابنة أبي جهل،فتقدم أنّ النبيّ قالها عند توبة أبا لبابة،و مواضع أخري تأتي في محلّها.
و الصحيح ما ورد عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام أنّ شقيا من الأشقياء جاء الي فاطمة فقال لها:أما علمت أنّ عليّا قد خطب بنت أبي جهل،و ساق الحديث إلي قول عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«و الذي بعثك بالحقّ نبيّا ما كان منّي ممّا بلغها شيء و لا حدّثت بها نفسي».
فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم:«صدقت و صدقت» (1).
بل هي أمّ الكلمات المحكمة في غيب ذاتها فكانت مبهمة
في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء
بل هي نور عالم الأنوار و مطلع الشموس و الأقمار (2)
***3.
ص: 169
ص: 170
تمهيد 5
من هي فاطمة؟!5
أنوار فاطمة عليها السّلام 6
فاطمة عليها السّلام حول العرش 9
توسّل الأنبياء بفاطمة عليها السّلام 10
نطفة فاطمة عليها السّلام 12
فاطمة في بطن خديجة عليهما السّلام 14
ولادة النور فاطمة عليها السّلام 15
خصائص فاطمة عليها السّلام 16
نقش خاتمها عليها السّلام 16
عناية اللّه بفاطمة عليها السّلام 16
رحمة اللّه و رأفته بفاطمة عليها السّلام 16
تحيّة من اللّه لفاطمة عليها السّلام 17
فاطمة عليها السّلام حوراء إنسيّة 17
طهارة فاطمة عليها السّلام 18
جمال فاطمة و عطرها عليها السّلام 18
عدم انقطاع نسل النبيّ إلاّ من فاطمة عليها السّلام 19
اختصاص ولد فاطمة عليها السّلام بأبوّتهم للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم 19
خير العمل فاطمة 20
أسماء فاطمة عليها السّلام 20
خصائصها عليها السلام يوم المحشر 26
خروج فاطمة عليها السّلام من القبر 27
فاطمة عليها السّلام علي الصراط 28
فاطمة عليها السّلام يوم القيامة 29
مطالبة فاطمة بثأر الحسين عليهما السّلام 29
فاطمة عليها السّلام أول من يدخل الجنّة 30
ص: 171
فاطمة عليها السّلام في الوسيلة 31
وصف جنّة فاطمة عليها السّلام 32
فاطمة عليها السّلام في الجنّة 33
اسم فاطمة عليها السّلام علي باب الجنّة و العرش 34
فاطمة عليها السّلام في الأحاديث 34
لا كفؤ لفاطمة غير علي آدم فمن دونه 36
مقام فاطمة عليها السّلام و أفضليّتها علي العالمين 37
معني قول النبيّ:فاطمة بضعة منّي 44
أمر النبي التمسك بفاطمة عليها السّلام 45
فاطمة كالأئمّة عليهم السّلام 46
من سبّ فاطمة عليها السّلام كفر 47
لا يقاس بفاطمة عليها السّلام أحد 47
الصلاة علي فاطمة عليها السّلام في التشهد 49
فاطمة عليها السّلام أمان للأمّة 50
حليّة المسجد لفاطمة عليها السّلام 52
فاطمة عليها السّلام في القرآن 52
الآيات النازلة في فاطمة عليها السّلام 52
الأقوال في«أهل البيت»54
أقوال المفسّرين و العلماء باختصاصها بفاطمة و ولدها 60
الروايات الصحيحة الإسناد في نزولها بفاطمة و أبيها و بعلها و بنيها 69
الاحتجاجات بآية التطهير 75
تصريح الروايات بخروج نساء النبيّ 78
آية التطهير علي باب عليّ و فاطمة 80
أهداف تلاوة الآية علي الباب 82
أدعية الرّسول بذهاب الرّجس عن أهل البيت 85
فائدة أدعية النبيّ الأعظم 87
حديث الكساء المفصّل 89
معني الإرادة في آية التطهير 94
أدلّة كون الإرادة تكوينية 95
الأقوال في كون الإرادة تكوينية 98
ص: 172
معني الرّجس 100
معني التطهير 102
معطيات آية التطهير 103
كلام السمهودي في معطيات آية التطهير 109
الآيات النازلة في فاطمة الزهراء 111
آية المودة و الكوثر 111
الآية الثانية قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ .111
الآية الثالثة إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ إِنَّ شٰانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 111
آية الإطعام 111
الآية الرابعة يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ عَليٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً 111
آية المباهلة 117
الآية الخامسة قال تعالي: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَي الْكٰاذِبِينَ .117
آية الصلاة و الكلمات 124
الآية السادسة وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ 124
الآية السابعة فَتَلَقّٰي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ .124
آية النور 125
الآية الثامنة اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ 125
آية الخلق و الرحمة 125
الآية التاسعة قال تعالي هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً 125
الآية العاشرة رَحْمَتُ اللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ 125
آية البيوت 126
الآية الحادية عشر قال تعالي: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ 126
آية البرزخ 126
الآية الثانية عشر قال تعالي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ 126
آية الشجرة و الوسيلة 127
الآية الثالثة عشر قال تعالي أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا 127
الآية الرابعة عشر قال تعالي أُولٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِليٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ 127
آية الأحياء و المتقين 127
ص: 173
الآية الخامسة عشر قال تعالي وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَعْميٰ وَ الْبَصِيرُ ... وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَحْيٰاءُ 127
الآية السادسة عشر قال تعالي كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ 128
الآية السابعة عشر قال تعالي إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّٰاتٍ وَ نَعِيمٍ 128
آية الأعلون و الذرية 128
الآية الثامنة عشر قال تعالي أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعٰالِينَ 128
الآية التاسعة عشر قال تعالي وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ 128
آية الخصاصة و الوجوه المستبشرة 128
الآية العشرون قال تعالي وَ يُؤْثِرُونَ عَليٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ 128
الآية الواحدة و العشرون قال تعالي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضٰاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ 129
آية القربي و السعي 129
الآية الثانية و العشرون قال تعالي وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ 129
الآية الثالثة و العشرون قال تعالي وَ مٰا خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثيٰ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّٰي... 129
آية العهد و الأذيّة 130
الآية الرابعة و العشرون قال تعالي وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِليٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ 130
الآية الخامسة و العشرون قال تعالي إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً 130
آية القدر و الشمس 130
الآية السادسة و العشرون قال تعالي لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً وَ لاٰ زَمْهَرِيراً 130
الآية السابعة و العشرون قال تعالي وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خٰالِدُونَ 130
الآية الثامنة و العشرون قال تعالي إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 130
آية الرضا و التجافي و النصر و الإخوان 131
الآية التاسعة و العشرون قال تعالي وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضيٰ 131
الآية الثلاثون قال تعالي تَتَجٰافيٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ 131
الآية الواحدة و الثلاثون قال تعالي يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ 131
الآية الثانية و الثلاثون قال تعالي إِنَّهٰا لَإِحْدَي الْكُبَرِ 131
الآية الثالثة و الثلاثون قال تعالي إِخْوٰاناً عَليٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ 131
مدح فاطمة عليها السّلام في الشعر 132
فاطمة في بيت أبيها محمد عليهما السّلام 141
عطف فاطمة علي والدها عليهما السلام 141
شباهتها بالنبي عليهما السلام 142
حماية فاطمة لأبيها عليهما السلام 142
ص: 174
شدّة حاجة الوالدين للأبناء 143
فاطمة أمّ النبوّة 144
فاطمة مع رقيّة عليهما السلام 144
فاطمة في بيت زوجها علي عليهما السلام 145
زواج النور من النور 145
بركات تزويج فاطمة من عليّ عليهما السّلام 151
مهر فاطمة عليها السّلام 154
مهر فاطمة عليها السّلام الحقيقي 154
فاطمة ركن عليّ عليهما السّلام 155
فاطمة عليها السّلام و خدمة البيت 155
تقسيم العمل بين عليّ و فاطمة عليهما السّلام 156
فاطمة المطيعة لعلي عليهما السّلام 157
تفاخر عليّ و فاطمة عليهما السّلام 157
دعوي خطبة عليّ علي فاطمة عليهما السّلام 161
ص: 175