موسوعه اهل البيت عليهم السلام
نويسنده: السيد علي عاشور
دارالنظير عبود - بيروت - لبنان
مشخصات ظاهري: 20 ج
1427ه - 2006م
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 3
ص: 4
الجزء الرابع
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تمهيد في مقدّمات
1-في انحصار النص باللّه تعالي
2-هل لا بدّ لكل نبي من وصي؟
3-هل كان للنبي محمّد وصيّ كبقية الأنبياء؟
4-هل دلّنا النبي علي وصيّه و هل كان يريد أن يوصي؟
5-لعبة السقيفة!
6-نص النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصريح علي أمير المؤمنين عليه السّلام
7-تصريح أمير المؤمنين عليه السّلام بأنه وصي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم
8-تصريح جملة من الصحابة بأحقيّة الإمام علي عليه السّلام بالخلافة.
***
في جاعل الخلافة و الإمامة خلاف فبين قائل أنّ الجاعل هو اللّه،و من قائل أنّ الجاعل هم طائفة من الأمّة؛إمّا من قريش و إمّا من غيرها،و نحو ذلك من الأقوال.و الصحيح أنّ الجاعل هو اللّه سبحانه و تعالي،و ذلك لطرق:
و ذلك بآيات:
إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ (1)
حيث جعل سبحانه مسألة خلافة الأرض من شأنه فهو الذي يجعل الخليفة و الإمام بيده ملكوت كل شيء.لذا
ص: 5
إبراهيم عليه السّلام لم يسأل عن هذا الجعل أو يناقش فيه،بل أخذه كمسألة مسلّمة،إنّما أخذ يسأل عن شمول الجعل لذريته،فأجابه سبحانه بشمولهم دون الظالمين.و تقدم التفصيل في هذه الآية عند الكلام علي تواتر كون الأئمة من بني هاشم.قال ابن سلام الأباضي:يعني لا ينال ما عهد إليك من النبوّة و الإمامة في الدين الظالم لنفسه من ذريتك (1).
إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (2)
.فأخبر سبحانه و تعالي الملائكة أنّه سوف يعمل صلاحيته في جعل الخليفة،و الملائكة بدورها لم تناقش فيه إنّما سألت عن المصداق له.
إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ (3)
.فأخبر سبحانه عن داود أنّه خاطب قومه الذين أرادوا أن يعترضوا علي وضع جالوت قائدا عليهم أخبرهم أنّ اللّه هو الذي جعله قائدا،و اصطفاه للخصوصيات الموجودة فيه،و هي الأفضلية؛و الأفضل يقدم علي المفضول في كل شيء.
وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً (4)
.فطلبوا الجعل من اللّه سبحانه و تعالي للتسالم علي أنّه الجاعل وحده لا شريك له.
إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَي النّٰاسِ بِرِسٰالاٰتِي وَ بِكَلاٰمِي (5)
.فنسب الإصطفاء إليه تعالي.
الروايات الشريفة كالمروي في قصة نزول سأل سائل عند ما عيّن رسول اللّه عليا خليفة يوم غدير خم فاعترض الحرث و قال:يا محمد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه فقبلناه منك،و أمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه...،ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا[حتي نصبت هذا الغلام-حتي ترفع عليا بن أبي طالب]و قلت:«من كنت مولاه فعلي
ص: 6
مولاه»،فهذا شيء منك أم من اللّه؟! (1).فأجابهم بأنّه ممن بيده ملكوت كل شيء.و كالمروي عن حذيفة أيضا قال:كنت و اللّه جالسا بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قد نزل بنا غدير خم و قد غصّ المجلس بالمهاجرين و الأنصار فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي قدميه،فقال:«يا أيها الناس إنّ اللّه أمرني بأمر فقال: يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ».
ثم نادي علي بن أبي طالب فأقامه عن يمينه ثم قال:«يا أيها الناس ألم تعلموا أنّي أولي منكم بأنفسكم؟»فقالوا:اللّهم نعم.قال:«من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله».
فقال حذيفة:فو الله لقد رأيت معاوية قام و تمطّي و خرج مغضبا واضعا يمينه علي عبد اللّه بن قيس الأشعري و يساره علي المغيرة بن شعبة،ثم قام يمشي متمطئا و هو يقول:لا نصدق محمدا علي مقالته و لا نقر لعلي بولايته،فأنزل اللّه تعالي: فَلاٰ صَدَّقَ وَ لاٰ صَلّٰي وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّٰي ثُمَّ ذَهَبَ إِليٰ أَهْلِهِ يَتَمَطّٰي، فهمّ به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يردّه فيقتله،فقال له جبرائيل:«لا تحرّك به لسانك لتعجل به»،فسكت عنه (2).
و قال صادق أهل البيت عليه السّلام:«إنّ الوصية نزلت من السماء علي محمد كتابا و لم ينزل علي محمد كتاب مختوم إلاّ الوصية فقال جبرائيل:يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك» (3).
فاللّه سبحانه و تعالي هو المتكفّل بجعل خليفة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو الذي أمر رسوله بهذا الأمر،و لم يدع الأمة أو بعضها تختار في ذلك لعلمه باختلاف آرائهم و قرب عهدهم بالجاهلية، و لعلمه بأصحاب المصالح الشخصية المحيطين برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و كذلك بالمنافقين.
***
سيرة الأنبياء أجمع كانت علي نصب الأوصياء لينوبوا عنهم في الأحكام الشرعية،و حلّ الخلافات و النزاعات المستجدة في كل مجتمع من المجتمعات.
فكان لآدم و نوح و إبراهيم و موسي و عيسي و داود و يعقوب و سليمان عليهم السّلام أوصياء أخرجوا الناس من الظلمات إلي النور و عبّدوهم بطريقة الأنبياء السابقين.
ص: 7
بل موسي عليه السّلام أوصي لهارون و جعله خليفته لغيابه مدّة أربعين يوما.
حتي أنّ حكمة جعل و إرسال الأنبياء نفسها جارية في الأوصياء،و العقل كما يوجب إرسال النبي عليه السّلام كحجّة علي الخلق،كذلك يوجب إرسال الأوصياء و الخلفاء.
هذا كله بعيد عن الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة و الآثار.
قال تعالي: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ (1).
و هذا نصّ صريح في أنّ لكل قوم بعد النذير و النبي هاد.
و قد روي الأصحاب حديث:«أنا المنذر و علي الهادي».
و حديث:«المنذر و الهادي رجل من بني هاشم»كما تقدم في القسم الثاني من النصوص.
و أخرج الطبراني عن أبي أيوب قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ما بعث من نبي إلاّ كان بعده خليفة» (2).
و عن ابن عباس:«لا يكون نبوة إلاّ بعدها خلافة» (3).
و قال لمن سأله عن الجماعة بلا إمام:«فاعتزل تلك الفرق كلّها و لو أن تعض بأصل شجرة حتي يدركك الموت و أنت كذلك» (4).
و يؤيّده الحديث المستفيض:«من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (5).
و الحديث المشهور من عدم خلوّ الأرض من الحجّة،و إلاّ لساخت بأهلها كما تقدم و يأتي مفصّلا.
و قال عمر بن الخطاب:«من لم يستخلف ضيع أمر الأمّة» (6).
و الأمّة مجمعة علي وجوب الإمام و الرياسة بكل مذاهبها،نعم اختلفوا هل بالعقل أو بالشرع من اللّه أم من الناس (7).
و قد أجمعت الصحابة علي وجوب نصب الإمام في كل عصر،كما صرّح بذلك البيهقي و التفتازاني و غيرهم من العلماء (8).6.
ص: 8
و استدل أصحابنا علي وجوب الرياسة في كل زمان بأدلة عقلية و نقلية فصلّوها في محلها فلتراجع (1).
لم يكن نبيّنا الأعظم بدعا من الرسل حتي نثبت لجميع الأنبياء أوصياء دونه،و لم يكن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليضيع أمر الأمة بتركه الوصية لأمّته،كما هو مقتضي حديث عمر و غيره،و هو الذي قضي عمره الشريف في تبليغ الرسالة و خدمة المجتمع،فكيف يعقل أن يترك النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أمّته من غير وصيّة و قد أمر بالوصية؟!و هو الأب الحنون لهذه الامّة.
هذا مع علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بما يجري علي الصحابة من الإختلاف في أمر الخلافة،كما رواه الإمام أحمد و غيره عن عقبة بن عامر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي و اللّه لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي،و لكنّي أخاف عليكم أن تنافسوا فيها» (2).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنكم ستلقون بعدي فتنة و اختلافا» (3).
***
إذا أغمضنا النظر عن النصوص الصريحة الآتية من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي علي أمير المؤمنين عليه السّلام،فإنّنا نجد أنّ قرائن الحال كانت تقتضي أن يوصي النبي الأعظم لأحد بعينه،إمّا لما تقدّم من أنّ لكل نبيّ وصيّ أو لعلمه بالإختلاف بين الصحابة بالخلافة،و إمّا لما ورد من اهتمام الصحابة بالوصية (4).
هذا إضافة إلي ما حصل يوم الوفاة حيث أخرج الحفّاظ قوله:«هرقّوا علي سبع قرب لأعهد للناس» (5).
و قوله:«صبّوا علي من سبع قرب لعلّي أستريح فأعهد إلي الناس» (6).
ص: 9
و كيف أوصي بحديث الثقلين(الكتاب و العترة)عند وفاته،كما تقدم في أحاديث الثقلين.
و مسألة أحاديث الدواة و القلم حتي قال عمر مقولته الشنيعة (1).
و عمر فهم من مقولة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أراد أن يوصي بالخلافة و إلاّ لما اعترض عليه،بل هو صرّح بذلك حيث قال لابن عباس:
«لقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حيطة علي الإسلام..فعلم رسول اللّه أنّي علمت ما في نفسه فأمسك!» (2).
***
السقيفة كلمة تفجع القلب،و تذكّرنا بأحداث كالخيال،هل حقيقة هناك مؤامرة أو مؤامرات عند وفاة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟!
هل تقمصّوا الخلافة؟!هل تركوا جثمان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أسرعوا إلي السقيفة المشؤومة؟!
هل كانت البيعة بالقوة و الرشوة؟!
هل هدّد بيت فاطمة بنت محمّد قبل دفنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟!هل هاجموا الدار و معهم الحطب و النيران؟!
هل ضربت فاطمة الزهراء؟!هل أسقط جنينها؟!
هل أخرجوا ابن عم الرسول و صهره و الذي قام الدين علي سيفه مكبّلا بحبائل سيفه؟!هل هدّدوه بالقتل إن لم يبايع؟!
تساؤلات أجاب عنها الصحابة و المحدّثين و العلماء،و الإجابة كانت دائما ب«نعم».
1-نعم؛كانت هناك مؤامرة:إبتدأت منذ أنكر عمر موت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتي مجيء أبو بكر من السنخ.
و يكفي ما كتبه المؤرخ عبد الفتاح عبد المقصود قال:(إنّ الصورة التي رسمها التاريخ لا تخفي أنّ أبا بكر و صاحبيه كانوا علي بيّنة بالخلافة فيمن ينبغي أن تنحصر،و لمن يجب أن تؤول،إن
ص: 10
لم يكن استنادا إلي ما سمعوه من لسان الرسول،فبمقتضي فضله و قدمته و ارتفاع ذكره بين المسلمين،ارتفاعا شاع و ملأ الأسماع،حتي لأوشك أن ينعقد حينئذ علي أفضليته الإجماع..
كانوا يعلمون أنه الأولي بالأمر بعد ابن عمه العظيم،ثم لم يمنعهم علمهم هذا أن يبادروا إلي ما هو له فتتقبّض أكفّهم عليه..و سواء أفعلوا ذلك عن اختيار أم اضطرار،عمدا و قصدا،أم أكرهتهم الظروف علي البدار؛فإنّهم في الصورة التاريخية المرسومة أو علي الأقل في رأي الكثيرين،و قد غمطوا ابن أبي طالب حقّه المعلوم..) (1).
و لعل الإمام الغزالي سبقه علي هذا التصريح بل كان أوضح و أجرأ منه حيث قال:(لكن أسفرت الحجّة وجهها و أجمع الجماهير علي متن الحديث من خطبته في يوم عيد غدير خم باتفاق الجميع و هو يقول:«من كنت مولاه فعليّ مولاه»فقال عمر:«بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي و مولي كل مؤمن»فهذا تسليم و رضي و تحكيم،ثم بعد هذا غلب الهوي لحب الرئاسة، و حمل عمود الخلافة و عقود النبوّة و خفقان الهوي في قعقعة الرايات،و اشتباك ازدحام الخيول و فتح الأمصار،و سقاهم كأس الهوي فعادوا إلي الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا) (2).
2-نعم؛تقمّصوا الخلافة:كما صرّح أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته الشقشقية:«أما و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محل القطب من الرحا» (3).
و سوف تأتي في تصريحاته.
و سوف يأتي قول الهذيل بن شرحبيل:«كان أبو بكر يتأمّر علي وصيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم».
3-نعم؛تركوا جثمان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أسرعوا إلي دنياهم السقيفة،كما اعترفت عائشة بقولها:«ما علمنا بدفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتي سمعنا صوت المساحي من جوف الليل» (4).
هذه زوجة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فما بالك بغيرها!!.
4-نعم؛كانت البيعة بالقوّة و الرشوة:
امّا القوّة فباعتراف جملة من الصحابة،فعن ابن عبّاس:«بعث أبو بكر عمر إلي علي حين قعد عن بيعته،و قال:ائتني به بأعنف العنف..»أخرجه البلاذري (5).ر.
ص: 11
و كسروا سيف الزبير (1).
و هجموا علي دار فاطمة لإحراقه (2).
و أخرج عبد الرزاق:«لقد رأيت عمرا يزعج أبا بكر إلي المنبر إزعاجا» (3).
و قال عمر لعلي و الزبير:«لتبايعان و أنتما طائعان أو لتبايعان و أنتما كارهان» (4).
و نحو ذلك كثير فيما روي الحفّاظ (5).
و يأتي ما فعلوه بباب فاطمة و إخراج علي بالقوّة للبيعة!!
امّا الرشوة،فقد رشوا أبا سفيان كما ذكره الجوهري و ابن أبي الحديد و الطبري و غيرهم (6).
و رشوا امرأة من بني عدي فقالت لهم:«أترشوني عن ديني» (7).
و حاولوا أن يرشوا العبّاس (8).
5-نعم؛هدّد بيت فاطمة و هجموا عليه بقبس من نار ليحرقوا الدار،و سوف تأتي نصوص ذلك مفصّلا في الفصول الآتية (9).
و ضربوها و أسقطوا جنينها كما روته أصحابنا فيما يأتي.
6-نعم؛أخرجوا أوّل الناس إسلاما و إيمانا من داره بالعنف بحبائل سيفه إلي المسجد ليبايع، كما نصّ عليه ابن حمدون في التذكرة حيث قال الأمير عليه السّلام لمعاوية:
«اني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتي أبايع،و لعمر اللّه لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت» (10).
نعم عزيزي القاريء،كل ذلك كان،بل كانت هناك أمور لم ندري ما هي،و لم ينقل لنا التاريخ إلاّ القليل كعادته!!ة.
ص: 12
كانت كل هذه الفضائح و انتهاك الحرمات من أجل الدنيا و الملك.
قال أبو الفداء عبد الرزاق و الجوهري و جملة من المؤرخين:تخلّف عن بيعة أبي بكر عتبة بن سعد،و خالد بن سعيد و المقداد و سلمان و أبي ذر و عمّار و البراء و أبي بن كعب و أبو سفيان و بني هاشم و الزبير و طلحة و سعد بن أبي و قاص و العباس و أولاده و الفضل و المقداد بن عمرو و فروة بن عمرو (1).
و قال أبو عمر:تخلّف عن بيعته طائفة من الخزرج و فرقة من قريش (2).
قال محمد بن إسحاق:و كان عامة المهاجرين و جلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّا هو صاحب الأمر بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (3).
و قال الزبير بن بكار-بسنده إلي إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال:لما بويع أبو بكر و استقرّ أمره ندم قوم كثير من الأنصار علي بيعته و لام بعضهم بعضا و ذكروا علي بن أبي طالب و هتفوا باسمه (4).
و قال الطبري:فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلاّ عليّا (5).
و قال عبد الرزاق في المصنف:قال عمر:تخلّفت عنّا الأنصار بأسرها في السقيفة (6).
عزيزي القارئ قد تقدّم في الجزء الأوّل قدسية ذات الرسول الأعظم و تنقّله في الأنوار و الأصلاب.
كل ذلك يكشف لنا عظمة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قدسية روحه و عقله،و أنّه مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَويٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحيٰ.
ص: 13
بعد ذلك كلّه و بعد انهاء تبليغ الرسالة و عند بدء عوده إلي المقرّ الأبدي: قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنيٰ يأتي بعض الصحابة بدلا من تكريم صاحب الرسالة و الإفتخار به،يأتي ليصفه بوصف كانت كفّار قريش تصفه به،جاء من يدّعي الإسلام ليصف الحقيقة المحمّدية بوصف يخجل الإنسان من قوله لخادمه،وصف يكشف عن حقد دفين،«إنّ الرجل ليهجر..حسبنا كتاب اللّه».
الله أكبر ما هذه الكلمة التي تهدّ الصخور الصلدة!!
ما هذا الجفاء الذي يملأ قلب عمر بن الخطاب!!
ألهذه الدرجة الملك عزيز!!
أمن أجل إرادة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم التأكيد علي وصيّته لأوّل من أسلم و جاهد،من أجل نصب علي عليه السّلام خليفة يقطع عمر كلامه بهذه الكلمات.
ثمّ يكرّر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم طلب الدواة مرّة أخري كما في رواية المجمع الآتية.و يعود عمر لمقولته ثانية.
فجاء الجواب:«أخرجوا لا ينبغي عند نبي التنازع...».
و ما ذا يقول لهم عند منعه من الوصية،و هل يراد من الوصية إلاّ التنفيذ.فإذا قالوا هذه الكلمة -يهجر-فهم علي استعداد أن يقتلوا في سبيل الملك و أن يعيدوا الجاهلية.
فلأجل علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعدم تنفيذ وصيّته أخرجهم من الدار،و لم يؤكّد علي الوصية لأمير المؤمنين عليه السّلام مرة ثالثة فيما وصل لنا من مصادر.
و هكذا كان عمر بن الخطّاب المانع الأساسي من الوصية،و كان أوّل من اعترض علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في مرض وفاته،و لكنّها لم تكن المرّة الاولي في الإعتراض فسوف يأتي (1)أنّه اعترض عليه في صلح الحديبية و في الصلاة علي عبد اللّه بن أبي و في غيرها من الموارد.
نعم،كان أشدّها يوم الوفاة عند ما وصف النبي بالهجر،و اعلم أنّ الهجر معناه كما في لسان العرب:القبيح من الكلام،و الهذيان،و هجر به في النوم يهجر هجرا:حلم و هذي،و في الحديث قالوا ما شأنه أهجر،أي اختلف كلامه بسبب المرض (2).
و قال:الهذيان:كلام غير معقول مثل كلام المبرسم و المعتوه (3).
و قال القسطلاني:«فقالوا ما شأنه أهجر»بهمزة لجميع رواة البخاري،و في الرواية التي فيي.
ص: 14
الجهاد بلفض«فقالوا هجر»بغير همزة.
و وقع للكشميهني هناك«فقالوا هجر،هجر رسول اللّه»أعاد هجر مرتين.
قال عياض:معني أهجر أفحش،يقال هجر الرجل إذا هذي،و أهجر إذا أفحش (1).
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار:يقال:أهجر الرجل إذا قال الفحش (2).
و سوف يأتي تفصيل الكلام في ذلك عند هفوات عمر.
***
أخرج الطبراني و عبد الرزاق بسند في المصنف رجاله ثقات عن أبيه عن ميناء عن عبد اللّه بن مسعود قال:كنت مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليلة وفد الجن،قال:فتنفّس فقلت:ما شأنك يا رسول اللّه؟
قال:«نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود!».
قال:قلت:فاستخلف.
قال:«من؟»
قلت:أبو بكر،
قال:فسكت،ثم مضي ساعة ثم تنفّس،قال:فقلت:ما شأنك؟
قال:«نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود».
قال:قلت:فاستخلف.
قال:«من؟»
قلت:عمر،قال:فسكت ثم مضي ساعة ثم تنفّس.
قال:فقلت:ما شأنك؟
قال:«نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود!».
قال:قلت:فاستخلف.
قال:«من؟»
ص: 15
قلت:علي بن أبي طالب.
قال:«أما و الذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنّة أجمعين اكتعين» (1).
2-و أخرجه الطبراني بسند آخر قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه الحضرمي،حدّثنا علي بن الحسين بن بردة العجلي الذهبي،حدّثنا يحيي بن يعلي الأسلمي عن حرب بن صبيح،حدّثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد اللّه الهذلي عن ابن مسعود قال:-و ذكر ما جري مع النبي ليلة الجن-إلي أن قال:«و ما أظن أجلي إلاّ قد اقترب».
قلت:يا رسول اللّه ألا تستخلف أبا بكر؟
فأعرض عنّي فرأيت أنّه لم يوافقه.
فقلت:يا رسول اللّه ألا تستخلف عمر؟
فأعرض عنّي فرأيت أنّه لم يوافقه.
فقلت:يا رسول اللّه ألا تستخلف عليّا؟
قال:«ذاك و الذي لا إله غيره لو بايعتموه و أطعتموه أدخلكم الجنّة أجمعين» (2).
قال السيوطي بعد ذكر الحديث:و قد يقوي هذا بحديث علي قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«سألت اللّه أن يقدّمك ثلاثا» (3).
3-و أخرج أبو جعفر الإسكافي و ابن أبي الحديد عن أبي مخنف لوط بن يحيي و اللفظ له:
جاءت عائشة إلي أمّ سلمة تخادعها علي الخروج للطلب بدم عثمان-و ساق الحديث إلي أن قال-قالت-أمّ سلمة-:و أذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في سفر له و كان علي يتعاهد نعلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيخصفها،و يتعاهد أثوابه فيغسلها،فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها و قعد في ظلّ شجرة،و جاء أبوك و معه عمر،فاستأذنا عليه فقمنا إلي الحجاب و دخلا يحادثانه فيما أراد،ثم قالا:يا رسول اللّه إنّا لا ندري قد ما تصحبنا،فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا؟ة.
ص: 16
فقال لهما:«أما إني قد أري مكانه و لو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران».
فسكتا ثم خرجا.
فلما خرجنا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قلت له-و كنت أجرأ عليه منّا:من كنت يا رسول اللّه مستخلفا عليهم؟
فقال:«خاصف النعل».
فنظرنا فلم نر أحدا إلاّ عليّا،فقلت:يا رسول اللّه ما أري إلاّ عليّا.
فقال:«هو ذاك».
فقالت عائشة:نعم أذكر ذلك.
فقالت أم سلمة:أي خروج تخرجين بعد هذا؟ (1).
4-و أخرج الخطيب عن وهب بن كعب عن سلمان انّه قال:يا رسول اللّه انّه ليس من نبي إلاّ و له وصيّ و شيطان فمن وصيّك و شيطانك؟
فسكت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و لم يرجع إليه شيئا.
فلمّا صلّي رسول اللّه الظهر قال:«إدن يا سلمان سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر،و قد أتاني:إنّ اللّه تعالي بعث أربعة آلاف نبي و كان لهم أربعة آلاف وصي و ثمانية آلاف شيطان،فو الذي نفسي بيده لأنا خير النبيين و وصيي خير الوصيين،و شيطاني خير الشياطين» (2).
5-و أخرج العقيلي عن أبي هريرة عن سلمان بلفظ قال:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قلت:يا رسول اللّه إن اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ بيّن له من يلي بعده فهل بيّن لك؟
قال:«لا».
ثم سألته بعد ذلك.
فقال:«نعم عليّ بن أبي طالب» (3).
6-و أخرج ابن اسحاق و الخطيب البغدادي في تلخيص المتشابه عن سلمان انّه سأل رسول7.
ص: 17
اللّه فقال:يا رسول اللّه إنّه ليس من نبي إلاّ و له وصي و سبطان فمن وصيّك و من سبطانك [و سبطاك]؟.
فسكت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم يرجع شيئا،فانصرف سلمان يقول:يا ويله كلّما لقيه ناس من المسلمين،قالوا:مالك سلمان الخير؟
فيقول:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم[عن شيء]فلم يرد عليّ،فخفت أن يكون من غضب.
فلمّا صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الظهر،قال:«إدن يا سلمان».
فجعل يدنو و يقول:أعوذ باللّه من غضبه و غضب[رسوله]رسول اللّه.
فقال:«سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر و قد أتاني.[إن]اللّه تعالي[عزّ و جلّ قد]بعث أربعة آلاف نبي،و كان لهم أربعة آلاف وصي و ثمانية آلاف سبط،فو الذي نفسي بيده لأنا خير النبيين و وصيي خير الوصيين،و سبطي[سبطاي]خير الأسباط» (1).
7-و عن ابن عمر قال:مرّ سلمان الفارسي و هو يريد أن يعود رجلا و نحن جلوس في حلقة و فينا رجل يقول:«لو شئت لأنبأتكم بأفضل هذه الامّة بعد نبيّها،و أفضل من هذين الرجلين أبي بكر و عمر».
فسئل سلمان فقال:«أما و اللّه لو شئت لأنبأتكم بأفضل هذه الامّة بعد نبيّها،و أفضل من هذين الرجلين أبي بكر و عمر»ثم مضي سلمان.
فقيل له:يا أبا عبد اللّه ما قلت؟
قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في غمرات الموت فقلت:يا رسول اللّه هل أوصيت؟
قال:«يا سلمان أتدري من الأوصياء؟».
قلت:اللّه و رسوله أعلم.
قال:«آدم و كان وصيّه شيث و كان أفضل من تركه بعده من ولده،و كان وصي نوح سام،و كان أفضل من تركه بعده،و كان وصي موسي يوشع و كان أفضل من تركه بعده،و كان وصي عيسي شمعون و كان أفضل من تركه بعده،و إني أوصيت إلي علي و هو أفضل من أتركه من بعدي» (2).
8-و أخرج ابن عدي بسنده عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال في مرضه:«أدعوا لي أخي».6.
ص: 18
فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه.
ثم قال:«أدعوا لي أخي».
فدعوا له عمر فأعرض عنه.
ثم قال:«أدعوا لي أخي».
فدعوا له علي بن أبي طالب،فستره بثوب و أكبّ عليه.
فلما خرج من عنده قيل له:ما قال؟
قال:«علّمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب» (1).
-و أخرجه الدار قطني بسنده عن عائشة بلفظ:«أدعوا لي حبيبي» (2).
9-و أخرج علي بن حميد عن مجموع الفقه بسنده إلي علي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:
قال لي ربّي عزّ و جلّ ليلة أسري بي:«من خلفت علي أمّتك يا محمّد؟».
قلت:«أنت يا ربّ أعلم».
قال:«يا محمّد إنّني اجتبيتك برسالتي و اصطفيتك بنفسي و أنت نبيي و خيرتي من خلقي،ثمّ الصدّيق الأكبر الطاهر المطهّر الذي خلقته من طينتك و جعلته وزيرك و أبا سبطيك السيّدين الشهيدين الطاهرين سيدي شباب أهل الجنّة،و زوجته خير نساء العالمين» (3).
-و أخرجه سواء الإمام زيد في مسنده (4).
-هذه جملة من نصوص صريحة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي خلافة علي عليه السّلام،و هناك طوائف من هذه النصوص تأتي في النص علي أمير المؤمنين عليه السّلام،انّما أردنا هنا إثبات انّه منصوص عليه في الجملة،و قد عرفت ذلك و أنّ بعضها يقوي بعض.
***
1-منها ما ذكره ابن قتيبة في الإمامة و السياسة قال:قال علي بن أبي طالب:«فو الله ما كان يلقي في روعي و لا يخطر علي بالي أنّ العرب تعدل هذا الأمر عنّي،فمّا راعني إلاّ إقبال الناس علي
ص: 19
أبي بكر،فأمسكت يدي و رأيت أنّي أحق بمقام محمّد في الناس ممّن تولي الامور علي...فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أري في الإسلام ثلما و هدما تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولاية أمركم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل» (1).
2-و قال بعد مبايعة عثمان:«يا بن عوف ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم علينا من دفعنا عن حقّنا و الإستئثار علينا،و إنّها لسنّة علينا و طريقة تركتموها» (2).
3-و قال لأبي عبيدة بعد أن أبلغه رسالة أبي بكر:«...و في النفس كلام لو لا سابق قول و سالف عهد لشفيت غيظي بخنصري و بنصري و خضت لجّته بأخمصي و مفرقي لكنّي ملجم إلي أن ألقي ربي و عنده أحتسب ما نزل بي» (3).
4-و أخرج القزويني عن أبي عبد اللّه الرازي حدّث بقزوين عن محمد بن أيوب قال ميسرة في المشيخة،حدّثنا أبو عبد اللّه الرازي،حدّثنا محمد بن أيوب،حدّثنا علي بن عبد المؤمن،حدّثنا إسماعيل بن أبان عن ناصح أبي عبد اللّه عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال:كان علي رضي اللّه عنه يقول:«أرأيتم لو أنّ نبي اللّه قبض من كان أمير المؤمنين إلاّ أنا».
قال:و ربّما قال:قيل له يا أمير المؤمنين،و النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ينظر إليه و هو يبتسم» (4).
5-و أخرج ابن أبي الحديد عن الجوهري بسنده قال:قال علي يوم البيعة:«أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم و أنتم أولي بالبيعة لي...إلي أن قال:يا معشر المهاجرين اللّه اللّه لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره و بيته إلي بيوتكم و دوركم..لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقّه فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم...» (5).
6-و أخرج أيضا:قال ابن عمر:يا أبا الحسن أتريد أن تضرب بعضهم ببعض؟.
فقال:«أسكت ويحك فوالله لو لا أبوك و ما ركب منّي قديما و حديثا ما نازعني ابن عفّان و لا ابن عوف».
فقام عبد اللّه فخرج (6).
7-و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رسالة لمعاوية:«...و ذكرت حسدي الخلفاء و إبطائي عنهم و بغيي عليهم.فأمّا البغي فمعاذ اللّه أن يكون،و أمّا الإبطاء عنهم و الكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه6.
ص: 20
إلي النار؛لأنّ اللّه جلّ ذكره لما قبض نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قالت قريش:منّا أمير،و قالت الأنصار:منّا أمير.
فقالت قريش:منّا محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فنحن أحق بذلك الأمر.
فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لهم الولاية و السلطان.فإذا استحقوها بمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دون الأنصار فإنّ أولي الناس بمحمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أحقّ بها منهم.
و إلاّ فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا،فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقّي أخذوا،أو الأنصار ظلموا.[بل]عرفت أنّ حقي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوز اللّه عنهم...» إلي أن قال:«و قد كان أبوك أتاني حين ولي الناس أبو بكر فقال:أنت أحقّ بعد محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك علي من خالف عليك إبسط يدك أبايعك.فلم أفعل.و أنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك و أراده حتي كنت أنا الذي أبيت؛لقرب عهد الناس بالكفر،مخافة الفرقة بين أهل الإسلام.فأبوك كان أعرف بحقّي منك فإن تعرف من حقي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك،و ان لم تفعل فسيغني اللّه عنك و السّلام» (1).
*أقول:ذكره ابن حبان في تاريخه و في الثقات من قوله:و قد كان أبوك...إلي آخره (2)و البلاذري بكاملها مع تفاوت في بعض الألفاظ (3).
8-و قال الإمام علي عليه السّلام لحبيب بن مسلمة الفهري و شرحبيل بن السمط و معن بن يزيد الأخنس السلمي رسل معاوية:«أمّا بعد فإن اللّه بعث النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأنقذ به من الضلالة و نعش به من الهلكة و جمع به بعد الفرقة،ثم قبضه اللّه إليه و قد أدّي ما عليه،ثم استخلف الناس أبا بكر،ثم استخلف أبو بكر عمر و أحسنا السيرة و عدلا في الامّة،و قد وجدنا عليهم أن تولّيا الأمر دوننا و نحن آل الرسول و أحقّ بالأمر،فغفرنا ذلك لهما..» (4).
9-و أخرج العقيلي و الخوارزمي و البلاذري مختصرا قوله:«بايع الناس لأبي بكر و أنا و اللّه أولي بالأمر منه و أحق به منه فسمعت و أطعت مخافة أن يرجع الناس كفّارا يضرب بعضهم...
الخطبة-عن أبي الطفيل يوم الشوري (5).0.
ص: 21
10-و أخرج ابن عبد البر عن عمر بن شبة بسنده قال:قال علي:«لما قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قلنا نحن أهله و أولياؤه لا ينازعنا سلطانه أحد،فأبي علينا قومنا فولّوا غيرنا،و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة و أن يعود الكفر و يبور الدين لغيّرنا،فصبرنا علي بعض الألم» (1).
11-و قال عليه السّلام بعد قتل عثمان:
«أيّها الناس كتاب اللّه و سنّة نبيّكم لا يدّعي مدع إلاّ علي نفسه،ساع نجا و طالب يرجو و مقصّر في النار:ثلاثة؛و إثنان:ملك طار بجناحيه و نبي أخذ اللّه بيديه،لا سادس هلك من اقتحم وردي من هوي،اليمين و الشمال مضلة،و الوسطي الجادة:منهج عليه باقي الكتاب و آثار النبوّة.
قد كانت أمور ملتم عليّ فيها لم تكونوا عندي محمودين و لا مصيبين،و اللّه لو أشاء أن أقول لقلت:حق و باطل و لكلّ أهل،و اللّه لئن أمر الباطل لقديما فعل،و لئن أمر الحق لربّ و لعلّ،ما أدبر شيء فأقبل» (2).
12-و أخرج الجوهري و ابن أبي الحديد قال:لقي علي عمر فقال له علي:«أنشدك اللّه هل استخلفك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟».
قال:لا.
قال:«فكيف تصنع أنت و صاحبك؟!»
قال:أمّا صاحبي فقد مضي لسبيله و إمّا أنا فسأخلعها من عنقي إلي عنقك (3).
13-و قال للعبّاس لما بلغه ذهاب القوم للسقيفة:«أو منهم من ينكر حقّنا و يستبدّ علينا» (4).
14-و قال لفاطمة عليه السّلام بعد أن هجم القوم علي دارها بالحطب لإحراقه:
«أتحبين أن يزول هذا النداء من الوجود؟-و كان المؤذن يؤذن-
قالت:لا.
قال:«إذن سأبايع لأبي بكر» (5).
15-و قال عليه السّلام في خطبته الشقشقية:
«أمّا و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محل القطب من الرحا ينحدر6.
ص: 22
عنّي السيل،و لا يرقي إليّ الطير،فسدلت دونها ثوبا،و طويت عنها كشحا،و طفقّت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر علي طخية عمياء،يهرم فيها الكبير،و يشيب فيها الصغير،و يكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه؛فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي،فصبرت و في العين قذي و في الحلق شجا، أري تراثي نهبا،حتي مضي الأوّل لسبيله فأدلي بها إلي ابن الخطّاب بعده:
شتّان ما يومي علي كورها و يوم حيان أخي جابر
فيا عجبا!بينما هو يستقيلها في حياته،إذ عقدها لآخر بعد وفاته!لشد ما تشطّرا ضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها،و يخشن مسّها،و يكثر العثار فيها....
فصبرت علي طول المدّة و شدّة المحنة...متي اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر!!...
إلي أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع...» (1).
*أقول:الخطبة الشقشقية عليها نور الإمامة و ألفاظها تنبيء أنّها من معدن الوحي و التنزيل تقبّلها العامة و الخاصة في كتبهم:
-قال مصدّق:و كان ابن الخشّاب صاحب دعابة و هزل،فقلت له:أتقول انّها منحولة؟
فقال:لا و الله،و إنّي لأعلم أنّها كلامه،كما أعلم أنّك مصدّق.
فقلت له:إنّ كثيرا من الناس يقولون أنّها من كلام الرضيّ رحمه اللّه تعالي.
فقال:أنّي للرضي و لغير الرضي هذا النفس و هذا الأسلوب!قد وقفنا علي رسائل الرضي و عرفنا طريقته و فنّه في الكلام المنثور،و ما يقع مع هذا الكلام في خلّ و لا خمر.
ثم قال:و اللّه لقد وقفت علي هذه الخطبة في كتب صنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها،و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ (2).
-و قال ابن أبي الحديد:و قد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخيّ إمام البغداديين من المعتزلة،و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدّة طويلة.
و وجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبه أحد متكلّمي الإمامية،و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف،و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمهة.
ص: 23
اللّه تعالي،و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه اللّه تعالي موجودا (1).
هذه جملة من تصريحات أمير المؤمنين عليه السّلام و كلها من كتب القوم.
و لأصحابنا تصريحات أخري أغمضنا عن ذكرها (2).
***
تقدّم جملة من تصريحات أمير المؤمنين عليه السّلام،و ها أنا أذكر لك تصريح الصحابة بأحقّية علي بن أبي طالب عليه السّلام للخلافة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
أخرجه أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين،قال في رسالته لمعاوية:«فلمّا توفي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش:نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه...ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجّت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها...و استولوا بالإجتماع علي ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا،فالموعد اللّه و هو الولي النصير.
و قد تعجبنا لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا و سلطان نبيّنا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة علي الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به،أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده،فاليوم فليعجب المتعجّب من توثبك يا معاوية علي أمر لست من أهله» (3).
*أقول:و للإمام الحسن مقولة مشهورة لأبي بكر:«إنزل عن منبر أبي» (4).
و قال الإمام الحسين عليه السّلام لعمر:«إنزل عن منبر أبي» (5).
ص: 24
كانت فاطمة بنت محمد المدافع الأول عن نبوة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،ثم عن خلافته التي قضي عمره الشريف في تبليغ الإسلام و بالخلافة يحفظ الإسلام،فكانت صلوات اللّه عليها تخرج مع علي عليه السّلام تدعو لنصرته (1).
و قد أبرزت ذلك بقولها في مواقف عدة من ذلك ما قالته صلوات اللّه عليها في خطبتها في مجلس أبي بكر بعد وفاة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جاء فيها:
«...حتي إذا اختار اللّه لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دار أنبيائه ظهرت حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين،و نبع خامل الآفلين،و هدر فنيق المبطلين،فخطر في عرصاتكم،و أطلع الشيطان رأسه صارخا بكم فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين،و للغرّة ملاحظين،ثم استنهضكم فوجدكم خفافا،و أحمشكم فألفاكم غضابا،فوسمتم غير إبلكم و أوردتم (2)غير شربكم،هذا و العهد قريب؟! و الكلم رحيب،و الجرح لمّا يندمل،بما ذا زعمتم:خوف الفتنة؟
ألا في الفتنة سقطوا...» (3).
و قالت عليها رضوان اللّه تعالي:«...و نحن بقية استخلفنا (4)عليكم و معنا كتاب اللّه بيّنة بصائره،و آي فينا،منكشفة سرائره و برهان منجلية ظواهره..» (5).
-و قالت عليها السّلام في مرض وفاتها للنساء اللواتي دخلن عليها:
«...ويحهم أنّي زحزحوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوّة و مهبط الروح الأمين الطبن (6)بأمور الدنيا و الدين،ألا ذلك هو الخسران المبين،و ما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا و اللّه منه نكير سيفه و شدّة و طأته،و نكال وقعته و تنمّره في ذات اللّه،و يالله لو تكافأوا علي زمام نبذه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لسار بهم سيرا سجحا(سهلا)،لا يكلم خشاشه و لا يتعتع راكبه،و لأوردهم منهلا رويّا...
و لفتحت عليهم بركات من السماء..إلي أي لجأ لجأوا و أسندوا،و بأيّ عروة تمسّكوا،و لبئس المولي و لبئس العشير،استبدلوا و اللّه الذنابي بالقوادم (7)و العجز بالكاهل،فرغما لمعاطس قوم
ص: 25
يحسبون أنّهم يحسبون صنعا أَلاٰ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لٰكِنْ لاٰ يَشْعُرُونَ و يحكم: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْديٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ...
«أنلزمكموها و أنتم لها كارهون» (1).
و منه ما قالته عليه السّلام في مجلس الأنصار:«ألا و قد قلت الذي قلته علي معرفة منّي بالخذلان الذي خامر صدوركم و استشعرته قلوبكم،و لكن قلته فيضة النفس و نفثة الغيظ و بثّة الصدر و معذرة الحجّة،فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر ناقبة الخفّ،باقية العار،موسومة بشنار الأبد..» (2).
و زاد الجوهري:«...أفتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدّة و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم،فقاتلوا أئمة الكفر إنّهم لا إيمان لهم لعلّهم ينتهون» (3).
و زاد الطبري الإمامي من طريق أهل البيت عليهم السّلام:«...فما جعل اللّه لأحد بعد غدير خم من حجّة و لا عذر» (4).
و أخرج الجزري بسنده عن فاطمة عليها السّلام أنّها قالت لهم:«أنسيتم قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم:«من كنت مولاه فعلي مولاه؟!».
و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسي عليهما السّلام».
و قال:و هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسي المديني في كتابه المسلسل بالأسماء (5).
*أقول:هذه جملة ما وصل إلينا من تصريحات فاطمة عليها السّلام،و قد ذكر أصحابنا الكثير منها، أغمضنا عن ذكرها لأنّ الفضل ما شهدت به غيرنا (6).
أخرجه الجوهري عن المغيرة قال:مرّ المغيرة بأبي بكر و عمر و هما جالسان علي باب النبي حين قبض،فقال:و ما يقعدكما؟
ص: 26
قالا:ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه،يعنيان عليّا.
فقال:أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت وسّموها في قريش تتسع.
قال:فقاما إلي سقيفة بني ساعدة،أو كلاما هذا معناه (1).
و قال عمر في أثناء حواره لابن عباس:أما و اللّه إن كان صاحبك هذا أولي الناس بالأمر بعد وفاة رسول اللّه إلاّ أنّا خفناه علي اثنتين..حداثة سنّه و حبّه بني عبد المطلب (2).
و قال له يوما:يا بن عبّاس ما أظنّ صاحبك إلاّ مظلوما.
فقلت:يا أمير المؤمنين فاردد عليه ظلامته.
فانتزع يده من يدي..يابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنّهم استصغروه.
فقلت:و اللّه ما استصغره اللّه حين أمره أن يأخذ براءة من أبي بكر (3).
و قال له يوما:يابن عبّاس ما يمنع قومكم منكم و أنتم أهل البيت خاصة؟
قلت:لا أدري.
قال:لكنّي أدري،انّكم فضلتموهم بالنبوّة فقالوا إن فضّلوا بالخلافة مع النبوّة لم يبقوا لنا شيئا (4).
و له تصريحات أخري تأتي في تصريحات ابن عبّاس.
قال معاوية في رد رسالة محمد بن أبي بكر:
«فكان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزّه[حقّه]و خالفه علي ذلك اتّفقا و اتّسقا،ثم دعواه إلي أنفسهم فأبطأ عنهما و تلكّأ عليهما،فهمّا به الهموم و أرادا به العظيم فبايع و سلّم لهما،لا يشركانه في أمرهما و لا يطلعانه علي سرّهما حتّي قبضا و انقضي أمرهما.
إلي أن قال:أبوك مهّد مهاده و بني ملكه و شاده،فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله،و إن يك جورا فأبوك أسسه،و نحن شركاؤه و بهديه أخذنا و بفعله اقتدينا،و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب و أسلمنا له،و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك فإحتذينا بمثاله[رأينا أباك فعل ما فعل
ص: 27
فاحتذينا مثاله] (1)و اقتدينا بفعاله فعب أباك ما بدا لك أو دع و السّلام علي من أناب و رجع عن غوايته و تاب (2).
و أخرجه نصر بن مزاحم و المسعودي و البلاذري بطوله مع تفاوت في بعض الألفاظ (3).
*أقول:إعترف عمر بمضمون كلام معاوية عند ما قال لابن عباس:أمّا و اللّه إن كان صاحبك هذا أولي الناس بالأمر بعد وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم...إنّ أوّل من ريّثكم عن هذا الأمر أبو بكر (4).
ذلك ما قد يستفاد من ضمن حواره مع ابن عبّاس حول الخلافة حيث قال:
إنّي أعوذ باللّه منكم يا بني عبد المطلب إن كان لكم حق تزعمون أنّكم غلبتم عليه فقد تركتموه في يدي من فعل ذلك بكم،و أنا أقرب إليكم رحما منه (5).
أنبأنا علي بن عبد اللّه،أنبأنا أبو زرعة عبد الكريم بن إسحاق بن سهلويه،أنبأنا أبو بكر الدينوري اجازة،سمعت أبا منصور عبد اللّه بن علي الأصبهاني ببروجرد،سمعت أبا القاسم الطبراني،حدّثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أشياخه قال:لما كان يوم السقيفة إجتمعت الصحابة علي سلمان الفارسي فقالوا:يا أبا عبد اللّه إن لك سنّك و دينك و عملك و صحبتك من رسول اللّه«فقل في هذا الأمر قولا يخلد عنك فقال:«گويم أگر شنويد».
ثم غدا عليهم فقالوا:ما صنعت أبا عبد اللّه فقال:«گفتم اگر بكار بريد»ثم أنشأ يقول:
ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن هاشم ثم منهم عن أبي الحسن
أ و ليس أوّل من صلّي لقبلته و أعلم بالقول بالأحكام و السنن
ما فيهم من صنوف الفضل يجمعها و ليس في القوم ما فيه من الحسن
يقال ليس لسلمان غير هذه الأبيات (6).
ص: 28
أقول:سوف أذكر أن هذه الأبيات من تصريح ابن أبي لهب و العباس.
و أخرج البلاذري و ابن أبي شيبة و اللفظ للأول:«كردان و نا كردان»أي عملتم و ما عملتم،لو بايعوا عليّا لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم... (1).
و لفظ الثاني:أخطأتم و أصبتم أمّا لو جعلتموها في أهل بيت نبيّكم لأكلتموها رغدا (2).
و ذكره سبط ابن الجوزي بلفظ:«كردي نكردي»أي فعلتموها فوجئت عنقه (3).
و أخرجها الجوهري بلفظ ابن أبي شيبة (4).
و أخرج عنه أيضا قوله:«أصبتم الخير و لكن أخطأتم المعدن» (5).
أخرج الحموي عن علي قال:قال العبّاس بن عبد المطلب حين بويع لأبي بكر:
ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
أ ليس أوّل من صلّي لقبلتكم و أعلم الناس بالآثار و السنن
و أقرب الناس عهدا بالنبي و من جبريل عون له في الغسل و الكفن
من فيه ما في جميع الناس كلّهم و ليس في الناس ما فيه من الحسن
ما ذا الذي ردّكم عنه فنعرفه ها إنّ بيعتكم من أوّل الفتن (6)
و أخرج ابن شبة قوله لعلي:«و احذر هؤلاء الرهط فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتي يقوم لنا به غيرنا» (7).
و في رواية قال:«ما أحد أولي بمقام رسول اللّه منه[علي] (8).
أقول:أخرج الطبري الإمامي كلاما للعبّاس عند ما استسقي عمر به و توسل:
«يستسقون بنا و يتقدّمونا،فإذا قحطوا استسقوا بهم،و إذا ذكروا الخلافة تمنّوا سالما مولي أبي حذيفة و الجارود العبدي» (9).
ص: 29
تقدّم ضمن تصريح علي أمير المؤمنين عليه السّلام تصريح أبو سفيان عند ما عرض أن يجمع الرجال لقتال الخليفة الأوّل لأحقّية علي للخلافة فلا تغفل.
و أخرج عبد الرزاق و ابن المبارك و ابن عبد البر و البلاذري و ابن أبي شيبة و اليعقوبي و غيرهم قول أبي سفيان:غلبكم علي هذا الأمر أرذل بيت في قريش،أمّا و اللّه لأملأنّها خيلا و رجالا (1)(2).
و قال يوم السقيفة أيضا:...فأمّا علي بن أبي طالب فأهل و اللّه أن يسود علي قريش و تطيعه الأنصار (3).
و زاد البلاذري في لفظ:إني لأري فتقا لا يرتقه إلاّ الدم (4).
و أخرج ابن شبة قوله عند ما ضرب عمر أحد المهاجرين:إصبر أخا قصيّ فلو قبل اليوم تدعو قصيا لما ضربك أخو بني عدي.
فالتفت إليه عمر فقال:أسكت لا أم لك.
فوضع أبو سفيان إصبعه السبابة علي فيه (5).
و أنشد يوم السقيفة:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم و لا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلاّ فيكم و إليكم و ليس لها إلاّ أبو حسن علي (6)
أخرجه ابن قتيبة في العيون قال:قال ابن عبّاس لمعاوية:ندّعي هذا الأمر بحق من لو لا حقّه لم تقعد مقعدك هذا،و نقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا و يجتمعوا علينا حقّا ضيّعوه و حظّا حرّموه...أمّا الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فعهد منه إلينا قبلنا فيه قوله و دنّا
ص: 30
بتأويله،و لو أمرنا أن نأخذه علي الوجه الذي نهانا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه،و لا يعاب أحد علي ترك حقّه،إنّما المعيب من يطلب ما ليس له،و كل صواب نافع و ليس كل خطأ ضارا (1).
و له تصريحات أخري و هي المحاورات التي جرت بينه و بين عمر حتي قال له عمر يوما:إنّ أوّل من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر.
فأجابه ابن عبّاس:إمّا قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت و وفقت،فلو أنّ قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار اللّه عزّ و جلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود و لا محسود (2).
و قال له عمر يوما آخر:لعلّك تري صاحبك لها؟
فقلت:القربي في قرابته و صهره و سابقته أهلها؟
قال:بلي و لكنّه امرؤ فيه دعابة (3).
و قال عمر له يوما ثالثا:أتري صاحبكم لها موضعا؟
قال:فقلت:و أين يبتعد من ذلك مع فضله و سابقته و قرابته و علمه؟
قال:هو كما ذكرت،و لو وليهم لحملهم علي منهج الطريق فأخذ المحجّة الواضحة،إلاّ أنّ فيه خصالا:الدعابة في المجلس و استبداد الرأي و التبكيت للناس مع حداثة السن.
قال:قلت:يا أمير المؤمنين هلاّ استحدثتم سنّة يوم الخندق إذ خرج عمرو بن عبد الود و قد كعم عنه الأبطال و تأخّرت عنه الأشياخ؟!و يوم بدر إذ كان يقط الأقران قطّا،و لا سبقتموه بالإسلام إذ كان جعلته الشعب و قريش يستوفيكم؟! (4).
أقول:هناك تصريحات أخري له فلتراجع (5).
أخرجه ابن أبي الحديد عن الجوهري بلفظ:واعجبا من قريش و استئثارهم بهذا الأمر علي أهل هذا البيت،معدن الفضل و نجوم الأرض و نور البلاد،و اللّه إنّ فيهم لرجلا ما رأيت رجلا بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أولي منه بالحق و لا أقضي بالعدل (6).
ص: 31
و بلفظ آخر له:و إنّي لأعجب من قريش و تطاولهم علي الناس بفضل رسول اللّه ثم انتزاعهم سلطانه من أهله (1).
و أخرجه ابن شبة بألفاظ قريبة (2).
في رسالته لمعاوية قال:...غير أنّ عليا كان من السابقة و لم يكن فينا ما فيه،فشاركنا في محاسننا و لم نشاركه في محاسنه،و كان أحقّنا كلّنا بالخلافة و لكن مقادير اللّه تعالي صرفتها عنه، حيث شاء لعلمه و قدره،و قد علمنا انّه أحقّ بها منّا و لكن لم يكن بدّ من الكلام في ذلك و التشاجر... (3).
قال:يا معشر قريش إلي متي تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم تحوّلونه هاهنا مرّة و هاهنا مرّة،و ما أنا آمن أن ينزعه اللّه منكم و يضعه في غيركم،كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله (4).
و ذكر في العقد الفريد باختصار و لكن أوّله:فأنّي تصرفون هذا الأمر عن بيت نبيّكم (5).
هذا تصريح عمّار الذي قال فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق» (6).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«عمّار ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما» (7).
قال أبو ذر لمّا توفي النبي و بويع لأبي بكر:أصبتم قناعه و تركتم قرابه،لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيّكم لما اختلف عليكم اثنان (8).
ص: 32
و أخرج اليعقوبي قوله:أيّتها الامّة المتحيرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم اللّه و أخّرتم من أخّر اللّه،و أقررتم للولاية و الوراثة في أهل بيت نبيّكم لأكلتم من فوق رؤوسكم و من تحت أقدامكم (1).
قال لمعاوية:...أيم اللّه لو ولّوه بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه لحقّه و صدقه،و لأطيع الرحمن و عصي الشيطان و ما اختلف في الأمة سيفان (2).
أخرج ابن سيد الناس في المدح و اليعقوبي و الزبير بن بكار و غيرهم قوله:
ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
أ ليس أوّل من صلّي لقبلته(لقبلتكم) و أعلم الناس بالقرآن و السنن
(أقرب)و آخر الناس عهدا بالنبي و من جبريل عون له في الغسل و الكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن (3)
ما ذا الذي ردّهم عنه فنعلمه ها إنّ ذا غبننا من أعظم الغبن (4)
*أقول:تقدّمت هذه الأبيات و نسبت تصريحا لسلمان و أيضا للعباس،و هنا لعتبة،و المهم أنها صدرت منهم جميعا أو رددوا هذه الكلمات فصحّ كونها تصريحا لهم،و أيضا يأتي عن ابن عبد البر نسبتها إلي والد عتبة و هو الفضل بن عبّاس.
قال:يا معشر قريش أنّه ما حقّت لكم الخلافة بالتمويه و نحن أهلها دونكم و صاحبنا أولي بها منكم.هذا لفظ اليعقوبي.
و ذكره ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار بلفظ:يا معشر قريش و خصوصا يا بني تيم إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة و نحن أهلها دونكم..و إنّا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه (5).
ص: 33
*أقول:و في الإستيعاب و الجوهرة نسب الأبيات المتقدمة إليه (1).
قال يوم السقيفة:
جزي اللّه خيرا و الجزاء بكفّه أبا حسن عنّا و من كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله فصدرك مشروح و قلبك ممتحن
تمنّت رجال من قريش أعزّة مكانك هيهات الهزال من السمن
و كنت المرجّي من لؤي بن غالب لما كان منه[منهم]و الذي بعد لم يكن
حفظت رسول اللّه فينا و عهده إليك و من أولي به منك من و من
أ لست أخاه في الإخا و وصيّه و أعلم فهر[منهم]بالكتاب و السنن (2)
قال:لم أزل لبني هاشم محبّا فلما قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خفت أن تتمالأ قريش علي إخراج هذا الأمر عنهم... (3).
قال يوم السقيفة:إنّا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن..إنا لنعلم إنّ ممّن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد:علي بن أبي طالب (4).
*أقول:أخرجه اليعقوبي بنفس الألفاظ و لكن عن المنذر بن أرقم (5).
قال:
و أهل أبو بكر لها خير قائم و إنّ عليّا كان أخلق للأمر
و كانا هوانا في علي و إنّه لأهلّ لها من حيث ندري و لا ندري
و رواه الزبير بلفظ:
ص: 34
لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري (1)
أخرج الطبري و عبد الرزاق و ابن عساكر و البلاذري قوله:لما قدم خالد من اليمن بعد وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تربّص ببيعته شهرين و لقي علي بن أبي طالب و عثمان و قال:يا بني عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم.
فأمّا أبو بكر فلم يحضي بها،و أمّا عمر فاضطغّنها عليه فلما بعث أبو بكر خالد بن سعيد أميرا علي ربع من أرباع الشام فجعل عمر يقول:أبو مرة و قد قال ما قال.
فلم يزل بأبي بكر حتي عزله و ولّي يزيد بن أبي سفيان (2).
و أخرج اليعقوبي عنه قوله لعلي عليه السّلام:هلم أبايعك فو الله ما في الناس أحد أولي بمقام محمّد منك (3).
أخرجه البزار و الحميدي و ابن ماجه و أبو نعيم و أحمد،قال:كان أبو بكر يتأمّر علي وصي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،ودّ أبو بكر لو وجد من رسول اللّه في ذلك عهدا فخرم أنفه بخرامه (4).
و أخرجه أبو نعيم صحّحه و أحمد بلفظ:لو وجد مع رسول اللّه-فخزم أنفه بخزامة (5).
و ذلك ضمن مناظرته المشهورة في فضل علي عليه السّلام و تفضيله علي الصحابة بحضور فقهاء عصره جاء فيها:إنّ أمير المؤمنين يدين اللّه علي أنّ علي بن أبي طالب خير الخلق بعد رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أولي الناس بالخلافة له... (6).
ص: 35
قال قيس:كنّا عند الأعمش فتذاكرنا الإختلاف فقال:أنا أعلم من أين وقع الإختلاف.
قلت:من أين وقع؟
فقال:ليس هذا موضع ذكر ذلك.
قال:فأتيته بعد ذلك فخلوت به،-إلي أن قال:
قال الأعمش:نعم،ولي أمر هذه الأمّة من لم يكن عنده علم فسئل،فسأل الناس فاختلفوا فلو ردّوا هذا الأمر في موضعه ما كان اختلاف.
قلت:إلي من؟
قال:إلي من كان يسأل بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ما سئل أحد غيره؛إلي من كان يقول:سلوني قبل أن تفقدوني،و إنّكم لن تجدوا أعلم بما بين اللوحين منّي،إلي من كان يضرب بيده علي صدره و يقول:«إن هاهنا لعلما جمّا لم أجد له حملة»،إلي من قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أقضاكم علي بن أبي طالب» (1).
*أقول:سوف يأتي مفصّلا أنّ عليّا أقضي الصحابة و أعلمهم بالسنّة و الفقه و السياسة و أشجعهم و غزارة علمه و نحو ذلك،و كلّه من مصادر الفريقين فانتظر.
قال البلاذري:قال زيد بن علي لأصحابه لمن سأله عن عمر و أبي بكر:كنّا أحق البرية بسلطان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاستأثرا[أبو بكر و عمر]علينا و قد وليا علينا و علي الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب و السنّة (2).
خطب في أوّل خلافة أبو العباس فقال:و اللّه قسما برّا لا أريد إلاّ اللّه به،ما قام هذا المقام أحد بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أحقّ به من علي بن أبي طالب و أمير المؤمنين هذا،فليظن ظانّكم و ليهمس هامسكم (3).
قالت في رثاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
ص: 36
فهلاّ صبرتم للنبي محمّد ببدر و من يغش الوغي حقّ صابر
و لم ترجعوا عن مرهفات كأنّها حريق بأيدي المؤمنين بواتر
و لم تصبروا للبيض حتي أخذنكم قليلا بأيدي المؤمنين المشاعر
و وليتم نفرا و ما البطل الذي يقاتل من وقع السلاح بنافر
أتاكم بما جاء النبييون قبله و ما ابن أخي البرّ الصدوق بشاعر
سيكفي الذي ضيّعتم من نبيّكم و ينصره الحيّان عمرو و عامر (1)
خطبهم يوم السقيفة فقال فيها:
يا معشر المهاجرين و الأنصار أ لستم تعلمون أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لعلي:«أنت الهادي لمن ضلّ».
أولستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«علي المحيي لسنّتي و معلم أمّتي و القائم بحجّتي و خير من أخلف بعدي..طاعته من بعدي كطاعتي علي أمّتي».
لم يولّ علي علي عليه السّلام أحدا منكم و ولاّه في كل غيبة عليكم؟!
...و منزلهما واحد و رحلهما واحد و متاعهما واحد و أمرهما واحد...إذا غبت عنكم فخلفت فيكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي (2).
إلي آخر كلامه و كلّه تصريح لطيف بأدلّة مسلّمة عند الفريقين تأتي في بحث النص علي أمير المؤمنين علي عليه السّلام من مصادرهم.
أخرج البلاذري في تاريخه قال:لما قتل الحسين بن علي كتب عبد اللّه بن عمر إلي يزيد بن معاوية:امّا بعد فقد عظمت الرزية و جلّت المصيبة،و حدث في الإسلام حدث عظيم،و لا يوم كيوم الحسين.
فكتب إليه يزيد:يا أحمق إنّا جئنا إلي بيوت منجّدة،و فرش ممهّدة،و وسائد منضّدة فقاتلنا عنها،فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا،و إن يكن لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا و ابتزّه و استأثر بالحق علي أهله (3).
ص: 37
1-قال محمد بن إسحاق:و كان عامة المهاجرين و جلّ الأنصار لا يشكّون أن عليّا هو صاحب الأمر بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (1).
2-و قال الزبير بن بكار-بسنده إلي إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال:لما بويع أبو بكر و استقرّ أمره ندم قوم كثير من الأنصار علي بيعته و لام بعضهم بعضا و ذكروا علي بن أبي طالب و هتفوا باسمه (2).
3-و قال الطبري:فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلاّ عليّا (3).
4-و قال عبد الرزاق في المصنف:قال عمر:تخلّفت عنّا الأنصار بأسرها في السقيفة (4).
*-أقول:هذه جملة من تصريحات الصحابة من كتب القوم،و هناك تصريحات أخري من كتب أصحابنا لم نذكرها (5).
***
من المعلوم أنّ بعثة الأنبياء كانت من أجل إنقاذ البشرية من الظلمات إلي النور،و هذا الهدف السامي لا يتم إلاّ بتواصل الرسل و الأوصياء لكل زمان زمان كما أخبر تعالي بذلك: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ.
و نجد سيرة الأنبياء جميعا مبتنية علي هذا الأساس من وضع وصي يتابع أعمال النبي و يحافظ علي ما أسسه.
و ليس من المعقول من النبي الأعظم و خاتم الرسل أن يترك أمّته-و هي القريبة من عصر الجاهلية و الجهلاء-من دون وصي يتم مسيرة الإسلام،و يقوّم الإعوجاج الذي يمكن أن يحصل- و الذي حصل بالفعل-من جراء فقد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
علما إنّ حالة الإعوجاء بدت في أواخر حياة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
ص: 38
قال تعالي في محكم التنزيل: فَمٰا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمٰالِ عِزِينَ (1).
وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرٰابِ مُنٰافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَي النِّفٰاقِ لاٰ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ (2) .
فكان رسول الرحمة كبقية الأنبياء في وضع الخليفة و النص عليه بنصوص متعدّدة و بأزمنة متعدّدة.
و تنقسم النصوص الواردة في حق أوصياء الرسول إنقساما أوليا إلي قسمين،الأوّل هو النص علي كل إمام إمام و هو ما يأتي عند ذكر كل إمام.الثاني هو النص علي جميع الأئمة دفعة واحدة، كما تقدم في الجزء الثاني.
و بذلك نثبت النص علي جميع الأئمة الإثني عشر عليهم السّلام و ما ثبت بالنص حق كما أجمع عليه المسلمون كافة (3).
***
و لنا في ذلك عدة طرق:
أنّه صلوات اللّه و سلامه عليه كان أفضل الأنام بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لما اجتمع له من خصال الفضل و الرأي و الكمال،و سبقه إلي الإيمان و تقدمه في العلم و القضاء و الجهاد و الورع و الزهد
ص: 39
و الصلاح و قربه من النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بتفصيل آت.
و من المعلوم عند كل ذي لبّ تقدم الفاضل علي المفضول و العالم علي الجاهل لتقبيح العقل خلاف ذلك (1).
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه تعالي جعل لأخي علي فضائل لا تحصي كثرة،فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه،و من كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم،و من استمع إلي فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع،و من نظر إلي كتاب من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر» (2).
***
*قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ألا فليبلّغ الشاهد منكم الغائب قولي في علي فإني لم أقل في علي إلاّ بأمر جبرائيل و جبرائيل لا يخبرني إلاّ عن اللّه عز و جل» (3).
روي عن أبي سعد عن أبي عقال[هلال بن زيد بن حسن بن أسامة الكلبي الدمشقي مولي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم]في حديث طويل جاء فيه:فقلت ملأتني سرورا يا رسول اللّه،فمن أفضل الناس بعدك؟
فذكر له نفر من قريش.ثم قال:«علي بن أبي طالب»
فقلت:يا رسول اللّه فأيّهم أحب إليك؟قال:«علي بن أبي طالب».
فقلت:و لم ذلك؟
فقال:«لأنّي خلقت أنا و علي بن أبي طالب من نور واحد».
فقلت:فلم جعلته آخر القوم؟
قال:«ويحك يا أبا عقيل أ ليس قد أخبرتك إنّي خير النبيين،و قد سبقوني بالرسالة و بشّروا بي من قبلي،فهل ضرّني شيء إذا كنت آخر القوم،أنا محمد رسول اللّه.
و كذلك لا يضر عليا إذا كان آخر القوم،و لكن يا أبا عقال فضل علي علي سائر الناس كفضل جبرئيل علي سائر الملائكة» (4).و روي عن عمر بن الخطاب قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما اكتسب
ص: 40
مكتسب مثل فضل علي،يهدي صاحبه إلي الهدي،و يردّه عن الردي» (1)و عنه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في ذكر الصحابة:«..و أفضلهم علي» (2).
و روي عن الإمام الباقر محمد بن علي عن آبائه عليهم السّلام إنّه سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن خير الناس؟فقال:«خيرها و أتقاها و أفضلها و أقربها إلي الجنة أقربها مني و لا أقرب و لا أتقي إلي من علي بن أبي طالب» (3).
و عن أبي سعيد الخدري عن سلمان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أشهدك اليوم إنّ علي بن أبي طالب خيرهم و أفضلهم» (4).و عن ابن عمر عن سلمان قال:«لو شئت لأنبأتكم بأفضل هذه الأمة بعد نبيها و أفضل من هذين الرجلين أبي بكر و عمر...
قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:يا رسول اللّه هل أوصيت؟فساق الحديث إلي أن قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و إنّي أوصيت إلي علي و هو أفضل من أتركه من بعدي» (5).
و عن ابن عباس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي و أفضل نساء الأولين و الآخرين فاطمة» (6).
و عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي لو أنّ أحدا عبد اللّه حق عبادته ثم يشك فيك و أهل بيتك أنكم أفضل الناس كان في النار» (7).
و من ذلك ما روي عن سلمان قال:سمعت رسول اللّه يقول:«إنّ اللّه عز و جل يقول:يا عبادي...ألا فاعلموا إنّ أكرم الخلق عليّ و أحبهم إليّ محمد،و أفضلهم لديّ محمد و أخوه علي من بعده،و الأئمة الذين هم الوسائل» (8)
و في حديث قدسي آخر عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:«و أفضلهم لديّ و أكرمهم عليّ سيد الوري و أكرمهم و أفضلهم بعده علي بن أبي طالب عليه السّلام أخو المصطفي المرتضي ثم بعده القوّامون بالقسط من أئمة الحق» (9).2.
ص: 41
و عن الصدّيقة فاطمة عليها السّلام:قالت:«فأي هؤلاء الذين سميت أفضل،قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:علي بعدي أفضل أمتي و حمزة و جعفر أفضل أهل بيتي بعد علي و بعدك و بعد الحسن و الحسين و الأوصياء من ولد ابني و أشار إلي الحسين،و منهم المهدي» (1)و عن الهروي عن الرضا عن آبائه عن رسول اللّه قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الفضل بعدي لك يا علي و للائمة من بعدك...يا علي لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلي التوحيد و معرفة ربنا عزّ و جلّ و تسبيحه و تقديسه و تهليله،لأنّ أول ما خلق اللّه أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تمجيده» (2).
و عن حكيم بن جبير:قال:قلت لعلي بن الحسين عليه السّلام:جعلت فداك كان أبو جحيفة يزعم أنه سمع عليا يقول:«ألا أخبركم بأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر؟ثم سكت».فقال لي علي بن الحسين عليه السّلام:«فهذا سعيد بن المسيب أخبرني أنه سمع سعدا قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
«ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي».
هل كان في بني اسرائيل بعد موسي أفضل من هارون صلّي اللّه عليهما و سلم؟!.
قلت:لا.
فضرب علي كتفي ثم قال لي علي بن الحسين:«فأين ذهب بك؟!!» (3).و ابن عساكر بعد ذكر هذا الحديث شكّك في تأويل الإمام زين العابدين و خصّص الحديث بغزوة تبوك.و هذا عناد و تعصب منه،علي أنّ حديث المنزلة صدر من رسول اللّه في أكثر من موضع،و من راجع المصادر المذكورة في هذا الجزء أغناه ذلك (4).
و عن ابن عباس:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء بعدي أفضل من علي بن أبي طالب،و إنه إمام أمتي و أميرها» (5).
و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي أنت أفضل أمتي فضلا و أقدمهم سلما و أكثرهم علما» (6).
و عن الإمام الباقر عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«فضّلوا علي فإنّه أفضل الناس بعدي من ذكر و أنثي» (7).ة.
ص: 42
و من ذلك ما رواه أبو بكر،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي مني كمنزلتي من ربي»أخرجه ابن السمان (1).
و في حديث آخر عنه:«علي أعظم الناس منزلة من الرسول و أقربه قرابة و أفضله[حالة]دالّة و أعظمه غناء عن نبيه» (2).
و عن ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من أشفع له أولا فهو أفضل».أخرجه أبو طاهر المخلص و الطبراني و الذهبي و الدارقطني (3).
و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أول من أشفع له من أهل بيتي» (4)و زاد الطبراني:«أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب من قريش...و أول من أشفع له أولوا الفضل» (5).
هذا إضافة إلي الروايات في اختيار علي بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الدالة علي أفضليته علي الأمّة بعد رسول اللّه،فإنّ اللّه لا يختار إلاّ الأفضل.
كالمروي في المعجم عن الهلالي و أبي أيوب قال:قال رسول اللّه لفاطمة عليهما السّلام:«يا حبيبتي أما علمت أنّ اللّه عز و جل اطّلع إلي الأرض اطلاعة فاختار منها أباك برسالته ثم اطّلع اطلاعة فاختار منها بعلك» (6)و عن ابن عباس:«أما ترضين يا فاطمة إنّ اللّه عز و جل اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما أباك و الآخر زوجك» (7).
اخرجه ابن الجوزي و صحّحه (8)،و أخرجه الحاكم عن أبي هريرة و صحّحه (9).و كذا قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
«لمبارزة علي لعمر يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلي يوم القيامة» (10)و قد قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّهي.
ص: 43
جعل لأخي علي بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها غيره» (1).
فهذه باقة من الأحاديث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تفيد كون علي عليه السّلام أفضل الأمة،بل البشرية جمعاء بعد رسول الرحمة محمد بن عبد اللّه.و قد علمت أنّ عددها يزيد علي العدد المشترط في التواتر.
***
أخرج ابن قتيبة عن أمير المؤمنين بمحضر المهاجرين و الأنصار في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
«اللّه يا معشر المهاجرين،لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره و قعر بيته إلي دوركم و قعور بيوتكم،و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه،فو الله يا معشر المهاجرين،لنحن أحق الناس به لأنّا أهل البيت،و نحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللّه،الفقيه في دين اللّه، العالم بسنن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،المضطلع بأمر الرعية،المدافع عنهم الأمور السيئة،القاسم بينهم بالسوية،و اللّه إنّه لفينا،فلا تتبعوا الهوي فتضلوا عن سبيل اللّه فتزدادوا من الحق بعدا».
فقال بشر بن سعد الأنصاري:لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان (2).
و قال عليه السّلام بعد كلام بليغ في بدء الخلق و خلق آدم و محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ثم انتقل النور إلي غرائزنا و لمع في أئمتنا،فنحن أنوار السماء و أنوار الأرض فبنا النجاة،و منّا مكنون العلم،و إلينا مصير الأمور،و بمهدينا تنقطع الحجج،خاتمة الأئمة،و منقذ الأمة،و غاية النور،و مصدر الأمور،فنحن أفضل المخلوقين و أشرف الموحّدين و حجج رب العالمين فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا و قبض علي عروتنا» (3).
و قال عليه السّلام:«كانت لي منزلة من رسول اللّه لم تكن لأحد من الخلائق» (4).
*أقول:تقدّم في الكتاب الأول الكثير من الأحاديث عنه عليه السّلام الدّالة علي كونه أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
ص: 44
برواية الأئمة و الصحابة و التابعين
قال الإمام الحسن عليه السّلام في خطبته الأولي بعد بيعته:«و إني أحتسب عند اللّه عزّ و جلّ مصابي بأفضل الآباء بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه» (1).
قال ابن عبد البر في الإستيعاب:و روي عن سلمان و أبي ذر و المقداد و خباب و جابر و أبي سعيد الخدري و زيد بن أرقم:«أنّ علي بن أبي طالب أول من أسلم و فضّله هؤلاء علي غيره».
انتهي (2).
و من ذلك ما روي عن علي بن سويد السّائي عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال:«ما خلق اللّه خلقا أفضل من محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا خلق خلقا بعد محمد أفضل من علي عليه السّلام» (3).
و من ذلك ما روي عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر عليه السّلام قال:«إيانا عني و علي أفضلنا و أولنا و خيرنا بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (4).
و من ذلك ما روي عن الأعمش عن الصادق عليه السّلام قال:سألته عن أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أحقّهم بالأمر.
فقال عليه السّلام:«علي بن أبي طالب و بعده الحسن ثم الحسين» (5).
و عنه عليه السّلام:«كان علي أفضل الناس بعد رسول اللّه و أولي الناس بالناس» (6).
و قال عمرو لمعاوية:«فإنّ عليا أوحد الناس في الفضائل» (7).
و قال له عبد اللّه بن جعفر:«و نبينا قد نصب لأمّته أفضل الناس و أولاهم و خيرهم بغدير خمّ، و في غير موطن» (8).
و قال سلمان قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي أشهدك أنّ عليا خيرهم و أفضلهم و أعلمهم» (9).
و قالت له غانمة:«و منّا أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أفرس بني هاشم و أكرم من احتفي و تنعل بعد رسول اللّه» (10).
ص: 45
و أخرج أحمد و البزار عن عبد اللّه بن مسعود:«كنّا نتحدث أنّ أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب» (1).
و عن أبي وائل عن ابن عمر قال:«كنا إذا عددنا أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قلنا أبو بكر و عمر و عثمان».
فقال رجل:يا أبا عبد الرحمن فعلي ما هو؟
قال:«علي من أهل البيت لا يقاس به أحد،هو مع رسول اللّه في درجته» (2).
و قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل:سألت أبي عن التفضيل فقال:«أبو بكر و عمر و عثمان ثم سكت.
فقلت:يا أبت أين علي بن أبي طالب؟
قال:«هو من أهل البيت لا يقاس به هؤلاء» (3).
*أقول:تقدمت الأحاديث في كون آل محمد عليهم السّلام لا يقاس بهم أحد (4).
و قال حذيفة بن اليمان:«لو قسمت فضيلة علي عليه السّلام بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم» (5).
و عن أبي الطفيل:قال بعض أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لقد كان لعلي بن أبي طالب من السوابق ما لو أنّ سابقة منها[قسمت]بين الخلائق[علي الناس]لوسعتهم خيرا» (6).
و قال ضرار في وصف أمير المؤمنين عليه السّلام:«كان و اللّه علم الهدي...خير من آمن و اتقي و أفضل من تقمّص و ارتدي و أبرّ من انتعل وسعي» (7).
و من ذلك ما روي عن الشعبي قال:بينما أبو بكر جالس إذ طلع علي فلما رآه قال:«من سرّه أن ينظر إلي أعظم الناس منزلة و أقربهم قرابة و أفضلهم حالة و أعظمهم حقا عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم).
ص: 46
فلينظر إلي هذا الطالع» (1).
و عن ابن عباس عند ما سأله معاوية عن علي:«رضي اللّه عن أبي الحسن كان و اللّه علم الهدي و كهف التقي...خير من آمن و اتقي و أفضل من تقمص و ارتدي و أفصح من تنفس و قرا...فهل يوازيه أحد؟لم تر عيني مثله و لن تري» (2).
و رواه الطبراني و زاد فيه:«و أفضل من حجّ و سعي و أسمح من عدل و سوّي و أخطب أهل الدنيا» (3).
و قال الحافظ الشافعي:«لا جرم كان علي أقضاهم و أعلمهم و أفضلهم» (4).
و كان المغيرة يفضله علي الأنبياء (5).
و البحتري يفضله علي الشيخين (6).
و قال يحيي بن آدم:«ما أدركت أحدا بالكوفة إلاّ يفضّل عليا يبدأ به» (7).
و قال معمر:«عجبت من أهل الكوفة كأنّ الكوفة إنما بنيت علي حب علي!!!ما كلّمت أحدا منهم إلاّ وجدت المقتصد منهم الذي يفضل عليا علي أبي بكر و عمر منهم سفيان الثوري» (8).
و قال العباس:«يا علي لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد» (9)و قال الحسن عليه السّلام:«لقد قبض في هذه الليلة رجل لا[ما]يسبقه الأولون بعمل و لا يدركه الآخرون» (10).و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي و إياكم أكرم الخلاق علي اللّه» (11).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أفضلهم أفضلهم علما» (12).0.
ص: 47
و قال السيد الحسن:«رباني هذه الأمة بعد نبيها و صاحب شرفها و فضلها علي» (1)و قال أبو أيوب:«حيث نزل بين ظهرانيكم ابن عم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خير المسلمين و أفضلهم و سيدهم بعده» (2).
*و قال المأمون في مناظرته الطويلة لإسحاق بن إبراهيم:«أفرأيت أنّ من أيقن أنّ هذا الحديث(الطير)صحيح ثم زعم أنّ أحدا أفضل من علي لا يخلو من إحدي ثلاثة:
من أن تكون دعوة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عنده مردودة عليه!!
أو أن يقول:عرف[اللّه]الفاضل من خلقه و كان المفضول أحب إليه!!
أو أن يقول:إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يعرف الفاضل من المفضول؟؟
فأي الثلاثة من هذه الوجوه أحب اليك أن تقول؟؟» (3).
و أنشد المأمون:«علي أعظم الثقلين حقا....و أفضلهم سوي حق النبي» (4).
و ذكر المأمون أنّ سبب التفضيل أربعة:العلم و الشجاعة و الكرم و شرف النسب و كلها في علي أكمل منها في غيره فهو أفضل الصحابة (5).
و منهم:آخر الصحابة أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني (6).
و من الصحابة[رواية]:سلمان و أبي ذر و المقداد و خباب بن الإرث و جابر بن عبد اللّه الأنصاري و أبي سعيد الخدري و زيد بن أرقم (7).
و قال أحمد و النسائي و إسماعيل القاضي و أبو علي النيسابوري:«لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي» (8).6.
ص: 48
-هذا إضافة إلي الروايات التي تصف علي بصفات جميع الأنبياء فيكون جمع ما تفرّق فيهم فهو أفضلهم فعن ابن الحميراء و أبي سعيد و أنس و ابن عباس:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه و إلي نوح في فهمه[فقهه]و إلي إبراهيم في حلمه و إلي يحيي في زهده و إلي موسي في بطشه فلينظر إلي علي بن أبي طالب».أخرجه الحاكم و الديلمي و ابن شاهين و ابن عساكر (1).
***
علي خير الصحابة-الأمة-الناس
منها ما روي عن زيد بن ثابت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير من اخلف بعدي و خير أصحابي علي» (2).
و عن حكيم بن جبير قال:قلت لعلي بن الحسين عليهما السّلام:إنّ أناسا عندنا بالعراق يقول إنّ أبا بكر و عمر خير من علي!
قال:فقال علي بن الحسين عليه السّلام:«فكيف أصنع بحديث حدثنيه سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص؟
قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«أنت مني بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبي بعدي» (3).
ما روي عن علي و عن أبي سعيد و أنس معا عن سلمان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ وصيي و موضع سري و خير من(تركت)أترك بعدي و ينجز عدّتي و يقضي ديني علي بن أبي طالب (4).
ص: 49
ما روي عن فاطمة الزهراء قالت:«أشهد اللّه تعالي لقد سمعته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:علي خير من أخلفه فيكم و هو الإمام و الخليفة بعدي» (1).
ما روي عن أبي رافع عن أبي ذر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي» (2).
و عن أبي رافع عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت خير أمتي في الدنيا و الآخرة» (3).
و عن أبي ذر قال:نظر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي علي فقال:«هذا خير الأولين و خير الآخرين من أهل السموات و أهل الأرضين» (4).
و روي عن حبشي بن جنادة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير من يمشي علي الأرض بعدي علي بن أبي طالب» (5).
و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«اعطيت خير النساء لخير الرجال» (6).
و عن أنس:«علي خير من تركت(أخلف)بعدي» (7).
و عن سلمان قال:قال رسول اللّه لفاطمة:«أما تعلمين يا بنية إنّ من كرامة اللّه إياك أنّ زوجك خير أمتي» (8).
ما روي عن حبيب بن أبي ثابت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لقد زوجتك خير من أعلم» (9).
و عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي بن أبي طالب خير هذه الأمة من بعدي، و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فمن قال غير هذا فعليه لعنة اللّه» (10).
و عن ابن سيرين:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير هذه الأمة بعد نبيها ستة:علي و حمزة و جعفر و الحسن و الحسين و المهدي» (11).
و عن حذيفة بن اليمان:«و أنّه لخير من مضي بعد نبيكم و من بقي إلي يوم القيامة» (12).ن.
ص: 50
و عن نافع مولي ابن عمر:قلت لابن عمر:من خير الناس بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
قال:«خيرهم بعده من كان يحل له ما يحل له و يحرم عليه ما يحرم عليه».
قلت:من هو؟
قال:«علي» (1).
و قال الحسن البصري عند ما سئل عن خير الناس:و قد قال رسول اللّه لفاطمة:«زوجتك خير أمتي»و لو كان في أمته خير منه لاستثناه (2).
و عن مجاهد و ابن عباس و أبي سعيد و أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السّلام و عائشة و جابر و علي عليه السّلام جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في قوله تعالي: أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ :«إن علي بن أبي طالب خير البرية» (3).
و عن ابن عباس و ابن مسعود و حذيفة:«من لم يقل علي خير الناس فقد كفر» (4).
و عن جابر:«علي خير البشر فمن أبي فقد كفر» (5).
و في لفظ:«من امتري فقد كفر» (6).
و في لفظ آخر عنه:«ذاك خير البشر لا يبغضه إلاّ كافر» (7).
و قريب منهما عن حذيفة و أنس و عطاء معا عن عائشة و عن عبد اللّه و أبي سعيد الخدري (8).4.
ص: 51
و عن عطاء و الإمامين الرضا و الحسين عليهما السّلام:«علي خير البشر لا يشك فيه إلاّ كافر» (1).
و عن ابن مسعود قال:«ختمت القرآن علي خير الناس علي بن أبي طالب» (2).
و أجاب الإمام الحسن عليه السّلام ابن أبي سيف بقوله:«لا و لكنه خير الناس» (3).
و عن ابن مسعود قال:«كنا نعدّ عليا خير البشر» (4).
و قالت أم كلثوم لابن ملجم:«قتلت خير الناس» (5).
و عن الأعمش قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«هل أدلّكم علي خير الناس أما و أبا؟».
قالوا:بلي.
قال:«عليكم بالحسن و الحسين[فإنّ]أباهما علي و فاطمة» (6).
و عن أبي ذر قال:نظر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي علي بن أبي طالب فقال:«هذا خير الأولين و الآخرين من أهل السماوات و أهل الارضين» (7).
و عن سلمان و أنس:«خير من أترك[أخلفه]بعدي علي بن أبي طالب» (8).
و عن ابن عمر و ابن مسعود:«خير رجالكم علي بن أبي طالب» (9).
و عن سلمان:قال رسول اللّه لفاطمة:«زوجك خير أمتي» (10).
و عن عابس بن ربيعة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير إخواني علي» (11).
و عن علي قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي بن أبي طالب...خير أمتي و سيد ولد آدم بعدي» (12).4.
ص: 52
و قال ابن عباس:«يا بن جبير جئتني تسألني عن خير خلق اللّه من الأمة بعد رسول اللّه» (1).
و عن علي بن الحسين في خطبة الشام:«و أصبح خير الأمة يشتم علي المنابر» (2).
و في رواية:«خير الخلق بعدي و سيدهم أخي هذا» (3).
و عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خير هذه الأمة بعدي علي و فاطمة و الحسن و الحسين فمن قال غير ذلك فعليه لعنة اللّه» (4).
و عن محمد بن علي الباقر عن آبائه عليهم السّلام قال:«علي سيد الوصيين و خير أمتي» (5)..
و عن عائشة في خبر المخدج الذي قتله الأمير عليه السّلام في النهروان قالت:سمعت رسول اللّه يقول:«هم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أقربهم عند اللّه وسيلة يوم القيامة» (6).
و عن أبي سلمي في حديث الإسراء قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قال تعالي:صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟
قلت:«خيرها».
قال الجليل:علي بن أبي طالب؟
قلت:«نعم يا رب» (7).
و بسند آخر عن ابن عباس جاء فيه:«قلت سبحانك يا إلهي خلفت فيها خير أهلها لأهلها علي بن أبي طالب.
قال:يا محمد أتشتهي أن تري علي بن أبي طالب في مقامك هذا؟
قلت:نعم يا إلهي.
قال:فإلتفت عن يمينك.
قال:فالتفت فإذا بعلي يسمع و يري» (8).
و في نص آخر بنحو ما تقدم و فيه زيادة:«فإني أنا العلي الأعلي اشتققت له من أسمائي إسما فسمّيته عليا».فهبط جبرائيل فقال:«إن اللّه يقرأ عليك السّلام و يقول لك:إقرأ.ء.
ص: 53
قلت:ما اقرأ؟
قال: وَ وَهَبْنٰا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنٰا وَ جَعَلْنٰا لَهُمْ لِسٰانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (1).
و عن أبي أيوب:«نزل بين أظهركم ابن عم رسول اللّه و خير المسلمين و أفضلهم و سيدهم بعده» (2).
و قال ابن حمزة:«أهل البيت خير الناس علي عهد رسول اللّه و بعده» (3).
و في مناظرة لأبي حنيفة مع الفضال بن الحسن قال له:يا أبا حنيفة إنّ لي أخا يقول إن خير الناس بعد رسول اللّه علي بن أبي طالب و أنا أقول أبو بكر و بعده عمر فما تقول أنت؟فأطرق أبو حنيفة مليا ثم رفع رأسه فقال:كفي بمكانهما من رسول اللّه كرما و فخرا أما علمت أنّهما ضجيعاه فأية حجة أوضح لك من هذه.
فقال له فضال:إني قلت لأخي هذا فقال:و اللّه لئن كان الموضع لرسول اللّه دونهما لقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما،و إن كان لهما فوهبا لرسول اللّه لقد أساءا و ما أحسنا في ارتجاعها و نكثهما عهدهما.
فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال:لم يكن خاصة و لكنهما نظرا في حق عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحق أبوتهما.
فقال:قد قلت له ذلك فقال:أنت تعلم أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مات عن تسع فنظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن،ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك.
و بعد فما بال عائشة و حفصة ترثان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة ابنته تمنع من الميراث!.فصاح أبو حنيفة:يا قوم نحّوه فإنه رافضي (4).
*فتبين من هذه الروايات المتعددة و الطرق المختلفة تسالم الصحابة علي كون أمير المؤمنين خير الأمة و الصحابة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و طرقها تزيد علي عدد التواتر.
و أما ما روي في خلاف ذلك فهو من فعل بني أمية،لذا أمر المأمون أن يقال علي المنابر:
«خير الخلق بعد النبي علي عليه السّلام» (5).ا.
ص: 54
نكاية بسيرتهم و للتبشير بزوال ظلمهم و تحريفهم للروايات.
هذا مضافا إلي الروايات غير الصريحة في إثبات كونه خير الصحابة،كالمروي عن عرباض بن سارية و أبي هريرة:«خير الناس[القوم]خيرهم قضاء» (1).
و يأتي أنه عليه السّلام أعلمهم بالقضاء.
و كالمروي عن الحسن:«خيركم أزهدكم في الدنيا» (2).
و يأتي أنّه عليه السّلام أزهد الصحابة.
و مضافا إلي ما تقدم أنه أفضل الخلق الدال علي كونه خيرهم.
***
علي سيد العرب و المسلمين
من ذلك ما روي عن الحسن و الحسين عليهما السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أدعوا لي سيد العرب»-يعني علي-.
قالت عائشة:أ لست سيد العرب؟
فقال:«أنا سيد ولد آدم و علي سيد العرب» (3).
*أقول:الحديث مستفيض رواه كل من أنس (4)،و أبي ذر (5)،و أبي سعيد (6)و جابر، و سلمة بن كهيل (7)،و عن السيد الحسن (8).
ص: 55
و عن ابن عباس قال رسول الله:«يا أم سلمة إشهدي و اسمعي هذا علي أمير المؤمنين و سيد المسلمين و عيبة علمي» (1).
و عن الرضا عليه السّلام:«يا علي أنت سيد المسلمين و إمام المتقين» (2).
و نحوه عن أبي ذر (3).و عن عبد اللّه بن أسعد بن زرارة:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أوحي إلي في علي أنه سيد المسلمين و ولي المتقين و قائد الغر المحجلين و يعسوب الدين».
خرجه المحاملي و الجوزقاني و أبو نعيم عن أنس و أبي ذر (4).
و عن أنس:«أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين و سيد المسلمين»فدخل علي (5).
و عن عبد اللّه بن الجهني و عبد اللّه بن أسعد بن زرارة و أنس و رافع جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
«أوحي إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي:أنه سيد المؤمنين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين» (6).
و قال قيس لمعاوية:«فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين و سيد المسلمين و ابن عم رسول رب العالمين و قد وليكم الطليق» (7).
و قال الحسن عليه السّلام له:«و أبي علي بن أبي طالب سيد المؤمنين» (8)
و عن عائشة عند ما أقبل علي عليه السّلام:«هذا سيد المسلمين» (9).
و قال شريح الحارثي لعمرو بن العاص:«و ما يمنعك يا ابن النابغة ان تقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيهم مشورته» (10).ن.
ص: 56
و عن ابن عباس قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين و سيد ولد آدم» (1).
و نحوه عن أمير المؤمنين عليه السّلام (2).
و عن علي عليه السّلام قال رسول اللّه:«أنا سيد الأولين و الآخرين و أنت يا علي سيد الخلائق بعدي أولنا كآخرنا و آخرنا كأولنا» (3)و عن الحسن العسكري عليه السّلام في قصة أبي ذر.قال:قال أبو ذر:
«يبقي لي توحيد اللّه و الإيمان بمحمد رسول اللّه و موالاة سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب و موالاة الأئمة الطاهرين من ولده» (4).
أقول:هذه طائفة من الروايات المستفيضة في إثبات كونه سيد العرب و المسلمين رويناها عن خيرة الصحابة.
***
علي أول الموحدين
من المرتكز في الضمائر الحية و النفوس الأبية أن علي بن أبي طالب أول الموحدين و التابعين لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من أصحابه.و تقدم في الكتاب الأول كونه مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أول من سبح للّه تعالي في عالم الأنوار.
بل ادّعي البعض الإجماع عليه من قبل المحدّثين و الحفّاظ (5).و قد حاول البعض و لأغراض لا تخفي علي من تأملها التشكيك في ذلك لإنكار هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السّلام.و تصدّي جملة من علماء العامة و الخاصة لذلك بشكل موجز من ناحية المصادر و تعدد الروايات.
نعم أشبع الشيخ أبو جعفر الإسكافي الموضوع في ردّه علي الجاحظ (6)و لكنه لم يتعرض للروايات و لأقوال العلماء في المسألة بالشكل المطلوب.و نحن بدورنا سوف نفصّل القول هنا تحت عناوين مختلفة و جامعة لنخرج بنتيجة كون علي بن أبي طالب أول من أسلم و صلي و عبد اللّه و آمن ايمانا عن بصيرة و تفكر.و تمام ذلك في فصول:
ص: 57
علي أول من أسلم
و جاء ذلك بعدة ألسنة منها:
«أول من أسلم علي-علي أول من أسلم»«أولهم إسلاما»:
رواه كل من:
زيد بن أرقم (1)،و حبة العرني (2)،و جابر (3)،و الحارث (4)،و ابن عباس (5)،و أبي هريرة (6)، و علي عليه السّلام (7)،و مالك بن الحويرث (8)،و أبي موسي الاشعري (9)،و عفيف الكندي (10)،و سعد بن أبي وقاص (11)،و عمر (12)،و سلمان و المقداد و أبي سعيد و خباب و أبي ذر (13)،و أبي رافع
ص: 58
و بريدة (1)،و أنس (2)،و عمرو بن ميمونة (3)،و محمد بن أبي بكر (4)،و الحسن عليه السّلام (5)،و ابن اسحاق، (6)،و الكلبي (7)،و أبي اسحاق (8)،و ابن عوف (9)،و عروة و سلمان بن يسار (10)،و المقداد و حبان و جابر و حسن البصري (11).
-و منها بلسان:«علي أقدم أمتي سلما-أولهم أو أقدمهم سلما»
رواه كل من:أنس و معقل بن يسار (12)،و الصادق عن آبائه (13)،و جابر (14)،و أبي سعيد (15)و سلمان (16)،و بريدة (17)،و أبي أيوب (18)،و المنصور عن آبائه (19)،و ام سلمة (20)،و عائشة0.
ص: 59
و أسماء (1)،و الأعمش (2)،و الحارث عن علي (3).
و منها بلسان:«أنا الصدّيق الاكبر آمنت قبل ان يؤمن أبو بكر و أسلمت قبل ان يسلم».
رواه معاذ العدوية عنه،خرّجه البلاذري و ابن قتيبة في المعارف (4).
و منها بلسان:«أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما هو علي بن أبي طالب».
أخرجه صاحب الفردوس و الحارث و الطبراني و الخطيب و ابن عدي و الحاكم و ابن مردويه و ابن أبي عاصم و القلعي عن سلمان و سفيان الثوري (5).و زاد ابن أبي الحديد و الكراجكي عن أنس:فقال له سلمان قبل أبي بكر و عمر؟
فقال:«قبل أبي بكر و عمر» (6).
و منها عن عائشة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«دعي لي أخي فإنه أول الناس بي إسلاما» (7).
و منها عن أنس:«نبّيء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم الإثنين و أسلم علي من الغد يوم الثلاثاء و صلي» خرّجه ابن عساكر و أبو عمر (8).و نحوه عن حبة عن علي (9).و خرّجه الخلعي عن رافع بن خديج (10).8.
ص: 60
-و منها:«أما ترضين أنّ زوجك أول المسلمين إسلاما-الرسول لفاطمة عليها السّلام (1).
و عن محمد بن أبي بكر:..«فكان أول من أجاب و أناب و وافق و أسلم و سلّم أخوه و ابن عمه علي بن أبي طالب فصدّقه بالغيب و المكتوم» (2).و قال محمد القرظي:«علي أولهم إسلاما» (3).
***
فأول احتجاج لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان في يوم زواجه (4).
و منها احتجاج علي يوم الشوري من علي منبر الكوفة بأولية إسلامه و لا معترض (5).و قال عليه السّلام لعثمان:«بل أنا خير منك و منهما عبدت اللّه قبلهما و بعدهما» (6).و عن حبة العوني إنه سمع عليا يقول:«اللهم لا أعترف أنّ عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك-ثلاث مرات-» (7)و منها احتجاجه علي معاوية (8).
و منها احتجاج الإمام الحسن عليه السّلام علي معاوية و عمرو و المغيرة،و لم يعترضوا (9).و منها احتجاج الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء (10).و منها احتجاج سعد علي رجل شتم عليا قال:«ألم يكن أول من أسلم،ألم يكن أول من صلي» (11).و منها احتجاج جنادة بن قضاعة (12).
و منها احتجاج سعيد بن جبير علي الحجّاج (13).
ص: 61
و منها احتجاج ابن عباس المشهور علي من وقع في علي (1).
و احتجاجه علي عمر عند محاورته حول الخلافة (2).
و منها احتجاج محمد ابن أبي بكر علي معاوية (3).
و منها احتجاج نعمان بن جبلة علي معاوية قال:و ما وقفت لرشد حين أقاتل علي ملكك ابن عم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أول مؤمن به (4).
***
و مما يشهد بصحة و تواتر الفصول السابقة إنشاد الشعراء لذلك و تسابقهم علي تدوين الإفتخار بكون علي بن أبي طالب أول من أسلم و صلي.
و يزيد ذلك قوة أنّهم لم يكونوا في مقام ذكر أول المسلمين بل كانوا في مقام آخر فذكروه للتسالم عليه.
خاصة مع عدم اقتصارهم علي ذكر أول من أسلم؛فقد ذكروا تقدم صلاته و توحيده و تصديقه للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
و لم يقتصر ذلك علي عصر معين بل كان ذلك منذ عصر النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و صحابته و حتي هذه العصور المتأخرة و هاك بعضها:-قال عليه السّلام:
سبقتكم إلي الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي (5)
-ما أنشد الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب و نسب للعباس:
ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أ ليس أول من صلي لقبلته (6) و أعلم الناس بالقرآن و السنن (7)
ص: 62
-و ما أنشد الفضل بن العباس بن عبد المطلب:
وصي رسول اللّه حقا و صهره و أول من صلي و ما ذم جانبه (1)
-و ما أنشد هاشم بن عتبة بن أبي وقاص:
-أول من صدّقه و صلي فجاهد الكفار حتي ابلي (2)
-و أنشد عبد اللّه بن أبي سفيان:
و إنّ ولي الأمر بعد محمد علي و في كل المواطن صاحبه
وصي رسول اللّه حقا و صهره و أول من صلي و من لان جانبه (3)
-و أنشد أمير المؤمنين بحضرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
أنا أخو المصطفي لا شك في نسبي معه ربيت و سبطاه و هما ولدي
صدّقته و جميع الناس كافر به من الضلالة و الإشراك ذوي النكد (4)
-و أنشد الزرقاني:
إنّ عليا لميمون نقيبته بالصالحات من الأفعال مشهور
صلي الصلاة مع الأمي أولهم قبل العباد و رب الناس مكفور (5)
-و أنشد خزيمة بن ثابت شهيد صفين:
وصي رسول اللّه من دون أهله و فارسه من كان في سالف الزمن
و أول من صلي من الناس كلهم سوي خيرة النسوان و اللّه ذو منن (6)
-و أنشد مالك بن عبادة:
رأيت عليا لا يلبث قرنه اذا ما دعاه حاسرا و مسربلا
فهذا و في الإسلام أول مسلم و أول من صلي و صام و هللا (7)
-و أنشد أبو الأسود الدؤلي:3.
ص: 63
أما إنه أول العابدين بمكة و اللّه لا يعبد (1)
-و أنشد عبد الرحمن بن حنبل:
علي وصي المصطفي و وزيره و أول من صلي لذي العرش و اتقي (2)
-و قال كعب بن زهير:
صهر النبي و خير الناس كلهم و كل من رامه بالفخر مفخور
صلي الصلاة مع الأمي أولهم قبل العباد و رب الناس مكفور (3)
-و قال الصاحب بن عبادكا في الكفاة:
أول الناس صلاة جعل التقوي حلاها(صلاحا) (4)
و للحميري:
من كان أقدم إسلاما و أكثرها علما و أطهرها أهلا و أولادا
من كان أعدلها حكما و أبسطها كفا و أصدقها و عدا و أبعادا (5)
و نقل البيهقي عن بعضهم:
و هذا علي سيد الناس فاتقوا عليا بإسلام تقدم من قبل (6)
***
في أن إسلام علي كان عن بصيرة و تفكر
يصوّر لنا التاريخ حقيقة إسلام علي بشكل مشوه تارة باعتبار صغره عند إسلامه حتي قيل إنّه أسلم و له خمس سنوات (7).
و أخري في كيفية إسلامه و أنه جاء بمجرد عرض الرسول عليه ذلك.و لعل ذلك ناتج أولا من بغض بني أمية.
و ثانيا من تحريف الروايات.
ص: 64
و ثالثا من تصوير نزول الوحي بشكل مفاجيء حتي حار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيه فكان:تارة يخاف منه و ترجف بوادره (1)،و آخر يهرب.
و ثالثة يخبر خديجة.
و رابعة ابن نوفل حتي عرف ابن نوفل و خديجة أنّه نبي قبل أن يعرف هو؟! (2).
و ما شابه من هذه الإسرائيليات أو الأمويات (3).و إلاّ فإيمان رسول اللّه بشريعة سابقة شريعة إبراهيم عليه السّلام (4)أو غيره من الأنبياء،ظاهر للعيان،و عبادته قبل النبوّة و عدم ارتكابه المحرمات و المحذورات يرويها العامة و الخاصة (5).
كيف؟و قد صرّح ابن حمدان في نهاية المبتدئين عن ابن عقيل أنه ولد مسلما،و عن الحافظ ابن رجب أنه ولد نبيا،بل نسب الحافظ للإمام أحمد القول بولادة النبي علي الإسلام (6).
أنّي ذلك؟و قد استفاضت الروايات بكونه نبيا قبل آدم كما تقدّمت مفصلا (7).
و كيف يكون الإطمئنان عند ابن نوفل و خديجة من نزول الوحي و لا يكون عند نبي الرحمة، الذي اختاره اللّه علي العالمين و اصطفاه من بين المخلوقين؟!و لسنا في صدد تحقيق ذلك انما هو من باب الإشارة و لنا عودة عليه إن شاء اللّه تعالي.و هذا يجري في أمير المؤمنين الذي لم يسجد لصنم قط،و لم يشرك بربه تعالي و الذي كان يتعبد مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبل الوحي
و ذكر الطبري أنّه كان يذهب معه إلي شعاب مكة فيصلّي مستخفيا عن قومه (8).
*قال سبط ابن الجوزي:لم يزل مع رسول اللّه في زمن الطفولة يدين بما دان به رسول اللّه (9).
*و قال المسعودي:ذهب كثير من الناس إلي أنه لم يشرك باللّه شيئا فيستأنف الإسلام (10).
*و قال المقريزي:أمّا علي فلم يشرك باللّه قط،فعندما أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الوحي و أخبرل.
ص: 65
خديجة و صدّقت كانت هي و علي..فلم يحتج علي أن يدعي و لا كان مشركا حتي يوحّد فيقال أسلم،هدا هو التحقيق (1).
و نحوه عن العامري (2).
و ليس ببعيد أن تفسر كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام بعبادته قبل الناس سبع سنين بأنه كان يتعبد مع رسول اللّه علي شريعة خاصة لإبراهيم أو لغيره كما يأتي.
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا دعوة أبي إبراهيم...فانتهت الدعوة إليّ و إلي علي لم يسجد أحد منّا لصنم قط فاتّخذني نبيا و اتّخذ عليا وصيا».
و المتأمّل في شخصية أمير المؤمنين عليه السّلام يدرك ان المسألة كانت اعمق من ذلك،ذلك أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يدرك شخصية محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هديه و عبادته و تعبده بشريعة الهية سماوية و كل ذلك قبل البعثة.
و كان يعلم بوجود الأنبياء و ضرورة النبوّة و وجوب الإيمان و تصديق الرسول المرسل من اللّه تعالي،و كل ذلك من محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم معلمه الأول و الأخير صاحبه و ملازمه و مربّيه.
هذا إضافة إلي علمه بذلك قبل خلقه و هم أنوار حول عرش اللّه،أو عند الميثاق،و إن شئت قلت عند تكوّن الطينة،كما تقدّم في الكتاب الأول.
و علي ضوء ذلك لنا أن ندّعي أنّ أمير المؤمنين كان مهيئا لتلقي الدعوة الإسلامية و عرض الإسلام،سواء قلنا أنه مهيأ منذ ذاك العالم أم أن محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي هيأه في صحبته إياه قبل البعثة ما يقارب الست سنوات (3).
و فعلا عند ما عرضت عليه نبوة محمد بن عبد اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يستنكر و لم يستغرب لعلمه بالنبوّات السابقة و كيفيتها و ضرورتها،نعم لم يسارع إلي الإسلام بمجرد العرض حٰاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ.
بل طلب المهلة حتي يفكر ليله كما يحدثنا ابن عباس قال:«عرض علي علي الإسلام».
فقال علي:أنظرني الليلة.
فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«هي أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا» (4).6.
ص: 66
و قاله البلاذري بلفظ:«يا علي هذا دين اللّه الذي اصطفاه و اختاره،و أنا أدعوك إلي اللّه وحده،و أن تذر اللات و العزي فإنهما لا تنفعان و لا تضران».
فقال علي:«ما سمعت بهذا الدين إلي اليوم،و أنا أستأمر أبي فيه».
-فكره النبي أن يفشي ذلك قبل استعلان أمره-.
فقال:«يا علي إن فعلت ما قلت لك،و إلاّ فأكتم ما رأيت».
فمضي ليلته ثم غدا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له:«أعد عليّ ما قلت».
فأعاد؛فأسلم (1).
و في لفظ:قال علي:«هذا شيء لم أسمع به».
قال:«صدقت يا علي».
فمكث علي تلك الليلة مفكّرا فلمّا أصبح أتي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له:«لم أزل البارحة أفكّر فيما قلت لي فعرفت الحق و الصدق في قولك،و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّك رسول اللّه» (2).
و من قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تخبر بها أحدا»:نعرف أنّ ذلك قبل إيمان أحد من الناس.و سوف يأتي قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تصديقا لنبوّتك و برهانا علي دعوتك».
فهو يعرف أن للأنبياء معاجزا لتصديق النبوة و براهينا لإثبات البعثة.
*قال العقّاد:(لقد ملأ الدين الجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة،و لم يخالطه شوب يكدّر صفاءه و يرجع به إلي عقابيله،فبحق ما يقال:أن عليّا كان المسلم الخالص علي سجيته المثلي و أنّ الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاما منه و لا أعمق نفاذا فيه) (3).
*و قال أبو جعفر الإسكافي بعد ذكر حديث الدار:
فهل يكلّف عمل الطعام و دعاء القوم صغير غير مميز؟!و غير عاقل؟!
و هل يؤتمن علي سر النبوة طفل؟!و هل يدعي في جملة الشيوخ و الكهول إلاّ عاقل لبيب؟! و هل يضع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يده في يده و يعطيه صفقة يمينه بالأخري و الوصية و الخلافة إلاّ و هو أهل لذلك؟!
بالغ حد التكليف محتمل لولاية اللّه و عداوة أعدائه،و ما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه و لمف.
ص: 67
يلصق بأشكاله و لم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه؟!.
بل ما رأيناه إلاّ ماضيا علي إسلامه،مصمما في أمره محققا لقوله بفعله قد صدّق إسلامه بعفافه و زهده و لصق برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من بين جميع من بحضرته.
و قد ذكر هو عليه السّلام في كلامه و خطبه بدء حاله و افتتاح أمره حيث أسلم لّما دعا رسول اللّه الشجرة فأقبلت تخذ الأرض فقالت قريش:ساحر خفيف السحر.
فقال علي عليه السّلام:«يا رسول اللّه أنا أول من يؤمن بك آمنت باللّه و رسوله و صدّقتك فيما جئت به،و أنا أشهد أنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تصديقا لنبوّتك و برهانا علي دعوتك».
فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان؟!
و أوثق عقدة و أحكم مرّة؟!و لكن حنف العثمانية و غيظهم و عصبية الجاحظ و انحرافه مما لا حيلة فيه (1).
إذا إيمانه كان عن تفكّر و تدبّر سابق حتي آمن إيمانا مبرما عارفا بأنّ علي النبي أن يقدم المعاجز و أنها بأمر اللّه تعالي.
و أيضا إيمانه كان تفكر لاحق المتمثل باستمرارية هذا الإيمان بل تزايده يوما بعد يوم، و الشواهد جمة.
و من المنبّه علي ذلك ما يروي لنا عند ما كان يصلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-و قبل البعثة-كان يحرسه أمير المؤمنين و يرصد له حتي إذا انتهي قام أمير المؤمنين يصلي و أخذ يرصد نبي الرحمة له (2).
و رواه البلاذري و ابن كثير مع زيد بن حارثة قال:قال الزهري و سليمان بن يسار و عمران ابن أبي أنس و عروة بن الزبير:«أول من أسلم زيد بن حارثة،و كان هو و علي يلزمان النبي و كان يخرج إلي الكعبة أول النهار و يصلّي صلاة الضحي،و كانت قريش لا تنكرها و كان إذا صلّي غيرها قعد علي و زيد يرصدانه» (3).
فهكذا كان إسلام أمير المؤمنين عن بصيرة و تعقل و إدراك و تفكر و اطمئنان.ثم حتي لو سلّمنا صغر سنّ أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الفترة فإنه لا يقدح في هديه و تعقله؟
كيف و القرآن يحدّثنا عن النبي يحيي و عيسي بقوله: يٰا يَحْييٰ خُذِ الْكِتٰابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا فَأَشٰارَتْ إِلَيْهِ قٰالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كٰانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (4).9.
ص: 68
و التاريخ يحدثنا عن الإمام الجواد و الهادي عليهما السّلام و صغر سنهما،و كيف كانا في مجلس المامون يكتبون كل العلماء و المتحدثين و هم في سنّ لم يتجاوز السادسة.
و لكن ما ذا نفعل بأقوام من تعصبهم ينكرون الحقائق خاصة لأمير الخلق الذين اعتادوا علي رد فضائله،مع تسالمهم في الفضائل علي التساهل.
*و قد صدق المسعودي بقوله:و هذا قول من قصد إلي ازالة فضائله و دفع مناقبه؛ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير،و صبي غرير لا يفرق بين الفضل و النقصان،و لا يميز بين الشك و اليقين، و لا يعرف حقا فيطلبه و لا باطلا فيجتنبه (1).
***
بطلان كون أبو بكر أول من أسلم
مما تقدّم من الروايات المتواترة يعلم أنّ أبا بكر لم يكن أول من أسلم من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و نزيد هنا طرقا أخري تدل علي بطلان هذه المقولة:
*أولا:إنه ورد ذكر جملة من الصحابة بعنوان كونهم أول من أسلم،و هو يتعارض مع كون أبي بكر أول من أسلم.
نعم،لا يعارض كون علي أول من أسلم:إما لتواتر الروايات،و إمّا لتعدد عناوين الروايات بين أول من أسلم و آمن و عبد اللّه و صلي،و هي مفقودة في غير علي عليه السّلام.
و إما للنص في بعضها إنه أسلم جماعة قبل أبي بكر (2).و لا نص أنهم أسلموا قبل علي عليه السّلام.
-فورد مثلا:إن أول من أسلم زيد بن حارثة الكلبي-رواية الزهري،و عروة بن الزبير، و سليمان بن يسار،و ابن المسيب،و عمران بن أبي أنس،و ابن إسحاق (3).
ص: 69
قال ابن الأثير و الطبري:أسلم زيد بن حارثة ثم أسلم أبو بكر و أظهر إسلامه (1).
-و ورد:أن عبد الرحمن بن عوف أول القوم إسلاما.كما أخرجه الآجري و نقله ابن سبع في الخصائص (2).
-و ورد:أنّ أول من أسلم خباب بن الأرث من بني سعد بن زيد (3).
-و ورد:أنّ أول من أسلم بلال بن حمامة (4).
-و ورد:أنّ أول من آمن ورقة بن نوفل (5).
-و ورد عن ابن بريدة:أول الرجال إسلاما علي بن أبي طالب ثم الرهط الثلاث أبو ذر و بريدة و ابن عم لأبي ذر.أخرجه محمد بن اسحاق في الجزء الأول من المغازي،و الآجري في الشريعة (6).
-و ورد تقدم إسلام جعفر بن أبي طالب علي إسلام أبي بكر (7).
-بل ورد تقدم إسلام أكثر من خمسين رجلا علي إسلام أبي بكر كما رواه الطبري و غيره،عن سعد بن أبي وقاص (8).
-و قيل:أول من أسلم خالد بن سعيد بن العاص (9).
-و قيل:أول من أسلم أبو بكر بن أسعد الحميري (10).ق.
ص: 70
و أوضح من ذلك إحتجاج عائشة في إسلام أبيها حيث قالت:«و أبي رابع أربعة من المسلمين» أخرجه ابن طيفور (1)فلو كان أول من أسلم،لكان الأولي أن تحتج به.
*ثانيا:ما ورد من روايات أن عليا عليه السّلام آمن و صلي قبل الناس بسبع سنين،و تقدم طرف من ذلك و يأتي عن عباد بن عبد اللّه عن علي،و حكيم مولي زاذان،و حبة العرني،و أبي أيوب،و أنس، و أبي هريرة،و أبي رافع،و حبة بن جوين.
و هي بألفاظ:«صلّيت قبل الناس بسبع سنين»«لقد صلت الملائكة عليّ و علي علي سبع سنين و ذلك أنه لم يصلّ معي رجل فيها غيره» (2).
و ورد:«صلّت الملائكة عليّ و علي علي سبع سنين و ذلك أنه لم يرفع إلي السماء شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه إلاّ مني و من علي» (3).
و في لفظ:«قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة» (4).
و يؤيد ذلك ما ورد أن أبا بكر أسلم بعد علي بسبع سنين (5).و يؤيده أيضا ما روي من أن إسلام أبي بكر مع عائشة في وقت واحد،و عائشة ولدت بعد البعثة بخمس سنين؛فيكون عمرها لا أقل عند إسلامها أكثر من سنتين و ذلك تمام السبع سنوات التي أسلم بها أمير المؤمنين قبل أبي بكر كما تقدم في الروايات (6).
*ثالثا:تصريح الروايات بعدم كون أبي بكر أول من أسلم:
منها ما روي عن محمد بن كعب القرظي عند ما سئل عن أول من أسلم علي أو أبو بكر قال:
«سبحان اللّه علي أولهما إسلاما،و إنما اشتبه علي الناس لأنّ عليا أخفي إسلامه عن أبي طالب و أبو بكر أسلم و أظهر إسلامه» (7).6.
ص: 71
قال ابن عبد البر في الإستيعاب:الصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر إسلامه،كذلك قال مجاهد و غيره (1).
و قال الحافظ في التقريب:المرجح أنه أول من أسلم (2).
و من المعلوم أن هذه المسألة إن صحت،فإنها تحمل علي إخفائه الإسلام مدة يوم واحد،كما في رواية أبي رافع:«و صلي علي يوم الثلاثاء مستخفيا» (3).
و بعد ذلك رآه أبو طالب فسر لذلك،و أمر جعفر أن يصلي إلي جنب أخيه.و روي في ذلك عدة روايات،و أنشد فيه شعرا (4).
علي أن ابن الأثير روي عن ابن اسحاق:تقدّم إسلام علي و زيد،ثم أسلم أبو بكر و أظهر إسلامه (5).
و سئل ابن الحنفية:أبو بكر كان أولهما إسلاما؟
قال:لا (6).
و صح عن سعد بن أبي وقاص أنّه أسلم قبل أبي بكر أكثر من خمسة (7).
و رواه الطبري كما تقدم بلفظ:خمسين (8)
*رابعا:المتدبر في التواريخ يدرك إن أنصفه ضميره:أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يظهر دعوته إلاّ بعد قريب ثلاث سنوات،قال ابن الأثير:
ثم إن اللّه تعالي أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما يؤمر،و كان قبل ذلك في السنين الثلاث مستترا بدعوته لا يظهرها إلاّ لمن يثق به،فكان أصحابه إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلي الشعاب فاستخفوا (9).
و عن ابن مسعود:لقد رأيتنا و ما نستطيع أن نصلي إلي البيت حتي أسلم عمر (10).ق.
ص: 72
فأين كان إظهار إسلام أبي بكر في هذه المدة؟
و لما ذا لم يستثنه أصحاب التواريخ؟
و هم علي أنّ إسلام أبي بكر و إظهاره لإسلامه كان في يوم واحد-كما ذكروا في كيفية إسلام أبي بكر-و هذا دليل واضح علي أنّ إسلام أبي بكر كان بعد هذه الثلاث سنين لا أقل.
و ذكر الحاكم أن أول من اظهر الإسلام سبعة:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أبو بكر و عمار و أمه سمية و صهيب و المقداد و بلال (1).
و هذا لا يبين متي أظهر أبو بكر إسلامه بل ظاهره إنه بعد إظهار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أي بعد الثلاث سنوات،إذا كان بمعني التجاهر لا مجرد الشهادة.
إن قيل كيف يصح أن أبا بكر أسلم و أظهر إسلامه،و النبي كان قد أعلن إسلامه.
قلنا:هذا إما يدل علي كذب هكذا روايات،و يثبت أن أبا بكر أسلم كما أسلم بقية المسلمين.
و إما أن أبا بكر عند ما أسلم تجاهر بإعلان إسلامه في مجالس قريش،بلا خوف كما في إسلام حمزة.
و أما صلاة أبي بكر متجاهرا،فيكذّبه ما روي في عمر عن عبد اللّه قال:«و الله ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتي أسلم عمر».و الحديث صحيح عند الحاكم و الذهبي (2).
إلاّ إذا كان المراد تجاهره أمام نسائه!
*خامسا:إطباق العلماء و أصحاب التواريخ و إجماعهم علي تقديم إسلام علي عليه السّلام أمّا علماء الإمامية و مؤلفيهم فقد أطبقوا علي ذلك و هو ظاهر.أما علماء العامة فبملاحظة ما يلي:
-قال ابن حجر:قال ابن عباس و أنس و زيد بن أرقم و سلمان الفارسي و جماعة[من الصحابة] أنه أول من أسلم،[حتي]و نقل بعضهم الإجماع عليه (3).
كذا في الصواعق المطبوع و لوامع الأنوار البهية.
و في نزل الأبرار للبدخشاني:قال ابن حجر:...هو الأرجح و نقل بعضهم الإجماع عليه (4).ي.
ص: 73
-و قال الحاكم:و لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم إسلاما و إنما اختلفوا في بلوغه (1).
و قال السفاريني:و نقل الحاكم إتفاق المؤرخين عليه (2).
و قال ابن الصباغ:أكثر الأقوال و أشهرها أنه[عليا]أول من أسلم و آمن برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (3).
و قال ابن أبي الحديد:أكثر أهل الحديث و أكثر المحققين من أهل السيرة رووا أنّه عليه السّلام أول من أسلم.
و قال:فدل ما ذكرناه أن عليا أول من أسلم،و المخالف في ذلك شاذ،و الشاذ لا يعتد به (4).
و قال ابن عبد البر:إتفقوا علي أن خديجة أول من آمن باللّه و رسوله و صدّقه فيما جاء به ثم علي بعدها (5).
و ذكر في ترجمة علي ذهاب سلمان و أبي ذر و المقداد و خباب و جابر و أبي سعيد و زيد الي ذلك (6).
و قال ابن اسحاق:ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة (7).
أي بعد علي و زيد بن حارثة.
و قال ابن كثير:الظاهر أن أهل بيته آمنوا قبل كل أحد-خديجة و زيد و أم أيمن و علي و ورقة (8).
و ذكر الطبري في معرض ذكر قول من قال أن عليا أول من أسلم:قال ابن سعد:قال الواقدي:إجتمع أصحابنا علي أن عليا أسلم بعدما تنبأ رسول اللّه بسنة فأقام بمكة إثنتي عشرة سنة، و قال آخرون أول من أسلم من الرجال أبو بكر (9).
*و هذا قول كل من:
الواقدي و ابن جرير الطبري و صاحب كتاب الإستيعاب أبو عمر بن عبد البر (10)،و محمد بنة.
ص: 74
المنذر و ربيعة بن أبي عبد الرحمن،و أبو حازم المدني و الكلبي و ابن اسحاق (1).
و أبو جعفر الإسكافي و شيوخ المعتزلة كافة (2).
و الثعلبي في قوله تعالي: اَلسّٰابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهٰاجِرِينَ وَ الْأَنْصٰارِ قال:و هو قول ابن عباس و جابر و زيد و محمد بن المكندر و ربيعة المرائي (3).
*سادسا:إنّ جل الروايات في أنّ أول من أسلم أبو بكر ضعيفة أو موضوعة.
فمثلا رواية ابن المسيب في سندها مجهول (4).
و رواية حبيب بن أبي حبيب في سندها عمرو بن زياد،و هو يضع الحديث،كما قال الذهبي (5).
و رواية عمرو بن عبسة (6)لا تصح،لأنها تقتضي تقدم إسلام بلال علي علي بن أبي طالب و هو لا يرتضيه أحد.
و رواية أبو ذر كذلك (7).
هذا و قال في سفر السعادة:باب أبو بكر أشهر المشهورات من الموضوعات (8).
*سابعا:إنّنا لو سلّمنا جدلا صحة ما قيل أن أبا بكر أول من أسلم،فإنه يحمل علي أنه آمن بما آمن به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام.
و لذا نجد أن اللّه لم يصف هارون وزير موسي عليه السّلام بأنه أول من آمن بموسي و رسالته بل وصف السحرة بذلك،قال تعالي: قٰالُوا لاٰ ضَيْرَ إِنّٰا إِليٰ رَبِّنٰا مُنْقَلِبُونَ إِنّٰا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنٰا رَبُّنٰا خَطٰايٰانٰا أَنْ كُنّٰا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (9).
و علي بمنزلة هارون إلاّ النبوة كما يأتي.
هذا،و يمكن أن يقال:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا يقال عنه أول من أسلم و آمن،و ذلك لأنه لم1.
ص: 75
يكن مشركا باللّه حتي نقول أنه أسلم و آمن من بعد إشراكه،فكذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فبإجماع الأمة أنه لم يسجد لصنم،فهو صلوات اللّه عليه لم يشرك باللّه طرفة عين أبدا حتي يحتاج إلي أن يسلم،أو يكون أول من أسلم و هذا مذهب أكثر الناس:
*قال المسعودي:ذهب كثير من الناس إلي أنه[علي بن أبي طالب]لم يشرك باللّه شيئا فيستأنف الإسلام،بل كان تابعا للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في جميع أفعاله مقتديا به و بلغ و هو علي ذلك،و إنّ اللّه عصمه و سدّده و وفّقه لتبعيته لنبيه عليه السّلام،لأنهما كانا غير مضطرين و لا مجبورين علي فعل الطاعات، بل مختارين قادرين،فاختارا طاعة الرب و موافقة أمره و اجتناب منهياته (1).
و نحوه عن المقريزي كما تقدم.
و تقدم قول البلاذري و ابن كثير:قال الزهري و سليمان بن يسار و عمران بن أبي أنس و عروة بن الزبير:أول من أسلم زيد بن حارثة،و كان هو و علي يلزمان النبي..و يرصدانه (2).
و يدل علي ذلك ما يأتي قريبا من التساوي بين رسول اللّه و أمير المؤمنين عليه السّلام من كل الجهات إلاّ النبوّة.
***
إعلم أن العامة كعادتهم عند ما يقفون علي كثرة الروايات التي تثبت الفضائل لأمير المؤمنين- و بعد عجزهم عن تحريفها أو إنكارها ثم إيجاد البديل في خلفائهم-يحاولون تأويل الأحاديث مما يتناسب مع مذهبهم من تأخير فضل أمير المؤمنين علي خلفائهم الثلاثة،أو لا أقل الأول و الثاني.
فقاموا بجعل بعض وجوه للجمع في مسألة أول من أسلم.
فقالوا:إنّ أبا بكر أول من أسلم من الرجال و علي أول من أسلم من الصبيان.
فعن سعيد بن عبد العزيز،قال:ما جاءنا أبو حنيفة بشيء أعجب إلينا من هذا قال:إنّ أول من آمن من النساء خديجة و أول من أسلم من الرجال أبو بكر و أول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه (3).
و القائلون بهذه المقولة مما لا شك فيه أنهم يقصدون ردّ فضيلة أمير المؤمنين في كونه أول من
ص: 76
أسلم،بل لعله بغضا منهم لما فعل بأجدادهم.
*قال المسعودي في الرد عليهم:(و هذا قول من قصد إلي إزالة فضائله و دفع مناقبه ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير و صبي غرير،لا يفرق بين الفضل و النقصان،و لا يميز بين الشك و اليقين، و لا يعرف حقا فيطلبه و لا باطلا فيجتنبه) (1).
-و يبطل هذا النحو من الجمع أمور:
*الأول:ما تقدم في كثير من الروايات أنّ علي أول من أسلم من الرجال أو من الصحابة، كرواية حبّة و ابن عباس (2).
و هذا لا يدع للجمع مجالا،إلاّ بناء علي أنّ أبا بكر ليس من الرجال أو ليس من الصحابة!!.
*الثاني:أن الروايات المتقدمة ليست تحت عنوان واحد و هو-أول من أسلم-فحتي لو صح الجمع المذكور في أول من أسلم،فماذا نفسر كون أمير المؤمنين أول من صلي،و أول من عبد اللّه،و أول من آمن،و أول من صدّق النبي،و أول من اتّبعه،و كل ذلك تقدم و يأتي من طرق كثيرة متواترة؟!
فهذه العناوين لم ترد في حق أبي بكر،فغاية ما روي و قيل أنه أول من أسلم،و لم يدّع أحد أنه أول من صلي و عبد اللّه،و لا حتي رواية واحدة،و هذا أكبر دليل علي تحريف روايات إسلامه.
*الثالث:التصريح في أغلب الروايات أن أمير المؤمنين أسلم بعد البلوغ:فروي انه أسلم و عمره عشرون عاما (3).
و روي أنه أسلم و له ستة عشرة سنة (4).
و روي أنه أسلم و له خمسة عشرة سنة (5).ي.
ص: 77
إضافة إلي ما روي أن له أربعة أو ثلاثة عشر كما تقدم.
*الرابع:ما تقدّم من كون إسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم يكن إسلاما عن عدم تفكير و تدبر،بل كان عن تأمل استغرق قريب من نصف يوم و ليلة،و هو لا يتناسب مع مقولة:أسلم و هو صبي.
*الخامس:أنّ النبي كما كان يعرض علي خديجة نزول الوحي كان يعرض علي علي عليه السّلام ذلك (1)،فهل يعقل أن الرسول عند نزول الوحي أو الرؤيا-في بداية الوحي-يعرض هذا الأمر الخطير و المهم علي طفل صغير؟!
و كيف كان يصحبه عند هجرته خارج مكة عند عرض نفسه علي القبائل مع وجود الشيبة و الشبان!؟
تلك السفرات الخطيرة التبليغية لرسول البشرية صلّي اللّه عليه و آله و سلّم!.
و التي كان أحيانا يصحب فيها أبا بكر (2).
بل أكثر من ذلك كان علي صلوات اللّه عليه يرشد أبا بكر في هذا المسير مع النبي إلي القبائل،كما يحدثنا البيهقي عن ذلك قائلا:-بعد ذكر محاورة بين أبي بكر و الأعرابي انتهت بغضب أبي بكر و فوز الأعرابي-..فقال الأعرابي:
صادف درّ السيل درّ يدفعه في هضبة ترفعه و تضعه
فتبسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.و قال علي عليه السّلام:فقلت:«يا أبا بكر إنك لقد وقعت من هذا الأعرابي علي باقعة!.
فقال:أجل يا أبا الحسن ما من طامّة إلاّ فوقها طامة و إن البلاء موكّل بالمنطق (3).
و زاد في محاضرت الأبرار:قال الأعرابي لأبي بكر:أما و اللّه لو شئت لأخبرتك أنك لست من أشراف قريش.
فاجتذب أبو بكر زمام ناقته منه كهيئة المغضب (4).
*السادس:إن إسلام علي و كونه السابق إليه كان معرضا للمفاخرة و المناشدة،فكان رسولء.
ص: 78
اللّه يفتخر علي الصحابة بذلك،و كان يقول أول من يرد الحوض أول من أسلم،كما تقدّم.
و علي كان يناشدهم بأنه أول من أسلم كما في الشوري و غيرها (1).
و كذلك الحسن في مجلس معاوية و عمرو و كل ذلك لم يعترض عليه أحد و لم يقل أحد بأنّه أسلم و هو طفل صغير أو سبقه إلي تلك المنقبة أبو بكر.
-و من وجوه الجمع:ما روي عن الحرث قال:«سمعت علي يقول أول من أسلم من الرجال أبو بكر و أول من صلي القبلة من الرجال مع النبي علي».
و هذا خبر يكذب نفسه،و هو من الأخبار التي لا تصدّق.
كيف؟و قد تقدم تصريح الأمير بكونه أول من أسلم.
علي أن مفاد هذا الخبر هو ذم لأبي بكر لا يلتزم به عاقل،فهو يصرح بإسلام أبي بكر و لكنه لم يكن ليصلّي وراء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مع رؤيته لخديجة و علي.
و كيف تصح الصلاة من علي بلا إسلام و إيمان؟!
فالمسلم لا يصلّي و غير المسلم يصلّي؟!
إن تعجب فعجب قولهم!!
***
و ليلي الغفارية (1)،و أبي ذر و معاذة العدوية و معاذ بن جبل (2)،و سلمان (3)،و أبي رافع (4)،و محمد بن إسحاق (5)،و محمد بن أبي بكر (6)،و حذيفة (7).
-و منها بلسان:«هذا أول من آمن بي[و صدّقني و صلّي معي]».
رواه:الشعبي و سلمان و أبي ذر (8).
-و منها بلسان:«أنت أول المؤمنين باللّه إيمانا».
روي عن أبي سعيد و معاذ بن جبل (9)،و عمر (10)،و جابر (11)و معاوية بن يزيد (12)،و ابن عباس (13).
و قال المقداد:«واعجبا لقريش و دفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و فيهم أول المؤمنين و ابن عم رسول اللّه أعلم الناس و أفقههم في دين اللّه» (14).
و عن الأشتر:«علي أولهم إيمانا» (15).
و عن ابن شهاب:«علي أول المؤمنين باللّه» (16).6.
ص: 80
و عن عمرو بن العاص:«علي أول من آمن بربنا» (1).
و عن ابن عباس:«إنّ عليا أولكم إسلاما» (2).
و نحوه عن جابر (3)،و عن عبد اللّه بن حجل (4).
و عنه:«علي أول ذكران العالمين إيمانا باللّه» (5).
و عن معاذة العدوية:قال علي عليه السّلام:«أنا الصدّيق الأكبر آمنت باللّه قبل أن يؤمن أبو بكر» (6).
و عن عباد قال:قال علي:«آمنت قبل الناس بسبع سنين» (7).
و عن ابن عباس في قوله تعالي: وَ السّٰابِقُونَ الْأَوَّلُونَ قال:نزلت في علي سبق الناس كلهم بالإيمان باللّه و برسوله (8).
و قال نعمان بن جبلة لمعاوية:و ما وقفت لرشد حين أقاتل علي ملكك ابن عم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أول مؤمن به (9).
و الحسن احتج علي معاوية و عمرو و المغيرة بأن عليّا أول من آمن و لم يعترضوا (10).
كما تقدم في الإحتجاجات.
***
علي أول من صلي
-منها بلسان:«أول من صلي[مع النبي]علي».
ص: 81
روي عن كل من:ابن عباس (1)،و حبة العرني (2)،و زيد بن أرقم و أبي حمزة (3)،و مجاهد (4)، و ابن اسحاق و جابر (5)،و أبي مسعود (6)،و أنس بن مالك (7)،و بريدة (8)،و عفيف الكندي (9)،و ابن مسعود (10)،و الحكم بن عيينة (11)،و رافع (12)،و عبد اللّه بن نجي (13)،و عمرو بن العاص (14)، و هاشم بن عتبة (15)،و محمد بن علي الباقر (16)،و أبي أيوب (17).
-و منها بلسان:«لقد صلّت الملائكة علي و علي علي سبع سنين و ذلك أنه لم يصل معي رجل فيها غيره».ي.
ص: 82
أخرجه الطبري و ابن ماجة و ابن مردويه و ابن عساكر.
و قد روي عن أبي أيوب و أنس و عباد بن عبد اللّه و أبي ذر (1).
-و عنه عليه السّلام:«صليت قبل الناس[سبعا]بسبع سنين».
و أخرجه ابن ماجة و ابن عساكر و النسائي و ابن حبان و وثقه (2).
و عن مروان و عبد الرحمن التميمي:«مكث الإسلام سبع سنين ليس فيه الاّ ثلاثة رسول اللّه و خديجة و علي» (3).
و عنه أيضا:«صلّيت قبل الناس لستة أشهر» (4).و قال عليه السّلام:«أنا أول رجل صلّي مع النبي» (5)و عن حبة:«لقد رأيتني صليت قبل الناس جميعا» (6).
و عن ابن عباس:«علي..أول من صلي و ركع» (7).و عنه:«علي أول عربي و أعجمي صلّي مع الرسول».
خرجه الحاكم و أبو عمر (8).
و عن جابر و أبي رافع و بريدة:«بعث[صلي-أوحي إلي]النبي يوم الإثنين و صلي علي يوم الثلاثاء» (9).
و عن أبي رافع:«صلّي النبي أول يوم الإثنين و صلّت خديجة آخر يوم الإثنين و صلي علي يوم الثلاثاء من الغد مستخفيا قبل أن يصلّي مع النبي أحد سبع سنين و أشهرا» (10).5.
ص: 83
و عن الاشتر:«علي أول مصدق بالنبي و مصل معه» (1).
و قال هاشم:«أنّه أول ذكر صلي من هذه الأمة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (2).
*أقول:هذه مجموعة طوائف متواترة تثبت تقدم صلاة و إيمان و إسلام علي عليه السّلام.
***
علي أول من عبد اللّه تعالي
فعن حبة العوني أنّه سمع عليا يقول:«الّلهم لا أعترف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك-ثلاث مرات-» (3).
و رواه النسائي بلفظ:«ما أعرف أحدا من هذه الأمة عبد اللّه بعد نبينا غيري عبدت اللّه قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة تسع سنين» (4).
و عن حبة بن جوين عنه عليه السّلام قال:«عبدت اللّه مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة» (5).
و أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ:«اللهم إنك تعلم أنه لم يعبدك أحد من هذه الأمة بعد نبيها صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبلي،و لقد عبدتك قبل أن يعبدك أحد من هذه الأمة بست سنين» (6).
و قال العباس لابن مسعود عند ما رأي علي و خديجة يصلّون:«ما علي وجه الأرض أحد يعبد اللّه تعالي بهذا الدين إلاّ هؤلاء الثلاثة» (7).
ص: 84
و عن ابن عباس:علي كان أول من صلّي و عبد اللّه من أهل الأرض مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (1).
و قال عليه السّلام لعثمان:«بل أنا خير منك و منهما عبدت اللّه قبلهما و بعدهما» (2).
ما روي عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«السابقون ثلاثة-أو-السابق إلي محمد علي بن أبي طالب» (3).
و عن عمرو بن العاص:«علي أول من صدّق نبينا» (4).
و نحوه عن ابن عباس و حذيفة و فيه:«علي أول من صدّق به» (5).
و عن الإمام الحسن عليه السّلام:«علي أول من هداه اللّه مع النبي و أول من لحق بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (6).
و عن محمد بن أبي بكر:«كان أول الناس لرسول اللّه اتّباعا و آخرهم به عهدا يشركه في أمره و يطلعه» (7).
***
علي أحب الناس إلي اللّه و رسوله
من ذلك ما روي في خبر الطائر المتواتر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حيث أهدت امرأة إليه طيرين بين رغيفين فقدمت إليه الطيرين فقال رسول اللّه:«اللهم ائتني بأحب خلقك إليك و إلي رسولك».
فجاء علي عليه السّلام،فرفع صوته،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من هذا؟
قلت:علي.
قال:إفتح له،ففتحت له فأكل مع النبي حتي فنيا».
ص: 85
و له ألفاظ تقرب من ذلك.
و روي حديث الطير عن كل من:سفينة (1)،و عيسي بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي (2)، و عامر بن واثلة (3)،و عبد اللّه بن عباس (4)،و أبي ذر الغفاري (5)،و عمرو بن العاص (6)،و جابر (7)، و سعد بن أبي وقاص (8)،و يعلي بن مرة بن وهب (9)،و أبي سعيد و أبي رافع مولي رسول اللّه و حبشي بن جنادة (10).
و عن أنس بن مالك من حوالي ستة و ثمانين طريقا (11).
و لمن أراد المزيد فعليه بالهامش (12).:-
ص: 86
و من ذلك ما روي عن الهلالي أن رسول اللّه قال لفاطمة:«و وصيي خير الأوصياء و أحبّهم إلي اللّه و هو بعلك» (1).
و في رواية:«علي أحبّ الرجال و أكرمهم عليّ» (2).
و عن أبي ذر:«أحبهم إليّ أحبهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو ذاك الشيخ»؛فأشار إلي علي.
خرّجه الملاّ في وسيلة المتعبدين (3).
و روي الشعبي عن الحسن قوله:«و علي ابن عم رسول اللّه و ختنه علي ابنته و أحب الناس إليه (4).
و عن أبي سعيد:«هو أحبّ إلي من الدنيا و ما فيها» (5).
و روي ابن أبي ثابت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قوله:«ما يمنعني و قد أصلحت بين أحب اثنين إلي (يعني بين علي و فاطمة) (6).
و عن عبد اللّه بن عمر في حديث الإسراء قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول-و سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟
قال:«خاطبني بلغة علي بن أبي طالب،فألهمني أن قلت:يا رب خاطبتني أنت أم علي».
فقال:يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء لا أقاس بالناس و لا أوصف بالشبهات خلقتك من نوري و خلقت عليا من نورك فاطّلعت علي سرائر قلبك فلم أجد في قلبك أحب من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك (7).2.
ص: 87
و قال لأم سلمة:«هذا أخي و ابن عمي و أحب الخلق إلي» (1).
و خطب الأشتر في صفين:«إذ جعل فيكم ابن عم نبيه محمدا و وصيه و أحب الخلق إليه» (2).
و عن بريدة و معاذة الغفارية:«كان أحب الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاطمة و من الرجال علي عليه السّلام» (3).
و هو ما اشتهر عن عائشة عند ما سئلت عن أحب الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قالت:فاطمة.
فقيل:من الرجال؟
قالت:زوجها إنّه كان صواما قواما (4).
و في رواية أخري عنها:ما خلق اللّه خلقا كان أحب إلي رسول اللّه من علي بن أبي طالب (5).
و قالت لرسول اللّه:«لقد عرفت أنّ عليا أحب إليك من أبي[و مني].فأهوي إليها أبو بكر (6).
و عنها عند إخبارها عن الخوارج:«يقتلهم أحب الخلق إلي اللّه و رسوله» (7).
و قال أبو سعيد:«علي أحبهم إليه» (8).
و عن أسامة بن زيد قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أمّا أنت يا علي-فختني و أبو ولدي و مني و أحب الخلق إلي» (9).6.
ص: 88
و عن جعفر بن محمد الصادق في حديث قدسي:«ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم (الأئمة)» (1).
و ذكر عند أبو البحتري أبا بكر و عمر و عليا فقال:نعم المرءان،و إنّي لأجد لعليّ في قلبي الليطة ما لا أجد لهما (2).
قال أبو جعفر الإسكافي في الرد علي الجاحظ:
أتراه لم يسمع قوله تعالي: إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ (3).
و المحبة من اللّه تعالي هي إرادة الثواب فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف و أعظم قتالا كان أحب إلي اللّه،و معني الأفضل هو الأكثر ثوابا،فعليّ إذا هو أحب المسلمين إلي اللّه لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص لم يفرّ قطّ بإجماع الأمة و لا بارز قرنا إلاّ قتله (4).
و قال الزمخشري عند تفسير آية المباهلة:...حيث استجرأ علي تعريض أعزّته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه (5).
***
أقوال العلماء في تفضيل علي عليه السّلام علي الأمة
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ:...أجمع الفريقان علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه كان أكثر طعنا و ضربا و أشدّ قتالا و أذب عن دين اللّه و رسوله فثبت بما ذكرنا من إجماع الفريقين و دلالة الكتاب و السنّة أن عليا أفضل.
و قال:فدلّ كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الإجماع أن أفضل الأمة بعد نبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه إذا كان أكثرهم جهادا كان أتقاهم،و إذا كان أتقاهم كان أخشاهم،و إذا كان أخشاهم كان أعلمهم،و اذا كان أعلمهم كان أدل علي العدل،و إذا كان أدل علي العدل كان أهدي الأمة إلي الحق،و إذا كان أهدي كان أولي أن يكون متبوعا و أن يكون حاكما لا تابعا و محكوما عليه...
ص: 89
ثم قال:... يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ (1).
قيل:قد دلّت هذه الآية علي أنّ اللّه تعالي قد اختار العلماء و فضّلهم و رفعهم درجات.و قد أجمعت الأمة علي أنّ العلماء من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الذين يؤخذ عنهم العلم كانوا أربعة:
علي بن أبي طالب عليه السّلام و عبد اللّه بن العباس و ابن مسعود و زيد بن ثابت رضي اللّه عنهم،و قال طائفة عمر بن الخطاب،فسألنا الأمة من أولي الناس بالتقديم إذا حضرت الصلاة؟
فقالوا:إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«يؤم بالقوم أقرؤهم»ثم أجمعوا أن الأربعة كانوا أقرأ لكتاب اللّه من عمر،فسقط عمر.
ثم سألنا الأمة هؤلاء الأربعة أقرأ لكتاب اللّه و أفقه لدينه؟
فاختلفوا فوقفنا حتي نعلم.
ثم سألناهم أيهم أولي بالإمامة فأجمعوا علي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الأئمة من قريش»فسقط ابن مسعود و زيد و ثابت،و بقي علي من أبي طالب و ابن عباس.
فسألنا:أيهما أولي بالإمامة؟
فأجمعوا علي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إذا كانا عالمين فقيهين قرشيين فأكبرهما سنّا و أقدمهما هجرة».
فسقط عبد اللّه بن عباس و بقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه،فيكون أحق بالإمامة لما أجمعت عليه الأمة و لدلالة الكتاب و السنّة عليه (2).
و قال الشيخ المفيد:أما الإجماع علي ما يوجب له الإمامة من الخلال:فهو إجماعهم علي مشاركته لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في النسب،و مساهمته له في كريم الحسب و اتصاله به في و كيد السبب، و سبقه كافة الأمة إلي الإقرار و فضله علي جماعتهم في جهاد الكفار.
و تبريزه عليهم في المعرفة و العلم بالأحكام،و شجاعته و ظاهر زهده الذين لم يختلف فيهما إثنان،و حكمته في التدبير و سياسة الأنام و غناه بكماله في التأديب المحوج إليه المنقص عن الكمال، و ببعض هذه الخصال يستحق الإمامة فضلا عن جميعها علي ما قدمناه (3).
و نقل الكنجي عن شعبة بن الحجاج قوله في حديث المنزلة:و كان هارون أفضل أمة موسي، فوجب أن يكون علي أفضل من كل أمة محمد صيانة لهذا النص الصحيح الصريح،كما قال موسي8.
ص: 90
لأخيه هارون: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ (1).
و قال في موضع آخر:بعد ذكر حديث:«علي كنفسي» (2)-و من المعلوم أنه يمتنع أن تكون نفس علي هي نفس النبي،و لا بدّ أن يكون المراد هو المساواة بين النفسين،و هذا يقتضي أنّ كل ما حصل لمحمد من الفضائل و المناقب فقد حصل مثله لعلي،ترك العمل بهذا النص في فضيلة النبوة، فوجب أن تحصل المساواة بينهما فيما وراء ذلك.
ثم لا شك أن محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان أفضل الخلق بسائر الفضائل فلما كان علي مساويا له في تلك الصفات يجب أن يكون أفضل،و لم أر الأصوليين أجابوا عن هذا بشيء (3).
*و قال المسعودي:و الأشياء التي استحق بها أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الفضل هي:السبق الي الإيمان و الهجرة و النصرة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و القربي منه و القناعة،و بذل النفس له،و العلم بالكتاب و التنزيل،و الجهاد في سبيل اللّه،و الورع و الزهد،و القضاء و الحكم،و الفقه و العلم،و كل ذلك لعلي عليه السّلام منه النصيب الأوفر و الحظ الأكبر (4).
*و لعبد الجبار كلام طويل في تفضيل الأمير علي الأمة (5).
*و كذلك الفخر الرازي بتفصيل أكبر (6).
***
و قال محمود بن الحسن الحمصي بعد ذكر آية المباهلة أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ :فالمراد أنّ هذه النفس مثل ذلك النفس و ذلك يقتضي الإستواء في جميع الوجوه،ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة و في حق الفضل لقيام الدلائل؛علي أنّ محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان نبيا و ما كان علي عليه السّلام كذلك (7).
ص: 91
و عن عمرو عن رسول اللّه عند ما سئل عن أحب الناس إليه بعد أبو بكر و عمر فقيل له فعلي؟!
فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ هذا يسألني عن النفس» (1).
و يأتي أن هذه المقولة صدرت أيضا من ابن مسعود و ابن عمر و ابن عائشة.
و قال ابن أبي الحديد:أمّا علي فإنه عندنا بمنزلة الرسول في تصويب قوله و الإحتجاج بفعله و وجوب طاعته (2).
و قال الفخر الرازي:و أمّا سائر الشيعة فقد كانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ علي أنّ عليا مثل نفس النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ فيما خصه بالدليل،و كان نفس محمد أفضل من الصحابة،فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضا من سائر الصحابة» (3).
و للديلمي كلاما في التساوي يشابه ما مرّ و يحتمل أن بعضهم أخذ عن بعض (4).
و قال أبو جعفر الحسني ما ملخصه:و من العجب أن أول حروب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كانت بدرا و كان هو المنصور فيها،و أول حروب علي عليه السّلام الجمل و كان هو المنصور فيها.
ثم كان من صحيفة الصلح يوم صفين نظير ما كان يوم الحديبية.
ثم دعا معاوية في آخر أيام علي عليه السّلام إلي نفسه و تسمي بالخلافة كما أن مسيلمة و الأسود العنسيّ دعوا إلي أنفسهما في آخر أيام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و تسميا بالنبوّة.
و أبطل اللّه أمرهم بعد وفاة الرسول و علي عليه السّلام.
و لم يحارب رسول اللّه من العرب إلاّ قريش ما عدا يوم صفين،و لم يحارب عليا من العرب أحدا إلاّ قريش ما عدا يوم النهروان.
و لم يتزوج الرسول علي خديجة و لم يتزوج علي علي فاطمة و توفي الرسول عن ثلاث و ستين سنة و توفي علي عن مثلها.
و هذا شجاع و هذا شجاع،و هذا فصيح و هذا فصيح،و هذا سخي جواد و هذا سخي جواد، و هذا عالم بالشرائع و هذا عالم بالشرائع،و هذا زاهد و هذا زاهد-إلي ان قال-:
فوجب أن يكون الكل شيمة واحدة وسوسا واحدا و طينة مشتركة و نفسا غير منقسمة و ألاّ يكون بينهما فرق و فضل إلاّ النبوة،فإمتاز رسول اللّه بذلك عمن سواه و بقي ما عدا الرسالة علي أمرة.
ص: 92
الإتحاد،ثم ذكر حديث المنزلة.
و قال:فأبان نفسه منه بالنبوة و أثبت له ما عداها من جميع الفضائل و الخصائص مشتركا بينهما (1).
و قالت فرقة الهاشمية أصحاب أبي هاشم(99 ه)أنّ الإمام عالم يعلم كل شيء،و هو بمنزلة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في جميع أموره (2).
و قال الرازي:إنّ أهل بيته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ساووه في خمسة أشياء:في الصلاة عليه و عليهم و في التشهد و في السّلام و الطهارة و في تحريم الصدقة و في المحبة (3).
ما روي عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ما من نبي إلاّ و له نظير في أمته و علي نظيري.
أخرجه القلعي،و أبو الحسن الخلعي،و صاحب الفردوس (4).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:(يا علي)«و أنت الصاحب بعدي و الوزير و ما لك في أمتي من نظير،يا علي أنت قسيم الجنة و النار بمحبتك يعرف الأبرار من الفجار» (5).
و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:علي عديل نفسي (6).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا و علي في السّلام سواء» (7).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي فصاحته كفصاحتي» (8).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي صبره كصبري» (9).
و عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي في الدنيا إذا مت عوض مني» (10).
ص: 93
و قال أبو بكر:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الغار:«يا أبا بكر كفي و كف[يدي و يد]علي في العدل سواء» (1).
و في لفظ:«كفي و كف علي في العدّ سواء».خرجه ابن السمان في الموافقات (2).
و في رواية:«علي أصلي» (3).
و عن ابن عمر:«علي مع الرسول في درجته» (4).
و في رواية عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ليس أحد من الأمة يعدلك عندي» (5).
و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا و أنت حجة اللّه علي خلقه» (6).
و عن أنس بن مالك عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا و علي حجة اللّه علي عباده» (7).
و عن محمد بن ثابت قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام:«و أنا رسول اللّه و المبلّغ عنه و أنت وجه اللّه و المؤتم به فلا نظير لي إلاّ أنت و لا مثلك إلاّ انا» (8).
و روي عن محمد بن صدقة عن أبي ذر عن أمير المؤمنين قال:«يا سلمان و يا جندب أنا محمد و محمد أنا و أنا من محمد و محمد مني» (9).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف الإمام قال:«و أدني معرفة الإمام أنّه عدل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ درجة النبوة،و وارثه» (10).
و قال صادق أهل البيت جعفر بن محمد عليه السّلام:«ما جاء عن علي بن أبي طالب يؤخذ به و ما نهي عنه ينتهي عنه،جري له من الفضائل ما جري لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لرسول اللّه الفضل علي جميع ما خلق اللّه.9.
ص: 94
العائب علي أمير المؤمنين في شيء كالعائب علي اللّه و علي رسوله و الرّد عليه في صغير و كبير علي حدّ الشرك باللّه.
كان أمير المؤمنين باب اللّه الذي لا يؤتي إلاّ منه و سبيله الذي من تمسك بغيره هلك و كذلك جري حكم الأئمة بعده واحدا بعد واحد.
أما علمت أن أمير المؤمنين كان يقول:لقد أقر لي جميع الملائكة و الروح مثل ما أقر لمحمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لقد حمّلت مثل حمولة محمد و هي حمولة الرب سبحانه و ان محمدا يدعي فيكسي و يستنطق فينطق و أدعي فاكسي و أستنطق فأنطق» (1).
و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أوتيت ثلاثا لم يؤتهن أحد:أوتيت صهرا مثلي».رواه أبو سعيد في شرف النبوة (2).
و قال ابن عمر:سألت النبي عن علي،فغضب و قال:«ما بال أقوام يذكرون من له منزلة كمنزلتي» (3).
و روي الباهلي و غيره قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي فإنك ستكسي إذا كسيت و تدعي إذا دعيت و تحيي إذا حييت و تشفع إذا شفعت» (4).
و ورد عن واثلة و علي عليه السّلام:عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«[يا علي]ما سألت ربي شيئا[في صلاتي]إلاّ أعطاني و ما سألت اللّه شيئا إلاّ سألت لك مثله» (5).
و قريب منه عن عبد اللّه بن الحرث[الحارث]و أبي ذر (6).
و في رواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا إمام لمن بعدي و المؤدّي عمن كان قبلي ما يتقدمني إلاّ أحمد و أن جميع الرسل و الملائكة و الروح خلفنا و أن رسول اللّه يدعي فينطق و ادعي فأنطق علي حد منطقه» (7).5.
ص: 95
و عن عمر بن ميثم قال:قال رسول اللّه لعلي عليه السّلام:«لا أدعي لخير إلاّ دعيت إليه» (1).
و روي عن الحسن العسكري عليه السّلام في بعض محاوراة أمير المؤمنين مع اليهود جاء فيها:«نشهد أن محمدا رسول اللّه حقا و إنك يا علي وصيه حقا لم يثبت محمد قدما في مكرمة إلاّ و طأت علي موضع قدمه بمثل مكرمته و أنتما شقيقان من أشرق[أشرف]أنوار اللّه فميزتما[تميزتما]و أنتما في الفضائل شريكان إلاّ أنه لا نبي بعد محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (2).
و ورد عن أبي بكر عند ما أرسل أبا عبيدة لأخذ البيعة من علي عليه السّلام قال:«يا أبا عبيدة أنت أمين هذه الأمة أبعثك إلي من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس ينبغي أن نتكلم عنده بحسن الأدب» (3).
*قال الأربلي بعد الحديث:إنّ هذا يدل علي أنّ كل ما كان للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلعلي مثله، لاشتراكهما في أنهما حجة اللّه علي عباده،فأما النبوة فإنها خرجت بديل آخر فبقي ما عداها من الولاية عليهم (4).
و كان المغيرة يساوي بين علي و رسول اللّه (5).
و عن الإمام الحسن عليه السّلام في أول خطبة له:«و الله لقد قبض فيكم الليلة رجل ما سبقه الأولون إلاّ بفضل النبوة و لا يدركه الآخرون» (6).
و عن عمار و سلمان و المقداد و عامر بن أبي ذر و حذيفة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال بعد حديث توسل آدم بأصحاب الكساء:«و افتخر علي الملائكة أنه لم يعط نبيا شيئا في الفضل إلاّ أعطاه لنا» (7).
و ورد في حق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قوله:«رأيتني دخلت الجنة فأوتيت بكفة ميزان فوضعت فيها وجيء بأمتي فوضعت بكفته الأخري فرجحت بأمتي» (8).
و ورد في حق أمير المؤمنين عليه السّلام عن ابن عمر:«لو أنّ السموات و الأرض موضوعتان في كفة و إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي» (9).ي.
ص: 96
و قريب منه عن حذيفة و عمر و علي (1).
و ورد أنّ روحهما من بين الخلق يقبضهما اللّه عزّ و جلّ (2).
*أقول:هذه جملة من الأحاديث التي توجب التساوي بين رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السّلام، و تقدّم في الكتاب الثاني نحو ذلك.
و تقدّم أيضا مساواة جميع الأئمة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
***
*و قال المسعودي:و الأشياء التي استحقّ بها أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الفضل هي:السبق الي الإيمان و الهجرة و النصرة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و القربي منه و القناعة،و بذل النفس له،و العلم بالكتاب و التنزيل،و الجهاد في سبيل اللّه،و الورع و الزهد،و القضاء و الحكم،و الفقه و العلم،و كل ذلك لعلي عليه السّلام منه النصيب الأوفر و الحظ الأكبر (3).
*و لعبد الجبار كلام طويل في تفضيل الأمير علي الأمة (4).
*و كذلك الفخر الرازي بتفصيل أكبر (5).
قال أحمد بن حنبل:ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه من الفضائل الصحاح ما جاء لعلي بن أبي طالب (6).
و قال أحمد و النسائي و إسماعيل القاضي و أبو علي النيسابوري:لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي (7).
و قال أحد المشايخ لأحمد:أريد أن أعلمك بمذهبي.
فقال أحمد:هاته.
ص: 97
فقال:إني أعتقد أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان خير الناس بعد النبي،و إني أقول أنّه كان خيرهم و أنه كان أفضلهم و أعلمهم و أنه كان الإمام بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
فأجابه أحمد:يا هذا و ما عليك في هذا القول قد تقدّمك في هذا القول اربعة من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:جابر و أبو ذر و المقداد و سلمان (1).
فرقة البترية أصحاب الحسن بن صالح بن حي[و كثير النواء و سالم و الحكم و أسامة و أبي المقداد]قالت:أن عليا كان أولي الناس بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالناس لفضله و سابقته و علمه و هو أفضل الناس كلهم بعده و أشجعهم و أسخاهم و أورعهم و أزهدهم (2).
و ذهب إلي ذلك أيضا فرقة السرحوبية (3).
و قال ابن التمار و أصحابه بفضل علي علي الناس و صححوا خلافة الشيخين و قال:و لكن الأمة مخطئة بترك الأفضل (4).
و قالت فرقة الجارودية بهذا المقالة (5).
و ذهب إلي ذلك البغداديون قاطبة قدماؤهم و متأخريهم،كأبي سهل بشر بن المعتمر،و أبي موسي عيسي بن صبيح،و أبي عبد اللّه جعفر بن مبشر و أبي جعفر الإسكافي،و أبي الحسين الخيّاط، و أبي القاسم عبد اللّه بن محمود البلخيّ و تلامذته (6).
أمّا البصريون فذهب منهم إلي هذا القول:أبي علي الجبائي،و قال في كثير من تصانيفه،و أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ البصريّ،و قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد،و أبو محمد الحسن بن متّويه صاحب التذكرة (7).
و من الذين قطعوا بتفضيل أمير المؤمنين علي الشيخين و الأمة المعتزلة كابن أبي الحديد و من تقدّم من مشايخه (8).
قال ابن أبي الحديد:الذي استقر عليه رأي المتأخرين من أصحابنا أنّ عليا أرفع المسلمين كافة عند اللّه تعالي بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (9).
ص: 98
و قال عن مذهبه:أمّا الذي استقر عليه رأي المعتزلة أن عليا عليه السّلام أفضل الجماعة و انهم تركوا الأفضل لمصلحة رأوها-إلي أن قال-إنّ الأمر كان له و كان هو المستحق و المتعين (1).
و قال أبو بكر بن عياش:لو أتاني أبو بكر و عمر و علي عليه السّلام لبدأت بحاجة علي قبلهما لقرابته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و لئن أخرّ من السماء إلي الأرض أحب إليّ من أن أقدمهما عليه (2).
و حكي الخطابي عن بعض مشايخه أنه كان يقول:أبو بكر خير و علي أفضل (3).
و نقل الكنجي الحافظ عن شعبة بن الحجاج بعد إيراد حديث المنزلة:فوجب أن يكون علي أفضل من كل أمة محمد صيانة لهذا النص الصحيح الصريح (4).
*و عن محمد بن عائشة عند ما سئل عن أفضل أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
قال:أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعيد و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح.
فقال له[السائل]:فأين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه؟
قال:يا هذا تستفتي عن أصحابه أم عن نفسه؟
قال:بل عن أصحابه (5).
أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام أفضل الصحابة بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-و استدل عليه-باب الأفضلية تستحق بالسابقة و العلم و الجهاد و الزهد فوق جميعهم،فلا شك أنه متقدمهم و غير متأخر عنهم، و قد سبقهم بمنازلة الأقران،و قتل صناديد الكفار و أعلام الضلالة و هو الذي آخي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بينه و بينه حين آخي بين أبي بكر و عمر،و رضيه كفوءا لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها.
و دعا اللّه أن يوالي من والاه و يعادي من عاداه،و أخبرنا أنّه منه بمنزلة هارون من موسي لفضل فيه، و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«اللهم ائتني باحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر»و لا يكون أحبهم إلي اللّه إلاّ أفضلهم.
و قال:«أنا مدينة العلم و علي بابها».
و قال:«أنا ما سألت اللّه شيئا إلاّ سألت لعلي مثله حتي سألت له النبوة فقيل:لا ينبغي لأحد
ص: 99
من بعدك»،و لم يكن يسألها إلاّ لفضله.و لهذا استثني النبوة في حديث:«أنت مني بمنزلة هارون من موسي».
فصبر علي المحن:و ثبت علي الشدائد،و لم ترده أيام توليته إلاّ خشونة في الدين،و أكله للجشب و لبسا للخشن،يستقون من علمه،و ما يستقي إلاّ ممن هو أعلم،خير الأولين و خير الآخرين صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،عهد إليه في الناكثين،و القاسطين و المارقين،و قتل بين يديه عمار بن ياسر المشهود له بالجنة لبصيرته في أمره،و شبّهه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعيسي بن مريم عليه السّلام كما شبّهه بهارون عليه السّلام،لا تضرب الأمثال إلاّ الأنبياء،و تصدّق بخاتمه في ركوعه حتي أنزل فيه إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ.
الآية.
و آثر المسكين و اليتيم و الأسير علي نفسه حتي أنزل فيه: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ عَليٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً.
و قال تعالي: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ فقال:«أنا المنذر و أنت يا علي الهادي».
و قال تعالي: وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«هو أذن علي عليه السّلام و جعله اللّه في الدنيا فصلا بين النفاق و الإيمان»حتي قيل:«ما كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ ببغضهم علي عليه السّلام».
و أخبر أنه في الآخرة قسيم الجنة و النار،و قال ابن عباس:ما أنزل اللّه في القرآن: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلاّ و علي سيدها و أبوها و شريفها،و أعلي من ذلك قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي يعسوب المؤمنين».
و له ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صابرا علي ما كان يتوقع من الذبح صحبة إسحاق ذبيح اللّه حين صبر علي ما ظن أنه نازل به من الذبح.
و قال فيه مثل عمر بن الخطاب:«لو لا علي لهلك عمر و لا أبقاني اللّه لمشكلة ليس لها أبو الحسن».
و دهره كله إسلام و زمانه أجمع إيمان،لم يكفر باللّه طرفة عين،عاش في نصرة الإسلام حميدا،و مضي لسبيله شهيدا،جعلنا اللّه ممن آثر المحبة في القربي،و هدانا للتي هي أحسن و أولي، و حسبنا اللّه منزل الغيث و فاطر النسم (1).
*نظرية في التفضيل:قال الإمام المحدث أحمد بن محمد المغربي:
و قد قال بعض شراح الطريقة المحمدية الأولي في تفضيل الخلفاء الأربعة:4.
ص: 100
أنّ كل واحد منهم أفضل من الآخر باعتبار الوصف الذي اشتهر به لأن فضيلة الإنسان ليست من حيث ذاته بل باعتبار أوصافه فنقول:
أن أبا بكر أفضل الصحابة باعتبار كثرة صدقه و اشتهاره فيما بينهم،و عمر أفضلهم من جهة العدل و عثمان أفضلهم من جهة الحياء،و علي أفضلهم من جهة العلم و اشتهاره به.انتهي.
و نحوه لبعض الأئمة الإفراد في القرن العاشر و غيره (1).
أقول:هذا مجرد كلام لمصلحة ما،و الاّ فاشتهار علي بالصدق في الجاهلية و الإسلام أكثر، و عدله كعدل محمد كما تقدم،و العلم يشمل الصدق و العدل و الحياء فمن لا علم له بهم كيف يتصف بذلك و لو قوة و ضعفا!
و أين آية التطهير الذي أضفت علي علي عليه السّلام العصمة و التطهير من الباري عزّ و جلّ؟و أين حديث الثقلين!؟.
***
في بيان أصول التفاضل
تتلخص الفضائل بأمور:العلم-العدالة-الشجاعة-القضاء-العبادة و الزهد-الإيمان- التدبير-السياسة-الفقه و السنّة-الفصاحة-الكرم و السخاء-السماحة و الحلم-محاسن الأخلاق.
و سوف تعرف أنّ علي بن أبي طالب كان صاحب هذه الصفات جميعا بل كان له الحظ الأوفر منها.
قال المسعودي:و الأشياء التي استحق بها أصحاب رسول اللّه الفضل هي:السبق إلي الإيمان،و الهجرة،و النصرة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و القربي منه،و القناعة و بذل النفس له،و العلم بالكتاب و التنزيل،و الجهاد في سبيل اللّه،و الورع،و الزهد،و القضاء،و الحكم،و الفقه،و العلم؛ و كل ذلك لعلي عليه السّلام منه النصيب الأوفر و الحظ الأكبر (2).
و سوف نشرع ببيان هذه الاصول من الأخبار النبوية المحمدية و من أقوال أصحابه و أهل بيته عليهم السّلام مسهبين في بيان رواتها و طرقها إن شاء المولي عزّت آلاؤه.
***
ص: 101
علي عليه السّلام أعلم الأمة
و بيانه في أمرين:
الأمر الأول:في بيان أعلميته إجمالا من الروايات العامة.
الأمر الثاني:في بيان أعلميته تفصيلا من الروايات الخاصة.
-أما الأمر الأول و تمامه في تمهيد و فرعين:
من المعلوم أن العلم يوجب الأفضلية بل هو الكفة الراجحة في أصولها،و سوف يأتي قريبا تحرير النزاع في معني الأفضلية و أنّها عبارة عن التقدم بمجموعة خصال يتحلي بها الشخص توجب كونه أفضل من غيره،و التي بنفسها تستتبع زيادة الثواب و القرب من اللّه تعالي.
أما العلم فهو من أبرز تلك الفضائل و التي تعطي السيادة لصاحبها لما يتفرّع علي العلم من ثمرات جمة.
علي أنّ الفضائل بأجمعها تتوقف علي العلم،فلا قضاء بلا علم و لا سياسة بلا علم و لا زهد إلاّ به،فلا بد لطالب كل فضيلة أن يطلب العلم به و بحقيقته.
إما ما يدل علي ذلك فقوله تعالي: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْديٰ.
و قوله: يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ (1).
و قوله حكاية عن جالوت: إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ (2).
و قوله:
وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمٰاءَ (3) .
قال محي الدين بن عربي:فجعل آدم خليفة لكونه أحقّ بالخلافة منهم لفضل علمه،فمن وصل إلي هذه الفضيلة فقد اختصه اللّه تبارك و تعالي من بين عباده و جعله أفضل أهل زمانه (4).
كجالوت و غيره،فهم من تقصدهم الأمة ليجيبوهم علي أسئلتهم لأنهم ظل اللّه علي أرضه.
و لذا و علي مرّ العصور كانت الناس تقصد أصحاب الفضائل و العلم،منها وقوف ذلك الرجل
ص: 102
علي رأس الخليفة الثاني-كما يأتي-و قوله له:«يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم و أمر نبيّهم؟
فطأطأ عمر رأسه و...» (1).
هذا بالنسبة للعلم و كذلك بالنسبة إلي بقية المزايا(ما تقدم منها و ما يأتي).
و يؤيد ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام في تحديد الأفضل و الأحق فيقول هم علي و أبناؤه و يعلل ذلك:
«فإنّ فيهم الورع و العفة و الصدق و الصلاح و الإجتهاد و أداء الأمانة إلي البر و الفاجر،و طول السجود و قيام الليل و اجتناب المحارم و انتظار الفرج بالصبر و حسن الصحبة و حسن الجوار» (2).
و روي المتّقي الهندي:«إنّ أولي الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به» (3).
***
في بيان رجوع العلوم و العلماء إلي علي عليه السّلام
رجوع الصحابة إلي علي عليه السّلام:
من ذلك ما روي عن مسروق قال:شاممت أصحاب محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فوجدت علمهم انتهي الي علي و عمر و عبد اللّه و أبي الدرداء و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت؛ثم شاممت الستة فوجدت علمهم انتهي إلي علي و عبد اللّه (4).
و من المعلوم رجوع عبد اللّه بن عباس إلي علي عليه السّلام (5)،بل ورد التصريح بأعلمية علي علي ابن عباس كما صرح بذلك هو:«علمي بالقرآن في[جنب]علم علي كالقرارة في المثعنجر» (6).
ص: 103
قال الحافظ الجزري الدمشقي الشافعي(المتوفي سنة 833):
«..فانتهت إلي أمير المؤمنين علي رضوان اللّه تعالي عليه جميع الفضائل من انواع العلوم، و جميع المحاسن و كرم الشمائل من القرآن،و الحديث و الفقه،و حسن الخلق و العقل و التقوي و إصابة الرأي،فلذلك أجمعت القلوب السليمة علي محبته و الفطر المستقيمة علي سلوك طريقته،فكان حبه علامه السعادة و الإيمان،و بغضه محض الشقاء و النفاق و الخذلان (1).
و قال ابن أبي الحديد في رجوع العلم و العلماء إلي أمير المؤمنين عليه السّلام ما ملخصه:
و قد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي..و من كلامه عليه السّلام اقتبس و عنه نقل و إليه انتهي و منه ابتدأ.
فإنّ المعتزلة تلامذته و أصحابه لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم بن عبد اللّه بن محمد بن الحنفية،و أبو هاشم تلميذ أبيه و أبوه تلميذه عليه السّلام.
و أمّا الأشعرية فإنهم ينتمون إلي أبي الحسن علي بن[اسماعيل بن]أبي بشر الأشعري و هو تلميذ أبي علي الجبائي،و أبو علي أحد مشايخ المعتزلة.
و أما الإمامية و الزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.
و من العلوم علم الفقه و هو عليه السّلام أصله و أساسه و كل فقيه في الإسلام،فهو عيال عليه و مستفيد من فقهه:
أمّا أصحاب أبي حنيفة كابي يوسف و محمد و غيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة.
و أما الشافعي فقرأ علي محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلي أبي حنيفة.
و أما أحمد بن حنبل فقرأ علي الشافعي؛و أبو حنيفة قرأ علي جعفر بن محمد،و قرأ جعفر علي أبيه عليه السّلام و ينتهي الأمر إلي علي عليه السّلام.
و أمّا مالك بن أنس فقرأ علي ربيعة الرأي،و قرأ ربيعة علي عكرمة و قرأ عكرمة علي عبد اللّه بن عباس،و قرأ عبد اللّه علي علي بن أبي طالب عليه السّلام.
و إن شئت فرددت إليه فقه الشافعي بقراءته علي مالك كان لك ذلك.
فهؤلاء الفقهاء الأربعة.
و أما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر.
و من العلوم علم تفسير القرآن و عنه أخذ و منه فرع،و إذا رجعت إلي كتب التفسير علمت صحةب.
ص: 104
ذلك؛لأنّ أكثره عنه و عن عبد اللّه بن عباس و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له و انقطاعه إليه،و إنّه تلميذه و خرّيجه.
و قيل له:أين علمك من علم ابن عمك؟
فقال:«كنسبة قطرة من المطر إلي البحر المحيط».
و من العلوم علم الطريقة و الحقيقة و أحوال التصوف،و قد عرفت أنّ أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون،و عنده يقفون،و قد صرح بذلك الشبلي،و الجنيد،و سري،و أبو زيد البسطامي،و أبو محفوظ معروف الكرخي و غيرهم.
و من العلوم علم النحو و العربية،و قد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه و أنشأه،و أملي علي أبي الاسود الدؤلي جوامعه و أصوله،من جملتها:«الكلام كله ثلاثة أشياء:إسم و فعل و حرف».
و من جملتها تقسيم الكلمة إلي معرفة و نكرة،و تقسيم وجوه الإعراب الي الرفع و النصب و الجر و الجزم؛و هذا يكاد يلحق بالمعجزات،لأنّ القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر و لا تنهض بهذا الإستنباط (1).
و قال:و من العلوم علم الكلام ثم ذكر رجوع كل المتكلمين إليه في العقيدة و المذهب (2).
و لبعض العلماء كلام مشابه لكلام ابن أبي الحديد (3).
و من رجوع الصحابة قاطبة إليه عليه السّلام ما رواه ابن عباس قال:«وردت علي عمر بن الخطاب واردة قام منها و قعد و تغيّر و تربّد،و جمع لها أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فعرضها عليهم،و قال:أشيروا علي.
فقالوا جميعا:يا أمير المؤمنين أنت المفزع و أنت المنزع،فغضب عمر و قال:اتقوا اللّه و قولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم.
فقالوا:يا أمير المؤمنين ما عندنا مما تسأل عنه شيء.
فقال:أمّا و اللّه إني لأعرف أبا بجدتها و ابن بجدتها (4)،و أين مفزعها و أين منزعها.
فقالوا:كأنك تعني علي بن أبي طالب.
فقال عمر:و للّه هو،و هل طفحت حرّة بمثله و أبرعته،إنهضوا بنا إليه.ا.
ص: 105
فقالوا:يا أمير المؤمنين أتصير إليه أدعه يأتيك.
فقال:هيهات هناك شجنة من بني هاشم و شجنة من الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أثرة من علم يؤتي لها و لا يأتي،في بيته يؤتي الحكم،فاعطفوا نحوه،فألفوه في حائط له و هو يقرأ: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُديً و يرددها و يبكي،فقال عمر لشريح:حدّث أبا حسن بالذي حدّثتنا به...-إلي ان قال:
فأخذ علي تبنة من الأرض و قال:«إن القضاء في هذا أيسر من هذه».
ثم قال عمر:أبا حسن لا أبقاني اللّه لشدّة لست لها و لا في بلد لست فيه (1).
قال الكنجي الشافعي:و قد كان أبو بكر و عمر و عثمان و غيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام،و يأخذون بقوله في النقض و الإبرام؛إعترافا منهم بعلمه و وفور فضله و رجاحة عقله و صحة حكمه (2).
*أقول:هذا نموذج من رجوع عمر و الصحابة إليه عليه السّلام و لمن أراد مزيد بيان فليراجع المصادر التالية (3)و قد أشبعنا ذلك في كتابنا:أنت تسأل و علي يجيب.ر-
ص: 106
بيان غزارة علم علي عليه السّلام
فهو صاحب الكلمة المشهورة التي عجز عنها من تقدّمه و من تأخّر عنه سوي معلمه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«سلوني قبل أن تفقدوني فإني لا أسال عن شيء دون العرش إلاّ أخبرت عنه» (1).
«سلوني قبل أن تفقدوني،فإنما بين الجوانح علم جما،هذا سفط العلم،هذا لعاب رسول اللّه،هذا ما زقني رسول اللّه زقّا» (2).
«إنّي اطلعت[اندمجت]علي مكنون علم لو بحت به لاضطر بتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة» (3).
«علّمني رسول اللّه ألف باب كل باب يفتح ألف باب» (4).
ص: 107
«كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبي اللّه إلاّ إخفاءه،هيهات علم مخزون» (1).
«و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيمن نزلت و أين نزلت و علي من نزلت» (2).
«إنّ هاهنا علما جما لو أجد[أصبت]له حملة» (3).
و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«قسمت الحكمة[العلم]عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء و الناس جزءا واحدا[و علي أعلم بالواحد منهم]» (4).
ليهنك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا و نهلته نهلا[و نغبته نغبا-ثاقبته ثقبا]» (5).
و قال ابن مسعود:إنّ القرآن أنزل علي سبعة أحرف ما منها إلاّ له ظهر و بطن،و إنّ علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر و الباطن (6).
و قال ابن عباس:«مليء جوفه حكما و علما و بأسا» (7).
و هو القائل فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا مدينة العلم و علي بابها».
قال ابن حجر في الفتاوي:حديث مدينة العلم و علي بابها رواه جماعة و صحّحه الحاكم و حسّنه الحافظان العلائي و ابن حجر (8).
و رواه أيضا:الخطيب و ابن عدي و الطبراني و العقيلي و ابن حبان و ابن مردويه (9).
أقول و له ألفاظ:
1-«أنا دار الحكمة و علي بابها».
2-«أنا مدينة الحكمة و علي بابها» (10).ي-
ص: 108
3-«أنا مدينة العلم» (1).
4-«أنا مدينة الجنّة و أنت بابها» (2).
5-«أنا مدينة الفقه و علي بابها» (3).ي.
ص: 109
هذا إضافة لما يأتي مفصلا في كون علمه الّلدني من اللّه تعالي مباشرة،و كونه عليه السّلام يعلم ما كان و يكون و ما هو كائن،بل و علمه للغيب فيما تقدّم.
*** *الأمر الثاني:
و هو ما ورد صريحا بكونه أعلم الأمة و الناس و جاء علي ألفاظ مختلفة نجملها بما يلي:
ما أخرجه الديلمي و غيره عن سلمان عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب» (1).
و في الباب عن معاذ بن جبل و عمر و ابن عباس (2).
و قال ابن مسعود:«أعلم هذه الأمة بعد نبينا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي بن أبي طالب» (3).
و قال ابن عباس:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي بن أبي طالب أعلم أمتي و أقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي» (4).
و قال داود ابن المسيب:«ما كان أحد بعد الرسول أعلم من علي» (5).
و قال الحسن بن علي عليه السّلام قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي أعلم الناس باللّه و الناس» (6).
و عن الأعمش:«علي أعلم الناس علما» (7).
و قال ابن عمر:«علي أعلم الناس بما أنزل علي محمد» (8).
و قالت عائشة:«علي أعلم أصحاب محمد بما أنزل علي محمد» (9).
ص: 110
و قال الشعبي:«ما كان أحد من هذه الأمة أعلم بما بين اللوحين و بما أنزل علي محمد من علي» (1).
و قال عمر:سمعت النبي يقول:«أعلمكم علي بن أبي طالب» (2).
و قال سعد لمن شتم عليا:«ألم يكن أعلم الناس» (3).
و عن المقداد بن عمرو:«واعجبا لقريش و دفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم و فيهم أول المؤمنين و ابن عم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أعلم الناس و أفقههم في دين اللّه و أعظمهم غناء في الإسلام و أبصرهم بالطريق و أهداهم للصراط المستقيم و اللّه لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي» هذا لفظ اليعقوبي (4).
و ذكرها الطبري بلفظ:«إنّي لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما أقول أنّ أحدا أعلم و لا أقضي منه بالعدل» (5).
و ذكرها ابن الأثير و ابن عبد ربه و غيرها بألفاظ متقاربة (6).
و قال عبد الملك بن أبي سلمان:قلت لعطاء أكان في أصحاب محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أعلم من علي عليه السّلام؟
قال:لا و اللّه و لا[ما]أعلم (7).
و قال سلمان:قال رسول اللّه لي:«تعلم من وصيّ موسي؟
قلت:نعم يوشع بن نون.
قال:لم؟
قلت:لأنه كان أعلمهم.
قال:فإنّ وصييّ و موضع سري و خير من أترك بعدي ينجز عدّتي و يقضي ديني علي بن أبي طالب» (8).3.
ص: 111
و قال يزيد الثقفي:لا جرم كان علي أقضاهم و أعلمهم و أفضلهم (1).
و قال معاوية لمن سأله عن دعوي أبناء علي عليهم السّلام عن علمه:كل القوم كان يعلم و كان أبوهم من أعلمهم (2).
و عن أبي طفيل:سمعت علي بن أبي طالب يقول:«لا تجدون أحدا بعدي هو أعلم بما تسألونه مني،و لا تجدون أحدا أعلم بما بين اللوحين مني فسلوني».
و قال الحسن عليه السّلام:«لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه الأولون بعلم و لا يدركه الآخرون» (3).
و عن المنصور عن آبائه في خبر طويل جاء فيه:قال رسول اللّه لفاطمة:«فعلي مني و أنا من علي فعلي أشجع الناس قلبا و أعلم الناس علما» (4).
و عنه في خبر آخر:«و إنّ عليا أوفر الناس علما» (5).
و عن ابن عباس و أبي هريرة و أنس بن مالك و بريدة و أبي أيوب جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال لفاطمة:«أما ترضين أنّي زوجتك أول المسلمين إسلاما و أعلمهم علما» (6).
و عن عائشة:«زوجتك أعلم المؤمنين علما» (7).
و عن أبي سعيد:«أما علمت إنك بكرامة اللّه تعالي إياك زوجك أغزرهم علما» (8).
و عن أبي أيوب و ابن عباس و كعب الأحبار و أبي سعيد أن الرسول قال لفاطمة عليها السّلام:«زوجك أعلمهم علما» (9).
و قال عبد اللّه بن حجل مخاطبا إياه:«أنت أعلمنا بربنا و أقربنا بنبينا و خيرنا في ديننا» (10).ن.
ص: 112
و قال ابن عبد البر:«علي أعلم الأصحاب» (1).
و تواتر خبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة بلفظ:«أما تعلمين أنّ زوجك...و أكثرهم علما».
روي عن كل من سلمان (2)و أبي أيوب (3)و معقل بن يسار (4)و الحارث عن علي (5)و أبي إسحاق (6)و إسحاق و الأزرق و جعفر بن سليمان و أبي حمزة جميعا عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام (7)و بريدة (8)و أم سلمة (9)و جابر (10)و عبد اللّه بن مسعود (11)و أنس (12)و أسماء (13).
هذا إضافة إلي الروايات التي تشبّه علم علي بعلم الأنبياء (14).
و إضافة إلي ما يأتي مفصلا من كون جميع أهل البيت أعلم الناس صغارا (15)
و ما تقدم أيضا في حديث الثقلين من كونهم عدل القرآن و أعلم الأمة» (16).
أقول:قد أشبعنا البحث عن علم علي عليه السّلام في كتابنا:«من مكنون علم علي عليه السّلام».
***9.
ص: 113
علي عليه السّلام أعدل الصحابة
قال أبو بكر:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الغار:«يا أبا بكر كفي و كف علي في العدل سواء» (1).
و نحوه عن أبي هريرة و لكنه بلفظ:«أما علمت أنّ يدي و يد علي في العدل سواء» (2).
و من المعلوم أن رسول اللّه أعدل الناس (3).
و قال المقداد:«لا أعلم أن رجلا أقضي بالعدل و لا أعلم منه» (4).
و في لفظ آخر عنه:«لا يوجد أعلم و أعدل و أعرف بالحق من علي» (5).
و عن جابر:«(علي)-أعدلكم في الرعية و أقسمهم بالسوية» (6).
و عن معاذ بلفظ:«أنت أقسمهم في السوية و أعدلهم في الرعية» (7).
و عن الهلالي أنّ رسول اللّه قال لفاطمة عليها السّلام:«زوجتك زوجا...أعدلهم بالسوية» (8).
و عن أبي سعيد و ابن عباس و عمر و أبي ذر جميعا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أقسمهم بالسوية» (9).
و عن علي عليه السّلام:«أحاج الناس يوم القيامة بتسع-إلي أن قال:و العدل في الرعية و القسم بالسوية» (10).
و عن ابن عباس:«رحم اللّه أبا الحسن كان و اللّه علم الهدي....و أسمح من عدل و سوي» (11).
ص: 114
علي عليه السّلام أشجع الصحابة
فعن ابن عباس قال رسول اللّه لفاطمة عليها السّلام:«إن اللّه اطّلع علي أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه رسولا نبيا،ثم اطّلع ثانية فاختار من الخلائق عليا،فزوّجك إياه و اتخذه وصيا،فهو أشجع الناس قلبا» (1).
و نحوه عن الأعمش (2).
و أخرج الحارث عن شداد بن الأوس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي ألب أمتي و أشجعها» (3).
و عن الشعبي:«كان علي أشجع الناس تقر العرب بذلك» (4).
و عن سلمان الفارسي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة:«أما تعلمين يا بنيّة إنّ من كرامة اللّه إياك أن زوجك خير أمتي...و أشجعهم قلبا» (5).
و عن أبي الطفيل:«ذاك إمام الأمة و قائدها و أشجعها قلبا» (6).
و عن المنصور عن آبائه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قوله:«فعلي أشجع الناس قلبا» (7).
و عن جابر:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي بن أبي طالب أقدم أمتي سلما و أشجعهم قلبا و هو الإمام و الخليفة بعدي» (8).
و قال عتبة بن أبي سفيان:«إن كان الأشتر شجاعا لكن عليا لا نظير له في شجاعته وصولته و قوّته» (9).
و عن ابن مسعود قال رسول الله:«علي أشدكم في اللّه[للّه]غضبا و أشدكم نكاية في العدو» (10).
و قال معاوية لعمرو:«و إنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلاّ قتله أو أسره» (11).
ص: 115
و قال له أيضا:«أتأمرني بمبارزة أبي الحسن و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في إمارة الشام بعدي!...و جملة الأمر إنّ كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي» (1).
و قال للتميمي:و أني أتاه الجبن و ما برز له رجل قط إلاّ صرعه (2).
هذا مضافا إلي الرواية التي تشبّه قوة أمير المؤمنين و بطشه بالأنبياء عليهم السّلام (3)تقدم بعضها مع المصادر في ذيل علي أفضل الصحابة.
و قال العلامة الحلي:و قد أجمع الناس كافة علي أنّ عليا كان أشجع الناس بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).
و قال الديلمي:لا خلاف بين المسلمين و غيرهم أنّ عليا كان أشجع الناس بعد رسول اللّه (5).
و قال الفضل روزبهان:شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلاّ من أنكر وجود الرمح و السماك في السماء،مقدام إذ الأبطال تحجم لباث إذا الملاحم تهجم،و هما مما يسلمه الجمهور (6).
و قال أبو الفرج الأصبهاني:و إن ذكرتم النجدة و البسالة و الشجاعة،فمن مثل علي بن أبي طالب عليه السّلام و قد وقع اتفاق أوليائه و أعدائه علي أنه أشجع البشر (7).
و قال ابن قتيبة في المعارف:ما صارع أحدا قط إلاّ صرعه،شديد الوثب قوي الضرب (8).
و قال أبو جعفر الإسكافي في معرض الرد علي الجاحظ:أتراه لم يسمع قول اللّه تعالي: إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ (9)!.
و المحبة من اللّه هي إرادة الثواب فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف و أعظم قتالا كان أحب إلي اللّه،و معني الأفضل هو الأكثر ثوابا،فعلي عليه السّلام إذا هو أحب المسلمين إلي اللّه لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص لم يفرط بإجماع الأمة،و لا بارزه قرن إلاّ قتله (10).
و قال ابن أبي الحديد:و أما الشجاعة فإنه أنسي الناس فيها ذكر من كان قبله،و محا إسم من يأتي بعده،و هو الشجاع الذي ما فرّ قط،و في الحديث:«كانت ضرباته وترا».ر.
ص: 116
و قال في موضع آخر:و أمّا الجهاد في سبيل اللّه،فمعلوم عند صديقه و عدوه أنه سيد المجاهدين (1).
***
علي عليه السّلام أقضي الصحابة و الأمة
فعن جابر و أنس و أبي سعيد جميعا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أقضي أمتي علي بن أبي طالب» (2).
و عن أنس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أقضاكم علي» (3).
و عن ابن عباس:«علي أقضي أمتي بكتاب اللّه» (4).
و عن قتادة:«أعلمهم بالقضاء علي» (5).
و عن أبي إمامة:«أعلم أمتي بالسنة و القضاء علي بن أبي طالب» (6).
و عن عبد اللّه بن أبي عقب:«إنه أقضي هذه الأمة و أبصر بحلالها و حرامها» (7).
و قال المقداد:«لا أعلم أن رجلا أقضي بالعدل و لا أعلم منه» (8).
و عن أبي محجن:«إن أعلمها بفصل القضاء علي» (9).
و قال عمر بن الخطاب:«أعلمنا بالقضاء و أقرؤنا علي بن أبي طالب» (10).
و عن ابن عمر و أبي سعيد و إبراهيم بن طلحة و الشعبي و أنس و قتادة و ابن عباس جميعا عن
ص: 117
رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و أقضاهم علي» (1).
و أخرج السلفي و غيره عن أبي هريرة و ابن عباس و سعيد بن جبير و عطاء عن عمر:«علي أقضانا» (2).
و عن أبي سعيد و أبي ذر معا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«أنت...أعلمهم بالقضية» (3).
و بلفظ معاذ:«أبصرهم بالقضية» (4).
و عن أبي اسحاق و علقمة و ابن مسعود قال:[كنا نتحدث أن]أقضي أهل المدينة علي بن أبي طالب».
و في لفظ:«علي أعلم أهل المدينة بالقضاء» (5).
و عن ابن مسعود:«أقضي أهل المدينة علي» (6).
***
علي عليه السّلام أعبد و أزهد الصحابة
فعن سلمان:قال رسول اللّه لفاطمة عليها السّلام:«أما تعلمين يا بنية أن من كرامة اللّه إياك أن زوجك
ص: 118
خير أمتي...و أزهدهم في الدنيا» (1).
و عن عمار قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي إنّ اللّه قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلي اللّه منها الزهد في الدنيا» (2).
و عن سعد بن أبي وقاص في الرد علي من شتم أمير المؤمنين عليه السّلام:«ألم يكن أزهد الناس؟» (3)
و قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام:«من يقوي علي عبادة علي عليه السّلام و أنّي لي بعبادة علي» (4).
و قال قبيصة بن جابر:«ما رأيت في الدنيا أزهد من علي بن أبي طالب» (5).
و عن ابن عيينة:«أزهدهم علي» (6).
و قال عمر بن عبد العزيز:«ما علمنا أنّ أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي أزهد من علي ابن أبي طالب» (7).
قال ابن أبي الحديد:أما العبادة فكان أعبد الناس و أكثرهم صلاة و صوما (8).
و قال:أمّا الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد» (9).
و قال العلامة الحلي:و من المعلوم عند كل أحد أن عليا عليه السّلام كان أعبد أهل زمانه (10).
و قال:لا خلاف أنه عليه السّلام كان أعبد الناس و منه تعلم الناس صلاة الليل (11).
و قال:لا خلاف في أنه أزهد أهل زمانه (12).4.
ص: 119
و فيه نزلت: تَرٰاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (1).
هذا إضافة لما روي من كون زهده كزهد الأنبياء كما تقدم (2).
***
علي عليه السّلام أوفرهم إيمانا
فعن عبد اللّه بن مسعود قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي أقدمكم إسلاما و أوفركم إيمانا» (3).
و عن علي عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في كفة ميزان و وضع عملك ليوم واحد في الكفة الأخري لرجح عملك علي جميع ما عمل الخلائق» (4).
و عن عبد اللّه بن ضبيعة العبدي عن أبيه عن جده عن عمر قال:هذا علي بن أبي طالب أشهد علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لسمعته و هو يقول:«إنّ السموات السبع و الأرضين السبع لو وضعتا في كفة ثم وضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي بن أبي طالب عليه السّلام» (5).
و عن ابن عمر:«لو أن السموات و الأرض موضوعتان في كفة و إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي» (6).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم الخندق:«برز الإيمان كله إلي الشرك كله» (7).
و في رواية آخري:«لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلي يوم القيامة» (8).
ص: 120
و عن جابر قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي أقدم أمتي سلما و أصحّهم دينا و أكثرهم يقينا» (1).
و عن الأعمش:«علي أحسن الناس خلقا» (2).
و احتج الأمير ثاني يوم السقيفة بقوله:«و أنا أذربكم لسانا و أثبتكم جنانا» (3).
و أخرج أبو نعيم:«لا تسبّوا عليا فإنه كان فانيا في ذات اللّه،لا تشكوا في علي فإنه الأخشن في دين اللّه» (4).
و في رواية:«علي أطهرهم قلبا» (5).
***
علي عليه السّلام أسيس و عبقري الصحابة
روي عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا عبد الرحمن إنّ اللّه أنزل عليّ كتابا مبينا و أمرني أن أبين للناس ما نزّل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب،فإنه يستغني عن البيان إنّ اللّه تعالي جعل فصحاته كفصاحتي و درايته كدرايتي» (6).
و قال عليه السّلام عن نفسه في أيام التحكيم:«و قد زعمت قريش أنّ ابن أبي طالب شجاع و لكن لا علم له بالحروب،تربت أيديهم!و هل فيهم أشد مراسا لها مني؟
لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين و ها أنا قد أربيت علي نيف و ستين و لكن لا رأي لمن لا يطاع» (7).
و قال عليه السّلام عند ما أكره علي بيعة أبي بكر:«و أنا...أعرفكم بالكتاب و السنّة و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور...» (8).
و عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«يا علي أنت عبقريهم» (9).و أخرجه البغدادي (10)
ص: 121
و أخرج الحارث عن شداد بن الأوس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي ألب أمتي و أشجعها» (1).
و عن المقداد:«لا يوجد أعرف بالحق من علي» (2).
و في رواية:«علي أبها الصحابة» (3).
*قال ابن أبي الحديد:و أما الرأي و التدبير فكان من أسدّ الناس رأيا و أصحهم تدبيرا (4).
و قال:و أما السياسة فإنه كان شديد السياسة خشنا في ذات اللّه (5).
و قال في موضع ثالث:و أعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السّلام زعموا أنّ عمر كان أسوس منه،و إن كان هو أعلم من عمر-ثم أخذ بطرح الأدلة في بحث مفصل فليراجع (6).
***
علي عليه السّلام أفقه و أفرض الصحابة
قال عطاء:«علي أفقه الصحابة» (7).
و قال المقداد:«واعجبا لقريش و دفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم و فيهم أول المؤمنين و ابن عم رسول اللّه أعلم الناس و أفقههم في دين اللّه» (8).
و قال هاشم بن عتبة:«[علي]أفقه خلق اللّه في دين اللّه» (9).
و روي عن رسول اللّه قوله:أنا مدينة الفقه و علي بابها» (10).
و عن عائشة من طرق متعددة عند ما قيل أنّ عليا أفتي بصوم عاشوراء:«أما إنه أعلم[من بقي] الناس بالسنة».أخرجه أبو عمر 11.
ص: 122
و عن أبي إمامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أعلم أمتي بالسنة و القضاء بعدي علي بن أبي طالب» (1).
و استشهد أمير المؤمنين عليهم بقوله:«هل فيكم أحد أعلم بناسخ القرآن و منسوخه و السنّة منّي؟».
فقالوا:لا (2).
و عن عبد اللّه بن عقب:«إنه أبصر بحلالها و حرامها» (3).
و قال ابن عباس:«ليس علي وجه الأرض أعلم بالفرائض من علي بن أبي طالب» (4).
و قال المغيرة:«ليس أحد منهم أقوي قولا في الفرائض من علي عليه السّلام» (5).
و قال ابن مسعود:«أفرض[أعلم]أهل المدينة و أقضاها علي» (6).
و في لفظ:«إنّ أعلم أهل المدينة بالفرائض علي» (7).
و عن ابن عباس:إذا حدّثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها (8).
و قال عمر له:«أنت خيرهم فتوي» (9).
حتي صار فقه أمير المؤمنين مقياسا كما قال يحيي بن أكثم للمأمون:«إن خضنا في الطب فأنت جالينوس في معرفته...أو في الفقه فأنت علي بن أبي طالب في علمه» (10).
و تقدّم كلام ابن أبي الحديد في بيان أعلمية أمير المؤمنين عليه السّلام:و من العلوم علم الفقه و هو عليه السّلام أصله و أساسه،و كل فقه في الإسلام فهو عيال عليه و مستفيد من فقهه؛و أمّا أصحاب أبيت.
ص: 123
حنيفة كأبي يوسف و محمد و غيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة.
و أما الشافعي فقرأ علي محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلي أبي حنيفة.
و أما أحمد بن حنبل فقرأ علي الشافعي فيرجع فقهه أيضا إلي أبي حنفية و أبو حنيفة قرأ علي جعفر بن محمد[الصادق]و قرأ جعفر علي أبيه و ينتهي الأمر إلي علي عليه السّلام.
و أما مالك بن أنس فقرأ علي ربيعة الرأي و قرأ ربيعة علي عكرمة و قرأ عكرمة علي عبد اللّه بن عباس و قرأ عبد اللّه بن عباس علي علي بن أبي طالب.
و إن شئت فرددت إليه فقه الشافعي بقراءته علي مالك كان لك ذلك فهولاء الفقهاء الأربع.
و أمّا فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر.
و أيضا فإنّ فقهاء الصحابة كانوا:عمر بن الخطاب و عبد اللّه بن عباس و كلاهما أخذ من علي عليه السّلام،و أمّا ابن عباس فظاهر و أمّا عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه و علي غيره من الصحابة (1)،و قوله غير مرة:«لو لا علي لهلك عمر»و قوله:«لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن»و قوله:«لا يفتين أحد في المسجد و علي حاضر».
فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه (2).
***
و وصفه ضرار أمام معاوية قائلا:«كان خير من آمن و اتقي...و أفصح من تنفس وقرا» (1).
و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعبد الرحمن بن عوف:«يا عبد الرحمن إنّ اللّه أنزل عليّ كتابا مبينا و أمرني أنّ أبين للناس ما نزّل إليهم،ما خلا علي بن أبي طالب فإنه يستغني عن البيان،إنّ اللّه تعالي جعل فصاحته كفصاحتي» (2).
و قال ابن عباس في محضر معاوية:«رضي اللّه عن أبي الحسن كان و اللّه علم الهدي و كهف التقي خير من آمن و اتقي و أفضل من تقمص و ارتدي و أفصح من تنفس وقرا» (3).
و احتج عليه السّلام علي القوم لمّا أكره علي البيعة:«و أنا أذربكم لسانا و أثبتكم جنانا» (4).
و قال ابن أبي الحديد:و أمّا الفصاحة فهو عليه السّلام إمام الفصحاء و سيد البلغاء،و في كلامه قيل:
دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين.
***
علي عليه السّلام أكرم و أسخي الصحابة
من ذلك ما روي عن أبي إسحاق السبعي قال:سألت أكثر من أربعين رجلا من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من كان أكرم الناس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قالوا:«الزبير و علي بن أبي طالب عليه السّلام».أخرجه الفضائلي (5).
و ذكره القندوزي عنه و لكن فيه:«علي ثم الزبير» (6).
و عن سلمان قال رسول اللّه لفاطمة عليها السّلام:«أما تعلمين يا بنية أنّ من كرامة اللّه إياك أن زوجك خير أمتي...و أكرمهم نفسا و أجودهم كفا» (7).
و من ذلك ما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حق علي عليه السّلام:«هذا البحر الزاخر هذا الشمس الطالعة،أسخي من الفرات كفا،و أوسع من الدنيا قلبا فمن أبغضه فعليه لعنة اللّه» (8).
ص: 125
و عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي بن أبي طالب أقدم أمتي سلما و أسمحهم كفا» (1).
و نحوه عن الأعمش عن رسول اللّه (2).
و قال الشعبي:«كان أسخي الناس» (3).
قال العلامة الحلي:لا خلاف في أنه عليه السّلام كان أسخي الناس جاد بنفسه فأنزل اللّه في حقه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ (4).
***
علي عليه السّلام أحلم و أسمح الصحابة
من ذلك قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة في حديث تزويجها:«إنّ اللّه أمرني فأنكحتك..
أعظمهم حلما».
روي عن كل من معقل بن يسار (5)و أنس (6)و أبي اسحاق (7)و المنصور عن آبائه (8)و أم سلمة (9)و جعفر بن محمد الصادق و أسماء و أبي أيوب (10).
و في لفظ عن الحارث عن علي و عائشة و بريدة:«لقد أنكحتك..أفضلهم حلما» (11).
و عن أبي سعيد:«أكثرهم حلما» (12).
ص: 126
و عن جابر:«أكملهم حلما» (1).
و عن ابن عباس و المنصور و الأعمش:«فهو أشجع الناس قلبا و أحلم الناس حلما» (2).
و عن بريدة و معقل:«و أحلمهم حلما» (3).
و عن عبد اللّه بن مسعود:«علي أرجحكم حلما» (4).
هذا إضافة إلي الروايات التي تشبه حلمه بحلم الأنبياء (5).
و ما يأتي من أهل البيت أحلم الناس كبارا (6).
قال ابن أبي الحديد:و أما الحلم و الصفح فكان أحلم الناس عن ذنب و أصفحهم عن مسيء فقد صفح عن مروان و ابن الزبير و عائشة و كثيرين (7).
و قال العلاّمة الحلّي:لا خلاف في أن عليا كان أحلم الناس (8).
و قال الديلمي:فكان عليه السّلام أكثر الناس حلما لم يقابل مسيئا بإساءته (9).
*هذه جملة الحضال التي يتقدم من اتّصف بها بالفضل علي غيره،و قد علمت بما لا ريب فيه أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بلغ علاها.
و من ذلك يتضح فضل أمير المؤمنين علي الخلفاء الثلاثة،و سوف يأتي فضله علي الأنبياء و الأوصياء فضلا عن الخلفاء (10).
***س.
ص: 127
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لو أن الأشجار[الغياض]أقلام و البحر مداد و الجن حساب و الإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب عليه السّلام» (1).
هل أبصرت عيناك في المحراب كأبي تراب من فتي محراب
للّه در أبي تراب إنّه أسد الحروب و زينة المحراب
ألا هل من فتي كأبي تراب و إنّي مثله فوق التراب
إذا ما مقلتي رمدت فكحلي تراب مس نعل أبي تراب (2)
***
اعلم وفقنا اللّه و إياك أن نقدم المفضول أو الجاهل علي الفاضل أو العالم من الأمور التي بحكم العقل و العقلاء بقبحها،بل الوجدان قاض بذلك،غير أن ذهاب البعض إلي جوازه أو حسنه يستدعي بسط الأدلة للبرهنة عليه.
و سوف نتعرض أولا لأقوالهم و أدلتهم و التي تنبيء أن ذهابهم إلي ذلك إما لأغراض شخصية و إما لتبريرات-من رؤوس مذاهبهم-علي صحة تقدم الخليفة الأول أو الثاني و الثالث.
ثم نورد أدلة حسن و وجوب تقدّم الفاضل.
***
قال الإمام النسفي:و لا يشترط[في الإمام]أن يكون معصوما،و لا أن يكون أفضل أهل زمانه.
و قال العلامة التفتازاني شارحا:لأنّ المساوي في الفضيلة بل المفضول الأقل علما و عملا؛
ص: 128
ربما كان أعرف بمصالح الإمامة و مفاسدها،و أقدر علي القيام بمواجبها،خصوصا إذا كان نصب المفضول أدفع للشر و أبعد عن إثارة الفتنة؛و لهذا جعل عمر الإمامة شوري بين ستة مع القطع بأن بعضهم أفضل من البعض (1).
و قال في شرح المقاصد:و لا يشترط أن يكون الإمام هاشميا و لا معصوما و لا أفضل من يولي عليهم.
و قال:إذا مات الإمام تصدي للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة و استخلاف و قهر الناس بشوكة،إنعقدت له الخلافة،و كذا إذا كان فاسقا أو جاهلا أو جائرا (2).
و قال الباقلاني:يجب أن يكون[الإمام]علي أوصاف:
منها ان يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين.
و منها أن يكون من أمثلهم في العلم و سائر هذه الأبواب التي يمكن التفاضل فيها،إلاّ أن يمنع عارض من إقامة الأفضل فيسوغ نصب المفضول.
و ليس من صفاته أن يكون معصوما و لا عالما بالغيب و لا أفرس الأمة و أشجعهم و لا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قبائل قريش و ليس مما يوجب خلع الإمام حدوث فضل في غيره و يصير به أفضل منه و إن كان لو حصل مفضولا عند ابتداء العقد لوجب العدول عنه إلي الفاضل (3).
و قال ابن الجوزي:قال الفقهاء:لا تجوز ولاية المفضول علي الفاضل إلاّ أن يكون هناك مانع من خوف فتنة أو يكون الفاضل غير عالم بالسياسة (4).
و قيل الإمامة جائزة في الفاضل و المفضول معا إذا كان في الفاضل علة تمنع (5).
هذه جملة أقوالهم،و نحن في مقام الرد علي هذا الكلام و إثبات هذه القضية نورد تمهيدا و بيانين:
***
في بيان الأفضلية و معناها
*قال الراغب الأصفهاني:الفضل الزيادة عن الإقتصار،و الفضل إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين علي الآخر فعلي ثلاثة أضرب:
ص: 129
فضل من حيث الجنس،و فضل من حيث النوع،و فضل من حيث الذات:
فالأولان جوهريان.
و الفضل الثالث قد يكون عرضيا فيوجد السبيل علي اكتسابه،و من هذا النوع التفضيل المذكور في قوله[تعالي]: وَ اللّٰهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَليٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ (1).
لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (2)
يعني المال و ما يكتسب و قوله: مٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَليٰ بَعْضٍ (3).
فإنّه يعني بما خصّ به الرجل من الفضيلة الذاتية له و الفضل الذي أعطيه من المكنة و المال و الجاه و القوة و قال: وَ لَقَدْ فَضَّلْنٰا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَليٰ بَعْضٍ (4).
وَ فَضَّلَ اللّٰهُ الْمُجٰاهِدِينَ عَلَي الْقٰاعِدِينَ (5) (6) .
*و قال الزمخشري:قوله: وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (7).
أي كل شيء قدم بنيّة أو لسان أو جارحة أعطاه اللّه فضل ذلك.
*و قال المفسّر:أي يعطي في الآخرة كل ذي فضل فضله في العمل و زيادة فيه جزاء فضله لا يبخس،أو فضله في الثواب و الدرجات.
و قيل:أي من كان ذا فضل في دينه فضلّه اللّه في الدنيا بالمنزلة و في الآخرة بالثواب (8).
*و قال السيد المرتضي و ابن أبي الحديد:الأفضل من كان أكثر ثوابا من غيره و الأجمع لمزايا الفضل و الخلال الحميدة (9).
و قيل التفاضل بالأعمال الصالحة (10).
*و قال الإمام أبو زرعة:إنّ المحبة قد تكون لأمر ديني و قد تكون لأمر دنيوي،فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية،فمن كان أفضل كانت محبتنا الدينية له أكثر (11).ع.
ص: 130
*و قال المحقق ابن القيم في بدائع الفوائد:إن أريد بالفضل كثرة الثواب عند اللّه فذلك أمر لا يطّلع عليه إلاّ بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح (1).
*و قال العز بن عبد السّلام:الجواهر و الأجسام كلها متساوية من جهة ذواتها،و إنما يفضل بعضها علي بعض بصفاتها و أعراضها و انتسابها إلي الأوصاف الشريفة في التفاضل النفيسة (2).
فأوصل الصفات و الأعراض التي يتفاضل علي أساسها إلي عشرين قاعدة،و هذا ملخصها.
-القاعدة الأولي:تفضيل المعلوم علي غيره بذاته دون سبب يعرض له يوجب التفضيل له علي غيره،كذات اللّه و صفاته،و العلم فإنه حسن لذاته.
-القاعدة الثانية:التفضيل بالصفات الحقيقية كتفضيل العالم علي الجاهل.
-القاعدة الثالثة:التفضيل بطاعة اللّه تعالي،كتفضيل المؤمن علي الكافر،و كتفضيل الأولياء بينهم بكثرة الطاعة،فمن كان أكثر تقربا إلي اللّه تعالي كانت رتبته في الولاية أعظم.
-القاعدة الرابعة:التفضيل بكثرة الثواب الواقع في العمل كالإيمان أفضل من جميع الأعمال، و كصلاة الجماعة أفضل من الفرد.
-القاعدة الخامسة:التفضيل لشرف الموصوف،كصفات اللّه تعالي،و صفات الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
-القاعدة السادسة:التفضيل بشرف الصدور،كشرف ألفاظ القرآن علي غيرها من الألفاظ لكون الرب هو المتولي لرصفه و نظامه.
-القاعدة السابعة:التفضيل بشرف المدلول،كتفضيل الآيات المتعلقة باللّه علي المتعلقة بأبي لهب.
-القاعدة الثامنة:التفضيل بشرف الدلالة،كشرف الحروف الدالة علي الأوصاف الدالة علي كلام اللّه تعالي.
-القاعدة التاسعة:التفضيل بشرف التعلق،كتفضيل العلم علي الحياة فإن الحياة لا تتعلق بشيء.
-القاعدة العاشرة:التفضيل بشرف المتعلق،كتفضيل العلم المتعلق بذات اللّه علي غيره من العلوم.
ص: 131
-القاعدة الحادية عشر:التفضيل بكثرة التعلق،كتفضيل علم اللّه علي قدرته.
-القاعدة الثانية عشر:التفضيل بالمجاورة،كتفضيل جلد المصحف علي غيره.
-القاعدة الثالثة عشر:التفضيل بالحلول،كتفضيل قبره صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي جميع بقاع الأرض.
-القاعدة الرابعة عشر:التفضيل بسبب الإضافة،كقوله تعالي: أُولٰئِكَ حِزْبُ اللّٰهِ.
-القاعدة الخامسة عشر:التفضيل بالأنساب و الأسباب،كتفضيل ذريته علي جميع الذراري بسبب نسبهم المتصل برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
-القاعدة السادسة عشر:التفضيل بالثمرة و الجدوي،كتفضيل العالم علي العابد.
-القاعدة السابعة عشر:التفضيل بأكثرية الثمرة،كثمرة علم الفقه علي غيره.
-القاعدة الثامنة عشر:التفضيل بالتأثير،كقدرة اللّه تعالي علي العلم و الكلام.
-القاعدة التاسعة عشر:التفضيل بوجود البنية و التركيب،كتفضيل الملائكة علي الجان.
-القاعدة العشرون:التفضيل باختيار اللّه تعالي لمن يشاء علي من يشاء،و لما يشاء علي ما يشاء،فيفضل أحد المتساويين علي الآخر من كل وجه،كتفضيل شاة الزكاة علي التطوع (1).
*أقول:لا بدّ من التعليق و التوضيح لبعض مطالبه:
*أولا:في ما ذكره من الأمثلة تساهل واضح،و لا تشاح في ذلك.
*ثانيا:إنّ بعض هذه القواعد خارج عن بحثنا ذكرته لإتمام الفائدة (2).
*ثالثا:إن بعض هذه القواعد صحيحة إذا كانت للتفاضل بين صفات الذوات المتحدة،أما إذا كان التفاضل بين صفات الذواة غير المتحدة،أو بين نفس الذوات المتحدة،فإنه لا يرجع إلي محصل.
و مثال الأول:التفاضل بين عامة البشر الذين لا يمتلكون ذواة ملكوتية خاصة من اللّه عز و جلّ،و الذي منه التفاضل بين الصحابة علي مبني أكثر العامة،الذين لا يعتقدون بوجود العصمة المطلقة لأهل البيت عليهم السّلام،بل قد يقال-علي مبني القوم-بشمول التفاضل للأنبياء عليهم السّلام إما لأفعالهم قبل البعثة أو في غير التبليغ بل حتي في التبليغ،إذ النبي الذي يسهي في صلاته لا يفضل من ناحية الصفات علي الشخص العادي الذي لا يسهي،و كذا النبي الذي يرتكب المكروه قبل البعثة لا يفضل علي غير مرتكبه،و هذا مدلل علي بطلان قولهم في العصمة و التفاضل معا،و سوف يأتي تفصيل ذلك.ي.
ص: 132
و مثال الثاني:التفاضل بين الصحابة و عامة بني البشر و بين المعصومين كالملائكة و الأنبياء و أهل البيت عليهم السّلام.
و مثال الثالث:التفاضل بين نفس المعصومين أنفسهم،كالتفاضل بين الملائكة و الأئمة من أهل البيت و الأنبياء عليهم السّلام.
و ما نحن بصدد الكلام عنه هو التفاضل بين الصحابة و بين أهل البيت عليهم السّلام.
و عليه فعلي مبنانا لا وجه للتفاضل بينهم؛إذ ذوات أهل البيت المتصفة بالعصمة من اللّه المنان،مختلفة عن ذوات الصحابة غير المتصفة بذلك،فلا معني للبحث في التفاضل في الصفات.
و قد تقدّم و يأتي ما يدل علي ذلك في بحث آية التطهير الدالة علي عصمتهم،و أنها من اللّه منذ الأزل و إن شئت فعبر تكوينهم بإرادته التكوينية،و يأتي تفصيله في كتاب العصمة.
و لكن علي مبني القوم لا بد من هذا البحث،و نغض الطرف عن اختلاف الذوات.
أمّا التفاضل بين أهل البيت و الأنبياء عليهم السّلام فيأتي في الكتاب.
*رابعا:إنّنا إذا رجعنا إلي بعض الآيات القرآنية وجدناها تفضل علي اساس الصفات الحميدة التي يكتسبها الشخص قال تعالي: نَرْفَعُ دَرَجٰاتٍ مَنْ نَشٰاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (1)، هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ (2). لاٰ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قٰاتَلَ أُولٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ (3).
فَضَّلَ اللّٰهُ الْمُجٰاهِدِينَ بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَي الْقٰاعِدِينَ دَرَجَةً (4) .
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ (5) .
يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ (6) .
فمن يتصف بالعدل و الإنفاق و العلم و الشجاعة؛أفضل ممن لا يتّصف بذلك،و الناس في ذلك درجات عند ربهم.
و الآيات و الروايات صريحة في ذلك،و يكفي قصة آدم و الملائكة و كيف أنّ آدم فضّل علي الملائكة بالعلم الذي أعطاه اللّه إياه بقوله: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمٰاءَ (7).
و التفضيل-كما بات واضحا-يشمل الثواب في الآخرة و زيادة الأجر،و كذلك يشمل المنزلة8.
ص: 133
و الرفعة في الحياة الدنيا و عدم الإستواء.
-و إن شئت قلت:إن الإنسان إذا اتصف بالشجاعة و العلم و الزهد...
فإنه يصح أن يقال عنه:فلان شجاع أو عالم،فإذا كان علمه أو شجاعته أكثر من غيره فإنّا نقول:فلان أشجع و أعلم،فإذا قيل ذلك صح أن يقال:أنّ فلان أفضل من غيره في الشجاعة و العلم و نحوهما.
و عليه:و بما أنّ اتّصاف الإنسان بالشجاعة و العلم و الزهد و نحوهم سوف يستتبع عملا خارجيا يجسّده صاحبه،فإنّ ذلك بنفسه يستلزم زيادة الثواب و الأجر عند اللّه تعالي.
فمثلا إذا كان فلان أشجع أهل زمانه،فإنه سوف ينصر دين اللّه بهذه الشجاعة،و سوف يبلي بلاء حسنا في سبيل اللّه،و يدافع عن الإسلام أكثر من غيره،و هذا معني زيادة الثواب لعمله.
و أوضح منه من كان أعبد أهل زمانه،فإن أجره و ثوابه مضاعف عمّن دونه من العبادة للأعمال التي يقوم بها،و لصدق نيته الخالصة للّه تعالي.
و الخلاصة:إن الأفضل من يمتلك مزايا و خلالا أكثر من غيره،و هذا بنفسه يستلزم و يستوجب زيادة الثواب و القرب المطلق من الباري عز و جل.
*خامسا:أنّ الأفضل هل من يمتلك الحظ الأوفر في كل المزايا أم في قسم منها؟
و من الواضح كون الأفضل أفضل في كل شيء،لأنّ الأفضل إذا كان أفضلا في بعض الأمور و في البعض الآخر مفضولا لكان غيره فيها أفضل منه و هو خلف.
فالقانون الأساسي الذي يتحكم بالأفضلية،هو كل المزايا و الصفات الحميدة التي يحملها أو يحلّ بها أو يتصف بها،أو الأعمال التي يقوم بها علي طبق عمله المستتبع للثواب.
و عليه فلا مانع من وجود من يكون أفضل من بعض أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان يملك صفات أفضل و مزايا أعظم.
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (1) .
و هذا لا يلغي فضل أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ المعيار ليس هو مجرد الصحبة و إلاّ لكان من صحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو منافق،أو ارتدّ فيما بعد؛أفضل من المؤمن العابد الزاهد و المطيع للّه تعالي في كل أموره و أذمنته.
قال تعالي: فَمٰا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمٰالِ عِزِينَ أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (2).6.
ص: 134
و قال أمير المؤمنين:«خيرنا اتبعنا لهذا الدين» (1).
و أخرج الطبراني عن جبير عن أبي جمعة الأنصاري لأصحابه قال:كنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و معنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا:يا رسول اللّه هل من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك و اتبعناك؟
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما يمنعكم من ذلك و رسول اللّه بين أظهركم يأتيكم الوحي من السماء،بلي قوم يأتيهم كتاب اللّه بين لوحين فيؤمنون به و يعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا أولئك أعظم منكم أجرا» (2).
هذا إضافة إلي الروايات المتكثرة في فضل الإمام المهدي قائم آل محمد علي كثير من الصحابة كما تقدم و يأتي (3).
سادسا:أننا إذا أردنا أن نطبق هذه القواعد علي أمير المؤمنين عليه السّلام فإننا نجدها موافقة له دون غيره من الصحابة،و من تأملها مع الصفات المتقدمة له يدرك ذلك (4).
-القاعدة الأولي:فبعلي عليه السّلام توسّل الأنبياء قبل خلقه و قبل اتصافه بصفة معينة (5).
2-و علي عليه السّلام المتّصف بالعصمة الحقيقية و هي صفة ذاتية أزلية (6).
3-و علي عليه السّلام سيد المؤمنين كما تقدم.
4-و علي عليه السّلام بضربة الخندق حصّل ثواب الثقلين كما تقدم.
5-و علي عليه السّلام بالصفات التي اتّصف بها لم تكن لأحد (7)،و يكفي أنه أخو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، كما يأتي في حديث الموأخاة.
6-و علي عليه السّلام صدر من محمد و مبثته؛هو ربّاه و علّمه و رتّبه و هذّبه (8).
7-و علي عليه السّلام يدل علي محمد لأنه نفسه،فمدلول علي محمد (9).
8-و علي عليه السّلام حروفه تدل علي اللّه،فالله هو العلي.ا.
ص: 135
10-و علي عليه السّلام أعلمهم،فعلمه تعلق بأعلي مرتبة من علم اللّه أو علم رسوله (1).
11-و علي عليه السّلام تعلقت به ذرية محمد و الأئمة من بعده،و الذي منهم مهدي هذه الأمة عليه السّلام.
12-و علي عليه السّلام جاور محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حول العرش و علي باب الجنة و علي جناح جبرائل (2)، و قبل البعثة و بعدها (3)،و في كل حروبه سوي تبوك،و بيته كما تعلم،و قصره في الجنة كذلك (4).
13-و علي حلّ حب محمد في قلبه،لأنه أحب الخلق إليه كما تقدم.
14-و علي عليه السّلام أضيف إسمه إلي إسم رسول اللّه في مواطن،كحديث المؤاخاة و ما تقدم من كتابة اسميهما علي العرش و باب الجنة و جناج جبرائيل،و كونه صهر محمد و حبيب محمد و نفس محمد و...
15-و علي عليه السّلام ابن عم رسول اللّه و صهره و أبو ذريته.
16-و علي عليه السّلام نفعه أكثر من غيره،ففي زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قام الدين علي سيفه،و في زمن الخلفاء كانوا يرجعون إليه و لم يرجع إلي أحد منهم كما تقدم،و الفائدة التي حصلت منه أعظم من جميع الصحابة،و عنه جميع العلوم أخذت كما تقدّم و حتي يومنا هذا،و يكفي أنّ منه مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا.
17-تعرف من السادسة عشرة.
18-و علي عليه السّلام تأثيره أوسع،فقد شمل علمه علم التصوف و النحو و الفقه و القضاء،و عاش في الإسلام أكثر من الخلفاء فكان تأثيره أوسع.
19-و علي عليه السّلام خلق من نور اللّه أو من نور محمد فبنيته كبنية محمد،كما تقدم.
20-و علي عليه السّلام اختاره اللّه صهرا لمحمد و أخا له،و ناجاه دون غيره (5).
فهذه بعض تطبيقات هذه القواعد علي صفات أمير المؤمنين عليه السّلام.
***5.
ص: 136
في رد قول المخالفين و أدلتهم
إعلم أن أدلة القوم تتلخص في أمور:
1-أنّ المفضول الأقل علما و عملا قد يكون أعرف بمصالح الإمامة و مفاسدها و أقدر علي القيام بمواجبها.
2-الصلاة التي صلاّها أبي بكر بالناس.
3-عمل الخلفاء الراشدين بل و خلافتهم.
فإنّ الإمام المفضول بما ذا يكون أعرف بالمصالح؟.
و لما ذا يقدر علي ضبط الأوضاع؟
فإن الأفضل أفضل في كل شيء،فهو الأعلم بالأحكام الشرعية،و الأقدر علي درك القضايا العرفية،و الأعلم في القضاء و التفسير و الأعدل و الأورع و الأسيس و...،فكيف يكون المفضول الجاهل-بالنسبه للأعلم-بالأحكام و الذي يحار في كل قضية لا يبصر الواقع إلاّ بعد أن يقع في الخطأ أو بعد أن يستشير الأعلم و الأفضل.
كيف يكون هذا أعرف بمصالح الإسلام؟
و هل معرفة مصلحة الإسلام و المسلمين تنفك عن معرفة حكم الإسلام و المستمد من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة!
و يكفينا التمسك بالروايات المتواترة في هذا المجال (1).
و هل ضبط الأوضاع السياسية يكون بغير الإمام الأعدل و الأرأف بالرعية و الأبصر بالقضية و الأقسم بالسوية بين المسلمين! (2).
و لعمري متي كان تقديم المفضول أدفع للشر؟!
و هل يأتي الشر إلاّ من الجهل و التخبط في إصدار الأوامر اللاّشرعية،و البعيدة عن حكم القرآن الناتجة عن عدم العلم بالقرآن و تأويله تأويلا صحيحا.
و سوف يأتي نموذج من ذلك من عمل الصحابة و أثره علي المجتمع.
ص: 137
و أين ما أسسوه في القواعد:
*قال إمام الحرمين الجويني في الإرشاد إلي قواطع الأدلة في أصول الإعتقاد ص:436:
من شرائط الإمام أن يكون من أهل الإجتهاد بحيث لا يحتاج إلي استفتاء غيره في الحوادث و هذا متفق عليه (1).
*و قال السفاريني:
و لا غني لأمة الإسلام في كل عصر كان عن إمام
يذب عنها كل ذي جحود و يعتني بالغزو و الحدود
و فعل معروف و ترك نكر و نصر مظلوم و قمع كفر
و أخذ مال الفيء و الخراج و نحوه و الصرف في منهاج
و نصبه بالنص و الإجماع و قهره فحل عن الخداع
و شرطه الإسلام و الحرية عدالة سمع مع الدريّه
و أن يكون من قريش عالما مكلفا ذا خبرة و حاكما
و كن مطيعا أمره فيما أمر ما لم يكن بمنكر فيحتذر (2)
و سوف يأتي نموذج من عدم استغناء المفضول عن استفتاء الفاضل عما قريب.إلاّ إذا كان مراد التفتازاني أن تقديم أبي بكر و عمر للخلافة كان أدفع للشر من جهة أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام علم أنه لو أراد المطالبة بحقه بالسيف لارتد المسلمون و عادوا إلي الجاهلية.
و هذا هو الذي صرّح به أمير المؤمنين علي عليه السّلام بقوله:
«بايع الناس لأبي بكر و أنا و اللّه أولي بالأمر منه و أحق به منه،فسمعت و أطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف» (3).
و قال عليه السّلام:«فو الله ما كان يلقي في روعي و لا يخطر علي بالي أن العرب تعدل هذا الأمر عني،فما راعني إلاّ إقبال الناس علي أبي بكر و إجفالهم عليه،فأمسكت يدي،و رأيت أنّي أحق بمقام محمد في الناس ممن تولي الأمر علي...فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أري في الإسلام ثلما» (4).ق.
ص: 138
و نحو هذه العبارات التي تقدمت مفصلا.و هي إمّا تدل علي نص الرسول عليه عليه السّلام و إما تدل علي وجوب تقدم الفاضل.
و أما قولهم أن عمر جعل الإمامة في ستة،فأولا هو عين المتنازع فيه كما يأتي.
و ثانيا:عمر لم يجعل الإمامة في ستة بل جعل ستة لاختيار الإمام الواحد،مع ما في الشوري من تنازع و تخالف.
و قيل:من أدلة تقديمهم المفضول أن العاقدين خافوا أن يلي الفاضل عليهم فيرتد إلي الكفر قوم منهم لما في نفوسهم عليه من الأحقاد،و ما بينه و بينهم من الغوائل فوجب تأخيره و تقديم من دونه ليؤمن من وقوع هذا الحال.
و هذه من الأمور المضحكة للثكلي؛فهو أولا:إعتراف بوجوب تقديم الأفضل.
ثانيا:إن العلة التي امتنعوا من أجلها تقديم الفاضل هي حقدهم عليه و هذا إن صح فإنه لا بدّ أن يكون علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أكثر،فهو الذي أمر الفاضل بقتل و قتال قريش،و لو قال العاقدون نخرج عن الإيمان إذا لم نخلع الخليفة بعد العقد له،هل كان يجب خلعه؟!
و لما ذا تستنكرون علي العاقدين خلع عثمان بن عفان؟!
و كأنهم لا يقرؤون القرآن فكم هي الشواهد كثيرة في تقديم الأفضل و إن استلزم منه ارتداد الناس و الكفر بالرسل و الأنبياء،كم هي قصة هارون و موسي قريبة من ذلك،و علي كهارون و محمد كموسي.
أفلم يستخلف موسي عليه السّلام هارون بأمر من اللّه تعالي مع علم اللّه تعالي-و موسي-بأنّ بني اسرائيل سوف يرتدّوا بعد استخلاف هارون؟!
و أين قصة داود و جالوت و قومهما؟
فقد كره قومهما خلافة و إمارة جالوت فقالوا: أَنّٰي يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ.
فلم يقل اللّه سبحانه و تعالي و داود لا بدّ أن تقدّم المفضول كي لا يرتدّ الناس،بل قدّم الفاضل و قال: إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ (1).
فالحكمة قاضية بتقديم الأفضل،بل هو الأدفع لأشر الشرور،و حكم العقل في ذلك فطري.
ص: 139
و من حجّتهم في تقديم أبي بكر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إستخلفه علي الدين فكيف لا نستخلفه علي الدنيا.
فعن أبي مسعود قال عمر:يا معشر الأنصار أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه قد أمر أبا بكر أنّ يؤم الناس فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر (1).
فقال الناس قد رضينا لدنيانا ما رضيه الرسول لديننا (2).
و يؤيدون هذه الحجة أن رسول اللّه صلي وراء أبي بكر فهو ارتضاه و جعله.
*و لنا علي ذلك ملاحظات:
الملاحظة الأولي:إنّ صلاة أبي بكر بالناس غير مسلمة فالروايات علي أقسام:قسم يقول أنّ النبي هو الذي صلي (3).
و قسم يقول عمر.
و قسم يقول أبا بكر و قسم يقول الرسول و الناس صلّت بتكبيرة أبا بكر بمعني إنّه كان يجهر بصلاته فظن الناس إنّه هو الإمام.
و بعضها علي أن الرسول أمره.
و بعضها أن عائشة.
و بعضها أنّ صلاته لم تكن عن طلب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).
و بعضها أنّ بلال عرضها علي أبي بكر.
و بعضها أنّه صلي عشرة أيام،مع أنّهم رووا انقطاع النبي عن الصلاة ثلاثة أيام (5).
فروي الطبراني عن ابن عباس قوله:«فائتم أبو بكر بالنبي و ائتم الناس بأبي بكر» (6).ر.
ص: 140
و في رواية:«فدعا بعلي و ابن عباس و انكب عليهما و خرج إلي المسجد و صلي ثم قال يا معشر المسلمين» (1).
و في رواية:«و كان رسول اللّه يصلي بالناس قاعدا و أبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول اللّه و الناس يقتدون بصلاة أبي بكر» (2).
فهذه الروايات صريحة أنّ الذي صلي بالناس و كان إمام جماعتهم هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إن توهم الناس أن الإمام هو أبو بكر.
و بعض الروايات علي أن عمر صلي بهم:
كما روي عن الزهري و ابن زمعة في رواية قال:«إنّ رسول أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فصلي عمر» (3).
الملاحظة الثانية:أنّه لو سلمنا استخلاف رسول اللّه أبا بكر في الصلاة،فإنّ ذلك لا يوجب التقدم لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم استخلف كثيرا من الناس في غزواته و سراياه كابن أم مكثوم و ابن رواحة و غيرهما كثير و كانوا يصلّون بالناس مدة غيابه (4).
فإنّ العلة هي غياب الرسول عن المسجد،سواء كان هذا الغياب لأجل المرض أم السفر أم غير ذلك.
إن قيل:استخلاف الرسول أبا بكر قبيل وفاته يعطي اهتماما أكثر و عناية منه إليه.
قلنا:أولا:هم علي أنّ الرسول لم يستخلف لأمته و هذا الفعل إمّا أن يكون استخلافا و إمّا لا يكون.
ثانيا:استخلافه علي الصلاة مرة واحدة يعطي عناية،و استخلاف أمير المؤمنين علي أهله و أمته و قضاء دينه و غسله و دفنه و الصلاة عليه ورد أماناته و إعطائه دابته و سلاحه و عمامته و نحو ذلك كثير،كل ذلك لا يعطي عناية و إشارة إلي الميل لاستخلافه؟!
ثالثا:قد يكون استخلاف ابن أم مكثوم أفضل و فيه عناية أكثر من استخلاف أبي بكر لتكرار استخلاف الرسول ابن أم مكثوم علي المدينة و صلاته بالناس أكثر من ثلاث مرات و لمدة طويلة، و لكون الإستخلاف ليس فقط علي الصلاة و بجماعة داخل المسجد،بل علي الناس و المدينة،و كأنهه.
ص: 141
أصبح مكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في أمره و نهيه.
رابعا:علي أنّ استخلاف الصلاة كان لأمر الدين أمّا الإستخلاف علي المدينة ففيه أمر الدين و أمر الدنيا و هو أقرب للإمامة و الخلافة.
خامسا:صلي نافع و سالم إماما بالناس و صلي خلفه عمر و أبي بكر،فلزم كونهما الخليفة دون أبي بكر (1).
*الملاحظة الثالثة:إنّ صلاة النبي خلف أبي بكر مع كونها من الروايات المحرّفة و عدم اتفاق الروايات عليها،فإنّ النبي صلي خلف عبد الرحمن بن عوف،كما اتفقوا عليه من رواية المغيرة.
حتي قال لهم بعد الصلاة:«أحسنتم هكذا فافعلوا».
و في المسند:«أصبتم و أحسنتم» (2).
فلما ذا يقال بخلافة و تقدم أبي بكر فقط؟!
مع أن عبد الرحمن أتم صلاته إماما،أما أبا بكر فقد صلي بعض الصلاة إماما،بناء علي صحتها.
علي أنّهم رووا صحة الصلاة خلف البر و الفاجر (3).
قال أحد البكرية للكراجكي:صلاة أبي بكر أجل و هو بالخلافة أولي من عبد الرحمن و أحق، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قدّم أبا بكر و الأمة قدمت عبد الرحمن،فمن قدّمه رسول اللّه أولي بالأمر ممن قدمه الناس.
فقال الكراجكي رحمه الله:إن لخصمك إذا سلّم أن رسول اللّه قدّم أبا بكر أن يقول:بل صلاة عبد الرحمن أجلّ و أفضل و هو بالخلافة أولي من أبي بكر و أحق،لأن تقديم النبي إنما دل علي أنه قد رضيه إماما لمن حضر من أمته في المسجد،و صلاته خلف عبد الرحمن تدل علي أنه قد رضيه لنفسه و لأمته،و من رضيه النبي في الصلاة لنفسه و أمته أحق بالخلافة ممن نصبه النبي إماما في الصلاة لبعض أمته،فتحير (4).
أقول:بناء علي أن النبي لم يستخلف لعدم حاجة الأمة لذلك لا يحمل تقديم أبا بكر-إن..
ص: 142
صح-للصلاة استخلافا و لا أحقية في ذلك.
أمّا تقديم الناس عبد الرحمن و العقد له علي إمامتهم في الصلاة،و التي هي أفضل العبادات «و من أم الناس في الصلاة أحق بالخلافة»كما روي عن عمر (1)فأولي،لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رأي ذلك و رضيه و أتم بذلك الصلاة و أيّده بعد الفراغ منها و استحسنه.
*الملاحظة الرابعة:إن صلاة النبي خلف أبي بكر لا تجوز للزومها فضل أبي بكر علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،لفضل كل إمام علي المأمومين،كما وردت في ذلك الروايات (2).
لذا أجمعت الخاصة و العامة علي تفضيل الإمام المهدي(عج)علي النبي عيسي عليه السّلام لصلاته خلفه (3).
إن قيل:فصلاته خلف عبد الرحمن بن عوف؟
قلنا:القاعدة فضل الإمام علي المأموم و لا يجوز للنبي تقديم غيره،كما لا يجوز لغيره تقدمه.
و هذا كما يبطل صلاة النبي خلف أبي بكر،يبطل صلاته وراء عبد الرحمن.
*الملاحظة الخامسة:أنّ صلاة أبي بكر بالناس لا يوجد لها زمان،فإنه قبل مرض النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان في جيش أسامة (4).
و قبل وفاة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان في السنخ (5).
بل بعض الروايات أنه رجع بعد ثلاثة أيام من وفاة النبي (6).
فكيف كان يصلي بالناس!!؟
*الملاحظة السادسة:دعوي كون الصلاة مشيرة إلي رضي رسول اللّه بأبي بكر خليفة لا دليل عليها سوي تصحيح خلافته،و إلاّ القرائن علي خلافها،فمثلا نفس إرسال النبي أبا بكر في جيش أسامة دليل علي عدم رغبة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بصلاة أبي بكر بالناس.
و إذا كانت الصلاة مؤشرا للخلافة فلما ذا تنهي عائشة و تعترض علي صلاة أبيها بالناس؟!2.
ص: 143
هذه بعض روايات الباب و بعض الملاحظات،و لمن أراد المزيد فليرجع إلي كتاب ابن الجوزي الذي ألّفه لإبطال صلاة أبي بكر بالناس بالأدلة المفصّلة.
إنّ عمل الخلفاء لا يوجب الحجة لأنه عين المتنازع به،فكيف يستدل بخلافة أبي بكر علي جواز تقدم المفضول الذي هو أول المفضولين؟!
أم كيف يستدل بفعل عمر يوم الشوري علي ذلك؟!
فإذا ثبت قبح تقدم المفضول فتقدم الخلفاء في غير محله.
و إذا ثبت حسنه فخلافة أبي بكر و عمل عمر لا يؤثران،فليسا من الأدلة في شيء.
علي أنه معارض بعمل أبي بكر و عمر،فإنهما نصا علي شخص أو أشخاص محدّدين و لم يستخلفا استخلافا،و لا تركا الأمر للأمة،و لا فسحا المجال حتي لإعادة سقيفة بني ساعدة!.
فكثير من علماء العامة تعصبا قالوا بجواز تقدم المفضول،بل بحسنه لكي يبرروا عمل الخلفاء،و إلاّ فهم في قرارة أنفسهم يحكمون بقبح تقدم الجاهل علي العالم،و لا أقل في إمامة الجماعة،كما يأتي في الروايات قريبا،و التي هي من إحدي أدلتهم علي تقدم أبي بكر.
و من تتبع كلمات القوم يجد أن أدلتهم في الإمامة أخذوها جميعا من فعل أبي بكر و عمر، فمثلا:
قال القاضي اللايجي بعد ذكر كونه من بني هاشم و عالما بجميع مسائل الدين و ظهور المعجزة علي يده:و يبطل الثلاثة أنّا ندل علي خلافة أبي بكر و لا يجب له شيء مما ذكر.الخامسة:أن يكون معصوما و يبطله أنّ أبا بكر لا يجب عصمته اتفاقا (1).
و قال:تثبت ببيعة أهل الحل و العقد خلافا للشيعة:لنا ثبوت إمامة أبي بكر بالبيعة (2).
و قال أبو الثناء:و لا يشترط فيه العصمة،لنا إمامة أبي بكر (3).
و قال الماوردي:لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد و الحل...و هذا مرفوع ببيعة أبي بكر (4).
و علي حد قوله قال الجويني في الإرشاد ص:424 (5).
و قال القرطبي في تفسيره:و دليلنا أنّ عمر عقد البيعة لأبي بكر و لم ينكر أحد من الصحابة ذلك (6).
ص: 144
و هذا بناء علي أنّ علي بن أبي طالب و أبو سفيان و سلمان و فاطمة عليهم السّلام و الزبير و سعد و...
ليسوا من الصحابة عند الجويني،و إلاّ فتقدم إنكارهم و تصريحهم به؟!
و بكلمة مجملة:ما ذكروه من أدلة كان ناتجا من تبرير خلافة الخلفاء،أما لو كان هناك أدلة من القرآن و الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لذكروها،بل علي العكس الأدلة علي تقدم الفاضل كما سوف نشرع فيه تفصيلا.
***
في أدلة تقدم الفاضل علي المفضول
بعد أن عرفت منهج القوم و أنّه مخالف للفطرة السليمة و الذوق الحسن يسهل علينا دعوي أنّ قبح تقدم المفضول أمر فطري يحكم به كل عاقل إذا خلّي و الظروف السياسية للإمامة.
قال ابن حجر[مع أنه قائل بحسن تقدم المفضول] (1)«علي أصل القادعة من اقتداء المفضول بالفاضل» (2).
و لذا ما نأتي به من أدلة فإنها أشبه بمؤيدات لهذا الحكم الفطري و الوجداني.
و أدلتنا أولا من القرآن الكريم ثم من السنّة ثم من العقل،مع ذكر أقوال العلماء.
***
الآيات القرآنية
و ذلك بعدة آيات الأولي:
قٰالُوا أَنّٰي يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمٰالِ قٰالَ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ (3) .
مٰا نَرٰاكَ إِلاّٰ بَشَراً مِثْلَنٰا وَ مٰا نَرٰاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرٰاذِلُنٰا بٰادِيَ الرَّأْيِ وَ مٰا نَريٰ لَكُمْ عَلَيْنٰا مِنْ فَضْلٍ.. (4) .
ص: 145
فالمرتكز في نفوس الناس أن صاحب الفضيلة و الفضل و من تقدم علي قومه ببعض المزايا، ككونه أعلم و أشجع قومه،هو صاحب السيادة و الملك و قيادة الأمة أو الجيوش هذا من جهة.
و من جهة أخري هناك بعض الناس و من باب المحافظة علي كيانها الشخصي و مصالحها الذاتية،تفهم أن السيادة من حق أصحاب الأموال كصفة مادية،و أن الفقراء لا نصيب لهم بالخلافة،فأجابهم اللّه أن المعيار في السيادة و الملك هو الفضائل النفسية التي يتمتع بها الشخص، ككونه عالما و شجاعا.
و علة ذلك أن قيادة الأمة تحتاج إلي علم بكل شيء في الأمة لكي يتمكن القائد و الخليفة من ضبط الأمور السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية،هذا إضافة إلي الشجاعة التي لا بدّ أن يتحلي بها ليستطيع أن يحكم بما يعلم،و ليقتدي به الناس في الجهاد و ليضبط الأوضاع العامة.
و لذا جاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام باحتجاجه بهذه الآية علي خلافته و تقدمه علي معاوية،فقال عليه السّلام بعد ذكر الآيات المتقدمة:
«أيها الناس إنّ لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أنّ اللّه جعل الخلافة و الأمر من بعد الأنبياء في أعقابهم،و أنه فضّل طالوت و قدّمه علي الجماعة باصطفائه إياه و زيادته بسطة في العلم و الجسم، فهل تجدون اللّه اصطفي بني أمية علي بني هاشم،و زاد معاوية عليّ بسطة في العلم و الجسم» (1).
و عن علي بن موسي الرضا عليه السّلام في وصف الإمامة و الإمام:«إن الأنبياء و الأئمة يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم،فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله عز و جل:
أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْديٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
و قوله عز و جل في طالوت: إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ... (2).
قال القرطبي:يجب أن يكون أفضلهم في العلم لقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تتشفعون،و في التنزيل في وصف طالوت: إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ (3).
و قال الفخر الرازي في معرض تفسير الآية:إن هذه الآية تدل علي بطلان قول من يقول:أنّ الإمامة موروثة،و ذلك لأنّ بني إسرائيل أنكروا أن يكون ملكهم من لا يكون من بيت المملكة، فأعلمهم اللّه تعالي أن هذا ساقط،و المستحق لذلك من خصّه اللّه تعالي بذلك.
الي أن قال:إنّ العلم بأمر الحروب و القوي الشديد علي المحاربة يكون الإنتفاع به في حفظ
ص: 146
مصلحة البلد،و في دفع شر الأعداء أتم من الإنتفاع بالرجل النسيب الغني إذا لم يكن له علم بضبط المصالح،و قدرة علي دفع الأعداء فثبت بما ذكرنا أن إسناد الملك إلي العالم القادر أولي من إسناده إلي النسيب الغني (1).
و قال سيد المفسرين:الغرض من الملك أن يدبر صاحبه المجتمع تدبيرا يوصل كل فرد من أفراده إلي كماله اللائق به،و يدفع كل ما يمانع ذلك،و الذي يلزم وجوده في نيل هذا المطلوب أمران:أحدهما العلم بجميع مصالح حياة الإنسان و مفاسدها.
و ثانيهما:القدرة الجسمية علي إجراء ما يراه من مصالح المملكة (2).
إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ (3) .
و بعد ملاحضة الروايات التي تشير إلي أنّ المنذر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الهادي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام،أو أنه رجل من بني هاشم كما يأتي.
و بعد ملاحظة معني الآية و أنها تكشف عن وجود إمام في كل قوم يهديهم إلي صراط العزيز الحميد؛فإنّ الهداية لا تتحقق إلاّ بأمور:
أ-ان يكون الهادي عالما بجميع ما جاء به النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الأحكام و بمختلف مجالاتها،و إلاّ لما صدق كونه هاديا لهم علي وزان إنذار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
ب-أن يقوم بتنفيذ جميع الأوامر و النواهي الشرعية بحيث لا يقع الإخلال منه بشيء منها.
ج-أن يكون مصيبا في كل أقواله و أفعاله و أوامره،و إلاّ لم يكن هاديا بل كان ضالا.
و إنّما تتم هذه الأمور إذا كان أفضل و أعلم الأمة،لوضوح أن الجاهل ببعض الأحكام لا يستطيع أن يهدي غيره إليها،و لو لإحتمال الإخلال في الأداء لعدم عصمته،و قد قيل:فاقد الشيء لا يعطيه.
و آثار ذلك تتضح فيمن راجع سيرة الخلفاء و هديهم،و كيف كان بعضهم لعدم علمه يقع في الخطأ و يوقع الأمة في الضلالة،و سوف نوقفك علي بعض نماذجها أعاذنا اللّه و إياك من الإنحراف و الزلل.
ص: 147
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ... (1) .
يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ (2) .
قال القاضي:لا شبهة أنّ علم العالم يقتضي لطاعته من المنزلة ما لا يحصل للمؤمن،و لذلك فإنه يقتدي بالعالم في كل أفعاله و لا يقتدي بغير العالم،لأنه يعلم من كيفية الإحتراز عن الحرام و الشبهات و محاسبة النفس ما لا يعرفه الغير،و يعلم من كيفية الخشوع و التذلل في العبادة ما لا يعرفه غيره،و يعلم من كيفية التوبة و أوقاتها و صفاتها ما لا يعرفه غيره،و يتحفظ فيما يلزمه من الحقوق ما لا يتحفظ منه غيره،و في الوجوه كثرة (3).
*أقول:و من الوجوه عدله في المجتمع و صحة قضائه و حكمه،فإن العامل بعلمه يسدد في مسيرته الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية،العلم يجعل صاحبه مصيبا في كل ما يصدر منه،و حكيما في كل ما يصدّره،فكيف يقال بتساوي من يعلم مع غيره الأقل علما؟و المؤمنون قسمان:عالم و جاهل،و العالم قسمان:أعلم و دونه في العلم،و اللّه يرفع الذين آمنوا و أوتوا العلم درجات،فالرفع للذين أوتوا العلم كل له درجات علي حسب علمه.لذا قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«نحن الذين يعلمون» (4).
هذا،و يحتمل تفسير الذين يعلمون أو أوتوا العلم بفئة علي الخصوص،أي بأئمة العدل و الخلفاء دون غيرهم،و ذلك أنّ اللّه يرفع من أوتي العلم فيراد بالعلم العلم بكل شيء(يحتاجه الناس) (5)،حيث أنّ تفسيره بعامة الناس لا يحقق الغرض المرجو،و اللّه و أهل بيت رسوله أعلم.
***
النص علي علي عليه السّلام من الروايات الشريفة
و هي علي طوائف:
ما ورد في النهي عن تقديم المفضول و طاعة أمراء السوء
-أخرج الطبراني عن عابس الغفاري قال:إني أخاف أن يدركني ست سمعت رسول اللّه
ص: 148
يذكرهن:«الجور بالحكم و التهاون في الدماء،و إمارة السفهاء،و قطيعة الرحم،و كثرة الشرط، و تقديم القوم الرجل ليس بأفقههم و لا بخيرهم ليغنيهم بالقرآن» (1).
و في لفظ آخر:«يقدّمون الرجل ليس بأفقههم في الدين و لا بأعلمهم و فيهم من هو أفقه منهم و أعلم،يقدّمونهم يغنّيهم غناء» (2).
و في لفظ أصرح فيه:«يقدمون الرجل ليس بأفقههم و لا أفضلهم» (3).
-و في الأوسط بلفظ:«يتخوف علي أمته ست خصال...يقدّمون الرجل ليس بأفقههم و لا أعلمهم و لا بأفضلهم يغنيّهم غناء» (4).
-و أخرج مسدد بإسناد حسن و صححه الحاكم عن ابن عباس رفعه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
«من استعمل رجلا علي عصابة و في تلك العصابة من هو أرضي للّه منه فقد خان اللّه و خان رسوله و خان جميع المؤمنين» (5).
«سيكون أمراء تعرفون و تنكرون فمن نابذهم نجا و من اعتزلهم سلم و من خالطهم هلك» (6).
و قال عمر:أما إنّ رسول اللّه قد قال:«إنّ اللّه يرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين» (7).
و في رواية عبادة بن الصامت:«سيكون عليكم أمراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرفون و يعملون بما تنكرون فليس أولئك عليكم بأئمة» (8).
و نحو ذلك من الروايات الناهية عن إطاعة الخليفة الأقل معرفة أو الجائر و ذلك بسبب ارتكابه أمور:
كونه ظالما،تاركا للصلاة،العمل بغير ما يعمل الناس الدال علي قلة علمه،تقديم شرار الناس علي خيارهم (9).ب.
ص: 149
حتي أفتي البعض بوجوب الخروج علي أئمة الجور (1).
و عن سلمان:قلت:يا رسول اللّه إن لكل نبي وصيا[وصيي]فمن وصيك؟
فسكت عني،فلما كان بعد رآني فقال:«يا سلمان»،فأسرعت إليه.
قلت:لبيك.
قال:«تعلم من وصي موسي عليه السّلام؟»
قلت:نعم يوشع بن نون.
قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لم؟
قلت:لأنه كان أعلمهم يومئذ.[قال]:فإن وصيي[و أعلم أمتي]و موضع سري و خير من أترك بعدي و ينجز عدّتي و يقضي ديني علي بن أبي طالب».
و روي أيضا عن أنس بن مالك (2).
و عنه في قصة محاورة الجاثليق لأبي بكر قال الجاثليق:«يا هذا أخبرني كيف استجزت لنفسك أن تجلس هذا المجلس و أنت محتاج إلي علم غيرك،فهل في أمة نبيكم من هو أعلم منك؟
قال:نعم.
قال:ما أعلمك و إياهم إلاّ و قد حمّلوك أمرا عظيما و سفهوا بتقديمهم إياك علي من هو أعلم منك» (3).
و عن ابن مطعم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال في حق زيد[الذي تقول فيه عائشة:«لو بقي حيا لاستخلفه رسول الله]» (4):«خير أمراء السرايا زيد بن حارثة أقسمهم بالسوية و أعدلهم في الرعية» (5).
و أخرج ابن راهويه عن ابن بريدة قال:قال عمر لأبي بكر لما منع عمرو(يعني ابن العاص) الناس أن يوقدوا نارا:«أما تري ما يصنع هذا بالناس؟يمنعهم منافعهم».
فقال أبو بكر:«دعه فإنّما ولاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علينا لعلمه بالحرب» (6).ب.
ص: 150
فالأعلم بالحروب يقدم و الأعلم أفضل من دونه علما.
و عن جعفر بن محمد عليه السّلام في تعليل بيعة زيد قال:«بايعوه،فهو و اللّه أفضلنا و سيدنا» (1).
و قال الحسن:«قتل عثمان مظلوما فعمدوا إلي أفضلهم فبايعوه» (2).
و نبّه أمير المؤمنين عليه السّلام علي ذلك في سقيفة بني ساعدة بقوله:«لنحن أحق الناس لأنّا أهل البيت و نحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القاريء لكتاب اللّه الفقيه في دين اللّه العالم بسنن رسول اللّه المضطلع بأمر الرعية المدافع عنهم الأمور السيئة القاسم بينهم بالسوية؛و اللّه إنه لفينا فلا تتبعوا الهوي فتضلوا عن سبيل اللّه فتزدادوا من الحق بعدا» (3).
و قال عليه السّلام:«إنّ أولي الناس بهذا الأمر أقربهم من رسول اللّه و أعلمهم بكتاب اللّه عز و جلّ و أولهم إسلاما و أكثرهم جهادا» (4).
و قال جابر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي بن أبي طالب أقدم أمتي سلما و أكثرهم علما و أصحهم دينا و أفضلهم يقينا و أكملهم حلما و أسمحهم كفا و أشجعهم قلبا و هو الإمام و الخليفة بعدي» (5).
و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما ولّت أمة قط أمرها رجلا و فيهم أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتي يرجعوا إلي ما تركوا» (6).
و قال المقداد:«واعجبا لقريش و دفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم و منهم أول المؤمنين و ابن عم رسول اللّه اعلم الناس و أفقههم في دين اللّه و أعظمهم غناء في الإسلام و أبصرهم بالطريق و أهداهم للصراط المستقيم» (7).
أخرج الحاكمي عن معاذ عن رسول اللّه و غيره عن أبي ذر أنه سمع عليا يقول يوم الشوري:
«فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنت أقومهم بأمر اللّه و أوفاهم بعهد اللّه و أعلمهم بالقضية و أقسمهم بالسوية و أرأفهم بالرعية غيري؟
قالوا:لا» (8).2.
ص: 151
و عن أنس:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إمام القوم وافدهم إلي اللّه فقدّموا أفضلكم» (1).
فالرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين و الحسن يبينان صفات الخليفة التي لا بدّ أن تتوفر فيه و أنه الأفضل،و هكذا فهم المقداد و أبو ذر و عمر و أنس و أبو بكر و غيرهم من الصحابة.
ما ورد في تقديم إمام الصلاة و هي حجّتهم في تقديم أبي بكر
فعن ابن مسعود:قال عمر:«يا معشر الأنصار أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟» (2).
و في لفظ:«لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره»أورده ابن الجوزي في الموضوعات (3).
و سوف يأتي أن روايات إمام الجماعة توجب تقدم الأعلم بالسنة أو بالقرآن،و هو عين ما ندعيه من إمامة الفاضل العالم.
و يكون قياس إمامة الصلاة علي إمامة المسلمين إمام باعتبار الإلزام،فهي حجتهم علي كل حال،و إما للروايات الصريحة،نحو:
ما ورد في مسند عمر:«من أمّ الناس في الصلاة أحق بالخلافة» (4).
و عن واثلة:«اصطفوا،و ليتقدمكم في الصلاة أفضلكم فإنّ اللّه يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس» (5).
و عن ابن عمر و مرثد:«إن أردتم أن تزكّوا صلاتكم فقدّموا خياركم»،أخرجه الدارقطني و البيهقي (6).
و لمرثد لفظ:«إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمّكم خياركم[علماؤكم]فإنهم وفدكم فيما بينكم و بين ربكم» (7).
ص: 152
و عن أبي هريرة:«و إذا أمّكم فهو أميركم» (1).
و إما لأهمية الصلاة علي الأمور الأخري حيث أنها أساس الدين و عاموده.
فقد أخرج الطبراني و الترمذي و غيرهم عن أبي مسعود الأنصاري قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«[أحق القوم بأن يؤمهم]يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة» (2).
و زيد في رواية:«فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما» (3).
و عن ابن مسعود و أبي مسعود و عقبة بن عمرو في أحاديث صحيحة:«يؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأفقههم في الدين،فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن» (4).
و في الجامع الصغير عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ليتقدمكم في الصلاة أفضلكم» (5).
و عن مرثد بن أبي مرثد الغنوي:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم،فإنهم وفدكم فيما بينكم و بين ربكم» (6).
*أقول:و هنا استنتاجات:
أنه ليس المراد بقراءة القرآن مجرده أو حفظه و إلاّ فأبي أقرؤهم و معه لا تتم حتي خلافة أبي بكر.
فلعل المراد الأعلم بالقرآن و بأحكام الإسلام المأخوذة منه،و في الروايات ما يشير إلي ذلك.
من ذلك ما ورد في حق أمير المؤمنين عليه السّلام عن عطاء و عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي:
«ما رأيت[قريشيا قط]أحد كان أقرأ للقرآن[لكتاب الله]من علي» (7).
و عن ابن عباس قال:«دعا عبد الرحمن بن عوف نفرا من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فحضرت2.
ص: 153
الصلاة،فقدّموا علي بن أبي طالب لأنه كان أقرأهم» (1).
و قال عمر:«أعلمنا بالقضاء و أقرؤنا للقرآن علي» (2).
فمع تسالمهم علي أنّ أبي أقرأ رووا ذلك،ليعرف أنّ ما ورد للخلافة يراد منه الأعلم بتأويله و بأحكامه التي يحتاجها الخليفة،و ما ورد لغير ذلك يكون لصوته الحسن أو ما شابه ذلك،كما ورد بحق أبي.
و هذه الروايات تنطبق علي أمير المؤمنين عليه السّلام لتكون إضافة إلي وجوب تقدم الأفضل نصا في تقدم علي عليه السّلام علي الخلفاء.
و أما كونه عليه السّلام أعلمهم بالسنّة فتقدم ذلك.
و يمكن القول بكونه عليه السّلام السابق إلي الهجرة،و ذلك إما بملاحظ ما روي عنه عليه السّلام:«إني ولدت علي الفطرة و سبقت إلي الإيمان و الهجرة» (3).
و إما بتفسير الهجرة-و الذي هو المتعين-بهجرة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الأولي إلي أحياء العرب عن مكة، و كان علي بصحبته في أكثر الأحيان منفردا،و في بعضها مع زيد و أبي بكر (4).
و إما يقال أن أبا بكر لم يسبق عليا في هجرته إلي المدينة،لأنّ الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أبا بكر مدة المكوث في الغار ثلاثة أيام،و هي التي تأخّرها علي في مكة و لحق بهم في قباء،و نزل علي ابن هدم الذين نزل عنده الرسول،بينما نزل أبو بكر علي خبيب بن إساف.كما أخرجه ابن هشام و المقريزي (5).
خاصة مع ملاحظة أنّ عليا هو الذي كان يأتيهما بالطعام،فهو هاجر معهم و تأخّر عنهم لمصلحة عامة،أهم من المكوث في الغار،ثم دخل المدينة معهم (6).
إن قيل:عند ما تطلق الهجرة يراد بها الهجرة إلي المدينة و التي سبق إليها أبا بكر.
ص: 154
قلنا:أولا:هذا لا يفيد إمامة أبي بكر فهو آخر من هاجر إليها.
ثانيا:لا نسلم تقدم هجرة أبي بكر إليها،بل نقول بتقدم هجرة علي لنزوله علي ما نزل عليه الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فالهجرة هجرة للرسول و البقية تبع له.
ثالثا:لا نسلم ذلك الإطلاق،فالهجرة كما تطلق عليها تطلق أيضا علي هجرة النبي إلي القري،كما تقدم،و كذلك تطلق علي هجرة المسلمين إلي أرض الحبشة.
قال رسول اللّه لأسماء بنت عميس عند ما عنفها عمر لتأخير هجرتها:«بلي لكم هجرتان هجرتكم إلي الحبشة و هجرتكم إلي المدينة».صححه الحاكم و الذهبي (1).
لذا إذا أردنا أن نأخذ بمضمون الأحاديث التي تجعل التقدم للأسبق هجرة بقول مطلق،فإننا نقف أمام حيرة،سواء من ناحية مكان الهجرة أو صفتها.
فلا بد من إرادة نوع خاص من الهجرة،و هي ما ذكرنا من هجرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام إلي أحياء العرب.
أي الهجرة الأولي و الأسبق،و بذلك يصدق أنّ عليا أول من هاجر مع رسول اللّه أو إلي اللّه سبحانه و تعالي.
نعم إذا فسّرنا الهجرة بهجرة الحبشة،فلا تفيد فيما نحن فيه،لأن المهاجرين إليها لا سبيل للقول بإمامتهم.
و إن فسرت الهجرة بالهجرة إلي المدينة بقول مطلق فأيضا؛لأن أبي بكر ليس بأول سابق إليها.
نعم،يبقي أن نرجح بصفة الهجرة و الإخلاص فيها،و لو لقول عثمان:«من زعم أنه خير من خالك عبد الرحمن في الهجرة الأولي فقد كذب» (2).
و نحن نجد أن الحظ الأوفر في الهجرة لعلي بن أبي طالب،فقد بقي و هاجر بأمر اللّه و أمر رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،بقي علي فراش النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليفديه بنفسه،و ليهاجر بالفواطم،و هاجر بأمر اللّه ليلحق بالنبي الأعظم.
و عند ما بقي كان البقاء أفضل من الهجرة،لما فيه من الحفاظ علي النبي و الإسلام.
و عند ما هاجر كانت الهجرة أفضل من البقاء،لما فيها من الحفاظ علي النبي و الإسلام أيضا.ف.
ص: 155
فأولا:روي نفي أصل هجرة أبي بكر مع النبي،و فسر آية ثٰانِيَ اثْنَيْنِ بالنبي و جبرائيل عليهما السّلام (1).
ثانيا:من المعلوم أنّ النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يصحب أبا بكر معه في هجرته كما روي الإمام أحمد عن ابن عباس بإسناد حسن قال:«...فجاء أبو بكر و علي نائم،قال:و أبو بكر يحسب أنه نبي اللّه فقال يا نبي اللّه،فقال علي:إنّ نبي اللّه قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه،فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار (2).
و رواه الحاكم و صححه و وافقه الذهبي (3).
و قال ابن الجوزي:فلما خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مختفيا من أهل مكة خرج ليلا فتبعه أبو بكر (4).
فهذه الروايات علي أنه لم يعلم بخروج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
ثالثا:بعض الروايات أنّ سبب اصطحاب النبي لأبي بكر هو عدم إفشائه سرّ النبي لقريش، لضعف إيمانه و قوته (5).
و لمن أراد مزيد بيان فليرجع إلي ما ذكره الشيخ الأجل المفيد في إبطال فضيلة الغار (6).
جاء في أدلة القوم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لو كان منصوصا عليه من قبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لما سكت عن حقه،و لطلب الخلافة.
و يرد هذه الشبهة أمور:
أولا:لم يسكت أمير الموحدين عن مطالبته بالخلافة بالوقت المناسب،و ذلك بعد دفن و تشييع رسول البشرية صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.
و قد ذكره جملة من الحفاظ منهم الجوهري و ابن أبي الحديد و اليعقوبي و ابن قتيبة (7).
ص: 156
ثانيا:كانت فكرة البيعة قبل دفن النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تنافي كون الخلافة لمرضاة اللّه أو لإقامة حكم اللّه،و تنافي كون الخليفة ظل اللّه في الأرض.
فكانوا يريدوا أن يحرّفوا الخلافة عن مفهومها و يبدلّوها بالزعامة و الملك،التي تؤخذ بالبيعة و القوة و التهديد و الرشوة!
مالوا إلي الدنيا و الي الملك و حب الرئاسة كما عبّر الغزالي فيما تقدم.
ثالثا:لم يجد الأمير من يعينه علي النهوض،فقد مال الناس مع الهوي و السلطة الحاكمة، فزعا أو إغراء،أو تهديدا،أو جهلا.
حتي روي عنه أنه لو وجد سبعة ما ترك الخلافة (1).
و قد تقدم في تصريحاته أنّ علة مبايعته لأبي بكر هو خوفه من ارتداد الناس.
رابعا:أخرج الديلمي في الفردوس قول النبي الأعظم لعلي عليهما السّلام:«يا علي إنما أنت بمنزلة الكعبة تؤتا[تؤتي و لا تأتي]و لا يأتي فإن أتاك هؤلاء القوم فسلّموا[فمكنوا]لك هذا الأمر فاقبله منهم و إن لم يأتوك فلا تأتهم» (2).
و أخرج ابن عساكر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي كالكعبة الحج إليها فريضة» (3).
و روي أبو جعفر الإسكافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قوله:«الحمد للّه الذي اختار محمدا منا نبيا و ابتعثه إلينا رسولا،فنحن أهل بيت النبوة و معدن الحكمة؛أمان لأهل الأرض و نجاة لمن طلب،إنّ لنا حقا إن نعطه نأخذه» (4).
و في حديث قال عليه السّلام لأبي عبيدة مبعوث الخليفة الأول:«و في النفس كلام لو لا سابق قول و سالف عهد؛لشفيت غيضي بخنصري و بنصري،و خضت لجّته بأخمصي و مفرقي،لكني ملجم إلي أن ألقي ربي..» (5).
*هذا مختصر في المقام،و لمن أراد مزيد بيان فليرجع لما كتبه العلاّمة الجزائري و السيد ابن طاووس (6).7.
ص: 157
ما ورد صريحا بتقديم الأفضل
أخرج الحاكم في قوله تعالي: أُولِي الْأَمْرِ قال:«أولي الفقه و الخير».
و من ذلك ما ورد عن عثمان:«إنّ أبا بكر أحق الناس بها-يعني بالخلافة-إنّه لصدّيق و ثاني اثنين و صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (1).
و عن أبي سعيد قال:قال أبو بكر:«أ لست أحق الناس بها؟أ لست أول من أسلم؟أ لست صاحب كذا...أ لست صاحب كذا؟» (2).
و عن موسي بن عقبة:قال أبو بكر:«فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما...أصبح الناس وجوها و أبسط ألسنا و أفضل قولا» (3).
و قال أبو بكر لعمر في السقيفة:«أنت أقوي مني».
فقال عمر:«أنت أفضل مني فقالاها الثانية،فلما كانت الثالثة قال له عمر:إنّ قوتي لك مع فضلك،فبايعوا أبا بكر» (4).
و قال أبو بكر لمن قال له:«ما أنت قائل إذا لقيته و قد وليت علينا فظا غليظا لا يطاق و هو رعية فكيف إذا ملك الأمر؛فاتّقي اللّه و لا تسلّطه علي الناس.
فغضب و قال:أ بالله تخوفوني أقول يا رب وليت عليهم خير أهلك» (5).
و قال عبد الرحمن:«فالنبي مات و ترك الناس فعمدوا إلي أفضل رجل فولّوه الأمر» (6).
و قيل لعمر عند وفاته:«فلو إنك عهدت إلي عبد اللّه فإنه لها أهل في دينه و فضله و قديم إسلامه» (7).
و نحو ذلك من الروايات التي يحتج بها علي خلافة الخلفاء لكونهم أفضل أهل زمانهم و لا معترض من الخلفاء و لا من الصحابة علي تقديم الأفضل.
ص: 158
ما ورد في صفات الخليفة
و من ذلك ما ورد في صفات الخليفة و من جلّ الخلفاء و الصحابة و التي بمجموعها يقطع الإنسان بتقدم الأفضل.
قال ابن عباس لعمر:«لا تصلح الخلافة إلاّ لمن اجتمعت فيه خمس خصال مع تقوي اللّه و العقل و العلم و اللب و الحلم و الفطنة و هو من جمع هذا المال من باب حلّه و وضعه في مواضعه علي علم و معرفة ثم عفّ عنه من بعد ما جمعه من باب حلّه،يعني لم ينفقه إسرافا فيما لا يحل، الشديد من غير عنف و لا ضجرة،و اللين من غير ضعف» (1).
و قال عمر:«لا ينبغي أن يلي هذا الأمر إلاّ رجل فيه أربع خصال:اللين في غير ضعف و الشدة في غير عنف و الإمساك في غير بخل و السماحة في غير سرف فإن سقطت واحدة منهن فسدت الثلاث» (2).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«ثلاثة من كن فيه من الأئمة صلح أن يكون إماما اضطلع بأمانته:إذ عدل في حكمه و لم يحتجب دون رعيته،و أقام كتاب اللّه تعالي في القريب و البعيد» (3).
و عنه عليه السّلام:«علي المسلمين بعدما يموت إمامهم...أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يبدؤا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما،عفيفا ورعا عارفا بالقضاء و السنّة يجمع أمرهم و يحكم بينهم،و يأخذ للمظلوم من الظالم حقه و يحفظ أطرافهم» (4).
و عنه صلوات اللّه عليه:«إذا كان عليكم إمام يعدل في الرعية و يقسم بالسوية إسمعوا له و أطيعوا» (5).
و قال عليه السّلام:«حق علي الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه و أن يؤدي الأمانة فإذا فعل فحق علي الناس أن يسمعوا له و أن يطيعوا و أن يجيبوا إذا دعوا» (6).
و عنه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ألا أن الأمراء من قريش-ثلاث مرات-ما قاموا بثلاث:ما حكموا فعدلوا و ما عاهدوا فوفوا و ما استرحموا فرحموا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة اللّه و الملائكة
ص: 159
و الناس أجمعين» (1).
و قريب منه عن ابن الزبير عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (2).
و عن سبط ابن الجوزي بسنده إلي عبد اللّه العجلي قال:خطب أمير المؤمنين علي عليه السّلام يوما علي منبر الكوفة فقال:«اللهم إنك تعلم إنه لم يكن الذي كان مني منافسة في سلطان و لا التماس فضول الحطام،و لكن لأردّ المعالم من دينك و أظهر الصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك و تقام المعطّلة من حدودك.
اللهم إنك تعلم إني أول من أناب و سمع فأجاب لم يسبقني إلاّ رسولك.اللهم لا ينبغي أن يكون علي الدماء و الفروج و المغانم و الاحكام و معالم الحلال و الحرام و إمامة المسلمين و أمور المؤمنين البخيل لأن نهمته في جمع الأموال،و لا الجاهل فيدلهم بجهله علي الضلال،و لا الجافي فينفرّهم بجفائه،و لا الخائف فيتخذ قوما دون قوم،و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق،و لا المعطّل للسنن فيؤدي ذلك إلي الفجور و لا الباغي فيدحض الحق،و لا الفاسق فيشين الشرع» (3).
و في كلام الأمير هذا مواطن للتأمل لأنها إشارات إلي أمور سبقت و تجديد لأمور اندرست فلاحظ قوله:لأردّ المعالم من دينك و أظهر الصلاح في بلادك!
و قوله:إني أول من أناب و سمع!و قوله:فيدلهم بجهله علي الضلال!فينفرهم بجفائه!فيتخذ قوما دون قوم!فيذهب بالحقوق فيؤدي ذلك إلي الفجور!فيدحض الحق-فيشين الشرع!.
لاحظ ذلك و قارنه بجهل الخلفاء بالسنن كما يأتي،و تعطيلهم لبعض الحدود،و فجور خالد بامرأة مالك بن النويرة،ففيه إشارات خفية لمن تتبع سيرة الخلفاء و حكامهم.
-و عنه عليه السّلام«[إن اللّه فرض]علي أئمة الحق أن يتأسّوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل و اللباس،و لا يتميزون عليهم بشيء لا يقدرون عليه؛ليراهم الفقير فيرضي عن اللّه بما هو فيه و يراهم الغني فيزداد شكرا و تواضعا» (4).
و قال عليه السّلام:«لا يحل للخليفة من مال اللّه إلاّ قصعتان» (5).
-و كتب الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز:ه.
ص: 160
اعلم يا أمير المؤمنين إنّ اللّه جعل الإمام العادل قوام كل مائل،و قصد كل جائر،و صلاح كل فاسد،و قوة كل ضعيف،و نصفة كل مظلوم،و مفزع كل ملهوف.
الإمام العادل...كالأب الحاني علي ولده يسعي لهم صغارا و يعلّمهم كبارا...
كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها...
وصي اليتامي و خازن المساكين يربّي صغيرهم و يموّن كبيرهم...
هو القائم بين اللّه و بين عباده يسمع كلام اللّه و يسمعهم و ينظر إلي اللّه و يريهم و ينقاد الي اللّه و يقودهم...
تصلح الجوارح بصلاحه و تفسد بفساده...
لا تحكم يا أمير المؤمنين بحكم الجاهلين و لا تسلك بهم سبيل الظالمين و لا تسلط المستكبرين علي المستضعفين (1).
-و عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السّلام«إنّ عليا سأل أبا بكر عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
قال أبو بكر:بالنصيحة و الوفاء و دفع المداهنة و حسن السيرة و اظهار العدل و العلم بالكتاب و السنّة و فصل الخطاب،مع الزهد في الدنيا،و قلة الرغبة فيها،و انتصاف المظلوم من الظالم للقريب و البعيد،ثم سكت.
فقال علي عليه السّلام:و السابقة و القرابة؟
فقال أبو بكر:و السابقة و القرابة.
فقال علي عليه السّلام:أنشدك باللّه أبا بكر أ في نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ؟
فقال أبو بكر:بل فيك يا أبا الحسن».
ثم يأخذ الإمام و يحتج علي أبي بكر في فضائله فيذكر ثلاثة و ثلاثين منقبة تدل علي اتّصاف الأمير عليه السّلام بالصفات المتقدمة-ثم يقول له:
«فبهذا و شبهه تستحق القيام بأمور أمة محمد،فما الذي غرّك عن اللّه و عن رسوله و دينه و أنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه؟» (2).
و عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الأمراء من قريش ما رحموا إذا استرحموا و قسطوار.
ص: 161
و عدلوا إذا حكموا[و ما عاهدوا فوفوا]» (1).
و عن أبي هريرة:«إن لقريش عليكم حقا ما حكموا فعدلوا و ائتمنوا فأدوا و استرحموا فرحموا» (2).
-و قال الحسن عليه السّلام لمعاوية:«إنّ الخلافة لمن سار بسيرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سيرة صاحبيه و عمل بطاعة اللّه و ليست الخلافة لمن عمل بالجور و عطّل الحدود» (3).
و عن طلحة:«يا أبا الحسن أنت أولي بهذه الأمر و أحق به مني لفضلك و قرابتك و سابقتك» (4).
و قال بشر بن عمرو لمعاوية:«إن صاحبي ليس مثلك إنّه أحق لهذا الأمر منك للفضل في الدين و السابقة في الإسلام» (5).
و قال أبو موسي لمعاوية:«إنّ هذا الأمر لا يكون بالشرف و غيره مما ذكرت و إنما يكون لأهل الدين و الفضل و الشدة في أمر الله؛مع إني لو أعطيته أعظم قريش شرفا أعطيته عليا» (6).
و قال أبو هريرة و أبو الدرداء:«يا معاوية علام تقاتل علي بن أبي طالب و هو أحق بهذا الأمر منك لسابقته في الدين و فضيلته في الإسلام،و هو رجل من المهاجرين السابقين و أنت رجل طليق، و كان أبوك من الأحزاب» (7).
و نحو كلامهم كلام عدي بن حاتم و يزيد بن قيس لمعاوية (8).
*أقول:من كلام طلحة و بشر و أبو هريرة و أبو الدرداء و أبو موسي يتضح أن مسألة تقديم الأفضل كانت مسلّمة لا نزاع فيها و لا معترض.
و عن الحسن عن أبيه عليه السّلام في الرد علي معاوية:«فوثب فيها من ليس مثلي؛لا قرابته كقرابتي، و لا علمه كعلمي و لا سابقة كسابقتي و كنت أحق بها منه» (9).ل.
ص: 162
و عن عبد اللّه بن مسعود قال:قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قد سئل عن علي عليه السّلام:«أفضلكم علي و أقدمكم إسلاما و أوفركم إيمانا و أكثركم علما و أرجحكم حلما و أشدّكم في اللّه غضبا علمته علمي و استودعته سري و وكلته فهو خليفتي في أهلي و أميني في أمتي» (1).
و نحو هذه الرواية كثير تقدمت في اصول الفضائل المتقدمة.
-هذه هي صفات الخلفاء و الشروط التي لا بدّ أن تتوفر فيهم:اللين و الرأفة في الرعية،الشدة و الشجاعة،الكرم و سماحة الكف،السماحة و الحلم،الامانة و العدل،إقامة الكتاب علي الجميع، القسمة بالسوية و السهر علي الرعية،أعلمهم،و أفضلهم و أفقههم في دين اللّه،أبصرهم بالطريق و أهداهم للصراط،و أصحهم دينا و أفضلهم يقينا،أقومهم بأمر اللّه و أوفاهم بعهده،أعلمهم بالقضية و أوفرهم إيمانا....و هل الفاضل إلا صاحب هذه الصفات؟!.
ما ورد في حق الأنبياء
فعن الرضا علي بن موسي عليه السّلام:«إنّ الأنبياء و الأئمة يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم،فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم» (2).
و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و لا بعث اللّه رسولا و لا نبيا حتي يستكمل العقل و يكون عقله أفضل من عقول أمته» (3).
و عن قتادة:ذكر لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنّ اللّه إذا أراد أن يبعث نبيا نظر إلي خير أهل الأرض قبيلة فيبعث خيرها رجلا» (4).
و يأتي حديث اختيار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من قريش و العرب.
و قد كان رسول لله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أجود الناس كفا و أبلغهم كلاما و أسخاهم و أحلمهم و أعدلهم و أفضلهم رأيا كما تواتر به الروايات و الأقوال (5).
ص: 163
و معلوم أنّ أولي الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به كما في الحديث (1).
و هم الأوصياء و الخلفاء الذين يتابعون هداية البشرية.
***
دليل العقل
إعلم أنه كل ما دلّ من العقل علي وجوب طاعة اللّه و رسوله دلّ بنفسه علي وجوب طاعة الإمام،لأنّ الحكمة واحدة مع تسليم المرتبة،و كذا كل ما دلّ علي عصمة الإمام و ضرورته دلّ بوجه مطلق علي كونه أفضل أهل زمانه،لأن العصمة أقوي مرجح للفضل،بل أعلي درجة.
و إليك نموذجا من ذلك:
إنّ الإمام إذا لم يكن أفضل و أعلم أهل زمانه لم يحصل الوثوق بقوله؛لجواز أنّ يكون الهلاك و المعصية في قوله،و هذا ينفّر عن الطاعة،مع أن الغرض من نصب الإمام هو الطاعة فيكون نقضا للغرض.
أنّ الإمام نصّب لتكميل الفضائل في الناس و لتعليمها أحكام الإسلام،و لتدبير الأمور السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية،و لتأديب الناس من الناحية الخلقية(الزهد،التواضع،العفة...)فلا بد أن يكون أعلم بذلك من غيره حتي يقدر علي ذلك.
و من وجه آخر:الغاية من خلق الإنسان هو حصول الكمال في القوة العلمية و العملية،فلا بد للإمام أن يكون كاملا في هذا،و إلاّ لما صح كونه إماما معلما و مرشدا يقتدي به.
و من وجه ثالث:فائدة الخليفة تكميل قوي العلم و العمل لسائر الناس و مراتب الناس مختلفة، فلا بد للخليفة من تكميل كل فرد علي حسب استعداده،و هذا يوجب كون الخليفة قد بلغ إلي نهاية الكمال البشري و جمع القوتين العلمية و العملية بكل مراحلها و هو الأفضل.
و من وجه رابع:قد تقرر في محله أن فاقد الشيء لا يعطيه،و من كان فاقدا للمراتب العلية و الفضائل النفسية و الأحكام السماوية و الأخلاق الربانية؛كيف يهدي غيره إليها و يرشد الضال عليها؟!
ص: 164
الإمام طاعته واجبة علي الجميع و لا يجب عليه طاعة أحد،فنفسه أكمل من نفس الكل، و علمه أغزر من علم الكل،و زهده أعظم من زهد الكل،و تقواه أقوي من تقوي الكل،و هو معني تقدم الأفضل علي الكل.
أنّ المقصود من نصب الإمام نظام النوع و الأمة،فإذا أمر غير الأعلم و الأصلح بالخطأ و توقع من مخالفته الفتنة،كما إذا أمر بسفك الدماء كان جمعا للنقيضين،لأنه في الفتنة اختلال النوع و اضطراب أمور الأمة.
أنّ اللّه أمر بإطاعة الإمام فإذا لم يكن الأعلم و الأفضل جاز عليه الوقوع بالخطأ فاللّه يأمر بالخطأ.
أنه إذا لم يكن الإمام أفضل و أعلم أهل زمانه أمكن كونه مقربا من المعصية و مبعدا عن الطاعة فيكون نصبه مفسدة.
إذا لم يكن الأفضل لامتنع الوثوق بقوله و وعده و وعيده و أمره و نهيه و صحة كلامه و هو من أعظم المنفّرات.
إنّ الإمام المفضول لا يحبه اللّه،و كل من لا يحبه اللّه مخالف للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و غير متّبع له.
فينتج أن الإمام المفضول مخالف للنبي و غير متّبع له،و من المعلوم طاعة مخالف النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لو بالجملة قبيح.
أما المقدمة الأولي:الإمام المفضول لا يحبه اللّه:
فلانه كل إمام مفضول تقدم علي من هو أعلم منه معتد أثيم.
و كل معتد لا يحبه اللّه لقوله تعالي: إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (1).
ص: 165
فينتج أن الإمام المفضول لا يحبه اللّه.
أمّا المقدمة الثانية:كل من لا يحبه اللّه مخالف للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:
فلقوله تعالي: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ (1).
أنّ القتال واجب حتي ترفع الفتنة لقوله تعالي:
وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰي لاٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ (2) .
و طاعة المفضول قد توجب الفتنة،لأنه قد يأمر بما لا يعلم،فلا بد من طاعة من لا يوقع في الفتنة.
و معلوم أنه في عصر الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم تتحقق هذه الآية فيراد منها عصر ظهور الإمام المهدي (عج)أفضل أهل زمانه.
أنّ الإمام و الخليفة المقصود من نصبه إقامة العدل و الحكم بالحق في كل واقعة،و الإبتعاد عن كل باطل و هوي لقوله تعالي: يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ (3).
و الإمام غير الأفضل لا يستطيع الحكم بالحق في كل واقعة لجهله ببعض القضايا و الأحكام فيكون غير مجعول خليفة.
***
أقوال العلماء
*قال محي الدين ابن عربي:...فجعل آدم خليفة لكونه أحق بالخلافة منهم[الملائكة] لفضل علمه،فمن وصل إلي هذه الفضيلة فقد اختصه اللّه تبارك و تعالي من بين عباده و جعله أفضل أهل زمانه (4).
*و قال في موضع آخر في معرض ذكر بعض شروط خليفة اللّه في أرضه:«..فهم خلفاء من حيث لا يشعر بهم،فلا يتمكن لهذا الخليفة المشعور به و غير المشعور به أن يقوم في الخلافة إلا
ص: 166
بعد أن يحصّل معاني حروف أوائل السور،سور القرآن المعجمة مثل ألف لام ميم و غيرها،الواردة في أوائل بعض سور القرآن،فإذا أوقفه اللّه علي حقائقها و معانيها،تعينت له الخلافة و كان أهلا للنيابة،هذا في علمه بظاهر هذه الحروف،و أمّا علمه بباطنها،فعلي تلك الدرجة يرجع إلي الحق فيها (1).
*و قال في موضع ثالث:لا بدّ من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء و الصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه،فجعل اللّه الإنسان الكامل في الدار الدنيا إماما و خليفة، و أعطاه علم الأسماء بما تدل عليه من المعاني و سخّر لهذا الإنسان و بنيه و ما تناسل منه جميع ما في السموات و ما في الأرض (2).
*و قال ابن القيم الجوزية: وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا لَمّٰا صَبَرُوا وَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا يُوقِنُونَ و سؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتّقين هو سؤال أن يهديهم و يوفقهم و يمنّ عليهم بالعلوم النافعة و الأعمال الصالحة ظاهرا و باطنا التي لا تتم الإمامة إلاّ بها (3).
و كما تري عندهما الخلافة مرتبة غيبية من اللّه لا يتصف بها إلاّ المعصومون من أهل بيت النبوة.
-قال الإمام الفاروقي:مجدد الألف الثاني:القطبية لم تكن علي سبيل الأصالة إلاّ لأئمة أهل البيت المشهورين ثم إنها صارت بعدهم لغيرهم علي سبيل النيابة...فإذا جاء المهدي ينالها أصالة كما نالها غيره من الأئمة (4).
-و قال العلامة الألوسي:قطب الأقطاب لا يكون إلاّ منهم لأنهم أزكي الناس اصلا و أوفرهم فضلا،و أن من ينال هذه الرتبة منهم لا ينالها إلاّ علي سبيل الاصالة دون النيابة و الوكالة؛و أنا لا أتعقل النيابة في ذلك المقام (5).
و نقل العلامة الصبان عن قوم كونهم قطب الأقطاب (6).
*و قال الشيخ المفيد:أما الإجماع علي ما يوجب له الإمامة من الخلال:فهو إجماعهم علي
ص: 167
مشاركته لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في النسب و مساهمته له في كريم الحسب و اتصاله به في وكيد السبب و سبقه كافة الأمة إلي الإقرار،و فضله علي جماعتهم في جهاد الكفار و تبريزه عليهم في المعرفة و العلم بالأحكام و شجاعته و ظاهر زهده الذين لم يختلف فيهما إثنان،و حكمته في التدبير و سياسة الأنام و غناه بكماله في التأديب المحوج إليه المنقص عن الكمال،و ببعض هذه الخصال يستحق الإمامة فضلا عن جميعها علي ما قدّمناه (1).
*و قال الفضل الرقاشي و أبو شمر و غيلان بن مروان وجهم بن صفوان و أصحابهم من المرجئة:أن الإمامة يستحقها كل من قام بها إذا كان عالما بالكتاب و السنة (2).
و ليس المراد منه مجرد الإتصاف بالعلم،و الاّ لزم القول بتعدد الخليفة في الزمان الواحد،بل المراد الأعلم منهم.
*و قال ابن التمار و أصحابه:أنّ الأمة مخطئة بترك الأفضل و إن لم تخطيء بتوليتها أبا بكر و عمر (3).
و قالت فرقة الجارودية بهذ المقالة (4).
*و قال إمام الحرمين الجويني:«من شرائط الإمام أن يكون من أهل الإجتهاد بحيث لا يحتاج إلي استفتاء غيره في الحوادث،و هذا متفق عليه» (5).
*و قال أبو توبة مؤدب الواثق:سمعت إبراهيم بن رباح يقول:تستحق الخلافة بالقرب من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و السبق إلي الإسلام و الزهد في الدنيا و الفقه في الدين و النكاية في العدو فلم ير هذه الخمسة الأشياء إلاّ في علي (6).
*و قال الجاحظ:..فدل كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الإجماع أن أفضل الأمة بعد نبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه إذا كان أكثرهم جهادا كان أتقاهم،و إذا كان أتقاهم كان أخشاهم، و اذا كان أخشاهم كان أعلمهم،و اذا كان أعلمهم كان أدل علي العدل،و إذا كان أدل علي العدل كان أهدي الأمة إلي الحق،و إذا كان أهدي كان أولي أن يكون متبوعا و أن يكون حاكما لا تابعا و محكوما عليه (7).ة.
ص: 168
*و قال ابن حجر:كيف و هم أشرف بيت وجد علي وجه الأرض فخرا و حسبا و نسبا و في قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«لا تقدموهما فتهلكوا و لا تقصروا عنهما فتهلكوا و لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم»دليل علي أن من تأهل منهم للمراتب العلية و الوظائف الدينية كان مقدما علي غيره و يدل عليه التصريح بذلك في كل قريش كما مرّ في الأحاديث الواردة منهم،و إذا ثبت هذا لجملة قريش،فأهل البيت النبوي الذين هم غرة فضلهم و محتد فخرهم و السبب في تميزهم علي غيرهم بذلك أحري و أحق و أولي (1).
*و قال القرطبي:الحادي عشر[من شروط الإمامة]أن يكون عدلا لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق.
و يجب أن يكون أفضلهم في العلم لقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون».
و في التنزيل في وصف طالوت: إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل علي القوة (2).
*و قال الحليمي:و الثانية:[من شرائط الخليفة]أن يكون عالما بأحكام الدين يصلي بالناس فلا يؤتي من عوارض صلاته من جهل بما يحتاج إليه في إتمام صلاته و يأخذ الصدقات فلا يولي لها من جهل بأوقاتها و أقدارها و مصارفها،و الأموال التي تجب فيها أو لا يجب،و يقضي بينهم فلا يولي فيما ينظر فيه بين الخصمين و يفصل به بينهما من جهل بما يحتاج إليه،و يجاهد بالمسلمين في سبيل اللّه فلا يولي في استعداده و خروجه و ملاقاته و ما يغنمهم اللّه تعالي و أتاه من أموال المشركين أو يفيئه عليهم أو يعلقه بخيله من رقابهم من فتور و لا جبن و لا خور و لا جهل بما يلزمه أن يعمل فيه و يسير به فيهم،و ينظر في حدود اللّه إذا رفعت إليه فلا يولي فيها من جهل بما بدر منه أو يقيم و يتولي الصغار و المجانين و الغائبين و حقوقهم،فلا يولي فيها من جهل بما فيه النظر و الغبطة لهم.
و الثالثة:أن يكون عدلا قيما في دينه و تعاطيه و معاملاته،و بسط الكلام في الحجة فيه-قال:
و إن لم يكن لمن جمع شرائط الإمامة عهد من إمام قبله و احتج إلي نصب المسلمين له فأشبه ما يقال في هذا الباب عندي و أولاه بالحق أنه إذا اجتمع أربعون عدلا من المسلمين أحدهم عالم صالح للقضاء بين الناس فعقدوا له الإمامة بعد إمعان النظر و المبالغة في الإجتهاد تثبت له الإمامة،و وجبت له عليهم الطاعة و جعل أصل ذلك اجتماع الصحابة بعد الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي أبي بكر و اشتقاقهم له الإمامة المطلقة العامة من إمامة الصلاة،و الصلاة التي لا تجوز إلاّ بالاجتماع عليها هي صلاة الجماعة.و قد قام الدليل علي أن صلاة الجمعة لا تنعقد إلاّ بأربعين رجلا أحدهم إمام يتولي بهم الصلاة و الآخرون يتبعونه،كذلك أوجبنا أن يكون من ينعقد بهم الإمامة أربعون رجلا أحدهم عالم0.
ص: 169
يصلح مثله للقضاء فيكون هو الذي يتولي الإجتهاد و النظر و يبدي رأيه للآخرين فيتابعوه.و بسط الكلام في ذلك (1).
*و قال ابن الجوزي:قال الفقهاء:و لا تجوز ولاية المفضول علي الفاضل إلاّ أن يكون هناك مانع من خوف فتنة أو يكون الأفضل غير عالم بالسياسة.
و قال:و يدل علي تقديم الأفضل أن في الصحيحين في حديث عمر:أن أبا بكر يوم السقيفة أخذ بيد عمر و بيد أبي عبيدة بن الجراح.
و قال:قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم.
قال عمر:كان و اللّه ان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني من ذلك إثم أحب إلي من أن أتأمر علي قوم فيهم أبو بكر.
هذا حديث متفق علي صحته.
و لما ولّي أبو بكر عمر دخل عليه جماعة فقالوا:ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر و قد تري غلظته؟!
فقال أبو بكر:أجلسوني أ بالله تخوفونني؟أقول اللهم إنّي استخلفت عليهم خير أهلك.
و إذا ثبت أنّ الصحابة كانوا يطلبون الأفضل و يرونه الأحق أفيشك أحد أن الحسين أحق بالخلافة من يزيد...»انتهي (2).
*و قال الأربلي:هذا و قد ثبت في العقول أن الأعلم الأفضل أولي بالإمامة من المفضول، و أن التقدم في العلم و الشجاعة موجب للتقدم في الرئاسة (3).
*و قال العلامة الحلي:الإمام يجب أن يكون أفضل أهل زمانه دينا و ورعا و علما و سياسة.
و قال:الإمام أفضل من كل رعيته لأنّ تقديم المفضول قبيح،و المساوي ترجيح من غير مرجح.
و قال:الإمام أفضل من الكل في كل الأوقات و من كل الجهات (4).
و قالت فرقة البترية أصحاب الحسن بن صالح بن حي[و كثير النواء و سالم و الحكم و أسامة و أبي المقداد]قالت:أنّ عليا كان أولي الناس بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالناس لفضله و سابقته و علمه و هوي.
ص: 170
أفضل الناس كلهم بعده و أشجعهم و أسخاهم و أورعهم و أزهدهم (1).
*و ذهب إلي ذلك أيضا فرقة السرحوبية (2).
و الحمد للّه رب العالمين5.
ص: 171
ص: 172
النص علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام 5
تمهيد في مقدّمات 5
المقدمة الاولي:في انحصار النص باللّه تعالي 5
المقدّمة الثانية:لكل نبي وصيّ 7
المقدّمة الثالثة:للنبي الأعظم وصي كبقية الأنبياء 9
المقدّمة الرابعة:هل أوصي النبي لأحد الصحابة بعينه؟9
المقدّمة الخامسة:سيناريو عمر بن الخطاب و إخراج أبو بكر 10
لعبة السقيفة 10
ذكر من تخلف عن لعبة السقيفة من الصحابة 13
مقارنة بين العروج النبوي إلي قاب قوسين و بين الهجر العمري؟!13
المقدّمة السادسة:نصوص النبي علي أمير المؤمنين عليهما السّلام 15
المقدّمة السابعة:تصريح أمير المؤمنين بأنّه أحق بالخلافة 19
المقدّمة الثامنة:تصريحات الصحابة 24
تصريح الإمام الحسن و الحسين ابني علي عليه السّلام 24
تصريح فاطمة بنت محمد عليها السّلام 25
تصريح أبو بكر و عمر 26
تصريح معاوية 27
تصريح عثمان بن عفّان 28
تصريح سلمان الفارسي 28
تصريح العباس 29
تصريح أبو سفيان 30
تصريح عبد اللّه بن عبّاس 30
تصريح المقداد 31
ص: 173
تصريح سعد بن أبي وقاص 32
تصريح عمّار بن ياسر 32
تصريح أبو ذر 32
تصريح عبد اللّه بن جعفر 33
تصريح عتبة بن أبي لهب 33
تصريح الفضل بن عباس 33
تصريح حسّان بن ثابت 34
تصريح البراء بن عازب 34
تصريح زيد بن أرقم 34
تصريح النعمان بن العجلان الزرقي الأنصاري 34
تصريح خالد بن سعيد 35
تصريح هزيل بن شرحبيل 35
تصريح الخليفة المأمون 35
تصريح الأعمش 36
تصريح زيد بن علي 36
تصريح داود بن علي 36
تصريح عاتكة بنت عبد المطلب 36
تصريح أبي بن كعب 37
تصريح يزيد بن معاوية 37
تصريحات المؤرخين 38
النصوص علي أهل البيت 38
النص علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام 39
أفضلية علي علي الأمة برواية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم 40
أفضلية علي علي الأمة بلسانه الشريف 44
أفضلية علي علي الأمة برواية الأئمة و الصحابة و التابعين 45
علي خير الصحابة-الأمة-الناس 49
ص: 174
علي سيد العرب و المسلمين 55
علي أول الموحدين 57
*الفصل الأول:علي أول من أسلم 58
الاحتجاجات علي أولية إسلامه عليه السّلام 61
علي أول من أسلم علي لسان الشعراء 62
*الفصل الثاني:في أن إسلام علي كان عن بصيرة و تفكر 64
*الفصل الثالث:بطلان كون أبو بكر أول من أسلم 69
بطلان وجوه الجمع في مسألة أول من أسلم 76
*الفصل الرابع:علي أول من آمن 79
*الفصل الخامس:علي أول من صلي 81
*الفصل السادس:علي أول من عبد اللّه تعالي 84
*الفرع الخامس:علي أحب الناس إلي اللّه و رسوله 85
*الدليل الثاني:أقوال العلماء في تفصيل علي عليه السّلام علي الأمة 89
التساوي بين رسول اللّه و علي بن أبي طالب عليهما السّلام 91
بقية الأقوال في تفضيل علي عليه السّلام 97
*الدليل الثالث:في بيان أصول التفاضل 101
*الأصل الأول:علي عليه السّلام أعلم الأمة 102
*الفرع الأول:في بيان رجوع العلوم و العلماء إلي علي عليه السّلام 103
رجوع الصحابة إلي علي عليه السّلام:103
*الفرع الثاني:بيان غزارة علم علي عليه السّلام 107
*الأمر الثاني:علي عليه السّلام أعلم الصحابة 110
*الأصل الثاني:علي عليه السّلام أعدل الصحابة 114
*الأصل الثالث:علي عليه السّلام أشجع الصحابة 115
*الأصل الرابع:علي عليه السّلام أقضي الصحابة و الأمة 117
*الأصل الخامس:علي عليه السّلام أعبد و أزهد الصحابة 118
*الأصل السادس:علي عليه السّلام أوفرهم إيمانا 120
ص: 175
*الأصل الثامن:علي عليه السّلام أسيس و عبقري الصحابة 121
*الأصل التاسع:علي عليه السّلام أفقه و أفرض الصحابة 122
*الأصل العاشر:علي عليه السّلام أفصح الصحابة 124
*الأصل الحادي عشر:علي عليه السّلام أكرم و أسخي الصحابة 125
*الأصل الثاني عشر:علي عليه السّلام أحلم و أسمح الصحابة 126
مسك الختام 128
قبح تقدم المفضول علي الفاضل 128
أقوال المخالفين و أدلتهم 128
في بيان الأفضلية و معناها 129
*البيان الأول:في رد قول المخالفين و أدلتهم 137
*البيان الثاني:في أدلة تقدم الفاضل علي المفضول 145
الدليل الأول:الآيات القرآنية 145
*الدليل الثاني:النص علي علي عليه السّلام من الروايات الشريفة 148
*الطائفة الاولي:ما ورد في النهي عن تقديم المفضول و طاعة أمراء السوء 148
*الطائفة الثانية:ما ورد في تقديم إمام الصلاة و هي حجّتهم في تقديم أبي بكر 152
أما صحبة الغار 156
شبهة سكوت الأمير عن الخلافة 156
*الطائفة الثالثة:ما ورد صريحا بتقديم الأفضل 158
*الطائفة الرابعة:ما ورد في صفات الخليفة 159
*الطائفة الخامسة:ما ورد في حق الأنبياء 163
*الدليل الثالث:دليل العقل 164
أقوال العلماء 166
ص: 176